البـنادق القـديمة.. سلاح وزينة
منذ زمن بعيد والأسلحة تلعب دوراً في حياة الشعوب والأمم، بعدما ارتبطت بفكرة الدفاع عن الحياة، والذود عن الحياض، وحفظ الكرامة، والحماية من الأخطار المحدقة. ومنذ اكتشاف البارود احتلت البنادق مكانة مهمة في مختلف الدول، وأصبحت عنواناً كبيراً، ورمزاً من الرموز التي تحمل كثيراً من المعاني والقيم والتقاليد. وتعد البنادق الإماراتية التقليدية القديمة لوحات فنية رائعة، فبعد أن كانت سلاح الأجداد، أصبحت الآن زينة لدى الأحفاد الذين وضعوها في صدور المجالس لغايات كثيرة، فضلاً عن احتلالها موقع الصدارة في المتاحف المختلفة.
وعلى الرغم من التطوّرات الكبيرة التي تشهدها صناعة السلاح، بقيت البنادق هدفاً للكثيرين ممن امتهنوا أو يمتلكون هواية جمع الأسلحة القديمة، ومنها البنادق التي تعددت أنواعها الموجودة في الإمارات، خصوصاً أن أهمية ومكانة السلاح التقليدي لاتزال موجودة حتى الآن في جميع مناطق الدولة من خلال المناسبات وبعض مسابقات التراث والرماية التي أصبحت بمثابة أحياء لمكانة هذه البنادق.
وبحكم موقع الإمارات، ومن واقع الأحداث التاريخية والحربية الكثيرة التي عاشتها الإمارات منذ مئات السنين دخلتها أنواع كثيرة من البنادق التي يعود تاريخ صنعها إلى القرن الـ،12 ولايزال عدد كبير منها يعرض للبيع على سبيل الزينة والديكور.
وزاد اهتمام الكثيرين بهذه البنادق القديمة بوصفها سلاحاً وزينة وهواية من الهوايات الممتعة الكثيرة حتى أضحت البندقية من علامات الشجاعة والإقدام.
شجاعة
قال المواطن عبدالله بن خلفان بن سيف بن عسكور، أحد العاملين في هذا المجال: «ولدت في إمارة رأس الخيمة عام ،1951 ودرست عند المطوّعة، وكان الوالد يمتلك محلاً لتجارة الأسلحة يبيع ويشتري فقط، وكانت تصل الأسلحة إلى البلاد من عدد من دول الجوار كالصومال وعدن وزنجبار». وأكد أن «البنادق القديمة جزء أصيل ومعروف في تراثنا الشعبي لأهميتها وارتباطها بالشجاعة والصيد واستخدامها في الحروب والحماية قديما في الجزيرة العربية»، مشيراً إلى الشركات البريطانية ودورها في وجود مثل هذه الأسلحة في القرنين الـ17 والـ.18 وأضاف بن عسكور «فتح الوالد المحل عام 1933 وظل حتى التسعينات من القرن الماضي، وتوفي عام ،1997 وبدوري طوّرت المهنة عن الوالد وتعاملت مع تجار عُمان واليمن وإفريقيا والهند.. وكانت تأتي عن طريق البحر، وأحيانا الجو وأكثر من يقتني الأسلحة قديماً بعض القبائل من أهل الساحل والقبائل البدوية من أهل البر وبعض الأهالي في المناطق الجبلية».
وأشار الى تنوع مصادر البنادق وتعدد أنواعها، إلا أن أكثرها شهرة وانتشاراً كانت بندقية «أم فتيلة»، وسميت بهـذا الاسم لأنها تحوي فتيلة من أنواع الحبال وهي بندقية نارية ذات قصبـة طويلة تعبأ بالبارود مـن فوهتها، ثـم يدك بسيـخ اسمـه «مدك»، وفي أسفل القصبة حوض صغير له ثقب متصل بباطنها، وتوضع فيه ذخيرة، ويشعل بلهب، وينزل اللهب عند ضغطه فتثور، وكانت منتشرة في الجزيرة العربية، وتعد أقدم الأنـواع وهي أول بندقية ظهرت في الإمارات، وصنعت في الفترة من القرن الـ12 إلى القرن الـ،13 وكانت غير مركزة، ومن دون نظر ووصلت أول مرة إلى المنطقـة على يد البرتغاليين عام ،1507 وظلت هذه البندقية الشهيرة مستخدمة حتى الخمسينات من القرن الماضي، وفي عام 1650 تسلم اليعاربة البنادق من البرتغاليين.
أنواع
أضاف بن عسكور «بعد مدة من الزمن صنعت (أم صلبخ) وهي بندقية طوروا فيها حجراً من الصلبخ وهو حجر جبلي يوضع فوق الديك على أن يوضع الصلبوخ فوق الديك كون الصلبوخ يولد شراراً، وبعد مدة من الزمن صنعت (أم قمعة) وتسمى أيضا الرومي». ونوه إلى أن أسماء الأسلحة هي أسماء محلية أطلقها الآباء والأجداد، ثم جاءت أنواع عدة مختلفة، من أشهرها «الصمعا» ولها أسماء منها الهرتة وأم مركبتين وأم مركب والمثومنة وأم صندوق وأم شجرة، كما جاءت أنواع أخرى مثل أم ميزر والماطلي وليكر والوكر والخديوي والمشرخ والخميسي والبرشوت والكند والصميعا وتسمى أم كشف وأم مسمار.
وقال: «بالنسبة للبنادق التي استعملت في الإمارات فقد يصل طولها إلى متر، ومترين، وأقل من متر، أما التي يصل طولها إلى مترين فهي أم فتيلة وأم صلبخ والرومي وهي تستعمل للدفاع، أما الأقل من مترين ومتر فهي للدفاع والهجوم».
وأكد بن عسكور أن من أنواع البنادق الأخرى التي اشتهرت في الإمارات ولاتزال موجودة حتى الآن والبعض يستخدم نسخاً منها في العديد من الاحتفالات بندقية «السكتون»، وهذا النوع منتشر كثيراً ومعروف لدى أغلبية الناس، وسميت بذلك لأنها لا تصدر صوتاً قوياً، وهي من أنواع البنادق المستخدمة في صيد الطيور، وهي على نوعين «أم حبة» (طلقة واحدة) و «أم خد» ولاتزال تقام لها العديد من المسابقات التي تعد من أكثر المسابقات التقليدية انتشاراً على الإطلاق إضافة إلى الصمعا، لافتا إلى أن الحبوس والشحوح هما من أبرز الناس المعروفين بالرماية.
وأشار إلى أن عدداً من الألفاظ المحلية ارتبطت باستعمال السلاح وتداولها مستخدمو السلاح في الإمارات قديماً، ومازالت دارجة مثل الديك (قطعة حديدية تنزل وقت الرمي) والزناد (الشيطان ويضغط عليه وقت إطلاق النار)، والفشكة (الجزء الخلفي من الرصاصة بعد خروجها من البندقية)، والزانة (عبارة عن الرصاصة كاملة والفشكة)، والمحزم (حزام الرصاص الذي يربط حول الخصر) .
وأضاف «في الماضي كان شراء السلاح يلقى رواجاً وإقبالاً لدى الأهالي، خصوصاً المستدين (الأغنياء منهم)، وحتى الفقير يتدين (يقترض) من أجل شراء السلاح»، مشيراً إلى أن سعر السلاح كان يتراوح بين 150 و200 روبية، ووصل بعضها إلى 3000 روبية.
وأكد بن عسكور أن الإماراتيين أضافوا كثيراً من اللمسات الإبداعية عليها، من خلال استخدام شرائح النحاس أو الذهب أو الفضة التي تجعلها من الرموز الإبداعية والأثرية، موضحاً أن «هناك رسوما جذابة متموّجة منقوشة بالذهـب والفضـة على طول ماسورة البندقية».
وقال إن «هناك بنادق أخرى عدة انتشرت في الإمارات منذ زمن قديم، ولم يبق منها سوى أعداد قليلة يحتفظ بها بعض الأشخاص، إضافة إلى وجودها في العديد من المتاحف».