مع ادخار الحسين لمواجهة هذا الغدر المبين بالبقية الباقية من رجال المشروع ليشق طريقه من جديد في الأمة.
خلاصة في اسرة معاوية ونسبه ومرض وفاته
اسرة معاوية :
قال ابن ابي الحديد : وكان معاوية على اس الدّهر مبغضا لعليّ عليهالسلام شديد الانحراف عنه وكيف لا يبغضه وقد قتل أخاه يوم بدر وخاله الوليد بن عتبة وشرك في جده وهو عتبة أو في عمّه وهو شيبة على اختلاف الرّواية وقتل من بني عبد شمس نفرا كثيرا من أعيانهم وأماثلهم ، ثمّ جاءت الطَّامّة الكبرى واقعة عثمان فنسبها كلها إليه بشبهة إمساكه عنه وانضواء كثير من قتلته إليه عليهالسلام فتأكدت البغضة وثارت الأحقاد وتذكرت تلك التراث الأولى حتّى أفضى الأمر إلى ما افضى إليه.
ومعاوية مطعون في دينه عند شيوخنا يرمى بالزندقة ، وقد ذكرنا في نقض السّفيانية على شيخنا أبي عثمان الجاحظ ما رواه أصحابنا في كتبهم الكلاميّة عنه من الالحاد والتّعرّض لرسول الله وما تظاهر به من الجبر والارجاء ، ولو لم يكن شيء من ذلك لكان في محاربته الامام عليهالسلام ما يكفي في فساد حاله. (1)
نسب معاوية :
هو معاوية :
ابن ابي سفيان ؛ واسمه صخر (مجمع قريش والقبائل خارج مكة) لقتال النبي صلىاللهعليهوآله والصد عن دعوته.
ابن حرب ؛ وهو الذي اجاره عبد المطلب من وُلدِه حين لحقوه لما اخفر ذمة الزبير بن عبد المطلب في التميمي ولطمه ثم هرب الى عبد المطلب وقال له اجرني من ولدك الزبير واخوته ، فاكفأ عليه جفنة كانت لهاشم يطبخ للحجيج بها ، والبسه قباءه الخاص واخرجه. (2)
__________________
(1) ابن ابي الحديد ، شرح نهج البلاغة ج 1 ص 340.
(2) روى الجاحظ في المحاسن والأضداد ص 116 المعاهد بمصر سنة 1350. والبيهقي في المحاسن
وفي قصة مخاصمة بني كلاب وبني رباب من بني نضر مع عبد المطَّلب في مال قريب من الطائف فقال عبد المطَّلب : المال مالي فسلوني أعطكم ، قالوا : لا ، قال : فاختاروا حاكما قالوا : ربيعة بن حذار الأسديّ فتراضوا به وعقلوا مائة ناقة في الوادي وقالوا : الإبل والمال لمن حكم له ، وخرجوا وخرج مع عبد المطَّلب حرب بن أميّة فلما نزلوا بربيعة وقالوا له احكم لأشدّنا طعانا ، وأوسعنا مكانا ، قال عبد المطلب : احكم لأولانا بالخيرات ، وأبعدنا عن السوآت وأكرمنا أمهات ، فقال ربيعة : والغسق والشفق ، والخلق المتّفق ، ما لبني كلاب وبني رباب من حقّ ، فانصرف يا عبد المطَّلب على الصواب ، ولك فصل الخطاب ؛ فوهب عبد المطَّلب المال لحرب بن أميّة. (1)
__________________
والمساوي ج 1 ص 67 قالا : قدم عبد الله بن عباس على معاوية وعنده جمع من بني أمية ووفود العرب ، فدخل وسلّم وقعد فسأله معاوية مَن الناس؟ فقال ابن عباس : نحن ، قال معاوية : فإذا غبتم؟ قال : فلا أحد ، فقال معاوية : فإنك ترى أني قعدت هذا المقعد بكم؟ فقال ابن عباس : نعم ، فبمن قعدت؟ فقال معاوية : بمن كان مثل حرب بن أمية. فقال ابن عباس : بل بمن أكفأ عليه إناءه وأجاره بردائه ، فغضب معاوية. وقال : أرحني من شخصك شهراً فقد أمرت لك بصلتك وأضعفتها لك. فخرج ابن عباس وهو يقول لمن معه : ألا تسألونني ما الّذي أغضب معاوية؟ فقالوا : بلى فقل بفضلك. فقال : إن أباه حرب لم يلق أحداً من رؤساء قريش في عقبة ولا مضيق إلّا تقدّمه حتى يجوزه ، فلقيه يوماً رجل من بني تميم في عقبة فتقدمه التميمي ، فقال حرب : أنا حرب بن أمية ، فلم يلتفت إليه وجازه ، فقال : موعدك مكة ، فخافه التميمي ، ثم أراد دخول مكة فقال : من يجيرني من حرب بن أمية ، فقيل له عبد المطلب ، فقال : عبد المطلب أجل قدراً من أن يجير على حرب ، فأتى ليلاً إلى دار الزبير بن عبد المطلب ، فدقّ بابه ، فقال الزبير لعبده : قد جاءنا رجل إمّا طالب قِرى وإمّا مستجير ، وقد أجبناه إلى ما يريد ، ثمّ خرج الزبير إليه فقال التميمي :
لاقيت حرباً في الثنية مقبلاً
والصبح أبلج ضوؤه للساري
فدعا بصوت واكتنى ليروعني
وسما عليَّ سمّو ليث ضاري
فتركته كالكلب ينبح ظِله
وأتيت قرم معالم وفخار
ليشاً هزبراً يستجار بعزّه
رحبَ المباءة مكرماً للجار
ولقد حلفت بمكة وبزمزم
والبيت ذي الأحجار والأستار
إنّ الزبير لمانعي من خوفه
ما كبّر الحُجّاج في الأمصار
فقدّمه الزبير وأجاره ودخل به المسجد ، فرآه حرب فقام إليه فلطمه ، فحمل عليه الزبير بالسيف ، فولى هارباً يعدو حتى دخل دار عبد المطلب ، فقال : أجرني من الزبير ، فأكفأ عليه جفنة كان هاشم يطعم فيها الناس ، فبقي تحتها ساعة ، ثمّ قال له : أخرج ، قال : وكيف أخرج وعلى الباب تسعة من بنيك قد احتبوا بسيوفهم ، فألقى عليه رداء كان كساه إياه سيف بن ذي يزن له طرتان خضروان ، فخرج عليهم ، فعلموا أنّه قد أجاره عبد المطلب فتفرقوا عنه.
(1) النوبري ، نهاية الأرب في فنون الأدب ج 3 ص 133 ـ 134.
ابن امية الاكبر : الذي نافر عبد المطلب على عشر سنين يخرج عن مكة فحكم له وخرج من مكة (1) ، وكانت اول عداوة بين بني امية وهاشم.
بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي مؤسس التجمع القرشي.
جدته لابيه حمامة من ذوات الرايات. (2)
امه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ، قاتلة حمزة واكلة كبده.
عزي معاوية الى اربعة. (3)
لم يكن معاوية صريح النسب الى ابي سفيان فقد عزي الى اربعة.
وقد كتب معاوية الى علي عليهالسلام : (أما بعد ، فإنك لو علمت أن الحرب تبلغ بنا وبك
__________________
(1) قال النوبري في نهاية الأرب في فنون الأدب ج 3 ص 132 ـ 133 : أن أمية بن عبد شمس دعا هاشم بن عبد مناف إلى المنافرة ، فقال هاشم : إني أنافرك على خمسين ناقة سود الحدق ، ننحرها بمكة أو الجلاء عن مكَّة عشر سنين ، فرضى أميّة وجعلا بينهما الخزاعيّ الطاهن وخرجا اليه ومعهما جماعة من قومهما فقالوا : احكم بين هاشم بن عبد مناف وبين أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف أيّهما أشرف بيتا ونفسا ، قال : والقمر الباهر ، والكوكب الزاهر ، والغمام الماطر ، وما بالجوّ من طائر ، وما اهتدى بعلم مسافر ، من منجد وغائر ، لقد سبق هاشم أميّة إلى المآثر ، أوّلا منه وآخر ؛ فأخذ هاشم لإبل ونحرها وأطعمها من حضر وخرج أميّة إلى الشام فأقام بها عشر سنين ؛ فيقال : إنها أوّل عداوة وقعت بين بني هاشم وبين بني أميّة.
(2) روى ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة ج 2 ص 125 قال معاوية لعقيل يا أبا يزيد ، فما تقول في؟ قال : دعني من هذا! قال : لتقولن ، قال : أتعرف حمامة؟ قال : ومن حمامة يا أبا يزيد؟ قال : قد أخبرتك ، ثم قام فمضى ، فأرسل معاوية إلى النسابة ، فدعاه ، فقال : من حمامة؟ قال ولي الأمان! قال : نعم ، قال : حمامة جدتك أم أبي سفيان ، كانت بغيا في الجاهلية صاحبة راية.
(3) روى ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة ج 1 ص 336 عن الزمخشري في كتاب " ربيع الأبرار " : كان معاوية يعزى إلى أربعة : إلى مسافر بن أبي عمرو ، وإلى عمارة بن الوليد بن المغيرة ، وإلى العباس بن عبد المطلب ، وإلى الصباح ، مغن كان لعمارة بن الوليد. قال : وقد كان أبو سفيان دميما قصيرا ، وكان الصباح عسيفا (اجيرا) لأبي سفيان ، شابا وسيما ، فدعته هند إلى نفسها فغشيها. وقالوا : إن عتبة بن أبي سفيان من الصباح أيضا ، وقالوا : إنها كرهت أن تدعه في منزلها ، فخرجت إلى أجياد ، فوضعته هناك وفي هذا المعنى يقول حسان (ديوانه 157) أيام المهاجاة بين المسلمين والمشركين في حياة رسول الله صلىاللهعليهوآله قبل عام الفتح :
لمن الصبي بجانب البطحاء
في الترب ملقى غير ذي مهد
نجلت به بيضاء آنسة
من عبد شمس صلتة الخد
والعسيف : الأجير. نجلت به ولدته ، وصلتة الخد ، الصلت : الأملس.
ما بلغت وعلمناه نحن ، لم يجنها بعضنا على بعض. وإن كنا قد غلبنا على عقولنا فقد بقي منها ما نرم به ما مضى ونصلح ما بقي. وقد كنت سألتك الشام على أن لا تلزمني لك طاعة ولا بيعة ، فأبيت ذلك علي فأعطاني الله ما منعت. وأنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس ، فإنك لا ترجو من البقاء إلا ما أرجوه ولا تخاف من الفناء إلا ما أخاف ، وقد والله رقت الأكباد وذهبت الرجال. ونحن بنو عبد مناف ، وليس لبعضنا على بعض فضل يستذل به عزيز ولا يسترق به ذليل ، والسلام).
قال سليم : فلما قرأ علي عليهالسلام كتابه ضحك وقال : العجب من معاوية وخديعته لي فدعا كاتبه عبيد الله بن أبي رافع فقال له : أكتب : أما بعد ، فقد جاءني كتابك تذكر فيه (أنك لو علمت وعلمنا أن الحرب تبلغ بنا وبك إلى ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض) ، وإنا وإياك ـ يا معاوية ـ على غاية منها لم نبلغها بعد. وأما طلبك الشام ، فإني لم أعطك اليوم ما منعتك أمس. وأما استواؤنا في الخوف والرجاء ، فإنك لست بأمضى على الشك مني على اليقين ، وليس أهل الشام أحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة. وأما قولك (إنا بنو عبد مناف ليس لبعضنا فضل على بعض) ، فكذلك نحن ولكن ليس أمية كهاشم ولا حرب كعبد المطلب ولا أبو سفيان كأبي طالب ولا الطليق كالمهاجر ولا المنافق كالمؤمن والمبطل كالمحق. في أيدينا فضل النبوة التي ملكنا بها العرب واستعبدنا بها العجم ، والسلام). (1)
قوله عليهالسلام (ولكن ليس أمية كهاشم) :
اراد عليهالسلام بهذه المقارنة الاشارة الى ان بني امية ينتسبون الى امية (الاكبر) بن عبد شمس بن عبد مناف ولم ينسبهم الى جدهم عبد شمس لانهم ليسوا العقب الوحيدة له ، وبنو هاشم ينتسبون الى عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وليس لهاشم عقب من غير عبد المطلب.
قوله عليه السالم (ولا حرب كعبد المطلب) :
مرت علينا قصة اجارة عبد المطلب لحرب ، وقصة هبته له كمية من المال ، ومن
__________________
(1) سليم بن قيس ، كتاب سليم ص 336 ـ 337 ، الكراجكي ، كنز الفوائد ص 201 ، الدينوري ، الأخبار الطوال ص 187 ، المسعودي ، مروج الذهب ومعادن الجوهر ج 3 ص 13 ـ 14.
هاتين القصتين نعلم ان حربا من رعايا عبد المطلب فكيف يوازنه معاوية بمن كانت تسميه قريش ب (براهيم الثاني)؟ بل من هو ابوه امية ازاء عبد المطلب ، قال ابو الفرج : دخل دغفل النسابة على معاوية فقال له : من رأيت من عِلية قريش قال : رأيت عبد المطلب بن هاشم وأمية بن عبد شمس. فقال : صفهما لي. فقال : كان عبد المطلب أبيض مديد القامة حسن الوجه ، في جبينه نور النبوّة وعزّ الملك ، يطيف به عشرة من بنيه كأنهم أسد غاب. قال : فصف أميّة. فقال : رأيه شيخا قصيرا نحيف الجسم ضريرا يقوده عبد ذكوان. فقال : مه ، ذاك ابنه أبو عمرو. فقال : هذا شيء قلتموه بعد وأحدثتموه ، وأمّا الذي عرفت فهو الذي أخبرتك به. (1) وهكذا فان حربا فضلا عن ابيه (امية) لا يقاسان بعبد المطلب بل لا يقاس بعبد المطلب كل قريش انذاك.
قوله عليهالسلام (ولا أبو سفيان كأبي طالب) :
قاد ابو سفيان قريشا والقبائل فيما بعد ضد النبي ليصد عن دعوته الالهية ويسفك دمه فكيف يقايسه معاوية بابي طالب الذي وظف كل ما حباه الله من قدرات في نصرة النبي صلىاللهعليهوآله قال عليهالسلام يخاطبه صلىاللهعليهوآله :
والله لن يصلوا اليك بجمعهم
حتى اوسد في التراب دفينا
فأصدع بأمرك ما عليك غضاضة
ابشر وقر بذاك عيونا
وقال ايضا يخاطب قريشا :
كذبتم وبيت الله نبزى محمدا
ولما نطاعن دونه ونناضل
ونسلمه حتى نصرع دونه
ونذهل عن ابنائنا والحلائل
قوله عليهالسلام (ولا الطليق كالمهاجر ولا المنافق كالمؤمن والمبطل كالمحق) اراد بـ (المهاجر) و (المؤمن) و (المحق) نفسه الشريفة ، واراد بـ (الطليق) و (المنافق) و (المبطل) معاوية.
وفي رواية الشريف الرضي في نهج البلاغة (2) ومصادر اخرى (3) اضافة لم تكن في رواية مسلم وغيره وهي :
__________________
(1) الاصفهاني ، الاغاني ج 1 ص 45.
(2) نهج البلاغة خطب الإمام علي عليهالسلام ، (تحقيق صالح) ص 374 ـ 375.
(3) ابن شهر آشوب ، مناقب آل أبي طالب ، ج 2 ص 361 ـ 362. الزمخشري ، ربيع الابرار ج 4 ص 216 ، ابن ابي الحديد ، شرح نهج البلاغة ج 15 ص 117. ابن حمدون ، التذكرة الحمدونية ج 7 ص 164.
قوله عليهالسلام (ولا الصريح كاللصيق) :
وقد اراد عليهالسلام بقوله (الصريح) الاشارة الى نفسه الشريفة وهو اول هاشمي ولد لهاشمية ، فان اباه ابو طالب بن عبد المطلب بن هاشم وامه فاطمة بنت اسد بن هاشم وقالوا عنه وهو أول هاشمي ولده هاشم مرتين. (1)
وبقوله (اللصيق) الاشارة الى شبهة النسب في معاوية ، غير ان البعض نفى انها تشير الى ذلك.
قال ابن ابي الحديد : «فإن قلت : فما معنى قوله : «ولا الصريح كاللصيق»س ، وهل كان في نسب معاوية شبهة ليقول له هذا؟ قلت : كلا إنه لم يقصد ذلك ، وإنما أراد الصريح بالإسلام واللصيق في الاسلام ، فالصريح فيه هو من أسلم اعتقادا وإخلاصا ، واللصيق فيه من أسلم تحت السيف أو رغبة في الدنيا». (2)
أقول :
بل اراد عليهالسلام النسب ، لان لفظة (الصريح) صريحة في خالص النسب وكذلك اللصيق والمُلصَق فانها صريحة في دعي النسب (لسان العرب).
قال الزمخشري : كان معاوية يعزى إلى أربعة : إلى مسافر بن أبي عمرو ، وإلى عمارة بن الوليد بن المغيرة ، وإلى العباس بن عبد المطلب ، وإلى الصباح ، مغن كان لعمارة بن الوليد. قال : وقد كان أبو سفيان دميما قصيرا ، وكان الصباح عسيفا (اجيرا) لأبي سفيان ، شابا وسيما ، فدعته هند إلى نفسها فغشيها. وقالوا : إن عتبة بن أبي سفيان من الصباح أيضا ، وقالوا : إنها كرهت أن تدعه في منزلها ، فخرجت إلى أجياد ، فوضعته هناك. (3)
وفي هذا المعنى يقول حسان أيام المهاجاة بين المسلمين والمشركين في حياة رسول الله صلىاللهعليهوآله قبل عام الفتح :
لمن الصبي بجانب البطحاء
في الترب ملقى غير ذي معه
__________________
(1) الكليني ، الكافي ج 1 ص 452 ، ابن الاثير ، اسد الغابة ج 4 ص 16 ، مصعب الزبيري ، نسب قريش ص 17.
(2) ابن ابي الحديد ، شرح نهج البلاغة ج 15 ص 118 ـ 119.
(3) ابن ابي الحديد ، شرح نهج البلاغة ج 1 ص 336 عن الزمخشري في كتاب «ربيع الأبرار».
نجلت به بيضاء آنسة
من عبد شمس صلتة الخد (1)
والعسيف : الأجير. نجلت به ولدته ، وصلتة الخد ، الصلت : الأملس.
أقول :
لقد كانت امام معاوية فرصة التاريخ الذهبية حين صالحه الحسن عليهالسلام على امرة المسلمين جميعا بشروطه المعروفة ، وحين برزت اثار الصلح العظيمة ، غير ان النشاة الاولى والحضن الخسيس والنطفة المشتبهة ، ودماء الصلحاء والابرياءفي صفين بل في الجمل لانه المخطط لها ، وحبه ليزيد الذي اعماه عن رشده كما قال هو عن نفسه كما سياتي / كل ذلك جعله يصر على المأثم ، ويتحول الى مرحلة اسوأ في تاريخه ، حين حرف تاريخ الاسلام وسفك الدماء الاخيار من شيعة العراقو دسه السم للحسن واخذه الناس ببيعة ابن يزيد الفاسق ، بما وضحناه بشكل مختصر في الفصل السابق.
مرض اللقوة اول الغضب الالهي على معاوية :
قال ابن الفقيه : ولمّا حجّ معاوية (الظاهر انها سنة 56 هـ) حرّك المنبر (منبر النبي) يريد أن يخرج به إلى الشام فانكسفت الشمس ، فقال جابر بن عبد الله : بئس ما صنع معاوية ببلد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومهاجره الذي اختاره الله له ، والله ليصيبنّ معاوية شيء في وجهه ، فأصابته اللَّقوة نسأل الله العافية. (2)
أقول : ان فهم جابر بن عبد الله الانصاري اعمق من ذلك ، واني اشك ان الرواية له ، ولكني اوردتها لاقرِّب فكرة ان مرض معاوية باللقوة هي عقوبة الهية ولكنها ليست لاجل منبر النبي صلىاللهعليهوآله بل لاجل ما صنعه نقضه الشرط مع الحسن عليهالسلام وإعادته لعن علي عليهالسلام وبخاصة قد اصيب باللقوة في سنة 56 هـ وهي السنة التي اخذه فيها البيعة ليزيد نفسها. (3)
__________________
(1) الزمخشري ، ربيع الابرار ج 4 ص 276.
(2) ابن الفقيه أحمد بن محمد الهمداني ، البلدان ص 80.
(3) الجاحظ ، البرصان والعرجان والعميان والحولان ص 431 ـ 432 قال : وممن أصابته اللَّقوة : الحكم بن أبي العاص ذكر عبيد الله بن محمد قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد ، عن صدقة ، عن جميع بن عمير ، أنّ ابن عمر قال : رأيت النبي صلىاللهعليهوسلم جالسا والحكم بن أبي العاس خلفه ، فجعل يلوي شدقه يهزأ به ، فقال رسول الله عليهالسلام : «اللهم الو وجهه».
قال ابن اعثم : ثم رحل معاوية (من مكة بعد ان اخذ البيعة ليزيد) ، فلما صار بالأبواء ونزلها قام في جوف الليل لقضاء حاجته فاطلع في بئر الأبواء ، فلما اطلع فيها اقشعر جلده وأصابته اللقوة في وجهه فأصبح لما به ، فدخل عليه الناس يعزونه ويتوجعون له مما قد نزل به ، فقال : أيها الناس! إن المؤمن ليصاب بالبلاء فإما معاقب بذنب وإما مبتلى ليؤجر ، وإن ابتليت فقد ابتلى الصالحون من قبلي ، وأنا أرجو أن أكون منهم ، وإن مرض مني عضو فذلك بأيام صحتي وما عوفيت أكثر ، ولئن أعطيت حكمي فما كان لي على ربي أكثر مما أعطاني لأني اليوم ابن بضع وسبعين ، فرحم الله عبدا نظر إلي فدعا لي بالعافية ، فإني وإن كنت غنيا عن خاصتكم لقد كنت فقيرا إلى عامتكم. قال : فدعا الناس له بخير وخرجوا من عنده. وجعل معاوية يبكي لما قد نزل به ، فقال له مروان بن الحكم : أجزعا يا أمير المؤمنين؟ فقال : لا يا مروان! ولكني ذكرت ما كنت عنه عزوفا ثم إني بليت في أحسني وما ظهر للناس مني ، فأخاف أن يكون عقوبة عجلت لي لما كان مني من دفعي بحق علي بن أبي طالب ، وما فعلت بحجر بن عدي وأصحابه ، ولولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي وعرفت قصدي. (1)
وقال ابن عساكر : حج معاوية بن أبي سفيان عاما حتى إذا كان بالأبواء اطلع في بئر لها عادية فضربته اللَّقوة ، فمضى حتى أتى مكة فدخل داره وأرخى حجابه ودعا حمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد صلىاللهعليهوسلم ثم قال أيها الناس إن ابن آدم بعرض بلاء إما مبتلى ليؤجر وإما معاقب بذنب وإما مستعتب ليعتب وما أعتذر من واحدة من ثلاث ... قال فعج الناس يدعون له فبكى معاوية.
فلما خرجوا من عنده قال له مروان بن الحكم يا أمير المؤمنين لم بكيت قال يا مروان كبر سني ورق عظمي وابتليت في أحسن ما يبدو مني وخشيت أن تكون عقوبة من ربي ولولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي. (2)
وقال البلاذري حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال :
__________________
(1) الكوفي ، ابن اعثم ، الفتوح ، ج 4 ص 342 ـ 349.
(2) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج 59 ص 214 ـ 215 ، الذهبي ، سير الاعلام ج 3 ص 155.
لما صار معاوية بالأبواء في حجّته اطَّلع في بئر فأصابته اللقوة ، فقال : ... فأنا ابن بضع وستين ، فرحم الله من دعا لي بالعافية ، فوالله لئن عتب علي بعض خاصتكم ... وقد ابتليت في أحسني ، وخفت أن يكون عقوبة من ربّي ، ولولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي. (1)
أقول : وقول معاوية (ولولا هواي في يزيد لابصرت رشدي) يعلق عليه ابن حجر المكي بقوله : وقوله : ولولا هواي ... الخ ، فيه غاية التسجيل على نفسه (اي على معاوية) بأن مزيد محبته ليزيدي أعمت عليه طريق الهدى ، وأوقعت الناس بعده مع ذلك الفاسق المارق في الردى) انتهى كلامه.
ويؤكد هذا القول ان معاوية قد اصابته اللقوة سنة 56 هـ وهي السنة التي اخذ فيها معاوية البيعة لولده يزيد.
وفي لسان العرب اللقوة : داء يكون في الوجه يعوج منه الشدق ، والشدق جانب الفم. (2) قال الذهبي في معاوية (أصابته لقوة ، يعني بطل نصفه) اي تعطل نصف وجهه.
قال الزبيدي : واللَّقْوَةُ ، بالفتح : داءٌ في الوَجْهِ ؛ زادَ الأزْهرِي : يَعْوَجُّ منه الشِّدْق. وقالتِ الأطبَّاء : اللَّقْوةُ مَرَضٌ يَنْجذِبُ له شِقّ الوجْهِ إلى جهَةٍ غيْر طَبِيعِيَّة ولا يحسنُ الْتِقاء الشفَتَيْن ولا تَنْطَبِقُ إحْدَى العَيْنَيْن. (3)
وقال الازهري : اللَّقْوَةُ أنْ يَتَعَوَّجَ وَجْهُهُ ولا يَقْدِرَ على تَغْمِيضِ إحْدَى عَيْنَيْهِ. (4)
وقال ابن سيدة : اللقوة ، اضطراب شكل الوجه واعوجاجه ، وقد لقي. (5)
وقال العلامة المجلسي : اللقوة ـ بالفتح والكسر ـ : علة ينجذب لها شق الوجه إلى جهة غير طبيعية ، فيخرج النفخة والبزقة من جانب واحد ، ولا يحسن التقاء الشفتين ، ولا تنطبق إحدى العينين. (6)
__________________
(1) البلاذري احمد بن يحيى ، أنساب الأشراف ج 5 ص 28.
(2) ابن منظور ، لسان العرب مادة لقو ، شدق.
(3) الزبيدي ، تاريخ العروس ج 20 ص 161 ، مادة لقو.
(4) عبد الملك الثعالبي النيسابوري ، فقه اللغة وسر العربية ص 127.
(5) ابن سيده ، المخصص ، ج 2 ق 3 (السفر الثامن) ص 146.
(6) المجلسي ، بحار الأنوار ج 59 ص 255 ، ويعرف الاطباء اللقوة بانها شلل العصب الوجهي المحيطي وهو شلل مفاجئ وحيد الجانب مجهول السبب في العصب القحفي السابع وتبدأ اعراض اللقوة
وقد ذكر المصادر التي ذكرت لقوة معاوية انه استمرت معه الى موته. (1)
قال ابن كثير : وكان به النقابة ـ يعني لوقة ـ فمات من يومه ذلك. (2)
أقول : النقابة مصحب الناقبة وهي القرحة التي تخرج بالجنب (3) ، وقد اخطا ابن كثير بقوله هي لوقة ، ومراده (اللِقوة التي اصابته سنة 56 هـ) ، فهما مرضان لا مرض واحد.
وفي اخريات حياته اصابته قرحة في ظهره وقُرٌّ جعلته يفقد الراحة التي ينشدها لنفسه وهو يرأس اعظم دولة في العالم انذاك.
قال ابن عساكر : لما كبر معاوية خرجت به قرحة في ظهره فكان إذا لبس دثارا ثقايلا والشام أرض باردة أثقله ذلك وغمه فقال اصنعوا لي دثارا خفيفا دفيئا من هذه السخال فصنع له فلما ألقي عليه تسار إليه ساعة ثم غمه فقال جافُوه عني ثم لبسه ثم غمه فألقاه ففعل ذلك مرارا ثم قال قبحك الله من دار ملكتك أربعين سنة عشرين خليفة وعشرين إمارة ثم صيرتني إلى ما أرى قبحك الله من دار. (4)
عن أبي بردة قال دخلت على معاوية بن أبي سفيان حين أصابته قرحته فقال لهم يا بن أخي تحول فناظر قال فتحولت فنظرت فإذا هي قد سبرت يعني قرحته فقلت
__________________
المحيطية بحس خدر في احد نصفي الوجه تتطور بسرعة نحو عدم القدرة على اغلاق العين وعدم القدرة على تقطيب الوجه ، ورخاوة في نصف الوجه الموافق لجهة العصب المصاب.
(1) قال الذهبي في تاريخ الإسلام ج 4 ص 315 ـ 316 أن معاوية أصابته اللقوة قبل أن يموت ، وكان اطلع في بئر عادية. بالأبواء لما حج ، فأصابته لقوة ، يعني بطل نصفه. وذكر ابن عساكر بعض حالات اللقوة التي ترافق صاحبها الى اخر حياته قال (في تاريخ مدينة دمشق ج 52 ص 111) : سمعت أبا الحسن أحمد بن محمد بن إسماعيل ابن مهران الإسماعيلي يقول مرض أبي في صفر منن سنة تسع وثمانين وبقي في مرضه ذلك إلى أن توفي في ذي الحجة من سنة خمس وتسعين ومائتين وسمعت عبد الله بن سعيد الثقة المأمون يتأسف غير مرة على ما فاته من الإسماعيلي ويقول أدركناه وقد أخذته اللقوة وبقي فيها إلى آخر عمره.
(2) ابن كثير البداية والنهاية.
(3) ابن منظور لسان العرب : الناقبة هي : قرحة تخرج بالجنب. قال ابن سيده : النُّقْب قرْحة تَخْرج في الجَنْب ، وتَهْجُمُ على الجوف ، ورأسُها من داخل. والناقبةُ : داءٌ يأخذ الإِنسانَ ، من طُول الضَّجْعة. أقول : مراده القرحة ، وهي معروفة لدى الاطباء سببها كثرة النوم على احد جانبيه او على ظهره.
(4) ابن عساكر ، تاريخ مدينة دمشق ج 59 ص 220.
ليس عليك بأس يا أمير المؤمنين. (1)
وقال ابن كثير : (وروى ابن جرير (2) أن معاوية جعل يغرغر بالموت وهو يقول : إن يومي بك يا حجر بن عدي لطويل ، قالها ثلاثاً). (3)
وقال ابن اعثم : وكان (معاوية) في مرضه يرى أشياء لا تسره حتى كأنَّه ليهذي هذيان المُدنَف وهو يقول : اسقوني اسقوني! فكان يشرب الماء الكثير فلا يروى. وكان ربما غشي علهي اليوم واليومين ، فإذا أفاق من غشوته ينادي بأعلى صوته : ما لي وما لك يا حجر بن عدي! ما لي وما لك يا عمرو بن الحمق! ما لي وما لك يا بن أبي طالب! (4)
مضافا الى ذلك اهم المضاعفات لمرض اللقوة وهو النفث لعدم قدرته على اطباق فمه كليا.
روى الطبري قال حدثني الحارث قال حدثنا محمد بن سعد قال حدثنا أبو عبيدة عن أبي يعقوب الثقفي عن عبد الملك بن عمير قال لما ثقل معاوية ... قال وكان به النفاثات فمات من يومه ذلك. (5)
قال ابن منظور : النَّفْثُ : أَقلُّ من التَّفْل ، لأَن التفل لا يكون إِلَّا معه شيء من الريق ؛ والنفثُ : شبيه بالنفخ ؛ وقيل : هو التفل بعينه. (6)
أقول : المناسب لمرض اللقوة هو ان يكون النفث هو التفل بعينه.
وهكذا تتضح حالة معاوية التي لا يحسد عليها منذ اصابته اللقوة (الشلل النصفي في وجهه) واستمرت تلاحقه خمس سنوات اقضت عليه مضجعه :
ـ عدم قدرة على اغماض احد عينيه.
__________________
(1) ابن سعد ، الطبقات ج 4 ص 112. ومعنى سَبَرَتْ ، صارت ذات قعر تحتاج إلى معرفة عمقها بالمسبار. (سبر الجرح بالمسبار : قاس مقدار قعره بالحديدة أو بغيرها). (أساس البلاغة ص 626).
(2) الطبري ، التاريخ ج 4 ص 191.
(3) ابن كثير البداية والنهاية ج 8 ص 58.
(4) الكوفي ابن اعثم ، الفتوح ج 4 ص 342 ـ 349.
(5) الطبري ، تاريخ الطبري ج 4 ص 241.
(6) الطبري ، تاريخ الطبري ج 4 ص 241.
ـ عدم القدرة على تقطيب وجهه.
ـ اعوجاج الفم الى احد الجانبين.
ثم اصابته بقرحة الظهر وبالقُرّ ، ثم بالنفاثات.
وفي ضوء ذلك كان معاوية خلال خمسة سنوات قد معاوية لذة الكلام وتفاعل الوجه مع الحوادث والعواطف ولذة الطعام وجمال تناسق الوجه ، وهو يحس بان مبغضيه يتشفون به كلما رأوه. وخمس سنوات من معاناة المرض جسيما ونفسيا اخرج حب الدنيا من نفسه مع تعلقه بها وهو الغارق فيها الى قمة راسه وقد عمل لها كل حياته! وقد اقترن هذا العذاب باخذه البيعة لولده يزيد الذي قال فيه لولا هواي في يزيد لابصرت رشدي.
وبعد فهل يكون مصداق لقوله تعالى (سنسمه على الخرطوم) اوضح من معاوية الذي اصيب باللقوة في وجهه جزاء لصده عن سبيل الله قال تعالى في سورة القلم :
(بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (
وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ (13) أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16) إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا
ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَىٰ رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَٰلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33)) القلم / 1 ـ 33.
وقد ورد في الرواية انها في بني امية. (1)
__________________
(1) القمي التفسير ، تفسير سورة القلم ، الحويزي تفسير نور الثقلين تفسير سورة القلم.
الباب الثاني / الفصل الخامس
تعليقات على موارد من كتاب صلح الحسن عليهالسلام للعلامة الحجة الشيخ راضي آل ياسين رحمهالله
لابد لي قبل ذكر هذه التعليقات ان أبين ان آية الله الشيخ راضي آل ياسين قد كان جريئا ومفكرا لامعا حين طرح ان الحسن عليهالسلام بصلحه قد فصل بين الإمامة الدينية والسلطة الزمنية في الإسلام ، ومن المؤسف ان لا تأخذ هذه الفكرة الجريئة طريقها إلى البحث التفصيلي ، كما انه قد جلى صورة شخصية الامام الحسن عليهالسلام بما يناسبه كإمام هدى وكسياسي. من الطراز الأول فيما اشترط على معاوية من شروط ، ولم تكن مشكلة الكتاب الا في عدم تمييزه بين سنوات الصلح العشر أيام الحسن عليهالسلام حيث لم يروع فيها شيعي واحد من أهل العراق وسنوات الغدر المبين بعد وفاة الحسن عليهالسلام وهي مشكلة الرؤية القديمة والمشهورة وقد اضطلع البحث بالكشف عن ذلك لأول مرة مضافا إلى التعليل الجديدة في مبررات الصلح التي تنسجم مع الحقيقة المكتشفة.
وكنت قد ذكرت في التمهيد ملاحظاتي الإجمالية على الرؤية السائدة في تعليل الصلح وفي هذا الفصل اوردت اربعة عشرة تعليقة على كلامه رحمهالله حول بنود الصلح وعلى كلامه حول الوفاء بالشروط وما بعدها.
كلامه رحمهالله على بنود الصلح (1)
قال رحمهالله :
[وروى فريق من المؤرخين ، فيهم الطبري وابن الأثير : «أن معاوية أرسل إلى الحسن صحيفة بيضاء مختوما على أسفلها بختمه» ، وكتب إليه : «أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت ، فهو لك». (2) «انظر التعليقة رقم 1».
«ثم بتروا الحديث ، فلم يذكروا بعد ذلك ، ماذا كتب الحسن على صحيفة معاوية. وتتبعنا المصادر التي يسر لنا الوقوف عليها ، فلم نر فيما عرضته من شروط الحسن عليهالسلام ، الا النتف الشوارد التي يعترف رواتها بأنها جزء من كل. وسجل مصدر واحد صورة ذات بدء وختام ، فرض أنها [النص الكامل لمعاهدة الصلح] ، ولكنها جاءت ـ في كثير من موادها ـ منقوضة بروايات أخرى تفضلها سندا ، وتزيدها عددا. ولنا لو أردنا الاكتفاء ، أن نكتفي ـ في سبيل التعرف على محتويات المعاهدة ـ برواية (الصحيفة البيضاء) ، كما فعل رواتها السابقون ، فبتروها اكتفاء باجمالها عن التفصيل ، ذلك لان تنفيذ الصلح على قاعدة «اشترط ما شئت فهو لك» معناه أن الحسن أغرق الصحيفة المختومة في أسفلها ، بشتى شروطه التي أرادها ، فيما يتصل بمصلحته ، أو يهدف إلى فائدته ، سواء في نفسه أو في أهل بيته أو في شيعته أو في أهدافه ، ولا شيء يحتمل غير ذلك. وإذا قدر لنا ـ اليوم ـ أن لا نعرف تلك الشروط بمفرداتها ، فلنعرف أنها كانت من السعة والسماحة والجنوح إلى الحسن ، بحيث صححت ما يكون من الفقرات المنقولة عن المعاهدة أقرب إلى صالح الحسن ، ورجحته على ما يكون منها في صالح خصومه ، كنتيجة قطعية لحرية الحسن عليهالسلام في أن يكتب من الشروط ما يشاء. ورأينا بدورنا ، وقد أخطأنا التوفيق عن تعرف ما كتبه الحسن هناك ، أن ننسق ـ هنا ـ الفقرات المنثورة في مختلف المصادر من شروط الحسن على معاوية في الصلح ، وأن نؤلف من مجموع هذا الشتات صورة تحتفل بالأصح الأهم ، مما حملته الروايات الكثيرة
__________________
(1) من الجدير ذكره ان هوامش كلامه رحمهالله في الموردين هي منه.
(2) الطبري ، تاريخ الطبري ، ج 6 ص 93 ، وابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ج 3 ص 162 (منه رحمهالله).
عن هذه المعاهدة ، فوضعنا الصورة في مواد ، وأضفنا كل فقرة من الفقرات إلى المادة التي تناسبها ، لتكون ـ مع هذه العناية في الاختيار والتسجيل ـ أقرب إلى واقعها الذي وقعت عليه. واليك هي صورة المعاهدة التي وقعها الفريقان :
المادة الأولى : تسليم الأمر إلى معاوية ، على أن يعمل بكتاب الله وبسنة رسوله صلىاللهعليهوآله (المدائني ـ فيما رواه عنه ابن أبي الحديد في شرح النهج ج 4 ص
، وبسيرة الخلفاء الصالحين. (1) «انظر التعليقة رقم 2».
المادة الثانية : أن يكون الأمر للحسن من بعده. (2) «انظر التعليقة رقم 3».
المادة الثالثة : أن يترك سب أمير المؤمنين والقنوت عليه بالصلاة (3) ، وأن لا يذكر عليا الا بخير. (4)
المادة الرابعة : استثناء ما في بيت المال الكوفة ، وهو خمسة آلاف ألف فلا يشمله تسليم الأمر. وعلى معاوية أن يحمل إلى الحسن كل عام ألفي ألف درهم ، وأن يفضل بني هاشم في العطاء والصلات على بني عبد شمس ، وأن يفرق في أولاد من قتل مع أمير المؤمنين يوم الجمل وأولاد من قتل معه بصفين ألف ألف درهم ، وأن يجعل ذلك من خراج دار ابجرد. (5) «انظر التعليقة رقم 4».
__________________
(1) ابن حجر ، فتح الباري فيما رواه عنه ابن عقيل في النصايح الكافية ص 156 ، والمجلسي ، بحار الانوار ج 10 ص 115. الطبري ، تاريخ الطبري ، ج 6 ص 93. وابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ج 3 ص 162 (منه رحمهالله).
(2) السيطي ، تاريخ الخلفاء ص 194. وابن كثير ، البداية والنهاية ج 8 ص 41. وابن حجر ، الإصابة ج 2 ص 12 و 13. وابن قتيبة الإمامة والسياسة ص 150. وفريد وجدي ، دائرة المعارف الإسلامية ، دار الشعب في مصر ، ج 3 ص 443 وغيرهم ، فان حدث به حدث فلأخيه الحسين (ابن المهنا ، عمدة الطالب ، طبعة لكهنو ، ص 52). وليس لمعاوية أن يعهد به إلى أحد (المدائني فيما يرويه عنه في شرح نهج البلاغة ج 4 ص 8. والمجلسي ، بحار الانوار ج 10 ص 115. وابن الصباغ المالكي ، الفصول المهمة ، دار الحديث للطباعة والنشر 1422 هـ ، وغيرهم.
(3) السيد محسن الامين ، أعيان الشيعة ، تحقيق السيد حسن الامين ، دار التعارف بيروت ، ج 4 ص 43.
(4) أبو الفرج ، الأصفهاني ، مقاتل الطالبيين ، ص 26. وابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ، ج 4 ص 15.
(5) تجد هذه النصوص متفرقة في ابن قتيبة الدينوري ، الإمامة والسياسة ، ص 200. والطبري ، تاريخ الطبري ، ج 6 ص 92. الشيخ الصدوق ، وعلل الشرائع ، المكتبة الحيدرية النجف الأشرف 1385 هـ ص 81. وابن كثير ، البداية والنهاية ، ج 8 ص 14 وغيرهم. و (دار ابجرد) ولاية بفارس على
المادة الخامسة : «على أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله ، في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم ، وأن يؤمن الأسود والأحمر ، وان يحتمل معاوية ما يكون من هفواتهم ، وأن لا يتبع أحدا بما مضى ، وأن لا يأخذ أهل العراق باحنة (1) وعلى أمان أصحاب علي حيث كانوا ، وأن لا ينال أحدا من شيعة علي بمكروه ، وأن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم ، وان لا يتعقب عليهم شيئا ، ولا يتعرض لاحد منهم بسوء ، ويوصل إلى كل ذي حق حقه ، وعلى ما أصاب أصحاب علي حيث كانوا (2) ...» وعلى أن لا يبغي للحسن بن علي ، ولا لأخيه الحسين ، ولا لاحد من أهل بيت رسول الله ، غائلة ، سرا ولا جهرا ، ولا يخيف أحدا منهم ، في أفق من الآفاق. (3)
قال ابن قتيبة : «ثم كتب عبد الله بن عامر ـ يعني رسول معاوية إلى الحسن عليهالسلام ـ إلى معاوية شروط الحسن كما أملاها عليه ، فكتب معاوية جميع ذلك بخطه ، وختمه بخاتمه ، وبذل عليه العهود المؤكدة ، والايمان المغلظة ، وأشهد على ذلك جميع رؤساء أهل الشام ، ووجه به إلى عبد الله ابن عامر ، فأوصله إلى الحسن. (4)
وذكر غيره نص الصيغة التي كتبها معاوية في ختام المعاهدة فيما واثق الله عليه من الوفاء بها ، بما لفظه بحرفه : «وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك ، عهد الله وميثاقه ، وما أخذ الله على أحد من خلقه بالوفاء ، وبما أعطى الله من نفسه. (5)
__________________
حدود الأهواز. وجرد أو جراد : هي البلد أو المدينة بالفارسية القديمة والروسية الحديثة ، فتكون دار ابجرد بمعنى (مدينة دار ابجرد).
(1) المصادر : أبو الفرج الاصفهاني ، مقاتل الطالبيين ص 26. ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ، ج 4 ص 15. والمجلسي بحار الأنوار ، ج 10 ص 101 و 115 ، الدينوري الاخبار الطوال ، ص 200. ونقلنا كل فقرة من مصدرها حرفيا.
(2) يتفق على نقل كل فقرة أو فقرتين أو أكثر ، من هذه الفقرات التي تتضمن الأمان أصحاب علي عليهالسلام وشيعته ، كل من الطبري ، تاريخ الطبري (ج 6 ص 97). وابن الأثير ، الكامل في شرح نهج البلاغة ، ج 4 ص 15. والمجلسي ، بحار الانوار ، ج 10 ص 115. والصدوق ، علل الشرائع ، ص 81. وابن عقيل ، النصائح الكافية ص 156 وغيرهم.
(3) المجلسي ، بحار الانوار ج 10 ص 115. وابن عقيل ، النصائح الكافية ص 156.
(4) ابن قتيبة الدينوري ، الإمامة والسياسة ، ص 200.
(5) المجلسي ، بحار الانوار ، ج 10 ص 115.
وكان ذلك في النصف من جمادي الأولى سنة 41 ـ على أصح الروايات ـ لتكن صيغة المعاهدة بما اشتملت عليه من عناصر موضوعية لها أهميتها في الناحيتين الدينية والسياسية ، شاهدا جديدا على ما وفق له واضع بنودها من سمو النظر في الناحيتين جميعا.
ومن الحق ان نعترف للحسن بن علي عليهماالسلام ـ على ضوء ما أثر عنه من تدابير ودساتير هي خير ما تتوصل إليه اللباقة الدبلوماسية لمثل ظروفه من زمانه وأهل زمانه ـ بالقابليات السياسية الرائعة التي لو قدر لها أن تلي الحكم في ظرف غير هذا الظرف ، وفي شعب أو بلاد رتيبة بحوافزها ودوافعها ، لجاءت بصاحبها على رأس القائمة من السياسيين المحنكين وحكام المسلمين اللامعين ... بما تضعه في هذه المعاهدة من خطوط ، وبما تستقبل به خصومها من شروط. وانك لتلمح من بلاغة المعاهدة بموادها الخمس ، أن واضعها لم يعالج موضوعه جزافا ، ولم يتناوله تفاريق وأجزاء ، وإنما وضع الفكرة وحدة متماسكة الأجزاء متناسقة الاتجاهات. وتوفر فيها على تحري أقرب المحتملات إلى التنفيذ عمليا ، في سبيل الاحتياط لثبوت حقه الشرعي ، وفي سبيل صيانة مقامه ومقام أخيه ، وتيسير شؤون أسرته وحفزهم ، واعتصم فيها بالأمان لشيعته وشيعة أبيه وإنعاش أيتامهم ، ليجزيهم بذلك على ثباتهم معه ووفائهم مع أبيه ، وليحتفظ بهم أمناء على مبدئه وأنصارا مخلصين لتمكين مركزه ومركز أخيه ، يوم يعود الحق إلى نصابه. وسلم فيها «الأمر» إلى معاوية مشروطا بالعمل على سنة النبي صلىاللهعليهوآله وسيرة الخلفاء الصالحين «انظر التعليقة رقم 2» فقلص بذلك من نفوذ عدوه في «الأمر» بما عرضه ـ من وراء هذا الشرط ـ للمخالفات التي لا عد لها ولا حد لنقمتها ،
... فلم يهدف معاوية في صلحه مع الحسن عليهالسلام ، الا للاستيلاء على الملك ،
ولم يرض الحسن بتسليم الملك لمعاوية الا ليصون مبادئه من الانقراض ، وليحفظ شيعته من الإبادة ، وليتأكد السبيل إلى استرجاع الحق المغصوب يوم موته معاوية.
ومن سداد الرأي أن لا نفهم مغزى هذه المعاهدة الا على هذا الوجه. «انظر التعليقة رقم 5».
المادة السابعة : ان لا يسميه بأمير المؤمنين وان لا يقيم عنده شهادة (1) : وجاء فيما يرويه الكليني رحمهالله : «ان الحسن اشترط على معاوية أن لا يسميه أمير المؤمنين» «انظر التعليقة رقم 6».
وجاء فيما يرويه ابن بابويه رحمهالله (2) ، ورووا غيره أيضا : «أن الحسن اشترط على معاوية أن لا يقيم عنده شهادة» «انظر التعليقة رقم 7». ولا أكثر مما تضمنته هاتان الروايتان تحفظا عن الاعتراف بصحة خلافة معاوية فضلا عن البيعة له. ولم يكن ثمة الا تسليم الملك الذي عبرت عنه المعاهدة «بتسليم الأمر» وعبر عنه آخرون بتسليم الحكم.
اما قول الدينوري في «الإمامة والسياسة» أن الحسن بايع معاوية على الإمامة «انظر التعليقة رقم 7» ، فهو القول الذي يصطدم قبل كل شيء بقابليات معاوية التي عرفنا قريبا النسبة بينها وبين الخلافة وصلاحية البيعة على المسلمين ، ويصطدم ثانيا بتصريحات الحسن في انكار خلافة معاوية. سواء في خطابيه الآنفين ، أو في تحفظاته الواضحة في هاتين الروايتين.
(انتهت كلمات الشيخ راضي آل ياسين رحمهالله التي نريد التعليق عليها وهي سبع موارد حملت أرقام التعليقات 1 ـ 7) كما يلي :
تعليقاتنا على كلامه السابق رحمهالله من رقم 1 الى رقم 8
التعليقة رقم 1 :
أقول : فهم بعض المؤرخين والباحثين ان الحسن هو البادئ بالصلح وانه بعض إلى معاوية اني اسلمك الأمر بشروط وبعث له معاوية بصحيفة بيضاء مختومة. ولكن روايات أخرى وما تقتضيه طبيعة الأشياء هو ان معاوية كان المبادر بصلح يكرس الانشقاق إذ عرض على الحسن ان يبقى على بلده العراق الذي بايعه ويبقى هو على
__________________
(1) المادة وعنوانها إضافة من الباحث إذ لم يدرجها العلامة آل ياسين ضمن مواد المعاهدة وان أشار إليها بعنوان البيعة لمناقشة كلام ابن قتيبة في الإمامة والسياسة.
(2) الصدوق ، علل الشرائع ، ص 81.