ذكر مدينة الحلة
هي مدينة كبيرة، عتيقة الوضع، مستطيلة، لم يبق من سورها الا حلق من جدار ترابي مستدير بها. وهي المدينة اأسواق حفيلة جامعة للمرافق المدنية والصناعات الضرورية. وهيو قوية العمارة، كثيرة الخلق، متصلة حدائق النخيل داخلاً وخارجاً، فديارها بين حدائق النخيل، وألفينا بها جسراً عظيماً معقوداً على مراكب كبار متصلة من الشط تحف بها من جانبها سلاسل من حديد كالأذرع المفتولة عظماً وضخامة ترتبط خشب مثبتة في كلا الشطين، تدل على عظم الاستطاع والقدرة؛ أمر الخليفة بعقدة على الفرات اهتماماً بالحاج واعتناء بسبيله وكانوا قبل ذلك يعبرون في المراكب، فوجدوا هذا الجسر قد عقده الخليفة في مغيبهم، ولم يكن عند شخوصهم مكة شرفها الله.
وعبرنا الجسر ظهر يوم الأحد المذكور ونزلنا بشط الفرات علىمقدار فرسخ من البلد، وهذا النهر كاسمه فرات، هو من أعذب المياه وأخفها، وهو نهر كبير زخار، تصعد فيه السفن وتنحدر.
والطريق من الحلة بغداد أحسن طريق وأجملها، في بسائط من الأرض وعمائر، تتصل بها القرى يميناً وشمالاً. ويشق هذه البسائط أغصان من ماء الفرات تتسرب بها وتسقيها، فمحرثها لاحد لاتساعه وانفساحه، فللعين في هذا الطريق مسرح انشراح، وللنفس مراح انبساط وانفساح، والأمن فيها متصل، بحمد الله سبحانه وتعالى.