الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
اهل البيت
المواضيع الأخيرة
» مقاتل الطالبيّين مقاتل الطالبيّين المؤلف :أبي الفرج الاصفهاني
نهج البلاغه ج3 Emptyأمس في 11:42 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج1
نهج البلاغه ج3 Emptyأمس في 10:27 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج2
نهج البلاغه ج3 Emptyأمس في 9:59 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج3
نهج البلاغه ج3 Emptyأمس في 9:34 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  كلام جميل عن التسامح
نهج البلاغه ج3 Emptyأمس في 8:57 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  مفهوم التسامح مع الذات
نهج البلاغه ج3 Emptyأمس في 8:48 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» أقوال الحكماء والفلاسفة
نهج البلاغه ج3 Emptyأمس في 10:01 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» أقوال وحكم رائعة
نهج البلاغه ج3 Emptyأمس في 9:55 am من طرف الشيخ شوقي البديري

»  أحاديث / شرح حديث (إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا) شرح حديث (إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا)
نهج البلاغه ج3 Emptyأمس في 9:50 am من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     نهج البلاغه ج3

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    نهج البلاغه ج3 Empty
    مُساهمةموضوع: نهج البلاغه ج3   نهج البلاغه ج3 Emptyأمس في 9:11 pm

    بسم الله الرحمن الرحيم
    باب المختار من كتب (1) مولانا أمير المؤمنين عليه السلام
    إلى أعدائه وأمراء بلاده
    ويدخل فى ذلك ما اختير من عهوده (2) إلى عماله ، ووصاياه لأهله وأصحابه
    1 ـ من كتاب له عليه السلام
    لأهل الكوفة ، عند مسيره من المدينة إلى البصرة
    من عبد اللّه علىّ أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة جبهة الأنصار (3) وسنام العرب.
    __________________
    (1) قال ابن أبى الحديد : وقد أورد فى هذا الباب ما هو بالباب الأول أشبه : نحو كلامه عليه السلام لشريح القاضى لما اشترى دارا ، وكلامه لشريح بن هانئ لما جعله على مقدمته إلى الشام اه‍
    (2) قال ابن أبى الحديد : وسمى ما يكتب للولاة عهدا اشتقاقا من قولهم «عهدت إلى فلان» أى : أوصيته
    (3) شبههم بالجبهة من حيث الكرم ، وبالسنام من حيث الرفعة ، وقال ابن أبى الحديد : قوله «جبهة الأنصار» يمكن أن يريد به جماعة الأنصار ، فان الجبهة فى اللغة الجماعة ، ويمكن أن يريد به سادة الأنصار ، لأن جبهة الانسان أعلى أعضائه ، وليس يريد بالأنصار ههنا الأوس والخزرج ، بل الأنصار ههنا الأعوان ، وقوله «وسنام العرب» أى : أهل الرفعة والعلو منهم ، لأن السنام أعلى أعضاء البعير اه‍

    أمّا بعد ، فإنّى أخبركم عن أمر عثمان حتّى يكون سمعه كعيانه ، إنّ النّاس طعنوا عليه فكنت رجلا من المهاجرين أكثر استعتابه (1) وأقلّ عتابه ، وكان طلحة والزّبير أهون سيرهما فيه الوجيف ، وأرفق حدائهما العنيف ، وكان من عائشة فيه فلتة غضب (2) ، فأتيح له قوم فقتلوه ، وبايعنى النّاس غير مستكرهين ولا مجبرين ، بل طائعين مخيّرين. واعلموا أنّ دار الهجرة قد قلعت بأهلها وقلعوا بها (3) ، وجاشت [جيش] المرجل ، وقامت الفتنة على القطب ، فأسرعوا إلى أميركم ، وبادروا جهاد عدوّكم ، إن شاء اللّه.
    __________________
    (1) استعتابه : استرضاؤه ، والوجيف : ضرب من سير الخيل والأبل سريع ، وجملة «أهون سيرهما الوجيف» خبر «كان» أى : إنهما سارعا لاثارة الفتنة عليه. والحداء : زجر الأبل وسوقها.
    (2) قيل : إن أم أمير المؤمنين أخرجت نعلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وقميصه من تحت ستارها ، وعثمان رضى اللّه عنه على المنبر ، وقالت : هذان نعلا رسول اللّه وقميصه لم تبل ، وقد بدلت من دينه ، وغيرت من سنته ، وجرى بينهما كلام المخاشنة ، فقالت : اقتلوا نعثلا ، تشبهه برجل معروف ، «فأتيح» أى : قدر له قوم فقتلوه
    (3) دار الهجرة : المدينة ، وقلع المكان بأهله : نبذهم فلم يصلح لاستيطانهم. وجاشت : غلت ، والجيش : الغليان. والمرجل ـ كمنبر ـ : القدر ، أى : فعليكم أن تقتدوا بأهل دار الهجرة فقد خرجوا جميعا لقتال أهل الفتنة. والقطب : هو نفس الامام قامت عليه فتنة أصحاب الجمل.

    2 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إليهم ، بعد فتح البصرة
    وجزاكم اللّه من أهل مصر (1) عن أهل بيت نبيّكم أحسن ما يجزى العاملين (2) بطاعته ، والشّاكرين لنعمته ، فقد سمعتم وأطعتم ، ودعيتم فأجبتم.
    3 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    [كتبه] لشريح بن الحارث (3) قاضيه
    روى أن شريح بن الحارث قاضى أمير المؤمنين عليه السلام اشترى على عهده دارا بثمانين دينارا فبلغه ذلك ، فاستدعاه وقال له : بلغنى انك ابتعت دارا بثمانين دينارا وكتبت [لها] كتابا وأشهدت [فيه] شهودا ، فقال [له] شريح : قد كان ذلك يا أمير المؤمنين ، قال : فنظر إليه نظر مغضب ثم قال له :
    __________________
    (1) قال ابن الحديد : موضع قوله «من أهل مصر» نصب على التمييز ، ويجوز أن يكون حالا ، فان قلت : كيف يكون تمييزا وتقديره : وجزاكم اللّه متمدنين أحسن ما يجزى المطيع ، والتمييز لا يكون إلا جامدا؟ قلت : إنهم أجازوا كون التمييز مشتقا فى قولهم يا جارتا ما أنت جارة وقولهم يا سيدا ما أنت من سيد اه‍
    (2) قال ابن أبى الحديد : و «ما» يجوز أن تكون مصدرية ، أى : أحسن جزاء العاملين ، ويجوز أن تكون بمعنى الذى ويكون قد حذف العائد إلى الموصول ، وتقديره : أحسن الذى يجزى به العاملين اه‍ قلت : وتقديره غير صحيح ، فان العائد المجرور بالحرف لا يحذف إلا أن يكون الموصول قد جر به ، والصواب فى تقديره : جزاكم اللّه أحسن ما يجزيه
    (3) هو شريح بن الحارث المنتجع بن معاوية بن جهم بن ثور ، الكندى ، وقيل : إنه حليف لكندة من بنى الرائش ، وقال ابن الكلبى : ليس اسم ابيه الحارث ، وإنما هو شريح بن معاوية بن ثور ، وقال قوم : هو شريح بن هانئ ، وقال قوم : هو شريح

    يا شريح ، أما إنّه سيأتيك من لا ينظر فى كتابك ، ولا يسألك عن بيّنتك ، حتّى يخرجك منها شاخصا (1) ويسلمك إلى قبرك خالصا ، فانظر يا شريح لا تكون ابثعت هذه الدّار من غير مالك ، أو نقدت الثّمن من غير حلالك! فإذا أنت قد خسرت دار الدّنيا ودار الآخرة! أما إنّك لو كنت أتيتنى عند شرائك ما اشتريت لكتبت لك كتابا على هذه النّسخة ، فلم ترغب فى شراء هذه الدّار بدرهم فما فوق ، والنّسخة [هذه] : هذا ما اشترى عبد ذليل ، من عبد قد أزعج للرّحيل ، اشترى منه دارا من دار الغرور من جانب الفانين ، وخطّة الهالكين (2) ، وتجمع هذه الدّار حدود أربعة : الحدّ الأوّل : ينتهى إلى دواعى الآفات ، و [الحدّ] الثّانى ينتهى إلى دواعى المصيبات ، والحدّ الثّالث ينتهى إلى الهوى المردى ، والحدّ الرّابع ينتهى إلى الشّيطان المغوى ، وفيه يشرع باب هذه الدّار!! (3)
    __________________
    ابن شراحيل ، والصحيح ما قدمناه أولا : استعمله عمر بن الخطاب على القضاء بالكوفة فلم يزل قاضيا ستين سنة لم يتعطل فيها إلا ثلاث سنين فى فتنة ابن الزبير امتنع فيها من القضاء ، ثم استعفى الحجاج من العمل فأعفاه ، ولزم داره إلى أن مات
    (1) ذاهبا مبعدا. وتقول «شخص من بلد إلى بلد» إذا ذهب ، وبابه خضع ، وأشخصه غيره؟؟؟
    (2) خطة ـ بكسر الخاء ـ هى فى الأصل الأرض التى يختطها الانسان لنفسه ، أى : يعلم عليها علامة بالخط ليعمرها
    (3) «يشرع» أى : يفتح فى الحد الرابع

    اشترى هذا المغترّ بالأمل ، من هذا المزعج بالأجل ، هذه الدّار بالخروج من عزّ القناعة ، والدّخول فى ذلّ الطّلب والضّراعة (1) ، فما أدرك هذا المشترى فيما اشترى منه من درك فعلى مبلبل أجسام الملوك ، وسالب نفوس الجبابرة ، ومزيل ملك الفراعنة ، مثل كسرى وقيصر ، وتبّع وحمير ، ومن جمع المال على المال فأكثر ، [ومن بنى] وشيّد ، وزخرف ونجّد ، وادّخر واعتقد ، ونظر بزعمه للولد ، إشخاصهم جميعا (2) إلى موقف العرض والحساب ، وموضع الثّواب والعقاب ، إذا وقع الأمر بفصل القضاء «وَخَسِرَ هُنٰالِكَ اَلْمُبْطِلُونَ» شهد على ذلك العقل إذا خرج من أسر الهوى ، وسلم من علائق الدّنيا.
    4 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى بعض أمراء جيشه
    فإن عادوا إلى ظلّ الطّاعة فذلك الّذى نحبّ ، وإن توافت الأمور بالقوم
    __________________
    (1) الضراعة : الذلة ، والدرك ـ بالتحريك ـ : التبعة. والمراد منه ما يضر بملكية المشترى أو منفعته بما اشترى ، ويكون الضمان فيه على البائع ، ومبلبل الأجسام : مهيج داءاتها المهلكة لها ، ونجد ـ بتشديد الجيم ـ أى : زين ، واعتقد المال : اقتناه
    (2) إشخاصهم : مبتدأ مؤخر خبره «على مبلبل الأجسام الخ» أى : إذا لحق المشترى ما يوجب الضمان فعلى مبلبل الأجسام إرساله هو والبائع إلى موقف الحساب الخ.

    إلى الشّقاق والعصيان (1) فانهد بمن أطاعك إلى من عصاك ، واستغن بمن انقاد معك عمّن تقاعس عنك ، فإنّ المتكاره (2) مغيبه خير من مشهده ، وقعوده أغنى من نهوضه.
    5 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى الأشعث بن قيس ، وهو عامل أذربيجان
    وإنّ عملك ليس لك بطعمة (3) ولكنّه فى عنقك أمانة [و] أنت مسترعى لمن فوقك. ليس لك أن تفتات فى رعية (4) ولا تخاطر إلاّ بوثيقة ، وفى يديك مال من مال اللّه عزّ وجلّ ، وأنت من خزّانه حتّى تسلّمه إلىّ ، ولعلّى أن لا أكون شرّ ولاتك [لك] ، والسّلام (5).
    __________________
    (1) توافى القوم : وافى بعضهم بعضا حتى تم اجتماعهم ، أى : وإن اجتمعت أهواوهم إلى الشقاق ، «فانهد» أى : انهض
    (2) المتكاره : المتثاقل بكراهة الحرب ، وجوده فى الجيش يضر أكثر مما ينفع
    (3) «عملك» أى : ما وليت لتعمله فى شؤون الأمة. ومسترعى : يرعاك من فوقك ، وهو الخليفة
    (4) «تفتات» أى : تستبد ، وهو افتعال من الفوت ، كأنه يفوت آمره فيسبقه إلى الفعل قبل أن يأمره ، والخزان ـ بضم فتشديد ـ : جمع خازن
    (5) الولاة : جمع وال ، من «ولى عليه» إذا تسلط ، يرجو أن لا يكون شر المتسلطين عليه ، ولا بحق الرجاء إلا إذا استقام

    6 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى معاوية
    إنّه بايعنى القوم الّذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان ، على ما بايعوهم عليه ، فلم يكن للشّاهد أن يختار ، ولا للغائب أن يردّ ، وإنّما الشّورى للمهاجرين والأنصار. فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماما كان ذلك [للّه] رضا ، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه ، فإن أتى قاتلوه على اتّباعه غير سبيل المؤمنين ، وولاّه اللّه ما تولّى. ولعمرى ـ يا معاوية ـ لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدنّى أبرأ النّاس من دم عثمان ، ولتعلمنّ أنّى كنت فى عزلة عنه ، إلاّ أن تتجنّى (1) [فتجنّ] ما بدا لك ، والسّلام.
    7 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إليه أيضا
    أمّا بعد ، فقد أتتنى منك موعظة موصّلة (2) ، ورسالة محبّرة ، نمّقتها بضلالك ،
    __________________
    (1) تجنى ـ كتولى ـ : ادعى الجناية على من لم يفعلها ، و «تجن ما بدا لك» اى : تستره وتخفيه
    (2) موصلة ـ بصيغة المفعول ـ : ملفقة من كلام مختلف ، وصل بعضه ببعض على التباين ، كالثوب المرقع ، و «محبرة» أى : مزينة ، ونمقتها : حسنت كتابتها ، وأمضيتها : أنفذتها وبعثتها ، و «كتاب» عطف على «موعظة»

    وأمضيتها بسوء رأيك! وكتاب امرئ ليس له بصر يهديه ، ولا قائد يرشده ، قد دعاه الهوى فأجابه ، وقاده الضّلال فاتّبعه ، فهجر لاغطا (1) [وضلّ] خابطا
    منه : لأنّها بيعة واحدة لا يثنّى فيها النّظر (2) ولا يستأنف فيها الخيار ، الخارج منها طاعن ، والمروّى فيها مداهن
    8 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى جرير بن عبد اللّه البجلى ، لما أرسله إلى معاوية
    أمّا بعد ، فإذا أتاك كتابى فاحمل معاوية على الفصل (3) وخذه بالأمر الجزم ، ثمّ خيّره بين حرب مجلية ، أو سلم مخزية ، فإن اختار الحرب فانبذ إليه ، وإن اختار السّلم فخذ بيعته ، والسّلام
    __________________
    (1) هجر : هذى فى كلامه ولغا ، وقد هجر ـ من باب نصر ـ فهو هاجر ، والكلام مهجور ، وبه فسر مجاهد وغيره قوله تعالى : «إِنَّ قَوْمِي اِتَّخَذُوا هٰذَا اَلْقُرْآنَ مَهْجُوراً» أى : باطلا ، واللغط : الجلبة بلا معنى
    (2) لا ينظر فيها ثانيا بعد النظر الأول ، ولا خيار لأحد فيها يستأنفه بعد عقدها ، والمروى : هو المتفكر هل يقبلها أو ينبذها ، والمداهن : المنافق
    (3) الفصل : الحكم القطعى ، و «حرب مجلية» أى : مخرجة له من وطنه ، والسلم المخزية : الصلح الدال على العجز والخطل فى الرأى الموجب للخزى ، فانبذ إليه أى : اطرح إليه عهد الأمان وأعلنه بالحرب ، والفعل من باب ضرب

    9 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى معاوية
    فأراد قومنا قتل نبيّنا ، واجتياح أصلنا (1) وهمّوا بنا الهموم ، وفعلوا بنا الأفاعيل ، ومنعونا العذب ، وأحلسونا الخوف ، واضطرّونا إلى جبل وعر ، وأوقدوا لنا نار الحرب ، فعزم اللّه لنا على الذّبّ عن حوزته (2) ، والرّمى من وراء حرمته : مؤمننا يبغى بذلك الأجر ، وكافرنا يحامى عن الأصل ، ومن أسلم من قريش خلوا ممّا نحن فيه بحلف يمنعه ، أو عشيرة تقوم دونه ، فهو من القتل بمكان أمن (3). وكان رسول اللّه ، صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، إذا احمرّ البأس (4) ، وأحجم
    __________________
    (1) يحكى معاملة قريش للنبى صلّى اللّه عليه وآله وسلم فى أول البعثة ، والاجتياح : الاستئصال والاهلاك و «هموا الهموم» : قصدوا نزولها ، والأفاعيل : جمع أفعولة ، وهى الفعلة الرديئة ، والعذب : هنى العيش ، وأحلسونا : ألزمونا ، واضطرونا : ألجأونا ، والجبل الوعر : الصعب الذى لا يرقى إليه ، كناية عن مضايقة قريش لشعب أبى طالب حيث جاهروهم بالعداوة وحلفوا لا يزوجونهم ولا يكلمونهم ولا يبايعونهم وكتبوا على ذلك عهدهم عداوة للنبى صلّى اللّه عليه وآله وسلم
    (2) عزم اللّه : أراد لنا أن نذب عن حوزته ، والمراد من الحوزة هنا : الشريعة الحقة ، ورمى من وراء الحرمة : جعل نفسه وقاية لها يدافع السوء عنها فهو من ورائها أو هى من ورائه.
    (3) كان المسلمون من غير آل البيت آمنين على أنفسهم : إما بتحالفهم مع بعض القبائل ، أو بالاستناد إلى عشائرهم
    (4) احمرار البأس : اشتداد القتال ، والوصف لما يسيل فيه من الدماء. وحر الأسنة ـ بفتح الحاء ـ : شدة وقعها.

    النّاس قدّم أهل بيته فوقى بهم أصحابه حرّ الأسنّة والسّيوف ، فقتل عبيدة بن الحارث يوم بدر (1) ، وقتل حمزة يوم أحد ، وقتل جعفر يوم مؤتة ، وأراد من لو شئت ذكرت اسمه مثل الّذى أرادوا من الشّهادة (2) ، [و] لكن آجالهم عجّلت ، ومنيّته أجّلت ، فيا عجبا للدّهر إذ صرت يقرن بى من لم يسع بقدمى (3) ، ولم تكن له كسابقتى ، [الّتى] لا يدلى أحد بمثلها إلاّ أن يدّعى مدّع ما لا أعرفه ، ولا أظنّ اللّه يعرفه ، والحمد للّه على كلّ حال وأمّا ما سألت من دفع قتلة عثمان إليك فانّى نظرت فى هذا الأمر فلم أره يسعنى دفعهم إليك ولا إلى غيرك ، ولعمرى لئن لم تنزع عن غيّك وشقاقك (4) ، لتعرفنّهم عن قليل يطلبونك ، لا يكلّفونك طلبهم فى برّ ولا بحر ، ولا جبل ولا سهل ، إلاّ أنّه طلب يسوءك وجدانه ، وزور لا يسرّك لقيانه (5) والسّلام لأهله
    __________________
    (1) عبيدة ابن عمه ، وحمزة عمه ، وجعفر أخو الامام. ومؤتة ـ بضم الميم ـ : بلد فى حدود الشام
    (2) «من لو شئت» : يريد نفسه ، وانظر (ص 64 و 65 من الجزء الثانى من هذه المطبوعة)
    (3) بقدم مثل قدمى جرت وثبتت فى الدفاع عن الدين ، والسابقة : فضله السابق فى الجهاد ، وأدلى إليه برحمه : توسل ، وبمال : دفعه إليه ، وكلا المعنيين صحيح
    (4) تنزع ـ كتضرب ـ أى : تنته
    (5) الزور ـ بفتح فسكون ـ : الزائرون ، وإفراد الضمير فى لقيانه باعتبار اللفظ

    10 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إليه أيضا
    وكيف أنت صانع إذا تكشّفت عنك جلابيب ما أنت فيه من دنيا قد تبهّجت بزينتها (1) وخدعت بلذّتها ، دعتك فأجبتها ، وقادتك فاتّبعتها ، وأمرتك فأطعتها. وإنّه يوشك أن يقفك واقف على ما لا ينحيك منه مجنّ (2) فاقعس عن هذا الأمر ، وخذ أهبة الحساب ، وشمّر لما [قد] نزل بك ، ولا تمكّن الغواة من سمعك ، وإلاّ تفعل أعلمك ما أغفلت من نفسك (3) فإنّك مترف قد أخذ الشّيطان منك مأخذه ، وبلغ فيك أمله ، وجرى منك مجرى الرّوح والدّم ومتى كنتم يا معاوية ساسة الرّعيّة (4) وولاة أمر الأمّة ، بغير قدم سابق ، ولا شرف باسق ، ونعوذ باللّه من لزوم سوابق الشّقاء! وأحذّرك أن تكون
    __________________
    (1) الجلابيب : جمع جلباب ، وهو الثوب فوق جميع الثياب كالملحفة ، وتبهجت : تحسنت ، والضمير فيه وفيما بعده للدنيا
    (2) المجن : الترس ، أى : يوشك أن يطلعك اللّه على مهلكة لك لا تتقى منها بترس ويروى «على ما لا ينجيك منه منج» اسم فاعل من «أنجى» واقعس : تأخر. والأهبة : كالعدة ـ بالضم ـ وزنا ومعنى. والغواة : قرناء السوء يزينون الباطل ويحملون على الفساد
    (3) أى : أنبهك بصدمة القوة إلى ما لم تنتبه إليه من نفسك فتعرف الحق وتقلع عن الباطل ، والمترف : من أطغته النعمة
    (4) ساسة : جمع سائس ، والباسق : العالى الرفيع

    متماديا فى غرّة الأمنيّة (1) مختلف العلانية والسّريرة
    وقد دعوت إلى الحرب فدع النّاس جانبا واخرج إلىّ ، وأعف الفريقين من القتال ليعلم أيّنا المرين على قلبه (2) والمغطّى على بصره ، فأنا أبو حسن قاتل جدّك (3) وخالك وأخيك شدخا يوم بدر ، وذلك السّيف معى ، وبذلك القلب ألقى عدوّى! ما استبدلت دينا ، ولا استحدثت نبيّا ، وإنّى لعلى المنهاج الّذى تركتموه طائعين (4) ودخلتم فيه مكرهين. وزعمت أنّك جئت ثائرا بعثمان (5) ولقد علمت حيث وقع دم عثمان فاطلبه من هناك إن كنت طالبا ، فكأنّى [قد] رأيتك تضجّ من الحرب إذا عضّتك ضجيح الجمال بالأثقال (6) ، وكأنّى بجماعتك تدعونى ـ جزعا من الضّرب
    __________________
    (1) الغرة ـ بالكسر ـ : الغرور ، والأمنية ـ بضم الهمزة ـ : ما يتمناه الانسان ويؤمل إدراكه.
    (2) المرين ـ بفتح فكسر ـ : اسم مفعول من «ران ذنبه على قلبه» غلب عليه فغطى بصيرته ، وفى التنزيل : «كَلاّٰ بَلْ رٰانَ عَلىٰ قُلُوبِهِمْ مٰا كٰانُوا يَكْسِبُونَ»
    (3) جد معاوية لأمه : عتبة بن ربيعة ، وخاله : الوليد بن عتبة ، وأخوه : حنظلة بن أبى سفيان. و «شدخا» أى : كسرا ، قالوا هو الكسر فى الرطب ، وقيل : فى اليابس.
    (4) المنهاج : هو طريق الدين الحق ، لم يدخل فيه أبو سفيان ومعاوية رضى اللّه عنهما إلا بعد الفتح كرها
    (5) ثأر به : طلب بدمه ، ويشير بحيث وقع دم عثمان إلى طلحة والزبير
    (6) تفرس فيما سيكون من معاوية وجنده ، وكان الأمر كما تفرس الامام. والحائدة : العادلة عن البيعة بعد الدخول فيها

    المتتابع ، والقضاء الواقع ، ومصارع بعد مصارع ـ إلى كتاب اللّه وهى كافرة جاحدة ، أو مبايعة حائدة ،
    11 ـ ومن وصيّة له عليه السّلام
    وصى بها جيشا بعثه إلى العدو
    فإذا نزلتم بعدوّ أو نزل بكم فليكن معسكركم فى قبل الأشراف (1) وسفاح الجبال ، أو أثناء الأنهار ، كيما يكون لكم ردءا ودونكم مردّا ، ولتكن مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين ، واجعلوا لكم رقباء فى صياصى الجبال (2) ، ومناكب الهضاب ، لئلاّ يأتيكم العدوّ من مكان مخافة أو أمن ، واعلموا أنّ مقدّمة القوم عيونهم ، وعيون المقدّمة طلائعهم ، وإيّاكم والتّفرّق فإذا نزلتم فانزلوا جميعا ، وإذا ارتحلتم فارتحلوا جميعا ، وإذا غشيكم اللّيل فاجعلوا الرّماح كفّة (3) ، ولا تذوقوا النّوم إلاّ غرارا أو مضمضة.
    __________________
    (1) «قبل الأشراف» قدام الجبال ، والأشراف : جمع شرف ـ محركة ـ وهو : العلو والعالى ، وسفاح الجبال : أسافلها ، والأثناء : منعطفات الأنهار ، والردء ـ بكسر فسكون ـ العون ، والمرد ـ بتشديد الدال ـ مكان الرد والدفع
    (2) صياصى : أعالى ، والمناكب : المرتفعات ، والهضاب : جمع هضبة ـ بفتح فسكون ـ : الجبل لا يرتفع عن الأرض كثيرا مع انبساط فى أعلاه.
    (3) مثل كفة الميزان ، فانصبوها مستديرة حولكم محيطة بكم كأنها كفة الميزان والغرار ـ بكسر الغين ـ : النوم الخفيف ، والمضمضة : أن ينام ثم يستيقظ

    12 ـ ومن وصيّة له عليه السّلام
    لمعقل بن قيس الرياحى حين أنفذه إلى الشام فى ثلاثة آلاف مقدمة له
    اتّق اللّه الّذى لا بدّ لك من لقائه ، ولا منتهى لك دونه ، ولا تقاتلنّ إلاّ من قاتلك ، وسر البردين (1) وغوّر بالنّاس ، ورفّه فى السّير ، ولا تسر أوّل اللّيل (2) فإنّ اللّه جعله سكنا ، وقدّره مقاما لا ظعنا ، فأرح فيه بدنك ، وروّح ظهرك ، فاذا وقفت حين ينبطح السّحر (3) أو حين ينفجر الفجر ، فسر على بركة اللّه ، فإذا لقيت العدوّ فقف من أصحابك وسطا ، ولا تدن من القوم دنوّ من يريد أن ينشب الحرب ، ولا تباعد منهم تباعد من يهاب البأس ، حتّى يأتيك أمرى ، ولا يحملنّكم شنآنهم (4) على قتالهم قبل دعائهم والاعذار إليهم
    13 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى أميرين من أمراء جيشه
    وقد أمّرت عليكما وعلى من فى حيّزكما مالك بن الحارث الأشتر (5) فاسمعا
    __________________
    ثم ينام ، تشبها بمضمضة الماء فى الفم يأخذه ثم يمجه
    (1) الغداة والعشى
    (2) «وغور» أى : انزل بهم فى الغائرة ، وهى القائلة ونصف النهار ، أى : وقت شدة الحر ، «ورفه» أى : هون ولا تتعب نفسك ولا دابتك ، والظعن : السفر
    (3) ينبطح : ينبسط ، مجاز عن استحكام الوقت بعد مضى مدة منه وبقاء مدة
    (4) الشنآن : البغضاء ، والاعذار إليهم : تقديم ما يعذرون به فى قتالهم
    (5) الحيز : ما يتحيز فيه الجسم ، أى : يتمكن ، والمراد منه مقر سلطتهما

    له وأطيعا ، واجعلاه درعا ومجنّا (1) ، فإنّه ممّن لا يخاف وهنه ، ولا سقطته ، ولا بطؤه عمّا الاسراع إليه أحزم ، ولا إسراعه إلى ما البطء عنه أمثل
    14 ـ ومن وصيّة له عليه السّلام
    لعسكره قبل لقاء العدو بصفين
    لا تقاتلوهم حتّى يبدءوكم ، فإنّكم ـ بحمد اللّه ـ على حجّة ، وترككم إيّاهم حتّى يبدءوكم حجّة أخرى لكم عليهم ، فاذا كانت الهزيمة باذن اللّه فلا تقتلوا مدبرا ، ولا تصيبوا معورا (2) ، ولا تجهزوا على جريح ، ولا تهيجوا النّساء بأذى ، وإن شتمن أعراضكم ، وسببن أمراءكم ، فإنّهنّ ضعيفات القوى والأنفس والعقول ، إن كنّا لنؤمر بالكفّ عنهنّ وإنّهنّ لمشركات (3) وإن كان الرّجل ليتناول المرأة فى الجاهليّة بالفهر أو الهراوة (4) فيعيّر بها وعقبه من بعده.
    __________________
    (1) الدرع : ما يلبس من مصنوع الحديد للوقاية من الضرب والطعن ، والمجن : الترس ، أى : اجعلاه حاميا لكما ، والوهن : الضعف ، والسقطة : الغلطة. وأحزم : أقرب للحزم ، وأمثل : أولى وأحسن
    (2) المعور ـ كمجرم ـ : الذى أمكن من نفسه وعجز عن حمايتها ، وأصله «أعور» أى : أبدى عورته ، وأجهز على الجريح : تمم أسباب موته
    (3) هذا حكم الشريعة الاسلامية ، لا ما يتوهمه جاهلوها من إباحتها التعرض لأعراض الأعداء ، نعوذ باللّه
    (4) الفهر ـ بالكسر ـ : الحجر على مقدار ما يدق به الجوز أو يملأ الكف والهراوة ـ بالكسر ـ : العصا أو شبه الدبوس من الخشب ، و «عقبه» عطف على الضمير المستتر فى «يعير» ، وقد وقع الفصل بالجار والمجرور وذلك كاف

    15 ـ وكان عليه السلام يقول
    إذا لقى العدو محاربا :
    الّلهمّ أفضت [إليك] القلوب (1) ومدّت الأعناق ، وشخصت الأبصار ، ونقلت الأقدام ، وأنضيت الأبدان. الّلهمّ قد صرّح مكتوم الشّنآن (2) ، وجاشت مراجل الأضغان الّلهمّ إنّا نشكو إليك غيبة نبيّنا ، وكثرة عدوّنا ، وتشتّت أهوائنا «رَبَّنَا اِفْتَحْ بَيْنَنٰا وَبَيْنَ قَوْمِنٰا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ اَلْفٰاتِحِينَ»
    16 ـ وكان يقول عليه السلام
    لأصحابه عند الحرب
    لا تشتدّنّ عليكم فرّة بعدها كرّة (3) ، ولا جولة بعدها حملة ، وأعطوا السّيوف حقوقها ، ووطّئوا للجنوب مصارعها (4) واذمروا أنفسكم على الطّعن
    __________________
    (1) أفضت : انتهت ، ووصلت. وأنضيت : أبليت بالهزال والضعف فى طاعتك
    (2) صرح القوم بما كانوا يكتمون من البغضاء ، وجاشت : غلت ، والمراجل : القدور ، واحدها مرجل. والأضغان : جمع ضغن ، وهو الحقد
    (3) لا يشق عليكم الأمر إذا انهزمتم متى عدتم للكرة ، ولا تثقل عليكم الدورة من وجه العدو إذا كانت بعدها حملة وهجوم عليه
    (4) وطئوا : مهدوا للجنوب جميع جنب ، مصارعها : أماكن سقوطها ، واحدها مصرع. أى : إذا ضربتم فأحكموا الضرب ليصيب ، فكأنكم مهدتم للمضروب مصرعه ، واذمروا ـ على وزن اكتبوا ـ أى : حرضوا «5 ـ ن ـ ج ـ 3»

    الدّعسى (1) ، والضّرب الطّلحفى ، وأميتوا الأصوات فإنّه أطرد للفشل ، فو الّذى فلق الحبّة ، وبرأ النّسمة ، ما أسلموا ، ولكن استسلموا ، وأسرّوا الكفر ، فلمّا وجدوا أعوانا عليه أظهروه!!
    17 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى معاوية ، جوابا عن كتاب منه إليه
    فأمّا طلبك إلىّ الشّام (2) ، فإنّى لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك أمس ،
    __________________
    (1) الدعسى : اسم من الدعس ـ أى : الطعن الشديد ـ ، وتقول : دعست الوعاء ـ من باب منع ـ إذا حشوته ، أى : الطعن الذى يحشى به أجواف الأعداء والطلحفى ـ بفتحتين فسكون ففتح ، وضبطه ابن أبى الحديد بكسر الطاء وفتح اللام ، وذكر أن اللام زائدة ، والضبطان صحيحان ، وقال فى القاموس : كبرطيل وسمند وجردحل وسبحل وحبركى وقرطاس ، أى : ضربا شديدا ... واللام أصلية لذكرهم الطلحفى فى باب فعلى مع حبركى ، ووهم الجوهرى اه‍ ـ : أشد الضرب ، وإماتة الأصوات : انقطاعها بالسكوت ، وإنما أمرهم باماتة الأصوات لأن شدة الضوضاء فى الحرب أمارة الخوف والوجل والاضطراب
    (2) كتب معاوية إلى على يطلب منه أن يترك له الشام ويدعوه للشفقة على العرب الذين أكلتهم الحرب ولم يبق منهم إلا حشاشات أنفس ، جمع حشاشة ـ بالضم ـ : وهى بقية الروح ، ويخوفه باستواء العدد فى رجال الفريقين ، ويفتخر بأنه من أمية وهو وهاشم من شجرة واحدة ، فأجابه أمير المؤمنين بما ترى. ويقال : طلبت إلى فلان كذا ، والتقدير طلبت كذا راغبا إلى فلان ، كما قال تعالى : «فِي تِسْعِ آيٰاتٍ إِلىٰ فِرْعَوْنَ» أى : مرسلا إليه ، وقوله «ألا ومن أكله الحق فالى الجنة» هكذا هو فى أكثر النسخ ، والمراد بها من مات فى سبيل نصرة الحق فيكون الحق هو الذى عرضه لأكل الباطل إياه ، فنسب الأكل إليه تجوزا ، وجعله ابن أبى الحديد على تقدير «من أكله أعداء الحق» وفى بعض النسخ «من أكله الحق فالى النار» ولا تجوز

    وأمّا قولك «إنّ الحرب قد أكلت العرب إلاّ حشاشات أنفس بقيت» ألا ومن أكله الحقّ فإلى الجنّة ، ومن أكله الباطل فإلى النّار. وأمّا استواؤنا فى الحرب والرّجال فلست بأمضى على الشّكّ منّى على اليقين ، وليس أهل الشّام بأحرص على الدّنيا من أهل العراق على الآخرة. وأمّا قولك «إنّا بنو عبد مناف» فكذلك نحن ، ولكن ليس أميّة كهاشم ، ولا حرب كعبد المطّلب ، ولا أبو سفيان كأبى طالب ، ولا المهاجر كالطّليق (1) ، ولا الصّريح كاللّصيق ، ولا المحقّ كالمبطل ، ولا المؤمن كالمدغل ، ولبئس الخلف [خلفا] يتبع سلفا هوى فى نار جهنّم. وفى أيدينا بعد فضل النّبوّة الّتى أذللنا بها العزيز ، ونعشنا بها الذّليل (2).
    __________________
    (1) الطليق : الذى أسر فأطلق بالمن عليه أو الفدية ، وأبو سفيان ومعاوية كانا من الطلقاء يوم الفتح ، والمهاجر : من آمن فى المخافة وهاجر تخلصا منها ، والصريح : صحيح النسب فى ذوى الحسب ، واللصيق : من ينتمى إليهم وهو أجنبى عنهم ، والصراحة والالتصاق ههنا بالنسبة إلى الدين ، فالصريح فيه : من أسلم اعتقادا وإخلاصا لم يلجئه إلى ذلك ملجىء من خوف أو نحوه ، واللصيق فيه : من أسلم تحت السيف أو رغبة فى الدنيا ، وقد صرح بذلك فى قوله «كنتم ممن دخل فى الدين إما رغبة وإما رهبة» والمدغل : المفسد ، وقوله «ولبئس الخلف خلفا» فان «خلفا» ساقط من أكثر النسخ ، وذكره من باب الجمع بين فاعل «نعم وبئس» والتمييز ، والجمهور على منعه ، وأجازه المبرد وجماعة ، ومثله نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت وكثير من أمثاله
    (2) نعشنا : رفعنا.

    ولمّا أدخل اللّه العرب فى دينه أفواجا ، وأسلمت له هذه الأمّة طوعا وكرها كنتم ممّن دخل فى الدّين إمّا رغبة وإمّا رهبة على حين فاز أهل السّبق بسبقهم ، وذهب المهاجرون الأوّلون بفضلهم فلا تجعلنّ للشّيطان فيك نصيبا ، ولا على نفسك سبيلا
    18 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى عبد اللّه بن عباس ، وهو عامله على البصرة (1)
    اعلم أنّ البصرة مهبط إبليس ومغرس الفتن (2) فحادث أهلها بالإحسان إليهم ، واحلل عقدة الخوف عن قلوبهم (3) وقد بلغنى تنمّرك لبنى تميم (4) وغلظتك عليهم ، [و] إنّ بنى تميم لم يغب لهم نجم إلاّ طلع لهم آخر (5) ، وإنّهم لم يسبقوا بوغم فى جاهليّة ولا إسلام ،
    __________________
    (1) كان عبد اللّه بن عباس قد اشتد على بنى تميم ، لأنهم كانوا مع طلحة والزبير يوم الجمل : فأقصى كثيرا منهم ، فعظم على بعضهم من شيعة الامام ، فشكا له.
    (2) «مهبط» موضع هبوطه. و «معرس» يروى بالغين المعجمة من الغرس ، أى : موضع غرس الفتن ، ويروى «معرس» بميم مضمومة فعين مهملة مفتوحة فراء مشددة ـ من التعريس ، وهو نزول القوم ليلا للاستراحة ، والمعرس : مكان ذلك
    (3) «حادث أهلها» أى : تعهدهم بالاحسان من قولك «خادثت السيف بالصقال»
    (4) «تنمرك» أى : تنكر أخلاقك
    (5) غيبوبة النجم : كناية عن الضعف ، وطلوعه : كناية عن القوة ، والوغم ـ بفتح فسكون ـ : الحرب والحقد ، والثأر ، أى : لم يسبقهم أحد فى البأس ، وكان بين بنى تميم وهاشم مصاهرة ، وهى تستلزم القرابة بالنسل

    وإنّ لهم بنا رحما ماسّة ، وقرابة خاصّة ، نحن مأجورون على صلتها ، ومأزورون على قطيعتها ، فاربع (1) أبا العبّاس ، رحمك اللّه ـ فيما جرى على لسانك ويدك من خير وشرّ ، فإنّا شريكان فى ذلك ، وكن عند صالح ظنّى بك ، ولا يفيلنّ رأيى فيك ، والسّلام
    19 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى بعض عماله
    أمّا بعد ، فإنّ دهاقين أهل بلدك شكوا منك غلظة وقسوة (2) واحتقارا وجفوة ، ونظرت فلم أرهم أهلا لأن يدنوا لشركهم (3) ولا أن يقصوا ويجفوا لعهدهم ، فالبس لهم جلبابا من اللّين تشوبه بطرف من الشّدّة (4)
    __________________
    (1) اربع : ارفق وقف عند حد ما تعرف ، وتقول : اربع عليك ، واربع على نفسك ، واربع على ظلعك ـ كل ذلك من باب منع ـ أى : قف وانتظر ولا تزد على ذلك. يريد عليه السلام أمره بالتثبت فى جميع ما يعتمده فعلا وقولا من خير وشر وألا يعجل به لأنه شريكه فيه ، فانه عامله ونائب عنه. وقوله «كن عند صالح ظنى فيك» معناه كن واقفا عنده كأنك تشاهده فتمنعك مشاهدته من فعل ما لا يجوز ، وفال رأيه : ضعف
    (2) الدهاقين : الأكابر يأمرون من دونهم ولا يأتمرون ، والواحد دهقان ـ بكسر الدال وسكون الهاء ـ وهو معرب.
    (3) لأن يقربوا فانهم مشركون ، ولا لأن يبعدوا فانهم معاهدون
    (4) تشوبه : تخلطه.

    وداول لهم بين القسوة والرّأفة (1) وامزج لهم بين التّقريب والادناء ، والابعاد والاقصاء ، إن شاء اللّه :
    20 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى زياد بن أبيه ، وهو خليفة عامله عبد اللّه بن عباس على البصرة ، وعبد اللّه عامل أمير المؤمنين [عليه السلام] يومئذ عليها وعلى كور الأهواز وفارس وكرمان (2)
    وإنّى أقسم باللّه قسما صادقا لئن بلغنى أنّك خنت من فىء المسلمين شيئا صغيرا أو كبيرا (3) لأشدّنّ عليك شدّة تدعك قليل الوفر ، ثقيل الظّهر ، ضئيل الأمر ، والسّلام.
    __________________
    (1) «داول بينهم» أى : مرة هكذا ، ومرة هكذا ، أمره أن يسلك معهم منهجا متوسطا : لا يدينهم كل الأدناء ، ولا يبعدهم كل البعد.
    (2) كور : جمع كورة ، وهى الناحية المضافة إلى أعمال بلد من البلدان ، والأهواز : تسع كور بين البصرة وفارس
    (3) فيئهم : ما لهم من غنيمة أو خراج ، والوفر : المال ، والضئيل : الضعيف النحيف ، وقوله «لأشدن عليك شدة» هو فى المعنى كقولك : لأحملن عليك حملة ، والمراد تهديده بالأخذ واستصفاء المال ، ثم وصف تلك الشدة فقال : إنها تتركك قليل الوفر ، أى : أفقرك بأخذ ما احتجنت من بيت مال المسلمين ، و «ثقيل الظهر» أى : مسكين لا تقدر على مؤنة عيالك ، و «ضئيل الأمر» أى : حقير ، لأنك إنما كنت نبيها بين الناس بالغنى والثروة ، فاذا افتقرت صغرت عندهم وتقحمتك أعينهم

    21 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إليه أيضا
    فدع الإسراف مقتصدا ، واذكر فى اليوم غدا ، وأمسك من المال بقدر ضرورتك ، وقدّم الفضل ليوم حاجتك (1) أترجو أن يعطيك اللّه أجر المتواضعين وأنت عنده من المتكبّرين؟ وتطمع ـ وأنت متمرّغ فى النّعيم تمنعه الضّعيف والأرملة ـ أن يوجب لك ثواب المتصدّقين (2)؟ وإنّما المرء مجزىّ بما أسلف (3) وقادم على ما قدّم ، والسّلام.
    22 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى عبد اللّه بن العباس [رحمه اللّه]
    وكان [ابن عباس] يقول : ما انتفعت بكلام بعد كلام رسول اللّه كانتفاعى بهذا الكلام أمّا بعد ، فإنّ المرء قد يسرّه درك ما لم يكن ليفوته ، ويسوءه فوت ما لم
    __________________
    (1) «الفضل» : ما يفضل من المال فقدمه ليوم الحاجة كالأعداد ليوم الحرب مثلا ، أو قدم فضل الاستقامة للحاجة يوم القيامة.
    (2) المتمرغ فى النعيم : المتقلب فيه ، نهاه عن الأسراف ـ وهو التبذير فى الانفاق ـ وأمره أن يمسك من المال ما تدعو إليه الضرورة ، وأن يقدم فضول أمواله وما ليس له إليه حاجة ضرورية فى الصدقة فيدخره ليوم حاجته ، وهو يوم البعث والنشور.
    (3) أسلف : قدم فى سالف أيامه.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    نهج البلاغه ج3 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: نهج البلاغه ج3   نهج البلاغه ج3 Emptyأمس في 9:14 pm

    يكن ليدركه (1) ، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك ، وليكن أسفك على ما فاتك منها ، وما نلت من دنياك فلا تكثر به فرحا ، وما فاتك منها فلا تأس عليه جزعا ، وليكن همّك فيما بعد الموت
    23 ـ ومن كلام له عليه السّلام
    قاله قبل موته على سبيل الوصية ، لما ضربه ابن ملجم لعنه اللّه
    وصيّتى لكم أن لا تشركوا باللّه شيئا ، ومحمّد صلّى اللّه عليه وآله [وسلّم (2)] فلا تضيّعوا سنّته : أقيموا هذين العمودين ، [وأوقدوا هذين المصباحين] وخلاكم ذمّ (3) أنا بالأمس صاحبكم ، واليوم عبرة لكم ، وغدا مفارقكم! إن أبق فأنا ولىّ دمى ، وإن أفن فالفناء ميعادى ، وإن أعف فالعفو لى قربة ، وهو لكم حسنة ، فاعفوا «أَلاٰ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اَللّٰهُ لَكُمْ»؟ واللّه ما فجأنى من الموت وارد كرهته ، ولا طالع أنكرته ، وما كنت إلاّ
    __________________
    (1) قد يسر الانسان بشىء وقد حتم فى قضاء اللّه أنه له ، ويحزن بفوات شىء ومحتوم عليه أن يفوته ، والمقطوع بحصوله لا يصح الفرح به ، كالمقطوع بفواته لا يصح الحزن له ، لعدم الفائدة فى الثانى ، ونفى الغائلة فى الأول. و «لا تأس» أى : لا تحزن
    (2) «ومحمد» عطف على «أن لا تشركوا» مرفوع
    (3) «خلاكم ذم» أى : عداكم الذم ، والمراد جاوزكم اللوم بعد قيامكم بالوصية.

    كقارب ورد (1) وطالب وجد «وَمٰا عِنْدَ اَللّٰهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرٰارِ» [قال الرضى] أقول : وقد مضى بعض هذا الكلام فيما تقدم من الخطب ، إلا أن فيه ههنا زيادة أوجبت تكريره
    24 ـ ومن وصيّة له عليه السّلام
    بما يعمل فى أمواله ، كتبها بعد منصرفه من صفين
    هذا ما أمر به عبد اللّه علىّ بن أبى طالب [أمير المؤمنين] فى ماله ابتغاء وجه اللّه ، ليولجه به الجنّة (2) ويعطيه به الأمنة منها : وإنّه يقوم بذلك الحسن بن علىّ : يأكل منه بالمعروف ، وينفق فى المعروف ، فإن حدث بحسن حدث (3) وحسين حىّ قام بالأمر بعده ، وأصدره مصدره.
    __________________
    (1) القارب : طالب الماء ليلا ، كما قال الخليل. ولا يقال لطالبه نهارا ، وقيل : القارب : الذى يسير إلى الماء وقد بقى بينه وبينه ليلة واحدة ، والاسم القرب ـ بزنة قفل وجمل ـ والقوم قاربون ، ولا يقال مقربون ، وقال المجد : والقرب : طلب الماء ليلا ، أو ألا يكون بينه وبينه إلا ليلة ، أو إذا كان بينكما يومان : فأول يوم تطلب فيه الماء القرب والثانى الطلق ـ محركا ـ وقد قرب الابل ـ كنصر ـ قرابة ـ بالكسر ـ وأقربتها اه‍ يريد أنه عليه السلام مستعد للموت ، راغب فى لقاء اللّه ، وليس يكره ما يقبل عليه منه.
    (2) يولجه : يدخله ، والأمنة ـ بالتحريك ـ : الأمن
    (3) الحدث ـ بالتحريك ـ : الحادث ، أى : الموت ، وأصدره : أجراه كما كان يجرى على يد الحسن.

    وإنّ لبنى فاطمة من صدقة علىّ مثل الّذى لبنى علىّ ، وإنّى إنّما جعلت القيام بذلك إلى ابنى فاطمة ابتغاء وجه اللّه ، وقربة إلى رسول اللّه ، وتكريما لحرمته ، وتشريفا لوصلته (1) ويشترط (2) على الّذى يجعله إليه أن يترك المال على أصوله ، وينفق من ثمره حيث أمر به وهدى له ، وأن لا يبيع من أولاد نخيل هذه القرى وديّة (3) حتّى تشكل أرضها غراسا ومن كان من إمائى اللاّتى أطوف عليهنّ لها ولد أو هى حامل فتمسك على ولدها وهى من حظّه ، فإن مات ولدها وهى حيّة فهى عتيقة : قد أفرج عنها الرّقّ ، وحرّرها العتق قال الرضى : قوله عليه السلام فى هذه الوصية «أن لا يبيع من نخيلها ودية» : الودية : الفسيلة ، وجمعها ودى ، وقوله عليه السلام «حتى تشكل أرضها غراسا» هو من أفصح الكلام ، والمراد به أن الأرض يكثر فيها غراس النخل حتى يراها الناظر على غير تلك الصفة التى عرفها بها فيشكل عليه أمرها ويحسبها غيرها
    __________________
    (1) الوصلة ـ بالضم ـ : الصلة ، وهى هنا القرابة
    (2) ضمير الفعل إلى على أو الحسن ، و «الذى يجعله إليه» : هو من يتولى المال بعد على أو الحسن بوصيته ، و «ترك المال على أصوله» : ألا يباع منه شىء ، ولا يقطع منه غرس
    (3) الودية ـ كهدية ـ : واحدة الودى ، أى : صغار النخل ، وهو هنا الفسيل والسر فى النهى أن النخلة فى صغرها لم يستحكم جذعها فى الأرض فقلع فسيلها يضر بها.

    25 ـ ومن وصيّة له عليه السّلام
    كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات ، وإنما ذكرنا هنا جملا [منها] ليعلم بها أنه كان يقيم عماد الحق ، ويشرع أمثلة العدل : فى صغير الأمور وكبيرها ، ودقيقها وجليلها
    انطلق على تقوى اللّه وحده لا شريك له ، ولا تروّعنّ مسلما (1) ولا تجتازنّ عليه كارها ، ولا تأخذنّ منه أكثر من حقّ اللّه فى ماله ، فإذا قدمت على الحىّ فانزل بمائهم ، من غير أن تخالط أبيانهم ، ثمّ امض إليهم بالسّكينة والوقار حتّى تقوم بينهم فتسلّم عليهم ، ولا تخدج بالتّحيّة لهم (2) ثمّ تقول : عباد اللّه ، أرسلنى إليكم ولىّ اللّه وخليفته لآخذ منكم حقّ اللّه فى أموالكم ، فهل للّه فى أموالكم من حقّ فتؤدّوه إلى وليّه؟ فإن قال قائل : لا! فلا تراجعه
    __________________
    (1) الروع : الفزع ، ويقال : رعته أروعه ـ مثل قلته أقوله ـ وروعته ترويعا ، أى : خوفته ، والاجتياز : المرور ، أى : لا تمر عليه وهو كاره لك لغلظة فيك ، وروى «ولا تختارن عليه» من الاختيار ، أى : لا تقسم ماله وتختر أحد القسمين وهو كاره لذلك. والرواية الأولى هى المشهورة ، وقوله «وانزل بمائهم» فهو جار على عادة العرب المحمودة عندهم ، فانهم يحمدون من القادم عليهم الانقباض ، ويكرهون منه أن يخالط بيوت الحى لاحتمال أن يكون هناك من النساء من لا تليق رؤيته ولا يحسن سماع صوته.
    (2) أخدجت السحابة : قل مطرها ، وأخدجت الناقة : إذا جاءت بولد ناقص الخلق وإن كانت أيامه تامة ، وخدجت ـ بلا همز ـ إذا ألقت ولدها قبل تمام أيامها وإن كان تام الخلق ، والباء زائدة ، ويحتمل أنه ضمنه معنى فعل يتعدى بالباء فلا تكون زائدة ، أى : لا تبخل

    وإن أنعم لك منعم (1) فانطلق معه من غير أن تخيفه وتوعده ، أو تعسفه ، أو ترهقه! فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضّة ، فإن كان له ماشية أو إبل فلا تدخلها إلاّ بإذنه ، فإنّ أكثرها له ، فإذا أتيتها فلا تدخل عليها دخول متسلّط عليه ولا عنيف به ، ولا تنفّرنّ بهيمة ولا تفزعنّها ، ولا تسوءنّ صاحبها فيها واصدع المال صدعين (2) ثمّ خيّره : فإذا اختار فلا تعرّضنّ لما اختاره ، ثمّ اصدع الباقى صدعين ، ثمّ خيّره : فإذا اختار فلا تعرّضنّ لما اختاره. فلا تزال كذلك حتّى يبقى ما فيه وفاء لحقّ اللّه فى ماله ، فاقبض حقّ اللّه منه ، فإن استقالك فأقله (3) ، ثمّ اخلطهما ، ثمّ اصنع مثل الّذى صنعت أوّلا حتّى تأخذ حقّ اللّه فى ماله. ولا تأخذنّ عودا (4) ولا هرمة ، ولا مكسورة ، ولا مهلوسة ، ولا ذات عوار ، ولا تأمننّ عليها إلاّ من تثق بدينه رافقا بمال المسلمين حتّى يوصّله إلى وليّهم فيقسمه بينهم ، ولا توكّل بها إلاّ ناصحا شفيقا
    __________________
    (1) «أنعم لك منعم» أى : قال لك «نعم» أو تعسفه : تأخذه بشدة ، وترهقه : تكلفه ما يصعب عليه.
    (2) أى : اقسمه قسمين ، ثم خير صاحب المال فى أيهما
    (3) أى : فان ظن فى نفسه سوء الاختيار ، وأن ما أخذت منه الزكاة أكرم مما فى يده ، وطلب الاعفاء من هذه القسمة ، فأعفه منها ، واخلط ، وأعد القسمة
    (4) العود ـ بفتح فسكون ـ : المسنة من الأبل ، والهرمة : أسن من العود ، والمهلوسة : الضعيفة ، تقول : هلسه المرض ، أى : أضعفه. والعوار ـ بفتح العين ، وتضم العيب ـ :

    وأمينا حفيظا ، غير معنّف ولا مجحف (1) ولا ملغب ولا متعب ، ثمّ احدر إلينا ما اجتمع عندك (2) ، نصيّره حيث أمر اللّه ، فاذا أخذها أمينك فأوعز إليه أن لا يحول بين ناقة وبين فصيلها (3) ولا يمصّر لبنها فيضرّ ذلك بولدها ولا يجهدنّها ركوبا ، وليعدل بين صواحباتها فى ذلك وبينها ، وليرفّه على اللاّغب (4) ، وليستأن بالنّقب والظّالع ، وليوردها ما تمرّ به من الغدر (5) ولا يعدل بها عن نبت الأرض إلى جوادّ الطّرق ، وليروّحها فى السّاعات ، وليمهلها عند النّطاف (6) والأعشاب ، حتّى تأتينا ، باذن اللّه ، بدنا منقيات ، غير متعبات ولا مجهودات (7) لنقسمها على كتاب اللّه وسنّة نبيّه صلّى اللّه عليه وآله ، فانّ ذلك أعظم لأجرك ، وأقرب لرشدك ، إن شاء اللّه.
    __________________
    (1) المجحف : من يشتد فى سوقها حتى تهزل ، والملغب : المعيى من التعب
    (2) حدر يحدر ـ كينصر ويضرب ـ : أسرع. والمراد سق إلينا سريعا
    (3) فصيل الناقة : ولدها وهو رضيع ، ومصر اللبن تمصيرا : قلله ، أى : لا تبالغ فى حلبها حتى يقل اللبن فى ضرعها.
    (4) أى : ليرح ما لغب ، أى : أعياه التعب ، و «ليستأن» أى : يرفق ، من الأناة بمعنى الرفق ، والنقب ـ بفتح فكسر ـ : ما نقب خفه ـ كفرح ، أى : تخرق ـ وظلع البعير : غمز فى مشيته
    (5) جمع 9 غدير : وهو ما غادره السيل من المياه
    (6) النطاف : جمع نطفة ، وهى المياه القليلة ، أى : يجعل لها مهلة لتشرب وتأكل
    (7) البدن بضمتين : جمع بادنة ، أى : سمينة ، والمنقيات : اسم فاعل من «أنقت الأبل» إذا سمنت ، وأصله صارت ذات نقى ـ بكسر فسكون ـ أى : مخ

    26 ـ ومن عهد له عليه السلام
    إلى بعض عماله ، وقد بعثه على الصدقة
    آمره بتقوى اللّه فى سرائر أمره وخفيّات عمله ، حيث لا شاهد غيره ، ولا وكيل دونه وآمره أن لا يعمل بشىء من طاعة اللّه فيما ظهر فيخالف إلى غيره فيما أسرّ (1) ومن لم يختلف سرّه وعلانيته ، وفعله ومقالته ، فقد أدّى الأمانة ، وأخلص العبادة وآمره أن لا يجبههم (2) ولا يعضههم ، ولا يرغب عنهم تفضّلا بالامارة عليهم ، فإنّهم الإخوان فى الدّين ، والأعوان على استخراج الحقوق. وإنّ لك فى هذه الصّدقة نصيبا مفروضا ، وحقّا معلوما ، وشركاء أهل مسكنة ، وضعفاء ذوى فاقة ، وإنّا موفّوك حقّك فوفّهم حقوقهم! وإلاّ فإنّك من أكثر النّاس خصوما يوم القيامة ، وبؤسا لمن خصمه عند اللّه الفقراء ، والمساكين (3) والسّائلون ، والمدفوعون ، والغارم ، وابن السّبيل!! ومن استهان بالأمانة ، ورتع فى الخيانة ، ولم ينزّه نفسه ودينه عنها ، فقد أحلّ بنفسه
    __________________
    (1) فيخالف هو مصب النهى.
    (2) جبهه ـ كمنعه ـ : ضرب جبهته ، وعضه فلانا ـ كفرح ـ : بهته. نهى عن المخاشنة والتقريع ، و «لا يرغب عنهم» : لا يتجافى
    (3) بئس ـ كسمع ـ بؤسا : اشتدت حاجته ، ومن كان خصمه الفقراء فلا بد أن يبأس ، لأنهم لا يعفون ولا يتسامحون فى حقهم لتقرح قلوبهم من المنع عند الحاجة

    فى الدّنيا [الذّلّ و] الخزى (1) وهو فى الآخرة أذلّ وأخزى ، وإنّ أعظم الخيانة خيانة الأمّة ، وأفظع الغشّ غشّ الأئمّة ، والسّلام.
    27 ـ ومن عهد له عليه السلام
    إلى محمد بن أبى بكر ، [رضى اللّه عنهما] حين قلده مصر
    فاخفض لهم جناحك ، وألن لهم جانبك ، وابسط لهم وجهك ، وآس (2) بينهم فى اللّحظة والنّظرة ، حتّى لا يطمع العظماء فى حيفك لهم ، ولا ييأس الضّعفاء من عدلك عليهم ، فإنّ اللّه تعالى يسائلكم معشر عباده عن الصّغيرة من أعمالكم والكبيرة ، والظّاهرة والمستورة : فإن يعذّب فأنتم أظلم ، وإن يعف فهو أكرم.
    واعلموا ، عباد اللّه ، أنّ المتّقين ذهبوا بعاجل الدّنيا وآجل الآخرة ، فشاركوا أهل الدّنيا فى دنياهم ، ولم يشاركهم أهل الدّنيا فى آخرتهم : سكنوا الدّنيا بأفضل ما سكنت ، وأكلوها بأفضل ما أكلت ، فحظوا من الدّنيا بما حظى به المترفون (3) وأخذوا منها ما أخذ [ه] الجبابرة المتكبّرون ، ثمّ انقلبوا
    __________________
    (1) جمع خزية ـ بفتح الخاء ـ أى : بلية ، والجمع بضم ففتح كنوبة ونوب.
    (2) آس : أمر من «آسى» بمد الهمزة ـ أى : سوى ، يريد اجعل بعضهم أسوة بعض ، أى : مستوين ، و «حيفك لهم» أى : ظلمك لأجلهم. يطمعون فى ذلك إذا خصصتهم بشىء من الرعاية
    (3) المترفون : المنعمون ، فان المتقى يؤدى حق اللّه وحقوق العباد ويتلذذ بما آتاه اللّه من

    عنها بالزّاد المبلّغ ، والمتجر الرّابح : أصابوا لذّة زهد الدّنيا فى دنياهم ، وتيقّنوا أنهم جيران اللّه غدا فى آخرتهم ، لا تردّ لهم دعوة ، ولا ينقص لهم نصيب من لذّة ، فاحذروا عباد اللّه الموت وقربه ، وأعدّوا له عدّته ، فإنّه يأتى بأمر عظيم ، وخطب جليل : بخير لا يكون معه شرّ أبدا ، أو شرّ لا يكون معه خير أبدا! فمن أقرب إلى الجنّة من عاملها ، ومن أقرب إلى النّار من عاملها؟ (1) وأنتم طرداء الموت : إن أقمتم له أخذكم ، وإن فررتم منه أدرككم ، وهو ألزم لكم من ظلّكم! الموت معقود بنواصيكم (2) ، والدّنيا تطوى من خلفكم ، فاحذروا نارا قعرها بعيد ، وحرّها شديد ، وعذابها جديد : [دار] ليس فيها رحمة ، ولا تسمع فيها دعوة ، ولا تفرّج فيها كربة ، وإن استطعتم أن يشتدّ خوفكم من اللّه ، وأن يحسن ظنّكم [به] ، فاجمعوا بينهما ، فإنّ العبد إنّما يكون حسن ظنّه بربّه على قدر خوفه من ربّه (3) ، وإنّ أحسن النّاس ظنّا باللّه أشدّهم خوفا للّه
    __________________
    النعمة ، وينفق ماله فيما يرفع شأنه ويعلى كلمته فيعيش سعيدا مترفا ، كما عاش الجبابرة ، ثم ينقلب بالزاد ـ وهو الأجر ـ الذى يبلغه سعادة الآخرة جزاء على رعاية حق نفسه ومنفعتها الصحيحة فيما أوتى من الدنيا ، وهو بهذا يكون زاهدا فى الدنيا وهى مغدقة عليه.
    (1) استفهام بمعنى النفى ، أى : لا أقرب إلى الجنة ممن يعمل لها الخ
    (2) النواصى : جمع ناصية ، وهى مقدم شعر الرأس
    (3) فان من خاف ربه عمل لطاعته ، وانتهى عن معصيته ، فرجا ثوابه ، بخلاف من لم يخفه ، فان رجاءه يكون طمعا فى غير مطمع ، نعوذ باللّه منه

    واعلم ، يا محمّد بن أبى بكر ، أنّى قد ولّيتك أعظم أجنادى فى نفسى : أهل مصر ، فأنت محقوق أن تخالف على نفسك (1) ، وأن تنافح عن دينك ، ولو لم يكن لك إلاّ ساعة من الدّهر ، ولا تسخط اللّه برضا أحد من خلقه ، فانّ فى اللّه خلفا من غيره (2) ، وليس من اللّه خلف فى غيره. صلّ الصّلاة لوقتها المؤقّت لها ، ولا تعجّل وقتها لفراغ ، ولا تؤخّرها عن وقتها لاشتغال ، واعلم أنّ كلّ شىء من عملك تبع لصلاتك ومنه : فإنّه لا سواء : إمام الهدى ، وإمام الرّدى ، وولىّ النّبىّ ، وعدوّ النّبىّ. ولقد قال لى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : «إنّى لا أخاف على أمّتى مؤمنا ولا مشركا : أمّا المؤمن فيمنعه اللّه بإيمانه ، وأمّا المشرك فيقمعه اللّه بشركه (3) ولكنّى أخاف عليكم كلّ منافق (4) الجنان عالم اللّسان : يقول ما تعرفون ، ويفعل ما تنكرون»
    __________________
    (1) أى : مطالب بحق بمخالفتك شهوة نفسك. والمنافحة : المدافعة.
    (2) إذا فقدت مخلوقا ففى فضل اللّه عوض عنه ، وليس فى خلق اللّه عوض عن اللّه
    (3) يقمعه : يقهره ليعلم الناس أنه مشرك فيحذروه
    (4) «منافق الجنان» : هو من أسر النفاق فى قلبه ، و «عالم اللسان» : هو من يعرف أحكام الشريعة ويسهل عليه بيانها ، فيقول حقا يعرفه المؤمنون ، ويفعل منكرا ينكرونه!! «5 ـ ج ـ 3 ـ»

    28 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى معاوية جوابا ، وهو من محاسن الكتب
    أمّا بعد ، فقد أتانى كتابك تذكر فيه اصطفاء اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه وآله لدينه ، وتأييده إيّاه بمن أيّده من أصحابه ، فلقد خبأ لنا الدّهر منك عجبا (1) إذ طفقت تخبرنا ببلاء اللّه [تعالى] عندنا ، ونعمته علينا فى نبيّنا ، فكنت فى ذلك كناقل التّمر إلى هجر (2) أو داعى مسدّده إلى النّضال ، وزعمت أنّ أفضل النّاس فى الاسلام فلان وفلان! [فذكرت] أمرا إن تمّم اعتزلك كلّه (3) وإن نقص لم يلحقك ثلمه ، وما أنت والفاضل والمفضول ، والسّائس والمسوس ، وما للطّلقاء وأبناء الطّلقاء ، والتّمييز بين المهاجرين الأوّلين ، وترتيب درجاتهم ، وتعريف طبقاتهم (4)؟ هيهات! لقد حنّ قدح ليس منها (5) وطفق يحكم فيها
    __________________
    (1) أخفى أمرا عجيبا ثم أظهره ، وطفقت ـ بفتح فكسر ـ : أخذت. وعطف النعمة على البلاء عطف تفسير وليبلى المؤمنين منه بلاء حسنا
    (2) هجر : مدينة بالبحرين كثيرة النخيل ، والمسدد : معلم رمى السهام ، والنضال : المراماة ، أى : كمن يدعو أستاذه فى فن الرمى إلى المناضلة ، وهما مثلان لناقل الشىء إلى معدنه والمتعالم على معلمه.
    (3) إن صح ما ادعيت من فضلهم لم يكن لك حظ منه ، فأنت عنه بمعزل ، وثلمه : عيبه
    (4) يريد : أى حقيقة تكون لك مع هؤلاء؟ أى : ليست لك ماهية تذكر بينهم ، والطلقاء : الذين أسروا بالحرب ثم أطلقوا ، وكان منهم أبو سفيان ومعاوية ، والمهاجرون : من نصروا الدين فى ضعفه ولم يحاربوه
    (5) حن : صوت ، والقدح ـ بالكسر ـ : السهم ، وإذا كان سهم يخالف السهام كان له عند الرمى صوت يخالف أصواتها ، وهو مثل يضرب لمن يفتخر بقوم ليس منهم. وأصل المثل لعمر بن الخطاب رضى اللّه عنه : قال له عقبة بن أبى معيط «أأقتل من بين قريش؟» فأجابه «حن قدح ليس منها»

    من عليه الحكم لها ، ألا تربع ، أيّها الانسان؟ على ظلعك (1) وتعرف قصور ذرعك ، وتتأخّر حيث أخّرك القدر! فما عليك غلمة المغلوب ولا ظفر الظّافر! وإنّك لذهّاب فى التّيه (2) ، روّاغ عن القصد ، ألا ترى ـ غير مخبر لك ، ولكن بنعمة اللّه أحدّث أنّ قوما (3) استشهدوا فى سبيل اللّه من المهاجرين [والأنصار] ولكلّ فضل! حتّى إذا استشهد شهيدنا (4) قيل «سيّد الشّهداء» وخصّه رسول اللّه ، صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه؟ أولا ترى أنّ قوما قطّعت أيديهم فى سبيل اللّه ولكلّ فضل! حتّى إذا فعل بواحدنا ما فعل بواحدهم (5) قيل : «الطّيّار فى الجنّة ، وذو الجناحين» ولو لا
    __________________
    (1) يقال «اربع على ظلعك» أى : قف عند حدك ، والذرع ـ بالفتح ـ : بسط اليد ، ويقال للمقدار
    (2) ذهاب ـ بتشديد الهاء ـ : كثير الذهاب ، والتيه : الضلال ، والرواغ : الميال ، والقصد : الاعتدال
    (3) «أن قوما» : مفعول «لترى». وقوله «غير مخبر» خبر لمبتدإ محذوف ، أى : أنا ، والجملة اعتراضية
    (4) هو حمزة بن عبد المطلب استشهد فى أحد ، والقائل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم
    (5) واحدنا : هو جعفر بن أبى طالب أخو الامام

    ما نهى اللّه عنه من تزكية المرء نفسه أذكر ذاكر فضائل جمّة (1) تعرفها قلوب المؤمنين ، ولا تمجّها آذان السّامعين. فدع عنك من مالت به الرّميّة (2) فإنّا صنائع ربّنا (3) والنّاس بعد صنائع لنا ، لم يمنعنا قديم عزّنا (4) ولا عادىّ طولنا على قومك أن خلطناكم بأنفسنا فنكحنا وأنكحنا فعل الأكفاء ، ولستم هناك! وأنّى يكون ذلك كذلك ، ومنّا النّبىّ ومنكم المكذّب (5)؟ ومنّا أسد اللّه ، ومنكم أسد الأحلاف ، ومنّا سيّدا شباب أهل الجنّة ، ومنكم صبية النّار ، ومنّا خير نساء العالمين ، ومنكم حمّالة الحطب؟ فى كثير ممّا لنا وعليكم (6)
    __________________
    (1) ذاكر : هو الامام نفسه
    (2) الرمية : الصيد يرميه الصائد ، ومالت به : خالفت قصده فأتبعها ، مثل يضرب لمن اعوج غرضه فمال عن الاستقامة لطلبه
    (3) آل النبى : أسراء إحسان اللّه عليهم ، والناس أسراء فضلهم بعد ذلك. وأصل الصنيع : من تصنعه لنفسك بالاحسان حتى خصصته بك كأنه عمل يدك.
    (4) «قديم» : مفعول «يمنع» ، والعادى : الاعتيادى المعروف ، والطول ـ بفتح فسكون ـ : الفضل : و «أن خلصناكم» : فاعل «يمنع» ، والأكفاء : جمع كفء ـ بالضم ـ وهو النظير فى الشرف.
    (5) المكذب : أبو جهل ، وأسد اللّه : حمزة ، وأسد الأحلاف : أبو سفيان ، لأنه حزب الأحزاب ، وحالفهم على قتال النبى فى غزوة الخندق ، وسيدا شباب أهل الجنة : الحسن والحسين بنص قول الرسول. وصبية النار : قيل : هم أولاد مروان ابن الحكم ، أخبر النبى عنهم وهم صبيان بأنهم من أهل النار ، ومرقوا عن الدين فى كبرهم. وخير النساء : فاطمة ، وحمالة الحطب : أم جميل بنت حرب عمة معاوية وزوجة أبى لهب
    (6) أى : هذه الفضائل المعدودة لنا ، وأضدادها المسرودة لكم ، قليل فى كثير مما لنا وعليكم

    فإسلامنا [ما] قد سمع وجاهليّتنا لا تدفع (1) ، وكتاب اللّه يجمع لنا ما شذّ عنّا وهو قوله : «وَأُولُوا اَلْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اَللّٰهِ» وقوله تعالى : «إِنَّ أَوْلَى اَلنّٰاسِ بِإِبْرٰاهِيمَ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ وَهٰذَا اَلنَّبِيُّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَاَللّٰهُ وَلِيُّ اَلْمُؤْمِنِينَ» فنحن مرّة أولى بالقرابة ، وتارة أولى بالطّاعة. ولمّا احتجّ المهاجرون على الأنصار يوم السّقيفة برسول اللّه ، صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، فلجوا عليهم (2) فإن يكن الفلج به فالحقّ لنا دونكم ، وإن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم!
    وزعمت أنّى لكلّ الخلفاء حسدت ، وعلى كلّهم بغيت! فإن يكن ذلك كذلك فليس الجناية عليك فيكون العذر إليك
    وتلك شكاة ظاهر عنك عارها (3)
    __________________
    (1) شرفنا فى الجاهلية لا ينكره أحد
    (2) يوم السقيفة : عند ما اجتمعوا فى سقيفة بنى ساعدة بعد موت النبى صلّى اللّه عليه وسلم ليختاروا خليفة له ، وطلب الأنصار أن يكون لهم نصيب فى الخلافة فاحتج المهاجرون عليهم بأنهم شجرة الرسول ففلجوا ـ أى : ظفروا بهم ـ فظفر المهاجرين بهذه الحجة ظفر لأمير المؤمنين على معاوية ، لأن الامام من ثمرة شجرة الرسول ، فان لم تكن حجة المهاجرين بالنبى صحيحة فالأنصار قائمون على دعواهم من حق الخلافة ، فليس لمثل معاوية حق فيها ، لأنه أجنبى منهم.
    (3) شكاة ـ بالفتح ـ أى : نقيصة ، وأصلها المرض ، وظاهر : من «ظهر» إذا صار ظهرا ـ أى : خلفا ، أى : بعيدا ـ والشطر لأبى ذويب ، وأول البيت : ـ وعيرها الواشون أنى أحبها

    وقلت : «إنّى كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتّى أبايع (1) ، ولعمر اللّه لقد أردت أن تذمّ فمدحت ، وأن تفضح فافتضحت! وما على المسلم من غضاضة فى أن يكون مظلوما (2) ما لم يكن شاكّا فى دينه ، ولا مرتابا بيقينه ، وهذه حجّتى إلى غيرك قصدها (3) ، ولكنّى أطلقت لك منها بقدر ما سنح من ذكرها.
    ثمّ ذكرت ما كان من أمرى وأمر عثمان ، فلك أن تجاب عن هذه لرحمك منه (4) فأيّنا كان أعدى له (5) ، وأهدى إلى مقاتله ، أمن بذل له نصرته فاستقعده واستكفّه (6)؟ أمّن استنصره فتراخى عنه وبثّ المنون إليه (7)
    __________________
    (1) الخشاش ـ ككتاب ـ : ما يدخل فى عظم أنف البعير من خشب لينقاد ، وتقول : خششت البعير ، إذا جعلت فى أنفه الخشاش ، طعن معاوية على الامام بأنه كان يجبر على مبايعة السابقين من الخلفاء
    (2) الغضاضة : النقص
    (3) يحتج الامام على حقه لغير معاوية لأنه مظنة الاستحقاق ، أما معاوية فهو منقطع عن جرثومة الأمر فلا حاجة للاحتجاج عليه. و «سنح» أى : ظهر وعرض
    (4) لقرابتك منه يصح الجدال معك فيه
    (5) أعدى : أشد عدوانا ، والمقاتل : وجوه القتل
    (6) من بذل النصرة هو الامام ، و «استقعده عثمان» أى : طلب قعوده ولم يقبل نصره.
    (7) استنصر عثمان بعشيرته من بنى أمية كمعاوية فخذلوه وخلوا بينه وبين الموت فكأنما بثوا المنون ، أى : أفضوا بها إليه

    حتّى أتى قدره عليه؟! كلاّ واللّه : (لَقَدْ عَلِمَ اَللّٰهُ اَلْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ (1) وَاَلْقٰائِلِينَ لِإِخْوٰانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنٰا وَلاٰ يَأْتُونَ اَلْبَأْسَ إِلاّٰ قَلِيلاً)
    وما كنت لأعتذر من أنّى كنت أنقم عليه أحداثا (2) فإن كان الذّنب إليه إرشادى وهدايتى له ، فربّ ملوم لا ذنب له
    وقد يستفيد الظّنّة المتنصّح (3) (وَمَا أَرَدْتُ إِلاَّ اَلْإِصْلاٰحَ مَا اِسْتَطَعْتُ وَمٰا تَوْفِيقِي إِلاّٰ بِاللّٰهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ [وَإِلَيْهِ أُنِيبُ])
    وذكرت أنّه ليس لى ولأصحابى [عندك] إلاّ السّيف! فلقد أضحكت بعد استعبار (4)! متى ألفيت بنى عبد المطّلب عن الأعداء ناكلين (5) وبالسّيف مخوّفين لبّث قليلا يلحق الهيجا حمل (6) فسيطلبك من تطلب ، ويقرب
    __________________
    (1) المعوقون : المانعون من النصرة
    (2) نقم عليه ـ كضرب ـ عاب عليه. والأحداث : جمع حدث ، وهو البدعة ولعل تسمية البدعة حدثا من قوله صلّى اللّه عليه وسلم «من أحدث فى أمرنا ما ليس منه فهو عليه رد»
    (3) الظنة ـ بالكسر ـ التهمة ، والمتنصح : المبالغ فى النصح لمن لا ينتصح ، أى : ربما تنشأ التهمة من إخلاص النصيحة عند من لا يقبلها. وصدر البيت : وكم سقت فى آثاركم من نصيحة
    (4) الاستعبار : البكاء ، فهو يبكى من جهة أنه إصرار على غير الحق ، وتفريق فى الدين ، ويضحك لتهديد من لا يهدد.
    (5) ألفيت : وجدت ، وناكلين : متأخرين
    (6) لبث ـ بتشديد الباء ـ : فعل أمر من «لبثه» إذا استزاد لبثه ـ أى : مكثه ـ يريد أمهل ، والهيجاء : الحرب ، وحمل ـ بالتحريك ـ : هو حمل بن بدر ، رجل من قشير : أغير على إبله فى الجاهلية فاستنقذها ، وقال : ـ لبث قليلا يلحق الهيجا حمل لا بأس بالموت إذا الموت نزل فصار مثلا يضرب للتهديد بالحرب

    منك ما تستبعد ، وأنا مرقل نحوك (1) فى جحفل من المهاجرين والأنصار والتّابعين لهم بإحسان ، شديد زحامهم (2) ، ساطع قتامهم ، متسربلين سربال الموت (3) أحبّ اللّقاء إليهم لقاء ربّهم ، قد صحبتهم ذرّيّة بدريّة (4) ، وسيوف هاشميّة ، قد عرفت مواقع نصالها فى أخيك وخالك وجدّك وأهلك (5) «وَمٰا هِيَ مِنَ اَلظّٰالِمِينَ بِبَعِيدٍ»
    29 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى أهل البصرة
    وقد كان من انتشار حبلكم وشقاقكم ما لم تغبوا عنه (6) ، فعفوت عن مجرمكم ، ورفعت السّيف عن مدبركم ، وقبلت من مقبلكم ، فإن خطت بكم
    __________________
    (1) مرقل : مسرع ، والجحفل : الجيش العظيم
    (2) صفة لجحفل ، والساطع : المنتشر ، والقتام ـ بالفتح ـ : الغيار.
    (3) متسربلين : لابسين لباس الموت كأنهم فى أكفانهم.
    (4) من ذرارى أهل بدر
    (5) أخوه : حنظلة ، وخاله : الوليد بن عتبة ، وجده : عتبة بن ربيعة ، وهو جده لأمه
    (6) انتشار الحبل : تفرق طاقاته ، وانحلال فتله : مجاز عن التفرق ، و «غبا عنه جهله» :

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    نهج البلاغه ج3 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: نهج البلاغه ج3   نهج البلاغه ج3 Emptyأمس في 9:16 pm

    الأمور المردية (1) ، وسفه الآراء الجائرة إلى منابذنى وخلافى فها أنا ذا قد قرّبت جيادى (2) ، ورحّلت ركابى ، ولئن ألجأتمونى إلى المسير إليكم لأوقعنّ بكم وقعة لا يكون يوم الجمل إليها إلاّ كلعقة لاعق (3) ، مع أنّى عارف لذى الطّاعة منكم فضله ، ولذى النّصيحة حقّه ، غير متجاوز متّهما إلى برىء ، ولا ناكثا إلى وفىّ (4)
    30 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى معاوية
    فاتّق اللّه فيما لديك ، وانظر فى حقّه عليك ، وارجع إلى معرفة ما لا تعذر بجهالته ، فانّ للطّاعة أعلاما واضحة ، وسبلا نيّرة ، ومحجّة نهجة (5) ، وغاية مطلوبة ، يردها الأكياس (6) ، ويخالفها الأنكاس ، من نكّب عنها جار
    __________________
    (1) خطت : تجاوزت ، والمردية : المهلكة ، وسفه الآراء : ضعفها ، والجائرة : المائلة عن الحق ، والمنابذة : المخالفة
    (2) قرب خيله : أدناها منه ليركبها ، ورحل ركابه : شد الرحال عليها. والركاب : الأبل
    (3) التشبيه فى السهولة وسرعة الانتهاء ، واللعقة : اللحسة
    (4) الناكث : ناقض عهده.
    (5) المحجة : الطريق الواضحة ، والنهجة : الواضحة كذلك
    (6) الأكياس : العقلاء ، جمع كيس ـ كسيد ـ والأنكاس : جمع نكس ـ بكسر النون ـ : وهو الدنىء الخسيس.

    عن الحقّ وخبط فى التّيه (1) ، وغيّر اللّه نعمته ، وأحلّ به نقمته ، فنفسك نفسك ، فقد بيّن اللّه لك سبيلك ، وحيث تناهت بك أمورك فقد أجريت إلى غاية خسر ، ومحلّة كفر (2) ، وإنّ نفسك قد أولجتك شرّا ، وأقحمتك (3) غيّا ، وأوردتك المهالك ، وأوعرت عليك المسالك (4)
    31 ـ ومن وصيّة له عليه السّلام
    للحسن بن على عليهما السلام ، كتبها إليه بحاضرين [منصرفا] من صفين (5)
    من الوالد الفان ، المقرّ للزّمان (6) المدبر العمر ، المستسلم للدّهر ، الذّامّ للدّنيا ، السّاكن مساكن الموتى ، والظّاعن عنها غدا ، إلى المولود المؤمّل ما لا يدرك (7) ، السّالك سبيل من قد هلك ، غرض الأسقام ، ورهينة الأيّام ، ورميّة المصائب (Cool ، وعبد الدّنيا ، وتاجر الغرور ، وغريم المنايا ، وأسير
    __________________
    (1) نكب : عدل ، وجار : مال ، وخبط : مشى على غير هداية ، والتيه : الضلال
    (2) أجريت مطيتك مسرعا إلى غاية خسران
    (3) أولجتك : أدخلتك ، وأقحمتك : رمت بك فى الغى ، ضد الرشاد
    (4) أوعرت : أخشنت وصعبت
    (5) حاضرين : اسم بلدة فى نواحى صفين
    (6) المعترف له بالشدة
    (7) يؤمل البقاء ، وهو مما لا يدركه أحد.
    (Cool هدفها ترمى إليه سهامها ، والرهينة : المرهونة ، أى : إنه فى قبضها وحكمها. والرمية : ما أصابه السهم

    الموت ، وحليف الهموم ، وقرين الأحزان ، ونصب الآفات (1) ، وصريع الشّهوات ، وخليفة الأموات
    أمّا بعد ، فإنّ فيما تبيّنت من إدبار الدّنيا عنّى ، وجموح الدّهر علىّ (2) ، وإقبال الآخرة إلىّ ، ما يرغّبنى عن ذكر من سواى (3) ، والاهتمام بما ورائى (4) غير أنّى حيث تفرّد بى ـ دون هموم النّاس ـ همّ نفسى ، فصدقنى رأيى ، وصرفنى عن هوائى (5) ، وصرّح لى محض أمرى ، فأفضى بى إلى جدّ لا يكون فيه لعب ، وصدق لا يشوبه كذب ، ووجدتك بعضى ، بل وجدتك كلّى ، حتّى كأنّ شيئا لو أصابك أصابنى ، وكأنّ الموت لو أتاك أتانى فعنانى من أمرك ما يعنينى من أمر نفسى ، فكتبت إليك (6) [كتابى]
    __________________
    (1) من قولهم «فلان نصب عينى» ـ بالضم ـ أى : لا يفارقنى ، هكذا قال الأستاذ الامام ، وعندى أن خيرا من ذلك ضبط «نصب» بفتحتين أو بفتح فسكون وهو الغاية أو العلم المنصوب ، فكأن يريد أنه غاية تنتهى الآفات عندها فتلقى عصاها وتستقر لديه ، أو كأنه علم منصوب لا تهتدى الآفات إلا إليه ولا تقع إلا عليه. والصريع : الطريح
    (2) جموح الدهر : استعصاؤه وتغلبه
    (3) «ما» خبر «أن» ، وروى «فاننى فيما تبينت ـ الخ» وعليه فما مفعول «تبينت»
    (4) من أمر الآخرة
    (5) صدفه : صرفه ، والضمير المستتر فى «صرفنى» للرأى. ومحض الأمر : خالصه
    (6) مفعول كتب هو قوله «فانى أوصيك ـ الخ» ، هكذا قال الأستاذ الامام ، وظاهر غاية الظهور أنه لا يتأتى على النسخة

    مستظهرا به إن أنا بقيت لك أو فنيت
    فانّى أوصيك بتقوى اللّه ولزوم أمره ، وعمارة قلبك بذكره ، والاعتصام بحبله ، وأىّ سبب أوثق من سبب بينك وبين اللّه إن أنت أخذت به؟؟ أحى قلبك بالموعظة ، وأمته بالزّهادة ، وقوّه باليقين ، ونوّره بالحكمة ، وذلّله بذكر الموت ، وقرّره بالفناء (1) ، وبصّره فجائع الدّنيا ، وحذّره صولة الدّهر ، وفحش تقلّب اللّيالى والأيّام ، وأعرض عليه أخبار الماضين ، وذكّره بما أصاب من كان قبلك من الأوّلين ، وسر فى ديارهم وآثارهم ، فانظر فيما فعلوا ، وعمّا انتقلوا ، وأين حلّوا ونزلوا ، فإنّك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبّة وحلّوا ديار الغربة ، وكأنّك عن قليل قد صرت كأحدهم ، فأصلح مثواك ، ولا تبع آخرتك بدنياك ، ودع القول فيما لا تعرف ، والخطاب فيما لم تكلّف وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته ، فإنّ الكفّ عند حيرة الضّلال خير من ركوب الأهوال ، وأمر بالمعروف تكن من أهله ، وأنكر المنكر بيدك ولسانك ، وباين من فعله بجهدك (2) ، وجاهد فى اللّه حقّ جهاده ، ولا تأخذك
    __________________
    التى فيها زيادة «كتابى» وهى النسخة التى شرح عليها ابن أبى الحديد ، وقوله «مستظهرا به» أى : مستعينا بما أكتب إليك على ميل قلبك وهوى نفسك.
    (1) اطلب منه الاقرار بالفناء ، و «بصره» أى : اجعله بصيرا ، بالفجائع : جمع فجيعة ، وهى المصيبة تفزع بحلولها
    (2) «باين» أى : باعد وجانب الذى يفعل المنكر.

    فى اللّه لومة لائم ، وخض الغمرات للحقّ حيث كان (1) ، وتفقّه فى الدّين ، وعوّد نفسك التّصبّر على المكروه ، ونعم الخلق التّصبّر [فى الحقّ] ، وألجىء نفسك فى الأمور كلّها إلى إلهك فإنّك تلجئها إلى كهف حريز (2) ، ومانع عزيز ، وأخلص فى المسألة لربّك فإنّ بيده العطاء والحرمان ، وأكثر الاستخارة (3) ، وتفهّم وصيّتى ، ولا تذهبنّ عنها صفحا (4) ، فانّ خير القول ما نفع ، واعلم أنّه لا خير فى علم لا ينفع ، ولا ينتفع بعلم لا يحقّ تعلّمه (5) أى بنىّ ، إنّى لمّا رأيتنى قد بلغت سنّا (6) ، ورأيتنى أزداد وهنا ، بادرت بوصيّتى إليك ، وأوردت خصالا منها قبل أن يعجل بى أجلى دون أن أفضى إليك بما فى نفسى (7) ، وأن أنقص فى رأيى كما نقصت فى جسمى (Cool ، أو يسبقنى إليك بعض غلبات الهوى ، أو فتن الدّنيا (9) ، فتكون كالصّعب
    __________________
    (1) الغمرات : الشدائد
    (2) الكهف : الملجأ ، والحريز : الحافظ
    (3) الاستخارة : إجالة الرأى فى الأمر قبل فعله لاختيار أفضل وجوهه
    (4) «صفحا» أى : جانبا ، أى : لا تعرض عنها
    (5) لا يحق ـ بكسر الحاء وضمها ـ أى : لا يكون من الحق كالسحر ونحوه
    (6) أى : وصلت النهاية من جهة السن ، والوهن : الضعف.
    (7) أفضى : ألقى اليك
    (Cool «وأن أنقص» : عطف على «أن يعجل»
    (9) أى : يسبقنى بالاستيلاء على قلبك غلبات الأهواء ، فلا تتمكن نصيحتى من النفوذ إلى فؤادك ، فتكون كالفرس الصعب غير المذلل ، والنفور : ضد الآنس

    النّفور ، وإنّما قلب الحدث كالأرض الخالية : ما ألقى فيها من شىء قبلته ، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبّك ، لتستقبل بجدّ رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التّجارب بغيته وتجربته (1) فتكون قد كفيت مؤونة الطّلب ، وعوفيت من علاج التّجربة ، فأتاك من ذلك ما قد كنّا نأتيه ، واستبان لك ما ربّما أظلم علينا منه (2) أى بنىّ ،
    إنّى ـ وإن لم أكن عمّرت عمر من كان قبلى ـ فقد نظرت فى أعمالهم ، وفكّرت فى أخبارهم ، وسرت فى آثارهم ، حتّى عدت كأحدهم ، بل كأنّى بما انتهى إلىّ من أمورهم قد عمّرت مع أوّلهم إلى آخرهم ، فعرفت صفو ذلك من كدره ، ونفعه من ضرره ، فاستخلصت لك من كلّ أمر نخيله (3) وتوخّيت لك جميله ، وصرفت عنك مجهوله ، ورأيت ـ حيث عنانى من أمرك ما يعنى الوالد الشّفيق ، وأجمعت عليه من أدبك (4) ـ أن يكون (5)
    __________________
    (1) ليكون جد رأيك ـ أى : محققه وثابته ـ مستعدا لقبول الحقائق التى وقف عليها أهل التجارب وكفوك طلبها ، والبغية ـ بالكسر والضم ـ : الطلبة ، والحاجة
    (2) استبان : ظهر ، إذا انضم رأيه إلى آراء أهل التجارب فربما يظهر له ما لم يكن ظهر لهم ، فان رأيه يأتى بأمر جديد لم يكونوا أتوا به
    (3) النخيل : المختار المصفى ، ويروى «جليله» أى : عظيمه. و «توخيت» : أى : تحريت.
    (4) أجمعت : عزمت ، عطف على «يعنى الوالد»
    (5) «أن يكون» : مفعول «رأيت»

    ذلك وأنت مقبل العمر ، ومقتبل الدّهر ، ذو نيّة سليمة ونفس صافية ، وأن أبتدئك بتعليم كتاب اللّه وتأويله ، وشرائع الاسلام وأحكامه ، وحلاله وحرامه ، [و] لا أجاوز لك إلى غيره (1) ، ثمّ أشفقت (2) أن يلتبس عليك ما اختلف النّاس فيه من أهوائهم وآرائهم مثل الّذى التبس عليهم (3) ، فكان إحكام ذلك على ما كرهت من تنبيهك له أحبّ إلىّ من إسلامك إلى أمر لا آمن عليك به الهلكة (4) ، ورجوت أن يوفّقك اللّه لرشدك ، وأن يهديك لقصدك ، فعهدت إليك وصيّتى هذه.
    واعلم ، يا بنىّ ، أنّ أحبّ ما أنت آخذ به إلىّ من وصيّتى ، تقوى اللّه والإقتصار على ما فرضه اللّه عليك ، والأخذ بما مضى عليه الأوّلون من آبائك والصّالحون من أهل بيتك ، فإنّهم لم يدعوا أن نظروا لأنفسهم كما أنت ناظر (5) ، وفكّروا كما أنت مفكّر ، ثمّ ردّهم آخر ذلك إلى الأخذ بما عرفوا
    __________________
    (1) لا أتعدى بك كتاب اللّه إلى غيره ، بل أقف بك عنده
    (2) «أشفقت» أى : خشيت وخفت
    (3) «مثل» : صفة لمفعول مطلق محذوف ، أى : التباسا مثل الذى كان لهم.
    (4) أى : إنك وإن كنت تكره أن ينبهك أحد لما ذكرت لك فانى أعد إتقان التنبيه على كراهتك له أحب إلى من إسلامك ـ أى : إلقائك ـ إلى أمر تخشى عليك به الهلكة.
    (5) لم يتركوا النظر لأنفسهم فى أول أمرهم بعين لا ترى نقصا ولا تحذر خطرا

    والامساك عمّا لم يكلّفوا ، فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما علموا فليكن طلبك ذلك بتفهّم وتعلّم ، لا بتورّط الشّبهات ، وعلوّ الخصوصيّات (1) وابدأ ـ قبل نظرك فى ذلك ـ بالاستعانة بالهك ، والرّغبة إليه فى توفيقك ، وترك كلّ شائبة أولجتك فى شبهة (2) ، أو أسلمتك إلى ضلالة ، فإذا أيقنت أن قد صفا قلبك فخشع ، وتمّ رأيك فاجتمع ، وكان همّك فى ذلك همّا واحدا ، فانظر فيما فسّرت لك ، وإن أنت لم يجتمع لك ما تحبّ من نفسك وفراغ نظرك وفكرك ، فاعلم أنّك إنّما تخبط العشواء (3) ، وتتورّط الظّلماء ، وليس طالب الدّين من خبط أو خلط! والإمساك عن ذلك أمثل (4). فتفهّم ، يا بنىّ ، وصيّتى ، واعلم أنّ مالك الموت هو مالك الحياة ، وأنّ الخالق هو المميت ، وأنّ المفنى هو المعيد ، وأنّ المبتلى هو المعافى ، وأنّ الدّنيا لم تكن
    __________________
    ثم ردتهم آلام التجربة إلى الأخذ بما عرفوا حسن عاقبته وإمساك أنفسهم عن عمل لم يكلفهم اللّه إتيانه
    (1) يروى «وعلو الخصومات»
    (2) الشائبة : ما يشوب الفكر من شك وحيرة ، وأولجتك : أدخلتك
    (3) العشواء : الضعيفة البصر : أى : تخبط خبط الناقة العشواء : لا تأمن أن تسقط فيما لا خلاص منه ، وتورط فى الأمر : دخل فيه على صعوبة فى التخلص منه
    (4) حبس النفس عن الخلط والخبط فى الدين أحسن.

    لتستقرّ إلاّ على ما جعلها اللّه عليه من النّعماء (1) والابتلاء والجزاء فى المعاد ، أو ما شاء ممّا لا نعلم. فإن أشكل عليك شىء من ذلك فاحمله على جهالتك به ، فإنّك أوّل ما خلقت جاهلا ثمّ علّمت ، وما أكثر ما تجهل من الأمر ، ويتحيّر فيه رأيك ، ويضلّ فيه بصرك ، ثمّ تبصره بعد ذلك ، فاعتصم بالّذى خلقك ورزقك وسوّاك ، وليكن له تعبّدك ، وإليه رغبتك ، ومنه شفقتك (2). واعلم ، يا بنىّ ، أنّ أحدا لم ينبئ عن اللّه كما أنبأ عنه الرّسول ، صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، فارض به رائدا (3) وإلى النّجاة قائدا ، فإنّى لم آلك نصيحة (4) وإنّك لن تبلغ فى النّظر لنفسك ـ وإن اجتهدت ـ مبلغ نظرى لك. واعلم ، يا بنىّ ، أنّه لو كان لربّك شريك لأتتك رسله ، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه ، ولعرفت أفعاله وصفاته ، ولكنّه إله واحد! كما وصف نفسه ، لا يضادّه فى ملكه أحد ، ولا يزول أبدا ، ولم يزل ، أوّل قبل الأشياء بلا
    __________________
    (1) لا تثبت الدنيا إلا ما أودع اللّه فى طبيعتها من التلون بالنعماء تارة ، والاختبار بالبلاء تارة ، وإعقابها للجزاء فى المعاد يوم القيامة : على الخير خيرا ، وعلى الشر شرا.
    (2) «شفقتك» أى : خوفك
    (3) الرائد : من ترسله فى طلب الكلأ ليتعرف موقعه ، والرسول قد عرف عن اللّه وأخبرنا ، فهو رائد سعادتنا
    (4) لم أقصر فى نصيحتك. «4 ـ ن ـ ج ـ 3»

    أوّليّة (1) وآخر بعد الأشياء بلا نهاية. عظم عن أن تثبت ربوبيّته باحاطة قلب أو بصر ، فإذا عرفت ذلك فافعل كما ينبغى لمثلك أن يفعله فى صغر خطره (2) وقلّة مقدرته ، وكثرة عجزه ، وعظيم حاجته إلى ربّه ، فى طلب طاعته ، والخشية من عقوبته ، والشّفقة من سخطه ، فإنّه لم يأمرك إلاّ بحسن ، ولم ينهك إلاّ عن قبيح.
    يا بنىّ ، إنّى قد أنبأتك عن الدّنيا وحالها ، وزوالها وانتقالها ، وأنبأتك عن الآخرة وما أعدّ لأهلها [فيها] ، وضربت لك فيهما الأمثال لتعتبر بها ، وتحذو عليها! إنّما مثل من خبر الدّنيا (3) كمثل قوم سفر نبا بهم منزل جديب فأمّوا منزلا خصيبا ، وجنابا مريعا ، فاحتملوا وعثاء الطّريق (4) ، وفراق الصّديق ، وخشونة السّفر ، وجشوبة المطعم ، ليأتوا سعة دارهم ومنزل قرارهم ، فليس يجدون لشىء من ذلك ألما ، ولا يرون نفقة [فيه] مغرما ، ولا شىء أحبّ
    __________________
    (1) فهو أول بالنسبة إلى الأشياء لكونه قبلها ، إلا أنه لا أولية ـ أى : لا ابتداء ـ له
    (2) خطره : قدره
    (3) خبر الدنيا : عرفها كما هى بامتحان أحوالها ، والسفر ـ بفتح فسكون ـ : المسافرون ، ونبا المنزل بأهله : لم يوافقهم المقام فيه لوخامته ، والجديب : المقحط لا خير فيه ، وأموا : قصدوا ، والجناب : الناحية ، والمريع ـ بفتح فكسر ـ : كثير العشب.
    (4) وعثاء السفر : مشقته ، والجشوبة ـ بضم الجيم ـ : الغلط ، أو كون الطعام بلا أدم.

    إليهم ممّا قرّبهم من منزلهم ، وأدناهم من محلّهم. ومثل من اغترّ بها كمثل قوم كانوا بمنزل خصيب فنبا بهم إلى منزل جديب ، فليس شىء أكره إليهم ولا أفظع عندهم من مفارقة ما كانوا فيه إلى ما يهجمون عليه (1) ويصيرون إليه! يا بنىّ ، اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك ، فأحبب لغيرك ما تحبّ لنفسك ، واكره له ما تكره لها ، ولا تظلم كما لا تحبّ أن تظلم ، وأحسن كما تحبّ أن يحسن إليك ، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك ، وارض من النّاس بما ترضاه لهم من نفسك (2) ، ولا تقل ما لا تعلم ، وإن قلّ ما تعلم ولا تقل ما لا تحبّ أن يقال لك.
    واعلم أنّ الاعجاب ضدّ الصّواب ، وآفة الألباب (3) ، فاسع فى كدحك (4) ولا تكن خازنا لغيرك (5) ، وإذا كنت هديت لقصدك فكن أخشع ما تكون لربّك.
    __________________
    (1) هجم عليه ـ من باب دخل ـ انتهى إليه بغتة
    (2) إذا عاملوك بمثل ما تعاملهم فارض بذلك ، ولا تطلب منهم أزيد مما تقدم لهم
    (3) الاعجاب : استحسان ما يصدر عن النفس مطلقا ، وهو خلق من أعظم الأخلاق مصيبة على صاحبه : ومن أشد الآفات ضررا لقلبه
    (4) الكدح : أشد السعى
    (5) لا تحرص على جمع المال ليأخذه الوارثون بعدك ، بل انفق فيما يجلب رضا اللّه عنك.

    واعلم أنّ أمامك طريقا ذا مسافة بعيدة (1) ومشقّة شديدة. وأنّه لا غنى لك فيه عن حسن الارتياد (2) ، وقدّر بلاغك من الزّاد مع خفّة الظّهر فلا تحملنّ على ظهرك فوق طاقتك فيكون ثقل ذلك وبالا عليك. وإذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك إلى يوم القيامة فيوافيك به غدا حيث تحتاج إليه فاغتنمه وحمّله إيّاه (3) وأكثر من تزويده وأنت قادر عليه ، فلعلّك تطلبه فلا تجده ، واغتنم من استقرضك فى حال غناك ليجعل قضاءه لك فى يوم عسرتك واعلم أنّ أمامك عقبة كئودا (4) المخفّ فيها أحسن حالا من المثقل والبطىء عليها أقبح حالا من المسرع ، وأنّ مهبطك بها لا محالة على جنّة أو على نار ، فارتد لنفسك قبل نزولك (5) ، ووطّىء المنزل قبل حلولك ، فليس بعد الموت مستعتب (6) ، ولا إلى الدّنيا منصرف
    __________________
    (1) هو طريق السعادة الأبدية.
    (2) الارتياد : الطلب ، وحسنه : إتيانه من وجهه ، والبلاغ ـ بالفتح ـ الكفاية
    (3) الفاقة : الفقر ، وإذ أسعفت الفقراء بالمال كان أجر الاسعاف وثوابه ذخيرة تنالها فى القيامة ، فكأنهم حملوا عنك زادا يبلغك موطن سعادتك يؤدونه إليك وقت الحاجة ، وهذا الكلام من أفصح ما قيل فى الحث على الصدقة
    (4) كئودا : صعبة المرتقى شاقة المصعد ، والمخف ـ بضم فكسر ـ : الذى خفف حمله ، والمثقل : بعكسه ، وهو من أثقل ظهره بالأوزار
    (5) ابعث رائدا من طيبات الأعمال توقفك الثقة به على جودة المنزل
    (6) المستعتب والمنصرف : مصدران ، والاستعتاب : الاسترضاء ، ولا انصراف إلى الدنيا بعد الموت حتى يمكن استرضاء اللّه بعد إغضابه باستئناف العمل

    واعلم أنّ الّذى بيده خزائن السّموات والأرض قد أذن لك فى الدّعاء ، وتكفّل لك بالإجابة ، وأمرك أن تسأله ليعطيك ، وتسترحمه ليرحمك ، ولم يجعل بينك وبينه من يحجبه عنك ، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه. ولم يمنعك إن أسأت من التّوبة ، ولم يعاجلك بالنّقمة [ولم يعيّرك بالانابة (1) ،] ولم يفضحك حيث الفضيحة بك أولى ، ولم يشدّد عليك فى قبول الانابة ، ولم يناقشك بالجريمة ، ولم يوئسك من الرّحمة ، بل جعل نزوعك عن الذّنب حسنة (2) ، وحسب سيّئتك واحدة وحسب حسنتك عشرا ، وفتح لك باب المتاب [وباب الاستيعاب] فاذا ناديته سمع نداءك ، وإذا ناجيته علم نجواك (3) فأفضيت إليه بحاجتك (4) ، وأبثثته ذات نفسك ، وشكوت إليه همومك ، واستكشفته كروبك (5) ، واستعنته على أمورك ، وسألته من خزائن رحمته ما لا يقدر على إعطائه غيره : من زيادة الأعمار ، وصحّة
    __________________
    (1) الانابة ـ بالنون الموحدة ـ الرجوع إلى اللّه ، واللّه لا يعير الراجع إليه برجوعه ، ويروى «الاثابة» بالثاء المثلثة ـ وتحتمل أن تكون بمعنى الثواب وأن تكون بمعنى الرجوع أيضا ، من نحو قولهم «ثاب إلى رشده» أى : رجع
    (2) نزوعك : رجوعك
    (3) المناجاة : المكالمة سرا ، واللّه يعلم السر كما يعلم العلن
    (4) أفضيت : ألقيت ، وأبثثته : كاشفته ، وذات النفس : حالتها
    (5) طلبت كشفها

    الأبدان. وسعة الأرزاق. ثمّ جعل فى يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك [فيه] من مسألته ، فمتى شئت استفتحت بالدّعاء أبواب نعمته ، واستمطرت شآبيب رحمته (1) ، فلا يقنطنّك إبطاء إجابته (2) ، فانّ العطيّة على قدر النّيّة ، وربّما أخّرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السّائل ، وأجزل لعطاء الآمل ، وربّما سألت الشّىء فلا تؤتاه ، وأوتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا ، أو صرف عنك لما هو خير لك ، فلربّ أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته. فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله ، وينفى عنك وباله ، والمال [لا] يبقى لك ، ولا تبقى له
    واعلم أنّك إنّما خلقت للآخرة لا للدّنيا ، وللفناء لا للبقاء ، وللموت لا للحياة ، وأنّك فى منزل قلعة (3) ، ودار بلغة ، وطريق إلى الآخرة ، وأنّك طريد الموت الّذى لا ينجو منه هاربه ، ولا يفوته طالبه ، ولا بدّ أنّه مدركه
    __________________
    (1) الشؤبوب ـ بالضم ـ الدفعة من المطر ، وجمعه شآبيب. وما أشبه رحمة اللّه بالمطر ينزل على الأرض الموات فيحييها ، وما أشبه نوباتها بدفعات المطر
    (2) القنوط : اليأس
    (3) قلعة ـ بضم القاف وسكون اللام ، وبضمتين ، وبضم ففتح ـ يقال : منزل قلعة ، أى : لا يملك لنازله ، ولا يدرى متى ينتقل عنه. ويجوز فيه وجهان : الوصفية مع تنوين الأول ، والاضافة. والبلغة : الكفاية ، أى : دار تؤخذ منها الكفاية للآخرة.

    فكن منه على حذر أن يدركك وأنت على حال سيّئة قد كنت تحدّث نفسك منها بالتّوبة فيحول بينك وبين ذلك ، فإذا أنت قد أهلكت نفسك
    يا بنىّ ، أكثر من ذكر الموت ، وذكر ما تهجم عليه ، وتفضى بعد الموت إليه ، حتّى يأتيك وقد أخذت منه حذرك (1) وشددت له أزرك ، ولا يأتيك بغتة فيبهرك (2)! وإيّاك أن تغترّ بما ترى من إخلاد أهل الدّنيا إليها (3) وتكالبهم عليها ، فقد نبّأ اللّه عنها ، ونعت لك نفسها (4) ، وتكشّفت لك عن مساويها ، فإنّما أهلها كلاب عاوية ، وسباع ضارية ، يهرّ بعضها بعضا (5) ويأكل عزيزها ذليلها ، ويقهر كبيرها صغيرها ، نعم معقّلة (6) وأخرى مهملة قد أضلّت عقولها (7) وركبت مجهولها ، سروح عاهة (Cool بواد وعث! ليس
    __________________
    (1) الحذر ـ بالكسر ـ الاحتراز والاحتراس ، والأزر ـ بالفتح ـ
    (2) بهر ـ كمنع ـ غلب ، أى : يغلبك على أمرك
    (3) إخلاد أهل الدنيا : سكونهم إليها ، والتكالب : التواثب
    (4) نعاه : أخبر بموته ، والدنيا تخبر بحالها عن فنائها
    (5) ضارية : مولعه بالافتراس ، يهر ـ بكسر الهاء ، وضمها ـ أى : يمقت ويكره بعضها بعضا
    (6) عقل البعير ـ بالتشديد ـ شد وظيفه إلى ذراعه ، والنعم ـ بالتحريك ـ الابل ، أى : إبل منعها عن الشر عقالها : وهم الضعفاء ، وأخرى مهملة تأتى من السوء ما تشاء ، وهم الأقوياء.
    (7) أضلت : أضاعت عقولها وركبت طريقها المجهول لها
    (Cool السروح ـ بالضم ـ جمع سرح ـ بفتح فسكون ـ وهو المال السائم

    لها راع يقيمها ، ولا مسيم يسيمها (1)! سلكت بهم الدّنيا طريق العمى ، وأخذت بأبصارهم عن منار الهدى ، فتاهوا فى حيرتها ، وغرقوا فى نعمتها ، واتّخذوها ربّا فلعبت بهم ولعبوا بها ونسوا ما وراءها!!
    رويدا يسفر الظّلام (2) كأن قد وردت الأظعان (3)! يوشك من أسرع أن يلحق
    واعلم [يا بنىّ] أنّ من كانت مطيّته اللّيل والنّهار فانّه يسار به وإن كان واقفا ، ويقطع المسافة وإن كان مقيما وادعا (4) واعلم يقينا أنّك لن تبلغ أملك ، ولن تعدو أجلك ، وأنّك فى سبيل من كان قبلك ، فخفّض فى الطّلب (5) وأجمل فى المكتسب ، فانّه ربّ طلب قد
    __________________
    من إبل ونحوها ، والعاهة : الآفة ، أى : إنهم يسرحون لرعى الآفات فى وادى المتاعب والوعث : الرخو ، ويصعب السير فيه (1) أسام الدابة : سرحها إلى المرعى
    (2) «يسفر» أى : يكشف ظلام الجهل عما خفى من الحقيقة عند انجلاء الغفلة بحلول المنية
    (3) الأظعان : جمع ظعينة ، وهو الهودج تركب فيه المرأة ، عبر به عن المسافرين فى طريق الدنيا إلى الآخرة كأن حالهم أن وردوا على غاية سيرهم
    (4) الوادع : الساكن المستريح
    (5) خفض : أمر من «خفض» بالتشديد ـ أى : ارفق ، و «أجمل فى كسبه» أى : سعى سعيا جميلا : لا يحرص فيمنع الحق ، ولا يطمع فيتناول ما ليس بحق

    جرّ إلى حرب (1) ، فليس كلّ طالب بمرزوق ، ولا كلّ مجمل بمحروم ، وأكرم نفسك عن كلّ دنيّة وإن ساقتك إلى الرّغائب ، فانّك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا (2) ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك اللّه حرّا ، وما خير خير لا ينال إلاّ بشرّ (3) ويسر لا ينال إلاّ بعسر؟! (4) وإيّاك أن توجف بك مطايا الطّمع (5) فتوردك مناهل الهلكة ، وإن استطعت أن لا يكون بينك وبين اللّه ذو نعمة فافعل ، فإنّك مدرك قسمك ، وآخذ سهمك! وإنّ اليسير من اللّه ـ سبحانه ـ أعظم وأكرم من الكثير من خلقه وإن كان كلّ منه. وتلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراكك ما فات من منطقك (6)
    __________________
    (1) الحرب ـ بالتحريك ـ : سلب المال
    (2) إن رغائب المال إنما تطلب لصون النفس عن الابتذال فلو بذل باذل نفسه لتحصيل المال فقد ضيع ما هو المقصود من المال ، فكان جمع المال عبثا عوضا لما ضيع
    (3) يريد أى خير فى شىء سماه الناس خيرا وهو مما لا يناله الانسان إلا بالشر ، فان كان طريقه شرا فكيف يكون هو خيرا
    (4) إن العسر الذى يخشاه الانسان هو ما يضطره لرذيل الفعال ، فهو يسعى كل جهده ليتحامى الوقوع فيه ، فان جعل الرذائل وسيلة لكسب اليسر ـ أى : السعة ـ فقد وقع أول الأمر فيما يهرب منه ، فما الفائدة فى يسره وهو لا يحميه من النقيصة؟
    (5) توجف : تسرع ، والمناهل : ما ترده الابل ونحوها للشرب
    (6) التلافى : التدارك لاصلاح ما فسد او كاد ، و «ما فرط» أى : قصر عن إفادة

    وحفظ ما فى الوعاء بشدّ الوكاء ، وحفظ ما فى يديك أحبّ إلىّ من طلب ما فى يد غيرك (1). ومرارة اليأس خير من الطّلب إلى النّاس ، والحرفة مع العفّة خير من الغنى مع الفجور ، والمرء أحفظ لسرّه (2). وربّ ساع فيما يضرّه (3)! من أكثر أهجر (4) ، ومن تفكّر أبصر! قارن أهل الخير تكن منهم ، وباين أهل الشّرّ تبن عنهم! بئس الطّعام الحرام ، وظلم الضّعيف أفحش الظّلم. إذا كان الرّفق خرقا كان الخرق رفقا (5). ربّما كان الدّواء داء والدّاء دواء ، وربّما نصح غير النّاصح وغشّ المستنصح (6). وإيّاك واتّكالك على المنى
    __________________
    الغرض أو إنالة الوطر ، وإدراك ما فات : هو اللحاق به لأجل استرجاعه ، و «فات» أى : سبق إلى غير صواب ، وسابق الكلام لا يدرك فيسترجع ، بخلاف تقصير السكوت فسهل تداركه ، وإنما يحفظ الماء فى القربة مثلا بشد وكائها ـ أى : رباطها ـ وإن لم يشد الوكاء صب فى الوعاء ولم يكن إرجاعه ، فكذلك اللسان
    (1) إرشاد للاقتصاد فى المال
    (2) فالأولى عدم إباحته لشخص آخر وإفشائه
    (3) قد يسعى الانسان بقصد فائدته فينقلب سعيه بالضرر عليه لجهله أو سوء قصده
    (4) أهجر إهجارا وهجرا ـ بالضم ـ هذى فى كلامه ، وكثير الكلام لا يخلو من الاهجار
    (5) إذا كان المقام يلزمه العنف فيكون إبداله بالرفق عنفا ، ويكون العنف من الرفق ، وذلك كمقام التأديب وإجراء الحدود مثلا ، والخرق ـ بالضم ـ العنف
    (6) المستنصح ـ على زنة اسم المفعول ـ المطلوب منه النصح ، فيلزم التفكر والتروى فى جميع الأحوال ، لئلا يروج غش أو تنبذ نصيحة

    فإنّها بضائع الموتى (1) والعقل حفظ التّجارب. وخير ما جرّبت ما وعظك (2) ، بادر الفرصة قبل أن تكون غصّة. ليس كلّ طالب يصيب ، ولا كلّ غائب يؤوب ، ومن الفساد إضاعة الزّاد (3) ومفسدة المعاد ، ولكلّ أمر عاقبة ، سوف يأتيك ما قدّر لك ، التّاجر مخاطر! وربّ يسير أنمى من كثير ، ولا خير فى معين مهين (4) ، ولا فى صديق ظنين ، ساهل الدّهر ما ذلّ لك قعوده (5) ، ولا تخاطر بشىء رجاء أكثر منه ، وإيّاك أن تجمح بك مطيّة اللّجاج (6)! احمل
    __________________
    (1) المنى : جمع منية ـ بضم فسكون ـ وهى ما يتمناه الشخص لنفسه ويعلل نفسه باحتمال الوصول إليه ، وهى بضائع الموتى لأن المتجر بها يموت ولا يصل إلى شىء! فان تمنيت فاعمل لأمنيتك ، ويروى «فانها بضائع النوكى» لجمع أنوك ، وهو الأحمق الضعيف العقل
    (2) أفضل التجربة ما زجرت عن سيئة وحملت على حسنة ، وتلك الموعظة
    (3) زاد الصالحات والتقوى ، أو المراد إضاعة المال مع مفسدة المعاد بالاسراف فى الشهوات ، وهو أظهر
    (4) مهين : إما بفتح الميم بمعنى حقير ، فان الحقير لا يصلح لأن يكون معينا ، أو بضمها بمعنى فاعل الاهانة فيعينك ويهينك فيفسد ما يصلح ، والظنين ـ بالظاء ـ المتهم ، وبالضاد : البخيل ، وبهما يروى
    (5) القعود ـ بالفتح ـ من الابل : ما يقتعده الراعى فى كل حاجته ، ويقال للبكر إلى أن يثنى ، وللفصيل. أى : ساهل الدهر ما دام منقادا ، وخد حظك من قياده
    (6) اللجاج ـ بالفتح ـ مصدر «لج فى الأمر يلج» بفتح لام المضارع مثل ظل يظل ، وبكسرها مثل خف يخف ـ لجاجا ولجاجة ـ بفتح اللام فى المصدرين ـ فهو لجوج ولجوجة ، والهاء للمبالغة ، وذلك أن يتمادى فيه ، أى : أحذرك من أن تغلبك الخصومات فلا تملك نفسك من الوقوع فى مضارها

    نفسك من أخيك ـ عند صرمه ـ على الصّلة (1) ، وعند صدوده على اللّطف والمقاربة ، وعند جموده على البذل (2) ، وعند تباعده على الدّنوّ ، وعند شدّته على اللّين وعند جرمه على العذر ، حتّى كأنّك له عبد ، وكأنّه ذو نعمة عليك ، وإيّاك أن تضع ذلك فى غير موضعه ، أو أن تفعله بغير أهله ، لا تتّخذنّ عدوّ صديقك صديقا فتعادى صديقك ، وامحض أخاك النّصيحة حسنة كانت أو قبيحة ، وتجرّع الغيظ فانّى لم أر جرعة أحلى منها عاقبة ولا ألذّ مغبّة (3) ، ولن لمن غالظك (4) فانّه يوشك أن يلين لك ، وخذ على عدوّك بالفضل فانّه أحلى الظّفرين (5) وإن أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقيّة يرجع إليها إن بدا له ذلك يوما ما (6) ، ومن ظنّ بك خيرا فصدّق ظنّه (7) ، ولا تضيعنّ حقّ أخيك
    __________________
    (1) صرمه : قطيعته ، أى : ألزم نفسك بصلة صديقك إذا قطعك الخ
    (2) جموده : بخله
    (3) المغبة ـ بفتحتين ثم باء مشددة ـ : بمعنى العاقبة ، وكظم الغيظ وإن صعب على النفس فى وقته إلا أنها تجد لذته عند الافاقة من الغيظ ، فللعفو لذة إن كان فى محله ، وللخلاص من الضرر المعقب لفعل الغضب لذة أحرى
    (4) لن : أمر من اللين ضد الغلظة والخشونة
    (5) ظفر الانتقام وظفر التملك بالاحسان ، والثانى أحلى وأربح فائدة ، ويروى «فانه أحد الظفرين» وهو واضح
    (6) بقية من الصلة يسهل لك معها الرجوع إليك إذا ظهر له حسن العودة
    (7) صدقه بلزوم ما ظن بك من الخير

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    نهج البلاغه ج3 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: نهج البلاغه ج3   نهج البلاغه ج3 Emptyأمس في 9:18 pm

    اتّكالا على ما بينك وبينه ، فإنّه ليس لك بأخ من أضعت حقّه ، ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك ، ولا ترغبنّ فيمن زهد عنك ، ولا يكوننّ أخوك على مقاطعتك أقوى منك على صلته (1) ولا يكوننّ على الاساءة أقوى منك على الإحسان ، ولا يكبرنّ عليك ظلم من ظلمك ، فانّه يسعى فى مضرّته ونفعك ، وليس جزاء من سرّك أن تسوءه.
    واعلم ، يا بنىّ ، أنّ الرّزق رزقان : رزق تطلبه ، ورزق يطلبك ، فإن أنت لم تأته أتاك. ما أقبح الخضوع عند الحاجة والجفاء عند الغنى. إنّ لك من دنياك ما أصلحت به مثواك (2) ، وإن جزعت على ما تفلّت من يديك (3) فاجزع على كلّ ما لم يصل إليك. استدلّ على ما لم يكن بما قد كان [فإنّ الأمور أشباه] ، ولا تكوننّ ممّن لا تنفعه العظة إلاّ إذا بالغت فى إيلامه ، فإنّ العاقل يتّعظ بالآداب ، والبهائم لا تتّعظ إلاّ بالضّرب. اطرح عنك
    __________________
    (1) مراده إذا أتى أخوك بأسباب القطيعة فقابلها بموجبات الصلة حتى تغلبه ، ولا يصح أن يكون أقدر على ما يوجب القطيعة منك على ما يوجب الصلة ، وهذا أبلغ قول فى لزوم حفظ الصداقة
    (2) منزلتك من الكرامة فى الدنيا والآخرة
    (3) تفلت ـ بتشديد اللام ـ أى : تملص من اليد فلم تحفظه. فالذى يجزع على ما فاته كالذى يجزع على ما لم يصله. والثانى لا يحصر فينال ، فالجزع عليه غير لائق ، فكذا الأول

    واردات الهموم بعزائم الصّبر وحسن اليقين ، من ترك القصد جار (1) ، والصّاحب مناسب (2) والصّديق من صدق غيبه (3) والهوى شريك العناء (4) ، ربّ قريب أبعد من بعيد ، وربّ بعيد أقرب من قريب ، والغريب من لم يكن له حبيب. من تعدّى الحقّ ضاق مذهبه ، ومن اقتصر على قدره كان أبقى له. وأوثق سبب أخذت به سبب بينك وبين اللّه ، ومن لم يبالك فهو عدوّك (5) قد يكون اليأس إدراكا إذا كان الطّمع هلاكا. ليس كلّ عورة تظهر ، ولا كلّ فرصة تصاب ، وربّما أخطأ البصير قصده ، وأصاب الأعمى رشده. أخّر الشّرّ فإنّك إذا شئت تعجّلته (6) وقطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل. من أمن الزّمان خانه ، ومن أعظمه أهانه (7)! ليس كلّ من رمى أصاب ، إذا تغيّر السّلطان تغيّر الزّمان ، سل عن الرّفيق قبل الطّريق ، وعن الجار قبل الدّار. إيّاك أن تذكر من الكلام ما كان مضحكا ، وإن حكيت
    __________________
    (1) القصد : الاعتدال ، وجار : مال عن الصواب
    (2) يراعى فيه ما يراعى فى قرابة النسب
    (3) الغيب : ضد الحضور ، أى : من حفظ لك حقك وهو غائب عنك
    (4) الهوى : شهوة غير منضبطة ولا مملوكة بسلطان الشرع والأدب ، والعناء : الشقاء ، ويروى «والهوى شريك العمى»
    (5) «لم يبالك» أى : لم يهتم بأمرك بالتيه ، و «باليت به» أى : راعيته واعتنيت به
    (6) لأن فرص الشر لا تنقضى لكثرة طرقه وطريق الخير واحد ، وهو الحق.
    (7) من هاب شيئا سلطه على نفسه

    ذلك عن غيرك ، وإيّاك ومشاورة النّساء ، فانّ رأيهنّ إلى أفن وعزمهنّ إلى وهن (1) واكفف عليهنّ من أبصارهنّ بحجابك إيّاهنّ ، فانّ شدّة الحجاب أبقى عليهنّ ، وليس خروجهنّ بأشدّ من إدخالك من لا يوثق به عليهنّ (2) وإن استطعت أن لا يعرفن غيرك فافعل ، ولا تملّك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها ، فانّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة (3) ولا تعد بكرامتها نفسها ، ولا تطمعها فى أن تشفع بغيرها ، وإيّاك والتّغاير فى غير موضع غيرة (4) ، فانّ ذلك يدعو الصّحيحة إلى السّقم ، والبريئة إلى الرّيب ، واجعل لكلّ إنسان من خدمك عملا تأخذه به ، فانّه أحرى أن لا يتواكلوا فى خدمتك (5) وأكرم عشيرتك فانّهم جناحك الّذى به تطير ، وأصلك الّذى إليه تصير ، ويدك الّتى بها تصول.
    __________________
    (1) الأفن ـ بالفتح وبالتحريك ـ : ضعف الرأى ، والوهن : الضعف
    (2) أى : إذا أدخلت على النساء من لا يوثق بأمانته فكأنك أخرجتهن إلى مختلط العامة ، فأى فرق بينهما؟
    (3) القهرمان : الذى يحكم فى الأمور ويتصرف فيها بأمره ، ولا تعد ـ بفتح فسكون ـ أى : لا تجاوز باكرامها نفسها فتكرم غيرها بشفاعته ، أين هذه الوصية من حال الذين يصرفون النساء فى مصالح الأمة؟ بل ومن يختص بخدمتهن كرامة لهن؟
    (4) التغاير : إظهار الغيرة على المرأة بسوء الظن فى حالها من غير موجب
    (5) يتواكلوا : يتكل بعضهم على بعض

    استودع اللّه دينك ودنياك ، وأسأله خير القضاء [لك] فى العاجلة والآجلة ، والدّنيا والآخرة ، والسّلام.
    32 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى معاوية
    وأرديت جيلا (1) من النّاس كثيرا : خدعتهم بغيّك (2) وألقيتهم فى موج بحرك ، تغشاهم الظّلمات ، وتتلاطم بهم الشّبهات ، فجازوا عن وجهتهم (3) ونكصوا على أعقابهم ، وتولّوا على أدبارهم ، وعوّلوا على أحسابهم (4) ، إلاّ من فاء من أهل البصائر ، فانّهم فارقوك بعد معرفتك ، وهربوا إلى اللّه من موازرتك (5) ، إذ حملتهم على الصّعب ، وعدلت بهم عن القصد ، فاتّق اللّه يا معاوية فى نفسك ، وجاذب الشّيطان قيادك (6) ، فانّ
    __________________
    (1) أرديت : أهلكت جيلا ، أى : قبيلا وصنفا
    (2) الغى : الضلال ، ضد الرشاد
    (3) بعدوا عن وجهتهم ـ بكسر الواو ـ أى : جهة قصدهم ، كانوا يقصدون حقا فمالوا إلى باطل ، ويروى «جاروا» بالراء المهملة ـ والمراد واحد. ونكصوا : رجعوا
    (4) «عولوا» أى : اعتمدوا على شرف قبائلهم فتعصبوا تعصب الجاهلية ونبذوا نصرة الحق ، إلا من فاء ـ أى : رجع ـ إلى الحق.
    (5) الموازرة : المعاضدة
    (6) القياد : ما تقاد به الدابة ، أى : إذا جذبك الشيطان بهواك فجاذبه ، أى : امنع نفسك من متابعته

    الدّنيا منقطعة عنك ، والآخرة قريبة منك ، والسّلام.
    33 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى قثم بن العباس ، وهو عامله على مكة
    أمّا بعد ، فإنّ عينى بالمغرب (1) كتب إلىّ [يعلمنى] أنّه وجّه إلى الموسم أناس من أهل الشّام (2) ، العمى القلوب ، الصّمّ الأسماع ، الكمه الأبصار (3) ، الّذين يلتمسون الحقّ بالباطل ، ويطيعون المخلوق فى معصية الخالق ، ويحتلبون الدّنيا درّها بالدّين (4) ويشترون عاجلها بآجل الأبرار [و] المتّقين ، ولن يفوز بالخير إلاّ عامله ، ولا يجزى جزاء الشّرّ إلاّ فاعله ، فأقم على ما فى يديك قيام الحازم الصّليب (5) ، والنّاصح اللّبيب ، [و] التّابع لسلطانه المطيع لامامه ، وإيّاك وما يعتذر منه (6) ، ولا تكن عند النّعماء
    __________________
    (1) «عينى» أى : رقيبى فى البلاد الغربية
    (2) وجه ـ مبنى للمجهول ـ أى : وجههم معاوية ، والموسم : الحج
    (3) الكمه : جمع أكمه ، وهو من ولد أعمى
    (4) يحتلبون الدنيا : يستخلصون خيرها ، والدر ـ بالفتح ـ اللبن ، أى : ويجعلون الدين وسيلة لما ينالون من حطامها
    (5) الصليب : الشديد ، ويروى «قيام الحازم الطبيب» وكل حاذق عند العرب فهو طبيب.
    (6) احذر أن تفعل شيئا يحتاج إلى الاعتذار. «5 ـ ن ج ـ ـ 3»

    بطرا (1) ولا عند البأساء فشلا ، والسّلام.
    34 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى محمد بن أبى بكر ، لما بلغه توجده من عزله (2) بالأشتر عن مصر
    ثم توفى الأشتر فى توجهه إلى مصر قبل وصوله إليها
    أمّا بعد ، فقد بلغنى موجدتك من تسريح الأشتر إلى عملك (3) ، وإنّى لم أفعل ذلك استبطاء لك فى الجهد ، ولا ازديادا فى الجدّ (4) ولو نزعت ما تحت يدك من سلطانك لولّيتك ما هو أيسر عليك مؤونة ، وأعجب إليك ولاية إنّ الرّجل الّذى كنت ولّيته أمر مصر كان رجلا لنا ناصحا وعلى عدوّنا شديدا ناقما (5) فرحمه اللّه فلقد استكمل أيّامه ، ولاقى حمامه (6) ونحن عنه راضون ، أولاه اللّه رضوانه ، وضاعف الثّواب له ، فأصحر لعدوّك ، وامض على بصيرتك (7) ، وشمّر لحرب من حاربك ، وادع إلى سبيل ربّك ،
    __________________
    (1) البطر : شدة الفرح مع ثقة بدوام النعمة ، والبأساء : الشدة ، كما أن النعماء الرخاء والسعة
    (2) توجده : تكدره
    (3) «موجدتك» أى : غيظك ، والتسريح : الارسال ، والعمل : الولاية
    (4) أى : ما رأيت منك تقصيرا فأردت أن أعاقبك بعزلك لتزداد جدا
    (5) «ناقما» أى : كارها
    (6) الحمام ـ بالكسر ـ : الموت
    (7) «أصحر له» أى : ابرز له ، من «أصحر» إذا برز للصحراء

    وأكثر الاستعانة باللّه يكفك ما أهمّك ، ويعنك على ما نزل بك ، إن شاء اللّه
    35 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى عبد اللّه بن العباس ، بعد مقتل محمد بن أبى بكر
    أمّا بعد ، فإنّ مصر قد افتتحت ومحمّد بن أبى بكر رحمه اللّه قد استشهد ، فعند اللّه نحتسبه ولدا ناصحا (1) وعاملا كادحا ، وسيفا قاطعا ، وركنا دافعا ، وقد كنت حثثت النّاس على لحاقه ، وأمرتهم بغياثه قبل الوقعة ، ودعوتهم سرّا وجهرا ، وعودا وبدءا : فمنهم الآتى كارها ، ومنهم المعتلّ كاذبا ، ومنهم القاعد خاذلا. [و] أسأل اللّه أن يجعل منهم فرجا عاجلا ، فو اللّه لو لا طمعى عند لقائى عدوّى فى الشّهادة ، وتوطينى نفسى على المنيّة ، لأحببت أن لا أبقى مع هؤلاء يوما واحدا ، ولا ألتقى بهم أبدا
    36 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى [أخيه] عقيل بن أبى طالب ، فى ذكر جيش انفذه إلى بعض الأعداء
    وهو جواب كتاب كتبه إليه عقيل
    فسرّحت إليه جيشا كثيفا من المسلمين ، فلمّا بلغه ذلك شمّر هاربا ، ونكص
    __________________
    (1) احتسبه عند اللّه : سأل الأجر على الرزية فيه ، وسماه ولدا لأنه كان ربيبا له وأمه أسماء بنت عميس : كانت مع جعفر بن أبى طالب وولدت له محمدا وعونا وعبد اللّه بالحبشة أيام هجرتها معه إليها ، وبعد قتله تزوجها أبو بكر فولدت له محمدا هذا وبعد وفاته تزوجها على فولدت له يحيى. والكادح : المبالغ فى سعيه

    نادما ، فلحقوه ببعض الطّريق ، وقد طفّلت الشّمس للإياب (1) فاقتتلوا شيئا كلا ولا (2) فما كان إلاّ كموقف ساعة حتّى نجا جريضا (3) بعد ما أخذ منه بالمخنّق (4) ، ولم يبق منه غير الرّمق ، فلأيا بلأى ما نجا (5) فدع عنك قريشا وتركاضهم فى الضّلال وتجوالهم فى الشّقاق (6) وجماحهم فى التّيه ، فانّهم قد أجمعوا على حربى كاجماعهم على حرب رسول اللّه ، صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قبلى ، فجزت قريشا عنّى الجوازى (7) فقد قطعوا رحمى ، وسلبونى سلطان ابن أمّى (Cool
    __________________
    (1) «طفلت تطفيلا» أى : دنت وقربت ، والاياب : الرجوع إلى مغربها
    (2) كناية عن السرعة التامة ، فان حرفين ثانيهما حرف لين سريع الانقضاء عند السمع ، قال أبو برهان المغربى : ـ وأسرع فى العين من لحظة وأقصر فى السمع من لا ولا
    (3) الجريض ـ بالجيم ـ المغموم ، وبالحاء : الساقط لا يستطيع النهوض
    (4) المخنق ـ بضم ففتح فنون مشدة ـ الحلق محل ما يوضع الخناق ، والرمق ـ بالتحريك ـ : بقية النفس
    (5) لأيا : مصدر محذوف العامل ، ومعناه الشدة والعسر ، و «ما» بعده : مصدرية. و «نجا» فى معنى المصدر ، أى ، عسرت نجاته عسرا بعسر
    (6) التركاض : مبالغة فى الركض ، واستعاره لسرعة خواطرهم فى الضلال ، وكذلك التجوال من الجول والجولان ، والشقاق : الخلاف ، وجماحهم : استعصاؤهم على سابق الحق ، والتيه : الضلال والغواية
    (7) الجوازى : جمع جازية بمعنى المكافأة ، دعاء عليهم بالجزاء على أعمالهم
    (Cool يريد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، فان فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين ربت رسول اللّه فى حجرها فقال النبى فى شأنها : «فاطمة أمى بعد امى»

    وأمّا ما سألت عنه من رأيى فى القتال ، فانّ رأيى قتال المحلّين حتّى ألقى اللّه (1) ، لا يزيدنى كثرة النّاس حولى عزّة ، ولا تفرّقهم عنّى وحشة ، ولا تحسبنّ ابن أبيك ـ ولو أسلمه النّاس ـ متضرّعا متخشّعا ، ولا مقرّا للضّيم واهنا ، ولا سلس الزّمام للقائد (2) ، ولا وطىء الظّهر للرّاكب المتقعّد ، ولكنّه كما قال أخو بنى سليم : ـ فان تسألينى : كيف أنت؟ فانّنى صبور على ريب الزّمان صليب (3)
    يعزّ علىّ أن ترى بى كآبة (4) فيشمت عاد أو يساء حبيب
    37 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى معاوية
    فسبحان اللّه!! ما أشدّ لزومك للأهواء المبتدعة ، والحيرة المتعبة (5) مع تضييع الحقائق ، واطّراح الوثائق ، الّتى هى للّه طلبة ، وعلى عباده حجّة (6)
    __________________
    (1) المحلون : الذين يحلون القتال ويجوزونه
    (2) السلس ـ بفتح فكسر ـ : السهل ، والوطىء : اللين ، والمتقعد : الذى يتخذ الظهر قعودا يستعمله للركوب فى كل حاجاته ، ويروى «للراكب المقتعد» اسم فاعل من الاقتعاد
    (3) شديد
    (4) يعز على : يشق على ، والكآبة : ما يظهر على الوجه من أثر الحزن ، «وعاد» أى : عدوه
    (5) ويروى «والحيرة المتبعة» اسم مفعول من «اتبعه»
    (6) طلبة ـ بالكسر ، وبفتح فكسر ـ : مطلوبة

    فأمّا إكثارك الحجاج فى عثمان وقتلته (1) فانّك إنّما نصرت عثمان حيث كان النّصر لك (2) ، وخذلته حيث كان النّصر له ، والسّلام.
    38 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى أهل مصر ، لما ولى عليهم الأشتر
    من عبد اللّه علىّ أمير المؤمنين ، إلى القوم الّذين غضبوا للّه حين عصى فى أرضه ، وذهب بحقّه ، فضرب الجور سرادقه على البرّ والفاجر (3) ، والمقيم والظّاعن ، فلا معروف يستراح إليه (4) ، ولا منكر يتناهى عنه.
    أمّا بعد ، فقد بعثت إليكم عبدا من عباد اللّه لا ينام أيّام الخوف ، ولا ينكل عن الأعداء ساعات الرّوع (5) ، أشدّ على الكفّار من حريق النّار ، وهو مالك بن الحارث أخو مذحج (6) ، فاسمعوا له ، وأطيعوا أمره فيما طابق
    __________________
    (1) الحجاج ـ بالكسر ـ الجدال
    (2) حيث كان الانتصار له فائدة لك تتخذه ذريعة لجمع الناس إلى غرضك ، أما وهو حى وكان النصر يفيده فقد خذلته وأبطأت عنه
    (3) السرادق ـ بضم السين ـ : الغطاء الذى يمد فوق صحن البيت ، والغبار : الدخان ، والبر ـ بفتح الباء ـ : النقى ، والظاعن : المسافر
    (4) يعمل به : وأصله «استراح إليه» بمعنى سكن واطمأن ، والسكون إلى المعروف يستلزم العمل به
    (5) نكل عنه ـ كضرب ونصر وعلم ـ نكص وجبن ، والروع : الخوف
    (6) مذحج ـ كمجلس ـ قبيلة مالك ، وأصله اسم أكمة ولد عندها أبو القبيلتين طىء ومالك ، فسميت قبيلتاهما به ، ويروى «أشد على الفجار» جمع فاجر

    الحقّ ، فإنّه سيف من سيوف اللّه لا كليل الظّبة (1) ، ولا نابى الضّريبة (2) فإن أمركم أن تنفروا فانفروا ، وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا ، فإنّه لا يقدم ولا يحجم ، ولا يؤخّر ولا يقدّم ، إلاّ عن أمرى. وقد آثرتكم به على نفسى لنصيحته لكم وشدّة شكيمته على عدوّكم (3).
    39 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى عمرو بن العاص
    فإنّك [قد] جعلت دينك تبعا لدنيا امرىء ظاهر غيّه ، مهتوك ستره. يشين الكريم بمجلسه ، ويسفّه الحليم بخلطته ، فاتّبعت أثره وطلبت فضله اتّباع الكلب للضّرغام (4) : يلوذ إلى مخالبه ، وينتظر ما يلقى إليه من فضل فريسته ، فأذهبت دنياك وآخرتك! ولو بالحقّ أخذت أدركت ما طلبت ، فإن يمكّنّى منك ومن ابن أبى سفيان أجزكما بما قدّمتما ، وإن تعجزا [نى] وتبقيا فما
    __________________
    (1) الظبة ـ بضم ففتح مخفف ـ : حد السيف والسنان ونحوهما ، والكليل : الذى لا يقطع
    (2) الضريبة : المضروب بالسيف ، ونبا عنها السيف : لم يؤثر فيها ، وإنما دخلت التاء فى ضريبة ـ وهى بمعنى المفعول ـ لذهابها مذهب الأسماء كالنطيحة والذبيحة
    (3) «آثرتكم» خصصتكم به وأنا فى حاجة إليه ، تقديما لنفعكم على نفعى ، والشكيمة فى اللجام : الحديدة المعرضة فى فم الفرس ، ويعبر بشدتها عن قوة النفس وشدة البأس
    (4) الضرغام : الأسد

    أمامكما شرّ لكما ، [والسّلام] (1)
    40 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى بعض عماله
    أمّا بعد ، فقد بلغنى عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت ربّك ، وعصيت إمامك ، وأخزيت أمانتك (2) بلغنى أنّك جرّدت الأرض فأخذت ما تحت قدميك ، وأكلت ما تحت يديك فارفع إلىّ حسابك ، واعلم أنّ حساب اللّه أعظم من حساب النّاس ، [والسّلام]
    41 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى بعض عماله (3)
    أمّا بعد ، فإنّى كنت أشركتك فى أمانتى ، وجعلتك شعارى وبطانتى ، ولم يكن رجل من أهلى أوثق منك فى نفسى لمواساتى وموازرتى (4) وأداء الأمانة إلىّ ، فلمّا رأيت الزّمان على ابن عمّك قد كلب ، والعدوّ قد حرب ، وأمانة
    __________________
    (1) وإن تعجزانى عن الايقاع بكما ، وتبقيا فى الدنيا بعدى ، فأمامكما حساب اللّه على أعمالكما
    (2) ألصقت بأمانتك خزية ـ بالفتح ـ أى : رزية أفسدتها ، وكان هذا العامل أخذ ما عنده من مخزون بيت المال
    (3) هو العامل السابق بعينه
    (4) المواساة : من «آساه» إذا أناله من ماله عن كفاف لا عن فضل ، أو مطلقا وقالوا : ليست مصدرا لواساه فانه غير فصيح ، وتقدم للامام استعماله ، وهو حجة والموازرة : المناصرة

    النّاس قد خزيت (1) ، وهذه الأمّة قد فنكت وشغرت (2) ، قلبت لابن عمّك ظهر المجنّ (3) ففارقته مع المفارقين ، وخذلته مع الخاذلين ، وخنته مع الخائنين فلا ابن عمّك آسيت (4) ، ولا الأمانة أدّيت ، وكأنّك لم تكن اللّه تريد بجهادك وكأنّك لم تكن على بيّنة من ربّك ، وكأنّك إنّما كنت تكيد هذه الأمّة عن دنياهم (5) وتنوى غرّتهم عن فيئهم ، فلمّا أمكنتك الشّدّة فى خيانة الأمّة أسرعت الكرّة ، وعاجلت الوثبة ، واختطفت ما قدرت عليه من أموالهم المصونة لأراملهم وأيتامهم اختطاف الذّئب الأزلّ دامية المعزى الكسيرة (6) فحملته إلى الحجاز رحيب الصّدر بحمله غير متأثّم من أخذه (7) كأنّك ـ لا أبا
    __________________
    (1) كلب ـ كفرح ـ : اشتد وخشن ، والكلبة ـ بالضم ـ : الشدة والضيق وحرب ـ كفرح ـ اشتد غضبه ، أو كطلب : بمعنى سلب مالنا ، وخزيت ـ كرضيت ـ وقعت فى بلية الفساد الفاضح
    (2) من «فنكت الجارية» إذا صارت ماجنة ، ومجون الأمة أخذها بغير الحزم فى أمرها كأنها هازلة ، وشغرت : لم يبق فيها من يحميها
    (3) المجن. الترس ، وهذا مثل يضرب لمن يخالف ما عهد فيه
    (4) آسيت : ساعدت وشاركت فى الملمات
    (5) كاده عن الأمر : خدعه حتى ناله منه ، والغرة : الغفلة ، والفىء : مال الغنيمة والخراج
    (6) الأزل : السريع الجرى ، أو الخفيف لحم الوركين ، والدامية : المجروحة والكسيرة : المكسورة ، والمعزى ، أخت الضأن ، اسم الجنس كالمعز والمعيز
    (7) التأثم : التحرز من الاثم ، بمعنى الذنب. و «لا أبا لغيرك» : تقال للتوبيخ مع التحامى من الدعاء عليه ، وحدرت : أسرعت إليهم ، بتراث أو ميراث ، أو هو من «حدره» بمعنى حطه من أعلى لأسفل

    لغيرك ـ حدرت إلى أهلك تراثا من أبيك وأمّك فسبحان اللّه! أما تؤمن بالمعاد؟ أوما تخاف نقاش الحساب (1)؟ أيّها المعدود ـ كان ـ عندنا من ذوى الألباب (2) كيف تسيغ شرابا وطعاما وأنت تعلم أنّك تأكل حراما وتشرب حراما؟ وتبتاع الإماء وتنكح النّساء من مال اليتامى والمساكين والمؤمنين والمجاهدين الّذين أفاء اللّه عليهم هذه الأموال وأحرز بهم هذه البلاد!! فاتّق اللّه واردد إلى هؤلاء القوم أموالهم ، فانّك إن لم تفعل ثمّ أمكننى اللّه منك لأعذرنّ إلى اللّه فيك (3) ، ولأضربنّك بسيفى الّذى ما ضربت به أحدا إلاّ دخل النّار! واللّه لو أنّ الحسن والحسين فعلا مثل الّذى فعلت ما كانت لهما عندى هوادة (4) ، ولا ظفرا منّى بارادة ، حتّى آخذ الحقّ منهما ، وأزيل الباطل عن مظلمتهما ، وأقسم باللّه ربّ العالمين : ما يسرّنى أنّ ما أخذت‍ [ه] من أموالهم حلال لى (5) أتركه ميراثا لمن بعدى ، فضحّ رويدا فكأنّك قد
    __________________
    (1) النقاش ـ بالكسر ـ : المناقشة ، بمعنى الاستقصاء فى الحساب
    (2) «كان» ههنا زائد لافادة معنى المضى فقط ، لا تامة ، ولا ناقصة ، و «سعت الشراب ، أسيغه» كبعته أبيعه ـ : بلعته بسهولة
    (3) لأعاقبنك عقابا يكون لى عذرا عند اللّه من فعلتك هذه
    (4) الهوادة ـ بالفتح : ـ الصلح والاختصاص بالميل
    (5) أى : لا تعتمد على قرابتك منى ، فانى لا أسر بأن تكون لى ، فضلا عن ذوى قرابتى

    بلغت المدى (1) ، ودفنت تحت الثّرى ، وعرضت عليك أعمالك بالمحلّ الّذى ينادى الظّالم فيه بالحسرة ، ويتمنّى المضيّع [فيه] الرّجعة ، ولات حين مناص (2)
    42 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى عمر بن أبى سلمة المخزومى ، وكان عامله على البحرين
    فعزله ، واستعمل نعمان بن عجلان الزرقى مكانه
    أمّا بعد ، فإنّى قد ولّيت نعمان بن عجلان الزّرقىّ على البحرين ، ونزعت يدك بلا ذمّ [لك] ولا تثريب عليك (3) ، فلقد أحسنت الولاية ، وأدّيت الأمانة فأقبل غير ظنين (4) ولا ملوم ، ولا متّهم ، ولا مأثوم. فلقد أردت المسير إلى ظلمة أهل الشّام (5) ، وأحببت أن تشهد معى ، فانّك ممّن أستظهر به على جهاد العدوّ (6) ، وإقامة عمود الدّين ، إن شاء اللّه.
    __________________
    (1) فضح : من «ضحيت الغنم» إذا رعيتها فى الضحى ، أى : فارع نفسك على مهل فانما أنت على شرف الموت. وكأنك قد بلغت المدى ـ بالفتح ـ : مفرد بمعنى الغاية ، أو بالضم : جمع مدية ـ بالضم أيضا ـ بمعنى الغاية والثرى : التراب
    (2) ليس الوقت وقت فرار
    (3) التثريب : اللوم
    (4) الظنين : المتهم. وفى التنزيل : «وَمٰا هُوَ عَلَى اَلْغَيْبِ بِضَنِينٍ»
    (5) الظلمة ـ بالتحريك ـ : جمع ظالم
    (6) أستظهر به : أستعين

    43 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى مصقلة بن هبيرة الشيبانى ، وهو عامله على أردشيرخرة (1)
    بلغنى عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت إلهك ، وأغضبت إمامك : أنّك تقسم (2) فىء المسلمين الّذى حازته رماحهم وخيولهم ، وأريقت عليه دماؤهم ، فيمن اعتامك من أعراب قومك (3). فو الّذى فلق الحبّة ، وبرأ النّسمة ، لئن كان ذلك حقّا لتجدنّ بك علىّ هوانا ، ولتخفّنّ عندى ميزانا ، فلا تستهن بحقّ ربّك ، ولا تصلح دنياك بمحق دينك ، فتكون من الأخسرين أعمالا.
    ألا وإنّ حقّ من قبلك وقبلنا (4) من المسلمين فى قسمة هذا الفىء سواء : يردون عندى عليه ، ويصدرون عنه.
    44 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى زياد بن أبيه ، وقد بلغه أن معاوية كتب إليه يريد خديعته باستلحاقه
    وقد عرفت أنّ معاوية كتب إليك يستزلّ لبّك ، ويستفلّ غربك (5) ،
    __________________
    (1) أردشيرخرة ـ بضم الخاء وتشديد الراء ـ : بلدة من بلاد العجم
    (2) «أنك ـ الخ» بدل من «أمر»
    (3) اعتامك : اختارك ، وأصله أخذ العيمة ـ بالكسر ـ وهى : خيار المال
    (4) قبل ـ بكسر ففتح ـ : ظرف بمعنى عند
    (5) «يستزل» أى : يطلب به الزلل ، وهو الخطأ ، واللب : القلب ، ويستفل ـ بالفاء ـ أى : يطلب فل غربك ، أى : ثلم حدتك ، والغرب ـ بفتح فسكون ـ الحدة والنشاط

    فاحذره ، فإنّما هو الشّيطان : يأتى المؤمن من بين يديه ومن خلفه ، وعن يمينه وعن شماله ، ليقتحم غفلته (1) ويستلب غرّته.
    وقد كان من أبى سفيان فى زمن عمر [بن الخطّاب] فلتة من حديث النّفس (2) ونزغة من نزغات الشّيطان : لا يثبت بها نسب ، ولا يستحقّ بها إرث ، والمتعلّق بها كالواغل المدفّع ، والنّوط المذبذب
    فلما قرأ زياد الكتاب قال : شهد بها ورب الكعبة ، ولم تزل فى نفسه حتى ادعاه معاوية.
    قال الرضى : قوله عليه السلام «الواغل» : هو الذى يهجم على الشّرب ليشرب معهم ، وليس منهم ، فلا يزال مدفّعا محاجزا. و «النوط المذبذب» : هو ما يناط برحل الراكب من قعب أو قدح أو ما أشبه ذلك ، فهو أبدا يتقلقل إذا حث ظهره واستعجل سيره
    __________________
    (1) يدخل غفلته بغتة فيأخذه فيها. وتشبيه الغفلة بالبيت يسكن فيه الغافل من أحسن أنواع التشبيه. والغرة ـ بالكسر ـ : خلو العقل من ضروب الحيل. والمراد منها العقل الغر ، أى : يسلب العقل الساذج
    (2) فلتة أبى سفيان : قوله فى شأن زياد : «إنى أعلم من وضعه فى رحم أمه» يريد نفسه

    45 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى عثمان بن حنيف الأنصارى ، وهو عامله على البصرة
    وقد بلغه أنه دعى إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها
    أمّا بعد يا ابن حنيف : فقد بلغنى أنّ رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان ، وتنقل إليك الجفان (1)! وما ظننت أنّك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفوّ (2) ، وغنيّهم مدعوّ ، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم (3) فما اشتبه عليك علمه فالفظه (4) ، وما أيقنت بطيب وجوهه (5) فنل منه.
    ألا وإنّ لكلّ مأموم إماما يقتدى به ويستضىء بنور علمه ، ألا وإنّ إمامكم
    __________________
    (1) المأدبة ـ بفتح الدال وضمها ـ : الطعام يصنع لدعوة أو عرس ، تستطاب : يطلب لك طيبها ، والألوان : أصناف الطعام ، والجفان ـ بكسر الجيم ـ : جمع جفنة ، وهى القصعة
    (2) عائلهم : محتاجهم ، «مجفو» أى : مطرود من الجفاء
    (3) قضم ـ كسمع ـ : أكل بطرف أسنانه ، والمراد الأكل مطلقا. والمقضم ـ كمقعد ـ : المأكل ، وقدم أعرابى على ابن عم له بمكة فقال : إن هذه بلاد مقضم ، وليست ببلاد مخضم. الخضم ـ بالخاء ـ الأكل بجميع الفم ، والقضم ـ بالقاف ـ دون ذلك ، وقولهم : يبلغ الخضم بالقضم ، أى : إن الشبعة قد تدرك بالأكل بأطراف الفم ، وهم يريدون بذلك أن الغابة البعيدة قد تدرك بالرفق
    (4) اطرحه حيث اشتبه عليك حله من حرمته
    (5) يطيب وجوهه : بالحل فى طرق كسبه

    قد اكتفى من دنياه بطمريه (1) ، ومن طعمه بقرصيه ، ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك ، ولكن أعينونى بورع واجتهاد ، وعفّة وسداد (2). فو اللّه ما كنزت من دنياكم تبرا ، ولا ادّخرت من غنائمها وفرا (3) ولا أعددت لبالى ثوبى طمرا (4). [ولا حزت من أرضها شبرا ، ولا أخذت منه إلاّ كقوت أتان دبرة ، ولهى فى عينى أوهى وأهون من عفصة مقرة] بلى؟ كانت فى أيدينا فدك من كلّ ما أظلّته السّماء ، فشحّت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس قوم آخرين. ونعم الحكم اللّه! وما أصنع بفدك وغير فدك والنّفس مظانّها فى غد جدث (5)؟ تنقطع فى ظلمته آثارها ، وتغيب أخبارها ، وحفرة لو
    __________________
    (1) الطمر ـ بالكسر ـ : الثوب الخلق
    (2) إن ورع الولاة وعفتهم يعين الخليفة على إصلاح شؤون الرعية
    (3) التبر ـ بكسر فسكون ـ : فتات الذهب والفضة قبل أن يصاغ ، والوفر : المال.
    (4) أى : ما كان يهيئ لنفسه طمرا آخر بدلا عن الثوب الذى يبلى ، بل كان ينتظر حتى يبلى ثم يعمل الطمر. والثوب هنا عبارة عن الطمرين ، فان مجموع الرداء والازار يعد ثوبا واحدا فبهما يكسو البدن لا بأحدهما.
    (5) فدك ـ بالتحريك ـ : قرية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، كان صالح أهلها على النصف من نخيلها بعد خيبر ، وإجماع الشيعة على أنه كان أعطاها فاطمة رضى اللّه عنها قبل وفاته ، إلا أن أبا بكر ـ رضى اللّه عنه ـ ردها لبيت المال قائلا : «إنها كانت مالا فى يد النبى يحمل به الرجال ، وينفقه فى سبيل اللّه ، وأنا اليه كما كان عليه». والقوم الآخرون الذين سخت نفوسهم عنها هم بنو هاشم. والمظان : جمع مظنة وهو المكان الذى يظن فيه وجود الشىء ، وموضع النفس الذى يظن وجودها فيه فى غد جدث ـ بالتحريك ـ أى قبر :.

    زيد فى فسحتها ، وأوسعت يدا حافرها لأضغطها الحجر والمدر (1) ، وسدّ فرجها التّراب المتراكم ، وإنّما هى نفسى أروضها بالتّقوى (2) لتأتى آمنة يوم الخوف الأكبر ، وتثبت على جوانب المزلق (3) ، ولو شئت لاهتديت الطّريق (4) إلى مصفّى هذا العسل ولباب هذا القمح ، ونسائج هذا القزّ ، ولكن هيهات أن يغلبنى هواى ، ويقودنى جشعى (5) إلى تخيّر الأطعمة ولعلّ بالحجاز أو اليمامة (6) من لا طمع له فى القرص ، ولا عهد له بالشّبع!! أو أبيت مبطانا وحولى بطون غرثى ، وأكباد حرّى!! أو أكون كما قال القائل :
    وحسبك داء أن تبيت ببطنة (7)
    وحولك أكباد تحنّ إلى القدّ!

    __________________
    (1) أضغطها : جعلها من الضيق بحيث تضغط وتعصر الحال فيها.
    (2) أروضها : أذللها.
    (3) المزلق ـ ومثله المزلقة ـ موضع الزلة ، وهو المكان الذى تخشى فيه الزلة ، وهو الصراط ، وتقول : زلقت رجله ـ من باب طرب ـ وأزلقها غيره.
    (4) كان ـ كرم اللّه وجهه ـ إماما عالى السلطان واسع الامكان ، فلو أراد التمتع بأى اللذائذ شاء لم يمنعه مانع ، وهو قوله «لو شئت لاهتديت الخ» والقز : الحرير.
    (5) الجشع : شدة الحرص.
    (6) جملة «ولعل ـ الخ» : حالية عمل فيها تخير الأطعمة ، أى : هيهات أن يتخير الأطعمة لنفسه والحال أنه قد يكون بالحجاز أو اليمامة من لا يجد القرص ، أى : الرغيف ، ولا طمع له فى وجوده لشدة الفقر ، ولا يعرف الشبع. وهيهات أن يبيت مبطانا ـ أى : ممتلئ البطن ـ والحال أن حوله بطونا غرثى ـ أى : جائعة ـ وأكبادا حرى ، مؤنث حران ، أى : عطشان.
    (7) البطنة ـ بكسر الباء ـ : البطر والأشر والكظة ، والقد ـ بالكسر ـ سير من جلد غير مدبوغ ، أى : إنها تطلب أكلا ولا تجده.

    أأقنع من نفسى بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم فى مكاره الدّهر؟ أو أكون أسوة لهم فى جشوبة العيش (1) ، فما خلقت ليشغلنى أكل الطّيّبات كالبهيمة المربوطة همّها علفها ، أو المرسلة شغلها تقمّمها (2) تكترش من أعلافها ، وتلهو عمّا يراد بها ، أو أترك سدى وأهمل عابثا ، أو أجرّ حبل الضّلالة ، أو أعتسف طريق المتاهة (3). وكأنّى بقائلكم يقول : «إذا كان هذا قوت ابن أبى طالب فقد قعد به الضّعف عن قتال الأقران ومنازلة الشّجعان»؟! ألا وإنّ الشّجرة البريّة أصلب عودا ، والرّوائع الخضرة أرقّ جلودا (4) ، والنّباتات البدويّة أقوى وقودا (5) وأبطأ خمودا! وأنا من رسول اللّه كالصّنو من الصّنو ، والذّراع من العضد (6). واللّه لو تظاهرت العرب على
    __________________
    (1) الجشوبة : الخشونة ، وتقول : جشب الطعام ـ كنصر وسمع ـ فهو جشب وجشب ـ كشهم وبطر ـ وجشيب ومجشاب ومجشوب ، أى : غلظ فهو غليظ ، او بلا أدم ، وجشبه : طحنه جريشا.
    (2) التقاطها للقمامة ، أى : الكناسة ، و «تكترش» أى : تملأ كرشها.
    (3) اعتسف : ركب الطريق على غير قصد ، والمتاهة : موضع الحيرة.
    (4) الروائع الخضرة : الأشجار ، والأعشاب الغضة : الناعمة الحسنة.
    (5) الوقود : اشتعال النار ، أى : إذا وقدت بها النار تكون أقوى اشتعالا من النباتات غير البدوية وأبطأ منها خمودا ، ويروى «والنباتات العذية أقوى وقودا» وهى النباتات التى لا يسقيها إلا ماء المطر ،
    (6) الصنوان : النخلتان يجمعهما أصل واحد ، فهو من جرثومة الرسول

    قتالى لما ولّيت عنها ، ولو أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها. وسأجهد فى أن أطهّر الأرض من هذا الشّخص المعكوس ، والجسم المركوس (1) حتّى تخرج المدرة من بين حبّ الحصيد (2)
    [ومن هذا الكتاب ، وهو آخره] : إليك عنّى يا دنيا فحبلك على غاربك (3) ، قد انسللت من مخالبك ، وأفلتّ من حبائلك ، واجتنبت الذّهاب فى مداحضك. أين القوم الّذين غررتهم بمداعبك (4) أين الأمم الّذين فتنتهم بزخارفك؟ ها هم رهائن القبور ، ومضامين اللّحود! واللّه لو كنت شخصا مرئيّا ، وقالبا حسّيّا ، لأقمت عليك حدود اللّه فى عباد غررتهم بالأمانى و [أمم] ألقيتهم فى المهاوى ، وملوك أسلمتهم إلى التّلف
    __________________
    يكون «6 ـ ن ـ ج ـ 3» فى حاله ، كما كان شديد البأس وإن كان خشن المعيشة.
    (1) جهد ـ كمنع ـ : جد : والمركوس : من الركس ، وهو رد الشىء مقلوبا وقلب آخره على أوله ، والمراد مقلوب الفكر.
    (2) المدرة ـ بالتحريك ـ : قطعة الطين اليابس ، وحب الحصيد : حب النبات المحصود كالقمح ونحوه ، أى : حتى يطهر المؤمنين من المخالفين.
    (3) إليك عنى : اذهبى عنى ، والغارب : الكاهل وما بين السنام والعنق. والجملة تمثيل لتسريحها تذهب حيث شاءت. وانسل من مخالبها : لم يعلق به شىء من شهواتها ، والحبائل : جمع حبالة ، وهى شبكة الصياد ، وأفلت منها : خلص ، والمداحض : المساقط.
    (4) والمداعب : جمع مدعبة ، من الدعابة ، وهى المزاح ، والتاءات والكافات كلها بالكسر خطابا للدنيا.

    وأوردتهم موارد البلاء ، إذ لا ورد ولا صدر (1). هيهات من وطىء دحضك زلق (2) ، ومن ركب لججك غرق ، ومن ازورّ عن حبالك وفّق (3) والسّالم منك لا يبالى إن ضاق به مناخه ، والدّنيا عنده كيوم حان انسلاخه (4)
    اعزبى عنّى (5) فو اللّه لا أذلّ لك فتستذلّينى ، ولا أسلس لك فتقودينى ، وايم اللّه ـ يمينا أستثنى فيها بمشيئة اللّه ـ لأروضنّ نفسى رياضة تهشّ معها إلى القرص (6) إذا قدرت عليه مطعوما ، وتقنع بالملح مأدوما ، ولأدعنّ مقلتى كعين ماء نضب معينها (7) مستفرغة دموعها. أتمتلئ السّائمة من رعيها فتبرك؟ وتشبع الرّبيضة من عشبها فتربض (Cool؟ ويأكل علىّ من زاده
    __________________
    (1) الورد ـ بكسر الواو ـ : ورود الماء ، والصدر ـ بالتحريك ـ : الصدور عنه بعد الشرب.
    (2) مكان دحض ـ بفتح فسكون ـ أى : زلق لا تثبت فيه الأرجل.
    (3) «ازور» أى : مال وتنكب.
    (4) حان : حضر ، وانسلاخه : زواله.
    (5) «عزب يعزب» أى : بعد ، «ولا أسلس» أى : لا أنقاد.
    (6) «تهش» أى : تنبسط إلى الرغيف وتفرح به من شدة ما حرمها ، و «مطعوما» : حال من «القرص» كما أن «مأدوما» حال من الملح ، أى : مأدوما به الطعام.
    (7) أى : لأتركن مقلتى ـ أى : عينى ـ وهى كعين ماء نضب ـ أى : غار ـ معينها ـ بفتح فكسر ، أى : ماؤها الجارى ـ أى : أبكى حتى لا يبقى دمع
    (Cool الربيضة : الغنم مع رعاتها إذا كانت فى مرابضها ، والربوض للغنم : كالبروك للابل

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    نهج البلاغه ج3 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: نهج البلاغه ج3   نهج البلاغه ج3 Emptyأمس في 9:20 pm

    فيهجع (1) قرّت إذا عينه (2) إذا اقتدى بعد السّنين المتطاولة بالبهيمة الهاملة (3) والسّائمة المرعيّة!
    طوبى لنفس أدّت إلى ربّها فرضها ، وعركت بجنبها بؤسها (4) ، وهجرت فى اللّيل غمضها (5) ، حتّى إذا غلب الكرى عليها افترشت أرضها ، وتوسّدت كفّها ، فى معشر أسهر عيونهم خوف معادهم ، وتجافت عن مضاجعهم جنوبهم وهمهمت بذكر ربّهم شفاههم (6) ، وتقشّعت بطول استغفارهم ذنوبهم «أُولٰئِكَ حِزْبُ اَللّٰهِ أَلاٰ إِنَّ حِزْبَ اَللّٰهِ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ» فاتّق اللّه يا ابن حنيف ، ولتكفك أقراصك ، ليكون من النّار خلاصك.
    46 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى بعض عماله
    أمّا بعد ، فإنّك ممّن أستظهر به على إقامة الدّين (7) ، وأقمع به نخوة الأثيم
    __________________
    (1) «يهجع» أى : يسكن كما سكنت الحيوانات بعد طعامها
    (2) دعاء على نفسه ببرود العين ـ أى : جمودها ـ من فقد الحياة. تعبير باللازم
    (3) الهاملة : المسترسلة ، والهمل من الغنم ترعى نهارا بلا راع
    (4) البؤس : الضر. وعركه بالجنب : الصبر عليه كأنه شوك فيسحقه بجنبه. ويقال : فلان يعرك بجنبه الأذى ، إذا كان صابرا عليه
    (5) الغمص ـ بالضم ـ : النوم ، والكرى ـ بالفتح ـ : كذلك
    (6) الهمهمة : الصوت يردد فى الصدر ، وأراد منه الأعم ، وتقشع الغمام : انجلى
    (7) أستظهر : أستعين به ، و «وأقمع» أى : أكسر ، والنخوة ـ بالفتح ـ : الكبر ، والأثيم : فاعل الخطايا

    وأسدّ به لهاة الثّغر المخوف (1). فاستعن باللّه على ما أهمّك ، واخلط الشّدّة بضعث من اللّين (2) ، وارفق ما كان الرّفق أرفق ، واعتزم بالشّدّة حين لا يغنى عنك إلاّ الشّدّة [و] اخفض للرّعيّة جناحك [وابسط لهم وجهك] وألن لهم جانبك ، وآس بينهم فى اللّحظة والنّظرة (3) والإشارة والتّحيّة ، حتّى لا يطمع العظماء فى حيفك ، ولا ييأس الضّعفاء من عدلك ، والسّلام.
    47 ـ ومن وصيّة له عليه السّلام
    للحسن والحسين عليهما السلام لما ضربه ابن ملجم لعنه اللّه
    أوصيكما بتقوى اللّه ، وأن لا تبغيا الدّنيا وإن بغتكما (4) ولا تأسفا على شىء منها زوى عنكما (5) ، وقولا للحقّ ، واعملا للأجر ، وكونا للظّالم خصما وللمظلوم عونا
    أوصيكما ، وجميع ولدى وأهلى ومن بلغه كتابى ، بتقوى اللّه ، ونظم أمركم ، وصلاح ذات بينكم ، فإنّى سمعت جدّكما ، صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، يقول :
    __________________
    (1) الثغر : مظنة طروق الأعداء فى حدود الممالك ، واللهاة : قطعة لحم مدلاة فى سقف الفم على باب الحلق ، قرنها بالثغر تشبيها له بفم الانسان
    (2) بضعث : بخلط ، أى : شىء تخلط به الشدة من اللين
    (3) «آس» أى : شارك وسو بينهم
    (4) لا تطلباها وإن طلبتكما
    (5) «زوى» أى : قبض ونحى عنكما.

    «صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصّلاة والصّيام» اللّه اللّه فى الأيتام ، فلا تغبّوا أفواههم (1) ، ولا يضيعوا بحضرتكم ، واللّه اللّه فى جيرانكم ، فإنّهم وصيّة نبيّكم ، ما زال يوصى بهم حتّى ظننّا أنّه سيورّثهم (2) واللّه اللّه فى القرآن ، لا يسبقكم بالعمل به غيركم ، واللّه اللّه فى الصّلاة ، فإنّها عمود دينكم ، واللّه اللّه فى بيت ربّكم ، لا تخلّوه ما بقيتم ، فإنّه إن ترك لم تناظروا (3) واللّه اللّه فى الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم فى سبيل اللّه ، وعليكم بالتّواصل والتّباذل (4) ، وإيّاكم والتّدابر والتّقاطع ، لا تتركوا الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر فيولّى عليكم شراركم ثمّ تدعون فلا يستجاب لكم [ثم قال :] يا بنى عبد المطّلب لا ألفينّكم (5) تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون : قتل أمير المؤمنين [قتل أمير المؤمنين ، ألا]! لا تقتلنّ بى إلاّ قاتلى
    انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة ، ولا يمثّل
    __________________
    (1) أغب القوم : جاءهم يوما وترك يوما ، أى : صلوا أفواههم بالاطعام ولا تقطعوه عنها
    (2) يجعل لهم حقا فى الميراث
    (3) لم تناظروا ـ مبنى للمجهول ـ أى : لا ينظر إليكم بالكرامة لا من اللّه ولا من الناس لاهمالكم فرض دينكم
    (4) مداولة البذل ، أى : العطاء
    (5) لا أجدنكم ، نفى فى معنى النهى ، أى : لا تخوضوا دماء المسلمين بالسفك انتقاما منهم بقتلى

    بالرّجل (1) ، فإنّى سمعت رسول اللّه ، صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، يقول : «إيّاكم والمثلة ، ولو بالكلب العقور»
    48 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى معاوية
    وإنّ البغى والزّور يذيعان بالمرء فى دينه ودنياه (2) ويبديان خلله عند من يعيبه ، وقد علمت أنّك غير مدرك ما قضى فواته (3) ، وقد رام أقوام أمرا بغير الحقّ فتأوّلوا على اللّه فأكذبهم (4) فاحذر يوما يغتبط فيه من أحمد عاقبة عمله (5) ، ويندم من أمكن الشّيطان من قياده فلم يجاذبه.
    وقد دعوتنا إلى حكم القرآن ولست من أهله ولسنا إيّاك أجبنا ، ولكنّا أجبنا القرآن فى حكمه ، والسّلام.
    __________________
    (1) أى لا تمثلوا به ، والتمثيل : التنكيل والتعذيب ، أو هو التشويه بعد القتل أو قبله : بقطع الأطراف مثلا
    (2) «يذيعان بالمرء» : يشهرانه ويفضحانه ، ويروى «يوتغان بالمرء» أى : يهلكانه ، والوتغ ـ بالتحريك ـ الهلاك ، وقد وتغ كوجل يوتغ كيوجل
    (3) ما قضى فواته : هو دم عثمان والانتصار له ، ومعاوية يعلم أنه لا يدركه لانقضاء الأمر بموت عثمان رضى اللّه عنه
    (4) أولئك الذين فتحوا الفتنة بطلب دم عثمان ، يريد بهم أصحاب الجمل ، و «تأولوا على اللّه» أى : تطاولوا على أحكامه بالتأويل ، فأكذبهم : حكم بكذبهم
    (5) يغتبط : يفرح من جعل عاقبة عمله محمودة باحسان العمل ، أو من وجد العاقبة حميدة. و «أمكن الشيطان» أى : مكنه من زمامه ولم ينازعه

    49 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى غيره (1)
    أمّا بعد ، فإنّ الدّنيا مشغلة عن غيرها ، ولم يصب صاحبها منها شيئا إلاّ فتحت له حرصا عليها ، ولهجا بها (2) ولن يستغنى صاحبها بما نال فيها عمّا لم يبلغه منها ، ومن وراء ذلك فراق ما جمع ، ونقض ما أبرم! ولو اعتبرت بما مضى حفظت ما بقى ، والسّلام.
    50 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى أمرائه على الجيوش
    من عبد اللّه علىّ [بن أبى طالب] أمير المؤمنين إلى أصحاب المسالح (3) : ـ أمّا بعد ، فإنّ حقّا على الوالى أن لا يغيّره على رعيّته فضل ناله ، ولا طول خصّ به (4) وأن يزيده ما قسم اللّه له من نعمه دنوّا من عباده ، وعطفا على إخوانه
    __________________
    (1) فى رواية ابن أبى الحديد «إلى معاوية أيضا»
    (2) «لهجا» أى : ولوعا وشدة حرص ، وتقول : قد لهج بالشىء ـ من باب طرب ـ إذا أغرى به فثابر عليه
    (3) جمع مسلحة ، أى : الثغور ، لأنها مواضع السلاح ، وأصل المسلحة : قوم ذوو سلاح
    (4) الطول ـ بفتح الطاء ـ : عظيم الفضل ، أى : من الواجب على الوالى إذا خصه اللّه بفضل أن يزيده فضله قربا من العباد وعطفا على الاخوان ، وليس من حقه أن يتغير.

    ألا وإنّ لكم عندى أن لا أحتجز دونكم سرّا إلاّ فى حرب (1) ولا أطوى دونكم أمرا إلاّ فى حكم (2) ، ولا أؤخّر لكم حقّا عن محلّه ، ولا أقف به دون مقطعه (3). وأن تكونوا عندى فى الحقّ سواء ، فإذا فعلت ذلك وجبت للّه عليكم النّعمة ولى عليكم الطّاعة ، وأن لا تنكصوا عن دعوة (4) ولا تفرّطوا فى صلاح ، وأن تخوضوا الغمرات إلى الحقّ (5) ، فإن أنتم لم تستقيموا [لى] على ذلك لم يكن أحد أهون علىّ ممّن اعوجّ منكم ، ثمّ أعظم له العقوبة ولا يجد عندى فيها رخصة ، فخذوا هذا من أمرائكم ، وأعطوهم من أنفسكم ما يصلح اللّه به أمركم (6)
    __________________
    (1) لا أكتم عنكم سرا إلا فى الحرب فانها خدعة ، وكان النبى صلّى اللّه عليه وسلم إذا أراد حربا وروى بغيرها
    (2) طواه عنه : لم يجعل له نصيبا فيه ، أى : لا أدع مشاورتكم فى أمر إلا فى حكم صرح به الشرع فى حد من الحدود مثلا ، فحكم اللّه النافذ دون مشورتكم
    (3) دون الحد الذى قطع به أن يكون لكم
    (4) أى : لا تتأخروا إذا دعوتكم
    (5) الغمرات : الشدائد
    (6) أى : خذوا حقكم من أمرائكم ، وأعطوهم من أنفسكم الحق الواجب عليكم وهو ما يصلح اللّه به أمركم

    51 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى عماله على الخراج
    من عبد اللّه علىّ أمير المؤمنين إلى أصحاب الخراج : ـ
    أمّا بعد ، فإنّ من لم يحذر ما هو صائر إليه (1) لم يقدّم لنفسه ما يحرزها. واعلموا أنّ ما كلفّتم يسير ، وأنّ ثوابه كثير. ولو لم يكن فيما نهى اللّه عنه من البغى والعدوان عقاب يخاف لكان فى ثواب اجتنابه ما لا عذر فى ترك طلبه. فأنصفوا النّاس من أنفسكم ، واصبروا لحوائجهم فإنّكم خزّان الرّعيّة (2) ووكلاء الأمّة ، وسفراء الأئمّة. ولا تحسموا أحدا عن حاجته (3) ولا تحبسوه عن طلبته ، ولا تبيعنّ للنّاس فى الخراج كسوة شتاء ولا صيف ولا دابّة يعتملون عليها (4) ولا عبدا ، ولا تضربنّ أحدا سوطا لمكان درهم ، ولا تمسّنّ
    __________________
    (1) من لم يحذر العاقبة التى يصير إليها لم يعمل عملا لنفسه يحفظها من سوء المصير
    (2) الخزان ـ بضم فزاى مشددة ـ : جمع خازن ، والولاة يخزنون أموال الرعية فى بيت المال لتنفق فى مصالحها
    (3) لا تحسموا : لا تقطعوا ، ويروى «ولا تحشموا» بالشين المعجمة ، ويجوز ضم حرف المضارعة وفتحه قال ابن الأعرابى : حشمه أخجله ، وأحشمه أغضبه والطلبة ـ بالكسر وبفتح الطاء وكسر اللام ـ : المطلوب
    (4) أى : لا تضطروا الناس لأن يبيعوا لأجل أداء الخراج شيئا من كسوتهم ، ولا من الدواب اللازمة لأعمالهم فى الزرع والحمل ، مثلا ، ولا تضربوهم لأجل الدراهم ، ولا تمسوا مال أحد من المصلين ـ أى : المسلمين ـ أو المعاهدين بالمصادرة إلا ما كان عدة للخارجين على الاسلام يصولون بها على أهله.

    مال أحد من النّاس مصلّ ولا معاهد إلاّ أن تجدوا فرسا أو سلاحا يعدى به على أهل الإسلام ، فإنّه لا ينبغى للمسلم أن يدع ذلك فى أيدى أعداء الإسلام فيكون شوكة عليه ، ولا تدّخروا أنفسكم نصيحة (1) ، ولا الجند حسن سيرة ولا الرّعيّة معونة ، ولا دين اللّه قوّة ، وأبلوا فى سبيل اللّه ما استوجب عليكم (2) فانّ اللّه ، سبحانه ، قد اصطنع عندنا وعندكم أن نشكره بجهدنا (3) ، وأن ننصره بما بلغت قوّتنا ، ولا قوّة إلاّ باللّه [العلىّ العظيم]
    52 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى أمراء البلاد فى معنى الصلاة
    أمّا بعد ، فصلّوا بالنّاس الظّهر حتّى تفىء الشّمس من مربض العنز (4) ، وصلّوا بهم العصر والشّمس بيضاء حيّة فى عضو من النّهار حين يسار فيها
    __________________
    (1) ادخر الشىء : استبقاه لا يبذل منه لوقت الحاجة ، وضمن «ادخر» ههنا معنى «منع» فعداه بنفسه لمفعولين ، أى : لا تمنعوا أنفسكم شيئا من النصيحة بدعوى تأخيره لوقت الحاجة. بل حاسبوا أنفسكم على أعمالها كل وقت. ومثل هذا يقال فى المعطوفات
    (2) «وأبلوا» أى : أدوا ، يقال : أبليته عذرا ، أى : أديته إليه
    (3) يقال : اصطنعت عنده ، أى : طلبت منه أى يصنع لى شيئا. فاللّه سبحانه طلب منا أن نصنع له الشكر بطاعتنا له ورعاية حقوق عباده ، وفاء بحق ماله علينا من النعمة.
    (4) «تفىء» أى : تصل فى ميلها جهة الغرب إلى أن يكون لها فىء ـ أى : ظل ـ من حائط المربض على قدر طوله ، وذلك حيث يكون ظل كل شىء مثله.

    فرسخان (1) وصلّوا بهم المغرب حين يفطر الصّائم ويدفع الحاجّ [إلى منى] (2) وصلّوا بهم العشاء حين يتوارى الشّفق إلى ثلث اللّيل ، وصلّوا بهم الغداة والرّجل يعرف وجه صاحبه ، وصلّوا بهم صلاة أضعفهم ولا تكونوا فتّانين (3)
    53 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    كتبه للأشتر النخعى ، لما ولاه على مصر واعمالها
    حين اضطرب [أمر] محمد بن أبى بكر ، وهو أطول عهد
    بسم اللّه الرحمن الرحيم
    هذا ما أمر به عبد اللّه علىّ أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر فى عهده إليه ، حين ولاّه مصر : جباية خراجها ، وجهاد عدوّها ، واستصلاح أهلها ، وعمارة بلادها
    أمره بتقوى اللّه ، وإيثار طاعته ، واتّباع ما أمر به فى كتابه : من فرائضه ، وسننه ، الّتى لا يسعد أحد إلاّ باتّباعها ، ولا يشقى إلاّ مع جحودها وإضاعتها ،
    __________________
    (1) أى : لا تزالوا تصلون بهم العصر من نهاية وقت الظهر ما دامت الشمس بيضاء حية لم تصفر ، وذلك فى جزء من النهار يسع السير فرسخين. والضمير فى «فيها» للعضو باعتبار كونه مدة
    (2) «يدفع الحاج» أى : يفيض من عرفات
    (3) أى : لا يكون الامام موجبا لفتنة المأمومين ونفرتهم من الصلاة بالتطويل

    وأن ينصر اللّه سبحانه بقلبه ويده ولسانه ، فإنّه ، جلّ اسمه ، قد تكفّل بنصر من نصره ، وإعزاز من أعزّه.
    وأمره أن يكسر نفسه من الشّهوات ويزعها عند الجمحات (1) ، فإنّ النّفس أمّارة بالسّوء ، إلاّ ما رحم اللّه.
    ثمّ اعلم ، يا مالك أنّى قد وجّهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور ، وأنّ النّاس ينظرون من أمورك فى مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك ، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم ، وإنّما يستدلّ على الصّالحين بما يجرى اللّه لهم على ألسن عباده ، فليكن أحبّ الذّخائر إليك ذخيرة العمل للصّالح ، فاملك هواك وشحّ بنفسك عمّا لا يحلّ لك (2) فإنّ الشّحّ بالنّفس الإنصاف منها فيما أحبّت أو كرهت. وأشعر قلبك الرّحمة للرّعيّة ، والمحبّة لهم ، واللّطف بهم ، ولا تكوننّ عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فإنّهم صنفان : إمّا أخ لك فى الدّين ، أو نظير لك فى الخلق ، يفرط منهم
    __________________
    (1) و «يزعها» أى : يكفها عن مطامعها إذا جمحت عليه فلم تنقد لقائد العقل الصحيح والشرع الصريح.
    (2) شح : ابخل بنفسك عن الوقوع فى غير الحل ، فليس الحرص على النفس إيفاءها كل ما تحب ، بل من الحرص عليها أن تحمل على ما تكره إن كان ذلك فى الحق فرب محبوب يعقب هلاكا ، ومكروه تحمد عاقبته

    الزّلل (1) ، وتعرض لهم العلل ، ويؤتى على أيديهم فى العمد والخطإ (2) فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الّذى تحبّ أن يعطيك اللّه من عفوه وصفحه ، فإنّك فوقهم ووالى الأمر عليك فوقك ، واللّه فوق من ولاّك! وقد استكفاك أمرهم (3) وابتلاك بهم ، ولا تنصبنّ نفسك لحرب اللّه (4) فإنّه لا يدى لك بنقمته ، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته ، ولا تندمنّ على عفو ، ولا تبجحنّ بعقوبة (5) ، ولا تسرعنّ إلى بادرة وجدت منها مندوحة ، ولا تقولنّ إنّى مؤمّر آمر فأطاع (6) فإنّ ذلك إدغال فى القلب ، ومنهكة للدّين ، وتقرّب من الغير. وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبّهة أو مخيلة (7)
    __________________
    (1) يفرط : يسبق ، والزلل : الخطأ
    (2) يؤتى ـ مبنى للمجهول ـ نائب فاعله «على أيديهم» ، وأصله «تأتى السيئات على أيديهم ـ الخ»
    (3) استكفاك : طلب منك كفاية أمرهم والقيام بتدبير مصالحهم
    (4) أراد بحرب اللّه مخالفة شريعته بالظلم والجور ، و «لا يدى لك بنقمته» أى : ليس لك يد أن تدفع نقمته ، أى : لا طاقة لك بها
    (5) بجح به ـ كفرح لفظا ومعنى ـ والبادرة : ما يبدر من الحدة عند الغضب فى قول أو فعل ، والمندوحة : المتسع ، أى : المخلص
    (6) مؤمر ـ كمعظم ـ أى : مسلط ، والادغال : إدخال الفساد ، ومنهكة : مضعفة ، وتقول «نهكه» أى : أضعفه. وتقول «نهكه السلطان» ـ من باب فهم ـ أى : بالغ فى عقوبته ، والغير ـ بكسر ففتح ـ : حادثات الدهر بتبدل الدول ، والاغترار بالسلطة تقرب منها ، أى : تعرض للوقوع فيها
    (7) الأبهة ـ بضم الهمزة وتشديد الباء مفتوحة ـ : العظمة والكبرياء والمخيلة ـ بفتح فكسر : الخيلاء والعجب

    فانظر إلى عظم ملك اللّه فوقك وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك ، فإنّ ذلك يطامن إليك من طماحك (1) ، ويكفّ عنك من غربك ، ويفى إليك بما عزب عنك من عقلك.
    إيّاك ومساماة اللّه فى عظمته (2) والتّشبّه به فى جبروته ، فانّ اللّه يذلّ كلّ جبّار ، ويهين كلّ مختال.
    أنصف اللّه وأنصف النّاس من نفسك ومن خاصّة أهلك ومن لك فيه هوى من رعيّتك (3) ، فانّك إلاّ تفعل تظلم! ومن ظلم عباد اللّه كان اللّه خصمه دون عباده ، ومن خاصمه اللّه أدحض حجّته (4) وكان للّه حربا حتّى ينزع أو يتوب وليس شىء أدعى إلى تغيير نعمة اللّه وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم ، فانّ اللّه سميع دعوة المضطهدين وهو للظّالمين بالمرصاد
    وليكن أحبّ الأمور إليك أوسطها فى الحقّ ، وأعمّها فى العدل وأجمعها
    __________________
    (1) الطماح ـ ككتاب ـ : النشوز والجماح ، و «يطامن» أى : يخفض منه ، والغرب ـ بفتح فسكون ـ : الحدة ، ويفىء : يرجع إليك. بما عزب ـ أى : غاب ـ من عقلك.
    (2) المساماة : المباراة فى السمو ، أى : العلو
    (3) من لك فيه هوى ، أى : لك إليه ميل خاص
    (4) أدحض : أبطل ، و «حربا» أى : محاربا ، و «ينزع» ـ كيضرب ـ أى : يقلع عن ظلمه.

    رضا الرّعيّة ، فانّ سخط العامّة يجحف برضا الخاصّة (1) وإنّ سخط الخاصّة يغتفر مع رضا العامّة. وليس أحد من الرّعيّة أثقل على الوالى مؤونة فى الرّخاء وأقلّ معونة له فى البلاء ، وأكره للانصاف ، وأسأل بالالحاف (2) وأقلّ شكرا عند الاعطاء ، وأبطأ عذرا عند المنع ، وأضعف صبرا عند ملمّات الدّهر من أهل الخاصّة (3) وإنّما عماد الدّين وجماع المسلمين (4). والعدّة للأعداء العامّة من الأمّة ، فليكن صغوك لهم ، وميلك معهم.
    وليكن أبعد رعيّتك منك وأشنأهم عندك أطلبهم لمعائب النّاس (5) فانّ فى النّاس عيوبا الوالى أحقّ من سترها (6) ، فلا تكشفنّ عمّا غاب عنك منها فانّما عليك تطهير ما ظهر لك ، واللّه يحكم على ما غاب عنك ، فاستر العورة ما استطعت يستر اللّه منك ما تحبّ ستره من رعيّتك أطلق عن النّاس عقدة (7)
    __________________
    (1) «يجحف» أى : يذهب برضا الخاصة فلا ينفع الثانى معه. أما لو سخط الخاصة ورضى العامة فلا أثر لسخط الخاصة فهو مغتفر
    (2) الالحاف : الالحاح والشدة فى السؤال
    (3) «من أهل الخاصة» متعلق بأثقل ، وما بعده من أفاعل التفضيل.
    (4) جماع الشىء ـ بالكسر ـ جمعه ، أى : جماعة الاسلام. والعامة خير عماد وما بعده.
    (5) أشنأهم : أبغضهم ، والاطلب للمعائب : الأشد طلبا لها
    (6) «ستر» فعل ماض صلة «من» أى : أحق الساترين لها بالستر
    (7) احلل عقد الأحقاد من قلوب الناس بحسن السيرة معهم ، وقطع عنك

    كلّ حقد ، واقطع عنك سبب كلّ وتر ، وتغاب عن كلّ ما لا يصحّ لك ولا تعجلنّ إلى تصديق ساع ، فإنّ السّاعى غاش ، وإن تشبّه بالنّاصحين. ولا تدخلنّ فى مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل (1) ويعدك الفقر ، ولا جبانا يضعفك عن الأمور ، ولا حريصا يزينّ لك الشّره بالجور ، فإنّ البخل والجبن والحرص غرائز شتّى (2) يجمعها سوء الظّنّ باللّه! إنّ شرّ وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيرا ، ومن شركهم فى الآثام فلا يكوننّ لك بطانة (3) فإنّهم أعوان الأثمة ، وإخوان الظّلمة ، وأنت واجد منهم خير الخلف (4) ممّن له مثل آرائهم ونفاذهم ، وليس عليه مثل آصارهم وأوزارهم (5) ممّن لم يعاون ظالما على ظلمه ولا آثما على إثمه : أولئك أخفّ
    __________________
    أسباب الأوتار ـ أى : العداوات ـ بترك الاساءة إلى الرعية ، والوتر ـ بالكسر ـ العداوة ، و «تغاب» أى : تغافل ، والساعى : هو التمام بمعائب الناس
    (1) الفضل هنا : الاحسان بالبذل. ويعدك : يخوفك من الفقر لو بذلت. والشره ـ بالتحريك ـ : أشد الحرص
    (2) غرائز : طبائع متفرقة تجتمع فى سوء الظن بكرم اللّه وفضله
    (3) بطانة الرجل ـ بالكسر ـ : خاصته ، وهو من بطانة الثوب خلاف ظهارته. والأثمة : جمع آثم ، وهو فاعل الاثم ، أى : الذنب. والظلمة : جمع ظالم
    (4) «منهم» متعلق «بالخلف» أو متعلق «بواجد» ، ومن مستعملة فى المعنى الاسمى بمعنى بدل.
    (5) الآصار : جمع إصر ـ بالكسر ـ وهو الذنب والأثم ، وكذلك الأوزار «7 ـ ن ـ ج ـ 3»

    عليك مؤونة ، وأحسن لك معونة ، وأحنى عليك عطفا ، وأقلّ لغيرك إلفا (1) ، فاتّخذ أولئك خاصّة لخلواتك وحفلاتك ، ثمّ ليكن آثرهم عندك أقولهم بمرّ الحقّ لك (2) وأقلّهم مساعدة فيما يكون منك ممّا كره اللّه لأوليائه واقعا [ذلك] من هواك حيث وقع (3). والصق بأهل الورع والصّدق ، ثمّ رضهم على أن لا يطروك (4) ولا يبجحوك بباطل لم تفعله ، فإنّ كثرة الإطراء تحدث الزّهو وتدنى من العزّة.
    ولا يكوننّ المحسن والمسىء عندك بمنزلة سواء ، فإنّ فى ذلك تزهيدا لأهل الاحسان فى الاحسان ، وتدريبا لأهل الإساءة على الاساءة! وألزم كلاّ منهم ما ألزم نفسه (5). واعلم أنّه ليس شىء بأدعى إلى حسن ظنّ راع برعيّته من إحسانه إليهم (6) وتخفيفه المؤونات عليهم ، وترك استكراهه إيّاهم على ما ليس
    __________________
    (1) الألف ـ بالكسر ـ : الألفة والمحبة.
    (2) ليكن أفضلهم لديك أكثرهم قولا بالحق المر ، ومرارة الحق : صعوبته على نفس الوالى.
    (3) «واقعا» : حال مما «كره اللّه» ، أى : لا يساعدك على ما كره اللّه حال كونه نازلا من ميلك إليه أى منزلة ، أى : وإن كان من أشد مرغوباتك
    (4) «رضهم» : أى : عودهم على أن لا يطروك ـ أى : يزيدوا فى مدحك ـ ولا يبجحوك ـ أى : يفرحوك بنسبة عمل عظيم إليك ولم تكن فعلته ، والزهو ـ بالفتح ـ : العجب. و «تدنى» أى : تقرب من العزة ، أى : الكبر
    (5) فان المسيء لزم نفسه استحقاق العقاب ، والمحسن ألزمها استحقاق الكرامة
    (6) إذا أحسن الوالى إلى رعيته وثق من قلوبهم بالطاعة له ، فان الاحسان قياد

    [له] قبلهم (1) فليكن منك فى ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظّنّ برعيّتك ، فانّ حسن الظّنّ يقطع عنك نصبا طويلا (2) وإنّ أحقّ من حسن ظنّك به لمن حسن بلاؤك عنده ، وإنّ أحقّ من ساء ظنّك به لمن ساء بلاؤك عنده (3)
    ولا تنقض سنّة صالحة عمل بها صدور هذه الأمّة ، واجتمعت بها الألفة ، وصلحت عليها الرّعيّة ، ولا تحدثنّ سنّة تضرّ بشىء من ماضى تلك السّنن فيكون الأجر لمن سنّها ، والوزر عليك بما نقضت منها.
    وأكثر مدارسة العلماء ، ومنافثة الحكماء (4) فى تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك ، وإقامة ما استقام به النّاس قبلك.
    واعلم أنّ الرّعيّة طبقات لا يصلح بعضها إلاّ ببعض ، ولا غنى ببعضها عن بعض : فمنها جنود اللّه ، ومنها كتّاب العامّة والخاصّة (5) ، ومنها قضاة العدل
    __________________
    الانسان فيحسن ظنه بهم ، بخلاف ما لو أساء إليهم ، فان الاساءة تحدث العداوة فى نفوسهم فينتهزون الفرصة لعصيانه فيسوء ظنه بهم
    (1) قبلهم ـ بكسر ففتح ـ أى : عندهم
    (2) النصب ـ بالتحريك ـ : التعب
    (3) البلاء هنا : الصنع مطلقا حسنا أو سيئا ، وتفسير العبارة واضح مما قدمنا.
    (4) المنافثة : المحادثة
    (5) كتاب ـ كرمان ـ : جمع كاتب ، والكتبة منهم عاملون للعامة كالمحاسبين والمحررين فى المعتاد من شؤون العامة كالخراج والمظالم ، ومنهم مختصون بالحاكم : يفضى إليهم بأسراره ، ويوليهم النظر فيما يكتب لأوليائه وأعدائه ، وما يقرر فى شؤون حربه وسلمه مثلا

    ومنها عمّال الانصاف والرّفق ، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذّمّة ومسلمة النّاس ، ومنها التّجّار وأهل الصّناعات ، ومنها الطّبقة السّفلى من ذوى الحاجة والمسكنة ، وكلّ قد سمّى اللّه [له] سهمه (1). ووضع على حدّه فريضة فى كتابه أو سنّة نبيّه ـ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ـ عهدا منه عندنا محفوظا فالجنود ، باذن اللّه ، حصون الرّعيّة ، وزين الولاة ، وعزّ الدّين ، وسبل الأمن ، وليس تقوم الرّعيّة إلاّ بهم ، ثمّ لا قوام للجنود إلاّ بما يخرج اللّه لهم من الخراج الّذى يقوون به على جهاد عدوّهم ، ويعتمدون عليه فيما يصلحهم ، ويكون من وراء حاجتهم (2) ، ثمّ لا قوام لهذين الصّنفين إلاّ بالصّنف الثّالث من القضاة والعمّال والكتّاب ، لما يحكمون من المعاقد (3) ويجمعون من المنافع ، ويؤتمنون عليه من خواصّ الأمور وعوامّها ولا قوام لهم جميعا إلاّ بالتّجّار وذوى الصّناعات فيما يجتمعون عليه من مرافقهم (4) ويقيمونه من أسواقهم ، ويكفونهم من التّرفّق بأيديهم
    __________________
    (1) سهمه : نصيبه من الحق
    (2) أى : يكون محيطا بجميع حاجاتهم دافعا لها.
    (3) هو وما بعده نشر على ترتيب اللف ، والمعاقد : العقود فى البيع والشراء وما شابههما مما هو شأن القضاة ، وجمع المنافع : من حفظ الأمن ، وجباية الخراج ، وتصريف الناس فى منافعهم العامة ، ذلك شأن العمال. والمؤتمنون : هم الكتاب
    (4) الضمير للتجار وذوى الصناعات ، أى : إنهم قوام لمن قبلهم بسبب المرافق

    ما لا يبلغه رفق غيرهم ، ثمّ الطّبقة السّفلى من أهل الحاجة والمسكنة الّذين يحقّ رفدهم ومعونتهم (1) وفى اللّه لكلّ سعة ، ولكلّ على الوالى حقّ بقدر ما يصلحه. وليس يخرج الوالى من حقيقة ما ألزمه اللّه من ذلك إلاّ بالاهتمام والاستعانة باللّه ، وتوطين نفسه على لزوم الحقّ ، والصّبر عليه فيما خفّ عليه أو ثقل. فولّ من جنودك أنصحهم فى نفسك للّه ولرسوله ولامامك ، وأنقاهم جيبا (2) وأفضلهم حلما : ممّن يبطىء عن الغضب ، ويستريح إلى العذر ، ويرأف بالضّعفاء ، وينبو على الأقوياء (3) وممّن لا يثيره العنف ، ولا يقعد به الضّعف ثمّ الصق بذوى [المروءات] الأحساب (4) وأهل البيوتات الصّالحة والسّوابق الحسنة ، ثمّ أهل النّجدة والشّجاعة والسّخاء والسّماحة ، فانّهم جماع من الكرم ،
    __________________
    ـ أى : المنافع ـ التى يجتمعون لأجلها ، ولها يقيمون الأسواق ، ويكفون سائر الطبقات ، من الترفق ـ أى : التكسب ـ بأيديهم ما لا يبلغه كسب غيرهم من سائر الطبقات.
    (1) رفدهم : مساعدتهم وصلتهم
    (2) جيب القميص : طوقة ، ويقال «نقى الجيب» أى : طاهر الصدر والقلب ، والحلم : العقل.
    (3) ينبو : يشتد ويعلو عليهم ليكف أيديهم عن ظلم الضعفاء
    (4) «ثم الصق الخ» : تبيين للقبيل الذى يؤخذ منه الجند ويكون منه رؤساؤه ، وشرح لأوصافهم. وجماع من الكرم : مجموع منه ، وشعب ـ بضم ففتح ـ : جمع شعبة ، والعرف : المعروف

    وشعب من العرف ، ثمّ تفقّد من أمورهم ما يتفقّد الوالدان من ولدهما ، ولا يتفاقمنّ فى نفسك شىء قوّيتهم به (1) ولا تحقرنّ لطفا تعاهدتهم به (2) وإن قلّ ، فإنّه داعية لهم إلى بذل النّصيحة لك ، وحسن الظّنّ بك. ولا تدع تفقّد لطيف أمورهم اتّكالا على جسيمها ، فإنّ لليسير من لطفك موضعا ينتفعون به ، وللجسيم موقعا لا يستغنون عنه.
    وليكن آثر رؤوس جندك عندك (3) من واساهم فى معونته ، وأفضل عليهم من جدته ، بما يسعهم ويسع من وراءهم من خلوف أهليهم ، حتّى يكون همّهم همّا واحدا فى جهاد العدوّ ، فانّ عطفك عليهم (4) يعطف قلوبهم عليك ، وإنّ أفضل قرّة عين الولاة استقامة العدل فى البلاد ، وظهور مودّة
    __________________
    (1) تفاقم الأمر : عظم ، أى : لا تعد شيئا قويتهم به غاية فى العظم زائدا عما يستحقون ، فكل شىء قويتهم به واجب عليك إتيانه ، وهم مستحقون لنيله.
    (2) أى : لا تعد شيئا من تلطفك معهم حقيرا فتتركه لحقارته ، بل كل تلطف ـ وإن قل ـ فله موقع من قلوبهم
    (3) «آثر» أى : أفضل وأعلى منزلة ، فليكن أفضل رؤساء الجند من واسى الجند ـ أى : ساعدهم ـ بمعونته لهم ، وأفضل عليهم ـ أى : أفاض ـ وجاد من جدته ، والجدة ـ بكسر ففتح ـ : الغنى ، والمراد ما بيده من أرزاق الجند ، وما سلم إليه من وظائف المجاهدين ، لا يفتر عليهم فى الفرض ، ولا ينقصهم شيئا مما فرض لهم ، بل يجعل العطاء شاملا لمن تركوهم فى الديار من خلوف الأهلين : جمع خلف ـ بفتح فسكون ـ وهو من يبقى فى الحى من النساء والعجزة بعد سفر الرجال
    (4) «عليهم» أى : على الرؤساء

    الرّعيّة ، وإنّه لا تظهر مودّتهم إلاّ بسلامة صدورهم ، ولا تصحّ نصيحتهم إلاّ بحيطتهم على ولاة الأمور (1) وقلّة استثقال دولهم ، وترك استبطاء انقطاع مدّتهم ، فافسح فى آمالهم وواصل فى حسن الثّناء عليهم وتعديد ما أبلى ذوو البلاء منهم (2) ، فانّ كثرة الذّكر لحسن أفعالهم تهزّ الشّجاع ، وتحرّض النّاكل ، إن شاء اللّه.
    ثمّ اعرف لكلّ امرىء منهم ما أبلى ، ولا تضيفنّ بلاء امرىء إلى غيره ، (3) ولا تقصّرنّ به دون غاية بلائه ، ولا يدعونّك شرف امرىء إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا ، ولا ضعة امرئ إلى أن تستصغر من بلائه ما كان عظيما. واردد إلى اللّه ورسوله ما يضلعك من الخطوب (4) ويشتبه عليك من الأمور ، فقد قال اللّه تعالى لقوم أحبّ إرشادهم : «يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اَللّٰهَ وَأَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَأُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنٰازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ
    __________________
    (1) حيطة ـ بكسر الحاء ـ : من مصادر «حاطه» بمعنى حفظه وصانه ، أى : بمحافظتهم على ولاة أمورهم وحرصهم على بقائهم ، وأن لا يستثقلوا دولتهم ولا يستبطئوا انقطاع مدتهم ، بل يعدون زمنهم قصيرا يطلبون طوله
    (2) ما صنع أهل الأعمال العظيمة منهم ، فتعديد ذلك يهز الشجاع ـ أى : يحركه للاقدام ـ ويحرض الناكل ، أى : المتأخر القاعد
    (3) لا تنسبن عمل امرئ إلى غيره ، ولا تقصر به فى الجزاء دون ما يبلغ منتهى عمله الجميل.
    (4) ضلع فلانا ـ كمنع ـ : ضرب فى ضلعه ، والمراد ما يشكل عليك.

    إِلَى اَللّٰهِ وَاَلرَّسُولِ» فالرّدّ إلى اللّه : الأخذ بمحكم كتابه (1) ، والرّدّ إلى الرّسول : الأخذ بسنّته الجامعة غير المفرّقة (2).
    ثمّ اختر للحكم بين النّاس أفضل رعيّتك (3) فى نفسك ممّن لا تضيق به الأمور ولا تمحكه الخصوم (4) ولا يتمادى فى الزّلّة ، ولا يحصر من الفىء إلى الحقّ إذا عرفه (5) ، ولا تشرف نفسه على طمع (6) ولا يكتفى بأدنى فهم دون أقصاه (7) ، وأوقفهم فى الشّبهات (Cool وآخذهم بالحجج ، وأقلّهم تبرّما
    __________________
    (1) محكم الكتاب : نصه الصريح
    (2) سنة الرسول كلها جامعة ، ولكن رويت عنه سنن افترقت بها الآراء ، فاذا أخذت فخذ بما أجمع عليه مما لا يختلف فى نسبته إليه
    (3) «ثم اختر ـ الخ» انتقال من الكلام فى الجند إلى الكلام فى القضاة
    (4) أمحكه : جعله محكان ، أى : عسر الخلق ، أو أغضبه ، وتقول : محك ـ كمنع ـ أى : لج فى الخصومة ، فهو محك ـ ككتف ـ ومماحك ومحكان ـ بفتح فسكون ـ ومتمحك ، و «تماحكا» أى : تلاجا ، و «رجل محكان» أى : عسر الخلق لجوج. أى : لا تحمله مخاصمة الخصوم على اللجاج والاصرار على رأيه. والزلة ـ بالفتح ـ : السقطة فى الخطأ
    (5) حصر ـ كفرح ـ : ضاق صدره ، أى : لا يضيق صدره من الرجوع إلى الحق.
    (6) الاشراف على الشىء : الاطلاع عليه من فوق ، فالطمع من سفالات الأمور من نظر إليه وهو فى أعلى منزلة النزاهة لحقته وصمة النقيصة ، فما ظنك بمن هبط إليه وتناوله؟
    (7) لا يكتفى فى الحكم بما يبدو له بأول فهم وأقربه ، دون أن يأتى على أقصى الفهم بعد التأمل.
    (Cool هذا وما بعده إتباع لأفضل رعيتك ، والشبهات : ما لا يتضح الحكم فيها

    بمراجعة الخصم ، وأصبرهم على تكشّف الأمور ، وأصرمهم عند اتّضاح الحكم ، ممّن لا يزدهيه إطراء (1) ، ولا يستميله إغراء ، وأولئك قليل ، ثمّ أكثر تعاهد قضائه (2) وافسح له فى البذل ما يزيل علّته (3) ، وتقلّ معه حاجته إلى النّاس ، وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصّتك (4) ليأمن بذلك اغتيال الرّجال له عندك ، فانظر فى ذلك نظرا بليعا ، فإنّ هذا الدّين قد كان أسيرا فى أيدى الأشرار : يعمل فيه بالهوى ، وتطلب به الدّنيا. ثمّ انظر فى أمور عمّالك فاستعملهم اختبارا (5) ، ولا تولّهم محاباة وأثرة ، فإنّهم جماع من شعب الجور والخيانة ، وتوخّ منهم أهل التّجربة والحياء من أهل البيوتات الصّالحة والقدم فى الإسلام (6)
    __________________
    بالنص ، فينبغى الوقوف على القضاء حتى يرد الحادثة إلى أصل صحيح. والتبرم : الملل والضجر ، وأصرمهم : أقطعهم للخصومة
    (1) لا يزدهيه : لا يستخفه زيادة الثناء عليه
    (2) تعاهده : تتبعه بالاستكشاف والتعرف ، وضمير «قضائه» لأفضل الرعية الموصوف بالأوصاف السابقة
    (3) البذل : العطاء ، أى : أوسع له حتى يكون ما يأخذه كافيا لمعيشة مثله وحفظ منزلته
    (4) إذا رفعت منزلته عندك هابته الخاصة كما تهابه العامة ، فلا يجرؤ أحد على الوشاية به عندك خوفا منك وإجلالا لمن أجللته
    (5) ولهم الأعمال بالامتحان ، لا محاباة ، أى : اختصاصا وميلا منك لمعاونتهم ، وأثرة ـ بالتحريك ـ أى : استبدادا بلا مشورة ، فانهما ـ أى : المحاباة والأثرة ـ يجمعان الجور والخيانة
    (6) «توخ» أى : اطلب وتحر أهل التجربة الخ. والقدم ـ بالتحريك ـ : واحدة الأقدام ، أى : الخطوة السابقة. وأهلها هم الأولون.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    نهج البلاغه ج3 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: نهج البلاغه ج3   نهج البلاغه ج3 Emptyأمس في 9:22 pm

    المتقدّمة فانّهم أكرم أخلاقا ، وأصحّ أعراضا ، وأقلّ فى المطامع إشرافا ، وأبلغ فى عواقب الأمور نظرا. ثمّ أسبغ عليهم الأرزاق (1) فإنّ ذلك قوّة لهم على استصلاح أنفسهم ، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم ، وحجّة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك (2) ثمّ تفقّد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصّدق والوفاء عليهم (3) ، فانّ تعاهدك فى السّرّ لأمورهم حدوة لهم (4) على استعمال الأمانة والرّفق بالرّعيّة وتحفّظ من الأعوان فان أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه (5) عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا فبسطت عليه العقوبة فى بدنه ، وأخذته بما أصاب من عمله ، ثمّ نصبته بمقام المذلّة ، ووسمته بالخيانة ، وقلّدته عار التّهمة
    وتفقّد أمر الخراج بما يصلح أهله ، فإنّ فى صلاحه وصلاحهم صلاحا لمن سواهم ، ولا صلاح لمن سواهم إلاّ بهم ، لأنّ النّاس كلّهم عيال على الخراج وأهله. وليكن نظرك فى عمارة الأرض أبلغ من نظرك فى استجلاب الخراج
    __________________
    (1) أسبغ عليه الرزق : أكمله وأوسع له فيه
    (2) نقصوا فى أدائها أو خانوا.
    (3) العيون : الرقباء
    (4) «حدوة» أى : سوق لهم وحث
    (5) «اجتمعت ـ الخ» : أى : اتفقت عليها أخبار الرقباء.

    لأنّ ذلك لا يدرك إلاّ بالعمارة ، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ، ولم يستقم أمره إلاّ قليلا ، فان شكوا ثقلا (1) أو علّة أو انقطاع شرب أو بالّة أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش خفّفت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم. ولا يثقلنّ عليك شىء خفّفت به المؤونة عنهم فإنّه ذحر يعودون به عليك فى عمارة بلادك ، وتزيين ولايتك ، مع استجلابك حسن ثنائهم ، وتبجّحك باستفاضة العدل فيهم (2) معتمدا فضل قوّتهم (3) بما ذخرت عندهم من إجمامك لهم والثّقة منهم بما عوّدتهم من عدلك عليهم فى رفقك بهم ، فربّما حدث من الأمور ما إذا عوّلت فيه عليهم من بعد
    __________________
    (1) إذا شكوا ثقل المضروب من مال الخراج أو نزول علة سماوية بزرعهم أضرت بثمراته ، أو انقطاع شرب ـ بالكسر ، أى : ماء فى بلاد تسقى بالأنهار ـ أو انقطاع بالة ـ أى : ما يبل الأرض من ندى ومطر فيما تسقى بالمطر ـ أو إحالة أرض ـ بكسر همزة إحالة ، أى : تحويلها البذر إلى فساد بالتعفن لما اغتمرها ، أى : عمها من الغرق فصارت غمقة ـ كفرحة ـ أى : غلب عليها الندى والرطوبة حتى صار البذر فيها غمقا ـ ككتف ـ أى : له رائحة خمة وفساد ، ونقصت لذلك غلاتهم أو أجحف العطش ـ أى : ذهب بمادة الغذاء من الأرض فلم ينبت ، فعليك عند الشكوى أن تخفف عنهم
    (2) التبجح : السرور بما يرى من حسن عمله فى العدل
    (3) أى : متخذا زيادة قوتهم عمادا لك تستند إليه عند الحاجة ، وأنهم يكونون سندا بما ذخرت عندهم من إجمامك ، أى : إراحتك لهم ، «والثقة» منصوب بالعطف على «فضل»

    احتملوه طيبة أنفسهم به (1) فانّ العمران محتمل ما حمّلته ، وإنّما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها ، وإنّما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع (2) وسوء ظنّهم بالبقاء ، وقلّة انتفاعهم بالعبر
    ثمّ انظر فى حال كتّابك (3) فولّ على أمورك خيرهم ، واخصص رسائلك الّتى تدخل فيها مكائدك وأسرارك بأجمعهم لوجوه صالح الأخلاق (4) ممّن لا تبطره الكرامة فيجترىء بها عليك فى خلاف لك بحضرة ملأ ، ولا تقصر به الغفلة (5) عن إيراد مكاتبات عمّالك عليك وإصدار جواباتها على الصّواب
    __________________
    (1) طيبة ـ بكسر الطاء ـ : مصدر طاب ، وهو علة لاحتملوه ، أى : لطيب أنفسهم باحتماله فان العمران ما دام قائما وناميا فكل ما حملت أهله سهل عليهم أن يحتملوا ، كذا قال الاستاذ الامام رحمه اللّه ، وعندى أن «طيبة» بتشديد الياء ـ منصوب على الحالية ، و «أنفسهم» مرفوع على أنه فاعل بطيبة ، ويجوز أن يكون «طيبة» مرفوعا على أنه خبر مقدم ، و «أنفسهم» مبتدأ مؤخر ، والجملة فى محل نصب على الحال ، وأى هذين الوجهين أقرب مما ذكره ، والاعواز : الفقر والحاجة
    (2) لتطلع أنفسهم إلى جمع المال ادخارا لما بعد زمن الولاية إذا عزلوا
    (3) «ثم انظر ـ الخ» انتقال من الكلام فى أهل الخراج إلى الكلام فى الكتاب : جمع كاتب
    (4) بأجمعهم : متعلق باخصص ، أى : ما يكون من رسائلك حاويا لشىء من المكائد للأعداء وما يشبه ذلك من أسرارك فاخصصه بمن فاق غيره فى جميع الأخلاق الصالحة ، ولا تبطره ـ أى : لا تطغيه ـ الكرامه فيجرأ على مخالفتك فى حضور ملأ وجماعة من الناس فيضر ذلك بمنزلتك منهم
    (5) لا تكون غفلته موجبة لتقصيره فى إطلاعك على ما يرد من أعمالك ، ولا فى

    عنك فيما يأخذ لك ويعطى منك ، ولا يضعف عقدا اعتقده لك ، ولا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك (1) ، ولا يجهل مبلغ قدر نفسه فى الأمور ، فإنّ الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل ، ثمّ لا يكن اختيارك إيّاهم على فراستك واستنامتك (2) وحسن الظّنّ منك ، فإنّ الرّجال يتعرّفون لفراسات الولاة بتصنّعهم وحسن خدمتهم (3) ، وليس وراء ذلك من النّصيحة والأمانة شىء ، ولكن اختبرهم بما ولّوا للصّالحين قبلك : فاعمد لأحسنهم كان فى العامّة أثرا ، وأعرفهم بالأمانة وجها ، فإنّ ذلك دليل على نصيحتك للّه ولمن ولّيت أمره ، واجعل لرأس كلّ أمر من أمورك رأسا منهم (4) لا يقهره كبيرها ، ولا يتشتّت عليه كثيرها ، ومهما كان فى كتّابك من عيب فتغابيت عنه ألزمته (5)
    __________________
    إصدار الأجوبة عنه على وجه الصواب ، بل يكون من النباهة والحذق بحيث لا يفوته شىء من ذلك
    (1) أى : يكون خبيرا بطرق المعاملات بحيث إذا عقد لك عقدا فى أى نوع منها لا يكون ضعيفا ، بل يكون محكما جزيل الفائدة لك ، وإذا وقعت مع أحد فى عقد كان ضرره عليك لا يعجز عن حل ذلك العقد
    (2) الفراسة ـ بالكسر ـ : قوة الظن وحسن النظر فى الأمور ، والاستنامة : السكون والثقة ، أى : لا يكون انتخاب الكتاب تابعا لميلك الخاص
    (3) «يتعرفون للفراسات» أى : يتوسلون إليها لتعرفهم
    (4) أى : اجعل لرئاسة كل دائرة من دوائر الأعمال رئيسا من الكتاب مقتدرا على ضبطها لا يقره عظيم تلك الأعمال ، ولا يخرج عن ضبطه كثيرها
    (5) إذا تغابيت ـ أى : تغافلت ـ عن عيب فى كتابك كان ذلك العيب لاصقا بك

    ثمّ استوص بالتّجّار وذوى الصّناعات (1) وأوص بهم خيرا : المقيم منهم والمضطرب بماله (2) ، والمترفّق ببدنه ، فإنّهم موادّ المنافع ، وأسباب المرافق وجلاّبها من المباعد والمطارح فى برّك وبحرك وسهلك وجبلك ، وحيث لا يلتئم النّاس لمواضعها (3) ولا يجترئون عليها ، فإنّهم سلم لا تخاف بائقته (4) وصلح لا تخشى غائلته ، وتفقّد أمورهم بحضرتك وفى حواشى بلادك. واعلم ـ مع ذلك ـ أنّ فى كثير منهم ضيقا فاحشا ، وشحّا قبيحا (5) واحتكارا للمنافع ، وتحكّما فى البياعات ، وذلك باب مضرّة للعامّة وعيب على الولاة ، فامنع من الاحتكار فانّ رسول اللّه ، صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، منع منه. وليكن البيع بيعا سمحا : بموازين عدل ، وأسعار لا تجحف بالفريقين من
    __________________
    (1) «ثم استوص» : انتقال من الكلام فى الكتاب إلى الكلام فى التجار والصناع
    (2) المضطرب : المتردد بأمواله بين البلدان ، والمترفق : المكتسب ، والمرافق : تقدم تفسيرها بالمنافع ، وحقيقتها ـ وهى والمراد هنا ـ ما به يتم الانتفاع كالآنية والأدوات وما يشبه ذلك
    (3) أى : ويجلبونها من أمكنة بحيث لا يمكن التئام الناس واجتماعهم فى مواضع تلك المرافق من تلك الأمكنة
    (4) فانهم : علة لاستوص وأوص ، والبائقة : الداهية ، والتجار والصناع مسالمون لا تخشى منهم داهية العصيان
    (5) الضيق : عسر المعاملة ، والشح : البخل ، والاحتكار : حبس المطعوم ونحوه عن الناس لا يسمحون به إلا بأثمان فاحشة.

    البائع والمبتاع (1) فمن قارف حكرة بعد نهيك إيّاه (2) فنكّل به ، وعاقبه فى غير إسراف
    ثمّ اللّه اللّه فى الطّبقة السّفلى من الّذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين وأهل البؤسى والزّمنى (3) فإنّ فى هذه الطّبقة قانعا ومعترّا (4) ، واحفظ للّه ما استحفظك من حقّه فيهم ، واجعل لهم قسما من بيت مالك ، وقسما من غلاّت صوافى الإسلام فى كلّ بلد (5) ، فإنّ للأقصى منهم مثل الّذى للأدنى ، وكلّ قد استرعيت حقّه ، فلا يشغلنّك عنهم بطر (6) فإنّك لا تعذر بتضييعك
    __________________
    (1) المبتاع : المشترى.
    (2) «قارف» أى : خالط ، والحكرة ـ بالضم ـ : الاحتكار ، فمن أتى عمل الاحتكار بعد النهى عنه فنكل به ـ أى : أوقع به النكال والعذاب ـ عقوبة له ، لكن من غير إسراف فى العقوبة ، ولا تجاوز عن حد العدل فيها
    (3) البؤسى ـ بضم أوله ـ : شدة الفقر ، والزمنى ـ بفتح أوله ـ : جمع رمين ، وهو المصاب بالزمانة ـ بفتح الزاى ـ أى : العاهة ، يريد أرباب العاهات المانعة لهم عن الاكتساب
    (4) القانع : السائل ، من «قنع» كمنع ، أى : سأل وخضع وذل ، وقد تبدل القاف كافا فيقال كنع. والمعتر ـ بتشديد الراء ـ : المتعرض للعطاء بلا سؤال ، واستحفظك : طلب منك حفظه
    (5) صوافى الاسلام : جمع صافية ، وهى أرض الغنيمة ، وغلاتها : ثمراتها
    (6) طغيان بالنعمة.

    التّافه (1) لإحكامك الكثير المهمّ ، فلا تشخص همّك عنهم (2) ولا تصعّر خدّك لهم ، وتفقّد أمور من لا يصل إليك منهم ممّن تقتحمه العيون (3) وتحقره الرّجال ، ففرّغ لأولئك ثقتك (4) من أهل الخشية والتّواضع ، فليرفع إليك أمورهم ، ثمّ اعمل فيهم بالإعذار إلى اللّه يوم تلقاه (5) ، فإنّ هؤلاء من بين الرّعيّة أحوج إلى الإنصاف من غيرهم ، وكلّ فأعذر إلى اللّه فى تأدية حقّه إليه ، وتعهّد أهل اليتم وذوى الرّقّة فى (6) السّن ممّن لا حيلة له ، ولا ينصب للمسألة نفسه ، وذلك على الولاة ثقيل [والحقّ كلّه ثقيل] وقد يخفّفه اللّه على أقوام طلبوا العاقبة فصبّروا أنفسهم ، ووثقوا بصدق موعود اللّه لهم.
    واجعل لذوى الحاجات منك قسما (7) تفرّغ لهم فيه شخصك ، وتجلس لهم
    __________________
    (1) التافه : القليل لا تعذر بتضييعه إذا أحكمت وأنفقت الكثير المهم.
    (2) «لا تشخص» أى : لا تصرف همك ـ أى : اهتمامك ـ عن ملاحظة شؤونهم ، و «صعر خده» أماله إعجابا وكبرا
    (3) تقتحمه العين : تكره أن تنظر إليه احتقارا.
    (4) «فرغ» أى : اجعل للبحث عنهم أشخاصا يتفرغون لمعرفة أحوالهم يكونون ممن تثق بهم ، يخافون اللّه ويتواضعون لعظمته لا يأنفون من تعرف حال الفقراء ليرفعوها إليك
    (5) «بالاعذار إلى اللّه» أى : بما يقدم لك عذرا عنده
    (6) «ذوو اليتم» : الأيتام. وذوو الرقة فى السن : المتقدمون فيه
    (7) «لذوى الحاجات» أى : المتظلمين تتفرغ لهم فيه بشخصك للنظر فى مظالمهم

    مجلسا عامّا فتتواضع فيه للّه الّذى خلقك ، وتقعد عنهم جندك وأعوانك (1) من أحراسك وشرطك حتّى يكلّمك متكلّمهم غير متتعتع (2) ، فإنّى سمعت رسول اللّه ، صلى اللّه عليه وآله وسلم ، يقول فى غير موطن (3) : (لن تقدّس أمّة (4) لا يؤخذ للضّعيف فيها حقّه من القوىّ غير متتعتع) ثمّ احتمل الخرق منهم والعىّ (5) ، ونحّ عنهم الضّيق والأنف (6) يبسط اللّه عليك بذلك أكناف رحمته ، ويوجب لك ثواب طاعته ، وأعط ما أعطيت هنيئا (7) ، وامنع فى إجمال وإعذار!
    ثمّ أمور من أمورك لا بدّ لك من مباشرتها : منها إجابة عمّالك بما يعيا عنه
    __________________
    (1) تأمر بأن يقعد عنهم ولا يتعرض لهم جندك الخ ، والأحراس : جمع حرس ـ بالتحريك ـ وهو من يحرس الحاكم من وصول المكروه ، والشرط ـ بضم ففتح : ـ طائفة ـ : من أنواع الحاكم ، وهم المعروفون الآن بالضابطة ، واحده شرطة ـ بضم فسكون ـ
    (2) التعتعة فى الكلام : التردد فيه من عجز وعى ، والمراد غير خائف ، تعبيرا باللازم
    (3) أى : فى مواطن كثيرة
    (4) التقديس ، التطهير ، أى : لا يطهر اللّه أمة الخ
    (5) الخرق ـ بالضم ـ العنف ضد الرفق ، والعى ـ بالكسر ـ العجز عن النطق ، أى : لا تضجر من هذا ولا تغضب لذاك
    (6) الضيق : ضيق الصدر بسوء الخلق ، والأنف ـ محركة ـ : الاستنكاف والاستكبار وأكناف الرحمة : أطرافها.
    (7) سهلا لا تخشنه باستكثاره والمن به ، وإذا منعت فامنع بلطف وتقديم عذر «8 ـ ن ـ ج ـ 3»

    كتّابك (1) ، ومنها إصدار حاجات النّاس يوم ورودها عليك بما تحرج به صدور أعوانك (2) ، وأمض لكلّ يوم عمله ، فإنّ لكلّ يوم ما فيه ، واجعل لنفسك فيما بينك وبين اللّه أفضل تلك المواقيت ، وأجزل تلك الأقسام (3) وان كانت كلّها للّه إذا صلحت فيها النّيّة ، وسلمت منها الرّعيّة.
    وليكن فى خاصّة ما تخلص به للّه دينك : إقامة فرائضه الّتى هى له خاصّة فأعط اللّه من بدنك فى ليلك ونهارك ، ووفّ ما تقرّبت به إلى اللّه من ذلك كاملا غير مثلوم ولا منقوص (4) بالغا من بدنك ما بلغ ، وإذا قمت فى صلاتك للنّاس فلا تكوننّ منفّرا ولا مضيّعا (5) فإنّ فى النّاس من به العلّة وله الحاجة. وقد سألت رسول اللّه ، صلى اللّه عليه وآله وسلم ، حين وجّهنى إلى اليمن كيف أصلّى بهم؟ فقال «صلّ بهم كصلاة أضعفهم ، وكن بالمؤمنين رحيما» وأمّا بعد ، فلا تطوّلنّ احتجابك عن رعيّتك ، فانّ احتجاب الولاة عن
    __________________
    (1) يعيا : يعجز
    (2) حرج يحرج ـ من باب تعب ـ : ضاق ، والأعوان تضيق صدورهم بتعجيل الحاجات ، ويحبون المماطلة فى قضائها : استجلابا للمنفعة ، أو إظهارا للجبروت
    (3) أجزلها : أعظمها
    (4) «غير مثلوم» : أى : غير مخدوش بشىء من التقصير ولا مخروق بالرياء ، و «بالغا» حال بعد الأحوال السابقة ، أى : وإن بلغ من إتعاب بدنك أى مبلغ
    (5) التنفير : بالتطويل ، والتضييع : بالنقص فى الأركان ، والمطلوب التوسط

    الرّعيّة شعبة من الضّيق ، وقلّة علم بالأمور ، والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير ، ويعظم الصّغير ، ويقبح الحسن ويحسن القبيح ، ويشاب الحقّ بالباطل ، وإنّما الوالى بشر لا يعرف ما توارى عنه النّاس به من الأمور ، وليست على الحقّ سمات (1) تعرف بها صروب الصّدق من الكذب ، وإنّما أنت أحد رجلين : إمّا امرؤ سخت نفسك بالبذل فى الحقّ ففيم احتجابك (2) من واجب حقّ تعطيه؟ أو فعل كريم تسديه ، أو مبتلى بالمنع فما أسرع كفّ النّاس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك (3) مع أنّ أكثر حاجات النّاس إليك ممّا لا مؤونة فيه عليك من شكاة مظلمة (4) أو طلب إنصاف فى معاملة.
    ثمّ إنّ للوالى خاصّة وبطانة فيهم استئثار ، وتطاول ، وقلّة إنصاف فى معاملة فاحسم مادّة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال (5) ولا تقطعنّ لأحد من
    __________________
    (1) سمات : جمع سمة ـ بكسر ففتح ـ ، وهى العلامة ، أى : ليس للحق علامات ظاهرة يتميز بها الصدق من الكذب ، وإنما يعرف ذلك بالامتحان ، ولا يكون إلا بالمحافظة
    (2) فلأى سبب تحتجب عن الناس فى أداء حقهم ، أو فى عمل تمنحه إياهم؟
    (3) البذل : العطاء ، فان قنط الناس من قضاء مطالبهم منك أسرعوا إلى البعد عنك ، فلا حاجة للاحتجاب
    (4) شكاة ـ بالفتح ـ ، شكاية
    (5) «فاحسم» أى : اقطع مادة شرورهم عن الناس بقطع أسباب تعديهم ، وإنما

    حاشيتك وحامّتك قطيعة (1) ولا يطمعنّ منك فى اعتقاد عقدة تضرّ بمن يليها من النّاس فى شرب أو عمل مشترك يحملون مؤونته على غيرهم فيكون مهنأ ذلك لهم دونك (2) وعيبه عليك فى الدّنيا والآخرة.
    وألزم الحقّ من لزمه من القريب والبعيد ، وكن فى ذلك صابرا محتسبا ، واقعا ذلك من قرابتك وخاصّتك حيث وقع ، وابتغ عاقبتة بما يثقل عليك منه ، فانّ مغبّة ذلك محمودة (3)
    وإن ظنّت الرّعيّة بك حيفا فأصحر لهم بعذرك ، واعدل عنك ظنونهم بإصحارك ، فانّ فى ذلك رياضة منك لنفسك (4) ورفقا برعيّتك ، وإعذارا
    __________________
    يكون بالأخذ على أيديهم ومنعهم من التصرف فى شؤون العامة
    (1) الاقطاع : المنحة من الأرض. والقطيعة : الممنوح منها ، والحامة ـ كالطامة ـ : الخاصة والقرابة. والاعتقاد : الامتلاك ، والعقدة ـ بالضم ـ : الضيعة واعتقاد الضيعة : اقتناؤها ، وإذا اقتنوا ضيعة فربما أضروا بمن يليها ، أى : يقرب منها ، من الناس ، فى شرب ـ بالكسر ـ وهو النصيب فى الماء
    (2) مهنأه : منفعته الهنيئة
    (3) المغبة ـ كمحبة ـ : العاقبة ، وإلزام الحق لمن لزمهم وان ثقل على الوالى وعليهم فهم محمود العاقبة بحفظ الدولة فى الدنيا ونيل السعادة فى الآخرة
    (4) وإن فعلت فعلا ظنت الرعية أن فيه حيفا ـ أى : ظلما ـ فأصحر ـ أى : ابرز لهم ـ وبين عذرك فيه. وعدل عن كذا : نحاه عنه ، والأصحار : الظهور ، من «أصحر» إذا برز فى الصحراء ، و «رياضة» أى : تعويدا لنفسك على العدل. والأعذار : تقديم العذر أو إبداؤه

    تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحقّ
    ولا تدفعنّ صلحا دعاك إليه عدوّك [و] للّه فيه رضا ، فانّ فى الصّلح دعة لجنودك (1) وراحة من همومك ، وأمنا لبلادك ، ولكن الحذر كلّ الحذر من عدوّك بعد صلحه ، فانّ العدوّ ربّما قارب ليتغفّل (2) فخذ بالحزم ، وانّهم فى ذلك حسن الظّنّ. وإن عقدت بينك وبين عدوّك عقدة أو ألبسته منك ذمّة (3) فحط عهدك بالوفاء ، وارع ذمّتك بالأمانة ، واجعل نفسك جنّة دون ما أعطيت (4) ، فانّه ليس من فرائض اللّه شىء النّاس أشدّ عليه اجتماعا مع تفرّق أهوائهم وتشتّت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود (5) وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين (6) لما استوبلوا من عواقب الغدر (7) فلا تغدرنّ
    __________________
    (1) الدعة ـ محركة ـ : الراحة
    (2) «قارب» أى : تقرب منك بالصلح ليلقى عليك عنه غفلة فيغدرك فيها.
    (3) أصل معنى الذمة وجدان مودع فى جبلة الانسان ينبهه لرعاية حق ذوى الحقوق عليه ويدفعه لأداء ما يجب عليه منها ، ثم أطلقت على معنى العهد وجعل العهد لباسا لمشابهته له فى الرقابة من الضرر ، حاطه : حفظه
    (4) الجنة ـ بالضم ـ : الوقاية ، أى : حافظ على ما أعطيت من العهد بروحك
    (5) «الناس» مبتدأ ، و «أشد» خبر ، والجملة خبر ليس ، يعنى أن الناس لم يجتمعوا على فريضة من فرائض اللّه أشد من اجتماعهم على تعظيم الوفاء بالعهود مع تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم ، حتى إن المشركين التزموا الوفاء فيما بينهم ، فأولى أن يلتزمه المسلمون ، كذا قال الامام ، ولنا فى إعرابه توقف عظيم ، فجملة المبتدأ والخبر صفة لشىء وهو اسم ليس ، أو مبتدأ خبره الظرف قبله واسم ليس ضمير الشأن.
    (6) أى : حال كونهم دون المسلمين فى الأخلاق والعقائد
    (7) لأنهم وجدوا عواقب الغدر وبيلة ـ أى : مهلكة ـ وما والفعل بعدها

    بذمّتك ولا تخيسنّ بعهدك (1) ولا تختلنّ عدوّك ، فانّه لا يجترئ على اللّه إلاّ جاهل شقىّ. وقد جعل اللّه عهده وذمّته أمنا أفضاه بين العباد برحمته (2) ، وحريما يسكنون إلى منعته ، ويستفيضون إلى جواره (3) فلا إدغال ولا مدالسة (4) ولا خداع فيه ، ولا تعقد عقدا تجوّز فيه العلل (5) ، ولا تعوّلنّ على لحن قول بعد التّأكيد والتّوثقة ، ولا يدعونّك ضيق أمر لزمك فيه عهد اللّه إلى طلب انفساخه بغير الحقّ ، فإنّ صبرك على ضيق أمر ترجو انفراجه وفضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته ، وأن تحيط بك من اللّه فيه طلبة (6) ،
    __________________
    فى تأويل مصدر ، أى : استيبالهم
    (1) خاس بعهده : خان ونقضه. والختل : الخداع.
    (2) الأمن : الأمان ، و «أفضاه» هنا بمعنى أفشاه ، وأصله المزيد من «فضا فضوا» ـ من باب قعد ـ أى : اتسع ، فالرباعى بمعنى وسعه ، والسعة مجازية يراد بها الافشاء والانتشار. والحريم : ما حرم عليك أن تمسه ، والمنعة ـ بالتحريك ـ ما تمتنع به من القوة
    (3) «يستفيضون» أى : يفزعون إليه بسرعة
    (4) الادغال : الافساد. والمدالسة : الخيانة
    (5) العلل : جمع علة ، وهى فى النقد والكلام ، بمعنى ما يصرفه عن وجهه ويحوله إلى غير المراد ، وذلك يطرأ على الكلام عند إبهامه وعدم صراحته. ولحن القول : ما يقبل التوجيه كالتورية والتعريض ، فاذا تعلل بهذا المقاعد لك وطلب شيئا لا يوافق ما أكدته وأخذت عليه الميثاق فلا تعول عليه. وكذلك لو رأيت ثقلا من التزام العهد فلا تركن إلى لحن القول لتتملص منه ، فخذ بأصرح الوجوه لك وعليك
    (6) و «أن تحيط» : عطف على «تبعة» أى : وتخاف أن تتوجه عليك من اللّه مطالبة بحقه فى الوفاء الذى غدرته ويأخذ الطلب بجميع أطرافك فلا يمكنك

    فلا تستقيل فيها دنياك ولا آخرتك.
    إيّاك والدّماء وسفكها بغير حلّها ، فإنّه ليس شىء أدنى لنقمة ، ولا أعظم لتبعة ، ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدّة ، من سفك الدّماء بغير حقّها ، واللّه سبحانه مبتدىء بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدّماء يوم القيامة ، فلا تقوّينّ سلطانك بسفك دم حرام ، فانّ ذلك ممّا يضعفه ويوهنه بل يزيله وينقله ، ولا عذر لك عند اللّه ولا عندى فى قتل العمد ، لأنّ فيه قود البدن (1) ، وإن ابتليت بخطإ وأفرط عليك سوطك (2) أو سيفك أو يدك بالعقوبة ، فانّ فى الوكزة فما فوقها مقتلة ، فلا تطمحنّ بك نخوة سلطانك عن أن تؤدّى إلى أولياء المقتول حقّهم. وإيّاك والاعجاب بنفسك ، والثّقة بما يعجبك منها ، وحبّ الأطراء (3) فإنّ
    __________________
    التخلص منه ويصعب عليك أن تسأل اللّه أن يقيلك من هذه المطالبة بعفو عنك فى دنيا أو آخرة بعد ما تجرأت على عهده بالنقض
    (1) القود ـ بالتحريك ـ : القصاص ، وإضافته للبدن لأنه يقع عليه
    (2) أفرط عليك : عجل بما لم تكن تريده : أردت تأديبا فأعقب قتلا. وقوله «فان فى الوكزة» تعليل لأفرط ، والوكزة ـ بفتح فسكون ـ : الضربة بجمع الكف ـ بضم الجيم ، أى : قبضته ـ وهى المعروفة باللكمة. وقوله «فلا تطمحن» أى : ترتفعن بك كبرياء السلطان عن تأدية الدية إليهم فى القتل الخطأ ، جواب الشرط
    (3) الاطراء : المبالغة فى الثناء ، والفرصة ـ بالضم ـ : حادث يمكنك لو سعيت من الوصول لمقصدك ، والعجب فى الانسان من أشد الفرص لتمكين الشيطان من قصده ـ وهو محق الاحسان ـ بما يتبعه من الغرور والتعالى بالفعل على من وصل اليه أثره

    ذلك من أوثق فرص الشّيطان فى نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين. وإيّاك والمنّ على رعيّتك باحسانك ، أو التّزيّد فيما كان من فعلك (1) أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك ، فإنّ المنّ يبطل الاحسان ، والتّزيّد يذهب بنور الحقّ ، والخلف يوجب المقت عند اللّه والنّاس (2) قال اللّه تعالى : «كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اَللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لاٰ تَفْعَلُونَ»
    وإيّاك والعجلة بالأمور قبل أوانها ، أو التّسقّط فيها عند إمكانها (3) أو اللّجاجة فيها إذا تنكّرت (4) أو الوهن عنها إذا استوضحت. فضع كلّ أمر موضعه ، وأوقع كلّ أمر موقعه.
    وإيّاك والاستئثار بما النّاس فيه أسوة (5) ، والتّغابى عمّا تعنى به ممّا قد وضح للعيون ، فإنّه مأخوذ منك لغيرك ، وعمّا قليل تنكشف عنك أغطية الأمور ،
    __________________
    (1) التزيد ـ كالتقيد ـ : إظهار الزيادة فى الأعمال عن الواقع منها فى معرض الافتخار
    (2) المقت : البغض والسخط
    (3) التسقط : من قولهم «تسقط فى الخبر يتسقط» إذا أخذه قليلا ، يريد به هنا : التهاون. وفى نسخة «التساقط» بمد السين ـ من «ساقط الفرس عدوه» إذا جاء مسترخيا
    (4) تنكرت : لم يعرف وجه الصواب فيها ، واللجاجة : الاصرار على منازعة الأمر ليتم على عسر فيه ، والوهن : الضعف
    (5) احذر أن تخص نفسك بشىء تزيد به عن الناس ، وهو مما تجب فيه المساواة من الحقوق العامة. والتغابى : التغافل. «وما يعنى به» مبنى للمجهول ـ أى : يهتم به

    وينتصف منك للمظلوم ، املك حميّة أنفك (1) ، وسورة حدّك ، وسطوة يدك ، وغرب لسانك ، واحترس من كلّ ذلك بكفّ البادرة (2) ، وتأخير السّطوة ، حتّى يسكن غضبك فتملك الاختيار ، ولن تحكم ذلك من نفسك حتّى تكثر همومك بذكر المعاد إلى ربّك.
    والواجب عليك أن تتذكّر ما مضى لمن تقدّمك من حكومة عادلة ، أو سنّة فاضلة ، أو أثر عن نبيّنا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، أو فريضة فى كتاب اللّه ، فتقتدى بما شاهدت ممّا عملنا [به] فيها (3) ، وتجتهد لنفسك فى اتّباع ما عهدت إليك فى عهدى هذا ، واستوثقت به من الحجّة لنفسى عليك ، لكيلا تكون لك علّة عند تسرّع نفسك إلى هواها. وأنا أسأل اللّه بسعة رحمته ، وعظيم قدرته على إعطاء كلّ رغبة (4) أن يوفّقنى وإيّاك لما فيه رضاه من الاقامة
    __________________
    (1) يقال «فلان حمى الأنف» إذا كان أبيا يأنف الضيم ، أى : املك نفسك عند الغضب. والسورة ـ بفتح السين وسكون الواو ـ : الحدة ، والحد ـ بالفتح ـ : البأس. والغرب ـ بفتح فسكون ـ : الحد تشبيها له بحد السيف ونحوه
    (2) البادرة : ما يبدر من اللسان عند الغضب من سباب ونحوه ، وإطلاق اللسان يزيد الغضب اتقادا ، والسكوت يطفئ من لهبه
    (3) ضمير «فيها» يعود إلى جميع ما تقدم ، أى : تذكر كل ذلك واعمل فيه مثل ما رأيتنا نعمل ، واحذر التأويل حسب الهوى
    (4) «على» متعلقة بقدرة

    على العذر الواضح إليه وإلى خلقه (1) ، مع حسن الثّناء فى العباد ، وجميل الأثر فى البلاد ، وتمام النّعمة ، وتضعيف الكرامة (2) ، وأن يختم لى ولك بالسّعادة والشّهادة ، إنّا إليه راجعون. والسّلام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم الطّيّبين الطّاهرين ، وسلّم تسليما كثيرا ، والسّلام.
    54 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى طلحة والزبير ، [مع عمران بن الحصين الخزاعى] ذكره أبو جعفر
    الاسكافى فى كتاب المقامات فى مناقب أمير المؤمنين عليه السلام
    أمّا بعد ، فقد علمتما وإن كتمتما أنّى لم أرد النّاس حتّى أرادونى ، ولم أبايعهم حتّى بايعونى ، وإنّكما ممّن أرادنى وبايعنى ، وإنّ العامّة لم تبايعنى لسلطان غالب ، ولا لعرض حاضر (3) ، فإن كنتما بايعتمانى طائعين فارجعا وتوبا إلى اللّه من قريب ، وإن كنتما بايعتمانى كارهين فقد جعلتما لى عليكما السّبيل (4) بإظهاركما الطّاعة ، وإسراركما المعصية. ولعمرى ما كنتما بأحقّ
    __________________
    (1) يريد من العذر الواضح العدل ، فانه عذر لك عند من قضيت عليه ، وعذر عند اللّه فيمن أجريت عليه عقوبة أو حرمته من منفعة
    (2) أى : زيادة الكرامة أضعافا
    (3) العرض ـ بفتح فسكون ، أو بالتحريك ـ هو المتاع ، وما سوى النقدين من المال ، أى : ولا لطمع فى مال حاضر. وفى نسخة «ولا لحرص حاضر»
    (4) السبيل الحجة

    المهاجرين بالتّقيّة والكتمان ، وإنّ دفعكما هذا الأمر [من] قبل أن تدخلا فبه (1) كان أوسع عليكما من خروجكما منه بعد إقراركما به وقد زعمتما أنّى قتلت عثمان ، فبينى وبينكما من تخلّف عنّى وعنكما من أهل المدينة ، ثمّ يلزم كلّ امرىء بقدر ما احتمل (2). فارجعا أيّها الشّيخان عن رأيكما ، فإنّ الآن أعظم أمركما العار ، من قبل أن يتجمّع العار والنّار ، والسّلام (3).
    55 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى معاوية
    أمّا بعد ، فإنّ اللّه سبحانه [قد] جعل الدّنيا لما بعدها (4) ، وابتلى فيها أهلها ، ليعلم أيّهم أحسن عملا ، ولسنا للدّنيا خلقنا ، ولا بالسّعى فيها أمرنا ، وإنّما وضعنا فيها لنبتلى بها ، وقد ابتلانى اللّه بك وابتلاك بى : فجعل أحدنا حجّة على الآخر ، فعدوت على الدّنيا بتأويل القرآن (5) ، فطلبتنى بما لم تجن يدى
    __________________
    (1) الأمر : هو خلافته
    (2) أى : نرجع فى الحكم لمن تقاعد عن نصرى ونصركما من اهل المدينة : فان حكموا قبلنا حكمهم ، ثم ألزمت الشريعة كل واحد منا بقدر مداخلته فى قتل عثمان
    (3) قوله «من قبل أن يتجمع» متعلق بفعل محذوف ، أى : راجعنا من قبل الخ
    (4) وهو الآخرة
    (5) فعدوت : أى وثبت ، ويروى «فغدوت» وتأويل القرآن : صرف قوله

    ولا لسانى ، وعصبته أنت وأهل الشّام بى (1) ، وألّب عالمكم جاهلكم وقائمكم قاعدكم ، فاتّق اللّه فى نفسك ، ونازع الشّيطان قيادك (2) ، واصرف إلى الآخرة وجهك فهى طريقنا وطريقك ، واحذر أن يصيبك اللّه منه بعاجل قارعة تمسّ الأصل (3) ، وتقطع الدّابر ، فإنّى أولى لك باللّه أليّة غير فاجرة (4) : لئن جمعتنى وإيّاك جوامع الأقدار لا أزال بباحتك «حَتّٰى يَحْكُمَ اَللّٰهُ بَيْنَنٰا وَهُوَ خَيْرُ اَلْحٰاكِمِينَ».
    56 ـ ومن وصيّة له عليه السّلام
    وصى بها شريح بن هانىء ، لما جعله على مقدمته إلى الشام
    اتّق اللّه فى كلّ صباح ومساء ، وخف على نفسك الدّنيا الغرور ، ولا تأمنها
    __________________
    تعالى «يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ اَلْقِصٰاصُ» و «لَكُمْ فِي اَلْقِصٰاصِ حَيٰاةٌ» وتحويله إلى غير معناه ، حيث أقنع أهل الشام أن هذا النص يخول معاوية الحق فى الطلب بدم عثمان أمير المؤمنين
    (1) أى : إنك وأهل الشام عصبتم ـ أى : ربطتم ـ دم عثمان بى ، وألزمتمونى ثأره ، وألب ـ بفتح الهمزة وتشديد اللام ـ أى : حرض. قالوا : يريد بالعالم أبا هريرة رضى اللّه عنه ، وبالقائم عمرو بن العاص
    (2) القياد ـ بالكسر ـ : الزمام ، و «نازعه القياد» إذا لم يسترسل معه
    (3) القارعة : البلية والمصيبة تمس الأصل ـ أى : تصيبه ـ فتقلعه ، والدابر : هو الآخر ، ويقال للأصل أيضا ، أى : لا تبقى لك أصلا ولا فرعا
    (4) «أولى» أى : أحلف باللّه حلفة غير حانثة ، والباحة كالساحة وزنا ومعنى

    على حال ، واعلم أنّك إن لم تردع نفسك عن كثير ممّا تحبّ مخافة مكروه سمت بك الأهواء إلى كثير من الضّرر (1). فكن لنفسك مانعا رادعا ، ولنزوتك عند الحفيظة واقما قامعا (2).
    57 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى أهل الكوفة ، عند مسيره من المدينة إلى البصرة
    أمّا بعد ، فإنّى خرجت من حيّى هذا (3) ، إمّا ظالما ، وإمّا مظلوما ، وإمّا باغيا وإمّا مبغيّا عليه ، وإنّى أذكّر اللّه من بلغه كتابى هذا (4) لمّا نفر إلىّ ، فإن كنت محسنا أعاننى ، وإن كنت مسيئا استعتبنى.
    58 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    كتبه إلى أهل الأمصار ، يقص فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين
    وكان بدء أمرنا أنّا النقينا والقوم من أهل الشّام ، والظّاهر أنّ ربّنا واحد (5).
    __________________
    (1) «سمت» أى : ارتفعت ، والأهواء : جمع هوى ، وهو الميل مع الشهوة حيث مالت.
    (2) النزوة : من «نزا ينزو نزوا» أى : وثب ، والحفيظة : الغضب ، و «وقمه فهو واقم» أى : قهره ، وقمعه : رده وكسره
    (3) الحى : موطن القبيلة أو منزلها
    (4) «من بلغه» مفعول «اذكر». وقوله «لما نفر إلى» إن كانت مشددة فلما بمعنى إلا ، وإن كانت مخففة فهى زائدة واللام للتأكيد ، واستعتبنى : طلب منى العتبى أى : الرضا ، أى : طلب منى أن أرضيه بالخروج عن إساءتى
    (5) «والظاهر ـ الخ» : الواو للحال ، أى : كان التقاؤنا فى حال يظهر فيها أننا

    ونبيّنا واحد ، ودعوتنا فى الاسلام واحدة ، ولا نستزيدهم فى الايمان باللّه والتّصديق برسوله ولا يستزيدوننا : الأمر واحد إلاّ ما اختلفنا فيه من دم عثمان ، ونحن منه براء! فقلنا : تعالوا نداو ما لا يدرك اليوم باطفاء الثّائرة (1) وتسكين العامّة ، حتّى يشتدّ الأمر ويستجمع فنقوى على وضع الحقّ مواضعه ، فقالوا : بل نداويه بالمكابرة! فأبوا حتّى جنحت الحرب وركدت ، ووقدت نيرانها وحمست. فلمّا ضرّستنا وإيّاهم (2) ، ووضعت مخالبها فينا وفيهم ، أجابوا عند ذلك إلى الّذى دعوناهم إليه ، فأجبناهم إلى ما دعوا ، وسارعناهم إلى ما طلبوا ، حتّى استبانت عليهم الحجّة ، وانقطعت منهم المعذرة. فمن تمّ على ذلك منهم فهو الّذى أنقذه اللّه من الهلكة ، ومن لجّ وتمادى فهو الرّاكس (3)
    __________________
    متحدون فى العقيدة لا اختلاف بيننا إلا فى دم عثمان ، و «لا نستزيدهم» أى : لا نطلب منهم زيادة فى الايمان ، لأنهم كانوا مؤمنين. وقوله «الأمر واحد» : جملة مستأنفة لبيان الاتحاد فى كل شىء إلا دم عثمان.
    (1) النائرة : اسم فاعل من «نارت الفتنة تنور» إذا انتشرت ، والنائرة أيضا العداوة والشحناء. والمكابرة : المعاندة ، أى : دعاهم للصلح حتى يسكن الاضطراب ثم يوفيهم طلبهم فأبوا إلا الاصرار على دعواهم. وجنحت الحرب : مالت ، أى : مال رجالها لا يقادها ، وركدت : استقرت وقامت ، ووقدت ـ كوعدت ـ أى : اتقدت والتهبت ، وحمس ـ كفرح ـ : اشتد وصلب ، ويروى «حمشت»
    (2) ضرستنا : عضتنا بأضراسها
    (3) الراكس : الناكث الذى قلب عهده ونكثه. والراكس أيضا الثور الذى يكون فى وسط البيدر حين يداس والثيران حواليه وهو يرتكس ، أى : يدور مكانه ، وران على قلبه : غطى

    الّذى ران اللّه على قلبه ، وصارت دائرة السّوء على رأسه
    59 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى الأسود بن قطيبة صاحب [جند] حلوان (1)
    أمّا بعد ، فإنّ الوالى إذا اختلف هواه (2) منعه ذلك كثيرا من العدل ، فليكن أمر النّاس عندك فى الحقّ سواء ، فإنّه ليس فى الجور عوض من العدل ، فاجتنب ما تنكر أمثاله (3) ، وابتذل نفسك فيما افترض اللّه عليك راجيا ثوابه ، ومتخوّفا عقابه.
    واعلم أنّ الدّنيا دار بليّة لم يفرغ صاحبها فيها قطّ ساعة إلاّ كانت فرغته عليه حسرة يوم القيامة (4) ، وأنّه لن يغنيك عن الحقّ شىء أبدا ، ومن الحقّ عليك حفظ نفسك ، والاحتساب على الرّعيّة بجهدك (5) ، فإنّ الّذى يصل
    __________________
    (1) إيالة من إيالات فارس
    (2) اختلاف الهوى : جريانه مع الأغراض النفسية حيث تذهب. ووحدة الهوى : توجهه إلى أمر واحد ، وهو تنفيذ الشريعة العادلة على من يصيب حكمها
    (3) أى : ما لا تستحسن مثله لو صدر من غيرك
    (4) الفراغ الذى يعقب حسرة يوم القيامة : هو خلو الوقت من عمل يرجع بالنفع على الأمة ، فعلى الانسان أن يكون عاملا دائما فيما ينفع أمته ويصلح رعيته إن كان راعيا
    (5) الاحتساب على الرعية : مراقبة أعمالها وتقويم ما اعوج منها وإصلاح ما فسد. والأجر الذى يصل إليه العامل من اللّه والكرامة التى ينالها من الخليفة هما أفضل وأعظم من الصلاح الذى يصل إلى الرعية بسببه

    إليك من ذلك أفضل من الّذى يصل بك ، والسّلام.
    60 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى العمال الذين يطأ الجيش عملهم (1)
    من عبد اللّه علىّ أمير المؤمنين إلى من مرّ به الجيش من جباة الخراج وعمّال البلاد.
    أمّا بعد ، فإنّى قد سيّرت جنودا هى مارّة بكم إن شاء اللّه ، وقد أوصيتهم بما يجب للّه عليهم من كفّ الأذى وصرف الشّذى (2) ، وأنا أبرأ إليكم وإلى ذمّتكم من معرّة الجيش (3) إلاّ من جوعة المضطرّ لا يجد عنها مذهبا إلى شبعه فنكّلوا من تناول منهم شيئا ظلما عن ظلمهم (4) ، وكفّوا أيدى سفهائكم عن مضارّتهم والتّعرّض لهم فيما استثنيناه منهم (5) وأنا بين أظهر الجيش (6)
    __________________
    (1) أى : يمر بأراضيهم
    (2) الشذى : الشر
    (3) معرة الجيش : أذاه ، والامام يتبرأ منها لأنها من غير رضاه. وجوعة ـ بفتح الجيم ـ : الواحدة من مصدر جاع ، يستثنى حالة الجوع المهلك ، فان للجيش فيها حقا أن يتناول سد رمقه
    (4) «نكلوا» أى : أوقعوا النكال والعقاب بمن تناول شيئا من أموال الناس غير مضطر ، وافعلوا ذلك جزاء بظلم عن ظلمهم ، وتسمية الجزاء ظلما نوع من المشاكلة.
    (5) الذى استثناه هو حالة الاضطرار
    (6) أى : إننى موجود فيه ، فما عجزتم عن دفعه فردوه إلى اكفكم ضره وشره

    فارفعوا إلىّ مظالمكم وما عراكم ممّا يغلبكم من أمرهم ، [وما] لا تطيقون دفعه. إلاّ باللّه وبى ، فأنا أغيّره بمعونة اللّه ، إن شاء.
    61 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى كميل بن زياد النخعى ، وهو عامله على هيت ، ينكر عليه
    تركه دفع من يجتاز به من جيش العدو طالبا الغارة
    أمّا بعد ، فإنّ تضييع المرء ما ولّى ، وتكلّفه ما كفى (1) ، لعجز حاضر ، ورأى متبّر ، وإنّ تعاطيك الغارة على أهل قرقيسيا (2) ، وتعطيلك مسالحك الّتى ولّيناك ، ليس بها من يمنعها ولا يردّ الجيش عنها ، لرأى شعاع ، فقد صرت جسرا لمن أراد الغارة من أعدائك على أوليائك غير شديد المنكب (3) ولا مهيب الجانب ، ولا سادّ ثغرة ، ولا كاسر [لعدوّ] شوكة ، ولا مغن عن
    __________________
    (1) تضييع الانسان الشأن الذى تولى حفظه وتجشمه الأمر الذى لم يطلب منه وكفاه الغير ثقله عجز عن القيام بما تولاه ، ورأى متبر ـ كمعظم ـ من «تبره تتبيرا» إذا أهلكه ، أى : هالك صاحبه
    (2) قرقيسيا ـ بكسر القافين بينهما ساكن ـ : بلد على الفرات ، والمسالح : جمع مسلحة ، وهى موضع الحامية على الحدود ، ورأى شعاع ـ كسحاب ـ : أى : متفرق ، أما الرأى المجتمع على صلاح فهو تقوية المسالح ومنع العدو من دخول البلاد
    (3) المنكب ـ كمسجد ـ : مجتمع الكتف والعضد ، وشدته كناية عن القوة والمنعة ، والثغرة : الفرجة يدخل منها العدو. «9 ـ ن ـ ج ـ 3»

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    نهج البلاغه ج3 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: نهج البلاغه ج3   نهج البلاغه ج3 Emptyأمس في 9:24 pm

    أهل مصره (1) ، ولا مجز عن أميره
    62 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى أهل مصر ، مع مالك الأشتر لما ولاه إمارتها
    أمّا بعد ، فإنّ اللّه سبحانه بعث محمّدا ، صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، نذيرا للعالمين ، ومهيمنا على المرسلين (2) فلمّا مضى عليه السّلام تنازع المسلمون الأمر من بعده ، فو اللّه ما كان يلقى فى روعى (3) ولا يخطر ببالى أنّ العرب تزعج هذا الأمر من بعده صلّى اللّه عليه وآله وسلم عن أهل بيته ولا أنّهم منّحوه عنّى من بعده! فما راعنى إلاّ انثيال النّاس على فلان (4) يبايعونه ، فأمسكت يدى (5) حتّى رأيت راجعة النّاس قد رجعت عن الإسلام يدعون
    __________________
    (1) أغنى عنه : ناب منابه. وقائد المسالح ينبغى أن ينوب عن أهل المصر فى كفايتهم غارة عدوهم ، وأجزى عنه : قام مقامه وكفى عنه
    (2) المهيمن : الشاهد ، والنبى شاهد برسالة المرسلين الأولين.
    (3) الروع ـ بضم الراء ـ القلب : أو موضع الروع منه ـ بفتح الراء ـ أى : الفزع ـ اى : ما كان يقذف فى قلبى هذا الخاطر ، وهو أن العرب تزعج ـ أى : تنقل ـ هذا الأمر ـ أى : الخلافة ـ عن آل بيت النبى عموما ، ولا أنهم ينحونه ـ أى : يبعدونه ـ عنى خصوصا.
    (4) راعنى : أفزعنى ، وانثيال الناس : انصبابهم
    (5) كففتها عن العمل وتركت الناس وشأنهم ، حتى رأيت الراجعين من الناس قد رجعوا عن دين محمد بارتكابهم خلاف ما أمر اللّه ، وإهمالهم حدوده ، وعدولهم عن شريعته ، يريد بهم عمال عثمان وولاته على البلاد ، ومحق الدين : محوه وإزالته

    إلى محق دين محمّد ، صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلما (1) أو هدما تكون المصيبة به علىّ أعظم من فوت ولايتكم الّتى إنّما هى متاع أيّام قلائل يزول منها ما كان كما يزول السّراب أو كما يتقشّع السّحاب ، فنهضت فى تلك الأحداث حتّى زاح الباطل وزهق ، واطمأنّ الدّين وتنهنه
    ومنه : إنّى واللّه لو لقيتهم واحدا وهم طلاع الأرض كلّها (2) ما باليت ولا استوحشت ، وإنّى من ضلالهم الّذى هم فيه والهدى الّذى أنا عليه لعلى بصيرة من نفسى ويقين من ربّى ، وإنّى إلى لقاء اللّه [لمشتاق] وحسن ثوابه لمنتظر راج ، ولكنّنى آسى أن يلى أمر هذه الأمّة سفهاؤها وفجّارها (3)
    __________________
    (1) «ثلما» أى : خرقا ، ولو لم ينصر الاسلام بازالة أولئك الولاة وكشف بدعهم لكانت المصيبة على أمير المؤمنين بالعقاب على التفريط أعظم من حرمانه الولاية فى الأمصار : فالولاية يتمتع بها أياما قلائل ثمّ تزول كما يزول السراب. فنهض الامام بين تلك البدع فبددها حتى زاح ـ أى : ذهب ـ الباطل ، و «زهق» أى : خرجت روحه ومات ، مجاز عن الزوال التام. ونهنهه عن الشىء : كفه فتنهنه ، أى : كف ، وكان الدين منزعجا من تصرف هؤلاء نازعا إلى الزوال ، فكفه أمير المؤمنين ومنعه ، فاطمأن وثبت
    (2) «وهم طلاع ـ الخ» حال من مفعول «لقيتهم» ، والطلاع ـ ككتاب ـ : ملء الشىء ، أى : لو كنت واحدا وهم يملأون الأرض للقيتهم غير مبال بهم
    (3) آسى : مضارع «أسيت عليه» كرضيت ـ أى : حزنت ، أى : إنه يحزن لأن يتولى أمر الأمة سفهاؤها الخ. والدول ـ بضم ففتح ـ جمع دولة ـ بالضم ـ

    فيتّخذوا مال اللّه دولا ، وعباده خولا ، والصّالحين حربا ، والفاسقين حزبا فانّ منهم الّذى [قد] شرب فيكم الحرام (1) وجلد حدّا فى الاسلام ، وإنّ منهم من لم يسلم حتّى رضخت له على الاسلام الرّضائخ (2) ، فلو لا ذلك ما أكثرت تأليبكم (3) وتأنيبكم ، وجمعكم وتحريضكم ، ولتركتكم إذ أبيتم وونيتم ألا ترون إلى أطرافكم قد انتقصت (4) ، وإلى أمصاركم قد افتتحت ، وإلى ممالككم تزوى ، وإلى بلادكم تغزى ، انفروا ـ رحمكم اللّه ـ إلى قتال عدوّكم ولا تثّاقلوا إلى الأرض فتقرّوا بالخسف ، وتبوءوا بالذّلّ (5) ، ويكون نصيبكم الأخسّ ، وإنّ أخا الحرب الأرق (6) ، ومن نام لم ينم عنه ، والسّلام
    __________________
    أى : شيئا يتداولونه بينهم ، يتصرفون فيه بغير حق اللّه. والخول ـ محركة ـ : العبيد ، و «حربا» أى : محاربين (1) يريد الخمر ، و «الشارب» قالوا : عتبة بن أبى سفيان ، حده خالد بن عبد اللّه فى الطائف ، وذكروا رجلا آخر لا أذكره.
    (2) الرضائخ : العطايا ، ورضحت له : أعطيت له ، وقالوا : إن عمرو بن العاص لم يسلم حتى طلب عطاء من النبى فلما أعطاه أسلم
    (3) تأليبكم : تحريضكم وتحويل قلوبكم عنهم ، والتأنيب : اللوم ، و «ونيتم» أى : أبطأتم عن إجابتى
    (4) أطراف البلاد : جوانبها قد حصل فيها النقص باستيلاء العدو عليها. وتزوى ـ مبنى للمجهول ـ من «زواه» إذا قبضه عنه
    (5) قر ـ من باب منع ، أو ضرب ـ : سكن ، أى : فتقيموا بالخسف ، أى : الضيم ، وتبوءوا ـ أى : تعودوا ـ بالذل
    (6) الأرق ـ بفتح فكسر ـ أى : الساهر ، وصاحب الحرب لا ينام ، والذى ينام لا ينام الناس عنه

    63 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى أبى موسى الأشعرى ، وهو عامله على الكوفة ، وقد بلغه عنه تثبيطه
    الناس على الخروج إليه (1) لما ندبهم لحرب [أصحاب] الجمل
    من عبد اللّه [علىّ] أمير المؤمنين إلى عبد اللّه بن قيس أمّا بعد ، فقد بلغنى عنك قول هو لك وعليك ، فإذا قدم رسولى عليك فارفع ذيلك (2) واشدد مئزرك ، واخرج من جحرك ، واندب من معك. فإن حقّقت فانفذ ، وإن تفشّلت فابعد! وايم اللّه لتؤتينّ [من] حيث أنت ، ولا تترك حتّى يخلط زبدك بخاثرك (3) وذائبك بحامدك ، وحتّى نعجل فى قعدتك (4) وتحذر من أمامك كحذرك من خلفك ، وما هى بالهوينا الّتى ترجو (5) ،
    __________________
    (1) التثبيط : الترغيب فى القعود والتخلف
    (2) رفع الذيل وشد المئزر : كناية عن التشمير للجهاد ، وكنى بجحره عن مقره ، و «اندب» أى : ادع من معك. فان حققت ـ أى : أخذت بالحق والعزيمة ـ فانفد ، أى : امض ، إلينا ، وإن تفشلت ـ أى : جبنت ـ فابعد عنا
    (3) الخاثر : الغليظ ، والكلام تمثيل لاختلاط الأمر عليه من الحيرة. وأصل المثل «لا يدرى أيخثر أم يذيب» قالوا : إن المرأة تسلأ السمن فيختلط خاثره برقيقه فتقع فى حيرة : إن أوقدت النار حتى يصفو احترق ، وإن تركته بقى كدرا
    (4) القعدة ـ بالكسر ـ : هيئة القعود ، وأعجله عن الأمر : حال دون إدراكه أى : يحال بينك وبين جلستك فى الولاية ، ويحيط الخوف بك حتى تخشاه من أمام كما تخشاه من خلف
    (5) الهوينا : تصغير الهونى ـ بالضم ـ مؤنث أهون

    ولكنّها الدّاهية الكبرى يركب جملها ، ويذلّ صعبها ، ويسهّل جبلها. فاعقل عقلك (1) واملك أمرك ، وخذ نصيبك وحظّك. فإن كرهت فتنحّ إلى غير رحب ولا فى نجاة ، فبالحرىّ لتكفينّ وأنت نائم (2) حتّى لا يقال : أين فلان؟ واللّه إنّه لحقّ مع محقّ ، وما أبالى ما صنع الملحدون ، والسّلام.
    64 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى معاوية ، جوابا
    أمّا بعد ، فإنّا كنّا نحن وأنتم على ما ذكرت من الألفة والجماعة ففرّق بيننا وبينكم أمس أنّا آمنّا وكفرتم ، واليوم أنّا استقمنا وفتنتم ، وما أسلم مسلمكم إلاّ كرها (3) ، وبعد أن كان أنف الإسلام كلّه لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم حزبا.
    وذكرت أنّى قتلت طلحة والزّبير ، وشرّدت بعائشة (4) ، ونزلت المصرين!
    __________________
    (1) قيده بالعزيمة ، ولا تدعه يذهب مذاهب التردد من الخوف
    (2) «لتكفين» بلام التأكيد ونونه ، أى : إنا لنكفيك القتال ونظفر فيه وأنت نائم خامل لا اسم لك ولا يسأل عنك ، نفعل ذلك بالوجه الحرى ـ أى : الجدير ـ بنا أن نفعله.
    (3) فان أبا سفيان إنما أسلم قبل فتح مكة بليلة ، خوف القتل ، وخشية من جيش النبى صلّى اللّه عليه وسلم البالغ عشرة آلاف ونيف ، وأنف الاسلام : أشراف العرب الذين دخلوا فيه قبل الفتح
    (4) شرد به : سمع الناس بعيوبه ، أو اطرده وفرق أمره ، والمصران : الكوفة والبصرة

    وذلك أمر غبت عنه فلا عليك
    ولا العذر فيه إليك وذكرت أنّك زائرى فى المهاجرين والأنصار ، وقد انقطعت الهجرة يوم أسر أخوك (1) ، فإن كان فيه عجل فاسترفه (2) فإنّى إن أزرك فذلك جدير أن يكون اللّه إنّما بعثنى [إليك] للنّقمة منك! وإن تزرنى فكما قال أخو بنى أسد : ـ مستقبلين رياح الصّيف تضربهم بحاصب بين أغوار وجلمود (3)
    وعندى السّيف الّذى أعضضته بجدّك (4) وخالك وأخيك فى مقام واحد وإنّك ـ واللّه ـ ما علمت (5) الأغلف القلب ، المقارب العقل ، والأولى أن يقال لك : إنّك رقيت سلّما أطلعك مطلع سوء عليك لا لك ، لأنّك
    __________________
    (1) أخوه : عمرو بن أبى سفيان ، أسر يوم بدر
    (2) فاسترفه : فعل أمر ، أى : استح ولا تستعجل ، ويروى «فاسترقه» بالقاف المثناة ـ فان لم يكن تصحيفا عن الرواية بالفاء التى اثبتناها كان المعنى فان كان فيك عجل فأخفه ولا تظهره
    (3) الجلمود ـ بالضم ـ : الصخر ، والأغوار : جمع غور ـ بالفتح ـ وهو الغبار ، والحاصب : ريح تحمل التراب والحصى
    (4) جده : عتبة بن ربيعة ، وخاله : الوليد بن عتبة ، وأخوه : حنظلة ، قتلهم أمير المؤمنين يوم بدر. و «أعضضته به» جعلته يعضه ، والباء زائدة
    (5) «ما» خبر «أن» أى : أنت الذى أعرفه ، و «الأغلف» خبر بعد خبر ، وأغلف القلب : الذى لا يدرك ، كأن قلبه فى غلاف لا تنفذ إليه المعانى ، ومقارب العقل : ناقصه ضعيفه ، كأنه يكاد يكون عاقلا وليس به

    نشدت غير ضالّتك (1) ورعيت غير سائمتك ، وطلبت أمرا لست من أهله ولا فى معدنه ، فما أبعد قولك من فعلك!! وقريب ما أشبهت (2) من أعمام وأخوال حملتهم الشّقاوة وتمنّى الباطل على الجحود بمحمّد ، صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، فصرعوا مصارعهم حيث [علمت] لم يدفعوا عظيما ، ولم يمنعوا حريما بوقع سيوف ما خلا منها الوغى (3) ، ولم تماشها الهوينا.
    وقد أكثرت فى قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه النّاس (4) ، ثمّ حاكم القوم إلىّ أحملك وإيّاهم على كتاب اللّه تعالى ، وأمّا تلك الّتى تريد (5) فإنّها خدعة الصّبىّ عن اللّبن [فى أوّل الفصال ، والسّلام لأهله]
    __________________
    (1) الضالة : ما فقدته من مال ونحوه ، ونشد الضالة : طلبها ليردها ، مثل يضرب لطالب غير حقه ، والسائمة : الماشية من الحيوان
    (2) «ما» وما بعدها فى معنى المصدر ، أى : شبهك قريب من أعمامك وأخوالك وصرعوا مصارعهم : سقطوا قتلى فى مطارحهم حيث تعلم ، أى : فى بدر وحنين وغيرهما من المواطن
    (3) الوغى : الحرب ، أى : لم تزل تلك السيوف تلمع فى الحروف ما خلت منها ولم تصحبها الهوينا ، أى : لم ترافقها المساهلة
    (4) وهو البيعة
    (5) من إبقائك واليا فى الشام ، وتسليمك قتلة عثمان ، والخدعة ـ مثلثة الخاء ـ ما تصرف به الصبى عن اللبن وطلبه أول فطامه ، وما تصرف به عدوك عن قصدك به فى الحروب ونحوها

    65 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إليه أيضا
    أمّا بعد ، فقد آن لك أن تنتفع باللّمح الباصر من عيان الأمور (1) فقد سلكت مدارج أسلافك بادّعائك الأباطيل ، وإقحامك غرور المين والأكاذيب (2) ، وبانتحالك ما قد علا عنك (3) ، وابتزازك لما اختزن دونك ، فرارا من الحقّ ، وجحودا لما هو ألزم لك من لحمك ودمك (4) : ممّا قد وعاه سمعك ، وملئ به صدرك ، فما ذا بعد الحقّ إلاّ الضّلال المبين ، وبعد البيان إلاّ اللّبس (5)؟ فاحذر الشّبهة واشتمالها على لبستها ، فإنّ الفتنة طالما أغدفت جلابيبها (6) ، وأعشت الأبصار ظلمتها
    __________________
    (1) يقال «لأرينك لمحا باصرا» أى : أمرا واضحا ، أى : ظهر الحق فلك أن تنتفع بوضوحه من مشاهدة الأمور
    (2) إقحامك : إدخالك فى أذهان العامة غرور المين ، أى : الكذب ، وعطف الأكاذيب للتأكيد
    (3) انتحالك : ادعاؤك لنفسك ما هو أرفع من مقامك ، و «ابتزازك» أى : سلبك أمرا اختزن ـ اى : منع ـ دون الوصول إليك ، وذلك أمر الطلب بدم عثمان والاستبداد بولاية الشام ، فانهما من حقوق الامام لا من حقوق معاوية
    (4) الذى هو ألزم له من لحمه ودمه البيعة بالخلافة لأمير المؤمنين
    (5) اللبس ـ بالفتح ـ : مصدر «لبس عليه الأمر يلبس» كضرب يضرب ـ أى : خلطه ، وفى التنزيل : «وَلَلَبَسْنٰا عَلَيْهِمْ مٰا يَلْبِسُونَ» ، واللبسة ـ بالضم ـ : الاشكال كاللبس ، بالضم.
    (6) أغدفت المرأة قناعها : أرسلته على وجهها فسترته ، وأغدف الليل : أرخى

    وقد أتانى كتاب منك ذو أفانين من القول (1) ضعفت قواها عن السّلم ، وأساطير لم يحكها منك علم ولا حلم ، أصبحت منها كالخائض فى الدّهاس (2) والخابط فى الدّيماس ، وترقّيت إلى مرقبة بعيدة المرام (3) نازحة الأعلام ، تقصر دونها الأنوق (4) ويحاذى بها العيّوق وحاش للّه أن تلى للمسلمين بعدى صدرا أو وردا (5) أو أجرى لك على
    __________________
    سدوله ـ أى : أغطيته ـ من الظلام. والجلابيب : جمع جلباب ، وهو الثوب الأعلى يغطى ما تحته ، أى : طالما أسدلت الفتنة أغطية الباطل فأخفت الحقيقة ، وأعشت الأبصار : أضعفتا ومنعتها النفوذ إلى المرئيات الحقيقة
    (1) أفانين القول : ضروبه وطرائقه ، والسلم : ضد الحرب ، والأساطير : جمع أسطورة ، بمعنى الخرافة لا يعرف لها منشأ ، وحاكه يحوكه : نسجه ، ونسج الكلام تاليفه ، والحلم ـ بالكسر ـ : العقل
    (2) الدهاس ـ كسحاب ـ : أرض رخوة لا هى تراب ولا رمل ، ولكن منهما يعسر فيها السير ، والديماس ـ بفتح فسكون ـ : المكان المظلم ، وخبط فى سيره : لم يهتد
    (3) المرقبة ـ بفتح فسكون ـ : مكان الارتقاب ، وهو العلو والاشراف ، أى : رفعت نفسك إلى منزلة بعيد عنك مطلبها ، و «نازحة» أى : بعيدة ، والأعلام : جمع علم ، وهو ما ينصب ليهتدى به ، أى : خفية المسالك
    (4) الأنوق ـ كصبور ـ : طير أصلع الرأس أصفر المنقار ، يقال : أعز من بيض الأنوق ، لأنها تحرزه فلا تكاد تظفر به ، لأن أوكارها فى القلل الصعبة. ولهذا الطائر خصال عدها صاحب القاموس ، والعيوق ـ بفتح فضم مشدد ـ : نجم أحمر مضىء فى طرف المجرة الأيمن يتلو الثريا لا يتقدمها
    (5) الورد ـ بالكسر ـ : الاشراف على الماء ، والصدر ـ بالتحريك ـ : الرجوع بعد الشرب ، أى : لا يتولاهم فى جلب منفعة ولا ركون إلى راحة

    أحد منهم عقدا أو عهدا!! فمن الآن فتدارك نفسك وانظر لها ، فإنّك إن فرّطت حتّى ينهد إليك عباد اللّه (1) أرتجت عليك الأمور ، ومنعت أمرا هو منك اليوم مقبول ، والسّلام (2)
    66 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى عبد اللّه بن العباس ، وقد تقدم ذكره بخلاف هذه الرواية
    أمّا بعد ، فإنّ المرء ليفرح بالشّىء الّذى لم يكن ليفوته (3) ويحزن على الشّىء الّذى لم يكن ليصيبه ، فلا يكن أفضل ما نلت فى نفسك من دنياك بلوغ لذّة أو شفاء غيظ ، ولكن إطفاء باطل أو إحياء حقّ!! وليكن سرورك بما قدّمت ، وأسفك على ما خلّفت ، وهمّك فيما بعد الموت.
    __________________
    (1) ينهد : ينهض عباد اللّه لحربك ، وأرتجت : أغلقت ، وتقول : أرتج الباب كرتجه ، أى : أغلقه
    (2) ذلك الأمر هو حقن دمه باظهار الطاعة
    (3) قد يفرح الانسان بنيل مقدور له يفوته ، ويحزن لحرمانه ما قدر له الحرمان منه فلا يصيبه ، فاذا وصل إليك شىء مما كتب لك فى علم اللّه فلا تقرح به إن كان لذة أو شفاء غيظ ، بل عد ذلك فى عداد الحرمان ، وإنما تفرح بما كان إحياء حق وإبطال باطل ، وعليك الأسف والحزن بما خلفت ـ أى : تركت ـ من أعمال الخير ، والفرح بما قدمت منها لآخرتك

    67 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى قثم بن العباس ، وهو عامله على مكة
    أمّا بعد ، فأقم للنّاس الحجّ ، وذكّرهم بأيّام اللّه (1) ، واجلس لهم العصرين فأفت المستفتى ، وعلّم الجاهل ، وذاكر العالم ، ولا يكن لك إلى النّاس سفير إلاّ لسانك ، ولا حاجب إلاّ وجهك ، ولا تحجبنّ ذا حاجة عن لقائك بها فانّها إن ذيدت عن أبوابك فى أوّل وردها (2) لم تحمد فيما بعد على قضائها وانظر إلى ما اجتمع عندك من مال اللّه فاصرفه إلى من قبلك (3) من ذوى العيال والمجاعة مصيبا به مواضع الفاقة والخلاّت ، وما فضل عن ذلك فاحمله إلينا لنقسمه فيمن قبلنا ومر أهل مكّة أن لا يأخذوا من ساكن أجرا ، فانّ اللّه سبحانه يقول : «سَوٰاءً اَلْعٰاكِفُ فِيهِ وَاَلْبٰادِ» فالعاكف : المقيم به ، والبادى : الّذى يحجّ إليه
    __________________
    (1) أيام اللّه التى عاقب فيها الماضين على سوء أعمالهم ، والعصران : الغداة والعشى ، تغليب
    (2) فانها ـ أى : الحاجة ـ إن ذيدت ـ أى : دفعت ومنعت ، مبنى للمجهول من «ذاده يذوده» إذا طرده ودفعه ، ووردها ـ بالكسر ـ : ورودها ، وعدم الحمد على قضائها بعد الذود لأن حسنة القضاء لا تذكر فى جانب سيئة المنع
    (3) قبلك ـ بكسر ففتح ـ أى : عندك ، و «مصيبا» حال. والفاقة : الفقر الشديد. والخلة ـ بالفتح ـ : الحاجة.

    من غير أهله ، وفّقنا اللّه وإيّاكم لمحابّه (1) والسّلام
    68 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى سلمان الفارسى رحمه اللّه قبل أيام خلافته
    أمّا بعد ، فانّما مثل الدّنيا مثل الحيّة ليّن مسّها قاتل سمّها ، فأعرض عمّا يعجبك فيها لقلّة ما يصحبك منها ، وضع عنك همومها لما أيقنت [به] من فراقها [وتصرّف حالاتها] وكن آنس ما تكون بها (2) أحذر ما تكون منها فإنّ صاحبها كلّما اطمأنّ فيها إلى سرور أشخصته عنه إلى محذور! (3) [أو إلى إيناس أزالته عنه إلى إيحاش ، والسّلام]
    69 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى الحارث الهمدانى
    وتمسّك بحبل القرآن واستنصحه ، وأحلّ حلاله ، وحرّم حرامه ، وصدّق بما سلف من الحقّ ، واعتبر بما مضى من الدّنيا ما بقى منها (4) فإنّ بعضها
    __________________
    (1) محاب ـ بفتح الميم ـ : مواضع محبته من الأعمال الصالحة
    (2) «آنس» حال من اسم «كن» ، أو من الضمير فى «أحذر». و «أحذر» خبر ، أى : فليكن أشد حذرك منها فى حال شدة أنسك بها
    (3) «أشخصته» أى : أذهبته
    (4) «ما بقى» مفعول «اعتبر» بمعنى قس ، أى : قس الباقى لما مضى؟؟؟

    يشبه بعضا ، وآخرها لاحق بأوّلها! وكلّها حائل مفارق (1) وعظّم اسم اللّه أن تذكره إلاّ على حقّ (2) ، وأكثر ذكر الموت وما بعد الموت ، ولا تتمنّ الموت إلاّ بشرط وثيق (3) واحذر كلّ عمل يرضاه صاحبه لنفسه ويكره لعامّة المسلمين. واحذر كلّ عمل يعمل به فى السّرّ ويستحى منه فى العلانية واحذر كلّ عمل إذا سئل عنه صاحبه أنكره أو اعتذر منه. ولا تجعل عرضك غرضا لنبال القول ، ولا تحدّث النّاس بكلّ ما سمعت به ، فكفى بذلك كذبا ولا تردّ على النّاس كلّ ما حدّثوك به فكفى بذلك جهلا ، واكظم الغيظ وتجاوز عند المقدرة. واحلم عند الغضب ، واصفح مع الدّولة (4) تكن لك العاقبة ، واستصلح كلّ نعمة أنعمها اللّه عليك ، ولا تضيّعنّ نعمة من نعم اللّه عندك ، ولير عليك أثر ما أنعم اللّه به عليك
    واعلم أنّ أفضل المؤمنين أفضلهم تقدمة من نفسه (5) وأهله وماله ، فإنّك ما تقدّم من خير يبق لك ذخره ، وما تؤخّره يكن لغيرك خيره ، واحذر صحابة
    __________________
    (1) «حائل» : أى : زائل
    (2) لا تحلف به إلا على الحق تعظيما له وإجلالا لعظمته
    (3) أى : لا تقدم الموت رغبة فيه إلا إذا علمت أن الغاية أشرف من بذل الروح والمعنى لا تخاطر بنفسك فيما لا يفيد من سفاسف الأمور
    (4) أى : عند ما تكون لك السلطة
    (5) تقدمة ـ كتجربة ـ : مصدر قدم ـ بالتشديد ـ أى : بذلا وإنفاقا

    من يفيل رأيه (1) وينكر عمله ، فانّ الصّاحب معتبر بصاحبه. واسكن الأمصار العظام فإنّها جماع المسلمين ، واحدر منازل الغفلة والجفاء وقلّة الأعوان على طاعة اللّه ، واقصر رأيك على ما يعنيك ، وإيّاك ومقاعد الأسواق فانّها محاضر الشّيطان ومعاريض الفتن (2) ، وأكثر أن تنظر إلى من فضّلت عليه (3) ، فانّ ذلك من أبواب الشّكر ، ولا تسافر فى يوم جمعة حتّى تشهد الصّلاة إلاّ فاصلا فى سبيل اللّه (4) أو فى أمر تعذر به ، وأطع اللّه فى جميع أمورك فإنّ طاعة اللّه فاضلة على ما سواها ، وخادع نفسك فى العبادة ، وارفق بها ولا تقهرها ، وخذ عفوها ونشاطها (5) إلاّ ما كان مكتوبا عليك من الفريضة ، فإنّه لا بدّ من قضائها وتعاهدها عند محلّها ، وإيّاك أن ينزل بك الموت وأنت آبق من ربّك فى طلب الدّنيا (6) ، وإيّاك ومصاحبة الفسّاق
    __________________
    (1) «فال الرأى يفيل» أى : ضعف
    (2) المعاريض : جمع معراض ـ كمحراب ـ وهو سهم بلا ريش رقيق الطرفين غليظ الوسط يصيب بعرضه دون حده ، والأسواق كذلك ، لكثرة ما يمر على النظر فيها من مثيرات اللذات والشهوات
    (3) أى : إلى من دونك ممن فضلك اللّه عليه
    (4) «فاصلا» أى : خارجا ذاهبا
    (5) «خذ عفوها» أى : وقت فراغها وارتياحها إلى الطاعة. وأصله العفو بمعنى ما لا أثر فيه لأحد يملك ، عبر به عن الوقت الذى لا شاغل للنفس فيه
    (6) «آبق» أى : هارب منه متحول عنه إلى طلب الدنيا

    فانّ الشّرّ بالشّرّ ملحق ، ووقّر اللّه وأحبب أحبّاءه ، واحذر الغضب فإنّه جند عظيم من جنود إبليس ، والسّلام (1)
    70 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى سهل بن حنيف الأنصارى ، وهو عامله على المدينة
    فى معنى قوم من أهلها لحقوا بمعاوية
    أمّا بعد ، فقد بلغنى أنّ رجالا ممّن قبلك (2) يتسلّلون إلى معاوية ، فلا تأسف على ما يفوتك من عددهم ، ويذهب عنك من مددهم ، فكفى لهم غيّا ولك منهم شافيا (3) فرارهم من الهدى والحقّ ، وإيضاعهم إلى العمى والجهل (4) ، وإنّما هم أهل دنيا مقبلون عليها ، ومهطعون إليها (5) ، وقد عرفوا العدل ورأوه وسمعوه ووعوه ، وعلموا أنّ النّاس عندنا فى الحقّ أسوة ، فهربوا إلى الأثرة (6) ، فبعدا لهم وسحقا!!
    __________________
    (1) إن الغضب يوجب الاضطراب فى ميزان العقل ، ويدفع النفس للانتقام أيا كان طريقه ، وهذا أكبر عون للمضل على إضلاله
    (2) قبلك ـ بكسر ففتح ـ أى : عندك ، ويتسللون : يذهبون واحدا بعد واحد
    (3) غيا : ضلالا ، وفرارهم كاف فى الدلالة على ضلالهم ، والضالون مرض شديد فى بنية الجماعة ربما يسرى ضرره فيفسدها : ففرارهم كاف فى شفاها من مرضهم ورئيس الجماعة كأنه كلها لهذا نسب الشفاء إليه
    (4) الايضاع : الاسراع
    (5) مهطعون : مسرعون
    (6) الأثرة ـ بالتحريك ـ : اختصاص النفس بالمنفعة وتفضيلها على غيرها

    إنّهم ـ واللّه ـ لم ينفروا من جور ، ولم يلحقوا بعدل ، وإنّا لنطمع فى هذا الأمر أن يذلّل اللّه لنا صعبه ، ويسهّل لنا حزنه (1) إن شاء اللّه ، والسّلام.
    71 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى المنذر بن الجارود العبدى ، وقد خان فى بعض ما ولاه من أعماله
    أمّا بعد ، فإنّ صلاح أبيك [ما] غرّنى منك ، وظننت أنّك تتّبع هديه ، وتسلك سبيله (2) ، فإذا أنت فيما رقّى إلىّ عنك (3) لا تدع لهواك انقيادا ، ولا تبقى لآخرتك عتادا (4) ، تعمر دنياك بخراب آخرتك ، وتصل عشيرتك بقطيعة دينك ، ولئن كان ما بلغنى عنك حقّا لجمل أهلك وشسع نعلك خير منك (5) ، ومن كان بصفتك فليس بأهل أن يسدّ به ثغر ، أو ينفذ به أمر ، أو يعلى له قدر ، أو يشرك فى أمانة ، أو يؤمن على خيانة (6) فأقبل إلىّ حين
    __________________
    بالفائدة ، والسحق ـ بضم السين ـ : البعد أيضا
    (1) حزنه ـ بفتح فسكون ـ أى : خشنه
    (2) الهدى ـ بفتح فسكون ـ : الطريقة والسيرة
    (3) رقى إلى : رفع وأنهى إلى
    (4) العتاد ـ بالفتح ـ : الذخيرة المعدودة لوقت الحاجة
    (5) الجمل يضرب به المثل فى الذلة والجهل ، والشسع ـ بالكسر ـ : سير بين الأصبع الوسطى والتى تليها فى النعل العربى ، كأنه زمام ويسمى قبالا ـ ككتاب ـ
    (6) أى : على دفع خيانة ، ويروى «على جباية» وهى تحصيل أموال الخراج ونحوه ، عمل من أعمال الدولة ، ولعل هذه الرواية أظهر معنى

    يصل إليك كتابى هذا إن شاء اللّه.
    قال الرضى : والمنذر هذا هو الذى قال فيه أمير المؤمنين عليه السلام : إنه لنظار فى عطفيه ، مختال فى برديه (1) ، تفال فى شراكيه.
    72 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى عبد اللّه بن العباس
    أمّا بعد ، فانّك لست بسابق أجلك ، ولا مرزوق ما ليس لك ، واعلم بأنّ الدّهر يومان : يوم لك ، ويوم عليك. وأنّ الدّنيا دار دول (2) ، فما كان منها لك أتاك على ضعفك ، وما كان منها عليك لم تدفعه بقوّتك.
    73 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى معاوية
    أمّا بعد ، فانّى على التّردّد فى جوابك (3) ، والاستماع إلى كتابك لموهّن
    __________________
    (1) العطف ـ بالكسر ـ : الجانب ، أى : كثير النظر فى جانبيه عجبا وخيلاء والبردان : تثنية برد ـ بضم الباء ـ وهو ثوب مخطط ، والمختال : المعجب ، والشراكان : تثنية شراك ـ ككتاب ـ وهو سير النعل كله ، وتفال : كثير التفل ، أى : النفخ فيهما لينفضهما من التراب
    (2) جمع دولة ـ بالضم ـ : ما يتداول من السعادة فى الدنيا ينتقل من يد إلى يد
    (3) من قولك «ترددت إلى فلان» أى : رجعت إليه مرة بعد أخرى ، أى : إنى فى ارتكابى للرجوع إلى مجاوبتك واستماع ما تكتبه موهن ـ أى : مضعف ـ رأيى ، ومخطئ فراستى ـ بالكسر ـ أى : صدق ظنى ، وكان الأجدر بى السكوت عن إجابتك

    رأيى ، ومخطىء فراستى ، وإنّك إذ تحاولنى الأمور (1) وتراجعنى السّطور كالمستثقل النّائم تكذبه أحلامه ، والمتحيّر القائم يبهظه مقامه ، لا يدرى أله ما يأتى أم عليه ، ولست به ، غير أنّه بك شبيه ، وأقسم باللّه إنّه لو لا بعض الاستبقاء (2) لوصلت إليك منّى قوارع : تقرع العظم ، وتهلس اللّحم! واعلم أنّ الشّيطان قد ثبّطك عن أن تراجع أحسن أمورك (3) ، وتأذن لمقال نصيحتك ، [والسّلام لأهله].
    __________________
    (1) حاول الأمر : طلبه ورامه ، أى : تطالبنى ببعض غاياتك كولاية الشام ونحوها ، وتراجعنى ـ أى : تطلب منى أن أرجع ـ إلى جوابك بالسطور. يقول : أنت فى محاولتك كالنائم الثقيل نومه : يحلم أنه نال شيئا ، فاذا انتبه وجد الرؤيا كذبت ، أى : عليه ، فأمانيك فيما تطلب شبيهة بالأحلام ، إن هى إلا خيالات باطلة ، وأنت أيضا كالمتحير فى أمره القائم فى شكه لا يخطو إلى قصده. «يبهظه» أى : يثقله ويشق عليه مقامه من الحيرة ، وإنك لست بالمتحير لمعرفتك الحق معنا ولكن المتحير شبيه بك ، فأنت أشد منه عناء وتعبا
    (2) الاستبقاء : الابقاء ، أى : لو لا إبقائى لك وعدم إرادتى لاهلاكك لأوصلت إليك قوارع ـ أى : دواهى ـ تقرع العظم ، أى : تصدمه فتكسره ، و «تهلس اللحم» أى : تذيبه وتنهكه
    (3) «ثبطك» أى : أقعدك عن مراجعة أحسن الأمور لك ، وهو الطاعة لنا ، وعن أن تأذن ـ أى : تسمع ـ لمقالنا فى نصيحتك

    74 ـ ومن حلف له عليه السّلام
    كتبه بين ربيعة واليمن ، ونقل من خط هشام ابن الكلبى
    هذا ما اجتمع عليه أهل اليمن حاضرها وباديها ، وربيعة حاضرها وباديها (1) أنّهم على كتاب اللّه : يدعون إليه ويأمرون به ، ويجيبون من دعا إليه وأمر به لا يشترون به ثمنا ولا يرضون به بدلا ، وأنّهم يد واحدة على من خالف ذلك وتركه ، أنصار بعضهم لبعض : دعوتهم واحدة ، لا ينقضون عهدهم لمعتبة عاتب ، ولا لغضب غاضب (2) ، ولا لاستذلال قوم قوما [ولا لمسبّة قوم قوما]! على ذلك شاهدهم وغائبهم ، وسفيههم وعالمهم ، وحليمهم وجاهلهم. ثمّ إنّ عليهم بذلك عهد اللّه وميثاقه إنّ عهد اللّه كان مسئولا ، وكتب : على بن أبى طالب
    __________________
    (1) الحاضر : ساكن المدينة ، والبادى : المتردد فى البادية
    (2) المعتبة ـ كالمصطبة ـ : الغيظ ، والعاتب : المغتاظ ، أى : لا يعودون للتقاتل عند غضب بعضهم من بعض ، أو استذلال بعضهم لبعض ، أو سب بعضهم لبعض ، وعلى المعتدى أن يؤدى الحق للمظلوم بلا قتال

    75 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى معاوية فى أول ما بويع له
    ذكره الواقدى فى كتاب الجمل
    من عبد اللّه علىّ أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبى سفيان : ـ أمّا بعد ، فقد علمت إعذارى فيكم وإعراضى عنكم (1) ، حتّى كان ما لا بدّ منه ولا دفع له ، والحديث طويل ، والكلام كثير ، وقد أدبر ما أدبر ، وأقبل ما أقبل ، فبايع من قبلك (2) وأقبل إلىّ فى وفد من أصحابك
    76 ـ ومن وصيّة له عليه السّلام
    لعبد اللّه بن العباس ، عند استخلافه إياه على البصرة
    سع النّاس بوجهك ومجلسك وحكمك ، وإيّاك والغضب فإنّه طيرة من الشّيطان (3) ، واعلم أنّ ما قرّبك من اللّه يباعدك من النّار ، وما باعدك من اللّه يقرّبك من النّار.
    __________________
    (1) «إعذارى» أى : إقامتى على العذر فى أمر عثمان صاحبكم ، وإعراضى عنه بعدم التعرض له بسوء حتى كان قتله
    (2) ذهب ما ذهب من أمر عثمان ، وأقبل علينا من أمر الخلافة ما استقبلناه ، فبايع الذين قبلك ، أى : عندك ، والوفد ـ بفتح فسكون ـ : الجماعة الوافدون ، أى : القادمون.
    (3) الطيرة ـ كعنبة وفجلة ـ : الفأل الشؤم ، والغضب يتفاءل به الشيطان فى نيل مأربه من الغضبان

    77 ـ ومن وصيّة له عليه السّلام
    لعبد اللّه بن العباس ، لما بعثه للاحتجاج إلى الخوارج
    لا تخاصمهم بالقرآن فإنّ القرآن حمّال (1) ذو وجوه تقول ويقولون ، ولكن حاججهم بالسّنّة فإنّهم لن يجدوا عنها محيصا (2).
    78 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    إلى أبى موسى الأشعرى جوابا فى أمر الحكمين
    ذكره سعيد بن يحيى الأموى فى كتاب المغازى
    فإنّ النّاس قد تغيّر كثير منهم عن كثير من حظّهم (3) ، فمالوا مع الدّنيا ، ونطقوا بالهوى ، وإنّى نزلت من هذا الأمر منزلا معجبا (4) اجتمع به أقوام أعجبتهم أنفسهم ، فإنّى أداوى منهم قرحا أخاف أن يكون علقا (5) وليس رجل ـ فاعلم ـ أحرص على أمّة محمّد ، صلّى اللّه عليه وآله وسلم وألفتها منّى (6)
    __________________
    (1) «حمال» أى : يحمل معانى كثيرة إن أخذت بأحدها احتج الخصم بالآخر
    (2) «محيصا» أى : مهربا
    (3) أى : إن كثيرا من الناس قد انقلبوا عن حظوظهم الحقيقية ، وهى حظوظ السعادة الأبدية بنصرة الحق
    (4) أى : موجبا للتعجب ، والأمر هو الخلافة ، ومنزله من الخلافة بيعة الناس له ثم خروج طائفة منهم عليه
    (5) القرح : مجاز عن فساد بواطنهم ، والعلق ـ بالتحريك ـ : الدم الغليظ الجامد ، ومتى صار فى الجرح الدم الغليظ الجامد صعبت مداواته وضرب فساده فى البدن كله
    (6) «أحرص» خبر «ليس» ، وجملة «فاعلم» معترضة

    أبتغى بذلك حسن الثّواب وكرم المآب (1). وسأفى بالّذى وأيت على نفسى (2) ، وإن تغيّرت عن صالح ما فارقتنى عليه (3) ، فإنّ الشّقىّ من حرم نفع ما أوتى من العقل والتّجربة ، وإنّى لأعبد أن يقول قائل بباطل (4). وإن أفسد أمرا قد أصلحه اللّه ، فدع ما لا تعرف (5) ، فانّ شرار النّاس طائرون إليك بأقاويل السّوء ، والسّلام.
    79 ـ ومن كتاب له عليه السّلام
    لما استخلف ، إلى أمراء الأجناد
    أمّا بعد ، فإنّما أهلك من كان قبلكم أنّهم منعوا النّاس الحقّ فاشتروه (6) ، وأخذوهم بالباطل فاقتدوه (7).
    __________________
    (1) المآب : المرجع إلى اللّه
    (2) سأوفى بما وأيت ، أى : وعدت وأخذت على نفسى
    (3) «تغيرت» خطاب لأبى موسى ، يقول : إذا انقلبت عن الرأى الصالح الذى تفارقنا عليه ـ وهو الأخذ بالحذر ، والوقوف عند الحق الصريح ـ فانك تكون شقيا ، لأن الشقى من حرمه اللّه نفع التجربة فأخذه الناس بالخديعة
    (4) عبد يعبد ـ كغضب يغضب ـ عبدا ـ كغضبا وزنا ومعنى ، أى : يغضبنى قول الباطل ، وإفسادى لأمر الخلافة الذى أصلحه اللّه بالبيعة. ونسبة الافساد لنفسه لأن أبا موسى نائب عنه ، وما يقع عن النائب كأنه وقع عن الأصيل
    (5) أى : ما فيه الريبة والشبهة فاتركه
    (6) أى : حجبوا عن الناس حقهم ، فاضطر الناس لشراء الحق منهم بالرشوة ، فانقلبت الدولة عن أولئك المانعين فهلكوا «وأنهم منعوا» فاعل «أهلك»
    (7) أى : كلفوهم باتيان الباطل فأتوه ، وصار قدوة يتبعها الأبناء بعد الآباء

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    نهج البلاغه ج3 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: نهج البلاغه ج3   نهج البلاغه ج3 Emptyأمس في 9:25 pm

    باب المختار من حكم أمير المؤمنين عليه السلام
    ويدخل فى ذلك المختار من أجوبة مسائله
    والكلام القصير الخارج فى سائر أغراضه
    1 ـ قال عليه السلام : كن فى الفتنة كابن اللّبون (1) لا ظهر فيركب ، ولا ضرع فيحلب.
    2 ـ وقال عليه السلام : أزرى بنفسه من استشعر الطّمع (2) ، ورضى بالذّلّ من كشف عن ضرّه ، وهانت عليه نفسه من أمّر عليها لسانه.
    3 ـ وقال عليه السلام : البخل عار ، والجبن منقصة ، والفقر يخرس الفطن عن حجّته ، والمقلّ غريب فى بلدته (3) ، والعجز آفة ، والصّبر شجاعة ، والزّهد ثروة ، والورع جنّة.
    4 ـ وقاله عليه السلام : نعم القرين الرّضا ، والعلم وراثة كريمة ، والآداب حلل مجدّدة ، والفكر مرآة صافية.
    5 ـ وقال عليه السلام : صدر العاقل صندوق سرّه (4) ، والبشاشة
    __________________
    (1) ابن اللبون ـ بفتح اللام وضم الباء ـ : ابن الناقة إذا استكمل سنتين ، لا له ظهر قوى فيركبونه ، ولا له ضرع فيحلبونه ، يريد تجنب الظالمين فى الفتنة لا ينتفعوا بك
    (2) أزرى بها : حقرها ، واستشعره : تبطنه وتخلق به ، ومن كشف ضره للناس ودعاهم للتهاون به فقد رضى بالذل. وأمر لسانه : جعله أميرا
    (3) المقل ـ بضم فكسر وتشديد اللام ـ : الفقير ، والجنة ـ بالضم ـ الوقاية
    (4) لا يفتح الصندوق فيطلع الغير على ما فيه ، والحبالة ـ بكسر الحاء ، بزنة كتابة ـ : شبكة الصيد ، ومثله الأحبول والأحبولة ـ بضم الهمزة فيهما ـ وتقول : حبل الصيد واحتبله ، إذا أخذه بها ، والبشوش يصيد مودات القلوب ، والاحتمال : تحمل الأذى ، ومن تحمل الأذى خفيت عيوبه كأنها دفنت فى قبر

    حبالة المودّة ، والاحتمال قبر العيوب (أو) : والمسالمة خباء العيوب. ومن رضى عن نفسه كثر السّاخط عليه.
    6 ـ وقال عليه السلام : الصّدقة دواء منجح ، وأعمال العباد فى عاجلهم ، نصب أعينهم فى آجلهم.
    7 ـ وقال عليه السلام : اعجبوا لهذا الإنسان ينظر بشحم ، ويتكلّم بلحم (1) ، ويسمع بعظم ، ويتنفّس من خرم!!
    8 ـ وقال عليه السلام : إذا أقبلت الدّنيا على أحد أعارته محاسن غيره وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه.
    9 ـ وقال عليه السلام : خالطوا النّاس مخالطة إن متّم معها بكوا عليكم ، وإن عشتم حنّوا إليكم.
    10 ـ وقال عليه السلام : إذا قدرت على عدوّك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه.
    11 ـ وقال عليه السلام : أعجز النّاس من عجز عن اكتساب الإخوان
    __________________
    (1) الشحم : شحم الحدقة. واللحم : اللسان. والعظم : عظام فى الأذن يضربها الهواء فتقرع عصب الصماخ فيكون السماع

    وأعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم :
    12 ـ وقال عليه السلام : إذا وصلت إليكم أطراف النّعم فلا تنفّروا أقصاها بقلّة الشّكر (1)
    13 ـ وقال عليه السلام : من ضيّعه الأقرب أتيح له الأبعد (2).
    14 ـ وقال عليه السلام : ما كلّ مفتون يعاتب (3).
    15 ـ وقال عليه السلام : تذلّ الأمور للمقادير حتّى يكون الحتف فى التّدبير (4)
    16 ـ وسئل عليه السلام عن قول الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم «غيّروا الشّيب (5) ولا تشبّهوا باليهود» فقال عليه السلام : إنّما قال صلّى اللّه
    __________________
    (1) أطراف النعم : أوائلها ، فاذا بطرتم ولم تشكروها بأداء الحقوق منها نفرت عنكم أقاصيها ـ أى : أواخرها ـ فحرمتموها
    (2) أتيح له : قدر له ، وكم من شخص أضاه أقاربه فقدر اللّه له من الأباعد من يحفظه ويساعده.
    (3) أى : لا يتوجه العتاب واللوم على كل داخل فى فتنة ، فقد يدخل فيها من لا محيص له عنها لأمر اضطره فلا لوم عليه.
    (4) الحتف ـ بفتح فسكون ـ : الهلاك
    (5) غيروا الشيب بالخضاب ليراكم الأعداء كهولا أقوياء ، ذلك والدين قل ـ بضم القاف ـ أى : قليل أهله. والنطاق ـ ككتاب ـ : الحزام العريض ، واتساعه كناية عن العظم والانتشار. والجران ـ على وزن النطاق ـ : مقدم عنق البعير يضرب به على الأرض إذا استراح وتمكن ، أى : بعد قوة الاسلام الانسان مع اختياره : إن شاء خضب ، وإن شاء ترك

    عليه وآله وسلّم ذلك والدّين قلّ ، فأمّا الآن وقد اتّسع نطاقه ، وضرب بجرانه فامرؤ وما اختار.
    17 ـ وقال عليه السلام فى الذين اعتزلوا القتال معه : حذلوا الحقّ ولم ينصروا الباطل :
    18 ـ وقال عليه السلام : من جرى فى عنان أمله عثر بأجله (1)
    19 ـ وقال عليه السلام : أقيلوا ذوى المروءات عثراتهم (2) ، فما يعثر منهم عاثر إلاّ ويد اللّه بيده يرفعه.
    20 ـ وقال عليه السلام : قرنت الهيبة بالخيبة (3) ، والحياء بالحرمان ، والفرصة تمرّ مرّ السّحاب فانتهزوا فرص الخير.
    21 ـ وقال عليه السلام : لنا حقّ فإن أعطيناه وإلاّ ركبنا أعجاز الإبل وإن طال السّرى
    __________________
    (1) أى : من كان جريه إلى سعادته بعنان الأمل يمنى نفسه بلوغ مطلبه بلا عمل سقط فى أجله بالموت قبل أن يبلغ شيئا مما يريد. والعنان ـ ككتاب : ـ سير اللجام تمسك به الدابة
    (2) العثرة : السقطة ، وإقاله عثرته : رفعه من سقطته. والمروءة ـ بضم الميم ـ : صفة للنفس تحملها على فعل الخير لأنه خير. وقوله «يرفعه» جملة حالية من لفظ الجلالة ، وإن كان مضافا إليه لوجود شرطه
    (3) أى : من تهيب أمرا خاب من إدراكه ، ومن أفرط به الخجل من طلب شىء حرم منه ، والافراط فى الحياء مذموم كطرح الحياء ، والمحمود الوسط

    قال الرضى : وهذا من لطيف الكلام وفصيحه ، ومعناه إنا إن لم نعط حقنا كنا أذلاء (1) وذلك أن الرديف يركب عجز البعير كالعبد والأسير ومن يجرى مجراهما.
    22 ـ وقال عليه السلام : من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه.
    23 ـ وقال عليه السلام : من كفّارات الذّنوب العظام إغاثة الملهوف والتّنفيس عن المكروب.
    24 ـ وقال عليه السلام : يا ابن آدم ، إذا رأيت ربّك سبحانه يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره.
    25 ـ وقال عليه السلام : ما أضمر أحد شيئا إلاّ ظهر فى فلتات لسانه ، وصفحات وجهه.
    26 ـ وقال عليه السلام : امش بدائك ما مشى بك (2).
    27 ـ وقال عليه السلام : أفضل الزّهد إخفاء الزّهد.
    28 ـ وقال عليه السلام : إذا كنت فى إدبار والموت فى إقبال (3) فما أسرع الملتقى.
    __________________
    (1) وقد يكون المعنى إن لم نعط حقنا تحملنا المشقة فى طلبه وإن طالت الشقة. وركوب مؤخرات الابل مما يشق احتماله والصبر عليه.
    (2) أى : ما دام الداء سهل الاحتمال يمكنك معه العمل فى شؤونك فاعمل ، فان أعياك فاسترح له
    (3) يطلبك الموت من خلفك ليلحقك وأنت مدبر إليه تقرب عليه المسافة

    29 ـ وقال عليه السلام : الحذر الحذر! فو اللّه لقد ستر حتّى كأنّه قد غفر (1)
    30 ـ وسئل عن الإيمان ، فقال : الإيمان على أربع دعائم : على الصّبر ، واليقين ، والعدل ، والجهاد. والصّبر منها على أربع شعب : على الشّوق والشّفق (2) ، والزّهد ، والتّرقّب : فمن اشتاق إلى الجنّة سلا عن الشّهوات ، ومن أشفق من النّار اجتنب المحرّمات ، ومن زهد فى الدّنيا استهان بالمصيبات ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات. واليقين منها على أربع شعب : على تبصرة الفطنة ، وتأوّل الحكمة (3) ، وموعظة العبرة ، وسنّة الأوّلين : فمن تبصّر فى الفطنة تبيّنت له الحكمة ، ومن تبيّنت له الحكمة عرف العبرة ، ومن عرف العبرة فكأنّما كان فى الأوّلين. والعدل منها على أربع شعب : على غائص الفهم ، وغور العلم ، وزهرة الحكم (4) ورساخة الحلم : فمن فهم علم غور العلم ، ومن علم غور العلم صدر عن شرائع الحكم (5) ، ومن حلم لم يفرّط
    __________________
    (1) الضمير للّه ، ستر مخازى عباده حتى ظن أنه غفرها لهم ويوشك أن يأخذهم بمكره
    (2) الشفق ـ بالتحريك ـ : الخوف
    (3) تأول الحكمة : الوصول إلى دقائقها ، والعبرة : الاعتبار والاتعاظ بأحوال الأولين ، وما رزئوا به عند الغفلة ، وما حظوا به عند الانتباه
    (4) غور العلم : سره وباطنه ، وزهرة الحكم ـ بضم الزاى ـ أى : حسنه
    (5) الشرائع : جمع شريعة ، وهى الظاهر المستقيم من المذاهب ، ومورد الشاربة ،

    فى أمره وعاش فى النّاس حميدا. والجهاد منها على أربع شعب : على الأمر بالمعروف ، والنّهى عن المنكر ، والصّدق فى المواطن (1) وشنآن الفاسقين فمن أمر بالمعروف شدّ ظهور المؤمنين ، ومن نهى عن المنكر أرغم أنوف الكافرين ، ومن صدق فى المواطن قضى ما عليه ، ومن شنئ الفاسقين وغضب للّه غضب اللّه له وأرضاه يوم القيامة
    31 ـ [وقال عليه السلام] : الكفر على أربع دعائم : على التّعمّق ، والتّنازع ، والزّيغ (2) والشّقاق : فمن تعمّق لم ينب إلى الحقّ (3) ، ومن كثر نزاعه بالجهل دام عماه عن الحقّ ، ومن زاغ ساءت عنده الحسنة ، وحسنت عنده السّيّئة ، وسكر سكر الضّلالة ، ومن شاقّ وعرت عليه طرقه ، وأعضل عليه أمره (4) ، وضاق عليه مخرجه. والشّكّ على أربع شعب : على التّمارى
    __________________
    و «صدر عنها» أى : رجع عنها بعد ما اغترف ليفيض على الناس مما اغترف فيحسن حكمه
    (1) مواطن القتال فى سبيل الحق. والشنآن ـ بالتحريك ـ : البغض.
    (2) التعمق : الذهاب خلف الأوهام على زعم طلب الاسرار ، والزيغ : الحيدان عن مذاهب الحق والميل مع الهوى الحيوانى ، والشقاق : العناد
    (3) «لم ينب» أى : لم يرجع ، أناب ينيب : رجع
    (4) وعر الطريق ـ ككرم ، ووعد ، وولع ـ : خشن ولم يسهل السير فيه ، وأعضل : اشتد وأعجزت صعوبته

    والهول ، والتّردّد ، والاستسلام (1) : فمن جعل المراء دينا لم يصبح ليله ، ومن هاله ما بين يديه نكص على عقبيه ، ومن تردّد فى الرّيب وطئته سنابك الشّياطين (2) ، ومن استسلم لهلكة الدّنيا والآخرة هلك فيهما قال الرضى : وبعد هذا كلام تركنا ذكره خوف الاطالة والخروج عن الغرض المقصود فى هذا الباب
    32 ـ وقال عليه السلام : فاعل الخير خير منه ، وفاعل الشّرّ شرّ منه.
    33 ـ وقال عليه السلام : كن سمحا ولا تكن مبذّرا ، وكن مقدّرا ولا تكن مقتّرا (3)
    34 ـ وقال عليه السلام : أشرف الغنى ترك المنى (4).
    __________________
    (1) التمارى : التجادل لاظهار قوة الجدل لا لاحقاق الحق ، والهول ـ بفتح فسكون ـ : مخافتك من الأمر لا تدرى ما هجم عليك منه فتدهش ، والتردد : انتقاض العزيمة وانفساخها ، ثم عودها ، ثم انفساخها ، والاستسلام : إلقاء النفس فى تيار الحادثات ، أى : ما أتى عليها يأتى. والمراء ـ بكسر الميم ـ الجدل ، والديدن : العادة وقوله «لم يصبح ليله» أى : لم يخرج من ظلام الشك إلى نهار اليقين
    (2) الريب : الظن ، أى : الذى يتردد فى ظنه ولا يعقد العزيمة فى أمره تطؤه سنابك الشياطين ـ جمع سنبك ، بالضم ، وهو طرف الحافر ـ أى : تستزله شياطين الهوى فتطرحه فى الهلكة
    (3) المقدر : المقتصد ، كأنه يقدر كل شىء بقيمته فينفق على قدره ، والمقتر : المضيق فى النفقة ، كأنه لا يعطى إلا القتر ، أى : الرمقة من العيش
    (4) المنى : جمع منية ، وهى ما يتمناه الانسان لنفسه ، وفى تركها غنى كامل : لأن من زهد شيئا استغنى عنه

    35 ـ وقال عليه السلام : من أسرع إلى النّاس بما يكرهون قالوا فيه بما لا يعلمون.
    36 ـ وقال عليه السلام : من أطال الأمل أساء العمل (1).
    37 ـ وقال [عليه السلام] وقد لقيه عند مسيره إلى الشام دهاقين الأنبار (2) ، فترجلوا له واشتدوا بين يديه ، فقال : ما هذا الّذى صنعتموه؟ فقالوا : خلق منا نعظم به أمراءنا ، فقال : واللّه ما ينتفع بهذا أمراؤكم ، وإنّكم لتشقّون على أنفسكم فى دنياكم (3) ، وتشقون به فى آخرتكم ، وما أخسر المشقّة وراءها العقاب ، وأربح الدّعة معها الأمان من النّار.
    38 ـ وقال عليه السلام لابنه الحسن : يا بنىّ ، احفظ عنّى أربعا ، وأربعا ، لا يضرّك ما عملت معهنّ : [إنّ] أغنى الغنى العقل ، وأكبر الفقر الحمق ، وأوحش الوحشة العجب (4) ، وأكرم
    __________________
    (1) طول الأمل : الثقة بحصول الأمانى بدون عمل لها ، أو استطالة العمر والتسويف بأعمال الخير
    (2) الدهاقين : جمع دهقان ، وهو زعيم الفلاحين فى العجم والأنبار من بلاد العراق ، و «ترجلوا» أى : نزلوا عن خيولهم مشاة ، واشتدوا : أسرعوا
    (3) تشقون ـ بضم الشين ، وتشديد القاف ـ : من المشقة ، وتشقون الثانية بسكون الشين من الشقاوة ، والدعة ـ بفتحات ـ : الراحة
    (4) العجب ـ بضم فسكون ـ ومن أعجب بنفسه مقته الناس فلا يوجد له أنيس فهو فى وحشة دائما

    الحسب حسن الخلق.
    يا بنىّ ، إيّاك ومصادقة الأحمق فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك ، وإيّاك ومصادقة البخيل فإنّه يبعد عنك أحوج ما تكون إليه (1) ، وإيّاك ومصادقة الفاجر فإنّه يبيعك بالتّافه (2) ، وإيّاك ومصادقة الكذّاب فإنّه كالسّراب : يقرّب عليك البعيد ، ويبعد عليك القريب.
    39 ـ وقال عليه السلام : لا قربة بالنّوافل إذا أضرّت بالفرائض (3)
    40 ـ وقال عليه السلام : لسان العاقل وراء قلبه ، وقلب الأحمق وراء لسانه. قال الرضى : وهذا من المعانى العجيبة الشريفة ، والمراد به أن العاقل لا يطلق لسانه إلا بعد مشاورة الروية ومؤامرة الفكرة ، والأحمق تسبق حذفات لسانه وفلتات كلامه مراجعة فكره (4) ومماخضة رأيه ، فكأن لسان العاقل تابع لقلبه ، وكأن قلب الأحمق تابع للسانه
    41 ـ وقد روى عنه عليه السلام هذا المعنى بلفظ آخر ، وهو قوله : ـ قلب الأحمق فى فيه ، ولسان العاقل فى قلبه. ومعناهما واحد
    __________________
    (1) أحوج : حال من الكاف فى عنك ، ويروى «يقعد عنك أحوج ـ الخ»
    (2) التافه : القليل
    (3) كمن ينقطع للصلاة والذكر ويفر من الجهاد.
    (4) «مراجعة» وما بعده مفعول «تسبق» ، و «حذفات» فاعله. ومماخضة الرأى : تحريكه حتى يظهر زبده ، وهو الصواب

    42 ـ وقال لبعض أصحابه فى علة أعتلها : جعل اللّه ما كان من شكواك حطّا لسيّئاتك ، فإنّ المرض لا أجر فيه ، ولكنّه يحطّ السّيّئات ويحتّها حتّ الأوراق (1). وإنّما الأجر فى القول باللّسان ، والعمل بالأيدى والأقدام ، وإنّ اللّه سبحانه يدخل بصدق النّيّة والسّريرة الصّالحة من يشاء من عباده الجنّة قال الرضى : وأقول صدق عليه السلام ، إن المرض لا أجر فيه ، لأنه من قبيل ما يستحق عليه العوض (2) لأن العوض يستحق على ما كان فى مقابلة فعل اللّه تعالى بالعبد من الآلام والأمراض وما يجرى مجرى ذلك ، والأجر والثواب يستحقان على ما كان فى مقابله فعل العبد ، فبينهما فرق قد بينه عليه السلام كما يقتضيه علمه الثاقب ورأيه الصائب.
    43 ـ وقال عليه السلام فى ذكر خباب [بن الأرت] : يرحم اللّه خبّاب بن الأرتّ فلقد أسلم راغبا ، وهاجر طائعا ، وقنع بالكفاف ، ورضى عن اللّه ، وعاش مجاهدا.
    44 ـ وقال عليه السلام : طوبى لمن ذكر المعاد ، وعمل للحساب ، وقنع بالكفاف ، ورضى عن اللّه.
    __________________
    (1) حت الورق عن الشجرة : قشره. والصبر على العلة رجوع إلى اللّه واستسلام لقدره ، وفى ذلك خروج إليه من جميع السيئات وتوبة منها ، لهذا كان يحت الذنوب أما الأجر فلا يكون إلا على عمل بعد التوبة.
    (2) الضمير فى «لأنه» للمرض ، أى : إن المرض ليس من أفعال العبد للّه حتى يؤجر عليها ، وإنما هو من أفعال اللّه بالعبد التى ينبغى أن اللّه يعوضه عن آلامها. والذى قلناه فى المعنى أظهر من كلام الرضى

    45 ـ وقال عليه السلام : لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفى هذا على أن يبغضنى ما أبغضنى (1) ، ولو صببت الدّنيا بجمّاتها على المنافق على أن يحبّنى ما أحبّنى ، وذلك أنّه قضى فانقضى على لسان النّبىّ الأمّىّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، أنّه قال : يا علىّ ، لا يبغضك مؤمن ، ولا يحبّك منافق
    46 ـ وقال عليه السلام : سيّئة تسوءك خير عند اللّه من حسنة تعجبك (2)
    47 ـ وقال عليه السلام : قدر الرّجل على قدر همّته. وصدقه على قدر مروءته ، وشجاعته على قدر أنفته ، وعفّته على قدر غيرته.
    48 ـ وقال عليه السلام : الظّفر بالحزم ، والحزم بإجالة الرّأى ، والرّأى بتحصين الأسرار.
    49 ـ وقال عليه السلام : احذروا صولة الكريم إذا جاع ، واللّئيم إذا شبع
    50 ـ وقال عليه السلام : قلوب الرّجال وحشيّة ، فمن تألّفها أقبلت عليه
    51 ـ وقال عليه السلام : عيبك مستور ما أسعدك جدّك (3)
    __________________
    (1) الخيشوم : أصل الأنف. والجمات : جمع جمة ـ بفتح الجيم ـ : وهو من السفينة مجتمع الماء المترشح من ألواحها ، أى : لو كفأت عليهم الدنيا بجليلها وحقيرها.
    (2) لأن الحسنة المعجبة ربما جر الأعجاب بها إلى سيئات ، والسيئة المسيئة ربما بعث الكدر منها إلى حسنات
    (3) الجد ـ بالفتح ـ الحظ ، أى : ما دامت الدنيا مقبلة عليك

    52 ـ وقال عليه السلام : أولى النّاس بالعفو أقدرهم على العقوبة
    53 ـ وقال عليه السلام : السّخاء ما كان ابتداء ، فأمّا ما كان عن مسألة فحياء وتذمّم (1)
    54 ـ وقال عليه السلام : لا غنى كالعقل ، ولا فقر كالجهل ، ولا ميراث كالأدب ، ولا ظهير كالمشاورة.
    55 ـ وقال عليه السلام : الصّبر صبران : صبر على ما تكره ، وصبر عمّا تحبّ.
    56 ـ وقال عليه السلام : الغنى فى الغربة وطن ، والفقر فى الوطن غربة
    57 ـ وقال عليه السلام : القناعة مال لا ينفد [قال الرضى : وقد روى هذا الكلام عن النبى صلّى اللّه عليه وآله وسلم]
    58 ـ وقال عليه السلام : المال مادّة الشّهوات.
    59 ـ وقال عليه السلام : من حذّرك كمن بشّرك.
    60 ـ وقال عليه السلام : اللّسان سبع إن خلّى عنه عقر.
    61 ـ وقال عليه السلام : المرأة عقرب حلوة اللّبسة (2).
    __________________
    (1) التذمم : الفرار من الذم ، كالتأثم والتحرج.
    (2) اللبسة ـ بالكسر ـ : حالة من حالات اللبس ـ بالضم ـ يقال : لبست فلانة ، أى : عاشرتها زمنا طويلا ، والعقرب لا تحل لبستها ، أما المرأة فهى هى فى الايذاء ، لكنها حلوة اللبسة

    62 ـ [وقال عليه السلام : إذا حيّيت بتحيّة فحىّ بأحسن منها ، وإذا أسديت إليك يد فكافئها بما يربى عليها ، والفضل مع ذلك للبادى]
    63 ـ وقال عليه السلام : الشّفيع جناح الطّالب.
    64 ـ وقال عليه السلام : أهل الدّنيا كركب يسار بهم وهم نيام.
    65 ـ وقال عليه السلام : فقد الأحبّة غربة
    66 ـ وقال عليه السلام : فوت الحاجة أهون من طلبها إلى غير أهلها
    67 ـ وقال عليه السلام : لا تستح من إعطاء القليل ، فانّ الحرمان أقلّ منه
    68 ـ وقال عليه السلام : العفاف زينة الفقر ، [والشّكر زينة الغنى]
    69 ـ وقال عليه السلام : إذا لم يكن ما تريد فلا تبل ما كنت (1).
    70 ـ وقال عليه السلام : لا ترى الجاهل إلاّ مفرطا أو مفرّطا.
    71 ـ وقال عليه السلام : إذا تمّ العقل نقص الكلام.
    72 ـ وقال عليه السلام : الدّهر يخلق الأبدان ، ويجدّد الآمال ، ويقرّب
    __________________
    (1) إذا كان لك مرام لم تنله فاذهب فى طلبه كل مذهب ، ولا تبال إن حقروك أو عظموك ، فان محط السير الغاية وما دونها فداء لها ، وقد يكون المعنى إذا عجزت عن مرادك فارض بأى حال ، على رأى القائل : ـ
    إذا لم تستطع شيئا فدعه
    وجاوزه إلى ما تستطيع



    المنيّة ، ويباعد الأمنيّة : من ظفر به نصب ، ومن فاته تعب (1).
    73 ـ وقال عليه السلام : من نصب نفسه للنّاس إماما فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره ، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه ، ومعلّم نفسه ومؤدّبها أحقّ بالإجلال من معلّم النّاس ومؤدّبهم.
    74 ـ وقال عليه السلام : نفس المرء خطاه إلى أجله (2).
    75 ـ وقال عليه السلام : كلّ معدود منقض ، وكلّ متوقّع آت.
    76 ـ وقال عليه السلام : إنّ الأمور إذا اشتبهت اعتبر آخرها بأوّلها (3)
    77 ـ ومن خبر ضرار بن حمزة الضبائى عند دخوله على معاوية ومسألته له عن أمير المؤمنين ، وقال : فأشهد لقد رأيته فى بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وهو قائم فى محرابه (4) قابض على لحيته يتململ تململ السليم (5) ويبكى بكاء الحزين ، ويقول : يا دنيا يا دنيا ، إليك عنّى ، أبى تعرّضت؟ أم إلىّ تشوّفت؟ لا حان حينك (6)
    __________________
    (1) أى : يبليها. ونصب ـ من باب تعب ـ أعنى ومن ظفر بالدهر لزمته حقوق وحفت به شؤون يعييه ويعجزه مراعاتها وأداؤها ، هذا إلى ما يتجدد له من الآمال التى لا نهاية لها ، وكلها تحتاج إلى طلب ونصب
    (2) كأن كل نفس يتنفسه الانسان خطوة يقطعها إلى الأجل.
    (3) أى : يقاس آخرها على أولها ، فعلى حسب البدايات تكون النهايات.
    (4) سدوله : حجب ظلامه
    (5) السليم : الملدوغ من حية ونحوها
    (6) تعرض به كتعرضه : تصدى له وطلبه. و «لا حان حينك» لا جاء وقت وصولك لقلبى وتمكن حبك منه

    هيهات! غرّى غيرى ، لا حاجة لى فيك ، قد طلّقتك ثلاثا لا رجعة فيها! فعيشك قصير ، وخطرك يسير ، وأملك حقير. آه من قلّة الزّاد ، وطول الطّريق ، وبعد السّفر ، وعظيم المورد (1)
    78 ـ ومن كلام له عليه السلام [للسائل الشامى] لما سأله : أكان مسيرنا إلى الشام بقضاء من اللّه وقدر؟ بعد كلام طويل هذا مختاره : ويحك! لعلّك ظننت قضاء لازما ، وقدرا حاتما ، ولو كان [ذلك] كذلك لبطل الثّواب والعقاب ، وسقط الوعد والوعيد (2) إنّ اللّه سبحانه أمر عباده تخييرا ، ونهاهم تحذيرا ، وكلّف يسيرا ، ولم يكلّف عسيرا ، وأعطى على القليل كثيرا ، ولم يعص مغلوبا ، ولم يطع مكرها ، ولم يرسل الأنبياء لعبا ، ولم ينزل الكتاب للعباد عبثا ، ولا خلق السّموات والأرض وما بينهما باطلا و «ذٰلِكَ ظَنُّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ اَلنّٰارِ»
    79 ـ وقال عليه السلام : خذ الحكمة أنّى كانت فإنّ الحكمة تكون
    __________________
    (1) المورد : موقف الورود على اللّه فى الحساب.
    (2) القضاء : علم اللّه السابق بحصول الأشياء على أحوالها فى أوضاعها. والقدر : إيجاده لها عند وجود أسبابها ، ولا شىء منهما يضطر العبد لفعل من أفعاله ، فالعبد وما يجد من نفسه من باعث على الخير والشر ولا يجد شخص إلا أن اختياره دافعه إلى ما يعمل ، واللّه يعلمه فاعلا باختياره : إما شقيا به ، وإما سعيدا. والدليل ما ذكره الامام

    فى صدر المنافق فتلجلج فى صدره (1) حتّى تخرج فتسكن إلى صواحبها فى صدر المؤمن
    80 ـ وقال عليه السلام : الحكمة ضالّة المؤمن ، فخذ الحكمة ولو من أهل النّفاق
    81 ـ وقال عليه السلام : قيمة كلّ امرئ ما يحسنه قال الرضى : وهى الكلمة التى لا تصاب لها قيمة ، ولا توزن بها حكمة ولا تقرن إليها كلمة.
    82 ـ وقال عليه السلام : أوصيكم بخمس لو ضربتم إليها آباط الإبل (2) لكانت لذلك أهلا : لا يرجونّ أحد منكم إلاّ ربّه ، ولا يخافنّ إلاّ ذنبه ، ولا يستحينّ أحد [منكم] إذا سئل عمّا لا يعلم أن يقول لا أعلم ، ولا يستحينّ أحد إذا لم يعلم الشّىء أن يتعلّمه ، وعليكم بالصّبر فإنّ الصّبر من الإيمان كالرّأس من الجسد ، ولا خير فى جسد لا رأس معه ، ولا فى إيمان لا صبر معه
    83 ـ وقال عليه السلام لرجل أفرط فى الثّناء عليه ، وكان له متّهما : أنا دون ما تقول وفوق ما فى نفسك
    __________________
    (1) «تلجلج» أى : تتحرك
    (2) الآباط : جمع إبط ، وضرب الآباط : كناية عن شد الرحال وحث المسير

    84 ـ وقال عليه السلام : بقيّة السّيف أبقى عددا وأكثر ولدا (1)
    85 ـ وقال عليه السلام : من ترك قول «لا أدرى» أصيبت مقاتله (2)
    86 ـ وقال عليه السلام : رأى الشّيخ أحبّ إلىّ من جلد الغلام (3) وروى «من مشهد الغلام»
    87 ـ وقال عليه السلام : عجبت لمن يقنط ومعه الاستغفار (4)
    88 ـ وحكى عنه أبو جعفر محمد بن على الباقر عليهما السلام أنه قال : كان فى الأرض
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    نهج البلاغه ج3 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: نهج البلاغه ج3   نهج البلاغه ج3 Emptyأمس في 9:27 pm

    أمانان من عذاب اللّه وقد رفع أحدهما فدونكم الآخر فتمسّكوا به : أمّا الأمان الّذى رفع فهو رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأمّا الأمان الباقى فالاستغفار ، قال اللّه تعالى : «وَمٰا كٰانَ اَللّٰهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمٰا كٰانَ اَللّٰهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ»
    __________________
    (1) بقية السيف : هم الذين يبقون بعد الذين قتلوا فى حفظ شرفهم ودفع الضيم عنهم وفضلوا الموت على الذل ، فيكون الباقون شرفاء نجداء ، فعددهم أبقى وولدهم يكون أكثر ، بخلاف الأذلاء ، فان مصيرهم إلى المحو والفناء ، ويروى «أنمى عددا ، وأكثر ولدا»
    (2) مواضع قتله ، لأن من قال ما لا يعلم عرف بالجهل ، ومن عرفه الناس بالجهل مقتوه فحرم خيره كله فهلك
    (3) جلد الغلام : صبره على القتال ، ومشهده : إيقاعه بالأعداء ، والرأى فى الحرب أشد فعلا فى الأقدام
    (4) أى : التوبة

    قال الرضى : وهذا من محاسن الاستخراج ولطائف الاستنباط
    89 ـ وقال عليه السلام : من أصلح [ما] بينه وبين اللّه أصلح اللّه ما بينه وبين النّاس ، ومن أصلح أمر آخرته أصلح اللّه له أمر دنياه ، ومن كان له من نفسه واعظ كان عليه من اللّه حافظ
    90 ـ وقال عليه السلام : الفقيه كلّ الفقيه من لم يقنّط النّاس من رحمة اللّه ، ولم يؤيسهم من روح اللّه (1) ، ولم يؤمنهم من مكر اللّه
    91 ـ وقال عليه السلام : إنّ هذه القلوب تملّ كما تملّ الأبدان ، فابتغوا لها طرائف الحكم (2)
    92 ـ وقال عليه السلام : أوضع العلم ما وقف على اللّسان (3) ، وأرفعه ما ظهر فى الجوارح والأركان
    93 ـ وقال عليه السلام : لا يقولنّ أحدكم «اللّهمّ إنّى أعوذ بك من الفتنة» لأنّه ليس أحد إلاّ وهو مشتمل على فتنة ، ولكن من استعاذ فليستعذ
    __________________
    (1) روح اللّه : لطفه ورأفته ، وهو بالفتح. ومكر اللّه : أخذه للعبد بالعقاب من حيث لا يشعر ، فالفقيه هو الفاتح للقلوب بابى الخوف والرجاء.
    (2) طرائف الحكم : غرائبها ، تنبسط إليها القلوب كما تنبسط الأبدان لغرائب المناظر
    (3) «أوضع العلم» أى : أدناه ما وقف على اللسان ، ولم يظهر أثره فى الأخلاق والأعمال ، وأركان البدن : أعضاؤه الرئيسية كالقلب والمخ

    من مضلاّت الفتن ، فإنّ اللّه سبحانه يقول : «وَاِعْلَمُوا أَنَّمٰا أَمْوٰالُكُمْ وَأَوْلاٰدُكُمْ فِتْنَةٌ» ومعنى ذلك أنّه يختبرهم بالأموال والأولاد ليتبيّن السّاخط لرزقه ، والرّاضى بقسمه ، وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم ، ولكن لتظهر الأفعال الّتى بها يستحقّ الثّواب والعقاب ، لأنّ بعضهم يحبّ الذّكور ويكره الإناث ، وبعضهم يحبّ تثمير المال (1) ويكره انثلام الحال
    قال الرضى : وهذا من غريب ما سمع منه فى التفسير
    94 ـ وسئل عن الخير ما هو؟ فقال : ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ولكنّ الخير أن يكثر علمك و [أن] يعظم حلمك ، وأن تباهى النّاس بعبادة ربّك ، فإن أحسنت حمدت اللّه ، وإن أسأت استغفرت اللّه ، ولا خير فى الدّنيا إلاّ لرجلين : رجل أذنب ذنوبا فهو يتداركها بالتّوبة ، ورجل يسارع فى الخيرات
    95 ـ وقال عليه السلام : لا يقلّ عمل مع التّقوى ، وكيف يقلّ ما يتقبّل؟
    96 ـ وقال عليه السلام : إنّ أولى النّاس بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا به ، ثمّ تلى : (إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِىُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) ثمّ قال : إنّ ولىّ محمّد من أطاع اللّه وإن بعدت لحمته (2) ، وإنّ عدوّ محمّد من
    __________________
    (1) تثمير المال : إنماؤه بالربح ، وانثلام الحال : نقصه.
    (2) لحمته ـ بالضم ـ أى : نسبه

    عصى اللّه وإن قربت قرابته!
    97 ـ وقد سمع رجلا من الحرورية (1) يتهجد ويقرأ ، فقال : نوم على يقين خير من صلاة فى شكّ.
    98 ـ وقال عليه السلام : اعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية ، فإنّ رواة العلم كثير ، ورعاته قليل.
    99 ـ وسمع رجلا يقول : «إِنّٰا لِلّٰهِ وَإِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ» فقال عليه السّلام : إن قولنا «إِنّٰا لِلّٰهِ» إقرار على أنفسنا بالملك ، وقولنا «وَإِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ» إقرار على أنفسنا بالهلك (2)
    100 ـ ومدحه قوم فى وجهه ، فقال : اللّهمّ إنّك أعلم بى من نفسى ، وأنا أعلم بنفسى منهم ، اللّهمّ اجعلنا خيرا ممّا يظنّون ، واغفر لنا ما لا يعلمون
    101 ـ وقال عليه السلام. لا يستقيم قضاء الحوائج إلاّ بثلاث : باستصغارها لتعظم (3) ، وباستكتامها لتظهر ، وبتعجيلها لتهنؤ
    __________________
    (1) الحرورية ـ بفتح الحاء ـ : الخوارج الذين خرجوا عليه بحروراء و «يتهجد» أى : يصلى بالليل.
    (2) الهلك ـ بالضم ـ : الهلاك
    (3) استصغارها فى الطلب لتعظم بالقضاء ، وكتمانها عند محاولتها لتظهر بعد قضائها ، فلا تعلم إلا مقضية ، وتعجيلها للتمكن من التمتع بها فتكون هنيئة. ولو عظمت عند الطلب أو ظهرت قبل القضاء خيف الحرمان منها ، ولو أخرت خيف النقصان.

    102 ـ وقال عليه السلام : يأتى على النّاس زمان لا يقرّب فيه إلاّ الماحل (1) ، ولا يظرّف فيه إلاّ الفاجر ، ولا يضعّف فيه إلاّ المنصف : يعدّون الصّدقة فيه غرما ، وصلة الرّحم منّا ، والعبادة استطالة على النّاس! فعند ذلك يكون السّلطان بمشورة النّساء وإمارة الصّبيان وتدبير الخصيان
    103 ـ ورئى عليه إزار خلق مرقوع فقيل له فى ذلك ، فقال : يخشع له القلب ، وتذلّ به النّفس ، ويقتدى به المؤمنون. إنّ الدّنيا والآخرة عدوّان متفاوتان ، وسبيلان مختلفان : فمن أحبّ الدّنيا وتولاّها أبغض الآخرة وعاداها وهما بمنزلة المشرق والمغرب ، وماش بينهما : كلّما قرب من واحد بعد من الآخر ، وهما بعد ضرّتان!
    104 ـ وعن نوف البكالى ، قال : رأيت أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة وقد خرج من فراشه فنظر فى النجوم فقال لى : يا نوف ، أراقد أنت أم رامق؟ فقلت : بل رامق (2) قال : يا نوف طوبى للزّاهدين فى الدّنيا الرّاغبين فى الآخرة ، أولئك قوم اتّخذوا الأرض
    __________________
    (1) الماحل : الساعى فى الناس بالوشاية عند السلطان ، و «لا يظرف» أى : لا يعد ظريفا. و «لا يضعف» أى : لا يعد ضعيفا ، والغرم ـ بالضم ـ أى : الغرامة والمن : ذكرك النعمة على غيرك مظهرا بها الكرامة عليه ، والاستطالة على الناس : التفوق عليهم والتزيد عليهم فى الفضل
    (2) أراد بالرامق منتبه العين ، فى مقابلة الراقد بمعنى النائم ، يقال : رمقه ، إذا لحظه لحظا حفيفا

    بساطا ، وترابها فراشا ، وماءها طيبا ، والقرآن شعارا (1) والدّعاء دثارا ، ثمّ قرضوا الدّنيا قرضا على منهاج المسيح. يا نوف ، إنّ داود عليه السّلام قام فى مثل هذه السّاعة من اللّيل فقال : إنّها ساعة لا يدعو فيها عبد إلاّ استجيب له إلاّ أن يكون عشّارا (2) أو عريفا أو شرطيّا ، أو صاحب عرطبة (وهى الطنبور) أو صاحب كوبة (وهى الطبل. وقد قيل أيضا : إن العرطبة الطبل والكوبة الطنبور (3)
    105 ـ وقال عليه السلام : إنّ اللّه افترض عليكم الفرائض فلا تضيّعوها وحدّ لكم حدودا فلا تعتدوها ، ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها (4) وسكت لكم عن أشياء ولم يدعها نسيانا فلا تتكلّفوها.
    __________________
    (1) القرآن شعارا : يقرأونه سرا للاعتبار بمواعظه والتفكر فى دقائقه ، والدعاء دثارا : يجهرون به إظهارا للذلة والخضوع للّه. وأصل الشعار : ما يلى البدن من الثياب ، والدثار : ما علا منها ، وقرضوا الدنيا : مزقوها كما يمزق الثوب بالمقراض على طريقة المسيح فى الزهادة.
    (2) العشار : من يتولى أخذ أعشار الأموال ، وهو المكاس ، والعريف : من يتجسس على أحوال الناس وأسرارهم فيكشفها لأميرهم مثلا ، والشرطى ـ بضم فسكون ـ نسبة إلى الشرطة : واحد الشرط ـ كرطب ـ وهم أعوان الحاكم
    (3) لم نر هذا فيما وقفنا عليه من كتب اللغة ، والمنقول أن الكوبة بالضم : الطبل الصغير ، وهو المعروف بالدربكة
    (4) أى : لا تنتهكوا نهيه عنها باتيانها ، والانتهاك : الاهانة والاضعاف ، و «لا تتكلفوا» أى : لا تكلفوا أنفسكم بها بعد ما سكت اللّه عنها

    106 ـ وقال عليه السلام : لا يترك النّاس شيئا من أمر دينهم لاستصلاح دنياهم إلاّ فتح اللّه عليهم ما هو أضرّ منه
    107 ـ وقال عليه السلام : ربّ عالم قد قتله جهله (1) وعلمه معه لا ينفعه
    108 ـ وقال عليه السلام : لقد علّق بنياط هذا الإنسان بضعة هى أعجب ما فيه (2) وذلك القلب ، وله موادّ من الحكمة وأضداد من خلافها : فإن سنح له الرّجاء (3) أذلّه الطّمع ، وإن هاج به الطّمع أهلكه الحرص ، وإن ملكه اليأس قتله الأسف ، وإن عرض له الغضب اشتدّ به الغيظ ، وإن أسعده الرّضا نسى التّحفّظ (4) ، وإن ناله الخوف شغله الحذر ، وإن اتّسع له الأمن استلبته الغرّة (5) ، وإن أفاد مالا أطغاه الغنى ، وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع ، وإن عضّته الفاقة شغله البلاء ، وإن جهده الجوع قعد به الضّعف ، وإن أفرط به الشّبع كظّته البطنة (6) ، فكلّ تقصير به مضرّ ، وكلّ إفراط له مفسد.
    __________________
    (1) وهذا هو العالم الذى يحفظ ولا يدرى ، أو يعلم ولا يعمل ، أو ينقل ولا بصيرة له
    (2) النياط ـ ككتاب ـ : عرق معلق به القلب
    (3) سنح له : بدا وظهر
    (4) التحفظ : هو التوقى والتحرز من المضرات
    (5) الغرة ـ بالكسر ـ : الغفلة ، و «استلبته» أى : سلبته وذهبت به عن رشده وأفاد المال : استفاده ، والفاقة : الفقر
    (6) «كظته» أى : كربته وآلمته. والبطنة ـ بالكسر ـ : امتلاء البطن حتى يضيق النفس ، ويروى «وإن جهده الجوع قعدت به الضعة»

    109 ـ وقال عليه السلام : نحن النّمرقة الوسطى (1) بها يلحق التّالى ، وإليها يرجع الغالى.
    110 ـ وقال عليه السلام : لا يقيم أمر اللّه سبحانه إلاّ من لا يصانع (2) ولا يضارع ، ولا يتّبع المطامع.
    111 ـ وقال عليه السلام : «وقد توفى سهل بن حنيف الأنصارى بالكوفة بعد مرجعه معه من صفين ، وكان أحب الناس إليه : لو أحبّنى جبل لتهافت (3) معنى ذلك أن المحنة تغلظ عليه فتسرع المصائب إليه ، ولا يفعل ذلك إلا بالأتقياء الأبرار والمصطفين الأخيار ، وهذا مثل قوله عليه السلام :
    112 ـ من أحبّنا أهل البيت فليستعدّ للفقر جلبابا «وقد يؤول ذلك على معنى آخر (4) ليس هذا موضع ذكره»
    __________________
    (1) النمرقة ـ بضم فسكون فضم ففتح ـ الوسادة : وآل البيت أشبه بها للاستناد إليهم فى أمور الدين ، كما يستند إلى الوسادة لراحة الظهر واطمئنان الأعضاء ، ووصفها بالوسطى لاتصال سائر النمارق بها ، فكأن الكل يعتمد عليها إما مباشرة أو بواسطة ما يجانبه ، وآل البيت على الصراط الوسط العدل : يلحق بهم من قصر ، ويرجع إليهم من غلا وتجاوز
    (2) «لا يصانع» أى : لا يدارى فى الحق ، والمضارعة : المشابهة ، والمعنى انه لا يتشبه فى عمله بالمبطلين ، واتباع المطامع : الميل معها وإن ضاع الحق.
    (3) تهافت : تساقط بعد ما تصدع
    (4) هو أن من أحبهم فليخلص للّه حبهم ، فليست الدنيا تطلب عندهم

    113 ـ وقال عليه السلام : لا مال أعود من العقل (1) ، ولا وحدة أوحش من العجب ، ولا عقل كالتّدبير ، ولا كرم كالتّقوى ، ولا قرين كحسن الخلق ، ولا ميراث كالأدب ، ولا قائد كالتّوفيق ، ولا تجارة كالعمل الصّالح ولا ربح كالثّواب ، ولا ورع كالوقوف عند الشّبهة ، ولا زهد كالزّهد فى الحرام ولا علم كالتّفكّر ، ولا عبادة كأداء الفرائض ، ولا إيمان كالحياء والصّبر ، ولا حسب كالتّواضع ، ولا شرف كالعلم [ولا عزّ كالحلم] ولا مظاهرة أوثق من المشاورة
    114 ـ وقال عليه السلام : إذا استولى الصّلاح على الزّمان وأهله ثمّ أساء رجل الظّنّ برجل لم تظهر منه خزية (2) فقد ظلم! وإذا استولى الفساد على الزّمان وأهله فأحسن رجل الظّنّ برجل فقد غرّر
    115 ـ وقيل له عليه السلام : كيف تجدك يا أمير المؤمنين؟ فقال عليه السلام : كيف يكون [حال] من يفنى ببقائه (3) ويسقم بصحّته ، ويؤتى
    __________________
    (1) أعود : أنفع.
    (2) الخزية ـ بفتح فسكون ـ : البلية تصيب الانسان فتذله وتفضحه ، ويروى «حوبة» وهى الاثم ، و «غرر» أى : أوقع بنفسه فى الغرر ، أى : الخطر
    (3) كلما طال عمره ـ وهو البقاء ـ تقدم إلى الفناء ، وكلما مدت عليه الصحة تقرب من مرض الهرم ، وسقم ـ كفرح ـ : مرض. و «يأتيه الموت من مأمنه» أى : الجهة التى يأمن إتيانه منها ، فان أسبابه كامنة فى نفس البدن «12 ـ ن ـ ج ـ 3»

    من مأمنه!!
    116 ـ وقال عليه السلام : كم من مستدرج بالإحسان إليه (1) ومغرور بالسّتر عليه ، ومفتون بحسن القول فيه! وما ابتلى اللّه أحدا بمثل الإملاء له
    117 ـ وقال عليه السلام : هلك فىّ رجلان ، محبّ غال (2) ومبغض قال!
    118 ـ وقال عليه السلام : إضاعة الفرصة غصّة
    119 ـ وقال عليه السلام : مثل الدّنيا كمثل الحيّة ليّن مسّها والسّمّ النّاقع فى جوفها : يهوى إليها الغرّ الجاهل ، ويحذرها ذو اللّبّ العاقل!
    120 ـ وسئل عليه السلام عن قريش فقال : أمّا بنو مخزوم فريحانة قريش تحبّ حديث رجالهم ، والنّكاح فى نسائهم ، وأمّا بنو عبد شمس (3) فأبعدها رأيا ، وأمنعها لما وراء ظهورها ، وأمّا نحن فأبذل لما فى أيدينا ، وأسمح عند الموت بنفوسنا ، وهم أكثر وأمكر وأنكر ، ونحن أفصح وأنصح وأصبح
    __________________
    (1) استدرجه اللّه : تابع نعمته عليه وهو مقيم على عصيانه ، إبلاغا للحجة وإقامة للمعذرة فى أخده. والاملاء له : الامهال.
    (2) الغالى : المتجاوز الحد فى حبه بسبب غيره ، أو دعوى حلول اللاهوت فيه أو نحو ذلك ، والقالى : المبغض الشديد البغض
    (3) ومنهم بنو أمية ، أى : وهم ـ أى : بنو عبد شمس ـ أكثر الخ ، «ونحن» أى : بنو هاشم

    121 ـ وقال عليه السلام : شتّان ما بين عملين (1). عمل تذهب لذّته وتبقى تبعته ، وعمل تذهب مؤونته ويبقى أجره
    122 ـ وتبع جنازة فسمع رجلا يضحك ، فقال : كأنّ الموت فيها على غيرنا كتب ، وكأنّ الحقّ فيها على غيرنا وجب ، وكأنّ الّذى نرى من الأموات سفر (2) عمّا قليل إلينا راجعون! نبوّئهم أجداثهم ، ونأكل تراثهم ، [كأنّا مخلّدون بعدهم] ثمّ قد نسينا كلّ واعظ وواعظة ، ورمينا بكلّ جائحة (3)!!
    123 ـ وقال عليه السلام : طوبى لمن ذلّ فى نفسه ، وطاب كسبه ، وصلحت سريرته ، وحسنت خليقته (4) ، وأنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من لسانه ، وعزل عن النّاس شرّه ، ووسعته السّنّة ، ولم ينسب إلى البدعة. قال الرضى : أقول : ومن الناس من ينسب هذا الكلام إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، وكذلك الذى قبله
    124 ـ وقال عليه السلام : غيرة المرأة كفر (5) وغيرة الرّجل إيمان.
    __________________
    (1) الأول عمل فى شهوات النفس ، والثانى عمل فى طاعة اللّه
    (2) «سفر» أى : مسافرون ، أى : منزلهم فى أجداثهم ، أى : قبورهم ، و «التراث» أى : الميراث
    (3) الجائحة : الآفة تهلك الأصل والفرع
    (4) الخليقة : الخلق والطبيعة.
    (5) أى : تؤدى إلى الكفر ، فانها تحرم على الرجل ما أحل اللّه له من زواج متعددات ، أما غيرة الرجل فتحريم لما حرمه اللّه ، وهو الزنا.

    125 ـ وقال عليه السلام : لأنسبنّ الإسلام نسبة لم ينسبها أحد قبلى : الإسلام هو التّسليم ، والتّسليم هو اليقين ، واليقين هو التّصديق ، والتّصديق هو الإقرار ، والإقرار هو الأداء ، والأداء هو العمل.
    126 ـ وقال عليه السلام : عجبت للبخيل يستعجل الفقر (1) الّذى منه هرب ، ويفوته الغنى الّذى إيّاه طلب ، فيعيش فى الدّنيا عيش الفقراء ، ويحاسب فى الآخرة حساب الأغنياء ، وعجبت للمتكبّر الّذى كان بالأمس نطفة ويكون غدا جيفة ، وعجبت لمن شكّ فى اللّه وهو يرى خلق اللّه ، وعجبت لمن نسى الموت وهو يرى الموتى ، وعجبت لمن أنكر النّشأة الأخرى وهو يرى النّشأة الأولى ، وعجبت لعامر دار الفناء وتارك دار البقاء!!!
    127 ـ وقال عليه السلام : من قصّر فى العمل ابتلى بالهمّ (2) ولا حاجة للّه فيمن ليس للّه فى ماله ونفسه نصيب.
    128 ـ وقال عليه السلام : توقّوا البرد فى أوّله ، وتلقّوه فى آخره فانّه
    __________________
    (1) الفقر : ما قصر بك عن درك حاجتك ، والبخيل تكون له الحاجة فلا يقضيها ، ويكون عليه الحق فلا يؤديه فحاله حال الفقراء يحتمل ما يحتملون ، فقد استعجل الفقر وهو يهرب منه بجمع المال
    (2) الهم : هم الحسرة على فوات ثمراته ، ومن لم يجعل للّه نصيبه فى ماله بالبذل فى سبيله ، ولا فى روحه باحتمال التعب فى إعزاز دينه ، فلا يكون له رجاء فى فضل اللّه ، فانه لا يكون فى الحقيقة عبد اللّه بل عبد نفسه والشيطان.

    يفعل فى الأبدان كفعله فى الأشجار : أوّله يحرق ، وآخره يورق (1).
    129 ـ وقال عليه السلام : عظم الخالق عندك يصغّر المخلوق فى عينك.
    130 ـ وقال عليه السلام وقد رجع من صفين فاشرف على القبور بظاهر الكوفة : يا أهل الدّيار الموحشة (2) والمحالّ المقفرة ، والقبور المظلمة ، يا أهل التّربة ، يا أهل الغربة [يا أهل الوحدة] يا أهل الوحشة ، أنتم لنا فرط سابق (3) ونحن لكم تبع لاحق ، أمّا الدّور فقد سكنت (4) ، وأمّا الأزواج فقد نكحت ، وأمّا الأموال فقد قسمت. هذا خير ما عندنا فما خبر ما عندكم؟ ثم التفت إلى أصحابه فقال : أما لو أذن لهم فى الكلام لأخبروكم أنّ خير الزّاد التّقوى
    131 ـ وقال عليه السلام ، وقد سمع رجلا يذم الدنيا : أيّها الذّامّ للدّنيا
    __________________
    (1) ولأنّه فى أوله يأتى على عهد من الأبدان بالحر فيؤذيها. أما فى آخره فيمسها بعد تعودها عليه ، وهو إذ ذاك أخف.
    (2) الموحشة : الموجبة للوحشة ضد الأنس ، والمحال : جمع محل ، أى : الأركان المقفرة ، من «أقفر المكان» إذا لم يكن به ساكن ولا نابت
    (3) الفرط ـ بالتحريك ـ : المتقدم إلى الماء للواحد والجمع ، والكلام هنا على الاطلاق ، أى : المتقدمون ، والتبع ـ بالتحريك أيضا ـ : التابع
    (4) أى : إن دياركم سكنها غيركم ، ونساءكم تزوجت ، وأموالكم قسمت ، فهذه أخبارنا إليكم.

    المغترّ بغرورها المخدوع بأباطيلها! أتغترّ بالدّنيا ثمّ تذمّها ، أنت المتجرّم عليها (1) أم هى المتجرّمة عليك؟ متى استهوتك (2) أم متى غرّتك؟ أبمصارع آبائك من البلى (3)؟ أم بمضاجع أمّهاتك تحت الثّرى؟! كم علّلت بكفّيك (4)؟ وكم مرّضت بيديك؟ تبغى لهم الشّفاء (5) ، وتستوصف لهم الأطبّاء ، [غداة لا يغنى عنهم دواؤك ، ولا يجدى عليهم بكاؤك] لم ينفع أحدهم إشفاقك (6) ولم تسعف بطلبتك ، ولم تدفع عنه بقوّتك! [و] قد مثّلت لك به الدّنيا نفسك (7)! وبمصرعه مصرعك. إنّ الدّنيا دار صدق لمن صدقها ، ودار عافية لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن تزوّد منها (Cool ، ودار موعظة لمن اتّعظ بها ، مسجد أحبّاء اللّه ، ومصلّى ملائكة اللّه ومهبط وحى اللّه ، ومتجر أولياء اللّه ،
    __________________
    (1) تجرم عليه : ادعى عليه الجرم ـ بالضم ـ أى : الذنب
    (2) استهواه : ذهب بعقله وأذله فحيره.
    (3) البلى ـ بكسر الباء ـ : الفناء بالتحلل ، والمصرع : مكان الانصراع ، أى : السقوط ، أى : مكان سقوط آبائك من الفناء ، والثرى : التراب
    (4) علل المريض : خدمه فى علته ، كمرضه : خدمه فى مرضه
    (5) الضمير فى «لهم» يعود على الكثير المفهوم من كم. واستوصف الطبيب : طلب منه وصف الدواء بعد تشخيص الداء
    (6) إشفاقك : خوفك : والطلبة ـ بالكسر ، وبفتح فكسر ـ المطلوب ، وأسعفه بمطلوبه : أعطاه إياه على ضرورة إليه.
    (7) أى : إن الدنيا جعلت الهالك قبلك مثالا لنفسك تقيسها عليه
    (Cool أى : أخذ منها زاده للآخرة

    اكتسبوا فيها الرّحمة ، وربحوا فيها الجنّة ، فمن ذا يذمّها وقد آذنت ببينها (1) ونادت بفراقها ، ونعت نفسها وأهلها فمثّلت لهم ببلائها البلاء ، وشوّقتهم بسرورها إلى السّرور؟؟!! راحت بعافية (2) ، وابتكرت بفجيعة ، ترغيبا وترهيبا ، وتخويفا وتحذيرا ، فذمّها رجال غداة النّدامة (3) ، وحمدها آخرون يوم القيامة ، ذكّرتهم الدّنيا فتذكّروا ، وحدّثتهم فصدّقوا ، ووعظتهم فاتّعظوا.
    132 ـ وقال عليه السلام : إنّ للّه ملكا ينادى فى كلّ يوم : لدوا للموت (4) ، واجمعوا للفناء ، وابنوا للخراب.
    133 ـ وقال عليه السلام : الدّنيا دار ممرّ لا دار مقرّ ، والنّاس فيها رجلان : رجل باع فيها نفسه فأوبقها (5) ، ورجل ابتاع نفسه فأعتقها.
    __________________
    (1) آذنت ـ بمد الهمزة ـ أى : أعلمت أهلها ببينها ، أى : ببعدها وزوالها عنهم. ونعاه : إذا أخبر بفقده ، والدنيا أخبرت بفنائها وفناء أهلها بما ظهر من أحوالها
    (2) راح إليه : وافاه وقت العشى ، أى : إنها تمشى بعافية ، و «تبتكر» أى : تصبح بفجيعة ، أى : بمصيبة فاجعة
    (3) أى : ذموها عند ما أصبحوا نادمين على ما فرطوا فيها ، أما الذين حمدوها فهم الذين عملوا فجنوا ثمرة أعمالهم ، ذكرتهم بحوادثها فانتبهوا لما يجب عليهم ، وكأنها بتقلبها تحدثهم بما فيه العبرة وتحكى لهم ما به العظة
    (4) أمر من الولادة
    (5) باع نفسه لهواه وشهواته فأوبقها ، أى : أهلكها ، و «ابتاع نفسه» أى : اشتراها وخلصها من أسر الشهوات

    134 ـ وقال عليه السلام : لا يكون الصّديق صديقا حتّى يحفظ أخاه فى ثلاث : فى نكبته ، وغيبته ، ووفاته. (1)
    135 ـ وقال عليه السلام : من أعطى أربعا لم يحرم أربعا : من أعطى الدّعاء لم يحرم الإجابة (2) ، ومن أعطى التّوبة لم يحرم القبول ، ومن أعطى الاستغفار لم يحرم المغفرة ، ومن أعطى الشّكر لم يحرم الزّيادة. قال الرضى : وتصديق ذلك كتاب اللّه ، قال اللّه فى الدّعاء : «اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ» وقال فى الاستغفار : «وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اَللّٰهَ يَجِدِ اَللّٰهَ غَفُوراً رَحِيماً» وقال فى الشكر : «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ» وقال فى التوبة «إِنَّمَا اَلتَّوْبَةُ عَلَى اَللّٰهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ اَلسُّوءَ بِجَهٰالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولٰئِكَ يَتُوبُ اَللّٰهُ عَلَيْهِمْ وَكٰانَ اَللّٰهُ عَلِيماً حَكِيماً».
    136 ـ وقال عليه السلام : الصّلاة قربان كلّ تقىّ ، والحجّ جهاد كلّ ضعيف ، ولكلّ شىء زكاة وزكاة البدن الصّيام ، وجهاد المرأة حسن التّبعّل (3).
    __________________
    (1) أى : لا يضيع شيئا من حقوقه فى الأحوال الثلاثة.
    (2) المراد بالدعاء المجاب : ما كان مقرونا باستعداد بأن يصحبه العمل لنيل المطلوب. وبالتوبة والاستغفار : ما كانا ندما على الذنب يمنع من العود إليه ، وبالشكر : تصريف النعم فى وجوهها المشروعة
    (3) حسن التبعل : إطاعة الزوج.

    137 ـ وقال عليه السلام : استنزلوا الرّزق بالصّدقة.
    138 ـ وقال عليه السلام : من أيقن بالخلف جاد بالعطيّة.
    139 ـ وقال عليه السلام : تنزل المعونة على قدر المؤونة.
    140 ـ وقال عليه السلام : ما أعال من اقتصد (1).
    141 ـ وقال عليه السلام : قلّة العيال أحد اليسارين
    142 ـ [وقال عليه السلام : التّودّد نصف العقل].
    143 ـ وقال عليه السلام : الهمّ نصف الهرم.
    144 ـ وقال عليه السلام : ينزل الصّبر على قدر المصيبة ، ومن ضرب يده على فخذه عند مصيبته حبط عمله (2).
    145 ـ وقال عليه السلام : كم من صائم ليس له من صيامه إلاّ [الجوع و] الظّمأ ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلاّ السّهر والعناء ، حبّذا نوم الأكياس وإفطارهم (3)
    __________________
    (1) «من اقتصد» أى : أنفق فى غير إسراف ، فلا يعول ـ على وزن يكرم ـ أى : لا يفتقر. وفى نسخة «عال» بلا همزة ، ومعناه : ما جار عن الحق من أخذ بالاقتصاد.
    (2) أى : حرم من ثواب أعماله ، فكأنها بطلت
    (3) الأكياس : جمع كيس ـ بتشديد الياء ـ أى : العقلاء العارفون يكون نومهم وفطرهم أفضل من صوم الحمقى وقيامهم

    146 ـ وقال عليه السلام : سوسوا إيمانكم بالصّدقة (1) ، وحصّنوا أموالكم بالزّكاة ، وادفعوا أمواج البلاء بالدّعاء.
    147 ـ ومن كلامه عليه السلام
    لكميل بن زياد النخعى
    قال كميل بن زياد : أخذ بيدى أمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه السّلام فأخرجنى إلى الجبان (2) فلما أصحر تنفس الصعداء ، ثم قال : يا كميل [بن زياد] إنّ هذه القلوب أوعية (3) ، فخيرها أوعاها ، فاحفظ عنّى ما أقول لك : النّاس ثلاثة : فعالم ربّانىّ (4) ، ومتعلّم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كلّ ناعق يميلون مع كلّ ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق
    __________________
    (1) السياسة : حفظ الشىء بما يحوطه من غيره ، فسياسة الرعية حفظ نظامها بقوة الرأى والأخذ بالحدود. والصدقة تستحفظ الشفقة ، والشفقة تستزيد الايمان وتذكر اللّه. والزكاة : أداء حق اللّه من المال ، وأداء الحق حصن النعمة
    (2) الجبان كالجبانة : المقبرة ، و «أصحر» أى : صار فى الصحراء
    (3) أوعية : جمع وعاء ، وأوعاها : أحفظها
    (4) العالم الربانى : هو المتأله العارف باللّه ، والمتعلم على طريق النجاة إذا أتم علمه نجا ، والهمج ـ محركة ـ : الحمقى من الناس ، والرعاع ـ كسحاب ـ : الأحداث الطغام الذين لا منزلة لهم فى الناس ، والناعق : مجاز عن الداعى إلى باطل أو حق

    يا كميل : العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال [و] المال تنقصه النّفقة والعلم يزكو على الإنفاق ، وصنيع المال يزول بزواله (1).
    يا كميل [بن زياد ، معرفة] العلم دين يدان به ، به يكسب الانسان الطّاعة فى حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته ، والعلم حاكم والمال محكوم عليه يا كميل ، هلك خزّان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقى الدّهر : أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم فى القلوب موجودة. ها إنّ ههنا لعلما جمّا (وأشار بيده إلى صدره) لو أصبت له حملة (2)! بلى أصبت لقنا غير مأمون عليه (3) مستعملا آلة الدّين للدّنيا ، ومستظهرا بنعم اللّه على عباده ، وبحججه على أوليائه ، أو منقادا لحملة الحقّ (4) لا بصيرة له فى أحنائه ، ينقدح الشّكّ فى
    __________________
    (1) من كان صنيعا لك متحببا إليك لمالك زال ما تراه منه بزوال مالك ، أما صنيع العلم فيبقى ما بقى العلم ، فانما العالم فى قومه كالنبى فى أمته ، فالعلم أشبه شىء بالدين ـ بكسر الدال ـ يوجب على المتدينين طاعة صاحبه فى حياته والثناء عليه بعد موته
    (2) الحملة ـ بالتحريك ـ : جمع حامل ، و «أصبت» بمعنى وجدت ، أى : لو وجدت له حاملين لأبرزته وبثثته
    (3) اللقن ـ بفتح فكسر ـ : من يفهم بسرعة ، إلا أن العلم لا يطبع أخلاقه على الفضائل ، فهو يستعمل وسائل الدين لجلب الدنيا ، ويستعين بنعم اللّه على إيذاء عباده
    (4) المنقاد لحاملى الحق : هو المقلد فى القول والعمل ، ولا بصيرة له فى دقائق الحق وخفاياه ، فذاك يسرع الشك إلى قلبه لأقل شبهة

    قلبه لأوّل عارض من شبهة. ألا لا ذا ولا ذاك (1)! أو منهوما باللّذّة (2) سلس القياد للشّهوة ، أو مغرما بالجمع والادّخار ، ليسا من رعاة الدّين فى شىء ، أقرب شىء شبها بهما الأنعام السّائمة! كذلك يموت العلم بموت حامليه
    الّلهمّ بلى! لا تخلو الأرض من قائم للّه بحجّة : إمّا ظاهرا مشهورا ، أو خائفا مغمورا (3) لئلاّ تبطل حجج اللّه وبيّناته. وكم ذا (4) وأين [أولئك]؟؟ أولئك ـ واللّه ـ الأقلّون عددا ، والأعظمون عند اللّه قدرا. يحفظ اللّه بهم حججه وبيّناته حتّى يودعوها نظراءهم ، ويزرعوها فى قلوب أشباههم ، هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة ، وباشروا روح اليقين ، واستلانوا ما استوعره المترفون (5) ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، وصحبوا الدّنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالمحلّ الأعلى. أولئك خلفاء اللّه فى أرضه ، والدّعاة إلى دينه
    __________________
    (1) لا يصلح لحمل العلم واحد منهما
    (2) المنهوم : المفرط فى شهوة الطعام ، وسلس القياد : سهله ، والمغرم بالجمع : المولع بكسب المال واكتنازه. وهذان ليسا ممن يرعى الدين فى شىء ، و «الأنعام» ـ أى : البهائم السائمة ـ أقرب شبها بهذين ، فهما أحط درجة من راعية البهائم ، لأنها لم تسقط عن منزلة أعدتها لها الفطرة أما هما فقد سقطا واختارا الأدنى على الأعلى
    (3) غمره الظلم حتى غطاه فهو لا يظهر
    (4) استفهام عن عدد القائمين للّه بحجته واستقلال له. وقوله «وأين أولئك؟» استفهام عن أمكنتهم وتنبيه على خفائها
    (5) عدوا ما استخشنه المنعمون لينا ، وهو الزهد.

    آه آه شوقا إلى رؤيتهم! انصرف [يا كميل] إذا شئت
    148 ـ وقال عليه السلام : المرء مخبوء تحت لسانه (1)
    149 ـ وقال عليه السلام : هلك امرؤ لم يعرف قدره.
    150 ـ وقال عليه السلام : لرجل ساله أن يعظه : لا تكن ممّن يرجو الآخرة بغير العمل ، ويرجّى التّوبة (2) بطول الأمل ، يقول فى الدّنيا بقول الزّاهدين ، ويعمل فيها بعمل الرّاغبين ، إن أعطى منها لم يشبع ، وإن منع منها لم يقنع ، يعجز عن شكر ما أوتى ، ويبتغى الزّيادة فيما بقى ، ينهى ولا ينتهى ، ويأمر بما لا يأتى ، يحبّ الصّالحين ولا يعمل عملهم ، ويبغض المذنبين وهو أحدهم ، يكره الموت لكثرة ذنوبه ، ويقيم على ما يكره الموت له (3) ، إن سقم ظلّ نادما (4) ، وإن صحّ أمن لاهيا ، يعجب بنفسه إذا عوفى ، ويقنط إذا ابتلى ، إن أصابه بلاء دعا مضطرّا ، وإن ناله رخاء أعرض مغترّا ، تغلبه نفسه على ما يظنّ ، ولا يغلبها على ما يستيقن (5) ،
    __________________
    (1) إنما يظهر عقل المرء وفضله بما يصدر عن لسانه ، فكأنه قد خبئ تحت لسانه ، فاذا تحرك اللسان انكشف
    (2) يرجى ـ بالتشديد ـ أى : يؤخر التوبة.
    (3) الذى يكره الموت لأجله هو الذنوب ، وأقام عليها : داوم على إتيانها
    (4) إن أصابه السقم لازم الندم على التفريط أيام الصحة ، فاذا عادت له الصحة غره الأمن وغرق فى اللهو
    (5) هو على يقين من أن السعادة فى الزهادة ، والشرف فى الفضيلة ، ثم لا يقهر

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    نهج البلاغه ج3 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: نهج البلاغه ج3   نهج البلاغه ج3 Emptyأمس في 9:29 pm

    يخاف على غيره بأدنى من ذنبه ، ويرجو لنفسه بأكثر من عمله ، إن استغنى بطروفتن (1) ، وإن افتقر قنط ووهن ، يقصّر إذا عمل ، ويبالغ إذا سأل ، إن عرضت له شهوة أسلف المعصية (2) ، وسوّف التّوبة ، وإن عرته محنة انفرج عن شرائط الملّة (3) ، يصف العبرة ولا يعتبر (4) ، ويبالغ فى الموعظة ولا يتّعظ ، فهو بالقول مدلّ (5) ، ومن العمل مقلّ ، ينافس فيما يفنى ، ويسامح فيما يبقى ، يرى الغنم مغرما (6) ، والغرم مغنما ، يخشى الموت ، ولا يبادر الفوت (7) يستعظم من معصية غيره ما يستقلّ أكثر منه من نفسه ، ويستكثر من طاعته ما يحقره من طاعة غيره ، فهو على النّاس طاعن ، ولنفسه مداهن ، اللّهو مع
    __________________
    نفسه على اكتسابهما ، وإذا ظن بل توهم لذة حاضرة أو منفعة عاجلة دفعته نفسه إليها وإن هلك
    (1) بطر ـ كفرح ـ : اغتر بالنعمة ، والغرور فتنة ، والقنوط : اليأس ، والوهن : الضعف
    (2) أسلف : قدم ، وسوف : أخر.
    (3) شرائط الملة : الثبات والصبر ، واستعانة اللّه على الخلاص عند عرو المحن أى : طروق البلايا. و «انفرج عنها» أى : انخلع وبعد
    (4) العبرة ـ بالكسر ـ تنبه النفس لما يصيب غيرها فتحترس من إتيان أسبابه
    (5) أدل على أقرانه : استعلى عليهم
    (6) الغنم ـ بالضم ـ : الغنيمة ، والمغرم : الغرامة ، والأعمال العظيمة غنيمة العقلاء ، والشهوات خسارة الأعمار
    (7) الفوت : فوات الفرصة وانقضاؤها ، وبادره : عاجله قبل أن يذهب.

    الأغنياء أحبّ إليه من الذّكر مع الفقراء ، يحكم على غيره لنفسه ، ولا يحكم عليها لغيره ، ويرشد غيره ويغوى نفسه. فهو يطاع ويعصى ، ويستوفى ولا يوفى ، ويخشى الخلق فى غير ربّه (1) ولا يخشى ربّه فى خلقه قال الرضى : ولو لم يكن فى هذا الكتاب إلا هذا الكلام لكفى [به] موعظة ناجعة ، وحكمة بالغة ، وبصيرة لمبصر ، وعبرة لناظر مفكر
    151 ـ وقال عليه السلام : لكلّ امرىء عاقبة حلوة أو مرّة
    152 ـ وقال عليه السلام : لكلّ مقبل إدبار ، وما أدبر كأن لم يكن.
    153 ـ وقال عليه السلام : لا يعدم الصّبور الظّفر وإن طال به الزّمان.
    154 ـ وقال عليه السلام : الرّاضى بفعل قوم كالدّاخل فيه معهم ، وعلى كلّ داخل فى باطل إثمان : إثم العمل به ، وإثم الرّضا به.
    155 ـ وقال عليه السلام : اعتصموا بالذّمم فى أوتادها (2)
    156 ـ وقال عليه السلام : عليكم بطاعة من لا تعذرون بجهالته (3)
    __________________
    (1) أى : يخشى الخلق فيعمل لغير اللّه خوفا منه ، ولكنه لا يخاف اللّه ، فهو يضر عباده ولا ينفع خلقه
    (2) تحصنوا بالذمم ـ اى : العهود ـ واعقدوها بأوتادها ، أى : الرجال أهل النجدة الذين يوفون بها. وإياكم والركون لعهد من لا عهد له.
    (3) أى : عليكم بطاعة عاقل لا تكون له جهالة تعتذرون بها عند البراءة من عيب السقوط فى مخاطر أعماله فيقل عذركم فى اتباعه

    157 ـ وقال عليه السلام : قد بصّرتم إن أبصرتم (1) وقد هديتم إن اهتديتم [وأسمعتم إن استمعتم] :
    158 ـ وقال عليه السلام : عاتب أخاك بالإحسان إليه ، واردد شرّه بالانعام عليه.
    159 ـ وقال عليه السلام : من وضع نفسه مواضع التّهمة فلا يلومنّ من أساء به الظّنّ.
    160 ـ وقال عليه السلام : من ملك استأثر (2)
    161 ـ وقال عليه السلام : من استبدّ برأيه هلك ، ومن شاور الرجال شاركها فى عقولها.
    162 ـ وقال عليه السلام : من كتم سرّه كانت الخيرة بيده (3)
    163 ـ وقال عليه السلام : الفقر الموت الأكبر.
    164 ـ وقال عليه السلام : من قضى حقّ من لا يقضى حقّه فقد عبده (4)
    __________________
    (1) كشف اللّه لكم عن الخير والشر ، فان كانت لكم أبصار فابصروا ، وكذا يقال فيما بعده.
    (2) «استأثر» أى : استبد
    (3) مثلا لو أسر عزيمة فله الخيار فى إنفاذها أو فسخها ، بخلاف ما لو أفشاها فربما ألزمته البواعث على فعلها ، أو أجبرته العوائق التى تعرض له فى إفشائها على فسخها ، وعلى هذا القياس
    (4) لأن العبادة خضوع لمن لا تطالبه بجزائه اعترافا بعظمته

    165 ـ وقال عليه السلام : لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق.
    166 ـ وقال عليه السلام : لا يعاب المرء بتأخير حقّه (1) إنّما يعاب من أخذ ما ليس له.
    167 ـ وقال عليه السلام : الإعجاب يمنع الازدياد (2)
    168 ـ وقال عليه السلام : الأمر قريب (3) والاصطحاب قليل.
    169 ـ وقال عليه السلام : قد أضاء الصّبح لذى عينين.
    170 ـ وقال عليه السلام : ترك الذّنب أهون من طلب المعونة.
    171 ـ وقال عليه السلام : كم من أكلة منعت أكلات (4)!
    172 ـ وقال عليه السلام : النّاس أعداء ما جهلوا.
    173 ـ وقال عليه السلام : من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطإ (5).
    __________________
    (1) المتسامح فى حقه لا يعاب ، وإنما يعاب سالب حق غيره
    (2) من أعجب بنفسه وثق بكمالها فلم يطلب لها الزيادة فى الكمال ، فلا يزيد بل ينقص.
    (3) أمر الآخر قريب ، والاصطحاب فى الدنيا قصير الزمن قليل.
    (4) رب شخص أكل مرة فأفرط فابتلى بالتخمة ومرض المعدة وامتنع عليه الأكل أياما.
    (5) من طلب الآراء من وجوهها الصحيحة انكشف له موقع الخطأ فاحترس منه «13 ـ ن ـ ج ـ 3»

    174 ـ وقال عليه السلام : من أحدّ سنان الغضب للّه قوى على قتل أشدّاء الباطل (1).
    175 ـ وقال عليه السلام : إذا هبت أمرا فقع فيه (2) ، فإنّ شدّة توقّيه أعظم ممّا تخاف منه.
    176 ـ وقال عليه السلام : آلة الرّياسة سعة الصّدر.
    177 ـ وقال عليه السلام : ازجر المسىء بثواب المحسن (3).
    178 ـ وقال عليه السلام : احصد الشّرّ من صدر غيرك بقلعه من صدرك.
    179 ـ وقال عليه السلام : اللّجاجة تسلّ الرّأى (4).
    180 ـ وقال عليه السلام : الطّمع رقّ مؤبّد.
    181 ـ وقال عليه السلام : ثمرة التّفريط النّدامة ، وثمرة الحزم السّلامة.
    182 ـ وقال عليه السلام : لا خير فى الصّمت عن الحكم ، كما أنّه
    __________________
    (1) أحد ـ بفتح الهمزة والحاء وتشديد الدال ـ أى : شحذ ، والسنان : نصل الرمح ، أى : من اشتد غضبه للّه اقتدر على قهر أهل الباطل وإن كانوا أشداء
    (2) إذا تخوفت من امر فادخل فيه ، فان ألم الخوف منه أشد من مصيبة الوقوع فيه
    (3) إذا كافأت المحسن على إحسانه أقلع المسىء عن إساءته طلبا للمكافأة.
    (4) اللجاجة شدة الخصام تعصبا لا للحق ، وهى تسل الرأى ، أى : تذهب به وتنزعه

    لا خير فى القول بالجهل.
    183 ـ وقال عليه السلام : ما اختلفت دعوتان إلاّ كانت إحداهما ضلالة (1).
    184 ـ وقال عليه السلام : ما شككت فى الحقّ مذ أريته.
    185 ـ وقال عليه السلام : ما كذبت ولا كذّبت ، ولا ضللت ولا ضلّ بى.
    186 ـ وقال عليه السلام : للظّالم البادى غدا بكفّه عضّة (2)!
    187 ـ وقال عليه السلام : الرّحيل وشيك (3).
    188 ـ وقال عليه السلام : من أبدى صفحته للحقّ هلك (4)
    189 ـ وقال عليه السلام : من لم ينجه الصّبر أهلكه الجزع
    190 ـ وقال عليه السلام : وا عجباه أتكون الخلافة بالصّحابة والقرابة؟ قال الرضى : وروى له شعر فى هذا المعنى
    فان كنت بالشّورى ملكت أمورهم
    فكيف بهذا والمشيرون غيّب (5)؟!

    __________________
    (1) لأن الحق واحد
    (2) يعض الظالم على يده ندما يوم القيامة
    (3) الرحيل من الدنيا إلى الآخرة قريب
    (4) من ظهر بمقاومة الحق هلك. وإبداء الصفحة : إظهار الوجه ، وقد يكون المعنى : من أعرض عن الحق ، والصفحة تظهر عند الاعراض بالجانب
    (5) جمع غائب : يريد بالمشيرين أصحاب الرأى فى الأمر ، وهم على وأصحابه من بنى هاشم.


    وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم (1)
    فغيرك أولى بالنّبىّ وأقرب

    191 ـ وقال عليه السلام : إنّما المرء فى الدّنيا غرض تنتضل فيه المنايا (2) ونهب تبادره المصائب ، ومع كلّ جرعة شرق (3) ، وفى كلّ أكلة غصص ولا ينال العبد نعمة إلاّ بفراق أخرى ، ولا يستقبل يوما من عمره إلاّ بفراق آخر من أجله. فنحن أعوان المنون (4) وأنفسنا نصب الحتوف فمن أين نرجو البقاء وهذا اللّيل والنّهار لم يرفعا من شىء شرفا (5) إلاّ أسرعا الكرّة فى هدم ما بنيا ، وتفريق ما جمعا؟!
    192 ـ وقال عليه السلام : يا ابن آدم ما كسبت فوق قوتك فأنت فيه خازن لغيرك
    __________________
    (1) يريد احتجاج أبى بكر رضى اللّه عنه على الأنصار بأن المهاجرين شجرة النبى صلى اللّه عليه وسلم
    (2) الغرض ـ بالتحريك ـ : ما ينصب ليصيبه الرامى ، و «تنتضل فيه» أى : تصيبه وتثبت فيه : والمنايا ، جمع منية ، وهى الموت ، والنهب ـ بفتح فسكون ـ : ما ينهب
    (3) الشرق ـ بالتحريك ـ : وقوف الماء فى الحلق ، أى : مع كل لذة ألم.
    (4) المنون ـ بفتح الميم ـ الموت : وكلما تقدمنا فى العمر تقربنا منه فنحن بمعيشتنا أعوانه على أنفسنا ، وأنفسنا نصب الحتوف ـ أى : تجاهها ـ والحتوف : جمع حتف ، أى : هلاك
    (5) الشرف : المكان العالى ، والمراد به هنا كل ما علا من مكان وغيره

    193 ـ وقال عليه السلام : إنّ للقلوب شهوة وإقبالا وإدبارا فأتوها من قبل شهوتها وإقبالها ، فإنّ القلب إذا أكره عمى
    194 ـ وكان عليه السلام يقول : متى أشفى غيظى إذا غضبت؟ أحين أعجز عن الانتقام فيقال لى لو صبرت؟ أم حين أقدر عليه فيقال لى لو عفوت (1)
    195 ـ وقال عليه السلام وقد مر بقذر على مزبلة : هذا ما بخل به الباخلون (2) وروى فى خبر آخر أنه قال : هذا ما كنتم تتنافسون فيه بالأمس
    196 ـ وقال عليه السلام : لم يذهب من مالك ما وعظك (3)
    197 ـ وقال عليه السلام : إنّ هذه القلوب تملّ كما تملّ الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكمة.
    198 ـ وقال عليه السلام لما سمع قول الخوارج «لا حكم إلا للّه» : كلمة حقّ يراد بها باطل (4)
    __________________
    (1) لا يصح التشفى على أى حال : أما فى حال العجز فالصبر أشفى ، وأما عند القدرة فالعفو أجمل
    (2) تلك الأقذار : هى لذائذ الأطعمة التى كان يبخل ببذلها البخلاء ، وهى ما كان الناس يتنافسون فيه كل يطلبه
    (3) إذا أحدث فيك ضياع المال بصيرة وحذرا فما اكتسبته خير مما ضاع
    (4) فانهم قصدوا بها الاحتجاج على خروجهم من طاعة الخليفة

    199 ـ وقال عليه السلام فى صفة الغوغاء (1) : هم الّذين إذا اجتمعوا غلبوا ، وإذا تفرّقوا لم يعرفوا ، وقيل : بل قال عليه السلام : هم الّذين إذا اجتمعوا ضرّوا ، وإذا تفرّقوا نفعوا ، فقيل : قد عرفنا مضرة اجتماعهم فما منفعة افتراقهم؟ فقال : يرجع أصحاب المهن إلى مهنتهم ، فينتفع النّاس بهم كرجوع البنّاء إلى بنائه ، والنّسّاج إلى منسجه ، والخبّاز إلى مخبزه
    200 ـ وقال عليه السلام ، وأتى بجان ومعه غوغاء ، فقال : لا مرحبا بوجوه لا ترى إلاّ عند كلّ سوأة.
    201 ـ وقال عليه السلام : إنّ مع كلّ إنسان ملكين يحفظانه ، فإذا جاء القدر خلّيا بينه وبينه ، وإنّ الأجل جنّة حصينة (2).
    202 ـ وقال عليه السلام ، وقد قال له طلحة والزبير : نبايعك على أنا شركاؤك فى هذا الأمر : لا ، ولكنّكما شريكان فى القوّة والاستعانة ، وعونان على العجز والأود (3)
    __________________
    (1) الغوغاء ـ بغينين معجمتين ـ أوباش الناس يجتمعون على غير ترتيب ، وهم يغلبون على ما اجتمعوا عليه ، ولكنهم إذا تفرقوا لا يعرفهم أحد ، لانحطاط درجة كل منهم.
    (2) الأجل : ما قدره اللّه للحى من مدة العمر ، وهو وقاية منيعة من الهلكة
    (3) الأود ـ بفتح وسكون ـ : بلوغ الأمر من الانسان مجهوده لشدته وصعوبه احتماله.

    203 ـ وقال عليه السلام : أيّها النّاس ، اتّقوا اللّه الّذى إن قلتم سمع ، وإن أضمرتم علم ، وبادروا الموت الّذى إن هربتم [منه] أدرككم ، وإن أقمتم أخذكم ، وإن نسيتموه ذكركم.
    204 ـ وقال عليه السلام : لا يزهدنّك فى المعروف من لا يشكر لك ، فقد يشكرك عليه من لا يستمتع [بشىء] منه ، وقد تدرك من شكر الشّاكر أكثر ممّا أضاع الكافر ، واللّه يحبّ المحسنين.
    205 ـ وقال عليه السلام : كلّ وعاء يضيق بما جعل فيه إلاّ وعاء العلم فانّه يتّسع (1).
    206 ـ وقال عليه السلام : أوّل عوض الحليم من حلمه أنّ النّاس أنصاره على الجاهل.
    207 ـ وقال عليه السلام : إن لم تكن حليما فتحلّم ، فإنّه قلّ من تشبّه بقوم إلاّ أوشك أن يكون منهم
    208 ـ وقال عليه السلام : من حاسب نفسه ربح ، ومن غفل عنها خسر ، ومن خاف أمن ، ومن اعتبر أبصر ، ومن أبصر فهم ، ومن فهم علم.
    209 ـ وقال عليه السلام : لتعطفنّ الدّنيا علينا بعد شماسها عطف
    __________________
    (1) وعاء العلم : هو العقل ، وهو يتسع بكثرة العلم.

    الضّروس على ولدها (1). وتلا عقيب ذلك : «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ اَلْوٰارِثِينَ»
    210 ـ وقال عليه السلام : اتّقوا اللّه تقيّة من شمّر تجريدا وجدّ تشميرا ، وكمّش فى مهل (2) وبادر عن وجل ، ونظر فى كرّة الموئل ، وعاقبة المصدر ومغبّة المرجع.
    211 ـ وقال عليه السلام : الجود حارس الأعراض ، والعلم فدام السّفيه (3) ، والعفو زكاة الظّفر ، والسّلوّ عوضك ممّن غدر (4) ، والاستشارة
    __________________
    (1) الشماس ـ بالكسر ـ : امتناع ظهر الفرس من الركوب ، والضروس ـ بفتح فضم ـ : الناقة السيئة الخلق تعض حالبها ، أى : إن الدنيا ستنقاد لنا بعد جموحها وتلين بعد خشونتها ، كما تنعطف الناقة على ولدها ، وإن أبت على الحالب
    (2) كمش ـ بتشديد الميم ـ : جد فى السوق ، أى : وبالغ فى حت نفسه على المسير إلى اللّه ، لكن مع تمهل البصيرة. والوجل : الخوف. والموئل : مستقر السير ، يريد به هنا ما ينتهى إليه الانسان : من سعادة وشقاء ، وكرته : حملته واقباله. والمغبة ـ بفتح الميم والغين وتشديد الباء ـ : العاقبة أيضا ، إلا أنه يلاحظ فيها مجرد كونها بعد الأمر. أما العاقبة ففيها أنها مسببة عنه ، والمصدر : عملك الذى يكون عنه ثوابك وعقابك ، والمرجع : ما ترجع إليه بعد الموت ويتبعه إما السعادة أو الشقاوة
    (3) الفدام ـ ككتاب ، وسحاب ، وتشدد الدال أيضا مع الفتح ـ : شىء تشده العجم على أفواهها عند السقى ، أى : وإذا حلمت فكأنك ربطت فم السفيه بالفدام فمنعته عن الكلام
    (4) أى : من غدرك فلك خلف عنه ، وهو أن تسلوه وتهجره كأنه لم يكن

    عين الهداية. وقد خاطر من استغنى برأيه ، والصّبر يناصل الحدثان (1) والجزع من أعوان الزّمان ، وأشرف الغنى ترك المنى (2) ، وكم من عقل أسير تحت هوى أمير (3) ، ومن التّوفيق حفظ التّجربة ، والمودّة قرابة مستفادة ، ولا تأمننّ ملولا (4).
    212 ـ وقال عليه السلام : عجب المرء بنفسه أحد حسّاد عقله (5)
    213 ـ وقال عليه السلام : أغض على القذى والألم ترض أبدا (6)
    214 ـ وقال عليه السلام : من لان عوده كثفت أغصانه (7)
    __________________
    (1) الحدثان ـ بكسر فسكون ـ : نوائب الدهر ، والصبر يناضلها ، أى : يدافعها ، والجزع ـ وهو شدة الفزع ـ يعين الزمان على الاضرار بصاحبه
    (2) المنى ـ بضم ففتح ـ : جمع منية ، وهى ما يتمناه الانسان ، وإذا لم تتمن شيئا فقد استغنيت عنه
    (3) كثير من الناس جعلوا أهواءهم مسلطة على عقولهم ، فعقولهم أسرى تحت حكمها
    (4) الملول ـ بفتح الميم ـ : السريع الملل والسآمة ، وهو لا يؤمن ، إذ قد يمل عند حاجتك إليه فيفسد عليك عملك.
    (5) العجب حجاب بين العقل وعيوب النفس ، فاذا لم يدر بها سقط بل أوغل فيها فيعود عليه بالنقص ، فكأن العجب حاسد يحول بين العقل ونعمة الكمال.
    (6) القذى : الشىء يسقط فى العين ، والاغضاء عليه : كناية عن تحمل الأذى ، ومن لم يتحمل يعش ساخطا ، لأن الحياة لا تخلو من أذى
    (7) يريد من لين العود : طراوة الجثمان الانسانى ونضارته بحياة الفضل وماء الهمة ، وكثافة الأغصان : كثرة الآثار التى تصدر عنه كأنها فروعه ، ويريد بها كثرة الأعوان

    215 ـ وقال عليه السلام : الخلاف يهدم الرّأى
    216 ـ وقال عليه السلام : من نال استطال (1)
    217 ـ وقال عليه السلام : فى تقلّب الأحوال علم جواهر الرّجال
    218 ـ وقال عليه السلام : حسد الصّديق من سقم المودّة (2)
    219 ـ وقال عليه السلام : أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع
    220 ـ وقال عليه السلام : ليس من العدل القضاء على الثّقة بالظّنّ (3)
    221 ـ وقال عليه السلام : بئس الزّاد إلى المعاد ، العدوان على العباد
    222 ـ وقال عليه السلام : من أشرف أعمال الكريم غفلته عمّا يعلم (4)
    223 ـ وقال عليه السلام : من كساه الحياء ثوبه لم ير النّاس عيبه
    224 ـ وقال عليه السلام : بكثرة الصّمت تكون الهيبة ، وبالنّصفة يكثر المواصلون (5) ، وبالإفضال تعظم الأقدار ، وبالتّواضع تتمّ النّعمة
    __________________
    (1) «نال» أى : أعطى ، يقال : نلته ـ على وزن قلته ـ أى : أعطيته. وهذا مثل قولهم «من جاد ساد» فان الاستطالة : الاستعلاء بالفضل
    (2) لو لا ضعف المودة ما كان الحسد. وأول الصداقة انصراف النظر عن رؤية التفاوت
    (3) الواثق بظنه واهم ، فلا بد لمريد العدل من طلب اليقين بموجب الحكم.
    (4) أى : عدم التفاته لعيوب الناس وإشاعتها وإن علمها
    (5) النصفة ـ بالتحريك ـ : الانصاف ، ومتى أنصف الانسان كثر مواصلوه ، أى : محبوه

    وباحتمال المؤمن يجب السّؤدد (1) ، وبالسّيرة العادلة يقهر المناوىء (2) ، وبالحلم عن السّفيه تكثر الأنصار عليه
    225 ـ وقال عليه السلام : العجب لغفلة الحسّاد عن سلامة الأجساد (3)
    226 ـ وقال عليه السلام : الطّامع فى وثاق الذّلّ
    227 ـ وسئل عن الإيمان فقال : الإيمان معرفة بالقلب ، وإقرار باللّسان ، وعمل بالأركان.
    228 ـ وقال عليه السلام : من أصبح على الدّنيا حزينا فقد أصبح لقضاء اللّه ساخطا ، ومن أصبح يشكو مصيبة نزلت به فقد أصبح يشكو ربّه ، ومن أنى غنيّا فتواضع [له] لغناه ذهب ثلثا دينه (4) ومن قرأ القرآن فمات فدخل النّار فهو ممّن كان يتّخذ آيات اللّه هزوا ، ومن لهج قلبه بحبّ الدّنيا التاط قلبه منها بثلاث (5) : همّ لا يغبّه ، وحرص لا يتركه ، وأمل لا يدركه.
    __________________
    (1) المؤن ـ بضم ففتح ـ : جمع مؤنة ، وهى القوت ، أى : إن السؤدد والشرف باحتمال المؤنات عن الناس
    (2) المناوىء : المخالف المعاند
    (3) أى : من العجيب أن يحسد الحاسدون على المال والجاه مثلا ، ولا يحسدون الناس على سلامة أجسادهم ، مع أنها من أجل النعم.
    (4) لأن استعظام المال ضعف فى اليقين باللّه ، والخضوع : أداء عمل لغير اللّه ، فلم يبق إلا الاقرار باللسان
    (5) التاط التصق :

    229 ـ وقال عليه السلام : كفى بالقناعة ملكا ، وبحسن الخلق نعيما ، وسئل عليه السلام عن قوله تعالى : «فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيٰاةً طَيِّبَةً» فقال : هى القناعة
    230 ـ وقال عليه السلام : شاركوا الّذى قد أقبل عليه الرّزق ، فانّه أخلق للغنى وأجدر بإقبال الحظّ عليه (1).
    231 ـ وقال عليه السلام فى قوله تعالى : «إِنَّ اَللّٰهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَاَلْإِحْسٰانِ» العدل : الإنصاف ، والإحسان : التّفضّل.
    232 ـ وقال عليه السلام : من يعط باليد القصيرة يعط باليد الطّويلة قال الرضى : أقول : ومعنى ذلك أن ما ينفقه المرء من ماله فى سبيل الخير والبز وإن كان يسيرا فإن اللّه تعالى يجعل الجزاء عليه عظيما كثيرا ، واليدان ههنا : عبارتان عن النعمتين ، ففرق عليه السلام بين نعمة العبد ونعمة الرب [تعالى ذكره] فجعل تلك قصيرة وهذه طويلة ، لأن نعم اللّه أبدا تضعف على نعم المخلوق أضعافا كثيرة (2) إذ كانت نعم اللّه أصل النعم كلها ، فكل نعمة إليها ترجع ومنها تنزع
    233 ـ وقال عليه السلام لابنه الحسن عليهما السلام : لا تدعونّ إلى مبارزة (3) وإن دعيت إليها فأجب فانّ الدّاعى باغ والباغى مصروع.
    __________________
    (1) أى : إذا رأيتم شخصا أقبل عليه الرزق فاشتركوا معه فى عمله من تجارة أو زراعة أو غيرهما فانه مظنة الربح.
    (2) تضعف ـ مجهول ـ : من «أضعفه» إذا جعله ضعفين
    (3) المبارزة : بروز كل للآخر ليقتتلا ، ومصروع : مغلوب مطروح

    234 ـ وقال عليه السلام : خيار خصال النّساء شرار خصال الرّجال : الزّهو ، والجبن ، والبخل (1) فاذا كانت المرأة مزهوّة لم تمكّن من نفسها ، وإذا كانت بخيلة حفظت مالها ومال بعلها ، وإذا كانت جبانة فرقت من كلّ شىء يعرض لها (2)
    235 ـ وقيل له : صف لنا العاقل ، فقال عليه السلام : هو الّذى يضع الشّىء مواضعه ، فقيل : فصف لنا الجاهل ، فقال : قد فعلت قال الرضى : يعنى أن الجاهل هو الذى لا يضع الشىء مواضعه فكأن ترك صفته صفة له ، إذ كان بخلاف وصف العاقل
    236 ـ وقال عليه السلام : واللّه لدنياكم هذه أهون فى عينى من عراق خنزير فى يد مجذوم (3)
    237 ـ وقال عليه السلام : إنّ قوما عبدوا اللّه رغبة فتلك عبادة التّجّار (4)
    __________________
    (1) الزهو ـ بالفتح ـ : الكبر ، وزهى ـ كعنى ، مبنى للمجهول ـ أى : تكبر ، ومنه «مزهوة» أى : متكبرة
    (2) فرقت ـ كفرحت ـ أى : فزعت.
    (3) العراق ـ بكسر العين ـ : هو من الحشا ما فوق السرة معترضا البطن ، والمجذوم : المصاب بمرض الجذام ، وما أقذر كرش الخنزير وأمعاءه إذا كانت فى يد شوهها الجذام.
    (4) لأنهم يعبدون لطلب عوض

    وإنّ قوما عبدوا اللّه رهبة فتلك عبادة العبيد (1) ، وإنّ قوما عبدوا اللّه شكرا فتلك عبادة الأحرار (2)
    238 ـ وقال عليه السلام : المرأة شرّ كلّها ، وشرّ ما فيها أنّه لا بدّ منها!
    239 ـ وقال عليه السلام : من أطاع التّوانى ضيّع الحقوق ، ومن أطاع الواشى ضيّع الصّديق.
    240 ـ وقال عليه السلام : الحجر الغصيب فى الدّار رهن على خرابها (3) قال الرضى : ويروى هذا الكلام عن النبى صلى اللّه عليه وسلم ، ولا عجب أن يشتبه الكلامان ، لأن مستقاهما من قليب ، ومفرغهما من ذنوب (4)
    241 ـ وقال عليه السلام : يوم المظلوم على الظّالم أشدّ من يوم الظّالم على المظلوم.
    242 ـ وقال عليه السلام : اتق اللّه بعض التّقى وإن قلّ ، واجعل بينك وبين اللّه سترا وإن رقّ.
    __________________
    (1) لأنهم ذلوا للخوف.
    (2) لأنهم عرفوا حقا عليهم فأدوه ، وتلك شيمة الأحرار
    (3) «الغصيب» أى : المغصوب ، أى : إن الاغتصاب قاض بالخراب كما يقضى الرهن بأداء الدين المرهون عليه
    (4) القليب ـ بفتح فكسر ـ : البئر ، والذنوب ـ بفتح فضم ـ : الدلو الكبير ، فان الامام يستقى من بئر النبوة ويفرغ من دلوها

    243 ـ وقال عليه السلام : إذا ازدحم الجواب خفى الصّواب (1).
    244 ـ وقال عليه السلام : إنّ للّه فى كلّ نعمة حقّا ، فمن أدّاه زاده منها ، ومن قصّر عنه حاطر بزوال نعمته
    245 ـ وقال عليه السلام : إذا كثرت المقدرة قلّت الشّهوة (2)
    246 ـ وقال عليه السلام : احذروا نفار النّعم فما كلّ شارد بمردود (3).
    247 ـ وقال عليه السلام : الكرم أعطف من الرّحم (4)
    248 ـ وقال عليه السلام : من ظنّ بك خيرا فصدّق ظنّه (5)
    249 ـ وقال عليه السلام : أفضل الأعمال ما أكرهت نفسك عليه (6)
    250 ـ وقال عليه السلام : عرفت اللّه سبحانه بفسخ العزائم ، وحلّ العقود (7) ، [ونقض الهمم]
    __________________
    (1) ازدحام الجواب : تشابه المعانى حتى لا يدرى أيها أوفق بالسؤال ، وهو مما يوجب خفاء الصواب.
    (2) فان من ملك زهد
    (3) نفار النعم : نفورها بعدم أداء الحق منها فتزول
    (4) إن الكريم ينعطف للاحسان بكرمه أكثر مما ينعطف القريب بقرابته ، وهى كلمة من أعلى الكلام.
    (5) بعمل الخير الذى ظنه بك
    (6) وهو ما خالفت فيه الشهوة
    (7) العقود : جمع عقد ، بمعنى النية تنعقد على فعل أمر ، والعزائم : جمع عزيمة ،

    251 ـ وقال عليه السلام : مرارة الدّنيا حلاوة الآخرة ، وحلاوة الدّنيا مرارة الآخرة (1)
    252 ـ وقال عليه السلام : فرض اللّه الإيمان تطهيرا من الشّرك والصّلاة تنزيها عن الكبر ، والزّكاة تسبيبا للرّزق ، والصّيام ابتلاء لاخلاص الخلق ، والحجّ تقربة للدّين (2) ، والجهاد عزّا للاسلام ، والأمر بالمعروف مصلحة للعوامّ ، والنّهى عن المنكر ردعا للسّفهاء ، وصلة الرّحم منماة للعدد (3) والقصاص حقنا للدّماء ، وإقامة الحدود إعظاما للمحارم ، وترك شرب الخمر تحصينا للعقل ، ومجانبة السّرقة إيجابا للعفّة ، وترك الزّنا تحصينا للنّسب ، وترك اللّواط تكثيرا للنّسل ، والشّهادة استظهارا على المجاحدات (4) ، وترك الكذب
    __________________
    وفسخها : نقضها ، ولو لا أن هناك قدرة سامية فوق إرادة البشر ـ وهى قدرة اللّه ـ لكان الانسان كلما عزم على شىء أمضاه ، لكنه قد يعزم واللّه يفسخ
    (1) حلاوة الدنيا باستيفاء اللذات ، ومرارتها بالعفاف عنها. وفى الأول مرارة العذاب فى الآخرة ، وفى الثانى حلاوة الثواب فيها
    (2) أى : سببا لتقرب أهل الدين بعضهم من بعض ، إذ يجتمعون من جميع الأقطار فى مقام واحد لغرض واحد. وفى نسخة «تقوية» فان تجديد الألفة بين المسلمين فى كل عام بالاجتماع والتعارف مما يقوى الاسلام.
    (3) فانه إذا تواصل الأقرباء على كثرتهم كثر بهم عدد الأنصار.
    (4) إنما فرضت الشهادة ـ وهى الموت فى نصر الحق ـ ليستعان بذلك على قهر الجاحدين له فيبطل جحوده

    تشريفا للصّدق ، والسّلام أمانا من المخاوف ، والأمانات نظاما للأمّة (1) ، والطّاعة تعظيما للامامة.
    253 ـ وكان عليه السلام يقول : أحلفوا الظّالم ـ إذا أردتم يمينه ـ بأنّه برىء من حول اللّه وقوّته فانّه إذا حلف بها كاذبا عوجل [العقوبة] ، وإذا حلف باللّه الّذى لا إله إلاّ هو لم يعاجل ، لأنّه قد وحّد اللّه تعالى.
    254 ـ وقال عليه السلام : يا بن آدم ، كن وصىّ نفسك فى مالك ، واعمل فيه ما تؤثر أن يعمل فيه من بعدك (2) :
    255 ـ وقال عليه السلام : الحدّة ضرب من الجنون ، لأنّ صاحبها يندم ، فان لم يندم فجنونه مستحكم.
    256 ـ وقال عليه السلام : صحّة الجسد ، من قلّة الحسد.
    257 ـ وقال عليه السلام [لكميل بن زياد النخعى] : يا كميل ، مر أهلك أن يروحوا فى كسب المكارم ، ويدلجوا فى حاجة من هو نائم (3) فو الّذى
    __________________
    (1) لأنه إذا روعيت الأمانة فى الأعمال أدى كل عامل ما يجب عليه فتنتظم شؤون الأمة. أما لو كثرت الخيانات فقد فسدت وكثر الاهمال فاختل النظام
    (2) أى : اعمل فى مالك وأنت حى ما تؤثر ـ أى : تحب ـ أن يعمل فيه خلفاؤك. ولا حاجة أن تدخر ثم توصى ورثتك أن يعملوا خيرا بعدك
    (3) الرواح : السير من بعد الظهر ، والادلاج : السير من أول الليل ، والمراد من المكارم : المحامد ، وكسبها بعمل المعروف ، وكأنه يقول : أرض أهلك أن «14 ـ ن ـ ج ـ 3» ـ يواصلوا أعمال الخير فرواحهم فى الاحسان وإدلاجهم فى قضاء الحوائج وإن نام عنها أربابها.

    وسع سمعه الأصوات ما من أحد أودع قلبا سرورا إلاّ وخلق اللّه له من ذلك السّرور لطفا ، فإذا نزلت به نائبة جرى إليها (1) كالماء فى انحداره حتّى يطردها عنه كما تطرد غريبة الإبل.
    258 ـ وقال عليه السلام : إذا أملقتم فتاجروا اللّه بالصّدقة (2)
    259 ـ وقال عليه السلام : الوفاء لأهل الغدر غدر عند اللّه ، والغدر بأهل الغدر وفاء عند اللّه.
    260 ـ [وقال عليه السلام : كم من مستدرج بالاحسان إليه ، ومغرور بالسّتر عليه ، ومفتون بحسن القول فيه. وما ابتلى اللّه سبحانه أحدا بمثل الإملاء له.] قال الرضى : وقد مضى هذا الكلام فيما تقدم ، إلا أن فيه ههنا زيادة جيدة مفيدة
    __________________
    (1) الضمير فى «جرى» للطف ، وفى «إليها» للنائبة وغريبة الابل لا تكون من مال صاحب المرعى فيطردها من بين ماله
    (2) أى : إذا افتقرتم فتصدقوا ، فان اللّه يعطف الرزق عليكم بالصدقة فكأنكم عاملتم اللّه بالتجارة. وههنا سر لا يعلم

    فصل نذكر فيه شيئا من اختيار غريب كلامه
    المحتاج إلى التفسير
    1 ـ فى حديثه عليه السلام :
    فإذا كان ذلك ضرب يعسوب الدّين بذنبه ، فيجتمعون إليه كما يجتمع قزع الخريف قال الرضى ـ اليعسوب : السيد العظيم المالك لأمور الناس يومئذ ، والقزع : قطع الغيم التى لا ماء فيها
    2 ـ وفى حديثه عليه السلام :
    هذا الخطيب الشّحشح
    يريد الماهر بالخطبة الماضى فيها ، وكل ماض فى كلام أو سير فهو شحشح ، والشحشح فى غير هذا الموضع : البخيل الممسك
    3 ـ وفى حديثه عليه السلام :
    إنّ للخصومة قحما
    يريد بالقحم المهالك ، لأنها تقحم أصحابها فى المهالك والمتالف فى الأكثر ، ومن ذلك «قحمة الأعراب» وهو أن تصيبهم السنة فتتعرق أموالهم (1) فذلك تقحمها فيهم. وقيل فيه وجه آخر ، وهو أنها تقحمهم بلاد الريف ، أى : تحوجهم إلى دخول الحضر عند محول البدو
    __________________
    (1) تتعرق أموالهم : من قولهم «تعرق فلان العظم» أى : أكل جميع ما عليه من اللحم

    4 ـ وفى حديثه عليه السلام
    إذا بلغ النّساء نصّ الحقاق فالعصبة أولى
    والنص : منتهى الأشياء ومبلغ أقصاها كالنص فى السير لأنه أقصى ما تقدر عليه الدابة. وتقول : نصصت الرجل عن الأمر ، إذا استقصيت مسألته عنه لتستخرج ما عنده فيه. فنص الحقاق يريد به الادراك لأنه منتهى الصغر والوقت الذى يخرج منه الصغير إلى حد الكبير ، وهو من أفصح الكنايات عن هذا الأمر [وأغربها. يقول :] فاذا بلغ النساء ذلك فالعصبة أولى بالمرأة من أمها إذا كانوا محرما مثل الأخوة والأعمام ، وبتزويجها إن أرادوا ذلك والحقاق محاقة الأم للعصبة فى المرأة وهو الجدال والخصومة وقول كل واحد منهما للآخر «أنا أحق منك بهذا» يقال منه : حاققته حقاقا ، مثل جادلته جدالا. وقد قيل : إن «نص الحقاق» بلوغ العقل ، وهو الادراك ، لأنه عليه السلام إنما أراد منتهى الأمر الذى تجب فيه الحقوق والأحكام ، ومن رواه «نص الحقائق» فانما أراد جمع حقيقة
    هذا معنى ما ذكره أبو عبيد [القاسم بن سلام] والذى عندى أن المراد بنص الحقاق ههنا بلوغ المرأة إلى الحد الذى يجوز فيه تزويجها وتصرفها فى حقوقها ، تشبيها بالحقاق من الابل ، وهى جمع حقة وحق (1) وهو الذى استكمل ثلاث سنين ودخل فى الرابعة ، وعند ذلك يبلغ إلى الحد الذى يتمكن فيه من ركوب ظهره ، ونصه فى السير ، والحقائق أيضا : جمع حقة. فالروايتان جميعا ترجعان إلى معنى واحد ، وهذا أشبه بطريقة العرب من المعنى المذكور
    __________________
    (1) بكسر الحاء فيهما

    5 ـ وفى حديثه عليه السلام
    إنّ الايمان يبدو لمظة فى القلب كلّما ازداد الايمان ازدادت اللّمظة (1) واللمظة مثل النكتة أو نحوها من البياض. ومنه قيل : فرس ألمظ ، إذا كان بجحفلته شىء من البياض (2)
    6 ـ وفى حديثه عليه السلام
    إنّ الرجل إذا كان له الدّين الظّنون يجب عليه أن يزكّيه لما مضى إذا قبضه فالظنون [الذى لا يعلم صاحبه أيقضيه من الذى هو عليه أم لا ، فكانه] الذى يظن به فمرة يرجوه ومرة لا يرجوه. وهذا من أفصح الكلام ، وكذلك كل أمر تطلبه ولا تدرى على أى شىء أنت منه فهو ظنون (3) وعلى ذلك قول الأعشى
    ما يجعل الجدّ الظّنون الّذى
    جنّب صوب اللّجب الماطر

    مثل الفراتىّ إذا ما طما
    يقذف بالبوصىّ والماهر

    والجد : البئر (4) [العادية فى الصحراء] والظنون : التى لا يعلم هل فيها ماء أم لا
    7 ـ وفى حديثه عليه السلام : أنه شيع جيشا يغزيه فقال : اعذبوا عن النّساء ما استطعتم
    __________________
    (1) اللمظة : بضم اللام وسكون الميم
    (2) الجحفلة ـ بتقديم الجيم المفتوحة على الحاء الساكنة ـ للخيل والبغال والحمير بمنزلة الشفة للانسان
    (3) هو بفتح الظاء
    (4) الجد ـ بضم الجيم ـ وتقدم تفسير الأبيات فى الخطبة الشقشقية فراجعه

    ومعناه اصدفوا عن ذكر النساء (1) وشغل القلب بهن ، وامتنعوا من المقاربة لهن ، لأن ذلك يفت فى عضد الحمية (2) ويقدح فى معاقد العزيمة ، ويكسر عن العدو ، ويلفت عن الابعاد فى الغزو ، وكل من امتنع من شىء فقد أعذب عنه. والعاذب والعذوب الممتنع من الأكل والشرب
    8 ـ وفى حديثه عليه السلام :
    كالياسر الفالج ينتظر أوّل فوزة من قداحه الياسرون : هم الذين يتضاربون بالقداح على الجزور (3) ، والفالج : القاهر والغالب ، يقال : فلج عليهم وفلجهم ، وقال الراجز :
    لما رأيت فالجا قد فلجا
    9 ـ وفى حديثه عليه السلام :
    كنّا إذا احمرّ البأس اتّقينا برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فلم يكن أحد منّا أقرب إلى العدوّ منه
    ومعنى ذلك أنه إذا عظم الخوف من العدو واشتد عضاض الحرب (4)
    __________________
    (1) اعذبوا واصدفوا بكسر عين الفعل : أى : أعرضوا واتركوا
    (2) الفت : الدق والكسر ، وفت فى ساعده ـ من باب نصر ـ أى : اضعفه كأنه كسره ، ومعاقد العزيمة : مواضع انعقادها وهى القلوب ، وقدح فيها بمعنى خرقها كناية عن أوهنها. والعدو ـ بفتح فسكون ـ : الجرى ، و «يكسر عنه» أى : يقعد عنه.
    (3) الجزور ـ بفتح الجيم ـ : الناقة المجزورة ، أى : المنحورة. والمضاربة بالسهام : المقامرة على النصيب من الناقة ، وفلج : من باب ضرب ونصر
    (4) العضاض ـ بكسر العين ـ : أصله عض الفرس ، مجاز عن إهلاكها للمتحاربين

    فزع المسلمون إلى قتال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بنفسه (1) ، فينزل اللّه عليهم النصر به ، ويأمنون مما كانوا يخافونه بمكانه وقوله «إذا احمر الباس» كناية عن اشتداد الأمر ، وقد قيل فى ذلك أقوال أحسنها : أنه شبه حمى الحرب بالنار (2) التى تجمع الحرارة والحمرة بفعلها ولونها ، ومما يقوى ذلك قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وقد رأى مجتلد الناس يوم حنين (3) وهى حرب هوازن : «الآن حمى الوطيس» فالوطيس : مستوقد النار ، فشبه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ما استحر من جلاد القوم (4) باحتدام النار وشدة التهابها.
    * انقضى هذا الفصل ، ورجعنا إلى سنن الغرض الأول فى هذا الباب*
    261 ـ وقال عليه السلام : لما بلغه إغارة أصحاب معاوية على الأنبار ، فخرج بنفسه ماشيا حتى أتى النخيلة (5) فأدركه الناس ، وقالوا : يا أمير المؤمنين ، نحن نكفيكهم ، فقال : ما تكفوننى أنفسكم فكيف تكفوننى غيركم؟ إن كانت الرّعايا قبلى لتشكو حيف رعاتها ، وإنّنى اليوم لأشكو حيف رعيّتى ، كأنّنى المقود وهم القادة ، أو الموزوع وهم الوزعة (6)!
    __________________
    (1) فزع المسلمون : لجأوا إلى طلب رسول اللّه ليقاتل بنفسه
    (2) الحمى ـ بفتح فسكون ـ مصدر «حميت النار» اشتد حرها
    (3) مجتلد : مصدر ميمى من الاجتلاد ، أى : الاقتتال
    (4) استحر : اشتد ، والجلاد : القتال.
    (5) النخيلة ـ بضم ففتح ـ : موضع بالعراق اقتتل فيه الامام مع الخوارج بعد صفين
    (6) المقود : اسم مفعول ، والقادة : جمع قائد ، والوزعة ـ محركة ـ جمع وازع بمعنى الحاكم ، والموزوع : المحكوم

    فلما قال عليه السلام هذا القول فى كلام طويل قد ذكرنا مختاره فى جملة الخطب ، تقدم إليه رجلان من أصحابه فقال أحدهما : إنى لا أملك إلا نفسى وأخى فمر بأمرك يا أمير المؤمنين ننقد له فقال عليه السلام : وأين تقعان ممّا أريد؟ (1)
    262 ـ وقيل إن الحارث بن حوت أتاه فقال : أترانى أظن أصحاب الجمل كانوا على ضلالة (2)؟. فقال عليه السلام : يا حارث ، إنّك نظرت تحتك ولم تنظر فوقك فحرت (3)! إنّك لم تعرف الحقّ فتعرف من أتاه ، ولم تعرف الباطل فتعرف من أتاه ، فقال الحارث : فإنى أعتزل مع سعيد بن مالك وعبد اللّه بن عمر؟ فقال عليه السلام : إنّ سعيدا وعبد اللّه بن عمر لم ينصرا الحقّ ولم يخذلا الباطل
    263 ـ وقال عليه السلام : صاحب السّلطان كراكب الأسد : يغبط بموقعه ، وهو أعلم بموضعه (4).
    __________________
    (1) أى : أين أنتما وما هى منزلتكما من الأمر الذى أريده؟ وهو يحتاج إلى قوة عظيمة فلا موقع لكما منه
    (2) أترانى ـ بضم التاء ، مبنى للمجهول ـ أى : أتظننى.
    (3) نظرت الخ : أى : أصاب فكرك أدنى الرأى ولم يصب أعلاه ، و «حار» أى : تحير ، وأتى الحق : أخذ به
    (4) يغبط ـ مبنى للمجهول ـ أى : يغبطه الناس ويتمنون منزلته لعزته ، ولكنه أعلم بموضعه من الخوف والحذر ، فهو وإن أخاف بمركوبه إلا أنه يخشى أن يغتاله

    264 ـ وقال عليه السلام : أحسنوا فى عقب غيركم تحفظوا فى عقبكم (1)
    265 ـ وقال عليه السلام : إنّ كلام الحكماء إذا كان صوابا كان دواء ، وإذا كان خطأ كان داء (2)
    266 ـ وسأله رجل أن يعرفه الايمان فقال عليه السلام : إذا كان الغد فأتنى حتّى أخبرك على أسماع النّاس ، فإن نسيت مقالتى حفظها عليك غيرك ، فإنّ الكلام كالشّاردة ينقفها هذا (3) ويخطئها هذا
    وقد ذكرنا ما أجابه به فيما تقدم من هذا الباب وهو قوله «الايمان على أربع شعب»
    267 ـ وقال عليه السلام : يا ابن آدم ، لا تحمل همّ يومك الّذى لم يأتك على يومك الّذى قد أتاك ، فإنّه إن يك من عمرك يأت اللّه فيه برزقك
    268 ـ وقال عليه السلام : أحبب حبيبك هونا مّا ، عسى أن يكون بغيضك يوما مّا ، وأبغض بغيضك هونا مّا ، عسى أن يكون حبيبك يوما مّا (4)
    269 ـ وقال عليه السلام : النّاس فى الدّنيا عاملان : عامل عمل
    __________________
    (1) أى : كونوا رحماء بأبناء غيركم يرحم غيركم أبناءكم
    (2) لشدة لصوقه بالعقول فى الحالين
    (3) نقفه : ضربه ، اى : يصيبها واحد فيصيدها ، ويخطئها الآخر فتنفلت منه.
    (4) الهون ـ بالفتح ـ : الحقير ، والمراد منه هنا الخفيف لا مبالغة فيه ، أى : لا تبالغ فى الحب ولا فى البغض فعسى أن ينقلب كل إلى ضده فلا تعظم ندامتك على ما قدمت منه.

    [فى الدّنيا] للدّنيا ، قد شغلته دنياه عن آخرته ، يخشى على من يخلفه الفقر ويأمنه على نفسه ، فيفنى عمره فى منفعة غيره ، وعامل عمل فى الدّنيا لما بعدها فجاءه الّذى له من الدّنيا بغير عمل ، فأحرز الحظّين معا ، وملك الدّارين جميعا فأصبح وجيها عند اللّه (1) ، لا يسأل اللّه حاجة فيمنعه.
    270 ـ وروى أنه ذكر عند عمر بن الخطاب فى أيامه حلى الكعبة وكثرته ، فقال قوم : لو أخذته فجهزت به جيوش المسلمين كان أعظم للأجر وما تصنع الكعبة بالحلى؟ فهم عمر بذلك ، وسأل أمير المؤمنين عليه السلام فقال عليه السلام : إنّ القرآن أنزل على النّبىّ صلى اللّه عليه وآله وسلم والأموال أربعة : أموال المسلمين فقسّمها بين الورثة فى الفرائض ، والفىء فقسّمه على مستحقّيه ، والخمس فوضعه اللّه حيث وضعه ، والصّدقات فجعلها اللّه حيث جعلها ، وكان حلى الكعبة فيها يومئذ ، فتركه اللّه على حاله ، ولم يتركه نسيانا ، ولم يخف عليه مكانا (2) ، فأقرّه حيث أقرّه اللّه ورسوله. فقال له عمر : لولاك لافتضحنا ، وترك الحلى بحاله
    271 ـ وروى أنه عليه السلام رفع إليه رجلان سرقا من مال اللّه : أحدهما عبد من مال اللّه ، والآخر من عروض الناس (3) فقال عليه السلام :
    __________________
    (1) «وجيها» أى : ذا منزلة علية من القرب إليه سبحانه.
    (2) أى : لم يكن مكان حلى الكعبة خافيا على اللّه. فمكانا تميز نسبة الخفاء إلى الحلى :
    (3) أى : إن السارقين كانا عبدين أحدهما عبد لبيت المال. والآخر عبد لأحد الناس ، من عروضهم : جمع عرض ـ بفتح فسكون ـ وهو المتاع غير الذهب

    أمّا هذا فهو من مال اللّه ولا حدّ عليه ، مال اللّه أكل بعضه بعضا ، وأمّا الآخر فعليه الحدّ [الشّديد] فقطع يده.
    272 ـ وقال عليه السلام : لو قد استوت قدماى من هذه المداحض لغيّرت أشياء (1)
    273 ـ وقال عليه السلام : اعلموا علما يقينا أنّ اللّه لم يجعل للعبد ـ وإن عظمت حيلته ، واشتدّت طلبته ، وقويت مكيدته ـ أكثر ممّا سمّى له فى الذّكر الحكيم (2) ، ولم يحل بين العبد فى ضعفه وقلّة حيلته ، وبين أن يبلغ ما سمّى له فى الذّكر الحكيم. والعارف لهذا العامل به أعظم النّاس راحة فى منفعة ، والتّارك له الشّاكّ فيه أعظم النّاس شغلا فى مضرّة ، وربّ منعم عليه مستدرج بالنّعمى (3) ، وربّ مبتلى مصنوع له بالبلوى ، فزد أيّها المستمع
    __________________
    والفضة ، وكلاهما سرق من بيت المال.
    (1) المداحض : المزالق ، يريد بها الفتن التى ثارت عليه ، ويقول : إنه لو ثبتت قدماه فى الأمر وتفرغ لغير أشياء من عادات الناس وأفكارهم التى تبعد عن الشرع الصحيح
    (2) الذكر الحكيم : القرآن ، وليس لانسان أن ينال من الكرامة عند اللّه فوق ما نص عليه القرآن ، ولن يحول اللّه بين أحد وبين ما عين فى القرآن وإن اشتد طلب الأول وقويت مكيدته الخ ، وضعف حال الثانى ، فكل مكلف مستطيع أن يؤدى ما فرض اللّه فى كتابه وينال الكرامة المحمودة له ، وقد يراد من الذكر الحكيم علم اللّه ، أى : ما قدر لك فلن تعدوه ولن تقصر عنه
    (3) أى : لا يغتر المنعم عليه بالنعمة فربما تكون استدراجا من اللّه له يمتحن بها

    فى شكرك ، وقصّر من عجلتك (1) ، وقف عند منتهى رزقك.
    274 ـ وقال عليه السلام : لا تجعلوا علمكم جهلا ، ويقينكم شكّا (2) إذا علمتم فاعملوا ، وإذا تيقّنتم فأقدموا.
    275 ـ وقال عليه السلام : إنّ الطّمع مورد غير مصدر (3) ، وضامن غير وفىّ ، وربّما شرق شارب الماء قبل ريّه (4) ، وكلّما عظم قدر الشّىء المتنافس فيه عظمت الرّزيّة لفقده ، والأمانىّ تعمى أعين البصائر ، والحظّ يأتى من لا يأتيه.
    276 ـ وقال عليه السلام : الّلهمّ إنّى أعوذ بك [من] أن تحسّن فى لامعة العيون علانيتى ، وتقبّح فيما أبطن لك سريرتى ، محافظا على رثاء النّاس من نفسى بجميع ما أنت مطّلع عليه منّى ، فأبدى للنّاس حسن ظاهرى ، وأفضى
    __________________
    قلبه ثم يأخذه من حيث لا يشعر ، ولا يقنط مبتلى فقد تكون البلوى صنعا من اللّه له يرفع بها منزلته عنده
    (1) أى : قصر من العجلة فى طلب الدنيا.
    (2) من لم يظهر أثر علمه فى عمله فكأنه جاهل وعلمه لم يزد على الجهل ، ومن لم يظهر أثر يقينه فى عزيمته وفعله فكأنه شاك متردد ، إذ لو صح اليقين ما مرض العزم
    (3) أى : من ورده هلك فيه ، ولم يصدر عنه
    (4) شرق ـ كتعب ـ أى : غص ، تمثيل لحالة الطامع بحال الظمآن : فربما يشرق بالماء عند الشرب قبل أن يرتوى به ، وربما هلك الطامع فى الطلب قبل الانتفاع بالمطلوب.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    نهج البلاغه ج3 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: نهج البلاغه ج3   نهج البلاغه ج3 Emptyأمس في 9:31 pm

    إليك بسوء عملى ، تقرّبا إلى عبادك ، وتباعدا من مرضاتك (1).
    277 ـ وقال عليه السلام : لا والّذى أمسينا منه فى غبر ليلة دهماء تكشر عن يوم أغرّ ما كان كذا وكذا (2).
    278 ـ وقال عليه السلام : قليل تدوم عليه أرجى من كثير مملول (3) [منه]
    279 ـ وقال عليه السلام : إذا أضرّت النّوافل بالفرائض فارفضوها.
    280 ـ وقال عليه السلام : من تذكّر بعد السّفر استعدّ.
    281 ـ وقال عليه السلام : ليست الرّويّة كالمعاينة مع الإبصار (4) فقد
    __________________
    (1) يستعيذ باللّه من حسن ما يظهر منه للناس وقبح ما يبطنه للّه من السريرة. وقوله «محافظا» حال من الياء فى «سريرتى» و «رثاء الناس» بهمزتين ، أو بياء يعد الراء ـ : إظهار العمل لهم ليحمدوه ، وقوله «بجميع» متعلق برثاء
    (2) غبر الليلة ـ بضم الغين وسكون الباء ـ : بقيتها ، والدهماء : السوداء ، وكشر عن أسنانه ـ كضرب ـ : أبداها فى الضحك ونحوه ، والأغر : أبيض الوجه. يحلف باللّه الذى أمسى بتقديره فى بقية ليلة سوداء تتفجر عن فجر ساطع الضياء ، ووجه التشبيه ظاهر
    (3) اعمل قليلا وداوم عليه فهو أفضل من كثير تسأم منه فتتركه
    (4) الروية ـ بفتح فكسر فتشديد ـ : إعمال العقل فى طلب الصواب ، وهى أهدى إليه من المعاينة بالبصر ، فان البصر قد يكذب صاحبه فيريه العظيم البعيد صغيرا ، وقد يريه المستقيم معوجا كما فى الماء. أما العقل فلا يغش من طلب نصيحته وفى نسخة «ليست الرؤية ـ بضم فهمز ـ مع الابصار» أى : إن الرؤية الصحيحة ليست هى رؤية البصر ، وليس العلم مقصورا على شهود المحسوس ، فان البصر قد يغش ، وإنما البصر بصر العقل فهو الذى لا يكذب ناصحه

    تكذب العيون أهلها ، ولا يغشّ العقل من استنصحه.
    282 ـ وقال عليه السلام : بينكم وبين الموعظة حجاب من الغرّة (1).
    283 ـ وقال عليه السلام : جاهلكم مزداد ، وعالمكم مسوّف (2).
    284 ـ وقال عليه السلام : قطع العلم عذر المتعلّلين.
    285 ـ وقال عليه السلام : كلّ معاجل يسأل الانظار ، وكلّ مؤجّل يتعلّل بالتّسويف (3).
    286 ـ وقال عليه السلام : ما قال النّاس لشىء «طوبى له» إلاّ وقد خبأ له الدّهر يوم سوء.
    287 ـ وسئل عن القدر فقال : طريق مظلم فلا تسلكوه ، وبحر عميق فلا تلجوه ، وسرّ اللّه فلا تتكلّفوه (4).
    __________________
    (1) الغرة ـ بالكسر ـ : الغفلة.
    (2) أى : جاهلكم يغالى ويزداد فى العمل على غير بصيرة ، وعالمكم يسوف بعمله ـ أى : يؤخره عن أوقاته ـ وبئست الحال هذه
    (3) «كل» بالتنوين فى الموضعين ـ : مبتدأ خبره «معاجل» بفتح الجيم ـ فى الأولى ، و «مؤجل» بفتحها كذلك فى الثانى ، أى : كل واحد من الناس يستعجله أجله ولكنه يطلب الأنظار ـ أى : التأخير ـ وكل منهم قد أجل اللّه عمره وهو لا يعمل تعللا بتأخير الأجل والفسحة فى مدته وتمكنه من تدارك الفائت فى المستقبل.
    (4) فليعمل كل عمله المفروض عليه ، ولا يتكل فى الأعمال على القدر

    288 ـ وقال عليه السلام : إذا أرذل اللّه عبدا حظر عليه العلم (1)
    289 ـ وقال عليه السلام : كان لى فيما مضى أخ فى اللّه ، وكان يعظمه فى عينى صغر الدّنيا فى عينه ، وكان خارجا من سلطان بطنه فلا يشتهى ما لا يجد ولا يكثر إذا وجد ، وكان أكثر دهره صامتا ، فإن قال بدّ القائلين (2) ونقع غليل السّائلين ، وكان ضعيفا مستضعفا! فإن جاء الجدّ فهو ليث غاب وصلّ واد (3) ، لا يدلى بحجّة حتّى يأتى قاضيا (4) ، وكان لا يلوم أحدا على ما يجد العذر فى مثله حتّى يسمع اعتذاره (5) ، وكان لا يشكو وجعا إلاّ عند برئه ، وكان يقول ما يفعل ولا يقول ما لا يفعل ، وكان إذا غلب على الكلام لم يغلب على السّكوت ، وكان على ما يسمع أحرص منه على أن يتكلّم ، وكان إذا بدهه أمران (6) ينظر أيّهما أقرب إلى الهوى فخالفه ، فعليكم بهذه الخلائق فالزموها وتنافسوا فيها ، فإن لم تستطيعوها فاعلموا أنّ أخذ
    __________________
    (1) أرذله : جعله رذيلا ، و «حظر عليه» أى : حرمه منه
    (2) «بدهم» أى : كفهم عن القول ومنعهم ، ونقع الغليل : أزال العطش
    (3) الليث : الأسد ، والغاب جمع غابة ، وهى الشجر الكثير الملتف يستوكر فيه الأسد ، والصل ـ بالكسر ـ : الحية. والوادى معروف ، والجد ـ بالكسر ـ : ضد الهزل.
    (4) أدلى بحجته : أحضرها.
    (5) أى : كان لا يلوم فى فعل يصح فى مثله الاعتذار إلا بعد سماع العذر.
    (6) بدهه الأمر : فجأه وبغته

    القليل خير من ترك الكثير.
    290 ـ وقال عليه السلام : لو لم يتوعّد اللّه على معصيته (1) لكان يجب أن لا يعصى شكرا لنعمه.
    291 ـ وقال عليه السلام ـ وقد عزى الأشعث بن قيس عن ابن له ـ : يا أشعث ، إن تحزن على ابنك فقد استحقّت منك ذلك الرّحم ، وإن تصبر ففى اللّه من كلّ مصيبة خلف. يا أشعث ، إن صبرت جرى عليك القدر وأنت مأجور ، وإن جزعت جرى عليك القدر وأنت مأزور (2) ، [يا أشعث] ابنك سرّك وهو بلاء وفتنة (3) وحزنك وهو ثواب ورحمة.
    292 ـ وقال عليه السلام على قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ساعة دفن : ـ إنّ الصّبر لجميل إلاّ عنك ، وإنّ الجزع لقبيح إلاّ عليك ، وإنّ المصاب بك لجليل ، وإنّه قبلك وبعدك لجلل (4).
    __________________
    (1) التوعد : الوعيد. أى : لو لم يوعد على معصيته بالعقاب
    (2) اى : مقترف للوزر ، وهو الذنب ،
    (3) «سرك» أى : أكسبك سرورا ، وذلك عند ولادته ، وهو إذ ذاك بلاء بتكاليف تربيته ، وفتنة بشاغل محبته ، وحزنك : أكسبك الحزن. وذلك عند الموت
    (4) أى : إن المصائب قبل مصيبتك وبعدها هينة حقيرة ، والجلل ـ بالتحريك ـ الهين الصغير. وقد يطلق على العظيم ، وليس مرادا هنا

    293 ـ وقال عليه السلام : لا تصحب المائق (1) فإنّه يزيّن لك فعله ، ويودّ أن تكون مثله.
    294 ـ وقد سئل عن مسافة ما بين المشرق والمغرب ، فقال عليه السلام : مسيرة يوم للشّمس
    295 ـ وقال عليه السلام : أصدقاؤك ثلاثة ، وأعداؤك ثلاثة : فأصدقاؤك صديقك ، وصديق صديقك ، وعدوّ عدوّك. وأعداؤك عدوّك وعدوّ صديقك ، وصديق عدوّك.
    296 ـ وقال عليه السلام لرجل رآه يسعى على عدوله بما فيه إضرار بنفسه : إنّما أنت كالطّاعن نفسه ليقتل ردفه (2)
    297 ـ وقال عليه السلام : ما أكثر العبر وأقلّ الاعتبار!
    298 ـ وقال عليه السلام : من بالغ فى الخصومة أثم ، ومن قصّر فيها ظلم (3) ، ولا يستطيع أن يتّقى اللّه من خاصم.
    299 ـ وقال عليه السلام : ما أهمّنى ذنب أمهلت بعده حتّى أصلّى
    __________________
    (1) المائق : الأحمق.
    (2) الردف ـ بالكسر ـ : الراكب خلف الراكب
    (3) قد يصيب الظلم من يقف عند حقه فى المخاصمة فيحتاج للمبالغة حتى يرد إلى الحق ، وفى ذلك إثم الباطل ، وإن كان لنيل الحق «15 ـ ن ـ ج ـ 3»

    ركعتين (1) [وأسأل اللّه العافية]
    300 ـ وسئل عليه السلام : كيف يحاسب اللّه الخلق على كثرتهم؟ فقال عليه السلام : كما يرزقهم على كثرتهم ، فقيل : كيف يحاسبهم ولا يرونه؟ فقال عليه السلام : كما يرزقهم ولا يرونه
    301 ـ وقال عليه السلام : رسولك ترجمان عقلك ، وكتابك أبلغ ما ينطق عنك!
    302 ـ وقال عليه السلام : ما المبتلى الّذى قد اشتدّ به البلاء بأحوج إلى الدّعاء من المعافى الّذى لا يأمن البلاء!
    303 ـ وقال عليه السلام : النّاس أبناء الدّنيا ، ولا يلام الرّجل على حبّ أمّه :
    304 ـ وقال عليه السلام : إنّ المسكين رسول اللّه (2) فمن منعه فقد منع اللّه ، ومن أعطاه فقد أعطى اللّه
    305 ـ وقال عليه السلام : ما زنى غيور قطّ
    306 ـ وقال عليه السلام : كفى بالأجل حارسا
    __________________
    (1) كان إذا كسب ذنبا فأحزنه وأعطى مهلة من الأجل بعده صلى ركعتين تحقيقا للتوبة.
    (2) لأن اللّه هو الذى حرمه الرزق فكانه أرسله إلى الغنى ليمتحنه به

    307 ـ وقال عليه السلام : ينام الرّجل على الثّكل ولا ينام على الحرب (1)!! قال الرضى : ومعنى ذلك أنه يصبر على قتل الأولاد ولا يصبر على سلب الأموال
    308 ـ وقال عليه السلام : مودّة الآباء قرابة بين الأبناء (2) والقرابة إلى المودّة أحوج عن المودّة إلى القرابة.
    309 ـ وقال عليه السلام : اتّقوا ظنون المؤمنين ، فإنّ اللّه تعالى جعل الحقّ على ألسنتهم
    310 ـ وقال عليه السلام : لا يصدق إيمان عبد حتّى يكون بما فى يد اللّه أوثق منه بما فى يده (3)
    311 ـ وقال عليه السلام : لأنس بن مالك ، وقد كان بعثه إلى طلحة والزبير لما جاء إلى البصرة يذكرهما شيئا مما سمعه من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فى معناهما ، فلوى عن ذلك ، فرجع إليه ، فقال (4) إنّى أنسيت ذلك الأمر
    __________________
    (1) الثكل ـ بالضم ـ : فقد الأولاد ، والحرب ـ بالتحريك ـ : سلب المال
    (2) إذا كان بين الآباء مودة كان أثرها فى الأبناء أثر القرابة من التعاون ، والمرافدة ، والمودة أصل فى المعاونة ، والقرابة من أسبابها. وقد لا تكون مع القرابة معاونة إذا فقدت المحبة. فالأقرباء فى حاجة إلى المودة. أما الأولاد فلا حاجة بهم إلى القرابة.
    (3) أى : حتى تكون ثقته بما عند اللّه من ثواب وفضل أشد من ثقته بما فى يده
    (4) الضمير فى «قال ، ولوى» لأنس. روى أن انسا كان فى حضرة النبى صلى اللّه عليه وسلم وهو يقول لطلحة والزبير : إنكما تحاربان عليا وأنتما له ظالمان

    فقال عليه السلام : إن كنت كاذبا فضربك اللّه بها بيضاء لامعة لا تواريها العمامة قال الرضى : يعنى البرص ، فأصاب أنسا هذا الداء فيما بعد فى وجهه فكان لا يرى إلا مبرقعا.
    312 ـ وقال عليه السلام : إنّ للقلوب إقبالا وإدبارا (1) : فإذا أقبلت فاحملوها على النّوافل ، وإذا أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض.
    313 ـ وقال عليه السلام : وفى القرآن نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم (2).
    314 ـ وقال عليه السلام : ردّوا الحجر من حيث جاء ، فإنّ الشّرّ لا يدفعه إلاّ الشّرّ (3).
    315 ـ قال عليه السلام لكاتبه عبيد اللّه بن [أبى] رافع : ألق دواتك ، وأطل جلفة قلمك (4) ، وفرّج بين السّطور ، وقرمط بين الحروف فإنّ ذلك أجدر بصباحة الخطّ.
    __________________
    (1) إقبال القلوب : رغبتها فى العمل ، وإدبارها : مللها منه
    (2) «نبأ ما قبلنا» أى : خبرهم فى قصص القرآن ، و «نبأ ما بعدنا» الخبر عن مصير أمورهم ، وهو يعلم من سنة اللّه فيمن قبلنا ، و «حكم ما بيننا» فى الأحكام التى نص عليها.
    (3) رد الحجر : كناية عن مقابلة الشر بالدفع على فاعله ليرتدع عنه ، وهذا إذا لم يمكن دفعه بالأحسن
    (4) جلفة القلم ـ بكسر الجيم ـ : ما بين مبراه وسنته ، وإلاقة الدواة : وضع الليقة فيها ، والقرمطة بين الحروف : المقاربة بينها وتضييق فواصلها

    316 ـ وقال عليه السلام : أنا يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الفجّار قال الرضى : ومعنى ذلك أن المؤمنين يتبعوننى والفجار يتبعون المال كما تتبع النحل يعسوبها ، وهو رئيسها
    317 ـ وقال له بعض اليهود : ما دفنتم نبيكم حتى اختلفتم فيه؟ فقال عليه السلام له : إنّما اختلفنا عنه لا فيه (1) ، ولكنّكم ما جفّت أرجلكم من البحر حتّى قلتم لنبيّكم : «اِجْعَلْ لَنٰا إِلٰهاً كَمٰا لَهُمْ آلِهَةٌ قٰالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ»
    318 ـ وقيل له : بأى شىء غلبت الأقران؟ فقال عليه السلام : ما لقيت رجلا إلاّ أعاننى على نفسه قال الرضى : يومئ بذلك إلى تمكن هيبته فى القلوب
    319 ـ وقال عليه السلام لابنه محمد بن الحنفية : يا بنىّ ، إنّى أخاف عليك الفقر فاستعذ باللّه منه فإنّ الفقر منقصة للدّين (2) مدهشة للعقل داعية للمقت
    320 ـ وقال عليه السلام لسائل سأله عن معضلة (3) : سل تفقّها ، ولا تسأل تعنّتا ، فإنّ الجاهل المتعلّم شبيه بالعالم ، وإنّ العالم المتعسّف شبيه بالجاهل المتعنّت.
    __________________
    (1) أى : فى أخبار وردت عنه لا فى صدقه وأصول الاعتقاد بدينه.
    (2) إذا اشتد الفقر فربما يحمل على الخيانة ، أو الكذب ، أو احتمال الذل ، أو القعود عن نصرة الحق ، وكلها نقص فى الدين
    (3) أى : أحجية بقصد المعاياة لا بقصد الاستفادة

    321 ـ وقال عليه السلام لعبد اللّه بن العباس ، وقد أشار عليه فى شىء لم يوافق رأيه : لك أن تشير علىّ وأرى ، فإن عصيتك فأطعنى (1)
    322 ـ وروى أنه عليه السلام لما ورد الكوفة قادما من صفين مر بالشباميين (2) فسمع بكاء النساء على قتلى صفين وخرج إليه حرب بن شرحبيل الشبامى وكان من وجوه قومه فقال عليه السلام له : أتغلبكم نساؤكم على ما أسمع (3)؟ ألا تنهونهنّ عن هذا الرّنين ، وأقبل [حرب] يمشى معه وهو عليه السلام راكب فقال عليه السلام : ارجع فإنّ مشى مثلك مع مثلى فتنة للوالى ومذلّة للمؤمن (4)
    323 ـ وقال عليه السلام ، وقد مر بقتلى الخوارج يوم النهروان : بؤسا لكم ، لقد ضرّكم من غرّكم ، فقيل له : من غرهم يا أمير المؤمنين؟ فقال : الشّيطان المضلّ والأنفس الأمّارة بالسّوء ، غرّتهم بالأمانىّ ، وفسحت لهم بالمعاصى ، ووعدتهم الاظهار فاقتحمت بهم النّار.
    __________________
    (1) وذلك عند ما أشار عليه أن يكتب لابن طلحة بولاية البصرة ، ولابن الزبير بولاية الكوفة ، ولمعاوية باقراره فى ولاية الشام حتى تسكن القلوب وتتم بيعة الناس وتلقى الخلافة بوانيها ، فقال أمير المؤمنين : لا أفسد دينى بدنيا غيرى ، ولك أن تشير الخ
    (2) شبام ـ ككتاب ـ : اسم حى
    (3) على ما أسمع ، أى : من البكاء ، وتغلبكم عليه ، أى : يأتينه قهرا عنكم ، والرنين : صوت البكاء.
    (4) أى : مشيك وأنت من وجوه القوم معى وأنا راكب فتنة للحاكم تنفخ فيه روح الكبر ، ومذلة ، أى : موجبة لذل المؤمن ، ينزلونه منزلة العبد والخادم

    324 ـ وقال عليه السلام : اتّقوا معاصى اللّه فى الخلوات ، فانّ الشّاهد هو الحاكم.
    325 ـ وقال عليه السلام لما بلغه قتل محمد بن أبى بكر : إنّ حزننا عليه على قدر سرورهم به ، إلاّ أنّهم نقصوا بغيضا ونقصنا حبيبا.
    326 ـ وقال عليه السلام : العمر الّذى أعذر اللّه فيه إلى ابن آدم ستّون سنة (1).
    327 ـ وقال عليه السلام : ما ظفر من ظفر الإثم به ، والغالب بالشّرّ مغلوب (2)
    328 ـ وقال عليه السلام : إنّ اللّه سبحانه فرض فى أموال الأغنياء أقوات الفقراء : فما جاع فقير إلاّ بما متّع به غنىّ ، واللّه تعالى سائلهم عن ذلك
    329 ـ وقال عليه السلام : الاستغناء عن العذر أعزّ من الصّدق به (3)
    __________________
    (1) إن كان يعتذر ابن آدم فيما قبل الستين بغلبة الهوى عليه وتملك القوى الجسمانية لعقله فلا عذر له بعد الستين إذا اتبع الهوى ومال إلى الشهوة لضعف القوى وقرب الأجل
    (2) إذا كانت الوسيلة لظفرك بخصمك ركوب إثم واقتراف معصية فانك لم تظفر حيث ظفرت بك المعصية فألقت بك إلى النار ، وعلى هذا قوله : الغالب بالشر مغلوب
    (3) العذر وإن صدق لا يخلو من تصاغر عند الموجه إليه ، فانه اعتراف بالتقصير فى حقه. فالعبد عما يوجب الاعتذار أعز.

    330 ـ وقال عليه السلام : أقلّ ما يلزمكم للّه أن لا تستعينوا بنعمه على معاصيه
    331 ـ وقال عليه السلام : إنّ اللّه سبحانه جعل الطّاعة غنيمة الأكياس عند تفريط العجزة (1)
    332 ـ وقال عليه السلام : السّلطان وزعة اللّه فى أرضه (2).
    333 ـ وقال عليه السلام فى صفة المؤمن : المؤمن بشره فى وجهه (3) وحزنه فى قلبه ، أوسع شىء صدرا ، وأذلّ شىء نفسا (4) ، يكره الرّفعة ، ويشنأ السّمعة ، طويل غمّه ، بعيد همّه ، كثير صمته ، مشغول وقته ، شكور صبور ، مغمور بفكرته (5) ، ضنين بخلّته (6) ، سهل الخليقة ، ليّن العريكة!
    __________________
    (1) العجزة : جمع عاجز ، وهم المقصرون فى أعمالهم لغلبة شهواتهم على عقولهم ، والأكياس : جمع كيس ، وهم العقلاء ، فاذا منع الضعيف إحسانه على فقير مثلا كان ذلك غنيمة للعاقل فى الاحسان إليه ، وعلى ذلك بقية الأعمال الخيرية
    (2) الوزعة ـ بالتحريك ـ : جمع وازع ، وهو الحاكم يمنع من مخالفة الشريعة ، والاخبار بالجمع لأن أل فى السلطان للجنس
    (3) البشر ـ بالكسر ـ : البشاشة والطلاقة ، أى : لا يظهر عليه إلا السرور وإن كان فى قلبه حزينا ، كناية عن الصبر والتحمل
    (4) ذل نفسه لعظمة ربه وللمتضعين من خلقه ، وللحق إذا جرى عليه ، وكراهته للرفعة : بغضه للتكبر على الضعفاء ، ولا يحب أن يسمع أحد بما يعمل للّه فهو يشنأ ـ أى : يبغض ـ السمعة ، وطول غمه خوفا مما بعد الموت ، وبعد همه لأنه لا يطلب إلا معالى الأمور
    (5) «مغمور» أى : غريق فى فكرته لأداء الواجب عليه لنفسه وملته
    (6) الخلة ـ بالفتح ـ الحاجة. أى : بخيل باظهار فقره للناس ، والخليقة :

    نفسه أصلب من الصّلد (1) وهو أذلّ من العبد
    334 ـ وقال عليه السلام : لو رأى العبد الأجل ومصيره لأبغض الأمل وغروره.
    335 ـ وقال عليه السلام : لكلّ امرىء فى ماله شريكان : الوارث ، والحوادث.
    336 ـ [وقال عليه السلام : المسئول حرّ حتّى يعد]
    337 ـ وقال عليه السلام : الدّاعى بلا عمل كالرّامى بلا وتر (2).
    338 ـ وقال عليه السلام : العلم علمان : مطبوع ومسموع ، ولا ينفع المسموع إذا لم يكن المطبوع (3).
    339 ـ وقال عليه السلام : صواب الرّأى بالدّول : يقبل باقبالها ، ويذهب بذهابها (4).
    __________________
    الطبيعة ، والعريكة : النفس
    (1) الصلد : الحجر الصلب : ونفس المؤمن أصلب منه فى الحق ، وإن كان فى نواضعه أذل من العبد
    (2) الرامى من قوس بلا وتر يسقط سهمه ولا يصيب ، والذى يدعو اللّه ولا يعمل لا يجيب اللّه دعاءه
    (3) مطبوع العلم : ما رسخ فى النفس وظهر أثره فى أعمالها ، ومسموعه : منقوله ومحفوظه ، والأول هو العلم حقا
    (4) إقبال الدولة : كناية عن سلامتها وعلوها ، كأنها مقبلة على صاحبها تطلبه

    340 ـ وقال عليه السلام : العفاف زينة الفقر ، والشّكر زينة الغنى.
    341 ـ وقال عليه السلام : يوم العدل على الظّالم أشدّ من يوم الجور على المظلوم!
    342 ـ [وقال عليه السلام : الغنى الأكبر اليأس عمّا فى أيدى النّاس]
    343 ـ وقال عليه السلام : الأقاويل محفوظة ، والسّرائر مبلوّة (1) ، و «كُلُّ نَفْسٍ بِمٰا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ» ، والنّاس منقوصون مدخولون (2) إلاّ من عصم اللّه : سائلهم متعنّت ، ومجيبهم متكلّف ، يكاد أفضلهم رأيا يردّه عن فضل رأيه الرّضا والسّخط (3) ، ويكاد أصلبهم عودا تنكؤه اللّحظة ، وتستحيله الكلمة الواحدة (4)!
    __________________
    للأخذ بزمامها ، وإن لم يطلبها ، وعلو الدولة يعطى العقل مكنة الفكر ويفتح له باب الرشاد ، وإدبارها يوقع فى الحيرة والارتباك فيذهب عنه صائب الرأى ، ويروى «ويدبر بادبارها».
    (1) بلاها اللّه واختبرها وعلمها ، يريد أن ظاهر الأعمال وخفيها معلوم للّه ، والأنفس مرهونة بأعمالها : فان كانت خيرا خلصتها ، وإن كانت شرا حبستها
    (2) المدخول : المغشوش ، مصاب بالدخل ـ بالتحريك وهو مرض العقل والقلب ، والمنقوص : المأخوذ عن رشده وكماله ، كأنه نقص منه بعض جوهره
    (3) لو كان فيهم ذو رأى غلب على رأيه رضاه وسخطه : فاذا رضى حكم لمن استرضاه بغير حق ، وإذا سخط حكم على من أسخطه بباطل
    (4) أصلبهم عودا : أشدهم بدينهم تمسكا ، واللحظة : النظرة إلى مشتهى ، وتنكؤه ـ كتمنعه ـ أى : تسيل جرحه وتأخذ بقلبه ، وتستحيله : تحوله عما هو عليه ، أى : نظرة إلى مرغوب تجذبه إلى مواقعة الشهوة ، وكلمة من عظيم تميله إلى موافقة الباطل

    344 ـ وقال عليه السلام : معاشر النّاس ، اتّقوا اللّه فكم من مؤمّل ما لا يبلعه ، وبان ما لا يسكنه ، وجامع ما سوف يتركه ، ولعلّه من باطل جمعه ، ومن حقّ منعه : أصابه حراما ، واحتمل به آثاما ، فباء بوزره ، وقدم على ربّه آسفا لاهفا ، قد «خَسِرَ اَلدُّنْيٰا وَاَلْآخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ اَلْخُسْرٰانُ اَلْمُبِينُ»
    345 ـ وقال عليه السلام : من العصمة تعذّر المعاصى (1).
    346 ـ وقال عليه السلام : ماء وجهك جامد يقطره السّؤال ، فانظر عند من تقطره
    347 ـ وقال عليه السلام : الثّناء بأكثر من الاستحقاق ملق (2) ، والتّقصير عن الاستحقاق عىّ أو حسد.
    348 ـ وقال عليه السلام : أشدّ الذّنوب ما استهان به صاحبه.
    349 ـ وقال عليه السلام : من نظر فى عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره ، ومن رضى برزق اللّه لم يحزن على ما فاته ، ومن سلّ سيف البغى قتل به ومن كابد الأمور عطب (3) ومن اقتحم اللّجج غرق ، ومن دخل مداخل السّوء انّهم ، ومن كثر كلامه كثر خطؤه ، ومن كثر خطؤه قلّ حياؤه ، ومن
    __________________
    (1) هو من قبيل قولهم «إن من العصمة ألا تجد» وروى حديثا
    (2) ملق ـ بالتحريك ـ : تملق ، والعى ـ بالكسر ـ : العجز.
    (3) كابدها : قاساها بلا إعداد أسبابها ، فكأنه يحاذ بها وتطارده

    قلّ حياؤه قلّ ورعه ، ومن قلّ ورعه مات قلبه ، ومن مات قلبه دخل النّار. ومن نظر فى عيوب النّاس فأنكرها ثمّ رضيها لنفسه فذلك الأحمق بعينه (1) [والقناعة مال لا ينفد] ومن أكثر من ذكر الموت رضى من الدّنيا باليسير ومن علم أنّ كلامه من عمله قلّ كلامه إلاّ فيما يعنيه.
    350 ـ وقال عليه السلام : للظّالم من الرّجال ثلاث علامات : يظلم من فوقه بالمعصية (2) ، ومن دونه بالغلبة ، ويظاهر القوم الظّلمة
    351 ـ وقال عليه السلام : عند تناهى الشّدّة تكون الفرجة ، وعند تضايق حلق البلاء يكون الرّخاء
    352 ـ وقال عليه السلام لبعض أصحابه : لا تجعلنّ أكثر شغلك بأهلك وولدك : فان يكن أهلك وولدك أولياء اللّه فانّ اللّه لا يضيع أولياءه ، وإن يكونوا أعداء اللّه فما همّك وشغلك بأعداء اللّه؟!
    353 ـ وقال عليه السلام : أكبر العيب أن تعيب ما فيك مثله
    354 ـ وهنأ بحضرته رجل رجلا بغلام ولد له فقال له : ليهنئك الفارس فقال عليه السلام : لا تقل ذلك ، ولكن قل شكرت الواهب ، وبورك لك
    __________________
    (1) لأنه قد أقام الحجة لغيره على نفسه ، ورضى برجوع عيبه على ذاته
    (2) معصية أوامره ونواهيه ، أو خروجه عليه ورفضه لسلطته ، وذلك ظلم ، لأنه عدوان على الحق ، والغلبة : القهر ، و «يظاهر» أى : يعاون ، والظلمة : جمع ظالم

    فى الموهوب ، وبلغ أشدّه ، ورزقت برّه
    355 ـ وبنى رجل من عماله بناء فخما (1) فقال عليه السلام : أطلعت الورق رءوسها (2) إنّ البناء يصف لك الغنى.
    356 ـ وقيل له عليه السلام : لو سد على رجل باب بيته وترك فيه من أين كان يأتيه رزقه؟ فقال عليه السلام : من حيث يأتيه أجله.
    357 ـ وعزّى قوما عن ميت مات لهم فقال عليه السلام : إنّ هذا الأمر ليس لكم بدأ ، ولا إليكم انتهى (3) ، وقد كان صاحبكم هذا يسافر فعدّوه فى بعض أسفاره ، فان قدم عليكم وإلاّ قدمتم عليه
    358 ـ وقال عليه السلام : أيّها النّاس ، ليركم اللّه من النّعمة وجلين كما يراكم من النّقمة فرقين (4)! إنّه من وسّع عليه فى ذات يده فلم ير ذلك
    __________________
    (1) أى : عظيما ضخما
    (2) الورق ـ بفتح فكسر ـ : الفضة ، أى : ظهرت الفضة ، فأطلعت رءوسها كناية عن الظهور ، ووضح هذا بقوله «إن البناء يصف لك الغنى» أى : يدل عليه
    (3) «هذا الأمر» أى : الموت ـ لم يكن تناوله لصاحبكم أول فعل له ولا آخر فعل له ، بل سبقه ميتون وسيكون بعده ، وقد كان ميتكم هذا يسافر لبعض حاجاته فاحسبوه مسافرا ، فاذا طال زمن سفره فانكم ستتلاقون معه وتقدمون عليه عند موتكم
    (4) وجلين : خائفين ، وفرقين : فزعين ، كونوا بحيث يراكم اللّه خائفين من مكره عند النعمة كما يراكم فزعين من بلائه عند النقمة ، فان صاحب النعمة إذا لم يظن نعمته استدراجا من اللّه فقد أمن من مكر اللّه ، ومن كان فى ضيق فلم يحسب ذلك امتحانا من اللّه فقد أيس من رحمة اللّه وضيع أجرا مأمولا

    استدراجا فقد أمن مخوفا ، ومن ضيّق عليه فى ذات يده فلم ير ذلك اختبارا فقد ضيّع مأمولا
    359 ـ وقال عليه السلام : يا أسرى الرّغبة أقصروا (1) فانّ المعرّج على الدّنيا لا يروعه منها إلاّ صريف أنياب الحدثان (2). أيّها النّاس ، تولّوا من أنفسكم تأديبها ، واعدلوا بها عن ضراوة عاداتها (3)
    360 ـ وقال عليه السلام : لا تظنّنّ بكلمة خرجت من أحد سوءا وأنت تجد لها فى الخير محتملا
    361 ـ وقال عليه السلام : إذا كانت لك إلى اللّه ، سبحانه ، حاجة فابدأ بمسألة الصّلاة على رسوله ، صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، ثمّ سل حاجتك فانّ اللّه أكرم من أن يسأل حاجتين (4) فيقضى إحداهما ويمنع الأخرى
    362 ـ وقال عليه السلام : من ضنّ بعرضه فليدع المراء (5)
    __________________

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    نهج البلاغه ج3 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: نهج البلاغه ج3   نهج البلاغه ج3 Emptyأمس في 9:32 pm


    (1) أسرى : جمع أسير ، والرغبة : الطمع ، وأقصروا : كفوا
    (2) المعرج : المائل إليها أو المعول عليها أو المقيم بها ، ويروعه : يفزعه والصريف : صوت الأسنان ونحوها عند الاصطكاك. والحدثان ـ بالكسر ـ النوائب
    (3) الضراوة : اللهج بالشىء والولوع به ، أى : كفوا أنفسكم عن اتباع ما تدفع إليه عاداتها
    (4) الحاجتان : الصلاة على النبى وحاجتك ، والأولى مقبولة مجابة قطعا
    (5) ضن : بخل ، والمراء : الجدال فى غير حق ، وفى تركه صون للعرض عن الطعن

    363 ـ وقال عليه السلام : من الخرق المعاجلة قبل الامكان والأناة بعد الفرصة (1)
    364 ـ وقال عليه السلام : لا تسأل عمّا لا يكون ففى الّذى قد كان لك شغل (2)
    365 ـ وقال عليه السلام : الفكر مرآة صافية ، والاعتبار منذر ناصح (3) وكفى أدبا لنفسك تجنّبك ما كرهته لغيرك
    366 ـ وقال عليه السلام : العلم مقرون بالعمل : فمن علم عمل ، والعلم يهتف بالعمل : فإن أجابه وإلاّ ارتحل عنه (4)
    367 ـ وقال عليه السلام : يا أيّها النّاس ، متاع الدّنيا حطام موبئ فتجنّبوا مرعاه (5)!! قلعتها أحظى من طمأنينتها (6) ، وبلغتها أزكى من ثروتها (7).
    __________________
    (1) الخرق ـ بالضم ـ : الحمق وضد الرفق ، والأناة : التأنى ، والفرصة : ما يمكنك من مطلوبك ، ومن الحكم ألا تتعجل حتى تتمكن ، وإذا تمكنت فلا تمهل
    (2) لا تتمن من الأمور بعيدها ، فكفاك من قريبها ما يشغلك
    (3) الاعتبار : الاتعاظ بما يحصل للغير ويترتب على أعماله
    (4) العلم يطلب العمل ويناديه : فان وافق العمل العلم وإلا ذهب العلم ، فحافظ العلم العمل
    (5) الحطام ـ كغراب ـ : ما تكسر من يبس النبات ، و «موبىء» أى : ذو وباء مهلك ، ومرعاه : محل رعيه والتناول منه
    (6) القلعة ـ بالضم ـ : عدم سكونك للتوطن ، و «أحظى» أى : أسعد
    (7) البلغة ـ بالضم ـ : مقدار ما يتبلغ به من القوت

    حكم على مكثر بها بالفاقة (1) ، وأعين من غنى عنها بالرّاحة (2). ومن راقه زبرجها أعقبت ناظريه كمها (3) ، ومن استشعر الشّعف بها ملأت ضميره أشجانا (4). لهنّ رقص على سويداء قلبه (5) همّ يشغله ، وهمّ يحزنه ، كذلك حتّى يؤخذ بكظمه فيلقى بالفضاء (6) منقطعا أبهراه ، هيّنا على اللّه فناؤه ، وعلى الاحوان إلقاؤه (7) ، [و] إنّما ينظر المؤمن إلى الدّنيا بعين الاعتبار ويقتات منها ببطن الاضطرار (Cool ، ويسمع فيها بأذن المقت والإبغاض [إن] قيل أثرى قيل أكدى (9)!! وإن فرح له بالبقاء حزن له بالفناء! هذا ولم يأتهم
    __________________
    (1) المكثر بالدنيا حكم اللّه عليه بالفقر ، لأنه كلما أكثر زاد طمعه وطلبه ، فهو فى فقر دائم إلى ما يطمع فيه
    (2) غنى ـ كرضى ـ : استغنى : وغنى القلب عن الدنيا راحة تامة.
    (3) الزبرج ـ بكسر فسكون فكسر ـ : الزينة ، وراقه : أعجبه وحسن فى عينه ، والكمه ـ محركة ـ : العمى ، فمن نظر لزينتها بعين الاستحسان أعمت عينيه عن الحق
    (4) الشعف ـ بالعين محركة ـ : الولوع وشدة التعلق ، والأشجان : الأحزان
    (5) رقص ـ بالفتح وبالتحريك ـ : حركة واثب ، وسويداء القلب : حبته ، و «لهن» أى : للأشجان فهى تلعب بقلبه
    (6) الكظم ـ محركة ـ : مخرج النفس ، أى : حتى يخنقه الموت فيطرح بالفضاء. والأبهران : وريدا العنق ، وانقطاعهما : كناية عن الهلاك
    (7) إلقاؤه : طرحه فى قبره
    (Cool أى : يأخذ من القوت ما يكفى بطن المضطر ، وهو ما يزيل الضرورة
    (9) بيان لحال الانسان فى الدنيا ، فلا يقال «فلان أثرى» ـ أى : استغنى ـ حتى يسمع بعد مدة بأنه أكدى ـ أى : افتقر ـ وصف لقلب الحال

    يوم فيه يبلسون (1)
    368 ـ وقال عليه السلام. إنّ اللّه سبحانه وضع الثّواب على طاعته ، والعقاب على معصيته ، ذيادة لعباده عن نقمته (2) وحياشة لهم إلى جنّته (3)
    369 ـ [وقال عليه السلام : يأتى على النّاس زمان لا يبقى فيهم من القرآن إلاّ رسمه ومن الإسلام إلاّ اسمه ، ومساجدهم يومئذ غامرة من البناء ، خراب من الهدى ، سكّانها وعمّارها شرّ أهل الأرض : منهم تخرج الفتنة ، وإليهم تأوى الخطيئة ، يردّون من شذّ عنها فيها ، ويسوقون من تأخّر عنها إليها ، يقول اللّه سبحانه : فبى حلفت لأبعثنّ على أولئك فتنة نترك الحليم فيها حيران وقد فعل ، ونحن نستقيل اللّه عثرة الغفلة]
    370 ـ وروى أنه عليه السلام قلما اعتدل به المنبر إلا قال أمام الخطبة : أيّها النّاس ، اتّقوا اللّه فما خلق امرؤ عبثا فيلهو ، ولا ترك سدى فيلغو! (4) وما دنياه الّتى تحسّنت له بخلف من الآخرة الّتى قبّحها سوء النّظر عنده ، وما المغرور الّذى ظفر من الدّنيا بأعلى همّته كالآخر الّذى ظفر من
    __________________
    (1) أبلس : يئس وتحير ، ويوم الحيرة : يوم القيامة
    (2) ذيادة ـ بالذال ـ أى : منعا لهم عن المعاصى الجالبة للنقم
    (3) حياشة : من «حاش الصيد» جاءه من حواليه ليصرفه إلى الحبالة ويسوقه إليها ليصيده ، أى : سوقا الى جنته
    (4) لها : تلهى بلذاته ، ولغا : أتى باللغو ، وهو ما لا فائدة فيه «16 ـ ن ـ ج ـ 3»

    الآخرة بأدنى سهمته (1)
    371 ـ وقال عليه السلام : لا شرف أعلى من الإسلام ، ولا عزّ أعزّ من التّقوى ، ولا معقل أحسن من الورع ، ولا شفيع أنجح من التّوبة ، ولا كنز أغنى من القناعة ، ولا مال أذهب للفاقة من الرّضا بالقوت ، ومن اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الرّاحة (2) وتبوّأ خفض الدّعة. والرّغبة مفتاح النّصب (3) ومطيّة التّعب ، والحرص والكبر والحسد دواع إلى التّقحّم فى الذّنوب ، والشّرّ جامع مساوى العيوب
    372 ـ وقال عليه السلام : لجابر بن عبد اللّه الأنصارى : يا جابر ، قوام [الدّين و] الدّنيا بأربعة : عالم مستعمل علمه ، وجاهل لا يستنكف أن يتعلّم ، وجواد لا يبخل بمعروفه ، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه ، فاذا ضيّع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلّم (4) ، وإذا بخل الغنىّ بمعروفه باع الفقير
    __________________
    (1) السهمة ـ بالضم ـ : النصيب ، وأدنى حظ من الآخرة أفضل من أعلاه فى الدنيا ، والفرق بين الباقى والفانى ـ وإن كان الأول قليلا والثانى كثيرا ـ لا يخفى
    (2) من قولك «انتظمه بالرمح» أى : أنفذه فيه كأنه ظفر بالراحة وتبو أنزل الخفض ـ أى : السعة ـ والدعة ـ بالتحريك ـ كالخفض ، والاضافة على حد «كرى النوم».
    (3) الرغبة : الطمع ، والنصب ـ بالتحريك ـ : أشد التعب
    (4) لاستواء العلم والجهل فى نظره

    آخرته بدنياه (1)
    يا جابر ، من كثرت نعم اللّه عليه كثرت حوائج النّاس إليه ، فمن قام للّه فيها بما يجب [فيها] عرّضها للدّوام والبقاء (2) ومن لم يقم فيها بما يجب عرّضها للزّوال والفناء
    373 ـ وروى ابن جرير الطبرى فى تاريخه عن عبد الرحمن بن أبى ليلى الفقيه ـ وكان ممن خرج لقتال الحجاج مع ابن الأشعث ـ أنه قال فيما كان يحض به الناس على الجهاد : إنى سمعت عليا عليه السلام يقول يوم لقينا أهل الشام : أيّها المؤمنون ، إنّه من رأى عدوانا يعمل به ومنكرا يدعى إليه فأنكره بقلبه فقد سلم وبرىء (3) ، ومن أنكره بلسانه فقد أجر وهو أفضل من صاحبه ومن أنكره بالسّيف لتكون كلمة اللّه هى العليا وكلمة الظّالمين هى السّفلى فذلك الّذى أصاب سبيل الهدى ، وقام على الطّريق ، ونوّر فى قلبه اليقين
    374 ـ وفى كلام آخر له يجرى هذا المجرى : فمنهم المنكر للمنكر بيده ولسانه وقلبه فذلك المستكمل لخصال الخير ، ومنهم المنكر بلسانه وقلبه والتّارك بيده فذلك متمسّك بخصلتين من خصال الخير ومضيّع خصلة ، ومنهم
    __________________
    (1) لأنه يضطر للخيانة أو الكذب حتى ينال بهما من الغنى شيئا
    (2) «عرضها» أى : جعلها عرضة ، أى : نصبها له
    (3) برىء من الاثم وسلم من العقاب ، إن كان عاجزا

    المنكر بقلبه والتّارك بيده ولسانه فذلك الّذى ضيّع أشرف الخصلتين من الثّلاث وتمسّك بواحدة (1) ، ومنهم تارك لانكار المنكر بلسانه وقلبه ويده فذلك ميّت الأحياء. وما أعمال البرّ كلّها والجهاد فى سبيل اللّه عند الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر إلاّ كنفثة فى بحر لجّىّ (2) وإنّ الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر لا يقرّبان من أجل ، ولا ينقصان من رزق ، وأفضل من ذلك كلّه كلمة عدل عند إمام جائر
    375 ـ وعن أبى جحيفة قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول أوّل ما تعلبون عليه من الجهاد الجهاد بأيديكم ثمّ بألسنتكم ثمّ بقلوبكم ، فمن لم يعرف بقلبه معروفا ولم ينكر منكرا قلب فجعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه
    376 ـ وقال عليه السلام : إنّ الحقّ ثقيل مرىء ، وإنّ الباطل خفيف وبىء (3)
    377 ـ وقال عليه السلام : لا تأمننّ على خير هذه الأمّة عذاب اللّه لقوله تعالى : «فَلاٰ يَأْمَنُ مَكْرَ اَللّٰهِ إِلاَّ اَلْقَوْمُ اَلْخٰاسِرُونَ» ولا تيأسنّ لشرّ
    __________________
    (1) «أشرف الخلصتين» : من إضافة الصفة للموصوف ، أى : الخلصتين الفائقتين فى الشرف عن الثالثة ، وليس من قبيل إضافة اسم التفضيل إلى متعدد
    (2) النفثة كالنفخة : يراد ما يمازج النفس من الريق عند النفخ
    (3) مرىء : من «مرأ الطعام» ـ مثلثة الراء ـ مراءة ، فهو مرىء ، أى : هنىء حميد العاقبة ، والحق وإن ثقل إلا أنه حميد العاقبة ، والباطل وإن خف فهو وبىء وخيم العاقبة ، وتقول : أرض وبيئة ، أى : كثيرة الوباء وهو المرض العام.

    هذه الأمّة من روح اللّه (1) لقوله تعالى : «إِنَّهُ لاٰ يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اَللّٰهِ إِلاَّ اَلْقَوْمُ اَلْكٰافِرُونَ»
    378 ـ وقال عليه السلام : البخيل جامع لمساوى العيوب ، وهو زمام يقاد به إلى كلّ سوء
    379 ـ وقال عليه السلام : الرّزق رزقان : رزق تطلبه ، ورزق يطلبك فان لم تأته أتاك ، فلا تحمل همّ سنتك على همّ يومك! كفاك كلّ يوم على ما فيه ، فان تكن السّنة من عمرك فانّ اللّه تعالى سيؤتيك فى كلّ غد جديد ما قسم لك ، وإن لم تكن السّنة من عمرك فما تصنع بالهمّ لما ليس لك ، ولن يسبقك إلى رزقك طالب ، ولن يغلبك عليه غالب ، ولن يبطىء عنك ما قد قدّر لك قال الرضى : وقد مضى هذا الكلام فيما تقدم من هذا الباب ، إلا أنه ههنا أوضح وأشرح ، فلذلك كررناه على القاعدة المقررة فى أول الكتاب
    380 ـ وقال عليه السلام : ربّ مستقبل يوما ليس بمستدبره ، ومغبوط فى أوّل ليله قامت بواكيه فى آخره (2)
    __________________
    (1) روح اللّه ـ بالفتح ـ : رحمته
    (2) ربما يستقبل شخص يوما فيموت ، ولا يستدبره ـ أى : لا يعيش بعده فيخلفه وراءه ـ والمغبوط : المنظور إلى نعمته ، وقد يكون المرء كذلك فى أول الليل فيموت فى آخره فتقوم بواكيه : جمع باكية

    381 ـ وقال عليه السلام : الكلام فى وثاقك ما لم تتكلّم به (1) فإذا تكلّمت به صرت وثاقه ، فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك وورقك ، فربّ كلمة سلبت نعمة [وجلبت نقمة].
    382 ـ وقال عليه السلام : لا تقل ما لا تعلم بل لا تقل كلّ ما تعلم فإنّ اللّه فرض على جوارحك [كلّها] فرائض يحتجّ بها عليك يوم القيامة.
    383 ـ وقال عليه السلام : احذر أن يراك اللّه عند معصيته ويفقدك عند طاعته (2) فتكون من الخاسرين ، وإذا قويت فاقو على طاعة اللّه ، وإذا ضعفت فاضعف عن معصية اللّه
    384 ـ وقال عليه السلام : الرّكون إلى الدّنيا مع ما تعاين منها جهل (3) والتّقصير فى حسن العمل إذا وثقت بالثّواب عليه غبن ، والطّمأنينة إلى كلّ
    __________________
    (1) الوثاق ـ كسحاب ـ : ما يشد به ويربط ، أى : أنت مالك لكلامك قبل أن يصدر عنك ، فاذا تكلمت به صرت مملوكا له ، فأما نفعك أو ضرك ، وخزن ـ كنصر ـ : حفظ ومنع الغير من الوصول إلى مخزونه ، والورق ـ بفتح فكسر ـ : الفضة
    (2) فقده يفقده ، أى : عدمه فلم يجده ، والكلام من الكناية. أى : إن اللّه يراك فى الحالين فاحذر أن تعصيه ولا تطيعه
    (3) تعاين من الدنيا تقلبا وتحولا لا ينقطع ولا يختص بخير ولا شرير ، فالثقة بها عمى عما تشاهد منها ، والغبن ـ بالفتح ـ الخسارة الفاحشة ، وعند اليقين بثواب اللّه لا خسارة أفحش من الحرمان بالتقصير فى العمل مع القدرة عليه

    أحد قبل الاختبار عجز.
    385 ـ وقال عليه السلام : من هوان الدّنيا على اللّه أنّه لا يعصى إلاّ فيها ، ولا ينال ما عنده إلاّ بتركها.
    386 ـ وقال عليه السلام : من طلب شيئا ناله أو بعضه (1)
    387 ـ وقال عليه السلام : ما خير بخير بعده النّار ، وما شرّ بشرّ بعده الجنّة (2) ، وكلّ نعيم دون الجنّة فهو محقور ، وكلّ بلاء دون النّار عافية.
    388 ـ وقال عليه السلام : ألا وإنّ من البلاء الفاقة ، وأشدّ من الفاقة مرض البدن ، وأشدّ من مرض البدن مرض القلب ، ألا وإنّ من النّعم سعة المال. وأفضل من سعة المال صحّة البدن ، وأفضل من صحّة البدن تقوى القلب
    389 ـ [وقال عليه السلام : من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه. وفى رواية أخرى : من فاته حسب نفسه لم ينفعه حسب آبائه]
    390 ـ وقال عليه السلام : للمؤمن ثلاث ساعات : فساعة يناجى فيها
    __________________
    (1) أى : إن الذى يطلب ويعمل لما يطلبه ويداوم على ذلك لا بد أن يناله أو ينال بعضا منه
    (2) «ما» استفهامية إنكارية ، أى : لا خير فيما يسميه أهل الشهوة خيرا : من الكسب بغير الحق ، والتغلب بغير شرع ، حيث إن وراء ذلك النار. ولا شر فيما يدعوه الجهلة شرا : من الفقر ، أو الحرمان مع الوقوف عند الاستقامة ، فوراء ذلك جنة ، والمحقور : الحقير المحقر

    ربّه ، وساعة يرمّ معاشه (1) ، وساعة يخلّى بين نفسه وبين لذّتها فيما يحلّ ويجمل وليس للعاقل أن يكون شاخصا إلاّ فى ثلاث : مرمّة لمعاش ، أو خطوة فى معاد أو لذّة فى غير محرّم.
    391 ـ وقال عليه السلام : ازهد فى الدّنيا يبصّرك اللّه عوراتها ، ولا تغفل فلست بمغفول عنك!
    392 ـ وقال عليه السلام : تكلّموا تعرفوا ، فإنّ المرء مخبوء تحت لسانه
    393 ـ وقال عليه السلام : خذ من الدّنيا ما أتاك ، وتولّ عمّا تولّى عنك فإن أنت لم تفعل فأجمل فى الطّلب (2)
    394 ـ وقال عليه السلام : ربّ قول أنفذ من صول (3)
    395 ـ وقال عليه السلام : كلّ مقتصر عليه كاف (4)
    396 ـ وقال عليه السلام : المنيّة ولا الدّنيّة! والتّقلّل ولا التّوسل (5)
    __________________
    (1) يرم ـ بكسر الراء وضمها ـ أى : يصلح ، والمرمة ـ بالفتح ـ الاصطلاح والمعاد : ما تعود إليه فى القيامة
    (2) أى : فان رغبت فى طلب ما تولى وذهب عنك منها فليكن طلبك جميلا واقفا بك عند الحق
    (3) الصول ـ بالفتح ـ السطوة
    (4) مقتصر ـ بفتح الصاد ـ اسم مفعول ، وإذا اقتصرت على شىء فقنعت به فقد كفاك.
    (5) «المنية» أى : الموت ، يكون ولا يكون ارتكاب الدنية كالتذلل والنفاق ، و «التقلل» أى : الاكتفاء بالقليل يرضى به الشريف ولا يرضى بالتوسل إلى الناس.

    ومن لم يعط قاعدا لم يعط قائما (1) ، والدّهر يومان : يوم لك ، ويوم عليك فاذا كان لك فلا تبطر ، وإذا كان عليك فاصبر!
    397 ـ [وقال عليه السلام : نعم الطّيب المسك خفيف محمله ، عطر ريحه]
    398 ـ [وقال عليه السلام : ضع فخرك ، واحطط كبرك ، واذكر قبرك]
    399 ـ [وقال عليه السلام : إنّ للولد على الوالد حقّا ، وإنّ للوالد على الولد حقّا ، فحقّ الوالد على الولد أن يطيعه فى كلّ شىء ، إلاّ فى معصية اللّه سبحانه ، وحقّ الولد على الوالد أن يحسّن اسمه ، ويحسّن أدبه ، ويعلّمه القرآن]
    400 ـ [وقال عليه السلام : العين حقّ ، والرّقى حقّ ، والسّحر حقّ والفأل حقّ ، والطّيرة ليست بحقّ ، والعدوى ليست بحقّ ، والطّيب نشرة ، والعسل نشرة ، والرّكوب نشرة ، والنّظر إلى الخضرة نشرة]
    401 ـ وقال عليه السلام : مقاربة النّاس فى أخلاقهم أمن من غوائلهم (2)
    402 ـ وقال عليه السلام : لبعض مخاطبيه ـ وقد تكلم بكلمة يستصغر مثله عن قول مثلها (3) ـ : لقد طرت شكيرا ، وهدرت سقبا قال الرضى : والشكير ههنا : أول ما ينبت من ريش الطائر قبل أن يقوى
    __________________
    (1) كنى بالقعود عن سهولة الطلب ، وبالقيام عن التعسف فيه
    (2) المنافرة فى الأخلاق والمباعدة فيها مجلبة للعداوات ، ومن عاداه الناس وقع فى غوائلهم ، فالمقاربة لهم فى أخلاقهم حافظة لمودتهم ، لكن لا تجوز الموافقة فى غير حق
    (3) كلمة عظيمة : مثله فى صغره قاصر عن قول مثلها

    ويستحصف (1) والسقب : الصغير من الابل ، ولا يهدر إلا بعد أن يستفحل
    403 ـ وقال عليه السلام : من أومأ إلى متفاوت خذلته الحيل (2)
    404 ـ وقال عليه السلام : وقد سئل عن معنى قولهم «لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه» ـ إنّا لا نملك مع اللّه شيئا ، ولا نملك إلاّ ما ملّكنا فمتى ملّكنا ما هو أملك به منّا كلّفنا (3) ومتى أخذه منّا وضع تكليفه عنّا
    405 ـ وقال عليه السلام لعمار بن ياسر ، وقد سمعه يراجع المغيرة بن شعبة كلاما : دعه يا عمّار ، فإنّه لم يأخذ من الدّين إلاّ ما قاربه من الدّنيا ، وعلى عمد لبّس على نفسه (4) ليجعل الشّبهات عاذرا لسقطاته.
    406 ـ وقال عليه السلام : ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلبا لما عند اللّه! وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء اتّكالا على اللّه (5).
    __________________
    (1) كأنه قال : لقد طرت وأنت فرخ لم تنهض
    (2) أومأ : أشار ، والمراد طلب وأراد ، والمتفاوت : المتباعد ، أى : من طلب تحصيل المتباعدات وضم بعضها إلى بعض خذلته الحيل فيما يريد فلم ينجح فيه
    (3) أى : متى ملكنا القوة على العمل ـ وهى فى قبضته أكثر مما هى فى قبضتنا ـ فرض علينا العمل
    (4) «على عمد» متعلق بلبس ، أى : أوقع نفسه فى الشبهة عامدا لتكون الشبهة عذرا له فى زلاته
    (5) لأن تيه الفقير وأنفته على الغنى أدل على كمال اليقين باللّه ، فانه بذلك قد أمات طمعا ومحا خوفا ، وصابر فى يأس شديد ، ولا شىء من هذا فى تواضع الغنى

    407 ـ وقال عليه السلام : ما استودع اللّه امرأ عقلا إلاّ استنقذه به يوما مّا (1)!
    408 ـ وقال عليه السلام : من صارع الحقّ صرعه.
    409 ـ وقال عليه السلام : القلب مصحف البصر (2)
    410 ـ وقال عليه السلام : التّقى رئيس الأخلاق.
    411 ـ وقال عليه السلام : لا تجعلنّ ذرب لسانك على من أنطقك ، وبلاغة قولك على من سدّدك (3)
    412 ـ وقال عليه السلام : كفاك أدبا لنفسك اجتناب ما تكرهه من غيرك.
    413 ـ وقال عليه السلام : من صبر صبر الأحرار ، وإلاّ سلا سلوّ الأغمار (4)
    __________________
    (1) أى : إن اللّه لا يهب العقل إلا حيث يريد النجاة ، فمتى أعطى شخصا عقلا خلصه به من شقاء الدارين
    (2) أى : ما يتناوله البصر يحفظ فى القلب كأنه يكتب فيه
    (3) الذرب : الحدة ، والتسديد : التقويم والتثقيف ، أى : لا تطل لسانك على من علمك النطق ، ولا تظهر بلاغتك على من ثقفك وقوم عقلك
    (4) الأغمار : جمع غمر ـ مثلث الأول ـ وهو الجاهل لم يجرب الأمور ، ومن فاته شرف الجلد والصبر فلا بد يوما أن يسلو بطول المدة ، فالصبر أولى

    414 ـ وفى خبر آخر أنه عليه السلام قال للأشعث بن قيس معزيا : إن صبرت صبر الأكارم ، وإلاّ سلوت سلوّ البهائم.
    415 ـ وقال عليه السلام فى صفة الدنيا : تغرّ وتضرّ وتمرّ ، إنّ اللّه تعالى لم يرضها ثوابا لأوليائه ، ولا عقابا لأعدائه ، وإنّ أهل الدّنيا كركب بينا هم حلّوا إذ صاح [بهم] سائقهم فارتحلوا (1).
    416 ـ وقال لابنه الحسن عليه السلام : لا تخلّفنّ وراءك شيئا من الدّنيا ، فإنّك تخلّفه لأحد رجلين : إمّا رجل عمل فيه بطاعة اللّه فسعد بما شقيت به ، وإمّا رجل عمل فيه بمعصية اللّه [فشقى بما جمعت له] فكنت عونا له على معصيته ، وليس أحد هذين حقيقا أن تؤثره على نفسك قال الرضى : ويروى هذا الكلام على وجه آخر وهو أمّا بعد ، فإنّ الّذى فى يدك من الدّنيا قد كان له أهل قبلك ، وهو صائر إلى أهل بعدك ، وإنّما أنت جامع لأحد رجلين : رجل عمل فيما جمعته بطاعة اللّه فسعد بما شقيت به ، أو رجل عمل فيه بمعصية اللّه فشقيت بما جمعت له ، وليس أحد هذين أهلا أن تؤثره على نفسك ولا أن تحمل له على ظهرك فارج لمن مضى رحمة اللّه ، ولمن بقى رزق اللّه.
    417 ـ وقال عليه السلام لقائل قال بحضرته «أستغفر اللّه» ثكلتك
    __________________
    (1) اى : بينما هم قد حلوا يفاجئهم صائح الأجل وهو سائقهم بالرحيل فارتحلوا

    أمّك أتدرى ما الاستغفار؟ الاستغفار درجة العلّيّين ، وهو اسم واقع على ستّة معان : أوّلها النّدم على ما مضى ، والثّانى : العزم على ترك العود إليه أبدا ، والثّالث : أن تؤدّى إلى المخلوقين حقوقهم حتّى تلقى اللّه أملس ليس عليك تبعة ، والرّابع : أن تعمد إلى كلّ فريضة عليك ضيّعتها فتؤدّى حقّها ، والخامس : أن تعمد إلى اللّحم الّذى نبت على السّحت (1) فتذيبه بالأحزان حتّى تلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد ، والسّادس : أن تذيق الجسم ألم الطّاعة كما أذقته حلاوة المعصية ، فعند ذلك تقول : «أستغفر اللّه».
    418 ـ وقال عليه السلام : الحلم عشيرة (2)
    419 ـ وقال عليه السلام : مسكين ابن آدم : مكتوم الأجل ، مكنون العلل ، محفوظ العمل ، تؤلمه البقّة ، وتقتله الشّرقة ، وتنتنه العرقة (3).
    420 ـ وروى أنه عليه السلام كان جالسا فى أصحابه ، فمرت بهم امراة جميلة فرمقها القوم بأبصارهم فقال عليه السلام : إنّ أبصار هذه الفحول
    __________________
    (1) السحت ـ بالضم ـ : المال من كسب حرام.
    (2) خلق الحلم يجمع إليك من معاونة الناس لك ما يجتمع لك بالعشيرة ، لأنه يوليك محبة الناس فكأنه عشيرة
    (3) «مكنون» أى : مستور العلل والأمراض لا يعلم من أين تأتيه : إذا عضته بقة تألم ، وقد يموت بجرعة ماء إذا شرق بها ، وتنتن ريحه إذا عرق عرقة

    طوامح (1) ، وإنّ ذلك سبب هبابها ، فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليلامس أهله ، فإنّما هى امرأة كامرأة ، فقال رجل من الخوارج «قاتله اللّه كافرا ما أفقهه» فوثب القوم ليقتلوه ، فقال عليه السلام : رويدا إنّما هو سبّ بسبّ أو عفو عن ذنب (2)!
    421 ـ [وقال عليه السلام : كفاك من عقلك ما أوضح لك سبل غيّك من رشدك]
    422 ـ وقال عليه السلام : افعلوا الخير ولا تحقروا منه شيئا فإنّ صغيره كبير وقليله كثير ، ولا يقولنّ أحدكم إنّ أحدا أولى بفعل الخير منّى فيكون واللّه كذلك. إنّ للخير والشّرّ أهلا فمهما تركتموه منهما كفاكموه أهله (3)
    423 ـ وقال عليه السلام : من أصلح سريرته أصلح اللّه علانيته ، ومن عمل لدينه كفاه [اللّه] أمر دنياه ، ومن أحسن فيما بينه وبين اللّه أحسن اللّه ما بينه وبين النّاس.
    __________________
    (1) جمع طامح أو طامحة وتقول : طمح البصر ، إذا ارتفع ، وطمح : أبعد فى الطلب. «وإن ذلك» أى : طموح الأبصار سبب هبابها ـ بالفتح ـ : أى : هيجان هذه الفحول لملامسة الأنثى
    (2) إن الخارجى سب أمير المؤمنين بالكفر فى الكلمة السابقة ، فأمير المؤمنين لم يسمح بقتله ويقول : إما أن أسبه أو أعفو عن ذنبه
    (3) ما تركتموه من الخير يقوم أهله بفعله بدلكم ، وما تركتموه من الشر يؤديه عنكم أهله. فلا تختاروا أن تكونوا للشر أهلا ، ولا أن يكون عنكم فى الخير بدلا

    424 ـ وقال عليه السلام : الحلم غطاء ساتر ، والعقل حسام قاطع ، فاستر خلل خلقك بحلمك ، وقاتل هواك بعقلك
    425 ـ وقال عليه السلام : إنّ للّه عبادا يختصّهم اللّه بالنّعم لمنافع العباد فيقرّها فى أيديهم ما بذلوها (1) ، فإذا منعوها نزعها منهم ثمّ حوّلها إلى غيرهم
    426 ـ وقال عليه السلام : لا ينبغى للعبد أن يثق بخصلتين : العافية ، والغنى ، بينا تراه معافى إذ سقم ، وبينا تراه غنيّا إذ افتقر.
    427 ـ وقال عليه السلام : من شكا الحاجة إلى مؤمن فكأنّه شكاها إلى اللّه ، ومن شكاها إلى كافر فكأنّما شكا اللّه.
    428 ـ وقال عليه السلام فى بعض الأعياد : إنّما هو عبد لمن قبل اللّه صيامه وشكر قيامه ، وكلّ يوم لا يعصى اللّه فيه فهو عيد
    429 ـ وقال عليه السلام : إنّ أعظم الحسرات يوم القيامة حسرة رجل كسب مالا فى غير طاعة اللّه فورثه رجل فأنفقه فى طاعة اللّه سبحانه فدخل به الجنّة ودخل الأوّل به النّار.
    430 ـ وقال عليه السلام : إنّ أخسر النّاس صفقة (2) وأخيبهم سعيا
    __________________
    (1) «يقرها» أى : يبقيها ويحفظها مدة بذلهم لها
    (2) «الصفقة» أى : البيعة ، أى : أخسرهم بيعا وأشدهم خيبة فى سعيه ذلك الرجل الذى أخلق بدنه : أى أبلاه ونهكه فى طلب المال ولم يحصله ، والتبعة ـ بفتح فكسر ـ

    رجل أخلق بدنه فى طلب ماله ، ولم تساعده المقادير على إرادته ، فخرج من الدّنيا بحسرته ، وقدم على الآخرة بتبعته.
    431 ـ وقال عليه السلام : الرّزق رزقان : طالب ، ومطلوب ، فمن طلب الدّنيا طلبه الموت حتّى يخرجه عنها ، ومن طلب الآخرة طلبته الدّنيا حتّى يستوفى رزقه منها.
    432 ـ وقال عليه السلام : إنّ أولياء اللّه هم الّذين نظروا إلى باطن الدّنيا إذا نظر النّاس إلى ظاهرها ، واشتغلوا بآجلها (1) إذا اشتغل النّاس بعاجلها ، فأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم (2) ، وتركوا منها ما علموا أنّه سيتركهم ورأوا استكثار غيرهم منها استقلالا ، ودركهم لها فوتا ، أعداء ما سالم النّاس وسلم ما عادى النّاس (3)! بهم علم الكتاب وبه علموا ، وبهم قام الكتاب
    __________________
    حق اللّه وحق الناس عنده يطالب به
    (1) إضافة «الآجل» إلى «الدنيا» لأنه يأتى بعدها ، أو لأنه عاقبة الأعمال فيها والمراد منه ما بعد الموت
    (2) أماتوا قوة الشهوة والغضب التى يخشون أن تميت فضائلهم ، وتركوا اللذات العاجلة التى ستتركهم ، ورأوا أن الكثير من هذه اللذات قليل فى جانب الأجر على تركه ، وإدراكه فوات ، لأنه يعقب حسرات العقاب
    (3) الناس يسالمون الشهوات ، وأولياء اللّه يحاربونها ، والناس يحاربون العفة والعدالة ، وأولياء اللّه يسالمونهما وينصرونهما
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    نهج البلاغه ج3 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: نهج البلاغه ج3   نهج البلاغه ج3 Emptyأمس في 9:34 pm

    وبه قاموا ، لا يرون مرجوّا فوق ما يرجون ، ولا مخوفا فوق ما يخافون (1)
    433 ـ وقال عليه السلام : اذكروا انقطاع اللّذّات ، وبقاء التّبعات.
    434 ـ وقال عليه السلام : اخبر تقله (2) قال الرضى : ومن الناس من يروى هذا للرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم ومما يقوى أنه من كلام أمير المؤمنين عليه السلام ما حكاه ثعلب عن ابن الأعرابى ، قال المأمون : لو لا أن عليا قال «اخبر تقله» لقلت : اقله تخبر
    435 ـ وقال عليه السلام : ما كان اللّه ليفتح على عبد باب الشّكر ويغلق عنه باب الزّيادة ، ولا ليفتح على عبد باب الدّعاء ويغلق عنه باب الإجابة (3) ولا ليفتح لعبد باب التّوبة ويغلق عنه باب المغفرة
    436 ـ [وقال عليه السلام : أولى النّاس بالكرم من عرفت به الكرام]
    437 ـ وسئل منه عليه السلام : أيما أفضل : العدل ، أو الجود؟ فقال
    __________________
    (1) أى مرجو فوق ثواب اللّه؟ وأى مخوف أعظم من غضب اللّه؟
    (2) اخبر ـ بضم الباء ـ أمر من «خبرته» من باب قتل ـ أى : علمته ، و «تقله» مضارع مجزوم بعد الأمر ، وهاؤه للوقف من «قلاه يقليه» كرماه يرميه ـ بمعنى أبغضه ، أى : إذا أعجبك ظاهر الشخص فاختبره فربما وجدت فيه ما لا يسرك فتبغضه ، ووجه ما اختاره المأمون أن المحبة ستر العيوب ، فاذا أبغضت شخصا أمكنك أن تعلم حاله كما هو
    (3) تكرر الكلام فى أن الدعاء والاجابة والاستغفار والمغفرة إذا صدقت النيات وطابق الرجاء العمل ، وإلا فليست من جانب اللّه فى شىء ، إلا أن تخرق سعة فضله سوابق سنته «17 ـ ن ـ ج ـ 3»

    عليه السلام : العدل يضع الأمور مواضعها ، والجود يخرجها من جهتها ، والعدل سائس عامّ ، والجود عارص خاصّ ، فالعدل أشرفهما وأفضلهما
    438 ـ وقال عليه السلام : النّاس أعداء ما جهلوا.
    439 ـ وقال عليه السلام : الزّهد كلّه بين كلمتين من القرآن : قال اللّه سبحانه. «لِكَيْلاٰ تَأْسَوْا عَلىٰ مٰا فٰاتَكُمْ وَلاٰ تَفْرَحُوا بِمٰا آتٰاكُمْ» ومن لم يأس على الماضى (1) ولم يفرح بالآتى فقد أخذ الزّهد بطرفيه.
    440 ـ وقال عليه السلام : ما أنقض النّوم لعزائم اليوم (2)
    441 ـ وقال عليه السلام : الولايات مضامير الرّجال (3)
    442 ـ وقال عليه السلام : ليس بلد بأحقّ [بك] من بلد (4) ، خير البلاد ما حملك.
    443 ـ وقال عليه السلام ، وقد جاءه نعى الأشتر رحمه اللّه : مالك
    __________________
    (1) أى : لم يحزن على ما نفذ به القضاء
    (2) تقدمت هذه الجملة بنصها ، ومعناها قد يجمع العازم على أمر فاذا نام وقام وجد الانحلال فى عزيمته ، أو ثم يغلبه النوم عن إمضاء عزيمته
    (3) المضامير : جمع مضمار ، وهو المكان الذى تضمر فيه الخيل للسباق ، والولايات أشبه بالمضامير ، إذ يتبين فيها الجواد من البرذون
    (4) يقول : كل البلاد تصلح سكنا ، وإنما أفضلها ما حملك ، أى : كنت فيه على راحة ، فكأنك محمول عليه

    وما مالك (1) [واللّه] لو كان جبلا لكان فندا [ولو كان حجرا لكان صلدا] : لا يرتقيه الحافر ، ولا يوفى عليه الطّائر
    قال الرضى : والفند : المنفرد من الجبال
    444 ـ وقال عليه السلام : قليل مدوم عليه خير من كثير مملول منه
    445 ـ وقال عليه السلام : إذا كان فى رجل خلّة رائقة فانتظروا أخواتها (2)
    446 ـ وقال عليه السلام لغالب صعصعة أبى الفرزدق ، فى كلام دار بينهما : ما فعلت إبلك الكثيرة؟ قال : ذعذعتها الحقوق (3) يا أمير المؤمنين فقال عليه السلام : ذلك أحمد سبلها
    447 ـ وقال عليه السلام : من اتّجر بغير فقه فقد ارتطم فى الرّبا (4)
    448 ـ وقال عليه السلام : من عظّم صغار المصائب ابتلاه اللّه بكبارها (5)
    __________________
    (1) مالك : هو الأشتر النخعى ، والفند ـ بكسر الفاء ـ : الجبل العظيم ، والجملتان بعده كناية عن رفعته وامتناع همته ، و «أوفى عليه» وصل إليه
    (2) الخلة ـ بالفتح ـ : الخصلة ، أى : إذا أعجبك خلق من شخص فلا تعجل بالركون إليه وانتظر سائر الخلال
    (3) ذعذع المال : فرقه وبدده ، أى : فرق إبلى حقوق الزكاة والصدقات ، وذلك أحمد سبلها ـ جمع سبيل ـ أى : أفضل طرق إفنائها
    (4) ارتطم : وقع فى الورطة فلم يمكنه الخلاص ، والتاجر إذا لم يكن على علم بالفقه لا يأمن الوقوع فى الربا جهلا
    (5) من تفاقم به الجزع ولم يجمل منه الصبر عند المصائب الخفيفة حمله الهم إلى ما هو أعظم منها

    449 ـ وقال عليه السلام : من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهواته
    450 ـ وقال عليه السلام : ما مزح امرؤ مزحة إلاّ مجّ من عقله مجّة (1)
    451 ـ وقال عليه السلام : زهدك فى راغب فيك نقصان حظّ (2) ، ورغبتك فى زاهد فيك ذلّ نفس.
    452 ـ وقال عليه السلام : الغنى والفقر بعد العرض على اللّه (3)
    453 ـ [وقال عليه السلام : ما زال الزّبير رجلا منّا أهل البيت حتّى نشأ ابنه المشئوم عبد اللّه]
    454 ـ وقال عليه السلام : ما لابن آدم والفخر : أوّله نطفة ، وآخره جيفة ، ولا يرزق نفسه ، ولا يدفع حتفه.
    455 ـ وسئل من أشعر الشعراء؟ فقال عليه السلام : إنّ القوم لم يجروا فى حلبة تعرف الغاية عند قصبتها (4) فإن كان ولا بدّ فالملك الضّلّيل (يريد
    __________________
    (1) المزح والمزاحة والمزاح : بمعنى واحد ، وهو المضاحكة بقول أو فعل ، وأغلبه لا يخلو عن سخرية ، ومج الماء من فيه : رماه ، وكأن المازج يرمى بعقله ويقذف به فى مطارح الضياع
    (2) بعدك عمن يتقرب منك ويلتمس مودتك تضييع لحظ من الخير يصادفك وأنت تلوى عنه ، وتقربك لمن يبتعد عنك ذل ظاهر
    (3) العرض على اللّه يوم القيامة ، وهناك يظهر الغنى بالسعادة الحقيقية والفقر بالشقاء الحقيقى.
    (4) الحلبة ـ بالفتح ـ : القطعة من الخيل تجتمع للسباق ، عبر بها عن الطريقة الواحدة ، والقصبة : ما ينصبه طلبة السباق حتى إذا سبق سابق أخذه ليعلم بلا نزاع ، وكانوا يجعلون هذا من قصب ، أى : لم يكن كلامهم فى مقصد واحد ، بل ذهب بعضهم مذهب الترغيب ، وآخر مذهب الترهيب ، وثالث مذهب الغزل والتشبيب ، والضليل : من الضلال ، لأنه كان فاسقا

    امرأ القيس)
    456 ـ وقال عليه السلام : ألا حرّ يدع هذه اللّماظة لأهلها (1)؟ إنّه ليس لأنفسكم ثمن إلاّ الجنّة ، فلا تبيعوها إلاّ بها
    457 ـ وقال عليه السلام : منهومان لا يشبعان (2) : طالب علم ، وطالب دنيا
    458 ـ وقال عليه السلام : الإيمان أن تؤثر الصّدق حيث يضرّك على الكذب حيث ينفعك ، وأن لا يكون فى حديثك فضل عن عملك (3) وأن تتّقى اللّه فى حديث غيرك
    459 ـ وقال عليه السلام : يغلب المقدار على التّقدير (4) حتّى تكون الآفة فى التّدبير
    __________________
    (1) اللماظة ـ بالضم ـ بقية الطعام فى الفم ، يريد بها الدنيا ، أى : لا يوجد حر يترك هذا الشىء الدنىء لأهله
    (2) المنهوم : المفرط فى الشهوة ، وأصله فى شهوة الطعام.
    (3) أى : لا تقول أزيد مما تفعل ، وحديث الغير : الرواية عنه ، والتقوى فيه : عدم الافتراء ، أو حديث الغير : التكلم فى صفاته ، نهى عن الغيبة
    (4) المقدار : القدر الالهى ، والتقدير : القياس

    قال الرضى : وقد مضى هذا المعنى فيما تقدم برواية تخالف هذه الألفاظ
    460 ـ وقال عليه السلام : الحلم والأناة توءمان ينتجهما علوّ الهمّة (1)
    461 ـ وقال عليه السلام : الغيبة جهد العاجز (2)
    462 ـ وقال عليه السلام : ربّ مفتون بحسن القول فيه
    463 ـ وقال عليه السلام : الدّنيا خلقت لغيرها ، ولم تخلق لنفسها (3)
    464 ـ وقال عليه السلام : إنّ لبنى أميّة مرودا يجرون فيه ، ولو قد اختلفوا فيما بينهم ثمّ كادتهم الضّباع لغلبتهم (4) قال الرضى : والمرود هنا مفعل من الإرواد ، وهو الإمهال والإنظار ، وهذا من أفصح الكلام وأغربه ، فكأنه عليه السلام شبه المهلة التى هم فيها بالمضمار الذى يجرون فيه إلى الغاية ، فاذا بلغوا منقطعها انتقض نظامهم بعدها
    465 ـ وقال عليه السلام فى مدح الأنصار : هم واللّه ربّوا الاسلام كما
    __________________
    (1) الحلم ـ بالكسر ـ حبس النفس عند الغضب ، والأناة : يريد بها التأنى ، والتوءمان : المولودان فى بطن واحد ، والتشبيه فى الافتران والتولد من أصل واحد
    (2) الغيبة ـ بالكسر ـ : ذكرك الآخر بما يكره وهو غائب ، وهى سلاح العاجز ينتقم به من عدوه ، وهى جهده ، أى : غاية ما يمكنه
    (3) خلقت الدنيا سبيلا إلى الآخرة ، ولو خلقت لنفسها لكانت دار خلد
    (4) مرود ـ بضم فسكون ففتح ـ : فسره صاحب الكتاب بالمهلة ، وهى مدة اتحادهم ، فلو اختلفوا ثم كادتهم ـ أى : مكرت بهم ، أو حاربتهم ـ الضباع دون الأسود لقهرتهم.

    يربّى الفلو مع غنائهم بأيديهم السّباط وألسنتهم السّلاط (1)
    466 ـ وقال عليه السلام : العين وكاء السه (2) قال الرضى : وهذه من الاستعارات العجيبة ، كأنه يشبه السه بالوعاء ، والعين بالوكاء ، فإذا أطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء ، وهذا القول فى الأشهر الأظهر من كلام النبى صلى اللّه عليه وآله وسلم ، وقد رواه قوم لأمير المؤمنين عليه السلام ، وذكر ذلك المبرد فى كتاب «المقتضب» فى باب «اللفظ بالحروف» وقد تكلمنا على هذه الاستعارة فى كتابنا الموسوم ب‍ «محاذات الآثار النبوية»
    467 ـ وقال عليه السلام : فى كلام له : ووليهم وال فأقام واستقام ، حتّى ضرب الدّين بجرانه (3).
    __________________
    (1) «ربوا» من التربية والانماء ، والفلو ـ بالكسر ، أو بفتح فضم فتشديد ، أو بضمتين فتشديد ـ المهر إذا فطم أو بلغ السنة ، والغناء ـ بالفتح ممدودا ـ : الغنى ، أى : مع استغنائهم ، و «بأيديهم» متعلق بربوا ، ويقال : رجل سبط اليدين ـ بالفتح ـ أى : سخى والسباط ـ ككتاب ـ جمعه ، والسلاط : جمع سليط وهو الشديد واللسان الطويل
    (2) السه ـ بفتح السين وتخفيف الهاء ـ : العجز ، ومؤخر الانسان ، والعين الباصرة. وإنما جعل العجز وعاء لأن الشخص إذا حفظ من خلفه لم يصب من أمامه فى الأغلب ، فكأنه وعاء الحياة والسلامة إذا حفظ حفظنا ، والباصرة وكاء ذلك الوعاء ، أى : رباطه ، لأنها تلحظ ما عساه يصل إليه فتنبه العزيمة لدفعه والتوقى منه ، فاذا أهمل الانسان النظر إلى مؤخرات أحواله أدركه العطب. والكلام تمثيل لفائدة العين قى حفظ الشخص مما قد يعرض عليه من خلفه ، وأنها لا تختلف عن فائدتها فى حفظه مما يستقبله من أمامه وإرشاده إلى وجوب التبصر فى مظنات الغفلة ، وهذا هو المحمل اللائق بمقام النبى صلى اللّه عليه وسلم أو مقام أمير المؤمنين.
    (3) الجران ـ ككتاب ـ مقدم عنق البعير ، يضرب على الأرض عند الاستراحة كناية عن التمكن. والوالى يريد به النبى صلى اللّه عليه وسلم : و «وليهم» أى : تولى أمورهم وسياسة الشريعة فيهم ، وقال قائل : يريد به عمر بن الخطاب.

    468 ـ وقال عليه السلام : يأتى على النّاس زمان عضوض (1) يعضّ الموسر فيه على ما فى يديه ولم يؤمر بذلك ، قال اللّه سبحانه : «وَلاٰ تَنْسَوُا اَلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ» تنهد فيه الأشرار (2) وتستذلّ الأخيار ، ويبايع المضطرّون وقد نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن بيع المضطرّين (3).
    469 ـ وقال عليه السلام : يهلك فىّ رجلان : محبّ مفرط ، وباهت مفتر (4) قال الرضى : وهذا مثل قوله عليه السلام : هلك فىّ رجلان : محبّ غال ، ومبغض قال
    470 ـ وسئل عن التوحيد والعدل فقال عليه السلام : التّوحيد أن لا تتوهّمه ، والعدل أن لا تتّهمه (5).
    __________________
    (1) العضوض ـ بالفتح ـ الشديد ، والموسر : الغنى ، ويعض على ما فى يده : يمسكه بخلا على خلاف ما أمره اللّه فى قوله : «وَلاٰ تَنْسَوُا اَلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ» أى : الاحسان
    (2) «تنهد» أى : ترتفع
    (3) بيع ـ بكسر ففتح ـ : جمع بيعة ـ بالكسر ـ هيئة البيع ، كالجلسة لهيئة الجلوس.
    (4) بهته ـ كمنعه ـ : قال عليه ما لم يفعل ، ومفتر : اسم فاعل من الافتراء
    (5) الضمير المنصوب للّه ، فمن توحيده ألا تتوهمه ، أى : لا تصوره بوهمك ، فكل موهوم محدود ، واللّه لا يحد بوهم. واعتقادك بعدله : ألا تتهمه فى أفعال يظن عدم الحكمة فيها.

    471 ـ وقال عليه السلام : [لا خير فى الصّمت عن الحكم ، كما أنّه لا خير فى القول بالجهل.]
    472 ـ وقال عليه السلام فى دعاء استسقى به : اللّهمّ اسقنا ذلل السّحاب دون صعابها قال الرضى : وهذا من الكلام العجيب الفصاحة ، وذلك أنه عليه السلام شبة السحاب ذوات الرعود والبوارق والرياح والصواعق بالابل الصعاب التى تقمص برحالها (1) وتقص بركبانها ، وشبه السحاب خالية من تلك الروائع (2) بالابل الذلل التى تحتلب طيعة وتقتعد مسمحة (3)
    473 ـ وقيل له عليه السلام : لو غيرت شبيك يا أمير المؤمنين ، فقال عليه السلام : الخضاب زينة ونحن قوم فى مصيبة! (يريد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم)
    474 ـ [وقال عليه السلام : ما المجاهد الشّهيد فى سبيل اللّه بأعظم أجرا
    __________________
    (1) قمص الفرس وغيره ـ كضرب ونصر ـ : رفع يديه وطرحهما معا وعجن برجليه ، والرحال : جمع رحل ، أى : إنها تمتنع حتى على رحالها فتقمص لتلقيها. ووقصت به راحلته تقص ـ كوعد يعد ـ تقحمت به فكسرت عنقه
    (2) جمع رائعة ، أى : مفزعة
    (3) طيعة ـ بتشديد الياء ـ : شديدة الطاعة ، والاحتلاب : استخراج اللبن من الضرع ، وتقتعد ـ مبنى للمجهول ـ من اقتعده : اتخذه قعدة ـ بالضم ـ يركبه فى جميع حاجاته ، ومسمحة : اسم فاعل «أسمح» أى : سمح ـ ككرم ـ بمعنى جاد ، وسماحها مجاز عن إتيان ما يريده الراكب من حسن السير

    ممّن قدر فعفّ : لكاد العفيف أن يكون ملكا من الملائكة]
    475 ـ وقال عليه السلام : القناعة مال لا ينفد قال الرضى : وقد روى بعضهم هذا الكلام لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله
    476 ـ وقال عليه السلام لزياد بن أبيه ـ وقد استخلفه لعبد اللّه بن العباس على فارس وأعمالها ، فى كلام طويل كان بينهما نهاه فيه عن تقدم الخراج (1) ـ : استعمل العدل ، واحذر العسف والحيف ، فإنّ العسف يعود بالجلاء (2) والحيف يدعو إلى السّيف.
    477 ـ وقال عليه السلام : أشدّ الذّنوب ما استخفّ به صاحبه
    478 ـ وقال عليه السلام : ما أخذ اللّه على أهل الجهل أن يتعلّموا حتّى أخذ على أهل العلم أن يعلّموا (3)
    479 ـ وقال عليه السلام : شرّ الإخوان من تكلّف له قال الرضى : لأن التكليف مستلزم للمشقة ، وهو شر لازم عن الأخ المتكلف له ، فهو شر الاخوان
    480 ـ وقال عليه السلام : إذا احتشم المؤمن أخاه فقد فارقه
    __________________
    (1) تقدم الخراج : الزيادة فيه.
    (2) العسف ـ بالفتح ـ : الشدة فى غير حق ، والجلاء ـ بالفتح ـ : التفرق والتشتت ، والحيف : الميل عن العدل إلى الظلم ، وهو ينزع بالمظلومين إلى القتال لانقاذ أنفسهم.
    (3) كما أوجب اللّه على الجاهل أن يتعلم أوجب على العالم أن يعلم

    قال الرضى : يقال : حشمه وأحشمه إذا أغضبه ، وقيل : أخجله ، «او حتشمه» طلب ذلك له ، وهو مظنة مفارقته
    وهذا حين انتهاء الغاية بنا إلى قطع المختار من كلام أمير المؤمنين عليه السلام ، حامدين للّه سبحانه على ما من به من توفيقنا لضم ما انتشر من أطرافه ، وتقريب ما بعد من أقطاره ، وتقرر العزم كما شرطنا أولا على تفضيل أوراق من البياض فى آخر كل باب من الأبواب ليكون لاقتناص الشارد ، واستلحاق الوارد ، وما عسى أن يظهر لنا بعد الغموض ، ويقع إلينا بعد الشذوذ ، وما توفيقنا إلا باللّه : عليه توكلنا ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
    وذلك فى رجب سنة أربعمائة من الهجرة (1) ، وصلى اللّه على سيدنا محمد خاتم الرسل ، والهادى إلى خير السبل ، وآله الطاهرين ، وأصحابه نجوم اليقين؟
    __________________
    (1) انتهى من جمعه فى سنة أربعمائة ، وأبقى أوراقا بيضا فى آخر كل باب رجاء أن يقف على شىء يناسب ذلك الباب فيدرجه فيه. وجامع الكتاب هو الشريف الحسينى الملقب بالرضى ، وذكر فى تاريخ أبى الفدا أنه : محمد بن الحسين بن موسى ابن إبراهيم المرتضى بن موسى الكاظم وقد يلقب «بالمرتضى» تعريفا له بلقب جده إبراهيم ، ويعرف أيضا بالموسوى. وهو صاحب ديوان الشعر المشهور ، ولد سنة تسع وخمسين وثلاثمائة ، وتوفى سنة ست وأربعمائة ، رحمه اللّه رحمة واسعة ، والحمد للّه فى البداية والانتهاء ، والشكر له فى السراء والضراء. والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء ، وعلى آله وصحبه أصول الكرم وفروع العلاء ، آمين.
    قد تم بحمد اللّه وحسن تيسيره طبع الجزء الثالث من كتاب «نهج البلاغة» وهو يشتمل على : باب المختار من كتب أمير المؤمنين على بن أبى طالب إلى أعدائه وأمراء بلاده ، وباب المختار من حكمه وأجوبة مسائله وكلامه القصير فى سائر أغراضه ، وبتمام هذا الجزء تم مجموع ما اختاره الشريف أبو الحسن محمد الرضى من كلام أمير المؤمنين ، والحمد للّه الذى بنعمته تتم الصالحات. نسأل اللّه أن ينفع به ، وأن يجعل عملنا فيه سببا لبلوغ مرضاته ، آمين

    فهرست الجزء الثالث
    من كتاب
    نهج البلاغة
    وهو يشتمل على باب المختار من كتب أمير المؤمنين
    أبى الحسن علي بن أبي طالب رضى الله عنه
    وباب المختار من حكمه وأجوبة مسائلة
    2 باب المختار من كتب أمير المؤمنين ورسائله إلى أعدائه وأمراء بلاده ـ ومن كتاب له لأهل الكوفة عند مسيرة من المدينة إلى البصرة ،وفيه يذكر ما كان من أمر عثمان بأوجز عبارة وأوفاها 7 ومن كتاب إلى الأشعث بن قيس يأمره بالأمانة
    4 ومن كتاب إلى أهل الكوفة يمدحهم بعد فتح البصرة 8 ومن كتاب إلى معاوية في الاحتجاج بالبيعة والتبرؤ من دم عثمان
    ومن كتاب له لشريح بن الحارث قاضيه ، يصف له نسخة كتاب في تملك دار ، وهو من ألطف الكتب وأحواها للعبرة ومن كتاب إلى جرير بن عبدالله حين أرسله إلى معاوية
    6 من كتاب له إلى بعض أمراء الجيش ، يأمره بالنهوض بعد دعوة العدو إلى الطاعة 10 ومن كتاب إلى معاوية يذكر فيه فضل آل البيت وسابقتهم
    12 من كتاب إليه فيه تهديد وتوبيخ
    14 من وصيته لجيش ، يصف لهم كيف ينزلون ، وكيف يحذرون
    15 ومن وصية لمعقل بن قيس ، يصف له كيف يسير وكيف يبدأ بالقتال


    15 ومن كتاب إلى أميري جيش يأمر هما بالطاعة للأشتر 30 من عهد إلى عامل الصدقات : يأمره بالرفق والأمانة
    16 ومن وصية لجيشه قبل العدو بصفين ، قبل قتال العدو بصفين ، يعلمهم آداب الظفر ، ويناهم عن إنذاء النساء 31 ومن عهده لحمد بن أبي بكر لما ولاه مصر : يأمره بالمساواة بين الناس ، وبين له حال المتقين ليقتدي بهم ، ويمدح أهل مصر ، وينهاه عن إرضاء الناس بسخط الله ، ويخوفه من المنافقين
    17 ومن دعاء له إذا لقى العدو ومن 34 من كتاب إلى معاوية جواباً واحتجاجاً وهو من محاسن الكتب
    18 من كتاب إلى معاوية جواباً واحتجاجاً وهو من بدائع الكتب 40 من كتاب إلى معاوية : يعظه ، ويهدده
    20 ومن كتاب إلى عبد الله بن عباس ، وهو عامل البصرة ، يستعطفه على بني تميم. 42 من وصية له لولده قد جمعت من كل حكمة طرفا
    21 من كتاب إلى بعض عماله وقد شكاه المشركون من أهل عماله وقد شكاه المشركون من أهل عمله يأمره بالرفق بهم 64 من كتاب إلى معاوية : يذكر فيه إغواءه للناس
    22 ومن كتاب إلى زياد بن أبيه يحذره الخيانة 65 ومن كتاب إلى قثم بن العباس وهو عامله على مكة : يحذره من جواسيس معاوية في عمله
    23 ومن كتاب إلى ابن عباس يعظه به 66 من كتاب إلى محمد بن أبي بكر لما بلغه توجده من عزله بالأشتر
    24 ومن وصية قالها بعد ما ضربه ابن ملجم لعنة الله عليه يرغب في العفو منه 67 ومن كتاب له إلى أخيه عقيل : يصف حال جيش أنفذه إلى بعض
    25 ومن وصية له فيما يفعل بأمور إله كتبها بعد منصرفة من صفين
    27 من وصية لمن يجي الزكاة : يعمله طريق الجباية ، ويوصيه بالماشية ، وهي من محاسن الوصايا


    الأعداء وهو من لطائف الكتب 85 من وصية له بعد ما ضربه ابن ملجم : ينهى فيها عن سفك الدماء ، وعن التمثيل قاتله ، ويأمر بفضائل جمة
    69 من كتاب إلى معاوية : يونجه ، ويلزمه ذنب عثمان 87 من كتاب إلى معاوية : يعظه فيه
    70 ومن كتاب إلى أهل مصر لما ولى عليهم الأشتر : يثنى عليهم فيه ويأمرهم بطاعة الأشتر 88 ومن كتاب إلى أمرائه على الجيوش : يبين فيه حقهم وحقه ، ويأمره بلزوم العدل والطاعة :
    71 من كتاب إلى عمرو بن العاص : يونجه على أتباع إلى بعض عماله : يأمره برفع حساب إليه 90 من كتاب إلى عماله على الخوارج وفيه النهى عن الضرب لتحصيل الخراج أو الالزام بيع شيء يضر بيعه
    72 ومن كتاب الى بعض عماله : يعتب عليه في نكثه لعهده ، وتناوله لشيء من بيت المال ، وهو من محاسن الكتب 91 من كتاب إلى أمراء البلاد في أوقات الصلاة
    75 من كتاب إلى عمر بن أبي سلمة عند عزله عن البحرين : يثنى عليه فيه 92 ومن عهد إلى الأشتر النخعي عند ماولاه مصر ، وهو من أجمع كتبه لوجوه السياسية المدنية
    76 ومن كتاب إلى مصقلة بن هبيرة الشيباني ، وهو عامله على أردشير خرة : يونجه على الجور في قسمه الفئ من كتاب إلى زياد بن أبيه يحذره من خداع معاوية له 122 من كتاب في الاحتجاج على طلحة والزبير
    78 ومن كتاب إلى عثمان بن حنيف وإلى بصرة : يونجه على حضور وليمة دعى إليها ، وهو من أحاسن الكتب 123 من كتاب إلى معاوية : يعظه به
    84 من كتاب إلى عامل يأمره بالرفق والشدة ووضع كل موضعه 124 ومن وصية لشريح بن هانيء القاضي لما جعله على مقدمته إلى الشام
    125 من كتاب إلى أمل الأمصار يقتص فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين


    127 من كتاب إلى الأسود بن قطيبة : يأمره بالعدل ولزوم الحق بمعاوية : يهون عليه أمرهم
    128 ومن كتاب إلى العمال الذين يطأ الجيش أعمالهم 145 ومن كتاب يعظ به ابن العباس
    129 ومن كتاب في تعنيف زياد بن كميل على إهمال ثغره من الحماية ومن كتاب إلى معاوية : يستهين بجوابه ، ويتوعده
    130 ومن كتاب إلى أهل مصر مع الأشتر : يقص حالة السابقة ، ويذكر أن جهاده للحق ، وأنه لايخشى كثرة معارضيه 148 من حلف له كتبه بين ربيعة واليمن
    133 من كتاب إلى أبو موسى : يعنفه ويتوعده على تثبيط أهل الكوفة عن حروب الجمل 149 ومن كتاب إلى معاوية أول استقراره في الخلافة
    134 من كتاب إلى معاوية جواباً عنيفاً من وصية لابن عباس
    137 من كتاب إليه أيضاً 150 ووصية أخرى له لما بعثه للاحتجاج على الخوارج
    139 من كتاب يعظ فيه عبد الله بن عباس ومن كتاب إلى أبى موسى الأشعري جواباً يحذره من الميل عن الحق في التحكيم
    140 من كتاب إلى قثم بن عباس : يأمره باقامة الحج ، وينهاه عن الاحتجاب ، ويحظر على أهل مكة أخذأ جرة للسكنى من الحجاج ومن كتاب الى سلمان الفارسي قبل خلافته : يصف له الدنيا ، ويحذره منها 151 من كتاب له لما استخلف إلى أمراء الأجناد
    141 ومن كتاب إلى الحارث الهمداني ، فيه غرر من مكارم الأخلاق باب المختار من حكم أمير المؤمنين وأجوبته القصيرة
    144 من كتاب إلى سهل بن حنيف ، في قوم من أهل المدينة لحقوا 157 جواب لمن سأله عن الإيمان ، وفيه الإيمان وشعبه ، والكفر وشعبه
    160 قال لدهاقين الأنبار عند ماترجلوا له واشتدو بين يديه
    وصايا لابنه سيدنا الحسن
    161 قال في لسان العاقل والأحمق
    162 ومن كلام لمريض في عاقبة المرض


    166 خبر ضرار عنه في مخاطبه الدنيا 189 قال لرجل سأله أن يعظه ، وهى من أفضل العظات
    167 وصية بخمسة أشياء يهون التعب في سبيل معرفتها 198 قال في وصف الغوغاء
    170 لا يقولن أحدكم اللهم إنى أعوذ بك من الفتنة 200 الجود حارس الأعراض الخ
    171 جوابه لمن سأله عن الخير ما هو 208 بيان لحكمة الله في أصول الفرائض وكبائر المحظورات
    أولى الناس بالأنبياء 211 فصل : في بيان كلما غريبة جاءت في كلامه كرم الله وجه
    173 وصف حال في بعض الأزمان ووصف الزاهدين ، رواه عنه نوف البكالي 232 كلام في وصف أخ في الله كان له ، وهو من أجمل الأوصاف
    175 حالات قلب الانسان ، لقدعلق بنياط هذا الانسان الخ 242 كلام لجابر بن عبدالله الأنصاري في أن أقوام الدنيا بأربعة.
    177 لامال أعود من العقل الخ 243 كلام في وجوب تغيير المنكر بقدر الاستطاعة ، وهو في جملتين
    180 لأنسبن الاسلام الخ 252 كلام لفائل قال بحضرته «أستغفر الله» وفيه معنى الاستغفار وبيان حقيقه
    181 خطاب لأهل القبور
    وكلام عندما سمع رجلا بذم الدنيا
    186 كلام قال لكميل بن زياد في العلم والعمال ، وهو من أجل الكلام

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
     
    نهج البلاغه ج3
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: 46- منتدى كتاب نهج البلاغه 123-
    انتقل الى: