مقدمة لدراسة تاريخ العراق القديم
التاريخ القديم بوجه عام ( ما قبل التاريخ والعهد التاريخي منه ) قصة تطور الانسان منذ اقدم عهوده فهو يحدثنا كيف كانت حياة الانسان الاولى عندما كان في عهد الفطرة والتوحش ثم كيف استطاع بعد الوف كثيرة من السنين ان ينتقل من ذلك الحال فينشىء أولى الحضارات الناضجة ولاسيما في بلاد الرافدين ووادى النيل ويحدثنا كذلك عن الحضارات الاخرى المتأثرة بهاتين الحضارتين .
وخلاصة القول يعيننا التاريخ القديم على فهم حاضر الانسان وكيف وصل إلى ما هو عليه ويكشف لنا عن الأصول الأساسية لتراث البشرية منذ اقدم العصور وبذلك تكون دراسة التاريخ القديم ضرورة لازمة لفهم التاريخ الحديث وفهم حاضر الانسان .
والحضارات الإنسانية المعروفة لدنيا في الوقت الحاضر كثيرة ولكن يمكن ان نميز بين نوعين رئيسين يشمل النوع الأول الحضارات الاصلية بينما يشمل النوع الثاني الحضارات الفرعية فأما الحضارات الاصلية فهي تلك الحضارات التي نشأت من حياة بدائية بسيطة دون احتاك أو اتصال بشعوب أو أمم أخرى أكثر تمدنا وحضارة بينما يقصد بالحضارات الفرعية تلك الحضارات التي كانت نتيجة من نتائج احتاك مجتمع ما بمجتمعات أخرى أكثر حضارة والحضارات الاصلية المعروفة في العالم حتى ألان قليلة العدد ومقصورة على ثلاث مناطق في العالم فقط هي منطقة الشرق الأدنى القديم والصين وجنوبي أمريكا .
فيما قسم الباحثون تاريخ الانسان بصورة عامة إلى قسمين رئيسين أطلقوا على الأول منهما مصطلح ( التاريخ القديم ) بينما أطلقوا على الثاني مصطلح ( التاريخ الحديث ) ويشمل التاريخ القديم القسم الأعظم من تاريخ الانسان ويبداء منذ اقدم ظهوره قبل مئات الآلاف من السنين إما نهاية التاريخ القديم فتختلف من منطقة إلى أخرى وبالنسبة للإحداث الهامة التي وقعت في كل منطقة من العالم وغيرت مجرى التاريخ العام ففي الشرق الأدنى ومنه العراق ينتهي التاريخ القديم فيه عند الفتح العربي الإسلامي في القرن السابع الميلادي وانتشار العرب المسلمين في مختلف إرجاء المنطقة ويبداء التاريخ الحديث مع بداية التاريخ العربي الاسلامي إما في أوربا فقد عد تاريخ سقوط روما عام 476ميلادية نهاية للتاريخ القديم فيها .
ومن التقسيمات الاخرى التي استخدمت للتمييز بين العصور المختلفة التي مرت على الانسان تقسيم العصور إلى عصور ما قبل التاريخ والعصور التاريخية وقد عد تاريخ ابتداع الكتابة كوسيلة للتدوين حدا فاصلا بين عصور ما قبل التاريخ والعصور التاريخية.
وعلى الرغم من هذه التقسيمات فقد وجد الباحثون في تاريخ الانسان ان أثار ومخلفات الانسان من عصور ما قبل التاريخ كثيرة ومتنوعة ويختلف بعضها عن البعض الاخروحيث ان الكتابة لم تكن معروفة لذا اعتمد الباحثون في تحديد تاريخ الاثارالمكتشفة على دراسة المادة التي صنعت منها تلك الاثارواساليب صنعها ووضعوا حدودا فاصلة بين فترة زمنية وأخرى وبين مرحلة حضارية واخرى استنادا الى أهم المبتكرات التي ابتكرها إنسان تلك العصور فمثلا تمكن الباحثون من تثبيت المرحلة الحضارية التي استخدم فيها الانسان البرونز في صناعة بعض أدواته ووضعوها بعد المرحلة الحضارية التي استخدم فيها الحجارة وهكذا قسمت المراحل الحضارية بالنسبة إلى المادة التي استخدمها الانسان في صنع الآلات والأدوات إلى العصور الحجرية والعصور البرونزية ثم الحديدية أو العصر المعدني بشكل عام .
وبالنسبة للعصور الحجرية ونتيجة لطول فترتها والاختلاف بين الآثار والبقايا المكتشفة من هذه العصور الطويلة من حيث طريقة صنع وأساليب استخدام هذه الآلات فقد قسم الباحثون هذه العصور الحجرية بصورة عامة إلى ثلاثة عصور رئيسية هي العصر الحجري القديم والوسيط والحديث .
مصادر معلوماتنا عن تاريخ العراق القديم
لدراسة أي رقعة جغرافية من العالم تاريخيا لا بد ان نحتاج الى مصادر اذ لا يمكن التعرف على تاريخ هذا البلد من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية بدون دراسة هذه المصادر وفي بلاد الرافدين هذه المصادر هي :
1- الكتب المقدسة : خاصة التوراة التي وردت فيها اخبار غير دقيقة ومنحازة ضد العراقيين القدماء وذلك للحقد الدفين الذي يحمله كتاب اليهود لا سيما للعراقيين وللعرب بصورةعامة ومما زاد حقدهم على العراقيين ما قام به الملوك العراقيين وعلى وجه الخصوص الملوك الاشوريون والكلديون من عمليات تادبية لهولاء اليهود وانتصروا عليهم فقد استطاع الأشوريون من القضاء على مملكة اليهود في القرن الثامن قبل الميلاد والكلديون بقيادة نبوخذ نصر الثاني من القضاء على مملكة يهوذا في أوائل القرن السادس قبل الميلاد
2- الكتابات الكلاسيكية : ومنها روايات المؤرخين اليونان والرومان وكان في مقدمتهم المؤرخ الشهيرهيرودوتس والذي لقب (بابو التاريخ) وزينفون قائد حملة العشرة ألاف يوناني والذي صحب كورش الصغير حاكم ليديا في حملته الى العراق ضد اخيه الملك ارتحششتا الثاني والذي كلف بإرجاع الجنود وقد شرح الكثير من المواقع في كتابه وهناك غيرهم من المؤرخين الذين كتبوا عن منطقة الشرق الأدنى القديم وقد اعتمد هؤلاء المؤرخين على القصص والأساطير التي كانت متداولة بين الناس عن اخبار الأمم السالفة وقليل من المصادر الموثوقة .
3- كتابات المؤرخين والجغرافيين العرب .
4- اخبار الرحالة والسياح الذين تتابعوا على زيارة الشرق مقصورة على وصف أحوال العراق وقت زيارتهم ووصف بعض الآثار التي كانت قائمة حتى آنئذ وكان أول من زار العراق السائح اليهودي الاسباني الجنسية بنيامين التطلي الذي جاء من الأندلس عام 1160م في عهد الخليفتين العباسيين المقتفي بالله والمستنجد بالله وقد وصف ما شاهد من إطلال المدن القديمة مثل بابل وكيش ونينوى وتعاقب السواح والرحالة في زيارة العراق ففي القرن السابع عشر زاره الايطالي بيترو ديلا فالة واستغرقت رحلته تسع سنوات من (1616- 1625) واصفا بلاد بابل واشور والاخيضر وأعقبه آخرون في زيارة العراق أهمها رحلة نيبور الدنماركي (1761- 1767م) فوصف بابل ونينوى ورسم لها المخططات واستنسخ بعض الكتابات المسمارية ثم زاره آخرون وكتبوا عن مدنه وأثاره .
5- التنقيبات الاثارية : والتي كانت في البداية بسيطة قام بها السياح والهواة والقناصل الأجانب إذ لم تكن علمية ودقيقة بل كان هدفها الأول البحث عن الكنوز والآثار المادية الكبيرة والثمينة وذات القيمة المتحفية أو الفنية دون الالتفات إلى المباني المكتشفة ومخططاتها وأدوارها السكنية فأضرت هذه التنقيبات بالمواقع الأثرية وأضاعت علينا معلومات مفيدة ومنذ أواخر القرن التاسع عشر بداء ما يصح إن نسميه بالتنقيبات العلمية حيث امتازت إعمال التنقيب بالدقة والانتظام والاهتمام بتخطيط المدن والمباني المكتشفة واستخراج اللقى الأثرية المختلفة بغض النظر عن حجمها وقيمتها المادية أو الفنية ومع هذا ظلت التنقيبات مقصورة على المدن والمواقع الأثرية الكبيرة والمهمة كمدينة بابل وأشور ونينوى والنمرود وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى دخلت التنقيبات طورها الثالث والأخير حيث بداء المنقبون يهتمون بجميع المواقع الأثرية كبيرها وصغيرها وأصبح فن التنقيب فنا خاصا يدرس في الجامعات العالمية المعروفة وكان من نتائج التنقيبات الكثيرة التي أجريت في المواقع الأثرية المختلفة في العراق إن تم الكشف عن حضارات العراق القديمة .
6- المخلفات المادية : وقد اعتمد الباحثون في معرفة تاريخ العراق القديم من خلال دراسة وتحليل جميع ما خلفه الإنسان العراقي وكشفت عنه التنقيبات الأثرية من مباني وأثاث وحلى والات وادوات واعمال فنية مختلفة وبقايا عظام الانسان والحيوان وبقايا النبات وتختلف نوعية مخلفات الانسان باختلاف العصور التي عاش فيها ففي العصور الحجرية اقتصرت مخلفاته على بقايا أماكن استيطان والاته وأدواته الحجرية وبعض الدمى والرسوم التي نقشها على جدران الكهوف وفي العصر الحجري المعدني غدت مخلفاته تضم بعض الآلات والأواني المعدنية كما ضمت الأواني الفخارية ذات النقوش والزخارف المتنوعة ومنذ بداية العصور التاريخية في مطلع الالف الثالث قبل الميلاد أصبح من أهم مخلفات الانسان هي النصوص المسمارية المدونة على ألواح الطين والتي أمكن حل رموزها وقراءة ما تضمنته من معلومات بعد جهود علمية طويلة منذ منتصف القرن الماضي فكانت تلك النصوص سجلا حافلا ومفصلا عن مختلف نشاطات ومنجزات العراقيين القدماء والمصدر الأساس الذي اخذ عنه الباحثون وما زالوا يأخذون لاكمال الصورة التي أمكن رسمها عن تاريخ العراق القديم وقد تم الكشف حتى ألان عن مئات الآلاف من ألواح الطين المسمارية وترجم العديد منها الى اللغات الحديثة وأفاد الباحثون في تاريخ العراق فائدة كبيرة من طبيعية مقاومة الألواح الطينية التي استخدمت للكتابة ومقاومتها للعوامل الطبيعية خلافا لما هي عليه الحال بالنسبة لورق البردي أو المواد الأخرى سريعة التلف التي استخدمت للكتابة في بلدان أخرى .
7- الابحاث والدراسات الحديثة وتشمل العربية والاجنبية .
التسميات المختلفة التي أطلقت على العراق
مرت على العراق عصور ودهور طويلة متعددة يرقى أقدمها إلى العصر الحجري القديم ولا سبيل إلى معرفة ما كان يطلق على أجزاء البلاد المختلفة من تسميات من قبل إن تظهر الكتابة ومنذ مطلع العصور التاريخية في النصف الثاني من الإلف الرابع قبل الميلاد استخدم العراقيون القدماء الكتابة وسيلة للتدوين وذكروا لنا في نصوصهم المسمارية التسميات المختلفة التي أطلقوها على أجزاء العراق خلال العصور المتعاقبة .
ولعل أقدم التسميات التي أطلقت على المنطقة الواقعة في القسم الجنوبي من العراق هو مصطلح ( بلاد سومر ) ضمن محافظات القادسية وذي قار والمثنى واستخدمت هذه التسمية في عصور فجر السلالات الإلف الثالث قبل الميلاد ومن أهم المدن في بلاد سومر نفر والوركاء ولكش واوما واور .
ثم ظهر في أواسط الإلف الثالث قبل الميلاد مصطلح ( بلاد أكد ) ليدل على القسم الوسطي من العراق من منطقة نفر شمالا حتى الخط الوهمي هيت - سامراء ذلك القسم الذي نشأت فيه الدولة الاكدية في بداية تاريخها . ومنذ مطلع الالف الثاني قبل الميلاد استخدم مصطلح ( بلاد بابل ) للدلالة على بلاد سومر واكد وغدت التسمية تعني القسم الجنوبي والوسطي من العراق بصورة عامة .
وعند مجيء الكشيين الى العراق أطلقوا اسم ( كاردونياش ) على بلاد بابل وكان القسم الشمالي من العراق يعرف باسم ( بلاد سوبارتو ) قبل ان يأتي الأشوريون إلى المنطقة وعندما حل الأشوريون في هذا الجزء من العراق منذ الإلف الثالث قبل الميلاد شاع استخدام مصطلح ( بلاد أشور ) .
إما اسم ( العراق ) فهو الأخر اسم قديم غير إن أصل اشتقاق الكلمة وبداية استخدامها لا زال موضع جدل الباحثين فمنهم من يرى بان الكلمة ذات أصل عربي وإنها تعني ( الشاطئ ) أو ( جرف الجبل ) بينما يرى آخرون بأنها مشتقة من أصل فارسي بمعنى ( الساحل ) وإنها وكلمة ( إيران ) ذات أصل واحد وربما كان للاسم السومري ( اوروك )الذي يطلق على مدينة الوركاء علاقة باسم ( العراق ) وفي القرن الثاني عشر قبل الميلاد وردت تسمية على هيئة ( اريقا ) لدلالة على اقليم يقع في وسط العراق وربما كانت هذه التسمية اصل لاستخدام اسم العراق .
ومنذ اواخر العصر الساساني في العراق شاع مصطلح ( عراق ) واطلق على الاقسام الجنوبية والوسطى من العراق بينما استخدم مصطلح ( الجزيرة ) للدلالة على الاراضي الواقعة بين النهرين حتى حدود بغداد جنوبا ثم اتسع مدلول العراق في العصور التالية حتى صار يطلق من قبل البلدانيين العرب للدلالة على جميع الاراضي المتمثلة بالعراق الحديث .
واطلق الاغريق على الجزء الواقع بين دجلة والفرات حتى حدود بغداد ( أي ما يقابل مصطلح الجزيرة ) اسم ( بلاد ما بين النهرين ) ميزوبوتامياMesopotamia وهي تسمية مشتقة مما ورد في التوراة في تسمية الاراضي الواقعة بين الفرات والخابور او الخابور والباليخ واخذ الكتاب الاوربيون هذا المصطلح للدلالة على العراق القديم بصورة عامة وشبيه بهذه التسمية ما استخدمه الكتاب العرب في العصور الحديثة حيث استخدموا مصطلح ( وادي الرافدين )عند الحديث عن العراق القديم .
أشهر المدونات التاريخية في بلاد الرافدين
1- جداول الملوك والسلالات الحاكمة :
وهي جداول تذكر أسماء السلالات الحاكمة في تاريخ العراق القديم وتعدد أسماء تلك السلالات وأسماء ملوكها وعدد سنين حكمهم منذ ابعد عصور التاريخ حتى عصوره المتأخرة وهناك جداول ملوك سومرية وأخرى بابلية وثالثة أشورية وتعتبر من أهم مصادرنا في تاريخ العراق القديم وكان بعض هذه الجداول يقتصر على حكم سلالة واحدة كما في سلالة بابل الأولى في حين إن بعضها الأخر تتضمن على أطول جدول بعدد السلالات التي حكمت العراق وهي جداول الملوك السومرية والتي تم تأليفها في عهد سلالة اور الثالثة بينما دونت نسخ منها في مطلع الالف الثاني قبل الميلاد وأضيفت اليها بعض السلالات الحاكمة .
2- التقاويم :
يعود الفضل للعراقيين القدماء في تقسيم الوقت الى السنين والأشهر والاسابيع والأيام فعرفوا الشهور القمرية وقسموا اليوم الى 12ساعة مضاعفة وعرفوا النظام الستيني كان أسلوب التقويم الذي استخدمه العراقيون القدماء له أهميته في معرفة تسلسل حكم الملوك والحكام وتسلسل تاريخ الاحداث المهمة لقد كانت الطريقة المتبعة في تحديد السنين في العهود السومرية والبابلية ان تسمى كل سنة باسم أهم حادثة وقعت في البلاد مثل بناء معبد أو سور أو مدينة أو حملة عسكرية وأحيانا تسمى بالسنة التي بعد السنة التي حدثت فيها الحادثة المعينة .
3- التاريخ التعاصري :
وهو عبارة عن موجز العلاقات السياسية ما بين ملوك بلاد بابل وبلاد اشوروقسم الكتبة العراقيون جداول الملوك المعاصرين الى حقلين ذكر في الحقل الأول أسماء الملوك البابليين وعددهم 98 ملكا ابتداء من بداية حكم سلالة بابل الأولى (أوائل الإلف الثاني قبل الميلاد) وحتى أخر حكام سلالة بابل العاشرة القرن السابع قبل الميلاد وفي الحقل الاخر أسماء معاصريهم من ملوك الاشوريين وعددهم 82 ملكا ابتداء من أقدم ملوكهم المسمى ( ايرشوم ) وحتى أخر ملوكهم اشوربانيبال .
4- الارصادات الفلكية :
وهي طريقة أخرى في التقويم هي استعمال الحسابات الفلكية مثل كسوف الشمس وخسوف القمر والتي ورد ذكرها في النصوص القديمة وهناك كسوف الشمس الذي ورد في تقاويم اللمو الأشورية والذي حدث في السنة الثالثة من حكم الملك الأشوري ( أشور- دان ) الثالث الذي ظهر بالحساب من قبل علماء الفلك وتمكنوا من تحديد تاريخ حدوثه وبالذات بالنسبة للوقت الحاضر حيث تبين انه حدث في 15 حزيران سنة 763ق- م .