الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
البيت اهل
المواضيع الأخيرة
» أقوال الحكماء والفلاسفة
الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Emptyاليوم في 10:01 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» أقوال وحكم رائعة
الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Emptyاليوم في 9:55 am من طرف الشيخ شوقي البديري

»  أحاديث / شرح حديث (إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا) شرح حديث (إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا)
الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Emptyاليوم في 9:50 am من طرف الشيخ شوقي البديري

»  أحاديث عن التواضع
الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Emptyاليوم في 9:48 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» حكم عن البساطة
الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Emptyاليوم في 9:45 am من طرف الشيخ شوقي البديري

»  أقوال في التواضع
الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Emptyاليوم في 9:42 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» أجمل ما قيل عن التواضع
الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Emptyاليوم في 9:40 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» تعبير عن التواضع
الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Emptyأمس في 2:32 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  آيات قرآنية عن التواضع
الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Emptyأمس في 2:30 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Empty
    مُساهمةموضوع: الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ   الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Emptyالأحد أكتوبر 27, 2024 9:05 am

    المُقدَّمةُ
    الحمد لله ربّ العالمين ، وسلامه على عباده الذين اصطفى محمد وآله خير
    الورى.
    إنّ الإمام موسى بن جعفر عليهما‌السلام من قمم الروح والفكر والجهاد ، وصفحات
    حياته مليئة بالعبر والمظاهر الفذّة التي تمتلك القلوب وتستولي على المشاعر ،
    فلقد أوتي أروع قيم الكمال وأرفع معالي الأخلاق وأجلّ مظاهر العظمة التي
    طبعت شخصيته الكريمة وميزتها عن سائر من عاصره في العبادة وغزارة العلم
    والحكمة والبلاغة والحلم والزهد والكرم والشجاعة والتقوى والخلق الرفيع ،
    فكان رمزاً لقيم الفضيلة وشيم المروءة وقدوةً صالحة للإنسانية ، ممّا جعله يمتلك
    أزمّة القلوب ويحظى بمحبة الناس على اختلاف مشاربهم ، ويعترف له بالتقدم
    بالعلم والفضل حتى أعدائه ، فقد ورد عن الرشيد أنه قال للمأمون : يا بُني ، هذا
    وارث علم النبيّين ، هذا موسى بن جعفر بن محمّد ، إن أردت العلم الصحيح فعند
    هذا (1).
    وللإمام الكاظم عليه‌السلام دور فاعل في الحياة الإسلامية وانفتاح على الواقع
    الإسلامي كله ، فهو إزاء تصرفات حكام زمانه الذين أمعنوا في اضطهاده
    والتنكيل به ، ركّز جهوده في المضمار العلمي والمعرفي بعيداً عن التدخل في شؤون
    البلاط ورجاله.
    من هنا عاش هذه المرحلة ، واستطاع أن يملأها علماً وفكراً وروحانيةً ،
    __________________
    (1) أمالي الصدوق : 307 / 1 ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام 1 : 93 / 12.

    فترك إسهامات علمية واسعة ورصيداً معرفياً لا ينضب ، فقد واصل نشاط
    مدرسة آبائه المعصومين عليهم‌السلام ، وكان له دور كبير في رفدها بعلومهم الغرّاء
    وسننهم السمحاء ، مما له الأثر الفاعل في ترسيخ مبادئ العقيدة وتربية نخبة
    صالحة من أصحابه الرواة الثقات والفقهاء والمؤلفين أمثال : علي بن يقطين
    ومحمد بن أبي عمير وهشام بن الحكم وغيرهم ، الذين يعدّون القاعدة المؤمنة
    بمرجعية الإمام عليه‌السلام ويشكّلون الامتداد الروحي والفكري له في أوساط الأُمّة ،
    وتتأكد الحاجة إلى مثل هذه الجماعة الصالحة في زمان الإمام الكاظم عليه‌السلام بسبب
    سياسة القهر والإقصاء المفروضة عليه من قبل السلطة.
    وفي هذا الاتجاه ترك الإمام الكاظم عليه‌السلام بحوثاً كلامية وعقائدية عديدة
    انبرى فيها لخدمة عقائد الإسلام والدفاع عن أصوله ونشر فروعه ، منها
    مناظراته المتضمنة تأصيل مبدأ الإمامة ، وبيان حقوق أهل البيت عليهم‌السلام ، فضلاً
    عن سعة الرواية عنه في كافة أبواب شرائع الإسلام ، كما توجه إلى تهذيب
    النفس والسلوك ضمن إطار قصار الحكم والمواعظ والوصايا التي خاطب بها
    أصحابه ، وعلى رأسها وصيته إلى هشام بن الحكم المشتملة على المواعظ البليغة
    والحكم الرائعة والأقوال الجامعة سيما في مجال العقل وأهميته وجنوده.
    وضمن هذا الإطار أسهم عليه‌السلام في رصد الانحرافات التي كانت تفرض
    نفسها على حركة الفكر الإسلامي ، ليصحّحها ويقوّمها في الاتجاه الصحيح ،
    كسعيه في إبطال القياس والرأي والاستحسان ، ورفض البدع وتأكيد السنن.
    ولعل من أبرز إسهاماته في الحياة الإسلامية صلته الفقراء ومساعدة
    المحرومين في غلس الليل ، وكانت صراره يضرب بها المثل ، فكان يقال : عجباً
    لمن جاءته صرار موسى وهو يشتكي الفقر !
    وكان عليه‌السلام في سيرته اختصاراً لسيرة جده المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله في التوجّه إلى الله



    تعالى والانقطاع إليه ، فهو أكثر الناس عبادة لله تعالى وأعظمهم طاعة حتى لُقّب
    بالعبد الصالح لشدة انقطاعه إلى ربه واجتهاده في العبادة والتقوى ، ولقب بزين
    المجتهدين ؛ إذ لم يرَ أحد نظيراً له في الطاعة والعبادة ، وكان عليه‌السلام في السجن
    لا يفتر عن العبادة ، يحيي الليل كلّه صلاةً وقراءةً للقرآن ودعاءً واجتهاداً
    ساهراً في محراب عبادته ، ويصوم النهار في أكثر الأيام ، ولا يصرف وجهه من
    المحراب.
    ومع أنّ الإمام عليه‌السلام لم يشترك في الميادين السياسية ولم ينضم إلى الثوار من
    الطالبيين ، فقد عمل العباسيون على عزله عليه‌السلام عن أتباعه ومواليه بإيداعه في
    ظلمات السجون حتى قضى بالسم شهيداً بأمر من هارون اللارشيد ، وليس ثمة
    سبب إلاّ الخوف من دور الإمام الفاعل في الحياة الإسلامية والغيرة من
    روحانية شخصيته التي تستقطب مختلف أوساط الأُمّة.
    وعلى رغم ظروف الحرمان والاضطهاد والتضييق والعذاب النفسي
    والجسدي ، فقد واجه كل تلكم المآسي بعزم ثابت وإرادة صلبة وتصميم
    راسخ ، فكان عليه‌السلام مثالاً للصبر والإصرار والتحدّي ، حتى سُمّي الكاظم لما تحمل
    من صعاب وما كظم من غيظ عما فعله الظالمون به حتى مضى شهيداً في
    حبسهم ، وكان في السجن سيد الصابرين الذي يشكر خالقه ، لأنه لبّى دعاءه
    ففرغه لعبادته والانقطاع لطاعته بقوله : « اللّهمّ إنك تعلم أني كنت أسألك أن
    تفرغني لعبادتك ، اللّهمّ وقد فعلت ، فلك الحمد » (1). ومع محيط السجن
    القاهر كان عليه‌السلام يمتلك امتداداً روحياً عظيماً في الواقع الإسلامي.
    ما قدمناه قبس من حياة إمامنا الكاظم عليه‌السلام ، أما بعد شهادته فانه يعرف
    __________________
    (1) الإرشاد 2 : 240 ، الفصول المهمة : 220.

    بباب الحوائج إلى الله ، لنجح مطالب المتوسلين إلى الله تعالى به ، وقبره ترياق
    مجرب لإجابة الدعاء كما عبّر عنه الشافعي.
    وثمة صفحات اُخرى من سيرة هذا الإمام العظيم تضيء لنا العقيدة
    والشريعة والمنهج وظلمات الحياة كلها ، ندعها للقارئ الكريم ضمن فصول هذا
    الكتاب السبعة ، آملين أن نعيش فكره ومواعظه ووصاياه.
    فسلام عليه في الخالدين ، وسلام عليه يوم وُلد ، ويوم استُشهد ، ويوم
    يُبعث حيّاً ، ومنه تعالى نستمدّ العون والتوفيق.

    * * *





    الفصل الأوّل
    ملامح عصر الإمام الكاظم عليه‌السلام
    148 ـ 183 ه‍
    لا يخفى ما للحياة السياسية في أي عصر من أهمية بالغة في معرفة مجمل
    أوضاعه الفكرية والاجتماعية والاقتصادية ، ذلك لأنّ السلطة الحاكمة تمسك
    بأسباب التغيير الاجتماعي والاقتصادي في أوساط الجماهير ، لكن ذلك يرتبط
    بنوع الجهاز الحاكم وطبيعة أدائه ، من هنا سنقدم قراءة تاريخية تتضمّن أهم
    سمات العصر الذي عاش فيه الإمام أبو الحسن الكاظم عليه‌السلام والحكام الذين
    عاصروه لأهمية ذلك في معرفة تاريخه وقراءة سيرته عليه‌السلام.
    الحكام المعاصرون للإمام عليه‌السلام :
    تسنّم الإمام الكاظم عليه‌السلام منصب الإمامة بعد شهادة أبيه الإمام
    الصادق عليه‌السلام سنة ( 148 ه‍ ) ، فعاصر في سني إمامته ( 148 ـ 183 ه‍ ) أربعة من
    حكام بني العباس تتمثل في بقية ملك المنصور أبي جعفر ( 136 ـ 158 ه‍ ) ، ثم
    ملك ابنه المهدي ( 158 ـ 169 ه‍ ) ، ثم ملك ابنه الهادي موسى ( 169 ـ 170 ه‍ ) ،
    ثم ملك أخيه هارون الملقب بالرشيد ( 170 ـ 193 ه‍ ) ، واستُشهد الإمام
    الكاظم عليه‌السلام بعد مضي ثلاث عشرة سنة من ملك هارون (1) مسموماً في حبس
    __________________
    (1) وعلى رواية وفاته بسنة ( 186 ه‍ ) يكون بعد مضي 15 سنة من حكم هارون.

    السندي بن شاهك يوم الجمعة لست بقين من رجب (1) ، وقيل : لست خلون من
    رجب سنة ( 183 ه‍ ) ، وله من العمر نحو خمس وخمسين سنة (2) ، ودُفن بمدينة
    السلام في المقبرة المعروفة بمقابر قريش ، وهي مدينة الكاظمية حالياً.
    أهم سمات هذا العصر :
    امتازت الدولة العباسية في عصرها الأوّل ( 132 ـ 233 ه‍ ) بقوّة أداء
    السلطة المركزية وعلوّ هيبتها وسطوة أجهزتها وتماسك ثغورها وشموخ
    عمرانها ، ونلاحظ ازدياد نفوذ البرامكة وبعض الجواري وتدخلهم في إدارة
    الملك ، ومن جانب آخر أثقلت الدولة كاهل المواطن بالضرائب التي كانت تُجبى
    بالقوة وباستخدام شتى وسائل القمع والإرهاب ، مع انصراف رجال البلاط إلى
    الاستحواذ على معظم الأموال العامة وإنفاقها في وسائل اللهو والترف والبذخ
    بينما تعيش الأكثرية الساحقة من الناس على الكفاف وينهكها الجوع والفقر ،
    وتفتك بها الأمراض والأوبئة ، ولا يختلف رجال الدولة عن النهج العباسي
    القاضي بمراقبة أصحاب الأئمة وتقييد حركتهم ، وقمع الثائرين من العلويين
    بالعنف والبطش إلى حد الوحشية في التعذيب والقتل وإزهاق الأرواح ،
    وشهدت هذه المدة تقريب رجال السلطة للشعراء ، والإنفاق عليهم سيما
    النواصب الذين يكنون العداء لأهل البيت عليهم‌السلام.
    وكان لما تقدم تداعيات وخيمة ، أبرزها : تردي مجمل الأحوال
    الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، وارتفاع وتيرة الثورات الداخلية ، ونشوء
    الدول كدولة الأدارسة ، وتنامي الحركات المتطرفة ، وقد عالجت الدولة كل
    __________________
    (1) وقيل : لخمس بقين من رجب ، تاريخ بغداد 13 : 27 ـ 32 ، المنتظم في تاريخ
    الملوك والأمم / ابن الجوزي 9 : 88.
    (2) الإرشاد / الشيخ المفيد 2 : 215 ، سير أعلام النبلاء / الذهبي 6 : 274.


    ذلك بقوة جيوشها وهيبة سلطانها ، وفيما يلي أهم خصائص هذا العصر :
    1 ـ قوة السلطة المركزية :
    يعدّ العصر العباسي الأوّل العصر الذهبي من حيث قوّة السلطة المركزية
    واستفحال جيشها وتماسك ثغورها ، ومن مظاهر ذلك كثرة البعوث والجيوش
    المتوجهة لغزو الترك سنة ( 148 ه‍ ) ، وغزو بلاد الروم من سنة ( 149 ه‍ ) إلى سنة
    ( 182 ه‍ ) ، وما تخلل تلك البعوث من تقدم في بلاد الروم ، إذ تمكّن الجيش من
    فتح سمالو والوصول إلى خليج القسطنطينية وأنقرة ومدينة أصحاب الكهف ،
    وافتتح مطمورة ، وسبى وأسر خلقاً كثيراً من الروم وغنم أموالاً جزيلة حتى
    طلب ملك الروم في أكثر من مرة الصلح على أن يدفع الجزية (1).
    ونشهد أيضاً غزو الهند سنة ( 160 ه‍ ) وما رافقه من حصار لأحد مدنها
    حتى فتحها عنوة بعد نصب المجانيق عليها ورميها بالنفط وإحراق طائفة منها
    وإهلاك بشر كثير من أهلها ، وقد هلكت أعداد غفيرة من الجيش عند
    الانصراف بالأوبئة والغرق (2).
    وفي سنة ( 167 ه‍ ) غزا العباسيون جرجان جيش كثيف لم يُرَ مثله (3) ، وفي
    سنة ( 178 ه‍ ) غزا الجيش بلاد ما وراء النهر وفتح بلاداً كثيرة منها كابل (4).
    ومن المظاهر التي تدل على قوة السلطة المركزية أيضاً أن أغلب الملوك
    دخلوا في طاعة الخلافة ، فكان منهم ملك كابل ، وملك طبرستان ، وملك
    __________________
    (1) تاريخ اليعقوبي 2 : 396 ، البداية والنهاية / ابن كثير 10 : 112 و 118 و 121
    و 123 و 137 و 144 و 155 و 156 و 181 و 190 و 193.
    (2) البداية والنهاية 10 : 139.
    (3) البداية والنهاية 10 : 159.
    (4) البداية والنهاية 10 : 183 ـ 185.

    السغد ، وملك طخارستان ، وملك باميان ، وملك فرغانة ، وملك أسروشنة ،
    وملك سجستان ، وملك الترك ، وملك التبت ، وملك السند ، وملك الصين ،
    وملك الهند وغيرهم (1).
    ومن مظاهر ذلك أن الرأس الحاكم ( الخليفة ) يستطيع أن يعزل من يشاء
    من العمال والولاة ويولي غيرهم ، دون أن يترتب عليه انفصال الوالي وتغلبه
    على ولايته وجباية خراجها ، كما نشهده في العصور اللاحقة.
    غير أن قوة الدولة كانت مشفوعة بظلم فظيع عبّر عنه مؤسس الدولة
    وداعيتها أبو مسلم الخراساني في موضع يتجافى فيه المرء عن الكذب ، نقل عن
    ربيع الأبرار للزمخشري قال : كان أبو مسلم يقول بعرفات : اللهمّ إني تائب إليك
    مما لا أظنك تغفر لي ! فقيل له : أفيعظم على الله تعالى غفران ؟! فقال : إني نسجت
    ثوب ظلم ما دامت الدولة لبني العباس ، فكم من صارخة تلعنني عند تفاقم
    الظلم ، فكيف يغفر لمن هذا الخلق خصماؤه ؟ (2).
    2 ـ توسع العمران :
    إنّ النهضة العمرانية تتبع قوّة السلطة المركزية واستقرارها ، غير أنها كانت
    على حساب حاجة الأكثرية الساحقة من أبناء المجتمع التي كانت تعاني تحت
    وطأة الضرائب ، مع وجود الأقلية المستأثرة بالمال العام من حواشي السلطان
    وأطرافه ممن انشغلوا ببناء القصور الفارهة التي لا تعود إلى الصالح العام.
    ولعل أهم مظاهر العمران في هذا العصر هو بناء مدينة بغداد وسورها ، إذ
    أمر المنصور بتخطيطها سنة ( 145 ه‍ ) وجعلها دار ملكه بدلاً من الهاشمية التي
    بناها السفاح ، وبناء الرافقة بالرقة سنة ( 155 ه‍ ) على منوال بناء بغداد ، وبناء
    __________________
    (1) تاريخ اليعقوبي 2 : 397.
    (2) الكنى والألقاب / الشيخ عباس القمي 1 : 157.

    المصيصة ، وبناء سور وحفر خندق حول الكوفة ، وذكر المؤرخون أن المنصور
    أخذ ما غرم على ذلك من أموال أهلها من كل إنسان من أهل اليسار أربعين
    درهماً ، وقد فرضها أولاً خمسة دراهم خمسة دراهم ، ثم جباها أربعين أربعين !!
    فقال في ذلك بعضهم :
    يا لقومي ما رأينا
    من أمير المؤمنينا

    قسم الخمسة فينا
    وجبانا أربعينا

    وحين بنى المنصور مدينة المصيصة أخذ أموال الناس حتى ما ترك عند
    أحد فضلاً ، وكان مبلغ ما أخذ ثمانمائة ألف ألف درهم.
    وفي سنة ( 157 ه‍ ) بنى المنصور قصره المسمى بالخلد في بغداد ، فاكتمل
    سنة ( 158 ه‍ ) وسكنه أياماً يسيرة ثم مات وتركه وخرب القصر من بعده.
    وفي سنة ( 159 ه‍ ) بنى المهدي الرصافة وخندقها ، وفي سنة ( 166 ه‍ ) ذهب
    المهدي إلى قصره المسمى بعيساباذ الذي بناه بالآجر ، وبنى الهادي قصراً سماه
    الأبيض بعيساباذ من الجانب الشرقي من بغداد (1) ، وأمر الرشيد ببناء طرسوس
    في سنة ( 171 ه‍ ) فأحكم بناءها ، وجعل لها خمسة أبواب وحولها سبعة وثمانين
    برجاً ، ولها نهر عظيم يشق وسطها عليه القناطر المعقودة (2).
    3 ـ ميل رجال الدولة إلى البذخ واللهو :
    إن الصفة الغالبة على رجال الدولة وعلى رأسهم ( الخليفة ) هي الاسراف في
    انفاق الأموال الطائلة العائدة إلى بيت المال لأغراضهم الخاصة ، كاقتناء
    الجواري والسراري والقيان والمغنين والشعراء وبناء القصور ، فحينما استخرج
    __________________
    (1) البداية والنهاية 10 : 170.
    (2) تاريخ اليعقوبي 2 : 387 و 410 ، البداية والنهاية 10 : 121 و 123 و 128 و 130
    و 134 و 137 و 158 و 159.

    المهدي أموال أبيه المنصور من الذهب والفضة وصفها المؤرخون بأنها لا تحدّ ولا
    توصف كثرة (1) ، وذكروا أن المهدي كان أول خليفة حُمل له الثلج إلى مكة سنة
    ( 160 ه‍ ) (2) ، وكان أول من لعب بالصوالجة في الإسلام ، وكان يسمع الغناء
    ويشرب النبيذ (3).
    وفي سنة ( 166 ه‍ ) سخط المهدي على يعقوب بن داود وزيره الذي فوّض
    إليه جميع أمر الخلافة ، لأسباب منها أنه كان يعظه في تعاطيه شرب النبيذ بين
    يديه وكثرة سماع الغناء ، فكان يلومه على ذلك ويقول : ما على هذا استوزرتني
    ولا على هذا صحبتك ، أبعد الصلوات الخمس في المسجد الحرام يشرب الخمر
    ويغنى بين يديك ؟! وفي ذلك يقول بعض الشعراء حثّاً للمهدي على تعاطي
    الخمرة وسماع الغناء :
    فدع عنك يعقوب بن داود جانباً
    وأقبل على صهباء طيبة النشر (4)

    وحينما حاول ( المهدي ) أن يتحرى المبرر لتناول الخمرة ، لا يبالي الإمام
    الكاظم عليه‌السلام أن يجيبه بكل قطعية وصراحة غير مجامل ولا مداهن ، قال علي
    ابن يقطين : « سأل المهدي أبا الحسن عليه‌السلام عن الخمر هل هي محرمة في كتاب الله ؟
    فإن الناس إنما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون التحريم لها ؟ فقال
    له أبو الحسن عليه‌السلام : بل هي محرمة في كتاب الله عز وجل. فقال له : في أي موضع
    هي محرمة في كتاب الله جل اسمه ، يا أبا الحسن ؟ فقال : قول الله عز وجل :
    ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ
    __________________
    (1) البداية والنهاية 10 : 163.
    (2) البداية والنهاية 10 : 141.
    (3) الاعلام / خير الدين الزركلي 6 : 221.
    (4) البداية والنهاية 10 : 157.

    الْحَقِّ » (1).... وأما الاثم ، فإنها الخمرة بعينها ، وقد قال الله عز وجل في
    موضع آخر : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ
    لِلنَّاسِ ) فأما الاثم في كتاب الله فهي الخمرة ، والميسر فهي النرد
    ( وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ ) (2) كما قال الله تعالى. قال : فقال المهدي : يا علي بن يقطين ،
    هذه والله فتوى هاشمية » (3).
    واشتهر عن المهدي أنه كان يحبّ اللعب بالحمام والسباق بينها ، فدخل
    عليه جماعة من المحدثين فيهم عتاب بن إبراهيم فحدثه بحديث أبي هريرة : « لا
    سبق إلاّ في خفّ أو نعل أو حافر ، وزاد في الحديث : أو جناح ، فأمر له بعشرة
    آلاف ، ولما خرج قال : والله إني لأعلم أن عتاباً كذب على رسول الله » (4). وفيه
    تشجيع من الخليفة على نشر البدع ، والمجاملة في دين الله ، والكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.
    أما الانفاق على سوق الشعراء ، فقد روي أن المهدي أجاز شاعراً بخمسين ألف
    دينار (5).
    وروى الزبير بن بكار أن مروان بن أبي حفصة أنشد الهادي قصيدة منها
    قوله :
    تشابه يوماً بأسه ونواله
    فما أحد يدري لأيهما الفضل

    فأمر له بمائة وثلاثين ألفاً معجّلة (6).
    __________________
    (1) سورة الأعراف : 7 / 33.
    (2) سورة البقرة : 2 / 219.
    (3) الكافي 6 : 406 / 1 ، تفسير العياشي 2 : 146 / 1580.
    (4) البداية والنهاية 10 : 163.
    (5) الاعلام / خير الدين الزركلي 6 : 221.
    (6) البداية والنهاية 10 : 170.

    وحين عاد الفضل بن يحيى من خراسان أنشده مروان بن أبي حفصة :
    ما الفضل إلاّ شهاب لا أفول له
    عند الحروب إذا ما تأفل الشهب

    فأمر له بمائة ألف درهم (1).
    ولا تقف سياسة البذخ والاسراف بالمال العام على رأس الهرم في السلطة
    وحسب ، بل تمتد إلى قاعدة عريضة من ولاة الدولة وعمالها وقادتها ، ففي سنة
    ( 173 ه‍ ) توفّي بالبصرة محمد بن سليمان (2) ، فأمر الرشيد بالاستيلاء على
    أمواله ، فوجدوا من ذلك شيئاً كثيراً من الذهب والفضة والأمتعة والأملاك ،
    ومن جملته وجدوا من الذهب ثلاثة آلاف ألف دينار ، ومن الدراهم ستة آلاف
    ألف (3).
    ولجواري البلاط السهم الأوفر من بيت المال ، فقد عثر عند خالصة إحدى
    حظيات المهدي على عشرة آلاف دينار (4). وكان للخيزران جارية المهدي وأم
    الهادي والرشيد ضياع كثيرة غلتها في كل سنة ألف ألف وستين ألفاً (5).
    أما المغنون فحديثهم ذو شجون ، ففي هذا العصر عكف الخلفاء على سماع
    الغناء وتقريب المغنين وبذلوا لهم أموالاً جزيلة من الصلات والهبات ، حتى
    أصبحوا طبقة مرفهة في المجتمع ، ومنهم مخارق بن يحيى الجزار ، وكان الرشيد
    العباسي يعجب به حتى أقعده مرة على السرير معه ، وأعطاه ثلاثين ألف
    __________________
    (1) البداية والنهاية 10 : 183.
    (2) هو محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس ، جمع له المنصور بين البصرة
    والكوفة ، وزوجه المهدي ابنته العباسة ، وكان دخله في كل يوم مائة ألف.
    (3) البداية والنهاية 10 : 173.
    (4) البداية والنهاية 10 : 134.
    (5) البداية والنهاية 10 : 175.

    درهم (1). وزنام الزامر ، وكان من مطربي الرشيد والمعتصم والواثق ، وله معهم
    أخبار ، وعده الثعالبي من صدور مطربي المتوكل أيضاً (2). وحكم بن ميمون
    الوادي الذي طالت مدة حياته فعاصر الوليد بن عبد الملك وغناه ، واتصل ببني
    العباس منذ أيام المنصور وانقطع إليهم ، فاشتهر وأصاب مالاً وافراً وحظوة ،
    وأدرك هارون الرشيد وغناه (3). وابراهيم الموصلي ، وكانت له عند العباسيين
    منزلة حسنة ، وأول من سمعه منهم المهدي العباسي ، ولما ولي موسى الهادي
    أغدق عليه نعمه ، وكذلك هارون الرشيد من بعده ، وجعله من ندمائه
    وخاصته (4). وابنه إسحاق الموصلي ، وهو من أشهر ندماء الخلفاء ، نادم الرشيد
    والمأمون والواثق ، ولما مات نعي إلى المتوكل فقال : ذهب صدر عظيم من جمال
    الملك وبهائه وزينته (5). وإسماعيل بن جامع السهمي ، ويعرف أيضاً بابن أبي
    وداعة ، اتصل بهارون الرشيد فحظي عنده (6).
    4 ـ سوء الأوضاع الاقتصادية والصحية :
    ذكرنا أن هناك قلّة متخمة تستأثر برأس المال وتبدّده في حياة البذخ
    والترف بينما تعاني أكثرية الناس من تدهور أوضاعها الاقتصادية والخدمية
    وتعيش حياة البؤس والفقر والحرمان ، بسبب كثرة الضرائب واستعمال القسوة
    في جبايتها إلى جانب انتشار الأمراض والأوبئة ، مما ترك آثاراً وخيمة على بنية
    __________________
    (1) الاعلام / خير الدين الزركلي 7 : 191.
    (2) الاعلام / خير الدين الزركلي 3 : 49.
    (3) الاعلام / خير الدين الزركلي 2 : 267.
    (4) الاعلام / خير الدين الزركلي 1 : 58.
    (5) الاعلام / خير الدين الزركلي 1 : 292.
    (6) الاعلام / خير الدين الزركلي 1 : 311.

    المجتمع وسلوك أفراده ، وقد حفّزت تلك الأوضاع قطاعات واسعة من الناس
    على الثورة في عدة أجزاء من جسم الدولة ، ففي سنة ( 178 ه‍ ) وثبت الناس في
    مصر بولاتها عدة مرات بسبب ثقل الضرائب والالتزامات المالية (1).
    وأخذ الرشيد العمال والدهاقين وأصحاب الضياع والمبتاعين للغلات
    وغيرهم ، وكان عليهم أموال مجتمعة ، فولى مطالبتهم عبد الله بن الهيثم بن سام ،
    فطالبهم بصنوف من العذاب (2).
    والذي يزيد من فقامة الأوضاع كثرة الأمراض التي تحصد آلاف البشر ،
    فعن سنة ( 158 ه‍ ) قال الواقدي : وأصاب الناس في هذه السنة وباء شديد
    فتوفي فيه خلق كثير وجمّ غفير (3) ، وفي سنة ( 167 ه‍ ) وقع وباء شديد وسعال
    كثير ببغداد والبصرة (4) ، وأصاب الناس في آخر سنة ( 168 ه‍ ) وباء وموت
    كثير وظلمة وتراب أحمر (5).
    وفي خضمّ التدهور الذي تعاني منه الأمة على صعيد أحوالها المعاشية ، نجد
    الإمام الكاظم عليه‌السلام يقدم النصح للرشيد حينما تتهيأ له فرصة الكلام عند قدوم
    الرشيد إلى المدينة في الموسم فقابله الإمام الكاظم عليه‌السلام وجهاً لوجه قائلاً :
    « إن الله عز وجل قد فرض على ولاة عهده أن ينعشوا فقراء الأُمّة ، ويقضوا
    عن الغارمين ، ويؤدّوا عن المثقل ، ويكسوا العاري ، ويحسنوا إلى العاني ،
    وأنت أولى من يفعل ذلك. ولا يتردد الرشيد من أن يقول : أفعل
    __________________
    (1) البداية والنهاية 10 : 181 ـ 183.
    (2) تاريخ اليعقوبي 2 : 415.
    (3) البداية والنهاية 10 : 137.
    (4) البداية والنهاية 10 : 159.
    (5) تاريخ اليعقوبي 2 : 401.

    يا أبا الحسن» (1).
    كما أسهم الإمام الكاظم عليه‌السلام في الانفاق على الفقراء والمساكين والأيتام
    والأرامل والإحسان إلى الناس ورعاية اُمورهم حتى سمي منقذ الفقراء لكثرة
    ما بذل في هذا الاتجاه ، ودعا إلى منع الاحتكار بسبب غلاء الأسعار ، روى ثقة
    الإسلام الكليني عن معتب قال : « كان أبو الحسن عليه‌السلام يأمرنا إذا أدركت الثمرة أن
    نخرجها فنبيعها ونشتري مع المسلمين يوماً بيوم » (2).
    5 ـ نفوذ البرامكة والجواري :
    لعل أبرز ما يطالع الباحث في تاريخ هذه الحقبة هو تدخّل البرامكة وبعض
    الجواري في إدارة شؤون الملك وتسيير اُمور الدولة والحرب ، ومن الجواري التي
    كان لها دور متميز في هذا الاتجاه الخيزران ، وكانت من جواري المهدي فأعتقها
    وتزوجها ، وهي أم ابنيه الهادي وهارون الرشيد. ولما مات المهدي وولي ابنها
    الهادي انفردت بالسلطة والصولجان ، وأخذت المواكب تغدو وتروح إلى بابها ،
    وحاول الهادي منعها من ذلك حتى قال لها : إذا وقف ببابك أمير ضربت عنقه.
    وسعى في عزل أخيه الرشيد من ولاية العهد ، وقيل : إن الخيزران علمت عزمه
    على قتل الرشيد ، فأرسلت إليه بعض جواريها وهو مريض فجلسن على وجهه
    حتى مات خنقاً سنة ( 170 ه‍ ) وله من العمر ثلاث وعشرون ، وقيل : ست
    وعشرون (3).
    أما البرامكة فانّ رأسهم يحيى بن خالد بن برمك ، وهو مؤدب الرشيد
    __________________
    (1) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام 1 : 88 / 11.
    (2) الكافي 5 : 166 / 3.
    (3) تاريخ اليعقوبي 2 : 406 و 421 ، البداية والنهاية 10 : 168 ، الاعلام / الزركلي
    2 : 328.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ   الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Emptyالأحد أكتوبر 27, 2024 9:06 am

    ومعلمه ومربيه ، رضع الرشيد من زوجة يحيى مع ابنها الفضل ، فكان يدعوه :
    يا أبي ، ولما تولى الهادي أخذ يحيى بن خالد بن برمك فحبسه في بيت ضيق لا
    يقدر أن يمدّ رجليه فيه ، فأقام أياماً ، وأشرف عليه فيها بالقتل عدة مرات ،
    وذلك لما تناهى إلى سمعه من أن يحيى يمنّي نفسه بالوزارة وهارون بالخلافة (1).
    وفي سنة ( 170 ه‍ ) ولي هارون الخلافة فدفع خاتمه إلى يحيى وألقى إليه أزمّة
    الملك وولاّه الوزارة ، وأمره بمشاورة والدته الخيزران ، فكانت هي المشاورة في
    الاُمور كلها ، فتبرم وتحلّ وتمضي وتحكم ، وبقي على ذلك حتى توفّيت الخيزران
    سنة ( 173 ه‍ ) (2) ، ثمّ استأثر يحيى بأمور الخلافة كلها وانقادت له الدولة ، يحكم
    بما يشاء فلا ترد أحكامه ، واستمر إلى أن نكب الرشيد البرامكة سنة ( 187 ه‍ )
    فقبض عليه وعلى ابنه الفضل (3) ، وأخذهما معه إلى الرقة فسجنهما واستصفى
    أموالهما وأموال البرامكة كافة وقبض ضياعهم (4).
    وقد توقع الإمام عليه‌السلام هلاكهم على يد الرشيد ، روى الشيخ الطوسي عن
    موسى بن يحيى بن خالد : « أن أبا إبراهيم عليه‌السلام قال ليحيى بن خالد في حديث :
    ياأبا علي ، انظر إذا سار هذا الطاغية إلى الرقة وعاد إلى العراق لا يراك ولا
    تراه لنفسك ، فإني رأيت في نجمك ونجم ولدك ونجمه أنه يأتي عليكم
    فاحذروه » (5). ومع هذا ، فقد كان ليحيى بن خالد دور فاعل في قتل الإمام
    الكاظم عليه‌السلام.
    __________________
    (1) تاريخ اليعقوبي 2 : 406.
    (2) البداية والنهاية 10 : 171.
    (3) استوزره هارون مدة وجيزة ثم ولاّه خراسان.
    (4) تاريخ اليعقوبي 2 : 421 ، البداية والنهاية 10 : 183 ، الاعلام / الزركلي 5 :
    151 و 8 : 144.
    (5) غيبة الطوسي : 25 / 5.

    6 ـ الثورات الشعبية :
    هزّت أركان الحكم العباسي في هذا العصر عدّة ثورات عنيفة من حين إلى
    آخر ، قادها رجال أفذاذ من الطالبيين ومن غيرهم يهدفون في الغالب إلى الأمر
    بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة حكم الله في الأرض ، وكانت تلك الثورات
    كما يبدو من خطابات الثوار من تداعيات ظلم الناس وأخذ أموالهم ووضعها في
    غير مواضعها ، وهي تمثّل ردّ فعل طبيعي لحالة التردي التي تعاني منها الأُمّة
    عموماً والطالبيون خصوصاً ، فضلاً عن تردّي الأحوال الاجتماعية
    والاقتصادية وسياسة القمع والاضطهاد والمطاردة التي مارستها السلطة مع
    الطالبيين على وجه الخصوص ، وفيما يلي نستعرض أهم الثوار الذين حملوا
    السلاح بوجه السلطة العباسية في هذه الفترة :
    أ ـ محمد النفس الزكية :
    هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي
    طالب عليهم‌السلام ، أحد الثوار الأشراف من الطالبيين ، وهو من أفضل آل الحسن في
    زمانه ، وكان غزير العلم بكتاب الله حافظاً له ، فقيهاً في الدين ، معروفاً
    بشجاعته وجوده وبأسه وحزمه. ولد سنة ( 93 ه‍ ) وقتل شهيداً في رمضان سنة
    ( 145 ه‍ ) ، وكان يقال له : صريح قريش لأن جميع آبائه واُمهاته وجداته لم يكن
    فيهنّ أمّ ولد ، ويلقب بالأرقط وبالنفس الزكية ، وسماه أهل بيته بالمهدي ،
    ويقدّرون خطأ أنه الذي جاءت به الرواية ، وشاع ذلك له في العامة ، وبايعه
    رجال من بني هاشم من زمان بني أمية فيهم من آل أبي طالب وآل العباس نفر
    كثير ، وكان من دعاته وممن بايعه أبو العباس السفاح وأبو جعفر المنصور.
    لكن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام ردّ مهدويته ، مصرّحاً بأنه المقتول
    بأحجار الزيت ، وطلب منهم ألاّ يبايعوه على أنه المهدي ، وأخبر أباه عبد الله بن
    الحسن في جمعٍ من بني هاشم أنه لا يملك ، وأن الملك يكون في بني العباس.


    وقال عليه‌السلام لعبد الله والد النفس الزكية : « لا تفعلوا ، فإن هذا الأمر لم يأتِ بعد ،
    إن كنت ترى أنّ ابنك هذا هو المهدي فليس به ولا هذا أوانه ، وإن كنت إنما
    تريد أن تخرجه غضباً لله ، وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فإنّا والله لا
    ندعك وأنت شيخنا ونبايع ابنك » فانتبه بنو العباس من ذلك لأمر لم يكونوا
    يطمعون فيه ، وتبين بقتله ووصول بني العباس إلى سدة الحكم صدق قول
    الإمام عليه‌السلام.
    وبعد أفول دولة بني أمية وقيام دولة بني العباس ، تخلف محمد هو وأخوه
    إبراهيم عن الوفود على السفاح ثم على المنصور ، فحرصا على تطلّب محمد
    وإبراهيم والظفر بهما ، واشتد الطلب أيام المنصور فتواريا بالمدينة ولم يقدر
    عليهما ، فقبض المنصور على أبيهما واثني عشر من أهل بيته أثناء موسم الحج ،
    فحبس أباهما عبد الله بالمدينة في دار مروان ثلاث سنين ، ثم سيره مع اثني عشر
    من آل بيته مغلولين إلى الربذة ومنها إلى الهاشمية ، فحبسهم بالمطبق مصفدين
    يرسفون بالقيود ، فمكثوا في الحبس سبع سنين سلّط عليهم فيها أنواع العذاب
    حتى قتلوا بضروب من القتل (1). وبقي محمد وابراهيم ينتقلان في الاستتار
    والطلب يزعجهما من ناحية إلى أخرى ، فلما علم محمد بموت أبيه وسائر أهل
    بيته ظهر ثائراً في نحو ثلاثمائة رجل فيهم كثير من الطالبيين سنة ( 145 ه‍ ) ،
    وبايعه أهل المدينة بالخلافة ، وأرسل أخاه إبراهيم إلى البصرة فغلب عليها
    وعلى الأهواز وفارس ، وبعث الحسن بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي
    طالب إلى مكة فملكها ، وبعث عاملاً إلى اليمن.
    وكتب إليه المنصور يحذّره عاقبة عمله ويمنّيه بالأمان وواسع العطاء ،
    وتتابعت بينهما الرسل فلم تنفع ، فانتدب المنصور لقتاله عيسى بن موسى
    __________________
    (1) مقاتل الطالبيين : 121 و 145 و 154.

    العباسي ومعه حميد بن قحطبة الطائي ، فسارا إليه بأربعة آلاف فارس ، فقاتله
    محمد وأصحابه الثلاثمائة على أبواب المدينة ، وثبت لهم ثباتاً عجيباً ، وكان محمد
    فارساً شجاعاً ضخماً ، يشبهونه في قتاله بالحمزة عليه‌السلام فقتل منهم بيده في احدى
    الوقائع سبعين فارساً ، ثم تفرّق عنه أكثر أنصاره ، وبقي يقاتل حتى سقط شهيداً
    بين أحجار الزيت ، فاحتز رأسه حميد بن قحطبة وبعث به إلى المنصور ، ثم وجّه
    عيسى بن موسى كثير بن الحصين العبدي إلى المدينة فدخلها وتتبع أصحاب
    محمد فقتلهم وانصرف إلى العراق (1).
    ولما بلغ إبراهيم مقتل أخيه محمد تمثل بهذه الأبيات :
    أبا المنازل ياخير الفوارس من
    يفجع بمثلك في الدنيا فقد فجعا

    الله يعلم أني لو خشيتهم
    وأوجس القلب من خوف لهم فزعا

    لم يقتلوه ولم أسلم أخي لهم
    حتى نموت جميعاً أو نعيش معا

    ثم بكى فقال : اللهم إنك تعلم أن محمداً انما خرج غضباً لك ونفياً لهذه
    المسوّدة وإيثاراً لحقك ، فارحمه واغفر له واجعل الآخرة خير مردّ له ومنقلب
    من الدنيا.
    ب ـ أخوه إبراهيم :
    ويكنى أبا الحسن ، أحد الثوار الأشراف الشجعان ، كان جارياً على شاكلة
    أخيه محمد في الدين والعلم والشجاعة والشدّة ، فضلاً عن كونه شاعراً عالماً
    بأخبار العرب وأيامهم وأشعارهم ، ولد في سنة ( 97 ه‍ ) ومات شهيداً فى ذي
    الحجة سنة ( 145 ه‍ ) ، وقيل في ذي القعدة.
    كان إبراهيم يدعو إلى أخيه محمد ، فلما قتل محمد دعا إلى نفسه ، فقصد
    __________________
    (1) مقاتل الطالبيين / أبو الفرج الأصفهاني : 142 و 157 و 167 و 169 و 172 ـ
    174 و 176 و 178 و 180 و 185 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 369 و 374 و 376.

    الكوفة في رمضان سنة ( 145 ه‍ ) ، فلم يجد ناصراً ، فقصد البصرة فبايعه أهلها ،
    وخضعت له الأهواز وفارس وكسكر وواسط وما حولها ، وخرج من البصرة
    وكان قد أحصي ديوانه فكانوا ستين ألفاً ، وأسرع الناس إلى نصرته وآزره في
    ثورته سائر أهل العلم والفقهاء وأصحاب الحديث ونقلة الآثار ، فكانت ثورة
    عارمة كادت تقوّض أركان الحكم العباسي ، فأخذ صوب كسكر وليس له هّم
    إلاّ لقاء المنصور ، فتحول المنصور إلى الكوفة ، وندب إليه عيسى بن موسى
    وسيره في ثمانية عشر ألفاً من الجند ، وزحف إبراهيم حتى صار إلى قرية يقال لها
    باخمرى قاصداً الكوفة ، فكانت بينه وبين جيوش المنصور وقائع هائلة ،
    والدائرة على عيسى بن موسى الذي نكص برايته القهقرى وهزم وأصحابه
    هزيمة قبيحة حتى دخل أوائلهم الكوفة ، وبان للناس علوّ إبراهيم وظفره ، أما
    المنصور فكان لا ينام في تلك الليالي ، وأمر بإعداد الإبل والدواب على جميع
    أبواب الكوفة ليهرب عليها ، ثم أن خيلاً خرجت على أصحاب إبراهيم من
    احدى الجهات ، فتوهم أصحاب إبراهيم كميناً فانهزموا ، وبقي ابراهيم في
    أربعمائة من الزيدية يحارب أشدّ محاربة إلى أن سقط وهو يتلو قول الله تعالى :
    ( وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا ) (1) ، وأخذ رأسه فوجّه به إلى المنصور وهو
    بالكوفة فوضع بين يديه ، وأذن للناس فجعلوا يدخلون فينالون من إبراهيم
    وأخيه وأهله ، ثم أمر برأس إبراهيم فنصب بالسوق ، ودفن بدنه الزكي
    بباخمرى.
    وتوقع الإمام الصادق عليه‌السلام قتله منذ زمان بني أمية ، فقد قال فيه وفي أخيه
    محمد : « إن هذا ـ يعني المنصور ـ يقتله على أحجار الزيت ، ثم يقتل أخاه
    بعده بالطفوف وقوائم فرسه في الماء. فكان كما قال عليه‌السلام.
    __________________
    (1) سورة الأحزاب : 33 / 38.

    وقال عليه‌السلام فيهما : رحم الله ابني هند ، إنهما إن كانا لصابرين كريمين ،
    والله لقد مضيا ولم يصبهما دنس » (1).
    ج ـ عبد الله الأشتر :
    عبد الله الأشتر ابن محمد النفس الزكية ، ثائر من شجعان الطالبيين ، خرج
    بالمدينة مع أبيه ، وأخرجه عبد الله بن محمد بن مسعدة المعلم بعد قتل أبيه إلى
    الهند ومعه أربعون رجلاً من الزيدية ، إذ اشترى خيلاً وأظهر أنه يريد المتاجرة
    بها ، وركب البحر حتى بلغ السند واتصل بأحد ملوكها غير المسلمين بتوصية
    من أحد أصحابه ، فلقي منه إكراماً كثيراً ، وأقام أربع سنوات أسلم فيها على يديه
    عدد كبير ، وتسللت إليه الزيدية حتى صار إليه منهم أربعمائة إنسان ، فكان
    يركب فيهم فيصيد ويتنزه في هيئة الملوك وآلاتهم ، ووصل خبره إلى المنصور ،
    فولى على السند هشام بن عمرو بن بسطام التغلبي ، وأمره بأن يكاتب الملك
    الذي عنده الأشتر لتسليمه إليه وإلاّ حاربه ، وهنا تختلف الروايات ، فقيل ان الأشتر
    خرج من السند إلى خراسان ، وكان على اتصال بواليها فقاتله هشام
    التغلبي ، وقتل من الفريقين زهاء ثلاثة آلاف رجل ، وكان بينهما قدر خمسين
    وقعة في نحو سنة ، وقتل الأشتر في الحرب سنة ( 151 ه‍ ) وهو ابن ثلاث وثلاثين
    سنة (2) ، وكان يقاتل فارساً وراجلاً (3).
    د ـ الحسين شهيد فخ (4) :
    هو الحسين بن علي بن الحسن المثلث ابن الحسن المثنى ابن الحسن السبط
    __________________
    (1) مقاتل الطالبيين : 169 ـ 173 و 210 ـ 230 و 235 ـ 244 و 247 ـ 253 ، تاريخ
    اليعقوبي 2 : 377.
    (2) وقيل غير ذلك في مقتله.
    (3) مقاتل الطالبيين : 207 ـ 209 ، الأعلام / خير الدين الزركلي 4 : 116.
    (4) فخ : بئر في ضواحي مكة بينه وبينها نحو فرسخ.

    ابن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، أبو عبد الله ، المعروف بصاحب فخ ، وأمه زينب
    بنت عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، قتل المنصور العباسي
    أباها وأخاها وزوجها وعمومتها وبنيهم أيام النفس الزكية.
    كان الحسين من أشراف الطالبيين الشجعان الكرماء ، يضرب المثل بجوده
    وكرمه وطيبة نفسه ، بيد أن الفترة التي عاشها ابّان حكم الهادي المتعطش لدماء
    العلويين تعدّ من أقسى الفترات الرهيبة في تاريخ الطالبيين ، فقد مضى الهادي
    إلى آخر الشوط في استأصال زينة شبابهم ، وأسرف في ممارسة القمع والارهاب
    معهم ، مما اضطرهم إلى إعلان الثورة عليه حيثما توفرت الفرصة لذلك.
    قال اليعقوبي : ظهر منه ـ أي الهادي العباسي ـ أمور قبيحة ، وضعف
    شديد ، فاضطربت البلاد ، وتحرك جماعة من الطالبيين ، وصاروا إلى ملوك
    النواحي فقبلوهم ووعدوهم بالنصر والمعونة ، وذلك أن موسى ألحّ في طلب
    الطالبيين وأخافهم خوفاً شديداً ، وقطع ما كان المهدي يجريه لهم من الأرزاق
    والاُعطيات ، وكتب إلى الآفاق في طلبهم وحملهم ، فلما اشتدّ خوفهم وكثر من
    يطلبهم ويحث عليهم ، عزم الشيعة وغيرهم إلى الحسين بن علي بن الحسن ،
    وكان له مذهب جميل وكمال ومجد ، فبايعه خلق كثير ممن حضر الموسم (1).
    فقرر الحسين الثورة ، وكان خروجه بالمدينة في ذي القعدة سنة ( 169 ه‍ ) ،
    وبايعه الناس على العمل بكتاب الله وسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى أن يطاع الله ولا
    يعصى ، والدعوة إلى الرضا من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والعدل في الرعية ، والقسم
    بالسوية ، وجهاد العدو.
    واستولى الحسين على المدينة فاستخلف عليها دينار الخزاعي ، وخرج
    قاصداً مكة ومعه زهاء ثلاثمائة من أهله ومواليه وأصحابه ، فلما صاروا بفخ
    __________________
    (1) تاريخ اليعقوبي 2 : 404.

    وبلدح في ضواحي مكة تلقتهم الجيوش العباسية ، في يوم التروية سنة
    ( 169 ه‍ ) ، وكان القتال شديداً ، فانهزم من كان معه ، وصبر لهم الحسين محتسباً
    حتى قتل مع جماعة من أهله ، وحملوا رؤوسهم إلى الهادي العباسي مع جمع من
    الأسرى فأمر بهم فضربت أعناقهم.
    وذكر الرواة أنه حين جاء الجند بالرؤوس إلى موسى والعباس وعندهم
    جماعة من ولد الحسن والحسين ، فلم يتكلم أحد منهم بشيء إلاّ موسى بن
    جعفر عليهما‌السلام فقيل له : « هذا رأس الحسين. قال : نعم ، إنا لله وإنا إليه راجعون ،
    مضى واللّه مسلماً صالحاً صوّاماً قوّاماً آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر ، ما
    كان في أهل بيته مثله ، فلم يجبه أحد بشيء ».
    واقترف العباسيون ابّان هذه الحرب جرائم تشابهت مع جرائم الأمويين في
    كربلاء ، فقد رفعوا رؤوس العلويين على الرماح ، وطافوا بأسراهم في الأقطار
    وهم مقيدون بالسلاسل ، ثم أجهزوا عليهم فقتلوهم صبراً وصلبوهم ، وتركوا
    شهداء أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مجزرين تسفي عليهم الريح مبالغة منهم في التشفّي
    والانتقام ، ذكر المؤرخون : بقي قتلاهم ثلاثة أيام دون أن توارى في الثرى حتى
    أكلتها الحيوانات الضارية والطيور الجارحة ، ولهذا يقال : لم تكن مصيبة بعد
    كربلاء أشد وأفجع من فخ. وروى أبو نصر البخاري عن أبي جعفر الجواد عليه‌السلام
    أنه قال : « لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ ».
    ه‍ ـ يحيى بن عبد الله :
    هو يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ،
    أبو الحسن ، من كبار الطالبيين ، رباه الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام في المدينة ، فأكثر
    الرواية عنه وتفقه عليه ، وكان إذا حدّث عنه قال : حدثني حبيبي جعفر بن
    محمد ، وكان حسن السمت والهدي ، مقدماً في أهل بيته.
    وكان يحيى قد خرج مع ابن عمه الحسين شهيد فخّ في ثورته بالمدينة أيام


    موسى الهادي وحضر مقتله ، ونجا فدعا إلى نفسه ، فبايعه كثير من أهل الحرمين
    واليمن ومصر ، وطاف البلدان فذهب إلى اليمن فأقام مدة ، ودخل مصر
    والمغرب ، وعاد إلى المشرق فدخل العراق متنكراً ، وقصد بلاد الري وخراسان
    فوصل إلى ما وراء النهر ، واشتد الرشيد في طلبه ، فانصرف إلى خاقان ملك
    الترك ومعه من شيعته وأنصاره نحو (170) رجلاً ، فأقام سنتين وستة أشهر ،
    وخرج إلى طبرستان فبلاد الديلم ، وأعلن بها دعوته سنة ( 176 ه‍ ) وكثر جمعه
    واتبعه خلق كثير وجم غفير وقويت شوكته ، فندب الرشيد لحربه الفضل بن
    يحيى البرمكي في خمسين ألفاً ، وولى الرشيد الفضل بن يحيى جميع كور المشرق
    وخراسان وأمره بقصد يحيى والخديعة به ، وبذل له الأموال والصلة إن قبل
    الأمان ، فسار الفضل بن يحيى إلى تلك الناحية في أبّهة عظيمة ، وكاتب الرشيد
    صاحب الديلم ووعده بألف ألف درهم إن هو سهل خروج يحيى إليهم ، وكتب
    الفضل إلى يحيى بن عبد الله يعده ويمنيه ويؤمله ويرجيه.
    لقد رأى يحيى تفرق أصحابه وسوء رأيهم فيه وكثرة خلافهم عليه ،
    وخاف أن يغدر به ملك الديلم ، فأجابه إلى قبول الأمان شريطة أن يكتبه
    الرشيد بيده ، وكتب لنفسه شروطاً وسمى شهوداً وبعث بالكتاب إلى الفضل ،
    فبعث به إلى الرشيد فكتب له على ما أراد وأجابه بخطه ، فشخص يحيى مع
    الفضل حتى وافى بغداد وتلقاه الرشيد وأجزل له في العطاء ، غير أن نفراً من أهل
    الحجاز (1) تحالفوا على السعاية بيحيى بن عبد الله والشهادة عليه زوراً بأنه
    يدعو إلى نفسه سراً ، وأنه ما زال عنده من يقوم بدعوته ، فوافق ذلك ما كان
    يكنّه الرشيد في نفسه ، فحبسه عند الفضل بن يحيى ، غير أن الفضل رقّ له بعد
    __________________
    (1) وهم : عبد الله بن مصعب الزبيري ، وأبو البختري وهب بن وهب ، ورجل من بني
    زهرة ، ورجل من بني مخزوم.

    مدة فأطلقه. ثم جمع له الرشيد الفقهاء لنقض أمانه غير أنهم صرحوا بأن الأمان
    مؤكد لا شائبة فيه ، عدا أبي البختري وهب بن وهب الذي أفتى بما يريد الرشيد
    فقال : هذا باطل منتقض ، اقتله ودمه في عنقي. وأخذ سكيناً وجعل يشقّ
    الأمان ، فوهب الرشيد لأبي البختري ألف ألف وستمائة ألف ، وولاه
    القضاء ، وجعل يحيى في سرداب ووكل به مسروراً الكبير ، وكان كثيراً
    ما يدعو به إليه فيناظره ، واستمر على هذا الحال إلى أن مات في حبسه نحو
    سنة ( 180 ه‍ ).
    واختلف المؤرخون في كيفية وفاته والراجح أنه قتل بالجوع والعطش
    والتعذيب ، وعن إبراهيم بن رياح : أنه بنى عليه اسطوانة بالرافقة وهو حي.
    وعن علي بن محمد بن سليمان : أنه دس إليه في الليل من خنقه حتى تلف. قال :
    وبلغني أنه سقاه سماً. وعن محمد بن أبي الخنساء : أنه أجاع السباع ثم ألقاه إليها
    فأكلته ، وكل جائز في أعراف القتل التي تمارسها الدولة (1).
    و ـ إدريس بن عبد الله :
    إدريس بن عبد الله بن الحسن المثنى ابن الحسن بن علي بن أبي
    طالب عليهم‌السلام ، مؤسس دولة الأدارسة في المغرب وإليه نسبتها ، كان أولاً مع
    الحسين صاحب فخ ّ في المدينة أيام ثورته على الهادي العباسي سنة ( 169 ه‍ ) ،
    وأفلت من وقعة فخ فتوجه صوب مصر مع راشد مولاه وأمينه ، ومنها إلى سائر
    بلدان المغرب الأقصى ، فدخل فاس وطنجة ونزل مدينة وليلى على مقربة من
    مكناس ، ثم جمع البربر على القيام بدعوته ، وخلع طاعة بني العباس ، فتمّ له
    الأمر في رمضان سنة ( 172 ه‍ ) ، فجمع جيشاً كثيفاً وخرج به غازياً فبلغ بلاد
    __________________
    (1) مقاتل الطالبيين : 313 ـ 323 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 408 ، البداية والنهاية 10 :
    178 ، الأعلام / الزركلي 8 : 154.

    تادلة قرب فاس ففتح معاقلها ، ثم غزا تلمسان فبايع له صاحبها ، فبلغ الرشيد
    ذلك فغمه حتى امتنع من النوم ، فندب يحيى بن خالد ، ودعا يحيى أحد متكلمي
    الزيدية البترية وهو سليمان بن جرير الجزري ، فرغّبه ووعده عن الخليفة بكل
    ما أحبّ على أن يحتال لإدريس حتى يقتله ، فورد سليمان على إدريس متوسماً
    بالدفاع عن الزيدية فسرّ به إدريس لقوة عارضته ، ثم جعل سليمان يطلب
    غرته حتى سقاه السم وهرب ، وذلك في سنة ( 177 ه‍ ) ، فتولى راشد إدارة
    الملك باسم إدريس بن ادريس الذي نحله اسم أبيه وجدد له بيعة البربر ، وقام
    بأمره وأمر دولته وعلّمه ورباه ، وكان الأغالبة في القيروان يتتبعون أخبار
    الدولة الناشئة في جوارهم ، ويبعثون بالأموال للقضاء على إدريس الرضيع ،
    وكانت لهم يد في قتل أبيه بالسمّ ، فما زالوا على ذلك إلى أن تمكن إبراهيم بن
    الأغلب من دسّ بعض البربر لراشد فقتلوه غيلة بعد نشوء إدريس وتسلمه
    عرش أبيه بقليل ، وكان ادريس الابن فارساً شجاعاً جواداً شاعراً ، وبقي نسله
    في المغرب (1).
    ز ـ يوسف البرم :
    خرج رجل من موالي ثقيف بخراسان وبخارى ، يقال له يوسف البرم في
    أيام المهدي سنة ( 160 ه‍ ) منكراً عليه أحواله وسيرته وما يتعاطاه من الخمر
    ومجالس الغناء ، داعياً إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فالتف عليه خلق
    كثير ، وتفاقم أمره وعظم خطبه وحارب السلطان ، فوجّه إليه يزيد بن مزيد
    فلقيه واقتتلا قتالاً شديداً حتى أُسر يوسف وجماعة من أصحابه ، فبعثهم يزيد
    إلى المهدي ، فأدخلوا عليه ، فأمر بقطع يدي يوسف ورجليه ، ثم ضرب عنقه
    __________________
    (1) مقاتل الطالبيين : 324 ـ 326 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 404 ، تاريخ أبي الفداء 2 : 12 ،
    عمدة الطالب : 157 ، الأعلام / الزركلي 1 : 279.

    وأعناق من معه ، وصلبهم على جسر دجلة الأكبر (1).
    ح‍ ـ وهيب بن عبد الله النسائي :
    هو أبو الخصيب ، ثائر شجاع ، خرج في نسا من أعمال خراسان سنة
    ( 184 ه‍ ) ، في أيام الرشيد العباسي ، واستفحل أمره سنة ( 185 ه‍ ) ، فتغلب على
    أبيورد وطوس ونيسابور ، وحاصر مرو ، فقاتله علي بن عيسى من قواد
    الرشيد فقتله سنة ( 186 ه‍ ) ، وسبى نساءه وذراريه (2).
    7 ـ الحركات المتطرفة :
    أ ـ أستاذسيس :
    في سنة ( 150 ه‍ ) خرج رجل من الكفرة يقال له أستاذسيس في بلاد
    خراسان ، فاستحوذ على أكثرها وادّعى النبوة ، وصحبه على ذلك نحو من
    ثلاثمائة ألف وقتلوا من المسلمين هنالك خلقاً كثيراً ، وهزموا الجيوش التي في
    تلك البلاد وسبوا خلقاً كثيراً ، وتحكم الفساد بسببهم ، وتفاقم أمرهم ، فوجه
    المنصور خازم بن خزيمة التميمي إلى ابنه المهدي ليوليه حرب تلك البلاد ويضم
    إليه من الأجناد ما يقاوم أولئك ، فجمع المهدي لخازم الامرة على تلك البلاد
    والجيوش ، وبعثه في نحو من أربعين ألفاً ، فسار إليهم وما زال يراوغهم ويماكرهم
    حتى فاجأهم بالحرب ففض جموعهم ، وأسر أستاذسيس وحمله إلى المنصور في
    بغداد فقتله (3).
    ب ـ الخوارج :
    كلفت حروب الخوارج المتصلة في هذه الفترة الدولة والناس المزيد من
    __________________
    (1) تاريخ اليعقوبي 2 : 397 ، البداية والنهاية 10 : 139.
    (2) الأعلام / الزركلي 8 : 126.
    (3) تاريخ اليعقوبي 2 : 379 ، البداية والنهاية 10 : 113.

    الدماء والأموال ، فقد خرج مهلهل الحروري بفارس (1) ، وظهر الخوارج الشراة
    في خراسان سنة ( 151 ه‍ ) حتى قاتلوا يزيد بن مزيد على جسر بغداد في وقعة
    جليلة ذهب ضحيتها كثير من الناس (2) ، وفي سنة ( 149 ه‍ ) ظهرت الخوارج
    من الصفرية والأباضية وغيرهم ببلاد إفريقية بقيادة عاصم بن جميل الأباضي ،
    فولوا عليهم أبا الخطاب عبد الأعلى المعافري ، واجتمع من الخوارج سنة
    ( 151 ه‍ ) ثلاثمائة وخمسون ألفاً مع جمع كبير من البربر في طرابلس الغرب ،
    وعليهم أبو عباد وأبو حاتم يعقوب الأباضي الأنماطي ، وانضم إليهم أبو قرة في
    أربعين ألفاً ، وأكثروا الفساد في البلاد وقتلوا النساء والأطفال حتى قتل قادتهم
    سنة ( 155 ه‍ ) (3) ، وخرج بالجزيرة الفراتية سنة ( 177 ه‍ ) رأس الشراة الوليد
    ابن طريف بن الصلت التغلبي الشيباني وحكم بها ، وقتل خلقاً من أهلها ، وأخذ
    الرشيد يرسل الجموع تلو الجموع لحربه فيهزمهم ، حتى قتل بعد حرب شديدة
    سنة ( 179 ه‍ ) ، وهو الذي تقول أخته الفارعة في رثائه من قصيدة :
    أيا شجر الخابور ما لك مورقاً
    كأنك لم تجزع على ابن طريف

    فتى لا يحب الزاد إلاّ من التقى
    ولا المال إلاّ من قناً وسيوف (4)

    واذا كانت الدولة تحارب الخوارج على جبهة الحرب ، فان أصحاب الإمام
    الكاظم عليه‌السلام حاربوهم بالفكر والمناظرة ، فوجدنا في هذا العصر كتابات للرد
    على الخوارج ، منها كتاب محمد بن علي بن النعمان ، المعروف بمؤمن الطاق ، في
    __________________
    (1) تاريخ اليعقوبي 2 : 383.
    (2) تاريخ اليعقوبي 2 : 384 ، البداية والنهاية 10 : 115.
    (3) تاريخ اليعقوبي 2 : 386 ، البداية والنهاية 10 : 117 ـ 120 ، الأعلام / الزركلي
    8 : 197.
    (4) تاريخ اليعقوبي 2 : 410 ، البداية والنهاية 10 : 183 و 186 ، الأعلام / الزركلي
    8 : 120.

    كلامه على الخوارج.
    ج ـ الزنادقة :
    استفحلت حركة الزندقة في هذا العصر وتعددت مقولات الزنادقة ، فمنهم
    من يقول بالتناسخ وأزلية العالم أو قدم الدهر ، ومنهم من يقول بالثنوية كالمانوية
    والمزدكية ، ويتوسع الحكام في هذا المصطلح فيطلقونه على كل شاك أو ضال أو
    ملحد ، وعلى من يبطن الكفر ويظهر الايمان أو لا يتمسك بشريعة ، وقد يتهم
    المرء أحياناً بالزندقة بدوافع سياسية أو شخصية المراد منها تصفية الخصوم.
    وممن قُتلوا على الزندقة محمد بن أبي العوجاء ، قتله العباس بن محمد أخو
    المنصور سنة ( 155 ه‍ ) ، وقُتل فيها الشاعر حماد عجرد (1). وفي سنة ( 161 ه‍ )
    خرج رجل يقال له المقنع (2) بخراسان ، وكان يقول بالتناسخ ، واتبعه على ذلك
    خلق كثير ، وفي سنة ( 163 ه‍ ) حوصر بعد قتال طويل في قلعة كش ، فلما أحس
    بالغلبة تحسّى سماً وسمّ نساءه فماتوا جميعاً (3).
    وفي سنة ( 167 ه‍ ) ألحّ المهدي في طلب الزنادقة وقتلهم حتى قتل خلقاً
    كثيراً منهم صبراً بين يديه ، منهم كاتبه صالح بن أبي عبيد الله قتله مع أبيه ولم
    يكن أبوه زنديقاً ، وبشار بن برد الشاعر الذي وشى الوزير إلى المهدي أنه هجاه
    وقذفه ، وصالح بن عبد القدوس (4).
    وفي سنة ( 169 ه‍ ) شرع الهادي في تطلب الزنادقة من الآفاق فقتل منهم
    طائفة كثيرة. منهم يعقوب بن الفضل الهاشمي ، اتهمه المهدي العباسي بالزندقة
    وحبسه ، فلما مات المهدي قتله الهادي سنة ( 169 ه‍ ) (5).
    __________________
    (1) البداية والنهاية 10 : 121 ، وقيل : إن حماداً قتل سنة ( 158 ه‍ ) ، وقيل : سنة (161 ه‍ ).
    (2) قال ابن خلكان : كان اسم المقنع عطاء ، وقيل : جكيم ، والأول أشهر.
    (3) البداية والنهاية 10 : 142 و 155.
    (4) لسان الميزان / ابن حجر 3 : 172 / 699.
    (5) سير أعلام النبلاء 7 : 443 ، الأعلام / الزركلي 8 : 201.

    وظهر منهم سنة ( 180 ـ 181 ه‍ ) طائفة بجرجان يقال لها المحمرة (1) ، لبسوا
    الحمرة واتبعوا رجلاً يقال له عمرو بن محمد العمركي ، فقتل أيام الرشيد لأنه
    كان ينسب إلى الزندقة (2) ، وقتل الرشيد أنس بن أبي شيخ ( 187 ه‍ ) على
    الزندقة ، وقال المترجمون له : كان من البلغاء الفضلاء ، ويبدو أنه قتله لكونه
    كاتب البرامكة (3).
    وسجّل أصحاب الإمام الكاظم عليه‌السلام دوراً علمياً في الرد على الزنادقة ، فقد
    ألّف هشام بن الحكم كتاباً في الرد عليهم.
    د ـ الفتن وأعمال التمرد :
    حدثت في أرجاء الدولة المزيد من أعمال العنف والشغب والفتن التي
    عصفت بالحكم العباسي ، تعاملت معها الدولة بكل قسوة وعنف رغم أن أغلبها
    كان بسبب سوء أداء الولاة والعمال ، غير أن تلك الأعمال أثقلت كاهل الناس ،
    وألحقت بهم المزيد من الخسائر في الأرواح والممتلكات ، ولعل أبرز تلك
    الأعمال : حركت الخزر بناحية أرمينية ، ومعصية أهل اليمن وأهل مصر ،
    وخروج رجل من بني مرة يقال له عامر بن عمارة بحوران من أرض دمشق ،
    والفتنة العظيمة التي حصلت بالشام بين قيس واليمن التي تسببت في عودة
    الحمية الجاهلية (4).
    * * *
    __________________
    (1) وهم طائفة من البابكية الخرمية ، قيل لهم ذلك لأنهم لبسوا الحمرة أيام بابك الخرمي.
    (2) تاريخ اليعقوبي 2 : 400 ، البداية والنهاية 10 : 121 و 159 و 167 و 188
    و 191 ، الأعلام / الزركلي 5 : 85.
    (3) لسان الميزان / ابن حجر 1 : 468.
    (4) تاريخ اليعقوبي 2 : 371 و 405 و 410 و 411 ، البداية والنهاية 10 : 180 و 188
    و 191 و 196.





    الفصل الثّاني
    السلطة والإمام عليه‌السلام
    تعامل العباسيون مع أهل البيت عليهم‌السلام وفق معايير ثابتة تقوم على أساس
    التصدّي لمدرسة أهل البيت ومطاردة شيعتهم وقمع الطالبيين والنكاية بهم ،
    وذلك بسبب هاجس الخوف من نشاط الإمام والغيرة من دوره الفاعل والمحرك
    في الحياة الإسلامية ، سيما وأن رجال السلطة كانوا على مستوىً هابط من حيث
    الالتزام الديني ، بينما يتمتع الأئمة عليهم‌السلام بشخصية علمية وروحية وسيرة صالحة
    تجتذب مختلف أوساط الاُمّة ، وفي هذا الاتجاه يقول الإمام الكاظم عليه‌السلام لهارون
    الرشيد : « أنا إمام القلوب ، وأنت إمام الجسوم » (1).
    من هنا عمل الحاكمون على استدعاء الإمام الكاظم عليه‌السلام من مدينة جده
    المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بغداد مرةً في زمان المهدي العباسي ، واُخرى في زمان هارون ،
    لتحديد حركته وعزله عن أتباعه ومواليه والحيلولة دون أداء دوره القيادي
    تجاه شيعته ، والتآمر على حياته في نهاية المطاف ، وقد واجه الإمام عليه‌السلام كل
    ممارسات الاضطهاد والقمع التي مارسها حكام الجور ضده بعزم ثابت وتصميم
    راسخ وصبر منقطع النظير حتى أنه عليه‌السلام سمّي الكاظم لما كظمه من الغيظ عما فعله
    الظالمون به ، ومن جانب آخر استطاع أن يؤدي ما يتوجب عليه ضمن هامش
    __________________
    (1) ينابيع المودة / القندوزي 3 : 120.

    محدود من الحرية.
    ولكي نستجلي موقف السلطة من الإمام عليه‌السلام وشيعته لابدّ من بيان مواقف
    الحاكمين المعاصرين له على انفراد ، بيد أن التاريخ لم يفصّل لنا طبيعة العلاقة بين
    الإمام عليه‌السلام وبين كل واحد من حكام عصره خلا بعض الأخبار المتعلقة باعتقاله
    ودور رجال السلطة في شهادته ومواقفهم من شيعته وأصحابه ، نسلط الضوء
    عليها وعلى موقف الإمام عليه‌السلام من السلطة ضمن مبحثين :
    المبحث الأول
    مواقف الحكام
    1 ـ المنصور ( 136 ـ 158 ه‍ ) :
    هو أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي ، ثاني خلفاء بني العباس وأكثرهم
    حزماً وبطشاً ، ذكر المؤرخون أنه قتل خلقاً كثيراً حتى استقام ملكه ، منهم أبو
    مسلم الخراساني داعية بني العباس ومؤسس دولتهم ، وابن المقفع لأنه كتب
    أماناً لعبد الله بن علي العباسي بأغلظ العهود والمواثيق ألا يناله المنصور بمكروه ،
    وحين استقدم المنصور عبد الله بن علي بنى له بيتاً في الدار ثم أجرى في أساسه
    الماء ، فسقط عليه فمات (1).
    موقفه من الإمام الصادق عليه‌السلام :
    كان الإمام الصادق عليه‌السلام أفضل الناس وأعلمهم بدين الله ، وكان أهل العلم
    إذا رووا عنه قالوا : أخبرنا العالم ، واعترف له المنصور بالفضل ورجاحة العلم
    حيث قال فيه بعد وفاته : إن جعفراً كان ممن قال الله فيه : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ
    __________________
    (1) تاريخ اليعقوبي 2 : 364 و 368 و 379 و 389 و 395 ، فوات الوفيات / ابن
    شاكر الكتبي 1 : 232 ، تاريخ الخلفاء / السيوطي : 259 ، تاريخ الخميس /
    الدياربكري 2 : 324.


    الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) (1) وكان ممن اصطفى الله ، وكان من السابقين
    بالخيرات (2).
    من هنا كان المنصور يراجعه حيثما يعييه أمر ما ، وكان الإمام عليه‌السلام يجيبه
    طالما يتعلق الأمر بمصالح المسلمين ، فحين أراد المنصور أن يزيد في المسجد
    الحرام ، وقد شكا الناس ضيقه ، فكتب إلى زياد بن عبيدالله الحارثي أن يشتري
    المنازل التي تلي المسجد حتى يزيد فيه ضعفه ، فامتنع الناس من البيع ، فذكر
    ذلك للإمام الصادق عليه‌السلام ، فقال : « سلهم ، أهم نزلوا على البيت أم البيت نزل
    عليهم ؟ فكتب بذلك إلى زياد ، فقال لهم زياد بن عبيدالله ذلك ، فقالوا : نزلنا
    عليه ، فقال الإمام عليه‌السلام : فإن للبيت فناءه. فكتب أبو جعفر إلى زياد بهدم
    المنازل التي تليه » (3).
    ولما جُمع للمنصور القضاة ، قال لهم : « رجل أوصى بجزء من ماله ، فكم
    الجزء ؟ فأشكل ذلك عليهم ، فأبرد بريدا إلى صاحب المدينة أن يسأل
    الصادق عليه‌السلام فأتى والي المدينة أبا عبدالله عليه‌السلام ، فقال له : هذا في كتاب الله بيّن ،
    إن الله تعالى يقول : ( رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ) إلى قوله : ( عَلَىٰ كُلِّ
    جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ) (4) فكانت الطير أربعة ، والجبال عشرة ، يخرج الرجل
    من كلّ عشرة أجزاءٍ جزءاً واحداً » (5).
    ومثل هذه المواقف التي يضطر إليها المنصور ، لا تعكس حقيقة دخيلته وما
    __________________
    (1) سورة فاطر : 35 / 32.
    (2) تاريخ اليعقوبي 2 : 381.
    (3) تاريخ اليعقوبي 2 : 369.
    (4) سورة البقرة : 2 / 260.
    (5) تفسير العياشي 1 : 266 / 577.


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ   الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Emptyالأحد أكتوبر 27, 2024 9:09 am

    يضمره تجاه الإمام عليه‌السلام وشيعته ، من حقد وبغض وعداوة ، تجلّت في مراقبته
    واتهامه وتهديده له بالقتل تارة وبالحبس أخرى ، وروي أنه استدعاه مرات
    متعددة يريد قتله فيصرفه الله عنه في كل مرة (1).
    وإذ لم يحتمل المنصور ما يراه من امتداد مجد الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام بين
    أوساط الناس ، ( فلم يهدأ خاطره ، ولم يزل يقلب وجوه الرأي ، ويدير الحيل
    للتخلص منه ، لأن مدرسته قد اكتسبت شهرة علمية بعيدة المدى ، فلم ترق له
    هذه الشهرة الواسعة ) (2).
    وكان المنصور يتحيّن الفرص ويختلق الذرائع للإيقاع بالإمام عليه‌السلام ،
    فاستدعاه إلى العراق بعد وقعة باخمرى ، ليوقفه بين يديه ، ولم تكفه الدماء التي
    أراقها من آل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.
    قال عليه‌السلام : « لما قتل ابراهيم بن عبد الله بن الحسن بباخمرى حُسرنا
    عن المدينة ، ولم يترك فيها منا محتلم ، حتى قدمنا الكوفة ، فمكثنا فيها
    شهراً نتوقع فيها القتل ، ثم خرج إلينا الربيع الحاجب فقال : أين هؤلاء
    العلوية ؟ أدخلوا على أمير المؤمنين رجلين منكم من ذوي الحجى. قال :
    فدخلنا إليه أنا والحسن بن زيد ، فلما صرت بين يديه قال لي : أنت الذي
    تعلم الغيب ؟ قلت : لا يعلم الغيب إلاّ الله. قال : أنت الذي يجبى إليك هذا
    الخراج. قلت : إليك يجبى الخراج. قال : أتدرون لم دعوتكم؟ قلت : لا.
    قال : أردت أن أهدم رباعكم ، وأروّع قلوبكم ، وأعقر نخلكم ، وأترككم
    بالسراة لا يقربكم أحد من أهل الحجاز وأهل العراق ، فإنهم لكم مفسدة.
    فقلت له : إن سليمان أُعطي فشكر ، وإن أيوب ابتُلي فصبر ، وإن يوسف
    __________________
    (1) راجع : مهج الدعوات : 198 ـ 202.
    (2) الإمام الصادق / د. حسين الحاج : 8.

    ظُلم فغفر ، وأنت من ذلك النسل. قال : فتبسم وقال : أعد علي ، فأعدت ،
    فقال : مثلك فليكن زعيم القوم ، وقد عفوت عنكم ، ووهبت لكم جرم أهل
    البصرة ـ إلى أن قال ـ سرحنا إلى المدينة ، وكفى الله مؤنته » (1). وذلك أوضح
    شاهد على الأجواء الخانقة التي عاشها الإمام عليه‌السلام وعموم أهل بيته وعمومته ،
    وهو يكشف أيضاً مساحة واسعة من سريرة المنصور تجاه أهل البيت عليهم‌السلام.
    وتلك الأجواء اضطرت الإمام الصادق عليه‌السلام إلى أن يتحاشى الصراحة في
    النص على إمامة ولده الكاظم عليه‌السلام إلاّ لخواص أصحابه خوفاً من السلطات
    الحاكمة التي شددت المراقبة عليه في السنين الأخيرة من حياته المباركة ،
    وهددت بقتل الإمام الذي ينص عليه ، فأوصى الإمام الصادق عليه‌السلام إلى خمسة
    أشخاص ـ وروي إلى ثلاثة ـ حذراً على الإمام الذي بعده وعلى شيعته ،
    وتوفّي الإمام الصادق عليه‌السلام مسموماً بعنب دسّه إليه المنصور لعنه الله سنة
    ( 148 ه‍ ) (2).
    موقفه من الطالبيين :
    أعلن المنصور حرباً منظّمة في كل الاتجاهات ضد الطالبيين لم يسلم منها
    أحد منهم ، وقد أفرط هذا الطاغية في استخدام القوة ضدهم متبعاً سياسة
    السيف والنطع ، وكمّم أفواههم ، وأمعن في اذلالهم واضطهادهم ، وزجهم في
    السجون وأذاقهم جميع صنوف العنف والجور والعذاب.
    ففي الأيام التي توارى فيها محمد النفس الزكية قبض المنصور على أبيه
    واثني عشر من آل بيته ، فزجّهم مصفدين بالأغلال في سجن مظلم لا يُعرف فيه
    __________________
    (1) مقاتل الطالبيين : 232.
    (2) الفصول المهمة : 230 ، دلائل الإمامة / الطبري : 246 ، الاعتقادات / الشيخ
    الصدوق : 98 ، مناقب آل أبي طالب / ابن شهرآشوب 3 : 399.

    الليل من النهار ، يدعى المطبق ، فكانوا لا يعرفون أوقات الصلوات إلا بأجزاء
    يقرؤها علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن (1) ، كما جزأوا القرآن الكريم خمسة
    أجزاء ، فكانوا يصلون الصلاة على فراغ كل واحد منهم لجزئه (2).
    فمكثوا في الحبس عدة سنين سلّط عليهم فيها أنواع العذاب حتى قتلوا
    بضروب من القتل ، فبعضهم طرح في بيت وطيّن عليه حتى مات ، وبعضهم
    وجدوا مسمّرين في الحيطان ، وذكر أبو الفرج أن المنصور طرح على عبد الله بن
    الحسن بيت فمات ، وسأل ابراهيم بن الحسن : أنت الديباج الأصفر ؟ قال : نعم.
    قال المنصور : أما والله لأقتلنك قتلة ما قتلتها أحداً من أهل بيتك. ثم أمر
    باسطوانة مبنية ففرغت ، ثم أدخل فيها فبنيت عليه وهو حي. وكان ابراهيم
    أشبه الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في زمانه ، ويدعى الديباج الأصفر من حسنه (3).
    وقتل منهم في الحبس بأمر المنصور عدا من ذكرنا : الحسن المثلث بن
    الحسن ، وعلي بن الحسن بن الحسن ، والعباس بن الحسن بن الحسن وكان
    حدثاً ، وقد منعوا أُمه أن تودّعه ، وإسماعيل بن إبراهيم بن الحسن ، ومحمد بن
    إبراهيم بن الحسن ، وعلي بن محمد بن عبد الله بن الحسن ، وعلي بن الحسن بن
    زيد بن علي ، وحمزة بن إسحاق بن علي بن عبد الله بن جعفر (4).
    وضرب موسى بن عبد الله بن الحسن بالسياط حينما سيرهم أولاً إلى
    الربذة حتى غشي عليه وهو حدث ، وقال له المنصور : هذا فيض فاض مني
    فأفرغت عليك منه سجلاً لم استطع رده ، ومن ورائه والله الموت.
    __________________
    (1) مقاتل الطالبيين : 129 ـ 131.
    (2) مروج الذهب / المسعودي 3 : 225.
    (3) مقاتل الطالبيين : 121 و 136 و 145 و 154 ، تاريخ الطبري 9 : 398.
    (4) مقاتل الطالبيين : 122 و 126 ـ 131 و 133 ـ 139 و 145 و 154.

    ولما حملهم من الربذة أمر المنصور بضربه خمسمائة سوط فصبر ، وقيل : إن
    موسى لم يزل محبوساً حتى أطلقه المهدي ، وقيل : انه توارى بعد ذلك حتى
    مـات (1).
    وعاش عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بعد مقتل محمد النفس الزكية
    وأخيه ابراهيم متوارياً يتنقل أحياناً في زي الجمالين ، ولما ولي المهدي العباسي
    طلبه فلم يقدر عليه ، فنادى بأمانه إن ظهر ، فبلغه خبر الأمان ولم يظهر ،
    واستمر مختفياً إلى أن توفى سنة ( 168 ه‍ ) (2).
    وممن أخذه المنصور من آل أبي طالب وحبسه وضربه بالسوط الحسن بن
    معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، فلما قتل محمد بن عبد الله أخذه
    المنصور فضربه بالسوط أربعمائة سوط وحبسه فلم يزل في الحبس حتى مات
    المنصور فأطلقه المهدي (3).
    وتتبع بقيتهم بحرب اقتصادية طالت حتى أطفالهم ونسائهم ، فقد أمر
    المنصور عماله بمصادرة جميع أموالهم وبيع رقيقهم ، فصودرت بالفعل أموال بني
    الحسن وكثير من العلويين وبني هاشم (4).
    وروى أبو الفرج أن المنصور لما قبض أموال عبد الله بن الحسن حج
    فصاحت به عاتكة بنت عبد الملك ، وهي أم عيسى وسليمان وإدريس بني
    عبد الله بن الحسن ، وهي تطوف في ستارة : « أيتامك بنو عبد الله بن الحسن ،
    مات أبوهم في حبسك وأمرت بقبض ضياعهم ، فأمر بردها عليهم » (5).
    __________________
    (1) مقاتل الطالبيين : 259.
    (2) مقاتل الطالبيين : 267 ـ 284 ، الأعلام / الزركلي 5 : 102.
    (3) مقاتل الطالبيين : 201.
    (4) مقاتل الطالبيين : 273.
    (5) مقاتل الطالبيين : 262.

    وازاء هذا الظلم المستمر واصل الطالبيون قيادة حركة المعارضة المسلحة
    ضد طغيان المنصور.
    موقفه من الموالين لأهل البيت عليهم‌السلام :
    تعامل المنصور بقسوة مع شيعة أهل البيت ومحبيهم ، فقد أجبر أهل الكوفة
    على لبس السواد ، روى عمر بن شبة عن علي بن الجعد ، قال : « رأيت أهل
    الكوفة أيام أخذوا بلبس السواد حتى ان البقالين إن كان أحدهم ليصبغ الثوب
    بالأنقاس (1) ثم يلبسه » (2).
    وكان ولاته يقتلون الناس خلسة على التهمة بالدعوة للثوار العلويين ،
    قال العباس بن سَلم مولى قحطبة : « كان أبو جعفر اذا اتهم أحداً من أهل الكوفة
    بالميل إلى إبراهيم أمر أبي ( سَلماً ) بطلبه ، فكان يمهل حتى اذا غسق الليل وهدأ
    الناس نصب سُلّماً على منزل الرجل فطرقه في بيته فيقتله ويأخذ خاتمه. فكان
    جميل مولى محمد بن أبي العباس يقول للعباس بن سَلم : لو لم يورثك أبوك إلاّ
    خواتيم من قُتل من أهل الكوفة لكنت أيسر الأبناء » (3).
    ولم يسلم من إلصاق هذه التهمة حتى قادة الدولة ، ومنهم خالد بن كثير
    أبو المغيرة مولى تميم ، أحد القواد الولاة في أيام المنصور ، ولي قوهستان بفارس
    مدة إلى أن استعمل على خراسان عبد الجبار بن عبد الرحمن ، فاتهم جماعة
    بالدعوة للطالبيين فقتلهم سنة ( 140 ه‍ ) ، وكان منهم خالد (4).
    __________________
    (1) أي المداد.
    (2) مقاتل الطالبيين : 213. وفي الطبري : حدثني أبو الحسن الحذاء ، قال : أخذ
    أبو جعفر الناس بالسواد فكنت أراهم يصبغون ثيابهم بالمداد.
    (3) مقاتل الطالبيين : 213.
    (4) الأعلام / الزركلي 2 : 298.

    وقتل الشاعر الحجازي المكي سديف بن اسماعيل بن ميمون ، مولى بني
    هاشم ، وكان أعرابياً بدوياً ، شديد التحريض على بني أمية ، وعاش إلى زمن
    المنصور ، فتشيع لبني علي عليه‌السلام ، فقتله عبد الصمد بن علي عامل المنصور بمكة
    سنة ( 146 ه‍ ) (1).
    ونقم المنصور على ابراهيم بن هرمة الفهري المدني الشاعر ، لقوله :
    ومهما اُلام على حبهم
    فاني أحب بني فاطمهْ

    بني بنت من جاء بالمحكما
    ت وبالدين وبالسنة القائمهْ (2)

    موقفه من الإمام الكاظم عليه‌السلام :
    اتخذ الإمام الصادق عليه‌السلام تدبيراً محكماً للعمل على وقاية خليفته الإمام
    الكاظم عليه‌السلام من شرور السلطة التي كانت تخطط لقتله والقضاء عليه ، ذكر
    أبو أيوب النحوي أن أبا جعفر المنصور دعاه في جوف الليل ، فلما أتاه رمى كتاباً
    إليه وقال : هذا كتاب محمد بن سليمان يخبرنا بأن جعفر بن محمد قد مات ، فانا لله
    وإنا إليه راجعون ، وأين مثل جعفر ! ثم قال له : اكتب إن كان أوصى إلى رجل
    بعينه فقدمه واضرب عنقه. فكتب وعاد الجواب : قد أوصى إلى خمسة أحدهم
    أبو جعفر المنصور ، ومحمد بن سليمان ، وعبد الله ، وموسى ، وحميدة ، قال
    المنصور : ما إلى قتل هؤلاء سبيل (3).
    كما سار الإمام الكاظم عليه‌السلام خلال فترة امامته في عهد المنصور ( 148 ـ
    158 ه‍ ) على خطى أبيه عليه‌السلام ، فكان يوصي أصحابه بالكتمان والحذر وعدم
    المجاهرة بامامته ، قال لهشام بن سالم : « من آنست منهم رشداً فألق إليه وخذ
    __________________
    (1) الأعلام / الزركلي 3 : 80.
    (2) البداية والنهاية 10 : 181.
    (3) الكافي 1 : 310 ، مناقب آل أبي طالب / ابن شهر آشوب 3 : 434.

    عليه الكتمان ، فإن أذاع فهو الذبح ، وأشار بيده إلى حلقه » (1).
    وكان الإمام الكاظم عليه‌السلام على منتهى الحذر من عيون السلطة الذين
    يتحرّون من يجتمع إليه الناس بعد موت الإمام الصادق عليه‌السلام ، فهو لا يلتقي
    بأصحابه إلاّ سرّاً ، فحين سأله خلف بن حماد الكوفي عن مسألة أعيته وأصحابه
    قال عليه‌السلام : « إذا هدأت الرجْل وانقطعت الطريق فأقبل » (2).
    وهكذا اقتصر الإمام الكاظم عليه‌السلام على مزاولة أعماله الخاصة واعتزل
    الناس إلاّ خواص أصحابه الذين يلتقي بهم في ظروف هو يحدّدها ، كما أن بعض
    شيعة أبيه كانوا قد قالوا بإمامة أخيه عبد الله الأفطح ، وبعضهم قال بإمامة أخيه
    إسماعيل المتوفّى في حياة أبيه عليه‌السلام ، كل ذلك جعل المنصور في حيرة من معرفة
    الإمام بادئ الأمر ، فكفّ عنه سطوته واستطالته. فلم يشخصه إلى بغداد
    ويتهدّده بالقتل كما كان يفعل مع أبيه عليه‌السلام ، ولم يودَع السجن كما في أيام المهدي
    والرشيد حيث ذاع صيته وتوسعت قاعدته والتفّ حوله شيعته ورجع إليه من
    قال بإمامة غيره.
    2 ـ المهدي العباسي ( 158 ـ 169 ه‍ ) :
    هو محمد بن عبد الله المنصور العباسي ، وهو أول من مشي بين يديه
    بالسيوف المصلتة والقسي والنشاب والعمد ، وأول من لعب بالصوالجة في
    الإسلام.
    وروي ما يدل على تقصيره وعدم استحقاقه للخلافة ، قال عمرو بن عبيد
    إمام المعتزلة للمنصور وهو يشير إلى ابنه المهدي : ومن هذا ؟ فقال : هذا ابني
    محمد ، ولي العهد من بعدي. فقال عمرو : إنك سميته اسماً لم يستحقّه لعمله ،
    __________________
    (1) الارشاد / الشيخ المفيد 2 : 222 و 235.
    (2) الكافي 3 : 92 / 1 ، المحاسن / البرقي : 308 / 22.

    وألبسته لبوساً ما هو لبوس الأبرار ، ولقد مهّدت له أمراً أمتع ما يكون به أشغل
    ما يكون عنه.
    وقال المنصور يوماً لابنه المهدي : كم عندك من دابة ؟ فقال : لا أدري.
    فقال : هذا هو التقصير ، فأنت لأمر الخلافة أشدّ تضييعاً.
    موقفه من الطالبيين :
    أعلن المهدي العباسي في مستهل حكومته عفواً يكاد يكون عاماً عن
    سجناء الرأي المودَعين في سجون السلطة ، وتحدّث المؤرخون عن أنه أمر عند
    وفاة المنصور بإخراج من في المحابس من الطالبيين وغيرهم من سائر الناس
    فأطلقهم ، وأمر لهم بجوائز وصِلات وأرزاق (1).
    وذلك العفو لا يعني الخروج عن النهج المألوف القاضي بقمع حركة
    الطالبيين الداعين إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واستبداله بسياسة
    التسامح وسماع الرأي الآخر ، يتّضح ذلك من خلال موقف المهدي من قادة
    الطالبيين الخارجين في زمانه ، ومنهم أبو الحسن علي بن العباس بن الحسن ،
    وكان قدم بغداد ودعا إلى نفسه سراً ، فاستجاب له جماعة من الزيدية ، وبلغ
    المهدي خبره فأخذه ، فلم يزل في حبسه حتى قدم الحسين بن علي صاحب فخ
    فكلمه فيه واستوهبه منه فوهبه له ، فلما أراد إخراجه من حبسه دسّ إليه شربة
    سمّ فعملت فيه ، فلم يزل ينتقض عليه بمرور الأيام حتى قدم المدينة فتفسّخ
    لحمه وتباينت أعضاؤه ، فمات بعد دخوله المدينة بثلاثة أيام (2).
    وسخط المهدي على يعقوب بن داود بن طهمان وزيره الذي فوّض إليه
    جميع أمر الخلافة ، لأنه أمره بقتل الحسن بن ابراهيم بن عبد الله بن الحسن بن
    __________________
    (1) تاريخ اليعقوبي 2 : 394.
    (2) مقاتل الطالبيين : 267.

    الحسن ، فلم يمتثل لأمره وأطلقه ، فسجنه المهدي في بئر في المطبق وبنيت عليه
    قبّة ، ونبت شعره حتى صار مثل شعور الأنعام وعمي ، ومكث نحواً من خمس
    عشرة سنة في ذلك البئر لا يرى ضوءاً ولا يسمع صوتاً حتى مات سنة
    ( 182 ه‍ ) في أيام الرشيد (1).
    موقفه من الشيعة :
    وممن تعرّض لسخط المهدي من أصحاب الإمام الكاظم عليه‌السلام الثقات ، عمر
    ابن أذينة الكوفي ، فقد هرب من الكوفة إلى اليمن خوفاً من بطش المهدي
    العباسي ، ولم يزل يسكن اليمن حتى توفي بها نحو سنة ( 169 ه‍ ) (2).
    موقفه من الإمام الكاظم عليه‌السلام :
    لم تشهد الفترة الاُولى من حكم المهدي أي موقف مشهود تجاه الإمام
    الكاظم عليه‌السلام ، لأن الإمام عليه‌السلام كان قد تمسك بالسرية التامة وابتعد عن الأضواء ،
    وورد ما يدلّ على أن المهدي كان لا يتحرّج من استفتائه إذا اقتضت الضرورة
    ذلك ، وكان الإمام عليه‌السلام يجيبه حيثما يتعلق الأمر بخدمة الدين الحنيف ، فحين أراد
    المهدي توسعة المسجد الحرام بقيت دار في تربيع المسجد ، فطلبها من صاحبها
    فامتنع ، فسأل عن ذلك الفقهاء ، فقالوا : « لا ينبغي أن يدخل شيئاً في المسجد
    الحرام غصباً ، فطلب علي بن يقطين من المهدي أن يكتب إلى موسى بن
    جعفر عليهما‌السلام ليخبره بوجه الأمر في ذلك ، فكتب إلى والي المدينة ليسأل أبا
    الحسن عليه‌السلام فقال : اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، إن كانت الكعبة هي
    النازلة بالناس فالناس أولى بفنائها ، وإن كان الناس هم النازلون بفناء
    الكعبة فالكعبة أولى بفنائها ، فلما أتى الكتاب إلى المهدي ، أمر بهدم الدار ،
    __________________
    (1) البداية والنهاية 10 : 137 و 157 و 195.
    (2) خلاصة العلاّمة : 211 / 2 ، رجال ابن داود : 144 / 1111.

    فأتى أهل الدار أبا الحسن عليه‌السلام فسألوه أن يكتب لهم إلى المهدي كتاباً في ثمن
    دارهم ، فكتب إليه : أن أرضخ لهم (1) شيئاً ، فأرضاهم » (2).
    ولم يكن الإمام الكاظم عليه‌السلام بالذي يهاب المهدي من أن يواجهه بأخطر
    مسألة تعرض لها أهل البيت عليهم‌السلام ، وهي قضية فدك التي تمثل عند الإمام
    الكاظم عليه‌السلام رمزاً للحقّ المغتصب والخلافة المسلوبة بناءً على التحديد الذي
    ذكره ، فقد ورد الإمام الكاظم عليه‌السلام مرة على المهدي فرآه يرد المظالم ، ولعل ذلك
    في موسم الحج ، فقال : « ما بال مظلمتنا لا تُرد ؟ ، فقال له : وما ذاك يا أبا
    الحسن ؟ قال : فدك ، قال المهدي : حدها لي ، فقال : حدّ منها جبل أحد ، وحدّ
    منها عريش مصر ، وحدّ منها سِيف البحر ، وحدّ منها دومة الجندل ، فقال
    له : كل هذا ؟ قال : نعم ، هذا كله مما لم يوجف أهله على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله
    بخيل ولا ركاب ، فقال : هذا كثير وأنظر فيه » (3).
    ولعل قرار سجن الإمام عليه‌السلام كان هو الجواب الذي نظر فيه المهدي ، فلما
    اشتهر الإمام عليه‌السلام وذاع صيته وتوسعت مرجعيته ، عمد المهدي إلى استدعائه
    إلى بغداد ، فحبسه ليكون محاصراً ومعزولاً عن شيعته في المدينة.
    روى أبو خالد الزبالي خبر اشخاصه من المدينة إلى بغداد من قبل المهدي
    العباسي ، فقد رآه الإمام عليه‌السلام منقبضاً تعلو وجهه سحابة قاتمة من الوجد لأنه لا
    يأمن عليه في مسيره إلى الطاغية ، فطمأنه الإمام عليه‌السلام قائلاً : « يا أبا خالد ، ليس
    عليّ بأس » (4) ، وفعلاً أطلقه المهدي بعد أن مكث مدة في السجن ملياً.
    __________________
    (1) أرضخ له : أعطاه عطاءً غير كثير ، أو قليلاً من كثير.
    (2) تفسير العياشي 1 : 323 / 729.
    (3) الكافي 1 : 456 / 5 ، التهذيب 4 : 148 / 414.
    (4) الكافي 1 : 477 / 3 ، اثبات الوصية : 165 ، الخرائج والجرائح 1 : 315 / 8.

    ذكر كثير من المؤرخين أن المهدي لم يطلقه إلاّ بعد أن رأى برهان ربه ، رووا
    عن الفضل بن الربيع عن أبيه ، أنه لما حبس المهدي موسى بن جعفر رأى المهدي
    في النوم علي بن أبي طالب عليه‌السلام وهو يقول : « يا محمد ، ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ
    أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ) (1) ، قال الربيع : فأرسل لي ليلاً
    فراعني ذلك ، فجئته فاذا هو يقرأ هذه الآية ، وقال : عليّ بموسى بن جعفر ،
    فجئته به فعانقه وأجلسه إلى جانبه وقال : يا أبا الحسن ، اني رأيت أمير المؤمنين
    علي بن أبي طالب في النوم يقرأ علي كذا ، فتؤمنني أن تخرج علي أو على أحد من
    ولدي ؟ فقال : الله لا فعلت ذاك ، ولا هو من شأني ، قال : صدقت ، يا ربيع أعطه
    ثلاثة آلاف دينار ورده إلى أهله إلى المدينة ، قال الربيع : فأحكمت أمره ليلاً ، فما
    أصبح إلاّ وهو في الطريق خوف العوائق » (2).
    وكان المهدي يقصد قتله عليه‌السلام لكن مشيئة الله سبحانه كانت تحول دون
    ذلك ، ذكر ابن شهر آشوب أنه في الليلة التي أمر باطلاق الإمام عليه‌السلام كان قد أمر
    حميد بن قحطبة أن يقتله في السحر بغتة ، فرأى في تلك علياً عليه‌السلام يشير إليه ويقرأ
    الآية فانتبه مذعوراً ، ونهى حميداً عما أمره ، وأكرم الكاظم عليه‌السلام ووصله (3).
    وذكر ابن عنبة أن المهدي تنكر له بعد اطلاقه ، فهلك قبل أن يوصل إلى
    __________________
    (1) سورة محمّد : 47 / 22.
    (2) تاريخ بغداد 13 : 32 ، البداية والنهاية 10 : 197 ، صفة الصفوة / ابن الجوزي
    2 : 184 ، تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : 249 ، وفيات الأعيان /
    ابن خلكان 5 : 308 ، سير أعلام النبلاء / الذهبي 6 : 272 ، الفصول المهمة /
    ابن الصباغ : 230 ، تاريخ الطبري 6 : 398 ، مرآة الجنان / اليافعي 1 : 394 ،
    الصواعق المحرقة / الهيتمي : 123 ، مطالب السؤول / ابن طلحة : 83 ، مناقب
    آل أبي طالب 3 : 353.
    (3) مناقب آل أبي طالب 3 : 418.

    الكاظم عليه‌السلام أذى (1).
    وعاد الإمام عليه‌السلام إلى المدينة مع حلول الظلام فالتقاه أبو خالد الزبالي ، فاذا
    هو على بغلة أمام القطار ، فسلم عليه وسرّ بمقدمه وهنأه بالسلامة ، فقال عليه‌السلام :
    « يا أبا خالد ، ان لهم إليّ عودة لا أتخلص منها » (2). وستكون تلك العودة إلى
    أرض العراق في زمن الرشيد وبالتحديد سنة ( 179 ه‍ ).
    3 ـ موسى الهادي ( 169 ـ 170 ه‍ ) :
    هو موسى بن محمد المهدي بن المنصور ، استبدت أمه الخيزران بالأمر في
    زمانه ، وأراد خلع أخيه هارون من ولاية العهد وجعلها لابنه جعفر ، فلم ترض
    أمه ذلك فزجرها ، فأمرت جواريها أن يقتلنه فخنقنه في النصف من ربيع الأول
    أو الآخر سنة ( 170 ه‍ ) (3).
    موقفه من الطالبيين :
    وقع الطالبيون تحت وطأة ظلم صارخ ووحشية مروعة في زمانه ، فقد ذكر
    المؤرخون أن الهادي ألحّ في طلب الطالبيين ، وأخافهم خوفاً شديداً ، وقطع ما
    كان المهدي يجريه لهم من الأرزاق والاُعطيات ، وكتب إلى الآفاق في طلبهم
    وحملهم ، وأسرف في سفك دمائهم ، فقتل أيام حكمه الحسين بن علي صاحب
    فخ وجماعة من أهله منهم : عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن الحسن ، وسليمان
    ابن عبد الله بن الحسن ، وضرب أعناق الأسرى صبراً ، منهم الحسن بن محمد
    ابن عبد الله بن الحسن.
    وبلغ من حقد موسى الهادي على أهل بيت النبوة أنه كان علي بن الحسين
    __________________
    (1) بحار الأنوار 48 : 247 / 57.
    (2) الكافي 1 : 477 / 3 ، اثبات الوصية : 165 ، الخرائج والجرائح 1 : 315 / 8.
    (3) الأعلام / الزركلي 7 : 327.

    ابن علي بن الحسين عليه‌السلام الملقب بالجزري ، قد تزوج رقية بنت عمرو العثمانية ،
    وكانت قبله تحت المهدي ، فبلغ ذلك الهادي ، فأرسل إليه وحمل إليه ، فقال له :
    أعياك النساء إلاّ امرأة أمير المؤمنين ؟ قال : ما حرم الله على خلقه إلاّ نساء
    جدي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أما غيرهن فلا ولا كرامة ، فشجّه بمخصرة كانت في يده ، وجلده
    خمسمائة سوط ، وأراده أن يطلقها فلم يفعل ، وكان قد غشى عليه من
    الضرب (1).
    موقفه من الإمام الكاظم عليه‌السلام :
    رغم قصر مدة حكم الهادي العباسي التي لا تتجاوز سنة وشهراً ، فقد
    صمّم بعد مقتل الحسين صاحب فخ على التنكيل بالإمام الكاظم عليه‌السلام ، فاتّهمه
    بخروج الحسين وتوعده بالقتل ، لولا توجّه الإمام عليه‌السلام إلى الله تعالى بالدعاء
    للخلاص من شرّه وظلمه ، فاستجاب الله دعاءه وقصم ظهر الهادي الغشوم قبل
    أن ينال الإمام بسوء.
    روى ابن طاوس بالإسناد عن أبي الوضاح محمد بن عبد الله النهشلي ،
    قال : « أخبرني أبي ، قال : لما قُتل صاحب فخ وتفرّق الناس عنه ، حمل رأسه
    والأسرى من أصحابه إلى موسى الهادي ...ثم أمر برجل من الأسرى فوبّخه ثم
    قتله ، ثم صنع مثل ذلك بجماعة من ولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ... إلى
    أن ذكر موسى بن جعفر عليهما‌السلام فنال منه. وقال : والله ما خرج حسين إلاّ عن أمره ،
    ولا اتبع إلاّ محبّته ، لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت ، قتلني الله إن أبقيت
    عليه. فقال له أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي ، وكان جريئاً عليه : يا أمير
    المؤمنين ، أقول أم أسكت ؟ فقال : قتلني الله إن عفوت عن موسى بن جعفر ،
    __________________
    (1) تاريخ اليعقوبي 2 : 404 ، مقاتل الطالبيين : 288.

    ولولا ما سمعته من المهدي فيما أخبر به المنصور بما كان به جعفر من الفضل المبرز
    عن أهله في دينه وعلمه وفضله ، وما بلغني من السفاح فيه من تقريظه
    وتفضيله ، لنبشت قبره وأحرقته بالنار إحراقاً.
    فقال أبو يوسف : نساؤه طوالق ، وعتق جميع ما يملك من الرقيق ، وتصدّق
    بجميع ما يملك من المال ، وحبس دوابه ، وعليه المشي إلى بيت الله الحرام ، إن
    كان مذهب موسى بن جعفر الخروج ، لا يذهب إليه ، ولا مذهب أحد من ولده ،
    ولا ينبغي أن يكون هذا منهم ، .... ولم يزل يرفق به حتى سكن غضبه.
    قال : وكتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام بصورة
    الأمر ، فورد الكتاب إليه ، فأشار عليه أصحابه أن يغيب شخصه عن هذا الجبار
    لأنه لا يؤمن شره وعاديته وغشمه ، فتبسم موسى عليه‌السلام ثم تمثل ببيت كعب بن
    مالك أخي بني سلمة وهو :
    زعمت سخينة أن ستغلب ربها
    فليغلبن مغالب الغلاب (1)

    ثم أقبل على من حضره من مواليه وأهل بيته فقال : ليفرخ روعكم ، انه لا
    يرد أول كتاب من العراق إلاّ بموت موسى بن المهدي وهلاكه إلى أن قال :
    وقال : بينما أنا جالس في مصلاي بعد فراغي من وردي ، وقد تنومت
    عيناي ، إذ سنح جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامي ، فشكوت إليه موسى بن
    المهدي ، وذكرت ما جرى منه في أهل بيته ، وأنا مشفق من غوائله ، فقال
    لي : لتطب نفسك يا موسى ، فما جعل الله لموسى عليك سبيلاً ، فبينما هو
    يحدثني إذ أخذ بيدي وقال لي : قد أهلك الله آنفاً عدوك ، فليحسن لله
    __________________
    (1) البيت لكعب بن مالك ، وقيل : لحسان بن ثابت ، وسخينة : لقب قريش ، لأنها
    كانت تعاب بأكل السخينة ، وهي طعام يتخذ من الدقيق ، يأكلونه أيام القحط.

    شكرك.
    قال : ثم استقبل أبو الحسن عليه‌السلام القبلة ورفع يديه إلى السماء يدعو ، قال :
    فسمعناه وهو يقول في دعائه : شكراً لله جلت عظمته ، إلهي كم من عدو
    انتضى علي سيف عداوته... إلى آخر الدعاء ـ وهو دعاء طويل جليل
    المضامين ، يسمى دعاء الجوشن الصغير.
    وفي ذلك يقول بعض من حضر موسى بن جعفر عليهما‌السلام من أهل بيته يصف
    تلك الدعوة وسرعة إجابتها :
    وسارية لم تسرِ في الأرض تبتغي
    محلاً ولم يقطع بها العبد قاطع

    تمرّ وراء الليل والليل ضارب
    بجثمانه فيه سمير وهاجع

    تفتح أبواب السماء ودونها
    إذا قرع الأبواب منهن قارع

    إذا وردت لم يردد الله وفدها
    على أهلها والله راءٍ وسامع

    واني لأرجو الله حتى كأنما
    أرى بجميل الظن ما الله صانع » (1)

    4 ـ الرشيد ( 170 ـ 193 ه‍ ) :
    هو هارون بن محمد المهدي بن المنصور العباسي الملقب بالرشيد باطلاً ،
    خامس ملوك الدولة العباسية وأشهرهم ، كان كثير الغزوات يلقب بجبار بني
    العباس ، ولم يجتمع على باب ملك ما اجتمع على بابه من علماء السوء والشعراء
    والكتاب والندماء ، وهو أول ( خليفة ) لعب بالكرة ، وهو صاحب وقعة
    البرامكة ، وهم من أصل فارسي ، وكان قد فوّض إليهم شؤون الدولة ، فقلق من
    تحكمهم فأوقع بهم في ليلة واحدة (2).
    __________________
    (1) مهج الدعوات / ابن طاوس : 217 ، والحديث في عيون أخبار الرضا 1 : 79 /
    7 ، أمالي الصدوق : 459 / 612 ، أمالي الطوسي : 421 / 944.
    (2) تاريخ اليعقوبي 2 : 429 ، البداية والنهاية 10 : 171 ، الأعلام 8 : 62.

    وحرص قارون اللا رشيد لعنه الله على اختيار شعراء البلاط بما ينسجم مع
    توجهاته ، فقرب النواصب من الشعراء وعلى رأسهم مروان بن أبي حفصة
    ( 105 ـ 182 ه‍ ) الذي مدحه وأباه وجمع من الجوائز والهبات ثروة واسعة ،
    وكان رسم بني العباس أن يعطوه بكل بيت يمدحهم به ألف درهم ، وكان يتقرب
    إلى هارون بهجاء العلويين (1).
    موقفه من الشيعة :
    كان هارون يأمر بحمل الشيعة إليه بذرائع مختلفة ، فيتعرضون للحبس
    والضرب وشتى وسائل التعذيب ، ومن هؤلاء محمد بن أبي عمير الأزدي
    البغدادي ، وهو من أوثق الناس عند الخاصة والعامة وأنسكهم وأورعهم
    وأعبدهم ، وحكي عن الجاحظ قوله فيه : كان أوحد أهل زمانه في الأشياء
    كلها. حبس أيام الرشيد على التشيع نحو (17) سنة ، وطلب منه أن يدل على
    الشيعة وأصحاب موسى بن جعفر عليهما‌السلام في العراق ، وضرب على ذلك (120)
    خشبة حتى كاد يقر لعظيم الألم ، فسمع محمد بن يونس يقول له : اتق الله
    يا محمد ، فصبر ففرج الله عنه ، وذلك بعد أن أدّى من ماله واحداً وعشرين ألف
    درهم ، ومما يدل على مدى الظلم الذي لحق بشيعة الإمام أن اخت ابن أبي عمير
    دفنت كتبه حينما كان في السجن خوفاً من السلطة حتى تلفت الكتب (2).
    وقتل هارون عبد الحميد بن عواض الطائي الكسائي الكوفي بعد استدعائه
    مع مرازم وجرير ابني حكيم ، وهو من أصحاب الإمام الباقر والصادق
    __________________
    (1) الأعلام / الزركلي 7 : 208 ، الأغاني 9 : 34 ، تاريخ بغداد 13 : 142 ، النجوم
    الزاهرة 2 : 106 ، الوافي بالوفيات 24 : 158 ، معجم المؤلّفين 12 : 221.
    (2) رجال النجاشي : 228 ، خلاصة العلاّمة : 239 / 18 ، الفهرست : 142 ، شرح
    مشيخة الفقيه 3 : 56 ، الذريعة 25 : 306.

    والكاظم عليهم‌السلام ، وكان ثقة (1).
    وروي أنه في زمانه اختفى هشام بن الحكم لطلب السلطة له بسبب
    مناظراته حتى توفي بعد نكبة البرامكة بمدة يسيرة متستراً ، وكان من خواص
    الإمام موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، وقيل : بل توفي في زمان المأمون (2).
    موقفه من الطالبيين :
    أزاد هارون من وتيرة الضغط على الطالبيين طيلة مدة حكمه التي دامت
    (23) عاماً ، فأكثر من تتبعهم بالاقصاء والاستبعاد والقمع ، وبطش بسراتهم
    وساداتهم ، روى أبو الفرج عن النوفلي عن أبيه ، قال : كان الرشيد مغرى
    بالمسألة عن أمر آل أبي طالب وعمن له ذكر ونباهة منهم (3).
    وتعرض في زمانه كثير منهم للاعتقال ، وكان يوصي بالتضييق عليهم
    وزيادة التقييد والحديد ، وبعضهم مات في الحبس لطول التعذيب ، أو ضربت
    أعناقهم صبراً ، أو أمر بقتلهم خنقاً ، وعاش آخرون مختفين طوال حياتهم ،
    وقتل حميد بن قحطبة وحده ستين علوياً.
    وممن تعرض لبطش هارون في زمانه : عبد الله بن الحسن بن علي بن
    الحسين عليه‌السلام ، سجنه اللا رشيد ثم حوله إلى جعفر بن يحيى البرمكي ، فضرب
    عنقه وغسل رأسه وجعله في منديل وأهداه إلى هارون مع هدايا النيروز (4).
    والحسين بن عبد الله بن اسماعيل بن عبد الله بن جعفر ، أخذه بكار الزبيري
    __________________
    (1) من لا يحضره الفقيه 4 : 519 ، جامع الرواة / الأردبيلي 1 : 400.
    (2) الفهرست : 258 / 783.
    (3) مقاتل الطالبيين : 327.
    (4) مقاتل الطالبيين : 327.

    بالمدينة فضربه بالسوط ضرباً مبرحاً ، فمات من ذلك الضرب (1).
    ويحيى بن عبد الله بن محمد بن عمر الأطرف بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، من
    أصحاب الصادق عليه‌السلام ، وكان يدعى بالصالح والصوفي ، لكثرة زهده وورعه
    وتقشفه ولبسه الصوف الخشن ، حبسه هارون ثم أمر بخنقه في الحبس ، ودفن
    بمقابر مسجد السهلة (2).
    ومحمد بن يحيى بن عبد الله بن الحسن ، حبسه بكار الزبيري ، وجعل
    هارون يتبعه برسول بعد رسول يأمره بالتضييق عليه ، ثم أمره بتقييده ، ثم أمره
    باثقاله والزيادة في حديده ، فمات في حبسه (3).
    وإسحاق بن الحسن بن زيد بن الحسن ، حبسه هارون فمات في حبسه (4) ،
    وعلي بن الأفطس المعروف بخرزي ، قتله ظلماً وعدواناً (5).
    أما العباس بن محمد بن عبد الله بن علي بن الحسين عليه‌السلام ، فكان ممن قتلهم
    هارون بحضرته ليطفئ الغلّ الذي يتوقد في نفسه ، فقد دخل العباس على هارون
    فكلمه كلاماً طويلاً ، فأمر به فأدني فضربه بعمود من حديد حتى قتله (6).
    وجعل هارون يحيى بن عبد الله الحسني في سرداب بعد أن أعطاه الأمان ،
    واستمر على هذا الحال إلى أن قتل في الحبس بالجوع والعطش والتعذيب نحو
    __________________
    (1) مقاتل الطالبيين : 330.
    (2) عمدة الطالب / ابن عنبة : 367 ، معجم رجال الحديث 21 : 70 / 13573 ،
    المجدي في أنساب الطالبيين / علي بن محمد العلوي : 281.
    (3) مقاتل الطالبيين : 329.
    (4) مقاتل الطالبيين : 336.
    (5) المجدي في أنساب الطالبيين : 213.
    (6) مقاتل الطالبيين : 331.

    سنة ( 180 ه‍ ) (1).
    واستعمل اُسلوب الضدّ النوعي في تصفية الخصوم ، فقد ندب سليمان بن
    جرير الجزري أحد متكلمي الزيدية ، ليقتل إدريس بن عبد الله بن الحسن ،
    فسقاه السم سنة ( 177 ه‍ ) (2).
    وفرّ بعض الطالبيين من السجن ، غير أنهم عاشوا متوارين ، منهم أحمد بن
    عيسى بن زيد بن علي ، وكان فاضلاً عالماً بالدين والحديث ، أحضره هارون
    إلى بغداد وسجنه بالرافقة سنة ( 188 ه‍ ) ، ففرّ من السجن واختفى في البصرة ،
    فأذكى هارون عليه العيون ، وجعل لمن جاء به الأموال ، فلم يقدر عليه ،
    واستمر مستتراً إلى أن مات (3).
    وروي عن عبيد الله البزاز النيسابوري عن حميد بن قحطبة أنه قتل ستين
    علوياً بأمر هارون ، كان قد جعلهم في بيوت مغلقة ، وكانوا مقيدين وعليهم
    الشعور والذوائب ، وكلهم من العلوية ، وبعد أن قتلهم رمى بأجسادهم
    ورؤوسهم في الآبار. روى الصدوق بالإسناد عن عبيد الله البزاز ، أنه دخل
    على حميد بن قحطبة الطائي الطوسي فرآه يأكل في وقت الصيام من شهر
    رمضان ، وحينما سأله قال : إذا كان فعلي هذا ، وقد قتلت ستين نفساً من ولد
    رسول الله ، فما ينفعني صومي وصلاتي ؟! (4).
    __________________
    (1) مقاتل الطالبيين : 313 ـ 323 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 408 ، البداية والنهاية 10 :
    178 ، الأعلام / الزركلي 8 : 154.
    (2) مقاتل الطالبيين : 324 ـ 326 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 404 ، تاريخ أبي الفداء 2 :
    12 ، عمدة الطالب : 157 ، الأعلام / الزركلي 1 : 279.
    (3) تاريخ اليعقوبي 2 : 422 ، الأعلام 1 : 191.
    (4) عيون أخبار الرضا / الشيخ الصدوق 2 : 100.

    موقفه من الإمام الكاظم عليه‌السلام :
    عاش الإمام الكاظم عليه‌السلام أطول فترة من إمامته في زمان هارون لعنة الله
    عليه ، فكان نصيبه من ظلم هذا الطاغية كبيراً ، اذ لم يرق لهارون ما يملك الإمام
    من امتداد واسع في الواقع الإسلامي ، وما يشاهده من اقبال الناس عليه
    ورجوعهم إليه ، وتأثرهم بروحانيته ورجاحة علمه ، فاستدعى الإمام عليه‌السلام إلى
    بغداد وعرضه للسجن والتعذيب بذرائع وتهم شتى ، أثبتت الوقائع براءته عن
    كل ما يرمى به منها ، حتى أن رأس السلطة صرح بذلك في أكثر من مناسبة ،
    حيث قال هارون نفسه : الناس يحملونني على موسى بن جعفر وهو برئ مما
    يرمى به (1). لأن الإمام عليه‌السلام كان يعتزل العمل السياسي ، فلم يخرج على حاكم
    ولا دعا أحداً إلى مبايعته ، ولم يتحرك ضدّ هارون ولا غيره ، ولكنها الغيرة من
    النجاحات الهائلة التي حققها الإمام عليه‌السلام في مختلف أوساط الأُمّة.
    وشهدت هذه الفترة من جانب آخر كثيراً من المناظرات التي خاضها
    الإمام مع هذا الطاغية وغيره من رجال السلطة ، تتعلق بأهم الشبهات المثارة
    من قبل بني العباس حول الإمامة وحقوق أهل البيت عليهم‌السلام.
    إشخاص الإمام إلى العراق :
    ذكر كثير من المؤرخين أن الإمام عليه‌السلام أقام في المدينة بعد أن أطلقه المهدي
    العباسي إلى أيام هارون ، فقدم هارون منصرفاً من عمرة شهر رمضان سنة
    ( 179 ه‍ ) (2) ، فحمل موسى الكاظم معه إلى بغداد وحبسه بها إلى أن استُشهد في
    محبسه مسموماً سنة ( 183 ه‍ ) ، وقيل : سنة ( 186 ه‍ ) (3).
    __________________
    (1) الكافي 1 : 366 / 99 ، بحار الأنوار 48 : 165 / 7.
    (2) وحدد الشيخ الكليني : لعشر ليال بقين من شوال سنة ( 179 ه‍ ).
    (3) تاريخ بغداد 13 : 29 ، وفيات الأعيان 5 : 308 ، الكافي 1 : 476.

    وقد انصرف هارون
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ   الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Emptyالأحد أكتوبر 27, 2024 9:12 am

    وقد انصرف هارون من الحج على طريق البصرة ، فحمل الإمام
    الكاظم عليه‌السلام مقيداً ، وخرج على بغلين عليهما قبتان مغطاتان هو في احداهما ،
    ووجه مع كل واحد منهما خيلاً ، فأخذوا بواحدة على طريق البصرة والاُخرى
    على طريق الكوفة ، ليعمي على الناس أمره ، وكان الإمام في التي مضت إلى
    البصرة. فأمر المأمور أن يسلمه إلى عيسى بن جعفر بن المنصور ، وكان على
    البصرة حينئذ ، فحبسه عيسى عنده سنة ، ثم كتب إليه الرشيد في سفك دمه ،
    فاستشار عيسى بعض خاصته فأشاروا عليه بالتوقف عن ذلك والاستعفاء
    منه ، فكتب عيسى إلى هارون : قد طال أمر موسى بن جعفر ومقامه في حبسي ،
    وقد اختبرت حاله ووضعت عليه العيون طول هذه المدة ، فما وجدته يفتر
    عن العبادة ، ووضعت من يسمع منه ما يقول في دعائه ، فما دعا عليك ولا
    علي ولا ذكرنا في دعائه بسوء ، وما يدعو لنفسه إلاّ بالمغفرة والرحمة ،
    فإن أنت أنفذت إليّ من يتسلمه مني وإلاّ خليت سبيله فانني متحرج من
    حبسه.
    وأنت تلاحظ دقة المراقبة التي تتابع الإمام عليه‌السلام حتى في انقطاعه إلى ربه
    ودعائه الذي يقوله في صلاته ، فوجه هارون من تسلمه من عيسى وحبسه
    عند الفضل بن الربيع ببغداد ، فبقي محبوساً عنده مدة طويلة ، وأراده هارون على
    شيء من أمره فأبى.
    روى الشيخ الصدوق بسنده عن الفضل بن الربيع ، قال : « قد أرسلوا إليَّ في
    غير مرة يأمرونني بقتله فلم أجبهم إلى ذلك ، وأعلمتهم أني لا أفعل ذلك ، ولو
    قتلوني ما أجبتهم إلى ما سألوني » (1).
    __________________
    (1) عيون أخبار الرضا 1 : 106 / 10 ، أمالي الصدوق : 136 / 18.

    وكتب هارون إلى الفضل بن الربيع ليسلمه إلى الفضل بن يحيى البرمكي ،
    فتسلمه منه وأراد هارون ذلك منه فلم يفعله ، وبلغه أنه عنده في رفاهية وسعة
    وهو حينئذ بالرقة ، فكتب إليه ينكر ذلك عليه ويأمره بقتله ، فتوقف عن ذلك
    ولم يقدم عليه ، فاغتاظ هارون من ذلك ، ودعا مسروراً الخادم أن يخرج على
    البريد من وقته إلى بغداد ، ويحمل كتابين إلى العباس بن محمد والسندي بن
    شاهك ، وحين وصول الكتابين جلد ابن شاهك الفضل بن يحيى مائة سوط ،
    وحبس الإمام عنده.
    روى الشيخ الخصيبي بالاسناد عن علي بن أحمد البزاز ، قال : « أمر هارون
    السندي بن شاهك أن يبني لموسى عليه‌السلام محبساً في داره ويقيده بثلاثة قيود من
    ثلاثة أرطال حديد ، ويغلق الباب في وجهه إلاّ وقت الطعام ووضوء
    الصلاة » (1).
    وجلس هارون في مجلس حافل ، فأمر الناس بلعن الفضل بن يحيى
    فلعنوه ، ثم ان يحيى بن خالد قال لهارون : ان الفضل حدث وأنا أكفيك ما تريد ،
    ثم دعا يحيى بن خالد السندي فأمره فيه بأمره فامتثله ، فقتل الإمام على يد
    السندي بسمّ جعله في طعام ، وقيل : في رطب قدمه إليه ، ولبث ثلاثاً بعده
    موعوكاً ، ثم مات في اليوم الثالث.
    فلما استشهد الإمام عليه‌السلام أدخل السندي الفقهاء ووجوه أهل بغداد عليه ،
    فنظروا إليه لا أثر به وشهدوا على ذلك ، وإنما فعل السندي ذلك
    لإخفاء جريمة قتل الإمام عليه‌السلام بالسمّ ، وأخرج الجثمان المطهر فوضع
    على الجسر ببغداد ، ونودي : هذا موسى بن جعفر قد مات فانظروا
    __________________
    (1) الهداية الكبرى / الخصيبي : 265.

    إليه.
    فجعل الناس يتفرسون في وجهه وهو ميت ، وأمر يحيى ابن خالد أن
    ينادى عليه عند موته : هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه لا يموت
    فانظروا إليه.
    فنظر الناس إليه ميتاً ، ثم حمل فدفن في مقابر قريش (1).
    وفي هذا يقول أحد الشعراء (2) :
    ما أنصفتك بنو الأعمام إذ قطعت
    أواصراً برسول الله تتحد

    أبكيك رهن السجون المظلمات وقد
    ضاق الفضا وتوإلى حولك الرصد

    لبثت فيهن أعواماً ثمانية
    ما بارحتك القيود الدهم والصفد

    تمسي وتغدو بنو العباس في مرح
    وأنت في محبس السندي مضطهد

    دسوا اليك نقيع السم في رطب
    فاخضر لونك مذ ذابت به الكبد

    حتى قضيت غريب الدار منفرداً
    لله ناءٍ غريب الدار منفرد

    أبكي لنعشك والأبصار ترمقه
    ملقى على الجسر لا يدنو له أحد

    أبكيك ما بين حمالين أربعة
    تشال جهراً وكل الناس قد شهدوا

    نادوا عليه نداء تقشعر له
    السبع الطباق فهلا زلزل البلد

    لم تجتمع هاشم البطحا لديه ولا
    الأشراف من مضر الحمراء تحتشد

    كأنها ما درت أن العميد مضى
    ومن رواق علاها قد هوى العمد (3)

    __________________
    (1) الإرشاد 2 : 240 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 440 ، مقاتل الطالبيين : 336 ، الغيبة
    / الطوسي : 26 / 6 ، اعلام الورى / الطبرسي 2 : 33 ، الفصول المهمة / ابن
    الصباغ : 220.
    (2) هو الشيخ محمد علي اليعقوبي ( ت / 1385 هـ).
    (3) ديوان اليعقوبي الموسوم بالذخائر : 55.

    أسباب استدعاء الإمام وسجنه :
    أولاً ـ الخوف من عمل الإمام عليه‌السلام :
    وتلك عقدة لم تفارق غالبية الحكام العباسيين ومن قبلهم الأمويين ،
    فجميعهم يساورهم الشك بعمل الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام ويعتقدون أنهم
    يمتلكون من القوة والهيبة ما يستطيعون إزاحتهم عن عروشهم ، هذا مع قناعة
    بني العباس بابتعاد الإمام الكاظم عليه‌السلام عن واقع الحياة السياسية.
    يروى أن هارون اللارشيد لعنه الله لما صار إلى المدينة وصل كل هاشمي أو
    قرشي أو مهاجري أو أنصاري ممن دخل عليه بخمسة آلاف درهم وما دونها
    إلى مائتي دينار ، على قدر شرفه وهجرة آبائه ، وحين دخل الإمام الكاظم عليه‌السلام
    رحّب به ، وعند منصرفه من الحج أمر بصرّة سوداء فيها مائتا دينار أرسلها
    إليه ، فسأله المأمون وكان جريئاً عليه : يا أمير المؤمنين ، تعطي أبناء المهاجرين
    والأنصار وسائر قريش وبني هاشم ومن لا يعرف حسبه ونسبه خمسة آلاف
    دينار إلى ما دونها ، وتعطي موسى بن جعفر وقد أعظمته وأجللته مائتي
    دينار ؟! أخسّ عطية أعطيتها أحداً من الناس. فقال : اسكت لا أمّ لك ، فاني لو
    أعطيت هذا ما ضمنته له ، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غداً بمائة ألف سيف
    من شيعته ومواليه ، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم
    وأعينهم (1).
    وهذه الذريعة عينها التي جعلت سلطة السقيفة تمنع الزهراء عليها‌السلام نحلتها ،
    وبقي الحكام بعدهم يحركون عجلة الحرب الاقتصادية ، ويضيّقون على آل
    البيت عليهم‌السلام ويقللون من أعطياتهم لسلب القدرة الاقتصادية التي قد تمكّنهم من
    استعادة سلطانهم المسلوب والتفاف الأنصار حولهم.
    __________________
    (1) عيون أخبار الرضا 1 : 88 / 11.

    وخوف هارون الطاغية اللعين من الإمام يتجلى من خلال تصريح سليمان
    ابن المنصور عم هارون ، حين قيل له : هذا موسى بن جعفر مات في الحبس ،
    فأمر هارون أن يدفن بحاله. فقال سليمان : موسى بن جعفر يدفن هكذا ! فإن في
    الدنيا من كان يُخاف على الملك ، في الآخرة لا يوفّى حقه ؟ (1).
    ثانياً ـ الحقد والغيرة :
    إن دأب الطغاة في كل عصر هو احتكار أسباب العظمة والتعالي لذواتهم ،
    فتستعر نفوسهم غيرة وحقداً على كل شخصية مرموقة في المجتمع ، ويزداد ذلك
    كلما كان الحاكم على مستوى متدنٍ في سيرته وخلقه ، فلم يرق له أن يسمع
    الناس وهم يتحدثون عن شخص تجتمع فيه الكمالات الروحانية والفكرية
    قولاً وعملاً ، ويعدّ اختصاراً لشخص الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله في مظاهر العظمة من
    العبادة ورجاحة العلم والحلم والزهد والكرم والشجاعة وغيرها.
    إن بغض أهل البيت عليهم‌السلام ثقافة يرثها الحاكم عن أسلافه ويتقرب بها إليه
    أخلافه ، ففي رواية الشيخ الصدوق عن المأمون يقول : ما زلت أحب أهل البيت
    وأظهر للرشيد بغضهم تقرباً إليه (2).
    وما ذنب الأئمة عليهم‌السلام حتى يُحقد عليهم إذا أحب الناس العلم وأهله والحق
    ومن انتصر له ؟ ذنبهم الوحيد عند الطغاة أنهم ورثة الأنبياء عليهم‌السلام ، وأنهم أئمة
    حق وهدى وغيرهم أئمة باطل وضلال.
    وتتجسد غيرة هارون اللئيم من الإمام الكاظم عليه‌السلام في موقف افتخر فيه
    الإمام عليه‌السلام على هارون حين جاء مكة حاجاً ، فأتى قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله زائراً له
    وحوله قريش وأفياء القبائل ومعه موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، فلما انتهى إلى القبر
    __________________
    (1) مناقب آل أبي طالب 3 : 441.
    (2) أمالي الصدوق : 307 / 1 ، عيون أخبار الرضا 1 : 93 / 12.

    قال : « السلام عليك يا رسول الله يا بن عمي. افتخاراً على من حوله ، لأنه كان
    في مقام استعراض ، لذلك يريد التضليل على الناس بالايحاء بأنه أقربهم إلى
    الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبذلك فهو أحق بالخلافة.
    فدنا موسى بن جعفر عليهما‌السلام فقال : السلام عليك ، يا أبة. وزاد في رواية
    اُخرى : أسأل الله الذي اصطفاك واجتباك وهداك وهدى بك أن يصلي
    عليك. فتغير وجه هارون وتبين فيه الغضب ، وقال : هذا الفخر يا أبا الحسن
    حقاً. ولم يحتملها هارون ، فلم يزل ذلك في نفسه حتى استدعاه وسجنه فأطال
    سجنه فلم يخرج إلاّ ميتاً مقيداً مسموماً » (1).
    ثالثاً ـ الوشاية :
    ذكر المؤرخون عدة ممن وشوا بالامام عند هارون ليزدادوا قرباً إليه
    وينالوا من حطام دنياه ، بدعوى قديمة جديدة هي أن الإمام عليه‌السلام تجبى له
    الأموال الطائلة من شتى ديار الإسلام ، وأنه يدعو إلى نفسه بالخلافة ويكتب
    إلى سائر الأمصار بذلك ، وأن الناس يبايعون له ، وما إلى ذلك من البهتان الذي
    اُعد سلفاً قبل حمل الإمام عليه‌السلام إلى العراق ، وقد تعاون جماعة من رجال البلاط
    على اختلاق تلك التهم وبذلوا الأموال الطائلة في سبيل اغراء بعض الجماعات
    المقربة من الإمام عليه‌السلام كي توقع به وتدلي بدلوها أمام الرشيد ، ومع أن الأخير قد
    ثبت لديه بالدليل بطلان ما يقولون لكنه كان مصراً على تنفيذ مآربه إلى
    النهاية.
    __________________
    (1) تاريخ بغداد 13 : 31 ، وفيات الأعيان 5 : 309 ، سير أعلام النبلاء 6 : 273 ،
    البداية والنهاية 10 : 197 ، اعلام الورى 2 : 28 ، كامل الزيارات : 18 ، الكافي 4 :
    553 / 8 ، تهذيب الأحكام 6 : 6 / 3 ، اسعاف الراغبين / ابن الصبان : 248 ،
    الصواعق المحرقة : 202.

    من الذين وشوا بالإمام عليه‌السلام ؟ :
    1 ـ علي بن إسماعيل بن جعفر :
    ذكرت بعض الأخبار أن علي بن اسماعيل ابن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام
    كان قد سعى بعمه ، وسبب ذلك أن الرشيد وضع ابنه محمد الأمين في حجر جعفر
    ابن محمد بن الأشعث ، فحسده يحيى بن خالد بن برمك خوفاً من أن يخسر
    موقعه بعد أن يفضي الأمر إلى الأمين وابن الأشعث ، وكان مذهب جعفر بن
    الأشعث التشيع ، فأظهر له يحيى أنه على مذهبه ، وأفضى إليه جعفر بجميع
    أموره ، فسعى به إلى هارون وزاد عليه بما يقدح في قلبه ، فذكر أنه لا يصل إلى
    ابن الأشعث مال من الخراج إلاّ أخرج خمسه فوجه به إلى موسى بن جعفر عليهما‌السلام ،
    وكان هارون يكذب ذلك بعد الاختبار والتجربة ، وجعل يحيى يحتال في اسقاط
    ابن الاشعث ، فطلب من ثقاته رجلاً من آل أبي طالب له رغبة في الدنيا ، فدل
    على علي بن اسماعيل بن جعفر ، فوعده يحيى بمزيد من الاحسان ، وقرر الخروج
    إلى العراق ، فأحس به الإمام موسى عليه‌السلام فاعترض عليه ، فاعتذر بأن عليه
    ديناً ، ووعده الإمام عليه‌السلام بقضاء دينه وكفاية عياله ، فلم يلتفت إلى ذلك ، وأبى
    إلاّ الخروج ، فأرسل إليه ثلاثمائة دينار وأربعة آلاف درهم ، فقال : « اجعل هذا
    في جهازك ، ولا تؤتم ولدي.
    فلما قام من بين يديه قال أبو الحسن موسى عليه‌السلام لمن حضره : والله ليسعين
    في دمي ، ويؤتمن أولادي. فقالوا له : جعلنا الله فداك ، فأنت تعلم هذا من حاله
    وتعطيه وتصله ! قال لهم : نعم ، حدثني أبي ، عن آبائه ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أن
    الرحم اذا قطعت فوصلت فقطعت قطعها الله ، وانني أردت أن أصله بعد
    قطعه لي ، حتى اذا قطعني قطعه الله.
    فخرج علي بن اسماعيل حتى أتى يحيى بن خالد ، ثم أوصله يحيى إلى


    هارون ، فسأله عن عمه موسى بن جعفر ، فسعى به إليه ، وقال له : ان الأموال
    تحمل إليه من المشرق والمغرب ، وان من كثرة المال عنده أنه اشترى ضيعة
    تسمى اليسيرة بثلاثين ألف دينار. وذكر لهارون أنه يجتمع على باب عمه من
    الناس أكثر مما يجتمع على باب هارون لعنه الله ، فأمر له بمائتي ألف درهم وولاه
    على بعض النواحي ، ومضت رسله لقبض المال ، فدخل إلى الخلاء فزحر زحرة
    خرجت منها حشوته كلها فسقط لوجهه ، واجتهدوا في ردها فلم يقدروا ، فوقع
    لما به (1) ، فجاءه المال وهو ينزع ، فقال : ما أصنع به وأنا في الموت ؟ ومات ولم
    ينتفع بالمال ، وخرج الرشيد في تلك السنة إلى الحج ، وبدأ بالمدينة فقبض فيها
    على أبي الحسن موسى عليه‌السلام » (2).
    2 ـ محمد بن اسماعيل بن جعفر :
    وفي رواية أن الذي وشى بالامام عليه‌السلام هو محمد بن اسماعيل ابن الإمام جعفر
    الصادق عليه‌السلام ، في قصة مشابهة لما تقدم ، رواها علي بن جعفر بن محمد ، وفيها أن
    محمد بن اسماعيل بن جعفر استاذن الإمام الكاظم عليه‌السلام في الخروج إلى العراق
    فأذن له ، وقال له : « أوصيك أن تتقي الله في دمي. فقال : لعن الله من يسعى
    في دمك. ثم ناوله أبو الحسن عليه‌السلام (450) ديناراً فقبضها محمد ، ثم أمر له بألف
    وخمسمائة درهم كانت عنده ، فقلت له في ذلك واستكثرته ، فقال : هذا ليكون
    أوكد لحجتي اذا قطعني ووصلته.
    قال : فخرج إلى العراق ، واستأذن على هارون فأمر بدخوله ، وقال :
    يا أمير المؤمنين ، خليفتان في الأرض ، موسى بن جعفر بالمدينة يجبى له الخراج ،
    __________________
    (1) أي ان حالته حالة الموت.
    (2) عيون أخبار الرضا 1 : 69 / 1 ، الارشاد 2 : 238 ، مقاتل الطالبيين : 333 ،
    روضة الواعظين : 218 ، التتمة في تواريخ الأئمة عليهم‌السلام : 113.

    وأنت بالعراق يجبى لك الخراج. فقال : والله. فقال : والله. قال : فأمر له بمائة ألف
    درهم ، فلما قبضها وحملت إلى منزله أخذته الذبحة في جوف ليلته فمات ، وحُوِّل
    من الغد المال الذي حمل إليه إلى الرشيد » (1).
    وقال ابن شهرآشوب : « كان محمد بن اسماعيل بن الصادق عليه‌السلام عند عمه
    موسى الكاظم عليه‌السلام يكتب له الكتب إلى شيعته في الآفاق ، فلما ورد هارون
    الحجاز سعى بعمه إلى هارون ، فقال : أما علمت أن في الأرض خليفتين يجبى
    اليهما الخراج ؟ فقال الرشيد : ويلك أنا ومن ؟ قال : موسى بن جعفر ، وأظهر
    أسراره ، فقبض عليه ، وحظي محمد عند هارون ، ودعا عليه موسى
    الكاظم عليه‌السلام بدعاء استجابه الله فيه وفي أولاده » (2).
    3 ـ محمد بن جعفر الصادق عليه‌السلام :
    وفي بعض الروايات أن محمد ابن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام هو الذي وشى
    بالامام الكاظم عليه‌السلام ، عن علي بن جعفر ، قال : « جاءني محمد بن اسماعيل بن
    جعفر ، وذكر لي أن محمد بن جعفر دخل على هارون الرشيد فسلم عليه
    بالخلافة ، ثم قال له : ما ظننت أن في الأرض خليفتين حتى رأيت أخي موسى
    ابن جعفر يسلم عليه بالخلافة » (3).
    ويبدو أنه محمد بن اسماعيل بن جعفر المتقدم إلاّ أنه منسوب إلى الجد ، لأن
    محمد بن جعفر كان معروفاً بالفضل والتقوى ، وكان مخالفاً لبني العباس ، وقد
    خرج أيام المأمون ، وتسمّى بأمير المؤمنين في سنة ( 199 ه‍ ).
    4 ـ يعقوب بن داود :
    وروي أن يعقوب بن داود كان ممن سعى بالامام الكاظم عليه‌السلام ، وكان يرى
    __________________
    (1) رجال الكشي : 263 / 478.
    (2) مناقب آل أبي طالب 3 : 440.
    (3) عيون أخبار الرضا 1 : 72 / 2.

    رأي الزيدية (1).
    رابعاً ـ مناظرة الرشيد في مسألة فدك :
    كان الإمام الكاظم عليه‌السلام قد ذكر قضية فدك في مجلس المهدي باسلوب
    المطالب ، ويعيد طرحها هنا لكن باكراه والحاح من الحاكم ، ومهما تكن الظروف
    المحيطة بالامام عليه‌السلام فان المؤدّى واحداً ، هو أن فدك رمز لحقّ مغتصب وخلافة
    مسلوبة ، لأن الكاظم عليه‌السلام ذكر بلدان الخلافة العباسية عند تحديدها ، ولا ريب
    أن صاحب الحق فيها هو عليه‌السلام ، والرشيد يدرك ذلك تماماً.
    روى المؤرخون أن هارون الرشيد كان يقول لموسى بن جعفر عليهما‌السلام : « حدّ
    فدكاً حتى أردها اليك ، فيأبى حتى ألح عليه ، فقال : لا آخذها إلاّ بحدودها ،
    قال : وما حدودها ؟ قال : إن حددتها لم تردها ؟ قال : بحق جدك إلاّ فعلت ،
    قال : أما الحد الأول فعدن ، فتغير وجه الرشيد ، وقال : إيهاً ، قال : والحد
    الثاني سمرقند ، فاربدّ وجهه ، والحد الثالث افريقية ، فاسودّ وجهه ، وقال :
    هيه ، قال : والرابع سِيف البحر مما يلي الجزر وأرمينية ، قال الرشيد : فلم
    يبقَ لنا شيء ، فتحول إلى مجلسي. قال موسى عليه‌السلام : قد أعلمتك أنني إن
    حددتها لم تردها ، فعند ذلك عزم على قتله ».
    وفي رواية : قال الرشيد : « هذا كله ، هذه الدنيا !. فقال : هذا كان في أيدي
    اليهود فأفاءه الله على رسوله بلا خيل ولا ركاب ، فأمره الله أن يدفعه إلى
    فاطمة عليها‌السلام » (2).
    خامساً ـ مناظرة هشام :
    وروي أن السبب الذي يمكن أن يضاف إلى باقي الأسباب ، هو مناظرة
    __________________
    (1) عيون أخبار الرضا 1 : 72.
    (2) ربيع الأبرار / الزمخشري 1 : 316 ، المناقب / ابن شهرآشوب 3 : 434.

    اضطروا فيها هشام بن الحكم إلى الافصاح عن رأيه ، روى ذلك الكشي عن
    يونس بن عبد الرحمن ذكر فيه أن يحيى بن خالد البرمكي قد وجد على هشام
    ابن الحكم شيئاً من طعنه على الفلاسفة ، وأحب أن يغري به هارون ، فذكر
    لهارون أن هشاماً يزعم أن لله في أرضه اماماً مفروض الطاعة ، وأنه لو أمره
    بالخروج لخرج ، فاحتال هارون بعقد مجلس جمع فيه المتكلمين ، وجعل يسمع
    هو من وراء الستر لئلا يفطنوا به ، فشحن يحيى المجلس بالمتكلمين ، وكان منهم
    ضرار بن عمرو ، وسليمان بن جرير ، وعبد الله بن يزيد الاباضي ، ورأس
    الجالوت وغيرهم ، فتساءلوا فتكافّوا وتناظروا وتقاطعوا ، وأخيراً تراضوا
    بهشام حكماً بينهم ، فأتوا به فابتدءوا الكلام في فساد اختيار الناس الإمام ،
    فسأل سليمان بن جرير هشاماً عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام مفروض الطاعة ؟ فقال
    هشام : نعم ، قال : فإن أمرك الذي بعده بالخروج بالسيف معه تفعل وتطيعه ؟
    فقال هشام : لا يأمرني ، قال : ولم اذا كانت طاعته مفروضة عليك ، وعليك أن
    تطيعه ؟ فقال هشام : عد عن هذا فقد تبين فيه الجواب. إلى أن قال سليمان : ليس
    أسألك إلاّ على سبيل سلطان الجدل ، ليس على الواجب انه لا يأمرك. فقال
    هشام : كم تحوم حول الحمى ! هل هو إلاّ أن أقول لك إن أمرني فعلت ، فتنقطع
    أقبح الانقطاع ، ولا يكون عندك زيادة ، وأنا أعلم بما يجب قولي ، وما إليه يؤول
    جوابي. قال : فتغير وجه هارون وقال : قد أفصح ، قال : فبلغنا أن هارون قال
    ليحيى : شد يدك بهذا وأصحابه ، وبعث إلى أبي الحسن موسى عليه‌السلام فحبسه ،
    فكان هذا سبب حبسه مع غيره من الأسباب (1) ، فعاش هشام متوارياً.
    الإمام يرد التهم :
    ونتعلم من الإمام الكاظم عليه‌السلام درساً في الدفاع عن الحق ودفع التهم التي
    __________________
    (1) اختيار معرفة الرجال / الطوسي 2 : 530 / 477.

    يلصقها أعداء الدين بالعقيدة الحقة وأهلها ، لقد دفع الإمام عليه‌السلام التهم عن نفسه
    إلى الحد الذي أقنع رأس السلطة بخلو ساحته من أي تهمة اُلصقت به أو اُعدّت
    له ، وعدم وجود أي نشاط مريب ضده ، لكن الرشيد كان مصراً على المضي في
    مخططه القاضي بتصفية الإمام إلى نهايته.
    روى محمد بن الزبرقان الدامغاني ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام
    قال : « لما أمر هارون الرشيد بحملي ، دخلت عليه فسلمت ورأيته مغضباً ،
    فرمى إليَّ بطومار فقال : اقرأه ، فاذا فيه كلام ، قد علم الله عزوجل براءتي
    منه ، وفيه أن موسى بن جعفر يجبى إليه خراج الآفاق من غلاة الشيعة إلى
    أن قال : قلت : يا أمير المؤمنين ، والذي بعث محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنبوة ما حمل
    إليَّ أحد درهماً ولا ديناراً من طريق الخراج ، لكنا معاشر آل أبي طالب
    نقبل الهدية التي أحلها الله عزوجل لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله : لو اهدي لي كراع
    لقبلت ، ولو دعيت إلى ذراع لأجبت. وقد علم أمير المؤمنين ضيق ما نحن
    فيه ، وكثرة عدونا ، وما منعنا السلف من الخمس الذي نطق لنا به الكتاب ،
    فضاق بنا الأمر ، وحرمت علينا الصدقة ، وعوضنا الله عزوجل عنها الخمس ،
    واضطررنا إلى قبول الهدية ، وكل ذلك مما علمه أمير المؤمنين. فلما تم
    كلامي سكت. ثم قلت : إن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لابن عمه في
    حديث عن آبائه ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فكأنه اغتنمها ، فقال : مأذون لك ، هاته !
    فقلت : حدثني أبي ، عن جدي يرفعه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أن الرحم اذا مست
    رحماً تحركت واضطربت. فان رأيت أن تناولني يدك ، فأشار بيده إليّ ، ثم
    قال : ادن ، فدنوت فصافحني وجذبني إلى نفسه ملياً ، ثم فارقني وقد
    دمعت عيناه ، فقال لي : اجلس يا موسى ، فليس عليك بأس ، صدقت
    وصدق جدك وصدق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لقد تحرك دمي ، واضطربت عروقي ،


    وأعلم أنك لحمي ودمي ، وأن الذي حدثتني به صحيح » (1).
    وفي حديث آخر عنه عليه‌السلام أن الرشيد قال : « يا موسى ، خليفتين يجبى
    اليهما الخراج ؟! فقلت : يا أمير المؤمنين ، اعيذك بالله أن تبوء باثمي
    واثمك ، وتقبل الباطل من أعدائنا علينا ، فقد علمت أنه قد كذب علينا منذ
    قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بما علم ذلك عندك » (2) إلى آخر الحديث المتقدم.
    المبحث الثاني
    مواقف الإمام عليه‌السلام إزاء تصرفات السلطة
    كان الإمام الكاظم عليه‌السلام يدرك حراجة الموقف الذي مر به وهو في تباشير
    إمامته ، فكان من جانب ملزماً باتباع اُسلوب الحذر والكتمان من إبداء أي
    نشاط يدل على إمامته لشدة طلب المنصور لصاحب الوصية من أهل
    البيت عليهم‌السلام بعد الإمام الصادق عليه‌السلام ، ومن جانب آخر كان ينبغي أن يقوم بما
    يتوجب عليه تجاه أصحابه باعتباره قائداً رسالياً ، سيما وأن بعض الشيعة قد قال
    بإمامة غيره ، لكنه استطاع التوفيق بين الأمرين عن طريق التصريح بالوصية
    لخاصته وخلص أصحابه ريثما تتوفر الفرصة المناسبة لذلك ، ولعل من إفرازات
    تلك المرحلة أن الرواة من خلص أصحابه كانوا لا يسندون الحديث إليه بصريح
    اسمه حفظاً له وتقية من الظلم المسلط في ذلك العهد ، بل يكنون عنه بالعبد
    الصالح والعالم والسيد والرجل والماضي ، تعمية على رجال السلطة. ولم يشترك
    الإمام عليه‌السلام في الميادين السياسية بل كان منقطعاً إلى العلم والعبادة والزهد ، ولم
    ينضم إلى الثوار من الطالبيين ، لعلمه المسبق بمصير الثورة ، ولأنه لم يكن في
    __________________
    (1) الاختصاص : 48.
    (2) عيون أخبار الرضا 1 : 81 / 9.

    موقع المقاومة المسلحة للسلطة لعدم توفر عناصر القوة على مواجهة الحكم
    بالرفض الصريح والعمل الثوري من أجل إقامة دولة العدل ، وهناك مصالح
    أخرى يقدرها الإمام عليه‌السلام ويحسب حسابها ، ومع كل ذلك كان مبعث رعب
    وقلق في نفوس الحاكمين من بني العباس ، فأفقدوه حريته وجعلوه مفرداً غريباً
    وبالتالي تآمروا على حياته.
    وفيما يلي نذكر مواقف الإمام عليه‌السلام من جملة الأمور الاُخرى التي تهمه
    وتتطلب تدخله ، سواء ما يخص رجال السلطة أو أصحابه وشيعته أو ساجنيه.
    1 ـ موقفه في السجن :
    السجن في عرف الإمام عليه‌السلام هو ابتلاء ينقضي مثلما ينقضي الرخاء ، لكن
    هناك يوم طويل أعده الله للمقاصّة من الطغاة الظالمين ، ذلك هو فحوى رسالته
    التي بعثها الإمام عليه‌السلام من السجن إلى هارون لما طال سجنه ، ونصها : « إنه لن
    ينقضي عني يوم من البلاء إلاّ انقضى عنك معه يوم من الرخاء حتى نفضي
    جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون » (1).
    والسجن عند الإمام الكاظم عليه‌السلام مدرسة للعبادة والطاعة والصبر يسخرها
    الإنسان العارف لبلوغ مدارج الكمال ، ويتعلم فيها ويعلّم العزم الثابت والإرادة
    الصلبة والتصميم الراسخ على تحمّل الأزمات ، فصبر راضياً بما قضاه الله حتى
    سمّي الكاظم لما تحمّل من صعاب وما كظم من غيظ عما فعله الظالمون به.
    كان عليه‌السلام في السجن سيد الصابرين وإمام العابدين الذي يشكر خالقه لأنه
    حقق مراده ففرّغه لعبادته والانقطاع لطاعته بقوله : « اللهم إنك تعلم أني كنت
    __________________
    (1) البداية والنهاية 10 : 197 ، تاريخ بغداد 13 : 33 ، نور الأبصار / الشبلنجي :
    204 ، إسعاف الراغبين / ابن الصبان : 248 ، تذكرة الخواص : 360 ، الفصول
    المهمة : 222 ، الكامل في التاريخ 6 : 164 ، سير أعلام النبلاء 6 : 273.

    أسألك أن تفرغني لعبادتك ، اللهم وقد فعلت ، فلك الحمد » (1). من هنا
    كان عليه‌السلام يحيي الليل كله صلاة وقراءة للقرآن ودعاء ، ويصوم النهار في أكثر
    الأيام.
    لقد واجه الإمام الكاظم عليه‌السلام السجن بروح ملؤها الصبر والإصرار
    والتحدّي ، فلم يهن ولم تلن له قناة ، بل بقي في موقع القوة والصلابة والعنفوان
    والإخلاص لله ولرسوله وللإسلام والأمة ، كما لم يخطر بباله أن يظهر الإذعان
    والخضوع إلى السلطان الجائر كي يستدرّ عطفه وشفقته ، فقد قيل له عليه‌السلام وهو في
    الحبس : « لو كتبت إلى فلان يكلم فيك الرشيد ؟ فقال : حدثني أبي عن آبائه :
    أن الله عزوجل أوحى إلى داود : يا داود ، إنه ما اعتصم عبد من عبادي بأحد
    من خلقي دوني... إلاّ وقطعت عنه أسباب السماء ، وأسخت الأرض من
    تحته » (2).
    2 ـ موقفه من الرشيد :
    تتفاوت مواقف الإمام الكاظم عليه‌السلام من الرشيد بحسب المقام الذي يمليه
    عليه ، فقد يواجهه بالموعظة الحسنة أحياناً.
    عن إسماعيل بن بشر بن عمّار ، قال : « كتب هارون الرشيد إلى أبي الحسن
    موسى بن جعفر عليه‌السلام : عِظني وأوجز. قال : فكتب إليه : ما من شيءٍ تراه عينك
    إلاّ وفيه موعظةٌ » (3).
    وعن عبدالعظيم الحسني ، عن محمد بن علي ، عن أبيه ، قال : « دخل موسى
    ابن جعفر عليه‌السلام على هارون الرشيد ، وقد استخفه الغضب على رجلٍ ، فقال له :
    __________________
    (1) الإرشاد 2 : 240 ، الفصول المهمة : 220.
    (2) تاريخ اليعقوبي 2 : 414.
    (3) أمالي الصدوق : 599 / 829.

    انّما تغضب لله عزوجل ، فلا تغضب له بأكثر مما غضب لنفسه » (1).
    وقال الرشيد لموسى بن جعفر عليهما‌السلام : « اني قاتلك ! فقال : لا تفعل ، فإني
    سمعت أبي يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن العبد يكون واصلاً لرحمه وقد
    بقي من أجله ثلاث سنين فيمدها الله له حتى ثلاثين سنة ، ويكون العبد
    قاطعاً لرحمه وقد بقي من أجله ثلاثون سنة فيصيرها الله حتى يجعلها
    ثلاث سنين » (2).
    وقد تكون المواجهة أشد وأكثر وقعاً ، كما في المناظرات التي ردّ فيها
    الإمام عليه‌السلام شبهات الرشيد المتعلقة بالامامة وحقوق أهل البيت عليهم‌السلام ،
    وانتسابهم إلى جدهم المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفضلهم على بني العباس. ومنها ما رواه
    هاني بن محمد بن محمود ، عن أبيه ، رفعه إلى موسى بن جعفر عليهما‌السلام أنه قال :
    « دخلت على الرشيد فقال لي : لِمَ جوزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم
    إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويقولون لكم : يا بني رسول الله ، وأنتم بنو علي ، وانما
    ينسب المرء إلى أبيه ، وفاطمة إنما هي وعاء ، والنبي جدكم من قبل اُمكم ؟
    فقلت : يا أمير المؤمنين ، لو أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نشر فخطب إليك كريمتك ،
    هل كنت تجيبه ؟ فقال : سبحان الله ! ولِمَ لا اُجيبه ؟ بل أفتخر على العرب
    والعجم وقريش بذلك. فقلت : لكنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يخطب إليّ ولا اُزوجه. فقال :
    ولِم ؟ فقلت : لأنّه ولدني ولم يلدك. فقال : أحسنت يا موسى.
    ثم قال : كيف قلتم : إنا ذرية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والنبي لم يعقب ، وإنما العقب
    للذكر لا للاُنثى ، أنتم ولد البنت ، ولا يكون لها عقب ؟
    فقلت : أسألك بحق القرابة والقبر ومن فيه إلاّ ما أعفيتني عن هذه
    المسألة. فقال : لا أو تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي ، وأنت يا موسى
    __________________
    (1) أمالي الصدوق : 71 / 39 ، عيون أخبار الرضا 1 : 292 / 44.
    (2) ربيع الأبرار / الزمخشري 3 : 553.

    يعسوبهم وإمام زمانهم ، كذا أُنهي إليّ ، ولست أعفيك في كل ما أسألك
    عنه ، حتى تأتيني فيه بحجة من كتاب الله تعالى ، وأنتم تدّعون معشر ولد
    علي أنه لا يسقط عنكم منه شيء ألف ولا واو إلاّ وتأويله عندكم ،
    واحتججتم بقوله عزوجل : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) (1) وقد
    استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم.
    فقلت : تأذن لي في الجواب ؟ فقال : هات ! فقلت : أعوذ بالله من
    الشيطان الرجيم ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ
    وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا
    وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ ) (2) من أبو عيسى يا أمير المؤمنين ؟ فقال : ليس لعيسى
    أب. فقلت : انما ألحقناه بذراري الأنبياء عليهم‌السلام من طريق مريم عليها‌السلام ، وكذلك
    أُلحقنا بذراري النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من قبل أُمنا فاطمة عليها‌السلام.
    أزيدك يا أمير المؤمنين ؟ قال : هات ! قلت : قول الله عزوجل : ( فَمَنْ
    حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ
    وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ عَلَى
    الْكَاذِبِينَ ) (3) ولم يدّع أحد أنه أدخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تحت الكساء عند مباهلة
    النصارى إلاّ علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، فكان
    تأويل قوله عزوجل : ( أَبْنَاءَنَا ) الحسن والحسين عليهما‌السلام ( وَنِسَاءَنَا )
    فاطمة عليها‌السلام ( وَأَنفُسَنَا ) علي بن أبي طالب عليه‌السلام » (4).
    ونجد الإمام عليه‌السلام أكثر صلابة وأشدّ تحدياً للرشيد وبطانته في حادثة
    __________________
    (1) سورة الأنعام : 6 / 38.
    (2) سورة الأنعام : 6 / 84 ـ 85.
    (3) سورة آل عمران : 3 / 61.
    (4) عيون أخبار الرضا 1 : 83.

    افتخاره عليه‌السلام على هارون ، حين جاء قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله زائراً له وحوله قريش وسائر
    القبائل ، فلما انتهى إلى القبر قال : « السلام عليك يا رسول الله يا بن عمي ، فدنا
    موسى بن جعفر عليه‌السلام فقال : السلام عليك يا أبه » (1).
    ومثلها أيضاً أن الرشيد لما حج لقيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام على بغلة ، فقال له
    الفضل بن الربيع : « ما هذه الدابة التي تلقيت عليها أمير المؤمنين ؟ فأنت إن
    طلبت عليها لم تدرك ، وإن طلبت لم تفت. قال : إنها تطأطأت عن خيلاء
    الخيل ، وارتفعت عن ذلة العِير ، وخير الأمور أوسطها » (2). فإنما يتلقى الناس
    الخليفة على الخيل أو الابل الفارهة وليس على البغال ، لكن الإمام عليه‌السلام يريد أن
    يؤكد حقيقة أن أولى الناس بالتواضع هو خليفة المسلمين ، وعليه أن يتحلى
    بأوسط الأمور ويأمر الناس بها ، لأن التواضع خصلة كريمة ، والافراط بها يعني
    الخيلاء والتكبر ، والتفريط بها يعني الذلة والخنوع ، وهو هنا يقدم مثلاً رائعاً في
    الزهد والتواضع والترفع عن مظاهر الترف الزائلة.
    3 ـ مقاطعة الدولة :
    اتخذ الإمام الكاظم عليه‌السلام ومن قبله آباؤه الميامين عليهم‌السلام موقفاً حازماً تجاه
    السلطات الحاكمة ، يتمثل في دعوة أصحابه إلى مقاطعتها وعدم الركون إليها ،
    والتحذير من شتى أنواع التعاون معها ، وتحريم الانضواء في أجهزتها إلاّ في
    حالات خاصة ، وصرّح الإمام عليه‌السلام بهذا الموقف لصفوان بن مهران الجمّال وغيره
    من أصحابه ، قال صفوان : « دخلت على أبي الحسن الأول عليه‌السلام فقال لي :
    يا صفوان ، كلّ شيءٍ منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً. قلت : جعلت
    فداك ، أيّ شيء ؟ قال : اكراؤك جمالك من هذا الرجل ـ يعني هارون ـ قال :
    __________________
    (1) تاريخ بغداد 13 : 31.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ   الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Emptyالأحد أكتوبر 27, 2024 9:14 am

    وقد انصرف هارون من الحج على طريق البصرة ، فحمل الإمام
    الكاظم عليه‌السلام مقيداً ، وخرج على بغلين عليهما قبتان مغطاتان هو في احداهما ،
    ووجه مع كل واحد منهما خيلاً ، فأخذوا بواحدة على طريق البصرة والاُخرى
    على طريق الكوفة ، ليعمي على الناس أمره ، وكان الإمام في التي مضت إلى
    البصرة. فأمر المأمور أن يسلمه إلى عيسى بن جعفر بن المنصور ، وكان على
    البصرة حينئذ ، فحبسه عيسى عنده سنة ، ثم كتب إليه الرشيد في سفك دمه ،
    فاستشار عيسى بعض خاصته فأشاروا عليه بالتوقف عن ذلك والاستعفاء
    منه ، فكتب عيسى إلى هارون : قد طال أمر موسى بن جعفر ومقامه في حبسي ،
    وقد اختبرت حاله ووضعت عليه العيون طول هذه المدة ، فما وجدته يفتر
    عن العبادة ، ووضعت من يسمع منه ما يقول في دعائه ، فما دعا عليك ولا
    علي ولا ذكرنا في دعائه بسوء ، وما يدعو لنفسه إلاّ بالمغفرة والرحمة ،
    فإن أنت أنفذت إليّ من يتسلمه مني وإلاّ خليت سبيله فانني متحرج من
    حبسه.
    وأنت تلاحظ دقة المراقبة التي تتابع الإمام عليه‌السلام حتى في انقطاعه إلى ربه
    ودعائه الذي يقوله في صلاته ، فوجه هارون من تسلمه من عيسى وحبسه
    عند الفضل بن الربيع ببغداد ، فبقي محبوساً عنده مدة طويلة ، وأراده هارون على
    شيء من أمره فأبى.
    روى الشيخ الصدوق بسنده عن الفضل بن الربيع ، قال : « قد أرسلوا إليَّ في
    غير مرة يأمرونني بقتله فلم أجبهم إلى ذلك ، وأعلمتهم أني لا أفعل ذلك ، ولو
    قتلوني ما أجبتهم إلى ما سألوني » (1).
    __________________
    (1) عيون أخبار الرضا 1 : 106 / 10 ، أمالي الصدوق : 136 / 18.

    وكتب هارون إلى الفضل بن الربيع ليسلمه إلى الفضل بن يحيى البرمكي ،
    فتسلمه منه وأراد هارون ذلك منه فلم يفعله ، وبلغه أنه عنده في رفاهية وسعة
    وهو حينئذ بالرقة ، فكتب إليه ينكر ذلك عليه ويأمره بقتله ، فتوقف عن ذلك
    ولم يقدم عليه ، فاغتاظ هارون من ذلك ، ودعا مسروراً الخادم أن يخرج على
    البريد من وقته إلى بغداد ، ويحمل كتابين إلى العباس بن محمد والسندي بن
    شاهك ، وحين وصول الكتابين جلد ابن شاهك الفضل بن يحيى مائة سوط ،
    وحبس الإمام عنده.
    روى الشيخ الخصيبي بالاسناد عن علي بن أحمد البزاز ، قال : « أمر هارون
    السندي بن شاهك أن يبني لموسى عليه‌السلام محبساً في داره ويقيده بثلاثة قيود من
    ثلاثة أرطال حديد ، ويغلق الباب في وجهه إلاّ وقت الطعام ووضوء
    الصلاة » (1).
    وجلس هارون في مجلس حافل ، فأمر الناس بلعن الفضل بن يحيى
    فلعنوه ، ثم ان يحيى بن خالد قال لهارون : ان الفضل حدث وأنا أكفيك ما تريد ،
    ثم دعا يحيى بن خالد السندي فأمره فيه بأمره فامتثله ، فقتل الإمام على يد
    السندي بسمّ جعله في طعام ، وقيل : في رطب قدمه إليه ، ولبث ثلاثاً بعده
    موعوكاً ، ثم مات في اليوم الثالث.
    فلما استشهد الإمام عليه‌السلام أدخل السندي الفقهاء ووجوه أهل بغداد عليه ،
    فنظروا إليه لا أثر به وشهدوا على ذلك ، وإنما فعل السندي ذلك
    لإخفاء جريمة قتل الإمام عليه‌السلام بالسمّ ، وأخرج الجثمان المطهر فوضع
    على الجسر ببغداد ، ونودي : هذا موسى بن جعفر قد مات فانظروا
    __________________
    (1) الهداية الكبرى / الخصيبي : 265.

    إليه.
    فجعل الناس يتفرسون في وجهه وهو ميت ، وأمر يحيى ابن خالد أن
    ينادى عليه عند موته : هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه لا يموت
    فانظروا إليه.
    فنظر الناس إليه ميتاً ، ثم حمل فدفن في مقابر قريش (1).
    وفي هذا يقول أحد الشعراء (2) :
    ما أنصفتك بنو الأعمام إذ قطعت
    أواصراً برسول الله تتحد

    أبكيك رهن السجون المظلمات وقد
    ضاق الفضا وتوإلى حولك الرصد

    لبثت فيهن أعواماً ثمانية
    ما بارحتك القيود الدهم والصفد

    تمسي وتغدو بنو العباس في مرح
    وأنت في محبس السندي مضطهد

    دسوا اليك نقيع السم في رطب
    فاخضر لونك مذ ذابت به الكبد

    حتى قضيت غريب الدار منفرداً
    لله ناءٍ غريب الدار منفرد

    أبكي لنعشك والأبصار ترمقه
    ملقى على الجسر لا يدنو له أحد

    أبكيك ما بين حمالين أربعة
    تشال جهراً وكل الناس قد شهدوا

    نادوا عليه نداء تقشعر له
    السبع الطباق فهلا زلزل البلد

    لم تجتمع هاشم البطحا لديه ولا
    الأشراف من مضر الحمراء تحتشد

    كأنها ما درت أن العميد مضى
    ومن رواق علاها قد هوى العمد (3)

    __________________
    (1) الإرشاد 2 : 240 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 440 ، مقاتل الطالبيين : 336 ، الغيبة
    / الطوسي : 26 / 6 ، اعلام الورى / الطبرسي 2 : 33 ، الفصول المهمة / ابن
    الصباغ : 220.
    (2) هو الشيخ محمد علي اليعقوبي ( ت / 1385 هـ).
    (3) ديوان اليعقوبي الموسوم بالذخائر : 55.

    أسباب استدعاء الإمام وسجنه :
    أولاً ـ الخوف من عمل الإمام عليه‌السلام :
    وتلك عقدة لم تفارق غالبية الحكام العباسيين ومن قبلهم الأمويين ،
    فجميعهم يساورهم الشك بعمل الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام ويعتقدون أنهم
    يمتلكون من القوة والهيبة ما يستطيعون إزاحتهم عن عروشهم ، هذا مع قناعة
    بني العباس بابتعاد الإمام الكاظم عليه‌السلام عن واقع الحياة السياسية.
    يروى أن هارون اللارشيد لعنه الله لما صار إلى المدينة وصل كل هاشمي أو
    قرشي أو مهاجري أو أنصاري ممن دخل عليه بخمسة آلاف درهم وما دونها
    إلى مائتي دينار ، على قدر شرفه وهجرة آبائه ، وحين دخل الإمام الكاظم عليه‌السلام
    رحّب به ، وعند منصرفه من الحج أمر بصرّة سوداء فيها مائتا دينار أرسلها
    إليه ، فسأله المأمون وكان جريئاً عليه : يا أمير المؤمنين ، تعطي أبناء المهاجرين
    والأنصار وسائر قريش وبني هاشم ومن لا يعرف حسبه ونسبه خمسة آلاف
    دينار إلى ما دونها ، وتعطي موسى بن جعفر وقد أعظمته وأجللته مائتي
    دينار ؟! أخسّ عطية أعطيتها أحداً من الناس. فقال : اسكت لا أمّ لك ، فاني لو
    أعطيت هذا ما ضمنته له ، ما كنت آمنه أن يضرب وجهي غداً بمائة ألف سيف
    من شيعته ومواليه ، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم
    وأعينهم (1).
    وهذه الذريعة عينها التي جعلت سلطة السقيفة تمنع الزهراء عليها‌السلام نحلتها ،
    وبقي الحكام بعدهم يحركون عجلة الحرب الاقتصادية ، ويضيّقون على آل
    البيت عليهم‌السلام ويقللون من أعطياتهم لسلب القدرة الاقتصادية التي قد تمكّنهم من
    استعادة سلطانهم المسلوب والتفاف الأنصار حولهم.
    __________________
    (1) عيون أخبار الرضا 1 : 88 / 11.

    وخوف هارون الطاغية اللعين من الإمام يتجلى من خلال تصريح سليمان
    ابن المنصور عم هارون ، حين قيل له : هذا موسى بن جعفر مات في الحبس ،
    فأمر هارون أن يدفن بحاله. فقال سليمان : موسى بن جعفر يدفن هكذا ! فإن في
    الدنيا من كان يُخاف على الملك ، في الآخرة لا يوفّى حقه ؟ (1).
    ثانياً ـ الحقد والغيرة :
    إن دأب الطغاة في كل عصر هو احتكار أسباب العظمة والتعالي لذواتهم ،
    فتستعر نفوسهم غيرة وحقداً على كل شخصية مرموقة في المجتمع ، ويزداد ذلك
    كلما كان الحاكم على مستوى متدنٍ في سيرته وخلقه ، فلم يرق له أن يسمع
    الناس وهم يتحدثون عن شخص تجتمع فيه الكمالات الروحانية والفكرية
    قولاً وعملاً ، ويعدّ اختصاراً لشخص الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله في مظاهر العظمة من
    العبادة ورجاحة العلم والحلم والزهد والكرم والشجاعة وغيرها.
    إن بغض أهل البيت عليهم‌السلام ثقافة يرثها الحاكم عن أسلافه ويتقرب بها إليه
    أخلافه ، ففي رواية الشيخ الصدوق عن المأمون يقول : ما زلت أحب أهل البيت
    وأظهر للرشيد بغضهم تقرباً إليه (2).
    وما ذنب الأئمة عليهم‌السلام حتى يُحقد عليهم إذا أحب الناس العلم وأهله والحق
    ومن انتصر له ؟ ذنبهم الوحيد عند الطغاة أنهم ورثة الأنبياء عليهم‌السلام ، وأنهم أئمة
    حق وهدى وغيرهم أئمة باطل وضلال.
    وتتجسد غيرة هارون اللئيم من الإمام الكاظم عليه‌السلام في موقف افتخر فيه
    الإمام عليه‌السلام على هارون حين جاء مكة حاجاً ، فأتى قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله زائراً له
    وحوله قريش وأفياء القبائل ومعه موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، فلما انتهى إلى القبر
    __________________
    (1) مناقب آل أبي طالب 3 : 441.
    (2) أمالي الصدوق : 307 / 1 ، عيون أخبار الرضا 1 : 93 / 12.

    قال : « السلام عليك يا رسول الله يا بن عمي. افتخاراً على من حوله ، لأنه كان
    في مقام استعراض ، لذلك يريد التضليل على الناس بالايحاء بأنه أقربهم إلى
    الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبذلك فهو أحق بالخلافة.
    فدنا موسى بن جعفر عليهما‌السلام فقال : السلام عليك ، يا أبة. وزاد في رواية
    اُخرى : أسأل الله الذي اصطفاك واجتباك وهداك وهدى بك أن يصلي
    عليك. فتغير وجه هارون وتبين فيه الغضب ، وقال : هذا الفخر يا أبا الحسن
    حقاً. ولم يحتملها هارون ، فلم يزل ذلك في نفسه حتى استدعاه وسجنه فأطال
    سجنه فلم يخرج إلاّ ميتاً مقيداً مسموماً » (1).
    ثالثاً ـ الوشاية :
    ذكر المؤرخون عدة ممن وشوا بالامام عند هارون ليزدادوا قرباً إليه
    وينالوا من حطام دنياه ، بدعوى قديمة جديدة هي أن الإمام عليه‌السلام تجبى له
    الأموال الطائلة من شتى ديار الإسلام ، وأنه يدعو إلى نفسه بالخلافة ويكتب
    إلى سائر الأمصار بذلك ، وأن الناس يبايعون له ، وما إلى ذلك من البهتان الذي
    اُعد سلفاً قبل حمل الإمام عليه‌السلام إلى العراق ، وقد تعاون جماعة من رجال البلاط
    على اختلاق تلك التهم وبذلوا الأموال الطائلة في سبيل اغراء بعض الجماعات
    المقربة من الإمام عليه‌السلام كي توقع به وتدلي بدلوها أمام الرشيد ، ومع أن الأخير قد
    ثبت لديه بالدليل بطلان ما يقولون لكنه كان مصراً على تنفيذ مآربه إلى
    النهاية.
    __________________
    (1) تاريخ بغداد 13 : 31 ، وفيات الأعيان 5 : 309 ، سير أعلام النبلاء 6 : 273 ،
    البداية والنهاية 10 : 197 ، اعلام الورى 2 : 28 ، كامل الزيارات : 18 ، الكافي 4 :
    553 / 8 ، تهذيب الأحكام 6 : 6 / 3 ، اسعاف الراغبين / ابن الصبان : 248 ،
    الصواعق المحرقة : 202.

    من الذين وشوا بالإمام عليه‌السلام ؟ :
    1 ـ علي بن إسماعيل بن جعفر :
    ذكرت بعض الأخبار أن علي بن اسماعيل ابن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام
    كان قد سعى بعمه ، وسبب ذلك أن الرشيد وضع ابنه محمد الأمين في حجر جعفر
    ابن محمد بن الأشعث ، فحسده يحيى بن خالد بن برمك خوفاً من أن يخسر
    موقعه بعد أن يفضي الأمر إلى الأمين وابن الأشعث ، وكان مذهب جعفر بن
    الأشعث التشيع ، فأظهر له يحيى أنه على مذهبه ، وأفضى إليه جعفر بجميع
    أموره ، فسعى به إلى هارون وزاد عليه بما يقدح في قلبه ، فذكر أنه لا يصل إلى
    ابن الأشعث مال من الخراج إلاّ أخرج خمسه فوجه به إلى موسى بن جعفر عليهما‌السلام ،
    وكان هارون يكذب ذلك بعد الاختبار والتجربة ، وجعل يحيى يحتال في اسقاط
    ابن الاشعث ، فطلب من ثقاته رجلاً من آل أبي طالب له رغبة في الدنيا ، فدل
    على علي بن اسماعيل بن جعفر ، فوعده يحيى بمزيد من الاحسان ، وقرر الخروج
    إلى العراق ، فأحس به الإمام موسى عليه‌السلام فاعترض عليه ، فاعتذر بأن عليه
    ديناً ، ووعده الإمام عليه‌السلام بقضاء دينه وكفاية عياله ، فلم يلتفت إلى ذلك ، وأبى
    إلاّ الخروج ، فأرسل إليه ثلاثمائة دينار وأربعة آلاف درهم ، فقال : « اجعل هذا
    في جهازك ، ولا تؤتم ولدي.
    فلما قام من بين يديه قال أبو الحسن موسى عليه‌السلام لمن حضره : والله ليسعين
    في دمي ، ويؤتمن أولادي. فقالوا له : جعلنا الله فداك ، فأنت تعلم هذا من حاله
    وتعطيه وتصله ! قال لهم : نعم ، حدثني أبي ، عن آبائه ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أن
    الرحم اذا قطعت فوصلت فقطعت قطعها الله ، وانني أردت أن أصله بعد
    قطعه لي ، حتى اذا قطعني قطعه الله.
    فخرج علي بن اسماعيل حتى أتى يحيى بن خالد ، ثم أوصله يحيى إلى


    هارون ، فسأله عن عمه موسى بن جعفر ، فسعى به إليه ، وقال له : ان الأموال
    تحمل إليه من المشرق والمغرب ، وان من كثرة المال عنده أنه اشترى ضيعة
    تسمى اليسيرة بثلاثين ألف دينار. وذكر لهارون أنه يجتمع على باب عمه من
    الناس أكثر مما يجتمع على باب هارون لعنه الله ، فأمر له بمائتي ألف درهم وولاه
    على بعض النواحي ، ومضت رسله لقبض المال ، فدخل إلى الخلاء فزحر زحرة
    خرجت منها حشوته كلها فسقط لوجهه ، واجتهدوا في ردها فلم يقدروا ، فوقع
    لما به (1) ، فجاءه المال وهو ينزع ، فقال : ما أصنع به وأنا في الموت ؟ ومات ولم
    ينتفع بالمال ، وخرج الرشيد في تلك السنة إلى الحج ، وبدأ بالمدينة فقبض فيها
    على أبي الحسن موسى عليه‌السلام » (2).
    2 ـ محمد بن اسماعيل بن جعفر :
    وفي رواية أن الذي وشى بالامام عليه‌السلام هو محمد بن اسماعيل ابن الإمام جعفر
    الصادق عليه‌السلام ، في قصة مشابهة لما تقدم ، رواها علي بن جعفر بن محمد ، وفيها أن
    محمد بن اسماعيل بن جعفر استاذن الإمام الكاظم عليه‌السلام في الخروج إلى العراق
    فأذن له ، وقال له : « أوصيك أن تتقي الله في دمي. فقال : لعن الله من يسعى
    في دمك. ثم ناوله أبو الحسن عليه‌السلام (450) ديناراً فقبضها محمد ، ثم أمر له بألف
    وخمسمائة درهم كانت عنده ، فقلت له في ذلك واستكثرته ، فقال : هذا ليكون
    أوكد لحجتي اذا قطعني ووصلته.
    قال : فخرج إلى العراق ، واستأذن على هارون فأمر بدخوله ، وقال :
    يا أمير المؤمنين ، خليفتان في الأرض ، موسى بن جعفر بالمدينة يجبى له الخراج ،
    __________________
    (1) أي ان حالته حالة الموت.
    (2) عيون أخبار الرضا 1 : 69 / 1 ، الارشاد 2 : 238 ، مقاتل الطالبيين : 333 ،
    روضة الواعظين : 218 ، التتمة في تواريخ الأئمة عليهم‌السلام : 113.

    وأنت بالعراق يجبى لك الخراج. فقال : والله. فقال : والله. قال : فأمر له بمائة ألف
    درهم ، فلما قبضها وحملت إلى منزله أخذته الذبحة في جوف ليلته فمات ، وحُوِّل
    من الغد المال الذي حمل إليه إلى الرشيد » (1).
    وقال ابن شهرآشوب : « كان محمد بن اسماعيل بن الصادق عليه‌السلام عند عمه
    موسى الكاظم عليه‌السلام يكتب له الكتب إلى شيعته في الآفاق ، فلما ورد هارون
    الحجاز سعى بعمه إلى هارون ، فقال : أما علمت أن في الأرض خليفتين يجبى
    اليهما الخراج ؟ فقال الرشيد : ويلك أنا ومن ؟ قال : موسى بن جعفر ، وأظهر
    أسراره ، فقبض عليه ، وحظي محمد عند هارون ، ودعا عليه موسى
    الكاظم عليه‌السلام بدعاء استجابه الله فيه وفي أولاده » (2).
    3 ـ محمد بن جعفر الصادق عليه‌السلام :
    وفي بعض الروايات أن محمد ابن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام هو الذي وشى
    بالامام الكاظم عليه‌السلام ، عن علي بن جعفر ، قال : « جاءني محمد بن اسماعيل بن
    جعفر ، وذكر لي أن محمد بن جعفر دخل على هارون الرشيد فسلم عليه
    بالخلافة ، ثم قال له : ما ظننت أن في الأرض خليفتين حتى رأيت أخي موسى
    ابن جعفر يسلم عليه بالخلافة » (3).
    ويبدو أنه محمد بن اسماعيل بن جعفر المتقدم إلاّ أنه منسوب إلى الجد ، لأن
    محمد بن جعفر كان معروفاً بالفضل والتقوى ، وكان مخالفاً لبني العباس ، وقد
    خرج أيام المأمون ، وتسمّى بأمير المؤمنين في سنة ( 199 ه‍ ).
    4 ـ يعقوب بن داود :
    وروي أن يعقوب بن داود كان ممن سعى بالامام الكاظم عليه‌السلام ، وكان يرى
    __________________
    (1) رجال الكشي : 263 / 478.
    (2) مناقب آل أبي طالب 3 : 440.
    (3) عيون أخبار الرضا 1 : 72 / 2.

    رأي الزيدية (1).
    رابعاً ـ مناظرة الرشيد في مسألة فدك :
    كان الإمام الكاظم عليه‌السلام قد ذكر قضية فدك في مجلس المهدي باسلوب
    المطالب ، ويعيد طرحها هنا لكن باكراه والحاح من الحاكم ، ومهما تكن الظروف
    المحيطة بالامام عليه‌السلام فان المؤدّى واحداً ، هو أن فدك رمز لحقّ مغتصب وخلافة
    مسلوبة ، لأن الكاظم عليه‌السلام ذكر بلدان الخلافة العباسية عند تحديدها ، ولا ريب
    أن صاحب الحق فيها هو عليه‌السلام ، والرشيد يدرك ذلك تماماً.
    روى المؤرخون أن هارون الرشيد كان يقول لموسى بن جعفر عليهما‌السلام : « حدّ
    فدكاً حتى أردها اليك ، فيأبى حتى ألح عليه ، فقال : لا آخذها إلاّ بحدودها ،
    قال : وما حدودها ؟ قال : إن حددتها لم تردها ؟ قال : بحق جدك إلاّ فعلت ،
    قال : أما الحد الأول فعدن ، فتغير وجه الرشيد ، وقال : إيهاً ، قال : والحد
    الثاني سمرقند ، فاربدّ وجهه ، والحد الثالث افريقية ، فاسودّ وجهه ، وقال :
    هيه ، قال : والرابع سِيف البحر مما يلي الجزر وأرمينية ، قال الرشيد : فلم
    يبقَ لنا شيء ، فتحول إلى مجلسي. قال موسى عليه‌السلام : قد أعلمتك أنني إن
    حددتها لم تردها ، فعند ذلك عزم على قتله ».
    وفي رواية : قال الرشيد : « هذا كله ، هذه الدنيا !. فقال : هذا كان في أيدي
    اليهود فأفاءه الله على رسوله بلا خيل ولا ركاب ، فأمره الله أن يدفعه إلى
    فاطمة عليها‌السلام » (2).
    خامساً ـ مناظرة هشام :
    وروي أن السبب الذي يمكن أن يضاف إلى باقي الأسباب ، هو مناظرة
    __________________
    (1) عيون أخبار الرضا 1 : 72.
    (2) ربيع الأبرار / الزمخشري 1 : 316 ، المناقب / ابن شهرآشوب 3 : 434.

    اضطروا فيها هشام بن الحكم إلى الافصاح عن رأيه ، روى ذلك الكشي عن
    يونس بن عبد الرحمن ذكر فيه أن يحيى بن خالد البرمكي قد وجد على هشام
    ابن الحكم شيئاً من طعنه على الفلاسفة ، وأحب أن يغري به هارون ، فذكر
    لهارون أن هشاماً يزعم أن لله في أرضه اماماً مفروض الطاعة ، وأنه لو أمره
    بالخروج لخرج ، فاحتال هارون بعقد مجلس جمع فيه المتكلمين ، وجعل يسمع
    هو من وراء الستر لئلا يفطنوا به ، فشحن يحيى المجلس بالمتكلمين ، وكان منهم
    ضرار بن عمرو ، وسليمان بن جرير ، وعبد الله بن يزيد الاباضي ، ورأس
    الجالوت وغيرهم ، فتساءلوا فتكافّوا وتناظروا وتقاطعوا ، وأخيراً تراضوا
    بهشام حكماً بينهم ، فأتوا به فابتدءوا الكلام في فساد اختيار الناس الإمام ،
    فسأل سليمان بن جرير هشاماً عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام مفروض الطاعة ؟ فقال
    هشام : نعم ، قال : فإن أمرك الذي بعده بالخروج بالسيف معه تفعل وتطيعه ؟
    فقال هشام : لا يأمرني ، قال : ولم اذا كانت طاعته مفروضة عليك ، وعليك أن
    تطيعه ؟ فقال هشام : عد عن هذا فقد تبين فيه الجواب. إلى أن قال سليمان : ليس
    أسألك إلاّ على سبيل سلطان الجدل ، ليس على الواجب انه لا يأمرك. فقال
    هشام : كم تحوم حول الحمى ! هل هو إلاّ أن أقول لك إن أمرني فعلت ، فتنقطع
    أقبح الانقطاع ، ولا يكون عندك زيادة ، وأنا أعلم بما يجب قولي ، وما إليه يؤول
    جوابي. قال : فتغير وجه هارون وقال : قد أفصح ، قال : فبلغنا أن هارون قال
    ليحيى : شد يدك بهذا وأصحابه ، وبعث إلى أبي الحسن موسى عليه‌السلام فحبسه ،
    فكان هذا سبب حبسه مع غيره من الأسباب (1) ، فعاش هشام متوارياً.
    الإمام يرد التهم :
    ونتعلم من الإمام الكاظم عليه‌السلام درساً في الدفاع عن الحق ودفع التهم التي
    __________________
    (1) اختيار معرفة الرجال / الطوسي 2 : 530 / 477.

    يلصقها أعداء الدين بالعقيدة الحقة وأهلها ، لقد دفع الإمام عليه‌السلام التهم عن نفسه
    إلى الحد الذي أقنع رأس السلطة بخلو ساحته من أي تهمة اُلصقت به أو اُعدّت
    له ، وعدم وجود أي نشاط مريب ضده ، لكن الرشيد كان مصراً على المضي في
    مخططه القاضي بتصفية الإمام إلى نهايته.
    روى محمد بن الزبرقان الدامغاني ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام
    قال : « لما أمر هارون الرشيد بحملي ، دخلت عليه فسلمت ورأيته مغضباً ،
    فرمى إليَّ بطومار فقال : اقرأه ، فاذا فيه كلام ، قد علم الله عزوجل براءتي
    منه ، وفيه أن موسى بن جعفر يجبى إليه خراج الآفاق من غلاة الشيعة إلى
    أن قال : قلت : يا أمير المؤمنين ، والذي بعث محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنبوة ما حمل
    إليَّ أحد درهماً ولا ديناراً من طريق الخراج ، لكنا معاشر آل أبي طالب
    نقبل الهدية التي أحلها الله عزوجل لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله في قوله : لو اهدي لي كراع
    لقبلت ، ولو دعيت إلى ذراع لأجبت. وقد علم أمير المؤمنين ضيق ما نحن
    فيه ، وكثرة عدونا ، وما منعنا السلف من الخمس الذي نطق لنا به الكتاب ،
    فضاق بنا الأمر ، وحرمت علينا الصدقة ، وعوضنا الله عزوجل عنها الخمس ،
    واضطررنا إلى قبول الهدية ، وكل ذلك مما علمه أمير المؤمنين. فلما تم
    كلامي سكت. ثم قلت : إن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لابن عمه في
    حديث عن آبائه ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فكأنه اغتنمها ، فقال : مأذون لك ، هاته !
    فقلت : حدثني أبي ، عن جدي يرفعه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أن الرحم اذا مست
    رحماً تحركت واضطربت. فان رأيت أن تناولني يدك ، فأشار بيده إليّ ، ثم
    قال : ادن ، فدنوت فصافحني وجذبني إلى نفسه ملياً ، ثم فارقني وقد
    دمعت عيناه ، فقال لي : اجلس يا موسى ، فليس عليك بأس ، صدقت
    وصدق جدك وصدق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لقد تحرك دمي ، واضطربت عروقي ،


    وأعلم أنك لحمي ودمي ، وأن الذي حدثتني به صحيح » (1).
    وفي حديث آخر عنه عليه‌السلام أن الرشيد قال : « يا موسى ، خليفتين يجبى
    اليهما الخراج ؟! فقلت : يا أمير المؤمنين ، اعيذك بالله أن تبوء باثمي
    واثمك ، وتقبل الباطل من أعدائنا علينا ، فقد علمت أنه قد كذب علينا منذ
    قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بما علم ذلك عندك » (2) إلى آخر الحديث المتقدم.
    المبحث الثاني
    مواقف الإمام عليه‌السلام إزاء تصرفات السلطة
    كان الإمام الكاظم عليه‌السلام يدرك حراجة الموقف الذي مر به وهو في تباشير
    إمامته ، فكان من جانب ملزماً باتباع اُسلوب الحذر والكتمان من إبداء أي
    نشاط يدل على إمامته لشدة طلب المنصور لصاحب الوصية من أهل
    البيت عليهم‌السلام بعد الإمام الصادق عليه‌السلام ، ومن جانب آخر كان ينبغي أن يقوم بما
    يتوجب عليه تجاه أصحابه باعتباره قائداً رسالياً ، سيما وأن بعض الشيعة قد قال
    بإمامة غيره ، لكنه استطاع التوفيق بين الأمرين عن طريق التصريح بالوصية
    لخاصته وخلص أصحابه ريثما تتوفر الفرصة المناسبة لذلك ، ولعل من إفرازات
    تلك المرحلة أن الرواة من خلص أصحابه كانوا لا يسندون الحديث إليه بصريح
    اسمه حفظاً له وتقية من الظلم المسلط في ذلك العهد ، بل يكنون عنه بالعبد
    الصالح والعالم والسيد والرجل والماضي ، تعمية على رجال السلطة. ولم يشترك
    الإمام عليه‌السلام في الميادين السياسية بل كان منقطعاً إلى العلم والعبادة والزهد ، ولم
    ينضم إلى الثوار من الطالبيين ، لعلمه المسبق بمصير الثورة ، ولأنه لم يكن في
    __________________
    (1) الاختصاص : 48.
    (2) عيون أخبار الرضا 1 : 81 / 9.

    موقع المقاومة المسلحة للسلطة لعدم توفر عناصر القوة على مواجهة الحكم
    بالرفض الصريح والعمل الثوري من أجل إقامة دولة العدل ، وهناك مصالح
    أخرى يقدرها الإمام عليه‌السلام ويحسب حسابها ، ومع كل ذلك كان مبعث رعب
    وقلق في نفوس الحاكمين من بني العباس ، فأفقدوه حريته وجعلوه مفرداً غريباً
    وبالتالي تآمروا على حياته.
    وفيما يلي نذكر مواقف الإمام عليه‌السلام من جملة الأمور الاُخرى التي تهمه
    وتتطلب تدخله ، سواء ما يخص رجال السلطة أو أصحابه وشيعته أو ساجنيه.
    1 ـ موقفه في السجن :
    السجن في عرف الإمام عليه‌السلام هو ابتلاء ينقضي مثلما ينقضي الرخاء ، لكن
    هناك يوم طويل أعده الله للمقاصّة من الطغاة الظالمين ، ذلك هو فحوى رسالته
    التي بعثها الإمام عليه‌السلام من السجن إلى هارون لما طال سجنه ، ونصها : « إنه لن
    ينقضي عني يوم من البلاء إلاّ انقضى عنك معه يوم من الرخاء حتى نفضي
    جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون » (1).
    والسجن عند الإمام الكاظم عليه‌السلام مدرسة للعبادة والطاعة والصبر يسخرها
    الإنسان العارف لبلوغ مدارج الكمال ، ويتعلم فيها ويعلّم العزم الثابت والإرادة
    الصلبة والتصميم الراسخ على تحمّل الأزمات ، فصبر راضياً بما قضاه الله حتى
    سمّي الكاظم لما تحمّل من صعاب وما كظم من غيظ عما فعله الظالمون به.
    كان عليه‌السلام في السجن سيد الصابرين وإمام العابدين الذي يشكر خالقه لأنه
    حقق مراده ففرّغه لعبادته والانقطاع لطاعته بقوله : « اللهم إنك تعلم أني كنت
    __________________
    (1) البداية والنهاية 10 : 197 ، تاريخ بغداد 13 : 33 ، نور الأبصار / الشبلنجي :
    204 ، إسعاف الراغبين / ابن الصبان : 248 ، تذكرة الخواص : 360 ، الفصول
    المهمة : 222 ، الكامل في التاريخ 6 : 164 ، سير أعلام النبلاء 6 : 273.

    أسألك أن تفرغني لعبادتك ، اللهم وقد فعلت ، فلك الحمد » (1). من هنا
    كان عليه‌السلام يحيي الليل كله صلاة وقراءة للقرآن ودعاء ، ويصوم النهار في أكثر
    الأيام.
    لقد واجه الإمام الكاظم عليه‌السلام السجن بروح ملؤها الصبر والإصرار
    والتحدّي ، فلم يهن ولم تلن له قناة ، بل بقي في موقع القوة والصلابة والعنفوان
    والإخلاص لله ولرسوله وللإسلام والأمة ، كما لم يخطر بباله أن يظهر الإذعان
    والخضوع إلى السلطان الجائر كي يستدرّ عطفه وشفقته ، فقد قيل له عليه‌السلام وهو في
    الحبس : « لو كتبت إلى فلان يكلم فيك الرشيد ؟ فقال : حدثني أبي عن آبائه :
    أن الله عزوجل أوحى إلى داود : يا داود ، إنه ما اعتصم عبد من عبادي بأحد
    من خلقي دوني... إلاّ وقطعت عنه أسباب السماء ، وأسخت الأرض من
    تحته » (2).
    2 ـ موقفه من الرشيد :
    تتفاوت مواقف الإمام الكاظم عليه‌السلام من الرشيد بحسب المقام الذي يمليه
    عليه ، فقد يواجهه بالموعظة الحسنة أحياناً.
    عن إسماعيل بن بشر بن عمّار ، قال : « كتب هارون الرشيد إلى أبي الحسن
    موسى بن جعفر عليه‌السلام : عِظني وأوجز. قال : فكتب إليه : ما من شيءٍ تراه عينك
    إلاّ وفيه موعظةٌ » (3).
    وعن عبدالعظيم الحسني ، عن محمد بن علي ، عن أبيه ، قال : « دخل موسى
    ابن جعفر عليه‌السلام على هارون الرشيد ، وقد استخفه الغضب على رجلٍ ، فقال له :
    __________________
    (1) الإرشاد 2 : 240 ، الفصول المهمة : 220.
    (2) تاريخ اليعقوبي 2 : 414.
    (3) أمالي الصدوق : 599 / 829.

    انّما تغضب لله عزوجل ، فلا تغضب له بأكثر مما غضب لنفسه » (1).
    وقال الرشيد لموسى بن جعفر عليهما‌السلام : « اني قاتلك ! فقال : لا تفعل ، فإني
    سمعت أبي يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن العبد يكون واصلاً لرحمه وقد
    بقي من أجله ثلاث سنين فيمدها الله له حتى ثلاثين سنة ، ويكون العبد
    قاطعاً لرحمه وقد بقي من أجله ثلاثون سنة فيصيرها الله حتى يجعلها
    ثلاث سنين » (2).
    وقد تكون المواجهة أشد وأكثر وقعاً ، كما في المناظرات التي ردّ فيها
    الإمام عليه‌السلام شبهات الرشيد المتعلقة بالامامة وحقوق أهل البيت عليهم‌السلام ،
    وانتسابهم إلى جدهم المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفضلهم على بني العباس. ومنها ما رواه
    هاني بن محمد بن محمود ، عن أبيه ، رفعه إلى موسى بن جعفر عليهما‌السلام أنه قال :
    « دخلت على الرشيد فقال لي : لِمَ جوزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم
    إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويقولون لكم : يا بني رسول الله ، وأنتم بنو علي ، وانما
    ينسب المرء إلى أبيه ، وفاطمة إنما هي وعاء ، والنبي جدكم من قبل اُمكم ؟
    فقلت : يا أمير المؤمنين ، لو أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نشر فخطب إليك كريمتك ،
    هل كنت تجيبه ؟ فقال : سبحان الله ! ولِمَ لا اُجيبه ؟ بل أفتخر على العرب
    والعجم وقريش بذلك. فقلت : لكنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يخطب إليّ ولا اُزوجه. فقال :
    ولِم ؟ فقلت : لأنّه ولدني ولم يلدك. فقال : أحسنت يا موسى.
    ثم قال : كيف قلتم : إنا ذرية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والنبي لم يعقب ، وإنما العقب
    للذكر لا للاُنثى ، أنتم ولد البنت ، ولا يكون لها عقب ؟
    فقلت : أسألك بحق القرابة والقبر ومن فيه إلاّ ما أعفيتني عن هذه
    المسألة. فقال : لا أو تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي ، وأنت يا موسى
    __________________
    (1) أمالي الصدوق : 71 / 39 ، عيون أخبار الرضا 1 : 292 / 44.
    (2) ربيع الأبرار / الزمخشري 3 : 553.

    يعسوبهم وإمام زمانهم ، كذا أُنهي إليّ ، ولست أعفيك في كل ما أسألك
    عنه ، حتى تأتيني فيه بحجة من كتاب الله تعالى ، وأنتم تدّعون معشر ولد
    علي أنه لا يسقط عنكم منه شيء ألف ولا واو إلاّ وتأويله عندكم ،
    واحتججتم بقوله عزوجل : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) (1) وقد
    استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم.
    فقلت : تأذن لي في الجواب ؟ فقال : هات ! فقلت : أعوذ بالله من
    الشيطان الرجيم ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ
    وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا
    وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ ) (2) من أبو عيسى يا أمير المؤمنين ؟ فقال : ليس لعيسى
    أب. فقلت : انما ألحقناه بذراري الأنبياء عليهم‌السلام من طريق مريم عليها‌السلام ، وكذلك
    أُلحقنا بذراري النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من قبل أُمنا فاطمة عليها‌السلام.
    أزيدك يا أمير المؤمنين ؟ قال : هات ! قلت : قول الله عزوجل : ( فَمَنْ
    حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ
    وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ عَلَى
    الْكَاذِبِينَ ) (3) ولم يدّع أحد أنه أدخل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تحت الكساء عند مباهلة
    النصارى إلاّ علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، فكان
    تأويل قوله عزوجل : ( أَبْنَاءَنَا ) الحسن والحسين عليهما‌السلام ( وَنِسَاءَنَا )
    فاطمة عليها‌السلام ( وَأَنفُسَنَا ) علي بن أبي طالب عليه‌السلام » (4).
    ونجد الإمام عليه‌السلام أكثر صلابة وأشدّ تحدياً للرشيد وبطانته في حادثة
    __________________
    (1) سورة الأنعام : 6 / 38.
    (2) سورة الأنعام : 6 / 84 ـ 85.
    (3) سورة آل عمران : 3 / 61.
    (4) عيون أخبار الرضا 1 : 83.

    افتخاره عليه‌السلام على هارون ، حين جاء قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله زائراً له وحوله قريش وسائر
    القبائل ، فلما انتهى إلى القبر قال : « السلام عليك يا رسول الله يا بن عمي ، فدنا
    موسى بن جعفر عليه‌السلام فقال : السلام عليك يا أبه » (1).
    ومثلها أيضاً أن الرشيد لما حج لقيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام على بغلة ، فقال له
    الفضل بن الربيع : « ما هذه الدابة التي تلقيت عليها أمير المؤمنين ؟ فأنت إن
    طلبت عليها لم تدرك ، وإن طلبت لم تفت. قال : إنها تطأطأت عن خيلاء
    الخيل ، وارتفعت عن ذلة العِير ، وخير الأمور أوسطها » (2). فإنما يتلقى الناس
    الخليفة على الخيل أو الابل الفارهة وليس على البغال ، لكن الإمام عليه‌السلام يريد أن
    يؤكد حقيقة أن أولى الناس بالتواضع هو خليفة المسلمين ، وعليه أن يتحلى
    بأوسط الأمور ويأمر الناس بها ، لأن التواضع خصلة كريمة ، والافراط بها يعني
    الخيلاء والتكبر ، والتفريط بها يعني الذلة والخنوع ، وهو هنا يقدم مثلاً رائعاً في
    الزهد والتواضع والترفع عن مظاهر الترف الزائلة.
    3 ـ مقاطعة الدولة :
    اتخذ الإمام الكاظم عليه‌السلام ومن قبله آباؤه الميامين عليهم‌السلام موقفاً حازماً تجاه
    السلطات الحاكمة ، يتمثل في دعوة أصحابه إلى مقاطعتها وعدم الركون إليها ،
    والتحذير من شتى أنواع التعاون معها ، وتحريم الانضواء في أجهزتها إلاّ في
    حالات خاصة ، وصرّح الإمام عليه‌السلام بهذا الموقف لصفوان بن مهران الجمّال وغيره
    من أصحابه ، قال صفوان : « دخلت على أبي الحسن الأول عليه‌السلام فقال لي :
    يا صفوان ، كلّ شيءٍ منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً. قلت : جعلت
    فداك ، أيّ شيء ؟ قال : اكراؤك جمالك من هذا الرجل ـ يعني هارون ـ قال :
    __________________
    (1) تاريخ بغداد 13 : 31.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ   الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Emptyالأحد أكتوبر 27, 2024 9:17 am

    (2) مقاتل الطالبيين : 333 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 433 ، اعلام الورى 2 : 27.

    والله ما أكريته أشراً ولا بطراً ولا للصيد ولا للهو ، ولكنّي أكريته لهذا الطريق
    ـ يعني طريق مكة ـ ولا أتولاه بنفسي ، ولكن أبعث معه غلماني. فقال لي :
    يا صفوان ، أيقع كراؤك عليهم ؟ قلت : نعم ، جعلت فداك. قال : فقال لي :
    أتحبّ بقاءهم حتى يخرج كراؤك ؟ قلت : نعم ، قال : من أحبّ بقاءهم فهو
    منهم ، ومن كان منهم كان ورد النار. قال صفوان : فذهبت فبعت جمالي عن
    آخرها ... » (1).
    وعن زياد بن أبي سلمة قال : « دخلت على أبي الحسن موسى عليه‌السلام فقال
    لي : يا زياد ، انّك لتعمل عمل السلطان ؟ قال : قلت : أجل. قال لي : ولِم ؟
    قلت : أنا رجل لي مروءة وعليّ عيال وليس وراء ظهري شيء. فقال لي :
    يا زياد ، لئن أسقط من حالق فأتقطّع قطعة أحبّ إليّ من أن أتولّى لأحدٍ
    منهم عملاً أو أطأ بساط رجلٍ منهم ، إلاّ لماذا ؟ قلت : لا أدري جعلت فداك.
    قال : إلاّ لتفريج كربة عن مؤمن ، أو فك أسره ، أو قضاء دينه. يا زياد ، إنّ
    أهون ما يصنع الله جل وعز بمن تولّى لهم عملاً أن يضرب عليه سرادق
    من نار إلى أن يفرغ من حساب الخلائق. يا زياد ، فإن وليت شيئاً من
    أعمالهم فأحسن إلى إخوانك فواحدة بواحدة ، والله من وراء ذلك » (2).
    أسباب هذا الموقف :
    يمكن أن نوعز الأسباب التي أدت إلى اتخاذ هكذا موقف من قبل الإمام
    الكاظم عليه‌السلام وآبائه المعصومين إلى ما يلي :
    أولاً : إنّ السلطات المعاصرة للأئمة عليهم‌السلام قد أمعنت في إقصائهم عن قيادة
    الاُمّة ، وعن أداء دورهم الرسالي الذي جعله الله تعالى حقّاً لهم ، ومارست
    __________________
    (1) رجال الكشي : 440 / 828.
    (2) الكافي 5 : 109 / 1 ، التهذيب 6 : 333 / 924.

    معهم شتّى أساليب الظلم والجور والقتل والسجن وغيرها ممّا هو ثابت في
    صفحات التاريخ ، من هنا فإنّ التعاون مع تلك السلطات هو تعبير عن حالة
    الرضا عن ذلك الموقف ، وعن ممارسات الظلم التي يعاني منها غالبية الناس ،
    فلو لم يجد الحاكمون من يعينهم على ظلمهم وتعسّفهم لما تمادوا إلى هذا الحدّ.
    ثانياً : إنّ السلطة تعتبر كياناً قائماً على الظلم والجور وبعيداً عن المنهج
    الإسلامي الأصيل في ممارسة الإدارة والحكم وعن أبسط مبادئ الإسلام
    الساميه وعقيدته السمحاء ، وعليه فإنّ العمل في أجهزتها يعبّر عن الإقرار
    بشرعيتها والاعتراف بأحقيّة ممارساتها.
    ثالثاً : إنّ هذا الموقف هو بمثابة دعوةٍ صريحةٍ للاُمّة إلى الانفتاح على مبادئها
    الرسالية وتوعيتها على واقع الظلم والفساد الذي يعيشه الحكم بسبب السلوك
    الهزيل الذي تبنّاه الحاكمون في قيادة مسيرة الاُمّة.
    استثناءات :
    إلى جانب هذا الموقف نجد الإمام الكاظم عليه‌السلام أجاز في حالات استثنائية
    لبعض شيعته ممارسة العمل في أجهزة الدولة ، فكان من بين الذين زاولوا عمل
    السلطان أحد أصحابه الكبار وهو علي بن يقطين الذي تولّى ديوان الأزمّة (1)
    أيام المهدي ، ومنصب الوزارة أيام هارون ، وأقره الإمام الكاظم عليه‌السلام. وعبد الله
    ابن سنان الكوفي ، وكان خازناً للمنصور والمهدي والهادي والرشيد ، وهو ثقة
    جليل لا يطعن عليه في شيء (2).
    وقد أجاز عليه‌السلام ذلك لمصالح وأسباب خاصة ، منها إرساء قواعد الحقّ
    __________________
    (1) وهو ديوان استحدثه عمر بن بزيع أيام المهدي لضبط الدواوين المتعددة وتولاّه
    بعده علي بن يقطين. تاريخ الطبرى 8 : 167 ، أحداث سنة ( 168 ه‍ ).
    (2) رجال النجاشي : 214 ، خلاصة العلاّمة : 192.

    والعدل ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والمشاركة في دفع الظلم والجور
    عن كاهل الأبرياء من المؤمنين ، والإحسان إليهم وقضاء حوائجهم ، وتفريج
    الكرب عنهم ، وفك أسرهم كما هو مضمون حديث زياد بن أبي سلمة المتقدم.
    وقال الإمام الكاظم عليه‌السلام : « إن قوماً يصحبون السلطان يتخذهم
    المؤمنون كهوفاً ، فهم الآمنون يوم القيامة ، إن كنت لأرى فلاناً منهم » (1).
    والمراد بفلان هو علي بن يقطين ، لكنه كنى عنه تقية عليه.
    وعن علي بن يقطين قال : « قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام : إنّ لله
    تبارك وتعالى مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أوليائه » (2).
    وقد طلب ابن يقطين من الإمام عليه‌السلام الإذن في ترك منصبه ، فلم يأذن له ،
    وأجابه : « لا تفعل ، فإن لنا بك أُنساً ، ولاخوانك بك عزاً ، وعسى أن يجبر
    بك كسراً ، ويكسر بك نائرة المخالفين عن أوليائه. يا علي ، كفارة أعمالكم
    الإحسان إلى إخوانكم ، اضمن لي واحدة وأضمن لك ثلاثة ، اضمن لي أن لا
    تلقى أحداً من أوليائنا إلاّ قضيت حاجته وأكرمته ، وأضمن لك أن لا يظلك
    سقف سجن أبداً ، ولا ينالك حد سيف أبداً ، ولا يدخل الفقر بيتك أبداً.
    يا علي ، من سرّ مؤمناً فبالله بدأ ، وبالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثنّى ، وبنا ثلّث » (3).
    4 ـ موقفه من أصحابه ومواليه :
    يؤكد الإمام عليه‌السلام على ضرورة تعزيز مبدأ الأخوة الإيمانية بين أصحابه ،
    ويسهم في دعمهم وقضاء حوائجهم وتحذيرهم من الفتن ، ودفعهم باتجاه
    التغذي بمائدة العلم والمعرفة.
    __________________
    (1) تاريخ اليعقوبي 2 : 414.
    (2) من لا يحضره الفقيه 3 : 108 / 451 ، الكافي 5 : 112 / 7.
    (3) كتاب قضاء حقوق المؤمنين / الصوري ـ منشور في مجلة تراثنا ـ العدد 3
    الصفحة 187 ـ الحديث 25.

    أ ـ تأكيد مبدأ الاخوّة :
    حرص الإمام الكاظم عليه‌السلام على تربية أصحابه تربية دينية تعكس روح
    الإسلام ومبادئه ، وقد مارس الإمام عليه‌السلام دور التربية والتوجيه لإعداد الجماعة
    الصالحة والقاعدة المؤمنة بمرجعيته الفكرية والروحية.
    عن إبراهيم بن هاشم ، قال : « رأيتُ عبد الله بن جندب بالموقف ، فلم أر
    موقفاً أحسن من موقفه ، ما زال مادّاً يديه إلى السماء ودموعه تسيل على خدّيه
    حتّى تبلغ الأرض ، فلمّا صدر الناس قلت له : يا أبا محمّد ، ما رأيتُ موقفاً أحسن
    من موقفك. قال : والله ما دعوت إلاّ لإخواني ، وذلك أنّ أبا الحسن موسى بن
    جعفر عليه‌السلام أخبرني أنّه من دعا لأخيه بظهر الغيب نُودي من العرش : ولك مائة
    ألف ضعف ، فكرهت أن أدع مائة ألف ضعف مضمونة لواحدة لا أدري
    تستجاب أم لا » (1).
    كما أكد الإمام الكاظم عليه‌السلام على مبادئ الإخوّة الإيمانية وإشاعة أجواء المحبة
    والنصيحة بعيداً عن الأنانية والاستئثار والغش والغيبة والتهمة ، وذلك من
    خلال جملة تعاليم إنسانية وحضارية راقية أدلى بها لأصحابه.
    عن عبد المؤمن الأنصاري قال : « دخلت على الكاظم عليه‌السلام وعنده محمد بن
    عبد الله الجعفي ، فتبسمت في وجهه ، فقال : أتحبه ؟ فقلت : نعم ، وما أحببته إلاّ
    فيكم ، فقال : هو أخوك ، المؤمن أخو المؤمن لأبيه ولأمه ، ملعون من اتهم
    أخاه ، ملعون من غش أخاه ، ملعون ملعون من لم ينصح أخاه ، ملعون
    ملعون من استأثر على أخيه ، ملعون ملعون من احتجب عن أخيه ، ملعون
    ملعون من اغتاب أخاه » (2).
    __________________
    (1) أمالي الصدوق : 540 / 723.
    (2) اعلام الدين / الديلمي : 125.

    ويؤكد الإمام عليه‌السلام ضرورة السعي لقضاء حاجة الأخ المؤمن ومساعدته
    وإجارته مبيناً ثواب هذا العمل وعقاب من لا يلتزم بما يقتضيه.
    عن علي بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : « سمعته يقول : من
    قصد إليه رجل من إخوانه مستجيراً به في بعض أحواله فلم يجره ، بعد أن
    يقدر عليه ، فقد قطع ولاية الله عز وجل » (1).
    وقال عليه‌السلام : « إن لله حسنة ادخرها لثلاثة : لإمام عادل ، ومؤمن حكم
    أخاه في ماله ، ومن سعى لأخيه المؤمن في حاجته » (2).
    وكان عليه‌السلام لا يقتصر على إصدار الأحكام القولية ، بل يسعى إلى ذلك من
    خلال سيرته العملية ، وخير دليل على ذلك أياديه البيضاء التي امتدت
    بالمساعدة إلى قطاعات واسعة من أبناء المجتمع آنذاك ، بحيث أنهم لا يعرفون من
    أين يأتيهم المال والطعام إلاّ بعد اعتقاله عليه‌السلام ، كما سعى بنفسه لقضاء حاجة
    إخوانه ، وغرس هذا المبدأ العظيم في نفوس أصحابه.
    عن محمد بن سالم ، قال : « لما حمل سيدي موسى بن جعفر عليهما‌السلام إلى هارون
    جاء إليه هشام بن إبراهيم العباسي ، فقال له : يا سيدي ، قد كتب لي صك إلى
    الفضل بن يونس ، فسله أن يروّج أمري. قال : فركب إليه أبو الحسن عليه‌السلام فدخل
    عليه حاجبه ، فقال : يا سيدي ، أبو الحسن موسى بالباب ، فقال : إن كنت
    صادقاً فأنت حر ولك كذا وكذا ، فخرج الفضل بن يونس حافياً يعدو حتى
    خرج إليه فوقع على قدميه يقبلهما ، ثم سأله أن يدخل فدخل ، فقال له : اقض
    حاجة هشام بن إبراهيم ، فقضاها » (3).
    __________________
    (1) الكافي 2 : 366 / 4.
    (2) الكافي 2 : 196 / 13.
    (3) اختيار معرفة الرجال : 50 / 957.

    وكان نتيجة جهود الإمام عليه‌السلام في هذا المضمار أن وجدنا في هذا الوقت
    رجالاً من أصحابه يقاسمون إخوانهم المال والثياب ديناراً ديناراً ودرهماً درهماً
    وثوباً ثوباً (1) ، لأنه عليه‌السلام كان يتابع أعمالهم بدقة في هذا الاتجاه.
    ب ـ تحذيرهم من الفتن :
    كان الإمام الكاظم عليه‌السلام حريصاً على تحذير أصحابه مما يتعرضون له من
    دسائس للإطاحة بهم ، وذلك لتفويت الفرصة على رجال السلطة من أن ينالوا
    من أصحابه ، فقد بعث عبد الرحمن بن الحجاج إلى هشام بن الحكم ، يأمره أن
    يسكت عن الخوض في الكلام ، فكف هشام عن ذلك حتى مات المهدي
    العباسي (2) ، وذلك في أعقاب تشديد المهدي العباسي على أهل الأهواء من
    الزنادقة وغيرهم (3).
    وحذر الإمام عليه‌السلام علي بن يقطين أكثر من مرة ، لكونه متهماً بالولاء
    للإمام عليه‌السلام ومعرضاً لأقوال الوشاة وما يختلقه رجال البلاط من اتهامات ،
    فحدث مرة أن الرشيد أهدى إليه ثياباً أكرمه بها ، وكان من جملتها دراعة خزّ
    سوداء موشاة بالذهب ، فأهدى علي بن يقطين الثياب ومعها الدراعة إلى الإمام
    الكاظم عليه‌السلام ، ولما وصلت إلى الإمام عليه‌السلام ردّ الدراعة إلى علي بن يقطين وأمره أن
    يحتفظ بها ، وبعد أيام سعى بعض الوشاة إلى الرشيد ، وذكر له أن ابن يقطين
    يعتقد بإمامة موسى بن جعفر ويحمل إليه خمس ماله ، وأنه قد حمل إليه الدراعة
    التي أكرمه بها ، فاستشاط الرشيد غيظاً ، فاستدعى علي بن يقطين وطلب منه
    إحضارها ، فلم يلبث أن جاء بها في سفط مختوم ووضعه بين يدي الرشيد ، فنظر
    __________________
    (1) راجع الحديث في بحار الأنوار 48 : 174 عن كتاب قضاء حقوق المؤمنين.
    (2) رجال الكشي : 227 / 131.
    (3) بحار الأنوار 48 : 196.

    إلى الدراعة كما هي ، فسكن غضبه وأمر أن يُضرب الساعي (1).
    وكتب علي بن يقطين إلى موسى بن جعفر عليهما‌السلام : « اختلف في المسح على
    الرجلين ، فإن رأيت أن تكتب ما يكون عملي عليه فعلت.
    فكتب أبو الحسن عليه‌السلام : الذي آمرك به أن تتمضمض ثلاثاً ، وتستنشق
    ثلاثاً ، وتغسل وجهك ثلاثاً ، وتخلل شعر لحيتك ثلاثاً ، وتغسل يديك
    ثلاثاً ، وتمسح ظاهر اذنيك وباطنهما ، وتغسل رجليك ثلاثاً ، ولا تخالف
    ذلك إلى غيره ، فامتثل أمره وعمل عليه ، فقال الرشيد : أحب أن أستبرئ أمر
    علي بن يقطين فإنهم يقولون إنه رافضي والرافضة يخففون في الوضوء ، فلما دخل
    وقت الصلاة راقبه الرشيد بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو ، فتوضأ كما
    أمره الإمام عليه‌السلام ، فقام الرشيد وقال : كذب من زعم أنك رافضي ، فورد على علي
    ابن يقطين كتاب الإمام عليه‌السلام : توضأ من الآن كما أمر الله ، اغسل وجهك مرة
    فريضة والاُخرى إسباغاً ، واغسل يديك من المرفقين كذلك ، وامسح
    مقدم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك ، فقد زال ما يُخاف
    عليك » (2).
    5 ـ هداية الخلق :
    هنا يسجل الإمام الكاظم عليه‌السلام موقفاً يمثل أحد أهم واجبات الأنبياء
    وأوصيائهم عليهم‌السلام باعتبارهم قادة الرسالة والمعنيين بتبليغها ، لانقاذ من أغرتهم
    __________________
    (1) روضة الواعظين / الفتال : 213 ، اعلام الورى : 302 ، الخرائج والجرائح 1 :
    334 / 25 ، الفصول المهمة / ابن الصباغ المالكي : 218 ، نور الأبصار /
    الشبلنجي : 201.
    (2) اعلام الورى : 293 ، مناقب آل أبي طالب 4 : 288 ، الثاقب في المناقب : 451 ،
    الخرائج والجرائح 1 : 335 / 26.

    الدنيا وإخراجهم من ظلمات الجهل والضلال إلى نور العلم وساحل الأمان ، من
    خلال التأثر بسيرتهم الصالحة وبكراماتهم التي حباها لهم الله ، أو من خلال
    الوعظ والإرشاد ، ممّا له بالغ الأثر في هداية واستبصار الكثيرين ، وقد سجلت
    لنا كتب الحديث والتاريخ بعض آثار الإمام الكاظم عليه‌السلام في دعوته إلى الإصلاح
    والإرشاد في أوساط الأمّة المختلفة.
    فعلى يده عليه‌السلام تاب بشر الحافي لأنه اجتاز على داره ببغداد ، فسمع الملاهي
    وأصوات الغناء والقصب تخرج من تلك الدار ، فخرجت جارية وبيدها قمامة
    البقل فرمت بها في الدرب ، فقال لها : « يا جارية ، صاحب هذه الدار حرّ أم
    عبد ؟ ، فقالت : بل حر. فقال : صدقت ، لو كان عبداً خاف من مولاه. فلما
    دخلت قال مولاها وهو على مائدة السكر : ما أبطأك علينا ؟ فقالت : حدثني
    رجل بكذا وكذا ، فخرج حافياً حتى لقي مولانا الكاظم عليه‌السلام فتاب على يده » (1).
    ولما انتقل الإمام عليه‌السلام إلى سجن السندي بن شاهك بأمر هارون ، تعرفت
    عليه أخت السندي وتأثرت بهديه وصلاحه وعبادته ، فكانت إذا نظرت إليه
    قالت : خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل (2). فاعتنقت فكره ومذهبه ، ولعل من
    آثار ذلك أن أصبح كشاجم الشاعر حفيد السندي من أعلام الشيعة في عصره.
    ونقل ابن شهر آشوب عن كتاب الأنوار : « أن هارون الرشيد أنفذ إلى
    موسى بن جعفر عليهما‌السلام جارية حصيفة لها جمال ووضاءة لتخدمه في السجن ،
    فقال للخادم : قل له : ( بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ) (3) لا حاجة لي في هذه
    ولا في أمثالها. قال : فاستطار هارون غضباً وقال : ارجع إليه وقل له : ليس
    __________________
    (1) منهاج الكرامة / العلاّمة الحلي : 58.
    (2) تاريخ بغداد 13 : 32 ، تاريخ أبي الفداء 2 : 15.
    (3) سورة النمل : 27 / 36.

    برضاك حبسناك ، ولا برضاك أخدمناك. واترك الجارية عنده وانصرف ، قال :
    فمضى ورجع ، ثم قام هارون عن مجلسه ، وأنفذ الخادم إليه ليتفحص عن حالها ،
    فرآها ساجدة لربها لا ترفع رأسها ، تقول : قدوس ، سبحانك سبحانك ! فقال
    هارون : سحرها والله موسى بن جعفر بسحره عليّ بها » (1).
    وهدى إلى مذهب أهل البيت عليهم‌السلام الحسن بن عبد الله ، وهو رجل زاهد
    معني بدينه ، وذلك بعد أن طلب منه أن يتفقّه ويطلب الحديث عن فقهاء أهل
    المدينة ثم يعرض عليه الحديث ، ثم جاء فقرأه عليه فأسقطه كله ، ثم طلب منه
    أن يسلك سبيل المعرفة ، وعرفه ما يجب عليه معرفته من منهج أهل البيت عليهم‌السلام
    وما أوجب الله لهم (2).
    ودخل نفر من اليهود على الإمام الصادق عليه‌السلام ، وكان ولده الكاظم عليه‌السلام طفلاً
    في الخامسة من عمره ، فسألوا الإمام الكاظم عليه‌السلام عن الآيات التسع التي أوتيها
    موسى بن عمران عليه‌السلام فذكرها لهم ، وسألوه عما أعطي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من الآيات التي
    نفت الشك عن قلوب من أرسل إليهم ، فعدد عليه‌السلام نحو ستاً وعشرين آية ودلالة
    من دلالات نبوة خاتم الأنبياء عليهم‌السلام ، فقالوا : نشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأن محمداً
    رسول الله ، وأنكم الأئمة القادة والحجج من عند الله على خلقه ، فوثب أبو
    عبد الله عليه‌السلام فقبّل بين عينيه ، ثم كساهم أبو عبد الله عليه‌السلام ووهب لهم ، وانصرفوا
    مسلمين (3).
    وأسلم على يده كثير من رهبان النصارى منهم راهب شامي ومعه جماعة
    بعد أن سائله ، ومن جملة المسائلة قال : «كيف طوبى أصلها في دار عيسى ،
    __________________
    (1) مناقب ابن شهر آشوب 4 : 297.
    (2) الكافي 1 : 353 / 8 ، الإرشاد 2 : 223.
    (3) قرب الاسناد : 132 ، الخرائج والجرائح 1 : 111 / 186.

    وعندكم في دار محمد ، وأغصانها في كل دار ؟ فقال عليه‌السلام : الشمس قد وصل
    ضوؤها إلى كل مكان وكل موضع ، وهي في السماء ، قال : والجنة لا ينفد
    طعامها وإن أكلوا منه ولا ينقص منه شيء ؟ قال : السراج في الدنيا يقتبس
    منه ولا ينقص منه شيء ، قال : ما يؤكل ويشرب في الجنة لا يكون بولاً ولا
    غائطاً ؟ قال : الجنين في بطن اُمّه ، قال : أهل الجنة لهم خدم يأتونهم بما أرادوا
    بلا أمر ؟ فقال : إذا احتاج الإنسان إلى شيء عرفت أعضاؤه ذلك ، ويفعلون
    بمراده من غير أمر ، قال : مفاتيح الجنة من ذهب أو فضة ؟ قال : مفتاح الجنة
    لسان العبد لا إله إلاّ الله ، قال : صدقت » (1).
    وأتاه رجل من أهل نجران من الرهبان ومعه راهبة ، فاستأذن لهما الفضل
    ابن سوار ، فبدأت الراهبة بالمسائل ، فسألت عن مسائل كثيرة ، كل ذلك
    يجيبها ، وسألها أبو إبراهيم عليه‌السلام عن أشياء لم يكن عندها فيها شيء فأسلمت ، ثم
    سأله الراهب عن مسائل كثيرة ، كل ذلك يجيبه فيها ، وسأل الراهب عن أشياء
    حتى انقطع الراهب ولم يكن عنده فيها شيء ، فأخبره بها ، فأسلم الراهب ،
    ودعا أبو إبراهيم عليه‌السلام بجبة خز وقميص قوهي وطيلسان وخف وقلنسوة فأعطاه
    إيّاها (2).
    وأتاه رجل نصراني وهو بالعريض ، فسأله عن عدة مسائل فأجابه حتى
    قطع زنّاره وصليباً كان في عنقه من ذهب وأسلم فحسن إسلامه ، وتزوج امرأة
    من بني فهر ، وأصدقها أبو إبراهيم عليه‌السلام خمسين ديناراً من صدقة علي بن أبي
    طالب عليه‌السلام وأخدمه وبوّأه ، وأقام حتى أخرج أبو إبراهيم إلى البصرة ، فمات بعد
    __________________
    (1) مناقب آل أبي طالب 3 : 186 ، بحار الأنوار 48 : 105.
    (2) الكافي 1 : 481 / 5.

    مخرجه بثمان وعشرين ليلة (1).
    وناظر بريهة النصراني هشام بن الحكم ، وكان يطلب الإسلام ويطلب من
    يحتج عليه ممن يقرأ كتبه ويعرف المسيح بصفاته ودلائله وآياته ، وعرف بذلك
    حتى اشتهر في النصارى والمسلمين واليهود والمجوس ، وافتخرت به النصارى ،
    وكان طالباً للحق والإسلام ، وكانت معه امرأة تخدمه ، فجاب بريهة البلدان
    حتى جاء إلى دكان هشام في الكرخ فناظره حتى أفحم بريهة ، ثم طلب منه أن
    يصحبه إلى الصادق عليه‌السلام ، فلقوا موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، فحكى له هشام الحكاية ،
    فلما فرغ قال عليه‌السلام لبريهة النصراني : « كيف علمك بكتابك ؟ ، قال : أنا عالم به
    وبتأويله ، قال : فابتدأ موسى عليه‌السلام يقرأ الإنجيل ، فقال بريهة : والمسيح لقد كان
    يقرأها هكذا ، وما قرأ هكذا إلاّ المسيح ، إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو
    مثلك ، فآمن على يديه وحسن إيمانه ، وآمنت المرأة وحسن إيمانها ، فلزم بريهة
    أبا عبد الله عليه‌السلام حتى مات أبو عبد الله عليه‌السلام ، ثم لزم موسى بن جعفر عليهما‌السلام حتى مات
    في زمانه ، فغسله بيده وكفنه بيده ولحده بيده ، وقال : هذا حواري من حواريي
    المسيح ، يعرف حق الله عليه » (2).

    * * *



    __________________
    (1) الكافي 1 : 478 / 4.
    (2) الكافي 1 : 227 / 1 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 426 ، التوحيد : 270.




    الفصل الثّالث
    الهوية الشخصية للإمام الكاظم عليه‌السلام
    نسبه :
    هو أبو الحسن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق ابن محمد باقر العلم ابن
    علي زين العابدين ابن الحسين السبط الشهيد ابن علي أمير المؤمنين وسيد
    الوصيين ، سابع أئمة أهل البيت الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين (1).
    أُمّه :
    أُمّه أُم ولد يُقال لها حميدة ابنة صاعد البربرية ، وتلقب أيضاً بالأندلسية ،
    __________________
    (1) انظر : ترجمة الإمام الكاظم عليه‌السلام في الكافي 1 : 476 ـ باب مولد أبي الحسن موسى
    ابن جعفر عليهما‌السلام ، الارشاد / الشيخ المفيد 2 : 215 ، اعلام الورى 2 : 5 ـ الباب
    السادس ، الهداية الكبرى / الخصيبي : 263 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 414 ، مناقب آل
    أبي طالب / ابن شهر آشوب 3 : 437 ، روضة الواعظين 1 : 264 ، تاريخ بغداد
    13 : 27 ، شذرات الذهب / ابن العماد الحنبلي : 304 ، وفيات الأعيان 5 : 308 ،
    عمدة الطالب / ابن عنبة الحسني : 225 ، البداية والنهاية / ابن كثير 10 : 197 ،
    صفة الصفوة / ابن الجوزي 2 : 184 ، ميزان الاعتدال / الذهبي 3 : 209 ، مقاتل
    الطالبيين : 499 ، تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : 196 ، تاريخ التراث العربي
    / سزكين 3 : 279 ، أعيان الشيعة 4 : 80 ، الاعلام / الزركلي 8 : 270 ، تاج
    المواليد / الطبرسي : 121 ، كشف الغمة / الإربلي 2 : 212 ، دلائل الإمامة /
    الطبري : 146 ، كفاية الطالب / الكنجي : 457 ، الفصول المهمة / ابن الصباغ :
    232 ، سير أعلام النبلاء 6 : 270 ، نور الأبصار / الشبلنجي : 301 ، مطالب
    السؤول / ابن طلحة : 83 ، المنتظم في تاريخ الملوك والاُمم / ابن الجوزي 9 : 87.

    وقال الخصيبي : والبربرية أصح ، وقيل : انّها روميّة ، وقال ابن عنبة : حميدة
    المغربية ، وتعرف بلؤلؤة والمصفاة (1).
    وفي رواية أن الإمام الصادق عليه‌السلام هو الذي لقبها بالمصفاة ، بقوله : « حميدة
    مصفّاة من الأدناس كسبيكة الذهب ، ما زالت الأملاك تحرسها حتى أدّيت
    إليّ كرامة من الله لي وللحجة من بعدي » (2).
    اشتراها الإمام الباقر عليه‌السلام وأهداها لولده الإمام الصادق عليه‌السلام ، فأولدها
    الإمام موسى بن جعفر عليهما‌السلام وإسحاق ومحمد (3) ، وقيل : موسى وإسحاق
    وفاطمة (4) ، وكانت من التقيات الثقات ، ولها كرامات.
    عن ابن عكاشة الأسدي في حديث طويل حاصله أنه لما أراد الباقر عليه‌السلام
    تزويج ابنه جعفر الصادق عليه‌السلام أمر بشراء حميدة ، فلما اُحضرت قال لها : « ما
    اسمك ؟ قالت : حميدة ، فقال عليه‌السلام : حميدة في الدنيا ، محمودة في الآخرة ، ثم
    قال لابنه جعفر عليه‌السلام : يا جعفر ، خذها إليك. فولدت خير أهل الأرض موسى
    ابن جعفر عليهما‌السلام » (5).
    مولده :
    ولد الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام في الأبواء (6) ، وكانت ولادته عليه‌السلام على أصح
    __________________
    (1) الكافي 1 : 479 ، الإرشاد 2 : 215 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 414 ، إكمال الدين /
    الصدوق 1 : 307 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 437 ، الهداية الكبرى : 263 ، تذكرة
    الخواص : 196 ، صفة الصفوة 2 : 184 ، اعلام الورى 2 : 5 ، بحار الأنوار 48 : 7.
    (2) الكافي 1 : 477 / 2.
    (3) الإرشاد 2 : 209.
    (4) تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام / رواية كبار المحدثين والمؤرخين : 123.
    (5) الكافي 1 : 476 / 1.
    (6) الأبواء : قرية من أعمال الفرع من المدينة ، بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة
    وعشرون ميلاً ، وبها قبر آمنة بنت وهب أم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.


    الروايات يوم الأحد السابع من صفر سنة ( 128 ه‍ ) (1) ، في أيام مروان الحمار
    آخر ملوك بني أمية ، أو يوم الثلاثاء قبل الفجر من نفس التاريخ المتقدم (2) ،
    وقيل : كان مولده سنة ( 129 ه‍ ) (3).
    وفي رواية منسوبة إلى الإمام أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام : ولد بالأبواء بين
    مكة والمدينة ، في شهر ذي الحجة سنة ( 127 ه‍ ) (4).
    واحتفى الإمام الصادق عليه‌السلام بوليده فرحاً وسروراً ، قال أبو بصير : «كنت مع
    أبي عبد الله عليه‌السلام في السنة التي ولد فيها ابنه موسى عليه‌السلام ، فلما نزلنا الأبواء وضع لنا
    أبو عبد الله عليه‌السلام الغداء ولأصحابه وأكثره وأطابه ، فبينا نحن نتغدى إذ أتاه رسول
    حميدة : إن الطلق قد ضربني ، وقد أمرتني أن لا أسبقك بابنك هذا. فقام أبو عبد
    الله عليه‌السلام فرحاً مسروراً ، فلم يلبث أن عاد إلينا حاسراً عن ذراعيه ضاحكاً سنّه ،
    فقلنا : أضحك الله سنّك ، وأقرّ عينك ، ما صنعت حميدة ؟ فقال : وهب الله لي
    غلاماً ، وهو خير من برأ الله ، ولقد خبرتني عنه بأمر كنت أعلم به منها.
    قلت : جعلت فداك وما خبرتك عنه حميدة ؟ قال : ذكرت أنه لما وقع من
    بطنها وقع واضعاً يديه على الأرض رافعاً رأسه إلى السماء ، فأخبرتها أن
    __________________
    (1) الكافي 1 : 476 ، روضة الواعظين 1 : 264 ، الإرشاد 2 : 215 ، اعلام الورى 2 :
    5 ، تاج المواليد / الطبرسي : 121 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 437 ، الهداية
    الكبرى : 263 ، كشف الغمة 2 : 212 ، تاريخ بغداد 13 : 27 ، دلائل الإمامة :
    146 ، تذكرة الخواص : 196 ، كفاية الطالب : 457 ، الفصول المهمة : 232 ،
    الدروس للشهيد : 154 ، المنتظم في تاريخ الملوك والاُمم 9 : 87.
    (2) تاج المواليد : 45 ، بحار الأنوار 48 : 7.
    (3) تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام : 82 ، مطالب السؤول : 83 ، صفة الصفوة 2 : 187 ،
    تذكرة الخواص : 197 ، نور الأبصار : 301 ، وراجع المصادر المتقدمة.
    (4) دلائل الإمامة : 303.

    تلك أمارة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمارة الإمام من بعده » (1).
    ولم يقم الصادق عليه‌السلام بعد ولادته في الأبواء طويلاً ، بل عاد إلى يثرب ، فأولم
    بهذه المناسبة وأطعم ضيوفه ثلاثة أيام ، عن منهال القصاب ، قال : خرجت من
    مكة وأنا اُريد المدينة ، فمررت بالأبواء وقد ولد لأبي عبد الله عليه‌السلام ، فسبقته إلى
    المدينة ، ودخل بعدي فأطعم الناس ثلاثاً ، فكنت آكل فيمن يأكل ، فما آكل
    شيئاً إلى الغد حتى أعود فآكل ، فمكثت بذلك ثلاثاً أُطعم حتى أرتفق ثم لا أطعم
    شيئاً إلى الغد (2).
    حليته وصفته :
    وُصف عليه‌السلام في المصادر التي ترجمت له بأنه أسمر عميق حالك ، أي شديد
    السمرة ، وكان عليه‌السلام أزهر إلاّ في القيظ لحرارة مزاجه ، ربع (3) كثّ اللحية (4).
    ووصفه عليه‌السلام شقيق بن إبراهيم البلخي الأزدي (5) حينما خرج حاجاً في سنة
    ( 149 ه‍ ) ، قال : فنظرت إلى فتى حسن الوجه ، شديد السمرة ، ضعيف ، فوق
    ثيابه ثوب من صوف ، مشتمل بشملة ، في رجليه نعلان (6).
    __________________
    (1) الكافي 1 : 316 / 1 ، المحاسن / البرقي 2 : 314 / 32 ، بصائر الدرجات /
    الصفار : 460 / 4.
    (2) المحاسن 2 : 418 / 187.
    (3) الأزهر : المشرق المتلالئ لا الأبيض ، وقوله : لحرارة ، تعليل لعدم الزهرة في
    القيظ ، والربع : متوسط القامة.
    (4) الفصول المهمة : 232 ، بحار الأنوار 48 : 11.
    (5) زاهد صوفي ، من مشاهير المشايخ في خراسان ، حدث عن أبي حنيفة ، وقتل في
    غزاة كولان سنة ( 153 ه‍ ) ، وقيل : سنة ( 194 ه‍ ). سير أعلام النبلاء 9 : 313 ،
    حلية الأولياء 8 : 58.
    (6) كشف الغمة 3 : 3 ، نور الأبصار : 149 ، تذكرة الخواص : 348 ، صفة الصفوة 2 :


    ووصفه المأمون حين دخوله على الرشيد في موسم الحج : « شيخ
    مسخد (1) ، قد أنهكته العبادة ، كأنه شنّ بال ، قد كلم السجود وجهه وأنفه » (2).
    ومن صفات نفسه الزكية أنه كان أجل الناس شأناً ، وأعلاهم في الدين
    مكاناً ، وأسخاهم بناناً ، وأفصحهم لساناً ، وأشجعهم جناناً ، وقد خص بشرف
    الولاية ، وحاز إرث النبوّة ، وبُوِّأ محلّ الخلافة ، سليل النبوة ، وعقيد الخلافة (3).
    وكان عليه‌السلام عظيم الفضل ، رابط الجأش ، واسع العطاء ، لقب بالكاظم لكظمه
    الغيظ وحلمه (4).
    كنيته :
    كان عليه‌السلام يكنى أبا الحسن وأبا إبراهيم وأبا علي ، أو الخاص أبا علي (5) ،
    وقيل : أبو اسماعيل (6) ، وأشهرها الأول ، وقيل : الأثبت أبو إبراهيم ، لأنه
    قال عليه‌السلام : « منحني أبي كنيتين » (7) ، ويقال له أبو الحسن الأول أو الماضي ،
    وللرضا عليه‌السلام أبو الحسن الثاني ، ولعلي بن محمد النقي عليه‌السلام أبو الحسن الثالث ، فإذا
    ورد حديث عن أبي الحسن وأطلق أو خصص بالماضي أو الأول ، فالمراد موسى
    __________________
    185 ، الفصول المهمة : 233 ، إسعاف الراغبين : 247 ، دلائل الإمامة : 152 ،
    مطالب السؤول : 83.
    (1) أي مصفر الوجه.
    (2) عيون أخبار الرضا 1 : 88 / 11.
    (3) مناقب آل أبي طالب 3 : 437.
    (4) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : 226.
    (5) روضة الواعظين : 264 ، الهداية الكبرى : 263 ، بحار الأنوار 48 : 11 ، اعلام
    الورى 2 : 5 ، تاج المواليد : 45 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 437.
    (6) مطالب السؤول : 83 ، بحار الأنوار 48 : 11.
    (7) الارشاد 2 : 215.

    ابن جعفر الكاظم عليه‌السلام (1).
    ألقابه ونعوته :
    عرف عليه‌السلام بألقاب ونعوت كثيرة تدل على خصال نفسه الكريمة وخلال
    روحه السامية ، كالكاظم ، والعالم ، والأمين ، والمأمون ، والصابر ، والصالح ،
    والوفي ، وراهب بني هاشم ، ومنقذ الفقراء ، وأسخى العرب ، وأعبد أهل زمانه ،
    وأفقه الثقلين ، ومطعم المساكين ، وحليف كتاب الله ، والنفس الزكية ، وزين
    المجتهدين ، والزاهر ، وسمي بذلك لأنه زهر بأخلاقه الشريفة وكرمه المضيئ
    التام ، والمصلح ، والمبرهن ، والبيان ، وذو المعجزات ، والرشيد ، والطيب ،
    والسيد ، والمبارك ، والتابع لمرضاة الله ، والدليل على ذات الله عزّ وجلّ ،
    والسبط ، والكهف الحصين ، وقوام آل محمد ، ونظام أهل البيت ، ونور أهل بيت
    الوحي ، ولقبه الله في اللوح بالمنتخب ، وعرف في بعض الأسانيد وغيرها بالعبد
    الصالح ، لعبادته واجتهاده وقيامه بالليل ، وعرف بعد وفاته بباب الحوائج إلى
    الله ، لنجح مطالب المتوسلين إلى الله تعالى به (2).
    وأشهر ألقابه عليه‌السلام الكاظم ، والكاظم في اللغة : الممتلئ خوفاً وحزناً ، ومنه :
    كظم قربته ، إذا شدّ رأسها ، والكاظمة : البئر الضيقة والسقاية المملوءة.
    واختلف المؤرخون في سبب اطلاق هذا اللقب ، لكنهم اتفقوا على أنه سمي
    __________________
    (1) التتمة في تواريخ الأئمّة عليهم‌السلام / تاج الدين العاملي : 136 ، ألقاب الرسول وعترته
    / لقدماء المحدثين : 6.
    (2) روضة الواعظين : 264 ، الارشاد 2 : 215 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 437 ،
    تذكرة خواص الأمّة : 196 ، الغيبة / النعماني : 130 ، مطالب السؤول : 83 ، تاريخ
    أهل البيت عليهم‌السلام : 138 ، الهداية الكبرى : 263 ، بحار الأنوار 48 : 11 و 174 ،
    ملحقات إحقاق الحق / السيد المرعشي 33 : 829.

    الكاظم لكظمه الغيظ ، وسعة حلمه ، وكثرة تجاوزه ، واحسانه إلى من يسيء
    إليه ، وكان هذا دأبه دائماً.
    وقالوا : إنما سمي عليه‌السلام بالكاظم لما كظمه من الغيظ ، واحتمل من الأذى ،
    وصبر على فعل الظالمين به ، وسقوه السم مراراً حتى مضى عليه‌السلام قتيلاً في حبسهم
    ووثاقهم (1).
    عن ربيع بن عبد الرحمن ، قال : « كان والله موسى بن جعفر عليهما‌السلام من
    المتوسمين ، يعلم من يقف عليه (2) بعد موته ، ويجحد الإمام بعده إمامته ،
    فكان يكظم غيظه عليهم ، ولا يبدي لهم ما يعرفه منهم ، فسمي الكاظم
    لذلك » (3).
    وقال سبط ابن الجوزي : « كان موسى عليه‌السلام جواداً حليماً ، وإنما سمّي الكاظم
    لأنه كان إذا بلغه عن أحد شيء بعث إليه بمال » (4).
    نقش خاتمه :
    أخرج الصدوق عن الإمام الرضا عليه‌السلام قال : « كان نقش خاتم أبي الحسن
    موسى بن جعفر عليه‌السلام : حسبي الله ، قال الحسين بن خالد : وبسط أبو الحسن
    الرضا عليه‌السلام كفه وخاتم أبيه في إصبعه حتى أراني النقش » (5).
    وعن يونس والبزنطي ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال : « كان نقش خاتم
    __________________
    (1) تذكرة الخواص : 196 ، اعلام الورى 2 : 32 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 437 ،
    ألقاب الرسول وعترته : 63 ، بحار الأنوار 48 : 11.
    (2) أي يتوقف عليه ويدعي مهدويته ، ولا يقول بإمامة ولده الرضا عليه‌السلام.
    (3) عيون أخبار الرضا 1 : 112.
    (4) تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : 196.
    (5) أمالي الصدوق : 543 / 726 ، عيون أخبار الرضا 2 : 54 / 206.

    أبي الحسن عليه‌السلام : حسبي الله ، وفيه وردة وهلال في أعلاه » (1).
    وعن الحسن بن علي بن مهران وعلي بن مهزيار ، قال : « دخلت على
    أبي الحسن موسى عليه‌السلام وفي اصبعه خاتم فصه فيروزج ، نقشه : اللهُ المَلِكُ » (2).
    وعن ابن الصباغ وغيره : نقش خاتمه : الملك لله وحده (3).
    وعن الإربلي والكفعمي : نقش خاتمه : كن من الله على حذر ، وقيل : من
    كثرت سلامته دامت علته (4).
    شاعره :
    شاعره عليه‌السلام السيد الحميري (5) ، والظاهر من حديث درست بن أبي منصور
    أن الكميت بن زيد كان يتردد على الإمام الكاظم (6).
    بوّابه :
    بوابه عليه‌السلام : محمد بن المفضّل (7).
    عمره ومدّة إمامته :
    تقدم أن الإمام الكاظم عليه‌السلام ولد في سنة ( 128 ه‍ ) ، وقيل : سنة ( 129 ه‍ ) ،
    __________________
    (1) الكافي 6 : 473 ، بحار الأنوار 84 : 10 و 11.
    (2) الكافي 6 : 472 / 2 ، ثواب الأعمال / الصدوق : 209 ، مكارم الأخلاق : 89 ،
    عدة الداعي / ابن فهد : 119.
    (3) الفصول المهمة / ابن الصباغ : 232.
    (4) مصباح الكفعمي : 523 ، كشف الغمة 2 : 68 ، التتمة في تواريخ الأئمّة عليهم‌السلام : 106.
    (5) الفصول المهمة : 232 ، بحار الأنوار 48 : 173.
    (6) اختيار معرفة الرجال / الطوسي 2 : 465 / 364.
    (7) الفصول المهمة : 232 ، تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام : 148 ، الهداية الكبرى : 128 ،
    مصباح الكفعمي : 523 ، نور الأبصار : 164 ، وفي مناقب آل أبي طالب 3 : 438 :
    بوابه المفضّل بن عمر ، والظاهر أنه تصحيف محمد بن المفضل بن عمر المتقدم.

    واستُشهد مسموماً في حبس الرشيد لعنه الله سنة ( 183 ه‍ ) ، وقيل : سنة
    ( 186 ه‍ ) وبناءً على ذلك ، فإن مدة عمره عليه‌السلام على أصح الروايات خمس
    وخمسين سنة ، عشرون منها مع أبيه عليهما‌السلام ، لشهادة أبيه الصادق عليه‌السلام سنة
    ( 148 ه‍ ) ، وهي مدة إمامته (1).
    وقال سبط ابن الجوزي : « واختلفوا في سنه على أقوال ، أحدها : خمس
    وخمسون سنة ، والثاني : أربع وخمسون (2) ، والثالث : سبع وخمسون ، والرابع :
    ثمان وخمسون (3) ، والخامس : ستون » (4) ، وذكر الخصيبي أنه عليه‌السلام مضى وله تسع
    وأربعون سنة (5).
    وعن سليمان بن حفص ، أنه عليه‌السلام توفي وهو ابن سبع وأربعين سنة (6).
    أما قوله : أربع وخمسون وسبع وخمسون وثمان وخمسون سنة ، فهو مبني
    على الخلاف المتقدم في سنة ولادته ووفاته ، وباقي الأقوال لا يوجد ما يؤيدها ،
    ومعارضة بالمسلم من الروايات في هذا الشأن.
    وذكر الخصيبي أن مقامه مع أبيه جعفر الصادق عليهما‌السلام أربع عشرة سنة (7) ،
    وهو يستلزم إما تأخر ولادته بأربع سنين ، أو تقدم موت أبيه بهذا القدر ، ولم
    __________________
    (1) الارشاد 2 : 215 ، اعلام الورى 2 : 5 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 437 ، تاج
    المواليد : 121.
    (2) وهو مروي في الكافي 1 : 486 عن أبي بصير ، وذكر الشيخ الكليني أنه قبض
    وهو ابن أربع أو خمس وخمسين سنة.
    (3) ورد هذا القول أيضاً في تاريخ اليعقوبي 2 : 414.
    (4) تذكرة الخواص : 196.
    (5) الهداية الكبرى : 263.
    (6) عيون أخبار الرضا 2 : 97 / 7.
    (7) الهداية الكبرى : 263.

    ترد رواية تؤيد ذلك.
    أزواجه :
    كل أزواجه أمهات أولاد ، منهن أم الإمام الرضا عليه‌السلام ، وهي السيدة نجمة ،
    وكنيتها أُمّ البنين ، وهي جارية مولّدة من أشراف العجم ، حيث ولدت في ديار
    العرب ، ونشأت مع نسائهم وبناتهم وتأدّبت بآدابهم ، ولها أسماء وألقاب
    أخرى ، وهي سكن ، وأروى ، وسمانة ، وخيزران المرسية ، وشقراء ، وصقر ،
    وسكينة النوبيّة ، وشهد ، وسُلافة ، ولما ولدت الرضا عليه‌السلام سمّاها الإمام
    الكاظم عليه‌السلام الطاهرة ، وسمّاها الإمام الكاظم عليه‌السلام تكتم حين ملكها (1) ، قال
    الشاعر :
    ألا أن خير الناس نفسا ووالدا
    ورهطا وأجدادا عليُّ المعظم

    أتتنا به للعلم والحلم ثامنا
    إماما يؤدّي حجّة الله تكتم (2)

    وكانت في غاية العبادة والتقى ، وجاء في فضلها كثير من الأخبار ، ذكر
    الشيخ الصدوق : « أن الإمام الكاظم عليه‌السلام أمر هشام بن أحمر بشرائها من نخاس
    كان قد أتى بها من أقصى بلاد المغرب ، وجعلها عند اُمه السيدة حميدة ، وجاء
    عنها أنها رأت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام فقال لها : ياحميدة ، هبي نجمة لابنك
    موسى ، فأنّه سيولد له منها خير أهل الأرض ، فوهبتها له » (3).
    وفي رواية : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « يا ابن أحمر ، أما انها تلد مولوداً ليس
    __________________
    (1) إكمال الدين 1 : 307 ، الاختصاص / الشيخ المفيد : 197 ، كشف الغمّة 2 :
    267 ، فرق الشيعة / النوبختي : 96 ، تراجم أعلام النساء / الأعلمي 2 : 207 ،
    بحار الأنوار 49 : 3 / 3 و 6 / 7 ، و 15 و 16.
    (2) عيون أخبار الرضا 1 : 13 / 2.
    (3) عيون أخبار الرضا 1 : 14 / 4 ، الاختصاص / المفيد : 196.

    بينه وبين الله حجاب » (1).
    أولاده :
    اختلف المؤرخون في عدد أولاد الإمام الكاظم عليه‌السلام وعدد الاُناث والذكور
    منهم وأسمائهم ، فأقلّ ما قالوه أنهم ثلاثون : خمسة عشر ولداً وخمس عشرة
    اُنثى ، وذكروا أنهم سبعة وثلاثون : عشرون أبناً وسبع عشرة بنتاً ، وقيل : ثمان
    وثلاثون : عشرون ابناً وثماني عشرة بنتاً ، وقيل : تسع وثلاثون ولداً ذكراً
    واُنثى ، بينما ذكر بعضهم أنهم أربعون : عشرون ذكراً وعشرون اُنثى ، أو واحد
    وأربعون : ثمانية عشر ذكراً وثلاث وعشرون بنتاً ، وأكثر ما قالوه ستون ، منهم
    سبع وثلاثون بنتاً وثلاثة وعشرون ابناً.
    فالمعدود من الذكور ثمانية عشر وهم : الإمام علي الرضا عليه‌السلام ، وإبراهيم ،
    والعباس ، والقاسم ، وإسماعيل ، وجعفر ، وهارون ، والحسن ، وأحمد ، ومحمد ،
    وعبيد الله ، وحمزة ، وزيد ، وعبد الله ، وإسحاق ، والحسين ، والفضل ، وسليمان.
    وزاد آخرون : إبراهيم الأصغر ، وأبو بكر ، وجعفر الأصغر ، وعمر ،
    وعبد الرحمن ، ويحيى ، وعقيل ، وداود.
    ودرج منهم خمسة لم يعقبوا بغير خلاف وهم : عبد الرحمن ، وعقيل ،
    والقاسم ، ويحيى ، وداود.
    أما الاُناث فالمعدود منهنّ تسع عشرة وهنّ : فاطمة الكبرى ، وفاطمة
    الصغرى ، ورقية الكبرى ، وحكيمة ، وأم أبيها ، ورقية الصغرى ، وكلثم ، وأم
    جعفر ، ولبابة ، وزينب ، وخديجة ، وعلية ، وآمنة ، وحسنة ، وبريهة ، وعائشة ،
    وأم سلمة ، وميمونة ، وأم كلثوم. وزاد آخرون : أم فروة ، وأسماء ، وأم عبد الله ،
    __________________
    (1) بحار الأنوار 48 : 9.

    وزينب الصغرى ، وأم القاسم ، وحواء ، وأسماء الصغرى ، ومحمودة ، واُمامة (1).
    في سيرة بعضهم :
    لكل واحد من ولد أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام فضل ومنقبة مشهورة ،
    وكان أفضل ولد أبي الحسن موسى عليه‌السلام وأنبههم وأعظمهم قدراً ، وأعلمهم
    وأجمعهم فضلاً ، هو أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ، ثامن أئمة الهدى
    وأعلام التقى من أهل البيت عليهم‌السلام (2).
    وفيما يلي نذكر سيرة بعض أولاد الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام.
    1 ـ إبراهيم الأكبر : وكان سخياً شجاعاً كريماً ، تقلد الإمرة على اليمن في أيام
    المأمون من قبل محمد بن محمد بن زيد بن علي الذي بايعه أبو السرايا بالكوفة ،
    ومضى إليها ففتحها وأقام بها مدة إلى أن كان من أمر أبي السرايا ما كان ، فأخذ
    له الأمان من المأمون (3).
    2 ـ إبراهيم الأصغر : وهو المشهور بإبراهيم المجاب ، المدفون بالحائر
    الحسيني ، وهو جد السيدين الجليلين الشريفين : السيد المرتضى ، والسيد
    الرضي (4).
    __________________
    (1) كفاية الطالب : 457 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 414 ، الارشاد 2 : 215 ، ملحقات
    إحقاق الحق 33 : 821 و 832 ، الفصول المهمة : 241 ، بحار الأنوار 48 : 287
    و 303 ، تذكرة الخواص : 197 ، مطالب السؤول : 84 ، المنتظم في تاريخ الملوك
    والاُمم 9 : 87 ، البداية والنهاية 10 : 197 ، كشف الغمة 2 : 213 ، عمدة الطالب :
    196 ، سير أعلام النبلاء 6 : 274.
    (2) الارشاد 2 : 245 ، الفصول المهمة : 232.
    (3) الارشاد 2 : 245 ، مقاتل الطالبيين : 355 ، الفصول المهمة : 232 ، سر السلسلة
    العلوية / أبو نصر البخاري : 37.
    (4) عمدة الطالب : 202 ، بحار الأنوار 48 : 303 ، والظاهر من أغلب المحدثين أن


    3 ـ أحمد : وكان كريماً جليلاً ورعاً ، وكان أبو الحسن موسى عليه‌السلام يحبه
    ويقدمه ، ووهب له ضيعته المعروفة باليسيرة ، ويقال : ان أحمد بن موسى أعتق
    ألف مملوك (1). وهو المدفون بشيراز ويعرف بسيد السادات ، ويعرف عند أهل
    شيراز بشاه جراغ ، وفي عهد المأمون قصد شيراز مع جماعة ، وكان من قصده
    الوصول إلى أخيه الرضا عليه‌السلام ، فلما سمع به عامل المأمون على شيراز توجه إليه
    وقاتله خارج البلد في مكان يقال له : خان زينان ، فتفرق عنه أصحابه ، وتوجه
    نحو شيراز فاتبعوه وقتلوه ، وقيل : إنه لما دخل شيراز اختفى واشتغل بعبادة
    ربه ، حتى توفي لأجله ، ويعتقد البعض أن مشهد السيد أحمد في بلخ (2) ، ويعتقد
    البعض أن الذي بشيراز هو أحمد بن موسى المبرقع.
    4 ـ إسحاق : ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرضا عليه‌السلام ، وكان يلقب
    بالأمين ، وتوفي سنة ( 240 ه‍ ) في المدينة (3).
    5 ـ إسماعيل : وهو صاحب الجعفريات ، وقبره في مصر ، قال النجاشي :
    سكن مصر وولده بها ، وله كتب يرويها عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام منها : كتاب
    الطهارة ، كتاب الصلاة ، كتاب الزكاة ، كتاب الصوم ، كتاب الحج ، كتاب
    __________________
    المسمى بإبراهيم من أولاد أبي الحسن عليه‌السلام رجل واحد ، ولكن عبارة صاحب
    عمدة الطالب تدل على أن إبراهيم من ولده اثنان : إبراهيم الأكبر وإبراهيم
    الأصغر ، والأصغر يلقب بالمرتضى والعقب منه ، واُمه أم ولد نوبية اسمها نجية ،
    ومعلوم أن علماء النسب أعلم من غيرهم بهذا الشأن ، وصرح بحر العلوم أن
    الأصغر هو جد المرتضى والرضي ، وهو المدفون في الحائر الحسيني خلف ظهر
    الحسين عليه‌السلام.
    (1) الارشاد 2 : 245 ، الفصول المهمة : 235 ، ملحقات إحقاق الحق 33 : 833.
    (2) بحار الأنوار 48 : 308.
    (3) بحار الأنوار 48 : 284 و 314 ، الدرجات الرفيعة / السيد علي خان : 488.

    الجنائز ، كتاب الطلاق ، كتاب النكاح ، كتاب الحدود ، كتاب الدعاء ، كتاب
    السنن والآداب ، كتاب الرؤيا (1).
    6 ـ جعفر : ويقال له الخواري ، ويقال لولده الخواريون والشجريون لأن
    أكثرهم بادية حول المدينة يرعون الشجر ، وفي مشجر العميدي : كان جعفر
    موصوفاً بالشجاعة والفروسية ، وعده أبو نصر البخاري من خلص الموسوية
    الذين لم يجد أحداً يشك فيهم من النساب (2).
    7 ـ زيد : وهو الخارج بالبصرة أيام الأمين والمأمون ، عقد له محمد بن محمد
    ابن زيد بن علي على الأهواز أيام أبي السرايا ، ولما دخل البصرة وغلب عليها
    أحرق دور بني العباس فقيل له زيد النار ، وحاربه الحسن بن سهل فظفر به ،
    وأرسله إلى مرو مقيداً ، فعفا عنه المأمون ، ثم سقاه السم وقتله ، وقبره
    بمرو (3).
    8 ـ القاسم : وكان أبوه عليه‌السلام يحبه كثيراً ويرأف عليه ، وقبره في ناحية القاسم
    التابعة لقضاء الهاشمية في الحلّة من العراق ، وهو مزار متبرك به ، يقصده الناس
    للزيارة وطلب البركة ، وقد ذكر قبره ياقوت في معجم البلدان ، وعبد المؤمن
    البغدادي في مراصد الاطلاع ، ونص السيد ابن طاوس في مصباح الزائر على
    استحباب زيارته (4) ، وله كرامات كثيرة يعرفها جميع العراقيين.
    9 ـ محمد : هو الملقب بالعابد ، وكان من أهل الفضل والصلاح والعبادة
    __________________
    (1) بحار الأنوار 48 : 314.
    (2) بحار الأنوار 48 : 284.
    (3) تاريخ الطبري 10 : 231 ، سر السلسلة العلوية : 37 ، عمدة الطالب : 221 ،
    تذكرة الخواص : 197 ، بحار الأنوار 48 : 285 و 315.
    (4) عمدة الطالب : 229 ، بحار الأنوار 48 : 310.

    والكرم ، توفي بشيراز ودفن حيث مرقده اليوم مزار متبرك به ، وقيل دخل
    شيراز من جور العباسيين ، واختفى بمكان فكان يكتب القرآن ، وقد اعتق
    ألف نسمة من أجرة كتابته (1).
    10 ـ فاطمة عليها‌السلام : لها منزلة عظيمة ، وكرامات كثيرة وهي فاطمة الكبرى ،
    المدفونة في قم ، قيل : إن ولادتها في المدينة غرة ذي القعدة سنة ( 179 ه‍ ) ، أي
    في نفس السنة التي حمل فيها الرشيد الإمام عليه‌السلام إلى بغداد ، وخرجت فاطمة
    تقصد أخاها الرضا عليه‌السلام في سنة ( 201 ه‍ ) ، فلما وصلت إلى ساوة مرضت ،
    فطلبت حملها إلى قم ، ونزلت في بيت موسى بن خزرج الأشعري ، ثم توفيت
    فأمر موسى بدفنها في أرض كانت له ، ودفنت إلى جنبها أم محمد بنت موسى بن
    محمد بن علي الرضا عليه‌السلام ، وميمونة أختها ، وأم القاسم بنت علي الكوكبي ،
    وجاءت عدة روايات في فضل زيارتها مروية عن أبي الحسن الرضا
    والجواد عليهما‌السلام (2).
    اُخوته :
    كان لأبي الحسن عليه‌السلام ستة أخوة وهم : إسماعيل ، وعبد الله ، وإسحاق ،
    ومحمد ، والعباس ، وعلي ، وثلاث أخوات وهن : أم فروة ، وأسماء ،
    وفاطمة (3).
    __________________
    (1) الارشاد 2 : 245 ، بحار الأنوار 48 : 245 و 284 و 290 و 316 ، ملحقات
    إحقاق الحق 33 : 833 ، الفصول المهمة : 232.
    (2) كامل الزيارات : 324 / 1 و 2 ، عيون أخبار الرضا 2 : 267 / 1 ، ثواب
    الأعمال : 98 ، تاريخ قم : 213 ، بحار الأنوار 48 : 280.
    (3) الارشاد 2 : 209 ، تاج المواليد : 45 ، الهداية الكبرى : 247 ، تاريخ أهل
    البيت عليهم‌السلام : 105 ، بحار الأنوار 48 : 295.

    في سيرة بعضهم :
    1 ـ إسحاق : هو ومحمد أخوا الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام لاُمه وأبيه. وكان
    إسحاق من أهل الفضل والصلاح والورع والاجتهاد ، وروى عنه الناس
    الحديث والآثار ، وكان ابن كاسب إذا حدث عنه يقول : حدثني الثقة الرضي
    إسحاق بن جعفر ، وكان إسحاق يقول بإمامة أخيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام ،
    وروى عن أبيه النص بالإمامة على أخيه موسى عليه‌السلام (1).
    وقال ابن عنبة : « ويكنى أبا محمد ، ويلقب المؤتمن ، وولد بالعريض ، وكان
    من أشبه الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واُمه أم أخيه موسى الكاظم عليه‌السلام ، وكان محدثاً
    جليلاً ، وادّعت طائفة من الشيعة فيه الإمامة ، وكان سفيان بن عيينة إذا روى
    عنه يقول : حدثني الثقة الرضي إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن
    الحسين عليهم‌السلام.
    وهو زوج السيدة نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن السبط عليه‌السلام صاحبة
    الروضة المعروفة بالقاهرة بالست نفيسة ، سافرا معاً إلى مصر ، وأقاما
    بالفسطاط (2).
    2 ـ إسماعيل : وكان أبوه الصادق عليه‌السلام شديد المحبة له والبرّ به والاشفاق
    عليه ، وكان قوم من الشيعة يظنون أنه القائم بعد أبيه والخليفة له من بعده ، إذ
    كان أكبر اُخوته سناً ، ولميل أبيه إليه وإكرامه له ، لكنه مات في حياة أبيه
    بالعريض (3) سنة ( 143 ه‍ ) ، وقيل : سنة ( 133 ه‍ ) ، وحمل على رقاب الرجال ،
    وتقدم الصادق عليه‌السلام سريره بلا حذاء ولا رداء ، وأمر بوضع سريره على الأرض
    __________________
    (1) الارشاد 2 : 211.
    (2) بحار الأنوار 48 : 299.
    (3) العريض : واد بالمدينة فيه بساتين نخل.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ   الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Emptyالأحد أكتوبر 27, 2024 9:18 am

    قبل دفنه مراراً كثيرة ، وكان يكشف عن وجهه يريد عليه‌السلام بذلك تحقيق أمر وفاته
    عند الظانين خلافته له من بعده ، وإزالة الشبهة عنهم في حياته ، ودفن
    بالبقيع.
    وإسماعيل هو جد الخلفاء الفاطميين في المغرب ومصر (1) ، وكان عالماً فقيهاً
    ثقة ، ومن رواة الحديث ، له عدة كتب رواها عن أبيه عليه‌السلام (2).
    3 ـ عبد الله الأفطح : وكان أكبر اُخوته بعد إسماعيل ، وكان متهماً
    بالخلاف على أبيه في الاعتقاد ، ويقال إنه كان يخالط الحشوية ويميل إلى مذاهب
    المرجئة ، وادعى بعد أبيه الإمامة ، واحتج بأنه أكبر اُخوته الباقين ، فاتبعه على
    قوله جماعة من أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام ، ثم رجعوا بعد ذلك إلى القول بامامة
    أخيه موسى عليه‌السلام لما تبينوا ضعف دعواه وقوة أمر أبي الحسن عليه‌السلام ودلالة حقه
    وبراهين إمامته (3).
    4 ـ علي بن جعفر العُريضي : كنيته أبو الحسن ، وهو أصغر ولد أبيه ،
    قيل : مات أبوه عليه‌السلام وهو ابن سنتين ، وسكن العُريض من نواحي المدينة ونسب
    إليه ، وكان كثير الفضل ، جليل القدر ، شديد الورع ، سديد الطريق ، وهو
    مُحدِّث ثقة مشهور ، وكان شديد التمسك بأخيه موسى عليه‌السلام والانقطاع إليه ،
    والتوفر على أخذ معالم الدين منه ، وله مسائل مشهورة عنه ، وجوابات رواها
    سماعاً منه ، وهي مطبوعة ومتداولة إلى اليوم ، وعمَّر طويلاً حتى أدرك الإمام
    الجواد عليه‌السلام وقال بإمامته ومن قبله من الأئمة ، له كتب منها كتاب المناسك ،
    وكتاب في الحلال والحرام ، وله مشاهد ثلاثة ، الأول في قم مشهور ، والثاني في
    __________________
    (1) الارشاد 2 : 209 ، بحار الأنوار 48 : 295 ، الاعلام / الزركلي 1 : 311.
    (2) رجال النجاشي : 26 / 48 ، الفهرست / الشيخ الطوسي : 45 / 31.
    (3) الارشاد 2 : 211 ، بحار الأنوار 48 : 299.

    خارج قلعة سمنان ، والثالث في العُريض (1).
    5 ـ محمد : وكان زاهداً عابداً شجاعاً سخياً ، كثير الفضل ، راوية
    للحديث ، سكن مكة وروى بها الحديث ، وأقام بمرو وروى عن الإمام
    الرضا عليه‌السلام ، وكان يرى رأي الزيدية في الخروج بالسيف ، خرج على المأمون في
    سنة ( 199 ه‍ ) بمكة ، واتبعته الزيدية الجارودية ، فخرج لقتاله عيسى الجلودي
    ففرق جمعه وأخذه وأنفذه إلى المأمون ، فلما وصل إليه أكرمه وأدنى مجلسه منه
    وأحسن جائزته ، فكان مقيماً معه بخراسان حتى توفي بها.
    وقيل : سافر مع المأمون حين عودته من خراسان إلى العراق ، فلما وصل
    المأمون جرجان قتله بالسم ، وكان قبره معروفاً بجرجان إلى القرن الرابع (2).

    * * *




    __________________
    (1) رجال النجاشي : 251 / 662 ، الفهرست / الطوسي : 113 / 379 ، رجال
    الطوسي : 241 / 289 ، رجال الحلي : 92 / 4 ، تقريب التهذيب 2 : 33 / 304 ،
    تهذيب التهذيب 7 : 293 / 502 ، لسان الميزان 7 : 310 / 4101 ، شذرات
    الذهب 2 : 24 ، العبر 1 : 82 ، عمدة الطالب : 195 و 241 ، تاريخ قم : 224 ،
    مناقب ابن شهر آشوب 4 : 280 ، بحار الأنوار 48 : 300 ، معجم رجال الحديث /
    السيد الخوئي 11 : 288 / 7965 ، مقدمة كتاب مسائل علي بن جعفر : 15.
    (2) الارشاد 2 : 210 ، بحار الأنوار 48 : 300.





    الفصل الرّابع
    النص عليه بالإمامة
    كل واحد من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام إنما صار إماماً بعهد من الإمام الذي
    سبقه ، فضلاً عن النصوص الجامعة الواردة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأسمائهم عليهم‌السلام ،
    وخصال الكمال التي اجتمعت في نفوسهم ، وسبقم في العلم والمعرفة.
    قال الشيخ المفيد : « وكان الإمام بعد أبي عبد الله عليه‌السلام ابنه أبا الحسن موسى
    ابن جعفر العبد الصالح عليه‌السلام ، لاجتماع خلال الفضل فيه والكمال ، ولنص أبيه
    بالإمامة عليه وإشارته بها إليه.
    وكان عليه‌السلام أجلّ ولد أبي عبد الله عليه‌السلام قدراً ، وأعظمهم محلاً ، وأبعدهم في
    الناس صيتاً ، ولم ير في زمانه أسخى منه ، ولا أكرم نفساً وعشرة ، وكان
    أعبد أهل زمانه وأورعهم ، وأجلهم وأفقههم ، واجتمع جمهور شيعة أبيه على
    القول بإمامته ، والتعظيم لحقه ، والتسليم لأمره. ورووا عن أبيه عليه‌السلام
    نصوصاً كثيرة عليه بالإمامة ، وإشارات إليه بالخلافة ، وأخذوا عنه معالم
    دينهم ، ورووا عنه من الآيات والمعجزات ما يقطع بها على حجية وصواب
    القول بإمامته » (1).
    وفيما يلي نذكر أهم الأدلة الواردة في إمامته عليه‌السلام وكما يلي :
    __________________
    (1) الارشاد 2 : 214.

    أولاً ـ نص آبائه عليه عليه‌السلام :
    وردت المزيد من النصوص عن النبي والآل المعصومين عليهم‌السلام تصرح بتعيين
    أوصياء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وخلفائه من عترته واحدا بعد واحد بأسمائهم وأوصافهم
    بشكل يجلو العمى عن البصائر وينفي الشك عن القلوب ، نكتفي هنا بالإشارة
    إلى أهم مظانّ الأحاديث الواردة عن آبائه المعصومين عليهم‌السلام (1).
    ثانياً ـ نص أبيه عليه عليهما‌السلام :
    روى صريح النص بالإمامة على أبي الحسن موسى عليه‌السلام عن أبيه
    الصادق عليه‌السلام من شيوخ أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام وخاصته وبطانته وثقاته :
    كالمفضل بن عمر الجعفي ، ومعاذ بن كثير ، وعبد الرحمن بن الحجاج ، والفيض
    ابن المختار ، ويعقوب السراج ، وسليمان بن خالد ، وصفوان بن مهران الجمال ،
    وحمران بن أعين ، وأبي بصير ، وداود الرقي ، ويزيد بن سليط ، ويونس بن
    ظبيان وغيرهم. وروى ذلك من اُخوته : إسحاق وعلي ابنا جعفر ، وكانا من
    الفضل والورع على ما لا يختلف فيه اثنان (2).
    فيما يلي نعرض مختاراً من أهم النصوص الواردة عن أبيه عليه‌السلام في النص عليه
    والإشارة إليه بالإمامة من بعده :
    1 ـ عن الفيض بن المختار ، قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام خذ بيدي من
    النار ، من لنا بعدك ؟ فدخل عليه أبو إبراهيم عليه‌السلام ، وهو يومئذ غلام ، فقال : هذا
    __________________
    (1) اُصول الكافي 1 : 286 ـ باب ما نص الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله على الأئمّة عليهم‌السلام واحداً
    فواحداً ، إكمال الدين : 250 ـ 378 ـ الأبواب 23 ـ 36 ، بحار الأنوار 36 : 192 ـ
    418 ـ باب 40 ـ 48.
    (2) الارشاد 2 : 214 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 434.


    صاحبكم ، فتمسك به » (1).
    2 ـ عن معاذ بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « قلت له : أسأل الله الذي
    رزق أباك منك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها ، فقال : قد
    فعل الله ذلك ، قال : قلت : من هو جعلت فداك ؟ فأشار إلى العبد الصالح وهو
    راقد فقال : هذا الراقد ، وهو غلام » (2).
    3 ـ عن عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : « دخلت على جعفر بن محمد عليهما‌السلام
    في منزله ، فإذا هو في بيت كذا في داره في مسجد له ، وهو يدعو ، وعلى يمنيه
    موسى ابن جعفر عليهما‌السلام يؤمّن على دعائه ، فقلت له : جعلني الله فداك ، قد عرفت
    انقطاعي إليك وخدمتي لك ، فمن ولي الناس بعدك؟ فقال : إن موسى قد لبس
    الدرع واستوت عليه ، فقلت له : لا أحتاج بعد هذا إلى شيء » (3).
    4 ـ عن المفضل بن عمر ، قال : « كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فدخل أبو
    إبراهيم عليه‌السلام وهو غلام ، فقال : استوص به ، وضع أمره عند من تثق به من
    أصحابك » (4).
    5 ـ إسحاق بن جعفر ، قال : « كنت عند أبي يوماً ، فسأله علي بن عمر بن
    علي ، فقال : جعلت فداك ، إلى من نفزع ويفزع الناس بعدك ؟ فقال : إلى صاحب
    الثوبين الأصفرين والغديرتين (5) ، وهو الطالع عليك من هذا الباب ، يفتح
    البابين بيده جميعاً ، فما لبثنا أن طلعت علينا كفان آخذة بالبابين ففتحهما ، ثم
    __________________
    (1) الكافي 1 : 307 / 1.
    (2) الكافي 1 : 308 / 2.
    (3) الكافي 1 : 308 / 3.
    (4) الكافي 1 : 308 / 4.
    (5) يعني الذؤابتين.

    دخل علينا أبو إبراهيم عليه‌السلام » (1).
    6 ـ عن صفوان الجمال ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « قال له منصور بن
    حازم : بأبي أنت وأمي ، إن الأنفس يُغدى عليها ويُراح ، فإذا كان ذلك فمن ؟
    فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا كان ذلك فهو صاحبكم ، وضرب بيده على منكب
    أبي الحسن الأيمن ـ في ما أعلم ـ وهو يومئذ خماسي ، وعبد الله بن جعفر جالس
    معنا » (2).
    7 ـ عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ، عن أبي
    عبد الله عليه‌السلام ، قال : « قلت له : إن كان كون ـ ولا أراني الله ذلك ـ فبمن أئتمّ ؟
    قال : فأومأ إلى ابنه موسى عليه‌السلام » (3).
    8 ـ عن المفضل بن عمر ، قال : « ذكر أبو عبد الله عليه‌السلام أبا الحسن عليه‌السلام وهو
    يومئذ غلام ، فقال : هذا المولود الذي لم يولد فينا مولود أعظم بركة على
    شيعتنا منه » (4).
    9 ـ عن فيض بن المختار ـ في حديث طويل ـ قال أبو عبد الله مشيراً إلى
    ولده أبي الحسن موسى عليه‌السلام : « هو صاحبك الذي سألت عنه ، فقم إليه فأقرّ له
    بحقه ، فقمت حتى قبّلت رأسه ويده ، ودعوت الله عزّ وجلّ له » (5).
    10 ـ عن طاهر بن محمد ، قال : « كان أبو عبد الله عليه‌السلام يلوم عبد الله ويعاتبه
    ويعظه ويقول : ما منعك أن تكون مثل أخيك ؟! فوالله إني لأعرف النور في
    __________________
    (1) الكافي 1 : 308 / 5.
    (2) الكافي 1 : 309 / 6.
    (3) الكافي 1 : 309 / 7.
    (4) الكافي 1 : 309.
    (5) الغيبة / النعماني : 344 / 2.

    وجهه. فقال عبد الله : لِمَ ؟ أليس أبي وأبوه واحداً ، واُمي واُمه واحدة ؟! (1) ، فقال
    له أبو عبد الله عليه‌السلام : انه من نفسي وأنت ابني » (2).
    11 ـ عن يعقوب السراج ، قال : « دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وهو واقف
    على رأس أبي الحسن موسى عليه‌السلام وهو في المهد ، فجعل يساره طويلاً ، فجلست
    حتى فرغ ، فقمت إليه فقال لي : ادنُ من مولاك فسلم ، فدنوت فسلمت
    عليه... » (3).
    12 ـ عن سليمان بن خالد ، قال : « دعا أبو عبد الله عليه‌السلام أبا الحسن عليه‌السلام يوماً
    ونحن عنده ، فقال لنا : عليكم بهذا ، فهو والله صاحبكم بعدي » (4).
    13 ـ عن صفوان الجمال ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صاحب هذا
    الأمر ، فقال : إن صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب ، وأقبل أبو الحسن
    موسى عليه‌السلام وهو صغير ومعه عناق مكية ، وهو يقول لها : اسجدي لربك ،
    فأخذه أبو عبد الله عليه‌السلام وضمّه إليه ، وقال : بأبي وأمي من لا يلهو ولا
    يلعب » (5).
    14 ـ عن فيض بن المختار ، قال : « إني لعند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ أقبل أبو
    الحسن موسى عليه‌السلام وهو غلام ، فالتزمته وقبلته ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : أنتم
    السفينة وهذا ملاحها ، قال : فحججت من قابل ومعي ألفا دينار ، فبعثت بألف
    إلى أبي عبد الله عليه‌السلام ، وألف إليه ، فلما دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام قال : يا فيض
    __________________
    (1) في الارشاد واعلام الورى : أصلي وأصله واحداً.
    (2) الكافي 1 : 310 / 10.
    (3) الكافي 1 : 310 / 11.
    (4) الكافي 1 : 310 / 12.
    (5) الكافي 1 : 311 / 15.

    عدلته بي ؟ قلت : إنما فعلت ذلك لقولك ، فقال : أما والله ما أنا فعلت ذلك ، بل
    الله عزوجل فعله به » (1).
    15 ـ عن محمد بن الوليد ، قال : « سمعت علي بن جعفر الصادق عليه‌السلام يقول :
    سمعت أبي جعفر بن محمد عليهما‌السلام يقول لجماعة من خاصته وأصحابه : استوصوا
    بابني موسى خيراً ، فإنه أفضل ولدي ومن أخلف من بعدي ، وهو القائم
    مقامي ، والحجة لله تعالى على كافة خلقه من بعدي » (2).
    16 ـ عن إبراهيم الكرخي ، قال : « دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فإني
    لجالس عنده ، إذ دخل أبو الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام وهو غلام ، فقمت إليه
    فقبّلته وجلست ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ياإبراهيم ، أما أنه صاحبك من بعدي ،
    أما ليهلكن فيه قوم ويسعد آخرون ، فلعن الله قاتله وضاعف على روحه
    العذاب » (3).
    17 ـ عن يزيد بن سليط الزيدي ، قال : « لقينا أبا عبد الله جعفر
    الصادق عليه‌السلام في الطريق قاصداً إلى مكة ونحن جماعة ، فقلت له : بأبي أنت وأمي ،
    أنتم الأئمة المطهرون ، والموت لا يتعرى منه أحد ، فأحدث إليّ شيئاً ألقيه إلى ما
    يخلفني. فقال لي : نعم ، هؤلاء ولدي ، وهذا سيدهم ـ وأشار إلى ابنه موسى
    الكاظم ـ ففيه العلم والحكمة والفهم والسخاء والمعرفة فيما يحتاج إليه
    الناس فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم ، وفيه حسن الخلق وحسن الجوار ،
    وهو باب من أبواب الله عزّ وجلّ » (4).
    __________________
    (1) الكافي 1 : 311 / 16.
    (2) اعلام الورى : 291 ، بحار الأنوار 48 : 20 / 30.
    (3) إكمال الدين : 334 / 5 و 647 / 8 ، الغيبة / النعماني : 90 / 21.
    (4) الكافي 1 : 313 / 14 ، عيون أخبار الرضا 1 : 23 / 9.

    18 ـ وعن سلمة بن محرز ، قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن رجلاً من
    العجلية (1) ، قال لي : كم عسى أن يبقى لكم هذا الشيخ ، إنما هو سنة أو سنتين
    حتى يهلك ، ثم تصيرون ليس لكم أحد تنظرون إليه ؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ألا
    قلت له : هذا موسى بن جعفر قد أدرك ما يدرك الرجال » (2).
    19 ـ يزيد بن أسباط ، قال : « دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام في مرضته التي
    مات فيها ، فقال لي : يا يزيد ، أترى هذا الصبي ؟ إذا رأيت الناس قد اختلفوا
    فيه فاشهد علي بأني أخبرتك أن يوسف إنما كان ذنبه عند اُخوته حتى
    طرحوه في الجبّ الحسد له حين أخبرهم أنه رأى أحد عشر كوكباً
    والشمس والقمر وهم له ساجدون ، وكذلك لا بدّ لهذا الغلام من أن يُحسد ،
    ثم دعا موسى عليه‌السلام ، وعبد الله ، وإسحاق ، ومحمداً ، والعباس ، وقال لهم : هذا
    وصي الأوصياء ، وعالم علم العلماء ، وشهيد على الأموات والأحياء ، ثم قال :
    يزيد ( سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ) » (3).
    هذه هي بعض أهم النصوص وأوثقها ، وهناك المزيد من النصوص نقتصر
    فقط على الاشارة إلى مظانها (4).
    وصية الصادق عليه‌السلام :
    إن الباحث في نصوص الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام على ابنه موسى
    الكاظم عليه‌السلام ، والمتصفح لتاريخ الحقبة التي أعقبت وفاة الإمام الصادق عليه‌السلام ،
    __________________
    (1) وهم طائفة من الغلاة.
    (2) عيون أخبار الرضا 1 : 24 / 20.
    (3) مناقب آل أبي طالب 3 : 434. والآية من سورة الزخرف : 43 / 19.
    (4) غيبة النعماني : 342 ، الإمامة والتبصرة / ابن بابويه القمي : 66 ، كفاية الأثر /
    الخزاز القمي : 255 ، اعلام الورى 2 : 11 ، بحار الأنوار 84 : 12.

    تواجهه جملة أخبار يصرح بها الإمام عليه‌السلام بالوصية إلى خمسة أو ثلاثة نفر.
    منها خبر أبي أيوب النحوي ، قال : بعث إليّ أبو جعفر المنصور في جوف
    الليل فأتيته ، فدخلت عليه وهو جالس على كرسي ، وبين يديه شمعة وفي يده
    كتاب ، فقال لي : هذا كتاب محمد بن سليمان يخبرنا أن جعفر بن محمد قد مات ،
    فانا لله وإنا إليه راجعون ، وأين مثل جعفر ؟ ثم قال لي : اكتب ، قال : فكتبت
    صدر الكتاب ، ثم قال : اكتب إن كان أوصى إلى رجل واحد بعينه فقدمه
    واضرب عنقه ، قال : فرجع إليه الجواب أنه قد أوصى إلى خمسة ، وأحدهم أبو
    جعفر المنصور ، ومحمد بن سليمان ، وعبد الله ، وموسى ، وحميدة ، فقال أبو جعفر :
    ليس إلى قتل هؤلاء سبيل.
    ونحوه عن النضر بن سويد إلاّ أنه ذكر أنه أوصى إلى أبي جعفر المنصور ،
    وعبد الله ، وموسى عليه‌السلام ، ومحمد بن جعفر ، ومولى لأبي عبد الله عليه‌السلام (1).
    وفي رواية ابن شهر آشوب أنه أوصى إلى ابنه عبد الله ، وموسى عليه‌السلام ، وأبي
    جعفر المنصور (2).
    والإمام كما هو معهود لا يوصي إلى أكثر من واحد ، لكن شدة تطلّب
    الإمام المنصوص عليه بعد الصادق عليه‌السلام من قبل رأس السلطة وإصراره على
    تصفيته ، كما هو صريح الأخبار ، حدا بالامام الصادق عليه‌السلام إلى أن يتحاشى
    الصراحة في النص على إمامة ولده الكاظم عليه‌السلام إلاّ للخواص من شيوخ أصحابه
    وخاصته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين ، كما تقدم عن الشيخ المفيد
    وغيره (3) ، وشدّد عليه الإمام الصادق عليه‌السلام وهو يوصي المفضل بن عمر ، مشيراً
    __________________
    (1) الكافي 1 : 310.
    (2) مناقب آل أبي طالب 3 : 433.
    (3) الارشاد 2 : 214 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 434.

    إلى الإمام الكاظم عليه‌السلام : « استوص به ، وضع أمره عند من تثق به من
    أصحابك » (1).
    لكن بعد انتشار خبر إمامة أبي الحسن الكاظم عليه‌السلام وتوسع قاعدته
    والتفاف وجوه أصحاب أبيه عليه‌السلام حوله ، ورجوع من قال بإمامة غيره إليه ، فقد
    روى النص ونقله ما لا يحصون كثرة من أصحاب الصادق عليه‌السلام ، قال أمين
    الإسلام الطبرسي : « إن الجماعة التي نقلت النص عليه من أبيه وجده وآبائه عليهم‌السلام
    قد بلغوا من الكثرة إلى حد يمتنع معه منهم التواطؤ على الكذب ، إذ لا يحصرهم
    بلد ومكان ، ولا يضمهم صقع ، ولا يحصيهم إنسان » (2).
    إذن كان النص على أبي الحسن عليه‌السلام خاصاً في أول صدوره ، ولم يصدر بين
    ليلة وضحاها ، بل استغرق مدة طويلة ، وكان الصادق عليه‌السلام في كل مناسبة يحيط
    أصحابه علماً بذلك منذ أن أشرقت الدنيا بولادة الكاظم عليه‌السلام ، وحيث كان في
    المهد ، ويوم كان صبياً صغيراً وخماسياً وغلاماً ، وحين أدرك ما يدرك الرجال ،
    وأخيراً في مرضته التي مات فيها ، كما صرحت النصوص المتقدمة. والطابع العام
    في كل تلك النصوص ، هو زيادة التأكيد على ضرورة الكتمان حتى عن عامة
    الشيعة ريثما يتهيأ الجو المناسب لذلك ، خوفاً من مكائد السلطة الحاكمة التي
    كانت تتربص بالامام عليه‌السلام وتراقبه أشد المراقبة ، وتبيت الغدر والعدوان على
    حياته ، سيما في السنين الأخيرة من حياته المباركة.
    ولعل رواية هشام بن سالم خير مؤشر على ذلك ، قال حين أومأ إليه رجل
    هو رسول الإمام الكاظم عليه‌السلام : « رأيت رجلاً شيخاً لا أعرفه ، يومئ إليّ بيده ،
    فخفت أن يكون عيناً من عيون أبي جعفر المنصور ، وذلك أنه كان له بالمدينة
    __________________
    (1) الكافي 1 : 308 / 4.
    (2) اعلام الورى 2 : 10.

    جواسيس ينظرون إلى من اتفقت شيعة جعفر عليه فيضربون عنقه ، فخفت أن
    يكون منهم » (1).
    من هنا فإن هذه الوصية أسهمت في الحفاظ على حياة الإمام عليه‌السلام واخفات
    الأضواء عليه في أيام المنصور العباسي على الأقل ، لأنه كان عازماً على قتل
    وصي الصادق عليه‌السلام ، وقد حققت تلك الوصية مراد الإمام الصادق عليه‌السلام ، بما لا
    يتحقق بقراع الأسنّة.
    أبعاد الوصية ورمزيتها :
    عرفنا أن الوصية لأكثر من واحد ، ما هي إلاّ تدبير من قبل الإمام
    الصادق عليه‌السلام للحفاظ على حياة وصيه ، وعلى الرغم من صراحة ذكر الأسماء
    فيها إلاّ أنه كان بعض الأصحاب يدرك المغزى الحقيقي وراءها ، لأن الإمام لا
    يوصى إلاّ إلى واحد ، كما هو معهود ، فلما أوصى إلى أكثر من واحد ، تأملوا معنىً
    رمزياً وبعداً موحياً من خلال النص.
    فقد روى داود بن كثير الرقي قال : « أتى أعرابي إلى أبي حمزة ، وكان جالساً
    في لمّة من أصحابه ، فسأله خبراً ، فقال : توفي جعفر الصادق عليه‌السلام ، فشهق شهقة
    وأغمي ، فلما أفاق قال : هل أوصى إلى أحد ؟ قال : نعم ، أوصى إلى ابنه عبد الله
    وموسى وأبي جعفر المنصور ، فضحك أبو حمزة وقال : الحمد لله الذي هدانا ولم
    يضلنا ، بيّن لنا عن الكبير ، ودلّنا على الصغير ، وأخفى عن أمر عظيم ، فسئل عن
    قوله فقال : بيّن عيوب الكبير ، ودلّ على الصغير بأن أدخل يده مع الكبير ،
    وستر الأمر الخطير بالمنصور ، لأنه لو سأل المنصور عن الوصي لقيل :
    أنت » (2).
    __________________
    (1) الكافي 1 : 351.
    (2) مناقب آل أبي طالب 3 : 433.

    وأشار الشيخ المفيد إلى بعض أبعاد الوصية ومعناها الرمزي بقوله : « قد
    تظاهر الخبر فيما كان عن تدبير أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام ، وحراسته ابنه
    موسى بن جعفر عليهما‌السلام بعد وفاته من ضرر بوصيته إليه ، وأشاع الخبر عند الشيعة
    إذ ذاك باعتقاد إمامته من بعده ، والاعتماد في حجتهم على إفراده بوصيته مع نصه
    عليه بنقل خواصه. فعدل عن إقراره بالوصية عند وفاته ، وجعلها إلى خمسة
    نفر : أولهم المنصور وقدمه على جماعتهم إذ هو سلطان الوقت ومدبر أهله ، ثم
    صاحبه الربيع من بعده ، ثم قاضي وقته ، ثم جاريته وأم ولده حميدة البربرية ،
    وختمهم بذكر ابنه موسى بن جعفر عليهما‌السلام يستر أمره ويحرس بذلك نفسه. ولم
    يذكر مع ولده موسى أحداً من أولاده ، لعلمه بأن منهم من يدعي مقامه من
    بعده ، ويتعلق بادخاله في وصيته. ولو لم يكن موسى عليه‌السلام ظاهراً مشهوراً في
    أولاده معروف المكان منه وصحة نسبه واشتهار فضله وعلمه وحكمته وامتثاله
    وكماله ، بل كان مثل ستر الحسن عليه‌السلام ولده ، لما ذكره في وصيته ، ولاقتصر على
    ذكر غيره ممن سميناه ، لكنه ختمهم في الذكر به كما بيناه » (1).
    إمامة الكاظم عليه‌السلام :
    استقبل الإمام الكاظم عليه‌السلام إمامته في جو محفوف بالمخاطر ، فمن جهة يواجه
    سلطة تراقبه وتذكي عيونها لتبطش به ، فهو يضطر إلى الاستمرار في اتباع
    اُسلوب الحذر والكتمان من إبداء أي نشاط يدل على إمامته لشدة طلب المنصور
    لصاحب الوصية من أهل البيت عليهم‌السلام بعد الإمام الصادق عليه‌السلام ، ومن جانب آخر
    هو مطالب برفع الحيرة عن شيعته ، الذين قال بعضهم بإمامة غيره ، وذلك
    يستوجب إظهار النص ونشره إلى أوسع قاعدة من أصحابه.
    __________________
    (1) المسائل العشر في الغيبة : 70 ـ 71.

    كان الإمام الكاظم عليه‌السلام في تباشير إمامته لا يباشر النص حتى لأصحابه ،
    ففي رواية هشام بن سالم الذي جاء متحرياً عنه ، قال : « فقلت له : جعلت فداك ،
    مضى أبوك ؟ قال : نعم. قال : جعلت فداك ، مضى في موت ؟ قال : نعم (1). قلت :
    جعلت فداك ، فمن لنا بعده ؟ فقال : إن شاء الله يهديك هُداك. قلت : جعلت
    فداك ، إن عبد الله يزعم أنه من بعد أبيه؟ فقال : يريد عبد الله أن لا يعبد الله ،
    قال : قلت له : جعلت فداك ، فمن لنا بعده؟ فقال : إن شاء الله أن يهديك هداك
    أيضاً. قلت : جعلت فداك ، أنت هو ؟ قال : ما أقول ذلك. قلت في نفسي : لم
    أصب طريق المسألة. قال : قلت : جعلت فداك ، عليك إمام ؟ قال : لا ، فدخلني
    شيء لا يعلمه إلاّ الله إعظاماً له وهيبة ، أكثر ما كان يحل بي من أبيه إذا دخلت
    عليه » (2).
    يتبين من خلال مقاطع هذا الحوار مدى الحذر الذي يبديه الإمام عليه‌السلام حتى
    مع أقرب أصحابه ، خشية من أن يشيع الخبر ولو من غير قصد.
    وفي مقطع آخر يشير إلى تربص السلطة به وبأصحابه ، ويأخذ على
    صاحبه بالسرية إلاّ لمن يطمئن له ، ويكرر محذراً كلمة الذبح مرتين ، قال :
    « قلت : جعلت فداك ، أسألك عما كان يسأل أبوك ؟ قال : سل تخبر ولا تذع ،
    فان أذعت فهو الذبح. قال : فسألته فإذا هو بحر. قال : قلت : جعلت فداك ،
    شيعتك وشيعة أبيك ضلال فالقي إليهم وأدعوهم إليك ، فقد أخذت عليّ الكتمان ؟
    قال : من آنست منهم رشداً فألق إليهم ، وخذ عليهم الكتمان ، فإن أذاعوا
    فهو الذبح. وأشار بيده إلى حلقه » (3).
    __________________
    (1) فيه إشارة إلى التأثر بادعاء البعض غيبته ، وهم الناووسية.
    (2) الكافي 1 : 351.
    (3) الكافي 1 : 351.

    وكان لأصحاب الأئمة دور في تمييز الحق بطرق ألفوها مع سائر الأئمة عليهم‌السلام
    عند ضبابية النص لظروف خاصة ، وذلك من خلال تفوق الإمام بالعلم ،
    وظهور الكرامات على يده ، والأمارات التي تساعدهم في المعرفة على أنـّه
    صاحب الملكة النفسانية الرادعة عن المعاصي المسمّاة بالعصمة من بين سائر
    أولاد الإمام ، ومن بين الطرق التي تميز المدعي من غيره الاختبار العلمي ،
    وأخيراً لا يقطعون عليه إلاّ بعد تحري النص.
    وهناك عدة روايات تدل على تشخيص خلص أصحاب الإمام
    الكاظم عليه‌السلام للإمام الحق ، وإسقاطهم المدعين للإمامة ، من خلال دقة تحريهم في
    هذا الأمر الخطير ، منها رواية هشام بن سالم المتقدمة ، التي يذهب بها إلى
    اُسلوب اختبار المقدرة العلمية فضلاً عن النص ، قال : « كنا في المدينة أنا ومحمد
    ابن النعمان صاحب الطاق والناس مجتمعون على عبد الله بن جعفر على أنه
    صاحب الأمر بعد أبيه ، فدخلنا عليه والناس عنده ، فسألناه عن الزكاة في كم
    تجب ، فقال : في مائتي درهم خمسة دراهم ، فقلنا له : ففي مائة ؟ قال : درهمان
    ونصف ، قلنا : والله ما تقول المرجئة هذا. فقال : والله ما أدري ما تقول
    المرجئة.
    من هنا أسقطوا عبد الله من الإمامة ، فتوجهوا إلى أبي الحسن عليه‌السلام ، فقال
    هشام قلت : جعلت فداك ، أسألك عما كان يُسأل أبوك ؟ قال : سل تخبر ولا
    تذع ، فإن أذعت فهو الذبح. قال : فسألته فإذا هو بحر. إلى أن قال : ثم لقينا
    الناس أفواجاً ، فكان كل من دخل عليه قطع عليه ، وفي كل ذلك يوصي
    أصحابه بالكتمان » (1).
    __________________
    (1) الكافي 1 : 351.

    ومنها حديث محمد بن أبي عمير ، وحديث أبي جعفر محمد بن إبراهيم
    النيسابوري (1) ، إذ توجّها إلى عبد الله بن جعفر بمسائل عرفا من خلالها أنه ليس
    بصاحبهما.
    وأخيراً استطاع أبو الحسن الكاظم عليه‌السلام التوفيق بين حالة الكتمان
    والإعلان ، عن طريق التصريح بالوصية لخاصته وخلص أصحابه ، وأخذ
    الحيطة والحذر عليهم ريثما تتوفر الفرصة المناسبة لذلك ، وفي أيام المهدي
    العباسي اشتهر الإمام عليه‌السلام وتوسعت قاعدة مرجعيته ، بعد أن تساقط
    المدعين للإمامة واهتدى إليه أكثر من لم يقل بإمامته ، ورجعوا إليه في أمور
    دينهم.
    حجتهم داحضة :
    ذكرنا أن الظروف القاهرة جعلت الإمام الصادق عليه‌السلام يوصى إلى أكثر من
    واحد ، وجعلت الإمام بعده يضطر إلى اُسلوب الكتمان ، حتى أن الرواة من
    خلص أصحابه كانوا إذا أسندوا الحديث إليه لا يصرحون باسمه تقية عليه ، من
    هنا استغل بعض الطامعين تلك الظروف ، فتقمصوا المنصب الإلهي الخطير ،
    وارتدوا غير ردائهم ، وأعلنوا إمامتهم ، كما أن الشيعة ممن لم يصلهم النص الذي
    اقتصر على الخواص مع أمر الكتمان اختلفوا بعد وفاة أبي عبد الله عليه‌السلام على أقوال
    سرعان ما انتهت جميعاً إلى القول بإمامة موسى عليه‌السلام.
    فقائل يقول : إن الصادق عليه‌السلام لم يمت ولا يموت حتى يظهر فيملأ الأرض
    قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً لأنه القائم المهدي ، وهم الناووسية (2) ،
    __________________
    (1) الثاقب في المناقب / محمّد الطوسي : 442 ، الخرائج والجرائح 1 : 328.
    (2) وهم فرقة من الغُلاة ، منسوبون إلى عبد الله بن ناووس المصري ـ أو البصري ـ ،
    وقيل عجلان بن ناووس ، نسبة إلى ناووسا. المقالات والفرق / الأشعري : 212.

    وقولهم باطل لقيام الدليل على موته كقيامه على موت آبائه عليهم‌السلام ، وبانقراض
    هذه الفرقة بأسرها ، ولو كانت على شيء من البرهان لما انقرضت (1).
    وقائل يقول بإمامة عبد الله بن جعفر ، وهم الفطحية (2) ، وقولهم باطل
    لأنهم لم يعولوا في ذلك على نص عليه من أبيه بالإمامة (3) ، وإنما عولوا في ذلك
    على أنه أكبر ولده ، وما رووه أن الإمامة تكون في الأكبر ، وهذا حديث لم يرو
    قط إلاّ مشروطاً ، وهو أن الإمامة تكون في الأكبر ما لم تكن به عاهة ، وتواتر
    الخبر أن عبد الله كان به عاهة في الدين ، لأنه كان يذهب إلى مذاهب
    المرجئة (4) ، الذين يقعون في علي عليه‌السلام وعثمان ، وأن أبا عبد الله عليه‌السلام قال وقد خرج
    من عنده : « عبد الله هذا مرجئ كبير » (5). ودخل عليه عبد الله يوماً وهو
    يحدث أصحابه ، فلما رآه سكت حتى خرج ، فسئل عن ذلك فقال : « أو ما
    علمتم أنه من المرجئة » (6).
    __________________
    (1) اعلام الورى 2 : 8 ، الفصول المختارة / السيد المرتضى : 305.
    (2) سُميت بذلك لأن رئيساً لها يقال له عبد الله بن أفطح ، ويقال : انه كان أفطح
    الرجلين ، ويقال : بل كان أفطح الرأس ، ويقال : إن عبد الله كان هو الأفطح. أي
    أفطح الرأس ، بمعنى أنـّه كان ذا رأسٍ عريض ، أو أفطح الرجلين ، وهو أن يرتفع
    أخمص قدمه.
    (3) فالرواية التي ورد فيها اسمه كانت للتمويه كما تقدم ، لذا لم يروِ فيه نص خاص
    بمفرده ، وإنما ورد النص الخاص بموسى عليه‌السلام فيما أوردناه في محله.
    (4) وهم القائلون : لا يضرّ مع الإيمان معصية ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة ، وقالوا :
    الإيمان قول بلا عمل ، كأنهم قدّموا الإيمان وأرجأُوا العمل ، أي أخّروه ، لأنّهم يرون
    أنهم لو لم يُصلّوا ولم يصوموا نجّاهم إيمانهم ، وقد أسقطوا الوعيد جملةً عن المسلمين.
    معجم الفرق الإسلامية / شريف يحيى الأمين : 219.
    (5) الفصول المختارة : 253.
    (6) الفصول المختارة : 253.

    هذا مع أن عبد الله لم يكن له من العلم ما يتخصص به من العامة ، ولا روي
    عنه شيء من الحلال والحرام ، ولا كان بمنزلة من يُستفتى في الأحكام ، وقد
    ادّعى الإمامة بعد أبيه فامتحن بمسائل صغار فلم يجب عنها ، فأي علة أكبر مما
    ذكرناه تمنع من إمامة هذا الرجل ؟!
    مع أنه لو لم تكن علة تمنع من إمامته لما جاز من أبيه صرف النص عنه ، ولو
    لم يكن قد صرفه عنه لأظهره فيه ، ولو أظهره لنقل وكان معروفاً في أصحابه ،
    وفي عجز القوم عن التعلق بالنص عليه دليل على بطلان ما ذهبوا إليه ، وأيضاً
    فإنهم رجعوا عن ذلك ، إلاّ شذاذ منهم ، وانقرضت الجماعة الشاذة أيضاً فلا
    يوجد منهم أحد (1).
    وقال فيه الصادق والكاظم عليهما‌السلام أحاديث كثيرة تدل على نفي الإمامة عنه ،
    منها قول الصادق لأصحابه قبل وفاته : « انه ليس على شيء مما أنتم
    عليه » (2) ، وقوله في الحديث المتقدم في النصوص : عن طاهر بن محمد ، قال :
    «كان أبو عبد الله عليه‌السلام يلوم عبد الله ويعاتبه ويعظه ويقول : ما منعك أن تكون
    مثل أخيك ؟! فوالله إني لأعرف النور في وجهه. فقال عبد الله : لِم ؟ أليس أبي
    وأبوه واحداً ، وأُمّي وأُمّه واحدة ؟! ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : إنه من نفسي
    وأنت ابني » (3).
    وحديث محمد بن حمران : عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، قال : « قلت له : أكان
    عبد الله إماماً ؟ فقال : لم يكن كذلك ، ولا أهل لذلك ، ولا موضع ذاك » (4).
    __________________
    (1) الفصول المختارة : 307.
    (2) الإمامة والتبصرة : 73.
    (3) الكافي 1 : 310 / 10.
    (4) الإمامة والتبصرة : 72.

    ومنهم من قال بإمامة إسماعيل بن جعفر على اختلاف بينهم ، فمنهم من
    أنكر وفاة إسماعيل في حياة أبيه ، وزعم أنه بقي ونص أبوه عليه ، وهم شذاذ.
    ومنهم من قال : إن إسماعيل توفي في زمن أبيه ، غير أنه قبل وفاته نص على ابنه
    محمد فكان الإمام بعده ، وهؤلاء هم : القرامطة ، نسبوا إلى رجل يقال له :
    قرمطويه ، ويقال لهم : المباركية ، نسبة إلى المبارك مولى إسماعيل بن جعفر عليه‌السلام.
    وأما ما اعتلت به الإسماعيلية من أن إسماعيل كان الأكبر ، وأن النص يجب
    أن يكون على الأكبر ، فمعلوم أن ذلك يجب إذا كان الأكبر باقياً بعد أبيه ، وأما إذا
    كان المعلوم من حاله أنه يموت في حياته ولا يبقى بعده ، فليس يجب ما ادعوه ،
    بل لا معنى للنص عليه ، ولو وقع لكان كذباً ، لأن معنى النص أن المنصوص
    عليه خليفة الماضي فيما كان يقوم به ، وإذا لم يبق بعده لم يكن خليفة ، فيكون
    النص حينئذ عليه كذباً لا محالة ، وإذا علم الله أنه يموت قبل الأول وأمره
    باستخلافه ، لكان الأمر بذلك عبثاً مع كون النص كذباً لأنه لا فائدة فيه ولا
    غرض صحيح ، فبطل ما اعتمدوه في هذا الباب.
    فأما من ذهب إلى إمامة محمد بن إسماعيل بنص أبيه عليه ، فإنه منتقض
    القول فاسد الرأي ، من قبل أنه إذا لم يثبت لإسماعيل إمامة في حياة
    أبي عبد الله عليه‌السلام لاستحالة وجود إمامين في زمان واحد ، لم يجز أن تثبت إمامة
    محمد ، لأنها تكون حينئذ ثابتة بنص غير إمام ، وذلك فاسد بالنظر
    الصحيح (1).
    فإذا فسدت الأقوال المتقدمة ثبتت إمامة أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، وإلاّ أدى
    إلى خروج الحق عن جميع أقوال الأمة.
    __________________
    (1) الفصول المختارة : 308.

    ثالثاً ـ شواهد اُخرى :
    هناك شهادات اُخرى تؤكد كون الإمام الكاظم عليه‌السلام أحد الأئمة الاثني عشر
    أو سابعهم أو أحد الأوصياء أو إمام الحق وغيرها من الصفات ، نوردها ـ وإن
    كنا في غنى عنها ـ لأنها صدرت عن بعض أعدائه ومخالفيه ولو على سبيل نقل
    القول ، وهي تؤكد شهرة النص حتى عند المخالفين ، وفيما يلي نذكر مختاراً
    منها :
    1 ـ روى المؤرخون عن هارون الرشيد أنه وصف الأئمة عليهم‌السلام من أمير
    المؤمنين إلى الإمام الكاظم بالأوصياء ، فقد دخل عليه علي بن حمزة الكسائي ،
    فأخبره الرشيد باختلاف الأمين والمأمون ، وما يقع بينهما من سفك الدماء
    وهتك الستور وكثرة القتلى ، فقال له الكسائي : أيكون ذلك ـ يا أمير المؤمنين ـ
    لأمرٍ رؤي في أصل مولدهما ، أو لأثرٍ وقع لأمير المؤمنين في أمرهما ؟ فقال : لا
    والله إلاّ بأثر واجب حمله العلماء عن الأوصياء عن الأنبياء. قالوا : فكان
    المأمون يقول في خلافته : قد كان الرشيد سمع جميع ما جرى بيننا من موسى بن
    جعفر بن محمّد ، فلذلك قال ما قال (1).
    2 ـ وقال الرشيد للمأمون : « يا بني هذا وارث علم النبيين ، هذا موسى بن
    جعفر عليهما‌السلام ، إن أردت العلم الصحيح تجده عند هذا ، قال المأمون : فحينئذٍ
    انغرس في قلبي حُبّهم » (2). وقال في موضع آخر : « يا بني نحن أئمة الملك وهذا
    إمام الدين » (3).
    __________________
    (1) مروج الذهب 3 : 351 ، الفتوح / ابن أعثم 4 : 416 ، الأخبار الطوال /
    الدينوري : 566 ـ وفيه أن الداخل عليه كان الأصمعي.
    (2) أمالي الصدوق : 307 / 1 ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام 1 : 93 / 12.
    (3) الهداية الكبرى / الخصيبي : 272.

    3 ـ وقال الرشيد يصف الإمام الكاظم عليه‌السلام لابنه المأمون حين سأله عنه عند
    انصرافه من الموسم ، قال : « يا أميرالمؤمنين ، من هذا الرجل الذي قد عظمته
    وأجللته ، وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته ، وأقعدته في صدر المجلس وجلست
    دونه ، ثم أمرتنا بأخذ الركاب له ؟ قال : هذا إمام الناس ، وحجة الله على خلقه ،
    وخليفته على عباده. فقلت : يا أمير المؤمنين ، أوليست هذه الصفات كلها لك
    وفيك ؟! فقال : أنا إمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر ، وموسى بن جعفر إمام
    حق. والله يا بني ، انه لأحقّ بمقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مني ومن الخلق جميعاً ، ووالله لو
    نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك ، فإن الملك عقيم » (1).
    4 ـ ابن خلكان ، قال : « أبو الحسن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق ابن
    محمد الباقر ابن علي زين العابدين... أحد الأئمة الاثني عشر رضي الله عنهم
    أجمعين » (2).
    5 ـ ابن العماد الحنبلي : قال في حوادث سنة ( 183 ه‍ ) : « وفيها توفي السيد
    الجليل أبو الحسن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق ، ... وهو أحد الأئمة الاثني
    عشر المعصومين على اعتقاد الإمامية » (3).
    6 ـ اليافعي ، قال : «السيد أبو الحسن موسى الكاظم... كان صالحاً عابداً
    جواداً حليماً كبير القدر ، وهو أحد الأئمة الاثني عشر المعصومين في اعتقاد
    الإمامية ، وكان يدعى بالعبد الصالح من عبادته واجتهاده ، وكان سخياً
    كريماً » (4).
    __________________
    (1) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام 1 : 88 / 11.
    (2) وفيات الأعيان 5 : 308 / 746.
    (3) شذرات الذهب 1 : 304.
    (4) مرآة الجنان 1 : 394.

    7 ـ عبد الوهاب الحنفي الشعراني ، قال : « أحد الأئمة الاثني عشر ، وهو ابن
    جعفر بن محمد بن علي بن الحسين... كان يكنى العبد الصالح لكثرة عبادته
    واجتهاده وقيامه بالليل » (1).
    * * *

















    __________________
    (1) الطبقات الكبرى : 33.





    الفصل الخامس
    مكارم أخلاقه عليه‌السلام
    إن كل واحد من أئمة الهدى من آل البيت عليهم‌السلام هو نسخة ناطقة بمكارم
    أخلاق جدهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واختصار لشخصيته بجميع عناصرها الأخلاقية
    والروحية والإنسانية ، قال أبو عبد الله الصادق عليه‌السلام في وصف ولده أبي الحسن
    موسى عليه‌السلام كلمة اختصر فيها هذه الحقيقة : « إنه نبعة نبوة » (1).
    وهكذا كان الإمام الكاظم عليه‌السلام يتحلى كسائر آبائه الطاهرين بصفات
    الكمال ومعالي الأخلاق التي ميزت شخصيته العظيمة عن سائر من عاصره ،
    فلم ير مثله في غزارة العلم والحكمة والبلاغة والعبادة والانقطاع إلى الله ،
    وضرب أروع الأمثله في الكرم والحلم والزهد والتقوى وحسن السيرة.
    قال أبو عبد الله الصادق عليه‌السلام : « هؤلاء ولدي ، وهذا سيدهم ـ وأشار إلى
    ابنه موسى الكاظم ـ ففيه العلم والحكمة والفهم والسخاء والمعرفة فيما
    يحتاج إليه الناس فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم ، وفيه حسن الخلق
    وحسن الجوار ، وهو باب من أبواب الله عزّ وجلّ » (2).
    كان الإمام الكاظم عليه‌السلام يتحرك في المجتمع ضمن مجموعة من القيم يتصف
    بها ويوصي بها ويدافع عنها ، تلك هي قيم النبوة ومُثل الإسلام التي أبعدها
    __________________
    (1) الكافي 2 : 418 / 3.
    (2) الكافي 1 : 313 / 14 ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام 1 : 23 / 9.


    الحكام عن واقع الناس ، الأمر الذي جعل الإمام عليه‌السلام في موقع محبة الناس كلهم ،
    كما فتح عليه باب الصراع مع الحكام في حرب باردة يتغاضى الكثيرون عن
    ذكر أسبابها ، لكونها تتعلق بغيرة الحاكم وحسده وأنانيته وعدم التزامه.
    من هنا نال الإمام عليه‌السلام اعجاب كبار العلماء والمحدثين ممن أدركه وغيرهم ،
    على اختلاف مشاربهم وميولهم ، وكلهم أشاد بشخصيته الفذة وسجاياه
    الحميدة ومعالي أخلاقه وتفوقه على سائر المعاصرين له.
    قال أحمد بن حجر الهيتمي المكي في الإمام الكاظم عليه‌السلام : « هو وارث أبيه
    علماً ومعرفةً وكمالاً وفضلاً ، سمي الكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه ، وكان معروفاً
    عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله ، وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم
    وأسخاهم » (1).
    وقال محمد بن طلحة الشافعي : « هو الإمام الكبير القدر ، العظيم الشأن ،
    المجتهد الجاد في الاجتهاد ، المشهور بالكرامات ، يبيت الليل ساجداً وقائماً ،
    ويقطع النهار متصدقاً وصائماً ، ولفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين عليه دعي
    كاظماً ، كان يجازي المسيء بإحسانه إليه ، ويقابل الجاني بعفوه عنه ، ولكثرة
    عبادته كان يسمى بالعبد الصالح ، ويعرف بالعراق بباب الحوائج إلى الله ، لنجح
    مطالب المتوسلين إلى الله تعالى به ، كراماته تُحار منها العقول ، وتقضي بأن له
    عند الله تعالى قدم صدق لا تزل ولا تزول » (2).
    في ما يلي نأتي إلى نبذة من الملكات القدسية الفذّة والخصال الروحانية
    الفريدة التي تحلى بها الإمام الكاظم عليه‌السلام من العلم والعبادة والزهد والكرم
    والمروءة والتواضع والحلم والسماحة :
    __________________
    (1) الصواعق المحرقة : 112.
    (2) مطالب السؤول : 76.


    أولاً ـ العلم :
    استقى الإمام الكاظم علمه من أبيه أبي عبد الله الصادق عليهما‌السلام ، مؤسس
    مدرسة أهل البيت العلمية الكبرى ، فقد نشأ ودرج في حجره ، وأخذ عنه
    العلم ، وورث منه مصادر الإيمان والحق ، وأثنى الإمام الصادق عليه‌السلام على قدراته
    العلمية ونبوغه منذ أن كان يافعاً في أكثر من مناسبة ، قال الإمام الرضا عليه‌السلام : « إن
    موسى بن جعفر عليهما‌السلام تكلم يوماً بين يدي أبيه فأحسن ، فقال له : يا بني ،
    الحمد لله الذي جعلك خلفاً من الآباء ، وسروراً من الأبناء ، وعوضاً عن
    الأصدقاء » (1).
    كان عليه‌السلام أعلم أهل زمانه وأفقههم وأحفظهم لكتاب الله ، وكان يعرف بالعالم
    لسعة علمه وعمق حكمته ، ولما روي عنه في فنون العلم المختلفة.
    واعترف له بالتقدم في العلم والفضل حتى أعدائه كما قدمنا (2).
    وعلى صعيد رواية العلم فقد قال الشيخ المفيد : « وقد روى الناس عن أبي
    الحسن موسى عليه‌السلام فأكثروا » (3). واستطاع عليه‌السلام أن يتواصل مع نشاط مدرسة
    أبيه عليه‌السلام ، عن طريق الحفاظ على النخبة الصالحة من أقطابها الرواة الثقات
    والفقهاء والمؤلفين الذين أسهموا في رواية الحديث ونشر سائر علوم أهل
    البيت ، وقد بلغ عدد أصحابه الذين رووا عنه وغيرهم أكثر من خمسمائة (4) ،
    __________________
    (1) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام 1 : 127.
    (2) راجع : عيون أخبار الرضا عليه‌السلام 1 : 93 / 12 ، أمالي الصدوق : 307 / 1.
    (3) الارشاد 2 : 235.
    (4) راجع : أحسن التراجم لأصحاب الإمام الكاظم عليه‌السلام / عبد الحسين
    الشبستري. عدّ فيه 533 رجلاً ممن روى عنه عليه‌السلام ، واستدرك سبعة غيرهم في
    آخر الكتاب.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ   الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Emptyالأحد أكتوبر 27, 2024 9:20 am

    منهم أخوه العالم الجليل علي بن جعفر ، الذي روى عنه شيئاً كثيراً ، وكان شديد
    التمسك به عليه‌السلام والانقطاع إليه ، والتوفّر على أخذ معالم الدين منه ، وله مسائل
    مشهورة عنه وجوابات رواها سماعاً منه (1).
    وتوفّر أصحاب أبي الحسن عليه‌السلام على رواية العلم عنه ، ولم تثنِهم حتى
    ظروف السجن القاهرة عن الكتابة والرواية ، فقد كتب أبو عمران موسى بن
    إبراهيم المروزي مسنداً رواه عن الإمام الكاظم عليه‌السلام وهو في سجن السندي ،
    وكان المروزي يلي تعليم ولد السندي بن شاهك (2).
    وروى عنه العلماء والفقهاء على اختلاف آرائهم وتباين نزعاتهم ، ودونوا
    عنه في كتبهم ومسانيدهم في شتى فروع العلم ، قال ابن شهر آشوب : « وذكر
    عنه الخطيب في تاريخ بغداد ، والسمعاني في الرسالة القوامية ، وأبو صالح أحمد
    المؤذن في الأربعين ، وأبو عبد الله بن بطة في الابانة ، والثعلبي في الكشف
    والبيان.
    وكان أحمد بن حنبل مع انحرافه عن أهل البيت عليهم‌السلام لمّا روى عنه قال :
    حدثني موسى بن جعفر ، قال : حدثني أبي جعفر بن محمد ، قال : حدثني أبي
    محمد بن علي ، قال : حدثني أبي علي بن الحسين ، قال : حدثني أبي الحسين بن
    علي ، قال : حدثني أبي علي بن أبي طالب ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.
    ثم قال أحمد : وهذا اسناد لو قرئ على المجنون لأفاق » (3).
    لأنه إسناد رفيع ينفتح على هذه الرموز كلها التي تمثل الثراء العلمي
    __________________
    (1) الارشاد 2 : 214 و 220 ، وكتاب مسائل علي بن جعفر متداول ومطبوع مع
    مستدرك عليه بتحقيق مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.
    (2) طبع بتحقيق السيد محمد حسين الجلالي.
    (3) مناقب آل أبي طالب 3 : 431 ، فصل في علمه عليه‌السلام.

    والروحي كله ، في مواقع الحياة كلها ، وفي خطوط المسؤولية كلها.
    وقال الذهبي : « الإمام ، القدوة ، السيد أبو الحسن العلوي ، والد الإمام علي
    بن موسى الرضا ، مدني نزل بغداد وحدث بأحاديث عن أبيه... له عند الترمذي
    وابن ماجة حديثان. غير أنه قال : روايته يسيرة لأنه مات قبل أوان
    الرواية » (1). ويفند ذلك ما تقدم من المصادر التي نقلت عنه عليه‌السلام وعدد الرواة
    الذين استقوا منه العلم ، والروايات الواردة عنه في أبواب الفقه المختلفة والتي
    جمعت وطبعت أخيراً في كتاب مستقل كبير (2).
    ثم أنه ليس ثمة زمن معين للرواية في مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام ، بل ان
    التدوين والرواية لم يُمنع عندهم منذ فجر الإسلام حتى آخر الغيبة الصغرى
    للإمام المهدي عليه‌السلام وذلك سنة ( 329 ه‍ ) ، أما في مدرسة الخلافة فقد حظر تدوين
    الحديث الشريف منذ رحيل المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى زمان عمر بن عبد العزيز ، وإذا
    سلمنا أن الذهبي يريد بأوان الرواية ما بعد مدة الحظر ، فإن عهد الإمام موسى
    الكاظم عليه‌السلام خارج عن دائرة الحظر الزمنية.
    النبوغ المبكر :
    تميز الإمام الكاظم عليه‌السلام بنبوغه المبكر منذ نعومة أظفاره ، وقد توسم فيه أبو
    حنيفة هذا النبوغ وعلو الهمة ، وأذعن بتفوقه العلمي وسبقه المعرفي ولما يزل
    غلاماً صغيراً في الكتّاب ، ذلك لأن علمه إلهامياً كعلم سائر الأنبياء والأوصياء ،
    وليس كسبياً كعلم بقية الناس.
    روي عن أبي حنيفة النعمان بن ثابت ، قال : « دخلت المدينة فأتيت أبا
    عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام فسلمت عليه ، وخرجت من عنده فرأيت ابنه موسى
    __________________
    (1) سير أعلام النبلاء 6 : 270.
    (2) هو مسند الإمام الكاظم عليه‌السلام للشيخ العطاردي.

    في دهليزه قاعداً في مكتبه ، وهو صغير السن ، فقلت : أين يضع الغريب إذا كان
    عندكم ، إذا أراد ذلك ؟ فنظر إليّ ثم قال : يجتنب شطوط الأنهار ، ومساقط
    الثمار ، وأفنية الدار ، والطرق النافذة ، والمساجد ، ويضع بعد ذلك أين شاء.
    فلما سمعت هذا القول نبل في عيني ، وعظم في قلبي.
    وقلت له : جعلت فداك ، ممن المعصية ؟ فنظر إليّ ، ثم قال : اجلس حتى
    أخبرك. فجلست فقال : إن المعصية لا بدّ أن تكون من العبد ، أو من ربه ، أو
    منهما جميعاً ، فإن كانت من الرب فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده
    ويؤاخذه بما لم يفعله ، وإن كان منهما جميعاً فهو شريكه ، فالقوي أولى
    بإنصاف عبده الضعيف ، وإن كانت من العبد وحده فعليه وقع الأمر ، وإليه
    توجه النهي ، وله حق الثواب والعقاب ، ولذلك وجبت له الجنة والنار.
    ثم أنشأ يقول :
    لم تخل أفعالنا التي نذم بها
    احدى ثلاث خصال حين نبديها

    اما تفرد بارينا بصنعتها
    فيسقط اللوم عنا حين نأتيها

    أو كان يشركنا فيها فيلحقه
    ما كان يلحقنا من لائم فيها

    أو لم يكن لإلهي في جنايتها
    ذنب فما الذنب إلاّ ذنب جانيها

    فلما سمعت ذلك قلت : ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) » (1).
    ولا ريب أن غلاماً مهما بلغ من النضج والفطنة والذكاء لا يمكنه أن يحدد
    الموضوع بهذه الطريقة الجامعة المانعة ، إذا لم يكن متميزاً عن سائر أقرانه بالنبوغ
    الذي ينم عن علم إلهامي كعلم الأنبياء والأوصياء.
    وهناك المزيد من أمثال هذا الخبر وردت في مصادر الحديث والسير ، منها
    __________________
    (1) الكافي 3 : 16 / 5 ، التهذيب 1 : 30 / 18 ، أمالي المرتضى 1 : 152 ، مناقب آل
    أبي طالب 3 : 429 ، اعلام الورى 2 : 29 ، والآية من سورة آل عمران : 3 / 34.

    حديث عيسى شلّقان الذي جاء يسأل الإمام الصادق عليه‌السلام عن حال أحد
    الرجال ، وهو أبو الخطاب ، فقال له : « ما يمنعك أن تلقى ابني فتسأله عن
    جميع ما تريد ؟ فذهب إليه وهو قاعد في الكتّاب وعلى شفتيه أثر مداد ، فقال
    له : يا عيسى ، إن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق النبيين على النبوة فلن
    يتحولوا إلى غيرها عنها أبداً ، وأخذ ميثاق الوصيين على الوصية فلن
    يتحولوا عنها أبداً ، وأعار قوماً الإيمان زماناً ثم سلبهم إياه ، وإن أبا الخطاب
    ممن أعير الإيمان ثم سلبه الله إياه.
    فقال له الإمام الصادق عليه‌السلام : يا عيسى ، إن ابني الذي رأيته لو سألته عما
    بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم. قال عيسى : ثم أخرجه ذلك اليوم من
    الكتّاب ، فعلمت عند ذلك أنه صاحب هذا الأمر » (1).
    وحديث محمد بن مسلم ، قال : « دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال
    له : رأيت ابنك موسى يصلي والناس يمرون بين يديه فلا ينهاهم ، وفيه ما فيه !
    فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ادعوا لي موسى ، فدعي ، فقال له : يا بني ، إن أبا حنيفة
    يذكر أنك كنت تصلّي والناس يمرون بين يديك ، فلم تنهَهم ؟ فقال عليه‌السلام :
    نعم يا أبت ، إن الذي كنت أصلي له كان أقرب إليّ منهم ، يقول الله عزّ وجلّ :
    ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (2). قال : فضمّه أبو عبد الله عليه‌السلام إلى
    نفسه ، ثم قال : بأبي أنت وأمي ، يا مودع الأسرار » (3).
    ثانياً ـ العبادة :
    اتفق الناس على أن الإمام الكاظم عليه‌السلام كان أعبد أهل زمانه ، ولقب بالعبد
    __________________
    (1) قرب الاسناد : 143 ، دلائل الإمامة : 161 ، الخرائج والجرائح 2 : 653 / 5.
    (2) سورة ق : 50 / 16.
    (3) الكافي 3 : 297 / 4 ، الاختصاص : 185.

    الصالح لكثرة عبادته وشدة انقطاعه إلى ربه ، وكان الناس بالمدينة يسمونه زين
    المجتهدين (1) ، إذ لم يرَوا نظيراً له في الطاعة لله والاجتهاد في العبادة والتقوى ، فقد
    عبد ربه حتى بدت عليه سيماء المخلصين ، على ما وصف المأمون ، فاصفر وجهه ،
    وضعف بدنه ، وكلم السجود جبهته وأنفه (2).
    روي أنه عليه‌السلام كان يصلي نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح ، ثم يعقب حتى
    تطلع الشمس ، ويخرّ لله ساجداً فلا يرفع رأسه من الدعاء والتمجيد حتى يقرب
    زوال الشمس ، وكان يدعو كثيراً فيقول : « اللهمّ إني أسألك الراحة عند
    الموت ، والعفو عند الحساب » ، ويكرر ذلك (3). وهذا مما ينبغي لكل واحد منا
    أن يعيشه لأن الإنسان يمر بعقبتين عندما يموت ، فقد يموت متعباً من ذنوبه ،
    مرهقاً من خطاياه ، قلقاً على مصيره ، وقد يموت تائباً مطمئناً فيعيش الراحة في
    نفسه ، ويتقبل الموت بسرور ، وأما العقبة الثانية فهي عند الحساب ، لأن الذي
    يحاسب عالم السر والنجوى ، لذلك فالإنسان يشعر بالخوف من الخسارة إلاّ أن
    يأتيه العفو وتدركه الرحمة والغفران من الله سبحانه.
    وكان من دعائه : « عظم الذنب من عبدك ، فليحسن العفو من عندك » ،
    وكان يبكي من خشية الله حتى تخضل لحيته بالدموع (4). وهو عليه‌السلام هنا يتحدث
    لا عن ذنب ، ولكن عن تواضع لله سبحانه ، وعن استغفار لمعنى الإنسان ومعنى
    العبد في داخل ذاته المقدسة.
    وذكر شقيق البلخي أنه يقوم في نصف الليل يصلّي بخشوع وأنين وبكاء ،
    __________________
    (1) الإرشاد 2 : 235.
    (2) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام 1 : 88 / 11.
    (3) الإرشاد 2 : 231 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 432 ، إعلام الورىٰ 2 : 26.
    (4) الإرشاد 2 : 231 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 432 ، إعلام الورىٰ 2 : 26.

    فلم يزل كذلك حتى يذهب الليل ، فلما رأى الفجر جلس في مصلاّه يسبح ، ثم
    يقوم فيصلي الغداة (1).
    وكان عليه‌السلام يعرف بحليف السجدة الطويلة والدمعة الغزيرة ، كما ورد في
    زيارته ، روي أنه دخل مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسجد ليلة من العشاء إلى الفجر
    سجدة واحدة ، سمع يقول فيها عليه‌السلام : « عظم الذنب من عبدك ، فليحسن العفو
    من عندك ، يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة » ، وجعل يرددها حتى
    أصبح (2).
    وروي عنه أنه كان يستغفر الله في كل يوم خمسة آلاف مرة (3).
    أما أوراده مع كتاب الله فكان يتلو القرآن متدبراً في آياته ، مستبصراً في
    أوامره ونواهيه ، وروي أنه كان أحفظ الناس بكتاب الله تعالى ، وأحسنهم
    صوتاً به ، وكان إذا قرأ تحزّن وبكى ، وبكى السامعون لتلاوته (4).
    وإنما كان عليه‌السلام يقرأ بالصوت الحسن الذي يخشع السامعون إذا سمعوه ، لأن
    الصوت الحسن يعطي الكلمة القرآنية تجسيداً حياً بحيث تملأ عقل السامع
    وقلبه ، فتتعمق فيه أكثر مما إذا قُرأت بشكلها الطبيعي.
    أما البكاء فهو بكاء الخشية من خلال تمثل عظمة الله في نفسه ، إذ ليس من
    الضروري أن تكون الخشية فرقاً من النار ، ولكن الخشية هي التي يختلط فيها
    __________________
    (1) كشف الغمة 3 : 3 ، نور الأبصار : 149 ، تذكرة الخواص : 348 ، صفة الصفوة 2 :
    185 ، الفصول المهمة : 233 ، إسعاف الراغبين : 247 ، دلائل الإمامة : 152 ،
    مطالب السؤول : 83.
    (2) تاريخ بغداد 13 : 29.
    (3) الزهد / الحسين بن سعيد : 74 / 199.
    (4) مناقب آل أبي طالب 3 : 423 ، روضة الواعظين : 216 ، إعلام الورى 2 : 31.

    الإحساس بالعظمة بالشعور بالفرح في الجلوس بين يدي الله ومخاطبته.
    عن حفص قال : « ما رأيت أحداً أشد خوفاً على نفسه من موسى بن
    جعفر عليهما‌السلام ، ولا أرجى للناس منه ، وكانت قراءته حزناً ، فإذا قرأ فكأنه يخاطب
    إنساناً » (1).
    وكان عليه‌السلام يسارع إلى فعل الطاعات وإلى كل ما ندب الله إليه برغبة
    وإخلاص ، فكان يعتمر ماشياً مع عياله وأهله والنجائب تُقاد بين يديه ، قال
    علي بن جعفر : « خرجنا مع أخي موسى بن جعفر عليهما‌السلام في أربع عمر يمشي فيها
    إلى مكة بعياله وأهله ، واحدة منهن مشى فيها ستة وعشرين يوماً ، وأخرى
    خمسة وعشرين يوماً ، وأخرى أربعة وعشرين يوماً ، وأخرى واحداً وعشرين
    يوماً » (2).
    أما السجن فقد سخّره الإمام الكاظم عليه‌السلام للعبادة والطاعة والهداية ،
    فكان عليه‌السلام في السجن سيد العابدين الشاكرين لله ، لأنه فرّغه لعبادته وطاعته ،
    روي أن بعض عيون عيسى بن جعفر رفع إليه أنه يسمعه كثيراً يقول في دعائه :
    « اللهمّ إنك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك ، اللهمّ وقد فعلت ،
    فلك الحمد » (3).
    كان عليه‌السلام يريد أن يعيش مع الله ليله ونهاره ، وأن يناجيه ويبتهل إليه ، وأن
    يتحدث معه حديث الحبيب إلى حبيبه ، وكانت أشغاله قد تحول بينه وبين ذلك ،
    وإن كانت أشغاله عباده متحركة مع الله ، لكنه أراد عبادة المناجاة وعبادة الروح
    وعبادة الانقطاع والتفرغ إلى الله من موقع القلب المفتوح عليه سبحانه ، ولذلك
    __________________
    (1) الكافي 2 : 606 / 10.
    (2) قرب الاسناد / الحميري : 165.
    (3) الارشاد 2 : 240 ، الفصول المهمة : 220 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 440.

    فإنه يحمد الله على سجنه ، كما لو كان نعمة أنعمها الله عليه.
    فكان عليه‌السلام يحيي الليل كله قياماً للصلاة وقراءة للقرآن ودعاءً ، ويمضي
    نهاره صياماً ، ويطيل السجود حتى تخاله كالثوب المطروح.
    وحينما رآه هارون في السجن عبّر عن دهشته من شدة انقطاعه وكثرة
    عبادته ، فما تمالك نفسه أن قال : أما إن هذا من رهبان بني هاشم (1).
    وهكذا حال جميع من مكث في سجنه ، فقد دخل عبد الله القروي على
    الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح ، فأمره أن يشرف إلى البيت في الدار ،
    فقال له : « ما ترى في البيت ؟ قال : ثوباً مطروحاً ، ثم نظر وتأمل فتيقن أنه رجل
    ساجد ، فقال له : هذا أبو الحسن موسى بن جعفر ، إني أتفقده الليل والنهار ، فلم
    أجده في وقت من الأوقات إلاّ على الحال التي أخبرك بها ، أنه يصلّي الفجر
    فيعقب ساعة في دبر صلاته إلى أن تطلع الشمس ، ثم يسجد سجدة فلا يزال
    ساجداً حتى تزول الشمس ، وقد وكل من يترصّد له الزوال ، فلست أدري متى
    يقول الغلام : قد زالت الشمس ، إذ يثب فيبتدئ بالصلاة من غير أن يجدد
    وضوءاً ، فاعلم أنه لم ينم في سجوده ولا أغفى ، فلا يزال كذلك إلى أن يفرغ من
    صلاة العصر ، فإذا صلّى العصر سجد سجدة ، فلا يزال ساجداً إلى أن تغيب
    الشمس ، فإذا غابت وثب من سجدته فصلّى المغرب من غير أن يحدث حدثاً ،
    ولا يزال في صلاته وتعقيبه إلى أن يصلّي العتمة ، فإذا صلّى العتمة أفطر ، ثم يجدد
    الوضوء ثم يسجد ، ثم يرفع رأسه فينام نومة خفيفة ، ثم يقوم فيجدد الوضوء ، ثم يقوم
    فلا يزال يصلّي في جوف الليل حتى يطلع الفجر ، فلست أدري متى يقول
    الغلام : إن الفجر قد طلع ، إذ قد وثب هو لصلاة الفجر ، فهذا دأبه منذ حوّل
    __________________
    (1) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام 1 : 93 ، أمالي الصدوق : 377 ، أمالي الطوسي : 269 ،
    مناقب آل أبي طالب 3 : 422.

    إلي » (1).
    وعن اُخت السندي بن شاهك ، وكانت تتولى حبسه وتلي خدمته أنها
    قالت : «كان إذا صلّى العتمة حمد الله ومجّده ودعاه ، فلم يزل كذلك حتى يزول
    الليل ، فإذا زال الليل قام يصلي حتى يصلي الصبح ، ثم يذكر قليلاً حتى تطلع
    الشمس ، ثم يقعد إلى ارتفاع الضحى ، ثم يتهيأ ويستاك ويأكل ، ثم يرقد إلى
    قبل الزوال ، ثم يتوضأ ويصلي حتى يصلي العصر ، ثم يذكر في القبلة حتى يصلي
    المغرب ، ثم يصلي ما بين المغرب والعتمة ، فكان هذا دأبه. فكانت أُخت السندي
    إذا نظرت إليه قالت : خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل » (2).
    ثالثاً ـ الزهد :
    الزهد والورع من الخصائص البارزة في سيرة الإمام الكاظم عليه‌السلام خلقاً
    وسلوكاً ، فكان مثالاً للأعراض عن مظاهر الحياة الفانية وزخارفها وحطامها ،
    والرغبة فيما أعدّه الله له في دار الخلود من النعيم والكرامة ، مؤثراً طاعة الله تعالى
    على كل شيء.
    فنجد الإمام عليه‌السلام في محتويات بيته مثالاً للزهد والتواضع والبساطة ، قال
    إبراهيم بن عبد الحميد : « دخلت على أبي الحسن الأول عليه‌السلام في بيته الذي كان
    يصلي فيه ، فإذا ليس في البيت شيء إلاّ خصفة (3) ، وسيف معلق ،
    ومصحف » (4).
    __________________
    (1) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام 1 : 106 / 10 ، أمالي الصدوق : 136 / 18 ، روضة
    الواعظين : 259.
    (2) تاريخ بغداد 13 : 32 ، تاريخ أبي الفداء 2 : 15.
    (3) الخصفة : ما يعمل من الخوص للفراش والأثاث.
    (4) قرب الاسناد : 128.

    وكان عليه‌السلام ينبذ لباس الشهرة لما فيه من الكبر والزهو الذي يتقاطع مع ما
    أخذ به نفسه من الزهد والانقطاع إلى الله ، ورد في مكارم الأخلاق : « لم يكن
    شيء أبغض إليه عليه‌السلام من لبس الثوب المشهور ، وكان يأمر بالثوب الجديد
    فيغمس في الماء ويلبسه » (1).
    رابعاً ـ الحلم :
    الحلم خلق نبوي كريم ، تحلّى به الإمام الكاظم عليه‌السلام ، وضرب أمثلة سائرة
    في سعة الصدر ، والصبر على كيد الأعداء والمناوئين ، والصفح عمّن أساء إليه
    ومقابلة الإساءة بالإحسان.
    وقد نقل لنا كتاب سيرته قصصاً ملفتة للنظر لسعة الصدر وللاُسلوب
    العلمي الذي أراده الله في احتواء الأعداء وتحويلهم إلى أصدقاء.
    ومن سماحة نفسه أنه كان يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه ، فيبعث إليه بصرة
    فيها ألف دينار (2) ، وإنما لقّب الكاظم لكثرة تجاوزه وسعة حلمه واحتماله
    الأذى ، وإحسانه إلى من يسيء إليه (3) ، ولما كظمه من الغيظ وصبر عليه من
    فعل الظالمين به حتى مضى قتيلاً في حبسهم ووثاقهم (4).
    ورويت عنه أقوال مأثورة تحثّ على التمسك بهذا الاتجاه ، فقد روي عنه
    أنه أحضر ولده يوماً فقال لهم : « يا بني ، إني أوصيكم بوصية من حفظها
    انتفع بها ، إذا أتاكم آتٍ فأسمع أحدكم في الإذن اليمنى مكروهاً ، ثم
    __________________
    (1) مكارم الأخلاق : 137.
    (2) تذكرة الخواص : 196 ، مقاتل الطالبيين : 332.
    (3) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : 226.
    (4) تذكرة الخواص : 196 ، اعلام الورى 2 : 32 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 437 ،
    ألقاب الرسول وعترته : 63.

    تحوّل إلى اليسرى فاعتذر لكم وقال : إني لم أقل شيئاً ، فاقبلوا
    عذره » (1).
    وأورد المؤرخون مزيداً من الروايات في حسن عفوه وسعة حلمه وكظمه
    للغيظ ، ومقابلته الإساءة بالعفو والإحسان ، لأجل إشاعة قيم الاصلاح
    والهداية في المجتمع ، الأمر الذي يمثل صميم رسالة الإمام التي تعدل ما طلعت
    عليه الشمس ، وترخص عندها كل صفراء وحمراء.
    منها أن رجلاً من ولد عمر بن الخطاب كان بالمدينة يؤذي الإمام
    الكاظم عليه‌السلام ويشتم علياً ، فقال له بعض حاشيته : « دعنا نقتله ، فنهاهم عن ذلك
    أشد النهي ، وزجرهم أشد الزجر ، فركب إلى مزرعة العمري فدخلها بحماره ،
    فصاح به العمري : لا تطأ زرعنا ، فوطئه بالحمار حتى وصل إليه ، فنزل فجلس
    عنده وضاحكه ، ثم سأله كم غرم في زرعه ، فقال له : مائة دينار ، وسأله كم
    يرجو أن يجيئه فيه ، فقال : مائتا دينار ، فأعطاه الإمام عليه‌السلام ثلاثمائة دينار ، فقام
    العمري فقبل رأسه ، وانصرف إلى المسجد ، فوجد العمري جالساً ، فلما نظر إليه
    قال : الله أعلم حيث يجعل رسالته ، فوثب أصحابه فقالوا له : ما قصتك ؟! قد
    كنت تقول خلاف هذا ، فخاصمهم وشاتمهم ، وجعل يدعو لأبي الحسن
    موسى عليه‌السلام كلما دخل وخرج ، فقال أبو الحسن موسى عليه‌السلام لحاشيته الذين أرادوا
    قتل العمري : أيما كان خير ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا
    المقدار » (2).
    وهذا هو الخط الذي يريده عليه‌السلام في علاقاتنا بالناس الذين يسيئون إلينا ،
    __________________
    (1) الفصول المهمة : 220.
    (2) تاريخ بغداد 13 : 30 ، مقاتل الطالبيين : 332 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 433 ،
    اعلام الورى 2 : 26.

    وهو أن ندفع السيئة بالحسنة ، كي نقتل العداوة فيهم ، ونجعل إنسانيتهم تنفتح
    على المحبة والإيمان ، وهي عملية تحتاج إلى ضبط أعصاب وسعة صدر ، ولا
    يلقّاها إلاّ ذو حظ عظيم.
    وروي أن عبداً لموسى بن جعفر عليهما‌السلام قدّم إليه صحفة فيها طعام حار ،
    فعجّل فصبّها على رأسه ووجهه ، فغضب فقال له : « ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ) ،
    قال : قد كظمت ، قال : ( وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ) ، قال : قد عفوت ، قال :
    ( وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) (1) ، قال : أنت حرّ لوجه الله ، وقد نحلتك ضيعتي
    الفلانية » (2).
    وعن أحمد بن عمر الخلال ، قال : «سمعت الأخرس يذكر موسى بن
    جعفر عليهما‌السلام بسوء ، فاشتريت سكيناً وقلت : والله لأقتلنه إذا خرج للمسجد ،
    فأقمت على ذلك ، وجلست فما شعرت إلاّ برقعة أبي الحسن عليه‌السلام قد طلعت علي
    فيها مكتوب : بحقي عليك لما كففت عن الأخرس ، فإن الله ثقتي وهو
    حسبي ، فما بقي أيام إلاّ ومات » (3).
    وبينا موسى بن عيسى العباسي في داره التي في المسعى يشرف على
    المسعى ، اذ رأى أبا الحسن موسى عليه‌السلام مقبلاً من المروة على بغلة ، فأمر ابن هياج
    رجلاً من همدان منقطعاً إليه أن يتعلق بلجامه ويدّعي البغلة ، فأتاه فتعلّق
    باللجام وادّعى البغلة ، فثنى أبو الحسن عليه‌السلام رجله فنزل عنها ، وقال لغلمانه :
    « خذوا سرجها عنها وادفعوها إليه » (4).
    __________________
    (1) سورة آل عمران : 3 / 134.
    (2) شرح ابن أبي الحديد 18 : 46.
    (3) الخرائج والجرائح 2 : 651 / 3 ، الثاقب في المناقب : 438.
    (4) الكافي 8 : 86 / 48 ، مجموعة ورّام 2 : 135.

    وكان أبو الحسن موسى عليه‌السلام في حائط له يصرم (1) ، فأخذ غلام له كارة (2)
    من تمر ، فرمى بها وراء الحائط ، فذهبوا به إليه ، فقال للغلام : « أتجوع ؟ قال : لا
    يا سيدي ، قال : فتعرى ؟ قال : لا يا سيدي ، قال : فلأي شيء أخذت هذه ؟
    قال : اشتهيت ذلك ، قال : اذهب فهي لك ، وقال : خلوا عنه » (3).
    خامساً ـ التواضع :
    تحلّى الإمام الكاظم عليه‌السلام كسائر آبائه الميامين بالتواضع والبساطة ورقّة
    الحاشية ، وكان إلى جانب ذلك تحوطه هالة من الوقار والهيبة ، تجعله يفرض
    احترامه وإجلاله وإعظامه على الناس حكّامهم ورعيتهم ، قال أبو العلاء المعري
    في قصيدة يرثي بها أبا أحمد الموسوي والد الشريف الرضي والمرتضى :
    ويخال موسى جدكم لجلاله
    في النفس صاحب سورة الأعراف (4)

    وجاء في وصيته المشهورة لهشام بن الحكم ما يؤكد هذه المعاني السامية
    قال عليه‌السلام : « يا هشام ، ما من عبد إلاّ وملك آخذ بناصيته ، فلا يتواضع إلاّ رفعه
    الله ، ولا يتعاظم إلاّ وضعه الله.
    وأشار عليه‌السلام إلى نبذ الكبر لكونه رداء الرحمن : يا هشام ، إيّاك والكبر ، فإنه
    لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر ، الكبر رداء الله ، فمن
    نازعه رداءه أكبه الله في النار على وجهه. والتواضع في تعاليمه الإلهية سبب
    للرفعة والحكمة التي تجافي قلب المتكبر : يا هشام ، إن الزرع ينبت في السهل
    ولا ينبت في الصفا ، فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ، ولا تعمر في
    __________________
    (1) صرم النخل : قطع ثمرته.
    (2) الكارة : مقدار معلوم من الطعام أو الحنطة أو التمر.
    (3) الكافي 2 : 108 / 7.
    (4) سقط الزند : 36.

    قلب المتكبر الجبار ، لأن الله جعل التواضع آلة العقل ، وجعل التكبّر من
    آلة الجهل ، ألم تعلم أن من شمخ إلى السقف برأسه شجّه ، ومن خفض
    رأسه استظل تحته وأكنّه؟ وكذلك من لم يتواضع لله خفضه الله ، ومن
    تواضع لله رفعه » (1).
    وكان عليه‌السلام يتأسّى بسيرة الأنبياء وسلفه الصالحين ، فيفلح أرضه ويحرثها
    بيديه ، قال علي بن أبي حمزة : « رأيت أبا الحسن عليه‌السلام يعمل في أرض له قد
    استنقعت قدماه في العرق ، فقلت : جعلت فداك ، أين الرجال ؟ فقال : يا علي ،
    قد عمل باليد من هو خير مني في أرضه ومن أبي فقلت : ومن هو ؟ فقال :
    رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وآبائي كلهم كانوا قد عملوا بأيديهم ،
    وهو من عمل النبيين والمرسلين والأوصياء والصالحين » (2).
    وفي تعامله عليه‌السلام مع سائر الناس يجسد أخلاق جده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبيه
    أمير المؤمنين علي عليه‌السلام حيث يقول : « الناس صنفان : إما أخ لك في الدين ، وإما
    نظير لك في الخلق » (3).
    قال الحرّاني في تحف العقول : «روي أنه عليه‌السلام مرّ برجل من أهل السواد دميم
    المنظر ، فسلّم عليه ، ونزل عنده ، وحادثه طويلاً ، ثم عرض عليه نفسه في القيام
    بحاجة إن عرضت له ، فقيل له : يا بن رسول الله ، أتنزل إلى هذا ، ثم تسأله عن
    حوائجه ، وهو إليك أحوج ؟!. فقال عليه‌السلام : عبد من عبيد الله ، وأخ في كتاب الله ،
    وجار في بلاد الله ، يجمعنا وإياه خير الآباء آدم عليه‌السلام ، وأفضل الأديان الإسلام ،
    ولعل الدهر يرد من حاجاتنا إليه ، فيرانا بعد الزهو عليه متواضعين بين
    __________________
    (1) تحف العقول : 383 ـ 402 ، الكافي 1 : 10 ـ 15.
    (2) الكافي 5 : 75 / 10 ، من لا يحضره الفقيه 3 : 162 / 3593.
    (3) نهج البلاغة / شرح محمد عبده 3 : 84 / 53.

    يديه. ثم قال عليه‌السلام :
    نواصل من لا يستحق وصالنا
    مخافة أن نبقى بغير صديق » (1)

    سادساً ـ الكرم والمروءة :
    عرف الإمام الكاظم عليه‌السلام بأنه واسع العطاء ، عظيم الفضل ، كثير البذل
    والإحسان إلى الناس ورعاية اُمورهم ، وهي خصال بارزة في سيرته
    وسيرة آبائه المعصومين ، ووصف عليه‌السلام بأنه أسخى أهل زمانه كفاً ، وأكرمهم
    نفساً ، وأسمحهم يداً ، وأوصل الناس لأهله ورحمه ، ومن أكابر العلماء
    الأسخياء.
    وكان له عليه‌السلام دور بارز في تحمّل الديون عن ذوي الفاقة ورعاية الفقراء
    والإنفاق والبذل لسدّ حاجاتهم ورفع خصاصتهم ، ومن صفات معروفه إلى
    الناس أنه كان يبذل بداعي التقرب إلى الله تعالى ، فلا يطلب شهرة ولا يبتغي
    من أحد جزاءً ولا شكوراً ، وكان في صدقاته وبرّه يتوخّى الكتمان لئلاّ تبدو على
    الفقير ذلة الحاجة ، ملتمساً بذلك وجه الله ورضاه.
    وقد اشتهر في الناس أنه كان يتفقّد فقراء المدينة والأيتام والأرامل وسائر
    ذوي الحاجة ، فيخرج في الليل ويحمل إليهم في كمّه صرراً من الدراهم
    والدنانير ، كما يحمل النفقات والهبات من العين والورق والأدقة والتمور ، وكانوا
    لا يعلمون من أي جهة هي.
    وذكر جماعة من أهل العلم أنه يصل بالمائتي دينار إلى الثلاثمائة
    والأربعمائة ، وكان مثل صرر موسى بن جعفر عليهما‌السلام إذا جاءت الإنسان الصرّة
    فقد استغنى. وكان أهله يقولون : عجباً لمن جاءته صرّة موسى فشكا
    __________________
    (1) تحف العقول : 413.

    القلّة (1).
    وروى المؤرخون بوادر كثيرة من مظاهر سيرة الإمام عليه‌السلام في الكرم
    والسخاء ، وصوراً فريدة من الجود والإحسان وإسداء المعروف ، قلّما يوجد
    نظير لها إلاّ عند آبائه الكرام عليهم‌السلام.
    ومن تلك الصور أن محمد بن عبد الله البكري قدم المدينة يطلب بها ديناً
    فأعياه ، فأتى الإمام عليه‌السلام في ضيعته ، فخرج إليه فأكل معه ، ثم سأله عن حاجته ،
    فذكر له قصته ، ثم مدّ يده إليه فدفع إليه صرّة فيها ثلاثمائة دينار (2).
    وحين خروجه إلى ضياعه بساية مع محمد ابنه ، أهدى له بعض العبيد
    عصيدة ، فاشترى العبد والضيعة التي فيها ذلك العبد بألف دينار ، وأعتقه
    ووهبها له (3).
    وكان لعيسى بن محمد بن مغيث القرظي زرع في موضع بالجوانية على بئر
    يقال لها أُم العظام ، فلما قرب الخير واستوى الزرع ، بغته الجراد فأتى على الزرع
    كله ، فبينما هو جالس إذ طلع عليه الإمام موسى بن جعفر عليهما‌السلام فسأله عن حاله ،
    فقال : أصبحت كالصريم ، بغتني الجراد فأكل زرعي ، وكان قد غرم فيه مائة
    وعشرين ديناراً مع ثمن جملين ، فأمر الإمام عليه‌السلام غلامه عرفة فوزن لعيسى مائة
    __________________
    (1) راجع : الإرشاد 2 : 231 ، تاريخ بغداد 13 : 29 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 433 ،
    ألقاب الرسول وعترته : 65 ، مقاتل الطالبيين : 332 و 362 ، المجدي في أنساب
    الطالبيين / العمري : 106 ، صفة الصفوة 2 : 184 ، تذكرة الخواص : 348 ، وفيات
    الأعيان 5 : 308 ، عمدة الطالب : 196 ، الفصول المهمة : 237 ، إسعاف الراغبين /
    الصبان : 246 ، الصواعق المحرقة : 203 ، البداية والنهاية 10 : 190 ، عيون
    التواريخ / ابن شاكر الشافعي 6 : 165 ، مرآة الجنان 1 : 405.
    (2) تاريخ بغداد 13 : 29 ، الإرشاد 2 : 231 ، روضة الواعظين : 215.
    (3) تاريخ بغداد 13 : 29 ، المنتظم في تاريخ الملوك والاُمم 9 : 87.

    وخمسين ديناراً ، ثم دخل عليه‌السلام الضيعة ودعا له ، وحدثه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه
    قال : « تمسكوا ببقايا المصائب » ، قال : فجعل الله فيها البركة وزكت ، فبعت
    منها بعشرة آلاف (1).
    وأولم أبو الحسن موسى عليه‌السلام على بعض ولده ، فأطعم أهل المدينة ثلاثة أيام
    الفالوذجات (2) في الجفان في المساجد والأزقة (3).

    * * *













    __________________
    (1) تاريخ بغداد 13 : 30.
    (2) الفالوذج : حلوى تعمل من الدقيق والعسل والماء.
    (3) الكافى 6 : 281 / 1.




    الفصل السادس
    إسهاماته العلمية
    أولى أئمة أهل البيت عليهم‌السلام العلم والعلماء أهمية خاصة ، واهتموا ضمن هذا
    الاطار ببناء الإنسان فكراً وعقيدة وسلوكاً ، لذلك ركز الأئمة عليهم‌السلام جهودهم في
    مجال التعلّم والتعليم والتوعية ، بينما جعل الحاكم جهوده ضمن إطار دنيوي
    ضيق لا يتعدى الحفاظ على عرشه وبذخه مما يستدرّه من قوت الملايين
    الجائعة ، يتضح ذلك من وصية الإمام الكاظم عليه‌السلام لهشام بن الحكم : « يا هشام ،
    كما تركوا لكم الحكمة ، فاتركوا لهم الدنيا » (1).
    وضمن هذا التوجّه سجل الإمام الكاظم عليه‌السلام رصيداً معرفياً واسعاً في
    أوساط الأُمّة ، حيث تواصل مع نشاط رواد مدرسة أبيه الصادق عليه‌السلام في حدود
    هامش الحرية المتاح له من وفاة المنصور سنة ( 158 ه‍ ) ـ إلى إلقاء القبض عليه
    من قبل الرشيد سنة ( 179 ه‍ ) ، وكان له دور كبير في إغناء تلك المدرسة إطاراً
    ومحتوى ومادة ، وترك كثيراً من الآثار في هذا الاتجاه منها المسائل الشرعية
    والبحوث الكلامية ، والمواعظ والوصايا البليغة والحكم الرائعة والأقوال
    الجامعة التي توجه بها إلى تهذيب النفس والسلوك ، وإرشاداته التي تنضوي
    تحت علم الطب ، فضلاً عن سعة الرواية عنه في كافة أبواب شرائع الإسلام ،
    وأسهم في إعداد جيل من الرواة والمحدثين والمؤلفين الثقات الذين أوصلوا نتاج
    تلك المدرسة إلى قاعدة عريضة تؤمن بمرجعية الإمام عليه‌السلام ، وأسهم في تشخيص
    __________________
    (1) الكافي 1 : 10 ـ 15 / 12 ، تحف العقول : 383 ـ 402.

    بعض حالات الضلال والانحراف ، ليصححها ويقومها في الاتجاه الصحيح.
    وفيما يلي نقف عند أهم تلك الإسهامات ضمن أربعة مباحث :
    المبحث الأول
    دوره عليه‌السلام في ترسيخ مبادئ العقيدة
    روي عن الإمام الكاظم عليه‌السلام المزيد من الأخبار المتعلقة بالبحوث
    والمناظرات الكلامية ، دافع فيها عن أصول الاعتقاد السامية ، وردّ على أهل
    البدع والأهواء ، وناظر أهل الديانات ، وسوف نسلط الضوء على بعض
    الكلمات التي وردت عن الإمام الكاظم عليه‌السلام في شؤون العقيدة والكلام ، وما
    يتصل بذلك من ردود على بعض الفرق الضالة والأفكار المنحرفة ، وكما يلي :
    كلمة جامعة :
    جعل الإمام الكاظم عليه‌السلام من الدعاء وسيلة لتلقين أصول العقيدة والانفتاح
    على جميع مفرداتها ، كي يجعل من الداعي يستحضر في وعيه توحيد الخالق
    وصفاته ومشيئته وإرادته وعلمه وقضاءه وقدره ، ويعمّق علاقته الروحية
    بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ويعزّز فهمه لأبعاد شخصيته ومكارم أخلاقه ، ووصيّته بالإمامة
    لمن بعده باعتبارها الامتداد الطبيعي للنبوة ، وبيان مهمتها في إقامة مبادئ الدين
    والكتاب الكريم ، والحفاظ على السُنّة المباركة ، وبيان صفات الإمام ومكارم
    أخلاقه وفضائله ودلائله.
    وقد وردت عن الإمام الكاظم عليه‌السلام المزيد من الأدعية التي تنطوي على
    تلك المضامين ، ومنها دعاء الاعتقاد : « ... اللهمّ إنّي أقرُّ وأشهدُ ، وأعترفُ
    ولا أجحدُ ، وأُسرُّ وأُظهرُ ، وأعلنُ وأبطنُ ، بأنّك أنت الله فلا إله إلاّ أنت وحدك
    لا شريك لك ، وأن محمدا عبدك ورسولك ، وأنّ عليّا أمير المؤمنين ، وسيّد
    الوصيين ، ووارث علم النبيين... إمامي ومحجّتي ، ومن لا أثق بالأعمال



    وإن زكت ، ولا أراها منجيةً لي وإن صلحت إلاّ بولايته والائتمام به والإقرار
    بفضائله... اللهمّ وأقرُّ بأوصيائه من أبنائه أئمةً وحججا وأدّلةً وسُرجاً ،
    وأعلاماً ومناراً ، وسادة وأبرار... اللهمّ فادعني يوم حشري وحين نشري
    بإمامتهم ، واحشرني في زمرتهم ، واكتبني في أصحابهم ، واجعلني من
    اخوانهم ، وانقذني بهم يا مولاي من حرِّ النيران... » (1).
    كلماته في التوحيد والصفات :
    في باب التوحيد لم يدع الإمام عليه‌السلام مناسبة دون أن يعلم أصحابه التوحيد
    الخالص بكلمات منتزعة من ألفاظ الكتاب الكريم وسنة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله ،
    ويحذرهم من رواسب الشرك ومقولات أهل البدع والأوهام الباطلة المستندة
    إلى تقديرات العقول ، ومن ذلك ما رواه محمد بن أبي عمير ، قال : « دخلت على
    سيدي موسى بن جعفر عليهما‌السلام فقلت له : يا بن رسول الله ، علمني التوحيد.
    فقال عليه‌السلام : يا أبا أحمد ، لا تتجاوز في التوحيد ما ذكره الله تعالى ذكره في
    كتابه فتهلك ، واعلم أن الله تعالى واحد أحد صمد ، لم يلد فيورث ، ولم
    يولد فيشارك ، ولم يتخذ صاحبة ولا ولداً ولا شريكاً ، وأنه الحي الذي
    لا يموت ، والقادر الذي لا يعجز ، والقاهر الذي لا يغلب ، والحليم الذي
    لا يعجل ، والدائم الذي لا يبيد ، والباقي الذي لا يفنى ، والثابت الذي
    لا يزول ، والغني الذي لا يفتقر ، والعزيز الذي لا يذل ، والعالم الذي
    لا يجهل ، والعدل الذي لا يجور ، والجواد الذي لا يبخل ، وأنه لا تقدره
    العقول ، ولا تقع عليه الأوهام ، ولا تحيط به الأفكار ، ولا يحويه مكان ،
    ولا تدركه الأبصار ، وهو يدرك الأبصار ، وهو اللطيف الخبير ، وليس كمثله
    شيء ، وهو السميع البصير ، ( مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا
    خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا
    __________________
    (1) مهج الدعوات : 233.

    كَانُوا ) (1) ، وهو الأول الذي لا شيء قبله ، والآخر الذي لا شيء بعده ، وهو
    القديم وما سواه مخلوق محدث ، تعالى عن صفات المخلوقين علواً كبيراً » (2).
    وعن محمد بن حكيم ، قال : « كتب أبو الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام إلى أبي :
    إن الله أعلى وأجل وأعظم من أن يبلغ كنه صفته ، فصفوه بما وصف به
    نفسه ، وكفوا عما سوى ذلك » (3).
    ففي هذين الحديثين نجد أن الإمام عليه‌السلام يريد أن يؤكد حقيقة عدم قدرة
    البشر على معرفة الله في صفاته إلاّ من خلاله ، وأنه لا يعرف الله إلاّ هو ، فهو
    الذي أحاط بذاته ولم يحط بذاته أحد سواه إلاّ من خلاله ، لأن الله سبحانه هو
    المطلق الذي لا حدود لأية صفة من صفاته ، وعلى هذا الأساس فإن المحدود
    مهما كانت عظمته لا يستطيع أن يدرك كنه الخالق ، وإذا أراد أن يعرف الله في
    صفاته فعليه أن لا يتجاوز ما وصف به نفسه ، فإن ما وصف به نفسه هو الذي
    يمكن لنا أن نطل من خلاله على الحقيقة الكامنة في صفات الله ، وإلاّ فقد يصفه
    من خلال ما يتوهمه ويتخيله فيقول ما لا يرضي الله.
    نفي التشبيه والتجسيم :
    كان الجدل يدور في صفات الله تعالى بين المعطلة والمشبهة ، فيذهب
    المعطلة إلى استحالة معرفة الله تعالى على العقول ، بينما ينسب المشبهة أو المجسمة
    الصفات البشرية إلى الذات الإلهية ، ويتطاولون إلى حدّ القول بأن الله سبحانه
    ينزل إلى السماء الدنيا على حمار بصورة شاب أمرد تقدّس وتعالى عن ذلك ،
    الأمر الذي نفاه الإمام الكاظم عليه‌السلام بشدة على ما سيأتي ، إذ ان منهج الأئمة عليهم‌السلام
    __________________
    (1) سورة المجادلة : 58 / 7.
    (2) التوحيد : 76 / 32.
    (3) الكافي 1 : 102 / 6.

    يقوم على أساس التحدّث بلغة القرآن وأخذ العناوين الكبرى في العقيدة منه لا
    من غيره ، من هنا فهم عليهم‌السلام ينفون التشبيه والتجسيم والتعطيل جميعاً ، ويقولون
    إن الله تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء ، خارج عن الحدين : حد التعطيل ،
    وحد التشبيه ، وانه ليس بجسم ولا صورة ، ولا عرض ولا جوهر ، بل هو مجسم
    الأجسام ومصور الصور وخالق الأعراض والجواهر ، رب كل شيء ومالكه
    وجاعله ومحدثه.
    وفيما يلي نستعرض بعض الروايات الواردة عن الإمام الكاظم عليه‌السلام وهي
    تؤكد هذه المضامين :
    عن يعقوب بن جعفر الجعفري ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام ، قال : « ذكر عنده قوم
    يزعمون أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا.
    فقال عليه‌السلام : إن الله لا ينزل ولا يحتاج إلى أن ينزل ، إنما منظره (1) في
    القرب والبعد سواء ، لم يبعد منه قريب ، ولم يقرب منه بعيد ، ولم يحتج
    إلى شيء ، بل يُحتاج إليه ، وهو ذو الطول لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم. أما
    قول الواصفين انه ينزل تبارك وتعالى ، فإنما يقول ذلك من ينسبه إلى
    نقص أو زيادة (2) ، وكل متحرك محتاج إلى من يحركه أو يتحرك به ، فمن
    ظن بالله الظنون هلك ، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حد
    تحدونه بنقص أو زيادة ، أو تحريك أو تحرّك ، أو زوال أو استنزال ، أو نهوض
    أو قعود ، فإن الله جلّ وعزّ عن صفة الواصفين ، ونعت الناعتين ، وتوهم
    المتوهمين ( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ *
    __________________
    (1) أي مراقبته للأشياء بالعلم والإحاطة.
    (2) لأن الحاجة إلى النزول والصعود إنما تكون في الممكن الذي ينقص فيحتاج إلى
    أن يكمل نقصه ، ويزيد فيحتاج إلى أن يستزيد.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ   الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Emptyالأحد أكتوبر 27, 2024 9:21 am

    وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) (1)» (2).
    نلاحظ هنا كيف يرصد الإمام عليه‌السلام الانحراف في تصور الخالق سبحانه ،
    وكيف يضع المسألة في نصابها التوحيدي ، بتجريد الذات الإلهية عن كل صفات
    الممكن ، وتوجيه الناس إلى عدم الخوض في صفاته بما لا يملكون كنهه وعمقه ،
    وأن يصفوه بما وصف به نفسه ، فإنه أعرف بنفسه من مخلوقاته كلها.
    وعن يونس بن عبد الرحمن ، قال : « قلت لأبي الحسن موسى بن
    جعفر عليه‌السلام : لأي علة عرج الله بنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى السماء ، ومنها إلى سدرة المنتهى ،
    ومنها إلى حجب النور ، وخاطبه وناجاه هناك ، والله لا يُوصف بمكان ؟
    فقال عليه‌السلام : إن الله تبارك وتعالى لا يُوصف بمكان ، ولا يجري عليه زمان ،
    ولكنه عز وجل أراد أن يشرف به ملائكته وسكان سماواته ، ويكرمهم
    بمشاهدته ، ويريه عجائب عظمته ، ما يخبر به بعد هبوطه ، وليس ذلك
    على ما يقول المشبهون ، سبحان الله وتعالى عما يشركون » (3).
    وعن الشيخ المفيد ، قال : « قال يونس بن عبد الرحمن يوماً لموسى بن
    جعفر عليهما‌السلام : أين كان ربك حين لا سماء مبنية ولا أرضاً مدحية ؟ قال عليه‌السلام : كان
    نوراً على نور ، خلق من ذلك النور ماء منكدراً ، فخلق من ذلك الماء ظلمة ،
    فكان عرشه على تلك الظلمة. قال : إنما سألتك عن المكان ! قال : قال عليه‌السلام :
    كلما قلت : أين ، فأين هو المكان. قال : وصفت فأجدت ، إنما سألتك عن المكان
    الموجود المعروف ! قال : كان في علمه لعلمه ، فقصر علم العلماء عند
    علمه » (4).
    __________________
    (1) سورة الشعراء : 26 / 217 ـ 219.
    (2) الكافي 1 : 125 / 1 ، الاحتجاج 2 : 156 ، التوحيد : 183 / 18.
    (3) علل الشرائع 1 : 126 ، التوحيد : 175 / 5.
    (4) الاختصاص : 60.

    ونهى الإمام الكاظم عليه‌السلام أصحابه عن مجالسة كل من يصف الله تعالى
    بالصفات البشرية ، أو يحده بالمكان والزمان والحركة والانتقال ، ولو كان من
    أولي القربى ، وحثّهم على مقاطعتهم وحذّرهم غضب الله وانتقامه إن لم ينتهوا
    عن ذلك.
    عن سليمان بن جعفر الجعفري ، قال : «سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول لأبي : ما
    لي رأيتك عند عبد الرحمن بن يعقوب ؟ قال : إنه خالي. فقال له أبو الحسن عليه‌السلام :
    إنه يقول في الله قولاً عظيماً ، يصف الله تعالى ويحده ، والله لا يُوصف ، فإما
    جلست معه وتركتنا ، وإما جلست معنا وتركته. فقال : إن هو يقول ما شاء ،
    أي شيء علي منه إذا لم أقل ما يقول ؟ فقال له أبو الحسن : أما تخافن أن تنزل
    به نقمة فتصيبكم جميعاً ؟ أما علمت بالذي كان من أصحاب موسى عليه‌السلام ،
    وكان أبوه من أصحاب فرعون ، فلما لحقت خيل فرعون موسى عليه‌السلام تخلف
    عنه ليعظه ، وأدركه موسى ، وأبوه يراغمه حتى بلغا طرف البحر فغرقا
    جميعاً ، فأتى موسى عليه‌السلام الخبر ، فسأل جبرئيل عليه‌السلام عن حاله ، فقال له : غرق
    رحمه الله ، ولم يكن على رأي أبيه ، لكن النقمة إذا نزلت لم يكن لها عمن
    قارب المذنب دفاع » (1).
    الإرادة والمشيئة :
    خلاصة ما أثبته الإمام الكاظم عليه‌السلام بخصوص الإرادة في مقابل مقالات
    القدرية الباطلة أن الإرادة هي الفعل لا غير ، وأن إرادته تعالى هي أن يقول
    للشيء كن فيكون ، بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همّة ولا تفكّر ، لأنها من صفات
    المخلوق المنفية ، وإن الله سبحانه إذا شاء شيئاً أراده ، فإذا أراده قدره ، وإذا قدره
    قضاه ، وإذا قضاه أمضاه ، ولا يكون إلاّ ما شاء الله وأراد وقدر وقضى.
    عن صفوان بن يحيى ، قال : « قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : أخبرني عن الإرادة
    __________________
    (1) أمالي المفيد : 112 / 3.

    من الله ومن المخلوق. فقال عليه‌السلام : الإرادة من المخلوق الضمير وما يبدو له بعد
    ذلك من الفعل ، وأما من الله عزّ وجلّ فإرادته إحداثه لا غير ذلك ، لأنه لا
    يروّي ولا يهم ولا يتفكر ، وهذه الصفات منفية عنه ، وهي من صفات
    الخلق ، فإرادة الله تعالى هي الفعل لا غير ذلك ، يقول له كن فيكون ، بلا لفظ
    ولا نطق بلسان ، ولا همة ولا تفكر ، ولا كيف لذلك كما أنه بلا كيف » (1).
    وعن محمد بن إسحاق ، قال : «قال أبو الحسن عليه‌السلام ليونس مولى علي بن
    يقطين : يا يونس ، لا تتكلم بالقدر. قال : إني لا أتكلم بالقدر ، ولكني أقول : لا
    يكون إلاّ ما أراد الله وشاء وقضى وقدر. فقال عليه‌السلام : ليس هكذا أقول ، ولكني
    أقول : لا يكون إلاّ ما شاء الله وأراد وقدر وقضى.
    ثم قال : أتدري ما المشيئة ؟ فقال : لا ، فقال : همه بالشيء ، أو تدري ما
    أراد ؟ قال : لا ، قال : إتمامه على المشيئة. فقال : أو تدري ما قدر ؟ قال : لا ،
    قال : هو الهندسة من الطول والعرض والبقاء. ثم قال : إن الله إذا شاء شيئاً
    أراده ، فإذا أراده قدره ، وإذا قدره قضاه ، وإذا قضاه أمضاه.
    يا يونس ، إن القدرية لم يقولوا بقول الله : ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ
    اللهُ ) (2) ولا قالوا بقول أهل الجنة : ( الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا
    لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ ) (3) ولا قالوا بقول أهل النار : ( رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا
    شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ) (4) ولا قالوا بقول إبليس : ( رَبِّ بِمَا
    أَغْوَيْتَنِي ) (5) ولا قالوا بقول نوح : ( وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ
    __________________
    (1) التوحيد : 147 / 17.
    (2) سورة الإنسان : 76 / 30.
    (3) سورة الأعراف : 7 / 43.
    (4) سورة المؤمنون : 23 / 106.
    (5) سورة الحجر : 15 / 39.

    لَكُمْ إِن كَانَ اللهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) (1)
    ثم قال : قال الله : يا بن آدم ، بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء ، وبقوتي
    أديت إليّ فرائضي ، وبنعمتي قويت على معصيتي ، وجعلتك سميعاً بصيراً
    قوياً ، فما أصابك من حسنة فمني ، وما أصابك من سيئة فمن نفسك ،
    وذلك لأني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون. ثم قال : قد نظمت لك كل شيء
    تريده » (2).
    وروى داود بن قبيصة عن الإمام الرضا عليه‌السلام أنه قال : « سأل رجل أبي عليه‌السلام :
    هل منع الله عما أمر به ، وهل نهى عما أراد ، وهل أعان على ما لم يرد ؟
    فقال عليه‌السلام : أما قولك هل منع عما أمر به ، فلا يجوز ذلك عليه ، ولو جاز ذلك
    لكان قد منع إبليس عن السجود لآدم ، ولو منعه لعذره ولم يلعنه. وأما
    قولك هل نهى عما أراد ، فلا يجوز ذلك ، ولو جاز ذلك لكان حيث نهى
    آدم عليه‌السلام عن أكل الشجرة أراد منه أكلها ، ولو أراد منه أكلها ، لما نادى عليه
    صبيان الكتاتيب ( وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ ) (3) والله تعالى لا يجوز عليه
    أن يأمر بشيء ويريد غيره. وأما قولك : هل أعان على ما لم يرد ، فلا يجوز
    ذلك عليه ، وتعالى الله عن أن يعين على قتل الأنبياء وتكفيرهم ، وقتل
    الحسين بن علي عليهما‌السلام والفضلاء من ولده ، وكيف يعين على ما لم يرد وقد
    أعدّ جهنم لمخالفيه ، ولعنهم على تكذيبهم لطاعته وارتكابهم
    لمخالفته ؟ ولو جاز أن يعين على ما لم يرد ، لكان أعان فرعون على كفره
    وادعائه أنه رب العالمين ، أفترى أنه أراد من فرعون أن يدعي الربوبية ؟
    __________________
    (1) سورة هود : 11 / 34.
    (2) المحاسن : 244 / 238.
    (3) سورة طه : 20 / 121.

    ومضى الإمام عليه‌السلام يقول : يُستتاب قائل هذا القول ، فإن تاب من كذبه على
    الله وإلاّ ضربت عنقه » (1).
    علمه تعالى :
    إنّ الله تعالى عالم بمصير الأشياء كلّها غابرها وحاضرها ومستقبلها ،
    وعلمه هذا أزلي قديم لا يتصور فيه الظهور بعد الخفاء ، ولا العلم بعد الجهل.
    عن أيوب بن نوح : « أنه كتب إلى أبي الحسن عليه‌السلام يسأله عن الله عزّ وجلّ ، أكان
    يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء وكوّنها ، أو لم يعلم ذلك حتى خلقها وأراد
    خلقها وتكوينها ، فعلم ما خلق عندما خلق ، وما كوّن عندما كوّن ؟ فوقع بخطه :
    لم يزل الله عالماً بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء ، كعلمه بالأشياء بعدما
    خلق الأشياء » (2).
    وعن الكاهلي ، قال : « كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام في دعاء : الحمد لله منتهى
    علمه. فكتب إليّ : لا تقولن منتهى علمه ، ولكن قل منتهى رضاه » (3).
    إن الدعاء الذي يجري على اللسان قد يكون عرضةً للوهم والخطأ الذي لا
    يشعر به الإنسان حال اشتغاله بالدعاء والتوجه إلى الله سبحانه ، فلا يستحضر
    معانيه ودلالاته ، وهنا يمارس الإمام عليه‌السلام عملية تصحيح للدعاء ، وكأنه يريد
    أن يشير إلى حقيقة جديرة بالاهتمام ، وهي ضرورة اخضاع التراث للدراسة
    العلمية حتى لا ينفذ إلى تراثنا مفهوم غير إسلامي ، فلعلنا ندعو فنقول : الحمد لله
    منتهى علمه ، من حيث لا نشعر أن ذلك يجعل علم الله محدوداً بين البداية
    والنهاية ، والحال أن علم الله ليس له نهاية ولا تحدّه حدود ، من هنا علينا أن
    __________________
    (1) الاحتجاج : 387 ، بحار الأنوار 5 : 24 / 31.
    (2) الكافي 1 : 107 / 3.
    (3) الكافي 1 : 107 / 4 ، التوحيد : 134.

    نقول : منتهى رضاه ، لأن رضاه يتصل بعمل المخلوقين في درجات تتحرك حتى
    تبلغ منتهاها ، ولا يتعلق ذلك في ذاته وفي صفته.
    السعادة والشقاوة :
    اختلفت مقولات أهل الكلام اختلافاً شديداً في تفسير الآيات والآثار
    التي تسند الشقاء والسعادة إلى الله تعالى ، فأخذ بعضهم بظاهرها ، وحكموا
    بحتميّة الشقاء والسعادة في حياة الإنسان من جانب الله تعالى ، ونفوا دور
    الإنسان في اختيار الهداية والضلالة.
    وفصّل أهل البيت عليهم‌السلام في هذا المطلب ، بأنّ علم الله المعبّر عنه بأُمِّ الكتاب ،
    لا يتطرق إليه التغيير والتبديل ، وعلمه تعالى في أُمِّ الكتاب محيط بكل شيء ،
    ومنها سعادة الإنسان وشقائه ، وعلمه تعالى بالشيء لا يعني نسبة فعله إليه. أما
    علمه تعالى المعبّر عنه بلوح المحو والاثبات ، فإن لله تعالى فيه المشيئة يقدّم ما يشاء
    ويؤخر ما يشاء ، وهو موقوف على أعمال العباد ، فأعمال البر تحوّل شقاء
    الإنسان إلى سعادة ، واقتراف الذنوب وارتكاب السيئات تحوّل مصير الإنسان
    من السعادة إلى الشقاء. وعليه فإنّ الله تعالى هو مصدر السعادة والهداية في
    حياة الإنسان ، وأمّا الشقاء والضلالة فمن الإنسان نفسه ، وكلا الأمران يجريان
    باختياره وقراره.
    ويدلّ على هذا المعنى ما رواه محمد بن أبي عمير ، قال : « سألت أبا الحسن
    موسى بن جعفر عليهما‌السلام عن معنى قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الشقيّ من شقي في بطن
    اُمه ، والسعيد من سعد في بطن اُمه. فقال : الشقي من علم الله وهو في بطن
    اُمه أنه سيعمل أعمال الأشقياء ، والسعيد من علم الله وهو في بطن اُمه أنه
    سيعمل أعمال السعداء.
    قلت له : فما معنى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اعملوا فكل ميسّر لما خلق الله ؟ فقال : إن


    الله عزوجل خلق الجن والإنس ليعبدوه ، ولم يخلقهم ليعصوه ، وذلك قوله
    عزوجل : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِْنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (1) ، فيسّر كلاًّ لما خلق
    له ، فالويل لمن استحبّ العمى على الهدى » (2).
    الكفر والشرك :
    وسأل أبو أحمد الخراساني الإمام الكاظم عليه‌السلام : « الكفر أقدم أم الشرك ؟
    فقال عليه‌السلام له : ما لك ولهذا ، ما عهدي بك تكلّم الناس ! قال : أمرني هشام بن
    الحكم أن أسألك. فقال : قل له الكفر أقدم ، أول من كفر إبليس ( أَبَىٰ
    وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) (3) والكفر شيء واحد ، والشرك يثبت واحد
    ويشرك معه غيره » (4).
    كلماته في النبوة والإمامة :
    للإمام موسى الكاظم عليه‌السلام مناظرات وأقوال ووصايا تعرض فيها لمسألة
    الإمامة باعتبارها من أكثر القضايا التي شغلت حيزاً واسعاً من جهود العلماء
    وكثر الرأي فيها ، وللإمام الكاظم عليه‌السلام ومن قبله آباؤه الميامين عليهم‌السلام كلمتهم في
    هذا الإطار ، وهي أن الإمامة منصب إلهي ، والإمام يشترك مع النبي باعتبارهما
    حجة ظاهرة على الناس ، ويفترق عنه بالوحي فهو لا يُوحى إليه ، وأن الأرض
    لا تخلو من حجة منذ خلق الله تعالى آدم ، وأن الأئمة من آل البيت هم ورثة
    النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأولاده وأفضل من خلّف بعده في أُمته ، وأنهم أولي الأمر الذين
    فرض الله طاعتهم على خلقه باعتبارهم قادة الرسالة المعصومين ، وأن ولاء
    __________________
    (1) سورة الذاريات : 51 / 56.
    (2) التوحيد : 356 / 3.
    (3) سورة البقرة : 2 / 34.
    (4) تحف العقول : 412.

    جميع الخلائق يجب أن يكون لهم ، وأن لهم حقوقاً جعلها الله لهم واجبة في أعناق
    من يدينون لهم بالولاء منها الخمس والمودة ، وأن منهم القائم الذي يطهر
    الأرض من أعداء الله ، وله غيبة يطول أمدها ، يرتدّ فيها أقوام ويثبت فيها
    آخرون ، وإنما هي ابتلاء من الله عزّ وجلّ ابتلى بها خلقه ، حتى يظهر ويملأ
    الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً ، وهو الخامس من ولد الإمام الكاظم عليه‌السلام ،
    والثاني عشر من أهل البيت المعصومين عليهم‌السلام.
    وكان لأصحاب الإمام الكاظم عليه‌السلام دور فاعل في التدليل على فكرة
    الإمامة وأطروحتها ، وذلك من خلال مناظراتهم واحتجاجاتهم مع أصحاب
    المذاهب والفرق الإسلامية ، كهشام بن سالم الجواليقي ، ومحمد بن علي بن النعمان
    المعروف بمؤمن الطاق ، وهشام بن الحكم ، وكان ممن فتق الكلام في الإمامة ،
    حاذقاً بصناعة الكلام ، وغير هؤلاء كثير ، الأمر الذي أدى إلى انتشار فكر أئمة
    أهل البيت عليهم‌السلام وذيوع منهجهم بين المسلمين بفضل براهينهم الساطعة
    ومناظراتهم التي تميزت بقوة الحجة وسرعة البديهة والجرأة ، وفيما يلي نذكر أهم
    كلمات الإمام عليه‌السلام في هذا الإطار :
    الحجّة الظاهرة :
    قال الإمام الكاظم عليه‌السلام في وصيته لهشام بن الحكم : « يا هشام ، إن لله على
    الناس حجتين : حجة ظاهرة ، وحجة باطنة. فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء
    والأئمة عليهم‌السلام ، وأما الباطنة فالعقول » (1).
    لا تخلو الأرض من حجّة :
    عن صفوان بن يحيى ، عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام ، قال : « ما ترك الله
    __________________
    (1) الكافي 1 : 10 ـ 15 / 12 ، تحف العقول : 383 ـ 402.

    عزّوجلّ الأرض بغير إمام قطّ منذ قبض آدم عليه‌السلام ، يهتدي به إلى الله عزّوجلّ ،
    وهو الحجة على العباد ، من تركه ضلّ ، ومن لزمه نجا حقّاً على الله
    عزّوجلّ » (1).
    ولاية أهل البيت عليهم‌السلام :
    عن عمرو بن سعيد ، قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن قوله : ( أَطِيعُوا اللهَ
    وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) (2) ، قال : علي بن أبي طالب
    والأوصياء من بعده » (3).
    مودة أهل البيت عليهم‌السلام :
    روى الخطيب البغدادي بالإسناد عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن
    جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جده :
    « أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ بيد حسن وحسين قال : من أحبني وأحب هذين
    وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة » (4).
    حقوق أهل البيت عليهم‌السلام :
    عن التلعكبري ، بإسناده عن الكاظم عليه‌السلام ، قال : « قال لي هارون :
    أتقولون : إن الخمس لكم ؟ قلت : نعم. قال : إنه لكثير. قال : قلت : إن الذي
    أعطاناه علم أنه لنا غير كثير » (5).
    الغيبة :
    عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، قال : « إذا فقد
    __________________
    (1) إكمال الدين / الشيخ الصدوق : 220 / 2.
    (2) سورة النساء : 4 / 59.
    (3) تفسير العياشي 1 : 253 / 176.
    (4) تاريخ بغداد 13 : 289.
    (5) بحار الأنوار 48 : 158 / 33.

    الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلنكم أحد عنها. يا بني ،
    انه لا بدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان
    يقول به ، إنما هي محنة من الله عزّ وجلّ امتحن بها خلقه ، ولو علم آباؤكم
    وأجدادكم ديناً أصحّ من هذه لاتبعوه » (1).
    وعن العباس بن عامر القصباني ، قال : « سمعت أبا الحسن موسى بن
    جعفر عليه‌السلام يقول : صاحب هذا الأمر من يقول الناس : لم يولد بعد » (2).
    عن داود بن كثير الرقي ، قال : « سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام عن
    صاحب هذا الأمر ، قال : هو الطريد الوحيد الغريب الغائب عن أهله ، الموتور
    بأبيه عليه‌السلام » (3).
    وعن يونس بن عبد الرحمن ، قال : « دخلت على موسى بن جعفر عليهما‌السلام
    فقلت له : يا ابن رسول الله ، أنت القائم بالحق ؟ فقال : أنا القائم بالحق ، ولكن
    القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله عزّ وجلّ ، ويملأها عدلاً كما مُلئت
    جوراً وظلماً ، هو الخامس من ولدي ، له غيبة يطول أمدها ، خوفاً على
    نفسه ، يرتدّ فيها أقوام ويثبت فيها آخرون.
    ثم قال : طوبى لشيعتنا ، المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا ، الثابتين
    على موالاتنا والبراءة من أعدائنا ، أولئك منا ونحن منهم ، قد رضوا بنا
    أئمة ، ورضينا بهم شيعة ، فطوبى لهم ، ثم طوبى لهم ، وهم والله معنا في
    درجاتنا يوم القيامة » (4).
    __________________
    (1) إكمال الدين : 359 / 1.
    (2) إكمال الدين : 360 / 2.
    (3) إكمال الدين : 361 / 4.
    (4) إكمال الدين : 361 / 5.

    عن أبي أحمد محمد بن زياد الأزدي ، أنه قال للإمام الكاظم عليه‌السلام : « يكون في
    الأئمة من يغيب ؟ فقال عليه‌السلام : نعم يغيب عن أبصار الناس شخصه ، ولا يغيب
    عن قلوب المؤمنين ذكره ، وهو الثاني عشر منا ، يسهّل الله له كل عسير ،
    ويذلل له كل صعب ، ويظهر له كنوز الأرض ، ويقرب له كل بعيد ، ويبير به كل
    جبار عنيد ، ويهلك على يده كل شيطان مريد ، ذلك ابن سيدة الإماء الذي
    تخفى على الناس ولادته ، ولا يحل لهم تسميته حتى يظهره الله عزّ وجلّ ،
    فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً » (1).
    مناظرات في الإمامة :
    دافع الإمام الكاظم عليه‌السلام من خلال عدّة مناظرات ذكرنا بعضها في الفصل
    الثاني (2) عن الاُسس التي تقوم عليها الإمامة وعن أهم قواعدها ، كما ردّ على
    المزيد من الشبهات المثارة حولها ، نقتصر هنا على ذكر بعض ما جاء منها مع
    هارون في موضوعين مهمين بالنسبة إلى خلفاء بني العباس ، هما تفضيل آل أبي
    طالب على آل العباس ، وسبب وراثتهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دون بني العباس.
    عن أبي أحمد هاني بن محمد بن محمود العبدي ، عن أبيه ، بإسناده عن
    موسى بن جعفر عليهما‌السلام ـ في حديث ـ قال : « قال الرشيد : أخبرني لِمَ فضّلتم
    علينا ونحن وأنتم من شجرة واحدة ، وبنو عبد المطلب ونحن وأنتم واحد ،
    وإنا بنو العباس ، وأنتم ولد أبي طالب ، وهما عمّا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقرابتهما
    منه سواء ؟ فقلت : نحن أقرب. قال : وكيف ذلك ؟! قلت : لأن عبد الله
    __________________
    (1) إكمال الدين : 368 / 6.
    (2) في موقفه عليه‌السلام من الرشيد أجابه عن سبب نسبة أهل البيت عليهم‌السلام إلى رسول
    الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مع أن المرء يُنسب إلى أبيه ، وكيف قيل لهم عليهم‌السلام ذرية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، مع أن
    العقب للذكر ، وهم عليهم‌السلام أولاد البنت.

    وأبا طالب لأب وأم ، وأبوكم العباس ليس هو من أم عبد الله ، ولا من أم
    أبي طالب.
    قال : فلم ادعيتم أنكم ورثتم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والعم يحجب ابن العم ، وقبض
    رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد توفي أبو طالب قبله ، والعباس عمه حي ؟ فطلب الإمام
    الكاظم عليه‌السلام الأمان من الرشيد قبل الجواب فأمنه.
    فقلت : إن في قول علي بن أبي طالب عليه‌السلام : ليس مع ولد الصلب ذكراً
    كان أو أنثى لأحد سهم إلاّ للأبوين والزوج والزوجة ، ولم يثبت للعم مع ولد
    الصلب ميراث ، ولم ينطق به الكتاب ، إلاّ أن تيماً وعدياً وبني أمية قالوا :
    العم والد. رأياً منهم بلا حقيقة ، ولا أثر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.
    إلى أن قال الرشيد : زدني يا موسى. فقلت : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يورث من
    لم يهاجر ، ولا أثبت له ولاية حتى يهاجر. فقال : ما حجتك فيه ؟ فقلت :
    قول الله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ
    حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا ) (1) وإن عمي العباس لم يهاجر » (2).
    المبحث الثاني
    دوره عليه‌السلام في التشريع والتصنيف
    أسهم الإمام الكاظم عليه‌السلام في الدفاع عن مصادر التشريع ، فأكد على اتباع
    الكتاب والسنة ، وإبطال القياس والرأي والاستحسان ، ورفض كل أشكال
    الابتداع في دين الله ، وأثرت عن الإمام الكاظم عليه‌السلام كثير من الأخبار التي
    تتحدث عن سيرته وسننه التي تجسد مبادئ الإسلام وشريعته السمحاء ، وفي
    __________________
    (1) سورة الأنفال : 8 / 72.
    (2) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام 1 : 81 / 9 ، تحف العقول : 404 ، الاختصاص : 48 ،
    الاحتجاج 2 : 168.

    نفس السياق نجد عدّة كتب ورسائل ومسائل رويت عنه في مجال الأحكام
    والشرائع ، لا يزال بعضها ماثلاً إلى اليوم ، هذا فضلاً عن سعة الرواية عنه في
    كافة أبواب الفقه ، فقد روى عنه العلماء في فنون العلم من علم الدين وغيره ما
    ملأ بطون الدفاتر ، وألّفوا في ذلك المؤلفات الكثيرة المروية عنه بالأسانيد
    المتصلة ، وكان يُعرف بين الرواة بالعالم. ويمكن أن نطلع على دور الإمام عليه‌السلام في
    تبليغ أحكام الشريعة مما يلي :
    مصادر التشريع :
    1 ـ موقفه عليه‌السلام من القياس :
    عاش الإمام الكاظم عليه‌السلام في مرحلة ظهر فيها اتجاه القياس والرأي
    والاستحسان بقوة في خط الاجتهاد ، والقياس هو إسراء الحكم من موضوع
    إلى موضوع آخر للظن بأن أساس الحكم هنا هو أساس الحكم هناك ، وقد بدأ
    القياس كقاعدة من قواعد الاستنباط في عصر الإمام الصادق عليه‌السلام من قبل
    المذهب الحنفي ، ووقف الإمام الصادق عليه‌السلام ومن بعده الإمام الكاظم عليه‌السلام ضد هذه
    القاعدة الاجتهادية ، لأن القياس وكذلك الرأي والاستحسان إنما هي تعويل
    على العقل ، ودين الله سبحانه لا يُصاب بالعقول ، كما أنه لا توجد واقعة إلاّ
    ويمكن إدراجها تحت الأحكام الكلية المستنبطة من الكتاب والسنة ، روى
    سماعة بن مهران ، عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام ، قال : « قلت : أكل شيء في كتاب
    الله وسنة نبيه ، أم تقولون فيه برأيكم ؟ فقال : بل كل شيء في كتاب الله وسنة
    نبيه » (1).
    وعنه ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، قال : « قلت : أصلحك الله ، إنا نجتمع
    __________________
    (1) بصائر الدرجات : 321 / 1.

    فنتذاكر ما عندنا ، فما يرد علينا شيء إلاّ وعندنا فيه شيء مسطّر ، وذلك مما أنعم
    الله به علينا بكم ، ثم يرد علينا الشيء الصغير وليس عندنا فيه شيء ، فينظر
    بعضنا إلى بعض ، وعندنا ما يشبهه ، أفنقيس على أحسنه ؟ فقال عليه‌السلام : وما لكم
    والقياس ! إنما هلك من هلك من قبلكم بالقياس. ثم قال : إذا جاءكم ما
    تعلمون فقولوا به ، وإن جاءكم ما لا تعلمون فها ، وأهوى بيده إلى فيه (1).
    فقلت : أصلحك الله ، أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الناس بما يكتفون به في عهده ، قال : نعم ،
    وما يحتاجون إليه إلى يوم القيامة. فقلت : ضاع من ذلك شيء ؟ فقال : لا ، هو
    عند أهله » (2).
    وهنا يضع الإمام عليه‌السلام اصبعه على موضع الجرح ، فإن مشكلة المسلمين هي
    أنهم تركوا أهله فلم يرجعوا إليهم فتاهوا في لجّة البحر ، وقد قيل إن أبا حنيفة لم
    يوثق إلاّ (17) أو (18) حديثاً ، لذلك لجأ إلى القياس ، ولو كان قد رجع إلى أهل
    البيت عليهم‌السلام الذين نزل الوحي في بيوتهم وتوارثوا الحديث كابراً عن كابر ،
    لاستغنى عن الرأي والظن في أحكام الله.
    وفي حديث آخر يؤكد الإمام عليه‌السلام سبب ترك القياس ، وهو أن الكتاب
    والسنة لم يتركا فراغاً في التشريع في أي موضوع ، عن أبي المغرا ، عن عبد
    صالح عليه‌السلام ، قال : « سألته فقلت : إن أناساً من أصحابنا قد لقوا أباك وجدك
    وسمعوا منهما الحديث ، فربما كان الشيء يُبتلى به بعض أصحابنا وليس في ذلك
    عندهم شيء ، وعندهم ما يشبهه ، يسعهم أن يأخذوا بالقياس ؟ فقال : لا ، إنما
    هلك من كان قبلنا بالقياس. فقلت له : لم تقول ذلك ؟ فقال : لأنه ليس من
    __________________
    (1) أي اسكتوا.
    (2) الكافي 1 : 57 / 13 ، الاختصاص : 282 ، بصائر الدرجات : 322 / 4.

    شيء إلاّ وجاء في الكتاب والسنة » (1).
    وإنما هلك من هلك بالقياس لأنهم لم يرتكزوا على حجة شرعية في
    الأحكام التي استنبطوها انطلاقاً مما ظنوه ملاكاً للحكم في الأصل فنقلوه إلى
    الفرع لوجود الملاك فيه ، وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً.
    أمثلة في إبطال القياس :
    عن عثمان بن عيسى ، عن بعض أصحابه. قال : « قال أبو يوسف (2)
    للمهدي وعنده موسى بن جعفر عليهما‌السلام : تأذن لي أن أسأله عن مسائل ليس عنده
    فيها شيء ؟ فقال له : نعم. فقال لموسى بن جعفر عليهما‌السلام : أسألك ؟ قال : نعم. قال : ما
    تقول في التظليل للمحرم ؟ قال : لا يصلح. قال : فيضرب الخباء في الأرض
    ويدخل البيت ؟ قال : نعم. قال : فما الفرق بين هذين ؟ قال أبو الحسن : ما تقول
    في الطامث ، أتقضي الصلاة ؟ قال : لا. قال : فتقضي الصوم ؟ قال : نعم. قال :
    ولِمَ ؟ قال : هكذا جاء. قال أبو الحسن عليه‌السلام : وهكذا جاء هنا. فقال المهدي لأبي
    يوسف : ما أراك صنعت شيئاً. قال : رماني بحجر دامغ » (3).
    ويتكرر نفس المشهد ولكن بمحضر الرشيد ، فجاء في جواب الإمام عليه‌السلام
    لمحمد بن الحسن الشيباني لما أبطل قياسه : « أتعجب من سنة رسول الله ! إن
    رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كشف ظلاله في إحرامه ، ومشى تحت الظلال وهو محرم ، إن
    أحكام الله تعالى يا محمد لا تُقاس ، فمن قاس بعضه على بعض فقد ضل
    __________________
    (1) المحاسن : 212 ، الاختصاص : 281 ، بصائر الدرجات : 322 / 3.
    (2) هو يعقوب بن إبراهيم الأنصاري ، من أصحاب الحديث ، ثم غلب عليه الرأي ،
    أخذ الفقه عن ابن أبي ليلى ثم عن أبي حنيفة ، وولي القضاء لهارون الرشيد.
    (3) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام 1 : 78 / 6 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 429 ، الاحتجاج :
    394.

    عن سواء السبيل. فسكت محمد بن الحسن ، ولم يحُر جواباً » (1).
    2 ـ موقفه عليه‌السلام من الاستحسان والرأي :
    ذكرنا آنفاً أن الإمام عليه‌السلام وقف بوجه هذا التيار المدمر للشريعة مثلما وقف
    بوجه القياس ، ففي حديثه عليه‌السلام ليونس بن عبد الرحمن قال : « يا يونس ، لا
    تكونن مبتدعاً ، من نظر برأيه هلك ، ومن ترك أهل بيت نبيه ضل ، ومن ترك
    كتاب الله وقول نبيه كفر » (2).
    والمقصود من النظر بالرأي هو اعتبار الاستحسانات الذاتية أساساً للحكم
    الشرعي من غير حجة شرعية من كتاب أو سنة ، وهو عين الابتداع في الدين ،
    ولا يعني ذلك رفض الإمام عليه‌السلام لحركة الرأي في الإنسان كوسيلة من وسائل
    التفكير في معرفة موضوعات الأحكام من الأشياء ، بل انه يريد التأكيد على أن
    الاستحسان في الحكم الشرعي لا يُعد من الوسائل التي جعلها الشارع أساساً
    للاستنباط ، ولأن حجيته لم تثبت من كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أما ترك حديث
    أهل البيت عليهم‌السلام وما رووه عن جدهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنه يؤدّي إلى الضلال ،
    لأنهم يملكون الحقيقة مما قاله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في التفسير وتشريع الأحكام ، بكونهم
    حجة إلى جانب القرآن إلى يوم الدين كما جاء في حديث الثقلين.
    ومن الأمثلة العملية على رفض الإمام عليه‌السلام لكافة أنواع الابتداع في الدين ،
    ما حكي أن المنصور تقدّم إليه عليه‌السلام بالجلوس للتهنية في يوم النيروز ، وقبض ما
    يحمل إليه ، فقال عليه‌السلام : « إني قد فتشت الأخبار عن جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم
    أجد لهذا العيد خبراً ، وإنه سنّة للفرس ومحاها الإسلام ، ومعاذ الله أن
    __________________
    (1) الإرشاد 2 : 235 ، اعلام الورى 2 : 30 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 429.
    (2) الكافي 1 : 56.

    نحيي ما محاه الإسلام. فقال المنصور : إنما نفعل هذا سياسة للجند ، فسألتك
    بالله العظيم إلاّ جلست » (1).
    على أن يوم النيروز الذي دخل في تقاليدنا الإسلامية ، قد جاءت به
    أحاديث تؤكد كونه من الأيام المباركة ويستحب الغسل والصلاة فيه ، ولا
    تؤكد كونه عيداً لأنّ أعياد المسلمين معروفة ، وليس هذا منها كما جاء في
    جوابه عليه‌السلام للمنصور ، وقد سكت المنصور عن الرد على الإمام عليه‌السلام إلاّ التذرّع
    بسياسة الجند ، لكون أغلب الجيش وقادته كانوا من الموالي ، وفي هذا المجال
    يُروى أنه أُهدي إلى أمير المؤمنين علي عليه‌السلام فالوذج ، فقال : « ما هذا ؟ قالوا : يوم
    نيروز. قال عليه‌السلام : فنيرزوا إن قدرتم كل يوم. يعني تهادوا وتواصلوا في الله » (2).
    فلم يعطه الإمام عليه‌السلام أهمية إلاّ بمقدار اعتباره مناسبة لتوزيع الحلوى
    والتواصل بين المسلمين ، والمسألة تحتاج إلى مزيد من البحث العلمي الدقيق ،
    لأن إدخال أي يوم ليكون عيداً في التقاليد الإسلامية ، أمر يحتاج إلى التأكد من
    خلال المصادر الأصلية ، أما من القرآن أو السنة الشريفة ، أو من أحاديث أهل
    البيت عليهم‌السلام ، ويبقى الاشكال قائماً لكل من يحتفل به كعيد شرعي إسلامي ، أما
    الاحتفال به كيوم لمطلع الربيع فهو أمر لا بأس به.
    3 ـ عرض الحديث على الإمام عليه‌السلام :
    عرضت على الإمام الكاظم عليه‌السلام بعض الأحاديث إما بأمر منه عليه‌السلام ، أو من
    السائل لغرض الاستيضاح عن التعارض بين الأحاديث ، وكان موقفه عليه‌السلام من
    الأحاديث المعروضة عليه إما أن يسقط الحديث جملة ، أو يضعّفه ويطعن
    __________________
    (1) مناقب آل أبي طالب 3 : 433.
    (2) دعائم الإسلام / القاضي النعمان المغربي 2 : 326.

    بإسناده ويعرضه على الكتاب والسنة ، وقد يؤيده غير أنه يدل السائل على أن
    مورد الحديث خاص.
    ومن ذلك ما رواه محمد الرافقي ، قال : « كان لي ابن عمّ يقال له الحسين بن
    عبد الله ، وكان زاهداً ، فقال له أبو الحسن عليه‌السلام : اذهب فتفقّه واطلب الحديث.
    قال : عمّن ؟ قال : عن فقهاء أهل المدينة ، ثمّ اعرض عليّ الحديث... قال :
    فذهب فكتب ، ثم جاء فقرأه عليه فأسقطه كله » (1).
    وعن أبان الأحمر ، قال : « سأل بعض أصحابنا أبا الحسن عليه‌السلام عن الطاعون
    يقع في بلدة وأنا فيها ، أتحول عنها ؟ قال : نعم. قال : ففي القرية وأنا فيها ، أتحوّل
    عنها ؟ قال : نعم. قال : ففي الدار وأنا فيها ، أتحول عنها ؟ قال : نعم. قلت : إنا
    نتحدث أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : الفرار من الطاعون كالفرار من الزحف ؟ قال :
    إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنما قال هذا في قوم كانوا يكونون في الثغور في نحو
    العدو ، فيقع الطاعون ، فيخلّون أماكنهم ويفرون منها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله
    ذلك فيهم » (2).
    ونقل السيد ابن طاوس عن كتاب ( نزهة الكرام وبستان العوام ) لمحمد بن
    الحسين بن الحسن الرازي ، قال : « إن هارون الرشيد أنفذ إلى موسى بن
    جعفر عليهما‌السلام فأحضره ، فلما حضر عنده قال : إن الناس ينسبونكم يا بني فاطمة
    إلى علم النجوم ، وإن معرفتكم بها معرفة جيدة ، وفقهاء العامة يقولون : إن
    رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إذا ذكرني أصحابي فاسكتوا ، وإذا ذكروا القدر فاسكتوا ،
    وإذا ذكروا النجوم فاسكتوا. وأمير المؤمنين عليه‌السلام كان أعلم الخلائق بعلم
    __________________
    (1) الكافي 1 : 353 / 8 ، الإرشاد 2 : 223.
    (2) معاني الأخبار : 254 / 1.

    النجوم ، وأولاده وذريته الذين تقول الشيعة بإمامتهم كانوا عارفين بها.
    فقال له الكاظم عليه‌السلام : هذا حديث ضعيف ، وإسناده مطعون فيه ، والله
    تعالى قد مدح النجوم ، ولولا أن النجوم صحيحة ما مدحها الله عزّ وجلّ ،
    والأنبياء عليهم‌السلام كانوا عالمين بها ، وقد قال الله تعالى في حق إبراهيم خليل
    الرحمن عليه‌السلام : ( وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ
    الْمُوقِنِينَ ) (1). وقال في موضع آخر : ( فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي
    سَقِيمٌ ) (2). فلو لم يكن عالماً بعلم النجوم ما نظر فيها ، وما قال : ( إِنِّي
    سَقِيمٌ ). وإدريس عليه‌السلام كان أعلم أهل زمانه بالنجوم. والله تعالى قد أقسم
    بمواقع النجوم ( وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ) (3). وقال في موضع آخر :
    ( وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ) إلى قوله : ( فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ) (4) ... » (5).
    سيرة الإمام الكاظم عليه‌السلام وسننه :
    الإمام الكاظم عليه‌السلام في سيرته وسننه نسخة من سيرة وسنن آبائه صلوات
    الله عليهم ، لأنها ترتوي من منهل واحد ، هو سيرة جدهم المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله التي
    تجسد مبادئ الإسلام وشريعته السمحاء ، وقد تحدث الرواة في عشرات
    الأحاديث عن صور كثيرة من سننه وسيرته العملية التي تدخل في صميم
    مصادر التشريع ، ومنها صلاته ومصلاّه وسجوده ، ودعائه واستغفاره وتلاوته
    وحفظه ، وحجّه وعمرته وكتابته ، ولباسه وخاتمه ، ومطعمه وآداب أكله
    __________________
    (1) سورة الأنعام : 6 / 75.
    (2) سورة الصافات : 37 / 88 و 89.
    (3) سورة الواقعة : 56 / 76.
    (4) سورة النازعات : 79 / 1 ـ 5.
    (5) فرج المهموم : 107 / 25.

    ووليمته وتخلله ، وحمامه وخضابه ، وحلق شعره ومشطه وتجمره ، وراحلته
    وزراعته ، وسيرته مع غلمانه وجواريه ، وسعيه في قضاء حاجات المسلمين ،
    وطبه وحجامته وعلاجاته بعض الأمراض.
    وذكرنا في الفصل الخامس سيرته في العبادة والحلم وكظم الغيظ والزهد
    والتواضع ، وكلها تعكس جوانب وضّاءة من مظاهر العظمة التي يتحلّى بها
    إمامنا كاظم الغيظ عليه‌السلام ، مما يتوجب علينا أن نحوّل ما نتمكن منها إلى برامج عمل
    في حياتنا ، كي نرتبط بالخطوط الفكرية والعملية التي انطلق بها في الحياة ،
    ونتحرك في خط الاستقامة الذي ارتضاه الإمام عليه‌السلام لشيعته ، وهذا هو معنى
    الولاء للإمام ، لأن إمامتهم هي أن يكونوا أمامنا في مسيرة الإسلام التي تبدأ من
    الله وتنتهي إليه.
    المصنفات المنسوبة إليه عليه‌السلام :
    ذكر المؤرخون لسيرة الإمام الإمام الكاظم عليه‌السلام والمترجمون لأصحابه من
    علماء الرجال عدّة كتب ورسائل ومسائل ونسخ ، رواها عنه أصحابه في
    مجالات شتى منها الأحكام والشرائع والتفسير والدعاء والحكم والمواعظ
    والوصايا وغيرها ، وقد وصل بعضها إلينا مثل مسنده عليه‌السلام برواية المروزي (1) ،
    ومسائل أخيه علي بن جعفر (2) ، وفيما يلي نذكر أهم إسهامات الإمام أبي الحسن
    موسى الكاظم عليه‌السلام في هذا الاتجاه :
    1 ـ كتاب الحج ، رواه عنه أبو الحسن علي بن عبيد الله بن علي بن
    الحسين (3).
    __________________
    (1) طبع بتحقيق السيد محمد حسين الجلالي ، ويشتمل على (59) حديثاً.
    (2) طبع مع مستدرك عليه بتحقيق مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.
    (3) رجال النجاشي : 256 / 671 ، الذريعة / الطهراني 6 : 251 / 1373.

    2 ـ دعاء الجوشن الصغير ، أورده السيد ابن طاوس في ( مهج الدعوات ) (1)
    وذكر أنه قد كتبه عن إملائه عليه‌السلام جمع من شيعته الحاضرين مجلسه الذين كانوا
    يحملون معهم في أكمامهم ألواح آبنوس لطاف وأميال ، فيكتبون كلما نطق
    بكلمة ، أو أفتى في نازلة كما سمعوا منه (2).
    3 ـ أدعية أيام الأسبوع ، أوردها هبة الله بن أبي محمد الحسن الموسوي في
    ( المجموع الرائق من أزهار الحدائق ).
    4 ـ كتاب الحديث ، رواه عنه أبو اسماعيل بكر بن الأشعث الكوفي (3).
    5 ـ كتاب رواه عنه أبو جعفر محمد بن صدقة العنبري البصري (4).
    6 ـ كتاب رواه عنه القاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن
    إبراهيم بن الحسن (5).
    7 ـ كتاب رواه عنه خلف بن حماد بن ياسر الكوفي (6).
    8 ـ وله مسائل عدّة رواها عنه إبراهيم بن أبي محمود الخراساني ، وهي قدر
    خمس وعشرين ورقة (7) ، وأخرى رواها الحسن بن علي بن يقطين مولى بني
    هاشم (Cool ، وثالثة رواها عبد الله بن محمد الأهوازي (9) ، ورابعة رواها أخوه
    __________________
    (1) وطبع في لكهنو سنة 1871 م.
    (2) الذريعة / الطهراني 5 : 287 / 1337.
    (3) رجال النجاشي : 109 / 275 ، الذريعة / الطهراني 6 : 316 / 1745.
    (4) رجال النجاشي : 364 / 983.
    (5) رجال النجاشي : 314 / 859.
    (6) رجال النجاشي : 152 / 399.
    (7) رجال الكشي : 567.
    (Cool رجال النجاشي : 45 / 91 ، الفهرست / الشيخ الطوسي : 98 / 166.
    (9) الذريعة / الطهراني 20 : 369 / 3458.

    أبو الحسن علي بن جعفر العريضي ، وهي باقية إلى الآن
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ   الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Emptyالأحد أكتوبر 27, 2024 9:22 am

    ، وتعد من الأصول
    المعتبرة بين الطائفة (1) ، وخامسة رواها علي بن يقطين ، الذي قال عنه
    النجاشي : روى عن موسى عليه‌السلام فأكثر (2) ، وسادسة رواها يونس بن عبد الرحمن
    مولى آل يقطين (3).
    9 ـ مسند الإمام موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، رواه عنه أبو عمران موسى بن
    إبراهيم المروزي ، وروي أنه سمع هذا الكتاب وأبو الحسن عليه‌السلام محبوس عند
    السندي بن شاهك ، وكان هو معلماً لولد السندي بن شاهك (4).
    10 ـ رسالة كتبها عليه‌السلام إلى علي بن سويد السائي (5) وأوردها ثقة الإسلام
    الكليني في ( الكافي ) (6).
    11 ـ وصية إلى هشام بن الحكم ، أوردها ثقة الإسلام الكليني في
    ( الكافي ) ، وابن شعبة في ( تحف العقول ) (7).
    ولإسماعيل بن موسى بن جعفر عدة كتب يرويها جميعاً عن أبيه ، سنذكرها
    __________________
    (1) الفهرست : 151 / 377 ، الذريعة / الطهراني 20 : 360 / 3406.
    (2) رجال النجاشي : 273 / 715 ، الفهرست : 154 / 388 ، الذريعة 20 : 369 /
    3459 ، كشف الحجب والأستار / اعجاز حسين : 510 / 2871.
    (3) الفهرست : 266 / 813 ، كشف الحجب والأستار : 510 / 2872 ، الذريعة
    20 : 369 / 3486 و 373 / 3460.
    (4) رجال النجاشي : 407 / 1082 ، الفهرست : 243 / 722 ، معالم العلماء / ابن
    شهرآشوب : 155 / 799 ، كشف الظنون / حاجي خليفة 2 : 1682. وقال : رواه
    أبو نعيم الأصفهاني ، وروى عنه هذا المسند موسى بن إبراهيم.
    (5) رجال النجاشي : 276 / 724.
    (6) الكافي 8 : 124.
    (7) الكافي 1 : 10 ـ 15 / 12 ، تحف العقول : 383 ـ 402.

    في المبحث الرابع (1).
    وهناك نسخ عديدة تُنسب إلى الإمام الكاظم عليه‌السلام رواها عنه علي بن حمزة
    ابن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن أمير المؤمنين عليه‌السلام (2) ، وأخرى رواها محمد
    ابن ثابت (3) ، وثالثة رواها محمد بن زرقان (4) ، ورابعة رواها محمد بن فضيل بن
    كثير الصيرفي الأزدي (5).
    المبحث الثالث
    إسهامات علمية اُخرى
    1 ـ في تفسير القرآن :
    يعدّ حديث أهل البيت عليهم‌السلام من أهم مصادر تفسير آيات الكتاب الكريم ،
    وبيان أبعاد معانيه ، وتصاريف أغراضه ومراميه ، وقد أثبتت الدلائل والوقائع
    أنهم عليهم‌السلام الأقدر على تفسير الكتاب وإدراك مضامينه وفهم دقائقه ، لأن القرآن
    نزل في بيوتهم ، ولأنهم الذين قرن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بينهم وبين الكتاب ، وذكر أنهما
    لن يفترقا حتَّى يردا عليه الحوض ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « والله ما نزلت آية
    إلاَّ وقد علمت فيما نزلت ، وأين نزلت ، وعلى من نزلت ، إنَّ ربّي وهب لي
    قلباً عقولاً ، ولساناً طلقاً سؤولاً » (6).
    ومن تتبع التفسير الأثري الوارد عن أهل البيت عليهم‌السلام يجد أن هناك خطوطاً
    __________________
    (1) راجع : رجال النجاشي : 26 / 48 ، الفهرست / الشيخ الطوسي : 45 / 31.
    (2) رجال النجاشي : 272 / 714 ، الذريعة / الطهراني 24 : 152 / 779.
    (3) رجال النجاشي : 369 / 1003 ، الذريعة / الطهراني 24 : 152 / 780.
    (4) رجال النجاشي : 370 / 1006 ، الذريعة / الطهراني 24 : 152 / 781.
    (5) الذريعة / الطهراني 24 : 152 / 782.
    (6) كنز العمال 13 : 128 / 36404.

    أساسية رسموها لفهم القرآن الكريم ، يمكن أن نصطلح عليها منهج أهل
    البيت عليهم‌السلام في التفسير ، وهي تتمثل في تفسير القرآن بالقرآن ، وقولهم بسلامة
    الكتاب الكريم من التحريف ، وأنه الذي بأيدي المسلمين ما بين الدفتين ،
    وتفسير الآيات على ضوء القول بتنزيه الخالق عن التجسيم والوصف والرؤية ،
    وتنزيه الأنبياء عن المعاصي وغيرها من عقائد الإسلام الأصيل.
    وقد تركوا عليهم‌السلام تراثاً ضخماً من الروايات والأخبار التي تدخل في باب
    التفسير ، جمعها السيد هاشم البحراني المتوفى سنة ( 1107 ه‍ ) في كتابه ( البرهان
    في تفسير القرآن ) ، والشيخ عبد علي بن جمعة العروسي المتوفى سنة ( 1112 ه‍ )
    في تفسيره ( نور الثقلين ) ، فضلاً عن تفاسير الأثر المتقدمة الواصلة إلينا مثل
    تفسير فرات الكوفي ، والعياشي ، وعلي بن إبراهيم القمي ، وجميعها تقتصر على
    حديثهم الوارد في هذا الشأن.
    وللإمام الكاظم عليه‌السلام نصيب وافر من هذا الكم التفسيري الهائل الوارد في
    التفاسير الأثرية ، أما تفسيره المبثوث في مصادر الحديث ، فقد راجعنا معجم
    تفسير أهل البيت عليهم‌السلام (1) الذي أُعدّ بعد تتبّع (177) مصدراً من مصادر الرواية
    الأوّلية من كتب الفريقين ، عدا مصادر التفسير ، فوجدنا فيه (688) مورداً
    منقولاً عن الإمام الكاظم عليه‌السلام في تفسير القرآن ، وهو يعكس عظمة جهود
    الإمام عليه‌السلام ومزيد اهتمامه بتفسيرالكتاب الكريم ، وفيما يلي نماذج من تفسيره عليه‌السلام :
    عن سليمان الفراء ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، في قول الله تعالى : ( وَاسْتَعِينُوا
    بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ) (2) ، قال : « الصبر : الصوم ، إذا نزلت بالرجل الشدة أو
    النازلة فليصم ، فإن الله يقول : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ) ، الصبر :
    __________________
    (1) أعدّه قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة ، ولم يطبع إلى الآن.
    (2) سورة البقرة : 2 / 45.

    الصوم » (1).
    وعن محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، في قوله تعالى : ( الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ ) (2) ، قال عليه‌السلام : « هو التضييع » (3).
    وعن الحسن بن راشد ، قال : «سئل أبو الحسن موسى عليه‌السلام عن معنى قول
    الله تعالى : ( الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ) (4) ، فقال : استولى على ما دقّ
    وجلّ » (5).
    وفي قوله تعالى : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) (6) ، قال أبو الحسن موسى بن
    جعفر عليه‌السلام : « إن الله عزّ وجلّ لما فتح على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله فدك وما والاها ، لم
    يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، فأنزل الله تعالى على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( وَآتِ ذَا
    الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) فلم يدر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من هم ، فراجع في ذلك جبرئيل عليه‌السلام ،
    فسأل الله عزّ وجلّ عن ذلك ، فأوحى الله إليه : أن ادفع فدك إلى فاطمة.
    فدعاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال لها : يا فاطمة ، إن الله تعالى أمرني أن أدفع
    إليك فدك. فقالت : قد قبلت يا رسول الله ، من الله ومنك ، فلم يزل وكلاؤها
    فيها حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما ولي أبو بكر أخرج عنها وكلاءها ، فأتته
    فسألته أن يردها عليها ، فقال لها : ائتيني بأسود أو أحمر ليشهد لك
    بذلك. فجاءت بأمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم‌السلام وأم أيمن ، فشهدوا
    __________________
    (1) تفسير العياشي 1 : 43 / 41.
    (2) سورة الماعون : 107 / 5.
    (3) نور الثقلين 5 : 678 / 9.
    (4) سورة طه : 20 / 5.
    (5) التوحيد : 230 / 4.
    (6) سورة الإسراء : 17 / 26.

    لها بذلك ، فكتب بترك التعرض ، فخرجت بالكتاب معها فلقيها عمر ، فقال
    لها : ما هذا معك يا بنت محمد ؟ قالت : كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة. فقال
    لها : أرينيه ، فأبت ، فانتزعه من يدها » (1).
    وعن محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، في قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي
    أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ) (2) ، قال : « ما كان من الإيمان
    المستقر فمستقر إلى يوم القيامة ، وما كان مستودعاً سلبه الله قبل
    الممات » (3).
    وعن أبي إسحاق المدائني ، قال : « كنت عند أبي الحسن عليه‌السلام إذ دخل عليه
    رجل فقال له : جعلت فداك ، إن الله يقول : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ الله
    وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الاْءَرْضِ فَسَادا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ
    وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الاْءَرْضِ ) (4) ... فأي شيء الذي إذا فعله
    استحق واحدة من هذه الأربع ؟ فقال له أبو الحسن عليه‌السلام : أربع ، فخذ أربعاً بأربع ،
    إذا حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فساداً فقَتل قُتل ، فإن قَتل وأخذ
    المال قُتل وصلب ، وإن أخذ المال ولم يقتُل قُطعت يده ورجله من خلاف ،
    وإن حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فساداً ولم يأخذ المال نفي من
    الأرض. فقال له الرجل : جعلت فداك ، وما حدّ نفيه ؟ قال : يُنفى من المصر
    الذي فعل فيه ما فعل إلى غيره ، ثم يكتب إلى أهل ذلك المصر أن ينادى
    عليه بأنه منفي ، فلا تؤاكلوه ولا تشاربوه ولا تناكحوه ، فإذا خرج من ذلك
    __________________
    (1) الكافي 1 : 456 / 5 ، التهذيب 4 : 148 / 414.
    (2) سورة الأنعام : 6 / 98.
    (3) تفسير العياشي 1 : 371 / 72.
    (4) سورة المائدة : 5 / 33.

    المصر إلى غيره ، كتب إليهم بمثل ذلك ، فيفعل به ذلك سنة ، فإنه سيتوب
    من السنة وهو صاغر... » (1).
    2 ـ قصار الحكم :
    ورد عن الإمام الكاظم عليه‌السلام المزيد من قصار الحكم ، وهي تتسم بجزالة
    اللفظ ومتانة الأسلوب وعمق المحتوى ، وتختزن مضامين اجتماعية وأخلاقية
    وتربوية راقية ، تدعو إلى تقويم السلوك وتهذيب النفوس وتحصينها ، وتنمية
    نوازعها الخيّرة ، لتصل إلى السعادة المبتغاة ، وفي ما يلي مختار منها :
    قال عليه‌السلام : « ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم ، فإن عمل خيراً
    استزاد الله منه ، وحمد الله عليه ، وإن عمل شراً استغفر الله وتاب
    إليه ».
    « أفضل العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج ».
    « مثل المؤمن كمثل كفّتي الميزان ، كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه ،
    ليلقى الله عزّ وجلّ ولا خطيئة له ».
    « المؤمن أخو المؤمن لاُمه وأبيه وإن لم يلده أبوه ، ملعون من اتهم
    أخاه ، ملعون من لم ينصح لأخيه ، ملعون من استأثر على أخيه ، ملعون من
    احتجب عن أخيه ، ملعون من اغتاب أخاه ».
    « من لك بأخيك كله ، لا تستقصِ عليه فتبقى بلا أخ ».
    « إن من واجب حق أخيك أن لا تكتمه شيئاً تنفعه به لأمر دنياه
    وآخرته ، ولا تحقد عليه وإن أساء ، وأجب دعوته إذا دعاك ، ولا تخل بينه
    وبين عدوه من الناس ، وإن كان أقرب إليه منك ، وعده في مرضه ».
    __________________
    (1) تفسير العياشي 1 : 317 / 98.

    « ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم لا ظل إلاّ ظله : رجل زوج أخاه
    المسلم ، أو أخدمه ، أو كتم له سراً ».
    المؤمن أعز من الجبل ، الجبل يستقل بالمعاول ، والمؤمن لا يستقل
    دينه بشيء ».
    « نعم المال النخل ، الراسخات في الوحل ، المطعمات في المحل ».
    « المغبون من غبن من عمره ساعة ».
    « لا تحدثوا أنفسكم بفقر ولا بطول عمر ، فإنه من حدث نفسه بالفقر
    يبخل ، ومن حدثها بطول العمر يحرص ، أداء الإمانة والصدق يجلبان
    الرزق ، والخيانة والكذب يجلبان الفقر والنفاق ».
    « لكل شيء زكاة ، وزكاة الجسد صيام النوافل ».
    « لا عزّ إلاّ لمن تذلّل لله ، ولا رفعة إلاّ لمن تواضع لله ، ولا أمن إلاّ لمن
    خاف الله ، ولا ربح إلاّ لمن باع الله نفسه ».
    « وجدت علم الناس في أربع : أولها أن تعرف ربك ، والثانية أن تعرف
    ما صنع بك ، والثالثة أن تعرف ما أراد بك ، والرابعة أن تعرف ما يخرجك من
    ذنبك ».
    « اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات : ساعة لمناجاة الله ،
    وساعة لأمر المعاش ، وساعة لمعاشرة الإخوان والثقات الذين يعرفونكم
    عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن ، وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير
    محرم ».
    « من لم يجد للإساءة مضضاً لم يكن للإحسان عنده موقع ».
    « كفارة عمل السلطان الإحسان إلى الإخوان ».
    « ما استبّ اثنان إلاّ انحطّ الأعلى إلى مرتبة الأسفل ».

    « من أبطرته النعمة وقّره زوالها ».
    « من ولده الفقر أبطره الغنى ».
    « من اقتصد وقنع بقيت عليه النعمة ، ومن بذر وأسرف زالت عنه
    النعمة ».
    « المعروف تلو المعروف غلّ لا يفكه إلاّ مكافأة أو شكر ».
    « التحدث بنعم الله شكر ، وترك ذلك كفر ، فاربطوا نعم ربكم تعالى
    بالشكر ، وحصنوا أموالكم بالزكاة ».
    « من أحزن والديه فقد عقهما ».
    « من كثر قلقه لم يعرف بِشره ».
    « إياك أن تمنع في طاعة الله فتنفق مثليه في معصية الله ».
    « يعرف شدة الجور من حكم به عليه ».
    « ليس حسن الجوار كف الأذى ، ولكن حسن الجوار الصبر على
    الأذى ».
    « المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان ».
    « الله ينزل المعونة على قدر المؤونة ، وينزل الصبر على قدر
    المصيبة ».
    « لو ظهرت الآجال لافتضحت الآمال ».
    « التدبير نصف العيش ».
    « التودد إلى الناس نصف العقل ».
    « العجلة هي الخرق ».
    « قلة الوفاء عيب بالمروءة ».
    « كفى بالتجارب تأديباً ، وبمر الأيام عظة ، وبأخلاق من عاشرت


    معرفة ، وبذكر الموت حاجزاً من الذنوب والمعاصي ».
    « العجب كل العجب للمحتمين من الطعام والشراب مخافة الداء أن
    ينزل بهم ، كيف لا يحتمون من الذنوب مخافة النار إذا اشتعلت في
    أبدانهم ! » (1).
    3 ـ وصايا ومواعظ :
    وردت المزيد من الوصايا والمواعظ التي أدلى بها الإمام موسى بن
    جعفر عليهما‌السلام في مناسبات شتى ، وسلّط فيها الضوء على الكثير من المضامين
    الإسلامية السامية ، ويأتي على رأس تلك الوصايا وصيته لهشام بن الحكم ،
    وهي وصية مسهبة تشتمل على مواعظ بليغة وحكم رائعة وأقوال جامعة ،
    وضمنها عليه‌السلام شواهد من آي الكتاب الكريم وحديث الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ،
    وأحاديث أمير المؤمنين علي والحسن وعلي بن الحسين عليهم‌السلام ، وشيئاً من حكمة
    لقمان والمسيح عليه‌السلام ومواعظ الإنجيل.
    ومن مضامينها موضوع العقل وكونه حجة في المعرفة ، إذ ان أحد الأدلة
    المهمة على الربوبية والتوحيد هو التأمّل في الآفاق ، وأداته العقل ، وعدد فيها
    مكارم الأخلاق مرغّباً فيها ، وبيّن مساوئ الأخلاق مرغباً عنها ، وفيما يلي مختار
    منها :
    قال هشام بن الحكم : « قال لي أبو الحسن عليه‌السلام : يا هشام ، إن لقمان قال
    لابنه : تواضع للحق تكن أعقل الناس. يا بني ، إن الدنيا بحر عميق ، قد
    __________________
    (1) اخترنا هذه الكلمات من كتاب تحف العقول : 408 ، وأعلام الدين / الديلمي :
    120 ، والتذكرة الحمدونية : 111 و 269 ، ومعارج اليقين في أصول الدين /
    السبزواري : 314 ، ونهاية الارب / النويري 3 : 248 ، وبهجة المجالس / القرطبي
    1 : 689 ، وملحقات إحقاق الحق / المرعشي 28 : 563.

    غرق فيه عالم كثير ، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله ، وحشوها الإيمان ،
    وشراعها التوكل ، وقيّمها العقل ، ودليلها العلم ، وسكانها الصبر.
    يا هشام ، لكل شيء دليل ، ودليل العاقل التفكر ، ودليل التفكر
    الصمت ، ولكل شيء مطية ، ومطية العاقل التواضع ، وكفى بك جهلاً أن
    تركب ما نهيت عنه.
    يا هشام ، إن العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره ، ولا يغلب الحرام
    صبره.
    يا هشام ، إن العقلاء زهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة ، لأنهم علموا
    أن الدنيا طالبة ومطلوبة ، والآخرة طالبة ومطلوبة ، فمن طلب الآخرة
    طلبته الدنيا حتى يستوفي منها رزقه ، ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة ،
    فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه وآخرته.
    يا هشام ، إن كل الناس يبصر النجوم ولكن لا يهتدي بها إلاّ من يعرف
    مجاريها ومنازلها ، وكذلك أنتم تدرسون الحكمة ولكن لا يهتدي بها
    منكم إلاّ من عمل بها.
    يا هشام ، بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين ، يطري أخاه
    إذا شاهده ، ويأكله إذا غاب عنه ، إن أعطى حسده ، وإن ابتلى خذله.
    إن أسرع الخير ثواباً البر ، وأسرع الشر عقوبة البغي ، وإن شر عباد
    الله من تكره مجالسته لفحشه ، وهل يكبّ الناس على مناخرهم في النار
    إلاّ حصائد ألسنتهم ، ومن حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه.
    يا هشام ، لا يكون الرجل مؤمناً حتى يكون خائفاً راجياً ، ولا يكون
    خائفاً راجياً حتى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو.
    يا هشام ، مثل الدنيا مثل ماء البحر ، كلما شرب منه العطشان ازداد


    عطشاً حتى يقتله.
    يا هشام ، من أحب الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه ، وما أوتي عبد
    علماً فازداد للدنيا حباً إلاّ ازداد من الله بعداً ، وازداد الله عليه غضباً ».
    وذكر في آخر الوصية خلق العقل ، ووزيره وهو الخير ، وجنوده وهي
    مكارم الأخلاق وعددها خمسة وسبعين ، وذكر الجهل ووزيره وهو الشر ،
    وجنوده وهي المساوئ التي تضادّ وتقابل المكارم ، وعددها خمسة وسبعين
    أيضاً ، مثل : الإيمان والكفر ، التصديق والتكذيب ، الإخلاص والنفاق ، العدل
    والجور ، الرضا والسخط ، الشكر والكفران ، اليأس والطمع ، الرأفة والغلظة.
    ثم قال بعدها : « يا هشام ، لا تُجمع هذه الخصال إلاّ لنبي أو وصي أو
    مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان ، وأما سائر ذلك من المؤمنين فإن أحدهم
    لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود من أجناد العقل حتى
    يستكمل العقل ويتخلص من جنود الجهل ، فعند ذلك يكون في الدرجة
    العليا مع الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام ، وفّقنا الله وإياكم لطاعته » (1).
    ومن مواعظه ووصاياه الاُخرى :
    عن سعد بن أبي خلف ، قال موسى بن جعفر عليهما‌السلام لبعض شيعته : « أي
    فلان ، اتقِ الله ، وقل الحق وإن كان فيه هلاكك ، فإن فيه نجاتك. أي فلان ،
    اتق الله ودع الباطل وإن كان فيه نجاتك ، فإن فيه هلاكك » (2).
    وقال لبعض ولده : « يا بني ، إياك أن يراك الله في معصية نهاك عنها ،
    وإياك أن يفقدك الله عند طاعة أمرك بها ، ولا تخرجنّك نفسك عن التقصير
    في عبادة الله وطاعته ، فإن الله لا يعبد حق عبادته ، وإياك والمزاح فإنه
    __________________
    (1) الكافي 1 : 10 ـ 15 / 12 ، تحف العقول : 383 ـ 402.
    (2) تحف العقول : 408.

    يذهب بنور إيمانك ويستخف مروءتك ، وإياك والضجر والكسل فإنهما
    يمنعان حظك من الدنيا والآخرة » (1).
    ورأى عليه‌السلام رجلين يتسابان ، فقال : « البادئ أظلم ، ووزره ووزر صاحبه
    عليه ما لم يعتذر إلى المظلوم » (2).
    وسمع عليه‌السلام رجلاً يتمنى الموت ، فقال له : « هل بينك وبين الله قرابة
    يحاميك لها ؟ قال : لا. قال : فهل لك حسنات قدّمتها تزيد على سيئاتك ؟
    قال : لا. قال : فأنت إذن تتمنى هلاك الأبد » (3).
    وعن حفص بن غياث ، قال : سمعت موسى بن جعفر عليهما‌السلام عند قبر وهو
    يقول : « إن شيئاً هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله ، وإن شيئاً هذا أوله
    لحقيق أن يخاف آخره » (4).
    قال الحسن بن أسد : ذكر عنده بعض الجبابرة فقال عليه‌السلام : « أما والله لئن عزّ
    بالظلم في الدنيا ليذلنّ بالعدل في الآخرة » (5).
    وقال عليه‌السلام للفضل بن يونس : « أبلغ خيراً وقل خيراً ولا تكن إمّعة. قلت :
    وما الإمعة ؟ قال : لا تقل أنا مع الناس ، وأنا كواحد من الناس » (6).
    وعن سعيد بن محمد بن مسعدة ، قال : « قال لي أبو الحسن موسى بن
    جعفر عليه‌السلام : إن عيال الرجل إسراؤه ، فمن أنعم الله عليه نعمة ، فليوسع على
    __________________
    (1) السرائر / ابن إدريس 3 : 519 ، من لا يحضره الفقيه 4 : 408.
    (2) الكافي 2 : 360 / 4 ، وفي تحف العقول : 409 ما لم يعتد المظلوم ، وفي الكافي 2 :
    322 / 3 ما لم يتعد المظلوم.
    (3) كشف الغمة 2 : 252 ، ورواه الشبراوي في الإتحاف بحب الأشراف : 54.
    (4) تحف العقول : 408 ، معاني الأخبار : 342 / 1.
    (5) تاريخ اليعقوبي 2 : 414.
    (6) تحف العقول : 412.

    إسرائه ، فإن لم يفعل أوشك أن تزول عنه تلك النعمة » (1).
    وعن كليب الصيداوي ، قال : « قال لي أبو الحسن عليه‌السلام : إذا وعدتم
    الصبيان ففُوا لهم ، فإنهم يرون أنكم الذين ترزقونهم ، إن الله عزّ وجلّ
    ليس يغضب لشيء كغضبه للنساء والصبيان » (2).
    4 ـ ما نُسب إليه عليه‌السلام من الشعر :
    كان عليه‌السلام قليل التعاطي للشعر مع قدرته عليه ، فقد كان يجيز (3) الشعر منذ
    أن كان صبياً ، يدل على ذلك ما روى عنه عليه‌السلام ، قال : « دخلت ذات يوم من
    المكتب ومعي لوحي قال : فأجلسني أبي بين يديه وقال : يا بني اكتب :
    تنحّ عن القبيح ولا ترده. ثم قال : أجزه. فقلت : ومن أوليته حسناً فزده. ثم
    قال : ستلقى من عدوك كل كيد. فقلت : إذا كاد العدو فلا تكده. قال : فقال :
    ذرية بعضها من بعض » (4).
    ومما ورد من الشعر منسوباً إليه ، ما جاء في حديث شقيق بن إبراهيم
    البلخي الأزدي ، أنه خرج حاجاً في سنة ( 149 ه‍ ) ، ورأى الإمام أبا الحسن عليه‌السلام
    وكان قائماً على بئر وبيده ركوة يريد أن يستقي ماءً ، فسقطت الركوة من يده في
    البئر ، فرمق السماء وأنشأ يقول :
    أنت ريي إذا ظمئت إلى الماء
    وقوتي إذا أردت الطعاما (5)

    وعن موسى بن بكر ، قال : ما أحصي ما سمعت أبا الحسن موسى عليه‌السلام ينشد :
    __________________
    (1) من لا يحضره الفقيه 4 : 402 ، روضة الواعظين : 310.
    (2) الكافي 6 : 50 / 8 ، أمالي الصدوق : 526 / 712 ، من لا يحضره الفقيه 4 : 287
    / 863.
    (3) الإجازة : أن تتم مصراع بيت الشعر الذي يقوله غيرك.
    (4) مناقب آل أبي طالب 3 : 433.
    (5) كشف الغمة 3 : 3 ، نور الأبصار : 149 ، تذكرة الخواص : 348.

    فإن يك يا أميم علي دين
    فعمران بن موسى (1) يستدين (2)

    وجاء في مناظرة له مع الرشيد حين لقيه في الحج أنه أنشد عليه‌السلام :
    هب الدنيا تؤاتينا سنينا
    فتكدر تارة وتلذ حينا

    فما أرضى بشيء ليس يبقى
    وأتركه غداً للوارثينا

    كأني بالتراب علي يُحثى
    وبالإخوان حولي نائحينا

    ويوم تزفر النيران فيه
    وتقسم جهرة للسامعينا

    وعزة خالقي وجلال ربي
    لأنتقمن منكم أجمعينا (3)

    5 ـ إسهاماته عليه‌السلام في علم الطب :
    للإمام الكاظم عليه‌السلام إرشادات كثيرة تنضوي تحت علم الطب ، منها
    مواصفات لبعض الأدوية والأغذية وعلاجات لبعض الأمراض ، وقد جمع
    زميلنا الأستاذ شاكر شبع في كتابه الموسوم ( طب الإمام الكاظم عليه‌السلام ) (4) كل ما
    ورد عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه‌السلام من حديث يتعلق بعلم الطب ،
    وجعل في هامش كتابه دراسة وافية ومقارنة بين طبه عليه‌السلام والطب الإسلامي
    والعربي واليوناني.
    وفيما يلي بعض ما ورد عن الإمام الكاظم عليه‌السلام من إرشادات طبية عامة :
    مضاعفات الدواء :
    قال أبو الحسن الأول عليه‌السلام : « ادفعوا معالجة الأطباء ما اندفع الداء عنكم ،
    __________________
    (1) قيل : المراد موسى بن عمران ، وإنّما قلب للوزن.
    (2) الكافي 5 : 95 / 10.
    (3) إحقاق الحق 12 : 312 ، عن الروض الفائق : 65 ـ القاهرة.
    (4) نشر : المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه‌السلام ـ مشهد.

    فإنه بمنزلة البناء قليله يجر إلى كثيره » (1).
    وعن عثمان الأحول ، قال : « سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : ليس من دواء إلاّ
    وهو يهيج داء ، وليس شيء في البدن أنفع من إمساك اليد إلاّ عما يحتاج
    إليه » (2).
    الحمية :
    عن عمرو بن إبراهيم ، قال : « سمعت أبا الحسن يقول : لو أن الناس قصدوا
    في المطعم ، لاستقامت أبدانهم » (3).
    وقال أبو الحسن عليه‌السلام : « الحمية رأس كل دواء ، والمعدة بيت الأدواء ،
    وعوِّد بدنك ما تعوَّد » (4).
    وعن موسى بن بكر ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، قال : « ليس الحمية أن
    تدع الشيء أصلاً لا تأكله ، ولكن الحمية أن تأكل من الشيء وتخفف » (5).
    الحمام :
    عن سليمان الجعفري ، عن أبي الحسن عليه‌السلام : « الحمام يوم ويوم لا ، يكثر
    اللحم ، وإدمانه كل يوم يذيب شحم الكليتين » (6).
    وعنه عليه‌السلام ، قال : « لا تدخلوا الحمام على الريق ، لا تدخلوه حتى
    تطعموا شيئاً » (7).
    __________________
    (1) علل الشرائع : 465 / 17.
    (2) الكافي 8 : 273 / 409.
    (3) المحاسن : 439 / 296.
    (4) فقه الإمام الرضا عليه‌السلام : 340.
    (5) الكافي 8 : 291 / 443.
    (6) الكافي 6 : 496 / 2.
    (7) من لا يحضره الفقيه 1 : 116 / 245.

    علامات الدم :
    عن يونس بن عبد الرحمن ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : « علامات الدم
    أربعة : الحكة ، والبثرة ، والنعاس ، والدوران » (1).
    سنن الرأس والبدن :
    وعن الحسن بن الجهم ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : « خمس من السنن في
    الرأس ، وخمس في الجسد ؛ فأما التي في الرأس : فالسواك ، وأخذ الشارب ،
    وفرق الشعر ، والمضمضة ، والاستنشاق. وأما التي في الجسد : فالختان ،
    وحلق العانة ، ونتف الإبطين ، وتقليم الأظفار ، والاستنجاء » (2).
    وجاء عنه عليه‌السلام وصفاً لبعض العلاجات وذكراً لمواصفات كثير من الأغذية
    والأدوية نذكر منها :
    علاج البصر :
    عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام ، قال : « ثلاثة
    يجلين البصر : النظر إلى الخضرة ، والنظر إلى الماء الجاري ، والنظر إلى
    الوجه الحسن » (3).
    وعن علي بن يقطين ، عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام ، قال : « إن الشعر على
    الرأس إذا طال أضعف البصر ، وذهب بضوء نوره ، وطمّ الشعر يجلي البصر
    ويزيد في ضوء نوره » (4).
    وعن سليم مولى علي بن يقطين ، أنه كان يلقى من عينيه أذىً ، قال :
    « فكتب إليه أبو الحسن عليه‌السلام : ما يمنعك من كحل أبي جعفر عليه‌السلام ؟ جزء كافور
    __________________
    (1) الخصال : 250 / 115.
    (2) الخصال : 271 / 11.
    (3) الخصال : 92 / 35.
    (4) السرائر 3 : 575.

    رباحي ، وجزء صبر اصقوطري ، يدقان جميعاً وينخلان بحريرة ، يكتحل
    منه مثلما يكتحل من الإثمد ، الكحلة في الشهر تحدر كل داء في الرأس
    وتخرجه من البدن. قال : فكان يكتحل به ، فما اشتكى عينه حتى مات » (1).
    الحجامة :
    قال العالم عليه‌السلام : « الحجامة بعد الأكل ، لأنه إذا شبع الرجل ثم احتجم
    اجتمع الدم وخرج الداء ، وإذا احتجم قبل الأكل خرج الدم وبقي الداء » (2).
    وعن حمزة بن الطيار ، قال : « كنت عند أبي الحسن الأول عليه‌السلام ، فرآني
    أتأوّه ، فقال : ما لك ؟ قلت : ضرسي. فقال : احتجم. فاحتجمت فسكن ،
    فأعلمته ، فقال لي : ما تداوى الناس بشيء خير من مصة دم أو مزعة عسل.
    قلت : جعلت فداك ، ما المزعة عسل ؟ قال : لعقة عسل » (3).
    التفاح :
    عن الجعفري ، قال : سمعت أبا الحسن الأول عليه‌السلام يقول : « التفاح شفاء من
    خصال : من السم ، والسحر ، واللمم يعرض من أهل الأرض ، والبلغم الغالب ،
    وليس شيء أسرع منفعة منه » (4).
    وعن زياد القندي ، قال : « دخلت المدينة ومعي أخي سيف ، فأصاب
    الناس رعاف ، فكان الرجل إذا رعف يومين مات ، فرجعت إلى المنزل ، فإذا
    سيف يرعف رعافاً شديداً ، فدخلت على أبي الحسن عليه‌السلام فقال : يا زياد ، أطعم
    سيفاً التفاح. فأطعمته إياه فبرئ » (5).
    __________________
    (1) الكافي 8 : 382 / 582.
    (2) مكارم الأخلاق : 73.
    (3) الكافي 8 : 194 / 231.
    (4) المحاسن : 553 / 898.
    (5) الكافي 6 : 356 / 4.

    الإجاص :
    عن زياد القندي ، قال : « دخلت على أبي الحسن الأول عليه‌السلام وبين يديه تور
    ماء فيه إجاص أسود في إبّانه ، فقال : إنه هاجت بي حرارة ، وإن الأجاص
    الطري يطفئ الحرارة ، ويسكن الصفراء ، وإن اليابس منه يسكن الدم ،
    ويسل الداء الدوي » (1).
    خبز الشعير :
    وعنه عليه‌السلام ، قال : « فضل خبز الشعير على البُرّ كفضلنا على الناس ، ما
    من نبي إلاّ وقد دعا لآكل الشعير وبارك عليه ، وما دخل جوفاً إلاّ وأخرج كل
    داء فيه ، وهو قوت الأنبياء وطعام الأبرار ، أبى الله أن يجعل قوت الأنبياء
    للأشقياء » (2).
    البيض :
    عن عمر بن أبي حسنة الجمال ، قال : « شكوت إلى أبي الحسن عليه‌السلام قلة
    الولد ، فقال : استغفر الله وكل البيض بالبصل » (3).
    المبحث الرابع
    الدور العلمي لأصحابه عليه‌السلام
    التفّ حول الإمام أبي الحسن عليه‌السلام المئات من الرواة الثقات ممن أخذ
    عنه وتلمّذ له من أهل بيته ومن غيرهم ، قال الشيخ المفيد : « قد روىٰ
    الناس عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام فأكثروا ، وكان أفقه أهل زمانه وأحفظهم
    __________________
    (1) الكافي 6 : 359 / 1.
    (2) مكارم الأخلاق : 154.
    (3) المحاسن : 480 / 510.

    لكتاب الله » (1).
    وكان على رأس أصحابه أقطاب مدرسة أبيه الصادق عليه‌السلام الذين تواصلوا
    مع الإمام الكاظم عليه‌السلام طيلة وجوده في المدينة ، وكان منهم الرواة الثقات
    والفقهاء والمؤلفون وأهل الكلام والفلسفة والأدب والتاريخ من وجوه الطائفة ،
    وسجلوا دوراً فاعلاً في تأصيل مبادئ العقيدة ونشر الأحكام الشرعية
    والمعارف الدينية ومختلف العلوم الإسلامية كالحديث والتفسير والفقه والكلام
    وغيرها ، ولا تزال بعض نتاجاتهم إلى اليوم منها رجال البرقي ، ومسائل علي
    ابن جعفر ، ومسند الإمام الكاظم عليه‌السلام للمروزي.
    لقد بلغ عدد أصحاب الإمام الكاظم عليه‌السلام الذين رووا عنه وتلمذوا له
    وصحبوه (274) رجلاً على ما ذكره الشيخ الطوسي في الرجال ، وبلغوا أكثر من
    خمسمائة رجل وفق أحصاء أحد المتتبعين المعاصرين (2) ، ومع كون هذه الأرقام
    هي أقل من الواقع إلاّ أنها تعكس حجم الدور الذي اضطلع به الإمام عليه‌السلام
    وأصحابه على صعيد رواية العلم ونشره.
    وكان من دأب أصحاب الإمام أنّهم إذا سمعوا حديثا عنه بادورا إلى إثباته
    في أُصولهم ، روى ابن طاوس عن زيد النهشلي ، قال : كان جماعة من خاصة أبي
    الحسن عليه‌السلام من أهل بيته وشيعته يحضرون مجلسه ومعهم في أكمامهم ألواح
    أبنوس لطاف وأميال ، فإذا نطق أبو الحسن عليه‌السلام بكلمة ، أو أفتى في نازلة ، أثبت
    القوم ما سمعوا منه في ذلك (3) ، ودأب بعضهم على الرواية عنه أو مكاتبته حتى في
    ظروف السجن ، فكان لعلي بن سويد السائي مكاتبات إلى أبي الحسن عليه‌السلام يوم
    __________________
    (1) الإرشاد 2 : 235.
    (2) الأستاذ عبد الحسين الشبستري في كتابه أحسن التراجم لأصحاب الإمام
    الكاظم عليه‌السلام وقد عدّ فيه (540) رجلاً.
    (3) مهج الدعوات : 219.

    كان محبوساً ، وكان لأبي عمران موسى بن إبراهيم المروزي مسند عنه عليه‌السلام رواه
    عنه في السجن حين كان معلماً لأولاد السندي.
    وكانت لأصحاب الإمام أصول وكتب ونسخ دوّنوها عنه ، وكان بعضهم
    كلما صنّف كتاباً قرأه على أصحابه في المسجد ، روي عن سهل بن زياد الآدمي
    أنه لما صنّف عبد الله بن المغيرة كتابه ، وعد أصحابه أن يقرأ عليهم في زاوية من
    زوايا مسجد الكوفة (1).
    وصارت تلك الكتب والأصول مصادر أولية للحديث ، استقرّ الأمر فيما
    بعد على اعتبارها والتعويل عليها لتشكّل المراجع الأساسية لمجاميع الحديث
    المتأخرة عن عهد الأئمة.
    وأمام هذا العدد الكبير من الرواة ، ومع تنوع عطاءاتهم العلمية ، لا تتاح
    لنا فرصة التفصيل ، لذلك اقتصرنا على ذكر المؤلفين والثقات من أصحاب
    الإمام عليه‌السلام ، كي لا نخرج عن الغرض في هذه الدراسة المقتضبة ، وهي بنظرنا
    كافية لبيان نشاطهم ودورهم الفاعل في خدمة رسالة الإسلام ، ونشر الوعي
    بين أوساط الأُمّة.
    ونذكر أولاً من صرح المترجمون له من مصنفي الرجال أن له كتاباً أو أصلاً
    أو نوادر أو مسائل أو نسخة ، بحسب ترتيب الحروف : إبراهيم بن أبي البلاد..
    إبراهيم بن أبي محمود الخراساني.. إبراهيم بن صالح الأنماطي.. ابراهيم بن عيسى
    الخزّاز.. إبراهيم بن محمد الأشعري.. إبراهيم بن مهزم الأسدي.. إبراهيم بن نصر
    الجعفي.. إبراهيم بن نعيم العبدي.. إبراهيم بن يوسف الكندي.. أحمد بن أبي بشر
    السراج.. أحمد بن عمر بن أبي شعبة الحلبي.. إسحاق بن عبد الله بن سعد بن
    مالك الاشعري.. إسحاق بن عمار الكوفي.. إسماعيل بن جابر الجعفي.. إسماعيل
    بن عبد الخالق الكوفي.. إسماعيل بن همام الكندي.. أيوب بن الحر الجعفي..
    بسطام بن سابور الواسطي.. بشر بن مسلمة الكوفي.. بشر بن يسار العجلي.. بكر
    __________________
    (1) بحار الأنوار 48 : 174.

    بن الأشعث الكوفي.. بكر بن محمد الأزدي.. ثعلبة بن ميمون القاري.. جميل بن
    صالح الأسدي.. الحارث بن المغيرة بياع الزطي.. حبيب بن المعلل الخثعمي..
    حديد بن حكيم الأزدي.. حذيفة بن منصور الكوفي بياع السابري.. حسان بن
    مهران الجمال.. الحسن بن أيوب.. الحسن بن زياد الصيقل.. الحسن بن علي
    الوشاء.. الحسن بن علي بن يقطين.. الحسين بن أبي غندر.. حفص بن البختري..
    حفص بن سوقة العمري.. حماد بن عثمان الرؤاسي.. موسى بن إبراهيم المروزي..
    حميد بن المثنّى العجلي.. خالد بن زياد القلانسي.. خالد بن سعيد القمّاط.. خالد
    ابن يزيد الكوفي.. خلف بن حماد الكوفي.. داود بن زربي.. داود بن سرحان
    العطار الكوفي.. داود بن علي الهاشمي.. داود بن فرقد الأسدي.. داود بن النعمان
    الأنباري بياع الأنماط.. ربعي بن عبد الله الهذلي (1).. رفاعة بن موسى
    النخّاس (2).. رومي ابن زرارة بن أعين.. زيد بن محمد الشحام.. سالم بن مكرم
    الكناسي.. سعد بن أبي خلف الزهري.. سعيد بن عبد الرحمن الأعرج.. سعيد بن
    يسار الحناط.. سلمة بن محمد الخزاعي.. سليم بن عمران الفراء.. سليمان بن
    جعفر الجعفري (3).. سماعة بن مهران الحضرمي.. سندي بن الربيع.. سهل بن
    اليسع الأشعري.. سيف بن عميرة النخعي.. شعيب بن يعقوب العقرقوفي.. صالح
    ابن خالد المحاملي.. صفوان بن مهران الجمال.. الضحاك الحضرمي (4).. العباس بن
    عامر القصباني.. عبد الله بن حكيم الخثعمي.. عبد الله بن غالب الأسدي..
    عبد الله بن القاسم الحضرمي.. عبد الله بن محمد الأهوازي.. عبد الله بن يحيى
    الكاهلي.. عبد الحميد بن سالم العطار.. عبد الرحمن بن الحجاج بياع السابري..
    __________________
    (1) له كتاب الراهب والراهبة.
    (2) له كتاب مبوب في الفرائض.
    (3) له كتاب فضل الدعاء.
    (4) له كتاب في التوحيد.

    عبد العزيز بن المهتدي الأشعري.. عبد الكريم بن عمرو الخثعمي.. عبد الملك بن
    عتبة الصيرفي.. علي بن حديد المدائني.. علي بن حمزة بن الحسن القرشي
    الهاشمي.. علي بن سويد السائي.. علي بن شجرة الشيباني.. علي بن عبيد الله
    القرشي الهاشمي (1).. علي بن وهبان.. علي بن يقطين.. عمر بن اُذينة (2).. عمار بن
    موسى الساباطي.. عمر بن عبد العزيز البصري.. عمر بن محمد بن يزيد بياع
    السابري (3).. عمرو بن المنهال القيسي.. عيسى بن عبد الله الأشعري.. عيسى بن
    المستفاد البجلي (4).. عيص بن القاسم البجلي.. فرج بن السندي.. الفضل بن محمد
    الأشعري.. الفضل بن يونس الكاتب.. القاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا بن
    إسماعيل.. القاسم بن محمد الجوهري الكوفي البغدادي.. الليث بن البختري..
    محمد بن إسحاق الصيرفي.. محمد بن بكر بن جناح.. محمد بن تميم النهشلي.. محمد
    ابن ثابت.. محمد بن زرقان.. محمد بن الصباح.. محمد بن صدقة.. محمد بن عذافر..
    محمد بن عمر بياع السابري.. محمد بن الفرج الرخجي.. محمد بن فضيل بن كثير
    الصيرفي.. محمد بن مرازم الساباطي.. منصور بن يونس بزرج.. نشيط بن صالح
    ابن لفافة العجلي.. نصر بن قابوس اللخمي.. النضر بن سويد الصيرفي.. هيثم بن
    عبد الله الرماني.. يحيى بن عبد الرحمن الأزرق.. يحيى بن عمران الحلبي.. يحيى
    ابن القاسم أبو بصير (5).. يعقوب بن شعيب التمار.. يونس بن يعقوب البجلي (6)..
    أبو شعيب المحاملي.
    __________________
    (1) له كتاب في الحج يرويه عن موسى بن جعفر عليهما‌السلام.
    (2) له كتاب الفرائض.
    (3) له كتاب في مناسك الحج وفرائضه ، وما هو مسنون من ذلك.
    (4) له كتاب الوصية.
    (5) له كتاب يوم وليلة.
    (6) له كتاب الحج.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ   الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Emptyالأحد أكتوبر 27, 2024 9:24 am

    أما الذين صرح الرجاليون بأن لهم أكثر من مصنَّف أو كتاب فهم :
    1 ـ أحمد بن محمد بن عمرو بن أبي نصر البيزنطي ، له كتابا نوادر ، وكتاب
    الجامع.
    2 ـ إسماعيل بن موسى بن جعفر عليه‌السلام ، له عدّة كتب يرويها عن أبيه عن
    آبائه عليهم‌السلام منها : الطهارة ، الصلاة ، الزكاة ، الصوم ، الحج ، الجنائز ، النكاح ،
    الطلاق ، الحدود ، الديات ، الدعاء ، السنن والآداب ، الرؤيا.
    3 ـ الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين الشيباني ، له كتاب ومسائل.
    4 ـ الحسن بن علي بن فضال الكوفي ، له عدّة كتب ، منها : الزيارات ،
    البشارات ، النوادر ، الردّ على الغالية ، الشواهد من كتاب الله ، المتعة ، الناسخ
    والمنسوخ ، الملاحم ، الصلاة ، الزهد ، الديات ، التفسير ، الطب ، الأنبياء ،
    المبتدأ ، الرجال وغيرها.
    5 ـ الحسن بن محبوب بن وهب السراد ، له كتب منها : كتاب المشيخة ،
    الحدود ، الديات ، الفرائض ، المناكح ، الطلاق ، النوادر وهو نحو ألف ورقة ،
    التفسير ، معرفة رواة الأخبار ، العتق وغيرها.
    6 ـ حماد بن عيسى الجهني ، له كتاب النوادر ، الزكاة ، الصلاة ، مسائل
    التلميذ وتصنيفه عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، وفيه عبر ومواعظ وتنبيهات على
    منافع الأعضاء من الإنسان والحيوان ، وفصول من الكلام في التوحيد ، وهو
    عبارة عن مسائل حماد للإمام الصادق عليه‌السلام.
    7 ـ حمدان بن المعافى الصبيحي ، له كتاب شرائع الايمان ، وكتاب
    الإهليلجة.
    8 ـ داود بن كثير الرقي ، له كتاب المزار ، والإهليلجة.
    9 ـ دعبل بن علي الخزاعي ، له من الكتب : طبقات الشعراء ، الواحدة في
    مثالب العرب ومناقبها ، ديوان شعر.

    10 ـ زرارة بن أعين الشيباني ، له كتاب العهود ، الاستطاعة ، الجبر.
    11 ـ زكريا بن آدم القمي ، له كتاب ومسائل.
    12 ـ سعيد بن جناح الكوفي ، له كتاب صفة الجنة والنار ، قبض روح
    المؤمن والكافر ، أدرجه الشيخ المفيد في العيون والمحاسن.
    13 ـ صفوان بن يحيى البجلي ، صنّف ثلاثين كتاباً منها : كتاب الوضوء ،
    الصلاة ، الصوم ، الحج ، الزكاة ، النكاح ، الطلاق ، الفرائض ، الوصايا ، الشراء
    والبيع ، العتق والتدبير ، البشارات ، النوادر.
    14 ـ عبد الله بن إبراهيم بن محمد الجعفري ، له كتب منها : خروج محمد بن
    عبد الله ومقتله ، خروج صاحب فخ ومقتله.
    15 ـ عبد الله بن حماد الأنصاري ، له من الكتب : شعر أبي طالب
    وأخباره ، طبقات الشعراء.
    16 ـ عبد الله بن سنان الكوفي ، له من الكتب : الصلاة ، الصلاة الكبير ،
    الحلال والحرام.
    17 ـ عبد الله بن مسكان ، له عدّة كتب منها : الإمامة ، الحلال والحرام.
    18 ـ عبد الله بن المغيرة البجلي ، قالوا : إنه صنّف ثلاثين كتاباً ، منها : كتاب
    الوضوء ، الصلاة ، الزكاة ، الفرائض ، وكتاب في أصناف الكلام.
    19 ـ عبد الله بن الوضّاح الكوفي ، له كتب منها : كتاب الصلاة.
    20 ـ علي بن جعفر الصادق عليه‌السلام ، له كتب منها : المسائل ، كتاب في الحلال
    والحرام ، قال النجاشي : يروي عنه تارة مبوباً وأخرى غير مبوب.
    21 ـ علي بن رئاب الطحّان ، له أصل ، وله كتب منها : الوصية ، الإمامة ،
    الديات.
    22 ـ فضالة بن أيوب الأهوازي ، له كتاب النوادر ، الصلاة.
    23 ـ محمد بن أبي عمير ، ذكر ابن بطة أن له أربعة وتسعين كتاباً ، منها :


    الاحتجاج ، النوادر ، يوم وليلة ، المغازي ، الكفر والإيمان ، فضائل الحج ، البداء ،
    الملاحم ، الاستطاعة ، المعارف ، الرضاع ، الطلاق ، التوحيد ، الردّ على أهل
    القدر والجبر ، الإمامة ، المتعة ، المسائل وغيرها.
    24 ـ محمد بن إسماعيل بن بزيع الكوفي ، له كتب منها : الحج ، وثواب الحج.
    25 ـ محمد بن خالد البرقي ، كان أديباً حسن المعرفة بالأخبار وعلوم
    العرب ، له عدّة كتب منها : حروب الأوس والخزرج ، رجال البرقي الكبير ،
    الطبقات الصغير ، مكة والمدينة ، النوادر ، التحريف والتبديل ، التنزيل
    والتعبير ، يوم وليلة ، التفسير ، العلل ، كتاب في علم الباري ، الخطب.
    26 ـ محمد بن علي بن النعمان ، المعروف بمؤمن الطاق ، له عدّة كتب منها :
    الجمل ، الردّ على المعتزلة في إمامة المفضول ، المعرفة ، الإمامة ، إثبات الوصية ،
    كتاب مجالسه مع أبي حنيفة ، كتاب كلامه على الخوارج.
    27 ـ معاوية بن عمار الدهني ، له كتب منها : كتاب الحج ، الصلاة ، يوم
    وليلة ، الدعاء ، الطلاق ، مزار أمير المؤمنين عليه‌السلام.
    28 ـ مسمع بن عبد الملك البصري ، له نوادر كثيرة ، وأيام البسوس.
    29 ـ معاوية بن وهب البجلي ، له كتب منها : كتاب فضائل الحج.
    30 ـ منصور بن حازم البجلي ، له كتب منها : أصول الشرائع ، الحج.
    31 ـ هشام بن الحكم ، وكان من خواصه عليه‌السلام ، وكانت له مناظرات كثيرة
    مع المخالفين ، وهو ممن فتق الكلام في الإمامة ، حاذق بصناعة الكلام ، حاضر
    الجواب ، كان له أصل ، وله مصنّفات كثيرة تجاوزت الثلاثين ، نذكر منها :
    الدلالات على حدوث الأشياء ، الردّ على الزنادقة ، الردّ على أصحاب الإثنين ،
    كتاب التوحيد ، الرد على أصحاب الطبائع ، الجبر والقدر ، الرد على المعتزلة ،
    الرد على إرسطاطاليس في التوحيد ، الألفاظ ، علل التحريم ، الميزان وغيرها.
    32 ـ هشام بن سالم الجواليقي ، له كتب منها : الحديث ، التفسير ، الحج ،


    المعراج.
    33 ـ يونس بن عبد الرحمن ، له أكثر من ثلاثين كتاباً ، منها : جامع الآثار ،
    الشرائع ، علل الحديث ، اختلاف الحديث ، السهو ، الأدب ، الدلالة على الخير ،
    اختلاف الحج ، كتاب الاحتجاج في الطلاق ، الفرائض ، الجامع الكبير في الفقه ،
    التجارات ، تفسير القرآن ، فضل القرآن ، الحدود ، الآداب ، المثالب ، علل
    النكاح ، البداء ، البيوع ، الرد على الغلاة.
    ونودّ التذكير أن أغلب هؤلاء من الثقات أو الممدوحين عند أهل الجرح
    والتعديل ، وهناك من الثقات لم يرد لهم تصنيف ، ولم نذكرهم مع المؤلفين ،
    ومنهم : إسماعيل بن الفضل الهاشمي.. جعفر بن إبراهيم بن محمد القرشي.. القاسم
    ابن بريد بن معاوية العجلي.. معتب المدني مولى أبي عبد الله عليه‌السلام.. أبو عامر بن
    جناح.. أبو المحتمل الكوفي.. أبو مصعب الزيدي (1).

    * * *







    __________________
    (1) راجع : رجال النجاشي ، الفهرست والرجال والاختيار لشيخ الطائفة ، خلاصة
    العلاّمة ، رجال ابن داود ، معالم العلماء / ابن شهرآشوب ، فهرست ابن النديم ،
    هدية العارفين / إسماعيل باشا البغدادي ، الذريعة / آقا بزرك الطهراني.





    الفصل السابع
    شهادته عليه‌السلام
    انتهت رحلة العذاب التي قطعها الإمام الكاظم موسى بن جعفر عليه‌السلام
    بشهادته مسموماً ، وكان عليه‌السلام على موعد مع الشهادة من يوم عودته إلى
    المدينة خلال رحلته الاُولى إلى العراق ، إذ نزل زبالة فالتقاه أبو خالد
    الزبالي فسلم عليه ، وقال : «الحمد لله الذي خلّصك منهم ، فنعى
    إليه نفسه قائلاً عليه‌السلام : يا أبا خالد ، إن لهم إليّ عودة لا أتخلّص
    منها » (1).
    لقد كان رأي رجال السلطة وعلى رأسهم هارون قائماً على تصفية
    الإمام عليه‌السلام ، وقد تخلّص بإذن الله من عدّة محاولات في هذا السبيل ، فحين كان
    مودعاً في سجن عيسى بن جعفر بن المنصور في البصرة ، كتب الرشيد إلى
    عيسى في دمه ، فاستدعى عيسى بن جعفر بعض خاصته وثقاته ، فاستشارهم
    فيما كتب به الرشيد ، فأشاروا عليه بالتوقف عن ذلك والاستعفاء منه ، وحين
    سلمه إلى الفضل بن الربيع أراده الرشيد على شيء من أمره فأبى ، فكتب إليه
    بتسليمه إلى الفضل بن يحيى البرمكي ، فتسلمه منه ووسّع عليه ، فكتب إليه
    الرشيد وهو في الرقة ينكر عليه ذلك ويأمره بقتله ، فتوقف عن ذلك ، فاغتاظ
    __________________
    (1) الكافي 1 : 477 / 3 ، إثبات الوصية : 165 ، الخرائج والجرائح 1 : 315 / 8.

    الرشيد ، وأمر بجلد الفضل بن يحيى مائة سوط ولعنه ، ثم أن يحيى بن خالد
    اعتذر للرشيد بقوله : إن الفضل حدث وأنا أكفيك ما تريد ، ثم خرج يحيى إلى
    بغداد ، فدعا السندي فأمره بأمره فامتثله ، وجعل سماً في طعام فقدمه إليه ،
    وقيل : جعله في رطب ، ولبث ثلاثاً بعده موعوكاً ، ثم مات في اليوم الثالث شهيداً
    مظلوماً صابراً محتسباً.
    فلما استشهد الإمام عليه‌السلام أدخل السندي الفقهاء ووجوه أهل بغداد عليه ،
    وأشهدهم على أنه مات حتف أنفه ولا أثر به ، فنظروا إليه وشهدوا على ذلك ،
    وإنما فعل ذلك ليواري سوأته ، وأخرج الجثمان المطهر فوضع على الجسر ببغداد ،
    ونودي : هذا موسى بن جعفر قد مات فانظروا إليه ، فجعل الناس يتفرّسون في
    وجهه وهو ميت ، ثم حُمل فدفن في مقابر قريش (1).
    فكان دم الإمام عليه‌السلام موزعاً بين ثلاثة : أولهم الرشيد الذي أمر بالقتل ،
    والثاني المنفّذ للقتل وهو السندي ، والثالث يحيى بن خالد الوزير المقرب الذي
    أراد إرضاء الرشيد والتزلف إليه بسبب عصيان ابنه الفضل لأوامر الرشيد ، فنفذ
    ما أراد الرشيد أمر السندي بقتل الإمام عليه‌السلام ، لأن الرشيد يريد أن يظهر بمظهر
    البريء من دمه إلى آخر الشوط.
    على الجسر :
    وضع النعش المحمول على الجسر ، وكان أمر الرشيد بإحضار أكثر وجوه
    __________________
    (1) الإرشاد 2 : 240 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 440 ، مقاتل الطالبيين : 336 ،
    الغيبة / الطوسي : 26 / 6 ، اعلام الورى / الطبرسي 2 : 33 ، الفصول المهمة / ابن
    الصباغ : 220.


    بغداد ليشهدوا على موت الإمام عليه‌السلام ، وأنه لا أثر به يدلّ على القتل ، قال ابن
    عنبة : « إن السندي عمل محضراً بأنه مات حتف أنفه ، وترك ثلاثة أيام على
    الطريق ، يأتي من يأتي فينظر إليه ، ثم يكتب في المحضر » (1).
    ولعل من دواعي الإشهاد والمحضر هو أن الرشيد كان يحاول أن يبرئ
    نفسه من مسؤولية قتل الإمام ، كي يتلافى ردود الأفعال والتداعيات التي قد
    تنجم من هذا العمل العظيم ، فحاول أن يخطو خطوة على طريق دفع الشبهة
    وإرضاء الرأي العام ، ولكن وضع جنازة رجل عظيم على الجسر ببغداد بحد
    ذاته إنما يثير الشكوك في قتله ، وتلك سنة درج عليها حكام بني العباس فيما بعد
    مع كل مقتول من الأئمة وغيرهم لدفع الضرر والتخلّص من التهمة ، فالمعتز لما
    قتله قادة الجند أشهدوا عليه جماعة من الأعيان أنه مات وليس به أثر (2) ، ولما
    سموا الإمام العسكري عليه‌السلام وضعوا جنازته للصلاة ، فدنا أبو عيسى منها وكشف
    عن وجهه ، فعرضه على بني هاشم من العلويين والعباسية والقواد والكتاب
    والقضاة والفقهاء وأشهدهم انه مات حتف أنفه على فراشه وليس به أثر (3).
    اما النداء على نعش الإمام عليه‌السلام بعد موته ، فالذي في غالب المصادر أنه لما
    مات أخرجه السندي ووضعه على الجسر ببغداد ونودي عليه : هذا موسى بن
    جعفر الذي تزعم الرافضة أنه لا يموت فانظروا إليه ، أو هذا موسى بن جعفر قد
    مات فانظروا إليه ، وهذا أمر ممكن من قبل دولة تريد الانتقاص من عقائد
    مناوئيها التقليديين بكونهم رافضة أولاً ، ويكذبون بزعمهم عدم موت إمامهم
    بينما هو ميت وموضوع على الجسر.
    __________________
    (1) عمدة الطالب : 196 ، بحار الأنوار 48 : 248 / 57.
    (2) الكامل في التاريخ 6 : 200 ، الفخري في الآداب السلطانية : 243.
    (3) إكمال الدين ـ المقدمة : 42 ـ 43.

    والحق أن الدولة إنما تغالط بسحبها التهمة إلى الطائفة جمعاء ، بينما الذي
    يزعم ذلك فرقة ضالة تسمى الواقفة ، ادعوا أن الكاظم عليه‌السلام حي يرزق ، وأنه هو
    القائم من آل محمد عليهم‌السلام ، وأن حبسه غيبته ، وقد روّج لهذه الفكرة بعض
    أصحاب الإمام الكاظم عليه‌السلام كعلي بن أبي حمزة البطائني ، وزياد بن مروان
    القندي ، وعثمان بن عيسى الرواسي وغيرهم بسبب رغبات مادية كان لها الأثر
    في نفوسهم الضعيفة ، حيث تجمعت لديهم أموال طائلة من الحقوق المالية ، لأنهم
    كانوا من وكلاء الإمام الكاظم عليه‌السلام وخزنة أمواله في وقتٍ كان فيه الإمام عليه‌السلام
    مودعاً السجن ، وبعد شهادة الإمام عليه‌السلام أبوا عن تسليم تلك الأموال لولده القائم
    بعده علي الرضا عليه‌السلام ، وشدّدوا على إنكار موته ، وقد انقرضت هذه الفرقة بمرور
    الأيام ، بعد ظهور زيف مدعياتها.
    وقد تنبّه الشيخ المفيد إلى هذا الأمر ، فتعرّض له أثناء ذكره شهادة الإمام
    الكاظم عليه‌السلام بقوله : « وقد كان قوم زعموا في أيام موسى عليه‌السلام أنه القائم المنتظر ،
    وجعلوا حبسه هو الغيبة المذكورة للقائم ، من هنا أمر يحيى بن خالد أن ينادى
    عليه عند موته : هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه لا يموت فانظروا
    إليه » (1).
    وهناك صورة اُخرى قبيحة للنداء على نعش الإمام عليه‌السلام ، من قبل السلطة
    العباسية ، رواها الشيخ الصدوق عن عبد الله الصيرفي. تعبر بوضوح عن حقارة
    دولتهم ودناءة سلاطينها وحقدهم على أهل البيت عليهم‌السلام ، ويكتفي بذلك أن إباحة
    قتل الإمام الكاظم عليه‌السلام بلا ذنب ، وتوغّلت في دماء آل أبي طالب بظلم صارخ
    ووحشية مروعة ، حتى قال الشاعر :
    يا ليت جور بني مروان عاد لنا
    وليت عدل بني العباس في النار

    __________________
    (1) الإرشاد 2 : 240.

    وإذا كان ثمة مانع يحول دون أمثال هذه المواقف المخزية ، فهو الخوف على
    استقرار الدولة وأمنها وإرضاء الرأي العام ، من هنا تدارك الأمر عم الرشيد
    سليمان بن أبي جعفر ، فخرج من قصره ، فسمع الصياح والضوضاء ، فقال لولده
    وغلمانه : ما هذا ؟ قالوا : السندي بن شاهك ينادي على موسى بن جعفر على
    نعش ، فقال لولده وغلمانه : يوشك أن يفعل به هذا في الجانب الغربي ، فإذا عبر
    به فانزلوا مع غلمانكم ، فخذوه من أيديهم ، فإن مانعوكم فاضربوهم واخرقوا ما
    عليهم من السواد. قال : فلما عبروا به نزلوا إليهم ، فأخذوه من أيديهم
    وضربوهم وخرقوا عليهم سوادهم ، ووضعوه في مفرق أربع طرق وأقام
    المنادين ينادون : ألا من أراد أن ينظر إلى الطيب بن الطيب موسى بن جعفر
    فليخرج ، وحضر الخلق (1). وأخيراً شيعه بموكب حافل ، ومشى خلفه حافياً
    حاسراً ، خوفاً من الثورة على السلطان وامتصاصاً لنقمة الرأي العام.
    قال الشاعر (2) :
    أيوضع في الأغلال موسى بن جعفر

    ويودع أعواماً بقعر سجون ؟!

    ويخرج حمالون بالنعش ميتاً

    ليطرح فوق الجسر طرح مهين ؟!

    ينادون هذا للروافض شيخهم

    وليس له من ناصر ومعين

    ولولا أُثيرت في سليمان غيرة

    وشيعه بالعزّ فوق متون

    __________________
    (1) إكمال الدين : 38 ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام 1 : 99 / 5.
    (2) هو السيد محمد رضا القزويني.

    لاُلقي فوق الجسر موسى بن جعفر

    ثلاثاً غريب الدار مثل الحسين (1)

    وقال آخر في اُرجوزته (2) :
    أمثل موسى وارث الرساله
    يحمل نعشه مع الحماله !

    نعش تطوف حوله الأفلاك
    تبركت بحمله الأملاك

    ولم يشيعه من الناس أحد
    فيالها من غربة بغير حد

    بل شيعته الزفرات المحرقه
    من أنفس قلوبها محترقه

    شيّعه العقول والأرواح
    لهم على غربته نياح

    وكيف نعش صاحب الخلافه
    يُرمى على الجسر من الرصافه !

    تنوح في غربته عليه
    خشخشة الحديد في رجليه

    ناحت عليه زمر الملائك
    بل ناحت الحور على الأرائك

    أم كيف يستخفّ بالنداء
    عليه وهو أعظم الأرزاء !

    فيا لذاك الهتك والجساره
    على سليل القدس والطهاره

    نادى عليه الرجس بالتحقير
    وانه ابن آية التطهير

    أيذكر الطيب وابن الطيب
    بأفحش القول فيا للعجب !

    وهو ابن من نودي باسمه على
    منابر القدس بعزّ وعلا

    نودي باسمه العظيم السامي
    في الصلوات الخمس بالإعظام

    أحجة الحق إمام الرافضه
    بل حجة الباطل منه داحضه

    وليس في الغيب ولا الشهاده
    سواه قائد إلى السعاده

    بل رفض الباطل رفضاً رفضا
    ومحض الحق الصريح محضا

    __________________
    (1) المنتخب من الشعر الحسيني : 177.
    (2) هو الشيخ محمد حسين الأصفهاني ( ت / 1361 ه‍ ). 
    فلا ورب العرش لولا الكاظم
    لم يك للدين الحنيف ناظم (1)

    جهازه ودفنه :
    لم يسمح الإمام الكاظم عليه‌السلام لقاتليه أن يغسلوه أو يكفنوه ، ولم يقبل بغير
    كفنه الذي هو من طاهر أمواله ، وخصص شخصاً معيناً كي يتولى غسله ودفنه ،
    ولم تسمه المصادر سوى أنه مولى له عليه‌السلام مدني ويسكن بيتاً معيناً في مشرعة
    القصب.
    روي أنه عليه‌السلام لما حضرته الوفاة ، سأل السندي بن شاهك أن يحضره مولى
    له مدنياً ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ، ليتولى غسله
    وتكفينه ، ففعل ذلك. قال السندي بن شاهك : « وكنت أسأله في الإذن لي في أن
    أكفنه فأبى ، وقال : إنا أهل بيت ، مهور نسائنا وحج صرورتنا ، وأكفان موتانا
    من طاهر أموالنا ، وعندي كفن ، وأريد أن يتولى غسلي وجهازي مولاي
    فلان » (2) فتولى ذلك منه.
    وهنا تثار المزيد من علامات الاستفهام عن هذا الشخص الذي رضي به
    الإمام عليه‌السلام لأداء هذه المهمة ، ونحن نظن أنه المسيب بن زهير الذي يرد اسمه
    كثيراً في الروايات والأخبار التي تتحدث عن هذا الموضوع ، وأنه دعا به
    الإمام عليه‌السلام قبل وفاته بثلاثة أيام وأخبره بحصول وفاته في اليوم الثالث ، ودعاه
    إلى التمسك بولاية علي الرضا عليه‌السلام من بعده ، وكشف المسيب عن حضور شخص
    يشبه الإمام الكاظم عليه‌السلام ، ويتضح له فيما بعد أنه الإمام الرضا عليه‌السلام ، وهو الذي
    تولى جهازه ودفنه بخفاء العنوان.
    ففي رواية الصدوق عن عمر بن واقد ، ذكر أن سيدنا موسى بن جعفر عليهما‌السلام
    __________________
    (1) الأنوار القدسية : 91.
    (2) الإرشاد 2 : 243 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 440.

    دعا بالمسيب بن زهير في يوم وفاته ، فقال له عليه‌السلام : « إني على ما عرفتك من
    الرحيل إلى الله تعالى ، وإن هذا الرجل اللعين السندي بن شاهك سيزعم
    أنه تولى غسلي ودفني ، هيهات هيهات ، لا يكون ذلك أبداً ، فإذا حملت
    إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش فألحدني فيها ... إلى أن قال : ثم رأيت
    شخصاً أشبه الخلق به جالساً إلى جانبه ، وكان عهدي بسيدي الرضا عليه‌السلام وهو
    غلام ، فأردت سؤاله فصاح بي سيدي موسى عليه‌السلام : أليس نهيتك يا مسيب ؟
    فلم أزل صابراً حتى مضى عليه‌السلام وغابت الشمس ، ثم أني أتيت بالخبر إلى الرشيد ،
    فوافاني السندي بن شاهك ، فوالله لقد رأيتهم وهم يظنون بأنهم يغسلونه ولا
    تصل أيديهم إليه ، ويظنون أنهم يحنطونه ويكفنونه وأراهم لا يصنعون به شيئاً ،
    ورأيت ذلك الشخص يتولّى غسله وتحنيطه وتكفينه ، وهو يظهر المعونة لهم
    وهم لا يعرفونه ، فلما فرغ من تجهيزه ، قال ذلك الشخص : يا مسيب ، مهما
    شككت فيه فلا تشك فيّ ، فإني إمامك ومولاك وحجة الله تعالى عليك بعد
    أبي. يا مسيب ، مثلي مثل يوسف الصديق عليه‌السلام ، ومثلهم مثل إخوته حين
    دخلوا فعرفهم وهم له منكرون. ثم حُمل حتى دفن في مقابر قريش » (1).
    وهناك جملة أحاديث تؤيد هذا المضمون ، منها حديث علي بن أبي حمزة
    حين سأل الرضا عليه‌السلام فقال : « إنا روينا عن آبائك : أن الإمام لا يلي أمره إلاّ
    إمام مثله ؟ فقال له أبو الحسن الرضا عليه‌السلام : فأخبرني عن الحسين بن
    علي عليهما‌السلام ، كان إماماً أو كان غير إمام ؟ قال : كان إماماً. قال : فمن ولي أمره ؟
    قال : علي بن الحسين. قال : وأين كان علي بن الحسين عليهما‌السلام ؟ كان محبوساً
    في يد عبيد الله بن زياد. قال : خرج وهم لا يعلمون حتى ولي أمر أبيه ثم
    __________________
    (1) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام 1 : 100 / 6 ، دلائل الإمامة : 152 ، الهداية الكبرى :
    265 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 441.

    انصرف.
    فقال له أبو الحسن عليه‌السلام : إن هذا الذي أمكن علي بن الحسين عليهما‌السلام أن
    يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه ، فهو يمكّن صاحب هذا الأمر أن يأتي بغداد
    فيلي أمر أبيه ، ثم ينصرف وليس في حبس ولا في أسار » (1).
    وفي هذا الاتجاه روايات تعارض ما ذكرناه ، تتحدث عن أن شخصاً آخر
    مقرباً إلى الدولة ، وهو عم الرشيد سليمان بن المنصور الذي تظاهر بعدم الرضا
    عن سلوك رجال الدولة مع الإمام عليه‌السلام ، فكفنه وشيعه ودفنه ، منها ما ذكره ابن
    شهرآشوب أن سليمان بن أبي جعفر المنصور كان ذات يوم جالساً في دهليزه في
    يوم مطر إذ مرت جنازته عليه‌السلام ، فقال : « سلوا هذه جنازة مَن ؟ فقيل : هذا موسى
    ابن جعفر مات في الحبس ، فأمر الرشيد أن يدفن بحاله ، فقال سليمان : موسى بن
    جعفر يدفن هكذا ؟! فإن في الدنيا من كان يخاف على الملك ، في الآخرة لا يوفّى
    حقه ؟! فأمر سليمان غلمانه بتجهيزه وكفنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفين
    وخمسمائة دينار مكتوب عليها القرآن كله ، ومشى حافياً ودفنه في مقابر
    قريش (2) ، ونحوه رواية الشيخ الصدوق عن الحسن بن عبد الله الصيرفي (3).
    غير أنه إذا صح هذا الخبر فيمكن رفع تعارضه مع ما تقدم بكون رجال
    الدولة هم الذين تولوا أمره عليه‌السلام وسليمان واحد منهم ، إن لم يكن من المقربين إلى
    هارون ، وقد تدخل خوف اشتعال الفتنة التي قد تقض مضاجع العباسيين ،
    فكان أحد الحاضرين ، أما الإمام الرضا عليه‌السلام فأمره خارج حدود معرفة
    الدولة.
    __________________
    (1) رجال الكشي : 464 / 883.
    (2) مناقب آل أبي طالب 3 : 441.
    (3) إكمال الدين : 38 ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام 1 : 99 / 5 ، اعلام الورى 2 : 33.

    المصادر التي أثبتت شهادته :
    تجمع مصادر الإمامية وبعض مصادر العامة على أن الإمام الكاظم عليه‌السلام إنما
    مات مسموماً في حبس الرشيد على يد السندي بن شاهك ، والأهم من ذلك
    أولاً أن الإمام عليه‌السلام نفسه إنما كان قد أخبر أنه سُقي السم في الإشهاد الأول الذي
    عملته الدولة في سجن السندي ، بعد أن تناقل الناس أن الإمام عليه‌السلام في ضرر
    وضنك في سجن ابن شاهك ، ففي رواية الحسن بن محمد بن بشار : « أن السندي
    بن شاهك جمع ثمانين رجلاً من الوجوه ، وأدخلهم على موسى بن جعفر عليهما‌السلام ،
    وقال : يا هؤلاء ، انظروا إلى هذا الرجل هل حدث به حدث ، وهذا منزله
    وفرشه موسع عليه. فقال عليه‌السلام : أما ما ذكرت من التوسعة وما أشبه ذلك فهو
    على ما ذكر ، غير أني أخبرك أيها النفر أني سقيت السم في تسع تمرات ،
    وأنا أحتضر غداً ، وبعد غد أموت » (1). وروي نحو هذا عن شيخ من أهل قطيعة
    الربيع من العامة ، وقال في آخره : « فنظرت إلى السندي بن شاهك يضطرب
    ويرتعد مثل السعفة » (2).
    وعن المسعودي : « فأدخل السندي القضاة قبل موته بثلاثة أيام ، فأخرجه
    إليهم وقال لهم : إن الناس يقولون ان أبا الحسن في يدي في ضنك وضرر ،
    وها هو ذا صحيح لا علة به ولا مرض ولا ضرر ، فالتفت الكاظم عليه‌السلام فقال لهم :
    إشهدوا عليَّ أني مقتول بالسم بعد ثلاثة أيام » (3).
    فصريح الروايات كلها يشير إلى علم الإمام عليه‌السلام بأثر الطعام الذي تناوله في
    __________________
    (1) مناقب آل أبي طالب 3 : 441.
    (2) أمالي الصدوق : 213 / 237 ، قرب الإسناد : 333 / 1236 ، عيون أخبار
    الرضا عليه‌السلام 1 : 96 / 2 ، غيبة الطوسي : 31 / 7.
    (3) إثبات الوصية : 169.

    تدهور صحته وانتكاس مزاجه ، وأنه طعام مسموم يؤدّي به إلى الموت.
    أما القائلون بشهادته مسموماً فكثير من المؤرخين والمحدثين بحيث لا يمكن
    التوفر على إحصاء أقوالهم في هذه العجالة ، ولكن سنختار نماذج من أقوالهم
    ونحيل القارئ الكريم إلى مظان باقي الأقوال والروايات.
    منهم المؤرخ الشهير ابن الطقطقا الذي قال : « وأما الرشيد فإنه حج في تلك
    السنة ( 179 ه‍ ) ، فلما ورد المدينة قبض على موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، وحمله في قبة
    إلى بغداد ، فحبسه عند السندي بن شاهك ، وكان الرشيد بالرقة ، فأمر بقتله
    قتلاً خفياً ، ثم أدخلوا عليه جماعة من العدول بالكرخ ليشاهدوه ، إظهاراً أنه
    مات حتف أنفه » (1).
    وقال ابن عنبة : « مضى الرشيد إلى الشام ، فأمر يحيى بن خالد بقتله ،
    فقيل : انه سم ، وقيل : بل لفّ في بساط وغمز حتى مات » (2).
    وذكر الشيخ الصدوق عدة روايات في هذا الصدد منها : عن مشايخ أهل
    المدينة قالوا : لما مضى خمس عشرة سنة (3) من ملك الرشيد... استشهد ولي الله
    موسى بن جعفر عليهما‌السلام مسموماً ، سمه السندي بأمر الرشيد في الحبس المعروف
    بدار المسيب بباب الكوفة ، وفيه السدرة (4) ، ونحوه في مناقب آل أبي طالب
    لابن شهرآشوب (5).
    __________________
    (1) الفخري في الآداب السلطانية : 196.
    (2) عمدة الطالب : 196.
    (3) الظاهر (13) سنة من سنة ( 170 ـ 183 ه‍ ) إلاّ على رواية وفاته عليه‌السلام سنة
    ( 186 ه‍ ).
    (4) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام 1 : 85 ـ 99.
    (5) مناقب آل أبي طالب 3 : 437 وما بعدها.

    وعن الكفعمي في جدول المصباح : « أنه عليه‌السلام توفي مسموماً في عنب » (1).
    وقال الطبرسي : « توفي ببغداد يوم الجمعة لخمس بقين من رجب سنة
    ( 183 ه‍ ) مسموماً ومظلوماً ، على الصحيح من الأخبار ، في حبس السندي بن
    شاهك ، سقاه السم السندي بأمر الرشيد ، ودفن عليه‌السلام في الجانب الغربي في المقبرة
    المعروفة بمقابر قريش » (2).
    وذكر الشهيد الأول أنه عليه‌السلام قُبض مسموماً ببغداد في حبس السندي بن
    شاهك (3).
    ونقل العلاّمة المجلسي جملة وافرة من المصادر والأخبار القائلة بشهادة
    الإمام المظلوم موسى الكاظم عليه‌السلام مسموماً بأمر هارون (4). وهناك روايات
    وأقوال مسهبة في هذا المجال يضيق المجال عن ذكرها (5).
    وذكر بعض العامة ما يقارب روايات الشيخ المفيد وأبي الفرج الأصفهاني ،
    منهم ابن الصباغ المالكي ، قال : « كتب الرشيد إلى السندي أن يتسلم موسى بن
    جعفر الكاظم من عيسى ، وأمره فيه بأمره ، فكان الذي تولى به قتله السندي ،
    أن يجعل سماً في طعام وقدمه إليه ، وقيل : في رطب. فأكل منه موسى بن
    جعفر عليهما‌السلام ، ثم أنه أقام موعوكاً ثلاثة أيام ومات » (6).
    __________________
    (1) مصباح الكفعمي : 523.
    (2) تاج المواليد : 46 ، اعلام الورى 2 : 33.
    (3) الدروس : 155.
    (4) بحار الأنوار 48 : 206 ـ 249.
    (5) راجع : الإرشاد 2 : 240 ، غيبة الطوسي : 28 ضمن حديث 6 ، روضة الواعظين
    1 : 220 ، مروج الذهب 3 : 355 ، مقاتل الطالبيين : 336 ، كشف الغمة 2 : 234 ،
    دلائل الإمامة : 148 ، التتمة في تواريخ الأئمة عليهم‌السلام : 111 ـ 117.
    (6) الفصول المهمة : 220.

    ومنهم الحافظ الكنجي الشافعي (1) ، ومؤمن بن حسن الشبلنجي (2).
    وفي رواية ابن الصبان : « فحمله هارون إلى بغداد مقيداً ، فلم يخرج من
    حبسه إلاّ مقيداً ميتاً مسموماً » (3).
    واكتفى بعضهم بعبارة : قيل إنه مات مسموماً (4).
    قال الشاعر (5) :
    ولم يزل مصفداً مكبلاً حتى قضى
    بالسم موسى الأجلا

    آنس ناراً من سموم السم
    فزاده غماً عقيب غم

    نور الهدى خبا فأظلم الفضا
    يا ساعد الله إمامنا الرضا

    واعجباً من هو أزكى ثمره
    من دوحة المجد الأثيل المثمره

    من دوحة العلياء والفتوه
    من دوحة التنزيل والنبوه

    كيف قضى بالرطب المسموم
    على يد ابن شاهك المشوم (6)

    تاريخ شهادته عليه‌السلام :
    استشهد الإمام الكاظم عليه‌السلام بعد مضي نحو ثلاث عشرة سنة من ملك
    هارون ، مسموماً في حبس السندي بن شاهك ، يوم الجمعة لخمس أو لست
    بقين من رجب سنة ( 183 ه‍ ) ، وقيل : لخمس أو لست خلون من رجب من
    __________________
    (1) كفاية الطالب : 310.
    (2) نور الأبصار : 167. وهناك مصادر اُخرى ذكرها في ملحقات إحقاق الحق /
    السيد المرعشي 12 : 334.
    (3) إسعاف الراغبين / ابن الصبان المالكي : 248.
    (4) وفيات الأعيان 5 : 310 ، تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : 196.
    (5) هو الشيخ محمد حسين الأصفهاني.
    (6) الأنوار القدسية : 92.

    نفس السنة ، وقيل : بل في سنة ( 186 ه‍ ) (1).
    وعلى رواية سنة ( 183 ه‍ ) ، يكون قد لبث في السجن أكثر من أربع سنين ،
    إذ اعتقل عليه‌السلام سنة ( 179 ه‍ ) ، وعلى رواية سنة ( 186 ه‍ ) ، يكون قد لبث أكثر من
    سبع سنين ، هذا عدا المدّة التي قضاها في السجن في المرة الاُولى.
    وكان له عليه‌السلام من العمر خمس وخمسون سنة ، وقيل : أربع وخمسون ،
    عشرون منها مع أبيه عليه‌السلام ، لأنه توفي سنة ( 148 ه‍ ) ، وخمس وثلاثون بعده ،
    وهي مدة إمامته (2).
    وصيته وعهده عليه‌السلام :
    من الواضح أن وصي الإمام الكاظم عليه‌السلام وولي عهده من بعده هو ابنه علي
    الرضا عليه‌السلام ، ويدل على ذلك كثير من الروايات الصحيحة الواردة في مظانها (3) ،
    غير أننا نذكر هنا وصيته التي كتبها عملاً بالكتاب والسنّة ، لقوله تعالى : ( كُتِبَ
    عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرا الْوَصِيَّةُ ) (4) ، وقوله سبحانه :
    __________________
    (1) راجع : الإرشاد 2 : 215 ، تاريخ الطبري 6 : 398 ، تاج المواليد : 46 ، المنتظم في
    تاريخ الملوك والاُمم 9 : 88 ، تاريخ بغداد 13 : 33 ، الكافي 1 : 476 ، مناقب آل أبي
    طالب / ابن شهرآشوب 3 : 437 ، مطالب السؤول : 83 ، صفة الصفوة 2 : 187 ،
    بحار الأنوار 48 : 206 ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام 1 : 99 / 4 ، روضة الواعظين :
    220.
    (2) الكافي 1 : 476 ، الإرشاد 2 : 215 ، اعلام الورى 2 : 5 ، مناقب آل أبي طالب 3 :
    437 ، تاج المواليد : 121 ، الفصول المهمة : 222 ، تاريخ مواليد الأئمة / ابن
    الخشاب البغدادي : 32.
    (3) الكافي 1 : 249 ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام 1 : 21 ـ 31 ، الإرشاد 2 : 247 ، غيبة
    الطوسي : 34 وما بعدها.
    (4) سورة البقرة : 2 / 180.

    ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ
    اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ) (1) ، وقد جعل فيها وصيه ابنه علياً الرضا عليه‌السلام ، وأطلق
    يده ومنحه جميع الخيارات.
    روى الوصية الشيخ الصدوق بالإسناد عن إبراهيم بن عبد الله الجعفري ،
    عن عدّة من أهل بيته ، وذكر أولاً أنه عليه‌السلام أشهد تسعة رجال من أهل بيته ومن
    غيرهم ، وذكرهم بأسمائهم ، ثم ذكر صورة الوصية التي بدأها بالشهادة بالتوحيد
    والنبوة والمعاد ، ثم جاء فيها : « أشهدهم أن هذه وصيتي بخطي... ووصيت
    بها إلى علي ابني ، وبني بعده ، فإن شاء وآنس منهم رشداً وأحب إقرارهم
    فذلك له ، وإن كرههم وأحب أن يخرجهم ، فذلك له ، ولا أمر لهم معه.
    وأوصيت له بصدقاتي وأموالي وصبياني الذين خلفت وولدي ، وإلى
    إبراهيم والعباس وإسماعيل وأحمد وأم أحمد ، وإلى علي أمر نسائي
    دونهم ، وثلث صدقة أبي وأهل بيتي يضعه حيث يرى ، ويجعل منه ما
    يجعل ذو المال في ماله ، إن أحب أن يجيز ما ذكرت في عيالي فذلك له ،
    وإن كره فذلك له ، وإن أحب أن يبيع أو يوهب أو ينحل أو يتصدق على
    غير ما وصيته فذلك إليه ، وهو أنا في وصيتي في مالي وفي أهلي وولدي.
    وإن رأى أن يقرّ إخوته الذين سميتهم في صدر كتابي هذا أقرهم ،
    وإن كره فله أن يخرجهم غير مردود عليه ، وإن أراد رجل منهم أن يزوج
    أخته فليس له أن يزوجها إلاّ بإذنه وأمره ، وأي سلطان كشفه عن شيء أو
    حال بينه وبين شيء مما ذكرت من كتابي فقد برئ من الله ومن رسوله ،
    والله ورسوله بريئان منه ، وعليه لعنة الله ولعنة اللاعنين والملائكة
    المقربين والأنبياء والمرسلين أجمعين وجماعة المؤمنين.
    __________________
    (1) سورة المائدة : 5 / 106.

    وليس لأحد من السلاطين أن يكشفه عن شيء لي عنده من بضاعة
    ولا لأحد من ولدي ، ولي عنده مال ، وهو مصدق فيما ذكر من مبلغه إن أقل
    أو أكثر فهو الصادق ، وإنما أردت بإدخال الذين أدخلت معه من ولدي
    التنويه بأسمائهم ، وأولادي الأصاغر وأمهات أولادي ، من أقام منهن في
    منزلها أو في حجابها فلها ما كان يجري عليها في حياتي إن أراد ذلك ،
    ومن خرج منهن إلى زوج ، فليس لها أن ترجع إلى حزانتي (1) إلاّ أن يرى
    عليّ ذلك ، وبناتي مثل ذلك. ولا يزوج بناتي أحد من إخوانهن ، ولا من
    أمهاتهن ، ولا من سلطان ، ولا عمل لهن إلاّ برأيه ومشورته ، فإن فعلوا ذلك
    فقد خالفوا الله تعالى ورسوله وحاربوه في ملكه ، وهو عارف بمناكح قومه ،
    إن أراد أن يزوج زوج ، وإن أراد أن يترك ترك ، وقد أوصيتهن بمثل ما ذكرت
    في كتابي ، وأشهدت الله عليهن... » (2).
    فضل زيارته عليه‌السلام :
    الزيارة هي حالة من التواصل مع رموز الرسالة المحمدية ، يستشعر الزائر
    خلال أدائها بالانشداد إلى عقيدته وتاريخه وقادته الرساليين ، من هنا جاءت
    المزيد من الأخبار في الحثّ على زيارة أهل البيت عليهم‌السلام ، باعتبارهم يمثلون خط
    الأولياء الباقي إلى يوم الدين بقاء الكتاب الكريم بين ظهراني الأُمّة.
    روي عن ابن سنان ، قال : « قلت للرضا عليه‌السلام : ما لمن زار أباك ؟ قال : له
    الجنة فزره » (3).
    وعن الحسن بن علي الوشاء ، عن الرضا عليه‌السلام ، قال : « زيارة قبر أبي مثل
    __________________
    (1) حزانة المرء : عياله.
    (2) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام 1 : 23 / 1 ، الكافي 1 : 316 / 15.
    (3) التهذيب 6 : 82 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 442.

    زيارة قبر الحسين عليه‌السلام » (1).
    وعن الحسين بن بشار الواسطي ، قال الرضا عليه‌السلام : « زيارة أبي من الفضل
    كفضل من زار قبره والده ـ يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قلت : فإني خفت ولم يمكني
    أن أدخل داخلاً ؟ قال : سلّم من وراء الجدار » (2).
    وعن الحسن بن محمد الأشعري القمي ، قال : « قال لي الرضا عليه‌السلام : من زار
    قبر أبي ببغداد كان كمن زار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقبر أمير المؤمنين عليه‌السلام ، إلا أن
    لرسول الله وأمير المؤمنين فضلهما » (3).
    قال الشاعر (4) يذكر فضل زيارة الإمام الكاظم والجواد عليهما‌السلام في رجب :
    زيارة الكاظمين في رجب
    تنقذ يوم اللقاء من اللهب

    تعدل حجاً ووقفةً بمنى
    وعمرةً كلها بلا نصب

    إي وأبي لا يخاف هول غد
    من حازها في الزمان إي وأبي

    من شاهد الفرقدين قبلهم
    في سفطي قبتين من ذهب (5)

    وقال أيضاً :
    خلعنا نفوساً قبل خلع نعالنا
    غداة حللنا مرقداً منك مأنوسا

    وليس علينا من جناح بخلعها
    لأنك بالوادي المقدس يا موسى (6)

    __________________
    (1) كامل الزيارات : 300 ، التهذيب 6 : 81.
    (2) كامل الزيارات : 299 ، روضة الواعظين : 221 ، التهذيب 6 : 82 ، وفي بعض
    المصادر : من وراء الجسر.
    (3) كامل الزيارات : 299 ، التهذيب 6 : 81.
    (4) هو عبد الباقى العمري ( ت / 1278 ه‍ ).
    (5) الترياق الفاروقي : 141 ـ مصر.
    (6) الترياق الفاروقي : 132.

    وقال :
    زر حضرة مجمع البحرين ساحتها
    أبان عن قبتيها سره القدر

    ترى ابن جعفر موسى في حظيرته
    موسى ولكن له من نفسه خضر (1)

    باب الحوائج :
    قبر موسى بن جعفر عليهما‌السلام هو مثابة الرجاء لكل مرتجٍ يقصد حضرته ، وبابه
    باب الرحمة والشفاعة والشفاء ، هو الدواء المجرب والعلاج الناجع لكل ما
    يعرض للإنسان من أدواء الروح والبدن ، وقد جرب الناس ذلك في مختلف
    العصور ، وتحدثوا عن عشرات الحالات في كل أوان تبينت فيها كراماته عليه‌السلام في
    شفاء الأمراض وقضاء الحاجات حتى عرف بباب الحوائج إلى الله لنجح مطالب
    المتوسلين إلى الله تعالى به واستجابة الدعاء عند قبره المعلى ، ودفع البلاء عن
    بقعته ، من هنا صار مهوى الأفئدة ، تعقد عليه الآمال فتأتيه ذللاً تهلّل وتصلي
    حوله.
    روى الكشي عن زكريا بن آدم ، قال : « قلت للرضا عليه‌السلام : إني أريد الخروج
    عن أهل بيتي ، فقد كثر السفهاء فيهم ؟ فقال : لا تفعل فإن أهل بيتك يُدفع
    عنهم بك ، كما يُدفع عن أهل بغداد بأبي الحسن الكاظم » (2).
    ووصفه الإمام الشافعي بالترياق المجرب ، ذكر ذلك حمد الله الهندي الحنفي
    بقوله في معرض الاستدلال على صحة الزيارة والتوسل بقبور الأولياء : « ومن
    الدلائل على التوسل بعد الوفاة ما قال الإمام الشافعي : قبر موسى الكاظم
    ترياق مجرب لاجابة الدعاء » (3).
    __________________
    (1) الترياق الفاروقي : 132.
    (2) اختيار معرفة الرجال : 594 / 1111.
    (3) ملحقات إحقاق الحق 28 : 553 ، عن كتاب البصائر لمنكر التوسل بأهل المقابر
    / حمد الله الهندي : 42 ـ اسطنبول.

    وممن جرب ذلك الترياق أبو علي الخلال ، روى البغدادي بالإسناد عن
    أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ، قال : « سمعت الحسن بن إبراهيم أبا علي
    الخلال يقول : ما همني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر عليهما‌السلام فتوسلت به إلاّ
    سهّل الله تعالى لي ما أحبّ » (1).
    قال السيد الشريف الرضي ( ت / 406 ه‍ ) يمدح جده الإمام الكاظم عليه‌السلام
    مشيراً إلى أن قبر الإمام الكاظم والإمام الجواد عليهما‌السلام بجنبه علاج لأسقام القلب
    والروح :
    ولي قبران بالزوراء أشفي
    بقربهما نزاعي واكتئابي

    أقود إليهما نفسي وأهدي
    سلاماً لا يحيد عن الجواب

    لقاؤهما يطهّر من جناني
    ويدرأ عن ردائي كل عاب (2)

    وفي نفس السياق يقول عبد الباقي العمري ( 1278 ه‍ ) :
    لا تلمني على وقوفي ببابٍ
    تتمنّى الأملاك فيه وقوفي

    هو باب مجرّب ذو خواصٍ
    كان منها إغاثة الملهوفِ

    ملجأ العاجزين كهف اليتامى
    مروة المرملين مأوى الضيوفِ

    فليلمني من شاء إني موالٍ
    رافل من ولائهم بشغوفِ (3)

    ويقول الشيخ محمد حسين الأصفهاني في اُرجوزته :
    وبابه باب شفاء المرضى
    وكل حاجة لديه تقضى

    وبابه باب حوائج الورى
    لأجله غدا به مشتهرا

    وكعبة الرجا لكل راجٍ
    ومستجار الملتجى المحتاج

    __________________
    (1) تاريخ بغداد 1 : 120.
    (2) ديوان الشريف الرضي 1 : 92 ـ بيروت.
    (3) الترياق الفاروقي : 118 ، موسوعة العتبات المقدسة 9 : 83.

    وكيف لا والباب باب الرحمه
    وفي فنائه نجاة الأُمّه

    له من الخوارق الجسيمه
    ما جبهة الدهر به وسيمه

    يغنيك عن بيانها عيانها
    وإنما شهودها برهانها

    وكظمه للغيظ من صفاته
    ثبوته يغنيك عن إثباته (1)

    الكاظم عليه‌السلام في ديوان الشعر :
    نتوقف في محطتنا الأخيرة عند بعض مقاطع مختارة من الشعر العربي ،
    نظمها نفر من الشعراء الذين تأثروا بهدي الإمام وحسن سمته ومناقبه ، فعبروا
    بكلمات من النظم تصور خالص الولاء وعميق الودّ والمحبة لأبي الحسن عليه‌السلام.
    روي أن أبا نؤاس ( ت / نحو 198 ه‍ ) لقي أبا الحسن عليه‌السلام فقال :
    إذا أبصرتك العين من غير ريبة

    وعارض فيه الشك أثبتك القلب

    ولو أن ركباً يمّموك لقادهم

    نسيمك حتى يستدل بك الركب

    جعلتك حسبي في اُموري كلها

    وما خاب من أضحى وأنت له حسب (2)

    وقال دعبل بن علي الخزاعي الشهيد سنة ( 246 ه‍ ) في تائيته الشهيرة :
    فأين الاُلى شطت بهم غربة النوى

    أفانين في الأطراف متفرقات

    قبور بكوفان وأُخرى بطيبة

    وأُخرى بفخ نالها صلوات

    __________________
    (1) الأنوار القدسية : 91.
    (2) مناقب آل أبي طالب 3 : 432.

    روى الصدوق أن دعبلاً لما بلغ هذا البيت بحضرة الرضا عليه‌السلام ، قال له :
    « أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك ؟ فقال : بلى
    يا بن رسول الله ، فقال عليه‌السلام :
    وقبر ببغداد لنفس زكية
    تضمّنها الرحمن في الغرفات

    وقبر بطوس يا لها من مصيبة
    ألحّت على الأحشاء بالزفرات

    فقال دعبل : هذا القبر الذي بطوس قبر من ؟ قال الإمام عليه‌السلام : هو
    قبري » (1).
    وقال الناشئ ( ت / 366 ه‍ ) :
    ببغداد وإن ملئت قصورا
    قبور أغشت الآفاق نورا

    ضريح السابع المعصوم موسى
    إمام يحتوي مجداً وخيرا

    بأكناف المقابر من قريش
    له جدث غدا بهجاً نضيرا

    وقبر محمد في ظهر موسى
    يغشّي نور بهجته الحضورا

    هما بحران من علم وحلم
    تجاوز في نفاستها البحورا

    إذا غارت جواهر كل بحر
    فجوهرها ينزّه أن يغورا

    يلوح على السواحل من بغاه
    تحصّل كفه الدر الخطيرا (2)

    وقال أبو الحسن المعاذ :
    زر ببغداد موسى بن جعفر
    قبر موسى مديحه ليس ينكرْ

    هو باب إلى المهيمن تقضى
    منه حاجاتنا وتحبى وتجبرْ

    هو حصني وعدتي وغياثي
    وملاذي وموئلي يوم اُحشرْ

    صائم القيظ كاظم الغيظ في الل‍
    ‍ه مصفى به الكبائر تغفرْ

    __________________
    (1) ديوان دعبل : 137 ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام 2 : 263 ، روضة الواعظين : 221.
    (2) مناقب آل أبي طالب 3 : 442.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ   الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ Emptyالأحد أكتوبر 27, 2024 9:25 am

    كم مريض وافى إليه فعافا
    ه وأعمى أتاه صحّ وأبصرْ (1)

    وقال الشيخ البهائي ( ت / 1031 ه‍ ) في مدح الإمامين الكاظمين عليهما‌السلام :
    أيا قاصد الزوراء عرّج
    على الغربي من تلك المغاني

    ونعليك اخلعن واسجد خضوعاً
    إذا لاحت لديك القبتان

    فتحتهما لعمرك نار موسى
    ونور محمد متقارنان (2)

    وقال الشيخ حسين بن محمد الدرازي ( ت / 1216 ه‍ ) في رثائه عليه‌السلام :
    جلّت مصيبة أحمد في آله

    فرمتهم الأعداء سهم نكال

    ما مات منهم سيد بفراشه

    بل مات مقتولاً بشر قتال

    إما بسيف أو بسم ناقع

    والهفتاه لهم وعظم وبال

    لا زال من بعد النبي عدوهم

    يسعى لهم بالقهر والإذلال

    فلقد أصيبوا من بني العباس ما

    زادوا على سفهاء كل ضلال

    سُفها أمية سيما ما قد جرى

    بالطهر موسى مجمع الأفضال

    من عجلها ذاك العنيد رشيدها

    قد زاد فعل يزيدها بفعال

    __________________
    (1) مناقب آل أبي طالب 3 : 442.
    (2) الغدير / الشيخ الأميني 11 : 279. 
    خرّت لمصدرها سماوات العلا

    والأرض في رجف وفي زلزال

    والعرش منحرف كذا كرسيها

    والعالم العلوي في اعوال

    لا غرو إن كسفت له شمس الضحى

    والنجم خرّ وكل ما هو عال (1)

    وقال عبد الغفار الأخرس ( ت / 1290 ه‍ ) بمناسبة إهداء ستائر الضريح
    النبوي إلى مقام الإمام الكاظم عليه‌السلام :
    يا إمام الهدى ويا صفوة اللّ‍
    ‍ه ويا من هدى هداه العبادا

    يا بن بنت الرسول يا بن علي
    حي هذا النادي وهذا المنادى

    قد أتيناك بثوب جدك نسعى
    وأتيناك يا سيدي وفّادا

    فأتيناك راجلين احتراماً
    واحتشاماً وهيبةً وانقيادا

    نتهادى به إليك جميعاً
    وبه كانت المطايا تهادى

    طالبات موسى بن جعفر فيه
    وكذا القدوة الإمام الجوادا

    من نبي قد شرف العرش لما
    أن ترقى بالله سبعاً شدادا

    شرف في ثياب قبر نبي
    عطرت في ورودها بغدادا

    كاظم الغيظ سالم الصدر عافٍ
    ما حوى قط صدره الأحقادا

    قد وقفنا لدى علاك وألقي
    نا إلى بابك الرفيع القيادا

    أيها الطاهر الزكي أغثنا
    وأنلنا الإسعاف والإسعادا

    فعليك السلام يا خيرة الخل‍
    ‍ق سلام يبقى ويأبى النفادا (2)

    __________________
    (1) مجموعة وفيات الأئمة : 274.
    (2) الطراز الأنفس : 79 ـ اسطنبول.

    وقال السيد موسى الطالقاني ( ت / 1296 ه‍ ) :
    وببغداد قد ثوى سيد الكو
    نين موسى أسير كف الذحول

    كاظماً غيظه يريد رضا اللّ‍
    ‍ه فيلقى الردى بصبر جميل

    قد أصاب الرشيد في قتله الغي
    وقد ضلّ عن سواء السبيل

    وإلى جنبه ثوى من بنيه
    خير شبل له وخير سليل (1)

    وقال السيد حيدر الحلي ( ت / 1304 ه‍ ) :
    حزت بالكاظمين شأناً كبيراً
    فابقَ يا صحن آهلاً معمورا

    فوق هذا البهاء تكسى بهاء
    ولهذي الأنوار تزداد نورا

    إنما أنت جنة ضرب اللّ‍
    ‍ه عليها كجنة الخلد سورا

    إن تكن فجرت بهاتيك عين
    وبها يشرب العباد نميرا

    فلكم فيك من عيون ولكن
    فجرت من حواسد تفجيرا

    فاخرت أرضك السماء وقالت
    إن يكن مفخر فمني استعيرا

    أتباهين بالضراح وعندي
    من غدا فيهما الضراح فخورا

    بمصابيحي استضئ فمن شم
    سي يبدو فيك الصباح سفورا

    وهما قبتان ليست لكل
    منهما قبة السماء نظيرا

    صاغ كلتيهما بقدرته الصا
    ئغ من نوره وقال أنيرا

    حول كل منارتين من التب
    ر يجلّي سناهما الديجورا

    كبرت كل قبة بهما شأناً
    فأبدت عليهما التكبيرا

    فغدت ذات منظر لك تحكي
    فيه عذراء تستخف الوقورا

    كعروس بدت بقرطي نضار
    فملت قلب مجتليها سرورا

    __________________
    (1) ديوان السيد موسى الطالقاني : 58 ـ النجف.

    حرم آمن به أودع اللّ‍
    ‍ه تعالى حجابه المستورا

    طبت إما ثراك مسك وإما
    عبق المسك من شذاه استعيرا

    بل أراها كافورة حملتها ال‍
    ‍ريح خلدية فطابت مسيرا

    كلما مرت الصبا عرفتنا
    أنها جددت عليك المرورا

    أين منها عطر الإمامة لولا
    أنها قبلت ثراك العطيرا

    كيف تحبيري الثناء فقل لي
    أنت ماذا ؟ لأحسن التعبيرا

    صحن دار أم دارة نيراها
    بهما الكون قد غدا مستنيرا

    إن أقل أرض الأثير ثراها
    ما أراني مدحت إلاّ الأثيرا

    ما نزلنا حماك إلاّ وجدنا
    بلداً طيباً ورباً غفورا

    وإمامين ينقذان من النا
    ر لمن فيهما غدا مستجيرا (1)

    وقال السيد صالح القزويني ( ت / 1306 ه‍ ) :
    اعطف على الكرخ من بغداد وابكِ بها

    كنزاً لعلم رسول الله مخزونا

    موسى بن جعفر سر الله والعلم ال‍

    مبين في الدين مفروضاً ومسنونا

    باب الحوائج عند الله والسبب ال‍

    موصول بالله غوث المستغيثينا

    الكاظم الغيظ عمن كان مقترفاً

    ذنباً ومن عم بالحسنى المسيئينا

    وكم بك الله عافى مبتلىً ولكم

    شافى مريضاً وأغنى فيك مسكينا

    __________________
    (1) ديوان السيد حيدر الحلي : 35. 
    لم يلهِك السجن عن هدي وعن نسك

    إذ لا تزال بذكر الله مفتونا

    بكت على نعشك الأعداء قاطبة

    ما حال نعش له الأعداء باكونا

    راموا البراءة عند الناس من دمه

    والله يشهد ما كانوا بريئينا

    كم جرّعتك بنو العباس من غصص

    تذيب أحشاءنا ذكراً وتشجينا

    طالت لطول سجود منه ثفنته

    فقرّحت جبهةً منه وعرنينا

    رأى فراغته في السجن منيته

    ونعمةً شكر الباري بها حينا

    يا ويل هارون لم تربح تجارته

    بصفقة كان فيها الدهر مغبونا

    ليس الرشيد رشيداً في سياسته

    كلا ولا ابنه المأمون مأمونا

    تا لله ما كان من قرب ولا رحم

    بين المصلين ليلاً والمغنينا

    لم يحفظوا من رسول الله منزله

    ولا لحسناه بالحسنى يكافونا

    باعوا لعمري بدنيا الغير دينهم

    جهلاً فما ربحوا دنياً ولا دينا


    في كل يوم يقاسي منهم حزناً

    حتى قضى في سبيل الله محزونا (1)

    وقال الشيخ جابر الكاظمي ( ت / 1313 ه‍ ) مؤرخاً تعمير الحضرة
    المقدسة :
    فقل لمن قصد الزوراء معتمداً

    قطع الفدافد يطوي كل بيداء

    إن صرت غربي بغداد وشمت سنا

    الوادي المقدس مأوى كل آلاء

    قل للمنيبين رشداً عن مورخه

    نادوا المهيمن هذا طور سيناء (2)

    وقال السيد محسن الأمين العاملي ( ت / 1317 ه‍ ) :
    خلها تطوي الفلا طياً يداها
    لا تعفها فلقد طاب سراها

    قصدها الزوراء تنحو تربة
    طاب من مثوى الجوادين شذاها

    بأريج المسك يزري نشرها
    وعلى شهب السما يسمو حصاها

    فإذا لاحت لعينيك فقف
    واخلع النعلين في وادي طواها

    ترَ أنواراً لموسى لمعت
    نار موسى قبسات من سناها

    وإذا كف الجواد انبجست
    لك كان الغيث في فيض نداها

    تفخر الزوراء في موسى على
    طور سيناء وتسمو في علاها

    قف بها وقفة عبد وأطل
    وقفة العيس بها والثم ثراها

    واذر دمع العين في ساحاتها
    فلمن تدخر العين بكاها

    __________________
    (1) المجالس السنية / السيد محسن الأمين 5 : 550 ـ دار التعارف.
    (2) ديوان جابر الكاظمي : 28 ـ بغداد. 
    وابكِ فيها كاظم الغيظ الذي

    وهو للأعداء لو شاء محاها (1)

    وقال الشيخ محمد علي اليعقوبي ( ت / 1385 ه‍ ) :
    قصدت بحاجاتي لموسى بن جعفر

    فيمّمت باباً عنده الصعب يسهل

    حمىً عكفت فيه ملائكة السما

    فتعرج أفواج وأخرى تنزل

    فئبتُ وقد بلغت أسنى رغائبي

    وخولت من جدواه ما لا يخول

    كم رحت أستجدي سواه فخيبت

    ظنوني وهل أجدى عن البحر جدول

    مزاياه لم تُحصر بعدّ كأنها

    عطاياه إن وافى إليه المؤمل

    بدت مثلما تبدو الكواكب في السما

    سوى أنها أبهى سناء وأكمل

    نحا قبره العافون من كل وجهة

    إلى الله في أعتابه تتوسل

    وبالأمس بالزوراء بانت كرامة

    بها فاجأتنا صحفها تتمثل

    فكم من وجوه قطبت عند ذكرها

    وأخرى سروراً أصبحت تتهلل

    __________________
    (1) المجالس السنية 5 : 552. 
    أتى قبره الأعمى الذي في علاجه

    أساة الورى أضحت تحار وتذهل

    فعاد بصير المقلتين لأهله

    يردد آيات الثنا ويرتل

    بنفسي الذي لاقى من القوم صابراً

    أذى لو يلاقى يذبلاً ساخ يذبل

    بعيداً عن الأوطان والأهل لم يزل

    ببغداد من سجن لآخر ينقل

    يعاني وحيداً لوعة السجن مرهقاً

    ويرسف بالأصفاد وهو مكبل

    ودسّ له السم ابن شاهك غيلة

    فأدرك منه الرجس ما كان يأمل

    ومات سميماً حيث لا متعطف

    لديه ولا حان عليه يعلل

    قضى فغدا ملقى على الجسر نعشه

    له الناس لا تدنو ولا تتوصل

    ونادوا على جسر الرصافة حوله

    نداء تكاد الأرض منه تزلزل

    فقل لبني العباس فيم اعتذارها

    عن الآل لو أن المعاذير تقبل

    بحيث رسول الله والطهر فاطم

    خصيمان والرحمن يقضي ويفصل


    يميناً لقد زادت بما هي قد جنت

    على ما جنته عبد شمس ونوفل

    رمت قبلها حرب فأصمت سهامها

    وسهم بني الأعمام أدمى وأقتل

    فيا ابن الاُلى عن حبهم وولائهم

    جميع الورى يوم القيامة تسأل

    خذوا يوم حشري إن وهنت بساعدي

    فإني بأعباء الجرائم مثقل (1)


    والحمدُ لله ربِّ العالمين
    وسـلامٌ علىٰ عبـاده
    الذين اصطفىٰ محمد
    وآله الطاهرين
    * * *






    __________________
    (1) ديوان اليعقوبي الموسوم بالذخائر : 52.





    المحتويات
    مقدمة المركز 5
    مقدمة المؤلف 7
    الفصل الأوّل : ملامح عصر الإمام الكاظم عليه‌السلام 11
    الحكام المعاصرون للإمام عليه‌السلام 11
    أهم سمات هذا العصر 12
    1 ـ قوة السلطة المركزية 13
    2 ـ توسع العمران 14
    3 ـ ميل رجال الدولة إلى البذخ واللهو 15
    4 ـ سوء الأوضاع الاقتصادية والصحية 19
    5 ـ نفوذ البرامكة والجواري 21
    6 ـ الثورات الشعبية 23
    أ ـ محمد النفس الزكية 23
    ب ـ أخوه إبراهيم 25
    ج ـ عبد الله الأشتر 27
    د ـ الحسين شهيد فخ 27
    ه‍ ـ يحيى بن عبد الله 29
    و ـ إدريس بن عبد الله 31
    ز ـ يوسف البرم 32
    ح ـ وهيب بن عبد الله النسائي 33
    7 ـ الحركات المتطرفة 33

    أ ـ أستاذسيس 33
    ب ـ الخوارج 33
    ج ـ الزنادقة 35
    د ـ الفتن وأعمال التمرد 36
    الفصل الثّاني : السلطة والإمام عليه‌السلام 37
    المبحث الأول : مواقف الحكام 38
    1 ـ المنصور 136 ـ 158 ه‍ 38
    موقفه من الإمام الصادق عليه‌السلام 38
    موقفه من الطالبيين 41
    موقفه من الموالين لأهل البيت عليهم‌السلام 44
    موقفه من الإمام الكاظم عليه‌السلام 45
    2 ـ المهدي العباسي 158 ـ 169 ه‍ 46
    موقفه من الطالبيين 47
    موقفه من الشيعة 48
    موقفه من الإمام الكاظم عليه‌السلام 48
    3 ـ موسى الهادي 169 ـ 170 ه‍ 51
    موقفه من الطالبيين 51
    موقفه من الإمام الكاظم عليه‌السلام 52
    4 ـ الرشيد 170 ـ 193 ه‍ 54
    موقفه من الشيعة 55
    موقفه من الطالبيين 56
    موقفه من الإمام الكاظم عليه‌السلام 59
    إشخاص الإمام إلى العراق 59
    أسباب استدعاء الإمام وسجنه 63
    أولاً ـ الخوف من عمل الإمام عليه‌السلام 63


    ثانياً ـ الحقد والغيرة 64
    ثالثاً ـ الوشاية 65
    من الذين وشوا بالإمام عليه‌السلام ؟ 66
    1 ـ علي بن إسماعيل بن جعفر 66
    2 ـ محمد بن اسماعيل بن جعفر 67
    3 ـ محمد بن جعفر الصادق عليه‌السلام 68
    4 ـ يعقوب بن داود 68
    رابعاً ـ مناظرة الرشيد في مسألة فدك 69
    خامساً ـ مناظرة هشام 69
    الإمام يرد التهم 70
    المبحث الثاني : مواقف الإمام عليه‌السلام إزاء تصرفات السلطة 72
    1 ـ موقفه في السجن 73
    2 ـ موقفه من الرشيد 74
    3 ـ مقاطعة الدولة 77
    أسباب هذا الموقف 78
    استثناءات 79
    4 ـ موقفه من أصحابه ومواليه 80
    أ ـ تأكيد مبدأ الاخوّة 81
    ب ـ تحذيرهم من الفتن 83
    5 ـ هداية الخلق 84
    الفصل الثّالث : الهوية الشخصية للإمام الكاظم عليه‌السلام 89
    نسبه 89
    أُمّه 89
    مولده 90
    حليته وصفته 92

    كنيته 93
    ألقابه ونعوته 94
    نقش خاتمه 95
    شاعره 96
    بوّابه 96
    عمره ومدة إمامته 96
    أزواجه 98
    أولاده 99
    في سيرة بعضهم 100
    اخوته 103
    في سيرة بعضهم 104
    الفصل الرّابع : النص عليه بالإمامة 107
    أولاً ـ نص آبائه عليه عليه‌السلام 108
    ثانيا ـ نص أبيه عليه عليهما‌السلام 108
    وصية الصادق عليه‌السلام 113
    أبعاد الوصية ورمزيتها 116
    إمامة الكاظم عليه‌السلام 117
    حجتهم داحضة 120
    ثالثاً ـ شواهد اخرى 124
    الفصل الخامس : مكارم أخلاقه عليه‌السلام 127
    أولاً ـ العلم 129
    النبوغ المبكر 131
    ثانياً ـ العبادة 133
    ثالثاً ـ الزهد 138
    رابعاً ـ الحلم 139

    خامساً ـ التواضع 142
    سادساً ـ الكرم والمروءة 144
    الفصل السادس : إسهاماته العلمية 147
    المبحث الأول :دوره عليه‌السلام في ترسيخ مبادئ العقيدة 148
    كلمة جامعة 148
    كلماته في التوحيد والصفات 149
    نفي التشبيه والتجسيم 150
    الإرادة والمشيئة 153
    علمه تعالى 156
    السعادة والشقاوة 157
    الكفر والشرك 158
    كلماته في النبوة والإمامة 158
    الحجّة الظاهرة 159
    لا تخلو الأرض من حجّة 159
    ولاية أهل البيت عليهم‌السلام 160
    مودة أهل البيت عليهم‌السلام 160
    حقوق أهل البيت عليهم‌السلام 160
    الغيبة 160
    مناظرات في الإمامة 162
    المبحث الثاني : دوره عليه‌السلام في التشريع والتصنيف 163
    مصادر التشريع 164
    1 ـ موقفه عليه السلام من القياس 164
    أمثلة في إبطال القياس 166
    2 ـ موقفه عليه السلام من الاستحسان والرأي 167
    3 ـ عرض الحديث على الإمام عليه‌السلام 168

    سيرة الإمام الكاظم عليه‌السلام وسننه 170
    المصنفات المنسوبة إليه عليه‌السلام 171
    المبحث الثالث : إسهامات علمية اُخرى 174
    1 ـ في تفسير القرآن 174
    2 ـ قصار الحكم 178
    3 ـ وصايا ومواعظ 181
    ومن مواعظه ووصاياه الاُخرى 183
    4 ـ ما نُسب إليه عليه‌السلام من الشعر 185
    5 ـ إسهاماته عليه‌السلام في علم الطب 186
    المبحث الرابع : الدور العلمي لأصحابه عليه‌السلام 190
    الفصل السابع : شهادته عليه‌السلام 199
    على الجسر 200
    جهازه ودفنه 205
    المصادر التي أثبتت شهادته 208
    تاريخ شهادته عليه‌السلام 211
    وصيته وعهده عليه‌السلام 212
    فضل زيارته عليه‌السلام 214
    باب الحوائج 216
    الكاظم عليه‌السلام في ديوان الشعر 218
    المحتويات 229
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
     
    الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    » الامام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ
    » الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ
    » الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني
    » طب الامام الصادق عليه السلام
    » موسوعة الامام علي عليه السلام

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: 35-منتدى كتب سيرة اهل البيت عليهم السلام-
    انتقل الى: