دليل الكتاب :
مقدّمة المركز 5
تمهيد 7
تعريف العصمة 9
العصمة في الاصطلاح 12
العصمة ومسألة الجبر 17
العصمة عن السهو والخطأ والنسيان 21
عصمة الائمة عليهمالسلام 30
تأويل ما ينافي العصمة في الكتاب والسنة 31
مع الشيخ الصدوق في مسألة سهو النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم 32
العودة إلى بحث عصمة الائمة عليهمالسلام 35
دلالة حديث السفينة على عصمة الائمة عليهمالسلام 37
دلالة حديث الثقلين على عصمة الائمة عليهمالسلام 41
العصمة لا تستلزم الغلوّ 42
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمة المركز :
لا يخفى أنّنا لازلنا بحاجة إلى تكريس الجهود ومضاعفتها نحو الفهم الصحيح والافهام المناسب لعقائدنا الحقّة ومفاهيمنا الرفيعة ، ممّا يستدعي الالتزام الجادّ بالبرامج والمناهج العلمية التي توجد حالة من المفاعلة الدائمة بين الاُمّة وقيمها الحقّة ، بشكل يتناسب مع لغة العصر والتطوّر التقني الحديث.
وانطلاقاً من ذلك ، فقد بادر مركز الابحاث العقائدية التابع لمكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني ـ مدّ ظلّه ـ إلى اتّخاذ منهج ينتظم على عدّة محاور بهدف طرح الفكر الاسلامي الشيعي على أوسع نطاق ممكن.
ومن هذه المحاور : عقد الندوات العقائديّة المختصّة ، باستضافة نخبة من أساتذة الحوزة العلمية ومفكّريها المرموقين ، التي تقوم نوعاً على الموضوعات الهامّة ، حيث يجري تناولها بالعرض والنقد
والتحليل وطرح الرأي الشيعي المختار فيها ، ثم يخضع ذلك الموضوع ـ بطبيعة الحال ـ للحوار المفتوح والمناقشات الحرّة لغرض الحصول على أفضل النتائج.
ولاجل تعميم الفائدة فقد أخذت هذه الندوات طريقها إلى شبكة الانترنت العالمية صوتاً وكتابةً.
كما يجري تكثيرها عبر التسجيل الصوتي والمرئي وتوزيعها على المراكز والمؤسسات العلمية والشخصيات الثقافية في شتى أرجاء العالم.
وأخيراً ، فإنّ الخطوة الثالثة تكمن في طبعها ونشرها على شكل كراريس تحت عنوان «سلسلة الندوات العقائدية» بعد إجراء مجموعة من الخطوات التحقيقية والفنيّة اللازمة عليها.
وهذا الكرّاس الماثل بين يدي القارئ الكريم واحدٌ من السلسلة المشار إليها.
سائلينه سبحانه وتعالى أن يناله بأحسن قبوله.
مركز الابحاث العقائدية
فارس الحسّون
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الاولين والاخرين.
بحثنا في العصمة ، وهذا البحث من أهم المباحث الكلامية والتفسيرية والحديثية ، إهتم علماؤنا بهذا البحث منذ قديم الايام ، كما أن علماء الاشاعرة والمعتزلة أيضاً يهتمّون بهذا الموضوع في كتبهم.
وعنوان العصمة إنما اتخذ من الروايات الواردة في هذا الموضوع.
تعريف العصمة
الاصل في معنى هذه الكلمة هو المعنى اللغوي ، فإنك إذا راجعت لسان العرب وتاج العروس والصحاح للجوهري (1) ، وجدتهم يفسّرون كلمة العصمة بالمنع أو كلمة عَصَمَ بمَنَعَ.
وهذه المادة استعملت في القرآن الكريم أيضاً في قوله تعالى عن لسان ابن نوح : (قَالَ سَآوِي إلَى جَبَل يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أمْرِ اللهِ) (2) ، وأيضاً في قوله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا) (3) ، وفي غير هذه الموارد.
وإذا راجعتم كتب التفسير في ذيل هذه الايات المباركات ،
__________________
(1) لسان العرب 12 / 403 عصم نشر أدب الحوزة ـ قم ـ 1405 ، تاج العروس 8 / 398 عصم ـ دار مكتبة الحياة ـ بيروت ، الصحاح 5 / 1986 عصم دار العلم للملايين ـ بيروت ـ 1404.
(2) سورة هود : 43.
(3) سورة آل عمران : 103.
لوجدتم المفسّرين يفسّرون كلمة العصمة أو مادة العصمة مثل هذه الايات بالتمسّك.
ويقول الراغب : العصم هو الامساك ، الاعتصام الاستمساك (1).
والذي يظهر لي أن بين المسك والتمسك والاستمساك ، وبين المنع ، فرقاً دقيقاً ربما لا يلتفت إليه ، وهكذا توجد الفروق الدقيقة بين ألفاظ اللغة العربية ، فإن بين «الحفظ» و «المنع» و «الحجر» و «العصم» وأمثال هذه الالفاظ المتقاربة في المعنى ، توجد فوارق ، تلك الفوارق لها تأثير في فهم المطلب في كل مورد تستعمل فيه لفظة من هذه الالفاظ.
فالمعصوم ، الله سبحانه وتعالى قد جعل فيه قوةً ، تلك القوة تمنعه كما يقول أولئك ، وتمسكه كما يقول الراغب.
(قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنَ أَمْرِ اللهِ) أي لا مانع من أمر الله ، أو لا ماسك من أمر الله ، والفرق بينهما دقيق.
تلاحظون ، لو أن أحداً أراد أن يسقط من مكان عال ومنعه أحد من الوقوع يقولون : منعه من الوقوع ، لكنْ إذا مدّ يده ومسكه كان هذا المنع أخص من ذلك المنع الذي ليس فيه مسك.
__________________
(1) مفردات ألفاظ القرآن : 569. دار القلم ـ دمشق ـ 1412 هـ.
لا نطيل عليكم ، فلتكنْ العصمة بمعنى المنع.
العصمة شرط في النبي بلا خلاف بين المسلمين في الجملة ، وإنما قلت : في الجملة ، لان غير الامامية يخالفون الامامية في بعض الخصوصيات التي اشترطها واعتبرها الامامية في العصمة ، كما أن غير الامامية أيضاً قد اختلفوا فيما بينهم في بعض الخصوصيّات ، إلاّ أن الاجماع قائم على اعتبار العصمة بنحو الاجمال بين جميع الفرق من الامامية والمعتزلة والاشاعرة.
يشير العلامة الحلي رحمة الله عليه إلى رأي الامامية بالاجمال وإلى بعض الاقوال الاُخرى يقول :
ذهبت الامامية كافّة : إلى أن الانبياء معصومون عن الصغائر والكبائر ، منزّهون عن المعاصي ، قبل النبوّة وبعدها ، على سبيل العمد والنسيان ، وعن كلّ رذيلة ومنقصة وما يدل على الخسة والضعة ، وخالفت أهل السنة كافّةً في ذلك ، وجوّزوا عليهم المعاصي ، وبعضهم جوّزوا الكفر عليهم قبل النبوّة وبعدها ، وجوّزوا عليهم السهو والغلط ، ونسبوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى السهو في القرآن بما يوجب الكفر... ونسبوا إلى النبي كثيراً من النقص (1).
__________________
(1) نهج الحق وكشف الصدق : 142. دار الهجرة ـ قم ـ 1414 هـ.
ثم ذكر موارد من ذلك نقلها عن الصحاح وغيرها.
وإذا شئتم الوقوف على تفاصيل هذه الاقوال فعليكم بمراجعة كتاب دلائل الصدق (1) للشيخ المظفر حيث ذكر تلك الاقوال بشرح هذه العبارة من العلامة الحلي ، ناقلاً عن المواقف وشرحها وعن المنخول الغزّالي وعن الفصل لابن حزم الاندلسي ، وغير هذه الكتب. ونحن الان لا نريد الدخول في هذه التفاصيل.
عرفنا إلى الان معنى العصمة لغة ، وأن العصمة بنحو الاجمال مورد قبول واتفاق بين المسلمين بالنسبة إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أو مطلق الانبياء.
العصمة في الاصطلاح :
وأما العصمة في الاصطلاح :
قال الشيخ المفيد رحمهالله في النكت الاعتقادية : العصمة لطف يفعله الله بالمكلف بحيث يمتنع منه وقوع المعصية وترك الطاعة مع قدرته عليهما (2).
__________________
(1) دلائل الصدق 1 / 604. دار المعلّم للطباعة ـ القاهرة ـ 1396 هـ.
(2) النكت الاعتقادية : 37 (ضمن مصنفات المفيد ج 10). المؤتمر العالمي للمفيد ـ قم ـ 1413 هـ.
ويقول المحقق الشيخ نصير الدين الطوسي في كتاب التجريد : ولا تنافي العصمة القدرة (1).
فذكر العلامة الحلي في شرح التجريد معنى هذه الجملة ، وذكر أقوال الاخرين (2).
ثم ذكر العلامة الحلي رحمهالله في الباب الحادي عشر ما نصه : العصمة لطف بالمكلف بحيث لا يكون له داع إلى ترك الطاعة وارتكاب المعصية مع قدرته على ذلك (3).
ويضيف بعض علمائنا كالشيخ المظفر في كتاب العقائد : بل يجب أن يكون منزّهاً عما ينافي المروة ، كالتبذّل بين الناس من أكل في الطريق أو ضحك عال ، وكل عمل يستهجن فعله عند العرف العام (4).
فهذا تعريف العصمة عند أصحابنا.
إنهم يجعلون العصمة من باب اللطف ، ويقولون بأن العصمة حالة معنوية موجودة عند المعصوم بلطف من الله سبحانه وتعالى ،
__________________
(1) تجريد الاعتقاد : 222. مكتب الاعلام الاسلامي ـ قم ـ 1407 هـ ـ.
(2) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد : 365. جماعة المدرسين ـ قم ـ 1407 هـ.
(3) الباب الحادي عشر : 37. دانشكاه طهران ـ طهران ـ 1365 ش.
(4) عقائد الامامية : 287 ـ 288. مؤسسة الامام علي عليهالسلام ـ قم ـ 1417 هـ.
هذا اللطف الذي عبّر عنه سبحانه وتعالى بقوله : (وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلّوكَ) (1).
هذا اللطف والفضل والرحمة من الله سبحانه وتعالى يُمسك المعصوم عن الاقدام على المعصية ، وعلى كل ما لا يجوز شرعاً أو عقلاً ، مع قدرته على ذلك ، وكذا عن الاقدام على كل ما يتنافى مع النبوة والرسالة ، ويكون منفراً عنه عقلاً كما أضاف الشيخ المظفر.
وإذا كان هذا تعريف العصمة ، وأنها من اللطف والفضل والرحمة الالهية بحقّ النبي ، فنفس هذه العصمة يقول بها الامامية للائمة الاثني عشر ولفاطمة الزهراء سلام الله عليها بعد رسول الله ، فيكون المعصومون عندنا أربعة عشر ، وقد رأيت في بعض الكتب أن سلمان الفارسي أيضاً معصوم ، ولا يهمّنا البحث الان عن ذلك القول.
وإذا كانت العصمة حالة معنوية باطنة ، وهي فضل من الله سبحانه وتعالى ، فلابد وأن يكون الكاشف عن هذه الحالة من قبله سبحانه وتعالى ، والكاشف إمّا آية في القرآن ، والقرآن مقطوع الصدور ، وإما أن يكون رواية ونصّاً متواتراً أو مقطوع الصدور
__________________
(1) سورة النساء : 113.
ومفيداً لليقين عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ومع وجود هذه الحالة عند الشخص ، وامكان وجوده بين الناس ، يقبح عقلاً تقدّم من ليست فيه هذه الحالة عليه.
إذن ، لابد من كاشف عن وجود هذه الحالة أينما كانت موجودة ، وقد أوضحنا بالتفصيل في بحوثنا السابقة على أساس بعض الايات المباركات والاحاديث المتواترات ، وجود العصمة في رسول الله وفي فاطمة الزهراء سلام الله عليهما ، وفي أمير المؤمنين وفي الحسنين عليهمالسلام ، فآية التطهير دلّت على عصمة هؤلاء ، وآية المباهلة دلّت على عصمة أمير المؤمنين ، وحديث المنزلة دلّ على عصمة أمير المؤمنين ، وحديث الثقلين دلّ على عصمة الائمة.
فظهر أن العصمة :
أولاً : حالة معنوية توجد في الانسان بفضل الله سبحانه وتعالى ، فلا تكون كسبيّة ولا تحصل بالاكتساب.
ثانيا : لما كانت هذه الحالة بفضل الله سبحانه وتعالى وبرحمة منه ، وبفضل ولطف ، وبفعل منه كما عبّر علماؤنا ، فلابد من مجيء دليل من قِبَله يكشف عن وجودها في المعصوم ، ولذا لا تقبل دعوى العصمة من أي أحد إلاّ وأن يكون يدعمها نص أو معجزة
يجريها الله سبحانه وتعالى على يد هذا المدّعي للعصمة ، كما أن أصل النبوة والامامة أيضاً كذلك ، فلا تسمع دعوى النبوة ولا تسمع دعوى الامامة من أحد ولاحد إلاّ إذا كان معه دليل قطعي يثبت إمامته أو نبوّته ورسالته.
وعمدة البحث في العصمة أمران :
الامر الاول : كيف تجتمع العصمة أو هذه الحالة المعنوية الخاصّة مع القدرة على إتيان المنافي.
الامر الثاني : ما الدليل على العصمة المطلقة التي يدّعيها الامامية ، أي إنهم يدّعون العصمة حتى عن السهو والخطأ والنسيان.
هذان الامران عمدة البحث في العصمة.
العصمة ومسألة الجبر
أوضح علماؤنا أن هذه الحالة تجتمع تماماً مع ما ذهبت إليه الطائفة من أنْ لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الامرين ، وذلك بأن العصمة تمسك المعصوم وتمنعه عن أي مناف ، ولكن لا تلجؤه إلى الطاعة ، ولا تلجؤه إلى ترك المعصية أو المنافي.
وهذا المعنى قد أشار إليه العلامة رحمهالله في تعريفه من جهتين :
الاُولى : قوله «بالمكلف» حيث قال : العصمة لطف يفعله الله بالمكلف. فإنه يريد أن يفهمنا بأن المعصوم مكلَّف ، أي إنه مأمور بالطاعة وترك المعصية ، وأنه إذا أطاع يثاب ، وإذا عصى يعاقب ، ولذا جاء في القرآن الكريم : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهمْ وَلَنَسْئَلَنَّ
الْمُرْسَلِينَ) (1) ، يعني : إن المرسلين كسائر أفراد أُممهم مكلَّفون بالتكاليف ، فلا يكون من هذه الناحية فرق بين الرسول وبين أفراد أُمته ، وعلى الرسول أنْ يعمل بالتكاليف ، كما أن على كل فرد من أفراد أُمّته أن يكون مطيعاً وممتثلاً للتكاليف ، فلو كان المعصوم مسلوب القدرة عن المعصية ، مسلوب القدرة على ترك الاطاعة ، فلا معنى حينئذ للثواب والعقاب ، ولا معنى للسؤال.
وقد بيّنا بالاجمال هذا المطلب في بحثنا عن آية التطهير.
والجهة الثانية الموجودة في كلام العلامة رحمهالله قوله : بحيث لا يكون له داع إلى ترك الطاعة وفعل المعصية.
ففي هذه العبارة إشارة إلى أن ترك الطاعة وفعل المعصية إنما يكون بداع نفساني يحمل الانسان على الاطاعة ، أو يحمل الانسان على إتيان المعصية وارتكابها ، وهذا الانسان قد أودع الله فيه سبحانه وتعالى مختلف القوى التي يستخدمها لاغراضه الصحيحة وغير الصحيحة ، إلا أن العصمة تمسك المعصوم ، بحيث لا يبقى له داع إلى ارتكاب المعصية أو ترك الطاعة والتكليف الشرعي.
__________________
(1) سورة الاعراف : 6.
ثم إن السيد الطباطبائي صاحب الميزان رحمهالله ، عبّر عن هذا اللطف الالهي بالموهبة ، فالعصمة عبّر عنها بالموهبة الالهيّة ، وأرجع العصمة إلى العلم ، وذكر أنها ـ أي العصمة ـ نوع من العلم والشعور يغاير سائر أنواع العلم ، في أنه غير مغلوب لشيء من القوى الشعورية البتة ، بل هي الغالبة القاهرة عليها المستخدمة إيّاها ، ولذلك كانت تصون صاحبها من الضلال والخطيئة مطلقاً.
وإذا كانت العصمة راجعة إلى العلم ، فيكون الامر أوضح ، لان الانسان إذا علم بقبح شيء فلا يريده ، وإذا علم بالاثار المترتبة على الفعل الذي يريد أنْ يقدم عليه ، تلك الاثار إنْ كانت حسنةً فإنه يقدم ، وإنْ كانت سيّئة فإنه يحجم ، فتكون العصمة حينئذ منبعثة عن العلم؟
ويكون الفارق بين المعصوم وغير المعصوم : أن غير المعصوم لم يحصل له ذلك العلم الذي حصل عليه المعصوم ، ولذا لا يبلغ غير المعصوم مرتبة العصمة ، لعدم وجود العلم اللازم فيه ، وعدم حصول ذلك العلم الخاص له ، وكثير من الاشياء يعجز الانسان عن درك حقائقها من محاسن ومساوي ، أما إذا كان الانسان عالماً وبتلك المرحلة من العلم ، وكان عنده تلك الموهبة الالهية ـ كما عبّر السيد الطباطبائي رحمهالله ـ فإنه يعلم بحقائق الاشياء ويمتنع
صدور مالا يجوز عنه.
ولابد من التحقيق الاكثر في نظرية السيد الطباطبائي رحمهالله ، وأنه هل يريد أن العصمة منبعثة من العلم ، وأنه هو المنشأ لهذه الحالة المعنوية الموجودة عند المعصوم ، كما قرأنا في هذه العبارة ، أو أنه يريد أنّ العصمة نفس العلم.
وعلى كل حال ، فإن الانسان إذا كان عالماً بحقائق الاشياء وما يترتب على كل فعل يريد أن يفعله ، أو حتّى على كل نية ينويها فقط ، عندما يكون عالماً ومطّلعاً على ما يترتب على ذلك ، فسيكون عنده رادع على أثر علمه عن أنْ يقدم على ذلك العمل إذا كانت آثاره سيّئة ، أو أنه سيقدم على العمل إذا كانت آثاره مطلوبة وحسنة.
العصمة عن السهو والخطأ والنسيان
أننا نشترط في العصمة أنْ يكون المعصوم منزّهاً عن السهو والخطأ والنسيان أيضاً ، ولا منزهاً عن المعاصي والذنوب فقط.
كانت آية التطهير تدلّنا على عصمة الائمة أو على عصمة أهل البيت عليهمالسلام من الرجس ، وكلمة الرجس نستبعد أنْ تطلق وتستعمل ويراد منها الخطأ والنسيان والسهو ، إذن ، لابد من دليل آخر ، فما ذلك الدليل على أن الامام والنبي معصومان ومنزّهان حتى عن السهو والخطأ والنسيان وما شابه ذلك؟
الدليل على ذلك : كل ما دلّ من الكتاب والسنّة والعقل والاجماع على وجوب الانقياد للامام أو النبي ، على وجوب إطاعته إطاعةً مطلقة غير مقيدة.
تارةً نقول لاحد : عليك بإطاعة زيد في الفعل الكذائي ، عليك بإطاعة زيد في الوقت الكذائي ، عليك بإطاعة زيد إنْ قال لك كذا.
أما إذا قيل للشخص : يجب عليك إطاعة زيد إطاعةً مطلقة غير مقيدة بقيد ، غير مقيدة بحالة ، غير مقيدة بوقت ، فالامر يختلف.
وبعبارة أُخرى : الامام حجةٌ لله سبحانه وتعالى على خلقه ، والخلق أيضاً إنْ انقادوا لهذا الامام ، وامتثلوا أوامره ، وطبّقوا أحكامه وأخذوا بهديه وسيرته ، سوف يحتجّون على الله سبحانه وتعالى بهذا الامام.
إذن ، الامام يكون حجة الله على الخلائق ، وحجة للخلائق إذا كانوا مطيعين له عند لله سبحانه وتعالى ، ولذا يكون قول المعصوم حجة ، فعل المعصوم حجة ، وتقرير المعصوم حجة.
عندما يعرّفون السُنّة يقولون : السنّة قول المعصوم أو فعله أو تقريره ، والسنّة حجة.
ولماذا؟ لانّ جميع حركات المعصوم وأفعاله وتروكه وحالاته يجب أن تكون بحيث لو أنّ أحداً اقتدى به في تلك الحالات ، في تلك الاقوال ، وفي تلك الافعال ، يمكنه أنْ يحتجّ عند الله سبحانه وتعالى عندما يُسأل لماذا فعلت؟ لماذا تركت؟ عندما يسأل لماذا كنت كذا؟ لماذا لم تكن كذا؟ فالملاك نفس الملاك بالنسبة إلى المعصية.
ولو أنك راجعت كتب الكلام من السنّة والشيعة ، عندما