قصيدة الشاعر دعبل الخزاعي الرائعة بحق آل البيت عليهم السلام
ذكرت محل الربع من عرفات * فاجريت دمع العين بالعبرات
وفل عرى صبري وهاج صبابتي * رسوم ديار أقفرت وعرات
مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات
لآل رسول الله بالخيف من منى * وبالركن والتعريف والجمرات
ديار علي والحسين وجعفر * وحمزة والسجاد ذي الثفنات
ديار عفاها كل جون مبادر * ولم تعف للأيام والسنوات
قفا نسأل الدار التي خف أهلها * متى عهدها بالصوم والصلوات؟!
وأين الأولى شطت بهم غربة النوى * أفانين في الآفاق مفترقات؟!
هم أهل ميراث النبي إذا اعتزوا * وهم خير قادات وخير حماة
وما الناس إلا حاسد ومكذب * ومضطغن ذو إحنة وترات
إذا ذكروا قتلى ببدر وخيبر * ويوم حنين أسبلوا العبرات
قبور بكوفان وأخرى بطيبة * وأخرى بفخ نالها صلواتي
وقبر ببغداد لنفس زكية * تضمنها الرحمن في الغرفات
فأما المصمات التي لست بالغا * مبالغها مني بكنه صفات
إلى الحشر حتى يبعث الله قائما * يفرج منها الهم والكربات
نفوس لدى النهرين من أرض كربلا * معرسهم فيها بشط فرات
تقسمهم ريب الزمان كما ترى * لهم عقرة مغشية الحجرات
سوى أن منهم بالمدينة عصبة * مدى الدهر أضناه من الأزمات
قليلة زوار سوى بعض زور * من الضبع والعقبان والرخمات
لهم كل حين نومة بمضاجع * لهم في نواحي الأرض مختلفات
وقد كان منهم بالحجاز وأهلها * مغاوير يختارون في السروات
تنكب لأواء السنين جوارهم * فلا تصطليهم جمرة الجمرات
إذا وردوا خيلا تشمس بالقنا * مساعر جمر الموت والغمرات
وإن فخروا يوما أتوا بمحمد * وجبريل والفرقان ذي السورات
ملامك في أهل النبي فإنهم * أحباي ما عاشوا وأهل ثقاتي
تخيرتهم رشدا لامري فإنهم * على كل حال خيرة الخيرات
فيا رب زدني من يقيني بصيرة * وزد حبهم يا رب في حسناتي
بنفسي أنتم من كهول وفتية * لفك عناة أو لحمل ديات
أحب قصي الرحم من أجل حبكم * وأهجر فيكم أسرتي وبناتي
وأكتم حبيكم مخافة كاشح * عتيد لأهل الحق غير موات
لقد حفت الأيام حولي بشرها * وإني لأرجو الأمن بعد وفاتي
ألم تر إني مذ ثلاثين حجة * أروح وأغدو دائم الحسرات؟!
أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات
فآل رسول الله نحف جسومهم * وآل زياد حفل القصرات
بنات زياد في القصور مصونة * وآل رسول الله في الفلوات
إذا وتروا مدوا إلى أهل وترهم * أكفا من الأوتار منقبضات
فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد * لقطع قلبي إثرهم حسراتي
خروج إمام لا محالة خارج * يقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كل حق وباطل * ويجزي على النعماء والنقمات
سأقصر نفسي جاهدا عن جدالهم * كفاني ما ألقى من العبرات
فيا نفس طيبي ثم يا نفس أبشري * فغير بعيد كل ما هو آت
فإن قرب الرحمن من تلك مدتي * وأخر من عمري لطول حياتي
شفيت ولم أترك لنفسي رزية * ورويت منهم منصلي وقناتي
أحاول نقل الشمس من مستقرها * وأسمع أحجارا من الصلدات
فمن عارف لم ينتفع ومعاند * يميل مع الأهواء والشبهات
قصاراي منهم أن أموت بغصة * تردد بين الصدر واللهوات
كأنك بالأضلاع قد ضاق رحبها * لما ضمنت من شدة الزفرات