منتدى عشائر البو حسين العام في العراق للشيخ شوقي جبار البديري
منتدى عشائر البو حسين العام في العراق للشيخ شوقي جبار البديري
منتدى عشائر البو حسين العام في العراق للشيخ شوقي جبار البديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى عشائر البو حسين العام في العراق للشيخ شوقي جبار البديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
المواضيع الأخيرة
» عشائر البدير الاصيله في العراق
رحلة ابن جبيرالرحلة إلى بغداد السلام Emptyالجمعة يناير 15, 2016 6:47 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» عشيرة البدير في بغداد(بيت الدختور)
رحلة ابن جبيرالرحلة إلى بغداد السلام Emptyالسبت نوفمبر 17, 2012 4:41 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» عشيرة البدير في بغداد(بيت الدختور)
رحلة ابن جبيرالرحلة إلى بغداد السلام Emptyالسبت نوفمبر 17, 2012 4:40 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» المسيحيه العراقيه وتمسكها بالعشائر العربيه الاصيله
رحلة ابن جبيرالرحلة إلى بغداد السلام Emptyالثلاثاء أكتوبر 30, 2012 1:01 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» اشياء خيالية جسر من الماء فوق النهر
رحلة ابن جبيرالرحلة إلى بغداد السلام Emptyالإثنين سبتمبر 10, 2012 5:23 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» علاج القولون*****
رحلة ابن جبيرالرحلة إلى بغداد السلام Emptyالإثنين سبتمبر 10, 2012 9:45 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» علاج البواسير وصفة سحرية من اول استعمال
رحلة ابن جبيرالرحلة إلى بغداد السلام Emptyالإثنين سبتمبر 10, 2012 9:41 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» إلتهاب المسالك البوليه وطرق علاجه
رحلة ابن جبيرالرحلة إلى بغداد السلام Emptyالإثنين سبتمبر 10, 2012 9:38 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» الساده المكاصيص
رحلة ابن جبيرالرحلة إلى بغداد السلام Emptyالأحد سبتمبر 09, 2012 11:16 am من طرف الشيخ شوقي البديري

مايو 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
   1234
567891011
12131415161718
19202122232425
262728293031 
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني




 

 رحلة ابن جبيرالرحلة إلى بغداد السلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الشيخ شوقي البديري
Admin
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 312
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

رحلة ابن جبيرالرحلة إلى بغداد السلام Empty
مُساهمةموضوع: رحلة ابن جبيرالرحلة إلى بغداد السلام   رحلة ابن جبيرالرحلة إلى بغداد السلام Emptyالإثنين أغسطس 27, 2012 7:28 pm

ذكر مدينة السلام بغداد

هذه المدينة العتيقة، وأن لم تزل حضرة الخلافة العباسية، ومثابة الدعوة الإمامية القرشية الهاشمية، قد ذهب أكثر رسمها، ولم يبق منا الاشهير اسمها. وهي بالإضافة ماكانت عليه قبل إنحاء الحوادث عليها والتفات أعين النوائب اليها كالظل الدارس، والأثر الطامس، أو تمثال الخيال الشاخص، فلا حسن فيها يستوقف البصر ويستدعي من المستوفز العقلة والنظر الا دجلتها التي هي بين شرقيها وغربيها منها كالمرآة المجلوة بين صفحتين أو العقد المنتظم بين لبتين، فهي تردها ولا تظمأ، وتتطلع منها في مرآة صقيلة لاتصدأ، والحسن الحريمي بين هوائها ومائها ينشأ، هو من ذلك على شهرة في البلاد معروفة موصوفة، ففتن الهوى، الا أن يعصم الله منها، مخوفة.
وأما أهلها فر تكاد تلقى منهم الا من يتصنع بالتواضع رياء، ويذهب بنفسه عجباً وكبرياء، يزدرون الغرباء، ويظهرون لمن دونهم الأنفة والإباء، ويستصغرون عمن سواهم الاحاديث والأنباء، قد تصور كل منهم في معتقده وخلده أن ألو جود كله يصغر بالإضافة لبلده، فهم لايستكرمون في معمور البسيطة مثوى غير مثواهم، كأنهم لايعتقدون أن الله بلاداً أو عباداً سواهم، يسحبون أذيالهم أشراً وبطراً، ولا يغيرون في ذات الله منكراً، يظنون أن أسنى الفخار في سحب الإزار، ولا يعلمون أن فضله، بمقتضى الحديث المأثور، في النار، يتبايعون بينهم بالذهب قرضاً، ومامنهم من يحسن الله فرضاً، فلا نفقة فيها الا من دينار تقرضه، وعلى يدي مخسر للميزان تعرضه، لا تكاد تظفر من خواص أهلها بالورع العفيف، ولاتقع من أهل موازينها ومكاييلها على من ثبت له الويل في سورة التطفيف، لايبالون في ذلك بعيبن كأنهم من بقايا مدين قوم النبي شعيب. فالغريب فيهم معدوم الإرفاق، متضاعف الإنفاق، لايجد من أهلها الا من يعامله بنفاق، أو يهش اليه هشاشة انتفاع واسترفاق، كأنهم من التزام هذه الخلة القبيحة على شرط اصطلاح بينهم واتفاق، فسوء معاشرة أبنائها يغلب على طبع هوائها ومائها، ويعلل حسن المسموع من أحاديثها وانبائها، أستغفر الله الا فقهاءهم المحدثين، ووعاظهم المذكرين، لاجرم أن لهم في طريقة الوعظ والتذكير، ومداومة التنبيه والتبصير، والمثابرة على الإنذار المخوف والتحذير، مقامات تستنزل لهم من رحمة الله تع مايحط كثيراً من أوزارهم، ويسحب ذيل العفو على سوء آثارهم ويمنع القارعة الصماء أن تحل بديارهم، لكنهم معهم يضربون في حديد بارد، ويرومون تفجير الجلامد، فلا يكاد يخلو يوم من أيام جمعاتهم من واعظ بتكلم فيه، فالموفق فيهم لا يزال في مجلس ذكر أيامه كلها، لهم في ذلك طريقة مباركة ملتزمة.
فأول من شاهدنا مجلسه منهم الشيخ الإمام رضي الدين القزويني رئيس الشافعية، وفقيه المدرسة النظامية، والمشار اليه بالتقديم في العلوم الأصولية. حضرنا مجلس بالمدرسة المذكورة اثر. صلاة العصر من يوم الجمعة الخامس لصفر المذكور، فصعد المنبر، وأخذ القراء أمامه في القراءة على كراسي موضوعة، فتوقوا وشوقوا، وأتوا بتلاحين معجبة، ونغمات محرجة مطربة، ثم اندفع الشيخ الإمام المذكور فخطب خطبة سكون ووقار وتصرف في أفانين من العلوم، من تفسير كتاب الله عز وجل، وايراد حديث رسوله، صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم، والتكلم على معاينة. ثم رشقته شآبيب المسائل من كل جانب، فأجاب، وما قصر، وتقدم وماتأخر، ودفعت اليه عدة رقاع منها، فجمعها جملة في يده وجعل يجاوب على كل واحدة منها وينبذ بها أن فرغ منها.
وحان المساء فنزل وافترق الجمع. فكان مجلسه مجلس علم ووعظ، وقوراً هيناً ليناً، ظهرت فيه البركة والسكينة؛ ولم تقصر عن ارسال عبرتها فيه النفس المستكينة، ولا سميا آخر مجلسه، فإنه سرت حمياً وعظه النفوس حتى أطارتها خشوعاً، وفجرتها دموعاً، وبادر التائبون اليه سقوطاً على يده ووقوعاً، فكم ناصية جز، وكم مفصل من مفاصل التائبين طبق بالموعظة وحز فبمثل مقام هذا الشيخ المبارك ترحم العصاة، وتتغمد الجناة، وتستدام العصمة والنجاة، والله تع يجازي كل ذي مقام عن مقامه، ويتغمد ببركة العلماء الأولياء عباده العاصين من سخطه وانتقامه برحمته وكرمه، وانه المنعم الكريم، لا رب سواه، ولا معبود الا اياه.
وشهدنا له فيها مجلساً ثانياً اثر صلاة العصر من يوم الجمعة الثاني عشر من الشهر المذكور، وحضر ذلك اليوم مجلسه سيد العلماء الخراسانية، ورئيس الأئمة الشافعية، ودخل المدرسة النظامية بهز عظيم وتطريف آماق، تشوقت له النفوس، فأخذ الإمام المتقدم الذكر في وعظه مسروراً بحضوره، ومتجملاً به، فأتى بأفانين من العلوم، على حسب مجلسه المتقدم الذكر. ورئيس العلماء المذكور هو صدر الدين الخجندي المتقدم الذكر في هذا التقييد، المشتهر المآثر والمكارم، المقدم بين الأكابر والأعاظم.
ثم شاهدنا صبيحة يوم السبت بعده مجلس الشيخ الفقيه، الإمام الأوحد، جمال الدين أبي الفضائل بن علي الجوزي، بازاء داره على الشط بالجانب الشرقي وفي آخره على اتصال من قصور الخليفة وبمقربة من باب البصلية آخر أبواب الجانب الشرقي، وهو يجلس به كل يوم سبت، فشاهدنا مجلس رجل ليس من عمرو ولازيد، وفي جوف الفرا كل الصيد، آية الزمان، وقرة عين الإيمان، رئيس الحنبلية، والمخصوص في العلوم بالرتب العلية، إمام الجماعة، وفارس حلبة هذه الصناعة، والمشهود له بالسبق الكريم في البلاغة والبراعة ومالك أزمة الكلام في النظم والنثر، والغائص في بحر فكره على نفائس الدار، فاما نظمه فرضي الطباع، مهياري الانطباع، وأما نثره فيصدع بسحر البيان، ويعطل المثل بقس وسحبان.
ومن أبهر آياته، وأكبر معجزاته، أنه يصعد المنبر ويبتدئ القراء بالقرآن، وعددهم نيف على العشرين قارئاً، فينتزع الاثنان منهم أو الثلاثة آية من القراءة يتلونها على نسق بتطريب وتشويق، فاذا فرغوا تلت طائفة أخرى على عددهم آية ثانية، ولا يزالون يتناوبون آيات من سور مختلفات أن يتكاملوا قراءة، وقد أتو بآيات مشتبهات، لايكاد المتقد الخاطر يحصلها عدداً، أو يسميها نسقاً. فإذا فرغوا أخذ هذا الإمام الغريب الشأن في ايراد خطبته، عجلاً مبتدراً، وأفرغ في أصداف الأسماع من ألفاظه درراً، وانتظم أوائل الآيات المقروءات في أثناء خطبته فقراً، وأتى بها على نسق القراءة لها، لامقدماًولا مؤخراً. ثم أكمل الخطبة على قافية آخر آية منها. فلو أن أبدع من في مجلسه تكلف تسمية ماقرأ القراء آية آية على الترتيب لعجز عن ذلك، فكيف ينتظمها مرتجلاً، ويورد الخطبة الغراء بها عجلاً! أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون، وان هذا لهو الفضل المبين فحدث ولا حرج عن البحر، وهيهات ليس الخبر عنه كالخبر! ثم إنه أتى بعد أن فرغ من خطبته برقائق من الوعظ وآيات بينات من الذكر، طارت لها القلوب اشتياقاً، وذابت بها الأنفس احتراقاً، أن علا الضجيج، وتردد بشهقائه النشيج، وأعلن التائبون بالصياح، وتساقطوا عليه تساقط الفراش على المصباح، كل يلقي ناصيته بيده فيجزها، ويمسح على رأسه داعياً له، ومنهم من يغشى عليه فيرفع في الأذرع اليه، فشاهدنا هولأ يملأ النفوس انابة وندامة، ويذكرها هول يوم القيامة، فلو لم تركب ثبج البحر، وتعتسف مغازات القفر الا لمشاهدة مجلس من مجالس هذا الرجل، لكانت الصفقة الرابحة والوجهة المفلحة الناحجة، والحمد لله على أن من بلقاء من تشهد الجمادات بفضله، ويضيق الوجود عن مثله.
وفي أثناء مجلسه ذلك يبتدرون المسائل، وتطير اليه الرقاع، فيجاوب أسرع من طرفة عين. وربما كان أكثر مجلسه الرائق من نتائج تلك المسائل، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، لا اله سواه.

ثم شاهدنا مجلساً ثانياً له، بكرة يوم الخميس الحادي عشر لصفر، بباب بدر في ساحة قصور الخليفة، ومناظره مشرفة عليه. وهذا الموضع المذكور هو من حرم الخليفة، رخص بالوصول اليه والتكلم فيه ليسمعه من تلك المناظر الخليفة ووالدته ومن حضر من الحرم. ويفتح الباب للعامة فيدخلون ذلك الموضع، وقد بسط بالحصر.وجلوسه بهذا الموضع كل يوم خميس. فبكرنا لمشاهدته بهذا المجلس المذكور، وقعدنا أن وصل هذا الحبر المتكلم، فصعد المنبر، وأرخى طيلسانه عن رأسه توااضعاً لحرمة المكان، وقد تسطر القراء أمامه على كراسي موضوعة، فابتدروا القراءة على الترتيب، وشوقوا ما شاءوا، وأطربوا ما أرادوا. وبدرت العيون بارسال الدموع. فلما فرغوا من القراءة، وقد احصينا لهم تسع آيات من سور مختلفات، صدع بخطبته الزهراء الغراء، وأتى بأوائل الآيات في أثنائها منتظمات، ومشى الخطبة على فقرة آخر آية منها في الترتيب أن أكملها، وكانت الآية الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً إن الله لذو فضل على الناس فتمادى على هذا السين وحسن أي تحسين، فكان يومه في ذلك أعجب من أمسه، ثم أخذ في الثناء على الخليفة والدعاء له ولوالدته، وكنى عنها بالستر الأشرف، والجناب الأرأف. ثم سلك سبيله في الوعظ، كل ذلك بديهة لاروية؛ ويصل كلامه في ذلك بالآيات المقروءات على النسق مرة أخرى. فأرسلت وابلها العيون، وابدت النفوس سر شوقها المكنون وتطارح الناس عليه بذنوبهم معترفين، وبالتوبة معلنين، وطاشت الألباب والعقول، وكثر الوله والذهول، وصارت النفوس لاتملك تحصيلاً، ولا تميز معقولاً، ولاتجد للصبر سبيلاً.
ثم في أثناء مجلسه ينشد بأشعار من النسيب مبرحة التشويق، بديعة الترقيق، تشعل القلوب وجداً، ويعود موضعها النسيبي زهداً. وكان آخر ما أنشده من ذلك، وقد أخذ المجلس مأخذه من الاحترام، وأصابت المقاتل سهام ذلك الكلام:
أين فؤادي أذابه الوجـد ،،، وأين قلبي فما صحا بعد
ياسعد زدني بذكـرهـم ،،، بالله قل لي فديت ياسعد
ولم يزل يرددها والانفعال قد أثر فيهن والمدامع تكاد تمنع خروج الكلام من فيه، أن خاف الإفحام، فابتدر القيام، ونزل عن المنبر دهشاً عجلاًن وقد أطار القلوب وجلا، وترك الناس على أحر من الجمر، يشيعونه بالمدامع الحمر.
فمن معلن بالانتحاب، ومن متعفر في التراب. فياله من مشهد ماأهول مرآه، وما أسعد من رآه! نفعنا الله ببركته، وجعلنا ممن فاز به بنصيب من رحمته، بمنه وفضله.
وفي أول مجلسه أنشد قصيداً نير القبس، عراقي النفس، في الخليفةن أو له:
في شغلٍ من الغرامِ شاغـل ،،، من هاجه البرق بسفح عاقل
يقول فيه عند ذكر الخليفة:
ياكلمات الله كوني عوذة ،،، من العيون للإمام الكامل
ففرغ من انشاده وقد هز المجلس طرباً، ثم أخذ في شأنه وتمادى في ايراد سحر بيانه، وما كنا نحسب أن متكلماً في الدنيا يعطي من ملكة النفوس والتلاعب بها ما أعطي هذا الرجل، فسبحان من يخص بالكمال من يشاء من عباده لا اله غيره.
وشاهدنا بعد ذلك مجالس لسواه من وعاظ بغداد ممن نستغرب شأنه، بالإضافة ماعهدناه من متكلمي الغرب. وكنا قد شاهدنا بمكة والمدينة، شرفها الله، مجالس من قد ذكرناه في هذا التقييد، فصغرت، بالإضافة لمجلس هذا الرجل الفذ، في نفوسنا قدراً، ولم نستطب لها ذكراً. وأين تقعان مما أريد وشتان بين اليزيدين، وهيهات! الفتيان كثير، والمثل بمالك يسير! ونزلنا بعده بمجلس يطيب سماعه، ويروق استطلاعه.
وحضرنا له مجلساً ثالثاً، يوم السبت الثالث عشر لصفر، بالموضع المذكور بازاء داره على الشط الشرقي، فأخذت معجزاته البيانية مأخذها، فشاهدنا من أمره عجباً، صعد بوعظه أنفاس الحاضرين سحباً، وأسال من أدمعهم وايلا سكباً، ثم جعل يردد في آخر مجلسه أبياتاً من النسيب شوقاً زهدياً وطرباً، أن غلبته الرقة فوثب من أعلى منبره والهاً مكتئباً، وغادر الكل متندماً على نفسه منتحباً، لهفاف ينادي: ياحسرنا واحرابا، والمنادون يدورون بنننحيبهم دور الرحى، وكل منهم بعد من سكرته ماصحا، فسبحان من خلفه عبرة لأولي الألباب، وجعله لتوبة عباده أقوى الأسباب، لااله سواه.
هي كما ذكرناه جانبان: شرقي وغربي، ودجلة بينهما فأما الجانب الغربي فقد عمه الخراب والستولى عليه، وكان المعمور أولاً. وعمارة الجانب الشرقي محدثة لكنه مع استيلاء الخراب عليه يحتوي على سبع عشرة محلة، كل محلة منها مدينة مستقلة، وفي كل واحدة منها الحمامان والثلاثة والثمانية منها بجوامع يصلى الله عليه وسلم فيا الجمعة، فأكبرها القرية، وهو التي نزلنا فيها بربض منها يعرف بالمربعة على شط دجلة بمقربة من الجسر، فحملته دجلة بمدها السيلي، فعاد الناس بعبرون ابا ولزرق، والزوارق فيها لا تحصى كثرة، فالناس ليلا ونهاراً من تمادي العبور فيها في نزهة متصلة رجالاً ونساء. والعادة أن يكون لها جسران: أحدهما مما يقرب من دور الخليفة والآخر فوقه لكثرة الناس. والعبور في الزوارق لا ينقطع منها.
ثم الكرخ، وهي مدينة مسورة.
ثم محلة باب البصرة، وهي أيضاً مدينة، وبها جامع المنصور، رحمه الله، وهو جامع كبير عتيق البنيان حفيله.
ثم الشارع، وهي ايضاً مدينة، فهذه الأربع أكبر المحلات.
وبين الشارع ومحلة باب البصرة سوق المارستان، وهي مدينة صغيرة، فيها المارستان الشهير ببغداد، وهو على دجلة، وتتفقده الأطباء كل يوم اثنين وخميس، ويطالعون احوال المرضى به، ويرتبون لهم أخذ ما يحتاجون اليه، وبين أيديهم قومة يتناولون طبخ الأدوية والأغذية، وهو قصر كبير فيه المقاصير والبيوت وجميع مرافق المساكن الملوكية، والماء يدخل اليه من دجلة.
وأسماء سائر المحلات يطول ذكرها، كالوسيطة، وهي بين دجلة ونهر يتفرع من الفرات وينصب في دجلة، يجيء فيه جميع المرافق التي في الجهات التي يسقيها الفرات. ويشق على باب البصرة الذي ذكرنا محلته نهر آخر منه وينصب أيضاً في دجلة.
ومن أسماء المحلات العتابية، وبها تصنع الثياب العتابية، وهي حرير وقطن مختلفات الألوان.
ومنها الحربية، وهي أعلاها، وليس وراءها الا القرى الخارجة عن بغداد أسماء يطول ذكرها.
وباحدى هذه المحلات قبر معروف الكرخي، وهو رجل من الصالحين مشهور الذكر في الأولياء. وفي الطريق باب البصرة مشهد حفيل البنيان داخله قبر متسع السنام، عليه مكتوب: هذا قبر عون ومعين، من أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وفي الجانب الغربي أيضاً قبر موسى بن جعفر، رضي الله عنهما، مشاهد كثيرة ممن لم تحضرنا تسميته من الأولياء والصالحين والسلف الكريم، رضي الله عن جميعهم.
وبأعلى الشرقية خارج البلد محلة كبيرة بازاء محلة الرصافة، وبالرصافة كان باب الطاق المشهور على الشط، وفي تلك المحلة مشهد حفيل البنيان، له قبة بيضاء سامية في الهواء، فيه قبر الإمام أبي حنيفة، رضي الله عنه، وبه تعرف المحلة. وبالقرب من تلك المحلة قبر الإمام احمد بن حنبل، رضي الله عنه، وفي تلك الجهة أيضاً قبر أبي بكر الشبلي، رحمه الله، وقبر الحسين بن منصور الحلاج. وببغداد من قبور الصالحين كثير، رضي الله عنهم. وبالغربية هي البساتين والحدائق، ومنها تجلب الفواكه الشرقية.
واما الشرقية فهي اليوم دار الخلافة، وكفاها بذلك شرفاً واحتفالاً ! ودور الخليفة مع آخرها، وهي تقع منها في نحو الربع أو أزيد، لأن جميع العباسيين في تلك الديار معتقلون اعتقالاً جميلاً لايخرجون ولايظهرون، ولهم المرتبات القائمة بهم. وللخليفة من تلك الديار جزء كبير،قد اتخذ فيها المناظر المشرفة والقصور الرائقة والبساتين الأنيقة. وليس له اليوم وزير انما له خديم يعرف بنائب الوزراة، يحضر الديوان المحتوي على أموال الخلافة وبين يديه الكتب فينفذ الأمور؛ وله قيم على جميع الديار العباسية، وأمين على سائر الحرم الباقيات من عهد جده وأبيه وعلى جميع من تضمه الحرمة الخلافية، يعرف بالصاحب مجد الدين استاذ الدار، هذا لقبه، ويدعى له إثر الدعاء للخليفة، وهو قلماً يظهر للعامة اشتغالاً بما هو بسبيله من أمور تلك الديار وحراستها والتكفل بمغالقها وتفقدها ليلاً ونهاراً.
ورونق هذا الملك انما هو على الفتيان والأحابش المجابيب، منهم فتى اسمه خالص، وهو قائد العسكرية كلها، أبصرناه خارجاً أحد الأيام وبين يديه وخلفه أمراء الأجناد من الأتراك والديلم وسواهم، وحوله نحو خمسين سيفاً مسلولة في أيدي رجال قد احتفوا به فشاهدنا من أمره عجباً في الدهر، وله القصور والمناظر على دجلة.
وقد يظهر الخليفة في بعض الأحيان بدجلة راكباً في زرورق. وقد يصيد في بعض الأوقات في البرية، وظهوره على حالة اختصار تعمية لأمره على العامة، فلا يزدادأمره مع تلك التعمية الا اشتهاراً. وهو مع ذلك يحب الظهور للعامة ويؤثر التحبب لهم، وهو ميمون النقيبة عندهم قد استسعدوا بأيامه رخاء وعدلاً وطيب عيش فالكبير والصغير منهم داعٍ له.
أبصرنا هذا الخليفة المذكور، وهو أبو العباس أحمد الناصر لدين الله بن المستضيء بنور الله محمد الحسن بن المستنجد بالله أبي المظفر يوسف، ويتصل نسبه أبي الفضل جعفر المقتدر بالله، السلف فوقه من أجداده الخلفاء، رضوان الله عليهم بالجانب الغربي أمام منظرته به وقد انحدر عنها صاعداً في الزورق قصره بأعلى الجانب الشرقي على الشط، وهو في فتاء من سنه، اشقر اللحية صغيرها كما اجتمع بها وجهه، حسن الشكل، جميل المنظر، أبيض اللون، معتدل القامة، رائق الرواء، سنه نحو الخمس وعشرين سنة، لابساً ثوباً أبيض شبه القباء برسوم ذهب فيه، وعلى رأسه قلنسوة مذهبة مطوقة بوبر أسود من الأوبار الغالية القيمة المتخذة للباس مما هو كالفنك وأشرف، متعمداً بذلك ذي الأتراك تعمية لشأنه، لكن الشمس لاتخفى وأن سترت، وذلك عشية يوم السبت السادس لصفر سنة ثمانين، وأبصرناه أيضاً عشي يوم الاحد بعده متطلعاً من منظرته المذكورة بالشط الغربي، وكنا نسكن بمقربة منها.
والشرقية حفيلة الأسواق عظيمة الترتيب، تشتمل من الخلق على بشر لا يحصيهم الا الله تع الذي أحصى كل شيء عدداً. وبها من الجوامع ثلاثة، كل يجتمع فيها: جامع الخليفة متصل بداره، وهو جامع كبير، وفيه سقايات عظيمة ومرافق كثيرة كاملة، مرافق الوضوء والطهور؛ وجامع السلطان، وهو خارج البلد، ويتصل به قصور تنسب للسلطان أيضاً المعروف بشاه شاه، وكان مدبر أمر أجداد هذا الخليفة، وكان يسكن هنالك، فابتنى الجامع أمام مسكنه؛ وجامع الرصافة، وهو على الجانب الشرقي المذكور، وبينه وبين جامع هذا السلطان المذكور مسافة نحو الميل، والرصافة تربة الخلفاء العباسيين، رحمهم الله. فجميع جوامع البلد ببغداد المجع فيها أحد عشر.
وأما حماماتها فلا تحصى عدةً، ذكر لنا أحد أشياخ البلد أنها بين الشرقية والغربية نحو الألفي حمام، وأكثرها مطلية بالقار مسطحة به، فيخيل للناظر أنه رخام اسود صقيل. وحمامات هذه الجهات أكثرها على هذه الصفة لكثرة القار عندهم، لأن شأنه عجيب، يجلب من عين بين البصرة والكوفة، وقد أنبط الله ماء هذه العين ليتولد منه القار، فهو يصير في جوانبها كالصلصال، فيجرف ويجلب وقد انعقد، فسبحان خالق مايشاء لا اله سواه.
وأما المساجد بالشرقية والغربية فلا يأخذها التقدير فضلا عن الاحصاء.
والمدارس بها نحو الثلاثين، وهي كلها بالشرقية، وما منها مدرسة الا وهي يقصر القصر البديع عنها وأعظمها وأشهرها النظامية وهي التي ابتناها نظام الملك، وجددت سنة أربع وخمس مئة. ولهذه المدارس أوقاف عظيمة وعقارات محبسة تتصير الفقهاء المدرسين بها، ويجرون بها على الطلبة مايقوم بهم، ولهذه البلاد في أمر هذه المدارس والمارستانات شرف عظيم وفخر مخلد، فرحم الله واضعها الأول ورحم من تبع ذلك السنن الصالح.
وللشرقية أربعة أبواب: فأولها، وهو في أعلى الشط، باب السلطان، ثم باب الظفرية، ثم يليه باب الحلبة، ثم باب البصلية. هذه الأبواب التي هي في السور المحيط بها من أعلى الشط أسفله، هو ينعطف عليها كنصف دائرة مستطيلة. وداخلها في الأسواق أبواب كثيرة. وبالجملة فشأن هذه البلدة أعظم من أن يوصف، وأين هي مما كانت عليه? هي اليوم داخلة تحت قول حبيب: لاانت انت ولا الديار ديار

مغادرة بغداد

واتفق رحيلنا من بغداد الموصل اثر صلاة العصر من يوم الاثنين الخامس عشر لصفر، وهو الثامن والعشرون لمايه، فكان مقامنا بها ثلاثة عشر يوماً، ونحن في صحبة الخاتونين: خاتون بنت مسعود المتقدمة الذكر في هذا التقييد، وخاتون ام عز الدين صاحب الموصل، وصحبتهما حاج الشام والموصل وأرض الأعاجم المتصلة بالدروب التي طاعة الأمير مسعود والد احدى الخاتونين المذكورتين، وتوجه جاج خراسان ومايليها صحبة الخاتون الثالثة ابنة الملك الدقوس، وطريقهم على الجانب الشرقي من بغداد، وطريقنا نحن الموصل على الجانب الغربي منها. وهاتان الخاتونان هما أميرتا هذا العسكر الذي توجهنا فيه وقائدناه، والله لايجعلنا تحت قول القائل:
ضاع الرعيل ومن يقوده
ولهما أجناد برسمهما، وزادهما الخليفة جنداً يشيعونهما مخافة العرب الخفاجيين المضرين بمدينة بغداد، وفي تلك العشية التي رحلنا فيها فجأتنا خاتون المسعودية المترفة شباباً وملكاً، وهي قد استقلت في هودج موضوع على خشبتين معترضتين بين مطيتين الواحدة أمام الآخرى وعليهما الجلال المذهبة، وهما تسيران بها سير النسيم سرعة وليناً، وقد فتح لها أمام الهودج وخلفه بابان، وهي ظاهرة في وسطه متنقبة، وعصابة ذهب على رأسها، وأمامها رعيل من فتيانها وجندها، وعن يمينها جنائب المطايا والهماليج العتاق، ووراءها ركب من جواريها قد ركبن المطايا والهماليج على السروج المذهبة وعصبن رؤوسهن بالعصائب الذهبيات والنسيم يتلاعب بعذباتهن، وهو يسرن خلف سيدتهن سير السحاب. ولها الرايات والطبول البوقات تضرب عند ركوبها وعند نزولها.
وأبصرنا من نخوة الملك النسائي واحتفاله رتبة تهز الأرض هزاً، وتسحب أذيال الدنيا عزاً. ويحق أن يخدمها العز، ويكون لها هذا الهز، فان مسافة مملكة أبيها نحو الأربعة أشهر، وصاحب القسطنطينية يؤدي اليه الجزية، وهو من العدل في رعيته على سيرة عجيبة، ومن موالاة الجهاد على سنة مرضية.
وأعلمنا أحد الحجاج من أهل بلدنا أن في هذا العام الذي هو عام تسعة وسبعين الخالي عنا استفتح من بلاد الروم نحو الخمسة وعشرين بلداً، ولقبه عز الدين، واسم أبيه مسعود، وهذا الإسم غلب عليه، وهو عريق في المملكة عن جد فجد. ومن شرف خاتون هذه واسمها سلجوقة، أن صلاح الدين استفتح آمد بلد زوجها نور الدين، وهي من أعظم بلاد الدنيا، فترك البلد لها كرامة لأبيها وأعطاها المفاتيح، فبقي ملك زوجها بسببها. وناهيك من هذا الشأن! والملك ملك الحي القيوم، يؤتي الملك من يشاء لا إله سواه.
فكان مبيتنا تلك الليلة بإحدى قرى بغداد، نزلناها مضى هدء من الليل، وبمقربة منها دجيل، وهو نهر يتفرع من دجلة يسقي تلك القرى كلها.
وغدونا من ذلك الموضع، ضحى يوم الثلاثاء السادس عشر لصفر المذكور، والقرى متصلة في طريقنا، فاتصل سيرنا إثر صلاة الظهر، ونزلنا وأقمنا باقي يومنا ليلحق من تأخر من الحجاج ومن تجار الشام الموصل. ثم رحلنا قبيل نصف الليل، وتمادى سيرنا أن ارتفع النهار، فنزلنا قائلين ومريحين على دجيل. وأسرينا الليل كله، فنزلنا مع الصباح بمقربة من قرية تعرف بالحربة، من أخصب القرى وأفسحها. ورحلنا من ذلك الموضع وأسرينا الليل كله، ونزلنا مع الصباح من يوم الخميس الثامن عشر لصفر على شط دجلة بمقربة من حصن يعرف بالمعشوق، ويقال: انه كان متفرجاً لزبيدة ابنة عم الرشيد وزوجه، وعلى قبالة هذا الموضع في الشط الشرقي مدينة سر من رأى، وهي اليوم عبرة من رأي: أين معتصمها، وواثقها، ومتوكلها?! مدينة كبيرة قد استولى الخراب عليها الا بعض جهات منها هي اليوم معمورة. وقد أطنب المسعودي، رحمة الله، في وصفها ووصف طيب هوائها ورائق حسنها.وهي كما وصف وإن لم يبق الا الأثر من محاسنها، والله وارث الأرض ومن عليها، لا اله غيره فأقمنا بهذا الموضع طول يومنا مستريحين، وبيننا وبين مدينة تكريت مرحلة، ثم رحلنا منه وأسرينا الليل كله، فضبحنا تكريت مع الفجر من يوم الجمعة التاسع عشر من الشهر، وهو أول يوم من يونيه، فنزلنا ظاهرها مستريحين ذلك اليوم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
 
رحلة ابن جبيرالرحلة إلى بغداد السلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» رحلة ابن جبيرالرحلة إلى الموصل
» رحلة ابن جبيرالرحلة إلى التكريت
» رحلة ابن جبيرالرحلة إلى الحله
» رحلة ابن جبيرالرحلة إلى الكوفه
» رحلة ابن جبيرالرحلة إلى العراق

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى عشائر البو حسين العام في العراق للشيخ شوقي جبار البديري :: المنتدى العام :: منتدى عام-
انتقل الى: