| ماثر الكبرى في تاريخ سامراء ج1 | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
الشيخ شوقي البديري الشيخ شوقي البديري
عدد المساهمات : 2973 نقاط : 4624 تاريخ التسجيل : 17/06/2012 العمر : 59 الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق
| موضوع: ماثر الكبرى في تاريخ سامراء ج1 الجمعة أكتوبر 25, 2024 5:38 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم تقديم بقلم العلّامة المحقق السيّد أحمد الحسيني البحث في جغرافيا البلدان جزء من تاريخ الانسانيّة الكبير ، والتحقيق في حوادث المدن والأمكنة والبقاع قسط من مكوّنات الأمم الماضية والعصور المتوالية ، وتاريخ البلاد المنتشرة في المعمورة صورة من صور الثقافة العامة ، وهي بمجموعها عبر للمجموعات البشريّة التي تعيش في مقاطع من الزمن يلي بعضها تلو البعض. يحتاج البحث عن الآثار التاريخيّة إلى صبر وأناة ، وتوطين النفس لتحمل مشاق الفحص والتحقيق فيما تبقى من الخرائب والديارات المهجورة وما عثر عليه من الحفريات في الأنقاض ونتف مما جاء في اللوحات الحجرية والنحاسية وغيرها من المدونات القديمة والكتب والأسفار التاريخية التي سلمت من عاديات الزمن. ولكن الجهد الذي يبذل بهذا الصدد مفيد للأجيال المتعاقبة ، فإنّهم يعرفون ـ بالاطلاع عليها ـ ما كان للمتقدمين عليهم من الأمم والشعوب من نقاط القوة أو الضعف وأسباب السيادة أو الإنهيار ، وما كان لهم من الثقافات والعلوم والصنائع والمبتكرات التي سببت تقدمهم على الشعوب الأخرى ، أو ما ابتلوا به من الخور والإخلاد إلى الراحة والإتكاء على غيرهم التي حطمت كيانهم وحطت من شأنهم. في القرنين الأخيرين جدّ العلماء والمنقّبون في استخراج كنوز الأرض وكشف كثير من الآثار المطمورة ، ففحصوها بجدّ لا يعرف الكلل والملل ، وعرفوا ـ نتيجة للمتابعات الطويلة ـ كثيرا من الأسرار الاجتماعيّة القديمة الهامة ، وحصلوا على نتائج خافية عظيمة كانت لبنا في بناء صرح التاريخ الانساني ، بعضها يعود إلى ألوف أو مئات من السنين والأعوام. كان هذا الجدّ المديد يحتاج إلى تصنيف دقيق ييسر للباحثين الإطلاع عليه والإفادة منه ، ومن جملة وجوه التصنيف دراسة المدن والحواضر بل والأرياف ، والتحقيق عنها في دراسات ومؤلفات خاصة ، واستعراض مالها من السوابق التاريخية في الثقافة والعلم والصناعات والإقتصاد وما إليها من وجوه المعارف والأنشطة المؤثرة في رفع مستوى سكنة تلك المناطق جيلا بعد جيل. لقد حضيت جملة من المدن العراقية ببعض المصنّفات الخاصة والدراسات القصيرة أو الموسّعة ، كبغداد والنجف الأشرف وكربلاء والبصرة والكوفة والديوانيّة ، وبقيت سامراء منسية في هذا المجال مع ما لها من السوابق الأثرية والتاريخية والعلمية ، وبها مثوى الإمامين العسكريين عليهماالسلام ، وهي مزار مقدس تهوى إليه أفئدة ملايين من المسلمين المحبّين لأهل البيت النبوي عليهم الصلاة والسلام. ملأ هذه الفجوة في تاريخ العراق ، شيخنا العلّامة البحاثة المتتبع الشيخ ذبيح الله المحلاتي تغمده الله برحمته ورضوانه ، بموسوعته القيمة «مآثر الكبراء في تاريخ سامراء» ، التي تمت ـ حسب ما كتبه ابنه ـ في اثني عشر مجلدا. استعرض الشيخ في موسوعته هذه ما يتعلّق بجغرافيا وتاريخ سامراء قبل الإسلام وبعده قديما وحديثا ، ووصف أبنيتها وقصورها ومسارحها ومشاهدها ، وذكر أحوال من حلّ بها ودخلها ومن ثوى بها من الخلفاء والملوك والعلماء والوزراء والكتّاب والشعراء والحكماء والشرفاء والعلويين وذوي النباهة والوجاهة ، وأدرج فيها بتفصيل وإسهاب أحوال الإمامين العسكريين والحجة المنتظر عليهم الصلاة والسلام ، وتطرق إلى ذكر أصحابهم والرواة عنهم والنازلين بساحتهم. وكثيرا ما استطرد فيها إلى بعض الأحداث التاريخيّة الخارجة عن موضوع الكتاب ولكنّها تناسبه بعض المناسبة ، كما أنّه أورد فيها شعرا كثيرا مما قاله شعراء العرب القدامى والمحدّثون في مناسبات هيجت قرائحهم الأدبية. يقول في مقدمته : إنّه كان يخشى عدم وفاء الموضوع حقه ، ولذلك تردّد في الإقدام على التأليف فيه ، فاستخار بالكتاب العزيز فخار له بقوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ* وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ)(1). من هذا المنطلق الواسع بدأ مؤلفنا العلامة عمله التأليفي ، وصبر على البحث والتنقيب عشرين سنة ، وخصص جهده بالمزيد من مراجعة المصادر والمدونات التاريخية والأثرية والأدبيّة ، واستخرج منها اللآلي المبعثرة ونضدها في عقد منتضم يكون من المفاخر التاريخية الخالدة المتلألئة في جيد الزمن. أثاب الله تعالى الشيخ وكل العاملين في حقول المعرفة ، الساعين في رفع مستوى الأمة الديني والثقافة. وآخر دعوانا الحمد لله ربّ العالمين. قم ـ 5 ربيع الثاني 1426 ه السيّد أحمد الحسيني __________________ (1) سورة الشعراء : 192 ـ 196. ترجمة المؤلف مستل من موسوعة «المفصل في تراجم الأعلام» الشيخ ذبيح الله بن محمّد علي بن علي أكبر بن إسماعيل المحلّاتي العسكري. مولده ونشأته : ولد في محلّات سنة 1310 ، وبها نشأ برعاية والده الذي كان أميا حريصا على تربية ابنه الوحيد تربية دينية صالحة ، وبها تعلم القراءة والكتابة. توفي أبوه وهو في العاشرة من عمره ، فاضطر إلى ترك التعليم والاشتغال بتحصيل ما يتعيش به لأنّه لم يجد من يكفله. ذهب إلى العراق مشيا على الأقدام بنية تحصيل العلوم الدينية في سنة 1326 ، ولقي بها أول من لقي من العلماء الشيخ إسماعيل المحلاتي الذي أمر بعض معاريفه بتكفل ما يسدّ به حاجياته المادية الضروريّة لكي يتمحض في طلب العلم ، ولكن لم يتم له الأمر فعاد إلى محلّات ودرس بها بعض المقدمات العلمية. وبعد سنتين ذهب للمرة الثانية إلى العراق ، وأقام في النجف الأشرف طالبا في حوزتها ، فأكمل المقدمات ومراحل السطوح على بعض شيوخ العلم بها ، وبعد ذلك حضر في الدروس العالية على السيّد محمّد الفيروزآبادي وغيره من أعلام عصره وكبار المدرسين في الحوزة. في سامراء وطهران : قطن سامراء مدة طويلة بعد أن أكمل دراسته في النجف الأشرف ، وتفرغ فيها للتأليف والتحقيق والتصنيف ، معتزلا عن معاشرة الناس منصرفا بكله إلى الكتابة والإنتاج العلمي. وبعدها ذهب إلى طهران وأقام بها إلى آخر حياته ، وكان بها منصرفا إلى التأليف والإرشاد ممتهنا الخطابة والوعظ الذي كان متوجها إلى ذلك منذ أيام شبابه ، ولقي رواجا كبيرا لبراعته وسعة معلوماته وقوة منطقه وطلاقة لسانه ، فأقبل على مجالسه المؤمنون وازدحموا لسماع ارشاداته ، وعدّ من رجال المنبر الحسيني الأفاضل ومن الخطباء اللامعين. وفي طهران كان أكثر انتاجه العلمي والتاريخي ، وتمكّن بها من طبع كتبه ونشرها. كان يقيم صلاة الجماعة فيأتم به جماعة من الأخيار والمتدينين لما عرفوا فيه من الصلاح والسداد. بعض صفاته : وصف بعض المترجمين للشيخ : أنه كان عالي الهمة ، طموح النفس ، محبا للخير .. وكان ساعيا في قضاء الحوائج ، مهتما بالأمر الخيرية والمشاريع الدينية. كان شديدا على الصوفية ومدعي العرفان ، وتصدى للرد عليهم في خطبه المنبرية ، وألف في بيان مخالفة بعض أقوالهم وأفعالهم للمعتقدات الحقة جملة من مؤلفاته العربية والفارسية. قال العلّامة المرحوم الشيخ آقا بزرك الطهراني : «المترجم له ثاني اثنين أعجبت بهما ، والأوّل هو العلّامة المغفور له الشيخ محمّد علي التبريزي المعروف بالمدرس مؤلف «ريحانة الأدب» .. فقد حفظا أمانة النقل عن كتبي بشكل يستغربه أهل هذا العصر لاعتيادهم على عكس ذلك .. وأما المترجم له فإنّه ينقل في الجزء الثاني من تاريخه عن مؤلفاتي صفحة صفحة أو أقل أو أكثر ، ويشير حتى إلى الكلمة الواحدة ، وهذا ما أشكره عليه إلى الأبد وتشكره عليه الأجيال الآتية». شيوخه في الرواية : أجيز في نقل الحديث من : 1 ـ السيّد حسن الصدر الكاظمي. 2 ـ الشيخ ميرزا محمّد حسين النائيني. 3 ـ السيّد أبو الحسن الأصبهاني. 4 ـ الحاج آقا حسين الطباطبائي البروجردي. 5 ـ الشيخ آقا بزرك الطهراني. مؤلفاته : كان الشيخ متوسّعا في مؤلفاته وما أنتجه من الكتب ، يتناول كل موضوع يؤلف فيه من مختلف جوانبه ويدرسه دراسة مستوعبة بالمقدار الذي تسعفه المصادر المتوفرة لديه ، فلا يكتفي بالمرور العابر كالمتسرعين في التأليف من أبناء عصرنا ، بل يدخل في البحث والتنقيب من أوسع الأبواب مهما كلفه ذلك من الجهد في الفحص والتتبع. وهذا ما عرفنا من انتاجه القلمي : * الحق المبين في أقضية أمير المؤمنين. طبع بطهران خمس مرات أولها سنة 1333 ش. * خير الكلام في رد عدو الاسلام ، مجلدان في رد الكسروي. * رياحين الشريعة في تراجم مشاهير نساء الشيعة. طبع بطهران في خمس مجلّدات سنة 1369 ـ 1375. * ساحل نجات. طبع بطهران سنة 1372. أنظر «كانون فساد». * السيوف البارقة على هام الصوفية المارقة. طبع. * شمس الضحى فيما ورد على رأس سيد الشهدا. أدرج في كتاب «فرسان الهيجاء». * صندوق نفايس. كشكول فارسي. * ضياء النيرين في مآثر العسكريين. اسم ثان لكتاب «مآثر الكبراء». * فرسان الهيجاء في تراجم أصحاب سيد الشهداء. طبع بطهران في مجلدين سنة 1334 ش. * قرة العين في حقوق الوالدين. طبع بطهران سنة 1330 ش. * قلائد النحور في وقائع الأيام والشهور. * كانون فساد وبدبختى تا ساحل نجات. طبع بطهران سنة 1332 ش. * كشف الاشتباه في اعوجاج أصحاب خانقاه. طبع بطهران مرتين أولاهما سنة 1336 ش. * كشف البنيان فيما يتعلق بعثمان بن عفان. طبع. * كشف تهمت در رد آئين طريقت. طبع. * كشف حقيقت در شرح حال پيشوايان اهل سنت. طبع بطهران سنة 1332 ش. * كشف العثار في مفاسد الخمر والموسيقى والقمار. طبع بطهران. * كشف الغاشية فيما يتعلّق بأم المؤمنين عائشة. طبع. * كشف الغرور في مفاسد السفور. طبع بطهران مرتين سنة 1365 و 1368. * كشف الكواكب في تراجم مشاهير آل أبي طالب. * كشف المغيبات في إخبار أمير المؤمنين عن المغيبات. طبع بطهران سنة 1335 ش. * كشف الهاوية في موبقات معاوية. طبع. * الكلمة التامة في تراجم أحوال أكابر العامة. في خمس مجلدات. * لاله زار ذبيحى. كشكول فارسي. * مآثر الكبراء في تاريخ سامراء. طبع ثلاث مجلدات منه. * مطلوب الراغب في أحكام اللحى والشارب. طبع بطهران سنة 1380. * نار الله الموقدة على الكافرين في حروب أمير المؤمنين. * وقائع الأيّام. كبير في ثمان مجلدات. وفاته : توفي الشيخ قدس الله سرّه بطهران سنة 1405 ه. مصادر الترجمة : مآثر الكبراء ـ آخر المجلد الأول ، نقباء البشر ص 715 ، الذريعة في مختلف الأجزاء ، مؤلفين كتب چاپى 3 / 86.
بسم الله الرّحمن الرّحيم [مقدّمة المؤلّف] الحمد لمن له الملك والملكوت وله الكبرياء والجبروت ، وصلّى الله على رسوله الذي روحه نسخة الأحديّة في اللاهوت ، وجسده صورة معاني الملك والملكوت ، وقلبه خزائن توحيد الحيّ الذي لا يموت ، طاوس الكبرياء وحمام الجبروت ، ما حي الكفر والشقاق والجبت والطاغوت ، وناشر راية العدل والتقى في عالم الناسوت ، وعلى أهل بيته الطاهرين المنعوتين بكلّ نعوت. أمّا بعد ؛ فيقول العبد الراجي رحمة ربّه في الحاضر والآتي ، ذبيح الله بن محمّد علي المحلّاتي ، نزيل بلدة سامراء بالأمس وفي طهران اليوم : إنّي لمّا رأيت المؤرّخين قد ألّفوا في تواريخ البلدان ، نحو تاريخ مكّة المعظّمة ، والمدينة الطيّبة ، والنجف الأشرف ، والكوفة ، وبغداد ، والبصرة ، والشام ، وحلب ، وبيروت ، ومصر ، وخراسان ، ونيسابور ، وقم ، وأصفهان ، ويزد ، واليمن وغيرها ، ولم أظفر بمن دوّن تاريخ سامرّاء بصورة تفصيليّة مع أنّها كانت عاصمة ملك العبّاسيّين بالأمس ، ومحطّ رحال المسلمين اليوم ، لما فيها من مشهد الإمامين من أئمّة المسلمين ؛ الهادي والعسكري عليهماالسلام ، وبذلك تهوي إليها أفئدة المؤمنين ، ويأمونها من كلّ فجّ عميق ، أحببت أن أدوّن نزرا من تاريخ سامرّاء خدمة للعلم وأهله لأهميّة هذا الموضوع. فشرعت فيه بعون الله تعالى مع قصر الباع ، وقلّة الاطّلاع ، بعد أن كنت أقدّم رجلا وأؤخّر أخرى خشية أن لا أو في الموضوع حقّه فأكون عرضة للانتقاد وهدفا للوم الأدباء في عصرنا فأكون قد سعيت بظلفي لحتفي ، غير أنّي استخرت الله سبحانه بكتابه العزيز فخار لي بقوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ* وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ)(1). فتأكّدت أنّه سبحانه وتعالى يسهّل لي هذا السبيل الذي كنت أحسبه أنّه صعب السلوك وحرج المأزق ؛ فشمّرت ساعد الجدّ وتوكّلت على ربّي مستعينا به فهو حسبي ونعم الوكيل ، فبادرت إلى تأليفه وسمّيته : «مآثر الكبراء في تاريخ سامرّاء» أذكر فيه مآثر من حلّ في سامرّاء أو دخل فيها من مشاهير العلماء والقضاة والخلفاء والأمراء والوزراء والكتّاب والشعراء والحكماء وما جرى بينهم وبين الأئمّة المعصومين عليهمالسلام والشرفاء والعلويّين والوافدين ، والله الموفّق والمعين والعاصم عن الزال والخطأ. __________________ (1) الشعراء : 192 ـ 196. أسماء سامرّاء لسامرّاء أسماء عديدة أوردها الحموي في معجم البلدان : الأوّل : سامرّاء ـ ممدودا ـ وشاهده قول البحتري (1) : وأرى المطايا لا قصور بها عن ليل سامرّاء تذرعه أقول ومنه قول ابن حماد أبي الحسن علي بن عبيد الله البصري في قصيدته النونيّة : وأرض طوس وسامرّاء قد ضمنت بغداد بدرين حلّا وسط قبرين ومنه ما ذكره الشاعر الكبير السيّد صالح البغدادي رحمهالله في قصيدته الميميّة في مدح علي الهادي عليهالسلام بقوله : وعاش بسامرّاء عشرين حجّة يجرع من أعداه سمّ الأراقم سقى أرض سامرّاء منهمر الحيا وحيّا مغانيها هبوب النسائم ومنه ما ذكره العلّامة الكبير السيّد محسن الأمين العاملي مدّ ظلّه في المجالس السنيّة بقوله : يا راكب الشدّ نيّة الوجناء عرج على قبر بسامرّاء أبكي وهل يشفي الغليل بكائي بدرين قد غربا بسامرّاء __________________ (1) بفتح الباء وسكون الحاء المهملة وفتح التاء ، أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي المتوفّى 283 أو 285 ، وكانت مدّة حياته ثمانية أو تسعة وسبعون ، وكان من أكابر الشعراء الفصحاء البلغاء. ومنه ما ذكره السيّد محمّد القطيفي الشاعر الكبير في قصيدته الهائيّة يمدح بها العسكريّين عليهماالسلام بقوله : ثمّ عج يا مرشد النفس إلى أرض سامرّاء تنشق من ثراها الثاني : سامرّا ـ مقصورا ـ ومنه ما ذكره ابن حمّاد المذكور في قصيدته التائيّة : وفي غربيّ بغداد وطوس وسامرّا نجوم ظاهرات ومنه ما ذكره الشيخ مفلح في قصيدته اللاميّة في مصائب أهل البيت عليهمالسلام : بطوس وسامرّا لهم وبطيبة وبغداد أيضا والغريّ منازل الثالث : سرّ من رأى ـ مهموز الآخر ـ ذكره الحموي في المعجم قال : ومنه قول المنتصر : إلى الله أشكو عبرة تتحيّر ولو قد حدا الحادي لظلّت تحدّر فيا حسرتا إن كنت في سرّ من رأى مقيما وبالشام الخليفة جعفر ومنه قول الشاعر : بنفسي من نالت به سرّ من رأى فخارا له تعتو النجوم الكوانس ومنه شعر عضد الدولة الديلمي كما في مناقب لابن شهر آشوب : وفي أرض بغداد قبور زكيّة وفي سرّ من رأى معدن البركات الرابع : سرّ من را ـ مقصورا غير مهموز ـ كما في قول الحسين بن الضحاك : سرّ من را أسر من بغداد فاله عن بعض ذكرها المعتاد الخامس : سرّ من را ممدودا كما في قول البحتري أبي عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي : لأرحلنّ وآمالي مطرّحة بسرّ من راء مستبطي لها القدر السادس : سرّاء ـ بضمّ السين ممدودا ـ كما عن الجوهري قال في القاموس : سراء ـ ممدودة مشدّدة مضمومة وتارة تفتح ـ اسم لسرّ من رأى. وسرّ من را ـ بضمّ السين والراء ـ أي سرور وبفتحهما كذلك ، وسامرّاء وساء من رأى والنسبة سرّ من ري وسامريّي وسرّي. ومنه الحسن ابن علي بن زياد. السابع : سرور من رأى. قال الحموي في المعجم : ذكر محمّد بن أحمد البشاري نكتة حسنة فيها قال : لمّا عمرت سامرّاء وكملت واتسعت بركتها وخيرها واتسق نظامها سمّيت سرور من رأى ثمّ اختصرت فقيل : سرّ من رأى ، فلمّا خربت وتشوّهت خلقتها سمّيت ساء من رأى ثمّ اختصرت فقيل سامرّاء. الثامن : ساء من رأى وقد ينسبون إليها بالسرّ من رأى بالسين المضمومة المشدّدة بعدها راء مشدّدة وفتح الميم بعدها راء مشدّدة مفتوحة أيضا بإدغام النون. التاسع : سام راه. قال في المعجم : وقيل إنّها مدينة بنيت لسام بن نوح عليهالسلام فنسبت إليه بالفارسيّة سام راه ، وإليه أشار العلّامة الخبير الشيخ محمّد السماوي النجفي في أرجوزته في تاريخ سامرّا التي سماّها «وشايح السرّاء» في شأن سامرّاء وهي في سبعمائة بيت طبعت في النجف الأشرف سنة 1360 يقول في أوّلها : أحمد من عمّ البلا أمرا وخصّ في ألطافه سامرا فقدّست بما بها من مرقد يضمّ أفلاذ فؤاد أحمد وبوركت فأصبحت كالطور أو مكّة في فضلها المسطور فهاكها (وشايح السرّاء) مؤرّخا في شأن سامرّاء لفظة سامرّاء للإعجام فإنّ معناها طريق سام فسام الاسم وراه النهج والعجم في عكس المضاف تلهج وكان سام بن نوح إن أتى جوخى عليها مرّ في فصل الشتا العاشر : عسكر. قال اليافعي في مرآة الجنان في حوادث سنة 254 : إنّه لمّا كثرت السعاية في حقّ عليّ بن محمّد الهادي عند المتوكّل أحضره من المدينة وكان مولده بها وأقرّه بسرّ من رأى وهي تدعى ب «العسكر». أقول : والصحيح أنّ العسكر اسم لمحلّة من محلّات سامرّاء وهي التي كان فيها دار مولانا عليّ الهادي عليهالسلام وفيها قبره الآن. وقيل : لأجل ذلك سمّي الإمامان عليهماالسلام بالعسكريّين ولتسميتهما بالعسكريّين وجه آخر يأتي في محلّه. الحادي عشر : الناحية. قال الطريحي في المجمع : وقد تكرّر في الحديث ذكر الناحية وقد يعبّر به عن القائم عجّل الله فرجه ، وفي بعض الأحاديث : دخلت الناحية أي سرّ من رأى. وذهبت إلى الناحية أي إلى سرّ من رأى. الثاني عشر : زوراء. قال اليعقوبي في كتاب البلدان (1) : واسمها في الكتب المتقدّمة زوراء بني العبّاس ، ويصدق ذلك لأنّ قبلة مساجدها كلّها مزوّرة ـ أي مايلة ـ فيها ازورار ليس فيها قبلة مستوية إلّا أنّها لم تخرب ولم يذهب اسمها. الثالث عشر : طيرهان ، وفي بعض النسخ بالباء المنقطة بعد الهاء وزان زبرقان ، وفي بعض النسخ بالتاء المثنّاة بعد الهاء المفتوحة على وزان خبرفات ، وفي بعضها بعد الطاء ياء مثنّاة ، وكيف كان لم أظفر على معنى طيرهات. ثمّ في المعجم في ترجمة الموصل وجدت أنّه جعل طيرهان والسن والحديثة من أعمال الموصل. الرابع عشر : من أسماء سامرّاء «المؤتكفة» وسيأتي بعد هذا في تاريخ المعتصم. قال اليعقوبي في تاريخ البلدان (2) : كانت سرّ من رأى في متقدّم الأيّام صحراء من أرض الطيرهان لا عمارة بها ، وكان بها دير النصارى بالموضع الذي صارت فيه دار السلطان المعروفة بدار العامّة وصار الدير بيت المال. وفي مروج الذهب : سأل المعتصم عن سامرة وقال : من أيّ البلاد هي وإلى __________________ (1) البلدان : 35. (2) تاريخ البلدان : 24 ، طبع النجف الأشرف ، المطبعة الحيدريّة. م تضاف؟ قيل له : من بلاد طبرهات ـ بالباء الموحّدة وفي آخرها تاء مثنّاة ـ. وفي التنبيه والأشراف للمسعودي (1) : فخرج المعتصم إلى آخر سنة مأتين وعشرين إلى ناحية القاطول فنزل قصرا كان للرشيد هنالك وهمّ أن يبني في ذلك الموضع مدينة ثمّ بدا له ولم يزل ينتقل في تلك النواحي حتّى وقع اختياره على موضع سامرّاء وهو في بلاد كورة الطيرهان فابتدأ ببنائها في سنة إحدى وعشرين ومأتين وسمّاها سرّ من رأى وكملت في أسرع مدّة وعظمت عماراتها واتصلت أسواقها وقصورها ونقلت إليها الدواوين والعمّال وبيوت الأموال وقصدها الناس لنزول الخليفة بها وطيبها وحسن موقعها وعمارتها وصنوف مكاسبهم وقد ذكر أنّها كانت قديمة مسمّاة بهذا الاسم سمّيت بسام بن نوح وإنّها كانت آهلة عظيمة عامرة فلم تزل تتناقص على مرّ الزمان وكان آخر خرابها في أيّام فتنة الأمين والمأمون ، وإنّ موضع قصر المعتصم كان ديرا للنصارى وأراضي فابتاعها منهم ، وسرّ من رأى آخر المدن العظيمة التي أحدثت في الإسلام وهي سبع. ثمّ شرع في شرح تمصير هذه السبعة وهي البصرة ثمّ الكوفة ثمّ فسطاط مصر ثمّ الرملة ثمّ واسط العراق ثمّ بغداد ثمّ سرّ من رأى. أقول : لم نعرف وجها لتركه ذكر مدينة الهاشميّة التي بناها أبو العبّاس عبد الله السفّاح أوّل خلفاء العبّاسيّين بحذاء الكوفة ومدينة الموفقية التي بناها الموفق طلحة بن المتوكّل أخو المعتمد ، وكانت الموفقيّة قرب واسط ، والمدينة المختارة التي بناها صاحب الزنج في نواحي البصرة ، وسيأتي ذكرها في ترجمة المعتمد. __________________ (1) التنبيه والأشراف : 309. وجه تسمية سامرّاء ذكر الدكتور أحمد سوسه في المجلّد الأوّل من كتابه «ريّ سامرّاء» (1) : تقع مدينة سامرّاء الحالية على ضفته اليسرى من نهر دجلة على مسافة 130 كيلومتر شمالي بغداد وهي تبعد زهاء 175 كيلومترا عن بغداد بطريق النهر ، وقد بنيت على أطلال مدينة سرّ من رأى العبّاسيّه ، والأخيرة تمتدّ على طول نهر دجلة إلى أبعاد شاسعة فتمتدّ مسافة تسعة كيلومترات تقريبا جنوبي المدينة الحالية وحوالي الخمسة والعشرين كيلومترا شماليها أي مجموع طولها يبلغ زهاء 34 كيلومترا. أمّا عرضها فيتراوح بين الكيلومترين والأربعة كيلومترات أي بمعدّل ثلاثة كيلومترات وعلى هذا الأساس يمكن تقدير مساحة مدينة سامرّاء العبّاسيّة مأة وعشرة كيلومترات مربّعة ، وإذا ما أضفنا إلى هذه المساحة حديقة حيوانات المتوكّل (حير المتوكّل) التي تقع في أقصى الحدود الجنوبيّة وهي نحو خمسين كيلومترا مربّعا وكذلك مساحة منطقة القادسيّة الواقعة بجوار الحديقة المذكورة وهي حوالي سبعة كيلومترات مربّعة جاز لنا أن نقدّر مساحة سامرّاء العبّاسيّة بحوالي 167 كيلومترا مربّعا. ولو أضفنا إلى ذلك مساحة معسكر اصطبلات والقائم على ضفة نهر دجلة اليمنى وهي حوالي 58 كيلومترا مربّعا أمكننا اعتبار مجموع مساحة سامرّاء العبّاسيّة 225 كيلومترا مربّعا ، هذا عدا مشتملات المدينة __________________ (1) ريّ سامرّاء 1 : 46. من بساتين وحدائق وقصور على الجانب الأيمن من نهر دجلة وهي المشتملات التي تقع بين نهر دجلة ونهر الإسحاقي والتي تمتدّ على طول ضفة دجلة الغربيّه مقابل سرّ من رأى ، ولا شكّ أنّ هذه المساحة الهائلة تجعل مدينة سرّ من رأى في عداد أكبر مدن العالمين القديم والحديث. إلى أن قال : غير أنّ هذا الازدهار العجيب لم يستمرّ مدّة طويلة لأنّ المدينة تفقد صفة العاصمة التي كانت علّة وجودها وعامل كيانها قبل أن يمضي نصف قرن على نشأتها فأخذ في الاقفرار والاندراس بسرعة هائلة لا تضاهيها سرعة ، وبعد أن كان الناس يسمّونها باسم سرّ من رأى أضحوا يسمّونها ساء من رأى ، وبعد أن كان الشعراء يتسابقون في مدح قصورها أخذوا يسترسلون في رثاء أطلالها. وفي الواقع ماتت سامرّاء ميتة فجائيّة بعد عمر قصير لم يبلغ نصف القرن ، وأمست رموسا وأطلالا. واعلم أنّ الموصل استوت عليه سفينة نوح عليهالسلام ، ولمّا نضب الماء وكان طريق سام من بازبدى إلى جوخى أرض سامرّاء فحيث رأى طيب هوائها وسعة فضائها وعذوبة مائها ابتنى بها مدينة سامرّاء فصارت آهلة عظيمة عامرة ثمّ كثر فيها عبدة الأوثان. ويقول حمد الله المستوفي المتوفّى 1740 أو خمسين : إنّ مدينة سامرّاء أنشأها في الأصل سابور الثاني ذو الأكتاف ولمّا كان إقليمها طيّبا عرفت بسرّ من رأى. ويقال : إنّ الناس خفّفوا هذه النسبة فقالوا سامراء. وقد ذكرها البحتري شاعر المتوكّل بهذه الصفة في قصيدته المتعلّقة بإعدام بابك الحزمي : أخليت منه البذّ وهي قراره ونصبته علما بسامراء ويؤيّد ذلك الحفريّات التي شاهدناها في زماننا هذا من صنوف الأصنام. وكان الأمر كذلك إلى أن استولى عليها الإكاسرة فمدّنوا فيها المدائن والقصور الشاهقة وكرّوا فيها الأنهار وغرسوا الأشجار حتّى كان يقال لها من كثرة الأشجار والأنهار أرض السواد ، فأصبحت سامرّاء من أحسن مدن العراق لطيب هوائها وعذوبة مائها وقلّة دائها واعتدال فصولها وكثرة أورادها ورياحينها ، ثمّ استولى عليها القياصرة في أيّام خسرو پرويز وغلبت الروم على الفرس فطردوا المجوس والوثنيّين من سامرّاء وزادوا فى قصورها وعماراتها كما ستعرف عند ذكر ديارات سامرّاء ، واكثروا فيها الصوامع والكنايس إلى أن ظهر الإسلام. فلمّا أرسل سعد بن أبي وقّاص جيشا عليه عبد الله بن المعتم لفتح تكريت في سنة ست عشرة من الهجرة وافتتحها المسلمون ، افتتحوا سامرّاء أيضا لأنّ بينهما تسعة فراسخ فخاف النصارى على أنفسهم من المسلمين فجعلوا يتفرّقون فبقيت سامرّاء تتناقص على مرّ الزمان وكان آخر خرابها في أيّام فتنة الأمين والمأمون كما عرفت آنفا من كتاب التنبيه والأشراف للمسعودي ، فبقيت صحراء لا عمارة فيها سوى عدّة ديارات للنصارى. قال الحموي في المعجم : فأراد السفّاح تمصير سامرّاء فبنى مدينة الأنبار بحذائها وأراد المنصور بعد ما أسّس بغداد بناءها وسمع في الرواية ببركة هذه المدينة فابتدأ بالبناء في البردان ثمّ بدا له وبنى بغداد. وأراد الرشيد أيضا بناءها فبنى بحذائها قصرا وهو بحذاء أثر عظيم للأكاسرة كان قديما ثمّ بناها المعتصم ونزلها في سنة إحدى وعشرين. تعيين درجة سامرّاء قال الحموي في المعجم : سرّ من رأى مدينة كانت بين بغداد وتكريت على شرقي دجلة وقد خربت. وقال أبو سعيد : سامراء بلد على دجلة فوق بغداد بثلاثين فرسخا يقال لها سرّ من رأى فخفّفها الناس وقالوا سامرّاء ؛ وهي في الإقليم الرابع طولها تسع وستّون درجة وثلثا درجة ، وعرضها سبع وثلاثون درجة وسدس تعديل نهارها أربع عشرة ساعة ، غاية ارتفاع الشمس بها تسع وسبعون درجة وثلث ، ظلّ الظهر درجتان وربع ، ظلّ العصر أربع وعشرة درجة ، بين الطولين ثلاثون درجة ، سمت القبلة إحدى عشرة درجة وثلاث عشرة ، وبها السرداب المعروف في جامعها الذي تزعم الشيعة أنّ مهديّهم يخرج منه. أقول : الشيعة لا يزعمون أنّ مهديّهم يخرج من السرداب وإنّما نسب إليهم ذلك من أراد نبزهم بهذه الخرافات التي هم بريئون منها براءة الذئب من دم يوسف ، وحاشاهم عن مثل هذه التلفيقات التي لفّقها من أراد الحطّ من كرامتهم ، بل اتفقت أحاديثهم على أنّ المهدي عجّل الله تعالى فرجه يكون بدء ظهوره في مكة المعظّمة في دار هجرته الكوفة ولا ينكر الشيعة أنّ بعض الأولياء تشرّفوا بخدمته عجّل الله تعالى فرجه في السرداب كما سنتلو عليك فيما بعد. وقد تبع صاحب المعجم في هذه النسبة الكاذبة صاحب كتاب مراصد الاطلاع في معرفة الأمكنة والبقاع حيث قال : سامرّاء على دجلة من شرقيّها تحت تكريت وحين انتقل المعتضد عنها وسكن بغداد خربت ولم يبق منها الآن إلّا يسير ، ولها أخبار طويلة والباقي منها الآن موضع كان يسمّى بالعكسر كان عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر وابنه الحسن بن عليّ يسكنان بها وهما العسكريّان فنسبا إليه وبها دفنا وعليهما مشهد يزار فيه ، وفي هذا المشهد سرداب فيه سرب (1) تزعم الرافضة أنّه كان للحسن بن عليّ الذي ذكرناه ابن اسمه محمّد صغير غاب في ذلك السرداب وهم إلى الآن ينتظرونه. أقول : الشيعة متفقون على أنّ إمامهم الثاني عشر اسمه محمّد وهو ابن الحسن العسكري عليهالسلام وهو غائب غيبة كبرى عن الأنظار بشخصه خوفا من كيد الأعداء وهم ينتظرون خروجه فيملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا وهم يروون روايات متواترة في ذلك عن النبيّ صلىاللهعليهوآله وآله الأطهار عليهمالسلام ولا يحفلون بتنبّز نابز أو بقدح قادح. وأمّا ما رماهم به المخالفون من أنّهم ينتظرون خروجه من السرداب المذكور فلا ظلّ له من الحقيقة ، والحقايق لا تثبت بالأكاذيب. ومن الغريب أنّ صاحب المراصد استنكف من الاعتراف بوجود ولد للعسكري عليهالسلام حيث عبّر بقوله «تزعم الرافضة» وذهب مذهب من قال في شعره اللاذع : ما آن للسرداب أن يلد الذي سمّيتموه بزعمكم إنسانا فعلى عقولكم العفاء فإنّكم ثلثتم العنقاء والغيلانا مع أنّ أكابر علماء السنّة قد شحنوا كتبهم بذلك وإليك أنموذجا من أسمائها : كتاب مناقب المهدي للحافظ أبي نعيم الأصبهاني ذكر فيه صفة المهدي باسمه وكنيته. __________________ (1) السرب ـ بفتحتين ـ الحفير تحت الأرض.
| |
|
| |
الشيخ شوقي البديري الشيخ شوقي البديري
عدد المساهمات : 2973 نقاط : 4624 تاريخ التسجيل : 17/06/2012 العمر : 59 الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق
| موضوع: رد: ماثر الكبرى في تاريخ سامراء ج1 الجمعة أكتوبر 25, 2024 5:40 am | |
| كتاب صفة المهدي أيضا له ذكر فيه شمائله عجّل الله تعالى فرجه. كتاب البيان في أخبار صاحب الزمان لأبي عبد الله محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي ـ مطبوع ـ. كتاب عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر لأبي بدر يوسف بن يحيى السلمي. كتاب أخبار المهدي للسيّد علي الهمداني الشافعي صاحب مودّة القربى. كتاب كشف المخفي في أخبار المهدي جمع فيه مائة وعشرة أحاديث من أخبار إخواننا من أبناء السنّة في وجود المهدي ومناقبه وشأنه عجّل الله فرجه. كتاب الملاحم لأبي الحسن أحمد بن جعفر بن محمّد بن عبد الله المناوي. كتاب سعد الدين الحمويني ذكر فيه مناقب المهدي عجّل الله تعالى فرجه. كتاب البرهان في أخبار صاحب الزمان لعلي المتقي صاحب كنز العمّال وقد أكثر في كنز العمّال في الجزء السادس أيضا الروايات في شأن المهدي عجّل الله تعالى فرجه. كتاب أخبار المهدي لعباد بن يعقوب الرواجني. كتاب العرف الوردي في أخبار المهدي لعبد الرحمان السيوطي. كتاب مطالب السئول لمحمّد بن طلحة الشافعي. كتاب الفصول المهمّة لابن صبّاغ المالكي. كتاب تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي. كتاب الفتوحات لمحي الدين العربي. كتاب اليواقيت للشعراني. كتاب شواهد النبوّة لعبد الرحمان الجامي الحنفي. كتاب روضة الأحباب للسيّد عطاء الله الشافعي. كتاب فصل الخطاب لخواجه پارسا. كتاب مرآة الأسرار للعارف عبد الرحمان من مشايخ الطريقة. كتاب لواقح الأنوار للشعراني ينقل فيه عن الشيخ حسن العراقي. كتاب الحديث المسلسل لإبراهيم البلاذري. كتاب مواليد الأئمّة ووفياتهم لابن الخشّاب. كتاب الخصائص لأحمد بن شعيب النسائي. كتاب مودّة القربى للسيّد علي الهمداني الشافعي. كتاب مناقب السادات لشهاب الدين الدولت آبادي. كتاب فرائد السمطين للعلّامة محمّد بن إبراهيم الحموي الخراساني. كتاب الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي المكّي. كتاب نور الأبصار للشيخ الشبلنجي. كتاب ينابيع المودّة للشيخ سليمان القندوزي البلخي ؛ كلّها مطبوع منتشر ، وغير ذلك ممّا لا يحصى كثرة. فإذا اعترف أكثر من مأتين من الأساتذة الأعلام من إخواننا السنّة بصفة المهدي وحياته وظهوره في آخر الزمان فلا يضرّنا خلاف من خالفنا بتأنيفاته ، ويأتي تفصيل المقام في الجزء الآخر. وهذه الكتب إمّا مختصّة بذكر صاحب الزمان أو مشتمل بذكر حياته الطيّبة. ثمّ تقدّم أنّ هذه المساحة الهائلة تمتدّ اليوم أمام أنظار الزائر وتتوالى تحت أقدام المسافر إلى أبعاد شاسعة لا يقلّ امتدادها عن الخمسة وثلاثين من الكيلومترات وعند ما يتجوّل المرأ بين هذه الأطلال المترامية الأطراف ويتأمّل في السرعة العظيمة التي امتاز بها تأسيس مدينة سامرّاء وتوسّعها من جهة وإقفرارها من جهة أخرى لا يتمالك نفسه من السائل عن العوامل التي سيطرت على مقدّرات هذه المدينة العظيمة وصيّرت قصّة حياتها بهذا الشكل الغريب. أقول : سيمرّ عليك أسباب إقفرارها واندراسها بصورة تفصيليّة بعونه تعالى. قال الحموي في المعجم : كان سام بن نوح له جمال ورواء ومنظر ، وكان يصيف بالقرية التي ابتناها نوح عليهالسلام عند خروجه من السفينة ببازبدى وسمّاها ثمانين ، ويشتو بأرض جوخى وكان ممرّه من أرض جوخى إلى بازبدى على شاطي دجلة من الجانب الشرقي ، ويسمّى ذلك المكان الآن سام راه يعني طريق سام. وقيل : نزل فيها قوم من اليهود يقال لهم السامري فسمّيت سامرا باسمهم ، ولا منافاة بينهما. وقيل في وجه التسمية أنّها كانت موضع أخذ الخراج قالوا بالفارسية ساء مرّه أي هو موضع أخذ الخراج. وقال حمزة (1) : ساء اسم الأتاوة (ككتابة الخراج والرشوة). ومرّة اسم العدد والمعنى أنّه مكان قبض العدد أي عدد جزية الرؤوس. وإليه أشار العلّامة الخبير السماوي عليه الرحمة في وشايح السرّاء في شأن سامرّاء : أو إنّ ذاك مقبض الأتاوة من الرعايا لذوي العلاوة فلفظ سا أتاوة إلى الملك ولفظ مرّا عدد لم يرتبك وكان كسرى يأخذ الخراجا في ذلك الموضع حيث راجا
وصحّفت على كلا القولين بالهمز والتشديد في حرفين ثمّ أتى لنحوها المعتصم إذا اشتكت بغداد ممّا يصم لأنّ جنده إذا ما بانا حطّم من على الطريق كانا حتّى اشتكوا إليه أهل الخيل وحذّروه من سهام الليل __________________ (1) كانت سامراء مدينة عتيقة من مدن الفرس تحمل إليها الإتاوة التي كانت موظفة لملك الفرس على ملك الروم ، ودليل ذلك قائم في اسم المدينة لأنّ سا اسم الإتاوة ، ومرّة اسم العدد والمعنى أنّه مكان قبض عدد جزية الروم. (معجم البلدان)
فارتاد سامرّاء للأجناد واختارها من سائر البلاد فسمّيت سرّ وسرّ من رأى وسامرا كأصلها الذي نأى ثمّ بنى ما شاء من دساكر فسرّ من رأى من العساكر وسرّ من رآه وسرى فإذن لغاتها سبع لمن بها سكن وسمّيت عسكر إذ معناها مجتمع الجنود في مغناها فهي محلّ الجمع المنصوص أو العموم تابع الخصوص وسمّيت سا من رأى من بعد ما أمسى البنا بعقرها منهدما
بدء بناء سامرّاء قال الحموي في المعجم أنّ إبراهيم الجنيدي قال : سمعتهم يقولون : إنّ سامرّاء بناها سام بن نوح عليهالسلام ودعا أن لا يصيب أهلها سوء. قال في المجمع : سام أحد بني نوح عليهالسلام وهو أبو العرب. وفي السير : سام وحام ويافث أولاد نوح عليهالسلام والذي خصّ به نوح بالاسم الأكبر وميراث العلم وآثار النبوّة سام دون أخويه. وفي البحار : كانت أمّ سام عمورة بنت ضمران بن أخنوخ وهو إدريس عليهالسلام وهي أوّل من آمنت بنوح عليهالسلام فلمّا استقرّت السفينة على جبل الجودي وهو بقرب الموصل نزل نوح عليهالسلام وأصحابه وأولاده وهم ثمانون فبنى بلدة سمّاها أبو الثمانين. وفي قصص الأنبياء : فذهب حام بن نوح إلى الهند وذهب يافث إلى بلاد الترك ، وذهب سام إلى الكوفة موضع السفينة ، وكان في أيّام الشتاء بأرض جوخى ، وفي أيّام الصيف بأرض بازبدى. وفي مراصد الاطلاع : جوخاء ـ بالخاء المعجمة والمدّ ـ موضع بالبادية ، وجوخى ـ بالقصر ـ نهر عليه كورة واسعة في سواد بغداد بالجانب الشرقي منه. قالوا : ولم يكن ببغداد مثل كورة جوخى ، كان خراجها ثمانين ألف ألف درهم ، فلمّا صرفت دجلة عنها خربت وأصابهم بعد ذلك طاعون ، ولم يزل السواد في إدبار من ذلك الطاعون. قال في المراصد : بازبدى ـ بفتح الزاء المعجمة وسكون الباء الموحدّة مقصورة ـ كورة من ناحية جزيرة ابن عمر في غربي دجلة تقابل بافردى وهي كورة في شرقيّها ، وبازبدى قرية منها تقابل جزيرة ابن عمر ، وبالقرب منها جبل الجودي وقرية أبي الثمانين التي ابتناها نوح عليهالسلام حين خرج من السفينة. والجودي ـ بالياء المشدّدة ـ : جبل مطل على جزيرة ابن عمر في شرقيّ دجلة. عمارة سامرّا ، في عصر هارون الرشيد قال الحموي في المعجم : كان هارون الرشيد حفر نهرا عند سامرّاء سمّاه القاطول وأتى الجند ، وبنى عنده قصرا ، ثمّ بنى المعتصم أيضا هناك قصرا ووهبه لمولاه أشناس (1) فلمّا ضاقت بغداد من عساكره وأراد استحداث مدينة كان هذا الموضع على خاطره فجاءه وبنى عنده سرّ من رأى. ذكر الدكتور أحمد سوسه في كتابه «ري سامرّاء» (2) وقال : وكانت منطقة القاطول والقادسية من أحبّ المتنزّهات وساحات الصيد لدى خلفاء بني العبّاس فكانوا يقصدونها لقضاء أوقات طربهم وأمنهم فيها كما كانوا يقصدونها للقنص والصيد حيث كانت أطيار البرّ والماء موفورة في المنطقة نفسها. وقد جاء في الأغاني ما يشير إلى أنّ المعتصم كان يقضي بعض أوقاته في منطقة القاطول وهذا بعض ما ذكره صاحب الكتاب في هذا الصدد قال : أخبرني عمّي قال : حدّثنا أبو عبد الله المرزباني قال : حدّثني إبراهيم بن دلف العجلي قال : كنّا مع المعتصم بالقاطول وكان إبراهيم بن المهدي في حراقة ـ أي سفينة ـ بالجانب الغربي __________________ (1) أشناس من فراعنة الأتراك وكان مملوكا لنعيم بن حازم اشتراه المعتصم. (2) ري سامرّاء 1 : 243. وأبي وإسحاق الموصلي في حراقتيهما في الجانب الشرقي ، فدعاهما يوم الجمعة فصرنا إليه وأنا معهما وأنا صغير وعلى أقبية ومنطقة ، فلمّا دنونا من حراقة إبراهيم نهض ونهضنا ونهضت بنهوضه صبية يقال لها غضة ، وإذا في يديه كأسان فلمّا صعدنا إليه اندفع فغنّى : حيّا كما الله خليليّا إن ميتا كنت وإن حيّا إن قلتما خيرا فأهل له أو قلتما غيّا فلا غيّا ثمّ ناول لكلّ واحد منهم كأسا وأخذ هو الكأس الذي كانت في يد الجارية وقال : اشربا على ريقكما ثمّ دعا بالطعام فأكلوا وشربوا ثمّ أخذوا العيدان فغنّاهما ساعة وغنّاه وضرب وضربا معه وغنّت الجارية بعدهم فقال لها أبي «أحسنت» مرارا ، فقال له : إن كانت أحسنت فخذها إليك ، فما أخرجتها إلّا إليك. وإليك ما ذكره إبراهيم بن الحسن بن سهل عن الواثق وهو يتصيّد على القاطول ، قال : كنّا مع الواثق بالقاطول وهو يتصيّد فصاد صيدا حسنا وهو في الزو (1) من الإوز والدراج وطير الماء وغير ذلك ، ثمّ رجع نتغدى ودعا بالجلساء والمغنّين وطرب وقال : من ينشدنا؟ فقام الحسين بن الضحّاك فأنشده : سقى الله بالقاطول مسرح طرفكا وخصّ بسقياه مناكب قصركا الخ. بالجملة وقد بلغت منطقة القاطول والقادسيّة ذروتها في الجمال والتنسيق على عهد المتوكل فقد أنشأ المتوكّل الساحة الواسعة الواقعة بين القاطول الأعلى الكسروي وقاطول الرشيد الأسفل (نهر القائم) وأنشأ فيها حديقة فسيحة للحيوانات ، ثمّ أقام على الطرف الجنوبي من هذه الحديقة قصرا واسعا في مكان قصر الرشيد القديم وساحته كبيرة خلف القصر تتصل بضفة القاطول الأسفل اليسرى. __________________ (1) الزو : نوع من السفاين. إلى أن قال : وممّا لا شكّ فيه أنّ هذه البساتين كانت تروى من القاطول الأعلى الكسروي بالطريقة السيحيّة. وتدلّ الروايات المحليّة المتواترة على أنّه عثر على بعض جذور نخيل قديمة في جوف الأراضي المذكورة أثناء حرثها أو حفر الآبار فيها ممّا يؤيّد أنّها كانت بساتين نخيل. وقال في حرف القاف : القاطول ، فاعول من القطل وهو القطع وقد قطلته أي قطعته. والقطل والمقطول أي المقطوع اسم نهر كأنّه مقطول من دجلة وهو نهر كان في موضع سامرّاء قبل أن تعمر ، وكان الرشيد أوّل من حفر هذا النهر وبنى على فوهته (1) قصرا وسمّى ذلك النهر أتى الجند لكثرة ما كان يسقى من الأرضين وجعله لأرزاق جنده. وفوق هذا القاطول الكسروي حفرة كسرى أنوشيروان العادل يأخذ من جانب دجلة في الجانب الشرقي أيضا وعليه شاذروان فوقه يسقى رستاقا بين النهرين من طسوج بزرجسابور (2) وحفر بعده الرشيد هذا القاطول الذي قدمنا ذكره تحته وهو أيضا يصبّ في نهروان تحت الشاذروان. وقال جحظة البرمكي يذكر القاطول والقادسيّة المجاورة لها : ألا هل إلى الغدران والشمس طالعة سبيل ونور الخير مجتمع الشمل ومسترشف للعين تغدو ظباؤه صوائد ألباب الرجال بلا نبل إلى شاطئ القاطول بالجانب الذي به القصر بين القادسيّة والنخل إلى مجمع للطير فيه رطانة يطيف به القنّاص بالخيل والرجل فحانة من عيد اليهوديّ إنّها مشهّرة بالراح معشوقة الأهل __________________ (1) فوهه جمعه أفواه المراد هنا فم النهر. (2) الطسوج كسفود الناحية معرب ، وبزرجسابور يأتي في محلّه.
وكم راكب ظهر الظلام مفلّس إلى قهوة صفراء معدومة المثل إذا نفذ الخمّار دنّا بمنزل تبيّنت وجه السكر في ذلك النزل وكم من صريع لا يدير لسانه ومن ناطق بالجهل ليس بذي جهل ترى شرس الأخلاق من بعد شربها جديرا ببذل المال والخلق السهل جمعت بها شمل الخلاعة برهة وفرّقت ما لا غير مصغ إلى العذل لقد غنيت دهرا بقربى نفيسة فكيف تراها حين فارقها مثلي جحظة البرمكي النديم أبو الحسن أحمد بن جعفر بن موسى بن يحيى بن خالد البرمكي دخل سامرّاء وأقام بها مدّة ثمّ رحل إلى واسط وتوفي فيها سنة 324 وحمل إلى بغداد وكان فاضلا صاحب فنون ونجوم ونوادر ومنادمة ، حسن الأدب ، كثير الرواية والأخبار ، مقبول الألفاظ ، حاضر النادرة ، وأمّا صنعته في الغناء فلم يلحقه فيها أحد وله الأشعار الرائقة. ومن شعره قوله : أنا ابن أناس موئل الناس جودهم فأضحوا حديثا للنوال المشهّر فلم يخل من أحسابهم لفظ مخبر ولم يخل من تقريظهم بطن دفتر وله أيضا : قد نادت الدنيا على نفسها لو كان في العالم من يسمع كم واثق بالعمر وارينه وجامع بدّدت ما يجمع ومن شعره في رثاء ابن دريد : فقدت يابن دريد كلّ فائدة لمّا غدا ثالث الأحجار والترب ما كنت أبكي لفقد الجور مجتهدا فصرت أبكي لفقد الجود والأدب وله مؤلّفات منها : الترنّم ، وديوان الشعر ، وكتاب الطبخ ، وكتاب الطنبوريون ، وكتاب فضائل السكباج ، وكتاب مجرّبات المنجّمين ، وكتاب المشاهدات. وجحظة ـ بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة وفتح الظاء المعجمة ـ لقّبه بذلك عبد الله بن معتز أي الجاحظ الصغير ؛ لأنّه كان مشوّه الخلق. وله ذكر في تاريخ بغداد والأغاني ولابن الرومي فيه : نبثت جحظته يستعير جحوظته من فيل شطرنج ومن سرطان وا رحمة لمنادميه تحمّلوا ألم العيون للذّة الآذان وقال ابن بسّام : لجحظة المحسن عندي يد أشكرها منه إلى المحشر لمّا أراني وجه برزونه وصانني من وجهه المنكر وكانت وفاته سنة 324 وولادته سنة 224 فعلى هذا عاش مائة سنة. [ترجمة هارون الرشيد] أمّا هارون الرشيد ابن محمّد مهدي بن المنصور عبد الله بن محمّد بن علي بن عبد الله ابن العبّاس بن عبد المطّلب خامس خلفاء بني العبّاس وكان مولده بالري في سنة ثمان وأربعين ومائة ، وأمّه أمّ ولد تسمّى خيزران ، وكان أبيضا طويلا جميلا مليحا فصيحا ، له نظر في العلم والأدب ، ولي الخلافة وهو ابن إحدى وعشرين سنة ، ومات بطوس وهو ابن أربع وأربعين سنة وأربعة أشهر ، وكان وفاته يوم السبت لأربع ليال خلون من جمادى الآخرة سنة 193 وكانت ولايته ثلاث وعشرين سنة وستّة أشهر. وقال أمير المؤمنين عليهالسلام حين أخبر عن الخلفاء من بني العبّاس : «خامسهم كبشهم». وكان هارون من أمراء الخلفاء وأجلّ ملوك الدنيا ، وكان يحبّ المديح ويجزل عليه الأموال الجزيلة ، مولعا في اللهو واللذّات المحظورة ، والغناء ، وإهراق الدماء ، وغصب الحقوق ، وما أوقع على آل الرسول من الحبس والقتل والسمّ والإجلاء سيّما موسى بن جعفر عليهماالسلام ، وقتله ستّين علويّا في ليلة واحدة وعذره على يحيى بن عبد الله العلوي صاحب الديلم ، وقتله في الحبس ، وقتله إدريس بن عبد الله الحسن المثنّى وعبّاس بن محمّد بن عبد الله بن عليّ بن الحسين عليهمالسلام ، وايقاعه بالبرامكة. وهو أوّل خليفة لعب بالشطرنج من بني العبّاس ، وأوّل خليفة يلعب بالصولجة والكرة ، ورمى النشّاب في البرجاس ، واوّل من جعل للمغنّين مراتب وطبقات. وقال الجاحظ : اجتمع للرشيد ما لم يجتمع لغيره : وزرائه البرامكة ، وقاضيه أبو يوسف ، وشاعره مروان بن أبي حفصة ، ونديمه العبّاس بن محمّد عمّ أبيه ، وحاجبه الفضل بن الربيع ؛ أنبه الناس وأعظمهم ، ومغنّيه إبراهيم الموصلي ، وزوجته زبيدة ، وله أخبار ونوادر كثيرة سيأتي في محلّها. [ترجمة المعتصم] أمّا المعتصم هو أبو إسحاق محمّد بن الرشيد ، ثامن الخلفاء العبّاسيّين ، ولد سنة ثمانين ومائة ، وأمّه أمّ ولد واسمها مارده ، عاش ثمانيا وأربعين سنة ، ومات لثمان بقين من ربيع الأوّل بسامرّاء ودفن فيها سنة سبع وعشرين ومأتين ، وبويع له بالخلافة بعد المأمون في شهر رجب سنة ثمان عشر ومأتين ، ومدّة ملكه ثمان سنين وثمانية أشهر وثمانية أيّام. ويقال له : المثمّن ؛ لأنّه ثامن الخلفاء ، والثامن من ولد العبّاس ، وثامن أولاد الرشيد ، وخلافته ثمان سنين وثمانية أشهر وثمانية أيّام ، وعاش ثمانيا وأربعين سنة ، وطالعه العقرب وهو ثامن البروج ، وفتح ثمانية فتوحات ، وقتل ثمانية ملوك ، ووقع في خدمته ثمانية ملوك من العجم ، وخلّف ثمانية بنين وثماني بنات ، وخلّف من الذهب ثمانية آلاف دينار ، ومن الدراهم ثمانية عشر ألف ألف درهم ، ومن الخيل ثمانين ألف فرس ، ومن الجمال والبغال مثل ذلك ، ومن المماليك ثمانية آلاف مملوك ، وثمانية آلاف جارية ، وبنى ثمانية قصور ؛ هكذا في مرآة الجنان لعبد الله بن أسعد اليافعي في حوادث سنة 227 ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي. قالوا : وكانت له نفس سبعيّة ، وإذا غضب لم يبال بمن قتل ولا بما فعل ، وكان عريا من العلم ، وكان ذا شجاعة وقوّة وهمّة. قال ابن أبي دؤاد : كان المعتصم يخرج ساعده إليّ ويقول : يا أبا عبد الله ، عضّ ساعدي بأكثر قوّتك ، فأمتنع فيقول : إنّه لا يضرّني ، فأروم ذلك فإذا هو لا تعمل فيه الأسنّة فضلا عن الأسنان ، وكان من أشدّ الناس بطشا ، كان يجعل زند الرجل بين إصبعيه فيكسره. وهو أوّل خليفة أدخل الأتراك في الديوان ، وكان يتشبّه بملوك الأعاجم ويمشي مشيهم ، وبلغت غلمانه الأتراك بضعة عشر ألفا ، ولم يجتمع بباب أحد من الملوك قطّ مثل اجتماعهم بباب المعتصم ، ولا ظفر ملك قطّ كظفره ؛ أخذ ملك آذربايجان أسيرا ، وكذلك ملك طبرستان وملك سيستان وملك أشباصح وملك فرغانة وملك طخارستان وملك صفّة وملك كابل ، وظفر على بابك الخرّمي الذي ظهر في سنة 101 ، وكان مسكنه في البذّ وهي كورة بين آذربيجان وأران ، وقتلوا من أصحابه ستّين ألف وهرب باقيهم إلى بلاد الروم ، فلمّا أخذ بابك ساروا به إلى سامرّاء فأركبوه على فيل فأدخل دار العامّة إلى المعتصم ، فأحضر الجزّار ليقطع يديه ورجليه فقطعهما فشقّ بطنه فوجّه برأسه إلى خراسان وصلب بدنه بسامرّاء عند العقبة ، وكان جميع من قتل بابك في مدّة عشرين سنة مأتي ألف وخمسة وخمسين ألفا وخمسمائة إنسان ، واستنقذ ممّن كان في يد بابك من المسلمات وأولادهم سبعة آلاف وستّة مأة إنسان ، وأخربوا وأحرقوا دورهم وقصورهم حتّى لا يبقى لهم قصر ولا دار. والمعتصم هو الذي فتح العموريّة وهي عاصمة ملكهم ، وأمنع وأحصن بلادهم ، وكان أشرف عندهم من القسطنطنيّة ، لم يعرض لها أحد من المسلمين منذ كان الإسلام ، فدخل فيها عنوة فأحرقوا كنايسهم وأسروا منهم ستّة آلاف ، ثمّ قتلوهم عن آخرهم. وهو الذي أسّس بناء سامرّاء في سنة 221. وكان المعتصم يقتل كلّ من يخاف من قبله ؛ فقتل الأفشين ومازيار بن قارن ، وابن أخيه العبّاس بن المأمون ، وأخيه سندس وعجيب ، وأحمد بن خليل ، وهؤلاء من قوّاد عساكره ، وقتل محمّد بن القاسم بن عمر بن عليّ بن الحسين عليهمالسلام ، وقيل فرّ من الحبس. ومن أعظم جرائمه إنّه سمّ الإمام أبو جعفر الجواد عليهالسلام فقتله. وكان من وزرائه محمّد بن عبد الملك الزيّات والفضل بن مروان. وفي خطبة لمولانا أمير المؤمنين عليهالسلام حيث يصف الخلفاء من بني العبّاس ، قال عليهالسلام : «وثامنهم كلبهم». وفي المجلّد التاسع من البحار (1) قال أمير المؤمنين عليهالسلام في وصف المعتصم : «يدعى له على المنابر بالميم والعين والصاد فذلك رجل صاحب فتوح ونصر وظفر ، وهو الذي تخفق راياته بعرض الروم ، ويستفتح الحصينة من مدنها ، ويعلو الخشن من أعقابها هارون وجعفر ، ويتّخذ المؤتفكة بيتا ودارا ، ويبطل العرب ويتّخذ العجم الترك أولياء ووزراء». وإنّ هارون هو الواثق ، وجعفر هو المتوكّل ، والمؤتفكة سامرّاء. __________________ (1) بحار الأنوار 9 : 162 طبع كمپاني. وكان معتصم أوّل من ثرد الطعام وكثّره حتّى بلغ ألف دينار في اليوم. وكان المعتصم غلام يقال له عجيب ، لم ير الناس مثله قط ، وكان مشغوفا به ، فعمل فيه أبياتا ثمّ دعا محمّد بن عم الرومي وقال له : قد علمت أنّي دون أبي وأخي في الأدب لحبّ أمير المؤمنين بي وميلي إلى اللعب ، وأنا حدث فلم أنل ما نالوا ، وقد عملت في عجيب أبياتا فإن كانت حسنة وإلّا أكتمها ، فأنشد : لقد رأيت عجيبا يحكي الغزال الربيبا الوجه منه كبدر والقدّ يحكي القضيبا وإن تناول سيفا رأيت ليثا حريبا وإن رمى بسهام كان المجيد المصيبا طبيب ما بي من الحبّ فلا عدمت الطبيبا إنّي هويت عجيبا هوى أراه عجيبا قال : فحلفت له بأيمان البيعة أنّه شعر مليح من أشعار الخلفاء الذين ليسوا بشعراء ، فطابت نفسه فأمر لي بخمسين ألف درهم. وإنّ دعبل بن علي الخزاعي هجى المعتصم فهرب منه حتّى قدم مصر ثمّ إلى المغرب ، وهي ما يلي : ملوك بني العبّاس في الكتب سبعة ولم يأتنا في ثامن منهم الكلب كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة غداة ثووا فيها وثامنهم كلب وإنّي لازهي كلبهم عنك رغبة لأنّك ذو ذنب وليس له ذنب لقد ضاع أمر الناس حيث يسوسهم وصيف وأشناس وقد عظم الخطب وإنّي لأرجو أن ترى من مغيبها مطالع شمس قد يغصّ بها الشرب
عمارة سامرّاء في عصر المعتصم قال الحموي في المعجم : قد حكي في سبب استحداث المعتصم سرّ من رأى أنّه قال ابن عبدوس في سنة مأتين وتسع عشرة : أمر المعتصم أبا الوزير أحمد بن خالد ابن الكاتب بأن يأخذ مائة ألف دينار ويشتري بها بناحية سرّ من رأى موضعا يبني فيه مدينة ، وقال له : إنّي أتخوّف أن يصيح هؤلاء الحربيّة صيحة فيقتلون غلماني فإذا ابتعت لي ذلك الموضع كنت فوقهم فإن رابني رائب أتيتهم في البرّ والبحر حتّى آتي عليهم. فقال له أبو الوزير : آخذ خمسة آلاف دينار وإن احتجت إلى زيادة استزدت. قال : فأخذت خمسة آلاف دينار وقصدت الموضع فابتعت ديرا كان في الموضع من النصارى بخمسة آلاف درهم وابتعت بستانا كان في جانبه بخمسة آلاف درهم ثمّ أحكمت الأمر فيما احتجت إلى ابتياعه بشيء يسير فانحدرت فأتيته بالصكاك ، فخرج إلى الموضع في آخر سنة 220 ونزل القاطول في المضارب ثمّ جعل يتقدّم قليلا قليلا وينتقل من موضع إلى موضع حتّى نزل بسرّ من رأى وبدأ بالبناء في سنة إحدى وعشرين ومأتين. سبب خروج المعتصم من بغداد إلى سامرّاء قال الحموي في المعجم : لمّا ضاقت بغداد عن عسكر المعتصم ، وكان إذا ركب يموت جماعة من الصبيان والعميان والضعفاء لازدحام الخيل وضغطها ، فاجتمع أهل الخير على باب المعتصم وقالوا : إمّا أن تخرج من بغداد فإنّ الناس قد تأذّوا بعسكرك أو نحاربك. فقال : كيف تحاربوني؟ قالوا : نحاربك بسهام السحر. قال : وما سهام السحر؟ قالوا : ندعوا عليك. فقال المعتصم : لا طاقة لي بذلك ، فخرج من بغداد ونزل سامرّاء وسكنها. وقال أهل السير : إنّ جيوش المعتصم كثروا حتّى بلغ عدد مماليكه من الأتراك سبعين ألفا ، فمدّوا أيديهم إلى حرم الناس وسعوا فيها بالفساد فاجتمع العامّة ووقفوا للمعتصم وقالوا : يا أمير المؤمنين ، ما شيء أحبّ إلينا من مجاورتك لأنّك الإمام والحامي للدين وقد أفرط علينا أمر غلمانك وعمّنا أذاهم ؛ فإمّا منعتهم عنّا أو نقلتهم عنّا. فقال : أمّا نقلهم فلا يكون إلّا بنقلي ولكنّي أفتقدهم وأنهاهم وأزيل ما شكوتم منه ، فنظروا فإذا الأمر قد زاد فعظم ، فخاف منهم الفتنة ووقوع الحرب وعاودوه بالشكوى وقالوا : إن قدرت على نصفتنا وإلّا فتحوّل عنّا وإلّا حاربناك بالدعاء وندعو عليك بالأسحار. فقال : هذه جيوش لا قدرة لي بها ، نعم أتحوّل وكرامة ، وساق من فوره حتّى نزل سامرّاء وبنى بها دارا وأمر عسكره بمثل ذلك ، فعمر الناس حول قصره حتّى صارت أعظم بلاد الله. وقال الطبري وابن الأثير الجزري في تاريخيهما ـ واللفظ للثاني ـ : وفي هذه السنة ـ يعني سنة عشرين ومأتين ـ خرج المعتصم إلى سامرّاء لبنائها ، وكان سبب ذلك إنّه قال : إنّي أتخوّف من هؤلاء الحربية أن يصيّحوا صيّحة فيقتلون غلماني فأريد أن أكون فوقهم ، فإن رابني منهم شيء أتيتهم في البرّ والبحر حتى آتي عليهم ، فخرج إليها فأعجبه مكانها. وقيل : كان سبب ذلك أنّ المعتصم كان قد أكثر من الغلمان الأتراك فكانوا لا يزالون يرون الواحد بعد الواحد قتيلا وذلك أنّهم كانوا جفاة يركبون الدوابّ فيركضون إلى الشوارع فيصدمون الرجل والمرأة والصبي فيأخذهم الإباء عن دوابّهم ويضربونهم ، وربّما هلك أحدهم فتأذّى بهم الناس ، ثمّ إنّ المعتصم ركب يوم عيد فقام إليه شيخ فقال له : يا أبا إسحاق ، فأراد الجند ضربه فمنعهم ، فقال : يا شيخ ، مالك؟ مالك؟ قال : لا جزاك الله عن الجوار خيرا ؛ جاورتنا وجئت بهؤلاء العلوج من غلمانك الأتراك فأسكنتهم بيننا فأيتمت صبياننا وأرملت بهم نسواننا وقتلت رجالنا ، والمعتصم يسمع ذلك ، فدخل منزله ولم ير راكبا مثل ذلك اليوم ، فخرج فصلّى بالناس العيد ولم يدخل بغداد بل سار إلى ناحية القاطول ولم يرجع إلى بغداد. صفة غلمان المعتصم وذهابهم إلى سامرّاء قال الحموي في المعجم : قال مسرور الكبير : سألني المعتصم وقال لي : أين كان الرشيد يتنزّه إذا ضجر من بغداد؟ قلت : بالقاطول ، وكان قد بنى هناك مدينة آثارها وسورها قائم ، وكان قد خاف من الجند ما خفت ، فلمّا وثب أهل الشام بالشام وعصوا خرج إلى الرقّه فأقام بها وبقيت مدينة القاطول لم تستتم ، ولمّا خرج المعتصم إلى القاطول استخلف ببغداد ابنه الواثق وكان المعتصم قد اصطنع قوما من أهل الحرف بمصر واستخدمهم وسمّاهم المغاربة ، وجمع خلقا من سمرقند وأشروسنة وفرغانة وسمّاهم الفراغنة وكانوا من أصحابه وبقوا بعده. وفي المراصد : أشر وسنة ـ بالضمّ ثمّ السكون وضمّ الراء وواو ساكنة وسين مهملة مفتوحة ونون وهاء ـ بلدة كبيرة بما وراء النهر من بلاد الهياطلة بين سيحون وسمرقند ، بينها وبين سمرقند ستّة وعشرون فرسخا. والهياطلة جمع ، واحدها هيطل ، وهو اسم لبلاد ماوراء النهر وهي بخارى وسمرقند وخجند ، وبين ذلك ، هيطل بالفتح ثمّ السكون وفتح الطاء المهملة. وفرغانة ـ بالفتح ثمّ السكون وغين معجمة وبعد الألف نون ـ مدينة وكورة واسعة بماوراء النهر متاخمة لبلاد تركستان. وفي رواية من ناحية هيطل من جهة مطلع الشمس على يمين القاصد لبلاد الترك واسعة الرستاق يقال كان بها أببعون منبرا وبينها وبين سمرقند خمسون فرسخا ، ومن ولايتها خجند. وقال المسعودي في مروج الذهب : كان المعتصم يحبّ جمع الأتراك وشراءهم من أيدي مواليهم ، فاجتمع له منهم أربعة آلاف فالبسهم أنواع الديباج والمناطق المذهّبة والحلّة المذهّبة ، وأبانهم بالزي عن سائر جنوده ، وقد كان اصطنع قوما من حوف (1) مصر ومن حوف اليمن وحوف قيس فسمّاهم المغاربة ، واستنفذ من رجال خراسان من الفراغنة والأشر وسنة وغيرهم فكثر جيشه فكانت الأتراك تؤذي العوام بمدينة السلام حين يجري خيولهم في الأسواق وينال منها الضعفاء والصبيان ، فكان أهل بغداد ربّما صاروا ببعضهم فقتلوه عند صدمة المرأة أو شيخ كبير أو صبيّ أو ضرير ، فعزم المعتصم على النقلة منهم وأن ينزل في فضاء من الأرض فنزل الرازان (2) على أربعة فراسخ من بغداد فلم يستطب هواءها ولا اتسع له فضاؤها ، فلم يزل ينتقل إلى الموضع والأماكن من دجلة وغيرها حتّى انتهى إلى الموضع المعروف بالقاطول ؛ فاستطاب الموضع وكان هناك قرية يسكنها خلق من الجرامقة وناس من النبط (3) على النهر المعروف ب «القاطول» أخذا من دجلة ، فبنى هناك قصرا ، وبنى الناس وانتقلوا من مدينة السلام وخلت من السكّان إلّا اليسير ، وكان فيما قاله بعض العيّارين في ذلك معيّرا للمعتصم بانتقاله عنهم : أيا ساكن القاطول بين الجرامقه تركت ببغداد الكباش البطارقه ثمّ لحق به الأتراك وغلمانه ، وكان من جملتهم أشناس وأيتاخ ووصيف وسيما الدمشقي. __________________ (1) حوف ـ بالفتح وسكون الواو والفاء ـ الوادي والناحية. (2) رازان الأعلى ورازان الأسفل كورتان ببغداد تشمل على قرى كثيرة. (المراصد) (3) قوم ينزلون أباطيح بين العراقين ، والجمع أنباط كسبب وأسباب ، والنبطية منسوبة إليهم. قيل : إنّهم عرب استعجموا ، أو عجم استعربوا. (مجمع) بناء المعتصم القاطول قرب سامرّاء قال أحمد بن أبي يعقوب إسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح الكاتب الأصبهاني ـ الشهير ب «اليعقوبي» وب «ابن واضح» من نوابغ القرن الثالث المتوفّى بعد سنة 278 ـ في تاريخ البلدان (1) : فلمّا قدم المعتصم بغداد في منصرفه من طرطوس في السنة التي بويع له بالخلافة وهي سنة ثمان عشرة ومأتين ، نزل دار المأمون ثمّ بنى دارا في الجانب الشرقي من بغداد وانتقل إليها وأقام بها في سنة 218 و 219 و 220 و 221 وكان معه خلق من الأتراك وهم يومئذ عجم. أعلمني جعفر الخشكي قال : كان المعتصم يوجّه بي في أيّام المأمون إلى سمرقند إلى نوح بن أسد في شراء الأتراك فكنت أقدم عليه في كلّ سنة منهم بجماعة ، فاجتمع له في أيّام المأمون منهم زهاء ثلاثة آلاف غلام ، فلمّا أفضت الخلافة إليه ألحّ في طلبهم واشترى ببغداد جماعة جملة منهم أشناس وكان مملوكا لنعيم بن حازم ، وأيتاخ كان مملوكا لسلام بن الأبرش ، ووصيف كان زرادا مملوكا لآل النعمان ، وسيما الدمشقي كان مملوكا لذي الرياستين الفضل بن سهل ؛ كان أولئك الأتراك العجم إذا ركبوا الدوابّ ركضوا فيصدمون الناس يمينا وشمالا فيبثّ عليهم الغوغاء فيقتلون بعضا ويضربون بعضا وتذهب دماؤهم هدرا لا يعتنون على من فعل ذلك. فثقل ذلك على المعتصم وعزم على الخروج من بغداد فخرج على الشماسيّة وهو الموضع الذي كان المأمون يخرج إليه فيقيم به الأيّام والشهور ، فعزم أن يبني بالشماسيّة خارج بغداد مدينة فضاقت عليه أرض ذلك الموضع وكره أيضا قربها من بغداد فمشى إلى البردان بمشورة الفضل ابن مروان وهو يومئذ وزير ، وذلك في __________________ (1) تاريخ البلدان : 23 طبع النجف. سنة إحدى وعشرين ومأتين ، وأقام بالبردان أيّاما ، وأحضر المهندسين ثمّ لم يرض الموضع فصار إلى موضع يقال له باحمشا (1) من الجانب الشرقي من دجلة وعلى القاطول ، فابتدأ البناء وأقطع القوّاد والكتّاب والناس فبنوا حتّى ارتفع البناء واختطّت الأسواق على القاطول وعلى دجلة ، وسكن هو في بعض ما بني له ، وسكن بعض الناس أيضا ، ثمّ قال : أرض القاطول غير طائلة وإنّما هي حصا وأفهار والبناء بها صعب جدّا وليس لأرضها سعة ، ثمّ ركب متصيّدا فمرّ في مسيره حتّى صار إلى موضع سرّ من رأى صحراء من أرض الطيرهان لا عمارة بها ولا أنيس فيها إلّا دير النصارى. سبب اختيار المعتصم سرّ من رأى دون غيرها قال المسعودي في مروج الذهب : إنّ المعتصم لمّا تأذّى بالقاطول ونالته شدّة عظيمة لبرد الموضع وصلابة أرضه وتعذّر البناء فيه حىّ في ذلك يقول بعض من كان في الجيش : قالوا لنا أنّ بالقاطول مشتانا فنحن نأمل صنع الله مولانا الناس يأتمرون الرأي بينهم والله في كلّ يوم محدث شانا فخرج المعتصم يتقرّى المواضع حتّى انتهى إلى موضع سامرّاء وكان هناك دير عادى النصارى فسأل بعض أهل الدير عن اسم الموضع فقال : يعرف بسامرّاء ، قال له المعتصم : وما معنى سامرّاء؟ قال : نجدها في الكتب السالفة والأمم الماضية أنّها مدينة سام بن نوح. قال له المعتصم : ومن أيّ بلاد هي؟ وإلى م تضاف؟ قال : من بلاد طبرهات وإليها تضاف. فنظر المعتصم إلى فضاء واسع تسافر فيه الأبصار __________________ (1) باحمشا ـ بسكون الميم والشين المعجمة ـ قرية بين أوانا والخطيرة على دجلة القديمة. (المراصد) وهواء طيّب وأرض صحيحة فاستطاب هواءها وأقام هناك ثلاثا يتصيّد في كلّ يوم يجد نفسه تتوّق إلى الغذاء وتطلب الزيادة على العادة الجارية فعلم أنّ ذلك لتأثير الهواء والتربة ، فلمّا استطاب الموضع دعا بأهل الدير فاشترى منهم أرضهم بأربعة آلاف دينار وارتاد لبناء قصره موضعا فيها فأسّس بنيانه وهو الموضع المعروف ب «الوزيريّة» بسرّ من رأى ، وإليها يضاف التين الوزيري وهو أعذب أتيان وأرقّها قشرا وأصغرها حبّا ، لا يبلغه تين الشام ولا تين أهان وحلوان (1). اشتياق المعتصم تمصير سامرّاء فمرّ في مسيره حتّى صار إلى موضع سرّ من رأى وكان بها دير النصارى ، فوقف بالدير وكلّم من فيه من الرهبان وقال : ما اسم هذا الموضع؟ قيل له : يسمّى سرّ من رأى وإنّه كان مدينة سام بن نوح ، وإنّه سيعمر بعد الدهور على يد ملك جليل مظفّر منصور له أصحاب كأنّ وجوههم وجوه طيور الفلاة ، ينزلها وينزل ولده بها. فقال : أنا والله أبنيها وأنزلها وينزلها ولدي ، أفلا أخبركم بما سمعت من أبي هارون الرشيد؟ قالوا : بلى يا أمير المؤمنين. قال : إنّ أبي هارون الرشيد أمر يوما أن يخرج ولده إلى الصيد ، فخرجت مع __________________ (1) حلوان ـ بالضمّ ثمّ السكون ـ هي أحد حدود العراق وهي التي تسمّى اليوم «پل زهاب» سمّيت باسم حلوان بن عمران بن قضاعة ، كان أقطعه إيّاها بعض الملوك فسمّيت به ، وكانت مدينة عامرة لم يكن بالعراق بعد البصرة والكوفة وواسط وبغداد أكبر منها ، وأكثر ثمارها التين ، وهي بقرب الجبل وليس للعراق بقرب الجبل غيرها ، وكان بها رمّان ليس في الدنيا مثله ، وتينها يسمّى «ماء أنجير» لجودته ، وحواليها عيون كبريتيّة ينتفع بها من عدّة الأدواء. وأمّا أهان الذي ذكره فلم يعلم المراد منه ولم تذكر في المعاجم التي بأيدينا بلدة أو قرية بهذا الاسم ، ولعلّه تصحيف ألهان ـ باللام بعد اللألف على وزن عطشان ـ وهو مخلاف باليمن بينه وبين العرف عشرة فراسخ ، والله العالم. محمّد الأمين والمأمون وأكابر ولد الرشيد ، فاصطاد كلّ واحد منّا صيدا واصطدت بومة ثمّ انصرفنا وعرضنا صيدنا عليه ، فجعل من كان معنا من الخدم يقول : هذا صيد فلان ، وهذا صيد فلان حتّى عرض عليه صيدي ، فلمّا رأى البومة وقد كان الخدم أشفقوا من عرضها لئلّا يتطيّر بها أو ينالني منه غلظة ، فقال : من صاد هذه؟ قالوا : أبو إسحاق ، فاستبشر وضحك وأظهر السرور ثمّ قال : أمّا إنّه يلي الخلافة ويكون جنده وأصحابه الغالبون عليه قوما وجوههم مثل وجه هذه البومة فيبني مدينة قديمة وينزلها هؤلاء القوم ثمّ ينزلها ولده من بعده ، وما سرّ الرشيد يومئذ بشيء من الصيد كما سرّ بصيدي لتلك البومة. ثمّ عزم المعتصم على أن ينزل بذلك الموضع ، فأحضر محمّد بن عبد الملك الزيّات وابن أبي دؤاد وعمر بن فرج وأحمد بن خالد المعروف ب «أبي الوزير» وقال لهم : اشتروا من أصحاب هذا الدير هذه الأراضي فادفعوا إليهم ثمنها أربعة آلاف دينار ، ففعلوا ذلك ، ثمّ أحضر المهندسين فقال : اختاروا أصلح هذه المواضع فاختاروا عدّة مواضع للقصور وصيّر إلى كلّ رجل من أصحابه بناء قصر. صفة بناء سامرّاء وتمصيرها بأمر المعتصم قال اليعقوبي : فصيّر إلى خاقان عرطوج أبي الفتح بن خاقان بناء الجوسق الخاقاني ، وإلى عمر بن فرج بناء القصر المعروف بالعمري ، وإلى أبي الوزير بناء القصر المعروف بالوزيري ، ثمّ خطّ القطائع للقوّاد والكتّاب والناس ، وخطّ المسجد الجامع ، واختطّ الأسواق حول المسجد الجامع ، ووسّعت صفوف الأسواق ، وجعلت كلّ تجارة منفردة ، وكلّ قوم على حدّتهم مثل ما رسمت عليه أسواق بغداد ، وكتب في أشخاص الفعلة والبنّائين وأهل المهن من الحدّادين والنجّارين وسائر الصناعات وفي حمل الساج وسائر الخشب والجذوع من البصرة وما والاها من بغداد وسائر السواد من أنطاكيّة وسائر سواحل الشام ، وفي حمل عملة الرخام وفرش الرخام فأقيمت باللاذقيّة وغيرها دور صناعة الرخام ، وأفرد قطايع الأتراك عن قطايع الناس جميعا وجعلهم معتزلين عنهم لا يختلطون بقوم من المولّدين ولا يجاورهم إلّا الفراغنة. صفة قطايع سامرّاء وشوارعها وأقطع أشناس وأصحابه الموضع المعروف بالكرخ ، وضمّ إليه عدّة من قوّاد الأتراك والرجال ، وأمره أن يبني المساجد والأسواق. وأقطع خاقان عرطوج وأصحابه ممّا يلي الجوسق الخاقاني ، وأمر بضمّ أصحابه ومنعهم من الاختلاط بالناس. وأقطع وصيفا وأصحابه ممّا يلي الحير ، وبنى حائطا سماّه حائر الحير ممتدّا ، وصيّرت قطايع الأتراك جميعا والفراغنة العجم بعيدة من الأسواق والزحام في شوارع واسعة ودروب طوال ليس معهم في قطائعهم ودروبهم أحد من الناس يختلط بهم من تاجر ولا غيره ، ثمّ اشترى لهم الجواري فزوّجهم منهنّ ومنعهم أن يتزوّجوا ويصاهروا إلى أحد من المولّدين إلى أن ينشأ لهم الولد فيتزوّج بعضهم إلى بعض ، وأجرى لجواري الأتراك أرزاقا قائمة ، وأثبت أسماءهنّ في الدواوين فلم يكن يقدر أحد منهم يطلّق امرأة ولا يفارقها. ولمّا أقطع أشناس التركي في آخر البناء مغربا وأقطع أصحابه معه وسمّى الموضع الكرخ ، أمره أن لا يطلق الغريب من تاجر ولا غيره مجاورتهم ، ولا يطلق معاشرة المولّدين ، فوقع قوما آخرين فوق الكرخ وسمّاه الدور ، وبنى لهم في خلال الدور والقطايع المساجد والحمّامات ، وجعل في كلّ موضع سويقة فيها عدّة حوانيت للفاميين والقصّابين ومن أشبههم ممّن لا بدّ لهم منه ولا غنى عنه ، وواقع الأفشين حيدر ابن كاوس الأشر سوني في آخر البناء شرقا على قدر فرسخين ، وسمّى الموضع المطيرة ، فأقطع أصحاب الأشر وسنيّة وغيرهم من المضمومين إليه حول داره ، وأمره أن يبني فيما هناك سويقة فيها حوانيت للتجّار فيما لا بدّ منه ومساجد وحمّامات. واستقطع الحسن بن سهل بناء آخر الأسواق ، وكان آخرها الجبل الذي صار فيه خشبة بابك الخرّمي ، وبين المطيرة موضع قطيعة أفشين ، وليس في ذلك الموضع يومئذ شيء من العمارات ، ثمّ أحدقت العمارة به حتّى صار قطيعة الحسن بن سهل وسط سرّ من رأى ، وامتدّ بناء الناس من كلّ ناحية واتصل البناء بالمطيرة. وجعلت الشوارع لقطايع قوّاد خراسان وأصحابهم من الجند والشاكريّة ، وعن يمين الشوارع ويسارها الدروب فيها منازل الناس كافّة. الشارع الأعظم وكان الشارع المعروف بالسريجة وهو الشارع الأعظم ممتدّا من المطيرة إلى الوادي المعروف في هذا الوقت بوادي إسحاق بن إبراهيم ؛ لأنّ إسحاق بن إبراهيم انتقل من قطيعته في أيّام المتوكّل فبنى على رأس الوادي واتسع في البناء ثمّ قطيعة إسحاق بن يحيى بن معاذ ، ثمّ اتصل قطايع الناس يمنة ويسرة في هذا الشارع الأعظم وفي دروب من جانبي الشارع الأعظم تنفذ إلى شارع يعرف بشارع أبي أحمد وهو أبو أحمد بن الرشيد من أحد الجانبين ، وتنفذ إلى دجلة وما قرب منها من الجانب الآخر ، وتمرّ القطايع إلى ديوان الخراج الأعظم وهو في هذا الشارع الكبير. وفي هذا الشارع قطايع قوّاد خراسان منها قطيعة هاشم بن بانيجور ، وقطيعة عجيف بن عنبسة ، وقطيعة الحسن بن علي المأموني ، وقطيعة هارون بن نعيم ، وقطيعة حزام بن غالب ، وظهر قطيعة حزام الاصطبلات لدوابّ الخليفة الخاصّة والعامّة يتولّاها حزام ويعقوب أخوه ، ثمّ مواضع الرطابيين وسوق الرقيق في مربعة فيها طرق متشعّبة فيها الحجر والغرف والحوانيت للرقيق ، ثمّ مجلس الشرطة والحبس الكبير ومنازل الناس والأسواق في هذا الشارع يمنة ويسرة مثل سائر البيّاعات ، ويتّصل ذلك إلى خشبة بابك ثمّ السوق العظمى ، لا تختلط بها المنازل ، كلّ تجارة منفردة ، وكلّ أهل مهنة لا يختلطون بغيرهم ، ثمّ الجامع القديم الذي لم يزل يجمع فيه إلى أيّام المتوكّل ، فضاق على الناس فهدّمت وبنى مسجدا جامعا واسعا. وفي طريق الحير المسجد الجامع والأسواق من أحد الجانبين ، ومن الجانب الآخر القطايع والمنازل والأسواق من أصحاب البيّاعات الدنيّة مثل أصحاب الفقاع والهرائس والشراب. وقطيعة مبارك المغربي وسويقة مبارك وجبل جعفر الخيّاط ، وفيه كانت قطيعة جعفر ، ثمّ قطيعة العبّاس بن علي ابن المهدي ، ثمّ قطيعة عبد الوهّاب ابن علي بن المهدي ، ويمتدّ الشارع وفيه قطايع عامّة إلى دار هارون بن المعتصم وهو الواثق عند دار العامّة وهي الدار التي نزلها يحيى بن أكثم في أيّام المتوكّل لمّا ولّاه قضاء القضاة ، ثمّ باب العامّة ودار الخليفة وهي دار العامّة التي يجلس فيها يوم الإثنين ، ثمّ الخزائن الخاصّة وخزائن العامّة ، ثمّ قطيعة مسرور وسمانة الخادم وإليه الخزائن ، ثمّ قطيعة قرقاش الخادم وهو خراساني ، ثمّ قطيعة ثابت الخادم ، ثمّ قطيعة أبي الجعفاء وسائر الخدم الكبار.
| |
|
| |
الشيخ شوقي البديري الشيخ شوقي البديري
عدد المساهمات : 2973 نقاط : 4624 تاريخ التسجيل : 17/06/2012 العمر : 59 الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق
| موضوع: رد: ماثر الكبرى في تاريخ سامراء ج1 الجمعة أكتوبر 25, 2024 5:41 am | |
| الشارع الثاني ويعرف بشارع أبي أحمد ؛ وهو أبو أحمد بن الرشيد. أوّل هذا الشارع من المشرق دار بختيشوع المتطبّب التي بناها في أيّام المتوكّل ، ثمّ قطايع قوّاد خراسان ومن العرب ومن أهل قم وأصبهان وقزوين والجبل وآذربايجان يمنة في الجنوب ممّا يلي القبلة فهو نافذ إلى شارع السريجة الأعظم. وما كان ممّا يلي الشمال ظهر القبلة فهو نافذ إلى شارع أبي أحمد ديوان الخراج الأعظم ، وقطيعة عمر ، وقطيعة للكتّاب وسائر الناس ، وقطيعة أبي أحمد بن الرشيد في وسط الشارع ، وفي آخره ممّا يلي الوادي الغربي الذي يقال له وادي إبراهيم بن رياح قطيعة ابن أبي داود وقطيعة الفضل بن مروان ، وقطيعة محمّد بن عبد الملك الزيّات ، وقطيعة إبراهيم بن رياح في الشارع الأعظم ، ثمّ تتّصل الاقطاعات في هذا الشارع وفي الدروب إلى يمنة ويسرة إلى قطيعة بغا الكبير ، ثمّ قطيعة سيما الدمشقي ، ثمّ قطيعة وصيف القديمة ، ثمّ قطيعة أيتاخ ، ويتّصل ذلك إلى باب البستان وقصور الخليفة. الشارع الثالث هو شارع الحير الأوّل الذي صارت فيه دار أحمد بن الخطيب في أيّام المتوكّل ، فأصل هذا الشارع من المشرق ومن الوادي المتّصل بوادي إسحاق بن إبراهيم ، وفيه قطايع الجند والشاكريّة وأخلاط الناس ، ويمتدّ إلى وادي إبراهيم بن رياح. الشارع الرابع ويعرف بشارع برغامش التركي ، فيه قطايع الأتراك والفراغنة ودروب الأتراك منفردة ودروب الفراغنة منفردة ، والأتراك في الدروب التي في القبلة والفراغنة بإزائهم بالدروب التي في ظهر القبلة كلّ درب بإزاء درب لا يخالطهم أحد من الناس ، وآخر منازل الأتراك وقطائعهم قطايع الخزر ممّا يلي المشرق ، أوّل هذا الشارع من المطيرة عند قطايع الأفشين التي صارت لوصيف وأصحاب وصيف ، ثمّ يمتدّ الشارع إلى الوادي الذي يتّصل بوادي إبراهيم بن رياح. الشارع الخامس ويعرف بصالح العبّاسي وهو شارع الأسكر ، فيه قطايع الأتراك والفراغنة ، والأتراك أيضا في دروب منفردة ، والفراغنة في دروب منفردة ، ممتدّ من المطيرة إلى دار صالح العبّاسي التي على رأس الوادي ، ويتّصل ذاك بقطايع القوّاد والكتّاب والوجوه والناس كافّة. الشارع السادس هو شارع الحير الجديد ، فيه أخلاط من الناس من قوّاد الفراغنة والأسر وشنيّة والأشناسيّة والخجنديّة وغيرهم من سائر كور خراسان ، وهذه الشوارع التي من الحير كلّما اجتمعت إلى إقطاعات القوم هدم الحائط ، وبني خلفه حائط غيره ، وخلف الحائط الوحش من الظباء والحمير والأيايل والأرانب والنعام ، وعليها حائط يدور في صحراء حسنة واسعة. الشارع السابع ويعرف بشارع الخليج وهو الذي كان على دجلة وهناك السفن والتجارات التي ترد من بغداد وواسط وكسكر وسائر السواد من البصرة والأبلة والأهواز وما اتصل بذلك ومن الموصل والجزيرة وديار ربيعة وغيرها. وفي هذا الشارع قطايع المغاربة كلّهم أو أكثرهم ، والموضع المعروف بالأزلاخ الذي عمّر بالرجالة المغاربة في أوّل ما اختطّت سرّ من رأى ، واتسع الناس في البناء بسرّ من رأى أكثر من اتساعهم ببغداد ، وبنوا المنازل الواسعة إلّا أنّ شربهم جميعا من دجلة ممّا يحمل في الروايا على البغال وعلى الإبل ؛ لأنّ آبارهم بعيدة الرشا ثم هي مالحة غير سائغة ، لها اتساع في الماء ولكن دجلة قريبة والروايا كثيرة. وبلغت غلّات ومستغلّات سرّ من رأى وأسواقها عشرة آلاف ألف درهم في السنة ، وقرب مجمل ما يؤتى به من الميرة وللوصل وعربات وسائر ديار ربيعة في السفن في دجلة فصلحت أسعارهم. إنشاء المعتصم العمارات والبساتين في الجانب الغربي من دجلة قال اليعقوبي في البلدان (1) : لمّا فرغ المعتصم من الخطط ووضع الأساس للبناء في __________________ (1) البلدان : 30. الجانب الشرقي من دجلة وهو جانب سرّ من رأى ، عقد جسرا إلى الجانب الغربي من دجلة فأنشأ هناك العمارات والبساتين والأجنّة وحفر الأنهار ومن دجلة وصيّر إلى كلّ قائد عمارة ناحية من النواحي ، وحمل النخل من بغداد والبصرة وسائر السواد ، وحملت الغروس من الجزيرة والشام والجبل والري وخراسان وسائر البلدان ، فكثرت المياه في هذه العمارة في الجانب الشرقي بسرّ من رأى ، وصلح النخل ، وثبتت الأشجار ، وزكت الثمار ، وحسنت الفواكه ، وحسن الريحان والبقل ، وزرع الناس أصناف الزرع والرياحين والبقول والرطاب ، وكانت الأرض مستريحة ألوف سنين فزكا كلّ ما غرس فيها وزرع بها حتّى بلغت غلّة العمارات بالنهر المعروف بالإسحاقي وما عليه والأيتاخي والعمري والعبد الملكي ودالية بن حماد والمسروري وسيف والعربات المحدثة وهي خمس قرى ، والقرى السفلى وهي سبع قرى ، والأجنّة والبساتين وخراج الزرع أربعمائة ألف دينار في السنة. وأقدم المعتصم من كلّ بلد من يعمل عملا من الأعمال أو يعالج مهنة من مهن العمارة والزرع والنخل والغرس وهندسة الماء ووزنه واستنباطه والعلم بمواضعه من الأرض ، وحمل من مصر من يعمل القراطيس وغيرها ، وحمل من البصرة من يعمل الزجاج والخزف والحصر ، وحمل من الكوفة من يعمل الأدهان ، ومن سائر البلدان من أهل كلّ مهنة وصناعة ، وأنزلوا بعيالهم بهذه المواضع وأقطعوا فيها ، وجعل هناك أسواقا لأهل المهن بالمدينة. وبنى المعتصم العمارات قصورا ، وصيّر في كلّ بستان قصرا فيه مجالس وبرك وميادين ، فحسنت العمارات ورغب وجوه الناس في أن يكون بها لهم أدنى أرض ، وتنافسوا في ذلك ، وبلغ الجريب من الأرض مالا كبيرا. ثمّ مات المعتصم سنة 227. قال المسعودي في مروج الذهب : لمّا ارتفع البنيان وأحضر له الفعلة والصنّاع وأهل المهن من سائر الأمصار ، ونقل إليها من سائر البقاع أنواع الغروس والأشجار ، فجعل للأتراك أقطاعا متحيّزة وجاورهم بالفراغنة والأشر وسنيّة وغيرهم من مدن خراسان على قدر قربهم منهم في بلادهم ، وأقطع أشناس التركي وأصحابه من الأتراك الموضع المعروف بكرخ سامرّاء ، ومن الفراغنة من أنزلهم الموضع بالعمري والحير ، واختطّت الخططت واقتطعت القطايع والشوارع والدروب ، وأفرد أهل كلّ صنعة بسوق وكذلك التجّار ، فبنى الناس وارتفع البنيان وشيّدت الدور والقصور وكثرت العمارة واستنبطت المياه وجرت من دجلة وغيرها ، وتسامع الناس أنّ دار الملك قد اتخذت فقصدوها وجهّزوا إليها من أنواع الأمتعة وسائر ما ينتفع به الناس من الحيوان وغيرها ، وكثر العيش واتسع الرزق ، وشملهم الإحسان ، وعمّهم العدل ، وكان بدء ما وصفناه سنة 221. عمارة سامرّاء في عصر الواثق بالله ابن المعتصم قال اليعقوبي : لمّا توفّي المعتصم في سنة سبع وعشرين ومأتين ولي الخلافة ابنه هارون الواثق فبنى القصر المعروف بالهاروني على دجلة وجعل فيه مجالس في دكّة شرقيّة ودكّة غربيّة وانتقل إليه وزادت الإقطاعات وقرّب قوما وباعد ديار قوم على الأخطاء لا على الأبعاد ، فأقطع وصيفا دار أفشين التي بالمطيرة ، وانتقل وصيف عن داره القديمة إلى دار أفشين ولم يزل يسكنها ، وكان أصحابه ورجاله حوله ، وزاد في الأسواق وعظمت الفرض التي تردها السفن من بغداد وواسط والبصرة والموصل ، وجدّد الناس البناء وأحكموه وأتقنوه لما علموا أنّها قد صارت مدينة عامرة ، وكانوا قبل ذلك يسمّونها العسكر ، ثمّ توفّي الواثق في سنة 232. [ترجمة الواثق بالله] الواثق بالله هو هارون بن المعتصم ، ولد لعشر بقين من شعبان سنة ستّ وتسعين ومأة ، ومات بسرّ من رأى يوم الأربعاء لستّ بقين من ذي الحجّة سنة مأتين واثنتين وثلاثين. وقيل : ستّا وثلاثين ، بعلّة الاستسقاء ، وكانت خلافته خمس سنين وتسعة أشهر وخمسة أيّام ، وكان عمره اثنين أو ستّا وثلاثين سنة ، وكان أبيضا تعلوه صفرة ، حسن اللحية ، في عينيه نكتة ، أمّه أمّ ولد اسمها قراطيس. وكان الواثق تبع أباه وجدّه في القول بخلق القرآن ، وقتل أحمد بن نضر الخزاعي بعد أن أحضره من بغداد إلى سامرّاء مقيّدا ، وحمل رأسه إلى بغداد ، وصلبت جثّته في سرّ من رأى لأنّه يقول أنّ القرآن ليس بمخلوق ، وكتب الواثق ورقة وعلّقها في أذن أحمد بن نضر : هذا رأس أحمد بن نضر بن مالك ، دعاه عبد الله الإمام الهارون إلى القول بخلق القرآن ونفي التشبيبه فأبى إلّا المعاندة فعجّل الله بروحه إلى النار ، ووكّل بالرأس من يحفظه ويصرفه عن القبلة برمح. وكان الواثق وافر الأدب ، مليح الشعر ، أعلم الخلفاء بالغناء والأصوات وألحان عملها نحو مأة صوت ، وكان حاذقا يضرب العود ، راويا للأشعار والأخبار. قال السيوطي : ولم يكن في خلفاء بني العبّاس أكثر رواية للشعر من الواثق. وقيل : كان أروى من المأمون ، وكان المأمون قد مزج بعلم العرب وعلم الأوائل من النجوم والطبّ والمنطق ، وكان الواثق لا يخلط بعلم القرب شيئا ، وكان كثير الأكل جدّا. قال ابن فهم : كان للواثق خان من ذهب مؤلّف من أربع قطع ، يحمل كلّ قطعة عشرون رجلا ، وكلّ ما عليه من ذهب من سكرجة (1) وغضارة وصحفة ، فسأله ابن أبي دؤاد أن لا يأكل عليه للنهي عنه ، فأمر أن يكسر ذلك ويضرب ويحمل إلى بيت المال. وفي العقد الفريد (2) : إنّ الواثق إذا شرب وسكر رقد في موضعه الذي سكر فيه ، وكان الواثق أكولا ، وكان مفتونا بحبّ البازنجان ، وكان يأكل في أكلة واحدة أربعين بازنجان. وقال القرماني في أخبار الدول : إنّ الواثق كان مؤثر الكثرة الجماع ، فقال للطبيب : اصنع لي دواءا للباه. فقال له الطبيب : يا أمير المؤمنين ، لا تهدم بذلك حياتك واتّق الله في نفسك. فقال : لا بدّ من ذلك ، فأمره الطبيب أن يأخذ له لحم سبع فيغلى عليه سبع غليات على جمر ويتناول منه إذا شرب ثلاثة دراهم ولا يتجاوز هذا القدر. فأمر بذبح سبع فذبح وطبخ كما وصفه الطبيب وصار يتنقّل منه على شرابه فلم يكن إلّا قليلا حتّى استقى فأجمع رأي الأطبّاء على أن لا دواء له إلّا أن يكشف بطنه وينزل في تنّور قد سجر بحطب زيتون حتّى يصير جمرا ، ثمّ يجلس فيه ويمنع عن الماء ثلاث ساعات ، ففعلوا ذلك به فجعل يستغيث ويطلب الماء فلم يسقوه ، فصار في جسده نقاط مثل البطّيخ ثمّ أخرجوه فجعل يقول : ردّوني إلى التنّور وإلّا أموت ، فردّوه فسكن صياحه ، وانفجرت تلك النقاط وقطر منها ماء ، فاخرج من التنّور وقد اسودّ جسده ، فمات بعد ساعة وهو ابن ستّ وثلاثين سنة وأشهر. __________________ (1) السكرجة ـ بضمّ السين وسكون الكاف وضمّ الراء وفتح الجيم ـ الصحفة التي يوضع فيها الأكل. (2) العقد الفريد 3 : 256. عمارة سامرّاء في عصر المتوكّل ؛ جعفر بن المعتصم قال : لمّا توفّي الواثق ولي جعفر المتوكّل فنزل قصر الهاروني وآثره على جميع قصور المعتصم ، وأنزل ابنه محمّد المنتصر قصر المعتصم المعروف بالجوسق ، وأنزل ابنه إبراهيم المؤيّد بالمطيرة ، وأنزل ابنه المعتزّ خلف المطيرة شرقا بموضع يقال له بلكوار ، فاتصل البناء من بلكوار إلى آخر الموضع المعروف بالدور مقدار أربعة فراسخ ، وزاد في شوارع الحير شارع الأسكر والشارع الجديد. بناء المسجد الجامع والملوية وبنى المسجد الجامع في أوّل الحير في موضع واسع خارج المنازل ، لا يتّصل به شيء من القطائع والأسواق ، وأتقنه ووسّعه وأحكم بناءه وجعل فيه فوّارة ماء لا ينقطع ماؤها ، وجعل الطرق إليه من ثلاثة صفوف واسعة عظيمة من الشارع الذي يأخذ من وادي إبراهيم بن رياح ، في كلّ صفّ حوانيت فيها أصناف التجارات والصناعات والبيّاعات ، عرض كلّ صفّ مائة ذراع بالذراع المتعارف لئلّا يضيق عليه الدخول إلى المسجد إذا حضر المسجد في الجمع في جيوشه وجموعه وبخيله ورجله. ومن كلّ صفّ الذي يليه دروب وسكك فيها قطايع جماعة من عامّة الناس فاتسعت على الناس المنازل والدور واتسع أهل الأسواق والمهن والصناعات في تلك الحوانيت والأسواق التي في صفوف المسجد الجامع. وأقطع نجاح بن سلمة الكاتب في آخر الصفوف ممّا يلي قبلة المسجد ، وأقطع أحمد بن إسرائيل الكاتب أيضا بالقرب من ذلك ، وأقطع محمّد بن موسى المنجّم وإخوته وجماعة من الكتّاب والقوّاد والهاشميّين وغيرهم. وقال المسعودي في مروج الذهب : إنّ المتوكّل بنى مسجدا جامعا فأعظم النفقة عليه وأمر برفع منارة لتعلوا أصوات المؤذّنين فيها وينظر إليها من فراسخ ، فجمع الناس فيه فتركوا المسجد الأوّل واشتقّ من دجلة قناتين شتويّة وصيفيّة تدخلان الجامع وتتخلّلان شوارع سامرّاء ، واشتقّ نهرا آخر وقدّر للدخول الحير ، فمات قبل أن يتمّ ، وحاول المنتصر تتميمه فلقصر أيّامه لم يتمّ ، ثمّ اختلف الأمر بعده فبطل النهر وكان المتوكّل أنفق عليه سبعمائة ألف دينار. وقال البلاذري في فتوح البلدان (1) : وبنى المتوكّل مسجدا جامعا كبيرا ، وأعظم النفقة عليه ، وأمر برفع منارة لتعلو أصوات المؤذّنين فيها حتّى نظر إليها من فراسخ فجمع الناس فيه فتركوا المسجد الأوّل ـ يعني الذي بناه المعتصم ـ. __________________ (1) فتوح البلدان : 295. وقال ابن العماد الحنبلي (1) نقلا عن الشذور : قد تمّ جامع سرّ من رأى فبلغت النفقة عليه ثلاثمائة آلاف وثمانية آلاف ومأتين واثنى عشر دينارا. وقال محمّد خداوند شاه الشافعي في خاتمة كتابه روضة الصفا : إنّ سامرّاء كانت من قديم الزمان موصوفة بالعمارات العالية وتعدّ من الأمصار المعتبرة العظيمة ، وإنّها كانت أطيب بلاد العراق هواء وأعذبها ماء ، ولأجل ذلك سمّيت سرّ من رأى ، ثمّ إنّها خربت وخرابها بلغ الغاية إلى أوان الدولة العبّاسيّة ، فلمّا ولي المعتصم وهو ثامنهم أخذ في عمارتها وتمصيرها وانتقل إليها فصارت أكبر أمّهات البلاد من كثرة القصور الشاهقة والأبنية الجليلة ، فبلغ طولها سبعة فراسخ. وإنّ المعتصم أمر عسكره أن يملئوا مخاليهم من التراب ونبذوه في فضاء واسع حتّى صار جبلا عظيما ثمّ بنى عليه قصرا عاليا وأعظم النفقة عليه وأسّس بنيان المسجد الجامع واتسع فضاؤها وارتفع بنيانها وأكثر النفقة عليها ، وجعل في وسط المسجد آنية كبيرة من صخرة ملساء قطرها نصف الذراع وأطرافها ثلاثة وعشرون ذراعا وارتفاعها سبعة أذرع ، وفي جنب المسجد بنى منارة طولها مائة وسبعون ذراعا وكانوا يصعدون عليها من الخارج وهي من عجائب الأبنية حتّى قيل : لم يخلق مثلها قبل ذلك ، انتهى. وهي الآن موجودة في شمالي سامرّاء الحاليّة ويقال لها «الملوية» لالتواء بنائها الهندسي على شكل مخروطي ، يقصدها الزائرون للبلدة ، وهي واقعة في شمال جامع المتوكّل. __________________ (1) شذرات الذهب 2 : 87. وسبب بنائها على هذه الصورة هو ما ذكره اليعقوبي في البلدان (1) قال : أنفق عليه ـ يعني أحمد بن طولون على الجامع ـ مائة وعشرين ألف دينار ، وقال له الصنّاع : على أيّ مثال نعمل المنارة ـ وما كان يعبث قطّ في مجلس ـ؟ فأخذ درجا من الكاغذ وجعل يعبث به فخرج بعضه وبقي بعضه في يده فعجب الحاضرون __________________ (1) البلدان : 130 طبع النجف. فقال : اصنعوا المنارة على هذا المثال ، فصنعوها. ولمّا تمّ بناء الجامع رأى أحمد بن طولون في منامه كأنّ الله تعالى قد تجلّى للمقصورة التي حول الجامع ولم يتجلّ للجامع ، فسأل المعبّرين فقالوا : يخرب ما حوله ويبقى قائما وحده. فقال : من أين لكم هذا؟ قالوا : من قوله تعالى : (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا)(1) وقوله صلىاللهعليهوآله : «إذا تجلّى الله لشيء خضع له» وكان كما قالوا. وجاء في كتاب الآثار العراقيّة (2) : إنّ أضخم وأبرز العمارات الباقية من مدينة سامرّاء القديمة هو الجامع الكبير المذكور في الكتب القديمة باسم المسجد الجامع ، ومأذنته المعروفة بين الناس باسم الملوية. والملوية مأذنة مخروطيّة الشكل تستند إلى قاعدة مربّعة يصعد إلى قمّتها من سطح مائل عريض يدور حولها من خارجها دوران الحلزون ، يبلغ طول ضلع القاعدة اثنين وثلاثين مترا غير أنّ قطر القمّة يصبح ستّة أمتار ، أمّا مجموع ارتفاع المأذنة عن سطح الأرض فيبلغ اثنين وخمسين مترا. تبدأ المرقاة الحلزونيّة التي تضمن الصعود إلى القمّة من وسط الضلع الجنوبي المقابل لجدار الجامع نفسه وتدور حول محور المأذنة باتجاه معاكس لا تجاه دوران عقرب الساعة خمس مرّات إلى أن تصل إلى باب القمّة الذي ينفتح هو أيضا في وسط القسم الجنوبي ، والقمّة تكون أسطوانة يبلغ ارتفاعها ستّة أمتار وهي مزدانة بروازين عمياء مدبّبة العقد ومتقعّرة السطح ، عدد هذه الروازين العمياء ثمان غير أنّ إحداها تقوم مقام باب ينفذ إلى داخل الأسطوانة ، ويوصل إلى ذروييها بواسطة درج حلزوني يدور داخلها حول محورها وتدلّ المعالم الموجودة على أنّ هذه القمّة __________________ (1) الأعراف : 143. (2) هو كتاب صغير مصوّر في سبع وسبعين صفحة ، نشرته مديريّة الآثار العراقيّة وطبع سنة 1940 م في بغداد يبحث فيه عن تاريخ سامرّاء بشكل وجيز نافع ، وننقل عنه هنا حرفيّا تارة وتلخيصا في بعض الأحيان. كانت متوّجة بسقيفة خشبيّة. تقع هذه المأذنة خارج الجامع على بعد خمسة وعشرين مترا من ضلعه الشمالي ، كانت الملوك تعرّضت إلى تخريبات كثيرة ولا سيّما في قاعدتها وفي لوالبها الأولى حتّى أنّ معالم قاعدتها كادت تزول تماما فقامت مديريّة الآثار العراقيّة بإعمال الصيانة اللازمة لها خلال سنة 1937 ميلادي فأظهرت أسس القاعدة وأعادت بناءها وعمّرت اللوالب كما أعادت المرقاة (1). __________________ (1) الآثار العراقيّة : 43. ولنذكر نقاط رئيسيّة من ريّ سامرّاء (1) مضافا على ما ذكرنا ، قال : إنّ المتوكّل بنى مسجدا جامعا كبيرا وأعظم النفقة عليه ، ويمتاز هذا الجامع مع مأذنته من بقيّة الجوامع بفسحه وضخامته وبمأذنته الغريبة. أمّا بناء الجامع فلم يبق منه غير جدرانه الخارجيّة التي تحيط بساحته مستطيلة طولها 240 متر وعرضها 158 متر ، ويبلغ ارتفاع الجدران زهاء عشرة أمتار ، وثخنها حوالي المترين ، وهي مبنيّة بالآجر. ويستدلّ من استكشاف هرزفلد على أنّه كان في حرم المسجد 25 رواقا ، والأوسط منها أكثر اتساعا من البقيّة ، وجملة عدد الأعمدة 488 عمود ، وكانت السقوف ترتكز على العمد مباشرة دون طبقات من البناء ، وكان في وسط المسجد فوّارة عظيمة وهي التي ذكرها ووصفها المستوفي بأنّها كانت من قطعة واحدة من الحجر محيطها 23 ذراع وارتفاعها سبعة أذرع ، وثخنها نصف ذراع ، وكانت تعرف ب «كأس فرعون». وروى المستوفي أيضا أنّ مأذنة المسجد كان ارتفاعها 170 ذراعا يرقى إليها من الخارج وهي منفردة في طرزها ، ولم يبن نظيرها من قبل. وقد اثبتت حفريّات هرزفلد أنّ الأساس الأسطواني لقاعدة الفوّارة كان مبنيّا بالطوب ومؤنة الجير والرماد. أمّا كأسها فكانت مرتكزة على قاعدة مكسوّة بالرخام وقد عثر بجوار الفوّارة خارج الأساس الأسطوانيّ على قطع من أعمدة الرخام والتيجان ، وعلى زخارف جصيّة منقوشة ومذهّبة ومحلّات بالفسيفساء الزجاجيّة ولذلك يظنّ أن قد كانت سقيفة من الخشب محمولة على دائرة من الأعمدة مرفوعة فوق هذه الناقورة المسماّة «كأس فرعون». وقد ثبت لنا من تدقيقاتنا أنّ الفوّارة هذه كانت تستمدّ مياهها من القناة التي أنشأها المتوكّل لإيصال المياه إلى مدينة سرّ من رأى وهي القناة التي كانت تبدأ من __________________ (1) ريّ سامرّاء 1 : 108. شمال الدور فتسير إلى مسافة حوالي أربعين كيلومترا حتّى تصل إلى العاصمة. إلى أن قال : وقد بلغت النفقة على المسجد خسمة عشر ألف ألف درهم ـ كما روى ياقوت الحموي ـ أو يساوي ستّمأة ألف دينار. أمّا تاريخ إنشائه فقد ذكر سبط ابن الجوزي أنّ بدء بنائه سنة 234 هجري وسنة 849 ميلادي وكان الانتهاء منه في سنة 237. إلى حالتها السابقة سنة 1355 هجريّة. وأمّا الجامع نفسه فلم يبق منه شيء قائم غير جدرانه الخارجة التي تحيط بساحة مستطيلة طولها نحو مائتين وأربعين مترا ، وعرضها مائة وستّين مترا ، وثخن الجدران لا يقلّ عن مترين ، وارتفاعها يناهز عشرة أمتار ، ومع هذا فهي مدعومة عن خارجها بأبراج نصف أسطوانيّة يبلغ عددها أربعين برجا ؛ أربعة منها في الأركان ، وثمانية في كلّ ضلع من الضلعين الجنوبي والشمالي ، وعشرة في كلّ ضلع من الضلعين الشرقي والغربي ، وإنّ قطع الجدار الواقعة بين الأبراج مزدانة في قسمها الأعلى بستّ خسفات مربّعة ، يظهر في وسط كلّ واحدة منها خسفة مستديرة مقعّرة ، اكتسب الجدار رونقا وجمالا ، ويظهر على كلّ قطعة من قطع الجدار هذه شقّ شاقوليّ منتظم لا شكّ في أنّه كان يحتوي على المواسير المخصصة لتصريف مياه الأمطار التي تهتدّ على سطح الجامع ، وليس للجدران نوافذ إلّا في القسم الأعلى من الضلع الجنوبي حيث توجد سلسلة نوافذ تظهر هذه النوافذ من الخارج كفتحات ضيقة مستطيلة غير أنّها تأخذ من الداخل هيئة شبابيك جميلة ، يتألّف كلّ واحد منها من دخلة مستطيلة الشكل ، يظهر داخلها عمودان من الآجر يحملان طاقا مكوّنا من خمس حنايا ، ويقع المحراب في منتصف هذا الضلع وينفتح في طرفيه بابان يؤدّيان إلى بناية صغيرة كانت قائمة خلف المحراب ، وإنّ المحراب كان قد تهدّم فأخذ شكل باب غير أنّ مديريّة الآثار القديمة أبرزت معالمه من تحت الإنقاض وأعادت بناء القسم الأسفل منه لإعطاء فكرة عامّة عن سابق وضعه. ويلاحظ في ساحة الجامع بين جدرانه الأربعة سلسلة آكام تدلّ على مواقع الأعمدة وتساعد على تصوّر منظر الجامع الداخلي في حالته الأصليّة ، وكان في وسط الجامع صحن مكشوف يتوسّط نافورة كبيرة مدوّرة ، وكان بين هذا الصحن والجدران سلسلة أعمدة تكون أروقة وبلاطات عددها عشرة في الجنوب ، وأربعة في الشمال ، وخمسة في كلّ من الشرق والغرب ، وإنّ كلّ صفّ من صفوف الأعمدة التي تمتدّ موازية للضلعين الجنوبي والشمالي يتألّف من أربعة وعشرين عمودا ، وأمّا كلّ صفّ من صفوف الأعمدة التي تمتدّ موازية للضلعين الشرقيّ والغربي فكان يتألّف من أربعة وثلاثين عمودا. وأمّا عدد الأعمدة التي تحدّد الصحن فكان عشرين عمودا في كلّ من الضلعين الشرقي والغربي ، وأربعة عشر في كلّ من الضلعين الشمالي والجنوبي ما عدا الكائنة في الزوايا الأربع من الصحن ، فكان عدد الأروقة التي تفضي إلى الصحن خمسة عشر في الشمال والجنوب ، واثنين وعشرين في الشرق والغرب. وأمّا عدد الأروقة الموازية للضلع الجنوبي فكان عشرة ، والموازية لكلّ من الضلعين الشرقي والغربي خمسة ، والموازية للضلع الشمالي أربعة ، وإنّ جميع الأعمدة كانت مبنيّة بالآجر وقائمة على قواعد مربّعة غير أنّها كانت تأخذ شكلا مثمّنا فوق القاعدة ، تاركة بذلك محلّا لركز عمود رخامي في كلّ زاوية من زواياها الأربع ، وهذه الأعمدة كانت تحمل السقف الخشبي مباشرة دون أن ترتبط بطوق وعقود. فيظهر من التفاصيل الآنفة الذكر أنّ الجامع المذكور كان شبيه من حيث الترتيبات الداخليّة والتخطيط العام للمساجد التي شيّدت في العصور الأولى للهجرة في الكوفة وواسط والقاهرة والقيروان وسائر البلدان ، والفرق بين جامع سامرّا وتلك الجوامع ينحصر من حيث التخطيط العام في الأبعاد وفي عدد الأعمدة والبلاطات وفي كيفيّة التسقيف ، غير أنّ هذا الجامع يمتاز عن جميعها بفسحته وضخامته أوّلا ، وبمأذنته ثانيا. وكان الجامع محاطا من جميع جهاته بساحة فسيحة مسوّرة بجدار تظهر معالمه للأنظار من بعض المحلّات المرتفعة ، وكان طول هذا السور أربعمائة وأربعة وأربعين مترا ، وعرضه ثلاثمائة وستّة وسبعين مترا. أمّا تاريخ بنائه كما يذكر سبط ابن الجوزي : إنّ المتوكّل بدأ ببنائه في سنة مائتين وأربع وثلاثين ، والانتهاء منه في سنة مأتين وسبع وثلاثين. ويذكر ياقوت الحموي بأنّ البناء بلغة قيمته خمسة عشر ألف ألف درهم. كثرة قصور سامرّاء والأبنية الجليلة فيها قال المسعودي في مروج الذهب في تاريخ المتوكّل : لم يبن أحد من الخلفاء بسرّ من رأى من الأبنية الجليلة مثل ما بناه المتوكّل ، ثمّ عدّ خمسة عشر قصرا ونحن نذكر ما عثرنا عليه منه ومن غيره على ترتيب الحروف : الأحمدي قال الحموي في المعجم : الأحمدي اسم قصر كان بسامرّاء ، عمّره أبو العبّاس أحمد بن المعتمد على الله بن المتوكّل فسمّي به. وقال بعض أهل الأدب : اجتزت بسامرّاء فرأيت على جدار من جدران القصر المعروف بأحمدي مكتوب عليه هذه الأبيات : في الأحمديّ لمن يأتيه معتبر لم يبق من حسنه عين ولا أثر غارت كواكبه وانهدّ جانبه ومات صاحبه واستفظع الخبر وقال في المراصد والمنجّم : إنّ الأحمدي ـ بياء النسبة ـ اسم لقصر كان بسامرّاء ، عمّره أبو العبّاس أحمد بن المعتمد على الله ابن المتوكّل. قصر الأشناس في شمال سامرة الحالية وغرب سامرة القديمة في موضع يقال له الكرخ ، يعرف اليوم عند أهالي سامرة بشناس ، وهبه المعتصم لأشناس كما تقدّم ، وكان أشناس من أتراك العجم ، وكان مملوكا للفضل بن سهل ذي الرياستين اشتراه المعتصم. وقال اليعقوبي : كان مملوكا لنعيم بن حازم أبي هارون بن نعيم. فعلا قدره وعظم شأنه حتّى صار من أمراء عسكر المعتصم وكان شجاعا باسلا ، وكان في مقدّمة الجيش الذي وجّهه المعتصم لأخذ بابك الخرّمي الآتي ذكره بصورة تفصيليّة ، وأشرنا إليه فيما تقدّم إجمالا ، وكذا وجّهه المعتصم لفتح العموريّة الروم. قصر البديع قال في المعجم : بديع ـ بالفتح ثمّ الكسر وياء ساكنة وعين مهملة ـ اسم بناء عظيم للمتوكّل بسرّ من رأى ، ومثله في القاموس ، وكان قصر البديع من الأبنية الجليلة في سامرّاء. قصر البرج قال المسعودي في مروج الذهب : قصر البرج أنفق عليه المتوكّل عشرة آلاف ألف درهم. وفي البلدان لليعقوبي (1) : أنفق على البرج ألف ألف وسبعمائة ألف دينار. قصر بزگوار وفي بعض النسخ بلكوار. قال في المعجم في حرب الباء : اسم بيت بناه المتوكّل في قصر له بسرّ من رأى. فقال بعضهم يذكره بعد خرابه ، وكتب على حائطه هذه الأبيات : __________________ (1) البلدان : 215.
هذي ديار ملوك دّبروا زمنا أمر البلاد وكانوا سادة العرب عصى الزمان عليهم بعد طاعته فانظر إلى فعله بالجوسق الخرب وبزكوار وبالمختار قد خليا من ذلك العزّ والسلطان والرتب وجاء في كتاب الآثار العراقيّة (1) : يقع المنقور في أقصى جنوب سامرّاء وهو القصر المذكور في التواريخ باسم بزكوار وبلكوار ، بناه المتوكّل لابنه المعتزّ. قام هرتسفيلد بتنقيبات كبيرة في هذا القصر قبل الحرب العالميّة ، ورسمه المومى إليه حسب مشاهداته برسمين يريان منظر الجدارين القائمين إلى الآن ، والزخارف الجصيّة التي كانت تكسو الجدران المذكورة عند ما اكتشفها هرتسفيلد ، ويظهر من __________________ (1) الآثار العراقيّة : 68. رسمه الصورة أنّ هذا القصر كان من أفسح وأضخم القصور ، طول سوره الخارجي ألف ومائتا متر ، ومساحته تزيد على ثلاثة أضعاف مساحة مدينة سامرّاء الحالية. يرتفع القصر على جرف صخري يبلغ علوّه خمسة عشر مترا ، ويمتدّ تحت هذا القصر المرتفع حديقة فسيحة تظهر فيها آثار مبان متفرّقة. قال اليعقوبي : وأنزل المتوكّل ابنه المعتزّ خلف المطيرة مشرقا بموضع يقال له بلكوار إلى آخر الموضع المعروف بالدور. لقد اختلف المؤرّخون في تسمية هذا القصر ؛ فسماّه ياقوت والطبري باسم بزكوار ، والشابشتي وابن سرابيون باسم بركوارا ، واليعقوبي باسم بلكوار. ذكر في ريّ سامرّاء وقال : وكان للبناء ثلاثة أبواب تقع في منتصف الجدران الثلاثة غير المطلّة على النهر أي الشماليّة والشرقيّة والغربيّة ، يخترق البناء شارعان رئيسيّان متقاطعان ، وكان البناء يشتمل على مجموعة من المنازل للمشاة والحرس ، وكان من ضمن القصر حديقة يحيط بها سور ذو دعامات أو قصور وينتهي عند الشاطي نفسه سقيفات غنيّة بالزخارف ، وإلى جانب الحديقة مرقاة للسفن ، وفي وسطها حوض للماء. وقال الشابشتي في كتابه الديارات : وبنى المتوكّل قصره المعروف ببركوارا ، ولمّا فرغ من بنائه وهبه لابنه المعتزّ وكان من أحسن أبنية المتوكّل وأجلّها ، وبلغت النفقة عليه عشرين ألف ألف درهم. أمّا موضع قصر بزكوار وتاريخ إنشائه فقد ذكر اليعقوبي أنّ المتوكّل أنزل ابنه المعتزّ خلف المطيرة مشرقا بموضع يقال له بلكوار ، فاتصل البناء من بلكوار إلى آخر الموضع ، وإنّ المتوكّل بنى مدينة جديدة سمّاها الجعفريّة واتصل البناء من الجعفريّة إلى الموضع المعروف بالدور ثمّ بالكرخ وسرّ من رأى مارّا إلى الموضع الذي كان ينزله ابنه أبو عبد الله المعتزّ ، ليس بين شيء من ذلك فضاء فارغ ولا موضع إلّا عمارة فيه ، فكان مقدار ذلك سبعة فراسخ. قصر البهو قال المسعودي في مروج الذهب : أنفق عليه المتوكّل خمسة وعشرين ألف ألف درهم. قصر التل قال في مروج الذهب : أنفق عليه المتوكّل خمسة آلاف ألف درهم ؛ علوّه وسفله. والذي يظهر من التواريخ أنّ قصر التل اثنان. قال محمّد خداوند شاه في خاتمة روضة الصفا : إنّ المعتصم أمر عساكره أن يملأوا مخالبهم من التراب الأحمر ونبذوه في فضاء واسع حتّى صار جبلا عظيما ، ثمّ بنى عليه قصرا عاليا وأعظم النفقة عليه. وأمّا تلّ العليق الذي يعرف باسم تلّ العليج عند أهالي سامرّاء ، فقد ادّعى هرتسفيلد الألماني أنّه موضع قصر كما جاء في كتاب الآثار القديمة العراقيّة (1) : إنّ تلّ العليق يقع في الجبهة الشماليّة من الجامع ، والشماليّة الشرقيّة من بيت الخليفة. وقال : إنّ صورة الرسم المأخوذة ترى منظر التلّ من جهة الشمال حيث تظهر في الأفق خرائب بيت الخليفة من جهة ، والمسجد والجامع والملوية من جهة أخرى. وذلك التلّ محاط بخندق عريض دائري ، والضفة الخارجيّة من الخندق المذكور محدودة بسور منتظم ، ارتفاع التلّ عن السهل المجاور نحو خمسة وعشرين مترا. وأمّا عمق الخندق فنحو ثلاثة أمتار ، وقطر التلّ نحو مائتي متر. وأمّا قطر السور المحيط به وبالخندق فنحو أربعمائة وخمسين مترا. ويعلّل الناس تسمية هذا التلّ برواية يتناقلونها أبا عن جدّ ، وهي أنّ التلّ __________________ (1) الآثار القديمة العراقيّة : 60. تكون من التراب الذي نقله الجنود الخيّالة بعليق خيولهم ويروون أنّ الخليفة المتوكّل أراد أن يظهر كثرة جنوده بدليل عيانيّ محسوس ، فأمر بأن يملأ كلّ واحد من جنوده الخيّالة عليقه بالتراب ثمّ يرميه هناك والتلّ قد تكون من التراب الذي تجمع هذا الوجه. ومن المؤكّد أنّ التلّ اصطناعيّ وقد تكون على طريقة حفر خندق عريض مستدير ، وتكويم التراب الذي يرفع منه فوق الدائرة الباقية داخله. ولقد درس هرتسفيلد الألماني هذا التل خلال تنقيباته في سامرّاء قبل الحرب العالميّة وعلم أنّه كان على قمّته قصر صغير مربّع الشكل مقسّم إلى تسع غرف متلاصقة واحدة في الوسط وأربعة متصلة بأضلاع هذه الغرفة على شكل اواوين مفتوحة ، والأربعة الأخرى بين أضلاع الأواوين المذكورة. قال : ولا شكّ في أنّ القصد من تكوين هذا التلّ في وسط السهل ، وتشييد هذا القصر الصغير فوق التل كان للتفرّج على السهل من محلّ مرتفع يمتدّ فيه النظر وتكثر فيه الرياح. ويظهر أنّ الحير الذي يقول فيه اليعقوبي في البلدان (1) «وخلف الحائط الوحش من الظباء والحمير والأيايل والأرانب والنعام» كان يقع حول هذا التل كما أنّ إحدى حلبات السباق كانت تبدأ من جهته الجنوبيّة. ولكن الراوندي وغيره من المحدّثين يذكرون وجها آخر لتسميته بتلّ العليق. قال الراوندي في الخرايج (2) في عداد معجزات أبي الحسن الهادي عليهالسلام ما هذا لفظه : ومنها حديث تلّ المخالي ، وذلك أنّ المتوكّل أمر العسكر وهم تسعون ألف فارس من الأتراك الساكنين بسرّ من رأى أن يملأ كلّ واحد منهم مخلاة فرسه من الطين __________________ (1) البلدان : 263 طبع ليدن. (2) الخرايج والجرايح : 212 طبع ايران. الأحمر ويجعلوا بعضه على بعض وسط برية واسعة هناك ، فلمّا فعلوا ذلك صار مثل جبل عظيم ثمّ صعد فوقه واستدعى أبا الحسن الهادي عليهالسلام وقال : استحضرتك لنظارة خيولي وقد كان أمرهم أن يلبسوا التجافيف ويحملوا الأسلحة وقد عرضوا بأحسن زينة وأتمّ عدّة وأعظم هيئة وكان غرضه أن يكسر قلب كلّ من يخرج عليه ، وكان خوفه من أبي الحسن عليهالسلام أن يأمر أحدا من أهل بيته أن يخرج على الخليفة. فقال له أبو الحسن : وهل تريد أن أعرض عليك عسكري؟ قال : نعم. قال : فدعا الله سبحانه وتعالى فإذا بين السماء والأرض من المشرق إلى المغرب ملائكة مدججون ، فغشي على الخليفة ، فقال له أبو الحسن عليهالسلام لمّا أفاق من غشوته : نحن لا ننافسكم في الدنيا ، نحن مشتغلون بأمر الآخرة ، فلا عليك منّي ممّا تظنّ بأس ؛ فلأجل ذلك سمّي الإمام أبو الحسن عليّ الهادي عليهالسلام بالعسكري. قصر الدكّة وكان في الحدود الشماليّة الغربيّة لساحة الحير قصر سمّي بالدكّة على ما ذكر في ريّ سامرّاء ، وقال : كان هذا القصر يقع على ضفة نهر القاطول الكسروي اليمنى في شرقي تلّ العليق وكان أمامه بركة مدوّرة تستمدّ مياهها من فرع ينشعب من قنات سامرّاء وهي القناة التي حفرها المتوكّل لإيصال مياه دجلة إلى مدينة سامرّاء كما كانت أمامه ساحة واسعة تبلغ مساحتها حوالي 1500 دونم (مشارة) وكانت الساحة مدوّرة بجدار على شكل مستطيل قائم الزوايا يمتدّ الضلع الشمالي مسافة حوالي كيلومترين ونصف بين ضفة القاطول الكسروي وتلّ العليق. إلى أن قال : وقد ذكر الطبري موقع الدكّة فيما رواه عن حادثة صالح بن وصيف سنة 256 ، وجاء ذكر موقع قصر الدكّة أيضا بمناسبة أخرى في الطبري ويرجّح أن يكون قصر الدكّة المذكورة القصر الذي كان يعرف باسم قصر الساج بدليل أنّ البحتري لمّا وصف هذا القصر لم أجد أثر آخر ينطبق عليه وصف البحتري وإنّ هذا القصر يقع خارج سامرّاء في ساحة خضراء مليئة الأشجار المورقة والمزهرة والمثمرة ، وهذا نصّ أبيات البحتري في وصف القصر : شجر على خضر ترفّ غصونه من مزهر أو مثمر أو مورق وكأنّ قصر الساج حلّة عاشق برزت لوامقها بوجه مونق قصر تكامل حسنه في قلّة بيضاء واسطة لبحر محدق دانى المحل فلا المزار بشاسع عمّن يزور ولا الفناء بضيّق قدّرته تقدير غير مفرّط وبنيته بنيان غير مشفّق ووصلت بين الجعفريّ وبينه بالنهر يحمل من جنوب الخندق
نهر كأنّ الماء في حجراته إفرند متن الصارم المتأنّق فإذا الرياح لعبن فيه بسطن من موج عليه مدرّج مترقرق ألحقه يا خير الورى بمسيره وامدد فضول عبابه المتدفّق قصر الجعفري قال الحموي في المعجم في حرف الجيم : بناه جعفر المتوكّل على الله ابن المعتصم قرب سامرّاء قصرا بموضع يسمّى الماحوزة فاستحدث عنده مدينة وانتقل إليها وأقطع القوّاد منها قطايع فصارت أكبر من سامرّاء ، شقّ إليها نهرا فوهته على عشرة فراسخ من الجعفري يعرف بجبّة دجلة ، وفي هذا القصر قتل المتوكّل في شوّال سنة 247 فعاد الناس إلى سامرّاء. وفي كتاب أبي عبد الله بن عبدوس قال : وفي سنة خمس وأربعين ومائتين بنى المتوكّل الجعفري وأنفق عليه ألفي ألف دينار ، وكان المتولّي لذلك دليل بن يعقوب النصراني كاتب بغا الشرابي ، وكان كلّ دينار في أيّام المتوكّل خمسة وعشرين درهما.
| |
|
| |
الشيخ شوقي البديري الشيخ شوقي البديري
عدد المساهمات : 2973 نقاط : 4624 تاريخ التسجيل : 17/06/2012 العمر : 59 الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق
| موضوع: رد: ماثر الكبرى في تاريخ سامراء ج1 الجمعة أكتوبر 25, 2024 5:43 am | |
| قال : ولمّا عزم المتوكّل على بناء الجعفري تقدّم إلى أحمد بن إسرائيل بأن يختار رجلا يتقلّد المستغلّات بالجعفري من قبل أن يبنى وإخراج فضول ما بناه الناس من المنازل فسمّى له أبا الخطّاب الحسن بن محمّد الكاتب فكتب أبو الخطّاب الحسن بن محمّد إلى أبي عون لمّا دعا إلى هذا العمل : إنّي خرجت إليك من أعجوبة ممّا سمعت به ولمّا تسمع سمّيت للأسواق قبل بنائها ووليت فضل قطائع لم تقطع فلمّا انتقل المتوكّل من سامرّاء إلى الجعفري انتقل معه عامّة أهل سامرّاء حتّى كادت تخلو فقال في ذلك أبو علي البصري الحسين بن الضحّاك (1) هذه الأبيات : إنّ الحقيقة غير ما يتوهّم فاختر لنفسك أيّ أمر تعزم أتكون في القوم الذين تأخّروا عن حظّهم أم في الذين تقدّموا لا تقعدنّ تلوم نفسك حين لا يجدي عليك تلوّم وتندّم أضحت قفارا سرّ من راما بها إن لم تكن تبكي بعين تسجم كانت تظلّم كلّ أرض مرّة منهم فصارت بعدهنّ تظلّم رحل الإمام فأصبحت وكأنّها عرصات مكّة حين يمضي الموسم __________________ (1) أبو علي الحسين بن الضحّاك بن ياسر ، الشاعر البصري الخراساني ، أقام في سامرّاء دهرا طويلا ، كان من الشعراء المتصلين بمجالسة الخلفاء ، اتصل بالأمين في سنة 178 ولم يزل مع الخلفاء بعده إلى أيّام المستعين ، وتوفّي سنة 250 وقد قارب عمره مائة سنة ، ويلقّب بالخليع لكثرة مجونه وخلاعته ، وله في مدح سامرّاء قصيدة أوّلها : سرّ من رأى أسر من بغداد فله عن بعض ذكرها المعتاد وله قصيدة في مدح الحجّة عجّل الله فرجه سيأتي في الأجزاء الآتية. ومن شعره : سل بخدّي خدّيك تلق عجيبا من معان يحار فيها الضمير فبخدّيك للربيع رياض وبخدّي للدموع غدير ولا يخفى أنّ الخليع هذا غير الخليع الموصلي الحلّي الشيعي الذي هو من شعراء أهل البيت عليهمالسلام وقد ترجمه العلّامة الأميني في الجزء السادس من الغدير الصفحة 9.
وكأنّما تلك الشوارع بعد ما أخلت أياد من البلاد وجرهم كانت معادا للعيون فأصبحت عظة ومعتبرا لمن يتوسّم وكأنّ مسجدها المشيد بناؤه ربع أحال ومنزل مترسّم وإذا مررت بسوقها لم تثن عن سنن الطريق ولم تجد من يرحم وترى الذراري والنساء كأنّهم خلف أقام وغاب عنه القيّم فارحل إلى الأرض التي ينحلّها خير البريّة إنّ ذاك لأحزم وانزل مجاورة بأكرم منزل وتيمّم الجهة التي يتيمّم أرض تسالم صيفها وشتاؤها فالجسم بينهما يصحّ ويسلم وصفت مشاربها ورقّ هواؤها والتذّ برد نسيمها المتنسّم سهليّة جبليّة لا تحتوي حرّا ولا قرّا ولا تستوخم وللشعراء في ذكر الجعفري أشعار كثيرة ، ومن أحسن ما قيل فيه قول البحتري (1) : قد تمّ حسن (الجعفري) ولم يكن ليتمّ إلّا بالخليفة جعفر في رأس مشرفة حصاها جوهر وترابها مسك يشاب بعنبر مخضرّة والغيث ليس بساكب ومضيئة والليل ليس بمقمر __________________ (1) البحتري ـ بضمّ الباء الموحّدة وسكون الحاء المهملة وضمّ التاء المثنّاة من فوقها وبعدها راء ـ هذه النسبة إلى بحتر وهو أحد أجداده في عمود نسبه أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي الشاعر المعروف ، كانت ولادته سنة ستّ ومأتين وتوفّي سنة 285 عن ثمانين سنة بمنبج ـ بفتح الميم وسكون النون وكسر الباء الموحّدة بعدها جيم ـ وهي بلدة بالشام بين حلب والفرات ، عذبة الماء ، باردة الهواء ، صلبة الموطأ ، قليلة الأدواء. والبحتري هذا أورده الشيخ عبد الجليل الرازي في شعراء الشيعة وله كتاب حماسة أبي تمام وكتاب معاني الشعر. وكان البحتري لم يزل شعره غير مرتّب حتّى جمعه أبو بكر الصولي ورتّبه على الحروف وجمعه أيضا عليّ بن حمزة الأصبهاني ولم يرتّبه على الحروف بل على الأنواع : ذكره ابن خلّكان في وفيات الأعيان.
ملأت جوانبها السماء وعانقت شرفاتها قطع السحاب الممطر أزرى على همم الملوك وغضّ عن بنيان كسرى في الزمان وقيصر عال على لحظ العيون كأنّما ينظرن منه إلى بياض المشتري وشير دجلة تحته وفضاؤه من لجّة غمر وروض أخضر شجر تلاعبه الرياح فتنثني أعطافه في سائح متفجّر أعطيته محض الهوى وخصصته بصفاء ودّ منك غير مكدّر قال ابن خلّكان في وفيات الأعيان في ترجمة أبي العيناء محمّد بن القاسم بن الخلّاد الأهوازي البصري (1) : إنّه دخل على المتوكّل في قصره المعروف بالجعفري __________________ (1) أبو العيناء هو محمّد بن خلّاد الأهوازي البصري من تلامذة أبي عبيدة والأصمعي وأبي زيد الأنصاري ، كان من أوحد عصره في الشعر ، ولد سنة تسعين ومائة وتوفّي بالبصرة سنة 283 لعشر ليال خلون من جمادى الأولى. دخل سامرّاء وتشرّف بخدمة مولانا أبي محمّد الحسن العسكري عليهالسلام كما رواه الكليني في باب مولد أبي محمّد عن إسحاق بن محمّد النخعي قال : قال أبو العيناء : كنت أدخل على أبي محمّد فأعطش وأنا عنده فأجلّه أن أدعو بالماء ، فيقول عليهالسلام : يا غلام ، اسقه ، وربّما حدّثت نفسي بالنهوض فأفكّر في ذلك فيقول عليهالسلام : يا غلام ، دابّته. قال في الكنى والألقاب : وفيه دلالة على كونه إماميّا حسن الاعتقاد. وقال المسعودي في مروج الذهب : في سنة 280 انحدر أبو العيناء من مدينة السلام إلى البصرة في زورق فيه ثمانون نفسا فغرق الزورق ولم يخلص ممّن كان فيه إلّا أبو العيناء ، وكان ضريرا ، فتعلّق بطلال الزورق فأخرج سالما ، فتلف كلّ من كان فيه ، فبعد أن سلم ودخل البصرة مات. وذكره ابن خلّكان وقال : كان أبو العيناء من الظرفاء والأذكياء ، وكان حاضر الجواب ، يجيب أكثر المطالب بالقرآن المجيد ، ويسستشهد به كثيرا ، وإنّه عمي في حدود أربعين من عمره ، فسئل عنه : ما ضرّك العمى؟ فقال : شيئان : أحدهما إنّه فات منّي السبق بالسلام ، والثاني : إنّه ربّما ناظرت الرجل وهو يعبس ويظهر الكراهيّة وأنا لا أراه حتّى أقطع الكلام. قال ابن خلّكان : دخل يوما على المتوكّل فقال له : كيف شربك للخمر؟ فقال : أعجز عن قليله وأفتضح عند كثيره. فقال له : دع هذا عنك ونادمنا. فقال : أنا رجل مكفوف وكلّ من في مجلسك يخدمك وأنا محتاج أن أخدم ولست آمن من أن تنظر إليّ بعين راض وقلبك عليّ غضبان أو بعين غضبان وقلبك ـ سنة 246 ، فقال له : ما تقول في دارنا هذه؟ فقال : إنّ الناس بنوا الدور في الدنيا وأنت بنيت الدنيا في دارك ؛ فاستحسن المتوكّل كلامه. وقال ابن الأثير في الكامل في حوادث سنة 245 : وفي هذه السنة أمر المتوكّل ببناء الماحوزة وسماّه الجعفري ، وأقطع القوّاد وأصحابه فيها ، وجدّ في بنائها ، وأنفق عليها فيما قيل أكثر من ألفي ألف درهم ، وكان يسمّيها هو وأصحابه المتوكّليّة ، وبنى فيها قصر أسماه لؤلؤ لم ير مثله في علوّه ، وحفر لها نهرا يسقي ما حولها ، فقتل المتوكّل فبطل حفر النهر وأخربت الجعفريّة. ولا يخفى أنّ المتوكّليّة غير قصر الجعفري كما سنتلو عليك. والماحوزة اسم للمكان الذي بنا به الجعفري فعبارة الجزري لا تخلو عن مسامحة. قال أبو الفداء في تاريخ المختصر : وفي سنة ست وأربعين ومائتين تحوّل المتوكّل __________________ ـ راض منّي ، ومتى لم أميّز بين هذين هلكت فأختار العافية على التعرّض للبلاء. فقال المتوكّل : بلغني عنك بذأ في لسانك. فقال : يا أمير المؤمنين ، قد مدح الله تعالى وذمّ ، فقال : (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ، *) وقال : (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ* مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ* عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ ،) وقال الشاعر : إذا أنا بالمعروف لم أثن صادقا ولم أشتم الشكس اللئيم المذمّما ففيم عرفت الخير والشرّ باسمه وشقّ لي الله المسامع والفما قال المتوكّل : فمن أين أنت؟ قال : من البصرة. قال : فما تقول فيها؟ قال : مائها أجاج وحرّها عذاب ، وتطيب في الوقت الذي تطيب فيه جهنّم. قال : ولمّا أسلم نجّاة ابن سلمة إلى موسى بن عبد الله الأصبهاني ليؤدّي ما عليه من الأموال فتلف في مطالبة فاجتمع بعض الرؤساء بأبي العيناء فقال له : ما عندك من خبر نجاة بن سلمة فقال أبو العيناء : (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ) فبلغت كلمته موسى فلقي أبا العيناء في الطريق فهدّده ، فقال له أبو العيناء : (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ.) وفي ريحانة الأدب : قال المتوكّل لأبي العيناء : إنّ سعيد بن عبد الملك يضحك عليك ، فقرأ هذه الآية : (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ.) وقيل له : إنّ إبراهيم بن نوح النصراني يقع فيك ولم يرض منك ، فقرأ أبو العيناء : (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ،) وله نوادر ولطائف كثيرة. إلى الجعفري وكان قد ابتدأ في عمارته سنة 245 وأنفق عليه أموالا تجلّ عن الحصر ، ويقال لمكانه ما حوزة. وقال الحموي في المعجم عند ذكر سامرّاء : وكان المعتصم والواثق والمتوكّل إذا بنى أحدهم قصرا أو غيره أمروا الشعراء أن يعملوا فيه شعرا ، فمن ذلك قول علي ابن الجهم (1) في الجعفري الذي للمتوكّل : وما زلت أسمع أنّ الملو ك تبني على قدر أقدارها وأعلم أنّ عقول الرجا ل تقضي عليها بآثارها __________________ (1) علي بن الجهم بن بدر بن الجهم بن الشامي من بني شامة ابن لؤي ، وضبطه ابن خلّكان السامي بالسين المهملة ، وهذه النسبة إلى سامة بن لؤي. سكن سامرّاء وكان من مشاهير الشعراء ، ونبغ في القرن الثالث وطار صيته في الآفاق ، وله اختصاص بجعفر المتوكّل ، فقرّبه وأكرمه ولكنّه كرهه لما ينقل عنه أنّه كان كثير السعاية بالناس ، فأمر المتوكّل بحبسه ثمّ نفاه بعد سنة ، وكان مع انحرافه عن عليّ بن أبي طالب وإظهار التسنّن مطبوعا مقتدرا على الشعر ، عذب الألفاظ ، فلمّا نفاه المتوكّل إلى خراسان كتب إلى طاهر ابن عبد الله بن الطاهر بن الحسين أنّه إذا ورد عليه صلبه يوما ، فوصل إلى نيسابور فحبسه طاهر ثمّ أخرجه فصلبه مجرّدا نهارا كاملا ، ثمّ رجع إلى العراق ثمّ خرج إلى الشام وبعد ذلك ورد على المستعين كتاب من صاحب البريد بحلب أنّ عليّ بن الجهم خرج من حلب متوجّها إلى العراق فخرج عليه وعلى جماعة معه خيل من بني كلب فقاتلهم قتالا شديدا ولحقه الناس وهو جريح بآخر رمق ، فتوفّي في وقته في شعبان سنة 249 ، ومن شعره بعد خلاصه من السجن : قالوا حبست فقلت ليس بضائري حبسي وأيّ مهنّد لا يغمد أو ما رأيت الليث يألف غيلة كبرا وأوباش السباع تردّد والشمس لو لا أنّها محجوبة عن ناظريك لما أضاء الفرقد والبدر يدركه السرار فتنجلي أيّامه وكأنّه متجدّد ريحانة الأدب فلمّا هجاه مروان بن أبي حفصة وكان بينهما عداوة شديدة قال في جوابه : بلاء ليس يعد له بلاء عدوة غير ذي حسب ودين يبيحك منه عرضا لم يصنه ويرتع منك في عرض مصون وسيأتي في ترجمة المتوكّل هجوه.
فلمّا رأينا بناء الإما م رأينا الخلافة في دارها بدايع لم ترها فارس ولا الروم في طول أعمارها ولا يوم ما شيد الأوّلو ن وللفرس آثار أحرارها وكنّا نحسّ لها نخوة فطامنت نخوة جبّارها وأنشأت تحتجّ للمسلمين على ملحديها وكفّارها صحون تسافر فيه العيو ن إذا ما تجلّت لأبصارها وقبّة ملك كأنّ النجو م تضيء إليها بأسرارها نظمن الفسافس نظم الحلي لعوب النساء وأبكارها لو أنّ سليمان أدّت له شياطينه بعض أخبارها لأيقن أنّ بني هاشم تقدّمها فضل أخطارها قال اليعقوبي في البلدان (1) : عزم المتوكّل أن يبني مدينة ينتقل إليها وتنسب إليه ويكون له بها الذكر ، فأمر محمّد بن موسى المنجّم ومن يحضر بابه من المهندسين أن يختاروا موضعا ، فوقع اختيارهم على موضع يقال له الماحوزة ، وقيل له : إنّ المعتصم قد كان على أن يبني هاهنا مدينة ويحفر نهرا قد كان في الدهر القديم ، فاعتزم المتوكّل على ذلك وابتدأ النظر فيه في سنة 345 ووجّه في حفر ذلك النهر ليكون وسط المدينة فقدّر النفقة على ألف ألف وخمسمائة ألف دينار ، فطاب نفسا بذلك فرضي به ، وابتدأ الحفر وأنفقت الأموال الجليلة على ذلك النهر واختطّ موضع قصوره ومنازله ولاة عهوده وسائر أولاده وقوّاده وكتّابه وجنده والناس كافّة ، ومدّ الشارع الأعظم من دار أشناس التي بالكرخ وهي التي صارت للفتح ابن خاقان مقدار ثلاثة فارسخ إلى قصوره ، وجعل دون قصوره ثلاثة أبواب __________________ (1) البلدان : 32. عظام جليلة يدخل منها الفارس برمحه ، وأقطع الناس يمنة الشارع الأعظم ويسرته ، وجعل عرض الشارع الأعظم مأتي ذراع ، وقدّر أن يحفر في جنبي الشارع نهرين يجري فيهما الماء من النهر الكبير الذي يحفره ، وبنيت القصور وشيّدت الدور وارتفع البناء ، وكان يدور بنفسه فمن رآه قد جدّ في البناء أجازه وأعطاه ، فجدّ الناس ، وسمّى المتوكّل هذه المدينة الجعفريّة ، واتصل البناء من الجعفريّة إلى الموضع المعروف بالدور ثمّ بالكرخ وسرّ من رأى مادّا إلى الموضع الذي كان ينزله ابنه المعتزّ ليس بين شيء من ذلك فضاء ولا فرج ولا موضع لا عمارة فيه ، فكان مقدار ذلك سبعة فراسخ. وارتفع البنيان في مقدار سنة ، وجعلت الأسواق في موضع معتزل ، وجعل في كلّ مربّعة وناحية سوقا ، وبني المسجد الجامع ، وانتقل المتوكّل إلى قصور هذه المدينة أوّل يوم من المحرّم سنة سبع وأربعين ومأتين ، فلمّا جلس أجاز الناس بالجوائز السنيّة ووصلهم ، وأعطى جميع القوّاد والكتّاب ومن تولّى عملا من الأعمال ، وتكامل له السرور وقال : الآن علمت أنّي ملك إذ بنيت لنفسي مدينة سكنتها ، ونقلت الدواوين ؛ ديوان الخراج وديوان الضياع وديوان الزمام وديوان الجند والشاكرية ، وديوان الموالي والغلمان ، وديوان البريد ، وجميع الدواوين ، إلّا أنّ النهر لم يتمّ أمره ولم يجر الماء فيه إلّا جريا ضعيفا لم يكن له اتصال ولا استقامة ، على أنّه قد أنفق عليها شبيها بألف ألف دينار ولكن كان حفره صعبا جدّا إنّما كانوا يحفرون حصا وأفهارا ، لا يعمل فيها المعاول. وأقام المتوكّل نازلا في قصوره بالجعفريّة تسعة أشهر وثلاثة أيّام ، ثمّ قتل لثلاث خلون من شوّال سنة 247 في قصره الجعفري أعظم القصور شؤما ، وولي محمّد المنتصر بن المتوكّل فانتقل إلى سرّ من رأى ، وأمر الناس جميعا بالانتقال عن الماحوزة وأن يهدموا المنازل ويحملوا النقض إلى سرّ من رأى ، فانتقل الناس وحملوا نقض المنازل إلى سرّ من رأى وخربت قصور الجعفريّة ومنازله ومساكنه وأسواقه في أسرع مدّة ، وصار الموضع موحشا لا أنيس به ولا ساكن فيه ، والديار بلاقع كأنّها لم تعمر ولم تسكن. ومات المنتصر بسرّ من رأى في شهر ربيع الآخر سنة 248 وولى المستعين أحمد ابن محمّد المعتصم فأقام بسر من رأى سنتين وثمانية أشهر حتّى اضطربت أموره فانحدر إلى بغداد في المحرّم سنة 251 فأقام بها يحارب أصحاب المعتزّ سنة كاملة بسرّ من رأى معه الأتراك وسائر الموالي ، ثمّ خلع المستعين وولي المعتزّ فأقام بها حتّى قتل ثلاث سنين وستّة أشهر بعد خلع المستعين ، وبويع محمّد المهدي بن الواثق في رجب سنة 245 فأقام حولا كاملا ينزل الجوسق حتّى قتل وولي أحمد المعتمد بن المتوكّل فأقام بسرّ من رأى في الجوسق وقصور الخلافة ثمّ انتقل إلى الجانب الغربي بسرّ من رأى فبنى قصرا موصوفا بالحسن سمّاه «المعشوق» فنزله فأقام به حتّى اضطربت الأمور فانتقل إلى بغداد ، ثمّ إلى المدائن ، ولسرّ من رأى منذ بنيت وسكنت إلى الوقت الذي كتبنا فيه كتابنا هذا خمس وخمسون سنة ملك بها ثمانية خلفاء. وإلى ذلك أشار العلّامة الخبير الشيخ محمّد السماوي في وشايح السرّاء في شأن سامرّاء (1) : قد عمّر في المائتين بعدها إحدى وعشرون فحافظ عدّها وهدّمت في التسع والسبعينا فكان عمرها زها ستّينا وجوّها طلق وتربها نقي والماء جار بالهوا المصفق حلّ بها معتصم وواثق ومتوكّل عليها وامق ونجله المنتصر المبتزّ ومستعين القوم والمعتزّ والمهتدي من بعد ثمّ المعتمد وتاسع القوم الأخير المعتضد وهو الذي أقام في بغداد من ضغط الأتراك والأجناد فظعن المقيم فيها وترك تلك القصور والرياض والبرك وخرّبت تلك المباني أجمع وعادت الديار وهي بلقع __________________ (1) وشايح السرّاء في شأن سامرّاء : 4.
فانظر إلى شارعها في الطول من منتهى الدور إلى القاطول كيف غدت تهوي به المباني كالرجم في النجم بلا توان وقال محمّد خداوند شاه في خاتمة روضة الصفا : لمّا ولي المتوكّل زاد في عمارة سامرّاء وكان حريصا به جدّا فأسّس بناء قصر لم ير مثله في بلاد العرب والعجم في العظمة والارتفاع والزينة سماّه قصر الجعفري ، ثمّ إنّه لمّا أمر بهدم قبر الحسين عليهالسلام ومنع الزوّار عن زيارته لم تنقض الأيّام والليالي إلّا وخربت قصور الجعفري كأنّها لم تكن شيئا مذكورا ، فمحا الحدثان معالمها ، وعفت العواصف آثارها. هذه كلمات أرباب التاريخ في وصف قصر الجعفري سردناها لك ومنها يتّضح لك اتضاحا أنّ البناء الموجود الذي يبعد عن سامرّاء الحاليّة نحو ألفين وخمسمائة متر من جهة الشمال ليس من آثار قصر الجعفري كما زعمه الأستاذ توفيق الفكيكي زاعما أنّه يعرف اليوم باسم الخلفاء عند أهالي سامرّاء ؛ لأنّ قصر الجعفري كما عرفت آنفا أمر المنتصر بهدمه وهدم منازله بحيث لا يبقى له أثر وكأنّه لم يكن شيئا مذكورا وهذا البناء الموجود اليوم كأنّه واقع في قبّة البلدة على حسب الآثار ، وقصر الجعفري كان في خارج سامرّاء ، وقد سمعت آنفا أنّ البناء من قصر الجعفري اتصل إلى الموضع المعروف بالدور ثمّ بالكرخ ثمّ بسرّ من رأى مادّا إلى الموضع الذي كان ينزله ابنه المعتزّ ، والمعتزّ كان خلف المطيرة المعروف بقصر بزكوار ، فالقاصد إلى الجعفري من بزكوار يمرّ أوّلا بسرّ من رأى ثمّ بالكرخ ثمّ بالدور ثمّ بالجعفري. وأمّا البناء الموجود فمن خرج إليه من سامرّاء الحاليّة يصل إليه أوّلا ثمّ يمرّ إلى الكرخ ثمّ الدور ، والله أعلم بحقائق الأمور. ويحتمل أن يكون هذا البناء من آثار قصر الحير كما ستعرف بعد هذا. ونشر الأستاذ الفكيكي في مجلّة الحضارة النجفيّة مقالة في صفة قصر الجعفري قال : لمّا انتضى سيف عزمه ـ أي المتوكّل ـ في إنشاء وتأسيس هذا القصر هدم من قصور سامرّاء قصري البديع والمختارة ونقل زخارفهما وحجارتهما إليه ، وقد أنفق عليه من الدنانير ألفي ألف دينار وخمسين ألف ألف درهم حتّى جعله من أفخر القصور بناء وأشمخها علوّا وأبهرها منظرا وأعجبها صنعة وأطيبها أنسا وأجملها زينة ، فهو بين قصور سامرّاء وبروجها وحصونها كالشمس المشرقة أو كالبلد المنير بل كان على حدّ قول الشاعر : شمس ولا كالشمس عند زوالها بدر ولا كالبدر في نقصانه أمّا جدران هذا البرج الشامخ فحجارة من حجر الكلداني أيضا وكلّها موشاة بالصدف الملوّن وبالمرايا والقطع الفضّيّة المطلية بماء الذهب فكانت صفحة الجدار كموشى الحلل في زينتها أو مونق عصب اليمن في رونقها ، وفيه من الغرف ما لا يعدّ ولا يحصى ، مفروشات وغير مفروشات ، وتبلغ ساحته ألفا ومأة متر طولا وعرضها مأتين وخمسين مترا وجميعها مفروشة بالطابوق ، وهو واقع في الجانب الشرقي من دجلة ويبعد من ساحته زهاء ألف متر ، وتوجد بقرب بابه الشرقي بركة ماء مطلية صفحائها بالرصاص ، ومن هذه البركة كان يتوزّع الماء إلى حمّام وأماكن القصر بواسطة أنابيب من الرخام الأبيض. قال : وقد نقل لي أحد أفاضل سامرّاء أنّ الدكتور هرتسفيلد الألماني قد حمل معه ما يربو على مأتي صندوق من الآثار الجليلة التي وجدها في الجعفريّة وغيرها حين تنقيبه فيها ومن جملته فصوص ذات ألوان قد كسيت باللجين المكلّل ، ووصف لي هذه الفصوص فقال : بينما ترى تموجاتها حمراء وردية تراها خضراء زبرجديّة وأحيانا صفراء عسجديّة. قال : وإنّا مع الأسف ليس لنا دليل تاريخيّ يرشدنا إلى هيئة وحجم مقصورات القصر وفي يومنا هذا بقي من نفس القصر أيوان كبير مرتفع يبلغ ارتفاعه خمسة وعشرين مترا ، وطوله خمسة عشر مترا ، وعرضه ثمانية أمتار ، ومن طرفيه أيوانان آخران طول كلّ واحد منهما ثمانية أمتار في أربعة أمتار ونصف وخمسة عشر مترا ارتفاعا ، ولكلّ منهما من الداخل باب ينفذ إلى حجرة صغيرة. أمّا عرض الباب فمتران وعلوّه ثلاثة أمتار ونصف متر ، وجميع عقود هذا الصرح المنيع مقوّسة ، عن جانبها فناءان طول كلّ منهما سبعة أمتار. أمّا الفناء الذي عن يمين الأيوان المقابل للشرق فقد سقط ثلاثة وبقي ثلثان ، والذي عن الشمال فهو المقابل للغربي فقد هدم ثلثاه وسلم منه ثلث واحد ، ومن جهة جنوب الأيوان الشرقي معالم خاوية ورسوم متراكمة بعضها فوق بعض ، ويمتدّ هذا الخراب مسافة مأة متر من جنوب المتوكّليّة ، وفوق الأيوان الغربي مقصورة صغيرة واقعة تجاه الشمال قد تضعضع معظمها ، وبقيّة رسمها لا تزيد على ثمانية أمتار علوّا ، وستّة طولا ، إلّا أنّ الأيوان العظيم باق على هيئته الخطيرة يناطح السحاب ويصارع الأحداث على مرور الأحقاب وكرّ الجديدين. فلمّا عرفت الدار قلت لربعها ألا أنعم صباحا أيّها الدار واسلم تلك آثارنا تدلّ علينا فانظروا بعدنا إلى الآثار أقول : لا يخفى أنّ هذه الأوصاف لقصر الخلفاء الموجودة في شمال سامرّاء الحاليّة لا قصر الجعفري. ثمّ إنّ مديريّة الآثار القديمة العراقيّة ذكرت في كتاب الآثار القديمة العراقيّة صفة هذا البناء الذي يعرف باسم الخلفاء وكأنّها تنبّه إلى عدم كونه من آثار قصر الجعفريّة حيث أنها ذكرت تحت عنوان دار الخليفة وباب العامّة ، وذكرت قصر الجعفري تحت عنوان قصر المتوكّليّة ، وقالت تحت عنوان دار الخليفة (1) : إنّ أهمّ وأعظم القصور التي بنيت حين تأسيس سامرّاء دار الخليفة يبلغ طول واجهته من جهة النهر 700 متر ، وأمّا المسافة التي بين بابه ومنتهى بناياته الخلفيّة الفسيحة فلا تقلّ عن ثمانمائة متر وذلك بقطع النظر عن الحديقة الفسيحة التي كانت تمتدّ أمامه حتّى شاطئ النهر على طول ستمائة متر ، ولقد لاحظ أطلال هذا القصر العظيم المهندس الفرنسي فيوله سنة 1909 ورسم مخططا تقريبيّا بالنظر إلى المعالم التي رآها ظاهرة عند ذلك ، ثمّ جاء العالم الألماني هرتسفيلد بعد فيوله وقام في القصر بتنقيبات وحفريات منتظمة كشف خلالها قسميه الوسطى والجنوبي وبعض أقسامه المتفرّقة ، واكتشف قاعة العرش وغرف التشريفات والحمّام ودوائر الحرم ، كما عثر على آثار كثيرة وصور بديعة وموادّ خزفيّة ثمينة غير انّ الناس استمرّوا على اقتلاع الآجر من جدران القصر لاستعمالها في عماراتهم المختلفة فلم يبق في الحالة الحاضرة من الغرف والقاعات التي اكتشفها هرتسفيلد شيء غير الأنقاض الكلسية وآكام لا يظهر أوضاعها العامّة إلّا الأواوين القائمة. __________________ (1) الآثار القديمة العراقيّة : 50. فالإيوان الوسطى كبير ومستطيل الشكل طوله سبعة عشر مترا ونصف متر ، وعرضه ثمانية أمتار ، جداراه الجانبيان يحملان عقادة مدبّبة ترتفع ذروتها عن الأرض اثنى عشر مترا ، واجهته الأماميّة مفتوحة بكاملها ، ومطلّة على السهل ، وأمّا ضلعه الخلفي فمسدود بجدار شاقولي ينفتح فيه باب كبير تعلوه نافذة مرتفعة يبلغ عرض الباب ثلاثة أمتار وثمانية أعشار المتر ، وارتفاعه سبعة أمتار. وأمّا الأيوانان الجانبيان فهما أقلّ عرضا وعمقا من الأيوان الوسطى ، فإنّ عرض الوجهة في كلّ منها عبارة عن أربعة أمتار ونصف. وأمّا العمق فلا يتجاوز أربعة أمتار ، وأمّا العقادة التي تعلو الجدران الثلاثة فتكون نصف قمّته ، وفي الجدار الخلفي باب مرتفع تعلوه نافذة ، ويفضي هذا الباب إلى قاعة خلفيّة كبيرة مدبّبة العقد مثل عقد الأيوان الوسطى ، وفي جانب الأيوان الشمالي باب آخر يفضي إلى غرفة مربّعة متّصلة بغرف أخرى ظهرت جدرانها الباقية عند رفع الأنقاض سنة 1937 كما يوجد جانب الأيوان الجنوبي سلسلة غرف ظهرت جدرانها كذلك عند رفع الأنقاض في السنة المذكورة ، والباب الذي يقع خلف الأيوان الوسطى ينفتح اليوم إلى الفضاء غير أنّه كان يفضي في الأصل إلى سلسلة قاعات كبيرة توصل إلى غرف الخلفيّة وقاعة العرش ، وإنّ جدران هذه الغرف والقاعات قد اندرست تماما. وكان يوجد فوق هذه الأواوين طاق آخر لأنّ أحد جدران هذه الأواوين كان قائما إلى علوّ ستّة أمتار حتّى عهد قريب وكانت الأواوين المذكورة مزدانة بزخارف جصّيّة شاهد قسما منها فيولة في محلّها ، وعثر هرتسفيلد على قسم منها بين الأنقاض خلال تنقيباته ، كما عثرت مديريّة الآثار القديمة على بعض منها عند ما رفعت الأنقاض ، وقد ظهر على جدران الغرفة المتّصلة بالغرفة المربّعة التي ذكرناها آنفا زخرفيّة جداريّة بديعة نقلت إلى متحف الآثار العربيّة في بغداد ، وإنّ الحوض الكبير الذي يتوسّط بهو المتحف منقول من بيت الخليفة. كما أنّ الآثار والزخارف المعروضة في الغرفة الحادية عشرة من الطاق الثاني في المتحف المذكور مكتشفة في القصر المبحوث عنه. وأمّا باب العامّة فإنّ الأواوين المبحوث عنها كانت بمثابة مدخل القصر ، فكانت تسمّى باب العامّة حيث كان يجلس الخليفة أيّام الاثنين والخميس. والساحة التي امام الأواوين تكوّن مشرفة تطلّ على السهل من علوّ سبعة عشر مترا يلاحظ المتفرّج من هناك معالم الدرج العريض الذي كان يصل القصر بالسهل ، والبركة الكبيرة التي كانت تبدأ من أسفل الدرج المذكور كان طول ضلع البركة مائة وخمسة وعشرين مترا ، وطول الدرج ستّين مترا. قصر الجصّ قال الحموي في المعجم : قصر الجص قصر عظيم قرب سامرّاء فوق الهاروني بناه المعتصم للنزهة وعنده قتل بختيار بن معزّ الدولة بن بويه ، قتله عضد الدولة ابن عمّه ، وبختيار هو خامس ملوك آل بويه كنيته أبو منصور ولقبه عزّ الدولة ، أوصى إليه والده وقلّده الأمر بعده ، وجعله أمير الأمراء ووصّاه بطاعة عمّه ركن الدولة وابن عمّه عضد الدولة لأنّه أكبر منه سنّا وأقوم بالسياسة ، ووصّاه بالديلم والأتراك والحاجب سبكتكين ، فخالف بختيار هذه الوصايا بأجمعها حتّى آل أمره إلى القتل فقتل في قصّة طويلة ، وكان مقتله عند قصر الجصّ قرب سامرة في الثاني عشر من شوّال سنة 367 وكان عمره ستّا وثلاثين سنة ، وملك إحدى عشرة سنة وشهورا ، وكان شديد القوى ، يمسك الثور بقرنيه ويصرعه ، وكان متوسّعا في الإخراجات والكلف والقيام بالوظايف ، وتزوّج بنت الخليفة الطايع بالله العبّاسي على صداق مبلغه مائة ألف دينار. وقال ابن الأثير في الكامل في حوادث سنة 467 : إنّ عضد الدولة سار إلى بغداد وأرسل إلى بختيار يدعوه إلى طاعته وأن يسير عن العراق إلى أيّ جهة أراد ، وضمن مساعدته بما يحتاج إليه من مال وسلاح وغير ذلك ، فاختلف أصحاب بختيار عليه في الإجابة إلى ذلك إلّا أنّه أجاب إليه لضعف نفسه فأنفذ له عضد الدولة وخرج من بغداد عازما على قصد الشام ومعه حمدان بن ناصر الدولة بن حمدان ، فلمّا صار بختيار بعكبرا حسن له حمدان قصد الموصل وكثرة أموالها وأطمعه فيها وقال : إنّها خير من الشام وأسهل ، فسار بختيار نحو الموصل وكان عضد الدولة حلّفه أن لا يقصد ولاية أبي تغلب بن حمدان لمودّة ومكاتبة كانت بينهما ، فنكث وقصدها ، فلمّا صار إلى تكريت أتته رسل أبي تغلب تسأله أن يقبض على أخيه حمدان ويسلّمه إليه ، وإذا فعل سار بنفسه وعساكره إليه ، وقاتل معه عضد الدولة وأعاده إلى ملكه ببغداد ، فقبض بختيار على حمدان وسلّمه إلى نوّاب أبي تغلب فحبسه في قلعة له وسار بختيار إلى الحديثيّة واجتمع مع أبي تغلب وسارا جميعا نحو العراق ، وكان مع أبي تغلب نحو عشرين ألف مقاتل ، فبلغ ذلك عضد الدولة فسار من بغداد إليه فالتقوا بقصر الجص قرب سامرّاء فانهزم جيش أبي تغلب وأسر بختيار ثمّ قتل. قصر الجوسق قال المسعودي في مروج الذهب : الجوسق قصر بناه المتوكّل في سرّ من رأى في ميدان الصخر ، أنفق عليه خمسمائة ألف درهم. وقال الطبري في تاريخه في حوادث سنة 225 أنّ المعتصم حبس الأفشين في الجوسق ثمّ بنى له حبسا مرتفعا وسماّه لؤلؤ داخل الجوسق وهو يعرف بقصر الأفشين. ومن كلام هذين المؤرّخين يظهر لنا أنّ الجوسق اثنان : أحدهما من أبنية المعتصم ، والآخر من المتوكّل ، واللؤلؤ كذلك ، والجوسق أيضا اسم لقرية كبيرة من نواحي الدجيل من أعمال بغداد وبينهما عشرة فراسخ ، والجوسق أيضا من قرى النهروان من أعمال بغداد ، والأفشين حيدر بن كاوس من الأتراك سيأتي في محلّه. وقال الحموي في المعجم عند ذكره بزكوار أبياتا منها : عصى الزمان عليهم بعد طاعته فانظر إلى فعله بالجوسق الخرب وملخّص ما ذكره أحمد سوسه المناسب لهذا المقام ما في كتاب ريّ سامرّاء أنّ الجوسق يعدّ من أهمّ القصور التي أنشئت على عهد المعتصم حيث أعدّ لسكنى الخليفة نفسه. أمّا موقعه يستدلّ من وصف المؤرّخين أنّه كان يقع على ضفة نهر دجلة الشرقيّة الجنوبيّة ؛ دار العامّة مطلّا على الحير ممّا يدلّ على أنّ أرض القصر ومشتملاته كانت تشغل كلّ المساحة التي بين شاطئ دجلة والحير. وفيما يلي وصف اليعقوبي للجوسق ، قال ما نصّه : فوقف المعتصم في الموضع الذي فيه دار العامّة وهناك دير للنصارى فاشترى من أهل الدير الأرض واختطّ فيه وصار إلى موضع القصر المعروف بالجوسق على شطّ دجلة فبنى هناك عدّة قصور للقوّاد والكتّاب وسمّاها بأسمائهم. وتؤيّد الروايات التاريخيّة بأنّ المعتصم سكن في هذا القصر طيلة مدّة حكمه ولمّا توفّي دفن فيه كما يؤيّد لنا بأنّ أخلافه من الخلفاء الذين حكموا في سامرّاء سكنوا فيه أيضا باستثناء الواثق والمتوكّل. ويستفاد من روايات المؤرّخين أنّه كان في قصر الجوسق سجن ملكي كان يسجن فيه السياسيّون ، والقوّاد والأمراء ، ويظهر أنّ هذا السجن أنشئ في الأصل في عهد المعتصم لحبس الأفشين فيه وقد سمّي باللؤلؤة ، ثمّ سجن فيه المعتزّ والمؤيّد في عهد المستعين كما سجن فيه أحمد ابن المتوكّل الذي يعرف بابن فتيان في عهد المهتدي. وذكر الطبري في جملة حوادث سنة 225 أنّ المعتصم دعا الأفشين فجاء وهو في سواد فأمر بأخذ سواده وحبسه فحبس في الجوسق ثمّ بنى له حبسا مرتفعا وسماّه اللؤلؤة داخل الجوسق. ويظهر أنّ المعتقل المذكور صار يعرف باسم لؤلؤة الجوسق. ويستفاد من أوصاف الطبري لحوادث عصيان الجيش في عهد الخلفاء العبّاسي في سامرّاء أنّ الجوسق كان في ذلك العهد المحور الذي كانت تدور حوله المؤامرات والتجمّعات وحوادث القتل والسجن والاغتيال ، وكانت الألوف من الجنود تتقاتل فيما بينها في ساحاته وداخل أبنيته الواسعة وهذا يدلّ على أنّ الجوسق كان يعدّ من الأبنية الرئيسيّة في سامرّاء العبّاسيّة ، ومركزا مهمّا فيها. والأبنية المذكورة تقترب من المسجد في حدّها الشمالي حيث لا تتجاوز المسافة بين ذلك الحدّ وبين المسجد إلّا ستّة كيلومترات. إلى أن قال : إنّ المتوكّل وسّع حدود مدينة سرّ من رأى فامتدّ العمران خلف حدود طرق الحير في الجنوبيّة الشرقيّة للمسجد الجامع وكان من جملة مشاريعه في تلك الجهة أنشاء حديقة واسعة للحيوانات الوحشيّة ولا تزال آثار السور الذي كان يحيط بهذه الحديقة باقية حتّى الآن شرقي حدود بناء سامرّاء القديمة فيبلغ مجموع طول محيط هذا السور حوالي ثلاث كيلومتر ويحتوي هذا المستطيل على ساحة واسعة تعدّ من أجمل الأراضي السهلة الخصبة في منطقة سامرّاء ، وكانت البركة الجعفريّة المشهورة التي وصفها البحتري في قصيدته المقصورة ضمن هذه الحديقة الواسعة كما كان أمام البركة قصر فخم يستدلّ من آثاره على أنّه كان أحد قصور الخليفة المعدّة لنزهته. ويتّجه الضلعان الجانبان لسور الحديقة نحو الشمال تماما فتصل الضلع الغربيّة بحائر الحير في منتهى هذا الضلع من الجنوب في نقطة تقع على بعد أحد عشر كيلومترا تقريبا من المسجد الجامع وكان المعتصم قد بنى حائطا في نهاية الأبنية من جهة الشرق سماّه حائر الحير وكان الحائط ممتدّا على طول حدود البناء الخارجيّة بين الجوسق والمطيرة واحتفظ بالسهل الواسع الذي في ظهر سرّ من رأى شرقا إلّا أنّه لمّا اتسعت حدود البناء في تلك الجهة على عهد المتوكّل أنشأ حائطا غيره على الحدود الجديدة للبناء التي في ظهر شارع الحير الجديد ، فكان هذا الحائط يحدّد الأراضي المنبسطة الواسعة الواقعة إلى شرقيّه ، وهذه سمّيت بساحة الحير نسبة إلى حائر الحير ، وإلى طرف الحير التي تمتدّ على محاذاته. ولا تزال آثار هذا الحائط تشاهد في جنوب شرقي مدينة سامرّاء الحاليّة فتمتدّ من قرب وادي الموح الواقع إلى جنوب مدينة سامرّاء الحاليّة مباشرة في خطّ هندسيّ مستقيم إلى الجهة الجنوبيّة الشرقيّة حتّى تتصل بالركن الجنوبي الغربي لسور حديقة المتوكّل للوحوش على ما جاء في ريّ سامرّاء (1). وقد أورد ياقوت ذكر قصر آخر على ضفته اليمنى لنهر دجلة قرب الإسحاقي سماّه قصر حبش ، فقال : إنّه موضع قرب تكريت فيه مزارع شربها من الإسحاقي ولعلّ موقع هذا القصر في التلّ المعروف بتلّ مهيجر وهو تلّ مسطّح علوّه خمسة أمتار وطوله عشرون مترا يقع في حافّة دجلة الغربيّة الحاليّة. عصى الزمان عليهم بعد طاعته فانظر إلى فعله بالجوسق الخرب قصر الحير قال الحموي في المعجم : الحير ـ بالفتح ـ كأنّه منقوص من الحائر ، اسم قصر كان بسامرّاء أنفق المتوكّل على عمارته أربعة آلاف ألف درهم ، ثمّ وهب المستعين __________________ (1) ريّ سامرّاء 1 : 90. أنقاضه لوزيره أحمد بن الخصيب فيما وهبه له. وقال المسعودي في مروج الذهب عند ذكره سيرة المتوكّل : وأحدث المتوكّل في أيّامه بناء لم يكن الناس يعرفونه وهو المعروف بالحيرى والكمين والأروقة ، وذلك أنّ بعض سماره حدّثه في بعض الليالي أنّ بعض ملوك الحيرة من النعمانيّة من بني قصرا أحدث بنيانا في دار قراره وهي الحيرة على صورة الحرب وهيئته مواجهة بها وميله نحوها لئلّا يغيب عنه ذكرها في سائر أحواله فكان الرواق مجلس وهو الصدر والكمين ميمنته وميسرته ، ويكون في البيتين اللذين هما الكمين من يقرب منه من خواصّه ، وفي اليمين منهما خزانة الكسوة ، وفي الشمال ما احتيج إليه من الشراب ، والرواق قد عمّ فضاؤه الصدر والكمين ، والأبواب الثلاثة على الرواق ، فسمّي هذا البنيان إلى هذا الوقت بالحيري ، والكمين إضافة إلى الحيرة ، واتّبع الناس المتوكّل إتماما بفعله واشتهر إلى هذه الغاية. وقد أسلفنا لك أنّ شارع الحير الجديد خلف شارع العسكر فيه أخلاط الناس. قصر حمران قال في المراصد : قرية قرب المعشوق في الجانب الغربي مقابل سامرّاء وكأنّ القصر كان هناك. قصر الخاقاني قال في مروج الذهب : مات المعتصم في قصره الخاقاني والوجه في التسمية أنّ المعتصم أمر خاقان عرطوج أبا الفتح ابن خاقان بإنشاء قصر فبنى قصرا فاشتهر بالجوسق الخاقاني ، وكان خاقان عرطوج من فراعنة الأتراك ؛ شجاعا باسلا. قصر الشاه ذكره اليعقوبي في تاريخه المعروف بتاريخ اليعقوبي (1). قصر شبداز قال الحموي في المعجم : شبداز ـ بكسر أوّله وسكون ثانيه ثمّ دال مهملة مفتوحة وآخره زاء معجمة ـ ويقال : شبديز ـ بالياء المثنّاة من تحت ـ موضعان أحدهما قصر عظيم من أبنية المتوكّل بسرّ من رأى ، والآخر منزل بين حلوان وقرمسين في لحف جبل بيستون سمّي باسم فرس كان لكسرى. وقال مسعر بن المهلهل : وصورة شبديز على فرسخ من مدينة قرمسين وهو رجل على فرس من حجر عليه درع لا يخرم كأنّه من الحديد يبين زرده (2) والمسامير المسمّرة في الزرد ، ولا شكّ من نظر إليه يظنّ أنّه متحرّك. وهذه الصورة صورة أبرويز على فرسه شبديز ، ليس في الأرض صورة تشبهها. وفي الطاق الذي فيه هذه الصورة عدّة صور من رجال ونساء ، ورجالة وفرسان ، وبين يديه رجل في زيّ عامل على رأسه قلنسوة وهو مشدود الوسط بيده آلة من حديد كأنّه يحفر بها الأرض والماء يخرج من تحت رجليه. وقال أحمد بن محمّد الهمداني : ومن عجائب قرمسين وهو أحد عجائب الدنيا صورة شبديز وهو في قرية يقال لها خاقان ، ومصوّره قنطوس بن سنمار هو الذي بنى الخورنق بالكوفة ، وكان سبب تصويره في هذه القرية أنّه كان أذكى الدوابّ وأعظمها خلقة وأطهرها خلقا وأصبرها على طول الركض ، وكان ملك الهند أهداه __________________ (1) تاريخ اليعقوبي 2 : 215. (2) الزرد : حلق الدرع المتداخل بعضها في بعض. إلى الملك أبرويز فكان لا يبول ولا يروث مادام عليه سرجه ولجامه ، ولا ينخر ولا يزبد ، وكانت استدارة حافره ستّة أشبار. واتفق أنّ شبديز اشتكى وزادت شكواه وعرف أبرويز ذلك وقال : لئن أخبرني أحد بموته لأقتلنّه ، فلمّا مات شبديز خاف صاحب خيله أن يسأله عنه فلا يجد بدّا من إخباره بموته فجاء إلى بهلبند مغنّيه ولم يكن فيما تقدّم من الأزمان ولا ما تأخّر من الأزمان أحذق منه بالضرب بالعود والغناء. قالوا : كان لأبرويز ثلاث خصائص لم تكن لأحد من قبله : فرسه شبديز ، وسريّته شيرين ، ومغنّيه بهلبند. وقال : اعلم أنّ شبديز قد نفق وقد عرفت ما أوعد به الملك من أخبر بموته فاحتل لي حيلة ولك كذا وكذا ، فوعده الحيلة ، فلمّا حضر بين يدي الملك غنّاه غناء وورى فيه عن القصّة إلى أن فطن الملك وقال له : ويحك! مات شبديز؟ فقال : الملك يقوله؟ فقال له : زه! ما أحسن ما تخلّصت وخلّصت غيرك ، وجزع عليه جزعا عظيما فأمر قنطوس ابن سنمار بتصويره ، فصوّره على أحسن وأتمّ تمثال حتّى لا يكاد يفرق بينهما إلّا بإدارة الروح في جسدهما ، وجاء الملك ورآه فاستعبر باكيا عند تأمّله إيّاه. إلى أن قال : ومن عجائب هذا التمثال أنّه لم ير مثل صورته صورة ، ولم يقف عليه أحد منذ صوّر من أهل الفكر اللطيف والنظر الدقيق صورته وعجب منها حتّى لقد سمعت كثيرا من هذا الصنف يحلفون أو يقاربون اليمين أنّها ليست من صنعة العباد. قال : وسمعت بعض فقهاء المعتزلة يقول : لو أنّ رجلا خرج من فرغانة القصوى وآخر من سوس الأبعد قاصدين النظر إلى صورة شبديز ما عنفا على ذلك. قال : وأنت إذا فكّرت في أمر صورة شبديز وجدتها كما ذكر هذا المعتزلي وإن كان من صنعة الآدميّين فقد أعطى هذا المصوّر ما لم يعط أحد من العالمين. فأيّ
| |
|
| |
الشيخ شوقي البديري الشيخ شوقي البديري
عدد المساهمات : 2973 نقاط : 4624 تاريخ التسجيل : 17/06/2012 العمر : 59 الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق
| موضوع: رد: ماثر الكبرى في تاريخ سامراء ج1 الجمعة أكتوبر 25, 2024 5:48 am | |
| ليذودك أبي ويمنعك جدّي صلوات الله عليه. فبكى المتوكّل ممّا قال. ثمّ قال : ودخل إلى قصر جواريه فلمّا كان من الغد أحضره وأحسن جائزته. المتوكّل وابن السكّيت أوردنا تاريخه في الجزء الثاني من هذا الكتاب بصورة تفصيليّة وهو مطبوع. ابن السكّيت ـ بكسر السين المهملة والكاف المشدّدة وسكون الياء المثنّاة ثمّ التاء ـ قتله المتوكّل لأجل تشيّعه كما أنّه قتل عيسى بن جعفر بن محمّد بن العاصم بعد أن ضربه خمسمائة سوط ثمّ رمى به في دجلة ، وكان الرجل من أصحاب الجواد والهادي عليهماالسلام. وفي خطط المقريزي : إنّ رجلا من جند ضربوه في شيء وجب عليه فأقسم الجندي عليه بحقّ الحسن والحسين إلّا عفى عنه ، فزاده ثلاثين درّة ورفع ذلك صاحب البريد إلى المتوكّل ، فورد الكتاب بأن يضرب الجندي مأة سوط لأجل قسمه. فمن نظر إلى الجزء الرابع من خطط المقريزي إلى صفحة 162 يحكم بأنّ عصر المتوكّل من أشدّ الأعصار ظلما وقتلا وتشريدا على المؤمنين سيّما على آل أبي طالب عليهالسلام ، ولكن البسطاء من هذه الأمّة يسمّون عصر المأمون بعصر المحنة وعصر المتوكّل بعصر رفع المحنة. [الثياب في زمن المتوكّل] وقال المسعودي في مروج الذهب : لمّا أفضت الخلافة إلى المتوكّل أمر بترك النظر والمباحثة في الجدال والترك لما كان عليه الناس في أيّام المعتصم والواثق ، وأمر الناس بالتسليم والتقليد ، وأمر الشيوخ المحدّثين بالتحديث وإظهار السنّة والجماعة ، وأظهر لبس ثياب الملحمة وفضّل ذلك على سائر الثياب وأتبعه في داره على لبس ذلك وشمل الناس لبسه وبالغوا في ثمنه ، واهتماما بعمله واصطناع الجيّد منها لمبالغة الناس فيها وميل الراعي والرعيّة إليها ، فالباقي في أيدي الناس إلى هذه الغاية من تلك الثياب يعرف بالمتوكّليّة وهي نوع من ثياب ملحم نهاية في الحسن والصبغ وجودة الصنع. المتوكّل وما فعل بأتياخ قال الطبري في تاريخه ما حاصله : إنّ أتياخ كان غلاما خزريّا لسلام بن أبرش وكان طبّاخا فاشتراه المعتصم في سنة 199 ، وكان لأتياخ جلادة وبئس ، فرفعه المعتصم ومن بعده الواثق حتّى ضمّ إليه من أعمال السلطان أعمالا كثيرة وولّاه المعتصم معونة سامرّاء مع إسحاق بن إبراهيم وكان من قبله رجل ومن قبل إسحاق رجل ، وكان من أراد المعتصم والواثق قتله فعند أتياخ يقتل ، وبيده يحبس منهم محمّد بن عبد الملك بن زيّات وأولاد المأمون من سندس وصالح بن عجيف وغيرهم. فلمّا ولي المتوكّل كان أيتاخ في مرتبته إليه الجيش والمغاربة والأتراك والموالي والبريد والحجابة ودار الخلافة ، فخرج المتوكّل بعد ما استوت له الخلافة متنزّها إلى ناحية القاطول فشرب ليلة فعربد على أيتاخ فهمّ أيتاخ بقتله ، فلمّا أصبح المتوكّل قيل له : فاعتذر إليه والتزمه ، وقال له : أنت أبي ، ربّيتني. فلمّا صار المتوكّل إلى سامرّاء دسّ إليه من يشير عليه بالاستئذان للحجّ ، ففعل ، فأذن له وصيّره أميرا لكلّ بلد يدخلها وخلع عليه وركب جميع القوّاد معه وخرج معه من الشاكريّة والقوّاد والغلمان سوى غلمانه وحشمه ، فلمّا انصرف من مكّة راجعا إلى العراق وجّه المتوكّل إليه سعيد ابن صالح الحاجب مع كسوة وألطاف وأمره أن يلقاه بالكوفة ويقول له : إنّ أمير المؤمنين أمرك أن تدخل بغداد وأن يلقاك بنو هاشم ووجوه الناس وأن تقعد لهم في دار خزيمة بن حازم فتأمر لهم بجوائز. فلمّا فعل أتياخ بكلّ ما قيل له ودخل دار خزيمة بن حازم أغلق الباب خلفه فأدخل ناحية منها ثمّ قيّد فأثقل بالحديد في عنقه ورجليه فحبس ببغداد مع ولده وكتّابه فبقي في الحبس حتّى مات عطشا وبقي ابناه منصور ومظفّر في الحبس حتّى قتل المتوكّل ، فلمّا أفضى الأمر إلى المنتصر أخرجهما وأمر بإطلاقهما. سبب كرب المتوكّل قبر الحسين عليهالسلام ذكر أبو الفرج في مقاتل الطالبيين أنّ بعض القينات كانت تبعث جواريها إلى المتوكّل قبل خلافته يغنّين له إذا شرب ، فلمّا صار خليفة بعث إلى تلك القينة فعرف أنّها غائبة وكانت قد زارت قبر الحسين عليهالسلام ، وبلغها خبره ، فأسرعت الرجوع وبعثت إليه جارية من جواريها كان المتوكّل يألفها ، فقال لها : أين كنتم؟ قالت : خرجت مولاتي إلى الحجّ وأخرجتنا معها وكان ذلك في شعبان. فقال : إلى أين حججتم في شعبان؟ قالت : إلى قبر الحسين عليهالسلام. فاستثار غضبا وأتى بمولاتها فحبست واستعفى أملاكها. وبعث الديزج إلى قبر الحسين وأمره بكربه ومحوه وإخراب كلّ ما حوله ، فمضى لذلك وخرّب ما حوله وهدم البناء وكرب ما حوله نحو مائتي جريب ، فلمّا بلغ إلى قبره لم يتقدّم إليه أحد فأحضر قوما من اليهود فكربوه وأجرى حوله الماء ووكّل به مسالح على ساير الطريق بين كلّ مسلحتين ميل على أن لا يزوره أحد ، فإذا رأوا أحدا أخذوه ويرسلوه إلى المتوكّل فيقتله أو ينهكه عقوبة ، والأخبار بهذا المعنى كثيرة. ذهاب المتوكّل إلى دمشق قال الدميري في حياة الحيوان في ترجمة الضر غام أنّ المتوكّل لمّا خرج إلى دمشق فركب يوما إلى رصافة هشام بن عبد الملك بن مروان فنظر إلى قصورها ثمّ خرج فرأى ديرا هناك قديما حسن البناء بين مزارع وأنهار وأشجار ، فدخله فبينما هو يطوف إذا برقعة قد التصقة في صدره فأمر بقلعها ، فإذا هذه الأبيات : أيا منزلا بالدير أصبح خاليا تلاعب فيه شمأل ودبور كأنّك لم يسكنك بيض أوانس ولم تتبختر في فنائك حور وأبناء أملاك غواشم سادة صغيرهم عند الأنام كبير إذا لبسوا أدراعهم فعوابس وإن لبسوا تيجانهم فبدور على أنّهم يوم اللقاء ضراغم وأيديهم يوم العطاء بحور ليالي هشام بالرصافة قاطن وفيك أبته يا دير وهو أمير وروضك مرتاض ونورك مزهر وعيش بني مروان فيك نضير تذكّرت قومي خاليا فبكيتهم بشجو ومثلي بالبكاء جدير فعزّيت نفسي وهي نفسي إذا جرى لها ذكر قومي أنّة وزفير لعلّ زمانا جار يوما عليهم لهم بالذي تهوى النفوس بدور رويدك إنّ اليوم يتبعه غدا وإنّ صروف الدائرات تدور فلمّا قرأها المتوكّل ارتاع وتطيّر وقال : أعوذ بالله من شرّ أقداره ، ثمّ دعا صاحب الدير وسأله عن الرقعة ومن كتبها ، فقال : لا علم لي بها. وقيل : إنّ المتوكّل بعد عوده بسرّ من رأى قتله ابنه المنتصر ولم يلبث إلّا أيّاما قلائل. المتوكّل وشرائه السيف الذي قتل به قال في مروج الذهب (1) : حدّث البحتري قال : اجتمعنا ذات يوم الندماء في مجلس المتوكّل فتذاكرنا أمر السيوف ، فقال بعض من حضر : بلغني يا أمير المؤمنين أنّه وقع عند رجل من أهل البصرة سيف من الهند ليس له نظير ولم ير مثله ، فأمر المتوكّل بالكتاب إلى عامل البصرة يطلبه بشرائه بما بلغ ، فنفذت الكتب على البريد وورد جواب عامل البصرة بأنّ السيف اشتراه رجل من أهل اليمن ، فأمر المتوكّل بالبعث إلى اليمن يطلب السيف وابتياعه ونفذت الكتب بذلك. قال البحتري : فبينا نحن عند المتوكّل إذ دخل عليه عبيد الله بن يحيى والسيف معه وعرّفه أنّه ابتاعه من صاحبه باليمن بعشرة آلاف درهم ، فسرّ بوجوده وحمد الله على ما سهّل من أمره وانتضاه فاستحسنه وتكلّم كلّ واحد بما يحبّ ، فأخذه وجعله تحت فراشه فلمّا كان من الغداة قال للفتح : أطلب لي غلاما تثق بنجدته وشجاعته ادفع له هذا السيف ليكون واقفا به على رأسي لا يفارقني في كلّ يوم مادمت جالسا. قال : فلم يستتمّ الكلام حتّى أقبل باغر التركي فقال الفتح : يا أمير المؤمنين ، هذا باغر التركي قد وصف لي بالشجاعة والبسالة وهو يصلح لما أراده أمير المؤمنين ، فدعا به المتوكّل فدفع إليه السيف وأمره بما أراد وتقدّم أن يزاد في مرتبته وأن يضعّف له الرزق. __________________ (1) مروج الذهب ج 5 ص 36. قال البحتري : فو الله ما انتضى ذلك السيف ولا خرج من غمده من الوقت الذي دفعه إليه إلّا في الليلة التي ضربه فيها باغر التركي بذلك السيف. كيف قتل المتوكّل قال ابن الأثير في الكامل : وفي هذه السنة قتل المتوكّل ، وكان سبب قتله أنّه أمر بإنشاء الكتب بقبض ضياع وصيف بأصبهان والجبل ، وإقطاعها الفتح بن خاقان ، فكتب وصارت إلى الخاتم ، فبلغ ذلك وصيفا ، وكان المتوكّل أراد أن يصلّي بالناس أوّل جمعة في رمضان ، وشاع في الناس ، واجتمعوا لذلك ، وخرج بنو هاشم من بغداد لرفع القصص وكلامه إذا ركب. فلمّا كان يوم الجمعة ، وأراد الركوب للصلاة ، قال له عبيد الله بن يحيى والفتح بن خاقان : إنّ الناس قد كثروا من أهل بيتك ومن غيرهم ، فبعض متظلّم ، وبعض طالب حاجة ، وأمير المؤمنين يشكو ضيق الصدر ، وعلّة به ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بعض ولاة العهود بالصلاة ، ونكون معه ، فليفعل. فأمر المنتصر بالصلاة ، فلمّا نهض للركوب قالا له : يا أمير المؤمنين ، إن رأيت أن تأمر المعتزّ بالصلاة ، فقد اجتمع الناس لتشرّفه بذلك ، وقد بلغ الله به ؛ وكان قد ولد للمعتزّ قبل ذلك ولد ، فأمر المعتزّ ، فركب فصلّى بالناس ، وأقام المنتصر في داره بالجعفريّة ، فزاد ذلك في إغرائه. فلمّا فرغ المعتزّ من خطبته قام إليه عبيد الله والفتح بن خاقان فقبّلا يديه ورجليه ، فلمّا فرغ من الصلاة انصرف ومعه الناس في موكب الخلافة ، حتّى دخل على أبيه ، فأثنوا عليه عنده ، فسرّه ذلك. فلمّا كان عيد الفطر قال : مروا المنتصر يصلّي بالناس! فقال له عبيد الله : قد كان الناس يتطلعون إلى رؤية أمير المؤمنين ، واحتشدوا لذلك ؛ فلم يركب ؛ ولا يأمن إن هو لم يركب اليوم ، أن يرجف الناس بعلّته ، فإذا رأى أمير المؤمنين أن يسرّ الأولياء ، ويكبت الأعداء بركوبه فليفعل. فركب وقد صفّ له الناس نحو أربعة أميال ، وترجّلوا بين يديه ، فصلّى ، ورجع ، فأخذ حفنة من التراب ، فوضعها على رأسه وقال : إنّي رأيت كثرة هذا الجمع ، ورأيتهم تحت يديّ ، فأحببت أن أتواضع لله ؛ فلمّا كان اليوم الثالث افتصد ، واشتهى لحم جزور ، فأكله ، وكان قد حضر عنده ابن الحفصيّ وغيره ، فأكلوا بين يديه. قال : ولم يكن يوم أسرّ من ذلك اليوم ، ودعا الندماء والمغنّين ، فحضروا ، وأهدت له أمّ المعتزّ مطرف خزّ أخضر ، لم ير الناس مثله ، فنظر إليه ، فأطال ، وأكثر تعجّبه منه ، وأمر فقطع نصفين وردّه عليها ، وقال لرسولها : والله إنّ نفسي لتحدّثني أنّي لا ألبسه ، وما أحبّ أن يلبسه أحد بعدي ، ولهذا أمرت بشقّه. قال فقلنا : نعيذك بالله أن تقول مثل هذا ؛ قال : وأخذ في الشرب واللهو. ولجّ بأن يقول : أنا والله مفارقكم عن قليل! ولم يزل في لهوه وسروره إلى الليل. وكان قد عزم هو والفتح أن يفتكا بكرة غد بالمنتصر ووصيف وبغا وغيرهم من قوّاد الأتراك ، وقد كان المنتصر واعد الأتراك ووصيفا وغيره على قتل المتوكّل. وكثر عبث المتوكّل ، قبل ذلك بيوم ، بابنه المنتصر ، مرّة يشتمه ، ومرّة يسقيه فوق طاقته ، ومرّة يأمر بصفعه ، ومرّة يتهدّده بالقتل ، ثمّ قال للفتح : برئت من الله ومن قرابتي من رسول الله صلىاللهعليهوآله ، إن لم تلطمه ، يعني المنتصر ، فقام إليه فلطمه مرّتين ، ثمّ أمرّ يده على قفاه ، ثمّ قال لمن حضره : اشهدوا عليّ جميعا أنّي قد خلعت المستعجل ، يعني المنتصر ، ثمّ التفت إليه فقال : سمّيتك المنتصر ، فسمّاك الناس ، لحمقك ، المنتظر ، ثمّ صرت الآن المستعجل. فقال المنتصر : لو أمرت بضرب عنقي كان أسهل عليّ ممّا تفعله بي ؛ فقال : اسقوه ، ثمّ أمر بالعشاء فأحضر ، وذلك في جوف الليل ، فخرج المنتصر من عنده ، وأمر بنانا غلام أحمد بن يحيى أن يلحقه ، وأخذ بيد زرّافة الحاجب ، وقال له : امض معي! فقال : إنّ أمير المؤمنين لم ينم ، فقال : إنّه قد أخذ منه النبيذ ، والساعة يخرج بغا والندماء ، وقد أحببت أن تجعل أمر ولدك إليّ ، فإنّ أو تامش سألني أن أزوّج ولده من ابنتك ، وابنك من ابنته ؛ فقال : نحن عبيدك فمر بأمرك! فسار معه إلى حجرة هناك ، وأكلا طعاما ، فسمعا الضجّة والصراخ ، فقاما ، وإذا بغا قد لقي المنتصر ، فقال المنتصر : ما هذا؟ فقال : خير يا أمير المؤمنين ، قال : ما تقول ويلك؟ قال : أعظم الله أجرك في سيّدنا أمير المؤمنين ، كان عبد الله دعاه فأجابه. فجلس المنتصر ، وأمر بباب البيت الذي قتل فيه المتوكّل فأغلق ، وأغلقت الأبواب كلّها ، وبعث إلى وصيف يأمره بإحضار المعتزّ والمؤيّد عن رسالة المتوكّل. وأمّا كيفيّة قتل المتوكّل ، فإنّه لمّا خرج المنتصر دعا المتوكّل بالمائدة ، وكان بغا الصغير المعروف بالشرابيّ قائما عند الستر ، وذلك اليوم كان نوبة بغا الكبير ، وكان خليفته في الدار ابنه موسى ، وموسى هو ابن خالة المتوكّل ، وكان أبوه يومئذ بسميساط ، فدخل بغا الصغير إلى المجلس ، فأمر الندماء بالانصراف إلى حجرهم ، فقال له الفتح : ليس هذا وقت انصرافهم ، وأمير المؤمنين لم يرتفع ؛ فقال بغا : إنّ أمير المؤمنين لم يرتفع ؛ فقال بغا : إنّ أمير المؤمنين أمرني أنّه إذا جاوز السبعة لا أترك أحدا ، وقد شرب أربعة عشر رطلا ، وحرم أمير المؤمنين خلف الستارة. وأخرجهم. فلم يبق إلّا الفتح وعثعث ، وأربعة من خدم الخاصّة ، وأبو أحمد بن المتوكّل ، وهو أخو المؤيّد لأمّه. وكان بغا الشرابيّ أغلق الأبواب كلّها ، إلّا باب الشطّ ، ومنه دخل القوم الذين قتلوه ، فبصر بهم أبو أحمد ، فقال : ما هذا يا سفل! وإذا سيوف مسلّلة ، فلمّا سمع المتوكّل صوت أبي أحمد رفع رأسه ، فرآهم فقال : ما هذا يا بغا؟ فقال : هؤلاء رجال النوبة ؛ فرجعوا إلى ورائهم عند كلامه ، ولم يكن واجن وأصحابه وولد وصيف حضروا معهم ، فقال لهم بغا : يا سفل! أنتم مقتولون لا محالة ، فموتوا كراما! فرجعوا ، فابتدوه بغلون فضربه على كتفه وأذنه فقدّه ، فقال : مهلا! قطع الله يدك ؛ وأراد الوثوب به ، واستقبله بيده ، فضربها فأبانها ، وشاركه باغر ، فقال الفتح : ويلكم! أمير المؤمنين ... ورمى بنفسه على المتوكّل ، فبعجوه بسيوفهم ، فصاح : الموت! وتنحّى ، فقتلوه. وكانوا قالوا لوصيف ليحضر معهم ، وقالوا : إنّا نخاف ؛ فقال : لا بأس عليكم ، فقالوا له : أرسل معنا بعض ولدك ، فأرسل معهم خمسة من ولده : صالحا ، وأحمد ، وعبد الله ، ونصرا ، وعبيد الله. وقيل إنّ القوم لمّا دخلوا نظر إليهم عثعث ، فقال للمتوكّل : قد فرغنا من الأسد ، والحيات ، والعقارب ، وصرنا إلى السيوف ، وذلك أنّه ربّما أسلى الحيّة والعقرب والأسد ، فلمّا ذكر عثعث السيوف قال : يا ويلك! أيّ سيوف؟ فما استتمّ كلامه حتّى دخلوا عليه وقتلوه ، وقتلوا الفتح ، وخرجوا إلى المنتصر ، فسلّموا عليه بالخلافة ، وقالوا : مات أمير المؤمنين ، وقاموا على رأس زرافة بالسيوف ، وقالوا : بايع ، فبايع. وأرسل المنتصر إلى وصيف : إنّ الفتح قد قتل أبي فقتلته ، فاحضر في وجوه أصحابك! فحضر هو وأصحابه ، فبايعوا. وكان عبيد الله بن يحيى في حجرته ينفذ الأمور ولا يعلم ، وبين يديه جعفر بن حامد ، إذ طلع عليه بعض الخدم فقال : ما يحبسك والدار سيف واحد؟ فأمر جعفرا بالنظر ، فخرج ، وعاد وأخبره أنّ المتوكّل والفتح قتلا ، فخرج فيمن عنده من خدمه وخاصّته ، فأخبر أنّ الأبواب مغلّقة ، وأخذ نحو الشطّ ، فإذا أبوايه مغلّقة ، فأمر بكسر ثلاثة أبواب ، وخرج إلى الشطّ ، وركب في زورق ، فأتى منزل المعتزّ ، فسأل عنه ، فلم يصادفه ، فقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، قتل نفسه وقتلني. جلوس المنتصر قال السيوطي في تاريخ الخلفاء : المنتصر بالله اسمه محمّد ، كنيته أبو جعفر ، أمّه أمّ ولد روميّة اسمها جشية ، بويع له بعد قتل أبيه في شوّال سنة 247 وكانت خلافته ستّة أشهر ويومين ، وكان عمره أربعا وعشرين سنة ، وتوفّي بسامرّاء في يوم أحد لخمس خلون من ربيع الآخر وكانت علّته أنّه وجد حرارة فدعا بعض أطبّائه ففصده بمبضع مسموم فمات منه وانصرف الطبيب إلى منزله وقد وجد حرارة فدعا تلميذه ليفصده فوضع مباضعه بين يديه ليختار أجودهما فاختار ذلك المبضع المسموم وقد نسيه الطبيب ففصده به فلمّا فرغ نظر إليه فعرّفه فأيقن بالهلاك ووصّى من ساعته ، فمات. وقيل : دسّوا إلى ابن الطيفوريّ ثلاثين ألف دينار في مرضه فأشار بفصده ثمّ فصده بريشة مسمومة فمات. قال السيوطي وابن الأثير وغيرهما : إنّ المنتصر مليح الوجه ، أسمر أعين ، أقنى الأنف ، ربع القامة ، جسيما بطينا مليحا مهيبا ، وافر العقل ، راغبا في الخير ، قليل الظلم ، محسنا إلى العلويّين ، وأزال عن آل أبي طالب ما كانوا فيه من الخوف والمحنة بمنعهم من زيارة قبر الحسين ، وردّ على آل الحسين فدكا. فقال يزيد المهلّبي في ذلك : ولقد بررت الطالبيّة بعد ما ذمّوا زمانا بعدها وزمانا ورددت ألفة هاشم فرأيتهم بعد العداوة بينهم إخوانا وأظهر العدل والإنصاف في الرعيّة ، فمالت إليه القلوب مع شدّة هيبة لهم ، وكان كريما حليما ، ومن كلامه : لذّة العفو أعذب من لذّة التشفّي ، وأقبح أفعال المقتدر الانتقام. وقال المسعودي : وكان المنتصر واسع الاحتمال ، راسخ العقل ، كثير المعروف ، راغبا في الخير ، سخيّا أديبا عفيفا ، وكان يأخذ بمكارم الأخلاق وكثرة الإنصاف وحسن المعاشرة بما لم يسبقه خليفة إلى مثله الخ. وفي عاشر البحار (1) نقلا عن أمالي الشيخ الطوسي بسنده عن أبي المفضّل أنّ المنتصر سمع أباه يشتم فاطمة عليهاالسلام فسأل رجلا من الناس عن ذلك ، فقال له : قد وجب عليه القتل إلّا أنّه من قتل أباه لم يطل له عمره. قال : ما أبالي إذا أطعت الله بقتله إن لا يطول لي عمر ، فقتله وعاش بعده سبعة أشهر ، انتهى. وفي تاريخ الفخري : كان المتوكّل شديد الانحراف عن آل عليّ وفعل من حرث قبر الحسين ما فعل ، ولذلك قتله ابنه غيرة وحميّة. وفي مدينة المعاجز في معاجز الإمام الهادي عليهالسلام : قال المنتصر : زرع والدي الآس (وهو نوع من الأوراد) في بستان وأكثر منه ، فلمّا استوى الآس كلّه وحسن أمر الفرّاشين أن يفرشوا له الدكان الذي في وسط البستان وأنا قائم على رأسه ، فرفع رأسه إليّ وقال : يا رافضي سل ربّك الأسود عن هذا الأصل الأصفر ما باله بين ما بقي من هذا البستان قد اصفرّ فإنّك تزعم أنّه يعلم الغيب. فقلت : يا أمير المؤمنين ، إنّه ليس يعلم الغيب. قال : فأصبحت وغدوت إليه عليهالسلام وأخبرته بالأمر ، فقال : يا بني ، امض أنت واحفر الأرض التي تحت الأصل الأصفر فإنّ تحته جمجمة نخرة واصفراره لبخارها ونتنها. قال : ففعلت ذلك فوجدته كما قال. ثمّ قال لي : يا بني ، لا تخبرنّ أحدا بهذا الأمر فلن نحدّثك بمثله. وقال المسعودي : وكان من شعره : إنّي رأيتك في المنام كأنّني أعطيتني من ريق فيك البارد وكأنّ كفّك في يدي وكأنّما بتنا جميعا في لحاف واحد ثمّ انتبهت ومعصماك كلاهما بيدي اليمين وفي يمينك ساعدي فظللت يومي كلّه متراقدا لأراك في نومي ولست براقد __________________ (1) بحار الأنوار 10 / 296. أديار (1) سامرّاء ونواحيها 1 ـ دير باشهرا قال الحموي في المعجم : دير باشهرا كان على شاطئ دجلة بين سامرّاء وبغداد ، أنشد أبو العيناء : نزلنا دير باشهرا على قسّيسه ظهرا على دين يسوعيّ فما أسنى وما أمرا فأولى من جميل الفع ل ما يستعبد الحرّا وسقّانا وروّانا من الصافية العذرا فطاب الوقت في الدير ورابطنا به عشرا 2 ـ دير السوسي جاء في كتاب الآثار العراقيّة (2) ما نصّه : ذكر ابن المعتزّ في بعض أشعاره ديرا باسم دير السوسي : __________________ (1) الدير : خان النصارى ، جمعه أديار ، وصاحبه الذي يسكنه ويعمره ديار وديراني على غير قياس. قال الزبيدي في التاج : والأديار أكثر ما كانت تكون في ضواحي المدن بين الرياض والحدائق وفي قمم الجبال والروابي المطلّة على الأودية والسهول الفسيحة وفي المواضع المنقطعة عن الناس ولذلك قال ياقوت الحموي في معجم البلدان في تعريف الأديار : والدير بيت يتعبّد فيه الرهبان ، ولا يكاد يكون في المصر الأعظم إنّما يكون في الصحاري ورؤوس الجبال فإن كان في المصر كان كنيسة أو بيعة. وفي الشعر العربي إشارات كثيرة إلى الأديار القديمة القائمة فوق الهضاب وقلل الجبال وفي سفوح الأطواد وذرى المستشرفات ، وقد طبع سنة 1357 بالمطبعة الكاثوليكيّة ببيروت كتاب «الديارات النصرانيّة في الإسلام» تأليف حبيب زيّات ، يقع في 117 صفحة. (2) الآثار العراقيّة : 76.
يا ليالي بالمطيرة والكرخ ودير السوسي بالله عودي كنت عندي أنموذجات من الجنّة ولكنّها بغير خلود قال : ويفهم ممّا ذكره أبو الحسن عليّ بن محمّد المشهور بالشابشتي في كتاب الديارات أنّ الدير المذكور لطيف على شاطئ دجلة بقادسيّة سرّ من رأى وبين القادسيّة وسرّ من رأى أربعة فراسخ ، والمطيرة بينهما. وهذه النواحي كلّها متنزّهات وكروم وبساتين والناس يقصدون هذا الدير ويشربون في بساتينه وهو من مواطن السرور ومواضع القصف واللعب. كما أنّ خرائب الضفة الغربيّه لسامرّاء من دجلة كذلك فإنّ المنطقة التي تمتدّ بين دجلة ونهر الإسحاقي كانت بمثابة حدائق المدينة فكانت عامرة بالبساتين والمجالس والقصور غير انّ المباني التي بقيت شاخصة إلى الآن في هذه الجهة تنحصر بقصر العاشق وقبّة الصيلبيّة ، وأمّا بقيّة الأقسام فلم يبق منها آثار ظاهرة بسبب انخفاض الأرض واستمرار زراعتها ومع هذا قد اكتشفت مديريّة الآثار القديمة بقايا قصر فسيح في شمال قصر العاشق في المحلّ الذي كان يعرف باسم تلّ الحويصلات كما برزت آثار المجالس والحدائق في المحلّ المعروف باسم تلّ الصخر ، ولأطلال سامرّاء من جهة جنوب القادسيّة ، كما سيأتي. 3 ـ دير الطواويس قال في المعجم في حرف الدال : جمع طاوس ، وهذا الدير بسامرّاء متصل بكرخ جدان ، يشرف عند حدود آخر الكرخ على بطن يعرف بالنبي. وفي المراصد : يعرف بالشيء يتصل بدور عريانا وهو قديم ، كان منظرة لذي القرنين ويقال لبعض الأكاسرة فاتخذه النصارى ديرا في أيّام الفرس ، ومن هنا يعلم أنّ سامرّاء ونواحيها كانت عامرة في عصر ذي القرنين. وفي حياة القلوب : كان اسكندر معاصرا لإبراهيم الخليل عليهالسلام وأمّا اسكندر الرومي كان في أيّام الفترة بين عيسى ومحمّد صلىاللهعليهوآله ، ويقال لهما : اسكندر ذو القرنين. وذكر الطريحي في مجمع البحرين في مادة «قرن» : إنّ أب ذا القرنين كان أعلم أهل الأرض بعلم النجوم ولم يراقب أحد الفلك ما راقبه ، وكان قدمه الله له في الأجل فقال ذات ليلة لزوجته : قد قتلني السهر فدعيني أرقد ساعة وانظري في السماء فإذا رأيت قد طلع في هذا المكان نجم ـ وأشار إلى موضع طلوعه ـ فانبهيني حتّى أطأك فتعلّقين بولد يعيش إلى آخر الدهر ، وكانت أختها تسمع كلامه ، ثمّ نام أبو الاسكندر فجعلت أخت زوجته تراقب النجم فلمّا طلع أعلمت زوجها بالقصّة فوطأها فعلقت منه بالخضر ابن خالة الاسكندر ، فلمّا استيقظ أبو الاسكندر رأى النجم قد نزل في غير البرج الذي كان يراقبه فقال لزوجته : ما منعك ما أنبهتيني؟ فقالت : استحييت والله. فقال لها : أما تعلمين إنّي أراقب هذا النجم منذ أربعين سنة ، والله لقد ضيّعت عمري في غير شيء ولكن الساعة يطلع نجم في أثره فأطأك فتعلقين بولد يملك قرني الشمس ، فما لبث أن طلع فوطأها فعلقت بالاسكندر فولد الاسكندر وابن خالته الخضر في ليلة واحدة. 4 ـ دير العاقول قال في المراصد : دير العاقول بين مداين كسرى والنعمانيّة ، كان على شاطئ دجلة ، وأمّا الآن فقد بعدت دجلة عنه وكان عنده بلد عامر وأسواق أيّام عمارة النهروان ، وذكرنا هذا الدير مع عدم كونه من ديار سامراء لأنّه كان لصاحبه المعروف صاحب دير العاقول قصة مع الإمام الحسن العسكري عليهالسلام بسامرّاء سيأتي بيانها في معاجزه إن شاء الله. وفي تاريخ الحيرة (1) قال في قصّة دير العاقول وتعيين صاحبه : إنّ بختيشوع الطبيب أقنع الخليفة المتوكّل بتعيين تئودوس أسقف. 5 ـ دير عبدون قال في المعجم : هو بسرّ من رأى إلى جنب المطيرة وسمّي بدير عبدون لأنّ عبدون أخا صاعد بن مخلد كان كثير الإلمام به والمقام فيه فنسب إليه. وكان عبدون نصرانيّا وأسلم أخوه صاعد على يدي الموفّق واستوزره. وفي هذا الدير يقول ابن المعتزّ : سقي المطيرة ذات الظلّ والشجر ودير عبدون هطّال من المطر يا طالما نبّهتني للصبوح به في ظلمة الليل والعصفور لم يطر أصوات رهبان دير في صلاتهم سود المدارع نعّارين في السحر مزنّرين على الأوساط قد جعلوا على الرؤوس أكاليلا من الشعر كم فيهم من مليح الوجه مكتحل بالسحر يطبق جفنيه على حور الحاظّه بالهوى حتّى استقاد له طوعا وأسلفني الميعاد بالنظر وجاءني في ظلام الليل مستترا يستعجل الخطو من خوف ومن حذر فقمت أفرش خدّي بالتراب له ذلّا وأسحب أذيالي على الأثر فكان ما كان ممّا لست أذكره فظنّ خيرا ولا تسأل عن الخبر 6 ـ ديار العذارى قال في المعجم نقلا عن أبي الفرج الأصبهاني : دير العذارى هو دير عظيم قديم وبه نساء عذارى قد ترهّبن وأقمن به للعبادة فسمّي بذلك ، وكان قد بلغ بعض __________________ (1) تاريخ الحيرة : 289. الملوك أنّه فيه نساء ذات جمال فأمر بحملهنّ إليه ليختار منهنّ على عينه من يريد وبلغهنّ ذلك فقمن ليلتهنّ يصلّين ويستكفين شرّه فطرق ذلك الملك طارق فأتلفه من ليلته فأصبحن صياما فلذلك يصوم النصارى الصوم المعروف بصوم العذارى إلى الآن. قال : هكذا ذكره. وقال الشابشتي : دير العذارى بين سرّ من رأى والحظيرة. وقال الخالدي : وشاهدته وبه نسوة عذارى وحانات خمر ، وإنّ دجلة أتى بفيضانه فاذهبه حتّى لم يبق منه شيء. وذكر أنّه اجتاز به في طيّ مسافرته سنة 320 وهو عامر ، ولجحظة أخبار سيأتي في محلّه فيه هذه الأبيات : ألا هل إلى دير العذارى ونظرة إلى الخير من قبل المماة سبيل وهل لي بسوق القادسيّة سكرة تعلّل نفسي والنسيم عليل وهل لي بحانات المطيرة وقفة لراعي خروج الزقّ وهو جميل إلى فتية ما شتت العزل شملهم شعارهم عند الصباح شمول وقد نطق الناقوس بعد سكوته وشمعل قسّيس ولاح فتيل يريد انتصابا للمقام بزعمه ويرعشه الإدمان فهو يميل يغنّي وأسباب الصواب تمدّه وليس له فيما يقول عديل ألا هل إلى شمّ الخزامى ونظرة إلى قرقرى قبل المماة مبيل سيعرض من ذكري وتنسى مودّتي ويحدث بعدي للخليل خليل سقى الله عيشا لم يكن فيه علقة لهمّ ولم ينكر عليه عزول لعمرك ما استعملت صبرا لفقده وكلّ اصطبار عن سواه جميل وقال أبو الفرج : ودير العذارى بسرّ من رأى إلى الآن موجود يسكنه الرواهب فجعلها اثنين. وحدّث الجاحظ في كتاب المعلّمين قال : حدّثني ابن فرج الثعلبي أنّ فتيانا من بني ملاص من ثعلبة أرادوا القطع على مال يمرّ بهم قرب دير العذارى فجاءهم من خبرهم أنّ السلطان قد علم بهم وأنّ الخيل قد أقبلت تريدهم فاستخفوا في دير العذارى فلمّا حصلوا سمعوا فيه أصوات حوافر الخيل التي تطلبهم وهي راجعة من الطلب فأمنوا. فقال بعضهم لبعض : ما الذي يمنعكم أن تأخذوا القسّ وتشدّوه وثاقا ثمّ يخلو كلّ واحد منكم بواحدة من هذه الأبكار فإذا طلع الفجر تفرّقنا في البلاد وكنّا جماعة بعدد الأبكار اللواتي كنّ أبكارا في حسابنا ، ففعلنا ما اجتمعنا عليه فوجدنا كلّهنّ ثيّبات قد فرغ منهنّ القسّ قبلنا ، فقال بعضنا في ذلك : ودير العذارى فضوح لهنّ وعند القسوس حديث عجيب خلونا بعشرين صوفيّة وعند الرواهب أمر غريب إذا هنّ يرهزن رهز الظراف وباب المدينة فجّ رحيب لقد بات بالدير ليل التمام ... صلاب وجمع مهيب سباع تموز وذا قولة لها في البطالة حظّ رغيب وللقسّ حزن يهيض القلوب ووجد يدلّ عليه النحيب 7 ـ دير العلث قال في المعجم : العلث قرية على شاطئ دجلة من الجانب الغربي قرب الحظيرة دون سامرّاء ، وهذا الدير راكب على دجلة وهو من أنزه الأديرة وأحسنها ، وكان لا يخلو من أهل القصف وفيه يقول جحظة : يا طول شوقي إلى دير ومشتاح والسكر ما بين خمّار وملّاح والريح طيّبة الأنفاس ناعمة مخلوطة بنسيم الورد والراح سقيا ورعيا لدير العلث من وطن لا دير حنّة من ذات الأكيراح
وقال أيضا : أيّها الحاذقان بالله جدّا وأصلحا لي الشراع والسكّانا بلّغاني هديتما البردانا وأنزلا لي من الدنان دنانا وأعدلا بي إلى القبيصة الز هراء حتّى أفرّج الأحزانا فإذا ما تممت حولا تماما فاعدلا بي إلى كروم أوانا واحتطا لي الشراع بالدير با لعلث لعلّي أعاشر الرهبانا وظباء يتلون سفرا من الإ نجيل باكرن سحرة قربانا لا بسات من المسوح ثيابا جعل الله تحته أغصانا خفرات حتّى إذا دارت الكاس كشفن النحور والصلبانا 8 ـ دير عمر نصر قال في المعجم : اسم دير كان في سامرّاء وفيه يقول الحسين بن الضحّاك الخليع : يا عمر نصر لقد هيّت ساكنة هاجت بلابل صبّ بعد إقصار لله هاتفة هبّت مرجّعة زبور داود طورا بعد أطوار يحشّها دالق بالقدس محتنك من الأساقف مزمور بمزمار عجّت أساقفها في بيت مذبحها وعجّ رهبانها في عرصة الدار خمّار خانتها إن زرت حانته أذكى مجامرها بالعود والقار يهتزّ كالغصن في صلب مسوّدة كأنّ دارسها جسم من القار تلهيك ريقته عن طيب خمرته سقيا لذاك جنى من ريق خمّار أغرى القلوب به ألحاظ ساحبة مرهاء تطرف عن أجفان سحّار
9 ـ دير فثيون أوّله فاء ثمّ ثاء ثمّ مثنّاة من تحت وآخره نون ، هو دير بسرّ من رأى حسن النزهة ، مقصود لطيبه وحسن موقفه ، يقول فيه الكتّاب : يا ربّ دير عمّرته زمنا ثالث قسّيسه وشماسه لا أعدم الكأس من يدي رشأ يزري على المسك طيب أنفاسه كأنّه البدر لاح في ظلم الليل إذا حلّ بين جلّاسه كأنّ طيب الحياة واللهو و اللذّات طرّا جمعن في كاسه في دير فثيون في ليلة الفسح والليل مدلهمّ ناء بحرّاسه 10 ـ دير القادسيّة ذكر أبو الحسن الشابشتي في كتاب الديارات : إنّ دير القادسيّة على شاطئ دجلة ، بينه وبين سرّ من رأى أربعة فراسخ والمطيرة بينهما. والقادسيّة سامرّاء كما سنتلو عليك بعد هذا. 11 ـ دير ماسرج بيس قال في المعجم : ماسرج بيس ـ بفتح الميم وكسر السين وسكون المعجمة وكسر الباء وسكون الياء ـ. قال أبو الفرج والخالدي : هو بالمطيرة قرب سامرّاء ، وفيه يقول عبد الله بن العبّاس بن الفضل : ربّ صحباء من شراب المجوسي قهوة بابليّة خندريس وغزال مكحّل ذي دلال ساحر الطرف بابليّ عروس قد خلونا بظبية نجليّة يوم سبت إلى صباح الخميس
بين آس وبين ورد جنيّ وسط دير القسيس ماسرجبيس يتثّنى بحسن جيد غزال ذي دلال مفوّض آب نوس كم لثمت الصليب في الجيد منه كهلال مكلّل بشموس 12 ـ دير ماجرجس قال في المعجم : دير بنواحي المطيرة قرب سامرّاء. قال فيه أبو الطيب القاسم بن محمّد النمري : نزلت بماجرجيس خير منزل ذكرت به أيّام لهو مضين لي تكنّفنا فيه السرور وحفّنا فمن أسفل يأتي السرور ومن علّ وسالمت الأيّام فيه وساعدت وصارت صروف الحادثات بمعزل بدير علينا الكاس فيه مقرطق يحثّ به كاساته ليس يأتلي فيا عيش ما أصفى ويا لهو دم لنا ويا وافد اللذّات حيّيت فانزل وفيه يقول أبو جفنة القرشي : ترنّم الطير بعد عجمته وانحسر البرد في أزمّته وأقبل الورد والبهار إلى زمان قصف يمشي برمّته ما أطيب الوصل إن نجوت ولم يلسعني هجره بخمشته ومثل لون النجم صافية تذهب بالمرأ فوق همّته نازعته من سداه لي أبدا في العشق والعشق مثل لحمته في دير ما جرجيس حبس وقد نفح الفجر علينا أرواح زهرته وفى بميعاده وزورته وكنت أوفى له بذمّته
13 ـ دير مرماري قال في المعجم : من نواحي سامرّاء عند قنطرة وصيف ـ وهو موضع في سامرّاء كان الناس يستقبلون عنده من قدم من طرف الحجاز كما في روايته المتضمّنة لقدوم موسى المبرقع إلى سامرّاء ـ وكان عامرا كثير الرهبان ، ولأهل اللهو به إلمام ، وفيه يقول الفضل بن عبّاس المأمون : أفضيت في سرّ من رأى خيل لذاتي وثلث منها هوى نفسي وحاجاتي عمّرت فيها بقاع اللهو منغمسا في القصف ما بين أنهار وجنّات بدير مرماري إذ تحيى الصبوح به وتعمل الكأس فيه بالعشيّات بين النواقيس والتقديس آونة وتارة بين عيدان ونايات ولم به من غزال أغيد غزل يصيدنا باللحاظ البابليّات ثمّ اعلم أنّ الديارات في غير سامرّاء من أراضي العراق كثيرة ذكر جملة منها أبو الحسن عليّ بن محمّد المشهور بالشابشتي في كتاب الديارات وكذا في تاريخ الكوفة وتاريخ الحيرة والمراصد والمعجم وغيرها ولم يختاروا هذه الأراضي إلّا لطيب هوائها وعذوبة مائها وقلّة دائها وفسحة عرصتها وكثرة أورادها ورياحينها ، ويتغنّى الشعراء بعظمتها ورقّة نسيمها ، ويقصدها المترفون والأغنياء ، وبترنّح الفتيان صبابة على أصوات أفانينها ، ويرقص الشبّان تيها على أنغام أعوادها. جاء في كتاب تاريخ الحيرة في ذكر الديارات : منها دير ابن وضّاح اللحياني. قال : وكانت تلك الأصقاع تتموّج بحصون العبادة وبيوت الفضيلة كالديارات والقلالي والصوامع ، وقد تغنّى الشعراء بوصفها ، منها : 14 ـ دير ابن وضّاح وكان مع ملوك الحيرة. 15 ـ دير ابن براق بظاهر الحيرة. 16 ـ الأعور بظاهر الكوفة. 17 ـ دير الأسكون بظاهر النجف كان فيه قلال وهياكل وفيه رهبان يضيفون من ورد عليهم. 18 ـ وزير بني مرنا بظاهر الحيرة حيث قتل رجال حجر بن عمرو أقرباء امرئ القيس الشاعر المشهور بأمر ملك الحيرة ذي القرنين المنذر بن نعمان. 19 ـ دير الجرعة يقال إنّه دير عبد المسيح بن بقيلة. 20 ـ دير الجماجم وهو بظاهر الكوفة. 21 ـ دير الحريق بالحيرة. 22 ـ دير حنظلة كذلك. 23 ـ دير حنّة بناه المنذر لقوم من تنوخ. 24 ـ دير السواء. 25 ـ دير عبد المسيح غرّه. 26 ـ دير اللج. 27 ـ دير مارت. 28 ـ دير فايئون. 29 ـ دير المزعوق. 30 ـ دير هند الصغرى. 31 ـ دير هند الكبرى. كلّها في الحيرة ونواحيها ، ونحن الآن نذكر جملة من تاريخ هذه الديارات من كتاب الديارات لأبي الحسن عليّ بن محمّد المعروف بالشابشتي (1) ملخّصا تذكرة __________________ (1) لفظ الشابشتي أشار ابن خلّكان في ترجمة الشابشتي إلى ضبط هذه اللفظة وقال : بفتح الشين ـ لمن اعتبر وتدبّر وتفكّر ونظر إلى البيوت الخاوية كيف غرّتهم الدنيا الدنيّة. 32 ـ ديار درمالس هذا الدير في أعلى بغداد ، بالجانب الشرقي منها قريب من الدار التي بناها الديلمي أحمد بن بويه بباب الشماسية وموقعه أحسن موقع ، وهو متنزه كثير البساتين والأشجار ، وبقربه أجمة قصب وهو كبير آهل برهبانه والمتبتّلين فيه ، وهو من البقاع المعمورة بالقصف والمقصودة بالتنزّه والشرب ، ولأبي عبد الله حمدون النديم فيه : يا دير درماليس ما أحسنك ويا غزال الدير ما أفتنك لئن سكنت الدير يا سيّدي فإنّ في جوف الحشا مسكنك ويحك يا قلب أما تنتهي عن شدّة الوجد بمن أحزنك ارفق به بالله يا سيّدي فإنّه من حينه مكّنك 33 ـ دير سمالو وهذا الدير في شرقي بغداد بباب الشماسة على نهر المهدي ، وهناك أرحية للماء __________________ ـ المعجمة وبعد الألف باء موحّدة مضمومة ثمّ شين معجمة ساكنة وبعدها تاء مثنّاة من فوقها. ونقل عن كتاب التاجي لأبي إسحاق الصابي أنّ الشابشتي حاجب وشمكير بن زياد الديلمي ، قتل في سنة 326 بالقرب من أصبهان ويحتمل أن يكون أبو الحسن عليّ بن محمّد شابشتي منسوبا إليه بأن يكون أحد أجداده فنسب إليه وبقي النسب على أولاده. والشابشتي كلمة فارسيّة منحوتة معناها عماد أي مساعد وسناد للملك ؛ لأنّ الشاه الملك ، وپشتي العماد ، وپشت أي خلف فيكون معناها الشخص الذي يمشي خلف الملك والمانع الناس عن مزاحمته ، وهذه الوظيفة هي المسمّاة باللغة العربيّة بالحاجب. وأصل لفظه شاه پشتي مركّب من كلمتين نحو (كل آب) كل أي ورد ، وآب أي ماء وأصلها آب گل ، وهكذا الأمر في شابشتي فهو (پشتي شاه). وتوفي الشابشتي سنة 388 أو سنة 390 أو سنة 399 في شهر صفر بمصر. وحوله بساتين وأشجار ونخل والموضع حسن نزه العمارة ، آهل بمن يطرقه وبمن فيه من رهبانه وعيدا لفصح ببغداد فيه منظر عجيب لأنّه لا يبقى نصرانيّ إلّا حضره وتقرّب فيه ، ولا أحد من أهل التطرّب واللهو من المسلمين إلّا قصده للتنزّه فيه ، وهو أحد متنزّهات بغداد المشهورة ، ومواطن القصف المذكورة ، ولمحمّد بن عبد الملك الهاشمي فيه : ولربّ يوم في سمالوا ثمّ لي فيه السرور وغيّبت أحزانه وأخ يشوب حديثه بحلاوة يلتذّ رجع حديثه ندمانه جعل الرحيق من المدام شرابه والمحسنات من الأوانس شانه بكرت عليّ به الزيارة فاغتدى طربا إليّ وسرّ في إتيانه فأمرت ساقيا وقلت له اسقنا قد حان وقت شرابنا وأوانه فتلاعبت بعقولنا نشواته وتوقّدت بخدودنا نيرانه حتّى حسبت لنا البساط سفينة والدير ترقص حولنا حيطانه ولأبي الهيثم خالد بن يزيد الكاتب فيه : يا منزل القصف في سمالو مالي عن طيبك انتقال واها لأيّامك الخوالي والعيش صاف بها زلال تلك حياة النفوس حقّا وكلّ مادونها محال أقول : شابشتي أطنب في هذا المقام من أمثال هذه الأبيات فاستيقظ يا أخي فلا تكن مثل ما هم عليه واخرج من غفلتك وحاسب نفسك قبل يوم الحساب ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم ، واحذر من نار قعرها بعيد ، وعذابها جديد ، ومقامعها حديد ، وشرابها سديد ، وفي ذلك اليوم لا حقّ يوهب ، ولا معذرة تقبل ، ولا ذنب يغفر ، ولا بكاء ينفع ، إنّ العمر متجر مربح ، فكن على بصيرة من أمرك. 34 ـ دير الثعالب هذا الدير ببغداد بالجانب الغربي منها ، بالموضع المعروف بباب الحديد ، وأهل بغداد يقصدونه يتنزّهون فيه ، ولا يكاد يخلو من قاصد وطارق ، وله عيد لا يتخلّف عنه أحد من النصارى والمسلمين ، وباب الحديد أعمر موضع ببغداد وأنزهه لما فيه من البساتين والشجر والنخل والرياحين ، ولتوسّطه وقربه من كلّ أحد ، فليس يخلو من أهل البطالات ، ولا يخلو به أهل التطرّب واللذّات ، فمواطنه أبدا معمورة ، وبقاعه بالمتنزّهين مشحونة ، ولابن دهقانة الهاشمي فيه : دير الثعالب مألف الضّلال ومحلّ كلّ غزالة وغزال كم ليلة حيّيتها ومنادمي فينا أبح مقطع الأوصال سمح يجود بروحه فإذا مضى وقضى سمحت له وجدت بمال ومنعم دين ابن مريم دينه غبج يشوب مجونه بدلال وسقيته وشربت فضلة كأسه فشربت من عذب المذاق زلال 35 ـ دير الجاثليق يقرب من باب الحديد وهو دير كبير حسن نزه ، تحدق به البساتين ، قتل عنده إبراهيم بن مالك الأشتر النخعي وأحرق وهو بقرب دجيل والأشجار والرياحين ، وهو يوازي دير الثعالب في النزهة والطيب وعمارة الموضع لأنّهما في بقعة واحدة وهو مقصود مطروق لا يخلو من المتنزّهين فيه والقاصدين له ، وفيه رهبانته فتاته ومن يألفه من أهل الخلاعة والبطالة ، ولمحمّد بن أميّة الكاتب فيه : لهفي على قمر في الدار مسجون في صورة الإنس في مكر الشياطين والله ما أبصرت عيني محاسنه إلّا خرجت له طوعا من الدين
| |
|
| |
الشيخ شوقي البديري الشيخ شوقي البديري
عدد المساهمات : 2973 نقاط : 4624 تاريخ التسجيل : 17/06/2012 العمر : 59 الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق
| موضوع: رد: ماثر الكبرى في تاريخ سامراء ج1 الجمعة أكتوبر 25, 2024 5:50 am | |
| وله في هذا الدير أيضا : تذكّرت دير الجاثليق وفتية يتمّ بهم لي السرور وأسعفا بهم طابت الدنيا وتمّ سرورها وسالمني صرف الزمان وأنصفا ألا ربّ يوم قد نعمت بظلّه أبادر من لذّات عيشي ما صفا أغازل فيه أدعج الطرف أهيفا وأسقى به مسكيّة الفغم قرقفا فسقيا لأيّام مضت لي بقربهم لقد أوسعتني رأفة وتعطّفا وتعسا لأيّام رمتني بينهم ودير تقاضا في الذي كان أسلفا 36 ـ دير مديان وهذا الدير على نهر كرخايا ببغداد وكرخايا نهر يشقّ من المحول الكبير ويمرّ على العبّاسيّة ويشقّ الكرخ ويصبّ في دجلة ، وكان قديما عامرا والماء فيه جاريا ، ثمّ انطمّ وانقطعت جريته بالبثوق التي انفتحت في الفرات ، وهو دير حسن نزه ، حوله بساتين وعمارة ويقصد للنزه والشرب ، ولا يخلو من قاصد وطارق وهو من البقاع الحسنة النزه ، وللحسين بن الضحّاك فيه : يا دير مديان لا عريت من سكن ما هجت من سقم يا دير مديانا هل عند قسّك من علم فيخبرني أن كيف يسعد وجه الصبر من بانا سقيا ورعيا لكرخايا وساكنه بين الجنينة والروحاء من كانا 37 ـ دير أشموئي وأشموئي امرأة نصرانيّة بنت هذا الدير ودفنت فيه ، وهو بقطر بل في غربيّ دجلة بين بغداد وسامرّاء ، وعيده اليوم الثالث من تشرين الأوّل وهو من الأيّام العظيمة ببغداد يجتمع أهلها إليه كاجتماعهم إلى بعض أعيادهم ولا يبق أحد من أهل تطرب واللعب إلّا خرج إليه ويتنافسون فيما يظهرونه هنالك من زيّهم ، ويباهون بما يعدّونه لقصفهم ، ويعمرون أكناف الشطّ وديره وحاناته ، ويضربون لذوي البسطة منهم الخيم والفساطيط ، وتعزف عليهم القيان ، ويظلّ كلّ إنسان مشغولا بأمره ومكبّا على لهوه ، فهو أعجب منظر وأطيب مشهد وأحسنه ، ولجحظة فيه : سقيا لأشموئي ولذّاتها والعيش فيما بين جنّاتها سقيا لأيّام مضت لي بها ما بين شطّيها وحاناتها الأبيات. وللثرواني فيه : اشرب على قرع النواقيس في دير أشموئي بتغليس لا تخف كأس الشرب والليل في حدّ نعيم لا ولا بوس الأبيات. 38 ـ دير سابر هذا الدير في الجانب الغربي من دجلة. ولفظ سابر سريانيّة وهو فقد تكون من سيرا بمعنى الرجاء والأمل والثقة والاتكال أو سبرتا بمعنى البشرى أو سيبرتا بمعنى الصبر والاحتمال ، وهي عامرة نزه كثيرة البساتين والفواكه والكروم والحانات والخمّارين ، معمورة بأهل الطرب والشرب وهو موطن من مواطن الخلعاء ، وللحسين ابن الضحّاك فيه : في دير سابر والصباح يلوح لي فجمعت بدرا والصباح وراحا أقول : له فيها أشعار في نهاية الخلاعة والمجون تركناها. فيا حسرة لهذا العمر الذي لا عوض له أن يصرف في هذه الأراجيف ، وممّا ذكرنا وما نذكر يعرف قيمة دين النصارى من قسّيسهم ورهبانهم وراهباتهم حيث أنّهم لا يعرفون إلّا الخمور والملاهي والمعازف والمعانقة مع القينات والفتيات ، أعاذنا الله من الغفلة والذهول. أين الملوك التي عن حفظها غفلت حتّى سقاها بكأس الموت ساقيها تلك المدائن في الآفاق خالية عادت خرابا وذاق الموت بانيها أموالنا لذوي الورّاث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها 39 ـ دير قوطا وهذا الدير بالبردان. أقول : تقدّم أنّ البردان من نواحي سامرّاء ، والبردان من المواضع الحسنة والبقاع النزه والأماكن الموصوفة وهي كثيرة الطراق والمتنزّهين ، وهذا الدير يجمع أحوالا كثيرة منها عمارة البلد وكثرة فواكههم ووجود جميع ما يحتاج إليه فيه ، ومنها أنّ الشراب هناك مبذول ، والحانات كثيرة. ومنها أنّ في هذا الموضع ما يطلبه أهل البطالة والخلاعة من الوجوه الحسان ، والبقاع الطيّبة النزهة فليس يكاد يخلو ، ولعبد الله بن العبّاس بن الفضل بن الربيع فيه : يا دير قوطا لقد هيّجت لي طربا أزاح عن قلبي الأحزان والكربا كم ليلة فيك واصلت السرور بها لمّا وصلت لها الأدوار والنخبا في فتية بذلوا في القصف ما ملكوا وأنفقوا في التصابي المال وانعشبا وشادن ما رأت عيني لها شبها في الناس لا عجما منهم ولا عربا إذا بدا مقبلا ناديت وا طربا وإن مضى معرضا ناديت وا حزنا أقمت بالدير حتّى صار لي وطنا من أجله ولبست المسح والصلبا
وصار شمّاسه لي صاحبا وأخا وصار قسّيسه لي والدا وأبا ظبي لواحظه في العاشقين ظبى فمن نا منه مغترّا بها ضربا الأبيات. 40 ـ دير الخوات هذا الدير بعكبرا وهو دير كبير عامر يسكنه نساء مترهّبات متبتّلات فيه ، وهو وسط البساتين والكروم ، حسن الموقع ، نزه الموضع ، وعيده الأحد الأول من الصوم وهو صوم الكبير عند النصارى ، يجتمع إليه كلّ من يقرب منه من النصارى والمسلمين فيعيّد هؤلاء ويتنزّه هؤلاء ، وفي هذا العيد ليلة الماشوش وهي ليلة تختلط الرجال بالنساء فلا يردّ أحد يده عن شيء ولا يردّ أحد أحدا عن شيء وهو من معادن الشراب ومنازل القصف ومواطن اللهو ، وللناجم أبي عثمان فيه : آح قلبي من الصبابة آح من جوار مزيّنات ملاح وفتات كأنّها غصنى بان ذات وجه كمثل نور الصباح أهل دير الخوات بالله ربّي هل على عاشق قضى من جناح أقول : أنظر أيّها العاقل اللبيب على عبادة الراهبات النصارى ودينهم السايد هل ترى إلّا إعمال الشهوات وقضاء الوتر من الفتاة والغلمان والشرب والرقص والمزامير ، أفبهذا أمرهم عيسى بن مريم عليهماالسلام؟! 41 ـ دير مريحنا وهذا الدير إلى جانب تكريت على دجلة وهو كبير عامر كثير القلايات والرهبان ، مطروق مقصود ، لا يخلو من المتطرّبين والمتنزّهين ، ولا من مسافر ينزله ، ولكلّ من طرقه من الناس ضيافة قائمة على قدر المضاف ، لا يخلونّ بها ، وله مزارع وغلّات كثيرة وبساتين وكروم ، وهو للنساطرة ، والنساطرة فرقة من النصارى عرفت باسم مؤسّسها نسطور ، وعلى بابه صومعة عبدون الراهب ؛ رجل من الملكيّة بنى الصومعة ونزلها فصارت تعرف به ، وقد قيل في هذا الدير أشعار ، ووصف طيبه ونزهته ، فمن ذلك قول عمرو بن عبد الملك الورّاق : أرى قلبي قد حنا إلى دير مريحنا إلى غيظانه الفيح إلى بركته الغسنا إلى ظبي من الإنس يصيد الإنس والجنّا إلى غصن من البان به قلبي قد حنّا إلى أحسن خلق الله إن قدّس أو غنّا فلمّا ابتلج الصبح بزلنا بيننا دنّا فلمّا دارت الكأس أدرنا بيننا لحنا ولمّا هجع السما رنمنا وتعانقنا وكان عمرو هذا من الخلعاء المجان المنهمكين في البطالة والخسارة ، الخ. 42 ـ دير صباعى وهذا الدير في شرقي تكريت مقابل لها مشرف على دجلة ، وهو نزه عامر ، له ظاهر عجيب فسيح ، ومزارع حوله على نهر يصبّ من دجلة إلى الإسحاقي وهو خليج كبير فيقصد هذا الدير من قرب منه في أعياده وأيّام الربيع وهو إذ ذاك منظر حسن فيه خلق كثير من رهبانه وقسّانه ، ولبعض الشعراء فيه : حنّ الفؤاد إلى دير بتكريت بين صباعى وقسّ الدير عفريت
43 ـ دير الأعلى هذا الدير بالموصل وهو دير كبير يضرب به المثل في رقّة الهوى وهو حسن المستشرف ، ويقال : إنّه ليس للنصارى دير مثله لما فيه من أنا جيلهم ومتعبّدا لهم ، فيه قلايات كثيرة لرهبانه ، وله درجة منقورة في الجبل يفضى إلى دجلة نحو المائة مرقاة ، وعليها يستقى الماء من دجلة ، وتحت الدير عين كبيرة تصبّ إلى دجلة ، ولها وقت من السنة يقصدها الناس فيستحمون منها ويذكرون أنّها تبرئ من الجرب والحكّة وتنفع المقعدين والمقرعين والزمنى. وللشعانين (1) في هذا الدير الحسن يخرج إليه الناس فيقيمون فيه الأيّام ويشربون ، ومن اجتاز بالموصل من الولاة نزله ، وقد قالت الشعراء في هذا الدير ووصفت حسنه ونزهته ، وللثرواني فيه : اسقني الراح صباحا قهوة صهباء راحا واصطبح في الدير الأعلى في الشعانين اصطباحا إنّ من لم يصطبحها اليوم لم يلق نجاحا الأبيات. وكان المأمون اجتاز بهذا الدير في خروجه إلى دمشق فأقام به أيّاما ووافق نزوله عيد الشعانين. فذكر أحمد بن صدقة قال : خرجنا مع المأمون فنزلنا الدير الأعلى بالموصل لطيبه ونزهته ، وجاء عيد الشعانين فجلس المأمون في موضع منه حسن مشرف على دجلة والصحراء والبساتين ويشاهد منه من يدخل الدير ، وزيّن الدير في ذلك اليوم بأحسن زيّ ، وخرج رهبانه وقسّانه إلى المذبح وحولهم فتيانهم بأيديهم المجامر ، قد تقلّدوا الصلبان وتوشّحوا بالمناديل المنقوشة ، فرأى المأمون ذلك فاستحسنه ثمّ انصرف القوم إلى قلاليهم وقربانهم وعطف إلى __________________ (1) شعانين اسم عيد للنصارى. المأمون من كان معهم من الجواري والغلمان بيد كلّ واحد منهم تحفته من رياحين وقتهم ، وبأيدي جماعتهم كئوس فيها أنواع الشراب فأدناهم وجعل يأخذ من هذا ومن هذا ومن هذه تحييه وقد شغف بما رآه منهم وما فينا إلّا من هذه حاله ، وهو في خلال ذلك يشرب والغناء يعمل ، ثمّ أمر بإخراج من معه من وصائفه المزنرات فأخرج إليه عشرون وصيفة كأنّهنّ البدور ، عليهنّ الديباج ، وفي أعناقهنّ صلبان الذهب ، بأيديهنّ الخوص والزيتون ، فقال : يا أحمد ، قد قلت في هؤلاء أبياتا فغنّى بها ، وهي : ظباء كالدنانير ملاح في المقاصير جلاهنّ الشعانين علينا في الزنانير وقد زرفن أصداقا كأذناب الزرازير وأقبلن بأوساط كأوساط الزنانير وإلى جانب هذا الدير مشهد عمرو بن الحمق الخزاعي ومسجد بنته بنو حمدان يتصل بالقبر. ثمّ أخذ في ترجمة عمرو بن الحمق وشهادته ، ولقد استوفينا ما يتعلق بعمرو بن الحمق في كتابنا المطبوع «كشف المغيّبات» وترجمة عياله آمنة في كتابنا «الرياحين الشريعة» وهو أيضا مطبوع. 44 ـ دير يونس بن متّى عليهالسلام وهذا الدير ينسب إلى يونس عليهالسلام ، وعلى اسمه بني ، وهو في الجانب الشرقي من الموصل ، بينه وبين دجلة فرسخان ، وموضعه يعرف بنينوى ، ونينوى هي مدينة يونس عليهالسلام وأرضه كلّها نوار وشقائق ، وله في أيّام الربيع ظاهر حسن موافق ، وهو مقصود ، وتحت الدير عين تعرف بعين يونس ، والناس يقصدون هذا الموضع لخلال منها التنزّه واللعب ، ومنها التبرّك بموضعه ، ومنها الاغتسال من العين التي تحته ، ولأبي شاس فيه : يا دير يونس جادت صوبك الديم حتّى ترى ناظرا بالنور تبتسم إلى أن قال : أستغفر الله من فتك بذي غنج جرى عليّ به في ربعك القلم 45 ـ دير زكّا وهذا الدير بالرقّة على الفرات وعن جنبيه نهر المبنج ، وهو من أحسن الديارات موقعا ، وأنزهها موضعا ، وكانت الملوك إذا اجتازت به نزلته وأقامت فيه لأنّه يجتمع فيه كلّ ما يريدونه من عمارة ونفاسة أبنية ، وطيب المواضع التي به ، ونزهة ظاهره لأنّ له بقايا عجيبة وبناحيته من الغزلان والأرانب وما شاكل ذلك ممّا يصطاد بالجارح من طير الماء والحبارى وأصناف الطير ، وفي الفرات بين يديه مطارح الشباك للسمك وهو جامع لكلّ ما تريده الملوك والسوقة ، وليس يخلو من المتطرّبين لطيبه سيّما أيّام الربيع فإنّ له في ذلك الوقت منظرا عجيبا ، وللصنوبريّ فيه : أراق سجالها بالرقّتين جنوبيّ صخوب الجانبين وأهدى للرصيف رصيف مزن يمارده طرير الطرّتين مآلف بل معاهد باقيات بأكرم مألفين ومعهدين يضاحكها الرفات بكلّ فجّ فيضحك عن نضار واللجين كأنّ الأرض من صفر وحمر عروس تجتلي في حلّتين كأنّ عناق نهري دير زكّى إذا اعتنقا عناق متيمين
وقد ذاك البليخ يد الليالي وذاك النيل من متجاورين أقاما كالسوارين استدارا على كتفيه أو كالدملجين أيا متنزّهي في دير زكّى ألم تك نزهتي بك نزهتين أردّد بين ورد نداك طرفا يردّد بين ورد الوجنتين ومبتسم كنظمي أقحوان جلاه الطلّ بين شقيقتين ويأسفن الفرات بحيث تهوى هوى الطير بين الجانبين تطارد مقبلات مدبرات على عجل تطارد عسكرين ترانا واصليك كما عهدنا وصالا لا ننقصه ببين ألا يا صاحبيّ خذا عناني هواي سلامتي من صاحبين لقد عضيتني الخمسون فتكي ونامت بين لذّاتي وبيني وكان اللهو عندي كابن أمّي فصرنا بعد ذاك لعلّتين 46 ـ دير ابن مزعون وهذا الدير بالحيرة في وسطها قريب دير الحريق وهو دير كثير الرهبان ، حسن العمارة ، أحد المتنزّهات المقصودة والأماكن الموصوفة ، ولمحمّد بن عبد الرحمان : قلت له والنجوم طالعة في ليلة الفصح أوّل السحر هل لك فيما رفاثيون وفي دير ابن مزعون غير مختصر يفيض هذا النسيم من طرف الشام ودرّ الندى على الشجر ونسأل الأرض من منابتها وعهدها بالربيع والمطر يا لك طيبا وشمّ رائحة كالمسك يأتي بنفحة السحر
47 ـ دير الأساقف هذه الديارات بالنجف بظاهر الكوفة وهو أوّل الحيرة وهو قباب وقصور تسمّى ديارات أساقف وبحضرتها نهر يعرف بالغدير عن يمينه قصر أبي الخصيب وعن شماله السدير وبين ذلك الديارات. والسدير (سه دير) وهو قصر عظيم من أبنية ملوك لخم في قديم الزمان ، ولعليّ بن محمّد الحمّاني العلوي يذكر هذه المواضع : كم وقفة لك بالخورنق لا توارى بالمواقف بين الغدير إلى السدير إلى ديارات الأساقف فما درج الرهبان في أطمار خائفة وخائف دمن كأنّ رياضها يكسين أعلام المطارف وكأنّما غدرانها فيها عشور في المصاحف وكأنّما أنوارها تهتزّ بالريح العواصف طرر الوصائف يلتقين إلى طرر الوصائف تلقى أوائلها أواخرها بألوان الزخارف بحريّة شتواتها بريّة فيها المصايف ورديّة الحصباء كافوريّة فيها المشارف وبها كرة البقال ثمّ قصر العدسيين ثمّ الأقصى الأبيض ثمّ قصر بني بقيلة المشهور بدير عبد المسيح بن بقيلة الغساني أخو سطيح الكاهن ، وهذه كلّها ديارات الأساقف. 48 ـ دير هند بنت النعمان بن المنذر بنت هذا الدير بالحيرة وترهّبت فيه وسكنته دهرا طويلا ثمّ عميت وهذا الدير من أعظم ديارات الحيرة وأعمرها وهو بين الخندق وخضراء ، ولمّا قدم الحجّاج ابن يوسف الكوفة في سنة أربع وسبعين قيل له : إنّ بين الحيرة والكوفة دير الهند بنت النعمان وهي فيه ينبغي أن نذهب إليها ونرى رأيها وعقلها فإنّها بقيّة ، فركب والناس معه حتّى أتى الدير فقيل لها : هذا الأمير الحجّاج بالباب ، فأطلعت من ناحية الدير فقال لها : يا هند ، ما أعجب ما رأيت؟ قالت خروج مثلي إلى مثلك فلا تغترّيا حجّاج بالدنيا فإنّا أصبحنا ونحن كما قال النابغة : رأيتك من تعقد له حبل ذمّة من الناس يأمن سرحه حيث أربعا ولم تمس إلّا ونحن أذلّ الناس ، وكلّ إناء امتلأ إلّا انكفأ ، فانصرف الحجّاج وبعث إليها من يخرجها من الدير ويستأديها الخراج ، فأخرجت مع ثلاث جوار من أهلها ، فقالت إحداهنّ في خروجها : خارجات يسقن من دير هند مذعنات بذلّة وهوان ليت شعري أوّل الحشر هذا أم محا الدهر عثرة الفتيان فشدّ فتى من أهل الكوفة على فرصة فاستنقذهنّ من رجال الشرطة وتغيّب ، فبلغ الحجّاج شعرها وفعل الفتى فقال : إن أتانا فهو آمن وإن ظفرنا به قتلناه ، فأتاه الفتى ، فقال له : ما حملك على ما صنعت؟ قال : الغيرة ؛ فوصله وخلّاه. وكان سعد بن أبي وقّاص حين فتح العراق أتى هندا إلى ديرها فخرجت إليه فأكرمها وعرض عليها نفسه في حوائجها ، فقالت : سأحيّيك بتحيّة كانت ملوكنا تحيّي بها ، لا مسّتك يد نالها الفقر بعد الغنى ، ولا مسّتك يد نالها غنى بعد فقر ، ولا جعل الله لك إلى لئيم حاجة ، ولا نزع الله عن كريم نعمة إلّا جعلك سببا لردّها عليه. ثمّ جائها المغيرة لمّا ولّاه معاوية الكوفة فاستأذن عليها ، فقيل لها : أمير هذه البلدة بالباب ، فقالت : قولوا له : من أولاد جبلة بن أيهم أنت؟ قال : لا. قالت : فمن ولد المنذر بن ماء السماء؟ قال : لا. قالت : فمن أنت؟ قال : المغيرة بن شعبة الثقفي. قالت : فما حاجتك؟ قال : جئتك خاطبا. قالت : لو جئتني لجمال أو حال لأجبتك ولكن أردت أن تتشرّف بي في محافل العرب فتقول : نكحت بنت النعمان المنذر وإلّا فأيّ فخر في اجتماع أعور وعمياء؟! فبعث إليها قال : كيف كان أمركم؟ قالت : سأختصر لك الجواب : أمسينا مساء وليس في الأرض عربيّ إلّا وهو يرغب إلينا ويرهبنا ، ثمّ أصبحنا وليس أحد إلّا ونحن نرغب إليه ونرهبه. فقال مغيرة لبنت النعمان : فما كان أبوك يقول في ثقيف؟ قالت : اختصم عليه رجلان منهم في شيء أحدهما ينتمي إلى أياد والآخر إلى بكر بن هوازن ، فقضى به للأيادي وقال : إنّ ثقيفا لم تكن هوازنا ولم تناسب عامر أو مازنا فقال المغيرة : أمّا نحن فمن بكر بن هوازن فليقل أبوك ما شاء. قال : فأرسل إليها خمسين دينارا. 49 ـ دير الخنافس وهو بين الموصل وبلد كبير كثير الرهبان ، له يوم في السنة يجتمع الناس إليه من كلّ موضع فتظهر فيه الخنافس ذلك اليوم حتّى تغطّي حيطانه وسقوفه وأرضه ويسودّ جميعه منها ، فإذا كان اليوم الثاني وهو عيد الدير اجتمعوا إلى الهيكل وقدّسوا وتقرّبوا وانصرفوا وقد غابت الخنافس حتّى لا يرى منها شيء إلى ذلك الوقت. 50 ـ دير القيارة وهو على أربع فراسخ من الموصل في الجانب الغربي من أعمال الحديثة مشرف على دجلة ، تحته عين قير وهي عين تفور بماء حارّ تصبّ في دجلة ويخرج منه القير ، فمادام القير في مائه فهو ليّن يمتدّ فإذا فارق الماء وبرد جفّ. وهناك قوم يجتمعون فيجمعون هذا القير يغرفونه من مائه بالقيفاف ويطرحونه على الأرض وله قدور حديد كبار وينخل له الرمل فيطرح عليه بمقدار يعرفونه ويوقد تحته حتّى يذوب ويختلط بالرمل وهم يحرّكونه تحريكا دائما وإذا بلغ حدّ استحكامه قلّب على الأرض قطعا مجمّدة ويصلب ويحمل إلى البلدان ، فمنه تقبر السفن والحمّامات وغير ذلك ممّا يستعمل فيه القير. 51 ـ دير قوما وقيل : مرقوما. وقيل : مرثوما. وهو بميافارقين على فرسخ منها في جبل عال ، له عيد يجتمع الناس إليه وهو مقصود لذلك ، وتنذر له النذور ، وتحمل إليه من كلّ موضع ، ويقصده أهل البطالة والخلاعة للشرب فيه ، وتحته برك يجتمع فيها ماء الأمطار. ومرقوما هو الشهيد الذي فيه يزعم النصارى أنّ له سبعمائة سنة وأنّه ممّن شهد المسيح وهو في خزانته خشب لها أبواب تفتح أيّام أعيادهم فيظهر منه نصفه الأعلى وهو قائم وأنفه وشفته العليا مقطوعان ، وذلك أنّ امرأة احتالت حتّى قطعت أنفه وشفته ومضت بهما فبنت عليهما ديرا في البريّة في طريق تكريت. 52 ـ دير باطا وهذا الدير بين الموصل وهيت وتكريت ، وهو دير حسن عامر في أيّام الربيع ، وله باب حجر ذكر النصارى أنّ هذا الباب يفتحه الواحد والاثنان حتّى يتجاوز السبعة فإن تجاوزوا السبعة لم يقدروا على فتحه ألبة ، فكان الطلّسم يمنع الطامعين وإن كانوا جماعة كبيرة من دخول هذا الدير وذكروا أيضا أنّ فيه غرابين تتناسل هناك لا يخلو منها فربّما طرقه اللصوص فدخلوه فإن حصل فيه أحد صعد الغرابان على الدير فإذا أقبل إليه أحد ممّن يطرقه أو يقصده تلقاه الغرابان يصيحان في وجهه. 53 ـ دير زرارة وهو دير حسن بين جسر الكوفة وحمّام أعين وهو موضع نزه حسن كثير الحانات والشراب ، عامر بمن يطرقه ، لا يخلو ممّن يطلب اللعب واللهو ويؤثر البطالة ، وهو من المواطن المستصلحة لذلك. أقول : إنّ الشابشتي ذكر هنا فضايح من أصحاب المجون والخلاعة. 54 ـ دير عمر مريونان وهذا الدير بالأنبار على الفرات وهو دير حسن كبير كثير القلايات والرهبان. والأنبار مدينة كانت على الفرات في غربيّ بغداد من ناحية سامرّاء ، بينهما عشرة فراسخ ، وكانت الفرس تسمّيها نيروز سابور ، وأوّل من عمّرها سابور بن هرمز ذو الأكتاف ، ثمّ جدّدها أبو العبّاس السفّاح وبنا بها قصورا وأقام بها إلى أن مات. 55 ـ دير قنّى على وزن صغرى ، وهذا الدير على ستّة عشر فرسخا من بغداد ، منحدرا في الجانب الشرقيّ ، وبينه وبين دجلة ميل ونصف ، وبينه وبين دير عاقول بريد ، وهو دير حسن نزه عامر ، وفيه مائة قلاية لرهبانه والمتبتّلين فيه ، لكلّ راهب قلاية وهم يتبايعون هذه القلالي بينهم من ألف دينار إلى مأتي دينار إلى خمسين دينار ، وحول كلّ قلاية بستان فيه من جميع الثمار والنخل والزيتون ، وتباع غلّته من مأتي دينار إلى ثلاثمائة أو أربعة ، وكان فيه أعاجيب كما كان في دير باطا ، وتقدّم شيء من ذلك. وفيه أعجوبة أخرى ما ذكره الشابشتي أيضا تحت بيعة أبي هور وهي أنّ من كانت به خنازير يقصد بيعة أبي هور ليعالج فيأخذ رأس الموضع فيضجعه ويأتيه بخنزير فيرسله على موضع الوجع فيأكل الخنزير الذي فيه لا يتعدّى ذلك الموضع فإذا تنظف الموضع ذرّ عليه من رماد خنزير فعل مثل هذا الفعل من قبل ومن زيت قنديل البيعة فبرأ ثمّ يؤخذ ذلك الخنزير فيذبح ويحرق ويعدّ رماده لمثل هذه الحالة. وعليه سور عظيم يحيط به ، وفي وسطه نهر جار ، وعيده الذي يجتمع الناس إليه عيد الصليب ، وقد وصفه الشعراء ، ولابن جمهور فيه : يا منزل اللهو بدير قنا قلبي إلى تلك الربى قد حنا سقيا لأيّامك لمّا كنا نمتار منك لذّة وحسنا وفي حاشية على الشابشتي قال : إنّ مار ماري كان من أبناء المائة الأولى للميلاد أسّس دير قنى والسبب في ذلك أنّ امرأة نبيلة تدعى قونى أصيبت بالبرص فشفاها ماري بأعجوبة فقابلت إحسانه بأن وهبته كثيرا من ضياعها وأراضيها لكنّه اقتصر من ذلك كلّه على بيت النار المجوسي فشيّد فيه ديرا هو دير قنى ، ولمّا مات ماري دفن في هذا الدير ، ومن ثمّ أصبح مدفنا لكثير من جثالقة المشرق ، وأنشأت مار ماري مدرسة عرفت به أسكول مارماري ، وممّن نشأ فيها العالم المنطقي متّى بن يونس ذو المؤلّفات الكثيرة ، وأيشو عياب القناعي الذي صار قسّا وبنى دير الأسكول بعد ذلك ، وكانت اللغة العربيّة والسريانيّة واليونانيّة تدرس في هذه المدرسة ، هذا إلى ما كان يدرس فيها من أصناف العلوم والفنون كالنحو والمنطق والشعر والهندسة والموسيقى والفلك والطبّ والفلسفة وعلوم الدين ، وكان فيها خزانة كتب حافلة تضمّ أمّهات التآليف التي كانت متداولة في ذلك العصر. وقال الياقوت المتوفّى سنة 626 : وأمّا الآن فلم يبق من هذا الدير غير سوره ، وفيه رهبان صعاليك وكأنّه خرب بخراب النهروان. أقول : هذا آخر ما أردنا نقله من كتاب ديارات أبي الحسن الشابشتي ملخّصا ، وتركنا أكثر ما نقله من الديارات والقصور والأبنية الجليلة التي ليس لها أثر في يومنا هذا. وذيّل كتاب الديارات للشابشتي كور كيس عوّاد وأضاف عليه عدّة ديارات التي لم يذكرها الشابشتي. وكتاب الديارات كتاب عميق في فنّه ومفيد لأهله غير أنّا لسنا من أهله ولا يفيدني مطالبه إلّا عبرة وتذكرة في أحوال الماضين كيف صارت قصورهم قبورا ، وجمعهم بورا ، وأملهم عزورا ، كما قال أمير المؤمنين عليهالسلام : أصبحت أصواتهم هامدة ، ورياحهم راكدة ، وأسادهم بالية ، وديارهم خالية ، وآثارهم عافية ، فاستبدلوا بالقصور المشيّدة والنمارق الممهّدة الصخور والأحجار المسندة ، والقبور اللاطئة الملحدة التي قد بني بالخراب فنائها ، فمحلّها مقترب ، وساكنها مغترب ، بين أهل محلّة موحشين ، وأهل فراغ متشاغلين ، لا يستأنسون بالأوطان ، ولا يتواصلون تواصل الحيران ، على ما بينهم من قرب الجار ، ودنوّ الدار ، وكيف يكون بينهم تزاور وقد طحنهم بكلاكله البلى ، وأكلتهم الجنادل والثرى. أين الملوك الذي عن حفظها غفلت حتّى سقاها بكأس الموت ساقيها تلك المداين في الآفاق خالية عادت خرابا وذاق الموت بانيها أموالنا لذوي الورّاث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها يابن آدم ، تفكّر وقل أين ملوك الدنيا وأربابها الذين عمروا خرابها ، واحتفروا أنهارها ، وغرسوا أشجارها ، ومدّنوا مداينها ، فارقوها وهم كارهون ، وورثها قوم آخرون ، ونحن عمّا قليل لاحقون. يابن آدم ، أذكر مصرعك وفي قبرك مضجعك وموقفك بين يدي الله ، تشهد جوارحك عليك يوم تزلّ فيه الأقدام ، وتبلغ القلوب الحناجر ، وتبيضّ وجوه وتسودّ وجوه ، وتبدوا السرائر ، ويوضع الميزان القسط. يابن آدم ، أذكر أخبار الماضين ومن كان قبلك من آبائك الأوّلين فسر في ديارهم وآثارهم فانظر فيما فعلوا وعمّا انتقلوا وأين حلّوا ونزلوا ، فإنّك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبّة وحلّوا ديار الغربة وكأنّك عن قليل قد صرت كأحدهم ؛ فاصلح مثواك ولا تبع آخرتك بدنياك. تزوّد من الدنيا فإنّك راحل وبادر فإنّ الموت لا شكّ نازل وإن امره قد عاش ستّين حجّة إلى منهل من ورده لقريب إذا كانت الستّون عمرك لم يكن لدائك إلّا أن تموت طبيب وقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : يهرم ابن آدم ويبقى معه اثنان : الحرص وطول الأمل. وقال أمير المؤمنين عليهالسلام في خطبة : اتقوا الله فكم من مؤمن آمالا لا يبلغه ، وجامع مالا لا يأكله ، ولعلّه من باطل جمعه ، ومن حقّ منعه ، أصابه حراما ، وورثه عدوّا ، فاحتمل إصره وباء بوزره ، وورد على ربّه خاسرا آسفا لاهفا ، قد خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين. وأنشد بعضهم : ويمسي المرء ذا أجل قريب وفي الدنيا له أمل طويل ويعجل للرحيل وليس يدري إلى ماذا يقرّبه الرحيل وقال آخر : يا أيّها المطلق آماله من دون آمالك آجال كم أبلت الدنيا وكم جدّدت فينا وكم تبلى وتغتال وكتب بعضهم إلى ملك يعظه : أيّها الملك ، اعدل برعيّتك وارحم من كان تحت يدك ، ولا تتجبّر عليهم ، ولا تعلو قدرك ، ولا تنس قبرك الذي هو منتهى أمرك ؛ فإنّ الموت يأتيك وإن طال عمرك ، والحساب أمامك ، والقيامة موعدك ، وقد كان هذا الأمر الذي أنت فيه بيد غيرك ، فلو بقي له لم يصل إليك ، وسينتقل عنك كما انتقل عنه ، وإنّه لا يبقى لك ولا تبقى له ، فقدّم لنفسك خيرا تجده محضرا ، وتزوّد من دار الغرور لدار الفرح والسرور ، واعتبر بمن كان قبلك ممّن خزن الأموال وكثّر الأقلال وجمع الرجال فلم يستطع دفن المنيّة ، ولا ردّ الرزيّة ، فلا تغترّ بدنيا الدنيّة واعتبر بقول القائل : وكيف يلذّ العيش من كان موقنا بأنّ المنايا بغتة ستعاجله وكيف يلذّ النوم من كان مؤمنا بأنّ إله الخلق لا بدّ سائله وكيف يلذّ العيش من كان صائرا إلى جدث يبلى الثياب منازل وكيف يلذّ النوم من أثبتوا له مثاقيل أوزان الذي هو فاعله فنرجع إلى ما كنّا فيه بأنّ كثرة الديارات في أراضي العراق سيّما في نواحي سامرّاء ليس إلّا لطيب هوائها وعذوبة مائها وقلّة دائها. وأيضا يدلّ هذا على انتشار النصرانيّة في تلك الديار ، ثمّ اندرست النصرانيّة منها على توالي القرون ، وعفت آثارها فيها ، وأقفرت من كلّ أنيس في هذا الوقت إلّا الصدى والبوم. وفي تاريخ الحيرة أيضا : وكان في العراق الدين السائد النصرانيّة في القرن الأوّل من ميلاد المسيح بعد أن كانوا وثنيّين ، ثمّ فشت فيهم الأديان المختلفة من عبادة الأوثان والقمر وغيرها ، وكان لجذيمة الأبرش صنمان يقال لهما ضيزمان مكانهما كان معروفا بالحيرة ، وكان هذان الصنمان باقيين حتّى أيّام المنذر الأكبر اتخذهما بباب الحيرة يسجد لهما من دخل امتحانا للطاعة ، وكان في الحيرة صنم آخر اسمه «سبد» ، يحلفون به ويقولون : وحقّ سبدكما أنّهم يعبدون العزّى وهي الزهرة. وطائفة من أهل العراق يعبدون القمر أخذوها من الصائبة. كما أنّ المانويّة تفشّت بين ظهراني القوم إلى أن ظهرت المزدكيّة في فارس في أيّام قباذ الساساني سنة 529 ميلادي ، وشايعها الناس من كلّ طبقة ، وإنّ بها جماعة من العرب منهم الحارث ابن عمرو بن حجر الكندي فآنس قباذ منه لعمله هذا وامتعض من ملك الحيرة المنذر الثالث بن امرئ القيس لرفضه المزدكيّة فطرده من العرش وأحلّ محلّه الحارث بن عمرو الكندي المزدكي المذهب فدخلت المزدكيّة الحيرة. وقال صاعد الأندلسي : كانت الزندقة في قريش أخذوها عن أهل الحيرة ثمّ دخل فيها اليهوديّة. وقال في تاريخ الحيرة أيضا : أمّا النصرانيّة فكانت الدين السائد في الحيرة ودان بها معظم اهاليها من ملوكها وأمرائها ووزرائها ، وانتشرت النصرانيّة في العراق ، وأوّل من تنصّر من ملوك آل نصر بن ربيعة وعمّال ملوك الفرس امرؤ القيس والمنذر بن امرئ القيس ، وفشت النصرانيّة في العراق سنة 595 ميلادي وبنوا في حاضرة المملكة الكنائس العظيمة ، وكان معظم نصارى الحيرة نساطرة ، وفي الأنبار بنو اكنيسة ، وكذا في المدائن ، وكثرت الديارات. وكان في الحيرة بيع جميلة حسنة البنيان مزخرفة بالنقوش والفسيفساء ، وكان يجعلون في حيطان دياراتهم الفسافس وفي سقوفها الذهب والصور ، وكان النعمان يركب في كلّ عيد ومعه أهل بيته عليهم حلل الديباج المذهّب وعلى رؤوسهم أكاليل الذهب وفي أوساطهم الزنانير المفضضة وبين أيديهم أعلام فوقها صلبان ، فإذا قضوا صلاتهم انصرفوا في مستشرفة في النجف. العثور على بعض الآثار الجليلة في سامرّاء إنّ ما تقدّم آنفا يعطيك صورة مصغّرة عن الديارات التي كانت في سامرّاء ونواحيها ، وأنّها كانت من الأبنية الجليلة المذهّبة والمفضّضة ، وقد عثر بعض الحفّارين في سامرّاء عند حفره الأرض قدر قامة على محاريب وجفان وأواني منقورة بخطوطهم ، ووجد تمثال هياكلهم في محاريبهم. وفي متحف بغداد نماذج منها. والسبب في ذلك أنّ عساكر الإسلام لمّا فتحوا العراق ودخلوا المداين شرقا ، والموصل غربا ، تفرّقوا نصارى أيدي سبا إلى ايطاليا ودفنوا أضامهم وهياكلهم وذخائرهم ظنّا منهم أنّهم سيغلبون على المسلمين ويرجعون إلى أوطانهم مطمئنّين. وقد ذكرنا لك آنفا في قصر الجعفري أنّ هرتسفيلد الألماني قد حمل معه ما يربو على مائتي صندوق من الآثار الجليلة منها فصوص ذوات ألوان قد نطقت باللجين المكلّل بينما ترى تموجاتها حمراء ورديّة تراها خضراء زبرجديّة وأحيانا صفراء عسجديّة. وحدّثني بعض الخبراء بسامرّاء قال : كنت أحفر الأرض لإخراج الآجر فإذا بسرداب كأنّ اليد رفعت عنه الساعة فنظرت فإذا بكوز مختوم عليه فكسرت ختمه فإذا برمل شبه الرماد فتحيّرت ، وكان في سامرّاء سوق اليهود صيّاغ يهودي ، فأريته كفّا منه فقال لي : فأتني به فآخذه ، وأعطاني عشرين روبية انگليزيّة فكدت أن أطير فرحا وسرورا ، ثمّ تبيّن لي بعد ذلك أنّه كان تبرا وكانت قيمته تربو على ألف ألف روبية. وحدّثني بعض من أثق به من أهل العلم قال : خرجنا يوما مع جماعة من أهالي سامرّاء إلى دور الخلفاء للنزهة واستنشاق الهواء ، فلمّا وصلنا إليها فرشنا وجلسنا وعملنا قليانا نشربه هناك ، ففي خلال ذلك هبّت ريح فقذفت نار رأس القليان ، فقمت أدوّر هناك فوجدت حجرا أملس يبلغ ثلاثين مثقالا تقريبا ، وكان شبه اللوزة ، فوضعته على رأس القليان ، فلمّا فرغنا عن شربه رميت الحجر مع رماده فرأيت لمعانا وبريقا من الحجر ، فمالت نفسي إليه فأخذته فمسحته فإذا بشعاعه وبريقه قد ازداد ، فكتمت ذلك عمّن كان معي حتّى سافرت إلى بغداد وكان لي هناك صديق من الصيّاغين ، فأريته ذلك فقال لي : إنّ ذلك من الجوهر ولكن لا أعرف أنّه من أيّ نوع منه وما قيمته ، فإذا بيهوديّ مرّ عليه فناداه الصيّاغ وأراه الحجر ، فقال اليهودي : اشتريه بأربعمائة روبية. قال : فبعته وكنت فرحا بذلك ، فتبيّن عند الصيّاغ بعد ذلك أنّ قيمته كانت أضعاف ما باعه. وحدّثني من حدّثه بعض الحفّارين قال : قال لي : كنت أجيرا لرجل أجنبيّ غربيّ فأمرني يوما بحفر موضع في شرقي سامرّاء ، فحفرت فإذا بسرداب قد طلع كأنّ اليد رفعت عنه في الوقت وكان مطليا بالجصّ الأبيض ومنقوشا بنقوش بديعة ، وفيه محراب قبلته على الشرق ، وكان فوق المحراب دكّة فيها صنم على صورة بنت في الرابعة عشرة من عمرها رمادي اللون يلمع في الغاية جالس على سرير من الحجر المنقور البلوري الأصفر ، وفي عنقه قلادة تصل إلى صدره غير أنّي لا أعرفها ، ويلمع بألوان مختلفة ، وكانت رجلاه ممدودتين إحداهما فوق الأخرى ، ومن ركبته إلى عقبه خطوط. فالتفت الرجل الغربي إلى الخطوط فقرأها بجهد أكيد ، فلمّا فرغ من ذلك أمرني بحفر المحراب الذي عند رجلي المجسّمة فحفرت مقدار شبرين فطلع صندوق من الخشب لم تبله الأرض وبه نجارة بديعة وكان مختوما ، ففرح الرجل الغربي فأمرني بحمل الصنم والصندوق فحملته ، وكان ثقيلا ، فوضعته في السيّارة وسار من وقته وأعطاني خمسين روبيّة ، وكانت أجرتي في كلّ يوم أربعة قرانات. ونظائر ذلك في سامرّاء ونواحيها لا تعدّ ولا تحصى ، وقد رأينا بعضها عيانا. أخبار الإمام أبي الحسن عليّ الهادي عليهالسلام بانحلال سامرّاء وخرابها روى الصدوق في الأمالي ، والمجلسي في الثاني عشر من البحار ، وابن شهر آشوب في المناقب ، والسيّد هاشم البحراني في معاجز الإمام عليّ الهادي عليهالسلام من كتابه مدينة المعاجز ؛ مسندا عن أبي محمّد الفحّام عن عمّ أبيه قال : قال يوما الإمام عليّ بن محمّد عليهماالسلام : يا أبا موسى ، أخرجت إلى سرّ من رأى كرها ولو أخرجت عنها لخرجت كرها. قال : قلت : ولم يا سيّدي؟ قال : لطيب هوائها وعذوبة مائها وقلّة دائها. ثمّ قال : تخرب سرّ من رأى حتّى لا يكون فيها إلّا خان وبقال للمارّة ، وعلامة تدارك خرابها ـ وفي المناقب : وعلامة خرابها ـ تدارك العمارة في مشهدي من بعدي. دخلنا كارهين فلها فلمّا ألفناها خرجنا مكرهينا ولعمري إنّ هذا الحديث لمن أعلام النبوّة والإمامة حيث أنّه عليهالسلام أخبر بخراب سامرّاء وانحلالها حين كانت سامرّاء جنّة الدنيا ، وكانت في غاية العمارة والسعة ، وكان طولها أزيد من ثمانية فراسخ ، ثمّ خربت حتّى لا يبقى فيها إلّا خان وبقال للمارّة إلى أن صارت مشهدا للعسكريّين عليهماالسلام فأخذ يتدارك خرابها إلى يومنا هذا وصارت مهبط الملائكة ووفود الأنبياء عليهمالسلام كيف لا وهي بقعة من بقاع الجنّة وعرصة من عرصاتها ، وبيت من بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه. أما ترى أنّ عظماء السلف والخلف لم يبق لهم في الأرض أثر مذكور وحفر مشهور يتقرّب الناس إليه نحو فرعون وشدّاد ونمرود وأمثالهم من الأكاسرة والقياصرة والجبابرة من الملوك والسلاطين ، وأمّا أهل بيت رسول الله صلىاللهعليهوآله فقد امتلأت أقطار الأرض من آثارهم وكلّما تطاولت الدهور زادت مشاهدهم سموّا وذكرها نموّا. ويرى الناس فيها العجائب عيانا ، وهذه سرّ من رأى خربت حتّى ما بقيت فيها عمارة أصلا بعد أن كانت عروس الدنيا ، فلمّا غالب في ثراهما النجمان الإمامان العسكريّان عليهماالسلام طلعت فيها شموس المعرفة بعد أفولها وأخذت في العمارة بعد خرابها ، وسطعت آثار الفخر والشرف من حيطانها بعد زوالها ، وأضاءت الدنيا بأنوارها بعد غروبها ، ولأجل زيارتهما يشدّون الرحال من أقصى بلاد الدنيا إلى سرّ من رأى ، ولا شكّ أنّ المشاهد المتبرّكة لا يقاس بها بقعة من بقاع الدنيا فإنّ البقاع بحذا فيرها عند المشاهد المتبرّكة كالخزف الذي لا قيمة له. أين الثرى من الثريّا والذرّة من الدرّة؟! عمروا بأطراف البلاد مقابر إذ خرّبوا من يثرب أوطانا قوم لهم في كلّ أرض مشهد لا بل لهم في كلّ قلب مشهد ولقد أجاد شيخنا العلّامة الخبير الشيخ محمّد السماوي يقول في وشايح السرّاء (1) : قد ذكر التاريخ أنّ ثمانية قد دفنوا بسامرا علانية وهم ذوو السلطة قبل المعتضد وتلك من معتصم لمعتمد فشيدت القباب والمباني على قبورهم من السلطان وزخرفت أبنية الضرائح لكلّ غاد ناظر ورائح __________________ (1) وشايح السرّاء : 9.
| |
|
| |
الشيخ شوقي البديري الشيخ شوقي البديري
عدد المساهمات : 2973 نقاط : 4624 تاريخ التسجيل : 17/06/2012 العمر : 59 الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق
| موضوع: رد: ماثر الكبرى في تاريخ سامراء ج1 الجمعة أكتوبر 25, 2024 5:52 am | |
| أما ترى أنّ عظماء السلف والخلف لم يبق لهم في الأرض أثر مذكور وحفر مشهور يتقرّب الناس إليه نحو فرعون وشدّاد ونمرود وأمثالهم من الأكاسرة والقياصرة والجبابرة من الملوك والسلاطين ، وأمّا أهل بيت رسول الله صلىاللهعليهوآله فقد امتلأت أقطار الأرض من آثارهم وكلّما تطاولت الدهور زادت مشاهدهم سموّا وذكرها نموّا. ويرى الناس فيها العجائب عيانا ، وهذه سرّ من رأى خربت حتّى ما بقيت فيها عمارة أصلا بعد أن كانت عروس الدنيا ، فلمّا غالب في ثراهما النجمان الإمامان العسكريّان عليهماالسلام طلعت فيها شموس المعرفة بعد أفولها وأخذت في العمارة بعد خرابها ، وسطعت آثار الفخر والشرف من حيطانها بعد زوالها ، وأضاءت الدنيا بأنوارها بعد غروبها ، ولأجل زيارتهما يشدّون الرحال من أقصى بلاد الدنيا إلى سرّ من رأى ، ولا شكّ أنّ المشاهد المتبرّكة لا يقاس بها بقعة من بقاع الدنيا فإنّ البقاع بحذا فيرها عند المشاهد المتبرّكة كالخزف الذي لا قيمة له. أين الثرى من الثريّا والذرّة من الدرّة؟! عمروا بأطراف البلاد مقابر إذ خرّبوا من يثرب أوطانا قوم لهم في كلّ أرض مشهد لا بل لهم في كلّ قلب مشهد ولقد أجاد شيخنا العلّامة الخبير الشيخ محمّد السماوي يقول في وشايح السرّاء (1) : قد ذكر التاريخ أنّ ثمانية قد دفنوا بسامرا علانية وهم ذوو السلطة قبل المعتضد وتلك من معتصم لمعتمد فشيدت القباب والمباني على قبورهم من السلطان وزخرفت أبنية الضرائح لكلّ غاد ناظر ورائح __________________ (1) وشايح السرّاء : 9.
فما سرى الملوك من سامرّا إلّا وذاك المشمخرّ خرّا وأصبحت بيوتهم خرابا يناعق البوم بها الغرابا فصعد الطرف بها وصوب وانظر بعينيك على تلك الترب فهل ترى من أحد ذي عزّ أم هل تحسّ لهم من ركز فهل ترى للقوم فيها أقبرا تعرف عينا أو تمايز أثرا وإنّ دار العزّ من بني الرضا أمست ونور الله فيها قد أضا تزداد بالرفعة كلّ يوم وتنتحيها القوم بعد القوم بيتهم من بعدهم لا يدخل إلّا بإذن منهم يحصل كلام الحموي في انحلال سامرّاء قال في معجم البلدان عند ذكره سرّ من رأى : ولم تزل كلّ يوم سرّ من رأى في صلاح وزيادة منذ أيّام المعتصم والواثق والمتوكّل إلى آخر أيّام المنتصر بن المتوكّل. فلمّا ولّى المستعين وقويت شوكة الأتراك واستبدّوا بالملك والعزل وانفسدت دولة بني العبّاس لم تزل سرّ من رأى في تناقص للاختلال الواقع في الدولة بسبب العصبيّة التي كانت بين أمراء الأتراك إلى أن كان آخر من انتقل إلى بغداد من الخلفاء وأقام بها وترك سرّ من رأى بالكلّيّه المعتضد بالله فخربت حتّى لم يبق منها إلّا موضع المشهد الذي تزعم الشيعة أنّ به سرداب القائم المهدي ومحلّة أخرى بعيدة منها يقال لها كرخ سامرّاء ، وسائر ذلك خراب يستوحش الناظر إليها بعد أن لم يكن في الأرض كلّها أحسن منها ولا أجمل ولا أعظم ولا آنس ولا أوسع ملكا منها ؛ فسبحان من لا يزول ولا يحول. قال : وذكر الحسن بن أحمد المهلّبي في كتابه المسمّى بالعزيزي قال : وأنا اجتزت بسرّ من رأى منذ صلاة الصبح في شارع واحد مادّا عليه من جانبيه دور كأنّ اليد رفعت عنها للوقت لم تعدم إلّا الأبواب والسقوف ، فأمّا حيطانها فكالجدّد ، فما زلنا نسير إلى بعد الظهر حتّى انتهينا إلى العمارة منها وهي مقادر قرية يسيرة في وسطها ثمّ سرنا من الغد على مثل تلك الحال فما خرجنا من آثار البناء إلّا نحو الظهر ، ولا شكّ أنّ طول البناء كان أكثر من ثمانية فراسخ. كلام ابن المعتز في انحلال سامرّاء قال في المعجم عند ذكره سامرّاء : كتب عبد الله بن المعتزّ إلى بعض إخوانه يصف سرّ من رأى ويذكر خرابها : كتبت إليك من بلدة قد أنهض الدهر سكّانها وأقعد جدرانها ، فشاهد اليأس فيها ينطق ، وحبل الرجاء فيها يقصر ، فكأنّ عمرانها يطوى ، وكأنّ خرابها ينشر ، وكلفت إلى الهجر نواحيها ، واستحثّ باقيها إلى فانيها ، وقد تمزّقت بأهلها الديار ، فما يجب فيها حقّ الجوار ، فالظا عن منها ممحوّ الأثر ، والمقيم بها على طرف السفر ، نهاره أرجاف (1) ، وسروره أحلام (2) ، ليس له زاد فيرحل ، ولا مرعى فيرتع ، فحالها تصف للعيون الشكوى ، وتشير إلى ذمّ الدنيا بعد ما كانت بالمرأى القريب جنّة الأرض ، وقرار الملك ، تفيض بالجنود أقطارها ؛ عليهم أردية السيوف (3) وغلائل الحديد ، كأنّ رماحهم قرون الوعول ، ودروعهم زبد السيول ، على خيل تأكل الأرض بحوافرها ، وتمدّ بالنقع سائرها ، قد نشرت في وجوهها غررا كأنّها صحائف البرق ، وأمسكها تحجيل كأسورة اللجين ، __________________ (1) الاضطراب والتزلزل. (2) لا يرى السرور إلّا في النوم. (3) بطائن تلبس تحت الدرع ويطلق على الدروع أيضا. ونيطت (1) عذارا كالشنوف (2) في جيش يتلقف لأعدائه أوائله ، ولم ينهض أواخره ، وقد صبّ عليه وقار الصبر ، وهبّت له روائح النصر ، يصرفه ملك يملأ العين جمالا والقلوب جلالا ، والناس في دهر غافل ، قد اطمأنّت بهم سيره ، والدهر يسير بالمقيم ، يمزج البؤس بالنعيم ، وبعد اللجاجة انتهاء والهمّ إلى فرج ، ولكلّ سائلة قرار ، وبالله أستعين ومحمود على كلّ حال. قال : وكان ابن المعتزّ مجتازا بسامرّاء متأسّفا عليها وله فيها كلام منثور ومنظوم في وصفها. ولمّا استدبر أمرها جعلت تنقض وتحمل أنقاضها إلى بغداد ويعمر بها. فقال ابن المعتزّ : قد أقفرت سرّ من رأى وما لشيء دوام فالنقض يحمل منها كأنّها آجام ماتت كما مات فيل تسلّ منه العظام قال : وحدّثني بعض الأصدقاء قال : اجتزت بسامرّاء فرأيت على وجه حائط من حيطانها الخراب مكتوب : حكم الضيوف بهذا الربع أنفذ من حكم الخلائف آبائي على الأمم وكلّ ما فيه مبذول لطارقه ولا زمام به إلّا على الحرم وقال ابن المعتزّ : غدت سرّ من رأ في العفاء فيالها «قفانبك من ذكرى حبيب ومنزل» وأصبح أهلوها شبيها بحالها «لما نسجتها من جنوب وشمأل» إذا أمروا منهم شكا سوء حاله «يقولون لا تهلك أسى وتجمّل» __________________ (1) من ناط ينوط نوطا أي علقة. (2) بالكسر من اللجام ما سال على خدّ الفرس. والشنوف جمع شنف وهو القرط. ونقل عن كشكول شيخنا البهائي قدسسره أنّه قال : ولقد أخبرني بعض الفضلاء أنّه رأى في مجموع أنّ بعض الأدباء اجتاز بدار الشريف الرضي مؤلّف نهج البلاغة رحمهالله بسامرّاء وهو لا يعرفها ، وقد أخنى عليها الزمان ، وذهبت بهجتها وخلقت ديباجتها ، وبقايا رسومها تشهد لها بالنضارة ، وحسن البشارة ، فوقف عليها متعجّبا من صروف الزمان ، وطوارق الحدثان ، وتمثّل بقول الشريف الرضي : ولقد وقفت على ربوعهم وطلولها بيد البلا نهب فبكيت حتّى ضجّ من لغب نضوى ولجّ بعذلي الركب وتلفّتت عنّي فمذ خفيت عنّي الديار تلفّت القلب فقيل له : هل تعرف صاحب هذه الدار؟ قال : لا. قال : هو لصاحب هذه الأبيات. نقل هذه الحكاية السيّد العلّامة محمّد باقر الخوانساري في روضات الجنّات وقال : اجتاز بدار الشريف ببغداد .. الخ. وهو أقرب إلى الصحّة لأنّه قدسسره لم يعهد له دار بسامرّاء لأنّه ولد سنة تسع وخمسين وثلاث مائة وخربت سامرّاء في سنة تسع وسبعين ومائتين ، والله تعالى أعلم. سبب انحلال سامرّاء وخرابها جاء في كتاب الآثار العراقيّة القديمة (1) ذكر مقالة تحت عنوان «قصّة سامرّاء» ننقل النقاط الرئيسيّة منها التي تناسب المقام. قال : قصّة مدينة سامرّاء من أغرب وأمنع قصص المدن في التاريخ ؛ قطعة أرض قفراء على ضفة مرتفعة من نهر دجلة ، لا عمارة فيها ولا أنيس بها إلّا دير __________________ (1) الآثار العراقيّة القديمة : 29. النصارى ، تتحوّل في مثل لمح البصر إلى مدينة كبيرة لتكون عاصمة لدولة من أعظم الدول التي عرفها التاريخ في دور من ألمع أدوار سؤددها ، تنمو هذه المدينة الجديدة وتزدهر بسرعة هائلة لم ير التاريخ مثلها في جميع القرون السالفة ولم يذكر ما يماثلها بعض المماثلة إلّا في القرن الأخير في بعض المدن التي نشأت تحت ظروف خاصّة في بعض الأقسام من العالم الجديد ، غير أنّ هذا الازدهار العجيب لم يستمرّ مدّة طويلة ؛ لأنّ المدينة تفقد صفة العاصمة التي كانت علّة وجودها وعامل كيانها قبل أن يمضي نصف قرن على نشأتها ، فتأخذ في الاقفرار والاندراس بسرعة هائلة لا تضاهيها سرعة ، وبعد أن كان الناس يسمّونها باسم سرّ من رأى أضحوا يسمّونها ساء من رأى ، وبعد أن كان الشعراء يتسابقون في مدح قصورها أخذوا يسترسلون في رثاء أطلالها. وفي الواقع ماتت سامرّاء ميتة فجائيّة بعد عمر قصير لم يبلغ نصف القرن ، وأمست رموسا وأطلالها هائلة تمتدّ اليوم أمام أنظار الزائر ، وتتوالى تحت أقدام المسافر ، إلى أبعاد شاسعة لا يقلّ امتدادها عن الخمسة وثلاثين من الكيلومترات ، وعندما يتجوّل المرأ بين هذه الأطلال المترامية الأطراف ويتأمّل في السرعة العظيمة التي امتاز بها تأسيس مدينة سامرّاء وتوسّعها من جهة واقفرارها من جهة أخرى لا يتمالك نفسه من التساؤل عن العوامل التي سيطرت على مقدّرات هذه المدينة العظيمة ، وصيّرت قصّة حياتها بهذا الشكل الغريب. وإنّ العوامل السياسيّة التي لعبت دورا هامّا في هذا المضمار لم تكن كثيرة التعقيد بل إنّها تتجلّى لنا بكلّ وضوح عندما نلقي نظرة عامّة على أهمّ الحوادث التي وقعت في عهود الخلفاء الثمانية الذين توالوا على أريكة الخلافة العبّاسيّة في سامرّاء وإيجاد الخليفة المعتصم ـ وهو ابن هارون الرشيد ـ مشاكل كبيرة في إدارة البلاد فيرى أن يتغلّب عليها باستخدام جيش من الموالي والمماليك فيكثر من شراء الغلمان من بلاد المغرب والمشرق ، وعلى الأخصّ من ماوراء النهر بغية تكوين جيش مطيع ينزل على إرادته على الدوام ، غير أنّ تكاثر هذا الجيش الغريب في العاصمة القديمة بغداد ـ والمزدحمة بالسكان يؤدّي إلى حدوث بعض الوقايع بين العساكر والأهلين فيقرّر الخليفة إزاء هذا الحال إحداث عاصمة جديدة بعيدة عن القديمة ينتقل إليها بعساكره وقوّاده ووزرائه وكتّابه وأتباعه ويدعو الناس إليها. فيمضي الخليفة في تحقيق فكرته هذه بعزم قويّ وفق خطّة محكمة فينتخب موقع سامرّاء بعد التحرير والبحث ، ومع هذا لم تأت بالفوائد التي قصدها ، فنقول : إنّ المعتصم كان حسب حسابا لكلّ شيء في هذا الباب غير شيء واحد وهو التطوّر الذي يحدث في نفسيّة الجيش بطبيعة الحال عندما يتكوّن أفراده وقوّاده من الغرباء ولو كانوا في الأصل من الأرقّاء. أراد المعتصم بخطّته هذه أن يتخلّص من مشاغبات الأهالي غير أنّه لم يدرك بأنّ هذه الخطّة ستؤدّي عاجلا أم آجلا إلى جعل الخلافة ألعوبة في أيدي الجنود الغرباء وقوّاده الطامعين ، وهذا ما حدث فعلا ، فقبل أن تمضي عشرون سنة على وفاة الخليفة المعتصم الذي وضع هذه الخطّة وشرع في تطبيقها تفاقمت سيطرة القوّاد ووصلت بهم الجرأة إلى درجة قتل الخليفة المتوكّل قتلا فظيعا ، وبعد ذلك تتابعت الأحداث والاضطرابات ، وأفضت الى قتل الخلفاء وخلعهم ثلاث مرّات متواليات خلال عشر سنوات إلى أن تولّى الخلافة المعتمد ، وبعد أن صرف بعض الجهود في سبيل توطيد دعائم ملكه في سامرّاء نفسها رأى أن ينهي هذه المحاولات كلّها فقرّر أن يترك سامرّاء بالكلّيّة وأن يعيد كرسي الخلافة إلى بغداد بصورة نهائيّة ولذلك نستطيع أن نقول أنّ الخطّه السياسيّة التي وضعها المعتصم والتجربة الاجتماعيّة التي قام بها تنفيذا لهذه الخطّة انتهت بفشل تامّ. العراق ووجه تسميته قال الحموي في المعجم : العراقان البصرة والكوفة سمّي بذلك من عراق القربة وهو الخرز المثنّى الذي في أسفله أي إنّه أسفله أرض العرب. وقيل : العراق شاطئ البحر وسمّي العراق عراقا لأنّه على شاطئ دجلة والفرات مدّا حتّى يتّصل بالبحر على طوله ، وأهل الحجاز يسمّونه ما كان قريبا من البحر عراقا. وقال حمزة : الساحل بالفارسيّة اسمه ايراه الملك فلذلك سمّوا كورة أردشير خره من أرض فارس ايراهستان لقربها من البحر فعربت العرب لفظ ايراه بإلحاق القاف فقالوا أيراق ، ومن كثرة الاستعمال قالوا عراق. وقال : العراق تعريف ايراف بالفاء ، ومعناه مفيض الماء وحدور المياه ، وذلك أنّ دجلة والفرات بالعراق يقرّ قرارها ويسقي بساتينها. وقيل : العراق سمّيت بذلك لاستواء أرضها حين خلت من جبال تعلوه وأودية تنخفض والعراق الاستواء في كلامهم كما قال الشاعر : سقتم إلى الحقّ معا وساقوا سياق من ليس لها عراق
حدّ العراق أمّا حدّه من حديثة موصل طولا إلى عبّادان ، ومن العذيب بالقادسيّة إلى حلوان ، هذا حدّ السواد فيكون طوله مائة وستّين فرسخا ، وكانت السواد تعرف بميان روزان معناه بين الأنهر ، وكانت غلاة السواد تجري على المقاسمة في أيّام ملوك فارس إلى ملك قباذ بن فيروز ، فإنّه مسحه وجعل على أهله الخراج. ويقال : إنّ أوّل من سكن السواد وعمّرها نوح النبي عليهالسلام حين نزلها عقب الطوفان طلبا للرفاه فأقام بها وتناسلوا فيها وكثروا من بعد نوح عليهالسلام وملكوا عليهم ملوكا وابتنوا بها المدائن ، واتصلت مساكنهم بدجلة والفرات إلى أن بلغوا من دجلة إلى أسفل كسكر ومن الفرات إلى ماوراء الكوفة وموضعهم هذا يقال له السواد ، وكانت الملوك تنزل بابل ، وكان الكلدانيّون جنودهم فلم تزل مملكتهم قائمة إلى أن قتل دارا وهو آخر ملوكهم ، ثمّ قتل منهم خلق كثير فذلّوا وانقطع ملكهم وكانت ملوك فارس إذا عنى بناحية من الأرض وعمرها سمّاها باسمه ، وكانوا ينزلون السواد ، لمّا جمع الله في أرضه من مرافق الخيرات وما يوجد فيها من غضارة العيش وطيب الهواء. فضل العراق وأهله قال المسعودي في مروج الذهب : قال بعض الحكماء في وصف العراق : إنّها منار الشرق ، وسرّة الأرض وقلبها ، إليه تحادرت المياه ، وبه اتصلت النضارة ، وعنده وقف الاعتدال ، وصفت أمزجة أهله ، ولطفت أذهانهم ، وأحدّت خواطرهم ، واتصلت مسرّاتهم فظهر منهم الدهاء ، وقويت عقولهم ، وثبتت بصائرهم ، وقلب الأرض العراق ، وهو المجتبى من قديم الزمان ، وهو مفتاح الشرق ، ومسلك النور ، ومسرح العينين ، ومدّنه المداين وما والاها ، ولأهله أعدل الألوان ، وأنقى الروائح ، وأفضل الأمزجة ، وطواع القرائح ، وفيهم جوامع الفضائل ، وفوائد المبرّات ، وفضائله كثيرة لصفاء جوهره ، وطيب نسيمه ، واعتدال تربته ، وإغداق الماء عليه ، ورفاهيّة العيش به. وقال الحموي في المعجم عند ذكره للعراق : والعراق أعدل أرض الله هواء ، وأصحّها مزاجا وماء ، فلذلك كان أهل العراق هم أهل العقول الصحيحة والآراء الراجحة ، والشهوات المحمودة ، والشمائل الظريفة ، والبراعة في كلّ صناعة ، مع اعتدال الأعضاء ، واستواء الأخلاط ، وسمرة الألوان ، وهم الذين أنضجتهم الأرحام ، فلم تخرجهم بين أشقر وأصهب وأبرص ، كالذي يعتري أرحام نساء الصقالبة في الشقرة ، ولم يتجاوز أرحام نسائهم في النضج إلى الإحراق ، كالزنج والنوبة والحبشة ، الذين حلك لونهم ، ونتن ريحهم ، وتفلفل شعرهم ، وفسدت آراؤهم وعقولهم ، فمن عداهم بين خمير لم ينضج ، ومجاوز للقدر حتّى خرج عن الاعتدال. قالوا : وليس بالعراق مشتى كمتشى الجبال ولا مصيف كمصيف عمّان ، ولا صواعق كصواعق تهامة ، ولا دماميل كدماميل الجزيرة ، ولا جرب كجرب الزنج ، ولا طواعين كطواعين الشام ، ولا طحال كطحال البحرين ، ولا حمى كحمى خيبر ، ولا زلزلة كزلزال سيران ، ولا كحرارات الأهواز ، ولا كأفاعي سجستان ، وثعابين مصر ، وعقارب نصيبين ، ولا تلوّن هوائها كتلوّن هواء مصر. وقال في حرف السين : سواد اسم لرستاق العراق وضياعها التي افتتحها المسلمون على عهد عمر بن الخطّاب والعراق ، سمّي بذلك لسواده بالزرع والنخيل والأشجار ؛ لأنّ العرب إذا خرجوا من أرضهم وظهرت لهم خضرت الزرع والأشجار يسمّونه سوادا ، والسواد الاخضرار ، كما قال الفضل بن عبّاس بن عتبة وكان أسود : وأنا الأخضر من يعرفني أخضر الجلدة من نسل العرب وكانت ملوك فارس ينزلون السواد لما جمع الله في أرضه من مرافق الخيرات وما يوجد فيها من غضارة العيش ، وخصب المحل ، وطيب المستقرّ وسعة ميرها من أطعمتها وأوديتها وعطرها ولطيف صناعتها ، وكانوا يشبّهون السواد بالقلب ، وسائر الدنيا بالبدن ، وكذلك سمّوه دل ايران شهر ، أي قلب ، وايران شهر الاقليم المتوسط بجميع الأقاليم ، وإنّما شبّهوه بذلك لأنّ الآراء تشعّبت عن أهله بصحّة الفكر والرؤية كما تتشعّب عن القلب بدقائق العلوم ولطائف الآداب والأحكام ، وخصب بلاد العراق بسهولة لا عوائق فيها ، ولا شواهق تشينها ، ولا مفاوز موحشة ، ولا براري منقطعة عن تواصل العمارة ، وكانت الأنهار المطّردة من رساتيقها وبين قرارها ، مع قلّة جبالها وآكامها ، وتكاثف عمارتها ، وكثرة أنواع غلّاتها وثمارها ، والتفاف أشجارها وعذوبة مائها ، وصفاء هوائها وطيب تربتها ، مع اعتدال طينتها ، وتوسّط مزاجها ، وكثرة أجناس الطير والصيد في ظلال أشجارها ، من طائر بجناح ، وماش على ظلف ، وسابح في بحر. قد أمنت ممّا تخافه البلدان من غارات الأعداء ، وبوائق المخالفين مع ما خصّت به من الرافدين دجلة والفرات ، إذ قد اكتنفاها لا ينقطعان شتاءا ولا صيفا على بعد منافعهما في غيرها فإنّه لا ينتفع منها بكثرة فائدة حتّى يدخلاها فتسيح مياههما في جنباتها ، وتنبطح في رساتيقها ، فيأخذون صفوه هنيئا ويرسل كدره وأجنه إلى البحر لأنّهما يشتغلان عن جميع الأراضي التي يمرّان بها ولا ينتفع بهما في غير السواد إلّا بالدوالي بمشقّة وعناء ، بخلاف أرض العراق لأنّ بها يقرّان قرارهما ويسقيان بساتينها ، وتسيح في رساتيقها وحدائقها. قال اليعقوبي في البلدان (1) يصف بغداد والعراق : إنّ بغداد وسط الدنيا لأنّها على ما أجمع عليه قول الحساب وتضمّنته كتب الأوائل من الحكماء في الإقليم الرابع وهو الإقليم الأوسط الذي يعتدل فيه الهواء في جميع الأزمان والفصول فيكون الحرّ بها شديدا في أيّام القيظ ، والبرد شديدا في أيّام الشتاء ، ويعتدل الفصلان الخريف والربيع في أوقاتهما ، ويكون دخول الخريف إلى الشتاء غير متبائن الهواء ، ودخول الربيع إلى الصيف غير متبائن الهواء ، وكذلك كلّ فصل ينتقل من هواء إلى هواء ، ومن زمان إلى زمان ، فلذلك اعتدل الهواء ، وطاب الثرى ، وعذب الماء ، وزكت الأشجار ، وطابت الثمار ، وأخصبت الزروع ، وكثرت الخيرات ، وقرب مستنبط معينها ، وباعتدال الهواء وطيب الثرى وعذوبة الماء حسنت أخلاق أهلها ، ونضرت وجوههم ، وانفتقت أذهانهم ، حتّى فضّلوا الناس في العلم والفهم والأدب والنظر والتميز والصناعات والمكاسب ، والحذق بكلّ مناظرة ، وإحكام كلّ مهنة وإتقان كلّ صناعة ، فليس عالم أعلم من عالمهم ، ولا أروى من راويهم ، ولا أجدل من متكلّمهم ، ولا أعرب من نحويهم ولا أصحّ من قاريهم ، ولا أمهر من متطبّبهم ، ولا أحذق من مغنّيهم ، ولا ألطف من صانعهم ، ولا أكتب من كاتبهم ، ولا أبين من منطيقهم ، ولا أعبد من عابدهم ، ولا أورع من زاهدهم ، ولا أفقه من حاكمهم ، ولا أخطب من خطيبهم ، ولا أشعر من شاعرهم ، ولا أفتك من جنديهم. إلى أن قال : فلمّا أفضت الخلافة إلى ولد العبّاس بن عبد المطّلب عرفوا بحسن تميزهم وصحّة عقولهم وكمال آرائهم فضل العراق وجلالتها وسعتها ووسطها للدنيا وأنّها ليست كالشام الوبيئة الهواء ، الضيّقة المنازل ، الحزنة الأرض ، المتصلة الطواعين ، الجافية الأهل. ولا كمصر المتغيّرة الهواء ، الكثيرة الوباء ، التي هي بين __________________ (1) البلدان : 3. رطب عفن كثير البخارات الرديّة التي تولد الأدواء وتفسد الغذاء ، وبين الجبل اليابس الصلد الذي ليبسه وملوحته وفساده لا ينبت فيه خضر ولا ينفجر منه عين ماء. ولا كأفر يقيّة البعيدة عن جزيرة الإسلام ، ولا عن بيت الله الحرام الجافية الأهل ، الكثيرة العدوّ ، ولا كأرمينيّة النائية الباردة الصردة الخزنة التي يحيط بها الأعداء من جميع أطرافها عدوّ كاب ومحارب حرب ، ولا مثل كور الجبل الحزنة الخشنة المثلّجة دار الأكراد الغليظي الأكباد ، ولا كأرض خراسان الطاعنة في مشرق الشمس التي يحيط بها من جميع أطرافها عدوّ كلب ، ومحارب حرب ، ولا كالحجاز النكدة العيش ، الضيّقة المكسب ، التي قوت أهلها من غيرها ، ولا كالتبّت التي بفساد هوائها وغذائها تغيّرت ألوان أهلها وصغرت أبدانهم ، وتجعّدت شعورهم ، فلمّا علموا أنّها أفضل البلدان نزلوها مختارين لها. فضل سامرّاء على سائر بلدان العراق سمعت آنفا أنّ المسعودي واليعقوبي وصفوا العراق بكلّ وصف جميل ، وفضّلوه على جميع الأقطار ، وشبّهوه بالقلب وسائر الدنيا بالبدن. ولا ريب أنّ سامرّاء قلب العراق ، ومعنى قولنا أنّ سامرّاء قلب العراق إنّه لا من جهة المساحة بل من جهة كونها أفضل أراضي العراق ، وبما سبق من فضل العراق أنّ سامرّاء من أطيب بلاد الله تربة ، وأعذبها ماء ، وأحسنها هواء ، وأقلّها داء ، وأصفاها جوّا ، وأوسعها فضاء ؛ لأنّ الناس اتفقت كلمتهم على أنّ سامرّاء أحسن بلاد العراق هواء وأطيبها وهو معلوم بالضرورة والوجدان لا يحتاج إلى إقامة برهان ، ومن الآسف أنّها اليوم من أخرب بلاد العراق ، وأوحشها دارا ، وأفقرها أهلا ، فسبحان الله الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. فضل سامرّاء على بغداد قال الحموي في المعجم في حرف السين عند ذكره سامرّاء : كتب عبد الله بن المعتزّ إلى بعض إخوانه يصف سرّ من رأى ويذمّ بغداد وأهلها ويفضّل سامرّاء : كتبت إليك من بلدة ـ إلى أن قال : ـ تطير بها أجنحة السرور ، ويهب فيها نسيم الحبور (1) ، فالأطراف على المسرّة ، والنظر إلى ميرة ، قبل أن نحب (2) مطايا الميرة (3) وتسفر وجوه الخدر ، ومازال الدهر مليّا بالنوائب ، طارقا بالعجائب ، يؤمن يومه ، ويغدر غده ، على أنّها وإن جفت معشوقة السكنى ، وحبيبة المثوى ، كوكبها يقضان ، وجوّها عريان ، وحصاها جوهر ، ونسيمها معطّر ، وترابها مسك أذفر ، ويومها غداة ، وليلها سحر ، وطعامها هنيء ، وشرابها مريء ، وتاجرها مالك ، وفقيرها فاتك. لا كبغداد كم الوسخة السماء ، الرمدة الهواء ، جوّها نار ، وأرضها خبار (4) ، وماؤها حميم ، وترابها سرجين ، وحيطانها نزوز ، وتشرينها تموز ، فكم في شمسها من محترق ، وفي ظلّها من عرق ، ضيّقة الديار ، قاسية الجوار ، ساطعة الدخان ، قليلة الضيفان ، أهلها ذئاب ، وكلامهم سباب ، وسائلهم محروم ، ومالهم مكتوم ، لا يجوز إنفاقه ، ولا يحلّ حناقه ، حشوشهم مسائل ، وطرقهم مزابل ، وحيطانهم أخصاص ، بيوتهم أقفاص ، ولكلّ مكروه أجل ، وللبقاع دول. وقال الآخر يصف سرّ من رأى في أرجوزة له : لست ترى في أهلها سقيما طوبى لمن كان به مقيما __________________ (1) أي : السرور. (2) النحب هنا السير السريع ، ونحب السفر فلان أجهده ، وسير متحّب كمحدّث سريع. (3) الميرة وهو جلب الطعام وكلّ ذلك كناية من رفاهيّة العيش. (4) لين الأرض ليس بأفهار ورمال.
وسرّ من رأ بلدة لطيفة بديعة شايقة شريفة أنيقة أنيسة بديعة رشيقة نفيسة منيعة ذات فضاء يشرح الصدورا ويورث النشاط والسرورا هواؤها من الوباء جنّة كأنّها من نفحات الجنّة قال الحسين بن الضحّاك يصف سامرّاء والاشتياق إليها : سرّ من را أسر من بغداد فاله عن بعض ذكرها المعتاد حبّذا مسرح لها ليس يخلو أبدا من طريدة وطراد ورياض كأنّما نشر الزهر عليها محبر الأبراد واذكر المشرف المطلّ من التلّ على الصادرين والورّاد وله في سامرّا أيضا : على سرّ من را والمصيف تحيّة مجلّلة من مغرم بهواهما
ألا هل لمشتاق ببغداد رجعة تقرّب من ظليهما وذراهما وقولا لبغداد إذا ما تنّسمت على أهل بغداد جعلت فداهما أفي بعض يوم شفّ عيّني بالقذا حرورك حتّى رابني ناظراهما أضف إلى فضل سامرّاء على بغداد أنّ سامرّاء مصونة عن الغرق بخلاف بغداد فإنّها في كلّ سنة عند فيضان الماء مهدّدة بالغرق لا يقرّ لأهلها قرار ، ولا يهنأ لهم عيش. قال السيوطي في تاريخ الخلفاء : في سنة سبعين ومائتين جاء الماء من دجلة إلى الكرخ فهدم سبعة آلاف دار. وقال في سيرة المعتضد : وفي سنة إحدى وتسعين ومائتين زادت دجلة زيادة لم ير مثلها وبلغت الزيادة إحدى وعشرين ذراعا. وقال ابن الأثير الجزري في الكامل : تهدّمت الدور التي على شاطئها بالعراق. وقال القرماني في أخبار الدول : وفي سنة اثنتين ومائتين زادت دجلة زيادة عظيمة حتّى خربت بغداد وبلغت الزيادة إحدى وعشرين ذراعا. وقال السيوطي أيضا في تاريخ الخلفاء : وفي سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة غرقت بغداد غرقا عظيما ، وغرق الناس والبهائم ثمّ انهدمت الدور. وقال في سيرة القائم بأمر الله : في سنة ستّ وستّين وأربعمائة كان الغرق العظيم ببغداد وزادت دجلة ثلاثين ذراعا ولم يقع مثل ذلك قطّ وهلكت الأموال والأنفس والدوابّ ، وركبت الناس في السفن وأقيمت الجمعة في الطيّار على وجه الماء مرّتين ، وانهدم مائة ألف دار أو أكثر. وقال ابن الفوطي في الحوادث الجامعة : وفي سنة ستّ وأربعين وستّمائة زادت دجلة زيادة عظيمة أغرقت الجانب الغربي من بغداد ومحلّة الحربيّة والكرخ ومارستان وقصر المنصور ودار بختيار والسوق بأسره من رباط الخلاطيّة إلى القنطرة والشيخ معروف الكرخي وقطعة من سور المشهد الكاظمي على ساكنه السلام ، وجامع الحربيّة بأسره ومسجد العشائر ، وتلف من الأمتعة والغلّات شيء كثير ، ونبع الماء من أساس حائط المستنصريّة ، وامتلأت الطريق ، وامتنع الناس من الجواز هناك ، ثمّ زادت دجلة في ذي الحجّة زيادة مفرطة أعظم من الأولى ، فأحاط الماء ببغداد وكان الهواء شديدا ، فرمى ما بين يديه من الحيطان والخانات ، فلم يبق به دار إلّا هدمها ، ولم يتمكّن أحد من أهل هذه المواضع من نقل شيء ممّا لهم بها ونجوا بأنفسهم ووصل الماء إلى البدريّة ودار الوزير وباب العامّة ، وانهدمت بأسرها ، وأقام الماء في المدرسة النظاميّة ستّة أذرع ، وغرقت محلّة الرصافة ، ووقع أكثر دورها وسورها ، وغشي قبور الخلفاء. وأمّا الجانب الغربي فغرق بأسرها ، وأمّا المشهد الكاظمي على ساكنه السلام فإنّه هدم سوره ودوره ، فأقام الماء على الضريحين الشريفين بحيث لم يبين من الرمّاتين سوى رؤوسهما. وزاد في ريّ سامرّاء (1) وقال : فقد نقل المؤرّخون عدّة حوادث تتعلّق بغرق بغداد الشرقيّة بسبب انبثاق السدّ الذي في صدر القورج. قال ابن الأثير في حوادث سنة 466 هجري : في هذه السنة غرق الجانب الشرقي وبعض الغربي في بغداد وسببه أنّ دجلة زادت زيادة عظيمة وانفتح القورج عند المسنّاة المعزية (سمّيت هذه المسنّاة بالمعزية نسبة إلى منشأها معزّ الدولة البويهي) وجاء في الليل سيل عظيم وطفح الماء من البرية مع ريح شديدة ، وجاء الماء إلى المنازل من فوق ونبع من البلاليع والآبار بالجانب الشرقي وهلك خلق كثير تحت الهدم وشدّت الزواريق تحت التاج خوف الغرق ، وقام الخليفة بتضرّع ويصلّي وعليه البردة وبيده القضيب. وهناك حادثة ثانية ذكرها ابن الجوزي في كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم فقال ما نصّه : وفي ثامن عشر ربيع الأوّل من سنة 554 كثر الماء بدجلة وخرق القورج وأقبل إلى البلد فامتلأت الصحاري وخندق السور وأفسد الماء السور ففتح فيه فتحة يوم السبت تاسع عشر ربيع فوقع بعض السور عليها فسد بها ثمّ فتح الماء فتحة أخرى فأهملوها ظنّا أنّها تنفّس عن السور لئلّا يقع فغلب الماء وتعذّر سدّه فغرق قراح ظفر والأجمة والمختارة والمقتديّة ودرب القيار وخرابة ابن جردة والريان وقراح القاضي وبعض القطيعة وبعض باب الأزج وبعض الظفريّة ، ودبّ الماء تحت الأرض إلى أماكن فوقعت. قال المصنّف : وخرجت من داري بدرب القيار يوم الأحد وقت الضحى فدخل إليها الماء وقت الظهر فلمّا كانت العصر وقعت الدور كلّها وأخذ الناس يعبرون إلى جانب الغربي فبلغت المعبرة دنانير ولم يكن يقدر عليها ثمّ نقص الماء يوم الإثنين __________________ (1) ريّ سامرّاء : 227. وسدّت الثلمة وتهدّم السور وبقي الماء الذي في داخل البلد يدبّ في المحال فما رأيت حائطا قائما ولم يعرف أحد موضع داره إلّا بالتخمين ، وإنّما الكلّ تلال ، فاستدللنا على دارنا بمنارة المسجد فإنّها لم تقع ، وغرقت مقبرة الإمام أحمد وغيرها من الأماكن والمقابر ، وانخسفت القبور المبنية ، وخرج الموتى على رأس الماء ، وكانت آية عجيبة. وقريب من هذا ذكره ابن العبري عن الفيضان المذكور ثمّ أطال الكلام في حوادث الواقعة من ناحية الغرق إلى أن قال : وكلّ من له ولد صغير حمله على كتفه وهم يتسغيثون ويضجّون محوّلوا إلى الحلبة وقد ذهب كلّ ما كان عندهم وضربت لهم الخيم بها وتلف من الناس شيء كثير ، وأمثال ذلك إلى يومنا هذا أكثر من أن يحصى. أضف إلى ذلك ما فيها من الغارات والفتن والملاحم. وأمّا سامرّاء فخلو عن ذلك كلّه حتّى أنّ بعض الأطبّاء يفضّلون سامرّاء على همدان مع أنّها أطيب بلاد ايران وأنزهها ، ولها حدائق مشحونة بالأوراد والأزهار التي لا يوجد في غيرها في الفصول الأربعة. ويقولون : إنّ هواء سامرّاء دواء للمرضى ، وشدّة برودة همدان في أيّام الشتاء مانع عن اعتدال المزاج. قال الحموي في المعجم عند ذكره همذان : ذكر الحسين بن أبي سرح في همذان مقالة منها : يا أهل همذان ، وجوهكم مائلة ، وأنوفكم سائلة ، وثيابكم وسخة ، وروائحكم قذرة ، ولحاؤكم دخانية ، وسلّط الله على همذان الزمهرير الذي يعذّب به أهل جهنّم ، وما أكثر ما يحتاج الناس فيها من الدثار والمؤن المجحفة ، فما أكدر هواءها وأشدّ بردها وأذاها ، وأقلّ خيرها ، وأكثر شرّها ، تخسف فيها الآبار ، وتفيض المياه ، وتهيج الرياح العواصف ، وتكون فيها الزلازل والخسوف والرعود والبروق والثلوج ، فيقطع عند ذلك السبل ويكثر الموت ، ويضيق المعاش ، والناس في جبلكم هذا في جميع أيّام الشتاء يتوقّعون العذاب ، ويخافون السخط والعقاب ، ثمّ يسمّون الشتاء العدوّ المحاصر ، وإنّ بلدكم هذا أشدّ البلدان بردا ، وأكثرها ثلجا. وأمّا سامرّاء أضف إلى ذلك ما فيها من المشاهد المتبرّكة التي لا يقاس بها بقعة من بقاع الدنيا كما أسلفنا لك ، ولقد أجاد شيخنا العلّامة الخبير الشيخ محمّد السماوي في وشايح السرّاء (1) بقوله : لكن بيوت أذن الله بأن ترفع قد سمت على طول الزمن فلم تزل وشأنها معظم وعقدها بين الورى منظم وما أراد الله جلّ شأنا كان وإن غاظ العدى وشانا فكم رأوا إطفاء ذاك النور وقد أبى الله سوى الظهور ولا مردّ للذي يريده تغضب أو ترضى به عبيده وأصبح النور بذاك البيت يسقى بنور الله لا بالزيت يا لك بيتا ضمّ روح المصطفى وظهر المصباح فيه واختفى بيتا كريما في ثنايا الدار ينفح بالمسك الفتيت الداري بيتا تعلّقن به الأرواح فهي به الغدوّ والرواح بيتا له تحجّ كلّ وقت بحافر الوداد دون مقت تزوره طوائف الأملاك وتستدير فيه كالأفلاك تزوره وتستمدّ الأنبيا وتستمدّ وتزور الأوصيا تزوره وتطلب الملوك من فيضه والقرم والصعلوك وذكر أحمد سوسه في المجلّد الأوّل من كتابه ريّ سامرّاء (2) : ومدينة سامرّاء لها منزلة جليلة لأنّك تجد فيها ضريحي الإمام علي الهادي وولده الحسن العسكري في __________________ (1) وشايح السرّاء : 5. (2) هامش كتاب الآثار العراقيّة عن كتاب ريّ سامرّاء 1 / 51. حضرة عظيمة وسط صحن كبير مسوّرة طلي قبّته بالذهب السلطان ناصر الدين شاه سنة 1285 هجري كما هو مدوّن على أركان القبّة. أقول : صفة بناء القبّة ذكرناها في الجزء الثاني من هذا الكتاب. موقعيّة سامرّاء للعمارة جاء في كتاب الآثار العراقيّة (1) : إنّ الأراضي التي انتخبها المعتصم لتشييد المدينة الجديدة كانت منبسطة وواسعة ولم يكن فيها من المباني القديمة ما يعرقل خطط المباني الجديدة ولا من التلول والوديان ما يحدّد ساحات البناء ، فكان باستطاعة الخليفة أن يجعل القطايع كبيرة وفسيحة ، والطرق عريضة وطويلة ، ويمدّد الشوارع ويوسّع المدينة ، وإنّ المواد الإنشائيّة الزخرفيّة للبناء كانت مبذولة في سامرّاء فكان باستطاعة بنائي الدور أن لا يتباعدوا عن مقتضيات البداعة وأن يستعملوا المواد المبذولة في محيطهم ويظهروا قوّة ابتكارهم في كيفيّة استفادتهم من خواصّ تلك الموادّ في الزخرفة والبناء ، ومن حسن حظّهم أنّ الطبيعة في سامرّاء كانت مساعدة على كلّ ذلك مساعدة كبيرة ؛ لأنّ موقع المدينة يرتفع عن الضفة الأخرى بعض الارتفاع ، والطبقة الترابيّه فيه تكون قشرة قليلة الثخن تستر طبقة صخريّة فالأرض لا تتعرّض إلى خطر الغرق حتّى في أشدّ حالات الفيضان كما تبقى مصونة من الرطوبة على الدوام. وفي سامرّاء مناطق طينيّة واسعة تساعد على صنع اللبن الجيّد وأتربة كلسية كثيرة تصلح لتحضير الجصّ القوي فباستطاعة البنّائين أن يستفيدوا من هذه الشروط المساعدة فإنّهم يستطيعون أن يبنوا المباني الكبيرة باللبن دون أن يخشوا __________________ (1) الآثار العراقيّة : 35. تأثير الرطوبة والمياه عليها كما أنّهم يستطيعون أن يضمنوا متانة تلك الأبنية باستعمال الجصّ كمونة لاحمة بين قطعات اللبن وسافاتها ، وبعقد الطوق بالآجر أو بطابوقات مصنوعة من الجصّ. وفي الأخير ، إنّهم يستطيعوا أن يستروا رداءة مادة البناء بطلاء الجدران بالجصّ ولهذا كان من الطبيعي أن تزدهر في سامرّاء صنعة الزخرفة الجصيّة ازدهارا كبيرا ، وتولد طرازا خاصّا مع أشكال لا تعدّ ولا تحصى. موقع سامرّاء في عصر ما قبل التاريخ ذكر الدكتور أحمد سوسه في المجلّد الأوّل من كتابه ريّ سامرّاء وقال : وقد عثرنا أثناء تدقيقاتنا لآثار سامرّاء على فخار يعود إلى عصر ما قبل التاريخ وذلك في التلّ المعروف باسم تلّ الصوان الواقع على نهر دجلة جنوب سامرّاء في جوار منارة القائم ، وبعد الاتصال بالبروفسور هرتسفيلد وإعلامه بذلك كتب إلينا مؤيّدا ما توصّلنا إليه من وجود هذا الفخار في المكان المذكور ، وأضاف إلى تأييده هذا قائلا بأنّ هذه الآثار هي من بقايا مقابر قديمة ترجع إلى عصر ما قبل التاريخ وليس فيها ما يدلّ على بقايا أبنية تعود إلى هذا العصر. فيتّضح ممّا تقدّم أنّ المنطقة التي أنشئت فيها مدينة سرّ من رأى العبّاسيّة كانت مأهولة منذ أقدم الأزمنة وترجع حضارتها إلى عصور سحيقة في التاريخ. ولذلك إنّ ما جاء في نشريّة مديريّة الآثار القديمة العامّة عن حفريّات سامرّاء (1) من أنّ أطلال سامرّاء تعود إلى دور معيّن محدود لم يسبقه دور بناء أقدم منه لا يصحّ قبوله بعد. __________________ (1) نشريّة مديريّة الآثار القديمة 1 / 4. العثور على الآثار القبتاريخيّة التي مرّ ذكرها قال (1) : أجريت أعمال السير (التنقيب الأركيولوجي) في سامرّاء من قبل الدكتور هرتسفيلد في هوسم 1930 م إلى 1931 م ضمن نطاق المقبرة التي كانت قد ظهرت للعيان في بقعة شبتة (2) الحاوي (3) المطلّة على نهر دجلة والواقعة في القرب شريعة باب الناصريّة شمالي سامرّاء الحالية على مسافة ميل واحد من بيت الخليفة جنوبا وذلك نتيجة تنقيب سابق كان الدكتور هرتسفيلد قد قام به في سنة 1912 إلى 1913 ميلادي فثبت في نهاية تلك الأعمال أنّ كلّا من القبور والفخار المصبوغ الذي وجد فيها يعود إلى أزمان الدور الحجري المتأخّر أو العصر الحجري الحديث (العصر النيوليثي) وربّما كان يمثّل نوعا من ذلك الفخار الذي يعود إلى الإيرانيّين الذين عاشوا في عصور ما قبل التاريخ .. إلى آخر كلامه. وقال (4) : إنّ الفرس اتخذوا موقع سامرّاء مركزا عسكريّا حيث أنشأوا فيه الحصن المعروف باسم حصن سومير وهو الحصن الذي جاء ذكره بمناسبة تراجع الجيوش الرومانيّة بعد مقتل جوليان سنة 363 ميلادي. سامرّاء الجديدة وهيئتها الحاضرة جاء في كتاب الآثار العراقيّة (5) : تبعد سامرّاء عن بغداد نحو مائة وعشرين __________________ (1) ريّ سامرّاء 1 / 52. (2) الحدّ المرتفع للحاوي. (3) محمد النباع. (4) نفسه : 56. (5) الآثار العراقيّة : 1. كيلومترا يستطيع المسافر أن يقطعها بالقطار في مدّة أربع ساعات أو السيّارة في نحو ساعتين ونصف أو ثلاث ساعات وتقع محطّة قطار سامرّاء في الجهة الغربيّة من نهر دجلة على بعد أربعة كيلومترات من ضفتها ، ومع هذا هناك خطّ فرعيّ يوصل القطار إلى الشاطي فلم يترك على المسافر إلّا العبور إلى الضفة الشرقيّة بالزورق ، أمّا طريق السيّارات فيمرّ من مخافر ومحطّات التاجي ، والمشاهدة والناذريات ، وسميكة ، وبلد ، والاصطبلات إلى أن يصل الجسر الذي يربط ضفتي النهر فيدخل المدينة الحالية. وقال (1) : تقع مدينة سامرّاء الحاليّة في الجهة الشرقيّة من نهر دجلة على بعد نصف كيلومتر من ضفتها ، والمدينة الحالية مسوّرة بسور مضلّع على شكل يميل إلى الاستدراة يبلغ طول محيط السور المذكور كيلومترين ولا يتجاوز قطره الأعظم ستّمائة وثمانين مترا ، والمساكن والحوانيت متكاثفة داخل السور في دروب ضيّقة مجتمعة حول الجامع الذي يحتوي على غيبة المهدي (2) وضريح الإمامين علي الهادي والعسكري عليهماالسلام. ولسور المدينة أربعة أبواب : باب القاطول في الغرب ، وباب الناصريّة في الشمال ، وباب بغداد في الشرق ، وباب الملطوش في الجنوب ، ولقد هدم باب القاطول قبل بضع سنوات ، وبنيت دائرة الحكومة والمدرسة الابتدائيّة ودائرة البلديّة ، والمستشفى ، خارج السور على طرفي الطريق الممتدّ من باب القاطول إلى الشريعة والمعبر والجسر كما بنيت على ضفتي النهر بناية تحتوي على مضخّات الماء ومكائن الكهرباء وأسّست خلف ذلك حديقة للبلديّة ، وقد أخذ الناس يبنون __________________ (1) نفسه : 5. (2) لقد نشرت دائرة الآثار القديمة رسالة خاصّة عن باب الغيبة ضمنتها معلومات وافية وصورا عديدة للجامع المذكور وسرداب الغيبة. بعض الدور في العرصات الواقعة بين السور وبين شاطئ النهر وكذلك هدم باب الملطوش وبني خارجه مسلخ ومذبحة ، وأمّا باب بغداد فقد حوّل إلى متحف محلّي تعرض فيه نماذج من الآثار المستخرجة من الحفريّات التي تقوم بها مديريّة الآثار القديمة في أطلال سامرّاء. وجاء أيضا في الكتاب المذكور (1) تحت عنوان «أطلال المدينة القديمة» : إنّ مدينة سامرّاء الحالية مبنية على أطلال مدينة سرّ من رأى القديمة ومحاطة بها من كلّ الجهات وتمتدّ أطلال المدينة القديمة على طول نهر دجلة الى أبعاد شاسعة وتصل من جهة الجنوب إلى محلّ قريب من فم نهر «القائم» ومن جهة الشمال إلى صدر نهر الرصاص ، ولذلك يبلغ طول الأطلال نحو أربعة وثلاثين كيلومترا ، تقع ثمانية منها جنوب المدينة الحالية والبقيّة في شمالها. __________________ (1) نفسه : 7. ثمّ إنّ سامرّاء الحاليّة تواردت عليها بعد تمصيرها أدوار مختلفة وحالات متبائنة من كثرة السكّان وقلّتهم وحركة الهجرة إليها ووقوفها ، ففي بعض أدوارها انحطّت ووقفت حركة السير إليها ، والمجاورة بها ، حتّى أنّ في بعض الأحيان عطّلت البلدة وذهبت نضارتها وكادت تكون نسيا منسيّا كما في أخريات الحرب العامّة الأولى ، واليوم وهو سنة ألف وثلاثمائة وأربع وخمسين أصبحت سامرّاء كالقرية لا يتجاوز أهلها عن ستّة آلاف نسمة ، وليس فيها من العمارات والأبنية الجليلة ما يستحقّ الذكر سوى الروضة البهيّة للعسكريّين عليهماالسلام الآتي ذكرها بصورة تفصيليّة. وسوى الجسر الموجود حال التاريخ وكان قبل ذلك يعبرون بتوسط الزوارق إلى أن دخل سامرّاء الإمام المجدّد آية الله الحاج ميرزا محمّد حسن الشيرازي عطّر الله مرقده فلمّا استقرّ به الدار عقد جسرا على شطّ سامرّاء وأنفق عليه ألف ليرة عثمانيّة فاستراح الناس عند فيضان الماء إلّا أنّ هذا العمل يزاحم بعض منافع أصحاب الزوارق فكسروه وقالوا : ذهب به الماء فعاد الأمر كما كان إلى أنّ الحكومة العراقيّة عقدت جسرا ثابتا على شطّ المسيّب فنقلوا جسر العتيق إلى سرّ من رأى وكان الأمر كذلك. تاريخ الجسر الموجود إلى أن انتضى سيف عزم الحكومة العراقيّة بإنشاء جسر ثابت على شطّ سامرّاء في سنة 1952 ميلادي في عصر نوري سعيد رئيس الوزراء فأعلنت المناقصة على الشركات الدوليّة وأخيرا فازت بها شركت أف كم باني زبلن الألماني بكلفت إحدى عشر مليون دينار وتمّ العمل خلال خمس سنوات على أحسن صورة وأحكم بنيان والاستفادة الذي يستفيد منه العراق هي تخزين المياه الزائدة في وادي الثرثار الذي يمتدّ طوله حتّى يصل وادي الشام شرقا وأهوار الجنوب في العراق ويوزع تلك المياه الزائدة المخزونة على الأراضي التي تكون سطحها أعلى من مستوى سطح النهرين. وهناك سدّة أخرى يعرف بالشلّال حيث أنّه مجهّز بتربيدات الكهر مائيّة تعمل على المياه المضغوطة المتّجهة نحوها ، وكان هذا الشلّال لم يتمّ في ذلك الحين وأخيرا بوشر في العمل فيها بموجب مناقصة شركت أف كم باني زبلن بكلفة ستّة ملايين ومأتين وخمسين ألف دينار في عصر الجمهوريّة العراقيّة. سور سامرّاء تقدّم آنفا أنّ سور سامرّاء مضلّع على شكل يميل إلى الاستدراة يبلغ طول محيط السور المذكور كيلومترين ولا يتجاوز قطره الأعظم ستّمائة وثمانين مترا. وهيئته مثمّن في نهاية اللطافة مبنى من الجصّ والآجر ، ارتفاعه سبعة أمتار ، وكان له تسعة عشر برجا ، وكان له أربعة أبواب : باب القاطول في الغرب ، وباب الناصريّة في الشمال ، وباب بغداد في الشرق ، وباب الملطوش في الجنوب. بدء بناء سور سامرّاء أوّل من أسّس سور سامرّاء الملك المؤيّد أبو شجاع فنا خسرو عضد الدولة الديلمي الرابع من ملوك آل بويه المتوفّى سنة 372 ، أسّسه في سنة ثمان وستّين وثلاثمائة ، وإلى ذلك أشار العلّامة الخبير الشيخ محمّد السماوي في وشايح السرّاء بقوله : ثمّ أتاها ابن أخيه العضد وجاد للبناء فيما يجد
| |
|
| |
الشيخ شوقي البديري الشيخ شوقي البديري
عدد المساهمات : 2973 نقاط : 4624 تاريخ التسجيل : 17/06/2012 العمر : 59 الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق
| موضوع: رد: ماثر الكبرى في تاريخ سامراء ج1 الجمعة أكتوبر 25, 2024 5:54 am | |
| الثرثار الذي يمتدّ طوله حتّى يصل وادي الشام شرقا وأهوار الجنوب في العراق ويوزع تلك المياه الزائدة المخزونة على الأراضي التي تكون سطحها أعلى من مستوى سطح النهرين. وهناك سدّة أخرى يعرف بالشلّال حيث أنّه مجهّز بتربيدات الكهر مائيّة تعمل على المياه المضغوطة المتّجهة نحوها ، وكان هذا الشلّال لم يتمّ في ذلك الحين وأخيرا بوشر في العمل فيها بموجب مناقصة شركت أف كم باني زبلن بكلفة ستّة ملايين ومأتين وخمسين ألف دينار في عصر الجمهوريّة العراقيّة. سور سامرّاء تقدّم آنفا أنّ سور سامرّاء مضلّع على شكل يميل إلى الاستدراة يبلغ طول محيط السور المذكور كيلومترين ولا يتجاوز قطره الأعظم ستّمائة وثمانين مترا. وهيئته مثمّن في نهاية اللطافة مبنى من الجصّ والآجر ، ارتفاعه سبعة أمتار ، وكان له تسعة عشر برجا ، وكان له أربعة أبواب : باب القاطول في الغرب ، وباب الناصريّة في الشمال ، وباب بغداد في الشرق ، وباب الملطوش في الجنوب. بدء بناء سور سامرّاء أوّل من أسّس سور سامرّاء الملك المؤيّد أبو شجاع فنا خسرو عضد الدولة الديلمي الرابع من ملوك آل بويه المتوفّى سنة 372 ، أسّسه في سنة ثمان وستّين وثلاثمائة ، وإلى ذلك أشار العلّامة الخبير الشيخ محمّد السماوي في وشايح السرّاء بقوله : ثمّ أتاها ابن أخيه العضد وجاد للبناء فيما يجد
فسيّج الروض بخير ساج وستّر الضريح بالديباج وعمّر الأروقة المعظّمه ووسّع الصحن لها ونظّمه وشيّد السور من الحذّار على الذين جاوروا للدار وذاك في الثمان والستّينا بعد ثلاثمائة سنينا ويحتمل أنّ هذا سور الدار أي الصحن الشريف لا سور البلدة أو إنّه أسّسه ولم يتمّه وتوفّي في خلال العمل. ويظهر من حكاية إسماعيل بن الحسن الهرقلي الآتي ذكره في محلّه الذي كان في حدود الستّمائة والستّين أنّ سامرّاء كانت مسوّرة حيث قال : «فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور» فبقي السور إمّا ناقصا أو غلب عليه الخراب إلى حدود سنة أربعين ومائتين بعد الألف ، فقام بعمارته الملك المفخّم النوّاب المعظّم أمجد علي شاه الهندي ابن واجد علي شاه فأنفق مالا جزيلا حتّى أتمّه وأكمله وكان ذلك في حدود سنة ألف ومائتين وثمان وخمسين على ما جاء في كتاب «الظلّ الممدود» المطبوع للسيّد مفتي مير محمّد عبّاس الهندي. ويستفاد من الكتاب المذكور أنّ الملك المفخّم النوّاب الأعظم أمجد علي شاه وأباه واجد علي شاه من رجال الشيعة العظام ، كانا كثيري الإحسان للعلماء والطلّاب ، وكان النوّاب المذكور قد أرسل النقود إلى العلّامة الشهير السيّد إبراهيم الحائري صاحب كتاب «ضوابط الأصول» فتوجّه السيّد إلى سامرّاء لعمارة سورها إلى أن أتمّه وأكمله بأحسن وجه. ثمّ الحكومة العربيّة أرادت أن توسّع البلدة فأمرت بهدم السور في شهر المحرّم سنة 1356 ففي خلال عملهم بهدم السور اجتمع أهالي سامرّاء وقدّموا مضابط إلى أولياء الأمر ببغداد مستنكرين العمل المذكور ، فأجابوهم : إنّكم إذا أثبتّم أنّ السور وقف للعسكريّين عليهماالسلام عن مصادر تاريخيّة فإنّا نوقف العمل فاستخبروني وطلبوا منّي مصادر وثيقة تاريخيّة وكنت أقدّم في الجواب رجلا وأؤخّر أخرى ، فلمّا ألحوّا في الطلب أرشدتهم الى شيخي الأستاذ الخبير الشيخ آقا بزرك الطهراني صاحب الذريعة ، فأجابهم بما هذا لفظه : «إنّي لم أطّلع على ورقة وقفيّة مسجّلة بخطوط الأعاظم والأعيان مذكور فيها خصوصيّات الوقف لهذا السور ولا أظنّ أحدا يدّعي الاطّلاع على مثل ذلك في وقفيّة أو وقفيّة العمارات الحادثة في سامرّاء في عصر سليمان باشا وهي سنة 1202 وما بعدها على ما ذكره السيّد عبد اللطيف الجزائري في كتابه تحفة العالم المطبوع (1) الفارسي ، نعم رأيت في مصادر تاريخيّة مطبوعة ما يستفاد من مجموعه أنّ السيّد إبراهيم بن محمّد باقر الموسوي القزويني الحائري المتوفّى بها سنة 1262 الرئيس الكبير الزعيم للشيعة في عصره كانت تجبى إليه الأموال من بلاد إيران وغيرها ولا سيّما من بلاد الهند لصرفها في الفقراء والطلّاب وعمارة المشاهد ، وصورة المراسلات الجارية بينه وبين السيّد حسين ابن السيّد دلدار علي اللكهنوي أدرجها السيّد مفتي ير محمّد عبّاس في كتابه «الظلّ الممدود» المطبوع ، وفيها ذكر بعض الأموال المرسلة من الهند إلى السيّد إبراهيم للفقراء وعمارة مشهد مسلم وهاني رضياللهعنهما في الكوفة وغير ذلك. وفي «قصص العلماء» المطبوع الفارسي لميرزا محمّد التنكابني المؤلّف سنة 1290 ذكر (2) أنّ فلوس الهند التي تجبى إليه في كلّ سنة كانت تزيد على عشرين ألف دينار أي عشرين ألف مثقال ذهب في ذلك العصر ، وفي ص 4 لم يعيّن المقدار ولكنّه ذكر أنّه كانت تأتيه الأموال من الهند ليصرفها في الفقراء وعمارة المشاهد المشرّفة ، وهنا صرّح بأنّ السيّد إبراهيم قد سعى وبذل جهده حتّى تمّم بناء قلعة __________________ (1) تحفة العالم : 88. (2) قصص العلماء : 9. سامرّاء ، والقلعة في لسان الفرس هو سور البلد ، ولم يعيّن هنا سنة البناء والتتميم لكنّه أشار إلى تاريخه (1). وكذا ذكر تاريخ ذهاب السيّد إبراهيم إلى سامرّاء لأجل العمارة في المجلّد الأوّل ص 233 من كتاب «نامه دانشوران» الفارسي المطبوع بطهران سنة 1296 بما ملخّصه أنّ السيّد إبراهيم خرج من كربلا متوجّها إلى سامرّاء لأجل العمارة بها في أوان شرارة أهالي كربلا وفسادهم وهتكهم ، وبعد خروج السيّد ، صدر الأمر من الباب العالي العثماني بتأديب الأشرار فصار ما صار ، وكان ذلك في سنة 1258 الموافق للفظ «غد بردم». وفي أوّل روضات الجنّات المطبوع ذكر في ترجمة السيّد إبراهيم أنّه ألّف كتابه «نتايج الأصول» المطبوع في أيّام مهاجرته إلى سامرّاء وقد فرغ من تأليفه سنة 1253 ، فظهر أنّه تكرّر الذهاب منه إلى سامرّاء في تلك المدّة وكان بناء السور بين هذين التاريخين تقريبا. وقد أدركنا من أهل سامرّاء من معمّريهم من كان في ذلك العصر من العمّال المشتغلين في بناء السور وكان يحدّث الناس بأحاديث السيّد إبراهيم وغيره ، فلا شبهة في أنّه أجرى بناء السور في سبيل الله من السيّد إبراهيم الذي هو أكبر علماء الشيعة في عصره وأعلمهم بالأحكام ، أخرج عين المال من نفسه وعن باذله وجعله في سبيل الله ، وهذا العمل في الخارج هو عمل الواقفين والوقف هو حبس العين وتسبيل المنفعة وقد عمله السيّد المذكور قطعا» انتهى. ثمّ إنّ العلّامة الكبير فقيه الشيعة اليوم والمرجع العام السيّد أبو الحسن الأصفهاني أدام الله وجوده قصد زيارة الإمامين عليهماالسلام في سامرّاء في شهر رمضان __________________ (1) نفسه : 8. ودخلها يوم التاسع عشر منه سنة 1356 وبقي فيها شهرا كاملا ، وكان يوم دخوله يوما مشهودا ، فجرى في مجلسه العام قضيّة سور سامرّاء ، فقال دام علاه : لا شبهة في وقفيّة سور سامرّاء ولا يعتبر فيه صيغة الوقف أن تكون عربيّة ، والظاهر كفاية المعاطاة في مثل المساجد والمقابر والطرق والشوارع والقناطر والربط المعدّة لنزول المسافرين والأشجار المغروسة لانتفاع المارّة بظلّها ، وسور سامرّاء من هذا القبيل حيث عيّن بانيه قطعة من الأرض وخلّى بينها وبين المسلمين ، وعلى طبق كلامه هذا أفتى في باب الوقف من رسالته الكبيرة «وسيلة النجاة» (1). نبذة من حياة السيّد إبراهيم المذكور وبمناسبة ذكر السيّد إبراهيم الساعي في بناء السور المذكور نورد لك نبذة من حياته الشريفة. قال العلّامة السيّد محمّد باقر الخوانساري في روضات الجنّات في ترجمته السيّد الجليل الفاضل الفاخر إبراهيم ابن المرحوم السيّد محمّد باقر الموسوي القزويني المجاور بالحائر الطاهر : هو من أجلّة علماء عصرنا ، وأعزّة فضلاء زماننا ، لم أر مثله في الفضل والتقرير ، وجودة التحبير ، ومكارم الأخلاق ، ومحامد السياق ، والإحاطة بمسائل الأصول ، والمتانة فيما يكتب أو يقول ، انتقل مع أبيه المبرور من محالّ دار السلطنة قزوين الى محروسة قرمسين ، وقرأ مبادئ العلوم على من كان فيها من المدرّسين ، وكان بها إلى أن حرّكته الغيرة العلويّة وحدّة الهمّة الهاشميّة على العروج إلى معالم العلم والدين ، والخروج عن مدارج أوهام المبتدين ، والولوج في مناهج أعلام المجتهدين ، فودّع من هنالك أباه ، وشفّع رضا الله تعالى برضاه ، هاجر ثانية الهجرتين ، وسافر إلى تربة مولانا الحسين عليهالسلام وأخذ في التلمّذ على أفاضل __________________ (1) ثمّ إنّ الحكومة لأجل توسيع البلد هدمه تدريجا. المشهدين ، والأخذ من الأماجد المجتهدين ، فمن أكثر عليه الاشتغال بالحائر المقدّس في مراتب الأصول رئيس الأصوليّين النبلاء الفحول ، بل الجامع بين المعقول والمنقول مولانا شريف الدين محمّد بن المولى حسنعلي الآملي المازندراني الأصل الحائري المسكن والمدفن في حدود سنة 1246 ، وهذا الشيخ هو الذي ملأ الأصقاع آثار تأسيسه ، وقرع الأسماع أصوات تدريسه ، فبلغ أمر سيّدنا المشار إليه من التلمّذ البالغ الكثير على هذا الأستاذ المعظّم إلى حيث كان يدرّس في حياته ، وتهوي إليه أفئدة الطلّاب قبل وفاته ، وأخذ الفقه كما شاء وأراد من فقهاء النجف الأشرف وخصوصا عن شيخه الأفقه الأفخر الشيخ موسى بن جعفر الكبير فقد تلمّذ عليه كثير ، وهو الآن فالحمد لله واحد زمانه في شريف مكانه ، وأنهي إليه الرياسة التدريس على حسب شأنه ، بحيث يشدّ إلى سدّة العليّة رواحل الآمال من كلّ بلد سحيق ، وتلوي إلى عتبته المنيعة أعناق الأماني من كلّ فجّ عميق. لا زال رياض الفضل بنضارة علمه ممرعة ، وحياض الشرع من غزارة فضله مترعة ، ما طلع طالع الإقبال ، وخطر خاطر بالبال. ثمّ إنّ له من التصنيفات الرائقة والتأليفات الفائقة كتاب «ضوابط الأصول» على أكمل تفصيل ، وكتاب «دلائل الأحكام» في أجود تدليل. وكتاب «نتائج الأفكار» في الأصول مبتنيا على مائة وخمسين فصلا من الفصول كتبه في أيّام هجرته إلى زيارة سيّدينا العسكريّين عليهماالسلام من ظهر القلب وبدون المراجعة إلى شيء من أساطين الفنّ. وقد كنت كتبت على ظهر نسخته دام ظلّه أبياتا قد ألهمني الله إيّاها في وصف الكتاب لأنّي انتسخت بخطّي من نسخة الأصل ، ومن جملتها : هذا جمال دفاتر الأخبار هذا ثمال أفاضل الأدوار هذا سلافة عصرهم من أسرهم فيه الكفاية عن عنا الأسفار لا يعتري ظفر الخصومة متنه إلّا بردّ الخصم ردّ خسار
عمّ الخلائق نفعه من حينه رغما لكلّ مخلّط أخباري هذا هدى ويريد من لا يهتدي بهداه رجسا صالحا للنار خير الكلام بيانه الوافي وفي أبياته لدقائق الأسرار الفضل مختوم به وختامه مسك فذق فلنعم عقبى الدار أفكاره فازت بكلّ كريمة فأتى الكتاب «نتائج الأفكار» آبار سامرّاء ونواحيها المراد بها أنّ عشيرة أو عشيرتين تنزل في ناحية وكان لهم دالية أو ناعور أو مضخة ماء ويضاف كلّا منها إليهم ، ويعرف كلّ واحد منها باسم خاص ، منها بئر العجم ، بئر أبو فراج ، بئر القادسية ، بئر چرد البركات ، بئر چرد المعمار ، بر أتك الهوى ، بئر بحيرة ، بئر الكوش ، بئر تلّ الأسود ، بئر الثنية ، بئر حويفة ، بئر حاجي علي ، بئر أبو ذكر ، بئر أم جدح ، بئر جمعة ، بئر أبو درج ، بئر أبو رف ، بئر الأعصام ، بئر الجمل ، بئر الأملح ، بئر أمّ الغربان ، بئر أمّ الحات ، بئر الحدامات ، بئر الجباريات ، بئر الحلواني ، بئر أمّ سليم ، بئر أبو مشاعل ، بئر أبو عيسى ، بئر سويدة ، بئر البرسة ، بئر أشناس ، بئر أبو دلف ، بئر شيخ ولي ، بئر الحراريح ، بئر تلّ النبات ، بئر جويزرا ، بئر طارميّة ، بئر تلّ الذهب ، بئر جيزانيّة ، بئر أستاد عبد الله ، بئر بني سعد ، بئر حويصلات ، بئر تلّ مسايح ، بئر أمّ الطلّاب ، بئر طويرانيّة ، بئر أمّ الجماجم ، بئر أبو فصلة ، بئر أبو حيّه ، بئر أبو لوحة ، بئر أبو جوابي ، بئر أبو جم ، بئر الخاتونيّات ، بئر خرّ الصاف ، بئر الخضر ، بئر خان مشاهد ، بئر الداير ، بئر الدناقيز ، بئر الدكّة ، بئر دل سالم ، بئر دماس ، بئر دور العرياني ، بئر الرجم ، بئر زرير ، بئر زلزاليات ، بر زنكور ، بئر عسيلة ، بئر سرابس ، بئر سور الوسطاني ، بئر سور عيسى ، بئر شريعة غزال ، بئر عين الجمل ، بئر الشوكة ، بئر صخير ، بئر علّاوي ، بئر علي شوش ، بئر عيث ، بئر الفضيلات ، بئر قطرة ، بئر محيجر ، بئر المزيحة ، بئر المقليات ، بئر مكاك ، بئر معيجل ، بئر النازوز ، بئر الناذري ، بشر هويجة ، بئر هاوي ، بئر المنقور ، بئر ضلوعيّة ، وغيرها من الآبار. وتقدّم من اليعقوبي في البلدان أنّ العمارة اتصلت بين بغداد وسرّ من رأى في البحر والبرّ يعني دجلة وجانبى دجلة ، وبما أنّ العراق اشتهرت بين العرب بجمالها الفتّان وزخرفها الجذّاب ومواقعها النزهة وقصورها الشاهقة القامرة وسارت الركبان بذكرها لوجودها في آخر ريف العراق قريبة من البادية على طريق القوافل ومسير القبائل وللصلات القوميّة بين سكّانها وسكّان جزيرة العرب ولذلك قلّما يوجد الخراب فيها بخلافها في هذه الأعصار. ويرشدنا آثار البناء والعمارات الموجودة عند الآبار المزبورة إلى أنّ هذه الأراضي كلّها أو بعضها كانت معمورة حتّى قبل الإسلام كما صرّح بذلك الأستاذ يوسف رزق الله في تاريخ الحيرة (1) قال : لمّا حدث سيل العرم وكان في أواخر القرن الأوّل للميلاد أو أوائل القرن الثاني تمزّقت عرب اليمن من مدينة مأرب إلى العراق والشام فكانت تنوخ وهم حيّ من أحياء الأزد ممّن تمزّق إلى العراق ، وهذا الاسم مشتقّ من التنويخ بمعنى الإقامة ، فكان أوّل من اختطّها منهم مالك بن زهير ، واجتمع إليهم لمّا ابتنوا بها المنازل ناس كثير من سقاط القرى. وذكر حمزة الأصفهاني أنّ الأزد ساروا بعد ذلك إلى العراق مع مالك بن فهم الأزدي وجعلوا الحيرة عاصمة ملكهم وحصلت لهم سلطة واسعة النطاق هذا بعد الميلاد ، وأمّا قبله أسّسوا أقدم مملكة في بابل سنة ألف ومائتين بعد الهبوط وقبل الميلاد ومدّت أطناب ملكهم في شرق الدنيا وغربها فضلا عن سامرّاء ونواحيها. وقال أيضا (2) : أضحت الحيرة بعد عهد جذيمة الأبرش مركزا مهمّا للعرب ، __________________ (1) تاريخ الحيرة : 115. (2) نفسه : 8. وجاء تبّع وهو سعد بن أبي كرب إنّه نزل بالعراق ومرّ بالحيرة وخلّف قوما من الأزد وجذام وقضاعة وطيّ وكلب وسكون وأياد وكان منهم فرق مبثوثة في الشمال في أطراف الحضرموت ومافوقه وفي الوسط والجنوب في الحيرة والأنبار والأبلة وغيرها من مذحج وحمير وبكر وتغلب وربيعة أنمار وتميم وبنو العبيد وبنو أسد وبنو بهراء وبنو صالح وبنو يزيد إلى أن خاف ملوك الفرس حتّى أنّ أردشير مؤسّس الدولة الساسانيّة ضيّق الخناق عليهم فكرهت قضاعة الإقامة في العراق فهاجر قوم إلى الشام. وإنّ سابور ذا الأكتاف قتل مائة ألف رجل من قضاعة وأفنى قبائل كثيرة كالعبيد ، وأصيب قبائل حلوان ، وانقرضوا فقتل منهم من انتجع بلاد فارس أبرح القتل ، وغزاهم في بلادهم وأسر منهم أعنف الأسر ، ونزع أكتاف رؤوسهم ، ونقل جملة منهم إلى الأنبار إلى «بقّة» و «العقير» وحفر خندقا في برية الكوفة بينه وبين العرب ، وبنى مدينة هفّة (1) وأسكنها أيادا لمّا قتل منهم من قتل في مدينة شالها (2) وخشي أمرهم كسرى أنوشيروان وحفر خندقا من هيت يشقّ طرف البادية إلى كاظمة. ويقول عمر بن آلة في انقراض قبائل العبيد : ألم يحزنك والأنباء تنسى بما لاقت سراة بني العبيد ومصرع ضيّزان وبني أبيه وأحلاس الكتائب من تزيد فهدم من أواسي الحصن صخرا فكان ثفاله برّ الحديد وقال المسعودي في مروج الذهب : كان شدّاد بن عامر من العرب العاربة وإنّ ملكه احتوى على سائر ممالك العرب ، وله كان مسير في الأرض ومطاف في البلاد وبأس عظيم في ممالك الدنيا وغيرها من ممالك الشرق. __________________ (1) هفّة مدينة قديمة كانت في طرف السواد بناها سابور ذو أكتاف وأثرها باق. (2) شالها مدينة قديمة كانت بأرض خرّبها أياد. (المراصد) المعجم الهجائي لذكر البقاع والأمكنة في سامرّاء ونواحيها حاضرها وماضيها نذكر هاهنا زيادة على ما تقدّم ما عثرنا عليه من الأمكنة والبقاع فيها كي يعلم موقعيّة سامرّاء وأراضيها مستنهضين همم الراغبين إلى عمارتها ، وللساعين لشتييدها ، وإليك أسماؤها على ترتيب حروف الهجاء. أبو دلف اسم موضع في شرقي سامرّاء القديمة وشمالي سامرّاء الحالية على بعد خمسة عشر كيلومترا ولم يبق منه إلّا الجامع والمأذنة. جاء في كتاب الآثار العراقيّة (1) : يشبه جامع أبي دلف جامع سامرّاء شبها كبيرا من حيث التخطيط العام وهو أيضا مستطيل الشكل ، ذو صحن مكشوف محاط من جهاته الأربع بأروقة كما أنّ مأذنته أيضا ملويّة الشكل ذات مرقاة خارجيّة ، وفي الأخير فإنّه محاط أيضا بساحة فسيحة مسوّرة. وأمّا الفروق التي تميّز هذا الجامع من المسجد الجامع المتوكّل فتنحصر في الأبعاد وعدد الأروقة وفي كيفيّة التسقيف. طول جامع أبي دلف مائتان وخمسة عشر مترا ، وعرضه مائة وثمانية __________________ (1) الآثار العراقيّة : 66. وثلاثون مترا ، مأذنته تبعد عن الجدار الشمالي خمسة كيلومترات وتسعة أعشار المتر ، وأمّا عدد الأروقة فهو سبعة في الجنوب وثلاثة في الشمال واثنان في كلّ من الشرق والغرب ، وأعمدة الجامع ترتبط بعضها ببعض بطوق معقودة ، وسقفه كان يستند بطبيعة الحال إلى هذه الطوق والعقادات ، غير أنّ منظر بقايا هذا الجامع يختلف عن منظر بقايا المسجد الجامع اختلافا كلّيّا بالرغم من المشابهة الأساسيّة التي ذكرنها آنفا ؛ لأنّ أعمدته واروقته قاومت الخراب أكثر من جدرانه ، فأصبحت الأقسام الشاخصة منها أكثر من الأقسام الشاخصة من الجدران ، والسبب في ذلك هو أنّ الجدران بنيت باللبن على الأكثر في حين أنّ الأعمدة جعلت ضخمة بوجه عام لكي تستطيع أن تحمل الطوق والعقادات. وفي ريّ سامرّاء (1) قال : تعدّ بقايا جامع أبي دلف القائمة خارج حدود مدينة المتوكليّة في نهاية الشارع الأعظم شمالا من أبرز الخرائب في منطقة المتوكليّة. إلى أن قال : أمّا الجامع فيشبه جامع الملويّة الذي بناه المتوكّل في شرقيّ سرّ من رأى في أوّل طرف الحير شبها كبيرا ؛ فهو مستطيل الشكل أيضا ، طوله 158 متر ، وعرضه 108 متر ، وله صحن مكشوف محاط من جهاته الأربع بأروقة ، وإلى جانبه مأذنته ملويّة الشكل أيضا ذات مرقاة خارجيّة يبلغ ارتفاعها من مستوى التبليط حتّى القمّة المتهدّمة نحو 16 متر. ثمّ إنّ صاحب كتاب الآثار زعم أنّ بناء الجامع المذكور من أبنية المتوكّل ونسبه إلى اليعقوبي وقال : جامع أبي دلف بناه جعفر المتوكّل وسمّاه باسمه كما جاء ذكره في كتاب اليعقوبي ، وليس في اليعقوبي لفظ «وسماّه باسمه». __________________ (1) ريّ سامرّاء 1 / 137. قال اليعقوبي في البلدان (1) : وبنى المسجد الجامع في أوّل الحير في موضع واسع خارج المنازل لا يتصل به شيء من القطايع والأسواق ، وأتقنه ووسّعه وأحكم بناه وجعل فيه فوّارة ماء لا ينقطع ماؤها ، وهذا التفصيل يناسب جامع الملويّة أضف إلى ذلك أنّا لم نعرف رجلا مشتهرا بهذه الكنية غير أبي دلف قاسم بن عيسى العجلي المتوفّى سنة خمس وعشرين ومائتين في خلافة المعتصم. والذي يقوى في النظر أنّه أسّس هذا الجامع والمأذنة وأقطعه المعتصم. ومن المستبعد غاية البعد أنّ المعتصم أقطع جميع قوّاده ومماليكه ولم يجعل لأبي دلف قطيعة مع أنّه كان من أعظم قوّاده واشهر أمراء عساكره. وإليك أنموذجا من مآثر أبي دلف وفضائله مستندين في نقلها على المصادر الوثيقة. مآثر أبي دلف قاسم بن عيسى العجلي ذكر الخطيب البغدادي في تاريخه : القاسم بن عيسى بن إدريس العجلي أبو دلف ، أمير الكرج ، كان شاعرا ، أديبا ، سمحا ، جوادا ، بطلا ، شجاعا ، ورد بغداد دفعات ، وبها مات سنة 225. وقال ابن خلّكان في وفيات الأعيان في حرف القاف : أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي ، كان أحد قوّاد المامون ثمّ المعتصم من بعده ، وكان كريما سريّا جوادا ممدوحا شجاعا مقداما ، ذا وقايع مشهورة ، وصنايع مأثورة ، أخذ عنه الأدباء والفضلاء ، وله صنعة في الغناء ، وله من الكتب كتاب البزاة والصيد ، وكتاب السلاح ، وكتاب النزهة ، وكتاب سياسة الملوك ، ولقد مدحه أبو تمام الطائي بأحسن المدائح ، ثمّ ساق الكلام إلى ما هو صريح في تشيّعه. __________________ (1) البلدان : 32. وعن إرشاد الديلمي عن الإمام أبي محمّد الحسن العسكري عليهالسلام قال : إنّ أبا دلف الذي كان من أعاظم الأمراء وكان مشهورا بالجود تصدّق يوما بجلّة من التمر وكان عدد ما فيها ثلاثة آلاف وستّين تمرة ، فعوّضه الله ثلاثة آلاف وستّين قرية بكلّ تمرة قرية. قال القاضي في مجالسه : الأمين المؤيّد باللطف الخفي والجلي ، أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي ، كان من بيوت الجود والكرم ، ومن أعاظم الأمراء في خلافة المأمون والمعتصم ، ويقتبسون السلاطين من أنوار فضله ، ويأخذون من رأيه في السياسة المدنيّة ، ويطيعونه بما يعطيهم من مشورته ، ويخضعون له الفضلاء والحكماء ويقدّمونه على جميع الفصحاء والشعراء والأجواد. وقد اشتهر صيت جوده وسخائه على الأقطار ، وعلا قدره على الأقدار ، وكان للظالم خصما وللمظلوم عونا ، وكان يستأنس مع الفقراء وأرباب الحوائج ، مع حشمته وجلالة قدره وهيبته ، وربّما ينحل من بنان بيانه عقد المشكلات ، ويوضح من بركات فضله حقايق المعضلات. ومن آثار شجاعته وبسالته ما هو مشهور في الأساطير والمطوّلات. ثمّ أخذ في ذكر مآثره وإثبات تشيّعه. وقال ابن عبد ربّه في العقد الفريد : دخل أبو دلف على المأمون وقد كان عتب عليه ثمّ أقاله ، فقال له : يابن عيسى ـ وقد خلا مجلسه ـ قل يا أبا دلف ، وما عسيت أن تقول وقد رضي عنك أمير المؤمنين وغفر لك ما فعلت. فقال : يا أمير المؤمنين. ليالي تدني منك بالبشر مجلسي ووجهك من ماء البشاشة يقطر فمن لي بالعين التي كنت مرّة إليّ بها في سالف الدهر تنظر قال المأمون : لك بها رجوعك إلى مناصحتك وإقبالك على طاعتك ، ثمّ عاد له إلى ما كان عليه. وقال له المأمون يوما : أنت الذي تقول : ما أراك قدمت لحقّ طاعة ، ولا قضيت واجب حرمة؟ قال : يا أمير المؤمنين ، إنّما هي نعمتك ونحن فيها خدمك ، وما إراقة دمي في طاعتك إلّا بعض ما يجب لك. ودخل أبو دلف على المأمون فقال : أنت الذي يقول فيك ابن جبلة : إنّما الدنيا أبو دلف بين باديه ومحتضره فإذا ولّى أبو دلف ولّت الدنيا على أثره فقال : يا أمير المؤمنين ، شهادة زور ، وكذب شاعر ، وملق مستجدّ ، ولكنّي الذي يقول فيه ابن أخيه : ذريني أجول الأرض في طلب الغنى فما الكرج الدنيا ولا الناس قاسم قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد : خرجت رفقة إلى مكّة وفيها أبو دلف القاسم بن عيسى ، فلمّا تجاوزت الكوفة حضرت الأعراب وكثرت تريد اغتيال الرفقة فتسرّع قوم إليهم فزجرهم أبو دلف وقال : مالكم ولهذا؟ ثمّ انفصل بأصحابه فعبّأ عسكره ميمنة وميسرة وقلبا فلمّا سمع الأعراب أنّ أبا دلف حاضر انهزموا من غير حرب ، ثمّ مضى بالناس حتّى حجّ فلمّا رجعوا أخبرت القافلة بأنّ الأعراب قد احتشدوا احتشادا عظيما وهم قاصدون القافلة ، وكان في القافلة رجل أديب شاعر في ناحية طاهر بن الحسين ، فكتب إلى أبي دلف بهذه الأبيات : جرت بدموعها العين الذروف وظلّ من البكاء لها حليف أبا دلف وأنت عميد بكر وحيث العزّ والشرف المنيف تلاق عصابة هلكت فما أن بها ألّا تداركها خفوف كفعلك في البدى وقد تداعت من الأعراب مقبلة زحوف فلمّا أن رأوك لهم حليفا وخيلك حولهم عصبا عكوف ثنوا عنقا وقد سخنت عيون لما لا قوا وقد رغمت أنوف فلمّا قرأ أبو دلف الأبيات أجاب عنها بغير إطالة فكر ولا رويّة ، فقال :
رجال لا تهولهم المنايا ولا يشجيهم الأمر المخوف وطعن بالقنا الخطّيّ حتّى تحلّ بمن أخافكم الحتوف ونصر الله عصمتنا جميعا وبالرحمان ينتصر اللهيف وقال : أنشد محمّد بن القاسم بن خلّاد في شجاعة أبي دلف : وإذا بدا لك قاسم يوم الوغى يختال خلت أمامه قنديلا وإذا تلذّذ بالعمود ولينه خلت العمود بكفّه منديلا وإذا تناول صخرة ليرضّها عادت كثيبا في يديه مهيلا قالوا وينظم فارسين بطعنة يوم اللقاء ولا يراه جليلا لا تعجبوا لو كان مدّ قناته ميلا إذا نظم الفوارس ميلا قال : وأنشد بكر بن النطاح أبا دلف : مثال أبي دلف أمّة وخلق أبي دلف عسكري وإنّ المنايا إلى الدارء ين بعين أبي دلف تنظر فأمر له بعشرة آلاف درهم فمضى فاشترى بها بستانا بنهر الأبلة ثمّ عاد من قابل فأنشده : بك ابتعت في نهر الأبلّة جنّة عليها قصير بالرخام مشيد إلى لزقها أخت لها يعرضونها وعندك مال للهبات عتيد فقال له أبو دلف : بكم الأخرى؟ قال : بعشرة آلاف ، قال : ادفعوها إليه. ثمّ قال له : لا تجئني من قابل فتقول لزقها أخرى فإنّك تعلم أنّ لزق كلّ أخرى أخرى متّصلة إلى ما لا نهاية له. وقال الخطيب أيضا : أتى جعيفران أبا دلف يستأذن عليه وعنده أحمد بن يوسف ، فقال الحاجب : جعيفران الموسوس بالباب. فقال أبو دلف : ما لنا وللمجانين؟ فقال له أحمد بن يوسف : أدخله ، فلمّا دخل قال :
يابن أعزّ الناس مفقودا وأكرم الأمّة موجودا لمّا سألت الناس عن واحد أصبح في الأمّة محمودا قالوا جميعا إنّه قاسم أشبه آباء له صيدا قال : أحسنت والله ، يا غلام أكسه وادفع إليه مائة درهم. فقال : مره ـ أعزّك الله ـ أن يدفع إليّ خمسة منها ويحفظ الباقي لي. قال : ولم؟ قال : لئلّا تسرق منّي أو يشتغل قلبي بحفظها. قال : قال غلام ، ادفع إليه كلّما جائك خمسة دراهم إلى أن يفرق ببيننا الموت. قال : فبكى جعيفران ، فقال له أحمد بن يوسف : ما يبكيك؟ فقال : يموت هذا الذي تراه وكلّ شيء له نفاد لو كان شيء له خلود عمر ذا المفضل الجواد وقال : قال العتابي : اجتمعنا على باب أبي دلف جماعة من الشعراء فكان يعدنا بأمواله من الكرج وغيرها فأتته الأموال فبسطها على الأنطاع وأجلسنا حولها ودخل علينا فقمنا إليه فأومأ إلينا أن لا نقوم إليه ، ثمّ اتكأ على قائم سيفه ، ثمّ أنشأ يقول : ألا أيّها الزوّار لا يد عندكم أياديكم عندي أجلّ وأكبر فإن كنتم أفردتموني للرجا فشكري لكم من شكركم لي أكثر كفاني من مالي دلاص وسابح وأبيض من صاف الحديد ومغفر ثمّ أمر بنهب تلك الأموال فأخذ كلّ واحد على قدر قوّته. وقال بسنده عن أبي عبد الرحمان التوزي قال : استهدى المعتصم من أبي دلف كلبا أبيض كان عنده ، فجعل في عنقه قلادة كيمخت أخضر وكتب عليها : أوصيك خيرا به فإنّ له خلائقا لا أزال أحمدها يدلّ ضيفي عليّ في ظلم الليل إذا النار نام موقدها وقال بسنده عن أبي بكر الصولي قال : تذاكرنا يوما عند المبرّد الحظوظ وأرزاق الناس من حيث لا يحتسبون ، قال : هذا يقع كثيرا ، فمنه قول ابن أبي فنن في أبيات عملها المعنى أراده : مالي ومالك قد كلّفتني شططا حمل السلاح وقول الدارعين قف أمن رجال المنايا خلتني رجلا أمسى وأصبح مشتاقا إلى التلف يمشي المنون إلى غيري فأكرهها فكيف أسعى إليها بارز الكتف أم هل حسبت سواد الليل شجّعني أو أنّ قلبي في جنبي أبي دلف فبلغ هذا الشعر أبا دلف فوجّه إليه أربعة آلاف درهم جاءته على غفلة. وقال بسنده عن أبي تمام الطائي يقول : دخلنا على أبي دلف أنا ودعبل بن عليّ وبعض الشعراء ـ أظنّه عمارة ـ وهو يلاعب جارية بالشطرنج ، فلمّا رآنا قال : قولوا : ربّ يوم قطعت لا بمدام بل بشطرنجنا نجيل الرخاخا ثمّ أجيزوا. فبقينا ينظر بعضنا إلى بعض ، فقال : لم لا تقولون : وسط بستان قاسم في جنان قد علونا مفارشا ونخاخا وحوينا من الظباء غزالا طريا لحمه يفوق المخاخا فنصبنا له الشباك زمانا ونصبنا مع الشباك فخاخا فأصدناه بعد خمسة أشهر وسط نهر يشخّ ماه شخاخا قال : فنهضنا عنه ، فقال : إلى أين؟ مكانكم حتّى نكتب لكم بجوائزكم. فقلنا : لا حاجة لنا في جائزتك ، حسبنا ما نزل بنا منك اليوم ، فأمر بأن تضعف لنا. قال : وعن إبراهيم بن الحسن بن سهل أنّه قال : كنّا في موكب المأمون فترجّل له أبو دلف ، فقال له المأمون : ما أخّرك عنّا؟ فقال : علّة عرضت لي. فقال : شفاك الله وعافاك ، اركب ، فوثب من الأرض على الفرس ، فقال له المأمون : ما هذه وثبة عليل. فقال : بدعاء أمير المؤمنين شفيت. قال : وعن أبي هفّان إنّه قال : كان لأبي دلف العجلي جارية تسمّى جنان ، وكان يتعشّقها ، وكان لفرط فتوّته وظرفه يسمّيها صديقتي ، فمن قوله فيها : أحبّك يا جنان وأنت منّي مكان الروح من جسد الجبان ولو أنّي أقول مكان روحي خشيت عليك بادرة الزمان لأقدامي إذا ما الخيل كرّت وهاب كماتها حرّ السنان قال : وعن إدريس بن معقل إنّه قال : اجتمع على باب أبي دلف جماعة من الشعراء فمدحوه فتعذّر عليهم الوصول إليه وحجبهم حياء لضيقة نزلت به ، فأرسل إليهم خادما له يعتذر إليهم ويقول : انصرفوا في هذه السنة وعودوا في القابل فإنّي أضعّف لكم العطيّة وأبلّغكم الأمنية ، فكتبوا إليه : أي هذا العزيز قد مسّنا الد هر بضرّ وأهلنا أشتات وأبونا شيخ كبير فقير ولدينا بضاعة مزجاة قلّ طلّابها فبارت علينا وبضاعاتنا بها الترّهات فاغتنم شكرنا وأوف لنا الكيل وتصدّق علينا فإنّنا أموات فلمّا وصل إليه الشعر ضحك وقال : عليّ بهم ، فلمّا دخلوا قال : أبيتم إلّا أن تضربوا وجهي بسورة يوسف ، فو الله إنّي لمضيّق ولكنّي أقول كما قال الشاعر : لقد خيّرت إنّ عليك دينا فزد في رقم دينك واقض ديني يا غلام ، اقترض لي عشرين ألفا بأربعين وفرّقها فيهم. انتهى ما لخّصناه من تاريخ الخطيب. وفي وفيات الأعيان لابن خلّكان : إنّ بكر بن نطاح مدح أبا دلف وفيه يقول : يا طالبا للكيمياء وعلمه مدح ابن عيسى الكيمياء الأعظم لو لم يكن في الأرض إلّا درهم ومدحته لأتاك ذاك الدرهم ويحكى إنّه أعطاه على هذين البيتين عشرة آلاف درهم فأغفله قليلا ، ثمّ دخل عليه وقد اشترى بتلك الدراهم قرية في نهر الأبلة فأنشده ما تقدّم ذكره ، فقال فيه بكر بن نطاح : وتيقّن الشعراء أنّ رجاءهم في مأمن بك من وقوع الياس ما صحّ علم الكيمياء لغيرهم فيمن عرفنا من جميع الناس تعطيهم الأموال في بدر إذا حملوا الكلام إليك في قرطاس وكان أبو دلف قد لحق أكرادا قطعوا الطريق في عمله ، فطعن فارسا فنفذت الطعنة إلى أن وصلت إلى فارس آخر وراءه رديفه فنفذ إليه السنان فقتلهما ، وفي ذلك يقول بكر بن نطاح : * وإذا بدالك قاسم يوم الوغى* إلى آخر الأبيات المتقدمة. وكان أبو دلف لكثرة عطائه قد ركبته الديون واشتهر ذلك عنه ، فدخل عليه بعضهم وأنشده : أيا ربّ المنائح والعطايا ويا طلق المحيّا والدين لقد خبّرت أنّ عليك دينا فزد في رقم دينك واقض ديني فوصله وقضى دينه. ودخل عليه بعض الشعراء فأنشده : الله أجرى من الأرزاق أكثرها على يديك تعلم يا أبا دلف ما خطّ لا كاتباه في صحيفته كما تخطّط لا في سائر الصحف قال ابن خلّكان : ومدائحه كثيرة. وله أيضا أشعار حسنة ولو لا خوف التطويل لذكرت بعضها. وكان أبوه قد شرع في عمارة مدينة كرج وأتمّها وكان بها أهله وعشيرته وأولاده. والكرج ـ بفتح الكاف والراء وبعدها جيم ـ وهي مدينة بالجبل بين أصبهان وهمذان. قال : وروي أنّ الأمير علي بن ماهان صنع مأدبة لمّا قدم أبو دلف من الكرج ودعاه إليها وكان قد احتفل بها غاية الاحتفال فجاء بعض الشعراء ليدخل دار عليّ ابن عيسى فمنعه البوّاب فتعرّض الشاعر لأبي دلف وقد قصد دار عليّ بن عيسى وبيده جزأ فناوله إيّاها فإذا فيها مكتوب : قل له إن لقيته متثآن مأدبة بلا وهج جئت في ألف فارس لغداء من الكرج ما على الناس بعدها في الدناءات من حرج فرجع أبو دلف وحلف إنّه لا يدخل الدار ولا يأكل شيئا من طعامه. قال : ورأيت في بعض المجاميع أنّ هذا الشاعر هو عباد بن حريش وكانت المأدبة ببغداد. قال : ورأيت في بعض المجاميع أيضا أنّ أبا دلف لمّا مرض مرض موته حجب الناس عن الدخول عليه لثقل مرضه فاتفق إنّه أفاق في بعض الأيّام فقال لحاجبه : من بالباب من المحاويج؟ فقال : عشرة من الأشراف وقد وصلوا من خراسان وهم بالباب عدّة أيّام لم يجدوا طريقا ، فقعد على فراشه واستدعاهم ، فلمّا دخلوا رحّب بهم وسألهم عن بلادهم وأحوالهم وسبب قدومهم ، فقالوا : ضاقت بنا الأحوال وسمعنا بكرمك فقصدناك ، فأمر خازنه بإحضار بعض الصناديق وأخرج منه عشرين كيسا في كلّ كيس ألف دينار ودفع لكلّ واحد منهم كيسين ، ثمّ أعطى كلّ واحد مؤنة طريقه ، وقال لهم : لا تمسّوا الأكياس حتّى تصلوا بها سالمة إلى أهلكم واصرفوا هذا في مصالح الطريق. ثمّ قال : ليكتب لي كلّ واحد منكم خطّه أنّه فلان ابن فلان حتّى ينتهي إلى عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ويذكر جدّته فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ثمّ ليكتب : يا رسول الله ، إنّي وجدت إضاقة وسوء حال في بلدي وقصدت أبا دلف العجلي فأعطاني ألف دينار كرامة لك وطلبا لمرضاتك ورجاء لشفاعتك ، فكتب كلّ واحد منهم ذلك وتسلّم الأوراق وأوصى من يتولّى تجهيزه إذا مات أن يضع تلك الأوراق في كفنه حتّى يلقى بها رسول الله صلىاللهعليهوآله ويعرضها عليه. ومع هذا فقد حكي أنّه قال يوما : من لم يكن مغاليا في التشيّع فهو ولد زنا. فقال له ولده : إنّي لست على مذهبك. فقال له أبوه : لمّا وطأت أمّك وعلقت بك ما كانت بعد استبرائها فهذا من ذاك ، والله أعلم. انتهى. أقول : جاء في مروج الذهب (1) وفي مرآة الجنان لليافعي في حوادث سنة 225 بتغيير وزيادة ونحن نذكر ما وجدناه في كتاب «نامه دانشوران» وهو كتاب فارسيّ جيّد حسن الترتيب كبير في عدّة مجلّدات ذكر فيه أرباب الفضل من كلّ صنف من العلماء والأدباء والأسخياء والأمراء والحكّام والقضاة والشعراء وغيرهم ، قال : جاء في كتاب محبوب القلوب تأليف قطب الدين الأشكوري أنّه روى بإسناده عن عيسى بن أبي دلف قال : كان أخي دلف منحرفا عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ويبغضه وينكر عصمته ، فاتفق أنّا حضرنا في مجلس وتذاكرنا فيما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوآله : «يا علي لا يحبّك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق شقيّ ولد زنية أو حيضة» فقال دلف : هذا منحول لا أصل له ولم يقله رسول الله صلىاللهعليهوآله لأنّكم علمتم جميعا أنّ أبي أبا دلف صاحب الغيرة والحميّة ونال المرتبة العليا في حفظ الناموس بحيث لا يطمع في حرمه أحد وإنّ حرمه بلغت من العفاف والنجابة بمكان لا يوصف ومع ذلك ها أنا أبغض عليّا فلو كان هذا الحديث صحيحا ما كنت أبغضه. قال عيسى بن أبي دلف : فبينما نذاكر هذه المسألة إذ دخل أبو دلف وسأل عمّا كنّا فيه فأخبرناه بذلك ، فقال : هذا حديث صحيح لا مرية فيه ، ثمّ قال : والله إنّ ولدي هذا ـ وأشار إلى دلف ـ ولد زنية وحيضة ، وكان السبب في ذلك أنّ مرضا حدث بي __________________ (1) مروج الذهب 2 : 251. وانحرف مزاجي عن الصحّة فدخلت دار أختي فهي تمرّضني وافترشت لي فراشا في حجرة وكانت لها أمة بديعة الجمال تدخل عليّ وكانت تمرّضني ، فلمّا صلح حالي هممت بها ومالت نفسي إليها فدعوتها في حجرتي فطلبت منها ما أريد ، قالت : يا سيّدي ، أنا في عادة النساء رأيت الدم فاحترز عنّي. فقلت لها : لا بأس ، وكنت في تلك الحالة لا أرى شيئا من شدّة الشبق فواقعتها وهي حائض ، فلمّا علمت بذلك أختي ورأت أثر الحمل بها وهبتنيها فولدت لي هذا ـ وأشار إلى دلف ـ وقال : بغضه لعليّ بن أبي طالب لا غرو منه لأنّه ولد حيض وزنية. فتغيّر لون دلف وغضب غضبا شديدا وكان ينتظر الفرصة ليقتل أباه. وقال اليافعي في مرآة الجنان في حوادث خمس وعشرين ومائتين : وفيها توفّي الأمير أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي صاحب الكرج أحد الأبطال المذكورين والأجواد المشهورين ، وهو أحد أمراء المأمون ثمّ المعتصم ، وله وقايع مشهورة وصنايع مأثورة ، أخذ عنه الأدباء والفضلاء ، وله صنعة في الغناء ـ ثمّ ساق الكلام مثل ما في ابن خلّكان إلى أن قال : ـ وكان أبو عبد الله أحمد بن أبي صالح مولى بني هاشم أسود سيّئ الخلق وكان فقيرا ، فقالت له امرأته : يا هذا ، إنّ الأدب أراه قد سقط نجمه وطاش سهمه فاعمد إلى سيفك ورمحك وفرسك وادخل مع الناس في غزواتهم عسى الله أن ينفعك من الغنيمة شيئا ، فأنشد شعرا «مالي ومالك قد كلّفتني شططا» إلى آخر الأبيات التي تقدّم ذكرها آنفا. قال : واستنشد أبو دلف أبا تمام القصيدة التي رثى بها محمّد بن حميد بن قحطبة الطائي ، فلمّا بلغ قوله : توفّيت الأعمال بعد محمّد وأصبح في شغل عن السفر السفر وما كانت الآمال من قلّ ماله وذخرا لمن آوى وليس له ذخر تردّى ثياب الموت حمرا فما أتى لها الليل إلّا وهي من سندس خضر
كأنّ بني تيهان يوم وفاته نجوم سماء خرّ من بينها البدر فبكى أبو دلف وقال : وددت أنّها فيّ. فقال أبو تمام : بل سيطيل الله عزوجل عمر الأمير ، فقال : لم يمت من قيل فيه هذا. حكي عن تذكرة عبد الله بن المعتزّ حدّث عن عليّ بن جبلة إنّه قال : وقد دخلت على أبي دلف مرّات كثيرة زائرا وكلّما دخلت عليه استقبلني بطلاقة وجهه وإذا خرجت من عنده أعقبني بجائزة سنيّة ، فلمّا كثرت عطاياه إليّ وأغرقني سحاب جوده تركت زيارته خجلا وانفعالا ، فأرسل إلى أخيه معقل بعد أيّام وقال : إنّ الأمير أبا دلف يبلّغك السلام ويسأل عنك ويقول : ما بالك تركت زيارتنا وتأخّرت عن مجلسنا فإن كان من تقصير صدر منّا فنحن نعتذر إليك منه ونجبره بأحسن وجه إن شاء الله ويصل إليك برّنا. فأرسلت إليه هذه الأبيات : هجرتك لم أهجرك من كفر نعمة وهل يرتجى نيل الزيادة بالكفر ولكنّني لمّا أتيتك زائرا فأفرطت في برّي عجزت عن الشكر فالآن لم آتيك إلّا مسلّما أزورك في الشهرين يوما وفي الشهر فإن زدتني برّا تزيّدت جفوة فلا نلتقي طول الحياة إلى الحشر فلمّا رأى معقل هذه الأبيات وهو أيضا كان أديبا شاعرا مثل أبي دلف ، قال لعليّ ابن جبلة : أحسنت وأجدت ، فلمّا أوصل الأبيات إلى أبي دلف استحسنه وأعجبه ، ثمّ كتب هذه الأبيات وأرسلها إلى عليّ بن جبلة مع غلام وألف دينار : ألا ربّ ضيف طارق قد بسطته وآنسته قبل الضيافة بالبشر رأيت له فضلا عليّ بقصده إليّ وبرّا لا يعاد له شكري فلم أعد إن أدنيته وابتدأته ببشر وإكرام وبرّ على برّ وزوّدته مالا سريعا نفاده وزوّدني مدحا يقيم على الدهر ثمّ مدحه عليّ بن جبلة بقصيدة غرّاء أوّلها : «إنّما الدنيا أبو دلف» الأبيات ، فلمّا وصلت هذه القصيدة إلى المأمون قرأها حتّى بلغ إلى قوله : كلّ من في الأرض من عرب بين باديه إلى حضره مستعير منك مكرمة يكتسبها في يوم مفتخره فاستشاط غيضا وغضبا فأمر بإحضار عليّ بن جبلة وقال : ويل على ابن الزانية يقول إنّ جميع المكارم تستعار من أبي دلف فظنّ بأنّا مستعيرون المكارم من أبي دلف وليس لنا مكرمة أصلا؟! فلمّا علم بذلك عليّ بن جبلة فرّ إلى جزيرة موصل فكتب المأمون إلى الآفاق وأمر بأخذه ، فأخذ وأحضروه بين يدي المأمون ، فقال له : أنت الذي مدحت أبا دلف بكيت وكيت؟ فقال عليّ بن جبلة : يا أمير المؤمنين ، هذه الأبيات تقال لأمثال أبي دلف وأمّا أنتم قد خصّكم الله بالشرف الأعلى ، وفيكم جعل الله النبوّة والكتاب ، ومنكم يقتبسون الناس العلم والحكمة في كلّ الأبواب ، وخوّلكم الله الخلافة العظمى ، والإمامة الكبرى على أهل الدنيا ، وذكر من أمثال هذه الكلمات حتّى رضي منه وعفا عنه. وعن تذكرة عبد الله بن المعتزّ أيضا قال : ومن مآثر أبي دلف وشجاعته أنّ رجلا يقال له قرقور كان يقطع الطريق وكان شجاعا متهوّرا سفّاكا وكان يسكن شعاب الجبال من نواحي أصبهان فعجز عنه أبو دلف ولم يظفر به لأنّه يلوذ بالجبال ويختفي في شعابها ، إلى أن خرج أبو دلف للصيد فاتفق أنّه ركض وراء صيد حتّى بعد عن عسكره ومكانه فإذا بقرقور تمثّل بين يديه مسلّحا راكبا على فرس مع جماعة ، فعلم أبو دلف لو انهزم منهم قتلوه ، فحمل عليهم وقال : يا أصحابي ، أخرجوا من الشعب واحملوا عليهم ، فظنّ قرقور أنّ لأبي دلف كمينا ، فقال في نفسه : نحن لا نبارز أبا دلف منفردا إذا كان مع أصحابه ، فولّى هاربا فلحقه أبو دلف من ورائه وطعنه على ظهره بحيث خرج السنان من صدره فقتله وقتل أصحابه وأراح الناس منه ونصب رأسه على الرمح وأتى به إلى الكرج ، فمدحه الشعراء لذلك وفرحوا في قتل قرقور لأنّه نهب أموالا كثيرة ، وكان لا يسكن في مكان ، يصبح على جبل ويمسي على جبل آخر ، ولا يعتمد على أحد ، وعلى هذا عجز القوّاد والأمراء عن أخذه حتّى ظفر به أبو دلف. وقال ابن المعتزّ أيضا : ومن مآثر جود أبي دلف أنّه لمّا مدحه أبو وائل بقصيدة فاخرة فقرأها عليه إلى أن وصل إلى أبيات تدلّ على حسن الطلب ، قال أبو دلف : يا أبا وائل ، هذا يناقض ما قلته من قبل : ومن يفتقر منّا يصل بحسامه ومن يفتقر من سائر الناس يسأل فخجل أبو وائل ونكّس رأسه ساعة ثمّ رفع رأسه وقال : أيّها الأمير ، لو كان جوادك هذا تحتي وسنانك بيدي وسيفك في وسطي لعلمت أنّي صادق فيما قلت ، فأمر أبو دلف بإعطائه فرسا من جياد مراكبه وسيفا بتّارا وسنانا وسائر لوازم الأسلحة وكيسا فيه خمسمائة دينار ، وقال له : خذ يا أبا وائل وافتخر بمن شئت ، فأخذها وذهب إلى الجزيرة فلقي في الطريق مالا عظيما يحملونه إلى أبي دلف ومعه عدّة من الفرسان ، فحمل عليهم أبو وائل وقتل بعضهم وانهزم الآخرون وأخذ المال ، فلمّا أخبر بذلك أبو دلف ضحك وقال : هذا ما فعلنا بأنفسنا لا نلوم أحدا. وممّا قال فيه أبو بكر بن نطاح هذان البيتان : فكفّك قوس والندى وتر لها وسهمك فيها اليسر فارم به عسري وقال فيه أيضا : ولقد ضربنا في البلاد ولم نجد أحدا سواك إلى المكارم ينسب فاصبر لعادتنا التي عوّدتنا وإلّا فأرشدنا إلى من نذهب وقال المسعودي في مروج الذهب في سير المأمون : دخل أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي على المأمون فقال له : يا قاسم ، ما أحسن أبياتك في صفة الحرب ولذاذتك بها وزهدك في المغنّيات! قال : يا أمير المؤمنين ، أيّ أبيات هي؟ قال : قولك :
| |
|
| |
الشيخ شوقي البديري الشيخ شوقي البديري
عدد المساهمات : 2973 نقاط : 4624 تاريخ التسجيل : 17/06/2012 العمر : 59 الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق
| موضوع: رد: ماثر الكبرى في تاريخ سامراء ج1 الجمعة أكتوبر 25, 2024 5:58 am | |
| لسلّ السيوف وشقّ الصفوف ونفذ التراب وضرب العلل قال : ثمّ ماذا يا قاسم؟ قال : وقد كشفت عن سناها هناك كان عليهم شروق الطفل خروس نطوق إذا استنطقت جهول تطيش على من جهل إذا خطبت أخذت مهرها وزير السعاقط بين القلل ألذّ وأشهى من المسمعات وشرب المدامة في يوم طلّ أنا ابن الحمام وترب الصفاح وترب المنون وترب الأجل الاصطبلات تقع أطلال الاصطبلات في الجانب الغربي من نهر دجلة ، تبعد عن سامرّاء الحاليّة نحو ثمانية عشر كيلومترا. جاء في كتاب الآثار العراقيّة (1) : وهي تبدأ من ساحل دجلة بالقرب من مصبّ نهر الإسحاقي ومصدر النهر الدجيل ، وتتألّف من حيث الأساس من مستطيل صغير متّصل بمستطيل كبير ، يبلغ طول ضلع المستطيل الصغير نحو خمسمائة متر ، وعرضه مائتين وخمسة عشر مترا كما يبلغ طول ضلع المستطيل الكبير ألفا وسبعمائة متر وعرضه خمسمائة وخمسين مترا ، وإنّ كلا المستطيلين محاطان بسور مدعوم بأبراج ، والمستطيل الصغير مقسم إلى سلسلة أحواش منتظمة. وأمّا المستطيل الكبير فمقسّم إلى ثلاثة أقسام متساوية تفصل بينهما أسوار شبيهة بالأسوار الخارجيّة ، وإنّ المربّع الشرقي من هذه الأقسام الثلاثة كامل البناء كما يظهر في الصورة الجويّة المطبوعة في اللوحة (49) حيث يشاهد فيها شاعران __________________ (1) الآثار العراقيّة : 73. رئيسيّان عريضان يتقاطعان من منتفصفيهما في اتجاه عمودي على جدران السور وعلى الشوارع الأربعة التي تمتدّ على الأسوار والمربّعات الأربعة التي تتكوّن على أضلاع هذين الشارعين المتّصلين تنقسم بدورها إلى أقسام عديدة بشوارع طوليّة وعرضيّة كلّها متعامدة أو متوازية. وأمّا القسم الأوسط من المستطيل الكبير فقليل البناء. وأمّا القسم الغربي فمحروم من المباني فلا يرى فيه شيء غير خطوط الشوارع ، ومن الواضح أنّ الاصطبلات كانت معسكرا كبيرا مع دور للقوّاد وسكنة للجنود وساحات للخيم وهو اليوم صار من محطّات القطار إلى الموصل والناس يبنون في أرجائها الدور والقصور. وفي كتاب ريّ سامرّاء (1) : وبنى المعتصم في مقرّ عاصمته الجديدة قصورا وبيوتا ومساجد وأسواقا وكان يجلب معظم أحجارها وزخارفها من خارج العراق ، وقد شيّد فيها مساكن تسكن فيها 250 ألف جندي واصطبلات واسعة لاستيعاب 160 ألف حصان كما قطع القطايع إلى القوّاد الذين بنوا لهم قصورا فخمة ، وأنشأ بساتين غنّاء غرست فيها أشجار مختلفة مثمرة من عدّة فواكه ، وقد توسّعت المدينة على يد أخلاف المعتصم وعلى الأخصّ منهم المتوكّل الذي دام حكمه مدّة خمسة عشر عاما وبذلك امتدّت المدينة حتّى بلغ طولها حوالي 34 كيلومترا. أشناس يعرف باسم شناس عند أهالي سامرّاء ، وهي واقعة في الجهة الشماليّة من المدينة الحاليّة في القسم المعروف بين الناس إلى اليوم باسم الشارع الأعظم. والمشار إليه خلف شناس. وكان هذا قطيعة أشناس التركي كما تقدّم في قصر أشناس. أوانا أوانا كسكارى كما في القاموس. قال الحموي في المعجم : بالفتح والنون بليدة كثيرة البساتين والشجر ، نزهة من نواحي دجيل ، وكثيرا يذكره الشعراء الخلعاء في أشعارهم ، فحدّث بعض الظرفاء قال : حصلت يوما بعكبرى في بعض الحانات فشربت أيّاما بها وكان فيها ابن خمّار يحكي الشمس حسنا ، فلم أزل عنده حتّى نفدت نفقتي وبلغت الغرض الأقصى من عشرته ، فقرأت يوما على جدار البيت الذي كنّا فيه : حضر الفارغ المشغول ، المغرم بحانات الشمول ، وهو لمن دخل إلى هذا الموضع يقول : __________________ (1) ريّ سامرّاء 1 : 50.
أيّها المغرمون بالحانات والمغنّون في هوى الفتيات ومن استنفدت كروم بزوغي فأوانا أمواله والفرات قد شربنا المدام في دير ماري ونكحنا البنين قبل البنات وأخذنا من الزمان أمانا حيث كان الزمان طوعا موات تحت ظلّ من الكروم ظليل وغريب من معجزات البنات بادروا الوقت واشربوا الراح وأحظوا بعناق الحبيب قبل الفوات ودعوا من يقول حرمة الخمر علينا في محكم الآيات وافعلوا مثل ما فعلنا سواء وأجيبوا عن هذه الأبيات قال : فكتبت تحت هذه الأبيات ـ ولم يكن الشعر من عملي ـ : أمّا فلان بن فلان فقد عرف صحّة قولك وفعل مثل فعلك جزاك الله عن إخوانك فلقد قلت ونصحت وحضضت ونفعت. وقال صاحب مراصد الاطّلاع : أوانا ـ بالفتح والنون ـ بليدة من دجيل كثيرة البساتين ، بينها وبين بغداد عشرة فراسخ ، من فوقها يحاذي عكبرى ، كان بينها دجلة واستحالت عنهما. باقدارى قال في المعجم : بكسر القاف ودال مهملة وألف وراء مفتوحة مقصور ، قرب أوانا تعمل بها ثياب من القطن غلاظ صفاق ، يضرب أهل بغداد بها المثل ، بينه وبين بغداد أربعون ميلا ، فأين هذه الصنايع الجسيمة والمعامل الفخمة التي توجب الغنى والثروة؟ باهمشا بالهاء المهملة وسكون الميم والشين المعجمة ، قرية بين أوانا والحظيرة على دجلة القديمة. وقال اليعقوبي في البلدان : قرية قرب قاطول المجاور لسامرّاء ، واليوم لم نعرف موضعا يقال له باهمشا كما أنّ باقدارى والبردان كذلك غير أنّ هذه الأسماء يرشدنا إلى معموريّة هذه النواحي وكثرة منافعها وحضارتها. البردان قال الحموي في المعجم : البردان ـ بالتحريك ـ من قرى نواحي دجيل ، والبردة بالفارسيّة برده دان وهو الرقيق المجلوب في أوّل إخراجه من بلاد الكفر. قال : ولعلّ هذه القرية كانت منزل الرقيق فسمّيت بذلك لأنّهم يلحقون الدال والألف والنون في بعض ما يجعلونه وعاء للشيء كقولهم لوعاء الثياب : جامه دان ، ولوعاء الملح : نمك دان ، وما أشبه ذلك. فالبردان تعريب برده دان. وكان بخت نصر لمّا سبى اليهود أنزلهم هناك إلى أن ورد عليه أمر الملك لهراسب من بلخ بما صنع بهم ، وفيه يقول جحظة البرمكي النديم أبو الحسن أحمد بن جعفر ابن موسى بن يحيى البرمكي : ادفع ورود الهمّ عنك بقهوة مخزونة في حانة الخمّار جازت مدى الأعمار فهي كأنّها عند المذاق تزيد في الأعمار في رقّة البردان بين مزارع محفوفة ببنفسج وبهار بلد يشبّه صيفه بخريفه رطب الأصائل بارد الأسحار بركة السباع بركة ـ بكسر الباء وسكون الراء وفتح الكاف ـ : موضع معروف في شمالي سامرّاء الحاليّة ببركة السباع. وعبّر عنه صاحب كتاب الآثار العراقيّة (1) __________________ (1) الآثار العراقيّة : 57. بالسرداب ، قال : يقع السرداب في الجهة الشرقيّة الخلفيّة من القصر في اتجاه محور الأيوان الكبير على بعد ستّمائة متر يسمّيه الناس بأسماء مختلفة منها : الزندان ، الهبية أي الهاوية ، وهاوية السباع ، يتألّف هذا السرداب الفسيح من حيث الأساس من حفرة مربّعة نقرت في الصخر ، وفتح على كلّ ضلع من أضلاعها الأربعة ثلاثة أواوين وتوسّطها بركة كبيرة مستديرة ، عمق الحفرة نحو عشرة أمتار ، وأمّا طول ضلعها فنحو أحد وعشرين مترا ، ينزل إلى السرداب ويصعد منه بدرجتين منتظمتين متصلتين بدهليز منتظم ، وكان يقع مدخل هذا الدرج في غرفة جميلة نقشت على جدرانها سلسلة جمال ، وكانت هذه الغرفة جزء من العمارات التي تحيط بفتحة السرداب من جهاته الأربع. أقول : وجدير بأولي الهمم العالية عمارة بركة السباع التي ليس شأنها بأقلّ الموضع المعروف ب «قدمكاه» في طريق خراسان حيث أنّ الزوّار يزدحمون على استلامه وتقبيله كاستلام الحاجّ الحجر الأسود ، و «قدمكاه» هو حجرة صغيرة في وسط حديقة متكاثفة الأشجار وعليها قبّة عظيمة ، وفي اتجاه الحجر أيوان كبير وفي حائط الحجرة حجر منصوب عليه أثر قدمي إنسان يزعمون أنّه أثر قدمي الإمام أبي الحسن الرضا عليهالسلام ، وفي جنوبي الحجرة عين نابعة ماؤها من أعذب المياه ، وفي فصل الصيف بارد جدّا يزعمون أنّ الإمام الرضا عليهالسلام اغتسل فيها ، ولعمري إنّ لبركة السباع مزيد اختصاص في سامرّاء حيث أنّها مظهر معجزة الإمامين عليّ الهادي والحسن العسكري عليهماالسلام حيث خضعت السباع لهما وتذلّلت بين أيديهما ، وهو أيضا مصلّى الإمام الحسن العسكري عليهالسلام. فقد روى القطب الراوندي في الخرايج قال : ظهرت في أيّام المتوكّل امرأة تدّعي أنّها زينب بنت أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام من فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، فقال لها المتوكّل : أنت امرأة شابّة وقد مضى من وقت رسول الله صلىاللهعليهوآله ما مضى من السنين. فقالت : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله مسح على رأسي وسأل الله أن يردّ شبابي في كلّ أربعين سنة ولم أظهر للناس إلى هذه الغاية فلحقتني الحاجة فصرت إليهم. فدعا المتوكّل مشايخ آل أبي طالب وولد العبّاس فعرّفهم حالها ، فروى جماعة وفاة زينب بنت فاطمة في سنة كذا ، فقال لها : ما تقولين في هذه الرواية؟ فقالت : كذب وزور فإنّ أمري كان مستور من الناس فلم يعرف لي موت ولا حياة. فقال لهم المتوكّل : هل عندكم الحجّة على هذه المرأة غير هذه الرواية؟ قالوا : لا. فقال : أنا بريء من العبّاس أن أتركها عمّا ادّعت إلّا بحجّة. قالوا : فأحضر عليّ بن محمّد فلعلّ عنده شيئا من الحجّة غير ما عندنا ، فبعث إليه فحضر فأخبره بخبر المرأة ، فقال عليهالسلام : كذب فإنّ زينب توفّيت في شهر كذا في سنة كذا في يوم كذا. قال : فإنّ هؤلاء قد رووا مثل هذه وقد حلفت أن لا أتركها عمّا ادّعت إلّا بحجّة تلزمها. قال عليهالسلام : فها هنا حجّة تلزمها وتلزم غيرها. قال : وما هي؟ قال عليهالسلام : لحوم ولد فاطمة حرام على السباع فلا تضرّها. فقال لها : ما تقولين؟ قالت : إنّما يريد قتلي. فقال عليهالسلام : ها هنا جماعة من ولد الحسن والحسين فأنزل من شئت منهم. قال : فو الله لقد تغيّرت وجوه الجميع ، فقال بعض المبغضين : هو يحيل على غيره ولم لا يكون هو؟! فمال المتوكّل إلى ذلك رجاء أن يذهب من غير أن يكون له في أمره صنع ، فقال : يا أبا الحسن ، لم لا تكون أنت؟ قال عليهالسلام : ذلك إليك. قال : فافعل. قال : أفعل إن شاء الله. فأتي بسلّم وفتح عن السباع فكانت ستّة من الأسود إليه ورمت بأنفسها بين يديه ، ومدّت بأيديها ، ووضعت رؤوسها بين يديه ، وجعل يمسح على كلّ واحد منها بيده ثمّ يشير إليها بالاعتزال فتعزل ناحية حتّى اعتزلت كلّها وقامت بإزائه. فقال له الوزير : ما هذا صوابا فبادر بإخراجه من هناك قبل أن ينتشر خبره. فقال له : يا أبا الحسن ، ما أردنا بك سوء وإنّما أردنا أن نكون على يقين ممّا قلت ، فأحبّ أن تصعد. فقام وصار إلى السلّم وهم حوله يتمسّحون بثيابه ، فلمّا وضع رجله على أوّل درجة التفت إليها فأشار بيده أن ترجع فرجعت ، وصعد عليهالسلام ، ثمّ قال : كلّ من زعم أنّه من ولد فاطمة فليجلس في ذلك المجلس. فقال لها المتوكّل : انزلي. قالت : الله الله ، ادّعيت الباطل وأنا بنت فلان ، حملني الضرر على ما قلت. قال المتوكّل : ألقوها إلى السباع. فاستوهبتها منه والدته. وعن ثاقب المناقب : إنّ المرأة كذّبت نفسها وركبت حمارها في طريق سرّ من رأى تنادي على نفسها وجاريتها على حمار آخر بأنّي زينب الكذّابة وليس بيني وبين رسول الله القرابة ، ثمّ رحلت إلى الشام. وفي بعض الأخبار : إنّ مولانا أبا محمّد الحسن العسكري عليهالسلام أوقعوه في هذه البركة أيضا ، فقد روى المفيد في الإرشاد عن الكليني عن جماعة من أصحابنا حيث قالوا : سلّم أبو محمّد عليهالسلام إلى نحرير الخادم وكان يضيّق عليه ويؤذيه ، فقالت له امرأته : اتّق الله فإنّك لا تدري من في منزلك وذكرت له صلاحه وعبادته وقالت له : إنّي أخاف عليك منه. فقال : والله لأرمينّه بين السباع ، ثمّ استأذن في ذلك فأذن له ، فرمى به إليها ، فلم يشكّوا في أكلها له ، فنظروا إلى الموضع ليعرفوا حاله فوجدوه عليهالسلام قائما يصلّي وهي حوله ، فأمر بإخراجه إلى داره. فعلى هذا أحرى وأجدر لأولي الهمم العالية عمارة هذا المكان ، لا المكان الذي يعرف ب «قدمگاه» لأنّه ليس بأيدينا دليل تاريخيّ على صحّة ما زعموا بأنّ هذا أثر قدم الإمام عليهالسلام. بركة أخرى قال صاحب كتاب الآثار العراقيّة (1) : ويشاهد في القسم الشمالي من القصر في الجبهة الشماليّة الغربيّة للسرداب والجبهة الشماليّة الغربيّة للأواوين حفرة أكبر وأعمق من ذلك ، قطرها نحو مائة وخمسة عشر مترا ، وقطر البركة التي في وسطها نحو ثمانين مترا ، وكانت هذه الحفرة محاطة ببناية مربّعة الشكل كثيرة التقسيمات ، لا يقلّ طول ضلعها عن مائة وثمانين مترا. والصور الجوّيّة ترينا في الزاوية الشماليّة الشرقيّة من الحفرة الكبيرة بناية أخرى كثيرة التقسيمات يعتقد هرتسفيلد أنّها كانت الخزانة العامّة. __________________ (1) الآثار العراقيّة : 58. بركة الماء تقع هذه البركة في الساحة التي أمام الأواوين في دور الخلفاء. قال صاحب كتاب الآثار (1) : يلاحظ المتفرّج من هناك معالم الدرج العريض الذي كان يصل القصر بالسهل والبركة الكبيرة التي كانت تبدأ من أسفل الدرج المذكور. كان طول ضلع البركة مائة وخمسة وعشرين مترا ، وطول الدرج ستّون مترا ، وكانت البركة متّصلة من منتصف ضلعها الغربي بساقية منتظمة تمتدّ على طول أربعمائة متر حتّى تصل شاطئ دجلة القديم. وكان هناك في محلّ التقاء الساقية بالنهر بناية مربّعة تظهر آثارها إلى الآن في الصور الجوّيّة بوضوح تامّ ، وإنّ هذه البركة هي التي كان امتدحها الشعراء ، وهي التي وضع البحتري فيها قصيدته المشهورة فقال عنها فيما قال : يا من رأى البركة الحسناء رؤيتها والآنسات إذا لاحت مغانيها يحسبها أنّها من فضل رتبتها تعدّ واحدة والبحر ثانيها ما بال دجلة كالغيرى تنافسها في الحسن طورا وأطوارا تباهيها تنصب فيها وفود الماء معجلة كالخيل خارجة من حبل مجريها كأنّما الفضّة البيضاء سائلة من السبايك تجري في مجاريها فحاجب الشمس أحيانا يضاحكها وريق الغيث أحيانا يباكيها إذا النجوم تراءت في جوانبها ليلا حسبت سماء ركّبت فيها تغنّي بساتينها القصوى برؤيتها عن السحائب منحلّا عزاليها ألفان وافت على قدير مسرعة إلى قبول الذي حاولت فيها حتّى قطعت بها القاطول واقترحت بالحير في عرضة فسح نواحيها __________________ (1) نفسه : 55. ذكر دكتر أحمد سوسة في كتابه ريّ سامرّاء (1) قال : وقد استرسل البحتري في وصف البركة وقد سمّاها بالبركة الحسناء فصوّرها كالبحر في عظمتها وقال : إنّ وفود الماء كانت تنصب فيها معجّلة كالخيل الخارجة من حبل مجريها وكانت من السعة بحيث كان يتعذّر على الأسماك الملوّنة التي كانت فيها أن تتحوّل من جانب إلى آخر لما بينهما من بعد. ثمّ ذكر أنّ هناك رياضا وبساتين كانت تحفّ بها إلى مسافات بعيدة كما أنّ هناك نهرا يسمّى «نهر ينزك» كان يغذّيها بالمياه وهو النهر الذي كانت ترد منه الحيوانات الوحشيّة التي في الحديقة وهي تبلغ ألفي وحش وقد صوّر البحتري دجلة إلى جانب البركة وهي غير تنافسها في الحسن طورا وتباهيها طورا كما صوّر نهر ينزك وهو يتوسّط البركة فشبّهه بماء البحر. وقد أشار البحتري في قصيدته إلى مقصورات تطلّ على البركة وإلى صحن رحيب في أسافل البركة وإلى بهو في أعالي البركة وإلى ساحة تسمّى بساحة التلّ قرب القاطول كانت حيوانات الحير ترتادها ثمّ أطنب الكلام في تشخيص هذه المواضع. بلد يقع في شرقيّ سامرّاء بينها وبين سامرّاء ثمانية فراسخ. وهي قرية كبيرة كثيرة البساتين ، واسعة الفواكه ، متكاثفة الأشجار والنخيل ، وهي ناحية سامرّاء وعامّة أهلها شيعة إماميّة ، منهم سدنة مولانا السيّد محمّد عليهالسلام ، ما رأيت منهم أحدا إلّا وهو كريم الأخلاق ، عفيف النفس ، نجيب العنصر ، خدوم للزائرين ، محبّ للعلماء والمتعلّمين ، جزاهم الله عن الإسلام خيرا. __________________ (1) ريّ سامرّاء : 1 / 22. بزرجسابور قال في المعجم : بضمّتين وراء ساكنة وجيم مفتوحة وسين مهملة مفتوحة. وروي بالخاء المعجمة المفتوحة ، قرية قرب حربى. وفي المراصد : من طساسيج بغداد وحده من أعلى العلث من شرقيّ دجلة. وأورد في المعجم شاهدا على ضبطه قول البحتري : صنعة للزمان عندي وعكس إذ تولّى بزرگجسابور حبس تلّ المخالي يعرف باسم تلّ العليق عند أهالي سامرّاء ، وقد تقدّم وجه التسمية في قصر التلّ ، وبمناسبة ذكر التلّ نذكر تلّ التوبة استطرادا لما فيه من فائدة تاريخيّة. قال الحموي في المعجم : هو موضع مدينة موصل في شرقيّ دجلة متصل بنينوى وهو تلّ فيه مشهد يزار ، ويتفرّج فيه أهل الموصل كلّ ليلة جمعة. قيل : إنّه سمّي «تلّ التوبة» لأنّه لمّا نزل بأهل نينوى العذاب وهم قوم يونس النبيّ عليهالسلام اجتمعوا بذلك التلّ وأظهروا التوبة وسألوا الله العفو ، فتاب عليهم فكشف عنهم العذاب ، فكان عليه هيكل للأصنام فهدموه فكسروا صنمهم ، وبالقرب منه مشهد يزار قيل كان به عجل يعبدونه فلمّا رأوا إشارات العذاب الذي أنذرهم به يونس عليهالسلام أحرقوا العجل وأخلصوا التوبة. وهناك الآن مشهد مبنى محكم بناؤه ، بناه أحد الملوك من سلاطين آل سلجوق وكان من أمراء الموصل قبل البرسق وتنذر له النذور الكثيرة ، وفي زواياه الأربع أربع شمع دانات تحرز كلّ واحدة بخمسمائة رطل مكتوب عليها اسم الذي عملها وأهداها إلى الموضع. تلّ الحويصلات اكتشفت مديريّة الآثار القديمة العراقيّة بقايا قصر فسيح وهو في شمالي قصر العاشق كما أنّ في حوالي تلّ الصخر أيضا اكتشفت بقايا آثار المجالس والحدائق. قال الدكتور أحمد سوسه : من أهمّ العمارات على نهر الإسحاقي التي لا تزال آثارها شاخصة الحويصلات الواقع على الضفة اليسرى من النهر بإزاء كرخ أشناس ، وقصر العاشق على الضفة اليمنى بازاء دار العامّة دار الخليفة ، وقبّة الصليبيّة على الضفة اليمنى أيضا بازاء القصر الهاروني ، هذا عدا معسكر الاصطبلات الواقع في ذنائب مجرى النهر مقابل القادسيّة. وتوجد آثار أبنية أيضا في الموضع المعروف به تلّ الصخر الذي يقع على الضفة الشرقيّة من نهر الإسحاقي بين خرائب الحويصلات وقصر العاشق ، وتقع خرائب الحويصلات في السهل الذي على الجانب الأيسر من نهر الإسحاقي على بعد سبعة عشر كيلومترا شمالي محطة سكّة حديد سامرّاء ويرجح أنّها بقايا قصر من قصور الخلفاء في سامرّاء على الجانب الغربي من دجلة وتبلغ مساحة بناية هذا القصر حوالي تسعة عشر ألف متر مربّع ، وأمّا مساحة القصر مع حديقته وسوره الخارجي فتزيد على المائة والثلاثين ألف متر مربّع. وتوجد آثار بناية أخرى تقع غربي القصر على الضفة الشرقيّة من نهر الإسحاقي فتطلّ على القصر الذي في السهل المجاور لذا يصحّ لنا القول بأنّها جزأ من القصر. ـ إلى أن قال : ـ ويغلب على الظنّ أنّ خرائب الحويصلات هذه بقايا القصر الذي ذكر ابن سرابيون في كتابه «عجائب الأقاليم السبعة» أنّ المعتصم بناه على نهر الإسحاقي وسماّه باسم قصر الجصّ بدليل أنّ القصر بني بالحصى الممزوجة بالجصّ. أقول : تقدّم قصر الجصّ. جبابين قال في المعجم : بفتح الجيم المعجمة وبعده الباء المفتوحة وباء مفتوحة أخرى وياء ساكنة بعدها نون ، من قرى دجيل من أعمال بغداد ، وينسب إليها أحمد بن أبي غالب الجبائي. جبّا ـ بضمّ الأوّل وتشديد الثاني ـ من أعمال خوزستان ، ينسب إليها أبو علي محمّد بن عبد الوهّاب وولده أبو هاشم عبد السلام ، وهما من مشايخ المعتزلة ، ذكرهما في المراصد. وجبّا أيضا قرية من أعمال البصرة وقرية بنواحي نهروان ، وقرية قرب جزيرة هيت من جهة الفرات. الجمد قال في المعجم : الجمد ـ بالتحريك ـ قرية كبيرة البساتين والشجر والمياه ، من أعمال بغداد ، من ناحية دجيل قرب أوانا ، ينسب إليها أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن عبد الله الجمدي ، مات سنة 575. جويث قال في المعجم : جويث ـ بتخفيف الواو وفتحها ـ موضع بين بغداد وأوانا ، قرب البردان. قال جحظة : أسهرت للبرق الذي باتت لوامعه منيره وذكرت إقبال الزمان عليك في الحال النظيره أيّام عيشك بالحبيب وقربه عين قريره أيّام تحوي حيث كنت لعاشق كفا منيره ما بين حانات الجويث إلى المطيرة والحظيره فغدوت بعد جوارهم متحيّرا في شرّ جيره من باذل للعرض دون البذل للصلة اليسيره وبمخرق يصف السماح ونفسه نفس فقيره ومن الكبائر ذلّ من أضحت له نفس كبيره حربى يعرف اليوم بجسر حربى. قال في المعجم : حربى ـ مقصورة ـ وهي بليدة في أقصى الدجيل بين بغداد وتكريت مقابل الحظيرة ، تنسج فيها الثياب القطنيّة الغليظة وتحمل إلى سائر البلاد ، وقد نسب إليها قوم من أهل العلم والنباهة. لقد نشرت دائرة الآثار القديمة مقالة في خصوص جسر حربى وقالت : يقع الجسر المعروف بين الناس باسم جسر حربى على بعد تسعين كيلومترا من مدينة بغداد وشمالا على الطريق المؤدّي إلى سامرّاء فتكريت ، بالقرب من قصبة بلد ومحطّتها ، وهو مشيّد على مجرى نهر الدجيل باتجاه الشمال الجنوب تماما ، يستند هذا الجسر القديم على أربع قناطر ، فتحة كلّ واحدة من القنطرتين الجانبتين خمسة أمتار وخمسون سنتيما ، وفتحة كلّ واحدة من الوسطتين خمسة أمتار وثمانون سنتيما ، وينفتح بين هذه القناطر الأربع ثلاث روازين ، فتحة كلّ واحدة منها نحو متر ونصف ، فيبلغ طول الجسر العام أربعة وخمسين متراكما أنّ عرضه أحد عشر مترا وثمانون سنتيما. وإنّ ثلاثة من قناطر الجسر مردومة بالأتربة في الحالة الحاضرة حتّى أصول أقواسها. وواحدة منها فقط محافظة على قسم من عمقها ، فهي تكون المجرى الوحيد الذي تجري سيول نهر الدجيل من حين إلى حين. وإنّ الجسر بأجمعه مشيّد ومعقود بالآجر غير أنّ آجر الرصف ليست مفروشة بصورت أفقيّه بل مغروزة بصورة شاقوليّة ومرتّبة على شكل صلب السمك كالأرصفة التي تشاهد في بعض المدن والمعابد البابليّة القديمة. وكتابة الجسر تمتدّ على جبهتيه على شكل نطاق بديع وهي أهمّ الميزات التي يمتاز بها هذا الجسر ، والتي مجموع طولها مائة متر. وهذه الكتابة أيضا مكوّنة من الآجر غير أنّها ليست منقوشة بطريقة حفر سطوح الآجر بل إنّها مكوّنة بطريق غرز ورصف عدد كبير من قطع الآجر بمهارة فائقة. وإنّ هذه القطع المقصوصة والمنجورة بأبعاد وأشكال مختلفة مغروزة على أكبازة حسب تعبير البنّائين على أن تبرز حافاتها عن أرضيّة الأفريز بروزا كافيا ، ولذلك تكون بمجموعها كتابة يعدّ بديعة بحروفها وحركاتها وزخارفها ، وإنّ أرضيّة الكتابة نفسها لم تكن ملساء بل هي أيضا مؤلّفة من قطع مزخرفة بزخارف هندسيّة. ولا حاجة لبيان أنّ زخرفة الأرضيّة بهذه الصورة كيف تزيد في بروز الكتابة وبداعتها ، كما أنّ الطلال التي تكون بجوانب القطع الناتئة تضاعف هذه البروز وهذه البداعة ، ويشبه بذلك كتابة المستنصريّة ببغداد غير أنّ فيها لم يبق شيء من تلك الكتابة سوى بعض القطع التي تعلو الجدار المطلّ على السوق. أمّا الإطار الذي يحيط بالكتابة فهو مؤلّف من قطع آجر منقوشة وأمثال هذه النقوش تشاهد في المدرسة المستنصريّة وفي سقف إحدى الحجرات المتّصلة بالسقيفة في مسجد الكوفة. ونصّ الكتابة في الجبهة الغربيّة : «بسم الله الرحمن الرحيم ، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ، وأقرضوا الله قرضا حسنا ، وما تقدّموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خير وأعظم أجرا ، واستغفروا الله إنّ الله غفور رحيم ، الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرّا وعلانية فلهم أجرهم عند ربّهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا. أمر بإنشاء هذه القنطرة المباركة تقرّبا إلى الله الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا وطلبا للفوز بجنّات الفردوس التي أعدّها للذين آمنوا وعملوا الصالحات نزلا سيّدنا ومولانا الإمام إمام المسلمين ووارث الأنبياء والمرسلين ، خليفة ربّ العالمين ، وحجّته البالغة على الخلائق أجمعين». ونصّ الكتابة في الجبهة الشرقيّة فهو كما يلي : «الذي أمدّ الله تعالى نصره وأفرض طاعته ... واختصّه بجليل يعجز عنه حصر العادين ، أبو جعفر المنصور المستنصر بالله أمير المؤمنين. مكّن الله له في أرضه تمكين الوارثين ، ورفع مقدّس أعماله الصالحات إلى علّيّين ، ونشر بعدالته الزاهرة في آفاق الأرضين ، وأوضح للخلق بولايته سبيل الرشاد ومنهج الحقّ المبين ، ابن الإمام السعيد البرّ التقي أبي نصر محمّد الظاهر بأمر الله ، ابن الإمام السعيد الزكي أبي الحسن محمّد المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين ، ووارث الخلفاء الراشدين الذين قضوا بالحقّ وبه كانوا يعدلون ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وذلك في سنة تسع وعشرين وستّمائة ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد النبيّ وآله الطاهرين وسلامه». بلدة حربى سمّي الجسر بهذا الاسم نسبة إلى مدينة حربى التي تقع أطلالها في الجبهة الجنوبيّة الغربيّة منه ، وكانت هذه المدينة مشهورة بالمنسوجات القطنيّة وقد ذكرها ياقوت ـ كما تقدّم ـ كما أنّ قطع الخزف التي تظهر بكثرة ما بين أنقاض الأطلال تدلّ على أنّها كانت غنيّة بمعامل الفخار في القرن الثاني عشر الميلادي ، ويظهر أنّ المدينة المذكورة كانت قديمة وكانت معروفة بنفس الاسم حتّى في صدر الإسلام ، وذلك لأنّ الطبري يصرّح بأنّ شبيبا عند ما خرج على الحجّاج عبر دجلة بالقرب من حربى. وتقع المدينة على الضفة اليسرى من الشطيط الذي كان مجرى دجلة الأصلي ، لقد تحوّل المجرى المذكور من أعلى حربى في أوائل عهد المستنصر ، وهذا التحوّل صار سببا إلى انقطاع الماء عنها وعن المنطقة المجاورة لها ، ولذلك قام المستنصر بالله بإعمال ري مهمّة لإيصال المياه إلى المنطقة التي أخذت تموت من العطش وكان نهر الدجيل من جملة تلك الأعمال والمشاريع ، والجسر يشدّ على هذا النهر لربط ضفتيه. وسنتلو عليك شيئا من أخبار المستنصر في محلّه بصورة تفصيليّة ، إن شاء الله. الحطميّة قال في المعجم : بالضمّ ثمّ الفتح وكسر الميم وياء المشدّدة ، قرية من نواحي الخالص منسوبة إلى السري بن الحطم أحد القوّاد ، والحطم في اللغة الرجل القليل الرحمة وهو من الحطم وهو الكسر. والحطميّة من الدروع الثقيلة لأنّها تكسر السيوف ، وكان لعليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه درع يقال لها الحطميّة. الحظيرة بالفتح وهي قرية كبيرة من أعمال بغداد من جهة تكريت من ناحية الدجيل ينسج فيها ثياب الكرباس الصفيق ويحملها التجّار إلى البلاد. وقال صاحب المراصد : الحظيرة قرب حربى ينسب إليها ثياب القطن التي تحمل إلى البلاد. ومن هنا يعلم أنّ أوانا والدجيل وحربى والحظيرة كلّها كانت معمورة غنيّة بمعامل المنسوجات ، على أنّها وشجت الطبيعة بأنواع الفواكه والأوراد والريحان ، وزينته بشقائق النعمان ، وكانت مسرح الريم والغزلان ، وديارات النسّاك والرهبان ، يشدّ إليها للنزهة من كلّ مكان ، واليوم أراض قفرى يستوحش الناظر إليها بعد أن كانت من متنزّهات سامرّاء. الخالص قال في المعجم : كورة عظيمة في شرقي بغداد وهو اسم محدث لم أجده في كتب الأوائل ، وإنّ نهر الخالص هو نهر المهدي. إنّ الخالص كثيرة الفواكه وكان لها قرى كثيرة منها شهربان وبعقوبا وقزلرباط ودلتاوه وغيرها. وفي الخالص رمّان قلّما يوجد في غيرها ، وينسب إليها العلّامة الشهير الشيخ مهدي الخالصي الكاظمي المتوفّى سنة 1343 بخراسان. خان الصعاليك قال في المجمع وغيره : الصعلوك الفقير الذي لا مال له. يقع هذا الخان في قبلة البلدة الحاليّة. حدّثني بعض من رآه قال : ضلع الحائط منه واقع في دار المرحوم سيّدنا المجدّد الميرزا محمّد حسن الشيرازي رحمهالله ، وكان عرض الحائط مترين. قال : ووجدوا أثر الحائط ممتدّا إلى قبالة الصحن الشريف. وخربت سامرّاء بأجمعها غير الخان المشار إليه لأنّه كان في محلّة العسكر ، وتنزل فيه القوافل إلى أن توفّي الإمام عليّ الهادي عليهالسلام فنزل فيه الزائرون ، وإليه الإشارة بقوله عليهالسلام : «تخرب سامرّاء حتّى لا يبقى منها إلّا خان وبقال للمارّة». وهو الذي أنزل فيه المتوكّل الإمام عليّ الهادي عليهالسلام حين أجلاه من المدينة كما رواه الكليني عن صالح بن سعيد قال : دخلت على أبي الحسن الهادي عليهالسلام فقلت : جعلت فداك ، في كلّ الأمور أرادوا إطفاء نورك والنقص بك حتّى أنزلوك هذا الخان الأشنع «خان الصعاليك». فقال : ها هنا أنت يابن سعيد؟ ثمّ أومى بيده فقال : انظر ، فنظرت فإذا أنا بروضات أنيقات (1) وروضات باسرات (2) فيهنّ خيرات عطرات وولدان كأنّهم اللؤلؤ المكنون ، وأطيار وظباء ، وأنهار تفور ، فحار بصري ، وحسرت عيني ، فقال : حيث كنّا فهذا لنا عتيد (3) لسنا في خان الصعاليك. ومثله في الاختصاص وبصائر الدرجات وغيرها. خان صعاوية يقع في شرقيّ سامرّاء ، يبعد عنها نحو ثمانية عشر كيلومترا. قال في القاموس : ابن أبي الصعاوي محدّث ، ويحتمل أنّ من اسمه صعاوي بني الخان المذكور. __________________ (1) الأنيق المعجب الحسن. (2) باسرات أي طربات. (3) أي حاضر مهيّأ. الخصّى قال في المعجم : بضمّ أوّله وتشديد ثانيه مقصور ، قرية كبيرة في طرف الدجيل بين حربى وتكريت ، وقد ذكرها الشعراء الخلعاء والمحدّثون ، فمن ذلك : خصّا بخصّا سلامي كلّ مخمور بين الدنان طريحا والمعاصير قوم إذا نفح الناي الطويل لهم قاموا كما قامت الأجداث للصور دلتاوة حديث البناء ـ بكسر الدال وسكون اللام وفتح التاء والواو ـ قرية كبيرة قضاء أهلها شيعة إماميّة ، وهي كثيرة البساتين ، واسعة الفواكه ، متكاثفة النخيل ، ماؤها من نهر ديالة ، بها مقبرة يزعمون أنّها ليوسف بن الحسن المثنّى ابن الإمام الحسن ابن عليّ عليهماالسلام وهي من قرى الخالص. دور معروف عند أهل سامرّاء بالدر ، يقع في الشمال الشرقي من المدينة الحاليّة ، بينه وبين سامرّاء ستّة فراسخ ، وبها قبر السيّد محمّد الدوري ، يزعم أهل سامرّاء أنّه من أولاد موسى بن جعفر عليهماالسلام ، وليس لهم دليل تاريخيّ يشهد بذلك بل خلافه ثابت. قال الحموي في حرف الدال : وأمّا دور سامرّاء ينسب إليها محمّد بن فروخان بن روزبه أبو الطيب الدوري ، حدّث عن أبي خليفة وغيره أحاديث منكرة. روى عن الجنيدي حكايات في التصوّف ، وهذا يدلّ على أنّه من مشايخ الصوفيّة ، ويدلّ أيضا على أنّه من أولاد العجم ؛ لأنّ العرب لا تسمّي باسم فروخان ولا باسم روزبه ، لأنّهما لفظان فارسيّان ، ومثل ذلك في التهذيب لابن حجر العسقلاني. فالمدفون ليس من أولاد موسى بن جعفر عليهالسلام كما زعمه بعض أهالي سامرّاء مستندين على كتابة حجر على مقبرته لأنّ الكتابة مستحدثة ولم يبعد أنّها من حيل السدنة. درب الحصا اسم موضع في سامرّاء كما في شعر أبي هاشم الجعفري الآتي ذكره : بدرب الحصا مولى لنا يختم الحصا له الله أصفى بالدليل وأخلصا وأعطاه آيات الإمامة كلّها كموسى وفلق البحر واليد والعصا وما قمّص الله النبيّين حجّة ومعجزة إلّا الوصيّين قمّصا دور تكريت قال في المعجم : دور اسم لمواضع منها دور تكريت وهو بين سامرّاء وتكريت. ومنها دور جيل ؛ وهي قرية تعرف بدور أوقر ، وهي المعروفة بدور الوزير عون الدين يحيى بن هبيرة ، بينها وبين بغداد خمسة فراسخ ، ولبني الوزير بها جامع ومنارة. ومنها قرية قرب سمسياط. ومنها قرية قرب بغداد تسمّى دور حبيب من أعمال الدجيل. ومنها محلّة بنيسابور. ومنها قرية قرب الأهواز وهي قرية مشهورة. دجلة سامرّاء سيأتي بصورة تفصيليّة. دجيل يعروف اليوم باسم سميكة دجيل ، مصغّر لدجلة في شرق سامرّاء ، يمرّ عليه القطار الممتدّ إلى سامرّاء ، وهي قرية صغيرة أهلها شيعة إماميّة ، وكانت مدينة كبيرة ذات قرى كثيرة. قال في المعجم : دجيل اسم نهر في موضعين أحدهما مخرجة من أعلى بغداد بين تكريت وبينها مقابل القادسيّة دون سامرّاء ، فيسقي كورة واسعة وبلادا كثيرة منها أوانا وعكبرى والحظيرة وصريفين ومسكن وغير ذلك ، ثمّ تصبّ فضلته في دجلة أيضا. ومن دجيل هذا مسكن التي كانت عندها حرب مصعب بن الزبير ومقتله. ودجيل الآخر نهر بالأهواز حفره أردشير بن بابك أحد ملوك الفرس. وقال حمزة : كان اسمه في أيّام الفرس «ديلدا كودك» ومعناه دجلة الصغيرة ، فعرب على دجيل ومخرجه من أرض اصبهان ومصبّه في نهر فارس قرب عبّادان ، وكان عند دجيل هذا وقايع للخوارج وفيه غرق شبيب الخارجي هو الذي خرج على عبد الملك ابن مروان وهو شبيب بن يزيد بن نعيم الشيباني وكان رجلا شجاعا فاتكا غرق في دجلة سنة 77 من الهجرة بعد أن حارب عساكر الحجّاج بن يوسف محاربة شديدة. وقال في المراصد في حرف الدال عند ذكر دير الجاثليق : دير قديم البناء من طسوج مسكن من نواحي دجيل وعنده كانت الحرب بين عبد الملك بن مروان ومصعب بن الزبير ، وقتل مصعب بقربه وقبره ظاهر عليه مشهد وقبّة يقصد لزيارته. وجاء في كتاب مشكاة الأدب من ناسخ التواريخ الفارسي : إنّ إبراهيم بن مالك قتل هناك ـ يعني إنّ إبراهيم بن مالك الأشتر النخعي قتل عند دير الجاثليق ـ وأحرق بنو أميّة جثّته الشريفة بالنار في سنة سبع وستّين من الهجرة ، وقبره بنواحي دجيل عليه قبّة من الجصّ والآجر معروف عند الناس بمرقد إبراهيم بن مالك ، وهذا غير مستبعد لأنّ هناك مقتله وغير بعيد أنّ بعض المحبّين جمع عظامه الشريفة ودفنها في ذلك الموضع. وكان إبراهيم كأبيه مالك الأشتر في الشجاعة والبسالة والعلم والتقى والعبادة ، ذكره القاضي في مجالسه وغيره ، وقتل عدّة كثيرة من قتلة الحسين عليهالسلام منهم عبيد الله ابن زياد وأصحابه ، ولقد استوفينا أخباره مع المختار في كتابنا فرسان الهيجاء وهو مطبوع. قال ابن الأثير الجزري في الكامل : لمّا قتل المختار أرسل إليه عبد الملك بن مروان ودعاه إلى بيعته وكتب له ولاية العراق فأبى وامتنع ولحق بمصعب. ثمّ قتل إبراهيم في جمادى الآخرة سنة 67 من الهجرة ، قتله عبيد بن ميسرة مولى بني عذرة وحمل رأسه إلى عبد الملك. وقال مصعب : وا إبراهيماه ولا إبراهيم لي اليوم. رقّة سامرّاء يعرف باسم الركّة ، بينها وبين سامرّاء ثلاثة فراسخ ، وعندها تنزل عشيرة «البو عبّاس» من أبناء العامّة ، ومهنتهم الزراعة ، وبقربها أمّ الطلاب ، وبشرقيّها ينتهي إلى خان مشاهد وغربيّها ينتهي إلى حويصلات وهي مجمع الطعام على ما قيل ، ولها أراض ليّنة طيّبة سهلة قابلة للزراعة. والرقّة اسم لمواضع أخر. قال في المعجم : الرقّة البستان المقابل للتاج من دار الخليفة ببغداد ، وهي الجانب الغربي وهو عظيم جدّا ، جليل القدر. والرقّة أيضا مدينة مشهورة على الفرات ، بينها وبين مدينة حرّان ثلاثة أيّام ، معدودة من بلاد الجزيرة لأنّها من جانب الفرات الشرقي ، وكان بالجانب الغربي مدينة أخرى تعرف برقّة واسط ، ورقّة كلّ أرض إلى جنب واد ينبسط عليها الماء وجمعها رقاق. وقيل : الرقّة رقّتان : رقّة البيضاء وهي من بلاد الجزيرة. قال سهل بن بني عدي فيه : وصادمنا الفرات غداة سرنا إلى أهل الجزيرة بالعوالي أخذنا الرقّة البيضاء لمّا رأينا الشهر لوح بالهلال وأزعجت الجزيرة بعد خفض وقد كانت تخوّف بالزوال
والرقّة السوداء ، وهي قرية كبيرة ذات بساتين كثيرة متّصلتان ، وبهذا المعنى يصحّ أن تسمّى جميع أراضي العراق بالرقّة لأنّه ينبسط عليها الماء وهي قابلة لأنواع الكروم والزروع والنخيل وغيرها. وفي رقّة سامرّاء كثيرا ما توجد آثار عتيقة ويرشدنا لذلك أنّ المدينة التي هناك كانت مهنة أهلها صنع أواني الفخار ويطلون بعضها طلاء ذا ألوان بهيّة مختلفة الأشكال ، منقوشة بنقوش بديعة. ومنها نماذج في متحف سامرّاء الحاليّة. ومعمل الفخار لم يكن مختصّا بسامرّاء ونواحيها بل في جميع العراق كان شايعا كما جاء في تاريخ الحيرة. بل كان أيضا فيها معامل المنسوجات ، وكانت العراق غنيّة بها. قال : مدينة تشتهر في التاريخ بزهوها وقصورها وعماراتها وديوراتها ، وبأبّهة ملوكها فضلا عن السوق التجاريّة ، واشتغالهم بالفلّاحة والزراعة وتربية الماشية ، وكانوا ينسجون القزّ والكتّان والصوف ، وكان قماشهم أحيانا موشّى بالقصب ، أو مطرّزا بخيوط الذهب ، وجباب أطواقها الذهب ، وكانوا يصنعون لوازم العمارة من الحديد كالباب الحديدي الذي كان موضوعا على دير الأسكون وشكات السلاح والسيوف والسهام ، ونصال الرماح ، وغيرها ممّا كان يتّخذ أسلحة لكتائب الجيش ، وكانوا يصوغون الذهب والفضّة ويرصّعونها بالجوهر. ساحة الفروسيّة جاء في كتاب الآثار العراقيّة (1) : إنّ الخرائط الطوبوغرافيّة الدقيقة والصور الجويّة الجيّدة تظهر في السهل الذي تقع شمال المسجد الجامع شكلا غريبا جدّا ، وهو يتكوّن من حيث الأساس من اجتماع أربع حلقات كبيرة حول مربّع مركزي ، __________________ (1) الآثار العراقيّة : 62.
| |
|
| |
الشيخ شوقي البديري الشيخ شوقي البديري
عدد المساهمات : 2973 نقاط : 4624 تاريخ التسجيل : 17/06/2012 العمر : 59 الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق
| موضوع: رد: ماثر الكبرى في تاريخ سامراء ج1 الجمعة أكتوبر 25, 2024 6:00 am | |
| وإنّ الخرائط الانكليزيّة التي لاحظت هذه الأشكال المنحنية وتبيّنتها بمساحاتها اعتبرتها آثار حديقة زينته فسيحة الأرجاء غير أنّ التنقيبات الاستكشافيّة التي قامت بها مديريّة الآثار القديمة أثبتت خطأ هذا الظنّ وبعد هذا التفسير عن الحقيقة لقد تبيّن أنّ هذه المنحنيات تتكوّن عن طوقين متوازيين يدوران بهذا الشكل الجميل تاركين بينهما ساحة عرضها ثمانون مترا ، تلتوي حول المربّع المركزي أربع مرّات دون أن تنقطع من أي محل كان والمربّع المركزي المبحوث عنه يكون دكّة مرتفعة تظهر عليهما آثار بناية من الآجر ، ولا يوجد داخل هذه الساحة أو حواليها شيء يشبه قنايا المياه يسوغ فرضيّة حديقة الزينة ، فمن الضروري توجيه الفكر إلى افتراض آخر غير الحديقة. ومن المعقول اعتبار الدوائر المذكورة كساحة فروسيّة أو حلبة سباق أنشئت على شكل مبتكر بديع فنستطيع القول أنّ الدكّة كانت معدّة لجلوس الخليفة وتفرّجه مع وزرائه وأمّا الساحة الممتدّة بين الدائرتين المتوازيتين الملتوية حول الدكّة المبحوث عنها فكانت معدّة لركض الخيول وتسابقتها. وأمّا الغرض من هذا الترتيب فيمكن أن يتبيّن من الملاحظات التالية أنّ طول الدورة الكاملة في هذه الدوائر المتتالية يزيد على خمسه كيلومترات في حين أنّ البعد الأعظم عن الدكّة المركزيّة على طول هذه الدورة يقلّ عن ستّمائة متر فيستطيع المتسابقون أن يقطعوا في هذه الساحة خمسة كيلومترات أو أضعافها دون أن يتباعدوا عن أعين الخليفة أكثر من ستّمائة متر في جميع الأحوال. وممّا يقوّي هذه الفرضيّة أنّ هذه الدوائر تقع في نفس المنطقة التي تشاهد فيها معالم حلبتين واضحتين وأنّ الرسم الفوتوغرافي يري موضع هذه الدوائر بالنسبة إلى الحلبة التي تبدأ من خلف بيت الخليفة من جهة ، والتي تبدأ من تلّ العليق من جهة أخرى هي التي تمتدّ خلف بيت الخليفة تزيد طول دورة هذه الحلبة على عشرة كيلومترات ويبلغ بعده الأعظم عن الدكّة أربعة كيلومترات ونصف. إنّ طول الدورة كان يساعد على سباقات كبيرة غير أنّ الخيول كانت تتباعد عن الدكّة في هذه الحلبة تباعدا. إنّ أوضاع هذه الحلبات الثلاث تسوغ الافتراض التالي ويظهر أنّ أقدم هذه الحلبات كبيرا لا يترك مجالا لتتبع حركاتها ، وأمّا الحلبة التتبّع حركاتها ، وأمّا الحلبة التي تبدأ من تلّ العليق فليست واضحة المعالم إلّا في قسمها الأوّل ، ومع هذا فإنّ اتّجاه هذا القسم كاف للحكم على أنّ هذه الحلبة كانت طويلة جدّا ، وطبيعيّ أنّ علوّ التلّ كان يساعد على تتبّع حركات الخيول في هذه المسافات الكبيرة غير أنّ ذلك كان ممّا يتطلّب جهدا كبيرا وانتباها شديدا. وأمّا الساحة الفروسيّة التي وصفنا شكلها البديع فيظهر أنّها استحدثت بعد ذلك أيضا بغية إيجاد حلبة سباق يبقى المتسابقون فيها تحت النظر على الدوام. وبعد ما أنشد البحتري في وصف الحلبة من أرقى شعره ، فقال وهو يمدح المتوكّل : يا حسن مبدى الخيل في بكورها تلوح كالأنجم في ديجورها كأنّما أبدع في تشهيرها مصوّر حسن من تصويرها تحمل غربانا على ظهورها أهووا بأيديهم إلى نحورها كأنّها والحبل في صدورها أجادل تنهض في سيورها مرّت بتاري الريح في مرورها والشمس قد غاب ضياء نورها في الرهج الساطع من تنويرها حتّى إذا أصغت إلى مديرها وأنفلت تهبط في حدودها تصوّب الطير إلى وكورها صار الرجال شرفا لسورها أعطى فضل السبق من جمهورها من فضل الأمّة في أمورها في فضلها وبذلها وخيرها .. الخ شقرة يعرف باسم شكره عند أهالي سامرة ، يبعد عنها نحو فرسخين غربا. قال في المراصد : الشقرة ـ بضمّ الشين ـ اسم مكان. طارميّة وفي ريّ سامرّاء (1) قال : اصطلاح «طارميّة» مشتقّ من الكلمتين «طغار» و __________________ (1) ريّ سامرّاء 1 : 178. «مأة» ومعناهما أنّ الأرض في هذه المنطقة كانت تنتج حاصلا يساوي مأة طغار ، مقابل كلّ طغار واحد من البذر الذي يبذر في تلك الأرض. وإنّ الطارميّة لا تزال تتجمّع فيها المياه في موسم الأمطار. إلى أن قال : وكانت المياه تتجمع في بحيرة الطارميّة إلى عمق حوالي خمسة أمتار وكانت مساحة الأراضي التي تغمر بمياه الفيضان في بحيرة الطارميّة حوالي سبعين كيلومتر مربّعا. ولمّا زار فيلكس جونس هذه المنطقة في ربيع سنة 1850 ميلادي كانت كرة الطارميّة مملوة بالماء فارتوى هو وقافلته منها. أقول : وفي أرجائها ونواحيها كرة الزهيري ، والشطيطة سدّ نمرود القديم ، تلّ مسعود ، تلّ جبّارات ، مدينة العلث ، دجيل حظيرة وبلد حربى ، تلّ عابر ، تلّ الصخر ، عرقوب الحسينيّة ، تلّ الذهب ، تلول الحير ، قرية باحمشا ، مسكن العوار الصغير ، العوار الكبير ، عكبرا ، أوانا ، بصرى ، البصيرة ، خان المشاهده ، الراشديّة ، الداوديّة ، البردان ، تلّ بدران ، التاجي ، بزرجسابور ، المناريّة ، تلّ صنكر ، سراجى ، قبّة الشيخ ، جادر ، تلّ رم صابح. وطارميّة تقع في شرقيّ سامرّاء من نواحي دجيل ، وبها مقبرة الشيخ جميل. جاء في كتاب تنقيح المقال في علم الرجال للعلّامة المامقاني في ترجمة جميل بن درّاج : نقل ثقة عن خبير ثقة أنّ قبر جميل بن درّاج في الطارميّة على دجلة فيما يحاذي دجيل ، ويسمّى الآن السميكة ، وأنّ هناك قبرا وقواما ويسمّى قبر الشيخ جميل بن الإمام موسى الكاظم عليهالسلام وهو قبر جميل بن درّاج ، انتهى. فإن كان هو الحق فلا شكّ في استحباب زيارته لأنّ جلالة الرجل وثقته وكونه ممّن اجتمعت العصابة عليه من المسلمات بين أهل الفن ، وذكره عامة أرباب الرجال بكلّ جميل ، وجاء في تنقيح المقال أيضا (أبو الصبيح جميل ابن درّاج أبو علي عبد الله النخعي) عدّه الشيخ في الفهرست من أصحاب الصادق عليهالسلام وله أصل وهو ثقة وجه الطائفة روي عن أبو عبد الله وأبي الحسن موسى بن جعفر عليهالسلام وأخذ عن زرارة وأخوه نوح بن دراج القاضي ، وعمي في آخر عمره ومات في أيّام الرضا عليهالسلام. وروى الكشي روايات دالّة على عظم شأنه ومدحه وهو ممن اجتمعت العصابة عليه وإن كان غيره فلا نعرفه ولم يكن لموسى بن جعفر عليهالسلام ولد يسمّى به جميل. طيرهات إليها كانت تضاف سامرّاء. وقال : سامرّاء إلى م تضاف؟ ومن أيّ بلاد هي؟ قيل له : من بلاد طيرهات وإليها تضاف ، ولعلّها كانت عاصمة كبيرة ثمّ اندرست وانطمست آثارها كما اندرس نحو أنقرة والأنبار وامغيشيا وبارق وآليس والبردان والحظيرة وبقّة والخص ورامح والسكرة وصريفين والعال وأوانا وعكبرى وحربى وعلث والقادسيّة وغيرها ، فإنّ هذه الأماكن كلّها كانت معمورة ، واليوم لا ترى فيها إلّا الصدى والبوم. عسكر تقدّم إنّه اسم من أسماء سامرّاء نزل بها عسكر المعتصم ثمّ صارت محلّة من محلّاتها نزل بها الإمامان عليّ الهادي والحسن العسكري عليهماالسلام فسمّيا بالعسكريّين وفيه دفنا وكان العسكر محلّة لبني هاشم. عظيم اسم واد في شرقيّ سامرّاء يبعد عنها نحو ستّة فراسخ عندها بيوت لبعض الأعراب الفلّاحين. علث قال في المعجم : العلث ـ بفتح أوّله وسكون ثانيه وآخره ثاء مثلّثة ـ وهي قرية على دجلة بين عكبرى وسامرّاء. وذكر الماوردي في الأحكام السلطانيّة أنّ العلث قرية موقوفة على العلويّين وهي أوّل العراق في شرقيّ دجلة وفيها يقول أحمد بن جعفر جحظة البرمكي : وحانة بالعلث وسط السوق نزلنها وصادني رفيقي على غلام من بني خليق بكلّ فعل حسن خليق
فجاء بالجام وبالابريق أما رأيت قطع العقيق أما رأيت شفق البروق أما شممت نكهة المعشوق ما أحسن الأيّام بالصديق على صبوح وعلى غبوق إن لم يحل ذاك إلى التفريق وزاد في ريّ سامرّاء (1) : وقريب من هذا ما كتبه ابن عبد الحقّ في المراصد ، قال : والعلث قرية على دجلة بين عكبرا وسامرّاء وموقوفة على العلويّين كانت في شرقي دجلة وهي الآن ـ سنة 839 هجري ـ من عمل دجيل على الشطيطة. وكان إلى جانب مدينة العلث دير يعرف باسم «دير العلث» وهو الذي امتدحه الشابشتي فقال عنه فيما قاله : وهذا الدير راكب على دجلة وهو من أحسن الديارات موقعا وأنزهها موضعا يقصد من كلّ بلد ويطرقه كلّ أحد ، ولا يكاد يخلو من منحدر ومتعمّد ، ومن دخله لم يتجاوزه إلى غيره لطيبه ونزهته ووجود جميع ما يحتاج إليه بالعلث كما تقدّم في دير علث. __________________ (1) ريّ سامرّاء 1 : 184. وقال (1) : ما زالت خرائب العلث الواسعة تشاهد على مسافة حوالي سبعة كيلومترات من شمالي غربي مدينة بلد الحاليّة وقد حافظت على اسمها القديم حتّى اليوم فهي لا تزال تسمّى أطلالها بالعلث كما أنّه لا يزال يسمّى سكنة هذه المنطقة علثاويين ، وتمتدّ خرائب العلث هذه على طول الضفة البريّة لمجرى دجلة القديم. ويوجد شرقي خرائب العلث المذكورة على بعد حوالي ثلاثمائة متر منها تقريبا تلّ مدوّر الشكل يسمّى تلّ صنكر ، يرجح أنّه جزء من خرائب العلث بعد أن تحوّل مجرى دجلة عنها. وممّا يدلّ على استمرار ازدهار مدينة العلث بعد تحوّل مجرى دجلة عنها أنّ المستنصر كان يمضي إلى العلث قرية من دجيل ، بينها وبين بغداد مسيرة يومين حتّى يزور إسحاق العلثي الحنبلي. ثمّ دجله أهلكته بمدودها حتّى لم يبق منه أثر. عكبرى قال في المعجم : بفتح أوّله وسكون ثانيه وفتح الباء الموحّدة بعدها راء مقصورة بليدة من ناحية دجيل ، بينها وبين بغداد عشرة فراسخ ، وكانت عكبرى من الجانب الشرقي على شاطئ دجلة فلمّا تحوّلت دجلة إلى الشرق صارت دجلة تحتها تسمّى الشطيطة ، وخربت وانتقل أهلها إلى أوانا وغيرها. وينسب إليها العلم الأكبر ، إمام الشيعة وأستاذهم ، الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن نعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد رحمة الله عليه. الغواضر اسم موضع قرب سامرّاء. قال في القاموس : الغضارة الطين اللازب الأخضر الحرّ ، والغضراء الأرض الطيّبة وأرض فيها طين حرّ ، والغضيرة أرض لا ينبت __________________ (1) نفسه : 183. فيها النخل حتّى تحفر ، والغضور كجهور طين لزج وشجر وماء لطيّ. والغضرة نبت. الغواضر جمع الغاضرة ، ولعلّ اتصاف تلك الأراضي بهذه الأوصاف كان سببا لتسميتها بها لطيب ترابها وكثرة نباتها. القادسيّة قال في المعجم : قرية كبيرة من نواحي دجيل ، بين حربى وسامرّاء ، يعمل بها الزجاج ، على بعد ثمانية كيلومترات من جهة الجنوب ، وفي هذه القادسيّة يقول جحظة البرمكي : إلى شاطئ القاطول بالجانب الذي به القصر بين القادسيّة والنخل وجاء في كتاب الآثار العراقيّة القديمة (1) : إنّه سور عظيم يحيط بساحة مثمّنة الشكل ، يبلغ معدّل طول كلّ ضلع من أضلاعها ستّمائة وثلاثين مترا ، وتقع القادسيّة بين نهر القائم ونهر دجلة ، وفي طرفيها نهران مشتقّان من القائم يصلان بينه وبين دجلة ، والسور مبنى باللبن ومدعوم بسلسلة أبراج يبلغ عددها المائة والأربعين ، ويشاهد داخل ضلعها الجنوبي سلسلة غرف ذات عقادات مدبّبة كما يشاهد في وسطها معالم بعض البنايات. ويظنّ أنّ القادسيّة هي المدينة التي شرع في إنشائها المعتصم عندما أراد إنشاء عاصمته الجديدة التي عدل عن إتمامها وانصرف عنها عند ما شاهد موقع سامرّاء ، كما جاء ذكره في كتاب اليعقوبي. والقادسيّة السفينة العظيمة أيضا. والقادسيّة بينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخا ، وبينها وبين العذيب أربعة أميال. قيل : سمّيت القادسيّة بقادس هرات. وقال المدائني : كانت القادسيّة تسمّى قدسيّا. __________________ (1) الآثار العراقيّة : 72. وروى ابن عيينة قال : مرّ إبراهيم الخليل عليهالسلام بالقادسيّة فرأى زهرتها ووجد هناك عجوز فغسلت رأسه فقال لها : قدّست من أرض ؛ فسمّيت القادسيّة. وبهذا الموضع كان يوم القادسيّة بين المسلمين والفرس في سنة عشرين من الهجرة ، وكان من أعظم وقايع المسلمين وأكثرها بركة. وقال ابن الكلبي : إنّما سمّيت القادسيّة لأنّ ثمانية آلاف من ترك الخزر كانوا قد ضيّقوا على كسرى بن هرمز وكتب قادس هرات إلى كسرى أن أكفيك معونة هؤلاء الترك تعطيني ما أحتكم عليك؟ قال : نعم ، فبعث النريمان إلى أهل القرى : إنّي سأنزل عليكم الترك فاصنعوا ما آمركم ، وبعث النريمان إلى الأتراك وقال لهم : شتّتوا في الأرض العام ففعلوا وأقبل منها ثمانية آلاف في منازل أصحابه بهرات فبعث النريمان إلى أهل الدور وقال : ليذبح كلّ رجل منكم نزيله الذي نزل عليه ثمّ يغدو إلى بسبلته ففعلوا ذلك فذبحوهم عن آخرهم وغدوا إليه بسبلاتهم فنظمها في خيط وبعثها إلى كسرى وقال : قد وفيت لك فأوف لي بما شرطت عليك ، فبعث إليه كسرى أن أقدم عليّ فقدم إليه النريمان ، فقال له كسرى : احتكم ، فقال له النريمان : تصنع لي سريرا مثل سريرك ، وتعقد على رأسي تاجا مثل تاجك وتنادمني من غدوة إلى الليل ، ففعل ذلك به ، ثمّ قال : أوفيت؟ قال : نعم. فقال له كسرى : لا والله ، لا ترى هرات أبدا فتجلس بين قومك وتحدّث بما جرى ، وأنزله موضع القادسيّة ليكون ردّا له من العرب ، فسمّي الموضع القادسيّة بقادس هرات. قال في مراصد الاطّلاع : قادسيّة إنّما في الجانب الشرقي من دجلة من سامرّاء وليست من نواحي دجيل. فتح القادسيّة قال أهل السير : أوّل من غزا أرض العراق من المسلمين المثنّى ابن حارثة الشيباني ، والآخر سويد بن قطبة العجلي ، فأقبلا حتّى نزلا فيمن نزل ، اجتمعوا بتخوم الأرض من أراضي العجم فكانا يغيران على الدهاقين فيأخذان ما قدرا عليه ، وكان المثنّى يغير من ناحية الحيرة ، وسويد من ناحية الأبلة ، وذلك في خلافة أبي بكر إلى أن أرسل أبو بكر خالد بن الوليد في سنة اثنتي عشرة من الهجرة ، فسار خالد حتّى نزل ببانقيا وصالح أهلها ثمّ أقبل حتّى دنا من الحيرة فصالحهم على تسعين ومائة ألف درهم ، وهذا الصلح لم يدم طويلا لأنّ الحكومة المركزيّة الفارسيّة علمت بالأمر وجيّشت الجيوش لمحاربة الفاتحين ، فانسحب خالد بن الوليد. ولمّا ولي عمر بن الخطّاب لم يكن له همّ إلّا العراق ، فقعد لأبي عبيدة بن مسعود على جيش وأمره بالمسير إلى العراق ، فساروا حتّى نزلوا الثعلبيّة وزحف عليهم العجم فرشقوهم بالنشّاب حتّى كثرت في المسلمين الجراحات وقتل في هذه الوقعة أبو عبيدة ، وكانت هذه الوقعة في رمضان سنة 13 ، ثمّ أرسل عمر جيشا وولّى عليهم جرير بن عبد الله البجلي فسار حتّى وافى الثعلبيّة ثمّ سار حتّى نزل دير هند فتقاتل الفريقان وكانت النصرة للمسلمين. ثمّ أرسل عمر جيشا إلى العراق في سنة 14 بقيادة سعد بن أبي وقّاص ومات المثنّى قبل وصول سعد ، فسار سعد بن أبي وقّاص في ثلاثين ألف فارس من بجيلة ونخع وشيبان وربيعة وأخلاط العرب ، فنزل في الحيرة البيضاء وضرب خيامه بظاهرها وأضاف إليه جميع العرب وهم من العراق في ثمانين ألفا ، فأرسل رسولا إلى النعمان بن المنذر صاحب الحيرة فعرض الرسول إحدى الثلاث : الإسلام أو الجزية أو الحرب ، وبعد المفاوضة أجابه النعمان : ليس بيننا إلّا السيف ، فأخبر الرسول سعد بن أبي وقّاص بالجواب ، ثمّ تلاقت جيوش الفريقين واشتدّ القتال بين جيش سعد وبين جيش النعمان بن المنذر فأصيب النعمان بسنان وتجندل ، ولمّا رأى جنود الحيرة ولّوا الأدبار يريدون القادسيّة نحو جيش الفرس وفيه رستم بن اسفنديار ، واحتوى سعد ابن أبي وقّاص على قصر الخورنق والسدير وترك فيهما جميع ما أخذه في الحيرة. ولمّا رأى جيش الفرس فلول جيش النعمان ونصرة ملك العرب واستخبروا عن أخذ الخورنق والسدير والحيرة تبلبلوا ، فوقف رستم بينهم خطيبا يشجّعهم على القتال وأقبل عليه في هذه التضاعيف أبو موسى الأشعري موفدا من سعد إلى الفرس فعرض عليهم الشهادة أو الجزية أو الحرب ، وهرب في ذلك الليل من عساكر الفرس إلى المسلمين جماعة ، ثمّ تحاربت جيوش المسلمين والفرس فقتل رستم ، وانتهت هذه الحرب بانتصار المسلمين وفتحهم القادسيّة وهرب الفرس إلى المدائن مولّين الأدبار ، واستولى الفاتحون على أموالهم وذلك في سنة 20. القائم اسم موضع قرب سامرّاء يبعد عنها نحو ثمانية كيلومترات من جهة الجنوب ، والقادسيّة بينه وبين دجلة ، والقائم أيضا اسم دير كان في طريق الرقّة ببغداد لأنّ عنده مرقبا عاليا كان بين الروم والفرس يرقب عليه على طرف بين المملكتين شبه تلّ عقرقوف ببغداد ، وفيه يقول ابن المغنّي : بدير القائم الأقصى غزال شادن أحوى يرى حبّي له جسمي ولا يدري بما ألقى وأكتم حبّه جهدي ولا والله ما يخفى وجاء في مراصد الاطّلاع : القائم ثنية قرب سامرّاء ، من أبنية المتوكّل. وفي ريّ سامرّاء : يتفرّع صدر مجرى القائم من نهر دجلة في نقطته تقع على بعد حوالي 11 كيلومترا من جنوبي سامرّاء عند برج القائم الواقع على ضفته اليمنى من المجرى. ويتكوّن هذا البرج من بناء مربّع الشكل يبلغ طول ضلعه حوالي ستّة أمتار ، وارتفاعه عن الأرض المجاورة 15 إلى 20 متر ، ويقع على فم مجرى القائم تماما ، وقد سمّي في أكثر الخرائط باسم (أمام القائم) على حين أنّه لا يوجد فيه غير آثار منارة قديمة هي أقرب إلى شكل النصب التذكاري أو البرج من القبر. قبان اسم موضع قرب سامرّاء ، ووجه التسمية لعلّه من جهة كونه مكان قبّان الطعام فسمّي المحلّ باسم الحالّ. قال في المعجم : قبّان ـ بالفتح والتشديد وآخره نون ـ بوزن القبّان الذي يوزن به وهي مدينة وولاية بآذربيجان قرب تبريز وبيلغان. قباب السود بيوت لبعض الأعراب قرب سامرّاء. وفي المعجم : قباب ليث قرية قريبة من بعقوبا من نواحي بغداد ، ودير القباب من نواحي بغداد. وقال ابن الحجّاج النيلي البغدادي الإمامي : يا خليليّ صرّفا لي شرابي بين درتا (1) والدير دير القباب أسفر الصبح فاسقياني وقد كان من الليل وجهه في النقاب وانظر اليوم كيف قد ضحك الز هر إلى الروض من بكاء السحاب إنّ صحوي وماء دجلة يجري تحت غيم يصوب غير صواب اتركاني فمن يغيّر بالشيب وينعى إليّ عهد الشباب __________________ (1) درتا بالضمّ ثمّ السكون وتاء مثنّاة من فوق موضع قرب بغداد غربا ، به دير للنصارى. (المعجم)
فبياض البازي أحسن لونا إن تأمّلت من سواد الغراب ولعمري الشباب ما كان عنّي أوّل الراحلين من أحبابي قبّة الصليبيّة جاء في ريّ سامرّاء : إنّ قبّة الصليبيّة تشتمل أطلالها على بناية مثمّنة الشكل من اللبن الجصّي ، تتوسّطها قاعة مربّعة يحيف بها رواق مثمّن ، وقد أجمع الأخصّائيّون على أنّها كانت متوّجة بقبّة وقد رسم هرتسفيلد مخطّطا مفصّلا لهذه البناية كما أنّه رسم مقطعا عرضيّا. ويظنّ البعض أنّ هذه البناية كانت ضريحا لأحد الخلفاء ويرى آخرون أنّها كانت منظرة على رأس الجسر من الجهة الغربيّة وهي في نفس الوقت قبّة حرّاس الجسر نظرا لوقوعها أمام الجسر تماما. قبط قال في المعجم : قبط ـ بالكسر ثمّ السكون ـ بلاد القبط بالديار المصريّة ، سمّيت بالجيل الذي كان يسكنها. وقبط أيضا ناحيّة بسامرّاء مجمع أهل الفساد كالحانات. وقبط أيضا علم لأخي قفط بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليهالسلام. وقال في ترجمة قفط : لمّا حاز مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليهالسلام الديار المصريّة وكثر ولده أقطع ابنه قفط بالصعيد الأعلى إلى أسوان في المشرق ، وابتنى مدينة قفط في وسط أعماله فسمّيت به وهي الآن وقف على العلويّين من أيّام أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب عليهالسلام. قبيصة مخطط قبة الصليبية ـ حسب تخطيط هرتسفلد. في المعجم : القبيصة منسوبة إلى رجل اسمه قبيصة ـ بالفتح ثمّ الكسر ـ قرية من أعمال شرقي مدينة الموصل ، بينهما مقدار فرسخين. والقبيصة أيضا قرية أخرى قرب سامرّاء ذكرها جحظة البرمكي كما مرّ في العلث حيث يقول : اعدلا بي إلى قبيصة الز هراء حتّى أعاشر الرهبانا أقول : وأهالي سامرّاء يسمّونه قصيبة بتقديم الصاد فيها بيوت لبعض الأعراب. قلعة بيوت لبعض الأعراب على الضفة الغربيّة من دجلة قرب سامرّاء ، ينتهي إليه الخطّ الفرعي من السكّة الحديديّة وهي محطّة القطار ، ينزل عنه الزوّار الذين يريدون سامرّاء. وقلعة جمعه قلاع وأكثر استعمالها في لغة العجم يريدون بها السور والحصون. القرّة اسم موضع قرب سامرّاء. وفي المراصد : القرّة قرية قريبة القادسيّة ينسب إليها ذو القرّة. وفي تاريخ الحيرة (1) : القرّة قرية قرب القادسيّة ورد ذكرها في أبيات عدي بن زيد قال: أبلغ خليلي عند هند فلا زلت قريبا من سواد الخصوص موازي القرّة أو دونها غير بعيد من عمير اللصوص كرخ سامرّاء قال في المعجم : كرخ سامرّاء يقال له كرخ فيروز منسوب إلى فيروز بن بلاش ابن قباذ الملك ، وهو أقدم من سامرّاء ، فلمّا بنيت سامرّاء اتصل بها ، وكان الأتراك الأشبيليّة ينزلونه في أيّام المعتصم ، وبه قصر أشناس التركي مولى وهو موضع مدينة قديمة على ارتفاع من الأرض ، ونسب إليها جماعة من أهل العلم ، وهو اليوم في الشمال الغربي من سامرّاء الحاليّة لم يبق منه إلّا معالم خاوية وأطلال متراكمة ، وعنده بيوت من الأعراب تعرف باسم شناس عند أهالي سامرّاء. وذكر في المعجم عدّة مواضع باسم الكرخ : منها : كرخ البصرة وهي الآن خراب. ومنها : كرخ بغداد وهي عامرة إلى الآن. وقال : ولمّا ابتنى المنصور مدينة بغداد أمر أن تجعل الأسواق في طاقات المدينة أزاء كلّ باب سوق ، فلم يزل على ذلك مدّة حتّى قدم عليه بطريق من بطارقة الروم رسولا من عند الملك فأمر الربيع أن يطوف به المدينة حتّى ينظر إليها ويتأمّلها ويرى سورها وأبوابها وما حولها من __________________ (1) تاريخ الحيرة : 272. العمارة ويصعده السور حتّى يمشي من أوّله إلى آخره ويريه قباب الأبواب والطاقات وجميع ذلك. ففعل الربيع ما أمره به فلمّا رجع إلى المنصور قال له : كيف رأيت مدينتي؟ قال : رأيت بناء حسنا مدينة حصينة إلّا أنّ أعداءك فيها معك. قال : من هم؟ قال : السوقة ؛ يوافي الجاسوس من جميع الأطراف فيدخل الجاسوس بعلّة التجارة فيتجسّس الأخبار ويعرف ما يريد وينصرف من غير أن يعلم به أحد. فسكت المنصور ، فلمّا انصرف البطريق أمر بإخراج السوقة من المدينة وتقدّم إلى إبراهيم بن جيش الكوفي وخراش بن المسيّب اليماني وأمرهما أن يبنيا ما بين الصراة ونهر عيسى سوقا وأن يجعلاهما صفوفا ، ورتّب كلّ صفّ في موضعه وقال : اجعلا سوق القصّابين في آخر الأسواق فإنّهم سفهاء وفي أيديهم الحديد القاطع ، ثمّ أمر أن يبنى لهم مسجدا يجتمعون فيه يوم الجمعة ولا يدخلون المدينة. وقيل : إنّ السبب في نقلتهم إلى الكرخ أنّ دخاخينهم ارتفعت واسودّت حيطان المدينة وتأذّى به المنصور فأمر بنقلهم. فقال محمّد بن داود الأصبهاني : يهيم بذكر الكرخ قلبي صبابة وما هو إلّا حبّ من حلّ بالكرخ ولست أبالي بالردى بعد فقدهم وهل يجزع المذبوح من ألم السلخ أقول وقد فارقت بغداد مكرها سلام على أهل القطيعة والكرخ هوائي ورائي والمسير خلافه فقلبي إلى كرخ ووجهي إلى بلخ وكانت الكرخ أوّلا في وسط بغداد والمحال حولها ، فأمّا الآن محلّة مفردة في وسط الخراب وأهلها كلّهم شيعة إماميّة لا يوجد فيهم سنّي البتّة. أمّا الآن فالكرخ في وسط البلدة من أعمر بلدان العراق وأهلها شيعة إماميّة كما ذكره ، والجسران الثابتان معقودان بينها وبين بغداد الجديدة (الرصافة) في نهاية البداعة والجمال. ومنها : كرخ جدّان ـ بضمّ الجيم والدال المشدّدة ـ بليدة في آخر ولاية العراق وهو الحدّ بين ولاية شهرزور والعراق. وإلى هذا الكرخ ينسب الشيخ أبو محفوظ معروف الكرخي ابن فيروزان. وقد استوفينا الكلام في أخبار معروف وسيرته في كتابنا (السيوف البارقة في الردّ على المتصوّفة المارقة) مطبوع ، ثمّ ألّفنا أخيرا (كشف الاشتباه في أصحاب الخانقاه) فطبع في سنة 1377 وذكرنا فيه معروف الكرخي. ومنها : كرخ خوزستان مدينة وأكثرهم يقول كرخة. ومنها : كرخ عبرتا من نواحي النهروان. ومنها : كرخ ميسان كورة بسواد العراق وميسان بين البصرة وواسط فيها قبر العزير مشهور معمور. الكوير تقدّم في قصر الكوير. وآجر الكوير يضرب به المثل في سامرّاء في الكبر والضخامة. مدق الطبل يبعد عن سامرّاء نحو فرسخ شرقا ، به آثار عتيقة ، ومعالم القصور والأبنية ترشدنا إلى أنّه كانت هناك قصور شاهقة وأبنية جليلة في غاية الجمال والنزهة. عفت الرياح على محلّ ديارهم فكأنّما كانوا على ميعاد هاطري قال في المعجم : بسكون الطاء فيلقتي ساكنان وفتح الراء شمال قرية بينها وبين الجعفري الذي عند سامرّاء ثلاثة فراسخ. هذا آخر ما أردنا ذكره من الأمكنة والبقاع في سامرّاء حاضرها وماضيها حسب ما عثرنا عليه بالتتبّع ، وتقدّم كثير منها في ذكر القصور والآبار. دجلة سامرّاء ومبدؤها والبلاد التي تمرّ عليها قال في المعجم : دجلة لا تدخله الألف واللام. قال حمزة : دجلة معرّبة على ديلد ، ولها اسمان آخران وهما : أرنك روز (وكودك دريا) أي البحر الصغير. وأوّل مخرج دجلة من موضع يقال له عين دجلة على مسيرة يومين ونصف من آمد من موضع يعرف ب «هاورس» من كهف مظلم ، وأوّل نهر ينصبّ إلى دجلة يخرج من فوق شمشاط بأرض الروم يقال له نهر الكلاب. ثمّ أوّل واد ينصبّ إليه سوى السواقي والرواضع والأنهار التي ليست بعظيمة وادي الصلب وهو واد بين ميافارقين وآمد. قيل : إنّه يخرج من هاورس وهاورس الموضع الذي فيه استشهد علي الأرمني ، ثمّ ينصب إليه وادي ساتيدما ووادي الزور الآخذ من كلك وهو موضع ابن بقراط البطريق من ظاهر أرمنيّة. ثمّ ينصبّ أيضا من وادي ساتيدما نهر ميافارقين ثمّ ينصبّ إليه وادي السربط وهو الآخذ من ظهر أبيات أرزن وهو يخرج من خويث وجبالها من أرض أرمنيّة ، ثمّ توافى دجلة موضعا يعرف بتلّ فافان فينصب إليها وادي الرزم وهو الوادي الذي يكثر فيه ماء دجلة. وهذا الوادي مخرجه من أرض أرمنيّة من الناحية التي يتولّاها موشاليق البطريق ، وما والى تلك النواحي الوادي المشتقّ ينصبّ إلى دجلة وهو خارج من ناحية خلاط ، ثمّ تنقاد دجلة كهيئتها حتّى توافى الجبال المعروفة بجبال الجزيرة فينصب إليها نهر عظيم يعرف ببيرة ؛ يخرج من دون أرمنيّة في تخومها ، ثمّ ينصبّ إليها نهر عظيم يعرف بنهر باعيناثا ، ثمّ توافى أكتاف الجزيرة المعروفة بجزيرة ابن عمر فينصبّ إليها واد مخرجه من ظاهر أرمنيّة يعرف بالبوريا ، ثمّ توافى ما بين باسورين والجزيرة فينصبّ إليها الوادي المعروف بدوشا ودوشا يخرج من الزوزان فيما بين أرمنيّة وآذربيجان ، ثمّ ينصبّ إليها وادي الخابور وهو أيضا خارج من الموضع المعروف بالزوزان وهو الموضع الذي يكون فيه البطريق المعروف بجرير ، ثمّ تستقيم على حالها إلى بلد وموصل. وينصبّ إليها ببلد من غربيّها نهر ربّما منع الراجل من خوضه ، ثمّ لا يقع فيها قطرة حتّى توافى الزاب الأعظم مستنبطة من جبال آذربيجان ، يأخذ على زركون وبغيش فتكون ممازجة إيّاها فوق الحديثة بفرسخ ، ثمّ تأتي السن فيعترضها الزاب الأسفل مستنبطة من أرض شهرزور ثمّ توافى سرّ من رأى. وقيل : إنّ أصل مخرجه من جبل بقرب آمد عند حصن يعرف بحصن ذي القرنين من تحته تخرج عين دجلة ، وهي هناك ساقية ، ثمّ كلّما امتدّت انضمّ إليها مياه جبال ديار بكر حتّى تصير بقرب البحر مدّ البصر. ورأيت بآمد وهي يخاض بالدواب ، ثمّ يمتدّ إلى ميافارقين ، ثمّ إلى حصن كيفا ، ثمّ إلى جزيرة ابن عمر وهو يحيط بها ، ثمّ إلى بلد والموصل ، ثمّ إلى تكريت ، ثمّ إلى سرّ من رأى ، ثمّ بغداد ، ثمّ واسط ، ثمّ البصرة ، ثمّ عبّادان ، ينصبّ في بحر الهند. وروي عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنه إنّه قال : أوحى الله تعالى إلى دانيال عليهالسلام وهو دانيال الأكبر أن احفر لعبادي نهرين واجعل مفيضهما البحر ، فقد أمرت الأرض أن تطيعك ، فأخذ خشبة وجعل يجرها في الأرض والماء يتبعه ، وكلّما مرّ بأرض يتيم أو أرملة أو شيخ كبير ناشدوه الله تعالى فيحيد عنهم فعواقيل دجلة والفرات من ذلك. وأبو العلاء المعرّي يصف دجلة بقوله :
سقيا لدجلة والدنيا مفرّقة حتّى يعود اجتماع النجم بثيتا وبعدها لا أحبّ الشرب من نهر كأنّما أنا من أصحاب طالوتا ذمّ الوليد ولم أذمّم بلادكم إذ قال ما أنصفت بغداد حوشيتا وقال أبو القاسم عليّ بن محمّد التنوخي القاضي يصف دجلة وصفاءها : أحسن بدجلة والدجى منصّب والبدر في أفق السماء مغرّب فكأنّها فيه بساط أزرق وكأنّها فيها طراز مذهّب أقول : ولا بأس أن نشير إلى شرح بعض ألفاظها وترجمة البلاد التي تمرّ عليها تكميلا للفائدة مستندين في نقلنا على المعجم والمراصد وقاموس اللغة وغيرها. آمد بكسر الميم لفظة روميّة وهي أعظم مدن ديار بكر وأجلّها قدرا وأشهرها ذكرا ، وهو بلد حصين قديم ركين مبنى بالحجارة السود ، ودجلة محيطة بأكثره مستديرة به كالهلال ، وفي وسطه عيون وآبار قريبة نحو الذراعين يتناول ماؤها باليد ، وفيها بساتين ونهر يحيط بها السور. وذكر ابن الفقيه أنّ في بعض شعاب بلد آمد جبلا فيه صدع ، وفي ذلك الصدع سيف من أدخل يده في ذلك الصدع وقبض على قائم السيف بكلتا يديه اضطرب السيف في يده وأرعد هو ولو كان من أشدّ الناس ، وهذا السيف يجذب الحديد أكثر من جذب المقناطيس ، وكذا إذا حكّ به سيف أو سكّين جذبه ، والحجارة التي في ذلك الصدع لا تجذب الحديد ، ولو بقي السيف الذي يحكّ به مائة سنة ما نقصت القوّة من الجذب. وفتحت آمد في سنة عشرين من الهجرة بيد عياض بن غنم ، انتهى. وينسب إليها من أهل العلم جماعة منهم الفاضل الشهير والمحقّق الخبير ناصح الدين عبد الواحد بن محمّد بن عبد الواحد التميمي الآمدي صاحب كتاب غرر الحكم المطبوع المشهور ، جمع فيه كلمات أمير المؤمنين عليهالسلام ، ذكره النوري في مستدرك الوسائل وقال فاضل عالم محدّث شيعيّ إماميّ. قال ابن شهر آشوب في أوائل كتاب المناقب : قد أذن لي الآمدي في رواية غرر الحكم ، وقد عوّل عليه وعلى كتابه وجعل كتابه من كتب الخاصّة فلا مجال للشكّ في كونه من علماء الإماميّة. ومنهم العالم المحقّق المحدّث الخبير الأديب أبو القاسم الحسن بن بشر بن يحيى المعاصر لابن النديم صاحب المصنّفات المليحة الجيّدة ، ذكره القمّي في الكنى والألقاب ، توفّي سنة 371. ومنهم أبو الحسن عليّ بن محمّد بن سالم التغلبي سيف الدين الآمدي الشافعي صاحب المصنّفات في الفقه والمنطق ، توفّي سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة. هلورس موضع عند مخرج دجلة على يومين ونصف من آمد ، وهي بفتح اللام بعد الهاء. شمشاط بكسر أوّله وسكون ثانيه وشين مفتوحة وآخره طاء مهملة ، مدينة بالروم على شاطئ الفرات ، سمّيت بشمشاط بن اليفز ابن سام بن نوح عليهماالسلام لأنّه هو أوّل من أحدثها. نهر الكلاب هو أوّل نهر يصبّ في دجلة ، مخرجه من فوق شمشاط من أرض الروم. الرواضع هي الأراضي التي ينبع منها الماء والسواقي والأنهار الصغار. وادي الصلب بفتح أوّله وسكون ثانيه وآخره باء موحّدة ، واد بين آمد وميافارقين ، ينصبّ في دجلة ، ذكروا أنّه يخرج من هلورس. ميافارقين بفتح أوّله وتشديد ثانيه ثمّ فاء وبعد ألف راء وقاف مكسورة وياء ونون ، أشهر مدينة بديار بكر ، سمّيت بميا بنت أد لانّها أوّل من بناها ، وفارقين هو الخلاف ، وبالفارسيّة يقال له بارچين لأنّها كانت أحصنت خندقها فسمّيت بذلك. وقيل : ما بني منها بالحجارة فهو بناء أنوشيروان بن قباذ ، وما بني بالآجر فهو بناء أبرويز. وأطال الكلام هنا الحموي في المعجم. وذكر الزبيدي في تاج العروس في مادة (مية) في وجه تسميتها بذلك ما يشبه ما ذكره الحموي ، وأستبعد ما ذكره في المعجم ، فراجع. سادتيدما بعد الألف تاء مثنّاة من فوق مكسورة وياء مثنّاة من تحت ودال مهملة مفتوحة ثمّ ميم وألف مقصورة ، أصله مهمل الاستعمال في كلام العرب ، فإمّا أن يكون مرتجلا عربيّا لأنّهم قد أكثروا في شعرهم ذكره ، وإمّا أن يكون عجميّا. قال الشاعر : وأبرد من ثلج ساتيدما وأكثر ماء من العكرش وقال الآخر :
ولمّا استقلّت في جلولا ديارهم فلا الظهر من ساتيدما ولا اللحف وساتيدما جبل بين ميافارقين وسعرت ، وسمّي بذلك لأنّه ليس يوم إلّا ويسفك فيه دم كأنّما اسمان جعلا اسما واحدا ؛ ساتي دما ، وساتي وسادي بمعنى وهو سدا الثوب فكأنّما الدماء تستدي فيه كما يسدي الثوب. وادي الزور بضمّ أوّله وسكون ثانيه وآخره الزاء معناه الباطل ، والزور نهر يصبّ في دجلة قرب ميافارقين. وزور اسم لمواضع أخر ذكرها في المراصد. الكلك كافان بينهما لام ساكنة ، موضع بين ميافارقين وأرمنيّة ، يخرج منها نهر يصبّ في دجلة. سربط بفتح أوّله وسكون ثانيه وفتح الباء الموحّدة والطاء ، موضع في بلد أرمنيّة ، له نهر يعرف به وينصبّ في دجلة ، مأخذه من ظهر أبيات أرزن ، وهو يخرج من خويث. أبيات أرزن أبيات جمع بيوت ، وأرزن ـ بالفتح ثمّ السكون وفتح الزاي ونون ـ مدينة مشهورة قرب خلاط ، ولها قلعة حصينة وكانت من أعمر نواحي أرمنيّة وقد فتحت على يدي عياض بن غنم في سنة عشرين صلحا. وأرزن الروم بلدة أخرى من بلاد أرمينيّة أهلها أرمن.
| |
|
| |
الشيخ شوقي البديري الشيخ شوقي البديري
عدد المساهمات : 2973 نقاط : 4624 تاريخ التسجيل : 17/06/2012 العمر : 59 الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق
| موضوع: رد: ماثر الكبرى في تاريخ سامراء ج1 الجمعة أكتوبر 25, 2024 6:02 am | |
| قالت حكيمة : فمضى أبو محمّد عليهالسلام بعد ذلك بأيّام قلائل وافترق الناس كما ترى ، والله لأراه صباحا ومساءا وإنّه لينبّئني عمّا تسألوني عنه وأخبركم ، والله إنّي لأريد أن أسأله عن الشيء فيبدأني به ، وإنّه ليردّ عليّ الأمر فيخرج إليّ منه جوابه من ساعته من غير مسألتي ، وقد أخبرني البارحة بمجيئك إليّ وأمرني أن أخبرك بالحقّ. قال محمّد بن عبد الله : فو الله لقد أخبرتني حكيمة بأشياء لم يطّلع عليها أحد إلّا الله عزوجل ، فعلمت أنّ ذلك صدق وعدل من الله عزوجل ، وإنّ الله تعالى قد اطّلعها على ما لم يطّلع عليه أحدا من خلقه. أقول : تشهد هذه الأحاديث أنّ حكيمة بنت الجواد عليهالسلام بمكان من عظم الفضل والنبالة والشرف والجلالة ، وقد بلغت غاية الشأن والعظمة لأنّها نالت منصب السفارة والواسطة بين الإمام والأمّة ، وكانت صاحبة أسرار الأئمّة وكفاها شرفا حضورها ولادة الحجّة واختصاصها للوصاية. وستأتي رواية أخرى من الحضيني في كيفيّة ولادة الحجّة عليهالسلام ولقد استوفينا مآثرها الجميلة في المجلّد الرابع من كتابنا الرياحين الشريعة في ذكر عالمات الشيعة بصورة تفصيليّة والكتاب مطبوع منتشر. ثمّ إنّ الحكيمة عليهاالسلام تزوّجها أبو الحسن عليّ المرعشي بن عبيد الله بن أبي الحسن محمّد الأكبر بن محمّد حسن المحدّث بن الحسين الأصغر بن الإمام زين العابدين ، فولدت له أبو وعبد الله الحسين وحمزة وزيد ، نقل من شجرة ابن خدّاع المصري. [مقبرة نرجس أمّ القائم عليهالسلام] ومنها : مقبرة الجهة العليا نرجس أمّ القائم ، توفّيت في سنة ستّين ومأتين ، ودفن خلف الإمام العسكري عليهالسلام وقبرها مشهور. وقد تقدّم آنفا في أبيات العلّامة الخبير الشيخ محمّد السماوي دام علاه بيان موضع قبرها وسنة وفاتها ، فراجع. وإنّ مضامين زيارتها المرويّة ممّا يبرهن على علوّ شأنها ، وناهيك بشرفها أنّها «المودعة الملك العلّامة ، والحاملة أشرف الأنام ، وأنّها الصدّيقة المرضيّة ، شبيهة أمّ موسى ، وابنة حواري عيسى ، وأنّها الرضيّة الزكيّة ، وأنّها المنعوتة في الإنجيل ، المخطوبة من روح الله الأمين ، ومن رغب في وصلتها محمّد سيّد المرسلين ، والمستودعة أسرار ربّ العالمين». وجاء في المأثور من زيارتها ما نصّه : «أشهد أنّك أحسنت الكفالة وأدّيت الأمانة واجتهدت في مرضاة الله وصبرت في ذات الله وحفظت سرّ الله وحملت وليّ الله وبالغت في حفظ حجّة الله ورغبت في وصلة أبناء رسول الله عارفة بحقّهم مؤمنة بصدقهم معترفة بمنزلتهم مستبصرة بأمرهم مشفقة عليهم مؤثرة هواهم وأشهد أنّك مضيت على بصيرة من أمرك مقتدية بالصّالحين راضية مرضيّة تقيّة نقيّة زكيّة فرضي الله عنك وأرضاك وجعل الجنّة منزلك ومأواك فلقد أولاك من الخيرات ما أولاك وأعطاك من الشّرف ما به أغناك فهنّأك الله بما منحك من الكرامة وأمراك». أخبار المليكة نرجس وبدأ أمرها روى الصدوق في إكمال الدين والكليني في الكافي والشيخ في كتاب الغيبة بألفاظ متقاربة عن بشر بن سليمان النخاس واللفظ للأوّل بإسناده عن أبي الحسين محمّد بن يحيى الشيباني قال : وردت كربلاء سنة ستّ وثمانين ومأتين وزرت قبر غريب رسول الله صلىاللهعليهوآله ثمّ انكفأت إلى مدينة السلام متوجّها إلى مقابر قريش في وقت تضرّم الهواجر وتوقّد السماء ، فلمّا وصلت إلى مشهد الكاظم عليهالسلام استنشقت نسيم تربته المغمورة من الرحمة المحفوفة بحدائق الغفران ، بكيت عليها بعبرات متقاطرات وزفرات متتابعات وقد حجب الدمع طرفي عن النظر ، فلمّا رقأت العبرة وانقطع النحيب فتحت بصري فإذا أنا بشيخ قد انحنى صلبه وتقوّس منكباه وثفنت جبهته وراحتاه وهو يقول لآخر معه عند القبر : يابن أخي ، قد نال عمّك شرفا بما حمله السيّدان من غوامض الغيوب وشرايف العلوم الذي لا يحمل مثلها إلّا سلمان الفارسي ، وقد أشرف عمّك إلى استكمال المدّة وانقطاع العمر وليس يجد من أهل الولاية رجلا يفضي إليه بسرّه. قلت : يا نفس ، ولا يزال العناء والمشقّة ينالان منك بأتعابي الخفّ والحافر في طلب العلم وقد قرعت سمعي من هذا الشيخ لفظة تدلّ على أمر جسيم وعلم عظيم ، فقلت : يا شيخ ، من السيّدان؟ قال : النجمان المغيّبان في الثرى بسرّ من رأى. فقلت : إنّي أقسم بالموالاة وشرف محلّ هذين السيّدين من الإمامة والوراثة إنّي خاطب علمهما وطالب آثارهما وباذل من نفسي الأيمان المؤكّدة على حفظ أسرارهما. قال : إن كنت صادقا فيما تقول فأحضر ما صحبك من الآثار عن نقلة أخبارهم. فلمّا فتّش الكتب وتصفّح الروايات منهما قال : صدقت ، اعلم أنا بشر بن سليمان النخّاس من ولد أبي أيّوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن وأبي محمّد وجارهما بسرّ من رأى. قلت : فأكرم أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما. قال : كان مولانا أبو الحسن عليّ بن محمّد العسكري عليهالسلام فقّهني في أمر الرقيق فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلّا بإذنه ، فأجتنب بذلك موارد الشبهات حتّى كملت معرفتي فيه فأصبت الفرق بين الحلال والحرام ، فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسرّ من رأى إذ قرع الباب قارع ، فعدوت مسرعا فإذا بكافور الخادم رسول مولانا أبي الحسن عليّ ابن محمّد عليهالسلام يدعوني إليه ، فلبست ثيابي فدخلت عليه فرأيت يحدّث ابنه أبا محمّد عليهالسلام وأخته حكيمة من وراء الستر ، فلمّا جلست قال : يا بشر ، إنّك من ولد الأنصار وهذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف ، وأنتم ثقتنا أهل البيت ، وإنّي مزكّيك ومشرّفك بفضيلة تسبق بها سائر الشيعة في الموالاة بها ، بسرّ أطّلعك عليه وأنفّذك في شراء جارية ، فكتب كتابا لطيفا بخطّ روميّ ولغة روميّة وطبع عليه خاتمه وأخرج شقّة صفراء فيها مائتان وعشرون دينارا فقال : خذها وتوجّه بها إلى بغداد وأحضر معبر الفرات ضحوة كذا ، فإذا وصلت ترى إلى جانبك زواريق السبايا وبرزن الجواري فستحدق بهنّ طوائف المبتاعين من وكلاء قوّاد بني العبّاس وشراذم من فتيان العراق ، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمّى بعمر بن يزيد النخّاس عامّة نهارك إلى أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا ، لا بسة حريرين صفيقين تمتنع من السفور ولمس المتعرّض والانقياد لمن يحاول لمسها أو يشغل نظره بتأمّل مكاشفها من وراء الستر الرقيق ، فيضربها النخّاس فتصرخ صرخة روميّة ، فاعلم إنّها تقول : واهتك ستراه! فيقول بعض المبتاعين بثلاثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة ، فتقول بالعربيّة : لو برزت في زيّ سليمان بن داود على مثل سرير ملكه ما بدت لي فيك رغبة فاشفق على مالك. فيقول النخّاس : فما الحيلة ولا بدّ من بيعك؟ فتقول الجارية : وما العجلة ولا بدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إلى أمانته وديانته ، فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخّاس وقل له : إنّ معي كتابا مختوما لبعض الأشراف كتبه بلغة روميّة وخطا روميّ ووصف فيه كرمه ووفاءه ونبله وسخاءه فناولها لتأمّل منه أخلاق صاحبه فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك. قال بشر بن سليمان : فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن عليهالسلام في أمر الجارية ، فلمّا نظرت في الكتاب بكت بكاء شديدا فقالت لعمر بن يزيد : بعني من صاحب هذا الكتاب وحلفت بأيمان المغلّظة أنّه متى امتنع من بيعها منه أهلكت نفسها ، فمازلت أشاحّه في ثمنها حتّى استقرّ الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي من الدنانير في الشقّة الصفراء ، فاستوفاه منّي وتسلّمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة وانصرفت بها إلى حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد ، فما أخذها القرار حتّى أخرجت كتاب مولانا عليهالسلام من جيبها وهي تلثمه وتضعه على خدّها وتطبّقه على جفونها وتمسحه على بدنها ، فقلت تعجّبا منها : أتلثمين كتابا لا تعرفين صاحبه؟ فقالت : أيّها العاجز الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء! أعرني سمعك وفرّغ لي قلبك ، أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم ، وأمّي من ولد الحواريّين ، تنسب إلى وصيّ المسيح شمعون ، أنبّئك بالعجيب ، إنّ جدّي قيصر ملك الروم أراد أن يزوّجني من ابن أخيه وأنا بنت ثلاث عشرة سنة فجمع في قصره من نسل الحواريّين من القسّيسين والرهبان ثلاثمائة رجل ومن ذوي الأخطار منهم سبعمائة رجل ، وجمع من أمراء الأجناد وقوّاد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف رجل ، وأبرز هو من بهيّ ملكه عرشا مصنوعا من أصناف الجواهر إلى صحن القصر فرفعه فوق أربعين مرقاة ، فلمّا صعد ابن أخيه وأحدقت به الصلبان وقامت الأساقفة عكّفا ونشرت أسفار الإنجيل تساقطت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض وتقوّضت الأعمدة وانهارت إلى القرار وخرّ الصاعد من العرش مغشيّا عليه. فتغيّرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم ، فقال كبيرهم لجدّي ، أيّها الملك ، أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالّة على زوال هذا الدين المسيحي والمذهب الملكائي فتطيّر جدّي من ذلك تطيّرا شديدا وقال للأساقفة : أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا هذه الصلبان وأحضروا أخا هذا المدبّر العاهر المنكوس حظّه لأزوّج منه هذه الصبيّه فيدفع نحوسته عنكم بسعوده. فلمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني مثل ما حدث على الأوّل ، وتفرّق الناس وقام جدّي قيصر مغتمّا ودخل قصره وأرخت الستور ، فأريت في تلك الليلة كأنّ المسيح وشمعون وعدّة من الحواريّين قد اجتمعوا في قصر جدّي ونصبوا فيه منبرا من نور يباري السماء علوّا وارتفاعا في الموضع الذي كان جدّي نصب فيه عرشه ، فدخل عليهم محمّد صلىاللهعليهوآله مع فتية وعدّة من بنيه فيقوم إليه المسيح فيعتنقه فيقول : يا روح الله ، إنّي جئتك خاطبا من وصيّك شمعون فتاته مليكة لا بني هذا ـ وأومأ بيده إلى أبي محمّد عليهالسلام ابن صاحب هذا الكتاب ـ. فنظر المسيح إلى شمعون فقال له : قد أتاك الشرف ، فصل رحمك برحم رسول الله صلىاللهعليهوآله. قال : قد فعلت ، فصعد ذلك المنبر فخطب محمّد صلىاللهعليهوآله وزوّجني من ابنه وشهد المسيح عليهالسلام وشهد بنو محمّد صلىاللهعليهوآله والحواريّون ، فلمّا استيقظت من نومي أشفقت أن أقصّ هذه الرؤيا على أبي وجدّي مخافة القتل فكنت أسرّها في نفسي ولا أبديها لهم ، وضرب صدري بمحبّة أبي محمّد عليهالسلام حتّى امتنعت من الطعام والشراب ، فضعفت نفسي ودقّ شخصي ومرضت مرضا شديدا فما بقي من مداين الروم طبيب إلّا أحضره جدّي وسأله عن دوائي ، فلمّا برح به اليأس قال : يا قرّة عيني ، فهل يخطر ببالك شهوة فأوردكها في هذه الدنيا؟ فقلت : يا جدّي ، أرى أبواب الفرج عليّ مغلّقة فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من أسارى المسلمين وفككت عنهم الأغلال وتصدّقت عليهم ومنّيتهم الخلاص رجوت أن يهب المسيحى وأمّه لي العافية والشفاء ، فلمّا فعل ذلك جدّي تجلّدت في إظهار الصحّة في بدني وتناولت يسيرا من الطعام ، فسرّ بذلك جدّي وأقبل على إكرام الأسارى وإعزازهم. فأريت أيضا بعد أربع ليال كأنّ سيّدة النساء عليهاالسلام قد زارتني ومعها مريم بنت عمران وألف من وصائف الجنان ، فتقول لي مريم : هذه سيّدة النساء أمّ زوجك أبي محمّد عليهالسلام ، فتعلّقت بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمّد من زيارتي ، فقالت لي سيّدة النساء : إنّ ابني أبا محمّد لا يزورك وأنت مشركة بالله جلّ ذكره وعلى دين النصارى وهذه أختي مريم تبرأ إلى الله عزوجل من دينك ، فإن ملت إلى رضى الله عزوجل وإلى رضى المسيح ومريم عنك وزيارة أبي محمّد إيّاك فقولي : «أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّدا رسول الله» ، فلمّا تكلّمت بهذه الكلمة ضمّتني سيّدة النساء إلى صدرها فطيّبت نفسي وقالت : الآن توقّعي زيارة أبي محمّد إيّاك فإنّي منفذته إليك. فانتبهت وأنا أقول : واشوقاه إلى لقاء أبي محمّد. فلمّا كانت الليلة القابلة جاءني أبو محمّد في منامي فرأيته كأنّي أقول له : لم جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبّك؟ فقال : ما كان تأخيري عنك إلّا لشركك وإذ قد أسلمت فأنا زائرك كلّ ليلة إلى أن يجمع الله شملنا في العيان ، فما قطع زيارته عنّي بعد ذلك إلى هذه الغاية. قال بشر : فقلت لها : وكيف صرت في الأسارى؟ فقالت : أخبرني أبو محمّد ليلة من الليالي أنّ جدّك سيسير جيوشا إلى قتال المسلمين يوم كذا وكذا ثمّ يتبعهم فعليك باللحاق متنكّرة في زيّ الخدم مع عدّة من الوصائف من طريق كذا ، ففعلت فوقعت علينا طلايع المسلمين حتّى كان من أمري ما رأيت وما شاهدت وما شعر أحد بأنّني ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية سواك ، وذلك باطّلاعي إيّاك عليه. ولقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته وقلت : نرجس. فقال : اسم الجواري. فقلت : العجب إنّك روميّة ولسانك عربيّ؟! فقالت : بلغ من ولوع جدّي وحمله إيّاي على تعليم الآداب أن أوعز إلى امرأة ترجمان له في اختلاف إليّ فكانت تقصدني صباحا ومساء وتفيدني العربيّة حتّى استمرّ عليها لساني واستقام. قال بشر : فلمّا انكفأت بها إلى سرّ من رأى دخلت على مولانا أبي الحسن ، فقال لها : كيف أراك الله عزّ الإسلام وذلّ النصرانيّة وشرف أهل بيت محمّد صلىاللهعليهوآله؟ قالت : كيف أصف لك يابن رسول الله ما أنت أعلم به منّي. قال : أحبّ أن أكرمك فأيّما أحبّ إليك عشرة آلاف دينار أو بشرى لك فيها شرف الأبد؟ قالت : بل الشرف. قال عليهالسلام : فابشري بولد يملك الدنيا شرقا وغربا ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. قالت : ممّن؟ قال عليهالسلام : ممّن خطبك رسول الله له من ليلة كذا من شهر كذا من سنة كذا بالروميّة. قالت : من المسيح ووصيّه؟ قال : فممّن زوّجك المسيح ووصيّه؟ قالت : من ابنك أبي محمّد عليهالسلام. قال : فهل تعرفينه؟ قالت : وهل خلوت ليلة من زيارته إيّاي منذ الليلة أسلمت فيها على يد سيّدة النساء أمّه عليهاالسلام؟ فقال أبو الحسن عليهالسلام : يا كافور ، أدع لي أختي حكيمة رضياللهعنها ، فلمّا دخلت عليه قال لها : ها هي فاعتنقتها طويلا وسرّت بها كثيرا. فقال مولانا : يا بنت رسول الله ، أخرجيها إلى منزلك وعلّميها الفرائض والسنن فإنّها زوجة أبي محمّد عليهالسلام وأمّ القائم. كيفيّة ولادة الحجّة برواية الحضيني أورد الحسين بن همذان الحضيني في الهداية بإسناده عن حكيمة بنت الإمام الجواد عليهالسلام ـ على ما في مدينة المعاجز ـ قال : حدّثني من أثق به من المشايخ عن حكيمة بنت الإمام الجواد عليهالسلام قال : كانت حكيمة تدخل على أبي محمّد وتدعو له أن يرزقه الله ولدا ، وإنّها قالت : دخلت عليه وقلت له كما أقول ودعوت له كما كنت أدعو ، فقال : أما كنت تدعين أن يرزقني الله ولدا ، فاستجاب الله دعائك فكوني عندنا الليلة. فقلت : يا سيّدي ، ممّن يكون هذا الولد العظيم؟ فقال : من نرجس يا عمّة. قال : فقالت : يا سيّدي ، ما في جواريك أحبّ إليّ منها وقمت ودخلت عليها وكنت إذا دخلت فعلت بي ما كانت تفعل ، فانكببت على قدميها فقبّلتها ممّا كانت تفعله فخاطبتني بالسيادة فخاطبتها بمثلها ، فقالت : فديتك ، فقلت لها : أنا أفديك وجميع العالمين ، فأنكرت ذلك ، فقلت : لم تنكرين مما فعلت؟ فإنّ الله سيهب لك في هذه الليلة غلاما سيّدا في الدنيا والآخرة وهو فرج المؤمنين فاستحيت فتأمّلتها فلم أر بها أثر حمل ، فقلت لسيّدي أبي محمّد عليهالسلام : ما أرى بها حملا؟ فتبسّم ، فقال : إنّا معاشر الأوصياء ليس نحمل في البطون وإنّما نحمل في الجنوب ولا نخرج من الأرحام وإنّما نخرج من الفخذ الأيمن من أمّهاتنا لأنّنا نور الله الذي لا تناله الدنسات. فقلت له : يا سيّدي ، لقد أخبرتني أنّه يولد في هذه الليلة فأيّ وقت منها؟ فقال : في طلوع الفجر يولد المولود الكريم على الله إن شاء الله. قالت حكيمة : فقمت فأفطرت ونمت بالقرب من نرجس وبات أبو محمّد عليهالسلام في صفّة تلك الدار التي نحن فيها ، فلمّا صار وقت صلاة الليل ونرجس نائمة ما بها أثر ولادة فأخذت في صلاتي ثمّ أو ترت فوقع في نفسي أنّ الفجر قد طلع ودخل في قلبي شيء ، فصاح أبو محمّد عليهالسلام من الصفة لم يطلع الفجر يا عمّة ، فأسرعت الصلاة وتحرّكت نرجس فدنوت منها وضممتها إلى صدري وسمّيت عليها ثمّ قلت لها : هل تحسّين بشيء؟ فقالت : نعم ، فوقع عليّ سبات لم أتمالك معه حتّى نمت ووقع على نرجس مثل ذلك فنامت فلم أنتبه إلّا وسيّدي المهدي مولود ساجدا بمساجده مكتوب على ذراعه : (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً)(1) فضممته إليّ فوجدته مفروغا منه ولففته في ثوب فصاح بي أبو محمّد يقول : يا عمّة ، هاتي إليّ ابني ، فحملته إلى أبي محمّد عليهالسلام فأخذه وأقعده على راحته اليمنى وأمره على ظهره وبطنه ومفاصله ثمّ أدخل لسانه عليهالسلام في فيه ثمّ قال له : تكلّم يا بنيّ. فقال : «أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله وأنّ عليّا وليّ الله أمير المؤمنين» ثمّ لم يزل يعدّد السادة عليهمالسلام إلى أن بلغ إلى نفسه ودعا لأوليائه بالفرج على يديه. __________________ (1) الإسراء : 81. ثمّ قال أبو محمّد : يا عمّة ، اذهبي به إلى أمّه ليسلّم عليها وائتني به ، فمضيت به فسلّم عليها ورددته إليه ثمّ وقع بيني وبين أبي محمّد كالحجاب فلم أر سيّدي ، فقلت له : يا سيّدي ، أين مولانا؟ فقال : أخذه منّي من هو أحقّ به منك ، فإذا كان اليوم السابع فأتينا. قالت : جئت يوم السابع فسلّمت ثمّ جلست فقال عليهالسلام : هلمّي بابني ، فجئته لسيّدي وهو في ثياب صفر ، ففعل له كفعاله الأوّل وجعل لسانه عليهالسلام في فيه ثمّ قال له : تكلّم يا بني. فقال : «أشهد أن لا إله إلّا الله» وثنّى بالصلاة على محمّد وأمير المؤمنين والأئمّة حتّى وقف على أبيه ثمّ قرأ بسم الله الرّحمن الرّحيم (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ* وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ)(1) ثمّ قال : اقرأ يا بني ممّا أنزل الله على أنبيائه ورسله ، فابتدأ بصحف آدم عليهالسلام فقرأها بالسريانيّة ، وكتاب إدريس عليهالسلام وكتاب نوح عليهالسلام وكتاب هود عليهالسلام وكتاب صالح عليهالسلام وصحف إبراهيم عليهالسلام وتوراة موسى عليهالسلام وزبور داود عليهالسلام وإنجيل عيسى عليهالسلام وقرآن محمّد صلىاللهعليهوآله ثمّ قصّ قصص النبيّين والمرسلين إلى عهده. فلمّا كان أربعون يوما دخلت دار أبي محمّد عليهالسلام فإذا مولاي الصاحب يمشي في الدار فلم أر وجها أحسن من وجهه ولا لغة أفصح من لغته. فقال لي أبو محمّد عليهالسلام : هذا المولود الكريم على الله عزوجل. فقلت له : أربعون يوما وأنا أدري من أمره ما أدري. فقال : يا عمّة ، إنّا معاشر الأوصياء ننشؤ في اليوم ممّا ينشؤ غيرنا في الأسبوع ما ينشؤ غيرنا في السنة ، فقمت وقبّلت رأسه وانصرفت وعدت وتفقّدته فلم أره ، فقلت لسيّدي أبي محمّد عليهالسلام ما فعل مولانا فقال : يا عمّتاه ، استودعناه الذي استودع موسى عليهالسلام. قالت : قال أبو محمّد عليهالسلام : لمّا وهب لي ربّي مهدي هذه الأمّة أرسل ملكين __________________ (1) القصص : 5 و 6. فحملاه إلى سرادق العرش حتّى وقف بين يدي الله عزوجل فقال له مرحبا بك عبدي لنصرة ديني وإظهار أمري ومهديّ عبادي ، آليت إنّي بك آخذ وبك أعطي وبك أغفر وبك أعذّب ، اردداه أيّها الملكان إلى أبيه ردّا رفيقا وأبلغاه أنّه في ضمني وفي كنفي وبعيني إلى أن أحقّ به الحقّ وأبطل به الباطل وتكون الدين لي واصبا. ثمّ قال : لمّا سقط من بطن أمّه إلى الأرض عطس وقال : الحمد لله ربّ العالمين صلىاللهعليهوآله زعمت الظلمة أنّ حجّة الله داحضة. ثمّ اعلم أنّ لأمّ القائم عجّل الله فرجه خمسة أسماء أشهرها نرجس ، ويقال لها مليكة وصقيل وريحانة وسوسن ، سمّيت بجميع ذلك على التعاقب كما هي العادة في الجواري. [مقبرة الجدّة أمّ أبي محمّد العسكري عليهالسلام] ومنها : مقبرة الجدّة أمّ أبي محمّد العسكري عليهالسلام كما رواه الصدوق في الإكمال بإسناده عن محمّد بن قنبر الكبير مولى الرضا عليهالسلام قال : خرج صاحب الزمان على جعفر الكذّاب من موضع لم يعلم به عند ما نازع في الميراث عند مضي أبي محمّد عليهالسلام فقال له : يا جعفر ، مالك تتعرّض في حقوقي؟ فتحيّر جعفر وبهت ثمّ غاب عنه ، فطلب جعفر بعد ذلك في الناس فلم يره ، فلمّا ماتت الجدّة أمّ أبي محمّد عليهالسلام أمرت أن تدفن في الدار ، فنازعهم وقال : هي داري لا تدفن فيها ، فخرج عليهالسلام فقال له : يا جعفر ، دارك هي أم داري؟ ثمّ غاب فلم يره بعد ذلك. واسمها حديث أو حديثة وقيل سوسن وقيل سليل ولعلّها سمّيت بجميع ذلك على التعاقب كما عرفت آنفا. وروى المسعودي في اثبات الوصيّة أنّها لمّا دخلت على أبي الحسن الهادي عليهالسلام قال : سليل مسلولة من الآفات والعاهات والأرجاس والأنجاس. وقال المجلسي في الجلاء : إنّها في نهاية الورع والتقوى والعفاف والصلاح. وفي اثبات الوصيّة عن الحميري بسنده عن أمّ أبي محمّد عليهالسلام إنّه قال لها : يصيبني في سنة ستّين حزازة أخاف أن أنكب منها نكبة ، فأظهرت الجزع وأخذت في البكاء فقال : لا بدّ من وقوع أمر الله ، لا تجزعي .. إلى آخر ما يقال. وفي الإكمال : إنّ أمّ أبي محمّد عليهالسلام قدمت من المدينة إلى سرّ من رأى حين اتصل بها إنّ ابنها توفّي وكانت لها أقاصيص يطول شرحها مع أخيه جعفر من مطالبته إيّاها بميارثه وسعايته بها إلى السلطان وكشف ما أمر الله عزوجل بسرته وادّعت أمّ أبي محمّد عليهالسلام وصيّته وأثبت ذلك عند القاضي والسلطان. وسيأتي في أحوال جعفر الكذّاب أنّه بعد وفاة أبي محمّد عليهالسلام بقي يأكل ما كان له حتّى لم يتبقّ له قوت يوم فأمرت الجدّة أمّ أبي محمّد أن يجري عليه من مالها الدقيق واللحم والشعير والتبن لدوابّة والكسوة لأولاده وأمّهاتهم وحشمه وغلمانه ونفقاتهم. وتقدّم آنفا عن الإكمال أنّ أحمد بن إبراهيم سئل عن السيّدة حكيمة بنت الإمام الجواد عليهالسلام وقال : اليوم إلى من تفزع الشيعة؟ فقالت : إلى الجدّة أمّ أبي محمّد. وهذا غاية الشرف والجلالة ونهاية الفضل والنبالة حيث أنّها كانت واسطة بين الإمام والأمّة وقابلة لحمل أسرار الإمامة والوصاية. [مقبرة جعفر الكذّاب] ومنها : مقبرة جعفر الذي يعرف باسم الكذّاب : توفّي في سامرّاء ودفن في الدار ، وستأتي أخباره وما روي في حقّه بصورة تفصيليّة ، وقد خرج فيه توقيع عن الحجّة عجّل الله تعالى فرجه كما في الاحتجاج للطبرسي ، ونصّه : «وأمّا سبيل عمّي جعفر وولده فسبيل إخوة يوسف» يعني لا تثريب له وإنّ الله عزوجل يتجاوز عن سيّئاته ويغفر له. [مقبرة الحسين بن عليّ الهادي عليهالسلام] ومنها : مقبرة الحسين بن عليّ الهادي عليهالسلام : توفّي في سامرّاء ودفن في الدار بعد وفاة أبيه وأخيه ، غير أنّي لم أظفر على تاريخ وفاته ولا تفصيل حياته إلّا أنّ في بعض الأخبار يعبّر عنه وعن أخيه أبي محمّد الحسن عليهالسلام بالسبطين تشبيها بالحسن والحسين عليهماالسلام. وعن شجرة الأولياء الذي ألّفه السيّد الفقيه المحدّث الحكيم السيّد أحمد الأردكاني قال عند ذكر أولاد عليّ الهادي عليهالسلام : إنّ الحسين كان زاهدا عابدا معترفا بإمامة أخيه أبي محمّد الحسن. وذكر المحدّث القمّي في المفاتيح : والمعروف أنّ عدّة من السادة العظام مدفونون عند ضريح العسكريّين عليهماالسلام منهم الحسين بن عليّ الهادي عليهالسلام وإنّي لم أطّلع على حاله ولكن الذي يخطر بالبال إنّه كان سيّدا جليلا عظيم القدر والشأن حيث أنّي استفدت من بعض الأخبار أنّه يعبّر عنهما بالسبطين تشبيها بالحسن والحسين عليهماالسلام. وفي بحر الأنساب لملك الكتّاب : أمّا حسين بن عليّ الهادي عليهالسلام له أربعة أولاد وهم : جعفر ومحمود وباقر وزين العابدين ، رحلوا بعد وفاة أبيهم من سامرّاء إلى بلدة الأرمن بلاد الري فقتلوا بعد وصولهم بها. وعن أمالي الشيخ عن الفحّام قال : حدّثني أبو الطيب أحمد بن محمّد بن بوطير ـ وكان لا يدخل المشهد ويزور من وراء الشبّاك ـ فقال لي : جئت يوم عاشوراء نصف نهار ظهير والشمس تغلي والطريق خال من أحد وأنا فزع من الدعاة ومن أهل البلد الجفاة إلى أن بلغت الحائط الذي أمضي منه إلى الشبّاك ، فمددت عيني وإذا برجل على الباب ظهره إليّ كأنّه ينظر في دفتر ، فقال لي : إلى أين يا أبا الطيب ـ بصوت يشبه صوت الحسين بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر عليهمالسلام ـ؟ فقلت : هذا حسين قد جاء يزور أخاه. قلت : يا سيّدي ، أمضي أزور من الشبّاك وأجيئك وأقضي حقّك. قال : ولم لا تدخل يا أبا الطيب؟ فقلت له : الدار لها مالك لا أدخلها من غير إذنه. فقال : يا أبا الطيب ، تكون مولانا وابن رقّنا توالينا حقّا ونمنعك تدخل الدار؟! ادخل يا أبا الطيب. فجئت إلى الباب وليس أحد فتعسّر بي فبادرت إلى البصرى خادم الموضع فتح لي الباب فدخلت فقال : أليس كنت لا تدخل الدار؟ فقلت : أمّا أنا فقد أذن لي وبقيتم أنتم. وسيأتي في الشعراء أنّ أبا الطيب كان جدّه بوطير غلام الإمام أبي الحسن الهادي عليهالسلام وهو سمّاه بهذا الاسم ، وكان متأدّبا يحضر الديوان. [مقبرة الإمام الحسن العسكري عليهالسلام] ومنها : مقبرة الإمام الحسن العسكري عليهالسلام : ولد بالمدينة يوم الجمعة أو الاثنين في العاشر أو الرابع أو الثامن من ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين أو إحدى وثلاثين ومأتين ، وشخص إلى العراق بشخوص والده إليها وله أربع سنين وشهور ، وتوفّي بسرّ من رأى يوم الجمعة مع صلاة الغداة أو الأحد أو الأربعاء لثمان ليال خلون من ربيع الأوّل سنة ستّين ومأتين وله يومئذ ثمان وعشرون سنة ودفن بجانب أبيه في دارهما ، وستأتي أخباره ومعجزاته ودلائل إمامته وسائر سيره وما روي عنه في معان شتّى بصورة تفصيليّة إن شاء الله. [مقبرة الإمام عليّ الهادي عليهالسلام] ومنها : مقبرة الإمام عليّ الهادي عليهالسلام ، وقد أفردت كتابا كبيرا في سيرته وأخباره ومعجزاته ودلائل إمامته وأولاده وأصحابه وما روي عنه في معان شتّى وجعلناه الجزء الثالث لكتابنا هذا مطبوع ، وإنّا نذكر الآن صفة بناء الدار التي هي اليوم الروضة البهيّة وما طرأ عليها من الإصلاحات في مرور الزمان منذ بنيت إلى يومنا هذا حسب ما ظفرنا عليه بعد التتبّع التامّ. [صفة بناء الدار (الروضة البهيّة للعسكريّين عليهماالسلام)] كانت الدار صحراء لا عمارة بها ، فلمّا أخذ المعتصم بتمصيرها في سنة 221 وتلاحقت العمارات بنى هذا المكان دارا لدليل بن يعقوب النصراني وله ذكر في القوّاد والكتّاب كما تقدّم في محلّه ، ثمّ احتاج إلى بيعها فابتاع منه الإمام عليّ الهادي عليهالسلام كما صرّح بذلك الخطيب البغدادي في تاريخه ، قال في ترجمة الإمام عليّ الهادي عليهالسلام : «إنّه اشترى دارا من دليل بن يعقوب النصراني وتوفّي بها». فلمّا توفّي عليهالسلام دفن في وسط داره ثمّ دفن بجنبه الإمام الحسن العسكري عليهالسلام ثمّ نرجس ثمّ حكيمة رضياللهعنهما ، ثمّ الجدّة أمّ الإمام الحسن العسكري عليهالسلام ثمّ الحسين بن عليّ الهادي عليهالسلام ومعهم أبو هاشم الجعفري وجعفر الكذّاب ؛ وهذه القبور كانت مشهدا لأهل الدار ولمن ورد عليهم من المحبّين. صفة الدار وكانت الدار في غاية العمارة والسعة كما يظهر من خبر إسحاق الجلّاب المروي في الكافي ، قال : اشتريت لأبي الحسن الهادي عليهالسلام غنما كثيرا فدعاني وأدخلني من اصطبل داره إلى موضع لا أعرفه .. الخ. وفي خبر آخر : فرأيتها كأنّها الجنّة. سيأتي في معاجز الإمام الحسن العسكري عليهالسلام أنّ محمّد بن يحيى الخرقي قال : انتهي بي إلى باب عظيم ودخل بي من دهليز إلى دهليز ومن دار إلى دار يمرّ بي كأنّها الجنّة .. الخ. وفي الخبر المروي في الإرشاد إنّهم حضروا دار أبي الحسن الهادي عليهالسلام يوم توفّي ابنه محمّد وقد بسط له في صحن داره والناس جلوس حوله ، فقالوا : قدّرنا أن يكون حوله من الطالبيّين والعبّاسيّين أو قريش مائة وخمسون رجلا سوى مواليه وسائر الناس .. الخ. وحدّثني العلّامة الخبير الميرزا محمّد الطهراني نزيل سامرّاء سلّمه الله قال : حدّثني السيّد العلّامة الورع الزاهد العابد السيّد المرتضى الكشميري رحمهالله إنّه قال : وكان في الدار أربع مائة كرسيّ للجالسين الواردين حين توفّي أبو جعفر محمّد بن عليّ الهادي عليهالسلام. وكانت الدار على هيئتها إلى خلافة المعتضد لأنّ أهل محلّة العسكر كانوا على حالهم لعدم المداخلة في أمر الخلفاء والأمراء حين اختلّت أمور سامرّاء ، وسار المعتمد منها إلى حرب يعقوب بن الليث الصفّار وسمع الناس أيضا بخروج صاحب الزنج في البصرة وغلب الأتراك في سامرّاء بعضهم على بعض ، وتوفّي عبيد الله بن خاقان فجأة ، وعوقب الناس بالظنّ والتهمة ، وهاجر الناس منها إلى بغداد حتّى أخليت سامرّاء غير محلّة العسكر إلى حدود سنة ثمانين ومأتين ، وفي تلك السنة أرسل المعتضد (1) رشيق المازراني ـ كما رواه الشيخ في كتابه الغيبة وغيره ، قال رشيق : بعث إلينا المعتضد ونحن ثلاثة نفر فأمرنا أن يركب كلّ واحد منّا فرسا نجيبا ونخرج مختفيا لا يكون معنا قليل ولا كثير ، وقال لنا : الحقوا بسامرّاء ووصف لنا دارا ومحلّة وقال : إذا أتيتموها تجدون على الباب خادما أسود ، فاكبسوا الدار ، فمن رأيتموه فيها فأتوني برأسه. فوافينا سامرّاء فوجدنا الأمر كما وصفه ، وفي الدهليز خادم أسود ، وفي يده تكّة ينسجها ، فسألناه عن الدار ومن فيها ، فقال : صاحبها ، فو الله ما التفت إلينا وقلّ اكتراثه بنا ، فكبسنا الدار كما أمرنا فوجدنا دارا سرية ومقابل الدار ستر ، ما نظرت قطّ إلى أنبل منه ، كأنّ الأيدي رفعت عنه في ذلك الوقت ، ولم نر في الدار أحدا ، فرفعنا الستر فإذا به بيت كبير وفي آخر البيت بحر ، وفي أقصى الماء حصير قد علمنا أنّه على الماء وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلّي ، فلم يلتفت إلينا __________________ (1) هو السادس عشر من الخلفاء العبّاسيّين ومدّة خلافته تسع سنين وقيل عشر سنين. توفّي وهو ابن ستّ وأربعين سنة ، وكان ملكا شجاعا مهيبا ظاهر الجبروت ، وافر العقل ، وكان يقابل الأسد وحده لشجاعته ، وكان قليل الرحمة إذا غضب ، ذا سياسة عظيمة ، وهابه الناس ورهبوه أعظم رهبة ، وسكنت الفتن في أيّامه لفرط هيبته ، فسيأتي أخباره في محلّه بصورة تفصيليّة. ولا إلى شيء من أسبابنا ، فسبق أحمد بن عبد الله ليتخطّى البيت فغرق في الماء وما زال يضطرب حتّى مددت يدي إليه فخلّصته ، فلمّا أخرجته غشي عليه وبقي ساعة وعاد صاحبه الثاني إلى فعل صاحبه فناله مثل ذلك ، فبقيت مبهوتا ، فقلت لصاحب البيت : المعذرة لله وإليك ، فو الله ما علمت الخبر وإلى من أجيء وأنا تائب إلى الله ، فما التفت إلى شيء ممّا قلنا وما انتقل عمّا كان فيه ، فها لنا ذلك وانصرفنا عنه ، وقد كان المعتضد ينتظرنا ، وقد تقدّم إلى الحجّاب إذا وافيناه أن ندخل عليه في أيّ وقت كان ، فوافيناه في بعض الليل فأدخلنا عليه فسألنا عن الخبر ، فحكينا له ما رأينا ، فقال : ويحكم ، لقيتم أحدا قبل اجتماعي معكم؟ قلنا : لا. فقال : أنا نفي من جدّي ، وحلف بأشدّ أيمان له ، أيّ رجل منّا بلغه هذا الخبر ليضربنّ أعناقنا ، فما جسرنا أن نحدّث به إلّا بعد موته. وكانت الدار على هذه الحالة وكانت التولية والسدانة بيدهم وإذا بدت الدار ثلمة يسدّونها ويعمرونها. وتقدّم آنفا أنّ أبا الطيب قال : بادرت إلى البصري خادم الموضع .. الخ. ونصبوا على الحائط شباكا مشرفا على الشارع وبعض الناس يزور الإمامين عليهماالسلام من وراء الشبّاك ولا يدخل البيت. وكانت الحالة على ذلك إلى سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ، فلمّا أخليت محلّة عسكر أيضا حتّى لم يبق فيها إلّا خان وبقال للمارّة تعيّن من بغداد في السنة المذكورة نفر للسدانة فكانوا يجيئون مع الزوّار ويرجعون كما صرّح بذلك العلّامة الخبير الشيخ محمّد السماوي أدام الله وجوده في وشايح السرّاء (1) بقوله : وكانت القبور وسط الدار وقيّم منهم لها يداري __________________ (1) وشايح السرّاء : 27.
حتّى إذا ما انتقضت سامرّا وارتحل الأهلون منها قسرا تخلّفت محلّة لا تنكر فيها قبور الدار وهي العسكر فإنّ جلّ أهل ذلك المحل لم يدخلوا مع الملوك في عمل ولم تزل تزداد يوما يوما تضمّ فيها بعد قوم قوما وكانت النوّاب في بغداد توزع للزوّار بالترداد حتّى مضى آخرهم تعيينا في سنة الثمان والعشرينا بعد ثلاث من مئات تدرى وكانت الغيبة وهي الكبرى فصار ترميم البنا إذا انهدم لمن بتلك الدار من باقي الخدم وقد رأى الرضي شيخا قد أسن وكان خادما لموانا الحسن العمارة الثانية عمارة ناصر الدولة من آل حمدان. هو أوّل من بنى قبّة على القبر الشريف ، وجعل لسامرّاء سورا ، وجلّل ضريحيهما بستور ، وبنى حول الدار الشريفة دورا إلى أن صارت سامرّاء مسكونة. قال العلّامة السماوي عطفا على ما سبق في وشايح السرّاء : ثمّ ابتدت في ضخم البنيان لناصر الدولة من حمدان غداة حلّ سامراء وانبرى يحارب المعز عند عكبرا فشيّد الدار وشيّد الجدث خوفا عليها في الهياج من حدث وكلّل الضريح بالستور وحاط سرّ من رأى بسور في ثلث ألف الهجرة المختارة فأرّخوا (أبهجها عمارة) (1) __________________ (1) مطابقة لسنة 333. نبذة من آثار آل حمدان ناصر الدولة هذا هو أبو محمّد الحسن بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان بن حمدون التغلبي ، كان صاحب الموصل وما والاها ، وتنقّلت به الأحوال تارات إلى أن ملك الموصل بعد أن كان نائبا بها عن أبيه ، ثمّ لقّبه الخليفة المتقي بالله ب «ناصر الدولة» في مستهلّ شعبان سنة ثلاثين وثلائماة ، ولقّب أخاه أبا الحسن عليّ بن عبد الله بسيف الدولة في ذلك اليوم أيضا ، وعظم شأنهما. وكان المكتفي بالله قد ولّى أبا هما عبد الله الموصل وأعمالها في سنة اثنتين وتسعين ومأتين. وكان ناصر الدولة أكبر سنّا من أخيه سيف الدولة ، وأقدم منزلة عند الخلفاء ، وكان كثير التأدّب معه ، شديد المحبّة له ، توفّي أبو الحسن سيف الدولة سنة ست وخمسين وثلاثمائة بحلب ، ونقل إلى ميافارقين ودفن في تربة أمّه. وقال ابن خلّكان في وفيات الأعيان : كان مرضه عسر البول ، وكان قد جمع من نفض الغبار الذي يجتمع عليه في غزواته شيئا وعمله لبنة بقدر الكفّ وأوصى أن يوضع خدّه عليها في لحده فنفّذت وصيّته في ذلك. وقد أطنب الكلام في آثار هم الفاضل الأديب أبو منصور الثعالبي في كتاب يتيمة الدهر المطبوع ، وقال في بعض كلماته : «كان بنو حمدان ملوكا أوجههم للصباحة ، وألسنتهم للفصاحة ، وأيديهم للسماحة ، وعقولهم للرجاحة ، وسيف الدولة مشهور بسيادتهم وواسطة قلادتهم ، وحضرته مقصد الوفود ، ومطلع الوجود ، وقبلة الآمال ، ومحطّ الرحال ، وموسم الأدباء ، وحلية الشعراء ، ويقال : إنّه لم يجتمع بباب أحد من الملوك بعد الخلفاء ما اجتمع ببابه من شيوخ الشعر ونجوم الدهر» وإنّما السلطان سوق يجلب إليها ما ينفق لديها ، كان أديبا شاعرا محبّا لجيد الشعر ، شديد الاهتزاز له ، وكان كلّ واحد من أبي محمّد عبد الله بن محمّد الفيّاض الكاتب وأبي الحسن عليّ بن محمّد الشمشاطي قد اختار من مدائح الشعراء لسيف الدولة عشرة آلاف بيت ، وكانت لسيف الدولة جارية من بنات الملوك في غاية الجمال ، فحسدها بقيّة الحظايا لقربها منه ومحلّها من قلبه وعز من على ايقاع مكروه بها من سمّ أو غيره فبلّغه الخبر وخاف عليها ، فنقلها إلى بعض الحصون احتياطا وقال : راقبتني العيون فيك فأشفقت ولم أخل قطّ من إشفاق ورأيت العدوّ يحسدني فيك مجدّا بأنفس الأعلاق فتمنّيت أن تكوني بعيدا والذي بيننا من الودّ باق ربّ هجر يكون من خوف هجر وفراق يكون خوف فراق ومن شعره أيضا : أقبّله على جزع كشرب الطائر الفزع رأى ماء فأطمعه وخاف عواقب الطمع وصادف خلسة فدنا ولم يلتذّ بالجرع وآل حمدان أكثرهم شعراء فضلاء أدباء سيّما أبو فراس وسيف الدولة ، وسنتلو عليك نبذة من أخبارهم في الشعراء الذين دخلوا سامرّاء. ولمّا توفّي سيف الدولة تغيّرت أحوال ناصر الدولة لكثرة محبّته له. وتوفّي ناصر الدولة في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة ، ودفن بتلّ توبة شرقي الموصل ، وتقدّم ذكر تلّ توبة عند ذكر تلّ المخالي. وكانت مدّة ملك آل حمدان من سنة 323 إلى سنة 368 تقريبا وقيل إلى سنة 391. قال السيّد قاضي نور الله في مجالس المؤمنين : إنّه لا شبهة في تشيّع آل حمدان واشتهارهم به وكان بنو حمدان يأخذون أصولهم عن المفيد قدسسره ، وكان للمفيد رسالة في الإمامة كتبها باسم ناصر الدولة. وذكر القرماني في أخبار الدول أنّ بني حمدان كلّهم من ملوك الشيعة. وقال ابن كثير الشامي في تاريخه : إنّ سيف الدولة فعل بحلب ما فعله معزّ الدولة ببغداد ، فستعرف بعد هذا ما فعله معزّ الدولة. العمارة الثالثة عمارة الملك المعظّم والسلطان الأفخم أبي الحسين أحمد بن بويه ثالث ملوك الديالمة البويهيّة ، الملقّب بمعزّ الدولة ، المتوفّى يوم الأثنين سنة السبع والثلاثين والثلاثمائة ، فلمّا وقع الصلح بينه وبين ناصر الدولة الحمداني دخل المعزّ سامرّاء وأنفق أموالا جليلة ، ورتّب للروضة البهيّة القوّام والحجّاب ، وأجرى لهم أرزاقا ، وعمّر القبّة وكان في السرداب حوض يجري فيه الماء فأمر بإملاء الحوض من التراب وجعل ضريحا للعسكريّين عليهماالسلام من الخشب فأخذت سامرّاء في دولة بني بويه رونقا كما أشار إلى ذلك العلّامة السماوي دام وجوده بقوله : ثمّ أتى معزّها فشادا وأسّس الدعائم الشدادا وعمّر القبّة والسردابا ورتّب القوّام والحجابا ورفع الضريح بالأخشاب وملأ الحوض من التراب إذ صار كالقليب ممّا تركه من يأخذ التراب منه بركه وذاك أنّ العسكري كانا يجري وضوءه به أحيانا وجدّد الصحن لهم وسوره وطرّز البنا به وطوره مواصلا عمارة الحمداني بعد المصالحات والتداني وبعد ما قد ملك المطيعا فأرّخوا (أسدى البنا الوسيعا) (1) __________________ (1) مطابقة لسنة 337. نبذة من أخبار أحمد بن بويه كان معزّ الدولة أصغر الإخوة الثلاثة : عليّ بن بويه ، وحسن بن بويه. ويقال له الأقطع لأنّه كان مقطوع اليد اليسرى وبعض أصابع اليمنى ، والسبب في ذلك أنّه كان بدء أمره وحداثة سنّه تبعا لأخويه عماد الدولة وركن الدولة فاتفق أنّه في طريق مستوعرة صادف طائفة من الأكراد ـ في قصّة طويلة ـ فوقعت بمعزّ الدولة ضربات كثيرة وطاحت يده اليسرى وبعض أصابع يده اليمنى ، وأثخن بالضرب في رأسه وساير جسده ، وسقط بين القتلى ثمّ سلم بعد ذلك ، وكان وصوله بغداد من طريق الأهواز فدخلها متملّكا يوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة في خلافة المستكفي وملكها بلا كلفة. وفي أيّام معزّ الدولة قويت دولة آل بويه وضربت ألقابهم وكناهم على الدنانير ، وهو أوّل من أحدث أمر السماة وجعل لهم العطاى الجزيلة ، وكان متعصّبا في التشيّع كما ذكره ابن خلّكان في الوفيات. قال الجزري في الكامل في حوادث سنة 351 وفي هذه السنة في ربيع الآخر كتب عامّة الشيعة ببغداد بأمر معزّ الدولة أحمد بن بويه على المساجد ما هذه صورته : «لعن الله معاوية بن أبي سفيان ، ولعن من غصب حقّ فاطمة عليهاالسلام فدكا ، ومن منع من أن يدفن الحسن عند قبر جدّه صلىاللهعليهوآله ، ومن نفى أباذر الغفاري ، ومن أخرج العبّاس من الشورى» فلمّا كان الليل حكّه بعض الناس فأراد معزّ الدولة إعادته فأشار عليه الوزير أبو محمّد المهلّبي بأن يكتب مكان ما محاه «لعن الله الظالمين لآل رسول الله صلىاللهعليهوآله» ولا يذكر أحدا في اللعن إلّا معاوية ففعل ذلك. وكان معزّ الدولة حليما كريما عاقلا عهد إلى ابنه عزّ الدولة بختيار ، وأظهر التوبة ووصّى ابنه بطاعة عمّه ركن الدولة وابن عمّه عضد الدولة لأنّه أكبر منه سنّا ، وأقوم بالسياسة. وقال أبو الفداء في تاريخه في حوادث سنة 352 أنّ معزّ الدولة أمر في عاشر المحرّم أهل بغداد أن يغلقوا دكاكينهم وأن يظهروا النياحة على الحسين بن عليّ عليهالسلام ففعل الناس ذلك ولم يقدر السنّة على منع ذلك لكثرة الشيعة والسلطان معهم ، وأمر أيضا في ثامن عشر ذي الحجّة بإظهار الزينة في البلد والفرح كما يفعل في الأعياد فرحا بعيد غدير خم وضربت الدباب والبوقات. وقال السيّد الشهيد القاضي في مجالسه : إنّ معزّ الدولة سخّر كرمان وخوزستان في ملك أخيه ركن الدولة ولقّب أمير الأمراء فدخل بغداد وعزل المكتفي بالله عن الخلافة وخلعه ونصب مكانه المطيع بالله ، فلمّا استقرّ ملكه جعل يروّج مذهب الإماميّة وكتب على أبواب المساجد ما ذكرناه ، وكان المطيع مطيعا له ولم يكن له من الخلافة إلّا الاسم فبقي في بغداد إحدى وعشرين سنة ملقّبا بأمير الأمراء بل خليفة الخلفاء وأخذ في عمارة بغداد وسعى في عمارة ما غلب عليه الخراب. وقال المحدّث القمّي في الكنى والألقاب في ترجمة عضد الدولة : إنّ معزّ الدولة كان حليما كريما عاقلا ، وكان متصلّبا في التشيّع ، روّج مذهب الشيعة في العراق حتّى أنّه ألزم أهل بغداد بالنوح والبكاء وإقامة المأتم على الحسين عليهالسلام يوم عاشوراء في السكك والأسواق ، وبالتهنية والسرور يوم الغدير وإظهار الزينة والفرح وضرب الدبّات والبوقات وكان يوما مشهودا. وعن تاريخ ابن كثير إنّه قال : في سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة أمر معزّ الدولة أحمد ابن بويه في بغداد في العشر الأوّل من المحرّم بإغلاق جميع أسواق بغداد وأن يلبس الناس السواد ويقيموا مراسم العزاء ، وحيث لم تكن هذه العادة مرسومة في البلاد لهذا رآه علماء أهل السنّة بدعة كبيرة ، وحيث لم يكن لهم يد على معزّ الدولة ولم يقدروا إلّا على التسليم ، وبعد هذا في كلّ سنة إلى انقراض دولة الديالمة الشيعية في العشرة الأولى يقيمون مراسم العزاء في كلّ البلاد وكان هذا في بغداد إلى أوائل سلطنة السلطان طغرل السلجوقي. وجاء في كتاب شذور العقود للمقريزي أنّ معزّ الدولة المذكور كان في أوّل أمره يحمل الحطب على رأسه ثمّ ملك هو وإخوته البلاد وآل أمرهم إلى ما آل ، وكانت مدّة ملكه في العراق إحدى وعشرين سنة وأحد عشر شهرا ، وتوفّي في يوم الاثنين سابع عشر ربيع الآخر سنة 356 ببغداد ودفن في داره ثمّ نقل إلى مشهد ، بني له في مقابر قريش ، ومولده في سنة 303 ، ولمّا حضره الموت أعتق مماليكه وتصدّق بأكثر ماله ، وردّ كثيرا من المظالم. قال أبو الحسين أحمد العلوي : بينما أنا في داري على دجلة بمشرعة القصب في ليلة ذات غيم ورعد وبرق ، سمعت صوتا من هاتف يقول : لمّا بلغت أبا الحسين مراد نفسك في الطلب وأمتت من حدث الليالي واحتجبت عن النوب مدّت إليك يد الردى وأخذت من بين الذهب قال : فإذا بمعزّ الدولة قد توفّي في تلك الليلة ، رحمة الله تعالى عليه. العمارة الرابعة للأمير الأعظم والملك المعظّم عضد الدولة من آل بويه ، دخل سامرّاء وكان له وقعة مع بختيار بن معزّ الدولة ابن أخيه عند قصر الجصّ قرب سامرّاء ، فقتل بختيار ـ كما تقدّم في قصر الجصّ ـ فلمّا دخلها أمر بعمارة الروضة البهيّة بالأخشاب السمينة من الساج ، ووسّع الصحن الشريف ، وابتنى سورا مشيّدا للبلدة ، وكان ذلك في سنة 368. قال العلّامة السماوي في وشايح السرّاء (1) : __________________
| |
|
| |
الشيخ شوقي البديري الشيخ شوقي البديري
عدد المساهمات : 2973 نقاط : 4624 تاريخ التسجيل : 17/06/2012 العمر : 59 الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق
| موضوع: رد: ماثر الكبرى في تاريخ سامراء ج1 الجمعة أكتوبر 25, 2024 6:03 am | |
| ثمّ أتاها ابن أخيه العضد وجاد للبناء فيما يجد فسيّج الروض بخير ساج وستّر الضريح بالديباج وعمّر الأروقة المعظّمه ووسّع الصحن لها ونظّمه وشيّد السور من الحذار على الذين جاوروا للدار وذاك في الثمان والستّينا بعد ثلاث مائة سنينا فازدهر التشييد والبنيان بها فأرّخه (بدا عمران) (1) نبذة من مآثر آل بويه قد أخبر الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام فيما أوتيه من العلم المستقى من العلم النبوي بملوكيّة آل بويه الواسعة النطاق ، وتولّيهم زمام السلطنة ومدّة ملكهم ، فكان ذلك من إحدى ملاحمه عليهالسلام التي اشتهرت عنه ، فقد روى المحدّث القمّي في الكنى والألقاب عند ترجمة عضد الدولة قال : وفي كلمات أمير المؤمنين عليهالسلام الإشارة إليهم كقوله : ويخرج من الديلمان بنو الصيّاد ، ويستقوي أمرهم حتّى يملكوا الزوراء ، ويخلعوا الخلفاء. فقال له قائل : فكم مدّتهم يا أمير المؤمنين؟ فقال : مائة أو تزيد قليلا. وكانت مدّة ملكهم مائة وسبعا وعشرين سنة (سنة 325 إلى سنة 447) وعددهم ثمانية عشر ملكا ، وينتهي نسبهم إلى بهرام جور الحكيم ابن يزدجر آخر ملوك الساسانيّة. قال الجواهري في آثار الشيعة نقلا عن كتاب «نسمة السحر فيمن تشيّع وشعر» أنّ ديلم اسم لقسم من البلاد الواقعة على ساحل بحر الخزر يفصل بينهما وبين العراق العجمي جبل ألبرز المعروف ، وسكنة تلك البلاد تعرف باسم الديالمة ، __________________ (1) مطابقة لسنة 368. ويراد بالديالمة آل زيار أوّلهم مرداويج بن زيار ملك سنة 316 وآخرهم كيلان شاه بن كيكاوس مات سنة 434. ويراد بالديالمة الوارد ذكرهم آل بويه ، وكانوا باقين بعد انقراض الساسانيّة يدينون بدين زردشت وقاموا جيوش الإسلام غير مرّة إلى أن دخلوا في الإسلام. وكان بويه المذكور يكنّى أبا شجاع ويتكسّب باصطياد السمك في بحيرات الديلم ، وكان معزّ الدولة أحمد بن بويه بعد تملّكه البلاد يعترف بنعمة الله تعالى ويقول : كنت أحتطب الحطب على رأسي. وقيل : إنّ منجّما أخبر بويه وهو في أنكر حال وأضيقه بما يتمّ الأمر لولده فسخر به. وقيل : إنّ بويه رأى في المنام أنّ نارا خرجت من عورته وانتشرت في البلاد والناس يخضعون لها ، فلمّا ذكرها عند المعبّر قال : ابشر بأنّ الملك والسلطنة تكون لولدك ، فسخر به وأمر بإخراج المعبّر ، ولمّا استولى ما كان بن ماكي على طبرستان انتظم بويه وأبناؤه في قوّاده ثمّ توفّي بويه وكان من أمر أبنائه ما كان. قال ابن خلّكان في وفيات الأعيان : بويه بن فناخسرو بفتح الفاء وتشديد النون وبعد الألف خاء موحّدة معجمة مضمومة ثمّ سين مهملة ساكنة ثمّ راء مضمومة وبعدها واو بن تمام بن كوهي بن شيردل الأصغر بن شيركوه بن شيردل الأكبر بن شيرانشاه بن شيرفنة بن شستان شاه بن سمن فروين بن شيروزيل بن سناز بن بهرام جور الملك بن يزدجرد بن هرمز ، وبقيّة النسب معروفة في سلاطين الساسانيّة وأوّل ملك من آل بويه أبو الحسن علي. عماد الدولة علي بن بويه امتدّ رواق سلطانه على بلاد فارس وكرمان وخوزستان والعراق العجمي. قال ابن الأثير : كان عماد الدولة كريما حليما عاقلا حسن السياسة للملك والرعيّة ، سمحا شجاعا. وقال ابن مسكويه في تجارب الأمم : والسبب في ارتفاع عماد الدولة علي بن بويه وبلغ ما بلغ سماحة كثيرة في طبعه ، وسعة في صدره ، واقترن بهذا الخلق الشريف خلق آخر منه وهو شجاعة تامّة كانت له ، واتصل بجميع ذلك اتفاقات محمودة ومولد سعد. وقال الطقطقي في الفخري : كتب عماد الدولة للخليفة الراضي بالله العبّاسي يسأله أن يقاطعه على أعمال فارس في كلّ سنة بعد النفقات والإطلاقات على ثمانية آلاف ألف درهم على أن يبعث الخليفة إليه بخلعة السلطنة والمنشور ، وبعث الراضي بذلك على يد الرسول إليه وأوصاه أن لا يسلّم الخلعة والمنشور حتّى يقبض منه المال ، فلمّا وصل إليه الرسول غالطه وأخذ منه الخلعة فلبسها وقرأ المنشور على رؤوس الأشهاد واستبدّ بالأمر. وجاء في تاريخ سرجان ملكم أنّ عماد الدولة توجّه بأخويه أحمد وحسن إلى حوالي بغداد فانهزم الخليفة منهم فأمنه عليّ بن بويه وأرجعه وقرّر الخليفة مع على أن يحمل إلى خزانته كلّ سنة مائة ألف دينار وتكون له فارس والعراق ، ورتبة أمير الأمراء ، ولقب عماد الدولة ، ويكون أحمد وزير الخليفة ، ويلقّب بمعزّ الدولة ، ويلقّب حسن بركن الدولة فقبل ذلك منه. وقال المؤرّخون أنّ عماد الدولة كان من قوّاد ما كان بن ماكي إلى أن قتل مرداويج أسفار بن شيرويه وملك نواحي الري والجبل وقوّى عماد الدولة بالمال والرجال فقصد ما كان وملك آمل وطبرستان فشعر عماد الدولة وأخوه ركن الدولة بانحلال أمر ما كان فنحازا إلى مرداويج بعد أن استأذنّاه واقتدى بهما في ذلك جماعة من قوّاد ما كان فقبلهما مرداويج وأكرمهما وقلّد كلّ واحد من قوّاد ما كان ناحية من نواحي الجبل. أمّا عماد الدولة علي بن بويه فإنّه قلّده الكرج ثمّ صرف الباقي بأجمعهم قبل وصولهم إلى أعمالهم وأبقى عماد الدولة على عمله وكان لمّا وصل إلى الكرج ابتدأ بالإحسان إلى الرجال وملاطفته عامل البلد ، واتفق أنّه افتتح قلاعا كانت في أيدي ألخرّميّة في تلك الأطراف ووقع بينهم خلاف فانحاز بعضهم إليه فأنفق عماد الدولة ذخائر جليلة لاستمالة الرجال واستعطاف قلوب القوّاد الذين أساء عليهم مرداويج وجعل يتفضّل عليهم واتصل ذلك بمرداويج فأوحشه فكاتبه بالمصير إليه وكاتب القوّاد بمثل ذلك فدافعه وتعلّل عليه فأطلق مرداويج لجماعة من قوّاده مالا على كرج فلمّا وصلوا لقبض المال أحسن إليهم علي بن بويه واستمالهم فمالوا إليه حتّى اوجبوا طاعته ، وبلغ ذلك مرداويج فاستوحش من عماد الدولة فسار عماد الدولة إلى أصبهان وبها عسكر بن ياقوت وهم عشرة آلاف وكان مع عماد الدولة تسعمائة رجل ، فهزم عسكر بن ياقوت مع قلّة عدده فعظم في عيون الناس وقويت هيبته. وبقي مرداويج يراسل عماد الدولة ويستدعيه وبالملاطفة وهو يعتذر ولا يحضر إليه ، فأقام عماد الدولة بأصبهان شهرين وجبى أموالها فسار إلى أرّجان وكان قد هرب إليها ابن ياقوت أبو بكر فانهزم منه بغير قتال فاستولى عماد الدولة على أرّجان في ذي الحجّة سنة 320. ثمّ سار علي بن بويه إلى نوبندجان واستولى عليها في ربيع الآخر سنة 221. وصادفت لتشييد دولته أسباب غريبة منها ما ذكره في وفيات الأعيان أنّ عماد الدولة لمّا فتح شيراز في أوّل ملكه اجتمع أصحابه وطالبوه بالأموال ولم يكن معه ما يرضيهم به وأشرف أمره إلى الانحلال فاغتمّ لذلك ، فبينما هو متفكّر وقد استلقى على ظهره في مجلس قد خلا لنفسه للفكرة والتدبير إذ رأى حيّة قد خرجت من موضع من سقف ذلك المجلس ودخلت موضعا آخر منه ، فخاف أن تسقط عليه ، فدعا الفرّاشين وأمرهم بإحضار سلّم وإخراج الحيّة فلمّا صعدوا وبحثوا عن الحيّة وجدوا السقف يفضي إلى غرفة بين سقفين فعرّفوه ذلك ، فأمرهم بفتحها ، ففتحت فوجدوا فيها عدّة صناديق من المال والمصاغات قدّر خمسمائة ألف دينار ، فحمل المال بين يديه فسرّ به وأنفقه في رجاله وثبت أمره بعد أن كان قد أشفى على الانخرام. ثمّ إنّه قطع ثيابا وسأل عن خيّاط حاذق فوصف له خيّاط كان لصاحب البلد قبله فأمر بإحضاره وكان أطروشا فوقع له أنّه قد سعى به إليه في وديعة كانت عنده لصاحب البلد وإنّه طلبه لهذا السبب ، فلمّا خاطبه حلف أن ليس عنده إلّا اثنى عشر صندوقا لا يدري ما فيها ، فتعجّب عماد الدولة من جوابه ووجّه معه من حملها فوجد فيها أموالا وثيابا جمّة عظيمة فكانت هذه الأسباب من أقوى دلايل سعادته ثمّ تمكّنت حاله واستقرّت قواعده. وكانت وفاته يوم الأحد لأربع عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة بشيراز في دار المملكة وأقام في الملك ستّ عشرة سنة وعاش سبعا وخمسين سنة ولم يعقّب رحمهالله. ركن الدولة أبو علي حسن بن بويه وكان ركن الدولة أوسط الإخوة الثلاثة ، وكان حاكم العراق العربي أيّام حياة أخيه عماد الدولة ، فلمّا بلغه موت أخيه جاء إلى شيراز وابتدأ بزيارة قبر أخيه في اصطخر فمشى حافيا حاسرا ومعه العساكر ، ولزم القبّة ثلاثة أيّام ثمّ سأله القوّاد أن يرجع ، فرجع وبقي في فارس زمانا ثمّ سار إلى الري ومنها إلى أصبهان في سنة خمس وستّين وأربعمائة وأحضر ولده عضد الدولة من فارس وجمع عنده سائر أولاده بأصبهان وعهد إلى ولده عضد الدولة بالملك بعده. قال ابن الأثير : كان حليما كريما واسع الكرم ، كثير البذل ، حسن السياسة لرعاياه وجنده ، رؤوفا بهم ، عادلا في الحكم بينهم ، وكان بعيد الهمّة ، عظيم الجدّ والسعادة ، متحرّجا من الظلم ، مانعا لأصحابه منه ، ويرى حقن الدماء واجبا إلّا فيما لا بدّ منه ، وكان يحامي على أهل البيوتات ويجري عليهم الأرزاق ويصونهم عن التبذّل ، وكان يقصد المساجد الجامعة في شهر الصيام ويجلس لردّ المظالم ، ويتعهّد العلويّين بالأموال الكثيرة ، ويتصدّق على ذوي الحاجات بما يغنيهم ، ويلين جانبه للخاصّ والعام. قال أبو الفداء في تاريخه في حوادث سنة 366 : أصيب به الدين والدنيا لاستكمال خصال الخير فيه ، وعقد لولده فخر الدولة على همذان وأعمال الجبل ، ولولده مؤيّد الدولة على أصبهان وأعمالها وجعلها تحت حكم أخيهما عضد الدولة في هذه البلاد. قال ابن خلّكان : هو صاحب أصبهان والري وهمذان وجميع عراق العجم ، وهو والد عضد الدولة ومؤيّد الدولة وفخر الدولة ، وكان ملكا جليلا عظيم المقدار ، عالي الهمّة ، رزق السعادة في أولاده الثلاثة وقسّم عليهم الممالك فقاموا بها أحسن قيام. قال القرماني : إنّ الحسن بن بويه سار سيرة حسنة. وجاء في كتاب مجالس المؤمنين للقاضي الشهيد أنّ ركن الدولة أرسل إلى أبي جعفر محمّد بن علي بن بابويه القمّي رحمهالله واستدعى قدومه فلمّا قدم إليه سأل منه مسائل تتعلّق بالمذهب الجعفري فوجده مليّا بحرا موّاجا فعظم في عينه فأكرمه وأعطاه جوائز سنيّة وأقطعه أقطاعا (1). ثمّ توفّي ركن الدولة ليلة السبت لاثنتي عشرة ليلة بقيت من المحرّم سنة ستّ وستّين وثلاثمائة بالري ، ودفن في مشهده وقد تجاوز عمره سبعين سنة. __________________ (1) أنظر تفصيل المسألة مع أجوبتها في روضات الجنّات في ترجمة محمّد بن علي بن بابويه المذكور. معزّ الدولة أبو الحسن أحمد بن بويه تقدّم في العمارة الثالثة. عضد الدولة أبو شجاع فنا خسرو ابن ركن الدولة حسن بن بويه ، وكان من ألقابه تاج الملّة ، والملك الكبير ، وهو أوّل من تسمّى بالملك في الإسلام ، أبعد ملوك آل بويه صيتا وأفخرهم مجدا ، وأكملهم علما وأدبا ، وكان قد ملك ما ملكه أهله وأضاف إليه الموصل والجزيرة ودمشق ، وخطب له بحلب وبغداد وملك فارس وكرمان وأصبهان والبصرة والأهواز والبحرين ، وقام به سوق العلم والأدب. قال السيوطي في طبقات النحاة : إنّ عضد الدولة هو أحد العلماء بالعربيّة والأدب ، وكان فاضلا نحويّا شيعيّا ، له مشاركة في عدّة فنون ، وله في العربيّة أبحاث حسنة وأقوال ، ونقل عنه ابن هشام الخضراوي في الإفصاح أشياء. وقال أبو شجاع محمّد بن الحسين الملقّب بظهير الدين في كتاب تجارب الأمم لأبي علي أحمد بن محمّد المعروف ب «ابن مسكويه» الشيعي الإمامي : كان عضد الدولة ملكا كامل العقل ، شامل الفضل ، حسن السياسة ، كثير الإصابة ، قليل السقطة ، شديد الهيبة ، بعيد الهمّة ، ثاقب الرأي ، صائب التدبير ، محبّا للفضائل ، مجتنبا للرذائل ، باذلا في مواطن العطاء ، كأن لا سخاء بعده ، مانعا في أماكن الحزم ، حتّى كأن لا جود عنده ، يستصغر الكبير من الأمر ، ويستهون العظيم من الخطب ، إلى آخر ما أطنب في مناقبه. وجاء في مجالس القاضي الشهيد أنّ المفيد قدسسره لمّا ناظر القاضي عبد الجبّار المعتزلي في مبحث الإمامة وألزمه وأفحمه أعطاه عضد الدولة فرسا من جياد خيوله ، وكان في عنق الفرس قلادة من الذهب مع خلعة سنيّة ، وأقطعه قرى من نواحي بغداد ، وكان يعظّم الشيخ المفيد غاية التعظيم ، فلمّا توفّي المفيد رحمهالله مشى خلف جناته حافيا حاسرا. وجاء في آثار الشيعة للجواهري أنّ عضد الدولة رحمهالله أخذ الفقه على مذهب الإماميّة وكان يزوره في موكبه العظيم ، ولمّا توفّي المفيد رحمهالله مشى بخاصّته خلف تابوته حافيا ؛ إجلالا له. وجاء في وفيات الأعيان لابن خلّكان في حرف الفاء أنّ عماد الدولة لمّا مرض بفارس أتاه أخوه ركن الدولة واتفقا على تسليم فارس إلى عضد الدولة. قال : وآل بويه كلّهم مع عظم شأنهم وجلالة قدرهم لم يبلغ أحد منهم ما بلغه عضد الدولة من سعة المملكة والاستيلاء على الملوك وممالكهم فإنّه جمع بين مملكة المذكورين كلّهم وضمّ إلى ذلك الموصل وبلاد الجزيرة وغير ذلك ، ودانت له العباد والبلاد ، ودخل في طاعته كلّ صعب القياد ، وهو أوّل من خوطب بالملك في الإسلام ، وأوّل من خطب له على المنابر ببغداد بعد الخليفة ، وكان من جملة ألقابه تاج الملّة. ولمّا صنّف أبو إسحاق الصابي كتاب التاجي في أخبار بني بويه أضافه إلى هذا اللقب وكان عضد الدولة فاضلا محبّا للفضلاء مشاركا في عدّة فنون ، وصنّف له الشيخ أبو علي الفارسي كتاب الإيضاح والتكملة في النحو ، وقصده فحول الشعراء في عصره ومدحوه بأحسن المدائح ، فمنهم أبو الطيب المتنبّي ورد عليه وهو بشيراز في جمادى الأولى سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وفيه يقول من جملة قصيدته المشهورة الهائيّة : وقد رأيت الملوك قاطبة وسرت حتّى رأيت مولاها ومن مناياهم براحته يأمرها فيهم وينهاها أبا شجاع بفارس عضد الدو لة فنا خسرو شهنشاها
أساميا لم تزده معرفة وإنّما لذّة ذكرناها ومن نونيّة له : فقلت إذا رأيت أبا شجاع سلوت عن العباد وذا المكان فإنّ الناس والدنيا طريق إلى من ما له في الناس ثان ومن كافية له : أروح وقد ختمت على فؤادي بحبّك أن يحلّ به سواكا وقد حمّلتني شكرا طويلا ثقيلا لا أطيق به حراكا أحاذر أن يشقّ على المطايا فلا تمشي بنا إلّا سواكا لعلّ الله يجعله رحيلا يعين على الإقامة في ذراكا فلو أنّي استطعت خفضت طرفي فلم أبصر به حتّى أراكا وكيف الصبر عنك وقد كفاني نداك المستفيض وما كفاكا ومدحه بعد ذلك بعدّة قصايد. وقصده أيضا محمّد بن عبد الله السلامي ، وكان عين شعراء العراق ، وأنشده قصيدته البديعة التي منها : إليك طوى عرض البسيطة جاعل قصارى المطايا أن يلوح لها القصر فكنت وعزمي في الظلام وصارمي ثلاثة أشياء كما اجتمع النسر وبشّرت آمالي بملك هو الورى ودار هي الدنيا ويوم هو الدهر وجاء في آثار الشيعة للجواهري : كان عضد الدولة يقول : إذا قرأت شعر السلامي ظننت أنّ عطارد قد نزل من الفلك ، ومدحه مشاهير الشعراء ، منهم ابن الحجّاج والسلامي والمتنبّي. والشيخ أبو علي الفارسي ساير عضد الدولة في ميدان شيراز فقال له : إذا قلنا جاء القوم إلّا زيدا فما الناصب لزيد؟ قال أبو علي : المقدّر ومعناه استثنى زيدا. قال عضد الدولة : فهلّا رفعت زيدا وقدّرت العامل امتنع زيد؟ فأفحم أبو علي. فقال عضد الدولة : هذه مثله ميدانيّته. ورجع أبو علي إلى داره وألّف رساله أوضح فيها الحجّة على نصب المستثني وأرسلها إليه. وكان من بدء أمره أنّ عمّه عماد الدولة علي بن بويه طلب من أخيه ركن الدولة حسن بن بويه أن ينفذ إليه عضد الدولة ، فلمّا ورد عضد الدولة شيراز جلّله عماد الدولة كثيرا وألقى إليه مقاليد الأمور ، ولمّا توفّي عماد الدولة وانتقل الملك إلى أخيه ركن الدولة وعمّه معزّ الدولة أحمد بن بويه اتفقا على إبقائه في فارس. وفي سنة ستّين وثلاثمائة أحضره والده ركن الدولة في أصبهان ، وعهد بالملك إليه ، فلمّا توفّي أبوه وعمّه بلغ النهاية في السياسة ، وملك عمّان ومن بها من الشراة في سنة 363 ، واستولى على العراق ، وأوقع بأهل الشقاق وبدّدهم ، ودخل عضد الدولة بغداد وخطب له بها ، ولم يكن قبل ذلك يخطب لأحد ببغداد ، وضرب على بابه ثلاث نوب ولم تجرّ بذلك عادة من تقدّمه ، واستولى على ملك بني حمدان. وفي سنة 369 عمّر بغداد ومشهد أمير المؤمنين ومشهد أبي عبد الله الحسين عليهماالسلام وأصلح الطريق من العراق إلى مكّة وأجرى الجرايات على الفقهاء والمحدّثين والمتكلّمين والمفسّرين والشعراء والنسّابين والأطبّاء والحسّاب والمهندسين ، وفي سنة 370 استولى على قلاع أبي عبد الله البريدي بنواحي الجبل وعلى جرجان وطبرستان وما يتصل بهما ، والبيمارستان العضدي ببغداد منسوب إليه ، وهو في الجانب الغربي ، وغرم مالا عظيما ، وليس في الدنيا مثل ترتيبه ، وفرغ من بنائه سنة 368 وأعدّ له من الآلات ما يقصر الشرح عن وصفه ، وهو الذي أظهر قبر أمير المؤمنين عليهالسلام ، فالمراد منه يعني عمّر النجف حتّى صار قابلا للسكنا ، وإلّا أوّل من أظهر قبره عليهالسلام هارون الرشيد وبنى عليه المشهد الذي هناك ، وغرم عليه شيئا كثيرا وأوصى بدفنه فيه. وقال أبو منصور الثعالبي في يتيمة الدهر بعد أن وصف بالأدب وذكر له أبياتا من الشعر ، واخترت من قصيدته ما يلي :
ليس شرب الكأس إلّا في المطر وغناء من جوار في السحر غانيات سالبات للنهى ناعمات في تضاعيف الوتر مبرزات الكأس من مطلعها ساقيات الراح من فاق البشر عضد الدولة وابن ركنها ملك الأملاك قلّاب القدر ومن شعره ما جاء في مناقب ابن شهر آشوب رحمهالله : سقى الله قبرا بالغريّ وحوله قبور بمثوى الطهر مشتملات ورمسا بطوس لابنه وسميّه سقته سحاب العزّ صفو فرات وفي أرض بغداد قبور زكيّة وفي سرّ من رأى معدن البركات وأمّ القرى فيها قبور منيرة عليها من الرحمان خير صلاة وذكر المحدّث القمّي في الكنى والألقاب وقال : حكي أنّه كتب إلى عضد الدولة أبو منصور افتكين التركي متولّي دمشق كتابا مضمونه أنّ الشام صار في يدي وزال عنه حكم صاحب مصر ، وإن قوّيتني بالأموال والمدد حاربت القوم في مستقرّهم. فكتب عضد الدولة جوابه : «غرّك عزّك فصار قصار ذلك ذلك فاخش فاحش فعلك فعلك بهذي تهدي» ولقد أبدع فيها كلّ الإبداع. وحكي أنّ المير السيّد الشريف عدّه من مروّجي مذهب الإماميّة في المائة الرابعة. وجاء في كتاب الفرج بعد الشدّة لأبي علي الحسن التنوخي أنّ عضد الدولة حدّث عن أمّه قال : إنّها فقدت ولدا كنّته أبا دلف ، وجزعت عليه كثيرا ، وكانت تدعو الله أن لا يقطع عقبها من ركن الدولة وتسأله أن يرزقها ولدا ، فرأت في منامها ليلة عليّ ابن أبي طالب عليهالسلام فأخبرها أنّها تلد ولدا ذكرا سويّا شهير الذكر عظيم السلطان متيقّظا في سياسته ، يملك بلاد فارس وكرمان والبحرين والعراق وعمّان والحيرة إلى حلب ، ويملك بعده ولده ويسوس الناس كافّة ، ويقودهم إلى طاعته بالرغبة والرهبة. فلمّا تذكّرت هذا المنام وتذكّرت أمري وجدته حرفا بحرف ، ومضت السنون وانتقلت إلى فارس لمّا استدعاني عماد الدولة واستخلفني عليها واعتللت علّة يئست من الحياة فيها ، وكان أبو الحسين المنجّم يخدمني ، فأخبرني يوما أنّه رأى عليّا عليهالسلام وشكا إليه رغبته وسأله الدعاء لي بالعافية ، فقال له عليّ بن أبي طالب عليهالسلام : قل له : أنسيت ما أخبرتك أمّك من المنام؟ قال : فحين سمعت الحديث حدثت لي في الحال قوّة في النفس لم تكن من قبل ثمّ حصل لي البراء بأيّام. وجاء في روضة الصفا لمحمّد خداوند شاه شافعي أنّ جارية لعضد الدولة تراود جنديّا وتنادمه بالليل ، واتفق للجندي أنّه خرج للعيد فرأى ثعلبا دخل في حجره فتبعه الجندي فرأى سربا وفيه سلّم فنزل من السلّم فرأى حبابا مملوّة من الذهب وأنواع الجواهر ونفايس الأموال ، فأخذ منها شيئا وجعل لها علامة ، وازداد في خدمة الجارية والعمل بما يرضاها ، وأعطاها شيئا من تلك الجواهر ، فتعجّبت الجارية فسألته وامتنع عن الجواب حتّى شرب وسكر فأخبرها بالقصّة ، فقالت : لا تصل يدك إليّ حتّى تريني الكنز ، فقال لها قومي ، فقامت وأخذت درجا من الكاغذ وجعلت تفتّته في الطريق لئلّا يشتبه عليها العود إذا أرادت ، فلمّا علمت بمكانها أخبرت عضد الدولة بذلك وطلبت منه العفو عمّا فعلت ، فلمّا ظفر عضد الدولة بالكنز وهب واحدة من تلك الحباب مع الجارية للجندي ، فعمّر من ذلك البلاد ومشاهد أئمّة العراق. وبالجملة فمناقبه كثيرة اقتصرنا على هذه النبذة اليسيرة منها ، وكان مولده سنة 324 بأصبهان ، وتوفّي في ثامن شوّال سنة 382 ، ودفن بدار الملك بها ، ثمّ نقل إلى مشهد أمير المؤمنين عليهالسلام ، فدفن بجواره ، وكتب على لوح قبره على ما ذكره ابن كثير في تاريخه «هذا قبر عضد الدولة وتاج الملّة أبو شجاع بن ركن الدولة ، أحبّ مجاورة هذا الإمام المعصوم لطمعه في الخلاص يوم تأتي كلّ نفس تجادل عن نفسها ، وصلواته على محمّد وعترته الطاهرين» وأوصى أن يكتب على قبره «وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد» وكان عمره سبعا وأربعين سنة وأحد عشر شهرا وثلاثة أيّام ، وكانت مدّة ملكه أربعا وثلاثين سنة ، وكانت مقبرته عند قدمي أمير المؤمنين عليهالسلام وأعقب من الأولاد شرف الدولة وصمصام الدولة وبهاء الدولة. عزّ الدولة (أبو منصور بختيار بن معزّ الدولة) تقدّم ذكره في قصر الجصّ. صمصام الدولة (أبو كاليجار مرزبان بن عضد الدولة) فلمّا توفّي عضد الدولة اجتمع القوّاد والأمراء فبايعوه وولّوه الإمارة ولقّبوه صمصام الدولة ، وكان كريما حليما ، فلمّا مضى من ملكه أربع سنين وستّة أشهر أخذه أخوه شرف الدولة وحبسه ثمّ أطلقه وبقي حاكما على فارس تسعة أشهر وستّة أيّام ثمّ قتله أبو نصر بن بختيار في ذي الحجّة سنة 388 وكان عمره خمسا وثلاثين سنة وسبعة أشهر ، ومدّة إمارته بفارس تسع سنين وثمانية أيّام. شرف الدولة (أبو الفوارس شير زيل) ابن عضد الدولة ، كان يتولّى كرمان أيّام أبيه ، ولمّا بلغه وفاة أبيه جدّ في السير إلى شيراز فاستولى عليها وقبض شرف الدولة على وزير أبيه نصر بن هارون النصراني وقتله وأصلح أمر البلاد وأطلق جماعة من القوّاد الذين حبسهم عضد الدولة وخطب وتلقّب بتاج الملّة ، وفرّق الأموال وجمع الرجال وملك البصرة وأقطعها أخاه أبا الحسين ، وحارب أخاه صمصام الدولة فانهزم جيشه ثمّ توفّي في مستهلّ جمادى الآخرة سنة 378 بمرض الاستسقاء ، وحمل إلى مشهد أمير المؤمنين عليهالسلام ودفن به ، وكانت إمارته بالعراق سنتين وثمانية أشهر ، وكان عمره 28 سنة وخمسة أشهر ؛ قاله أبو الفداء. بهاء الدولة (أبو نصر خسرو فيروز) ابن عضد الدولة وقيل اسمه خاشاذ كما في تاريخ أبي الفداء ، تولّى إمارة العراق بعد وفاة أخيه شرف الدولة سنة 379 في خلافة الطايع بالله العبّاسي فخلع عليه الطايع وأقرّه على إمارته فخاف بهاء الدولة من أبي علي بن شرف الدولة أن ينازعه الإمارة فكاتب الأتراك سرّا واستمالهم ، وكتب إلى أبي علي يطيّب قلبه ، فحسن الأتراك إليه أن يوافي بهاء الدولة فلمّا أتى إليه أكرمه ثمّ قبض عليه وقتله ، وجهز للمسير إلى الأهواز لقصد بلاد فارس وأسقط ما كان يؤخذ من المراعي من سائر السواد ، وفي سنة ثمانين وثلاثمائة سار من بغداد إلى خوزستان عازما على فارس فأتاه هناك نعي أخيه أبي طاهر فجلس للعزاء ثمّ دخل أرّجان واستولى عليها وأخذ ما فيها من الأموال فكان ألف ألف دينار وثمانين ألف درهم ومن الثياب والجواهر ما لا يحصى ، فشغب الجند فأطلق لهم الأموال فسكتوا. وسار إلى نوبندجان (1) وبها عسكر أخيه صمصام الدولة فانهزموا فبثّ سراياه في نواحي فارس ، ثمّ اصطلحا على أن يكون لصمصام الدولة فارس وأرّجان (2) ولبهاء الدولة خوزستان والعراق ، ولكلّ واحد منهما أقطاع في بلاد الآخر ، فلمّا قتل صمصام الدولة صارت كلّها لبهاء الدولة ، ثمّ مرض بصرع متتابع وتوفّي بأرّجان __________________ (1) هي مدينة بأرض فارس. (2) بفتح أوّله وتشديد ثانيه وجيم وألف ونون مدينة كبيرة من كورة فارس. سنة 403 وحمل نعشه إلى مشهد أمير المؤمنين عليهالسلام ودفن عند أبيه عضد الدولة ، وكان عمره ثلاثا وأربعين سنة ، ومدّة ملكه 24 سنة. سلطان الدولة (أبو شجاع بن بهاء الدولة) تولّى الملك بعد وفاة والده في سنة 403 وولّى أخاه أبا طاهر البصرة ، وأخاه الآخر أبا الفوارس كرمان ، وقبض على وزيره ونائبه بالعراق فخر الملك وقتله واستوزر مكانه الحسن بن سهلان. توفّي سلطان الدولة سنة 415 وكان عمره اثنين وعشرين عاما ومدّة ملكه 12 سنة. جلال الدولة (أبو طاهر بن بهاء الدولة) ولّاه أخوه سلطان الدولة البصرة بعد وفاة أبيه سنة 403 ، ثمّ ملك بعد سلطان الدولة أخوه مشرّف الدولة ، ومات سنة 416 فخطب ببغداد لجلال الدولة فلم يصعد إليها بل وصل إلى واسط وعاد إلى البصرة فقطعت خطبته وخطب لابن أخيه أبي كاليجار بن سلطان الدولة ، فلمّا سمع بذلك جلال الدولة صعد إلى بغداد وبعث إلى أبي كاليجار فلم يمكنه لاشتغاله بحرب صاحب كرمان فخطب لجلال الدولة وكان حسن السيرة يزور الصالحين ويتقرّب إليهم وزار مشهد أمير المؤمنين عليهالسلام وأبي عبد الله الحسين عليهالسلام ، وكان يمشي حافيا قبل ان يصل إلى كلّ منهما نحو فرسخ. وكان أديبا فاضلا ، مرّ على أيوان كسرى في المداين فكتب على حائطه بخطّه من شعره : يا أيّها المغرور بالدنيا اعتبر بديار كسرى فهي معتبرى الورى غنيت زمانا بالملوك وأصبحت من بعد حادثة الزمان كما ترى وخطب لجلال الدولة بملك الملوك. توفّي سنة 435 من ورم في كبده وكان مولده سنة 383 ومدّة ملكه ببغداد سبع عشرة سنة إلّا شهرا ، ودفن في داره. مشرف الدولة (أبو علي حسن بن بهاء الدولة) ولد في سنة 393 وكان عمره ثلاثا وعشرين سنة وثلاثة أشهر ، وتوفّي سنة 416 ومدّة ملكه خمس سنين وخمسة وعشرون شهرا ، وكان عادلا حسن السيرة ، وعظم أمره ببغداد في سنة 411 ، وخوطب بأمير الأمراء وملك العراق ، وأزال عنه سلطان الدولة ثمّ اصطلحا على أن يكون العراق كلّه لمشرف الدولة وكرمان لسلطان الدولة ، وكان معاصرا للسيّد المرتضى علم الهدى رحمهالله وكان يعظّمه غاية التعظيم. قوام الدولة (أبو الفوارس بن بهاء الدولة) توفّي في ذي القعدة سنة تسع عشرة وأربعمائة ، وكان قد طمع في فارس ، وجرت بينه وبين ابن أخيه كاليجار حروب إلى حين وفاته ، ولم يكن له تسلّط تامّ ولا تاريخ. مؤيّد الدولة (ابن ركن الدولة) كان في أصبهان حياة أبيه ، وبعد وفاته ورد إلى الري وطلب فخر الدولة بأمر أخيه عضد الدولة ، فاستجار بقابوس فانتزع منه جرجان وجعلها دار سلطنته. توفّي في ثالث شعبان سنة 371 وكان عمره ثلاثا وأربعين سنة ، ولم يعهد بالملك إلى أحد ، ودفن في جرجان. فخر الدولة (علي بن ركن الدولة حسن بن بويه) تولّى اصبهان بوصيّة أبيه ركن الدولة. وجاء في آثار الشيعة للجواهري : إنّه لمّا انتزع اصبهان من فخر الدولة ، أقام بنيسابور حتّى مات مؤيّد الدولة ، فلمّا توفّي تشاور أكابر دولته فيمن يقوم مقامه فأشار الصاحب بن عبّاد بإعادة فخر الدولة إذ هو كبير البيت ومالك تلك البلاد قبل مؤيّد الدولة ، ولما فيه من آيات الملك والإمارة ، فكتب إليه واستدعاه وهو بنيسابور ، وأقام في الوقت خسرو فيروز بن ركن الدولة ليسكن الناس إلى قدوم فخر الدولة إلى جرجان ، ولقيه العسكر بالطاعة ، واستوزر الصاحب بن عباد وعظّمه وصدر عن رأيه في جليل الأمور وصغيرها ، واتفقا فخر الدولة وصمصام الدولة فصارا يدا واحدة وفي سنة 379 سار فخر الدولة من الري إلى همذان عازما على العراق ، فاتفق أنّ دجلة الأهواز زادت ذلك الوقت زيادة عظيمة وانفتحت البثوق فظنّ عسكر فخر الدولة أنّها مكيدة فانهزموا فقلق فخر الدولة من ذلك فأشار إليه الصاحب أن يرجع إلى الري ، فرجع ، ثمّ توفّي في قلعة طبرك في شعبان سنة 387 وكان مولده سنة 341 ، وكان عمره ستّا وأربعين سنة ، وملك خمس عشرة سنة ، ومن سعادة فخر الدولة إنّه استوزر مثل الصاحب بن عباد رحمهالله ؛ الرجل الطائر الصيت. مجد الدولة (أبو طالب رستم بن فخر الدولة) صاحب الري وبلاد الجبل ، جلس على عرش الملك بإشارة الأمراء والقوّاد ، وجعل أخاه شمس الدولة بهمذان وقرمسين إلى حدود العراق ، وكان المرجع له والدة مجد الدولة وهي سيّدة بنت شيروين المرزبان والي مازندران ، وكانت عاقلة سياسيّة وقام بين يديها في مباشرة الأعمال أبو طالب ولد فخر الدولة وأبو العبّاس الضبي الكافي ، وفي سنة سبع وتسعين وثلاثمائة قبض عليها ولدها مجد الدولة وسجنها وسبب ذلك أنّ الحكم كان إليها في جميع الأعمال فلمّا استوزر مجد الدولة أبا علي بن القاسم استمال الأمراء ووضعهم عليها وخوّف ابنها منها ، فخرجت من الري إلى القلعة فوضع عليها من يحفظها ، فعملت الحيلة حتّى هربت إلى بدر ابن حسنويه واستعانت به في ردّها إلى الري ، فجائت مع جيش فحصرها وجرى بين الفريقين قتال كثير ثمّ استظهر بدر ودخل البلد وأسر مجد الدولة فقيّدته والدته وسجنته بالقلعة وأجلست أخاه شمس الدولة في الملك نحو سنة ثمّ أطلقه وأعادت مجد الدولة إلى ملكه وسار شمس الدولة إلى همذان وصارت هي تدبّر الأمر وتسمع رسائل الملوك إلى أن توفّيت سنة 419 وكان مجد الدولة ضعيف الرأي ، اختلّ نظام ملكه وامتنع أمراؤه عن تنفيذ أوامره. وفي ثاني عشر جمادى الأولى سنة 422 قبض عليه سلطان محمود وانقطع به أثر آل بويه ممّن ينتمي إلى مجد الدولة. وجاء في روضة الصفا : إنّ السلطان محمود لمّا أسر مجد الدولة كتب إلى الخليفة العبّاسي بأنّه وجد في بيته خمسون امرأة ؛ ثلاثون منها أمّهات أولاد ، فسأله على أيّ مذهب تزوّجت هذه النسوة؟ فقال : على مذهب أسلافي ؛ أراد ما يجوّزه مذهب الإماميّة من نكاح المتعة. عزّ الدولة (أبو كاليجار المرزبان) ابن سلطان الدولة بن بهاء الدولة بن عضد الدولة بن بويه ، توفّي سنة 440 بعد وفاة جلال الدولة أربع سنين وشهرين وأيّاما ، وخلّف من الأولاد الملك رحيم والأمير أبا منصور فلادستون وأبا طالب ـ كما مرّ ـ وأبا المظفّر بهرام ، وأبا علي كيخسرو وأبا سعد خسرو شاه وثلاث بنات صغيرات ، وكانت وفاته بمدينة جناب من كرمان ، وكان سبب سيره إليها أنّه ولي إمارة كرمان بهرام بن لنكرستان الديلمي فتراخى بهرام عن تنفيذ أمره فراسل بعض من بها من الأجناد إلى أبي كاليجار فعلم بهم فهرام فقتلهم فسار إليهم ملك أبو كاليجار فبلغ قصر مجاشع فوجد في حلقه خشونة فلم يبال بها وشرب وأكل من كبد غزال مشوي واشتدّت علّته ولحقته حمّى وضعف عن الركوب ولم يمكنه المقام لعدم الميرة بذلك فحمل في محفّة على أعناق الرجال إلى مدينة جناب فتوفّي بها فنهب العسكر من الأتراك الخزائن والسلاح والدوابّ ، وأرادوا نهب الوزير والأمير فمنعهم الديلم عن ذلك. أبو منصور (فلادستون بن كاليجار) استولى على شيراز فسار إليه أبو سعد خسرو شاه بأمر أخيه ملك رحيم وملكوا شيراز وخطبوا للملك رحيم ، وقبضوا فلادستون ووالدته وجرت بينه وبين إخوته محاربات دارت أكثرها عليه إلى أن قبض وسجن في بعض قلاعه سنة خمس وأربعين وأربعمائة. الملك رحيم خسرو فيروز أبن أبي كاليجار ، كان نائب أبيه في بغداد ، واستقلّ بها بعد وفاة أبيه ، وتصرّف في فارس وخوزستان والبصرة ، وجرت له عدّة حروب إلى أن قبض عليه طغرل بيك السلجوقي وسجنه في قلعة طبرك سنة 447 وبه انقرضت دولة آل بويه ، وأطاع أخوه أبو علي كيخسرو السلاجقة ، وكانوا يكرمونه واقطعوه بيدجان من فارس ، وكان ألب أرسلان السلجوقي يوقّره ويجلسه على جانبه ، إلى أن توفّي سنة 477 وبوفاته ختم ذكر آل بويه. هذا ملخّص أخبارهم نقلا عن المصادر الوثيقة ، ونبغ من هذا البيت الرفيع عدّة من الأعلام ، منهم أبو جعفر قطب الدين الرازي البويهي الحكيم الإلهي المنطقي محمّد بن محمّد صاحب المحاكمات وشرح المطالع والشمسيّة وغيرها ، ذكره في روضات الجنّات ، وسنورد لك نبذة من أخبارهم في محلّه. العمارة الخامسة للأمير أرسلان البساسيري عليه الرحمة ، كما ذكره السيّد الشهيد القاضي نور الله التستري في مجالس المؤمنين (1) نقلا عن تاريخ ابن كثير. قال : إنّ البساسيري أمر بعمارة عالية على قبر الإمامين عليّ الهادي والحسن العسكري عليهماالسلام وإلى ذلك أشار العلّامة الخبير الشيخ محمّد السماوي دام وجوده في وشايح السرّاء (2) : ثمّ أتى الأمير أرسلان إذ عاف بغداد ومن قد كانوا وحلّ تكريت وخلّى القائما من الخلاف قاعدا وقائما مغاضبا من اعتداء الهمج على مقابر الهداة الحجج فعمّر القبّة والضريحا وبذل النقد بها الصريحا وعمل الصندوق من ساج الخشب وجعل الرمّان فيه من ذهب وذاك في خمس وأربعينا من بعد أربع من المئينا فطاب بالإعلاء والإعلان وأرّخوا (علا بأرسلان) (3) وجاء في كتاب الحوادث الجامعة في المائة السابعة للعلّامة المؤرّخ ابن الفوطي البغدادي : إنّه في سنة أربع وستّئماة وقع حريق في مشهد سرّ من رأى ، فأتى على ضريحي عليّ الهادي والحسن العسكري ، فتقدّم الخليفة المستنصر بالله بعمارة المشهد المقدّس والضريحين الشريفين وإعادتهما إلى أجمل حالاتهما ، وكان الضريحان ممّا أمر بعملهما أرسلان البساسيري ، خرج على الخليفة القائم بأمر الله فأراد الله تعالى أن ينزّههما من منّة البساسيري فجعل النار سببا لإزالة اسمه. __________________ (1) مجالس المؤمنين : 313. (2) وشايح السرّاء : 29. (3) مطابقة لسنة 345. ليت شعري كيف تصير النار سببا لأزالة اسم البساسيري؟ فهل يجوز أن نقول في وقوع الحريق الثاني الآتي ذكره في العمارة الثامنة أنّ الله جعل النار سببا لأزالة اسم المستنصر بالله حين احترق الضريحان اللذان أهداهما المستنصر إلى العسكريين عليهماالسلام وكذا احترقت الروضة النبويّة صلىاللهعليهوآله واحترقت الروضة العلويّة عليهالسلام في النجف والروضة الكاظميّة عليهالسلام وهذا كلام لا يليق لمثله ولعلّه من طغيان القلم ، والعصمة لمن عصمه الله تعالى. نبذة من تاريخ البساسيري جاء في الكنى والألقاب للعلّامة المحدّث القمّي : البساسيري أبو الحارث ارسلان ابن عبد الله التركي ، مقدّم الأتراك ببغداد ، الذي خطب له على منابر العراق وخوزستان فعظم أمره وهابته الملوك ، ثمّ خرج على القائم بأمر الله وأخرجه من بغداد وخطب للمستنصر العبيدي صاحب مصر بجامع المنصور وزيّد في الأذان «حيّ على خير العمل» فراح القائم بأمر الله إلى أمير العرب محي الدين العقيلي صاحب الحدثيّه فآواه وقام بجميع ما يحتاج إليه مدّة سنة كاملة حتّى جاء طغرل بك السلجوقي وقاتل البساسيري وقتله وعاد القائم إلى بغداد. وكان دخوله في مثل اليوم الذي خرج منها بعد حول كامل ، وكان ذلك في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة 451. والبساسري نسبة إلى بلدة بفارس يقال لها بساو بالعربيّة فسا والنسبة فسوي ، وأهل فارس يقولون بساسيري نسبة شاذّة على خلاف الأصل. وقال أبو الفداء في حوادث سنة إحدى وخمسين وأربعمائة من تاريخه : كان البساسيري مملوكا تركيّا من مماليك بهاء الدولة بن عضد الدولة من بسا وهي مدينة بفارس ، كان اسمه أرسلان ، وكان سيّد هذا المملوك من بسا ، فقيل له البساسيري.
| |
|
| |
الشيخ شوقي البديري الشيخ شوقي البديري
عدد المساهمات : 2973 نقاط : 4624 تاريخ التسجيل : 17/06/2012 العمر : 59 الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق
| موضوع: رد: ماثر الكبرى في تاريخ سامراء ج1 الجمعة أكتوبر 25, 2024 6:06 am | |
| وقال (1) : وخطب البساسيري بجامع المنصور للمستنصر بالله العلوي خليفة مصر ، وأمر فأذّن بحيّ على خير العمل. وفي تاريخ الفخري الطقطقي : إنّه وقع شرّ بين وزير القائم بأمر الله وهو عليّ بن الحسين بن أحمد بن محمّد بن عمر بن المسلمة رئيس الرؤساء وبين البساسيري أبي الحارث التركي ، وكان أحد الأمراء ، فاقتضى الحال أنّ البساسيري هرب ثمّ جمع الجموع وورد بغداد واستولى عليها ثمّ ظفر بابن المسلمة رئيس الرؤساء. وقال أبو الفداء أيضا : قد حبس البساسيري رئيس الرؤساء فأحضره من الحبس ، فقال رئيس الرؤساء : العفو. فقال له البساسيري : فما عفوت وأنت صاحب طيلسان وفعلت الأفعال الشنيعة مع حرمي وأطفالي وكانوا قد ألبسوا رئيس الرؤساء استهزاء به طرطورا من لبد أحمر وفي رقبته مخنقة جلود وطافوا به ، فلمّا مرّ رئيس الرؤساء بتلك الحالة على أهل الكرخ بصقوا في وجهه لأنّه كان يتعصّب عليهم. وفي تاريخ الفخري : نثروا عليه أهل الكرخ المداسات الخلقة وبصقوا في وجهه ، ووقف بأزاء دار الخلافة من الجانب الغربي ثمّ أعيد وقد نصبت له خشبة في باب خراسان فأنزل عن الحمار وخيط عليه جلد ثور قد سلخ في الحال وجعلت قرونه على رأسه وعلّق بكلاب في حلقه واستبقي في الخشبة حيّا إلى أن مات من يومه. وقال القاضي في مجالسه نقلا عن حبيب السير إنّه كان من أمراء ديلم وكان بينه وبين رئيس الرؤساء وزير القائم بأمر الله منافسة لأجل مخالفتهما في المذهب ، فخرج البساسيري من بغداد واستنصر من المستنصر العلوي فأمدّه بالرجال لعلمه بأنّه موافق له في مذهبه التشيّع ، فدخل بغداد مع جيشه في ثامن ذي القعدة __________________ (1) تاريخ أبي الفداء : 186. سنة 450 وكان معه رايات بيض فاستقبله أهل الكرخ واستدعوا منه أن ينزل عندهم فأجابهم ونزل عندهم ، وكان أهل الكرخ كلّهم شيعة ، ثمّ أمر البساسيري بنهب دار الخلافة وسائر بيوت الكتّاب والخدم والقاضي ، وأمر المؤذّن في المساجد والجماعات بحيّ على خير العمل ، وضرب الدراهم باسم المستنصر العلوي ، وخطبوا باسمه ، وأظهر العدل والإحسان على أحبّائه ، وقتل خلقا كثيرا من المخالفين ، وأحضر الخليفة القائم بأمر الله وهو السادس والعشرون من الخلفاء العبّاسيّين مع وجوه الأمراء وأخذ منهم البيعة للمستنصر العلوي ، وألزم الخليفة حتّى كتب بخطّه : ليس لنا حقّ في الخلافة مع وجود بني فاطمة ، فلمّا فرغ من مهمّات أموره توجّه إلى زيارة أمير المؤمنين وأبي عبد الله الحسين عليهماالسلام ، وأمر بحفر نهر من الفرات إلى كربلاء ، وأمر بعمارة عالية على قبر الإمامين العسكريّين عليهماالسلام في سامرّاء. قال أبو الفداء : قتل البساسيري في الثامن ذي الحجّة ، وانهزمت أصحابه ، وحمل رأسه إلى طغرل بك ، وأخذت أمواله مع نسائه وأولاده ، ثمّ أرسل طغرل بك رأس البساسيري إلى دار الخلافة فصلب قبالة الباب النوبي. العمارة السادسة للسلطان بركيارق بن ملكشاه بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق ، كما أشار بذلك العلّامة السماوي في وشايح السرّاء (1) : ثمّ أتاها الركن بركياروق ومطلع السعد من آل سلجوق فجدّد الأبواب في أغلى الخشب وسيّج الروض وجاد بالنشب __________________ (1) وشايح السرّاء : 30.
ورمّم القبّة والرواقا والصحن والدار بما أطاقا ومدّ في الأعمار فيه طوله على يد الوزير مجد الدوله في الخمس والتسعين حيث أتبعا من هجرة الهادي المآت الأربعا إذ جاء بغداد ونال المكنه فأرّخوا (المجد أقام ركنه) (1) وكان بركيارق من أعاظم ملوك السلجوقيّة ، توفّي في سنة ثمان وتسعين وأربعمائة ، وكان عمره خمسا وعشرين سنة ، وملك اثنتي عشرة سنة وأربعة أشهر ـ على ما ذكره الجزري في الكامل. وقال بركيارق : قاسى من الحروب واختلاف الأمور عليه ما لم يقاسه أحد ، واختلفت به الأحوال بين رخاء وشدّة وملك وزواله ، وأشرف على عدّة نوب بعد استلام النعمة على ذهاب المهجة ، ولمّا قوي أمره في هذا الوقت وأطاعه المخالفون وانقادوا له أدركته منيّته ولم يهزم في حروبه غير مرّة ، وكان أمراؤه قد طمعوا فيه للاختلاف الواقع حتّى أنّهم كانوا يطلبون نوّابه ليقتلوهم فلا يمكنه الدفع عنهم ، وكان متى خطب له ببغداد وقع الغلاء ووقفت المعايش والمكاسب ، وكان أهلها مع ذلك يحبّونه ويختارون سلطانه ، وكان حليما كريما صبورا عاقلا ، كثير المداراة ، حسن القدرة ، لا يبالغ في العقوبة ، وكان عفوه أكثر من عقوبته. ولمّا توفّي أبوه السلطان ملكشاه ليلة الجمعة النصف من شوّال سنة 485 سترت زوجته تركان خاتون المعروفة بخاتون الجلالة موته وكتمته وأرسلت إلى الأمراء سرّا فأرضتهم واستخلفتهم لولدها محمود وعمره أربع سنين وشهور ، وأرسلت تركان خاتون إلى أصبهان في القبض على بركيارق ابن السلطان وهو أكبر أولاد السلطان ملك شاه وخافته أن ينازع ولدها السلطنة ، فقبض عليه __________________ (1) مطابقة لسنة 495. وحبس ، فلمّا ظهر موت ملكشاه وثب المماليك النظاميّة على سلاح وثاروا في البلد وأخرجوا بركيارق من الحبس وخطبوا له بأصبهان وملّكوه ، وكانت والدة بركيارق زبيدة ابنة ياقوتي بن داود وهي ابنة عمّ ملكشاه خائفة على ولدها من تركان خاتون أمّ محمود ، فاتفق أنّ محمودا مات بمرض الجدري بأصبهان سنة 487 فهذا من أحسن الفرج بعد الشدّة لبركيارق. وفي سنة 487 خطب ببغداد للسلطان بركيارق ولقّبه المقتدي بأمر الله العبّاسي بركن الدولة. وفي هذه السنة قتل السلطان بركيارق عمّه تتش وغرّقه وقتل ولده معه ، وكان ملكشاه قد أخذه فلمّا خرج عليه كحّله وحبسه بقلعة تكريت ، فلمّا قتله بقي بسرّ من رأى. وفي سنة تسعين وأربعمائة جهّز بركيارق العساكر مع أخيه الملك سنجر وسيّرها إلى خراسان لقتال عمّه أرسلان أرغون ، فلمّا وصلوا إلى دامغان بلغهم خبر قتله فأقاموا حتى لحقهم السلطان بركيارق وساروا إلى نيسابور وملكها بغير قتال وكذلك سائر البلاد الخراسانيّة ، وساروا إلى بلخ وأرسل بركيارق إلى ماوراء النهر فأقيمت له الخطبة بسمرقند وغيرها ، ودانت له البلاد ، وفي سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة سار بركيارق من الري إلى خوزستان ، ثمّ سار إلى واسط ودخل بغداد وأعيدت له الخطبة ، ثمّ سار من بغداد إلى شهرزور فأقام بها ثلاثة أيّام والتحق به عالم كثير من التركمان وغيرهم فسار نحو أخيه السلطان محمّد ليحاربه ووقعت بينهما حروب كثيرة ، ثمّ اتفقوا على الصلح ، في سنة أربع وتسعين وأربعمائة أمر السلطان بركيارق في شعبان بقتل الباطنيّة وهم الإسماعيليّة وهم الذين كانوا يسمّون القرامطة. وفي سنة خمس وتسعين وأربعمائة أمر وزيره مجد الدولة بعمارة مشهد سرّ من رأى. العمارة السابعة للإمام الناصر العبّاسي قال العلّامة السماوي في وشايح السرّاء مشيرا إلى عمارة أحمد الناصر الذي كان في سنة 606 : ثمّ أتاها الناصر العبّاسي بفيض جود وضرام باس فعمّر القبّة والمآذنا وزاد في تشييدها المحاسنا وزيّن الروض بما قد ابتهج وعقّد السرداب في صنع الأزج ومنّع الحوض بذاك الروض أن يأخذ امرؤ تراب الحوض وزبّر الأئمّة الإثنى عشر على نطاق العقد فيما قد زبر على يد الشريف بدر البعد معد فتى محمّد بن معد وجعل الألواح فيه منبئه عن وقته في الستّ والستّمئه فنظروا ما قد زها في الدائر وأرّخوا (أصبح سعد الناصر) صفة بناء سرداب الغيبة ليس اشتهار هذا السرداب بسرداب الغيبة لأنّ الحجّة عجّل الله تعالى فرجه غاب فيه كما زعمه من يجهل التاريخ ، بل لأنّ بعض الأولياء تشرّف بخدمته عليهالسلام وقد أشرنا إلى ذلك تحت عنوان «درجة سامرّاء» ، وحيث أنّ مبيت الثلاثة من الأئمّة ومعبدهم في طول المدّة وحظى فيه عدّة من الصلحاء بلقاء الحجّة عليهالسلام صار من البقاع المتبرّكة ، فينبغي للزائر إتيانه بخضوع وخشوع وحضور قلب والوقوف على بابه ، والدعاء والاستيذان بالمأثور ، وتقديم الرجل اليمنى ثمّ الإتيان بما روي من الأدعية والزيارات والصلوات. وهو الآن واقع في غربي صحن العسكريّين عليهماالسلام من جهة الشمال ، وقد طرأت عليه إصلاحات ، ومرّ عليه بعض العمارات والتغييرات في بعض جوانبه ، وكان هذا السرداب داخل البيت وطريقا في البناء القديم من وراء مرقد العسكريّين صلىاللهعليهوآله عند قبر أمّ القائم الذي صار اليوم داخل الرواق ، وكان الزائر بعد زيارة العسكريّين ينزل في الدرج ويمشي في أزجّ جتّى يدخل السرداب من جهة قبلته ، وكان الأمر كذلك إلى حدود عام اثنين ومأتين بعد الألف ، فلمّا تصدّى لعمارة هذه البقعة المباركة الملك المؤيّد أحمد خان الدنبلي جعل للسرداب بابا من جهة الشمال وسدّ باب القبلة ، وكان الباب من أثمن الأخشاب إلى عصرنا هذا ، فأنفق سهم الملك القاجاري مبلغا جزيلا لجعله بابا فضّيّا فقلعوا الباب الخشبي ونصبوا مكانه بابا فضّيّا ونصبوا الخشبي على باب المسجد الذي كان على عرش السرداب وهو اليوم له عشرة درجات مفروشة بالرخام الصقيل ، فينزل الزائر منها إلى رحبة لا يقلّ طولها عن ثلاثة عشر ذراعا ، والباب المشبّك الخشبي المنصوب على الصفّة في السرداب المقدّس في يومنا هذا من الآثار الباقية للإمام المستنصر العبّاسي ، وقد عمله في سنة ستّ وستّمائة. وذكر العلّامة النوري في كشف الأستار (1) : إنّ الناصر لدين الله أحمد بن المستضيء بنور الله من خلفاء العبّاسيّة ، هو الذي أمر بعمارة السرداب الشريف وجعل على الصفّة التي فيه شبّاكا من خشب ساج منقوش عليه : بسم الله الرحمن الرحيم ، (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ.) هذا ما أمر بعمله سيّدنا ومولانا الإمام المفترض الطاعة على جميع الأنام أبو العبّاس أحمد الناصر لدين الله أمير المؤمنين وخليفة ربّ العالمين __________________ (1) كشف الأستار : 43 طبع سنة 1318. الذي طبّق البلاد إحسانه وعدله ، وعمّ البلاد رأفته وفضله ، قرّب الله أوامره الشريفة باستمرار النهج والنشر ، وناطها بالتأييد والنصر ، وجعل لأيّامه المخلّدة حدّا لا يكبو جواده ، ولآرائه الممجّدة سعدا لا يخبو زناده ، وفي عزّ تخضع له الأقدار فيطيعه عواليها ، وملك خشع له الملوك فيملكه نواصيها ، يتولّى المملوك معد بن الحسين بن معد الموسوي الذي يرجو لحياته في أيّامه المخلّدة ويتمنّى إنفاق عمره في الدعاء لدولته المؤيّدة ، استجاب الله أدعيته ، وبلّغه في أيّامه الشريفة أمنيّته ، من سنة ستّ وستّمائة الهلاليّة ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، وصلّى الله على سيّدنا خاتم النبيّين وعلى آله الطاهرين وعترته وسلّم تسليما». ونقش أيضا على الخشب المذكور من طرف داخل الصفّة كالنطاق : «بسم الله الرحمن الرحيم ، محمّد رسول الله ، أمير المؤمنين عليّ وليّ الله ، فاطمة ، الحسن بن علي ، الحسين بن علي ، عليّ بن الحسين ، محمّد بن علي ، جعفر بن محمّد ، موسى بن جعفر ، عليّ بن موسى ، محمّد بن علي ، عليّ بن محمّد ، الحسن بن عليّ ، القائم بالحقّ عليهمالسلام. هذا عمل عليّ بن محمّد وليّ آل محمّد رحمهالله». فالمصراع من طرف اليمين لمن يدخل في الصفّة ثمانية أشبار طولا ، وعرضه شبران ، وكذا المصراع الثاني ، وهذا الخشب من التحف والآثار الثمينة ، ولقد مضى عليه إحدى وخمسون وسبعمائة سنة ، وهو بعد جديد كأنّه من صنع اليوم مع كثرة المصادمات الواردة عليه من ازدحام الزوّار ، وكانت الصفّة طولها تسعة أشبار وعرضها أربعة أشبار وأربعة أصابع ، وكانت هذه الصفّة موضع حوض في أيّام العسكريّين عليهماالسلام ، فلمّا صارت الدار مزارا جعلت هذه الصفّة محلّا لإلقاء العرائض إلى الحجّة عليهالسلام وظهور التوقيعات في بعض الأحيان ، كما أشار بذلك السيّد الأجل ابن طاوس رحمهالله في أواخر كتاب فرج المهموم ، واختصّ ذلك المكان بمزيد شرافة واحترام ، وتقبيل واستشفاء والتبرّك به. وكان الأمر كذلك إلى أن تغيّرت هيئة السرداب وسدّ الأزج وفتح باب له من جهة الشمال وعيّنت له الخدم ، فلمّا رأت سدنته رغبة المؤمنين إلى زيارة تلك البقعة جعلوا يأخذون تراب ذلك المكان ويعطونه الزائرين بإزاء دراهم معدودة ، فأدّى ذلك أن حفرت تلك البقعة مقدار درجتين ثمّ تصدّى إلى طمّها العلّامة الكبير الشيخ عبد الحسين الطهراني رحمهالله ، ثمّ حفرها بعض السدنة لمقاصدهم الخاصّة وسمّوها بئر صاحب الزمان ، فكثرة شكوى الزائرين في عصر آية الله المجدّد الميرزا محمّد حسن الشيرازي طاب رمسه ، فعمل بعض العوام بابا فضّيّا على حدّ فم البئر ونصبه عليها ، فلم تنقضي الأيّام والليالي إلّا وسرق الباب وعاد الأمر كما كان ، وإنّ آية الله المجدّد رحمهالله مع سيطرته في سامرّاء لم يتمكّن من تغيير ذلك إلى أن زالت الدولة العثمانيّة من العراق فسعى في طم البئر المولى الحجّة الميرزا محمّد الطهراني أدام الله بقاه فطمّها بمعونة الحكومة وفرشها بالرخام الصقيل ، ومع ذلك فقد جعلوا الآن ثقبا تحت الرخام بمقدار أن يدخل الكفّ فيه لأخذ التراب ، وربّما وضعوا التراب فيها من الخارج لإعطائه الزائرين الذين لا يعلمون حقيقة التراب. ونظير هذه المشكلة البئر التي عند الباب الذي يفتح إلى صحن الحجّة عليهالسلام غربا حيث يزعم عوام الناس أنّ قطرة من حليب ثدي حكيمة بنت الإمام الجواد عليهالسلام وقع فيها فيمثّل الناس مثل البدر الكامل إذا نظر في البئر ويزدحم العوام على البر كازدحام الحاجّ على بئر زمزم ويأخذون من مائها ويتبرّكون به ، وكان على رأس البئر بعض السدنة يأخذ منهم بعض دراهم زهيدة ويعطيهم شربة منه ، ولعمري إنّ هذا من حيل بعض السدنة وهو جهل مفرط سيطر على بعض الجهّال من الزائرين ، والعلماء هم المسئولون عند الله لتركهم النهي عن المنكر وردع الجهّال عن مثل هذه الخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان ، ويبرأ منها كلّ شيعيّ خبير ، وقد أشار إلى بعض ما ذكرناه العلّامة المحدّث الميرزا حسين النوري قدسسره في مزاره المسمّى (تحيّة الزائر) الفارسي المطبوع في ايران ، وأنا أذكر عين العبارة ، قال رحمهالله (1) : «ودر ميان صفّه مذكوره وسرداب مقدّس شبّاكى است با درى از چوب ساج كه آن را به امر احمد الناصر بالله العبّاسى در سنه ششصد وشش ساخته اند چنانچه صورت آن با بعض آيات شريفه در كتيبه آنجا مرقوم است ، وآنچه از مشايخ دست بدست رسيده اين است كه اين صفّه محلّ حوض بود به جهت وضو گرفتن آن بزرگواران در آن سرداب ، پس از آنكه خانه آن بزرگواران مزار ومحلّ عبادت مردم شده اين صفّه شريفه معيّن شده بود به جهت گذاشتن وانداختن عرايض ورقاع حاجات كه شيعيان به حضرت صاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه مى نوشته اند وبه آنجا مى گذاشته اند ، وهر وقت صلاح بود جواب عريضه از آنجا يا از خارج به صاحبش مى رسيد ، چنانچه بعضى از حكايات آن را سيّد جليل على ابن طاوس در اواخر كتاب فرج المهموم نقل كرده. وبه ملاحظه اين سيره وعادت در طرف راست در وسط شبّاك سوراخى بقدر آنكه دست در ميان آن برود ورقعه را بيندازد گذاشته اند كه در طرف ديگر نظير آن را ندارد وهر كس تأمّل كند مى داند كه اين سوراخ ساخته براى همين كار بود وآن محل در همه آن سرداب امتيازى پيدا كرد در تبرّك وشرافت واحترام وبوسيدن واستشفا تا آنكه صحن وراه سرداب مقدّس از آن صحن مطهّر جدا شد واز غير جنس خدمه براى او ظاهر شد وديدند حرص ورغبت شيعيان را به آن محلّ شريف وغلبه واستيلاء خود را بر آن غربا وزوّار بى معين لهذا آن را براى كسب غير طيّب خود سرمايه كردند وبراى جلب منافع از ايشان آن را دكّانى قرار داده اند وبه اقسام حيل از آنها فائده مى بردند وكم كم به دادن __________________ (1) تحيّة الزائر : 244. ريگ وخاك آن را به آن بيچارگان وگرفتن چيزى مقدارى از آنجا گود شد ودر چهل وهفت سال قبل تقريبا كه اوّل مشرّف شدن حقير بوده به آن آستانه مباركه گودى آنجا تا دو پله رسيده بود وباز زياد شد تا آنكه زمانى كه شيخ عالم جليل علّامه عصر خود شيخ عبد الحسين طهرانى طاب ثراه به جهت تذهيب قبّه مطهّره واصلاح صحن منوّر به آنجا مشرّف شدند پس از مشاهده آن خرابى وزياد شدن در هر روز وخوف وصدمه رسيدن به اساس عمارت مقرّر فرمودند آنجا را پر كردند تا مقدار دو پله به بالا مانده آن را به آجر گچ محكم نمودند. پس از وفات آن مرحوم چون در سرمايه آن جماعت اوباش به جهت بنائى خللى پيدا شد دوباره آن بنا را خراب كردند وبه دادن ريگ وسنگ آنجا به جهّال زوّار وبردن عوام بى لجام كالانعام را در آنجا به اسم تبرك بازار كسب خود را رونقى دادند وكم كم بمنزله چاهى شد واسم آن را چاه صاحب الزمان گذاشته اند وجزء مناسك زوّار شد كه بايد به آنجا روند از چاه صاحب الزمان سؤال كنند وبه انواع بى ادبى وجسارت خود را در ميان چاه افكنند ومقدارى ريگ بردارند تمام اين حركات بى اصل وبى پا وخلاف ادب واحترام بلكه در بعضى از مواضع شبهه حرمت دارد ولكن درد جهل را دوائى جز پرسش از عالم يا تنبيه ونهى عالم نيست واين هر دو از ميان رفته وبالله المستعان ، انتهى بألفاظه. اعتقاد الإماميّة في صاحب السرداب تقدّم تحت عنوان «درجة سامرّاء» ما ينفعك هنا أنّ الإماميّة جميعا تعتقد أنّ الحجّة بن الحسن عجّل الله فرجه اسمه اسم رسول الله صلىاللهعليهوآله وكنيته كنيته وشمائله شمائله ، ولد في سرّ من رأى في شهر شعبان سنة 256 من صلب الإمام الحسن العسكريّ عليهالسلام ورحم الطاهرة المليكة نرجس خاتون ، وكان حمله وولادته نحو ولادة موسى بن عمران عليهالسلام مستورا لم يطّلع عليه إلّا الخواصّ قبل ولادته وبعد ولادته ، فلمّا توفّي أبوه غاب عن الأنظار لا أنّه دخل في السرداب وأمّه تنظر إليه كما توجد هذه العبارة في بعض كتب العامّة ، وإنّ الشيعة الإماميّة تبرأ من هذه المعتقدات التي يلصقها بهم من أراد الحطّ من كرامة مذهبهم بما لم تجوّز له الشريعة الإسلاميّة كابن التيميّة الحرّاني في الجزء الثاني من كتابه منهاج السنّة (1) وقد أطنب في تلفيقاته الكاذبة وجاء بسبّ وشتم وتكفير ويكثر من البذاء على الشيعة ولا يراعي أدب الدين ، أدب العلم ، أدب التأليف ، أدب الأمانة في النقل ، أدب النزاهة في الكتابة ، أدب العفّة في البيان ، وقد أكثر من المخاريق والمفتريات بما لا مزيد عليه إلّا أنّ الشيعة معتقداتهم بفضل المطابع انتشرت في شرق الدنيا وغربها ولا يوجد فيها ممّا لفّقه ابن تيميّة في منهاجه. ثمّ إنّ الشيعة تعتقد أيضا أنّه عليهالسلام يظهر من مكّة المعظّمة ويهاجر إلى الكوفة ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا متى شاء الله تبارك وتعالى ، وبهذا تواترت الأخبار من الفريقين فمن أراد تفصيل ذلك فليرجع إلى كشف الأستار للعلّامة النوري ، أو غاية المرام للسيّد هاشم البحراني ، أو الثالث عشر من البحار للعلّامة المجلسي ، أو غيرهما ممّا لا تحصى كثرة. وذكر في غاية المرام مائة وخمسة وستّين حديثا من طرق العامّة المستخرجة عن كتب مشاهير علمائهم بأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : يخرج من ولدي رجل اسمه اسمي وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي ، وهو مهديّ هذه الأمّة ، يظهر في آخر الزمان ويملأ الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا ، فإذا اعترف أكثر من مأتين من الأساتذة الأعلام من العامّة بصفة المهدي وحياته وظهوره في آخر الزمان فما ذنب الإماميّة في ذلك حتّى شنّع عليهم بعض أعلامهم بقوله اللاذع؟! __________________ (1) منهاج السنّة 2 : 145. فنسأل الله أن يجمع كلمة المسلمين بحقّ محمّد وآله الطاهرين ، ولعمري لو لا هذه المشاجرات وإعمال التعصّبات لما آل أمر الإسلام إلى حضيض الانحطاط ، فصار ما صار ممّا لست أذكره. نبذة من أخبار أحمد الناصر وتاريخه قال السيوطي في تاريخ الخلفاء : الناصر لدين الله أحمد بن المستضيء بأمر الله حسن بن المستنجد يوسف ، كنيته أبو العبّاس ، ولد يوم الاثنين عاشر رجب سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة ، وأمّه تركيّة اسمها زمرّد ، وبويع له عند موت أبيه في مستهلّ ذي القعدة سنة 575 ولم يل الخلافة أحد أطول مدّة منه من خلفاء بني العبّاس فإنّه أقام فيها سبعا وأربعين سنة ، ولم يزل مدّة حياته في عزوجلال وتولّى الخلافة وهو ابن ثلاث وعشرين سنة ، ومات يوم الأحد سلخ رمضان سنة 533 وكان عمره سبعين سنة ، وحمل على أعناق الرجال إلى البدريّة بالرصافة ودفن بها رحمهالله. وقال القرماني في أخبار الدول : كان الناصر لدين الله أبيض تركي الوجه ، أقنى الأنف ، مليحا ، خفيف العارضين ، أشقر اللحية ، رقيق المحاسن ، وكان يتشيّع ويميل إلى مذهب الإماميّة بخلاف آبائه حتّى أنّ ابن الجوزي سئل بحضرته من أفضل الناس بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : أفضلهم بعده من كانت بنته في بيته ولم يقدر أن يصرّح بتفضيل أبي بكر. أقول : ولتشيّعه أعدّ لنفسه مقبرة عند قبر الإمامين الكاظميّين عليهماالسلام غير أنّ ولده لم يكن على مذهبه ولم يكترث بهذا ودفنه في البدريّة بالرصافة فبقيت المقبرة مطموسة الأثر إلى أن توفّي المولى المحقّق الطوسي رحمهالله فدفن في ذلك السرداب كما ذكره السيّد في روضات الجنّات ص 611 في حرف الميم في ترجمة الخواجة نصير الملّة والدين محمّد ابن محمّد بن الحسن الطوسي رحمهالله قال : ودفن بالمشهد الكاظمي على مشرّفه السلام في سرداب وجدوه هناك مرتّبا معيّنا وبالغضارات الملبنة المنقّشة بالألوان مزيّنا مكتوبا عليه هذا قبر قد ادّخره الناصر بالله العبّاسي لنفسه .. الخ. وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء : وأجاز له جماعة منهم أبو الحسين عبد الحق اليوسفي ، وأبو الحسن علي بن عساكر البطايحي ، وشهده وأجاز هو لجماعة ، فكانوا يحدّثون عنه في حياته ، ويتنافسون في ذلك رغبة في الفخر لا بالإسناد. أقول : هذا تخرّص بالغيب لأنّ الرغبة من أفعال القلب لا يعلمها إلّا الله ، والطعن على العلماء من غير ذكر بيّنة وبرهان لا ينبغي لمثل جلال الدين السيوطي. قال : إنّ أحمد الناصر اشتغل برواية الحديث في وسط ولايته ، واستناب نوّابا في الإجازة عنه والتسميع وأجرى عليهم جرايات وكتب للملوك والعلماء إجازات ، وجمع كتابا يحوي سبعين حديثا ووصل إلى حلب وسمعه الناس ، وأجاز لجماعة من العلماء والأعيان فحدّثوا عنه ، منهم ابن سكينة وابن الأخضر ، وابن النجّار ، وابن الدامغاني وآخرون. وقال شيخنا العلّامة الخبير الشيخ آقا بزرك الطهراني دام وجوده في كتابه «الأنوار الساطعة» الذي ألّفه في تراجم علماء المائة السابعة ما نصّه : «الناصر لدين الله أحمد بن المستضيء يروي عنه إجازة السيّد النسّابة فخار بن معد الموسوي المتوفّى سنة 630 وله كتاب فضائل أمير المؤمنين عليهالسلام رواه السيّد ابن طاوس في كتاب اليقين عن السيّد فخار عن الناصر. قال : ومن آثاره الباقية الباب المشبّك الخشبي المنصوب على الصفّة بالسرداب المقدّس في سامرّاء وقد عمل الباب في سنة 606 كما كتب عليه بمباشرة السيّد الجليل الشريف معد بن الحسين بن معد الموسوي ، وهو يروي في كتابه المذكور عن أبي الحسين عبد الحق بن أبي الفرج الأمين إجازة ، وعن أبي جعفر أحمد القاضي إجازة ، وعن أبي لا حق بن علي بن منصور بن إبراهيم إجازة». وقال محمّد بن شحنة الحنفي في روضة المناظر : إنّ الناصر بالله كان يتشيّع .. الخ. وقال الطقطقي في تاريخه : كان الناصر لدين الله من أفاضل الخلفاء وأعيانهم ، بصيرا بالأمور ، مجرّبا سائسا مهيبا مقداما عارفا شجاعا متأيّدا ، حاد الخاطر والنادرة ، متوقّد الذكاء والفطنة ، بليغا غير مدافع عن فضيلة علم ولا نادرة فيهم ، يفاوض العلماء مفاوضة خبير ، ويمارس أمور السلطانيّة ممارستي بصير ، وكان يرى رأي الإماميّة ، طالت مدّته وصفا له الملك ، وأحبّ مباشرة أحوال الرعيّة بنفسه حتّى كان يتمشّى في الليل في دروب بغداد ليعرف أخبار الرعيّة وما يدور بينهم ، وكان كلّ أحد من أرباب المناصب والرعايا يخافه ويحاذره بحيث كأنّه يطّلع عليه في داره ، وكثرت جواسيسه وأصحاب أخباره عند السلاطين وفي أطراف البلاد ، وله في مثل هذا قصص غريبة وصنّف كتبا وسمع الحديث النبوي صلىاللهعليهوآله وأسمعه ولبس لباس الفتوّة وألبسه ، وتفتّى له خلق كثيرون من شرق الأرض وغربها ، وكان نادرة زمانه ورجل عصره ، في أيّامه انقرضت دولة آل سلجوق في عصره بالكلّيّة. وقال اليافعي في مرآة الجنان في حوادث سنة 622 : كان أحمد الناصر فيه شهامة وإقدام ، وعقل ودهاء ، وهو أطول بني العبّاس خلافة كما أنّ الناصر لدين الله الأموي صاحب الأندلس أطول بني أميّة دولة. أقول : كما أنّ ناصر الدين شاه قاجار أطول بني قاجار ملكا ، ملك خمسين سنة. قال : وكان الناصر مستقلّا بالأمور متمكّنا من الخلافة ، يتولّي الأمور بنفسه ، حتّى كان يشقّ الدروب والأسواق أكثر الليل والناس يتهيّبون لقاءه ، وما زال في عزوجلالة وسعادة عاجلة. وقال : إنّ الملك الأفضل نور الدين علي ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب كتب إلى الإمام الناصر يشكو عمّه العادل وأخاه العزيز لمّا أخذوا منه دمشق بهذه الأبيات : مولاي إنّ أبا بكر وصاحبه قد غصبا بالسيف حقّ عليّ وهو الذي كان قد ولّاه والده عليهما فاستقام الأمر حين ولي فخالفاه وحلّا عقد بيعته والأمر بينهما والنصّ فيه جلي فانظر إلى حظّ هذا الاسم كيف لقي من الأواخر ما لا قى من الأوّل فأجابه الناصر : وافى كتابك يابن يوسف معلنا بالودّ يخبر أنّ أصلك طاهر غصبوا عليّا حقّه إذ لم يكن بعد النبيّ له بيثرب ناصر فابشر فإنّ غدا عليه حسابهم واصبر فناصرك الإمام الناصر وقال السيّد الشهيد القاضي في مجالس المؤمنين : كان الناصر لدين الله من أفاضل الخلفاء ، وأعاظم النبلاء ، وكان متبحّرا في العلوم ، عارفا بالآداب والرسوم ، وكان من ملوك الشيعة ويحامي عن الشريعة ، وطعن عليه بعض معاصريه لأجل التشيّع فأجابهم بهذه الأبيات: زعموا أنّني أحبّ عليّا صدقوا كلّهم لدى علي كلّ من صاحب النبيّ ولو طرفة عين فحقّة مرعي فلقد قلّ عقل كلّ غبي هو من شيعة النبي بري قال كتب ابن عبيد الله نقيب الطالبيّة بالموصل إلى أحمد الناصر وقال : إنّا أخبرنا بأنّك عدلت عن مذهب التشيّع واخترت مذهب التسنّن فإن كان صدقا فأخبرنا عن سببه؟ فأجابه الناصر بهذه الأبيات : يمينا بقوم أوضحوا منهج الهدى وصاموا وصلّوا والأنام نيام
أصاب بهم نوحا ونوحا نجا بهم وناجوا بهم موسى وأعقب سام لقد كذب الواشون فيما تخرّصوا وحاشا الضحى أن يعتريه ظلام جاء في أنيس المسافر المطبوع في بمبئي للشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق أنّ لأحمد الناصر من المبّار والوقوف ما يفوت الحصر ، وبنى من دور الضيافات والمساجد والربط ما يتجاوز حدّ الكثرة ، وكان وقته مصروفا إلى تدابير أمور المملكة وإلى التولية والعزل والمصادرة وتحصيل الأموال ، وتنسب إليه هذه الأبيات : قسما بمكّة والحطيم وزمزم والراقصات ومشيهنّ إلى منى بغض الوصيّ علامة مكتوبة كتبت على جبهات أولاد الزنا من لم يوال من البريّة حيدرا سيّان عند الله صلّى أو زنا وفي كتاب ماضي النجف وحاضرها للبحّاثة الشيخ جعفر آل محبوبة النجفي (1) أبيات للناصر العبّاسي وهي : إليكم بني الزهراء حجّي وعمرتي وأنتم إذا صلّيت لله قبلتي ولو لا وصاياكم تظاهرت بالبرا ولكن أمرتم عبدكم بالتقيّة وفي روضة الصفا (2) قال : لمّا تمكّن الناصر بالله على سرير الملك أمر بإهراق كلّ خمر وجدوه ، وكسر المزامير ، وكان الناصر بالله يحامي عن الشريعة ، والناس في عصره يزدحمون إلى بغداد من أطراف البلاد ، وانتشر العدل في البلاد والعباد ، وكان صاحب الرأي والذهن الوقّاد ، فطنا فاضلا لم يكن بأقلّ من العلماء والمحدّثين ، وكان شجاعا لا يهاب ، حاضر الجواب ، باحثا عن العلوم من كلّ باب ، __________________ (1) ماضي النجف وحاضرها : 146. (2) روضة الصفا 3 : 168. وكان في الليل يطوف في السكك والمحلّات ، حتّى أنّ امرأة لو تكلّمت في الفراش مع زوجها تخاف حذرا من استراق السمع الناصر لدين الله ، وكان لا يخفى عليه أحوال الملوك والسلاطين ، وكان إذا أطعم أشبع ، وإذا ضرب أوجع ، وله مواطن يعطي فيها عطاء من لا يخاف الفقر. ووصل إليه رجل معه ببغاء ـ وهو نوع من الطيور أخضر اللون ، أحمر المنقار والرجلين ، يعلّمونه الكلام ويقال له طوطي ـ فقرأ قل هو الله أحد أرسلها للخليفة بعض من كان في الهند تحفة له ، فلمّا وصل بغداد ماتت الببغاء ، فأصبح الرسول في غاية الحزن والتحيّر ، فجاءه فرّاش الخليفة يطلب منه الببغاء ، فبكى الرسول وقال : الليلة ماتت. فقال : قد عرّفناه هاتها ميتة ، وقال : كم كان ظنّك أن يعطيك الخليفة؟ قال : خمسمائة دينار. قال : خذها فقد أرسلها إليك الخليفة فإنّه أعلم بحالك منذ خرجت من الهند. وقال أيضا : عمّر الناصر بالله الرباط الخلاطيّة في الجانب الغربي ببغداد ، فلمّا فرغ من العمارة دعا الناس على مائدة أنفق فيها مالا عظيما كثيرا ، وذبح خمسة عشر ألف غنم وثلاثين ألف دجاج ، وهيّأ من الفواكه والأشربة والحلاوات ما لا يحصى كثرة. وقال جمال الدين القاشاني : رفع إلى الناصر أنّ طلبة المدرسة النظامية يشربون الخمر ويشتغلون بالزنا واللواط ، فلمّا كثر الواشون أمر بإخراج الطلّاب ذلّا وصغارا وجعل المدرسة اصطبلا ومربطا للدوابّ ، فرأى بعد أيّام النبيّ صلىاللهعليهوآله في المنام ومعه نظام الملك الطوسي الذي بنى المدرسة النظاميّة فتقدّم الناصر وسلّم على النبيّ صلىاللهعليهوآله فأعرض النبيّ صلىاللهعليهوآله عنه ، فانكبّ الناصر على قدمي رسول الله صلىاللهعليهوآله ويقول : يا سيّدي ، بأيّ ذنب طردتني وأعرضت عنّي؟ فأشار رسول الله إلى نظام الملك وقال : إذا رضي عنك هذا فأنا راضي عنك ، فالتفت الناصر إلى نظام الملك وقال : أيّ إساءة رأيت منّي؟ وما سبب انقباضك عنّي؟ قال نظام الملك : لأنّك جعلت مدرستي التي بنيتها وعمّرتها للطلّاب مربطا للدوابّ ، فاعتذر الناصر وألزم على نفسه أن يعمرها ، ثمّ قبّل يد رسول الله صلىاللهعليهوآله واستيقظ فرحا مسرورا فأمر على الفور بإخراج الدوابّ وعمارة المدرسة ورجوع أرباب الفضائل إلى منازلهم ، وجعل فيها بيتا من الكتب فجمع فيه من أنواع الكتب العلميّة مقدارا وافيا وعددا كافيا ، انتهى. وقال الدميري في حياة الحيوان في ترجمة أحمد الناصر : إنّه أمر بإراقة الخمور وكسر الملاهي وإزالة المكوس والضرائب ، فعمرت البلاد وكثرت الأرزاق ـ إلى أن قال مثل ما مرّ ـ قال : يحكى أنّ بعض الكبار كان يعتقد فيه أنّ له كشفا واطّلاعا على المغيّبات. وفي أخبار الدول : إنّه كان مخدوما من الجنّ. وقال محي الدين بن العربي في مسامرة الأخيار : كان أحمد الناصر مولانا أمير المؤمنين يحجّ متنكّرا ، ثمّ أثنى عليه. وقال الذهبي في دول الإسلام : إنّه أهل البندق والحمام في شيبه ، وكان بعض الكبار يعتقد فيه إنّه كشفا واطّلاعا على المغيّبات. وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء : كان الناصر لم يزل مدّة حياته في عزوجلالة وقمع الأعداء واستظهار على الملوك ولم يجد ضيما ، ولا خرج عليه خارجيّ إلّا قمعه ، ولا مخالف إلّا دفعه ، وكلّ من أضمر له سوء رماه الله بالخذلان ، وكان شديد الاهتمام بمصالح الملك ، لا يخفى عليه شيء من أحوال رعيتّه ؛ كبارهم وصغارهم ، وأصحاب أخباره في أقطار البلاد يوصلون إليه أحوال الملوك الظاهرة والباطنة ، وكانت له حيل لطيفة ومكائد غامضة ، وخدع لا يفطن عليها أحد ، ويوقع الصداقة بين ملوك متعاديين وهم لا يشعرون ، ويوقع العداوة بين ملوك متفقين وهم لا يفطنون.
| |
|
| |
الشيخ شوقي البديري الشيخ شوقي البديري
عدد المساهمات : 2973 نقاط : 4624 تاريخ التسجيل : 17/06/2012 العمر : 59 الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق
| موضوع: رد: ماثر الكبرى في تاريخ سامراء ج1 الجمعة أكتوبر 25, 2024 6:10 am | |
| ولمّا دخل رسول صاحب مازندران بغداد وكانت تأتيه ورقته كلّ صباح بما عمله في الليل ، فصار يبالغ في التكتّم والورقة تأتيه بذلك ، فأخلى ليلة بامرأة دخلت من باب السرّ فصحبة الورقة بذلك ، وفيها : كان عليكم دواج فيه صوره الفيلة ، فتحيّر وخرج من بغداد وهو لا يشكّ أنّ الخليفة يعلم الغيب. وأتى رسول خوارزمشاه من خراسان وماوراء النهر وتجبّر وطغى واستعبد الملوك الكبار وأبادهم وقطع خطبة بني العبّاس من بلاده ، وقصد بغداد ووصل إلى همذان فوقع عليهم ثلج عظيم عشرين يوما في غير أوانه ، فقال له بعض خواصّه : إنّ ذلك غضب من الله حيث قصدت بيت الخلافة ، وبلغه أنّ أمما من الترك قد تألّبوا عليه وطمعوا في البلاد لبعده عنها ، فكان ذلك سببا لرجوعه وكفى الناصر شرّه بلا قتال. وكان صدر جهان قد صار إلى بغداد ومعه جماعة من الفقهاء وواحد منهم لمّا خرج من داره من سمرقند على فرس جميل ، فقال له أهله : لو تركته عندنا لكان أحسن لئلّا يؤخذ منك في بغداد ، فقال : الخليفة لا يقدر أن يأخذه منّي ، فأمر بعض قوّاده أنّه حين يدخل بغداد يأخذ فرسه منه فيهرب في الزحام ، ففعل فجاء الفقيه يتسغيث فلا يغاث ، فلمّا رجعوا من الحجّ خلع على صدر جهان وأصحابه وخلع على ذلك الفقيه وقد مثّله فرسه وعليها سرج من ذهب وطوق وقيل له : لم يأخذ فرسك الخليفة إنّما أخذه من أخذ ، فخرّ مغشيّا عليه وأسجل بكرامته. وقال الموفّق عبد اللطيف : كان الناصر قد ملأ القلوب هيبة وخيفة ، فكان يرهبه أهل الهند ومصر كما يرهبه أهل بغداد ، فأحيا هيبة الخلافة وماتت بموته ، وكان الملوك والأكابر بمصر والشام إذا جرى ذكره في خلواتهم خفّضوا أصواتهم هيبة وإجلالا. وقال ابن النجّار : دانت السلاطين للناصر ، ودخل في طاعته من كان من المخالفين ، وذلّت له العتاة والطغاة ، وانقهرت بسيفه الجبابرة واندحضت أعداؤه وكثر أنصاره ، وفتح البلاد العديدة ، وملك بن الممالك ما لم تملّكه أحد ممّن تقدّمه من الخلفاء والملوك ، وخطب له ببلاد الأندلس وبلاد الصين ، وكان أشدّ بني العبّاس يتصدّع لهيبته الجبال ، وكان حسن الخلق لطيف الخلق ، كامل الظرف ، فصيح اللسان ، بليغ البيان ، له التوقيعات المسدّدة والكلمات المؤيّدة ، وكانت أيّامه غرّة في وجه الدهر ، ودرّة في تاج الفخر. وقال ابن واصل : كان الناصر شجاعا ذا فكرة صائبة ، وعقل رصين ، ومكر ودهاء ، وله أصحاب أخبار في العراق وسائر الأطراف يطّلعونه بجزئيّات الأمور ، حتّى ذكر أنّ رجلا عمل ببغداد دعوة وغسل يده قبل أضيافه فأخبر الناصر بذلك وقال : سوء أدب من صاحب الدار وفضول من كاتب المطالعة. وقال سبط ابن الجوزي : قلّ بصر الناصر في آخر عمره ولم يشعر بذلك أحد من الرعيّة حتّى الوزير وأهل الدار ، وكان له جارية قد علّمها الخطّ بنفسه فكانت تكتب مثل خطّه فتكتب على التوقيع. وقال الجزري في الكامل : كان الماء الذي يشربه الناصر تأتي به الدوابّ من فوق بغداد بسبعة فراسخ ، ويغلى سبع غلوات كلّ يوم غلوة ثمّ يحبس في الأوعية سبعة أيّام ثمّ يشرب منه ، ومع هذا ما مات حتّى سقي المرقد ودواء يرقد من شربه وشقّ ذكره وأخرج منه الحصى ، ومات منه يوم الأحد سلخ رمضان سنة 622. العمارة الثامنة للمستنصر العبّاسي في سنة أربعين وستّمائة ، وكان المتولّي للعمارة السيّد الجليل العلّامة أحمد بن طاوس طيّب الله رمسه. جاء في كتاب الحوادث الجامعة للعلّامة أبي الفضل عبد الرزّاق ابن الفوطي (1) : إنّ في سنة أربعين وستّمائة وقع حريق في مشهد سرّ من رأى فأتى على ضريحي علي الهادي والحسن العسكري عليهماالسلام فتقدّم الخليفة المستنصر بالله بعمارة المشهد المقدّس والضريحين الشريفين وإعادتهما على أجمل حالاتهما ، وتقدّم أنّ الضريح الذي أهداه البساسيري احترق في السنة المذكورة. وقال العلّامة السماوي في وشايح السرّاء : ثمّ أتاها بعده المستنصر إذ الشموع أحرقت ما تبصر وغفل القوّام عن إخمادها واشتعلت بالساج من إيقادها فأبدل الصندوق منها ساجا وعمّر الروضة والسياجا على يدي أحمد ذي اليقين من آل طاوس جمال الدين وكان ذا في عام أربعينا من بعد ستّ مئة سنينا وعارض الجمال ما تقوّلا فأرّخوا (أنهي ما تقبلا) (2) ويظهر من هذين التاريخين أنّ المستنصر وفّق لعمارة سرّ من رأى مرّتين : مرّة في سنة أربع وستّمائة ، وأخرى في سنة أربعين وستّمائة ، وأيضا وفّق لعمارة مشهد الجوادين عليهماالسلام كما صرّح بذلك الطقطقي في الآداب السلطانيّة (3) قال : لم تطل أيّام أبي نصر محمّد الظاهر بأمر الله ابن الناصر لدين الله ولم يجر فيها ما يسيطر سوى احتراق القبّة الشريفة بمشهد موسى والجواد عليهماالسلام فشرع الظاهر في عمارتها فمات ولم تفرغ فتمّمها المستنصر ، وبويع المستنصر بالله بالخلافة في سنة ثلاثة وعشرين وستّمائة ، ومات في سنة أربعين وستّمائة ، وكان شهما جوادا ، يباري الريح كرما __________________ (1) الحوادث الجامعة : 152. (2) مطابقة لسنة 640. (3) الآداب السلطانيّة : 294. وجودا ، وكانت هباته وعطاياه أشهر من أن يدلّ عليها ، وأعظم من أن تحصى ، ولو قيل إنّه لم يكن في خلفاء بني العبّاس مثله لصدّق القائل ، وله الآثار الجليلة للمستنصر العبّاسي ، هو السادس والثلاثون من الخلفاء العبّاسيّين ، ولد في صفر سنة 588 وأمّه جارية تركيّة ، وبويع بعد أبيه في رجب سنة 623 ، وتوفّي سنة 640 في بكرة يوم الجمعة عاشر جمادى الثانية ، وكانت خلافته سبع عشرة سنة ، وبويع وهو ابن خمس وثلاثين سنة ، وكان عمره اثنين وخمسين سنة ، وكان مليح الشكل كأبيه ، وكان أشقر ضخما قصيرا ، أقنى الأنف ، رحب الصدر. وذكره الدميري في حياة الحيوان. قال السيوطي في تاريخ الخلفاء : إنّ المستنصر نشر العدل في الرعايا ، وبذل الانصاف في القضايا ، وقرّب أهل العلم والدين ، وبنى المساجد والرباط والمدارس والبيمارستانات ، وقام بأمر الجهاد أحسن قيام ، وجمّع الجيوش لنصرة الإسلام وحفظ الثغور ، وافتتح الحصون ، فسار سيرة جميلة ، واجتمعت القلوب على محبّته ، والألسن على مدحه ، وكان جدّه الناصر بالله يقرّبه ويسمّيه القاضي لهديه وعقله وإنكار ما يجده من المنكر ، وكان راغبا في فعل الخير ، مجتهدا في تكثير البرّ ، وله في ذلك آثار جميلة وأنشأ المدرسة المستنصريّة على دجلة من الجانب الشرقيّ ما بني على وجه الأرض أحسن منها ولا أكبر منها وقوفا ، ورتّب فيها الرواتب الحسنة وجعل فيها من المدرّسين أربعة : الحنفي والشافعي والحنبلي والمالكي ، يدرّسون على المذاهب الأربعة ، وعمل فيها بيمارستان ورتّب فيها مطبخا للفقهاء ، ومزملة الماء البارد ، ورتّب لبيوت الفقهاء الحصر والبسط والزيت والورق والخبز وغير ذلك ، ولكلّ فقيه بعد ذلك في الشهر دينارا ، رتّب لهم حماما وهو أمر لم يسبقه إلى مثله ، واستخدم عساكر عظيمة لم يستخدم مثلها أبوه ولا جدّه ، وكان ذا همّه عالية وشجاعة وإقدام عظيم. وذكر عبد الرزّاق بن أحمد بن محمّد المعروف بابن الفوطي في كتابه الحوادث الجامعة في المأة السابعة أنّ المستنصر بالله تقدّم إلى فخر الدين أحمد بن نائب الوزارة مؤيّد الدين القمّي بعمارة مساجد الكرخ لأنّها تهدّمت في غرق بغداد ، فشرع في ذلك فلمّا تكاملت عمارتها رتّب بها الأئمّة والمؤذّنون وتكامل بناء قصر المبارك الذي أمر بعمارته بباب البصرة وتكامل بناء سور الرصافة ، وفي سنة إحدى وثلاثين وستّمائة في جمادى الآخرة تكامل بناء مدرسته المستنصريّة ، وكان الشروع فيها 625 سنة ، وأنفق عليها أموالا كثيرة ، وتولّى عمارتها مؤيّد الدين محمّد العلقمي ، ونقل من العلوم الدينيّة والأدبيّة والأدعية ما حمله مائة وستّون حمّالا ، وجعلت في خزانة الكتب. وفي عمدة الطالب : وكان المستنصر قد أودع خزانته في المستنصرية ثمانين ألف مجلّد. قال ابن الفوطي : وفي يوم الخميس خامس شهر رجب حضر نصير الدين نائب الوزارة وسائر الولاة والحجّاب والقضاة والمدرّسون والفقهاء ومشايخ الرباط والصوفيّه والوعّاظ والقرّاء والشعراء وجماعة من أعيان التجّار والغرباء إلى المدرسة واختار لكلّ مذهب من المدرّسين وغير المدرّسين اثنان وستّون نفسا ، ورتّب لها مدرّسا ونائبا للتدريس ، وخلع على كلّ واحد منهما جبّة سوداء ، وطرحة كحليته (وهو الطيلسان) وأمطى بمركب جميل وعدة كاملة ثمّ خلع على كلّ واحد من نائبي التدريس قميص مصمّت وعمامة قصب ، ثمّ خلع على جميع المهندسين والمتولّين للعمارة والصنّاع والحاشية وعلى المعيّنين للخدمة بخزانة الكتب ثمّ مدّ سماط في صحن المدرسة أجمع فكان عليه من الأشربة والحلواء وأنواع الأطعمة ما يجاوز حدّ الكثرة ، ثمّ أفيضت الخلع على الحاضرين ، ثمّ أنشد الشعراء المدائح فيها ، ثمّ شرط شروطا للمدرسة : منها أن يكون عدّة الفقهاء مأتين وثمانية وأربعين متفقّها من كلّ طائفة اثنان وستّون بالمشاهرة الوافرة والجراية الدارة واللحم الراتب والطبنخ الدائر إلى غير ذلك من الحلواء والفواكه والصابون والبزر والفرش والتعهّد. وشرط أن يكون في دار الحديث التي بها شيخ عالي الإسناد وقاريان وعشرة أنفس يشتغلون بعلم الحديث النبوي ، وأن يقرأ الحديث في كلّ يوم سبت واثنين وخميس من كلّ أسبوع. وشرط لهم جراية والمشاهرة والتعهّد أسوة بالفقهاء ، وشرط أن يكون في الدار المتصلة بالمدرسة ثلاثون صبيّا أيتام يتلقّنون القرآن المجيد من مقرئ متقن صالح ولهم من الجراية والمشاهرة والتعهّد ما للمشتغلين بعلم الحديث. وشرط أن يرتّب بها طبيب حاذق مسلم وعشرة أنفس من المسلمين يشتغلون بعلم الطبّ ويوصل إليهم مثل ما تقدّم ذكرهم ، وأن يكون الطبيب يطبّب من يعرض له مرض من أرباب هذا الوقف ، ويعطي المريض ما يوصف له من أدوية وأشربة وغير ذلك. وشرط أن يكون بها من يشتغل بعلم الفرائض الحديث إلى غير ذلك ممّا استقصى ذكره طال تعداده. قال : وفي سنة ثلاث وثلاثين وستّمائة تكامل بناء الأيوان الذي أنشئ مقابل المدرسة المستنصريّة وعمل تحته صفّته يجلس فيها الطبيب وعنده الجماعة الذين يشتغلون عليه بعلم الطبّ ويقصده المرضى فيداويهم ، وبني في حائط هذه الصفّة دائرة وصوّر فيها صورة الفلك وجعل فيها طاقات لطاف لها أبواب لطيفة ، وفي الدائرة بازان من ذهب في طاستين من ذهب وورائهما بندقتان من شبه لا يدركهما الناظر ، فعند مضي كلّ ساعة ينفتح فم البازان ويقع من فمهما البندقتان ، وكلّما سقطت بندقة افتتح باب من أبواب تلك الطاقات والباب من ذهب فيصير حينئذ مفضّضا ، وإذا وقعت البندقتان في الطاستين تذهبان إلى مواضعهما ثمّ تطلع شموس من ذهب في سماء لازورديّة في ذلك الفلك مع طلوع الشمس الحقيقيّة ، وتدور من دورانها وتغيب مع غيبوبتها ، فإذا جاء الليل فهناك أقمار طالعة من ضوء خلفها ، كلّما تاملت ساعة تكامل ذلك الضوء في دائرة القمر ، ثمّ يبتدأ في الدائرة الأخرى إلى انقضاء الليل وطلوع الشمس فيعلم بذلك أوقات الصلاة. ونظم الشعراء في ذلك أشعارا ، منها قول أبي الفرج عبد الرحمان ابن الجوزي : يا أيّها المنصور يا مالكا برأيه صعب الليالي يهون شيّدت لله ورضوانه أشرف بنيان يروق العيون أيوان حسن وضعه مدهش يحار في منظره الناظرون صور فيه فلك دائر والشمس تجري مالها من سكون دائرة من لازورد حكت نقطة بتر فيه سرّ مصون وتلك في الشكل وهذي معا كمثل هاء ركّبت وسط نون وممّا يناسب هذا المقام أنّ العلّامة الخبير ملّا محمّد باقر الطهراني رحمهالله ذكر في كتاب الخصائص الفاطميّة الفارسي المطبوع ما ملخّص تعريبه : إنّ المستنصر مع وزيره أبي طالب مؤيّد الدين العلقمي دخل سامرّاء لزيارة الخلفاء من آبائه فرأى قبورهم معطّلة لا يزورها أحد ولا شموع موقدة عليها وليست مرشوشة ولا مفروشة ، وعليها ذروق الحمام والعصافير والخفافيش والغبار ، ثمّ أتى قبور الصالحين في روضة العسكريّين عليهماالسلام فرأى زوّارا وقوّاما وفرشا والقناديل في غاية النظافة واللطافة والناس بين مقبّل أعتابهما وطائف حول ضريحيهما مع كمال الخضوع والانكسار ، فسأله أبو طالب العلقمي ـ وكان من معاريف الشيعة ـ وقال : يا أمير المؤمنين ، ما بال قبر آبائك بهذه الصفة مع كونهم ملوك الدنيا وبأيديهم أمر العباد والبلاد واليوم لا يكترث بزيارتهم أحد ، وهذا عليّ الهادي والحسن عليهماالسلام كانا محبوسين في سامرّاء ، منقطعين عن أهل الدنيا ومع ذلك مشهدهما بهذه الصفة يؤمّه الرجال والنساء زرافات ووحدانا من كلّ فجّ عميق؟! فقال المستنصر : هذا أمر سماوي ليس بأيدينا ، ثمّ رأيت هذه الحكاية في المجلّد الثالث من كشف الغمّة ص 309. وقال ابن الفوطي عطفا على عبارته السابقة : وقد قال في ذلك ـ أي في احتراق الضريح ـ السيّد الفقيه جمال الدين أحمد بن موسى ابن طاوس الحسني كلاما بديعا وجمع فيه جزأ نظما ونثرا ، منه : لا يلزم من الحادث المتجدّد قدح في شرف من انتظمت هاتيك الأعواد على مقدّس جثّتيهما بل قد يكون في ذلك برهان واضح شاهد بجلالتيهما روحي من وقعت الإشارة إليهما خالية من عرصات اللحود ، ساكنة في حضرة المعبود ، والشرف التامّ لجواهر النفوس دون من عداها عند من يذهب إلى وجود معناها. وقد ذكر في التواريخ أنّ صاعقة سماويّة نزلت في المسجد الحرام ولم يقدح ذلك في شرفه ، وللسيّدين صلوات الله عليهما مناقب مذكورة ، ومفاخر مشهورة ، تحتوي عليها الكتب ، تشهد بحراستهما من الوهن ، ونزاهتهما من الطعن : فمن ذلك ما رواه أبو عمرو الزاهد في أخباره عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام إنّه قال : محمّد رسول الله صلىاللهعليهوآله الشجرة العالية الكريمة الجليلة المباركة الطيّبة ، وبنو هاشم أغصانها ، والحسن والحسين عليهماالسلام ثمرتها ، ومحبّو بني هاشم ورقها ؛ فمن تعلّق بغصن من أغصانها أو شجنة من شجنتها ، أو بورقة من أوراقها ، أو استظلّ بظلّها فاز ونجا ، ومن تخلّف عنها هلك وضلّ. وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل بإسناد يرفعه إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله أخذ بيد الحسن والحسين عليهماالسلام فقال : من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأمّهما كان معي في درجتي في الجنّة. ومن ذلك ما رواه أبو إسحاق الثعلبي في كتاب كشف البيان يرفع الحديث إلى جرير بن عبد الله البجلي قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : من مات على حبّ آل محمّد مات شهيدا. ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمنا مستكمل الإيمان. ألا ومن مات على حبّ آل محمّد يزفّ إلى الجنّة كما تزفّ العروس إلى بيت زوجها. ألا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل الله زوّار قبره الملائكة بالرحمة. ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات على السنّة والجماعة. ألا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشمّ رائحة الجنّة. هم معشر حبّهم دين ، وبغضهم كفر ، وقربهم منجى ومعتصم يستدفع السوء والبلوى بحبّهم ويسترب به الإحسان والنعم مقدّم بعد ذكر الله ذكرهم في كلّ بدء ومختوم به الكلم يأبى لهم أن يحلّ الذمّ ساحتهم خيم كريم وأيد بالندى هضم انتهى كلام ابن الفوطي. وقول ابن الفوطي جمال الدين أحمد بن طاوس هو ابن السيّد الزاهد سعد الدين أبي إبراهيم موسى بن جعفر الذي هو صهر الشيخ الطوسي على بنته ، وأحمد بن طاوس هو أوّل من ولي النقابة بسوراء ولكن الصحيح أنّ أوّل من ولي النقابة محمّد ابن إسحاق الذي هو من أجداد ابن طاوس ، وإنّما لقّب بالطاوس لأنّه كان مليح الصورة وقدماه غير مناسبة لحسن صورته. ومحمّد هذا ابن إسحاق الذي كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة ؛ خمسمائة من نفسه وخمسمائة من والده. وإسحاق هذا هو ابن الحسن بن محمّد بن سليمان بن داود ، وداود هو رضيع أبي عبد الله الصادق عليهالسلام وهو ابن الحسن المثنّى. وكان أحمد بن طاوس فقيه أهل البيت عليهمالسلام وشيخ الفقهاء وملاذهم ، صاحب التصانيف الكثيرة البالغة إلى حدود ثمانين كما في مستدرك الوسائل ، وكانت وفاته في حدود سنة 673 ، ودفن بالحلّه البهيّة ، وقبره يزار ويقصده الناس بالهدايا والنذور. وقال صاحب روضات الجنّات : أحمد بن طاوس كان مجتهدا واسع العلم ، إماما في الفقه والأصول والأدب والرجال ، وكان من أورع فضلاء أهل زمانه وأتقاهم وأثبتهم وأجلّهم ، حقّق الرجال والدراية والتفسير تحقيقا لا مزيد عليه ، وصنّف اثنين وثمانين كتابا في فنون من العلوم ، واخترع توزيع الأخبار إلى أقسامها الأربعة المشهورة بعد ما كان المدار عندهم في الصحّة والضعف على القرائن الخارجة والداخلة ، ثمّ اقتفى أثره تلميذه العلّامة وسائر من تأخّر عنه من المجتهدين ، وقد بالغ في الثناء عليه العلّامة والشهيدان في كتبهم وإجازاتهم. ومن مصنّفاته الفقهيّة كتاب بشرى المحقّقين أو المخبّتين ـ على اختلاف نسخ الضابطين ـ في ستّ مجلّدات ، وكتاب ملاذ العلماء في أربع مجلّدات ، وكتاب حلّ الإشكال في معرفة الرجال وقد كانت نسخة الأصل منه عند شيخنا الشهيد الثاني قدسسره وينقل عنها كثيرا في تعليقاته على الخلاصة وغيرها ، ثمّ انتقلت إلى ولده المحقّق الشيخ حسن صاحب المعالم فصنّف في تحريره وتهذيبه كتابه المسمّى بالتحرير الطاووسي وكتاب عين العبرة في غبن العترة وبناؤه فيه على التكلّم في الآيات الواردة في شأن أهل البيت وتحقيق ذلك مع الآيات النازلة في بطلان طريقة مخالفيهم ، وحقّق الإبانة عن جملة من مساويهم وهو نادر في بابه ، مشتمل على فوائد جليلة لم توجد في غيره ، وعندنا منه نسخة كلّها بخطّ شيخنا الشهيد الثاني. وقال في المستدرك : وله كتاب بناء المقالة العلويّة في نقض الرسالة العثمانيّة للجاحظ ، قال : وعندنا منه نسخة بخطّ تلميذه الأرشد تقي الدين حسن بن داود .. الخ. وفي ريحانة الأدب عدّ له أربعة عشرة من مؤلّفاته. الحريق الثاني لمّا احترق الضريحان اللذان أهداهما المستنصر إلى العسكريّين عليهماالسلام وهو الحريق الثاني صار ذلك فتنة لضعفاء العقول من الفريقين وهتفوا بما لا يليق بشأن الأئمّة عليهمالسلام كما أشار إليه العلّامة المجلسي قدسسره في آخر المجلّد الثاني عشر من البحار ، قال : قد وقعت داهية كبرى وفتنة عظمى في سنة 1106 في الروضة المنوّرة بسرّ من رأى وذلك أنّه لغلبة أجلاف العرب على سرّ من رأى وقلّة اعتنائهم بإكرام الروضة المقدّسة وأجلّاء السادات والأشراف لظلمهم عليهم ووضعوا ليلة من الليالي سراجا داخل الروضة المطهّرة في غير المحلّ المناسب له فوقعت من الفتيلة نار على بعض الفرش أو الأخشاب ولم يكن أحد في حوالي الروضة فيطفيها فاحترقت الفرش والصناديق المقدّسة والأخشاب والأبواب ، وصار ذلك فتنة لضعفاء العقول من الشيعة والنصّاب من المخالفين ، جهلا منهم بأنّ أمثال ذلك لا يضرّ بحال هؤلاء الأجلّة الكرام ، ولا يقدح في رفعة شأنهم عند الملك العلّام ، إنّما ذلك غضب على الناس ، ولا يلزم ظهور معجزة في كلّ وقت وإنّما هو تابع للمصالح الكلّيّة والأسرار في ذلك خفيّة ، وفيه شدّة تكليف وافتتان وامتحان للمكلّفين ، وقع مثل ذلك في الروضة المقدّسة النبويّة بالمدينة أيضا. قال الشيخ الفاضل الكامل السديد يحيى بن سعيد قدّس الله روحه في كتاب جامع الشرايع في باب اللعان : إنّه إذا وقع بالمدينة يستحبّ أن يكون بمسجدها عند منبره. ثمّ قال : في هذه السنة وهي سنة أربع وخمسين وستّمائة في شهر رمضان احترق المنبر وسقوف المسجد ثمّ عمل بدل المنبر. وقال صاحب كتاب عيون التواريخ من أفاضل المخالفين ، في وقايع السنة الرابعة والخمسين والستّمائة : ليلة الجمعة أوّل ليلة من شهر رمضان احترق مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله في المدينة وكان ابتداء حريقه من الزاوية الغربيّة من الشمال ، وكان أحد السدنة قد دخل إلى خزانته ومعه نار فتعلّق به بعض الآلات ثمّ اتصلت بالسقف سرعة ثمّ دبّت في السقوف وأخذت مقبلة فأعجز الناس عن قطعها ، فما كان إلّا ساعة حتّى احترقت سقوف المسجد أجمع ، ووقع بعض أساطينه وذاب رصاصها ، وكلّ ذلك قبل أن ينام الناس ، واحترق سقف الحجرة النبويّة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ، ووقع ما وقع منه بالحجرة ، وبقي على حاله وأصبح الناس يوم الجمعة فعزلوا موضع الصلاة. وقال : والقرامطة هدموا الكعبة ونقلوا الحجر الأسود ونصبوه في مسجد الكوفة. وفي كلّ ذلك لم تظهر معجزة ظاهرة في ذلك الحال ولم يمنعوا من ذلك على الاستعجال ، بل ترتّب على كلّ منها آثار غضب الله تعالى مثل استيلاء بخت نصّر على بيت المقدّس وتخريبه إيّاه وهتك حرمته له مع أنّه كان من أبنية الأنبياء والأوصياء عليهمالسلام وأعظم معابدهم ومساجدهم ، وقبلتهم في صلاتهم ، وقتل آلافا من أصفياء بني إسرائيل وصلحائهم وأحبارهم ورهبانهم ، وكلّ ذلك لعدم متابعتهم للأنبياء عليهمالسلام وترك نصرتهم والاستخفاف بشأنهم وشتمهم وقتلهم ، انتهى. وستأتي قصّة القرامطة بأنّهم نقلوا الحجر الأسود إلى هجر وهي بلدة من بلاد البحرين وبقي عندهم عشرين سنة ثمّ ردّوه إلى مكانه ، ووقعة الحرّة وما فعله مسلم ابن عقبة بالمدينة ومسجدها مشهور مسطور ، وحكاية الحجّاج بن يوسف الثقفي وإحراقه بيت الله الحرام أشهر من أن يذكر ، ولم تظهر مع ذلك معجزة. وذكر أبو الفداء في حوادث سنة 494 من تاريخه أنّ الفرنج حاصروا القدس نيّفا وأربعين يوما وملكوه لسبع بقين من شعبان من هذه السنة ، ولبث الفرنج يقتلون المسلمين في القدس أسبوعا ، وقتل من المسلمين في المسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألف نفس ، منهم جماعة كثيرة من أئمّة المسلمين وعلمائهم وزهّادهم ممّن جاور في ذلك الموضع الشريف وغنموا ما لا يقع عليه الإحصاء ، ووصل المستنفرون إلى بغداد في رمضان فاجتمع أهل بغداد في الجوامع واستغاثوا وبكوا حتّى أنّهم أفطروا من عظم ما جرى عليهم ، ووقع الخلاف بين السلاطين السلجوقيّة ، فتمكّن الفرنج من البلاد ، وقال في ذلك المظفّري الأبيوردي أبياتا منها : مزجنا دماء بالدموع السواجم فلم يبق منها عرضة للمراجم وشرّ سلاح المرء دمع يفيضه إذ الحرب شبّت نارها بالصوارم وكيف تنام العين ملء جفونها على هفوات ايقظت كلّ نائم وإخوانكم بالشام يضحى مقيلهم ظهور المذاكي أم بطون القثاعم يسومهم الروم الهوان وأنتم تجرّون ذيل الخفض فعل المسالم وكم من دماء قد أبيحت ومن إياما توارى حياء حسنها بالمعاصم أترضى صناديد الأعاريب بالأذى وتغضي على ذلّ الكماة الأعاجم فليتهم إذ لم يدوروا حميّة عن الدين ضنّوا غيرة بالمحارم وقال اليافعي في مرآة الجنان : وفي سنة أربع وخمسين وستّمائة أوّل ليلة من رمضان ليلة الجمعة احترق المسجد الشريف النبوي بعد صلاة التراويح على يد فرّاش في الحرم الشريف عرف بأبي بكر المراغي ، واحترق هو أيضا لسقوط ذبالة يده في المساف من غير اختيار منه واحترق جميع سقف المسجد الشريف حتّى لم يبق إلّا السواري قائمة وحيطان المسجد الشريف والحائط الذي بناه عمر بن عبد العزيز حول حائط الحجرة الشريفة المجعول على خمسة أركان لئلّا يصل الضريح الطاهر الشريف ، ووقع ما ذكرنا من الحريق بعد أن عجز عن إطفائه كلّ فريق. العمارة التاسعة لأبي أويس الحسن الجلائري في سنة خمسين وسبعمائة ، كما ذكره العلّامة الخبير الشيخ محمّد السماوي : ثمّ أتاها الحسن الجلائري أبو أويس لسرور الزائر فزيّن الضريح بالمحاسن وشيّد القبّة في المآذن وعمل البهو لها وشيّدا دار الأئمّة الهداة السّعدا ونقل المقابر البوادي في الصحن للصحراء والبوادي وذاك في الخمسين والسبعمئه على يدي أويس أحزم الفئه فسّر فيه قلب كلّ زائر حسنا وأرّخوا (انتدى الجلائري) (1) قال القاضي في مجالس المؤمنين (2) : ولا يخفى أنّ قرا محمّد كان من أمراء محمّد جلاير وملازم للسلطان أويس الإيلكاني ثمّ عدّ أمرائهم ووزرائهم ومن ملك منهم من أعيان الشيعة ، والجلائريّون ، والإيلخانيّون ، والإيلكانيّون ، كانت حكومتهم واحدة ويطلق كلّ واحد على الآخر ، وأطنب الكلام في مآثرهم المؤرّخ الشهير محمّد خواند شاه في روضة الصفا. وذكر الفاضل البحّاثة الشيخ جعفر باقر آل محبوبة النجفي في تاريخ النجف المطبوع (3) تحت عنوان «مدافق الإيلخانيين أو الجلائريين وغيرهم» : الإيلخانيون من الدول الشيعة التي حكمت في العراق من سنة ستّ وثلاثين وسبعمائة إلى سنة ثلاث عشرة وثمانمائة ، وقد شيّدوا في زمن حكومتهم في العراق معابد وتكايا __________________ (1) مطابقة لسنة 750. (2) مجالس المؤمنين : 393. (3) تاريخ النجف : 164. ومساجد ، وآثارهم في العتبات جليلة ، وممّن نقل منهم إلى النجف الشيخ حسن الكبير المتوفّى في بغداد سنة سبع وخمسين وسبعمائة. الأمير الشيخ حسن الكبير جاء في روضة الصفا (1) : إنّ أبا أويس الشيخ حسن الكبير تزوّج بنت الأمير جوبان المسماّة ب «بغداد خاتون» ، وكانت في نهاية الحسن والجمال ، وكان الأمير جوبان من أمراء السلطان أبي سعيد بهادر خان الذي هو من أحفاد ملوك المغول ، ثمّ توفّي السلطان أبو سعيد في الثالث عشر من ربيع الآخر سنة 736 ، وقال سلمان الساوجي في رثائه من قصيدة : گر بگريد تاج وسوزد تخت كى باشد بعيد بر زمان دولت سلطان أعظم بو سعيد ثمّ قتل الأمير جوبان في شهر المحرّم سنة 728 وأوصى أن يدفن بالمدينة ، فحمل نعشه إلى مكّة ثمّ إلى المدينة ودفن في البقيع عند قبور الأئمّة عليهمالسلام ـ في قصّة طويلة ـ وكانت له آثار كثيرة وعمارات جليلة في مصر والشام ومكّة والمدينة وغيرها ، وكان له تسعة أولاد ذكورا أكبرهم الشيخ حسن يعرف باسم الشيخ حسن كوچك أي الصغير ، ثمّ إنّه خرج على حسن الكبير ووقعت بينهما معارك على الملك ثمّ قتل الشيخ حسن الأصغر بعد تسخيره البلاد ، قتلته زوجته برضّ خصيتيه مع نسوة أخرى في السابع والعشرين من رجب سنة 844 ، ثمّ قتلوا زوجته ، فقال شاعرهم من قصيدة : ز هجرت نبوى بود بهفصد وچهل وچار در آخر رجب افتاد اتفاق حسن زنى چگونه زنى خير خيرات جهان بزور وبازوى خود خصيتين شيخ حسن __________________ (1) 5 : 151. فاستبدّ بالملك حسن الكبير فأنشأ معابد وتكايا ومساجد وبذل جهده في عمارة المشاهد ، ثمّ توفّي ببغداد سنة 757 وولي الملك ابنه السلطان أويس وطار صيته في الآفاق ، واستولى على بغداد والموصل وديار بكر ، وقام في بغداد ستّة أشهر ، ثمّ سار إلى تبريز وملك البلاد وخضع له العباد وذلّ له كلّ صعب الانقياد ، وتوفّي أخوه الأمير قاسم سنة 779 وحمل جثمانه إلى النجف ودفن عند أبيه الشيخ حسن الأكبر ، ثمّ توفّي أويس في الثاني من جمادى الأولى سنة 776 ودفن في شيروان. وقال العلّامة الخبير الشيخ عبد العزيز آل صاحب الجواهر في كتابه آثار الشيعة الإماميّة (1) ما نصّه : الإيلخانيّة أو آل جلاير قد حكموا من سنة 736 إلى سنة 813 ، وأوّل من ملك منهم الشيخ حسن بن أمير حسين بن أمير آق بوقا بن أمير إيلكان ، وكان آق بوقا المذكور من أعاظم أمراء كيخاتون خان ، قتل في حرب نايدو خان ، وكان أمير حسين كبير العائلة لعصره ، تزوّج بابنة أرغون خان فولدت له الشيخ حسن المترجم ، وكان الشيخ حاكم الروم آخر أيّام أبي سعيد وبعد موت أرپا خان أقام مقامه محمّد خان وخلع موسى خان وقتل علي شاه ، ومات الشيخ حسن سنة 757 ومدّة ملكه 17 سنة ، فقام مقامه ولده الشيخ حسن أويس ثمّ ذكر بقيّة الجلائريّين. العمارة العاشرة للسلطان الشاه حسين الصفوي آخر ملوك الصفويّة ، وقد جاء في أواخر الثاني عشر من البحار للعلّامة المجلسي قدسسره إنّه بعد أن نقل احتراق الضريح كما تقدّم آنفا قال : ثمّ إنّ هذا الخبر الموحش لمّا وصل إلى سلطان المؤمنين ومروّج مذهب آبائه الأئمّة الطاهرين وناصر الدين المبين ، نجل المصطفين السلطان حسين برّأه الله من __________________ (1) آثار الشيعة الإماميّة 3 : 43 طبع ايران. كلّ شين ومين ، عدّ ترميم تلك الروضة البهيّة وتشييدها فرض العين فأمر بإتمام صناديق أربعة في غاية الترصيص والتزيين ، وضريح مشبّك كالسماء ذات الحبك زينة للناظرين ورجوما للشياطين ، انتهى. ونقل عن السيّد العلّامة الخبير السيّد مصطفى التفرشي إنّه قال : ولمّا أرسل ا لضريح والصناديق السلطان المزبور إلى سامرّاء ، أصحبها بعدّة كثيرة من العلماء والأعيان ، وكان يوم دخولهم في سامرّاء يوما مشهودا ، وألقيت الخطب والقصائد في فضائل أهل البيت ومدح السلطان المزبور ، وهو إلى يومنا هذا باق في غاية الإتقان ، واسم السلطان شاه حسين الصفوي مكتوب على جبهة باب الضريح جليّا ، وإلى ذلك أشار العلّامة الخبير الشيخ محمّد السماومي في وشايح السرّاء (1) بقوله : ثمّ أتى الشاه حسين الصفوي فدعّم البناء في ركن قوي وزيّن الربع بأسمى ساج فكان للروضة كالسياج وعمل الشباك من فولاذ حذرا على المرقد من محاذ ورخّم الأرض ودور البقعه بحيث لم تعلق صفاها شمعه وذاك يوم احترقت أخشابها بشمعة زاد بها التهابها وأخبر الشاه حسين فيها فصبّ كفّة الذي يكفيها وكان حين أرسل القناطرا كالغيث يرفض في غدوّ ماطرا فتمّ ما أراده في الوقت للألف ثمّ مئت وستّ وظهر الجود الذي قد أظهرا به البناء فأرّخوا (ظهرا) (2) __________________ (1) وشايح السرّاء : 32. (2) مطابقة لسنة 1106. نبذة من أخبار السلاطين الصفويّة ألّف الباحثون مؤلّفات ممتعة في سيرهم وأخبارهم وآثارهم الخالدة ، منها «تاريخ عالم آراء عبّاسي» كتاب كبير فارسي مطبوع ، وكذا «صفوة الصفا» و «حبيب السير» وغيرها. كانت مدّة ملكهم مأتين وأربعا وأربعين سنة ، وهم تسعة ملوك ، ينتهي نسبهم إلى صفي الدين قطب الأقطاب برهان الأصفياء الكاملين أبي الفتح إسحاق ابن اسيّد أمين الدين جبرئيل الأردبيلي ، ينتهي نسبه إلى حمزة ابن الإمام موسى الكاظم عليهالسلام ، توفّي سنة 935 في أردبيلى ، وقد أطنب الكلام في محامد صفي الدين القاضي في مجالس المؤمنين ، ودفن عنده جماعة كثيرة من أولاده وأحفاده كالشيخ صدر الدين والشيخ جنيد والسلطان حيدر وابنه الشاه إسماعيل والشاه محمّد خدابنده والشاه عبّاس الأوّل وغيرهم رضوان الله عليهم أجمعين. والسلاطين الصفويّة كلّهم اهتمّوا بنشر أعلام الدين وترويج الفرقة المحقّة ، وبلغ سير العلم حدّا بعيدا في عصرهم ، ولم يزل المجلسيّان وسائر أقطاب العلم في سائر البلدان ولا سيّما أصبهان يروّجون المذهب حتّى صارت أصبهان مركزا علميّا وجامعة دينيّة وراج بها سوق العلم وبنيت فيها المدارس ، حتّى أنّك لا تمرّ بمدرسة من مدارسها ولا محفل من محافلها إلّا وتسمع أصوات المذاكرة بالمسائل العلميّة على أنواعها. أوّلهم : الشاه إسماعيل الأوّل بن السلطان حيدر بن السلطان شيخ جنيد المقتول ابن السلطان الشيخ إبراهيم ابن الخواجة علي المشهور بسياپوش المتوفّى سنة 833 في بيت المقدّس ابن الشيخ صدر الدين موسى ابن الشيخ صفي الدين ، كان مبدأ سلطنتة سنة 906 ، ملك أربعا وعشرين سنة ، وتوفّي سنة 930. ثانيهم : ابنه الشاه طهماسب ، قام بأمر السلطنة في سنة 930 التاسع عشر من رجب ، وكان معاصر المحقّق الكركي والشيخ حسين بن عبد الصمد والد شيخنا البهائي ، فطالت سلطنته إلى أن بلغ أربعا وخمسين سنة ، وتوفّي في منتصف صفر سنة 984. ثالثهم : ابنه الشاه إسماعيل الثاني لم تطل مدّته ، توفّي سنة خمس وثمانين وتسعمائة. رابعهم : أخوه السلطان محمّد المكفوف ، قام بأمر السلطنة إلى سنة 996. خامسهم : ابنه الشاه عبّاس الأوّل ، فقد فوّض الأمر إليه أبوه السلطان محمّد المكفوف فقام به نيّفا وأربعين سنة في كمال الأبهّة والجلالة ، وله آثار كثيرة من الخيرات والمبرّات ، وعمارة البقاع المقدّسة ، وإنشاء المساجد والجسور والقناطر والخانات ، وهو الذي تشرّف بمشهد الرضا عليهالسلام ماشيا على قدميه من دار السلطنة أصبهان إلى المشهد المقدّس في مدّة ثمانية وعشرين يوما ، وأمر بتذهيب القبّة المطهّرة وغير ذلك ، وممّا هو مذكور في محلّه ، ومسجد الصفويّة في صحن الجوادين عليهماالسلام إلى اليوم معروف ، والخانات لنزول الزوّار من المشهد المقدّس إلى النجف الأشرف من آثاره الجليلة ، يتجاوز عددها عن تسعين ، توفّي في الرابع والعشرين من جمادى الأولى سنة ثمان وثلاثين بعد الألف. سادسهم : ابن ابنه الشاه صفي الأوّل ، وتوفّي في الثاني عشر من صفر سنة 1052 ودفن بقم في جوار عمّته فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهمالسلام. سابعهم : ابنه الشاه عبّاس الثاني ، توفّي سنة 1078 ودفن بقم في بقعة كبيرة متّصلة بالحضرة الفاطميّة. ثامنهم : ابنه شاه صفي الثاني المعروف بالشاه سليمان ، توفّي سنة 1105 ودفن بقم في بقعة متّصلة ببقعة الشاه عبّاس. تاسعهم : ابنه الشاه سلطان حسين ، وهو آخر سلاطين الصفويّة ، وكان يدور بنفسه على الطلّاب ويجلس عندهم ، ويتفحّص عن أحوالهم ومعايشهم ، واتّصلت سلطنته بفتنة الأفاغنة ، فأخذ الشاه سلطان حسين أسيرا وحبس سنة 1137 ، ثمّ قتل في محبسه في الثاني والعشرين من المحرّم سنة 1140 ، فحمل نعشه إلى قم ودفن عند آبائه العالين الذين هم من أعاظم السلاطين في جوار الحضرة الفاطميّة سلام الله عليها. نبذة من فتنة الأفاغنة قال السيّد في روضات الجنّات في ترجمة إسماعيل بن محمّد حسين بن محمّد رضا الخاجوئي ما نصّه : فتغيّر ذلك الزمان ، وتزداد عاما فعاما إلى أن فشا الظلم والفسوق والعصيان في أكثر بلاد ايران ، وظهرت الدواهي في جلّ الآفاق والنواحي لا سيّما عراق العرب والعجم ، فلم يزل ساكنوها في شدّة وتعب ومحنة ونصب ، وانطمس العلم واندرست آثار العلماء ، وانعكست أحوال الفضلاء ، وانقضت أيّام الأتقياء حتّى أدرك بعضهم الذلّ والخمول ، وأدرك بعضهم الممات ، فثلم في الإسلام ثلمات ، وضعفت أركان الدولة ووهنت أساطين السلطنة حتّى حوصرت بلدة أصفهان واستولت على أطرافها جنود أفغان ، فمنعوا منها الطعام ، وفشا القحط الشديد بين الأنام ، وغلت الأسعار ، وبلغت قيمته لم يبلغ إليها منذ خلقت الدنيا ومن عليها ، وصارت سكنة أهل البلد إمّا مقيمين فيه جائعين وعن المشي والقيام عاجزين مستلقين على أقفيتهم في فراشهم لا يقدرون على السعي في تحصيل معاشهم ، أو مشرفين على الهلاك في مجلسهم يجودون للموت بأنفسهم حتّى صاروا أمواتا غير مدفونين في قبورهم ، وإن اتفق دفن بعضهم قليلا ما في فورهم. وإمّا هاربين من داخل البلد إلى الخارج ، فأرسل عليهم شواظ من نار مارج من صواعق نصال السهام والرماح من جيوش أعدائهم فاستحيوا مخدّرات نسائهم وقتلوا رجالهم وذبحوا أطفالهم ونهبوا أموالهم ، ولم يبق منهم إلّا قليل نجّاهم الأسر والاسترقاق ، فهم أسراء مشدودي الوثاق ، فأكثر سكنة تلك الأقطار إمّا مريض أو مجروح أو مذبوح على التراب مطروح. ثمّ آل الأمر إلى أن استولوا على تلك الديار فدخلوا في أصل البلدة وتصرّفوا في كلّ دار وعقار ، وجعلوا أعزّة أهلها أذلّة ، فحبسوا الملك وقتلوا أكثر الأمراء مع بعض السكنة ، وباد بقيّة أهلها ، وخرّبوا سبلها وجبلها ، ولم يبق من أوطانها إلّا مقرّ يتيم ذي مقربة أو مسكن مسكين ذي متربة ، فيا أسفا على الديار وأهلها ، ولا سيّما الخلّان والأصدقاء ، وواحزناه على تخريب المدارس والمعابد ، وفقدان العلماء والفضلاء والصلحاء ، ووامصيبتاه على اندراس كتب الفقهاء وانمحاء آثارهم بين الأذكياء الطالبين للاهتداء. وقال أيضا في ترجمة محمّد بن تاج الدين حسن بن محمّد الأصفهاني الملقّب بالفاضل الهندي ما نصّه : وفي سنة 1136 دخل أصبهان أميرهم المردود المسمّى بسلطان محمود مع جميع الأتباع والجنود ، وبعد انتهاء الأمر إلى إلجاء أهل البلدة إلى التسليم والتمكين من أولئك الملاعين ، وفتح أبواب المدينة على وجوه تلك الكفرة بدون مضايقة بمقدار حين وجلس على سرير السلطنة فيها بمحض وروده الغير مسعود ، ثمّ أمر فيها بإهلاك جماعة من عظماء تلك الدولة العليّة ، وكبراء الفرقة الصفويّة ، وبعد حكمه بحبس سلطانهم الشهيد المظلوم الشاه سلطان حسين بن الشاه سليمان المبرور المرحوم وهم كانوا أربعة من إخوانه العظام ، وأربعة وعشرين من أولاده المنتجبين الفخام ، وذلك في أواخر جمادى الأولى من شهور سنة السبع والثلاثين والمائة بعد الألف. ثمّ أمر بعد ذلك بقتل ستّة أفاخم من أركان الدولة وذوي أسمائهم الذين كانوا من أرباب الصولة وهم صائمون متعبّدون في اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان في السنة المذكورة ، وكان نفس السلطان الممتحن باقيا بعد ذلك في حبس أولئك إلى زمن جلوس طاغيتهم الثاني وهو الأشرف سلطان الذي كان أوّلا في زيّ الملازمين لركاب محمودهم المردود ، إلى أن ابتلاه الله الملك القهّار بعقوبة ما فعله بأولئك السادة الرفيعة المقدار بعارضة شبه الجنون ، فحبسه بمقتضى مصلحة وقته هذا الملعون ، إلى أن هلك أو هلك بعد ذلك في ظلمات السجون ، ومجلس مجلسه المنحوس من غير مزاحم له في ذلك الجلوس ، وعصر يوم الأحد الثامن من شعبان هذه السنة بعينها. فلمّا استقرّ لهذا الخبيث الأخبث الملك والمملكة وفرغ من بناء حصاره البارّة المرتفعة المشهور في البلدة بتخريب قريب من خمسمائة حمّام ومدرسة ومسجد معمور في أقلّ من مدّة ستّة من الشهور كما هو المشهور فظهر في دولته العادية العارية شيء من الفتور ، وتوجّه من جهة الروم إلى مقاتلته جند موفور ، فخاف على نفسه الملعونة بعد تكرّر مقابلة مع هؤلاء الجنود ، من بقاء رائحة حياة ذلك السلطان المسعود ، وحركت النفس الخبيثة إلى الأمر بقتله أيضا في المحبس وتركه من غير غسل وكفن ، وسبى أهله وحرمه ، ونهب أمواله وخدمه ، وذلك في يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من محرّم الحرام سنة الأربعين والمائة بعد الألف ، إلّا أنّه نقل نعشه الشريف بعد مضي زمان عليه إلى مدينة قم فدفن في جوار آرائه. وقال أيضا في ترجمة الخاجوئي المشار إليه ما نصّه : إنّ من حضر وقعة أصبهان من مخاذلة الأفغان ومحاصرة هذا العام وهو سنة 1134 وشاهد ما جرى في ثمانية أشهر من شدّة الغلاء حتّى أنّ منّا من الحنطة وهو ثمانية عشر رطلا بالعراقي بيع بخمسة توامين وهو ألف درهم ، ثمّ نفدت الحنطة والأرز وسائر الحبوبات ، وانتهى الأمر إلى اللحوم فمن الغنم إلى البقر ، ومنه إلى الفرس والبغل ، ثمّ الكلاب والسنّور ، ثمّ لحوم الأموات ، ثمّ قتل بعضهم بعضا ابتغاء لحمه ، وما وقع في طيّ ذلك من الموت والقتل ، حتّى أنّه كان يموت في كلّ يوم ألف ألف نفس ، وكانت تباع الضياع والفرش والأثاث ربع العشر ودونه ، ولا يحصل منه شيء أصلا. وبالجملة ؛ فو ربّ البيت ما بولغ من ذلك وما كان جزافا ـ أعاذنا الله من مثله ـ ونجزم قطعا ما وقعت شدّة عظيمة وبليّة مزرية من يوم خلقت السماوات والأرضون ، ولا يقع مثلها إلى الساعة. العمارة الحادية عشرة للأمير المسدّد أحمد خان الدنبلي. قال العلّامة الخبير الشيخ محمّد السماوي دام وجوده في وشايح السرّاء : ثمّ أتاها الدنبليّ أحمد والبرمكيّ نسبة تعتمد فعمّر الروضة والسردابا واعتاض من باب عليه بابا
لأنّه كان بجنب المرقد يخاف من يدخله من معتد فزاد صحنا ورواقا يحوي أزهر سرداب وأزهى بهو وأبدل الأخشاب في المقام بالحجر الصوان والرخام وكان في بنائه السلماسي ينظر في الأعمال والقياس فاستشهد الخان ولمّا يكمل بناؤه على تمام العمل وبقي الرفيع منه ينفق لأنّه الوكيل عنه المطلق فنقّح المحلّ والمكانا ممّا به من القبور كانا ولم ينه العمل المفاضا فأرّخوه (نقّح الرياضا) (1) وكان ابتداء هذا البناء الموجود في حدود الألف والمأتين على ما صرّح به العالم __________________ (1) مطابقة لسنة 1200.
| |
|
| |
الشيخ شوقي البديري الشيخ شوقي البديري
عدد المساهمات : 2973 نقاط : 4624 تاريخ التسجيل : 17/06/2012 العمر : 59 الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق
| موضوع: رد: ماثر الكبرى في تاريخ سامراء ج1 الجمعة أكتوبر 25, 2024 6:11 am | |
| الشريف مير عبد اللطيف التستري في تحفة العالم المطبوع الفارسي (1) قال : كنت سنتين في بغداد وخرجت يوم الأربعاء عاشر شهر شوّال اثنتين ومأتين بعد الألف إلى الهند وفي تلك الأوقات كان الميرزا محمّد رفيع من قبل أحمد خان الدنبلي مشتغلا بعمارة سرّ من رأى. وقال أيضا (2) : أرسل احمد خان الدنبلي الذي هو من حكّام آذربيجان ، الميرزا محمّد رفيع بن الميرزا محمّد شفيع مستوفى الممالك الذي كان من أفاضل عصره وأركان زمانه إلى سرّ من رأى مع مصارف العمارة ، وكان ذلك في أيّام إقامتي بالكاظميّة ، فأمره بعمارة الروضة والسرداب والرواق والأيوان والصحن على ترتيب بناء النجف الأشرف ، فطلب من مهرة الأساتذة المهندسين والبنّائين من ايران وغيرها ، واستجاز من والي العراق فأجازه ، فأمر بحفر الأساس فلمّا حفروا أساس سور الصحن الشريف إذا بتابوتين مشدودين مؤرّخين بتاريخ أربعمائة وأربعين من الهجرة وهما من الخشب لم يبلهما طول الدهر والتراب حتّى الحبل المشدود بهما ، فعرفوا من بعض الأمارات والقرائن أنّهما من خلفاء بني العبّاس ، فأرادوا إخراجهما من ذلك المكان ودفنهما عند قبور الخلفاء فمنعهم القضاة وسائر أبناء العامّة عن ذلك وكثر الكلام والمشاجرة بين الفريقين واستعدّوا للقتال فمنعهم الميرزا محمّد رفيع وكتبوا إلى بغداد. فأحضر الوالي القضاة والعلماء والحكّام ثمّ سألهم وقال : أخبروني عن روضة العسكريّين هل كانت مقبرة تدفن فيها الأموات أم كانت ملكا لهما؟ فقالوا بأجمعهم : إنّها كانت ملكا لهما ودار سكناهما. فقال الوالي : فإذا يجب إخراج من __________________ (1) تحفة العالم : 142. (2) نفسه : 88. دخل فيها غصبا واليوم سلطان العجم له اقتدار تامّ فإذا أراد إخراج الغاصب من محلّ الإمامين لا ينبغي لنا أن نتعرّض له ، ثمّ أشار إلى من حضر من أبناء الشيعة بأنّ الحقّ معكم فامضوا إلى ما كنتم بصدده ، فاشتغلوا بالعمارة حتّى تمّ البناء على أحسن وجه ، انتهى بمضمونه. ثمّ إنّ سامرّاء أخذت أهمّيّتها عند ظهور عمارة أحمد خان الدنبلي فنشئت العمارات حول المرقد المقدّس وتوسّعت البلدة وتلاصقت العمارات بتوالي الأيّام والشهور والسنوات. صفة البناء ومنظر الصحون الثلاثة الروضة البهيّة واقعة في قبّة البلدة الحاليّة ، وكانت ساحة الصحن الشريف ضيّقة ولم تكن بهذه السعة الموجودة اليوم ، فأمر أحمد خان بهدم بعض جوانب الصحن وتوسيعه وتوسيع ساحة الحرم المطهّر والرواق والبهو حتّى قيل إنّ دار الأخباري الموجود في الغربي الجنوبي للصحن المطهّر كانت في داخل الصحن ، ويشهد بذلك الدرج الموجودة للسرداب المطهّر في تلك الدار ، ولكن عبثت بها الأيدي أخيرا. وعمارة الصحن الشريف بديعة الشكل فخمة الصنعة ، طولها من الجنوب إلى الشمال لا يقلّ عن مائة وثمانية أمتار ، وعرضها من الشرق إلى الغرب لا يقلّ عن مائة واثنى عشر مترا ، وارتفاعها لا يقلّ عن سبعة أمتار ، وهي متقومة من طبقة واحدة ، وفي الجانب الغربي منها ثماني عشرة صفّة وكذا الشرقيّ منها ، وفي الجانب الجنوبي ستّ عشرة صفّة ، وهذه الرحبة الواسعة مفروشة بالرخام الأبيض ، وجدرانها نحو القامة مكسوّة بالرخام وباقي بالقاشاني ذي الألوان على بديع فنّ ، غير أنّ الأواوين داخلها مطلية بالجصّ الأبيض ، وعلى تمام جبهة الجدار مكتوب بعض السور القرآنيّة والأخبار النبويّة في فضائل الأئمّة عليهمالسلام بأحرف عربيّة جليّة ، وبقلم أبيض على بديع فنّ ونفاسة نقش ، وتجاه باب القبلة حوض يجري فيه الماء من الأنابيب على أحسن تركيب ، وكان قبل سنوات يملئونه من ماء البئر فلمّا جيء بمضخة الماء في سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة بعد الألف جرى ماء إليه في الأنابيب من دجلة. وللصحن الشريف أربعة أبواب : باب القبلة ، والباب الشرقي ، والإثنان منهما من جهة الشمال ، والروضة والرواق والبهو بين هذين البابين في وسط ساحة الصحن الشريف ، وينتهي الخارج من الباب الشرقي الشمالي إلى رحبة واسعة واقعة خلف ضريح العسكريّين عليهماالسلام لا يقلّ طولها عن خمسة وثلاثين مترا ، وعرضها كذلك ، وارتفاعها كارتفاع الصحن الكبير ، ولها باب ينتهي الخارج منه إلى محلّات سامرّاء ، والخارج من الباب الغربي الشمالي يدخل في رحبة واسعة مسماّة بصحن الحجّة عجّل الله تعالى فرجه ، وفي عصرنا قلعوا الباب وخرّبوا الحائط بين الصحنين ، ولا يقلّ طولها وعرضها عن خمسة وأربعين مترا مربّعة الشكل ، ولها باب ينتهي الخارج منه إلى سوق القصّابين ، وبفنائها الغربي مدرسة علميّة لأبناء العامّة ، ولها بابان ينتهي الخارج منه إلى صحن الحجّة ، والباب الغربي منها ينتهي منه إلى بعض محلّات سامرّاء أنشأها السلطان عبد الحميد العثماني ، واسمه وتاريخ بنائها مكتوب على جبهة الباب الغربي منها ، وهي إلى الآن معمورة فيها جماعة من طلبة العلم من أبناء العامّة. ثمّ إنّ هاتين الرحبتين من الجصّ والطابوق المحكوك ، وكذا البهو الذي يعرف باسم الأيوان للحجّة عجّل الله تعالى فرجه وهو لا يقلّ عرضه عن عشرة أمثال وطوله عن خمسة وعشرين مترا ، ويدخل الزائر من هذا البهو في رواق طوله خمسة وعشرون مترا ، وعرضه خمسة أمتار ونصف ، وباب السرداب واقع فيه كما تقدّم في محلّه ، ويدخل الخارج من الرواق في مسجد واقع على عرش السرداب المطهّر لا يقلّ طوله عن خمسة وعشرين مترا وعرضه عن خمسة أمتار ، وارتفاعه عن ثمانية أمتار ، وهذا المسجد هو اليوم بيد أبناء العامّة من أهل سامرّاء ويقيمون فيه الجمعة والجماعة ، وعليه قبّة عالية ملوّنة بالقاشاني ذي الألوان على ألطف نقش وبديع فنّ ، وهذا البناء من الآثار الباقية للأمير السلطان حسين قلي خان بن أحمد خان الدنبلي الآتي ذكره. صفة البهو والمأذنتين للبهو الذي يعرف باسم الأيوان والطارمة مرتفع عن أرض الصحن قدر متر ويبلغ طوله ثلاثة وثلاثين مترا وعرضه عشرة أمتار مفروش بالرخام ، ولا يقلّ ارتفاعه عن عشرة أمتار مفروش بالرخام ، وجدرانه قدر متر ونصف مكسوّة بالرخام ، والباقي بالقاشاني ذي الألوان على بديع فنّ وأحسن تركيب ، وكان مكشوفا مثل بهو النجف الأشرف إلى عصرنا الحاضر ، فقام بتسقيفه الشهم الهمام أحد زعماء الفرات الشيخ عبد الواحد المعروف بالتقى والصلاح والجود والسماح فأنفق أموالا جليلة حتّى سقّفه على أحسن تركيب ، رحمهالله رحمة واسعة. وفي ركنيه مأذنتان مرصّعتان بالقاشاني أيضا ذي الألوان ، ارتفاع كلّ واحد منهما لا يقلّ عن خمسة وعشرين مترا ، مكتوب عليهما «بسم الله الرحمن الرحيم» والكتابة كالنطاق على حدّ وقوف المؤذّن ، وهما مكشوفتا الرأس بخلاف مآذن سائر العتبات فإنّها مسقّفات ، وفي عصرنا من أعلاهما إلى أسفلهما مطلّى بالذهب ، والأيوان الذي يدخل منه الزائر إلى الرواق في وسط هذا البهو سقفه مطلّى بالجصّ الأبيض ، وجدرانه مزدانة بالمرايا ذوات أشكال هندسيّة مختلفة بديعة ، وعلى جبهة الأيوان مكتوب اسم أحمد خان الدنبلي بلون أصفر جلي ، وسائر الكتابة بلون أبيض وأحرف عربيّة غير أنّ تاريخ الكتابة متأخّر عن وفاة أحمد خان الدنبلي بسبعين سنة ، ويدلّنا هذا التاريخ على أنّ القاشاني كان متأخّرا عن عمارة أحمد خان ، وأنّ المولى محمّد رفيع ابن محمّد شفيع الذي كان متولّيا على الإطلاق واسمه مكتوب أيضا في الكتابة المشار إليها عمّره وزيّنه في السنة المذكورة. صفة الرواق والروضة البهيّة يحاط الرواق بسور ارتفاعه لا يقلّ عن عشرة أمتار كما أنّ الصحن الشريف من ثلاث جهات يحيط به ، وسعة استدارته لا يقلّ عن سبعين مترا ، وهو مستطيل الشكل ومفروش بالرخام الصقيل ، وكذا جدرانه مقدار قامة ، وأمّا باقي الجدران والسقوف فالذي هو من جهة القبلة فمرصّع بالمرايا ذات أشكال هندسيّة مختلفة بديعة ونجارة غريبة. وأمّا الذي من جهة الغرب والشرق والشمال فمطلّى بالجصّ الأبيض. ومقبرة الدنابلة تقع على جهة يمين الداخل إلى الرواق في الصفة الأولى الشماليّة ، وكان للرواق باب من النحاس الأصفر إلى سنة 1343 يدخل منه الزائر إلى الرواق فأبدل بالباب الفضّي ، وكان الباذل الحاج محمّد حسين الرشتي بنظارة العالم الفاضل الشيخ أسد الله الرشتي فإنّه قد أنفق عليه ثلاثة عشر ألف روبية انكليزيّة ، وهو أثمن الأبواب ، ثمّ أبدلت بأبواب عجيبة الصنع من الذهب والفضّة وأغلاها ، وقد كتب على حواشي المصراعين عدّة أبيات عربيّة وفارسيّة ، منها : لذ بباب النجاة باب الهادي فهو باب به بلوغ المراد وارتفاع الروضة البهيّة مثل ارتفاع الرواق وهي مربّعة الشكل محيطة بالقبر الشريف ، وهي المعروفة بالحضرة والحرم ، تكون ساحتها من الشمال إلى الجنوب نحو اثنين وعشرين مترا ، ومن الشرق إلى الغرب كذلك ، وجدرانها من الأرض إلى ذراع فوق القامة ، مكسوّة بالرخام الصقيل ، كما أنّ أرضها كذلك ، وما فوق القامة من جدرانها إلى تمام السقوف مغشّى بالمرايا الملوّنة والنجارة الهندسيّة البديعة والفسيفساء ، وبها كتابات ثلاث كالنطاق بلون أصفر عربيّ جليّ هي سورة هل أتى وإنّا أنزلناه وعمّ يتسائلون ، وفوق ذلك كلّه أسماء الأئمّة الإثنى عشر والنبيّ وفاطمة سلام الله عليهم بهذه الصورة : (اللهمّ صلّ على النبيّ صلىاللهعليهوآله) (اللهمّ صلّ على فاطمة) (اللهمّ صلّ على عليّ) إلى آخر الأئمّة ، وهذا كالنطاق داخل القبّة مرّتان ، وفي حواشي ذلك أبيات فارسيّة في مدح أهل البيت عليهمالسلام كما أنّ في أسفل الكتابات أيضا عدّة أبيات. ولها أربعة أبواب : اثنان من جهة الشمال وهما خلف ضريح العسكريّين عليهماالسلام لا ينفذان إلى الرواق ، خلفهما شبّاك من النحاس الأصفر ، واثنان من جهة القبلة ، وهذان البابان من الفضّة كلّ واحد منهما أثمن من باب الرواق ، ومن هذين البابين الخروج والدخول إلى الحضرة المقدّسة ، وفي وسط هذه الرحبة الشريفة ضريح العسكريّين عليهماالسلام وضريح نرجس أمّ الإمام الحجّة عليهالسلام وضريح السيّدة حكيمة بنت الإمام الجواد عليهالسلام وقد وضع على كلّ واحد صندوق من الخشب الساج مرصّع بالعاج المنقوش محاط بشبّاكين ؛ الأوّل ما يلي الصندوق الخشبي من الفولاذ الذي كان من الآثار الباقية للسلطان حسين الصفوي كما تقدّم ، والثاني من الفضّة ، ونصب الشبّاك الفضّي في شهر صفر سنة 1360 ، وكان أصل الشبّاك موضوعا على الحضرة الحسينيّة عليهالسلام فنقل من كربلاء إلى سامرّاء بعد إصلاحه ثمّ أبدل ذاك الشبّاك بشبّاك جديد فضّيّ مذهّب لم ير أحسن منه ، وعلى هذا السور والبناء تكون القبّة المعظّمة ظاهرها مصفّح بصفائح الذهب الخالص ومرتفعة إلى شاهق ومكتوب في ظاهرها سورة الفتح ، والكتابة كالنطاق كما سيأتي بيانه في محلّه. العمارة الثانية عشرة للأمير المسدّد الملك المؤيّد حسين قلي خان بن أحمد خان الدنبلي. قال العلّامة الخبير السماوي دام وجوده : ثمّ أتاها نجله الحسين مبادرا لها فقرّت عين وواصل البنا بحيث لم يدع من صدّه إلّا وجلّاه سطع وأكمل البهو مع الأبواب وزيّن الجامع للسرداب وكتب الآي على الأركان وألبس القبّة بالقاشاني وحفر القبر له وللأب لدى الرواق الطاهر المطيّب وكلّ ذي الأعمال بين الناس على يد الرفيع والسلماسي وطرح العصا وأنهى النضرة وأرّخوا (جلا حسين الحضرة) (1) لمّا قتل أحمد خان كان هذا البناء العظيم غير تام فأتمّه وأكمله ابنه الأمير الحسين قلي خان. وقال الجواهري في كتابه آثار الشيعة : إنّ الحسين قلي خان بنى مسجدا وحمّاما في سرّ من رأى وخانا للزوّار وأكمل نواقص عمارة العسكريّين عليهماالسلام التي بناها أبوه أحمد خان ، والمسجد الذي بناه على السرداب سماّه مسجد الصاحب ، وقطع طريق السرداب عن الحرم ، وأهمل الأزج الذي كان يدخل الزائر منه في السرداب ، وكان باب الأزج خلف ضريح العسكريّين ، وفتح للسرداب من طرف الشمال الباب الموجود اليوم ، وجعل له رواقا وصحنا على تفصيل ما قدّمناه. __________________ (1) مطابقة لسنة 1225. نبذة يسيرة من أخبار الدنابلة قال في القاموس : دنبل كقنفذ قبيلة من الأكراد بنواحي الموصل منهم أحمد بن نصير الفقيه الشافعي ، وعليّ بن أبي بكر بن سليمان المحدّث (الدنبليّان). وعن كتاب أنساب الأكراد لأبي حنيفة الدينوري قال : إنّ هذه الطائفة يقال لهم عيسى بكلو لأنّهم أولاد الأمير عيسى ، وسلسلة نسبهم كما هو التحقيق تنتهي إلى البرامكة وزراء بني العبّاس ، فإنّ أبا المظفّر شمس الملك جعفر بن الأمير عيسى الملقّب بسلطان صلاح الدين بن يحيى كرد بن الأمير جعفر الثاني بن الأمير سليمان بن الأمير شيخ أحمد بك بن الأمير موسى الملقّب بملك طاهر بن الأمير عيسى بن الأمير موسى أوّل ملوك الشامات بن الأمير يحيى بن خالد البرمكي وزير هارون الرشيد العبّاسي. وذكر الجواهري في آثار الشيعة : إنّ الدنابلة قد وردت أسماء جملة من محدّثيهم في رواة الأئمّة الإثنى عشر ، منهم محمّد بن وهبان الدنبلي له حديث يعنعن إلى كميل بن زياد النخعي عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، وأورد الحديث أبو جعفر محمّد بن أبي القاسم الطبري في الجزء الأوّل من كتاب بشارة المصطفى لشيعة المرتضى ، وللأمير أحمد خان الدنبلي معاصر نادر شاه آثار باقية في عمارة مشهد العسكريّين عليهماالسلام بسامرّاء ، ولهم مقبرة معروفة بها ، وكان موطنهم في بلاد كردستان فهاجروا منها في القرن التاسع تقريبا ونزلوا بنواحي تبريز وأحدثوا جملة قرى وقصبات وعمّروا بلدة خوي عدّة مرّات وآخر من عمّرها أحمد خان معاصر نادر شاه وهي عاصمة ملكهم ، وكانت سلطنتهم في بلاد كردستان ونواحي تبريز بصورة استقلاليّة إلى أن ظهر السلطان حيدر الصفوي فاتصل به الأمير بهلول الدنبلي وأطاعه وجعل يخدمه عن اعتقاد ومحبّة فاقتفى به أولاده من بعده فصارت عامّة الدنابلة من أخصّاء الصفويّة لاتحادهم في المذهب والمشرب. وقال : والدنابلة قبيلة كبيرة تتفرّع منها قبائل مختلفة الأسماء : قبيلة إلى يحيى هم أولاد يحيى بن جعفر ، وقبيلة شمسكي أولاد شمس الملك ، وقبيلة عيسى بكلو أولاد الأمير عيسى ، وقبيلة بكزادگان من نسل أمير فريدون ، وقبيلة أيونجاني من سلسلة بكزادگان أيونجاني ، وغير هؤلاء كثير تفرّقوا في قاشان وخراسان وشيروان وكنجة وقرباغ وقراچه داغ بأمر المأمون العبّاسي وأمير تيمور وسلطان سليم. وقيل : أكثرهم قتلوا في الحروب مع الصفويّة. وقال : وقد جمع أخبارهم عبد الرزّاق بن نجفعلي الدنبلي في كتاب رياض الجنّة الفارسي وختمها بزايرجه رستم خان بن أحمد خان الدنبلي المولود سنة 1166 وتعرّض قليلا من أحوالهم السيّد حسن الزنوزي في كتابه رياض الجنّة الذي رأيناه في خراسان وفي المكتبة الشاهانيّة بطهران ، وتعرّض أيضا أخبارهم الأمين الرازي في كتابه «تذكرة هفت اقليم». وقال : وفي الدنابلة الملوك والأمراء والعرفاء ، ثمّ شرع في ذكر ملوكهم. وعن كتاب «شرف نامه» أنّ حكومة الدنابلة بلغت في أيّامه أسمى المراتب. أقول : وأنا أقتصر على ذكر من اشتهر عنهم سواء كان من ملوكهم وأمرائهم أو عرفائهم نقلا من آثار الشيعة : فمنهم : الأمير أحمد بن موسى ، فتح جميع محال هكّاري إلى قلعة جات وتوطّن قلعة باي ، وهو من الرواة المعتبرين ، له تأليف معروف بين الدنابلة ، ذكر فيه عدّة أحاديث أنّه عند ظهور القائم عجّل الله فرجه يكون في خدمته أنفار الدنابلة ، توفّي سنة 387. وهكّارية بالفتح وتشديد الكاف وراء وياء النسبة بلدة وناحية فوق الموصل سكنها الأكراد. ومنهم : الأمير سليمان بن أحمد. قال في تاريخ سلاطين الأكراد : إنّ الأمير سليمان استولى على كردستان وآذربيجان والشام وبنى حصنا وعمارة سامية لحفّ جبل شنقار وهو اسم يوناني معناه المعبد المطهّر. عرف بسليمان سراي ويعرف الآن ببلوك «قراقوتلوي» وأهاليه شيعة إماميّة ، كان يطلب المعلّمين الأكراد ليعلّموهم اللغة الفارسيّة. وكان الشيخ رجب البرسي صاحب كتاب مشارق الأنوار من خواصّه وألّف له جملة كتب. توفّي سنة 410 الفارسيّة ودفن في سرخ آباد وعلى قبره قبّة تعرف بقبّة سليمان ، وسرخ آباد من قرى الري. ومنهم : الأمير جعفر الثاني بن سليمان بن أحمد ، ملك ما ملك آباؤه ، وفي أيّامه كشف معدن الذهب في جبل سنجران فسمّي ب «زر جعفر» وزر بالفارسيّة الذهب. قال في برهان القاطع (1) : لقد انكشف في جبل سنجران قرب ديار بكر جنب قلعة دنبل أيّام الأمير جعفر الثاني معدن ذهب وضربت السكّة منه ، مات سنة 441 الفارسيّة. ومنهم : الأمير يحيى بن جعفر الثاني. ذكر في كتاب «شرف نامه» إنّه بايعه ثلاثون ألف بيت من النصارى على اتّباع طريقة الأمير يحيى الدنبلي. مات سنة 477. ومنهم : الأمير عيسى صلاح الدين كرد بن أمير يحيى الدنبلي ، كان مطاعا في أمره ، نقل مائة ألف بيت من يزدانيّة كردستان إلى آذربيجان وكوهستان ، وكان أكثر مقامه في تبريز. ومنهم : الأمير جعفر شمس الملك بن أمير عيسى ، كان حازما مرتاضا ، غلب على كوهستان والأرمن وآذربيجان إلى الشام. ومنهم : الأمير إبراهيم بن أحمد ، كان مطاعا نافذ الحكم في تبريز ، وهي مقرّه ، __________________ (1) تأليف محمّد حسين تبريزي متلخّص ب «برهان». ولمّا خرج جنكيز خان استرضى خاطره وسلم أهالي آذربيجان من فتنته ، مات سنة 692. ومنهم : الأمير جمشيد بن الأمير إبراهيم ، وقعت له مصادمات مع جيش جنكيز خان ، فقتل في سنة 725 ودفن في قرية سيناورد ، وهو بكسر أوّله وتخفيف ثانيه وفتح الواو وسكون الراء ودال مهملة موضع بآذربيجان ، وعلى قبره قبّة من الحجر الأسود معروفة إلى الآن بقبّة جمشيد. ومنهم : الأمير محمود بن شاه منصور ، كان مقرّبا عند بايزيد ، بنى بلدة كبيرة في كردستان تعرف إلى الآن بمحمودي ، اندرست آثارها ولم يبق منها سوى مقبرة وعليها لوح فيه تاريخ وفاته وهي سنة عشرين وثمانمائة. ومنهم : الأمير ولي بن الأمير محمود ، كان مرتاضا تنسب إليه كرامات في الطريقة. ومنهم : الأمير فريدون الملقّب بالأمير قليج بن نظر علي ، ويعرف بين الدنابلة بالأميري ، ورد ذكره في تاريخ «جهان نما» التركي ، وكان تحت تصرّفه جميع بلاد آذربيجان وهكّارية والأرمن ، مات سنة ستّين وثمانمائة ، ودفن في مقبرة أمير موسى في بلدة خوي. ومنهم : الأمير بهلول بن الأمير قليج ، كان من أعاظم أمراء السلطان حيدر الصفوي ، والأمير بهلول هذا يقال له الحاج بيك ، دخل في طاعته السلطان حيدر الصفوي عن اعتقاد واستولى على طبرستان وداغستان ، قتل مع السلطان حيدر الصفوي سنة ثمانين وثمانمائة. ومنهم : الأمير رستم الملقّب بشاه وردي بيك بن الأمير بهلول ، كان ابن إحدى عشر سنة حين قتل أبوه ، انتهت إليه إمارة الدنابلة. قال في «شرف نامه» : إنّ في سنة 898 وقعت محاربة بين السلطان حيدر وأمير داغستان ، فلمّا انهزم عسكر السلطان حيدر غرق الأمير رستم في دجلة كانت بقرب معسكرهم فأخرجوا جنازته من الماء ودفنوه على حسب وصيّته في قرية نازك وبنوا على قبره قبّة عالية. ومنهم : الأمير بهروز الملقّب بسلطان خليفة بن الأمير رستم ، كان فتى عاقلا ذكيّا صاحب خيرات ومبرّات ، قدم إلى السلطان حيدر فلقّبه خليفة ، كان عمره خمسا وتسعين سنة وكانت مدّة حكومته خمسين سنة. قال في جامع التواريخ : إنّ كيلان وأردبيل كانا تحت حكومة سلطان خليفة ، توفّي سنة 995 ودفن عند الأمير رستم المزبور في قرية نازك. ومنهم : أيّوب خان بن كنعان خليفة بن الأمير بهروز الملقّب بسليمان خليفة ، كان شجاعا جوادا ، لقّبه الشاه طهماسب الصفوي بلقب بيكلربيكي ، وكانت له الرياسة على عامّة جنده وعسكره ، توفّي سنة 994 ودفن في قرية نازك عند أجداده. ومنهم : بهروز خان الثاني الملقّب بسلطان خان ، كان من خواصّ الشاه عبّاس الصفوي ، وكان شجاعا خليقا. وفي تاريخ «شرف نامه» و «تاريخ عالم آراء عبّاسي» و «تاريخ جهان نماي» تركي نبذة من شجاعته وبسالته وجلادته وحسن أخلاقه وسائر مآثره الجميلة ، توفّي سنة 1014 في قرية بورس التي بناها بنفسه ودفن في قرية نازك. ومنهم : علي خان الملقّب بصفي قلي خان بن بهروز خان ، كان من خواصّ الشاه صفي الثاني ، وذكر مآثره الجميلة وشجاعته الشهيرة صاحب كتاب ناسخ سياق وتاريخ نوّاب محمود خان. ومنهم : مرتضى قلي خان بن علي خان ، كان من خواصّ الشاه عبّاس الثاني وكان يعضده ويساعده في كبار الأمور وصغارها ، وكان الشاه هو الذي لقّبه بأمير الأمراء ، وذكره في تاريخ سياق بكلّ جميل ، وله آثار وعمارات في أصبهان ، وكانت عمارة أيوان المعصومة فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهمالسلام في بلدة قم من آثاره الباقية ، وهو بهو عزيز النظير ، وكذا بناء قلعة جورس ، وله أبنية متفرّقة أيضا. وكان سبب وفاته من سمّ دسّه إليه أخوه غياث بيك ، وتوفّي في قاشان وحمل نعشه إلى قم ودفن فيه ، وخلّف خمس عشر بنتا وثلاثة بنين. ومنهم : الأمير شهباز خان بن الأمير مرتضى قلي خان ، كانت له الرياسة العامّة على عموم الدنابلة في سنة 1122 وكان من خواصّ الشاه سليمان والشاه السلطان حسين ، ولمّا استولى عبد الله باشا العثماني على بلدة خوي تحصّن الأمير شهباز مع ألفين من عسكره في حصن فوقعت بينه وبين عبد الله باشا محاربات شديدة فغلب عبد الله باشا وفتح الحصن وأمر بالقتل العام فقتل الأمير شهباز مع ثمانية وثلاثين من أولاده وبني أعمامه في سنة أربع وأربعين ومائة بعد الألف وبقي من أولاده مرتضى قلي خان ونوّاب نجفقلي خان. ومنهم : مرتضى قلي خان بن شهباز خان ، كان فاضلا لا سيّما في علم النجوم ، وخلّف من الأولاد شهباز خان وأحمد خان وسليمان ، وكانت وفاته سنة ألف ومائة وستّين. ومنهم : نجفقلي خان بن شهباز خان ، كان من قوّاد عسكر نادر شاه أفشار وخواصّه ، ولقّبه أمير الأمراء كما لقّبه من قبله الشاه سلطان حسين الصفوي ، وكان من خواصّه أيضا ، وكان رئيسا على جميع قوّاد جيوش الشاه طهماسب الصفوي ، وفي أيّام الأفاغنة كان يحفظ الثغور ، فلمّا جلس النادر على سرير الملك لقّبه أمير الأمراء أيضا وكان نائب السلطنة في عصر علي شاه أفشار وكريمخان زند وعلي مراد خان وفي سلطنة هؤلاء كان في تبريز إلى عصر القاجاريّة ، وكان عند آقا محمّد خان قاجار مكرّما معظّما ويدعى بألقابه المشار إليها ، وبعد ذلك ومن النوادر حيث أنّه أدرك سلاطين من الصفويّة والأفشاريّة والزنديّة ، وبدأ سلطنة القاجاريّة ، وكان مبجّلا عند الجميع. وذكر الفاضل محمّد رضا التبريزي في تاريخ أولاد الأئمّة المطبوع سنة 1304 : إنّ في تبريز وقعت زلزلة عظيمة خربت منها الدور والقصور والقلاع وممّن وقع تحت الردم نجفقلي خان هذا ، فلمّا أخرجوه كان به رمق فعوفي ثمّ اشتغل بعمارة تبريز سنتين فجعل لها حصارا منيعا ، وفتح لها اثنى عشر بابا ، وكان الشعراء يمدحونه بذلك ، منهم الهادي الهمداني المتخلّص ب «نسبت» قال في قصيدته : چه گشت از گردش چرخ جفا كيش أساس قلعه تبريز بر باد خديو معدلت آئين نجف خان كه داد معدلت اندر جهان داد بناى قلعه را بنهاد از نو كه مثلش كس ندارد در جهان ياد بتاريخش رقم زد كلك نسبت ز نو سد سكندر گشت آباد وذلك ينطبق على سنة 1190 ، توفّي في السنة المزبورة وحمل نعشه إلى النجف الأشرف. ومنهم : آقا محمّد آقا بن نجفقلي خان ، كان فاضلا عالما أدبيا ، له ديوان شعر وتفسير كبير للقرآن. ومنهم : عبد الرزّاق بيك بن نجفقلي خان ، كان مشهورا في آذربيجان بالعلم والفضل والأخلاق ، وكان شاعرا أديبا مقرّبا عند نائب السلطنة عبّاس ميرزا ، وكان تخلّصه (مفتون) ، صنّف كتاب السلطاني في تاريخ سلاطين القاجاريّة من بدأ تأسيسه إلى سنة ألف ومأتين وإحدى وأربعين وهو مطبوع ، وكتاب ترايخ الدنابلة سماّه رياض الجنّة ، وكان نقل الجواهري في آثار الشيعة في تاريخ الدنابلة من الكتاب المشار إليه ، قال : رأيت نسخة منه في مكتبة السلطاني بطهران ونسخة أخرى مخطوطة عند ملك الشعراء ، وله أيضا كتاب التذكرة في الشعر والشعراء ، توفّي سنة 1243. ومنهم : ومنهم شهباز خان بن مرتضى قلي خان الثاني ، قال نوّاب محمود خان في تاريخه : إنّ شهباز خان جلس على مسند الحكومة في شيراز ، وفي سنة 1125 صار أمير الأمراء ، وكان متفقا مع فتحقلي خان أفشار حتّى أسره كريم خان زند ثمّ أكرمه وعظّمه وزوّج لابنه أبو الفتح خان بنته سلطان خانم ، وكان شهباز خان فاضلا ، له كتاب في علم النجوم ، وديوان يشبه ديوان العنصري وأبي الفرج الرومي ، وكان له مهارة كاملة في علم الإنشاء ومستظرفات الصنايع ، وكان خطّه في نهاية الجودة كقلم الدرويش. ومنهم : الأمير محمود خان ، كان أمير الأمراء في أصبهان ، له ديوان شعر نحو ديوان الأنوري ، وبعد وفاته انتقلت رياسته إلى ابنه شهباز خان ، توفّي سنة 1261. ومنهم : الأمير المؤيّد والملك المسدّد أحمد خان عليه الرحمة هو ابن مرتضى قلي خان الثاني ، وهو الذي بذل جهده في عمارة سامرّاء ، وكان فاضلا حسن السيرة ، ليّن العريكة ، شجاعا جوادا مسيسا ديّنا ، وكان نادر شاه يعظّمه ويوقّره ، وإنّه ختم على ظهر كتاب الله وحلف بذلك على أنّه يعمل له بما رقم لهم سلاطين الصفويّة بتفويضهم نواحي كردستان ، فاطمأنّ أحمد خان بذلك وهاجر من نواحي كردستان ومعه مائة ألف بيت إلى بلدة خوي ومرند وزنوز وأرونق إلى نهر أرس وتوطّنوا بها ، ثمّ اشتغل أحمد خان بالعمارة فعمّر بلدة خوي بعد أن غلب عليها الخراب فبنى فيها اثنتي عشرة محلّة ، وأحدث فيها حدائق كثيرة ، وأسكن فيها وفي نواحيها أربعمائة ألف بيت من المسلمين والنصارى واليهود ، وكان مدّة عمارته خمسين سنة وستّة أشهر. ومن آثاره الباقية عمارة مشهد العسكريّين عليهماالسلام من الصحن والرواق والبهو والحرم والمأذنتين والسرداب والمسجد والحمّام والخان وغيرها ، غير أنّه لم يوفّق لإتمامه وتكميله فأتمّه وأكمله ابنه الأمير حسين قلي خان. قال : وفي عهد إمارة أحمد خان كان الناس في عهد الأمان ورغد العيش ، وكان السلطان سليم باشا العثماني لم يزل يوصّي الحكّام المجاورين لآذربيجان بإطاعة أحمد وترضية خاطره ، ثمّ إنّ أحمد خان مع ولده الأكبر وأخيه سليمان قتلوا في حرب كريم خان زند ، وخلّف أحمد خان من الأولاد الذكور ثمانية ومن الإناث أربعا ، ثمّ الأمير حسينقلي خان حمل نعش أبيه أحمد خان مع ألف فارس وعدّة من العلماء والقرّاء وأرباب المناصب إلى سرّ من رأى ودفن في سرداب هيّئه لنفسه عند الروضة المطهّرة في الرواق. أقول : وعلى قبره رخام صقيل أسمر اللون ، منصوب في الجدار مكتوب عليه : «هو الحيّ لا يموت ، چون به حكم ازلى وعنايت پادشاه توقيع توفيق بناى اين طاق رفيع آسمان ومنشور سعادت اين رواق منيع خلد آسا بنام نامى امير عادل وخديو باذل حامى رايات جود وداد ، وما حى آيات جور وفساد ناصر الدنيا والدين احمد خان الدنبلى غفر الله العلى موشّح گرديده بود ، بعد از آن در هنگام زوال يوم الاحد چهاردهم ماه ربيع الأوّل سنه هزار ودويست از هجرت آفتاب عمر روز شرّ ازمان زوال آمد وبدرجه رفيعه شهادت رسيد ، از الطاف كامله الهى به رتبه جوار همين آستان مقدّس معزوز عنوان صحيفه سعادتش بطراز رقم مرحمت شيم «تلك الجنّة التي أورثتموها بما كنتم تعملون» مطرّز گرديد». وكتب على حواشي الرخام أبيات فارسيّة مليحة أعرضنا عن ذكرها. وحدّثني بعض من أثق به أنّه قال : رأيت جسد أحمد خان الدنبلي بعد سنين متطاولة غضّا طريّا وعلى رجليه أثر الحنا. قال : وكان سبب ذلك أنّا حفرنا قبرا بقرب مقبرة أحمد خان الدنبلي فنظرنا إلى جسده من ثقبة حدثت في الحائط فرأيته غضّا طريّا لم يتغيّر ، استشهد على ما في لوح مزاره يوم الأحد الرابع عشر من ربيع الأوّل سنة 1200. ومنهم : الأمير المؤيّد حسين قلي خان بن أحمد خان المزبور ، كان عالما فاضلا في علوم الطبّ والنجوم والهندسة ، وبنى مسجدا وحمّاما وخانا لزوّار سرّ من رأى بتفصيل ما تقدّم ، ثمّ إنّه قتل غيلة وحمل نعشه إلى سرّ من رأى ودفن عند أبيه وعلى قبره رخام أصفر صقيل من أثمن الأحجار ، وحفرت عليه أبيات لطيفة وعبارات رشيقة قرأتها بنفسي ، منها : «كان صاحب هذا المرقد المنوّر والمضجع المعطّر الأمير المعظّم والملك المكرّم مالك أزمّة العباد ، ماسك أعنّة الأجناد ، قائد الجيوش المنصورة ، رافع الرايات المنشورة ، مالك زمام أمور الأنام ، حافظ ثغور الإسلام ، الواصل إلى جوار رحمة هذه الروضة المباركة المنيعة ، ورافع الأبنية المشرّفة الرفيعة ، أحسن الأمراء سيرة ، وأخلقهم سريرة ، وأوسعهم صدرا ، وأنورهم بدرا ، وأنفعهم كفّا ، وأوقعهم حلما ، وأسعدهم نجما ، وأتمّهم وفاء ، وأعمّهم سخاء ، وأوفاهم حباء ، وأغناهم غناء ، وأعظمهم قدرا ، وأفخهم ذكرا ، وأمدّهم باعا ، وأشدّهم اتّساعا ، وأطوعهم أنصارا ، وأروعهم سيفا وسنانا ، الأمير حسين قلي خان ابن أحمد خان الدنبلي حشرهم الله مع النبي والولي انتقل برحمة الله تعالى من محبس دار الغرور إلى بحبوحة دار السرور ودخل جنّة الخلد التي أعدّت للمتقين ، فارق الدنيا مع ثبات الدين ليلة السبت عاشر شهر رمضان سنة 1213». ومنهم : نوّاب محمّد صادق بن الحسين قلي خان بن أحمد خان ، توفّي سنة 1213 ، وحمل نعشه إلى سامرّاء ودفن عند أبيه وجدّه. ومنهم : نوّاب جعفر قلي خان بن أحمد خان ، توفّي سنة 1229 وحمل نعشه إلى سامرّاء. ومنهم : كلب علي خان بن أحمد خان الدنبلي. ومنهم : نظر علي بيك حملا بعد وفاتهما إلى سرّ من رأى ، ودفنا عند احمد خان ، على قبر كلّ واحد منهما رخام أصفر صقيل ، ومقبرتهم معروفة إلى اليوم في سامرّاء. ومنهم : الأمير أحمد بن أمير بيك. ومنهم : الأمير بهلول بن جمشيد. ومنهم : الحاج بيك ابن الأمير ولي. ومنهم : السلطان علي بن الحاج بيك. ومنهم : الشاه بند خان بن أيوند جان. ومنهم : غياث بيك بن علي خان. ومنهم : الأمير خداداد خان بن نجف علي خان. ومنهم : الأمير فتحعلي ابن الأمير خداداد. ومنهم : نجفقلي خان بن فتحعلي بيك. ومنهم : بهاء الدين عبد الرزّاق بيك. ومنهم : كوچك خان بن خداداد. فهؤلاء كلّهم من أمراء الدنابلة ومن خلّص الشيعة ، ولكلّ واحد منهم حظّ وافر من العلم والأدب والفضل والنبالة ، وقد اشتهروا في أعصارهم وبلغت حكومتهم أسمى المراتب ، ونحن أمسكنا عن شرح حالهم خوفا من التطويل ، وأمّا مآثر السلماسي والمولى الميرزا محمّد رفيع والمولى الميرزا محمّد شفيع الذين كانوا بيدهم تولية أمر العمارة من قبل الدنابلة في سامرّاء فسيأتي ذكرها إن شاء الله في محلّها. وقد تمّ الجزء الأوّل من تاريخ سامرّاء في الخامس والعشرين من جمادى الأوّل سنة 1350 ، أمّا الطبع الثاني هذا قد وقع الفراغ منه في شهر رمضان سنة 1388 هجري. فهرس المطالب تقديم 5 ترجمة المؤلف 8 مقدّمة المؤلّف 13 أسماء سامرّاء 15 وجه تسمية سامرّاء 20 تعيين درجة سامرّاء 23 بدء بناء سامرّاء 29 عمارة سامرّاء في عصر هارون الرشيد 30 ترجمة هارون الرشيد 34 ترجمة المعتصم 35 عمارة سامرّاء في عصر المعتصم 39 سبب خروج المعتصم من بغداد إلى سامرّاء 39 صفة غلمان المعتصم وذهابهم إلى سامرّاء 41 بناء المعتصم القاطول قرب سامرّاء 43 سبب اختيار المعتصم سرّ من رأى دون غيرها 44 اشتياق المعتصم تمصير سامرّاء 45 صفة بناء سامرّاء وتمصيرها بأمر المعتصم 46 صفة قطايع سامرّاء وشوارعها 47 إنشاء المعتصم العمارات والبساتين في الجانب الغربي من دجلة 52 عمارة سامرّاء في عصر الواثق بالله ابن المعتصم 54 ترجمة الواثق بالله 55 عمارة سامرّاء في عصر المتوكّل ؛ جعفر بن المعتصم 57 بناء المسجد الجامع والملوية 57 كثرة قصور سامرّاء والأبنية الجليلة فيها 67 تاريخ المتوكّل وآثاره 113 تفسير طيالسة النصارى بأمر المتوكّل 115 عقد البيعة لبنيه الثلاثة 116 شغف المتوكّل بالجواري 117 نبذة من نوادر المتوكّل 119 محن العلويّين في خلافة المتوكّل 123 المتوكّل وابن السكّيت 126 الثياب في زمن المتوكّل 126 المتوكّل وما فعل بأتياخ 127 سبب كرب المتوكّل قبر الحسين عليهالسلام 128 ذهاب المتوكّل إلى دمشق 129 المتوكّل وشرائه السيف الذي قتل به 130 كيف قتل المتوكّل 131 جلوس المنتصر 135 أديار سامرّاء ونواحيها 137 العثور على بعض الآثار الجليلة في سامرّاء 170 أخبار الإمام أبي الحسن عليّ الهادي عليهالسلام بانحلال سامرّاء وخرابها 174 كلام الحموي في انحلال سامرّاء 176 كلام ابن المعتز في انحلال سامرّاء 177 سبب انحلال سامرّاء وخرابها 179 العراق ووجه تسميته 182 حدّ العراق 183 فضل العراق وأهله 183 فضل سامرّاء على سائر بلدان العراق 187 فضل سامرّاء على بغداد 188 موقعيّة سامرّاء للعمارة 194 موقع سامرّاء في عصر ما قبل التاريخ 195 العثور على الآثار القبتاريخيّة التي مرّ ذكرها 196 سامرّاء الجديدة وهيئتها الحاضرة 196 تاريخ الجسر الموجود 199 سور سامرّاء 200 بدء بناء سور سامرّاء 200 نبذة من حياة السيّد إبراهيم المذكور 204 آبار سامرّاء ونواحيها 206 المعجم الهجائي لذكر البقاع والأمكنة في سامرّاء ونواحيها حاضرها وماضيها 209 أبو دلف 209 مآثر أبي دلف قاسم بن عيسى العجلي 212 دجلة سامرّاء ومبدؤها والبلاد التي تمرّ عليها 270 المقابر والمشاهد في سامرّاء ونواحيها 288 أخبار المليكة نرجس وبدأ أمرها 301 كيفيّة ولادة الحجّة برواية الحضيني 307 صفة بناء الدار (الروضة البهيّة للعسكريّين عليهماالسلام) 314 العمارة الأولى وتاريخ مبدءها 314 صفة الدار 315 نبذة من آثار آل حمدان 319 نبذة من أخبار أحمد بن بويه 322 نبذة من مآثر آل بويه 325 أبو منصور (فلادستون بن كاليجار) 343 الملك رحيم خسرو فيروز 343 نبذة من تاريخ البساسيري 345 صفة بناء سرداب الغيبة 350 اعتقاد الإماميّة في صاحب السرداب 355 نبذة من أخبار أحمد الناصر وتاريخه 357 الأمير الشيخ حسن الكبير 378 نبذة من أخبار السلاطين الصفويّة 381 نبذة من فتنة الأفاغنة 383 صفة البناء ومنظر الصحون الثلاثة 388 صفة البهو والمأذنتين 390 صفة الرواق والروضة البهيّة 391 نبذة يسيرة من أخبار الدنابلة
| |
|
| |
| ماثر الكبرى في تاريخ سامراء ج1 | |
|