الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
اهل البيت
المواضيع الأخيرة
» نثر الدر المكنون
رحله في الجزيره العربيه 1878-1882 Emptyاليوم في 6:12 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» مقاتل الطالبيّين مقاتل الطالبيّين المؤلف :أبي الفرج الاصفهاني
رحله في الجزيره العربيه 1878-1882 Emptyأمس في 11:42 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج1
رحله في الجزيره العربيه 1878-1882 Emptyأمس في 10:27 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج2
رحله في الجزيره العربيه 1878-1882 Emptyأمس في 9:59 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج3
رحله في الجزيره العربيه 1878-1882 Emptyأمس في 9:34 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  كلام جميل عن التسامح
رحله في الجزيره العربيه 1878-1882 Emptyأمس في 8:57 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  مفهوم التسامح مع الذات
رحله في الجزيره العربيه 1878-1882 Emptyأمس في 8:48 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» أقوال الحكماء والفلاسفة
رحله في الجزيره العربيه 1878-1882 Emptyأمس في 10:01 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» أقوال وحكم رائعة
رحله في الجزيره العربيه 1878-1882 Emptyأمس في 9:55 am من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     رحله في الجزيره العربيه 1878-1882

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    رحله في الجزيره العربيه 1878-1882 Empty
    مُساهمةموضوع: رحله في الجزيره العربيه 1878-1882   رحله في الجزيره العربيه 1878-1882 Emptyالإثنين أكتوبر 21, 2024 10:05 am

    مقدمة الناشر
    هذا الكتاب هو أول ترجمة عربية لرحلة شارل هوبير (1837 ـ 1884) الاستشكافية الأولى إلى مناطق شمال شبه الجزيرة وذلك خلال السنوات 1878 ـ 1882 حيث عثر على أبرز اكتشاف أثري في المنطقة هو حجر تيماء.
    نشرت تفاصيل هذه الرحلة التي بدأها هوبير من البصرة في 14 أيّار 1878 في نشرة الجمعية الجغرافية الفرنسية سنة 1884 ، أثر مصرعه بالقرب من بلدة العلا في 29 تموز من العام نفسه على يد دليله ابن شميلان من شيوخ قبيلة هيثم.
    أعقب هوبير هذه الرحلة برحلة ثانية الى المنطقة بدأها في حزيران 1883 بهدف تأمين نقل حجر تيماء الى فرنسا ، ولمواصلة أبحاثه الأثرية ووضع خرائط للمنطقة بتكليف من الجمعية الجغرافية الفرنسية ، والجمعية الآسيوية ووزارة الإرشاد العام الفرنسية. وخلال الرحلتين أقام هوبير علاقات جيدة مع حاكم المنطقة محمد بن الرشيد ، وتبادل معه الهدايا والسيوف ، وبدوره قام ابن الرشيد بتأمين حراس وأدلّاء لمساعدة هوبير خلال تجواله.
    وبعد مرور سبع سنوات على مصرع هوبير ، صدر في باريس سنة 1891 ، كتاب بعنوان «يوميات رحلة في شبه الجزيرة العربية 1883 ـ 1884» تضمن كتابات هوبير خلال رحلته الثانية ، والتي كان أودع قسما منها لدى القنصلية الفرنسية في جدة قبل بضعة أيام من مصرعه. وكانت الكتابات عبارة عن خمسة دفاتر صغيرة الحجم ضمنها هوبير يومياته وانطباعاته ، ورسومه للنقوش الحجرية. وأشار نائب القنصل الفرنسي في جدة فيلكس دو لوستالو (Fe ? lix de Lostalot) في رسالة الى ظروف مصرع هوبير فقال إن هوبير غادر جدة مساء 26 تموز 1884 يرافقه خادمه محمود ودليلين. وأن هوبير اغتيل في 29 تموز من قبل الدليلين الذين سجنا الخادم محمود لمدة يومين ، إلى أن اغتنم هذا الأخير الفرصة المؤاتية للفرار باتجاه المدينة المنورة ، وانتقل بعدها إلى حائل ثم إلى جدة. وبقي جثمان هوبير ملقيا في العراء لمدة يومين ، الى ان تم نقله الى جدة حيث دفن. أشرف نائب القنصل الفرنسي في جدة بمساعدة ترجمان من أصل جزائري مقيم في مكة المكرمة يدعى سي عزيز على المفاوضات لاسترجاع أوراق هوبير وحجر تيماء ، وكذلك الاقتصاص من القتلة. وقام سي عزيز بالمفاوضات مع ابن الرشيد بشكل سري ، ذلك ان هوبير كان يقوم برحلته رغم معارضة السلطات العثمانية التي كان ابن الرشيد متحالفا معها. ويعتقد ان ابن الرشيد هو الذي كلف ابن شميلان بقتل هوبير خارج حدود إمارته في بلدة العلا.
    وخلال مرحلة المفاوضات مع ابن الرشيد وصل الى جدة المستشرق الهولندي كريستيان

    سنوك هيروغرونيه (ChriStian Snouch Hurgronje) الذي كان ينوي السفر سرا الى مكة المكرمة بهدف انجاز اطروحة حول المجتمع المكي وقام هيروغرونيه خلال وجوده في جدة بترجمة بعض الرسائل لصالح القنصلية الفرنسية ، وبدوره قام بإبلاغ صديقه المستشرق الألماني جوليوس أوتينغ (Julius Euting) عن المساعي الفرنسية لاستعادة حجر تيماء. والجدير بالذكر ان أو تينغ كان برفقة هوبير في تيماء عند ما قاما سوية بشراء الحجر وارساله الى حائل بعد ان قاما بنقل النص المحفور عليه. وتطورت الأمور فيما بعد عند ما التقى هيروغرونيه في مكة المكرمة بسي عزيز الذي أخبره بمراحل المفاوضات مع ابن الرشيد وقد حاول سي عزيز الحصول من هيروغرونيه على مبلغ يفوق الخمسة آلاف فرنك فرنسي الذي وعد به من قبل القنصلية الفرنسية في حال انجاز المفاوضات بنجاح. ونتيجة شكوك القنصل الفرنسي من أن يكون هيرو غرونيه يعمل مع الألمان بهدف الحصول على حجر تيماء ، قام بنشر مقال في جريدة «الوقت» (Le TemPS) في باريس في الخامس من تموز 1884 وصف فيه الأيام الأخيرة لشارل هوبير ، واتهم هيرو غرونيه المقيم في مكة المكرمة سرا تحت اسم عبد الغفار بالسعي للحصول على حجر تيماء لصالح أوتينغ الموجود في دمشق. وقد ترجم هذا المقال الى العربية والتركية ، وعلى الفور أرسل قائمقام مكة المكرمة بعض الجنود الى هيروغرونيه حيث أمر بمغادرة المدينة خلال بضعة ساعات ، وبالفعل تم ترحيله برفقة الجنود الى جدة.
    هكذا تم افشال محاولة الألمان الحصول على حجر تيماء. وبعد حوالي العام على مصرع هوبير تم الحصول على الحجر وأرسل الى باريس حيث يعرض حاليا في متحف اللوفر. ان هذا الحجر الذي يعود تاريخه الى القرن الخامس قبل الميلاد ، والذي يعود الفضل في اكتشافه الى هوبير ، يعتبر من أبرز الاكتشافات الأثرية في شبه الجزيرة العربية خلال القرن التاسع عشر. ويظهر هذا الحجر الذي حفر باللغة الارامية أحد الكهنة الذي استقدم إلها جديدا الى تيماء ، فأنشأ لهيكل الأله المعبود وقفا ، وقد مثل الاله في زي أشوري ، وظهر في أسفل الرسم رسم الكاهن الذي شيد النصب.
    أن المعلومات والانطباعات التي سجلها هوبير خلال رحلته الأولى في شمال شبه الجزيرة العربية والتي نقدمها في هذه الترجمة ، هي على درجة كبيرة من الأهمية بحيث إنها تعتبر بالاضافة الى سلسلة الأبحاث التي قام بها الرحالة الأوروبيون في المنطقة خلال القرن التاسع عشر أمثال وليم بالغريف ، واروليخ سيتزن ، جورج والين ، الليدي آن بلنت ، ولويس بوركهاردت ، وشارل دوتي وغيرهم من أبرز النصوص التي تصف منطقة شمال شبه الجزيرة العربية خلال النصف الاخير من القرن التاسع عشر.

    تنبيه الناشرين الفرنسيين (*)
    في 29 تموز 1884 ، قضى الرحّالة المقدام الذي ننشر له اليوم بيانات رحلاته ومفكراته اغتيالا. فمنذ عام 1874 ، وما ان بلغ السابعة والثلاثين من العمر ، حتى وقع اختيار شارل هوبير المدفوع بشغف الاستكشافات الجغرافية على الجزيرة العربية. وكان قد قام برحلة استكشافية أولى من 1878 الى 1882 دونت نتائجها في نشرة الجمعية الجغرافية (1). (Le BulleTin de la Societe de Geographie). ما شاهده في هذه الرحلة أثار فيه رغبة جامحة بإعادة الكرة. كان نقش تيماء بوجه خاص ، الذي اكتشفه منذ عام 1880 ، يقضّ مضجعه. وفي حزيران 1883 ، انطلق من جديد برعاية وزارة التربية العامة وأكاديمية النقوش والآداب والجمعية الجغرافية ، فتوقّف فترة في دمشق ، وزار حائل مجددا وحصل على حجر تيماء ثم انكفأ الى جدّة واثقا من كنزه هذه المرة.
    وحدها رسالة من السيد دولوستالو ، قنصل فرنسا في جدّة (2) تعطينا بعض التفاصيل عن النهاية الغامضة التي وضعت حدا لمجرى هذه الحياة التي كان مبدأها الطاغي الجرأة البالغة حدّ المجازفة.
    «اغتيل السيد هوبير في 29 تموز 1884 خلال رحلة علمية على أيدي المرشدين اللذين اختارهما للاستدلال على الطريق.
    وقد شكلت الرغبة في الاستيلاء على اسلحة الضحية وأغراضه الثمينة دافع الجريمة. كان هوبير قد غادر جدة في ليل 26 الى 27 تموز برفقة خادمه محمود ودليليه. وكان محمود يتبع الطريق ويقود الجمال المحمّلة بالأمتعة بينما يبتعد السيد هوبير ومرشداه باستمرار عن الطريق تارة الى اليمين وتارة الى اليسار ، إمّا لتدوين بعض الكتابات القديمة أو لنقل رسم او لتسجيل ملاحظة علمية. ثم يتم اللقاء في المنطقة المحددة للتوقف لتناول بعض الطعام وأخذ قسط من الراحة. وانقضى يوما 27 و 28 تموز بلا عائق.
    __________________
    (*) مقدمة كتاب" يوميات رحلة في شبه الجزيرة العربية" الذي صدر في باريس سنة 1891 وتضمن ما خلفه شارل هوبير من ملاحظات وكتابات ورسوم. وقد رأينا ترجمتها لما فيها من معلومات مفيدة للقارىء.[الناشر].
    (1) الفصل الثالث لعام 1884 ، ص 289 ـ 363 ، 468 ـ 531
    راجع ف. برجيه" الجزيرة العربية قبل النبي محمد بالإستناد إلى النقوش" باريس ، 1885 ، ص 22 ـ 23
    (2) المذكرة الوحيدة التي نشرت عن هوبير وردت في رأس كتالوج بيع مكتبته الذي صدر عام 1885 في ستر سبورغ عند المكتبي بيغان. وتتضمن بعض النسخ من هذا المنشور وصورة ليتوغرافية لهوبير.

    في التاسع والعشرين ، ولدى وصول محمود الى محطة الاستراحة ، وجد الجميع في المكان ورأى المرشدين يؤديان الصلاة والسيد هوبير ممددا على مسافة قريبة تحت معطف عربي. فاعتقد ان سيّده نائم وشرع ينزل حمولة الجمال. فجأة شعر بندقيتين مصوّبتين الى صدره وسمع صوت أحد المرشدين يقول له : «حذار ، إلق سلاحك وإلّا عاملناك كسيّدك ههنا لدى أدنى حركة عدائية». فنظر ورأى السيد شارل هوبير ممددا على الجانب الايسر بينما كامل الجانب الأيمن من الرأس مدمّى ، لكن الوجه هادىء ومرتاح وكأنه نائم. من المرجّع ان تكون طلقة مسدّس أطلقت من مسافة قريبة جدا فيما هو نائم ، هي التي حتّمت الموت.
    بقي محمود أسير المجرمين مدة يومين ثم تمكن من الفرار. فتوجّه الى المدينة ثم الى حائل وعاد أخيرا الى جدّة ليضع نفسه بتصرّف نيابة القنصلية الفرنسية المكلّفة بمتابعة انزال العقوبة بالمجرمين. وهو لا يزال فيها.»
    بقيت جثّة السيد شارل هوبير معرّضة للهواء بضعة أيام وقيل ان بعض المارة حفروا أخيرا حفرة ودفنوه فيها.
    وبعناية جديرة بخالص الثناء ، تسلّم السيد دو لوستالو ذخيرة الميت. وبعد سنة وفي خضم صعوبات جمة تمّ التغلّب عليها بالاصرار على العمل وبالرغم من نقص لا يصدّق في الامكانيات ، سلّم السيد دو لوستالو وزير التربية العامة حجر تيماء الجدير بان يقارن من حيث قدمه وأهميته بنصف ميشا (1). وعند ما درست لجنةCorpus inscriptionum semiticarum وأمين عام الجمعية الجغرافية الملاحظات ، فقد أقرّوا أهميتها البالغة حتى بعد نشر عدد كبير من النصوص النقوشية المدوّنة فيها (2). وبالفعل ، لا يتناول هذا النشر سوى جزء من النقوش النبطية ، أما النقوش من النوع الصفيتي (Safai ? tique) فلم تمسّ ، كما وان الناحية الجغرافية من العمل تحتفظ بكامل جدّتها. مما حدا بالجمعية الآسيوية والجمعية الجغرافية ان تتولى طباعة هذه المفكرات. وقد قامت المطبعة الوطنية ووزارة التربية العامة بسخائهما المعهود بتسهيل مشروع لا اعتبار فيه إلّا للمصلحة العلمية.
    الى ذلك ، كانت مهمتنا محدّدة بوضوح ، اذ كان المطلوب منا ان نعيد نشر الدفاتر الصغيرة الخمسة التي وضعت بين أيدينا كما هي بالضبط. خلال جزء من رحلته الثانية ، اصطحب السيد هوبير السيد اوتينغ ، وهو عالم يتمتّع بتقدير. فإلى أي مدى امتد تعاون
    __________________
    (1) ,Journal des de ? bats 26 كانون الأول 1884.
    (2) أنظرCorpus inscriptionum semiticarum ، الجزء الثاني ، النقوش الآرامية ، ص 107 والصفحات اللاحقة.

    السيد اوتينغ في المفكرات التي ننشرها؟ هذا ما لم يكن في وسعنا تقصيه. اننا لا نكفل سوى أمر واحد ، وهو ان الاشخاص الذين سيستخدمون هذا الكتاب يمكنهم ان يركنوا اليه كما لو انه من مدوّنات هوبير الاصلية. وسيقول السيد اوتينغ ، اذا رأى ذلك مناسبا ، ما كانت حصته في العمل المشترك. لقد كانت رشمات النقوش النبطية بحوزته. وقد نشر كتابه Nabatoeische Inschriften بالاستناد الى هذه الرشمات (1). وإذ رغب السيد دوفوغيه ، مفوّض الجزء الارامي من الCorpus inscriptionum semiticarum استخدام هذه الوثائق الثمينة لإنجاز الملزمة المقبلة ، فقد سارع السيد اوتينغ الى ارسالها لنا ومن دواعي سرورنا ان نشكره على ذلك.
    في تنفيذ عملنا بالتحديد ، واجهتنا صعوبات مع كل خطوة. فالسيد هوبير لم يكن فقيها لغويا بالمهنة. وفي نقل الكتابات لم يكن مصرّا على التوافق مع نفسه دائما. وأخيرا ، أفسحت الصياغة المستعجلة للمفكرات المجال للكثير من التردّد. فإذا لم نأخذ بعين الاعتبار سوى انتظام الخط ، وتماثل لون الحبر والعناية التي رسمت بها الرسمات وكتبت بها النقوش ، لحملنا ذلك على الاعتقاد بان السيد هوبير استفاد من احدى إقاماته في حائل او في جدة لكتابة يومياته. وفي الواقع ، لا يبدو انه بامكان مسافر ايجاد ترتيب ملائم لتنفيذ أعمال بهذا الوضوح خلال تجواله في مناطق صحراوية. ولكن لا مجال للشك ، فقد وضعت المفكرات بالشكل النهائي يوما بيوم تقريبا. وهذا ما يحرص المؤلف على ذكره في مناسبات مختلفة. وإذا اعترف أحيانا بتأخره بضعة أيام في عمله ، بدا وكأنه يعتذر لا خلاله بالبرنامج الذي خطّه لنفسه. من جهة أخرى ، يصرّح قطعا بان مفكراته الخمس قد أرسلت الى باريس في 27 حزيران 1884 من مرفأ جده الذي وصل اليه في 20 من الشهر نفسه ، مما يجعل فرضية صياغة يوميات رحلته في هذه المدينة أمرا مستحيلا عاما.
    ان الملاحظات السابقة تجيب فكرة تخطر على البال ازاء الكلمات التي تركت مواضعها بيضاء في مخطوطة هوبير. واننا في الواقع نتساءل كيف ان المؤلف الذي لا يزال موجودا في الموقع والمحاط بمرشديه من سكان البلاد لم يستطع اعادة تركيب اسماء عدة بلدات بالاستعانة بذاكرة الاشخاص الذين يحيطونه. صحيح ان الاسم مكتوب بالرصاص أحيانا ، ولكن في الغالب نجد الثغرة كاملة أو يملأها جزء من الكلمة كتب بالحبر. فلو ان
    __________________
    (1) اوتينغ Nabatoeische Inschriften aus Arabian ,Euting برلين 1885. كانت هذه النقوش قد نشرت قبل ذلك بالإستناد إلى رشمات السيد دوتي في Notices et extraits des manuscrits لأكاديمية النقوش وعلم الأدب القسم الثاني ، (نشرت في طبعة مستقلة صدرت عام 1887)

    هوبير كتب مفكراته في نهاية رحلته لجاء التفسير طبيعيا ، ولكن بما ان هذا الامر مستبعد بالتأكيد ، فلا بد من إيجاد تفسير آخر لهذه الشكوك.
    عند ما نرى العناية الدقيقة التي دوّنت بها الملاحظات ، وعند ما نجد الاشارات الى محطات التوقف لدقيقتين او ثلاث دقائق ، لا يمكننا الاعتقاد بان الاغفالات المشار إليها ناتجة عن اهمال المؤلف. بل يمكن الافتراض بان هوبير كان يأمل بتوظيف المواد التي جمعها والتوسّع في استقرائها. كما يجدر ان ننسب الاهمال الذي يشوب الصياغة لجهة الأسلوب إلى السبب نفسه ، وهو إهمال ترك عمدا حتى عند ما كان بالامكان تصحيحه من دون خوف من ارتكاب خطأ.
    ومع انه كان متآلفا جدا مع لغة العرب الذين كان يتجوّل بينهم ، الا ان إلمام هوبير باللغة الفصحى كان غير كاف. ففي دفتره الاول بدأ يكتب بنفسه اسماء البلدات بالأحرف العربية لكنه سرعان ما اكتشف مساوىء طريقة العمل هذه فقرّر لاحقا ان يسأل السكان الاصليين أنفسهم ليسجّل مباشرة على دفتره املاء الكلمات التي كان يسمع لفظها. الا ان الكتبة البدو الذين استعان بهم لم يكونوا ضليعين بلغتهم. فهم بالتأكيد لا يخطئون في لفظ الاحرف الصامتة التي تختلط بسهولة على الاوروبيين كالقاف والكاف مثلا ، ولكنهم في المقابل ، كانوا يرتكبون الخطأ الشائع جدا بين العرب الاميين بحذف اللام في أل التعريف أمام الاحرف الشمسية مكتفين بوضع الشدة على أول حرف صامت في الكلمة. كما كانوا يكثرون ويبالغون في استخدام الألف الProsthe ? tique ويحذفون الاحرف الصوتية الطويلة وبالعكس يطيلون بعض الاحرف الصوتية القصيرة.
    كان من السهل تصحيح العدد الاكبر من هذه الاخطاء البسيطة ولكن في بعض الاحيان كان من المستحيل اعطاء القراءة الصحيحة. لذا ، بدا من المستحسن عدم اخضاع املاء الكتبة البدو لمراجعة صارمة. فمن شأن التصحيح الكبير الايحاء للقارىء بأنه يستطيع التذرّع بطريقة الكتابة المعتمدة في المفكرات لتصحيح الاملاء الوارد عند أحد المؤلفين العرب او عند رحّالة اوروبي آخر. ولكن هذا غير ممكن ، اذا لا يجوز تصحيح قواميسنا التي تكتب اسم نبتة صحراوية «ضومران» ، وهي نوع من النعناع البري ، بحجة ان مفكرات هوبير أوردتها بشكل «ضمران».
    كما اننا لم نر من المفيد اخضاع طريقة الكتابات الفرنسية المعتمدة من قبل هوبير لانتظام تام. اذ لم يكن بإمكاننا التأكد من ان تمثيل الهاء في نهاية الكلمة تارة بالy وتارة اخرى بال e ? h أو الah على سبيل المثال ، لا يعود الى رغبة الرحّالة في تسجيل تنوّع اللفظ الذي كان يسمعه ، فتنظيم هذه الاختلافات انه يرى ضرورة في ذلك. هناك بالتأكيد

    حالات حيث يلزم التصحيح منذ المقاربة الأولى. فنجد مثلا «أبيث» او «أبيت» محل «أبيض» مكتوبة بالأحرف العربية بدقة. ولكن عند التفكير نتساءل ما اذا كان ذلك يعود لخطأ في اللفظ من النوع الذي نلاحظه في اللهجة الجزائرية حيث غالبا ما يقال «مريته» وليس «مريضه» بدلا من ان نرى في هذه الشواذات نتيجة للفظ الجرماني للمؤلف. لقد حملنا هذا السبب الى الاحتفاظ بالنقل الذي اعتمده هوبير بالرغم من شوائبه.
    وتشمل المفكرات عددا كبيرا من الكلمات العربية المستخدمة تارة محل الكلمة الفرنسية المقابلة (راس ، سنة ... الخ) ، وتارة أخرى لغياب مرادف ومطابق في لغتنا (نفوذ ، هاء).
    لم يكن بالامكان استخدام ملاحظات شارل هوبير الفلكية التي لم تحتسب بعد ، والتي اعتمد واضع خرائط الشمال الحقيقي في اتجاهها دون مراعاة الميل الزاوي للبوصلة. أما الارتفاعات (المقاسة بالمضغاط) فقد اعطيت من دون الاخذ بعين الاعتبار الفارق الذي كان سيطرأ عليها بفعل المقارنة مع الملاحظات التي أجريت عند سطح البحر.
    لذا ، لا يترتب على الجغرافيين اعطاء هذه الخرائط صفة نهائية ، ولو تسنّى للرحالة مراجعتها لعدّلها بلا ريب في اكثر من نقطة. إلّا انها كانت ضرورية لفهم يوميات الرحلة وقد وضعها السيد م. ج. هانسن بمنتهى الدقة والعناية.
    في الختام ، لا بد من شكر المطبعة الوطنية على مساهمتها الكريمة التي منحتنا اياها وعلى الاهتمام المتأني الذي بذلته في هذا العمل العسير. وراقب السيد فيليب برجيه تنفيذ الصور طبق الاصل بنظرة الباليوغرافي الماهر. وأخيرا راجع السيد م. و. هوداس ، الاستاذ في مدرسة اللغات الشرقية ، النسخ بصفته مستعربا متمرسا. فإذا حظي هذا الكتاب كما نأمل ذلك ، بموافقة المحكمين المختصين ، فإننا نطلب منهم ان ينسبوا الجدارة الى هؤلاء المعاونين الممتازين وبالأخص الى الاخير الذي أخذ على عاتقه المهمة الاكثر صعوبة وأنجزها على أكمل وجه.
    أرنست رينان
    باربيه دومينار
    ك. مونوار


    منذ بداية تكليفي بمهمة علمية في الجزيرة العربية في عام 1878 ، اصطدمت بعقبات أخرتني وبصعوبات أشرت إليها في تقريري إلى سيادة الوزير.
    فقد اجهضت المحاولة الأولى للوصول إلى الجوف مع الشيخ محمد طوخي بسبب ثورة الدروز ، والاتفاق الذي عقدته من ثم مع سطام بن شعلان ، شيخ الرولة لم يسفر عن نتيجة بسبب نكث هذا الأخير بوعده. وتكرر الأمر في الاتفاقية التي أبرمتها مع الشيخ علي القريشي.
    اخيرا عثرت على الأدلّاء اللازمين لي عند شيخ البصرة ، محمد الخليل ، حيث كانوا في ضيافته. وهم بواقان (1) ورجلان من سكان كاف. واتفقت معهم بالرغم من تحذيرات شيخ البصرة المعترضة والذي بيّن بأنه لا يستطيع أن يضمن بأي شكل تنفيذهم لوعودهم وبأنني أعرض نفسي في أبسط الاحتمالات للسلب والتخلي عني في الصحراء. كنت أستعجل التخلص من سماع هذه النصائح الحكيمة. وغادرت البصرة دون إبطاء في اليوم التالي مع رفاقي الجدد. كان ذلك في 14 مايو (أيار) وكانت عنز محطتنا الأولى بعد اجتياز أم الرمان.
    عنز ، القرية المؤلفة من 300 نسمة والرابضة على تلة صغيرة ، هي آخر بلدة مأهولة في الصحراء. ومن هنا نلفت الانتباه إلى أن عنز تضم سكان نصارى بمجملهم بالرغم من موقعها بصفتها مركزا متقدما ، أي بين الدروز والبدو المسلمين.
    هنا التقينا خمسة من العرب يخيّمون خارج الأسوار ويرغبون في الذهاب إما إلى
    __________________
    (1) البواق هو عربي طرد من قبيلته وحكم عليه بالنفي المؤبد بسبب الغدر أو أي جرم آخر يمس الشرف فلا يعود أحد يثق بكلامه. يمتهن عادة المهن التي لا يمكن الإفصاح عنها ، عند حدود الصحراء ملجأه الدائم. راجع نشرة الجمعية الجغرافية Bulletin de la Societe de Geographie
    الفصلين الثالث والرابع 1884 ص. 289 و 468

    كاف أو إلى جوارها. كانوا ينتظرون مسافرين آخرين لينضموا إليهم وليشكلوا قافلة صغيرة. فغادروا معنا في اليوم التالي.
    ولما كنا قلة ، فقد سعينا إلى تجنب لقاءات خطرة دائما في بداية دخولنا الى الصحراء. فسرنا ابتداء من 15 مايو (أيار) بشكل متعرج تحاشيا للقاء العرب ، بناء على المعلومات التي جمعناها في البصرة وفي عنز بشأن مختلف المخيمات.
    في صبيحة 16 مايو (أيار) ، خيّمنا على بعد 3 كيلو مترات شمال شرق القصر الأزرق. وللأسف لم أستطع الاقتراب منه أكثر من ذلك لأن جميع الأراضي المحيطة بالقصر المبني في منخفض كانت لا تزال موحلة بسبب أمطار الشتاء. ومن بعيد رأيته عبارة عن برج مربع مبني من الحجر المنحوت ، معزول تماما وقد بدت لي أعاليه أطلالا. من المرجح أن القصر قائم منذ اقدم العصور ، ولا بد أنه كان إحدى محطات الطريق المؤدية إلى وسط الجزيرة العربية عبر دومة الجندل.
    كان قبلي المؤلفين العرب يطلقون على الأراضي المحيطة اسم عميري أو عامري. وذكر ذلك الدرويش المجهول ، الذي ترك كتابا عن طريق الحج من القسطنطينية إلى مكة ، وأضاف : إن النبي محمد [صلى‌الله‌عليه‌وسلم] تقدم إبّان حملته إلى الشمال حتى بلغ هذا القصر ومسيله المرجح بأنه وادي الرايل ؛ المكان مثير للاهتمام ، فمن هنا يبدأ وادي سرحان الممتد جنوبا حتى آبار جراوي على مسافة يومين من الجوف.
    صادفت وادي الرايل بعد ظهر اليوم نفسه ولما يزل في بعض الحفر ماء بالرغم من تقدم الموسم.
    لم نتوقف على مرأى من القصر إلا مدة تناول الغداء ثم انطلقنا فورا ؛ إذ لا تقترب المجموعات القليلة العدد كمجموعتنا عادة إلى هذا الحد من هذا المكان الذي اشتهر بأسوأ سمعة. فاللصوص يرتادون باستمرار القصر الأزرق بصفته نقطة عبور.
    يمتد سهل الأزرق على عدة كيلومترات وكل الأرض صالحة والتربة التحتية صلصالية فيما شجيرات الصحراء ، التي تشكل غذاء الإبل ، كثيفة وقوية.
    ما إن غادرنا هذا المكان حتى عادت الأرض مضطربة وتظهر آثار عديدة بركانية الأصل. من حين إلى آخر اجتزنا أجزاء من الصحراء حجرة كليا تزداد وعورة كلما

    اقتربنا من كاف التي وصلناها في اليوم التالي من 17 مايو (أيار) قرابة المساء ، كنا قد مشينا معظم الليل.
    الكاف
    ويقدم الرحالة سيتزن, (Seetzen) استنادا إلى أحد أدلائه ، يوسف الملكي ، خط سير يضع كاف على مسافة خمسة أيام سير من البصرة. إلا أننا نلاحظ الخطأ فورا لدى ذكر اترا وقراقر على أنهما تقعان قبل كاف.
    بالمقابل ، فإن سيتزن يعطينا المعلومات الأولى التي نملكها عن هذا المكان ، حيث يقول إن كاف هي قصر بات أطلالا على قمة تلة محاطة كليا بمستنقع يمنع الاقتراب منه. ويوجد هنا بعض الآبار وشجر نخيل بري لا يثمر.
    كنت قد علمت لدى وصولي عند الدروز ، بأن كاف هي اليوم قرية صغيرة مأهولة وقد حمّلني شيخ الدروز ، نجم الأطرش ، رسالة الى شيخها.
    عند ما وصلنا إلى الواحة كنت بالطبع ضيف دليلي محمد ، ولكن نظرا الى فقره وفقر أهله ، عرض علي بنفسه منذ اليوم التالي إسكاني عند الشيخ الذي كان ينتظر إستضافتي عنده.
    عبد الله الخميس (1) شيخ كاف ، رجل في الخمسين من عمره تقريبا (هو نفسه يجهل عمره بالضبط) يدل غياب العضل وملامحه الهزيلة والنافرة على أنه بدوي الأصل. بشأن تاريخ القرية أخبرني عبد الله بأن والده ، دغيري الخميس ، كان أول من استقر فيها قبل خمسين عاما لما كان هو عبد الله لا يزال طفلا صغيرا. أما أنّ ينابيع المكان العديدة الصغيرة كانت تشكل آنذاك مستنقعا عند سفح التلة كما قال يوسف الملكي ، فأمر لم يعد عبد الله يتذكره. ومهما يكن من أمر فإن الينابيع الاثني عشرة الموجودة هنا باتت كلها تحبس في أحواض صغيرة. وإذا قست في الرابعة صباحا
    __________________
    (1) الليدي آن بلانت تسمية عبد الله الخميس.

    حرارة عشرة منها ، وجدت ان معدّل الأحواض المعرّضة للشمس يبلغ+ 50 ، 24 درجة ومعدل تلك المحمية تحت النخيل يبلغ+ 10 ، 21 درجة. ومن ثم فإن معدل حرارة المنطقة مرتفع جدا. وقد أكّد لي عبد الله أن الحرارة بالفعل أكثر ارتفاعا في كاف في الصيف منها في الجوف ، وأنه نادرا ما تمطر في الشتاء. والمؤشر الآخر لهذه الحرارة يكمن في وجود النخيل المزدهر تماما في كاف أما الماء المشوب بملوحة طفيفة فطيّب المذاق.
    تمتد القرية الهلالية الشكل من الشرق إلى الغرب وتتألف من مجموعتين ، واحدة من ثمانية منازل والأخرى من تسعة تفصلهما الينابيع وال 450 نخلة. إلى جانب النخيل لا نجد سوى شجرتي رمان وعدد من شجرات الاثل. يستخدم خشبها في صنع عارضات خشبية لصناعة الأبواب وأسقف المنازل. أما السكان البالغ عددهم 90 شخصا فيملكون ثلاثين جملا وما يوازيها من الماعز وخمسة عشر خروفا بالإضافة إلى بضع دجاجات. وليس لديهم ثيران أو خيول.
    ان وجود هذه الواحة الصغيرة مدين لوجود الينابيع أولا ومن ثم لوجود منجم ملح يعود دخله إلى الشيخ نفسه. ويأتي هذا النتاج من جبل صغير يبعد 5 كيلومترات إلى جنوب كاف وتحمله الإبل إلى مقربة من القرية في تجاويف تحوي ما بين 40 ، 0 م إلى 50 ، 0 م من الماء يذوب الملح فيها ثم يتبلور بالتبخر. إنه شديد البياض لكن طعمه شديد المرارة. يباع لقبائل الصحراء وتنقله جمال الشيخ بالتهريب إلى البصرة وحوران وجبل الدروز.
    البيوت نظيفة من الخارج ولكنها وسخة في الداخل. الجميع يرتدون الزي البدوي. لا أحد يعرف القراءة أو الكتابة. وكالعادة فإن أمراض العيون كثيرة.
    في صبيحة 19 مايو (أيار) جاءني عبد الله وهو متزوج ثلاث نساء ، مصطحبا ابنه الوحيد وقد أصيب بتلبك معوي. كما جلب معه في الوقت نفسه فنجان قهوة مملوءا بالماء طالبا مني أن أقرأ عليه الكلمات الضرورية ليشفى المريض الصغير.
    سأكون أول أوروبي تسلق الصخرة التي يقوم عليها قصر السيد. إنها صخرة وحيدة ، وثمة صخرتان اخريان أصغر حجما موجودتان حول كاف. قدرت ارتفاعها بقرابة 80 مترا فوق السهل. أما قمتها فعلى شكل مائدة مستديرة ويبلغ محيطها 3000 متر. وهي مكونة كليا من كتل بركانية ضخمة سوداء صلبة جدا غارقة في

    غلاف ترابي تتداخل فيها بضع طبقات من الجير الجميل الشديد الصلابة والبياض ، وكنت قد صادفته على الطريق بين الأزرق وكاف.
    تتألف الأطلال التي تتوج الهضبة العليا من حائط بارتفاع 3 إلى 4 أمتار وبسماكة تتراوح ما بين نصف متر ومتر واحد يحاذي حدود القمة الشرقية للصخرة. أما الجوانب الثلاثة الأخرى فليس لديها جدران ومن المرجح انها كانت عامودية.
    الطريق المؤدية إلى الهضبة والمقوّضة كليا تقع أيضا في الجهة الشرقية وتبدأ من مقبرة كاف الواقعة عند قاعدة الهضبة.
    باب حائط الدفاع هذا كان مقفلا بمصراعين من الحجر الأسود شبيه بتلك الأبواب التي نصادفها بكثرة في اطلال المدن في لجا وجبل الدروز وحوران والتي رأيتها دارجة الاستعمال في بعض الحدائق في تدمر. كان أحد المصراعين على الأرض تحت المدخل.
    على الهضبة كذلك غرفتان صغيرتان دون سقف تستندان إلى حائط السور ، وإلى الشمال تبدو جدران مبنى صغير يضم أيضا غرفتين. باتجاه باب حائط السور ، حوض مدوّر مسوّر قطره 4 أمتار وعمقه متر واحد. وعلى مسافة قريبة يبدو في الأرض تجويف طبيعي على شكل مغارة. ولا بد ان يكون هذان التجويفان قد استعملا كحوضين للماء. بين الحوضين حجر حممي ضخم ، متعرج الشكل ، بقياس متر مكعب تقريبا حفرت عليه بعض العلامات الشبيهة بتلك التي لا يزال البدو يستخدمونها حتى يومنا هذا لدمغ إبلهم ويسمونها" وسم" أي علامة.
    وبما أن الصخرة خالية من أي آثار بنيان أخرى ، اعتقد بأن ما كان قائما هنا لم يكن سوى مركز محصن في موقع طبيعي ومن الممكن إعادته حصنا منيعا.
    من قمة هضبة قصر السيد نكتشف هذه الأرض وهذه الجبال الجرداء المقفرة في كامل قباحتها وقد زاد من وحشتها شظايا الحجارة السوداء التي تغطيها. لذا فإن العين تنظر بارتياح إلى الواحة المنتشرة في سفح الجدار الجنوبي للصخرة. وفي البعيد ، على مسافة ستة أميال (1) ، نرى منظر من وادي السرحان (2).
    __________________
    (1) يستعمل دائما الميل الجغرافي الموازي ل 1852 مترا.
    (2) اجتزناه في المكان نفسه للوصول الى كاف وقد استغرق الاجتياز ساعة و 30 دقيقة مما يعطي الوادي قرابة 5 كيلومترات من العرض بالخط الذي كنا نسير به انذاك.

    على مسافة ستة أميال جنوبا وبانعطاف 70 درجة شرقي كاف ، توجد واحة صغيرة أخرى تدعى اتسرا (1). والمساكن فيها مبنية من الحصى الأسود كمساكن حوران وليس بالآجر كمساكن كاف. وهي بلدة قديمة هجرت على غرار كاف وسكنت من جديد من بعد كاف بعشر سنوات. وهي تعد اليوم 20 بيتا وحوالي 100 نسمة يتمتعون بمياه النبع كل السنة كسكان كاف. يوسف الملكي ، في بيان رحلته ، يطلق على هذه البلدة اسم إثرا.
    في 20 مايو (أيار) 1880 ، قمت بقياس حرارة الجوفي كاف ، ساعة بعد ساعة في ظل النخيل وسجلت هنا نتيجة القياس :
    الساعة 4+ 50 ، 13 درجة
    الساعة 10+ 70 ، 28 درجة
    الساعة 4+ 10 ، 33 درجة

    5+ 10 ، 15 11+ 80 ، 30 5+ 32
    6+ 90 ، 16 ظهرا+ 60 ، 31 6+ 90 ، 30
    7+ 80 ، 19 1+ 50 ، 32 7+ 40 ، 26
    8+ 22 2+ 70 ، 32 8+ 20 ، 26
    9+ 40 ، 26 3+ 80 ، 33 9+ 80 ، 25
    منطقة كاف ـ إثرا مثيرة للاهتمام إذ إنها الأقل ارتفاعا بين حوران والجوف. وهنا تنتهي الجداول النازلة من حوران ، والشعيب القادم من الجنوب يجري في خماد ووادي سرحان. هذا ما يفسر أيضا بقاء منسوب الينابيع ثابتا بالرغم من ندرة الأمطار. وهذا المنسوب ليس كبيرا كما رأينا أعلاه ويكفي لسقي 450 نخلة.
    ومن خلال معدل الضغط الجوي في كاف أدركت أن ارتفاعها 498 مترا.
    لا استطيع مغادرة هذه الواحة من دون ذكر غوارماني (2) مر بها عام 1864 وذكر أن. كاف التي دمرت في القرن الخامس عشر وأعيد بناؤها في القرن الثامن عشر ، كانت فيما مضى محطة للقوافل من دمشق إلى المدينة. وبالإضافة إلى كاف التي يقدر سكانها ب 250 نسمة وإثرا التي يطلق عليها اسم ايتيرا وعدد سكانها 300 نسمة ،
    __________________
    (1) أنظر : أحمد شرف الدين : «المدن والأماكن الأثرية في شمال وجنوب الجزيرة العربية» ص 34 ، 35 [المترجم].
    (2)Itineraire de Jerusalem au Neged Septentrional par M. Guarmani, Bulletin de la socie te de Geog ـ raphie, Septembre 5681 (

    فإن هذا الرحّالة يذكر أيضا : اكيله AKeile 15 نسمة ، الجوتي El Gotti 150 نسمة ـ الأخضرEl Ekder 150 نسمة ـ الاوسفواسيه El Uscevuasce 200 نسمة (1).
    اما بالنسبة الى العصر الذي شهد تدمير كاف ، فمن الصعب نفي أو تأكيد حصوله في القرن الخامس عشر لأن أيا من المؤلفين لم يأت على ذكر ذلك على حد علمي. وأما بالنسبة لتاريخ إعادة إعمارها فقد أوردت رواية الشيخ الخميس ابن الرجل الذي أحيا الواحة. وأخيرا فيما يتعلق بمحطة للقوافل فإنني لا أعتقد بوجود مثل هذه الطريق المارة بكاف بين دمشق والمدينة في أي وقت ، فالقافلة تتحرك ببطء شديد ولا يمكنها اجتياز هذه الوجهة حيث ، لا بد من البقاء خمسة أيام دون العثور على ماء كاف. وبالنسبة الى البلدات الأربع الأخرى التي ذكرها غوارماني فإني لم أسمع بها قط. وأما بالنسبة الى السكان فإنني أصرّ على أرقامي فالتعداد كان في غاية السهولة بحيث لا يمكن أن أكون قد أخطأت.
    كنت قد اتفقت مع الشيخ عبد الله الخميس على أن يكون هو دليلي إلى الجوف وحددنا انطلاقنا بتاريخ 21 مايو (أيار). وانضم إلينا اثنان من سكان الجوف كانا ينتظران منذ وقت ان يتسنى لهما مسافرين ينضمان إليهم وغادرنا كاف عند شروق الشمس يودعنا كل رجال كاف حتى مسافة بعيدة عن الواحة.
    مع أننا كنا نسير على أرض مستوية ، فقد كنا في منطقة جبلية إنما شكلها خاص جدا. المنطقة مكونة من هضبة حجرة شاسعة خرجت من أرضها كمية من الارتفاعات (الجيولوجية) على شكل إهليلجي ومخروطات وشعفات منفصلة كليا بعضها عن بعض ولا يربط فيما بينها أي رابط بينما قممها على شكل طاولات. وعلاوة على ذلك لا يسودها أي وحدة اتجاه ، فهي إثرا من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب ويتراوح ارتفاعها ما بين 20 و 100 متر.
    من المدهش أن نكتشف أن كل هذه الارتفاعات مصنوعة من الكلس الأبيض الذي ينتج رملا جميلا جدا من اللون نفسه وقد سقط عليه سيل من الحصى الأسود المفحم. وهي على أي حال الأرض نفسها التي صادفتها قبل الوصول إلى كاف بيوم.
    __________________
    (1) يرى التحرير من المفيد التذكير بأن السيد غوارماني قد نقل الأسماء العربية كما تيسر له ذلك بالإيطالية التي حافظ عليها هوبير في ما أورده.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    رحله في الجزيره العربيه 1878-1882 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: رحله في الجزيره العربيه 1878-1882   رحله في الجزيره العربيه 1878-1882 Emptyالإثنين أكتوبر 21, 2024 10:08 am

    فيما يلي اسماء البلدات الواقعة في محيط مدينة الجوف بالتحديد :
    سكاكاSekaka في سفح جبل حماميةHamamieh وتبعد 45 كيلومترا تقريبا شمال شرق الجوف وفيها 8000 نسمة تقريبا وهي موجودة منذ قرن فقط ، ومع أنها آخر مدن الجوف ، إلا أنها في أوج ازدهارها ، ومنذ ضمت إلى الشمر لا تنفك تجتذب سكان المدن الأخرى. الماء فيها وفير جدا وعلى عمق أقل منها في الجوف.
    قاراQara وتبعد حوالي 32 كيلومترا إلى الشمال ، 70 درجة شرق الجوف مع 1000 نسمة تقريبا.
    سحاراSehara وتبعد 10 كيلومترات شمال غرب الجوف وفيها 50 نسمة.
    حسيّةHasia على مسافة 7 كيلومترات شمالا ، 35 درجة غرب الجوف وفيها 50 نسمة.
    البلدتان الأخيرتان القديمتان قدم الجوف نفسها ، كانتا كبيرتين فيما مضى ولكنهما تلاشتا.
    جاوا على طريق سكاكا ، تبعد 21 كيلومترا من الجوف.
    مويسن Moueisen أبعد بقليل من جاوا تقع في منتصف الطريق تماما ما بين الجوف وسكاكا.
    مويسن وجاوا المعاصرتان للجوف وسحارا وحسية هي اليوم اطلال ومهجورة.
    منذ لقائي الأول مع جوهر ، حاكم الجوف ، أطلعته على نيّتي بالذهاب الى حائل.
    فصوّر لي فورا أن الرحلة مستحيلة ووصف لي أهوال النفود واستحالة اجتيازها في الصيف. وقال لي : " النفود هو الآن بحر من النار التي ستلتهمك ولن يقبل أحد بأن يكون مرشدا لك" ، فأجبته بأنني أعلم علم اليقين أن بعض البدو يجتازونها أحيانا في عز الصيف وأنه بإمكاني أن أفعل مثلهم.
    لم أزد إلحاحي في ذلك اليوم ولكنني أثرت هذه المسألة مجددا في اليوم التالي بعد ما قدمت له هداياي اذ ذاك تبددت بالفعل معظم العقبات. ولم يعد يستوقفه سوى مسألة الدليل ، ولكني عند ما كررت طلبي في أن يجد لي دليلا في الذهاب إلى الأمير محمد ابن رشيد ، سيده ، وعدني بسهولة بتأمينه.
    وعثر على الدليل في آخر يوم من شهر مايو (أيار) وحدد الرحيل في اليوم التالي. هذا

    الدليل اسمه محارب وهو رجل مسن صغير القامة ضامر الجسم بوجه" مهرج" يرافقه صهره صايل. وهما من الجوف وقد اجتازا النفود مرارا.
    نحو النفوذ
    في الأول من يونيو (حزيران) نهضنا جميعا قبل الفجر بوقت طويل ، وبدأنا ملء القرب ، وتجهيز المؤن في أكياس ، وآخر التوصيات ووداع الأهل والأصدقاء ، وبالأخص التردد الشديد الذي ينتاب العربي دائما لحظة الغياب في رحلة طويلة جعلت مسيرتنا تتأخر حتى السادسة والنصف صباحا.
    وما أن خرجنا من وادي الجوف ، أي بعد ربع ساعة ، حتى وصلنا إلى هضبة حجرة ليست سوى تكملة للهضبة الممتدة من شمال الواحة حتى آبار جراوي. وبعد نصف ساعة من السير على هذه الهضبة تراءى لنا في البعيد أمامنا خط أبيض في البدء ثم تحوّل إلى لون الزهر الباهت لدى اقترابنا منه. إنه النفود! لقد بلغناه في ساعة ونصف الساعة.
    كل من قرأ وصف النفود بقلم جيفورد بلجريف (1) يتذكر اللوحة المحبطة التي يعكسها الرحالة الإنكليزي عن هذه الصحراء. يقول : " لكثرة ما سمعنا من روايات عن النفود رواها لنا البدو وغيرهم ، بتنا نتوقع أشياء رهيبة ، لكن الواقع تجاوز في هوله كل ما روي لنا وكل ما تخيّلناه". ثم يصف الصحراء وصفا خياليا. فالصحراء عنده مجرد تلال رمال متحركة بارتفاع يتراوح ما بين 200 و 300 قدم. لا ترى العين من قممها سوى بحر هائل من نار. وقال : " يمتد أمامنا سهل شاسع تكوم رمله الاحمر في تلال يبلغ ارتفاعها ما بين 200 و 300 قدم تسري متوازية من الشمال إلى الجنوب. وتشهد منحدراتها المائلة وقممها المدورة بأخاديدها العميقة في كل الاتجاهات على عنف عواصف الصحراء. يبدو المسافر وكأنه سجين في هاوية من الرمل ترتفع من
    __________________
    (1) W, G. Palgrave. Une anne ? e de voyage dans l'Arabie Centrale) 2681 ـ 3681 (. Paris. Hachette Cie.
    المجلد الأول ، ص 87. 1866

    حوله أسوار التلال الحارقة ، وإذا نظر أمامه فهو لا يرى سوى بحر واسع من نار تنفخه السموم التي ترفع أمواجه المحمرة إلخ ...".
    لذا فقد كانت مفاجأتي سارة لدى اكتشافي أن في كل هذا مبالغة متمادية وأن اجتياز النفود متعب للإبل على أبعد حدود ولكنه إلى جانب هذه النقطة السلبية يتمتع بميزات عديدة تحدوني إلى الاعتقاد بأنه لا يوجد بدوي واحد لا يفضل النفود على أي صحراء أخرى.
    وتكمن ميزة النفود في أفلاجه (1) إلى جانب كونه صحراء ذات رمل صاف كليا لا يشوبه أي خليط من التراب أو الحصى أو أي مادة غريبة أخرى. والفلج في النفود هو تقعير بشكل نصف بيضاوي ينغرز عند انعطافه عميقا في الرمل. ويشبه إلى حد بعيد الأثر الذي يتركه حافر حصان عملاق ، هذا الحافر المفرغ قليلا من تحت على شكل قوس دائرة يبلغ قطره ما بين 300 و 400 متر ويغوص عند رأسه فقط إلى 50 ، 60 ، 70 وحتى 80 مترا في الرمل. والوجهة هي وجهة سير هذا الحصان باتجاه الشمال ـ الغربي. إن انحدار الجدران الداخلية لنضوة الحصان مدهش بسبب نعومة الرمل. فهو يبلغ ما بين 50 و 60 درجة. لذا فإن أصغر شيء يرمى على هذا المنحدر يتدحرج إلى الاسفل مثيرا جرفا رمليا. ولكن على الرغم من إحتمال انهيارات متواصلة ، يبقى الفلج ثابتا ويحافظ باستمرار على مظهره. بعض هذه الأفلاج تخرق كل سماكة طبقة الرمل وتكشف في القعر تارة تربة صلصالية وتارة أخرى صخورا وحجارة كلسية وصوانية ، ويمثل فلج عيون قفيعة وفلج البيضا المسجلتين على الخريطة هذه الحالة بالتحديد وهما في الوقت عينه من أعمق الأفلاج.
    بناء على هذا الوصف ندرك مغالطة وصف بلجريف ، فنزول وصعود هذه الأفلاج غير وارد ، ذلك أن منحدر جدرانها لا يسمح بالصعود ولا بالنزول. والطريق التي تسلك تلتف حولها أو تجتازها من الوراء عند وتر القوس.
    تعلو عددا كبيرا من الأفلاج وعموما الكبيرة منها ، في الغرب وفي الغالب في الجنوب الغربي قمة عالية من الرمل متوجة هي الأخرى بقمة بارتفاع 3 إلى 4 أمتار وعرة
    __________________
    (1) لقد احترمنا كتابة السيد هوبير ، إذ يفترض كتابةFouldj مع المصوت القصير. ـ Fouldj فلج وبالجمع الأفلاج.Afladj هو اسم منطقة في نجد ، وهي كلمة عربية نجدها بصيغة فلجةFeldja مطبقة على نفس العارض الأرضي في المدونة الطوبوغرافية لعرب الصحراء لقسطنطين [التحرير]

    المنحدر. وكما لاحظت الليدي آن بلانت ، فإن هذه القمم تتمايز بلونها الأبيض عن لون باقي النفود ولكنه مجرد خداع البصر ، اذ تبين من مقارنة عينية كنت قد جلبتها معي بعينات أخرى من النفود ، أنها لا تختلف عنها في التركيب واللون.
    إلى جانب هذه الأفلاج وهذه القمم العالية التي تتوجها ، لا بد من وصف ميزة أخيرة للنفود ألا وهي الأمواج الكبيرة التي تقطعه في بعض الأماكن ، وتمتد من الشرق إلى الغرب وتعلو عن المستوى العام عموما بارتفاع 60 ، 15 وحتى 20 مترا. وقممها تبدو هي أيضا بيضاء. ونصادف ثلاثا أو أربعا على الطريق المؤدية من الجوف إلى الجبل.
    يخيل إلينا أن صحراء من الرمل الصافي كهذه لا بد أن تكون أبشع وحشة وجدت ، ولكن الواقع مغاير تماما بفضل نباتات كثيفة وقوية نسبيا تؤمن غذاء للجمال على طول الطريق تقريبا.
    عند ما لم يتسن لنا أن نرى سوى الحماد بشجيراته الصغيرة النحيلة كالأدر والغضا التي لا يتجاوز ارتفاعها قدمين ، تسرنا المفاجأة لرؤية هذه الشجيرات نفسها بارتفاع 3 و 4 أمتار في النفود. النفود هو جنة الجمل.
    وبالإضافة إلى الشجرتين أعلاه المشتركتين بينها وبين الحماد وباديات أخرى فإن النفود يملك شجرتين خاصتين هما الأرطي والحمضي الرمث. أولى هاتين النبتتين لذيذة جدا والأخرى يبلغ طولها ارتفاعا لا بأس به. ومن النباتات العشبية نذكر الأفضل منها وهي وفق تدرج النوعية : النصي noc ? y السبطSabath الصرفج Sarfadj والحمرا (1).
    كل هذه النباتات ، وبالأخص العشبية منها ، تحب التجمع ، وفي بعض الأحيان لا تنتج مقاطعات شاسعة إلا نوعا واحدا. النصي نبتة اجتماعية بامتياز لكن النفود يكشف عن مزاياه بصفته مرعى صالحا بشكل خاص في شتاء ماطر (2). بضع
    __________________
    (1) الأرطي yerta المرجح أنه مماثل لأرض الصحراء ، هو الColligonum Comoserm ، والنصي Noc ? y المطابق بالتاكيد للneci الصحراوي هوArthratherum Plumosum ، والصبات والحري Sebot (راجع كازيمرسكي ، القاموس العربي Dictionnaire Arabe ، المجلدI ص 1044) هو الArthratherum Pungens ، الصرفج Sarfadj أوArfej هو ال Anvillea Radiata كل هذه النباتات هي جزء من النباتات الصحراوية وكذلك الفرا والحمرا اللتان لا نستطيع ان نعطي مرادفا دقيقا لهما [التحرير].
    (2) الأمطار ليست كثيرة في النفود ، لكنها أحيانا غزيرة جدا. السيد غوارماني يروي أنه خلال اجتيازه الصحراء هطل المطر مدة 36 ساعة في 11 و 12 مايو (أيار).

    ساعات من المطر تكفي لتبرعم الحبوب التي يعج بها رمل النفود وبعد خمسة عشر يوما يغطي الأرض بساط من الخضرة من مختلف أنواع النباتات بأوراق سميكة مملوءة بالعصارة. هذه الفترة هي" العشب" (1) Asoub ويمكن فيها إطلاق الإبل والخراف في النفود دون الاهتمام بإروائها. فطالما" العشب" قائم لن تحتاج إلى تناول الماء.
    أول فكرة تتبادر إلى الأذهان حول أصل طوبوغرافيا النفود ، هي أن الأفلاج تكونت بفعل الأعاصير أو الأمطار المدرارة التي لا بد أنها تجتاح المنطقة من وقت إلى آخر ، ولكن سرعان ما نتخلى عن هذا الافتراض لدى رؤية تواتر وتمائل الأفلاج. وإذا افترضنا أنها تكونت بفعل الريح فبفضل الريح أيضا تزول. غير أن شيئا من هذا القبيل لا يحصل. البدوي يؤكد لك أنه لا وجود أبدا لرياح عاتية في النفود فحسب ، بل إنه لم يلاحظ تغييرا في وضع أو موقع فلج طيلة عشرين وثلاثين وأربعين سنة من التجوال فيه. لكن ثمة أفلاجا لاحظها البدوي بسبب أحجامها الكبيرة وشكلها أو أعماقها ومن بينها عيون قفيعة والبيضا المذكورتين آنفا والمعروفتين منذ أجيال.
    وبالرغم من ذلك فإني لا أجرؤ على القول مع العربي أو مع دليلي إن النفود ثابت لا يتغير بل إنني أؤكد عكس ذلك مستندا في ذلك على الوقائع الآتية :
    1) لقد صادفت مرات عدة مساحات ممهدة تبلغ 40 ، 50 ، و 60 هكتارا لا يمكن تفسير وجودها بغير الأفلاج المردومة. وقد استطعت على سهلين كبيرين منها تتبع الحدود العليا لجدران الفلج القديم إلى الغرب.
    2) الرياح السائدة في النفود هي الرياح الغربية (2) والدليل على ذلك يتمثل أولا في انحناء كل النباتات نحو الشرق ، ثم في الحاجز الرملي الموجود شرقي كل الدغال أو الشجيرات والجذوع العارية في الغرب. هذه الملاحظة تبرهن في الوقت نفسه أنّ النفود ينتقل من الغرب إلى الشرق. وإذا كان ينتقل فمن الواضح أنه لا ينتقل بكليته ، وأن الريح لا تحرك إلا الطبقات السطحية وأن الجزء الاكبر من الرمل المجروف يقع في الأفلاج. يمكننا الاستخلاص من هنا أن حركة النفود الانتقالية
    __________________
    (1) العشوب : موسم المراعي [التحرير].
    (2) قارن من أجل ظواهر مماثلة تقرير السيد دوفيريه Duveyrier حول رمال ورياح الصحراء في مجلد
    La Comission suPe ? rieure Pour l'examen du Projet de mer inte ? rieure de M. le Commandant Roudair, 2881
    ص 279 ـ 295 [التحرير].

    بطيئة جدا حاليا بسبب العقبات التي تصادفها في التلال والكثبان العالية ولأن معظم الرمل المنقول ، إن لم يكن كله ، تبتلعه الأفلاج. إذا صحت هذه النظرية ، يفترض أن تكون الأفلاج قليلة أو معدومة في الطرف الغربي من النفود إذ لا بد أنها ردمت أولا. غير أنني لا أملك أي واقعة مؤكدة لأوردها بهذا الشأن والبدو الذين استعلمتهم لم يقدّموا سوى معلومات متناقضة كما أن الوضع في شرق النفود ، لا يضيئ مطلقا على الموضوع إذ إن بعض نقاط الاستدلال فيه معروفة منذ وقت قصير جدا لنتمكن من إعطاء إيضاحات.
    تبقى مسألة واحدة للإيضاح وهي الأهم. ومرد عدم معالجتي لها في البدء هو أنني لا أملك معلومات لحلها وأريد طرحها فقط ألا وهي أصل النفود. لقد ظننت فترة من الزمن أن هذا الركام الهائل من الرمل قد يكون نتيجة تحلل صخور من الصلصال الرملي تقع غربا وبالأخص جنوب ـ غربي النفود والتي تشكل بقاياها جبال مسما ، عوجا ، حلوة ، عدنان ، حلوان ، خلا إلخ ... ولكن إلى جانب كون حجم النفود الضخم يبدو لي أكبر بكثير من الصخور التي قد تكون قد وجدت في المناطق المذكورة أعلاه ، لا بد من افتراض سيطرة رياح مختلفة عن الرياح السائدة حاليا. وأخيرا الاعتراض الأكبر يكمن في تفسير تكوين الأفلاج. في هذه الظروف ، أعتقد أن الحذر يقضي بانتظار ملاحظات جديدة سعيا وراء تفسير ظاهرة تكوين النفود.
    علماء الجغرافيا العرب القدامى كانوا يعرفون النفود تحت اسم الضاحي والطعوس ويتذكرون خصائصه المتمثلة بهذه التلال الرملية وغياب الماء وشجيرة الغضا والنصي. أما اليوم فاسما الضاحي والطعوس اصبحا مجهولين ولكن في المقابل يستعمل البدو حاليا اسم الرمل العالي (1) بينما سكان المدن في الجبل يطلقون عليه اسم النفود باستمرار.
    فور الخروج من الجوف وخلال اجتياز الهضبة الصخرية ، نشاهد على مسافة عشرين كيلومترا في الجنوب ـ الغربي ، رأس سلسة من الجبال تمتد من الشمال ـ الشرقي إلى الجنوب ـ الغربي على امتداد 40 كيلومترا. إنه جبل ثوي Theoui الذي يحيط به النفود ولا يحبس الماء أبدا عند ما تمطر.
    هل يجب مطابقة هذه الصحراء مع الدهناء؟ ، وهي أرض شاسعة تعود لبني تميم
    __________________
    (1) Ramel Aaly أي" الرمل العالي" [التحرير].

    وتقع شمال ـ شرق جبل شمّر في مكان آخر ، يصفه هماكر على النحو الآتي بالاستناد إلى قاموس عربي قديم (1) " الدهناء الواقعة في أراضي تميم تمتد من حران Haran حتى رمل يبرين". إنها من أخصب مراعي الله بالرغم من افتقارها للماء.
    ولكن عند ما تكتسي الأرض بالخضرة في الربيع ، يقيم العرب فيها تجمعا كبيرا ويقولون إن هواءها صاف جدا وإن أحدا لا يصاب فيها بالحمّى إلخ ... هذه مسألة احتفظ لنفسي بمعالجتها لاحقا.
    لم نحثّ الجمال ولم نقطع في اليوم الأول سوى 22 ميلا في عشر ساعات سير. لأننا لم نكن في عجلة من أمرنا ، وعلى الرغم من الريح الشرقية فقد كانت الحرارة محتملة جدا بفضل نسمة خفيفة ظلت تنفح كل النهار. فقد كان مشهد النفود جديدا وغريبا وقد وجدته ساحرا.
    في اليوم التالي ، وصلنا إلى وادي شقيق في التاسعة. اذ انطلقنا منذ الثالثة والنصف للاستفادة من برودة الصباح.
    يتراوح عرض وادي شقيق ما بين كيلومتر وكيلومترين وحركة أرضه مضطربة جدا وقعره حجر ومنخفض عن مستوى النفود بمسافة 40 إلى 50 مترا. في بعض الأماكن من مجرى النهر ، يبرز الصخر وفي أماكن أخرى تتكون الأرض من شظايا صغيرة من صوانات قداحات البندقية (صوان عسقلي) وتتناوب التلال الحجرة مع تلال من رمل النفود. وبقدر ما سمح لي مظهر الأرض بتكوين رأي ، فلا بد أن يكون وادي شقيق يستقبل جزءا كبيرا من مياه النفود المحيط ، مشكلا نوعا ما قمعا للآبار التي تحمل الاسم نفسه وربما أيضا لآبار الزهيري El Zehry.
    وصلنا إلى بئري الزهيري في الحادية عشرة. وبالرغم من قطرهما الذي يجاوز المترين ، فإن نور النهار لا يصل إلى قعرهما ولم نتمكن من رؤيته. وقبل إنزال السطل والحبال ، رمى محارب حجرا للتأكد من وجود الماء في البئرين فرد صوتا أصمّ. والحجر الثاني والثالث والرابع أعطت النتيجة إياها في البئرين. لقد امتلآ بالرمل بفعل هبوب الريح. وبعد ما تأكدنا تماما من ذلك غادرناهما متجهين نحو الغرب ، فوصلنا بعد ساعتين إلى بئري الشقيق وكان فيهما ماء.
    __________________
    (1) H. A. Hamaker, Specimen Catalogi Coc. Oriental. Bible Acad. Lugduno ـ Batavae, Lug.
    ص. 101 ، 1820Bat.,

    بئرا الزهيري اللتان تتساويان في عمقهما مع بئري الشقيق ، تغوصان في التربة نفسها ومن المرجح أن تاريخهما يعود إلى الحقبة نفسها ، غير أننا لا نعرف لهما سوى اسمهما الأخير وفي حد علمي لم يجر قط ذكر اسم البئرين الأوليين.
    السيد غوارماني الدقيق جدا في اصطلاحات الصحراء لم يرهما ، لذا فهو لم يذكر سوى بئر" شقيق" الذي يقول إن طلال بن رشيد قد دمره ليمنع غزوات الرولة. كل الرحالة الآخرين يقولون إن لهذه الآبار جدرانا. والحقيقة هي أن عبر طبقة الرمل التي تبلغ سماكتها ما بين 7 و 8 أمتار ، تتألف الجدران من حجارة مقصّبة وضعت دون ملاط. أما باقي البئر فقد حفر في الصخر بشكل بدائي. حافات الآبار بليت وباتت مصقولة بفعل الحبال التي ترفع السطول منذ قرون.
    بالقرب من البئرين كانت بعض الأسمال مبعثرة على الأرض ، روى لي محارب بشأنها قصة محزنة تدعوا الى الرثاء. ففي الأيام الأخيرة من شهر نيسان الماضي ، غادر درويش جبه قاصدا الجوف سيرا على الأقدام وحيدا لا يحمل معه سوى قربة صغيرة فيها بضعة ليترات من الماء وقليلا من الطحين. ويبدو أنه وصل إلى بئري الشقيق ولكن لافتقاره الى الماء منذ يوم أو يومين ومن دون حبال ولا دلو لسحب الماء من البئر مات ميتة تدعو للشفقة. وقد رأى جثته بعض الفرسان الذين انطلقوا من حائل بعد عشرة أيام. هل فسدت المياه لطول ركودها بسبب عدم سحب الماء منها منذ فترة طويلة؟ أم ربما بسبب رمي جثة الدرويش في البئر سأل محارب؟ فالواقع هو أن مياه البئرين كانت تفوح منهما روائح نتنة لا تحتمل من حامض الهيدروجين المكبرت وحتى الجمال اشمأزت. ومع ذلك فقد اضطررنا إلى ملء القربة التي أفرغناها منذ مغادرتنا الجوف.
    كانت حرارة الماء في الدلاء الأخيرة التي رفعت+ 10 ، 23 درجة. إذا كان النفود مرادفا احيانا في الحديث في البلاد العربية لصحراء خالية من الماء ، فإن هذه الصحراء تبدأ فعليا من آبار الشقيق والزهيري وتنتهي في قرية جبه. غياب الماء هو نقيصة النفود الوحيدة. وهذه النقيصة الوحيدة تجعل اجتيازه مضنيا. ولو لا ذلك لتمتّع الناس والحيوانات فيه لوفرة العلف والخشب.
    أعتقد أن بوركهاردت هو أول من لاحظ أنه باستثناء الصحراء الكبرى في الجنوب والربع الخالي والنفود ما بين آبار الشقيق وجبه ، لا يوجد في باقي الجزيرة العربية مسيرة أخرى بهذا الطول دون ماء. كان بإمكانه أن يضيف خط الجوف نحو العراق

    وهو أكثر طولا إلى درجة يتعذر معها استخدامه. ولاجتيازه لا بد من القيام بانعطافة كبيرة عبر آبار الهازل ولوقه للوصول إلى آبار شبيكة على درب زبيدة (درب الحج العراقي).
    ما إن تزوّدنا بالماء حتى استأنفنا مسيرتنا بسرعة. في اليوم التالي ، أي في 3 حزيران ، لمحنا من مخيّمنا المسائي ومن قمة فلج كبير إحدى قمتي صخرتي العليّم الشهيرتين وفي 4 حزيران في الحادية عشرة صباحا كنا نخيّم بجوارهما.
    انقضى جزء من يوم 3 حزيران ومن صبيحة 4 حزيران في اجتياز منطقة النفود المسماة" الفلوح" (1) وهي الأكثر اضطرابا على طول الطريق من الجوف الى جبه والتي تشتمل على أكثر الأفلاج عمقا وأكثر أمواج الرمل إرتفاعا ومن ثمّ فهي أشد الأفلاج إرهاقا لدى اجتيازها. وهي في الوقت نفسه أصعبها بالنسبة إلى العرب ، إذ إن الانعطافات الكثيرة تجبرهم على الالتفاف حول الأفلاج واختيار أسهل الأماكن منالا لاجتياز القمم ، كثيرا ما تجعلهم يضيّعون الاتجاه وتطلقهم في مسارات خاطئة متسببة بهدر للوقت وبكثير من التعب دون جدوى.
    يسبق الفلوح منطقة موجيان وهي أكبر من الفلوح وتستمد اسمها من تلة كبيرة جدا ترتسم بخط أبيض في الأفق من الشرق إلى الغرب خلال عدة ساعات وتحد الفلوح من الشمال.
    في هذه المرة على الأقل لم يرتبك دليلي محارب. منذ انطلاقنا من الجوف كان قد سألني ما إذا كان لدي بوصلة وكلما انتابه شك حول الوجهة ، التفت إلي سائلا باقتضاب : " الدرب؟ " (الطريق) ، وبعد مراجعة جهازي كنت أجيبه بمزيد من الاقتضاب مشيرا إلى هدفنا على الطريقة العربية ، أي بشق الأفق بخط عمودي ويدي مفتوحة وذراعي ممدودة.
    صخور عليّم السعد أو عليّم النفود والمسماة عادة عليم هي عبارة عن قمتين من الحجر الرملي (2) تتباعدان بقرابة 200 متر وتتجاوزان بحر الرمل ، الجنوبي بأربعين
    __________________
    (1) «الفلوح هي الجزء الأكثر وعورة من النفود والأصعب للاجتياز. إنها سلسلة من التلال الوعرة ومن الوديان العميقة حيث لا بد من القيام بالتفافات كثيرة في كل الاتجاهات والابتعاد في كثير من الأحيان عن الخط المستقيم واللحاق به فيما بعد بصعوبة كبيرة» (ص. 20 غوارماني).
    (2) بلجريف يقول خطأ إنهما من الغرانيت.

    مترا تقريبا والشمالي بضعفها تقريبا. من بعيد وحتى مسافة قريبة نوعا ، تذكّر قمتاهما برؤوس الأهرام كما تبدو من القاهرة. أما منحدراتهما التي تشكل مع الأفق زاوية تبلغ 45 درجة ، فصعبة التسلق لأنها مغطاة بأنقاض الصخور التي تعطيها عن قرب هيئة كومة من الحصى. وعلى مسافة 4 كيلومترات شمال ـ شرق صخور العليّم ، تلة أخرى طولها كيلومتر واحد وتتجاوز بعض قممها الرمل بعشرة أمتار تقريبا.
    رؤية هذه المنارة في بحر الرمل هذا ، يولد فرحا إذ بالإضافة إلى أنها تدل على أننا في الطريق الصحيح ، فهي تلفت المسافر القادم من الجنوب لحظة رؤيتها إلى أنه قطع ثلث طريقه.
    هذه الطريق التي كانت بدءا من الجوف تتجه إلى الجنوب الشرقي ، ستتجه الآن انطلاقا من صخور العليّم إلى الجنوب وتميل بضع درجات إلى الغرب.
    بعد توقف دام ساعة تابعنا طريقنا. كانت الطريق سهلة نسبيا طيلة باقي هذا اليوم ولكن النباتات شحت عن السابق. الغضا غاب كليا تقريبا وفي المقابل" الأرطي" النادرة شمال العليم أصبحت شائعة في الجنوب ولكن نباتات الجمل المفضلة أي النصي وحامض الرمث فلا تزال وافرة.
    بدت لي السماء صافية عشية هذا اليوم ، فاتخذت موقعا لقياس ارتفاع نجمة القطب وقد منحني ذلك فرصة مراقبة ظاهرة غريبة. كنت لم أزل أضبط أفقي في الزجاج عند ما هب نسيم غربي ناعم. وعند ما أصبحت في وضع المراقبة تعذر علي الحصول على تماس أطراف النجمة التي لم تكن واضحة. من جهة جهاز المسح ولولب التوقف كانا لا يعملان إلا بصرير. فتوقفت حالا واكتشفت انه مهما كان النسيم ضعيفا فهو يحمل رملا في غاية النعومة يشوّش الصورة المعكوسة بتراكمه على الأفق وفي الوقت نفسه يملأ كل أجزاء جهاز المسح بالرمل.
    في اليوم التالي (5 حزيران) انطلقنا منذ الثانية فجرا للاستفادة من البرودة. ولكن بعد نصف ساعة اضطررنا إلى التوقف. كان الليل حالكا وقد اختفى كل أثر للدرب فجأة فعدلنا عن السير حتى بواسطة البوصلة. وانتظرنا بوادر الفجر الأولى ممددين على الرمل فيما كانت جمالنا التي لم نتركها تغيب عن نظرنا ، ترعى وهي محمّلة.
    قرابة السادسة والنصف صباحا التففنا حول فلج كبير يحمل اسم عيون قفيعة لأن

    قعر الصخرتين يشبه عينان طويلتان ضخمتان. وبعد ربع ساعة فلج ثان بأحجام الفلج الأول نفسه ولكنه لا يحمل اسما. قعره هو أيضا من الصخر العاري. قرابة الثامنة مررنا في طريقنا بقرب كومة من الحطب أضاف إليها محارب بضعة أغصان وتدعى" سميحة". وأضاف دليلي أن قصة حب ترجع إلى ألف عام ترتبط بها. هذا النصب الخشبي الذي شيّد تخليدا للموت يخدم منذ ذلك الحين على أنه مرقب لاجتياز النفود.
    قرابة الواحدة والنصف من بعد الظهر ، التففنا حول فلج كبير يحمل قعره بقعتين ضخمتين بيضاوين. إنه عمق سجيلي يطفو هنا ويبدي مظهر الأرض المحيطة بآبار الزهري والشقيق. هذا الفلج يدعى البيضا.
    أسجل هنا للمستكشفين في المستقبل خصوصية لافتة للانتباه. فبين سميحة وفلج البيضا نمرّ على تلة رملية نستطيع من قمتها أن نرى في آن واحد قمة جبل جبة وقمة أعلى صخرة للعليم.
    الطريق التي قطعناها اليوم تجتاز منطقة من أهدأ مناطق النفود. فلا وجود لذيول الرمل شرقي الشجيرات ، ولا الشجيرات محنية بفعل الريح في أي اتجاه. ولكن اللافت أكثر هو أننا رأينا طوال اليوم آثارا عديدة لأخفاف الجمال وأظلاف الغزلان وبقرات الواحات (1) التي لا تلبث الريح أن تمحوها. وقد أزالت هذه الآثار العديدة كل تردد بشأن الاتجاه الذي يجب أن نسلكه ، فما علينا إلا أن نتبعها.
    اليوم السادس والأخير منذ مغادرتنا الجوف كانت إلى حد ما نظير اليوم الذي سبق وصولي إلى هذه المدينة. فمياه بئر الشقيق تسببت بجعلي مريضا بالرغم من أني غليتها مع الفحم وخففتها بالشاي. صرت أعاني التعب والقيظ وأود الخروج من النفود. تلك كانت أيضا حال رفاقي الذين أصبحوا فجأة شديدي التجهّم.
    انطلقنا في السير في الواحدة بعد منتصف الليل ولما كان الليل حالكا طلب مني محارب قنديلي فأشعلته وراح يسير في الطليعة على قدميه. سارت الدرب الآن دون انقطاع وما كان علينا سوى أن نتبعها. النباتات أصبحت أكثر ندرة منها في الأمس وكذلك بقيت آثار الجمال عديدة. في الثانية عشرة والنصف ظهرا ، وصلنا فجأة أمام
    __________________
    (1) ,Alcelaphus bubalus ,le Bubale de Pline [التحرير].

    جبل جبه. وأبعد بقليل ، رأيت الى اليسار في منخفض أرض ، سهلا كبيرا ناصع البياض كأنه" سبخة". في هذا القعر قرية جبه التي لا نراها بعد إذ تخفيها كتل صخرية. نسير ساعة بعد وفجأة من قمة آخر تلة رمل نكتشف كل الوادي. في العمق يبدو شريط طويل من شجر النخيل محاطا بجدران ، تختبئ فيها القرية. عند ما نطل فجأة على هذا الحوض الشاسع بانعكاساته الفضية الكامدة التي يتمايز عليها اخضرار النخيل الجميل بعد ما توالى أمام أعيننا على امتداد أيام لون النفود الزهري الرتيب وعند ما تنير كل هذا شمس الظهيرة نظل مبهورين أمام لوحة تبدو خلابة.
    قبل دخول جبه أسمح لنفسي بإبداء بعض الآراء حول النفود.
    من الصعب جدا تحديد مسار الخط المتبع لاجتياز النفود لأننا نلف باستمرار تقريبا حول الأفلاج ، فلا شئ سوى تعرجات وصعود وهبوط. أما الطريق الفعلية أو الدرب المتبعة كتلك التي كثيرا ما تشكل الطرق في الصحراء ، فلا وجود لها إنما نتبع دائما اتجاها. ومع إقراره بأن هذا الاتجاه" يحمل الاسم غير الملائم ، الطريق" إلا أن السيد غوارماني يروي أن" الدرب من جيوف ـ عامر هي من صنع بني هلال" (1). وفي سبيل ذلك ردمت وديان وسطحت تلال وسويت أرض النفود الرملية المضطربة كبحر هائج قدر الإمكان.
    راضي ، دليل السيد والسيدة بلانت روى لهما أنه تحت الرمل ، طريق معبدة بالحجارة أنشئت بحجارة جلبت من جبل شمّر. وكان بإمكان المسافرين أن يسألاه لمإذا أتت هذه الحجارة من جبل شمّر طالما أن حجارة جبل الجبة هي أقرب بمسافة يومين سيرا على الأرض ، ولكن من الواضح أن هذه المعلومات فيها خطأ.
    لاجتياز النفود هناك درب واحدة هي بعرض قائمة الجمل 25 إلى 30 سنتمترا علما بأن هذا المسار يختفي في الأماكن التي تلعب فيها الريح. لدى اجتيازنا الفلوح ، رأيت آثار جمال ممحية فورا مع ريح ضعيفة نسبيا. فالرمل كان قد عاد منسابا كبحيرة ماء على مسافة مترين وراءنا.
    أفضل دليل والدليل الوحيد في هذا العبور المضني هو بعر الجمل. فالجمل ينتزع
    __________________
    (1)Itine ? raire de Je ? rusalem au Neged Septentrional, par M. Guarmani, Bulletin de la Socie ? te ? de Ge ? o ـ
    ص. 504 ، 1856graphie ,Novembre

    وهو يمشي لقمة من كل النباتات الموجودة على طريقه. فهو يمضغ ويجتر ويهضم باستمرار دون ان يتوقف. وبعره هو الذي خطط الطريق عبر النفود. وشكل البعر وحجمه هو شكل وحجم تمرة أو زيتونة كبيرة. إنه أسطواني ، مخروطي ، متماسك جدا ، يجف بسرعة ويصبح قاسيا جدا ويظل تحت سماء الجزيرة العربية الرؤوفة سنوات عديدة.
    في مناطق النفود الوعرة والمعرّضة للرياح يغطيها الرمل بسهولة ، وهذا مفهوم ، ولكن النسيم التالي يعود فيكشفها بالسهولة نفسها.
    تحمل وجهة عبور النفود هذه اسم خط أبو زايد وأيضا اسم ضيعة عيّاش ، ويستعمل الأول في شمال النفود والثاني في الجنوب.
    قضى والين ستين ساعة لاجتياز المسافة بين الجوف وجبة. والسيد غوارماني قطعها بتسع وأربعين ساعة ونصف الساعة. وحسبت السيد بلجريف أنه قد صرف على الأقل خمسا وثمانين ساعة. أما أنا فقد اجتزت المسافة في ست وسبعين ساعة. من هنا ترى مدى صعوبة وضع خطوط سير أو خريطة منطقة عند ما لا يشير المسافر إلى السرعة التي سار فيها.
    فيما يخصني ، على الرغم من جودة مطيتي ، كانت لدي أسباب لعدم الاستعجال اذ كنت ارغب في رؤية النفود على راحتي ومراقبته ، لذلك فقد سرت تقريبا باستمرار على الأقدام بمعدل 4 كيلومترات تقريبا في الساعة. ولكن أن يكون السيد بلجريف الذي عانى كثيرا في هذه الصحراء وكان مستعجلا للخروج منها قد قضى خمسا وثمانين ساعة فلا بد أن يكون مرد ذلك الى ركوب جمال من نوعية متدنية جدا. وما يفسر سرعة والين هو أنه لم يكن لديه أي متاع وكان يتنقل على ظهر ذلول شراري أي على جمل من أفضل الأنواع في الجزيرة العربية الشمالية. بالنسبة الى السيد غوارماني ، نعرف أنه اجتاز النفوذ مستعجلا على ظهر حصان. وفي المحصلة مع ذلول جيد بالإمكان دون إرهاق المطيّة إنجاز هذا العبور في ثلاثة أيام بسهولة.
    جبّة
    ما إن هبطنا منحدر آخر تلة من النفود حتى وجدنا أنفسنا في سهل جبة التي لا تبتعد أكثر من 500 متر والتي يبدو مظهرها الجديد متعة للعين. بعض

    غرسات إثل Ithel هرمة خارج الجدران تنعش المنظر.
    على غرار الجوف فإن جبة مبنية من الآجرّ المطبوخ في الشمس. غير أن جدران بعض المنازل مصنوعة من الحصى. الانطباع الأول في منتهى الإيجابية. جدران الأسوار والأبراج التي تتخللها محفوظة جيدا ومظهرها سار. أما الداخل فلا يتجاوب مع الخارج كما هو الحال في كل مكان تقريبا في الشرق.
    الحوض الذي تقع فيه جبة له شكل طوبوغرافي خاص. فهو حوض يبلغ طوله ما بين 8 و 9 كيلومترات من الشرق إلى الغرب وعرضه 5 كيلومترات من الشمال الى الجنوب. أما قعره البالغ عمقه 835 مترا فيقع على مستوى أدنى من مستوى النفود ب 60 مترا تقريبا.
    لقد تمت مطابقة جبة بأينا بطليموس (1) مما يثبت عراقة قدمها. وعلى أي حال فإن الاسمين ذوا دلالة واحدة ومعناهما البئر أو النبع. وقد احتفظ السكان بذكرى نبع غزير كان يتدفق من جبل جبه.
    السكان البالغ عددهم حوالي 800 نسمة يتحدرون من قبيلة شمّر الرمال. وهي سلالة صغيرة قليلة التطور. وهم غير محبوبين على الإطلاق في الجبل بسبب عدم انفتاحهم واختلاطهم وبخلهم على الضيف. وتروي الليدي آن بلانت أنها شكت من معاملتهم.
    لا وجود لأي زراعة بأستثناء النخيل التي يستخدمون من أجلها قرابة أربعين بئرا تقع مياهها على عمق 12 أو 15 مترا تقريبا ، ولا يتبدل مستواها ابدا كما أكدوا لي. الدوالي ، وهي عديمة الطعم ، ولكنني أفضلها على ماء الجوف. بعض الآبار يعطي مياها مالحة غير قابلة للشرب. الحرارة التي قيست في بعض الآبار التي كانت تسحب منها المياه منذ عدة ساعات كانت في كل مرة تسجل+ 9 ، 22 درجة.
    التمور صغيرة ورديئة ، ويعزو السكان ذلك إلى المياه المالحة ، ولكنني أعتقد أنهم هم وحدهم سبب ذلك لأن أشجار النخيل مهملة. الكميات القليلة من الأرز والقمح التي يحتاجون إليها يستقدمونها من حائل. وموقعهم في وسط النفود يسمح لهم لحسن الحظ بتربية بعض قطعان الإبل بسهولة.
    __________________
    (1) ـ A. Sprenger, Die Alte Geographie Arabiens. Aus Grundlage der Entwicklungs geschichte der Semi
    ص. 171. 1875tismus.Nachdruck D.Ausgabe ,Bern ,

    على مسافة 3 كيلومترات غربي القرية ، تنتصب بعض قمم الصلصال الرملي وأعلاها هي أم السلمان (1). وقد تسلقتها غداة وصولي إلى جبه ، بالرغم من تحذيرات السكان الذين قالوا لي إنه لا يوجد طريق اليها ، وقد تأكد لي صحة ذلك. إلى مستوى ثلثي الارتفاع لا يواجه الصعود أي صعوبة. ولكن من بعد ذلك يصبح المنحدر وعرا جدا تغطيه شظايا من الحجر الرملي تبدو وكأنها متفحمة وتشبه في شكلها القرميد المكسّر. ويبدو وكأن الجبل كان مغطى بقشرة بسماكة 3 الى 4 سنتيمترات تمّ تكسيرها في مكانها. هذه الشظايا هي في حالة انعدام توازن بسبب قوة انحدار القمة لدرجة أن أدنى ملامسة لها تجعلها تسقط جارفة معها كتلة ضخمة من الحجارة. وبديهي في هذه الحالة أن القدمين لا تكفيان وحدهما لبلوغ القمة وهما أقل كفاية للنزول.
    عند بلوغي القمة بعد شروق الشمس بقليل ، تسنى لي التمتع بمشهد رائع ومؤثر.
    ان قمة أم السلمان بمنحدرها الوعر جدا من الجهة الشرقية ، تنزل عموديا من الجهة الغربية. وعلى امتداد مترين ، لا يتعدى عرض القمة مترا واحدا بحيث لا يتسع إلا لجلوس شخصين. كانت ريح الظهر تعصف قوية ولا تسمح بالوقوف ، فجلست مستندا الى الصخر.
    لحسن الحظ لقيت مكافأة على تعبي وآلامي (إذ تجرحت يداي وبالأخص قدماي) برؤية مشهد رائع وبالأخص في رأس أعلى صخرتي العليّم وهو الدافع الرئيس لصعودي. فإن ارتفاع هذه القمة يسمح لي بالتأكد من مسار طريقي. كما استطعت أن أرى جبلا طويلا قرب الجوف وجبل شمّر في الجنوب وجبل عوثة على مسافة عشرة كيلومترات شرقي جبة.
    تبدو لي أم السلمان فوهة بركان لم يتبق منها سوى جدارها الشرقي. هذا الافتراض يفسر وعورة المنحدر الخارجي للقمة من الجهة الشرقية وعموديّة الجدار الغربي. مغادرتي المفاجئة لجبه لم تسمح لي بالتوغل أكثر من أبحاثي بهذا الصدد لكنني ألفت نظر المستكشفين المقبلين كما أوصي بتسلق القمة لهواة الانفعالات.
    وقد سجل جهازي لقمة رأس سلمان ، ارتفاعا بلغ 370 مترا فوق مستوى أرض جبة.
    __________________
    (1) والين يسميها مسلمان ، غوارماني أمّ سنمان ، ام السلمان ، كما وأن جبل جبة يشير الى مجمل الجبل الذي تبلغ مساحته ما بين 3 و 4 كيلومترات مربعة. وأعلى قمة فيه لا تزال تدعى رأس سلمان.

    واستكمالا لما عرفته عن جبل جبة (1) ، لا بد من الإضافة ، وفق ما أورده السكان ، لأنني لم أعثر على أثر لذلك لدى المؤلفين العرب ، أن اسمه كان قديما القطيفة. وإلى ذلك فإن مظهره الموحش ومنحدراته المكسوة بالردم أكسبته سمعة سيئة ساهم فيها الى حد بعيد الجن الذين كان لديهم قصر وكنوز مخفية على قمة هذا الجبل في غابر الزمان. لذا يجب عدم الإلحاح على السكان للحصول على دليل أو رفيق تسلّق. يكفي أنهم يسمحون لك بالقيام بذلك وأن يستقبلوك لدى عودتك بينهم إذ لا بد أن تكون رائحة كبريت تفوح منك.
    لدى عودتي الى مضافة شيخ عقيل الذي كنت ضيفا عنده ، وجدت بدويا يروي أن الأمير محمد بن رشيد قد غادر عاصمته حائل منذ بضعة أيام وأنه موجود حاليا في أم القلبان وهي قرية في النفود تقع على مسافة يوم شرق ـ جنوب ـ شرقي جبه التي جاء منها البدوي. فسألته ما إذا كان الأمير سيبقى بعض الوقت في هذا المكان ويعود بعد ذلك الى حائل أو إنه سينطلق في رحلة في الصحراء ولكنه لم يستطع إجابتي.
    إلى أم القلبان
    كنت أعلق أهمية بالغة على لقاء أمير شمّر. ولم اكن واثقا من الاستقبال الذي سألقاه من الأمير وإن كنت لا أشاطر دليلي المخاوف التي بدأ يكشفها تدريجيا بهذا الخصوص كلما اقتربنا من الجبل ، لكنني كنت أفضل أن يستقبلني الأمير بنفسه. دون أن يعكر ذلك تصرف شخص من اتباعه يسيء الي ولا يريد الأمير منعه.
    لاحقا ، وبعد ما تعرفت بصورة أفضل إلى الرجال وشتى الأمور ، تأكد لي أنني حزرت. ومنذ عودتي إلى أوروبا ، جاءت معرفتي بالمحن التي تعرض لها
    __________________
    (1) ليدي آن بلانت تفترض هنا وجود بحر قديما. ولكن من دون نفي هذا الاحتمال قطعيا ، فإنني ألفت الى أن تأكل الصخور الواقعة غرب جبة والذي قد يوحي بهذه الفكرة يمكن أن نعزوه الى سبب آخر. فقد لاحظت مرارا خلال أسفاري خطوطا أفقية عميقة على مجموعات صخرية توحي فورا وبالأخص من بعيد بأنها ناجمة عن ملامسة المياه بالرغم من استحالة القبول بهذا السبب. لذا ، لا بد في الغالب من ان ننسب هذه الخطوط الى تفتت طبقة متوسطة تتفتت تحت تأثير كل العوامل الجوية. وإنني أعطي هنا دورا ثانويا للغاية لفعل الريح الذي أعتقد أنه ضخم في كثير من الأحيان.

    السيد شارل دوتي في ظرف مماثل لترسخ قناعتي (1).
    قررت المغادرة فورا الى أم القلبان. وبعد ما ضمدت كل جروحي التي أصابتني خلال تسلقي ونزولي لرأس سلمان امتطيت الرحل مجددا وغادرت جبة بعد الثالثة مساء. وبعد ساعتين كنا نخيم قرب صخور عوثة لصنع الخبز. ولم تمض ساعة حتى انطلقنا للاستفادة من برودة المساء وسرنا لمدة ساعتين إضافيتين. وإذ بدا النفود صعبا من جديد أقمنا مخيما لقضاء الليل. ابتداء من جبة وحتى صخور عوثة تخلو الأرض من الرمل ولكنها محرومة أيضا من كل النباتات. إن مظهرها الأبيض يجعل اجتيازها صعبا جدا خلال النهار إذ إن انعكاس النور يرهق العيون.
    في اليوم التالي 8 حزيران ، انطلقنا في الثالثة فجرا. وعلى الرغم من تضاؤل عدد الأفلاج المنتظمة فإن النفود لم يكن سهلا البتة فأودية كثيرة تتخلله ، وكثيرا ما يبرز الصخر العاري.
    لم نتوقف إلا ساعة واحدة في الصباح لتناول الفطور ثم تابعنا سيرنا نحث الجمال باستمرار للوصول قبل هبوط الليل. كلما تقدمنا ، كنت أرى محاربا يزداد قلقا من الاستقبال الذي ينتظرنا هناك. فإذا كان استقبالي سيئا ربما تأثر مثلي من غضب الأمير. ومن جهة أخرى فإن محاربا يصلّي بانتظام ، إذ هو مؤمن حقا ومن ثم ليست قيادة شخص غير مؤمن إلى الأمير مسألة سهلة بالنسبة إليه. وقد سألني مرتين أو ثلاث مرات خلال اليوم الأخير بشيء من القلق ما إذا كنت متأكدا وجازما أنني سألقى استقبالا جيدا. فطمأنته وتمكنت من إقناعه تقريبا.
    منذ ما قبل الظهر بدأنا نصادف بدوا ، إمّا فرادى أو مع قطعان إبل أو ماعز أو خراف. وعلمنا من هؤلاء الرعاة أنّ الأمير في أم القلبان لتفقد جزء من قطعانه وأنه باق فيها لبضعة أيام.
    قبل وصولنا إلى مقصدنا بساعتين قال لي محارب إنه يستحسن أن يسبقني ليعلن
    __________________
    (1) دوتي وصل الى حائل خلال غياب الأمير واستقبله عنبر ، أحد عبيده الذي عينه واليا حتى يعود. وقد أصدر عنبر ، بالاعتداد الذي يميزه والذي تبين لي فيما بعد ، أمرا الى السيد دوتي بمغادرة أراضي شمر فورا وهدد الرجلين من هتيم اللذين أتيا به بالموت إذا لم يعودا أدراجهما معه من حيث أتوا مع العلم أن السيد دوتي كان مزودا برسالة توصية للأمير من والي المدينة.
    )
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    رحله في الجزيره العربيه 1878-1882 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: رحله في الجزيره العربيه 1878-1882   رحله في الجزيره العربيه 1878-1882 Emptyالإثنين أكتوبر 21, 2024 10:10 am

    وصولي إلى الأمير. ولكي يزيد من تشريفي ومن أجل السرعة طلب مني استخدام ذلولي. كنت امتطي كما في كل رحلاتي جملا رائعا يسري في شرايينه دم شراري. كانت ناقة في السابعة من العمر تثير إعجاب البدو بشكلها الأنيق. فتبادلنا المطايا ورحل مسرعا ، سعيدا بمطيته الرائعة.
    كلما تقدمنا ازداد عدد القطعان وأصبحت الحركة أكثر نشاطا. كانت رؤية النفود فجأة عارما بالحركة ، مشهدا جديدا علينا بعد ما أمضينا أياما في الصحراء المطلقة. وقد حافظت الصحراء على مظهرها الذي بدت فيه منذ مغادرتنا جبه أي إن الأفلاج كانت نادرة وكأن تلالا استبدلت بها كان جزء منها موازيا لطريقنا لحسن الحظ. فبدلا من أن نضطر إلى اجتيازها ما كان علينا إلا أن نسير بمحاذاتها.
    قبل وصولنا بدقائق ، رأيت محاربا يطل علينا من جديد منفرج الأسارير معلنا أنه قابل الأمير الذي بدا مسرورا وأراد أن يستقبلني على الفور. ما عاد دليلي يتوقف عن الثرثرة ارتياحا وفرحا ويصيح في كل لحظة" الحمد لله" ، وهذا ما ردّدته كل مرة بورع.
    كنا نهبط عندئذ فلجا ضخما ، أحد أكبر الأفلاج التي شاهدتها في النفود حيث تقوم في قعره أم القلبان بنخيلها الأخضر المتمايز بشكل لطيف جدا عن الرمل الأحمر. كانت تسودها حركة هائلة. صفوف لا متناهية من الإبل تطلق كلها خوارها كما تفعل عادة لدى عودتها من المراعي في المساء ، تروح وتجيء. وصوت السواني يشنف الآذان.
    انبسطت أمامنا ملكية واسعة سرنا بمحاذاتها حتى وسطها ورأينا آنذاك بابا كبيرا بمصراع واحد مواجها الشمال. وبدا في المحيط بعض الرجال بقمصان ناصعة البياض. فمنذ غادرت سورية لم أعد معتادا على هذه النظافة الفخمة. كان هؤلاء الرجال بكوفياتهم الحمراء الصارخة ، مزودين بعصي طويلة من أغصان النخيل يبلغ طولها حوالي 60 ، 1 متر طردوا بها البدو الجالسين بالقرب من الباب بقساوة شديدة.
    اخذ أحد هؤلاء الرجال ناقتي من اللجام وسار بها عبر ممر طويل إلى باحة كبيرة ثم فتح بابا آخر يفضي إلى فناء حيث ترجلت. كان بانتظاري هنا رجل يعتمر كوفية من الحرير الأصفر وعقالا مقصب بالذهب وعلى كتفيه عباءة سوداء مطرزة بالذهب

    حول العنق ، يحمل بيده سيفا بمقبض وزينة من الفضة الخالصة ، وبادرني ب" السلام عليك" فرددت بتودد" وعليك السلام" فأبلغني تحية الأمير وأنه مكلف بمرافقتي إليه.
    أخذني بيميني ليثبت لي أنني في أمان وجعلني أعبر بابا صغيرا فوجدنا أنفسنا أمام حوض يغذيه ماء جار. وأبعد منه يمتد بستان جميل ، مزروع بشكل شبه حصري بالرمان يسود فيه ظل وبرودة لذيذان.
    درنا حول الحوض ووجدت نفسي في حضرة أربعين رجلا مصفوفين بشكل دائري يجلسون جميعا القرفصاء على الأرض. ويمتد السجاد أمام منزل صغير. هنا كان يجلس الأمير وحيدا وظهره مسند إلى سرجه لدى وصولي ، وقف اثنان من المساعدين ليسمحا لي بدخول الدائرة. حييت الأمير فنهض عندئذ وأضاف في رده على تحيتي : " مرحبا" ثم أعطاني يده على الطريقة العربية أي دون أن يشدها ثم قبّل السبابة وجعلني أجلس إلى جانبه.
    وسألني بكثير من الاهتمام ما إذا كانت رحلتي موفقة ولم ألق مشقة أو تعبا ثم استفسر عن هدف رحلتي وتطرق إلى هذا الموضوع مرارا ليس في هذا المساء فحسب بل لاحقا أيضا. فهو لا يعتقد أبدا أن العلم وحده يدفع أيا كان للسفر في صحاري الجزيرة العربية حيث لا يرى هو فيها أي شيء علمي على الإطلاق. ثم طلب مني أخبارا سياسية وبالأخص ما قيل في دمشق وحوران بشأن الغزو الذي قام به قبل شهرين في وادي سرحان متوغلا إلى ما هو أبعد من القصر الأزرق إلى ما يقل عن مسافة يوم من جبل الدروز وقد شعر مدحت باشا ، والي دمشق في ذلك الحين ، بقلق عميق من جراء ذلك. وحدثني أيضا عن السيد والسيدة بلانت اللذين امضيا ثمانية عشر شهرا في حائل. وقد احتفظ بذكرى طيبة عنهما ولكنه ابدى تعجبا شديدا لرؤية السيد بلانت لا يقبل أبدا فنجان القهوة إلا بعد زوجته ويجعلها دائما تمر قبله ، وتجلس دائما في المرتبة الثانية إلخ ... وسألني ما إذا كانت الأمور تجري على هذا النحو عند جميع النصارى. ولكن أكثر ما أدهش الأمير وجميع العرب كذلك هو رؤية ليدي آن بلانت تمتطي حصانا وعلى اكمل وجه.
    بلغ الأمير محمد بن رشيد من العمر ستا وأربعين سنة طوله 65 ، 1 م. وجهه ينضح بالعزم ومعبّر. نظره ثاقب وكثير الحركة وهو يتنقل باستمرار من شخص إلى آخر

    مما يجعله يبدو دائم القلق. في المقابل ابتسامته سخية وعذبة جدا ولحيته الخفيفة الشعر والسوداء تشهد على أنه بدوي. وهو محدث ويحب الدعابة.
    رأيته شديد الاهتمام باستمرار بضيفه ، بأن يكون مرتاحا في جلوسه ويأخذ راحته تماما. وقد أوصاني دائما بألا أقلد مواطنيه بل أن أتبع تقاليدنا نحن مؤكدا لي أن ذلك يسعده.
    وسرعان ما كسبت وده وقبل وصولي إلى حائل كنت متاكدا من أنه لن يضع أي مانع لإنجاز مهمتي. أما فيما يتعلق بعزمي على الذهاب إلى القصيم وأبعد منه ، فقد حثني منذ اليوم الأول على عدم تحقيق ذلك فتلك البلاد سيئة من كل الأوجه كما قال. وأضاف : " ستبقى معنا" ولكي أتكيف فورا مع المحيط الجيد الذي سيصبح محيطي بعد الآن ، شرع يعطيني أسماء ضباطه الرئيسين الماثلين أمامنا في الدائرة. إنما هاكم سمة تصور المسلم ، وهي من وراء المظاهر الأكثر توددا ولطافة تسمح ببروز الوهابي.
    منذ اللحظات الأولى من محادثتنا ، بعد تبادل اللياقات ، وما إن عرف نيتي بالإقامة في بلد عربي ، حتى شعر بوخز ضمير إزاء البقاء طويلا على اتصال مع شخص غير مؤمن ، لكن فكره المتنور من نواح أخرى دفعه إلى كتم هذا الوخز. ولكي يريح ضميره سألني بغتة ما إذا كنت أعرف شهادة الدين الإسلامي فأجبت بالإيجاب فقال" ردّدها" فتلوت في الحال بمنتهى الجدية : " لا إله إلا الله محمد رسول الله".
    الدقة تقضي بأن اذكر كلمة" أشهد" قبل الجملة المقدسة ، إلا أنه شاء التغاضي عن هذه الثغرة. ولم أكد ألفظ الشهادة العزيزة على المؤمنين والتي استقبلها كل الجمع بهمس مؤيد ، حتى صاح الأمير فرحا : " والله انت مسلم عندي". منذ تلك اللحظة التي لم يعد يخالجه فيها أي تأنيب ضمير ، تحرر من كل قيد وعاملني كأخ في الدين ، أي كندّ له.
    وفي ختام دراسة العادات الموجزة ، أضيف أنه طوال إقامتي في الجبل وباستثناء مرة أو مرتين أصابتني بسبب حسد أشخاص آخرين ، فقد تمتعت بحظوة الأمير وابن عمه حمود وكل عائلتهما الثابتة. فكنت أدخل بحرية تامة إلى كل مكان والجميع كانوا ينادونني بالأخ والصديق. وفي نهاية إقامتي ، قال لي الأمير مرارا إنني اصبحت الآن واحدا منهم وإنني شمّري.

    أوفر حظا من بالغرايف وليدي آن بلانت. لم أختبئ قطّ لتدوين ملاحظاتي وكتابة مذكراتي. وفي كثير من الأحيان عند ما كنت أرغب في الحصول على الكتابة الصحيحة للأسماء الجغرافية ، كان الأمير يكتبها لي بنفسه. الرسائل العديدة التي تسلّمتها من الأمير ومن أصدقائي في الجبل منذ مغادرتي الجزيرة العربية تثبت لي أنني تركت ذكرى طيبة فعلا. وأنا مدين للأمير بكل ما أنجزته في مهمتي وسأحفظ له امتناني دوما.
    لقد بذل جهده باستمرار لثنيي عن القيام برحلاتي في القصيم وفي الحجاز لأن الخطر فيهما كان ، كما تبين لي لاحقا ، حقيقيا. ولكن عند ما أعطاني موافقته ، بذل كل ما في وسعه لضمان نجاحي. فعلى الرغم من غرابة الأمر وخطره على هيبته كأمير مسلم ووهابي كان دوما يعطيني رسائل توصية عند ما كان يرى ذلك ضروريا.
    بعد وصولي بأربعة أيام ، غادر الأمير وحاشيته أم القلبان للعودة إلى حائل.
    في فجر 12 حزيران كان الجميع ممتطين الرحال فسرنا ثلاث ساعات خببا باتجاه الجنوب الشرقي. في ختام هذا الوقت وصلنا إلى أحد حصون جبل شمر المسمى الاصور. وكانت مطابخ الأمير التي سبقتنا بوقت طويل ، قد أعدت الفطور. تلت الوجبة قيلولة طويلة وبعدها وضعت علامة تسديد من ورق على صخرة مجاورة ومارسنا الرماية لمدة ساعة. واكتشفت بهذه المناسبة أن الأمير كان في عداد رماة الجبل الماهرين.
    الاصور هو مورد حيث تحبس مياه المطر على ارتفاع معين في الجبل في شق غرانيتي ، بقي فيه ماء إلى ما بعد رحيلنا.
    على مسافة ساعة سير من أم القلبان ، توقف النفود فجأة كما بدأ. والحد الفاصل حاد إلى درجة يمكن معها وضع قدم في النفود والأخرى على الغرانيت الذي يليه. عند الثالثة من بعد الظهر ، امتطينا الجمال وغادرنا الاصور. وخببا وصلنا بعد ساعتين إلى اللقيثة (1) وهي قرية جميلة يملك فيها الأمير ملكية رائعة من النخيل وأشجار الفاكهة. فقضينا الليل فيها.
    __________________
    (1) والين يسميها لقيطة ، غوارماني ليشيته ، السيدة بلانت الاميتت.

    فور وصولنا ، قدم لنا شيء من اللبن والفاكهة : بطيخ وشمام لذيذان وعنب لم ينضج بعد.
    حائل
    في اليوم التالي انطلقنا في الرابعة والنصف صباحا ووصلنا بعد ساعتين إلى حائل (1) عاصمة شمّر.
    عند ما نصل من الشمال ، تكون حائل مخفية ، بفعل ارتفاع بزلتي يبلغ 100 متر بالحد الأقصى ويمتد من جبل أجا إلى جبل سلمى شرقي حائل. نجتاز هذه السلسلة الصغيرة عبر ممر يعلو 20 مترا تقريبا عن الأرض. وعند ما نصل إلى ذروة الممر ، يتراءى لنا فجأة منظر حائل الفرح. إلى اليسار وعلى مسافة قريبة جدا تهيمن كتلة سمرا السوداء على المدينة كليا. وإلى اليمين وعلى بعد بضعة كيلومترات ، ينطلق خط أجا جنوبا على مد النظر. شمالا وغربا تتناثر خمسون خيمة تقريبا لكل قبائل شمر. يأتي هؤلاء الزوار لبضعة أيام لتصريف منتوجاتهم وشراء بعض الحاجات ثم يعودون الى الصحراء. إنهم ينعشون الجزء الخارجي للمدينة بطريقة جذابة جدا.
    لرغبتي في تقديم لمحة عن الطريق من سورية حتى جبل شمّر ، أسهبت حتى الآن في التفاصيل. أما اليوم فإنني لن أعطي سوى ملاحظة جغرافية عن المناطق التي قطعتها ، لذلك سأرجئ إلى وقت لاحق فصل العادات والتاريخ والمعطيات الإحصائية. حاليا أقدم وصفا سريعا لمختلف خطوط سيري. ومن ثم أقدم لائحة البلدات التي تؤلف حاليا إمارتي شمر والقصيم اللتين عبرتهما.
    لقد جعلت حائل مركز عملياتي لأتمكن من تنفيذ سفرات طويلة جدا بسهولة اكبر. وقد سمح لي ذلك بجعل متاعي خفيفا جدا فلا احمل إلى جانب أسلحتي ومعدّاتي العلمية ، سوى بساط وبطانيتين. أما المؤن والماء فكان البدوي أو البدو المرافقون لي كمرشدين يحملونها.
    __________________
    (1) غوارماني Kail ، بلجريف Ha'yel.

    كنت أترك صناديقي في بيتي في حائل خلال غيابي ويودع مفتاح المنزل لدى أحد ضباط الأمير الرئيسين المدعو حمود الإبراهيم المجراد (1).
    واني أعرض فيما يلي تعداد مختلف رحلاتي وفق الترتيب الذي أجريتها به :
    (1) رحلة في عقده ، وادي جبل شمّر (30 حزيران).
    (2) في جبل سرا (9 تموز).
    (3) في جبل شمّر (17 تموز).
    (4) رحلة الى القصيم ، الى عنيزه والعودة (31 تموز).
    (5) رحلة في جبل جلديه (22 أيلول).
    (6) رحلة في الحجاز ، الى تيماء ، الهجر أو مداين صالح ، العلا والعودة عن طريق خيبر والحايط (30 تشرين الأول).
    (7) من حائل إلى بغداد.
    (Cool من بغداد الى دمشق عبر الحماد.
    عقدة
    عقدة (2) هي سلسلة من الوديان الصغيرة داخل جبل شمّر ، والممر الوحيد الضيق جدا الذي بعبرها يقع على بعد 9 كيلومترات تقريبا جنوبا ، 70 درجة غربي حائل. وقد ظهر اسم عقدة هذا للمرة الأولى كاسم جغرافي في الجزيرة العربية في تاريخ الوهابيين ل كورانسيز (3) في مدونة أسماء بلدات الجبل. غير أن هذا المكان كما برهنت ذلك لاحقا ، هو الأول وعلى الأرجح الوحيد على امتداد زمن طويل الذي سكنته قبيلة طيء التي قدمت من الجنوب.
    __________________
    (1) بديهي ان جيش أمير شمّر ليس جيشا بالمعنى الأوروبي للكلمة. فلا تجنيد ولا ثكنات. وهو يتألف من خمسمئة رجل تقريبا معظمهم من مدن الجبل يستخدمهم الأمير بشكل خاص للقيام بغزواته ولفرض وجباية الضرائب من القبائل الرحل واخيرا لمواكبة قافلة الحجاج العراقيين من بغداد الى مكة ذهابا وايابا. وهم لا يتقاضون اجرا ثابتا ولا يتلقون إلا ما هو ضروري لحياتهم. ما يقارب العشرين منهم الذين تميزوا بخدمات أسديت أو بالأحرى بذكائهم والذين يلازمون القصر باستمرار ولا يفارقون الأمير ، يلقون معاملة أفضل. من بين هؤلاء حمود الذي سبق للامير ان أرسله مرارا في مهمات استثنائية الى مصر لدى الخديوي.
    (2) عقده عند : ص. 353Ritter ,Die Erdkunde von Asien ,Arabien II وعند غواراماني اكده ، وعند بلانت اجده
    (3) ص. 118 ص. 214 ، 1810
    Corancez, Histoire des Wahabis, ed. SyIvestre de Sacy, Paris,

    ولا بد من البحث في عقدة نفسها عن مكان سكن حاتم طيء أكرم قدامى العرب. يتم الدخول الى عقدة من سهل حائل عبر ممر تضيق فتحته التي تبلغ بداية قرابة مئة متر تدريجيا حتى تصل ما بين 25 إلى 30 مترا. وقد بنى الأمير في هذه النقطة حائطا بارتفاع 3 أمتار وبسماكة متر لقطع الممر كليا. وقد تركت في طرف الحائط الجنوبي فتحة تبلغ 5 ، 1 متر للمرور.
    وما ان نجتاز هذا السور حتى نجد أنفسنا في واد صغير يضم قرية القني El Qeny التي تعدّ 150 نسمة. وابتداء من هذه البلدة ، تنفتح الوديان من كل الجهات وجميعها على مستويات أعلى من الوادي الأول ومن ثمّ أعلى من سهل حائل أيضا.
    الوادي التالي ، وداي القني ، يضم قرية أكبر من الأولى تدعى الويبار وتعد 300 نسمة. هاتان المقاطعتان الأوليان هما الكبريان من حيث تعداد السكان ومن حيث مساحتهما. في الوديان الأخرى تتوزع ثماني مجموعات سكانية صغيرة مجموعها 500 نسمة وهذه هي أسماؤها : النبيتة ، السقا ، حسنا ، المعا ، غضيان ، الحايط (1) رميض والعليّا.
    في قرية الحايط جنوبي القني والويبار جزء من ترسانة ابن رشيد. إنه مبنى من الآجرّ ككل مباني الجبل يحتل مساحة تقارب 80 مترا مربعا إنما تجاوره بعض المباني أكثر حداثة شيّدها الأمير الحالي.
    الأمير طلال هو الذي شيد المبنى الرئيس مكان مبنى آخر هدمه ومن المرجح أن قبيلة طيىء شهدت هنا اول استقرار لها منذ احتلالها الجبل لدى هجرتها من الجنوب. وحين وصل محمد ، الأمير الحالي ، الى الحكم ، كان هذا المبنى الترسانة الوحيدة لسلالة شمر. لكن محمد الذي كبر القصر الذي بناه الأمير طلال ، نقل إليه القسم الأكبر من الأسلحة التي كانت محفوظة في عقده. أما اليوم فإن هذا القصر ببابه الكبير المغطى بلوح من الفولاذ بات مجرد مخزن للطعام ولم يعد يحوي إلا مخزونا كبيرا من التمور وبعض السيوف والبنادق بفتيل التي لا قيمة لها. أما شجرات نخيل الحايط فملك الأمير ابن رشيد الخاص.
    ما يميز عقدة هو النخيل الذي لا يحتاج إلى ري بفضل موقع الوديان بقاعها
    __________________
    (1) يجب تمييزها عن الحايث في حراه شرق ـ شمال ـ شرق خيبر.

    الغرانيتي المملوء بالبطحا أو حصى الغرانيت (1) حتى ارتفاع 4 أو 5 أمتار والتي تشكل التربة. القاع على شكل أحواض تحجز ماء المطر الذي يهطل على عقدة في هذه الأحواض الطبيعية الصغيرة حيث تغوص جذور النخيل.
    في كل الأماكن الأخرى ، عند ما تكون المياه على عمق بالغ لا تستطيع جذور النخيل الوصول إليها ، يجب حفر آبار واسعة جدا وسحب الماء منها عشرة أشهر على اثني عشر بمعدل خمس عشرة ساعة يوميا على الأقلّ. كما إن ذلك يجبر على شراء الإبل والعناية بها لهذا الغرض كذلك يلزم رجل لتشغيلها. ولكن سكان عقدة السعداء لا يعرفون شيئا من هذا ولا يأبهون. وجل تعبهم ينحصر في أن يتمنوا أن تمطر في الشتاء. وهم يتمادون في سعادتهم إلى حد الكسل إذ إنهم لا يبذلون أي عناية بشجرات النخيل التي كان بالإمكان ان تكون أجمل واكثر إنتاجا. وعلى أي حال فإن ضعف نخيلهم كان وبالا عليهم خلال شتاء 1879 ـ 1880 الذي انعكست قسوته على كلّ أرجاء الجزيرة العربية. فكثير منها مات وعدد أكبر منها لن يعطي سوى محصول لا يذكر لفترة طويلة.
    وقد أكد لي حمود والمجراد بأن عقدة تملك سبعين ألف شجرة نخيل وقد يكون هذا صحيحا. يعود حوالي خمس هذا العدد إلى الأمير وخمسان إلى البدو المقيمين في البلدة طوال العام والباقي يعود إلى شمر الرحل.
    يأتي هؤلاء الأخيرون من الصحراء في شهر مايو (أيار) لإخصاب إناث شجرات النخيل فيبنون لأنفسهم أكواخا من ورق النخيل ويقيمون هنا حتى القطاف في أيلول. أحد افراد العائلة يبقى في الصحراء مع القطعان. ويغتنم عدد منهم إقامتهم لزرع البطيخ والشمّام ويسقونها من مياه الآبار. ويبيعونها في حائل.
    بما ان جزءا من السكان بدو فإن عادات الصحراء هي السائدة في عقدة. وتتمثل بالنسبة للغريب الذي يصل إليها بالضيافة. خلال الأيام الثلاثة التي أمضيتها فيها ، اضطررت الى الدخول إلى تسعة عشر منزلا أو خيمة حيث قدمت لي القهوة وطبق كبير من البطيخ أو الشمام المقطع مكعبات. أقول" اضطررت" إذ إن أحدهم ما ان يلمحني سائرا حتى يأخذ مطيتي من الرسن ويقودني الى بيته متجاهلا ملاحظاتي.
    __________________
    (1) ثمة خطا هنا على الارجح. فالكلمة العربية بطحاBathha كما كتبها السيد هوبير تعني باللغة الفصحى" مجرى نهر واسع جاف مملوء بالحصى" وقد احتفظت بهذا المعنى حتى عند عرب Wadai ويكون السيد هوبير قد خلط في الجزيرة العربية بين المحتوى والحاوي. [التحرير]

    صحيح أن ما كان يقدّمه لي قليل وأن هذا القليل كان يعوضه تعويضا سخيا استقبال الشيخ الفرنساوي ، صديق الأمير والذي سيكون له الحق لاحقا بأن يناديه الأخ. إلا أنه لا بد لي من التصريح بأن البدوي الذي كان يراني في المساء خلال سعينا لإيجاد مأوى ، كان يبدي مسارعة مماثلة للتمسك بي مع علمه بأن هذا سيكلفه خروفا وإن حصته منه ستكون صغيرة نظرا لوجود رجلين من رجال الأمير معي.
    من بعد ما ذكرته عن طوبوغرافية عقدة التي لا تملك سوى ممر مقطوع اصطناعيا بجدار ، والمحاطة كليا بصخور من الغرانيت لا يمكن الوصول إليها من الخارج ، ندرك كيف إن أمير حائل يعتبرها كمعقل وملجأ منيع في حال الاجتياح لكونها موفورة التموين وفي حماية فرقة شجاعة. وأنا من هذا الرأي شرط ان لا يكون المجتاحون قوات أوروبية وأن لا يكونوا متسلحين بمدفع لاقتحام الثغرة.
    جبل سرا
    في إحدى أولى السهرات التي أمضيتها عند الأمير علمت بوجود نقوش قديمة في الجبل ودلني الأمير على جبل سرا على مسافة يوم جنوبي حائل كنقطة يمكنني أن أعثر فيها على نقش. وقد استدعى مطوع شمّر ، الشيخ عواد الذي نسخها ذات يوم على غلاف كتاب زودني به.
    وعرفت في الحال انها كتابة حميرية وسمح لي بأن أفترض أنها ليست الوحيدة وانه بإمكاني العثور على المزيد منها.
    في 9 تموز أعطاني الأمير رجلين ليقوداني إلى جبل سرا. اذ غادرنا حائل في السابعة صباحا من الباب الغربي ، لم نلبث أن انعطفنا نحو اليسار تاركين جبل سرا إلى الشرق. كان اتجاهنا جنوبا تقريبا ، 10 درجات غربا بصرف النظر عن تبدلات العقرب.
    بعد ساعتين من مغادرتنا حائل وصلنا إلى مستوى قفار التي تركناها إلى يميننا. عند الظهر توقفنا لتناول بعض التمر أمام صخرة عرجان التي كانت ترمي بعض الظل الى الشمال وبعد ساعة استأنفنا مسيرتنا.
    منذ مغادرتي حائل كان جبل أجا باستمرار إلى يميني وتقريبا على المسافة نفسها.

    فقط جنوبي قفار ابتعدت طريقي قليلا عن الجبل. أسجل هذه الملاحظة بشكل عابر لأبرر الاتجاه الذي أعطيته لهذا الجبل على خريطتي وهو اتجاه جديد ومغاير على نحو ملحوظ للاتجاه الذي اعتمدته أحدث الخرائط.
    إلى بضعة كيلومترات شمالي جبل سرا يستمر السير بثبات على حصى الغرانيت الكبيرة واسمها البطحا كما ذكرت سابقا وهي قاحلة تماما. لكن طبقة الحصى ليست متساوية العمق في كل الأمكنة ومن حين إلى آخر يسمح برؤية التربة التحتية المكونة من حجر صلصالي رمادي صفراوي صلب. في هذه الأماكن تظهر أحيانا شجرة هزيلة أو ساق حنظل زاحفة.
    كانت الشمس تلامس الأفق عند ما وصلت أمام النقش في جبل سرا. وهو في معبر يبلغ عرضه 80 مترا تقريبا ويفتح الطريق إلى مستجدMestagged والحجاز. كانت الكتابة محفورة في الصخر على الجدار الجنوبي للمعبر ، على ارتفاع 6 أمتار من الأرض وتواجه الشمال. بفضل انهيارات الصخور يمكن الاقتراب منها حتى مسافة مترين تقريبا. أخذت فورا وضعية تمكنني من نسخها وتبين لي أن الشيخ عواد قد نسخ بالضبط نصف الأحرف تقريبا وهذا ما اعتبره مرضيا بالنسبة الى شمّري متعلم ، خاصة بالنظر إلى حالة هذه الكتابة الخشنة وإلى التأثيرات البصرية التي يحدثها النور على هذا الغرانيت الفظ بحبوبه المتعددة الألوان والتي تتعب تموجاتها المتعرجة النظر بسرعة. وقد اغتبطت لاحقا بالعناية البالغة التي بذلتها في نسخ هذه الكتابة. فمن بين كل النقوش الحميرية التي صادفتها في رحلاتي اللاحقة ، لم تكن ولا واحدة بهذا الحجم. فقد كانت تحوي 98 حرفا.
    هذا النقش الكبير موجود كما ذكرت آنفا على جدار الجبل بالذات. وقد عثرت على خمسة نقوش أصغر حجما على كتل ضخمة من الغرانيت يبلغ حجمها عدة أمتار مكعبة كانت قد انهارت على جانب النقش وأمامه. وقد بدا على إحدى الكتل رسم حيوان لا بد أنه كلب سلوقي كبير أو غزال. خط هذا الرسم جريء ، محدد ويدل على موهبة فنان. من بين مئات تماثيل الحيوانات المنحوتة في الصخر التي صادفتها ، كانت هذه الأخيرة الفضلى.
    هبط الليل فيما كنت أنجز نسخي. وامتطينا جمالنا التي لم ننزع عنها خروجنا (1)
    __________________
    (1) الخرج حقيبة سفر مزدوجة تتدلّى على جانبي الجمل [التحرير].

    واقتربنا من الآبار الواقعة على مسافة نصف كيلومتر شرقا. خيام بعض البدو الذين جاؤوا ليوردوا بعض الجمال والخراف كانت مضروبة إلى الجنوب. وبينما كانت جمالي ترتوي ، أخذت حرارة الماء التي بلغت+ 21 درجة وهي بلا طعم ومستواها على عمق 7 أمتار. وبما أن التخييم قرب الماء ينطوي دائما على مخاطر حتى في أراضي شمر ، فقد سرت ساعة أخرى إلى الشمال الغربي وتوقفت أخيرا في ثنية أرضية (1). صنع رفيقاي خبزا تناولناه مع الزبدة ثم التففنا بعباءاتنا لننعم براحة مستحقة. كنا قد بقينا إحدى عشرة ساعة راكبين وقطعنا 92 كيلومترا.
    في صباح اليوم التالي نهضنا عند الفجر وسرنا مباشرة باتجاه الشمال. وقادتنا ساعة ونصف الساعة من السير إلى جبل والله OullaH حيث توقفنا أكثر من ساعة قرب الآبار لتناول وجبة الإفطار.
    مياه آبار والله الأربع تقع على عمق 7 أمتار. ثلاث آبار محفورة في البطحا والآخر في الغرانيت. استأنفنا السير في التاسعة صباحا ووصلنا إلى قفار قرابة الرابعة مساء.
    تقع الطريق المتبعة في جبل والله حتى قفار غربي الطريق التي سلكتها للذهاب من حائل إلى جبل سرا وهي موازية لها تقريبا. وهي إلى ذلك تقع تقريبا في منتصف المسافة بين طريقي الأولى وجبل أجا الذي لازمتني كتله الغرانيتية الداكنة باستمرار على مسافة 2 أو 3 كيلومترات الى يساري. الأرض مكوّنة من البطحا باستمرار ، ولكن جوار الجبل يحدد من حين إلى آخر تحت أقدامنا انتفاخا في الأرض يشير إلى وجود الصخر على عمق ضحل. عدة مرات ظهر الصخر وعشر مرات تقريبا اخترقت قمم طويلة من الرخام الأبيض المعرّق التربة في الاتجاه السائر من الشرق الى الغرب وكأنما يوجد انقلاب في الاتجاه المعاكس لاتجاه جبل أجا. تبدو الأرض من حين إلى آخر وقد ثلمتها جداول صغيرة تهبط من الجبل لتنزل إلى يميننا في وادي حائل.
    لدى مغادرتي الأمير بالأمس ، دعاني ابن عمّه حمود العبيد الذي كان قد حدثني عن أقطاع واسعة يملكها في قفار ، إلى التوقف فيها لدى عودتي من جبل سرا ووعدني بأن يرسل الأوامر اللازمة لاستقبالي. هذه الملكية كانت الأخيرة في جنوب
    __________________
    (1) السيد هوبير يدلي هنا بقاعدة يجري التقيد بها في كل الاراضي المأهولة بالبدو الرحل وبالاخص في الصحراء.

    حائل ومن ثمّ فهي الأولى البادية أمامنا فيما كنا نقترب من المدينة. وقد تبينت نقطة بيضاء على مسافة بعيدة تتمايز على جدران قفار الزهرية اللون المسننة بالمتاريس. كان ذلك طبعا رجلا لا لباس عليه سوى ثوبه بانتظارنا. وبالفعل فقد ظل واقفا حتى وصلنا إليه وانخنا جمالنا وترجّلنا. ذاك كان عنبر عبد حمود المفضل وقد أرسله هذا الأخير إلى هنا خصيصا ليستقبلني. فرحب بي وقادني إلى الحديقة حيث أعدّ لي فراشا من السجاد والأرائك.
    بعد ما اغتسلت تجولت في البستان البديع الذي يحوي قرابة ألف ومئتي نخلة وبعض العرائش وشجر الدراق والتين وفي الزوايا قرب الجدران شجرات أثل أو طرفاء.
    ثم عدت إلى جانب حوضي حيث أعدّت لي القهوة ونارجيلتي خلال نزهتي. بقيت هنا أتمتع بالراحة حتى المغيب حيث أعلن البرغش حضوره. فصعدت إلى سطوح المباني حيث قدّم لي ولرفيقي طبق هائل من الأرز ولحم الغنم. وبصفتنا بدوا حقا فقد فضلنا قضاء الليل خارج القرية في الصحراء.
    في صبيحة اليوم التالي انطلقنا عند الخامسة وبعد ثلاث ساعات كنا قد عدنا إلى حائل.
    سأعود في عمل آخر إلى قفار والى الدور المهم الذي أدّته هذه المدينة في تاريخ شمّر. وهي لا تزال اليوم الكبرى مساحة وتحتل المرتبة الثانية بتعداد سكانها في كل الإمارة.
    جبل أجا
    في 17 تموز ، ذهبت في رحلة الى الجبل الذي أعطى اسمه للبلد بأسره. من زمان كان اسمه طيىء وفيما بعد أصبح اسمه رميضا واليوم يطلق عليه عموما أسم أجا أو جبل شمر أو ببساطة الجبل.
    هذه المرة انطلقت من شمال حائل متجها نحو الشمال 10 درجات شرقا ، باتجاه قرية اللقيطة حيث وصلت بعد ساعتين من الخبب برفقة الفارسين الجديدين اللذين أرسلهما الأمير معي وهما علي المجراد وعيسى.

    قبل اللقيطة بميلين تركنا الى يميننا قريتي الوسيد والجثامية. توقفنا في اللقيطة في بساتين الأمير حتى بعد الساعة الثانية ، ثم استأنفنا طريقنا ولكن هذه المرة باتجاه الغرب. وسرعان ما أصبحنا وسط أول الكتل المنهارة من الجبل الذي وصلناه بعد ساعة من سير حثيث عبر وادي غلغل. يتسع هذا الوادي تدريجيا ولا يلبث أن يتحول الى سلسلة من الوديان الصغيرة الجذابة جدا وكلها مملوءة بالنخيل الذي ينمو دون ري كنخيل عقدة والذي يعود لبدو رحّل. بعد أن تبعنا غلغل لمدة ساعة ونصف الساعة وصلنا قرب مجموعة من تسع خيمات وضربنا مخيّمنا على مسافة قريبة منها.
    النخيل في هذه المنطقة جميل النمو. والماء متوفر على عمق 6 أمتار.
    استأنفنا سيرنا في صبيحة اليوم التالي عند الرابعة باتجاه الجنوب ، 80 درجة شرقا ، ولم نلبث أن تركنا غلغلا لندخل في وادي حقل الذي لا تتعدى مساحته بضعة كيلومترات. عند الخامسة والنصف كنا قد اجتزناه كليا وعدنا نسير غربا ودخلنا وادي قوارين الذي يقع على مستوى الوادي السابق نفسه.
    في بداية الوادي تقريبا نجد الى اليسار نبع وتريمية الصغيرة التي تخرج من الصخر على ارتفاع عشرين مترا فوق الأرض يشكل الوصول إليها صعوبة. ومنسوبها لا يكاد يصل الى ثلاثة ليترات في الدقيقة ، تصب في حوض صغير حفر أمامها. ثلاث نخلات تظللها فيما بلغت حرارتها+ 1 ، 24 درجة.
    ضربنا الخيمة على مسافة 4 كيلومترات منها قرب أطلال حصن صغير يسمى قصر الأصفر. ويحتل هذا القصر قمة خاصرة الجبل التي تنفصل بجرأة عن الجبل وتتقدم في الوادي في اتجاه الشمال الشرق ، 4 / 1 شمال ، الى جنوب غرب ، 4 / 1 جنوبا. ويحتل البناء كل المساحة الحرة للهضبة على أرتفاع 40 مترا تقريبا. وهو على شكل متوازي الأضلاع مضبوط مع برجين كاملين عند الزوايا الشرقية. يبلغ طوله 20 مترا وعرضه 12 مترا. لم يبق من جدرانه المبنية من الحصى من دون ملاط سوى ارتفاع متر الى مترين.
    على المنحدر الجنوبي للكتف التي تحمل هذا القصر بعض شجرات نخيل وآثار حقول وأقنية وبئر يقع ماؤه على عمق 10 أمتار وآثار منازل. وأخبرني علي المجراد بأن هذه الحقول لم تزرع منذ خمس سنوات.
    على مسافة 500 متر غربي قصر الأصفر توجد في الوادي بقايا مبنى مربع كبير يبلغ

    ضلعه 25 مترا تقريبا ، مشيّد بالآجّر. جدرانه التي تتخللها أبراج لا تزال ترتفع الى 8 أمتار. كما أن هناك أيضا آبارا وحقولا مع بقايا سياج. كل ذلك مهجور منذ مدة طويلة.
    على مسافة كيلومتر من هنا ينفتح واد صغير دائري وفيه بيوت من الآجرّ مهدومة وآبار وحقول مهجورة. يطلق على هذا المكان اسم مسجد وهنا على الصخور إلى اليسار اكتشفت بسرور للمرة الثانية نقوشا حميرية. كان هناك تسعة منها.
    قرابة العاشرة خيّمنا تحت كتلة ضخمة من الغرانيت بقيت في سقوطها معلقة على كتلتين أخريين وتعطينا بعض الظل. منذ قرون طويلة يستعمل هذا المكان لحماية المسافرين العابرين لبضع ساعات. وما يدل على ذلك هو بعض أحرف حميرية ورسوم عديدة أكثر من بدائية تمثل فرسانا يمتشقون سيفا أو حربة والذين لا يزالون بمسافة تزيد عن ألفي سنة تماما كما كانوا وكما رسمهم لي الأمير مجيد في حائل على دفتر ملاحظاتي.
    مما لا شك فيه أن وادي توارين هذا كان قديما مركزا مأهولا ومهما الى حد ما. ولا بد أن يكون الحميريون الأوائل قد استقروا هنا كما في عقدة في هجرتهم من الجنوب ، في هذه الوديان التي تسهل حمايتها وتحتوي على المياه. ولا بد أن تكون انعكاسات الثورات التي ما فتئت تهز الجزيرة العربية في كل الأزمنة قد أصابت السكان وقد فرغت مناطق الجبل من أهاليها مرات ومرات. ومن المرجح أن يكون هجر وادي توارن يعود الى الاضطرابات التي أعقبت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب أي قبل مئة عام.
    ينتهي وادي توارين بطريق مسدود من جهة الجنوب لذلك أحجمنا عن اجتيازه بالكامل. وغالب الظن أن طوله يبلغ 35 ميلا من الشمال الشرقي الى الجنوب الغربي لكننا لم نر إلا نصفه وعدنا أدراجنا.
    عند الثالثة من بعد الظهر كنا قد عدنا الى وادي حقل. وبعد نصف ساعة مررنا قرب كتلة من الغرانيت مخروطية الشكل يبلغ حجمها 5 أمتار مكعبة. وفي سقوطها من الأعالي رست منتصبة على صخرة أخرى بحيث لا تلامسها إلا في ثلاث نقاط. الصخرة مفرغة من الأسفل وترن كجرس سميك جدا لدى قرعها بحجر أو بعصا. اسم هذه الصخرة الدنان وكالعادة فإن الرنين المعدني يعني بحسب قول العرب أن هذه الكتلة تغطّي كنوزا.

    على مسافة ثمانية أميال من هنا أقمنا مخيّما قرب جذع نخلة ربما جرفتها أمطار غزيرة ذات يوم إلى هنا. وقد استخدمناه لطهو عشائنا.
    يقدّم الموقع الذي خيّمنا فيه منظرا جميلا. وهو عبارة عن واد متساوي العرض البالغ 500 متر ترتفع على جانبه جدران غرانيتية بشكل عمودي الى 300 متر وتلوّن الشمس قممها بالألوان الزهري والأحمر والبني البنفسجي التي لم أرها من قبل قط. كان ينتابنا انطباع أننا في شارع بالغ الضخامة مرسوم بشكل واضح ومنتظم ثم رش الرمل عليه حديثا ومشط.
    في صبيحة اليوم التالي غادرنا هذا المخيّم الجميل حيث كان جذع النخلة الجاف لا يزال يحترق. على مسافة خطوات الى الشرق نخرج من وادي حقل لندخل وادي جو عبر مسيل ضيق جدا حفره السيل في الغرانيت وتهيمن عليه من الجانبين كتل صخرية عالية. مجرى المسيل معرقل بكتل ضخمة تعيق أحيانا حتى مرور جمل ركوب. في الأجزاء المظللة لا تزال هناك بقع ماء. وتستمر الطريق على هذا النحو مسافة ميل تقريبا صعودا باستمرار ثم يتسع المسيل تدريجيا ونصل بعد حين الى هضبة عالية هي بمثابة جنة حقيقية على الأرض. فشجرات النخيل كثيرة وقوية وباقي النباتات في منتهى الجمال. العصافير تتطاير في كل الاتجاهات وزقزقتها التي لم أسمعها منذ مدة طويلة تبهج النظر بشكل مثير. ووجود ينبوع صغير يبلغ دفقه ثمانية ليترات في الدقيقة جعل هذا المكان مريحا للغاية. وكانت حرارة مياهه+ 5 ، 27 درجة.
    من بعد هذه الهضبة الدائرية الشكل ، يستمر الوادي بجادة طويلة مزروعة كليا بشجر نخيل رائع معظمها مريض بسبب حريق اجتاحها في العام الماضي.
    حتى نهاية هذا الوادي تصعد الأرض رويدا حتى تصل الى هضبة ثانية بمساحة كيلومترين مربعين تقريبا تشكل نقطة توزع المياه. ما إن وصلنا الى هنا حتى انعطفنا الى اليسار وسرنا جنوبا ، 67 درجة شرقا ، وبدأنا بالنزول رويدا حتى أصبحنا في وادي بولثيث (1).
    بعد نصف ساعة من السير وصلنا الى نبع بولثيث الصغير المظلّل بمئة نخلة حيث توقفنا لمدة ثلاث ساعات بانتظار ان تمر ريح حارقة تحمل بعض الرمل.
    __________________
    (1) أو بولتية [التحرير].

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    رحله في الجزيره العربيه 1878-1882 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: رحله في الجزيره العربيه 1878-1882   رحله في الجزيره العربيه 1878-1882 Emptyالإثنين أكتوبر 21, 2024 10:11 am

    في الثالثة عصرا استأنفنا سيرنا. وانطلاقا من هذه النقطة كان كالآتي : ميل جنوبا ـ غربا ، 7 أميال جنوبا ـ شرقا و 3 أميال شمالا 65 درجة شرقا حتى قفار. كنا ننزل بثبات حتى وادي حائل.
    في قفار التي رأيتها للمرة الثانية ، نزلت عند الشيخ منصور ، أحد رجال الأمير الذي خصني باستقبال رائع. وصباح اليوم التالي عند الساعة الرابعة غادرت هذه المدينة المضياف جدا بالنسبة إلي. وبعد ثلاث ساعات كنت قد عدت الى حائل.
    في كل جولاتي في جبل طيء كنت أجد باستمرار الغرانيت الرمادي أو الزهري أو البني المائل الى الاحمرار ولكن دائما بحبيبات خشنة. وهو مكوّن من الصوان وقطع زهرية وبيضاء. كل منحدرات الجبل وعرة جدا وفي كثير من الأحيان عمودية. انحدار الطبقات الغرانيتية تشكل مع الأفق زاوية من 55 درجة عموما. لا يوجد في أي مكان أكتاف بالمعنى الصحيح والجبل يخرج دائما من الأرض بكامل ارتفاعه مما يجعل تسلقه صعبا جدا وممكنا فقط في بعض الأماكن النادرة.
    القصيم
    لم أتمكن من التوجه إلى القصيم إلا في 31 تموز. وقد غادرت حائل في هذا اليوم قرابة الظهر وسرت جنوبا ، 50 درجة شرقا. وبعد خمس ساعات ومسافة 16 ميلا وصلت الى سفح جبل فتيت Fetet وهو سلسلة غرانيتية معزولة كليا ومن عصر جبلي أجا وسلمى نفسه إنما لا يتجاوز طولها عشرين ميلا تقريبا من الشمال إلى الجنوب. بعد عشرين دقيقة خلال اجتياز الجبل مررنا أمام ينبوع العدوة الصغير الذي لا يعطي في هذه الفترة من السنة سوى ليتر واحد في الدقيقة.
    حالما نجتاز الفتيت نجد أنفسنا في سهل واسع يبلغ عرضه عدة فراسخ وتحدّه من الشرق على كامل طوله كتل جبل سلمى الداكنة. لدى وصولنا إليه كانت الشمس تغيب فضربنا الخيم.
    في صبيحة اليوم التالي وقبل شروق الشمس بوقت طويل ، تابعنا سيرنا محافظين على اتجاه الأمس. قبل الثامنة بقليل وصلنا أمام جبل سلمى. وقد احتجنا إلى أكثر

    من أربع ساعات خببا لاجتياز الوادي الواقع بين جبلي فتيت وسلمى والذي يحمل على غرار الينبوع الصغير المذكور أعلاه اسم وادي العدوة. هذا الوادي مغطى بالكامل بالبطحا. وتحتها يوجد تراب يشبه الموجود في وادي حائل. في بعض الأماكن النادرة يظهر الصخر ، واحيانا اخرى الرخام الأبيض المعرّق بالأحمر أو بالرمادي أو بالأسود. النباتات هزيلة والرياح السائدة دائما في هذا الجزء من الجزيرة العربية ، هي الرياح الغربية.
    بعد ساعة ونصف الساعة من السير في جبل سلمى ، تتخذ المنطقة تدريجيا طابعا بركانيا ، فالبازلت يكثر هنا ولا تلبث الطريق أن تجتاز فوهة بركان قديمة تدعى عني Aneai. يبلغ قطر هذه الفوهة حوالي 800 متر. ولدى الفوهة ينبوع صغير في جزئها الجنوبي ـ الغربي تحمل الاسم نفسه ويبلغ منسوبه ليترا ونصف الليتر تقريبا في الدقيقة. وتبلغ حرارته+ 2 ، 26 درجة.
    من جهة الينبوع تتكون جدران الفوهة من قضة حصى وكتل من البازلت والغرانيت غارقة في غلاف من الرماد الترابي والمجموع بقساوة الصخر. على بعد خطوات يتألف الجدار من نضيد بازلتي أحمر.
    شرقي الفوهة حيث تجتازها الطريق للذهاب باتجاه فيد يصبح المعبر صعبا وخطرا ولا يسمح بمرور أكثر من جمل واحد.
    على بعد نصف ساعة من هنا ، فوهة ثانية تدعى الرضيّة مع معبر ضيق للغاية وصعب يتسع تدريجيا من الجهة الشرقية. الطريق تتبع مجرى السيل. وقد كان المسافرون يخشون هذا المعبر على الدوام إذ كان يشكل عرينا يكمن فيه اللصوص وراء الصخور لقتل المارة وسلبهم. أما اليوم وبفضل حكم ابن رشيد فيسود أمن تام هنا كما في كل أراضي شمّر.
    ابتداء من الردية يزداد اضطراب الأرض والأمر الذي يشيد إلى أننا نقترب من مركز هذا الارتفاع البركاني. وبالفعل صادفناه على مسافة ساعة ونصف الساعة إلى يمين طريقنا على شكل فوهة جديدة. كل الأماكن المحيطة مغطاة بكتل البازلت الأسود. المنطقة والفوهة تحملان اسم جهنم وهذا صحيح إذ كل شيء فيهما جهنمي وخاصة الطريق.
    ابتداء من الردية يصعد الاتجاه نحو الشرق.

    فجأة قرابة الثالثة من بعد الظهر ، لمحنا رؤوس شجرات نخيل فيد على مسافة ثلاثة كيلومترات وبعد نصف ساعة دخلنا المدينة الصغيرة.
    قبل الوصول إلى فيد بدقائق معدودات تتوقف الحجارة البازلتية وترى من حين إلى آخر الرمل الصلصالي.
    فيد القديمة التي كتب العالم ريترRitter من أجل تحديدها ثلاثين صفحة دون أن يفلح تبدو اليوم متخلية عن روعتها القديمة وليس فيها حاليا سوى أربعين بيتا.
    تتألف فيد من مجموعة صغيرة من البيوت ومن تسع ملكيات يفصل فيما بينها عدة كيلومترات واسماؤها هي الآتية : عين ، الحمرا ، أبو شقرا ، السنين ، الغزيزة ، الهويمل ، الغطار ، الماليك ، برزان.
    بين مختلف هذه الملكيات المشتملة كلها على شجر نخيل ، لا يزال هناك عشر آبار فيها ماء ، وبقايا مساكن قديمة باتت اطلالا.
    على بعد 600 متر جنوبي عين تلة هناك حمم سوداء مع بقايا إنشاءات ، والأبرز فيها هي الأساسات الدائرية لبرج أو لبئر يبلغ قطرها 10 أمتار واسمها خراش Khoras. شمالا ، 10 درجات شرقي هذه النقطة ، بقايا برج مدوّر لا يزال ارتفاعه يبلغ 8 أمتار وجزء من جدار يسمّى القصر وأطلال مبنى مربع على بعد 800 متر جنوب ـ غرب عين كان فيما مضى جامعا. هذا كل ما تبقى لإثبات امتداد فيد القديمة وأهميتها.
    على بعد بضعة كيلومترات جنوب ـ غرب المدينة جبل قفيل Qefeil البالغ ارتفاعه 70 مترا تقريبا وهو ليس سوى جزء لا يزال منتصبا من فوهة بركان قديم. وقد استطعت أن أحدد من قمته بواسطة البوصلة مختلف أجزاء فيد المذكورة أعلاه والجبال الآتية :
    ـ جبل خويت Khoueit جنوبا 74 درجة شرقا ، حيث لا بد من وجود ماء على مدار السنة.
    ـ جبل غميز الجوGhemeiz el Gou.
    ـ جبل أم الروج وهو فوهة بركان قديمة يوجد فيها آبار.
    ـ جبل بوص الصعيلب وفيه ماء تقريبا طوال العام.

    ـ جبل الهضب الوفير المياه.
    كما أنني سجلت القمم الشمالية والجنوبية لجبل سلمى وكذلك قمة جبل جلدية الذي زرته فيما بعد.
    الصحراء المحيطة بفيد تدعى أبا الكروش.
    تخترق آبار فيد أولا طبقة من الرمل والحصى تتراوح سماكتها ما بين 5 و 10 أمتار تبعا للموقع ، ثم مترين من البازلت الاسود الشديد الصلابة لتصل إلى الماء وهو طيب المذاق. هذا الماء العميق جدا والذي يستلزم جهدا مضنيا لسحبه لري النخيل بات يتضاءل وفق أقوال السكان ، ولا بد من ان نعزو تلاشي هذه البلدة إلى هذا السبب. واللافت جدا هو أن آبار فيد تتصل فيما بينها بسراديب جوفية.
    غداة وصولي إلى فيد ، غادرتها عند الرابعة عصرا متابعا طريقي نحو القصيم. وكان قد رافقني إلى هنا أحد فرسان الأمير. ولكن إلى ما وراء هذه الحدود لم يبق معي سوى بدوي شمّري. وهذا ما قررته بنفسي أمام تردد الأمير في السماح لي بالذهاب إلى القصيم ، وهي منطقة وهابية متشدده حيث كان يخشى كثيرا علي وبالأخص خلال شهر رمضان المبارك الذي بات قريبا.
    بمغادرتنا فيد سرنا 9 أميال إضافية إلى الشرق وإلى الشمال الشرقي ثم خيّمنا. وبعد استراحة دامت ست ساعات ، تابعنا مسيرتنا إلى الشمال الشرقي منحرفين تدريجيا باتجاه الشرق. وعند الواحدة من بعد الظهر وصلنا إلى الكهفةKehafa التي كنا نلمح رؤوس نخيلها منذ ساعتين.
    من فيد إلى الكهفة تجتاز الدرب صحراء من الحث البركاني. العيّنة التي جلبتها معي عبارة عن رمل صواني أصفر مع بعض القطع الكلسية تتخلله حبيبات من الصوان ويحتوي على حبات مغناطيسية عديدة. يظهر الصخر العاري في كل مكان وله مظهر غريب. ويتكون الانطباع بأن كل هذه الكتلة التي كانت قديما سائلة وفي حالة غليان قد تجمدت فجأة. وما يوحي بذلك هو فقاقيع الحث الضخمة البالغ قطرها ما بين 8 و 12 مترا والمحدّبة قليلا التي نصادفها مع كل خطوة. بين الفينة والأخرى نجد بعض الرمل في ثنية أرضية حيث تتمو بعض الأشواك ، ولكن فيما عدا ذلك ، إنها صحراء الحجر المطلقة وسماكتها تفوق الوصف. تلك المنطقة العربية الصخرية من Arabie Petrie حقا ، واسم هذه الصحراء هو الشرافه El Sarafah.

    اشتهر عن الكهفة البالغ عدد سكانها 200 شخص تقريبا أنها بلدة صحية. الرياح السائدة فيها شمالية. وبحسب أقوال السكان والشيخ عمار الذي استضافني ، فإن المطر يهطل مدة عشرة أيام فقط في بداية الشتاء ، أما باقي السنة فلا تهطل قطرة واحدة.
    ليس شيخ الكهفة هو من يستقبل الغرباء العابرين لأنه فقير بل إن هذه المهمة تعود لأغنى مالك وهو عمار الذي يمنح لقب شيخ حتى لو لم يكن شيخا. وعمار هذا هو في الوقت عينه إمام البلدة. من هنا نرى كم كان وضعنا المتبادل دقيقا. فإذا كنت لا أعير اهتماما لكوني ضيف شيخ وهابي ، فإن عدم اكتراثه لرؤية بيته المقدس مدنسا بوجود كافر تجاوز موقفي بكثير. وإلى ذلك فإن قامته الصغيرة النحيلة النافرة العظام وشفتيه المزمومتين وعينيه العميقتين والقلقتين ورأسه الأقرع لم تكن لتمنحه سمة الترحيب. كما وانه اشتهر عنه بخله مع الضيف. إلا انني كنت اسمع السكان الذين جاؤوا إلى المضافة لإلقاء السلام يتهامسون فيما بينهم بأنني على احسن حال مع الأمير محمد وانني ضيفه وصديقه ، فرأيت للمرة الأولى هذا الاسم المحبب يحميني من بعيد. الاستقبال الذي خصني به عمار لم تشبه شائبة. لم يكن في الحقيقة ودودا ولا لطيفا على غرار ما نعمت به حتى ذلك الحين في الجبل. ولكن لا يمكن مطالبة شيخ وهابي بالودّ واللطافة خاصة من قبل نصراني. عاملني معاملة جيدة وألح كثيرا لحملي على العدول عن فكرة الذهاب إلى القصيم. وبما ان الكهفة هي آخر بلدة شمّرية فقد خشي من أن يصيبني مكروه إذ لا أمان من بعد هذه الحدود. عند ما غادرته كانت صداقتنا قد توطدت كليا وما ان اصبحت على مطيتي حتى سمعته بسرور يودعني قائلا" الله معك" وهو الدعاء الاعتيادي لرحلة موفقة في نجد.
    على بعد 6 كيلومترات جنوب شرق الكهفة مجموعة من أربع ملكيات فيها نخيل وحقول شعير تدعى الغميس أخذنا منها مؤونتنا من الماء الذي هو أطيب مذاقا من الماء الذي في الكهفة.
    وعلى مسافة ساعة أم الخشبة وفيها أربع ملكيات واسعة هجرت بسبب اختفاء الماء.
    في فصول الشتاء الغزيرة الأمطار يأتي سكان الكهفة إليها ليزرعوا فيها الشعير لأن تربتها صالحة جدا.
    بين الكهفة والغميس يوجد النفود.

    إن موقع هذه الواحة يشكل ظاهرة جيولوجية شاهدتها للمرة الأولى هنا ، ولكنها تكررت مرارا فيما بعد. فهي تقع في منخفض على شكل حوض هلالي الشكل يمتد من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي ويبلغ طول محوره الكبير 24 كيلومترا تقريبا وطول محوره الصغير 12 كيلومترا. أما حافات هذا الحوض البالغ ارتفاعها ما بين 10 و 12 مترا فعمودية. وقد بدا لي الحوض بكامله منحنيا من الجنوب إلى الشمال. تقع الكهفة على خط المحور الكبير تقريبا باتجاه الجزء الشمالي.
    غادرت الكهفة غداة وصولي إليها قرابة الساعة الثالثة عصرا ومررت على التوالي أمام الغميس وأم خشبة ثم عبرت باقي الحوض وخيمت على حافته الجنوبية الشرقية عند المغيب.
    في الثانية من صباح اليوم التالي عند بزوغ أول نجمة من كوكب أوريون Orion البديع فوق الأفق ، انطلقت من جديد وبعد عشر ساعات وصلت إلى قواره أولى بلدات القصيم.
    قواره قرية صغيرة مؤلفة من اثني عشر بيتا وسكانها الفقراء جدا يعملون جميعا خدما في ثماني آبار (قلب) كبيرة تتباعد فيما بينها مسافة تتراوح بين 600 و 1000 متر على أرض تبلغ مساحتها 5 كيلومترات مربعة تقريبا ومجموعها في حوض تكوينه شبيه بالحوض الذي فيه الكهفة إنما أصغر حجما.
    نخيل قواره هزيل شاحب المظهر ولا يحمل سوى ثلاثة أو أربعة وعلى الأكثر خمسة أقراط من التمر. ويعزو السكان ضعف الإنتاج إلى ضحالة عمق التراب. وقد رأيت بالفعل فيما كنت اتفحص الآبار ، أن تحت طبقة التراب التي لا تتجاوز سماكتها مترين ، يبدأ فورا الصلصال (1) الرملي بعمق مترين الى ثلاثة أمتار تجري من تحته الطبقة المائية الغزيرة جدا والتي لا تتبدل في أي موسم. للأسف ان هذا الماء الجميل والصافي للغاية غير صالح للشرب لفرط مرارته. ولا يوجد سوى أربع آبار من مياه الشرب وبئر مضيفي ليس في عدادها وهو يشرب من مياه بئر أحد جيرانه.
    وكما في الكهفة ، فإن شيخ قواره فقير ، لذا فقد استقبلني (رباح) مالك أحد القلب الثمانية. واذ لم يكن لديه محل لاستضافة ضيف رفيع وهو على أي حال أمر نادر في هذه المنطقة ، فقد استضافني في الجامع الصغير الذي بناه في حديقته مباشرة الى يسار باب المدخل الكبير. وما ان استقريت هنا حتى فكرت بالأمير ابن رشيد الذي
    __________________
    (1) صلصال رملي صواني ناعم الحبيبات.

    تردد طويلا في قبول سفري الى القصيم حيث كان يخشى أن أقع ضحية تعصب السكان الديني وإذ بهم منذ خطواتي الأولى في هذا البلد المتعصب جدا يستضيفونني أنا النصراني في الجامع.
    مع ان قواره هي أول بلدة في القصيم وإنها اعتبرت كذلك منذ القدم ، فإن سكانها يقولون إنهم من ذرية طيء.
    وقد وجدت عند مضيفي رباح أحد سكان طابة ، مدينة في جبل سلمى ، هاجمه بالأمس فيما كان عائدا برفقة ابنه البالغ ستة عشر عاما من بريده مع جملين محملين بالأرز ما بين عيون وقواح ، خمسة أشخاص يمتطون ثلاثة جمال. وفي دفاعه عن نفسه جرح في رأسه وكتفه وقتل ابنه. وفر اللصوص غربا مع جمليه وحمولتهما. ويعتقد أنه عرف فيهم عرب من عتيبة. فضمدت جراحه وأعطيته ما يلزم لتغيير الضمادات. لكن روايته أثرت بشكل سلبي جدا على معنويات طراد الشمري الذي كان يرافقني وهو بالرغم من قامته البالغة 80 ، 1 متر لم يكن يتمتع بطبيعة التحدي وليس لديه أدنى رغبة في مقارعة عتيبة ، أعداء شمر منذ الولادة.
    لحسن الحظ كان لا يزال في قواره ثلاثة مسافرين ينزلون منذ بضعة أيام لدى السكان وهم من قوم الأمير حسن بن بريدة ، كانوا ينتظرون مسافرين آخرين لينضموا إليهم لاجتياز المسافة البالغة الخطورة من قواره إلى العيون. وبفضل هؤلاء تمكنت من متابعة طريقي في اليوم التالي.
    انطلقنا في الساعة الثانية من بعد منتصف الليل. وكانت مشاعل بنادق العرب الأربعة مضاءة. وتستمر الطريق كما بين الكهفة وقواره عبر صحراء محجرة حيث يظهر الصخر في كل مكان. خلال ال 32 كيلومترا الأول سرنا على صلصال رملي أصفر وخلال أل 8 كيلومترات الأخيرات يصبح الصلصال الرملي أحمرا. ولكنه دوما حجر رملي صواني حبيباته ناعمة جدا.
    العيون
    وبعد ست ساعات من السير ، صادفنا تلتين إلى يسار الطريق فبدتا لي اصطناعيتين. وقال لي رجالي بأنها الحدود بين أراضي قواره وأراضي العيون. وبعد

    ربع ساعة لمحنا من بعيد برجين تقع عيون عند قاعدتيهما لكنها لا تزال مخفية لأنها في حوض مماثل للحوض الذي يحوي الكهفة.
    البرجان المطلان على مرتفعات العيون هما مركزا مراقبة لتفحص المحيط في فترات الاضطراب ولتفادي المفاجآت إذ يسمحان بالإبلاغ عن اقتراب أي قوة مشبوهة. وقد صادفتهما لاحقا في بلدات أخرى وبالأخص في قصيبا وحتى في الحجاز في خيبر.
    في المكان الذي نرى منه هذين البرجين قرب العيون ومن ثمّ على بعد كيلومترين وراء التلال الحدودية ، تصبح الأرض شديدة الاضطراب وتكثر آثار فوهات البراكين.
    أخيرا بعد مضي ثماني ساعات على مغادرتنا قواره ، وصلنا إلى حافة الحوض الذي يضم العيون والغوطة اللتين لمحنا نخيلهما من بعيد. وقد امضينا ساعتين إضافيتين لبلوغهما.
    فور هبوطنا الى الحوض تركنا إلى يميننا صخرة رميلة معزولة يلفت شكلها انتباه من رأى أبو الهول أمام الأهرامات قرب القاهرة ، فالشبه كبير. وقد رأيت عليها آثار أحرف حميرية وعربية شبه ممحية كليا وغير مقروءة. وعلى بعد عشر دقائق ، يوجد إلى يمين الطريق أيضا صخرة أكبر بكثير تحمل عددا كبيرا من النقوش الحميرية الممحية جزئيا تمكنت من نقل بعضها. هذه الصخرة تحمل اسم الهراشي.
    بعد مضي عشرين دقيقة على نزولنا إلى حوض العيون ، وصلنا أمام الغاف وهي مزرعة نخيل واسعة جدا اجتاحها النفود كليا. وقد سرت بمحاذاة هذه المزرعة البديعة خببا مدة خمس وعشرين دقيقة. وبعد ساعة ، أي في تمام الظهر ، كنت أمام العيون.
    من الناحية الغربية ، وهي الجهة التي أتينا منها ، يحجب كثب رملي هائل العيون كليا. ويصد هذا الكثيب من جهة المدينة جدارا من الآجرّ يرتفع تدريجيا كلما ارتفع الرمل.
    يبلغ عدد سكان العيون ، أكبر البلدات ما بين حائل وبريدة ، 2500 نسمة تقريبا ومساحتها كبيرة جدا إذ يبلغ طولها من الشرق إلى الغرب 5 كيلومترات تقريبا ويبلغ عرضها ما بين 1000 و 1500 متر. أشجار النخيل فيها جميلة ويعتبر منتوجها من أفضل منتوجات القصيم. والمياه يتفاوت مذاقها من مكان إلى آخر وإن كانت صالحة للشرب ، فهي غزيرة جدا. وتقع المياه مباشرة تحت الصخر الذي يطفو على سطح

    الأرض في كل المدينة والذي تبلغ سماكته ما بين 8 و 12 مترا. وكما هو سائد بالنسبة الى الآبار المحفورة في الصخر ، فإن فتحتها واسعة جدا هنا ويتراوح قطرها ما بين 4 و 8 وحتى 10 أمتار. وقمت بقياس حرارة الماء فكانت+ 10 ، 24 درجة ، ومع أنني قستها بعد نهار كامل من سحب الماء إلا أنه لا يمكن اعتبارها صحيحة نظر الاتساع مساحة طبقة الماء المعرضة للجو المحيط.
    أكثر ما يدهش المسافر القادم مثلي من الجبل في العيون حيث تبدو السلالة البشرية الرائعة الجمال بشعة هنا. فالرجال بشكل خاص لم يكتمل نموّهم وهم قصيرو القامة ، قبيحون ، هزيلون ووجوههم باهتة وضامرة. شكلهم ومظهرهم بعيونهم الغائرة ووجناتهم البارزة ورؤوسهم المغطاة بكوفيّات حمراء دون عقال على طريقة الوهابيين يجعل مقاربة هؤلاء المتعصبين أمرا مزعجا للغاية.
    أما الجنس اللطيف فيبدون لي أكثر توازنا. النساء اللواتي رأيتهن كن على قلّتهن جميلات وممشوقات. عيونهن جميلة جدا كما في كل الشرق لكن لونهن كان باهتا ومرضيا.
    عبد الله ، شيخ العيون الذي يمنحه السكان لقب الأمير ، رجل في الثلاثين من العمر وقد خصني باستقبال ممتاز.
    على بعد عشر كيلومترات غربي العيون تقع غوده وهي بلدة أخرى مهمة تضم حوالي 1500 شخص.
    غادرت العيون غداة وصولي إليها في الثالثة فجرا ، وبعد أربع ساعات وصلت الى القرعا التي تتألف من قسمين يبعد أحدهما عن الآخر مسافة 1500 متر. قسم يشمل النخيل والآخر يشمل القرية البالغ تعدادها 800 نسمة تقريبا. بالإضافة إلى ذلك هناك بعض الملكيات المتناثرة في الجوار ومن بينها ملكية الشيخ وهي جديدة ومصونة.
    سار رجالي حتى قرعا ومشاعل بنادقهم مضاءة ولكن اعتبارا من هذه النقطة لا لزوم لهذا الاحتياط إذ إن وجود بريدة في الجوار كاف لجعل المنطقة آمنة.
    على بعد 3 كيلومترات من قرعا ، على الطريق التي أسلكها بحيرة مالحة تبلغ مساحتها كيلومترين تقريبا. كانت جافة وتعلوها طبقة سميكة من الملح.
    بعد مضي ساعة على مغادرتنا قرعا وصلنا إلى الشقه Eseqah في حوض يبلغ طوله

    15 كيلومترا والمؤلفة من 200 منزل أي ما بين 1000 و 1100 نسمة. إنها قرية فقيرة لتضاؤل الماء فيها منذ بضع سنوات. بالإضافة الى إن المياه مالحة إلى درجة تكاد تجعلها غير قابلة للشرب باستثناء أربعة أماكن. كما إنها على عمق ضحل ، ما بين 4 و 6 أمتار على أبعد تقدير.
    تملك الشقه إلى جانب القرية الرئيسة ستة قلب أورد أسماءها إذ يقال إنها قديمة جدا ، حتى إنها أقدم من القرية بالذات وهي : رقيعة ، راوي ، غوا ، العاصفات ، الصفاه ، الخب.
    بريدة وعين ابن فهيد
    من الشقه قادتني مسيرة ساعتين كاملتين (7 اميال) إلى بريدة حيث وصلت لحظة صلاة العصر بالضبط. المدينة مطوقة بجدران من الآجرّ والتبن بارتفاع 4 أمتار يجعلها التموج الزهري تبدو وكأنها حديثة جدا. المدخل إليها عبارة عن بوابة كبيرة بمصراعين مع عتبة من الحجر. تتخلل الجدران بين الفينة والأخرى أبراج مدورة أو مربعة يزيد ارتفاعها على ارتفاع الجدران بمترين. لا يوجد سطوح وراء الجدران والأبراج.
    توجهنا إلى القصر مباشرة. وهنا وجدت الأمير حسن خارجا من المسجد حيث أدى صلاة العصر فاستقبلني بحفاوة. وضعت سجادات في الباحة فجلسنا عليها وتبادلنا السلام المعهود. ثم سلمته رسالة التوصية التي أعطاني إياها سيده أمير جبل شمّر.
    ولأن حسنا لا يعرف القراءة فقد تولى أمين سره قراءة الرسالة بصوت منخفض بحيث لا يسمع الأشخاص الحاضرون شيئا. فكرر لي فورا ما كان قد قاله قبل القراءة إنه سعيد بالترحيب بي وبالأمير محمد وإن بيته هو بيتي وأنه ما علّي إلا ان اطلب ما ارغب. كما اوصاني بالا اخرج ابدا من القصر دون مرافقة اثنين من رجاله وبأن أحمل دوما سيفي وفق عادة المشايخ في البلاد العربية.
    لقد خلف الأمير حسن والده مهنا الذي اغتيل وسط الشارع قبل ست سنوات. إنه رجل في الثانية والخمسين من العمر مبتذل المظهر ولا ينمّ عن ذكاء متفوق. وفي عينه

    اليسرى بياض تمنعه من الرؤية من هذا الجانب ، وهو يتمتع باستقلالية محدودة ولا يدفع لحائل سوى ضريبة واحدة بعضها من المال وبعضها الآخر عينيّ.
    حكم الامير حسن المهنا عشر سنين وقبله شغل شخص يحمل اسم عبد العزيز المحمد منصب الامير لمدة أربعين سنة تقريبا أي منذ سقوط الوهابيين.
    لا يربو وجود بريدة على مئة وثمانين عاما ولكنها خلفت مدينة أقدم منها كانت موجودة على مسافة ميلين الى شمال البلدة الحالية وتدعى الشماس. هذه الأخيرة أسست قبل ثلاثة قرون ونصف. والمسجد الذي اعتبر بلجريف أنه شيّد قبل أربعمائة عام في الواقع شيّد قبل أقل من مئة عام والمدينة تملك أربع مدارس وستة جوامع بما فيها الجامع الرئيسي في العاصمة. اما السكان الذين يعود أصلهم جميعا الى عنزة فيبلغ عددهم 10 آلاف نسمة.
    بريدة مركز تجاري كبير ولكنه لا يعرف أوج ازدهاره إلا خلال الأشهر الأربعة من السنة التي تلي قطاف التمر. في هذا الوقت غالبا ما نرى ، منتصبة خارج بريدة ، ما يربو على ألف خيمة بدو يأتون للتزود بالتمر والقمح والأرز وبعض الأقمشة القليلة التي يحتاجون إليها.
    فيما عدا هذه الأشهر الأربعة ، يكون ثلثا المحلات مقفلة مما جعل بلجريف يعتقد أن المدينة في انحطاط. بل على العكس اعتقد أنه بإمكاني أن أجزم بأن ثمّة ثروات في بريدة تفوق ثروات حائل عددا وحجما. وقد أعطاني الأمير حسن معلومات عديدة تؤيد ذلك.
    المياه في بريدة ليست طيبة المذاق. فهي في كل الآبار تقريبا مالحة جدا لا تصلح للشرب ومعكرة جدا في كل مكان. مستوى المياه الجوفية يقع على عمق يتراوح ما بين 5 و 10 أمتار تحت الأرض ، وللوصول إليها يجب على العموم اختراق ثلاث طبقات من الصلصال الرملي تبلغ سماكة كل واحدة منها من متر إلى مترين.
    منذ أن بنيت بريدة ، اجتاحتها النفود ، وقد اكتشفت أيضا بهذه المناسبة بأن النفود يسير من الغرب إلى الشرق. فالحدائق الواقعة غربي المدينة بات لديها اليوم من جهتها الغربية ارتفاع يتراوح ما بين 6 و 8 أمتار من النفود يحاول السكان تثبيته بواسطة زراعة شجر الأثل.
    غداة وصولي إلى بريدة الذي كان في الثامن من آب ويصادف أول أيام شهر رمضان

    المبارك ، عشية ذلك اليوم فيما كنت أشرب القهوة مع الأمير ، سألني إذا كنت عازما على الصوم وإذ اجبت بالايجاب انفجر ضاحكا ولكنه أكد لي ان هذا لن يحصل وأنه لن يحتمله وأنه علاوة على ذلك كوني مسافرا يعفيني من الصوم. وبالفعل فقد أعد الطعام لي ولرفيقي كالمعتاد وكذلك القهوة.
    بعد وصولي بأربعة أيام ، قمت برحلة شمالي بريدة إلى عين ابن فهيد وهي بلدة قديمة جدا يغذي نخيلها خمسة ينابيع. إنما مياهها الصافية والجميلة المنظر غير صالحة للشرب لأنها متخمة بأملاح الكلس والماغنيزيوم.
    في منتصف الطريق تقريبا ، بين عين ابن فهيد وبريدة ، توقفت ساعة خارج قرية فقيرة تعد 60 شخصا تدعى الطرفية. فإثر اختفاء الماء من الآبار قبل أربع سنوات تفرق معظم السكان في بلدات أخرى وماتت كل أشجار النخيل وظلت جذوعها المجردة من الورق منتصبة في الهواء على نحو محزن وكأنها غابة من عصي المكانس. كانت جميلة فيما مضى فكلها أشجار نخيل يتراوح عمرها ما بين مائة ومائة وعشرين سنة.
    يزرع السكان ، بالماء القليل المتبقي وغير الصالح للشرب باستثناء مياه بئر واحد ، الشمّام والبطيخ. وهم يعملون على جمع الخشب في الصحراء ويبيعونه في بريدة كما يبيعون الشمّام والبطيخ.
    في المقابل ، عين ابن فهيد في ازدهار مضطرد. وقد رأيت فيها عدة مزارع نخيل فتي تخص إحداها الأمير حسن.
    على مسافة 3 كيلومترات شمالا 76 درجة شرقا من عين ابن فهيد أطلال قديمة تدعى قصر مارد. وهو عبارة عن مبنى كبير مربع ، ضخم جدا ، بني بالحصى والملاط الكلسي طول أضلاعه 40 مترا تقريبا وأضلاع الباحة الداخلية 30 مترا. يواجه باب المدخل الغرب أي القرية الواقعة على قمة تلة صغيرة تشرف على المنطقة.
    على بعد خطوات ، من الجانب الشمالي للقصر ، صخرة على شكل طاولة يتراوح طولها ما بين 40 و 50 مترا ويبلغ ارتفاعها مترين ، تحمل نقوشا حميرية عديدة ولكنها كلها ممحوّة تقريبا ولم أتمكن من نسخ إلا بعضها.
    من الناحية المقابلة للقرية تقريبا ، على بعد كيلومترين إلى الشمال الغربي فوهة

    بركان قديمة تشير إليها كتل كبيرة من الحث منتشرة على مساحة 500 متر مربع تقريبا وأحيانا مغطاة كليا بالنقوش. ولكن هذه النقوش التي سمعت الكثير عنها في بريدة وحتى في حائل ، تعود إلى حقبة حديثة نسبيا وجميعها تقريبا مكتوبة باللغة العربية. وقد تفحصت كل الكتل تقريبا ، حوالي 150 كتلة ، ولم أعثر على شيء سوى أسماء علم أو الشهادة" لا إله إلا الله" غير أن بعض آثار أحرف كوفية وعشرة أحرف حميرية تدل على مرور فنانين أكثر قدما.
    على غرار بلدات عديدة أخرى في الجزيرة العربية وبالأخص في نجد ، فقد تحملت عين ابن فهيد نتائج كل الثورات التي هزت هذا البلد فأفرغت مرارا من سكانها وعادت آهلة. الإقامة الحالية ترقى إلى ثمانين سنة. وبالطبع فإن احدا من السكان الحاليين لا يعرف شيئا عن الذين سبقوه في هذا المكان. تأييدا لقدم عين ابن فهيد ، غاب عن بالي ذكر وجود كهفين مقببين في الطرف الشمالي الشرقي للقرية وهما متلاصقان ولكنني لم أستطع تفحصهما عن كثب لانهما مملوءان بكل انواع الحطام. وفي ذلك واقع لافت يستحق الذكر ، ذلك انه من دمشق حتى عنزه ومن الأحساء حتى البحر الاحمر لم أر مثيلا لهما ولا أعتقد أنه يوجد غيرهما.
    ويبلغ عرض النفود الممتد شرقي عين ابن فهيد 65 ميلا بحسب إفادة الصلب المخيمين قرب القرية لدى مروري.
    في اليوم الثالث من وصولي في 13 آب ، غادرت عين ابن فهيد قبل الفجر بوقت طويل وبعد ساعتين قادتنا مسيرة عشرة كيلومترات جنوبا ، 10 درجات شرقا الى آبارOusetah وسيطة المهمة لأنها تزود عين ابن فهيد بمياه الشرب.
    كل ليلة قرابة منتصف الليل يذهب رجلان يقودان خمسة عشر حمارا من القرية حاملة قرب السكان ويملأونها من آبار وسيطة. ويسيرون يوميا مسافة 20 كيلومترا للحصول على كمية المياه اليومية اللازمة. وأي مياه! لم أر في حياتي ماء موحلة إلى هذه الدرجة. أما مذاقها فباستثناء مياه الشقيق في النفود ، لا أذكر أنني شربت ماء بهذه النتانة. ومع ذلك يا للسخرية المرة ، تجري مياه ينابيع القرية التي تسقي النخيل صافية كمياه الصخور عندنا.
    تقع مياه الآبار على عمق يتراوح بين 4 و 5 أمتار تحت طبقة من الأرض الصلصالية. وبما أن جدران الآبار من التربة فإنها تنهار بسهولة.

    إن وضع هذه البلدة والطرفية الهش فيما يتعلق بمسألة المياه وهي مسألة حيوية ، يظهر بأن الصراع للبقاء في بعض مناطق الشرق يفوق الصراع عندنا في حدته بما لا يقاس.
    من آبار وسيطة انعطفنا إلى اليمين قليلا وسرنا جنوبا 10 درجات غربا ووصلنا في ثلاث ساعات إلى الصريف وهو واد يمتد من الشمال إلى الجنوب على قرابة 8 كيلومترات طولا وكيلومترين عرضا. وفي الجزء الشمالي لا تزال هناك آثار منطقة بركانية.
    من بداية الوادي عبرنا على أطلال قصر بني جزئيا على الأقل من الحجر المقصوب وقد أصبحت بمستوى الأرض. وأبعد قليلا تنتصب ثلاثة قصور يبعد الواحد عن الآخر قرابة كيلومتر ونصف الكيلومتر ولكن القصور مبنية بالآجرّ. وحولها رأينا الكثير من الخضرة وحقول قمح أو شعير. مياه الآبار تقع على عمق لا يتعدى مترين أو ثلاثة أمتار. القصور من الآجرّ تتألف من مجرد أربعة جدران كبيرة وباب ضخم ، أما داخلها فمقسم الى بضعة أكواخ بائسة تستخدم كمأوى. والقصور والآبار والحقول تعود لبضع خيام للصلب تقع مراعيهم الى الجنوب الشرقي من هنا ، في النفود ، إلى ما وراء وادي الرمة. من حين الى آخر وبخاصة إذا كان الشتاء ماطرا ، يذهبون الى الصريف ويزرعون فيه الشعير والذرة وأحيانا القمح.
    تابعنا سيرنا باتجاه الجنوب وصلنا في الواحدة من بعد الظهر إلى قصر رقية في وسط فوهة بركان يبلغ قطرها ميلين. مظهر هذا القصر المبني أيضا من الآجرّ جميل من الخارج ، ولكنه في الواقع مؤلف من جدران فقط تضم كوخين بائسين يبيت فيهما النواطير المزارعون.
    البئر موجودة داخل القصر وهي من أجمل الآبار التي رأيتها في الشرق. لها فتحة تبلغ 24 مترا مربعا فيما يبلغ عمقها 22 مترا ، حفرت الأمتار التسعة الأولى في الرمل والتراب بينما حفر الباقي في الحث. في السنوات الخيّرة ترتفع المياه عادة إلى 15 وحتى 20 مترا ولكن بما أن المطر كان قليلا في الشتاء المنصرم فإن مياه البئر منخفضة نسبيا. المياه التي تسحب من البئر بواسطة الجمال وفق العملية المتبعة في كل الجبل والقصيم ، تمر عبر قناة خارج القصر وتروي حقول الشعير ، والذرة والقمح المحدودة. هذه السنة نظرا لنقص المياه فعلى طول أقنية الري الصغيرة زرع الشمّام والبطيخ الأحمر. قام بتشييد هذه الملكية الجميلة التي تخص الأمير حسن والده مهنا قبل عشرين سنة.

    الروضة
    على بعد ثمانية كيلومترات الى الشمال الشرقي من قصر رقية يقع كفر النبقية الصغير الذي يضم 35 نسمة. وما بين الرقية والنبقية تمتد صحراء حجرة ثم يعود النفود ليبدأ على مسافة قصيرة إلى شرق هذه القرية الأخيرة.
    بعد توقف لمدة ساعتين في الرقية تابعنا سيرنا جنوبا ، 15 درجة شرقا ، ووصلنا بعد ساعتين إلى الروضة وهي قرية تعد 150 نسمة ومقر إبراهيم المهنا ، شقيق الأمير حسن. كل واحد منهما يملك فيها مزرعة كبيرة من النخيل. للقصر الذي بناه إبراهيم لنفسه وإن كان من الآجرّ ، مظهر مهيب جدا وخاصة من بعيد. ويخيل إلينا أنه بناء بابلي هائل.
    إبراهيم أقل ذكاء من شقيقه حسن وللوهلة الأولى لا يختلف في شيء عن خدمه الذين ينام معهم على بطنه على الرمل والغبار. أما فيما يتعلق بي فقد استقبلني بحفاوة.
    كنت أعتزم قضاء يوم في الروضة لفحص الجانب الجيولوجي المثير للاهتمام للمنطقة المحيطة ولكن ذلك استحال عليّ. فمنذ مغادرتي بريدة كانت الرياح تعصف بقوة غريبة والسماء كانت باستمرار متلبدة والجو ثقيلا ثقل الرصاص. إبان عصف الريح كان ميزان الحرارة يرتفع في الظل حتى+++ 50 درجة مئوية. إلا أنني كنت أتحمل كل هذا بشكل أفضل في العراء منه في بيت تحت النخيل. وإذ رأيت ميزان الحرارة يرتفع غداة وصولي بسرعة أكبر من البارحة ولدى شعوري بأن رأسي مطوّق بطوق من حديد ، أعطيت أمرا بالمغادرة في العاشرة صباحا. وبعد نصف ساعة بدأنا سيرنا باتجاه الجنوب وقد لففنا الرأس والجسم وكأننا في رحلة إلى القطب الشمالي لحمايتهما من الشمس والريح الحارقتين. وبعد ساعة في هذه الوجهة وصلت الى وادي الرمة قادما من الغرب ، ونزلت في مجراه وسرت فيه حتى الثالثة حيث غادرته متجها في طريقي نحو الشمال. وبعد ساعة ونصف الساعة كنت قد عدت الى بريدة.
    من المكان الذي التقيت فيه وادي الرمّة قادما من الروضة ، تقع على مسافة 3 كيلومترات جنوبا الى وراء الوادي قرية الشماسيّة الصغيرة وتضم 250 نسمة. هذا المكان الذي قيل لي إنه فقير كان موجودا في القرن الماضي.
    على مسافة عشرة كيلومترات شمال غربي الشماسية تقع الثامية وهي مزرعة

    صغيرة تضم 10 أشخاص. أمضيت اليومين التاليين في بريدة وفي 17 آب غادرتها مرة ثانية لزيارة عنيزة.
    تلبية مني لدعوة أحد السكان الأثرياء ، الشيخ ناصر الذي كان يقطن قرية الخب ، أخذت طريقي من هنا. كانت المسافة تبلغ ميلين فيما كانت الوجهة الجنوب ، 67 درجة غربا.
    غربي بريدة يشكل النفود تلالا طويلة تمتد من الشمال الى الجنوب. والخب تمتد في الاتجاه عينه في الوادي الثاني ابتداء من بريدة على طول 4 كيلومترات وتضم ملكيات رائعة. ملكية الشيخ ناصر من أروعها تضم 700 نخلة يبلغ عمرها ستين سنة أي أنها في عز حيويتها. وهو يملكها منذ ثلاثين عاما ولكنه عازم على بيعها نظرا لتناقص المياه وقد عرض عليه هاو حاليا خمسة آلاف ريال أي حوالي 20000 فرنك مما يجعل سعر النخلة الواحدة اكثر من سبعة ريالات بقليل. في حائل يبلغ سعر النخلة إجمالا عشرة ريالات. يستفيد الشيخ ناصر من هذه الملكية دخلا سنويا يبلغ 2000 فرنك تقريبا ويجعله هذا المبلغ رجلا ثريا في القصيم.
    لم أغادر الخب إلا عند صلاة العصر قرابة الثالثة عصرا وسرت الى الجنوب الشرقي. وبعد كيلومترين صادفنا أول بساتين حويلان وسرت بمحاذاتها مسافة 3 كيلومترات حيث تبدأ القصيعة التي تمتد أيضا من الشمال الى الجنوب على مسافة تتراوح ما بين 2 و 3 كيلومترات.
    على الرغم من وجود هذه القرى الثلاث الخب ، حويلان والقصيعة في قلب النفود إلا انها تقع في ثنية أرضية خالية من الرمل وهي من هذه الزاوية تشبه الجبة شمال جبل أجا وآبار الشقيق والزهري جنوبي الجوف.
    بعد مغادرتي الخب بساعتين ، تركت الوادي الذي تمتد فيه هذه البلدات الثلاث وسرت مجددا في النفود إلى الجنوب 10 درجات شرقا. انطلاقا من هذه النقطة وحتى مدينة عنيزة تصبح الطريق شديدة الخطورة بسبب التجوال الدائم للبدو الذين يخيّمون في الصحاري شرقي هذه المنطقة وغربها.
    وادي الرمة وعنيزة
    وبعد سير دام من الخامسة حتى الثامنة ليلا في النفود ، وصلت إلى وادي الرمّة وأولى

    شجرات النخيل فيه. وقد لزمني نصف ساعة لاجتياز الوادي وبلوغ النفود مجددا على الضفة اليمنى. كان الوقت قد أصبح متأخرا جدا للدخول إلى عنيزة لذا خيمت عند حافة الوادي قرب كوخ فلاحين نواطير النخيل.
    جزء من وادي الرمّة الذي يمر قرب عنيزة مزروع كليا بالنخيل الذي يخص سكانا في هذه المدينة. ومن الإثمار حتى قطاف التمر يسكن فلاحوهم فيه مشكلين قرية تدعى الوادي. خلال الشتاء يقيم قسم من هؤلاء السكان في المدينة. لا يتجاوز عمق الماء في هذا الجزء من الوادي مترا أو مترين عن سطح الأرض بحيث لا يحتاج النخيل إلى السقي كما هو الحال في أماكن أخرى. فوضعها شبيه بوضع نخيل عقدة وحقل وجو وأماكن أخرى في جبل شمّر.
    زراعة النخيل في وادي الرمّة قديمة جدا وقد كان فيها قديما مدينتان أو على الأرجح قريتان كبيرتان مزدهرتان تماما. إحداهما إلى شمال ـ شرقي عنيزة تدعى الوهلان ، والأخرى إلى الشمال ـ الغربي تحمل اسم العيارية. وقد اختفتا كليا اليوم وكانتا بالطبع مبنيتين من الآجرّ. إلا أن الشيخ غانم الذي تعرفت إليه في عنيزة أكد لي انه رأى قبل عشرين عاما في البلدة الأخيرة من البلدتين حجارة مقصبّة تحمل نقوشا. وقد اختفت منذ ذلك الحين. ولكن من المرجح إذا كان الخبر صحيحا أن وزنها جعلها تغوص في تربة الوادي الرخوة.
    صبيحة اليوم التالي ، سرت عند شروق الشمس ووصلت بعد ساعة أمام عنيزة التي تطل عليك بمظهر عظيم وأنت قادم من الشمال. ثم أمضيت أكثر من نصف ساعة لاجتياز البساتين والمنازل الأولى لبلوغ قصر الأمير زامل.
    كان الأمير زامل الذي أدى دورا مهما في تاريخ بلاده قد بلغ الثانية والخمسين عام 1880. وهو رجل صغير القامة ، أعرج بسبب رصاصة أصابته خلال الحرب. جبهته عريضة وعيناه الحيويتان شديدتا الذكاء ومجمل ملامح وجهه هي ملامح ثعلب قديم داهية.
    وبعد ما قرأ الرسالة التي حمّلني إياها محمد بن رشيد له ، بدا محتارا وقلقا. فقلت له عندئذ محاولا طمأنته بأنني جئت لأمضي يومين أو ثلاثة لزيارة المدينة. بداية لم يشأ أن أخرج من القصر لكنني قاطعته مؤكدا له جازما بأنني لم أقطع المسافة لأبقى محبوسا في مضافته.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    رحله في الجزيره العربيه 1878-1882 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: رحله في الجزيره العربيه 1878-1882   رحله في الجزيره العربيه 1878-1882 Emptyالإثنين أكتوبر 21, 2024 10:13 am

    غير أننا توصلنا في النهاية إلى تفاهم وتوافقنا على ألّا أخرج إلا بصحبة شمّري واثنين من رجاله وفيما عدا ذلك لي الحرية المطلقة. وأوصاني كما فعل الأمير حسن في بريدة بأن أرتدي باستمرار زي شيخ شمّري كبير والسيف في يدي. وأضاف" آه ، لماذا اتيت الى هنا في شهر رمضان المبارك؟ " فطمأنته ما استطعت مؤكدا له أن كل شيء سيسير على ما يرام. فقال" إن شاء الله! ".
    ستدركون مدى المخاطر التي شكلها حضوري بالنسبة الى زامل عند ما تعلمون أن سكان عنيزة يعدون من الأكثر تعصبا وأن زامل ليس أميرا عظيم الشأن على غرار ابن رشيد في حائل. عنيزة اليوم هي مدينة شبه مستقلة ، إنها جمهورية وهو مجرد رئيس منتخب فيها.
    وبالفعل ، كل شيء سار على ما يرام ، واستطعت أن أقوم بكل جولاتي ومراقباتي ، حتى إنني وجدت صديقين وهما : عبد العزيز ابن محمد البسام وهو تاجر ثري زار الهند وفارس والآخر الشيخ غانم الذي أمضى سنتين في إستانبول.
    قائد الحرس المدني ، إذا صح التعبير ، الذي يملكه زامل ، وهو أحد الجنديين اللذين وضعهما لحراستي ، يدعى ثقيل ويبلغ من العمر خمسا وأربعين سنة. وقد جال بصفة درويش على ما أعتقد ، في بلاد ما بين النهرين وكردستان وسورية ومصر ولذلك فإن أفكاره أوسع من أفكار مواطنيه. وقد اسعفني كثيرا خلال الوقت القصير الذي قضيته في عنيزة وجنبني متاعب عديدة. وقد اضطررت مرارا إلى قمع حميّته عند ما كان يهاجم بقوة مبالغة بعصاه أو سيفه الحشد الذي كان يتبعني باستمرار ويضغط عليّ أحيانا.
    وفق أقوال زامل وآخرين ، فإن عنيزة أسست قبل 1050 سنة والبعض يقول 1150 سنة. لم تكن المدينة الأولى تشغل الموقع الحالي بل كانت على بعد ميل إلى الغرب. وبعد ما هجرت أو دمرت بعد ثلاثمئة وعشرين سنة على وجودها ، أعيد بناؤها في الموقع الحالي.
    أرض عنيزة صغيرة جدا اليوم. وهي تتكون في الخارج من الشبيبية على مسافة تسعة أميال إلى الجنوب وهي قرية مهدمة لم يبق منها سوى القصر وهو أيضا بات أطلالا. في الشتاء تزرع فيها أحيانا حبوب.
    على مسافة سبعة أميال شرقا ، روضان العوشزية وفيها 1000 نسمة

    واخيرا الوادي في الشمال ويضم 500 نسمة تقريبا.
    برأيي أن عنيزة بالذات تعدّ ما بين 18000 و 20000 نسمة على أبعد تقدير. وفيها خمسة عشر مسجدا وأربع مدارس واحدة منها للبنات.
    بعد ما كانت منذ البداية تشكل جزءا لا يتجزأ من الإمبراطورية الوهابية ، بقيت في هذه التبعية حتى وفاة فيصل عام 1865. ثم نشبت الحرب الأهلية مباشرة بين أولاد الأمير الراحل الأربعة : سعود ، عبد الله ، عبد الرحمن ومحمد. عند وفاته ترك سعود ولدين محمد وعبد العزيز. وقد تنازل لهما عبد الله الذي خلف والده أميرا لنجد ، عن أراضي الخرج.
    فور وفاة سعود تقريبا ، اندلعت حرب خلافة طويلة فيما بين شقيقيه عبد الله ومحمد. وبعد مغامرات متنوعة أجريا السلم فيما بينهما واحتفظ عبد الله بالسلطة. ولكن خلال الحرب الأهلية تفككت الإمبراطورية الوهابية ، فأخذ جزءا منها الأتراك أما في الخليج الفارسي وفي الداخل فقد استقلت عدة مدن كبرى وفي عدادها عنيزة والرس. أولى هاتين المدينتين لم تعد تدفع لأمير الرياض أي ضريبة منذ عام 1867. هذا ما هو عليه الوضع اليوم في نجد الذي أطرقه عرضا عازما على معالجة الجزء المتعلق بتاريخ الجزيرة العربية الوسطى في عمل آخر.
    غادرت عنيزة في عشية 20 آب ، بعد صلاة المغرب. وكان الأمير زامل قد اتخذ احتياطات استثنائية لمنع حصول أي حادث مزعج لي على أراضيه. فقد أخليت الساحة الكبرى أمام الجامع التي يفضي إليها الطريق المسدود الذي يسكن فيه زامل ووضع رجال مسلحون في الشوارع الخمسة المؤدية إلى الساحة مانعين كل اتصال. أخذت الطريق عينها التي أتيت منها. ومن بعيد كنت أسمع رجالا آخرين منهمكين بصد أولئك المتوجهين إلى الساحة وكان صرخات الناس المدفوعين وصياحهم يتناهيان إليّ. لدى اقترابي رأيت أن جميع رجال الأمير قد استلّوا سيوفهم من أغمادها. ومع تقدمي تدريجيا مع شمّري كان الرجال الذين يقطعون الشوارع ينكفئون من ورائي.
    لم يدهشني اهتمام الأمير البالغ بي والذي تجسد بهذا العرض للقوى الذي لم يبلغني عنه على أي حال ، بقدر ما أدهشتني فظاظة الجنود في تنفيذ الأوامر. أحد السكان الذي لم يعد أدراجه فورا راغبا في الحصول على مجرد تفسير وجد نفسه محاطا

    بخمسة رجال من المواكبة بلمح البصر ، وقبل أن أتمكن من التدخل كان قد أصبح طريحا بلا حراك على الأرض بعد ما انهالت ضربات مقابض السيوف على رأسه. وترك ممدا وسط الطريق ولم يكترث أحد به.
    لدى خروجي من المدينة استطعت أن أعدّ حراسي وبلغ عددهم سبعة عشر. وأردت ان أصرفهم لكنهم قالوا لي إن أوامرهم تقضي بإيصالي حتى مشارف بريدة. وتوقفنا برهة فأشعل جميعهم مشاعل بنادقهم ثم تابعنا سيرنا. فانقسموا إلى ثلاث مجموعات سارت على مسافة عشرين مترا إلى جانبي وورائي.
    في غضون ساعة أصبحنا على مرأى من الروغاني وهي قرية مؤلفة من 120 نسمة ، فتجاوزناها وبعد دقائق أقمنا مخيما في الوادي.
    تابعنا سيرنا قبل الثالثة ووصلنا قبالة خطر في الخامسة حيث غادرتني المواكبة لتعود إلى عنيزة. وبعد خمسة كيلومترات بتنا على مرأى من صبيح ولم نلبث أن عدنا إلى بريدة.
    إلى جانب البلدات التي ذكرتها خلال مساراتي في القصيم ، لا بد لي من ذكر بعض البلدات التي لم أتمكن من الحصول على معلومات دقيقة بشأنها لأسمح لنفسي بوضعها على الخريطة. فليس في البلاد العربية أمر أقل حشمة بل وأخطر من الاستفسار عن معلومات جغرافية في الجزيرة العربية الوسطى. المستشرقون يعرفون ذلك وآمل ان يسامحني علماء الجغرافيا على الثغرات التي أشرت إليها لتوّي. البلدات التي لم تذكر على الخريطة تقع في المثلث المكوّن من عنيزة وبريدة وغودة وهي الشيحية (على بعد 12 ميلا من بريدة إلى الغرب) ، بكرية ، الهلالية ، الخبرا ، رياض ابن حنايا.
    إلى شرق بريدة وبين هذه المدينة ووادي الرمّة ، أيضا بلدتان صغيرتان هما حنيظل وأبو الدود.
    وأخيرا هناك قرية أخيرة اسمها دويرة تقع على مسافة قريبة من بريدة الى الغرب أو الجنوب ـ الغربي.
    على بعد بضع كيلومترات غربي حويلان توجد الرويضيّة وهي قرية مهجورة.
    بقيت يومين إضافيين في بريدة ثم غادرتها في 23 آب لأعود إلى الجبل.

    انطلقت في التاسعة صباحا ووصلت بعد ساعتين إلى الشقة حيث توقفت هنا مدة ساعتين. ولدى مغادرتي هذه البلدة سلكت طريقا تقع أكثر إلى الشرق من الطريق التي سلكتها للذهاب الى القصيم مما سمح لي بمشاهدة بلدتين لم ازرهما من قبل.
    إذ غادرت الشقة عند الواحدة من بعد الظهر متجها شمالا 65 درجة غربا ، وصلت بعد ثلاث ساعات إلى أوثال Outsal وهي قرية مؤلفة من 250 نسمة وتحتل موقعا موفقا في حوض من الحث طوله ميلان وعرضه ميل واحد. ومن أجل العثور على ماء لا يتبدل منسوبه طوال السنة ما علينا سوى أن نخرق طبقة الحث التي تشكل أرضية الحوض والتي تتراوح سماكتها ما بين مترين وخمسة أمتار. وقرية اوثال لا تشكل كتلة متراصة بل تتألف من ست مجموعات من الملكيات. والمياه ليست صالحة للشرب في كل مكان. وبين الشقة وأوثال تمتد صحراء حجرة حيث يطفو الحث باستمرار.
    قصيبة
    في صبيحة اليوم التالي غادرت أوثال وبعد سبع ساعات كاملة من السير عبر صحراء البطين الحجرة ، وصلت إلى قصيبة.
    صحراء البطين أبشع صحراء عرفتها. انطلاقا من أوثال نسير خلال ساعة تقريبا عبر صحراء من الحجر الرملي تعقبها مباشرة صحراء من الحصى المبروم تمتد حتى قصيبة. وفي كل هذه المسافة الطويلة لا تشاهد العين نبتة خضراء واحدة مما يضفي عليها كآبة تفوق الوصف.
    قصيبة تحتل أيضا حوضا طبيعيا شبيها بالأحواض التي وصفتها آنفا إنما أعمق منها. حافة الحوض ترتفع إلى 30 مترا مما يحجب رؤية نخيل القرية الذي لا نراه إلا لدى بلوغنا حافة الحوض. إلا أننا نلمح على بعد ميلين الأبراج المنتصبة على المرتفعات لمراقبة المناطق المحيطة.
    قصيبة التي كانت ذات نفوذ كبير فيما مضى ، لا تزال اليوم إحدى كبريات بلدات القصيم الجنوبي. وقد أكد لي الشيخ المحليّ أنها كانت تعدّ 2000 بندقية ولكن من الواضح أن هذا الرقم مبالغ فيه وأقدر بأن السكان لا يتجاوزون 3000 نسمة على أبعد

    تقدير. للوهلة الأولى تميل بالفعل إلى منحها عددا سكانيا أكبر لأن البلدة بكاملها تمتد على أكثر من 4 كيلومترات على طول الجانب الغربي للحوض الذي تقع فيه. ولكن ما إن نمعن النظر حتى نكتشف بأن جزءا كبيرا من الأملاك مهجورة وأصبحت أطلالا. ويتكرر هنا بوتيرة متزايدة انهيار بئر واختفاء الماء بحيث لا مفر للمزارع من الابتعاد قليلا وحفر بئر جديدة والقيام بمزروعات جديدة.
    وقد يحدث أمر غريب في قصيبة يتمثل في تحول ماء بئر كانت طيبة المذاق منذ أجيال وأجيال ، بين ليلة وضحاها ، إلى مياه مالحة أو مرة. وعلاوة على ذلك فالمياه غزيرة وارتفاعها ثابت على مدار السنة.
    يعتبر وجود ينبوع ماء حدثا نادرا في الجزيرة العربية لذا يعرف هذا الينبوع من بعيد. هكذا علمت في الجبل بوجود ينبوع في قصيبة حيث اكدوا لي ذلك. وقد قادني الشيخ بنفسه اليه. وبذلك تبيّن لي ان الينبوع عبارة عن بئر ارتوازية ذي منسوب منتظم يبلغ ليترا في الثانية. وبما أنه يرجح عدم معالجة البئر إطلاقا ، فإن المياه غامقة اللون نتنة وغير صالحة للشرب. وبسبب الوحل لم أستطع قياس عمقها الذي قيل لي إنه يبلغ 20 مترا وهو رقم مبالغ فيه برأيي. حرارة المياه التي اخذت على عمق 5 أمتار مرتفعة جدا وقد بلغت+ 10 ، 29 درجة إلا انه من المحتمل ان تكون غير بعيدة عن المعدل السنوي للحرارة في المنطقة إذ يبدو ان قصيبة تخضع لتأثير عوامل مناخية خاصة. وقد أكد لي جميع السكان ان البلدة لا تعرف البرد إطلاقا وانه لا يلاحظ أي فرق في الحرارة بين الشتاء والصيف. كما وان الشتاء المنصرم الذي كان قاسيا جدا على شجر النخيل في الجوف وشمر وباقي نجد لم يشعر به هنا. لذا يمكن الاستخلاص من كل هذا بأن قصيبة لا بد أن تكون وسط منخفض واسع وعلى الأرجح على ارتفاع أدنى من مستوى باقي القصيم بعدة مئات من الأمتار.
    وفرة الماء وارتفاع الحرارة تغذيان في هذه البلدة على مدار السنة آفتين مزعجتين وهما البرغش والحمّى.
    تنعم قصيبة منذ القدم بشهرة وطيدة بأن لديها أفضل تمور القصيم.
    في هذه الواحة التي يمكن لها أن تكون جنة يعيش سكان بائسون خاملون. لدى رؤية الملكيات العديدة المهجورة نسأل عن سبب الهجرة ، أهو الهواء أم الماء أم الغذاء؟ من دون إنكار تأثير هذين العاملين الأخيرين ، أعتقد أن العامل الأكثر فعالية هو الهواء

    المتخم بالهوامّ المنبعثة من المياه الراكدة العديدة والذي لا تجدده رياح الغرب المهيمنة لأن الواحة محمية كليا من هذا الجانب بجدار الحوض الذي تقع فيه. ومهما يكن من أمر فإنني لن أنسى لأمد طويل القسمات المشدودة والوجوه الضامرة والأجسام الضعيفة النحيلة والصغيرة للسكان.
    عند الطرف الشمالي ـ الشرقي لحوض قصيبة أملاك اسمها مشكوك.
    وعند طرف القرية في الشمال تنتصب على كتف جدار الحوض أطلال مبنى قديم من الحجر المقصّب يعرفه جميع الناس في نجد تحت اسم قصر عنتر أخو مارد. وفي ذهن سكان البلاد تعود كلمة أخو إلى كلمة قصر وتعني ان هذا القصر هو أخ قصر مارد في عين ابن فهيد.
    لم يبق شيء يذكر من هذه الأطلال. خط الأسوار على الأرض وبعض الحجارة المتناثرة. لم استطع العثور على أي أثر للنقوش وقد أكد لي السكان أيضا انهم لم يلاحظوا وجود أي منها بتاتا.
    الكهفة
    في اليوم التالي غادرت قصيبة قبل الفجر. متوجها إلى الكهفة وبعد ساعتين من السير شمالا ، 15 درجة غربا ، بلغنا حوضا جديدا يدعى الحمودية يضم ست أملاك مهجورة. وهو لا ينتج نخيلا ويأتيه العرب البدو أحيانا ليزرعوا الحقول شعيرا وقمحا. منذ أكثر من عشر سنوات وهذه الحقول بور ولكن المنشآت والآبار محفوظة تماما تحت هذه السماء الحليمة والمياه في الآبار وافرة. توقفت هنا لمدة نصف ساعة لتناول بضع تمرات.
    ولم نلبث أن استأنفنا سيرنا ، وقرابة الساعة التاسعة بدأت صحراء جديدة لا مثيل لكآبتها ، مكونة فقط من حطام حث وخالية من أي شجيرة. وقد عانيت كثيرا من القيظ وبالأخص من ارتداد وهج الأرض. هذه الصحراء الحجرة الواقعة بين قصيبة وقوارة والكهفة تدعى الترمص. أخيرا في الرابعة عصرا لمحنا الكهفة التي وصلنا إليها بعد ساعتين.

    بشأن المسار على الخريطة بين قصيبة وكهفة لا بد لي من الملاحظة بأن الالتفافات التي نراها لم تستلزمها طبيعة الأرض القابلة للعبور من كل الاتجاهات ، إنما حيرتنا حيال الوجهة التي يجب اتباعها. لم يكن في هذا الاتجاه غير المطروق إلا نادرا ، على أي حال ، أي درب أو أثر ، فهذه الأرض الحجرة لا تحتفظ بأي أثر ورفيقي طراد لا يعرف سوى طريق القصيم الاعتيادية التي تمر بقوارة. وما كان يربكنا هو أن شيخ قصيبة لدى إعطائنا وجهة كهفة في الصباح على طريقة الصحراء أي بقطعه الأفق بيده المفتوحة عموديا ، أشار إليها متماديا إلى الشمال.
    وقد أبدى لي الشيخ عمار ارتياحه لرؤيتي سالما ومعافى وخصني باستقبال حار ولكنني لم أدخل منزله وبقيت مخيّما في الخارج على الرمل لأتمكن من المغادرة باكرا.
    الا أنه أراد ان يعتبرني ضيفه ، فأرسل لي بعد العشاء اثنين من رجاله لحراسة جمالي وأشيائي طوال الليل مع أن ستة من فرسان الأمير الذين التقيتهم هنا وضعوا أنفسهم فورا في خدمتي.
    في اليوم التالي انطلقنا في ساعة مبكرة ولكن على مسافة فرسخين من كهفة ضيعنا قرابة ثلاث ساعات بسبب إنذار بوجود لصوص قمنا بمطاردتهم لكنهم أفلتوا منا بفضل الظلام ، بحيث لم نصل إلى فيض إلا قرابة غروب الشمس.
    لدى مغادرتي في صباح اليوم التالي ، اجتزت جبل سلمى عبر وادي الاتسر وحينما مررت قبالة قصر عدوه وهو ملكية مهجورة حاليا ، خيّمت لبضع ساعات قرب جبل فتيت وعدت إلى حائل في 28 آب بعد غياب دام ثمانية وعشرين يوما.
    جبل جلدية
    في 22 أيلول فيما كان الأمير يقوم بغزو جنوبي وادي الرمّة ، قمت برحلة إلى جبل جلدية الذي يبعد مسافة يوم طويل إلى شرق حائل حيث ذكر لي وجود نقوش.
    انطلقت في الساعة الرابعة عصرا من حائل وسرت مدة ساعة مع دليلي باتجاه الشمال ، 77 درجة شرقا.

    في صباح اليوم التالي انطلقنا قبل الفجر ووصلنا بعد ساعة إلى حدود الأرض الغرانيتية حيث يبدأ الحث فورا. وبعد قليل أقمنا مخيما قرب كتلة ضخمة من الحث تدعى أم الرجوم مغطاة كليا بنقوش حميرية محاها الزمن كليا تقريبا غير أنني استطعت أن أنسخ أربعا منها لا تزال مقروءة بشكل واضح.
    على بعد خمسة عشر كيلومترا إلى الشمال ، 80 درجة شرقا ، صخور باعور حيث أيضا غدير يحمل الاسم إياه وحيث وجدت ثلاثة نقوش إضافية وصور حيوانات رسمت بشكل صحيح نسبيا.
    أبعد من ذلك في الاتجاه عينه توجد صخرة البواب حيث خيّمت بعد ما نسخت ستة نقوش.
    في صبيحة اليوم التالي ، وصلت بعد شروق الشمس بساعتين أمام قمة معزولة كانت فيما مضى متصلة بجبل جلدية وتحمل نقوشا ما زال الجزء الأكبر منها محفوظا بشكل جيّد. هذا الجزء من الجبل يحمل كذلك اسم البواب. هنا نسخت ثمانية وعشرين نقشا جميعها حميرية.
    عند قاعدة جبل البواب يتكون الوادي الذي يحمل الاسم عينه والذي يجري نحو بقعا في الشمال ـ الشرقي على مسافة 5 أميال إلى الجنوب ـ الشرقي لجبل جلدية يقع جبل جهنةGehennah.
    على بعد 4 أميال إلى الشمال 80 درجة غربا من البواب ، عثرت على ثلاثة نقوش إضافية أخرى على مسافة ثلاثة أميال في رافد صغير لوادي الشقيق محفورة على صخرة يبلغ ارتفاعها 20 مترا تقريبا وتدعى الصعيليدزه (1) El C ? ailidzah.
    لوادي الشقيق الذي يتكون في هذه المنطقة مسار يبلغ 12 ميلا تقريبا إلى الشمال.
    الشرقي ويضيع في الحوض الذي يحوي آثار الحاصرة.
    في اليوم التالي في 25 أيلول عدت إلى حائل. وقد أعطتني رحلتي النتائج الآتية : 1 ـ خمسون نقشا حميريا.
    __________________
    (1) الليدي آن بلانت رأت هي أيضا هذه الصخرة التي تسميها صيليةSaylyeh والنقوش التي قال السيد رسام إنها أحرف فينيقية قديمة وهذا ما تشكك به بحق ، هي نقوش حميرية. انظر
    Voyage en Arabie. Pe ? lerinage au Nedjed, Berceau de la Race Arabe, Par Lady Ann Blunt.
    ص. 25 ـ 321 ، 1882Paris ,Hachette ,

    2 ـ الدليل على أن المنطقة الغرانيتية ذات مساحة ضيقة جدا شرقي حائل وهذا ما لم أكن لأصدقه إذ بعد رحلتي إلى القصيم افترضت أن الغرانيت يمتد على الأقل حتى هاجرة فيدFeyd شرقي حائل.
    3 ـ الاكتشاف الجديد الذي يثبته مجرى الوديان بانحدار جبل شمّر باتجاه الشمال ـ الشرقي انطلاقا من نقطة حددتها مؤقتا بين الجنوب والغرب أبعد من جبل أجا البادي من حائل. هذه المسألة كانت قد تكشفت لي جزئيا من مجرى وادي حائل.
    واكتشفت كذلك أن هذه المنطقة على الرغم من كونها صحراء حجرة فحسب ، تحتوي على مراع أفضل من الأراضي الغرانيتية الواقعة في الجنوب. فالحث الطري بطبيعته يتفاعل بسهولة مع الماء ويسمح بأن تخترقه ، لذا فإن كل المنطقة التي جبتها ما بين الباعور وجبل جلدية مثلّمة ولا تحتوي إلا على القليل من الرمل مما يساعد على نمو الخضار. وهي أخيرا تملك عددا كبيرا من الغدران التي تحتفظ بالماء حتى شهر أيار في مواسم الشتاء الممطرة.
    الحجاز
    لم أتمكن من المغادرة لزيارة واحات الغرب إلا في 30 تشرين الأول. وكان الأمير قد أعطاني دليلا على معرفة تامة بالمنطقة من حائل إلى تيماء. في تيماء أو في العلا قام حكام الأمير بتأمين دليل آخر لي للذهاب إلى خيبر وللعودة من هناك إلى حائل.
    كان دليلي ، وهو شمّري من قبيلة سويد ، يدعى عجلان ابن جعري.
    الطريق المألوفة للذهاب من حائل إلى تيماء تمر عبر رعى السلف (1) ولكن رغبة مني في تحديد جبل أجا باكبر دقة ممكنة ، اتخذت طريقي من الشمال للالتفاف حوله.
    انطلقنا من حائل عند الظهر ، وأقمنا مخيّمنا عشية مرحلتنا الأولى شمال جبل أجا.
    __________________
    (1) Ri'a رعى مضيق ، معبر.Ri'a e'Self رعى السلف يجتاز جبل أجا من جهة إلى الجهة الأخرى. وهو يبدأ جنوبي قفار ويفضي إلى قرب موقق Mouqaq.

    في اليوم التالي وبعد مسيرة دامت ثلاث ساعات وصلنا إلى النفود وفي الساعة الثالثة عصرا كنا نخيّم فيه بانتظار دليلي ، على مسافة كيلومتر واحد شمال جبل حشب.
    قرابة الظهر كنا قد وصلنا إلى آبار الحفرةEl Heferah. هذه الآبار القديمة جدا والبالغ عددها أحدى عشرة بئرا ، تتمتع بجدران مزودة بحجارة مقصّبة. حجارة الغرانيت العليا مصقولة كليا وهي تحمل خطوطا عميقة ناجمة عن التآكل الذي تحدثه الحبال. ويبلغ عمقها حوالي 20 مترا فيما يبلغ قطرها 3 أمتار.
    تقع الآبار في حوض شبيه بحوض جبه إنما مساحته لا تتعدى 4 فراسخ مربعة تقريبا.
    شرقي الحوض منزل كبير فيما إلى الغرب شجر نخيل له من العمر أربعون عاما تقريبا. كل هذا هجره المالكون منذ خمس سنوات فقط ليعودوا إلى حياة البداوة.
    في اليوم التالي ، في الأول من تشرين الثاني لم نمش إلا تسع ساعات وخيّمنا في المساء قرب خيمة بدوي من قبيلة سنجارية.
    بعد انطلاقنا في الصباح بوقت قصير تراءى لي جبل مسما برهة وسجلت ذلك وكذلك القمة المسماة سمير ثويل. حيث عند قاعدته قرية ثويل Thouail المعروفة أكثر باسم تويةTouiah مع عشرة قلب وثمانين ساكنا.
    في 2 تشرين الثاني استأنفنا مسيرتنا مع شروق الشمس ووصلنا ظهرا بعد مسيرة ست ساعات إلى آبار العبيسةEl'Abeisah عند سفح بعض التلال الغرانيتية التي تحمل الاسم عينه. هذه الآبار تخص عرب عبريت Abreit الذين تقع أراضي تجوالهم في النفود ، بين أراضي سنجارية شرقا وأراضي بني وهب غربا. الآبار قديمة جدا وجدرانها مزودة بكتل من الغرانيت الأسود المعرّق بالأبيض. المياه الطيبة المذاق تقع على عمق 12 مترا. قطر الآبار لا يتجاوز 20 ، 1 متر.
    على بعد عشرة كيلومترات شمالي آبار العبيسة بئر رمادة فيما تقع بئر سالمي على مسافة خمسة عشر كيلومترا من هذه الأخيرة إلى الشمال ـ الغربي. مياه هاتين البئرين شديدة المرارة ولا يمكن استخدامها إلا لسقي المواشي.
    من بعد هاتين البئرين الأخيرتين ، وعلى مسافة 35 كيلومترا إلى الشمال الغربي من آبار العبيسة ، يقع جبل حبران البالغ طوله 8 أميال من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي. وفي الاتجاه نفسه ، على بعد 30 كيلومترا ، يقع جبل فردادFredad وله وجهة

    الجبل السابق نفسه ولكن طوله يبلغ قرابة 40 كيلومترا.
    هذان الجبلان مثيران للاهتمام ، إذ إنهما يسمحان ، لكونهما من الحث ، بمتابعة تحديد الخط الفاصل بين الحث والأرض الغرانيتية بشكل تقريبي حتى تحت رمل النفود. وبرأيي إن هذا الخط لا بد أن يكون على مسافة قريبة من الطريق التي سلكتها منذ آبار الحفرة وحتى آبار العبيسة مع المرور شمال جبل حشب وآبار الحفرة.
    على بعد 45 كيلومترا جنوبا 5 ، 7 درجة شرقي العبيسة ، أبعد من النفود وعلى مسافة قصيرة من جبل أجا ، تقع موقق. هذه البلدة القديمة جدا ، كانت مهمة جدا في غابر الزمان وهي من بعد قفار والمسجد ، أهم بلدة في الجبل. وإذ باتت اليوم في وضع متقهقر جدا فإنها تملك فقط 10 قلب نورد اسماءها في ما يأتي :
    ـ آدروب Adroub 100 نسمة
    ـ لزام Lezam 50 نسمة
    ـ مشرفةMasurefah 60 نسمة
    ـ سرحاني Serhany 50 نسمة
    ـ الخرابةEl Kheraba 90 نسمة
    ـ سلامي Salamy 30 نسمة
    ـ المتنةEl Metnah 20 نسمة
    ـ شليل Seleil 50 نسمة
    ـ سنودSenoud 20 نسمة
    ـ شويمةSoueima 30 نسمة
    موقق منهكة بسبب أنواع الحمّى المستشرية بانتظام كل سنة منذ الخريف وحتى الصيف.
    في عام 1870 حصد مرض الكوليرا الذي جلبته قافلة عائدة من مكة ربع السكان.
    على مسافة 6 أميال جنوبي موقق تقع بدع جفيفةBed'a Gefeifa الدارجة تسميتها جفيفة وفيها قرابة 100 نسمة.

    بعد توقف دام ساعة عند آبار العبيسة استأنفنا مسيرتنا باتجاه الغرب ثم خيّمنا مساء قرابة الساعة الخامسة تحت خيمة الشيخ فرحان بن عيسى من قبيلة درلهاDrelha. وكنت قد تعرفت في حائل الى هذا الشيخ الذي استقبلني بترحاب.
    في اليوم التالي ، قادتني مسيرة أربع ساعات إلى حدود النفود وبعد 4 كيلومترات أخرى وصلت إلى بئر المريد المسوّرة والبالغ عمقها 15 مترا وقطرها 20 ، 1 متر. الماء فيها شديد المرارة ومالح ولا يمكن استعماله إلا لسقي المواشي.
    على مسافة عشرة كيلومترات إلى الجنوب ـ الشرقي من المريد يقع جبل الحاب El H'ab الصغير وعلى مسافة مماثلة إلى الجنوب ـ الغربي يقع جبل عريق OuraiK والجبلان من الغرانيت الأحمر الداكن.
    لدى مغادرتنا المريد بعد توقف دام ساعة ، سرنا أربع ساعات في الصحراء التي تفصل هذه البئر عن جبلي المسما والعوجا ثم خيمنا فيها عند غروب الشمس. هذه الصحراء التي يبرز فيها الصخر العاري باستمرار هي سهل مستو ، رتيب والنباتات فيه نادرة.
    في 4 تشرين الثاني انطلقت قبل الفجر ووصلت بعد مسيرة خمس ساعات إلى الرأس الجنوبي لجبل العوجا الذي يلتحم به فورا الجزء الشمالي من جبل مسماMisma. الجبلان خارج النفود ومكوّنان من الحث. اتجاههما المماثل إلى حد بعيد لاتجاه جبل أجا هو شمالي ـ شرقي إلى جنوبي ـ غربي.
    في المكان الذي بلغت فيه جبل مسما عثرت على نقش كوفي صغير ، وفي الجزء الجنوبي حيث غدير رأيت أحد عشر نقشا حميريا فنسختها.
    من قاعدة جبل مسما تمكنت من رؤية جبل حبران برهة من الزمن وسجلته.
    وبعد استراحة دامت ثلاث ساعات عند غدير مسما ، تابعنا طريقنا مجتازين الجبل وقد سهل عبورنا كثيب عال من رمال النفود التي رمتها الرياح الغربية عليه. وبعد ثلاث ساعات ونصف الساعة من السير خيّمنا في الصحراء الحجرة الممتدة بين جبلي خنلوه Khenlouah ومسما والمماثلة للصحراء الواقعة بين الجبل الأخير وبئر المريدEl Mereid.
    في اليوم التالي قادتنا خمس ساعات من السير إلى الطرف الشمالي من جبل خنلوه

    المؤلف كليا من الحجر الرملي والذي بات في طريقه إلى التفتت. ويبدو لي أنه وفر جزءا كبيرا من مواد النفود. توقفنا هنا قرابة ساعة لتسجيل ملاحظات وتناول بعض التمر. ثم تجاوزنا الجبل ، وبعد ثلاث ساعات تجاوزنا جبل عرنان (1) Arna'n وبعد قليل دخلنا مجددا النفود محتفظين بوجهة الشمال ، 80 درجة غربا ، وفي الساعة الرابعة عصرا كنا نخيم قرب خيمة عربي من قبيلة أولاد علي يدعى خلفا والذي أصر على الرغم من فقره الجلي على اعتباري ضيفه ونحر خروفا.
    كنا لا نبعد سوى بضعة كيلومترات عن آبار القولبان الواقعة إلى الشمال والتي استغرق وصولنا إليها في اليوم التالي ساعتين.
    إن موقع هذه الآبار في غاية الروعة. إنها ثلاثة آبار تحتل قعر فلج هائل لا يقل عمقه عن 80 مترا وحافظ على كامل تناسق شكله. الآبار البالغ عمقها 17 مترا مسوّرة ومياهها عكرة ومذاقها تشوبه ملوحة إلا أنها طيبة. وقد وجدت حرارتها بدرجة+ 5 ، 22. لدى وصولنا كان بعض البدو قد خيموا هنا منذ ثلاث ساعات وبدأوا باستنفادها ليسقوا قطعانهم.
    على مسافة 27 كيلومترا تقريبا غربي هذه الآبار ، توجد في النفود أيضا آبار الحيزةEl Haiza ومياهها هي مياه آبار القولبان نفسها. وقيل لي إن عمقها يبلغ 45 مترا.
    في قطر 5 أميال تقريبا حول آبار القولبان يبدو النفود وعرا جدا وصعب الاجتياز.
    غادرت الآبار حوالي الثامنة صباحا ووصلت بعد خمس ساعات ونصف من السير بشكل متواصل تقريبا باتجاه الجنوب الغربي إلى حدود النفود ، إلى خيمة الشيخ مشعل فأمضيت عنده بقية النهار والليل.
    في صبيحة 7 تشرين الثاني ، لدى مغادرتي الشيخ مشعل ، توجهت مباشرة إلى الرأس الشمالي لجبل حلوان الذي حددته في الشمال ، 74 درجة غربا. قادتني الكيلومترات
    __________________
    (1) إنني مضطر إلى إبداء تحفظات بشان أبعاد هذا الجبل الشهير. فتقريبا كل المعلومات التي جمعتها تعطيه طولا يبلغ 40 كيلومترا بينما تقديري وقياساتي للزوايا لا تعطيه سوى 17 إلى 20 كيلومترا على الأكثر. ولكن ربما لم يخطئ العرب تماما وربما كان لهذا الجبل المكون من حث سريع التفتت قمة في الجنوب تمتد على عشرين كيلومترا ، ولكن قممه التي استهلكتها العوامل المناخية ربما تحولت إلى رمل كما حصل لجزء من جبل خنلوة وزادت من ضخامة كثبان النفود هذا الجزء من الجبل الأكثر انخفاضا من الجزء الواقع إلى الشمال بشكل طبيعي يكون قد وجد تحت أفق النقطة التي كنت أجري فيها تقويمي.

    الأربعة الأولى إلى نهاية النفود الذي تركناه هنا ولم نعد إليه. إلا أنه لم يغب عن ناظري وظل يلوح باستمرار إلى شمال دربي وحتى وصولي إلى تيماءTeima على مسافات تتراوح ما بين 6 و 18 كيلومترا.
    انطلاقا من النفود وبعد ست ساعات من السير وصلت إلى بعض خيام عنيزة نصبوها على بعد حوالي 5 أميال أمام جبل حلوان ، فتوقفت في خيمة الشيخ مربطMirbat.
    في مظهرها ، كانت الصحراء الحجرة دونما تبديل اعتبارا من بئر المريد ، لكن الكلس أعقب الحث وقرب مخيمي لتلك الليلة بدأت تظهر من جديد ملامح بركانية الأصل.
    في صباح اليوم التالي ، قادتني مسيرة ست ساعات تقريبا باتجاه الجنوب الغربي من بعد تجاوز جبل خنلوه ، إلى صخور خاله حيث أقمنا مخيّمنا.
    بعد فترة وجيزة من مغادرتي المخيم في الصباح ، صادفت هضبة بركانية واسعة تحمل على الاعتقاد بوجود طريق رومانية. كل الهضبة كانت تبدو مرصوفة بحجارة كبيرة مربعة قصّبت بعناية.
    صخور خاله Khalah هي سلسلة تلال من الحث ، بيضاء اللون معزولة ، مستديرة عند قاعدتها وبيضاوية القمم ، قطرها السفلي يبلغ من 30 إلى 35 مترا فيما يبلغ ارتفاعها من 10 إلى 15 مترا. مجمل هذا الارتفاع يتجه على غرار جبال حلوان وعرنان وخنلوه من الشمال ـ الشرقي إلى الجنوب ـ الغربي. المساحات التي تفصل ما بين التلال مملوءة بالرمل وتحوي بعض النباتات.
    في اليوم التالي في 9 تشرين الثاني ، قطعت حوالي عشرة كيلومترات إضافية في منطقة خاله المملوءة بالتلال لأصل إلى صحراء حجرة من الحث الأسود يبدو وكأنه تفحّم. في نهاية الكيلومترات العشرين الأولى أي قرابة الدرجة 37 من خط الطول ، صادفت تكوينا حثيا غريبا جدا أسميته حثا مرققا. يبدو وكأن ورقات من الحث بسماكة سنتيمتر إلى سنتيمترين قد وضعت الواحدة فوق الأخرى وأن حافات الورقات العليا قد التفت وارتفعت في خضوعها لحرارة عالية على طريقة ورقات الرق في حالة مماثلة. هنا رأيت أيضا قواعد مدورة ومربعة خارجة من الأرض شبيهة بقطع أعمدة وكلها بركانية الأصل. كنت قد رأيت الظواهر نفسها بين كهفة وقوارح وشمالي قصيبة. هذه القطع الحثية عينها اعتبرها بالغرايف بأنها بقايا صروح وذكّرته بعبادة الكواكب.

    تيماء
    بعد فترة وجيزة عند ما لمحت قمة من جبل غرنين Ghrenein ، تمكنت من تحديد وجهة تيماء الموجودة شمالي الجبل. وتمكنت كذلك في الوقت نفسه تقريبا من تقويم جبل بردBurd جنوبي طريقي. وبعد ثماني ساعات كاملة من السير الحثيث ، خيمت في هذه الصحراء المحجرة.
    في صباح اليوم التالي في 10 تشرين الثاني ، انطلقت في الساعة الخامسة وفي الساعة العاشرة كنت أخيم قرب جبل غنين وبعد ساعتين وصلت إلى تيماء.
    وكان ابن رشيد قد أعطاني رسالة للحاكم التابع له في تيماء ، عبد العزيز العنقري فحظيت باستقبال في غاية الاحترام والودّ في آن واحد.
    لا شك في ان هذه الواحة من أقدم البلدات فالإنجيل جاء على ذكرها تحت اسم تيما وجميع المؤلفين الشرقيين يأتون على ذكرها كمدينة مهمة وعريقة وبطليموس تحت اسم تيماءThaima يعطي موقعها الصحيح بفارق بسيط بالدرجة 71 من خط الطول والدرجة 27 من خط العرض. وقد روى لي السكان الذين يتمتعون بمعرفة واهية عن هذا التاريخ القديم أن مدينتهم قد دمرت ثلاث مرات وأنها هجّرت عدة قرون قبل أن تعمر بالناس من جديد. كما أنه يوجد إلى الجنوب ـ الغربي على مسافة كيلومتر واحد من تيماء كومة أطلال من الحجارة المقصّبة وقطع الأعمدة التي غطت نصفها الرمال ، ويسمونها توما ويشيرون إليها على أنها آخر مدنهم القديمة من حيث عمرها.
    النقوش التي نقلتها ليست كثيرة ولكنها مثيرة جدا ، إما لجهة قدمها أو لجهة شكل أحرفها القديم. أحد النقوش النبطى وآخر آرامي وثالث لم تحدد هويته بعد. اشير إلى تيماء برسم المستكشف المقبل كي يجري فيها تنقيبا لأنني واثق من وجود كنوز أثرية فيها.
    كانت تيماء مبنية بالحجر الأسود البازلتي الشبيه بحجر مدن حوران وجبل الدروز المهدمة. والتفصيل اللافت هو أنني رأيت في مبنى قديم مهدوم ملاصق لبيت عبد العزيز العنقري ويخصه ، جزءا من سقف مصنوع من أشرطة طويلة من الحجر نفسه ، تماما كما في حوران.

    أما أعجوبة تيماء فتكمن اليوم في بئرها المشهورة في كل أرجاء الجزيرة العربية. وقد روي لي مرارا أن" مائة جمل تسحب الماء باستمرار". ولدى التثبت من هذا العدد لم أجد سوى خمسة وسبعين دولابا في أماكنها ولكن الحق يقال بأنه عند الضرورة يمكن وضع مائة دولاب.
    هذه البئر بشكلها غير المنتظم تشبه إلى حد بعيد مربعا بزوايا مدورة ويبلغ طول كل ضلع من أضلاعه 20 مترا تقريبا. أما ارتفاع جدرانه فشديد التفاوت ، جانبان يبلغان 5 ، 10 أمتار وجانب آخر يبلغ ارتفاعه 5 ، 12 مترا من سطح الأرض وحتى قعر البئر. ويبلغ ارتفاع الطبقة المائية ثلاثة أمتار تقريبا وهي لا تزيد عن ذلك ولا تنقص أبدا مهما كان الموسم. المياه صافية وطيبة المذاق بعد تبريدها في القرب. وقد أكد لي جميع السكان أنها إذا ما شربت من البئر مباشرة ، أي فاترة ، فإنها تتسبب بمرض شديد.
    في الجدار الشرقي للبئر وعلى مسافة متر تقريبا فوق مستوى الماء توجد في الصخر ثلاث فتحات بعرض نصف متر تقريبا وبارتفاع سبعين سنتيمترا لا يعرف استعمالها ولا مصدرها. كما أن احدا لم يجرؤ على الدخول فيها.
    في تيماء 60 قلبا في كل واحد منها من خمس إلى ست عائلات بحيث يكون عدد السكان 1500 نسمة تقريبا.
    تمور تيماء هي أفضل تمور الجزيرة العربية الشمالية باستثناء جنسين أو ثلاثة موجودة بكميات محدودة في الجوف وفي حائل.
    تبقى المحاصيل مؤمنة على الدوام. لان مياه بئر هذه الواحة لا تنقص أبدا حتى بعد عدة سنوات من الجفاف ، لذا فإن الملكية العقارية تتمتع في تيماء بقيمة لم أشهد مثيلا لها في أي مكان آخر. فالملكية تباع بمعدل 15 إلى 20 ريالا (1) لكل شجرة نخيل بينما في حائل لا يباع حتى أجمل شجر النخيل بأكثر من 10 ريالات.
    بما أن ارتفاع تيماء يفوق ارتفاع حائل فقد عانت المزروعات فيها أكثر مما عانت في الجبل خلال شتاء 1879 ـ 1880 القاسي. غير أن مقاومة النخيل كانت جيدة فيما لم تعط كروم العنب وشجر الرمان والتين أي محصول هذه السنة.
    __________________
    (1) الريال يساوي ما بين 4 فرنكات و 50 سنتا إلى 4 فرنكات و 80 سنتا.

    تبيع تيماء تمورها بشكل حصري تقريبا لعرب شرارات. في بعض الأحيان يصل عرب الرولة إلى هنا ولكن ليس في كل سنة. والشرارات هم الذين يمدون تيماء بالسمن والخراف.
    القبيلتان العنزيتان اللتان تؤلفان قبيلة بني وهب أي الفقرا وأولاد علي الذين تمتد مراعيهم أيضا حتى تيماء لا يتزودون بالتمور فيها بل في خيبر ، فكون الفقرا مالكي نخيل خيبر يعفيهم من شراء التمر.
    بانتظار نشر كامل لوائح كلّ القبائل وفروعها العديدة الذي سأقدمه لاحقا ، أشير هنا إلى قبيلة بني وهب المثيرة للاهتمام من جميع الأوجه والتي تنقسم إلى فرعين كبيرين أولاد علي والفقرا.
    قبائل فرع أولاد علي هي التالية :
    ليديان ـ المسعد ـ السند ـ المريخان ـ
    الركاب ـ العطيفات ـ المشطه ـ الطلوح ـ
    الخالد ـ الربيلات ـ الدمجان ـ الطوالعه ـ
    المشرف ـ الخيل ـ الذويبي ـ الشرعبة.
    وهي في مجموعها 16 قبيلة تعد حوالي 600 خيمة. الشيخ الأكبر الحالي يدعى مطلق بن رجا العيدAleid.
    أما قبائل الفقرا فيبلغ عددها تسع قبائل :
    المبارك ـ الشفقة ـ الهجور ـ الخمعلي ـ الصهبان ـ
    المغاصيب ـ الفرعين ـ الحويكم ـ الجمعات.
    وتملك هذه القبائل بمجموعها حوالي 400 خيمة. يدعى الشيخ الأكبر الذي تقع خيمته في قبيلة المبارك مطلق بن الحميد.
    على النحو الذي أشرت إليه على الخريطة فإن بني وهب يجوبون صحراء الشفة حيث تشكل تيماء حدودها الشمالية والحرةHarrah حدودها الجنوبية. نصيب أولاد علي هو الأفضل لأن أراضيهم تضم قطعة من النفود. في المقابل يجتاز درب الحج الذي يشكل مصدر أرباح للعرب كل سنة ، جزءا من أراضيهم وبالإضافة إلى ذلك

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    رحله في الجزيره العربيه 1878-1882 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: رحله في الجزيره العربيه 1878-1882   رحله في الجزيره العربيه 1878-1882 Emptyالإثنين أكتوبر 21, 2024 10:14 am

    صالح
    في 13 تشرين الثاني غادرت تيماء مجددا قاصدا مدائن صالح. في هذا اليوم الأول لم أجتز سوى ثلاثين كيلومترا لم تكن في خط مستقيم فقد ارتأى عجلان في اللحظة الأخيرة أن يطلب من البدو الرحّل رجلا أو رجلين تعزيزا لنا لمرافقتنا نظرا لعدم أمان الطريق. في المساء خيمت تحت خيمة الشيخ محسن الذي كان آنذاك في مكة مع الجمال المستأجرة للحج.
    في اليوم التالي لم نقطع سوى عشرة كيلومترات تقريبا إلى الجنوب الشرقي.
    في 16 تشرين الثاني تابعنا سيرنا إلى الجنوب ـ الشرقي. وبعد خمس ساعات من السير بلغنا جبل شرقيي الممتد تقريبا من الشمال إلى الجنوب على طول عشرة أميال بموازاة جبل غربي الذي يفصله عنه واد يبلغ عرضه من 5 إلى 6 كيلومترات.
    هذان الجبلان ، وهما تلتان يبلغ ارتفاعهما ما بين 40 و 50 مترا ، مكونان من الحث الشديد التفتت ، ورغم إحاطة النفود بكثافة لهما ، فإنهما عقيمان كليا. إنهما امتداد الأرض التي تبدأ مباشرة جنوب غرب تيماء حيث يزول الطابع البركاني السائد في الجنوب ـ الشرقي وتتحول الأرض إلى صحراء صخرية متخبطة حتى لتظنها أحيانا بحرا صاخبا تجمّد فجأة.
    في نهاية الوادي الذي يفصل تلتي شرقيي وغربي ، تقع آبار الغوطة. مياه هذه الآبار التي يبلغ عددها 30 تقريبا ، تقع على أعماق تتراوح ما بين 4 و 6 أمتار مباشرة تحت طبقة الرمل. المياه طيبة المذاق والآبار غير مسوّرة.
    انطلاقا من الآبار سرنا مسافة 20 كيلومترا إضافيا ثم أقمنا مخيما.
    في اليوم التالي ، في 17 تشرين الثاني ، قادتنا مسيرة ثلاثة أيام إلى قرب صخرة هائلة محفورة على شكل قوس قوطية يبلغ ارتفاع قبتها 25 مترا. جداراها الداخليان

    مملوءان كليا بالنقوش ومنحوتات حيوانات لكن عامل الزمن تكفل للأسف بمحوها كلها ولم أتمكن من نسخ سوى نقش واحد. وتحمل هذه الصخره اسم الركب Rekab.
    أقمت مخيّمي على مسافة خمسة كيلومترات قرب صخرة أخرى أكثر غرابة. فهذه الصخرة معزولة كليا ومكوّنة من قطعة واحدة على شكل جدار يبلغ طوله 300 متر وارتفاعه 50 مترا وسماكته 10 أمتار. جنباته تبدو وكأنها قصت بالمقص لشدة استقامتها. الأجزاء السفلية كانت هي أيضا مغطاة بالنقوش ولكن المطر والريح المحملة بالرمل تكفلا بمحوها. إلا أنني وفقت في نقل نقش واحد بشكل مؤكد ، واللافت هو أنه كان نقشا نبطيا بينما كان النقش الذي نسخته عن صخرة الركب حميريا. هذا الحائط الخرافي يدعى مقراط الدبوس.
    بعد ساعتين وصلت إلى قلعة الحجر على درب الحج المسماة لدى المؤلفين المسلمين مدائن صالح. وتقع هذه المحطة في منتصف الطريق بالضبط بين دمشق ومكة.
    ههنا المنازل الحجرية الشهيرة المحفورة في الجبل والتي يتحدث عنها مؤلفون عرب كثيرون. باستثناء السيد دوتي ، لم يتسن لأي كافر قبلي مشاهدتها. في المحصلة ، إنها غرف ضريحية لا منازل ، حفرت في الحث بعناية فائقة. كلها تقريبا تتمتع بأبواب ضخمة حفرت فوقها نقوش نبطية وآرامية.
    تقع الحجر في الجزء الأكثر انحدارا من الوادي الواقع بين جبل الرمل البركاني الأصل المسمى عوارةAouarah وجبل العجيب Ageib حيث يظهر الغرانيت من جديد.
    صخور الحجر التي تتضمن الغرف الضريحية شبيهة تماما بصخور خاله Khalah غربي جبل حلوان. وهي صخور معزولة على شكل قفير النحل ، حفر في كل واحدة منها ضريح. أما الباب الضخم الهائل في أغلب الأحيان فيقع إجمالا على علو عدة أمتار فوق الأرض. وفي داخل الغرف تم حفر الجدران على شكل مزود بحيث يمكن أن تستقبل جسدا. وفي كثير من الأحيان أيضا تم حفر قبر في أرض الغرفة. ويبدو أن الغرف الضريحية لم تزوّد بتاتا بأبواب ، وعلى أي حال لا يوجد على الحجر أي أثر لأي قفل.
    هذه المنطقة ومنطقة الجوف في اليمن هي الأكثر إثارة للاهتمام في الجزيرة العربية وإنني عازم على تناولها بالتفصيل في مناسبة أخرى.
    نقوش الحجر نبطية في مجملها تقريبا.

    باستثناء القلعة لم يعد يوجد أي مبنى قائم في الحجر. هذه القلعة هي إحدى محطات قافلة الحجاج الذين يذهبون كل عام من إستانبول إلى مكة. ويحكم القلعة محمد إبراهيم ، وهو جزائري من حاشية الأمير عبد القادر. ولا يقيم فيها إلا خلال فترة الحج ، والقافلة التي لا تزال حاليا في مكة ستأخذه معها في طريق عودتها إلى دمشق. ومع أربعة رجال غير نظاميين يعملون تحت إمرته وبغل ، يتعين عليه سحب مياه البئر الموجودة داخل القلعة وصبها في الحوض المبني وراء القلعة ليتمكن الحجاج من الغرف منها بسهولة لدى مرورهم.
    العلا
    غادرت الحجر في 17 تشرين الثاني عند الظهر ووصلت في الساعة الرابعة من العصر إلى العلا.
    من الخارج ، يبدو مظهر المدينة الصغيرة في غاية الجمال. وقد ذكّرتني الشوارع الضيقة جدا والمتعرجة والوسخة جدا بالحي اليهودي في دمشق. وجوه السكان الذين يشبهون أولاد هبرHeber فعلا أكملت الوخم.
    نزلت في منزل محمد سعيد بن سعيد ، عبد الأمير محمد بن رشيد ، وحاكمه هنا. وإذ سلمته الرسالة التي حمّلني إياها الأمير ، لقيت منه أجمل استقبال.
    العلا المبنية كليا من الآجرّ مقسومة إلى قسمين متساويين تقريبا بواسطة صخرة معزولة يبلغ ارتفاعها 40 مترا تقريبا تكاد تكون عمودية من جميع الجهات وتعلوها أطلال قلعة. لكل من نصفي المدينة شيخ أو أمير والنصف الجنوبي هو الأهم.
    كان الأمير قد أنذرني في حائل دون أن يتمكن من أن يشرح لي السبب أنه في حال إصراري على الذهاب إلى العلا وخيبر فإنني سأتعرض للمرض الشديد. وبالفعل غداة وصولي إلى العلا أحسست بانزعاج هائل يتمثل في تلاشي قواي وانحطاط وغثيان وتقيّؤ وصداع وتعرّق شديد. كان ذلك تسمّما ناجما عن الوخم الحامل الحمى المنبعث من اراضي البساتين المملوءة بالمستنقعات. السكان ، وجميعهم من الزنوج بنسب متفاوتة ، لا يتأثرون بمفاعيله أو أنهم يتأثرون بذلك بدرجة أقل.

    بدا لي السكان البالغ عددهم 1500 نسمة تقريبا ، خليطا من الزنوج واليهود. لون بشرتهم هو تقريبا اللون الذي يمكن أن ينتج عن اللون رقم 36 و 51 من جدول" ألوان البشرة" المعارف العامة لجمعية الأنتروبولوجيا لباريس الطبعة الثانية Instructions Generales de la Societe d'Anthropologie, 2 edition درجة اللون 50 داكنة جدا مما يعني أنه لا وجود للسود بالمعنى الصريح. ولكن في مقابل غياب اللون ، يبقى الدفق السمة الثابتة. والأقل دفقا يتمتعون أيضا بلون فاتح ويشكلون أرستقراطية المنطقة. وهؤلاء المحظوظون هم نتاج زواج مع بدويات رحل في الجوار ، العنيزة أي يهود (1).
    لقد تعرضت العلا منذ القدم لنهب عرب العنيزة وبني الرحّل ، ولم تكن الحكومة العثمانية التي كانت تتقاضى الجزية من العلا تحميها منهم. ومنذ أن ضم ابن رشيد هذه المدينة الصغيرة إلى أراضيه لم تعد تخشى عنيزة. كما أن عرب بلي لا يجرؤون على التعرض لها بشكل مكشوف خوفا من الرد الانتقامي أو من أن يقوم أمير شمّر باجتياح أراضيهم. لكنهم لا ينفكون يجوبون الريف ما بين تيماء والعلا وبالأخص في جوار العلا سالبين كل العزّل الذين يصادفونهم. لذا يحمل الجميع السلاح باستمرار حتى للذهاب إلى البساتين.
    تتعم العلا بظروف ازدهار استثنائية. ثمانية ينابيع تسقي نخيلها واثنان منها قويّان ، ويعطي مجموعها أكثر من حاجتها للماء. وقد أكد لي ان سنة جفاف أو حتى عدة سنوات من الجفاف لا تؤثر على منسوب هذه الينابيع ، لذا يزرع السكان إلى جانب النخيل ، كل القمح والشعير والهراء (2) اللازم لهم. كما أن بساتينهم تضم عددا كبيرا من أشجار الدراق والليمون والحامض والتين والرمان والعرائش. وأخيرا يزرعون الشمّام والبطيخ الأحمر والتبغ.
    وجود الينابيع يعفيهم من عملية سحب الماء المضنية وكذلك من الاعتناء بالدواب.
    تتراوح قيمة النخلة في العلا ما بين 8 ريالات و 20 ريالا وفق الوضع. وإذ تعطي النخلة دخلا سنويا متوسطا بقيمة 4 ريالات ، فإننا نجد هنا أناسا أثرياء. فشيخ السوق الشمالية عمار بن عبد الغني بن بدير يملك 400 نخلة.
    سبق أن ذكرت عرب بلي Bely ، جيران العلا المشاغبين ، وأراضيهم التي تبدأ عند
    __________________
    (1) هذا التأكيد يستلزم دليلا قد يكون السيد هوبير قد اكتشفه [التحرير].
    (2) الهراء : فسيل النخل.

    خط العرض نفسه الذي يبدأ منه جبل عوارة ، تمتد إلى داخل شبه جزيرة سيناء بين البحر الأحمر غربا وعرب شرارات شرقا. كانوا فيما مضى أثرياء وأقوياء إلا أنهم خسروا كل خيلهم في أعقاب الغزو الذي شنه عليهم عام 1853 عرب جازي Gazy. منذ ذلك الحين لم يعد بإمكانهم القيام بحملة حربية وأصبحوا فقراء. ولأنهم لا يسكنون إلا المناطق الجبلية ، ليس لديهم سوى بضعة جمال ، ما يكفيهم لنقل خيامهم. تتمثل كامل ثروتهم بالماعز ولكنهم لا يحبون لحمه بسبب رائحته الكريهة. مراعيهم كلها في الجبال. ولديهم ماء وفير.
    فيما يلي أسماء قبائلهم : الموعيب (1) ـ الفواضلة ـ الحروفا ـ السهامة ـ الفريعا ـ الحمران ـ الرموت ـ الهمور ـ المعاقلة ـ الوحشي ـ الوبصة ـ الجبالة ـ العردات.
    شهرة شيخهم هو ابن رفادة.
    ما كان بإمكاني الحصول إلا على معلومات متناقضة جدا بشأن تعداد البلي لأن احدا لا يدخل ابدا جبالهم. إلا أنني أعتقد أن التقدير الأصح هو أنهم يملكون ما بين 400 و 600 خيمة.
    ومع أنني لم أستطع معرفة أي شيء مؤكد بهذا الصدد ، غير أنني أعتقد ان جبال بلي التي تحتوي على الكثير من الغدران أو خزانات الماء لا بد أنها تخفي نقوشا كثيرة وربما بقايا صروح معاصرة لصروح الحجر والعلا التي أنتجتها حضارة واحدة. وأي بعثة ترسل إلى هناك لا بد ان تعثر على مواد مثيرة للاهتمام.
    بعد يومين من وصولي استطعت الذهاب إلى آثار العلا القديمة ، وبهذه المناسبة ثبت لي مجددا أن البلد غير آمن. ومع أن مسافة كيلومترين فقط تفصل المدينتين ، إلا أن محمد سعيد لم يسمح لي بالذهاب إلا برفقة تسعة من السكان مسلحين جميعا بالبنادق وانضم هو بنفسه إليهم.
    الآثار التي تحمل اليوم اسم ناقة صالح أو حلوية العالية الحديثين ، تقع على تلة صغيرة شمالي العلا ولم تعد سوى كومة لا شكل لها من الحجارة المقصّبة والمنحوتة. لا أثر لجدار واحد قائم ولكن لم يزل بالإمكان تتبع حدود بعض الصروح التي باتت أساساتها بمستوى الأرض. وثمة حطام أعمدة وقرميد مزخرف.
    __________________
    (1) أو المواهيب.

    وسط هذه الآثار تهيمن ساحة صغيرة وضع في وسطها حوض مدوّر ضخم حفر في كتلة واحدة من الرمل أرتفاعه 50 ، 2 مترا وقطره متران. وباستثناء شقين لا يزال هذا الحوض الهائل في حالة جيدة. الجدران الداخلية والخارجية مغطاة بأحرف حميرية وعربية تكاد تكون ممحوّة. ويتعذر اليوم التكهن بوجهة استعمال هذا الصرح.
    إلى شرقي وادي العلا ترتفع بزاوية قائمة كتل صخرية يتجاوز ارتفاعها 200 متر حفر عند قاعدتها حوالي 200 قبر مماثلة لقبور الحجر إنما دون باب تذكاري. وفي كثير من الأحيان ، عوضا عن حجرة ، اكتفي بحفر فتحة تتسع فقط لوضع جثة. في هذه الحال تتخذ هذه الفتحات شكل حجيرات الأموات الموجودة في أبراج تدمر الضريحية.
    عدة حجيرات لم يتم إنجازها ويحمل مجمل الأعمال طابع عمل توقف فجأة. كما أن هناك نقوشا منحوتة فوق الأرض لا يمكن التكهن بأي وسائل استطاع الفنان أن يطالها سواء من تحت أو من فوق.
    تحمل هذه القبور اسم الخريبة وكذلك اسم دار ثمود. وقد سجلت هنا 33 نقشا.
    مناخ العلا حارّ ويبدو أن الشتاء فيها ليس باردا على الإطلاق. شتاء 1879 ـ 1880 مرّ وكأنه لم يكن. وعند ما أخذت حرارة الينابيع أربع مرات في ساعات مختلفة من النهار ، لم أجد بينها سوى فوارق بضعة أعشار الدرجة وكل الأرقام التي دونتها أعطتني حرارة متوسطة تبلغ+ 9 ، 28 درجة مما يشير بالفعل إلى مناخ حار. أما أبرد درجة للحرارة التي لاحظتها خلال إقامتي في العلا فهي الدرجة الدنيا ليوم 28 تشرين الثاني حيث بلغت+ 1 ، 13 درجة.
    بعد إقامة دامت اثني عشر يوما غادرت العلا في 29 تشرين الثاني وقد أمّن لي ابن سعيد المواكبة مع سبعة عشر رجلا مسلحا مسافة 5 أميال. المسيرة من العلا إلى خيبر أكثر خطورة من المسيرة إلى تيماء ونرى أننا نقترب من الممتلكات التركية.
    قادتنا مسيرة ثلاث ساعات إلى أطلال مدينة صغيرة ، أو بالأحرى إلى مدينة لم يبق من أطلالها شيء. إذ من المرجح أنها بنيت من الآجرّ. ولكن بقي شقا جدارين من الآجرّ المطبوخ. على امتداد كيلومتر مربع تقريبا ترى الأرض مفروشة بقطع الآجرّ والفخاريات المطلية والزجاج الملون. غاب اسم هذه البلدة ولكن في العلا حيث السكان أتقياء يطلقون عليها اسم دار النصارى أما البدو فيسمونها هي والأراضي الواقعة بين جبلي العجائب والمريرة ، مابي.

    على تلة صغيرة بقايا برج من الحجر والآجرّ حيث قيل لي إنه يوجد نقش إلا أنني لم أستطع العثور عليه.
    توقفنا ساعة في مابي ثم تابعنا سيرنا إلى الجنوب ـ الشرقي. في الساعة الثالثة عصرا قطعنا درب الحج وتركناها إلى يميننا ، وفي الساعة الخامسة مساء كنا نخيّم وراء آخر خاصرات جبل مريرة الغرانيتي كجبل العجائب الذي كنا قد تجاوزناه. كانت الأرض الغرانيتية على أي حال قد بدأت على مسافة كيلومترين جنوبي العلا ومعها دخلنا أراضي عرب عنزة المستقلين ولكن المتحالفين مع شمر.
    فرع أولاد سليمان الكبير هو الباقي في المنطقة. تتناثر خيامهم من جبل مريرة وحتى مشارف ينبو في الجنوب.
    القبائل الرئيسة هي التالية :
    الجعافرة ـ الفضيل ـ المرتعد ـ العوجي ـ البكار ـ الفضوارة ـ المريهم ـ النحات ـ المطردة ـ السهول ـ الغمشة ـ السعيد ـ النومسة ـ الشملان.
    أولاد سليمان أكثر عددا من بني وهب وهم أيضا من عرب عنزة كما رأينا ذلك آنفا ولكنهم أكثر فقرا أيضا ، إلا أنهم في المقابل يملكون كنز الحرية الذي لا يقدر بثمن ، وأكثر ما تحتاج إليها المجتمعات المتمدنة جزئيا. أنهم مستقلون تماما إزاء الحكم التركي الذي يعادونه وإزاء أمير شمّر الصديق.
    لديهم في جبالهم بعض المراعي الجيدة وهي أفضل من مراعي البلي وعلى غرار الأخيرين لديهم ماء وافر. كما أنهم يملكون عددا أكبر من البنادق من البلي.
    كل المنطقة الوعرة جدا الواقعة بين العلا وخيبر تحمل اسم الحجر. وهي صحراء غرانيتية قاحلة بشكل مريع : لا شيء سوى البطحاء ، والمزيد من البطحاء دون عشبة واحدة تقريبا.
    غداة مغادرتنا العلا قطعنا 15 ميلا في هذه الصحراء. في الصباح كنا قد مررنا على مسافة 8 أميال من جبل نخر الممتد على طول 12 ميلا من الشرق إلى الغرب. وفي المساء وصلنا إلى قلعة سمرد وهي محطة على درب الحج ، وقضينا الليلة بقربها.
    في الأول من كانون الأول لم نقطع سوى 14 ميلا بالسير بموازاة درب الحج وخيمنا في المساء في قلعة الصورة وهي محطة أخرى على درب الحج عند سفح جبل سن.

    وراء القلعة أحد أجمل الآبار التي شاهدتها في الجزيرة العربية. دائرية الشكل ، يبلغ قطرها حوالي 15 مترا وعمقها 30 مترا تقريبا وهي مسوّرة كليا بحجارة مقصّبة.
    المسافة على خط مستقيم بين هذه القلعة وقلعة سمرد قصيرة على الخارطة. ذلك أن الأرض التي تفصل بينهما صعبة ووعرة جدا.
    في اليوم التالي لم نقطع سوى 15 ميلا إلى الجنوب ـ الشرقي. وخيّمنا في المساء عند أفراد قبيلة خالد من بني وهب كانوا يخيمون هنا في 60 خيمة تقريبا. هؤلاء كانوا أول رحل نلتقيهم بدءا من العلا. والمنطقة التي اجتزناها كانت أكثر وعورة من تلك التي اجتزناها بالأمس.
    مخيم قبيلة خالد كان عند سفح جبل أنمارAnemar الغرانيتي الممتد على 40 كيلومترا تقريبا من الشمال ـ الشرقي إلى الجنوب ـ الغربي.
    في 3 كانون الأول لم نجتز سوى 12 ميلا بسبب سوء سير جمل دليلي مرزي.
    بعد ما تجاوزنا في الصباح جبل أنمار عبر واد قصير ، ضيق ووعر جدا ، وجدنا أنفسنا فجأة أمام سهل عظيم تتخلله أخاديد عميقة تنتصب فيه دونما ترتيب بعض القمم الغرانيتية السوداء أو الحمراء أو الخضراء. في البعيد لمحت جبلي دهام وخيبر اللذين تقع بينهما واحة خيبر. تحتل كامل الأفق من الشرق إلى الغرب هضبة ترتسم بوضوح غريب وهي تلمع في الشمس. إنها الحرة ، هضبة هائلة من الحمم تمتد حتى مشارف المدينة.
    قبل مغادرة آخر صخور جبل أنمار التي لا تزال تخفينا ، وخوض غمار هذا السهل المكشوف حيث يستطيع اللصوص رؤيتنا بسهولة ، أدى مرزي الشديد التقوى صلاة ودعاني لأحذو حذوه ليحمينا الله ويبعد الخطر عن طريقنا. وفي المساء خيّمنا في خندق حيث كنا محميين جدا.
    في اليوم التالي اضطررنا إلى التخلي عن جمل مرزي الذي أصابه الإعياء على هذه الأرض الوعرة على الرغم من سيرنا البطيء ، فتحمّل جملي عبئا مضاعفا واضطر دليلي إلى السير على الأقدام.
    بعد بداية الطريق مباشرة باتجاه الجنوب ، 65 درجة شرقا ، تصبح الأرض مغطاة بالحجارة البازلتية السوداء وتبدأ الحرة.

    خيبر
    بعد ما قطعنا أول خمسة كيلومترات من الحرة صادفنا واد لرافد صغير لوادي الطبق حسب أقوال مرزي. في هذا المكان بالذات يشكل الوادي ، بعكس المنطقة المحيطة ، جنة حقيقية. فهو مملوء بالنخيل البري وبالنباتات القوية. بعض العصافير كانت تزقزق فيه والنسيم الناعم الذي كان مخيما آنذاك كان يبعث وشوشة حفيف أوراق النخيل الطويلة المطربة. الماء على عمق لا يتعدى مترا واحدا. جنة النعيم هذه في أهوال الحرة تدعى خضران.
    منذ عام 1874 أصبحت خيبر ملكا للأتراك الذين انتزعوها من ابن رشيد. لديهم فيها مدير وعشرون جنديا نظاميا. هذا المدير ، واسمه عبد الله الصيروان ، هو المدير الذي أساء معاملة السيد دوتي وسجنه طوال شهرين ونصف الشهر. ولكن بفضل الفرمان الإمبراطوري الذي حرصت على التزود به ، أحسن استقبالي وبقيت ضيفه لمدة 12 يوما.
    بفضل الينابيع وغزارة مياه خيبر ، لا شك في أن هذه الواحة هي مركز مأهول منذ وجد سكان في الجزيرة العربية. أقدم الوثائق تدل على أن اليهود كانوا يقطنونها. وسواء جاء هؤلاء إلى خيبر في أعقاب آخر أسر في بابل (1) (537 ق. م.) أو إثر الأسر الذي جلبته حملة سنحاريب (700 ق. م.) أو قبل هذين التاريخين بعد إحدى الكوارث المتكررة في يهودا ، لا بد أنهم وجدوا في خيبر سكانا اضطروا إلى طردهم وسلبهم. من هم السكان الأصليون؟ ما زلنا نجهل ذلك ولكن من المرجح أنهم كانوا يمنيين.
    لقد أدت خيبر دورا مهما في حقبة نشر الدين الإسلامي ، وقد توقف مصير الدين المقبل برهة على صراعه مع هذه الواحة. ولكن يقول المؤلفون العرب إن عليا الذي أرسله النبي ضدها أخضعها وأباد جميع سكانها.
    وينقل المؤلفون أنفسهم أنها فيما مضى كانت تضم سبع قرى ، أما اليوم فلا أثر إلّا لثلاث منها مأهولة وما استطعت أن أعثر على آثار القرى الأخرى.
    __________________
    (1) إذا كانوا يهودا عائدين من أسر بابل الأخير واستقروا في خيبر ، فلا بد حكما من العثور على نقوش آراميه. وبالفعل فإن الشعب اليهودي لدى عودته من الأسر لم يعد يفهم اللغة العبرية القديمة ، فقد أصبحت الآرامية هي لغته العادية وقد ذهب إلى حد اعتماد أبجديتها.

    في وسط خيبر الصخرة البازلتية المنفردة تماما المسماة مرحبا والتي كانت تحمل على قمتها في غابر الزمان الحصن الذي يحمل الاسم نفسه. اسم مرحبا هذا هو الاسم القديم الوحيد للواحة الذي نقله إلينا مؤلفو ما قبل الإسلام. ولما يزل اليوم يطلق عليه اسم قصر اليهودي. هذه الصخرة هي جبل هلالي من الحجارة البازلتية السوداء متجه من الشمال ـ الغربي إلى الجنوب ـ الشرقي. أما قمته فعلى شكل طاولة ويبلغ طولها 200 متر وعرضها ما بين 10 و 15 مترا وهي من مستوى الحره.
    عند قاعدة هذه الصخرة ، إلى الجنوب وإلى منتصف المنحدر ، تمتد قرية خيبر الرئيسة وهي قرية بشر. شجر النخيل يبدأ مباشرة ويطوق مرحبا والقرية كليا.
    تسقي نخيل قرية بشر ينابيع يقع مصدرها في القرية نفسها وينابيع أخرى تأتي من خارج القرية. عدد الينابيع المنبثقة في القرية ستة وأسماؤها هي الآتية : صفصافه ـ إبراهيم ـ علي ـ الريا ـ الشلالة ـ البويرة.
    هذا الأخير هو أبرد الينابيع في خيبر. وينبوع علي هو الأكبر.
    وفيما يلي متوسطات الحرارة المأخوذة في هذه الينابيع خلال إقامتي في خيبر :
    صفصافه+ 9 ، 29 درجة
    إبراهيم+ 0 ، 31 درجة
    علي+ 1 ، 29 درجة
    الريا+ 8 ، 31 درجة
    الشلالة+ 4 ، 29 درجة
    البويرة+ 6 ، 26 درجة
    القرية الثانية تدعى مكيدة وتقع على بعد 3 كيلومترات تقريبا إلى الجنوب ـ الغربي لمرحبا. وبدلا من أن تكون مبنية على غرار قرية بشر في المنخفض حيث النخيل ، توجد مكيدة على الحرة.
    وتضم هذه القرية الينابيع الخمسة الآتية والأول هو الأكبر : البحر ـ البريكة ـ السليمي ـ سلالم ـ أم المسك.
    القرية الثالثة ، العاصمية ، الواقعة على مسافة ميلين تقريبا شمالي مرحبا مبنية هي

    أيضا على الحرة. وفي العاصمية أربعة ينابيع هي : الحامية أو الحامي ـ الحمامة ـ علي ـ صنبوره. ينبوع الحامية هو الأكبر.
    سكان خيبر الذين يملكون 300 بندقية ، يبلغ عددهم 1200 نسمة ويتوزعون على النحو الآتي :
    قرية بشر تملك 120 منزلا
    مكيدة تملك 100 منزلا
    عاصمية تملك 20 منزلا
    لا يوجد في خيبر سوى مدرسة واحدة تقع في قرية بشر ولكن المتابعة فيها غير مؤمنة إلا فيما ندر وهي قلما تفتح أبوابها. يديرها رجل دين لا يدعى في خيبر الخطيب كما هو الحال في الجبل ، بل رئيس المسجد.
    هناك خمسة مساجد ، اثنان في قرية بشر ، واثنان في مكيدة وواحد في العاصمية. على مسافة 8 كيلومترات جنوب مرحبا ، بعد جبل خيبر توجد مزرعة نخيل مهمة وفيها عشرون شخصا يقيمون جميعا في قصر واحد. هذا المكان يدعى الوادي.
    على مسافة ثلاثين كيلومترا إلى الجنوب ، ينابيع عديدة وغزيرة تشكل هنا بحيرة صغيرة تدعى قصيبة. تسري مياه قصيبة عبر قناة طبيعية بطول 6 إلى 7 كيلومترات في منخفض في الشمال حيث تشكل بحيرة أخرى تدعى تسمد (1). بين البحيرتين على ضفاف القناة يقوم مبنيان كبيران يتباعدان مسافة كيلومترين. مبنى الجنوب يدعى قصر العضم ومبنى الشمال يدعى قصر البنت.
    شمالي بحيرة ثمد ، تتابع المياه سريانها عبر الحرة إنما متجهة إلى الشمال ـ الغربي لتصب في وادي تبق بعد سقي نخيل بلدتين خاليتين من السكان ، هدنة وجراية.
    يعود نخيل جراية إلى فصيل خالد من ولد علي.
    انطلاقا من بحيرة قصيبة وحتى جراية يوجد مجرى ماء يجري طوال السنة ، وعلى غرار الأقنية داخل واحة خيبر فيه سمك وضفادع وقواقع (2).
    __________________
    (1) تسمد أو ثمد ليس اسم علم بل المصطلح العربي الذي يطلق على بلاعة أو حفرة ماء تكاد تكون على وجه الأرض : تحفر عادة في مجرى واد [التحرير].
    (2) هذه القواقع هي Melanies.

    بدءا من بحيرة الثمد وحتى مصبها في وادي ثبق يحمل مجرى الماء اسم وادي الثمد. في خيبر أكدوا لي بأن الثمد تستقبل وادي سرير قبل أن تنصب في وادي ثبق ، ولكن في المقابل قال لي عرب عنزة لاحقا بأن السرير الذي ينبع خارج الحرة مباشرة جنوبي قصيبة يصبّ مباشرة في وادي ثبق على مسافة 15 كيلومترا تقريبا إلى شرقي الثمد. وقد اعتمدت هذه الرواية الأخيرة ولدي أسباب للاعتقاد بأنها أصح من الأولى.
    في وادي سرير الكثير من النخيل العائد إلى قبيلة شملان التابعة لعنزة. من قصيبة إلى الثمد النخيل كثيف إلا انه أصبح بريا وبعض أشجار النخيل يعطي ثمرا جيدا.
    المثل العربي القديم" حمل التمر إلى خيبر" (1) الموازي لمثلنا القائل" حمل الماء إلى البحر" لا يزال صحيحا. فشجر نخيل خيبر يكاد لا يحصى ونفهم أنه يتم إكثاره أو أنه يترك يتكاثر حيث إنه لا يتطلب أي عناية وأن الماء وافر. ولكن كما يحصل عادة عند ما تكون الطبيعة كريمة ، فإن البشر يتكاسلون. وبما أنه لا يترتب على أهالي خيبر عمل يذكر ، فقد فضلوا ألا يفعلوا شيئا على الإطلاق ولفرط الإهمال الذي طاولها فإن أشجار النخيل تراجعت بحيث لم تعد تعطي سوى أصغر وأسوأ الثمار في كل الجزيرة العربية.
    يعود نخيل خيبر إلى عرب الفقرا أحد فرعي بني وهب ، الذين يجوبون المنطقة بين خيبر وتيماء. سكان خيبر يزرعون شجرتهم مناصفة مع الفقرا ويستقرون حول الواحة للتأكد من المحصول وتسلّم حصتهم. وكما هو سار في زراعات النخيل كافة فهنا أيضا تتناوب باستمرار سنة محصول جيد تليها سنة محصول سيّىء وهكذا دواليك. سنة مروري (1880) كانت سنة وفرة.
    قيمة النخلة في خيبر لا تتجاوز ريالا أو ريالا ونصف الريال وهذا الأمر يعطي فكرة عن تدني نوعية الانتاج. نتذكر أن هذه القيمة تبلغ في حائل 10 ريالات وفي تيماء والعلا تصل حتى إلى حدود 20 ريالا.
    يزرع كذلك بعض القمح والذرة وقليل جدا من الشعير. ولكن ليس لدى السكان دوالي عنب ولا دراقن ولا تين ولا رمان.
    في الشكل يشبه السكان أهالي العلا ولكن لون بشرتهم أكثر سوادا ، كما أنهم أقل
    __________________
    (1) الصحيح : «جلب التمر إلى هجر» أي الإحساء.

    تديّنا بكثير من سكان العلا وبالإضافة إلى ذلك اشتهر عنهم ممارستهم أسوأ ممارسات السحر والشعوذة. ويعدّ الخيبريون شرابات من جثث أو أجزاء جثث ينبشونها من المقابر ليلا. وإلى كل هذه الصفات «الجميلة» يضيفون إلى شهرتهم مهارة السرقة وأهل العاصمية هم الفائزون بالميدالية. كما إنهم وسخون وشرسون وبعبارة غير محترمين.
    على مسافة 4 أميال تقريبا إلى شمال ـ شرقي مرحبا ، في جبل دهام ، نجد سلسلة وديان مجموع طولها ما بين 8 و 10 أميال من الشرق إلى الغرب وعرضها ميلان. ونرى فيها 5 أبراج باتت أطلالا. ومجملها تدعى الحرضة. كما فيها ينبوع يدعى عين رجيعة وقرابة مائة بئر.
    فيما مضى كان في الحرضة سكان ، ولكن حاليا يتردد أهالي خيبر إليها أحيانا دونما انتظام سنوي ، وذلك لزرع القمح الذي يعطي نتائج ممتازة.
    لم أعثر في خيبر إلا على 8 نقوش أستطيع ضمان قراءتها. بعض الصخور التي يبلغ طولها في كثير من الأحيان مئات الأمتار ، كانت مملوءة بالنقوش إلا أن المطر محاها أو تكفلت الشمس بتفتيتها ولم تعد تقدم سوى أحرف مشكوك فيها. وعثرت في مقبرة قديمة شمالي ـ غربي مرحبا على نقش كوفي.


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    رحله في الجزيره العربيه 1878-1882 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: رحله في الجزيره العربيه 1878-1882   رحله في الجزيره العربيه 1878-1882 Emptyالإثنين أكتوبر 21, 2024 10:15 am

    عبر الحرة
    غادرت خيبر في 15 كانون الأول. كان في نيتي اجتياز الحرة في عرضة وصولا إلى الحائط. وتعود الأراضي على هذه الطريق إلى عرب هتيم (1) واضطررت إلى اختيار دليلي من بينهم. غير أن مرزي الذي رافقني انطلاقا من العلا ظل يتبعني ولم يتركني إلا في حائل.
    إذا شئت أن تكون محترما فلا ينبغي أن تسافر وحيدا مع رجل من هتيم وهذه في رأيي إحدى الأخطاء التي ارتكبها السيد دوتي إذ وصل إلى حائل يقوده رجلان من قبيلة هتيم مما سبب طرده الفوري.
    شمّر يعتبرون أنفسهم أنبل العرب ، وهم كذلك. ويليهم مباشرة في ذهنهم عنزة الذين يحتلون هذه المرتبة بسبب عددهم وقوتهم وليس بفضل نبالتهم أو نقاء دمهم. يليهم الشرارات. وفي الترتيب الأخير ، وكأنهم خارج الطبقة ، تأتي قبيلتا الصلب وهتيم.
    قبائل الهتيم الرئيسة هي التالية : ابن سميرة ـ ابن بالراك Balerak ـ المحيمزة ـ الفرديسة ـ العوامرة ـ المصابرة.
    أبناء سميرة يوجدون عادة حول خيبر.
    المحيمزة ـ يخيّمون في جوار المدينة وهم في حرب مع شمّر.
    المصابره يجوبون القصيم ويدفعون الجزية للأمير حسن.
    تعد قبيلة ابن سميرة ثماني قبائل تسميها الحكومة التركية برنجي أي الأولى. وهذه القبائل عينها تطلق على نفسها فيما بينها اسم الذيبةAdzeibah.
    كان دليلي عبر الحرة ابن سميرة الشخصي. وهو شاب طويل ووسيم في الخامسة والعشرين من العمر تقريبا في غاية الكرم والكياسة. وكان يتحمل بصبر الشتائم والإهانات التي كان مرزي النبيل يكيلها إليه طوال اليوم.
    في الساعة العاشرة صباحا غادرنا قرية بشر وبعد خمس وأربعين دقيقة خرجنا من المنخفضات التي تنمو فيها أشجار نخيل خيبر لنصعد إلى هضبة الحرة. ولا تلبث الدرب أن تجتاز أطلال قرية قديمة من الحجر. الطريق مريعة وتستمر عبر الدبش
    __________________
    (1) يفضل كتابة اسم Houteim على النحو التالي : Hoteim [التحرير].

    الذي يبلغ حجم بعضها مترا مكعبا ونصف المتر. لا يشير إلى الاتجاه سوى انعكاس طفيف على سطح الحجارة التي لم يؤثر فيها المرور طوال خمسين قرنا لشدة صلابة هذا الصخر البازلتي.
    الدرب من خيبر إلى الحائط تحمل اسم درب اليهود أو درب الكفار.
    بعد الكيلومترات الخمسة الأولى نصادف بمحاذاة الدرب قرابة عشرين كومة من الحجارة تتباعد فيما بينها مسافة 20 إلى 30 مترا وتدعى أرجوم اليهودErgouum El'Yahoud. وقال لي ابن سميرة أن اليهود الذين قتلهم علي هم الذين يرقدون هنا وكل مارّ يضيف حجرة على الكومة.
    قرابة الساعة الرابعة عصرا وصلنا قرب جبل فكاه الصغير على بعد ميلين جنوبي طريقي. وبعد ساعة خيّمنا في وادي سويس. إلى شمالي مخيمنا لاحظت جبل قرس والى الشمال ـ الغربي جبل الغامر البالغ طوله 16 ميلا. كلاهما مؤلف من الغرانيت ومنفصلان عن الحرة التي تمتد في هذا الاتجاه مسافة عشرين كيلومترا إضافيا إلى يساري.
    في اليوم التالي قطعنا حوالي 16 منها اثنان إلى الجنوب ـ الشرقي.
    في الساعة التاسعة صباحا كنا قد قطعنا وادي سويس مجددا وعند الظهر خيّمنا قرب غدير المقنع حيث كان لا يزال فيه قليل من الماء.
    منذ الصباح كنا قد اجتزنا خمس فوهات براكين حافاتها قليلة الارتفاع وأقطارها متباينة جدا. هذه الفوهات المجردة من الحجارة مملوءة بتراب صلصالي أصفر كان يجعل السير صعبا ومستحيلا في بعض الأماكن ، لدى مروري ، لفرط انزلاق الأرض في أعقاب الأمطار الأخيرة.
    وكان مطر خفيف قد بدأ يتساقط أجبرنا على السير إلى الجنوب الشرقي. كان لا بد من قضاء الليل تحت خيمة ، وأكد لي دليلنا أننا لا بد ملاقون خياما في هذا الاتجاه. وبالفعل ما لبثنا أن بلغنا خمس خيام بائسة للهتيم واستقررنا في أكبرها. لكن المطر لم يرحمنا ؛ ذلك أن الماء اجتاح الخيمة مع انفجار العاصفة قرابة الساعة العاشرة ليلا. وبقصد حماية أجهزتي قررت أن أحملها على ركبتي وذهبت لأجلس في الخارج على الصخر حيث طلبت تغطيتي بمعاطفي وسجاداتي. كان الليل مضنيا والصباح حزينا.

    في هذا اليوم لم نسر أكثر من ميل واحد إلى الشمال لإيجاد الدرب و 8 أميال في وجهتنا إلى الشرق والشمال ـ الشرقي.
    فور استئنافنا سيرنا باتجاه حائط ، تجتاز الدرب منطقة مريعة. خيّل لنا حديد تجمد في أوج غليانه مع فقاقيع هائلة ؛ وبعض الفقاقيع التي فقئت تسمح برؤية ثقوب عميقة وحافات حمم قاطعة كالزجاج. بين الحين والآخر تزيد حفرة عميقة ناجمة عن انسحاب البرودة من فوضى هذه الظاهرة العجيبة وهولها. يبلغ عرض هذه المنطقة ميلين وتدعى العبير.
    إن حمم الطفح صلبة لدرجة أنها لم تحفظ حتى هذا الانعكاس الطفيف الذي يشير إلى الاتجاه على بازلت الحرة على الرغم من المرور عليها منذ قرون بعيدة. وعلى غرار ما يسري في النفود فإن طريق العبير لا تعرف إلا من بعر الجمال التي يحرص كل بدوي على معسها على الحمم تدريجيا كلما أسقطه حيوانه. هذا البعر الممهد على هذا النحو يلتصق بالصخر لسنوات عديدة مشيرا إلى الاتجاه الواجب سلوكه.
    وقع مخيمنا لتلك الليلة بين جبلي غينات وغنيم الأول في الشمال والثاني في الجنوب. ثم تتوالى جنوبا على مسافات متساوية تقريبا فيما بينها ، الجبال الآتية : رأس الأبيض (1) ـ لا كليل ـ رماحة ـ العاقر.
    هذه الجبال الستة تقوم هي بالذات على أرض مرتفعة على شكل ظهر حمار. رأس الأبيض هو أعلاها.
    هذه السلسلة من الجبال لافتة للانتباه لانها تشكل نقطة توزع المياه في الجزيرة العربية الشمالية. فمن هنا تنطلق المياه غربا إلى البحر الأحمر وشرقا إلى الخليج الفارسي. وادي الرمّة الكبير الذي يقع مصبه قرب البصرة ينشأ قرب الجبل الأبيض.
    بتحديد هذه النقطة التي لا تلحظها الخرائط عادة أو التي تسجلها أبعد من تيماء إلى حدود تبوك ، أعتقد أنني أحرزت تقدّما في معلوماتنا حول هيدروغرافيا الجزيرة العربية الشمالية.
    سأقول في نهاية عملي هذا ، في إشارة مقتضبة على خريطتي أسباب الخط الذي اعتمدته لمجرى وادي الرمّة والذي يبتعد كثيرا عن الخط في الخرائط السابقة (2).
    __________________
    (1) على الأرجح لجن Ras El Abiad [التحرير].
    (2) لم يستطع المؤلف كتابة الملاحظة التي يتحدث عنها في هذه الفقرة لانه مشغول بتحضير رحلته الأخيرة.

    أما اسم الرمّة الذي اطلقته على الوادي نفسه بدلا من اسم رمّةRoummah المعتمد حتى الآن والذي أطلقه عليه قدامى المؤلفين العرب ، فإنني أقول إنني لم أسمع بغيره وإن الاسم الأخير مجهول تماما في منطقة الوادي وكذلك في الجبل.
    المياه النازلة على المنحدر الغربي لجبل رأس الأبيض تشكل وادي الطبق El Thebeq الذي يجتاز كل الحرة متجها إلى الغرب ويمر على بعض الكيلومترات جنوبي جبل خيبر ، ثم يخرج من الحرة ويذهب لينضم إلى وادي الحمض قرب جبل هدية وهو محطة درب الحج على بعد سبعين كيلومترا تقريبا غربي خيبر. في طريقه عبر الحرة ، يتلقى الطبق روافد صغيرة مختلفة ، إلّا أنني لم ألحظ على خريطتي سوى المجاري التي حصلت على بعض التأكيد بشأنها ، وهي السويس والثمد وخارج الحرة ، السرير.
    ولا بد لي من الاشارة إلى خصوصية بدت لي غريبة أخذتها من عربي من قبيلة حرب ومن آخر من قبيلة هتيم التقيتهما في الصحراء أبعد من الحائط. وقد أكدا لي أن أكثر الروافد ارتفاعا في وادي طبق تصعد حتى جبل مخيطMakhid إلى الشمال ـ الشرقي لرأس الأبيض ، أي خارج الحرة. كنت آنذاك على مسافة عدة فراسخ إلى شمال الحائط بعيدا عن الناس المطلعين ، وفيما بعد لم أتمكن من الحصول إلّا على معلومات متناقضة حول هذه المسألة.
    ينشأ وادي الحمض شمالي المدينة ثم يسير بموازاة الحرة أي إلى الشمال ـ الغربي حتى جبل هدية حيث يلتقى وادي طبق. ثم يتجه إلى الغرب ويستقبل وادي العلا ليصب أخيرا في البحر الأحمر ، جنوبي مدينة وج الصغيرة.
    لا يشتمل وادي الحمض على نخيل على غرار الوديان الأخرى التي تشكل روافده ، ولكنه يحتوي على آبار عديدة.
    يتكون وادي العلا الذي ذكرته لتوي ، في حوض الحجر ، ثم يسري إلى الجنوب مسافة ثلاثة أيام سيرا ، ثم يصب في وادي الحمض في أراضي بني جهينة وهم فرع من بني كلب.
    بين جبلي غينات وغنيم المغارة الطبيعية الصغيرة المسماة مغنيه السودةMeghreniah El Asoudah وهي مكونة من كتل بازلتيه ، ارتفاعها 20 ، 1 متر وعمقها متران وطولها 3 أمتار تقريبا وهي بالضبط بالوسع الذي يسمح بحمايتنا ثلاثتنا من المطر الذي انهمر طوال الليل.

    في اليوم التالي في 18 كانون الأول ، اجتزنا 20 ميلا شمالا ، 72 درجة شرقا وهو اتجاه الحائط الصحيح.
    بعد أول خمسة أميال لمحنا جبل الحمادة الذي تقع القرية عند سفحه الجنوبي ـ الشرقي. قرابة الظهر سرنا فترة بمحاذاة وادي غنيم الذي يبدأ في الجبل الذي يحمل الاسم نفسه ويمر شمالي جبل بصر ، وينضم على بعد خطوات إلى وادي الرمّة.
    جنوبي جبل بصر يقع جبل قنة أو ابو زيد.
    ابتداء من مغنية تصبح الدرب مرهقة بشكل مريع ويصعب تتبعها.
    في اليوم التالي ، بعد ثلاث ساعات سير كاملة إلى الحائط. لم نلمح رأس نخيلها إلا قبل نصف ساعة من بلوغها ، لأن هذه البلدة مع النخيل المحيط بها تقع على غرار خيبر في شق من الحرة.
    الحائط
    قبل نزول منحدر الحرة اجتزنا لمدة خمس عشرة دقيقة أطلال بلدة قديمة جدا مبنية من الحجر المقصّب. كان فيها فيما مضى عدة أبراج مدورة ، أما اليوم فكل شيء تقريبا بات بمستوى الأرض. إنها الحائط القديمة التي على غرار قرى خيبر القديمة ، كانت مبنية فوق الحرة وليس كما هو الحال اليوم في المنخفضات حيث تقضي أمراض الحمّى على السكان. على أي حال تتمتع الحائط بمظهر منعش وجديد لا تتمتع به خيبر ولا العلا ، اللتان لهما معها من جهة أخرى نقاط تشابه كثيرة من حيث سكانها الزنوج ، وأمراض الحمّى والسعادة التي لا تقدّر بثمن لرؤية نخيلها مسقيا بالينابيع.
    إن لون بشرة سكان الحائط الزنوج هو أفتح من لون الخيبريين من دون أن يوازي لون سكان العلا.
    بما أن الحائط غير بعيدة عن عاصمة شمّر ، لا يوجد فيها حاكم خاص كالجوف وتيماء والعلا. إنها تتبع مباشرة لحكم الأمير. والمالك الأغنى ويدعى جابرا ، هو الذي يستقبل الضيوف ويلقب بالشيخ.

    هذه الواحة المزدهرة جدا تملك ضعفي عدد نخيل العلا ولكن نخيلها أقل جمالا وبالتالي فإن محصولها أقل ونوعيته أدنى. إلا أن الإنتاجية والمنتوجات أفضل بكثير من انتاجية ومنتوجات خيبر. لا يوجد في الحائط كما في العلا تمور حلوة ولكن التربة تنتج أنواعا أخرى مرغوبة جدا وأفضلها هي تمور قصب ، برني ، فريزي وكلب.
    عرب هتيم وحرب والشمر هم الذين يشترون تمور الحائط.
    كان نخيل الحائط يعود فيما مضى إلى قبيلة علي ، من عائلة عنزة الكبيرة ، والتي كانت تعد 200 خيمة. ولكن عند ما ضمت الواحة إلى إمارة شمر بفضل عبيد ، طالب الأمير طلال الحاكم آنذاك بالضريبة العادية البالغة 5% من حصة قبيلة علي. وخضع أفراد القبيلة لمدة أربع سنوات ثم رفضوا دفع الضريبة. فقام طلال بغزوهم فانسحبوا إثر ذلك إلى جانب قبائل عنزة الكبرى الأخرى في الشمال على ضفاف الفرات. ومن ثم حلّ الأمير محلهم واستملك أراضيهم. وأصبح السكان يقدّمون نصف المحصول إلى الأمير ويدفعون بالإضافة إلى ذلك ضريبة تبلغ 10% من نصف المحصول العائد إليهم.
    ويزرع السكان كذلك القمح والشعير والذرة ولكنهم لا يملكون مواشي ولا دواب.
    تسقي مزارع الحائط ثلاثة ينابيع تنطلق من شلالة والصفيري وأبو سليمان.
    الينبوعان الأولان يعطيان معا حوالي 3 ليترات في الثانية ويخرجان من تلة واحدة هي تلة الصفيري وجزء من الحرة ، تماما تحت أطلال برج يدعى قصر الصفيري إلى الشمال ـ الغربي للقرية. أما ينبوع أبو سليمان المسمى أيضا علي ، فيصل من الغرب وهو الأقوى إذ يبلغ منسوبه 3 ليترات تقريبا في الثانية.
    يبدو منسوب الينابيع مستقلا عن المواسم سواء جيدة أو سيئة. خلال الشتاء الذي زرت فيه البلدة ، أي شتاء 1879 ـ 1880 ، هطل المطر ولكن قبل ذلك مرت أربعة مواسم شتاء جافة منذ 1876 دون ملاحظة أي تبدّل في منسوب الينابيع.
    درجات الحرارة فيها أقل ارتفاعا من درجات حرارة ينابيع خيبر. وفيما يلي معدلات درجات الحرارة فيها :
    ـ ينبوع شلالة+ 5 ، 28 درجة
    ـ ينبوع الصفيري+ 2 ، 28 درجة
    ـ ينبوع أبو سليمان+ 8 ، 26 درجة

    وقد أكد لي أن الينبوع الأخير هو باستمرار أكثر برودة من الاثنين الأولين. تعطي الينابيع الثلاثة مياها صالحة للشرب.
    قال لي السكان إن ينابيع أخرى قد نضبت. ولكن في عدة أماكن في فصل الشتاء تخرج المياه من الأرض وتشكل مستنقعات لا تلبث أن تختفي في الربيع.
    يزرع في الحائط تبغ مرغوب جدا ويباع بقيمة نصف ريال للمكيال الذي يحوي 500 غرام تقريبا. أما التبغ الذي يزرع في خيبر والعلا وتيماء فنوعيته أدنى بكثير من تبغ الحائط كما ان كمية التبغ نفسها تباع في العلا بقيمة ربع ريال وفي خيبر بقيمة قرش (1).
    إن الأطلال العديدة التي لا تزال في الحائط تدل على أن هذه المدينة كانت فيما مضى مهمة كمدينة خيبر إن لم تكن أكثر أهمية. كانت تضم حيّين كبيرين ، واحد في الجنوب ـ الشرقي والآخر في الشمال ـ الغربي من القرية الحالية. وقد ضاع اسماهما. إلا أن السكان يسمون حاليا الأطلال الأولى تحت اسم خرائب النصارى (أطلال المسيحيين) والأطلال الثانية تحت اسم خرائب اليهودي. الحائط الحالية نفسها تقوم على أساسات قديمة من الحجر المقصّب. ولا تزال توجد بقايا غريبة لابنية قديمة ومن بينها مبنى مربع يفضى إليه درج خارجي يقود إلى الطابق الأول. وفي داخل المبنى بئر.
    المبنى المسمى قصر الذهلان مربع من الحجر المقصّب ، وهو مبني بالاسلوب نفسه مع درج خارجي. ما يشبه الطابق الأرضي ليس فيه باب ولا نافذة ولا أي فتحة أخرى.
    تتألف مدينة الحائط الحالية التي تتطاول في حفرة من الحرة على امتداد ميلين من الشرق إلى الغرب ، من ثلاثة أحياء. الحي الأول هو الأكبر ويدعى وادي سعفان. والحي الثاني ، وهو الأصغر ، الكائن على مسافة 100 متر إلى الجنوب ـ الغربي يدعى الشريف. والثالث الكائن في الاتجاه نفسه إنما على مسافة 500 متر على تلة صغيرة ، يدعى القصير.
    في أسفل هذه التلة الأخيرة قبور قديمة مبنية من الحصى ومسورة ولكن بعضها قد
    __________________
    (1) قرش ـ 20 ، 0 فرنك.

    انهار. اتجاه القبور من الشرق إلى الغرب.
    في الحائط استطعت أن أتبين من أعلى الحرة جبال قنة وقرن وحليفه وتين في الجنوب والجنوب ـ الشرقي.
    هذه التقويمات سمحت لي برسم حدود الحرة من هذه الجهة.
    في 24 كانون الأول غادرت الحائط في الساعة التاسعة والنصف صباحا. وفي الحادية عشرة بلغت حدود الحرة. وهي تستمر ولكن بحالة تشتت مسافة 12 كيلومترا تقريبا إلى ما بعد جبل الصقابرAc ? eqaber على بعد 16 كيلومترا من الحائط.
    عند سفح هذا الجبل الأخير وفي مكان انقطاع الحرة ، بقايا ثلاثين بيتا باتت أطلالا.
    بعد دقائق من خروجي نهائيا من الحرة ، عبرت أخيرا وادي مخيد الذي ينطلق من الجبل الذي يحمل الاسم نفسه ، على بعد 45 كيلومترا تقريبا إلى الشمال ـ الغربي من طريقي. وقد خيّمت لدى مروري على بعد 9 كيلومترات من هذا الوادي الذي كان فيه ماء.
    في وادي مخيد تقريبا تبدأ أرض من تربة صلصالية صلبة مكسوة بالحصى برتابة مقنطة وبعقم يكاد يكون مطلقا. لذا لا نجد فيها أبدا مخيمات للبدو كما لا نعثر عليها بين جبل رأس الأبيض والحائط. واسم هذه الصحراء هو الزرب.
    من مخيمنا كان جبل أبان El Ban الذي يقع على مسافة بضعة كيلومترات إلى الشمال ـ الغربي ، وهو جبل قليل الارتفاع. وأمامنا ينتصب جبل الزلف الصغير ، وهو جبل من النوع نفسه يبلغ طوله 6 أميال.
    في اليوم التالي انطلقنا قبل الثامنة بقليل ، وبعد ساعتين كنت على جبل الزلف. وقبل ذلك بقليل استطعت أن أحدد على مسافة 16 ميلا جبل ركة الذي لا يبعد سوى 7 أميال من وادي الرمّة.
    ابتداء من جبل الزلف سرنا باتجاه الشمال ، 65 درجة شرقا. ولم نلبث أن عدنا إلى أرض غرانيتية خالصة.
    وبعد مسافة 3 أميال حددت جبل الظبي على بعد 25 ميلا إلى الجنوب ـ الشرقي ، وعلى مقربة من مصب وادي القاعدEl Qahed في وادي الرمة. وبعد مسافة قصيرة قطعت وادي القاعد قرب القمة الصغيرة التي تحمل الاسم نفسه.

    ينشأ وادي القاعد على مسافة 22 كيلومترا إلى الشمال ـ الغربي من القمة التي تحمل الاسم نفسه قرب قرية تغرةThaghrat الصغيرة.
    على بعد 4 كيلومترات إلى الشمال ـ الغربي من جبل قاعد الصغير ، يوجد جبل صغير آخر يدعى فرس Fers على بعد 5 أميال إلى الجنوب ـ الغربي الشرقي يوجد جبل وسما.
    عند غروب الشمس خيّمنا في صحراء قلنقوة التي تتبع صحراء الزرب.
    في اليوم التالي في 26 كانون الأول ، قطعنا 14 ميلا. في الساعة الثامنة صباحا اجتزنا وادي مبحل Mebehel الذي يتكون قرب جبل رويسة ويصّب في وادي الرمّة. قرابة الظهر وصلنا إلى جبل دقية الأسمر ، وهو تلة غرانيتية بارتفاع خمسين مترا تقع على بعد 40 ميلا جنوبي تلة مماثلة تدعى دقية الأحمر.
    من قمة دقية الأحمر استطعت تحديد جبل الرمان حيث عند سفحه مستجد. عند قمتي دقيه تتوقف مراعي قبيلة هتيم.
    مستجد
    في 27 كانون الأول ، انطلقنا في الساعة السابعة صباحا وبعد ثلاث ساعات رأيت من بعيد نخيل مستجد التي وصلت إليها بعد ساعتين.
    لدى مروري في خيبر كانت تسري شائعة مفادها أن الأمير قد غادر للقيام بغزو في الجنوب. في الحائط تأكد لي النبأ ولدى وصولي إلى مستجد علمت أن الغزو استهدف عرب عتيبة الذين يخيّمون بين مكة والرياض. وأضاف شيخ مستجد الذي كان يزودني بهذه التفاصيل إن الغزو خيّم بالأمس في وادي الرمّة وإنه يتوقع بالتالي أن يراه يمر مجددا بين لحظة وأخرى ليعود إلى حائل. فصممت على انتظاره في مستجد لرؤيته لدى مروره. ولكن في منتصف الليل وصل مرسال من الأمير مكلف بالاستفسار عني وبحمل أخباري. الغزاة كلهم كانوا يخيمون على بعد عشرة فراسخ جنوبي مستجد. فأرسلت مرزي فورا على ذلولي الخاص وكلفته إبلاغ الأمير تحياتي وشكري لاهتمامه.

    وأعلمني المبعوث بأن الغزو قد نجح تماما وأعطى نتائج طيبة دون إراقة أي دماء. وقد تم الاستيلاء على حوالي 800 جمل و 5000 من الخراف والماعز وستة عبيد وسبعة خيول. هرب أفراد عتيبة ، ولم يشأ الأمير ملاحقتهم.
    في اليوم التالي عاد مرزي في الساعة الثالثة عصرا وكان قد سرّ كثيرا. وأبلغني الأمير بواسطته أنه سيمر في صباح اليوم التالي أمام مستجد وأنه سيرسل مواكبة لمرافقتي لأعود إلى حائل برفقته وأن أكون جاهزا.
    وبالفعل في 29 كانون الأول منذ الصباح الباكر امتلأ السهل بالقطعان ومجموعات من البدو ورجال الأمير وجميعهم يحث الخطى متجهين إلى الشمال. إلا أن القسم الأكبر من الغزو مرّ مع الأمير على بعد فرسخين تقريبا غربي مستجد. قرابة الظهر ، وصل أربعة فرسان أرسلهم الأمير لاصطحابي. ولكن لم يكن في نيتي قط العودة إلى حائل على النحو الذي سيعتمده الأمير أي هرولة.
    فبعثت الى الأمير شكري واعتذاري لعدم تلبية دعوته رغبة مني في العودة مع القيام بالتفاف صغير.
    وانطلقنا فورا فقادتنا أربع ساعات طويلة من السير إلى قصير وهي قرية صغيرة تضم أربعين شخصا حيث قضينا الليل.
    في 30 كانون الأول حملتنا 3 كيلومترات من السير من فوق جبل الصفرا الصغير إلى قرية غزالة التي اكتفيت بالمرور من أمامها. توقفت على بعد 8 كيلومترات في كفر المحش الذي يعدّ عشرة أشخاص حيث أمضيت الليلة.
    في اليوم التالي توجهت باتجاه جبل الشبيكية وهو جبل من الغرانيت الأحمر مع بضعة مزارع من النخيل شبيهة بمزارع عقدة. وبعد قليل مررت أمام جبل السراء وخيمت إلى الشمال قليلا في قصر شعيب.
    كان اليوم التالي الأول من كانون الثاني 1881. لم أتمكن من الانطلاق إلا قرابة الساعة العاشرة بسبب إهمال رجالي الذين تركوا ذلولي يتيه ولم نعثر عليه إلا بعد يومين. لم يكن هناك ما يؤخرني في هذه المنطقة التي أصبحت أعرفها ، فحثثت خطو مطيتي ووصلت إلى حائل في الساعة السابعة مساء.
    استكشافي للغرب استغرق مني 74 يوما.

    من حائل إلى بغداد
    في 10 كانون الثاني كان الحجاج الفرس العائدين من مكة والمدينة قد وصلوا إلى حائل وفي 17 غادروها للعودة عبر بغداد إلى وطنهم. فقررت أن أرافقهم.
    عند الظهر غادرت حائل وسرت إلى الشمال ـ الشرقي. وبعد ثلاث ساعات توقف الغرانيت وظهر الحث من جديد. وعلى بعد نصف ساعة خيمت مع الحجاج في منطقة أمازن.
    في اليوم التالي لم نجتز سوى 7 أميال دائما إلى الشمال ـ الشرقي وخيّمنا قرب وادي الشقيق. بعض الحفر الصخرية كانت لا تزال تحتوي على مياه من أمطار الشهر السابق. في هذا الوادي تجد أيضا الكثير من العليق الذي يعطي الخشب الكافي للنار. الماء والخشب هما كل ما يلزم للحاج ، أما المؤن فيحملها معه.
    في 19 كانون الأول سرنا فقط من الساعة السابعة حتى الساعة الحادية عشرة وقطعنا 11 ميلا ونصف الميل. أقيم المخيم عند آبار الحاصرة. تقع هذه الآبار البالغ عددها ثلاثين تقريبا في منخفض من الأرض غير ملموس. وهي محفورة مباشرة في الأرض الصلصالية. المياه على عمق 6 أو 7 أمتار وطعمها سيىء كريه. طبقة الماء ليست عميقة لأن كل الآبار امتلأت بالرمل قليلا. وادي حائل يصل إلى هذه الآبار ولكنه لا يتابع سيره ليصب في الشرق في وادي الرمّة كما أعتقدنا حتى الآن.
    على العموم يكون جوار الآبار خاليا من النباتات ومن ثمّ من العلف والخشب. يضاف إلى ذلك في الحاصرة أنه في نهاية أربع وعشرين ساعة كانت الآبار قد استنفدت ومع ذلك بقينا أربعة أيام.
    لدى انطلاقه من بغداد إلى المدن المقدسة ، كان الحجيج يتألف من 800 شخص تقريبا. وفي العودة كانوا 4000 ليس لديهم طبعا ما يكفي من الجمال لإيصالهم إلى بلاد ما بين النهرين. أفراد قبيلة حرب الذين نقلوا الحجيج من المدن المقدسة إلى حائل كانوا كالعادة يريدون العودة ولكن إزاء نقص الجمال اضطر الأمير إلى الطلب اليهم بأن يبقوا حتى مشهد علي. وقبل الجزء الأكبر ولكن عدد الجمال بقي غير كاف. فأرسل الأمير رسولا تلو رسول إلى بدو الصحراء ليحملهم على المجيء مع جمالهم ، ولكن العرب استاؤوا من أسعار الأجرة التي رأوا أن الأمير قد

    حددها لمصلحة العراقيين فتباطأوا في الوصول.
    خلال هذا الوقت ، جميع الحجاج الفقراء ، من قبيلة حرب وقبيلة شمّر كانوا وفق العادة البدوية ضيوف الأمير. وبتقديري كان هذا يتمثل بإطعام ما بين 2500 و 3000 من الأفواه الإضافية مما كان يسحب حجما كبيرا من المؤن.
    للتخلص من هؤلاء المستهلكين غير اللازمين جعل الأمير الحجيج يغادر حائل بعد ما أعطى جميع المحتاجين كمية من التمور تكفي لخمسة عشر يوما. ولكن بما أن جميع الحجيج لم يحصلوا على جمال ، كان لا بد لهم من البقاء في المخيم.
    ومع تعالي مطالبات الحجيج ، قاد أمير الحاج (1) في 24 كانون الثاني الجزء الراكب من القافلة حتى بقعاء على مسافة ثلاثين كيلومترا إلى الشمال ـ الشرقي للحاصرة.
    وفي الليل عادت الجمال إلى المكان الأخير وجلبت معها في اليوم التالي باقي الحجيج. وجرت الأمور على هذا النحو عدة أيام حتى حملت التهديدات التي وجهها الأمير بواسطة مبعوثيه الى البدو على المجيء مع جمالهم.
    أما اسعار الأجرة التي حددها الأمير للجمال من حائل حتى مشهد علي فهي :
    ـ للفارس مع خرجه (2) 07 ريالات
    ـ للجمل المحمّل 10 ريالات
    ـ للجمل مع هودجين لشخصين 13 ريالا
    وكان البدو قد طلبوا أن تكون هذه الأسعار على التوالي 10 ، 15 و 18 ريالا.
    تقع بقعاء بشكل جميل جدا في حوض شاسع من الحجر الأبيض الممتد من الشرق إلى الغرب. تتألف القرية من مجموعتين من المنازل. المجموعة الشرقية تدعى صحبي C ? eheby ، والأخرى الغربية تدعى الويمي El Oueimy. بين الاثنتين مجموعة صغيرة من 4 منازل تدعى شرقي وتعتبر قديمة جدا. كانت في غابر الزمان تدعى الحمام أو مريقب Mereiqeb أيضا. إلى جانبها ملكية معزولة دون نخيل محاطة بالحقول وتحمل اسم القصيفةEL Qec ? eifah وعلى مقربة توجد مجموعة أخيرة تدعى قويعان
    __________________
    (1) أمير الحاج هو قائد القافلة. من نقطة الانطلاق وحتى الوصول لديه صلاحية مطلقة كالقبطان على متن سفينته. كان يشغل هذه الوظيفة عبد لدى ابن رشيد يدعى عبد الرحمن.
    (2) الخرج هو حقيبة سفر مزدوجة تتدلى على جانبي الجمل.

    وسط الحوض مغطى بطبقة سميكة من الملح الشديد المرارة.
    المياه السيئة والمالحة بشكل عام تقع على عمق يتراوح ما بين 8 و 10 أمتار. وبما أن الحث الذي حفرت فيه الآبار شديد الليونة فإن فتحة الآبار واسعة جدا. بئر واحدة تعطي ماء مقبولا وهي بئر قصر الويمي ومياهها لبنية وتميل إلى الزرقة في آن وقد ذكّرتني بماء نهر الراين. هذا البئر تدعى سمحة.
    لكل من حي العجين وحي الويمي قصر كبير مربع مبني من الحصى والملاط دون كلس مع أبراج صغيرة عند الزوايا الأربع. الداخل مملوء ببيوت السكان البائسة التي تذكّرني بقرية تدمر الوسخة الواقعة ضمن سور معبد الشمس. قصر الصحبي هو الأكبر.
    نخيل بقعاء جميل وينتج نوعا جيدا من التمر. كما يزرع فيها كل سنة القمح والشعير.
    لاحظت قرب بقعاء حجارة حث غريبة الشكل. فهي كرات مدورة تماما بحجم حبة حمص شبيهة بالكلل التي يلعب بها الأولاد. الكرات المنزلة في الحث هي نفسها من الحث الشديد الصلابة بلصاق كلسي وآخر بلصاق من أو كسيد المنغنيز المحمية وتبرز أشكالاBotryoides تذكّر بأنواع الحث الشبيهة بفونتينبلو. في إحدى عيّنات الحث التي جلبتها معي صدفة بمصراعين يبدو أنهاCardite. هذا الحث الكروي يسميه السكان الأصليون رسترس Restres.
    كان الحجيج يخيّم على بعد كيلومتر واحد تقريبا إلى الشمال ـ الشرقي لبقعاء على هضبة من الصخر العاري يدعى قطيان.
    في 26 كانون الثاني غادرنا بقعاء واجتزنا قرابة 20 كيلومترا دائما باتجاه الشمال 65 درجة شرقا. مخيمنا لهذا اليوم يدعى لغف النفود وأيضا الغبية.
    على مسافة قصيرة إلى الشمال ، كان النفود يرتفع كسور إلى علو 40 مترا تقريبا. من قمته استطعت تحديد جبل جلدية وهذا ما فعلته أيضا من بقعاء.
    في اليوم ما بعد التالي استأنفنا السير وتبعنا حافة النفود التي تنحني هنا قليلا باتجاه الجنوب بحيث كانت وجهتنا الجنوب 80 درجة شرقا. وقادتنا مسيرة 30 كيلومترا إلى آبار الشعيبة حيث بقينا ذلك اليوم واليوم الذي تلاه. خلال هذين

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    رحله في الجزيره العربيه 1878-1882 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: رحله في الجزيره العربيه 1878-1882   رحله في الجزيره العربيه 1878-1882 Emptyالإثنين أكتوبر 21, 2024 10:17 am

    اليومين بقي المنظر مشوبا بضباب خفيف وكانت الشمس شاحبة والحرارة باردة. أما البوصلة فكانت مضطربة باستمرار.
    المياه في آبار الشعيبة البالغ عددها ثلاثين بئرا ، تقع على عمق 5 أو 6 أمتار. وهي شديدة الملوحة ومرة.
    في 30 كانون الثاني سرنا بضعة كيلومترات إضافية باتجاه الجنوب ـ الشرقي ثم إلى الشرق. وحينما بلغنا أثر درب بغداد بدأنا نسير إلى الشمال ودخلنا إلى النفود الذي لم يعد فيه ما يخيف ولا يقارن بنفود الجزيرة العربية الوسطى. فهو مجرد تلال من الرمل تفصل ما بينها وهاد مملوءة بالحصى. وبعد مسيرة 13 ميلا وصلنا إلى مكان يدعى الشامة.
    في 31 كانون الثاني قطعنا كذلك 13 ميلا في اتجاه الشمال وذهبنا لنخيّم عند بئر تربة حيث بقينا أربعة أيام.
    البئران مسورتان والمياه فيهما على عمق 15 مترا تقريبا. لدى وصولنا كانت المياه نتنة ومرة ولكن حينما استنفدها الحجيج بسرعة جاءت المياه التي حلّت محل الأولى أطيب مذاقا.
    شيّد أحد اواخر أمراء شمّر قرب آبار متعب ، قصرا من الآجرّ ووضع فيه كتيبة حرس لمنع العرب من غير شمر أو حلفائهم من أخذ الماء. والأمير الحالي محمد يبقي فيها باستمرار ثلاثة رجال للهدف نفسه.
    إن قبيلتي عبدة وتومان الشمّريتين الواقع مخيماهما في هذه المناطق هما اللتان تشربان من مياه تربة.
    الأراضي المحيطة بتربة قاحلة بشكل رهيب. إنها صحراء حجرة تتخللها جزر رملية بسماكة سنتيمترين إلى 3 سنتيمترات. والتربة التحتية خليط من الحصى والمرو وقطع الصوان والكلس المتراصة والتي تبدو متماسكة بملاط أبيض. هذه الصحراء الممتدة بعيدا إلى الشرق تحمل اسم الضبيب الكبير.
    على بعد 12 ميلا إلى الشمال ـ الشرقي لتربة تقع آبار خضرا وعددها 14. وقد حفرت في الصخر ببساطة ولم تزين بأسوار ويبلغ عمقها من 15 إلى 16 مترا وقطرها متران.
    المياه فيها مشوبة بالمرارة. وكانت هذه الآبار فيما مضى تعود خصيصا إلى عرب عبدة ، إنما اليوم تستطيع كل قبائل شمّر أن تشرب منها.

    على بعد 15 ميلا شرقي خضرا يوجد بئرا الخشماءEl Hasma وهما أقل عمقا من تربة وقد سوّرتا وتحتويان على ماء طيبة.
    على مسافة 10 كيلومترات تقريبا شرقي آبار الخشماء بئران أخريان تحت اسم زرود وهما بعمق آبار تربة نفسه ومبنيان. اما نوعية مياههما فأدنى من مياه الآبار السابقة.
    هذه الآبار الكائنة جميعها في النفود المسمى متسور كانت فيما مضى ملكية حصرية لقبيلة عبتة. النفود هنا هو عبارة عن شريط ضيق من الرمل بعرض عشرة كيلومترات تقريبا يتجه شرقا انطلاقا من النفود الكبير.
    في 4 شباط غادرنا تربة واجتزنا شريط النفود وخيّمنا عند الظهر على بعد بضع كيلومترات من المكان المسمى المتسياحه في صحراء عرق الضهورAreq eI Dhehour الحجرة والرملية.
    على مسافة يوم من السير ، أي قرابة 40 كيلومترا إلى الغرب من المتسياحة وفي النفود ، توجد آبار الحيانيا الثلاثة التي قيل لي إن عمقها 60 مترا (؟) نصف البئر يخترق النفود وهو مسوّر أما الباقي فحفر في الصخر ومياهه طيبة جدا.
    في صحراء عرق الضهور وعلى مسافة بضعة كيلومترات شرقي المتسياحة يوجد رأسا نهرين صغيرين هما وادي ختسال ووادي خور اوقيان اللذين يجريان مسافة 30 ميلا تقريبا نحو الشرق والشمال ـ الشرقي في وادي أبا الصيران. بين النفود زرود في الجنوب ومنطقة جبلية في الشمال لم أتمكن من معرفة اسمها.
    قبل الوصول إلى المتسياحة ، تمر الطريق على امتداد عدة كيلومترات بين بقايا سورين تفصل بينهما مسافة 20 إلى 30 مترا. إنها شواهد الجدارين اللذين شيدتهما زبيده زوجة هارون الرشيد ، من بغداد إلى مكة للسماح حتى للمكفوفين بالقيام بالحج إلى المدن المقدسة بحسب رواية المؤلفين العرب. ولا تزال الطريق تدعى اليوم درب زبيدة وفاء لذكرى هذه الأميرة.
    في 5 شباط استأنفنا السير في الساعة السادسة صباحا. في التاسعة بدأ النفود من جديد وبعد ساعتين كنا نخيّم مجددا خارج النفود في بلجبيه.
    منذ مغادرتنا تربة لم نصادف الماء ، لذا بدأ الحجيج يعاني نقصها. في هذا اليوم

    بعنا الماء بسعر روبية (1) للقربة. ولحسن الحظ في السابعة مساء انهمر المطر غزيرا مما سيدفع ببعض الماء إلى المنخفضات.
    في اليوم التالي في 6 شباط ، قادتنا مسيرة 22 كيلومترا إلى الشمال و 6 إلى الشمال ـ الغربي إلى العشق في الصحراء الحجرة نفسها.
    هنا رأيت أول الأحواض الشهيرة (بركة) التي بنتها زبيدة على طول الطريق لتستقبل مياه الأمطار وتسقي الحجيج.
    بركة العشق كانت تقع على مسافة ميل تقريبا إلى الجنوب ـ الغربي لمخيمنا.
    هذا الإنشاء البديع من الحجر المقصّب المغلف بالإسمنت لا يزال في حالة جيدة جدا.
    وتبلغ قياساته 90 مترا على 61 بعمق 15 مترا تقريبا. الحوض الواقع في منتصف منحدر هضبة كبيرة يتقاطع مع الجدول النابع منه ويحجز مياهه. من الجدارين الداخليين الشمالي والجنوبي للحوض يهبط مدرجان عاليان وعريضان حتى القاع. ويرجح أن المنطقة لم تحظ إلا بأمطار قليلة إذ لم يكن في قعر الحوض سوى بعض الوحل السائل ومع ذلك فقد ملأ الحجيج قربه منه. إلى جانب الحوض توجد على الهضبة بقايا أبنية كانت بمثابة منازل.
    بالقرب من مخيم الحجاج حوض آخر أصغر من الحوض الذي وصفته آنفا ولكنه في حالة متردية عن الأول وقد اجتاحه الرمل كليا.
    في 7 شباط وبعد اجتياز مرحلة 12 ميلا شمالا ، 10 درجات غربا ، وصلنا عبر الصحراء الحجرة إياها إلى بركة الشباAsabah.
    تتألف هذه المحطة من ثلاثة أحواض ومبنى ضخم وقرابة 100 بيت صغير وجميعها من الحجر المقصّب مما يعني أنها كانت نقطة مهمة.
    مباشرة شمالي الشبا يوجد مقطع آخر من درب زبيدة بطول 5 أميال. هنا الجداران اللذان يحدان الطريق مبنيان بعناية فائقة. سماكتهما ما بين 60 و 70 سنتمترا وارتفاعهما متر تقريبا. بين الفينة والأخرى نجد بقايا منزل صغير مربع من الحجر المقصّب طول ضلعه 8 أمتار تقريبا. وهو مبني خارج الجدار الذي يحد
    __________________
    (1) الروبية ـ 15. 2 فرنك.

    الطريق وله باب يفضي إلى الطريق التي يبلغ عرضها المتساوي هنا 25 مترا.
    في اليوم التالي ، تابعنا في السادسة مسيرتنا إلى الشمال وبعد ساعة مررنا بين بركة مدوّرة إلى يسارنا وأطلال قصر إلى يميننا. ويدعى هذا المكان جسر ابن عطية.
    في نهاية الساعة الثانية من السير ، مررنا قرب أطلال قصر يدعى فليت ابن قنت Feleit ebn qenet.
    بعد انطلاقنا بأربع ساعات ونصف الساعة خيّمنا في الشعيبة.
    تملك هذه المحطة الواقعة في منخفض طفيف حوضين ، الأول مدور والثاني مربع ، بالإضافة إلى بقايا مبان ضخمة من بينها قصر لا يزال ترتفع جدرانه عدة أمتار فوق الأرض. الباقي كله بمستوى الأرض تقريبا.
    شيد الحوضان بمنتهى العناية وبمتانة جعلتهما يصمدان سالمين حتى اليوم. جدران الحوض المربع من الحجر المقصّب ، أما الحوض المدور فمبني من الدبش المغلف بالإسمنت. وقد دعم الجداران الشمالي والجنوبي للحوض المربع فيما بعد بجدار ثان من خليط الملاط والحجارة المكسرة شيد أمام الجدار الأول. هذا الاحتياط كان دون جدوى إذ انهارت الجدران الإضافية فيما بقيت الجدران الأولى منتصبة.
    جدران القصر هي أيضا من الحجر المقصّب ولكنه خشن جدا. بالقرب من القصر حوض جميل لا ماء فيه عمقه 40 مترا وقطره 3 أمتار.
    كان الحوضان مملوءين حتى النصف بمياه تميل إلى الصفرة إنما طيبة وكافية لتروي عشرة أضعاف حجيج بحجم حجيجنا.
    من مخيم العشيبة عينوا لي موقع آبار لينة الشهيرة التي لا بد أنها تقع إلى الشرق تماما على بعد 30 ميلا على الأكثر. هذه الآبار البالغ عددها 300 تقريبا يبلغ عمقها 25 مترا وجميعها حفرت في الصخر. المياه فيها طيبة دون أن تكون ما يسميه العرب" عذبة". وقد كانت في كل الأزمنة ملكا لعرب عبته الآنف ذكرهم والذين تمتد الأراضي التي يجوبونها إلى هنا.
    وقد روى لي عبد الله ، أحد رجال الأمير المشارك في مواكبة الحجيج ، أن آبار لينة ليست من صنع الإنسان إذ لا يمكن لأحد أن يحفر آبارا في هذا الصخر الأبيض والصلب كالمعدن. سليمان بن داود الذي كان مارا من هنا ذات يوم عطشان دون ماء ،

    هو الذي أمر العفاريت بأن يحفروا له هذه الآبار في ساعة. فأطاعوه وباشروا العمل فورا ، ولكن الصخر كان صلبا لدرجة أنهم لم يتمكنوا من إنجازها إلا في ساعتين على الرغم من حماستهم!!.
    في 9 شباط انطلق الحجيج في السابعة. وبعد ساعتين مررنا قرب بقايا قصر يدعى باتل أتول. وعلى بعد بضعة كيلومترات منها أطلال مبنى صغير منعزل من الحجر يدعى قصر عقلا الرنيني ووصلنا إلى ذبالة بعد ذلك بقليل.
    هذه أهم محطة من بين كل المحطات التي صادفناها منذ عشق. وتحتل حوضا بيضاويا بقياس 4 كيلومترات على اثنين. الأرض صخرية خالصة تتجمع مياه الأمطار في المنخفضات إذ إنها لا تجد مصرفا خارج هذا الحوض الطبيعي ولا في الأرض ، ولا تختفي إلا بفعل التبخر. ومع ذلك فقد بنيت هنا أربعة خزانات مملوءة بالمياه حاليا.
    بنيت المنازل التي كانت عديدة جنوبي الأحواض وفوق المنخفض الذي تحتله بحيث تمكن رؤيتها من بعيد جدا مشكّلة بذلك نقاط هداية في هذه الصحراء الجرداء والرتيبة.
    بين الأحواض والمباني 5 آبار كبيرة يبلغ قطرها 5 ، 2 متر إلى 3 أمتار وعمقها ما بين 40 و 50 مترا. لدى مروري ، كان فيها ماء ولكن يرجح أنها مياه الأمطار. الجزء العلوي من هذه الآبار مسوّر والباقي محفور في الصخر.
    لم تعد المباني سوى كوم مشوّهة ذلك أن الحجارة التي استعملت لبنائها أصابها التفتت بفعل العوامل المناخية نظرا لطبيعتها. كما أن الأحواض منهارة جزئيا.
    منذ الشعيبه كانت الأرض قد عادت بركانية ولكن هذا الطابع يزداد في ذبالة.
    في 10 شباط انطلقنا مجددا في السابعة. وبعد دقائق كنا نجتاز شعيبا كان يحتوي في الوقت الراهن قدمين من الماء بعرض 100 متر وذلك بفضل المطر الذي تساقط طوال الليل. ويقدر طول هذا الشعيب ما بين 50 و 60 كيلومترا من الغرب إلى الشرق.
    في الحادية عشرة كنا نخيّم في الجميما وهو منخفض بني في أدنى مستوى منه حوض مربع جميل لا يزال بحالة ممتازة. طول ضلعه 30 مترا تقريبا وعمقه 4 أمتار.
    البناء في غاية البراعة. فالمياه تدخل في الخزان المملوء حتى الجمام من قناة جانبية

    من المرجح أن القصد منها إسقاط الرمل والمواد الترابية العالقة في الماء.
    سماكة جدران الحوض 30 ، 1 متر وكان داخل الحوض مغلفا بالحجارة المقصّبة غير المغطاة بالإسمنت. وعلى غرار الأحواض السابقة كان هناك درج يقود إلى القاع.
    في 11 شباط اجتزنا 16 ميلا إلى الشمال ، 5 درجات غربا وخيّمنا في الظفيري حيث بركة جميلة لا تزال صامدة كليا.
    قرابة التاسعة صباحا كنا قد رأينا لجهة الغرب وعلى مسافة عشرين كيلومترا تقريبا ، قمة تلة ترتفع فوق الأفق وتسمى القور عطية.
    قبل بلوغ مخيمنا بقرابة عشرة كيلومترات كنا قد صادفنا حوضا يحمل أسم الحوض نفسه الذي خيمنا بقربه أي الظفيري. كلاهما كان في حالة جيدة إنما فارغين من المياه. ولم يكن في جوارهما أي مبنى.
    على مسافة بضعة كيلومترات شمالي مخيمنا ، بركة ثالثة تدعى هي أيضا الظفيري.
    قطرها 12 مترا تقريبا وكانت مغمورة بالرمل حى حافتها.
    ولتمييز هذه الأحواض الثلاثة التي تحمل اسما واحدا ، عمد العرب إلى تعيينها بصفاتها الجنوبية والشمالية والوسطية.
    كنا نخيم بالقرب من بركة الظفيري الوسطية ومن هذه النقطة رأيت تلة تسمى جال الباطن ترتسم في الشمال في خط طويل أفقي تماما. وفي اليوم التالي ، تبين لي وأنا اجتازها أنها مدرج في الهضبة وليس تلة.
    في جال الباطن تنتهي الصحراء الحجرة وكانت قد بدأت في النقطة التي ينفصل فيها درب زبيدة نهائيا عن النفود أي عند بركة فليت ابن قنيت. هذه الصحراء الحجرة (كلسية) الرتيبة جدا تدعى الحجرة. وهي تمتد في الشمال ـ الغربي حتى وديان على مسافة أربعة أيام من السير وفي الجنوب ـ الشرقي حتى حسا على مسافة ثلاثة أيام من درب زبيدة. إنما في هذا المجال الشاسع من الأرض ، جفاف الصحراء وعمقها مطلقان.
    لقد ذكرت الوديان لتوّي. هذا الاسم لا يدل على شعيب ولا على واد ، بل على منخفض في حماد شمالي النفود ، شرقي الجوف ، يتجه نحو الشمال ـ الشرقي على مسافة تفوق 120 ميلا جغرافيا وفيه مراع جيدة. ولا بد لي من الملاحظة هنا أنني لم أسمع بالوديان

    لا في الجوف ولا في الجبل. ومن أطلعني على القليل الذي أعرفه هو شيخ من قبيلة عنزة رافق الحجيج لمدة يومين انطلاقا من وشرف ، وقد دونته على خريطتي بالاستناد إلى هذه المعلومات.
    في 12 شباط انطلقنا في السابعة قاصدين الشمال ، وبعد ساعة كنا نمر قرب بركة الظفيري الشمالية التي سبق ذكرها قبل قليل. وبعد مسافة قصيرة وصلنا أمام جال الباطن وتسلقنا منحدره الوعر جدا.
    الصعود عبر مجرى السيل عملية بالغة الصعوبة ، لذا فإن عددا كبيرا من الجمال تتد حرج وقد أكد لي العرب أن جال الباطن غير قابل للتسلق حتى لرجل من أي مكان باستثناء هذا المعبر.
    وقد حوّل مسار السيل جزئيا لتصب المياه في حوض شيّد في أسفل المنحدر ولكنه مغمور بالرمل كليا.
    عند ما نكون في قمة جال الباطن نرى بالفعل ، كما ذكرت آنفا ، أنه ليس تلة إذ إن الأرض تستمر فورا نحو الشمال في هضبة شاسعة. إنه درجة بارتفاع 40 إلى 50 مترا يتوجب صعودها عند ما نصل من الجنوب.
    في سفح جال الباطن حفرت المياه في الأرض خنادق ووديانا ولذلك نجد هنا بعض المراعي.
    يمتد هذا الارتفاع المتجه من الشمال ـ الغربي إلى الجنوب ـ الشرقي ، مسافة 160 كيلومترا تقريبا ، يقع قرابة ثلثها غربي درب زبيدة والباقي إلى شرقه.
    بعد جال الباطن بفرسخين خيّمنا قرب بركة العقبة.
    هذه المحطة هي إحدى أهم محطات الطريق. فيها حوض رائع بطول 110 أمتار وعرض 60 مترا تهدم جزئيا وغمره الرمل. كان يحتوي ماء.
    وبركة ثانية مهدومة خالية من الماء.
    ولكن اللافت للنظر هي أربعة آبار ضخمة ، من أروع الآبار التي رأيتها في حياتي. الأولى التي تقع شمالي البركة الكبيرة على شكل مربع طول ضلعه 4 أمتار ونصف المتر. من الفتحة وحتى عمق 8 أمتار تقريبا سوّرت جدرانها اما الباقي فحفر في الصخر.

    البئر الثانية تقع في وسط مبنى كبير بات أطلالا. وهو أيضا مربع طول ضلعه 5 ، 3 مترا.
    الثالثة لا يتجاوز قطرها مترين والرابعة الكائنة على مسافة 50 مترا إلى الشمال ـ الشرقي من الحوض الكبير طول ضلعها 4 أمتار من كل جهة.
    كل هذه الآبار التي تشكل تحفا فنية بكل معنى الكلمة والتي أنجزت بعناية فائقة ، تصل إلى عمق 60 مترا. ولكن للأسف ليس فيها ماء وكل هذه الأعمال الهائلة ذهبت هدرا.
    إن أطلال أبنية المساكن كثيرة وتشهد على أهمية هذه المحطة.
    في اليوم التالي استأنفنا سيرنا إلى الشمال وقطعنا 11 ميلا وخيّمنا في عسامين.
    فور مغادرتنا العقبه عادت الطريق محفوفة بالجدران ، بقايا أشغال زبيدة. إنما هنا ، لكونها سلمت على نحو أفضل ، فقد بلغ ارتفاعها في بعض الأماكن مترين. ولا بد أن الجدران كانت أكثر ارتفاعا في الأصل لأنها تفتقر إلى التتويج وتصدعت. غير أنني لا أعتقد أن ارتفاع المترين هذا كان سائدا في كل المسافة ولا السماكة التي تتراوح ما بين 50 ، 0 م و 75 ، 1 م. إن بناء هذه الجدران أكثر خشونة شمالي العقبة من تلك الباقية جنوبي المتسياحةEl Metseiahat. فالحجارة قرب العقبة خشنة وضخمة ووضع ببساطة بعضها فوق بعض دون أن يجمع بينها أي ملاط.
    على مسافة 6 كيلومترات من العقبه باتجاه الشمال ، أطلال قصر. وعلى بعد 8 كيلومترات منه ، في منخفض طفيف ، نرى بركة مربعة طول ضلعها 15 مترا. يمكن رؤية هذا الحوض من مسافة بعيدة إذ إن التراب الذي استخرج لدى بنائه ، رمي إلى شمال الحوض وإلى جنوبه مشكلا تلّتين صغيرتين بنيتين واضحتين من بعيد بفضل تساوي الصحراء. كان الحوض مملوءا بالماء. ويحمل القصر والبركة اسم المنطقة عسامين.
    قبل الوصول إلى هذه البركة رأينا في الشمال شريطا أفقيا طويلا ممتدا من الشرق إلى الغرب يوحي بارتفاع شبيه بارتفاع جال الباطن. ولكن لدى بلوغه قرابة الساعة الحادية عشرة تبين لي أنه سلسلة طويلة من التلال الصغيرة المعزولة ، قممها على شكل طاولة ، متجهة من الشمال ـ الشرقي إلى الجنوب ـ الغربي. وتتخذ هذه التلال

    شكلا هلاليا على العموم ولا يتعدى ارتفاعها 15 مترا تقريبا. أما طول الارتفاع الذي يحمل اسم عسامين ، فيبلغ 50 كيلومترا.
    في 14 شباط بدأنا السير قرابة السابعة. وبعد نصف ساعة تراءى لنا جبل صغير لم نلبث أن بلغناه ويدعى جبل الفهدة.
    وفي الوقت نفسه الذي رأيت فيه هذا الجبل المنمنم بدا لي في البعيد من جهة الشمال أيضا ارتفاع ذكرني بارتفاع جال الباطن وعسامين. ولم نلبث أن وصلنا إليه وتبين لي أنه أشبه بالأول من الثاني. فكان علينا أن نصعد درجة أولى وبعد مائة متر تقريبا درجة ثانية. والدرجتان معا لا تساويان إلا نصف ارتفاع درجة جال الباطن. وعند بلوغ القمة نكتشف أنها هضبة جرداء كليا.
    هذا الارتفاع المتجه أيضا من الشمال ـ الغربي إلى الجنوب ـ الشرقي ، يسري على طول 60 كيلومترا تقريبا ويحمل اسم جال وقصة.
    من جال وقصة سرنا مسافة كيلومترين ثم خيّمنا قرب منخفض كانت الأمطار الأخيرة قد حولته إلى بحيرة صغيرة تدعى وشرف.
    كان هذا المخيم يشغل هضبة على شكل حوض مسطح جدا بطول 5 أميال وعرض ميلين. وقد حفر في قعره قرابة ستين بئرا بقطر متر واحد. وكان الجزء الأكبر من هذه الآبار مغمورا بالبحيرة الناتجة عن أمطار الشتاء. لم أر سوى بئر واحدة ضلعها 8 أمتار ولكنها جميعها محفورة في الصخر. والماء كريه.
    وروى لي العرب أن مدينة كبيرة كانت تقوم هنا في غابر الزمان. هل هذه أسطورة تستند إلى عدد الآبار أو على كمية الحصى المتناثر في كل الجهات؟ لقد شاهدت هنا بالفعل بقايا أساسات مبان قديمة ولكنها لا تفوق تلك الموجودة في المحطات السابقة. ومهما يكن من أمر ، فباستثناء الآبار لم يعد هناك شيء ولا حتى حطب بحيث لم يتمكن الكثير من الحجاج إعداد غدائهم لافتقارهم لما يسمح لهم بطبخه.
    قبيل الوصول إلى جال وقصة بقليل صادفنا بئر وقصة إلى غرب الطريق عمقها 18 مترا ومياهها عذبة.
    لا يزال في منطقة وقصة وعسامين ثلاث آبار قديمة جدا. وهي تشغل خطا ينطلق من بركة عسامين ليلتقي طرف جال وقصة في الشمال ـ الشرقي.

    الأولى التي تقع على بعد 12 كيلومترا من البركة هي الجيل وعمقها 70 مترا. الثانية ، على بعد 22 كيلومترا ، تدعى الشبرم عمقها 80 مترا.
    الثالثة ، العاعا التي تبعد 26 كيلومترا من البركة ، عمقها 87 مترا.
    الماء في بئر الجيل كريهة ولكنها طيبة المذاق في البئرين الأخريين. أما قياسات العمق فإنني أوردها طبعا مع كل التحفظ وفقا لأقوال العرب الذين لا يكلفهم عدد الأمتار شيئا خاصة عند ما يتعلق الأمر بعمق بئر.
    الصحراء الواقعة إلى شرق هذه الآبار تدعى جال البساسة. لا أعرف إلى ماذا تعود هذه التسمية بالضبط إذ أكد لي أنه لا وجود لجال بالمعنى الصحيح.
    كل منطقة عسامين الواقعة بين جالي الباطن ووقصة ، عبارة عن صحراء من الصوان عقيمة بشكل مطلق. ولكن الصوان يختفي ما بين جبل فهدة وجال وقصة. البدو يطلقون على حجارة الصوان هذه اسم صلابيخ وبشكل أدق صلابيخ وقصة ولكنني أعتقد أن هذه التسمية يجري استعمالها في قبيلة عنزة فقط.
    على بعد 5 أميال إلى شمال مخيمنا في وشرف ، الخط الفاصل بين أراضي أقوى قبيلتين في الجزيرة العربية أي شمر وعنزة. يمر هذا الخط تقريبا بخط عرض آبار شبيكة الواقعة على بعد 5 أميال إلى الشمال الغربي من وشرف.
    هذه الآبار الشهيرة والبالغ عددها ثلاثمائة تقريبا ليست قديمة وقد حفرها العرب الحديثون أي منذ بدء الهجرة. لا يتجاوز عمقها مترين أو ثلاثة أو أربعة أمتار كما أكد لي أنه ليس فيها ماء إلا عند ما تمطر. وبالتالي يمكن اعتبارها خزانات أكثر منها آبارا ، وما يحمل على هذا الاعتقاد هو أن مياهها نتنة ومرة ومالحة.
    في 15 شباط بقي الحجيج مخيمين في وشرف بسبب جدال بين اثنين من الحاملادار (1) وبدوييهم مستأجري الجمال.
    لقد ذكرت آنفا بأن الأرض بين جبل فهدة وجال وقصة تختلف عن أرض عسامين الواقعة إلى الجنوب والمكونة من الصوان. وفي وقصة نجد حجارة كلسية متنوعة جدا كما يتبين من العيّنات الآتية التي استجلبت :
    __________________
    (1) حاملادار هو اسم الذين يتولون نقل الحجيج العراقيين مقابل سعر جزائي من بلاد ما بين النهرين إلى المدن المقدسة والعودة.

    1 ـ كلس تتخلله حبيبات من الصوان.
    2 ـ كلس رمادي بلوري.
    3 ـ كلس مخثر.
    4 ـ كلس متراص ومصقول وقد لمع سطحه بسبب احتكاك الرمل على الأرجح.
    في وشرف يطغى كلس صواني إلى حد بعيد ، يجرح الزجاج وتتخلله فجوات وعروق كلسية كالترافرتين.
    في 16 شباط استأنفنا المسيرة مسافة 30 كيلومترا حتى الطلحات التي لا تزال الآن إحدى أهم محطات درب زبيدة.
    هنا أطلال مائة بيت صغير تقريبا وخان كبير. ولا تزال جدران هذا الأخير تنتصب إلى ارتفاع 4 إلى 5 أمتار فوق الأرض. كما فيها ثلاث برك ، واحدة مدوّرة واثنتان مربعتان وكل واحدة من الأخيرتين مزدوجة. ولكن أغرب ما نرى هما بئران مربعتان حفرتا كليا في الصخر لعمق 70 مترا تقريبا طول كل جانب منها 5 أمتار وقد نفذتا بعناية وبدقة تامتين. لم أر حتى الآن ما يوازيهما فخامة إذ إنهما تفوقان آبار العقبة جمالا وعمقا. لدى مروري كانتا جافتين ومن المرجح أنهما كانتا كذلك على الدوام.
    البرك هي أيضا جافة ، ولا عجب في ذلك لأنها مغمورة بالرمل إلى ما فوق فتحات التغذية. لقد أمطرت السماء هنا على غرار المنطقة بأسرها وهذا ما كانت تشهد عليه النباتات القوية النامية في كل منخفضات الأرض.
    قبل الوصول إلى الطلحات بساعة ، صادفنا أطلال مبنى منعزل لا تحمل اسما خاصا.
    من بعد 10 كيلومترات إلى شمالي وشرق يتبدل مظهر الأرض مجددا. فالكلس المخثر والكلس المتراص والصوان العشبي تبقى الصخور طاغية حتى الطلحات.
    وتعرف هذه المحطة كذلك باسم مفرق درب لأن الطريق تنقسم فيذهب فرع منها مباشرة إلى النجف فيما يتجه الآخر إلى قصر السيد.
    في 17 شباط غيرنا طريقنا وسرنا إلى الشمال ، 20 درجة شرقا.
    في الحادية عشرة مررنا أمام محطة الحمام دون توقف وفيها قصر وبئر وبركة.
    ويشمل القصر ، وهو أفضل القصور المحافظة على شكلها في طريقنا ، غرفة مقببة

    كليا لا تزال قائمة. والبركة أيضا لا تزال في حال جيدة وفيها ماء.
    عند الواحدة وبعد أن قطعنا 35 كيلومترا ابتداء من الطلحات ، خيمنا في محطة حامد حيث لا يوجد سوى بركة مربعة.
    في اليوم التالي انطلقنا في السادسة صباحا ومررنا بعد ساعتين قرب محطة مغيصة حيث يوجد قصر وبركتان. وبعد عشرين كيلومترا خيمنا على ضفاف شعيب الخزعمي الذي ليس بعيدا عن قصر وبركة أم قرون.
    ابتداء من الطلحات وحتى جدول الخثعمي تبدو المنطقة دوما بمظهر صحراء حجرة لا نباتات فيها. هذا الجدول جاف ولكنه مملوء بالخضرة لأنه تلقى ماء هذا الشتاء ، ونجد فيه عشبا وحطبا.
    في 19 شباط ، سرنا في السادسة إلى الشمال تقريبا ، 10 درجات غربا.
    بعد سفر دام ثلاث ساعات ، اجتزنا الشعيب أصب الذي هو ينبوع قرب آبار شبيكة ويجري في شط العرب قرب البصرة.
    بعد مرور ساعة على عبورنا شعيب أصب ، وصلنا إلى شعيب أبو خمسات الذي كان مملوءا بالخضرة. وخيمنا على مسافة ساعة إلى الشمال.
    على بعد بضعة كيلومترات إلى شرق مخيمنا قصر السيد مع ينبوع ، وعلى مسافة بضعة كيلومترات إلى الجنوب ـ الشرقي قصر رحيم وينبوع ماء مرّ.
    منذ الثامنة صباحا بدت أمامنا قبة مسجد علي المذهبة في النجف وهي تلمع كالشمس. وقد شجع هذا المنظر الجميع وأنساهم الكثير من المآسي التي عانوها.
    في اليوم التالي في 20 شباط ، كان الجميع جاهزين قبل الفجر بوقت طويل. في السادسة انطلقت المسيرة وبعد ساعة ونصف الساعة وصلنا أمام" بحر النجف" وتركناه إلى يميننا للالتفاف حوله. وسرنا على التوالي إلى الشمال ـ الشرقي ثم إلى الشرق وأخيرا إلى الجنوب ـ الشرقي. عند الظهر إلا بضع دقائق وصلت إلى النجف المقدس.
    كان بعض البدو قد أرادوا خداع ابن رشيد برفضهم نقل الحجيج بالشروط التي وضعها. ولكن في النهاية ومن بعد تهديدات الأمير قرروا إرسال أسوأ إبلهم مما أجبر الحجيج على الاكتفاء بمسيرات لا تتجاوز ست إلى سبع ساعات في اليوم. لذا فقد

    أمضينا 35 يوما للمجيء من حائل إلى النجف وهي مسافة يمكن اجتيازها عادة في 12 يوما بسهولة.
    توقفت بضعة أيام في النجف وفي كربلاء سعيدا بالتلذذ مجددا بملذات حضارة أكثر تقدما من حضارة سكان الصحراء. وإذ استشرى الطاعون في النجف اضطررت إلى قضاء 15 يوما من الحجر الصحي في مسيّب قبل الدخول إلى بغداد التي لم أصل إليها إلا في 18 آذار. وقد خصني السيد بيرتيه قنصلنا ، باستقبال في منتهى الودّ واللطافة وبضيافة شرقية صرف. وسأحفظ له دائما أحر امتناني.
    كلمة أخيرة قبل أن أختم المسار من حائل إلى العراق. هناك ثلاث طرق تتبع عادة ويسميها العرب كالآتي :
    درب سماوة وهي تنطلق من هذه البلدة على ضفاف الفرات وتتجه إلى الجبل مرورا بلينة.
    درب الغزال التي يمكن أن تنطلق من أي نقطة في بلاد ما بين النهرين ثم تنحرف قليلا إلى الغرب وتذهب إلى الجنوب مرورا بآبار الشبيكة في الغرب وباحتراق النفود في جزء كبير. ولا يمكن ان يسلك هذه الطريق إلا رجال يمتطون أفضل المطايا. وهي على الأرجح الطريق التي تبعها والين عام 1848.
    درب زبيدة أو الدرب السلطاني التي تجري بين الدربين السابقتين. هي الدرب التي تبعتها والتي وصفتها لتوّي.
    ولكننا نفهم أن هذه الطريق ، على الرغم من فخامة أحواضها ، لا يمكن سلوكها في كل وقت لان أمطار الشتاء ليست منتظمة. وقد روى لي جميع العرب أنه قبل شتاء 1880 ـ 1881 ، مرت ثلاثة مواسم شتاء دون أمطار ولم يحظ خلالها أي من الأحواض بماء. وقبلها مرت تسعة مواسم شتاء جافة أخرى. وفي ثلاث عشرة سنة لم تكن هذه الطريق سالكة إلا ثلاث سنوات. وقافلة الحجاج التي بنيت من أجلها تستخدمها بنسبة أقل بكثير إذ يصادف الحج عموما في شهر حار أكثر منه في شهر بارد.
    وقد أدرك بناة درب زبيدة هذا العائق وحاولوا تداركه بإنشاء آبار إلى جانب أحواضهم الضخمة. وقد رأينا الأعمال الجميلة التي نفذت في محطتي الطلحات والعقبة وكم حرصوا على إيجاد الماء. ولكن الله لم ييسر لهم العثور عليه.
    أورد الآن بعض المعلومات حول أكثر الطرق استعمالا وهي درب سماوة التي تمر بلينة

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    رحله في الجزيره العربيه 1878-1882 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: رحله في الجزيره العربيه 1878-1882   رحله في الجزيره العربيه 1878-1882 Emptyالإثنين أكتوبر 21, 2024 10:19 am

    بالانطلاق من سماوة ، تقود مسيرة يوم كامل إلى الجفرة ، وهي محطة مزودّة بآبار.
    لكن عرب الزياد لصوص محترفون ، يجعلون هذه النقطة خطرة. لديهم خيول ولا ينفكون يغيرون للسلب.
    في اليوم التالي وصلنا إلى صحراء الحجرة وخيّمنا في مكان اسمه أبو خويمة حيث لا ماء في غدير إلا في الشتاء.
    في اليوم الثالث خيّمنا في سلمان حيث آبار عديدة ولكن مياهها كريهة.
    قادنا اليوم الرابع إلى حقي الفردوس وهو منخفض طفيف مستطيل الشكل يمتد 500 متر ويشتمل على خضرة طوال السنة. ليس فيه آبار ولكن المياه تبقى فيه طويلا بعد المطر.
    في اليوم الخامس خيّمنا في الخديد حيث لا يوجد سوى مياه الأمطار.
    في اليوم السادس خيمنا في جال الباطن حيث نجد إما مياه المطر أو مياها من آبار لينة.
    معلوماتي حول هذه الطريق تتوقف هنا.
    من بغداد إلى دمشق عبر الحماد
    من بغداد ما علينا إلا ان نختار الطرق للذهاب إلى فرنسا. الطريق الاعتيادية هي طريق البحر عبر البصرة والسويس وهي اقل الطرق مشقة ولكنها اطولها.
    إحدى الطرق البرية تتمثل في الذهاب من بغداد إلى الموصل ومنها إلى الإسكندرون إما عبر أورفاء (الرها) أو عبر حلب. وتتم هذه الرحلة على الحصان.
    ويوجد اخيرا طريق أقصر بكثير تسلك طريق الصحراء. وتتمثل في الذهاب من بغداد إلى الفرات الذي يتم عبوره عند شقلاوه. ثم نصعد الضفة اليمنى للنهر حتى الدير (1) ومن هنا نذهب إلى السخنه في الجنوب ـ الغربي ، ثم إلى تدمر وأخيرا إلى
    __________________
    (1) أي مدينة دير الزور وتقع على نهر الفرات ، وتبعد عن الحدود العراقية حاليا 130 كيلومترا.

    دمشق. إننا نحصل على الماء كل يوم أو كل يومين وتتم الرحلة على جمل ذلول.
    ولكن للأسف نتعرض لعمليات السلب التي تقوم بها كبريات قبائل عنزة التي تحتل بالضبط هذه المناطق من صحراء سورية.
    إنها الطريق التي تسلكها عادة القوافل الصغيرة التي تسير بين بغداد ودمشق.
    الطريق المباشرة من بغداد إلى دمشق عبر الحماد لا بد أن تكون أكثر أهمية للعلم.
    بعض العرب المتفرقين الذين يؤمّنون خدمة البريد بين هاتين المدينتين لحساب القنصل الانكليزي في بغداد (1) يجتازون هذه المسافة منذ عدة سنوات.
    قمت باستعداداتي لاتباع هذه الطريق وعند ما وجدت الدليل اللازم ، غادرت بغداد في الأول من كانون الأول 1881.
    خرجنا من المدينة في الساعة الخامسة مساء ، ولم أجتز عند هبوط الليل سوى أربعة أميال وذهبت لأخيّم على مسافة قريبة من عقرقوف ، قرب بعض خيم بني تميم.
    في اليوم التالي في 2 كانون الأول ، انطلقنا في الساعة الثالثة صباحا ووصلنا بعد اثنتي عشرة ساعة إلى شقلاوة على ضفاف الفرات.
    أرض دجلة الطمية تمتد حتى منتصف الطريق قرب قصر نقطة. أبعد من ذلك تصبح الأرض محجرة ومملوءة بالحصى. على أي حال فإن تركيب التربة معقد للغاية فقد لاحظت جبسا صفيحيا ، صوانا على شكل حصى رمادية فاتحة أو تميل إلى الصفرة ، يشبا مشققا مع عروق من المرو ، حصى من المرو الأبيض الشفاف ، حثا رماديا وكلسا بلون التراب.
    قبل الوصول إلى شقلاوة بساعة يطفو الرخام والميكا على سطح الأرض.
    ابتداء من قصر نقطة تتخذ النباتات مظهر نباتات الحماد ويختفي البطم الذي تميز الجزيرة باستثناء واحد أو اثنين.
    في اليوم التالي عبرنا الفرات في معبر على مسافة خمس عشرة دقيقة من القرية.
    ولم تستغرق العملية أكثر من ربع ساعة. وتوجهنا على الفور شمالا 70 درجة غربا ،
    __________________
    (1) منذ سنة (من تاريخ الرحلة) أقامت الحكومة العثمانية خدمة مماثلة على الخط نفسه.

    نحو الرمادي حيث وصلنا في الساعة الرابعة ثم ذهبنا نخيم في الحقول على بعد مسيرة ساعة منها.
    كل ضفة الفرات اليمنى ابتداء من شقلاوة حتى الرمادي بعرض يتراوح ما بين 500 و 1000 متر ، يزرعها عرب مقيمون من قبائل أبو فهدFahat ، أوردمي Ourdemy مهامته Mehamtah.
    المنظر مختلف كليا. انتهى سهل الجزيرة الشاسع فأرض الطمي تتوقف على مسافة من الفرات تتراوح ما بين كيلومتر واحد إلى 5 كيلومترات. الأرض تصعد رويدا رويدا وتشكل ارتفاعا يبلغ من 15 إلى 20 مترا مؤلفا من الحث الهش في طور التحلل.
    في 4 كانون الأول ، انطلقنا في الساعة الرابعة فجرا ووصلنا بعد تسع ساعات إلى الهيت Hit التي أشار عمود دخان أسود ناجم عن تكرير خلاصاتها المعدنية إلى وجهتها منذ الساعة الثامنة صباحا.
    هذه المدينة الصغيرة التي تعدّ من أقدم مدن العالم والسابقة لبابل بالتأكيد ، تقع اليوم على مسافة 150 مترا غربي موقعها القديم. الهيت الجديدة تشغل مكان قلعة المدينة القديمة على صخرة تشرف على النهر وقصت بشكل عمودي من هذه الجهة. في مقابلها على الضفة اليسرى بستان واحد مؤلف من 200 نخلة تبلغ من العمر عشرين سنة. يتم ريه بواسطة دولابين ضخمين يحركهما التيار (ناعورتان) ترفعان الماء في هدير يصمّ الآذان وهما من مميزات منطقة الفرات. في الأسفل ، شرقي الهيت ، بستان آخر يشمل مائة نخلة تقريبا. تلك هي كل الخضرة الموجودة.
    نعرف انه من بعد الهيت هناك نخيل يثمر في عانا ولكن هذا هو الحد الشمالي لانتاجية هذه الشجرة. بعد هذه الحدود لا يعطي النخيل تمرا.
    أرض الهيت تشكل منخفضا شبيها بالأحواض التي رأيتها في القصيم. طرف من هذا الحوض يلامس الفرات الذي يبلغ عرضه هنا 60 مترا والهيت تقع في هذه النقطة بالضبط.
    مظهر المنطقة عار وكئيب. على مسافة عدة كيلومترات في كل الاتجاهات تنبثق ينابيع صغيرة متخمة بالهيدروجين الكبريتي وتفسد رائحة الجو المثقل بالدخان الأسود الناجم عن الكربور المستعمل كمحروقات لتكرير الكربور نفسه.

    تعطيك المدينة انطباعا بأنها أطلال. وهناك مأذنة في الزاوية الجنوبية تطل عليك من بعيد وأنت قادم من الرمادي.
    الهيت تعيش كليا من ينابيع القار التي لا تنضب.
    بالاستناد إلى عيّنات معدنية استجلبت ، فإن تربة البلدة تتألف بشكل رئيس من الجبس وحصى المرو وافتاليت والصوان المنطقي الموشح والمنغنيزي ، والمرو الشفاف ، وحصى من الكلس الأسود المتراص جدا ، الأنبوبي الشكل أحيانا ومن الحث الصواني بملاط كلسي.
    بين الرمادي والهيت يشكل الفرات عروة في الشمال بحيث يغيب عن الأنظار ، ولأن الطمي لا يمتد إلى هذا البعد في الداخل تأتي النتيجة بأن مجرى النهر بكامله تقريبا يسير في صحراء من الحصى اسمها أبو راية.
    في الهيت تملأ القرب من ماء الفرات لعبور الصحراء. واستأنفنا مسيرتنا قرابة الساعة الخامسة مساء في اتجاه الشمال ، 75 درجة غربا ، لنصل في الثامنة إلى كبيسةKebeisah وهي قرية مؤلفة من 500 نسمة وتحيط بها جدران تحظى بصيانة جيدة ، قضينا الليل خارجها.
    حدائق كبيسة موجودة في أرض مسوّرة منفصلة ، شمالي المدينة. وعلى حدود الحدائق يجري نبع غزير لكن ماءه مرّ ومالح. أما المياه الصالحة للشرب لاستهلاك كل القرية ، فلا وجود لها إلا في بئر وحيدة تقع على مسافة 500 متر خارج الجدران.
    هذه المدينة الصغيرة القابعة على أبواب الصحراء هي مقر مدير مكلّف بجباية الضريبة لحساب الحكومة العثمانية ، ولكن هذه هي الفائدة الوحيدة التي يحصل عليها السكان من جراء جنسيتهم اذ إنهم لم يروا السلطة مرة تتدخل لحمايتهم من عمليات السلب الدائمة التي يشنها عرب عنزة.
    يوم الاثنين في 5 كانون الأول غادرنا كبيسه في السادسة صباحا ولم نعد نصادف أي مركز مأهول حتى وصولنا إلى سورية. وقد عصفت ريح شمالية مثلجة بقوة طوال اليوم ومنعت جمالنا في بعض الاحيان من التقدم.
    كانت طريقنا تسري في الجنوب ، 60 درجة غربا. وقد قادتنا مسيرة ست ساعات إلى قصر خباز حيث خيّمنا في مجرى الشعيب الذي يحمل الاسم نفسه والذي يتخذ

    وجهة الشمال ـ الشرقي بعد تكونه على الهضاب التي تحيط القصر ، ويمر بكبيسة ومن هنا يصبّ في الفرات.
    قصر خباز هو المحطة الأولى في طريق تذهب من بغداد إلى دمشق وتدعى درب زبيدة كالطريق التي تقود من العراق إلى المدن المقدسة في الحجاز ، أي إن إنشاءات طريق دمشق تنسب إلى الأميرة نفسها.
    أمام قصر خباز تنخفض الأرض فجأة 40 مترا تقريبا ، وبجانب القصر ينزل سيل بني في أسفله بركة كبيرة القياسات من الحجر المقصّب. كل هذا بات أطلالا ولكنه من السهل الملاحظة أن أسلوب الإنشاءات هو نفسه كما في درب زبيدة الجنوبي. لا تزال جدران القصر ترتفع إلى ثلاثة أمتار وعقد باب المنزل لا يزال كاملا.
    لدى مغادرتنا خباز ، تابعنا طريقنا مسافة 25 كيلومترا مستمرين في اتجاه الشمال ، 60 درجة غربا وخيّمنا في رجم الصابون وهو اسم تلة حيث كان يقوم بناء وحيد من حجارة كبيرة بات أطلالا.
    في 6 كانون الأول ، لحظة الرحيل في الصباح ، لم يستطع أحد أن ينام بسبب البرد.
    كان ميزان الحرارة يسجل 9 ، 5 درجة. أما الريح فكانت لا تزال قوية وتعصف من الشمال ـ الغربي.
    على بعد بضعة كيلومترات من رجم الصابون ، وصلنا إلى مقاطعة قرعة عامق وبعد خمس ساعات من السير إلى قصر عامد.
    قصر عامد مبني على الجزء الأكثر انخفاضا من هضبة. ولم يبق منه سوى الأساسات على مستوى الأرض والباب مع قنطرته. على مسافة قصيرة إلى غرب القصر نجد حوضا مربعا طول ضلعه 12 مترا ولكنه مغمور بالرمل حتى مستوى الأرض.
    ابتداء من حيث تحافظ الصحراء على رتابتها لا ترى سوى سهول شاسعة تتماوج قليلا في بعض الأحيان.
    من قصر عامد قطعنا 40 كيلومترا إضافيا ثم خيّمنا.
    ليل 6 إلى 7 كانون الأول كان أكثر بردا من الليل السابق وهبط ميزان الحرارة إلى 1 ، 10 درجة. ولحسن الحظ كانت الريح أضعف من الأيام السابقة.

    انطلقنا في السابعة صباحا ، ووصلنا بعد ثلاث ساعات من السير إلى وادي المعشر الذي ينبع على مسافة خمسة أميال تقريبا جنوبي ـ شرقي طريقي ويصب في وادي حوران.
    قبل الوصول إلى وادي المعيشر ، صادفت على جانبي الطريق بقايا جدارين حاجزين مماثلين للجدران التي رأيتها على درب زبيدة في الجنوب وهو أمر لافت. وتمكنت من تتبع هذين الجدارين مسافة كيلومترين تقريبا.
    بعد مغادرة وادي المعشر بساعتين ونصف الساعة خيمنا في وادي حوران قرب آبار عيور ، تقع أطلال قصر عيور على الضفة اليمنى من الوادي ، ولكن لم يعد يتجاوز ارتفاع جدرانه مترا واحدا. ولا يزال الباب المقبب هو أيضا منتصبا.
    إن آبار عيور البالغ عددها 12 تقع في مجرى الوادي قرب الضفة اليمنى. سبع منها ردمت. وقد حفرت في الحصى وسندت جدرانها بكتل كبيرة من الحجر المبروم استخرجت من الوادي نفسه. وتقع المياه الطيبة جدا على عمق أربعة أمتار.
    على الضفة الثانية وقبالة قصر عيور ، أطلال قبر كما تظهر قبور من حولها على مساحة كبيرة. هذا المكان هو موقع أضرحة الصلب الذين يملكون أيضا الآبار.
    ان بداية وادي حوران تقع بحسب أقوال رجالي ، على مسافة أربعة أو خمسة أيام سير إلى جنوب ـ غربي عيور أي على بعد 200 كيلومتر تقريبا ومصبه في الفرات على بعد ثلاثة أو أربعة أيام من السير انطلاقا من النقطة نفسها. وكانت معلومات أخرى قد أعطتني أرقاما أدنى. أفراد قبيلة الصلب من شمال شرق النفود قالوا لي جميعهم إن طول وادي حوران الكامل لا يتجاوز ستة إلى سبعة أيام سير. وعرب من قبيلة العمارات Amarrat شرقي كربلاء أعطوني ارقاما مماثلة تقريبا. واعترف بأن هذه المعلومات الأخيرة قد أثرت علي لدى تحديد الرسم وإنني لم أجرؤ على اتباع مؤلف الخريطة المرفقة برحلة الليدي آن بلانت ، والذي يسجل رأس الوادي بالدرجة ـ 36 ، 7 على خط الطول شرقا. أي بزيادة درجة إلى الغرب مني.
    بالاستناد إلى الورقةV من خريطة مجرى الفرات التي وضعها الكولونيل شسني Chesney ، فإن مصب وادي حوران يقع على مسافة خمسة وعشرين ميلا إنكليزيا ، شمالا ـ 37 درجة غربا من عانا.
    في عيور تختفي ضفاف الوادي ويمتلىء مجراه بحصى كبيرة وبحصى وكتل مبرومة مما يشير إلى نظام سيلي أحيانا.

    المناطق المجاورة لعيور غير متساوية وتتخللها تلال. وكتلة الجبال مكونة من كلس متراص. كان أدلائي يسمونها كلها باسم جبال العوير. ولكن من المرجح أن القمم المختلفة ، لها أسماء خاصة لا يعرفها سوى أفراد الصلب الذين يؤمون المنطقة في الربيع.
    ما إن ارتوت النوق وملئت القرب حتى استأنفنا سيرنا باتجاه الغرب وقطعنا قرابة 30 كيلومترا إضافيا. وبذلك وصلنا إلى نهاية هذه الصحراء التي لا نرى فيها سوى سهول شاسعة مع تموجات طفيفة وطويلة للتربة الخالية من كل نبات. كانت الصحراء قد بدأت غربي رجم الصابون واسمها الضيعة وأيضا الضويعة (في هاتين الكلمتين تمثل حرف الضاد القوي).
    بمغادرتنا هذه المنطقة وصلنا في 8 كانون الأول إلى منطقة الجعارةEl G'ara التي هي أكثر تعرجا وأقل عمقا. فالأرض صالحة وتنتج مراعي جيدة. حتى إنني رأيت قرابة الساعة العاشرة صباحا شجرا نصيا في واد صغير حيث توقفنا لتناول الغداء والسماح لجمالنا بأن ترعى.
    في هذا المخيم استطعت أن أحدد بعض القمم البادية أمامنا وكلها تقع على أراضي الجعارة :
    شمالا ، ـ 22 درجة غربا الهدر.
    شمالا ، ـ 60 درجة غربا مربط حصان.
    شمالا ، ـ 70 درجة غربا الناقة
    جنوبا ، ـ 35 درجة غربا عفيف
    والقمة الأخيرة هي الكبرى.
    في البعيد أمامنا وإلى الغرب ، تمتد سلسلة طويلة من الجبال تدعى الملوصة بلغناها بعد الساعة الثامنة مساء وفيها آبار.
    قبل ساعتين كنا قد تعرضنا لوضع حرج. كنا قد تسلقنا لتوّنا منحدرا وعرا لتلة صغيرة ، وما إن وصلنا إلى القمة حتى رأينا فجأة على مسافة قدّرتها بخمسة أو ستة كيلومترات إلى الجنوب وهج نار مخيم. فالرجال الذين يستطيعون الإقدام على هذا التحدي في مثل هذه الساعة وفي الصحراء لا بد أن يكونوا كثيرين. ووجودهم هنا

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    رحله في الجزيره العربيه 1878-1882 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: رحله في الجزيره العربيه 1878-1882   رحله في الجزيره العربيه 1878-1882 Emptyالإثنين أكتوبر 21, 2024 10:21 am

    لا يبشر بالخير. لا بد أنهم بدو آتون من الصحراء والتقيناهم على بعد بضعة كيلومترات من كبيسة قد أعلمونا بسريانه في هذه المناطق.
    فانعطفنا فورا إلى اليمين حاثين الخطى.
    آبار الملوصة تدعى أيضا القراح.
    عملية سحب الماء وسقي الإبل هي دوما طويلة نسبيا وخاصة عند ما تكون الآبار عميقة. وتزيد الصعوبات إذا كانت العملية تجري ليلا مع صعوبة تمييز الآبار الصالحة مما يستدعي ضرورة البحث عنها وسبرها الواحد تلو الآخر. بالإضافة إلى ذلك ، عند ما تكون المنطقة خطرة وعند ما نعرف أننا في جوار غزو لا بد من أن يتم كل شيء بهدوء وصمت فلا كلام إلا بصوت منخفض ويجب عدم إعطاء أي ذريعة للنوق لتطلق رغاءها ، ومعاملتها بمراعاة خاصة.
    ومع ذلك فقد انتهى كل شيء على خير ما يرام في ختام ساعة واستأنفنا السير لنخيّم في الساعة الواحدة فجرا على مسافة 8 كيلومترات بين بعض كتل الكلس الكبيرة قرب شعيب سمحان.
    يجري هذا الشعيب الذي يتكون على مسافة غير بعيدة جنوب مخيمنا إلى الشمال ـ الشرقي ويصب بعد مجرى يبلغ قرابة 50 كيلومترا في وادي الرتقة الذي يتجه هو أيضا نحو الفرات. ولدي أسباب للاعتقاد أنه لا يتجه إليه مباشرة بل إنه أحد روافد وادي حوران.
    رمل شعيب سمحان هو طمي رملي يخالطه الكثير من الكلس مع أنواع صوان وكربونات الكلس.
    في 9 كانون الأول انطلقنا في السابعة صباحا وخيّمنا في الساعة العاشرة على أراضي الحرة وهي صحراء حجرة (شظايا كبيرة من الصوان والكلس) ولكن عبورها لا يستغرق أكثر من ثلاث ساعات كاملة.
    ومباشرة بعد ذلك سرنا إلى أراضي صواب Souwab.
    في الساعة الثالثة والنصف وفي الرابعة والثلث وفي الرابعة و 35 دقيقة اجتزت على التوالي ثلاثة روافد صغيرة لشعيب صويب تنبثق من هنا وتجري إلى الشمال لتصب في وادي صواب.

    شعيبات صويب الثلاثة هي جداول لا يتجاوز عرضها من 6 إلى 8 امتار وتبلغ ضفافها 30 سنتيمترا.
    وقال لي رجالي أن وادي صواب يجري في الفرات بين الدير ووادي حوران ولكن لم يستطع أحد منهم أن يحدد لي النقطة ولا حتى أن يفيدني بوجودها فوق أو تحت عانا. إلا أنني رأيت على الورقةIV من خريطة الفرات الجميلة التي وضعها الكولونيل تشسني ، فيما كنت أتفحصها ، والتي تبين مجرى النهر بين أبو سيدة ووردي ، بانه صادف في الصحراء لدى عودته من جولته ، على بعد 36 ميلا (1) شمالا ـ 78 درجة غربا من وردي (" 4 ، 29 34 (L.M. خط عرض شمال وادي صواب Souwab.
    مع هذه النقطة المرجعية ، وبالاستناد إلى شكل الأرض قرب الفرات في هذه المنطقة ، استطيع ان اؤكد أن مصب هذا الوادي في الفرات يقع ما بين 55 34 و 45 34 من خط العرض الشمالي ، أي إلى جنوب دير الواقعة على الدرجة" 7 20 35 من خط العرض الشمالي. وبالطبع يحق لنا التعجب من عدم ملاحظة حملة الكولونيل تشسني هذا المصب في التقويم الدقيق جدا لمجرى الفرات.
    الصخور الطاغية في منطقة صواب هي الصوان والكلس الأحمر. العيّنة المستخرجة من مجرى الوادي هي طمي يحمل الكثير من كلس يميل إلى الحمرة قد يكون ناجما عن تفتت الكلس الأحمر.
    في 15 كانون الأول ، تابعنا سيرنا إلى الشمال ، ـ 80 درجة غربا. بعد ميلين تركنا أرض صواب لندخل أرض الوالج El Oualeg ومباشرة بعد ذلك سرنا إلى الشمال ، ـ 25 درجة غربا. كان يقصد من هذا التوغل إلى الشمال الالتفاف حول منطقة بركانية إلى جنوب طريقنا ويشكل اجتيازها صعوبة قصوى.
    أمضينا قرابة ست ساعات لنصل إلى نهاية أرض الوالج ودخول أرض خويمة التي لا يميزها شيء عن الأرض السابقة. ويستمر مظهر العري إياه والغياب الكلي لأي نباتات. والأرض مغطاة بشظايا الصوان التي تبدو مطلية لشدة لمعانها في الشمس. تشبه هذه الصحراء تلك الممتدة إلى شرق الجوف بين هذه البلدة وصحراء ولماOuelma إلا ان حجارة الوالج وخويمة أكبر حجما.
    في الوالج استأنفنا رحلتنا باتجاه الغرب.
    __________________
    (1) الميل الانكليزي يساوي 1609 أمتار.

    وقادتنا مسيرة ليلية إلى نهاية أرض خويمة وبداية أرض شعلان.
    في السابعة والنصف كنا شهود ظاهرة شهابية غريبة. فقد ظهر نيزك رائع قطره ظاهريا طول قطر برتقاله كبيرة ، كرة نارية حقيقية ، قرب ألفا النسر واجتازت الفضاء في الجنوب ومرت على أوريون واختفت وراءنا إلى اليسار وقد أضاءتنا خلال سبع إلى ثماني ثوان بنور ساطع شبيه بنور بؤرة كهربائية. وبعد خمسين ثانية بلغنا صوت انفجار شبيه بإطلاق عدة مدافع.
    وكان زيد ، أحد رجالي ، يصيح طيلة مدة الظاهرة بأعلى صوته وبنبرة تنم عن هلع كبير : " الله اكبر! الله اكبر! السلام على سيدنا محمد! " وكرر هذه الجملة عشر مرات ثم قال لنا أن هذه العلامة تنذر بنهاية سيئة لرحلتنا." أليس كذلك يا بيه؟ " قالها متوجها إليّ. وأجبته" نعم لو كان هذا قد حصل في بداية رحلتنا ، أما الآن فهذا الأمر لا يعنينا. وا أسفاه على الذين رأوا هذه الإشارة وسيصرون على بدء رحلة غدا". لكن شرحي لم يطمئنه إلا جزئيا.
    في صباح اليوم التالي ، حددت من مخيمنا الجبال الصغيرة التالية : ـ الغاب على مسافة عشرة أميال تقريبا شمالا ، ـ 45 درجة غربا. ـ شعلان على مسافة ثلاثة أميال تقريبا شمالا ، ـ 80 درجة غربا. ـ الطنف والطنيف على مسافة 16 و 18 ميلا تقريبا جنوبا ، ـ 45 درجة غربا.
    بالقرب من جبال شعلان والطنف والطنيف غديران فإذا كانت الأمطار غزيرة في الشتاء ، يبقى فيها ماء ويتجمع فيها عرب فضان وسبا في الربيع.
    استغرق اجتياز أراضي شعلان ساعتين ونصف الساعة.
    وفورا بعد ذلك بدأت أراضي خور الطنيفات حيث خيّمنا بعد الثالثة عصرا في واد عذب مملوء بالحطب والعلف ومن بينها الكثير من النوصي. وبالفعل فقد تبدلت الأرض والمنظر. فقد أعقبت السهول الشاسعة الرتيبة والجرداء في الحرة والوالج وخويمات منطقة وعرة من التلال والوديان. كذلك الأرض لم تعد مغطاة بالشظايا الشبيهة بحجارة البندقية ، فقطع الصخر بشكل بحص وكثيرا ما تبدو وكأنها كسرت كالحجارة المعدّة عندنا لرصف الطرقات المكدمة.
    في بعض الأحيان أيضا ، إنما بنسبة أقل ، تكون هذه الحجارة بحجم الدبش عندنا

    ويفترض تكوينها في المرو والكلس البلوري وجودها في جوار بركاني (1).
    في الخامسة مساء انطلقنا من جديد لنخيّم في العاشرة في صحراء زرقه كبوت.
    منذ مغادرتنا كبيسة وحتى هذا اليوم عانينا كثيرا من البرد. كل صباح تقريبا كان ميزان الحرارة يسجل ـ 10 درجات تحت الصفر وخلال النهار يصعد الزئبق ليصل بالكاد إلى+ 10 درجات أو+ 12 درجة. قرب الماء كانت متجمدة باستمرار رغم الاحتياط الذي جعلتهم يأخذونه بلفها بالأغطية وعلى الرغم من بقائها ليل نهار متدلية على جنبات الجمال. وقد اضطررنا مرتين في الصباح لنسير ونحن صيام لعدم تمكننا من تذويب ما يكفي من الماء لإعداد الشاي أو القهوة. زبدتنا السائلة باتت تشبه الرخام وقد أرغمنا على قطع القربة التي تحتويه بالسيف.
    ولكن مخاوفنا الكبرى كانت على جمالنا. فهذه الحيوانات المسكينة التي كنا نستخدمها في الليل كسواتر كانت متجمدة ومتصلبة في الصباح. وللركوب عليها كنا مجبرين على تركها تنهض أولا لنتسلق بعدئذ ظهرها. ولم نكن نستطيع أن نجعلها تحث الخطى إلا بعد الظهر حيث يكون قد زال جليدها.
    في 12 كانون الأول استغرق ساعتين اجتياز صحراء زرقه كبوت التي يعود اسمها إلى الحجارة السوداء البازلتيه التي تغطيها.
    فوجدنا أنفسنا عندئذ في صحراء اللقيطة التي لا تتجاوز مساحتها 10 كيلومترات والتي لم نلبث أن عبرناها. تليها مباشرة صحراء الشام.
    قرابة الظهر اغتبطنا لرؤية قمة جبل عادة الموجودة في جنوب قريتين والتي حددتها إلى الشمال ، ـ 70 درجة غربا. إنها صديق قديم تعرفت اليه في فترة تجوالي مع الرعاة في صحراء سورية ودليل على أننا نكاد نصل إلى مقصد رحلتنا.
    عبرنا صحراء الشام في ساعتين ونصف الساعة لنصل إلى صحراء المراح.
    قبل نهاية منطقة الشام بأربعة كيلومترات تقريبا وعلى مسافة 3 أميال إلى جنوب طريقي ، توجد ثلاثة غدران وإلى هنا ينتهي شعيب الشام الصغير الذي يتكون إلى
    __________________
    (1) الحث الصواني والكلس البلوري هي صخور متحولة أي أنها صخور تحولت مادتها أو تبدلت تحت تأثير الحرارة إنما بشروط الضغط التي لا وجود لها على سطح الكرة الأرضية. لذا من المستحسن استعمال تعبير أرض جوفية. [التحرير]

    الجنوب. وهي تخص وكذلك الأراضي المحيطة الصلب الذين يرتادونها في الربيع عند ما يكون في الغدران ماء.
    في المراح حيث تتوقف الصحراء الحجرة ، نطأ أرضا نباتية صالحة مكسوة بمراع جيدة. إلا أن ذلولنا لا تأكل إلا من أطراف شفاهها وتتثاءب وهي تنظر إلى الأفق وتترك عروق النباتات التي تمضغها تقع على الأرض. ذلك أن هذه الحيوانات المسكينة عطشى. فهي لم تشرب منذ بئر الملوصة أي منذ 8 كانون الأول في الحادية عشرة ليلا.
    وبما أن مؤونتنا من الماء بدأت تنفد أيضا (لم يعد لدينا إلا ما يكفي لوجبة واحدة) اضطررنا إلى تسريع مسيرتنا.
    في الثالثة والنصف خيّمنا في صحراء المراح وبعد ساعة ونصف الساعة استأنفنا السير حتى الواحدة من فجر 13 كانون الأول.
    بعد استراحة دامت ساعتين انطلقنا في الساعة الثالثة صباحا. في ختام ميلين خرجنا من أراضي المراح لندخل أرض الحيل وفيها واد صغير يحمل الاسم نفسه.
    يعقب منطقة الحيل منطقة العيسى El'Aitsa مع وادي سبع أبيار.
    يحد العيسى من الغرب مبنى مربع كبير من الحجر المقصوب يدعى قصر صيقل ويشير إلى بداية الأراضي التي تحمل نفس الاسم.
    تمتد منطقة صيقل حتى قصر الشام الذي يبعد مسافة ثلاث ساعات وأربعين دقيقة من السير من قصر صيقل.
    لدى مغادرتنا قصر الشام قطعنا ثلاثين كيلومترا إضافيا حتى بركة سنبين التي لا تبعد سوى ستة كيلومترات من قرية ضمير التي وصلنا اليها لحسن الحظ في الساعة الخامسة مساء. عادت الأرض حجرة قبل الوصول إلى ضمير ببضعة كيلومترات فقط.
    في اليوم التالي في 14 كانون الأول غادرت ضمير في الحادية عشرة صباحا ووصلت إلى دمشق قبل الساعة الخامسة مساء.
    ضمير والطريق المؤدية إلى دمشق معروفتان.





    جغرافية إمارة شمّر
    منطقة شمالي حائل
    تقع حائل ، عاصمة الإمارة ، عند سفح جبل سمرا.
    يتألف وسط حائل اليوم من اثني عشر حيّا أو سوقا وهي :
    ـ برزان ـ لبدة ـ الجبارة ـ الجراد ـ الجديدة ـ سماح ـ العبيد ـ الخنقة ـ وربيعة ـ سويفلة ـ الخريم ـ مفيضة.
    سماح والعبيد كانا الأخيرين في الإنشاء. العبيد وكما يشير اسمه يسكنه عبيد سود كليا ويعود للأمير. أطيب المياه هي مياه بئر سماح في حائل. ويبلغ طول المدينة 4 كيلومترات تقريبا من سوق وربيعة شرقا إلى سوق سماح غربا.
    في كل الاسواق الشرقية ، المياه قريبة ولكنها مرّة وغير صالحة للشرب.
    يبلغ عدد سكان حائل في الحد الاقصى 15000 نسمة.
    الوكيد إلى الشمال ، 31 درجة شرقا ، وعلى مسافة 14 كيلومترا من حائل. أسست حوالي عام 1835 ـ 150 نسمة.
    الجذامية على مسافة 20 كيلومترا إلى الشمال ، س 35 درجة شرقا من حائل ـ 100 نسمة. هذه البلدة موجودة منذ عام 1830.
    اللقيطة على مسافة 22 كيلومترا إلى الشمال ، 10 درجات شرقا من حائل تعدّ 500 نسمة. أسست في الوقت نفسه مع الجذامية.
    أم القلبان ، على مسافة 62 كيلومترا إلى الشمال ، 32 درجة غربا من حائل ، في النفود ، 30 نسمة.
    قنا ، على مسافة 75 كيلومترا إلى الشمال ، 47 درجة غربا من حائل ، في النفود ، 100 نسمة.
    طويل ، على مسافة 90 كيلومترا إلى الشمال ، 74 درجة غربا من حائل في النفود ، 120 نسمة.
    جبة ، على مسافة 130 كيلومترا إلى الشمال ، ـ 62 درجة غربا من حائل في النفود ، 400 نسمة.

    الجوف المسماة فيما مضى دومة الجندل هي مدينة تقع إلى شمال النفود على مسافة 320 كلومترا إلى الشمال ، س 25 درجة غربا من جبة. وتتألف من خمسة عشر حيا مجموعا تفصل فيما بينها أسوار. وتعد 12000 نسمة تقريبا. إنها واحة قديمة جدا ترقى إلى القرن السابع قبل الميلاد.
    قارا على مسافة 32 كيلومترا إلى الشمال ، 70 درجة شرقا من الجوف ، تعد 1000 نسمة.
    سحارا على مسافة 5 أميال إلى الشمال ـ الغربي من الجوف تعد 50 نسمة.
    حسية على مسافة 7 كيلومترات إلى الشمال ، 35 درجة غربي الجوف ، تعد 50 نسمة.
    جو ، على مسافة 21 كيلومترا إلى الشمال ـ الشرقي للجوف ، على طريق سكاكا ، فيها آبار وينابيع. وهي اليوم مهجورة.
    مويسن في منتصف الطريق تماما ما بين الجوف وسكاكا وفيها آبار وينابيع. غير مأهولة اليوم.
    البلدات الخمس الأخيرة تعتبر قديمة قدم الجوف نفسها.
    سكاكا على مسافة 35 كيلومترا إلى الشمال ـ الشرقي للجوف ، تعدّ 8000 نسمة. وجدت منذ قرن فقط.
    كاف في وادي سرحان ، على مسافة 250 كيلومترا إلى الجنوب ، 25 درجة شرقي دمشق. مأهولة منذ نصف قرن وتعدّ 90 نسمة. فيها نخيل واستثمار ملح.
    أثرا على مسافة 6 أميال شرق ـ جنوب ـ شرقي كاف. وهي واحة صغيرة قديمة جدا ولكنها لم تستعد سكانها بعد ما هجرت إلا منذ نصف قرن. فيها مياه ينبوع كما في كاف تعدّ 1550 نسمة.
    بقعاء على مسافة 95 كيلومترا إلى الشمال ، 66 درجة شرقي حائل. 400 نسمة. إنها مدينة قديمة جدا ومحطة في درب الحج العراقي.
    تربة ، هو قصر بني على الطريق من حائل إلى بغداد قرب الآبار التي تحمل الاسم نفسه مع موقع لبضعة رجال. ليس فيها مزارع. يقع على مسافة يومين من السير إلى الشمال ، س 55 درجة شرقي حائل.
    الحيانية على مسافة ثلاثة أو أربعة أيام من السير إلى شمالي حائل ، في النفود. إنه قصر مع خمس آبار ، تسكنه عائلتان من الصلب ، 15 نسمة.
    تربية ، على مسافة نصف يوم من السير شرقي الحيانية. قصر مع بئرين ، 10 نسما

    منطقة جنوبي حائل
    حوض وادي حائل ـ حوض وادي الرمّة ـ جبل أجا
    الوصيطا على مسافة ثلاثة كيلومترات إلى الجنوب ـ الغربي لحائل 50 نسمة.
    العقدة ، سلسلة وديان صغيرة تضم عشر قرى صغيرة في جبل أجا ويقع مدخلها الوحيد على بعد اثني عشر كيلومترا إلى الجنوب ، 70 درجة غربي حائل. هذه القرى هي :
    القني ـ الويبار ـ النبيته ـ الساقة ـ حصنه ـ المعا ـ غضيان ـ الحايط ـ رميض ـ العليا.
    مجتمعة تعد 800 نسمة من السكان تقريبا. وجزء منهم رحّل ولا يقيمون في العقدة إلا في فترة إثمار النخيل الذي يملكونه.
    قفار التي كانت عاصمة شمّر فيما مضى ، لا تزال اليوم مهمة جدا. وهي تمتد على بعد 19 كيلومترا جنوبا ، 30 درجة غربي حائل ، عند سفح الجبل ، بين هذا الجبل ووادي حائل ، على طول 4 كيلومترات ولكنها تضم ملكيات كثيرة مهجورة. وهي تتألف من أربع مدن صغيرة منفصلة.
    htahedhdA ـ الخشماية ـ الحماد ـ وركدية.
    الثلاث الأولى لديها مسجد رئيس. وسكان وركدية الذين ليس لديهم مسجد ، يذهبون يوم الجمعة لتأدية صلاة الظهر في سوق الحماد.
    عدد السكان المتحدرين من بني تميم 8000 نسمة على الأكثر.
    القصر ، على بعد 48 كيلومترا جنوبا ، 22 درجة غربي حائل. تتألف من ثلاثة أحياء أو أسواق هي :
    القبل ، مع 40 منزلا
    أرشد ، مع 60 منزلا
    النفيد ، مع 35 منزلا
    أي المجموع 135 منزلا وقرابة 600 نسمة.
    موقق على مسافة 70 كيلومترا تقريبا بطريق مستقيم إلى الجنوب ، 60 درجة غربي حائل على المنحدر الغربي لجبل أجا. ويمكن الوصول إليها من حائل في يوم واحد مع ذلول جيّد.

    يسكن موقق المؤلفة من عشرة قلبان 520 نسمة تقريبا.
    بدع جفيفا على مسافة 6 أميال إلى جنوب موقق وفيها 100 نسمة.
    الصفرا على مسافة يومين من السير إلى جنوب ـ جنوب ـ شرقي حائل. تعدّ 25 نسمة. ليس فيها نخيل بل زراعات حبوب. الآبار مالحة ومرّة.
    عوضة على بعد 80 كيلومترا إلى جنوب حائل وتعد 1000 نسمة (؟).
    الحفنة ، على مسافة 15 كيلومترا إلى الشمال ، 55 درجة شرقي عوضه ، 50 نسمة.
    الحفينة ، على بعد كيلومتر شمال ـ شرقي الحفنة ـ 20 نسمة.
    سميراء على مسافة 100 كيلومتر تقريبا إلى الجنوب ، 10 درجات شرقي حائل.
    سميراء لا تملك نخيلا وليس فيها سوى حقول قمح. المياه الغزيرة جدا على عمق مترين فقط. هذه البلدة القديمة جدا تعد 400 نسمة تقريبا.
    المستجدEl Mestagged على مسافة 100 كيلومتر تقريبا إلى الجنوب ، 10 درجات غربي حائل. مدينة قديمة جدا وكانت فيما مضى بكثافة سكان قفار. وهي اليوم إحدى محطات قافلة الحجاج الفرس ولم تعد تضم سوى ما بين 700 إلى 800 نسمة على الأكثر.
    السليمي ، على مسافة 22 كيلومترا جنوب المستجد. وهي قرية صغيرة من ثلاثة قلبان وفيها 30 نسمة. وفيها ايضا خمس عشرة بئرا ، واحدة منها فقط فيها ماء عذب أما الباقية فمياهها مالحة. ليس في السليمي إلا القليل من النخيل.
    شتوي ، على مسافة 12 كيلومترا شمال ـ شمال ـ غربي المستجد وعلى بعد 4 أميال شرقي المحاش. تضم 600 نخلة ترتوي من المياه الجوفية كما في عقدة وتخص عرب الأصلة الذين يأتون أحيانا إلى شتوي في الشتاء ليزرعوا القمح. في الصيف لا يوجدون فيها إلا في فترة إثمار نخيلهم. تقع شتوي قرب جبل صغير يحمل الاسم نفسه.
    المحاش ، ملكية فيها بئر تقع مياهها على عمق 18 مترا. فيها 50 نخلة ، و 6 اشخاص.
    الغزالة ، على مسافة 8 كيلومترات جنوب ـ غربي المحاش ، تتألف من قليبين وفيها 80 نسمة.
    قصير ، ثلاثة قلب كبيرة تتباعد فيما بينها من 600 إلى 700 متر مع نخيل وحقول شعير. أحد القلب الواقع إلى الغرب فيه ماء غير صالح للشرب. الماء العذب يقع على عمق 24 مترا كما هو الحال في المستجد والغزاله. وفيها 30 نسمة.
    غامر ، على مسافة 8 كيلومترات إلى الشمال ـ الغربي للمحاش ، عند سفح الجبل

    الصغير الذي يحمل الاسم نفسه. لا آبار. الماء في الخزانات أو الغدران. نخيل غامر في الجبل ويرتوي من المياه الجوفية كنخيل عقدة.
    غطور (1) (غضور) على مسافة 14 كيلومترا إلى الجنوب ، 55 درجة غربي المستجد ، فيها 25 نسمة.
    ضراغراطDheraghrath على مسافة 50 كيلومترا إلى شمال الحايط. قليب واحد مع 50 نخله وحقول قمح وشعير ، تسكنها عائلة حتيم ، فيها 8 اشخاص بئر واحدة والماء على عمق مترين. هذه النقطة وضعت في غير موضعها على الخريطة. أعتقد أنه يجب أن يكون أكثر إلى الجنوب ـ الشرقي.
    الحايط تقع إلى الشمال على الجهة الشرقية من الحرة. واحة قديمة جدا. تتألف اليوم من الأسواق الثلاث الآتية : وادي سعفان ـ شريف ـ القصير مع 500 نسمة تقريبا. ثلاثة ينابيع تسقي مزارع النخيل.
    الحويط على مسافة 20 ميلا تقريبا إلى جنوب الحايط في الحرة قرب جبل كناة ، فيها 70 نسمة.
    منطقة غربي حائل
    الحجاز
    تيماء ، واحة قديمة جدا على بعد مسيرة ستة أيام غربي حائل ، شمال جبل غنيم ، 60 قليبا مع سكان يقاربون 1500 نسمة.
    العلا ، واحة قديمة جدا تقع على مسافة يومين كاملين إلى الجنوب ـ الغربي لتيماء. العلا خاضعة لأمير شمر منذ 1878. مزارع نخيل جميلة ترويها ينابيع غزيرة. تملك أطلالا لافتة. فيها 1500 نسمة تقريبا.
    منطقة شرقي حائل
    طابة في جبل سلمى ، على مسافة مسيرة يومين إلى جنوب ـ شرقي حائل ، 250 نسمة.
    __________________
    (1) على هامش مخطوطة السيد هوبير كتب هذا الاسم بالعربية. يجب إعطاء الإملاء الغربي ب غضور ، ومعنى هذا الاسم هو" صلصال أخضر وصلب" والخريطة تحمل" عضفور"Ghredhouar [التحرير]

    السبعان إلى الطرف الجنوبي من جبل سلمى وعلى بعد مسيرة يومين من حائل. 500 نسمة.
    فيد ، مدينة قديمة جدا وفيما مضى كانت محطة على درب الحج العراقي. تقلص عدد السكان اليوم إلى 250 نسمة. كل الذين يتنقلون بين الجبل والقصيم يمرون عبر فيد.
    الكهفة على مسافة 50 كيلومترا تقريبا إلى الشمال ، س 65 درجة شرقي فيد. إنها آخر بلدة من إمارة شمّر على طريق القصيم. 200 نسمة.
    الغميس ، على مسافة 6 كيلومترات إلى جنوب ـ شرقي الكهفة ، 25 نسمة.
    أم خشبة ، على بعد 10 كيلومترات إلى جنوب ـ شرقي الكهفة. أطلال.


    مراجعة للبلدات والسكان المقيمين في إمارة شمّر
    1 ـ حائل 15000 28 ـ الصفرا 25
    2 ـ الوصيد 150 29 ـ غوطة 1000 (؟)
    3 ـ الجزامية 100 30 ـ الحفنة 50
    4 ـ اللقيطة 500 31 ـ الحفينة 20
    5 ـ أم القلبان 30 32 ـ سميراء 400
    6 ـ قنا 100 33 ـ المستجد 800
    7 ـ توية 120 34 ـ السليمي 30
    8 ـ جبة 400 35 ـ شتوي (سكان بدو رحل)
    9 ـ الجوف 12000 36 ـ المحاش 6
    10 ـ قارا 1000 37 ـ الغزالة 80
    11 ـ سحارة 50 38 ـ قصير 30
    12 ـ سحيا 50 39 ـ غامر 18
    13 ـ جو (غير مأهولة) 40 ـ غضور 25
    14 ـ مويسن (غير مأهولة) 41 ـ ضراغراط 8
    15 ـ سكاكا 8000 42 ـ الحايط 500
    16 ـ كاف 90 43 ـ الحويط 70
    17 ـ أثرا 100 44 ـ تيماء 1500
    18 ـ بقعاء 400 45 ـ العلا 1500
    19 ـ تربة 3 46 ـ طابة 250
    20 ـ الحيانية 10 47 ـ السبعان 500
    21 ـ تربية 10 48 ـ فيد 250
    22 ـ الوسيطة 50 49 ـ الكهفة 200
    23 ـ العقدة 800 50 ـ الغميس 25
    24 ـ قفار 8000 51 ـ أم خشبة
    (أطلال) 0
    25 ـ القصر 600 55470
    26 ـ موقق 500
    27 ـ بدع جفيفا 100


    مراجعة للبلدات والسكان المقيمين في قصيم (1)
    1 ـ قوارة 120 26 ـ الشماسية 250
    2 ـ قصيبا 3000 22440
    3 ـ المشكوك 10 البلدات الآتية من ولاية القصيم تتبع حاليا (1880) لمدينة عنيزه أوهي مستقلة :
    4 ـ الحمودية (غير مسكونة) 0 العيارية (أطلال)
    5 ـ الرف 100 الوهلان (أطلال)
    6 ـ عيون 2500 روضة العوشزية 100
    7 ـ غوطة 1500 عنيزة 20000
    8 ـ أوثال 250 الوادي 500
    9 ـ القرعا 800 الروغاني 120
    10 ـ الشقة 1000 الشبيبية (أطلال)
    11 ـ الطرفية 60 شنانة 200 (؟)
    12 ـ عين ابن فهيد 600 الراس 3000 (؟)
    13 ـ العريف (سكان بدو رحل) المدير المسؤول
    س. مونوار الأمين العام للجنة المركزية
    14 ـ النبقية 35
    15 ـ الرقية 5
    16 ـ روضة 150
    17 ـ بريدة 10000
    18 ـ الخب 500 (؟)
    19 ـ حويلان 350 (؟)
    20 ـ القصيعة 200 (؟)
    21 ـ رويضة (غير مسكونة)
    22 ـ صبيح 500 (؟)
    23 ـ مريديسية 100
    24 ـ خطر 400
    25 ـ الطعمية 10
    __________________
    (1) لم أضمّن هذا المقال سوى البلدات الخاضعة حاليا للأمير حسن من بريدة.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
     
    رحله في الجزيره العربيه 1878-1882
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: 32- منتدى الرحلات التاريخيه للعراق-
    انتقل الى: