يقول : (قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً)(1) فطلبت أيّ الكفّار أضرّ على الإسلام ، وأقرب من موضعي ، فلم أجد أضر على الإسلام منك ، لأن الكفار أظهروا كفرهم ، فاستبصر الناس في أمرهم ، وعرفوهم فخافوهم.
وأنت ختلت المسلمين بالإسلام ، وأسررت الكفر ، فقتلت بالظنّة ، وعاقبت بالتهمة ، وأخذت المال من غير حله فأنفقته في غير حله ، وشربت الخمر المحرمة صراحا ، وأنفقت مال الله على الملهّين وأعطيته المغنين ، ومنعته من حقوق المسلمين ، فغششت بالإسلام ، وأحطت بأقطاره إحاطة أهله ، وحكمت فيه للمشرك ، وخالفت الله ورسوله في ذلك خلافة المضاد المعاند ، فإن يسعدني الدهر ، ويعني الله عليك بأنصار الحق ، أبذل نفسي في جهادك بذلا يرضيه مني ، وإن يمهلك ويؤخرك ليجزيك بما تستحقه في منقلبك ، أو تخرتمني الأيام قبل ذلك فحسبي من سعي ما يعلمه الله عزّ وجلّ من نيتي ، والسلام.
* * *
ولم يزل عبد الله متواريا إلى أن مات في أيام المتوكل.
فحدثني أحمد بن سعيد ، قال : حدثني يحيى بن الحسن ، قال : حدثنا اسماعيل بن يعقوب ، قال : سمعت محمد بن سليمان الزينبي (2) يقول :
نعى عبد الله بن موسى إلى المتوكل صبح أربع عشرة ليلة من يوم مات ، ونعى له أحمد بن عيسى فاغتبط بوفاتهما وسر ، وكان يخافهما خوفا شديدا ويحذر حركتهما ، لما يعلمه من فضلهما ، واستنصار الشيعة الزيدية بهما وطاعتها لهما لو أرادوا الخروج عليه ، فلما ماتا أمن واطمأن ، فما لبث بعدهما إلّا أسبوعا حتى قتل.
* * *
وكان عبد الله بن موسى يقول شيئا من الشعر.
أنشدني أحمد بن سعيد ، قال : أنشدنا يحيى بن الحسن ، قال : أنشدني إسماعيل بن يعقوب لعبد الله بن موسى :
وإني لمرتاد جوادي وقاذف
به وبنفسي العام إحدى المقاذف(3)
__________________
(1) سورة التوبة 123.
(2) في ط وق «محمد بن سليمان الرسي».
(3) الشعر في الأغاني 10 / 160.
مخافة دنيا رثّة أن تميلني
كما مال فيها الهالك المتجانف (1)
فيا رب إن حانت وفاتي فلا تكن
على شرجع يعلى بخضر المطارف (2)
ولكن قتيلا شاهدا لعصابة
يصابون في فج من الأرض خائف (3)
إذا فارقوا دنياهم فارقوا الأذى
وصاروا إلى ميعاد ما في المصاحف (4)
قال أبو الفرج : هكذا ذكر اسماعيل بن يعقوب ، وهذا الشعر للطرماح بن حكيم الطائي (5) ، وكان يذهب مذهب الشّراة (6) ، ولعل عبد الله بن موسى كان ينشده متمثلا.
__________________
(1) هذا البيت غير موجود في الأغاني ، وفيه بدله :
لأكسب مالا أو أؤول إلى غنى
من الله يكفيني غداة الخلائف
(2) الشرجع : النعش ، وبعده في الأغاني :
ولكن قبري بطن نسر مقيله
بجو السماء في نسور عواكف
(3) صدره كما في الأغاني «وأمسى شهيدا ثاويا في عصابة» وبعده :
فوارس من شيبان ألف بينهم
تقى الله نزالون عند التراجف
(4) في الخطية «ما في الصحائف».
(5) قال أبو الفرج في ترجمة الطرماح 10 / 160 «وأخبرني محمد بن القاسم الأنباري قال : أخبرني أبي قال : حدثني الحسن بن عبد الرحمن الربعي قال : حدثنا محمد بن عمران قال : حدثني إبراهيم بن سوار الضبي ، قال : حدثني محمد بن زياد القرشي عن ابن شبرمة قال :
كان الطرماح لنا جليسا ، ففقدناه أياما كثيرة ، فقمنا بأجمعنا لننظر ما فعل وما دهاه ، فلما كنا قريبا من منزله إذا نحن بنعش عليه مطرف أخضر ، فقلنا : لمن هذا النعش؟ فقيل : هذا نعش الطرماح ، فقلنا : والله ما استجاب الله تعالى له حيث يقول : وإني لمقتاد جوادي وقاذف».
(6) قال أبو الفرج في الأغاني 10 / 156 «أخبرني اسماعيل بن يونس قال : حدثنا عمر بن شبّة ، عن المدائني ، عن أبي بكر الهذلي قال :
قدم الطرماح بن حكيم الكوفة ، فنزل في تيم اللات بن ثعلبة ، وكان فيهم شيخ من الشراة له سمت وهيئة ، وكان الطرماح يجالسه ويسمع منه ، فرسخ كلامه في قلبه ، ودعاه الشيخ إلى مذهبه فقبله ، واعتقده أشد اعتقاد وأصحه حتى مات عليه».
أيام المنتصر
أيام المنتصر
وكان المنتصر يظهر الميل إلى أهل هذا البيت (1) ، ويخالف أباه في أفعاله ، فلم يجر منه على أحد منهم قتل أو حبس ولا مكروه فيما بلغنا (2) ، والله أعلم.
__________________
(1) مروج الذهب 2 / 284 ـ 285 وابن الأثير 7 / 39 ـ 40 وأبو الفداء 2 / 44 والطبري 11 / 81.
(2) جاء في الطبري 11 / 81 «أن المنتصر لما ولى الخلافة كان أول شيء أحدث من الأمور ، عزل صالح بن علي عن المدينة ، وتولية علي بن الحسين بن إسماعيل بن العباس بن محمد إيّاها ، فذكر عن علي بن الحسين أنه قال : دخلت عليه أودعه فقال لي : يا علي ، إني أوجهك إلى لحمي ودمي ، ومد جلد ساعده وقال : إلى هذا وجهتك ، فانظر كيف تكون للقوم ، وكيف تعاملهم ـ يعني آل أبي طالب ـ فقلت : أرجو أن أمتثل رأي أمير المؤمنين ـ أيّده الله ـ فيهم إن شاء الله ، فقال إذا تسعد بذلك عندي».
أيام المستعين
64 ـ يحيى بن عمر بن الحسين (1)
فمن خرج فقتل في أيامه أبو الحسين يحيى بن عمر بن الحسين بن زيد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب.
[ويكنى أبا الحسن].
وأمه أم الحسن (2) بنت عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه.
كان خرج في أيام المتوكل إلى خراسان فرده عبد الله بن طاهر ، فأمر المتوكل بتسليمه إلى عمر بن الفرج الرخجي فسلم إليه ، فكلمه بكلام فيه بعض الغلظة فرد عليه يحيى وشتمه ، فشكى ذلك إلى المتوكل فأمر به فضرب دررا (3) ، ثم حبسه في دار الفتح بن خاقان ، فمكث على ذلك مدة ، ثم أطلق فمضى إلى بغداد فلم يزل بها حينا حتى خرج إلى الكوفة فدعا إلى الرضا من آل محمد (ص) ، وأظهر العدل وحسن السيرة بها إلى أن قتل رضوان الله عليه ، وسنذكر خبره على سياقته.
وكان رضي الله عنه رجلا فارسا شجاعا ، شديد البدن مجتمع القلب ، بعيدا من رهق الشباب وما يعاب به مثله.
فحدثني محمد بن أحمد الصيرفي أبو عبيد ، وأحمد بن عبيد الله بن عمار ، وغيرهما :
أنه كان مقيما ببغداد ، وكان له عمود حديد ثقيل يكون معه في منزله ، وكان ربما سخط على العبد أو الأمة من حشمه ، فيلوي العمود في عنقه ، فلا يقدر أحد أن يحله عنه حتى يحله يحيى رضي الله عنه.
قال أبو الفرج :
حدثني أحمد بن عبيد الله ، قال : حدثني أبو عبد الله بن أبي الحصين :
أن يحيى بن عمر لما أراد الخروج بدأ فزار قبر الحسين ، وأظهر لمن حضره من
__________________
(1) أبو الفداء 2 / 45 والطبري 11 / 87 ـ 90 وابن الأثير 7 / 43 ومروج الذهب 2 / 290 ـ 293 وشرح شافية أبي فراس 177 والفخري 216 ـ 218.
(2) في الطبري «أم الحسين».
(3) الطبري 11 / 42 «فضربه عمر فرج ثماني عشرة مقرعة ، وحبس ببغداد في المطبق».
الروّار ما أراده ، فاجتمعت إليه جماعة (1) من الأعراب ومضى فقصد شاهي (2) فأقام بها إلى الليل ، ثم دخل الكوفة ليلا ، وجعل أصحابه ينادون : أيها الناس أجيبوا داعي الله حتى اجتمع إليه خلق كثير.
فلما كان من غد مضى إليه بيت المال فأخذ ما فيه ، ووجّه إلى قوم من الصيارفة عندهم مال من مال السلطان فأخذه منهم ، وصار إلى بني حمّان وقد اجتمع أهله ، ثم جلس فجعل أبو جعفر محمد بن عبيد الله الحسني وهو المعروف بالأدرع (3) يسارّه ويعظم عليه أمر السلطان ، فبينما هم كذلك إذا عبد الله بن محمود قد أقبل وعنده جند مرتبون كانوا معه في طساسيج الكوفة (4) ، فصاح بعض الأعراب بيحيى : أيها الرجل أنت مخدوع ، هذه الخيل قد أقبلت. فوثب يحيى فجال في متن فرسه ، وحمل على عبد الله بن محمود فضربه ضربة بسيفه على وجهه ، فولى منهزما وتبعه أصحابه منهزمين (5).
ثم رجع إلى أصحابه فجلس معهم ساعة ثم خرج إلى الوازار في عسكره ومضى منه إلى حنبلا.
وسار خبر يحيى بن عمر وانتهى إلى بغداد ، فندب له محمد بن عبد الله بن طاهر بن عمه الحسين بن إسماعيل (6) ، وضم إليه جماعة من القواد ، منهم خالد بن عمران ، وأبو السنا الغنوي ، ووجه الفلس (7) ، وعبد الله بن نصر بن حمزة ، وسعد الضّبابي ، فنفذوا إليه على كره ، وكان هوى أهل بغداد مع يحيى ، ولم يروا قط مالوا إلى طالبي خرج غيره.
فنفذ الحسين إلى الكوفة فدخلها وأقام بها أياما [ثم مضى قاصدا يحيى حتى وافاه فأقام في وجهه أياما](
ثم ارتحل قاصدا القسّين حتى نزل قرية يقال لها
__________________
(1) في ط وق «جمعية».
(2) معجم البلدان 6 / 61.
(3) في هامش الخطية «سمى الأدرع لأن أسدا أدرع خرج في أيامه فعاث في الأرض وأهلك الناس ، فما قامت له قائمة ، فبرز إليه فقتله ، فسمى الأدرع».
(4) في هامشها أيضا «أي نواحي».
(5) ابن الأثير 7 / 43.
(6) الطبري 11 / 88.
(7) في الخطية «الفليس» وفي الطبري «وعبد الرحمن بن الخطاب المعروف بوجه الفلس».
(
الزيادة من الخطية.
البحرية (1) وكان على خراج تلك الناحية أحمد بن علي الاسكافي وعلى حربها أحمد بن الفرج الفزاري ، فحصل أحمد بن علي مال الخراج وهرب به ، وثبت ابن الفرج فناوش يحيى مناوشة يسيرة وولى عنه بعد ذلك ، ومضى يحيى لوجهه يريد الكوفة فعارضه المعروف بوجه الفلس فقاتله قتالا شديدا ، فانهزم عن يحيى فلم يتبعه.
ومضى وجه الفلس لوجهه حتى نزل شاهي ، فصادف فيها الحسين بن اسماعيل فأقام بشاهي (2) ، وأراحا وشربا الماء العذب وقويت عساكرهم وخيلهم (3).
وأشار أصحاب يحيى عليه بمعاجلة الحسين بن اسماعيل ، وكان معهم رجل يعرف بالهيضم بن العلاء العجلي فوافى يحيى في عدة من أهله وعشيرته ، وقد تعبت خيلهم ورجا لهم فصاروا في عسكره فحين التقوا كان أول ما انهزم الهيضم [هذا].
وذكر قوم أن الحسين بن إسماعيل كان راسله في هذا وأجمعا رأيهما عليه.
وقال قوم : بل انهزم للتعب الذي لحقه.
حدثني علي بن سليمان الكوفي ، قال : حدثني أبي قال :
اجتمعت أنا والهيضم يوما فتذاكرنا أمر يحيى فحلف بالطلاق الثلاث أنه لم يكن له في الهزيمة صنع ، وإنما كان يحيى رجلا نزقا في الحرب ، فكان يحمل وحده
__________________
(1) في الطبري «وهي قرية بينها وبين قسين خمس فراسخ ولو شاء الحسين أن يلحقه لحقه».
(2) في الطبري بعد ذلك «فعسكر بها. ودخل يحيى بن عمر الكوفة ، واجتمعت إليه الزيدية ، ودعا إلى الرضى من آل محمد ، وكشف أمره ، واجتمعت إليه جماعة من الناس وأحبوه ، وتولاه العامة من أهل بغداد ، ولا يعلم أنهم تولوا من أهل بيته غيره ، وبايعه بالكوفة جماعة لهم بصائر وتدبير في تشيعهم ، ودخل فيهم أخلاط لا ديانة لهم ...».
(3) في الطبري بعد ذلك «وأقام يحيى بن عمر بالكوفة يعد العدد ، ويطبع السيوف ويعرض الرجال ، يجمع السلاح ، وأن جماعة من الزيدية ممن لا علم بالحرب أشاروا على يحيى بمعاجلة الحسين ، وألحت عليه عوام أصحابه بمثل ذلك فزحف إليه من ظهر الكوفة من وراء الخندق ليلة الاثنين لثلاث عشرة خلت من رجب ، ومعه الهيضم العجلي في فرسان من بني عجل وأناس من بني أسد ، ورجالة من أهل الكوفة ليسوا بذوي علم ولا تدبير ولا شجاعة ، فأسروا ليلتهم ، ثم صبحوا حسينا وأصحابه ، وأصحاب حسين مستريحون مستعدون ، فثاروا إليهم في الغلس ساعة ، ثم حمل عليهم أصحاب الحسين فانهزموا ووضع فيهم السيف ، فكان أول أسير الهيضم بن العلاء بن جهور العجلي ، فانهزم رجالة أهل الكوفة وأكثرهم عزل بغير سلاح ضعفي القوى خلقان الثياب ، فداستهم الخيل ، وانكشف العسكر عن يحيى بن عمر ...».
فيرجع فنهيته عن ذلك فلم يقبل ، وحمل مرة كما كان يفعل فبصرت عيني به وقد صرع في وسط عسكرهم فلما رأيته قد قتل انصرفت بأصحابي.
* * *
رجع الحديث إلى رواية ابن عمار.
قال : فلما رأى يحيى هزيمة الهيضم لم يزل يقاتل مكانه حتى قتل ، فأخذ سعد الضبابي(1) رأسه ، وجاء به إلى الحسين بن اسماعيل ، وكانت في وجهه ضربات لم يكد يعرف معها ، ولم يتحقق أهل الكوفة قتل يحيى ، فوجه إليهم الحسين بن اسماعيل أبا جعفر الحسني الذي تقدم ذكره يعلمهم أنه قد قتل ، فشتموه وأسمعوه ما يكره وهموا به ، وقتلوا غلاما له ، فوجه إليهم أخا كان لأبي الحسن (2) يحيى بن عمر من أمه يعرف بعلي بن محمد الصوفي (3) من ولد عمر بن علي بن أبي طالب ، وكان رجلا رفيقا مقبولا ، فعرّف الناس قتل أخيه ، فضجوا بالبكاء والصراخ والعويل وانصرفوا.
وانكفأ الحسين بن اسماعيل إلى بغداد ، ومعه رأس يحيى بن عمر (4) ، فلما دخل بغداد جعل أهلها يصيحون من ذلك إنكارا له ويقولون : إن يحيى لم يقتل ، ميلا منهم إليه ، وشاع ذلك حتى كان الغوغاء والصبيان يصيحون في الطرقات : ما قتل وما فرّ ، ولكن دخل البر.
ولما أدخل رأس يحيى إلى بغداد اجتمع أهلها إلى محمد بن عبد الله بن طاهر يهنئونه بالفتح ، ودخل فيمن دخل على محمد بن عبد الله بن طاهر ، أبو هاشم داود
__________________
(1) في الخطية «سعيد».
(2) في الخطية «لأبي الحسين».
(3) في الخطية «ابن محمد الصيرفي».
(4) في الطبري 11 / 89 «وورد الرأس دار محمد بن عبد الله بن طاهر ، وقد تغيّر ، فطلبوا من يقور ذلك اللحم ، ويخرج الحدقة والغلصمة فلم يوجد ، وهرب الجزارون ، وطلب ممن في السجن من الخرمية الذباحين من يفعل ذلك فلم يقدم عليه أحد ، إلّا رجل من عمال السجن الجديد يقال له : سهل بن الصغدي ، فإنه تولى إخراج دماغه وعينه ، وقوره بيده ، وحشي بالصبر والمسك والكافور بعد أن غسل وصير في القطن. وذكروا أنهم رأوا بجنبيه ضربة بالسيف منكرة. ثم إن محمد بن عبد الله بن طاهر أمر بحمل رأسه إلى المستعين من غد اليوم الذي وافاه فيه ، وكتب إليه بالفتح بيده ، ونصب رأسه بباب العامة بسامرا ، واجتمع الناس لذلك وكثروا وتذمروا ، وتولى إبراهيم الديرج نصبه ؛ لأن إبراهيم بن إسحاق خليفة محمد بن عبد الله أمره فنصبه لحظة ثم حط ورد إلى بغداد لينصب بها بباب الجسر ...».
[ابن القاسم] الجعفري ، وكان ذا عارضة ولسان ، لا يبالي ما استقبل الكبراء وأصحاب السلطان به.
فحدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار ، وحكيم بن يحيى الخزاعي ، قالا :
دخل أبو هاشم على محمد بن عبد الله بن طاهر فقال (1) :
أيها الأمير ، قد جئتك مهنئا بما لو كان رسول الله (ص) حيا لعزّى به ، فلم يجبه محمد عن هذا بشيء (2).
وأمر محمد بن عبد الله حينئذ أخته ونسوة من حرمه بالشخوص إلى خراسان ، وقال إن هذه الرؤوس من قتلى أهل هذا البيت لم تدخل بيت قوم قط إلّا خرجت منه النعمة وزالت عنه الدولة ، فتجهزن للخروج.
* * *
قال ابن عمار في حديثه :
وأدخل الأسارى من أصحاب يحيى إلى بغداد ، ولم يكن فيما رؤي قبل ذلك من الأسارى أحد لحقه ما لحقهم من العسف وسوء الحال ، وكانوا يساقون وهم حفاة سوقا عنيفا فمن تأخّر ضربت عنقه ، فورد كتاب المستعين بتخلية سبيلهم فخلوا ، إلّا رجلا يعرف بإسحاق بن جناح كان صاحب شرطة يحيى بن عمر فإن محمد بن الحسين الأشناني حدثني : أنه لم يزل محبوسا حتى مات ، فخرج توقيع محمد بن عبد الله بن طاهر [في أمره] يدفن الرجس النجس إسحاق بن جناح مع اليهود ، ولا يدفن مع المسلمين ، ولا يصلي عليه ، ولا يغسل ، ولا يكفن» فأخرج رحمه الله بثيابه ملفوفا في كساء قومسي على نعش حتى جاءوا به إلى خربة ، فطرح على الأرض وألقى عليه حائط ، رحمه الله تعالى.
* * *
وقد كان خرج مع يحيى بن عمر جماعة من وجوه أهل الكوفة وأولي الفضل منهم ، فسمعت بعض مشايخنا من الكوفيين يذكر ـ وهو محمد بن الحسين ـ
__________________
(1) ابن الأثير 7 / 44 ومروج الذهب 2 / 290 ـ 291.
(2) في الطبري 11 / 90 «فخرج أبو هاشم الجعفري وهو يقول :
يا بني طاهر كلوه وبيا
إن لحم النبي غير مري
إن وترا يكون طالب اللّ
ه لوتر نجاحه بالحري
أن أبا محمد عبد الله بن زيدان البجلي (1) خرج معه معلما ، وكان أحد فرسان أصحابه. وقد لقيته أنا وكتبت عنه ، وكنت أرى فيه [من] الحذر والتوقي من كثير من الناس ، ما يدل على صدق ما ذكر عنه.
* * *
وما بلغني أن أحدا ممن قتل في الدولة العباسية من آل أبي طالب رثى بأكثر مما رثى به يحيى [ولا قيل فيه الشعر بأكثر] مما قيل فيه (2).
واتفق في وقت مقتله عدة شعراء محيدون للقول [أولوا هوى] في هذا المذهب ، إلّا أنني ذكرت بعض ذلك كراهية الإطالة.
فمنه قول علي بن العباس الرومي (3) يرثيه ، وهي من مختار ما رثى به ، بل إن قلت إنها عين ذلك والمنظور إليه لم أكن مبعدا ، لو لا أنه أفسدها بأن جاوز الحد وأغرق في النزع ، وتعدى المقدار بسب مواليه من بني العباس ، وقوله فيهم من الباطل ما لا يجوز لأحد أن يقوله ، وهي :
أمامك فانظر أيّ نهجيك تنهج
طريقان شتّى مستقيم وأعوج (4)
ألا أيّهذا الناس طال ضريركم
بآل رسول الله فاخشوا أو ارتجوا (5)
أكلّ أوان للنّبي محمد
قتيل زكيّ بالدّماء مضرّج (6)
تبيعون فيه الدّين شرّ أئمة
فلله دين الله قد كاد يمرج (7)
لقد ألحجوكم في حبائل فتنة
وللملحجوكم في الحبائل ألحج (
__________________
(1) في الخطية «أبا محمد عبد الله بن يزيد العجلي».
(2) راجع ابن الأثير 7 / 44 ومروج الذهب 2 / 291 ـ 292.
(3) ولد ابن الرومي في رجب سنة إحدى وعشرين ومائتين ببغداد ، وتوفي بها سنة ثلاث وثمانين ومائتين ، راجع ترجمته في ابن خلكان 1 / 351 وديوانه المطبوع 2 / 46 ـ 54 والمخطوط ص 414.
(4) تنهج : تسلك ، شتى : أي طريقان متباينان أحدهما مستقيم والآخر أعوج.
(5) الضرير : المضارة.
(6) في ط وق «أفي كل يوم» الزكي : الصالح ، والمضرج : الملطخ.
(7) في ط وق «قد كان يمزج» فيه : أي بسبب ، وشر أئمة : يريد بهم خلفاء بني العباس ، ويمرج : يفسد ويضطرب.
(
في ط وق «وللملحجيكم ... ألحجوا» ألحجوكم : ادخلوكم وأوقعوكم يقال : لحج في الأمر إذا دخل فيه ونشب ، والحبائل : جمع حبالة وهي المصيدة ، وألحج : أكثر لحجا ، أي أعظم دخولا ووقوعا في شراك الفتنة.
بني المصطفى كم يأكل الناس شلوكم
لبلواكم عمّا قليل مفرّج (1)
أما فيهم راع لحقّ نبيّه
ولا خائف من ربّه يتحرّج (2)
لقد عمهوا ما أنزل الله فيكم
كأنّ كتاب الله فيهم ممجمج (3)
ألا خاب من أنساه منكم نصيبه
متاع من الدنيا قليل وزبرج (4)
أبعد المكنّى بالحسين شهيدكم
تضاء مصابيح السماء فتسرج
لنا وعلينا ، لا عليه ولا له
تسجسج أسراب الدموع وتنشج (5)
وكيف نبكّي فائزا عند ربّه
له في جنان الخلد عيش مخرفج (6)
فإن لا يكن حيّا لدينا فإنّه
لدى الله حيّ في الجنان مزوّج
وقد نال في الدّنيا سناء وصيتة
وقام مقاما لم يقمه مزلّج (7)
شوى ما أصابت أسهم الدّهر بعده
هوى ما هوى أو مات بالرّمل بحزج (
وكنا نرجّيه لكشف عماية
بأمثاله أمثالها تتبلّج (9)
فساهمنا ذو العرش في ابن نبيّه
ففاز به والله أعلى وأفلج
مضى ومضى الفرّاط من أهل بيته
يؤمّ بهم ورد المنية منهج (10)
فأصبحت لاهم أبسئوني بذكره
كما قال قبلي في البسوء مؤرّج (11)
__________________
(1) في ط وق «بنى» ، والشلو : العضو ، والمراد قتل ذراريهم والمفرج : التفريج وكشف الضر.
(2) في ط وق «أما فيكم».
(3) عمه : تردد في الضلال وتحيّر في المنازعة أو في الطريق ، ممجمج : غير مبين ، وفي ط وق «فيهم مجمع».
(4) في ط وق «ألا خاب» وفي ق «وبزرج» والزبرج : الزينة تتخذ من الوشي أو الجواهر.
(5) تسجج : تسح وتسيل ، وتنشج : يقال : نشج الباكي ينشج نشيجا بمعنى غص بالبكاء في غير انتحاب.
(6) مخرفج : واسع.
(7) الصيتة : الذكر الحسن ، والمزلج : ...
(
الشوى : الأمر الهين ، والبحزج : ولد البقرة.
(9) في ط وق «يتبلج» وتتبلج : تضيء وتشرق.
(10) في القاموس : «فرط القور يفرطهم فرطا وفرطة تقدمهم إلى الورد لإصلاح الحوض والدلاء ، وهو الفراط» يريد السابقين المقدمين ، يؤم يقصد ، وفي ط ون «نحو المنية».
(11) في ط وق «أبسئوني .. موزج» وبسأ بالأمر : تهاون به ومرن عليه ، فلم يكترث لقبحه وما يقال فيه.
ومؤرج : المراد به هنا مؤرج : السدوسي القائل :
روعت بالبين حتى لا أراع له
وبالمصائب من أهلي وجيراني
لم يترك الدهر لي علقا أضن به
إلّا اصطفاه بنأي أو بهجران
ولا هو نسّاني أساي عليهم
بلى هاجه ، والشّجو للشّجو أهيج (1)
أبيت إذا نام الخليّ كأنما
تبطّن أجفاني سيال وعوسج (2)
أيحيى العلا لهفي لذكراك لهفة
يباشر مكواها الفؤاد فينضج (3)
أحين تراءتك العيون جلاءها
وأقذاءها أضحت مراثيك تنسج (4)
بنفسي وإن فات الفداء بك الرّدى
محاسنك اللّائي تمخّ فتنهج (5)
لمن تستجدّ الأرض بعدك زينة
فتصبح في أثوابها تتبرّج؟
سلام وريحان وروح ورحمة
عليك وممدود من الظّلّ سجسج (6)
ولا برح القاع الذي أنت جاره
يرفّ عليه الأقحوان المفلج (7)
ويا أسفي ألّا تردّ تحيّة
سوى أرج من طيب رمسك يأرج
ألا إنما ناح الحمائم بعد ما
ثويت وكانت قبل ذلك تهزج
أذمّ إليك العين إن دموعها
تداعى بنار الحزن حين توهّج (
وأحمدها لو كفكفت من غروبها
عليك وخلّت لاعج الحزن يلعج (9)
وليس البكاء أن تسفح العين إنما
أحر البكاءين البكاء المولّج (10)
أتمتعني عيني عليك بعبرة
وأنت لأذيال الرّوامس مدرج (11)
__________________
(1) في ط وق «ولا هو أنساني ... بلا هاجة» وأساي : حزني.
(2) في ط وق «أجفاني شباك» ومعنى تبطن أجفاني دخل بطنها والسيال والعوسج : نوعان من الشوك.
(3) لهفي : حسرتي ، مكواها : مصدر ميمي بمعنى : كيها.
(4) في ط وق «العيون خلائها .. ظلت مراثيك» وتراءتك نظرتك فكنت جلاء لعيون أحبابك وقذى لأعداءك.
(5) في الخطية «تلج» في ط وق «تمج» ومعنى «تمخ» تزداد نماء ونضارة يقال : أمخ العود : إذا ابتل وجرى فيه الماء.
تنهج : يقتدى بها.
(6) في ط وق «وممدود من الأرض».
(7) في ط وق والخطية «يزف عليه» من الزفزفة وهي تحريك الريح الحشيش.
(
في ط وق «تداعى لنار الشوق حين ترهج» وتوهج : توقد بشدة ، يقال : وهجت النار : أي وقدتها إيقادا شديدا».
(9) غروبها : دموعها ، لا عج الحزن : مؤلمه.
(10) المولج : اسم مفعول بمعنى المدخل إلى القلب.
(11) في ط وق «أتمنعني» ومعنى «أتمنعني : أتساعدني وتنفعني والروامس : الرياح التي تدفن الآثار ، والمدرج : المسلك.
فإني إلى أن يدفن القلب داءه
ليقتلني الدّاء الدّفين لأحوج
عفاء على دار ظعنت لغيرها
فليس بها للصّالحين معرّج (1)
* * *
ألا أيها المستبشرون بيومه
أظلّت عليكم غمّة لا تفرّج
أكلّكم أمسى اطمأنّ مهاده
بأنّ رسول الله في القبر مزعج
فلا تشمتوا وليخسأ المرء منكم
بوجه كأنّ اللون منه اليرندج (2)
فلو شهد الهيجا بقلب أبيكم
غداة التقى الجمعان والخيل تمعج (3)
لأعطى يد العاني أو ارمدّ هاربا
كما ارمدّ بالقاع الظليم المهيّج (4)
ولكنّه ما زال يغشى بنحره
شبا الحرب حتى قال ذو الجهل : أهوج
وحاشا له من تلكم غير أنّه
أبى خطّة الأمر التي هي أسمج (5)
وأين به عن ذاك؟ لا أين إنه
إليه بعرقيه الزّكيّين محرج (6)
كدأب عليّ في المواطن قبله
أبي حسن ، والغصن من حيث يخرج
كأنّي به كالليث يحمي عرينه
وأشباله لا يزدهيه المهجهج (7)
كأنّي أراه والرّماح تنوشه
شوارع كالأشطان تدلى وتخلج (
كأنّي أراه إذ هوى عن جواده
وعفّر بالتّرب الجبين المشجّج
فحبّ به جسما إلى الأرض إذ هوى
وحبّ بها روحا إلى الله تعرج
أأرديتم يحيى ولم يطو أيطل
طرادا ولم يدبر من الخيل منسج؟ (9)
__________________
(1) المعرج : ما يمال إليه ويقام به.
(2) في ط وق «فلا تشتموا» واليرندج : الصبغ الأسود.
(3) في ط وق «فلا شهدوا» وتمعج : تموج وتسرع العدو.
(4) ارمد : أسرع في عدوه. وفي ط وق «الهجهج».
(5) في ط وق «وجاش له ... هي أشمخ».
(6) في ط ون «وأين أعن ذاك ... محدج».
(7) لا يزدهيه : لا يستخفه ، والمهجهج : الذي يصيح به ليزجره.
(
تنوشه : تتناول ، شوارع : متسددة الوجهة إليه الاشطان : الحبال الطويلة ، تدلى وتخلج : تنزل وتنزع.
(9) في ط وق «ولم يطو ابطلا» والأيطل : الخاصرة ، والطراد : كالمطاردة : حمل الفرسان بعضهم على بعض ، والمنسج : ما بين العرف وموضع اللبد.
تأتّت لكم فيه منى السّوء هينة
وذاك لكم بالغيّ أغرى وألهج (1)
تمدّون في طغيانكم وضلالكم
ويستدرج المغرور منكم فيدرج
أجنّوا بني العباس من شنآنكم
وشدّوا على ما في العياب وأشرجوا (2)
وخلوا ولاة السّوء منكم وغيّهم
فأحر بهم أن يغرقوا حيث لجّجوا
نظار لكم أن يرجع الحقّ راجع
إلى أهله يوما فتشجوا كما شجوا (3)
على حين لا عذرى لمعتذريكم
ولا لكم من حجّة الله مخرج (4)
فلا تلقحوا الآن الضّغائن بينكم
وبينهم إنّ اللّواقح تنتج (5)
غررتم إذا صدقتم أنّ حالة
تدوم لكم ، والدّهر لونان أخرج (6)
لعلّ لهم في منطوي الغيث ثائرا
سيسمو لكم والصبح في الليل مولج (7)
بمجر تضيق الأرض من زفراته
له زجل ينفي الوحوش وهزمج (
إذا شيم بالأبصار أبرق بيضه
بوارق لا يسطيعهنّ المحمّج (9)
نوامضه شمس الضّحى فكأنما
يرى البحر في أعراضه يتموّج (10)
__________________
(1) في ط وق «مني السوء منية» وهينة : سهلة.
(2) أجنوا : استروا ، الشنآن : البغض ، العياب : جمع عيبة ، وهي ما يجعل فيها المتاع ، والإشراج : شد الخريطة وفي ط وق «في القباب وأشربوا».
(3) في ط وق «نداري لكم» و «نظار» اسم فعل أمر من نظر بمعنى انتظر ، والمراد بالحق هنا : الخلافة ، والشجي : الحزن.
(4) العذرى والعذر بمعنى.
(5) في ط وق «فلا تلحقوا ... إن اللواحق تنتج» يقال : نتجت الناقة تنتج إذا ولدت ، جعل الضغائن كالإبل إذا ألقحت ولدت.
(6) في ط وق «غررتم لأن ... والدهر لو ناب» يقال : ظليم أخرج : إذا كان ذا لونين أسود وأبيض.
(7) في ط وق «في منطوى الغيث ... سيسمى».
(
في ط وق «بمجر ... له رجل يفنى الوحوش» والمجر : الجيش العظيم ، والزجل : الجلبة وارتفاع الصوت ، ينفي الوحوش : يطردها ، والهزمج اختلاط الأصوات.
(9) في ط وق «إذا قيس بالأبصار ... بوارق لا يعتبطهن» شيم : نظر ، أبرق : أتى ببرقه ، والبيض : ما يلبس من الحديد على الرأس في الحرب ، بروارق : أي بروقا ذوات بريق ولمعان ، لا يسطيعهن المحمج : لا يقدر على مقاومتها من يحدق نظره فيها لشدة لمعانها.
(10) في ط وق «ترى البحر في أعراضها».
له وقدة بين السماء وبينه
تلمّ به الطير العوافي فتهرج (1)
إذا كرّ في أعراضه الطّرف أعرضت
حراج تحار العين فيها فتحرج (2)
يؤيده ركنان ثبتان : رجلة
وخيل كإرسال الجراد وأوثج (3)
عليها رجال كالليوث بسالة
بأمثانهم يثنى الأبيّ فيعنج (4)
تدانوا فما للنّقع فيهم خصاصة
تنفّسه عن خيلهم حين ترهج (5)
فلوا حصبتهم بالفضاء سحابة
لظلّ عليهم حصبها يتدحرج (6)
كأنّ الزّجاج اللهذميّات فيهم
فتيل بأطراف الرّدينيّ مسرج (7)
يودّ الّذي لا قوه أنّ سلاحه
هنالك خلخال عليه ودملج (
* * *
فيدرك ثار الله أنصار دينه
ولله أوس آخرون وخزرج
وتظعن خوف السّبي بعد إقامة
ظعائن لم يضرب عليهنّ هودج
ويقضي إمام الحقّ فيكم قضاءه
تماما وما كلّ الحوامل تخدج(9)
__________________
(1) في ط وق «له رفدة .. فتهزج» والوقدة : شدة الحر. وفي الخطية «الطير العوالي».
(2) في ط وق «في أعراضه الطف .. جراح بحار العين فيها فتخرج» كر : أجيل ، أعراضه : أعاليه ، الطرف البصر ، أعرضت : اعترضت له وظهرت ، والحراج : جمع حرجة وهي مجتمع الشجر ، فتحرج. يقال : حرجت عينه تحرج حرجا إذا لم تستطع أن تطرف.
(3) في ط وق «يؤيده ركبان» والرجلة : جمع راجل وهو الماشي ، والأرسال : جمع رسل وهو القطيع ، وأوثج : أفعل تفضيل من وثج ككرم بمعنى كثف.
(4) يثني الأبي : يرد الشجاع الممتنع على مقاتلته ، ويعنج : من عنج البعير جذبه بخطامه حتى رفعه وهو راكب عليه.
(5) في ط وق «فما للنفع منهم ... تنفسهم ... ترمج» تدانوا : تقاربوا ، والنقع : الغبار ، والخصاصة : الفرجة ، تنفسه. تكشفه ، ترهج : تثير الغبار.
(6) حصبها : بردها الذي ترمي به.
(7) في ط وق «كأن زجاج قتيل ... بأطراف الردية يسرج» والزجاج : جمع زج ، وهو الحديدة التي تركب في أسفل الرمح ، واللهذميات : الرماح المركب فيها اللهازم ، واللهذم : السنان القاطع ، الرديني : الرمح ، نسب إلى ردينة ، وهي امرأة كانت تقوم الرماح ، والمسرج : الموقد.
(
في ط وق «الذي لاقاه» والدملج : حلية تلبس في العضد.
(9) تخدج : تأتي به ناقصا.
وقد كان في يحيى مذمّر خطّة
وناتجها لو كان في الأمر منتج (1)
هنالكم يشفى تبيّغ جهلكم
إذا ظلّت الأعناق بالسيف تودج (2)
* * *
محضتكم نصحي وإني بعدها
لأعنق فيما ساءكم وأهملج (3)
مه لا تعادوا غرّة البغي بينكم
كما يتعادى شعلة النّار عرفج (4)
أفي الحقّ أن يمسوا خماصا وأنتم
يكاد أخوكم بطنة يتبعّج (5)
تمشون مختالين في حجراتكم
ثقال الخطا أكفالكم تترجرج
وليدهم بادي الطّوى ووليدكم
من الرّيف ريّان العظام خدلّج (6)
تذودونهم عن حوضهم بسيوفكم
ويشرع فيه أرتبيل وأبلج (7)
فقد ألجمتهم خيفة القتل عنكم
وبالقوم جاج في الحيازم حوّج (
بنفسي الألى كظّتهم حسراتكم
فقد علزوا قبل الممات وحشرجوا (9)
__________________
(1) يريد أن يحيى كان خبيرا بالأمور يعرف كيف يصرفها لو أتيح له ذلك ولم يعالج بالقتل ، وفي ط وق «مدمر خطبة».
(2) في ط وق «هنالكم يشقى تتبع بغيكم ... ظلت الأوداح» التبيغ : ثوران الدم ، تودج : يقطع ودجها ، وهو عرق في العنق إذا قطع مات صاحبه.
(3) في ط وق «مخضبكم يضحي» محضتكم نصحي : أخلصت لكم نصيحتي ، لأعنق : لأسير سيرا سريعا واسع الخطا ، وأهملج. أحسن السير مسرعا.
(4) مه : اسم فعل بمعنى اكفف ، لا تعادوا : لا يعاد بعضكم بعضا ، غرة البغي : أي لأجل غرور البغي والعدوان بينكم ، وفي ط وق «شفعة الثار» والعرفج : نبات سريع الالتهاب.
(5) في ط وق «يتنعج» أخوكم يعني الواحد منكم ، كما تقول : يا أخا العرب تريد واحدا منهم ، والبطنة : امتلاء البطن من الطعام والشراب ، يتبعج : يتشقق.
(6) بادي الطوى : ظاهر الجوع ، الريف : السعة في المأكل والمشرب ، ريان العظام : كناية عن البدانة ، والخدلج : الممتلئ الذراعين والساقين.
(7) في ط وق «عن خوضهم بسلاحهم». وفي الخطية «ويرتع فيه» ويشرع فيه : يشرب منه ، يقال شرعت الإبل في الماء ، دخلت فيه للشرب ، ولعلّ أرتبيل اسم علم ، ولعلّ أبلج هنا أيضا اسم علم.
(
الحاج : جمع حاجة ، والحيازم : جمع حيزوم وهو الصدر ، والحوج : جمع حائجة وحاجة يتبع بها الحاجة للمبالغة ، فيقال : حاجة حائجة : أي شديدة.
(9) في ط وق «بنفسي الأولى كضتهم سراتكم» وعلزوا : جزعوا جزعا شديدا ، يقال : علز المريض إذا أصابه قلق وهلع.
ولم تقنعوا حتى استثارت قبورهم
كلابكم منها بهيم وديزج (1)
الديزج : الذي كان نبش قبر الحسين في أيام المتوكل ، ونبق فيه الماء ، ومنع الناس الزيارة إلى أن قتل المتوكل.
وعيّرتموهم بالسّواد ولم يزل
من العرب الأمحاض أخضر أدعج (2)
ولكنّكم زرق يزين وجوهكم
بنى الروم ، ألوان من الرّوم نعّج (3)
لئن لم تكن بالهاشميّين عاهة
لما شكلكم تالله إلّا المعلهج (4)
بآية ألّا يبرح المرء منكم
يكبّ على حرّ الجبين فيعفج (5)
يبيت إذا الصّهباء روّت مشاشه
يساوره علج من الرّوم أعلج (6)
فيطعنه في سبّة السّوء طعنة
يقوم لها من تحته وهو أفحج (7)
لذاك بني العبّاس يصبر مثلكم
ويصبر للموت الكميّ المدجّج (
فهل عاهة إلّا كهذي وإنكم
لأكذب مسئول عن الحقّ يلهج (9)
فلا تجلسوا وسط المجالس حسّرا
ولا تركبوا إلّا ركائب تحدج (10)
أبى الله إلّا أن يطيبوا وتخبثوا
وأن يسبقوا بالصّالحات ويفلجوا (11)
وإن كنتم منهم وكان أبوكم
أباهم فإن الصّفو بالرّنق يمزج (12)
__________________
(1) استثارت ، نبشت ، والبهيم الأسود ، والديزج : معرب وهو ما له لون بين لونين غير خالص لأحدهما.
(2) الامحاض : الخلص ، وأخضر : يعني أسمر ؛ لأن الخضرة في ألوان الناس هي السمرة ، والمراد بالأدعج هنا السمرة الخالصة ، يريد أنه لا يزال من العرب الصرحاء من لونه السمرة الخالصة.
(3) في ط وق «ترين وجوهكم بنوا الروم» والنعج : جمع ناعج ، يقال نعج اللون ينعج نعجا إذا خلص بياضه.
(4) في ط وق «لما جلكم تالله» والمعلهج : المولد بين جنسين.
(5) في ط وق «بأنه ألا يبرح ... يتل». يعفج : من عفج جاريته جامعها.
(6) في ط وق «مشاشة يشاوره» والمشاش : أطراف العظام اللينة.
(7) الأفحج. المتباعد ما بين الرجلين.
(
في ط وق «كذاك بنو العلات يصبر».
(9) يلهج : من اللهجة وهي زخرفة الكلام.
(10) حسرا : أي كاشفين عن أنفسكم ، وتحدج : يشد عليها الحدج وهو من مراكب النساء.
(11) في ط وق «إلا أن تطيبوا وتخبثوا وأن تسبقوا ... وتفلجوا» ويفلجوا : أي يفوزوا بالظفر.
(12) في ط وق «وكان أبوهم أباكم ... بالريق» والرنق : الكدر.