الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
اهل البيت
المواضيع الأخيرة
» أقوال الحكماء والفلاسفة
الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyاليوم في 10:01 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» أقوال وحكم رائعة
الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyاليوم في 9:55 am من طرف الشيخ شوقي البديري

»  أحاديث / شرح حديث (إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا) شرح حديث (إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا)
الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyاليوم في 9:50 am من طرف الشيخ شوقي البديري

»  أحاديث عن التواضع
الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyاليوم في 9:48 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» حكم عن البساطة
الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyاليوم في 9:45 am من طرف الشيخ شوقي البديري

»  أقوال في التواضع
الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyاليوم في 9:42 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» أجمل ما قيل عن التواضع
الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyاليوم في 9:40 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» تعبير عن التواضع
الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyأمس في 2:32 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  آيات قرآنية عن التواضع
الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyأمس في 2:30 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Empty
    مُساهمةموضوع: الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني   الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyالثلاثاء أكتوبر 29, 2024 9:51 pm

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيدنا ونبينا
    محمد وآله الطيبين الطاهرين .
    هل يكون الطفل نبياً ! حدثَ ذلك عندما جاءت مريم عليها‌السلام تحمل طفلها ، فثارت
    في وجهها نساء بني إسرائيل ورجالهم ، واتهموها ووبخوها : فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا
    كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا . قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا .
    فأنطقه الله تعالى بلسان فصيح وقول بليغ ، فبُهِتَ المفترون وأسقط في أيديهم !
    وبعد عيسى عليه‌السلام بمدة وجيزة ، صار طفلٌ آخر نبياً ، هو يحيى بن زكريا عليه‌السلام !
    وقبل عيسى ويحيى عليهما‌السلام جعل الله سليمان نبياً ورسولاً ، وحاكماً بعد أبيه داود عليهما‌السلام
    وهو ابن عشر سنين ! فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاً آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا .
    ثم حدث ذلك في عترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فكان محمدُ الجواد بن الإمام الرضا عليهما‌السلام طفلاً
    وظهرت منه علائم الإمامة ، فآمن به المأمون وتحدى بشخصيته وعلمه
    العباسيين وفقهاء الخلافة ! قال لهم المأمون : « ويحكم إن أهل هذا البيت خِلْوٌ من
    هذا الخلق ! أوَمَا علمتم أن رسول الله بايع الحسن والحسين وهما صبيَّان غير
    بالغين ، ولم يبايع طفلاً غيرهما ! أَوَمَا علمتم أن علياً آمن بالنبي وهو ابن عشر
    سنين ، فقبل الله ورسوله منه إيمانه ، ولم يقبل من طفل غيره ، ولادعا النبي طفلاً



    غيره إلى الإيمان ! أوَمَا علمتم أنها ذرية بعضها من بعض ، يجري لآخرهم ما
    يجري لأولهم » ! « الإختصاص / 98 » .
    فكان الإمام الجواد أول إمام من أهل البيت يتحمل أعباء الإمامة في السابعة ،
    أما علي والحسنان عليهم‌السلام فكانوا أئمة وهم صغار ، لكنهم كانوا في ظل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .
    وبعد الإمام الجواد تحمل الإمامة ابنه علي الهادي عليه‌السلام وكان عمره نحوسبع
    سنين أيضاً ، فكان الإمام الثاني صغير السن .
    أما الثالث فهوالإمام المهدي الموعود عليه‌السلام الذي توفي أبوه وعمره خمس سنين ،
    فكان أصغر الأئمة سناً ، ولكنه سيكون أكبرهم أثراً في الحياة ، كما أخبر جده
    المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، بعد أن ملئت ظلماً وجوراً !
    وهذا الكتاب في سيرة الإمام علي الهادي عليه‌السلام ، الطفل المعجزة ، والإمام الرباني ،
    وسترى فيه تصديق قوله تعالى : لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ .
    كتبه بقم المشرفة جمادى الأولى 1434
    علي الكَوْراني العاملي عامله الله بلطفه

    الفصل الأول :
    الإمام الهادي عليه‌السلام في عهد المأمون والمعتصم والواثق
    الطفل المعجزة افتخر به المأمون وأنكره المعتصم !
    كان المأمون معجباً بالإمام الجواد عليه‌السلام فعقد زواجه على ابنته أم الفضل وكان
    عمره عليه‌السلام تسع سنين . ثم تركه يعود الى المدينة ، وكانت الشيعة ترجع اليه من
    أنحاء البلاد ، كما شرحنا ذلك في سيرته عليه‌السلام .
    وعاش الإمام الجواد عليه‌السلام في المدينة ، وفي سن الثامنة عشرة تزوج جارية مغربية
    مؤمنة ، هي السيدة سمانة رضي الله عنها ، متناسياً زوجته بنت المأمون .
    وبعد سنة أي سنة 212 ، رزقه الله منها ابنه علياً الهادي عليه‌السلام ، ثم ابنه موسى ،
    وثلاث بنات : خديجة ، وحكيمة ، وأم كلثوم . « دلائل الإمامة / 397 » .
    روى الطبري في دلائل الإمامة / 410 ، عن محمد بن الفرج ، عن السيد عليه‌السلام أنه قال :
    « أمي عارفة بحقي وهي من أهل الجنة ، لايقربها شيطانٌ مارد ٌ ، ولا ينالها كيدُ
    جبارٍ عنيد ، وهي مكلوءة بعين الله التي لا تنام ، ولا تتخلف عن أمهات
    الصديقين والصالحين » .
    ومات المأمون في آخر سنة 218 ، وحكم بعده أخوه المعتصم ثمان سنوات ، الى
    سنة 227 . وكان القاضي أحمد بن أبي دؤاد مستشار المعتصم ومدبِّر أموره ،



    فهو الذي دَبَّر له الخلافة أصلاً ، وأجبر العباس بن المأمون على خلع نفسه وبيعة
    عمه المعتصم ، ثم سجنه القاضي وقتله !
    وقد أقنع ابن دؤاد المعتصمَ بأن لا يقع في خطأ المأمون في الإمام الجواد فيعترف
    بإمامة ابنه الهادي عليهما‌السلام ، بل عليه أن ينكر إمامته ويعمل للتخلص منه !
    الإمام الهادي عليه‌السلام عرف بشهادة أبيه في بغداد
    أحضر المعتصم الإمام الجواد عليه‌السلام سنة 220 ، الى بغداد ، وسَمَّهُ بواسطة زوجته
    بنت المأمون ! وكان الإمام الهادي في المدينة ، فَعَرَفَ بقتل أبيه وعمره سبع سنين
    وأخبر أهله وأمرهم بإقامة المأتم ، وذهب بنحو الإعجاز الرباني الى بغداد لتجهيز
    جنازة أبيه والصلاة عليه ، ورجع الى المدينة في ذلك اليوم !
    روى في الكافي « 1 / 381 » : « عن هارون بن الفضل قال : رأيت أبا الحسن علي بن
    محمد في اليوم الذي توفي فيه أبوجعفر عليه‌السلام فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، مضى
    أبو جعفر ! فقيل له : وكيف عرفت ؟ قال : لأنه تداخلني ذِلَّةٌ للهِ لم أكن أعرفها » .
    وفي إثبات الإمامة / 221 : « بينا أبوالحسن جالسٌ مع مؤدِّب له يكنى أبا زكريا ،
    وأبوجعفر عندنا أنه ببغداد ، وأبوالحسن يقرأ من اللوح إلى مؤدبه ، إذ بكى بكاءً
    شديداً فسأله المؤدب : ممَّ بكاؤك ؟ فلم يجبه . فقال : إئذن لي بالدخول فأذن له ،
    فارتفع الصِّياح والبكاء من منزله ، ثم خرج إلينا فسألنا عن البكاء ، فقال : إن أبي
    قد توفي الساعة ! فقلنا : بما علمت ؟ قال : دخلني من إجلال الله ما لم أكن أعرفه
    قبل ذلك ، فعلمت أنه قد مضى .

    فتعرفنا ذلك الوقت من اليوم والشهر ، فإذا هوقد مضى في ذلك الوقت » .
    وفي عيون المعجزات / 119 : « عن الحسن بن علي الوشاء قال : جاء المولى أبوالحسن
    علي بن محمد عليه‌السلام مذعوراً حتى جلس عند أم موسى عمة أبيه فقالت له : مالك ؟
    فقال لها : مات أبي والله الساعة ، فقالت : لا تقل هذا ، فقال : هووالله كما أقول
    لك ، فكتب الوقت واليوم ، فجاء بعد أيام خبر وفاته عليه‌السلام وكان كما قال عليه‌السلام » .
    وانتشر خبر شهادة الإمام الجواد عليه‌السلام في المدينة ، وكان كثيرٌ من أهلها يحبونه لمكانته من
    رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإحسانه اليهم .
    فرضوا عليه الإقامة الجبرية وهو طفل !
    بعد قتله الإمام الجواد عليه‌السلام نفذ المعتصم سياسته مع ابنه الهادي عليه‌السلام فأنكر أن
    يكون إماماً أوتيَ العلم صبياً كأبيه ، وقرر أن يعامله على أنه صبيٌّ صغير ، حتى
    لا يُفْتَن به الناس كما فُتنوا بأبيه . وأوفد وزيره عمر بن الفرج الرخجي الى المدينة
    ليرتب حبس الإمام الهادي عليه‌السلام عن الناس ، بحجة كفالته وتعليمه !
    وقام الرُّخَّجي بالمهمة ، وحبس الهادي عليه‌السلام في بيت جده الكاظم عليهما‌السلام ، الذي يقع
    خارج المدينة ، ليمنعه من الإتصال بشيعته ، وعين له الجنيدي « ليعلمه » العربية
    والأدب بزعمه ، وأمر والي المدينة أن ينفذ أوامره ، ويقدم له كل ما يحتاج !
    روى المسعودي في دلائل الإمامة / 230 ، عن محمد بن سعيد ، قال : « قدم عمر بن
    الفرج الرُّخَّجي المدينة حاجاً بعد مضي أبي جعفر الجواد عليه‌السلام فأحضر جماعة من
    أهل المدينة والمخالفين المعادين لأهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لهم : أُبْغُوا لي



    رجلاً من أهل الأدب والقرآن والعلم ، لا يوالي أهل هذا البيت ، لأضمه إلى هذا
    الغلام وأُوكله بتعليمه ، وأتقدم إليه بأن يمنع منه الرافضة الذين يقصدونه !
    فأسمَوْا له رجلاً من أهل الأدب يكنَّى أبا عبد الله ويعرف بالجنيدي ، وكان
    متقدماً عند أهل المدينة في الأدب والفهم ، ظاهر الغضب والعداوة « لأهل البيت » !
    فأحضره عمر بن الفرج وأسنى له الجاري من مال السلطان ، وتقدم إليه بما أراد
    وعرفه أن السلطان « المعتصم » أمره باختيار مثله ، وتوكيله بهذا الغلام .
    قال : فكان الجنيدي يلزم أبا الحسن عليه‌السلام في القصر بِصِرْيَا « بيت الإمام في مزرعة صريا
    بضاحية المدينة » فإذا كان الليل أغلق الباب وأقفله ، وأخذ المفاتيح إليه ! فمكث
    على هذا مدة ، وانقطعت الشيعة عنه وعن الإستماع منه والقراءة عليه .
    ثم إني لقيته في يوم جمعة فسلمت عليه وقلت له : ما حال هذا الغلام الهاشمي
    الذي تؤدبه ؟ فقال منكراً عليَّ : تقول الغلام ، ولا تقول الشيخ الهاشمي ! أُنشدك
    الله هل تعلم بالمدينة أعلم مني ؟ قلت : لا . قال : فإني والله أذكر له الحزب من
    الأدب ، أظن أني قد بالغت فيه ، فيملي عليَّ بما فيه أستفيده منه ، ويظن الناس أني
    أُعلمه ، وأنا والله أتعلم منه !
    قال : فتجاوزت عن كلامه هذا كأني ما سمعته منه ، ثم لقيته بعد ذلك فسلمت
    عليه وسألته عن خبره وحاله ، ثم قلت : ما حال الفتى الهاشمي ؟ فقال لي : دع
    هذا القول عنك ، هذا والله خير أهل الأرض ، وأفضل من خلق الله تعالى ، وإنه
    لربما همَّ بالدخول فأقول له : تَنَظَّرْ حتى تقرأ عُشْرَك فيقول لي : أيَّ السور تحب
    أن أقرأها ؟ وأنا أذكر له من السور الطوال ما لم يبلغ إليه ، فيهذُّهَا بقراءة لم أسمع
    أصح منها من أحد قط ، بأطيب من مزامير داود النبي عليه‌السلام ، التي بها من قراءته


    يضرب المثل ! قال ثم قال : هذا مات أبوه بالعراق وهو صغيرٌ بالمدينة ، ونشأ بين
    هذه الجواري السود ، فمن أين عَلِمَ هذا ؟ قال : ثم ما مرَّت به الأيام والليالي
    حتى لقيته فوجدته قد قال بإمامته ، وعرف الحق وقال به » !
    دلالة فرض الإقامة الجبرية على الإمام عليه‌السلام ؟
    يعطينا النص المتقدم أضواءً كافية على خطة المعتصم ضد الإمام الهادي عليه‌السلام
    وكيف كانت متقنةً ، لكنها فشلت من أساسها ، لأن الشخص الذي انتدبه لهذه
    المهمة انبهر بالإمام عليه‌السلام وآمن به !
    كما يدل النص على أن شخصية الإمام عليه‌السلام وشعبيته ، كانت في نظر المعتصم
    خطراً على خلافته . ومن حقه أن يفكر كذلك ، لأن القوة الحقيقية كانت بيد قادة
    الجيش الأتراك ، وعددهم لا يتجاوز أصابع اليد ، فهم الذين خلعوا ابن أخيه
    العباس بن المأمون وبايعوه ، فصار خليفة . فمن الممكن أن يقتنعوا يوماً بالإمام
    الهادي عليه‌السلام ويبايعوه ويخلعوا المعتصم ويفرضوا ذلك على بني العباس وغيرهم ،
    خاصة أن العلويين أبناء فاطمة الزهراء عليها‌السلام أقرب الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من بني العباس .
    فهم عترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين شهد لهم وأوصى الأمة باتباعهم .
    كان المعتصم يرى أن أخاه المأمون أخطأ في إظهار اعتقاده بإمامة الرضا والجواد
    وإعلانه للناس أن علياً وأبناءه عليهم‌السلام مميزون بأن علمهم من الله ، فلا يحتاجون الى
    تعليم معلم ، وأن صغارهم كبار .
    فقد أعطاهم بذلك مقاماً فوق مقام بني العباس ، بل نزع الشرعية عن بني
    العباس ودعواهم أنهم يستحقون الخلافة بقرابتهم بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعمه العباس ،
    وأنهم أولى من أولاد علي وفاطمة عليها‌السلام .


    ولذلك اختار المعتصم سياسة أبيه الرشيد ، فقتل الإمام الجواد عليه‌السلام وأنكر أن
    يكون ابنه الهادي عليه‌السلام مثله ، أوتي العلم والحكمة صبياً .
    وفي نفس الوقت أظهر أنه يحفظ حق الرحم مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في عترته ، فأمر أن
    يكون الإمام الهادي عليه‌السلام في بيتهم خارج المدينة ، ووكل به والي المدينة ، واختار له
    الجنيدي كمعلم في الظاهر ، وأعطاه المفتاح ليغلق الباب يومياً على الإمام عليه‌السلام
    فلا يصل اليه شيعته القائلون بإمامته !
    استبصر « معلمه » الجنيدي وثبت على الإيمان
    راوي خبر الجنيدي ، هو محمد بن سعيد ، وهو ابن غزوان الأزدي ، روى عنه
    الكليني والصدوق والمسعودي وغيرهم ، وذكره النجاشي / 372 في مصنفي
    الشيعة ، قال : « محمد بن سعيد بن غزوان : له كتاب . قال ابن نوح : أخبرنا محمد
    بن أحمد بن داود قال : حدثنا محمد بن عيسى بن عثمان الآجري ، عن غزوان بن
    محمد الأزدي ، عن أبيه محمد بن سعيد بن غزوان بكتابه » .
    وهذا كاف في توثيقه ، كما قال الميرزا جواد التبريزي « تنقيح مباني العروة : 7 / 262 » .
    وأبوعبد الله الجنيدي الذي عينه المعتصم معلماً للإمام الهادي عليه‌السلام غير الفقيه
    المعروف محمد بن أحمد بن الجنيد ، وغير الجنيد بن محمد البغدادي الصوفي
    المشهور ، وغير الجنيدي الذي ترجم له السمعاني « 2 / 99 » ، فقال : « وأبوعبد الله
    بن الجنيد الإسكاف كان يتكلم بكلام الجنيد بن محمد البغدادي كثيراً فلقب به » .
    فالجنيد والجنيدي متعددٌ في مصادر التاريخ والرواة .
    والظاهر أن الجنيدي هذا قد تشيع على يد الإمام الهادي عليه‌السلام ، وثبت على تشيعه
    وسكن بغداد ، وأنه هو الذي ذكره الصدوق في كمال الدين / 442 ، فيمن رأى


    الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ، قال : « ورآه من الوكلاء ببغداد: العمري وابنه ، وحاجز ،
    والبلالي ، والعطار . ومن الكوفة : العاصمي . ومن أهل الأهواز : محمد بن
    إبراهيم بن مهزيار . ومن أهل قم : أحمد بن إسحاق . ومن أهل همدان : محمد بن
    صالح . ومن أهل الري : البسامي والأسدي يعني نفسه . ومن أهل آذربيجان :
    القاسم بن العلاء . ومن أهل نيسابور : محمد بن شاذان .
    ومن غير الوكلاء من أهل بغداد : أبوالقاسم بن أبي حليس ، وأبوعبد الله
    الكندي ، وأبوعبد الله الجنيدي ، وهارون القزاز .. الخ . » .
    صَرْيا مزرعة الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام
    صَرْيَا : إسم مصدر بمعنى الفصل في الحكم . وهو إسم قرية قرب المدينة
    أنشأها الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام .
    قال الخليل « 4 / 402 » : « يوم بِغَاث : وقعة كانت بين الأوس والخزرج . ويقال : هو
    بِغاث على ميل من المدينة ، قريب من صَرْيَا . وهو موضع اتخذه موسى بن جعفر
    أبوالرضا . وصَرْيا معمورة بهم اليوم » .
    وقال ابن السكيت / 310 : « يقال : اختصمنا إلى الحاكم فقطع ما بيننا وفصل ما
    بيننا ، وصرى ما بيننا وهو يصري صَرْياً » .
    وقال ابن منظور « 14 / 457 » : « وصَرَى ما بينَنا يَصْري صَرْياً : أَصْلَحَ » .
    ويظهر من أخبارها أن مساحتها واسعة وفيها زرع ونخيل .


    وكان يتواجد فيها الأئمة من أبناء الكاظم وهم الرضا والجواد والهادي عليهم‌السلام ،
    وقد ولد فيها الإمام الهادي عليه‌السلام سنة 212 ، وعاش فيها مدةً من عمره الشريف .
    لذلك رأى الرُّخجي مبعوث المعتصم أنها مكانٌ مناسبٌ لفرض الإقامة الجبرية
    على الإمام الهادي عليه‌السلام لحفظ احترامه في الظاهر ، وقطعه عن جمهوره من البلاد .
    فشلت خطة المعتصم في محاصرة الإمام عليه‌السلام
    الأخبار قليلة عن المرحلة التي كان فيها الإمام الهادي عليه‌السلام تحت الإقامة الجبرية
    وماذا جرى بينه وبين الجنيدي ، وكم طالت مدتها ، وكيف كان برنامج الإمام
    في زيارة قبر جده النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولقاء شيعته ؟ لكن المؤكد أن التغيرات السياسية
    وتسديد الله تعالى لوليه عليه‌السلام ، قد أفشلا خطة المعتصم .
    ويدل عليه أن الجنيدي المسؤول عن حصاره ، انبهر بعلمه عليه‌السلام وشخصيته ،
    وآمن بأنه حجة الله على أرضه . فمن الطبيعي أن يُسهِّلَ ذلك على شيعته وعامة
    الناس ، أن يكسروا محاصرته ، خاصةً في موسم الحج .
    * *

    كان الواثق ليناً مع العلويين ومعجباً بالإمام الهادي عليه‌السلام
    لما مات المأمون كان الإمام الهادي (ع) طفلاً في السادسة من عمره في ظل أبيه
    الإمام الجواد عليه‌السلام . ولما مات المعتصم سنة 227 ، انتهى قراره بمحاصرة الإمام
    الهادي عليه‌السلام وكان الإمام يومها في السادسة عشرة . ثم حكم الواثق نحو ست
    سنين ومات سنة 232 ، وكان عمر الإمام عليه‌السلام يومها نحو 21 سنة .
    وقد ترجمنا للواثق في سيرة الإمام الجواد عليه‌السلام ، وذكرنا أنه رغم استغراقه في
    شهواته ، كان ليناً مع الطالبيين فلم يقتل منهم أحداً ، مع أن كبار شخصياتهم
    كانوا عنده في سامراء ، تحت الإقامة الجبرية .
    قال أبو الفرج في مقاتل الطالبيين / 394 : « لا نعلم أحداً قُتل في أيامه « يقصد من
    الطالبيين » إلا أن علي بن محمد بن حمزة ، ذكر أن عمرو بن منيع قتل علي بن محمد
    بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين ، ولم يذكر السبب في ذلك ، فحكيناه عنه
    على ما ذكره ، فقتل في الواقعة التي كانت بين محمد بن مكيال ومحمد بن جعفر .
    هذا بالري . وكان آل أبي طالب مجتمعين بسر من رأى في أيامه ، تُدَرُّ الأرزاق
    عليهم ، حتى تفرقوا في أيام المتوكل » .
    وكان الواثق معجباً بالإمام الهادي عليه‌السلام وربما أظهر ذلك ، بخلاف أبيه المعتصم ،
    فقد طَرَحَ يوماً سؤالاً على الفقهاء فعجزوا عنه ، فقال لهم : أنا آتيكم بمن يعرف
    الجواب ، وأحضر الإمام الهادي عليه‌السلام !


    روى في تاريخ بغداد « 12 / 56 » : « قال يحيى بن أكثم في مجلس الواثق والفقهاء
    بحضرته : مَن حَلَقَ رأسَ آدم حين حجَّ ؟ فتعايى القوم عن الجواب فقال الواثق :
    أنا أحضركم من ينبؤكم بالخبر ! فبعث إلى علي بن محمد بن علي بن موسى بن
    جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، فأحضر فقال : يا أبا
    الحسن ، مَن حلق رأس آدم ؟ فقال : سألتك بالله يا أمير المؤمنين إلا أعفيتني .
    قال : أقسمت عليك لتقولن . قال : أما إذا أبيت فإن أبي حدثني عن جدي ، عن
    أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أمر جبريل أن ينزل بياقوتة من الجنة ،
    فهبط بها فمسح بها رأس آدم فتناثر الشعر منه ، فحيث بلغ نورها صار حرماً » .
    وكان هذا السؤال مطروحاً قبل الواثق ، وعجز علماء السلطة عن جوابه ، ففي تاريخ
    بغداد « 13 / 167 » : « قال مقاتل بن سليمان بمكة : سلوني ما دون العرش ! فقام
    قيس القيَّاس فقال : من حلق رأس آدم في حجته ؟ فبقي ! » .
    والظاهر أن هذه القصة كانت في موسم الحج ، في مكة أو المدينة ، لأن الإمام
    الهادي عليه‌السلام لم يذهب الى سامراء في زمن الواثق . وقد حج الواثق مرة واحدة قبل
    وفاته سنة 231 ، ومعناه أن الإمام الهادي عليه‌السلام كان يومها في سن العشرين .
    قال ابن تغري في مورد اللطافة « 1 / 153 » : « وحج الواثق مرة ، ففرق بالحرمين
    أموالاً عظيمة ، حتى لم يبق بالحرمين فقير » . واليعقوبي : 2 / 483 .

    المتوكل يضطهد الإمام الهادي عليه‌السلام
    عاش الإمام الهادي عليه‌السلام في خلافة المتوكل وابنه المنتصر ، ثم في خلافة المستعين
    والمعتز ، الذي ارتكب جريمة قَتْل الإمام عليه‌السلام بالسم ، وذلك في الثالث من
    رجب سنة 254 ، هجرية .
    وقد ضيق المعتصم على الإمام عليه‌السلام ، ثم شدَّد عليه المتوكل في أول خلافته
    وأحضره الى سامراء ، وحاول قتله فلم يجد حجة ، فعاد الإمام عليه‌السلام الى المدينة .
    ثم أحضره المتوكل ثانيةً ، وفرض عليه الإقامة في سامراء ، واضطهد كل بني
    هاشم ، وأفقرهم ، وقتلهم ، وشردهم . وهدم قبر الحسين عليه‌السلام ومنع من زيارته .
    فنقم عليه المسلمون ، حتى كتبوا شتمه على جدران البيوت في بغداد . وثار عليه
    الأتراك وقتلوه ، وولوا ابنه المنتصر فحكم شهوراً ، ثم قتله الأتراك .
    ومن يومها صار الأتراك القوة الأولى التي تنصب الخليفة وتعزله ! حتى جاء
    البويهوين الفرس بعد نحو قرن ، وحلوا محلهم !
    قال اليعقوبي في البلدان « 1 / 16 » يصف حكم خمسة خلفاء عباسيين في بضع سنوات :
    « مات المنتصر بسر من رأى في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين . ووليَ
    المستعين أحمد بن محمد بن المعتصم ، فأقام بسر من رأى سنتين وثمانية أشهر ،
    حتى اضطربت أموره فانحدر إلى بغداد في المحرم سنة إحدى وخمسين ومائتين ،
    فأقام بها يحارب أصحاب المعتز سنة كاملة ، والمعتز بسر من رأى معه الأتراك
    وسائر الموالي . ثم خُلع المستعين ووليَ المعتز ، فأقام بها حتى قتل ثلاث سنين



    وسبعة أشهر بعد خلع المستعين ، وبويع محمد المهتدي بن الواثق في رجب سنة
    خمس وخمسين ومائتن ، فأقام حولاً كاملاً ينزل الجوسق حتى قُتل .
    وولي أحمد المعتمد بن المتوكل فأقام بسر من رأى في الجوسق وقصور الخلافة ،
    ثم انتقل إلى الجانب الشرقي بسر من رأى ، فبنى قصراً موصوفاً بالحسن سماه
    المعشوق فنزله فأقام به حتى اضطربت الأمور فانتقل إلى بغداد ، ثم إلى المدائن » .
    أقول : في هذه المرحلة غضب الله تعالى على العباسيين ، فاضطرب نظام الخلافة .
    فقد قتل المتوكل وقصرت أعمار الخلفاء ، ووقع الصراع بينهم ، وبينهم وبين
    قادة جيشهم الأتراك ، وبين الأتراك أنفسهم .
    وفي هذه الصراعات كانوا يقتلون الخليفة الذي لا يعجبهم ، ويختارون عباسياً
    غيره . وكانت طريقة قتل الخليفة غالباً بعصر خصيتيه !
    * *

    الفصل الثاني :
    من مفردات صحيفة المتوكل
    الهوية الشخصية
    هو جعفر بن المعتصم ، بن هارون ، بن المهدي ، بن المنصور العباسي . ولد
    سنة 205 ، وحكم سنة 232 ، وقتل سنة 47 ، فمدة حكمه نحوخمسة عشرة سنة .
    قالوا في صفته : « كان أسمرَ ، جميلاً ، مليح العينين ، نحيف الجسم ، خفيف
    العارضين ، مربوعاً ، وأمه أمةٌ قفقازية إسمها شجاع . وكانت له جُمَّةٌ إلى شحمة
    أذنيه » . « سير الذهبي : 12 / 30 ، ومآثر الإنافة : 1 / 228 » .
    وقال محمد بن أبي الدنيا : « رأيت المتوكل أسمر حسن العينين ، نحيف الجسم ،
    خفيف العارضين وكان إلى القِصر أقرب ، ويكنى أبا الفضل » . « تاريخ بغداد « 7 / 181 » .
    وقال المسعودي في مروج الذهب « 4 / 3 » : « فلما كان في اليوم الثاني لقبه أحمد بن أبي
    دؤاد : المتوكل على الله . وذلك في اليوم الذي مات فيه الواثق أخوه ، وهو يوم
    الأربعاء لست بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ، ويكنى بأبي
    الفضل ، وبويع له وهو ابن سبع وعشرين سنة وأشهر ، وقتل وهو ابن إحدى
    وأربعين سنة ، فكانت خلافته أربع عشرة سنة وتسعة أشهر وتسع ليال ، وأمه أم
    ولد خوَارزمية يقال لها شجاع ، وقتل ليلة الأربعاء لثلاث خلون من شوال سنة
    سبع وأربعين ومائتين » .


    وفي المحبر لابن حبيب / 44 : « قال أبو العباس بن الواثق : أم المتوكل تركية ، وهي
    خالة موسى بن بغا ، ويقال لها شجاع . وإسم أختها أم موسى بن بغا : حُسْن » .
    كان حضرة الخليفة مخنثاً يطلب الرجال !
    قال الطبري « 7 / 343 » : « وكان الواثق قد غضب على أخيه جعفر المتوكل لبعض
    الأمور ، فوكل عليه عمر بن فرج الرخجي ، ومحمد بن العلاء الخادم ، فكانا
    يحفظانه « من التخنث » ويكتبان بأخباره في كل وقت !
    فصار جعفر إلى محمد بن عبد الملك يسأله أن يكلم له أخاه الواثق ليرضى عنه ،
    فلما دخل عليه مكث واقفاً بين يديه ملياً لا يكلمه ، ثم أشار إليه أن يقعد فقعد ،
    فلما فرغ من نظره في الكتب التفت إليه كالمتهدد له فقال : ما جاء بك ؟ قال : جئت
    لتسأل أمير المؤمنين الرضا عني . فقال لمن حوله : أنظروا إلى هذا يُغضب أخاه ،
    ويسألني أن أسترضيه له ! إذهب فإنك إذا صلحتَ « تركت التخنث » رضي عنك .
    فقام جعفر كئيباً حزيناً لما لقيه به من قبح اللقاء والتقصير به ، فخرج من عنده
    فأتى عمر بن فرج ليسأله أن يختم له صكه ليقبض أرزاقه ، فلقيه عمر بن فرج
    بالخيبة ، وأخذ الصك فرمى به إلى صحن المسجد ، وكان عمر يجلس في مسجد
    وكان أبو الوزير أحمد بن خالد حاضراً ، فقام لينصرف فقام معه جعفر فقال : يا
    أبا الوزير ، أرأيت ما صنع بي عمر بن فرج ! قال : جعلت فداك ، أنا زمامٌ عليه
    وليس يختم صكي بأرزاق إلا بالطلب والترفق به ، فابعث إلى بوكيلك فبعث
    جعفر بوكيله فدفع إليه عشرين ألفاً ، وقال : أنفق هذا حتى يهيئ الله أمرك


    فأخذها ، ثم أعاد إلى أبي الوزير رسوله بعد شهر يسأله إعانته ، فبعث إليه بعشرة
    آلاف درهم . ثم صار جعفر من فوره حين خرج من عند عمر إلى أحمد بن أبي
    دؤاد ، فدخل عليه فقام له أحمد واستقبله على باب البيت وقبَّله والتزمه ، وقال :
    ما جاء بك جعلت فداك ؟ قال : قد جئت لتسترضي لي أمير المؤمنين . قال : أفعلُ
    ونِعْمَةُ عَيْنٍ وكرامة ، فكلم أحمد بن أبي دؤاد الواثق فيه فوعده ولم يرض عنه ،
    فلما كان يوم الحلبة كلم أحمد بن أبي دؤاد الواثق ، وقال معروفُ المعتصمِ عندي
    معروفٌ ، وجعفرُ ابنه ، فقد كلمتك فيه ووعدتَ الرضا ، فبحق المعتصم يا أمير
    المؤمنين إلا رضيتَ عنه ، فرضي عنه من ساعته وكساه . وانصرف الواثق وقد
    قلد أحمد بن أبي دؤاد جعفراً بكلامه حتى رضيَ عنه أخوه شكراً ، فأحظاه ذلك
    عنده حين مَلَك .
    وذكر أن محمد بن عبد الملك كان كتب إلى الواثق حين خرج جعفر من عنده : يا
    أمير المؤمنين ، أتاني جعفر بن المعتصم يسألني أن أسأل أمير المؤمنين الرضا عنه ،
    في زي المخنثين له شَعْرُ قَفَا ! فكتب إليه الواثق : إبعث إليه فأحضره ومُرْ من يَجُزُّ
    شعر قفاه ، ثم مُرْ من يأخذ من شعره ويضرب به وجهه ، واصرفه إلى منزله !
    فذُكِرَ عن المتوكل أنه قال : لما أتاني رسوله لبست سواداً لي جديداً وأتيته رجاءَ
    أن يكون قد أتاه الرضا عني ، فأتيته فقال : يا غلام أدع لي حَجَّاماً فدعا به ، فقال :
    خذ شعره واجمعه ، فأخذه على السواد الجديد ولم يأته بمنديل ، فأخذ شعره
    وشعر قفاه وضرب به وجهه !


    قال المتوكل : فما دخلني من الجزع على شئ مثل ما دخلني حين أخذني على
    السواد الجديد ، وقد جئته فيه طامعاً في الرضا . فأخذ شعري عليه » .
    أقول : يتضح بذلك أن سبب غضب الواثق على المتوكل أنه كان مخنثاً شاذاً ،
    أطال شعره كما يفعل المخنثون ، الذين يتشبهون بالنساء ، ويطلبون الرجال !
    وكان على المخنث الغني أن يعطي الشاب التركي أجرة لواطه به ، كما فعل عبَّادة
    المخنث ! « خرج عَبَّادة يوماً في السحر إلى الحمام ، فلقي غلاماً من أولاد الأتراك
    فأعطاه عشرة دراهم وقال : إقطع أمر عمك .. » !
    وأتوا به من سجن المخانيث الى كرسي الخلافة !
    أوصى الواثق بالخلافة الى ابنه محمد ، لكن كبار أركان الدولة استصغروه ،
    فجاؤوا بالمتوكل من سجنه ، ونصبوه خليفة .
    قال الطبري « 7 / 241 » : « لما توفيَ حضر الدار أحمد بن أبي دؤاد ، وإيتاخ ، ووصيف
    وعمر بن فرج ، وابن الزيات ، وأحمد بن خالد أبوالوزير ، فعزموا على البيعة
    لمحمد بن الواثق ، وهوغلام أمرد فألبسوه دراعة سوداء وقلنسوة رصافية ، فإذا
    هو قصير ، فقال لهم وصيف « القائد التركي » : أما تتقون الله تولون مثل هذا الخلافة ،
    وهو لا يجوز معه الصلاة ! قال فتناظروا فيمن يولونها فذكروا عدةً ، فذُكر عن
    بعض من حضر الدار مع هؤلاء أنه قال : خرجت من الموضع الذي كنت فيه
    فمررت بجعفر المتوكل فإذا هو في قميص وسروال قاعد مع أبناء الأتراك ، فقال
    لي : ما الخبر ؟ فقلت : لم ينقطع أمرهم . ثم دعوا به ، فأخبره بغا الشرابي الخبر ،


    وجاء به فقال : أخاف أن يكون الواثق لم يمت ، قال : فمرَّ به فنظر إليه مُسَجَّىً ،
    فجاء فجلس فألبسه أحمد بن أبي دؤاد الطويلة وعممه وقبَّله بين عينيه ، وقال :
    السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته . ثم غُسِّلَ الواثق وصُلِّيَ عليه
    ودفن ، ثم صاروا من فورهم إلى دار العامة ولم يكن لُقَّبَ المتوكل . وذكر أنه كان
    يوم بويع له ابن ست وعشرين سنة ، ووضع العطاء للجند لثمانية أشهر ، وكان
    الذي كتب البيعة له محمد بن عبد الملك الزيات ، وهو إذ ذاك على ديوان الرسائل
    واجتمعوا بعد ذلك على اختيار لقب له ، فقال ابن الزيات : نسميه المنتصر بالله
    وخاض الناس فيها حتى لم يشكوا فيها ، فلما كان غداة يوم بَكَّرَ أحمد بن أبي دؤاد
    إلى المتوكل فقال : قد رَوِيتُ « وصلتُ اليه بعد رَوِيَّة » في لقب أرجو أن يكون موافقاً
    حسناً إن شاء الله وهو : المتوكل على الله . وأمر بإمضائه ، وأحضر محمد بن عبد
    الملك فأمر بالكتاب بذلك إلى الناس فنفذت إليهم الكتب نسخة ذلك : بسم الله
    الرحمن الرحيم أَمَرَ ، أبقاك الله ، أمير المؤمنين أطال الله بقاءه ، أن يكون الرسم
    الذي يجرى به ذكره على أعواد منابره ، وفى كتبه إلى قضاته وكتابه وعماله
    وأصحاب قضاته وكتابه وعماله وأصحاب دواوينه ، وغيرهم من سائر من
    تجرى المكاتبة بينه وبينه : من عبد الله جعفر الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين .
    فرأيك في العمل بذلك ، وإعلامي بوصول كتابي إليك ، موفقاً إن شاء الله .
    وذُكر أنه لما أمر للأتراك برزق أربعة أشهر ، وللجند والشاكرية ومن يجرى
    مجراهم من الهاشميين برزق ثمانية أشهر ، أمر للمغاربة برزق ثلاثة أشهر ، فأبوا



    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني   الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyالثلاثاء أكتوبر 29, 2024 9:53 pm

    أن يقبضوا فأرسل إليهم من كان منكم مملوكاً فليمض إلى أحمد بن أبي دؤاد حتى
    يبيعه ، ومن كان حراً صيرناه أسوة الجند ، فرضوا بذلك ، وتكلم وصيف فيهم
    « مع المتوكل » حتى رضيَ عنهم فأعطوا ثلاثة ، ثم أجروا بعد ذلك مجرى الأتراك .
    وبويع للمتوكل ساعة مات الواثق بيعة الخاصة ، وبايعته العامة حين زالت
    الشمس من ذلك اليوم » .
    وفي وفيات الأعيان « 5 / 99 » : « لما مات الواثق بالله أخ المتوكل ، أشار محمد المذكور
    « الزيات » بتولية ولد الواثق ، وأشار القاضي أحمد بن أبي دواد المذكور بتولية المتوكل
    وقام في ذلك وقعد حتى عممه بيده وألبسه البُرْدَة ، وقبَّله بين عينيه » .
    وقال الخطيب البغدادي في تاريخه « 3 / 145 » : « كان بين محمد بن عبد الملك وبين
    أحمد بن أبي دؤاد عداوةٌ شديدةٌ ، فلما وليَ المتوكل دارَ ابن أبي داود على محمد ،
    وأغرى به المتوكل حتى قبض عليه وطالبه بالأموال » .
    وقال المسعودي في مروج الذهب « 4 / 3 » : « فلما كان في اليوم الثاني لقبه أحمد بن
    أبي داود المتوكل على الله » .
    أقول : لكن روايتنا تدل على أنه كان يوجد صراع على الخلافة بعد الواثق ، بين
    رئيس وزرائه ابن الزيات من جهة ، وبين إيتاخ القائد التركي الذي ربى المتوكل
    ومعه القائد التركي وصيف ، ومعهما القاضي ابن أبي دؤاد من جهة أخرى .
    وكان المتوكل في السجن فتمكن وصيف وابن دُؤاد من إخراجه ، وعقدوا له
    البيعة ولقَّبَوه بالمتوكل !

    قال خيران الأسباطي : « قدمت على أبي الحسن « الإمام الهادي عليه‌السلام » المدينة فقال لي :
    ما خبر الواثق عندك ؟ قلت : جعلت فداك خَلَّفْتُهُ في عافية ، أنا من أقرب الناس
    عهداً به ، عهدي به منذ عشرة أيام . قال فقال لي : إن أهل المدينة يقولون : إنه
    مات . فلما أن قال لي : الناس ، علمت أنه هو . ثم قال لي : ما فعل جعفر « المتوكل » ؟
    قلت : تركته أسوأ الناس حالاً في السجن . قال فقال : أما إنه صاحب الأمر !
    ما فعل ابن الزيات ؟ قلت : جعلت فداك الناس معه ، والأمر أمره . قال فقال :
    أما إنه شؤم عليه . قال : ثم سكت وقال لي : لابد أن تجري مقادير الله تعالى
    وأحكامه . يا خيران ، مات الواثق وقد قعد المتوكل جعفر ، وقد قتل ابن الزيات .
    فقلت : متى جعلت فداك ؟ قال : بعد خروجك بستة أيام » . « الكافي : 1 / 498 » .
    وقد كتبنا فقرات عن ابن دؤاد في سيرة الإمام الهادي عليه‌السلام ، وسنكتب عنه وعن
    القادة الأتراك ، فقرات في هذه السيرة .
    وكان لحضرة الخليفة ندماء مخانيث !
    في الإكمال لابن ماكولا العجلي « 6 / 28 » : « وأما عَبَّادَة بفتح العين وتشديد الباء ،
    فهو عبادة المخنث ، كان ينادم المتوكل ، له نوادر ومضاحيك » .
    وفي تاريخ الذهبي « 18 / 304 » : « قال البخاري : مات في شوال سنة خمسين ومئتين
    عَبَّادة المخنث » .
    وفي كتاب الديارات « 1 / 44 » : « قال المتوكل لعَبَّادة ذات يوم : دع التخنث حتى
    أزوجك . قال : أنت خليفة أو دلَّالة ؟ وقال له ابن حمدون : يا عبَّادة ، لو حججتَ



    لاكتسبت أجراً ورآك الناس في مثل هذا الوجه المبارك . فقال : إسمعوا ويلكم
    إلى هذا العيار : يريد أن ينفيني من سامراء على جمل » !
    وفي تذكرة ابن حمدون « 3 / 164 » : « كان المتوكل على بِرْكة يصيد السمك ، وعنده
    عبادة المخنث ، فتحرك المتوكل فخرجت منه ريح ، فقال لعبادة : أكتمها عليَّ
    فإنك إن ذكرتها ضربت عنقك ! ودخل الفتح فقال : أي شئ صدتم اليوم ؟ فقال
    له عبادة : ما صدنا شيئاً ، والذي كان معنا أفلت » !
    وفي العقد الفريد « 6 / 437 » : « كنا عند المتوكل يوماً وبين يديه عبادة المخنث ، فأمر
    به فألقي في بعض البرك في الشتاء فابتل وكاد يموت برداً ، قال : ثم أخرج من
    البركة وكسي وجعل في ناحية في المجلس ، فقال له : يا عبادة كيف أنت وما
    حالك ؟ قال : يا أمير المؤمنين جئت من الآخرة . فقال له : كيف تركت أخي
    الواثق ؟ قال : لم أجُزْ بجهنم ! فضحك المتوكل وأمر له بصلة » .
    وفي تاريخ دمشق « 26 / 222 » : « كان لرجل على عبادة المخنث دينٌ ، فكان يتردد
    إليه كل يوم فيقال ليس هو في البيت ، فغلس عليه يوماً في الثلث الأخير فدق
    الباب ، فقيل ليس هو هاهنا . فصاح الرجل واستغاث بالجيران ، فلما اجتمعوا
    قال يا معشر الناس في الدنيا أحد ليس هو في بيته الساعة ، فأشرف عليه عبادة
    من طاق له قال : نعم يا ابن الفاعلة هو ذا أنت ليس في بيتك الساعة » .
    وفي جمع الجواهر للحصري « 1 / 68 » : « كان المتوكل قد بسط من عبادة المخنث
    للدخول معه على كل حال ، فدخل عليه وهو نائم مع سوداء كان يحبها ، فلما رآه


    أمرها أن تغطي وجهها . فقال : يا أمير المؤمنين ومن معك ؟ قال : ويلك ، وبلغ
    فضولك إلى هذا الموضع ! ومدت الجارية رجلها فبانت سوداء . فقال : يا أمير
    المؤمنين تنام ورجلك في الخف !
    فقال المتوكل : قم عليك لعنة الله ، وضحك وأمر له بصلة ، فأخذها وانصرف .
    وكان عبادة يشرب بين يديه ويترك في القدح فضلة ، فقال : يا عبادة ما تدري ما
    يقول الناس ؟ قال : وما هو ؟ قال : يقولون إن شارب النبيذ إذا شرب وعبس
    وجهه وفضلت في القدح فضلة فإن إبليس يضرب قفاه ، ويقول : إشرب فضلة
    ما استطبت . فمضت الأيام واصطبح المتوكل وعبادة حاضر ، وشرب قدحاً
    كان في يديه وفضلت فضلة . فقال : يا أمير المؤمنين ، جاءك الرجل !
    وتجارى الجواري بحضرة المتوكل فسبقتهن جارية ممشوقة ، فقال المتوكل
    لعبادة : إجْرِ معها حتى ننظر من يسبق صاحبه . فقال عبادة : إن سبقتها فما لي ؟
    قال : هي لك ، وإن سَبَقَتْكَ صَفَعَتْكَ . . » .
    وفي كتاب الديارات لأبي الحسن الشايستي « 1 / 45 » : « خرج عَبَّادة يوماً في السحر إلى
    الحمام ، فلقي غلاماً من أولاد الأتراك ، فأعطاه عشرة دراهم وقال : إقطع أمر
    عمك ! فبينا الغلام فوقه خلف الدرب ، إذ أشرفت عجوز من غرفة لها فرأتهما
    فصاحت : اللصوص ! فقال عبادة : يا عجوز السوء النَّقْبُ في إستي ، صياحك
    أنت من أيش » !


    وفي جمع الجواهر للحصري « 1 / 129 » : « وركب المتوكل زُلالاً « قارباً » ومعه قَطَّاطة
    وعبَّادة المخنثان ، وكان قطاطة طويلاً جداً فجعل يغني إلى أن هبت ريح . . »
    وفي نثر الدرر « 5 / 194 » : ركب يوماً زلالاً ومعه جماعة ، فيهم كنيز المخنث !
    وسيأتي أن شاعر المتوكل ومستشاره علي بن جهم كان مخنثاً أيضاً !
    وكان حضرة الخليفة خَمَّاراً يهوى الغلمان !
    وقد شاع ذلك عنه وذاع ، وروت المصادر أنه أراد أن إجبار الإمام الهادي عليه‌السلام
    على أن يشرب معه فامتنع ، ووعظه بشعر فأبكاه !
    وممن رواه الذهبي في تاريخه « 18 / 199 » قال : « كان قد سُعِيَ بأبي الحسن إلى المتوكل
    وأن في منزله سلاحاً وكتباً من أهل قم ، ومن نيته التوثب . فكَبَسَ بيته ليلاً ،
    فوُجد في بيت عليه مِدْرَعَةُ صوف ، متوجهٌ إلى ربه ، يترنمُ بآيات ، فأُخذ كهيئته
    إلى المتوكل وهويشرب ، فأعظمه وأجلسه إلى جانبه وناوله الكأس ، فقال : ما
    خامر لحمي ودمي قط ، فاعفني منه ، فأعفاه وقال : أنشدني شعراً ، فأنشده :
    باتوا على قُلَلِ الأجبال تحرسهمْ
    غُلْبُ الرجالِ فما أغنتهمُ القُللُ

    واستُنْزِلُوا بعد عِزٍّ عن مَعَاقِلهمْ
    فأُودعُوا حُفَراً يا بِئسَ ما نَزلوا

    ناداهُمُ صارخٌ من بعد ما قُبروا
    أينَ الأسِرَّةُ والتيجانُ والحُلَلُ

    أينَ الوجوهُ التي كانت مُنَعَّمَةً
    من دونها تُضرُب الأستارُ والكِللُ

    فأفصحَ القبرُ عنهمْ حين ساءلهمْ
    تلكَ الوجوهُ عليها الدُّودُ يَقْتَتِل

    قد طالَ ما أكلُوا دهراً وما شربوا
    فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكِلوا


    وطالما عَمروا دوراً لتحصنهمْ
    ففارقوا الدورَ والأهلينَ وانتقلوا

    وطالما كنزوا الأموالَ وادَّخروا
    فخلَّفُوها على الأعداء وارتحلوا

    أضحت مَنازِلُهم قَفْراً مُعَطَّلَةً
    وساكِنُوهَا إلى الأجْدَاثِ قد رَحَلُوا »

    لكن بكاء المتوكل من ذكر الموت وخوفه من الله تعالى كان آنياً ، فقد بقي كل عمره
    يشرب ويسرف في الشرب ، حتى قُتل وهو سكران !
    قال نديمه علي بن الجهم : « كنت يوماً عند المتوكل وهو يشرب ونحن بين يديه ،
    فدفع إلى محبوبة تفاحة مغلَّفة فقبَّلتها ، وانصرفت عن حضرته إلى الموضع الذي
    كانت تجلس فيه إذا شرب » . « الأغاني : 22 / 408 » .
    وقال الثعالبي في ثمار القلوب « 1 / 155 » : « كان بنانُ وزَنَامُ مُطْرِبَيْ المتوكل ، وكان
    كل منهما منقطع القرين فى طبقته ، فإذا اجتمعا على الضرب والزمر أحسنا وفَتَنَا
    وأعْجَبَا وعَجَّبا ، وكان المتوكل لا يشرب إلا على سماعهما » .
    وقال ابن كثير الناصبي في النهاية « 10 / 343 » : « شرب ليلةً مع المتوكل ، فعربد عليه
    المتوكل فهمَّ إيتاخ بقتله ، فلما كان الصباح اعتذر المتوكل إليه وقال له : أنت أبي
    وأنت ربيتني ، ودسَّ اليه من يشير إليه بأن يستأذن للحج .. » .
    وروى الشابستي في الديارات خبر مجالس خمر كثيرة للمتوكل ، قال « 1 / 37 » : « اجتمع
    مشايخ الكتاب بين يدي المتوكل ، وكان فيهم يحيى بن خاقان ، وابنه عبيد الله إذ
    ذاك الوزير ، وهو واقف موقف الخدم بقباء ومنطقة ، وكان يحيى لايشرب النبيذ
    فقال المتوكل لعبيد الله : خذ قدحاً من تلك الأقداح واصبب فيه نبيذاً وصيَّر على



    كتفك منديلاً ، وامض إلى أبيك يحيى فضعه في كفه . قال ففعل ، فرفع يحيى
    رأسه إلى ابنه فقال المتوكل : يا يحيى لاترده . قال : لا يا أمير المؤمنين ، ثم شربه
    وقال : قد جَلَّتْ نعمتك عندنا يا أمير المؤمنين فهنأك الله النعمة ولاسلبنا ما أنعم
    به علينا منك . فقال : يا يحيى ، إنما أردت أن يخدمك وزير بين يدي خليفة » .
    وفي تاريخ بغداد « 13 / 454 » : « حدثني أبوالعباس بن طومار قال : كنتُ أنادمُ
    المتوكل فكنت عنده يوماً ومعنا البحتري وكان بين يديه غلام حسن الوجه يقال
    له راحْ . فقال المتوكل للفتح : يا فتح إن البحتري يعشق راحاً ، فنظر إليه الفتح
    وأدمن النظر ، فلم يره ينظر إليه ، فقال له الفتح : يا أمير المؤمنين أرى البحتري
    في شغل عنه ، فقال : ذاك دليلي عليه ، ثم قال المتوكل : يا راح خذ رطل بلور
    فاملأه شراباً وادفعه إليه ، ففعل .. » .
    وفي ديوان الصبابة « 1 / 21 » : « كان للمتوكل غلامٌ إسمه شفيع ، وكان من أحسن
    الفتيان ، فكان المتوكل يجن به جنوناً ، فأحب يوماً أن ينادم حسين بن الضحاك
    وأن يرى ما بقي من شهوته ، وكان قد أسن فأحضره فسقاه حتى سكر ، وقال
    لشفيع : إسقه فسقاه وحياه بوردة ، وكانت على شفيع ثياب موردة ، فمد حسين
    يده إلى ذراع شفيع فقال المتوكل : أتخمش أخمص قدمي بحضرتي ، فكيف
    لو خلوت به ، ما أحوجك إلى الأدب . وكان المتوكل قد غمز شفيعاً على العبث
    به فدعا بدواة فكتب .. » .

    وفي جمع الجواهر للحصري « 1 / 114 » : « شرب ابن حمدون النديم مع المتوكل
    وبحضرته غلامٌ مليح الوجه ، فتأمله ابن حمدون تأملاً شديداً ، وقد حمل
    الشراب إليه . فقال المتوكل : يا ابن حمدون ، ما الحكم في الرجل إذا نظر إلى غلامِ
    فتى ؟ قال : أن تقطع أذنه . قال : ليُحكم عليك بحكمك .. » .
    أقول : يقصد المتوكل أن غلامه كزوجته ، والناظر اليه ناظر الى عرضه ! فاعجب لمن
    يدعي أنه خليفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويتجاهر بالفاحشة ، ويطبق شرائع الجاهلية في الغلمان !
    وكان لحضرة الخليفة أربعة آلاف جارية !
    1. قال السيوطي في تاريخ الخلفاء / 377 : « وكان منهمكاً في اللذات والشراب ،
    وكان له أربعة آلاف سرية ، ووطأ الجميع » !
    وقال الوائلي في فقه الجنس / 239 : « الخليفة جعفر المتوكل ـ محيي السنة ومميت
    البدعة ـ كان له أربعة آلاف سرية ، وإنه كما يقولون وطأ الجميع ، وهو أمر لو
    أردنا تصديقه وقلنا إنه يقوى على الوطأ مرتين في اليوم ، فلا يلحق الجارية إلا
    حصة واحدة كل خمس سنوات أو أكثر !
    وليت شعري كيف يتسع وقت الخليفة المتوكل بالإضافة إلى مهام الخلافة ،
    وسهره المتواصل ليلاً يَعُبُّ الخمر حتى الصباح ، وكان سكيراً شديد السكر !
    يقول عنه المؤرخون : كان يبغض علياً عليه‌السلام وينتقصه ويغلو في بغض علي ويكثر
    الوقيعة والإستخفاف به . . ولي سؤال واحد في نهاية هذه الخاطرة : لو أن المتوكل
    كان يبغض عمر بن الخطاب ويشتمه ، فهل سيبقى محيي السنة ومميت البدعة ؟!


    إن هذا العدد من الجواري والمحظيات ترك في تاريخنا صوراً مشوهةً ، وعكسَنَا
    أمام الناس بأننا جنسٌ متجسد ، وسعارُ نهمٍ لا حدود لاستشرائه ، فما جاء
    الإسلام ليحيل الدنيا إلى حمئة من الجنس يغرق فيها الإنسان ويجمع من الجواري
    ما لايستطيع تغطية حاجاته من النكاح ، وبالتالي يوفر له سبل الإنحراف » !
    2. وفي نهاية الإرب « 5 / 112 » : « وقال علي بن الجهم : كانت محبوبةُ لعبد الله بن
    طاهر ، أهداها إلى المتوكل في جملة أربع مائة جارية ، وكانت بارعة الحسن
    والظَّرف والأدب ، مغنيةً محسنةً ، فحظيت عند المتوكل حتى كان يجلسها خلف
    الستارة وراء ظهره ، إذا جلس للشرب ، فيدخل رأسه إليها فيراها ويحدثها في
    كل ساعة » .
    وفي مروج الذهب « 4 / 42 » : « لما أفضت الخلافة الى أمير المؤمنين جعفر المتوكل
    على الله ، أهدى اليه الناس على أقدارهم ، وأهدى اليه ابن طاهر هدية فيها مائتا
    وصيفة ووصيف ، وفي الهدية جارية يقال لها محبوبة كانت لرجل من أهل
    الطائف ، قد أدبها وثقفها وعلمها من صنوف العلم ، وكانت تقول الشعر
    وتلحنه وتغني به على العود ، وكانت تحسن كل ما يحسنه علماء الناس ، فحسن
    موقعها من المتوكل ، وحلت من قلبه محلاً جليلاً ، لم يكن أحد يعدلها عنده .
    قال علي « بن الجهم نديمه » : فدخلت عليه يوماً للمنادمة ، فلما استقر بي المجلس قام
    فدخل بعض المقاصير ، ثم خرج وهو يضحك ، فقال لي : ويلك يا علي ، دخلت


    فرأيت قيْنةً قد كتبت في خدها بالمسك جعفراً فما رأيت أحسن منه ، فقل فيه
    شيئاً ، فقلت : يا سيدي ، وحدي أو أنا ومحبوبة .. » .
    3. وفي مطالع البدور للبهائي الدمشقي « 1 / 215 » : « ومن ظرائف الهدايا ما أهدته
    شجرة الدر جارية المتوكل ، وكان يميل إليها ميلاً كبيراً ، ويفضلها على سائر
    حظاياه ، فلما كان يوم المهرجان أهدى إليه حظاياه هدايا نفيسة ، واحتفلن في
    ذلك ، فجاءت شجرة الدر بعشرين غزالاً تربيةً ، عليهن عشرون سراجاً صينياً
    على كل غزال خرج صغير مشبك حرير ، فيه المسك والعنبر والغالية ، وأصناف
    الطيب ، ومع كل غزال وصيفة بمنطقة ذهب ، وفي يدها قضيب ذهب ، وفي
    رأسه جوهرة ، فقال المتوكل لحظاياه وقد سر بالهدية : ما فيكن من تحسن مثل
    هذا وتقدر عليه ! فحسدنها وعملن على قتلها بشئ سقينه لها ، فماتت » !
    4. وفي مسالك الأبصار للعدوي العمري « 10 / 468 » : « بنان : جارية المتوكل
    وكانت تخجل القمر بصفحتها ، والغزال بلمحتها ، والقضيب المتأود بقدها ،
    والتفاح الجني بخدها ، وتغير القلائد بنظمها الذي لا يحليه إلا مبسمها ، ولا
    يضاهيه إلا الثريا لمن يتوسمها ، لا تجئ عريبٌ لها بإصبع من بنان ، ولا دنانيرُ إلا
    مما لا يُدخر للإمتنان ، ولا سابقة تلحق إلا وهي معها في طيِّ عنان » .
    5. وفي نهاية الأرب « 4 / 18 » : « قال المتوكل لجارية استعرضها : أنت بكر أم إيش ؟
    قالت : أنا إيش يا أمير المؤمنين . فضحك وابتاعها » .


    6. وفي نثر الدر للآبى « 4 / 186 » : « عرضت على المتوكل جارية فقال لها : إيش
    تحسنين ؟ قالت : عشرين لوناً رهزاً . فأعجبته فاشتراها » .
    7. وفي منتخب ربيع الأبرار للأماسي / 99 : « طلب المتوكل جارية الدقاق بالمدينة ،
    [ وكان من أقران الجنيد ومن أكابر مصر ] فكاد يزول عقله لفرط حبها ! فقالت
    لمولاها : أحسن الظن بالله وبي ، فإني كفيلة لك بما تحب . فحملت اليه ، فقال لها
    المتوكل : إقرئي ، فقرأت : إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة !
    ففهم المتوكل ما أرادت فردها » .
    8. وفي الجماهر للبيروني « 1 / 6 » : « حُكِيَ عن المتوكل أن أعضاؤه ضعفت عن
    حركات الرهز ، ولم يشبع من الجماع ، فملئ له حوض من الزئبق ، وبُسط عليه
    النطع ليحركه الزئبق من غير أن يتحرك ، فاستلذه . وسأل عن معدنه فأشير إلى
    الشيز بآذربيجان ، فولى حمدون النديم ثَمَّ 0، ليجهز إليه الزئبق » !
    عنده آلاف الجواري واغتصب بنت رئيس وزرائه !
    روى الجاحظ في المحاسن / 118 ، والتنوخي في نشوار المحاضرة « 6 / 323 » قصةً تدل
    على فسق المتوكل وتجبره،حيث أمر وزيره الرخجي في الليل أن يأتيه بابنته ! قالا :
    « وُصِفت للمتوكل عائشة بنت عمر بن فرج الرخجي ، فوجه في جوف الليل
    والسماء تهطل ، إلى عمر أن احمل إليَّ عائشة ، فسأله أن يصفح عنها فإنها القيمة
    بأمره ، فأبى ! فانصرف عمر وهو يقول : اللهم قني شر عبدك جعفر ، ثم حملها
    بالليل فوطأها ، ثم ردها إلى منزل أبيها » .

    دخل جِنِّيٌ في جارية المتوكل فأخرجه ابن حنبل بالقبقاب !
    روى أبو يعلى في طبقات الحنابلة « 1 / 233 » : « حدثني أبي عن جدي قال : كنت في
    مسجد أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ، فأنفذ إليه المتوكل بصاحب له يعلمه
    أن له جارية بها صَرَعٌ ، وسأله أن يدعو الله لها بالعافية ، فأخرج له أحمد نعل
    خشب بشراك خوص للوضوء ، فدفعه إلى صاحب له وقال له : تمضي إلى دار
    أمير المؤمنين وتجلس عند رأس الجارية وتقول له : يقول لك أحمد : أيما أحب
    إليك تخرج من هذه الجارية أو أصفع الآخر بهذه النعل ! فمضى إليه وقال له مثل
    ما قال أحمد ، فقال المارد على لسان الجارية : السمع والطاعة ، لو أمرنا أحمد أن لا
    نقيم في العراق ما أقمنا به ! إنه أطاع الله ، ومن أطاع الله أطاعه كل شئ ، وخرج
    من الجارية وهدأت ، وزوجت ورزقت أولاداً .
    فلما مات أحمد عاودها المارد ، فأنفذ المتوكل إلى صاحبه أبي بكر المروذي وعرفه
    الحال ، فأخذ المروذي النعل ومضى إلى الجارية فكلمه العفريت على لسانها : لا
    أخرج من هذه الجارية ولا أطيعك ولا أقبل منك ، أحمد بن حنبل أطاع الله
    فأُمرنا بطاعته » !
    أقول : المروزي المذكور أقرب تلاميذ أحمد ، وهو إمام عندهم ، لكن قبقابه لم يعمل !
    وفي شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي « 2 / 115 » : « وروى علي بن الجهم قال : لما
    أفضت الخلافة إلى المتوكل أهدى له الناس على أقدارهم فأهدى له محمد بن عبد
    الله بن طاهر ثلاث مائة جارية من أصناف الجواري ، وكان فيهن جارية يقال لها



    محبوبة ، وقد نشأت بالطائف فوقعت من قلب المتوكل موقعاً عظيماً وحلت من
    نفسه محلاً جسيماً ، وكانت تسامره ولا تفارقه ، فغاضبها يوماً وأمرها بلزوم
    مقصورتها ، وأمر أن لا يدخل الجواري عليها .
    قال علي بن الجهم : فبينا أنا عنده جالسٌ يوماً إذ قال لي : يا علي رأيت البارحة
    كأنني صالحتُ محبوبة ! فقلت : أقر الله عينيك وجعله حقيقة في اليقظة .
    وإنا لفي ذلك إذ أقبلت وصيفة كانت تقف على رأسه فقالت : يا أمير المؤمنين
    سمعت الساعة في منزل محبوبة غناءً ، فقال لي : يا علي قم بنا الساعة ، فإنا سنرد
    على بوادر ظريفة ، فأخذ بيدي وجعلنا نمشي رويداً لئلا يُسْمَعَ حِسُّنَا ، فوقف
    على باب المقصورة ، وإذا بها تضرب بالعود وتغني :
    أدورُ في القصر لا أرى أحداً
    أشكو إليه ولا يكلمني

    حتى كأني جنيتُ معصيةً
    ليست لها توبةٌ تُخلصني

    فهل شفيعٌ لنا إلى ملكٍ
    قد زارني في الكرى وصالحني

    حتى إذا ما الصباح لاحَ لنا
    عاد إلى هَجْره فصارمني

    فنفر المتوكل طرباً ونفرتُ معه لنفيره ، فأحسَّت بنا فخرجت حافية ، ثم أكبَّت
    على رجلي أمير المؤمنين ويديه ورأسه ، ثم قالت : يا أمير المؤمنين رأيت البارحة
    في النوم كأني قد صالحتك ! فقال لها : وأنا والله رأيت مثل ذلك .

    قالت : فإن رأى أمير المؤمنين أن يتمم المنة فهو المنعم على كل حال . فقال :
    أدخلي فإنا سنرد على ما نحب . قال : فمكثنا ثلاثة أيام ونحن كأننا في بعض
    رياض الجنة ، ووصلني بعد ذلك ببدرة ، فأخذتها وانصرفت » !
    وكان حضرة الخليفة مسرفاً مبذراً لأموال المسلمين
    قال المسعودي في مروج الذهب « 4 / 40 » : « وقد قيل : إنه لم تكن النفقات في عصر
    من الأعصار ولا وقت من الأوقات ، مثلَها في أيام المتوكل !
    ويقال : إنه أنفق على الهاروني والجوسق الجعفري أكثر من مائة ألف ألف درهم ،
    هذا مع كثرة الموالي والجند والشاكرية ، ودُور العطاء لهم ، وجليل ما كانوا
    يقبضونه في كل شهر ، من الجوائز والهبات » .
    وفي كتاب الديارات « 1 / 38 » : « القادسية ، من أحسن المواضع وأنزهها ، وهي من
    معادن الشراب ومناخات المتطربين . جامعة لما يطلب أهل البطالة والخسارة .
    وبالقادسية بنى المتوكل قصره المعروف بِبُرْكَوَار ، ولما فرغ من بنائه وهبه لابنه
    المعتز وجعل إعذاره « ختانه » فيه ، وكان من أحسن أبنية المتوكل وأجلها ، وبلغت
    النفقة عليه عشرين ألف ألف درهم .
    قال : ولما صح عزمه على إعذار « ختان » أبي عبد الله المعتز ، أمر الفتح بن خاقان
    بالتأهب له ، وأن يلتمس في خزائن الفرش بساطاً للإيوان في عرضه وطوله ،
    وكان طوله مائة ذراع وعرضه خمسون ذراعاً ، فلم يوجد إلا فيما قبض عن بني
    أمية ، فإنه وجد في أمتعة هشام بن عبد الملك على طول الإيوان وعرضه ، وكان



    بساطاً إبريسماً غَرْزٌ مُذَهَّبٌ مفروز مبطَّن ، فلما رآه المتوكل أعجب به وأراد أن
    يعرف قيمته ، فجمع عليه التجار فذكر أنه قُوَّم على أوسط القيم عشرة آلاف
    دينار . فبسط في الإيوان وبسط للخليفة في صدر الإيوان سرير ، ومُدَّ بين يديه
    أربعة آلاف مرفع ذهب مرصعة بالجوهر ، فيها تماثيل العنبر والنِّد والكافور
    المعمول على مثل الصور ، منها ما هو مرصع بالجوهر مفرداً ، ومنها ما عليه
    ذهب وجوهر ، وجعلت بساطاً ممدوداً ، وتغدى المتوكل والناس .
    وجلس على السرير ، وأحضر الأمراء والقواد والندماء وأصحاب المراتب ،
    فأجلسوا على مراتبهم ، وجعل بين صوانيهم والسماط فُرْجة .
    وجاء الفراشون بزُبُل « جمع زنبيل » قد غُشِّيت بأدَم مملوءة دنانير ودراهم نصفين ،
    فصبت في تلك الفرج حتى ارتفعت ، وقام الغلمان فوقها ، وأمروا الناس عن
    الخليفة بالشرب ، وأن يَتَنَقَّلَ « من النُّقْل وهو ما يؤكل مع الخمر » كل من يشرب بثلاث
    حفنات ، ما حملت يداه من ذلك المال . فكان إذ أثقل الواحد منهم ما اجتمع في
    كمه أخرجه إلى غلمانه فدفعه إليهم وعاد إلى مجلسه ، وكلما فرغ موضع أتى
    الفراشون بما يملؤونه به حتى يعود إلى حاله .
    وخلع على سائر من حضر ثلاث خلع كل واحد ، وأقاموا إلى أن صليت العصر
    والمغرب ، وحملوا عند انصرافهم على الأفراس والشهاري « البغال » .
    وأعتق المتوكل عن المعتز ألف عبد ، وأمر لكل واحد منهم بمائة درهم وثلاثة
    أثواب . وكان في صحن الدار بين يدي الإيوان أربع مائة بلية « بالة » عليهن أنواع


    الثياب ، وبين يديهن ألف نبيجة « صينية » خيزران ، فيها أنواع الفواكه من الأترج
    والنارنج على قلته كان في ذلك الوقت ، والتفاح الشامي والليموه ، وخمسة
    آلاف باقة نرجس ، وعشرة آلاف باقة بنفسج .
    وتقدم إلى الفتح بأن ينثر على البليات وخدم الدار والحاشية ، ما كان أعده لهم
    وهو عشرون ألف ألف درهم ، فلم يُقدم أحد على التقاط شئ ، فأخذ الفتح
    درهماً ، فأكبت الجماعة على المال فنهب .
    وكانت قبيحة « أم المعتز » قد تقدمت بأن تُضرب دراهم عليها : بركةٌ من الله ،
    لإعذار أبي عبد الله المعتز بالله . فضرب لها ألف ألف درهم ، نُثرت على المزين
    ومن في حيزه والغلمان والشاكرية وقهارمة الدار والخدم الخاصة ، من البيضان
    والسودان . وكان ممن حضر المجلس ذلك اليوم ، محمد المنتصر وأبو أحمد
    وأبوسليمان ابنا الرشيد ، وأحمد والعباس ابنا المعتصم ، وموسى بن المأمون ،
    وابنا حمدون النديم وأحمد بن أبي رؤيم ، والحسين بن الضحاك ، وعلي بن الجهم ،
    وعلي بن يحيى المنجم ، وأخوه أحمد .
    ومن المغنين : عمرو بن بانة ، أحمد بن أبي العلاء ، ابن الحفصي ، ابن المكي ،
    سلمك الرازي ، عثعث ، سليمان الطبال ، المسدود ، أبو حشيشة ، ابن القصار ،
    صالح الدفاف ، زنام الزامر ، تفاح الزامر .
    ومن المغنيات : عريب ، بدعة جاريتها ، سراب ، شارية وجواريها ، ندمان ،
    منعم ، نجلة ، تركية ، فريدة ، عرفان .


    وقال إبراهيم بن العباس : سألت أبا حرملة المزين في هذا اليوم ، فقلت : كم
    حصل لك إلى أن وضع الطعام ؟ فقال : نيف وثمانون ألف دينار ، سوى
    الصياغات والخواتيم والجواهر العتيدات .
    قال : وأقام المتوكل ببركوارا ثلاثة أيام ، ثم أصعد إلى قصره الجعفري . وتقدم
    بإحضار إبراهيم بن العباس ، وأمره أن يعمل له عملاً بما أنفق في هذا الإعذار
    ويعرضه عليه ففعل ذلك ، فاشتمل العمل على ستة وثمانين ألف ألف درهم .
    وكان الناس يستكثرون ما أنفقه الحسن بن سهل في عرس ابنته بوران ، حتى
    أرخ ذلك في الكتب ، وسميت دعوة الإسلام ، ثم أتى من دعوة المتوكل ما
    أنسى ذلك . وكانت الدعوات المشهورة في الإسلام ثلاثاً لم يكن مثلها ، فمنها :
    دعوة المعتز هذه المذكورة ، ومنها عرس زبيدة بن جعفر بن أبي جعفر ، فإن
    المهدي ، زوج ابنه الرشيد بأم جعفر ابنة أخيه ، فاستعد لها ما لم يستعد لامرأة
    قبلها من الآلة وصناديق الجوهر والحلي والتيجان والأكاليل وقباب الفضة
    والذهب والطيب والكسوة ... ولم يُرَ في الإسلام مثلها ، وحشر الناس من
    الآفاق ، وفُرق فيهم من الأموال أمر عظيم . فكانت الدنانير تجعل في جامات
    فضة ، والدراهم في جامعات ذهب ، ونوافج المسك وجماجم العنبر والغالية في
    بواطي زجاج ، ويفرق ذلك على الناس ، ويخلع عليهم خلع الوشي المنسوجة ،
    وأوقد بين يديه في تلك الليلة شمع العنبر في أتوار الذهب . وأحضر نساء بني


    هاشم ، وكان يدفع إلى كل واحدة منهن كيس فيه دنانير وكيس فيه دراهم
    وصينية كبيرة وفضة فيها طيب ، ويخلع عليها خلعة وشي مثقل .
    وبلغت النفقة في هذا العرس من بيت مال الخاصة ، سوى ما أنفقه الرشيد من
    ماله ، خمسين ألف ألف درهم ...
    ومنها عُرْسُ المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل ، بفم الصلح « قرب واسط » .
    وكانت النفقة عليه أمراً عظيماً . وسأل المأمون زبيدة عن تقدير النفقة في العرس ،
    فقالت : ما بين خمسة وثلاثين ألف ألف إلى سبعة وثلاثين ألف ألف .
    ذكر ابن خرداذبه : أن المتوكل ، أنفق على الأبنية التي بناها ، وهي : بركوارا ،
    والشاه ، والعروس ، والبركة ، والجوسق ، والمختار ، والجعفري ، والغريب ،
    والبديع ، والصبيح ، والمليح ، والسندان ، والقصر ، والجامع ، والقلاية ،
    والبرج ، وقصر المتوكلية ، والبهو ، واللؤلؤة : مائتي ألف ألف وأربعة وسبعين
    ألف ألف درهم . ومن العين مائة ألف ألف دينار .
    تكون قيمة الورق عيناً بصرف الوقت مع ما فيه من العين ثلاثة عشر ألف ألف
    دينار ، وخمس مائة ألف دينار ، وخمسة وعشرين ألف دينار .
    قال : شرب المتوكل يوماً في بركوارا ، فقال لندمائه : أرأيتم إن لم يكن أيام الورد
    لا نعمل نحن شاذكلاه « فارسية بمعنى : طربوش الفرح » قالوا : يا أمير المؤمنين ، لا
    يكون الشاذكلاه إلا بالورد . فقال : بلى . أدعوا لي عبيد الله بن يحيى ، فحضر
    فقال : تقدم بأن تضرب لي دراهم ، في كل درهم حبتان . قال : كم المقدار يا أمير



    المؤمنين ؟ قال : خمسة آلاف ألف درهم . فتقدم عبيد الله في ضربها فضربت ،
    وعرفه الخبر . فقال : إصبغ منها بالحمرة والصفرة والسواد ، واترك بعضها على
    حاله . ففعل . ثم تقدم إلى الدم والحواشي ، وكانوا سبع مائة ، أن يعد كل واحد
    منهم قباءً جديداً وقلنسوةً على خلاف لون قباء الآخر وقلنسوته ، ففعلوا .
    ثم عمد إلى يوم تحركت فيه الريح ، فنصبت له قبة لها أربعون باباً ، فاصطبح
    فيها ، والندماء حوله . ولبس الخدم الكسوة التي أعدها ، وأمر بنثر الدراهم كما
    ينثر الورد . فنثرت أولاً أولاً ، فكانت الريح تحمل الدراهم فتقف بين السماء
    والأرض كما يقف الورد . فكان من أحسن أيام المتوكل وأظرفه .
    وكان البرج من أحسن أبنيته ، فجعل فيه صوراً عظاماً من الذهب والفضة ،
    وبركة عظيمة جعل فرشها ظاهرها وباطنها صفائح الفضة ، وجعل عليها
    شجرة ذهب ، فيها كل طائر يصوت ويصفر ، مكللة بالجوهر ، وسماها طوبى .
    وعمل له سرير من الذهب كبير ، عليه صورتا سَبْعَيْن عظيمين ، ودرج عليها
    صور السباع والنسور وغير ذلك ، على ما يوصف به سرير سليمان بن داود عليها‌السلام .
    وجعل حيطان القصر من داخل وخارج ملبسة بالفسيفساء والرخام المذهب .
    فبلغت النفقة على هذا القصر ألف ألف وسبعمائة ألف دينار .
    وجلس فيه على السرير الذهب ، وعليه ثياب الوشي المثقلة ، وأمر ألا يدخل
    عليه أحد إلا في ثياب وشي منسوجة ، أو ديباج ظاهرة .

    وكان جلوسه فيه في سنة تسع وثلاثين ومائتين ، ثم دعا بالطعام وحضر الندماء
    وسائر المغنين والملهين ، وأكل الناس . ورام النوم فما تهيأ له ، فقال له الفتح : يا
    مولاي ، ليس هذا يوم نوم ، فجلس للشرب . فما كان الليل رامَ النوم ، فما أمكنه
    فدعا بدهن بنفسج ، فجعل منه شيئاً على رأسه وتنشقه فلم ينفعه .
    فمكث ثلاثة أيام بلياليها لم ينم ، ثم حُمَّ حُمَّى حَادَّة ، فانتقل إلى الهاروني قصر
    أخيه الواثق ، فأقام به ستة أشهر عليلاً ، وأمر بهدم البرج » .
    ما قيمة الخلافة إذا كان الخليفة مُنْحَطاً !
    عملت الحكومات على نسج هالة كاذبة على شخصية الخليفة ، واخترعت له
    صفات ومناقب ، لتتناسب شخصيته مع لقبه الرسمي : خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .
    بل جعلوه خليفة الله تعالى ، وفضلوه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ! فقد سمى معاوية
    نفسه « خليفة الله » وقال : « الأرض لله وأنا خليفة الله ، فما أخذت من مال الله
    فهولي ، وما تركت منه كان جائزاً لي ! فقال صعصعة :
    تُمَنِّيكَ نفسُكَ ما لا يكونُ
    جهلاً معاويَ لا تأثمِ » .

    « مروج الذهب : 3 / 52 ، وجمهرة خطب العرب : 1 / 445 » .
    وفي أنساب الأشراف للبلاذري / 1109 : « فقال صعصعة بن صوحان : ما أنت
    وأقصى الأمة في ذلك إلا سواء ، ولكن من ملك استأثر ! فغضب معاوية وقال :
    لهممتُ ! قال صعصعة : ما كل من هَمَّ فعل ! قال : ومن يَحُولُ بيني وبين ذلك ؟!
    قال : الذي يحول بين المرء وقلبه ، وخرج » !


    وفَضَّلَ علماء البلاط والرواة الخليفة الأموي على الرسول الهاشمي صلى‌الله‌عليه‌وآله !
    ففي سنن أبي داود « 2 / 400 » : « عن الربيع بن خالد الضبي قال : سمعت الحجاج
    يخطب فقال في خطبته : رسول أحدكم في حاجته أكرم عليه ، أم خليفته في أهله ؟
    فقلت في نفسي : لله عليَّ ألا أصلي خلفك صلاة أبداً وإن وجدت قوماً يجاهدونك
    لأجاهدنك معهم » ! « والنهاية : 9 / 151 ، وتاريخ دمشق : 12 / 158 » .
    وقال ابن حزم في الإحكام « 4 / 581 » : « أوَليس ابن عباس يقول : أما تخافون أن
    يخسف الله بكم الأرض ! أقول لكم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتقولون : قال أبو بكر
    وعمر ! وكان إسحاق بن راهويه يقول : من صح عنده حديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم
    خالفه يعني باعتقاده ، فهو كافر » .
    أقول : المتوكل نموذجٌ للحاكم القرشي الذين عظَّموه وضخَّموه ! وقد كان
    متجاهراً بالفحشاء ، غارقاً في الدُّون من قرنه الى قدمه ، ومن أصله الى فصله .
    كانت عقيدة المتوكل وسياسته مضادةً لآبائه !
    كان الخلفاء العباسيون الى الواثق مُنَزِّهِين لله تعالى ، يرفضون أفكار التجسيم
    وأحاديثه الموضوعة . ومنها مقولة أن القرآن قديمٌ لأنه كلام الله تعالى وجزءٌ منه !
    فقد أجاب المنزهة على هذه المقولة بأن الله تعالى وجودٌ غير مركب ، والقرآن
    كلامه المخلوقٌ ، وكل شئ ما عداه عز وجل فهو مخلوق .
    وأمر المأمون بتأديب من يقول بقدم القرآن لأنه يجعله إلهاً مع الله تعالى !

    ونهى أن يعطى منصباً في الدولة . وتابع المعتصم سياسة أخيه المأمون ، فكان
    يمتحن العلماء في القول بقدم القرآن . وواصل الواثق سياسة أبيه المعتصم .
    لكن المتوكل خالفهم فجمع العلماء المشبِّهين والمجسمين ، وشجعهم وأغدق
    عليهم ، وقمع العلماء المنزهين وأهملهم !
    من جهة أخرى ، قامت حركة العباسيين والحسنيين على الدعوة الى الرضا من
    آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أي بني هاشم ، والبراءة من بني تَيْمٍ وعَدِيٍّ وأمية .
    لكن المنصور بعد أن ثار عليه الحسنيون ، أمر المحدثين والفقهاء والولاة أن لا
    يَرْوُوا شيئاً في فضائل علي عليه‌السلام ، ولا شيئاً يطعن بأبي بكر وعمر ، وأن يفضلوهما
    عليه ، وأن يضيفوا مدح أبي بكر وعمر في خطبة الجمعة وقال : « والله لأرغمن
    أنفي وأنوفهم ، وأرفع عليهم بني تيم وعدي » . « منهاج الكرامة / 69 » .
    واستمرت سياسته حتى جاء المأمون ، فأعلن فضائل علي وأبنائه عليهم‌السلام .
    ولما جاء المتوكل خالف أسلافه المأمون والمعتصم والواثق ، ورفع راية العداوة
    لعلي وأبنائه عليهم‌السلام ، واضطهدهم ، وهدم قبر الحسين عليه‌السلام ومنع زيارته ، ومنع زيارة
    قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام في النجف الأشرف وقيل هدمه . ومنع زيارة قبر موسى
    بن جعفر عليه‌السلام في بغداد . وقَرَّبَ النواصب ودعمهم مادياً ومعنوياً .


    وَضَعَ المتوكل خطةً واسعة لنشر النُّصْب والتجسيم
    فقد نفذ سياسةً متشددة لإحياء النصب الأموي والتجسيم ، وقامت سياسته
    على تبني علماء النصب والتجسيم وإغداق المال والجوائز عليهم ، وإعطائهم
    المناصب الكبيرة ، ليؤثروا في ثقافة الناس .
    وقام بتكوين حركة باسم أهل الحديث بقيادة الشاب ابن صاعد ، وهي أشبه
    بميليشا مسلحة ، تقوم بقمع الشيعة في بغداد !
    ثم قام باختيار أحد العلماء الشَّيَبَة المعروفين ، وهو أحمد بن حنبل ، ليكون
    مرجعاً دينياً للدولة ، وغطاءً شرعياً للمتوكل وأتباعه .
    كما تَبَنَّي كُتب النصب والتجسيم وعممها على الناس ، فقد تبنى مسند أحمد ، ثم
    ارتضى أحمد صحيح محمد بن إسماعيل البخاري فصار الكتاب الرسمي للدولة !
    كما قمعَ الأشعرية والمعتزلة ، وحرم إعطاءهم المناصب ، وضيَّق عليهم .
    ثم تفنن في قمع الشيعة ، ففرض الإقامة الجبرية على إمامهم الهادي عليه‌السلام في
    سامراء ، وعمل لقتله .
    واضطهد العلويين قاطبة وأفقرهم وشردهم وسجنهم . واضطهد شيعتهم ،
    ومنعهم من زيارة المشاهد المشرفة لأئمتهم عليهم‌السلام ، خاصة زيارة قبر الحسين عليه‌السلام
    بكربلاء ، وقبر أمير المؤمنين عليه‌السلام في النجف ، وقبر الكاظم عليه‌السلام ببغداد ، وضيق
    على جامع بُراثا ، وهو الجامع المركزي للشيعة في بغداد .

    كان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام
    قال ابن الأثير في الكامل « 6 / 108 » : « وكان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي
    طالب ولأهل بيته ، وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولى علياً وأهله بأخذ المال
    والدم ! وكان من جملة ندمائه عبادة المخنث ، وكان يشد على بطنه تحت ثيابه
    مخدة ويكشف رأسه وهوأصلع ، ويرقص بين يدي المتوكل ، والمغنون يغنون :
    قد أقبل الأصلع البدين ، خليفة المسلمين ، يحكي بذلك علياً !
    والمتوكل يشرب ويضحك ! ففعل ذلك يوماً والمنتصر حاضر ، فأومأ إلى عبادة
    يتهدده فسكت خوفاً منه ، فقال المتوكل ما حالك ؟ فقام وأخبره ، فقال المنتصر :
    يا أمير المؤمنين إن الذي يحكيه هذا الكلب ويضحك منه الناس هو ابن عمك ،
    وشيخ أهل بيتك وبه فخرك ! فكل أنت لحمه إذا شئت ، ولا تطعم هذا الكلب
    وأمثاله منه ! فقال المتوكل للمغنين : غنوا جميعاً :
    غَارَ الفَتَى لابنِ عَمِّهْ
    رأسُ الفَتى في حَرِ أمِّهْ » !

    وقال النويري في نهاية الأرب « 22 / 282 » : « في هذه السنة أمر المتوكل بهدم قبر
    الحسين بن علي رضي الله عنهما ، وهدم ما حوله من المنازل والدور ، وأمر أن
    يسقى موضع قبره ، وأن يمنع الناس من إتيانه ، فنادى في الناس في تلك
    الناحية : من وجدناه عند قبره بعد ثالثة حبسناه في المِطبق « سجن مظلم تحت الأرض »
    فهرب الناس وتركوا زيارته ، وحُرث وزُرع !


    وكان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ولأهل بيته ،
    وكان يقصد من يتولى علياً وأهل بيته بأخذ المال والروح ! وكان من جملة ندمائه
    عبَّادة المخنث ، وكان أصلع فيشد تحت ثيابه مخدة ويكشف رأسه ويرقص
    والمغنون يغنون . . » .
    وروى ذلك عمر بن الوردي في تاريخه « 1 / 216 » ، وقال : « وكان يجالس من اشتهر
    ببغض علي ، كابن الجهم الشاعر ، وأبي السمط ، وكان من أحسن الخلفاء سيرةً ،
    ومنع القول بخلق القرآن ، فغطى ذمه لعليٍّ على حسناته . قلت :
    وكم قد مُحِي خيرٌ كما انمحتْ
    ببغض علي سيرة المتوكل

    تعمق في عدلٍ ولما جنى على
    جناب عليٍّ حطه السيلُ من علِ »

    ولا ندري ماذا رأى ابن الوردي من « عدالة » المتوكل ! وقد روى بغضه
    لعلي عليه‌السلام عامة المؤرخين ، فهو شهادةٌ متواترةٌ بأنه ناصبيٌّ منافق ، وقد قال ابن حجر في
    فتح الباري « 1 / 60 » : « وقد ثبت في صحيح مسلم عن علي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال له : لا
    يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق » .
    وقال في فتح الباري « 7 / 57 » : « وفي الحديث تلميحٌ بقوله تعالى : قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ
    اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ، فكأنه أشار إلى أن علياً تام الإتباع لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى
    اتصف بصفة محبة الله له ، ولهذا كانت محبته علامة الإيمان وبغضه علامة النفاق » .
    كما رووا أن من يبغض علياً عليه‌السلام لا يكون ابن أبيه ! ففي الصحيح عن جابر بن
    عبد الله الأنصاري : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « بَوِّروا أولادكم بحب علي بن أبي طالب
    أي اختبروا طيب ولادتهم بحبه . وقال جابر : كنا نُبَوِّرُ أولادنا بحب علي » .

    « غريب الحديث لابن الجوزي : 1 / 90 ، والنهاية لابن الأثير : 1/161 ، ولسان العرب : 4 / 87 ، وتاج
    العروس : 10 / 257 ، وتهذيب اللغة : 15 / 191 » .
    وروى المسعودي في مروج الذهب « 2 / 65 » قصة دُلف بن أبي دلف في بغض علي عليه‌السلام
    وقال : « وجمعتُ طرق الحديث : لاينتقصُ عليّاً أحد إلا كان لغير رَشْدَةٍ ، الوارد
    فيها ، فرواه من نيف وستين طريقاً » . وتاريخ بغداد : 12 / 418 ، وتاريخ دمشق : 49 / 150 .
    وقد روى ذلك عن أبي دلف ابن كثير ، فقال في النهاية « 10 / 323 » : « وكان يقول : من
    لم يكن متغالياً في التشيع فهو ولد زنا . فقال له ابنه دلف : لستُ على مذهبك يا
    أبة . فقال : والله لقد وطأت أمك قبل أن أشتريها ، فهذا من ذاك » !
    وفي مناقب آل أبي طالب « 2 / 10 » : « عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أحمد قال :
    سمعت الشافعي يقول : سمعت مالك بن أنس يقول : قال أنس بن مالك : ما كنا
    نعرف الرجل لغير أبيه إلا ببغض علي بن أبي طالب . . . كان الرجل من بعد يوم
    خيبر يحمل ولده على عاتقه ثم يقف على طريق علي ، فإذا نظر إليه أومى بإصبعه :
    يا بنيَّ تُحِبُّ هذا الرجل ؟ فإن قال نعم ، قبله ، وإن قال لا قال له : إلحق بأمك » !
    وفي تاريخ دمشق « 42 / 287 » : « عن الوليد بن عبادة بن الصامت ، عن أبيه قال :
    كنا نُبَوِّرُ « نمتحن » أولادنا بحب علي بن أبي طالب ، فإذا رأينا أحداً لا يحب علي بن
    أبي طالب ، علمنا أنه ليس منا ، وأنه لغير رَشْدَة » .
    أقول : كفى بذلك حكماً من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأصل المتوكل ، الذي زعموا أنه خليفة رسول
    الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومحيي سنته ، وجعلوه قطب أولياء الله المتقين ، معاذ الله !


    قَرَّبَ المتوكل العلماء المجسمين والنواصب وأغدق عليهم
    قال الخطيب البغدادي في تاريخه « 3 / 147 » : « عن محمد بن يحيى الصولي قال : في
    سنة أربع وثلاثين ومائتين ، نهى المتوكل عن الكلام في القرآن ، وأشخص الفقهاء
    والمحدثين إلى سر من رأى ، منهم القاضي التيمي البصري ، ومحمد بن عبد الملك
    بن أبي الشوارب ، وابنا أبي شيبة ، ومصعب الزبيري .. ووصلهم » .
    وقال في تاريخ بغداد « 10 / 67 » : « حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال : سنة أربع
    وثلاثين ومائتين فيها أشخص المتوكل الفقهاء والمحدثين ، فكان فيهم مصعب
    الزبيري ، وإسحاق بن أبي إسرائيل ، وإبراهيم بن عبد الله الهروي ، وعبد الله
    وعثمان ابنا محمد بن أبي شيبة الكوفيان ، وهما من بني عبس ، وكانا من حفاظ
    الناس ، فقسمت بينهم الجوائز وأجريت عليهم الأرزاق ، وأمرهم المتوكل أن
    يجلسوا للناس ، وأن يحدثوا بالأحاديث التي فيها الرد على المعتزلة والجهمية ،
    وأن يحدثوا بالأحاديث في الرؤية ! فجلس عثمان بن محمد بن أبي شيبة في مدينة
    أبي جعفر المنصور ، ووضع له منبر واجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفاً من الناس .
    فأخبرني حامد بن العباس أنه كتب عن عثمان بن أبي شيبة . وجلس أبوبكر بن
    أبي شيبة في مسجد الرصافة ، وكان أشد تقدماً من أخيه عثمان ، واجتمع عليه
    نحو من ثلاثين ألفاً » .
    وقال الذهبي في سيره « 12 / 34 » : « وفي سنة 234 ، أظهر المتوكل السنة ، وزجر عن
    القول بخلق القرآن ، وكتب بذلك إلى الأمصار ، واستقدم المحدثين إلى سامراء ،
    وأجزل صلاتهم ، ورووا أحاديث الرؤية والصفات » .

    وفي كتاب العلل لأحمد بن حنبل « 1 / 80 » : « استقدم المتوكل المحدثين إلى سامراء
    وأجزل عطاياهم وأكرمهم ، وأمرهم أن يحدثوا بأحاديث الصفات والرؤية !
    وتوفر دعاء الخلق للمتوكل ، وبالغوا في الثناء عليه ، والتعظيم له ، حتى قال
    قائلهم : الخلفاء ثلاثة : أبوبكر الصديق في قتل أهل الردة ، وعمر بن عبد العزيز
    في رد المظالم ، والمتوكل في إحياء السنة وإماتة التجهم » .
    وقال ابن تميم التميمي في المحن / 271 : « ونفى كل بدعة ، وانجلى عن الناس ما
    كانوا فيه من الذل وضيق المجالس ، فصرف الله ذلك كله به ، فكان يبعث إلى
    الآفاق فيؤتى إليه بالفقهاء والمحدثين ، فخرَّج كل واحد منهم بثلاثين حديثاً في
    تثبيت القدر ، وثلاثين حديثاً في الرؤية ، وغير ذلك من السنن ، فتعلمها الناس
    حتى كثرت السنن وفشَت ونمَت ، وطُغيت البدعة وذلَّت » .
    أقول : هذه النصوص صريحةٌ في أن لقب « محيي السنة » الذي أعطوه للمتوكل ،
    معناه إحياء أحاديث التجسيم التي يسمونها أحاديث الصفات والرؤية ، وإحياء
    البغض الأموي لأهل البيت عليهم‌السلام ونصب العداوة لهم .
    لاحظ قول الراوي : فخرَّج كل واحد منهم بثلاثين حديثاً في تثبيت القدر ،
    وثلاثين حديثاً في الرؤية! فمن أين جاؤوا بها ؟!
    لعل أصلها حديثان ، ثم نسجوا عليهما ! قال الذهبي في سيره « 8 / 103 » : « قال
    ابن القاسم : سألت مالكاً عمن حدث بالحديث الذي قالوا : إن الله خلق آدم على
    صورته ، والحديث الذي جاء : إن الله يكشف عن ساقه وأنه يدخل يده في جهنم



    حتى يخرج من أراد ، فأنكر مالك ذلك إنكاراً شديداً ونهى أن يحدث بها أحد !
    فقيل له إن ناساً من أهل العلم يتحدثون به فقال : من هو ؟ قيل ابن عجلان عن
    أبي الزناد ، قال : لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء ولم يكن عالماً وذكر أبا
    الزناد فقال : لم يزل عاملاً لهؤلاء حتى مات » .
    ومعنى كلامه أن الراوي الأصلي لهذا الحديث أبو الزناد وهو متهم ، لأنه كان
    عاملاً عند بني أمية ، فهو موظف عندهم ينشر أحاديث التجسيم لكعب الأحبار
    وغيره من اليهود ! وهو نص على أن الدولة الأموية تبنت تجسيم اليهود من
    القرن الأول ودسته في أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ووظفت رواة ينشرونه في المسلمين !
    وكلُّ واحدٍ من الرواة والفقهاء الذين جمعهم المتوكل من البلدان ، داعيةٌ من
    دعاة التجسيم والنصب ! فمصعب الزبيري وابن أخيه الزبير بن بكار ، مؤلفان
    معروفان بتعصبهما ونصبهما لأهل البيت عليهم‌السلام . وعثمان بن أبي شيبة صاحب
    المسند الذي أكثر فيه من أحاديث النصب والتجسيم .. الخ . وابن أبي الشوارب :
    أموي من بني العاص جعله المتوكل قاضي القضاة في سامراء وفي نفس الوقت
    قاضياً في بغداد ، وهو أستاذ الشاب ابن صاعد الذي جعله المتوكل شيخ أهل
    الحديث في بغداد .
    وهشام بن عمار الذي سموه محدث الشام ، وعظَّمَهُ المتوكل ، كان يبيع الحديث
    بالصفحة ! ورووا عنه أحاديث التجسيم ، ورووا عنه وقاحته ، وسيأتي ذكره .
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني   الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyالثلاثاء أكتوبر 29, 2024 9:55 pm

    أسس حزب أهل الحديث أو الصاعدية
    أسس المتوكل مجموعة في بغداد من العوام الخشنين وسماهم : أهل الحديث ،
    والمحدثين ، وأهل السنة . وسماهم المسلمون : مجسمة الحنابلة ، والنواصب .
    وروى الذهبي سخرية البغوي الإمام المعروف ، من إسم أهل الحديث ، ومن
    رئيسهم ابن صاعد ، فقال في سير أعلام النبلاء : « 14 / 449 » : « اجتاز أبوالقاسم
    البغوي بنهر طابَق على باب مسجد ، فسمع صوت مُسْتَمْلٍ فقال : من هذا ؟
    فقالوا : ابنُ صاعد . قال : ذاك الصبي ! قالوا : نعم . قال : والله لا أبرحُ حتى أُملي
    هاهنا ! فصعد دكةً وجلس ، ورآه أصحاب الحديث فقاموا وتركوا ابن صاعد .
    ثم قال : حدثنا أحمد بن حنبل قبل أن يولد المحدثون ! وحدثنا طالوت قبل أن
    يولد المحدثون ! وحدثنا أبونصر التمار . . فأملى ستة عشر حديثاً عن ستة عشر
    شيخاً ، ما بقي من يروي عنهم سواه » !
    يقول البغوي : أن هؤلاء الصبيان الذين سمَّوْهم المحدثين ، إنما هم أحداث ، لا
    علم عندهم ، وقد جمعهم المتوكل حول أحمد بن حنبل ، وجعله إماماً لهم !
    ومعنى قوله : حدثنا أحمد بن حنبل قبل أن يولد المحدثون ! أن الحديث
    والمحدثين كانوا قبل هذه الفئة الذين سموا أنفسهم أهل الحديث ، وأحمد بن
    حنبل نفسه كان محدثاً ، ولم يكن إمام فئة تسمى أهل الحديث .
    فالمتوكل هو الذي حَنْبَلهم ، وجعل ابن حنبل إماماً لهم ، فصار الإمام أحمد .


    والمتوكل هو الذي بَخَّرهم ، فقد تبنى أحمد ومسنده ، وتبنى أحمد البخاري ،
    فصار كتابه الصحيح الرسمي مع مسند أحمد .
    وابن صاعد الذي سخر منه البغوي هو : يحيى بن محمد بن صاعد . وهو غلامٌ
    عباسي معرق ، فجده من غلمان أبي جعفر المنصور . « كتاب العرش لابن أبي شيبة / 26 » .
    وتعرف طريقة تفكير ابن صاعد وحزبه المتطرف ، من قصته مع الحافظ الإمام
    ابن عقدة ، المشهود له عند جميع المسلمين !
    ففي تاريخ بغداد « 5 / 221 » : « روى ابن صاعد ببغداد في أيامه حديثاً أخطأ في
    إسناده ، فأنكر عليه ابن عقدة الحافظ ، فخرج عليه أصحاب ابن صاعد
    وارتفعوا إلى الوزير علي بن عيسى ، وحبس بن عقدة فقال الوزير : من يَسأل « ابن
    صاعد » ويَرجع إليه ؟ فقال : ابن أبي حاتم ، قال فكتب إليه الوزير يسأله عن ذلك
    فنظر وتأمل ، فإذا الحديث على ما قال ابن عقدة ، فكتب إليه بذلك ، فأطلق ابن
    عقدة وارتفع شأنه .
    سمعت بن الجعابي يقول : دخل ابن عقدة بغداد ثلاث دفعات ، فسمع في
    الدفعة الأولى من إسماعيل القاضي ونحوه ، ودخل الثانية في حياة ابن منيع
    وطلب مني شيئاً من حديث يحيى بن صاعد لينظر فيه ، فجئت إلى ابن صاعد
    وسألته أن يدفع إليَّ شيئاً من حديثه لأحمله إلى ابن عقدة ، فدفع إليَّ مسند علي بن
    أبي طالب فتعجبت من ذلك ، وقلت في نفسي كيف دفع إلي هذا وابن عقدة
    أعرف الناس به مع اتساعه في حديث الكوفيين ، وحملته إلى ابن عقدة فنظر فيه


    ثم رده عليَّ فقلت : أيها الشيخ هل فيه شئ يستغرب ؟ فقال : نعم فيه حديث خطأ
    فقلت : أخبرني به ، فقال : والله لا أعرفنك ذلك حتى أجاوز قنطرة الياسرية ،
    وكان يخاف من أصحاب ابن صاعد !
    فطالت عليَّ الأيام انتظاراً لوعده ، فلما خرج إلى الكوفة سرت معه ، فلما أردت
    مفارقته قلت : وعدك ؟ قال : نعم ، الحديث عن أبي سعيد الأشج ، عن يحيى بن
    زكريا بن أبي زائدة . ومتى سمع منه ؟! وإنما ولد أبوسعيد في الليلة التي مات
    فيها يحيى بن زكريا بن أبي زائدة !
    فودعته وجئت إلى ابن صاعد فقلت له : ولد أبوسعيد الأشج في الليلة التي
    مات فيها يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ! فقال : كذا يقولون ، فقلت له : في كتابك
    حديث عن الأشج عنه ، فما حاله ؟فقال لي : عَرَّفك ذلك ابن عقدة؟ فقلت : نعم
    فقال : لأجعلن على كل شجرة من لحمه قطعةً !
    ثم رجع يحيى إلى الأصول ، فوجد الحديث عنده عن شيخ غير أبي سعيد ، عن
    ابن أبي زائدة ، وقد أخطأ في نقله ، فجعله على الصواب » .
    فقد كان ابن عقدة من كبار علماء الشيعة ، وكان حفظه عجيباً ، وقد خضع له
    المحدثون ، وألَّف الذهبي في ترجمته كتاباً ، وقال عنه في سير أعلام النبلاء : « 15 / 340 » :
    « الحافظ العلامة ، أحد أعلام الحديث ، ونادرة الزمان ، وصاحب التصانيف ،
    وهو المعروف بالحافظ ابن عقدة . وكَتب عنه ما لا يُحد ولا يُوصف من خلقٍ كثير
    بالكوفة وبغداد ومكة ، وجمع التراجم والأبواب والمشيخة ، وانتشر حديثه وبعد



    صيته » . وقال عنه في تذكرة الحفاظ « 3 / 389 » : « حافظ العصر ، والمحدث البحر ،
    أبوالعباس أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي . كان إليه المنتهى في قوة الحفظ ،
    وكثرة الحديث ، وصنَّف وجمع وألَّف ، في الأبواب والتراجم » .
    وكان ابن عقدة رحمه‌الله يسكن الكوفة ، ويأتي الى بغداد ويحدث في مسجد براثا ،
    فصحَّح خطأً لابن صاعد ، فحرك ابن صاعد مجسمة الحنابلة ، فألزموا حاكم
    بغداد بحبسه ! ولا بد أن ابن عقدة أقنع الوزير أن يسأل أستاذ ابن صاعد عن
    المسألة ، فسأله فظهر الحق مع ابن عقدة ، فأطلقه وارتفعت مكانته .
    ثم نقل عن الجعابي أنه جاء الى ابن عقدة ببعض أحاديث ابن صاعد ، فوجد
    فيها خطأ ، فطلب الجعابي أن يخبره به ، فامتنع ابن عقدة لأن ذلك يحرك عليه ابن
    صاعد وسفهاءه ، وقال له سأعطيك خطأه عندما أغادر بغداد الى الكوفة ،
    وأصل الى قنطرة الياسرية ، خارج بغداد !
    ولما أخبر الجعابي ابن صاعد بخطئه الواضح ، فبدل أن يشكره ويشكر ابن عقدة
    تأسف لأنه أفلت منه ، ثم توعده بقوله : لأجعلن على كل شجرة من لحمه قطعةً !
    وهذا يدل على طبيعة ابن صاعد العدوانية هو وجماعته ، وأنهم أهل شر لا علم !
    فقد كانوا مجموعة متخصصة بالمشاكل ، ولهم أدوار في مهاجمة مجالس الشيعة في
    بغداد خاصة في جامع براثا والكرخ ، ثم في هدم قبر الحسين عليه‌السلام .

    وقد تحولوا الى مذهب متطرف ، وتسموا بالصاعدية ! قال المقدسي في البدء
    والتاريخ « 5 / 149 » : « وأما الصاعدية فهم أصحاب ابن صاعد ، يجيزون خروج
    أنبياء بعد نبينا صلى الله عليه وسلم ، لأنه روى : لا نبيَّ بعدي إلا ما شاء الله » !
    الصاعدية أجداد الوهابية !
    قال ابن الجوزي في دفع شبه التشبيه « 1 / 104 » : « ورأيت من أصحابنا من تكلم في
    الأصول بما لا يصلح ، وانتدب للتصنيف ثلاثة : أبوعبد الله بن حامد ، وصاحبه
    القاضي ، وابن الزاغوني ، فصنفوا كتباً شانوا بها المذهب !
    ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام فحمَلوا الصفات على مقتضى الحسّ ، فسمعوا أن
    الله تعالى خلق آدم على صورته ، فأثبتوا له صورةً ووجهاً زائداً على الذات ، وعينين
    وفماً ولهوات ، وأضراساً وأضواء لوجهه هي السبحات ، ويديْن وأصابع وكفاً ،
    وخنصراً وإبهاماً ، وصدراً وفخذاً ، وساقين ورجلين . وقالوا ما سمعنا بذكر الرأس .
    وقالوا يجوز أن يَمُسَّ ويُمَس ، ويدني العبد من ذاته !
    وقال بعضهم : ويتنفس ! ثم يرضون العوام بقولهم لا كما يعقل ، وقد أخذوا بالظاهر
    في الأسماء والصفات فسموها بالصفات تسميةً مبتدعة ، لا دليل لهم في ذلك من النقل
    ولا من العقل ، ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله
    تعالى ، ولا إلى إلغاء ما يوجبه الظاهر من سمات الحدوث ، ولم يقنعوا بأن يقولوا صفة
    فعل ، حتى قالوا صفة ذات .
    ثم ، لما أثبتوا أنها صفات ذات قالوا لا نحملها على توجيه اللغة ، مثل يد على نعمة
    وقدرة ، ومجئ وإتيان على معنى بر ولطف ، وساق على شدة ، بل قالوا نحملها على



    ظواهرها المتعارفة ، والظاهر هو المعهود من نعوت الآدميين ، والشئ إنما يحمل على
    حقيقته ، إذا أمكن .
    ثم يتحرجون من التشبيه ويأنفون من إضافته إليهم ، ويقولون : نحن أهل السنة !
    وكلامهم صريح في التشبيه ، وقد تبعهم خلقٌ من العوام !
    فقد نصحت التابع والمتبوع فقلت لهم : يا أصحابنا أنتم أصحاب نقل ، وإمامكم
    الأكبر أحمد بن حنبل يقول وهو تحت السياط : كيف أقول ما لم يُقل ! فإياكم أن تبتدعوا
    في مذهبه ما ليس منه .
    ثم قلتم في الأحاديث : تحمل على ظاهرها ، وظاهر القدم الجارحة ، فإنه لما قيل في
    عيسى روح الله اعتقدت النصارى أن لله صفة هي روحٌ ولجت في مريم ! ومن قال
    استوى بذاته فقد أجراه مجرى الحسيات !
    وينبغي أن لا يهمل ما يثبت به الأصل وهو العقل ، فإنا به عرفنا الله تعالى وحكمنا له
    بالقدم ، فلو أنكم قلتم نقرأ الأحاديث ونسكت ، ما أنكر عليكم أحد إنما حملكم إياها
    على الظاهر قبيحٌ ، فلا تدخلوا في مذهب هذا الرجل الصالح السلفي ما ليس منه .
    ولقد كسيتم هذا المذهب شيناً قبيحاً ، حتى صار لا يقال حنبلي إلا مجسم !
    ثم زينتم مذهبكم أيضاً بالعصبية ليزيد بن معاوية ، ولقد علمتم أن صاحب المذهب
    أجاز لعنته ، وقد كان أبومحمد التميمي يقول في بعض أئمتكم : لقد شان المذهب شيناً
    قبيحاً ، لا يغسل إلى يوم القيامة » !
    ويقصد بأئمتكم أبا يعلى الموصلي ، قال أبو الفداء « 2 / 186 » : « وكان ابن التميمي
    الحنبلي يقول : لقد خريَ أبويعلي بن الفراء على الحنابلة خريةً لا يغسلها الماء » !

    أعطوا المتوكل لقب محي السنة ، وقطب الظاهر والباطن !
    ذكرت مرةً لأحد علماء الوهابية أن المتوكل كان ناصبياً يبغض علياً عليه‌السلام وكان
    خماراً ، فاستنكر وقال : كلا ، إنه عندنا محي السنة ، ومذل النصارى والزنادقة !
    وقال ابن كثير في النهاية « 10 / 387 » : « وكان المتوكل محبباً إلى رعيته ، قائماً في نصرة
    أهل السنة ، وقد شبهه بعضهم بالصدِّيق في قتله أهل الردة ، لأنه نصر الحق
    ورده عليهم حتى رجعوا إلى الدين ، وبعمر بن عبد العزيز حين رد مظالم بني
    أمية . وقد أظهر السنة بعد البدعة ، وأخمد أهل البدع وبدعتهم بعد انتشارها
    واشتهارها فرحمه الله . وقد رآه بعضهم في المنام بعد موته وهو جالس في نور ،
    قال فقلت : المتوكل ؟ قال : المتوكل . قلت : فما فعل بك ربك ؟ قال : غفر لي .
    قلت : بماذا ؟ قال : بقليل من السنة أحييتها » !
    وقد اشتهر لقبه محيي السنة وتفاخر به العوام المجسمة ، وتقرب اليهم الصوفية
    فأعطاه ابن عربي أعلى لقب في التصوف والعرفان وهو : القطب الرباني والغوث !
    قال في فتوحاته المكية : 2 / 6 ، وفي الطبعة الجديد : 11 / 275 : « وقد يسمى رجل البلد
    قطب ذلك البلد ، وشيخ الجماعة قطب تلك الجماعة ، ولكن الأقطاب المصطلح
    على أن يكون لهم هذا الإسم مطلقاً من غير إضافة ، لا يكون منهم في الزمان إلا
    واحد ، وهو الغوث أيضاً وهو من المقربين ، وهو سيد الجماعة في زمانه . ومنهم
    من يكون ظاهر الحكم ويحوز الخلافة الظاهرة ، كما حاز الخلافة الباطنة من جهة
    المقام كأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، والحسن ، ومعاوية بن يزيد ، وعمر بن
    عبد العزيز ، والمتوكل ! ومنهم من له الخلافة الباطنة خاصة ولا حكم له في



    الظاهر ، كأحمد بن هارون الرشيد السبتي ، وكأبي يزيد البسطامي . وأكثر
    الأقطاب لا حكم لهم في الظاهر » !
    أقول : لا بد أن ابن عربي قرأ سيرة المتوكل من تاريخ الطبري وأمثاله ، وقرأ عن
    فسقه وخمره ، وقرأ عن تخنثه ونصبه ، لكنه أصيب بعمى التقرب لمحبيه ، فجعله
    كبير أولياء الله تعالى ! وكفى بذلك طعناً في مبدئية ابن عربي وفكره !
    كيف كان المتوكل يدير الدولة ؟
    كان النمط السائد للإدارة في العالم : أن الملك هو المقاول الأكبر ، فيختار وزيره
    الأول لينفذ أوامره ، ويجبي الماليات من الحكام . ثم يختار حكام الولايات ،
    ويتفق مع الواحد منهم على المبلغ السنوي عن المنطقة التي تحت يده .
    فالمسألة الأولى في الحكم هي الماليات التي تصل الى الحاكم الصغير ثم الكبير .
    قال الطبري « 7 / 384 » : « كان انقطاع الحسن بن مخلد وموسى بن عبد الملك إلى
    عبيد الله بن يحيى بن خاقان وهو وزير المتوكل ، وكانا يحملان إليه كل ما يأمرهما
    به ، وكان الحسن بن مخلد على ديوان الضياع ، وموسى على ديوان الخراج ،
    فكتب نجاح بن سلمة رقعة إلى المتوكل في الحسن وموسى ، يذكر أنهما قد خانا
    وقصرا فيما هما بسبيله ، وأنه يستخرج منهما أربعين ألف ألف درهم !
    فأدناه المتوكل وشاربه تلك العشية وقال : يا نجاح ، خذل الله من يخذلك فبكر
    إليَّ غداً حتى أدفعهما إليك ، فغدا وقد رتب أصحابه وقال : يا فلان خذ أنت
    الحسن ، ويا فلان خذ أنت موسى ، فغدا نجاح إلى المتوكل فلقي عبيد الله وقد


    أمر عبيد الله أن يحجب نجاح عن المتوكل ، فقال له : يا أبا الفضل إنصرف حتى
    ننظر وتنظر في هذا الأمر ، وأنا أشير عليك بأمر لك فيه صلاح . قال : وما هو ؟
    قال : أصلح بينك وبينهما وتكتب رقعة تذكر فيها أنك كنت شارباً ، وأنك
    تكلمت بأشياء تحتاج إلى معاودة النظر فيها ، وأنا أصلح الأمر عند أمير المؤمنين !
    فلم يزل يخدعه حتى كتب رقعة بما أمره به فأدخلها على المتوكل وقال : يا أمير
    المؤمنين قد رجع نجاح عما قال البارحة ، وهذه رقعة موسى والحسن يتقبلان به
    بما كتبا ، فتأخذ ما ضمنا عنه ، ثم تعطف عليهما فتأخذ منهما قريباً مما ضمن لك
    عنهما ، فَسُرَّ المتوكل وطمع فيما قال له عبيد الله ، فقال : إدفعه إليهما ، فانصرفا به
    وأمرا بأخذ قلنسوته عن رأسه وكانت خزاً ، فوجد البرد فقال : ويحك يا حسن
    قد وجدت البرد ، فأمر بوضع قلنسوته على رأسه وصار به موسى إلى ديوان
    الخراج ، ووجها إلى ابنيه أبي الفرج وأبي محمد ، فأُخذ أبوالفرج وهرب أبومحمد
    ابن بنت حسن بن شنيف ، وأخذ كاتبه إسحاق بن سعد بن مسعود القطربلي
    وعبد الله بن مخلد المعروف بابن البواب ، وكان انقطاعه إلى نجاح ، فأقر لهما
    نجاح وابنه بنحومن مائة وأربعين ألف دينار ، سوى قيمة قصورهما وفرشهما
    ومستغلاتهما ، بسامرا وبغداد ، وسوى ضياع لهما كثيرة !
    فأمر بقبض ذلك كله ، وضرب مراراً بالمقارع في غير موضع الضرب ، نحواً
    من مائتي مقرعة ، وغُمز وخُنق ، خنقه موسى الفرانق والمعلوف .


    فأما الحارث فإنه قال : عَصَرَ خصيتيه حتى مات ، فأصبح ميتاً يوم الإثنين لثمان
    بقين من ذي القعدة من هذه السنة ، فأمر بغسله ودفنه فدفن ليلاً .
    وضرب ابنه محمد وعبد الله بن مخلد ، وإسحاق بن سعد نحواً من خمسين
    خمسين ، فأقر إسحاق بخمسين ألف دينار ، وأقر عبد الله بن مخلد بخمسة عشر
    ألف دينار ، وقيل عشرين ألف دينار ، وكان ابنه أحمد بن بنت حسن قد هرب
    فظفر به بعد موت نجاح ، فحبس في الديوان وأخذ جميع ما في دار نجاح وابنه
    أبي الفرج من متاع ، وقبضت دورهما وضياعهما حيث كانت وأخرجت عيالهما .
    وأخذ وكيله بناحية السواد وهو ابن عياش ، فأقر بعشرين ألف دينار .
    وبعث إلى مكة في طلب الحسن بن سهل بن نوح الأهوازي ، وحسن بن
    يعقوب البغدادي ، وأُخذ بسببه قوم فحُبسوا . وقد ذكر في سبب هلاكه غير ما
    قد ذكرناه : ذُكر أنه كان يضاد عبيد الله بن يحيى بن خاقان ، وكان عبيد الله
    متمكناً من المتوكل واليه الوزارة وعامة أعماله ، وإلى نجاح توقيع العامة ، فلما
    عزم المتوكل على بناء الجعفري ، قال له نجاح وكان في الندماء وقال : يا أمير
    المؤمنين أسمي لك قوماً تدفعهم إليَّ حتى أستخرج لك منهم أموالاً تبني بها
    مدينتك هذه ، فإنه يلزمك من الأموال في بنائها ما يعظم قدره ويجل ذكره ؟
    فقال له : سمهم ، فرفع رقعة يذكر فيها موسى بن عبد الملك ، وعيسى بن
    فرخانشاه ، خليفة الحسن بن مخلد ، والحسن بن مخلد ، وزيدان بن إبراهيم
    خليفة موسى بن عبد الملك ، وعبيد الله بن يحيى وأخويه عبد الله بن يحيى


    وزكرياء ، وميمون بن إبراهيم ، ومحمد بن موسى المنجم ، وأخاه أحمد بن
    موسى ، وعلي بن يحيى بن أبي منصور ، وجعفر المعلوف مستخرج ديوان الخراج
    وغيرهم نحواً من عشرين رجلاً ، فوقع ذلك من المتوكل موقعاً أعجبه وقال له :
    أغد غدوةً فلما أصبح لم يشك في ذلك ، وناظر عبيد الله بن يحيى المتوكل فقال له :
    يا أمير المؤمنين أراد أن لا يدع كاتباً ولا قائداً ولا عاملاً إلا أوقع بهم ، فمن يقوم
    بالأعمال يا أمير المؤمنين !
    وغدا نجاح فأجلسه عبيد الله في مجلسه ولم يؤذن له ، وأحضر موسى بن عبد
    الملك والحسن بن مخلد ، فقال لهما عبيد الله : إنه إن دخل إلى أمير المؤمنين دفعكما
    إليه فقتلكما ، وأخذ ما تملكان ، ولكن اكتبا إلى أمير المؤمنين رقعة تقبلان به فيها
    بألفي ألف دينار ، فكتبا رقعة بخطوطهما وأوصلها عبيد الله بن يحيى وجعل
    يختلف بين أمير المؤمنين ، ونجاح وموسى بن عبد الملك والحسن بن مخلد ، فلم
    يزل يدخل ويخرج ويعين موسى والحسن ، ثم أدخلهما على المتوكل فضمنا ذلك
    وخرج معهما فدفعه إليهما جميعاً والناس جميعا الخواص والعوام ، وهما لا يشكان
    أنهما وعبيد الله بن يحيى مدفوعون إلى نجاح للكلام الذي دار بينه وبين المتوكل
    فأخذاه وتولى تعذيبه موسى بن عبد الملك ، فحبسه في ديوان الخراج بسامرا
    وضربه درراً وأمر المتوكل بكاتبه إسحاق بن سعد ، وكان يتولى خاص أموره
    وأمر ضياع بعض الوُلد ، أن يغرم واحداً وخمسين ألف دينار ، وحلف على ذلك
    وقال إنه أخذ مني في أيام الواثق ، وهو يخلف عن عمر بن فرج خمسين ديناراً



    حتى أطلق أرزاقي ، فخذوا لكل دينار ألفاً وزيادة ألف فضلاً ، كما أخذ فضلاً
    فحبس ، ونُجِّمَ عليه في ثلاثة أنجم ، ولم يطلق حتى أدى تعجيل سبعة عشر
    ألف دينار ، وأطلق بعد أن أخذ منه كفلاء بالباقي ، وأخذ عبد الله بن مخلد فأغرم
    سبعة عشر ألف دينار ، ووجه عبيد الله الحسين بن إسماعيل وكان أحد حجاب
    المتوكل ، وعتاب بن عتاب عن رسالة المتوكل ، أن يضرب نجاح خمسين مقرعة
    إن هو لم يقر ويؤدِّ ما وصف عليه ، فضربه ثم عاوده في اليوم الثاني بمثل ذلك ،
    ثم عاوده في اليوم الثالث بمثل ذلك ، فقال : أبلغ أمير المؤمنين أني ميت ، وأمر
    موسى بن عبد الملك جعفراً المعلوف ومعه عونان من أعوان ديوان الخراج ،
    فعصروا مذاكيره حتى برد فمات ، فأصبح فركب إلى المتوكل فأخبره بما حدث
    من وفاة نجاح ، فقال لهما المتوكل : إني أريد مالي الذي ضمنتماه ، فاحتالاه فقبضا
    من أمواله وأموال ولده جملة ، وحبسا أبا الفرج وكان على ديوان زمام الضياع
    من قبل أبي صالح بن يزداد ، وقبضا أمتعته كلها ، وجميع ملكه ، وكتبا على
    ضياعه لأمير المؤمنين ، وأخذا ما أخذا من أصحابه .. الخ . » .
    أقول : هذه صورة لإدارة دولة الخلافة الإسلامية ، وتكالب خليفتها وكبار وزرائه على
    أموال المسلمين المستضعفين ! فكيف يجوز تسميته خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتلقيبه
    المتوكل على الله ! وأي إدارة هذه ؟ وأي خلافة لرسول الله هذه ؟!

    نكب كاتب إيتاخ سليمان بن وهب ثم احتاج اليه !
    روى التنوخي في كتابه الفرج بعد الشدة « 1 / 51 » كيف أخذ المتوكل كاتب إيتاخ ،
    قال : « سمعت عبيد الله بن سليمان بن وهب يقول : كان المتوكل من أغلظ الناس
    على إيتاخ ، فذكر فيه حديثاً طويلاً ، وصف فيه كيف قبض المتوكل على إيتاخ
    وابن وهب ببغداد لما رجعا من الحج بيد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب .
    قال سليمان بن وهب : وساعة قبض على إيتاخ ببغداد قبض عليَّ بسر من رأى ،
    وسُلِّمْتُ إلى عبيد الله بن يحي . وكتب المتوكل إلى إسحاق بن إبراهيم بدخوله
    بسر من رأى ، ليتقوى به على الأتراك ، لأنه كان معه بضعة عشر ألفاً لكثرة
    الظاهرية بخراسان ، وشدة شوكتهم ، فلما دخل إسحاق أمر المتوكل بتسليمي
    إليه وقال : هذا عدوي ففصل عظامه ! هذا كان يلقاني في أيام المعتصم فلا يبدأني
    بالسلام ، وأبدأه لحاجتي فيرد عليَّ كما يرد المولى على عبده ، وكل ما دبره إيتاخ
    فعن رأيه ! فأخذني إسحاق وقيدني بقيد ثقيل ، وألبسني جبة صوف ، وحبسني
    في كنيف وأغلق على خمسة أبواب ، فكنت لا أعرف الليل من النهار ، فأقمت
    كذلك نحو عشرين يوماً لايفتح على الباب إلا حملةً واحدة في كل يوم وليلة ،
    ويدفع إلى فيهما خبز شعير وملح وماء حار ، فكنت آنس بالخنافس وبنات
    وردان ، وأتمنى الموت لشدة ما أنا فيه .. » ثم روى كيف اضطر المتوكل للإفراج
    عنه لخبرته في تحصيل مالية البلاد التي كان يحكمها إيتاخ ، وهي : مصر ،
    والكوفة ، والحجاز ، وتهامة ، ومكة ، والمدينة . « النجوم الزاهرة : 2 / 275 » .


    قال : « فحُملت إلى مجلس إسحاق فإذا فيه موسى بن عبد الملك صاحب ديوان
    الخراج ، والحسن بن محمد صاحب ديوان الضياع ، وأحمد بن إسرائيل الكاتب ،
    وأبو نوح ، وعيسى بن إبراهيم ، كاتب الفتح بن خاقان ، وداود بن الجراح
    صاحب الزمام ، فطُرحت في آخر المجلس ، فشتمني إسحاق بن إبراهيم أقبح
    شتم ، وقال : يا فاعل يا صانع تعرضني لاستبطاء أمير المؤمنين ، والله لأُفَرِّقن بين
    لحمك وعظمك ، ولأجعلن بطن الأرض أحب إليك من ظهرها ، أين الأموال
    التي جمعتها من غير وجهها .. الرأي أن تكتب خطك بالتزام عشرة آلاف ألف
    درهم ، تؤديها في عشرة أشهر ، كل شهر ألف ألف درهم ، وتَتَرَفَّهُ عاجلاً مما
    أنت فيه ! فأمر إسحاق بأخذي في الحال وإدخالي الحمام ، وجاؤني بخلعة نظيفة
    فلبستها ، وبخور طيب فتبخرت ، واستدعاني إسحاق ..
    فلما كان من غد حولني إلى دار كبيرة حسنة مفروشة ، ووكل على فيها بإحسان
    وإجلال ، واستدعيتُ كل من أردت ، وتسامع الناس بأمري ، وجاؤني ففرج
    عني ، ومضت سبعة وعشرون يوماً ، وقد أعددت ألف ألف درهم .. الخ . » !

    الفصل الثالث :
    سياسة المتوكل مع الإمام الهادي عليه‌السلام
    من ثوابت سياسة الخلفاء تصفية مخالفيهم !
    من ثوابت الخليفة القرشي : أن يعمل للتخلص من خصومه بقتلهم بالسم ،
    أو بالمكيدة ، ليكون قتلاً ناعماً مسكوتاً عنه عند الناس !
    وكان شعار معاوية المعروف : إن لله جنوداً من عسل ! قاله عندما نجح في دسَّ
    السُّمَّ لمالك الأشتر حاكم مصر رحمه‌الله . كما في المستطرف / 352 ، وغيره .
    وقال معاوية : لاجدَّ إلا ما أقْعَصَ عنك من تكره . أي العمل الجدِّي المهم هو :
    أن تقتل عدوك وتخمده في مكانه ، فتزيحه من طريقك ! « محاضرات الراغب : 1 / 531 » .
    قال في جمهرة الأمثال « 2 / 376 » : « والمثل لمعاوية رضي الله عنه » قاله بعد قتله عبد
    الرحمن بن خالد ، لأنه كان يعارض توليته لولده يزيد ! « ورواه في الأمثال للميداني :
    1 / 630 ، والمستقصى للزمخشري / 334 ، وطبقات الأطباء : 1 / 154 : والمنمق في أخبار قريش لابن حبيب : 1
    / 172 ، والتذكرة الحمدونية / 1497 ، وتاريخ دمشق : 19 / 189 » .
    وعلى هذه السياسة مشى خلفاء بني أمية وبني العباس ، وكان المتوكل يعمل
    لقتل الإمام الهادي عليه‌السلام وهو يعلم أنه إمام رباني ، وأنه لا يعمل للسلطة !
    ولاحجة للمتوكل إلا خوفه من إيمان الناس بالإمام عليه‌السلام ، فقد رأى أمه تطلب
    دعاءه ، وتنذر له النذور !


    1 . سَجَنَ المتوكل الإمام عليه‌السلام ليقتله فنجاه الله :
    روى الصدوق في الخصال / 395 : « عن الصقر بن أبي دلف الكرخي ، قال : لما حمل
    المتوكل سيدنا أبا الحسن العسكري عليه‌السلام جئتُ أسأل عن خبره قال : فنظر إليَّ
    الزُّرَافي وكان حاجباً للمتوكل ، فأمر أن أدخل إليه فأدخلت إليه ، فقال : يا صقر
    ما شأنك ؟ فقلت : خيرٌ أيها الأستاذ . فقال : أقعد ، فأخذني ما تقدم وما تأخر
    وقلت : أخطأت في المجئ ! قال : فوحى الناس عنه ، ثم قال لي : ما شأنك وفيم
    جئت ؟ قلت : لخير ما ، فقال : لعلك تسأل عن خبر مولاك ؟ فقلت له : ومن
    مولاي ؟ مولاي أمير المؤمنين ! فقال : أسكت ، مولاك هو الحق فلا تحتشمني
    فإني على مذهبك ، فقلت : الحمد لله . قال : أتحب أن تراه ؟ قلت : نعم . قال :
    أجلس حتى يخرج صاحب البريد من عنده . قال : فجلست فلما خرج قال لغلام
    له : خذ بيد الصقر وأدخله إلى الحجرة التي فيها العلوي المحبوس وَخَلِّ بينه
    وبينه ، قال : فأدخلني إلى الحجرة ، فأومأ إلى بيت فدخلت فإذا به عليه‌السلام جالس على
    صدر حصير وبحذاه قبر محفور ! قال : فسلمت فرد ، ثم أمرني بالجلوس ، ثم قال
    لي : يا صقر ما أتى بك ؟ قلت : يا سيدي جئت أتعرف خبرك ؟ قال : ثم نظرت إلى
    القبر فبكيت ! فنظر إلي فقال : يا صقر لا عليك ، لن يصلوا إلينا بسوء الآن ،
    فقلت : الحمد لله .
    ثم قلت : يا سيدي حديث يروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا أعرف معناه ، قال وما هو ؟
    فقلت قوله : لا تعادوا الأيام فتعاديكم ، ما معناه ؟ فقال : نعم ، الأيام نحنُ ما


    قامت السماوات والأرض ، فالسبتُ إسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والأحدُ كنايةٌ عن أمير
    المؤمنين عليه‌السلام ، والإثنين الحسن والحسين ، والثلاثاء علي بن الحسين ومحمد بن
    علي وجعفر بن محمد ، والأربعاء موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن
    علي وأنا ، والخميس ابني الحسن بن علي ، والجمعة ابن ابني ، وإليه تجتمع
    عصابة الحق ، وهو الذي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً .
    فهذا معنى الأيام ، فلا تعادوهم في الدنيا فيعادوكم في الآخرة . ثم قال عليه‌السلام :
    وَدِّعْ واخرج ، فلا آمن عليك » .
    قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : الأيام ليست بأئمة ولكن كنى بها عليه‌السلام
    عن الأئمة لئلا يدرك معناه غير أهل الحق . كما كنى الله عز وجل بالتين والزيتون
    وطور سينين وهذا البلد الأمين عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي والحسن والحسين عليهم‌السلام . .
    وكما كنى بالسير في الأرض عن النظر في القرآن ، سئل الصادق عليه‌السلام عن قول الله
    عز وجل : أو لم يسيروا في الأرض ، قال : معناه أو لم ينظروا في القرآن » .
    ملاحظات
    1. يظهر أن سجن الإمام عليه‌السلام في سامراء كان في إحضاره الأول الى سامراء ، في
    أوائل خلافة المتوكل ، ولم يسجن في سامراء بعدها .
    2. أما الصقر بن أبي دلف ، فهو من الكرخ وكان فيها شيعة لأهل البيت عليهم‌السلام
    من زمن الإمام الصادق عليه‌السلام , وكانت بغداد : الكرخ وبراثا ، ثم أسس
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني   الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyالثلاثاء أكتوبر 29, 2024 9:58 pm

    المنصور
    بينهما بغداد المدورة ، وقد وثقنا ذلك في سيرة الإمام الكاظم عليه‌السلام .


    والحديث يدل على أن الحاجب زرافة كان يعرف الصقر ويحترمه ، وكان يميل
    الى الشيعة ، وقيل يكتم تشيعه عن المتوكل ، وقد روى مدحه في الهداية الكبرى .
    3. لايبعد أن يكون الصقر من أولاد أبي دلف العجلي القائد المعروف الذي
    خرج على هارون الرشيد ، ثم اتفق معه وصار والياً على بلاد الجبل من إيران ،
    وأسس مدينة كرج . وقد كتبنا عنه في القبائل العراقية : قبيلة عِجل بن لُجَيْم .
    وكان أبو دلف شيعياً متشدداً ، وسكن قسم من أولاده في بغداد وآخرون في
    الحلة ، وبقي قسم منهم في الجبل ، ويشمل همدان وأصفهان وغيرهما ، ومنهم
    ولاة في زمن الواثق والمتوكل .
    4. سؤال الصقر عن معنى الأيام في الحديث النبوي ، يدل على تعمقه في التشيع
    فقد كان مطروحاً وقتها موقع الأئمة عليهم‌السلام التكويني ، وتفسير قوله تعالى : إِنَّ عِدَّةَ
    الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا
    أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً
    كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ . « التوبة : 36 » .
    وكان في عصره بوادر ظهور مذاهب الغلو في بغداد ، وأشهرها مذهب الحلاج
    والشلمغاني ، وبشار الشعيري الذي عرف أتباعه بالكرخية المخمسة ، وهو
    مذهب مأخوذ من مذهب الحلول المجوسي ، قالوا : « إن سلمان الفارسي والمقداد
    وعماراً وأبا ذر وعمر بن أمية الضمري ، هم الموكلون بمصالح العالم ، تعالى الله
    عن ذلك علواً كبيراً » . « خلاصة الأقوال للعلامة / 364 » .

    ولعل أول من أشاع ذلك في بغداد أحمد بن هلال الكرخي ، الملعون على لسان
    الإمام المهدي عليه‌السلام ، فسُمِّيَ أتباعه بالكرخية والكرخيين .
    قال الطوسي في الغيبة / 414 : « وكان الكرخيون مُخمسة ، لايشك في ذلك أحدٌ من
    الشيعة ، وقد كان أبو دلف يقول ذلك ويعترف به . . وجنون أبي دلف وحكايات
    فساد مذهبه ، أكثر من أن تحصى ، فلا نطول بذكرها الكتاب ها هنا » .
    أقول : أبو دلف المغالي بعد الصقر بن أبي دلف بسنين كثيرة ، وقد يكون من آل
    أبي دلف أو على اسمه . ولم يكن الصقر من أهل الغلو ، وسؤاله عن معنى الأيام
    وتفسيرها ليس من الغلو ، لأن الآية تدل على أن مخطط الكون مبني على عدة
    الشهور الإثني عشر ، وعدة أوصياء الأنبياء عليهم‌السلام ونقبائهم ، فهو قانون المنظومة
    العددية في تكوين الكون ، وفي هداية المجتمع . وبحثه خارج عن غرضنا .
    2 . واتهم المتوكل الإمام عليه‌السلام بجمع السلاح للثورة عليه :
    وقد أحضره ليلاً فأدخلوه على المتوكل وهو يشرب الخمر وأراد منه أن يشرب
    معه فأبى ، بل وعظه فبكى المتوكل ، وأمر برفع مائدة الخمر من مجلس الخلافة !
    وقد روت ذلك عامة المصادر ، ومنها المسعودي في مروج الذهب « 4 / 10 » بسنده عن
    محمد بن عرفة النحوي قال : حدثنا محمد بن يزيد المبرد : « وقد كان سُعِيَ بأبي الحسن
    علي بن محمد إلى المتوكل ، وقيل له : إن في منزله سلاحا وكتباً وغيرها من شيعته ،
    فوجه إليه ليلًا من الأتراك وغيرهم من هجم عليه في منزله على غفلة ممن في داره
    فوجده في بيت وحده مغلق عليه ، وعليه مَدْرَعة من شَعَرٍ ، ولا بساط في البيت



    إلا الرمل والحصى ، وعلى رأسه مَلْحَفة من الصوف متوجهاً إلى ربه ، يترنم بآيات
    من القرآن في الوعد والوعيد ، فأُخذ على ما وجد عليه ، وحُمل إلى المتوكل في
    جوف الليل ، فمثل بين يديه والمتوكل يشرب وفي يده كأس ، فلما رآه أعظمَه
    وأجلسه إلى جنبه ، ولم يكن في منزله شئ مما قيل فيه ، ولا حالة يتعلل عليه بها .
    فناوله المتوكل الكأس الذي في يده ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ما خامر لحمي
    ودمي قط فأعْفِنِي منه ، فأعفاه ، وقال : أنشدني شعراً أستحسنه ، فقال : إني لقليل
    الرواية للأشعار ، فقال : لا بد أن تنشدني . فأنشده :
    باتوا على قُلَلِ الأجبال تحرسهمْ
    غُلْبُ الرجالِ فما أغنتهمُ القُللُ

    واستُنْزِلُوا بعد عِزٍّ عن مَعَاقِلهمْ
    فأُودعُوا حُفَراً يا بِئسَ ما نَزلوا

    ناداهُمُ صارخٌ من بعد ما قُبروا
    أينَ الأسِرَّةُ والتيجانُ والحُلَلُ

    أينَ الوجوهُ التي كانت مُنَعَّمَةً
    من دونها تُضرُب الأستارُ والكِللُ

    فأفصحَ القبرُ عنهمْ حين ساءلهمْ
    تلكَ الوجوهُ عليها الدُّودُ يَقْتَتِل

    قد طالَ ما أكلُوا دهراً وما شربوا
    فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكِلوا

    وطالما عَمروا دوراً لتحصنهمْ
    ففارقوا الدورَ والأهلينَ وانتقلوا

    وطالما كنزوا الأموالَ وادَّخروا
    فخلَّفُوها على الأعداء وارتحلوا

    أضحت مَنازِلُهم قَفْراً مُعَطَّلَةً
    وساكنوهَا إلى الأجْدَاثِ قد رَحَلُوا

    قال : فأشفق كل من حضر على علي ، وظنوا أن بادرة تبدر منه إليه ، قال : والله
    لقد بكى المتوكل بكاء طويلاً حتى بلت دموعه لحيته ، وبكى من حضره ، ثم أمر


    برفع الشراب ، ثم قال له : يا أبا الحسن ، أعليك دَينٌ ؟ قال : نعم أربعة آلاف
    دينار ، فأمر بدفعها إليه ، ورده إلى منزله من ساعته مكرماً » .
    ورواها الذهبي في تاريخ الإسلام « 18 / 199 » ، فقال : « سُعِيَ بأبي الحسن إلى المتوكل
    وأن في منزله سلاحاً وكتباً من أهل قم ، ومن نيته التوثب ، فكَبَسَ بيته ليلاً
    فوجده في بيت عليه مدرعة صوف ، متوجهاً إلى ربه يترنم بآيات ، فأُخذ كهيئته
    إلى المتوكل وهو يشرب ... » . واليافعي في مرآة الجنان : 2 / 119 ، والقلقشندي في معالم
    الخلافة : 1 / 232 ، والأبشيهي في المستطرف : 2 / 874 ، وغيرهم ، وغيرهم .
    3. وكان يقول : أعياني أمرُ ابن الرضا !
    كان المتوكل ذات يوم غاضباً متوتراً ، لأنه عجز أن يجرَّ الإمام الهادي عليه‌السلام الى
    شرب الخمر ، ثم يُظهره للناس سكراناً لتسقط عقيدتهم به !
    وهذه لجاجةٌ منه لأنه يعرف أن الإمام عليه‌السلام من العترة الذين طهرهم الله تعالى !
    روى في الكافي « 1 / 502 » : « حدثني أبوالطيب المثنى يعقوب بن ياسر قال : كان
    المتوكل يقول : ويحكم قد أعياني أمر ابن الرضا ! أبى أن يشرب معي أو ينادمني
    أو أجد منه فرصة في هذا ! فقالوا له : فإن لم تجد منه ، فهذا أخوه موسى قَصَّافٌ
    عَزَّاف ، يأكل ويشرب ويتعشق . قال : إبعثوا إليه فجيئوا به حتى نُمَوِّهَ به على
    الناس ونقول ابن الرضا ! فكتب إليه وأشخص مكرماً وتلقاه جميع بني هاشم
    والقواد والناس على أنه إذا وافى أقطعه قطيعة ، وبنى له فيها ، وحول الخمارين
    والقيان إليه ، ووصله وبره وجعل له منزلاً سرياً ، حتى يزوره هو فيه !


    فلما وافى موسى تلقاه أبوالحسن عليه‌السلام في قنطرة وصيف ، وهو موضع يتلقى فيه
    القادمون ، فسلم عليه ووفاه حقه ، ثم قال له : إن هذا الرجل قد أحضرك
    ليهتكك ويضع منك ، فلا تقر له أنك شربت نبيذاً قط .
    فقال له موسى : فإذا كان دعاني لهذا فما حيلتي ؟ قال : فلا تضع من قدرك ولا
    تفعل ، فإنما أراد هتكك ، فأبى عليه ، فكرر عليه . فلما رأى أنه لا يجيب قال : أما
    إن هذا مجلس لا تجمع أنت وهو عليه أبداً !
    فأقام ثلاث سنين ، يبكر كل يوم فيقال له : قد تشاغل اليوم فَرُحْ فَيروح .
    فيقال : قد سكر فبكِّر ، فيبكر . فيقال : شرب دواءً ! فما زال على هذا ثلاث سنين
    حتى قتل المتوكل ، ولم يجتمع معه عليه » .
    أقول : لما رأى الإمام عليه‌السلام إصرار أخيه على المنكر ، وعلى إعطاء المتوكل مبرراً
    للطعن بإمامة العترة النبوية عليهم‌السلام ، دعا عليه بأن لا يلتقي بالمتوكل أبداً ، وهو يعلم
    أن الله تعالى لا يردُّ له طلبة ، فأخبره بأنه لن يجتمع مع صاحبه الخليفة الخمَّار أبداً !
    هذا ، وقد روي أن موسى المبرقع تاب بعد ذلك وأناب واستقام . وله ذرية
    كثيرة ، وفيهم أبرار وعلماء أجلاء .
    4. يتفاءل المتوكل بنفسه ويتشاءم بالإمام عليه‌السلام :
    « عن فارس بن حاتم بن ماهويه قال : بعث يوماً المتوكل إلى سيدنا أبي الحسن
    عليه‌السلام أن اركب وأخرج معنا إلى الصيد لنتبرك بك ، فقال للرسول : قل له إني
    راكب ، فلما خرج الرسول قال لنا : كذب ، ما يريد إلا غير ما قال ! قالا : قلنا : يا


    مولانا فما الذي يريد ؟ قال : يظهر هذا القول فإن أصابه خير نسبه إلى ما يريد بنا
    ما يبعده من الله ، وإن أصابه شرٌّ نسبه إلينا ، وهو يركب في هذا اليوم ويخرج إلى
    الصيد فيرد هو وجيشه على قنطرة على نهر ، فيعبر سائر الجيش ولا تعبر دابته ،
    فيرجع ويسقط من فرسه فتزل رجله وتتوهن يداه ، ويمرض شهراً .
    قال فارس : فركب سيدنا وسرنا في المركب معه والمتوكل يقول : أين ابن عمى
    المدني ؟ فيقول له : سائرٌ يا أمير المؤمنين في الجيش ، فيقول : ألحقوه بنا ، ووردنا
    النهر والقنطرة ، فعبر سائر الجيش وتشعثت القنطرة وتهدمت ، ونحن نسير في
    أواخر الناس مع سيدنا ، ورُسل المتوكل تحثُّه ، فلما وردنا النهر والقنطرة امتنعت
    دابته أن تعبر ، وعبر سائر الجيش ودوابنا ، فاجتهدت رسل المتوكل عبور دابته
    فلم تعبر ، وعثر المتوكل فلحقوا به ، ورجع سيدنا ، فلم يمض من النهار إلا
    ساعات حتى جاءنا الخبر أن المتوكل سقط عن دابته وزلت رجله وتوهنت يداه ،
    وبقي عليلاً شهراً ! وعتب على أبي الحسن عليه‌السلام قال : أبوالحسن عليه‌السلام إنما رجع عنا
    لئلا تصيبنا هذه السقطة فنشأم به ، فقال أبو الحسن عليه‌السلام : صدق الملعون » .
    5. وكانت أم المتوكل تعتقد بالإمام عليه‌السلام وتنذر له :
    روى في الكافي « 1 / 499 » : « عن إبراهيم بن محمد الطاهري قال : مرض المتوكل
    من خَرَّاجٍ خرج به وأشرف منه على الهلاك ، فلم يجسر أحد أن يمسه بحديدة ،
    فنذرت أمه إن عوفي أن تحمل إلى أبي الحسن علي بن محمد مالاً جليلاً من مالها .
    وقال له الفتح بن خاقان : لو بعثت إلى هذا الرجل فسألته فإنه لا يخلوأن يكون



    عنده صفة يفرج بها عنك ، فبعث إليه ووصف له علته ، فرد إليه الرسول بأن
    يؤخذ كُسْبُ الشاة « بالضم عُصارة الدهن » فيداف بماء ورد ، فيوضع عليه .
    فلما رجع الرسول فأخبرهم أقبلوا يهزؤون من قوله ، فقال له الفتح : هو والله
    أعلم بما قال . وأحضر الكسب وعمل كما قال ووضع عليه فغلبه النوم وسكن ،
    ثم انفتح وخرج منه ما كان فيه وبشرت أمه بعافيته ، فحملت إليه عشرة آلاف
    دينار تحت خاتمها . ثم استقل من علته فسعى به البطحائي العلوي ، بأن أموالاً
    تحمل إليه وسلاحاً ، فقال لسعيد الحاجب : أُهْجُمْ عليه بالليل وخذ ما تجد عنده
    من الأموال والسلاح ، واحمله إليَّ .
    قال إبراهيم بن محمد : فقال لي سعيد الحاجب : صرت إلى داره بالليل ومعي
    سلم فصعدت السطح ، فلما نزلت على بعض الدرج في الظلمة ، لم أدر كيف
    أصل إلى الدار ، فناداني : يا سعيد مكانك حتى يأتوك بشمعة ، فلم ألبث أن أتوني
    بشمعة فنزلت فوجدته : عليه جبة صوف وقلنسوة منها وسجادة ، على حصير
    بين يديه ، فلم أشك أنه كان يصلي ، فقال لي : دونك البيوت فدخلتها وفتشتها
    فلم أجد فيها شيئاً ، ووجدت البدرة في بيته مختومة بخاتم أم المتوكل وكيساً
    مختوماً وقال لي : دونك المصلى ، فرفعته فوجدت سيفاً في جفن غير ملبس .
    فأخذت ذلك وصرت إليه ، فلما نظر إلى خاتم أمه على البدرة بعث إليها
    فخرجت إليه ، فأخبرني بعض خدم الخاصة أنها قالت له : كنت قد نذرت في
    علتك لما آيست منك إن عوفيت حملت إليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها
    إليه ، وهذا خاتمي على الكيس ، وفتح الكيس الآخر فإذا فيه أربعمائة دينار ،
    فضم إلى البدرة بدرة أخرى وأمرني بحمل ذلك إليه فحملته ، ورددت السيف


    والكيسين وقلت له : يا سيدي عَزَّ عليَّ ! فقال لي : وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ
    مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ » .
    أقول : البطحائي العلوي ، الذي افترى على الإمام عليه‌السلام هو مع الأسف : محمد بن
    القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي عليه‌السلام .
    6 . بنى المتوكل عاصمة جديدة بالإجبار :
    من غطرسة المتوكل وبذخه : أنه قرر بناء عاصمة قرب سامراء ، وسماها سامراء
    وأجبر الناس على أن يبنوا بيوتهم فيها ، وكان يعطيهم نفقاتها ، أو قسماً منها .
    فقال الإمام الهادي عليه‌السلام كما في الهداية / 320 : « إن هذا الطاغية يبني مدينة يقال لها
    سامرا ، يكون حتفه فيها على يد ابنه المسمى بالمنتصر ، وأعوانه عليه الترك . . .
    ثم كان من أمر بناء المتوكل الجعفري وما أمر به بني هاشم وغيرهم من الأبنية
    هناك ما تحدث به ، ووجه إلى أبي الحسن عليه‌السلام بثلاثين ألف درهم ، وأمره أن
    يستعين بها على بناء دار ، وركب المتوكل يطوف على الأبنية ، فنظر إلى دار أبي
    الحسن عليه‌السلام لم ترتفع إلا قليلاً ، فأنكر ذلك وقال لعبيد الله بن يحيى بن خاقان :
    عليَّ وعليَّ يميناً وأكدها : لئن ركبت ولم ترتفع دار أبي الحسن عليه‌السلام لأضربنَّ عنقه ،
    فقال له عبيد الله : يا أمير المؤمنين لعله في إضاقة ، فأمر له بعشرين ألف درهم
    وجه بها إليه مع أحمد ابنه ، وقال له : تحدثه بما جرى ، فصار إليه وأخبره بما جرى
    فقال : إنْ رَكِب فليفعل ذلك ! ورجع أحمد إلى أبيه عبيد الله فعرفه ذلك ، فقال
    عبيد الله : ليس والله يركب » ! أي قال رئيس الوزراء : إن المتوكل لن يركب ، لأنه
    يعرف أن الإمام عليه‌السلام يتكلم بإلهام من الله تعالى !


    7 . حاول المتوكل إذلال الإمام عليه‌السلام فدعا عليه :
    « عن زرافة حاجب المتوكل وكان شيعياً أنه قال : كان المتوكل لحظوة الفتح بن
    خاقان عنده وقربه منه دون الناس جميعاً ، ودون ولده وأهله ، أراد أن يبين
    موضعه عندهم . فأمر جميع مملكته من الأشراف من أهله وغيرهم ، والوزراء
    والأمراء والقواد وسائر العساكر ووجوه الناس ، أن يَزَّينوا بأحسن التزيين ،
    ويظهروا في أفخر عُدَدهم وذخائرهم ، ويَخرجوا مشاة بين يديه ، وأن لا يَركب
    أحد إلا هو والفتح بن خاقان خاصة بسر من رأى !
    ومشى الناس بين أيديهما على مراتبهم رَجَّالَة ، وكان يوماً قائظاً شديد الحر .
    وأخرجوا في جملة الأشراف أبا الحسن علي بن محمد عليهما‌السلام وشقَّ ما لقيه من الحر
    والزحمة . قال زرافة : فأقبلت إليه وقلت له : يا سيدي يعز والله عليَّ ما تلقى من
    هذه الطغاة ، وما قد تكلفته من المشقة ، وأخذت بيده فتوكأ عليَّ وقال : يا زرافة
    ما ناقة صالح عند الله بأكرم مني ، أو قال بأعظم قدراً مني ، ولم أزل أسائله
    وأستفيد منه ، وأحادثه إلى أن نزل المتوكل من الركوب وأمر الناس بالإنصراف .
    فقدمت إليهم دوابهم فركبوا إلى منازلهم ، وقدمت بغلة له فركبها وركبت معه
    إلى داره فنزل وودعته وانصرفت إلى داري ، ولوُلدي مؤدبٌ يتشيع من أهل
    العلم والفضل ، وكانت لي عادةٌ بإحضاره عند الطعام ، فحضر عند ذلك
    وتجارينا الحديث ، وما جرى من ركوب المتوكل والفتح ، ومشي الأشراف
    وذوي الأقدار بين أيديهما ، وذكرت له ما شاهدته من أبي الحسن علي بن محمد


    وما سمعته من قوله : ما ناقة صالح عند الله بأعظم قدراً مني . وكان المؤدب يأكل
    معي فرفع يده وقال : بالله إنك سمعت هذا اللفظ منه ؟ فقلت له : والله إني
    سمعته يقوله ، فقال لي : إعلم أن المتوكل لا يبقى في مملكته أكثر من ثلاثة أيام
    ويهلك ! فانظر في أمرك وأحرز ما تريد إحرازه وتأهب لأمرك كي لا يفجؤكم
    هلاك هذا الرجل فتهلك أموالكم بحادثة تحدث أو سبب يجري .
    فقلت له : من أين لك ذلك ؟ فقال : أما قرأت القرآن في قصة صالح والناقة
    وقوله تعالى : تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ . ولا يجوز أن
    تبطل قول الإمام عليه‌السلام ! قال زرافة ، فوالله ما جاء اليوم الثالث حتى هجم المنتصر
    ومعه بغا ووصيف والأتراك على المتوكل فقتلوه وقطعوه ، والفتح بن خاقان
    جميعاً ، قطعاً حتى لم يعرف أحدهما من الآخر ، وأزال الله نعمته ومملكته !
    فلقيت الإمام أبا الحسن عليه‌السلام بعد ذلك وعرفته ما جرى مع المؤدب وما قاله ،
    فقال : صدق إنه لما بلغ مني الجهد رجعت إلى كنوز نتوارثها من آبائنا هي أعز من
    الحصون والسلاح والجنن ، وهو دعاء المظلوم على الظالم ، فدعوت به عليه
    فأهلكه الله » . « مهج الدعوات / 267 » .
    وفي الخرائج : 1 / 402 : ذكر زرافة حديثه مع مؤدبه وقال : « فغضبت عليه وشتمته
    وطردته من بين يدي ، فخرج . فلما خلوت بنفسي تفكرت وقلت : ما يضرني أن
    آخذ بالحزم ، فإن كان من هذا شئ كنت قد أخذت بالحزم ، وإن لم يكن لم يضرني
    ذلك ، قال : فركبت إلى دار المتوكل فأخرجت كل ما كان لي فيها ، وفرقت كل ما



    كان في داري إلى عند أقوام أثق بهم ، ولم أترك في داري إلا حصيراً أقعد عليه .
    فلما كانت الليلة الرابعة قتل المتوكل وسلمت أنا ومالي ، فتشيعت عند ذلك
    وصرت إليه ، ولزمت خدمته ، وسألته أن يدعو لي وتوليته حق الولاية » .
    وفي الثاقب / 539 : « سمعت من سعيد الصغير الحاجب قال : دخلت على سعيد
    بن صالح الحاجب فقلت : يا أبا عثمان قد صرت من أصحابك ، وكان سعيد
    يتشيع . فقال : هيهات ! قلت : بلى والله . فقال : وكيف ذلك ؟ قلت : بعثني المتوكل
    وأمرني أن أكبس على علي بن محمد بن الرضا فأنظر ما فعل ، ففعلت ذلك
    فوجدته يصلي فبقيت قائماً حتى فرغ ، فلما انفتل من صلاته أقبل عليَّ وقال : يا
    سعيد ، لا يكف عني جعفر أي المتوكل حتى يقطع إرباً إرباً ! إذهب واعزب ،
    وأشار بيده الشريفة فخرجت مرعوباً ودخلني من هيبته ما لا أحسن أن أصفه !
    فلما رجعت إلى المتوكل سمعت الصيحة والواعية ، فسألت عنه فقيل : قتل
    المتوكل ، فرجعنا وقلتُ بها » .
    أقول : كذب سعيد ، فقد كان جلوازاً سيَّافاً عند بني العباس ، ثم ادعى التشيع !
    وفي الخرائج : 1 / 412 : « حدثنا ابن أرومة قال : خرجت أيام المتوكل إلى سر من رأى
    فدخلت على سعيد الحاجب ودفع المتوكل أبا الحسن إليه ليقتله ، فلما دخلت
    عليه ، قال : تحب أن تنظر إلى إلهك ؟ قلت : سبحان الله إلهي لا تدركه الأبصار .
    قال : هذا الذي تزعمون أنه إمامكم ! قلت : ما أكره ذلك . قال : قد أمرت بقتله
    وأنا فاعله غداً وعنده صاحب البريد فإذا خرج فادخل إليه .

    فلم ألبث أن خرج قال : أدخل ، فدخلت الدار التي كان فيها محبوساً فإذا هو ذا
    بحياله قبر يحفر ، فدخلت وسلمت وبكيت بكاءً شديداً ، قال : ما يبكيك ؟
    قلت : لما أرى . قال : لا تبك لذلك فإنه لا يتم لهم ذلك . فسكن ما كان بي فقال :
    إنه لا يلبث أكثر من يومين حتى يسفك الله دمه ودم صاحبه الذي رأيته . قال :
    فوالله ما مضى غير يومين حتى قتل وقتل صاحبه » .
    8. أظهر الله قدرة وليه عليه‌السلام فخاف الطاغية :
    روى الخصيبي في الهداية الكبرى / 322 : « عن الحسن بن مسعود وعلي وعبيد الله
    الحسني ، قال : دخلنا على سيدنا أبي الحسن عليه‌السلام بسامرا وبين يديه أحمد بن
    الخصيب ومحمد وإبراهيم الخياط ، وعيونهم تفيض من الدمع ، فأشار الينا عليه‌السلام
    بالجلوس فجلسنا وقال : هل علمتم ما علمه إخوانكم ؟ فقلنا : حدثنا منه يا
    سيدنا ذكراً . قال : نعم ، هذا الطاغي قال مسمعاً لحفدته وأهل مملكته : تقول
    شيعتك الرافضة إن لك قدرة ، والقدرة لا تكون إلا لله ، فهل تستطيع إن أردت
    بك سوءً أن تدفعه ؟ فقلت له : وإن يمسك الله بسوء فلا كاشف له إلا هو .
    فأطرق ثم قال : إنك لتروي لكم قدرة دوننا ، ونحن أحق به منكم ، لأننا
    خلفاء وأنتم رعيتنا . فأمسكت عن جوابه ، لأنه أراد أن يبين جبره بي ، فنهضت
    فقال : لتقعدن وهو مغضب ، فخالفت أمره وخرجت ، فأشار إلى من حوله :
    الآن خذوه ، فلم تصل أيديهم إليَّ وأمسكها الله عني ! فصاح : الآن قد أريتنا
    قدرتك والآن نريك قدرتنا ، فلم يستتم كلامه حتى زلزلت الأرض ورجفت !


    فسقط لوجهه ، وخرجتُ فقلت : في غدٍ الذي يكون له هنا قدرة يكون عليه
    الحكم لا له . فبكينا على إمهال الله له وتجبره علينا وطغيانه .
    فلما كان من غد ذلك اليوم ، فأذن لنا فدخلنا فقال : هذا ولينا زرافة يقول إنه قد
    أخرج سيفاً مسموماً من الشفرتين ، وأمره أن يرسل إليَّ فإذا حضرت مجلسه
    أخلى زرافة لأمته مني ودخل إلي بالسيف ليقتلني به ، ولن يقدر على ذلك .
    فقلنا : يا مولانا إجعل لنا من الغم فرجاً . فقال : أنا راكب إليه فإذا رجعت
    فاسألوا زرافة عما يرى . قال : وجاءته الرسل من دار المتوكل ، فركب وهو يقول :
    إن كيد الشيطان كان ضعيفاً . ولم نزل نرقب رجوعه إلى أن رجع ومضينا إلى زرافة
    فدخلنا عليه في حجرة خلوته فوجدناه منفرداً بها واضعاً خده على الأرض يبكي
    ويشكر الله مولاه ويستقيله ، فما جلس حتى أتينا إليه فقال لنا : أجلسوا يا إخواني
    حتى أحدثكم بما كان من هذا الطاغي ، ومن مولاي أبي الحسن عليه‌السلام ، فقلنا له :
    سُرَّنَا سَرَّك الله ، فقال : إنه أخرج إلي سيفاً مسموم الشفرتين وأمرني ليرسلني إلى
    مولاي أبي الحسن إذا خلا مجلسه فلا يكون فيه ثالث غيري وأعلو مولاي
    بالسيف فأقتله . فانتهيت إلى ما خرج به أمره إليَّ فلما ورد مولاي للدار وقفت
    مشارفاً فاعلم ما يأمر به ، وقد أخليت المجلس وأبطأت ، فبعث إلي هذا الطاغي
    خادماً يقول إمض ويلك ما آمرك به . فأخذت السيف بيدي ودخلت ، فلما
    صرت في صحن الدار ورآني مولاي فركل برجله وسط المجلس فانفجرت
    الأرض ، وظهر منها ثعبان عظيم فاتحٌ فاه ، لوابتلع سامرا ومن فيها لكان في فيه


    سعة ، لا ترى مثله ! فسقط المتوكل لوجهه ، وسقط السيف من يده ، وأنا
    أسمعه يقول : يا مولاي ويا ابن عمي ، أقلني أقالك الله ، وأنا أشهد أنك على كل
    شئ قدير ! فأشار مولاي بيده إلى الثعبان فغاب ، ونهض وقال : ويلك ذلك الله
    رب العالمين . فحمدنا الله وشكرناه » .
    9. لقد فاخرتنا من قريش عصابةٌ :
    « دخل عليه‌السلام يوماً على المتوكل فقال : يا أبا الحسن من أشعر الناس ، وكان قد سأل
    قبله ابن الجهم فذكر شعراء الجاهلية وشعراء الإسلام ، فلما سأل الإمام عليه‌السلام
    قال : فلان بن فلان العلوي . قال ابن الفحام : وأحسبه الحماني قال : حيث يقول :
    لقد فَاخَرَتْنَا من قريشٍ عُصَابَةٌ
    بِمَطِّ خُدُودٍ وامتدادِ أصابعِ

    فلما تنازعنا القضاءَ قضى لنا
    عليهم بما نهوى نداءُ الصوامع

    قال : وما نداء الصوامع ، يا أبا الحسن ؟ قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً
    رسول الله ، جدي أم جدك ؟فضحك المتوكل ثم قال : هو جدك لاندفعك عنه » .
    « أمالي الطوسي / 287 ، ومناقب آل أبي طالب : 3 / 510 ، والمحاسن والمساوئ للبيهقي : 1 / 46 ، وفي
    طبعة / 78 ، والمحاسن والأضداد للجاحظ : 1 / 147 ، ومصادر أخرى » .
    قال السيد الأمين في أعيان الشيعة « 1 / 185 » : « وَالحِمَّاني : علي بن محمد بن
    جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين عليه‌السلام الذي كان يقول : أنا شاعر وأبي شاعر
    وجدي شاعر إلى أبي طالب . والذي شهد له الهادي عليه‌السلام أمام المتوكل بأنه أشعر
    الناس لقوله من أبيات .. فلما تنازعنا الحديث قضى لنا ...


    وقال في أعيان الشيعة « 8 / 316 » : « علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن
    علي بن الحسين عليه‌السلام المعروف بالحِمَّاني ، نسبة إلى حِمَّان بكسر الحاء وتشديد الميم
    قبيلة بالكوفة نزلها . توفي سنة 260 ، كما قال ابن الأثير ، كان فاضلاً أديباً شاعراً
    وشهد له الإمام أبوالحسن عليه‌السلام الثالث في التفضيل في الشعر . وذكر تتمة البيتين :
    وإنا سكوتٌ والشهيدُ بفضلنا
    عليهم جهيرُ الصوت في كل جامع

    فإنَّ رسولَ الله أحمدُ جدُّنا
    ونحنُ بنوهُ كالنجوم الطوالع

    وقال : قوله وأنشد له المرتضى في الفصول المختارة من كتاب المجالس ، وكتاب
    العيون والمحاسن للمفيد :
    يا آلَ حم الذين بحبهمْ
    حَكَمَ الكتابُ مُنزلاً تنزيلا

    كان المديحُ حُلَى الملوك وكنتمُ
    حُلَلَ المدائح عِزَّةً وجُمولا

    بيتٌ إذا عَدَّ المآثرَ أهلُها
    عَدُّوا النبيَّ وثانياً جبريلا

    قومٌ إذا اعتدلوا الحمايلَ أصبحوا
    متقسمين خَلَيفةً ورسولا

    نشأوا بآيات الكتاب فما انثنوا
    حتى صدرنَ كُهولةً وكُهولا

    ثقلانِ لن يتفرقا أو يُطْفِيَا
    بالحوض من ظمإِ الصدورِ غليلا

    وخليفتان على الأنام بقوله
    بالحق أصدقُ من تكلم قيلا

    فاقوا أكفَّ الآيسين فأصبحوا
    لايعدلون سوى الكتاب عديلا » .

    ورواها في مناقب آل أبي طالب « 2 / 339 » وأنشد له ابن عنبة في عمدة الطالب / 301 :
    « لنا من هاشمٍ هَضَبَاتُ عِزٍّ
    مُطَنَّبَةٌ بأبراجِ السماءِ

    تُطيفُ بنا الملائكُ كلَّ يَوْمٍ
    ونُكفَلُ في حُجُورِ الأنبياء

    ويَهتزُّ المقامُ لنا ارتياحاً
    ويلقانا صَفَاهُ بالصَّفاء » .


    10. هيأ له المعتز علوجاً ليقتلوه فهابوه وسجدوا له :
    روى في الثاقب في المناقب / 556 : « عن أبي العباس فضل بن أحمد بن إسرائيل
    الكاتب قال : كنا مع المعتز ، وكان أبي كاتبه ، فدخلنا الدار والمتوكل على سريره
    قاعد ، فسلم المعتز ووقف ووقف خلفه ، وكان عهدي به إذا دخل عليه رحب
    به وأمره بالقعود ، ونظرت إلى وجهه يتغير ساعة بعد ساعة ، ويقبل على الفتح
    بن خاقان ويقول : هذا الذي يقول فيه ما يقول ، ويرد عليه القول ، والفتح مقبل
    عليه يسكنه ويقول : مكذوب عليه يا أمير المؤمنين . وهو يتلظى ويقول : والله
    لأقتلن هذا المرائي الزنديق ، وهو الذي يدعي الكذب ، ويطعن في دولتي .
    ثم قال : جئني بأربعة من الخزر وأجلاف لا يفقهون ، فجئ بهم ودفع إليهم
    أربعة أسياف ، وأمرهم أن يرطنوا بألسنتهم إذا دخل أبوالحسن ، وأن يقبلوا عليه
    بأسيافهم فيخبطوه ويقتلوه ، وهو يقول : والله لأحرقنه بعد القتل ، وأنا منتصب
    قائمٌ خلفه من وراء الستر ، فما علمت إلا بأبي الحسن عليه‌السلام قد دخل ، وقد بادر
    الناس قدامه فقالوا : جاء ! والتفتُّ ورائي وهو غير مكترث ولا جازع ، فلما بصر
    به المتوكل رمى بنفسه من السرير إليه وهو بسيفه فانكب عليه يقبل بين عينيه ،
    واحتمل يده بيده وهو يقول : يا سيدي ، يا ابن رسول الله ، ويا خير خلق الله يا
    ابن عمي يا مولاي ، يا أبا الحسن ، وأبوالحسن يقول : أعيذك بالله يا أمير المؤمنين
    من هذا ! فقال : ما جاء بك يا سيدي في هذا الوقت ؟ قال : جاءني رسولك ،
    فقال المتوكل : كذب ابن الفاعلة ، إرجع يا سيدي من حيث جئت .


    يا فتح ، يا عبد الله ، يا معتز ، شيعوا سيدي وسيدكم . فلما بصر به الخزر خروا
    سجداً مذعنين ، فلما خرج دعاهم المتوكل ، ثم أمر الترجمان أن يخبره بما يقولون ،
    ثم قال لهم : لم لا تفعلوا ما أمرتكم به ؟ قالوا : لشدة هيبته ، ورأينا حوله أكثر من
    مائة سيف لم نقدر أن ننالهم ، فمنعنا ذلك عما أمرنا به ، وامتلأت قلوبنا رعباً من
    ذلك . فقال المتوكل : هذا صاحبكم ، وضحك في وجه الفتح ، وضحك الفتح
    في وجهه وقال : الحمد لله الذي بيض وجهه ، وأنار حجته » .
    رووا أن الإمام عليه‌السلام مدح العباس :
    قال الذهبي في سيره « 12 / 38 » : « قال المبرد : قال المتوكل لعلي بن محمد بن الرضا : ما
    يقول ولد أبيك في العباس ؟ قال : ما تقول يا أمير المؤمنين في رجل فرض الله
    طاعته على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله وذكر حكاية طويلة ، وبكى المتوكل ، وقال له : يا أبا الحسن
    لينت منا قلوباً قاسية ، أعليك دين ؟ قال : نعم ، أربعة آلاف دينار ، فأمر له بها » .
    أقول : إذا صح ذلك فهو تقية جائزة للتخلص من قرار المتوكل بقتله عليه‌السلام ،
    ويكون معنى : فرض طاعته على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أي طاعة الله تعالى لا طاعة العباس .
    * *

    الفصل الرابع :
    إحضار المتوكل للإمام الهادي عليه‌السلام الى سامراء
    أحضر المتوكل الإمام عليه‌السلام الى سامراء ثلاث مرات
    1. حكم المتوكل أربع عشرة سنة « 232 ـ 247 » وحكم بعده ابنه المنتصر نحو
    سبعة أشهر ، ثم حكم المستعين وهو أحمد بن محمد بن المعتصم ، سنتين وتسعة
    أشهر ، ثم حكم المعتز وهو الزبير بن المتوكل ، ثماني سنين وستة أشهر ، وهو
    الذي ارتكب جريمة قتل الإمام الهادي عليه‌السلام .
    وكان المتوكل على خط أسلافه خلفاء بني عباس في عدائهم للأئمة من عترة
    النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنهم يعرفون أنهم أئمة ربانيون ينجذب اليهم الناس ، ويقيسون
    بهم الخليفة العباسي . فهم برأي الخلفاء خطرٌ على حكمهم .
    وبسبب هذا العداء أرسل المتوكل القائد عَتَّاب بن أبي عتاب في أول خلافته
    لإحضار الإمام الهادي عليه‌السلام ، ثم أرسل القائد يحيى بن هرثمة أكثر من مرة .
    وروت المصادر نص رسالة المتوكل الى الإمام عليه‌السلام مع ابن هرثمة سنة 243 . كما
    روت أنه حبسه في إحدى إحضاراته وحفر له قبراً في السجن ! ويظهر أن ذلك
    كان في مطلع خلافته سنة 233 ، فبقي الإمام عليه‌السلام مدة في سامراء ، ثم تخلص
    ورجع الى المدينة ، أو رجع في موسم الحج وبقي في المدينة .


    ثم أحضره ثانية قبل سنة 235 ، فتخلص أيضاً وعاد الى المدينة ، ثم أحضره سنة
    243 ، وألزمه بالبقاء في سامراء .
    وقلنا ثلاث مرات على الأقل ، لأنهم رووا أن المتوكل مرض في أول خلافته ،
    ونذر إن عوفي أن يتصدق بدنانير كثيرة ، ولم يعرف الفقهاء مقدارها ، وأرسل الى
    الإمام الهادي عليه‌السلام وكان في سامراء ، فسأله .
    ورووا أن يحيى بن هرثمة مرَّ به في مجيئه على بغداد ، وزاره القائد إسحاق بن
    إبراهيم الطاهري ، وقد توفي الطاهري سنة 235 ، فلا بد أن يكون ذلك غير
    إحضاره مع القائد عَتَّاب بن أبي عتاب .
    كما أن المتوكل حبس الإمام عليه‌السلام في هذا الإحضار ، وأراد قتله . أما في الإحضار
    الأخير فلم يحبسه وأظهر احترامه وألزمه بالإقامة في سامراء ، فاشترى الإمام
    داراً من نصراني وسكن فيها ، ثم أضاف اليها داراً أو دوراً أخرى .
    أما محاولة المتوكل إهانة الإمام عليه‌السلام وإنزاله في خان الصعاليك ، وتأخير مقابلته
    له يوماً ، فلا يبعد أن تكون في إحضاره الأخير .
    2. وبهذا تعرف أن سبب تفاوت كلام المؤرخين في أن الإمام الهادي عليه‌السلام أقام في
    سامراء عشرين سنة ، أو عشر سنين ، هو الإحضارات المتعددة له ، والتي ختمت
    بفرض الإقامة الجبرية عليه حتى هلاك المتوكل .
    ثم جاء المستعين والمعتز فواصلا فرض الإقامة الجبرية عليه ، حتى ارتكب المعتز
    وهو الزبير بن المتوكل ، جريمة قتله عليه‌السلام .

    الإحضار الأول للإمام عليه‌السلام الى سامراء
    قال في مناقب آل أبي طالب « 3 / 515 » : « وَجَّهَ المتوكل عَتَّابَ بن أبي عتاب إلى المدينة
    ليحمل علي بن محمد عليه‌السلام إلى سر من رأى ، وكان الشيعة يتحدثون أنه يعلم
    الغيب ، فكان في نفس عتاب من هذا شئ ، فلما فصل من المدينة رآه وقد لبس
    لَبَّادة والسماء صاحية ، فما كان أسرع من أن تغيمت وأمطرت ، فقال عتاب : هذا
    واحد . ثم لما وافى شط القاطون رآه مُقْلَقَ القلب فقال له : مالك يا أبا أحمد ؟
    فقال : قلبي مُقلق بحوايج التمستها من أمير المؤمنين . قال له : فإن حوائجك قد
    قضيت ، فما كان بأسرع من أن جاءته البشارات بقضاء حوائجه . قال : الناس
    يقولون إنك تعلم الغيب . وقد تبينتُ من ذلك خَلَّتين » .
    عتَّاب بن أبي عتاب قائد عباسي فارسي
    قال في تاريخ دمشق « 38 / 226 » : « عتَّاب بن عتاب بن سالم بن سليمان النسائي ،
    أحد قواد المتوكل ، قدم معه دمشق سنة ثلاث وأربعين ومائتين ، فيما قرأته بخط
    أبي محمد عبد الله بن محمد الخطابي ، ثم ولاه حجابته مع الحسين بن إسماعيل » .
    وذكره الطبري في مواضع وهو مطيعٌ لخلفاء بني عباس .
    منها « 7 / 373 » لما وثب أهل حمص على واليهم فأرسل لهم المتوكل عتَّاباً : « وأمره
    أن يقول لهم إن أمير المؤمنين قد أبدلكم رجلاً مكان رجل .. فرضوا بمحمد بن
    عبدويه فولاه عليهم ، فعمل فيهم الأعاجيب » .


    ومنها : أن المعتز ظفر جيشه بعلوي ثار عليه في الكوفة ، « الطبري : 7 / 511 » : « فورد
    الكتاب بحمله مع عتاب بن عتاب ، وحمل هؤلاء الطالبيين فحملوا جميعاً » .
    ومنها : دور عَتَّاب بعد المتوكل حتى قتل مع المهتدي سنة 256 ، وذلك لما
    اختلف المهتدي مع القادة الأتراك ، فخدعه القائد التركي بايكباك بأنه معه ضد
    موسى بن بغا ، ودخل قصر المهتدي ومهد لدخول ابن بغا لقتله . ولما اكتشف
    المهتدي مؤامرة بايكباك ، قَتَلَهُ وأمر عتاب بن عتاب أن يرميهم برأسه فرماههم
    به ، فأطبقوا على المهتدي وجيشه : « شد رجل منهم على عتاب فقتله .. فحمل
    عليهم طغوتيا أخو بايكباك حملة ثائر حَرَّان موتور ، فنقض تعبيتهم وهزمهم
    وأكثر فيهم القتل وولوا منهزمين ، ومضى المهتدي يركض منهزماً والسيف في
    يده مشهور وهو ينادي : يا معشر الناس أنصروا خليفتكم ! حتى صار إلى دار
    ابن جميل فبادرهم ليصعد فرُمِي بسهم وبُعِج بالسيف ، ثم حمله أحمد بن خاقان
    على دابة أو بغل وأردف خلفه سائساً حتى صار به إلى داره ، فدخلوا عليه
    فجعلوا يصفعونه ويبزقون في وجهه ، وسألوه عن ثمن ما باع من المتاع والخُرْثي
    « الأثاث » فأقر لهم بست مائة ألف قد أودعها .. فأخذوا رقعته بست مائة ألف
    دينار ، ودفعوه إلى رجل فوطئ على خصييه حتى قتله » . « الطبري « 7 / 582 »
    ثم وصف الطبري انتخاب الأتراك للخليفة الجديد فقال « 7 / 587 » : « كان يارجوخ
    بعد انهزام الناس صار إلى الدار ، فأخرج من ولد المتوكل جماعة فصار بهم إلى
    داره ، فبايعوا أحمد بن المتوكل المعروف بابن فتيان ، يوم الثلاثاء لثلاث عشرة


    خلت من رجب وسميَ المعتمد على الله ، وأشهد يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة
    بقيت من رجب على وفاة المهتدى محمد بن الواثق ، وأنه سليم ما به إلا
    الجراحتان اللتان نالتاه يوم الأحد في الوقعة » .
    وهذا يدل على أن عتاباً كان فارسياً وليس تركياً ، وأنه قتل مع المهتدي . ومن
    المستبعد أن يكون استبصر لما رأى معجزات الإمام عليه‌السلام في مرافقته من المدينة ،
    رغم أنه اقتنع بأنه ولي الله ، وأن الله تعالى يظهره على بعض غيبه .
    فقد بقي عتاب مخلصاً للمتوكل ، والخلفاء من بعده ، وكانوا يكلفونه بمهمات
    قذرة ، من القمع والقتل ، حتى قُتل في سبيلهم !
    إحضار الإمام الى سامراء بعد هدم قبر الحسين عليه‌السلام
    ارتكب المتوكل جريمة هدم قبر الحسين عليه‌السلام سنة 236 ، واتفق المؤرخون على
    أنه أثار على نفسه نقمةً عامة من كل الفئات ، حتى كتب المسلمون شعار شتمه
    على جدران بغداد ، ولم يرووا أن أحداً كان يمحوه !
    وقد رافق ذلك تزايد تعاطف المسلمين مع الإمام الهادي عليه‌السلام خاصة في بغداد
    والحجاز ، وقد وصل هذا التعاطف الى بعض وزراء الخليفة ، وأفراد أسرته !
    ويظهر أن بعض الأوساط لهجوا بالثورة على المتوكل .
    وفي ذلك الظرف كتب اليه والي مكة والمدينة : إن كانت لك حاجة في الحجاز ،
    فأخرج منه علي بن محمد . أي قبل أن يدعوهم للثورة عليك فيستجيبون له !


    قال المسعودي في إثبات الوصية « 1 / 232 » : « وكتب بُرَيْحَة العباسي صاحب الصلاة
    بالحرمين الى المتوكل : إن كان لك في الحرمين حاجة ، فأخرج علي بن محمد منهما
    فإنه قد دعا الى نفسه واتبعه خلق كثير . وتابع بُريحة الكتب في هذا المعنى ، فوجه
    المتوكل بيحيى بن هرثمة وكتب معه الى أبي الحسن عليه‌السلام كتاباً جميلاً يعرفه أنه قد
    اشتاقه ، ويسأله القدوم عليه . وأمر يحيى بالمسير معه كما يحبُّ ، وكتب الى بريحة
    يعرفه ذلك . فقدم يحيى بن هرثمة المدينة فأوصل الكتاب الى بريحة ، وركبا جميعاً
    الى أبي الحسن عليه‌السلام فأوصلا إليه كتاب المتوكل ، فاستأجلهما ثلاثاً .
    فلما كان بعد ثلاث عاد الى داره فوجد الدواب مُسْرَجة ، والأثقال مشدودة قد
    فُرغ منها . وخرج صلى الله عليه متوجهاً نحو العراق ، واتَّبعه بريحة مشيعاً ، فلما
    صار في بعض الطريق قال له بريحة : قد علمت وقوفك على أني كنت السبب في
    حملك ، وعليَّ حلفٌ بأيمان مغلظة لئن شكوتني الى أمير المؤمنين ، أوالى أحد من
    خاصته وأبنائه ، لَأُجَمِّرَنَّ نخلك ، ولأقتلن مواليك ، ولأُعُوِّرَنَّ عيون ضيعتك ،
    ولأفعلن ولأصنعن . فالتفت إليه أبوالحسن عليه‌السلام فقال له : إن أقرب عَرْضِي إياك
    على الله البارحة . وما كنت لأعرضنك عليه ، ثم أشكونك الى غيره من خلقه .
    قال : فانكب عليه بريحة وضرع إليه واستعفاه . فقال له : قد عفوت عنك » .
    ملاحظة
    بريحة هو تُرُنْجَة ، وقد يكون تصحيفاً له ، ففي شفاء الغرام للفاسي « 2 / 219 » :
    « ثم وليها « مكة » محمد بن داود عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن


    عباس العباسي ، الملقب تُرُنْجَة ، في سنة اثنين وعشرين ومائتين ، ولعل ولايته
    دامت إلى أثناء خلافة المتوكل » .
    وقال في صبح الأعشى « 4 / 271 » : « ثم وليها محمد بن عيسى ، ثم عزله المتوكل
    سنة ثلاث وثلاثين ومائتين ، وولَّى مكانه ابنه المنتصر بن المتوكل . ثم وليها علي
    بن عيسى بن جعفر بن المنصور ، ثم عزله المتوكل سنة سبع وثلاثين ومائتين
    وولَّى مكانه عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى بن موسى . ثم عزله المتوكل سنة
    ثنتين وأربعين ومائتين ، وولَّى مكانه عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم
    الإمام . ثم توالت عليها العمال من قبل خلفاء بني العباس » .
    وفي رسالة المتوكل الى الإمام الهادي عليه‌السلام أنه عزل بريحة لأنه أساء اليه ، وذلك
    سنة 243 . ومعناه أنه عزل ثم نصب على الصلاة في الحرمين .
    وسماه في الإرشاد « 2 / 325 » : تُرنجة ، وقال في هامشه : وهو عبد الله بن محمد بن
    داود الهاشمي بن أترجة من ندماء المتوكل ، والمشهور بالنصب والبغض لعلي بن
    أبي طالب عليه‌السلام ، وقد قتل بيد عيسى بن جعفر ، وعلي بن زيد الحسنيين بالكوفة
    قبل موت المعتز بأيام . أنظر : الكامل لابن الأثير : 7 / 56 ، تاريخ الطبري : 9 / 388 .
    وورد خبر قتله في الكافي « 1 / 506 » : « قال : كتب أبومحمد عليه‌السلام إلى أبي القاسم
    إسحاق بن جعفر الزبيري قبل موت المعتز بنحو عشرين يوماً : إلزم بيتك حتى
    يحدث الحادث ، فلما قتل بُريحة كتب إليه قد حدث الحادث فما تأمرني ؟ فكتب :
    ليس هذا الحادث ، الحادث الآخر . فكان من أمر المعتز ما كان .


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني   الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyالثلاثاء أكتوبر 29, 2024 10:00 pm

    وعنه قال : كتبت عليه‌السلام إلى رجل آخر : يُقتل ابن محمد بن داود عبد الله قبل قتله
    « المعتز » بعشرة أيام ، فلما كان في اليوم العاشر ، قُتل » .
    وكان قَتل المعتز سنة 255 « الثقات لابن حبان : 2 / 331 » بعد شهادة الإمام عليه‌السلام كما يأتي .
    أمر المتوكل قائده أن يفتش بيت الإمام عليه‌السلام
    وقد نص على ذلك المحدثون والمؤرخون ، وقالوا إن بريحة العباسي كتب الى
    المتوكل أن الإمام الهادي عليه‌السلام يجمع السلاح ، وأن شيعته من قم أمَدُّوهُ بالأموال .
    قال المسعودي في مروج الذهب « 4 / 84 » : « حدثني يحيى بن هرثمة ، قال : وَجَّهني
    المتوكل الى المدينة لإشخاص علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر لشئ بلغه
    عنه ، فلما صرت إليها ضجَّ أهلها وعَجُّوا ضجيجاً وعجيجاً ما سمعتُ مثله ،
    فجعلت أُسَكِّنُهم وأحلف لهم أني لم أؤمر فيه بمكروه ، وفتشت بيته فلم أجد فيه
    إلا مصحفاً ودعاءً ، وما أشبه ذلك ، فأشخصته وتوليت خدمته وأحسنت
    عشرته . فبينا أنا نائم يوماً من الأيام والسماء صاحية والشمس طالعة ، إذ ركب
    وعليه مِمْطَرٌ ، وقد عقد ذَنَب دابته ، فعجبت من فعله ، فلم يكن بعد ذلك إلا
    هنيهة حتى جاءت سحابة فأرخت عزَاليَها ، ونالنا من المطر أمرٌ عظيم جداً .
    فالتفت إليَّ ، وقال : أنا أعلم أنك أنكرت ما رأيتَ ، وتوهمتَ أني علمت من
    الأمر ما لا تعلمه ، وليس ذلك كما ظننتَ ، ولكن نشأتُ بالبادية ، فأنا أعرف
    الرياح التي يكون في عقبها المطر ، فلما اصبحت هبَّتْ ريح لا تخلف وشممت
    منها رائحة المطر ، فتأهبتُ لذلك !

    فلما قدمت مدينة السلام بدأت بإسحاق ابن إبراهيم الطاهري ، وكان على
    بغداد فقال لي : يا يحيى ، إن هذا الرجل قد ولده رسول الله ، والمتوكل من تعلم ،
    وإن حَرَّضته على قتله كان رسول الله خصمك ! فقلت : والله ما وقفت له إلا على
    كل أمر جميل . فصرت الى سامرا ، فبدأتُ بوصيف التركي وكنت من أصحابه
    فقال : والله لئن سقطت من رأس هذا الرجل شعرة لا يكون المطالب بها غيري !
    فعجبت من قولهما ، وعرَّفت المتوكل ما وقفت عليه ، وما سمعته من الثناء عليه
    فأحسن جائزته ، وأظهر بِرَّهُ وتكرمته » .
    أقول : في هذا النص دلالات عديدة ، منها شعبية الإمام الواسعة في المدينة ،
    بحيث ضجَّ أهلها لما جاءت سرية المتوكل لأخذه !
    أما إسحاق بن إبراهيم الطاهري فهو منسوبٌ إلى عمه طاهر بن الحسين ، قائد
    جيش المأمون الذي دخل إلى بغداد وقتل الأمين . وكان إسحاق حاكم بغداد من
    قبل المتوكل ، ويدل كلامه على أن عامة أهل بغداد كانوا ينظرون الى الإمام
    الهادي عليه‌السلام نظرة تقديس ، فكان يخاف من غضب الناس إذا قتلته السلطة .
    وكذلك وصيف التركي ، وهو من كبار قادة الجيش التركي في سامراء ، وكان
    كفيل المستعين ، الذي صار خليفة . « تاريخ الطبري : 7 / 433 » .
    أما قول الإمام الهادي عليه‌السلام : نشأتُ بالبادية فأنا أعرف الرياح التي يكون في عقبها المطر ،
    فهو صحيح ، لكنه عن مصدر واحد لعلمه بالمطر عليه‌السلام ، ومصادر علمه أوسع .


    نص كتاب المتوكل الى الإمام الهادي عليه‌السلام
    قال المفيد في الإرشاد « 2 / 309 » : « وكان سبب شخوص أبي الحسن عليه‌السلام إلى سُرَّ من
    رأى أن عبد الله بن محمد كان يتولى الحرب والصلاة في مدينة الرسول ، فسعى
    بأبي الحسن عليه‌السلام إلى المتوكل ، وكان يقصده بالأذى ، وبلغ أبا الحسن سعايته به ،
    فكتب إلى المتوكل يذكر تحامل عبد الله بن محمد ، ويكذبه فيما سعى به ، فتقدم
    المتوكل بإجابته عن كتابه ودعائه فيه إلى حضور العسكر ، على جميل من الفعل
    والقول ، فخرجت نسخة الكتاب وهي :
    بسم الله الرحمن الرحيم . أما بعد فإن أمير المؤمنين عارفٌ بقدرك ، راعٍ لقرابتك
    موجبٌ لحقك ، مؤثرٌ من الأمور فيك وفي أهل بيتك ، ما يصلح الله به حالك
    وحالهم ، ويثبت به عزَّك وعزهم ، ويدخل الأمن عليك وعليهم ، يبتغي بذلك
    رضا ربه ، وأداء ما افترض عليه فيك وفيهم .
    وقد رأى أمير المؤمنين صرف عبد الله بن محمد عما كان يتولاه من الحرب
    والصلاة بمدينة الرسول ، إذ كان على ما ذكرت من جهالته بحقك واستخفافه
    بقدرك ، وعندما قرفك به ونسبك إليه من الأمر الذي علم أمير المؤمنين براءتك
    منه ، وصدق نيتك في برك وقولك ، وأنك لم تؤهل نفسك لما قرفت بطلبه .
    وقد ولى أمير المؤمنين ما كان يلي من ذلك محمد بن الفضل ، وأمره بإكرامك
    وتبجيلك ، والإنتهاء إلى أمرك ورأيك والتقرب إلى الله وإلى أمير المؤمنين بذلك .

    وأمير المؤمنين مشتاقٌ إليك ، يُحب إحداث العهد بك والنظر إليك ، فإن
    نشطتَ لزيارته والمقام قبله ما أحببت ، شخصتَ ومن اخترتَ من أهل بيتك
    ومواليك وحشمك ، على مُهْلَةٍ وطُمأنينة ، ترحل إذا شئت وتنزل إذا شئت ،
    وتسير كيف شئت . وإن أحببت أن يكون يحيى بن هرثمة مولى أمير المؤمنين
    ومن معه من الجند ، يرتحلون برحيلك ويسيرون بسيرك ، فالأمر في ذلك إليك ،
    وقد تقدمنا إليه بطاعتك ، فاستخر الله حتى توافي أمير المؤمنين ، فما أحد من
    إخوته وولده وأهل بيته وخاصته ألطف منه منزلة ، ولا أحمد له أثرةً ، ولا هو لهم
    أنظر وعليهم أشفق وبهم أبرُّ ، وإليهم أسكن منه إليك . والسلام عليك ورحمة
    الله وبركاته . وكتب إبراهيم بن العباس ، في شهر كذا من سنة ثلاث وأربعين ومائتين .
    فلما وصل الكتاب إلى أبي الحسن عليه‌السلام تجهز للرحيل ، وخرج معه يحيى بن هرثمة
    حتى وصل إلى سر من رأى . فلما وصل إليها تقدم المتوكل بأن يحُجب عنه في
    يومه ! فنزل في خان يعرف بخان الصعاليك ، وأقام فيه يومه ، ثم تقدم المتوكل
    بإفراد دار له فانتقل إليها .
    ثم روى المفيد رحمه‌الله : عن صالح بن سعيد قال : دخلت على أبي الحسن عليه‌السلام يوم
    وروده فقلت له : جعلت فداك ، في كل الأمور أرادوا إطفاء نورك والتقصير بك ،
    حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع خان الصعاليك . فقال : هاهنا أنت يا ابن سعيد !
    ثم أوما بيده فإذا بروضات أنفات ، وأنهار جاريات ، وجنان فيها خيرات



    عطرات ، وولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون ، فحار بصري وكثر تعجبي ، فقال لي :
    حيث كنا فهذا لنا يا ابن سعيد ، لسنا في خان الصعاليك !
    وأقام أبوالحسن عليه‌السلام مدة مقامه بسر من رأى ، مكرماً في ظاهر حاله ، يجتهد
    المتوكل في إيقاع حيلة به ، فلا يتمكن من ذلك .
    وله معه أحاديث يطول بذكرها الكتاب ، فيها آيات له وبينات ، إن قصدنا
    لإيراد ذلك خرجنا عن الغرض فيما نَحَوْنَاه » . راجع الكافي : 1 / 498 .
    وقال راوي الرسالة كما في الكافي « 1 / 501 » : « أخذت نسخة كتاب المتوكل إلى أبي
    الحسن الثالث عليه‌السلام من يحيى بن هرثمة في سنة ثلاث وأربعين ومائتين » .
    وفي الإرشاد « 2 / 310 » وروضة الواعظين / 245 ، وغيرهما : « وكتب إبراهيم بن
    العباس في شهر كذا ، من سنة ثلاث وأربعين ومئتين » .
    وفي الفصول المهمة لابن الصباغ / 265 ، والبحار « 50 / 201 » وغيرهما : « وكان المتوكل
    قد أشخصه من المدينة النبوية إلى سر من رأى مع يحيى بن هرثمة بن أعيَن ، في
    جمادى الأخرى سنة ثلاث وأربعين ومائتين » .
    لكن قال الطبري « 7 / 348 » : « وفيها « سنة 233 » قدم يحيى بن هرثمة ، وهو والي طريق
    مكة ، بعلي بن محمد بن علي الرضا ، بن موسى بن جعفر من المدينة » .
    ونحوه في النجوم الزاهرة « 2 / 271 » ، وفيه : « وكان قد بلغ المتوكل عنه شئ » .
    وفي فرق الشيعة للنوبختي « 1 / 91 » : « وكان المتوكل أشخصه من المدينة مع يحيى بن
    هرثمة بن أعين .. وكان قدومه إلى سر من رأى يوم الثلاثاء لسبع ليال بقين من


    شهر رمضان سنة ثلاث وثلاثين ومأتين . وكان مولده يوم الثلاثاء لثلاث عشرة
    ليلة مضت من رجب ، سنة أربع عشرة ومأتين ، وأقام بسر من رأى داره إلى أن
    توفي : عشرين سنة وتسعة أشهر وعشرة أيام . وكانت إمامته ثلاثاً وثلاثين سنة
    وسبعة أشهر » .
    وفي تذكرة الخواص لابن الجوزي الحنبلي « 1 / 322 » : « وكنيته أبوالحسن العسكري
    وإنما نسب الى العسكري ، لأن جعفر المتوكل أشخصه من المدينة الى بغداد الى
    سر من رأى ، فأقام بها عشرين سنة وتسعة أشهر . قال علماء السير : وإنما
    أشخصه المتوكل من مدينة رسول الله الى بغداد لأن المتوكل كان يبغض علياً
    وذريته ، فبلغه مقام علي بالمدينة وميل الناس اليه فخاف منه ، فدعا يحيى بن
    هرثمة وقال : إذهب الى المدينة وانظر في حاله وأشخصه الينا .
    قال يحيى : فذهبت الى المدينة فلما دخلتها ضج أهلها ضجيجاً عظيماً ، ما سَمِع
    الناس بمثله خوفاً على عليٍّ ، وقامت الدنيا على ساق لأنه كان محسناً اليهم
    ملازماً للمسجد ، لم يكن عنده ميل الى الدنيا .
    قال يحيى : فجعلت أسكِّنُهم وأحلف لهم أني لم أؤمر فيه بمكروه ، وأنه لا بأس
    عليه ، ثم فتشت منزله فلم أجد فيه إلا مصاحف وأدعية وكتب العلم ، فعظم في
    عيني وتوليت خدمته بنفسي وأحسنت عشرته . فلما قدمت به بغداد بدأت
    بإسحاق بن إبراهيم الطاهري وكان والياً على بغداد ، فقال لي : يا يحيى إن هذا
    الرجل قد ولده رسول الله والمتوكل من تَعلم ، فإن حرضته عليه قتله وكان



    رسول الله خصمك يوم القيامة ! فقلت له : والله ما وقعت منه إلا على كل أمر
    جميل ، ثم صرت به الى سر من رأى فبدأت بوصيف التركي فأخبرته بوصوله
    فقال : والله لئن سقط منه شعرة لا يطالب بها سواك . « وهو من جند وصيف » .
    قال : فعجبت كيف وافق قوله قول إسحاق ! فلما دخلت على المتوكل سألني
    عنه فأخبرته بحسن سيرته وسلامة طريقته وورعه وزهادته ، وأني فتشت داره
    فلم أجد فيها غير المصاحف وكتب العلم ، وأن أهل المدينة خافوا عليه . فأكرمه
    المتوكل وأحسن جايزته ، وأجزل بره ، وأنزله معه سر من رأى .
    قال يحيى بن هرثمة : فاتفق مرض المتوكل بعد ذلك بمدة ، فنذر إن عوفي
    ليتصدقن بدراهم كثيرة ، فعوفي فسأل الفقهاء عن ذلك فلم يجد عندهم فرجاً
    فبعث الى علي فسأله فقال : يتصدق بثلاثة وثمانين ديناراً . فقال المتوكل : من أين
    لك هذا ؟ فقال من قوله تعالى : لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ .
    والمواطن الكثيرة هي هذه الجملة ، وذلك لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله غزى سبعاً وعشرين
    غزاة ، وبعث خمساً وستين سرية ، وآخر غزواته يوم حنين .
    فعجب المتوكل والفقهاء من هذا الجواب ، وبعث اليه بمال كثير فقال : علي هذا
    الواجب ، فتصدق أنت بما أحببت » .
    ملاحظات
    1. يتضح بما تقدم أن إحضار المتوكل للإمام عليه‌السلام كان بإرساله القائد عتاب بن
    أبي عتاب في أول خلافته سنة 233 ، وأن الإمام عليه‌السلام بقي فترة في سامراء ، ثم عاد


    الى المدينة وبقي فيها . أما إرسال المتوكل ليحيى بن هرثمة فكان بعد بضع
    سنوات ، فأحضره وألزمه بالبقاء حتى استشهد عليه‌السلام على يد المعتمد .
    2. يظهر من نص رسالة المتوكل الى الإمام عليه‌السلام أنه يخاطب شخصية له نفوذه في
    المسلمين ، وله قداسة عندهم ، فالمتوكل النمرود يراعي الأدب معه ، وفي نفس
    الوقت يحتم عليه الحضور الى سامراء ، لأنه اشتاق اليه !
    وكل هدفه أن يكون في قبضته في سامراء ، ويأمن من ثورته عليه ، لأنه إذا دعا
    المسلمين الى بيعته ، استجاب له منهم قسم كبير .
    3. يدل تعمد المتوكل تأخير استقباله يوماً ، وإنزاله في خان ينزل فيه عادة
    الصعاليك وسواد الناس ، أن المقصود إهانته ليذل في نفسه ويخضع للمتوكل
    كغيره من الشخصيات الذين يُحضرهم ، لكن الإمام الهادي شخصيةٌ ربانيةٌ
    لايقاس بها الأرضيون ، ومن بيت لا يقاس بهم أحد ، صلوات الله عليهم !
    خافت السلطة من ثورة البغداديين !
    في تاريخ اليعقوبي « 2 / 484 » : « وكتب المتوكل إلى علي بن محمد بن علي الرضا بن
    موسى بن جعفر بن محمد ، في الشخوص من المدينة ، وكان عبد الله بن محمد بن
    داود الهاشمي قد كتب يذكر أن قوماً يقولون إنه الإمام ، فشخص عن المدينة ،
    وشخص يحيى بن هرثمة معه حتى صار إلى بغداد ، فلما كان بموضع يقال له
    الياسرية نزل هناك ، وركب إسحاق بن إبراهيم لتلقيه ، فرأى تشوق الناس إليه



    واجتماعهم لرؤيته ، فأقام إلى الليل ، ودخل به في الليل ، فأقام ببغداد بعض تلك
    الليلة ، ثم نفذ إلى سر من رأى » .
    أقول : هذا النص يدل على الشعبية العميقة للإمام عليه‌السلام في بغداد والعراق ، وأن
    السلطة خافت أن يدخل الى بغداد ، فأنزلوه خارجها في الياسرية ، وهي على بعد
    ميلين من بغداد ، على ضفة نهر عيسى ، وتقع اليوم قرب مطار بغداد القديم .
    لكن شيعة الإمام عليه‌السلام ومحبيه كانوا يتتبعون حركته ، وعرفوا بموعد وصوله الى
    بغداد ، فخرجوا الى ضاحيتها لملاقاته ، وازدحموا عليه حتى أن والي بغداد أراد
    أن يزوره فوجد ازدحام الناس ، فانتظر الى الليل فزاره !
    ويدلك على تعاظم شعبيته أنهم خافوا من بقائه في ضاحية بغداد ولو ليلة
    واحدة ، فقرروا أن يمضوا به الى سامراء في الليل !
    كما يدلك على شعبيته وصية والي بغداد ليحيى به ، وتخوفه أن يقتله المتوكل
    فيفتح باب الثورة على السلطة !
    * *

    الفصل الخامس :
    خطة المتوكل لإبادة أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم
    كان المتوكل يبغض أسلافه لحبهم علياً عليه‌السلام
    قال ابن الأثير في الكامل « 7 / 56 » : « وقيل إن المتوكل كان يبغض من تقدمه من
    الخلفاء : المأمون ، والمعتصم ، والواثق ، في محبة علي وأهل بيته !
    وإنما كان ينادمه ويجالسه جماعة قد اشتهروا بالنصب والبغض لعلي ، منهم علي
    بن الجهم الشاعر الشامي من بني شامة بن لؤي ، وعمر بن فرج الرخجي ،
    وأبوالسمط من ولد مروان بن أبي حفصة من موالي بني أمية ، وعبد الله بن محمد
    بن داود الهاشمي المعروف بابن أترجة .
    وكانوا يخوفونه من العلويين ، ويشيرون عليه بإبعادهم والإعراض عنهم ،
    والإساءة إليهم . ثم حسنوا له الوقيعة في أسلافهم الذين يعتقد الناس علو
    منزلتهم في الدين ، ولم يبرحوا به حتى ظهر منه ما كان ، فغطت هذه السيئة جميع
    حسناته ، وكان من أحسن الناس سيرة ، ومنع الناس من القول بخلق القرآن ،
    إلى غير ذلك من المحاسن » .
    وهذا وغيره يدل على أن سياسة المتوكل في بغض أهل البيت عليهم‌السلام لم تكن عابرة ،
    بل كانت عن عمد وإصرار ، وتخطيط !


    أرسل المتوكل الرُّخَّجِي المتوحش والياً على الحجاز !
    قال أبوالفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين / 395 : « واستعمل على المدينة ومكة
    عمر بن الفرج الرخجي ، فمنع آل أبي طالب من التعرض لمسألة الناس ، ومنع
    الناس من البِرِّ بهم ، وكان لا يبلغه أن أحداً أبرَّ أحداً منهم بشئ وإن قلَّ ، إلا
    أنهكه عقوبةً وأثقله غُرْماً ! حتى كان القميص يكون بين جماعة من العلويات
    يصلين فيه واحدة بعد واحدة ، ثم يرقعنه ويجلسن على مغازلهن عواري حواسر !
    إلى أن قتل المتوكل ، فعطف المنتصر عليهم وأحسن إليهم ، ووجه بمال فرقه
    فيهم ، وكان يؤثر مخالفة أبيه في جميع أحواله ، ومضادة مذهبه » .
    أقول : لاحظ الإنحطاط الذي وصل اليه عمر الرخجي غلام المتوكل ، حيث
    حبس آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة ، ومنع من يحتاج منهم الى الطعام والشراب أن
    يطلب مساعدة أحد ، ثم كان يعاقب من يساعده بعقاب شديد وغرامة كبيرة !
    وهو بذلك يتعمد إفقارهم وإذلالهم ليموتوا جوعاً !
    وقد دفع ذلك عدداً منهم الى الثورة في هذا البلد وذاك ، لأن المسلمين يثقون
    بهم ولا يثقون بالعباسيين ، ومنهم من يبذل نصرته ودمه للعلويين .
    ومعنى : كان القميص بين عدد من العلويات .. أنه قد يوجد مجموعة نساء في
    بيت ، ليس عندهن ثياب وافية للصلاة بعددهن ، فيتبادلن الثوب للصلاة
    فتصلي فيه واحدة بعد الأخرى ، ثم يجلسن للعمل بثيابهن غير الساترة !

    قال البيومي في الإمامة وأهل البيت « 3 / 193 » : « وهكذا شرَّع من يسمونه أمير
    المؤمنين المتوكل على الله ، أن تقبع العلويات الطاهرات في بيوتهن عاريات ،
    يتبادلن القميص المرقع عند الصلاة ، وأن تختال الفاجرات العاهرات بالحلي
    وحلل الديباج ، بين الإماء والعبيد » .
    اضطهد المتوكل الشيعة في مصر
    في البيان للمقريزي « 1 / 39 » : « ظلت مصر ملجأً آمناً لآل علي بن أبي طالب إلى أن
    جاء زمن المتوكل العباسي ، وكان يبغض العلويين ، فأمر واليه في مصر بإخراج
    آل علي بن أبي طالب منها ، فأخرجوا من الفسطاط إلى العراق في عام 236 ، ثم
    نقلوا إلى المدينة في العام نفسه ، واستتر من كان بمصر على رأي العلوية » .
    وقال البلاذري في أنساب الأشراف : 3 / 137 ، ونحوه الطبري : 6 / 416 : « كان إدريس
    بن عبد الله بن حسن في وقعة فخ مع الحسين بن علي ، فهرب في خلافة الهادي
    إلى مصر ، وعلى بريدها يومئذ واضح مولى صالح بن منصور ، الذي يعرف
    بالمسكين ، وكان واضح يتشيع ، فحمله على البريد إلى المغرب .. » .
    وفي المواعظ للمقريزي « 4 / 159 » : « ورد كتاب المتوكل على الله إلى مصر يأمر فيه
    بإخراج آل أبي طالب من مصر إلى العراق ، فأخرجهم إسحاق بن يحيى الختلي
    أمير مصر ، وفرق فيهم الأموال ليتجملوا بها ، وأعطى كل رجل ثلاثين ديناراً ،
    والمرأة خمسة عشر ديناراً ، فخرجوا لعشر خلون من رجب سنة ست وثلاثين
    ومائتين ، وقدموا العراق فأخرجوا إلى المدينة في شوال منها ، واستتر من كان



    بمصر على رأي العلوية ، حتى أن يزيد بن عبد الله أمير مصر ضرب رجلاً من
    الجند في شئ وجب عليه ، فأقسم عليه بحق الحسن والحسين إلا عفا عنه ، فزاده
    ثلاثين درة « ضربة » ورفع ذلك صاحب البريد إلى المتوكل ، فورد الكتاب على يزيد
    بضرب ذلك الجندي مائة سوط ، فضربها ، وحمل بعد ذلك إلى العراق في شوال
    سنة ثلاث وأربعين ومائتين !
    وتتبع يزيد الروافض فحملهم إلى العراق ، ودل في شعبان على رجل يقال له
    محمد بن علي بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، أنه بويع له ،
    فأحرق الموضع الذي كان به وأخذه فأقر على جمع من الناس بايعوه ، فضرب
    بعضهم بالسياط ، وأخرج العلوي هو وجمع من آل أبي طالب ، إلى العراق في
    شهر رمضان . ومات المتوكل في شوال » .
    وفي النجوم الزاهرة « 2 / 309 » : « يزيد بن عبد الله بن دينار « والي مصر سنة 242 » تتبع
    الروافض بمصر وأبادهم ، وعاقبهم ، وامتحنهم ، وقمع أكابرهم ، وحمل منهم
    جماعة إلى العراق على أقبح وجه . ثم التفت إلى العلويين فجرت عليهم منه
    شدائد من الضيق عليهم ، وأخرجهم من مصر » .
    واضطهد والي مصر محمد بن الفَرَج
    في تاريخ اليعقوبي « 2 / 485 » : « وسخط على عمر بن فرج الرخجي وعلى أخيه
    محمد ، وكان محمد بن فرج عامل مصر إذ ذاك ، فوجه كتاباً في حمله ، وقبضت


    أموالهما ، وكان ذلك في سنة 233 ، وكان عمر محبوساً ببغداد ، ومحمد محبوساً
    بسر من رأى ، فأقاما سنتين » .
    وقال الطبري « 7 / 347 » : « فدفع إلى إسحاق بن إبراهيم بن مصعب ، فحبس عنده
    وكتب في قبض ضياعه وأمواله ... وأصيب له بالأهواز أربعون ألف دينار ،
    ولأخيه محمد بن فرج مائة ألف دينار وخمسون ألف دينار ، وحمل من داره من
    المتاع ستة عشر بعيراً فرشاً ، ومن الجوهر قيمة أربعين ألف دينار » .
    أقول : كان محمد بن الفرج رحمه‌الله عالماً تقياً مؤلفاً ، ويظهر أن سبب قبوله ولاية
    مصر أن المتوكل جعل ولايتها لابنه المنتصر فولاه عليها .
    ولا بد أن يكون محمد استأذن الإمام الهادي عليه‌السلام لأنه ملتزم بطاعته ، ومكانته
    عنده جليلة ، وقد أرسل اليه ينبهه الى الإستعداد لغضب المتوكل !
    ففي الكافي « 1 / 500 » عن النوفلي قال : « قال لي محمد بن الفرج : إن أبا الحسن عليه‌السلام
    كتب إليه : يا محمد أجمع أمرك وخذ حذرك . قال : فأنا في جمع أمري لست أدري
    ما كتب إلي حتى ورد عليَّ رسولٌ حملني من مصر مقيداً ، وضَرَبَ على كل ما
    أملك « صادره » ! وكنت في السجن ثمان سنين .
    ثم ورد عليَّ منه عليه‌السلام في السجن كتاب فيه : يا محمد لا تنزل في ناحية الجانب
    الغربي . فقرأت الكتاب فقلت : يكتب إليَّ بهذا وأنا في السجن ، إن هذا لعجب !
    فما مكثت أن خُلِّيَ عني ، والحمد لله » .


    وفي الإرشاد « 2 / 304 » : « وروى أحمد بن عيسى قال : أخبرني أبويعقوب قال :
    رأيت محمد بن الفرج قبل موته بالعسكر في عشية من العشايا ، وقد استقبل أبا
    الحسن عليه‌السلام فنظر إليه نظراً شافياً ، فاعتل محمد بن الفرج من الغد ، فدخلت عليه
    عائداً بعد أيام من علته ، فحدثني أن أبا الحسن عليه‌السلام قد أنفذ إليه بثوب وأرانيه
    مدرجاً تحت رأسه ، قال : فكُفِّنَ فيه والله » .
    أقول : ترجمنا لمحمد رضي الله عنه في سيرة الجواد عليه‌السلام وكان من كبار أصحاب
    الأئمة عليهم‌السلام . وأخوه عمر من أشد النواصب ، وعلاقتهما مع ذلك جيدة !
    واضطهد المتوكل قاضي قضاة مصر
    روت مصادر التاريخ أن المتوكل أمر بإهانة قاضي قضاة مصر : أبي بكر محمد بن
    أبي الليث ، بحجة أنه أكل أموال الناس ، والسبب أمر آخر !
    ففي تاريخ الخلفاء للسيوطي « 1 / 253 » : « وفي سنة سبع وثلاثين بعث إلى نائب
    مصر أن يحلق لحية قاضي القضاة بمصر أبي بكر محمد بن أبي الليث ، وأن يضربه
    ويطوف به على حمار ! ففعل ونعمَ ما فعل ، فإنه كان ظالماً من رؤوس الجهمية ،
    وولي القضاء بدله الحارث بن مسكين من أصحاب مالك وبعد تمنُّع ، وأهان
    القاضي المعزول بضربه كل يوم عشرين سوطاً ليرد المظالم إلى أهلها » .
    لكن الظاهر خلافاً للسيوطي أن سبب عزله أنه حكم لخصم وكيل أم المتوكل ،
    وحكم بوراثة أبناء البنات ، فنقم عليه المتوكل ، لأنه يجب أن يحكم دائماً لوكلاء
    الخليفة ومن يتعلق به ! ويجب أن يحكم بوراثة العم والعصبة ، لأن العباسيين


    يعتبرون الحكم بوراثة أبناء البنات حكماً بوراثة الحسن والحسين عليهما‌السلام لخلافة النبي
    صلى‌الله‌عليه‌وآله دون عمه العباس ، ولذلك يحكمون بوراثة العشيرة !
    قال ابن حجر في كتابه : رفع الإصر عن قضاة مصر « 1 / 121 » : « خوصم إلى الحارث
    في دار من دور السيدة أم الخليفة فحكم على وكيلها ، فأخرج الدار من يده
    ودفعها للخصم ، فكتب بذلك الوكيل إلى العراق ، فجاء كتاب الفضل بن
    مروان إلى أمير مصر ينكر على الحارث ذلك ويقول في كتابه : إن الحارث لم يزل
    معروفاً بالإنحراف عن السلطان والمباعدة لأسبابه ، فتُكلمه أن مقام وكلاء جهة
    أمير المؤمنين في ضياعها ودورها ومستغلاتها بمصر ، مقامُ من يحوطها .
    ويأمرُ برد الدار التي كانت في أيديهم لهم ، كما كانت قبل حكمه فيها ، وترك
    النظر في شئ مما في أيدي وكلائها بما يوهن أمرهم !
    وتأمره بالتقدم إلى الحارث ، بعدم التعرض إلى النظر في شئ يتعلق بأمير المؤمنين
    وبمنعه من ذلك إن حاوله . وكتب في ربيع الآخر سنة أربعين ومائتين .
    ولم يزل الحارث على طريقته حتى حكم في دار الفيل ، وهي دار أبي عثيم مولى
    مسلمة بن مخلد ، وكان تحبيسها في سنة ثلاث وتسعين . وأصل ذلك أن جماعة
    من قضاة مصر منهم توبة والفضل بن فضالة والعمري وهارون الزهري
    أخرجوا وتاجاً مولى أبي عثيم من الحبس « الوقف » لأن صاحب الحبس لم يسمه في
    كتاب تحبيسه . ثم آل الاستحقاق إلى محمد بن ناصح مولى أبي عثيم ، وإلى عزة
    بنت عمرو بن رافع مولى ابن عثيم ، فتوفيت عزة وتركت ولدها إبراهيم بن عبد



    الصمد المعروف بابن السائح ، فخاصمهم فيها فأخرجهم الزهري ، وحكم
    بإخراج بني البنات من العقب .
    فلما ولي محمد بن أبي الليث فسخ حكم الزهري ودفع نصيبها إلى بني السائح .
    فلما ولي الحارث بن مسكين فسخ حكم ابن أبي الليث ، وأخرج بني السائح
    فخرج إسحاق بن إبراهيم بن عبد الصمد بن السائح ، إلى العراق فتظلم من
    الحارث ورفع قصته إلى المتوكل ، فأمر بإحضار الفقهاء فحضروا ، واتفقوا على
    تخطئة الحارث في الحكم المذكور ، وتناولوه بألسنتهم !
    وكان الفقهاء الذين نظروا في قضية الحارث على رأي الكوفيين ، وحكم
    الحارث إنما هو على رأي المدنيين ، وبلغ ذلك الحارث ما جرى هناك من ذكره ،
    فخشي من العزل ، فبادر بكتاب إلى العراق يستعفي ، فصادف وصول كتابه
    عقب أمر المتوكل بعزله ، فكتب إليه جعفر بن عبد الواحد الهاشمي قاضي
    العراق : إن كتابك وصل باستعفائكم فأنهيت كتابك إلى أمير المؤمنين وأنك
    تستعفي مما تقلدته من القضاء ، فأمر أيده الله بإجابتك إلى ذلك وإعفائك إسعافاً
    لك فيما سألت ، وتفضلاً بما أدى إلى موافقة فراقك في العمل بحسب ذلك موفقاً .
    وكتب المتوكل إلى أمير مصر يزيد بن عبد الله بن الأغلب بالنظر في قضية ابن
    السائح ، فجمع أهل البلد من الفقهاء والشيوخ ، وكان ورود الكتاب عليه
    بالصرف في يوم الجمعة لسبع بقين من شهر ربيع الآخر سنة خمس وأربعين
    ومائتين » .

    أقول : العجب من بعض الرواة كالذهبي والسيوطي ، حيث ذموا الحارث بن
    أبي الليث وجعلوه جهمياً ، ظالماً آكلاً أموال الناس ، وإنما ذنبه أنه خالف هوى
    المتوكل في بعض أحكامه ، فغضب عليه المتوكل ، وقلده الرواة !
    قال الذهبي في سيره « 9 / 446 » : « وبعث المتوكل إلى نائبه بمصر فحلق لحية قاضي
    القضاة محمد بن أبي الليث وضربه ، وطوف به على حمار في رمضان وسجن ،
    وكان ظلوماً جهمياً ، ثم ولي القضاء الحارث بن مسكين ، فكان يضربه كل حين
    عشرين سوطاً ليؤدي ما وجب عليه ، فإنا لله » .
    وقال ابن حجر : « فكانوا يحضرون محمد بن أبي الليث كل يوم بين يدي الحارث ،
    فيضربه عشرين سوطاً ، ليخرج عما يجب عليه من الحقوق ، فأقام على ذلك أياماً
    ثم أشير عليه بتركه . وقيل له إنه لا ينبغي للقاضي فعل ذلك لقبحه ، فصرفه » .
    وواصل المتوكل اضطهاد ابن أبي الليث ، فصادر أمواله وأموال أقاربه ، ولو
    كانت مهمة لذكروها . وحمله الى بغداد ومات فيها سنة 255 . « تاريخ بغداد « 2 / 291 » .
    واضطهد أحد تجار بغداد
    وذكر الطبري في تاريخه قصة وجيه في بغداد ، قتله المتوكل بتهمة شتم الشيخين ،
    والمرجح أنه كان معارضاً للمتوكل أو محباً لأهل البيت عليهم‌السلام ، فقد كانت قصته
    بعد غضب أهل بغداد لهدم قبر الحسين عليه‌السلام وكتابتهم شتم المتوكل على الجدران ،
    فيظهر أن السلطة دبرت له هذه التهمة ، وقتله الخليفة هذه القتلة !


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني   الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyالثلاثاء أكتوبر 29, 2024 10:02 pm

    قال الطبري « 7 / 375 » : « وفيها « سنة 241 » ضُرِب عيسى بن جعفر بن محمد بن
    عاصم ، صاحب خان عاصم ببغداد ضرب فيما قيل ألف سوط . وكان السبب
    في ذلك أنه شهد عند أبي حسان الزيادي قاضي الشرقية عليه ، أنه شتم أبا بكر
    وعمر وعائشة وحفصة ، وسبعة عشر رجلاً ، شهاداتهم فيما ذكر مختلفة من هذا
    النحو ، فكتب بذلك صاحب بريد بغداد إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان ، فأنهى
    عبيد الله ذلك إلى المتوكل ، فأمر المتوكل أن يكتب إلى محمد بن عبد الله بن طاهر
    يأمره بضرب عيسى هذا بالسياط ، فإذا مات رمى به في دجلة ، ولم تدفع جيفته
    إلى أهله ! فكتب عبيد الله إلى الحسن بن عثمان جواب كتابه إليه في عيسى :
    بسم الله الرحمن الرحيم ، أبقاك الله وحفظك ، وأتم نعمته عليك . وصل
    كتابك في الرجل المسمى عيسى بن جعفر بن محمد بن عاصم صاحب الخانات ،
    وما شهد به الشهود عليه من شتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
    ولعنهم وإكفارهم ورميهم بالكبائر ، ونسبتهم إلى النفاق وغير ذلك ، مما خرج
    به إلى المعاندة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم . وتثبتك في أمر أولئك الشهود ،
    وما شهدوا به ، وما صح عندك من عدالة من عُدِّل منهم ، ووضح لك من الأمر
    فيما شهدوا به ، وشرحك ذلك في رقعة درج كتابك ، فعرضت على أمير المؤمنين
    أعزه الله ذلك ، فأمر بالكتاب إلى أبي العباس محمد بن عبد الله بن طاهر مولى
    أمير المؤمنين أبقاه الله ، بما قد نفذ إليه مما يشبه ما عنده أبقاه الله من نصرة دين الله
    وإحياء سنته ، والإنتقام ممن ألحد فيه ، وأن يضرب الرجل حداً في مجمع الناس


    حد الشتم ، وخمس مائة سوط بعد الحد للأمور العظام التي اجترأ عليها ، فإن
    مات ألقيَ في الماء من غير صلاة ، ليكون ذلك ناهياً لكل ملحد في الدين خارج
    من جماعة المسلمين ، وأعلمتك ذلك لتعرفه إن شاء الله تعالى ، والسلام عليك
    ورحمة الله وبركاته . وذكر أن عيسى بن جعفر بن محمد بن عاصم هذا ، قد قال
    بعضهم : إن اسمه أحمد بن محمد بن عاصم ، لما ضُرب تُرك في الشمس حتى مات
    ثم رُمِيَ به في دجلة » .
    أقول : آل عاصم عائلة كوفية من بني ضبة ، سكن بعضهم في بغداد ، وفيهم من
    أصحاب الأئمة عليهم‌السلام ، وعرف منهم العاصمي وكيل الإمام المهدي عليه‌السلام .
    وقد يكون منهم هذا الشهيد ابن عاصم ، الذي قتله المتوكل بافتراء عليه ، فقد
    ترجم علماؤنا لعدة رجال من آل عاصم .
    قال الشيخ في الفهرست / 73 : « أحمد بن محمد بن عاصم ، أبو عبد الله ، وهو ابن
    أخي علي بن عاصم المحدث ، ويقال له العاصمي ، ثقة في الحديث سالم الجنبة ،
    أصله الكوفة سكن بغداد ، وروى عن شيوخ الكوفيين . وله كتب » .
    وروى الحاكم في المستدرك « 3 / 394 » : « حدثني أبو عبد الله محمد بن العباس بن
    محمد بن عاصم بن بلال الضبي الشهيد ، ثنا أحمد بن محمد بن علي بن رزين ، ثنا
    علي بن خشرم ، ثنا أبو مخلد عطاء بن مسلم ، ثنا الأعمش ، عن أبي عبد الرحمن
    السلمي قال : شهدنا صفين مع علي رضي الله عنه .. » . لكن وصف الشهيد قد
    يكون لشخص في السند لا يوافق قتله زمن المتوكل . وكذا قول الحاكم في « 3 / 465 » :



    « فحدثنيه أبو عبد الله ، محمد بن العباس بن أحمد بن محمد بن عاصم الشهيد ،
    رضي الله عنه » . ولذلك نتوقف فيه .
    نجَّى أهل الدينور أنفسهم من شر المتوكل
    قال ابن خلكان في وفيات الأعيان « 1 / 351 » : « كان بالدينور « غرب إيران من جهة
    العراق » شيخ يتشيع ويميل إلى مذهب أهل الإمامة ، وكان له أصحاب يجتمعون
    إليه ويأخذون عنه ويدرسون عنده ، يقال له : بشر الجعاب ، فرفع صاحب الخبر
    بالدينور الى المتوكل أن بالدينور رجلاً رافضياً يحضره جماعة من الرافضة
    ويتدارسون الرفض ، ويسبون الصحابة ويشتمون السلف .
    فلما وقف المتوكل على كتابه أمر وزيره عبيد الله بن يحيى بالكتاب إلى عامله على
    الدينور بإشخاص بشر هذا ، والفرقة التي تجالسه . فكتب عبيد الله بن يحيى
    بذلك ، فلما وصل إلى العامل كتابه ، وكان صديقاً لبشر الجعاب حسن المصافاة
    له شديد الإشفاق عليه ، همَّهُ ذلك وشقَّ عليه ، فاستدعى بشراً وأقرأه ما كوتب
    به في أمره ، وأمر أصحابه فقال له بشر : عندي في هذا رأيٌ إن استعملته كنت
    غير مستبطأ فيما أُمرت به ، وكنت بمنجاة مما أنت خائف عليَّ منه .
    قال : وما هو ؟ قال : بالدينور شيخ خفاف إسمه بشر ، ومن الممكن المتيسر أن
    تجعل مكان الجعاب الخفاف ، وليس بمحفوظ عنده ما نسبت إليه من الحرفة
    والصناعة ، فَسُرَّ العامل بقوله وعمد إلى العين من الجعاب فغير عينها وغير
    استواء خطها وانبساطه ، ووصل الباء بما صارت به فاء ، فكان أخبره عن بشر


    الخفاف أنه أبله في غاية البله والغفلة ، وأنه هزأة عند أهل بلده وضحكة ! وذلك
    أن أهل سواد البلد يأخذون منه الخفاف التامة والمقطوعة بنسيئة ، ويعدونه
    بأثمانها عند حصول الغلة ، فإذا حصلت وحازوا ما لهم منها ما طلوه بدينه
    ولَوَوْهُ بحقه ، واعتلوا بأنواع الباطل عليه ، فإذا انقضى وقت السادر ودنا الشتاء
    واحتاجوا إلى الخفاف وما جرى مجراها ، وافوا بشراً هذا واعتذروا إليه وخدعوه
    وابتدروا يعدونه الوفاء ، ويؤكدون مواعيدهم بالأيمان الكاذبة والمعاهدة الباطلة
    ويضمنون له أداء الديون الماضية والمستأنفة ، فيحسن ظنه بهم وسكونه ويستسلم
    إليهم ، ويستأنف إعطاءهم من الخفاف وغيرها ما يريدونه ، فإذا حضرت الغلة
    أجروه على العادة ، وحملوه على ما تقدم من السنة ، ثم لا يزالون على هذه الوتيرة
    من أخذ سلعه في وقت حاجتهم ودفعه عن حقه في إبان غلاتهم ، فلا يتنبه من
    رقدته ولا يفيق من سكرته !
    فأنفذ صاحب الخبر كتابه وأشار بتقديم الخفاف أمام القوم ، والإقبال عليه
    بالمخاطبة وتخصيصه بالمسألة ، ساكناً إلى أنه من ركاكته وفهاهته بما يضحك
    الحاضرين ، ويحسم الإشتغال بالبحث عن هذه القصة ويتخلص من هذه الثلاثة .
    فلما ورد كتاب صاحب الخبر أعلم عبيد الله بن يحيى المتوكل به وبحضور القوم
    فأمر أن يجَلس ويستحضرهم ويخاطبهم فيما حكي عنهم ، وأمر فعلق بينه وبينهم
    سلبية ، ليقف على ما يجري ويسمعه ويشاهده ، ففعل ذلك .


    وجلس عبيد الله واستدعى المحضرين فقُدِّموا إليه يَقْدَمُهم بشر الخفاف ، فلما
    جلسوا أقبل عبيد الله على بشر فقال له : أنت بشر الخفاف ؟ فقال : نعم . فسكنت
    نفوس الحاضرين معه إلى تمام هذه الحيلة وإتمام هذه المدالسة ، وجواز هذه
    المغالطة ، فقال له : إنه رفع إلى أمير المؤمنين من أمركم شئ أنكره ، فأمر بالكشف
    عنه وسؤالكم بعد إحضاركم عن حقيقته ، فقال له بشر : نحن حاضرون فما
    الذي تأمرنا به ؟ قال : بلغ أمير المؤمنين أنه يجتمع إليك قوم فيخوضون معك في
    الترفض وشتم الصحابة ، فقال بشر : ما أعرف من هذا شيئاً . قال : قد أمرت
    بامتحانكم والفحص عن مذاهبكم ، فقال : ما تقول في السلف ؟ فقال : لعن الله
    السلف . فقال له عبيد الله : ويلك أتدري ما تقول ! قال : نعم ، لعن الله السلف !
    فخرج خادم من بين يدي المتوكل فقال لعبيد الله : يقول لك أمير المؤمنين سله
    الثالثة ، فإن أقام على هذا فاضرب عنقه ، فقال له : إني سائلك هذه المرة فإن لم
    تتب وترجع عما قلت أمرت بقتلك ، فما تقول الآن في السلف ؟ فقال : لعن الله
    السلف قد خَرَّبَ بيتي وأبطل معيشتي ، وأتلف مالي ، وأفقرني ، وأهلك عيالي !
    قال : وكيف ؟ قال : أنا رجل أسلف الأَكَرة وأهل الدستان الخفاف والتمسكات
    على أن يوفوني الثمن مما يحصل من غلاتهم ، فأصير إليهم عند حصول الغلة في
    بيادرهم ، فإذا أحرزوا الغلات دفعوني عن حقي ، وامتنعوا من توفيتي مالي .
    ثم يعودون عند دخول الشتاء فيعتذرون إلي ويحلفون بالله لا يعاودون مطلي
    وظلمي ، فإنهم يؤدون إلي المتقدم والمتأخر من مالي ، فأجيبهم إلى ما يلتمسونه


    وأعطيهم ما يطلبونه ، فإذا جاء وقت الغلة عادوا إلى مثل ما كانوا عليه من
    ظلمي وكسر مالي ، فقد اختلَّت حالي ، وافتقرت عيالي !
    قال : فسمع ضحك عال من وراء السبيبة ، وخرج الخادم فقال : إستحلل هؤلاء
    القوم وخل سبيلهم ! فقالوا : يا أمير المؤمنين في حل وسعة ، فصرفهم ، فلما
    توسطوا صحن الدار قال بعض الحاضرين : هؤلاء قوم مجانٌّ محتالون ، وصاحب
    الخبر مسقط لا يكتب إلا بما يعلمه ويثق بصحته ، وينبغي أن يستقصي الفحص
    عن هذا والنظر فيه ، فأمر بردهم فلما أمروا بالرجوع قال بعض الجماعة التابعة
    لبعض : ليس هذا من ذلك الذي تقدم ، فينبغي أن نتولى الكلام نحن ونسلك
    طريق الجد والديانة ، فرجعوا فأمروا بالجلوس ، ثم أقبل عبيد الله على القوم
    فقال : إن الذي كتب في أمركم ليس ممن تقدم على الكتب بما لا يقبله علماً ويحيط
    به خبراً ، وقد أخذ أمير المؤمنين باستئناف امتحانكم وإنعام التفتيش عن أمركم .
    فقالوا : إفعل ما أمرت به ، فقال : من خير الناس بعد رسول الله ؟ قلنا : علي بن
    أبي طالب ، فقال الخادم بين يديه : قد سمعت ما قالوا ، فأخبر أمير المؤمنين به ،
    فمضى ثم عاد فقال : يقول لكم أمير المؤمنين هذا مذهبي . فقلنا : الحمد لله الذي
    وفق أمير المؤمنين في دينه ، ووفقنا لاتباعه وموافقته على مذهبه .
    ثم قال لهم : ما تقولون في أبي بكر رضي الله عنه ؟ فقالوا رحمة الله على أبي بكر
    نقول فيه خيراً ، قال فما تقولون في عمر ؟ قلنا : رحمة الله عليه ولا نحبه . قال : ولمَ ؟
    قلنا : لأنه أخرج مولانا العباس من الشورى . قال فسمعنا من وراء السبيبة



    ضحكاً أعلى من الضحك الأول ، ثم أتى الخادم فقال لعبيد الله عن المتوكل
    أتبعهم صلة ، فقد لزمتهم في طريقهم مؤونة واصرفهم ، فقالوا : نحن في غنى
    وفي المسلمين من هو أحق بهذه الصلة وإليها أحوج . وانصرفوا » .
    أقول : هذا يدل على نهاية نصب المتوكل ، بحيث إذا جاءه خبر عن شيخ له جماعة
    يدرسون عنده ويتبعون مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، يبادر الى البطش بهم !
    كان مسجد براثا مركزاً للشيعة قبل بغداد !
    ذكرنا في سيرة الإمام الكاظم عليه‌السلام أن مسجد براثا أسسه أمير المؤمنين عليه‌السلام في
    عودته من حرب الخوارج سنة 38 ، وأنه كان مركزاً للشيعة قبل تأسيس بغداد ،
    وكانت الكرخ بلدة فيها شيعة . ثم أسس المنصور بغداد بين براثا والكرخ .
    قال في معجم البلدان : 1 / 362 : « بُرَاثا : بالثاء المثلثة والقصر : محلةٌ كانت في طرف
    بغداد في قِبْلة الكرخ وجنوبي باب مُحَوِّل وكان لها جامع مفرد تصلي فيه الشيعة » .
    وفي أمالي الطوسي / 199 ، عن الإمام الباقر صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « إن أمير المؤمنين صلى‌الله‌عليه‌وآله لما رجع
    من وقعة الخوارج اجتاز بالزوراء فقال للناس : إنها الزوراء ، فسيروا وجَنِّبوا
    عنها فإن الخسف أسرع إليها من الوتد في النخالة ، فلما أتى موضعاً من أرضها
    قال : ما هذه الأرض ؟ قيل أرض بحرا ، فقال : أرض سباخ ، جنبوا ويَمِّنوا .
    فلما أتى يمنة السواد فإذا هو براهب في صومعة له فقال له : يا راهب ، أَنْزِلُ
    هاهنا ؟ فقال له الراهب : لا تنزل هذه الأرض بجيشك . قال : ولمَ ؟ قال : لأنه لا
    ينزلها إلا نبي أووصي نبي بجيشه يقاتل في سبيل الله ، هكذا نجد في كتبنا .

    فقال له أمير المؤمنين : فأنا وصي سيد الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله وسيدُ الأوصياء . فقال له
    الراهب : فأنت إذن أصلع قريش ووصي محمد ؟ قال له أمير المؤمنين : أنا ذلك .
    فنزل الراهب إليه فقال : خذ عليَّ شرائع الإسلام ، إني وجدت في الإنجيل نعتك
    وأنك تنزل أرض براثا بيت مريم وأرض عيسى صلى‌الله‌عليه‌وآله ! فقال أمير المؤمنين صلى‌الله‌عليه‌وآله :
    قف ولا تخبرنا بشئ ثم أتى موضعاً فقال : إلكزوا هذه ، فلكزه برجله صلى‌الله‌عليه‌وآله
    فانبجست عين خرارة ، فقال : هذه عين مريم التي انبعثت لها !
    ثم قال : إكشفوا هاهنا على سبعة عشر ذراعاً ، فكشف فإذا بصخرة بيضاء فقال
    علي صلى‌الله‌عليه‌وآله : على هذه وضعت مريم عيسى من عاتقها وصلت هاهنا ! فنصب أمير
    المؤمنين صلى‌الله‌عليه‌وآله الصخرة وصلى إليها ، وأقام هناك أربعة أيام يتم الصلاة ، وجعل
    الحرم في خيمة من الموضع على دَعْوِة « مسافة قريبة » ثم قال : أرض براثا ، هذا بيت
    مريم عليها‌السلام هذا الموضع المقدس صلى فيه الأنبياء عليهم‌السلام » !
    وفي مناقب آل أبي طالب : 2 / 100 : « قال أمير المؤمنين : فاجلس يا حُبَاب ، قال :
    وهذه دلالةٌ أخرى ، ثم قال : فانزل يا حباب من هذه الصومعة وابن هذا الدير
    مسجداً ، فبنى حباب الدير مسجداً ، ولحق أمير المؤمنين صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الكوفة ، فلم
    يزل بها مقيماً حتى قتل أمير المؤمنين صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعاد حباب إلى مسجده ببراثا » .
    ومن ذلك اليوم والى عصرنا الحاضر ، صار مسجد براثا مركزاً علمياً وعبادياً
    واجتماعياً للشيعة ، ومَعْلَماً من معالم بغداد .


    وقد شهد في العصور المختلفة حملات وحشية من السلطة ، ومن الحنابلة
    المتطرفين الذين أسس حزبهم المتوكل .
    وتقدم أن ابن عقدة رحمه‌الله كان يأتي من الكوفة الى بغداد ، فيملي أحاديثه على
    المسلمين في مسجد براثا . وأن النواصب أتباع المتوكل اعتدوا عليه وحبسوه !
    وقد شهدت بغداد ومسجد براثا خاصة أنواعاً من اضطهاد السلطة للشيعة .
    قال ابن طاووس في الملاحم والفتن / 260 : « قال السليلي مصنف الكتاب : فرأيت
    مسجد براثا وقد هدمه الحنبليون ، وحفروا قبوراً فيه ، وأخذوا أقواماً قد حفر
    لهم قبور فغلبوا أهل البيت ودفنوهم فيه ، إرادةَ تعطيل المسجد وتصييره مقبرة ،
    وكان فيه نخل فقطع ، وأحرق جذوعه وسقوفه ! وذلك في سنة اثنتي عشرة
    وثلاث مائة , فعطل من سنته الحج ، وقد كان خرج سليمان بن الحسن يعني
    القرمطي في أول هذه السنة ، فقطع على الحاج وقتلهم وعطل الحاج ، ووقع
    الثلج ببغداد فاحترق نخلهم من البرد فهلك . فأخبرني مولاي ناقد أن أبا عمرو
    قاضي بغداد قال له : احترق لي بقرية على ثلاث فراسخ ببغداد يقال لها صرصر
    مائة ألف نخلة . قال السليلي : فأي شأن أحسن ، وأي أمر أوضح من هذا » .
    أقول : ما تقدم إنما هو نماذج من ظلم المتوكل للشيعة في البلاد ، فتصور !
    * *

    الفصل السادس :
    هدم المتوكل قبر الإمام الحسين عليه‌السلام
    عقدة المتوكل من الإمام الحسين عليه‌السلام وزواره
    1 . في مقاتل الطالبيين / 395 : « وكان المتوكل شديد الوطأة على آل أبي طالب ،
    غليظاً على جماعتهم ، مهتماً بأمورهم ، شديد الغيظ والحقد عليهم ، وسوء الظن
    والتهمة لهم ، واتفق له أن عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزيره ، يسئ الرأي فيهم ،
    فحسَّن له القبيح في معاملتهم ، فبلغ فيهم ما لم يبلغه أحد من خلفاء بني العباس
    قبله . وكان من ذلك أن كَرَبَ قبر الحسين عليه‌السلام وعَفَّى آثاره ، ووضع على سائر
    الطرق مسالح له ، لا يجدون أحداً زاره إلا أتوه به ، فقتله ، أو أنهكه عقوبة !
    فحدثني أحمد بن الجعد الوشاء وقد شاهد ذلك ، قال : كان السبب في كرب قبر
    الحسين أن بعض المغنيات كانت تبعث بجواريها إليه قبل الخلافة يغنين له إذا
    شرب ، فلما وليها بعث إلى تلك المغنية فعرف أنها غائبة ، وكانت قد زارت قبر
    الحسين عليه‌السلام وبلغها خبره ، فأسرعت الرجوع ، وبعثت إليه بجارية من جواريها
    كان يألفها فقال لها : أين كنتم ؟
    قالت : خرجت مولاتي إلى الحج وأخرجتنا معها وكان ذلك في شعبان ،
    فقال : إلى أين حججتم في شعبان ؟ قالت : إلى قبر الحسين . فاستطير غضباً وأمر
    بمولاتها فحبست ، واستصفى أملاكها .


    وبعث برجل من أصحابه يقال له : الديزج وكان يهودياً فأسلم ، إلى قبر الحسين
    وأمره بكرب قبره ومحوه ، وإخراب كل ما حوله ، فمضى ذلك وخرب ما حوله
    وهدم البناء وكرب ما حوله ، نحو مائتي جريب ، فلما بلغ إلى قبره لم يتقدم إليه
    أحد ، فأحضر قوماً من اليهود فكربوه ! وأجرى الماء حوله ، ووكل به مسالح
    بين كل مسلحتين ميل ، لا يزوره زائر إلا أخذوه ووجهوا به إليه .
    فحدثني محمد بن الحسين الأشناني ، قال : بَعُدَ عهدي بالزيارة في تلك الأيام
    خوفاً ، ثم عملت على المخاطرة بنفسي فيها ، وساعدني رجل من العطارين على
    ذلك ، فخرجنا زائرين نكمن النهار ونسير الليل ، حتى أتينا نواحي الغاضرية ،
    وخرجنا منها نصف الليل فسرنا بين مسلحتين وقد ناموا ، حتى أتينا القبر
    فخفي علينا ، فجعلنا نشمه ونتحرى جهته حتى أتيناه وقد قلع الصندوق الذي
    كان حواليه وأحرق ، وأجري الماء عليه فانخسف موضع اللبن وصار كالخندق ،
    فزرناه وأكببنا عليه ، فشممنا منه رائحة ما شممت مثلها قط شيئاً من الطيب !
    فقلت للعطار الذي كان معي : أي رائحة هذه ؟ فقال : لا والله ما شممت مثلها
    كشئ من العطر ، فودعناه وجعلنا حول القبر علامات في عدة مواضع .
    فلما قتل المتوكل اجتمعنا مع جماعة من الطالبيين والشيعة ، حتى صرنا إلى القبر
    فأخرجنا تلك العلامات ، وأعدناه إلى ما كان عليه » .
    أقول : الأشناني المذكور من أعلام العامة ، فهو يدل على التأثير الواسع لهدم قبر
    الحسين عليه‌السلام على السنة أيضاً ، وقد كان عمر الأشناني يومها خمس عشرة سنة .

    وترجم له الخطيب البغدادي ، فقال « 2 / 230 » : « محمد بن الحسين بن حفص بن
    عمر ، أبو جعفر الخثعمي الأشناني الكوفي : قدم بغداد وحدث بها عن عباد بن
    يعقوب الرواجني ، وعباد بن أحمد العزرمي ، وأبي كريب محمد بن العلاء
    الهمداني ، وموسى بن عبد الرحمن المسروقي ، ومحمد بن عبيد المحاربي ، وفضالة
    بن الفضيل التميمي . روى عنه محمد بن سليمان الباغندي ، والقاضي أبو عبد
    الله المحاملي ، وأبو عمرو بن السماك ، ومحمد بن عمر الجعابي ، ومحمد بن زيد بن
    مروان ، وأبو الحسين بن البواب المقرئ ، ومحمد بن المظفر الحافظ ، وغيرهم ...
    أبو الحسن محمد بن أحمد بن حماد بن سفيان الحافظ ، قال : سنة خمس عشرة
    وثلاث مائة ، فيها مات أبو جعفر محمد بن الحسين بن حفص بن عمر الخثعمي
    مولى الأشناني لسبع خلون من صفر يوم الخميس . وأخبرني بعض أصحابنا أنه
    سمعه يقول : إنه ولد سنة إحدى وعشرين ومائتين ، وكان ثقة حجة » .
    2. وفي تاريخ الطبري « 9 / 185 » : « ذكر خبر هدم قبر الحسين بن علي : وفيها « سنة
    236 » أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي ، وهدم ما حوله من المنازل والدور ،
    وأن يحرث ويبذر ويسقى موضع قبره ، وأن يمنع الناس من إتيانه . فذُكر أن
    عامل صاحب الشرطة نادى في الناحية : من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة بعثنا به
    إلى المطبق « سجن مظلم تحت الأرض » فهرب الناس ، وامتنعوا من المصير إليه ،
    وحُرث ذلك الموضع ، وزُرع ما حواليه » .


    3. وقال المسعودي في مروج الذهب « 4 / 52 » : « وكان آل أبي طالب قبل خلافته
    « المنتصر » في محنة عظيمة وخوفٍ على دمائهم ، قد مُنعوا زيارة قبر الحسين والغري
    من أرض الكوفة ، وكذلك منع غيرهم من شيعتهم حضور هذه المشاهد ، وكان
    الأمر بذلك من المتوكل سنة ست وثلاثين ومائتين .
    وفيها أمر المعروف بالذيريج بالسَّيْر إلى قبر الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما
    وهَدْمِه ومَحْو أرضه وإزالة أثره ، وأن يعاقب من وجد به ، فبذل الرغائب لمن
    تقدم على هذا القبر ، فكلٌّ خشي العقوبة وأحْجَمَ ، فتناول الذيريج مِسْحاةً
    وهدم أعالي قبر الحسين ، فحينئذ أقدم الفعلة فيه ، وإنهم انتهوا إلى الحفرة
    وموضع اللحد ، فلم يروا فيه أثر رِمَّةٍ ولا غيرها ! ولم تزل الأمور على ما ذكرنا
    إلى أن استخلف المنتصر فأمَّن الناس ، وتقدم بالكف عن آل أبي طالب ، وترك
    البحث عن أخبارهم ، وأن لا يمنع أحد زيارة الحير لقبر الحسين رضي الله تعالى
    عنه ولا قبر غيره من آل أبي طالب ، وأمر برد فدَكَ إلى ولد الحسن والحسين
    وأطْلَقَ أوقاف آل أبي طالب ، وترك التعرض لشيعتهم ودفع الأذى عنهم ، وفي
    ذلك يقول البحتري ، من أبيات له :
    وإن علياً لأوْلى بكمْ
    وأزكى يداً عندكم من عُمَرْ

    وكلٌّ له فَضْلُه والحُجُو
    لُ يومَ التَّراهُنِ دونَ الغَرَرْ

    وفي ذلك يقول يزيد بن محمد المهلبي وكان من شيعة آل أبي طالب ، وما كان
    امتحن به الشيعة في ذلك الوقت ، وأغريت بهم العامة :
    ولقد بَرَرْتَ الطالبيةَ بعد ما
    ذُمُّوا زماناً بعدها وزمانا

    ورَدَدْتَ ألفةَ هاشم فرأيتَهُمْ
    بعد العداوة بينهم إخوانا


    آنستَ ليلَهُمُ وجُدْتَ عليهمُ
    حتى نسُوا الأحقادَ والأضغانا

    لو يعلمُ الأسلاف كيف بَرَرْتهم
    لرأوك أثقلَ من بها ميزانا »

    4. وفي النجوم الزاهرة « 2 / 283 » : « أمر بهدم قبر الحسين رضي الله عنه وهدم ما
    حوله من الدور ، وأن يعمل ذلك كله مزارع . فتألم المسلمون لذلك ، وكتب
    أهل بغداد شتم المتوكل على الحيطان والمساجد ، وهجاه الشعراء دعبل وغيره » .
    5. وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي / 374 : « فتألم المسلمون من ذلك ، وكتب أهل
    بغداد شتمه على الحيطان والمساجد ، وهجاه الشعراء ، فمما قيل في ذلك :
    بالله إن كانت أميةُ قد أتَتْ
    قتلَ ابن بنت نبيِّهَا مظلومَا

    فلقد أتاهُ بنو أبيه بمثله
    هذا لعمري قبرُه مهدوما

    أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا
    في قتلهِ فَتَتَّبعُوهُ رميما » .

    6. وقال ابن الأثير في تاريخه « 6 / 108 » : « في هذه السنة « 236 » أمر المتوكل بهدم قبر
    الحسين بن علي وهَدْم ما حوله من المنازل والدور ، وأن يُبذر ويُسقى موضع
    قبره ، وأن يمنع الناس من إتيانه ، فنادى بالناس في تلك الناحية من وجدناه عند
    قبره بعد ثلاثة حبسناه في المطبق ، فهرب الناس وتركوا زيارته ، وخُرب وزُرع » !
    7. وقال في مآثر الإنافة « 1 / 230 » : « بلغ من بغضه لعلي وأهل بيته أنه في سنة 236
    أمر بهدم قبر الحسين بن علي وما حوله من المنازل ، ومنع الناس من زيارته » !
    8. وفي أمالي الطوسي / 325 : « حدثنا محمد بن جعفر بن محمد بن فرج الرخجي
    قال : حدثني أبي ، عن عمه عمر بن فرج ، قال : أنفذني المتوكل في تخريب قبر



    الحسين فصرت إلى الناحية ، فأمرت بالبقر فَمُرَّ بها على القبور ، فمرَّت عليها
    كلها ، فلما بلغت قبر الحسين عليه‌السلام لم تمرَّ عليه ! قال عمي عمر بن فرج : فأخذت
    العصا بيدي فما زلت أضربها حتى تكسرت العصا في يدي ! فو الله ما جازت
    على قبره ولا تخطته ! قال لنا محمد بن جعفر : كان عمر بن فرج شديد الإنحراف
    عن آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فأنا أبرأ إلى الله منه . وكان جدي أخوه محمد بن فرج شديد
    المودة لهم رحمه الله ورضي عنه ، فأنا أتولاه لذلك وأفرح بولادته » . أي بولادتي منه .
    9. وفي أمالي الطوسي / 326 : « حدثنا علي بن محمد بن سليمان النوفلي ، عن أبي علي
    الحسين بن محمد بن مسلمة بن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر ، قال : حدثني
    إبراهيم الديزج قال : بعثني المتوكل إلى كربلاء لتغيير قبر الحسين عليه‌السلام وكتب معي
    إلى جعفر بن محمد بن عمار القاضي : أعلمك أني قد بعثت إبراهيم الديزج إلى
    كربلاء لنبش قبر الحسين ، فإذا قرأت كتابي فقف على الأمر حتى تعرف فعل أولم
    يفعل . قال الديزج : فعرفني جعفر بن محمد بن عمار ما كتب به إليه ، ففعلت ما
    أمرني به جعفر بن محمد بن عمار ثم أتيته ، فقال لي : ما صنعت ؟ فقلت : قد فعلت
    ما أمرتَ به ، فلم أر شيئاً ، ولم أجد شيئاً ! فقال لي : أفلا عمقته ؟ قلت : قد فعلت
    وما رأيت ، فكتب إلى السلطان : إن إبراهيم الديزج قد نبش فلم يجد شيئاً ،
    وأمرته فمخره بالماء ، وكَرَبَهُ بالبقر .
    قال أبوعلي العماري : فحدثني إبراهيم الديزج وسألته عن صورة الأمر فقال لي : أتيت
    في خاصة غلماني فقط ، وإني نبشت فوجدت باريةً جديدة وعليها بدنُ الحسين بن علي


    ووجدت منه رائحة المسك ، فتركت البارية على حالتها وبدن الحسين على البارية ،
    وأمرتُ بطرح التراب عليه ، وأطلقت عليه الماء ، وأمرت بالبقر لتمخره وتحرثه فلم
    تطأه البقر ، وكانت إذا جاءت إلى الموضع رجعت عنه ! فحلفت لغلماني بالله وبالأيمان
    المغلظة : لئن ذكر أحد هذا لأقتلنه » .
    10. في أمالي الطوسي / 327 : « قال : حدثني أبو برزة الفضل بن محمد بن عبد
    الحميد ، قال : دخلت على إبراهيم الديزج وكنت جاره ، أعوده في مرضه الذي
    مات فيه ، فوجدته بحال سوء ، وإذا هو كالمدهوش وعنده الطبيب ، فسألته عن
    حاله وكانت بيني وبينه خلطة وأنس يوجب الثقة بي والإنبساط إليَّ ، فكاتمني
    حاله وأشار لي إلى الطبيب ، فشعر الطبيب بإشارته ولم يعرف من حاله ما يصف
    له من الدواء ما يستعمله ، فقام فخرج وخلا الموضع ، فسألته عن حاله فقال :
    أخبرك والله وأستغفر الله : إن المتوكل أمرني بالخروج إلى نينوى إلى قبر الحسين ،
    فأمرنا أن نكربه ونطمس أثر القبر ، فوافيت الناحية مساء معنا الفعلة
    والروزكاريون « العمال الميامون » معهم المساحي والمرور ، فتقدمت إلى غلماني
    وأصحابي أن يأخذوا الفعلة بخراب القبر وحرث أرضه ، فطرحت نفسي لما
    نالني من تعب السفر ونمت ، فذهب بي النوم فإذا ضوضاء شديدة وأصوات
    عالية وجعل الغلمان ينبهونني ، فقمت وأنا ذَعِرٌ فقلت للغلمان : ما شأنكم ؟
    قالوا : أعجب شأن ! قلت : وما ذاك ؟ قالوا : إن بموضع القبر قوماً قد حالوا بيننا
    وبين القبر وهم يرموننا مع ذلك بالنشاب ، فقمت معهم لأتبين الأمر فوجدته
    كما وصفوا ! وكان ذلك في أول الليل من ليالي البيض فقلت : إرموهم ، فرموا



    فعادت سهامنا إلينا فما سقط سهمٌ منها إلا في صاحبه الذي رمى به فقتله !
    فاستوحشت لذلك وجزعتُ وأخذتني الحُمَّى والقَشعريرة !
    ورحلت عن القبر لوقتي ، ووطنت نفسي على أن يقتلني المتوكل لماَّ لم أبلغ في
    القبر جميع ما تقدم إلي به !
    قال أبو برزة : فقلت له : قد كفيتَ ما تحذر من المتوكل ، قد قتل بارحة الأولى
    وأعان عليه في قتله المنتصر فقال لي : قد سمعت بذلك وقد نالني في جسمي مالا
    أرجو معه البقاء ! قال أبو برزة : كان هذا في أول النهار ، فما أمسى حتى مات !
    قال ابن خشيش : قال أبوالفضل : إن المنتصر سمع أباه يشتم فاطمة عليها‌السلام فسأل
    رجلاً من الناس عن ذلك فقال له : قد وجب عليه القتل إلا أنه من قتل أباه لم
    يطل له عمر . قال : ما أبالي إذا أطعت الله بقتله أن لا يطول لي عمر ، فقتله
    وعاش بعده سبعة أشهر » !
    11. وفي أمالي الطوسي / 326 : « حدثني أبوعبد الله الباقطاني ، قال : ضمني عبيد
    الله بن يحيى بن خاقان إلى هارون المعري ، وكان قائداً من قواد السلطان ، أكتب
    له ، وكان بدنه كله أبيض شديد البياض حتى يديه ورجليه كانا كذلك ، وكان
    وجهه أسود شديد السواد كأنه القير ، وكان يتفقأ مع ذلك مادة منتنة ، قال : فلما
    آنس بي سألته عن سواد وجهه ، فأبى أن يخبرني ، ثم إنه مرض مرضه الذي مات
    فيه ، فقعدت فسألته ، فرأيته كأنه يحب أن يكتم عليه ، فضمنت له الكتمان
    فحدثني قال : وجهني المتوكل أنا والديزج لنبش قبر الحسين وإجراء الماء عليه ،


    فلما عزمت على الخروج والمسير إلى الناحية رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام ، فقال :
    لا تخرج مع الديزج ولا تفعل ما أمرتم به في قبر الحسين .
    فلما أصبحنا جاؤوا يستحثونني في المسير ، فسرت معهم حتى وافينا كربلاء ،
    وفعلنا ما أمرنا به المتوكل ، فرأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام فقال : ألم آمرك ألا تخرج
    معهم ولا تفعل فعلهم ، فلم تقبل حتى فعلت ما فعلوا ! ثم لطمني وتفل في
    وجهي ، فصار وجهي مسوداً كما ترى ، وجسمي على حالته الأولى » !
    ملاحظات على نصوص هدم القبر الشريف
    1. استمرت محاولة المتوكل هدم القبر الشريف نحو سنة من شعبان سنة 236
    الى شعبان 237 ، حتى استطاع أن يمنع الزوار من زيارته ويهدمه .
    لكن الشيعة واصلوا تحدي السلطة والذهاب الى الزيارة أكثر من عشر سنين
    حتى هلك المتوكل ، وواصل هو منع الزوار ومطاردتهم ، وحرث مكان القبر !
    2. كان أكبر تجمع لزيارة الناس لقبر الحسين عليه‌السلام في شهر شعبان . ففي أمالي
    الطوسي / 328 : « بلغ المتوكل جعفر بن المعتصم أن أهل السواد يجتمعون بأرض
    نينوى لزيارة قبر الحسين عليه‌السلام فيصير إلى قبره منهم خلق كثير ، فأنفذ قائداً من
    قواده ، وضم إليه كتفاً من الجند كثيراً ، ليشعب قبر الحسين عليه‌السلام ويمنع الناس
    من زيارته والإجتماع إلى قبره عليه‌السلام ، فخرج القائد إلى الطف وعمل بما أمر ،
    وذلك في سنة سبع وثلاثين ومائتين ، فثار أهل السواد به ، واجتمعوا عليه
    وقالوا : لو قتلنا عن آخرنا لما أمسك من بقي منا عن زيارته ، ورأوا من الدلائل ما



    حملهم على ما صنعوا ، فكتب بالأمر إلى الحضرة ، فورد كتاب المتوكل إلى القائد
    بالكف عنهم والمسير إلى الكوفة ، مظهراً أن مسيره إليها في مصالح أهلها ،
    والإنكفاء إلى المصر ! فمضى الأمر على ذلك حتى كانت سنة سبع وأربعين ، فبلغ
    المتوكل أيضاً مصير الناس من أهل السواد والكوفة إلى كربلاء لزيارة قبر
    الحسين عليه‌السلام ، وأنه قد كثر جمعهم كذلك وصار لهم سوق كبير ، فأنفذ قائداً في
    جمع كثير من الجند ، وأمر منادياً ينادي ببراءة الذمة ممن زار قبر الحسين ، ونَبَشَ
    القبر وحرث أرضه ، وانقطع الناس عن الزيارة . وعمل على تتبع آل أبي طالب
    والشيعة رضي الله عنهم ، فقتل ولم يتم له ما قَدَّر » .
    وفي أمالي الطوسي / 329 : « حدثني عبد الله بن دانية الطوري ، قال : حججت سنة
    سبع وأربعين ومائتين ، فلما صدرت من الحج صرت إلى العراق فزرت أمير
    المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام على حال خيفة من السلطان ، وزرته ثم توجهت
    إلى زيارة الحسين عليه‌السلام فإذا هوقد حرثت أرضه ومُخِر فيها الماء ، وأُرسلت الثيران
    العوامل في الأرض ، فبعيني وبصري كنت أرى الثيران تساق في الأرض فتنساق
    لهم حتى إذا حاذت مكان القبر حادت عنه يميناً وشمالاً ، فتُضرب بالعصي
    الضرب الشديد فلا ينفع ذلك فيها ، ولا تطأ القبر بوجه ولا سبب ! فما أمكنني
    الزيارة ، فتوجهت إلى بغداد ، وأنا أقول في ذلك :
    تالله إن كانت أميةُ قد أتتْ
    قتلَ ابن بنت نبيها مظلوما

    فلقد أتاكَ بنوأبيه بمثلها
    هذا لعمرُك قبره مهدوما

    أسفوا على أن لا يكونوا شايعوا
    في قتله فتتبعوه رميما


    فلما قدمت بغداد سمعت الهائعة فقلت : ما الخبر ؟ قالوا : سقط الطائر بقتل
    جعفر المتوكل ، فعجبت لذلك وقلت : إلهي ليلة بليلة » .
    أقول : يدل استشهاد الشاعر بشعر ابن بسام على أنه كان منتشراً بين المسلمين . ويدل ما
    تقدم على أن المتوكل بدأ حملته على كربلاء سنة 236 ، وهدمَ القبر الشريف ومنع زيارته
    لكن المسلمين من أهل الكوفة وغيرهم كسروا المنع ، ورأوا المعجزات ، فأصروا على
    زيارة قبر الحسين عليه‌السلام وتحضروا للمواجهة في السنة الثانية ، ووجه اليهم المتوكل جيشاً
    كثيفاً ، لكن لما رأى إصرارهم على قتاله ، أمر قائده أن يرجع ويدعي أنه جاء في مهمة
    تتعلق بولاية الكوفة ! واستمر الأمر على هذا نحو عشر سنين ، وكان المنع من الزيارة
    سارياً ، لكنه غير محترم . وبلغ المتوكل في آخر عمره توافد الناس الى كربلاء : « وأنه قد
    كثر جمعهم وصار لهم سوق كبير ، فأنفذ قائداً في جمع كثير من الجند ، وأمر منادياً
    ينادي ببراءة الذمة ممن زار قبر الحسين » ! واستطاعت قواته أن تهدم القبر الشريف ،
    لكن الله تعالى هدم عمره وسقط طائر الحمام الزاجل في بغداد بقتله ، كما قالت الرواية .
    ومعنى هذا أن محاولات المتوكل لهدم القبر الشريف استمرت إحدى عشرة سنة فقد
    بدأت سنة 236 ، واستمرت حتى هلك في الرابع من شوال سنة 247 .
    3. واجه الإمام الهادي عليه‌السلام خطة المتوكل . وعند صدور المنع أمر الشيعة في بغداد
    أن يتجنبوا المواجهة ، ثم وجههم الى الزيارة وتحدي منع السلطة .
    ففي الكافي « 1 / 525 » : « خرج نهيٌ عن زيارة مقابر قريش « الكاظمين » والحاير « كربلا »
    فلما كان بعد أشهر دعا الوزير الباقطائي فقال له : إلق بني الفرات والبرسيين
    وقل لهم : لايزوروا مقابر قريش ، فقد أمر الخليفة أن يُتفقد كل من زار فيقبض



    عليه » ثم أمر الإمام عليه‌السلام الشيعة بزيارة قبر الحسين عليه‌السلام وجعلها أولوية قبل غيره .
    قال المفيد في المقنعة / 482 : « روى إبراهيم بن عقبة قال : كتبت إلى أبي الحسن
    الثالث : « الإمام الهادي عليه‌السلام » أسأله عن زيارة أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام ، وزيارة أبي
    الحسن موسى وأبي جعفر محمد بن علي عليه‌السلام ببغداد ؟ فكتب إليَّ : أبوعبد الله عليه‌السلام
    المقدم ، وهذان أجمع وأعظم ثواباً » . وكامل الزيارة / 500 .
    ثم قام الإمام الهادي عليه‌السلام بعمل ملفت في الحث على زيارة قبر جده الحسين عليه‌السلام
    فقد كان مريضاً فأمر أن يرسلوا له شخصاً يزور الحسين عليه‌السلام ويدعو له .
    ففي الكافي « 4 / 568 » : « عن أبي هاشم الجعفري قال : بعث إليَّ أبو الحسن عليه‌السلام في
    مرضه وإلى محمد بن حمزة فسبقني إليه محمد بن حمزة وأخبرني محمد ما زال يقول :
    إبعثوا إلى الحير ، إبعثوا إلى الحير ، فقلت لمحمد : ألا قلت له : أنا أذهب إلى الحير ،
    ثم دخلت عليه وقلت له : جعلت فداك : أنا أذهب إلى الحير ؟ فقال : انظروا في
    ذاك ، ثم قال لي : إن محمداً ليس له سر من زيد بن علي ، وأنا أكره أن يسمع ذلك ،
    قال : فذكرت ذلك لعلي بن بلال فقال : ما كان يصنع ب‍الحير وهو الحير فقدمت
    العسكر فدخلت عليه فقال لي : أجلس حين أردت القيام ، فلما رأيته أنس بي
    ذكرت له قول علي بن بلال فقال لي : ألا قلت له : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يطوف
    بالبيت ويقبل الحجر وحرمة النبي والمؤمن أعظم من حرمة البيت ، وأمره الله عز
    وجل أن يقف بعرفة ، وإنما هي مواطن يحب الله أن يذكر فيها . فأنا أحب أن
    يدعي الله لي حيث يحب الله أن يدعى فيها » .

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني   الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyالثلاثاء أكتوبر 29, 2024 10:04 pm

    وروى في الحبل المتين / 228 ، ومصباح المتهجد / 788 ، عن الإمام الهادي عليه‌السلام قال :
    « علامات المؤمن خمس : صلاة الإحدى والخمسين ، وزيارة الأربعين ، والتختم في
    اليمين ، وتعفير الجبين ، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم » .
    ورُوِيَ ذلك عن الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام ، وهو يدل على أن الإمام الهادي وابنه
    الحسن العسكري عليهما‌السلام قاوما معاً هجمة المتوكل لهدم قبر الحسين عليه‌السلام .
    4. نسب بعضهم الأبيات : تالله إن كانت أمية قد أتت .. الخ . الى ابن السكيت ،
    والصحيح أنها لابن بسام ، أو البسامي .
    قال السمعاني في الأنساب « 1 / 346 » : « البسامي : بفتح الباء الموحدة والسين المهملة
    المشددة بعدهما الألف وفي آخرها الميم ، هذه النسبة إلى بسام ، وهو إسم لجد أبي
    الحسن علي بن محمد بن منصور بن نصر بن بسام الشاعر البسامي ، من أهل بغداد ،
    سائر الشعر ، مشهورٌ عند أهل الأدب ، روى عنه محمد بن يحيى الصولي ، وأبوسهل
    أحمد بن محمد بن زياد القطان ، وغيرهما .. مات البسامي في صفر سنة اثنتين وثلاث
    مائة » . فقد كان في مطلع شبابه عندما هجا المتوكل لهدمه قبر الحسين عليه‌السلام .
    وفي وفيات الأعيان « 3 / 363 » : « كانت أمه أمامة ابنة حمدون النديم .. وكان من أعيان
    الشعراء ، ومحاسن الظرفاء ، لَسِنَاً مطبوعاً في الهجاء ، لم يسلم منه أمير ولا وزير ، ولا
    صغير ولا كبير ... ولما هَدم المتوكل على الله قبر الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله
    عنهما في سنة ست وثلاثين ومائتين ، عمل البسامي :
    تالله إن كانت أميةُ قد أتتْ
    قتلَ ابن بنت نبيها مظلوما

    فلقد أتاهُ بنوأبيه بمثله
    هذا لعمرك قبرُه مهدوما

    أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا
    في قتله فتتبعوه رميما !



    وكان المتوكل كثير التحامل على علي وولديه الحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين ،
    فهدم هذا المكان بأصوله ودوره وجميع ما يتعلق به ، وأمر أن يبذر ويسقى موضع قبره ،
    ومنع الناس من إتيانه . هكذا قال أرباب التواريخ .
    ولابن بسام المذكور من التصانيف : أخبار عمر بن أبي ربيعة ، ولم يستقص أحد في بابه
    أبلغ منه ، وكتاب أخبار الأحوص ، وكتاب مناقضات الشعراء » .
    5. ذكر المؤرخون أن دعبلاً الخزاعي هجا المتوكل لهدمه قبر الحسين عليه‌السلام ، ولم أجد
    شعره في ذلك ، إلا بيتاً واحداً يتهم فيه المتوكل بالتخنث ، كما في ديوانه / 48 :
    ولستُ بقائل قَذَعاً ولكنْ
    لأمْرٍ مَّا تَعَبَّدَكَ العبيدُ

    وأبياتاً في الحث على زيارة قبر الحسين عليه‌السلام وذم الناهين ، في ديوانه / 114 :
    زُرْ خيرَ قبرٍ بالعراق يُزَارُ
    وَاعْصِ الِحمَارَ فمَنْ نَهَاكَ حِمَارُ

    لم لا أزوركَ يا حسينُ لك الفدا
    قومي ومن عطفت عليه نزار

    ولك المودةُ في قلوب ذوي النهى
    وعلى عدوك مَقْتَةٌ ودَمارُ

    يا ابنَ الشهيدِ ويا شهيداً عَمُّهُ
    خيرُ العمومة جعفرُ الطيَّار

    عجباً لمصقولٍ أصابكَ حَدُّهُ
    في الوجه منك وقد عَلاك غُبَارُ

    هدم قبر الحسين عليه‌السلام قبل المتوكل
    في كامل الزيارات لابن قولويه / 221 : « عن الحسين ابن بنت أبي حمزة الثمالي ، قال :
    خرجت في آخر زمان بني مروان إلى زيارة قبر الحسين عليه‌السلام مستخفياً من أهل
    الشام حتى انتهيت إلى كربلا ، فاختفيت في ناحية القرية حتى إذا ذهب من الليل
    نصفه أقبلت نحو القبر ، فلما دنوت منه أقبل نحوي رجل فقال لي : إنصرف
    مأجوراً فإنك لا تصل إليه ، فرجعت فزعاً حتى إذا كان يطلع الفجر أقبلت


    نحوه ، حتى إذا دنوت منه خرج إليَّ الرجل فقال لي : يا هذا إنك لا تصل إليه !
    فقلت له : عافاك الله ولم لا أصل إليه وقد أقبلت من الكوفة أريد زيارته ، فلا
    تَحُلْ بيني وبينه ، وأنا أخاف أن أصبح فيقتلوني أهل الشام إن أدركوني هاهنا ،
    قال فقال لي : إصبر قليلاً فإن موسى بن عمران عليه‌السلام سأل الله أن يأذن له في زيارة
    قبر الحسين بن علي عليهما‌السلام فأذن له ، فهبط من السماء في سبعين ألف ملك ، فهمَّ
    بحضرته من أول الليل ينتظرون طلوع الفجر ، ثم يعرجون إلى السماء .
    قال فقلت له : فمن أنت عافاك الله ، قال : أنا من الملائكة الذين أمروا بحرس
    قبر الحسين عليه‌السلام والإستغفار لزواره ! فانصرفت وقد كاد أن يطير عقلي لما
    سمعت منه . قال : فأقبلت حتى إذا طلع الفجر أقبلت نحوه فلم يحل بيني وبينه
    أحد ، فدنوت من القبر وسلمت عليه ودعوت الله على قَتَلتِهِ ، وصليت الصبح ،
    وأقبلت مسرعاً مخافة أهل الشام » .
    أقول : هذا الحديث وغيره يدل على أن الأمويين كانوا يمنعون الشيعة من التجمع
    عند قبر الحسين عليه‌السلام ومن زيارته ، وكان المنع متفاوتاً حسب تشدد والي الكوفة
    وتساهله ، وحسب قوة الخليفة الأموي أو ضعفه .
    لكن الأمويين لم يهدموا قبر الحسين عليه‌السلام ، وأول من ارتكب جريمة هدمه : المنصور
    الدوانيقي ، وذلك بعد ثورة الحسنيين عليه وانتصاره عليهم سنة 145 ، فقد أمر والي
    الكوفة عيسى بن موسى أن يهدمه !
    روى الطوسي في أماليه / 321 : « حدثنا يحيى بن عبد الحميد الِحَّماني أملاه عليَّ في
    منزله ، قال : خرجت أيام ولاية موسى بن عيسى الهاشمي في الكوفة ، من منزلي



    فلقيني أبو بكر بن عياش ، فقال لي : إمض بنا يا يحيى إلى هذا فلم أدر من يعني ،
    وكنت أجل أبا بكر عن مراجعة ، وكان راكباً حماراً له ، فجعل يسير عليه وأنا
    أمشي مع ركابه ، فلما صرنا عند الدار المعروفة بدار عبد الله بن حازم ، التفت إليَّ
    فقال لي : يا بن الحِمَّاني ، إنما جررتك معي وجَشَّمتك معي أن تمشي خلفي ،
    لأُسمعك ما أقول لهذا الطاغية ! قال : فقلت : من هو يا أبا بكر ؟ قال هذا الفاجر
    الكافر موسى بن عيسى !
    فسكت عنه ، ومضى وأنا أتبعه حتى إذا صرنا إلى باب موسى بن عيسى ،
    وبصر به الحاجب وتبينه ، وكان الناس ينزلون عند الرحبة ، فلم ينزل أبوبكر
    هناك ، وكان عليه يومئذ قميص وإزار ، وهو محلول الإزار . قال : فدخل على
    حمار وناداني : تعالى يا ابن الحماني ، فمنعني الحاجب فزجره أبوبكر وقال له :
    أتمنعه يا فاعل وهو معي ؟ فتركني فما زال يسير على حماره حتى دخل الإيوان ،
    فبصر بنا موسى وهو قاعد في صدر الإيوان على سريره ، وبجنبي السرير رجال
    متسلحون ، وكذلك كانوا يصنعون ، فلما أن رآه موسى رحب به وقربه وأقعده
    على سريره ، ومُنعتُ أنا حين وصلت إلى الإيوان أن أتجاوزه .
    فلما استقر أبوبكر على السرير التفت فرآني حيث أنا واقف فناداني : تعال ويحك
    فصرت إليه ونعلي في رجلي وعليَّ قميص وإزار فأجلسني بين يديه ، فالتفت إليه
    موسى فقال : هذا رجل تُكَلِّمُنَا فيه ؟ قال : لا ، ولكني جئت به شاهداً عليك .


    قال : في ماذا ؟ قال : إني رأيتك وما صنعت بهذا القبر . قال : أيُّ قبر ؟ قال : قبر
    الحسين بن علي بن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله !
    وكان موسى قد وجه إليه من كربه وكرب جميع أرض الحائر ، وحرثها وزرع
    الزرع فيها ، فانتفخ موسى حتى كاد أن يَنْقَدَّ ، ثم قال : وما أنت وذا ؟
    قال : إسمع حتى أخبرك ، إعلم أني رأيت في منامي كأني خرجت إلى قومي بني
    غاضرة ، فلما صرت بقنطرة الكوفة اعترضني خنازير عشرة تريدني ، فأغاثني الله
    برجل كنت أعرفه من بني أسد فدفعها عني ، فمضيت لوجهي فلما صرت إلى
    شاهي ضللت الطريق ، فرأيت هناك عجوزاً فقالت لي : أين تريد أيها الشيخ ؟
    قلت : أريد الغاضرية . قالت لي : تَبَطَّنْ هذا الوادي فإنك إذا أتيت آخره اتضح
    لك الطريق . فمضيت ففعلت ذلك فلما صرت إلى نينوى إذا أنا بشيخ كبير
    جالس هناك ، فقلت : من أين أنت أيها الشيخ ؟ فقال لي : أنا من أهل هذه القرية .
    فقلت : كم تعدُّ من السنين ؟ فقال : ما أحفظ ما مضى من سني وعمري ، ولكن
    أبعدُ ذكري أني رأيت الحسين بن علي عليه‌السلام ومن كان معه من أهله ومن تبعه ،
    يمنعون الماء الذي تراه ، ولا يمنع الكلاب ولا الوحوش شربه ! فاستفظعت
    ذلك وقلت له : ويحك أنت رأيت هذا ؟ قال : إي والذي سمك السماء ، لقد
    رأيت هذا أنها الشيخ وعاينته ، وإنك وأصحابك هم الذين يعينون على ما قد
    رأينا مما أقرح عيون المسلمين ، إن كان في الدنيا مسلم ! فقلتُ : ويحك وما هو ؟
    قال : حيث لم تنكروا ما أجرى سلطانكم إليه . قلت : ما أجرى إليه؟ قال :



    أيكرب قبر ابن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتحرث أرضه ؟ قلت : وأين القبر ؟ قال : ها هوذا أنت
    واقف في أرضه ، فأما القبر فقد عميَ عن أن يعرف موضعه !
    قال أبو بكر بن عياش : وما كنت رأيتُ القبر قبل ذلك الوقت قطُّ ، ولا أتيته في
    طول عمري ، فقلت : من لي بمعرفته ؟ فمضى معي الشيخ حتى وقف بي على
    حير له باب وآذن ، له إذا جماعة كثيرة على الباب ، فقلت للآذن : أريد الدخول
    على ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : لا تقدر على الوصول في هذا الوقت . قلت : ولمَ ؟
    قال : هذا وقت زيارة إبراهيم خليل الله ومحمد رسول الله ، ومعهما جبرئيل
    وميكائيل ، في رعيل من الملائكة كثير .
    قال أبوبكر بن عياش : فانتبهت وقد دخلني روعٌ شديد وحزنٌ وكآبةٌ ، ومضت
    بي الأيام حتى كدت أن أنسى المنام ، ثم اضطررت إلى الخروج إلى بني غاضرة
    لدينٍ كان لي على رجل منهم ، فخرجت وأنا لا أذكر الحديث حتى إذ صرت
    بقنطرة الكوفة لقيني عشرة من اللصوص ، فحين رأيتهم ذكرت الحديث
    ورعبت من خشيتي لهم ، فقالوا لي : ألق ما معك وانج بنفسك وكانت معي
    نفيقة ، فقلت : ويحكم أنا أبو بكر بن عياش ، وإنما خرجت في طلب دينٍ لي ، والله
    الله لا تقطعوني عن طلب ديني وتضرُّوا بي في نفقتي فإني شديد الإضاقة ،
    فنادى رجل منهم : مولاي ورب الكعبة لا يعرض له . ثم قال لبعض فتيانهم :
    كن معه حتى تصير به إلى الطريق الأيمن .

    قال أبوبكر : فجعلت أتذكر ما رأيته في المنام ، وأتعجب من تأويل الخنازير حتى
    صرت إلى نينوى ، فرأيت والله الذي لا إله إلا هو الشيخ الذي كنت رأيته في
    منامي بصورته وهيئته ، رأيته في اليقظة كما رأيته في المنام سواء ، فحين رأيته
    ذكرت الأمر والرؤيا فقلت : لا إله إلا الله ما كان هذا إلا وحياً ، ثم سألته
    كمسألتي إياه في المنام ، فأجابني ثم قال لي : إمض بنا فمضيت فوقفت معه على
    الموضع وهو مكروب ، فلم يفتني شئ في منامي إلا الآذن والحير ، فإني لم أر حِيراً
    ولم أر آذناً ؟ فاتق الله أيها الرجل ، فإني قد آليت على نفسي ألا أدعَ إذاعة هذا
    الحديث ، ولا زيارةَ ذلك الموضع وقصدَه وإعظامَه ، فإن موضعاً يأتيه إبراهيم
    ومحمد وجبرئيل وميكائيل عليهم‌السلام لحقيقٌ بأن يرغب في إتيانه وزيارته ، فإن أبا
    حصين حدثني أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من رآني في المنام فإياي رأى ، فإن
    الشيطان لا يتشبه بي .
    فقال له موسى : إنما أمسكت عن إجابة كلامك لأستوفي هذه الحمقة التي
    ظهرت منك ، وبالله لئن بلغني بعد هذا الوقت أنك تتحدث بهذا لأضربن
    عنقك ، وعنق هذا الذي جئت به شاهداً علي ! فقال أبوبكر : إذن يمنعني الله
    وإياه منك ، فإني إنما أردت الله بما كلمتك به !
    فقال له : أتراجعني يا عامر وشتمه ! فقال له : أسكت أخزاك الله وقطع لسانك !
    فأرعد موسى على سريره ثم قال : خذوه !


    فأخذ الشيخ عن السرير ، وأخذت أنا ، فوالله لقد مر بنا من السحب والجرِّ
    والضرب ، ما ظننت أننا لا نكثر الأحياء أبداً ، وكان أشد ما مرَّ بي من ذلك أن
    رأسي كان يُجَرُّ على الصخر ، وكان بعض مواليه يأتيني فينتف لحيتي ، وموسى
    يقول : أقتلوهما بني كذا وكذا بالزاني لا يكني !
    وأبو بكر يقول له : أمسك قطع الله لسانك وانتقم منك ، اللهم إياك أردنا ،
    ولولد وليك غضبنا ، وعليك توكلنا .
    فصيَّر بنا جميعاً إلى الحبس ، فما لبثنا في الحبس إلا قليلاً ، فالتفت إليَّ أبوبكر
    ورأي ثيابي قد خرقت وسالت دمائي ، فقال : يا حِمَّاني قد قضينا لله حقاً ،
    واكتسبنا في يومنا هذا أجراً ، ولن يضيع ذلك عند الله ولا عند رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله .
    فما لبثنا إلا مقدار غدائةٍ ونومة ، حتى جاءنا رسوله فأخرجنا إليه ، وطلب حمار
    أبي بكر فلم يوجد ، فدخلنا عليه فإذا هو في سرداب له يشبه الدور سعة وكبراً ،
    فتعبنا في المشي إليه تعباً شديداً ، وكان أبوبكر إذا تعب في مشيه جلس يسيراً ، ثم
    يقول : اللهم إن هذا فيك فلا تَنْسَهْ ، فلما دخلنا على موسى ، وإذا هو على سرير له
    فحين بصر بنا قال : لا حيا الله ولا قرب ، من جاهل أحمق يتعرض لما يكره ،
    ويلك يا دعي ، ما دخولك فيما بيننا معشر بني هاشم !
    فقال له أبوبكر : قد سمعت كلامك ، والله حسبك ! فقال له : أخرج قبحك الله ،
    والله لئن بلغني أن هذا الحديث شاع ، أو ذكر عنك لأضربن عنقك !

    ثم التفت إليَّ وقال : يا كلب وشتمني وقال : إياك ثم إياك أن تظهر هذا ، فإنه إنما
    خُيِّلَ لهذا الشيخ الأحمق شيطانٌ يلعب به في منامه ، أخرجا عليكما لعنة الله
    وغضبه ، فخرجنا وقد يئسنا من الحياة !
    فلما وصلنا إلى منزل الشيخ أبي بكر وهو يمشي وقد ذهب حماره ، فلما أراد أن يدخل
    منزله التفت إليَّ وقال : إحفظ هذا الحديث وأثبته عندك ، ولا تحدثن هؤلاء الرعاع ،
    ولكن حدث به أهل العقول والدين » .
    ملاحظات
    1. أبوبكر بن عياش ، من كبار أئمة السنة وقرائهم وعُبَّادهم : « روى له البخاري في
    صحيحه ومسلم في مقدمة كتابه وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة . وتوفي سنة
    اثنتين وتسعين ومائة » . « الكواكب النيرات / 102 » .
    قال الذهبي في سيره : « 8 / 495 » : « أبوبكر بن عياش بن سالم الأسدي ، مولاهم الكوفي
    الحناط بالنون ، المقرئ ، الفقيه ، المحدث ، شيخ الإسلام ، وبقيه الأعلام مولى واصل
    الأحدب ... لم يضع جنبه على الأرض أربعين سنة » .
    وقد روى عنه كبار أئمة المذاهب ، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب « 12 / 31 » :
    « وعنه الثوري ، وابن المبارك ، وأبوداود الطيالسي ، وأسود بن عامر شاذان ، ويحيى
    بن آدم ، ويعقوب القمي ، وابن مهدي ، وابن يونس ، وأبونعيم ، وابن المديني ، وأحمد
    بن حنبل ، وابن معين ، وابنا أبي شيبة ، وإسماعيل بن أبان الوراق ، ويحيى بن يحيى
    النيسابوري ، وخالد بن يزيد الكاهلي ... وآخرون » .


    ويظهر من غضبه لهدم قبر الحسين عليه‌السلام ومبادرته الى النهي عن المنكر ، أنه
    صاحب دين ، لكن طريقته في الإستنكار ساذجة ، ثم نراه تراجع وسكت ! وقد
    كانت له مكانة واحترام في الناس ، فلو أنه وقف في المسجد ودعا المسلمين الى
    الإعتراض لأجابه الكثيرون ، لكنه اعترض بطريقة بدائية ، فزجره الوالي
    العباس بأسلوب فرعون ، وقال له : قصتك ومنامك خيال وحماقة ، وأنت
    فارسي مولى بني أسد ، ونحن والحسين هاشميون ، فلا تدخل بيننا !
    وقصته تدل على أن مؤسس جريمة هدم قبر الحسين عليه‌السلام المنصور الدوانيقي !
    وأن المسلمين حتى غير الشيعة نقموا عليه واعترضوا .
    2. أعاد المسلمون مشهد الحسين عليه‌السلام بعد الدوانيقي ، وعادوا الى زيارته حتى جاء
    حفيده هارون ، الذي سموه الرشيد ، فهدمه مرة ثانية !
    روى الطوسي في أماليه / 321 : « حدثني يحيى بن المغيرة الرازي ، قال : كنت عند
    جرير بن عبد الحميد ، إذ جاءه رجل من أهل العراق ، فسأله جرير عن خبر
    الناس ، فقال : تركت الرشيد وقد كرب قبر الحسين عليه‌السلام وأمر أن تقطع السدرة
    التي فيه فقطعت ! قال : فرفع جرير يديه ، فقال : الله أكبر ، جاءنا فيه حديث عن
    رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : لعن الله قاطع السدرة ، ثلاثاً ، فلم نقف على معناه حتى
    الآن ، لأن القصد بقطعه تغيير مصرع الحسين حتى لايقف الناس على قبره » .
    أقول : معنى : تغيير مصرعه ، تغيير قبره ومكان قتله عليه‌السلام . وقد قطعت قبل تلك
    السدرة سدرتان : سدرة البقيع وكانت تستظل بها الزهراء عليها‌السلام ، وسدرة الحديبية التي
    بايع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تحتها المسلمين . وقاطعهما واحد ، ولا مجال للتفصيل .

    3 . وأعاد المسلمون قبر الحسين عليه‌السلام في زمن هارون ، ورتبت أمه الخيزران خَدَماً له ،
    وأمرت الوزير الشيعي الحسن بن راشد ، أن يجري عليهم راتباً شهرياً !
    فقد روى الطبري في تاريخه « 6 / 536 » عن : « القاسم بن يحيى قال : بعث الرشيد إلى
    ابن أبي داود والذين يخدمون قبر الحسين بن علي في الحير « أي كربلاء » قال فأتيَ بهم فنظر
    إليه الحسن بن راشد وقال : ما لك ؟ قال بعث إليَّ هذا الرجل يعني الرشيد فأحضرني
    ولست آمنه على نفسي ! قال له : فإذا دخلت عليه فسألك فقل له : الحسن بن راشد
    وضعني في ذلك الموضع! فلما دخل عليه قال هذا القول ، قال : ما أخلق أن يكون هذا
    من تخليط الحسن ، أحضروه ! قال فلما حضر قال : ما حملك على أن صيرت هذا
    الرجل في الحير ؟ قال : رحم الله من صيَّره في الحير ، أمرتني أم موسى « الخيزران » أن أصيره
    فيه ، وأن أجري عليه في كل شهر ثلاثين درهماً! فقال : ردوه إلى الحير ، وأجروا عليه ما
    أجرته أم موسى » ! وابن راشد معاون الوزير ابن يقطين رحمه‌الله . « تاريخ اليعقوبي : 2 / 401 » .
    نهب الوهابية لقبر الحسين عليه‌السلام
    1. لم يهدم أحدٌ قبر الحسين عليه‌السلام بعد المتوكل ، طوال أحد قرناً ، حتى هاجم الوهابية
    كربلاء غدراً ، وهدموا القبر الشريف سنة 1216 هجرية !
    وعُقدة الوهابيين من قبر الحسين عليه‌السلام وزواره نفس عقدة المتوكل ! ولا عجب فالمتوكل
    إمامهم ومؤسس مذهبهم في التجسيم وعداوة أهل البيت عليهم‌السلام !
    أخذه من بني أمية وكعب الأحبار ، وجعله حزباً وجماعة ، وسماهم أهل الحديث
    والأثر ، وجعل ابن حنبل إمامهم !


    وقد أغار الوهابيون على كربلاء سنة 1216 ، في يوم عيد الغدير ، وكان أغلب أهل
    كربلاء في زيارة أمير المؤمنين عليهم‌السلام في النجف . وكان والي بغداد يومها سليمان باشا
    الكبير ، ووالي كربلاء عمر آغا ، وكان غائباً عن كربلاء ، وقيل إنه تواطأ مع الوهابية ،
    ولذلك لم تدافع الحامية التركية عن البلد . وكان المهاجمون بقيادة محمد بن سعود ،
    وعددهم نحو ألفين ، فدخلوا البلد بدون مقاومة تقريباً ، وعند دخولهم المدينة تعالت
    أصواتهم : أقتلوا المشركين ! وقتلوا من صادفوه ، وهدموا قبر الحسين عليه‌السلام وسرقوا
    تحفه وذهبه ، وقلعوا القضب المعدنية والسياج والمرايا ، ونهبوا النفائس من هدايا
    الباشوات والأمراء والملوك ، والشمعدانات والسجاد الفاخر والمعلقات الثمينة
    والأبواب المرصعة ، وكل ما وجدوا فيها ، وقيل إن من جملة ما أخذه لؤلؤة كبيرة ،
    وعشرين سيفاً محلاة بالذهب مرصعة بالأحجار الكريمة ، وأوانٍ ذهبية وفضية ،
    وفيروزاً وألماساً ، وغيرها . وقتلوا قرابة خمسين شخصاً بالقرب من الضريح
    الشريف ، وخمس مائة في الصحن الشريف ، ولم يرحموا شيخاً ولا طفلاً .
    وقدر بعضهم عدد القتلى بألف نسمة ، وقدرهم آخرون خمسة أضعاف ذلك .
    ولم يلبثوا فيها إلا ضحوةً ، وخرجوا من كربلاء قرب الظهر ، حاملين تلك
    الأموال ، المنهوبة من حرم الحسين عليه‌السلام ومن بيوت المسلمين !
    2. وبعد هذه الحادثة هاجم الوهابيون النجف مرات ففشلوا في اقتحامها ،
    وهاجموا كربلاء ثانية ففشلوا أيضاً . قال السيد الأمين في كشف الإرتياب / 20 : « وفي
    سنة 1216 ، جهز سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود الوهابي ، جيشاً عظيماً
    من أعراب نجد ، وغزا به العراق وحاصر كربلاء ، ثم دخلها عنوة وأعمل في


    أهلها السيف ، ولم ينج منهم إلا من فر هارباً ، أو اختفى في مخبأ ، أو تحت حطب
    ونحوه ، ولم يعثروا عليه .. وهدم قبر الحسين عليه‌السلام واقتلع الشباك الموضوع على
    القبر الشريف ، ونهب جميع ما في المشهد من الذخائر ولم يرعَ لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله
    ولا لذريته حرمةً ، وأعاد بأعماله ذكرى فاجعة كربلاء ويوم الحرة ، وأعمال بني
    أمية والمتوكل العباسي . ويقول أهل العراق وهم أعلم بما جرى في بلادهم : إنه
    ربط خيله في الصحن الشريف ، وطبخ القهوة ودقها في الحضرة الشريفة !
    وقال العلامة السيد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة ، وفي عصره كان
    غزوهم للعراق : إن سعوداً الوهابي الخارج في أرض نجد ، اخترع ما اخترع في
    الدين ، وأباح دماء المسلمين وتخريب قبور الأئمة المعصومين عليهم‌السلام ، فأغار في
    السنة المذكورة على مشهد الحسين عليه‌السلام وقتل الرجال والأطفال ، وأخذ الأموال
    وعاث في الحضرة المقدسة ، فأفسد بنيانها وهدم أركانها .
    قال : وفي الليلة التاسعة من شهر صفر سنة 1221 قبل الصبح هجم علينا سعود
    الوهابي في النجف ونحن في غفلة ، حتى أن بعض أصحابه صعد السور وكادوا
    يأخذون البلد ، فظهرت لأمير المؤمنين عليه‌السلام المعجزات الظاهرة والكرامات
    الباهرة ، فقتل من جيشه كثير ورجع خائباً .
    قال : وفي جمادى الآخرة سنة 1222 جاء الخارجي الذي إسمه سعود إلى العراق
    بنحو من عشرين ألف مقاتل أوأزيد ، فجاءت النذر بأنه يريد أن يدهمنا في
    النجف الأشرف غيلة ، فتحذرنا منه وخرجنا جميعاً إلى سور البلد ، فأتانا ليلاً
    فرآنا على حذر قد أحطنا بالسور بالبنادق والأطواب .


    فمضى إلى الحلة ، فرآهم كذلك . ثم مضى إلى مشهد الحسين عليه‌السلام على حين غفلة
    نهاراً فحاصرهم حصاراً شديداً فثبتوا له خلف السور ، وقتل منهم وقتلوا منه ،
    ورجع خائباً ، وعاث في العراق ، وقتل من قتل .
    قال : وفي سنة 1225 أحاطت الأعراب من عنزة القائلين بمقالة الوهابي بالنجف
    الأشرف ومشهد الحسين عليه‌السلام ، وقد قطعوا الطريق ، ونهبوا زوار الحسين عليه‌السلام بعد
    منصرفهم من زيارة نصف شعبان ، وقتلوا منهم جماً غفيراً وأكثر القتلى من العجم ،
    وربما قيل إنهم مائة وخمسون ، وبقي جملة من الزوار في الحلة ، ما قدروا أن يأتوا إلى
    النجف كأنها في حصار ، والأعراب ممتدة من الكوفة ، إلى فوق مشهد
    الحسين عليه‌السلام بفرسخين أو أكثر » .
    أقول : مصادر هذه الغارات الوهابية كثيرة : ومنها سجلات الخلافة العثمانية ،
    والإنكليز الذين كانوا وراء الوهابية ! راجع : أعيان الشيعة : 4 / 307 وتحفة العالم : 10 / 289 ،
    وشهداء الفضيلة / 288 ودائرة المعارف الإسلامية للأمين : 1 / 192 وتأريخ العراق
    للعزاوي : 6 / 144 . وبغية النبلاء في تاريخ كربلاء ، وتراث كربلاء : للسيد سلمان آل طعمة .
    3. يتبجح الوهابية بوقاحةٍ الى يومنا بأنهم هاجموا كربلاء وهدموا قبر الحسين صلوات
    الله عليه ! ويسمونها غزوة الإمام محمد بن سعود لكربلاء !
    وقد كتب أحدهم : « وقفة مع غزوة كربلاء ، واغتيال الإمام العادل الزاهد عبد العزيز
    بن محمد بن سعود : قال العلامة المؤرخ عثمان بن عبد الله بن بشر الناصري التميمي
    رحمه الله تعالى : ثم دخلت السنة السادسة عشرة بعد المائتين والألف ، وفيها سار
    سعود بالجيوش المنصورة ، والخيل والعناق المشهورة ، من جميع حاضرة نجد وباديتها
    ، والجنوب ، والحجاز ، وتهامة ، وغير ذلك ، وقصد أرض كربلاء ونازل أهل بلد
    الحسين رضي الله عنه . وذلك في ذي القعدة ، فحشد عليها المسلمون ، وتسوروا
    جدرانها ، ودخلوها عنوة ، وقتلوا غالب أهلها في الأسواق والبيوت ، وهدموا القبة


    الموضوعة بزعم من اعتقد فيها على قبر الحسين رضي الله عنه . وأخذوا ما في القبة وما
    حولها ، وأخذوا النصيبة التي وضعوها على القبر ، وكانت مرصوفة بالزمرد والياقين
    والجواهر . وأخذوا جميع ما وجدوا في البلد من أنواع الأموال ، والسلاح ، واللباس ،
    والفرش ، والذهب والفضة ، والمصاحف الثمينة ، وغير ذلك ، ما يعجز عنه الحصر ،
    ولم يلبثوا فيها إلا ضحوة ، وخرجوا منها قرب الظهر بجميع تلك الأموال ، وقتل من
    أهلها قريب ألفي رجل . ثم إن سعود ارتحل منها على الماء المعروف بالأبيض المعروف
    فجمع الغنائم ، وعزل أخماسها ، وقسم باقيها في المسلمين غنيمة للراجل سهم
    وللفارس سهمان ، ثم ارتحل قافلاً إلى وطنه » . « عنوان المجد في تاريخ نجد : 1 / 122 » .
    أقول : هذا المنطق غايةُ الصلف والتبجح بجريمة لا تبرير لها شرعاً ولا قانوناً ! لكنهم
    الوهابية أبناء بني أمية ، يفعلون الجرائم ولا يخجلون ، بل يفتخرون بها !
    4. وعلى أثر مهاجمة كربلاء تمكن أحد الشيعة الذي قتل الوهابية ابنه فيها ، أن ينتقم
    من أميرهم عبد العزيز بن محمد بن سعود ، ويقتله في مقره في نجد !
    قال المدعو : ابن بشر ، في تاريخ نجد : « ثم دخلت السنة الثامنة عشرة بعد المائتين
    والألف ، وفي هذه السنة في العشر الأواخر من رجب قُتل الإمام عبد العزيز بن محمد
    بن سعود في مسجد الطريف المعروف في الدرعية ، وهو ساجد أثناء صلاة العصر .
    انقض عليه رجل قيل إنه كردي من أهل العمارية بلد الأكراد المعروفة عند الموصل ،
    ادعى أن إسمه عثمان أقبل من وطنه لهذا القصد محتسباً ، حتى وصل الدرعية في صورة
    درويش وادعى أنه مهاجر ، وأظهر التمسك والطاعة ، وتعلم شيئاً من القرآن ، فأكرمه
    عبد العزيز وأعطاه وكساه ، وطلب الدرويش منه أن يعلمه أركان الإسلام ، وشروط
    الصلاة وأركانها وواجباتها مما كانوا يعلمونه الغريب المهاجر إليهم ، وكان قصده غير
    ذلك . فوثب عليه من الصف الثالث والناس في السجود ، فطعنه في خاصرته أسفل
    البطن بخنجر معه قد أخفاه وأعدها لذلك ، وهو قد تأهب للموت ، فاضطرب أهل



    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني   الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyالثلاثاء أكتوبر 29, 2024 10:05 pm

    المسجد وماج بعضهم في بعض ، ولم يكن يدرون ما الأمر ، فمنهم المنهزم ، ومنهم
    الواقف ، ومنهم الكار إلى وجهة هذا العدو العادي ، وكان لما طعن عبد العزيز أهوى
    على أخيه عبد الله وهو إلى جانبه وبرك عليه ليطعنه ، فنهض عليه وتصارعا ، وجرح
    عبد الله جرحاً شديداً ، ثم إن عبد الله صرعه وضربه بالسيف وتكاثر عليه الناس
    وقتلوه ، وقد تبين لهم وجهة الأمر .
    ثم حمل الإمام إلى قصره وقد غاب ذهنه وقرب نزعه ، لأن الطعنة قد هوت إلى جوفه
    فلم يلبث أن توفي بعدما صعدوا به إلى القصر . رحمه الله تعالى وعفى عنه . واشتد الأمر
    بالمسلمين وبهتوا ، وكان ابنه سعود في نخله المعروف بمشيرفه في الدرعية فلما بلغه
    الخبر أقبل مسرعاً واجتمع الناس عنده ، وقام فيهم ووعظهم موعظة بليغة ، وعزاهم
    فقام الناس وبايعوه خاصتهم وعامتهم وعزوه بأبيه . ثم كتب إلى أهل النواحي
    نصيحة يعظهم ويخبرهم بالأمر ويعزيهم ، ويأمرهم بالمبايعة . وكل أهل بلد وناحية
    يبايعون أميرهم سعود فبايع جميع أهل النواحي والبلدان ، وجميع رؤساء قبائل العربان
    ولم يختلف منهم اثنان ، ولا انتطح عنزان . إن هذا الدرويش الذي قتل عبد العزيز من
    أهل بلد الحسين رضي الله عنه : رافضي خبيث ، خرج من وطنه لهذا القصد بعد ما
    قتلهم سعود فيها ، وأخذ أموالهم كما تقدم ، فخرج ليأخذ الثأر ، وكان قصده سعود
    فلم يقدر عليه ، فقتل عبد العزيز ، وهذا والله أعلم أحرى بالصواب ، لأن الأكراد
    ليسوا بأهل رفض ، ولا في قلوبهم غل على المسلمين » . « عنوان المجد : « 1 / 125 » .
    أقول : رحم الله ذلك الشهيد الذي خطط وتلطف في أمره وحمل روحه على كفه ، حتى
    جاءت ساعة الثأر لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسبطه الحسين عليه‌السلام وللمؤمنين المغدورين في حرمه
    فتقدم من رأس النواصب وطعنه متقرباً بذلك الى الله تعالى .
    ثم قتل شهيداً بيد النواصب ، فحشره الله مع نبيه وأهل بيته الذين بذل فيهم مهجته .
    * *

    الفصل السابع :
    الوهابية أبناء المتوكل وبناته
    إصرار الوهابية على تفجير قبر الحسين عليه‌السلام
    ما زال هدم قبر الحسين عليه‌السلام هدفاً للوهابية ! وما زالت فتاوى علمائهم العميان
    والعوران تصرُّ على ذلك ، وهم يضمون الى قبر الحسين عليه‌السلام قبور الأولياء في
    العراق والعالم ، بل قبة قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .
    قال مفتيهم ابن باز في فتاويه عن الأولياء « 12 / 114 » : « فلا ينفعون أنفسهم ولا
    غيرهم ولا يضرون ، لأنهم قد فقدوا الحياة ، وفقدوا القدرة على التصرف ،
    وهكذا في الحياة لا ينفعون ولايضرون إلا بإذن الله . هم بزعمهم أنهم يستقلون
    بالنفع والضر وهم أحياء كفروا أيضاً ! بل النافع الضار هو الله وحده سبحانه
    وتعالى ، ولهذا لا تجوز عبادتهم ولا دعاؤهم ولا الإستغاثة بهم ولا النذر لهم ولا
    طلبهم المدد ، ومن هذا يعلم كل ذي بصيرة أن ما يفعله الناس عند قبر البدوي ،
    أو عند قبر الحسين ، أو عند قبر الكاظم ، أو عند قبر الشيخ عبد القادر الجيلاني ،
    أو ما أشبه ذلك من طلب المدد والغوث أنه يكفر بالله ، بل يشرك بالله سبحانه
    وتعالى ، فيجب الحذر من ذلك والتوبة من ذلك والتواصي بترك ذلك .
    ولا يصلى خلف هؤلاء ، لأنهم مشركون بعملهم هذا شركاً أكبر ، فلا يصلى
    خلفهم ولا يصلى على ميتهم ، لأنهم عملوا الشرك الأكبر الذي كانت عليه



    الجاهلية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، كان عليه أبوجهل وأشباهه من
    كفار مكة ، وعليه كفار العرب وهودعاء الأموات والإستغاثة بالأموات
    والأشجار والأحجار ، هذا عين الشرك بالله عز وجل ، والله يقول سبحانه :
    وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ » .
    فقد افترى هذا المفتي على زائري قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأولياء عليهم‌السلام بأنهم يعبدونهم ! وبنى
    على افترائه حكم تكفيرهم وقتلهم واستباحة أموالهم ونسائهم ، وتحريم الصلاة
    خلفهم ، والصلاة على جنائزهم ، ودفنهم في مقابر المسلمين !
    فهو يقول لك : أنت قلت : يا رسول الله إشفع لي ، فأنت تعتقد أنه إلهٌ ، فقد كفرتَ
    فيجب أن أقتلك وآخذ مالك ونساءك غنيمة ، ويحرم أن نصلي على جنازتك وأن
    ندفنك في مقابر المسلمين ، بل يجب أن ترمي جنازتك للكلاب !
    هذه ثقافتهم ومنطقهم : فتاوى فجَّة متعجرفة ! بعيدة عن الفقاهة وعن أدب الحياة .
    ويكفي أن نسأل هذا المفتي : أخبرنا ، هل يحاسب الله زائري نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأوليائه عليهم‌السلام
    على نياتهم واعتقادهم هم ، أم على ما تدعيه أنت فيهم ؟!
    لكنك ترى الوهابي عاقصاً قرنيه ، يزعم أن قوله قول الله تعالى ، ثم لايفقه غيره !
    ولذلك ما زالوا مصرين على هدم قبور الأنبياء والأولياء عليهم‌السلام ، وفي طليعتها قبة قبر
    النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقبر الحسين عليه‌السلام .
    وقد حاولوا بعد احتلال أمريكا للعراق ، إقناع الأمريكان بأن يسلموهم الحكم
    في العراق ، أي الى حفنة السلفية عملاء السعودية !

    لكن الأمريكان بشروا العراقيين بالديمقراطية والإنتخابات ، فكان لابد لهم
    من العملية الديمقراطية ، حتى لو كانت نتيجتها أن تحكم الأغلبية الشيعية .
    ومن يومها نشط الوهابية في مجموعاتهم الإرهابية في تفجير مواكب الشيعة
    الزائرين للمشاهد المشرفة ، وركزوا محاولاتهم لتفجير مشاهد الأئمة عليهم‌السلام !
    وقد شهد العراق جرائمهم الوحشية على مدى سنوات ، ووثقتها وسائل
    الإعلام المحلية والعالمية ، ووثقناها في موقع خاص باسم : طريق كربلاء .
    وقد حاولوا مراراً تفجير ضريح الإمام الحسين عليه‌السلام ، ففشلت محاولاتهم .
    قام الوهابيون بتفجير قبر الإمام الهادي عليه‌السلام
    قام إرهابيون نواصب يرتدون زي الشرطة العراقية ، بتفجير مرقد الإمامين الهادي
    والعسكري عليه‌السلام ، وذلك بتاريخ : 23 / محرم الحرام / 1428 ـ الموافق 22 فبراير 2006 .
    وكان للخبر وقع الصاعقة على المسلمين في العراق وغيره ، وكان من ردات
    فعله أن مجموعات من شباب الشيعة هاجمت في بغداد عدداً من مساجد السنة ،
    فسارع المراجع الى الدعوة الى ضبط النفس ، وعدم الانجرار وراء فتنة طائفية .
    وعمت مظاهر الغضب مدن العراق ، وخرج آلاف الشيعة في مظاهرات
    احتجاجية على تفجير المشهد ، وخرج جيش المهدي في مدينة الصدر والسماوة
    إلى الشوارع ، وهم يرتدون الملابس السوداء ويحملون الأعلام والرايات ،
    ويرددون هتافات منددة بمن وصفوهم بالبعثيين والوهابية والنواصب .


    وحدثت أعمال قتل عشوائي في بغداد والمناطق المجاورة لها ، وعثر على رفات
    47 مدنياً في حفرة بالقرب من بغداد ، وأفاد الوقف السني أن مايقرب
    168 مسجداً سنياً تعرض للهجوم ، وتم قتل 10 أئمة في المساجد ، وخطف 15
    آخرين في بغداد ، وأفادت جهات أمنية أن حصيلة العنف بعد التفجير قد
    تتجاوز 100 قتيلاً ، وبالقرب من سامراء قام مسلحون بقتل مراسلة قناة العربية
    أطوار بهجت مع اثنين من المصورين ، الذين قصدوا المكان لتغطية الأحداث .
    فيما قام مسلحون يرتدون زي الشرطة بقتل 11 شخص سني في البصرة ، كما قام
    مسلحون بالهجوم على أحد السجون ، وأخذوا بعض الأشخاص وقتلوهم .
    وقد استنكرت الجريمة دول وشخصيات عديدة ، منهم وزير الخارجية المصري
    أحمد أبوالغيط ، قال : إن مثل هذه العمليات تتنافى مع جميع المعتقدات ‏‏والأديان
    السماوية ، وتهدف إلى تقويض وحدة العراقيين .
    وعَبَّرَ كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة عن صدمته وأسفه البالغ لوقوع
    هذه الجريمة الشنعاء . وأدان الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج عبد
    الرحمن بن حمد العطية ، التفجير الذي استهدف مرقد الإمامين الهادي
    والعسكري في مدينة سامراء ، مجدداً رفض دول مجلس التعاون للتطرف والعنف
    بمختلف أشكاله وصوره . وأدانت الحكومة الفرنسية بشدة عملية التفجير عبر
    بيان لها أكدت فيه أنها تدين بأشد لهجة ممكنة هذا الهجوم ضد أحد المواقع الأكثر


    قداسة في العراق ، وشدد البيان على ضرورة وضع حد لكافة الأعمال التي تنشر
    الكراهية والعنف .
    وكذلك أدان مصدر رسمي سوري بشدة الإعتداءات الإجرامية النكراء ،
    والتعرض الآثم للأضرحة القدسية والمساجد والمؤسسات الدينية ، ووصفه بأنه
    عمل يستهدف إثارة الفتنة في العراق ، وتمزيق وحدته الوطنية .
    وأدان وزير الخارجية اللبناني فوزي صلوخ ‏التفجير الذي استهدف مرقد
    الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في مدينة سامراء .
    ووصف رئيس كتلة تيار المستقبل سعد الحريري الإعتداء بأنه محاولة للإيقاع
    بين المسلمين في العراق ، معرباً عن استنكاره لهذا العمل ‏الذي يناقض كل القيم
    الدينية والحضارية .
    وبعث أمير الكويت برقية إلى الرئيس العراقي جلال الطالباني عبر فيها عن
    استنكار الكويت وإدانتها الشديدة لعملية التفجير ، مؤكداً أن هذه الأعمال التي
    تستهدف الاماكن المقدسة وقتل الأبرياء بعيدة كل البعد عن تعاليم الدين
    الاسلامي الحنيف ، وتتنافى مع كل القيم الانسانية .
    وبعث العاهل الأردني عبد الله الثاني برقية إلى الرئيس العراقي جلال الطالباني
    يؤكد فيها أن التعرض للمرقد إساءة لكل المسلمين من مختلف المذاهب ، مؤكداً
    وقوفه قيادة وشعباً إلى جانب العراق .
    وأصدر مراجع النجف بيانات استنكروا فيها الجريمة ، ودعوا الناس الى ضبط
    النفس .


    وجاء في بيان المرجع السيد الحسيني السيستاني :
    « يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ »
    إن الكلمات قاصرة عن إدانة هذه الجريمة النكراء ، التي قصد التكفيريون من
    ورائها إيقاع الفتنة بين أبناء الشعب العراقي ، ليتيح لهم ذلك الوصول إلى
    أهدافهم الخبيثة . إن الحكومة العراقية مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى
    تحمل مسؤولياتها الكاملة في وقف مسلسل الأعمال الإجرامية التي تستهدف
    الإماكن المقدسة ، وإذا كانت أجهزتها الأمنية عاجزة عن تأمين الحماية اللازمة ،
    فإن المؤمنين قادرون على ذلك بعون الله تبارك وتعالى .
    إننا إذ نعزي إمامنا صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف بهذا المصاب الجلل
    نعلن الحداد العام لذلك سبعة أيام ، وندعو المؤمنين ليعبروا خلالها بالأساليب
    السلمية ، عن احتجاجهم وإدانتهم لانتهاك الحرمات واستباحة المقدسات ،
    مؤكدين على الجميع وهم يعيشون حال الصدمة والمأساة للجريمة المروعة ، أن
    لا يبلغ بهم ذلك مبلغاً يجرّهم إلى اتخاذ ما يؤدي إلى ما يريده الأعداء من فتنة
    طائفية ، طالما عملوا على إدخال العراق في أتونها . 23 / المحرم الحرام / 1427 هـ
    رُعونة الوهابية في تفجير مآذن المشهد الشريف !
    سلمت من معالم مشهد الروضة العسكرية مئذنتان ذهبيتان ، فلم يرق ذلك
    للوهابيين ، فقاموا بعد نحو سنة بتفجيرها أيضاً ، ظناً منهم أن المسلمين لن
    يعيدوا بناءها ، وقد خاب ظنهم ومسعاهم ، فقد أعاد المسلمون مشهد ابن بنت
    نبيهم صلى‌الله‌عليه‌وآله بأحسن مما كان ، وافتتحوه للزيارة رغم أنوف النواصب .

    رُعونة الوهابية في الدفاع عن المتوكل !
    يتضح لكل باحث بنظرة فاحصة ، في شخصية المتوكل وحياته ، أنه :
    ـ شاب مترف كان يطيل شعره من الخلف ، ليكون كشعر المرأة ، على طريقة
    المخنثين ، ويعيش مع أصدقائه أبناء القادة الأتراك الفاسدين .
    ـ أمر الواثق بحبسه ومنعه من الخروج ، لئلا يكثر لغط الناس على بيت الخليفة .
    ـ ولما مات الواثق جاؤوا به من سجن التخنث ، وبايعوه خليفة .
    ـ كان حقوداً قاتلاً ، فلم يترك أحداً له فضل عليه إلا وقتله أو عزله . فقد قتل
    القائد إيتاخ التركي الذي رباه في بيته ، وعزل القاضي ابن أبي دؤاد الذي اختاره
    خليفة . وهكذا أكثر وزرائه وكتابه ! وكان يأمر بضرب الشخص ألف سوط
    حتى يموت ، وهذا لا يقره شرع ولا عقل !
    ـ كان مسرفاً في البذخ والترف ، يبنى قصوراً لا يحتاجها ، وينفق عليها وعلى
    حفلاته ألوف الملايين من أموال المسلمين .
    ـ كان يبغض علياً والحسن والحسين عليهم‌السلام ويعادي من يحبهم ، ويعقد مجالس
    للغناء يسخر فيها من علي عليه‌السلام ! وقد قتل ابن السكيت لأنه فضل علياً والحسنين
    عليهم‌السلام عليه وعلى ولديه !
    ـ لم يَدَّعِ المتوكل لنفسه ما ادعوه له : أنه من أهل الدين والتقوى !
    فما هو الموجب إذن ، لأن يتبناه الوهابية ، ويقتلوا أنفسهم في الدفاع عنه ؟
    الجواب : أنهم أهل هوى وتعصب ، ولاتوجد مقومات إيجابية في شخصية
    المتوكل ، إلا أنه مؤسس حزبهم المجسم الناصبي التكفيري !


    ولزيادة المعرفة بتهافت منطقهم نورد فقرة من حوارات شبكة النت ، حيث
    سأل رجل شيخاً وهابياً عن هدم المتوكل لقبر الإمام الحسين عليه‌السلام ، وكتب له :
    فهل يكفيك أخي الكريم ما سبق لإثبات ما كان عليه المتوكل من نُصب ؟ ألا
    يكون النُّصْب بدعةً عندك وانحرافاً عن منهج السلف ، وهذه أعظم وأشنع
    وأشد ، وأعيذك بالله منها ، فالإنحراف عن آل البيت انحراف عن الدين
    وتضييع لوصية لرسول الله ، ونقص في محبته ، وهو بدعةٌ ضلالة ، ورذيلةٌ منكرة
    باء بكبرها بنو أمية ، وورثها عنهم جماعة من المنتسبين إلى السنة ، وأخاف أن
    يكون عدم استثنائك لهذا الناصبي الخبيث ، من بقايا هذا الإرث !
    لقد ورثت عن أجدادك العباسيين ، بغضهم للعلويين ، وإعلانهم الحرب
    عليهم بعد أن سلبوهم الحكم ، ونقضهم ما عاهدوهم عليه من أخذ البيعة
    للرضا من آل محمد ، بل قتلهم والتنكيل بهم كما فعلوا بمحمد النفس الزكية
    وأخيه إبراهيم وكل أقاربهم وشيعتهم ! ولئن كان هذا هو السبب فلبئس ما
    أتيت ، إذ لو كان رسول الله محور حبنا وولائنا ، فآل علي أحب إلينا من آل
    العباس ، فهم أحفاد سيدة نساء العالمين ، وأحفاد أمير ومولى المؤمنين ، وأحفاد
    السبطين ، وأجدادهم هم خاصة آل البيت ، بل أولى الناس بذلك وأحراهم ،
    فقد جللهم المصطفى بكسائه وقال هؤلاء أهل بيتي ، ولم يجلل معهم العباس
    ولا الزوجات المرضيات رضي الله عن الجميع ، وقد جمعهم دون غيرهم لمباهلة
    أهل نجران ولم يجمع معهم غيرهم ، فكان أولى بك الإنتصار لهم ، حباً لرسول


    الله ، وليس الإنتصار لمن آذاهم وأبغضهم من أمثال أبي جعفر وهارون ، فهذه
    هي حقيقة المحبة لآل البيت ، المحبة المجردة عن كل عصبية أو قبلية أو قومية .
    أن تعتبر ما كان منه في قضية خلق القرآن ، ماحياً لهذه السيئات العظيمة ، والله
    ما ذلك بماحٍ ولا مكفر ، فبدعة النصب أخزى وأشنع وأقبح . فبدعة الخلق
    لأصحابها تأويلات ومتمسكات قربت أو بعدت ، أما النصب فلا متمسك له
    إلا العداء لآل البيت النبوي ، وخاصة آل علي الذين هم خاصة آل البيت
    وخلاصتهم . وعليه فحتى لو كان موقفه ذلك حسنةً ودوافع ذلك محل دراسة ،
    فهي مغمورة في بحر هذه السيئات والخطايا المقيتة ، عليه من الله ما يستحق !
    فأجابه الوهابي أبو عبد الرحمن ، الذي يدعي أنه من ذرية العباسيين ، قال :
    الحمد لله الذي خلق الخلق فجعلهم قبائل وعشائر وبيوتاً ، فجعلني من خيرهم
    قبيلةً وعشيرةً وبيتاً ، والشكر له سبحانه الذي أراد كَوْناً تفرق المسلمين إلى فرق
    فجعلني من خيرهم فرقة أهل السنة والجماعة .
    وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، الذي أخبر أن كل الفرق في النار ، إلا من كان
    على مثل ما كان عليه هو وأصحابه ، أما بعد :
    فنحن نرحب بأي نقد ورد ، حتى لو كان نَفَسَ الرد والنقد نفَساً شيعياً واضحاً
    لأنه لاينقصنا ولله الحمد علم ولا حلم ، فجدنا الحبر البحر ، وحلمنا كما قال ابن
    كثير في البداية والنهاية المجلد الخامس عشر / 567 : حِلْمُ العباسيين غزير .


    أما بالنسبة لما كتبته ، فكما أشرت في بداية كلامي أن النَّفَسَ الشيعي واضحٌ في
    كلامك وأسلوبك ، وحنقك على بني العباس أبقاهم الله شوكة في حلوق أهل
    البدع أجمعين . وسأرد على كلامك رداً تفصيلياً ، لكن سأبدأ بنقل كلام أئمة
    أهل السنة عن جدي الإمام ناصر السنة والدين ، وقامع البدعة والمبتدعين ،
    وعدو المعتزلة والروافض المشركين ، أمير المؤمنين وخليفة المسلمين المتوكل رحمه‌الله :
    الإمام المبجل أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى : قال عبد الله بن الإمام أحمد في كتابه
    السنة : 1 / 134 : كتب عبيد الله بن يحيى بن خاقان إلى أبي يخبره أن أمير المؤمنين
    أطال الله بقاءه ، يعني المتوكل ، أمرني أن أكتب إليك أسألك عن أمر القرآن ، لا
    مسألة امتحان ولكن مسألة معرفة وبصيرة . وأملى علي أبي إلى عبيد الله بن يحيى :
    أحسن الله عاقبتك أبا الحسن في الأمور كلها ، ودفع عنك مكاره الدنيا والآخرة
    برحمته ، فقد كتبت إليك رضي الله عنك بالذي سأل عنه أمير المؤمنين أيده الله ،
    من أمر القرآن بما حضرني ، وإني أسأل الله عز وجل أن يديم توفيق أمير المؤمنين
    أعزه الله بتأييده ، فقد كان الناس في خوض من الباطل واختلاف شديد
    ينغمسون فيه ، حتى أفضت الخلافة إلى أمير المؤمنين أيده الله عز وجل ، فنفى
    الله تعالى بأمير المؤمنين أعزه الله كل بدعة وانجلى عن الناس كل ما كانوا فيه من
    الذل وضيق المحابس ، فصرف الله عز وجل ذلك كله ، وذهب به بأمير المؤمنين
    أعز الله نصره ، ووقع ذلك من المسلمين موقعاً عظيماً ، ودعوا الله عز وجل
    لأمير المؤمنين . فأسأل الله تعالى أن يستجيب في أمير المؤمنين صالح الدعاء .

    وأن يتم ذلك لأمير المؤمنين أدام الله عزه ، وأن يزيد في نيته ويعينه .
    قال الخلال في كتابه السنة « 1 / 84 » : أخبرنا أبو بكر المروذي قال : سمعت أبا عبد
    الله أحمد بن حنبل ، وذكر الخليفة المتوكل رحمه‌الله فقال : إني لأدعو له بالصلاح
    والعافية ، وقال : لئن حدث به حدث لتنظرن ما يحل بالإسلام .
    قال العباسي السلفي : وهذا من أصح الأسانيد للإمام أحمد رحمه‌الله .
    الإمام الدارمي رحمه‌الله : قال في نقضه على المريسي الجهمي العنيد « 1 / 534 » : فلم تزل
    الجهمية سنوات يركبون فيها أهل السنة والجماعة ، بقوة ابن أبي داؤد المحاد لله
    ولرسوله ، حتى استخلف المتوكل رحمه‌الله ، فطمس الله به آثارهم ، وقمع به
    أنصارهم حتى استقام أكثر الناس على السنة الأولى ، والمنهاج الأول .
    الإمام شيخ الإسلام بن تيمية رحمه‌الله : قال في مجموع الفتاوى « 4 / 21 » : وكان في أيام
    المتوكل قد عز الإسلام ، حتى ألزم أهل الذمة بالشروط العمرية ، وألزموا
    الصغار ، فعزت السنة والجماعة ، وقمعت الجهمية والرافضة ونحوهم . ففي
    عهده رفعت المحنة بخلق القرآن .
    وقال في مجموع الفتاوى « 3 / 25 » : ثم إن الله كشف الغمة عن الأمة في ولاية
    المتوكل على الله ، الذي جعل الله عامة خلفاء بني العباس من ذريته دون ذرية
    الذين أقاموا المحنة لأهل السنة ، فأمر المتوكل برفع المحنة وإظهار الكتاب
    والسنة ، وأن يروى ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين .


    الإمام بن كثير رحمه‌الله : قال في البداية والنهاية « 14 / 317 » : وقد دخل عبد العزيز بن
    يحيى الكناني ، صاحب كتاب الحِيدة ، على المتوكل وكان من خيار الخلفاء .
    وقال أيضاً « 14 / 454 » : وكان المتوكل محبباً إلى رعيته قائماً في نصرة أهل السنة ،
    وقد شبهه بعضهم بالصديق في قتله أهل الردة ، لأنه نصر الحق ورده عليهم
    حتى رجعوا إلى الدين . وبعمر بن عبد العزيز حين رد مظالم بني أمية .
    وقد أظهر السنة بعد البدعة ، وأخمد أهل البدع وبدعتهم بعد انتشارها
    واشتهارها فرحمه الله . وقد رآه بعضهم في المنام بعد موته وهو جالس في نور ،
    قال فقلت : المتوكل ؟ قال : المتوكل . قلت : فما فعل بك ربك ؟ قال : غفر لي .
    قلت : بماذا ؟ قال : بقليل من السنة أحييتها .
    قال الشريف أبو عبد الرحمن العباسي السلفي حفيد المتوكل : فالحمد لله أن أهل
    السنة الفرقة الناجية أهل الحديث والأثر ، يعرفون فضل هذا الإمام قديماً
    وحديثاً ، ويثنون عليه ويترحمون عليه ولا يذكرونه إلا بالجميل ، ولا يتتبعون
    زلاته ، لأنهم يعلمون أنه لا أحد معصوم من الزلل ، ولأنهم يعلمون حسناته
    الكبيرة وجهوده العظيمة في نصرة السنة وأهلها ، ويعلمون مدى بغض أهل
    البدع له ، وخاصة الروافض والمعتزلة .
    وقد كتب في ذمه في هذا العصر المبتدع حسن المالكي ، وقد رد عليه أهل السنة
    وذبوا عن المتوكل رحمه‌الله ، راجع كتاب قمع الدجاجلة لعبد العزيز الراجحي ،
    تقديم العلامة الفوزان .

    وأما اتهامك له بالنصب رحمه‌الله فلنا مقال في تبرئته من هذه التهمة الخبيثة ، والرد
    على ما استند عليه في اتهامه بذلك رحمه‌الله وأعلى درجته ، وهي ثلاث حوادث أو
    قصص ، فصلنا الكلام عنها في مقالنا ذلك .
    وأنت في تسويدك هذا قد ذكرت كلام ثلاثة من المؤرخين ، الأول منهم وهو
    إمامهم ابن جرير الطبري ولم يذكر شيئاً من النُّصب ، بل نقل عملاً عظيماً من
    أعمال جدي « ! » الخليفة المتوكل الجليلة في نصرة العقيدة والسنة ، وهو هدم
    ما بني على قبر سيد شباب أهل الجنة الحسين رضي الله عنه ، وقد ذكرنا هذا ضمن
    جهوده في نصرة العقيدة والسنة ، في كتابنا عقيدة بني العباس .
    والثاني هو الإمام الذهبي رحمه‌الله وقد اضطرب كلامه في هذا ، فمرة يقول : وكان
    في المتوكل نصب . ومرة يقول : وكان معروفاً بالنصب . ومرة قال : ولم يصح عنه
    النصب . كما في تاريخ الإسلام . فلذلك كان لابد من الرجوع لما يذكرونه من
    قصص وحوادث يستدلون بها على نصبه رحمه‌الله ، وحاشاه ، فهو الذي قال عنه
    أحمد : إن الله نفى به كل بدعة ، وهذا الذي فعلناه في مقالنا الآنف الذكر . انتهى .
    أقول : لاحظ ما في جواب هذا الناصبي من عجرفة وتزوير :
    1. فقد بدأ بالفخر بنفسه بأنه من خيرهم قبيلةً وعشيرةً وبيتاً ! لأنه هاشمي
    عباسي كما يدعي ، ففضل نفسه على الناس ، لأنه من عشيرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله !
    2. ثم تغاضى عن ظلامة العترة النبوية وهم أقرب منه الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ودافع
    عمن ظلمهم ! فهو يفتخر بابن العشيرة ويغمط حق الإبن الصلب !


    ويعطي الحق لنفسه بقرابة العشيرة ، وينكر حق العترة بنص القرآن والسنة !
    3. وبَّخ مخاطبه بأن كلامه فيه نَفَسٌ شيعي ، فالنفَس المحب لعترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله
    جريمة ، لكنه يفتخر بالنفس العباسي وكأنه هو الإسلام !
    4. دافع عن المتوكل بكلمات من مؤيديه : ابن حنبل ، والخلال ، والدارمي ،
    وابن تيمية ، والذهبي ، وابن كثير . فهل انتهى علماء الإسلام بهؤلاء ؟
    وأين آراء الذامين وهم أعظم منهم ؟ ثم ماذا قال هؤلاء ، وهل نفوا عنه النُّصب
    ونفوا عنه شرب الخمر ، والتخنث ، والزنا ، والقتل ، وهدم قبر الحسين عليه‌السلام ؟
    ثم لاحظ قوله : « فالحمد لله أن أهل السنة الفرقة الناجية أهل الحديث والأثر ،
    يعرفون فضل هذا الإمام قديماً وحديثاً ، ويثنون عليه ويترحمون عليه ولا
    يذكرونه إلا بالجميل » .
    فهو يُدّلِّسُ على القارئ بأن أهل الحديث والأثر هم أهل السنة والجماعة ، وأنهم
    يمدحون المتوكل ، وإنما يثني عليه مجسمة الحنابلة ، الذين نصحهم ابن الجوزي
    بكتابه : رد شبه التشبيه ، وقال إنهم شانوا مذهب ابن حنبل وشوهوه !
    5. وإذا كان المتوكل من أئمة الهدى كما زعم ، فلماذا يمدحون ابن حنبل بأنه لم
    يدخل بيته ، ولم يأكل من طعامه ، ولا أخذ من ماله ، لأنه حرام أو مشبوه !
    6. ثم كابر الناصبي وأنكر أن المتوكل ناصبيٌّ ، وهو أمرٌ أوضح من الشمس
    قال : وأما اتهامك له بالنصب رحمه‌الله فلنا مقال في تبرئته من هذه التهمة الخبيثة !

    وقال : « ذكرت كلام ثلاثة من المؤرخين ، الأول منهم وهو إمامهم ابن جرير
    الطبري ولم يذكر شيئاً من النصب ، بل نقل عملاً عظيماً من أعمال جدي الخليفة
    المتوكل الجليلة في نصرة العقيدة والسنة ، وهو هدم ما بني على قبر سيد شباب
    أهل الجنة الحسين رضي الله عنه ، وقد ذكرنا هذا ضمن جهوده في نصرة العقيدة
    والسنة في كتابنا عقيدة بني العباس » !
    يقصد أن الطبري لم يَذكر عنه شيئاً من نصب المتوكل ، وكأن الطبري عندما ذكر
    هدمه لقبر الحسين عليه‌السلام كان يمدحه بذلك ويثبت حبه للحسين عليه‌السلام !
    ثم احتج باضطراب كلام إمامه الذهبي ، قال : وقد اضطرب كلامه في هذا ،
    فمرة يقول : وكان في المتوكل نصب . ومرة يقول : وكان معروفاً بالنصب . ومرة
    قال : ولم يصح عنه النصب . فلذلك كان لابد من الرجوع لما يذكرونه من
    قصص وحوادث يستدلون بها على نصبه رحمه الله تعالى وحاشاه !
    هكذا يتصور هذا الوهابي أنه بجرة قلم يجعل المتوكل تقياً ، ويمحو عنه فحشاءه
    ومنكراته ، ونصبه وعداوته لأهل البيت عليهم‌السلام !
    وقد دلس في كلام الذهبي وغيَّبه ، فلاحظ ما قاله الذهبي لتعرف أنهم يُغيبون
    حتى كلام أئمتهم بسبب هواهم وتعصبهم !
    قال الذهبي في سيره « 18 / 552 » : « ويروى أن المتوكل نظر إلى ولديه المعتز والمؤيد
    فقال لابن السكيت : من أحب إليك ، هما ، أو الحسن والحسين قال : قنبر ، يعني
    مولى علي ، خير منهما . قال : فأمر الأتراك فداسوا بطنه حتى كاد يهلك ، فبقي



    يوما ومات . ومنهم من قال : حمل ميتاً في بساط ، وبعث إلى ابنه بديته . وكان في
    المتوكل نُصب بلا خلاف » .
    وقال في سيره « 13 / 18 » : « ويروى أن المتوكل نظر إلى ابنيه المعتز والمؤيد فقال
    لابن السكيت : من أحب إليك : هما أو الحسن والحسين ؟ فقال : بل قنبر ، فأمر
    الأتراك فداسوا بطنه فمات بعد يوم . وقيل : حمل ميتاً في بساط . وكان في المتوكل
    نصب ، نسأل الله العفو . مات سنة أربع وأربعين ومئتين » .
    وقال في سيره « 12 / 25 » : « وفي سنة ست وثلاثين هدم المتوكل قبر الحسين رضي
    الله عنه ، فقال البسامي أبياتاً منها :
    أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا
    في قتله فتتبعوه رميما

    وكان المتوكل فيه نصبٌ وانحراف ، فهدم هذا المكان وما حوله من الدور ،
    وأمر أن يزرع ، ومنع الناس من انتيابه » .
    وقال في سيره « 12 / 136 » : « عبد الله بن أحمد بن حنبل : حدثني نصر بن علي
    أخبرني علي بن جعفر بن محمد ، حدثني أخي موسى ، عن أبيه ، عن أبيه ، عن
    علي بن حسين ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم : أخذ بيد
    حسن وحسين فقال : من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما ، كان معي في
    درجتي يوم القيامة . قلت : هذا حديث منكر جداً .
    ثم قال عبد الله بن أحمد : لما حدث نصر بهذا ، أمر المتوكل بضربه ألف سوط ،
    فكلمه جعفر بن عبد الواحد وجعل يقول له : الرجل من أهل السنة ولم يزل به


    حتى تركه . وكان له أرزاق فوفرها عليه موسى . قال أبو بكر الخطيب عقيبه : إنما
    أمر المتوكل بضربه ، لأنه ظنه رافضياً . قلت : والمتوكل سني لكن فيه نصب ،
    وما في رواة الخبر إلا ثقةٌ ما خلا علي بن جعفر ، فلعله لم يضبط لفظ الحديث ،
    وما كان النبي صلى الله عليه وسلم من حبه وبث فضيلة الحسنين ليجعل كل من
    أحبهما في درجته في الجنة ، فلعله قال : فهو معي في الجنة . وقد تواتر قوله عليه‌السلام :
    المرء مع من أحب . ونصرُ بن علي ، فمن أئمة السنة الأثبات » .
    لاحظ أن الذهبي صحح الحديث ، لكن مع تخفيف بعض ألفاظه ، وحكم بنُصب
    المتوكل في عدة موارد ونصوص !
    وقال الذهبي في تاريخه : 17 / 18 : « أمر المتوكل بهدم قبر السيد الحسين بن علي رضي
    الله عنهما ، وهدم ما حوله من الدور ، وأن تعمل مزارع . ومنع الناس من زيارته
    وحُرث وبقي صحراء ! وكان معروفاً بالنصب ، فتألم المسلمون لذلك ، وكتب
    أهل بغداد شتمه على الحيطان والمساجد ، وهجاه الشعراء ، دعبل وغيره » .
    وفي سير أعلام النبلاء : 12 / 35 : « وعفَّى قبر الشهيد الحسين وما حوله من الدور ،
    فكتب الناس شتم المتوكل على الحيطان ، وهجته الشعراء كدعبل وغيره » .
    أما قوله : ولم يصح عنه النصب ، الذي حاول هذا الوهابي أن يتشبث به ، فجاء في
    سيره « 12 / 41 » : « وقيل : لم يصح عنه النصب ، وقد بكى من وعظ علي بن محمد
    العسكري العلوي ، وأعطاه أربعة آلاف دينار . فالله أعلم » .


    وقال في سيره « 9 / 448 » : « وبويع المنتصر من الغد بالقصر الجعفري يوم خامس
    شوال سنة سبع وأربعين ومائتين ، وقيل : لم يصح عنه النصب ، وقد بكى من
    وعظ علي بن محمد العسكري العلوي ، وأعطاه أربعة آلاف دينار ، فالله أعلم » .
    فما زال مع مدحه يحكم بأنه ناصبي ، ويذكر نفي نصبه بقيلَ ، ولا يقبله .
    وقال في تاريخه « 18 / 199 » : « ورد أن بعضهم رآه في النوم فقال له : ما فعل الله بك
    قال : غفر لي بقليل من السنة أحييتها . وقد كان المتوكل منهمكاً في اللذات
    والشرب ، فلعله رُحم بالسنة ولم يَصح عنه النصب » .
    فهو يقول : قيل إن المتوكل نجا في الآخرة حسب هذا المنام ، فإن صح ذلك فربما
    كانت نصرته للسنة توجب غفران انهماكه في الشهوات .
    ثم يقول : أما قضية نُصبه فلا تغفر بذلك ، فإن صح هذا المنام وكان حجة ،
    فلعل أخبار نصبه الثابتة لم تكن صحيحة . فهو احتمال مطلق في مقابل اليقين !
    فاعجب لمن يتشبثون باحتمال في مقابل يقين ، وبمنام رؤيَ في مقابل حق مبين !
    * *

    الفصل الثامن:
    ثورات العلويين بعد هدم قبر الحسين عليهم‌السلام
    اضطهد المتوكل العلويين فاتجهوا الى الثورة
    قال أبوالفرج في مقاتل الطالبيين / 395 : « لما وليَ المتوكل تفرق آل أبي طالب في
    النواحي ، فغلب الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن زيد علي طبرستان
    ونواحي الديلم . وخرج بالري : محمد بن جعفر بن الحسن بن عمر بن علي بن
    الحسين ، يدعو إلى الحسن بن زيد ، فأخذه عبد الله بن طاهر فحبسه بنيسابور ،
    فلم يزل في حبسه حتى هلك .. وكان ممن خرج معه عبد الله بن إسماعيل بن
    إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب .
    ثم خرج من بعده بالري : أحمد بن عيسى بن علي بن الحسين بن علي بن الحسين
    ابن علي بن أبي طالب ، يدعو إلى الحسين بن زيد .
    وخرج الكوكبي ، وهو الحسين بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن عبد
    الله الأرقط بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب .
    ولهؤلاء أخبار قد ذكرناها في الكتاب الكبير ، لم يحمل هذا الكتاب إعادتها
    لطولها ، ولأنا شرطنا ذكر خبر من قتل منهم ، دون من خرج فلم يقتل » .
    أقول : المتأمل في تاريخ الإسلام يجد أن الثورات بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كلها علوية ،
    وغيرها تقليدٌ لها ، أو سرقةٌ منها . فأول الثائرين على القرشيين أهل السقيفة : هو



    علي عليه‌السلام ثم ولده الحسين عليه‌السلام سنة ستين للهجرة ، ثم ولده زيد بن علي رضي الله
    عنه في الكوفة سنة 121 للهجرة ، ثم واصل ثورته ابنه يحيى بن زيد رضي الله عنه
    في خراسان ، ثم ورثها الحسنيون والعباسيون حتى أسقطوا الدولة الأموية سنة
    132 هجرية . وتواصلت ثورات العلويين ضد ظلم العباسيين ، وتوزعت على
    بلاد مختلفة ، كما رأيت في نص أبي الفرج ، وقد حفل بها كتابه : مقاتل الطالبيين .
    وقد انتشر العلويون في بلاد العالم الإسلامي شرقاً وغرباً ، فظهرت ثوراتهم في
    اليمن ومصر وإفريقيا والمغرب غرباً ، وإيران وما وراء النهر شرقاً .
    وقد حاول المأمون أن ينهي ثورات العلويين ، بإعطاء ولاية عهده شكلياً للإمام
    الرضا عليه‌السلام ، فخفت ثوراتهم في زمنه ، لكنها لم تنتهِ .
    وكانت سياسة المأمون وبعده المعتصم والواثق لينة نسبياً مع أهل البيت عليهم‌السلام
    لأنها سمحت برواية فضائلهم في الإسلام ، لكنها في نفس الوقت عملت لقتل
    أئمتهم المعصومين عليهم‌السلام واستعملت الشدة والقمع مع الثائرين منهم .
    ثم جاء المتوكل بسياسة العداء لأهل البيت عليه‌السلام فنقم عليه عامة المسلمين لهدمه
    قبر الحسين عليه‌السلام ، وكتبوا شتمه على جدران بغداد .
    واندفع بعض العلويين الى الثورة في عصره ، ولا يتسع المجال لتأريخ الثورات
    العلوية في عهد المتوكل ، لكن نشير الى أن نجاح بعضها كثورة الحسنيين في
    المغرب والزيديين في شمال إيران ، أوجد جواً عاماً في بغداد ، مؤيداً لأهل البيت
    ومستنكراً للظلم العباسي .

    وقد تصاعد هذا الجو حتى جاءت قوة آل بُويَه العسكرية الشيعية مقابل القوة
    التركية العباسية ، وسيطر البويهيون على بغداد سنة 320 هجرية ، وصار الخليفة
    العباسي بيدهم . وكان ذلك بعد ثمانين عاماً من هدم قبر الحسين عليه‌السلام . واستمر
    حكم البويهيين الشيعة أكثر من قرن حتى نشأت قوة الأتراك السلاجقة ،
    فسيطروا على بغداد سنة 447 ، وعاد الخليفة العباسي الى أيدي الأتراك السنة .
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني   الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyالثلاثاء أكتوبر 29, 2024 10:11 pm

    الموجة الشعبية المؤيدة للإمام الهادي عليه‌السلام
    اتفق المؤرخون على ثلاث ظواهر حدثت في الأمة بسبب هدم المتوكل لقبر
    الحسين عليه‌السلام ، وكلها تدل على تعاطف الناس مع العلويين والإمام الهادي عليه‌السلام !
    أولاها : أن شتم المتوكل كتب على جدران بغداد ، وقد ذكر ذلك عامة المؤرخين
    ولم يذكروا نص هذه الشتائم ، ولا أن الدولة استطاعت أن تعاقب عليها .
    قال السيوطي في تاريخ الخلفاء / 374 : « أمر بهدم قبر الحسين ، وهدم ما حوله من
    الدور ، وأن يعمل مزارع ، ومنع الناس من زيارته وخُرِّبَ وبقيَ صحراء . وكان
    المتوكل معروفاً بالتعصب فتألم المسلمون من ذلك ، وكتب أهل بغداد شتمه على
    الحيطان والمساجد ، وهجاه الشعراء ، فمما قيل في ذلك .. » .
    وقال الذهبي في تاريخه : 17 / 18 : « أمر المتوكل بهدم قبر السيد الحسين بن علي رضي
    الله عنهما ، وهدم ما حوله من الدور ، وأن تعمل مزارع . ومنع الناس من زيارته
    وحُرث وبقي صحراء ! وكان معروفاً بالنصب ، فتألم المسلمون لذلك ، وكتب
    أهل بغداد شتمه على الحيطان والمساجد ، وهجاه الشعراء ، دعبل وغيره » .


    وفي سير أعلام النبلاء : 12 / 35 : « وعفَّى قبر الشهيد الحسين وما حوله من الدور ،
    فكتب الناس شتم المتوكل على الحيطان ، وهجته الشعراء كدعبل وغيره » .
    وفي طبقات الشافعية : 2 / 54 : « أمر بهدم قبر الحسين رضي الله عنه وهدم ما حوله
    من الدور ، وأن يعمل مزارع ، ومنع الناس من زيارته ، وحُرث وبقي صحراء
    فتألم المسلمون لذلك ، وكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان والمساجد ، وهجاه
    دعبل وغيره من الشعراء » .
    وقال التنوخي في نشوار المحاضرة : 6 / 321 : « كان المتوكل معروفاً بالنصب ، أمر
    في السنة 236 بهدم قبر الحسين .. فكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان ، وقال
    البسامي .. » . ونحوه الصفدي في الوافي : 11 / 102 ، والنجوم الزاهرة : 2 / 283 .
    والظاهرة الثانية : أن أحمد بن حنبل كان من جماعة المتوكل ، لكن لما جاءت الى
    المتوكل إخبارية بأن أحمد خبَّأَ علوياً في بيته وهو يأخذ له البيعة ليثور ، سارع
    بإرسال قوة وفتشوا بيت أحمد بن حنبل حتى غرف النساء والبئر وغيرها !
    وهذا يدل على أن موجة التأييد للعلويين والكره للمتوكل كانت قوية الى حد
    أن المتوكل احتمل أن يكون صاحبه ابن حنبل وقع تحت تأثيرها ودخل فيها !
    والظاهرة الثالثة : التعاطف العلني مع الثوار العلويين ، ويكفي مثالاً لذلك أن
    البغداديين منعوا السلطة من صلب رأس العلوي الثائر يحيى بن عمر رحمه‌الله .

    قال الطبري « 7 / 428 » : « ثم إن محمد بن عبد الله بن طاهر « والي بغداد » أمر بحمل
    رأسه إلى المستعين من غد اليوم الذي وافاه فيه ، وكتب إليه بالفتح بيده ، ونصب
    رأسه بباب العامة بسامرا ، واجتمع الناس لذلك وكثروا وتذمروا !
    وتولى إبراهيم الديزج نصبه لأن إبراهيم بن إسحاق خليفة محمد بن عبد الله
    أمره فنصبه لحظة ، ثم حُطَّ ورُدَّ إلى بغداد لينصب بها بباب الجسر فلم يتهيأ ذلك
    لمحمد بن عبد الله ، لكثرة من اجتمع من الناس ! وذكر لمحمد بن عبد الله أنهم
    على أخذه اجتمعوا ، فلم ينصبه وجعله في صندوق في بيت السلاح في داره » .
    لذلك تعاظم تأييد الناس للإمام الهادي عليه‌السلام حتى : « كتب بُرَيْحَة العباسي صاحب
    الصلاة بالحرمين الى المتوكل : إن كان لك في الحرمين حاجة فأخرج علي بن محمد
    منهما ، فإنه قد دعا الى نفسه واتبعه خلق كثير » . « إثبات الوصية : 1 / 232 » .
    من الثورات العلوية في زمن المتوكل
    ثورة يحيى بن عمر :
    قال المسعودي في مروج الذهب : 4 / 63 : « ظهر في هذه السنة وهي سنة ثمان وأربعين
    ومائتين بالكوفة : أبوالحسن يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن عبد الله بن
    إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الطيار ، وأمه فاطمة بنت الحسين بن
    عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الطيار . وقيل إن ظهوره
    كان بالكوفة سنة خمسين ومائتين ، فقُتل وحمُل رأسه إلى بغداد وصُلب ، فضج
    الناس من ذلك لما كان في نفوسهم من المحبة له ، لأنه استفتح أموره بالكَفِّ عن



    الدماء ، والتوَرُّع عن أخذ شئ من أموال الناس ، وأظهر العدل والإنصاف ،
    وكان ظهوره لذلٍّ نزل به ، وجفوةٍ لحقته ، ومحنةٍ نالته من المتوكل وغيره من
    الأتراك . ودخل الناس الى محمد بن عبد الله بن طاهر « القائد العباسي والي بغداد »
    يهنئونه بالفتح ، ودخل فيهم أبوهاشم الجعفري ، وهو داود بن القاسم بن
    إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، بينه وبين جعفر الطيار ثلاثة آباء ،
    ولم يكن يعرف في ذلك الوقت أقعد نسباً في آل أبي طالب وسائر بني هاشم
    وقريش منه ، وكان ذا زهد وورع ونسك وعلم ، صحيح العقل سليم الحواس
    منتصب القامة ، وقبره مشهور وقد أتينا على خبره وما روي عنه من الرواية عن
    أبيه ومن شاهد من سلفه في كتاب حدائق الأذهان في أخبار آل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال
    لابن طاهر : أيها الأمير إنك لتُهَنَّأُ بقتل رجل لوكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حياً لعُزِّيَ به !
    فلم يجبه محمد ، وخرج من داره وهويقول : يا بني طاهر .. البيتين .
    وقد كان المستعين أمر بنصب الرأس ، فأمر ابن طاهر بإنزاله لما رأى من الناس
    وما هم عليه ، وفي ذلك يقول أبوهاشم الجعفري :
    يا بني طاهرٍ كُلُوه وبِيًّا
    إنَّ لحمَ النبيِّ غَيْرُ مَرِيِّ

    إن وتراً يكون طالبُهُ اللهُ
    لوِتْرٌ بالفوْتِ غَيْرُ حَرِيِّ

    وقد رُثيَ أبوالحسين يحيى بن عمر بأشعار كثيرة ، وقد أتينا على خبر مقتله وما
    رثي به من الشعر في الكتاب الأوسط .
    وكان يحيى دَيِّناً كثير التعطف والمعروف على عوام الناس ، باراً بخواصهم ،
    واصلًا لأهل بيته ، مؤثراً لهم على نفسه ، مُثقَلَ الظهر بالطالبيات ، يجهد نفسه


    ببرّهن والتحنن عليهن ، لم تظهر له زلة ، ولا عرفت له خِزْيَة . ومما رثي به ما
    قاله فيه أحمد بن طاهر الشاعر ، من قصيدة طويلة :
    سلامٌ على الإسلام فهومودِّعٌ
    إذا ما مضى آلُ النبيِّ فودَّعُوا

    فَقَدْنا العُلا والمجدَ عند افتقادهم
    وأضحت عروشُ المكرمات تَضعضع

    أتجمع عَيْنٌ بين نومٍ ومضجعٍ
    ولابن رسول الله في التربِ مضجع

    فقد أقفَرَتْ دار النبيِّ محمدٍ
    من الدين والإسلام فالدارُ بلْقَعُ

    وقُتِّل آلُ المصطفى في خلالها
    وبُدِّدَ شملٌ منهمُ ليس يجمع

    ألم ترَ آلَ المصطفى كيف تصطفي
    نفوسَهُمُ أمُّ المنون فتتبع

    بني طاهر واللؤم منكم سجيةٌ
    وللغدر منكم حاسرٌ ومُقنَّعُ

    قواطعكم في الترك غير قواطعٍ
    ولكنها في آل أحمد تقطع

    لكم كل يوم مشربٌ من دمائهم
    وغُلَّتها من شربها ليس تُنْقَعُ

    رماحُكُمُ للطالبيينَ شُرَّعٌ
    وفيكم رماحُ الترك بالقتل شُرَّع

    لكم مرتعٌ في دار آل محمَّدٍ
    وداركمُ للترك والجيش مرتع

    أخِلْتم بأن الله يرعى حقوقكم
    وحقُّ رسول الله فيكم مضيع

    وأضحوا يُرَجُّون الشفاعة عنده
    وليس لمن يرميه بالوِتْرِ يَشفع

    ولما قُتل يحيى جزعت عليه نفوس الناس جزعاً كثيراً ، ورثاه القريب والبعيد ،
    وحزن عليه الصغير والكبير ، وجزع لقتله الملئ والدنئ ، وفي ذلك يقول بعض
    شعراء عصره ومن جزع على فقده :
    بكت الخيلُ شَجْوَها بعد يحيى
    وبَكاهُ المهنَّدُ المصقولُ

    وبكتهُ العراقُ شرقاً وغرباً
    وبكاهُ الكتابُ والتنزيلُ

    والمصلَّى والبيتُ والركنُ والحِجْرُ
    جميعاً لهم عليه عويل



    كيف لم تسقط السماء علينا
    يوم قالوا : أبوالحسين قتيلُ

    وبنات النبيِّ يندبن شَجْواً
    مُوجَعاتٍ دموعُهُنَّ تسيل

    ويؤبِّنَّ للرزية بدراً
    فقدُهُ مفظعٌ عزيزٌ جليل

    قَطَّعت وجهه سيوف الأعادي
    بأبي وجههُ الوسيمُ الجميل

    وليحيى الفتى بقلبي غليلٌ
    كيف يؤذى بالجسم ذاك الغليل

    قَتْلُه مُذْكِرٌ لقتل عليٍّ
    وحسينٍ ويومَ أودى الرسول

    فصلاة الإله وقفاً عليهم
    ما بكى مُوجَعٌ وحَنَّ ثَكُول

    وكان ممن رثاه علي بن محمد بن جعفر العلوي الِحمَّاني الشاعر ، وكان ينزل
    بالكوفة في حِمَّان ، فأضيف اليهم ، فقال :
    يا بقايا السَّلَف الصا
    لح وَالتَّجْرِ الرَّبِيحْ

    نحنُ للأيامِ من
    بينِ قَتيلٍ وجريحْ

    خاب وجهُ الأرضِ كَمْ
    غَيَّبَ من وَجْهٍ صبيحْ

    آهِ من يومك ما أَوْ
    دَاهُ للقلبِ القَريحْ

    وفيه يقول :
    تضَوَّع مسكاً جانب القبر إذ ثوى
    وما كان لولا شِلوُه يَتَضَوَّعُ

    مصارعُ فتيانٍ كرامٍ أعزةٍ
    أتيحَ ليحيى الخيرِ منهنَّ مَصْرَعُ

    ومما رثى به علي بن محمد أيضاً أبا الحسين يحيى بن عمر فأجاد فيه ، وافتخر على
    غيرهم من قريش ، قوله :
    لعمري لئن سُرَّتْ قريشٌ بِهَلْكِهِ
    لما كانَ وقَّافاً غداةَ التَّوَقُّفِ

    فإن ماتَ تلقاءَ الرماح فإنهُ
    لمن معشرٍ يَشْنَوْنَ موتَ التترف

    فلا تشمتوا فالقوم من يبقَ منهم
    على سنن منهم مقام المخلف



    لهم معكم إما جدعتم أنوفكم
    مقامات ما بين الصَّفا والمعرَّف

    تراثٌ لهم من آدمٍ ومحمدٍ
    الى الثقلين من وصاياً ومِصحف »

    وروى الطبري ثورة يحيى بن عمر بنحوما رواها المسعودي ، وجاء فيها « 7 / 425 » :
    « ظهور يحيى بن عمر بن يحيى بن حسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن
    أبي طالب رضي الله عنه ، المكنى بأبي الحسين بالكوفة ، وفيها كان مقتله ..
    نالته ضيقة شديدة ولزمه دين ضاق به ذرعاً فلقى عمر بن فرج وهو يتولى أمر
    الطالبيين عند مقدمه من خراسان ، أيام المتوكل فكلمه في صلته فأغلظ عليه
    عمر القول ، فقذفه يحيى بن عمر في مجلسه فحُبس ، فلم يزل محبوساً إلى أن كفل
    به أهله ، فأطلق بشخص إلى مدينة السلام « بشرط السكن في بغداد » فأقام بها بحال
    سيئة ، ثم صار إلى سامرا فلقي وصيفاً في رزقٍ يُجرى له ، فأغلظ له وصيف في
    القول وقال : لأي شيء يجرى على مثلك ! فانصرف عنه ، فذكر ابن أبي طاهر أن
    ابن الصوفي الطالبي حدثه أنه أتاه في الليلة التي كان خروجه في صبيحتها ، فبات
    عنده ولم يعلمه بشئ مما عزم عليه ، وأنه عرض عليه الطعام وتبين فيه أنه جائع ،
    فأبى أن يأكل وقال : إن عشنا أكلنا !
    قال : فتبينت أنه قد عزم على فتكةٍ . وخرج من عندي فجعل وجهه إلى الكوفة
    وبها أيوب بن الحسن بن موسى بن جعفر بن سليمان عاملاً عليها ، من قبل محمد
    بن عبد الله بن طاهر ، فجمع يحيى بن عمر جمعاً كثيراً من الأعراب وضوى إليه
    جماعة من أهل الكوفة ، فأتى الفلوجة فصار إلى قرية تعرف بالعمد ...
    فمضى يحيى بن عمر في سبعة نفر من الفرسان إلى الكوفة فدخلها وصار إلى
    بيت مالها فأخذ ما فيه ، والذي وجد فيه ألفا دينار وزيادة شئ ، ومن الورق



    سبعون ألف درهم ، وأظهر أمره بالكوفة وفتح السجنين ، وأخرج جميع من كان
    فيهما وأخرج عمالها عنها ، فلقيه عبد الله بن محمود السرخسي ، وكان في عداد
    الشاكرية ، فضربه يحيى بن عمر ضربة على قصاص شعره في وجهه أثخنته
    فانهزم ابن محمود مع أصحابه ، وحوى يحيى ما كان مع ابن محمود من الدواب
    والمال . ثم خرج يحيى بن عمر من الكوفة إلى سوادها ... وتبعته جماعة من
    الزيدية ... ثم أقام بالبستان فكثر جمعه .
    فوجه محمد بن عبد الله لمحاربته الحسين بن إسماعيل بن إبراهيم بن مصعب ،
    وضم إليه من ذوي البأس والنجدة من قواده جماعة ... وجماعة من خاصة
    الخراسانية ... ومضى يحيى بن عمر نحو الكوفة فلقيه عبد الرحمن بن الخطاب
    فقاتله بقرب جسر الكوفة قتالاً شديداً ، فانهزم عبد الرحمن بن الخطاب ..
    ودخل يحيى بن عمر الكوفة واجتمعت إليه الزيدية ، ودعا إلى الرضا من آل
    محمد ، وكثف أمره واجتمعت إليه جماعة من الناس وأحبوه ، وتولاه العامة من
    أهل بغداد ، ولا يعلم أنهم تولوا من أهل بيته غيره .
    وبايعه بالكوفة جماعة لهم بصائر وتدبير في تشيعهم ، ودخل فيهم أخلاط لاديانة
    لهم ... فانهزم رجالة أهل الكوفة وأكثرهم عُزَّلٌ بغير سلاح ضعيفي القوى
    خلقان الثياب ، فداستهم الخيل ، وانكشف العسكر عن يحيى بن عمر وعليه
    جوشن تَبَّتِي ، وقد تقطر به البرذون ... فنزل إليه فذبحه وأخذ رأسه وجعله في


    قوصرة ، ووجهه مع عمر بن الخطاب أخي عبد الرحمن بن الخطاب ، إلى محمد
    بن عبد الله بن طاهر ، وادعى قتله غير واحد ...
    ثم إن محمد بن عبد الله بن طاهر أمر بحمل رأسه إلى المستعين من غد ..
    ونصب رأسه بباب العامة بسامرا .. ثم حُطَّ ورُدَّ إلى بغداد ليُنصب بها بباب
    الجسر ، فلم يتهيأ ذلك لمحمد بن عبد الله ، لكثرة من اجتمع من الناس .. » .
    قصيدة ابن الرومي في رثاء يحيى العلوي
    روى أبوالفرج في مقاتل الطالبيين / 420 ، ثورة يحيى بن عمر بشئ من التفصيل ، ومما
    جاء فيه : « كان خرج في أيام المتوكل إلى خراسان فرده عبد الله بن طاهر ، فأمر
    المتوكل بتسليمه إلى عمر بن الفرج الرخجي فسُلم إليه ، فكلمه بكلام فيه بعض
    الغلظة فرد عليه يحيى وشتمه ، فشكى ذلك إلى المتوكل ، فأمر به فضُرب درراً ،
    ثم حبسه في دار الفتح بن خاقان ، فمكث على ذلك مدة ، ثم أطلق فمضى إلى
    بغداد فلم يزل بها حيناً حتى خرج إلى الكوفة فدعا إلى الرضا من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله .
    وكان رضي الله عنه رجلاً فارساً شجاعاً ، شديد البدن مجتمع القلب ، بعيداً من
    رهق الشباب وما يعاب به مثله . كان مقيماً ببغداد ، وكان له عمود حديد ثقيل
    يكون معه في منزله ، وكان ربما سخط على العبد أو الأمة من حشمه ، فيلوي
    العمود في عنقه ، فلا يقدر أحد أن يحله عنه حتى يحله يحيى رضي الله عنه .
    قال أبو الفرج : حدثني أحمد بن عبيد الله قال : حدثني أبوعبدالله بن أبي الحصين :
    أن يحيى بن عمر بما أراد الخروج بدأ فزار قبر الحسين عليه‌السلام وأظهر لمن حضره من



    الزوار ما أراده ، فاجتمعت إليه جماعة من الأعراب ، ومضى فقصد شاهي فأقام
    بها إلى الليل ، ثم دخل الكوفة ليلاً ، وجعل أصحابه ينادون : أيها الناس أجيبوا
    داعي الله ، حتى اجتمع إليه خلق كثير ..
    ثم وصف معاركه وشهادته وقال : ولم يتحقق أهل الكوفة قتل يحيى ، فوجه
    إليهم الحسين بن إسماعيل أبا جعفر الحسني يعلمهم أنه قد قتل ، فشتموه
    وأسمعوه ما يكره وهموا به وقتلوا غلاماً له ، فوجه إليهم أخاً كان لأبي الحسن
    يحيى بن عمر من أمه يعرف بعلي بن محمد الصوفي من ولد عمر بن علي بن أبي
    طالب ، وكان رجلاً رفيقاً مقبولاً ، فعرف الناس قتل أخيه فضجوا بالبكاء
    والصراخ والعويل وانصرفوا ، وانكفأ الحسين بن إسماعيل إلى بغداد ومعه رأس
    يحيى بن عمر . فلما دخل بغداد جعل أهلها يصيحون من ذلك إنكاراً له
    ويقولون : إن يحيى لم يقتل ، ميلاً منهم إليه ، وشاع ذلك حتى كان الغوغاء
    والصبيان يصيحون في الطرقات : ما قتل وما فر ، ولكن دخل البر !
    وقد كان خرج مع يحيى بن عمر جماعة من وجوه أهل الكوفة وأولى الفضل
    منهم ، فسمعت بعض مشايخنا من الكوفيين يذكر وهو محمد بن الحسين ، أن أبا
    محمد عبد الله بن زيدان البجلي خرج معه معلماً ، وكان أحد فرسان أصحابه .
    وقد لقيته أنا وكتبت عنه ، وكنت أرى فيه من الحذر والتوقى من كثير من
    الناس ما يدل على صدق ما ذكر عنه . وما بلغني أن أحداً ممن قتل في الدولة
    العباسية من آل أبي طالب ، رُثِيَ بأكثر مما رثيَ به يحيى ، واتفق في وقت مقتله


    عدة شعراء مجيدون للقول ، أولوا هوى في هذا المذهب ، إلا أنني ذكرت بعض
    ذلك ، كراهية الإطالة .
    فمنه قول علي بن العباس الرومي يرثيه ، وهي من مختار ما رُثيَ به ، بل إن قلت
    إنها عين ذلك والمنظور إليه ، لم أكن مبعداً ، لولا أنه أفسدها بأن جاوز الحد
    وأغرق في النزع ، تعدى المقدار بسب مواليه من بني العباس ، وقوله فيهم من
    الباطل مالا يجوز .. ثم أوردها أبو الفرج وهي مئة وعشرة أبيات ، نختار منها :
    أمامك فانظر أيَّ نهيجك تنهج
    طريقان شتى مستقيمٌ وأعوجُ

    ألا أيهذا الناسُ طالَ ضريرُكم
    بآل رسول الله فاخشوا أوارتجوا

    أكلُّ أوانٍ للنبيِّ محمدٍ
    قتيل زكي بالدماء مضرَّج

    تبيعون فيه الدين شر أئمة
    فلله دين الله قد كاد يُمْرَج

    بني المصطفى كم يأكلُ الناس شِلوَكم
    لبلواكمُ عما قليلٍ مُفَرِّجُ

    أما فيهمُ راعٍ لحق نبيهِ
    ولا خائفٌ من ربه يتحرجُ

    أبَعْدَ المكَنَّى بالحسين شهيدكم
    تضاءُ مصابيحُ السماء فتُسرج

    لنا وعلينا لا عليه ولا لهُ
    تسجسجُ أسرابُ الدموع وتَنْشُجُ

    وكيف نبكِّي فائزاً عند ربه
    له في جنان الخلد عيشٌ مخرفج

    فإلا يكن حياٌ لدينا فإنه
    لدى الله حيٌّ في الجنان مزوج

    وقد نال في الدنيا سناءً وصيةً
    وقام مقاماً لم يقمه مزلَّج

    أبيتُ إذا نام الخليُّ كأنما
    تبطَّنَ أجفاني سيالٌ وعوسج

    أيحيى العلا لهفي لذكراك لهفهُ
    يباشر مكواها الفؤاد فينضج

    أحين تراءتك العيون جلاءها
    وأقذاءها أضحت مراثيك تنسج



    بنفسي وإن فات الفداء بك الردى
    محاسنك اللاتي تمخُّ فتنهج

    لمن تستجد الأرض بعدك زينةً
    فتصبحُ في أثوابها تتبرج

    سلامٌ وريحانٌ وروحٌ ورحمةٌ
    عليك وممدودٌ من الظل سجسجُ

    ولا بَرِحَ القاعُ الذي أنت جارُه
    يرفُّ عليه الأقحوانُ المفلج

    ألا أيها المستبشرون بيومه
    أظلت عليكم غمةٌ لا تُفَرَّجُ

    أكلكم أمسى اطمأن مهاده
    بأن رسول الله في القبر مزعج

    فلا تشمتوا وليخسأ المرء منكم
    بوجه كأن اللون منه اليرندج

    كدأب علي في المواطن قبله
    أبي حسن والغصن من حيث يخرج

    كأني به كالليث يحمي عرينه
    وأشباله لا يزدهيه المهجهج

    كأني أراهُ والرماح تنوشُهُ
    شوارعُ كالأشطان تُدلى وتُخلج

    كأني أراهُ إذ هوى عن جواده
    وعُفر بالترب الجبين المشجج

    أجنوا بني العباس من شنآنكم
    وشدوا على ما في العياب واشرجوا

    وخلوا ولاة السوء منكم وغيهم
    فأحر بهم أن يغرقوا حيث لججوا

    نظارٌ لكم إن يرجع الحق راجع
    إلى أهله يوماً فتشجوا كما شجوا

    على حين لا عذري لمعتذريكم
    ولا لكم من حجة الله مخرج

    فلا تلقحوا الآن الضغائن بينكم
    وبينهم إن اللواقح تنتج

    غررتم إذا صدقتم أن حالةً
    تدوم لكم والدهر لونان أخرج

    لعل لهم في منطوى الغيث ثائراً
    سيسمو لكم والصبح في الليل مولج

    بمجر تضيق الأرض من زفراته
    له زجل ينفي الوحوش وهزمج

    يؤيده ركنان ثبتان : رجلة
    وخيل كإرسال الجراد وأوثج

    عليها رجال كالليوث بسالة
    بأمثالهم بثنى الأبي فيعنج


    تدانوا فما للنفع فيهم خصاصة
    تنفسه عن خيلهم حين ترهج

    محضتكم نصحي وإني بعدها
    لأعنق فيما ساءكم وأهملج

    مهْ لا تعادوا غرة البغي بينكم
    كما يتعادى شعلة النار عرفج

    أفي الحق أن يمسوا خماصاً وأنتم
    يكاد أخوكم بطنه يتبعج

    تمشون مختالين في حجراتكم
    ثقال الخطا أكفالكم تترجرج

    وليدهم بادي الطوى ووليدكم
    من الريف ريان العظام خدلج

    تذودونهم عن حوضهم بسيوفكم
    ويشرع فيه أرتبيل وأبلج

    فقد ألجمتهم خيفة القتل عنكم
    وبالقوم جاج في الحيازم حوج

    بنفسي الأولى كظتهم حسراتكم
    فقد علزوا قبل الممات وحشرجوا

    ولم تقنعوا حتى استثارت قبورهم
    كلابكم منها بهيم وديزج

    وعيرتموهم بالسواد ولم يزل
    من العرب المحاص أخضر أدعج

    ولكنكم زرق يزين وجوهكم
    بني الروم ألوان من الروم نعج

    لئن لم تكن بالهاشميين عاهة
    لما شكلكم تالله إلا المعلهج

    بآية ألا يبرح المرء منكم
    يكب على حر الجبين فيعفج

    يبيت إذا الصهباء روت مشاشه
    يساوره علج من الروم أعلج

    فيطعنه في سبة السوء طعنة
    يقوم لها من تحته وهو أفحج

    لذاك بني العباس يصبر مثلكم
    ويصبر للموت الكمي المدجج

    فهل عاهة إلا كهذي وإنكم
    لأكذب مسؤول عن الحق يلهج

    أبى الله إلا أن يطيبوا وتخبثوا
    وأن يسبقوا بالصالحات ويفلجوا

    وإن كنتم منهم وكان أبوكم
    أباهم فإن الصفو بالرنق يمزج

    أروني امرأ منهم يزن بأبنة
    ولا تنطقوا البهتان والحق أبلج

    لعمري لقد أغرى القلوب ابن طاهر
    ببغضائكم ما دامت الريح تنأج



    وإني على الاسلام منكم لخائف
    بوائق شتى بابها الآن مرتج

    وفي الحزم أن يستدرك الناس أمركم
    وحبلهم مستحكم العقد مدمج

    نظارٌ فإن الله طالب وتره
    بني مصعب لن يسبق الله مدلج

    لعل قلوباً قد أطلتم غليلها
    ستظفر منكم بالشفاء فتثلج

    « وهي في ديوان ابن الرومي : 1 / 56 »
    ملاحظات
    1. من فوائد انتقال الخليفة الى سامراء وغيابه عن بغداد أن أهل بغداد تنفسوا
    الحرية ، فكانوا يجهرون بتأييدهم للثائر العلوي ، وإذا أمر الخليفة بصلب رأسه
    في بغداد ، اعترضوا عليه وتجمهروا ، فاضطر الوالي أن يخالف أمر الخليفة !
    2. من الطبيعي في هذا الجو الموالي لأهل البيت عليهم‌السلام أن يخاف المتوكل إذا وصل
    اليه خبرٌ بأن شخصية من العلويين موجودٌ في بغداد ، وأنه يأخذ البيعة ليثور ،
    وأنه مختبئ في بيت أحمد بن حنبل !
    قال الذهبي في تاريخه « 18 / 84 » : « رفع إلى المتوكل أن أحمد بن حنبل ربَّصَ « خبأ »
    علوياً في منزله ، وأنه يريد أن يُخرجه ويُبايع عليه ولم يكن عندنا علم .. وقال ابن
    الكلبي « آمر السرية » : قد أمرني أمير المؤمنين أن أحُلِّفَكَ . قال : فأحْلفه بالطلاق
    ثلاثاً أن ما عنده طَلِبَةُ أمير المؤمنين . قال : وفتشوا منزل أبي عبد الله والسرب
    والغرف والسطوح ، وفتشوا تابوت الكتب ، وفتشوا النساء والمنازل ، فلم يروا
    شيئاً ولم يحسوا بشئ : ورد الله الذين كفروا بغيظهم . فكتب بذلك إلى المتوكل فوقع
    منه موقعاً حسناً ، وعلم أن أبا عبد الله مكذوب عليه » .

    فمع قرب ابن حنبل من المتوكل وبعده عن أهل البيت عليهم‌السلام لكن موجة الغضب
    العامة على المتوكل لهدمه قبر الحسين عليه‌السلام تجعله يشك في أقرب الناس اليه !
    3. أبوهاشم الجعفري هو : داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن
    أبي طالب رضي الله عنهم . وهو من كبار أصحاب الأئمة المعصومين عليهم‌السلام ، ولم
    يكن من خطهم الثورة كالزيديين ، لكنهم كانوا يتضامنون مع الثائرين منهم إذا
    نُكبوا ، ويدافعون عنهم . قال السيد الخوئي « 8 / 122 » : « أبوهاشم الجعفري رحمه‌الله :
    كان عظيم المنزلة عند الأئمة عليهم‌السلام ، شريف القدر ، ثقة ، روى أبوه عن أبي عبد
    الله عليه‌السلام . وقال الشيخ : داود بن القاسم الجعفري ، يكنى أبا هاشم ، من أهل
    بغداد ، جليل القدر عظيم المنزلة عند الأئمة عليه‌السلام ، وقد شاهد جماعة منهم :
    الرضا والجواد والهادي والعسكري وصاحب الأمر ، وقد روى عنهم كلهم
    عليهم‌السلام . وله أخبار ومسائل ، وله شعر جيد فيهم ، وكان مقدماً عند السلطان وله
    كتاب ، أخبرنا به عدة من أصحابنا .. » .
    4. بنوطاهر وآل طاهر : هم أولاد طاهر بن الحسين وأقاربه ، وهو قائد جيش
    المأمون في حربه مع أخيه الأمين ، وهو الذي احتل بغداد وقتل الأمين . وقد أطلق
    المأمون يده في خراسان حتى عرفت بالدولة الطاهرية ، كما أطلق يد آل طاهر في
    العراق ، فكانت بغداد بيد إسحاق بن إبراهيم .
    قال ابن الأثير في الكامل « 7 / 236 » : « وفيها « 235 » توفي إسحاق بن إبراهيم بن
    الحسين بن مصعب المصعبي وهو ابن أخي طاهر بن الحسين ، وكان صاحب



    الشرطة ببغداد أيام المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل . ولما مرض أرسل إليه
    المتوكل ابنه المعتز مع جماعة من القواد يعودونه ، وجزع المتوكل لموته » .
    وقال اليعقوبي « 2 / 488 » : « وقدم محمد بن عبد الله بن طاهر إلى بغداد من خراسان
    سنة 237 ، فصيَّر إليه ما كان إلى إسحاق بن إبراهيم » .
    وبنوطاهر ليسوا خزاعيين ، بل من موالي خزاعة ، وأصلهم من أمراء فارس .
    قال العمري في أنساب الطالبين / 383 : « وأما ابن طاهر فهو محمد بن عبد الله بن
    طاهر بن الحسين بن مصعب بن رزيق بن ماهان ، أسلم جده رزيق على يد عبيد
    الله بن طلحة الطلحات الخزاعي ، والي سجستان فنسب إليه ولقب بالخزاعي
    لهذا السبب ، لا لانتمائه الى قبيلة خزاعة من جهة النسب .
    وآل طاهر أسرة قديمة تنتسب الى أمراء الفرس الأولين ، ويذكر منها في عالم
    الحرب والأدب والنجدة أفرادٌ كثيرون ، وكان مصعب يتولى أعمال مَرْو مع
    أعمال هراة . وأول من نبغ من هذه الأسرة واشتهر في عهد بني العباس ، طاهر
    بن الحسين بن مصعب ، أبلى في خدمة المأمون أحسن بلاء وأخلص له ونصح في
    ولائه وتوطيد ملكه ، فولاه خراسان وأطلق يده فيها ، فأصبحت دولة طاهرية
    مستقلة في حكومتها ، لا تربطها ببغداد الا خطبة المنبر .
    وكان محمد بن عبد الله بن طاهر عظيم النفوذ في الدولة ، تميل الخلافة حيث
    يميل .. ومات محمد في ذي الحجة من سنة 253 ، وهو الذي أنفذ جيشاً الى يحيى » .
    ويظهر أن بني طاهر كانوا كأسيادهم العباسيين يعتقدون بصدق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ،
    وبأنهم غصبوا سلطانه من أهل بيته عليهم‌السلام وظلموهم وقتلوهم بغير حق .

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني   الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyالثلاثاء أكتوبر 29, 2024 10:13 pm

    فقد روى أبوالفرج أن محمد بن طاهر والي بغداد تشاءم من قتله يحيى بن عمر
    العلوي ، فأرسل عائلته الى خراسان ، لأنه كان يعتقد أن قتله لبني علي عليه‌السلام
    سيسبب زوال ملكه ! « وأمر محمد بن عبد الله حينئذ أخته ونسوة من حرمه
    بالشخوص إلى خراسان ، وقال : إن هذه الرؤس من قتلى أهل هذا البيت لم
    تدخل بيت قوم قط إلا خرجت منه النعمة ، وزالت عنه الدولة ، فتجهزن
    للخروج » ! « مقاتل الطالبيين / 423 » .
    وبالفعل جاءهم الشؤم في الصراعات الداخلية بين خلفاء بني عباس ، ومات
    محمد بن عبد الله بن طاهر في حرب المعتز في أواخر سنة 253 : فـ « اشتد وجد
    المعتز عليه ، وكان يرى أن الأتراك يهابونه من أجله » . « الأعلام : 6 / 222 » .
    وانتهت دولة آل طاهر بعد قتلهم يحيى فما انتعشوا بعد ذلك ! « نثر الدرر : 1 / 265 » .
    ويؤكد ما ذكرنا من اعتقاد بني طاهر بأهل البيت عليهم‌السلام ما رواه الصدوق في
    الخصال / 53 : « عن محمد بن عبد الله بن طاهر قال : كنت واقفاً على أبي وعنده
    أبوالصلت الهروي وإسحاق بن راهويه وأحمد بن محمد بن حنبل ، فقال أبي :
    ليحدثني كل رجل منكم بحديث ، فقال أبوالصلت الهروي : حدثني علي بن
    موسى الرضا ، وكان والله رضاً كما سمي ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه
    جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه
    الحسين بن علي ، عن أبيه علي عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الايمان قولٌ وعملٌ
    فلما خرجنا قال أحمد بن محمد بن حنبل : ما هذا الإسناد ؟ فقال له أبي : هذا
    سُعُوطُ المجانين ، إذا سُعِطَ به المجنون أفاق » .


    5. تدل قصيدة ابن الرومي على أنه كان شيعياً رحمه‌الله . وشعره ملئ بالصنعة وفيه
    تكلف ، وهو لايرقى الى شعر الطبقة الأولى من شعراء العصر العباسي .
    كما تدل قصيدته على أن الأبنة والشذوذ كان منتشراً في شخصيات العباسيين ،
    وأن العلويين كانوا طاهرين من هذا الرجس ، لاحظ قوله :
    أروني امرأ منهم يُزَنُّ بأُبنة
    ولا تنطقوا البهتان والحق أبلج

    وقوله : يُزَنُّ بأبنةٍ : فعل زَنَّ بتشديد النون بمعنى : اتَّهم .
    قال ابن فارس « 3 / 5 » : « يقال أزننت فلاناً بكذا ، إذا اتهمته به . وهو يُزَنُّ به » .
    دور قم المميز في زمن الإمام الهادي عليه‌السلام
    1. تميزت قم بموقعها الجغرافي ، في طريق خراسان ، فكل قاصد من العراق
    أو الحجاز الى خراسان وما وراء النهر ، يمر بها .
    2. وتميزت ثانياً بمركزها التجاري ، فقد كانت ضريبتها السنوية مليوني درهم !
    قال الطبري « 7 / 183 » : « وفي هذه السنة « 210 » خلع أهل قم السلطان ومنعوا
    الخراج . ذُكر أن سبب خلعهم إياه كان أنهم كانوا استكثروا ما عليهم من الخراج
    وكان خراجهم ألفي ألف درهم .. » . وتقدم ذلك في سيرة الإمام الجواد عليه‌السلام .
    3. وتميزت ثالثاً بشجاعة أهلها وثوراتهم ، فقد احتاج المأمون في مهاجمتها الى
    ثلاث فرق ، وكان عمدة أهلها الأشعريون .
    قال البلاذري في فتوحه « 2 / 386 » : « وقد نقضوا في خلافة أبي عبد الله المعتز بالله
    بن المتوكل على الله ، فوجه إليهم موسى بن بغا عامله على الجبل ، لمحاربة
    الطالبيين الذين ظهروا بطبرستان ، ففتحت عنوةً وقتل من أهلها خلق كثير » .

    وقال البلاذري في فتوحه « 2 / 398 » : « ولما كانت سنة 253 ، وجه أمير المؤمنين
    المعتز بالله ، موسى بن بغا الكبير مولاه إلى الطالبيين الذين ظهروا بالديلم
    وناحية طبرستان . وكانت الديالمة قد اشتملت على رجل منهم يعرف بالكوكبي
    فغزا الديلم وأوغل في بلادهم وحاربوه فأوقع بهم ، وثقلت وطأته عليهم
    واشتدت نكايته » .
    وفي رجال الطوسي / 443 : « إبراهيم بن عبد الله بن سعيد ، قال : لما توجه موسى
    بن بغا إلى قم فوطأها وطأة خشنة ، وعظم بها ما كان فعل بأهلها ، فكتبوا بذلك
    إلى أبي محمد صاحب العسكر عليه‌السلام يسألونه الدعاء لهم ، فكتب إليهم أن ادعوا
    بهذا الدعاء في وتركم ، وهو .. وذكر الدعاء » . « محمد بن الحسين بن سعيد بن
    عبد الله بن سعيد الطبري ، يكنى أبا جعفر ، خاصي ، روى عنه التلعكبري
    وقال : سمعت منه سنة ثلاثين وثلاث مائة وفيما بعدها ، وله منه إجازة . وسمع
    منه الدعاء الذي كتب به إلى أهل قم ، وروى حديث ابن بغا لما توجه إلى قم » .
    وكانت حملة موسى بن بغا على الثوار العلويين في آذربيجان وطبرستان
    سنة 253 قبل وفاة الهادي عليه‌السلام بسنة ، وقبل قتل المعتز بسنتين . « ثقات ابن حبان : 2 / 331 » .
    وسيأتي ذكرها إن شاء الله في سيرة الإمام العسكري عليه‌السلام .
    وتميزت قم بأنها مصدر نصرة للأئمة عليهم‌السلام « وكان قد سعيَ بأبي الحسن إلى
    المتوكل ، وأن في منزله سلاحاً وكتباً من أهل قم » . « تاريخ الذهبي : 18 / 199 » .


    وكان القميون يحملون أخماسهم وهداياهم الى الإمام عليه‌السلام في سامراء ، وكانت
    الدولة تحاول كشف ذلك ومعاقبة القميين .
    وتميزت قم خامساً ، بأنها العاصمة الدينية لأهل البيت عليهم‌السلام في إيران ، فقد
    كانت مركزاً علمياً فيها فقهاء كبار ووكلاء للأئمة عليهم‌السلام ، وكان الشيعة يأخذون
    منهم فتاواهم ومعالم دينهم ، ويدفعون اليهم أخماسهم ليوصلوها الى الإمام عليه‌السلام .
    « وعن الصادق عليه‌السلام : إن لله حرماً وهو مكة ، وإن للرسول حرماً وهو المدينة ، وإن
    لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة ، وإن لنا حرماً وهو بلدة قم ». « البحار : 57 / 216 » .
    هذا ، وكان لقم صلة بمصر لأن المأمون نفى عدداً من زعمائها الى مصر ، ونبغ منهم
    قادة عسكريون كالقائد المعروف : محمد بن عبد الله القمي الذي ولاه المتوكل أمر قبائل
    البجة في السودان الذين منعوا المسلمين مناجم الذهب ، فوضع لهم خطة وانتصر
    عليهم ، وأسر ملكهم علي بابا ، وجاء به أسيراً الى سامراء سنة 241 .
    وقد روى الطبري تفصيل ذلك في تاريخه « 7 / 379 » .
    * *

    الفصل التاسع :
    مرسوم إمامة ابن حنبل بعد هدم قبر الحسين عليه‌السلام
    كان ابن حنبل غير مرضي عند المأمون والمعتصم والواثق
    قال الخليل في العين « 3 / 338 » : « الحنبل : الضخم البطن في قصر . ويقال : هو الخُف
    أو الفرو الخلق . والحِنبال والحِنبالة : القصير الكثير الكلام » .
    وأضاف ابن منظور « 11 / 182 » : « الحَنْبَل والحِنْبَال والحِنْبَالة : القصير الكثير اللحم .
    والحُنْبُل : طَلْعُ أُمّ غَيْلان » . وهي شجرة العُضَاه ، وثمرها كاللوبياء لايؤكل .
    وكان أحمد بن محمد بن حنبل من العلماء العاديين في بغداد ، ولم يشتهر حتى
    أحضره المأمون ليمتحنه في خلق القرآن في سنة 212 ، فقد كان المأمون
    يُحضر العلماء ويحذرهم من القول بأن القرآن غير مخلوق ، لأنها تعني أنه قديمٌ مع
    الله تعالى ، وأن الله مركبٌ وكلامه جزءٌ منه ، وهذا شرك !
    فإذا أصرَّ أحدٌ منهم على أن القرآن قديم ، كان يُعَزَّره ويحرمه من تولي القضاء .
    وفي سنة 218 ، أرسلوا الى المأمون أربعة علماء الى طرطوس ليمتحنهم وكان منهم
    أحمد بن حنبل ، وقبل أن يصلوا جاءهم خبر موت المأمون ، فأرجعوهم الى
    السجن ببغداد ، وواصل المعتصم سياسة أخيه المأمون في امتحانهم .
    قال السبكي في طبقات الشافعية « 2 / 53 » : « سمعت أبا العباس بن سعد يقول : لم
    يصبر في المحنة إلا أربعة كلهم من أهل مَرْوٍ : أحمد بن حنبل أبوعبد الله ، وأحمد



    بن نصر بن مالك الخزاعي ، ومحمد بن نوح بن ميمون ، المضروب ، ونعيم بن
    حماد ، وقد مات في السجن مقيداً . فأما أحمد بن نصر فضربت عنقه ، وهذه
    نسخة الرقعة المعلقة في أذن أحمد بن نصر بن مالك : بسم الله الرحمن الرحيم .
    هذا رأس أحمد بن نصر بن مالك ، دعاه عبد الله الإمام هارون وهو الواثق بالله
    أمير المؤمنين إلى القول بخلق القرآن ونفي التشبيه فأبى إلا المعاندة ، فجعله الله
    إلى ناره . وكتب محمد بن عبد الملك .
    ومات محمد بن نوح في فتنة المأمون . والمعتصم ضرب أحمد بن حنبل . والواثق
    قتل أحمد بن نصر بن مالك . وكذلك نعيم بن حماد » .
    اتهموا ابن حنبل بالخيانة وفتشوا بيته !
    اتهموه بأنه آوى ثائراً علوياً ، وهي تهمة عقوبتها القتل ! قال الذهبي في تاريخه
    « 18 / 84 » : « رفع إلى المتوكل أن أحمد بن حنبل ربَّصَ « خبأ » علوياً في منزله ، وأنه
    يريد أن يُخرجه ويُبايع عليه ولم يكن عندنا علم . فبينا نحن ذات ليلة نيام في
    الصيف سمعنا الجلَبة ، ورأينا النيران في دار أبي عبد الله ، فأسرعنا وإذا أبوعبد
    الله قاعد في إزار ، ومظفر بن الكلبي صاحب الخبر وجماعة معهم ، فقرأ صاحب
    الخبر كتاب المتوكل : وَرَدَ على أمير المؤمنين أن عندكم علوياً ربصته لتبايع عليه
    وتُظهره . في كلام طويل . ثم قال له مظفر : ما تقول ؟

    قال : ما أعرف من هذا شيئاً ، وإني لأرى له السمع والطاعة في عسري ومنشطي
    ومكرهي ، وآثره لأدعو الله له بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار . في كلام كثير
    غير هذا . وقال ابن الكلبي : قد أمرني أمير المؤمنين أن أحُلِّفَكَ .
    قال : فأحْلَفَهُ بالطلاق ثلاثاً أن ما عنده طَلِبَةُ أمير المؤمنين .
    قال : وفتشوا منزل أبي عبد الله والسِّرْب والغرف والسطوح ، وفتشوا تابوت
    الكتب ، وفتشوا النساء والمنازل ، فلم يروا شيئاً ولم يحسوا بشئ » !
    أقول : يدل اتهامهم على الشعبية الواسعة للعلويين ورُعب السلطة منهم ! وكان
    المتوكل يعرف أن أحمد ليس في خط العلويين ، لكنه من خوفه احتمل أن يكونوا
    أغروه ! كما تفاجأ ابن حنبل فسارع بالقول : « إني لأرى له السمع والطاعة في
    عسري ومنشطي ومكرهي ، وأوثره عليَّ ، وأدعو الله له بالتسديد والتوفيق في
    الليل والنهار » . فقبل منه المتوكل وسُرَّ به واستقدمه الى سامراء وأكرمه ، واتفق معه .
    أحضر المتوكل أحمد الى سامراء عدة مرات
    قال الآلوسي في جلاء العينين « 1 / 242 » : « بعث المتوكل بعد مضي خمس سنين من
    ولايته لتسيير أحمد بن حنبل ، فقد نقل غير واحد أنه وجه المتوكل إلى إسحق بن
    إبراهيم يأمره بحمله إليه ، فوجه إسحق إليه وقال له : إن أمير المؤمنين قد كتب
    إلي يأمرني بإشخاصك إليه فتأهب لذلك » .
    وأحضره المتوكل في أواخر عمره ، وكان أحمد يومها في الثالثة والسبعين ،
    وعاش بعدها ثلاث سنوات ونصفاً .


    ففي تاريخ الذهبي « 18 / 119 » : « ولي بغداد عبد الله بن إسحاق ، فجاء رسوله إلى
    أبي عبد الله فذهب إليه فقرأ عليه كتاب المتوكل فقال له : يأمرك بالخروج . فقال :
    أنا شيخ ضعيف عليل . فكتب عبد الله بما رد عليه ، فورد جواب الكتاب بأن
    أمير المؤمنين يأمره بالخروج . فوجه عبد الله جنوده ، فباتوا على بابنا أياماً حتى
    تهيأ أبوعبد الله للخروج ، فخرج ، وخرج صالح ، وعبد الله ، وأبو رميلة .
    قال صالح : كان حَمْلُ أبي إلى المتوكل سنة سبع وثلاثين ومائتين ، ثم عاش إلى سنة
    إحدى وأربعين ، فكان قَلَّ يومٌ يمضي إلا ورسول المتوكل يأتيه ...
    لما دخلنا إلى العسكر إذا نحن بموكب عظيم مقبل ، فلما حاذى بنا قالوا : هذا
    وصيف ، وإذا فارس قد أقبل فقال لأحمد : الأمير وصيف يقرؤك السلام ،
    ويقول لك : إن الله قد أمكنك من عدوك ، يعني ابن أبي دؤاد ، وأمير المؤمنين
    يقبل منك فلا تدع شيئاً إلا تكلمت به ، فما رد عليه أبوعبد الله شيئاً ، وجعلت
    أنا أدعو لأمير المؤمنين ، ودعوت لوصيف . ومضينا فأنزلنا في دار إيتاخ ولم يعلم
    أبوعبد الله ، فسأل بعد ذلك : لمن هذه الدار قالوا : هذه دار إيتاخ . فقال :
    حولوني ، إكتروا لي . فلم نزل حتى اكترينا له داراً .
    وكانت تأتينا في كل يوم مائدة فيها ألوان يأمر بها المتوكل والفاكهة والثلج وغير
    ذلك . فما نظر إليها أبوعبد الله ، ولا ذاق منها شيئاً .
    وكانت نفقة المائدة كل يوم مائة وعشرين درهماً . وكان يحيى بن خاقان وابنه
    عبيد الله وعلي بن الجهم ، يأتون أبا عبد الله ويختلفون إليه برسالة المتوكل .

    ودامت العلة بأبي عبد الله وضعف ضعفاً شديداً ، وكان يواصل ، فمكث ثمانية
    أيام لا يأكل ولا يشرب ، فلما كان في اليوم الثامن دخلت عليه وقد كاد أن يطفأ
    فقلت : يا أبا عبد الله ، ابن الزبير كان يواصل سبعة أيام ، وهذا لك اليوم ثمانية
    أيام . قال : إني مطيق . قلت : بحقي عليك . قال : فإني أفعل ، فأتيته بسويق
    فشرب . ووجه إليه المتوكل بمال عظيم فرده ، فقال له عبيد الله بن يحيى : فإن أمير
    المؤمنين يأمرك أن تدفعها إلى ولدك وأهلك . قال : هم مستعفون فردها عليه ،
    فأخذها عبيد الله فقسمها على ولده وأهله .
    ثم أجرى المتوكل على أهله وولده أربعة آلاف في كل شهر ، فبعث إليه أبوعبد
    الله : إنهم في كفاية وليست بهم حاجة . فبعث إليه المتوكل : إنما هذا لولدك ، ما
    لك ولهذا ؟ فأمسك أبوعبد الله . فلم يزل يجري علينا حتى مات المتوكل .
    قال حنبل : فلما طالت علة أبي عبد الله كان المتوكل يبعث بابن ماسويه المتطبب
    فيصف له الأدوية فلا يتعالج ، ودخل المطبب على المتوكل فقال : يا أمير المؤمنين
    أحمد ليست به علة في بدنه ، إنما هو من قلة الطعام والصيام والعبادة .
    وبلغ أم المتوكل خبر أبي عبد الله فقالت لابنها : أشتهي أن أرى هذا الرجل .
    فوجه المتوكل إلى أبي عبد الله يسأله أن يدخل على ابنه المعتز ويسلم عليه
    ويدعو له ويجعله في حجره . فامتنع أبوعبد الله من ذلك ، ثم أجاب رجاء أن
    يطلق وينحدر إلى بغداد ، فوجه إليه المتوكل خلعة ، وأتوه بدابة يركبها إلى المعتز
    فامتنع ، وكانت عليها مَيْثَرَةُ نُمُور ، فقدم إليه بغل لرجل من التجار فركبه .


    وجلس المتوكل مع أمه في مجلس من المكان ، وعلى المجلس ستر رقيق ، فدخل
    أبوعبد الله على المعتز ، ونظر إليه المتوكل وأمه ، فلما رأته قالت : يا بني ، الله الله في
    هذا الرجل فليس هذا ممن يريد ما عندكم ، ولا المصلحة أن تحبسه عن منزله
    فَأْذَنْ له فليذهب . فدخل أبوعبد الله على المعتز فقال : السلام عليكم وجلس ،
    ولم يسلم عليه بالإمرة . قال : فسمعت أبا عبد الله بعد ذلك ببغداد يقول : لما
    دخلت عليه وجلست قال مؤدب الصبي : أصلح الله الأمير ، هذا الذي أمره أمير
    المؤمنين يؤدبك ويعلمك . فرد عليه الغلام وقال : إن علمني شيئاً تعلمته . قال
    أبوعبد الله : فعجبت من ذكائه وجوابه على صغره . وكان صغيراً .
    فأذن له بالإنصراف ، فجاء عبيد الله بن يحيى وقت العصر فقال : إن أمير المؤمنين
    قد أذن لك ، وأمر أن تفرش لك حَرَّاقَة تنحدر فيها . فقال أبوعبد الله : أطلبوا لي
    زورقاً فأنحدر فيه الساعة ، فطلبوا له زورقاً فانحدر فيه من ساعته ..
    وجاء عن لسان ولده الآخر صالح : فلما كان من الغد جاء يعقوب فقال :
    البشرى يا أبا عبد الله ، أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول : قد أعفيتك عن
    لبس السواد والركوب إلى ولاة العهود وإلى الدار . فإن شئت فالبس القطن ،
    وإن شئت فالبس الصوف . فجعل يحمد الله على ذلك » .
    أقول : توجد عدة روايات عن إحضار أحمد الى سامراء . وقد حاول أحمد ومحبوه
    أن يقولوا إنه كان زاهداً في الدنيا ، ولم يكن راغباً في تكريم المتوكل ، ولا
    بالمناصب والأموال ، لأن المتوكل عند المسلمين ظالم لا يجوز الركون اليه !

    وفي كلام أحمد وأبنائه نقاط ضعف ، ومنها كلام أحمد عن صغر سن المعتز ، بينما
    كان عمره لما زاره أحمد نحو سبع عشرة سنة . فقد خلع نفسه سنة 255 ، وعمره
    أربع وعشرون سنة . « مروج الذهب : 4 / 81 » .
    اتفق المتوكل مع أحمد وجعله مرجعاً للدولة !
    في النهاية لابن كثير « 10 / 373 » : « وكان مسير أحمد إلى المتوكل في سنة سبع
    وثلاثين ومائتين ، ثم مكث إلى سنة وفاته ، وما من يوم إلا ويسأل عنه المتوكل
    ويوفد إليه في أمور يشاوره فيها ، ويستشيره في أشياء تقع له . ولما قدم المتوكل
    بغداد بعث إليه ابن خاقان ومعه ألف دينار ليفرقها على من يرى فامتنع من
    قبولها وتفرقتها ، وقال : إن أمير المؤمنين قد أعفاني مما أكره ، فردها » .
    وفي تاريخ الذهبي « 20 / 203 » : « قال عبد الرحمن بن يحيى بن خاقان : أمر المتوكل
    بمساءلة أحمد بن حنبل عمن يتقلد القضاء » .
    أي أمر أن يأخذوا برأيه في تعيين القضاة في الدولة ، فلايعينوا إلا من وافق
    عليه . وفي المقابل تبنى أحمد طاعة المتوكل ، ونشر أحاديث التشبيه والتجسيم !
    قال المَلَطي العسقلاني في : التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع / 7 : « وقال أمير
    المؤمنين المتوكل لأحمد بن حنبل : يا أحمد إني أريد أن أجعلك بيني وبين الله حجة
    فأظهرني على السنة والجماعة . وما كتبته عن أصحابك عما كتبوه عن التابعين ، مما
    كتبوه عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحدثه » .


    وقال تلميذه أبو بكر المروذي : « سألت أحمد بن حنبل عن الأحاديث التي تردُّها
    الجهمية في الصفات والرؤية والإسراء وقصة العرش ، فصححها وقال : قد
    تلقتها الأمة بالقبول ، وتُمَرُّ الأخبار كما جاءت » . « طبقات الحنابلة لأبي يعلى : 1 / 56 » .
    وهذه هي أحاديث صفات الله تعالى ورؤيته بالعين ، التي رفضها الأئمة من
    أهل البيت عليهم‌السلام ومالك بن أنس صاحب المذهب ، ويريدها المتوكل !
    مرجعية ابن حنبل لمواجهة مرجعية الإمام الهادي عليه‌السلام
    بدأ حكم المتوكل أواخر سنة 232 . وفي سنة 233 ، أحضرالإمام الهادي عليه‌السلام الى
    سامراء وفرض عليه الإقامة الجبرية ، وحاول قتله بتهمة أنه ينوي الخروج عليه
    فظهرت للإمام عليه‌السلام كرامات ومعجزات ، فهابه وزراء المتوكل والقادة وأحبوه ،
    وكانت أم المتوكل تعتقد أنه ولي الله تعالى وتنذر له النذور في المهمات !
    وفي السنة التالية استقدم المتوكل المحدثين المجسمين ، الذين يقولون إن الله
    يُرى بالعين ، والقرآن غير مخلوق ، وقرَّبهم وأعطاهم جوائز ومناصب .
    وكان المتوكل يريد تغيير خط الخلافة فيتبنى المجسمة ، لكن نفوذ ابن دؤاد كان
    قوياً ، فهو الذي دبَّر خلافة أبيه المعتصم ورتَّبَ قتل العباس بن المأمون .
    وهو الذي رتب بيعة أخيه الواثق . وهو الذي خلع ابن الواثق ودبَّر بيعة المتوكل
    وأخرجه من السجن وجاء به الى كرسي الخلافة .
    قال في تاريخ بغداد « 1 / 314 » : « كان المتوكل يوجب لأحمد بن أبي دؤاد ، ويستحي
    أن ينكبه ، وإن كان يكره مذهبه ، لما كان يقوم به من أمره أيام الواثق ، وعقد


    الأمر له والقيام به من بين الناس . فلما فلج أحمد بن أبي دؤاد في جمادي الآخرة
    سنة ثلاث وثلاثين ومائتين ، أول ما وليَ المتوكل الخلافة ، ولَّى المتوكل ابنه محمد
    بن أحمد أبا الوليد القضاء ومظالم العسكر مكان أبيه ، ثم عزله عنها يوم الأربعاء
    لعشر بقين من صفر سنة أربعين ومائتين ، ووكل بضياعه وضياع أبيه .
    ثم صولح على ألف ألف دينار ، وأشهد على ابن أبي دؤاد وابنه بشراء ضياعهم
    وَحَدَّرَهُم إلى بغداد ، وولي يحيى بن أكثم ما كان إلى ابن أبي دؤاد » .
    فكان المتوكل يمهد تمهيدات لضرب ابن دؤاد ، الى أن تم عزله في سنة 237 ،
    وجاء بابن حنبل الى سامراء ، واتخذه مرجعاً .
    قال ابن أحمد بن حنبل : « لما دخلنا إلى العسكر إذا نحن بموكب عظيم مقبل ، فلما
    حاذى بنا قالوا : هذا وصيف ، وإذا فارس قد أقبل فقال لأحمد : الأمير وصيف
    يقرؤك السلام ويقول لك : إن الله قد أمكنك من عدوك ، يعني ابن أبي دؤاد ،
    وأمير المؤمنين يقبل منك فلا تدع شيئاً إلا تكلمت به » . « تاريخ الذهبي : 18 / 119 » .
    وهذا يدل على أن وصيفاً اتفق مع المتوكل ، وكان مهتماً بأن تكثر الشكاية من
    ابن أبي دؤاد لتبرير عزله ، وإعلان مرجعية أعدائه القائلين بقدم القرآن والتشبيه .
    احتفل المتوكل بمرجعية أحمد وإنزال رأس ابن نصر !
    وكان عزل ابن دؤاد وتولية خصمه ابن أكثم ، وإنزال جثة ابن نصر ، ودعوة
    أحمد الى سامراء وإعلان مرجعيته . كل ذلك حول شهر رمضان سنة 237 .


    قال ابن كثير في النهاية « 10 / 306 » : « ولم يزل رأسه منصوباً من يوم الخميس
    الثامن والعشرين من شعبان من هذه السنة ، أعني سنة إحدى وثلاثين ومائتين
    إلى بعد عيد الفطر بيوم أو يومين من سنة سبع وثلاثين ومائتين ، فجمع بين رأسه
    وجثته ودفن بالجانب الشرقي من بغداد بالمقبرة المعروفة بالمالكية رحمه‌الله . وذلك
    بأمر المتوكل على الله الذي ولي الخلافة بعد أخيه الواثق » .
    وقال في النهاية « 10 / 348 » : « وفي عيد الفطر منها « سنة 237 » أمر المتوكل بإنزال
    جثة أحمد بن نصر الخزاعي ، والجمع بين رأسه وجسده وأن يسلم إلى أوليائه ،
    ففرح الناس بذلك فرحاً شديداً ، واجتمع في جنازته خلق كثير جداً ، وجعلوا
    يتمسحون بها وبأعواد نعشه ، وكان يوماً مشهوداً . ثم أتوا إلى الجذع الذي
    صلب عليه فجعلوا يتمسحون به ، وأرهج العامة بذلك فرحاً وسروراً ، فكتب
    المتوكل إلى نائبه يأمره بردعهم عن تعاطي مثل هذا ، وعن المغالاة في البشر .
    ثم كتب المتوكل إلى الآفاق بالمنع من الكلام في مسألة الكلام ، والكف عن
    القول بخلق القرآن ، وأن من تعلم علم الكلام لو تكلم فيه فالمطبق مأواه إلى أن
    يموت . وأمر الناس أن لا يشتغل أحد إلا بالكتاب والسنة لا غير .
    ثم أظهر إكرام الإمام أحمد بن حنبل واستدعاه من بغداد إليه ، فاجتمع به
    فأكرمه وأمر له بجائزة سنية فلم يقبلها ، وخلع عليه خلعة سنية من ملابسه
    فاستحيا منه أحمد كثيراً ، فلبسها إلى الموضع الذي كان نازلاً فيه ، ثم نزعها نزعاً
    عنيفاً وهو يبكي رحمه الله تعالى .

    وارتفعت السُّنَّة جداً في أيام المتوكل عفا الله عنه ، وكان لا يولي أحداً إلا بعد
    مشورة الإمام أحمد ، وكان ولاية يحيى بن أكثم قضاء القضاة موضع ابن أبي دؤاد
    عن مشورته ، وقد كان يحيى بن أكثم هذا من أئمة السنة وعلماء الناس ، ومن
    المعظمين للفقه والحديث واتباع الأثر » .
    أهم إنجازات مرجعية أحمد بن حنبل
    كانت مدة مرجعية أحمد للدولة ثلاث سنوات ونصفاً ، لأن مجيئه الى سامراء في
    شهر رمضان سنة 337 ، ووفاته في ربيع الثاني سنة 341 .
    لكنها كانت مرجعية مؤثرة ، حيث حققت إنجازين كبيرين عند أصحابهما :
    الأول : ترسيخ حزب المجسمة النواصب ، الذين كان يقودهم ابن صاعد ،
    وعرفوا بإسم الصاعدية . وكانوا في زمن المتوكل وبعده تياراً متطرفاً .
    ويظهر أنهم صاروا بعد ذلك مذهباً لهم آراؤهم التي تخالف المسلمين !
    قال المقدسي في البدء والتاريخ « 5 / 149 » : « وأما الصاعدية فهم أصحاب ابن صاعد
    يجيزون خروج أنبياء بعد نبينا « ص » لأنه رويَ : لا نبيَّ بعدي إلا ما شاء الله » !
    وهم مجسمة الحنابلة الذين يشكو منهم أهل بغداد وأئمة الحنابلة المعتدلون كابن
    الجوزي . وهم الأجداد الحقيقيون لابن تيمية وأتباعه الوهابية .
    والإنجاز الثاني : تأليف صحيح البخاري ، فقد كان البريد يصل من المتوكل في
    سامراء الى أحمد بن حنبل في بغداد كل يوم ، وكان البخاري مشغولاً بتأليف



    كتابه ، وقد زار أحمد بن حنبل ثمان مرات ، وكان يسانده ويمدحه ، وكان تعيين
    جميع القضاة ومساعدات جميع المحدثين عن طريق أحمد بن حنبل .
    وعندما أكمل البخاري صحيحه عرضه على أحمد فارتضاه ، وطلب منه أن
    يسكن بغداد ، فكان البخاري يتأسف لأنه لم يسمع كلامه ، ولم يأت الى بغداد .
    قال الخطيب في تاريخ بغداد « 2 / 22 » : « محمد بن يوسف يقول : سمعت محمد بن
    إسماعيل البخاري يقول : دخلت بغداد آخر ثمان مرات ، كل ذلك أجالس أحمد
    بن حنبل . فقال لي في آخر ماودعته : يا أبا عبد الله ، تترك العلم والناس وتصير
    إلى خراسان ؟ قال أبوعبد الله : فأنا الآن أذكر قوله » .
    وفي تغليق التعليق لابن حجر « 5 / 423 » : « قال العقيلي : لما ألف البخاري كتاب
    الصحيح عرضه على علي بن المديني ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ،
    وغيرهم ، فاستحسنوه ، وشهدوا له بالصحة » .
    محنة أحمد بن حنبل كذبة حنبلية !
    1. لن تستطيع أن تفهم نظرية عمر بن الخطاب بأن الله تعالى أنزل القرآن على
    سبعة أحرف ، فقد قال بعض محبيه إنه حاول فهمها ثلاثين سنة وتوصل الى
    بضعة ثلاثين وجهاً ، لكن ليس منها وجهٌ معقول !
    ولن تستطيع حتى لو كنت حنبلياً أن تفهم محنة ابن حنبل التي أحيت الدين !
    وهي أنه سجن سنتين ، وضربوه ثمانية وثلاثين سوطاً ، فأحيا بذلك الدين !

    قالوا : حبس هو وثلاثة ، فمات أحدهم في الطريق ، ومات الثاني في السجن بعد
    عشر سنين ، وقتل الثالث بعد سجنه بأكثر من عشر سنين ، وعفوا عن أحمد ،
    فأحيا الله الدين بمن أطلقوه ، وليس بمن قتلوه ، ولا بمن مات في السجن !
    ولن تستطيع معرفة كيف صار ابن حنبل أعظم شخص في الأمة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله !
    قال أبو يعلى في طبقات الحنابلة « 1 / 13 و 227 » : « قال علي بن المديني : أيد الله هذا
    الدين برجلين لا ثالث لهما : أبوبكر الصديق يوم الردة ، وأحمد بن حنبل في يوم
    المحنة ! ما قام أحد بأمر الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قام أحمد
    بن حنبل . قال قلت له : يا أبا الحسن ولا أبوبكر الصديق ؟ قال : ولا أبوبكر
    الصديق ، لأن أبا بكر الصديق كان له أعوان وأصحاب ، وأحمد بن حنبل لم يكن
    له أعوان ولا أصحاب » !
    وقال ابن كثير في النهاية « 10 / 369 » : « قال البخاري : لما ضُرب أحمد بن حنبل كنا
    بالبصرة ، فسمعت أبا الوليد الطيالسي يقول : لو كان أحمد في بني إسرائيل لكان
    أحدوثة . وقال إسماعيل بن الخليل : لو كان أحمد في بني إسرائيل لكان نبياً » .
    وصادروا لأحمد صفات أئمة الشيعة فقال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي : « أحمد بن
    حنبل حجة بين الله وبين عبيده في أرضه » ! « تاريخ بغداد : 5 / 183 » .
    2. قصة المحنة كما يسمونها : أن المأمون أمر بإرسال المحدثين الذين لم يقبلوا أن
    القرآن مخلوق ، اليه الى طرسوس ، فأرسلوا اليه من بغداد أربعة : أحمد بن حنبل ،



    وأحمد بن نصر ، ومحمد بن نوح بن ميمون ، ونُعَيْم بن حماد . فمات المأمون وهم
    في الطريق فأرجعوهم الى بغداد . ومات محمد بن ميمون في الطريق .
    وأحضر المعتصم أحمد بن حنبل وناظره وأطلق سراحه ، لأنه قال لهم : أنا أقول
    بقول أمير المؤمنين ! كما شهد بذلك المؤرخ الثبت ابن واضح اليعقوبي .
    وبقي نُعيم بن حماد في السجن عشر سنوات حتى مات . وبقي أحمد بن نصر في
    السجن ثلاث عشرة سنة ، فأحضره الواثق ابن المعتصم وقتله .
    3. ولكل واحد من هؤلاء الأربعة ، قصةٌ ومحاكمةٌ ومناظرةٌ ، وأعظمهم بلاءً
    أحمد بن نصر ، حيث أصر على رأيه بأن القرآن غير مخلوق حتى قتله الواثق بيده !
    لكنهم أهملوه وبالغوا في محنة ابن حنبل ، وبالغَ هو في الحديث عن « بطولته » في
    السجن وصموده تحت سياط الخليفة ، وتفوقه في مناظرته لقاضي قضاة المعتصم
    والواثق . وروى لنفسه ورووا له الكرامات والمعجزات في المحنة !
    قال المروزي في مسائل الإمام أحمد / 109 ، وابن كثير في النهاية ، ملخصاً « 10 / 365 » :
    « وفي عام مائتين واثني عشر أعلن المأمون القول بخلق القرآن ، وفي عام ثماني
    عشرة ومائتين رأى المأمون حمل الناس والعلماء والقضاة والمفتين على القول
    بخلق القرآن الكريم ، وكان آنذاك منشغلاً بغزو الروم ، فكتب إلى نائبه إسحاق
    بن إبراهيم بن مصعب يأمره أن يدعو الناس إلى القول بخلق القرآن ، فلما وصل
    الكتاب استدعى جماعة من أئمة الحديث فدعاهم إلى ذلك فامتنعوا ، فهددهم
    بالضرب وقطع الأرزاق ، فأجاب أكثرهم مكرهين ، واستمر على الإمتناع من


    ذلك الإمام أحمد بن حنبل ، ومحمد بن نوح ، فحُملا على بعير وسُيِّرا إلى الخليفة
    عن أمره بذلك ، وهما مقيدان متعادلان في محمل على بعير واحد .
    ولما اقتربا من طرسوس جاءهما الصريخ بموت المأمون ، فأعيدا إلى السجن
    ولبث فيه أحمد ثمانية وعشرين شهراً ، وقيل نيفاً وثلاثين شهراً .
    وعقد المعتصم مجلساً واستدعى أحمد من السجن ، وأحضر الفقهاء فناظروه
    بحضرته ثلاثة أيام فغلبهم ، فحرضوا الخليفة عليه فقال له : لعنك الله ، طمعت
    فيك أن تجيبني فلم تجبني ، ثم قال : خذوه واخلعوه واسحبوه .
    قال أحمد : فأُخذت وسُحبت ، وخُلعت وجئ بالعُقَابين « خشب يثبت به المضروب »
    والسياط وأنا أنظر ، فجعل أحدهم يضربني سوطين ويقول له يعني المعتصم :
    شدَّ قطع الله يديك ، ويجئ الآخر فيضربني سوطين . فذهبَ عقلي فلم أُحِسّ
    بالضرب ، وَأَرْعَبَهُ ذلك من أمري وأمر بي فأطلقت !
    ولم أشعر إلا وأنا في حجرة من بيت ، وقد أطلقت الأقياد من رجلي ، وكان
    ذلك في اليوم الخامس والعشرين من رمضان من سنة إحدى وعشرين ومائتين .
    وتولى الخلافة ابنه الواثق ، وقد اشتد في عهده القول بخلق القرآن ، وقتل بيده
    أحمد بن نصر الخزاعي لعدم إقراره بخلق القرآن ، وكان الإمام أحمد في عهده
    معتقلاً في منزله ، وأرسل إليه الواثق كتاباً يأمره فيه أن لا يجتمع بالناس ، ولا
    يساكنه بأرض ولا مدينة هو فيها » .


    وقال أحمد في العلل « 1 / 69 » : « وفي أثناء ذلك كله يتعطف به الخليفة « المعتصم »
    ويقول : يا أحمد أجبني إلى هذا حتى أجعلك من خاصتي وممن يطأ بساطي ،
    فيقول الإمام : يا أمير المؤمنين ، يأتوني بآية من كتاب الله أو سنة عن رسول الله
    حتى أجيبهم إليها . فلما لم يقم لهم معه حجة عدلوا إلى استعمال جاه الخليفة ،
    فقالوا : يا أمير المؤمنين : هذا كافر ضال مضل . وقال له إسحاق بن إبراهيم نائب
    بغداد : يا أمير المؤمنين ليس من تدبير الخلافة أن تخلي سبيله ويغلب خليفتين ،
    فعند ذلك حميَ واشتد غضبه ، وكان ألينهم عريكة وهو يظن أنهم على شئ .
    قال الإمام أحمد : فعند ذلك قال لي : لعنك الله ، طمعت فيك أن تجيبني ، ثم قال :
    خذوه واخلعوه واسحبوه . قال الإمام : فأخذت وسُحبت وخُلعت وجئ
    بالعُقَابَيْن والسياط وأنا أنظر ، وكان معي شعرات من شعر النبي مصرورة في
    ثوبي ، فجردوني منه وصرت بين العقابين ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، الله الله ، إن
    رسول الله قال : لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث
    وتلوت الحديث ، وإن رسول الله قال : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله
    إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم . فبمَ تستحل دمي ولم آت
    شيئاً من هذا ؟ يا أمير المؤمنين أذكر وقوفك بين يدي الله كوقوفي بين يديك .
    فكأنه أمسك .
    ثم لم يزالوا به يقولون له : يا أمير المؤمنين إنه ضال مضل كافر . فأمر بي فقمت
    بين العقابين وجئ بكرسي فأقمت عليه ، وأمرني بعضهم أن آخذ بيدي بأي


    الخشبتين فلم أفهم ، فتخلعت يداي ، وجئ بالضرابين ومعهم السياط ، فجعل
    أحدهم يضربني سوطين ويقول له : يعني المعتصم : شد قطع الله يديك ، ويجئ
    الآخر فيضربني سوطين ثم الآخر كذلك ، فضربوني أسواطاً فأغميَ عليَّ وذهب
    عقلي مراراً ، فإذا سكن الضرب يعود عليَّ عقلي .
    وقام المعتصم إليَّ يدعوني إلى قولهم فلم أجبه ، وجعلوا يقولون : ويحك ، الخليفة
    على رأسك ، فلك إقبل ، وأعادوا الضرب ثم عاد إلي فلم أجبه ، فأعادوا
    الضرب ثم جاء إليَّ الثالثة ، فدعاني فلم أعقل ما قال من شدة الضرب !
    ثم أعادوا الضرب فذهب عقلي فلم أحس بالضرب . وأرعبه ذلك من أمري ،
    وأمرني فأطلقت ولم أشعر إلا وأنا في حجرة من بيت وقد أطلقت الأقياد من
    رجلي وكان ذلك في اليوم العشرين من رمضان ، سنة إحدى وعشرين ومأتين .
    وكان جملة ما ضرب نيفاً وثلاثين سوطاً . وقيل : ثمانين سوطاً ، ولكن كان ضرباً
    مبرحاً شديداً جداً . ويقول أشاباض أحد الجلادين : ضربت أحمد بن حنبل
    ثمانين سوطاً ، لو ضربته فيلاً لهدمته » .
    5. تكفي الرواية المتقدمة لسجن أحمد وهي رواية أتباعه ، ليحكم الباحث بأن
    المعتصم أطلقه لأنه أقرَّ له بأن القرآن مخلوق ، وتكرار أحمد لقوله : ذهب عقلي ،
    تبريرٌ لإقراره لهم ، فهو يقول : لقد غبت عن الوعي ، ولم أدرِ ماذا قلت لهم !


    وقال ابن كثير في النهاية « 10 / 368 » : « ثم أمر الخليفة بإطلاقه إلى أهله ، وكان جملة
    ما ضرب نيفاً وثلاثين سوطاً ، وقيل ثمانين سوطاً ، ولكن كان ضرباً مبرحاً
    شديداً جداً . وقد كان الإمام أحمد رجلاً رقيقاً أسمر اللون » .
    يقصد : كان أحمد أسمر نحيفاً نحيل الجسم ، لايتحمل جسمه الضرب !
    ونحن نثق بشهادة اليعقوبي المعاصر لأحمد ، قال في تاريخه « 2 / 472 » : « وامتحن
    المعتصم أحمد بن حنبل في خلق القرآن ، فقال أحمد : أنا رجل علمت علماً ، ولم
    أعلم فيه بهذا . فأحضر له الفقهاء ، وناظره عبد الرحمن بن إسحاق وغيره ،
    فامتنع أن يقول إن القرآن مخلوق ، فضرب عدة سياط ، فقال إسحاق بن
    إبراهيم : ولني يا أمير المؤمنين مناظرته ، فقال : شأنك به ! فقال إسحاق : هذا
    العلم الذي علمته نزل به عليك ملك أو علمته من الرجال ؟ قال : بل علمته من
    الرجال . قال : شيئاً بعد شئ أو جملة ؟ قال : علمته شيئاً بعد شئ . قال : فبقي
    عليك شئ لم تعلمه ؟ قال : بقي عليَّ . قال : فهذا مما لم تعلمه ، وقد علمكه أمير
    المؤمنين . قال : فإني أقول بقول أمير المؤمنين . قال : في خلق القرآن ؟ قال : في
    خلق القرآن ! فأشهد عليه وخلع عليه ، وأطلقه إلى منزله » .
    كما نصت على ذلك شهادة الجاحظ المعاصر لأحمد ، وهو من الأشاعرة
    المتعصبين ضد الشيعة ، قال في رسائله « 3 / 292 » في مناقشته لأتباع أحمد : « فنحن لم
    نُكفِّر إلا من أوسعناه حجة ، ولم نمتحن إلا أهل التهمة ، وليس كشف المتهم من
    التجسس ، ولا امتحان الظنين من هتك الأسرار . ولو كان كل كشف هتكاً وكل

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني   الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyالثلاثاء أكتوبر 29, 2024 10:14 pm

    امتحان تجسساً ، لكان القاضي أهتك الناس لستر ، وأشد الناس كشفاً لعورة .
    والذين خالفوا في العرش إنما أرادوا نفي التشبيه فغلطوا ، والذين أنكروا أمر
    الميزان إنما كرهوا أن تكون الأعمال أجساماً وأجراماً غلاظاً .
    فإن كانوا قد أصابوا فلا سبيل عليهم ، وإن كان قد أخطأوا فإن خطأهم
    لايتجاوز بهم إلى الكفر . وقولهم وخلافهم بعد ظهور الحجة تشبيهٌ للخالق
    بالمخلوق ، فبين المذهبين أبين الفرق . وقد قال صاحبكم للخليفة المعتصم يوم
    جمع الفقهاء والمتكلمين والقضاة والمخلصين ، إعذاراً وإنذاراً : امتحنتني وأنت
    تعرف ما في المحنة ، وما فيها من الفتنة ، ثم امتحنتني من بين جميع هذه الأمة !
    قال المعتصم : أخطأت ، بل كذبت ، وجدتُ الخليفة قبلي قد حبسك وقيدك ،
    ولو لم يكن حبسك على تهمة لأمضى الحكم فيك ، ولو لم يَخَفْك على الإسلام ما
    عَرَض لك ، فسؤالي إياك عن نفسك ليس من المحنة ، ولا من طريق الإعتساف
    ولا من طريق كشف العورة ، إذ كانت حالك هذه الحال وسبيلك هذه السبيل .
    وقيل للمعتصم في ذلك المجلس : ألا تبعث إلى أصحابه حتى يشهدوا إقراره ،
    ويعاينوا انقطاعه ، فينقض ذلك استبصارهم فلا يمكنه جحد ما أقر به عندهم ؟
    فأبى أن يقبل ذلك وأنكره عليهم وقال : لا أريد أن أوتى بقوم إن اتهمتهم ميزتُ
    فيهم بسيرتي فيهم ، وإن بان لي أمرهم أنفذت حكم الله فيهم ، وهم ما لم أوتَ
    بهم كسائر الرعية ، وكغيرهم من عوام الأمة ، وما من شئ أحب إليَّ من الستر ،
    ولا شئ أولى بي من الأناة والرفق ، وما زال به رفيقاً ، وعليه رقيقاً ، ويقول : لأن



    أستحييك بحق أحب إلي من أن أقتلك بحق ! حتى رآه يعاند الحجة ، ويكذب
    صراحاً عند الجواب . وكان آخر ما عاند فيه وأنكر الحق وهو يراه : أن أحمد بن
    أبي دواد قال له : أليس لا شئ إلا قديم أو حديث ؟ قال : نعم . قال : أوليس
    القرآن شيئاً ؟ قال : نعم . قال : أوليس لا قديم إلا الله ؟ قال : نعم . قال : فالقرآن
    إذا حديث ؟ قال : ليس أنا متكلم . وكذلك كان يصنع في جميع مسائله ، حتى
    كان يجيبه في كل ما سأل عنه ، حتى إذا بلغ المخنق ، والموضع الذي إن قال فيه
    كلمة واحدة برئ منه صاحبه قال : ليس أنا متكلم !
    فلا هو قال في أول الأمر : لا علم لي بالكلام ، ولا هو حين تكلم فبلغ موضع
    ظهور الحجة ، خضع للحق . فمقته الخليفة وقال عند ذلك : أفٍّ لهذا الجاهل مرة
    والمعاند مرة . وأما الموضع الذي واجه فيه الخليفة بالكذب ، والجماعة بالقحة
    وقلة الإكتراث وشدة التصميم ، فهو حين قال له أحمد بن أبي دواد : تزعم أن الله
    رب القرآن ؟ قال : لو سمعت أحداً يقول ذلك لقلت . قال : أفما سمعت ذلك
    قط من حالف ولا سائل ، ولا من قاص ، ولا في شعر ، ولا في حديث !
    قال : فعرف الخليفة كذبه عند المسألة ، كما عرف عنوده عند الحجة .
    وأحمد بن أبي دواد حفظك الله أعلم بهذا الكلام ، وبغيره من أجناس العلم ، من
    أن يجعل هذا الإستفهام مسألة ، ويعتمد عليها في مثل تلك الجماعة . ولكنه أراد
    أن يكشف لهم جرأته على الكذب ، كما كشف لهم جرأته في المعاندة . فعند ذلك
    ضربه الخليفة . وأية حجة لكم في امتحاننا إياكم ، وفي إكفارنا لكم .

    وزعم يومئذ أن حكم كلام الله كحكم علمه ، فكما لا يجوز أن يكون علمه محدثاً
    ومخلوقاً ، فكذلك لا يجوز أن يكون كلامه مخلوقاً محدثاً .
    فقال له : أليس قد كان الله يقدر أن يبدل آية مكان آية ، وينسخ آية بآية ، وأن
    يذهب بهذا القرآن ويأتي بغيره ، وكل ذلك في الكتاب مسطور ؟
    قال : نعم . قال : فهل كان يجوز هذا في العلم ، وهل كان جائزاً أن يبدل الله
    علمه ويذهب به ويأتي بغيره ؟ قال : ليس .
    وقال له : روينا في تثبيت ما نقول الآثار ، وتلونا عليك الآية من الكتاب ،
    وأريناك الشاهد من النقول التي بها لزم الناس الفرائض ، وبها يفصلون بين الحق
    والباطل ، فعارضنا أنت الآن بواحدة من الثلاث .
    فلم يكن ذلك عنده ، ولا استخذى من الكذب عليه في غير هذا المجلس ، لأن
    عدة من حضره أكثر من أن يطمع أحدا أن يكون الكذب يجوز عليه .
    وقد كان صاحبكم هذا يقول : لا تقية إلا في دار الشرك . فلو كان ما أقر به من
    خلق القرآن كان منه على وجه التقية ، فقد أعمل التقية في دار الإسلام ، وقد
    أكذب نفسه . وإن كان ما أقر به على الصحة والحقيقة فلستم منه ، وليس منكم .
    على أنه لم ير سيفاً مشهوراً ، ولا ضرب ضرباً كثيراً ، ولا ضرب إلا ثلاثين سوطاً
    مقطوعة الثمار ، مشعثة الأطراف ، حتى أفصح بالإقرار مراراً !


    ولا كان في مجلس ضيق ، ولا كانت حاله حال مؤيسة ، ولا كان مثقلاً بالحديد
    ولا خلع قلبه بشدة الوعيد . ولقد كان ينازع بألين الكلام ، ويجيب بأغلظ
    الجواب ، ويرزنون ويخف ويحلمون ويطيش .
    وعبتم علينا إكفارنا إياكم ، واحتجاجنا عليكم بالقرآن والحديث ، وقلتم :
    تكفروننا على إنكار شئ يحتمله التأويل ويثبت بالأحاديث ، فقد ينبغي لكم أن
    لا تحتجوا في شئ من القدر والتوحيد بشئ من القرآن ، وأن لا تكفروا أحداً
    خالفكم في شئ ! وأنتم أسرع الناس إلى إكفارنا ، وإلى عداوتنا والنصب لنا » .
    أقول : هاتان شهادتان على أن أحمد لم يصمد أمام امتحان المعتصم ، إحداهما من
    اليعقوبي الثقة المتثبت ، والثانية من الجاحظ وقد واجه بها الحنابلة فلم يردوها .
    ويؤيد ذلك أن المسعودي قال إن المعتصم ضرب أحمد ليقول بخلق القرآن ،
    وكأنه قال به . قال في مروج الذهب « 3 / 464 » : « وفيها « سنة 219 » ضَرَب المعتصم
    أحمد بن حنبل ثمانية وثلاثين سوطاً ليقول بخلق القرآن » .
    وروى ابن العمراني في الإنباء في تاريخ الخلفاء « 1 / 105 » أن أحمد استعطف المعتصم
    بأن خالد بن ابراهيم الشيباني من أنصار بني العباس ، قال : « وحين أحضره
    المعتصم بين يديه سلَّمَ وتكلم بكلام أعجب الناس ، ثم قال في أثناء كلامه : يا
    أمير المؤمنين إن لآبائى سبقاً في هذه الدعوة ، فليسعني ما وسع أصحاب رسول
    الله من السكوت والرضا من جميعهم بأن القرآن كلام الله » . وهو يقصد أبا داود


    خالد بن إبراهيم الذهلي . وكان نقيباً وليس من أجداد أحمد ، لكن حنبلاً وأولاده
    كانوا يتقربون به الى السلطة .
    ويظهر أنهم أطلقوا أحمد ، لأنه أقر بما أرادوا وتشفع اليهم بالذهلي الذي
    يتقرب اليه أبوه حنبل . ولو أنه لم يقر لهم بخلق القرآن لم يطلق ، ولم يسمح له
    بالتحديث والإفتاء ! بل بقي في السجن مع نُعيم بن حماد ، فقد بقي بعده في
    السجن عشر سنين حتى مات ، ودفنوه ولم يصلوا عليه !
    قال في تاريخ بغداد « 13 / 315 » : « حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال : سنة تسع
    وعشرين ومائتين ، فيها مات نعيم بن حماد ، وكان مقيداً محبوساً لامتناعه من
    القول بخلق القرآن ، فَجُرَّ بأقياده فألقيَ في حفرة ، ولم يُكفن ولم يُصل عليه » .
    أما زميله الآخر ابن نصر فبقي ثلاث عشرة سنة : « قال محمد بن إسحاق
    السراج : قتل أحمد بن نصر بن مالك يوم السبت غرة رمضان سنة إحدى
    وثلاثين . وأنزل رأسه وأنا حاضر ببغداد يوم الثلاثاء لثلاث خلت من شوال
    سنة سبع وثلاثين ومائتين » . « تاريخ بغداد : 5 / 383 » .
    4. زعم أحمد أنه كان معه سرٌّ رباني نجَّاه من السجن والألم ! مع أنه قال إنه
    ضرب بضعاً وثلاثين سوطاً ، وأغمي عليه مرات من الألم ، أو من الخوف .
    قال في العلل « 1 / 73 » : « ثم قال : خذوه واخلعوه واسحبوه . فأخذتُ وسحبتُ
    وخُلعت وجئ بالعُقَابَيْن « خشبتان لتثبيت المجلود » والسياط ، وأنا أنظر ، وكان معي
    شعرات من شعر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مصرورة في ثوبي ، فجردوني منه » .


    وروى الذهبي في تاريخ « 5 / 1063 » عن حنبل قال : « أعطى بعض ولد الفضل بن
    الربيع أبا عبد الله وهو في الحبس ثلاث شعرات فقال : هذه من شعر النبي ،
    فأوصى عند موته أن يجعل على كل عين شعرة ، وشعرة على لسانه . ففعل به ذلك
    عند موته » .
    وقال في سيره « 11 / 212 » : « عبد الله بن أحمد : رأيت أبي يأخذ شعرة من شعر
    النبي فيضعها على فيه يقبلها ، وأحسب أني رأيته يضعها على عينه يغمسها في الماء
    ويشربه يستشفي به » .
    أقول : الفضل بن الربيع كان حاجب المنصور ، وحسب قول أحمد إن بعض
    ولده أعطاه ثلاث شعرات من شعر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولعله يقصد أحد أحفاده ،
    وكان له أولاد كثرة موظفون في الدولة ، ولا يمكن إثبات صدق الذي أعطاه
    الشعرات ، وأنها من أثر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله !
    أحاط ابن حنبل نفسه بهالةٍ من المبالغات !
    تجد في حديث أحمد عن نفسه ، وحديث أتباعه عنه ، كثيراً من المبالغة وغير
    المعقول ، فهو الذي أسس الغلو في شخصه ، وربى عليه تلاميذه وأولاده !
    ويكفي مبالغته في كتابه المسند وقد اعتبره كله صحيحاً ، وقال إنه اختاره من
    مئات ألوف الأحاديث ، وأن ما لايوجد فيه ، فهو غير صحيح !
    قال الإمام الحنبلي أبوموسى المديني الأصفهاني المتوفى سنة 581 ، في كتابه خصائص
    مسند الإمام أحمد / 13 ، طبعة مكتبة التوبة بالرياض 1410 هجرية : « قال لنا حنبل


    بن إسحاق : جمعنا عمي « أحمد » لي ولصالح ولعبد الله ، وقرأ علينا المسند وما
    سمعه منه يعني تاماً ، غيرنا ، وقال لنا : إن هذا الكتاب قد جمعته وأتقنته من أكثر
    من سبع مائة وخمسين ألفاً ، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله صلى
    الله عليه وسلم فارجعوا إليه ، فإن كان فيه ، وإلا فليس بحجة .
    سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى يقول : كتب أبي عشرة آلاف
    ألف حديث ، ولم يكتب سواداً في بياض إلا قد حفظه !
    سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول : قلت لأبي رحمه الله تعالى : لم كرهت
    وضع الكتب وقد عملت المسند ؟ فقال : عملت هذا الكتاب إماماً ، إذا اختلف
    الناس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رجعوا إليه .
    قال الشيخ الحافظ أبوموسى رحمه الله : ولم يخرج إلا عمن ثبت عنده صدقه
    وديانته ، دون من طُعن في أمانته » .
    قال أبو زرعة الرازي « تاريخ بغداد : 5 / 185 » : « كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف
    حديث ! فقيل له : وما يدريك ؟ قال : ذَاكَرْتُهُ فأخذت عليه الأبواب » .
    فهو إذن ، يحفظ مليون حديث ، واختار منها سبع مئة وخمسين ألفاً ، ثم اختار
    منها الصحيح ، وهو مسنده الذي بلغت أحاديثه نحو ثلاثين ألفاً !
    وهذا الكلام لا يوافقه عليه أحد من المحدثين ، حتى علماء الحنابلة أنفسهم !
    كما أن مسنده يستحيل أن يكون كله صحيحاً ، لكثرة المتناقضات فيه .


    فإذا تجاوزنا كتابه ، وجدنا يغلو في شخصه ، وأولاده صالح وحنبل وعبد الله
    يغلون فيه ، وتلاميذه خاصة المروزي . وتبدأ مبالغتهم من طفولته ، ونسبه ، الى
    علمه ، وزهده في الدنيا ، وموته ، وقبره ، وأن الله تعالى ينزل ويزور قبره !
    قالوا عن أصل أحمد : جاءت أمه الى بغداد وهي حاملة به
    قالوا : كان حنبل جندياً في بخارى في زمن المنصور ، مع المسيب بن زهير ، وقد
    أدبه المسيب هو وإسحاق بن عيسى السعدي ، لأنهما حركا الجند للشغب ،
    فضربهما المسيب وحلق رأسيهما ، وقد يكون نفاه الى مرو ، أو رضي عليه وولاه
    سرخس ، لأنهم قالوا وليَ سرخس ، وكان من أبناء الدعوة . « تاريخ بغداد : 5 / 181 » .
    والصحيح أن حنبلاً أوغيره من أجداده لم يكونوا من أبناء الدعوة العباسية ، بل
    أحد أقاربهم الهذليين ، والمرجح أنه قريبهم بالتحالف أو الولاء .
    وذكروا أن محمداً مات في مَرْوخراسان ، وخرجت زوجته وهي حامل بأحمد ،
    وجاءت الى بغداد فولدته . ولم يذكروا هل تزوجت بعد ذلك .
    وقد تفرد ابن كثير فقال « النهاية : 10 / 359 » : « قالوا : وقدم به أبوه من مرو
    وهو حمل فوضعته أمه ببغداد في ربيع الأول من سنة أربع وستين ومائة ، وتوفي
    أبوه وهو ابن ثلاث سنين فكفلته أمه » .
    مع أن أحمد نفسه قال إن أمه جاءت به وهو حمل في بطنها ، ولم يقل أحدٌ غير ابن
    كثير إن أباه جاء به ! ولعله اخترع ذلك ليرفع المهانة عن إمامه أحمد !

    لم يكن أحمد من شيبان وقد يكون حليفهم
    لم يَدَّعِ أحمد طول عمره أنه من شيبان ، فقد قال يحيى بن معين : « ما سمعت
    أحمد بن حنبل يقول : أنا من العرب قط .. محمد بن الفضل يقول : وضع أحمد بن
    حنبل عندي نفقته ، وكان يجئ في كل يوم فيأخذ منه حاجته ، فقلت له يوماً : يا
    أبا عبد الله ، بلغني أنك من العرب ، فقال : يا أبا النعمان نحن قوم مساكين ، فلم
    يزل يدافعني حتى خرج ولم يقل لي شيئاً » . « تهذيب الكمال : 1 / 444 » .
    لكن ابنه الصغير صالح كتب نسباً ، وقالوا رآه أبوه ولم ينكره . ولم يذكر صالح
    من أين أخذه ! قال ابن كثير في النهاية « 10 / 359 » « ورويَ عن صالح بن الإمام أحمد
    قال : رأى أبي هذا النسب في كتاب لي فقال : وما تصنع به ؟ ولم ينكر النسب » .
    وحرفوا كلام ابنه صالح ، فصار النسب في كتاب لأبيه ، قال الذهبي في سيره
    « 11 / 178 » : « قال الحافظ أبومحمد بن أبي حاتم في كتاب مناقب أحمد : حدثنا
    صالح بن أحمد ، قال : وجدت في كتاب أبي نسبه ، فساقه إلى مازن » !
    والنسب كما في كتاب العلل « 1 / 45 » : « أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد
    بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن
    بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن
    قاسط بن هنب بن أقصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد
    بن عدنان » .


    وقد تبناه الحنابلة ، وقال عنه المزي في تهذيب الكمال « 1 / 443 » : « وهكذا قال أبو
    نصر بن ماكولا ، إلا أنه زاد بعد مازن : ابن ذهل بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة .
    وقال الحافظ أبوبكر الخطيب : قول عباس الدوري وأبي بكر بن أبي داود أن أحمد
    من بني ذهل بن شيبان غلط ، إنما كان من بني شيبان بن ذهل بن ثعلبة ، وذهل
    بن ثعلبة هذا هو عم ذهل بن شيبان .. وهذا هو ذهل المسن الذي منه دغفل ابن
    حنظلة ، والقعقاع بن شور .. فينبغي أن يقال : أحمد بن حنبل الذهلي » .
    ومع أنه لم يشهد بهذا النسب أحدٌ من خبراء الأنساب ، فقد اعتبره الحنابلة
    صحيحاً ، وافتخروا بأن إمامهم عربي ، في محيط يفتخر بالعرب ويحتقر الموالي !
    أما قولهم إن حنبلاً كان من أبناء الدعوة العباسية ، فقد أخذوه من كلام أحمد
    المتقدم الذي استعطف به المعتصم ، كما في كتاب : الإنباء في تاريخ الخلفاء
    « 1 / 105 » لابن العمراني قال : « ثم قال في أثناء كلامه : يا أمير المؤمنين إن لآبائي سبقاً في
    هذه الدعوة فليسعني ما وسع أصحاب رسول الله من السكوت والرضا من جميعهم » .
    وهو يقصد أبا داود خالد بن إبراهيم الذهلي الذي كان نقيباً ، وهو من فرع آخر ،
    وليس من أجداد أحمد ، وإن افتخر به حنبل .
    كان جده حنبل مجنداً مشاغباً
    قالوا إن جده حنبلاً كان مجنداً في بخارى ، وكان مشاغباً فأدبه قائده . وقالوا إنه
    صار والي سرخس ، ولم أجد مؤشراً على صحة هذا القول ، فلو ترقى وصار والياً
    على محافظة مهمة في خراسان كسرخس ، فلماذا كان ابنه محمد في مَرْو فقيراً ؟

    قال في تاريخ بغداد « 5 / 181 » : « وجده حنبل بن هلال وليَ سرخس ، وكان من
    أبناء الدعوة . فسمعت إسحاق بن يونس صاحب ابن المبارك يقول : ضرب
    حنبلَ بن هلال وأبا النجم إسحاق بن عيسى السعدي المسيبُ بن زهير الضبي
    ببخارى ، في دسهم إلى الجند في الشغب ، وحلقهما » .
    وقلنا إن الذي كان من أبناء الدعوة وتقرب به أحمد الى العباسيين ، هو خالد بن
    إبراهيم الشيباني ، وهو بحسب النسب الذي ادعوه لأحمد من أعمام آبائه :
    قال ابن حزم في جمهرة أنساب العرب / 319 : « ومن بني عمرو بن شيبان بن ذهل بن
    ثعلبة : أبوداود خالد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن قعبل بن الحارث ، أحد
    النقباء لبني العباس ، وهو ولي خراسان بعد أبي مسلم . ومنهم : دغفل النسابة ،
    وهو دغفل بن حنظلة بن يزيد بن عبدة بن عبد الله بن ربيعة بن عمرو بن شيبان
    بن ذهل بن ثعلبة . والقعقاع بن شور ومطير بن القعقاع بن شور ، حكم بجهة
    الموصل . والفقيه الجليل أبوعبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن
    إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن
    شيبان بن ذهل بن ثعلبة ، وابناه : عبد الله قاضي حمص ، وصالح قاضي الثغر
    وابن ابنه : زهير بن صالح ، محدث . وابن أخيه محمد بن أحمد بن صالح ، محدث » .
    فالنقيب أبو داود الذهلي ، كان قائداً عند أبي مسلم ، قال ابن خلدون « 3 / 124 » : « ثم
    بعث أبومسلم كعباً من النقباء إلى أبيورد فافتتحها ، ثم أبا داود خالد بن إبراهيم
    من النقباء إلى بلخ ، وبها زياد بن عبد الرحمن القشيري ، فجمع له أهل بلخ



    وترمذ وجند طخارستان ، ونزل الجوزجان ولقيهم أبوداود فهزمهم ، وملك
    مدينة بلخ » . وقال في أنساب الأشراف « 4 / 228 » : « لما مات أبوداود خالد بن إبراهيم
    بن عبد الرحمن بن قعبل بن ثابت بن سالم بن حذلم بن الحارث بن عمرو بن سالم
    بن الحارث بن عمرو بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة ، كتب المنصور إلى أبي
    عصام عبد الرحمن بن سليم بولاية خراسان ، ثم عزله بعد أربعين يوماً » .
    والنتيجة : أن أحمد لم يقل يوماً إنه عربي ، لكن أولاده قالوا ذلك لحاجتهم اليه
    بعد أن صار أبوهم أحمد مشهوراً . ونسبه الذي ذكروه لايوجب الإطمئنان ، ولا
    ينطبق على ما رووه عن جده حنبل ، إلا أن يكون حنبل حليفاً لهلال بن أسد
    وليس ابنه ، أو كان أصله من تميم ، وهو يخفيه لأنه من أولاد حرقوص بن زهير .
    قال علماءٌ : إن أحمد من ذرية حرقوص رأس الخوارج ؟
    ألَّفَ الطبري المؤرخ كتاباً في إثبات سند حديث الغدير ، سماه : الرد على
    الحرقوصية ، وهو يقصد الحنابلة .
    وقد تكون تسميته لهم بالحرقوصية لأن إمامهم ابن حنبل من ذرية رئيس
    الخوارج حرقوص بن زهير ، أو لأنهم نواصب كالخوارج أتباع حرقوص .
    وقد اختار المستشرق كارل بروكلمان في تاريخ الأدب العربي « 3 / 50 » في تفسير
    إسم : الرد على الحرقوصية ، أن الحرقوصية هم الحنابلة ، وأن الطبري سماهم
    بذلك ، لأن أحمد بن حنبل من أولاد زهير بن حرقوص !

    وقال السيد ابن طاوس قدس‌سره في الإقبال / 453 : « من ذلك ما رواه محمد بن جرير
    الطبري صاحب التاريخ الكبير ، صنفه وسماه كتاب الرد على الحرقوصية ، روى
    فيه حديث الغدير وما نص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على علي بالولاية والمقام الكبير ، وروى
    ذلك من خمس وسبعين طريقاً » .
    وقال في الطرائف / 38 : « ورأيت في بعض ما صنفه الطبري في صحة خبر يوم
    الغدير أن إسم الكتاب : الرد على الحرقوصية ، يعني الحنبلية ، لأن أحمد بن حنبل
    من ولد حرقوص بن زهير الخارجي ، وقيل : إنما سماه الطبري بهذا الإسم ، لأن
    البر بهاري الحنبلي تعرض للطعن في شئ مما يتعلق بخبر يوم غدير خم » .
    وجزم به الصدوق في علل الشرائع « 2 / 467 » فروى عن إبراهيم بن سفيان : « إنما
    كانت عداوة أحمد بن حنبل مع علي بن أبي طالب عليه‌السلام أن جده ذا الثدية قتله علي
    بن أبي طالب يوم النهروان ، وكان رئيس الخوارج » . ونحوه المناقب « 3 / 21 و 220 » .
    وذكر النجاشي الرجالي المعروف / 322 ، كتاب الرد على الحرقوصية ، قال : « محمد بن
    جرير أبوجعفر الطبري عامي ، له كتاب الرد على الحرقوصية ، ذكر طرق خبر
    يوم الغدير ، أخبرنا القاضي أبوإسحاق إبراهيم بن مخلد قال : حدثنا أبي قال :
    حدثنا محمد بن جرير بكتابه الرد على الحرقوصية » .
    وعليه ، لابد أن يكون انتساب جده حنبل الى بني شيبان بالتحالف ، تهرباً من
    نسبه الى حرقوص التميمي ذي الثدية ، لأنه نسبٌ منفورٌ عند جميع المسلمين !


    كانت الفارسية اللغة الأم لأحمد بن حنبل
    وذلك لأن أمه فارسية من مَرْو ، وعاش في بغداد بين المَرْوِيين الخراسانيين ، فقد روى
    الذهبي في سيره « 11 / 218 » عن حفيده زهير بن صالح ، قال : « وسأل « أحمد » ابن
    خالته عمن بقي من أهله بخراسان ، في خلال الأكل ، فربما استعجم عليه
    فيكلمه جدي بالفارسية ، ويضع اللحم بين يديه وبين يدي » .
    ومما يشير الى محيطه الفارسي قول تلميذه المروذي في : الرد على الجهمية / 47 : « كان
    أبوعبد الله لا يلحن في الكلام ، قال : وأخبرت أنه لما نوظر بين يدي الخليفة لم
    يتعلق عليه بلحن .. وقال لي ابن أبي حسان الوراق : طلب مني أبوعبد الله وهو
    في السجن كتاب حمزة في العربية ، فدفعته إليه فنظر فيه قبل أن يُمتحن » .
    سبب تناقض ابن حنبل في موقفه من أهل البيت عليهم‌السلام
    يوجد تناقض في أحاديث ابن حنبل وأقواله في أهل البيت النبوي عليهم‌السلام ! ولا
    نجد سبباً لذلك إلا الجو السياسي الذي كان يميل اليهم في زمن المأمون
    والمعتصم والواثق ، ثم صار جواً معادياً لهم في زمن المتوكل !
    ففي طبقات الحنابلة « 1 / 320 » : « سمعت محمد بن منصور يقول : كنا عند أحمد
    بن حنبل فقال له رجل : يا أبا عبد الله ، ما تقول في هذا الحديث الذي يروى أن
    علياً قال : أنا قسيم النار ؟ فقال : وما تنكرون من ذا ، أليس روينا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله
    قال لعلي : لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ؟ قلنا : بلى . قال : فأين
    المؤمن ؟ قلنا في الجنة . قال : وأين المنافق ؟ قلنا : في النار . قال : فعلي قسيم النار » .

    وفي تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي « 1 / 257 » : « وحكى جدي أبوالفرج عن
    القاضي أبي يعلى بن الفراء في كتابه المعتمد في الأصول ، بإسناده الى صالح بن
    أحمد بن حنبل قال : قلت لأبي إن قوماً ينسبوننا الى توالي يزيد ؟ فقال يا بني ، وهل
    يتوالى يزيد أحد يؤمن بالله ؟ فقلت : فلم لاتلعنه ؟ فقال : وهل رأيتني لعنت شيئاً
    يا بني ، لم لا تلعن من لعنه الله في كتابه ؟ فقلت : وأين لعن الله يزيد في كتابه ؟ فقال
    في قوله تعالى : فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك
    الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم . فهل يكون فساد أعظم من القتل » .
    والمسائل والرسائل المروية عن أحمد : 1 / 410 ، والصواعق المحرقة / 222 .
    وقال ابن حجر في فتح الباري « 7 / 81 » : « أخرج ابن الجوزي أيضاً من طريق عبد
    الله بن أحمد بن حنبل : سألت أبي ما تقول في علي ومعاوية ؟ فأطرق ثم قال : إعلم
    أن علياً كان كثير الأعداء ، ففتش أعداؤه له عيباً فلم يجدوا ، فعمدوا إلى رجل قد
    حاربه فأطروه ، كياداً منهم لعلي ! فأشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل
    مما لا أصل له ! وقد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة ، لكن ليس فيها
    مايصح من طريق الإسناد . وبذلك جزم إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما » .
    وفي مناقب آل أبي طالب « 1 / 225 » : « وسأل المعتصم أحمد بن حنبل : كان أبوبكر
    أفضل الصحابة أم علي ؟ قال : أبو بكر أفضل الصحابة وعلي أفضل أهل البيت ،
    قال : أترجح ابن العم على العم ؟ قال : إن حمزة والعباس قالا ذلك لرسول الله
    يوم أمر بسد الأبواب » .


    أقول : كان كلام ابن حنبل في تفضيل علي وأهل البيت عليهم‌السلام وفي ذم معاوية
    ويزيد وبني أمية ، قبل أن يؤسس المتوكل حزب أهل الحديث والأثر ، ويجعله
    إماماً لهم ، ويتبنى بغض علي عليه‌السلام وحب معاوية وأحاديث التشبيه والرؤية !
    أما بعد ذلك ، فصار مذهب ابن حنبل مدح بني أمية ، وبغض عليٍّ لكن قليلاً ،
    وانتبه أن لا تبغضه كثيراً فتخرج عن السنة !
    روى البياضي في الصراط المستقيم « 3 / 224 » : « قال أحمد : لا يكون الرجل سنياً
    حتى يبغض علياً قليلاً » . وفي علل الشرائع « 2 / 468 » : « سمعت علي بن خشرم
    يقول كنت في مجلس أحمد بن حنبل فجرى ذكر علي بن أبي طالب عليه‌السلام
    فقال : لايكون الرجل سنياً حتى يبغض علياً قليلاً ! قال علي بن خشرم : فقلت لا
    يكون الرجل سنياً حتى يحبه كثيراً . وفي غير هذه الحكاية قال علي بن خشرم :
    فضربوني وطردوني » !
    من غلو الحنابلة ومبالغاتهم في إمامهم وأنفسهم
    مَلَك ( بحري ) يبشر أحمد :
    في تاريخ بغداد « 5 / 186 » : « حدثنا سلمة بن شبيب قال : كنا عند أحمد بن حنبل
    فجاءه رجل فدق الباب ، وكنا قد دخلنا عليه خفياً ، فظننا أنه قد غَمز بنا ، فدق
    ثانية وثالثة ، فقال أحمد : أدخل . قال : فدخل فسلم وقال : أيكم أحمد ؟ فأشار
    بعضنا إليه ، قال : جئت إلى البحر من مسيرة أربع مائة فرسخ ، أتاني آتٍ في
    منامي فقال : إئت أحمد بن حنبل وسل عنه فإنك تُدل عليه ، وقل له : إن الله


    عنك راض وملائكة سماواته عنك راضون ، وملائكة أرضه عنك راضون .
    قال : ثم خرج فما سأله عن حديث ولا مسألة » .
    أحمد حجة الله في أرضه :
    في النهاية لابن كثير « 10 / 370 » : « قال لي علي بن المديني بعدما امتحن أحمد وقيل
    قبل أن يمتحن : يا ميمون ما قام أحد في الإسلام ما قام أحمد بن حنبل . فعجبت
    من هذا عجباً شديداً ، وذهبت إلى أبي عبيد القاسم بن سلام فحكيت له مقالة
    علي بن المديني فقال : صدق ، إن أبا بكر وجد يوم الردة أنصاراً وأعواناً ، وإن
    أحمد بن حنبل لم يكن له أنصار ولا أعوان . ثم أخذ أبوعبيد يطري أحمد ويقول :
    لست أعلم في الإسلام مثله .
    وقال إسحاق بن راهويه : أحمد حجة بين الله وبين عبيده في أرضه . وقال علي بن
    المديني : إذا ابتليت بشئ فأفتاني أحمد بن حنبل لم أبال إذا لقيت ربي كيف كان .
    وقال أيضاً : إني اتخذت أحمد حجة فيما بيني وبين الله عز وجل ، ثم قال : ومن
    يقوى على ما يقوى عليه أبوعبد الله » .
    فقد أحمد كفقد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :
    قال المسعودي في مروج الذهب « 4 / 20 » : « كانت وفاة أحمد بن حنبل في خلافة
    المتوكل بمدينة السلام ، وذلك في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومائتين ،
    ودفن بباب حرب في الجانب الغربي ، وصلى عليه محمد بن طاهر ، وحضر
    جنازته خلق من الناس لم يُرَ مثل ذلك اليوم والإجتماع في جنازة من سلف قبله ،



    وكان للعامة فيه كلام كثير جرى بينهم بالعكس والضد في الأمور : منها أن
    رجلًا منهم كان ينادي : إلعنوا الواقف عند الشبهات ، وهذا بالضد عما جاء عن
    صاحب الشريعة عليه‌السلام في ذلك . وكان عظيم من عظمائهم ومقدم فيهم يقف
    موقفاً بعد موقف أمام الجنازة وينادي بأعلى صوته :
    وأظلمت الدنيا لفقد محمد
    وأظلمت الدنيا لفقد ابن حنبل

    يريد بذلك أن الدنيا أظلمت عند وفاة محمد عليه‌السلام ، وأنها أظلمت عند موت ابن
    حنبل ، كظلمتها عند موت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله » .
    من لم يحبه فليس بسني :
    في تاريخ دمشق « 5 / 293 » : « سمعت ابن أبي حاتم يقول سمعت أبي يقول : إذا
    رأيتم الرجل يحب أحمد بن حنبل ، فاعلموا أنه صاحب سنة » .
    أجاب في سبعة أيام عن سبعين ألف مسألة :
    في طبقات الحنابلة « 1 / 12 » : « وقال إسماعيل بن حرب : أحصي ما رد أحمد بن
    حنبل حين جئ به إلى العسكر ، فإذا هو سبعون ألفاً » .
    أي بلغ عدد المسائل التي أجاب عليها في سامراء سبعين ألف مسألة ، وقد بقي
    فيها نحو أسبوع ! فيكون أجاب في اليوم عن عشرة آلاف !
    أحمد يزوره الله في قبره :
    في مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي / 454 : « حدثني أبوبكر بن مكارم بن أبي يعلى
    الحربي ، وكان شيخاً صالحاً قال : كان قد جاء في بعض السنين مطرٌ كثير جداً قبل
    دخول رمضان بأيام ، فنمت ليلة في رمضان فأريت في منامي كأني قد جئت على


    عادتي إلى قبر الإمام أحمد بن حنبل أزوره ، فرأيت قبره قد التصق بالأرض حتى
    بقي بينه وبين الأرض مقدار ساف أو سافين ، فقلت : إنما تم هذا على قبر الإمام
    أحمد من كثرة الغيث ! فسمعته من القبر وهو يقول : لا ، بل هذا من هيبة الحق
    عز وجل لأنه عز وجل قد زارني ! فسألته عن سر زيارته إياي في كل عام فقال
    عز وجل : يا أحمد ، لأنك نصرت كلامي فهو ينشر ويتلى في المحاريب . فأقبلت
    على لحده أقبله ثم قلت : يا سيدي ما السر في أنه لا يقبل قبر إلا قبرك ؟ فقال لي :
    يا بني ، ليس هذا كرامة لي ولكن هذا كرامة لرسول الله ! لأن معي شعرات من
    شعره ! ألا ومن يحبني يزورني في شهر رمضان . قال ذلك مرتين » !
    هكذا هكذا ، وإلا فلا ، لا :
    قال ابن عربي في الفتوحات « 1 / 247 » : « رُوِيَ عن الإمام أحمد بن حنبل ، المتبع ،
    المقتدي ، سيد وقته ، في تركه أكل البطيخ ، لأنه ما ثبت عنده كيف كان يأكله
    رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ! فدل ذلك على قوة اتباعه كيفيات أحوال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في
    حركاته وسكناته ، وجميع أفعاله وأحواله . وإنما عرف هذا منه ، لأنه كان في
    مقام الوراثة في التبليغ والإرشاد ، بالقول والعمل والحال ، لأن ذلك أمكن في
    نفس السامع فهو « أي ابن حنبل » وأمثاله ، حفاظ الشريعة على هذه الأمة » .
    وقال في الفتوحات « 4 / 457 » : « ولقد بلغني عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه
    أنه ما أكل البطيخ ، فقيل له في ذلك فقال : ما بلغني كيف كان رسول الله
    صلى‌الله‌عليه‌وآله يأكله ! فلما لم تبلغ إليه الكيفية في ذلك تركه . وبمثل هذا تقدم علماء هذه



    الأمة على سائر علماء الأمم . هكذا هكذا ، وإلا فلا ، لا . فهذا الإمام علم
    وتحقق معنى قوله تعالى عن نبيه : فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ . وقوله : لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي
    رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ » ! ونحوه في الفتوحات « 4 / 84 » .
    أقول : هذا استحمارٌ للناس ! بأن هذا الإمام أحمد كان ملتزماً حرفياً بـ « سنة »
    النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى في تفاصيل المستحبات والمباحات ! وأنه بلغ من تقواه أنه لم
    يأكل البطيخ لأنه يريد أن يقتدي فيه برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحيث لم يبلغه كيف كان
    يأكله ، فقد تركه !
    ثم افتخر ابن عربي بفعله وقال : هكذا هكذا ، وإلا فلا ، لا . أي هكذا فليكن
    التدين والإقتداء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإلا فلا !
    وعلى هذا يجب على ابن حنبل وابن عربي وتلاميذهم ، أن يتركوا أكثر الأعمال
    والتصرفات من أكل وشرب ورواح ومجئ ونوم ويقظة وتعلم وتعليم ، إلا ما
    ثبت لهم فيه السنة وفي تفاصيله ، فيقتدوا به !
    هذا ، وفي تاريخ بغداد « 5 / 187 » أن أحمد مات سنة 241 ، وعمره سبع وسبعون سنة .
    * *

    الفصل العاشر :
    الإمام الهادي عليه‌السلام ينقض مذهب أحمد والمتوكل
    المأمون عالمُ الخلفاء والمتوكل من جهالهم
    اتفق المؤرخون على أن المأمون أعلم الخلفاء العباسيين والأمويين . وقد ورد
    وصفه في حديث اللوح الذي أهداه الله تعالى الى الزهراء عليها‌السلام ، وفيه أسماء الأئمة
    من أبنائها عليهم‌السلام ، فقال عن الثامن منهم : « يقتله عفريت مستكبر ، يدفن في المدينة
    التي بناها العبد الصالح « ذوالقرنين » إلى جنب شر خلقي . حقَّ القولُ مني لأسرِّنَّهُ
    بمحمد ابنه ، وخليفته من بعده ووارث علمه » . « الكافي : 1 / 527 » .
    أما مسألة أن القرآن مخلوق أو غير مخلوق ، فأخذها المأمون من متكلمي
    المسلمين قبله ، ورفعها شعاراً فقال : من قال إنه غير مخلوق فمعناه أنه قديمٌ مع
    الله تعالى فيكون شريكاً لله ، أو يكون كلام الله جزءً منه فيكون الله مركباً . وهذا
    يخالف قوله تعالى : وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ .
    وبدأ المأمون في سنة 212 بامتحان العلماء والمحدثين ، فكان يحبس من لم يقل
    إن القرآن مخلوق ، ويُحَرِّم عليه أن يكون قاضياً ، أو موظفاً في الدولة .
    واستمر الإمتحان عشرين سنة في زمن المأمون والمعتصم والواثق ، حتى تولى
    المتوكل سنة 232 فأوقفه ، وتعصب للرأي الآخر ، وقال إن القرآن قديمٌ غير
    مخلوق ، وتبنى أحاديث رؤية الله تعالى بالعين .


    وقد اتفق المؤرخون على أن المتوكل لم يكن له بضاعة من العلم ، وأنه كان يتزيا
    بزي المخنثين فحبسه أخوه الواثق ليمنعه من التخنث . ولم يَدَّعِ ولا ادعى له أحدٌ
    أنه كان عالماً ، وأنه اختار مذهباً بموازين علمية ، بل كان يعيش في مجتمع فيه
    صراع بن اتجاهين : اتجاه يؤكد على تنزيه الله تعالى عن الجسم والشبيه ، ويقول
    بفضائل أهل البيت عليهم‌السلام ، واتجاه يميل الى التجسيم ، ويكره أهل البيت النبوي
    بشكل صريح أومبطن ، فتبنى هذا الإتجاه .
    ومن الظواهر العجيبة أن القول بالتشبيه توأمٌ دائماً مع عداوة أهل البيت عليهم‌السلام .
    فأينما وجدت مُجسماً فهو ناصبي ، وأينما وجدت ناصيباً فهو مُجسم أو مُشبِّه !
    لذلك يترجح عندنا أن المتوكل كان مبغضاً لعلي عليه‌السلام من نشأته ، وعندما صار
    خليفة تجمع عليه أشكاله فعلموه التشبيه وأحاديث رؤية الله تعالى بالعين !
    جواب أهل البيت عليهم‌السلام على مقولة خلق القرآن
    كان موقف الأئمة عليهم‌السلام النهي عن الإنشغال بأن القرآن مخلوق أو غير مخلوق .
    فقد سئل الإمام الصادق عليه‌السلام قبل المأمون بخمسين سنةً : « يا ابن رسول الله ، ما
    تقول في القرآن ؟ فقال : هو كلام الله ، وقول الله ، وكتاب الله ، ووحي الله وتنزيله
    وهو الكتاب العزيز الذي : لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ
    حَكِيمٍ حَمِيدٍ » . « أمالي الصدوق / 638 » .

    وسئل الإمام الكاظم عليه‌السلام : « يا ابن رسول الله ، ما تقول في القرآن ، فقد اختلف
    فيه من قبلنا ، فقال قوم إنه مخلوق ، وقال قوم إنه غير مخلوق ؟ فقال عليه‌السلام : أما إني لا
    أقول في ذلك ما يقولون ، ولكني أقول إنه كلام الله عز وجل » . « أمالي الصدوق / 647 » .
    وكذلك موقف الإمام الرضا عليه‌السلام وهو معاصر للمأمون ، ففي أمالي الصدوق / 639 :
    « عن الحسين بن خالد ، قال : قلت للرضا عليه‌السلام : يا ابن رسول الله ، أخبرني عن
    القرآن ، أخالق أو مخلوق ؟ فقال : ليس بخالق ولا مخلوق ، ولكنه كلام الله » .
    الإمام الهادي عليه‌السلام يشرح مسألة خلق القرآن
    وعندما تفاقمت مقولة القرآن مخلوق في زمن الإمام الهادي عليه‌السلام كتب الى بعض
    شيعته ببغداد : « بسم الله الرحمن الرحيم ، عصمنا الله وإياك من الفتنة ، فإن
    يفعل فَأَعْظِمْ بها نعمة ، وإلا يفعل فهي الهلكة . نحن نرى أن الجدال في القرآن
    بدعة اشترك فيها السائل والمجيب ، فتعاطى السائل ما ليس له ، وتكلف
    المجيب ما ليس عليه . وليس الخالق إلا الله وما سواه مخلوق ، والقرآن كلام الله
    . لاتجعل له إسماً من عندك فتكون من الضالين . جعلنا الله وإياك من الذين
    يخشون ربهم بالغيب ، وهم من الساعة مشفقون » . « أمالي الصدوق / 639 » .
    فقد أعطى الإمام عليه‌السلام القاعدة بأن كل ما سوى الله تعالى مخلوق ، لكنه مَنَعَ من
    وصف كلامه تعالى بأنه مخلوق ، حتى لايتسرب الى الذهن حدوثٌ للمتكلم .
    ومعنى قوله عليه‌السلام : تكلف المجيب ما ليس عليه : أنه أجاب بغير علم وهو
    لايعرف مفهوم وجود القرآن ، ولا مفهوم المخلوق وغير المخلوق .


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني   الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyالثلاثاء أكتوبر 29, 2024 10:16 pm

    وأما قوله عليه‌السلام : فتعاطى السائل ما ليس له ، فقد يشكل عليه بأنه كيف يصح
    المنع من السؤال ، وتقسيم المسائل الى ما ينبغي طرحه وما لاينبغي .
    والجواب : لأنه لايصح السؤال إلا إذا كان واضحاً محدداً ، وهذا في مسألتنا
    يتوقف على فهم السائل لمعنى القرآن ومعنى الخلق ، وإلا فلا يحق له السؤال .
    والسائل في نظر الإمام عليه‌السلام لايفقه معنى القرآن ، وأنواع وجوده ، قبل نزوله الى
    جبرئيل ، ثم نزول جبرئيل به الى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم عندنا ، الى أن يتجسد بصورة
    إنسان في يوم القيامة !
    أما معنى الخلق فالسائل أشد جهلاً به ، فهو أنواع ، ونحن لا نعرف كيفية خلق
    المطر وتكوين ذرَّاته الأولى مع أنه يتم أمام أعيننا . ولا كيفية خلق أنفسنا من عدم
    ولا كيفية تسويتها بعد ذلك ولا القوى التي سواها الله بها ، وأقسم بها !
    وما دام السائل لايفقه جوهر سؤاله ولا مغزاه ، فهو يتعاطى أمراً لايفقهه ، ولا
    يعرف لغته التي تستعمل فيه ، فيفرض ألفاظه على الموضوع ، كالذي يسأل عن
    مسألة رياضية معقدة بألفاظ عامية ، لا تصلح للتعبير عنها .
    قال الشريف المرتضى في رسائله « 1 / 152 » : « وسأل أحسن الله توفيقه عن القرآن
    هل هو مخلوق أو غير مخلوق ؟ الجواب ، وبالله التوفيق : إن القرآن مُحدثٌ لا محالة ،
    وأمارات الحدث في الكلام أبين وأظهر منها في الأجسام وكثير من الأعراض ،
    لأن الكلام يعلم تجدده بالإدراك ، ونقيضه بفقد الادراك ، والمتجدد لا يكون إلا
    محدثاً ، والنقيض لا يكون قديماً ، وما ليس بقديم وهو موجود محدث ، فكيف لا


    يكون القرآن محدثاً وله أول وآخر .. وقد وصف الله تعالى القرآن بأنه محدث
    مصرحاً غير ملوح ، ولا يجوز أن يصفه بغير ما يستحقه من الأوصاف .
    فأما الوصف للقرآن بأنه مخلوق ، فالواجب الإمتناع منه والعدل عن إطلاقه ،
    لأن اللغة العربية تقتضي فيما وصف من الكلام بأنه مخلوق أو مختلق أنه مكذوب
    مضاف إلى غير فاعله ، ولهذا قال الله عز وجل : إن هذا إلا اختلاق . وتخلقون إفكاً .
    ولا فرق بين قول العربي لغيره كذبت ، وبين قوله خلقت كلامك واختلقته .
    وقد ورد عن أئمتنا عليهم‌السلام في هذا المعنى أخبار كثيرة تمنع من وصف القرآن بأنه
    مخلوق ، وأنهم عليهم‌السلام قالوا : لا خالق ولا مخلوق .
    وروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال في قصة التحكيم : إنني ما حكمت مخلوقاً
    وإنما حكمت كتاب الله عز وجل . ويشبه أن يكون الوجه في منع أئمتنا عليهم‌السلام من
    وصف القرآن بأنه مخلوق ما ذكرناه ، وإن لم يصرحوا عليهم‌السلام به » .
    وقال الشيخ الطوسي في كتابه الخلاف « 6 / 119 » : « كلام الله تعالى : فعله ، وهو
    محدث ، وامتنع أصحابنا من تسميته بأنه مخلوق لما فيه من الإيهام بكونه منحولاً .
    وقال أكثر المعتزلة إنه مخلوق ، وفيهم من منع من تسميته بذلك ، وهو قول أبي
    عبد الله البصري وغيره . وقال أبوحنيفة وأبويوسف ومحمد : إنه مخلوق . قال
    محمد : وبه قال أهل المدينة . قال الساجي : ما قال به أحد من أهل المدينة .
    قال أبويوسف : أول من قال بأن القرآن مخلوق أبوحنيفة . قال سعيد بن سالم :
    لقيت إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة في دار المأمون ، فقال : إن القرآن مخلوق هذا



    ديني ودين أبي وجدي . وروي عن جماعة من الصحابة الإمتناع من تسميته بأنه
    مخلوق . وبه قال جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام فإنه سئل عن القرآن فقال : لا
    خالق ولا مخلوق ، ولكنه كلام الله تعالى ووحيه وتنزيله ، وبه قال أهل الحجاز ..
    ولم يُرْوَ عن واحد من هؤلاء أنه قال : القرآن قديم ، أو كلام الله قديم . وأول من
    قال بذلك الأشعري ومن تبعه على مذهبه ، ومن الفقهاء من ذهب مذهبه .
    دليلنا على ما قلناه : ما ذكرناه في الكتاب في الأصول ليس هذا موضعها ، فمنها
    قوله : مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ ، فسماه محدثاً . وقال : إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ، وقال : بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ . فسماه عربياً والعربية محدثة . وقال : نَزَّلْنَا
    الذِّكْرَ ، وقال : وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ ، فوصفه بالتنزيل . وهذه كلها صفات المحدث .
    ومن وصفه بالقدم فقد أثبت مع الله تعالى قديماً آخر » !
    الإمام الهادي عليه‌السلام يوضح أصول التوحيد
    1. ردَّ الإمام عليه‌السلام ما نسبه المجسمة الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أحاديث عن رؤية
    الله تعالى بالعين . قال أحمد بن إسحاق الأشعري وهو من كبار علماء قم : « كتبت
    إلى أبي الحسن الثالث عليه‌السلام أسأله عن الرؤية وما اختلف فيه الناس فكتب : لا تجوز
    الرؤية ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواءٌ ينفذه البصر ، فإذا انقطع الهواء عن
    الرائي والمرئي لم تصح الرؤية ، وكان في ذلك الإشتباه ، لأن الرائي متى ساوى
    المرئي في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الإشتباه ، وكان ذلك التشبيه .
    لأن الأسباب لابد من اتصالها بالمسببات » . « الكافي : 1 / 97 » .

    2. في الإحتجاج « 2 / 250 » : « سئل أبوالحسن عليه‌السلام عن التوحيد فقيل له : لم يزل
    الله وحده لا شئ معه ثم خلق الأشياء بديعاً ، واختار لنفسه الأسماء ، ولم تزل
    الأسماء والحروف له معه قديمة ؟
    فكتب : لم يزل الله موجوداً ثم كَوَّنَ ما أراد ، لا رادَّ لقضائه ولا مُعقب لحكمه ،
    تاهت أوهام المتوهمين ، وقصر طُرُف الطارفين ، وتلاشت أوصاف الواصفين ،
    واضمحلت أقاويل المبطلين ، عن الدَّرْكِ لعجيب شأنه ، أو الوقوع بالبلوغ على
    عُلُوِّ مكانه ، فهو بالموضع الذي لايتناهى ، وبالمكان الذي لم تقع عليه عيون
    بإشارة ولا عبارة . هيهات هيهات » !
    3. وفي التوحيد للصدوق / 61 : « عن الفتح بن يزيد الجرجاني ، قال : لقيته عليه‌السلام على
    الطريق عند منصرفي من مكة إلى خراسان وهو سائر إلى العراق فسمعته يقول :
    من اتقى الله يُتقى ، ومن أطاع الله يطاع . فتلطفت في الوصول إليه فوصلت
    فسلمت فرد علي السلام ، ثم قال : يا فتح من أرضى الخالق لم يبالِ بسخط
    المخلوق ، ومن أسخط الخالق فَقَمِنٌ أن يُسلط عليه سخط المخلوق ، وإن الخالق
    لا يوصف إلا بما وصف به نفسه ، وأنى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه
    والأوهام أن تناله ، والخطرات أن تحده ، والأبصار عن الإحاطة به . جلَّ عما
    وصفه الواصفون ، وتعالى عما ينعته الناعتون ، نأى في قربه ، وقرب في نأيه ، فهو
    في بُعده قريب ، وفي قربه بعيد ، كيَّف الكيف فلا يقال له : كيف . وأيَّن الأينَ فلا
    يقال له أين ، إذ هو مبدع الكيفوفية والأينونية .


    يا فتح : كل جسم مُغَذَّى بغذاء إلا الخالق الرزاق ، فإنه جَسَّمَ الأجسام ،
    وهو ليس بجسم ولا صورة ، لم يتجزأ ، ولم يتناه ، ولم يتزايد ، ولم يتناقص ، مبرأٌ
    من ذات ، ما رُكب في ذاتٍ من جسمه .
    وهو اللطيف الخبير ، السميع البصير ، الواحد الأحد الصمد ، لم يلد ولم يولد ،
    ولم يكن له كفواً أحد ، منشئ الأشياء ، ومجسم الأجسام ، ومصور الصور .
    لو كان كما يقول المشبهة ، لم يعرف الخالق من المخلوق ، ولا الرازق من المرزوق
    ولا المنشئ من المنشأ ، لكنه المنشئ ، فرق بين من جَسَّمَهُ وصَوَّرَه وشَيَّأَه وبيَّنه ،
    إذ كان لا يشبهه شئ .
    قلت : فالله واحد والإنسان واحد ، فليس قد تشابهت الوحدانية ؟
    فقال : أَحَلْتَ ثبتك الله ، إنما التشبيه في المعاني ، فأما في الأسماء فهي واحدة ،
    وهي دلالة على المسمى ، وذلك أن الإنسان وإن قيل واحد ، فإنه يخبر أنه جثة
    واحدة وليس باثنين ، والإنسان نفسه ليس بواحد ، لأن أعضاءه مختلفة ، وألوانه
    مختلفة غير واحدة ، وهو أجزاء مجزأة ليس سواء ، دمه غير لحمه ، ولحمه غير
    دمه ، وعصبه غير عروقه ، وشعره غير بشره ، وسواده غير بياضه ، وكذلك سائر
    جميع الخلق ، فالإنسان واحد في الإسم ، لا واحد في المعنى ، والله جل جلاله
    واحد لا واحد غيره ، ولا اختلاف فيه ، ولا تفاوت ، ولا زيادة ، ولا نقصان .
    فأما الإنسان المخلوق المصنوع المؤلف ، فمن أجزاء مختلفة وجواهر شتى ، غير
    أنه بالإجتماع شئ واحد .

    قلت : فقولك : اللطيف فسره لي ، فإني أعلم أن لطفه خلاف لطف غيره للفصل
    غير أني أحب أن تشرح لي ، فقال : يا فتح إنما قلت : اللطيف للخلق اللطيف
    ولعلمه بالشئ اللطيف ، ألا ترى إلى أثر صنعه في النبات اللطيف وغير اللطيف
    وفي الخلق اللطيف من أجسام الحيوان من الجرجس والبعوض وما هو أصغر
    منهما مما لا يكاد تستبينه العيون ، بل لا يكاد يستبان لصغره الذكر من الأنثى ،
    والمولود من القديم ، فلما رأينا صغر ذلك في لطفه واهتدائه للسفاد والهرب من
    الموت ، والجمع لما يصلحه بما في لجج البحار ، وما في لحاء الأشجار والمفاوز
    والقفار ، وإفهام بعضها عن بعض منطقها ، وما تفهم به أولادها عنها ، ونقلها
    الغذاء إليها ، ثم تأليف ألوانها حمرة مع صفرة وبياض مع حمرة ، علمنا أن خالق
    هذا الخلق لطيف ، وأن كل صانعِ شئ فمن شئ صنع ، والله الخالق اللطيف
    الجليل خلق وصنع لا من شئ .
    قلت : جعلت فداك وغير الخالق الجليل خالق ؟ قال : إن الله تبارك وتعالى يقول :
    فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ . فقد أخبر أن في عباده خالقين منهم عيسى بن مريم ،
    خلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله ، فنفخ فيه فصار طائراً بإذن الله ، والسامري
    خلق لهم عجلاً جسداً له خوار .
    قلت : إن عيسى خلق من الطين طيراً دليلاً على نبوته ، والسامري خلق عجلاً
    جسداً لنقض نبوة موسى ، وشاء الله أن يكون ذلك كذلك ، إن هذا لهو العجب !


    فقال : ويحك يا فتح إن لله إرادتين ومشيتين إرادة حتم وإرادة عزم ، ينهى وهو
    يشاء ، ويأمر وهو لا يشاء ، أوما رأيت أنه نهى آدم وزوجته عن أن يأكلا من
    الشجرة وهو شاء ذلك ، ولو لم يشأ لم يأكلا ، ولو أكلا لغلبت مشيتهما مشية الله .
    وأمر إبراهيم يذبح ابنه إسماعيل عليهما‌السلام ، وشاء أن لا يذبحه ، ولولم يشأ أن لا يذبحه
    لغلبت مشية إبراهيم مشيئة الله عز وجل !
    قلت : فَرَّجْتَ عني فَرَّجَ الله عنك ، غير أنك قلت : السميع البصير ، سميع بالأذن
    وبصير بالعين ؟ فقال : إنه يسمع بما يبصر ، ويرى بما يسمع ، بصير لا بعين مثل
    عين المخلوقين ، وسميع لا بمثل سمع السامعين ، لكن لما لم يخف عليه خافية
    من أثر الذرة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء تحت الثرى والبحار ،
    قلنا : بصير ، لا بمثل عين المخلوقين . ولما لم يشتبه عليه ضروب اللغات ، ولم
    يشغله سمع عن سمع ، قلنا : سميع ، لا مثل سمع السامعين .
    قلت : جعلت فداك قد بقيت مسألة ، قال : هات لله أبوك .
    قلت : يعلم القديم الشئ الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون ؟
    قال : ويحك إن مسائلك لصعبة ، أما سمعت الله يقول : لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ
    لَفَسَدَتَا . وقوله : وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ . وقال يحكي قول أهل النار : رَبَّنَا
    أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ . وقال : وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ، فقد
    علم الشئ الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون .

    فقمت لأقبل يده ورجله ، فأدنى رأسه فقبلت وجهه ورأسه ، وخرجت وبي من
    السرور والفرح ما أعجز عن وصفه ، لما تبينت من الخير والحظ .
    قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : إن الله تبارك وتعالى نهى آدم وزوجته عن
    أن يأكلا من الشجرة ، وقد علم أنهما يأكلان منها ، لكنه عز وجل شاء أن لا
    يحول بينهما وبين الأكل منها بالجبر والقدرة ، كما منعهما من الأكل منها بالنهي
    والزجر ، فهذا معنى مشيته فيهما ، ولو شاء عز وجل منعهما من الأكل بالجبر ، ثم
    أكلا منها لكانت مشيتهما قد غلبت مشيته ، كما قال العالم عليه‌السلام » .
    4. ورواه المسعودي في إثبات الوصية « 1 / 235 » ، بلفظ آخر وفيه : « كيَّفَ الكيفَ فلا
    يقال كيف ، وأيَّنَ الأينَ فلا يقال أين ، إذ هو منقطع الكيفية والأينية ، الواحد
    الأحد جل جلاله . بل كيف يوصف بكنهه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد قرنَ الخليل إسمه
    باسمه ، وأشركه في طاعته وأوجب لمن أطاعه جزاء طاعته ، فقال : وَمَا نَقَمُوا إِلَّا
    أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ . وقال تبارك اسمه يحكى قول من ترك طاعته : يَا
    لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا . أم كيف يوصف من قَرَنَ الجليل طاعتَه بطاعة
    رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث يقول : أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ .
    يا فتح : كما لا يوصف الجليل جل جلاله ، ولا يوصف الحجة ، فكذلك لا
    يوصف المؤمن المُسَلِّمُ لأمرنا ، فنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل الأنبياء ، ووصينا عليه‌السلام أفضل
    الأوصياء . ثم قال لي بعد كلام : فأوردِ الأمر إليهم وَسَلِّمْ لهم .


    ثم قال لي : إن شئت . فانصرفت منه . فلما كان في الغد تلطفت في الوصول إليه
    فسلمت فرد السلام فقلت : يا ابن رسول الله تأذن لي في كلمة اختلجت في
    صدري ليلتي الماضية ؟ فقال لي : سل وأَصِخْ الى جوابها سمعك ، فإن العالم
    والمتعلم شريكان في الرشد ، مأموران بالنصيحة ، فأما الذي اختلج في صدرك
    فإن يشأ العالم أنبأك . إن الله لم يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول ،
    وكل ما عند الرسول فهو عند العالم ، وكل ما اطلع الرسول عليه ، فقد اطلع
    أوصياؤه عليه .
    يا فتح : عسى الشيطان أراد اللبس عليك فأوهمك في بعض ما أوردت عليك
    وأشكَّك في بعض ما أنبأتك ، حتى أراد إزالتك عن طريق الله وصراطه المستقيم
    فقلت : متى أيقنتُ أنهم هكذا : فهم أرباب ! معاذ الله ، إنهم مخلوقون مربوبون
    مطيعون داخرون راغمون !
    فإذا جاءك الشيطان بمثل ما جاءك به ، فاقمعه بمثل ما نبأتك به !
    قال فتح : فقلت له : جعلني الله فداك فرجت عني ، وكشفت ما لبس الملعون
    عليَّ ، فقد كان أوقع في خلدي أنكم أرباب . قال : فسجد عليه‌السلام فسمعته يقول في
    سجوده : راغماً لك يا خالقي داخراً خاضعاً . ثم قال : يا فتح كدت أن تهلك !
    وما ضرَّ عيسى أن هلك من هلك . إذا شئت رحمك الله . قال : فخرجت وأنا
    مسرور بما كشف الله عني من اللبس .

    فلما كان في المنزل الآخر دخلت عليه وهو متكئ ، وبين يديه حنطة مقلوَّة يعبث
    بها ، وقد كان أوقع الشيطان لعنه الله في خلدي أنه لا ينبغي أن يأكلوا ولا يشربوا
    فقال : أجلس يا فتح فإن لنا بالرسل أسوة ، كانوا يأكلون ويشربون ويمشون في
    الأسواق ، وكل جسم متغذٍّ إلا خالق الأجسام الواحد الأحد ، منشئ الأشياء
    ومجسم الأجسام ، وهو السميع العليم . تبارك الله عما يقول الظالمون ، وعلا
    علواً كبيراً . ثم قال : اذا شئت رحمك الله .
    وقدم به عليه‌السلام بغداد ، وخرج إسحاق بن إبراهيم وجملة القواد فتلقوه » .
    وينفي عن الله تعالى الجسم والصورة
    « عن الصقر بن دلف عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام قال : يا ابن دلف ، إن الجسم
    محدث والله محدثه ومجسمه » . « الفصول المهمة : 1 / 147 » .
    عن حمزة بن محمد قال : « كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام أسأله عن الجسم والصورة
    فكتب : سبحان من ليس كمثله شئ ، لا جسمٌ ولا صورة » . « الكافي : 1 / 102 » .
    وكتب اليه أيوب بن نوح يسأله عن الله عز وجل : « أكان يعلم الأشياء قبل أن خلق
    الأشياء وكونها ، أولم يعلم ذلك حتى خلقها ، وأراد خلقها وتكوينها فعلم ما
    خلق عندما خلق وما كون عندما كون ؟ فوقع بخطه : لم يزل الله عالماً بالأشياء
    قبل أن يخلق الأشياء ، كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء » . « الكافي : 1 / 108 » .


    وكتب اليه إبراهيم بن محمد الهمداني : « إن من قِبَلَنا من مواليك قد اختلفوا في
    التوحيد ، فمنهم من يقول جسم ومنهم من يقول صورة . فكتب عليه‌السلام بخطه :
    سبحان من لايُحد ولايُوصف ليس كمثله شئ وهو السميع البصير » . « الكافي : 1 / 102 » .
    وفي الكافي « 1 / 105 » : « عن محمد بن الفرج الرخجي قال : كتبت إلى أبي الحسن
    أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم ، وهشام بن سالم في الصورة فكتب : دع
    عنك حيرة الحيران ، واستعذ بالله من الشيطان ، ليس القول ما قال الهشامان » .
    أقول : كان هشام بن الحكم رضي الله عنه أقوى المناظرين في بغداد ، وكان
    هارون الرشيد يعقد له مجالس المناظرة مع كبار علماء المذاهب والأديان ، ويجلس
    خلف الستار يستمع . ويظهر أن هشاماً قال ذات مرة عن الله تعالى إنه جسم لا
    كالأجسام ، بدل أن يقول شئ لا كالأشياء ، فطار بها خصومه وقالوا هو مجسم !
    أما هشام بن سالم الجواليقي رضي الله عنه ، فربما روى حديث أن الله على
    صورة الإنسان ، وقد يكون قَبِلَه ، فطار بها خصومه وحرفوا كلامه أيضاً !
    قال الشهرستاني في الملل والنحل « 1 / 185 » : « وقال هشام بن سالم : إنه تعالى على
    صورة إنسان ، أعلاه مُجَوَّفٌ وأسفله مصمت ، وهو نور ساطعٌ يتلألأ ، وله
    حواسٌّ خمسٌ ويد ورجلٌ وأنفٌ وأذنٌ وفمٌ . وله وَفْرَةٌ سوداءُ هي نورٌ أسود ،
    لكنه ليس بلحم ولا دم » .

    وقال الأميني في الغدير « 2 / 284 » عن كتاب الملل والنحل : « هذا الكتاب وإن لم يكن
    يضاهي الفِصَل في بذاءة المنطق ، غير أن في غضونه نسباً مفتعلة وآراء مختلقة
    وأكاذيب جمة ، لا يجد القارئ ملتحداً عن تفنيدها ، فإليك نماذج منها :
    1 ـ قال : قال هشام بن الحكم متكلم الشيعة : إن الله جسم ذو أبعاض في سبعة
    أشبار بشبر نفسه ، في مكان مخصوص وجهة مخصوصة .
    2 ـ قال في حق علي : إنه إلهٌ واجب الطاعة .
    3 ـ وقال هشام بن سالم : إن الله على صورة إنسان ، أعلاه مجوف وأسفله
    مصمت وهو نور ساطع يتلألأ ، وله حواس خمس ، ويد ورجل وأنف وأذن
    وعين وفم ، وله وفرة سوداء ، وهو نور أسود ، لكنه ليس بلحم ولا دم . وإن
    هشام هذا أجاز المعصية على الأنبياء ، مع قوله بعصمة الأئمة .
    4 ـ وقال زرارة بن أعين : لم يكن الله قبل خلق الصفات عالماً ، ولا قادراً ولا حياً
    ولا بصيراً ولا مريداً ولا متكلماً .
    5 ـ قال محمد بن النعمان : إن الله نورٌ على صورة إنسان ، ويأبى أن يكون جسماً .
    6 ـ وزعم يونس بن عبد الرحمن القمي أن الملائكة تحمل العرش ، والعرش
    تحمل الرب ، وهو من مشبهة الشيعة ، وصنف لهم في ذلك كتباً » . انتهى .
    أقول : وكل ذلك مكذوباتهم على الشيعة أو تحريفٌ لكلامهم ، وقد نشروا هذه
    الأكاذيب يومها ، فسأل الشيعة عنها الأئمة عليهم‌السلام فنفوا مقولة الجسم والصورة .


    المتوكل يمتحن علم الإمام الهادي عليه‌السلام
    وفي مناقب آل أبي طالب « 3 / 507 » : « قال المتوكل لابن السكيت : إسأل ابن الرضا
    مسأله عوصاء بحضرتي ، فسأله فقال : لم بعث الله موسى بالعصا ، وبعث عيسى
    بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ، وبعث محمداً بالقرآن والسيف ؟
    فقال أبوالحسن عليه‌السلام : بعث الله موسى بالعصا واليد البيضاء في زمان الغالب
    على أهله السحر ، فأتاهم من ذلك ما قهر سحرهم وبهرهم ، وأثبت الحجة
    عليهم . وبعث عيسى بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله ، في زمان
    الغالب على أهله الطب ، فأتاهم من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن
    الله فقهرهم وبهرهم . وبعث محمداً بالقرآن والسيف في زمان الغالب على أهله
    السيف والشعر ، فأتاهم من القرآن الزاهر والسيف القاهر ، ما بهر به شعرهم
    وقهر سيفهم ، وأثبت الحجة عليهم .
    فقال ابن السكيت : فما الحجة الآن ؟ قال : العقل يعرف به الكاذب على الله
    فيكذب . فقال يحيى بن أكثم : ما لابن السكيت ومناظرته ، وإنما هو صاحب
    نحو وشعر ولغة ، ورفع قرطاساً فيه مسائل فأملى علي بن محمد على ابن السكيت
    جوابها ، وأمره أن يكتب : سألت عن قول الله تعالى : قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ
    الْكِتَابِ ، فهو آصف بن برخيا ولم يعجز سليمان عن معرفة ما عرفه آصف ،
    ولكنه أحب أن يعرف أمته من الجن والإنس أنه الحجة من بعده ، وذلك من
    علم سليمان عليه‌السلام أودعه آصف بأمر الله ، ففهمه ذلك لئلا يختلف في إمامته
    وولايته من بعده ، ولتأكيد الحجة على الخلق .

    وأما سجود يعقوب لولده فإن السجود لم يكن ليوسف ، وإنما كان ذلك من
    يعقوب وولده طاعة لله تعالى وتحية ليوسف ، كما أن السجود من الملائكة لم يكن
    لآدم فسجد يعقوب وولده ويوسف معهم شكراً لله تعالى بإجماع الشمل . ألم تر
    أنه يقول في شكره في ذلك الوقت : رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ .. الآية .
    وأما قوله : فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ ، فإن
    المخاطب بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يكن في شك مما أنزل الله إليه ، ولكن قالت
    الجهلة : كيف لم يبعث نبياً من الملائكة ؟ ولمَ لمْ يفرق بينه وبين الناس في الإستغناء
    عن المأكل والمشرب والمشي في الأسواق ؟ فأوحى الله إلى نبيه : فَاسْأَلِ الَّذِينَ
    يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ ، بمحضر من الجهلة ، هل بعث الله نبياً قبلك إلا وهو يأكل
    الطعام والشراب ، ولك بهم أسوة يا محمد ، وإنما قال : فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ ، ولم
    يكن ، للنصفة كما قال : فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ . ولوقال : تعالوا نبتهل
    فنجعل لعنة الله عليكم ، لم يكونوا يجيبوا إلى المباهلة ، وقد علم الله أن نبيه مؤدٍّ
    عنه رسالته ، وما هو من الكاذبين ، وكذلك عرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنه صادق فيما
    يقول ، ولكن أحب أن ينصف من نفسه .
    وأما قوله : وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ .. الآية ، فهوكذلك لو أن أشجار
    الدنيا أقلام والبحر مدادٌ يمده سبعة أبحر مداً ، حتى انفجرت الأرض عيوناً ،
    كما انفجرت في الطوفان ، ما نفدت كلمات الله ..


    وأما الجنة ففيها من المأكل والمشرب والملاهي ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين ،
    وأباح الله ذلك لآدم . والشجرة التي نهى الله آدم عنها وزوجته أن يأكلا منها
    شجرة الحسد ، عهد الله إليهما أن لا ينظر إلى من فضله الله عليهما ، والى خلائقه
    بعين الحسد ، فنسي ولم يجد له عزماً .
    وأما قوله : أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ، فإن الله تعالى زوج الذكران المطيعين ، ومعاذ
    الله أن يكون الجليل العظيم عنى ما لَبَّسْتَ على نفسك ، تطلب الرخص لارتكاب
    المحارم ! وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا .
    إن لم يتب . ( وكان ابن أكثم مشهوراً باللواط ) !
    فأما قول شهادة امرأة وحسدها التي جازت ، فهي القابلة التي جازت شهادتها
    مع الرضا ، فإن لم يكن رضاً فلا أقل من امرأتين تقوم المرأتان بدل الرجل
    للضرورة ، لأن الرجل لا يمكنه أن يقوم مقامها ، فإن كانت وحدها قبل قولها
    مع يمينها . فأما قول علي عليه‌السلام في الخنثى فهو كما قال : يرث من المبال ، وينظر إليه
    قوم عدول يأخذ كل واحد منهم مرآة ، ويقوم الخنثى خلفهم عريانة ، وينظرون
    إلى المرآة ، فيرون الشئ ويحكمون عليه .
    وأما الرجل الناظر إلى الراعي وقد نزا على شاة ، فإن عرفها ذبحها وأحرقها ،
    وإن لم يعرفها قسمها الإمام نصفين وساهم بينهما ، فإن وقع السهم على أحد
    القسمين ، فقد أقسم النصف الآخر ، ثم يفرق الذي وقع عليهم السهم نصفين


    ويقرع بينهما ، فلا يزال كذلك حتى تبقى اثنتان ، فيقرع بينهما ، فأيتهما وقع
    السهم عليها ذبحت وأحرقت ، وقد نجا سايرهما .
    وأما قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : بشِّر قاتل ابن صفية بالنار ، لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . وكان
    ممن خرج يوم النهروان فلم يقتله أمير المؤمنين بالبصرة ، لأنه علم أنه يقتل في فتنة
    النهروان . وأما قولك : إن علياً قاتل أهل صفين مقبلين ومدبرين ، وأجهز على
    جريحهم وإنه يوم الجمل لم يتبع مولياً ولم يجهز على جريحهم ، وكل من ألقى سيفه
    وسلاحه آمنه ، فإن أهل الجمل قتل إمامهم ولم يكن لهم فئة يرجعون إليها ، وإنما رجع
    القوم إلى منازلهم غير متحاربين ولا محتالين ولا متجسسين ولا متبارزين ، فقد رضوا
    بالكف عنهم ، وكان الحكم فيه رفع السيف والكف عنهم ، إذ لم يطلبوا عليه أعواناً .
    وأهل صفين يرجعون إلى فئة مستعدة ، وإمام منتصب ، يجمع لهم السلاح من الرماح
    والدروع والسيوف ، ويستعد لهم ، ويسنى لهم العطاء ، ويهئ لهم الأموال ، ويعقب
    مريضهم ، ويجبر كسيرهم ، ويداوي جريحهم ، ويحمل راجلهم ، ويكسو حاسرهم ،
    ويردهم فيرجعون إلى محاربتهم وقتالهم ، فإن الحكم في أهل البصرة الكف عنهم ، لما
    ألقوا أسلحتهم إذ لم تكن لهم فئة يرجعون إليها ، والحكم في أهل صفين أن يتبع
    مدبرهم ويجهز على جريحهم ، فلا يساوي بين الفريقين في الحكم .
    ولولا أمير المؤمنين وحكمه في أهل صفين والجمل لما عرف الحكم في عصاة أهل
    التوحيد ، فمن أبى ذلك عرض على السيف . وأما الرجل الذي أقر باللواط ، فإنه أقر
    بذلك متبرعاً من نفسه ولم تقم عليه بينة ولا أخذه سلطان ، وإذا كان الإمام الذي من
    الله أن يعاقب في الله ، فله أن يعفو في الله . أما سمعت الله يقول لسليمان : هَٰذَا عَطَاؤُنَا
    فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ ، فبدأ بالمن قبل المنع .


    فلما قرأ ابن أكثم قال للمتوكل : ما نحب أن تسأل هذا الرجل عن شئ بعد مسائلي
    هذه ، وإنه لا يرد عليه شئ بعدها إلا دونها ، وفي ظهور علمه تقوية للرافضة » !
    ردَّ الإمام الهادي عليه‌السلام تفسير المجسمة للمقام المحمود
    قال الله تعالى : وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا .
    وقال الإمام الصادق عليه‌السلام في تفسيرها ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا قمتُ المقام
    المحمود تشفعتُ في أصحاب الكبائر من أمتي ، فيُشَفِّعُنِي الله فيهم . والله لا
    تشفعتُ فيمن آذى ذريتي » . « أمالي الصدوق / 370 » .
    وروى غيرنا أيضاً أن المقام المحمود هو شفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأمته ، كما في مسند
    أحمد بن حنبل « 2 / 441 » والبخاري « 5 / 228 » . وفسر بعض المشبهة المقام المحمود
    بأنَّ الله تعالى يُقعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله معه على العرش !
    قال ابن عبد البر في التمهيد « 19 / 64 » : « روي عن مجاهد أن المقام المحمود أن يقعده
    معه يوم القيامة على العرش ، وهذا عندهم منكر في تفسير هذه الآية .
    والذي عليه جماعة العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين ، أن
    المقام المحمود هو المقام الذي يشفع فيه لأمته . وقد روي عن مجاهد مثل ما عليه
    الجماعة من ذلك ، فصار إجماعاً في تأويل الآية من أهل العلم بالكتاب والسنة » .
    لكن رواية مجاهد أعجبت جماعة المتوكل فتبنوها ، مع أنها ضعيفة السند ، لأن
    راويها ليث بن أبي سليم اختلط وخرف !

    ولم يقف مجسمة الحنابلة عند قبولها فقط ، بل جعلوها التفسير الوحيد للمقام
    المحمود ، وجعلوا تفسيره بغير ذلك كفراً !
    قال الخلال الحنبلي في كتابه : السنة « 1 / 215 » : « قال أبوبكر بن أبي طالب : من رده
    فقد رد على الله عز وجل » !
    وجعل جماعة ابن صاعد ذلك شعراً ، وجماعة أبي بكر المروذي ، تلميذ ابن
    حنبل ، وأخذوا يفرضونه على العلماء الذين يأتون الى بغداد !
    قال الصفدي في الوافي « 2 / 213 » : « لما قدم « الطبري » من طبرستان إلى بغداد تعصب
    عليه أبوعبد الله ابن الجصاص وجعفر ابن عرفة والبياضي . وقصده الحنابلة
    فسألوه عن أحمد بن حنبل يوم الجمعة في الجامع ، وعن حديث الجلوس على
    العرش ، فقال أبوجعفر : أما أحمد بن حنبل فلا يُعَدُّ خلافه . فقالوا له : فقد ذكره
    العلماء في الإختلاف ، فقال : ما رأيته رويَ عنه ، ولا رأيت له أصحاباً يُعَوَّل
    عليهم . وأما حديث الجلوس على العرش فمحالٌ . ثم أنشد :
    سبحانَ من ليس لهُ أنيسُ
    ولا لَهُ في عَرشِهِ جليسُ

    فلما سمعوا ذلك وثبوا ورموه بمحابرهم ، وقد كانت ألوفاً ، فقام بنفسه
    ودخل داره ، فردموا داره بالحجارة حتى صار على بابه كالتلِّ العظيم !
    وركب نازوك صاحب الشرطة في عشرات ألوف من الجند يمنع عنه العامة
    ووقف على بابه إلى الليل ، وأمر برفع الحجارة عنه ، وكان قد كتب على بابه
    البيت المتقدم ، فأمر نازوك بمحو ذلك ، وكتب مكانه بعض أصحاب الحديث :
    لأحمد منزلٌ لا شكَّ عالٍ
    إذا وافى إلى الرحمن وافدْ

    فيُدنيه ويُقعده كريماً
    على رغمٍ لهم في أنفِ حاسد



    على عرشٍ يُغلِّفُهُ بطيبٍ
    على الأكبار يا باغٍ وعانِد

    إلا هذا المقام يكون حقاً
    كذاك رواهُ ليثٌ عن مجاهد

    فخلا في داره ، وعمل كتاب المشهور في الإعتذار إليهم ، وذكر مذهبه واعتقاده
    وجرح من ظن فيه غير ذلك ، وقرأ الكتاب عليهم وفَضَّلَ أحمد بن حنبل وذكر
    مذهبه وتصويب اعتقاده ، ولم يخرج كتابه في الإختلاف حتى مات ، فوجدوه
    مدفوناً في التراب فأخرجوه ونسخوه » !
    ومعنى قول الطبري : أما أحمد بن حنبل فلا يُعَدُّ خلافه ، أنه ليس من الفقهاء
    الذي يحسب له حساب إذا خالف فتوى الآخرين .
    فثاروا عليه بوحشية ، كما نرى في ثورة الوهابية على من خالفهم ! فخضع
    الطبري وألف كتاباً ضد عقيدته ، وتقرب به الى مجسمة الحنابلة !
    ثم ألف كتاباً ضدهم سماه الرد على الحرقوصية ، بعد أن خفت موجتهم .
    ويظهر أن المجسمة في بغداد كانوا قلة لكنهم شريرون يخشاهم عوام المسلمين !
    قال ابن كثير في النهاية « 11 / 184 » : « وفيها « سنة 317 » وقعت فتنة ببغداد
    بين أصحاب أبي بكر المروذي الحنبلي وبين طائفة من العامة ، اختلفوا في تفسير قوله
    تعالى : عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ، فقالت الحنابلة : يجلسه معه على
    العرش . وقال الآخرون : المراد بذلك الشفاعة العظمى ، فاقتتلوا بسبب ذلك
    وقتل بينهم قتلى » .
    وتبنى ابن تيمية رأي مجسمة الحنابلة فقال : « حدَّث العلماء المرضيون وأولياؤه
    المقبولون ، أن محمداً رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يجلسه ربه على العرش معه » !

    وزعم أنه يبقى من العرش أربع أصابع ! « مجموعة الفتاوى : 4 / 374 و 16 / 438 » .
    أما أهل البيت عليهم‌السلام فكان موقفهم ثابتاً بأن المقام المحمود الشفاعة ، وأن الله
    تعالى منزه عن الجسمية والجلوس ، وكان الإمام الهادي عليه‌السلام يؤكد هذه العقيدة :
    ففي أمالي الطوسي / 298 ، عن الإمام الهادي عليه‌السلام عن جده أمير المؤمنين عليه‌السلام قال :
    « سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إذا حشر الناس يوم القيامة ناداني منادٍ يا رسول الله
    إن الله جل اسمه قد أمكنك من مجازاة محبيك ، ومحبي أهل بيتك ، الموالين لهم
    فيك ، والمعادين لهم فيك ، فكافئهم بما شئت . وأقول : يا رب الجنة ، فأبوؤهم
    منها حيث شئت ، فذلك المقام المحمود الذي وعدتُ به » .
    تكريم الإمام لعالم مناظر وإفحامه العباسيين
    في الإحتجاج « 2 / 259 » : « اتصل بأبي الحسن علي بن محمد العسكري عليه‌السلام : أن
    رجلاً من فقهاء شيعته كلم بعض النصاب ، فأفحمه بحجته حتى أبان عن
    فضيحته ، فدخل إلى علي بن محمد عليه‌السلام وفي صدر مجلسه دستٌ ( كالفراش ) عظيم
    منصوبٌ وهو قاعد خارج الدست ، وبحضرته خلق من العلويين وبني هاشم ،
    فما زال يرفعه حتى أجلسه في ذلك الدست ، وأقبل عليه .
    فاشتد ذلك على أولئك الأشراف ، فأما العلوية فأجلُّوه عن العتاب ، وأما
    الهاشميون « العباسية » فقال له شيخهم : يا ابن رسول الله ، هكذا تؤثر عامياً على
    سادات بني هاشم من الطالبيين والعباسيين ! فقال عليه‌السلام : إياكم أن تكونوا من
    الذين قال الله تعالى فيهم : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ



    اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ . أترضون بكتاب الله حكماً ؟
    قالوا : بلى .
    قال : أليس الله يقول : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا
    يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ إلى قوله يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ . فلم
    يرض للعالم المؤمن إلا أن يرفع على المؤمن غير العالم ، كما لم يرض للمؤمن إلا أن
    يرفع على من ليس بمؤمن .
    أخبروني عنه قال : يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ؟ أو قال :
    يرفع الذين أوتوا شرف النسب درجات ؟ أوليس قال الله : هل يستوي الذين يعلمون
    والذين لا يعلمون . فكيف تنكرون رفعي لهذا لما رفعه الله ! إن كسر هذا لفلان
    الناصب بحجج الله التي علمه إياها لأفضل له من كل شرف في النسب .
    فقال العباسي : يا ابن رسول الله قد أشرفت علينا ، هوذا تقصير بنا عمن ليس له نسب
    كنسبنا ، وما زال منذ أول الإسلام يقدم الأفضل في الشرف على من دونه فيه .
    فقال عليه‌السلام : سبحان الله ، أليس عباس بايع أبا بكر وهو تيميٌّ والعباس هاشمي ؟
    أوليس عبد الله بن عباس كان يخدم عمر بن الخطاب ، وهوهاشمي أبوالخلفاء ، وعمر
    عدوي ! وما بال عمر أدخل البعداء من قريش في الشورى ولم يدخل العباس ؟ فإن
    كان رفعنا لمن ليس بهاشمي على هاشمي منكراً ، فأنكروا على عباس بيعته لأبي بكر ،
    وعلى عبد الله بن عباس خدمته لعمر بعد بيعته ، فإن كان ذلك جائزاً فهذا جائز .
    فكأنما ألقم الهاشمي حجراً » !

    عالمٌ يعرض عقيدته على الإمام الهادي عليه‌السلام
    روى الصدوق قدس‌سره في التوحيد / 81 : « عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال :
    دخلت على سيدي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن
    الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، فلما بصر بي قال لي : مرحباً بك يا أبا القاسم
    أنت ولينا حقاً ، قال : فقلت له : يا ابن رسول الله إني أريد أن أعرض عليك ديني
    فإن كان مرضياً أثبتُ عليه حتى ألقى الله عز وجل .
    فقال : هات يا أبا القاسم ، فقلت : إني أقول إن الله تبارك وتعالى واحد ، ليس
    كمثله شئ ، خارجٌ عن الحدين : حد الإبطال وحد التشبيه ، وإنه ليس بجسم
    ولا صورة ولا عرض ولا جوهر ، بل هو مُجسم الأجسام ، ومُصور الصور ،
    وخالق الأعراض والجواهر ، ورب كل شئ ومالكه ، وجاعله ومحدثه ، وإن
    محمداً عبدُه ورسوله ، خاتم النبيين ، فلا نبي بعده إلى يوم القيامة .
    وأقول إن الإمام والخليفة وولي الأمر من بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ،
    ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي ، ثم جعفر بن
    محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ، ثم أنت يا
    مولاي . فقال عليه‌السلام : ومن بعدي الحسن ابني ، فكيف للناس بالخلف من بعده ،
    قال فقلت : وكيف ذاك يا مولاي ؟ قال : لأنه لايرى شخصه ، ولا يحل ذكره
    باسمه ، حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً .


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني   الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyالثلاثاء أكتوبر 29, 2024 10:17 pm

    قال فقلت : أقررتُ . وأقول إن وليهم ولي الله ، وعدوهم عدو الله ، وطاعتهم
    طاعة الله ، ومعصيتهم معصية الله . وأقول : إن المعراج حق ، والمسألة في القبر
    حق ، وإن الجنة حق ، وإن النار حق ، والصراط حق ، والميزان حق ، وإن
    الساعة آتية لا ريب فيها ، وإن الله يبعث من في القبور .
    وأقول : إن الفرائض الواجبة بعد الولاية الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ،
    والجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
    فقال علي بن محمد (ع) : يا أبا القاسم هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده ،
    فاثبت عليه ، ثبتك الله بالقول الثابت ، في الحياة الدنيا وفي الآخرة » .
    محاولة ابن تيمية التشكيك بفضائل الإمام الهادي عليه‌السلام
    أورد العلامة الحلي رحمه‌الله في كتابه منهاج الكرامة ترجمة مختصرة للإمام الهادي عليه‌السلام
    فتصدى ابن تيمية لردها والتنقيص من الإمام عليه‌السلام مهما كلفه الأمر !
    قال ابن تيمية في منهاجه « 4 / 75 » : « قال الرافضي : وكان ولده علي الهادي عليه‌السلام
    ويقال له العسكري ، لأن المتوكل أشخصه من المدينة إلى بغداد ، ثم منها إلى سر
    من رأى ، فأقام بموضع عندها يقال له العسكر ، ثم انتقل إلى سر من رأى ، فأقام
    بها عشرين سنة وتسعة أشهر . وإنما أشخصه المتوكل لأنه كان يبغض علياً
    فبلغه مقامُ علي بالمدينة وميلُ الناس إليه فخاف منه فدعا يحيى بن هبيرة « هرثمة » ،
    وأمره بإحضاره فضج أهل المدينة لذلك خوفاً عليه لأنه كان محسناً إليهم ملازماً


    للعبادة في المسجد ، فحلف يحيى أنه لا مكروه عليه ، ثم فتش منزله فلم يجد فيه
    سوى مصاحف وأدعية وكتب العلم ، فعظم في عينه ، وتولى خدمته بنفسه .
    فلما قدم بغداد بدأ بإسحاق بن إبراهيم الطائي « الطاهري » والي بغداد فقال له : يا
    يحيى هذا الرجل قد ولده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمتوكل من تعلم فإن
    حرضته عليه قتله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خصمك يوم القيامة .
    فقال له يحيى : والله ما وقفت منه إلا على خير . قال فلما دخلت على المتوكل
    أخبرته بحسن سيرته وورعه وزهده ، فأكرمه المتوكل .
    ثم مرض المتوكل فنذر إن عوفيَ تصدق بدراهم كثيرة ، فسأل الفقهاء عن ذلك
    فلم يجد عندهم جواباً ، فبعث إلى علي الهادي فسأله فقال : تصدق بثلاثة وثمانين
    درهماً ، فسأله المتوكل عن السبب فقال : لقوله تعالى : لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ
    كَثِيرَةٍ ، وكانت المواطن سبعاً وعشرين غزاة ، وبعث ستاً وخمسين سرية .
    قال المسعودي : نُمِيَ إلى المتوكل بعلي بن محمد أن في منزله سلاحاً من شيعته من
    أهل قم ، وأنه عازم على الملك فبعث إليه جماعة من الأتراك فهجموا داره ليلاً
    فلم يجدوا فيها شيئاً ، ووجدوه في بيت مغلق عليه وهو يقرأ ، وعليه مدرعةٌ من
    صوف وهو جالس على الرمل والحصى ، متوجهاً إلى الله تعالى يتلو القرآن ،
    فحمل على حالته تلك إلى المتوكل ، فأدخل عليه وهو في مجلس الشراب والكأس
    في يد المتوكل ، فعظمه وأجلسه إلى جانبه وناوله الكأس فقال : والله ما خامر
    لحمي ودمي قط فاعفني ، فأعفاه وقال له : أسمعني صوتاً ، فقال : كم تركوا من



    جنات وعيون .. الآيات . فقال أنشدني شعراً ، فقال إني قليل الرواية للشعر ، فقال لا
    بد من ذلك ، فأنشده :
    باتوا على قُلَلِ الأجبال تحرسهمْ
    غُلْبُ الرجال فما أغنتهمُ القُللُ

    واستُنْزِلُوا بعد عِزٍّ عن معاقلهمْ
    فأُودعوا حُفَراً يا بئسَ ما نزلوا

    ناداهُم صارخٌ من بعد ما قُبروا
    أين الأسِرَّةُ والتيجان والحُلَلُ

    أين الوجوهُ التي كانت مُنَعَّمَةً
    من دونها تُضرُب الأستار والكِللُ

    فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم
    تلك الوجوهُ عليها الدود يَقتتل

    قد طال ما أكلوا دهراً وما شربوا
    فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكلوا

    وطالما عمروا دوراً لتحصنهم
    ففارقوا الدور والأهلينَ وانتقلوا

    وطالما كنزوا الأموال وادخروا
    فخلفوها على الأعداء وارتحلوا

    أضحت مَنازِلُهم قفْراً مُعَطلةً
    وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا »

    فبكى المتوكل حتى بلت دموعه لحيته . انتهى .
    ثم عقَّب ابن تيمية بقوله : « فيقال : هذا الكلام من جنس ما قبله لم يذكر منقبة
    بحجة صحيحة ، بل ذكر ما يعلم العلماء أنه من الباطل ، فإنه ذكر في الحكاية أن
    والي بغداد كان إسحاق بن إبراهيم الطائي ، وهذا من جهله فإن إسحاق بن
    إبراهيم هذا خزاعة معروف هو وأهل بيته كانوا من خزاعة ، فإنه إسحاق بن
    إبراهيم بن الحسين بن مصعب ، وابن عمه عبد الله بن طاهر بن الحسين بن
    مصعب ، أمير خراسان المشهور المعلومة سيرته ، وابن هذا محمد بن عبد الله بن


    طاهر ، كان نائباً على بغداد في خلافة المتوكل وغيره ، وهو الذي صلى على أحمد
    بن حنبل لما مات . وإسحاق بن إبراهيم هذا كان نائباً لهم في إمارة المعتصم
    والواثق وبعض أيام المتوكل . وهؤلاء كلهم من خزاعة ، ليسوا من طئ ، وهم
    أهل بيت مشهورون » .
    أقول : يظهر أن نسخة ابن تيمية من كتاب العلامة فيها تصحيف الطاهري بالطائي ،
    وهرثمة بهبيرة ، وقد تحامل عليه ابن تيمية بسببها ، ورماه بالجهل بغير حق !
    على أن ابن طاهر المشهور ليس خزاعياً بل مولاهم ، كما بيناه في فصل ثورات العلويين
    بعد هدم قبر الحسين عليه‌السلام ، وقتل ابن طاهر للثائر العلوي ، وزوال ملكهم بعده !
    ثم قال ابن تيمية : « وأما الفتيا التي ذكرها من أن المتوكل نذر إن عوفيَ يتصدق
    بدراهم كثيرة ، وأنه سأل الفقهاء عن ذلك فلم يجد عندهم جواباً ، وأن عليَّ بن
    محمد أمره أن يتصدق بثلاثة وثمانين درهماً ، لقوله تعالى : لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ
    كَثِيرَةٍ ، وأن المواطن كانت هذه الجملة ، فإن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم غزا
    سبعاً وعشرين غزاة ، وبعث ستاً وخمسين سرية .
    فهذه الحكاية أيضاً تحكى عن علي بن موسى مع المأمون ، وهي دائرة بين
    أمرين : إما أن تكون كذباً ، وإما أن تكون جهلاً ممن أفتى بذلك ، فإن قول القائل
    له عليَّ دراهم كثيرة أو والله لأعطين فلاناً دراهم كثيرة ، أو لأتصدقن بدراهم
    كثيرة ، لا يحمل على ثلاث وثمانين ، عند أحد من علماء المسلمين ! والحجة
    المذكورة باطلة لوجوه :


    أحدها ، أن قول القائل إن المواطن كانت سبعاً وعشرين غزاة ، وستاً وخمسين
    سرية ، ليس بصحيح ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغز سبعاً وعشرين غزاة
    باتفاق أهل العلم بالسير ، بل أقل من ذلك .
    الثاني : أن هذه الآية نزلت يوم حنين ، والله قد أخبر بما كان قبل ذلك فيجب أن
    يكون ما تقدم قبل ذلك مواطن كثيرة ، وكان بعد يوم حنين غزوة الطائف ،
    وغزوة تبوك ، وكثير من السرايا كانت بعد يوم حنين ، كالسرايا التي كانت بعد
    فتح مكة ، مثل إرسال جرير بن عبد الله إلى ذي الخلصة ، وأمثال ذلك . وجرير
    إنما أسلم قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بنحو سنة . وإذا كان كثير من
    الغزوات والسرايا كانت بعد نزول هذه الآية ، امتنع أن تكون هذه الآية المخبرة
    عن الماضي إخباراً بجميع المغازي والسرايا .
    الثالث : أن الله لم ينصرهم في جميع المغازي ، بل يوم أحد تولوا وكان يوم بلاء
    وتمحيص ، وكذلك يوم مؤتة وغيرها من السرايا ، لم يكونوا منصورين فيها ،
    فلو كان مجموع المغازي والسرايا ثلاثاً وثمانين ، فإنهم لم ينصروا فيها كلها حتى
    يكون مجموع ما نصروا فيه ثلاثاً وثمانين . الرابع : اختصاص هذا القدر بذلك ،
    فإن لفظ الكثير لفظ عام يتناول الألف والألفين والآلاف ، وإذا عم أنواعاً من
    المقادير ، فتخصيص بعض المقادير دون بعض تحكم .
    الخامس : أن الله تعالى قال : مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا
    كَثِيرَةً ، والله يضاعف الحسنة إلى سبع مائة ضعف بنص القرآن ، وقد ورد أنه
    يضاعفها ألفي ألف حسنة ، فقد سمى هذه الأضعاف كثيرة ، وهذه المواطن


    كثيرة ، وقد قال تعالى : كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ .
    والكثرة هاهنا تناول أنواعها من المقادير ، لأن الفئات المعلومة مع الكثرة لا
    تحصر في عدد معين ، وقد تكون الفئة القليلة ألفاً ، والفئة الكثيرة ثلاثة آلاف ،
    فهي قليلة بالنسبة إلى كثرة عدد الأخرى ، وقد قال تعالى : إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ
    قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ . ومعلوم أن الله
    أراه أهل بدر أكثر من مائة ، وقد سمى ذلك قليلاً بالنسبة والإضافة ، وهذا كله
    مما يبين أن القلة والكثرة أمر إضافي ، ولهذا تنازع الفقهاء فيما إذا قال : له عليَّ مال
    عظيم أو خطير أو كثير أو جليل ، هو يرجع في تفسيره إليه فيفسره بما يتمول ،
    كقول الشافعي ، وطائفة من أصحاب أحمد ، أو لا يقبل تفسيره إلا بما له قدر
    خطير ، كقول أبي حنيفة ومالك . وبعض أصحاب أحمد على قولين ، وأصحاب
    القول الثاني منهم من قدره بنصاب السرقة ، ومنهم من قدره بنصاب الزكاة ،
    ومنهم من قدره بالدية ، وهذا النزاع في الإقرار ، لأنه خبر والخبر عن أمر ماض
    قد علمه المقر .
    وأما المسألة المذكورة فهي إنشاءٌ كما لو أوصى له بدراهم كثيرة ، والأرجح في
    مثل هذا أن يرجع إلى عرف المتكلم ، فما كان يسميه مثله كثيراً حمل مطلق كلامه
    على أقل محتملاته ، والخليفة إذا قال دراهم كثيرة في نذر نذره لم يكن عرفه في مثل
    هذا مائة درهم ونحوها ، بل هو يستقل هذا ولا يستكثره ، بل إذا حمل كلامه على
    مقدار الدية اثنة عشر ألف درهم ، كان هذا أولى من حمله على ما دون ذلك .
    واللفظ يحتمل أكثر من ذلك ، لكن هذا مقدار النفس المسلمة في الشرع ولا
    يكون عوض المسلم إلا كثيراً ، والخليفة يحمل الكثير منه على ما لا يحمل الكثير



    من آحاد العامة ، فإن صاحب ألف درهم ، إذا قال أعطوا هذا دراهم كثيرة
    احتمل عشرة وعشرين ، ونحو ذلك بحسب حاله .
    فمعنى القليل والكثير هو من الأمور النسبية الإضافية كالعظيم ، والخير يتنوع
    بتنوع الناس فيحمل كلام كل إنسان على ما هو المناسب لحالة في ذلك المقام » .
    أقول : يحاول ابن تيمية دائماً تكذيب أي فضيلة لأهل البيت عليهم‌السلام لأنه يبغضهم ! وقد
    أطال في رد هذه الفتيا التي رواها العلامة عن الإمام الهادي عليه‌السلام .
    وقد رواها الخطيب البغدادي « 12 / 56 » بسنده الصحيح ، ونصها : « اعتلَّ المتوكل في
    أول خلافته ، فقال : لئن برئت لأتصدقن بدنانير كثيرة ، فلما برئ جمع الفقهاء
    فسألهم عن ذلك فاختلفوا ، فبعث إلى علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر
    فسأله فقال : يتصدق بثلاثة وثمانين ديناراً فعجب قوم من ذلك وتعصب قوم
    عليه ، وقالوا : تسأله يا أمير المؤمنين من أين له هذا ؟ فرد الرسول إليه فقال له
    قل لأمير المؤمنين في هذا الوفاء بالنذر ، لأن الله تعالى قال : لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي
    مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ، فروى أهلنا جميعاً أن المواطن في الوقائع والسرايا والغزوات
    كانت ثلاثة وثمانين موطناً ، وأن يوم حنين كان الرابع والثمانين ، وكلما زاد أمير
    المؤمنين في فعل الخير كان أنفع له ، وأجر عليه في الدنيا والآخرة » .
    ورواها الذهبي في تاريخه « 19 / 218 » بسند صحيح عن الصولي ، ولم ينتقدها .
    ورواها ابن الجوزي في المنتظم « 12 / 75 » ولم ينتقدها .
    ورواها أحمد بن محمد النيسابوري الثعلبي في الكشف والبيان ، كما في إحقاق الحق
    « 14 / 250 » . ورواها السمعاني في الأنساب « 4 / 196 » .

    ورواها من مصادرنا علي بن إبراهيم في تفسيره بسند صحيح « 1 / 284 » ونصها :
    « كان المتوكل قد اعتل علة شديدة فنذر إن عافاه الله أن يتصدق بدنانير كثيرة أو
    قال بدراهم كثيرة ، فعوفي ، فجمع العلماء فسألهم عن ذلك فاختلفوا عليه ، قال
    أحدهم عشرة آلاف وقال بعضهم مائة ألف ، فلما اختلفوا قال له عَبادة : إبعث
    إلى ابن عمك علي بن محمد بن علي الرضا فاسأله ، فبعث إليه فسأله فقال : الكثير
    ثمانون ، فقالوا له رد إليه الرسول فقل : من أين قلت ذلك ؟ فقال من قوله تعالى
    لرسوله : لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ، وكانت المواطن ثمانين موطناً » .
    فلا معنى لتشكيك ابن تيمية في أصلها بعد هذه الإستفاضة .
    وأما تشكيكه في الفتيا بعدد المواطن التي نصر الله بها المسلمين ، فقد أيد علماء
    السيرة قول الإمام الهادي عليه‌السلام وأن مواطن النصر ثمانون .
    أما تشكيكه بالفتيا بيُحتمل ويحُتمل ، وبكثرة احتملات الفقهاء في المسألة ، فهذا
    لايضر بقول الإمام عليه‌السلام الذي قبله الفقهاء الذين كانوا حول المتوكل ، وكان
    فيهم رأي مخالف كرأي ابن تيمية ، فردوه ولم يأخذوا به ، فقد ردوا رأيه أيضاً !
    ثم قال ابن تيمية عن إحضار المتوكل للإمام عليه‌السلام : « والحكاية التي ذكرها عن
    المسعودي منقطعة الإسناد ، وفي تاريخ المسعودي من الأكاذيب ما لا يحصيه إلا
    الله تعالى ، فكيف يوثق بحكاية منقطعة الإسناد في كتاب قد عرف بكثرة الكذب
    مع أنه ليس فيها الفضيلة إلا ما يوجد في كثير من عامة المسلمين ، ويوجد فيهم
    ما هو أعظم منها » .


    يقول ابن تيمية : إن القصة كاذبة ، ولو صحت فلا فضيلة فيها تُميز الإمام
    الهادي عليه‌السلام ! وهذا من تعصبه وهواه ، فالمسعودي ثقة ، ولم يتفرد بها ، بل
    استفاضت روايتها ، وصححها شيوخ يوثقهم ابن تيمية ولكنه أعشى !
    فقد أرسلها الذهبي إرسال المسلمات ، ولم ينتقد سندها ولا متنها .
    قال في تاريخه « 18 / 199 » : « وكان قد سُعِيَ بأبي الحسن إلى المتوكل ، وأن في منزله
    سلاحاً وكتباً من أهل قم ، ومن نيته التوثب . فكَبَسَ بيته ... » .
    بل صححها في سِيَره « 12 / 41 » فمدح إمامه المتوكل لأنه بكى من موعظة الإمام
    الهادي عليه‌السلام قال : « وقد بكى من وعظ علي بن محمد العسكري العلوي » .
    وكذلك قبلها ابن كثير فقال في النهاية « 11 / 19 » : « ذكر للمتوكل أن بمنزله سلاحاً
    وكتباً كثيرة من الناس ، فبعث كبسة فوجدوه جالساً مستقبل القبلة .. الخ . » .
    وكذلك فعل القلقشندي في مآثر الخلافة « 1 / 231 » قال : « ومن غريب ما اتفق
    له في ذلك أنه طلب علياً الزكي ، ويقال علي الهادي وعلي التقى ... فحمل إلى
    المتوكل والمتوكل في مجلس شرابه ، والكأس في يده فلما رآه ... » .
    وكذلك فعل ابن خلكان في وفيات الأعيان « 3 / 272 » .
    وأبو الفداء في تاريخه / 233 ، والدميري في حياة الحيوان / 553 ، وغيرهم .
    فتبين أن ابن تيمية صاحب هوى يريد تكذيب قصة فاحت منها رائحة الخمر
    من إمامه ، وفاضت منها الكرامة النبوية من الإمام الهادي عليه‌السلام !
    * *

    الفصل الحادي عشر :
    الإمام الهادي عليه‌السلام يطلق منشور الغدير والزيارة الجامعة
    منشورالغدير في فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام
    قامت عقيدة المتوكل والنواصب على ركنين : بُغْضَ عَليٍّ وأهل البيت عليهم‌السلام ، وما
    سموه أحاديث الصفات ، أي وصف الله تعالى بالجسم وشبهه . فكان المتوكل
    يقرِّب النواصب والمجسمة ، ويغدق عليهم المال .
    أما بغضه لعلي عليه‌السلام فقال الذهبي في تاريخه « 17 / 18 » : « أمر المتوكل بهدم قبر السيد
    الحسين بن علي رضي الله عنهما ، وهدم ما حوله من الدور .. وكان معروفاً
    بالنصب ، فتألم المسلمون لذلك ، وكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان والمساجد
    وهجاه الشعراء ، دعبل وغيره » .
    والإنصاف أن بغض المتوكل لعلي عليه‌السلام مشهورٌ ككفر إبليس ، فقد كان يعقد مجالس
    الغناء والرقص ، والسخرية من علي عليه‌السلام في دار الخلافة !
    قال ابن الأثير في الكامل « 6 / 108 » : « وكان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي
    طالب ولأهل بيته ، وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولى علياً وأهله بأخذ المال
    والدم ! وكان من جملة ندمائه عبادة المخنث ، وكان يشد على بطنه تحت ثيابه
    مخدة ويكشف رأسه وهو أصلع ، ويرقص بين يدي المتوكل ، والمغنون يغنون قد
    أقبل الأصلع البدين ، خليفة المسلمين ، يحكي بذلك علياً ! والمتوكل يشرب



    ويضحك ! ففعل ذلك يوماً والمنتصر حاضر ، فأومأ إلى عبادة يتهدده فسكت
    خوفاً منه ، فقال المتوكل ما حالك ؟ فقام وأخبره ، فقال المنتصر : يا أمير المؤمنين
    إن الذي يحكيه هذا الكلب ويضحك منه الناس هو ابن عمك ، وشيخ أهل بيتك
    وبه فخرك ! فكل أنت لحمه إذا شئت ، ولا تطعم هذا الكلب وأمثاله منه ! فقال
    المتوكل للمغنين : غنوا جميعاً :
    غَارَ الفَتَى لابن عَمِّهْ
    رأسُ الفَتى في حَرِ أمِّهْ » !

    وقد روى ذلك عامة المؤرخين ، وتقدم في ترجمة المتوكل .
    وكذلك تبني المتوكل للتجسيم ، قال الخطيب في تاريخ بغداد « 10 / 67 » : « حدثنا
    إبراهيم بن محمد بن عرفة قال : سنة أربع وثلاثين ومائتين ، فيها أشخص المتوكل
    الفقهاء والمحدثين ، فكان فيهم مصعب الزبيري ، وإسحاق بن أبي إسرائيل ،
    وإبراهيم بن عبد الله الهروي ، وعبد الله وعثمان ابنا محمد بن أبي شيبة الكوفيان
    وهما من بني عبس ، وكانا من حفاظ الناس . فقسمت بينهم الجوائز وأجريت
    عليهم الأرزاق ، وأمرهم المتوكل أن يجلسوا للناس ، وأن يحدثوا بالأحاديث
    التي فيها الرد على المعتزلة والجهمية ، وأن يحدثوا بالأحاديث في الرؤية !
    فجلس عثمان بن محمد بن أبي شيبة في مدينة أبي جعفر المنصور ، ووضع له منبر
    واجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفاً من الناس . فأخبرني حامد بن العباس أنه كتب
    عن عثمان بن أبي شيبة . وجلس أبوبكر بن أبي شيبة في مسجد الرصافة ، وكان
    أشد تقدماً من أخيه عثمان ، واجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفاً » .

    وقد واجه الإمام الهادي عليه‌السلام ضلالتيْ النص والتجسيم ، فصدع بتنزيه الله تعالى
    وبفضائل جده أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وتعمد أن يكون دخوله الى العراق عن طريق
    حائل ، ثم النجف ، ليكون فيها يوم الغدير الثامن عشر من ذي الحجة ويزور
    قبر جده أمير المؤمنين عليه‌السلام مع وفود شيعته هناك ، ويطلق نص الزيارة المعروفة
    بزيارة الغدير ، وهي في الحقيقة منشور إسلامي يبين مقام عليٍّ عليه‌السلام في الإسلام ،
    وولايته المفروضة في رقاب الأمة .
    وهذا نص الزيارة من كتاب المزار لمحمد بن المشهدي قدس‌سره / 263 ، قال :
    « أخبرني الفقيه الأجل أبوالفضل شاذان بن جبرئيل القمي رضي الله عنه ، عن الفقيه
    العماد محمد بن أبي القاسم الطبري ، عن أبي علي ، عن والده ، عن محمد بن محمد بن
    النعمان ، عن أبي القاسم جعفر بن قولويه ، عن محمد بن يعقوب الكليني ، عن علي بن
    إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي القاسم بن روح ، وعثمان بن سعيد العمري ، عن أبي محمد
    الحسن بن علي العسكري ، عن أبيه صلوات الله عليهما ، وذكر أنه عليه‌السلام زار بها في يوم
    الغدير ، في السنة التي أشخصه المعتصم « المتوكل » . تقف عليه وتقول :
    السلام على محمد رسول الله ، خاتم النبيين ، وسيد المرسلين ، وصفوة رب العالمين .
    أمين الله على وحيه ، وعزائم أمره ، الخاتم لما سبق ، والفاتح لما استقبل ، والمهيمن على
    ذلك كله ، ورحمة الله وبركاته ، وصلواته وتحياته .
    السلام على أنبياء الله ورسله ، وملائكته المقربين ، وعباده الصالحين .
    السلام عليك يا أميرَ المؤمنين ، وسيدَ الوصيين ، ووارثَ علم النبيين ، ووليَّ ربِّ
    العالمين ، ومولايَ ومولى المؤمنين ، ورحمةُ الله وبركاته .


    السلام عليك يا أمير المؤمنين ، يا أمينَ الله في أرضه ، وسفيرَه في خلقه ، وحجتَه
    البالغة على عباده . السلام عليك يا دينَ الله القويم ، وصراطَه المستقيم .
    السلام عليك أيها النبأُ العظيم ، الذي هم فيه مختلفون ، وعنه يُسألون .
    السلام عليك يا أمير المؤمنين . آمنتَ بالله وهم مشركون ، وصَدَّقْتَ بالحق وهم
    مكذبون ، وجاهدتَ وهم محجمون ، وعبدتَ الله مخلصاً له الدين ، صابراً محتسباً حتى
    أتاك اليقين ، ألا لعنةُ الله على الظالمين .
    السلام عليك يا سيدَ المسلمين ، ويعسوبَ المؤمنين ، وإمامَ المتقين ، وقائدَ الغرِّ
    المحجلين ، ورحمةُ الله وبركاته .
    أشهد أنك أخو الرسولِ ووصيُّه ، ووارثُ علمه ، وأمينُهُ على شرعِه ، وخليفتُهُ في أمته
    وأولُ من آمنَ بالله ، وصَدَّقَ بما أَنزلَ على نبيه . وأشهد أنه قد بلَّغ عن الله ما أنزله فيك ،
    وصَدَعَ بأمره ، وأوجب على أمته فرضَ ولايتك ، وعقد عليهم البيعةَ لك ، وجعلك
    أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، كما جعلك الله كذلك ، ثم أشهدَ الله تعالى عليهم فقال :
    ألستُ قد بلغت ؟ فقالوا : اللهم بلى ، فقال : اللهم اشهد وكفى بك شهيداً ، وحاكماً بين
    العباد . فلعن الله جاحدَ ولايتك بعدَ الإقرار ، وناكثَ عهدك بعدَ الميثاق .
    وأشهد أنك أوفيتَ بعهد الله تعالى ، وأن الله تعالى مُوفٍ بعهده لك : وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ
    عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً .
    وأشهد أنك أميرُ المؤمنين الحقُّ ، الذي نطق بولايتك التنزيلُ ، وأخذ لك العهدَ على
    الأمة بذلك الرسولُ . وأشهد أنك وعمَّك وأخاك ، الذين تاجرتم الله بنفوسكم فأنزل
    الله فيكم : إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
    فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ


    فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ
    السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ
    وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ .
    أشهد يا أمير المؤمنين أن الشاك فيك ما آمنَ بالرسول الأمين ، وأن العادلَ بك غيرَك
    عادلٌ عن الدين القويم ، الذي ارتضاه لنا رب العالمين ، فأكمله بولايتك يوم الغدير .
    وأشهد أنك المعنيُّ بقول العزيز الرحيم : وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا
    السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ .
    ضلَّ والله وأضلَّ من اتبع سواك ، وعَنَدَ عن الحق من عاداك .
    اللهم سمعنا لأمرك ، وأطعنا واتبعنا صراطك المستقيم ، فاهدنا ربنا ولا تزغ قلوبنا
    بعد الهدى عن طاعتك ، واجعلنا من الشاكرين لأنعمك .
    وأشهد أنك لم تزل للهوى مخالفاً ، وللتُّقَى مُحَالفاً ، وعلى كظْم الغيظ قادراً ، وعن
    الناس عافياً ، وإذا عُصِيَ الله ساخطاً ، وإذا أطيع الله راضياً ، وبما عهد الله إليك عاملاً ،
    راعياً ما استحفظتَ ، حافظاً ما استودعتَ ، مبلغاً ما حُمِلّت َ ، منتظراً ما وُعِدت .
    وأشهد أنك ما اتقيتَ ضارعاً ، ولا أمسكتَ عن حقك جازعاً ، ولا أحجمتَ عن
    مجاهدة عاصيك ناكلاً ، ولا أظهرتَ الرضا بخلاف ما يُرضي اللهَ مُداهناً ، ولا وَهَنْتَ
    لما أصابك في سبيل الله ، ولا ضعفتَ ولا استكنتَ عن طلب حقك مراقباً .
    معاذ الله أن تكون كذلك ، بل إذْ ظُلِمْتَ فاحتسبتَ ربك ، وفوضتَ إليه أمرك ،
    وذَكَّرْتَ فما ذكروا ، وَوَعَظْتَ فما اتَّعظوا ، وخوفتهم الله فما خافوا .


    وأشهد أنك يا أمير المؤمنين جاهدتَ في الله حقَّ جهاده ، حتى دعاكَ الله إلى جواره ،
    وقبضكَ إليه باختياره ، وألزمَ أعداءك الحجة ، بقتلهم إياك ، لتكونَ لك الحجةُ عليهم
    مع ما لك من الحجج البالغة على جميع خلقه .
    السلام عليك يا أميرَ المؤمنين ، عبدتَ الله مخلصاً ، وجاهدتَ في الله صابراً ، وجُدْتَ
    بنفسك صابراً محتسباً ، وعملتَ بكتابه ، واتبعتَ سُنَّةَ نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأقمتَ الصلاةَ ،
    وآتيتَ الزكاة ، وأمرتَ بالمعروف ، ونهيت عن المنكرَ ما استطعت ، مبتغياً مرضاةَ ما
    عند الله ، راغباً فيما وعدَ الله . لا تَحْفَلُ بالنوائب ، ولا تَهِنُ عندَ الشدائد ، ولا تُحْجِمُ عن
    محارب . أفِكَ من نسبَ غير ذلك ، وافترى باطلاً عليك ، وأولى لمن عَنَدَ عنك .
    لقد جاهدتَ في الله حق الجهاد ، وصبرتَ على الأذى صبرَ احتساب ، وأنت أولُ من
    آمن بالله وصلى له ، وجاهدَ وأبدى صفحتَه في دار الشرك ، والأرضُ مشحونةٌ ضلالةً ،
    والشيطانُ يُعبد جهرةً . وأنت القائل لا تزيدني كثرةُ الناس حولي عِزَّةً ، ولا تُفَرُّقُهُمْ
    عني وَحشة ، ولو أسلمني الناس جميعاً لم أكن مُتضرعاً .
    اعتصمتَ بالله فعززتَ ، وآثرتَ الآخرةَ على الأولى فزهدتَ ، وأيدكَ الله وهداكَ
    وأخلصكَ واجتباك . فما تناقضتْ أفعالُك ، ولا اختلفتْ أقوالُك ، ولا تقلَّبتْ
    أحوالُك ، ولا ادعيتَ ولا افتريتَ على الله كذباً ، ولا شرهتَ إلى الحطام ، ولا دنَّسَتْكَ
    الآثام ، ولم تزل على بيِّنةٍ من ربك ويقينٍ من أمرك ، تهدي إلى الحق والى صراط مستقيم .
    أشهد شهادةَ حقٍّ ، وأقسم بالله قسمَ صِدقٍ أنَّ محمداً وآلَهُ صلواتُ الله عليهم ساداتُ
    الخلق ، وأنكَ مولايَ ومولى المؤمنين ، وأنك عبدُ الله ووليُّهُ ، وأخوالرسول ووصيُّهُ
    ووارثُهُ ، وأنه القائل لك : والذي بعثني بالحق ما آمنَ بي من كَفَرَ بك ، ولا أقرَّ بالله من


    جَحَدَك . وقد ضلَّ من صدَّ عن
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني   الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyالثلاثاء أكتوبر 29, 2024 10:19 pm

    جَحَدَك . وقد ضلَّ من صدَّ عنك ، ولم يهتد إلى الله تعالى ولا إليَّ من لا يهتدى بك ،
    وهو قول ربي عز وجل : وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ ، إلى ولايتك .
    مولايَ ، فضلك لا يخفى ، ونورُك لا يُطفى ، وإنَّ مَنْ جَحَدَكَ الظَّلُومُ الأشقى .
    مولاي ، أنت الحجةُ على العباد ، والهادي إلى الرشاد ، والعدةُ للمعاد .
    مولاي ، لقد رفع الله في الأولى منزلتَك ، وأعلى في الآخرة درجتَك ، وبَصَّرَكَ ما عميَ
    على من خالفك ، وحالَ بينك وبين مواهبِ الله لك . فلعنَ الله مُسْتَحِلِّي الحرمةِ منك
    وذائدي الحقِّ عنك . وأشهدُ أنهم الأخسرون : الذين تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا
    كَالِحُونَ .
    وأشهد أنك ما أقدمتَ ولا أحجمت ولا نطقتَ ولا أمسكتَ إلا بأمر من الله
    ورسوله . قلت : والذي نفسي بيده لنظر إليَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أضرب قُدَّامَهُ بسيفي فقال :
    يا عليُّ أنت عندي بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيَّ بعدي . وأُعلمك أن موتَك
    وحياتَك معي وعلى سنتي . فوالله ما كذبتُ ولا كُذِّبْتُ ، ولا ضَلَلْتُ ولا ضُلَّ بي ، ولا
    نسيتُ ما عهد إليَّ ربي ، وإني لعلى بينة من ربي ، بَيَّنَهَا لنبيه ، وبينها النبي لي ، وإني لعلى
    الطريق الواضح ، ألقطه لقطاً .
    صدقتَ والله ، وقلتَ الحق ، فلعن الله من ساواك بمن ناواك ، والله جل ذكره يقول :
    قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ . ولعَنَ الله من
    عَدَلَ بك مَن فَرَضَ الله عليه ولايتَك .
    وأنت وليُّ الله وأخو رسوله ، والذابُّ عن دينه ، والذي نطق القرآن بتفضيله ، قال الله
    تعالى : وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا . دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ
    غَفُورًا رَّحِيمًا . وقال الله تعالى : أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ



    وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ . الَّذِينَ
    آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ
    الْفَائِزُونَ . يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ .
    أشهد أنك المخصوصُ بِمِدْحَةِ الله ، المُخلص لطاعة الله ، لم تَبْغِ بالهدى بَدَلاً ، ولم
    تُشرك بعبادة ربِّك أحداً ، وأن الله تعالى استجاب لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله فيك دعوتَه ، ثم أمره
    باظهار ما أولاكَ لأمته ، إعلاءً لشأنك ، وإعلاناً لبرهانك ، ودَحْضَاً للأباطيل ، وقطعاً
    للمعاذير . فلما أشفقَ من فتنة الفاسقين ، واتَّقى فيك المنافقين ، أوحى الله رب العالمين :
    يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ
    النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ .
    فوضع عن نفسه أوزارَ المسير ، ونهض في رمضاء الهجير ، فخطبَ فأسمع ، ونادى
    فأبلغ ، ثم سألهم أجمع فقال : هل بلغتُ ؟ فقالوا : اللهم بلى ، فقال : اللهمَّ اشهد . ثم
    قال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ فقالوا : بلى ، فأخذ بيدك وقال : من كنتُ مولاه
    فهذا عليٌّ مولاه ، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصرْ من نصرَه ، واخذل من
    خذله . فما آمنَ بما أنزل الله فيك على نبيه إلا قليل ، ولا زادَ أكثرهم إلا تخسيراً .
    ولقد أنزلَ الله تعالى فيك من قبل وهم كارهون : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن
    دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي
    سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ . إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ
    وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ
    وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ .

    رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ . رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا
    وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ .
    اللهم إنا نعلم أن هذا هو الحقُّ من عندك ، فالعن من عارضه واستكبر ، وكذبَ به
    وكفر . وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ .
    السلام عليك يا أميرَ المؤمنين ، وسيدَ الوصيين ، وأولَ العابدين ، وأزهدَ الزاهدين ،
    ورحمةُ الله وبركاته ، وصلواته وتحياته . أنتَ مطعم الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً
    وأسيراً لوجه الله ، لا تريد منهم جزاءً ولا شكوراً ، وفيك أنزل الله تعالى : وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا
    الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ
    أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .
    وأنت الكاظمُ للغيظ ، والعافي عن الناس والله يحب المحسنين . وأنت الصابرُ في
    البأساء والضراء وحين البأس ، وأنت القاسمُ بالسوية ، والعادلُ في الرعية ، والعالمُ
    بحدود الله من جميع البرية .
    والله تعالى أخبر عما أولاك من فضله بقوله : أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا
    يَسْتَوُونَ . أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَىٰ نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .
    وأنت المخصوص بعلم التنزيل ، وحكم التأويل ، ونصرِ الرسول ، ولك المواقف
    المشهورة ، والمقامات المشهورة ، والأيام المذكورة ، يوم بدر ، ويوم الأحزاب : إِذْ
    جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ
    بِاللَّهِ الظُّنُونَا . هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا . وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي
    قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا . وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ
    لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا



    فِرَارًا . وقال الله تعالى : وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ
    اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا . فقتلت عَمْرَهُم ، وهزمت جمعهم : وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ
    كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا .
    ويوم أُحُد : إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ . وأنت تذود
    بهم المشركين عن النبي ذات اليمين وذات الشمال ، حتى صرفهم عنكم خائفين .
    ويوم حنين ، على ما نطق به التنزيل : لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ
    أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ .
    ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ . والمؤمنون أنتَ ومن يليك . وعمُّك
    العباس ينادي المنهزمين : يا أصحاب سورة البقرة ، يا أهل بيعة الشجرة ، حتى
    استجاب له قوم قد كفيتهم المؤونة ، وتكفلت دونهم المعونة ، فعادوا آيسين من المثوبة ،
    راجين وعد الله تعالى بالتوبة ، وذلك قوله جل ذكره : ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَلَىٰ مَن
    يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . وأنت حائزٌ درجة الصبر ، فائزٌ بعظيم الأجر .
    ويوم خيبر ، إذ أظهر الله خَوَرَ المنافقين ، وقطع دابرَ الكافرين ، والحمد لله رب
    العالمين : وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا .
    مولاي ، أنت الحجةُ البالغة ، والمحجةُ الواضحة ، والنعمةُ السابغة ، والبرهانُ المنير ،
    فهنيئاً لك ما آتاك الله من فضل ، وتباً لشانئك ذي الجهل . شهدتَ مع النبي جميع
    حروبه ومغازيه ، تحمل الراية أمامه ، وتضرب بالسيف قُدامه .
    ثم لحزمك المشهور ، وبصيرتك بما في الأمور ، أمرك في المواطن ، ولم يكُ عليك أمير .

    وكم من أمرٍ صدَّك عن إمضاء عزمك فيه التُّقى ، واتبع غيرك في نيله الهوى ، فظنَّ
    الجاهلون أنك عجزت عما إليه انتهى ، ضلَّ والله الظان لذلك وما اهتدى .
    ولقد أوضحتَ ما أشكل من ذلك لمن توهَّمَ وامْتَرى ، بقولك صلى الله عليك : قد يَرَى
    الحُوَّلُ القُلَّبُ وَجْهَ الحيلة ، ودونَها حاجزٌ من تقوى الله ، فيدعُها رأيَ العين ، وينتهزُ
    فرصتها من لا جريحة له في الدين ! صدقتَ وخسر المبطلون .
    وإذ ماكرك الناكثان فقالا : نريدُ العمرة ، فقلت لهما : لعمري ما تريدان العُمْرَة لكن
    الغَدْرَة ، وأخذت البيعة عليهما ، وجددتَ الميثاق ، فجدَّا في النفاق ، فلما نبهتهما على
    فعلهما أغفلا وعادا ، وما انتفعا ، وكان عاقبة أمرهما خسرا .
    ثم تلاهما أهل الشام ، فسرت إليهم بعد الإعذار ، وهم لا يدينون دين الحق ولا
    يتدبرون القرآن ، همجٌ رعاعٌ ضالون ، وبالذي أنزل على محمد فيك كافرون ، ولأهل
    الخلاف عليك ناصرون . وقد أمر الله تعالى باتباعك وندب إلى نصرك ، قال الله تعالى :
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ .
    مولايَ بك ظهر الحق ، وقد نبذه الخلق ، وأوضحتَ السنن بعد الدروس والطمْس ،
    ولك سابقة الجهاد على تصديق التنزيل ، ولك فضيلة الجهاد على تحقيق التأويل ،
    وعدوك عدو الله ، جاحدٌ لرسول الله ، يدعو باطلاً ، ويحكم جائراً ، ويتأمر غاصباً ،
    ويدعو حزبه إلى النار . وعمار يجاهد وينادي بين الصفين : الرواحَ الرواحَ إلى الجنة . ولما
    استسقى فسقيَ اللبن كبَّرَ وقال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : آخر شرابك من الدنيا ضياحٌ
    من لبن ، وتقتلك الفئة الباغية ، فاعترضه أبوالعادية الفزاري فقتله . فعلى أبي العادية
    لعنةُ الله ولعنةُ ملائكته ورسله أجمعين ، وعلى من سلَّ سيفه عليك وسللتَ عليه سيفك
    يا أمير المؤمنين ، من المشركين والمنافقين إلى يوم الدين ، وعلى من رضي َبما ساءك ولم



    يكرهه ، وأغمض عينه ولم ينكره ، أو أعان عليك بيد أو لسان ، أو قعد عن نصرك ،
    أو خذَّلَ عن الجهاد معك ، أو غَمَطَ فضلك ، أو جَحَد حقك ، أو عَدَلَ بك من جعلك
    الله أولى به من نفسه . وصلوات الله عليك ورحمة الله وبركاته ، وسلامه وتحياته ، وعلى
    الأئمة من آلك الطاهرين ، إنه حميد مجيد .
    والأمر الأعجب والخطب الأفظع ، بعد جَحْدِكَ حَقَّكَ ، غَصْبُ الصديقة الزهراء
    سيدة النساء فدكاً ، ورد شهادتك وشهادة السيدين سلالتك ، وعترة أخيك المصطفى
    صلوات الله عليكم ، وقد أعلى الله تعالى على الأمة درجتَكم ، ورفعَ منزلتكم ، وأبانَ
    فضلَكم ، وشرَّفَكم على العالمين ، فأذهب عنكم الرجس وطهركم تطهيراً !
    قال الله جل وعز : إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ،
    إِلَّا الْمُصَلِّينَ ، فاستثنى الله تعالى نبيه المصطفى ، وأنت يا سيد الأوصياء ، من جميع الخلق
    فما أعْمَهَ من ظلمك عن الحق .
    ثم أفرضوك سهم ذوي القربى مَكراً ، وأحادوهُ عن أهله جَوْراً ، فلما آل الأمر إليك
    أجريته على ما أجريا ، رغبةً عنه بما عند الله لك ، فأشبهتْ محنتك بهما محنَ الأنبياء عليهم‌السلام
    عند الوحدة وعدم الأنصار .
    وأشبهت في البيات على الفراش الذبيح عليه‌السلام إذ أجبت كما أجاب ، وأطعت كما أطاع
    إسماعيلُ ، صابراً محتسباً ، إذ قال له : يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ
    يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ . وكذلك أنت لما أباتَك النبي صلى
    الله عليكما ، وأمرك أن تضطجع في مرقده ، واقياً له بنفسك ، أسرعتَ إلى إجابته مطيعاً
    ، ولنفسك على القتل موطناً ، فشكر الله تعالى طاعتك ، وأبان عن جميل فعلك بقوله
    جل ذكره : وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ .

    ثم محنتُك يوم صفين ، وقد رُفعت المصاحف حيلةً ومكراً ، فأعرضَ الشكُّ وعَزَفَ
    الحق ، واتُّبع الظن ، أشبهتْ محنة هارون إذ أمره موسى على قومه فتفرقوا عنه ،
    وهارون يناديهم : يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَٰنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي . قَالُوا لَن
    نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ .
    وكذلك أنت لما رُفِعَتِ المصاحف قلت : يا قوم إنما فتنتم بها وخدعتم ، فعصوك
    وخالفوا عليك ، واستدعوا نصب الحكمين ، فأبيت عليهم ، وتبرأت إلى الله من فعلهم
    وفوضته إليهم . فلما أسفر الحق وسَفِهَ المُنكر ، واعترفوا بالزلل والجور عن القصد ،
    واختلفوا من بعده ، وألزموك على سفه التحكيم الذي أبيته ، وأحبوه وحظرته ،
    وأباحوا ذنبهم الذي اقترفوه . وأنت على نهج بصيرةٍ وهدى ، وهم على سنن ضلالةٍ
    وعمى ، فما زالوا على النفاق مصرين ، وفي الغيِّ مترددين ، حتى أذاقهم الله وبال
    أمرهم ، فأمات بسيفك من عاندك فشقيَ وهوى ، وأحيا بحجتك من سعد فهدى .
    صلوات الله عليك غاديةً ورائحةً ، وعاكفةً وذاهبةً ، فما يحيطُ المادحُ وصفَك ، ولا
    يُحبطُ الطاعنُ فضلَك . أنت أحسنُ الخلق عبادةً ، وأخلصهم زهادةً ، وأذبُّهُم عن
    الدين . أقمت حدود الله بجهدك ، وفللتَ عساكر المارقين بسيفك ، تُخمد لهبَ
    الحروب ببنانك ، وتهتكُ ستورُ الشُّبَه ببيانك ، وتكشف لَبْسَ الباطل عن صريح الحق ،
    لا تأخذك في الله لومة لائم . وفي مدح الله تعالى لك غنى عن مدح المادحين ، وتقريظ
    الواصفين ، قال الله تعالى : مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ
    نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا .
    ولما رأيتَ أنك قد قاتلت الناكثين والقاسطين والمارقين ، وصدَقك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله
    وعدَه ، فأوفيت بعهده ، قلت : أما آن أن تخضب هذه من هذه ، أم متى يبعث أشقاها ،



    واثقاً بأنك على بينة من ربك ، وبصيرة من أمرك ، قادماً على الله ، مستبشراً ببيعك
    الذي بايعتَه به ، وذلك هو الفوز العظيم .
    اللهم العن قتلة أنبيائك وأوصياء أنبيائك ، بجميع لعناتك ، وأصْلِهِمْ حَرَّ نارك ،
    والعن من غصبَ وليَّكَ حقه ، وأنكرَ عهدَه ، وجحدَه بعد اليقين والإقرار بالولاية له ،
    يوم أكملت له الدين .
    اللهم العن قتلة أمير المؤمنين ، ومن قتلَه ، وأشياعَهم وأنصارَهم . اللهم العن ظالمي
    الحسين وقاتليه ، والمتابعين عدوَّه وناصريه ، والراضين بقتله وخاذليه ، لعناً وبيلاً .
    اللهم العن أول ظالم ظلم آل محمد ، ومانعيهم حقوقهم . اللهم خص أول ظالم
    وغاصب لآل محمد باللعن ، وكل مُسْتَنٍّ بما سنَّ إلى يوم الدين .
    اللهم صل على محمد خاتم النبيين ، وسيد المرسلين وآله الطاهرين ، واجعلنا بهم
    متمسكين ، وبموالاتهم من الفائزين الآمنين ، الذين لا خوف عليهم ولايحزنون . إنك
    حميد مجيد » .
    * *
    ملاحظات
    1. نلاحظ صراحة العقيدة التي طرحها الإمام عليه‌السلام في أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وذلك
    في مواجهة الحملة التي كان المتوكل يشنها على أمير المؤمنين عليه‌السلام وأبنائه ، وعمله
    لإبادتهم ، وإقامته الحفلات في دار الخلافة للسخرية من أمير المؤمنين عليه‌السلام !
    فكأن الإمام عليه‌السلام يقول للشيعة : واجهوا خطة المتوكل والنواصب ومحاولاتهم
    طمس فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام والطعن في شخصيته ، بإعلان عقيدتكم فيه
    كاملة غير منقوصة ، وبينوا جهاده ونصرته لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من بدء البعثة الى


    شهادته ، ولو تضمن ذلك التعريض بمن ظلمه وخالفه ، من الذين لم يسهموا في
    نصرة النبي عليه‌السلام بضربة سيف ولا رمية سهم ، وكانوا يهربون في الحروب ،
    فجعلوهم أنداداً لعلي عليه‌السلام !
    وهكذا يقدم منشور الغدير مذهب أهل البيت عليهم‌السلام كاملاً صريحاً ما عدا تسمية
    الأشخاص بأسمائهم . وبذلك يُعلم الإمام الهادي عليه‌السلام شيعته أن يَتَحَدَّوُا الخليفة
    ونظامه بالجهر بمذهبهم ومقام علي عليه‌السلام الذي جعله الله له في الإسلام .
    2. انتشرت هذه الزيارة من يومها ، فقد كان جمهور الشيعة ينتظرون إمامهم
    صلوات الله عليه في النجف ، ليتعلموا منه ، ويزوروا معه أمير المؤمنين عليه‌السلام .
    ويدل على ما ذكرناه أنه عليه‌السلام مرَّ لساعات قرب بغداد ، فازدحم عليه شيعته ،
    حتى أن والي بغداد أخَّر زيارته له الى الليل من ازدحام الناس . فلا بد أن يكون
    اجتماع النجف أكثر لأن شيعته عليه‌السلام في الكوفة أكثر عدداً منهم في بغداد ، وأجرأ .
    3. تضمنت زيارة الغدير أهم أسس عقيدة الولاية الواجبة على المسلمين لأمير
    المؤمنين وأئمة عترة النبي عليهم‌السلام . ونكتفي هنا ببيان فهرس علمي لما تضمنته .
    فهرس علمي أولي لزيارة الغدير
    1. افتتح الإمام الزيارة بالسلام على نبينا والأنبياء عليهم‌السلام ، ثم بدأ بالسلام على أمير
    المؤمنين عليه‌السلام لأنه وارثهم وفي سياقهم .


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني   الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyالثلاثاء أكتوبر 29, 2024 10:21 pm

    . وأول صفة وصفه بها : أمير المؤمنين ، وخاطبه بها في كل الزيارة ليثبت عقيدة
    أهل البيت عليهم‌السلام بأنها لقب خاص به عليه‌السلام ، أنزله الله وبلغه رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخذه
    الآخرون مع ما أخذوا مما خص الله به علياً عليه‌السلام من ألقاب وصفات .
    3. لقب : سيد الوصيين : فعقيدتنا في أوصياء الأنبياء عليهم‌السلام أن الوصي يتناسب
    مقامه مع من هو وصيه ، ونبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله سيد الأنبياء ، فوصيه سيد الأوصياء عليه‌السلام .
    4. وارث علم النبيين : لأن عقيدتنا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ورَّث علم الكتاب ، وكل
    مواريث الأنبياء عليهم‌السلام ، الى علي والعترة عليهم‌السلام .
    5. وولي رب العالمين ، ومولاي ومولى المؤمنين : فقد استحق الولاية على الناس
    بأمر الله تعالى لعمق ولايته لله ، قال عز وجل : إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا
    الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . « المائدة : 55 » .
    6. يا أمين الله في أرضه : فهو أمين الله على الدين ، وعلى علوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى
    إدارة أمور المسلمين . وهي أمانة بأمر الله تعالى ، على كل الرسالة وتطبيقها .
    7. وسفيره في خلقه : فقد ختمت سفارة النبوة بين الله وخلقه بنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكن
    سفارة الإمامة والوصية لم تنته . فالأئمة هم سفراء الله تعالى الى خلقه .
    8. وحجته البالغة على عباده : والحجة تقوم على العباد بالعلم والمعجزة ، وقد كانا
    عند علي والأئمة عليهم‌السلام .

    9. السلام عليك يا دين الله القويم : فعلي هو الدين لأنه تجسيد للدين ، واتِّباعه اتباعٌ
    للدين . فهو مع القرآن والقرآن معه ، كما نص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .
    10. وصراطه المستقيم : والصراط المستقيم مصطلح قرآني للوحي الذي نزل على
    رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهَدْيِ الرسول وسيرته ، وقد تجسد في هَدْي علي عليه‌السلام وسيرته .
    11. السلام عليك أيها النبأ العظيم ، الذي هم فيه مختلفون ، وعنه يسألون : تفسير
    للآيات التي نزلت في أول البعثة عندما جمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بني هاشم واختار منهم
    علياً بأمر ربه ، وكان غلاماً ، فقالت قريش : يريد النبوة والملك لبني هاشم ، وقد
    جعل ابن عمه وصيه ! وقد روى محمد بن سليمان في المناقب « 2 / 276 » من تفسير
    القطان عن وكيع ، عن سفيان عن السدي ، عن عبد خير ، عن علي قال : « أقبل
    صخر بن حرب حتى جلس إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمد هذا الأمر بعدك ،
    لنا أم لِمَنْ ؟ قال : يا صخر الأمر بعدي لمن هو بمنزلة هارون من موسى ! قال :
    فأنزل الله تعالى : عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ، عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ، الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ . منهم
    المصدق بولايته وخلافته ، ومنهم المكذب بهما » .
    12. آمنتَ بالله وهم مشركون ، وصَدَّقْتَ بالحق وهم مكذبون : وهذه عقيدتنا في أن
    علياً وخديجة عليهما‌السلام أول المؤمنين . وقد قال سعد بن أبي وقاص إن أبا بكر أسلم بعد
    أكثر من خمسين . أما عمر فأسلم قريب هجرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .
    13. وجاهدتَ وهم مُحْجِمُون : وهذا معروف عنه في الحروب والمهمات الصعبة .
    وقد وصف علي عليه‌السلام من جعلوهم أنداداً له بقوله ، كما في رواية سليم بن قيس / 247 :



    « ألا إن العجب كل العجب من جُهال هذه الأمة وضُلالها ، وقادتها وساقتها إلى
    النار ، لأنهم قد سمعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول عوداً وبدءً : ما ولَّت أمة رجلاً قط
    أمرها وفيهم أعلم منه ، إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا
    ! فولوا أمرهم قبلي ثلاثة رهط ، ما منهم رجل جمع القرآن ، ولا يدعي أن له علماً
    بكتاب الله ولا سنة نبيه . وقد علموا يقيناً أني أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه ،
    وأفقههم وأقرأهم لكتاب الله وأقضاهم بحكم الله .
    وإنه ليس رجل من الثلاثة له سابقة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا غَناء معه في جميع
    مشاهده ، فلا رمى بسهم ، ولا طعن برمح ، ولا ضرب بسيف ، جبناً ولؤماً ،
    ورغبةً في البقاء . وقد علموا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قاتل بنفسه فقتل أبيَّ بن خلف ،
    وقتل مسجع بن عوف ، وكان من أشجع الناس وأشدهم لقاء ، وأحقهم بذلك .
    وقد علموا يقيناً أنه لم يكن فيهم أحد يقوم مقامي ، ولا يبارز الأبطال ولا يفتح
    الحصون غيري ، ولا نزلت برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شديدة قط ، ولا كَرَبَهُ أمرٌ ولا ضاق
    مستصعب من الأمر ، إلا قال : أين أخي علي ، أين سيفي ، أين رمحي ، أين المفرج
    غمي عن وجهي ! فيقدمني فأتقدم فأفديه بنفسي ، ويكشف الله بيدي الكرب
    عن وجهه . ولله عز وجل ولرسوله بذلك المَنُّ والطَّوْلُ ، حيث خصني بذلك
    ووفقني له . لم يكن لأبي بكر وعمر أي سابقة في الدين ، وإن بعض من سميت
    ما كان ذا بلاء ولا سابقة ولا مبارزة قرن ، ولا فتح ولا نصر ، غير مرة واحدة ،


    ثم فرَّ ومنح عدوه دُبُرَه ، ورجع يُجَبِّن أصحابه ويجبنونه ، وقد فرَّ مراراً ! فإذا كان
    عند الرخاء والغنيمة تكلم وتَغَيَّر « أظهر الغيرة » وأمر ونهى » !
    14. وعبدتَ الله مخلصاً له الدين ، صابراً محتسباً حتى أتاك اليقين ، ألا لعنة الله على
    الظالمين : إشارة الى الظلامة الكبرى التي أوقعوها بالأمة في حرمانها منه عليه‌السلام
    وظلامته هو ، بسلب حقه .
    15. السلام عليك يا سيد المسلمين ، ويعسوبَ المؤمنين ، وإمام المتقين ، وقائد الغر
    المحجلين : وهذه صفات وصفه بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وروتها مصادر الطرفين .
    ففي أمالي الصدوق / 188 : « معاشر الناس ، إن علياً مني وأنا من علي ، خُلق من
    طينتي ، وهو إمام الخلق بعدي ، يُبين لهم ما اختلفوا فيه من سنتي ، وهو أمير
    المؤمنين ، وقائد الغر المحجلين ، ويعسوب المؤمنين ، وخير الوصيين ، وزوج
    سيدة نساء العالمين ، وأبو الأئمة المهديين .
    معاشر الناس : من أحب علياً أحببته ، ومن أبغض علياً أبغضته ، ومن وصل
    علياً وصلته ، ومن قطع علياً قطعته ، ومن جفا علياً جفوته ، ومن والى علياً
    واليته ، ومن عادى عليا عاديته .
    معاشر الناس : أنا مدينة الحكمة وعلي بن أبي طالب بابها ، ولن تؤتى المدينة إلا
    من قبل الباب ، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغض علياً » .
    وفي مجمع الزوائد « 9 / 102 » : « وعن أبي ذر وسلمان قالا : أخذ النبي بيد علي فقال :
    إن هذا أول من آمن بي ، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة ، وهذا الصديق



    الأكبر ، وهذا فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل ، وهذا يعسوب المؤمنين
    والمال يعسوب الظالمين » .
    16. أشهد أنك أخو الرسول : روى الجميع أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اتخذه أخاً دون غيره
    ففي الدر المنثور : 3 / 205 : « عن ابن عباس قال : كان رسول الله آخى بين المسلمين
    من المهاجرين والأنصار ، فآخى بين حمزة بن عبد المطلب وبين زيد بن حارثة ،
    وبين عمر بن الخطاب ومعاذ بن عفراء ، وبين الزبير بن العوام وعبد الله بن
    مسعود وبين أبي بكر وطلحة ، وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع ،
    وقال لسائر أصحابه : تآخوا ، وهذا أخي ، يعني علي بن أبي طالب » .
    17. ووصيه : وأحاديث الوصية متواترة صريحة ، لكن فسرها المخالفون بأن
    النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جعله وصيه على أهل بيته ، مع أنها تنص على أنه وصيه على أمته !
    18. ووارث علمه : وقد شهدوا بأنه أعلم الصحابة ، فقال عمر بن الخطاب :
    « وأقضانا علي » « البخاري : 5 / 149 » والأعلم بالقضاء هو الأعلم مطلقاً .
    وقال الله تعالى : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا . وأولهم وخيرهم علي عليه‌السلام .
    19. وأمينه على شرعه ، وخليفته في أمته : ويكفي في النص على خلافة علي عليه‌السلام
    الحديث الصحيح في أول البعثة عندما أمر الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن ينذر عشيرته
    الأقربين ويتخذ من يعاهده منهم على مؤازرته في دعوته ، وزيراً وخليفة ،
    فاستجاب له علي عليه‌السلام وأعلنه لهم وصياً وخليفة وأمرهم بطاعته !

    فقد رواه الطبري في تاريخه « 2 / 63 » وفيه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لهم : « يا بني عبد المطلب
    إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به ، إني قد جئتكم
    بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه ، فأيكم يوازرني على
    هذا الأمر على أن يكون أخي ووصي وخليفتي فيكم ؟ قال فأحجم القوم عنها
    جميعاً ، وقال علي : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي ثم قال : إن هذا
    أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا . قال فقام القوم يضحكون
    ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع » ! وأبوالفداء : 1 / 117 ، وغيره .
    ورواه الطبري في تفسيره « 19 / 149 » لكن قال فيه : « إن هذا أخي وكذا وكذا ،
    فاسمعوا له وأطيعوا » . فحرفه لأنه يخاف نقل النص على خلافة علي عليه‌السلام !
    أما محمد حسين هيكل فأورده كتابه حياة محمد في الطبعة الأولى / 104 ، ثم
    حذفه من الطبعة الثانية / 139 !
    وقال الشيخ مُغْنِيَّة في فلسفة التوحيد والولاية / 179 : « وذلك لقاء خمس مائة
    جنيه ، أو لقاء شراء ألف نسخة من كتابه » ! أي من سفارة الوهابية .
    20. وأول من آمن بالله ، وصدق بما أنزل على نبيه : بهذا شهد له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله
    ووصفه بالصديق الأكبر والفاروق ، لكنهم صادروا صفاته وأعطوها لغيره !
    21. وأشهد أنه قد بلغ عن الله ما أنزله فيك ، وصدع بأمره : وهذا معروف عند
    الجميع . قال المناوي في فيض القدير « 4 / 468 » : « قال الإمام أحمد : ما جاء في أحد



    من الفضائل ما جاء في علي ! وقال النيسابوري : لم يرد في حق أحد من الصحابة
    بالأحاديث الحسان ، ما ورد في حق علي » .
    22. وأوجب على أمته فرض ولايتك : فعقد عليهم البيعة لك ، وجعلك أولى
    بالمؤمنين من أنفسهم كما جعله الله ، ثم أشهد الله تعالى عليهم فقال : ألست قد بلغت ؟
    فقالوا : اللهم بلى ، فقال : اللهم اشهد ، وكفى بك شهيداً وحاكماً بين العباد :
    هذه الفقرات من نصوص خطبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم الغدير ، وقد روى أصلها
    أكثر من مئة صحابي ، وروى مخالفونا منها ما فيه حجة بالغة كالحديث الصحيح
    الذي لامطعن لأحد في سنده ، رواه في تاريخ دمشق : 42 / 233 وغيره ، عن أبي
    هريرة قال : « من صام يوم ثماني عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً ،
    وهو يوم غدير خم لما أخذ النبي « ص » بيد علي بن أبي طالب فقال : ألست ولي
    المؤمنين ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : من كنت مولاه فعلي مولاه . فقال عمر
    بن الخطاب : بخ بخ لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم !
    فأنزل الله عز وجل : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
    الْإِسْلَامَ دِينًا » .
    23. فلعن الله جاحدَ ولايتك بعد الإقرار ، وناكثَ عهدك بعد الميثاق : هذا اللعن
    للجاحدين الذي عرفوا فتمت عليهم الحجة ، ثم أنكروا ، كما قال تعالى :
    وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا . أما غير الجاحدين ، فبعضهم لايعرف
    القضية لكنه أطاع من خالف أمير المؤمنين عليه‌السلام فأولئك محشورون مع ساداتهم .
    وبعضهم لايعرف وأحسن الظن بالذين خالفوا ، فهؤلاء مُرجون لأمر الله تعالى .

    24. وأشهد أنك أوفيت بعهد الله تعالى ، وأن الله تعالى موف بعهده لك ، وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا : والمقصود به عهد الله الذي أعطاه علي عليه‌السلام
    لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مرض وفاته أن يصبر على ما يرتكب في حقه وحق زوجته
    وأولاده . من ذلك ما رواه في الكافي « 1 / 281 » : « فقال أمير المؤمنين : والذي فلق
    الحبة وبرأ النسمة ، لقد سمعت جبرئيل يقول للنبي : يا محمد عرفه أنه تنتهك
    الحرمة ، وهي حرمة الله وحرمة رسول الله ، وعلى أن تخضب لحيته من رأسه بدم
    عبيط . قال أمير المؤمنين : فصعقت حين فهمت الكلمة من الأمين جبرئيل حتى
    سقطت على وجهي ، وقلت : نعم قبلت ورضيت ، وإن انتهكت الحرمة وعطلت
    السنن ومُزق الكتاب وهُدمت الكعبة وخُضبت لحيتي من رأسي بدم عبيط ،
    صابراً محتسباً أبداً ، حتى أُقدم عليك » .
    25. وأشهد أنك أمير المؤمنين حقاً : فقد ثبت عندنا أن هذا اللقب سمى الله به
    علياً عليه‌السلام ثم أخذه الآخرون ، ففي الكافي « 1 / 411 » : أن الإمام الصادق عليه‌السلام قال :
    « ذاك إسمٌ سمى الله به أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لم يُسَمَّ به أحدٌ قبله ، ولا يتسمى به
    بعده إلا كافر » . وقيل إن الكافر في مثل هذا الحديث بمعنى كافر النعمة .
    26. الذي نطق بولايتك التنزيل : كقوله تعالى : إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا
    الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . والآية نص في ولاية علي عليه‌السلام ،
    لفظها عام ومصداقها خاص ، فهو الذي تصدق بخاتمه وهو راكع ، والواو في :
    وهم راكعون ، حالية ، ولا يصح كونها عاطفة .


    27. وأخذ لك العهد على الأمة بذلك الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : في مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « هذا
    وليكم من بعدي ، فإن أطعتموه رشدتم » . « الكافي : 1 / 153 » . وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لبريدة :
    « لا تقع في علي ، فإنه مني وأنا منه ، وهو وليكم بعدي » . « مسند أحمد : 5 / 356 » .
    28 . وأشهد أنك وعمك وأخاك ، الذين تاجرتم الله بنفوسكم فأنزل الله فيكم : إِنَّ اللَّهَ
    اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ
    وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي
    بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ
    السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ .
    وفي شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني النيسابوري « 2 / 6 » : « عن عبد الله بن عباس
    في قول الله تعالى : مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ : يعني علياً وحمزة
    وجعفر . مِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ : يعني حمزة وجعفراً . وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ : يعني علياً
    كان ينتظر أجله والوفاء لله بالعهد والشهادة في سبيل الله » .
    29. أشهد يا أمير المؤمنين أن الشاك فيك ما آمن بالرسول الأمين ، وأن العادل بك
    غيرك عادل عن الدين القويم : فمن ثبت عنده أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أعطى لعلي عليه‌السلام هذه
    المكانة ، وأنه لاينطق عن الهوى ، فكيف يرد قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويكفر به .
    والذي ينحرف عن ولايته ويتولى غيره من الأنداد ، فقد انحرف عن الدين
    القويم الذي أكمله الله بولايته بحكم قوله : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ .

    30. وأشهد أنك المعني بقول العزيز الرحيم : وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا
    تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ : ومعنى هذه الفقرة واضح .
    31. وأشهد أنك لم تزل للهوى مخالفاً ، وللتقى محالفاً ، وعلى كظم الغيظ قادراً ، وعن
    الناس عافياً ، وإذا عصي الله ساخطاً ، وإذا أطيع الله راضياً ، وبما عهد الله إليك عاملاً :
    هذا بيانٌ لحالة الثبات والصمود في موقف أمير المؤمنين عليه‌السلام وهي صفة صاحب
    الدين والمبدأ . وقد عرف بذلك عليه‌السلام في الحرب والسلم ، والشدة والرخاء .
    32. وأشهد أنك ما اتقيتَ ضارعاً ، ولا أمسكتَ عن حقك جازعاً : وهذا بيانٌ
    لسياسته عليه‌السلام مع أهل السقيفة ، فقد كان يلين وقت اللين ويشتد وقت الشدة ،
    ويقيم الحجة بالبرهان ، وهو في ذلك ينفذ أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .
    قال عليه‌السلام : « أخبرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بما الأمة صانعة بي بعده ، فلم أكُ بما صنعوا
    حين عاينته بأعلم مني ولا أشد يقيناً مني به قبل ذلك ، بل أنا بقول رسول
    الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أشد يقيناً مني بما عاينت وشهدت » . « كتاب سليم بن قيس / 215 » .
    33. وأشهد أنك يا أمير المؤمنين جاهدت في الله حق جهاده ، حتى دعاك الله إلى
    جواره : روى النسائي في خصائص علي عليه‌السلام / 40 ، والحاكم : 3 / 122 ، وصححه على
    شرط الشيخين ، عن أبي سعيد الخدري قال : كنا جلوساً ننظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فخرج
    الينا قد انقطع شسع نعله فرمى به إلى علي عليه‌السلام فقال : إن منكم رجلاً يقاتل الناس
    على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ، قال أبوبكر : أنا ؟ قال : لا . قال عمر : أنا ؟
    قال : لا ، ولكن خاصف النعل » .


    34. السلام عليك يا أمير المؤمنين ، عبدت الله مخلصاً ، وجاهدت في الله صابراً .. لا
    تحفل بالنوائب ، ولا تهن عند الشدائد ، ولا تحجم عن محارب . أفِكَ من نسب غير
    ذلك ، وافترى باطلاً عليك : وهذه باقة من صفاته عليه‌السلام في الجهاد والسياسة . وقد
    رد في آخرها ما يحاوله أعداؤه وفي طليعتهم المتوكل أن يفتروا عليه غير ذلك .
    35. وأنت أول من آمن بالله وصلى له ، وجاهد وأبدى صفحته في دار الشرك ،
    والأرض مشحونةٌ ضلالةً ، والشيطانُ يعبد جهرةً : وهذا وصفٌ لشجاعته عليه‌السلام في
    مرحلة مكة قبل إسلام الناس ، ثم عندما كانوا يبتعدون بأنفسهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله !
    ففي السنوات الثلاث الأولى لم يكن أحد مسلماً غير بضعة من بني هاشم ، وقد
    هاجَ زعماء المشركين وعملوا ليل نهار لقتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فكان عليٌّ عليه‌السلام مهموماً في
    حراسته ليله ونهاره ، مع أبيه ، وعمه حمزة ، وأخيه جعفر .
    وبعد الثلاث سنوات كان حصار الشعب ، وكان يوجد بعض المسلمين ، لكنهم
    لم يسدوا فراغاً ولا وقفوا في منع خطر أو ضرر . وقد ادعوا بعد ذلك لبعضهم
    بطولات ، لكن اعترفوا بأنهم لم يوصلوا صاع حنطة الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الشعب !
    وأن ثقل الأمور طوال كان على عاتق بني هاشم ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام خاصة .
    وقد رووا أن أبا بكر أجاره ابن الدغنة سيد الأحابيش ، وأن عمر أجاره العاص
    بن وائل ، أما علي عليه‌السلام فلم يستجر بأحد ، وكان مضرب المثل في خدمته لرسول
    الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والدفاع عنه ، وتحديه لأعدائه !
    36. وأنت القائل لاتزيدني كثرة الناس حولي عزة ، ولا تفرقهم عني وحشة ، ولو
    أسلمني الناس جميعاً لم أكن متضرعاً . اعتصمتَ بالله فعززتَ :

    فبَيَّنَ بهذه الفقرة أن سبب شجاعته درجةُ اعتصامه وعبوديته لله تعالى .
    37. أشهد شهادة حق ، وأقسم بالله قسم صدق أن محمداً وآله صلوات الله عليهم
    سادات الخلق .. وأنه القائل لك : والذي بعثني بالحق ما آمن بي من كفر بك :
    ويؤيد هذه الشهادة النبوية أحاديث متعددة نص بعضها على أفضلية بني هاشم
    على غيرهم ، ونص بعضها على أن عترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يقاس بهم أحد .
    ففي مناقب أحمد لابن الجوزي / 163 : « سمعت عبد الله بن حنبل يقول : حدث
    أبي بحديث سفينة فقلت : يا أبة ما تقول في التفضيل ؟ قال : في الخلافة أبوبكر
    وعمر وعثمان . فقلت فعلي بن أبي طالب ؟ قال : يا بني علي بن أبي طالب من أهل
    البيت لا يقاس بهم أحد » .
    وفي الرياض النضرة للطبري « 2 / 275 » : « قال رجل لابن عمر : يا أبا عبد الرحمن :
    فعلي كرم الله وجهه ؟ قال ابن عمر : علي من أهل البيت لا يقاس بهم ، علي مع
    رسول الله في درجته ، إن الله عز وجل يقول : وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ
    أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ، فاطمة مع رسول الله في درجته ، وعلي مع فاطمة الزهراء » .
    38. مولاي ، فضلك لا يخفى ، ونورك لا يُطفى ، وإن من جحدك الظلوم الأشقى :
    أهم هذه الصفات أنه عليه‌السلام حجة الله على خلقه ، وله أدلته من القرآن والسنة .
    ولعن مستحلي حرمة العترة اقتداء بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنه قال : « خمسة لعنتهم وكل نبي
    مجاب : الزائد في كتاب الله ، والتارك لسنتي ، والمكذب بقدر الله ، والمستحل من
    عترتي ما حرم الله ، والمستأثر بالفئ ، والمستحل له » . « الكافي : 1 / 293 » .


    « ستة لعنتهم ولعنهم الله ، وكل نبي مجاب : الزائد في كتاب الله ، والمكذب بقدر
    الله ، والمتسلط بالجبروت ليذل من أعز الله ويعز من أذل الله ، والتارك لسنتي ،
    والمستحل من عترتي ما حرم الله ، والمستحل لحرم الله » . « الحاكم : 2 / 525 وصححه » .
    39. وأشهد أنك ما أقدمتَ ، ولا أحجمت ، ولا نطقت ، ولا أمسكتَ ، إلا بأمر من
    الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وقد رووا أن خالد بن الوليد بعث بريدة يشتكي على علي
    للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال بريدة : « فوقعت في علي حتى فرغت ، ثم رفعت رأسي فرأيت
    رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب غضباً لم أره غضب مثله إلا يوم قريظة
    والنضير ، فنظر إلى فقال : يا بريدة أحب علياً فإنما يفعل ما أمر به ! فقمت وما
    من الناس أحد أحب إلى منه » . « أوسط الطبراني : 5 / 117 ، ومجمع الزوائد : 9 / 129 ،
    وتاريخ دمشق : 42 / 191 ، وفي رواية أخرى فيه : « قال له : أنافقت بعدي يا بريدة » !
    40. وأنت ولي الله وأخو رسوله ، والذابُّ عن دينه ، والذي نطق القرآن بتفضيله : قال
    الله تعالى : وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا . دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً
    وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا . « النساء : 68 ـ 69 » . وجهاد علي عليه‌السلام بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كافٍ
    لتفضيله على كافة الصحابة خاصة الفارين في الحروب ، لكن القرشيين عَصَبُوا
    دماء مشركيهم الذين قتلهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعلي عليه‌السلام لأنه كبير بني هاشم ، وانتقموا
    من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بشخص علي ! ومن انتقامهم أنهم جعلوا الجهاد الدعوة الى
    الإسلام وليس القتال . فعلي مقاتل وليس مجاهداً ، وفلان وفلان مجاهدون ولو
    لم يقاتلوا ! وقد استمات الفخر الرازي لإثبات هذا التزييف القرشي ، فقال إن أبا


    بكر جاهد بالدعوة الى الإسلام ، وعلي قاتل فقط ! قال في تفسيره « 11 / 9 » : « وهذا
    النوع من الجهاد هو حرفة النبي « ص » وأما جهاد علي فإنما كان بالقتل ، ولا شك
    أن الأول أفضل » !
    41. أشهد أنك المخصوص بمدحة الله ، المخلص لطاعة الله ، لم تبغ بالهدى بدلاً ، ولم
    تشرك بعبادة ربك أحداً ، وإن الله تعالى استجاب لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله فيك دعوته :
    ففي كمال الدين / 285 ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : « أخبرني ربي جل جلاله أنه
    قد استجاب لي فيك وفي شركائك الذين يكونون من بعدك ، فقلت : يا رسول
    الله ومن شركائي من بعدي ؟ قال : الذين قرنهم الله عز وجل بنفسه وبي ، فقال :
    أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ . فقلت : يا رسول الله ومن هم ؟ قال :
    الأوصياء مني إلى أن يردوا علي الحوض كلهم هاد مهتد ، لايضرهم من خذلهم ،
    هم مع القرآن والقرآن معهم لا يفارقهم ولا يفارقونه ، بهم تنصر أمتي وبهم
    يمطرون وبهم يدفع عنهم البلاء ويستجاب دعاؤهم » .
    42. فلما أشفق من فتنة الفاسقين واتقى فيك المنافقين ، أوحى الله رب العالمين : يَا أَيُّهَا
    الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ
    اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ . فوضع على نفسه أوزار المسير ، ونهض في رمضاء الهجير
    فخطب فأسمع ، ونادى فأبلغ :
    ومعنى عصمة الله لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله في الآية أن يعصمه من ارتداد أمته ، ولا يصح
    تفسيرها بغير ذلك ، كما بينا في كتاب : تفسير آيات الغدير الثلاث .


    43 . فما آمن بما أنزل الله فيك على نبيه إلا قليل ، ولا زاد أكثرهم إلا تخسيراً ، ولقد
    أنزل الله تعالى فيك من قبل وهم كارهون : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ
    فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
    وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ..
    44. السلام عليك يا أمير المؤمنين ، وسيد الوصيين ، وأول العابدين ..
    45. أنت مطعم الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً لوجه الله لا تريد منهم جزاء
    ولا شكوراً ... وأنت الكاظم للغيظ ، والعافي عن الناس ، والله يحب المحسنين . وأنت
    الصابر في البأساء والضراء وحين البأس ..
    وهذه صفات ثابتةٌ لأمير المؤمنين عليه‌السلام دون مخالفيه ، وقد روتها مصادر الجميع .
    46. والله تعالى أخبر عما أولاك من فضله بقوله : أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا
    يَسْتَوُونَ . وقد ورد تفسيرها بأمير المؤمنين عليه‌السلام .
    47. وأنت المخصوص بعلم التنزيل ، وحكم التأويل ، ونصر الرسول ، ولك
    المواقف المشهورة ، والمقامات المشهورة ، والأيام المذكورة ، يوم بدر ويوم الأحزاب :
    وقد روى المؤرخون أن المسلمين قتلوا نصف قتلى بدر من عتاة المشركين ، وقتل
    علي عليه‌السلام وحده نصفهم . وحاول القرشيون بعدها أن يطمسوا بطولة علي عليه‌السلام !
    قال عمر بن عبد العزيز كما في شرح النهج : 4 / 58 : « كنت غلاماً أقرأ القرآن على
    بعض ولد عتبة بن مسعود ، فمر بي يوماً وأنا ألعب مع الصبيان ، ونحن نلعن
    علياً ، فكره ذلك ودخل المسجد ، فتركت الصبيان وجئت إليه لأدرس عليه
    وردي ، فلما رآني قام فصلى وأطال في الصلاة شبه المعرض عني ، حتى أحسست


    منه بذلك ، فلما انفتل من صلاته كلح في وجهي ، فقلت له : ما بال الشيخ ؟ فقال
    لي : يا بنى ، أنت اللاعن علياً منذ اليوم ؟ قلت : نعم ، قال : فمتى علمت أن الله
    سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم ! فقلت : يا أبت ، وهل كان علي من أهل
    بدر ؟ فقال : ويحك ! وهل كانت بدر كلها إلا له ! فقلت : لا أعود ، فقال : الله
    أنك لا تعود ! قلت : نعم ، فلم ألعنه بعدها .
    ثم كنت أحضر تحت منبر المدينة وأبي يخطب يوم الجمعة وهو حينئذ أمير المدينة
    فكنت أسمع أبي يمر في خطبه تهدر شقاشقه ، حتى يأتي إلى لعن علي فيجمجم ،
    ويعرض له من الفهاهة والحصر ما الله عالم » .
    48. ويوم أُحُد : إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ : وأنت
    تذود المشركين عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات اليمين وذات الشمال :
    وقد وصف الله تعالى فرار المسلمين في أحُد في نحو ستين آية إذ تركوا نبيهم صلى‌الله‌عليه‌وآله
    لسيوف المشركين ، وثبت معه أول الأمر أبو دجانة ونسيبة بنت عمارة وعلي عليه‌السلام
    فجرح الأولان وبقي عليٌّ عليه‌السلام وحده ، فقاتل هو والنبي حتى وقع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في
    حفرة واجتمع المشركون ليقتلوه ، فكشفهم علي عليه‌السلام وأمر جبرئيل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن
    يقعد في ظل الصخرة ، وأن يقاتل علي عليه‌السلام وحده ، فواصل رد حملاتهم عن النبي
    صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى نصره الله ، وقرر المشركون أن ينسحبوا !
    49. ويوم حنين على ما نطق به التنزيل : لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ
    أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ .
    ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ . « التوبة : 25 » والمؤمنون أنت ومن يليك :


    وقد انهزم في حنين جميعاً وكانوا اثني عشر ألفاً ! ونكثوا بيعتهم تحت الشجرة في
    الحديبية على أن لايفروا ! وثبت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بنو عبد المطلب ومعهم أيمن بن أم
    أيمن فقط ، فقاتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قتال الأبطال ، ورتب علي عليه‌السلام بني هاشم لحماية
    النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحمل على هوازن وكانوا عشرين ألفاً ، وكان يقصد قادتهم واحداً
    بعد الآخر ، حتى قتل أربعين من حمَلَة الرايات ! وكان يأسر بعضهم ويأتي بهم
    فيضعهم عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ! وقد أقسم ابن هشام في السيرة « 4 / 896 » فقال :
    « فوالله ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسارى مكتَّفين عند
    رسول الله » . وكان علي عليه‌السلام هو الذي أسرهم وكتَّفهم !
    50. ويوم خيبر إذ أظهر الله خَوَرَ المنافقين ، وقطع دابرَ الكافرين ، والحمد لله رب
    العالمين : وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا :
    وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فتح القسم الأول من خيبر واسمه : النطاة ، وترك فيه علياً عليه‌السلام
    يرتب أموره ، وجاء الى القسم الآخر واسمه : الكتيبة ، والفاصلة بينهما بضعة
    كيلومترات ، فحاصر حصونها وأهمها : القموص ، والسلالم والوطيح ،
    حاصرها أكثر من عشرين يوماً ، وكان يرسل المسلمين بقيادة الصحابة المعروفين
    فيرجعون منهزمين ، وقد وبخهم الله تعالى بقوله : وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا
    يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا .
    ثم قال الصحابة أرسل الى علي عليه‌السلام فأرسل اليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وجاء وكان أرمد
    العينين ، فشافاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بريقه ، وقال فيه كلمته المعروفة .

    قال ابن هشام « 3 / 797 » : « بعث أبا بكر الصديق برايته إلى بعض حصون خيبر ،
    فقاتل فرجع ولم يك فتح ، وقد جَهِدَ ! ثم بعث الغد عمر بن الخطاب فقاتل ثم
    رجع ولم يك فتح ، وقد جَهِدَ ! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لأعطين الراية غداً رجلاً
    يحب الله ورسوله ، يفتح الله على يديه ليس بفرار ! فدعا رسول الله علياً وهو
    أرمد فتفل في عينه ثم قال : خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك . يقول
    سلمة : فخرج والله بها يأنج ، يهرول هرولة ، وإنا لخلفه نتبع أثره حتى ركز رايته
    في رضم من حجارة تحت الحصن .. فما رجع حتى فتح الله على يديه » .
    51. مولايَ ، أنت الحجة البالغة ، والمحجة الواضحة ، والنعمة السابغة ، والبرهان
    المنير ، فهنيئاً لك ما آتاك الله من فضل ، وتباً لشانئك ذي الجهل ... شهدتَ مع
    النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جميع حروبه ومغازيه ، تحمل الراية أمامه ، وتضرب بالسيف قدامه ...
    52. وكم من أمرٍ صدَّك عن إمضاء عزمك فيه التُّقى ، واتبع غيرك في نيله الهوى ..
    ولقد أوضحت ما أشكل من ذلك لمن توهم وامترى ، بقولك صلى الله عليك : قد يرى
    الحُوَّلُ القُلَّبُ وَجْهَ الحيلة ، ودونها حاجزٌ من تقوى الله ، فيدعها رأيَ العين ، وينتهز
    فرصتها من لا جريحة له في الدين !صدقتَ وخسر المبطلون :
    وهذه ميزة سامية لأمير المؤمنين عليه‌السلام على غيره ، في إصراره على طهارة الوسي
    لة والهدف ، فهدفه إعادة العهد النبوي ، وتثبيت قيم الإسلام ، حتى لو كان فيها
    خسارة سياسية عليه . وقد انتقد سياسة الغدر ومخالفة قيم الإسلام ، فقال « نهج
    البلاغة : 1 / 92 » : « ولقد أصبحنا في زمان قد اتخذ أكثر أهله الغدر كيساً ، ونسبهم
    أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة ! ما لهم قاتلهم الله . قد يرى الحُوَّلُ القُلَّبُ وجهَ



    الحيلة ودونه مانع من أمر الله ونهيه ، فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها ، وينتهز
    فرصتها من لا حريجة له في الدين » .
    وقال عليه‌السلام « الكافي : 8 / 24 » : « وكل نعيم دون الجنة محقور ، وكل بلاء دون النار
    عافية .. تصفية العمل أشد من العمل ، وتخليص النية من الفساد ، أشد على
    العاملين من طول الجهاد . هيهات لولا التقى لكنت أدهى العرب » .
    53. وإذ ماكرك الناكثان فقالا : نريد العمرة ، فقلت لهما : لعمري ما تريدان العمرة
    لكن الغدرة ، وأخذت البيعة عليهما ، وجددت الميثاق فجدا في النفاق ، فلما نبهتهما على
    فعلهما أغفلا وعادا ، وما انتفعا ، وكان عاقبة أمرهما خسرا .
    54. ثم تلاهما أهل الشام فسرت إليهم بعد الإعذار ..
    55. مولاي ، بك ظهر الحق .. وعدوك عدو الله ، جاحدٌ لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يدعو باطلاً
    ويحكم جائراً ، ويتأمر غاصباً ، ويدعو حزبه إلى النار ..
    56. وعلى من سلَّ سيفه عليك وسللت عليه سيفك يا أمير المؤمنين ..
    57. والأمر الأعجب والخطب الأفظع بعد جحدك حقك ، غصب الصديقة الزهراء
    سيدة النساء فدكاً ..
    58. قال الله جل وعز : إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا .. إِلَّا الْمُصَلِّينَ ، فاستثنى الله تعالى نبيه
    المصطفى وأنت يا سيد الأوصياء من جميع الخلق ..
    59. ثم أفرضوك سهم ذوي القربى مكراً ، وأحادوه عن أهله جوراً ..

    روى النسائي في سننه « 7 / 128 » : « أن نجدة الحروري حين خرج في فتنة ابن
    الزبير أرسل إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذي القربى لمن تراه ؟ قال : هو لنا
    لقربى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قسمه رسول الله لهم ، وقد كان عمر عرض علينا شيئاً
    رأيناه دون حقنا ، فأبينا أن نقبله ، وكان الذي عرض عليهم أن يعين ناكحهم ،
    ويقضي عن غارمهم ، ويعطي فقيرهم ، وأبى أن يزيدهم على ذلك » .
    60. وأشبهت في البيات على الفراش الذبيح عليه‌السلام إذ أجبت كما أجاب ..
    61. ثم محنتك يوم صفين ، وقد رُفعت المصاحف حيلةً ومكراً ..
    62. صلوات الله عليك غاديةً ورائحةً ، وعاكفة وذاهبة .. وفي مدح الله تعالى لك
    غنى عن مدح المادحين وتقريظ الواصفين ، قال الله تعالى : مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ
    صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا .
    63. ولما رأيتَ أنك قد قاتلت الناكثين والقاسطين والمارقين ، وصدقك رسول الله
    وعده صلى‌الله‌عليه‌وآله فأوفيت بعهده ، قلت : أما آن أن تخضب هذه من هذه ..
    64. اللهم العن قتلة أنبيائك وأوصياء أنبيائك بجميع لعناتك ، وأصْلِهِمْ حَرَّ نارك ،
    والعن من غصب وليك حقه وأنكر عهده ، وجحده بعد اليقين والإقرار ..
    65. اللهم صل على محمد خاتم النبيين ، وسيد المرسلين وآله الطاهرين ، واجعلنا
    بهم متمسكين وبموالاتهم .. » .


    الإمام الهادي عليه‌السلام يطلق ( إلياذة ) الشيعة في الأئمة عليهم‌السلام
    1. الزيارة الجامعة نَصٌّ فريدٌ أملاه الإمام علي الهادي عليه‌السلام على موسى بن عمران
    النخعي ، عندما قال له : علمني يا ابن رسول الله قولاً أقوله بليغاً كاملاً ، إذا
    زرتُ واحداً منكم . فعلمه هذه الزيارة التي عرفت بالزيارة الجامعة .
    وتقع في نحو عشر صفحات ، وتتضمن أهم صفات الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام
    ومكانتهم ومقامهم عند الله تعالى .
    ومنذ صدورها ، أخذت مكانتها الخاصة عند علماء الشيعة ومتدينيهم ، فهم
    يتلونها في مشاهدهم ومساجدهم وحسينياتهم وبيوتهم ، لأنها تعبر عن عقيدتهم
    في أئمتهم عليهم‌السلام ، فهي بحق ملحمة عقيدة المسلم الشيعي ، وأنشودته المحببة الى
    وجدانه ، وقصيدته العصماء التي يحب أن يلقيها في مديحهم .
    فهي جديرة بأن يتأملها من أراد معرفة عقيدة الشيعة في أئمتهم عليهم‌السلام ، وأن
    يدرسها الشيعي ليتفهم مكانة نبيه وأئمته المعصومين عليهم‌السلام عند الله تعالى .
    2. أملى الإمام الهادي هذه الملحمة بلغةٍ لا يجيدها إلا أهل البيت عليهم‌السلام الذين هم
    أفصح من نطق بالضاد ، وأقدر من تمكن من قيادها ، وأبرع معماريها .
    تقرأ في هذه الزيارة مثل هذه الفقرة : السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ، وموضع
    الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الوحي ، ومعدن الرسالة ، وخزانَ العلم ، ومنتهى


    الحلم ، وأصولَ الكرم ، وقادةَ الأمم ، وأولياءَ النعم ، وعناصرَ الأبرار ، ودعائمَ
    الأخيار ، وساسةَ العباد ، وأركانَ البلاد ، وأبوابَ الإيمان ، وأمناءَ الرحمن ، وسلالةَ
    النبيين ، وصفوةَ المرسلين ، وعترةَ خِيَرة رب العالمين ، ورحمة الله وبركاته .
    وهذه الفقرة : السلام على محالِّ معرفة الله ، ومساكن بركة الله ، ومعادن حكمة الله ،
    وحفظة سر الله ، وحملة كتاب الله ، وأوصياء نبي الله ، وذرية رسول الله ..
    فتَبْهُرُك قدرة معمارها على بناء العبارة العربية ، وخبرته في انتقاء الكلمات من
    أسفاطها كما ينتقي الخبير جواهره ، وتبهرك خيوط ربطه وحروف التعدية التي
    يشد بها الأفعال والأسماء والحروف ، فتتقابل الكلمات والفقرات وتتناغم .
    هذا ، ولايتسع المجال لوصف خصائص التعبير والمضمون في الزيارة الجامعة .
    3. في شخصية النبي والإمام سرٌّ وهيام : سِرٌّ هو ارتباط المعصوم بربه ، ومدده
    منه . وهيامُ المؤمنين به ، إيماناً وحباً وطاعةً . كما تجد ذلك في سيرتهم عليهم‌السلام وفي
    تعامل المؤمنين معهم ، وتتعرف عليه في الزيارة الجامعة .
    وقد كان ذلك حقيقة من عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففي أمالي الصدوق / 414 : « قال رسول
    الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لايؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه ، وأهلي أحب إليه من أهله
    وعترتي أحب إليه من عترته ، وذاتي أحب إليه من ذاته » .
    وفي الكافي « 8 / 78 » قال الإمام الصادق عليه‌السلام : « كان رجل يبيع الزيت وكان يحب
    رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حباً شديداً . كان إذا أراد أن يذهب في حاجته لم يمض حتى ينظر
    إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد عرف ذلك منه فإذا جاء تطاول له حتى ينظر إليه » .


    3. بَلَّغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أمته أن الله تعالى أعطى الأئمة من عترته عليهم‌السلام السر من بعده
    وأمر أمته أن تحبهم معه ، لكن قريشاً عملت ضد العترة ، لأن خلافة النبي برأيها
    يجب أن تكون لبطون قريش ، وليس لعترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .
    واتهمت قريش أنصار العترة النبوية بأنهم يغالون في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وفيهم ، ويدَّعون
    أنهم يعلمون الغيب ، وكانو يسمونهم : عُبَّاد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله !
    وقد قال لهم أبو بكر في المدينة وسهيل بن عمرو في مكة ، بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :
    « من كان يعبد محمداً ، فإن محمداً قد مات » . « مسند أحمد « 6 / 220 » .
    4. يتصور البعض أن المشكلة في قضية أهل البيت عليهم‌السلام هي الغلو ، لكن الغلو
    محصور في حفنة ألَّهوا أهل البيت والعياذ بالله ، وقد حسم الأئمة عليهم‌السلام الموقف
    منهم ، وكَفَّرُوا كل من ألَّه مخلوقاً ، أو أشركه مع الله تعالى .
    بل المشكلة تقصير المسلمين في حق أهل البيت عليهم‌السلام ، وإعراضهم عنهم ورفعهم
    مخالفيهم وظالميهم مقابلهم ! وقد حاربت قريش بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من أحبهم وكأنه
    ارتكب جريمة ، ووصفوه بالضلال والغلو ، والكفر ! كما قال الكميت رحمه‌الله :
    وطائفةٌ قد كَفَّرَتْنِي بِحُبِّكُمْ
    وطائفةٌ قالوا مسئٌ ومذنبُ

    فما ساءني تكفيرُ هاتيكَ منهمُ
    ولا عيبُ هاتيكَ التي هيَ أعْيَبُ

    يعيبونني من خِبِّهم وضلالهمْ
    على حبكم بل يسخرون وأعجب

    وقالوا ترابيٌّ هواهُ ورأيهُ
    بذلك أدعى فيهم وألقب

    فلا زلت منهم حيث يتهمونني
    ولا زلت في أشياعكم أتقلب

    وأحمل أحقاد الأقارب فيكم
    ويُنْصَبُ لي في الأبعدين فأنصب



    بخاتمكم غصباً تجوز أمورهم
    فلم أرَ غصباً مثله حين يغصب

    فقل للذي في ظِلِّ عمياءَ جُونَةٍ
    ترى الجور عدلاً أين لا أينَ تذهب

    بأيِّ كتابٍ أم بأيةِ سنةٍ
    ترى حبهم عاراً عليَّ وتَحْسِبُ

    فَمَا لِيَ إلَّا آلَ أحمدَ شيعةٌ
    وماليَ إلا مذهبَ الحق مذهبُ

    5. لم تستطع الحكومات القرشية المتعاقبة أن تبعد الأمة عن العترة النبوية ،
    فكانت لهم شيعة يؤمنون بهم ، وتنامى وجودهم رغم الإضطهاد .
    وكان الناس في كل جيل يشاهدون أنواع الكرامات والمعجزات لأمير المؤمنين
    والصديقة الزهراء والحسن والحسين وزين العابدين ومحمد الباقر وجعفر
    الصادق وموسى الكاظم وعلي الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي ، والحسن
    العسكري والإمام المهدي ، صلوات الله عليهم . وترويها مصادرهم .
    وقد رووا أن عَتَّاباً القائد قال للإمام الهادي عليه‌السلام : « الناس يقولون إنك تعلم
    الغيب ، وقد تبينتُ من ذلك خَلَّتين » . « مناقب آل أبي طالب : 3 / 515 » .
    وقال تلميذ الطبيب بختيشوع عن الإمام الهادي عليه‌السلام : « إن كان مخلوق يعلم
    الغيب فهو » . « دلائل الإمامة / 418 » .
    ظاهرة النصب والغلو في أهل البيت عليهم‌السلام
    اختلفت الأمة في عليٍّ والأئمة من عترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، من تكفيرهم .. الى تأليههم !
    قال الشهرستاني في الملل والنحل « 1 / 27 » : « كان علي رضي الله عنه مع الحق والحق
    معه ، وظهر في زمانه الخوارج عليه ، مثل الأشعث بن قيس ، ومسعود بن فدكي



    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني   الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyالثلاثاء أكتوبر 29, 2024 10:24 pm

    فداك لقد ادعى أبو الخطاب وأصحابه فيك أمراً عظيماً ! إنه لبى : لبيتُك جعفر
    لبيك معراج ! وزعم أصحابه أن أبا الخطاب أسريَ به إليك ، فلما هبط إلى
    الأرض من ذلك دعا إليك ، ولذلك لبى بك !
    قال : فرأيت أبا عبد الله عليه‌السلام قد أرسل دمعته من حماليق عينيه وهو يقول : يا رب
    برئت إليك مما ادعى فيَّ الأجدع عبد بني أسد ! خشع لك شعري وبشرى ، عبدٌ
    لك ابن عبد لك ، خاضع ذليل . ثم أطرق ساعة في الأرض كأنه يناجي شيئاً ثم
    رفع رأسه وهو يقول : أجل أجل ، عبدٌ خاضعٌ خاشعٌ ذليلٌ لربه ، صاغرٌ راغمٌ ،
    من ربه خائف وجل . لي والله ربٌّ أعبده لا أشرك به شيئاً !
    ماله أخزاه الله وأرعبه ، ولا آمن روعته يوم القيامة . ما كانت تلبية الأنبياء هكذا
    ولا تلبية الرسل ، إنما لبيتُ : بلبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك » !
    وفي رجال الطوسي « 2 / 584 » : « ثم قال : على أبي الخطاب لعنة الله والملائكة والناس
    أجمعين ، فأشهد بالله أنه كافرٌ فاسقٌ مشرك . وأنه يحشر مع فرعون في أشد العذاب
    غدواً وعشياً ، ثم قال : أما والله إني لأنفس على أجساد أُصْلِيَتْ معه النار » .
    موقف الإمام الكاظم عليه‌السلام من الذين ألَّهُوه
    ففي رجال الطوسي « 2 / 587 » : « فقال يحيى : جعلت فداك إنهم يزعمون أنك تعلم
    الغيب ؟ فقال : سبحان الله سبحان الله ، ضع يدك على رأسي ، فوالله ما بقيت في
    جسدي شعرة ولا في رأسي إلا قامت ! قال ثم قال : لا والله ، ما هي إلا وراثة
    عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » .

    موقف الإمام الرضا عليه‌السلام من الذين ألَّهُوه
    وكذلك موقف الإمام الرضا عليه‌السلام : ففي معجم رجال الحديث « 18 / 135 » : « قال أبو
    الحسن الرضا عليه‌السلام : آذاني محمد بن الفرات ، آذاه الله وأذاقه الله حر الحديد ، آذاني
    لعنه الله ما آذى أبو الخطاب لعنه الله جعفر بن محمد عليه‌السلام بمثله ، وما كذب علينا
    خطابي مثل ما كذب محمد بن الفرات ، والله ما من أحد يكذب علينا إلا ويذيقه
    الله حر الحديد . قال محمد بن عيسى : فأخبراني وغيرهما : أنه ما لبث محمد بن
    الفرات إلا قليلاً حتى قتله إبراهيم بن شكلة ، أخبث قتلة » .
    وفي الإعتقادات للصدوق / 99 : « كان الرضا عليه‌السلام يقول في دعائه : اللهم إنا عبيدك
    وأبناء عبيدك ، لا نملك لأنفسنا ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً .
    اللهم من زعم أننا أربابٌ فنحن إليك منه براء ، ومن زعم أن إلينا الخلق وعلينا
    الرزق ، فنحن إليك منه براء ، كبراءة عيسى من النصارى » .
    موقف الإمام الهادي عليه‌السلام من الذين ألَّهُوه
    ففي رجال الطوسي « 2 / 805 » : « قال نصر بن الصباح : الحسن بن محمد المعروف
    بابن بابا ، ومحمد بن نصير النميري ، وفارس بن حاتم القزويني . لعن هؤلاء
    الثلاثة عليُّ بن محمد العسكري عليه‌السلام . وذكر أبو محمد الفضل بن شاذان في بعض
    كتبه أن من الكذابين المشهورين : ابن بابا القمي . قال سعد : حدثني العبيدي
    قال : كتب إلي العسكري عليه‌السلام ابتداءً منه : أبرأ إلى الله من الفهري والحسن بن محمد
    بن بابا القمي فأبرأ منهما ، فإني محذرك وجميع مواليَّ ، وإني ألعنهما عليهما لعنة الله ،



    مستأكليْن يأكلان بنا الناس ، فتَّانيْن مؤذييْن آذاهما الله وأركسهما في الفتنة ركساً .
    يزعم ابن بابا أني بعثته نبياً وأنه باب ! عليه لعنة الله ، سخر منه الشيطان فأغواه ،
    فلعن الله من قبل منه ذلك ! يا محمد إن قدرت أن تشدخ رأسه بالحجر فافعل ،
    فإنه قد آذاني آذاه الله في الدنيا والآخرة » .
    ونلاحظ أن أغلب هؤلاء المذمومين الملعونين على لسان الأئمة عليهم‌السلام كانوا شخصيات
    في عصرهم ، وبعضهم كان يساندهم خلفاء أو وزراء ! وقد زاد عددهم في زمن الإمام
    الهادي عليه‌السلام الى نحو عشرين شخصاً . وكان له منهم مواقف حاسمة !
    وسوف نأتي على خبرهم في سيرة الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام .
    سند الزيارة الجامعة وشروحها
    1. بحث علماؤنا سند الزيارة الجامعة ووثاقة رواتها ، وتوقف بعضهم في موسى
    بن عمران النخعي ، ووثقه بعضهم لوروده في سند كتاب كامل الزيارة ، الذي
    نص مؤلفه أنه لايروي إلا عن ثقات ، ووثقه السيد الخوئي لأنه ورد في سند علي
    بن إبراهيم القمي في تفسيره . ووثقه آخرون لأنه راوي أحاديث عمه الحسين بن
    يزيد النوفلي ، وشيخه إسماعيل بن أبي زياد السكوني ، وقد عمل الأصحاب
    بروايات السكوني ، فيكون عملهم توثيقاً له .. الخ .
    والصحيح أنه يكفي في توثيق موسى بن عمران ، رواية كامل الزيارة عنه ،
    فكيف إذا ضم الى ذلك بقية الأدلة والمؤشرات .

    وقد تعجبت من تشكيك المحقق الميرزا النوري رحمه‌الله في رواية الصدوق « مستدرك
    الوسائل : 11 / 171 » واعتماده رواية الكفعمي المرسلة ! وقد كفانا الرد عليه السيد
    الخوئي قدس‌سره « معجم رجال الحديث : 17 / 347 » .
    بل لا يحتاج الأمر عندي الى بحث السند بعد أن بلغ المتن مستوى من العلو
    والتميز بحيث يجزم من له خبرة بالعربية والقرآن والسنة ، بأنه صادر من معدن
    العلم النبوي ، وأن الرواة لو اجتمعوا على أن يضعوا مثله لما استطاعوا !
    ويكفي لتصديق ما ذكرنا أن تتأمل في فقراتٍ من هذه الزيارة الفريدة .
    إنها نوعٌ من الكلام الشامخ ، تعيا عن غوره الأذهان ، وتعجز عن أبعاده
    العقول ، وتكل عنه المشاعر ، وتنوء بحمله الصدور .
    وكذلك هي لغة أهل البيت ومقاماتهم صلوات الله عليهم ، فالأولى بمن صَعُبَ
    عليه شئ من معانيها أن لا يتعجل بنفيه ، فلعل المشكلة في فهمه لا في النص .
    2. للزيارة الجامعة بعض الشروح ، من أوسعها شرح الشيخ أحمد الأحسائي رحمه‌الله
    وهو مكتوب بلغة خاصة ومَشرب خاص ، قلَّ من يستوعبه ويجزم بمقصوده .
    ومن أحدث الشروح كتاب آية الله السيد الميلاني دام ظله ، وقد رأيت منه مجلداً
    وهو شرح جيد نافع ، جزى الله مؤلفه خيراً .
    وينبغي الإلفات الى أن الزيارة الجامعة في عمقها وجمالها من نوع تعبير الصحيفة
    السجادية ، وأنها مع الشروح الموجودة لها تحتاج الى شروح أخرى ، تركز على
    أبعادها البلاغية ، والفكرية ، والكلامية المقارنة ، والإجتماعية السياسية .


    نص الزيارة الجامعة
    قال الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام « 1 / 304 » : « حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن
    عمران الدقاق رضي الله عنه ، ومحمد بن أحمد السناني ، وعلي بن عبد الوراق ، والحسين
    بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتَّب ، قالوا : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ،
    وأبوالحسين الأسدي قالوا : حدثنا محمد بن إسماعيل المكي البرمكي قال : حدثنا موسى
    بن عمران النخعي قال : قلت لعلي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن
    علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام : علمني يا ابن رسول الله قولاً أقوله بليغاً
    كاملاً إذا زرتُ واحداً منكم ، فقال : إذا صرت إلى الباب فقف واشهد الشهادتين ،
    وأنت على غسل . فإذا دخلت ورأيت القبر فقف وقل : الله أكبر ثلاثين مرة .
    ثم امش قليلاً وعليك السكينة والوقار ، وقارب بين خطاك ، ثم قف وكبر الله عز
    وجل ثلاثين مرة . ثم ادْنُ من القبر وكبر الله أربعين مرة ، تمام مئة تكبيرة ، ثم قل :
    السلام عليكم يا أهلَ بيت النبوة ، وموضعَ الرسالة ، ومختلفَ الملائكة ، ومهبطَ
    الوحي ، ومعدنَ الرسالة ، وخزانَ العلم ، ومنتهى الحلم ، وأصولَ الكرم ، وقادةَ الأمم
    وأولياءَ النعم ، وعناصرَ الأبرار ، ودعائمَ الأخيار ، وساسةَ العباد ، وأركانَ البلاد ،
    وأبوابَ الإيمان ، وأمناءَ الرحمن ، وسلالةَ النبيين ، وصفوةَ المرسلين ، وعترةَ خِيرة رب
    العالمين ، ورحمة الله وبركاته .
    السلام على أئمة الهدى ، ومصابيح الدجى ، وأعلام التقى ، وذوي النهى ، وأولي
    الحجى ، وكهف الورى ، وورثة الأنبيا ، والمثل الأعلى ، والدعوة الحسنى ، وحجج الله
    على أهل الآخرة والأولى ، ورحمة الله وبركاته .

    السلام على محالِّ معرفة الله ، ومساكن بركة الله ، ومعادن حكمة الله ، وحفظة سر الله
    وحملة كتاب الله ، وأوصياء نبي الله ، وذرية رسول الله ، ورحمة الله وبركاته .
    السلام على الدعاة إلى الله ، والأدلاء على مرضات الله ، والمستقرين في أمر الله ونهيه ،
    والتامين في محبة الله ، والمخلصين في توحيد الله ، والمظهرين لأمر الله ونهيه ، وعباده
    المكرمين ، لايسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ، ورحمة الله وبركاته .
    السلام على الأئمة الدُّعاة ، والقادة الهُداة ، والسادة الوُلاة ، والذادة الحُماة ، أهلِ الذكر
    وأولي الأمر ، وبقيةِ الله ، وخيرته ، وحزبه ، وعيبة علمه ، وحجته ، وصراطه ، ونوره ،
    وبرهانه ، ورحمة الله وبركاته .
    أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، كما شهد الله لنفسه ، وشهدت له ملائكته
    وأولوالعلم من خلقه ، لا إله إلا هو العزيز الحكيم .
    وأشهد أن محمداً عبده المصطفى ، ورسوله المرتضى ، أرسله بالهدى ودين الحق ،
    ليظهره على الدين كله ، ولوكره المشركون .
    وأشهد أنكم الأئمة الراشدون ، المهديون المعصومون ، المكرمون المقربون ، المتقون
    الصادقون ، المصطفوْن المطيعون لله ، القوَّامون بأمره ، العاملون بإرادته ، الفائزون
    بكرامته ، اصطفاكم بعلمه ، وارتضاكم لدينه ، واختاركم لسره ، واجتباكم بقدرته ،
    وأعزكم بهداه ، وخصكم ببرهانه ، وانتجبكم لنوره ، وأيدكم بروحه ، ورضيكم
    خلفاءَ في أرضه ، وحججاً على بريته ، وأنصاراً لدينه وحفظةً لسره ، وخزنةً لعلمه
    ومستودعاً لحكمته ، وتراجمةً لوحيه ، وأركاناً لتوحيده ، وشهداء على خلقه ، وأعلاماً
    لعباده ، ومناراً في بلاده ، وأدلاء على صراطه . عصمكم الله من الزلل ، وآمنكم من
    الفتن ، وطهركم من الدنس ، وأذهب عنكم الرجس ، وطهركم تطهيرا .


    فعظمتم جلاله ، وكبَّرتم شانَه ، ومجَّدتم كرمه ، وأدَمْتُم ذكره ، ووكَّدتم ميثاقه ،
    وأحكمتم عقدَ طاعته ، ونصحتم له في السر والعلانية ، ودعوتم إلى سبيله بالحكمة
    والموعظة الحسنة ، وبذلتم أنفسكم في مرضاته ، وصبرتم على ما أصابكم في جنبه ،
    وأقمتم الصلاة ، وآتيتم الزكاة ، وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر ، وجاهدتم في الله
    حق جهاده ، حتى أعلنتم دعوته ، وبينتم فرائضه ، وأقمتم حدوده ، ونشرتم شرائع
    أحكامه ، وسننتم سنته ، وصرتم في ذلك منه إلى الرضا ، وسلمتم له القضا ، وصدقتم
    من رسله من مضى . فالراغب عنكم مارق ، واللازم لكم لاحق ، والمقصر في حقكم
    زاهق ، والحق معكم وفيكم ، ومنكم وإليكم ، وأنتم أهله ومعدنه .
    وميراث النبوة عندكم ، وإياب الخلق إليكم ، وحسابهم عليكم ، وفصل الخطاب
    عندكم ، وآيات الله لديكم ، وعزائمه فيكم ، ونوره وبرهانه عندكم ، وأمره إليكم .
    من والاكم فقد والى الله ، ومن عاداكم فقد عادى الله ، ومن أحبكم فقد أحب الله ،
    ومن اعتصم بكم فقد اعتصم بالله .
    أنتم السبيلُ الأعظم ، والصراطُ الأقوم ، وشهداءُ دار الفناء ، وشفعاءُ دار البقاء ،
    والرحمةُ الموصولة ، والآيةُ المخزونة ، والأمانةُ المحفوظة ، والبابُ المبتلى به الناس ، من
    أتاكم نجا ، ومن لم يأتكم هلك ، إلى الله تدعون ، وعليه تدلون ، وبه تؤمنون ، وله
    تسلمون ، وبأمره تعملون ، وإلى سبيله ترشدون ، وبقوله تحكمون .
    سَعِدَ والله من والاكم ، وهلك من عاداكم ، وخاب من جحدكم ، وضل من فارقكم
    وفاز من تمسك بكم ، وأمِنَ من لجأ إليكم ، وسَلِمَ من صدَّقكم ، وهُدِيَ من اعتصم
    بكم . من اتبعكم فالجنة مأواه ، ومن خالفكم فالنارُ مثواه ، ومن جحدكم كافر ، ومن
    حاربكم مشرك ، ومن رد عليكم فهو في أسفل درك من الجحيم .

    أشهد أن هذا سابق لكم فيما مضى ، وجارٍ لكم فيما بقي ، وأن أرواحكم ونوركم
    وطينتكم واحدة ، طابت وطهرت ، بعضها من بعض . خلقكم الله أنواراً فجعلكم
    بعرشه مُحْدِقِين ، حتى منَّ علينا فجعلكم الله في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها
    اسمه ، وجعل صلاتنا عليكم وما خصنا به من ولايتكم طِيباً لخَلقنا ، وطهارةً لأنفسنا ،
    وتزكيةً لنا ، وكفارةً لذنوبنا ، فكنا عنده مُسْلِمين بفضلكم ، ومعروفين بتصديقنا إياكم .
    فبلغ الله بكم أشرف محل المكرمين ، وأعلى منازل المقربين ، وأرفع درجات أوصياء
    المرسلين ، حيث لا يلحقه لاحق ، ولا يفوقه فائق ، ولا يسبقه سابق ، ولا يطمع في
    إدراكه طامع ، حتى لا يبقى ملكٌ مقرب ولا نبيٌّ مرسل ، ولا صديقٌ ولا شهيدٌ ، ولا
    عالمٌ ولا جاهل ، ولا دنيٌّ ولا فاضل ، ولا مؤمنٌ صالح ، ولا فاجرٌ طالح ، ولا جبارٌ
    عنيد ، ولا شيطانٌ مريد ، ولا خلقٌ فيما بين ذلك شهيد ، إلا عَرَّفَهُمْ جلالة أمركم ،
    وعِظَمَ خَطَرِكُم ، وكِبَر شأنكم ، وتمام نوركم ، وصِدق مقاعدكم ، وثبات مقامكم ،
    وشرف محلكم ومنزلتكم عنده ، وكرامتكم عليه وخاصتكم لديه ، وقرب منزلتكم منه .
    بأبي أنتم وأمي ، وأهلي ومالي وأسرتي ، أشهد الله وأشهدكم أني مؤمن بكم وبما آمنتم
    به . كافرٌ بعدوكم وبما كفرتم به ، مستبصرٌ بشأنكم وبضلالة من خالفكم ، موالٍ لكم
    ولأوليائكم ، مبغضٌ لأعدائكم ومعاد لهم ، وسلمٌ لمن سالمكم ، وحرب لمن حاربكم ،
    محقق لما حققتم ، مبطل لما أبطلتم ، مطيع لكم ، عارفٌ بحقكم ، مقرٌّ بفضلكم ، محتملٌ
    لعلمكم ، محتجبٌ بذمتكم ، معترفٌ بكم ، مؤمنٌ بإيابكم ، مصدقٌ برجعتكم ، منتظرٌ
    لأمركم ، مرتقبٌ لدولتكم ، آخذٌ بقولكم ، عاملٌ بأمركم ، مستجيرٌ بكم ، زائرٌ لكم
    عائذٌ بكم ، لائذٌ بقبوركم ، مستشفعٌ إلى الله عز وجل بكم ، ومتقربٌ بكم إليه ،
    ومقدمُكم أمام طلبتي وحوائجي وإرادتي ، في كل أحوالي وأموري ، مؤمنٌ بسركم



    وعلانيتكم ، وشاهدكم وغائبكم ، وأولكم وآخركم ، ومفوضٌ في ذلك كله إليكم ،
    ومسلِّمٌ فيه معكم ، وقلبي لكم مؤمن ، ورأيي لكم تبع ، ونصرتي لكم معدة ، حتى
    يحيي الله تعالى دينه بكم ، ويردكم في أيامه ، ويظهركم لعدله ، ويمكنكم في أرضه .
    فمعكم معكم لا مع عدوكم ، آمنت بكم ، وتوليت آخركم بما توليت به أولكم ،
    وبرئت إلى الله تعالى من أعدائكم ، ومن الجبت والطاغوت ، والشياطين وحزبهم
    الظالمين لكم ، والجاحدين لحقكم ، والمارقين من ولايتكم ، والغاصبين لإرثكم ،
    الشاكين فيكم ، المنحرفين عنكم ، ومن كل وليجة دونكم ، وكل مُطاعٍ سواكم ، ومن
    الأئمة الذين يدعون إلى النار .
    فثبتني الله أبداً ما حييت على موالاتكم ومحبتكم ودينكم ، ووفقني لطاعتكم ، ورزقني
    شفاعتكم ، وجعلني من خيار مواليكم ، التابعين لما دعوتم إليه ، وجعلني ممن يقتص
    آثاركم ، ويسلك سبيلكم ، ويهتدي بهداكم ، ويحشر في زمرتكم ، ويَكِرُّ في رجعتكم ،
    ويُمَلَّكُ في دولتكم ، ويُشَرَّفُ في عافيتكم ، ويُمَكَّنُ في أيامكم ، وتقر عينه غداً برؤيتكم .
    بأبي أنتم وأمي ، ونفسي وأهلي ومالي ، من أراد الله بدأ بكم ، ومن وحده قبل عنكم ،
    ومن قصده توجه إليكم ، مواليَّ ، لا أحصي ثناءكم ، ولا أبلغ من المدح كنهكم ، ومن
    الوصف قدركم ، وأنتم نور الأخيار ، وهداة الأبرار ، وحجج الجبار .
    بكم فتح الله ، وبكم يختم ، وبكم ينزل الغيث ، وبكم يمسك السماء أن تقع على
    الأرض إلا باذنه ، وبكم يُنَفِّسُ الهمَّ ، وبكم يكشف الضرَّ ، وعندكم ما تنزل به رسله ،
    وهبطت به ملائكته ، وإلى جدكم بعث الروح الأمين . آتاكم الله ما يؤت أحداً من
    العالمين ، طأطأ كل شريف لشرفكم ، وَبَخَعَ كل متكبر لطاعتكم ، وخضع كل جبار


    لفضلكم ، وذلَّ كل شئ لكم ، وأشرقت الأرض بنوركم ، وفاز الفائزون بولايتكم ،
    بكم يسلك إلى الرضوان ، وعلى من جحد ولايتكم غضب الرحمن .
    بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي ، ذِكْرُكُم في الذاكرين ، وأسماؤكم في الأسماء
    وأجسادكم في الأجساد ، وأرواحكم في الأرواح ، وأنفسكم في النفوس ، وآثاركم في
    الآثار ، وقبوركم في القبور . فما أحلى أسماءكم ، وأكرم أنفسكم ، وأعظم شأنكم ،
    وأجل خطركم ، وأوفى عهدكم . كلامكم نورٌ ، وأمركم رشدٌ ، ووصيتكم التقوى ،
    وفعلكم الخير ، وعادتكم الإحسان ، وسجيتكم الكرم ، وشأنكم الحق والصدق
    والرفق ، وقولكم حُكم وحَتم ، ورأيكم علم وحلم وحزم ، إن ذكر الخير كنتم أوله ،
    وأصله ، وفرعه ، ومعدنه ، ومأواه ، ومنتهاه .
    بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي ، كيف أصف حسن ثنائكم ، وكيف أحصي جميل
    بلائكم ، وبكم أخرجنا الله من الذل ، وفرج عنا غمرات الكروب ، وأنقذنا من شفا
    جرف الهلكات ومن النار .
    بأبي أنتم وأمي ونفسي ، بموالاتكم علمنا الله معالمَ ديننا ، وأصلح ما كان فسد من
    دنيانا ، وبموالاتكم تمت الكلمة ، وعظمت النعمة ، وائتلفت الفرقة ، وبموالاتكم
    تقبل الطاعة المفترضة ، ولكم المودة الواجبة ، والدرجات الرفيعة ، والمقام المحمود
    عند الله تعالى ، والمكان المعلوم ، والجاه العظيم ، والشأن الرفيع ، والشفاعة المقبولة .
    ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين . ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ
    هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب . سبحان ربنا إن كان وعد ربنا
    لمفعولا .


    ياوليَّ الله ، إن بينى وبين الله ذنوباً لا يأتي عليها إلا رضاكم ، فبحقِّ من ائتمنكم على
    سره ، واسترعاكم أمرَ خلقه ، وقَرَنَ طاعتكم بطاعته ، لمَّا استوهبتم ذنوبي ، وكنتم
    شفعائي ، إني لكم مطيع ، من أطاعكم فقد أطاع الله ، ومن عصاكم عصى الله ، ومن
    أحبكم فقد أحب الله ، ومن أبغضكم فقد أبغض الله .
    اللهم إني لو وجدت شفعاءَ أقرب إليك من محمد وأهل بيته الأخيار الأئمة الأبرار
    لجعلتهم شفعائي ، فبحقهم الذي أوجبت لهم عليك ، أسألك أن تدخلني في جملة
    العارفين بهم ، وبحقهم ، وفي زمرة المرجوين لشفاعتهم ، إنك أرحم الراحمين » .
    فهرس أولي للزيارة الجامعة
    تتكون الزيارة الجامعة من الفصول التالية :
    الفصل الأول : مراسم الزيارة ومقدماتها :
    وهي الإغتسال للزيارة ، والتشهد عند الوصول الى الباب ، والتكبير مئة مرة
    أثناء الدخول الى مشهد المعصوم عليه‌السلام .
    الفصل الثاني : التسليمات الخمس على الأئمة عليه‌السلام :
    السلام الأول : فيه تسع عشرة صفة للأئمة عليهم‌السلام ، تبدأ بقوله : « السلام عليكم يا
    أهل بيت النبوة وموضع الرسالة » الى قوله : « وعترة خيرة رب العالمين » .
    السلام الثاني : فيه عشر صفات للأئمة عليهم‌السلام ، تبدأ بقوله : « السلام على أئمة الهدى
    ومصابيح الدجى » الى قوله : « وحجج الله على أهل الآخرة والأولى » .

    السلام الثالث : فيه سبع صفات للأئمة عليهم‌السلام ، تبدأ بقوله : « السلام على محال
    معرفة الله » الى قوله : « وذرية رسول الله » .
    السلام الرابع : فيه سبع صفات للأئمة عليهم‌السلام ، تبدأ بقوله : « السلام على الدعاة إلى
    الله » الى قوله : « وهم بأمره يعملون » .
    السلام الخامس : فيه أربع عشرة صفة للأئمة عليهم‌السلام ، تبدأ بقوله : « السلام على
    الأئمة الدعاة والقادة الهداة » الى قوله : « وصراطه ونوره وبرهانه » .
    الفصل الثالث : التشهد .. والشهادة للأئمة عليهم‌السلام :
    وهو تشهد لله تعالى بالوحدانية ، ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرسالة ، وشهادةٌ بإمامة الأئمة
    عليهم‌السلام ومقاماتهم وسيرتهم ، وقد تضمن أكثر من مئة صفة لهم عليهم‌السلام .
    وتتكون الشهادة لهم من خمس فقرات :
    الفقرة الأولى ، الشهادة بما أعطاهم الله من نعم :
    من قوله : « وأشهد أنكم الأئمة الراشدون » الى قوله : « وطهركم تطهيرا » .
    الفقرة الثانية ، أنهم قابلوا نعم الله بالطاعة والعبودية :
    من قوله : « فعظمتم جلاله وكبَّرْتم شَانَهُ » الى : « وصدقتم من رسله من مضى » .
    الفقرة الثالثة ، أنهم عليهم‌السلام ميزان الهدى والضلال والنجاة والهلاك :
    من قوله : « فالراغب عنكم مارق » الى قوله : « ومن رد عليكم فهو في أسفل درك » .
    الفقرة الرابعة ، في وحدة نور النبي والأئمة عليهم‌السلام في عالم الخلق والحجة :


    من قوله : « أشهد أن هذا سابقٌ لكم فيما مضى وجار لكم فيما بقي » . الى قوله :
    « فكنا عنده مسلمين بفضلكم ، ومعروفين بتصديقنا إياكم » .
    الفقرة الخامسة ، الدعاء للأئمة عليهم‌السلام أن يبلغ الله فيهم هدفه :
    من قوله : « فبلغ الله بكم أشرف محل المكرمين » الى قوله : « وخاصتكم لديه » .
    الفقرة السادسة ، الشهادة لله بولايتهم عليهم‌السلام والبراءة من أعدائهم :
    من قوله : « بأبي أنتم وأمي وأهلي ومالي وأسرتي » الى قوله : « ومن الأئمة الذين
    يدعون إلى النار » .
    الفصل الرابع : في أنهم عليهم‌السلام الطريق الى الله تعالى دون غيرهم :
    من قوله : « بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي ، من أراد الله بدأ بكم » الى قوله :
    « وعلى من جحد ولايتكم غضب الرحمن » .
    الفصل الخامس : أن الله منَّ على البشر فجعل فيهم النبي وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله :
    من قوله : « بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي » الى قوله : « إن ذكر الخير كنتم
    أوله وأصله وفرعه » .
    الفصل السادس : بيان نعمة النبي والأئمة عليهم‌السلام على شيعتهم ومحبيهم :
    من قوله : « بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي » الى قوله : « سبحان ربنا » .
    الفصل السابع : الإستشفاع والتوسل الى الله تعالى بالنبي والأئمة عليهم‌السلام :
    من قوله : « يا ولي الله إن بينى وبين الله ذنوباً » الى قوله : « وفي زمرة المرجوين
    لشفاعتهم » .

    الفصل الثاني عشر :
    شخصيات عاصرت الإمام الهادي عليه‌السلام
    قضاة القضاة
    قاضي القضاة يحيى بن أكثم :
    كتبنا له ترجمة مختصرة في سيرة الإمام الجواد عليه‌السلام ، وقلنا إنه شاب خراساني مولى
    لبني تميم ، أُعجب به المأمون واختاره من خاصته ، ثم أرسله قاضياً على البصرة
    وشكا منه أهل البصرة لافتضاحه باللواط ، فلم يقبل منهم المأمون ، ثم زادت
    شكواهم بأنه أفسد أولادهم ، فأخذه المأمون الى البلاط في بغداد .
    قال المسعودي في مروج الذهب « 3 / 434 » : « فرُفع إلى المأمون أنه أفسد أولادهم
    بكثرة لواطه ، فقال المأمون : لو طعنوا عليه في أحكامه قُبِل ذلك منهم ! قالوا : يا
    أمير المؤمنين قد ظهرت منه الفواحش وارتكاب الكبائر ، واستفاض ذلك عنه ،
    وهو القائل يا أمير المؤمنين ، في صفة الغلمان وطبقاتهم ومراتبهم وفي أوصافهم ...
    وبلغ من إذاعته ومجاهرته باللواط ، أن المأمون أمره أن يفرض لنفسه فرضاً
    يركبون بركوبه ويتصرفون في أموره ، ففرض أربع مائة غلام مُرْداً ، اختارهم
    حسان الوجوه فافتضح بهم ، وقال في ذلك راشد بن إسحاق ، يذكر ما كان من
    أمر يحيى .. » .


    قال في وفيات الأعيان « 1 / 85 » : « قدم يحيى بن أكثم قاضياً على البصرة من
    خراسان من قِبَل المأمون في آخر سنة 202 ، وهو حَدَث سِنُّهُ نيف وعشرون .
    فلما قدم المأمون بغداد في سنة أربع ومائتين قال ليحيى : إختر لي من أصحابك
    جماعة يجالسونني ويكثرون الدخول إلي ، فاختار منهم عشرين ، فيهم ابن أبي
    دؤاد » .
    وفي تاريخ بغداد « 14 / 201 » : « وغلب على المأمون حتى لم يتقدمه أحد عنده من الناس
    جميعاً ، وكان المأمون ممن برع في العلوم ، فعرف من حال يحيى بن أكثم وما هو عليه
    من العلم والعقل ما أخذ بمجامع قلبه ، حتى قلده قضاء القضاء ، وتدبير أهل مملكته
    ، فكانت الوزراء لا تعمل في تدبير الملك شيئاً ، إلا بعد مطالعة يحيى بن أكثم ، ولا
    نعلم أحداً غلب على سلطانه في زمانه ، إلا يحيى بن أكثم ، وابن أبي دؤاد » .
    وفي تاريخ اليعقوبي « 2 / 465 » : « وشى يحيى بن أكثم بالمعتصم إلى المأمون ، وقال له :
    إنه بلغني أنه يحاول الخلع ، فوجه إليه يأمره بالقدوم » .
    ولم تنفع احتياطات المأمون ، فغلب بعده أخوه المعتصم على ابنه الضعيف
    العباس وأخذ منه الخلافة ، وكان أول ما فعله المعتصم أن عزل يحيى بن أكثم ،
    ونصب بدله صديقه ابن أبي دؤاد ، ونقل الخلافة من أولاد المأمون الى أولاده ،
    فتولاها ابنه الواثق ، ثم أخوه المتوكل !
    قال ابن خلكان في وفيات الأعيان « 1 / 85 » : « ولما ولي المعتصم الخلافة جعل ابن أبي
    دؤاد قاضي القضاة ، وعزل يحيى بن أكثم » .

    وكان المأمون طلب من يحيى بن أكثم أن يختار له ندماء خاصين ، فاختار له مجموعة
    منهم ابن أبي دؤاد ، الذي فاق ابن أكثم وتسلط على المأمون ، ثم دبَّر الخلافة للمعتصم
    وقتل ابن المأمون ، ثم دبرها للواثق ، وبعده للمتوكل .
    وحكم ابن أبي دؤاد نحو عشرين سنة ، في خلافة المعتصم والواثق وقسم من
    خلافة المتوكل ، ثم غضب عليه المتوكل فعزله وأعاد خصمه ابن أكثم ، وأيد
    ذلك أحمد بن حنبل ، لأن ابن أكثم كان يتقرب اليهم بالقول بعدم خلق القرآن .
    وقال الخطيب في تاريخ بغداد « 14 / 201 » : « سمعت يحيى بن أكثم يقول : القرآن
    كلام الله ، فمن قال مخلوق يستتاب ، فإن تاب وإلا ضربت عنقه » !
    قال المسعودي في مروج الذهب « 4 / 14 » : « وفي سنة تسع وثلاثين ومائتين رضي
    المتوكل عن أبي محمد يحيى بن أكثم ، فأُشخص الى سر من رأى وولي قضاء
    القضاة ، وسخط على أحمد بن أبي دُواد وولده أبي الوليد محمد بن أحمد ، وكان
    على القضاء ، وأخذ من أبي الوليد مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار ، وجوهراً
    بأربعين ألف دينار ، وأحضر إلى بغداد » .
    وفي تاريخ بغداد « 1 / 314 » : « عزل المتوكل أبا الوليد محمد بن أحمد بن أبي دؤاد ..
    ووليها يحيى بن أكثم لسبع بقين من شهر رمضان سنة سبع وثلاثين ومائتين » .
    لكن لم يطل رضا المتوكل على ابن أكثم ، ففي الكامل لابن الأثير « 7 / 75 » : « في هذه
    السنة « 240 » عَزل يحيى بن أكثم عن القضاء ، وقبض منه ما مبلغه خمسة
    وسبعون ألف دينار ، وأربعة آلاف جريب بالبصرة » !


    ومات ابن أكثم سنة 242 ، عن عمر امتد ثلاثاً وثمانين سنة ، وامتلأ بالفتاوى
    المخالفة للشرع ، وبأحكامٍ بالقتل والحبس ومصادرة الأموال ، شملت ألوف
    المسلمين . وكانت أكبر جرائمه أن الحجة تمت عليه بإمامة الرضا والجواد
    والهادي عليهم‌السلام ، فكتمها وأمر بكتمانها ، ثم شارك في قتلهم !
    قاضي القضاة أحمد بن أبي دؤاد :
    وقد كتبنا له ترجمة مختصرة أيضاً في سيرة الإمام الجواد عليه‌السلام ، وقلنا إنه حكم
    الأمة الإسلامية بلا منازع نحو عشرين سنة ، حتى غضب عليه المتوكل . ولم يكن
    سلوكه أفضل من سلوك ابن أكثم ، بل كان أشد نُصباً وعداوةً لأهل البيت عليهم‌السلام .
    روى في تاريخ بغداد « 1 / 314 » عن محمد بن يحيى الصولي قال : « كان المتوكل يوجب
    لأحمد بن أبي دؤاد ويستحي أن ينكبه ، وإن كان يكره مذهبه ، لما كان يقوم به من
    أمره أيام الواثق ، وعقد الأمر له والقيام به من بين الناس . فلما فُلج أحمد بن أبي
    دؤاد في جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين ومائتين ، أول ما ولي المتوكل الخلافة ،
    ولَّى المتوكل ابنه محمد بن أحمد أبا الوليد القضاء ومظالم العسكر مكان أبيه ، ثم
    عزله عنها يوم الأربعاء لعشر بقين من صفر سنة أربعين ومائتين ووكل بضياعه
    وضياع أبيه . ثم صولح على ألف ألف دينار ، وأشهد على ابن أبي دؤاد وابنه
    بشراء ضياعهم ، وحَدَّرَهم إلى بغداد ، وولى يحيى بن أكثم .
    ومات أبوالوليد محمد بن أحمد ببغداد في ذي القعدة سنة أربعين ومائتين ، ومات
    أبوه أحمد بعده بعشرين يوماً » .

    أقول : سبحان مغير الأحوال ، فقد كان ابن أبي دؤاد مطيعاً لسيده ابن أكثم ، فاختاره
    نديماً للمأمون فصارت له عنده مكانة ، وأراد إزاحة ابن أكثم فلم يستطع .
    ثم وضع خطة للمعتصم فسرق الخلافة من ابن أخيه المأمون ، فصار المعتصم خليفة
    وصار ابن أبي دؤاد مدبر المملكة ، وحاكمها المطلق !
    لقد عمل هذان القاضيان بقواعد سياسة القصور ومكائدها ، بالخبث ، والتجسس
    والتآمر ، والتزلف ، والتزييف ، والكذب ، والنفاق ، والخديعة ، والتلاعب بأحكام الله
    تعالى ، ومفاهيم الدين ، وقتل الخصم بالسم ، وبأي طريقة ممكنة ! كل ذلك من أجل
    البقاء في منصب ، أو الحصول عليه ، أو شفاء غيض ، أو إثبات الذات ، وإرضاء
    غرورها وكبريائها . أعاذنا الله وعباده المؤمنين .
    قاضي القضاة ابن أبي الشوارب :
    كان محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب كبير أسرة أبي الشوارب ، وهو أموي
    من ذرية أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس .
    كان محدثاً معروفاً في البصرة ، وفيه ميلٌ الى التشيع ، وقد أحضره المتوكل الى
    سامراء ، فاتفق مع زميله إبراهيم التيمي أن لا يقبلا القضاء ، فنكث التيمي !
    قال في تاريخ بغداد « 6 / 148 » : « أشخص إبراهيم بن محمد التيمي ومحمد بن عبد
    الملك بن أبي الشوارب ، فلما حضرا دار المتوكل أمر بإدخال ابن أبي الشوارب ،
    فلما دخل عليه قال : إني أريدك للقضاء . فقال : يا أمير المؤمنين لا أصلح له .
    فقال : تأبون يا بنى أمية إلا كبراً ! فقال : والله يا أمير المؤمنين ما بي كبر ، ولكني لا



    أصلح للحكم . فأمر بإخراجه ! وكان هو وإبراهيم التيمي قد تعاقدا أن لا يتولى
    واحد منهما القضاء ، فدعا بإبراهيم فقال له المتوكل : إني أريدك للقضاء ، فقال :
    على شريطة يا أمير المؤمنين . قال : وما هي ؟ قال : أن تدعو لي دعوة فإن دعوة
    الإمام العادل مستجابة ! فولاه » .
    أقول : لقد وفى ابن عبد الملك بعهده ، لكن إبراهيم التيمي نكث ، ثم تزلف الى المتوكل
    وطلب منه أن يدعوله ، لأن دعاء الإمام العادل مستجاب !
    ثم نجح المتوكل في إقناع الحسن بن أبي الشوارب ، ونصبه قاضي القضاة .
    قال في تاريخ بغداد « 7 / 422 » : « الحسن بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ،
    القرشي ثم الأموي : وليَ القضاء بسر من رأى في أيام جعفر المتوكل وبعده » .
    وقال الذهبي في سيره « 11 / 104 » : « لما ولي ولده الحسن بن أبي الشوارب القضاء
    تخوف عليه ، وقال : يا حسن : أعيذ وجهك الحسن من النار » .
    وقال في تاريخ بغداد « 5 / 251 » : « قال أبوالعلاء : فيرى الناس أن بَركة امتناع محمد
    بن عبد الملك دخلت على ولده ، فوليَ منهم أربعة وعشرون قاضياً ، منهم ثمانية
    تقلدوا قضاء القضاة ، آخرهم أبوالحسن أحمد بن محمد بن عبد الله ، وما رأينا
    مثله جلالة ونزاهة وصيانة » .
    أقول : كيف يكون منصب القضاء مذموماً وتركه فضيلة ، ثم يكون نعمةً على أولاده
    ببركة تركه له ! فالأصح أن يقال إنه ترك القضاء ، وتورط فيه أولاده . وقد رووا عنه


    أنه كان يمدح المتوكل بأنه رد الدين وأحياه . « الأنساب : 3 / 465 » لكن امتناعه عن
    القضاء ، يدل على الجو العام الذي يرى منصب القضاء منصب ظلم !
    وسبب وصفه بالتشيع : أن جده عتاب بن أسيد الأموي محسوب على بني هاشم لأنه
    كان والي مكة من قبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فكرهته قريش عندما بايعت أبا بكر ، وحسبته على بني
    هاشم ، ثم مات مسموماً .
    ولعل السبب الأهم : ما رواه عنه الموفق الخوارزمي في المناقب / 316 في فضل علي
    عليه‌السلام : « عن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، عن جعفر بن سليمان الضبعي ،
    عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ قال : سئل سلمان الفارسي عن علي بن أبي
    طالب وفاطمة ، فقال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : عليكم بعلي بن أبي طالب ،
    فإنه مولاكم فأحبوه ، وكبيركم فاتبعوه ، وعالمكم فأكرموه ، وقائدكم إلى الجنة
    فعززوه ، وإذا دعاكم فأجيبوه ، وإذا أمركم فأطيعوه أحبوه بحبي وأكرموه
    بكرامتي ، ما قلت لكم في علي إلا ما أمرني به ربي جلت عظمته » .
    وما رواه عنه الصدوق في معاني الأخبار / 118 : « عن محمد بن عبد الملك بن أبي
    الشوارب القرشي ، عن ابن سليمان ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ،
    قال : كنت عند علي بن أبي طالب في الشهر الذي أصيب فيه وهو شهر رمضان
    فدعا ابنه الحسن ثم قال : يا أبا محمد أعل المنبر فاحمد الله كثيراً وأثن عليه واذكر
    جدك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأحسن الذكر ، وقل : لعن الله ولداً عق أبويه ، لعن الله
    ولداً عق أبويه ، لعن الله ولداً عق أبويه ، لعن الله عبداً أبق من مواليه ، لعن الله
    غنماً ضلت عن الراعي . وانزل ! فلما فرغ من خطبته ونزل ، اجتمع الناس إليه



    فقالوا : يا ابن أمير المؤمنين وابن بنت رسول الله نبئنا الجواب . فقال : الجواب
    على أمير المؤمنين ، فقال أمير المؤمنين : إني كنت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في صلاة صلاها
    فضرب بيده اليمنى إلى يدي اليمنى ، فاجتذبها فضمها إلى صدره ضماً شديداً ،
    ثم قال لي : يا علي ، قلت : لبيك يا رسول الله . قال : أنا وأنت أبَوَا هذه الأمة ،
    فلعن الله من عقنا ، قل : آمين ، قلت : آمين .
    ثم قال : أنا وأنت مَوْلَيَا هذه الأمة فلعن الله من أبق عنا ، قل : آمين ، قلت : آمين .
    ثم قال : أنا وأنت رَاعِيَا هذه الأمة فلعن الله من ضل عنا ، قل : آمين .
    قال أمير المؤمنين : وسمعت قائليْن يقولان معي : آمين ، فقلت : يا رسول الله
    ومن القائلان معي : آمين ؟ قال : جبرئيل وميكائيل عليهما‌السلام » .
    أقول : يبدو أن محمد بن عبد الملك تأثر بابن عمه الأموي خالد بن سعيد بن العاص
    رضي الله عنه ، وكان من كبار شيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقد وقف أيام السقيفة هو
    وأحد عشر مهاجراً وأنصارياً ، وواجهوا أبا بكر وعمر بشدة وخطبوا . وكان خالد من
    أبطال الإسلام ، وقد ترجمنا له في : قراءة جديدة في الفتوحات .
    أما أولاد محمد بن عبد الملك ، فلم يكونوا مثل أبيهم ، وسيأتي ذكر بعضهم في سيرة
    الإمام الهادي ، والإمام الحسن العسكري عليهما‌السلام .
    * *

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني   الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyالثلاثاء أكتوبر 29, 2024 10:25 pm

    رؤساء الوزارة
    الوزير محمد بن عبد الملك بن الزيات :
    كان محمد بن عبد الملك الزيات من أسرة عادية من الدسكرة « الأعلام : 6 / 248 » ،
    والظاهر أنها المقدادية الواقعة قرب بعقوبة . وقد استوزره المعتصم ، ثم الواثق .
    روى ابن الزيات أن المعتصم ضحك يوماً من نفسه ، فسألناه عن سبب ضحكه
    فقال إن منجماً رآه فقال له : « الطالع أسدٌ وهو الطالع في الدنيا ، وإنه يوجب لك
    الخلافة ، وأنت تفتح الآفاق وتزيل الممالك ويعظم جيشك ، وتبني بلاداً عظيمة
    ويكون من شأنك كذا ومن أمرك كذا ، وقصَّ عليَّ جميع ما أنا فيه الآن !
    قلت : فهذا السعود ، فهل عليَّ من نحوس ؟ قال : لا ، ولكنك إذا ملكت فارقت
    وطنك وكثرت أسفارك . قلت : فهل غير هذا ؟ قال : نعم ، ما شئ أنحس عليك
    من شئ واحد . قلت : ما هو ؟ قال : يكون المتولَّون عليك في أيام ملكك أصولهم
    دنية سفلة ، فيغلبون عليك ويكونون أكابر أهل مملكتك ...
    ولكني ما ذكرته إلى الآن ، ولما بلغت الرحبة وقعت عيني على موضعه فذكرته ،
    وذكرت كلمته وتأمَّلتكما حواليَّ وأنتما أكبر أهل مملكتي ، وأنت ابن زيَّات وهذا
    ابن قَيَّار ، وأومأ إلى ابن أبي دؤاد ، فإذا قد صح جميع ما قال !
    فأنفذت هذا الخادم في طلبه والبحث عنه لأفي له بسالف الوعد ، فعاد إليَّ وذكر
    أنه قد مات قريباً .. وأخذني الضحك ، إذ ترأس في دولتي أولاد السُّفَّل . قال :
    فانكسرنا ، ووددنا أنا ما سألناه » ! « نشوار المحاضرة : 7 / 212 » .


    وقال في تاريخ بغداد « 3 / 145 » : « كان بين محمد بن عبد الملك وبين أحمد بن أبي
    دؤاد ، عداوةٌ شديدة ، فلما ولي المتوكل دارَ ابن أبي داود على محمد ، وأغرى به
    المتوكل حتى قبض عليه ، وطالبه بالأموال » .
    وقال البغدادي في خزانة الأدب « 1 / 428 » : « وكان ابن الزيات قد اتخذ تنوراً من
    حديد ، وأطراف مساميره المحددة إلى داخله ، وهي قائمة مثل رؤوس المسالّ ،
    وكان يعذب فيه أيام وزارته ، فكيفما انقلب المعذب أو تحرك من حرارة العقوبة
    تدخل المسامير في جسمه ! وإذا قال له أحد : إرحمني أيها الوزير ، فيقول له :
    الرحمة خَوَرٌ في الطبيعة ! فلما اعتقله المتوكل أمر بإدخاله في التنور وقيده بخمسة
    عشر رطلاً من الحديد ، فقال له : يا أمير المؤمنين إرحمني ، فقال له : الرحمة خَوَرٌ
    في الطبيعة ، كما كان يقول للناس ! وكان ذلك في سنة ثلاث وثلاثين ومائتين
    وكانت مدة تعذيبه في التنور أربعين يوماً ، إلى أن مات فيه » !
    وتدل روايتنا عن الإمام الهادي عليه‌السلام على أن المتوكل كان في سجن ابن الزيات ،
    فأخرجه ابن أبي دؤاد وعقد البيعة له ، ثم بطشوا بابن الزيات !
    قال خيران الأسباطي « الكافي : 1 / 498 » : « قدمت على أبي الحسن عليه‌السلام « الإمام الهادي »
    المدينة فقال لي : ما خبر الواثق عندك ؟ قلت : جعلت فداك خلفته في عافية ، أنا
    من أقرب الناس عهداً به ، عهدي به منذ عشرة أيام . قال فقال لي : إن أهل المدينة
    يقولون : إنه مات . فلما أن قال لي : الناس ، علمت أنه هو . ثم قال لي : ما فعل
    جعفر « المتوكل » ؟ قلت : تركته أسوأ الناس حالاً في السجن . قال فقال : أما إنه


    صاحب الأمر . ما فعل ابن الزيات ؟ قلت : جعلت فداك الناس معه والأمر أمره .
    قال فقال : أما إنه شؤم عليه . قال : ثم سكت وقال لي : لابد أن تجري مقادير الله
    تعالى وأحكامه . يا خيران ، مات الواثق ، وقد قعد المتوكل جعفر ، وقد قتل ابن
    الزيات . فقلت : متى جعلت فداك ؟ قال : بعد خروجك بستة أيام » .
    وذكر المسعودي في مروج الذهب « 4 / 5 » أن بطشهم بابن الزيات كان بعد أشهر ،
    قال : « سخط المتوكل على محمد بن عبد الملك الزيات بعد خلافته بأشهر ، فقبض
    أمواله وجميع ما كان له ، وقلد مكانه أبا الوزير ، وقد كان ابن الزيات اتخذ
    للمصادَرين والمغضوب عليهم تنُّوراً من الحديد رؤوس مساميره إلى داخله
    قائمة مثل رؤوس المسالّ ، في أيام وزارته للمعتصم والواثق ، فكان يعذب
    الناس فيه ، فأمر المتوكل بإدخاله في ذلك التنور ، فقال محمد بن عبد الملك
    الزيات للموكل به أن يأذن له في دواة وبطاقة ليكتب فيها ما يريد ، فاستأذن
    المتوكل في ذلك فأذن له فكتب :
    هي السبيل فمن يوم إلى يوم
    كأنه ما تُريك العين في النومِ

    لا تجزعنَّ رويداً إنها دوَلٌ
    دُنْيَاً تنقَّلُ من قومٍ إلى قوم .

    قال : وتشاغل المتوكل في ذلك اليوم فلم تصِل الرقعة اليه ، فلما كان الغد قرأها
    فأمر بإخراجه فوجده ميتاً . وكان حَبْسُه في ذلك التنور إلى أن مات أربعين يوماً ،
    وكان كاتباً بليغاً وشاعراً مجيداً » .


    وفي نشوار المحاضرة « 8 / 19 » : « قال الفضل بن مروان : ولا نعلم وزيراً وَزَرَ
    وزارةً واحدة بلا صَرْف ، لثلاثة خلفاء متَّسقين ، غير محمد بن عبد الملك » .
    وقال في النهاية « 14 / 333 » : « أمر الخليفة المتوكل على الله بالقبض على محمد بن
    عبد الملك بن الزيات وزير الواثق .. فطلبه فركب بعد غدائه يظن أن الخليفة
    بعث إليه ، فأتت به الرسل إلى دار إيتاخ أمير الشرطة فاحتيط عليه وقُيِّدَ ، وبعثوا
    في الحال إلى داره ، فأخذ جميع ما كان فيها من الأموال واللآلئ والجواهر
    والحواصل والجواري والأثاث ، ووجدوا في مجلسه الخاص به آلات الشراب ،
    وبعث الخليفة إلى حواصله وضياعه بسائر الاماكن ، فاحتيط عليها ، وأمر به أن
    يعذب فمنع من الطعام ، وجعلوا يساهرونه ، كلما أراد الرقاد نُخِسَ بالحديد ،
    ثم وضع بعد ذلك كله في تنور من خشب فيه مسامير قائمة في أسفله ، فأقيم
    عليها ووُكِّلَ به من يمنعه من الرقاد ، فمكث كذلك أياماً حتى مات ..
    ويقال : إنه أخرج من التنور وفيه رمق فضرب على بطنه ثم على ظهره حتى مات
    وهو تحت الضرب . ويقال : إنه أحرق ثم دفعت جثته إلى أولاده فدفنوه ، فنبشت
    عليه الكلاب فأكلت لحمه وجلده ، سامحه الله .. وكان قيمة ما وجد له من
    الحواصل نحواً من تسعين ألف ألف دينار » .
    أقول : كان هذا الأسلوب الدموي في انتقال السلطة وما زال ، أمراً ثابتاً عند الشعوب
    المختلفة ، وثقافةً سائدةً ، ففي نفس السنة التي قتل فيها المتوكل ابن الزيات ، قَتَلَ ملك
    الروم ميخائيل أمه تدورة ، بعد أن ملكت ست سنين . « النهاية : 14 / 333 » .

    أما الديمقراطيات الغربية فقد جعلت انتقال السلطة في الغرب سلمياً ، في الظاهر ،
    لكنها لم تحقق ذلك في شعوب العالم التي تحت نفوذها ، فبقي دموياً بشكل عام !
    الوزير عمر بن الفرج الرخجي :
    1. كتبنا له ترجمة في سيرة الإمام الجواد عليه‌السلام ووصفناه بأنه ممسحة الخلفاء ، لأنهم
    كانوا يكلفونه بالمهمات القذرة ! وكان ناصبياً معادياً لأهل البيت عليهم‌السلام ، بعكس
    أخيه محمد الذي كان من خيرة أصحاب الأئمة : الرضا والجواد والهادي عليهم‌السلام ،
    وصار والياً للمتوكل على مصر لفترة . « تاريخ اليعقوبي : 2 / 485 » .
    2. ذكرنا في سيرة الإمام الجواد عليه‌السلام أن عمر الرخجي كان والياً على مكة والمدينة
    وأنه حاول قتل الإمام الجواد عليه‌السلام بالسم ، فقد قال كما في « الثاقب في المناقب / 517 » :
    « سمعت من أبي جعفر شيئاً لو رآه محمد أخي لكفر ! فقلت : وما هو أصلحك
    الله ؟ قال : إني كنت معه يوماً بالمدينة إذ قُرِّب الطعام فقال : أمسكوا . فقلت : فداك
    أبي قد جاءكم الغيب ؟فقال : عليَّ بالخبَّاز ، فجئ به فعاتبه وقال : من أمرك أن
    تسمني في هذا الطعام ؟ فقال له : جعلت فداك ، فلان ! ثم أمر بالطعام فرفع
    وأتي بغيره » !
    يقصد أنه رأى من الإمام الجواد عليه‌السلام شيئاً لو رآه أخوه محمد لصار من الغلاة فيه ،
    واعتقد أنه يعلم الغيب ، وكفر بذلك ! أما هو فلا يكفر ويقول إن الجواد عليه‌السلام ساحر !
    ثم ذكر أن الإمام عليه‌السلام كشف محاولة قتله بالسم ، وأبعد الرخجي التهمة عن نفسه وأنه
    هو صاحب المحاولة ، مع أنه كان والي مكة والمدينة ! فتفكيره كتفكير مشركي قريش ،



    فهم يرون أنهم غير معنيين بالإيمان بالمعجزات التي يشاهدونها ولا بتفسيرها ! بل
    عليهم أن يقولوا إن صاحب المعجزة ساحر ، حتى لا يفتتن به الناس !
    3. وبعد أن قتل المعتصم الإمام الجواد عليه‌السلام أمره أن يوكَّل شخصاً بابنه الإمام
    الهادي عليه‌السلام بعنوان معلم ، ويكون تحت رقابته التامة ، ويعزله عن الناس حتى لا
    يفتنوا به كما فتنوا بأبيه ! فاختار الرخجي الجنيدي ونصبه لهذه المهمة ، وأمر
    حاكم المدينة أن ينفذ أوامره ، فكانت النتيجة إيمان الجنيدي بإمامة الهادي عليه‌السلام !
    4. وبعد المعتصم كان الواثق يوكل اليه تعذيب الوزراء والجباة ، الذين يغضب
    عليهم ، ليستخرج منهم الأموال !
    قال ابن حمدون في التذكرة « 2 / 106 » : « لما أوقع الواثق بأحمد بن الخصيب وسليمان
    بن وهب ، جعل سليمان في يد عمر بن فرج الرخجي ، ثم وجه إليه يوماً : طالب
    سليمان بمائة ألف دينار يؤديها بعد الذي أخذ منه ، فإن أذعن بها وإلا فجرِّده
    واضربه مائة سوط ، ولا تتوقف عن هذا لحظة واحدة ، ففعل عمر » .
    5. أما المتوكل فأوكل اليه أسوأ الأدوار ، ثم بطش به أسوأ البطش ! فقد غضب
    عليه في أول خلافته ، قال الطبري « 7 / 347 » : « وفيها « سنة 233 » غضب المتوكل على
    عمر بن فرج ، وذلك في شهر رمضان فدفع إلى إسحاق بن إبراهيم بن مصعب
    فحبسه عنده ، وكتب في قبض ضياعه وأمواله » .
    وفي مروج الذهب « 4 / 19 » : « سخط المتوكل على عمر بن الفرج الرخجي ، وكان
    من عِلْيَةِ الكتاب وأخذ منه مالاً وجوهراً ، نحو مائة ألف وعشرين ألف دينار ،


    وأخذ من أخيه نحواً من مائة ألف وخمسين ألف دينار ، ثم صولح محمد على
    أحد وعشرين ألف ألف درهم ، على أن يرد إليه ضياعه ثم غضب عليه غضبةً
    ثانية ، وأمر أن يُصْفَعَ في كل يوم ، فأحصي ما صفع فكان ستة آلاف صفعة ،
    وألبسه جبة صوف ، ثم رضي عنه ، وسخط عليه ثالثة ، وأحدر إلى بغداد ،
    وأقام بها حتى مات » !
    وفي تاريخ اليعقوبي « 2 / 485 » : « وسخط على عمر بن فرج الرخجي ، وعلى أخيه
    محمد ، وكان محمد بن فرج عامل مصر إذ ذاك » .
    ووصف القاضي التنوخي في نشوار المحاضرة « 2 / 12 » ، بطش المتوكل به لما بلغه أنه
    كان في الأهواز يفتخر على قاضيها بقربه من المتوكل ، وأنه أخذ منه الألوف ولم
    يحاسبه ، فوشى به القاضي الى المتوكل فأرسل جاء به الى سامراء ، وأركبه على
    حمار وسجنه وعذبه ، وباع أملاكه !
    6. ثم رضي عليه المتوكل وأوكل اليه مهمة هدم قبر الحسين عليه‌السلام ، فبعثه أكثر من
    مرة بجيش ، وقاتل أهل الكوفة حتى أخضعهم ، ثم هدم القبر !
    روى الطوسي في الإمالي / 325 : « حدثنا محمد بن جعفر بن محمد بن فرج الرخجي
    قال : حدثني أبي ، عن عمه عمر بن فرج ، قال : أنفذني المتوكل في تخريب قبر
    الحسين عليه‌السلام فصرت إلى الناحية ، فأمرت بالبقر فمُرَّ بها على القبور ، فمرت عليها
    كلها ، فلما بلغت قبر الحسين عليه‌السلام لم تمر عليه ! قال عمي عمر بن فرج : فأخذت
    العصا بيدي فما زلت أضربها حتى تكسرت العصا في يدي ! فوالله ما جازت على



    قبره ولا تخطته . قال لنا محمد بن جعفر : كان عمر بن فرج شديد الإنحراف عن
    آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فأنا أبرأ إلى الله منه . وكان جدي أخوه محمد بن فرج شديد المودة
    لهم رحمه الله ورضي عنه ، فأنا أتولاه لذلك وأفرح بولادته » . أي أفرح بولادتي منه .
    7. ثم أوكل اليه المتوكل حكم الحجاز ليضطهد العلويين ويفقرهم ويبيدهم !
    قال أبوالفرج في مقاتل الطالبيين / 395 : « واستعمل على المدينة ومكة عمر بن الفرج
    الرخجي ، فمنع آل أبي طالب من التعرض لمسألة الناس ، ومنع الناس من البر
    بهم ، وكان لا يبلغه أن أحداً أبرَّ أحداً منهم بشئ وإن قلَّ ، إلا أنهكه عقوبةً
    وأثقله غُرْماً ، حتى كان القميص يكون بين جماعة من العلويات يصلين فيه
    واحدة بعد واحدة ، ثم يرقعنه ويجلسن على مغازلهن عواري حواسر » !
    8. وبعد أن نفذ أوامر المتوكل ، وارتكب لأجله الجرائم ، غضب عليه وعزله ،
    وأذله ! وصدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أعان ظالماً سلطه الله عليه . « الخرائج : 3 / 1058 » .
    وتقدم أن المتوكل أنه سمع بعائشة بنت عمر الرخجي ، فأمره في جوف الليل
    والمطر أن يأتيه بها ، فوطأها ثم ردها إلى منزل أبيها ! « المحاسن للجاحظ / 118 » .
    9. وقد ورد أن الإمام الجواد عليه‌السلام دعا على عمر الرخجي ، ففي الكافي « 1 / 497 » :
    « محمد بن سنان قال : دخلت على أبي الحسن « الإمام الهادي عليه‌السلام » فقال : يا محمد
    حدث بآل فرج حدث ؟ فقلت : مات عمر . فقال : الحمد لله ، حتى أحصيت له
    أربعاً وعشرين مرة . فقلت : يا سيدي لو علمت أن هذا يسرُّكَ لجئتُ حافياً
    أعدو إليك . قال : يا محمد أوَلا تدري ما قال لعنه الله لمحمد بن علي أبي ؟ قال


    قلت : لا . قال : خاطبه في شئ فقال : أظنك سكران ! فقال أبي : اللهم إن كنت
    تعلم أني أمسيت لك صائماً ، فأذقه طعم الَحرَب وذلَّ الأسر . فوالله إن ذهبت
    الأيام حتى حَرِبَ ما لَه « خسره » وما كان له ، ثم أخذ أسيراً ، وهوذا قد مات لا
    رحمه الله . وقد أدال الله عز وجل منه . وما زال يديل أولياءه من أعدائه » .
    أقول : استشكل الرجاليون في هذه الرواية بأن وفاة محمد بن سنان سنة 220 ، ووفاة
    الرخجي 237 ، لكن الرواية قرينة على أن وفاة ابن سنان بعد هذا التاريخ .
    الوزير الفتح بن خاقان :
    كان للمتوكل عدة وزراء ، لكن أهمهم الفتح بن خاقان الذي قُتل معه ، ثم عبيد
    الله بن يحيى بن خاقان . وعندما قَتَل المتوكل ابن الزيات كلف شخصاً إسمه أبو
    الوزير فتسلم أمواله الواسعة . ثم استوزر الجرجرائي ، ثم استوزر عبيد الله بن
    يحيى بن خاقان . وكان فوقهم جميعاً الفتح بن خاقان .
    قال المسعودي في مروج الذهب « 4 / 3 و 6 » : « فكانت أيام أبي الوزير في الوزارة
    يسيرة ، وقد كان اتخذ للوزارة محمد بن الفضل الجرجرائي ، ثم صرفه .. غلب
    عليه الفتح بن خاقان : وكان الفتح بن خاقان التركي مولاه ، أغلبَ الناس عليه ،
    وأقربَهم منه ، وأكثرهم تقدُّماً عنده » .
    وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء « 12 / 82 » : « الفتح بن خاقان : الأمير الكبير الوزير
    الأكمل ، أبومحمد التركي ، شاعر مترسل بليغ مفوه ، ذوسؤدد وجود ومحاسن ،
    على لعب فيه . وكان المتوكل لا يكاد يصبر عنه ، استوزره ، وفوض إليه إمرة



    الشام ، فبعث إليها نواباً عنه .. وكان أحد الأذكياء ، دخل المعتصم على الأمير
    خاقان فمازح ابنه هذا وهو صبي ، فقال : يا فتح ، أيما أحسن داري أو داركم ؟
    فقال الفتح : دارنا إذا كنت فيها ، فوهبه مئة ألف . وكان الفتح ذا باع أطول في
    فنون الأدب . قتل مع المتوكل سنة سبع وأربعين » .
    ومدحه ابن النديم في الفهرست فقال / 130 : « الفتح بن خاقان بن أحمد ، في نهاية
    الذكاء والفطنة وحسن الأدب ، من أولاد الملوك ، اتخذه المتوكل أخاً ، وكان
    يقدمه على سائر ولده وأهله ، وكان له خزانة « مكتبة » جمعها له علي بن يحيى المنجم
    لم يُرَ أعظم منها كثرةً وحسناً . وكان يحضر داره فصحاء الأعراب وعلماء
    الكوفيين والبصريين . قال أبوهَفَّان : ثلاثة لم أرَ قطُّ ولا سمعتُ أحب َّإليهم من
    الكتب والعلوم : الجاحظ ، والفتح بن خاقان ، وإسماعيل بن إسحاق القاضي » .
    أقول : تدل أخبار الفتح على أنه كان إنساناً محترماً ، وكان في عمله مع المتوكل
    مهنياً أميناً ، لم يُؤْذِ أحداً ، ولا دفع المتوكل الى ذلك . على عكس زميله عبيد الله
    بن يحيى بن خاقان ! قال أبوالفرج « مقاتل الطالبيين / 395 » : « كان المتوكل شديد الوطأة
    على آل أبي طالب .. واتفق له أن عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزيره يسئ الرأي
    فيهم ، فحسَّن له القبيح في معاملتهم ، فبلغ فيهم ما لم يبلغه أحد من خلفاء بني
    العباس قبله . وكان من ذلك أن كرب قبر الحسين عليه‌السلام وعفى أثاره ، ووضع على
    سائر الطرق مسالح له ، لايجدون أحداً زاره إلا أتوه به ، فقتله أو أنهكه عقوبة » !

    بل نجد أن الفتح بن خاقان كان يعتقد أن الإمام الهادي عليه‌السلام ولي الله تعالى ،
    ويطلب أن يدعو للمتوكل أو يعالجه ، فقد روى في الكافي « 1 / 499 » : « عن إبراهيم
    بن محمد الطاهري قال : مرض المتوكل من خَرَّاجٍ خرج به وأشرف منه على
    الهلاك ، فلم يجسر أحد أن يمسه بحديدة ، فنذرت أمه إن عوفي أن تحمل إلى أبي
    الحسن علي بن محمد مالاً جليلاً من مالها . وقال له الفتح بن خاقان : لو بعثت إلى
    هذا الرجل فسألته فإنه لا يخلو أن يكون عنده صفة يفرج بها عنك ، فبعث إليه
    ووصف له علته ، فرد إليه الرسول بأن يؤخذ كُسْبُ الشاة « عصارة الدهن » فيداف
    بماء ورد ، فيوضع عليه .. » . وتقدم ذلك في فصل سياسة المتوكل مع الإمام عليه‌السلام .
    وتذكر بعض رواياتنا أنه كان محباً للإمام الهادي عليه‌السلام ويعمل لدفع الضرر عنه ،
    فقد روى الشيخ الطوسي في الامالي / 275 ، عن أبي موسى المنصوري وهو أمير
    عباسي من أولاد المنصور ، وكان منقطعاً الى الإمام الهادي عليه‌السلام ، فبعث المتوكل
    اليه الفتح بن خاقان ، ولما جاء أكرمه ودفع له مخصصاته المتأخرة .
    ولما خرج قال له الفتح : لست أشكُّ أنك سألته دعاءً لك ، فالتمس لي منه دعاء !
    فلما دخلت إليه عليه‌السلام قال لي : يا أبا موسى هذا وجهُ الرضا . فقلت : ببركتك يا
    سيدي .. قلت : إن الفتح قال لي كيت وكيت . قال : إنه يوالينا بظاهره ويجانبنا
    بباطنه ، الدعاء لمن يدعو به . إذا أخلصتَ في طاعة الله واعترفتَ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله
    وبحقنا أهل البيت ، وسألت الله تبارك وتعالى شيئاً ، لم يحرمك » .


    وقال له الفتح : « ذكر الرجل يعني المتوكل خبر مال يجئ من قم ، وقد أمرني أن
    أرصده لأخبره به ، فقل لي : من أي طريق يجئ حتى أجتنبه » !
    وقد يكون الفتح صادقاً ، وسيأتي ذلك في ترجمة المنصوري في أصحاب الإمام عليه‌السلام .
    الوزير عبيدالله بن يحيى بن خاقان :
    ذكر القاضي التنوخي في نشوار المحاضرة « 8 / 12 » كيف تمكن عبيد الله بن يحيى بن
    خاقان من المتوكل ، قال : « حدثنا أبوجعفر أحمد بن إسرائيل ، قال : كان سبب
    رفعه عبيد الله بن يحيى : طلبُ المتوكل لحدثٍ من أولاد الكتاب يوقع بحضرته في
    الأبنية والمهمات ، لأنه كان قد أسقط الوزارة ، بعد صرف محمد بن الفضل
    الجرجرائي واقتصر على أصحاب الدواوين ، وأمرهم أن يعرضوا الأعمال
    بأنفسهم ، وجعل التاريخ في الكتب باسم وصيف التركي ، وانتصب منصب
    الوزارة ، وإن كان لم يسم بها . فأسميَ له جماعة فاختار عبيد الله من بينهم ،
    فحضر أول يوم ، فصلَّى في الدار ركعات وجلس وعليه قباء وسيف ومنطقة
    وشاشية على رسم الكتاب . قال أبوالحسين لأنه لم يكن أحد يصل إلى الخليفة ،
    إلَّا بقباء وسيف ومنطقة من الناس كلهم ، إلَّا القضاة ، لا في موكب ولا غيره ،
    فإذا كان يوم موكب ، كانت الأقبية كلها سواداً ، وإذا كان غير يوم موكب فربما
    كانت من بياض ، وفي الأكثر سواداً .

    فلما صلَّى عبيد الله وجلس لم يجتز به أحد من الحاشية كبير ولا صغير إلَّا قام إليه
    قائماً وسلَّم عليه ، حتى قام إلى رئيس الفراشين ! فرآه بعض الحاشية فقال : من
    هذا الشقي الذي قد قام لسائر الناس حتى قام إلى الكلاب ؟ فقيل له فلان .
    ثم أذن له المتوكل لما خلا ، فدخل إليه وكان على رأسه قلنسوة سوداء شاشية ،
    وكان طويل العنق فظهرت عنقه . فلما رآه المتوكل أومأ بيده إلى قفاه ومسحه شبه
    صفعة ، فأخذ عبيد الله يده فقبلها فنفق عليه وخف على قلبه وسُرَّ بذلك ،
    واستخف روحه وقال له : أكتب . فكتب وهو قائم : إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ، إلى
    قوله عز وجل : وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا . فكتب : وينصرك الله يا أمير المؤمنين نصراً
    عزيزاً ، فزاد ذلك في تقبل المتوكل له وتفاءل بذلك ، وقال له : إلزم الدار ، فكان
    يلزمها منذ السحر ، إلى وقت نوم المتوكل في الليل .
    وقوي أمره مع الأيام ، حتى صار يعرض الأعمال ، كما كان الوزراء يعرضونها
    وليس هو بعدُ وزير ، والتاريخ لوصيف . فأمره المتوكل في بعض الأيام أن يكتب
    نسخة في أمر الأبنية فقال : نعم . فلما كان بعد ساعة سأله هل كتبت ؟ فقال : لم
    يكن معي دواة . فقال : أكتب الساعة ، فاستحضر دواة ، وكان إيتاخ الحاجب
    قائماً يسمع ذلك ، فلما خرج عبيد الله قال له : إنما طلبك أمير المؤمنين لتكتب بين
    يديه فإذا حضرت بلا دواة فلأي شئ تجئ ؟ فقال له عبيد الله : وأي مدخل لك
    أنت في هذا ، أنت حاجب أو وزير ؟ فاغتاظ من ذلك فأمر به فبُطح وضربه على
    رجليه عشرين مقرعة ، وقال له : الآن علمت أن لي فيه مدخلاً !


    فلم يتأخر عبيد الله عن الخدمة ، وعاد فجعل يمشي ويعرج ، فسأل المتوكل عن
    خبره فعرف الصورة ، فغلظ عليه ذلك ، وقال : إنما قَصَدَهُ إيتاخ لمحبتي له .
    وكان قد اجتمع في نفس المتوكل من إيتاخ العظائم ، مما كان يعمل به في أيام
    الواثق ، ولا يقدر له على نكبته لتمكَّنه من الأتراك .
    فأمر بأن يخلع على عبيد الله من الغد ، وأن لا يعرض أحد من أصحاب
    الدواوين عليه شيئاً ، وأن يدفعوا أعمالهم إليه ليعرضها ، وأجرى له في كل شهر
    عشرة آلاف درهم ، فندم إيتاخ على ما فعله ، وجعل يداري عبيد الله ويثاقفه ،
    وقوي أمر عبيد الله حتى حذف بنفسه من غير أمر إسمَ وصيف من التاريخ
    وأثبت إسمه . ثم أمر له المتوكل برزق الوزارة ، ثم خوطب بالوزارة بعد مُدَيْدَة
    وخلع عليه لها خلعاً أخر .
    ثم قلَّده كتابة المعتز وخلع عليه ، ثم قلَّده كتابة المؤيد وخلع عليه ، وضمَّ المتوكل
    إلى ابنيه ، بضعة عشر ألف رجل ، وجعل تدبيرهم إلى عبيد الله ، فكان وزيراً
    أميراً . فلما تمكَّن هذا التمكَّن بالجيش والمحل ، عارض إيتاخ وبطَّأ حوائجه
    وقصده ، ووضع من كُتَّابه ، ولم يزل ذلك يقوى من فعله إلى أن دبَّرَ على إيتاخ ،
    فقتله على يد إسحاق بن إبراهيم الطاهري ببغداد ، بعد عود إيتاخ من الحجّ » .
    وقال اليعقوبي « 2 / 488 » : « سخط المتوكل على محمد بن الفضل كاتب ديوان
    التوقيع لأمر وقف عليه منه ، فصير مكانه عبيدالله بن يحيى بن خاقان ورفعه
    وأعلى مرتبته وولاه وأمره أن يكتب : مولى أمير المؤمنين وكان ولاؤه في الأزد » .

    وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق « 38 / 143 و 146 » : « عبيد الله بن يحيى بن خاقان
    بن عرطوج ، أبوالحسن التركي ، وزير المتوكل ، قدم مع المتوكل دمشق فيما
    وجدت بخط عبد الله بن محمد الخطابي الشاعر الدمشقي ، في تسمية من قدم مع
    المتوكل . وقدمها مرة أخرى منكوباً حين نفاه المستعين إلى برقة سنة ثمان وأربعين
    ومائتين . وكان عوده إلى بغداد سنة ثلاث وخمسين ومئتين بعد أن حج ، ثم
    استوزره المعتمد في شعبان سنة ست وخمسين ومئتين .. قال أحمد بن أبي طاهر :
    تقلد عبيد الله بن يحيى بن خاقان الوزارة مرتين وكان نُفي في وقت النكبة إلى
    بَرْقة ، فاجتاز بدمشق ، وعيسى بن الشيخ يتقلدها فلقيه عيسى بن الشيخ
    وترجل له وأعظمه وبره وأكرمه وخدمه .. فلما تقلد عبيد الله بن يحيى الوزارة
    المرة الثانية حفظ له ذلك ، ولم يزل حتى قلده الديار البكرية وإرمينية » .
    وكان الوزير عبيد الله بن خاقان أداة للمتوكل في هدم قبر الإمام الحسين عليه‌السلام
    واضطهاد الذاهبين لزيارته وتعذيبهم وقتلهم . فقد استمرت محاولات المتوكل لهدم
    القبر الشريف نحو سنة من شعبان سنة 236 الى شعبان 237 ، وورد فيها إسم الوزير
    عبيد الله بن خاقان ، وأنه أرسل عدداً من القادة في جند كثيف ، ومعهم متطرفون من
    النواصب . كما ذكرنا في فصل هدم القبر الشريف .
    وعاش الوزير عبيد الله بعد المتوكل ، وكان وزيراً لعدة خلفاء ، حتى توفي فجأة سنة
    260 ، في أيام شهادة الإمام العسكري عليه‌السلام فقد روى الصدوق في كمال الدين / 475 ،
    تفتيش السلطة عن الإمام المهدي عليه‌السلام قال : « فدخل جعفر بن علي والشيعة من
    حوله يقدمهم السمان .. فلما صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله



    عليه على نعشه مكفناً ، فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه ، فلما هم بالتكبير
    خرج صبي بوجهه سمرة بشعره قطط بأسنانه تفليج ، فجبذ برداء جعفر بن علي
    وقال : تأخر يا عم فأنا أحق بالصلاة على أبي ، فتأخر جعفر ، وقد ارْبَدَّ وجهه
    واصفرَّ .. فدخل جعفر بن علي على المعتمد وكشف له ذلك ، فوجه المعتمد
    بخدمه فقبضوا على صقيل الجارية ، فطالبوها بالصبي فأنكرته وادعت حبلاً بها
    لتغطي حال الصبي ، فسلمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي . وبغتهم موت عبيد
    الله بن يحيى بن خاقان فجأة ، وخروج صاحب الزنج بالبصرة ، فشغلوا بذلك
    عن الجارية ، فخرجت عن أيديهم ، والحمد لله رب العالمين » .
    القائد العام لجيش الخلافة : إيتاخ
    عندما توفي الواثق اجتمع كبار شخصيات الدولة : « أحمد بن أبي دؤاد ، وإيتاخ ،
    ووصيف ، وعمر بن فرج ، وابن الزيات ، وأحمد بن خالد أبوالوزير ، فعزموا
    على البيعة لمحمد بن الواثق ، وهو غلام أمرد ، فألبسوه دراعة سوداء وقلنسوة
    رصافية ، فإذا هو قصير » . « الطبري : 7 / 241 » .
    فكان إيتاخ القائد الأول ويليه وصيف ، لأن جيش الخلافة كان أكثره من
    الأتراك ، فكان لقادتهم دور في اختيار الخليفة ، ثم صار لهم كل الدور . وكان
    إيتاخ غلاماً للمعتصم ، فأوكل اليه تربية المتوكل ، فكان بمنزلة أبيه !

    قال ابن كثير في النهاية « 10 / 343 » : « شرب ليلةً مع المتوكل ، فعربد عليه المتوكل فهمَّ
    إيتاخ بقتله ، فلما كان الصباح اعتذر المتوكل إليه وقال له : أنت أبي وأنت ربيتني ،
    ودسَّ اليه من يشير إليه بأن يستأذن للحج .. » .
    قال الطبري « 7 / 350 » : « ذكر أن إيتاخ كان غلاماً خزرياً لسلام الأبرش طباخاً ،
    فاشتراه منه المعتصم في سنة 199 وكان لإيتاخ رَجْلَةٌ وبأسٌ ، فرفعه المعتصم ومن
    بعده الواثق حتى ضم إليه من أعمال السلطان أعمالاً كثيرة ، وولاه المعتصم
    معونة سامرا مع إسحاق بن إبراهيم ، وكان من قِبَله رجُلٌ ومن قِبَل إسحاق
    رجُلٌ ، وكان من أراد المعتصم أو الواثق قَتْلَهُ فعند إيتاخ يُقتل ، وبيده يحبس ،
    منهم محمد بن عبد الملك الزيات ، وأولاد المأمون من سندس وصالح بن
    عجيف وغيرهم . فلما وليَ المتوكل كان إيتاخ في مرتبته إليه الجيش ، والمغاربة ،
    والأتراك ، والموالي ، والبريد ، والحجابة ، ودار الخلافة .
    فخرج المتوكل بعد ما استوت له الخلافة متنزهاً إلى ناحية القاطول ، فشرب ليلة
    فعربد على إيتاخ فهمَّ إيتاخ بقتله ، فلما أصبح المتوكل قيل له فاعتذر إليه والتزمه
    وقال له : أنت أبي وربيتني ، فلما صار المتوكل إلى سامرا دسَّ إليه من يشير عليه
    بالإستئذان للحج ففعل وأذن له ، وصيره أمير كل بلدةٍ يدخلها ، وخلع عليه
    وركب جميع القواد معه ، وخرج معه من الشاكرية والقواد والغلمان سوى غلمانه
    وحشمه بشر كثير ، فحين خرج صيرت الحجابة إلى وصيف ..


    لما قفل من مكة راجعاً إلى العراق وجَّه المتوكل إليه سعيد بن صالح الحاجب ،
    مع كسوة وألطاف ، وأمره أن يلقاه بالكوفة أوببعض طريقه ، وقد تقدم المتوكل
    إلى عامله على الشرطة ببغداد بأمره فيه .
    فذكر عن إبراهيم بن المدبر أنه قال خرجت مع إسحاق بن إبراهيم حين قرب
    إيتاخ من بغداد ، وكان يريد أن يأخذ طريق الفرات إلى الأنبار ، ثم يخرج إلى
    سامر ، فكتب إليه إسحاق بن إبراهيم إن أمير المؤمنين أطال الله بقاءه قد أمر أن
    تدخل بغداد ، وأن يلقاك بنوهاشم ووجوه الناس ، وأن تقعد لهم في دار خزيمة
    بن خازم فتأمر لهم بجوائز . قال فخرجنا حتى إذا كنا بالياسرية ، وقد شحن ابن
    إبراهيم الجسر بالجند والشاكرية ، وخرج في خاصته وطرح له بالياسرية صفةً
    فجلس عليها ، حتى قالوا قد قرب منك فركب فاستقبله فلما نظر إليه أهوى
    إسحاق لينزل فحلف عليه إيتاخ ألا يفعل ، قال : وكان إيتاخ في ثلاث مائة من
    أصحابه وغلمانه ، عليه قباءٌ أبيض متقلداً سيفاً بحمائل ، فسارا جميعاً حتى إذا
    صارا عند الجسر ، تقدمه إسحاق عند الجسر وعبر حتى وقف على باب خزيمة
    بن خازم ، وقال لإيتاخ تدخل أصلح الله الأمير ، وكان الموكلون بالجسر كلما مر
    بهم غلام من غلمانه ، قدموه حتى بقي في خاصة غلمانه ، ودخل بين يديه قوم ،
    وقد فرشت له دار خزيمة ، وتأخر إسحاق وأمر ألا يدخل الدار من غلمانه إلا
    ثلاثة أو أربعة ، وأخذت عليه الأبواب ، وأمر بحراسته من ناحية الشط وكسرت
    كل درجة في قصر خزيمة بن خازم ، فحين دخل أغلق الباب خلفه ، فنظر فإذا


    ليس معه إلا ثلاثة غلمان ، فقال قد فعلوها ! ولو لم يؤخذ ببغداد ما قدروا على
    أخذه ، ولو دخل إلى سامرا فأراد بأصحابه قَتْلَ جميع من خالفه ، أمكنه ذلك .
    قال : فأتيَ بطعام قرب الليل فأكل فمكث يومين أو ثلاثة ، ثم ركب إسحاق في
    حراقة وأعدَّ لإيتاخ أخرى ، ثم أرسل إليه أن يصير إلى الحراقة ، وأمر بأخذ سيفه
    فحدروه إلى الحراقة ، وصير معه قوم بالسلاح ، وصاعد إسحاق حتى صار إلى
    منزله ، وأخرج إيتاخ حين بلغ دار إسحاق ، فأدخل ناحية منها ، ثم قيد فأثقل
    بالحديد في عنقه ورجليه ، ثم قدم بابنيه منصور ومظفر وبكاتبيه سليمان بن وهب
    وقدامة ابن زياد النصراني ، بغداد وكان سليمان على أعمال السلطان ، وقدامة على
    ضياع إيتاخ خاصة فحبسوا ببغداد .
    فأما سليمان وقدامة فضربا فأسلم قدامة ، وحبس منصور ومظفر .
    وذكر عن تُرْك مولى إسحق أنه قال : وقفت على باب البيت الذي فيه إيتاخ
    محبوس فقال لي : يا تُرك . قلت : ما تريد يا منصور . قال : أقرئ الأمير السلام
    وقل له : قد علمت ما كان يأمرني به المعتصم والواثق في أمرك ، فكنت أدفع
    عنك ما أمكنني فلينفعني ذلك عندك . أما أنا فقد مر بي شدة ورخاء ، فما أبالي ما
    أكلت وما شربت ، وأما هذان الغلامان فإنهما عاشا في نعمة ولم يعرفا البؤس ،
    فصير لهما مرقة ولحماً وشيئاً يأكلان منه .
    قال تُرك : فوقفت على باب مجلس إسحاق قال لي : مالك يا تُرك ، أتريد أن تتكلم
    بشئ . قلت : نعم . قال لي إيتاخ : كذا وكذا ! قال وكانت وظيفة إيتاخ رغيفاً



    وكوزاً من ماء ، ويأمر لابنيه بخوانٍ فيه سبعة أرغفة وخمس غرف « جمع غَرْفَة
    بمعنى ملعقة » فلم يزل ذلك قائماً حياة إسحاق ، ثم لا أدرى ما صنع بهما !
    فأما إيتاخ فقُيِّدَ وصُيِّر في عنقه ثمانون رطلاً وقيدٌ ثقيل ، فمات يوم الأربعاء
    لخمس خلون من جمادى الآخرة سنة 235 ، وأشهد إسحاق على موته أبا الحسن
    إسحاق بن ثابت بن أبي عباد ، وصاحب بريد بغداد ، والقضاة ، وأراهم إياه ،
    لا ضربَ به ولا أثرَ ! وحدثني بعض شيوخنا أن إيتاخ كان موته بالعطش ، وأنه
    أُطعم فاستسقى فمنع الماء حتى مات عطشاً ، وبقي إبناه في الحبس حياة المتوكل
    فلما أفضى الأمر إلى المنتصر أخرجهما ، فأما مظفر فإنه لم يعش بعد أن أخرج من
    السجن إلا ثلاثة أشهر حتى مات ، وأما منصور فعاش بعده » .
    قال المسعودي في التنبيه والإشراف / 313 : « بويع المتوكل جعفر بن محمد المعتصم ..
    وجفا الموالي من الأتراك واطَّرحهم وحطَّ مراتبهم ، وعمل على الإستبداد بهم
    والإستظهار عليهم » .
    أقول : لم يترك المتوكل أحداً من أولياء نعمته وأصدقائه إلا وغدر به ! وقد حقد
    عليه الترك لغدره بقائدهم إيتاخ ، وتبايعوا على قتله .
    قال المسعودي في مروج الذهب « 4 / 34 » : « ولما عزم بُغا الصغير على قتل المتوكل
    دعا بباغر التركي ، وكان قد اصطنعه واتخذه وملأ عينه من الصِّلات ، وكان
    مقداماً أهوج ، فقال له : يا باغر أنت تعلم محبتي لك وتقديمي إياك وإيثاري لك
    وإحساني إليك ، وإني قد صرت عندك في حد من لا يُعْصَى له أمر ، ولا يخرج


    عن محبته ، وأريد أن آمرك بشئ فعرفني كيف قلبك فيه ، فقال : أنت تعلم كيف
    أفعل ، فقل لي ما شئت حتى أفعله ... ثم إنه أمسك عنه مدة مديدة ودعا به ،
    فقال : يا باغر ، قد حضرت حاجة أكبر من الحاجة التي قدمتها فكيف قلبك ؟
    قال : قلبي على ما تحبُّ فقل ما شئت حتى أفعله ، فقال : هذا المنتصر قد صح
    عندي أنه على إيقاع التدبير عليَّ وعلى غيري حتى يقتلنا ، وأريد أن أقتله فكيف
    ترى نفسك في ذلك ؟
    ففكر باغر في ذلك ونكس رأسه طويلًا وقال : هذا لا يجئ منه شئ ، قال :
    وكيف ؟ قال : يقتل الابن والأبُ باقٍ ؟ إذاً لا يستوي لكم شئ ، ويقتلكم أبوه
    كلكم به ، قال : فما ترى عندك ؟ قال : نبدأ بالأب أولاً فنقتله ، ثم يكون أمر
    الصبي أيسر من ذلك ، فقال له : ويحك وتفعل هذا ويتهيأ ؟ قال : نعم أفعله ،
    وأدخل عليه حتى أقتله ، فجعل يردد عليه ، فيقول : لا تفعل غير هذا ، ثم قال
    له : فادخل أنت في أثري فإنْ قتلته وإلا فاقتلني وضَعْ سيفك عليَّ ، وقل : أراد أن
    يقتل مولاه ، فعلم بغا حينئذ أنه قاتله ، وتوجه له في التدبير في قتل المتوكل » .
    وقد روى الطبري « 7 / 434 » تفاصيل كثيرة ، في مكافأة باغر على قتله المتوكل ،
    وفي صراع الأتراك فيما بينهم ، وصراعهم مع الخلافة .


    القائد وصيف التركي :
    1. قال الصفدي في الوافي « 27 / 259 » : « الأمير التركي وصيف ، غلام الإمام
    المتوكل ، كان من كبار الأمراء القواد ، استولى على المعتز ، واحتجرَ واصطفى
    لنفسه الأموال والذخائر ، فشغبت عليه الفراغنة والأشروسنية ، وطالبوه
    بالأرزاق ، فقال مالكم عندنا إلا التراب ! فوثبوا عليه وقتلوه بالدبابيس ،
    وقطعوا رأسه ونصبوه على رمح في سنة ثلاث وخمسين ومائتين .
    وكان وصيف هو وبغا الشرابي ، قد حجرا على المستعين ، حتى قال الشاعر :
    خليفةٌ في قفصٍ
    بينَ وصيفٍ وبَغَا

    يقول ما قالا له
    كما تقول البَبَّغَا

    وكان في الأصل مملوكاً لشيخ من أهل قم ، اشتراه لما سُبِيَ من الديلم ، وأحسن
    تربيته ، وأسلمه مع ابنه في المكتب ، وكان إذا وقع في يده شئ تركه عند بقال في
    المحلة . ثم إنه بعد بلوغه تعلق بالعمل بالسلاح ، ثم توجه مع بعض الجند إلى
    خراسان بعدما أخذ ماله من عند البقال ، ثم تقلبت به الأحوال إلى أن اتصل
    بالمتوكل . ولما تولى وصيف على قم طلب الشيخ أستاذه واعترف له بالرق ،
    فأنكر ذلك ، فقال له : أنا مملوكك فلان ، ودفع إليه ثلاث بدر وقماشاً ودواب
    وطيباً بمثل ذلك ، وأمر لابن الشيخ بعشرة آلاف درهم ، وبعث إلى زوجة
    الشيخ وبناته مالاً كثيراً ، ودفع إلى البقال خمس مائة دينار ، وقال : يا أهل قم ، ما
    على وجه الأرض أحدٌ أوجب حقاً عليَّ منكم ، إلا أني أخالفكم في التشيع » .
    2. كان وصيف قائداً كبيراً عند الواثق ، ولما مات عمل لتولية المتوكل : « لما توفي
    حضر الدار أحمد بن أبي دؤاد وإيتاخ ووصيف وعمر بن فرج وابن الزيات وأحمد


    بن خالد أبوالوزير ، فعزموا على البيعة لمحمد بن الواثق وهو غلام أمرد ،
    فألبسوه دراعة سوداء وقلنسوة رصافية فإذا هو قصير فقال لهم وصيف : أما
    تتقون الله تُولون مثل هذا الخلافة ، وهو لا يجوز معه الصلاة » .
    فاستقر رأيهم على تولية جعفر وجاؤوا به من السجن . « الطبري : 7 / 341 » .
    ولهذا صار وصيف مقرباً عند المتوكل ، وقد ورد أنه عندما جاء أحمد بن حنبل
    الى بغداد لقيه في الطريق فلم يسلم عليه مباشرةً ، وأرسل له شخصاً يسلم عليه
    نيابةً عنه ويقول له : حرض المتوكل على خصمك ابن أبي دؤاد ليعزله !
    قال الذهبي في تاريخه « 18 / 87 » : « قال حنبل في حديثه .. فأخبرني أبي قال : لما دخلنا
    إلى العساكر إذا نحن بموكب عظيم مقبل ، فلما حاذى بنا قالوا : هذا وصيف .
    وإذا فارس قد أقبل فقال لأحمد : الأمير وصيف يقرؤك السلام ويقول لك : إن
    الله قد أمكنك من عدوك ، يعني ابن أبي دؤاد ، وأمير المؤمنين يَقبل منك فلا
    تدع شيئاً إلا تكلمت به . فما رد عليه أبوعبد الله شيئاً . وجعلت أنا أدعو لأمير
    المؤمنين ، ودعوت لوصيف » .
    وهذا يدل على غطرسة وصيف ، وعلى أن نظرتهم لأحمد بن حنبل كانت عادية !
    3. وعندما أراد المتوكل أن يغدر بإيتاخ ، أرسله الى الحج : « فحين خرج صيرت
    الحجابة إلى وصيف » . « الطبري : 7 / 350 » .


    4. ثم غدر المتوكل بوصيف ، فقلص صلاحياته وكتب فرامين بمصادرة أمواله
    في البلاد . قال الذهبي في سير أعلام النبلاء « 12 / 38 » : « وانحرفت الأتراك على
    المتوكل لمصادرته وصيفاً وبغا ، حتى اغتالوه » .
    وقال ابن تغري في مورد اللطافة « 1 / 157 » : « وكان المتوكل بايع ولده المنتصر
    محمداً . ثم إنه أراد أن يعزله ويولي ولده المعتز لمحبته لأمه قبيحة ، فسأل المتوكل
    ولده المنتصر أن ينزل عن العهد لأخيه المعتز فأبى ، فغضب المتوكل عليه ، وصار
    يحضره المجالس العامة ويحط منزلته ، ويتهدده ويشتمه ويتوعده .
    ثم اتفق أن الترك انحرفوا عن المتوكل لكونه صادر وصيف التركي وبغا ،
    فاتفق الأتراك حينئذ مع المنتصر على قتل أبيه المتوكل » .
    5. قال الذهبي في سيره « 12 / 39 » : « وسكر المتوكل سكراً شديداً ، ومضى من
    الليل إذ أقبل باغر في عشرة متلثمين تبرق أسيافهم ، فهجموا علينا ، وقصدوا
    المتوكل ، وصعد باغر وآخر إلى السرير فصاح الفتح : ويلكم مولاكم . وتهارب
    الغلمان والجلساء والندماء ، وبقي الفتح ، فما رأيت أحداً أقوى نفساً منه بقي
    يمانعهم ، فسمعت صيحة المتوكل إذ ضربه باغر بالسيف المذكور على عاتقه ،
    فقده إلى خاصرته وبعج آخر الفتح بسيفه ، فأخرجه من ظهره ، وهو صابر
    لايزول ، ثم طرح نفسه على المتوكل فماتا ، فَلُفَّا في بساط ثم دفنا معاً .
    وكان بغا الصغير استوحش من المتوكل لكلام ، وكان المنتصر يتألف الأتراك ،
    لا سيما من يُبعده أبوه » .

    وفي سمط النجوم « 3 / 466 » : « حملهم الطغيان على الفتك بالخليفة المتوكل ، لما
    أراد أن يصادر مملوك أبيه وصيفاً التركي لكثرة أمواله وخزائنه ، فتعصب له باغر
    التركي ، وانحرف الأتراك عن المتوكل فدخل باغر ومعه عشرة أتراك ، وهو في
    مجلس أنسه ، بعد مضي هزيع من الليل ، فصاح الفتح : ويلكم هذا سيدكم وابن
    سيدكم ! وهرب من كان حوله من الغلمان والندمان على وجوههم ، فبقي الفتح
    وحده والمتوكل غائب سكران ، فضربه باغر بالسيف على عاتقه فقدَّه إلى حقوه
    ، فطرح الفتح نفسه عليه ، فضربهما باغر ضربة ثانية فماتا جميعاً ، فلفهما معاً في
    بساط ومضى هو ومن معه ، ولم ينتطح في ذلك عنزان » .
    6. وأرسل المنتصر وصيفاً الى غزو الروم ، وكتب له أن يبقى هناك أربع سنين ، ففي
    تاريخ الطبري « 7 / 408 » : « كتب معه المنتصر كتاباً إلى وصيف يأمره بالمقام ببلاد الثغر ،
    إذا هو انصرف من غزاته أربع سنين ، يغزو في أوقات الغزو منها » .
    وهذا يدل على أن المنتصر أخذ يعمل للتخلص من وصيف ، فلما قتل المنتصر عاد
    وصيف وبغا ، وصار مقربين عند المستعين الذي صار خليفةً بعد المنتصر .
    وفي التنبيه والإشراف / 315 : « وبويع المستعين أحمد بن محمد المعتصم في اليوم الذي
    توفي فيه المنتصر ، وغلب على التدبير والأمر والنهي أوتامش بن أخت بغا الكبير .. ولم
    يزل مقيماً بسر من رأى إلى أن قَتَلَ وصيفٌ وبُغَا باغرَ التركي أحد المتقدمين في قتل
    المتوكل ، فشغب الموالي وتحزبوا ، فانحدر ومعه وصيف وبغا إلى مدينة السلام ، لثلاث
    خلون من المحرم سنة 251 . وبايع الأتراك بسر من رأى أبا عبد الله المعتز لحرب من
    بمدينة السلام ، فكانت الحروب بينهم سنة إلا أياماً يسيرة ، والقيم بأمر المستعين محمد



    بن عبد الله بن طاهر ، إلى أن خلع المستعين نفسه ، وسَلَّم َالخلافة إلى المعتز لليلتين خلتا
    من المحرم سنة 252 .. وصار إليه وصيف وبغا فردهما إلى مراتبهم ، ولم يزل يعمل في
    الحيلة عليهما إلى أن شغب الموالي فقتلوا وصيفاً الجمعة سلخ شوال سنة 253 » .
    القائد صالح بن وصيف :
    برز صالح بن وصيف بعد قتل أبيه ، وكانت له أدوار في قيادة الترك لا تقل عن
    أبيه ، فكان الأمر الناهي في خلافة المستعين ، وهو الذي اتفق مع بُغا على قتل
    باغر قاتل المتوكل ، فثار عليهما الجند الأتراك ، فهربا مع أبيه وصيف والخليفة
    المستعين الى بغداد ، فبايع الأتراك المعتز ، ووقعت الحرب بينه وبينه والمستعين ،
    ثم اتفقوا على خلع المستعين وتثبيت المعتز في الخلافة .
    ورجع صالح بن وصيف الى سامراء وبايع المعتز ، ثم جاء بالمهتدي من بغداد
    الى سامراء ونصبه خليفة ، وأجبر المعتز على خلع نفسه ، ثم قتله ، وصار الآمر
    الناهي في دولة المهتدي ، حتى جاء القائد التركي موسى بن بُغا بجيشه من الري
    فقتل صالح بن وصيف ، ثأراً للمعتز ، وقتل المهتدي أيضاً !
    في تاريخ الخلفاء / 264 ، ملخصاً : « وقدم موسى بن بُغا من الري يريد سامرا ،
    لقتل صالح بن وصيف بدم المعتز ، وأخذ أموال أمه ومعه جيشه ، فصاحت
    العامة على ابن وصيف : يا فرعون قد جاءك موسى ! فطلب موسى من بغا الإذن
    على المهتدي فلم يأذن له ، فهجم بمن معه عليه وهو جالس في دار العدل فأقاموه
    وحملوه على فرس ضعيفة وانتهبوا القصر ، وأدخلوا المهتدي إلى دار ناجود وهو
    يقول : يا موسى إتق الله ، ويحك ما تريد ! قال : والله ما نريد إلا خيراً ، فاحلف


    لنا ألا تمالئ صالح بن وصيف ، فحلف لهم ، فبايعوه حينئذ ثم طلبوا صالحاً
    ليناظروه على أفعاله فاختفى ، وندبهم المهتدي إلى الصلح فاتهموه أنه يدري
    مكانه ، فجرى في ذلك كلام ، ثم تكلموا في خلعه . فخرج إليهم المهتدي من
    الغد متلقداً بسيفه ، فقال : قد بلغني شأنكم ، لست كمن تقدمني مثل المستعين
    والمعتز ، والله ما خرجت إليكم إلا وأنا متحنط وقد أوصيت وهذا سيفي ! والله
    لأضربن ما استمسكت قائمته بيدي ، أما دينٌ ، أما حياءٌ ، أما رعةٌ ؟ لم يكن
    الخلاف على الخلفاء والجرأة على الله ؟
    ثم قال : ما أعلم عِلْمَ صالح ، فرضوا وانفضوا . ونادى موسى بن بغا : من جاء
    بصالح فله عشرة آلاف دينار ، فلم يظفر به أحد ، واتفق أن بعض الغلمان دخل
    زقاقاً وقت الحر ، فرأى باباً مفتوحاً فدخل فمشى في دهليز مظلم ، فرأى صالحاً
    نائماً ، فعرفه وليس عنده أحد ، فجاء إلى موسى فأخبره ، فبعث جماعة فأخذوه
    وقُطعت رأسه ، وطِيفَ به .. فكتب المهتدي إلى بكيال أن يقتل موسى ومفلحاً
    أحد أمراء الأتراك أيضاً ، أو يمسكهما ، ويكون هو الأمير على الأتراك كلهم !
    فأوقف بكيال موسى على كتابه وقال : إني لست أفرح بهذا وإنما هذا يعمل علينا
    كلنا ، فأجمعوا على قتل المهتدي وساروا إليه ، فقاتل عن المهتدي المغاربة
    والفراغنة والأشروسنية ، وقُتل من الأتراك في يوم أربعة آلاف ، ودام القتال إلى
    أن هُزم جيش الخليفة وأُمسك هو ، فعُصِر على خصيتيه فمات ، وذلك في رجب
    سنة ست وخمسين » !


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني   الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyالثلاثاء أكتوبر 29, 2024 10:27 pm

    رئيس الأطباء بخت يشوع :
    1. معنى بختيشوع : عبد المسيح ، فالبخت في اللغة السريانية العبد ، ويشوع
    عيسى عليه‌السلام . وكان بختيشوع يلحق بأبيه في معرفته بصناعة الطب ومزاولته
    لأعمالها ، وخدم هارون الرشيد ، وتميز في أيامه » . « طبقات الأطباء / 186 » .
    « جورجس بن جبرئيل : طبيب سرياني الأصل . هو أبو بختيشوع الطبيب ورأس
    هذا البيت . كان رئيس الأطباء في جنديسابور ، واعتل المنصور العباسي ، فأُرشد
    إليه ، فاستدعاه فقدم بغداد سنة 148 ، فأحبه المنصور ، فمكث حظياً عنده ونقل
    له كتباً كثيرة من اليونانية إلى العربية . ثم اعتل جورجس وطلب الأوبة إلى
    جنديسابور فأذن له المنصور ، فعاد سنة 152 ومات فيها .
    من تصانيفه عدا ما ترجمه إلى العربية : كناش ، ألفه بالسريانية وترجمه حنين بن
    إسحاق الى العربية » . « الأعلام : 2 / 146 »
    2. وفي طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة / 201 : « بختيشوع بن جبرائيل بن
    بختيشوع : كان سريانياً نبيل القدر ، وبلغ من عظم المنزلة والحال وكثرة المال ، ما
    لم يبلغه أحد من سائر الأطباء الذين كانوا في عصره ، وكان يضاهي المتوكل في
    اللباس والفرش . ونقل حنين بن إسحاق لبختيشوع بن جبرائيل كتباً كثيرة من
    كتب جالينوس إلى اللغة السريانية والعربية .
    قال فثيون الترجمان : لما ملك الواثق الأمر ، كان محمد بن عبد الملك الزيات وابن
    أبي دؤاد يعاديان بختيشوع ويحسدانه على فضله وبره ومعروفه وصدقاته ، وكمال


    مروءته ، فكانا يغريان الواثق عليه إذا خلوا به ، فسخط عليه الواثق وقبض على
    أملاكه وضياعه ، وأخذ منه جملة طائلة من المال ، ونفاه إلى جندي سابور ، وذلك
    في سنة ثلاثين ومائتين ، فلما اعتل بالإستسقاء وبلغ الشدة في مرضه ، أنفذ من
    يحضر بختيشوع ، ومات الواثق قبل أن يوافي بختيشوع .
    ثم صلحت حال بختيشوع بعد ذلك في أيام المتوكل حتى بلغ في الجلالة
    والرفعة وعظم المنزلة وحسن الحال وكثرة المال وكمال المروءة ومباراة الخلافة في
    الزي واللباس والطيب والفرش والصناعات والتفسيح والبذخ في النفقات ،
    مبلغاً يفوق الوصف ، فحسده المتوكل وقبض عليه .
    قال فثيون الترجمان : كان المعتز بالله قد اعتل في أيام المتوكل علة من حرارة امتنع
    معها من أخذ شئ من الأدوية والأغذية ، فشق ذلك على المتوكل كثيراً ، واغتم
    به وصار إليه بختيشوع والأطباء عنده وهو على حاله في الإمتناع ، فمازحه
    وحادثه ، فأدخل المعتز يده في كُمِّ جُبةِ وَشْيٍ يمانٍ مُثقله ، كانت على بختيشوع
    وقال : ما أحسن هذا الثوب ، فقال بختيشوع : يا سيدي ما له والله نظير في الحسن
    وثمنه عليَّ ألف دينار ، فكل لي تفاحتين وخذ الجبة ، فدعا بتفاح فأكل اثنتين ، ثم
    قال له : تحتاج يا سيدي الجبة إلى ثوب يكون معها ، وعندي ثوب هو أخٌ لها
    فاشرب لي شربة سكنجبين وخذه ، فشرب شربة سكنجبين ، ووافق ذلك اندفاع
    طبيعته . فبرأ المعتز وأخذ الجبة والثوب وصلح من مرضه .
    فكان المتوكل يشكر هذا الفعل أبداً لبختيشوع .


    3. وحدث أبومحمد بدر بن أبي الإصبع ، عن أبيه عن أبي عبد الله محمد بن
    الجراح عن أبيه ، أن المتوكل قال يوماً لبختيشوع : أدعني . فقال : السمع والطاعة
    فقال : أريد أن يكون ذلك غداً . قال : نعم وكرامة . وكان الوقت صائفاً وحره
    شديداً . فقال بختيشوع لأعوانه : وأصحابه أمرنا كله مستقيم إلا الخيْش فإنه
    ليس لنا منه ما يكفي ، فأحضر وكلاءه وأمرهم بابتياع كل ما يوجد من الخيش
    بسر من رأى ففعلوا ذلك ، وأحضروا كل من وجدوه من النجادين والصناع ،
    فقطع لداره كلها صونها وحجرها ومجالسها وبيوتها ومستراحاتها ، خيْشاً ، حتى
    لا يجتاز الخليفة في موضع غير مخيَّش . وإنه فكر في روائحه التي لا تزول إلا
    بعد استعماله مدة ، فأمر بابتياع كل ما يقدر عليه بسر من رأى من البطيخ ، وأحضر
    أكثر حشمه وغلمانه وأجلسهم يَدْلِكُونَ الخيشَ بذلك البطيخ ليلتهم كلها ،
    وأصبح وقد انقطعت روائحه ..
    وأمر طباخيه بأن يعملوا خمسة آلاف جونة « طبق » في كل جونة بابُ خبز سَميد
    دَسْتٍ رِقاق ، وزن الجميع عشرون رطلاً ، وحَمَلٌ مشويٌّ وجَدْيٌ باردٌ ، وفائقةٌ
    ودجاجتين مصدرتان ، وفرخان ومصوصان ، وثلاثة ألوان ، وجام حلواء .
    فلما وافاه المتوكل رأى كثرة الخيش وجِدَّته فقال : أي شئ ذهب برائحته ،
    فأعاد عليه حديث البطيخ ، فعجب من ذلك ، وأكل هو وبنو عمه والفتح بن
    خاقان على مائدة واحدة ، وأجلس الأمراء والحجاب على سماطين عظيمين ، لم


    يُرَ مثلهما لأمثاله ، وفُرقت الجُوَنُ على الغلمان والخدم والنقباء والركابية
    والفراشين والملاحين وغيرهم من الحاشية ، لكل واحد جونة .
    وقال : قد أمنتُ ذمَّهم لأنني ما كنت آمن لو أطعموا على موائد ، أن يرضى هذا
    ويغضب الآخر ، ويقول واحد شبعت ويقول آخر لم أشبع ، فإذا أعطى كل
    إنسان جونةً من هذه الجُوَن كفته ، واستشرف المتوكل على الطعام ، فاستعظمه
    جداً . وأراد النوم فقال لبختيشوع : أريد أن تنومني في موضع مضئ ، لا ذباب
    فيه ، وظن أنه يتعنته بذلك ، وقد كان بختيشوع تقدم بأن تجعل أجاجين السيلان
    « أوني الدبس » في سطوح الدار ، ليجتمع الذباب عليه ، فلم يقرب أسافل الدور
    ذبابة واحدة ! ثم أدخل المتوكل إلى مربع كبير سقفه كله كُواء فيها جامات يضئ
    البيت منها ، وهو مخيَّش مُظَهَّر بعد الخيش بالدبقي المصبوغ بماء الورد والصندل
    والكافور ، فلما اضطجع للنوم أقبل يشم روائح في نهاية الطيب ، لا يدري ما
    هي ، لأنه لم يرَ في البيت شيئاً من الروائح والفاكهة والأنوار ، ولا خلف الخيش
    لا طاقات ، ولا موضع يجعل فيه شئ من ذلك ، فتعجب وأمر الفتح بن خاقان
    أن يتتبع حال تلك الروائح حتى يعرف صورتها ، فخرج يطوف فوجد حول
    البيت من خارجه ومن سائر نواحيه وجوانبه أبواباً صغاراً لطافاً كالطاقات ،
    محشوة بصنوف الرياحين والفواكه واللخالخ والمشام ، التي فيها التفاح والبطيخ
    المستخرج ما فيها ، المحشوة بالنمام والحماحم اليماني المعمول بماء الورد والخلوق
    والكافور ، والشراب العتيق ، والزعفران الشعر .


    ورأى الفتح غلماناً قد وُكلوا بتلك الطاقات ، مع كل غلام مجمرة فيها نِدٌّ
    يسجره ويبخر به ، والبيت من داخله إزارٌ من اسفيداج مخرم خروماً صغاراً لا
    تبين ، تخرج منها تلك الروائح الطيبة العجيبة إلى البيت .
    فلما عاد الفتح وشرح للمتوكل صورة ما شاهده ، كثر تعجبه منه ، وحسد
    بختيشوع على ما رآه من نعمته وكمال مروءته ، وانصرف من داره قبل أن يستتم
    يومه ، وادعى شيئاً وجده من التياث بدنه ، وحقد عليه ذلك ، فنكبه بعد أيام
    يسيرة ، وأخذ له مالاً كثيراً لا يُقدر ، ووجد له في جملة كسوته أربعة آلاف
    سراويل دبيقي سيتيزي ، في جميعها تكك إبريسم أرميني .
    وحضر الحسين بن مخلد فختم على خزانته ، وحمل إلى دار المتوكل ما صلح منها
    وباع شيئا كثيراً ، وبقي بعد ذلك حطب وفحم ونبيذ وتوابل ، فاشتراه الحسين
    بن مخلد بستة آلاف دينار . وذكر أنه باع من جملته بمبلغ ثمانية آلاف دينار .
    ثم حسده حمدون ووشى إلى المتوكل وبذل فيما بقي في يده مما ابتاعه ستة آلاف
    دينار ، فأجيب إلى ذلك وسلم إليه فباعه بأكثر من الضعف .
    وكان هذا في سنة أربع وأربعين ومائتين للهجرة .
    ولما توفي بختيشوع خلف عبيد الله ولده وخلف معه ثلاث بنات ، وكان الوزراء
    والنظار يصادرونهم ويطالبونهم بالأموال ، فتفرقوا واختفوا ، وكان موته يوم
    الأحد لثمان بقين من صفر ، سنة ست وخمسين ومائتين » .

    4. وفي معرفة الجواهر لأبي الريحان البيروني « 1 / 70 » : « دخل بختيشوع على المتوكل
    يوم مهرجان « عيد نيروز الفرس » فقال : أين هديتك ؟ فقال : هديتي لم يملكها خليفة
    قبلك ولا مَلِك ! وأخرج ملعقة زبرجد توزن ثمانية مثاقيل ، وحكى عن أبيه
    جبريل أنه فصد دنانير جارية يحيى بن خالد ، وأنه لما عاد إليها للتثنية وجدها
    تأكل رماناً بهذه الملعقة ، وحين تم التسريح وشد العرق قالت له : خذ هذه
    الملعقة فأخذتها . فاعجب بها المتوكل وقال بحقٍّ ما أهلكوا أنفسهم !
    وأحضر عتاب الجوهرى لتقويمها فنكل وقال : ما أعرف لهذه قيمة » !
    5. وفي تاريخ الطبري « 3 / 382 » : « وفيها « سنة 244 » غضب المتوكل على بختيشوع
    وقبض ماله ، ونفاه إلى البحرين » .
    وفي تاريخ الطبري « 7 / 387 » : « وفيها « سنة 245 » ضرب بختيشوع المتطبب مائة
    وخمسين مقرعة ، وأثقل بالحديد ، وحبس في المطبق في رجب » .
    أقول : تدل هذه النصوص على أن المتوكل شخصية مريضة ، فبدل أن يُقدر طبيبه
    ويحبه ، ويستفيد من فكره ونبوغه لنفع المسلمين ، أو نفعه الشخصي ، حسده وحقد
    عليه ودمر حياته ، وخسَّرَ المجتمع طبيباً نابغاً !
    فلا شك أنه مريض بالحسد ، وصاحب شخصية معقدة غير سوية .


    تسليط العلماء النواصب والمجسمة على الأمة
    تقدم في ترجمة المتوكل أنه قَرَّبَ النواصب والمجسمة : « فكان فيهم مصعب
    الزبيري وإسحاق بن أبي إسرائيل ، وإبراهيم بن عبد الله الهروي ، وعبد الله
    وعثمان ابنا محمد بن أبي شيبة الكوفيان وهما من بنى عبس ، وكانا من حفاظ
    الناس . فقسمت بينهم الجوائز وأجريت عليهم الأرزاق ، وأمرهم المتوكل أن
    يجلسوا للناس ، وأن يحدثوا بالأحاديث التي فيها الرد على المعتزلة والجهمية ،
    وأن يحدثوا بالأحاديث في الرؤية ! فجلس عثمان بن محمد بن أبي شيبة في مدينة
    أبي جعفر المنصور ، ووضع له منبر ، واجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفاً من الناس
    فأخبرني حامد بن العباس أنه كتب عن عثمان بن أبي شيبة . وجلس أبوبكر بن
    أبي شيبة في مسجد الرصافة ، وكان أشد تقدماً من أخيه عثمان ، واجتمع عليه
    نحو من ثلاثين ألفاً » . « تاريخ بغداد : 10 / 67 » .
    وتقدمت ترجمة بعضهم ، ولا يتسع المجال لترجمة الجميع ، ومنهم يحيى بن محمد
    بن صاعد عالم جسمة الحنابلة ، وجده من غلمان المنصور . « العرش لابن أبي شيبة / 26 » .
    هشام بن عمار الدمشقي :
    وهذه فقرات من ترجمته من سيرأعلام النبلاء : 11 / 420 ، قال : « الإمام الحافظ
    العلامة المقرئ ، عالم أهل الشام ، أبوالوليد السلمي .. وحدث عنه من أصحاب
    الكتب : البخاري ، وأبوداود ، والنسائي ، وابن ماجة ، وروى الترمذي عن
    رجل عنه ، ولم يلقه مسلم ، ولا ارتحل إلى الشام ..

    قال صالح بن محمد جزرة : كان هشام بن عمار يأخذ على الحديث ولا يحدث ما
    لم يأخذ . كنت شارطت هشاماً أن أقرأ عليه بانتخابي ورقة ، فكنت آخذ الكاغد
    الفرعوني وأكتب مقرمطاً ، فكان إذا جاء الليل أقرأ عليه إلى أن يصلي العتمة ،
    فإذا صلى العتمة يقعد وأقرأ عليه فيقول : يا صالح ليس هذه ورقة ، هذه شقة !
    قال : وكان يأخذ على كل ورقتين درهماً ويشارط ويقول : إن كان الخط دقيقاً
    فليس بيني وبين الدقيق عمل .. سمعت محمد بن عوف يقول : أتينا هشام بن
    عمار في مزرعة له ، وهو قاعد على مورج له وقد انكشفت سوءته ، فقلنا : يا شيخ
    غط عليك . فقال : رأيتموه لن ترمد عينكم أبداً ، يعني يمزح .
    أخبرني بعض أصحاب الحديث ببغداد أن هشام بن عمار قال .. وجَّهَ المتوكل
    بعض ولده ليكتب عني .. قال : ونحن نلبس الأزر ولا نلبس السراويلات
    فجلست فانكشف ذكري فرآه الغلام ، فقال : إستتر يا عم . قلت : رأيته ، قال :
    نعم . قلت : أما إنه لا ترمد عينك أبداً إن شاء الله !
    قال : فلما دخل على المتوكل ضحك ، قال فسأله فأخبره بما قلت له ، فقال : فأل
    حسن تفاءل لك به رجل من أهل العلم ! إحملوا إليه ألف دينار .
    قلت : لم يخرج له الترمذي سوى حديث سوق الجنة .. ونصه بتمامه : إن أهل
    الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم ، ثم يؤذن في مقدار يوم الجمعة من
    أيام الدنيا ، فيزورون ربهم ويبرز لهم عرشه ، ويتبدى لهم في روضة من رياض
    الجنة فتوضع لهم منابر من نور ومنابر من ذهب ومنابر من فضة ، ويجلس



    أدناهم وما فيهم من دني على كثبان المسك والكافور ، وما يرون أن أصحاب
    الكراسي بأفضل منهم مجلساً .
    قال أبوهريرة : قلت : يا رسول الله ، وهل نرى ربنا ؟ قال : نعم ، قال : هل
    تتمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر قلنا : لا . قال : كذلك لا تمارون في
    رؤية ربكم ، ولا يبقى في ذلك المجلس رجل إلا حاضره الله محاضرة حتى يقول
    للرجل منهم : يا فلان ابن فلان ، أتذكر يوم كذا وكذا ، فيذكره ببعض غدراته
    في الدنيا ، فيقول : يا رب ، أفلم تغفر لي ؟ فيقول : بلى ، فسعة مغفرتي بلغت بك
    منزلتك هذه .. ويقول ربنا تبارك وتعالى : قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة
    فخذوا ما اشتهيتم ، فنأتي سوقاً قد حفت به الملائكة وفيه ما لم تنظر العيون إلى
    مثله ولم تسمع الآذان ولم يخطر على القلوب ، فيحمل لنا ما اشتهينا ، ليس يباع
    فيها ولا يشترى . وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضاً ..
    ثم ننصرف إلى منازلنا فيتلقانا أزواجنا فيقلن : مرحباً وأهلاً ، لقد جئت وإنَّ
    بك من الجمال أفضل مما فارقتنا عليه ، فيقول : إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار ،
    ويحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا » !
    ونلاحظ في شخصية هشام ابن عمار ماديته ، وعدم تقيد الأخلاقي ، وأحاديث تجسيم
    الله تعالى وتشبيهه ، وكأن الله تعالى شخص من أقارب هشام بن عمار ورواته !

    علي بن جهم : مستشار المتوكل :
    قال القاضي نور الله في الصوارم المهرقة / 300 : « وقد أرشدهم إلى ذلك كلام
    القاضي ابن خلكان من علماء أهل السنة في تاريخه المشهور ، عند بيان أحوال علي
    بن جهم القرشي ، حيث قال ما حاصله : إن التسنن لا يجتمع مع حب علي بن
    أبي طالب ! وما كتبه أهل ما وراء النهر في زمان السلطان الأعظم الأمير تيمور
    وغيره من فتوى اشتراط بغض علي عليه‌السلام بقدر شعيرة ، أو حبة رمانة ، في صحة
    الإسلام ، مشهورٌ ، وفي ألسنة الجمهور مذكور » !
    وفي الإمامة وأهل البيت « 3 / 193 » : « وكان المتوكل يقرب علي بن جهم لا لشئ إلا
    لأنه كان يبغض أمير المؤمنين علي المرتضى رضي الله عنه وكرم الله وجهه في
    الجنة ، وكان ابن الجهم هذا مأبوناً ، سمعه أبوالعيناء يوماً يطعن على الإمام علي ،
    فقال له : إنك تطعن على الإمام علي ، لأنه قتل الفاعل والمفعول من قوم لوط ،
    وأنت أسفلهما » .
    وقال في شرح النهج « 3 / 122 » : « ومن المنتسبين إلى سامة بن لؤي علي بن الجهم
    الشاعر .. وكان مبغضاً لعلي عليه‌السلام . وقد هجاه أبوعبادة البحتري فقال فيه :
    إذا ما حُصَّلَتْ عَلْيَا قريشٍ
    فلا في العِير أنتَ ولا النَّفِير

    وما الجهْمُ بن بدر حينَ يعزى
    من الأقمار ثَمَّ ولا البدور

    علامَ هجوتَ مجتهداً علياً
    بما لفَّقتَ من كذبٍ وزور

    أمالك في استكَ الوجْعاءِ شُغْلٌ
    يكفُّك عن أذى أهل القبور

    قال أبوالفرج : وكان علي بن الجهم من الحشوية ، شديد النصب ، عدواً للتوحيد
    والعدل .. خطب امرأة من قريش فلم يزوجوه ، وبلغ المتوكل ذلك فسأل عن



    السبب فحدث بقصة بني سامة بن لؤي ، وأن أبا بكر وعمر لم يدخلاهم في
    قريش ، وأن عثمان أدخلهم فيها ، وأن علياً عليه‌السلام أخرجهم منها ، فارتدوا ، وأنه
    قتل من ارتد منهم وسبى بقيتهم فباعهم من مصقلة بن هبيرة .
    فضحك المتوكل وبعث إلى علي بن الجهم فأحضره وأخبره بما قال القوم ، وكان
    فيهم مروان بن أبي حفصة المكنى أبا السمط وهو مروان الأصغر ، وكان المتوكل
    يغريه بعلي بن الجهم ، ويضعه على هجائه وثلبه فيضحك منهما ، فقال مروان :
    إن جهماً حين تنسبهُ
    ليس من عُجْمٍ ولا عَرَبِ

    لجِّ في شتمي بلا سببٍ
    سارقٌ للشعر والنسب

    من أناسٍ يَدَّعُونَ أباً
    ماله في الناس من عقب » .

    * *

    الفصل الثالث عشر :
    الإمام الهادي عليه‌السلام مع المنتصر والمستعين والمعتز
    ثلاثة خلفاء في ست سنين
    عاصر الإمام الهادي صلوات الله عليه بعد المتوكل ، ثلاثة خلفاء في ست سنين :
    المنتصر « 247 ـ 248 » والمستعين « 248 ـ 252 » والمعتز « 252 ـ 255 » . واستشهد عليه‌السلام في
    خلافة المعتز . ثم جاء المهتدي « 255 ـ 256 » فحكم سنة واحدة ثم جاء المعتمد
    فحكم طويلاً : « 256 ـ 279 » .
    عصفت العاصفة بالمتوكل ومن بعده !
    جرت سفينة النظام العباسي بريحٍ طيبةٍ في زمن المتوكل ، فكانت الأمور طَوْعَ
    يديه ، وعشرات ألوف الجنود الأتراك الذين اشتراهم أبوه يركعون أمامه
    ويؤدون له فروض الإحترام . وتوسع في البذخ والترف حتى فاق آباءه وأجداده
    في عدد القصور التي شيدها ، والجواري التي ملكها ، والملايين التي أنفقها !
    ثم جاء غضب الله على المتوكل والعباسيين ، فاضطرب نظام الخلافة بعده ،
    وقصرت أعمار الخلفاء ، وتسلط القادة الأتراك على مقدرات الدولة !
    فقد ارتكب المتوكل خطأ فادحاً عندما قتل إيتاخ القائد العام للجنود الأتراك ،
    وكان أبوه المعتصم سَلَّمَهُ الى إيتاخ وهو طفلٌ فربَّاه ، وكان المتوكل يناديه يا أبي !


    وبقتله حقد عليه الأتراك ، حتى قتلوه شر قتلة وهو سكران ، ونصبوا بدله ابنه
    المنتصر ، لأنه كان على خلاف مع أبيه .
    قال الطبري « 7 / 390 » ملخصاً : « ثم دخلت سنة سبع وأربعين ومائتين ، كان فيها
    مقتل المتوكل .. سبب ذلك : أن المتوكل كان أمر بإنشاء الكتب بقبض ضياع
    وصيف بأصبهان والجبل ، وإقطاعها الفتح بن خاقان . فكُتبت الكتب بذلك
    وصارت إلى الخاتم « غرفة ختم المراسيم » على أن تتقدم يوم الخميس لخمس خلون
    من شعبان ، فبلغ ذلك وصيفاً واستقر عنده الذي أُمر به في أمره .
    وذكر بعضهم أن المتوكل عزم هو والفتح أن يُصِيِّرا غداهم عند عبد الله بن عمر
    البازيار ، يوم الخميس لخمس ليال خلون من شوال ، على أن يفتك بالمنتصر
    ويقتل وصيفاً وبغا وغيرهما من قواد الأتراك ووجوههم ، فكثر عبثه يوم الثلاثاء
    قبل ذلك بيوم ، فيما ذكر ابن الحفصي بابنه المنتصر ، مرةً يشتمه ، ومرةً يسقيه فوق
    طاقته ، ومرةً يأمر بصفعه ، ومرةً يتهدده بالقتل ..
    حدثني بعض من كان في الستارة من النساء أنه التفت إلى الفتح فقال له : برئت
    من الله ومن قرابتي من رسول الله إن لم تلطمه يعني المنتصر !
    فقام الفتح ولطمه مرتين يُمِرُّ يده على قفاه ! فقال المنتصر : يا أمير المؤمنين لو
    أمرت بضرب عنقي كان أسهل عليَّ مما تفعله بي ! فقال : إسقوه » !
    وقال الذهبي في سيره : 12 / 39 ، وتاريخه : 18 / 201 : « وسكر المتوكل سكراً شديداً ،
    ومضى من الليل ثلاث ساعات ، إذ أقبل باغر في عشرة متلثمين تبرق أسيافهم ،


    فهجموا علينا وقصدوا المتوكل ، وصعد باغر وآخر إلى السرير فصاح الفتح :
    ويلكم مولاكم ! وتهارب الغلمان والجلساء والندماء وبقي الفتح ، فما رأيت
    أحداً أقوى نفساً منه ، بقي يمانعهم ، فسمعت صيحة المتوكل إذ ضربه باغر
    بالسيف المذكور على عاتقه فقدَّه إلى خاصرته ، وبعج آخر الفتح بسيفه فأخرجه
    من ظهره وهو صابرٌ لايزول ، ثم طرح نفسه على المتوكل فماتا ، فَلُفَّا في بساط ثم
    دفنا معاً . وكان بُغا الصغير استوحش من المتوكل لكلام ، وكان المنتصر يتألف
    الأتراك ، لا سيما من يُبعده أبوه » .
    وتقدم من سمط النجوم « 3 / 466 » : « فضربهما باغر ضربة ثانية فماتا جميعاً ، فلفهما
    معا في بساط ، ومضى هو ومن معه ، ولم ينتطح في ذلك عنزان » .
    أقول : لم ينتطح في المتوكل عنزان ، لأن غير الأتراك لا قرونَ لهم ، والأتراك أصحاب
    القرون أمسكوا برقبة الخلافة ، ينصبون من يعجبهم ويعزلون من لا يعجبهم .
    سيطرة المماليك على خلافة العباسيين !
    كان شراء المماليك في زمن بني أمية رائجاً ، ففي تاريخ الطبري « 5 / 533 » : « وفي هذه
    السنة « 125 هجرية » كتب يوسف بن عمر « والي العراق الأموي » إلى نصر بن سيار
    « والي خراسان » يأمره بالقدوم عليه ، ويحمل معه ما قدر عليه من الهدايا والأموال ..
    فلما أتى نصراً كتابه ، قسَّم على أهل خراسان الهدايا ، وعلى عماله « أي شراءها » فلم
    يدع بخراسان جارية ولا عبداً ، ولا برذوناً فارهاً إلا أعده ، واشترى ألف مملوك
    وأعطاهم السلاح ، وحملهم على الخيل .


    قال : وقال بعضهم كان قد أعد خمس مائة وصيفة ، وأمر بصنعة أباريق الذهب
    والفضة وتماثيل الظباء ورؤوس السباع والأيايل وغير ذلك ، فلما فرغ من ذلك
    كله كتب إليه الوليد يستحثه فسرح الهدايا حتى بلغ أوائلها ببيهق ، فكتب إليه
    الوليد يأمره أن يبعث إليه ببرابط وطنابير ، فقال بعض شعرائهم :
    أبشرْ يا أمينَ الله
    أبشر بتباشيرْ

    بإبلٍ يحُمل الما
    لُ عليها كالأنابيرْ

    بغالٌ تحمل الخمرَ
    حقائبُها طنابيرْ

    ودَلُّ البربريات
    بصوتِ البّمِّ والزِّيرْ

    وقرع الدفِّ أحياناً
    ونفخٍ بالمزاميرْ

    فهذا لك في الدنيا
    وفي الجنة تحبيرْ » .

    وقال الدكتور شفيق جاسر أحمد في كتابه : المماليك البحرية « 1 / 109 » : « رُويَ عن أبي
    جعفر المنصور أنه سأل أحد الأمويين عمن وجدوا عندهم الوفاء بعدما
    أصابهم ؟ فقال : الموالي ، فقرر المنصور أن يعتمد على مواليه ويستعين بهم . وكان
    الخليفة المأمون العباسي أول من استكثر من المماليك ، ثم تلاه أخوه المعتصم
    الذي أراد أن يحد من نفوذ جنوده من الفرس والعرب ، فكون جيشاً أغلبه من
    التركمان . كان يشتريهم صغاراً ويربيهم ، حتى وصل عددهم إلى عشرين ألفاً » .
    وفي الفخري في الآداب السلطانية « 1 / 228 » : « وقيل إن المعتصم استكثر من المماليك ،
    فضاقت بهم بغداد وتأذى بهم الناس وزاحموهم في دورهم ، وتعرضوا للنساء ،
    فكان في كل يوم ربما قتل منهم جماعة .. وسار إلى موضع سامرا فبناها ، وكان
    ذلك في سنة إحدى وعشرين ومائتين » .

    وفي موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر ،
    بقلم هيئة التحرير / 628 : « يُعد الخليفة المعتصم أول من بدأ بجلب المماليك
    الأتراك ، ليقوى بهم في الحروب التي واجهته ، وليكونوا موضع ثقته ، بعد أن
    خاف أن يكون هوى الجند العرب مع منافسيه العلويين » !
    أقول : كانت أم المعتصم تركية فكان يجيد التركية ، واعتنى باقتناء غلمان الترك
    لحراسته : « وكان يجلبهم من بلاد ما وراء النهر ، من سمرقند وفرغانة والسند ،
    وأشروسنة والشاش والقوقاز ، وأعالي نهر جيحون وخوارزم ونيسابور ومرو ،
    وبلغاريا الممتدة من بحر قزوين إلى الأدرياتيكي . وراجت بسببه تجارة الرقيق
    الترك ، ونشط يهود سكسونيا الشرقية ، وأنشؤوا مراكز تجمع للرقيق ، ومراكز
    خصاء ، فبلغ ما اقتناه المعتصم منهم بضعة عشر ألفاً ، ثم تزايد العدد أضعافاً .
    وكانوا يسلمون المماليك إلى فقهاء ليربوهم على الإسلام ، ثم يلحقونهم بالخدمة
    العسكرية ، ثم يرقُّونهم من الإسطبلات إلى الحراسة الأمنية ، إلى قيادة عشرة ،
    إلى إمارة السرايا والجيوش » . « تحفة الترك « 1 / 7 » لنجم الدين الحنفي المتوفى 758 » .
    وقد راجت تجارة الغلمان خاصة من آسيا الوسطى ، وصار العصابات تسرق
    الناس لتبيعهم الى الخليفة ووكلائه !
    ومن رواياتهم أنهم سرقوا جماعة كان فيهم عالم دين ، فكانوا في طريقهم يَحُلُّون
    وثاقه ليصلي بهم إماماً ، فقال لهم يوماً : هل يجوز بيع القرآن ؟ قالوا : لا ، فقال :
    إن الإمام كالقرآن فلا يجوز لكم بيعي فأطلقوني !


    فتشاوروا بينهم ثم قالوا له : هل يجوز إهداء القرآن ؟ قال نعم . قالوا له : أنت
    كالقرآن لا نبيعك بيعاً ، بل نهديك لوكيل الخليفة هديةً !
    وكان الخليفة يختار القادة الكبار لجنده ، لكنه كان ملزماً بتعيين من يرضون
    قيادته ويحبونه ، فكان القائد التركي الناجح هو الذي يكسب رضا الجنود ورضا
    الخليفة ، ورضا القائد الأكبر منه .
    وكان كبار قادة الأتراك : إيتاخ الذي قتله المتوكل ، ووصيف ، وابنه صالح ،
    وبُغا الصغير ، وبُغا الكبير ، وموسى بن بغا ، وبايكباك ، وأوتامش .. الخ .
    أما المستوى الثقافي والسلوكي لهم فكان واطئاً خشناً ، وقل منهم من دخل
    الإيمان قلبه ، واتصف بالتقوى والورع ، أو تصرف بنبل ومكارم أخلاق .
    وسترى نماذج من تصرفاتهم وقسوتهم !
    أجيال الترك الأوائل لم يدخل الإيمان في قلوبهم
    كان غالب المماليك الترك من آسيا الوسطى ، قرب الصين ومنغوليا ، وأصولهم
    مغولية أو قريبة منها ، وكلهم يقدسون جنكيز خان ، ويرجعون في خلافاتهم الى
    شريعته المكتوبة بإسم : اليَاسَة !
    وحتى الذين أسلموا منهم كانوا يقدسون الياسة ويقبلون أحكامها !
    لافرق في ذلك بين مماليك المعتصم ، ومغول هولاكو الذين حكموا العراق ،
    والمماليك الشراكسة الذين حكموا مصر وسوريا ، فكلهم يقدسون الإلياسة ،
    ويشربون الخمر ويفعلون الفواحش ، لا تكاد تستثني منهم أحداً !

    ولم أجد في ملوكهم صادقاً في إسلامه والتزامه بالشريعة ، مثل محمد خدابنده
    الذي أسلم على يد نصير الدين الطوسي والعلامة الحلي ، رضي الله عنهم .
    أما عامتهم فهم أسرى الثقافة المغولية ، فشبابهم مثلاً يلعبون ألعاب الفروسية
    ويجعلون جزاء من يخسر أن يلوط به الرابح في ساحة الرماية !
    فكان سلطان مصر ابن الظاهر بيبرس يلعب معهم ، وعندما يخسر يفعلون به !
    قال في النجوم الزاهرة « 7 / 259 » : « الخامس من ملوك الترك بمصر سميَ بركة
    خان على اسم جده لأمه بركة خان بن دولة خان الخوارزمي » . حفيد هولاكو .
    وفي نهاية ابن كثير « 13 / 338 » : « غلبت عليه الخاصكية فجعل يلعب معهم في
    الميدان الأخضر فيما قيل ، فربما جاءت النَّوْبة عليه فينزل لهم « أي يفعلون به » !
    فأنكرت الأمراء الكبار ذلك ، وأنِفوا أن يكون مَلِكُهم يلعب مع الغلمان ،
    ويجعل نفسه كأحدهم ، فراسلوه في ذلك ليرجع عما هو عليه ، فلم يقبل » !
    وينبغي التنبيه هنا الى أن طريقتهم التي قتلوا بها أكثر الخلفاء بعصر خصيتيه ،
    مأخوذة من طريقتهم في ذبح الحيوان بمرس قلبه أو خصيتيه :
    قال المقريزي في السلوك « 3 / 107 » : « كانوا يعتمدون في ذبح الحيوان أن تكتف
    قوائمه ويشق جوفه ، ويدخل أحدهم يده إلى قلبه ويهرسه فركاً حتى يموت ،
    أو يخرج قلبه . ومن ذبح كذبيحة المسلمين ذُبح ! ومن وقع جمله أو فرسه وثقله في
    كر أوفر ، ومر عليه من يتلوه بعده ، ولم ينزل لمساعدته ، قُتل » .


    ويظهر أن اختيارهم هذه الطريقة للمحافظة على دم الذبيحة ، لأنه باعتقادهم
    غذاءٌ . كما أن عصر الخصيتين لاتظهر فيه آثار القتل على جسد المقتول !
    وليس كل أحد يجيد مَرْس الخصيتين ، بل هو تخصص كما يظهر ، حيث ورد في
    قتلهم للخليفة المهتدي « الطبري : 7 / 582 » : « فدخلوا عليه فجعلوا يصفعونه
    ويبزقون في وجهه ، وسألوه عن ثمن ما باع من المتاع والخُرْثي « الأثاث » فأقر لهم
    بست مائة ألف قد أودعها الكرخيُّ الناسَ ببغداد .. فأخذوا رقعته بست مائة
    ألف دينار ، ودفعوه إلى رجل ، فوطأ على خصييه حتى قتله » .
    ويمكن إرجاع بعض أنواع التعذيب في السجون المصرية والعربية ، الى هذه
    الثقافة . كما أن الذين قتلوا النسائي المحدث ، لأنه ألف كتاباً في فضائل علي عليه‌السلام
    فداسوا خصيتيه ، كانوا شراكسة ، أو مثقفين بثقافتهم !
    الخليفة المنتصر بن المتوكل
    1. قال الطبري « 7 / 399 » : « وفيها « سنة 247 » بويع للمنتصر محمد بن جعفر
    بالخلافة في يوم الأربعاء لأربع خلون من شوال وهو ابن خمس وعشرين سنة ..
    حضر الناس الجعفرية من القواد والكتاب والوجوه والشاكرية والجند وغيرهم ،
    فقرأ عليهم أحمد بن الخصيب كتاباً يخبر فيه عن أمير المؤمنين المنتصر أن الفتح بن
    خاقان قتل أباه جعفر المتوكل فقتله به ، فبايع الناس . وحضر عبيد الله بن يحيى
    بن خاقان فبايع ، وانصرف » .

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني   الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyالثلاثاء أكتوبر 29, 2024 10:29 pm

    وقال الطبري « 7 / 408 » : « ذكر أن محمداً المنتصر بالله لما استقامت له الأمور قال
    أحمد بن الخصيب لوصيف وبغا : إنا لا نأمن الحَدَثَان وأن يموت أمير المؤمنين
    فيلي الأمر المعتز ، فلا يُبقى منا باقية ويُبيد خضراءنا ، والرأي أن نعمل في خلع
    هذين الغلامين قبل أن يظفرا بنا ، فَجَدَّ الأتراك في ذلك وألحُّوا على المنتصر
    وقالوا : يا أمير المؤمنين تخلعهما من الخلافة وتبايع لابنك عبد الوهاب ، فلم
    يزالوا به حتى فعل ، ولم يزل مكرماً المعتز والمؤيد على ميل منه شديد إلى المؤيد » .
    وقال المسعودي في التنبيه / 314 : « وتوفي بسر من رأى لأربع خلون من شهر ربيع
    الآخر سنة 248 ، وله ثمان وعشرون سنة ، مسموماً فيما قيل ، وإن الموالي لما علموا
    سوء نيته فيهم وأنه على التدبير عليهم بادروه بذلك ، فكانت خلافته ستة أشهر
    ويوماً . وكان مربوعاً ، حسن الوجه ، أسمر ، مسمناً ، ذا شهامة ومعرفة .
    كان المنتصر أظهر الإنصاف في الرعية ، فمالوا إليه مع شدة هيبته .
    وقال علي بن يحيى المنجم : ما رأيت مثل المنتصر ، ولا أكرم فعالاً بغير تبجح ،
    لقد رآني مغموماً فسألني فوريت ، فاستحلفني فذكرت إضاقة في ثمن ضيعة ،
    فوصلني بعشرين ألفاً . وكان قد أبعد وصيفاً في عسكر إلى ثغر الروم ، وكان قد
    ألح عليه هو وبغا وابن الخصيب في خلع إخوته ، خوفاً من أن يلي المعتز
    فيستأصلهم .. فقال المنتصر : أترياني خلعتكما طمعاً في أن أعيش بعدكما حتى
    يكبر ابني عبد الوهاب وأعهد إليه ! والله ماطمعت في ذلك ، ولكن هؤلاء ألحوا
    عليَّ وخفت عليكما من القتل . فقبَّلا يده ، وضمَّهما إليه » .


    2. بادر المنتصر الى تطبيق سياسته المخالفة لسياسة أبيه ، فمنع اضطهاد العلويين
    ورفع حظر زيارة كربلاء وبنى مشهد الحسين عليه‌السلام ردَّ فدك الى ورثة فاطمة عليها‌السلام .
    وأمر قاضي البصرة بالإمساك عن إصدار الأحكام . وعزل والي المدينة ومكة .
    وأكد على الوالي الجديد احترام العلويين .
    قال الطبري « 7 / 416 » : « كان أول شئ أحدث من الأمور عَزْلُ صالح عن المدينة
    وتوليةُ علي بن الحسين بن إسماعيل بن العباس بن محمد إياها ، فذكر عن علي بن
    الحسين أنه قال : دخلت عليه أودعه ، فقال لي : يا علي إني أوجهك إلى لحمي
    ودمي ، ومد جلد ساعده وقال : إلى هذا وجهتك ، فانظر كيف تكون للقوم
    وكيف تعاملهم ، يعني آل أبي طالب . فقلت : أرجو أن أمتثل رأي أمير المؤمنين
    أيده الله فيهم إن شاء الله ، فقال : إذاً تسعد بذلك عندي » .
    وقال المسعودي في مروج الذهب « 4 / 51 » : « وكان آل أبي طالب قبل خلافته في محنة
    عظيمة وخوف على دمائهم ، قد مُنعوا زيارة قبر الحسين ، والغري من أرض
    الكوفة ، وكذلك منع غيرهم من شيعتهم حضور هذه المشاهد .. فأمن الناس ،
    وتقدم بالكف عن آل أبي طالب ، وترك البحث عن أخبارهم ، وأن لا يمنع أحد
    زيارة الحِير ، لقبر الحسين رضي الله تعالى عنه ، ولا قبر غيره من آل أبي طالب ،
    وأمر برد فدَكَ إلى ولد الحسن والحسين ، وأطْلَقَ أوقاف آل أبي طالب ، وترك
    التعرض لشيعتهم ودفع الأذى عنهم » .
    وفي مناقب آل أبي طالب « 2 / 53 » : « فأحسن المنتصر سيرته ، وأعاد التربة في أيامه .

    والمعتز حرق المشهد بمقابر قريش على ساكنه السلام » .
    وفي مستدرك سفينة البحار « 2 / 476 » : « تاريخ عمارة الحائر الحسيني في كربلاء ،
    على ما رأيته في بعض المكاتيب واستنسخته في كربلاء : أوله بناء بني أسد لما دفنوا
    الشهداء مع مولانا الإمام السجاد عليه‌السلام ، بنوا على قبورهم الشريفة رسوماً لكي
    يعرف الزائرون مواضع الزيارة . ثم إن المختار بن أبي عبيدة الثقفي شيد المشهد ،
    وأسس قرية صغيرة حوله وبقي معموراً . وكان للحائر الحسيني بابان شرقي
    وغربي يزوره المؤمنون . هكذا إلى أيام خلافة هارون الرشيد ، وهو هَدَمَ البناء
    حتى أمر بقطع السدرة التي كانت في وسط المشهد الشريف .
    ولما تولى المأمون الخلافة ، أمر بإعادة البناء ، وبقي معموراً إلى زمان المتوكل .
    وفي سنة 237 جرى من المتوكل ما جرى على حائر الحسين عليه‌السلام وأرسل ديزج
    اليهودي ، فأمر بهدم البناء الشريف ، ومنع من زيارته ، كما هو المشهور .
    ولما تولى ابنه المنتصر سار على منهج المأمون ، فأمر بإعادة البناء ، وأقام عليه ميلاً
    لإرشاد الزائرين . وفي سنة 273 تداعت بناية المنتصر ، فقام بتجديدها محمد بن
    زيد القائم بطبرستان . وفي سنة 369 بناها عمران بن شاهين مع أحد الأروقة في
    المشهد المقدس . وفي سنة 370 زار عضد الدولة البويهي المشهد الحسيني ، فأمر
    بتعمير عام في كافة أنحاء المشهد وما حوله .
    وفي سنة 407 وقعت النار حول الضريح من شمعتين فانهدم ، فقام بإعادتها
    مع السور الحسن بن الفضل وزير الدولة البويهية .


    وفي سنة 467 في عهد السلطان أويس أمر بتجديد البناء ، وأكملها ابنه السلطان
    حسين . وفي سنة 479 زار ملك شاه ، فأمر بترميم سور المشهد .
    وفي سنة 914 لما فتح إسماعيل الصفوي بغداد ذهب إلى زيارة مشهد الحسين وأمر
    بتذهيب حواشي الضريح ، وأهدى اثني عشر قنديلاً من الذهب ، وهذا أول
    إدخال الذهب على العمارة المقدسة .
    وفي سنة 932 أهدى السلطان إسماعيل الصفوي الثاني شبكة بديعة الصنع من
    الفضة ، لتوضع على القبر الشريف .
    وفي سنة 983 في عهد علي باشا والي بغداد جدد بناء القبة السامية .
    وفي سنة 1048 شيد السلطان مراد الرابع العثماني للقبة وجصصها من الخارج .
    وفي سنة 1135 أمرت زوجة نادر شاه بتعمير عام فيه وأنفقت له أموالاً كثيرة .
    وفي سنة 1227 تضعضعت بناية المشهد فكتب أهل كربلاء إلى السلطان فتح علي
    شاه ، فأمر بتجديدها وتبديل صفائح الذهب وعمل الترسيم ، وأهدى شبكة
    من الفضة لتوضع على قبر الحسين عليه‌السلام وأمر ببناء قبتي الحسين والعباس
    وتذهيبهما . ويتولى الإنفاق الصدر الأعظم إبراهيم خان الشيرازي ، وكان ذلك
    في سنة 1250 . وفي سنة 1287 جاء السلطان ناصر الدين شاه القاجار إلى العراق
    بدعوة رسمية من الحكومة العثمانية ، فزار ، وأمر بتجديد الأبنية في المشهد
    الحسيني ، وتبديل صفائح الذهب ، وتذهيب القبة الطاهرة السامية ، واستملك
    دوراً فأضافها إلى الصحن الشريف من الجهة الغربية » .

    هل قتل المنتصر أباه المتوكل ؟
    توجد قرائن تشير الى أن المنتصر كان وراء الأتراك في قتلهم لأبيه المتوكل :
    منها : ما رواه الطوسي في أماليه / 128 : « قال أبوالفضل : إن المنتصر سمع أباه يشتم
    فاطمة ، فسأل رجلاً من الناس عن ذلك ، فقال له : قد وجب عليه القتل ، إلا
    أنه من قتل أباه لم يطل له عمر . قال : ما أبالي إذا أطعت الله بقتله ، أن لا يطول لي
    عمر ، فقتله وعاش بعده سبعة أشهر » . ونحوه في مناقب آل أبي طالب « 3 / 221 » .
    ومنها : قول اليعقوبي « 2 / 492 » : « وكان المتوكل قد جفا ابنه محمداً المنتصر ، فأغروه
    به ودبروا على الوثوب عليه ، فلما كان يوم الثلاثاء لثلاث خلون من شوال سنة
    247 ، دخل جماعة من الأتراك منهم : بغا الصغير ، وأوتامش صاحب المنتصر ،
    وباغر ، وبغلو ، ويربد ، وواجن ، وسعلفه ، وكنداش ، وكان المتوكل في مجلس
    خلوة ، فوثبوا عليه فقتلوه بأسيافهم ، وقتلوا الفتح بن خاقان معه » .
    فقوله : أغروه به ، وكون أوتامش صاحبه وكان صاحب الكلمة الأولى في خلافته ،
    قرينةٌ على أن المنتصر هو المدبر والأمر بقتل أبيه .
    ومنها : رواية الحضيني : « إن هذا الطاغية يبني مدينة يكون حتفه فيها على يد ابنه
    المسمى بالمنتصر ، وأعوانه عليه الترك » . « الهداية الكبرى / 320 » .
    لكن توجد قرائن تقابلها تدل على أن الفاعل الأتراك ، وقد يكون المنتصر على اطلاع :
    فمنها : أن الأتراك تحملوا نسبة القتل اليهم ، ولم يتهموا المنتصر .
    ومنها : أنهم جاهروا بأن لهم عند المتوكل ثأراً بقتله قائدهم إيتاخ ، وأنه باشر
    بمصادرة أموال وصيف ، وبنقل صلاحياته الى الفتح بن خاقان .


    ومنها : أن المتوكل قَتل إيتاخ في أوائل خلافته ، ومن يومها أخذ الأتراك يعملون
    للثأر منه ، قال المسعودي في مروج الذهب « 4 / 33 » : « كان الأتراك قد رأوا أن يقتلوا
    المتوكل بدمشق ، فلم يمكنهم فيه حيلة بسبب بُغا الكبير ، فإنهم دبروا في إبعاده
    عنه ، فطرحوا في مضرب المتوكل الرقاع يقولون فيها : إن بُغا دبَّر أن يقتل أمير
    المؤمنين .. فقرأ المتوكل الرقاع فبُهت مما تضمنته » .
    ومنها : أن المنتصر كان يجهر بأنهم قتلوا أباه ، وبدأ بإبعاد كبير قادتهم وصيف
    عن العاصمة ، وقد صرحت الروايات بأنهم دبروا قتله .
    ومنها : ما رواه الذهبي في تاريخه « 18 / 200 » أن بغا الصغير دعا بباغر التركي ،
    وكان باغر أهوج مقداماً ، فكلمه واختبره في أشياء فوجده مسارعاً إليها ، فقال :
    « يا باغر هذا المنتصر قد صح عندي أنه عامل على قتلي وأريد أن تقتله فكيف
    قلبك ؟ ففكر طويلاً ثم قال : هذا لا شئ ، كيف نقتله وأبوه يعني المتوكل باقٍ ،
    إذاٍ يقتلكم أبوه . قال : فما الرأي عندك ؟ قال : نبدأ بالأب . قال : ويحك وتفعل ؟
    قال : نعم ، وهو الصواب » . فرتبوا قتل المتوكل .
    ومنها : أن ميزان القوة انتقل من المتوكل الى الأتراك ، ثم لم يرجع الى أحد من
    الخلفاء العباسيين ، حتى جاء البويهيون وقضوا على الأتراك .
    فهذه القرائن المتقابلة توجب التوقف في نسبة قتل المتوكل الى المنتصر ، نعم يظهر أنه
    كان مطلعاً على نيتهم ، أو محركاً إضافياً لهم .

    لم يستفد المنتصر من توجيه الإمام الهادي عليه‌السلام
    لم أجد مديحاً من الأئمة عليهم‌السلام للمنتصر ، ولا أنه كان يراجع إمامه الهادي عليه‌السلام في
    أموره أو مشكلاته ، والمرجح عندي أن تشيعه كان ناقصاً ، وأنه كان يعمل برأيه
    وكأنه كان لايرى ضرورةً لأخذ توجيه الإمام عليه‌السلام !
    فقد ورد أنه لما سمع من أبيه المتوكل شتم الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها‌السلام
    استشار أستاذه أحمد بن عبيد بن ناصح النحوي الكوفي الديلمي ، المعروف بأبي
    عصيدة ، فأفتى له بوجوب قتل أبيه « الكنى والألقاب : 1 / 124 » وهذا عجيبٌ منه ،
    لأنه إن كان شيعياً فلماذا لم يستشر الإمام الهادي عليه‌السلام .
    وقد يكون المنتصر كبعض من كان في محيطه ممن يعتقد بأن الإمام الهادي عليه‌السلام
    ولي الله ، كأم المتوكل ، وكانت تنذر له النذور ليقضي الله حاجتها ، والمسيحي
    الذي خاف من المتوكل فنذر للإمام عليه‌السلام وقال : اشتريت نفسي بهذا النذر .
    والمفروض أن يكون تدين المنتصر حسناً ، لكن لم نجد دليلاً عليه من سلوكه ،
    ولا من شهادة الإمام عليه‌السلام ، بل كثرت الرواية عن مجالس لهوه وشربه الخمر !
    وتُشعر الرواية التالية ببعده عملياً عن الإمام عليه‌السلام ، فعن المعلى بن محمد قال :
    « قال أبوالحسن علي بن محمد عليه‌السلام : إن هذا الطاغية يبني مدينة يقال لها سامرا ،
    يكون حتفه فيها على يد ابنه المسمى بالمنتصر ، وأعوانه عليه الترك » . « الهداية
    الكبرى / 320 » . فقوله عليه‌السلام : المسمى بالمنتصر ، يشعر بنقد التسمية وصاحبها .


    وقال أبوالفرج في مقاتل الطالبيين / 419 : « وكان المنتصر يظهر الميل إلى أهل هذا
    البيت ، ويخالف أباه في أفعاله . فلم يجر منه على أحد منهم قتل أو حبس ، ولا
    مكروه فيما بلغنا ، والله أعلم » . أي لم يبلغه أنه آذى أحداً منهم ، وقد يكون فعل !
    وقع المنتصر فيما وقع فيه أبوه !
    وقع المنتصر في خطأ أبيه ، ففتح المعركة مع الأتراك ، فقتلوه وقرروا أن لايولوا
    أحداً من أولاد المتوكل ، لئلا ينتقم منهم ويثأر لأبيه ، فجاؤوا بالمستعين حفيد
    المعتصم وبايعوه ، وكان ليناً مطيعاً للقائدين وصيف وبُغا .
    لكن الخلاف وقع بين القادة الأتراك أنفسهم ، فخاف المستعين أن يقتلوه مع
    وصيف وبغا ، وذهبوا ثلاثتهم مغاضبين الى بغداد ، فحاول الأتراك إرجاعهم
    واسترضاء المستعين فلم يرض ، فبايعوا المعتز وطلبوا من المستعين أن يخلع نفسه
    فلم يقبل ، فنشبت الحرب بينه وبين المعتز لمدة سنة ، وتدهور الوضع في بغداد
    وسامراء وبقية المناطق . ثم ضعف المستعين ، وطلب الإمان ليخلع نفسه ،
    فأعطوه الإمان وخلع نفسه وبايع المعتز ، لكن المعتز قتله . وكان حكمه أقل من
    أربع سنوات ، وكذلك كان مصير قاتله المعتز ، فقد أجبروه على خلع نفسه
    وأعطوه الإمان ، فخلع نفسه ، ثم قتلوه شر قتلة !
    وذكرت المصادر أن المنتصر مات قتلاً بالسم ، فعن جعفر بن عبد الواحد قال :
    « دخلت على المنتصر بالله فقال لي : يا جعفر لقد عولجت فما أسمع بأذني ولا أبصر


    بعيني وكان في مرضه الذي مات فيه .. أصابته الذبحة في حلقه .. ويقال إن
    الطيفوري سمه في محاجمه » . « تاريخ بغداد : 2 / 119 » .
    وفي تاريخ الطبري « 5 / 352 » عن موسى بن عيسى الكاتب : « أن المنتصر لما أفضت
    الخلافة إليه ، كان يكثر إذا سَكِرَ قتل أبيه المتوكل ويقول في الأتراك : هؤلاء قتلة
    الخلفاء ، ويذكر من ذلك ما تخوفوه ، فجعلوا لخادم له ثلاثين ألف دينار على أن
    يحتال في سمه ، وجعلوا لعلي بن طيفور جملة ، وكان المنتصر يكثر أكل الكمثرى
    إذا قدمت إليه الفاكهة ، فعمد ابن طيفور إلى كمثراة كبيرة نضيجة ، فأدخل في
    رأسها خلالة ثم سقاها سماً ، فجعلها الخادم في أعلى الكمثرى الذي قدمه إليه
    فلما نظر إليها المنتصر أمره أن يقشرها ويطعمه إياها فقشرها وقطعها ، ثم أعطاه
    قطعة قطعة حتى أتى عليها . فلما أكلها وجد فترة فقال لابن طيفور : أجد حرارة
    فقال يا أمير المؤمنين ، إحتجم تبرأ من علة الدم .. ففصده بمبضع مسموم » !
    وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي / 385 : « كان مليح الوجه ، أسمر ، أعين ، أقنى ، ربعة
    جسيماً ، بطيناً ، مليحاً ، مهيباً ، وافر العقل ، راغباً في الخير ، قليل الظلم ، محسناً
    إلى العلويين وصولاً لهم ، أزال عن آل أبي طالب ما كانوا فيه من الخوف والمحنة
    بمنعهم من زيارة قبر الحسين .. ولما وليَ صار يسب الأتراك ويقول هؤلاء قتلة
    الخلفاء ! فعملوا عليه ، وهمُّوا به فعجزوا عنه لأنه كان مهيباً شجاعاً فطناً
    متحرزاً ، فتحيلوا إلى أن دسوا إلى طبيبه ابن طيفور ثلاثين ألف دينار في مرضه ،
    فأشار بفصده ، ثم فصده بريشة مسمومة ، فمات » .


    قَتل المنتصر ونَصب المستعين « أحمد بن محمد بن المعتصم »
    قال اليعقوبي في البلدان / 68 : « مات المنتصر بسر من رأى في شهر ربيع الآخر
    سنة ثمان وأربعين ومائتين ، وولي المستعين أحمد بن محمد بن المعتصم ، فأقام
    بسر من رأى سنتين وثمانية أشهر ، حتى اضطربت أموره فانحدر إلى بغداد في
    المحرم سنة إحدى وخمسين ومائتين ، فأقام بها يحارب أصحاب المعتز سنة كاملة
    والمعتز بسر من رأى معه الأتراك وسائر الموالي ، ثم خُلع المستعين ووليَ المعتز ،
    فأقام بها حتى قتل ثلاث سنين وسبعة أشهر ، بعد خلع المستعين .
    وبويع محمد المهتدي بن الواثق في رجب سنة خمس وخمسين ومائتين ، فأقام
    حولاً كاملاً ينزل الجوسق ، حتى قتل .
    وولي أحمد المعتمد بن المتوكل ، فأقام بسر من رأى في الجوسق وقصور الخلافة ،
    ثم انتقل إلى الجانب الشرقي بسر من رأى ، فبنى قصراً موصوفاً بالحسن سماه
    المعشوق ، فنزله فأقام به حتى اضطربت الأمور فانتقل إلى بغداد ثم إلى المدائن » .
    وقال ابن العمراني في الإنباء في تاريخ الخلفاء « 1 / 125 » : « ثم دخلت سنة إحدى
    وخمسين ومائتين ، واستشعر المستعين من باغر وقيل له : إنه قد اجتمع جماعة من
    الأتراك وتبايعوا وتحالفوا على قتلك وقتل بغا ووصيف . فاستدعى وصيفاً وبُغا
    الصغير وانحدر إلى بغداد في رابع محرم من هذه السنة ، وهما في صحبته ، وبقي
    الأتراك بسامراء متحيرين ، فنفذوا جماعة لترضيه واستلال ما في نفسه منهم


    فردهم ولم يعد ، فاجتمعوا وتشاوروا وقالوا : نبايع غيره . فاجتمع رأيهم على
    مبايعة المعتز فبايعوه وأجلسوه على سرير الخلافة .
    وضعف أمر المستعين ببغداد لأن دار الملك إذ ذاك كانت سامراء والمعتز بها مع
    جمهور العسكر ، وبها خزائن الأموال والسلاح . وخاف على نفسه منهم فنفذوا
    إليه وطلبوا منه أن يخلع نفسه فأبى ، ثم لما رأى ضعف أمره وقلة المال والعساكر
    عنده ، أجابهم إلى ذلك بشرط أن يعطوه خمسين ألف دينار ، ويقطعوه ما يرتفع
    منه ثلاثون ألف دينار ويقيم بالبصرة .. وكانت خلافته ثلاث سنين وتسعة أشهر .
    وقتل وله ثلاث وثلاثون سنة » .
    وفي سير الذهبي « 12 / 47 » « وكان أحمر الوجه ، رَبْع القامة ، خفيف العارضين ،
    مليح الصورة ، بوجهه أثر جدري ، بمقدم رأسه طول . يلثغ بالسين كالثاء .
    وأمه أم ولد . وكان متلافاً للمال مبذراً ، فرق الجواهر وفاخر الثياب .
    اختلت الخلافة بولايته واضطربت الأمور . استوزر أبا موسى أوتامش بإشارة
    كاتبه شجاع بن القاسم ، ثم قتلهما ، واستوزر أحمد بن صالح بن شيرزاذ » .
    وفي مروج الذهب « 4 / 94 » : « أحدث لبس الأكمام الواسعة ولم يكن يعهد ذلك ،
    فجعل عرضها ثلاثة أشبار ونحو ذلك ، وصغَّر القلانس ، وكانت قبل ذلك
    طوالاً كأقباع القضاة » !


    قَتل المستعين ونصب المعتز « الزبير بن المتوكل »
    في تاريخ دمشق « 18 / 308 » : « فلما بويع المعتز بالله بالخلافة وانتصب للأمر والنهي
    والتدبير ، وجه أخاه أبا أحمد بن المتوكل على الله إلى بغداد لحرب المستعين بالله ،
    وأوعز معه بالجيوش والكراع والسلاح والعدة والآلة ، فصار أبو أحمد بالجيش
    إلى أكناف بغداد ، وأخذ محمد بن عبد الله بن طاهر في الإستعداد للحرب ببغداد
    وبنى سور ببغداد وأحكمه وحفر خندقها وحصنها ، ونزل أبو أحمد بن المتوكل
    على الله على بغداد ، فحضر المستعين بالله ومن معه من الناس ، ونصب لهم
    الحرب ، وتجرد من بغداد للقتال فغدوا وراحوا على الحرب ، ونصب المجانيق
    والعرادات حول سور بغداد ، فلم يزل القتال بينهم سنة اثنا عشر شهراً ،
    وعظمت الفتنة وكثر القتل ، وغلت الأسعار ببغداد بشدة الحصار ، وأضر ذلك
    بالناس وجهدوا .. وداهن محمد بن عبد الله بن طاهر « والي بغداد » في نصرة
    المستعين ومال إلى المعتز وكاتبه سراً فضعف أمر المستعين .. وسعى في الصلح
    على خلع المستعين وتسليم الأمر للمعتز ، حتى تقرر الأمر على ذلك » .
    وقال ابن العمراني في الإنباء في تاريخ الخلفاء « 1 / 125 » : « وضعف أمر المستعين
    ببغداد لأن دار الملك إذ ذاك كانت سامراء والمعتز بها مع جمهور العسكر ، وبها
    خزائن الأموال والسلاح . وخاف على نفسه منهم ، فنفذوا إليه وطلبوا منه أن
    يخلع نفسه فأبى ، ثم لما رأى ضعف أمره وقلة المال والعساكر عنده ، أجابهم » .

    وفي سمط النجوم « 3 / 472 » : « ولقبوه المعتز بالله وبايعوه وعمره تسعة عشر
    عاماً ، وجيَّشوا على المستعين بالله جيشاً إلى أن خلع نفسه وأشهد القضاة
    والعدول على نفسه بذلك ، وانحدروا به إلى واسط وحبسوه تسعة أشهر ، ثم
    دسوا إليه سعيداً الحاجب فذبحه في الحبس في ثالث شوال سنة اثنتين وخمسين
    ومائتين ، وجاء برأسه إلى المعتز وهو يلعب الشطرنج ، فقيل له هذا رأس
    المخلوع ، فقال : دعوه هناك حتى أفرغ من اللعب » !
    ووصف المسعودي العداء المستحكم بين المعتز وبغا الصغير ، فقال في مروج الذهب
    « 4 / 91 » : « وكان المعتز في حياة بُغا لا يلتذ بالنوم ، ولا يخلع سلاحه لا في ليل ولا نهار
    خوفاً من بغا ، وقال : لا أزال على هذه الحالة حتى أعلم لبغا رأسي أو رأسه لي ! وكان
    يقول : إني لأخاف أن ينزل عليَّ بُغا من السماء أو يخرج عليَّ من الأرض وقد كان بغا
    عزم على أن ينحدر سراً فيصل الى سامرا في الليل ، ويصرف الأتراك عن المعتز ،
    ويفيض فيهم الأموال » .
    وقد وصف الطبري في عدة روايات « 7 / 434 » الحرب العبثية بين المعتز ، والمستعين !
    قتل المعتز ونصب المهتدي « محمد بن الواثق »
    في مروج الذهب « 4 / 92 » : « ولما رأى الأتراك إقدام المعتز على قتل رؤسائهم ،
    وإعماله الحيلة في فنائهم ، وأنه قد اصطنع المغاربة والفراغنة دونهم ، صاروا إليه
    بأجمعهم ، وذلك لأربع بقين من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين ، وجعلوا
    يقرعونه بذنوبه ، ويوبخونه على أفعاله وطالبوه بالأموال ، وكان المدبر لذلك
    صالح بن وصيف مع قواد الأتراك ، فلجَّ وأنكرَ أن يكون قِبَلَهُ شئ من المال ،



    فلما حصل المعتز في أيديهم بعث « وصيف » إلى مدينة السلام في محمد بن الواثق
    الملقب بالمهتدي ، وقد كان المعتز نفاه إليها واعتقله فيها ، فأتى به في يوم وليلة إلى
    سامرا ، فتلقاه الأولياء في الطريق ودخل إلى الجوسق ، وأجاب المعتز إلى الخلع » .
    وفي تاريخ مختصر الدول / 147 : « وفي سنة خمس وخمسين ومائتين صار الأتراك إلى
    المعتز يطلبون أرزاقهم فماطلهم بحقهم ، فلما رأوا أنه لا يحصل منه شئ دخل إليه
    جماعة منهم فجروا برجله إلى باب الحجرة وضربوه بالدبابيس ، وأقاموه في
    الشمس في الدار ، وكان يرفع رجلاً ويضع رجلاً لشدة الحر ! ثم سلَّموه إلى من
    يعذبه ، فمنعه الطعام والشراب ثلاثة أيام ، ثم أدخلوه سرداباً وجصصوا عليه
    فمات . وكانت خلافته .. أربع سنين وسبعة أشهر » .
    أقول : كانت أمه من أجمل جواري المتوكل ، وسماها قبيحة ليرد عنها الحسد ! وكانت
    تجمع الأموال والذهب والكنوز ، فلما احتاج ابنها المعتز رواتب لجنوده ليخلص نفسه
    من القتل ، بخلت عليه ، فقتلوا ابنها قاتل الإمام الهادي عليه‌السلام . ثم وجدوها
    واستخرجوا ثروتها الهائلة .
    قال في النجوم الزاهرة « 3 / 21 » : « وفيها « سنة 255 » عظم أمر ابن وصيف ، وقبض
    على حواشى المعتز بالله الخليفة ، فسأله المعتز فى إطلاق واحد منهم فلم يفعل ،
    ولا زال أمره يعظم إلى أن خلع المعتز بالله من الخلافة في رجب ، ثم قتل بعد
    خلعه بأيام . واختفت أم المعتز قبيحة ، ثم ظهرت فصادرها صالح بن وصيف
    المذكور ، وأخذ منها أموالاً عظيمة ، ثم نفاها إلى مكة ، وكان مما أخذ منها ابن


    وصيف ألف ألف دينار وثلاث مائة ألف دينار ، وأخذ منها من الجواهر ما
    قيمته ألفا ألف دينار .
    وكان الجند سألوا المعتز في خمسين ألف دينار ويصطلحون معه ، فسألها المعتز في
    ذلك فقالت : ما عندي شئ . فلما رأى ابن وصيف هذا المال قال : قبح الله قبيحة
    عرَّضت ابنها للقتل لأجل خمسين ألف دينار ، وعندها هذا كله » .
    وفي تاريخ الخلفاء / 262 : « أخذو المعتز بعد خمس ليال من خلعه ، فأدخلوه الحمام
    فلما اغتسل عطش فمنعوه الماء ، ثم أخرج فسقوه ماء بثلج فشربه وسقط ميتاً ،
    وذلك في شهر شعبان المعظم سنة خمس وخمسين ومائتين ، واختفت أمه قبيحة ،
    ثم ظهرت في رمضان وأعطت صالح بن وصيف مالاً عظيماً ، من ذلك ألف
    ألف دينار وثلاث مائة ألف دينار ، وسفط فيه مكوك زمرد ، وسفط فيه لؤلؤ
    حب كبار ، وكيلجة ياقوت أحمر وغير ذلك ، فقومت السفاط بألفي ألف دينار !
    فلما رأى ابن وصيف ذلك قال : قبحها الله عرضت ابنها للقتل لأجل خمسين
    ألف دينار ، وعندها هذا ، فأخذ الجميع ونفاها إلى مكة ، فبقيت بها إلى أن تولى
    المعتمد ، فردها إلى سامرا ، وماتت سنة أربع وستين » .
    وقال الذهبي في سيره « 12 / 535 » : يمدح المهتدي الذي بايعوه بعد المعتز : « وكان
    المهتدي أسمر رقيقاً مليح الوجه ، ورعاً ، عادلاً ، صالحاً ، متعبداً ، بطلاً ،
    شجاعاً ، قوياً في أمر الله ، خليقاً للإمارة ، لكنه لم يجد معيناً ولا ناصراً .. وكان
    شديد الإشراف على أمر الدواوين ، يجلس بنفسه ويُجلس بين يديه الكتاب



    يعملون الحساب .. وقد ضرب جماعة من الكبار ، ونفى جعفر بن محمود إلى
    بغداد لرفضٍ فيه .. وفي أوائل خلافته عَبَّأ موسى بن بغا جيشه ، وشهر السلاح
    بسامراء لقتل صالح بن وصيف بدم المعتز ، ولأخذه أموال أمه قبيحة وأموال
    الدواوين .. فهجم بمن معه والمهتدي جالس في دار العدل ، فأقاموه وحملوه على
    أكدش « بغل » وانتهبوا القصر ..
    ثم خرج المهتدي وعليه ثياب بيض وتقلد سيفاً ، وأمر بإدخالهم إليه فقال : قد
    بلغني شأنكم ، ولست كالمستعين والمعتز ، والله ما خرجت إلا وأنا متحنط وقد
    أوصيت ، وهذا سيفي فلأضربن به ما استمسك بيدي ، أما دينٌ أما حياءٌ أما
    رِعَةٌ ؟ كم يكون الخلاف على الخلفاء والجرأة على الله ! فركب المهتدي وصالح
    بن علي في عنقه المصحف يصيح : أيها الناس ، أنصروا إمامكم ..
    وتفلل جمع المهتدي واستحر بهم القتل ، فولى والسيف في يده يقول : أيها الناس
    قاتلوا عن خليفتكم ، ثم دخل دار صالح بن محمد بن يزداد ، ورمى السلاح
    ولبس البياض ليهرب من السطح ، وجاء حاجب باكيال فأعلم به ، فهرب
    فرماه واحد بسهم ونفحه بالسيف ، ثم حمل إلى الحاجب فأركبوه بغلاً وخلفه
    سائس ، وضربوه وهم يقولون : أين الذهب ؟ فأقرَّ لهم بست مئة ألف دينار
    مودعة ببغداد ، فأخذوا خطه بها ، وعَصَرَ تركيٌّ على أنثييه فمات ! وقيل : أرادوا
    منه أن يخلع نفسه فأبى فقتلوه رحمه‌الله ، وبايعوا المعتمد على الله » .

    أقول : نلاحظ أن المهتدي ليس بطلاً كما زعم الذهبي . كما نلاحظ أن الخليفة صار
    جزءاً من الأطراف التركية المتصارعة ، بل آلةً بيدها !
    وأن صراع الأتراك بينهم كان شديداً ، فقد جاء موسى بن بغا من خراسان لينتقم من
    وصيف ويحاسبه على ثروته الطائلة ، التي حصل عليها !
    قتل المهتدي ونصب المعتمد « أحمد بن المتوكل »
    حدثت تطورات عديدة بعد شهادة الإمام الهادي عليه‌السلام ، فقد ظهرت حركة
    الزنج في البصرة ، وحركة الخوارج في الموصل ، وانقسم الترك الى قسمين : قسم
    مع المهتدي في سامراء بقيادة صالح بن وصيف ، وقسم ضدهم بقيادة موسى بن
    بغا ، وسيأتي ذلك إن شاء الله في سيرة الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام .
    وكانت نهاية المهتدي لأنه حاول أن يوقع بين الأتراك ، فاتفقوا عليه فكشف
    المهتدي مؤامرتهم ، فقتل القائد بايكباك ، فجاش الترك عليه وهاجموه ، وكانت
    بينهم معارك انتهت بهزيمة المهتدي وقتله .
    قال الطبري « 7 / 582 » : « وفي رجب من هذه السنة « 256 » لأربع عشرة ليلة خلت
    منه خلع المهتدي ، وتوفي يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب .
    ذُكر أن ساكني الكرخ بسامرا والدور تحركوا لليلتين خلتا من رجب من هذه
    السنة يطلبون أرزاقهم ، فوجه إليهم المهتدى طبايغو الرئيس عليهم ، وعبد الله
    أخا المهتدي ، فكلمهم فلم يقبلوا منهما ، وقالوا نحن نريد أن نكلم أمير المؤمنين



    مشافهة ، وخرج أبو نصر بن بغا تحت ليلته إلى عسكر أخيه وهو بالسن بالقرب
    من الشاري ، ودخل دار الجوسق جماعة منهم .. » .
    ثم ذكر الطبري محاورة المهتدي مع بايكباك ، وكيف قام بقتله وألقى رأسه الى الأتراك
    فجاشوا واتحدوا ، ليأخذوا منه ثأرهم !
    قال الطبري « 7 / 584 » : « فاجتمع جميع الأتراك فصار أمرهم واحداً ، فجاء منهم زهاء
    عشرة آلاف رجل ، وجاء طوغتيا أخو بايكباك وأحمد بن خاقان حاجب بايكباك في
    نحو من خمس مائة ، مع من جاء مع طغوتيا من الأتراك والعجم .
    وخرج المهتدي ومعه صالح بن علي والمصحف في عنقه يدعو الناس إلى أن ينصروا
    خليفتهم ، فلما التحم الشر مال الأتراك الذين مع المهتدي إلى أصحابهم الذين مع أخي
    بايكباك ، وبقي المهتدي في الفراغنة والمغاربة ومن خف معه من العامة ، فحمل عليهم
    طغوتيا أخو بايكباك حملة ثائر حران موتور فنقض تعبيتهم وهزمهم ، وأكثر فيهم
    القتل وولوا منهزمين ، ومضى المهتدي يركض منهزماً والسيف في يده مشهور ، وهو
    ينادى يا معشر الناس أنصروا خليفتكم ! حتى صار إلى دار أبي صالح عبد الله بن محمد
    بن يزداد وهو بعد خشبة بابك ، وفيها أحمد بن جميل صاحب المعونة ، فدخلها ووضع
    سلاحه ولبس البياض ليعلوداراً وينزل أخرى ويهرب ، فطلب فلم يوجد .
    وجاء أحمد بن خاقان في ثلاثين فارساً يسأل عنه ، حتى وقف على خبره في دار ابن
    جميل ، فبادرهم ليصعد فرُمِيَ بسهم وبُعِج بالسيف ، ثم حمله أحمد بن خاقان على دابة
    أو بغل ، وأردف خلفه سائساً حتى صار به إلى داره ، فدخلوا عليه فجعلوا يصفعونه
    ويبزقون في وجهه ، وسألوه عن ثمن ما باع من المتاع والخرثي ، فأقر لهم بست مائة


    ألف قد أودعها الكرخي الناس ببغداد ، وأصابوا عنده خَسَف الواضحة ، مغنية ،
    فأخذوا رقعته بست مائة ألف دينار . ودفعوه إلى رجل فوطأ على خصييه حتى قتله » !
    أخبار الإمام الهادي عليه‌السلام في عهد المستعين والمعتز
    اتضح بما تقدم أن الخلافة كانت بعد المعتز للمهتدي ، ثم للمعتمد ، وكانت
    شهادة الإمام الهادي عليه‌السلام سنة 254 ، في خلافة المعتز ، قبل المعتمد . فعبارة : سمه
    المعتمد ، التي وردت في سيرته عليه‌السلام تصحيفٌ أو لأن المعتمد كان منفذاً .
    وفي مناقب آل أبي طالب « 3 / 530 » : « علي بن محمد بن زياد الصيمري قال :
    دخلت على أبي أحمد بن عبد الله بن طاهر ، وفي يديه رقعة أبي محمد عليه‌السلام فيها : إني
    نازلت الله في هذا الطاغي يعني المستعين ، وهو آخذه بعد ثلاث ، فلما كان اليوم
    الثالث خلع ، وكان من أمره ما كان ، إلى أن قتل » .
    وزمن هذه الحادثة لا بد أن يكون سنة 252 ، وأن يكون أبا محمد ورد فيها بدل
    أبا الحسن عليه‌السلام لأن المستعين خلع نفسه في هذه السنة ، ثم قتلوه .
    والرواية تدل على أن المستعين كان يؤذي الإمام الهادي عليه‌السلام ويستهدفه فدعا عليه
    ، وأخبر أن دعاءه يستجاب بعد ثلاثة أيام !
    كما توجد حادثة رويت على أنها للمستعين مع الإمام العسكري عليه‌السلام ، فلا بد أن
    تكون في حياة الإمام الهادي عليه‌السلام أيضاً ، لأن المستعين مات قبل شهادته عليه‌السلام .
    وقد رواها الكليني « 1 / 507 » وخلاصتها أن المستعين كان عنده بغلٌ عجزت
    الرَّاضَةُ عن ترويضه ، فقال له بعض ندمائه : يا أمير المؤمنين ألا تبعث إلى الحسن



    بن الرضا حتى يجئ ، فإما أن يركبه وإما أن يقتله فتستريح منه ، قال : فبعث إلى
    أبي محمد ومضى معه أبي فقال أبي : لما دخل أبو محمد الدار كنت معه فنظر
    أبو محمد إلى البغل واقفاً في صحن الدار ، فعدل إليه فوشَّع بيده على كفله ، قال
    فنظرت إلى البغل وقد عرق حتى سال العرق منه ، ثم صار إلى المستعين فسلم
    عليه فرحب به وقرب ، فقال : يا أبا محمد ألجم هذا البغل .. » ثم تقول الرواية :
    إنه ألجمه وأسرجه وركبه ، فتعجب الخليفة ووهبه له .
    ومعناها أن المستعين دبَّرَ هذه المكيدة للإمام الحسن العسكري عليه‌السلام أو أراد أن
    يمتحن مقامه عند الله تعالى ، وهل يخضع له البغل الشموس .
    وبما أن المستعين مات بدعوة الإمام الهادي فلا بد أن تكون القصة في حياته عليه‌السلام
    وربما كانت معه هو ، وجعلها الراوي مع ولده الحسن عليه‌السلام . أو يكون الخليفة
    الذي هو طرفها ، غير المستعين .
    * *

    الفصل الرابع عشر :
    من معجزات الإمام الهادي عليه‌السلام
    الأئمة أفضل أوصياء الأنبياء عليهم‌السلام
    لكل واحد من الأئمة عليهم‌السلام معجزات كثيرة ، وقد حفظ الرواة للإمام الهادي عليه‌السلام أكثر
    من مئة معجزة ، وتقدم عددٌ منها ، ونورد فيما يلي عدداً آخر ، ونذكر قبلها حديثاً
    يصف ما أعطى الله تعالى لأئمة العترة النبوية .
    قال النوفلي « الكافي : 1 / 231 » : « سمعته عليه‌السلام يقول : إسم الله الأعظم ثلاثةٌ وسبعون
    حرفاً ، كان عند آصف حرفٌ فتكلم به ، فانخرقت له الأرض فيما بينه وبين سبأ ،
    فتناول عرش بلقيس حتى صيَّره إلى سليمان عليه‌السلام ، ثم انبسطت الأرض في أقل من طرفة
    عين ، وعندنا منه اثنان وسبعون حرفاً . وحرفٌ عند الله مستأثرٌ به في علم الغيب » .
    وفي عيون أخبار الرضا عليه‌السلام « 1 / 192 » : « للإمام علامات : يكون أعلم الناس ، وأحكم
    الناس ، وأتقى الناس ، وأحلم الناس ، وأشجع الناس ، وأسخى الناس ، وأعبد الناس ،
    ويولد مختوناً ويكون مطهراً ، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه ، ولا يكون له ظل ،
    وإذا وقع إلى الأرض من بطن أمه وقع على راحتيه رافعاً صوته بالشهادتين ، ولا يحتلم ،
    وتنام عينه ولا ينام قلبه ، ويكون محدثاً ، « تحدثه الملائكة » ويكون دعاؤه مستجاباً حتى أنه
    لودعا على صخره لانشقت بنصفين .. إن الإمام مؤيدٌ بروح القدس ، وبينه وبين الله
    عمودٌ من نور ، يرى فيه أعمال العباد وكلما احتاج إليه .. يبسط له فيعلم ، ويقبض عنه
    فلا يعلم » .


    يحيى بن هرثمة يحدث بمعجزات الإمام عليه‌السلام
    يوجد قبر في ضواحي مشهد الإمام الرضا عليه‌السلام يزوره الناس ويسمونه : خاجه مراد ،
    فقصدناه ووجدنا مكتوباً عليه أنه قبر هرثمة بن أعين ، وقيل قبر يحيى بن هرثمة .
    فندمنا على سفرنا لأنا لا نزور قبر هرثمة وأمثاله من قادة جيش العباسيين ! فقد كان
    يحيى كأبيه هرثمة قائداً عند المتوكل ، ينفذ أوامره القذرة في قتل المسلمين ، ثم واصل
    ذلك مع غيره من الخلفاء . ولا يوجد ليحيى حسنة في تاريخه إلا روايته لمعجزات الإمام
    الهادي عليه‌السلام ! وقوله إنه تاب وأناب عندما رآها ، وهو مجرد قول بلا عمل .
    قال الطبري « 7 / 479 » : « وفيها « سنة 348 » كانت وقعة بين يحيى بن هرثمة وأبي الحسين
    بن قريش ، قتل من الفريقين جماعة ، ثم انهزم أبو الحسين بن قريش » .
    وقد أورد السيد الخوئي في معجمه « 21 / 102 » رواية تشيعه ولم يعلق بشئ .
    ووصفه في مستدرك سفينة البحار « 3 / 28 » بحُسْنُ الخاتمة , ولا نعرف له حسنةً إلا
    روايته لما شاهد من معجزات الإمام الهادي عليه‌السلام ، وذلك بعد موت المتوكل .
    1. ظهر الماء في الصحراء ورويت القافلة :
    قال المسعودي في إثبات الوصية « 1 / 232 » : « وروي عن يحيى بن هرثمة قال : رأيت
    من دلائل أبي الحسن عليه‌السلام الأعاجيب في طريقنا . منها : أنا نزلنا منزلاً لا ماء فيه
    فأشفينا ودوابنا وجمالنا من العطش على التلف ، وكان معنا جماعة وقوم قد
    تبعونا من أهل المدينة ، فقال أبو الحسن عليه‌السلام : كأني أعرف على أميال موضع ماء
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني   الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyالثلاثاء أكتوبر 29, 2024 10:31 pm

    فقلنا له : إن نشطت وتفضلت عدلت بنا إليه وكنا معك . فعدل بنا عن الطريق
    فسرنا نحو ستة أميال « نحو عشرة كيلومتر » فأشرفنا على واد كأنه زهر الرياض فيه


    عيون وأشجار وزروع ، وليس فيها زارع ولا فلاح ولا أحد من الناس ، فنزلنا
    وشربنا وسقينا دوابنا ، وأقمنا الى بعد العصر ثم تزودنا وارتوينا ، وما معنا من
    القرب ورحنا راحلين . فلم نبعد أن عطشتُ وكان لي مع بعض غلماني كوز فضة
    يشده في منطقته . وقد استسقيته فلجلج لسانه بالكلام ، ونظرتُ فإذا هو قد أنسي
    الكوز في المنزل الذي كنا فيه . فرجعت أضرب بالسوط على فرس لي جواد
    سريع وأغذ السير ، حتى أشرفت على الوادي فرأيته جدباً يابساً ، قاعاً مَحْلاً ،
    لاماء فيه ولا زرع ولاخضرة ، ورأيت موضع رحالنا وروث دوابنا وبعر الجمال
    ومناخاتهم ، والكوز موضوع في موضعه الذي تركه الغلام ! فأخذته وانصرفت
    ولم أعَرِّفْه شيئاً من الخبر . فلما قربت من القطر والعسكر وجدته عليه‌السلام واقفاً ينتظر
    فتبسم صلى الله عليه ولم يقل لي شيئاً ، ولا قلت له سوى ما سأل من وجود
    الكوز فأعلمته أني وجدته !
    2. عرف الإمام بموعد نزول المطر في الصيف :
    قال يحيى : وخرج في يوم صائف آخر ونحن في ضحو وشمس حاميةٌ تُحرق ،
    فركب من مضربه وعليه ممطر ، وذنبُ دابته معقودٌ وتحته لبدٌ طويل ، فجعل كل
    من في العسكر وأهل القافلة يضحكون تعجباً ويقولون : هذا الحجازي ليس
    يعرف الرأي ، فما سرنا أميالاً حتى ارتفعت سحابة من ناحية القبلة وأظلمت
    وأظلتنا بسرعة ، وأتى من المطر الهاطل كأفواه القرب ، فكدنا أن نتلف وغرقنا
    حتى جرى الماء من ثيابنا الى أبداننا وامتلأت خفافنا ، وكان أسرع وأعجل من



    أن يمكن أن نحط ونخرج اللبابيد ، فصرنا شهرةً ، وما زال عليه‌السلام يتبسم تبسماً
    ظاهراً تعجباً من أمرنا » . « إثبات الوصية / 234 » .
    3. الإمام يشفي عين طفل ويرد بصره :
    قال يحيى : وصارت إليه في بعض المنازل امرأة معها ابنٌ لها أرمدُ العين ، ولم تزل
    تستذل وتقول : معكم رجل علوي دُلوني عليه حتى يرقي عين ابني هذا .
    فدللناها عليه ففتح عين الصبي حتى رأيتها ولم أشك أنها ذاهبة ، فوضع يده
    عليها لحظة يحرك شفتيه ثم نحاها فإذا عين الغلام مفتوحة صحيحة ما بها علة » !
    4. رواية أخرى لحادثة المطر في الصيف :
    في الخرائج « 1 / 392 » والثاقب لابن حمزة / 551 ، عن يحيى بن هرثمة ، قال : « دعاني
    المتوكل فقال : إختر ثلاث مائة رجل ممن تريد ، واخرجوا إلى الكوفة ، فخلفوا
    أثقالكم فيها ، واخرجوا على طريق البادية إلى المدينة فأحضروا علي بن محمد بن
    الرضا إلى عندي مكرماً معظماً مبجلاً . قال : ففعلت وخرجنا . وكان في أصحابي
    قائد من الشراة « الخوارج » وكان لي كاتب يتشيع ، وأنا على مذهب الحشوية « أهل
    الحديث » وكان ذلك الشاري يناظر ذلك الكاتب ، وكنت أستريح إلى مناظرتهما
    لقطع الطريق . فلما صرنا إلى وسط الطريق قال الشاري للكاتب : أليس من قول
    صاحبكم علي بن أبي طالب أنه ليس من الأرض بقعة إلا وهي قبر أو ستكون
    قبراً ؟ فانظر إلى هذه البرية أين من يموت فيها حتى يملأها الله قبوراً كما
    تزعمون ؟ قال فقلت للكاتب : أهذا من قولكم ؟ قال : نعم . قلت : صدق . أين


    من يموت في هذه البرية العظيمة حتى تمتلئ قبوراً ؟! وتضاحكنا ساعة ، إذ
    انخذل الكاتب في أيدينا . قال : وسرنا حتى دخلنا المدينة ، فقصدت باب أبي
    الحسن علي بن محمد بن الرضا فدخلت إليه ، فقرأ كتاب المتوكل فقال : إنزلوا
    وليس من جهتي خلاف . قال : فلما صرت إليه من الغد ، وكنا في تموز أشد ما
    يكون من الحر ، فإذا بين يديه خياطٌ وهو يقطع من ثياب غلاظ خفاتين
    « الخفتان : معطف وهو القفطان » له ولغلمانه ، ثم قال للخياط : إجمع عليها جماعة من
    الخياطين ، واعمد على الفراغ منها يومك هذا ، وبكر بها إليَّ في هذا الوقت . ثم
    نظر إلي وقال : يا يحيى ، إقضوا وطركم من المدينة في هذا اليوم ، واعمل على
    الرحيل غداً في هذا الوقت .
    قال : فخرجت من عنده وأنا أتعجب منه من الخفاتين ، وأقول في نفسي : نحن
    في تموز وحر الحجاز ، وإنما بيننا وبين العراق مسيرة عشرة أيام ، فما يصنع بهذه
    الثياب ! ثم قلت في نفسي : هذا رجل لم يسافر ، وهو يقدر أن كل سفر يحتاج فيه
    إلى هذه الثياب ، وأتعجب من الرافضة حيث يقولون بإمامة هذا مع فهمه هذا .
    فعدت إليه في الغد في ذلك الوقت فإذا الثياب قد أحضرت ، فقال لغلمانه :
    أدخلوا وخذوا لنا معكم لبابيد وبرانس . ثم قال : إرحل يا يحيى .
    فقلت في نفسي : وهذا أعجب من الأول ، أيخاف أن يلحقنا الشتاء في الطريق
    حتى أخذ معه اللبابيد والبرانس ! فخرجت وأنا أستصغر فهمه .


    فسرنا حتى وصلنا إلى موضع المناظرة في القبور ارتفعت سحابة واسودَّت
    وأرعدت وأبرقت ، حتى إذا صارت على رؤوسنا أرسلت علينا بَرَداً مثل
    الصخور ، وقد شدَّ على نفسه وعلى غلمانه الخفاتين ، ولبسوا اللبابيد والبرانس ،
    وقال لغلمانه : إدفعوا إلى يحيى لبادة ، وإلى الكاتب برنساً .
    وتجمعنا والبَرَد يأخذنا حتى قتل من أصحابي ثمانين رجلاً ، وزالت ورجع الحرُّ
    كما كان ، فقال لي : يا يحيى إنزل أنت ومن بقي من أصحابك ليدفنوا من قد مات
    من أصحابك . ثم قال : فهكذا يملأ الله هذه البرية قبوراً !
    قال : فرميت بنفسي عن دابتي وعدوت إليه فقبَّلت ركابه ورجله ، وقلت : أنا
    أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، وأنكم خلفاء الله في أرضه ،
    وقد كنتُ كافراً ، وإنني الآن قد أسلمت على يديك يا مولاي . قال يحيى :
    وتشيعت ، ولزمت خدمته إلى أن مضى » .
    ملاحظة
    شَنَّعَ ذلك الخارجي على زميله الكاتب الشيعي بما رويَ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « ليس
    من الأرض بقعة إلا وهي قبر ، أو ستكون قبراً » ولم أجد هذا الحديث في المصادر
    المعروفة . لكن معناه صحيح فكل بقعة ، أي كل نوع من الأرض فيه قبور أو سيكون
    فيه ، وليس معناه أن كل مكان في الأرض قبرٌ أو سيكون قبراً .
    قال الخليل في العين « 1 / 184 » : « البَقْعُ : لونٌ يخالف بعضه بعضاً ، مثل الغراب الأسود
    في صدره بياض ، غراب أبقع ، وكلب أبقع . والبقعة : قطعة من أرض على غير هيئة
    التي على جنبها ، كل واحدة منها بقعة وجمعها بقاع وبقع » .

    على أن كل تستعمل للتعميم النسبي ، فقد روي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى عن
    اليهود : وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰلِكَ . « الأعراف : 168 » قال :
    « هم اليهود بسطهم الله في الأرض ، فليس من الأرض بقعة إلا وفيها عصابة منهم
    وطائفة » . « تفسير ابن أبي حاتم : 5 / 1605 » وبهذا المعنى وردت البقعة في حديث المهدي عليه‌السلام : «
    وينزل روح الله عيسى بن مريم عليه‌السلام فيصلي خلفه ، وتشرق الأرض بنور ربها ولا تبقى
    في الأرض بقعة عبد فيها غير الله عز وجل إلا عبد الله فيها » . « كمال الدين : 2 / 345 » .
    وقصد الخارجي من تشنيعه على الكاتب ، تكذيب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ولعل الكاتب
    شكى الى الإمام الهادي عليه‌السلام سخريتهم به ، فأجرى الله على يد عليه‌السلام هذه الكرامة لتصديق
    ما رواه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام !
    أما قول ابن هرثمة : وتشيعت ، ولزمت خدمته إلى أن مضى . فادعاء لم يصح !
    5. رواية ثانية لظهور الماء وريَّ القافلة :
    في الخرائج « 1 / 415 » : « روى أبومحمد البصري ، عن أبي العباس خال شبل كاتب
    إبراهيم بن محمد ، قال : كلما أجرينا ذكر أبي الحسن عليه‌السلام فقال لي : يا أبا محمد لم
    أكن في شئ من هذا الأمر وكنت أعيب على أخي ، وعلى أهل هذا القول عيباً
    شديداً بالذم والشتم ، إلى أن كنت في الوفد الذين أوفد المتوكل إلى المدينة في
    إحضار أبي الحسن عليه‌السلام فخرجنا إلى المدينة ، فلما خرج وصرنا في بعض الطريق ،
    طوينا المنزل وكان يوماً صائفاً شديد الحر ، فسألناه أن ينزل قال : لا .
    فخرجنا ولم نطعم ولم نشرب ، فلما اشتد الحر والجوع والعطش فينا ، ونحن إذ
    ذاك في أرض ملساء لا نرى شيئاً ولا ظلاً ولا ماء نستريح إليه ، فجعلنا نشخص



    بأبصارنا نحوه . فقال : ما لكم أحسبكم جياعاً وقد عطشتم ؟ فقلنا : إي والله ،
    وقد عيينا يا سيدنا . قال : عَرِّسُوا « إنزلوا » وكلوا واشربوا .
    فتعجبت من قوله ونحن في صحراء ملساء لا نرى فيها شيئاً نستريح إليه ، ولا
    نرى ماءً ولا طلاً . قال : ما لكم ! عَرِّسُوا . فابتدرت إلى القطار لأنيخ ثم التفتُّ
    وإذا أنا بشجرتين عظيمتين يستظل تحتهما عالمٌ من الناس ، وإني لأعرف
    موضعهما أنه أرض بَرَاحٌ قفرٌ ، وإذا أنا بعين تسيح على وجه الأرض أعذب ماء
    وأبرده ! فنزلنا وأكلنا وشربنا واسترحنا ، وإن فينا من سلك ذلك الطريق مراراً !
    فوقع في قلبي ذلك الوقت أعاجيب ، وجعلت أحد النظر إليه وأتأمله طويلاً ،
    وإذا نظرت إليه تبسم وزوى وجهه عني ، فقلت في نفسي : والله لأعرفن هذا
    كيف هو ؟ فأتيت من وراء الشجرة فدفنت سيفي ووضعت عليه حجرين ،
    وتغوطت في ذلك الموضع ، وتهيأت للصلاة .
    فقال أبوالحسن : استرحتم ؟ قلنا : نعم ، قال : فارتحلوا على اسم الله ، فارتحلنا فلما
    أن سرنا ساعة رجعت على الأثر فأتيت الموضع فوجدت الأثر والسيف كما
    وضعت والعلامة ، وكأن الله لم يخلق ثم شجرةً ولا ماءً وظلالاً ولا بللاً !
    فتعجبت ورفعت يدي إلى السماء فسألت الله بالثبات على المحبة والإيمان به
    والمعرفة منه . وأخذت الأثر ولحقت القوم ، فالتفت إليَّ أبوالحسن عليه‌السلام وقال : يا
    أبا العباس فعلتها ؟ قلت : نعم يا سيدي ، لقد كنت شاكاً ، ولقد أصبحت وأنا


    عند نفسي من أغنى الناس بك في الدنيا والآخرة . فقال : هو كذلك ، هم
    معدودون معلومون ، لا يزيدون رجلاً ولا ينقصون رجلاً » .
    أقول : لم أجد ترجمة أبي العباس خال كاتب إبراهيم بن محمد ، والظاهر أن إبراهيم بن
    محمد هذا هو العباسي المسمى بُرَيْه ، وقد ذكر الطبري « 6 / 472 و 604 ، و : 8 / 15 » أنه كان
    والياً على الحرمين ، وأنه حج بالناس سنة 259 .
    6. ما ظهر للفتح بن يزيد الجرجاني :
    في إثبات الوصية « 1 / 235 » : « وروى الحميري قال : حدثني أحمد بن أبي عبد الله
    البرقي عن الفتح بن يزيد الجرجاني قال : ضمني وأبا الحسن عليه‌السلام الطريق لما قدم
    به المدينة فسمعته في بعض الطريق يقول : من اتقى الله يتقى ومن أطاع الله يطاع .
    فلم أزل أدلف حتى قربت منه ودنوت ، فسلمت عليه ورد عليَّ السلام فأول ما
    ابتدأني أن قال لي : يا فتح من أطاع الخالق لم يبال بسخط المخلوقين ، ومن أسخط
    الخالق فليوقن أن يحل به سخط المخلوقين .
    يا فتح إن الله جل جلاله لايوصف إلا بما وصف به نفسه ، فأنى يوصف الذي
    تعجز الحواس أن تدركه ، والأوهام أن تناله ، والخطرات أن تحده ، والأبصار أن
    تحيط به ، جل عما يصفه الواصفون ، وتعالى عما ينعته الناعتون ، نأى في قربه
    وقرب في نأيه ، فهو في نأيه قريب ، وفي قربه بعيد ، كيَّفَ الكيف فلا يقال كيف ،
    وأيَّنَ الأين فلا يقال أين ، إذ هو منقطع الكيفية والأينية ، الواحد الأحد جل
    جلاله ، بل كيف يوصف بكنهه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد قرن الخليل اسمه باسمه وأشركه



    في طاعته وأوجب لمن أطاعه جزاء طاعته ، فقال : وما نقموا منه إلا أن أغناهم الله
    ورسوله من فضله . وقال تبارك اسمه يحكي قول من ترك طاعته : يا ليتنا أطعنا الله
    وأطعنا الرسولا . أم كيف يوصف من قرن الجليل طاعته بطاعة رسول
    الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث يقول : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم .
    يا فتح كما لا يوصف الجليل جل جلاله ، ولايوصف الحجة ، فكذلك لا يوصف
    المؤمن المسلم لأمرنا . فنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل الأنبياء ووصينا صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل الأوصياء .
    ثم قال لي بعد كلام : فأورد الأمر إليهم وسلم لهم . ثم قال لي : إن شئت .
    فانصرفت منه . فلما كان في الغد تلطفت في الوصول إليه فسلمت فرد السلام
    فقلت : يا ابن رسول الله تأذن لي في كلمة اختلجت في صدري ليلتي الماضية ؟
    فقال لي : سل وأصخْ الى جوابها سمعك ، فإن العالم والمتعلم شريكان في الرشد ،
    مأموران بالنصيحة ، فاما الذي اختلج في صدرك فإن يشأ العالم أنبأك الله ، إن الله
    لم يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول ، وكل ما عند الرسول فهو عند
    العالم ، وكل ما اطلع الرسول عليه فقد اطلع أوصياؤه عليه .
    يا فتح : عسى الشيطان أراد اللبس عليك فأوهمك في بعض ما أوردت عليك
    وأشكَّكَ في بعض ما أنبأتك ، حتى أراد إزالتك عن طريق الله وصراطه المستقيم !
    فقلتَ متى أيقنت أنهم هكذا فهم أرباب ! معاذ الله ، إنهم مخلوقون مربوبون
    مطيعون داخرون راغمون . فإذا جاءك الشيطان بمثل ما جاءك به فاقمعه بمثل


    ما نبأتك به . قال فتح : فقلت له : جعلني الله فداك فرجت عني ، وكشفت ما
    لبَّسَ الملعون عليَّ ، فقد كان أوقع في خلدي أنكم أرباب .
    قال : فسجد عليه‌السلام فسمعته يقول في سجوده : راغماً لك يا خالقي داخراً خاضعاً .
    ثم قال : يا فتح كدت أن تهلك وما ضر عيسى إن هلك من هلك . إذا شئت
    رحمك الله . قال : فخرجت وأنا مسرور بما كشف الله عني من اللبس .
    فلما كان في المنزل الآخر دخلت عليه وهو متكئ وبين يديه حنطة مقلوة يعبث
    بها ، وقد كان أوقع الشيطان لعنه الله في خلدي أنه لاينبغي أن يأكلوا ولا
    يشربوا . فقال : أجلس يا فتح ، فإن لنا بالرسل أسوة ، كانوا يأكلون ويشربون
    ويمشون في الأسواق ، وكل جسم متغذٍّ إلا خالق الأجسام الواحد الأحد ،
    منشئ الأشياء ومجسم الأجسام وهو السميع العليم . تبارك الله عما يقول الظالمون
    وعلا علواً كبيراً . ثم قال : إذا شئت رحمك الله » .
    7. قال البغدادون : أقبل بيت الله الحرام :
    في إثبات الوصية « 1 / 236 » : « وقُدم به عليه‌السلام بغداد وخَرج إسحاق بن إبراهيم وجملة
    القواد فتلقوه ، فحدث أبوعبد الله محمد بن أحمد الحلبي القاضي قال : حدثني
    الخضر بن محمد البزاز وكان شيخاً مستوراً ثقة ، يقبله القضاة والناس قال :
    رأيت في المنام كأني على شاطئ دجلة بمدينة السلام في رحبة الجسر والناس
    مجتمعون خلق كثير يزحم بعضهم بعضاً ، وهم يقولون : قد أقبل بيت الله الحرام .


    فبينا نحن كذلك إذ رأيت البيت بما عليه من الستائر والديباج والقَباطي ، قد
    أقبل ماراً على الأرض ، يسير حتى عبر الجسر ، من الجانب الغربي الى الجانب
    الشرقي ، والناس يطوفون به وبين يديه حتى دخل دار خزيمة ، وهي التي آخر
    من ملكها بعد عبيد الله بن عبد الله بن طاهر القمي ، وأبوبكر الفتى بن أخت
    إسماعيل بن بلبل بدر الكبير الطولوي ، المعروف بالحمامي ، فإنه أقطعها .
    فلما كان بعد أيام خرجت في حاجة ، حتى انتهيت الى الجسر ، فرأيت الناس
    مجتمعين وهم يقولون : قد قدم ابن الرضا من المدينة ، فرأيته قد عبر من الجسر
    على شهري تحته كبير ، يسير عليه المسير رفيقاً ، والناس بين يديه وخلفه ، وجاء
    حتى دخل دار خزيمة بن حازم ، فعلمت أنه تأويل الرؤيا التي رأيتها .
    ثم خرج الى سر من رأى فتلقاه جملة من أصحاب المتوكل حتى دخل إليهم ،
    فأعظمه وأكرمه ومهد له . ثم انصرف عنه الى دار أعدت له وأقام بسر من رأى » .
    أقول : يدلك هذا على علاقة الناس العقائدية العميقة بالإمام الهادي عليه‌السلام ،
    فالبزاز هذا من علماء العامة ، وقد رأى هذا المنام عن الإمام عليه‌السلام .
    8. عرف الإمام عليه‌السلام ما في ضميره فاستبصر :
    في إثبات الوصية « 1 / 237 » : « وروى احمد بن محمد بن قابنداذ الكاتب الإسكافي
    قال : تقلدت ديار ربيعة وديار مضر ، فخرجت وأقمت بنصيبين ، وقلدت عمالي
    وأنفذتهم الى نواحي أعمالي ، وتقدمت أن يحمل اليَّ كل واحد منهم كل من يجده
    في عمله ممن له مذهب ، فكان يردُ علي في اليوم الواحدُ والإثنان والجماعة منهم ،


    فأسمع منهم وأعامل كل واحد بما يستحقه . فأنا ذات يوم جالسٌ إذ ورد كتاب
    عامل بكفرتوثي يذكر أنه قد وجه إليَّ برجل يقال له إدريس بن زياد ، فدعوت به
    فرأيته وسيماً قسيماً قبلته نفسي ، ثم ناجيته فرأيته ممطوراً ورأيته من المعرفة بالفقه
    والأحاديث على ما أعجبني ، فدعوته الى القول بإمامة الإثني عشر عليهم‌السلام فأبى
    وأنكر عليَّ ذلك وخاصمني فيه !
    وسألته بعد مقامه عندي أياماً أن يهب لي زَوْرَةً الى سر من رأى لينظر الى أبي
    الحسن عليه‌السلام وينصرف فقال لي : أنا أقضي حقك بذلك .
    وشخص بعد أن حملته ، فأبطأ عني وتأخر كتابه ، ثم إنه قدم فدخل إليَّ فأول ما
    رآني أسبل عينيه بالبكاء ، فلما رأيته باكياً لم أتمالك حتى بكيت ، فدنا مني وقبل
    يدي ورجلي ثم قال : يا أعظم الناس منةً ، نجيتني من النار وأدخلتني الجنة .
    وحدثني فقال لي : خرجت من عندك وعزمي إذا لقيت سيدي أبا الحسن عليه‌السلام
    أن أسأله من مسائل ، وكان فيما أعددته أن أسأله عن عرق الجنب ، هل يجوز
    الصلاة في القميص الذي أعرق فيه وأنا جنب أم لا ؟ فصرت الى سر من رأى ،
    فلم أصل إليه وأبطأ من الركوب لعلة كانت به ، ثم سمعت الناس يتحدثون بأنه
    يركب ، فبادرت ففاتني ودخل دار السلطان فجلست في الشارع ، وعزمت أن
    لا أبرح أو ينصرف . واشتد الحرُّ عليَّ فعدلت الى باب دار فيه ، فجلست أرقبه
    ونعست فحملتني عيني فلم أنتبه إلا بمقرعة قد وضعت على كتفي ، ففتحت
    عيني فإذا هو مولاي أبوالحسن عليه‌السلام واقف على دابته ، فوثبت فقال لي : يا إدريس



    أما آن لك ؟ فقلت : بلى يا سيدي . فقال : إن كان العرق من حلال فحلال ، وإن
    كان من حرام فحرام . من غير أن أسأله ، فقلت به وسلمت لأمره » .
    أقول : قول الإمام عليه‌السلام : أما آن لك يدل على أنه رأى منه آيات قبل أن يجيبه على
    ما في نفسه . لكنه لم يذكرها في هذا الحديث .
    9. النصراني الكاتب مع الإمام الهادي عليه‌السلام :
    في الخرائج « 1 / 396 » : « عن هبة الله بن أبي منصور الموصلي ، قال : كان بديار ربيعة
    كاتب لنا نصراني وكان من أهل كفرتوثا ، يسمى يوسف بن يعقوب ، وكان
    بينه وبين والدي صداقة . قال : فوافى ونزل عند والدي فقال ما شأنك قدمت في
    هذا الوقت ؟ قال : قد دعيتُ إلى حضرة المتوكل ، ولا أدري ما يراد مني ، إلا أني
    قد اشتريت نفسي من الله تعالى بمائة دينار ، قد حملتها لعلي بن محمد بن الرضا ،
    معي ! فقال له والدي : وفقت في هذا . قال : وخرج إلى حضرة المتوكل وانصرف
    إلينا بعد أيام قلائل فرحاً مستبشراً ، فقال له أبي : حدثني بحديثك .
    قال : سرت إلى سر من رأى وما دخلتها قط ، فنزلت في دار وقلت : يجب أن
    أوصل المائة دينار إلى أبي الحسن بن الرضا عليه‌السلام قبل مصيري إلى باب المتوكل ،
    وقبل أن يعرف أحد قدومي . قال : فعرفت أن المتوكل قد منعه من الركوب وأنه
    ملازم لداره ، فقلت : كيف أصنع ؟ رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا ! لا
    آمن أن ينذر بي فيكون ذلك زيادة فيما أحاذره . قال : فتفكرت ساعة في ذلك ،
    فوقع في قلبي أن أركب حماري وأخرج من البلد ، ولا أمنعه من حيث يريد ،


    لعلي أقف على معرفة داره من غير أن أسأل أحداً . قال : فجعلت الدراهم في
    كاغدة وجعلتها في كمي ، وركبت فكان الحمار يخرق الشوارع والأسواق يمر
    حيث يشاء ، إلى أن صرت إلى باب دار ، فوقف الحمار ، فجهدت أن يزول فلم
    يزل ، فقلت للغلام : سل لمن هذه الدار ؟ فقيل : هذه دار ابن الرضا عليه‌السلام فقلت :
    الله أكبر ، دلالة والله مقنعة !
    قال : فإذا خادمٌ أسودُ قد خرج فقال : أنت يوسف بن يعقوب ؟ قلت : نعم . قال :
    إنزل فنزلت ، فأقعدني في الدهليز ودخل ، فقلت في نفسي : وهذه دلالةٌ أخرى !
    من أين يعرف هذا الخادم إسمي وليس في هذا البلد أحدٌ يعرفني ولادخلته قط !
    قال : فخرج الخادم وقال : المائة دينار التي في كمك في الكاغذ هاتها . فناولته
    إياها وقلت : هذه ثالثة ، ثم رجع إليَّ وقال : أدخل ، فدخلت إليه وهو في مجلسه
    وحده ، فقال : يا يوسف أما بَانَ لك ؟ فقلت : يا مولاي ، قد بان من البراهين ما
    فيه كفاية لمن اكتفى . فقال : هيهات هيهات ، أما إنك لا تسلم ، ولكن سيسلم
    ولدك فلان وهو من شيعتنا . يا يوسف ، إن أقواماً يزعمون أن ولايتنا لا تنفع
    أمثالك . كذبوا والله ، إنها لتنفع أمثالك ، إمض فيما وافيت فإنك سترى ما تحب !
    قال : فمضيت إلى باب المتوكل ، فنِلت كلما أردت ، وانصرفت .
    قال هبة الله : فلقيت ابنه بعد هذا وهو مسلم حسن التشيع ، فأخبرني أن أباه مات
    على النصرانية ، وأنه أسلم بعد موت والده وكان يقول : أنا بشارة مولاي عليه‌السلام » .


    ملاحظات
    1. هذا المسيحي من الموصل من كفرتوثا ، وهي قرب رأس عين على الحدود
    العراقية السورية . وكان شخصية لأن المتوكل طلب حضوره للتحقق من قضية
    أو لتكليفه بأمر مهم . وكان يعرف إمامة أهل البيت وخصائص الإمام عليه‌السلام
    وينذر له ، ويعتقد أنه بنذره يؤمِّن نفسه من خطر المتوكل . وهذا من مؤشرات
    انتشار التشيع في بقاع العالم الإسلامي ، وقد ورد أن أحد العمال الشيعة هناك
    دعا شخصاً الى التشيع ، وأرسله ليرى الإمام الهادي عليه‌السلام فرآه واستبصر .
    2. لاحظ أن المتوكل كان منع الإمام الهادي عليه‌السلام من الركوب ، أي الخروج من
    سامراء والمشاركة في مناسباتها الإجتماعية ، فهو يخاف أن « يفتن » به الناس !
    3. يظهر أن يعقوب بن يوسف كان يخاف من المتوكل إن هو أسلم وأعلن
    تشيعه . ومع ذلك بشره الإمام عليه‌السلام بأن إيمانه به نوع من الولاية وأنه ينفعه : إنها
    لتنفع أمثالك . ثم بشره بأنه يرزق ولداً يكون مؤمناً ، فكان كما أخبر عليه‌السلام .
    وفي الحديث دليل على أن ولاية أهل البيت عليهم‌السلام قد توجد بدرجة ما في غير
    المسلم وأنها تنفعهم في الآخرة .
    10. طبيب نصراني يسلم على يد الإمام عليه‌السلام :
    قال الطبري الشيعي في دلائل الإمامة / 419 : « وحدثني أبوعبد الله القمي ، قال :
    حدثني ابن عياش ، قال : حدثني أبوالحسين محمد بن إسماعيل بن أحمد الفهقلي


    الكاتب بسر من رأى سنة ثمان وثلاثين وثلاث مائة ، قال : حدثني أبي قال : كنت
    بسر من رأى أسير في درب الحصاء فرأيت يزداد النصراني تلميذ بختيشوع
    وهو منصرف من دار موسى بن بغا ، فسايرني وأفضى بنا الحديث إلى أن قال لي :
    أترى هذا الجدار ، تدري من صاحبه ؟ قلت : ومن صاحبه ؟ قال : هذا الفتى
    العلوي الحجازي ، يعني علي بن محمد بن الرضا عليه‌السلام وكنا نسير في فناء داره ،
    قلت ليزداد : نعم ، فما شأنه ؟ قال : إن كان مخلوق يعلم الغيب فهو !
    قلت : وكيف ذلك ؟ قال : أخبرك عنه بأعجوبة لن تسمع بمثلها أبداً ، ولا
    غيرك من الناس ، ولكن لي الله عليك كفيلٌ وراعٍ أنك لا تحدث به عني أحداً ،
    فإني رجل طبيب ولي معيشة أرعاها عند هذا السلطان ، وبلغني أن الخليفة
    استقدمه من الحجاز فَرَقاً منه ، لئلا ينصرف إليه وجوه الناس ، فيخرج هذا
    الأمر عنهم ، يعني بني العباس .
    قلت : لك علي ذلك ، فحدثني به وليس عليك بأس ، إنما أنت رجل نصراني ،
    لا يتهمك أحد فيما تحدث به عن هؤلاء القوم ، وقد ضمنت لك الكتمان .
    قال : نعم ، أعلمك أني لقيته منذ أيام وهو على فرس أدهم ، وعليه ثياب سود ،
    وعمامة سوداء ، وهو أسود اللون ، فلما بصرت به وقفت إعظاماً له ، لا وحق
    المسيح ما خرجت من فمي إلى أحد من الناس وقلت في نفسي : ثياب سودٌ ،
    ودابةٌ سوداء ورجلٌ أسود « كان عليه‌السلام شديد السمرة » سواد في سواد في سواد ! فلما بلغ
    إلي وأحدَّ النظر قال : قلبك أسود مما ترى عيناك من سواد في سواد في سواد ! قال



    أبي رحمه‌الله : قلت له : أجل فلا تحدث به أحداً ، فما صنعتَ وما قلت له ؟ قال : سقط
    في يدي فلم أجد جواباً . قلت له : أفما ابيض قلبك لما شاهدت ؟
    قال : الله أعلم . قال أبي : فلما اعتل يزداد بعث إليَّ فحضرت عنده فقال : إن قلبي
    قد ابيض بعد سواده ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وأن
    علي بن محمد حجة الله على خلقه وناموسه الأعظم ، ثم مات في مرضه ذلك ،
    وحضرت الصلاة عليه رحمه‌الله » .
    11. عزم المتوكل على قتل علي بن جعفر :
    روى الكشي « 1 / 607 » : « عن علي بن جعفر قال : عُرض أمري على المتوكل ،
    فأقبل على عبيد الله بن يحيى بن خاقان فقال له : لا تُتعبن نفسك بعرض قصة هذا
    وأشباهه ، فإن عمه أخبرني أنه رافضي ، وأنه وكيل علي بن محمد ! وحلف أن لا
    يخرج من الحبس إلا بعد موته ! فكتبت إلى مولانا : أن نفسي قد ضاقت ، وأني
    أخاف الزيغ ! فكتب إلي : أما إذا بلغ الأمر منك ما أرى فسأقصد الله فيك ! فما
    عادت الجمعة حتى أخرجت من السجن .
    وفي رواية ثانية : كان عليّ بن جعفر وكيلاً لأبي الحسن عليه‌السلام فسعيَ به إلى المتوكل
    فحبسه فطال حبسه ، واحتال من قبل عبيد الله بن خاقان بمال ضمنه عنه ثلاثة
    آلاف دينار ، وكلمه عبيد الله فعرض جامعهُ على المتوكل فقال : يا عبيد الله
    لو شككت فيك لقلت إنك رافضي ، هذا وكيل فلان وأنا على قتله .

    قال : فتأدّى الخبر إلى علي بن جعفر ، فكتب إلى أبي الحسن عليه‌السلام : يا سيدي اللهَ اللهَ
    فيَّ فقد والله خفتُ أن أرتاب ، فوقَّع عليه‌السلام في رقعته : أما إذا بلغ بك الأمر ما أرى
    فسأقصد الله فيك . وكان هذا في ليلة الجمعة ، فأصبح المتوكل محموماً فازدادت
    علته حتى صُرخ عليه يوم الإثنين ، فأمر بتخلية كل محبوس عُرض عليه إسمه
    حتى ذكر هو علي بن جعفر فقال لعبيد الله : لِمَ لم تعرض عليَّ أمره ؟فقال : لا أعود
    إلى ذكره أبداً . قال : خل سبيله الساعة ، وسله أن يجعلني في حل ، فخلى سبيله
    وصار إلى مكة بأمر أبي الحسن عليه‌السلام فجاور بها ، وبرأ المتوكل من علته » .
    12. قصة زينب الكذابة :
    روى في الخرائج « 1 / 404 » عن أبي هاشم الجعفري قال : « ظهرت في أيام المتوكل امرأة
    تدعي أنها زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ! فقال لها المتوكل : أنت امرأة شابة ،
    وقد مضى من وقت وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما مضى من السنين . فقالت : إن رسول
    الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مسح على رأسي وسأل الله أن يرد علي شبابي في كل أربعين سنة ، ولم أظهر
    للناس إلى هذه الغاية ، فلحقتني الحاجة فصرت إليهم .
    فدعا المتوكل كل مشايخ آل أبي طالب ، وولد العباس وقريش فعرفهم حالها . فروى
    جماعة وفاة زينب في سنة كذا ، فقال لها : ما تقولين في هذه الرواية ؟ فقالت : كذب
    وزور ، فإن أمري كان مستوراً عن الناس ، فلم يعرف لي حياة ولا موت . فقال لهم
    المتوكل : هل عندكم حجة على هذه المرأة غير هذه الرواية ؟ قالوا : لا . قال : أنا برئ من
    العباس إن لا أنزلها عما ادعت إلا بحجة تلزمها . قالوا : فأحضر ابن الرضا فلعل عنده
    شيئاً من الحجة غير ما عندنا .


    فبعث إليه فحضر فأخبره خبر المرأة فقال : كذبت فإن زينب توفيت في سنة كذا في
    شهر كذا في يوم كذا . قال : فإن هؤلاء قد رووا مثل هذه الرواية وقد حلفت أن لا
    أنزلها عما ادعت إلا بحجة تلزمها . قال : ولا عليك فهاهنا حجة تلزمها وتلزم غيرها .
    قال : وما هي ؟ قال : لحوم ولد فاطمة عليها‌السلام محرمة على السباع ، فأنزلها إلى السباع فإن
    كانت من ولد فاطمة فلا تضرها .
    فقال لها : ما تقولين ؟ قالت : إنه يريد قتلي . قال : فهاهنا جماعة من ولد الحسن والحسين
    فأنزل من شئت منهم .
    قال : فوالله لقد تغيرت وجوه الجميع ! فقال بعض المتعصبين : هو يحيل على غيره لم لا
    يكون هو ؟ فمال المتوكل إلى ذلك رجاء أن يذهب من غير أن يكون له في أمره صنع .
    فقال : يا أبا الحسن لم لا يكون أنت ذلك ؟ قال : ذاك إليك .
    قال : فافعل ، قال : أفعل إن شاء الله . فأتى بسلم وفتح عن السباع وكانت ستة من
    الأسد . فنزل أبوالحسن عليه‌السلام إليها ، فلما دخل وجلس صارت إليه ، ورمت بأنفسها بين
    يديه ، ومدت بأيديها ، ووضعت رؤوسها بين يديه !
    فجعل يمسح على رأس كل واحد منها بيده ، ثم يشير له بيده إلى الإعتزال فيعتزل
    ناحية ، حتى اعتزلت كلها وقامت بإزائه .
    فقال له الوزير : ما كان هذا صواباً ، فبادر بإخراجه من هناك قبل أن ينتشر خبره .
    فقال له : أبا الحسن ما أردنا بك سوءً ، وإنما أردنا أن نكون على يقين مما قلت ، فأحب
    أن تصعد . فقام وصار إلى السلم وهي حوله تتمسح بثيابه ، فلما وضع رجله على أول
    درجة التفت إليها وأشار بيده أن ترجع . فرجعت وصعد فقال : كل من زعم أنه من
    ولد فاطمة فليجلس في ذلك المجلس .

    فقال لها المتوكل : إنزلي . قالت : اللهَ الله ادعيتُ الباطل ، وأنا بنت فلان ، حملني الضر
    على ما قلت ! فقال المتوكل : ألقوها إلى السباع ، فبعثت والدته واستوهبتها منه ،
    وأحسنت إليها » .
    13. بستان الآس :
    كان المتوكل يسمي ابنه المنتصر الرافضي لأنه يتشيع ويسخر منه ! قال المنتصر :
    « زرع والدي الآس في بستان وأكثر منه ، فلما استوى الآس كُلُّهُ وحَسُن ، أمَرَ
    الفرَّاشين أن يفرشوا له على دكان في وسط البستان ، وأنا قائم على رأسه ، فرفع
    رأسه إليَّ وقال : يا رافضي سل ربك الأسود عن هذا الأصل الأصفر ماله من
    بين ما بقي من هذا البستان قد اصفرَّ ، فإنك تزعم أنه يعلم الغيب ! فقلت : يا
    أمير المؤمنين إنه ليس يعلم الغيب ، فأصبحت إلى أبي الحسن من الغد وأخبرته
    بالأمر فقال : يا بني ، إمض أنت واحفر الأصل الأصفر ، فإن تحته جمجمة نخرة
    ، واصفراره لبخارها ونتنها ! قال ففعلت ذلك فوجدته كما قال ، ثم قال لي : يا
    بني لاتخبرن أحداً بهذا الأمر إلا لمن يحدثك بمثله » . « الثاقب في المناقب / 538 » .
    فقد وصفه المتوكل بالرافضي ، واتهمه بأنه يعبد إمامه عليه‌السلام ووصف سمرة
    الإمام عليه‌السلام بالسواد سخريةً منه . أما الجمجمة فقد تكون لأحد ندمائه الذين قتلهم !
    14. معرفة الإمام عليه‌السلام باللغات :
    « عن أبي هاشم الجعفري ، قال : كنت بالمدينة حين مرَّ بنا بَغَا أيام الواثق ، في
    طلب الأعراب ، فقال أبوالحسن : أخرجوا بنا حتى ننظر إلى تعبئة هذا التركي ،



    فخرجنا فوقفنا ، فمرت بنا تعبئته فمر بنا تركي ، فكلمه أبوالحسن عليه‌السلام بالتركي
    فنزل عن فرسه فقبل حافر فرس الإمام عليه‌السلام ! فَحَلَّفْتُ التركي فقلت له : ما قال
    لك الرجل ؟ قال : هذا نبي ؟! قلت : ليس هو بنبي . قال : دعاني باسم سميت به
    في صغري في بلاد الترك ما علمه أحد إلى الساعة » . « الثاقب في المناقب لابن حمزة / 539 » .
    « عن علي بن مهزيار قال : أرسلت إلى أبي الحسن الثالث عليه‌السلام غلامي وكان
    صقلابياً فرجع الغلام إلي متعجباً ، فقلت له : ما لك يا بني ؟ قال : وكيف لا
    أتعجب ! ما زال يكلمني بالصقلابية كأنه واحد منا » ! « الإختصاص للمفيد / 289 » .
    15. لسنا في خان الصعاليك :
    « عن صالح بن سعيد ، قال : دخلت على أبي الحسن عليه‌السلام فقلت : جعلت فداك ،
    في كل الأمور أرادوا إطفاء نورك والتقصير بك ، حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع
    خان الصعاليك ، فقال : هاهنا أنت يا ابن سعيد ، ثم أومأ بيده فقال : أنظر ،
    فنظرت ، فإذا بروضات آنفات ، وروضات ناظرات ، فيهن خيرات عطرات ،
    وولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون ، وأطيار وظباء ، وأنهار تفور ، فحار بصري
    وحسرت عيني ، فقال : حيث كنا فهذا لنا عتيد ، ولسنا في خان الصعاليك » .
    16. برذون أبي هاشم الجعفري :
    « عن أبي الهيثم عبد الله بن عبد الرحمن الصالحي ، قال : إن أبا هاشم الجعفري شكا إلى
    مولانا أبي الحسن عليه‌السلام ما يلقى من الشوق إليه إذا انحدر من عندنا إلى بغداد ، فقال له :
    ادع الله تعالى يا سيدي ، فإني لا أستطيع ركوب الماء خوف الإصعاد والإبطاء عنك ،


    فسرت إليك على الظهر ومالي مركوب سوى برذوني هذا على ضعفه ، فادع الله تعالى
    أن يقويني على زيارتك على وجه الأرض ، فقال : قواك الله يا أبا هاشم وقوى برذونك .
    قال : فكان أبوهاشم يصلي الفجر ببغداد ويسير على البرذون ، فيدرك الزوال من يومه
    ذلك في عسكر سر من رأى ، ويعود من يومه إلى بغداد إذا سار على ذلك البرذون ،
    وكان هذا من أعجب الدلائل التي شوهدت » .
    أقول : المسافة بين بغدا وسامرء نحو مئة كيلو متر ، ومعناه أن بغل أبي هاشم كان
    يقطعها في أربع ساعات أو خمس ، وأن الله تعالى استجاب دعاء الإمام عليه‌السلام بتقوية
    البغل ، أو طيِّ الأرض إذا ركبه أبو هاشم . فكان يتحرك من بغداد صباحاً ويزور
    الإمام عليه‌السلام ويبقى الى العصر ، ويعود الى بغداد في نفس اليوم .
    17. المتوكل يستعين بمشعوذ :
    « عن زرافة حاجب المتوكل ، قال : وقع رجل مشعبذ من ناحية الهند إلى المتوكل
    يلعب لعب الحقة ولم ير مثله ، وكان المتوكل لعاباً ، فأراد أن يُخجل علي بن محمد
    الرضا عليه‌السلام ، فقال لذلك الرجل : إن أخجلته أعطيتك ألف دينار .
    قال : تقدم بأن يخبز رقاقاً خفافاً واجعلها على المائدة وأقعدني إلى جنبه ، فقعدوا
    وأحضر علي بن محمد عليهما‌السلام للطعام ، وجعل له مسورة عن يساره ، وكان عليها
    صورة أسد ، وجلس اللاعب إلى جنب المسورة ، فمد علي بن محمد عليه‌السلام يده إلى
    رقاقة فطيرها ذلك الرجل في الهواء ومد يده إلى أخرى ، فطيرها ذلك الرجل ،
    ومد يده إلى أخرى فطيرها فتضاحك الجميع ، فضرب علي بن محمد عليهما‌السلام يده
    المباركة الشريفة على تلك الصورة التي في المسورة وقال : خذيه . فابتلعت الرجل



    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني   الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyالثلاثاء أكتوبر 29, 2024 10:32 pm

    وعادت كما كانت إلى المسورة . فتحير الجميع ونهض أبوالحسن علي بن محمد ،
    فقال له المتوكل : سألتك إلا جلست ورددته . فقال : والله لا تراه بعدها ، أتسلط
    أعداء الله على أولياء الله ! وخرج من عنده ، فلم يُرَ الرجل بعد ذلك » . « الثاقب 499 » .
    وفي رواية أنه قال للمتوكل : « إن كانت عصا موسى ردت ما ابتلعته من حبال القوم
    وعصيهم ، فإن هذه الصورة ترد ما ابتلعته من هذا الرجل » !
    ويظهر أن هذا النوع من الشعبذة كان معروفاً في الهند والعراق مما ورثه البابليون عن
    هاروت وماروت ، فقد استعمله المنصور مع الصادق عليه‌السلام والرشيد مع الكاظم عليه‌السلام .
    راجع : الإمام الكاظم سيد بغداد / 212 .
    18. وعُلِّمْنَا منطقَ الطير :
    في الخرائج « 1 / 404 » : « قال أبوهاشم الجعفري : إنه كان للمتوكل مجلس بشبابيك
    كيما تدور الشمس في حيطانه ، قد جعل فيها الطيور التي تصوت ، فإذا كان يوم
    السلام جلس في ذلك المجلس فلا يَسمع ما يقال له ، ولا يُسمع ما يقول من
    اختلاف أصوات تلك الطيور ، فإذا وافاه علي بن محمد بن الرضا عليه‌السلام سكتت
    الطيور فلا يُسمع منها صوتٌ واحد إلى أن يخرج من عنده ، فإذا خرج من باب
    المجلس عادت الطيور في أصواتها .
    قال : وكان عنده عدة من القوابج في الحيطان ، وكان يجلس في مجلس له عالٍ
    ويرسل تلك القوابج تقتتل وهو ينظر إليها ويضحك منها ، فإذا وافى علي بن
    محمد عليهما‌السلام إليه في ذلك المجلس ، لصقت تلك القوابج بالحيطان ، فلا تتحرك من
    مواضعها حتى ينصرف ، فإذا انصرف عادت في القتال » .
    19. إخباره عليه‌السلام بأجله :
    في الهداية الكبرى / 342 : « عن أحمد بن داود القمي ، ومحمد بن عبد الله الطلحي ،
    قالا : حملنا ما جمعنا من خمس ونذور وبر من غير ورق وحلي وجوهر وثياب من
    بلاد قم وما يليها ، وخرجنا نريد سيدنا أبا محمد الحسن عليه‌السلام فلما وصلنا إلى
    دسكرة الملك تلقانا رجلٌ راكبٌ على جمل ، ونحن في قافلة عظيمة فقصد إلينا
    وقال : يا أحمد الطلحي معي رسالة إليكم ، فقلنا من أين يرحمك الله ، فقال : من
    سيدكم أبي محمد الحسن عليه‌السلام يقول لكم : أنا راحل إلى الله مولاي في هذه الليلة
    فأقيموا مكانكم حتى يأتيكم أمر ابني محمد ، فخشعت قلوبنا وبكت عيوننا
    وقرحت أجفاننا لذلك ، ولم نظهره . وتركنا المسير .
    واستأجرنا بدسكرة الملك منزلاً وأخذنا ما حملنا إليه ، وأصبحنا والخبر شائع
    بالدسكرة بوفاة مولانا أبي محمد الحسن عليه‌السلام ، فقلنا لا إله إلا الله ترى الرسول
    الذي أتانا بالرسالة أشاع الخبر في الناس ، فلما تعالى النهار رأينا قوماً من الشيعة
    على أشد قلق لما نحن فيه ، فأخفينا أمر الرسالة ولم نظهره ، فلما جَن علينا الليل
    جلسنا بلا ضوء حزناً على سيدنا الحسن عليه‌السلام ، نبكي ونشكي إلى فقده ، فإذا نحن
    بيدٍ قد دخلت علينا من الباب فضاءت كما يضئ المصباح وهي تقول : يا أحمد
    هذا التوقيع إعمل به وبما فيه ، فقمنا على أقدامنا وأخذنا التوقيع فإذا فيه :
    بسم الله الرحمن الرحيم : من الحسن المسكين لله رب العالمين ، إلى شيعته
    المساكين : أما بعد ، فالحمد لله على ما نزل منه ونشكره إليكم جميل الصبر عليه ،



    وهو حسبنا في أنفسنا وفيكم ، ونعم الوكيل ، ردوا ما معكم ليس هذا أوان
    وصوله إلينا ، فإن هذا الطاغي قد دنت غشيته إلينا ، ولو شئنا ما ضركم ، وأمرنا
    يرد عليكم ، ومعكم صرة فيها سبعة عشر ديناراً في خرقة حمراء ، إلى أيوب بن
    سليمان ، الآن فردوها فإنه حملها ممتحناً لنا بها بما فعله ، وهو ممن وقف عند جدي
    موسى بن جعفر عليه‌السلام فردوا صرته عليه ، ولا تخبروه !
    فرجعنا إلى قم ، فأقمنا بها سبع ليال ، ثم جاءنا أمر ابنه : قد بعثنا إليكم إبلاً غير
    إبلكم ، إحملا ما قِبَلَكُما عليها واخليا لها السبيل ، فإنها واصلةٌ إليَّ ! وكانت الإبل
    بغير قائد ولا سائق ، على وجه الأول منها بهذا الشرح ، وهو مثل الخط الذي
    بالتوقيع التي أوصلته إلى الدسكرة ، فحملنا ما عندنا واستودعناه وأطلقناهم ،
    فلما كان من قابل خرجنا نريده عليه‌السلام فلما وصلنا إلى سامرا دخلنا عليه فقال لنا : يا
    أحمد ومحمد ، أدخلا من الباب الذي بجانب الدار ، وانظرا ما حملتماه على الإبل ،
    فلا تفقدا منه شيئاً . فدخلنا من الباب فإذا نحن بالمتاع كما وعيناه وشددناه لم
    يتغير ، فحللناه كما أمرنا وعرضنا جمعه ، فما فقدنا منه شيئاً ، فوجدنا الصرة
    الحمراء والدنانير فيها بختمها ، وكنا قد رددناها على أيوب ، فقلنا : إنا لله وإنا
    إليه راجعون ، فقلنا : إنها من سيدنا ، فصاح بنا من مجلسه : فما لكما بدت لكما
    سؤاتكما ! فسمعنا الصوت فأتينا إليه فقال : من أيوب ، وقتَ وردت الصرة عليه
    فقبل الله إيمانه وقبل هديته ، فحمدنا الله وشكرناه على ذلك ، فكان هذا من
    دلائله عليه‌السلام » .

    الفصل الخامس عشر :
    شخصيات من تلاميذ الإمام الهادي عليه‌السلام وأصحابه
    روى عن الإمام الهادي عليه‌السلام مئات الرواة
    عَدَّ الشيخ الطوسي والبرقي قدس الله روحيهما ، أسماء خمس مئة وستة عشر
    راوياً رووا عنه عليه‌السلام . وعَدَّ السيد القزويني في موسوعة الإمام الهادي عليه‌السلام ثلاث
    مئة وسبعة وتسعين راوياً .
    وترجم الباحث عبد الحسين الشبستري في كتابه : النور الهادي الى أصحاب
    الإمام الهادي عليه‌السلام ، لمئة وثلاثة وتسعين من أصحابه عليه‌السلام .
    ويتسع المجال لأن نذكر نماذج من أصحابه وتلاميذه ، صلوات الله عليه .
    1. الصقر بن أبي دلف :
    1. لما أحضر المتوكل الإمام الهادي عليه‌السلام الى سامراء ، خاطر الصقر بنفسه وذهب
    الى زيارته ، وكان يعرف حاجب المتوكل فأدخله الى السجن ، وزار الإمام عليه‌السلام ،
    فرآهم حفروا له قبراً بجانبه ! وأمره الإمام أن يودع ويذهب ، لئلا يبطشوا به !
    وروى الصقر عدة أحاديث في تنزيه الله تعالى ، منها أن الإمام الهادي عليه‌السلام قال له :
    « إنه ليس منا من زعم أن الله عز وجل جسم ونحن منه بَراءٌ في الدنيا والآخرة .
    يا ابن أبي دلف : إن الجسم محُدث والله محدثه ومجسمه » . « التوحيد للصدوق / 104 » .


    2. ذكرنا في فصل إحضار الإمام الى سامراء ، أنه لا يبعد أن يكون الصقر من
    أولاد أبي دلف العجلي القائد المعروف ، الذي خرج على هارون الرشيد ، ثم
    تصالح معه وصار والياً من قبله على بلاد الجبل من إيران ، وأسس مدينة كرج
    قرب طهران . وكتبنا عنه في القبائل العراقية ، في قبيلة عجل بن لُجَيْم .
    وكان أبو دلف شيعياً متشدداً ، وسكن بعض أولاده بغداد ، وبعضهم الحلة ،
    وبقي بعضهم في إيران ، وكان منهم ولاةٌ في زمن الواثق والمتوكل .
    وقد ترجم المؤرخون لشعراء وعلماء من ذرية أبي دلف ، ومنهم ابن إدريس
    الحلي الفقيه الشيعي المشهور ، ومنهم الأمير أبو نصر بن ماكولا صاحب كتاب
    الإكمال في تراجم الرجال . « وفيات الأعيان : 3 / 306 » .
    وقال ابن الأثير في الكامل‏ « 7 / 479 » : « ذكر الحرب بين عسكر المعتضد وأولاد أبي
    دلف . وفيها سار عبيد الله بن سليمان إلى عمر بن عبد العزيز بن أبي دلف بالجبل
    فسار عمر إليه بالإمان في شعبان ، فأذعن بالطاعة ، فخلع عليه وعلى أهل بيته » .
    2 ـ 3. شخصيتان من أولاد المنصور الدوانيقي :
    1. وهما : أبو الحسن محمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن عيسى بن
    المنصور ، وعم أبيه : أبو موسى : عيسى بن أحمد بن عيسى بن المنصور .
    ونلاحظ أن محمداً يروي كثيراً عن عم أبيه عيسى ، وأن رواياته ذات أهمية
    خاصة ودلالات كبيرة ، فموضوعاتها علاقة الإمام الهادي عليه‌السلام بالنظام أو مكانة


    أمير المؤمنين علي عليه‌السلام والعترة عند الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله . فهي سياسية أو
    عقائدية من الدرجة الأولى ، وقد تبلغ أربعين رواية .
    ويروي العم عن الزبير بن بكار « دلائل الإمامة / 475 » ويقول إنه من حواريِّي الإمام
    الهادي عليه‌السلام . وكان يسكن سامراء من سنة 239 ، كما نسبه النجاشي ، وروى عنه
    الجوهري في سامراء ، في مقتضب الأثر / 11 .
    2. روى عنه الطوسي في أماليه / 275 ، روايات عديدة ، وسنده : الفحام ، أي
    عمير بن يحيى الفحام ، عن المنصوري الصغير ، عن عم أبيه .
    ومنها الرواية المتقدمة المليئة بالدلالة : « الفحام ، قال : حدثني المنصوري ، قال :
    حدثني عم أبي ، قال : دخلت يوماً على المتوكل وهو يشرب ، فدعاني إلى الشرب
    فقلت : يا سيدي ما شربته قط . فقال : أنت تشرب مع علي بن محمد ! فقلت له :
    ليس تعرف من في يدك ، إنما يضرك ولا تضره ، ولم أُعِد ذلك عليه .
    قال : فلما كان يوماً من الأيام ، قال لي الفتح بن خاقان : قد ذَكر الرجل يعني
    المتوكل ، خبر مال يجئ من قم ، وقد أمرني أن أرصده لأخبره به ، فقل لي : من أي
    طريق يجئ حتى أجتنبه ! فجئت إلى الإمام علي بن محمد عليهما‌السلام فصادفت عنده من
    أحتشمه فتبسم وقال لي : لايكون إلا خيرٌ يا أبا موسى ، لمَ لمَ تُعِد الرسالة الأوَّلَة ؟
    فقلت : أجللتك يا سيدي . فقال لي : المال يجئ الليلة وليس يصلون إليه ، فبِتْ
    عندي ، فلما كان من الليل وقام إلى ورده قطع الركوع بالسلام ، وقال لي : قد جاء
    الرجل ومعه المال ، وقد منعه الخادم الوصول إليَّ فاخرج وخذ ما معه ، فخرجت



    فإذا معه الزنفيلجة فيها المال ، فأخذته ودخلت به إليه فقال : قل له : هات المخنقة
    التي قالت لك القُمِّيَّة : إنها ذخيرة جدتها ! فخرجتُ إليه فأعطانيها فدخلت بها
    إليه فقال لي : قل له : الجبة التي أبدلتها منها ردها إلينا ، فخرجت إليه فقلت له
    ذلك ، فقال : نعم ، كانت ابنتي استحسنتها فأبدلتها بهذه الجبة ، وأنا أمضي فأجئ
    بها . فقال : أخرج فقل له : إن الله تعالى يحفظ ما لنا وعلينا ، هاتها من كتفك ،
    فخرجت إلى الرجل فأخرجها من كتفه فغشي عليه ، فخرج إليه عليه‌السلام فقال له :
    قد كنتُ شاكاً فتيقنتُ » !
    3. تدل الرواية على أن عيسى المذكور كان من شخصيات بني العباس ، ومن
    المحترمين عند المتوكل ، بحيث يدخل عليه وهو يشرب الخمر .
    وكان المتوكل يعرف علاقته بالإمام عليه‌السلام وتشيعه له ، فدعاه ليشرب الخمر معه ،
    ثم استثنى وقال له أنت لاتشرب معي ، بل تشرب مع إمامك علي بن محمد !
    وهذه خباثة من المتوكل ، لأنه يعرف أن الإمام عليه‌السلام لا يشرب ، وقد أجابه عيسى
    بجواب وقال إنه لم يُعده عليه ، حتى لايغضبه !
    قال له : « ليس تعرف من في يدك إنما يضرك ولا تضره . ولم أعد ذلك عليه » .
    ومعناه : أنك لاتعرف علي بن محمد عليه‌السلام من هو ، وإنك بحبسك إياه وكلامك عليه
    تضر نفسك ، ولا تضره !

    4. يظهر أن عيسى هذا كان لا يقبل الولاية ، أو كان المتوكل لا يوليه بلداً بسبب
    ولائه للعلويين ! وقد ولى على المدينة ومكة عمه وابن عمه : محمد بن عيسى ، وابن
    عمه : علي بن عيسى بن جعفر بن المنصور . « صبح الأعشى : 4 / 271 » .
    5. وكان عيسى رحمه‌الله يعيش في سامراء ، وله مخصصات من المتوكل كبقية شخصيات
    العباسيين ، فقد قال رحمه‌الله كما في أمالي الطوسي / 285 : « قصدتُ الإمام عليه‌السلام يوماً
    فقلت : يا سيدي ، إن هذا الرجل قد اطَّرَحني وقطع رزقي ومَلَّني ، وما أتهم في
    ذلك إلا علمه بملازمتي لك ، فإذا سألتَهُ شيئاً منه يلزمُهُ القبول منك ، فينبغي
    أن تتفضل علي بمسألته . فقال : تكفى إن شاء الله .
    فلما كان في الليل طرقني رسل المتوكل ، رسولٌ يتلو رسولاً ، فجئت والفتح على
    الباب قائم فقال : يا رجل ، ماتأوي في منزلك بالليل ؟ كَدَّ هذا الرجل مما يطلبك !
    فدخلتُ وإذا المتوكل جالس في فراشه ، فقال : يا أبا موسى نشغل عنك وتنسينا
    نفسك ، أيُّ شئ لك عندي ؟ فقلت : الصلة الفلانية ، والرزق الفلاني ، وذكرت
    أشياء ، فأمر لي بها وبضعفها .
    فقلت للفتح : وافى عليُّ بن محمد إلى هاهنا ؟فقال : لا . فقلت : كتب رقعة ؟ فقال :
    لا . فوليت منصرفاً فتبعني ، فقال لي : لست أشكُّ أنك سألته دعاءً لك ، فالتمس
    لي منه دعاء ! فلما دخلت إليه عليه‌السلام قال لي : يا أبا موسى هذا وجهُ الرضا . فقلت :
    ببركتك يا سيدي ، ولكن قالوا لي : إنك ما مضيت إليه ولا سألته . فقال : إن الله
    تعالى علم منا أنا لا نلجأ في المهمات إلا إليه ، ولا نتوكل في الملمات إلا عليه
    وعودنا إذا سألنا الإجابة ، ونخاف أن نعدل فيعدل بنا .


    قلت : إن الفتح قال لي كيت وكيت . قال : إنه يوالينا بظاهره ، ويجانبنا بباطنه ،
    الدعاء لمن يدعو به . إذا أخلصتَ في طاعة الله ، واعترفتَ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله
    وبحقنا أهل البيت ، وسألت الله تبارك وتعالى شيئاً لم يحرمك .
    قلت : يا سيدي فتعلمني دعاء أختص به من الأدعية . قال : هذا الدعاء كثيراً ما
    أدعو الله به ، وقد سألت الله أن لا يُخيب من دعا به في مشهدي بعدي ، وهو :
    يا عُدَّتي عند العُدد ، ويا رجائي والمعتمد ، ويا كهفي والسند ، ويا واحد يا أحد
    ويا قل هو الله أحد ، أسالك اللهم بحق من خلقته من خلقك ، ولم تجعل في
    خلقك مثلهم أحداً ، أن تصلي عليهم ، وتفعل بي كيت وكيت » .
    6. العجيب أن الفتح بن خاقان وزير المتوكل أخبر عيسى أن المتوكل أمره أن يراقب
    مجئ أموال الى الإمام عليه‌السلام من قم ، وطلب منه أن يخبره بطريق مجيئها ، ليبتعد عن مراقبة
    ذلك الطريق ! وطبيعي أن يراجع عيسى إمامه الهادي عليه‌السلام فراجعه ، وكان المعجز الذي
    حكاه عيسى رحمه‌الله ويظهر منه أن عيسى تعود أن يرى من الإمام عليه‌السلام الآيات والكرامات !
    7. كان عيسى ملازماً للإمام الهادي عليه‌السلام ، وقد استفاد منه أنه ألَّفَ كتاباً مما رواه
    عنه ، ويروي كتابه ابن أخيه أحمد ، ولم يصل الينا مع الأسف .
    قال النجاشي في فهرس أسماء مصنفي الشيعة / 297 : « عيسى بن أحمد بن عيسى بن
    المنصور أبو موسى السر من رائي ، روى عن أبي الحسن علي بن محمد عليه‌السلام.
    أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن داود الفحام قال : حدثنا أبو الحسن


    محمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن عيسى قال : حدثنا عم أبو موسى عيسى
    بن أحمد ، عن أبي الحسن عليه‌السلام بالنسخة » .
    8. ويظهر من الرواية حسن فهم الفتح بن خاقان وزير المتوكل ، فقد فهم أن
    الإمام الهادي عليه‌السلام دعا لعيسى فليَّن الله له قلب المتوكل ، فأوصى عيسى أن يطلب
    من الإمام عليه‌السلام أن يدعو له ، وأجاب الإمام عليه‌السلام عن طلبه بقوله : الدعاء لمن يدعو
    به . إذا أخلصت في طاعة الله ، واعترفت برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبحقنا أهل البيت ،
    وسألت الله تبارك وتعالى شيئاً لم يحرمك .
    ومعناه : أن استجابة الدعاء متوقفة على نوعية الشخص الذي يدعو ، وكل
    مسلم يطيع الله ويوالي النبي وعترته الطاهرين عليهم‌السلام ، إذا دعا ، لايحرمه الله تعالى .
    وتعبيره عليه‌السلام عن الفتح : يوالينا بظاهره ويجانبنا بباطنه ، تعبير دقيقٌ ، وهو حالة
    أقل من العداء الصريح .
    9. نلاحظ أن عيسى يستعمل كلمة الإمام مطلقة بدون قيد للإمام الهادي عليه‌السلام
    فيقول دخلت على الإمام ، قلت للإمام .. الخ . وهذا يدل على أنها في القرن
    الثالث صارت كالعلم لإمام العترة من أهل البيت عليهم‌السلام .
    10. في الختام لا بد أن نسجل تعجبنا من إهمال علماء العامة للمنصورييْن ،
    وعدم رواياتهم عنهما ، وعدم ترجمتهما في مصادر الجرح والتعديل ، مع أنهما
    عباسيان من أولاد المنصور مؤسس التسنن الجديد . ولعل السبب في ذلك أن
    رواياتهما رحمهما الله صريحة في التشيع ، لا يحتملها حتى بعض الشيعة ، كالذي



    رواه الرضي في خصائص الأئمة عليهم‌السلام / 78 : « حدثني أبو محمد هارون بن موسى ،
    قال : حدثني أبو الحسن محمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن عيسى بن المنصور
    قال : حدثني أبو موسى عيسى بن أحمد بن عيسى بن المنصور ، قال : حدثني
    الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر عليهم‌السلام قال : حدثني أبي علي
    قال : حدثني أبي محمد قال : حدثني أبي علي ، قال : حدثني أبي موسى ، قال :
    حدثني أبي جعفر ، قال : حدثني أبي محمد ، قال : حدثني أبي علي ، قال : حدثني
    أبي الحسين بن علي ، عن أبيه أمير المؤمنين عليهم‌السلام ، والصلاة ، قال ، قال رس
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني   الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyالثلاثاء أكتوبر 29, 2024 10:34 pm

    رسول
    الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي ، مَثَلُكُم في الناس مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلف
    عنها غرق فمن أحبكم يا علي نجا ، ومن أبغضكم ورفض محبتكم هوى في النار .
    ومَثَلُكُم يا علي مثل بيت الله الحرام ، من دخله كان آمناً ، فمن أحبكم ووالاكم
    كان آمناً من عذاب النار ، ومن أبغضكم ألقي في النار . يا علي : وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ
    حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا . ومن كان له عذرٌ فله عذرُهُ ، ومن كان فقيراً فله
    عذره ، ومن كان مريضاً فله عذره ، وإن الله لا يعذر غنياً ولا فقيراً ولا مريضاً
    ولا صحيحاً ولا أعمى ولا بصيراً ، في تفريطه في موالاتكم ومحبتكم » !
    فهذا الحديث ثقيل عليهم ، لأنه يجعل ولاية علي والعترة عليهم‌السلام ، من أصول الدين .
    4. خيران الأسباطي :
    جعل السيد الخوئي في رجاله « 8 / 87 » خيران الأسباطي ، وخيران الخادم ، وخيران
    بن إسحاق الزاكاني واحداً ، وهو الظاهر . وقال : ثقةٌ من أصحاب الهادي عليه‌السلام ..
    وقال الكشي : وجدت في كتاب محمد بن الحسن بن بندار القمي بخطه : حدثني


    الحسين بن محمد بن عامر ، قال : حدثني خيران الخادم القراطيسي قال : حججت
    أيام أبي جعفر محمد بن علي بن موسى عليه‌السلام وسألته عن بعض الخدم ، وكانت له
    منزلة من أبي جعفر عليه‌السلام فسألته أن يوصلني إليه ، فلما صرنا إلى المدينة ، قال لي :
    تهيأ فإني أريد أن أمضي إلى أبي جعفر عليه‌السلام ، فمضيت معه .. ولخيران ، هذا :
    مسائل يرويها عنه وعن أبي الحسن عليه‌السلام . أقول : بعدما ثبتت وثاقة الرجل ، فلا بد
    من تصديقه فيما أخبر به ، وفيه دلالة على جلالته وعظم منزلته عند الإمام عليه‌السلام » .
    وعده النجاشي / 155 ، في مصنفي الشيعة . وقال في منتهى المقال « 3 / 189 » : « وفي
    الكشي ما يدل على جلالته . وفي آخره قال عليه‌السلام : إعمل في ذلك برأيك ، فإن
    رأيك رأيي ومن أطاعك أطاعني . قال أبو عمرو : هذا يدل على أنه كان وكيله » .
    أقول : وذكروا لخيران ابناً بإسم الخيراني ، روى عن أبيه ، وروى عنه في الكافي
    « 1 / 322 » عن الإمام الرضا ، النص على إمامة ولده الجواد عليه‌السلام .
    5. عبد العظيم بن عبد الله الحسني :
    1. تقدم في فصل نقض الإمام الهادي عليه‌السلام لعقيدة المتوكل وابن حنبل ، أن عبد
    العظيم الحسني عرض دينه على الإمام عليه‌السلام فقال له : « يا أبا القاسم ، هذا والله
    دين الله الذي ارتضاه لعباده ، فاثبت عليه ، ثبتك الله بالقول الثابت في الحياة
    الدنيا وفي الآخرة » .
    2. قال في النور الهادي إلى أصحاب إمام الهادي عليه‌السلام « 1 / 154 » : « عبد العظيم بن
    عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الإمام الحسن المجتبى .. أبو القاسم ،



    المعروف بالشاه عبد العظيم . من كبار علماء الشيعة الإمامية .. كان مؤمناً عابداً
    زاهداً تقياً ورعاً ، صحب الإمامين الجواد والهادي عليهما‌السلام وروى عنهما .
    هرب من ظلم وجور السلطة العباسية الى بلاد فارس ، فدخل الري مستتراً
    وأقام بها في دار أحد الشيعة بساربانان ، ولم يزل بها مدة طويلة من دون أن
    يُعَرف الناس بنفسه وسلالته الشريفة ، حتى توفي بها في النصف من شهر شوال
    سنة 252 هـ ودفن بها ، وأصبح ضريحه من المشاهد المتبركة ومن المزارات
    المقدسة لدى المسلمين عامة ، والشيعة خاصة . روى عنه سهل بن زياد الآدمي ،
    وأحمد بن أبي عبد الله البرقي ، وعبيد الله بن موسى الروياني وغيرهم . من آثاره
    كتاب : خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكتاب : اليوم والليلة » .
    3. ورد الحث على زيارة قبره رحمه‌الله ، ففي جواهر الكلام « 20 / 103 » : « قال الكاظم
    عليه‌السلام : من لم يقدر أن يزورنا فليزر صالحي إخوانه ، يكتب له ثواب زيارتنا ، ومن
    لم يقدر أن يصلنا فليصل صالحي إخوانه يكتب له ثواب صلتنا .
    وكذا يستحب زيارة عبد العظيم بالري فإنها كزيارة الحسين عليه‌السلام ، وقبر فاطمة
    بنت موسى بن جعفر عليهما‌السلام بقم ، فإن من زارها له الجنة . وجميع قبور العلماء
    والصلحاء والأولياء ، وكافة إخوانه أحياءً وأمواتاً .
    ولكل ذلك آداب ووظائف ، قد تكفلت بها الكتب المعدة لذلك ، والرجاء بالله
    تعالى شأنه أن يوفقنا بعد إتمام هذا الكتاب إلى تأليف كتاب يجمع جميع ما ورد
    عنهم عليهم‌السلام في ذلك ، والله الموفق والمؤيد والمسدد » .

    ولعبد العظيم الحسني رحمه‌الله مشهد في الري هو أكبر معالمها ، ويقصده الشيعة للزيارة .
    4. أهم نص في سيرة عبد العظيم رحمه‌الله ما قاله النجاشي / 247 : « عبد العظيم بن عبد
    الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام أبو القاسم . له
    كتاب خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام قال أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله : حدثنا جعفر
    بن محمد أبو القاسم قال : حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي قال : حدثنا أحمد
    بن محمد بن خالد البرقي قال : كان عبد العظيم ورد الري هارباً من السلطان ،
    وسكن سرباً في دار رجل من الشيعة في سكة الموالي ، فكان يعبد الله في ذلك
    السرب ويصوم نهاره ويقوم ليله ، وكان يخرج مستتراً فيزور القبر المقابل قبره
    وبينهما الطريق ، ويقول : هو قبر رجل من ولد موسى بن جعفر عليه‌السلام .
    فلم يزل يأوي إلى ذلك السرب ، ويقع خبره إلى الواحد بعد الواحد من شيعة
    آل محمد عليهم‌السلام حتى عرفه أكثرهم . فرأى رجل من الشيعة في المنام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله
    قال له : إن رجلاً من وُلدي يحمل من سكة الموالي ، ويدفن عند شجرة التفاح ،
    في باغ « بستان » عبد الجبار بن عبد الوهاب ، وأشار إلى المكان الذي دفن فيه ،
    فذهب الرجل ليشترى الشجرة ومكانها من صاحبها فقال له : لأي شئ تطلب
    الشجرة ومكانها . فأخبر بالرؤيا ، فذكر صاحب الشجرة أنه كان رأى مثل هذه
    الرؤيا ، وأنه قد جعل موضع الشجرة مع جميع الباغ وقفاً على الشريف والشيعة
    يدفنون فيه . فمرض عبد العظيم ومات رحمه‌الله ، فلما جرد ليغسل وجد في جيبه



    رقعة فيها ذكر نسبه ، فإذا فيها : أنا أبو القاسم عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن
    الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام .
    أخبرنا أحمد بن علي بن نوح قال : حدثنا الحسن بن حمزة بن علي قال : حدثنا
    علي بن الفضل قال : حدثنا عبيد الله بن موسى الروياني أبو تراب قال : حدثنا
    عبد العظيم بن عبد الله ، بجميع رواياته » .
    5. لم يذكر الرواة لماذا طلبه السلطان ، ومتى قدم الى الري ، وقد ورد في رواية
    الشجري أن منزله كان بالري ، قال في أماليه « 1 / 177 » : « أخبرنا أبو أحمد عبيد الله
    بن الحسين بن إبراهيم العلوي ، قال حدثني أبي ، قال حدثنا عبد العظيم بن عبد
    الله الرازي في منزله بالري ، عن أبي جعفر محمد بن علي الرضي عن أبيه ... وفي
    رواية أخرى : حدثنا عبد العظيم بن عبد الله الحسني بالري » .
    وهذا يدل على أنه كان يسكن الري وله بيت يقصده الناس ويحدثهم ! ومن
    المرجح عندي أنه اضطر للإختفاء بعد فشل ثورة أحد العلويين في الري .
    ففي مقاتل الطالبيين / 406 : « لما وليَ المتوكل تفرق آل أبي طالب في النواحي ،
    فغلب الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن زيد على طبرستان ، ونواحي
    الديلم . وخرج بالري محمد بن جعفر بن الحسن بن عمر بن علي بن الحسين
    يدعو إلى الحسن بن زيد ، فأخذه عبد الله بن طاهر فحبسه بنيسابور ، فلم يزل في
    حبسه حتى هلك . حدثني بذلك أحمد بن سعيد ، قال : حدثني يحيى بن الحسن
    وأم محمد ابن جعفر رقية بنت عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي : وكان


    ممن خرج معه عبد الله بن إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن
    جعفر بن أبي طالب . ثم خرج من بعده بالري أحمد بن عيسى بن علي بن الحسين
    بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، يدعو إلى الحسين بن زيد .
    وخرج الكوكبي وهو الحسين بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله
    الأرقط بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب .
    ولهؤلاء أخبار قد ذكرناها في الكتاب الكبير ، لم يحتمل هذا الكتاب إعادتها
    لطولها ، ولأنا شرطنا ذكر خبر من قتل منهم دون من خرج فلم يقتل » .
    وفي مقاتل الطالبيين / 434 : « وقُتل بالري : جعفر بن محمد بن جعفر بن الحسن بن
    علي بن عمر بن علي بن الحسين ، في وقعة كانت بين أحمد بن عيسى بن علي بن
    الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وبين عبد الله بن عزيز ، عامل
    محمد بن طاهر بالري . وقتل إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن عبيد الله بن الحسن
    بن عبد الله بن العباس بن علي . وأمه أم ولد . قتله طاهر بن عبد الله في وقعة
    كانت بينه وبين الكوكبي بقزوين » .
    فلعل منزل عبد العظيم كان مركزاً لبعض هذه الثورات ، أو موجهاً لها ، وبعد فشل
    قائدها صار عبد العظيم مطلوباً للسلطة ، فاختفى عند أحد من يثق بهم من الشيعة .
    6. ذكر بعضهم أنه لم يكن لعبد العظيم الحسني عقب ، وذكر بعضهم له بنات ، قال
    ابن عنبة في عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب / 94 : « وأولد عبد العظيم محمد بن
    عبد العظيم كان زاهداً كبيراً . وانقرض محمد بن عبد العظيم ولا عقب له » .


    وذكر ابن عنبة ذرية من بنته سلمة ، قال في / 91 : « أمهم سلمة بنت عبد العظيم
    بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد » .
    وذكر له العمري أخاً إسمه أحمد ، قال في المجدي في أنساب الطالبين / 35 : « وأما
    أحمد فمن ولد السبيعي ، وهو أبو محمد القاسم وأمه أم ولد يقال لها مونس ،
    وأبوه الحسين نقيب الكوفة بن القاسم بن أحمد بن عبد الله بن علي بن الحسن بن
    زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب » . والذي تحته خط هو نسب عبد العظيم .
    6. أبوهاشم داود بن القاسم الجعفري :
    قال السيد الخوئي في معجمه « 8 / 122 » : « قال النجاشي : داود بن القاسم بن
    إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، أبوهاشم الجعفري رحمه‌الله : كان عظيم
    المنزلة عند الأئمة عليهم‌السلام ، شريف القدر ، ثقة ، روى أبوه عن أبي عبد الله عليه‌السلام .
    وقال الشيخ : داود بن القاسم الجعفري ، يكنى أبا هاشم ، من أهل بغداد ،
    جليل القدر عظيم المنزلة عند الأئمة عليهم‌السلام ، وقد شاهد جماعة منهم : الرضا
    والجواد والهادي والعسكري وصاحب الأمر ، وقد روى عنهم كلهم عليهم‌السلام .
    وله أخبار ومسائل ، وله شعر جيد فيهم ، وكان مقدماً عند السلطان ، وله
    كتاب أخبرنا به عدة من أصحابنا عن أبي المفضل ، عن ابن بطة ، عن أحمد بن أبي
    عبد الله عنه ... روى عن أبي الحسن عليه‌السلام وروى عنه سهل بن زياد ، كامل
    الزيارات : الباب 90 ، في أن الحائر من المواضع التي يحب الله أن يدعى فيها ..

    وعن ربيع الشيعة أنه من السفراء والأبواب المعروفين الذين لايختلف الشيعة
    القائلون بإمامة الحسن بن علي عليه‌السلام فيهم .
    روى الكليني في الكافي ... عن داود بن القاسم الجعفري قال : دخلت على أبي
    جعفر عليه‌السلام ومعي ثلاث رقاع غير معنونة واشتبهت عليَّ فاغتممت ، فتناول
    إحداها وقال : هذه رقعة زياد بن شبيب ، ثم تناول الثانية فقال : هذه رقعة فلان
    فبهتُّ أنا ، فنظر إليَّ فتبسم ، فقلت : جعلت فداك إني لمولع بأكل الطين ، فادع الله
    لي . فسكت ، ثم قال لي بعد ثلاثة أيام ابتداءً منه : يا أبا هاشم قد أذهب الله عنك
    أكل الطين . قال أبوهاشم : فما شئ أبغض إلي منه اليوم ... وكيف كان فلا
    إشكال في وثاقة الرجل وجلالته » .
    أقول : ترجمنا له في سيرة الإمام الجواد عليه‌السلام ، وذكرنا هنا في فصل الثوار العلويين
    مواجهته لحاكم بغداد ابن طاهر في سنة 250 ، عندما أراد صَلْبَ رأس الثائر يحيى
    بن عمر الزيدي ، فانتقده أبو هاشم وخرج مغضباً ، وهو يهددهم بانتقام الله :
    يا بني طاهرٍ كُلُوه وبِيًّا
    إنَّ لحم النبيِّ غَيْرُ مَرِيِّ

    إن وتراً يكون طالبه الله
    لوِتْرٌ بالفوْتِ غَيْرُ حَرِيِّ

    فخاف ابن طاهر : « وأمر محمد بن عبد الله حينئذ أخته ونسوة من حرمه
    بالشخوص إلى خراسان ، وقال : إن هذه الرؤس من قتلى أهل هذا البيت لم
    تدخل بيت قوم قط إلا خرجت منه النعمة وزالت عنه الدولة ، فتجهزن
    للخروج » ! « مقاتل الطالبيين / 423 ، والتفصيل في الطبري : 7 / 425 ، ومروج الذهب « 4 / 63 » .


    وكان أبوهاشم الجعفري رضي الله عنه من أصحاب الأئمة الإثني عشر عليهم‌السلام ولم
    يكن خطهم الثورة كالعلويين الثائرين من الزيديين وغيرهم ، ولكنهم كانوا
    يتضامنون مع الثائرين إذا فشلوا أو نُكبوا ، ويدافعون عنهم .
    هذا وقد ذكرنا في معجزات الإمام الهادي عليه‌السلام أن بيت أبي هاشم كان في بغداد وكان
    الإمام عليه‌السلام في سامراء ، فشكا اليه طول الطريق وطلب منه أن يدعو له أن يقويه على
    زيارته ، فقال الإمام عليه‌السلام : « قَوَّاكَ الله يا أبا هاشم وقَوَّى بِرْذَوْنَك . قال : فكان
    أبوهاشم يصلي الفجر ببغداد ويسير على البرذون ، فيدرك الزوال من يومه ذلك
    في عسكر سر من رأى ، ويعود من يومه إلى بغداد إذا سار على ذلك البرذون ،
    وكان هذا من أعجب الدلائل التي شوهدت » .
    أقول : المسافة من بغداد الى سامراء مئة وعشرون كيلو متراً ، فهي تحتاج الى نحو عشر
    ساعات على البغل السريع . وكان أبو هاشم بعد دعاء الإمام عليه‌السلام يقطعها في نحو خمس
    ساعات . وهذا ليس غريباً على دعاء الإمام عليه‌السلام وليس غريباً أن تطوى الأرض بدعائه عليه‌السلام !
    وفي مستدرك سفينة البحار « 5 / 228 » أن أبا هاشم الجعفري توفي سنة 261 ، بعد أن
    تشرف برؤية الإمام المهدي صلوات الله عليه .
    7. العالم اللغوي يعقوب بن السٍّكِّيت :
    كان من أصحاب الإمام الكاظم الرضا والجواد والهادي عليهم‌السلام وترجمنا له في أصحاب
    الإمام الجواد عليه‌السلام ونكتفي هنا ببعض النصوص :
    قال أبوالفدا في تاريخه « 2 / 40 » : « وفيها « سنة 245 » قَتَلَ المتوكل أبا يوسف يعقوب
    بن إِسحاق المعروف بابن السكيت ، صاحب كتاب إصلاح المنطق في اللغة


    وغيره ، وكان إماماً في اللغة والأدب ، قتله المتوكل لأنه قال له : أيمُّا أحب إليك :
    ابناي المعتز والمؤيد أم الحسن والحسين ؟ فغض ابن السكّيت من ابنيه وذكر عن
    الحسن والحسين ما هما أهله ، فأمر مماليكه فداسوا بطنه ، فحمل إلى داره فمات
    بعد غد ذلك اليوم . وقيل إن المتوكل لما سأل ابن السكيت عن ولديه وعن
    الحسن والحسين قال له ابن السكيت : والله إن قنبراً خادم علي خير منك ومن
    ولديك ! فقال المتوكل : سُلُّوا لسانه من قفاه ، ففعلوا به ذلك فمات لساعته ، في
    رجب في هذه السنة المذكورة ، وكان عمره ثمانياً وخمسين سنة » .
    ولايصح قوله عن عمر ابن السكيت ، لأنه كان شاباً سنة 183 ، عند شهادة الإمام
    الكاظم عليه‌السلام فلا بد أن يكون عمره عندما قتل في السبعينات أو الثمانينات .
    وقد أجمع المؤرخون على ذم المتوكل العباسي لقتله هذا العالم ظلماً ، وبغضاً لعلي
    وأهل البيت عليهم‌السلام . وترجموا لابن السكيت ومدحوه ، وذكروا أن مؤلفاته بلغت
    نحو ثلاثين مؤلفاً ، والذي وصلنا منها كتاب إصلاح المنطق فقط . راجع : مقدمة
    المعارف لابن قتيبة ، ووفيات الأعيان : 6 / 395 ، والنجوم الزاهرة 2 / 285 . وغيرها من المصادر .
    وقال ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب : 2 / 106 : « فأمر بسلِّ لسانه من قفاه
    رحمه الله ورضي عنه ، ويقال أنه حمل ديته إلى أولاده » !
    وقال النجاشي في رجاله / 449 : « يعقوب بن إسحاق السكيت ، أبو يوسف كان
    متقدماً عند أبي جعفر الثاني وأبي الحسن عليهما‌السلام ، وله عن أبي جعفر رواية ومسائل ، وقتله
    المتوكل لأجل التشيع ، وأمره مشهور ، وكان وجهاً في علم العربية واللغة ثقة صدوقاً
    لا يطعن عليه » .


    8. عبد الله بن جعفر الحميري :
    اتفق علماؤنا على توثيقه ، وأشهر مؤلفاته قرب الإسناد ، وأشهر مروياته
    التواقيع عن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ، ووثقه الطوسي في الفهرست / 168 ، وابن
    شهراشوب في معالم العلماء / 108 ، وذكرا بعض كتبه .
    وقال النجاشي في الرجال / 220 : « عبد الله بن جعفر بن الحسين بن مالك بن
    جامع الحميري .. شيخ القميين ووجههم ، قدم الكوفة سنة نيف وتسعين
    ومائتين ، وسمع أهلها منه فأكثروا ، وصنف كتباً كثيرة ، يعرف منها : كتاب
    الإمامة ، كتاب الدلائل ، كتاب العظمة والتوحيد ، كتاب الغيبة والحيرة ، كتاب
    فضل العرب ، كتاب التوحيد والبداء ، والإرادة والاستطاعة والمعرفة ، كتاب
    قرب الإسناد إلى الرضا عليه‌السلام ، وكتاب قرب الإسناد إلى أبي جعفر الجواد بن
    الرضا عليه‌السلام ، وكتاب ما بين هشام بن الحكم وهشام بن سالم ، والقياس ،
    والأرواح ، والجنة والنار ، وكتاب الحديثين المختلفين ، ومسائل الرجال
    ومكاتباتهم أبا الحسن الثالث عليه‌السلام ، ومسائل لأبي محمد الحسن عليه‌السلام على يد محمد
    بن عثمان العمري ، وكتاب قرب الإسناد إلى صاحب الأمر عليه‌السلام ، ومسائل أبي
    محمد وتوقيعاته ، وكتاب الطب » .
    قال الشبستري في أصحاب الإمام الهادي عليه‌السلام / 157 : « محدث إمامي ثقة ، مشارك
    في كثير من العلوم ، وله فيها تآليف نافعة ، كان من وجوه أهل قم وشيوخهم ،
    قدم الكوفة سنة نيف وتسعين ومائتين . صحب الإمامين الهادي والعسكري عليهما‌السلام


    جاء إسمه في 75 مورداً في أسناد الروايات . روى عنه أحمد بن محمد بن يحيى
    العطار ، ومحمد بن علي بن محبوب ، ومحمد بن الحسن بن الوليد وغيرهم » .
    وللحميري أولاد وأحفادٌ ، ساروا على خطه رحمه‌الله .
    9. الفضل بن شاذان :
    يوجد عدة أشخاص باسم الفضل بن شاذان ، بعضهم جده جبرئيل ، أو عيسى ،
    أو صيفي .. الخ . ومقصودنا الذي جده الخليل الفراهيدي رحمه‌الله .
    قال الزركلي في الأعلام « 5 / 149 » : « الفضل بن شاذان بن الخليل ، أبومحمد الأزدي
    النيسابوري : عالمٌ بالكلام ، من فقهاء الإمامية . له نحو 180 كتاباً ، منها الرد على
    ابن كرام ، والإيمان ، ومحنة الإسلام ، والرد على الدامغة الثنوية ، والرد على
    الغلاة ، والتوحيد ، والرد على الباطنية والقرامطة » .
    وفي معالم العلماء / 125 : « لقي علي بن محمد التقي عليه‌السلام . دخل الفضل على أبي
    محمد عليه‌السلام فلما أراد أن يخرج سقط منه كتاب من تصنيفه ، فتناوله أبومحمد عليه‌السلام
    ونظر فيه ، وترحم عليه ، وذُكر أنه قال : أغبطُ أهل خراسان مكانَ الفضل بن
    شاذان ، وكونه بين أظهرهم » .
    وقال الكشي « 2 / 818 » : « ذكر أبو الحسن محمد بن إسماعيل البندقي النيسابوري : أن
    الفضل بن شاذان بن الخليل ، نفاه عبد الله بن طاهر عن نيسابور ، بعد أن دعا به
    واستعلم كتبه وأمره أن يكتبها ، قال فكتب تحته : الإسلام الشهادتان وما يتلوهما .
    فذكر أنه يحب أن يقف على قوله في السلف . فقال أبومحمد : أتولى أبا بكر وأتبرؤ



    من عمر ! فقال له : ولم تتبرأ من عمر ؟ فقال : لإخراجه العباس من الشورى .
    فتخلص منه بذلك » .
    وفي معجم السيد الخوئي « 14 / 311 » : « سمعت الفضل بن شاذان آخر عهدي به
    يقول : أنا خلفٌ لمن مضى ، أدركتُ محمد بن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى
    وغيرهما ، وحملت عنهم منذ خمسين سنة . ومضى هشام بن الحكم رحمه‌الله ، وكان
    يونس بن عبد الرحمن رحمه‌الله خلفه ، كان يرد على المخالفين ، ثم مضى يونس بن عبد
    الرحمان ولم يخلف خلفاً غير السكاك ، فرد على المخالفين حتى مضى عليه‌السلام ، وأنا
    خلف لهم من بعدهم ، رحمهم الله ...
    قال أبو علي : والفضل بن شاذان كان برستاق بيهق ، فورد خبر الخوارج فهرب
    منهم ، فأصابه التعب من خشونة السفر ، فاعتل ومات منه ، فصليتُ عليه » .
    وقال الجلالي في فهرس التراث « 1 / 281 » : « زرتُ مرقده الشريف خارج مدينة
    نيشابور ، على مقربة من قبر خَيَّام ، وله سورٌ ولوحٌ فيه إسمه ، وتبركتُ بقراءة
    الفاتحة على روحه الطاهرة ، وقد قصدتُ مرقده لثواب الآخرة ، والناس
    يقصدون خيَّام للدنيا ! وما أقربهما مرقداً وأبعدهما روحاً !
    من آثاره : إثبات الرجعة : نسخة محفوظة في مكتبة السيد الحكيم قدس‌سره في النجف
    وعليها بخط الحر العاملي » .
    أقول : ذكر في الذريعة نسخ كتبه . وأعجبها كتابه الرجعة والغيبة ، فقد ألفه قبل
    ولادة الإمام المهدي عليه‌السلام من أحاديث أجداده عن غيبته وظهوره والرجعة بعده !

    10 . أحمد بن إسحاق الأشعري :
    قال الشيخ الطوسي في الفهرست / 70 : « أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن
    سعد بن مالك بن الأحوص ، الأشعري ، أبو علي ، كبير القدر ، وكان من خواص أبي
    محمد عليه‌السلام ، ورأى صاحب الزمان عليه‌السلام وهو شيخ القميين ووافدهم .
    وله كتب ، منها كتاب علل الصلاة ، كبير ، ومسائل الرجال لأبي الحسن
    الثالث عليه‌السلام . أخبرنا بهما الحسين بن عبيد الله ، وابن أبي جيد ، عن أحمد بن محمد
    بن يحيى العطار ، عن سعد بن عبد الله ، عنه » .
    أقول : هاجر جده الأحوص مع أخيه عبد الله ، وجماعة من عشيرتهم من الكوفة
    في زمن الإمام زين العابدين عليه‌السلام ، وأسسوا قماً ، وسرعان ما صارت مركزاً
    علمياً ، وحاضرةً مواليةً لأهل البيت عليهم‌السلام . وقد مدح الأئمة عليهم‌السلام الأشعريين
    القميين ، ونبغ منهم رواة كبار وعلماء أبرار .
    وعده النجاشي وأباه في مصنفي الشيعة ، قال / 73 و 91 : « إسحاق بن عبد الله بن
    سعد بن مالك الأشعري ، قمي ثقة ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام .
    وابنه أحمد بن إسحاق مشهور .. وكان وافد القميين ، وروى عن أبي جعفر الثاني
    وأبي الحسن عليهما‌السلام وكان خاصة أبي محمد عليه‌السلام » .
    قال السيد الخوئي في رجاله « 2 / 54 ، و 48 » : « أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن
    سعد = أحمد بن إسحاق بن سعد = أحمد بن إسحاق القمي .


    عده الشيخ في أصحاب الجواد عليه‌السلام ، وفي أصحاب أبي محمد العسكري عليه‌السلام
    قائلاً : أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري ، قمي ثقة .
    وقع بهذا العنوان ، في إسناد عدة من الروايات ، تبلغ سبعة وستين مورداً ، فقد
    روى عن أبي الحسن ، وأبي الحسن الثالث ، وأبي محمد عليهم‌السلام ، وأبي هاشم الجعفري ،
    وبكر بن محمد الأزدي ، وسعدان بن مسلم ، وسعدان عبد الرحمان ، وياسر
    الخادم . وروى عنه : أبو علي الأشعري ، وأحمد بن إدريس ، وأحمد بن علي ،
    وأحمد بن محمد بن عيسى ، والحسين بن محمد الأشعري ، وعبد الله بن عامر .. » .
    في الغيبة للطوسي / 354 : « أحمد بن إسحاق بن سعد القمي قال : دخلت على أبي
    الحسن علي بن محمد صلوات الله عليه في يوم من الأيام فقلت : يا سيدي أنا
    أغيب وأشهد ، ولا يتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت ، فقولَ من
    نقبل ، وأمر من نمتثل ؟ فقال لي صلوات الله عليه : هذا أبو عمرو الثقة الأمين ما
    قاله لكم فعني يقوله وما أداه إليكم فعني يؤديه . فلما مضى أبو الحسن عليه‌السلام
    وصلت إلى أبي محمد ابنه الحسن العسكري عليه‌السلام ذات يوم فقلت له عليه‌السلام مثل قولي
    لأبيه ، فقال لي : هذا أبو عمرو الثقة الأمين ، ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات
    فما قاله لكم فعني يقوله ، وما أدى إليكم فعني يؤديه .
    قال أبو محمد هارون : قال أبو علي : قال أبو العباس الحميري : فكنا كثيراً ما
    نتذاكر هذا القول ، ونتواصف جلالة محل أبي عمرو » .

    وروى الكشي « 2 / 831 » : « كتب محمد بن أحمد بن الصلت القمي الآبي أبو علي
    إلى الدار كتاباً ذكر فيه قصة أحمد بن إسحاق القمي وصحبته ، وأنه يريد الحج
    واحتاج إلى ألف دينار ، فإن رأى سيدي أن يأمر باقراضه إياه ، ويُسترجع منه في
    البلد إذا انصرفنا فافعل . فوقع عليه‌السلام : هي له منا صلة ، وإذا رجع فله عندنا
    سواها ، وكان أحمد لضعفه لايطمع نفسه في أن يبلغ الكوفة ، وفي هذه من
    الدلالة » . أي دلالةٌ على أنه يرجع من الحج سالماً ، وكان تقدم به العمر رحمه‌الله .
    وفي دلائل الإمامة / 503 : « وكان أحمد بن إسحاق القمي الأشعري رضي الله عنه
    الشيخ الصدوق ، وكيل أبي محمد عليه‌السلام ، فلما مضى أبو محمد عليه‌السلام إلى كرامة الله عز
    وجل أقام على وكالته مع مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه ، تخرج إليه
    توقيعاته ، ويحمل إليه الأموال من سائر النواحي التي فيها موالي مولانا
    فيتسلمها ، إلى أن استأذن في المصير إلى قم فخرج الإذن بالمضي ، وذكر أنه لايبلغ
    إلى قم ، وأنه يمرض ويموت في الطريق ، فمرض بحلوان ومات ودفن بها ،
    رضي الله عنه » .
    وقال الكشي « 2 / 831 » : « كتب أبو عبد الله البلخي إليَّ يذكر عن الحسين بن روح
    القمي أن أحمد بن إسحاق كتب إليه يستأذنه في الحج : فأذن له ، وبعث إليه بثوب
    فقال أحمد بن إسحاق : نعى إلي نفسي ، فانصرف من الحج فمات بحلوان .
    أحمد بن إسحاق بن سعد القمي عاش بعد وفاة أبي محمد عليه‌السلام ، وأتيت بهذا
    الخبر ليكون أصح لصلاحه وما ختم له به » .


    أقول : روى أحمد بن إسحاق الأشعري رحمه‌الله عن الإمام الرضا عليه‌السلام وتوفي بعد الإمام
    العسكري عليه‌السلام ، ورأى من الأئمة خمسة : الرضا والجواد والهادي والعسكري والمهدي
    عليهم‌السلام . وأكبر دوره رحمه‌الله مع الإمام العسكري والمهدي عليهما‌السلام ، فستأتي ترجمته هناك .
    * *

    الفصل السادس عشر :
    شهادة الإمام الهادي عليه‌السلام
    شهادته عليه‌السلام بيد المعتز وليس المعتمد
    كانت شهادة الإمام الهادي عليه‌السلام بيد الخليفة العباسي المعتز . وقد نسبت روايةٌ
    سُمَّهُ الى المعتمد ، ولعل ذلك بسبب أن المعتمد نَفَّذَ أمر أخيه المعتز ، أو جاء إسمه
    تصحيفاً . والمعتز هو الزبير بن المتوكل ، ويعرف بابن قبيحة . والمعتمد أخوه
    أحمد بن المتوكل ، ويعرف بابن فتيان ، إسم أمه أيضاً .
    قال المسعودي في مروج الذهب « 4 / 84 » : « كانت وفاة أبي الحسن علي بن محمد بن
    علي بن موسى بن جعفر بن محمد في خلافة المعتز بالله ، وذلك في يوم الإثنين
    لأربع بقين من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين ومائتين ، وهو ابن أربعين سنة ،
    وقيل ابن اثنتين وأربعين سنة ، وقيل أكثر من ذلك ، وسمع في جنازته جارية
    تقول : ما ذا لقينا في يوم الإثنين قديماً وحديثاً ! وصلى عليه أحمد بن المتوكل
    « المعتمد » على الله ، في شارع أبي أحمد ، وفي داره بسامرا ، ودفن هناك » .
    وفي تاريخ اليعقوبي « 2 / 500 » : « وتوفي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر
    بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، بسر من رأى ، يوم الأربعاء
    لثلاث بقين من جمادى الآخرة سنة 254 ، وبعث المعتز بأخيه أحمد بن المتوكل ،
    فصلى عليه في الشارع المعروف بشارع أبي أحمد ، فلما كثر الناس واجتمعوا كثر



    بكاؤهم وضجتهم ، فرُدَّ النعشُ إلى داره فدفن فيها ، وسنهُ أربعون سنة ،
    وخلَّفَ من الولد الذكور اثنين : الحسن ، وجعفر » .
    وفي دلائل الإمامة / 409 : « كانت سِنُوُّ إمامته بقية ملك الواثق ، ثم ملك المتوكل ،
    ثم أحمد المستعين ، ثم ملك المعتز ، وفي آخر ملكه استشهد ولي الله ، وقد كمل
    عمره أربعون سنة ، وذلك في يوم الإثنين لثلاث خلون من رجب سنة خمسين
    ومائتين من الهجرة ، مسموماً ، ويقال إنه قبض الإثنين لثلاث خلون من شهر
    رجب سنة أربع وخمسين ومائتين من الهجرة . ويقال يوم الإثنين لخمس ليال
    خلون من جمادى سنة أربع وخمسين ومائتين . ودفن بسر من رأى في داره » .
    وفي إعلام الورى « 2 / 109 » : « وكانت في أيام إمامته عليه‌السلام بقية ملك المعتصم ، ثم
    ملك الواثق خمس سنين وسبعة أشهر ، ثم ملك المتوكل أربع عشرة سنة ، ثم
    ملك ابنه المنتصر ستة أشهر ، ثم ملك المستعين وهو أحمد بن محمد بن المعتصم ،
    سنتين وتسعة أشهر ، ثم ملك المعتز وهو الزبير بن المتوكل ثماني سنين وستة أشهر
    وفي آخر ملكه استشهد ولي الله علي بن محمد عليه‌السلام ودفن في داره بسر من رأى » .
    وقال ابن الجوزي في تذكرة الخواص « 1 / 324 » : « وكان سنه يوم مات أربعين سنة .
    وكانت وفاته في أيام المعتز بالله ، ودفن بسر من رأى ، وقيل إنه مات مسموماً » .
    وقال الخطيب في تاريخ بغداد « 12 / 56 » : « أشخصه جعفر المتوكل على الله من
    مدينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى بغداد ، ثم الى سر من رأى ، فقدمها وأقام بها عشرين
    سنة وتسعة أشهر ، الى أن توفي ودفن بها في أيام المعتز بالله » .

    وقال ابن شهر آشوب « 3 / 505 » : « وألقابه : النجيب ، المرتضى ، الهادي ، النقي ،
    العالم ، الفقيه ، الأمين ، المؤتمن ، الطيب ، المتوكل ، العسكري .
    ويقال له : أبوالحسن الثالث ، والفقيه العسكري . وكان أطيب الناس بهجة ،
    وأصدقهم لهجة ، وأملحهم من قريب ، وأكملهم من بعيد ، إذا صمت علته
    هيبة الوقار ، وإذا تكلم سماه البهاء ، وهومن بيت الرسالة والإمامة ، ومقر
    الوصية والخلافة ، شعبة من دوحة النبوة منتضاةٌ مرتضاهْ . وثمرةٌ من شجرة
    الرسالة مجتناةٌ مجتباهْ . ولد بصرياء من المدينة للنصف من ذي الحجة سنة اثنتي
    عشرة ومائتين .. وقبض بسر من رأى الثالث من رجب سنة أربع وخمسين
    ومائتين .. وليس عنده إلا ابنه أبومحمد ، وله يومئذ أربعون سنة ، وقيل واحد
    وأربعون وسبعة أشهر . ومدة مقامه بسر من رأى عشرون سنة ، وتوفي فيها .
    وقبره في داره . وكان في سني إمامته بقية ملك المعتصم ، ثم الواثق ، والمتوكل ،
    والمنتصر ، والمستعين ، والمعتز . وفي آخر ملك المعتز استشهد مسموماً ..
    وأولاده : الحسن الإمام ، والحسين ، ومحمد ، وجعفر الكذاب ، وابنته علية .
    بوابه : محمد بن عثمان العمري . ومن ثقاته : أحمد بن حمزة بن اليسع ، وصالح بن
    محمد الهمداني ، ومحمد بن جزك الجمال ، ويعقوب بن يزيد الكاتب ، وأبوالحسين
    بن هلال ، وإبراهيم بن إسحاق ، وخيران الخادم ، والنضر بن محمد الهمداني .
    ومن وكلائه : جعفر بن سهيل الصيقل . ومن أصحابه : داود بن زيد ، وأبوسليم
    زنكان ، والحسين بن محمد المدائني ، وأحمد بن إسماعيل بن يقطين ، وبشر بن



    بشار النيسابوري الشاذاني ، وسليمان بن جعفر المروزي ، والفتح بن يزيد
    الجرجاني ، ومحمد بن سعيد بن كلثوم وكان متكلماً ، ومعاوية بن حكيم الكوفي ،
    وعلي بن معد بن محمد البغدادي ، وأبوالحسن بن رجا العبرتائي .
    ورواة النص عليه جماعة منهم : إسماعيل بن مهران ، وأبوجعفر الأشعري ،
    والخيراني . والدليل على إمامته : إجماع الإمامية على ذلك ، وطريق النصوص
    والعصمة ، والطريقان المختلفان من العامة والخاصة ، من نص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على
    إمامة الاثني عشر ، وطريق الشيعة النصوص على إمامته عن آبائه عليهم‌السلام » .
    مراسم جنازة الإمام عليه‌السلام
    في الهداية الكبرى / 248 : « الحسين بن حمدان قال : حدثني أبوالحسين بن يحيى
    الخرقي ، وأبومحمد جعفر بن إسماعيل الحسني ، والعباس بن أحمد ، وأحمد بن
    سندولا ، وأحمد بن صالح ، ومحمد بن منصور الخراساني ، والحسن بن مسعود
    الفزاري ، وعيسى بن مهدي الجوهري الجنبلاني ، والحسين بن غياث الجنبلاني ،
    وأحمد بن حسان العجلي الفزاري ، وعبد الحميد بن محمد السراج ، جميعاً في
    مجالس شتى : أنهم حضروا وقت وفاة أبي الحسن بن محمد بن علي بن موسى بن
    جعفر الصادق صلوات الله عليهم ، والصلاة بسر من رأى ، فإن السلطان لما
    عرف خبر وفاته أمر سائر أهل المدينة بالركوب إلى جنازته ، وأن يحمل إلى دار
    السلطان حتى يصلي عليه ، وحضرت الشيعة وتكلموا وقال علماؤهم : اليوم يَبِينُ
    فضل سيدنا أبي محمد الحسن بن علي على أخيه جعفر ، ونرى خروجهما مع


    النعش . قالوا جميعاً : فلما خرج النعش وعليه أبو الحسن ، خرج أبومحمد حافي
    القدم مكشوف الرأس ، محلل الإزرار خلف النعش ، مشقوق الجيب مُخْضَلَّ
    اللحية بدموع على عينيه ، يمشي راجلاً خلف النعش ، مرةً عن يمين النعش
    ومرةً عن شمال النعش ، ولا يتقدم النعش .
    وخرج جعفر أخوه خلف النعش بدراريع يسحب ذيولها ، معتمٌّ محبتكُ الإزار
    ، طلق الوجه ، على حمار يماني ، يتقدم النعش . فلما نظر إليه أهل الدولة وكبراء
    الناس والشيعة ، ورأوا زي أبي محمد وفعله ، ترجل الناس وخلعوا أخفافهم ،
    وكشفوا عمائمهم ، ومنهم من شق جيبه ، وحل إزاره ، ولم يمش بالخفاف من
    الأمراء وأولياء السلطان أحد ، فأكثروا اللعن والسب لجعفر الكذاب ، وركوبه
    وخلافه على أخيه ...
    لما تلا النعش إلى دار السلطان سبق بالخبر إليه ، فأمر بأن يوضع على ساحة
    الدار على مصطبة عالية كانت على باب الديوان ، وأمر أحمد بن فتيان وهو
    المعتمد بالخروج إليه والصلاة عليه ، وأقام السلطان في داره للصلاة عليه إلى
    صلاة العامة ، وأمر السلطان بالإعلان والتكبير ، وخرج المعتمد بخف وعمامة
    ودراريع فصلى عليه خمس تكبيرات ، وصلى السلطان بصلاتهم ..
    وبقي الإمام أبومحمد الحسن بن علي عليه‌السلام ثلاثة أيام مردود الأبواب ، يُسمع من
    داره القراءة والتسبيح والبكاء ، ولا يؤكل في الدار إلا خبز الخشكار والملح ،
    ويشرب الشربات . وجعفر بغير هذه الصفة ، ويفعل ما يقبح ذكره من الأفعال .


    قالوا جميعاً : وسمعنا الناس يقولون : هكذا كنا نحن جميعاً نعلم ما عند سيدنا
    أبي محمد الحسن من شق جيبه . قالوا جميعاً : فخرج توقيع منه عليه‌السلام في اليوم الرابع
    من المصيبة . بسم الله الرحمن الرحيم . أما بعد فممن شق جيبه على الذرية :
    يعقوب على يوسف حزناً . قال : يا أسفي على يوسف ، فإنه قَدَّ جيبه فشقه » .
    وفي الهداية الكبرى / 383 : « حدثني أبو الحسن علي بن بلال وجماعة من إخواننا :
    أنه لما كان في اليوم الرابع من زيارة سيدنا أبي الحسن عليه‌السلام أمر المعتز بأن ينفذ إلى
    أبي محمد من يستركبه إلى المعتز ليعزيه ويسليه ، فركب أبو محمد إلى المعتز ، فلما
    دخل عليه رحب به وعزاه وأمر فرتب بمرتبة أبيه عليه‌السلام وأثبت له رزقه وزاد فيه ،
    فكان الذي يراه لا يشك إلا أنه في صورة أبيه عليه‌السلام ، واجتمعت الشيعة كلها من
    المهتدين على أبي محمد بعد أبيه ، إلا أصحاب فارس بن ماهَوَيْه ، فإنهم قالوا
    بإمامة جعفر بن علي العسكري عليه‌السلام » .
    وفي إثبات الوصية للمسعودى « 1 / 242 » : « واعتل أبوالحسن علته التي مضى فيها
    صلى الله عليه في سنة أربع وخمسين ومائتين ، فأحضر أبا محمد ابنه عليه‌السلام فسلم إليه
    النور والحكمة ومواريث الأنبياء عليهم‌السلام والسلاح ، وأوصى إليه ، ومضى صلى الله
    عليه ، وَسِنُّه أربعون سنة .
    وكان مولده في رجب سنة أربع عشرة ومائتين من الهجرة ، فأقام مع أبيه عليهما‌السلام
    نحو سبع سنين ، وأقام منفرداً بالإمامة ثلاث وثلاثين سنة وشهوراً .

    وحدثنا جماعة كل واحد منهم يحكي أنه دخل الدار ، وقد اجتمع فيها جملة بني
    هاشم من الطالبيين والعباسيين ، واجتمع خلق من الشيعة ، ولم يكن ظهر
    عندهم أمر أبي محمد عليه‌السلام ولا عرف خبره إلا الثقات الذين نص أبوالحسن
    عندهم عليه ، فحكوا أنهم كانوا في مصيبة وحيرة ، فهم في ذلك إذْ خرج من
    الدار الداخلة خادمٌ فصاح بخادم آخر : يا رَيَّاشُ خذ هذه الرقعة وامض بها الى
    دار أمير المؤمنين وأعطها الى فلان وقل له : هذه رقعة الحسن بن علي . فاستشرف
    الناس لذلك ، ثم فتح من صدر الرواق بابٌ وخرج خادمٌ أسود ، ثم خرج بعده
    أبومحمد عليه‌السلام حاسراً مكشوف الرأس ، مشقوق الثياب ، وعليه مبطنة بيضاء ،
    وكان وجهه وجه أبيه عليه‌السلام لا يخطئ منه شيئاً ، وكان في الدار أولاد المتوكل
    وبعضهم ولاة العهود ، فلم يبق أحد إلا قام على رجله ، ووثب إليه أبومحمد
    الموفق فقصده أبومحمد عليه‌السلام فعانقه ثم قال له : مرحباً بابن العم . وجلس بين بابي
    الرواق ، والناس كلهم بين يديه .
    وكانت الدار كالسوق بالأحاديث ، فلما خرج وجلس أمسك الناس ، فما كنا
    نسمع شيئاً إلا العطسة والسعلة ، وخرجت جارية تندب أبا الحسن عليه‌السلام فقال
    أبومحمد : ما هاهنا من يكفي مؤونة هذه الجاهلة ؟ فبادر الشيعة إليها ، فدخلت
    الدار ، ثم خرج خادم فوقف بحذاء أبي محمد عليه‌السلام فنهض صلى الله عليه
    وأخرجت الجنازة ، وخرج يمشي حتى أخرج بها الى الشارع الذي بازاء دار



    موسى بن بقا ، وقد كان أبومحمد صلى عليه قبل أن يخرج الى الناس ، وصلى عليه
    لما أخرج المعتمد ، ثم دفن في دار من دوره .
    واشتد الحر على أبي محمد عليه‌السلام وضغطه الناس في طريقه ومنصرفه من الشارع
    بعد الصلاة عليه ، فصار في طريقه الى دكان بقال رآه مرشوشاً « مصطبة » فسلم
    واستأذنه في الجلوس فأذن له وجلس ، ووقف الناس حوله . فبينا نحن كذلك
    إذ أتاه شابٌّ حسن الوجه نظيف الكسوة ، على بغلة شهباء على سرج ببرذون
    أبيض ، قد نزل عنه فسأله أن يركبه ، فركب حتى أتى الدار ونزل .
    وخرج في تلك العشية الى الناس ، ما كان يَخْرِمُ عن أبي الحسن عليه‌السلام حتى لم يفقدوا
    منه إلا الشخص . وتكلمت الشيعة في شق ثيابه وقال بعضهم : هل رأيتم أحداً
    من الأئمة شق ثوبه في مثل هذه الحال ؟فوقَّعَ الى من قال ذلك : يا أحمق ما يدريك
    ما هذا ، قد شق موسى على هرون . وقام أبومحمد الحسن بن علي مقام أبيه عليهما‌السلام » .
    ملاحظات على شهادة الإمام عليه‌السلام ومراسم جنازته
    1. شاء الله عز وجل أن يحفظ الإمام الهادي عليه‌السلام من المتوكل ، وأفشل محاولاته
    لقتل الإمام عليه‌السلام . وأن يُقِرَّ عين وليه الإمام الهادي عليه‌السلام فيريه نهاية عدوه المتوكل
    فسلط عليه غلمانه الأتراك ، فقتلوه وهو سكران ذاهب العقل !
    كما شاء عز وجل أن تكون شهادة الإمام عليه‌السلام بيد المعتز ، وهو الزبير بن المتوكل
    وكانت أمه جميلة جداً فسماها المتوكل قبيحة لإبعاد الحسد عنها ، وقد جمعت
    ثروةً طائلة لكنها بخلت أن تنقذ ابنها من القتل ! وقد صح الحديث بأنه لايقتل


    الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام إلا أولاد الحرام ، فقد سئل الصادق عليه‌السلام عن قوله تعالى :
    وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ .. فقيل له : من كان يمنعه ؟ قال : منعه أنه
    كان لرَشْدَةٍ ، لأن الأنبياء والحجج لايقتلهم إلا أولاد زنا ! « كامل الزيارات / 163 » .
    2. كانت شهادة الإمام عليه‌السلام بعد حرب استمرت سنة بين سامراء وبغداد ، من
    محرم 251 الى 252 ، بين خليفتين هما : المعتز والمستعين « الطبري : 7 / 445 » وحكم المعتز
    بعدها نحو ثلاث سنين الى سنة 255 ، وأقدم على قتل الإمام عليه‌السلام في رجب في سنة
    254 ، ثم ثار عليه الأتراك وقتلوه في السنة التالية 255 ، ونصبوا المهتدي .
    فمن هو المستفيد من قتل الإمام الهادي عليه‌السلام ، ومن الذي خطط لقتله ؟
    الأمر المرجح أن المخطِّط والمنفِّذ هو المعتز ، فقد قتل المستعين مع أنه خلع نفسه
    وبايعه ، ولعله كان يخاف من تفاقم الثورات العلوية ، وأن يرفع ثائر منها إسم
    الإمام عليه‌السلام فينجذب الناس الى بيعته ويبايعوه !
    3. أمر المعتز أخاه المعتمد أن يقيم للإمام عليه‌السلام تشييعاً كبيراً ، وأن تحمل جنازته
    الى دار الخلافة ليصلي عليها ، قال في الهداية / 248 : « فإن السلطان لما عرف خبر
    وفاته ، أمر سائر أهل المدينة بالركوب إلى جنازته ، وأن يُحمل إلى دار السلطان
    حتى يصلي عليه » . فصلوا عليه في دار الخليفة ، ثم صلوا عليه في شارع كبير ، ثم
    صلوا عليه في داره ودفنوه حيث أوصى . « مروج الذهب : 4 / 84 ، واليعقوبي : 2 / 500 » .
    4. كانت سياسة السلطة القرشية دائماً المبالغة في تشييع الإمام من العترة
    الطاهرة عليهم‌السلام ، ولهم في ذلك أغراض ، أولها أن يبعدوا عن أنفسهم جريمة قتله !



    بل كانوا يحرصون على الكشف الطبي على جنازته ، وإشهاد كبار القضاة
    والشهود بأن بدنه سالمٌ وأنه مات حتف أنفه ! حتى لايطالب بنو هاشم بدمه .
    واستعملوا هذا الأسلوب مع خلفائهم الذين قتلوهم ، فكانوا يقتلون الخليفة
    بالتعذيب أو عصر خصيتيه ، ثم يأتون بالشهود فيشهدون أنه مات حتف أنفه !
    قال في معالم الخلافة « 3 / 371 » : « لما وليَ المعتز لم يمض إلا مدة حتى أُحضر الناس
    وأخرج المؤيد فقيل : إشهدوا أنه دعي فأجاب وليس به أثر !
    ثم مضت أشهر فأحضر الناس وأخرج المستعين ، فقال : إن منيته أتت عليه وها
    هو لا أثر فيه ، فأشهدوا !
    ثم مضت مُدَيْدَة واستخلف المهتدي فأخرج المعتز ميتاً وقيل : إشهدوا أنه قد
    مات حتف أنفه ولا أثر به ! ثم لم تكمل السنة حتى استخلف المعتمد فأخرج
    المهتدي ميتاً وقيل : إشهدوا أنه قد مات حتف أنفه من جراحته » !
    لكنهم كانوا يسلمون جنازة الخليفة الى أقاربه ، ولايهتمون بالصلاة عليه
    وتشييعه ، لأنه ليس له جماهير محبة كالإمام عليه‌السلام ليكسبها لخليفة الجديد بذلك !
    5. يتضح من أخبار تشييع الإمام عليه‌السلام ودفنه ، أنهم كانوا يهتمون بالتشييع
    والصلاة على الجنازة والدفن . وفي اليوم الثاني يجلس أهل الميت لقبول التعزية .
    ففي الهداية / 249 : « وبقي الإمام أبومحمد الحسن بن علي عليهما‌السلام ثلاثة أيام مردود
    الأبواب ، يُسمع من داره القراءة والتسبيح والبكاء ، ولا يؤكل في الدار إلا خبز
    الخشكار والملح .. قالوا جميعاً : فخرج توقيع منه عليه‌السلام في اليوم الرابع من المصيبة .


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني   الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyالثلاثاء أكتوبر 29, 2024 10:37 pm

    بسم الله الرحمن الرحيم . أما بعد فممن شق جيبه على الذرية : يعقوب على
    يوسف حزناً . قال : يا أسفي على يوسف ، فإنه قَدَّ جيبه فشقه » .
    6. اشترى النبي وعترته الطاهرون صلوات الله عليهم ، محال قبورهم الشريفة
    على سنة أبيهم إبراهيم عليه‌السلام ، فقد نصت التوراة ومصادرنا على أنه اشترى مكان
    قبره في الخليل من عفرون الحثي ، وكان مزرعة فيها الغار الذي دفن فيه هو
    وأسرته عليهم‌السلام . واشترى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مكان مسجدة وبيوته وقبره الشريف ، عندما
    بركت قربه الناقة : « وسأل عن المربد فأخبر أنه لسهل وسهيل يتيمين لمعاذ بن
    عفراء ، فأرضاهما معاذ » . « مناقب آل أبي طالب : 1 / 160 » .
    واشترى الإمام الهادي عليه‌السلام داره في سامراء ، ثم اشترى دوراً ضمها اليها .
    قال في تاريخ بغداد « 12 / 57 » : « وفي هذه السنة ، يعني سنة أربع وخمسين
    ومائتين ، توفي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن
    الحسين بن علي بن أبي طالب بسر من رأى ، في داره التي ابتاعها من دليل بن
    يعقوب النصراني » .
    وفي إثبات الوصية للمسعودي « 1 / 243 » : « وقد كان أبو محمد صلى عليه قبل أن
    يخرج الى الناس ، وصلى عليه لما أخرجه المعتمد ، ثم دفن في دار من دوره » .
    فهو يدل على أنها كانت دورٌ متعددة متصلة ببعضها ، وتدل عليه نصوص كثيرة
    وصفت دار أبي الحسن الهادي وأبي محمد العسكري عليهما‌السلام .
    منها ما رواه في الإرشاد « 2 / 317 » يصف ساحة إحداها ولعلها الدار الأساسية :
    « عن سعد بن عبد الله عن جماعة من بني هاشم منهم الحسن بن الحسين الأفطس



    أنهم حضروا يوم توفي محمد بن علي بن محمد دار أبي الحسن عليه‌السلام وقد بسط له في
    صحن داره والناس جلوس حوله ، فقالوا قدرنا أن يكون حوله من آل أبي
    طالب وبني العباس وقريش مائة وخمسون رجلاً سوى مواليه وسائر الناس » .
    ومنها قول الخادم كما في الكافي « 1 / 329 » : « وكنت أدخل عليهم من غير إذن إذا
    كان في دار الرجال ، قال : فدخلت عليه يوماً وهو في دار الرجال » .
    شاعران من أصحاب الإمام عليه‌السلام رثياه
    أبو الغوث المنبجي الطهوي :
    قال ابن عياش الجوهري في مقتضب الأثر / 50 : « وأنشدني أبو منصور عبد المنعم
    بن النعمان العبادي قال : أنشدني الحسن بن مسلم الوهبي أن أبا الغوث الطهوي
    المنبجي شاعر آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أنشده بعسكر سر من رأى . قال الوهبي : وإسم أبي
    الغوث أسلم بن مهوز من أهل منبج . وكان البحتري يمدح الملوك ، وهذا
    يمدح آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان البحتري أبو عبادة ينشد هذه القصيدة لأبي الغوث :
    وَلِهْتُ إلى رُؤياكم وَلَهَ الصَّادي
    يُذادُ عن الورد الرَّوِيِّ بِذَوَّادِ

    مُحَلَّىً عن الورد اللذيذِ مساغُهُ
    إذا طافَ وُرَّادٌ به بعدَ ُوَّراد

    فأعملت فيكم كل هوجاء جسرةٍ
    ذمولِ السُّرَى تَقتاد في كل مُقتاد

    أجوبُ بها بيدَ الفَلا وتجوبُ بي
    إليكَ ومالي غيرَ ذكركَ من زاد

    فلما تراءتْ سُرَّ من رَا تَجَشَّمَتْ
    إليك فَعَوْمُ الماء في مُفْعِمِ الوادي

    فأدَّت إلينا تشتكي ألمَ السرى
    فقلت اقصري فالعزمُ ليسَ بميَّاد

    إذا ما بلغتِ الصادقينَ بني الرضا
    فحسبُك من هادٍ يُشيرُ إلى هاد



    مقاويلُ إن قالوا بهاليلُ إن دُعوا
    وُفَاةٌ بميعاد كُفَاةٌ لمرتاد

    إذا أوعدوا أعْفَوْا وإن وعدوا وَفَوْا
    فهم أهل فضلٍ عند وعدٍ وإيعاد

    كرامٌ إذا ما أنفقوا المالَ أنفدوا
    وليس لعلمٍ أنفقوهُ بإنفاد

    ينابيعُ علم الله أطوادُ دينه
    فهل من نفادٍ إن علمتَ لأطواد

    نجومٌ متى نجمٌ خَبَا مثلُهُ بَدا
    فصلى على الخابي المهمينُ والبادي

    عبادٌ لمولاهم موالي عبادِه
    شهودٌ عليهم يومَ حشر وإشهاد

    هم حججُ الله اثنتي عشرةٍ متى
    عددتَ فثاني عشرهم خَلَفُ الهادي

    بميلاده الأنباءُ جاءتْ شهيرةً
    فأعظمْ بمولودٍ وأكرمْ بميلاد

    وقال ابن عياش : وهي طويلة كتبنا منها موضع الحاجة إلى الشاهد » .
    محمد بن إسماعيل بن صالح الصيمري :
    وروى ابن عياش الجوهري في مقتضب الأثر / 53 : أن محمد بن إسماعيل بن صالح
    الصيمري ، وهو من أصحاب الإمام الهادي عليه‌السلام قال عند مرض الإمام عليه‌السلام :
    مَادت الأرضُ بي وآذتْ
    فؤادي واعترتني مواردُ العَرْوَاء

    حينَ قيل الإمامُ نِضْوٌ عليلٌ
    قلتُ نفسي فدتهُ كلَّ الفداء

    مرضَ الدينُ لاعتلالك واعتلَّ
    وغارت لهُ نجومُ السماء

    عجباً إن مُنيت بالداء والسقم
    وأنت الإمامُ حسمُ الداء

    وأنت أسى الأدواء في الدين
    والدنيا ومُحْي الأموات والأحياء

    وقال بعد شهادته يرثيه ويعزي ابنه أبا محمد عليهما‌السلام أولها :
    الأرض حزناً زلزلتْ زلزالها
    وأخرجتْ من جزعٍ أثقالها

    ثم عدد الأئمة وتكملتهم بالخلف المهدي عليهم‌السلام وذلك قبل ميلاده :
    عشرُ نجوم أفَلَتْ في فُلكها
    ويُطلع الله لنا أمثالها



    بالحسن الهادي أبي محمد
    تُدْرِكُ أشياعُ الهدى آمالها

    وبعده من يرتجى طلوعُهُ
    يَظل جوابَ الفلا جزَّالها

    ذو الغيبة الطولى وبالحق التي
    لا يقبل الله من استطالها

    يا حجج الرحمن إحدى عشرةٍ
    آلف بثاني عشرها مآلها »

    أقول : في قصيديتي المنبجي والصيمري دلالات عديدة ، منها : أن مرض الإمام
    الهادي عليه‌السلام طال ، وقد يكون سقي السم عدة مرات كما حدث لعدد من آبائه عليهم‌السلام ، ولم
    تصلنا تفاصيل أخبار سمه ومرضه صلوات الله عليه .
    ومنها : أنه استقر عند المتشرعة أن كلمة الإمام على إطلاقها تعني المعصوم من العترة .
    ومنها : أن مذهب الإمامة كان منتشراً معروفاً بين الناس ، وأنهم يقولون بإمامة اثني
    عشر إماماً ربانياً ، كما بشر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأن الإمام الهادي عليه‌السلام هو العاشر ، وأن حفيده
    هو المهدي الموعود عليه‌السلام الذي سيغيب طويلاً .

    الفصل السابع عشر
    بشارة الإمام الهادي بحفيده الإمام المهدي عليه‌السلام
    نصه على إمامة ابنه الحسن العسكري عليه‌السلام
    عقد في الكافي باباً « 1 / 325 » بعنوان : باب الإشارة والنص على أبي محمد عليه‌السلام ، أورد
    فيه بضعة عشر حديثاً ، نص فيها على إمامة ولده الحسن بعده وبشر فيها بحفيده الإمام
    المهدي عليهم‌السلام . منها عن يحيى بن يسار القنبري قال : « أوصى أبو الحسن عليه‌السلام إلى ابنه الحسن
    قبل مضيه بأربعة أشهر ، وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي .
    وعن علي بن عمر النوفلي : « كنت مع أبي الحسن عليه‌السلام في صحن داره فمر بنا محمد ابنه
    فقلت له : جلعت فداك هذا صاحبنا بعدك ؟فقال :لا،صاحبكم بعدي الحسن » .
    وعن أحمد بن مروان الأنباري قال : « كنت حاضراً عند مضيِّ أبي جعفر محمد بن
    علي ، فجاء أبو الحسن عليه‌السلام فوُضع له كرسي فجلس عليه وحوله أهل بيته ، وأبو محمد
    قائم في ناحية ، فلما فرغ من أمر أبي جعفر التفت إلى أبي محمد عليه‌السلام فقال : يا بنيَّ أحدث
    لله تبارك وتعالى شكراً ، فقد أحدث فيك أمراً » .
    أي أظهرَ الله تعالى أنك الإمام بعدي وليس أخاك الأكبر الذي توفي ، كما تصور
    البعض ، لأن أئمة العترة عليهم‌السلام كما قال الله تعالى : ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .
    ومن ذلك : « عن جماعة من بني هاشم ، منهم الحسن بن الحسن الأفطس أنهم
    حضروا يوم توفي محمد بن علي بن محمد بابَ أبي الحسن يعزونه وقد بسط له في



    صحن داره والناس جلوس حوله ، فقالوا : قدرنا أن يكون حوله من آل أبي
    طالب وبني هاشم وقريش مائة وخمسون رجلاً ، سوى مواليه وسائر الناس ، إذ
    نظر إلى الحسن بن علي قد جاء مشقوق الجيب حتى قام عن يمينه ونحن لانعرفه
    فنظر إليه أبوالحسن عليه‌السلام بعد ساعة فقال : يا بنيَّ أحدثْ لله عز وجل شكراً ، فقد
    أحدث فيك أمراً . فبكى الفتى وحمد الله تعالى واسترجع وقال : الحمد لله رب
    العالمين ، وأنا أسأل الله عز وجل تمام نعمه لنا فيك ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
    فسألنا عنه فقيل هذا الحسن ابنه ، وقدرنا له في ذلك الوقت عشرين سنة ، أو
    أرجح ، فيومئذ عرفناه وعلمنا أنه قد أشار إليه بالإمامة ، وأقامهُ مقامه » .
    وعن أبي بكر الفهفكي قال : « كتبت الى أبي الحسن عليه‌السلام أسأله عن مسائل ، فلما نفذ
    الكتاب قلت في نفسي : لو أني كتبت فيما كتبت أسأله عن الخلف من بعده ،
    وذلك بعد مضي محمد ابنه . فأجابني عن مسائلي : وكنتَ أردتَ أن تسألني عن
    الخلف ، وأبو محمد ابني أصح آل محمد غريزةً ، وأوثقهم عقيدةً بعدي ، وهو
    الأكبر من ولدي ، إليه تنتهي عرى الإمامة وأحكامها . فما كنت سائلاً عنه فسله
    فعنده علم ما يُحتاج إليه ، والحمد لله » .
    وعن الجلاب قال : « كتب إليَّ أبو الحسن في كتاب : أردتَ أن تسأل عن الخلف
    بعد أبي جعفر وقلقت لذلك ، فلا تغتم فإن الله عز وجل : لا يضل قوماً بعد إذ
    هداهم حتى يبين لهم ما يتقون . وصاحبك بعدي أبو محمد ابني ، وعنده ما


    تحتاجون إليه ، يقدم ما يشاء الله ويؤخر ما يشاء : مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ
    بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا » .
    تبشيره بحفيده المهدي الموعود عليه‌السلام
    عن داود بن القاسم قال : « سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : الخلف من بعدي
    الحسن ، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف ؟ فقلت : ولم جعلني الله فداك ؟
    فقال : إنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه ، فقلت : فكيف نذكره ؟
    فقال : قولوا : الحجة من آل محمد عليهم‌السلام » . « الكافي : 1 / 327 » .
    وفي كمال الدين / 383 : « عبد الله بن أحمد الموصلي قال : حدثنا الصقر بن أبي دلف
    قال : سمعت علي بن محمد بن علي الرضا عليهم‌السلام يقول : إن الإمام بعدي الحسن ابني
    وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً » .
    وفي تفسير العسكري / 344 ، عن الهادي عليه‌السلام قال : « لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم
    من العلماء الداعين إليه ، والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله ، والمنقذين
    لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب ، لما بقي أحد إلا
    ارتد عن دين الله . ولكنهم الذين يمسكون أزمَّةَ قلوب ضعفاء الشيعة كما
    يمسك صاحب السفينة سكانها ، أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل » .


    أولاد الإمام الهادي عليه‌السلام
    قال المفيد في الإرشاد « 2 / 312 » : « وتوفي أبو الحسن عليه‌السلام في رجب سنة أربع
    وخمسين ومائتين ، ودفن في داره بسر من رأى ، وخلف من الولد : أبا محمد
    الحسن ابنه وهو الإمام من بعده ، والحسين ، ومحمداً ، وجعفراً ، وابنته عائشة .
    وكان مقامه بسر من رأى إلى أن قبض عشر سنين وأشهراً ، وتوفي وسنه يومئذ
    على ما قدمناه إحدى وأربعون سنة » .
    وفي الهداية الكبرى / 313 : « وله من الولد : الحسن الإمام ، ومحمد ، والحسين ، وجعفر
    المدعي الإمامة المعروف بالكذاب ، المذكور بحديث جعفر الصادق عليه‌السلام » .
    وقال الفخر الرازي في الشجرة المباركة في أنساب الطالبية / 78 : « أما أبو الحسن علي
    النقي فله من الأبناء ستة : أبو محمد الحسن العسكري الإمام ، وأبو عبد الله جعفر
    الذي لقبوه ب‍الكذاب لا لطعن في نسبه ، بل لأنه طعن في إمامة صاحب الزمان .
    والحسين مات قبل أبيه بسر من رأى ، وموسى ، ومحمد هو أكبر أولاده ، وعلي .
    واتفقوا على أن المعقب من أولاده ابنان : الحسن العسكري الإمام ، وجعفر
    الكذاب . وله من البنات ثلاثة : عائشة ، وفاطمة ، وبريهة ، وزوج بريهة محمد بن
    موسى بن محمد التقي » .
    أقول : تفرد الفخر الرازي بذكر ثلاث بنات للهادي عليه‌السلام ، ولعلها واحدة كان يطلق
    عليه أكثر من إسم ، وبريهة التي ترجم لها لعلها بنت جعفر الكذاب ، وكانت صالحة .

    وقال السيد ضامن بن شدقم في تحفة الأزهار في نسب أبناء الأئمة الأطهار / 461 :
    « فأبو الحسن علي النقي عليه‌السلام خلف أربعة بنين : أبا محمد الحسن العسكري عليه‌السلام ، أمه أم
    ولد ، والحسين ، وأبا علي محمداً ، وأبا كرين جعفراً الكذاب ، وعايشة . أمهاتهم
    أمهات أولاد ، وعقبهم أربعة أصول .. الخ . » .
    وفي عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب لابن عنبة / 199 : « وأعقب من رجلين هما
    الإمام أبومحمد الحسن العسكري عليه‌السلام كان من الزهد والعلم على أمر عظيم ،
    وهو والد الإمام محمد المهدي صلوات الله عليه ثاني عشر الأئمة عند الإمامية ،
    وهو القائم المنتظر عندهم ، من أم ولد إسمها نرجس .
    وإسم أخيه أبوعبد الله جعفر الملقب بالكذاب ، لادعائه الإمامة بعد أخيه
    الحسن ، ويدعى أبا كرين « أبا البنين خ . ل » لأنه أولد مائة وعشرين ولداً ، ويقال
    لولده الرضويون نسبة إلى جده الرضا .
    وأعقب من جماعة ، انتشر منهم عقب ستة ما بين مقل ومكثر ، وهم إسماعيل
    حريفا ، وطاهر ، ويحيى الصوفي ، وهارون ، وعلي ، وإدريس » .
    أقول : اتفقت مصادر الأنساب على أن أبناء الإمام الهادي عليه‌السلام ثلاثة غير الإمام الحسن
    العسكري عليه‌السلام : وهم محمد وحسين وجعفر ، المعروف بجعفر الكذاب :
    محمد بن الإمام الهادي ، المعروف بالسيد محمد
    ويعرف بالسيد محمد ، وقبره قرب بلد ، يزار وله كرامات . ويسمونه : سبع الدجيل .
    وكان أكبر أولاد الإمام الهادي ، وتوفي في حياة أبيه ، فصار الحسن أكبرهم عليهم‌السلام .


    قال السيد الأمين في أعيان الشيعة « 10 / 5 » : « السيد أبو جعفر محمد بن الإمام علي
    أبي الحسن الهادي عليه‌السلام . توفي في حدود سنة 252 . جليل القدر ، عظيم الشأن ،
    كانت الشيعة تظن أنه الإمام بعد أبيه عليه‌السلام ، فلما توفي نص أبوه على أخيه أبي محمد
    الحسن الزكي عليه‌السلام . وكان أبوه خلفه بالمدينة طفلاً لما أتي به إلى العراق ثم قدم
    عليه في سامراء . ثم أراد الرجوع إلى الحجاز ، فلما بلغ القرية التي يقال لها بلد
    على تسعة فراسخ من سامراء مرض وتوفي ودفن قريباً منها ، ومشهده هناك
    معروف . ولما توفي شق أخوه أبو محمد ثوبه ، وقال في جواب من لامَهُ على ذلك :
    قد شقَّ موسى على أخيه هارون عليه‌السلام » .
    وفي كتاب المصطفى والعترة للشاكري « 14 / 21 » : « الحسين بن الإمام الهادي عليه‌السلام :
    نقل السيد محمد كاظم القزويني عن كتاب شجرة الأولياء : أن الحسين كان زاهداً
    عابداً معترفاً بإمامة أخيه أبي محمد الحسن العسكري عليه‌السلام ، وكان صوت الإمام
    المهدي عليه‌السلام يشبه صوت عمه الحسين . وكان الناس يعبرون عنه وعن أخيه الإمام
    الحسن العسكري بالسبطين ، تشبيهاً لهما بالإمامين الحسن والحسين عليهما‌السلام .
    وكان له من الأولاد أربعة ، وقد رحلوا بعد وفاة أبيهم عن سامراء إلى مدينة لار من
    بلاد فارس في إيران ، فقتلوا بعد وصولهم إليها » .

    الحسين بن الإمام الهادي عليه‌السلام
    ورد تشبيه صوت الإمام المهدي عليه‌السلام بصوته . « أمالي الطوسي / 288 » .
    وفي مستدركات الشيخ النمازي « 3 / 171 » : « الحسين بن علي بن محمد الإمام الهادي
    عليه‌السلام : هو أخو الحسن العسكري عليه‌السلام يسميان بالسبطين ، تشبيهاً لهما بجدهما
    الحسن والحسين صلوات الله عليهما . كان جليل القدر عظيم الشأن » .
    وفي مسند الإمام العسكري « 1 / 52 » : « أولاد الإمام أبي الحسن الهادي عليه‌السلام وهم
    جعفر ومحمد والحسين . أما محمد بن الإمام الهادي : هو صاحب الروضة المعروفة
    والقبة المشهورة في بلد بين بغداد وسامراء ، تقصده الزوار من شتى النواحي .
    أما الحسين فقد كان ممتازاً في الديانة من سائر أقرانه وأمثاله ، تابعاً لأخيه
    الحسن عليه‌السلام معتقداً بإمامته ، ودفن في حرم العسكريين عليهما‌السلام تحت قدميهما ، كما ورد
    في هامش بحار الأنوار في باب أحوال أولاد الإمام الهادي عليه‌السلام » .
    جعفر الكذاب
    ادعى جعفر الكذاب الإمامة بعد وفاة أبيه ، ثم بعد وفاة أخيه الإمام الحسن
    العسكري عليه‌السلام . ويعرف بأبي كرين لكثرة أولاده ، وقيل إن أبناءه بلغوا مئة وعشرين
    ابناً غير الإناث . وذريته كثيرة وفيهم صالحون أجلاء . ولم أجد ضبطاً لكلمة كرين
    أو معنى يربطها بكثرة الأولاد . ولعل أصلها « أبو الكُرَّيْن » مثنى كُر ، ويقال كُرُّ حنطة أو
    كُرُّ ماء . وسيأتي موقفه في سيرة الإمام العسكري عليه‌السلام . والذي يهون الخطب أنه أعرض
    عن ادعاء الإمامة ، وقيل تاب وأناب . قال الشبراوي في الإتحاف بحب الأشراف



    « 1 / 372 » : « لكن إرادة الله غالبة ، إذ سرعان ما انكشف زيف أمره ، ثم ندم على
    ما فعل ، وتاب على ما قيل ولذا سمي بجعفر الكذاب ، ثم جعفر التواب . علماً
    بأنه من الناس العاديين الذين يجوز عليم الكذب والخطأ والنسيان والعصيان ،
    وادعاء الباطل والحسد . وهذا ليس بغريب في الكون وقد سبقه قابيل بقتل أخيه
    هابيل ، وإخوة يوسف عند ما ألقوا يوسف في الجب » .
    وقال الشيخ مُغنية في الشيعة في الميزان / 250 : « كان للإمام العسكري أخ يسمى
    جعفراً ، وكان يكيد له ويدس عليه وعلى شيعته الدسائس عند الخلفاء ، وقد
    لحق بالموالين الأذى والحبس والتشريد من وشايته وافتراءاته ، وادعى الإمامة
    بعد أخيه ، ولذلك قيل له الكذاب .
    وجاء جعفر هذا إلى الوزير ابن خاقان بعد أن قُبض أخوه الإمام وقال له :
    اجعل لي مرتبة أبي وأخي ، وأعطيك في كل سنة عشرين ألف دينار . فنهره
    الوزير وقال له : يا أحمق إن السلطان جرد سيفه وسوطه على الذين والوا أباك
    وأخاك ليردهم عن ذلك فلم يقدر ، وجهد أن يزيل أباك وأخاك عن تلك المرتبة
    فلم يتهيأ له ، فإن كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماماً فلا حاجة بك إلى إمام
    يرتبك مراتبهم ، وإن لم تكن عندهم بهذه المرتبة لم تنلها ، وإن ساندك السلطان
    وغيره . ثم أمر الوزير أن يحجب عنه جعفر ولا يؤذن له عليه بالدخول .

    وصدق ابن خاقان ، فإن منصب الإمامة والرياسة عند الشيعة لا يناط بإرادة
    الحكام ، ولا ينال بالشفاعات والوساطات ، كما هو الشأن في تعيين المشيخات
    والقضاة والمفتين . إن الرياسة عند الإمامية تعود إلى إرادة الله سبحانه » .
    وروى الصدوق في كمال الدين / 319 ، عن فاطمة بنت محمد بن الهيثم ، قالت : « كنت
    في دار أبي الحسن علي بن محمد العسكري في الوقت الذي ولد فيه جعفر ، فرأيت أهل
    الدار قد سُرُّوا به ، فصرت إلى أبي الحسن عليه‌السلام فلم أره مسروراً بذلك فقلت له : يا
    سيدي ، ما لي أراك غير مسرور بهذا المولود ؟ فقال عليه‌السلام : هَوِّني عليك أمره ، إنه سيُضَلُّ
    خلقاً كثيراً » . ورواه المسعودي في إثبات الوصية 239 ، عن جماعة .
    وروى في الكافي « 1 / 503 » حديثاً بليغاً يعطي صورة واضحة عن الإمام العسكري
    عليه‌السلام وأخيه جعفر ، قال : « كان أحمد بن عبيد الله بن خاقان على الضياع والخراج بقم
    فجرى في مجلسه يوماً ذكر العلوية ومذاهبهم ، وكان شديد النصب فقال : ما رأيتُ ولا
    عرفتُ بسر من رأى رجلاً من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا ، في هديه
    وسكونه وعفافه ونبله وكرمه ، عند أهل بيته وبني هاشم ، وتقديمهم إياه على ذوي
    السن منهم والخطر ، وكذلك القواد والوزراء وعامة الناس . فإني كنت يوماً قائماً على
    رأس أبي « كان أبوه رئيس وزراء » وهو يوم مجلسه للناس ، إذ دخل عليه حجابه فقالوا : أبو
    محمد ابن الرضا بالباب ، فقال بصوت عال : ائذنوا له ، فتعجبت مما سمعت منهم أنهم
    جسروا يكنون رجلاً على أبي بحضرته ولم يكن عنده إلا خليفة أو ولي عهد أو من أمر
    السلطان أن يكنى ! فدخل رجل أسمر ، حسن القامة ، جميل الوجه ، جيد البدن ،
    حدث السن ، له جلالة وهيبة ، فلما نظر إليه أبي قام يمشي إليه خُطىً ولا أعلمه فعل



    هذا بأحد من بني هاشم والقواد ، فلما دنا منه عانقه وقبل وجهه وصدره ، وأخذ بيده
    وأجلسه على مصلاه الذي كان عليه ، وجلس إلى جنبه مقبلاً عليه بوجهه ، وجعل
    يكلمه ويفديه بنفسه ، وأنا متعجب مما أرى منه إذ دخل الحاجب فقال : الموفق قد جاء
    وكان الموفق إذا دخل على أبي ، تقدم حجابه وخاصة قواده ، فقاموا بين مجلس أبي وبين
    باب الدار سماطين إلى أن يدخل ويخرج ، فلم يزل أبي مقبلاً على أبي محمد يحدثه حتى
    نظر إلى غلمان الخاصة ، قال حينئذ : إذا شئت جعلني الله فداك ، ثم قال لحجابه : خذوا
    به خلف السماطين حتى لا يراه هذا يعني الموفق ، فقام وقام أبي وعانقه ومضى .
    فقلت لحُجَّاب أبي وغلمانه : ويلكم من هذا الذي كنيتموه على أبي ، وفعل به أبي هذا
    الفعل ؟ فقالوا : هذا علوي يقال له الحسن بن علي ، يعرف بابن الرضا فازددت تعجباً ،
    ولم أزل يومي ذلك قلقاً متفكراً في أمره وأمر أبي وما رأيت فيه ، حتى كان الليل ،
    وكانت عادته أن يصلي العتمة ثم يجلس فينظر فيما يحتاج إليه من المؤامرات « أي
    المشاورات » وما يرفعه إلى السلطان ، فلما صلى وجلس ، جئت فجلست بين يديه وليس
    عنده أحد فقال لي : يا أحمد لك حاجة ؟ قلت : نعم يا أبه فإن أذنت لي سألتك عنها ؟
    فقال : قد أذنت لك يا بني فقل ما أحببت ، قلت : يا أبه من الرجل الذي رأيتك بالغداة
    فعلت به ما فعلت من الإجلال والكرامة والتبجيل وفديته بنفسك وأبويك ؟ فقال : يا
    بني ذاك إمام الرافضة ، ذاك الحسن بن علي المعروف بابن الرضا ، فسكت ساعة ، ثم
    قال : يا بني لو زالت الإمامة عن خلفاء بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم
    غير هذا ، وإن هذا ليستحقها في فضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وجميل
    أخلاقه وصلاحه . ولو رأيت أباه رأيت رجلاً جزلاً نبيلاً فاضلاً ! فازددت قلقاً
    وتفكراً وغيظاً على أبي وما سمعت منه ، واستزدته في فعله وقوله فيه ما قال ، فلم يكن


    لي همة بعد ذلك إلا السؤال عن خبره والبحث عن أمره ، فما سألت أحداً من بني
    هاشم والقواد والكتاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس ، إلا وجدته عنده في غاية
    الإجلال والإعظام والمحل الرفيع والقول الجميل ، والتقديم له على جميع أهل بيته
    ومشايخه ، فعظم قدره عندي إذ لم أر له ولياً ولا عدواً إلا وهو يحسن القول فيه والثناء
    عليه ! فقال له بعض من حضر مجلسه من الأشعريين : يا أبا بكر فما خبر أخيه جعفر ؟
    فقال : ومن جعفر فتسأل عن خبره ؟ أوَيُقْرَنُ بالحسن جعفر ، معلنُ الفسق ، فاجرٌ
    ماجنٌ شريب للخمور ، أقل من رأيته من الرجال وأهتكهم لنفسه ، خفيفٌ قليلٌ في
    نفسه ، ولقد ورد على السلطان وأصحابه في وقت وفاة الحسن بن علي ما تعجبت منه ،
    وما ظننت أنه يكون . وذلك أنه لما اعتل بعث إلى أبي أن ابن الرضا قد اعتل ، فركب
    من ساعته فبادر إلى دار الخلافة ثم رجع مستعجلاً ومعه خمسة من خدم أمير المؤمنين ،
    كلهم من ثقاته وخاصته ، فيهم نحرير ، فأمرهم بلزم دار الحسن وتعرف خبره وحاله ،
    وبعث إلى نفر من المتطببين ، فأمرهم بالإختلاف إليه وتعاهده صباحاً ومساءً ، فلما كان
    بعد ذلك بيومين أو ثلاثة أخر أنه قد ضعف ، فأمر المتطببين بلزوم داره وبعث إلى
    قاضي القضاة ، فأحضره مجلسه وأمره أن يختار من أصحابه عشرة ممن يوثق به في دينه
    وأمانته وورعه ، فأحضرهم فبعث بهم إلى دار الحسن وأمرهم بلزومه ليلاً ونهاراً ، فلم
    يزالوا هناك حتى توفي عليه‌السلام فصارت سر من رأى ضجة واحدة ، وبعث السلطان إلى
    داره من فتشها وفتش حجرها ، وختم على جميع ما فيها وطلبوا أثر ولده وجاؤوا بنساء
    يعرفن الحمل فدخلن إلى جواريه ينظرن إليهن ، فذكر بعضهن أن هناك جارية بها حمل
    فجعلت في حجرة ووكل بها نحرير الخادم وأصحابه ونسوة معهم ، ثم أخذوا بعد
    ذلك في تهيئته ، وعطلت الأسواق ، وركبت بنو هاشم والقواد وأبي وسائر الناس إلى



    جنازته ، فكانت سر من رأى يومئذ شبيهاً بالقيامة ، فلما فرغوا من تهيئته بعث
    السلطان إلى أبي عيسى بن المتوكل فأمره بالصلاة عليه ، فلما وضعت الجنازة للصلاة
    عليه دنا أبو عيسى منه فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلوية والعباسية
    والقواد والكتاب والقضاة والمعدلين ، وقال : هذا الحسن بن علي بن محمد بن الرضا
    مات حتف أنفه على فراشه ، حضره من حضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان
    وفلان ومن القضاة فلان وفلان ، ومن المتطببين فلان وفلان ، ثم غطى وجهه وأمر
    بحمله فحمل من وسط داره ودفن في البيت الذي دفن فيه أبوه ، فلما دفن أخذ
    السلطان والناس في طلب ولده ، وكثر التفتيش في المنازل والدور وتوقفوا عن قسمة
    ميراثه ، ولم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهم عليها الحمل لازمين حتى تبين
    بطلان الحمل ، فلما بطل الحمل عنهن قسم ميراثه بين أمه وأخيه جعفر ، وادعت أمه
    وصيته وثبت ذلك عند القاضي .
    والسلطان على ذلك يطلب أثر ولده ، فجاء جعفر بعد ذلك إلى أبي فقال : إجعل لي
    مرتبه أخي وأوصل إليك في كل سنة عشرين ألف دينار ، فزبره أبي وأسمعه وقال له :
    يا أحمق السلطان جرد سيفه في الذين زعموا أن أباك وأخاك أئمة ليردهم عن ذلك ،
    فلم يتهيأ له ذلك ، فإن كنت عند شيعة أبيك أو أخيك إماماً فلا حاجة بك إلى
    السلطان أن يرتبك مراتبهما ولا غير السلطان . وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها
    بنا ، واستقله أبي عند ذلك واستضعفه ، وأمر أن يحجب عنه ، فلم يأذن له في الدخول
    عليه حتى مات أبي ، وخرجنا وهو على تلك الحال ، والسلطان يطلب أثر ولد الحسن
    بن علي » . هذا ، وتفصيل ذلك في سيرة الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام .
    * *

    ملاحظة في الختام
    وبعدُ ، فإن كل واحد من أئمة العترة النبوية الإثني عشر صلوات الله عليهم ،
    عالَمٌ متكاملٌ ، وصرحٌ شامخٌ ، واسعُ الأرجاء ، غنيُّ الجنبات ، فريدُ العمارة ،
    قال له ربه : وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي .
    ويصعب عليك أن تلمس هذا التوصيف حتى تتشرف بأعتابه ، وتدخل الى
    رحابه ، فترى العجب العجاب ! وهكذا كانت رحلتي مع الإمام الهادي عليه‌السلام .
    قرأت له وعنه أكثر من أربع مجلدات ، ولو أردت أن أكتب مسترسلاً في البحث
    والتحليل لكتبت في سيرته بضع مجلدات ، لكني هدفي أن أقدم لقارئي باقةً عن
    الإمام الهادي عليه‌السلام ، أنتقي لها من زهوره أجملها وأغلاها . وهنا الصعوبة .
    فهل أختار قطافاً من التحليل السياسي لخطين : خط الحكام ، وخط الأئمة عليهم‌السلام ،
    وآخذ في تحليل برنامج كل منهما وفعالياته وأهدافه ، وما أنجزه ، وما لم ينجز .
    أم أقارن بين شخصيتين : أحدهما عليه أنوار الله وخشوع أوليائه ، يلهج بآيات
    ربه ، ليلَهُ ونهارَه ، وينشر بركته في الناس ، حِلَّهُ وترحالَه .
    وآخر سمى نفسه خليفة ، جالسٌ على طُنفسة ، وحوله ستائر حرير وديباج ،
    وجنودٌ واقفون بالحراب ، وهو جائع متعطش لأن يأمر وينهى .
    ثم يجثو على مائدة طعامه ، فيختار ويختارون له ، من مئات الأصناف ، ما يملأ
    معدته الى بابها ، ثم يشرب عليه تسعة أرطال من النبيذ !


    أم نترك المقارنة ، ونبحث حياة الإمام الهادي عليه‌السلام في علمه ، وندرس ما صدر
    عنه في عقائد الإسلام وفقهه ، وتفسير القرآن وعلومه ، وهدي جده صلى‌الله‌عليه‌وآله وسنته .
    أم ندرس مقام الإمام الهادي عليه‌السلام في الأمة ، وما كتبه عن مقامات الأئمة في
    الزيارة الجامعة ، وانتشار الإعتقاد بأنه ولي الله صاحب الدعوة المجابة ، حتى
    وصل ذلك الى الأسرة الحاكمة ، فأم المتوكل تنذر له النذور ، ورئيس الوزراء
    يطلب منه الدعاء لحاجة مهمة ، والقائد الذي رافقه الى المدينة يقول له : الناس
    يقولون إنك تعلم الغيب ، وقد تبينتُ من ذلك خَلَّتين ! وكبير الأطباء يقول عنه :
    إنه شبيه عيسى بن مريم ، وإن كان أحد يعلم الغيب فهو علي بن محمد !
    أم ندرس منابع الإمامة الربانية في الإمام الهادي عليه‌السلام ومصادر علمه وإلهامه ،
    والروح القدس التي كانت ترافق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم صارت ترافق الإمام من عترته !
    كل هذه مناهج للبحث مفيدة ، لكني وضعت نفسي مكان القارئ فوجدته
    يحتاج الى إلمامةٍ شاملةٍ وافية ، عن شخصية الإمام الهادي عليه‌السلام ، وعصره ،
    ومعاصريه ، ونماذج من معجزاته ، وأصحابه ، صلوات الله عليه .
    فكان هذا الكتاب قطافاً من هذه الأبعاد ، وهو أصعب من المناهج الأخرى .
    أسأل الله بجاه الإمام الهادي روحي فداه ، أن يكتبه في ميزاني ، يوم فقري :
    وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .

    مقطوعات شعرية في الإمام الهادي عليه‌السلام
    للسيد محمد الزيني البغدادي :
    هذي منازلُ آلِ بيتِ المصطفى
    فَالْثُمْ ثَرَاهَا واكْتَحِلْ بِغُبَارِهَا

    هي بقعةُ الوادي المقدس فاخلعِ النـ
    ـعلين إن أصبحتَ من حُضَّارِها

    فيها بنو الهادي النبيِّ محمدٍ
    مُختارُ خلق الله من مُختارها

    أنوارُ حقٍّ يُهتدى بسنائها
    قد ضلَّ من قد ضلَّ عن أنوارها

    الحلمُ من أطوادها والعلمُ من
    أسرارها والجودُ من آثارها

    للسيد أحمد البغدادي العطار :
    هي سامراءُ قد فاحَ شذاها
    وتراءى نورُ أعلامِ هُداها

    يا لها من بلدةٍ طيبةٍ
    تُربُها مسكٌ وياقوتٌ حَصَاها

    وهضابٌ زانها حصباؤها
    مثلما زَينت الشهبُ سماها

    صاحِ إن شاهدتَ أسمى قُبَّةٍ
    لا يُداني الفَلَكُ الأعلى عُلاها

    حضرةٌ قد أشرقت أنوارُها
    بمصابيح الهدى من آل طاها

    حضرةٌ تهوى السماواتُ العلى
    أنها تصلح أرضاً لسماها

    فاستلم أعتابها مستعبراً
    باكياً مستنشقاً طيبَ ثراها

    لائذاً بالعسكريين التقيين
    أوفى الخلق عند الله جاها

    من بني فاطمةَ الغُرِّ الأُولى
    بهمُ قد باهلَ الله وباهى



    واستجر بالقائم الذائدِ عن
    حوزةِ الإسلام والحامي حِماها

    حجةِ الله الذي قوَّمَ من
    قَنَوات الدين من بَعْدِ الْتِوَاها

    قُطب آلِ الله بل قُطبُ رَحَى
    سائرِ الأكوانِ بل قطبُ سماها

    مدركُ الأوتارِ ساقي واتري
    عترةِ المختار كاساتِ رداها

    يا وليَّ الله هل من رجعة
    تُشرقُ الأرض بأنوار سَنَاها

    ويعودَ الدين ديناً واحداً
    لا يُرى فيه التباساً واشتباها

    ليت شعري أوَ لم يَأْنَ لَما
    نحنُ فيه من أسى أن يتناهى

    للسيد محمد علي آل خير الدين :
    عُج للمحصَّب من مشارق دجلةٍ
    حيثُ الفضَا والماءُ والخضراءُ

    فهناك مربعُ جيرتي وهناكَ مفـ
    زعُ حيرتي وهناكَ سامِرَّاءُ

    فاحبس بحيثُ العزُّ يَسْحَبُ ذَيْلَهُ
    تِيهاً ويُنشرُ للفخار لواءُ

    واخضع بحيثُ المجدُ ألقى رَحْلَهُ
    واخشع بحيثُ أظلَّتِ العَلياءُ

    واجنحْ إلى الحرمِ المنيعِ فلو دَنَا
    مَلِكٌ زَوَتْهُ هَيْبَةٌ وبَهَاءُ

    تُبْصِرْ تجلِّي نورِ ربِّك في ثرىً
    رقدتْ به ساداتُنا النُّجباءُ

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2899
    نقاط : 4538
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني   الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني Emptyالثلاثاء أكتوبر 29, 2024 10:39 pm


    من أرجوزة الشيخ محمد حسين الأصفهاني قدس‌سره :
    لقد تجلى مبدأُ الإيجاد
    في غاية الوجودِ باسم الهادي

    أحسنَ خلق كل شئ فهدى
    وباسمه الهادي اهتدى من اهتدى

    طلعتُهُ مطلعُ نُور النور
    ومشرقُ الشموس والبُدور


    نورُ الهدى والرُّشْد في جبينه
    بحرُ الندى والجود في يمينه

    أنفاسُهُ جواهرُ النَّاسُوتِ
    وصدره خُزَانةُ اللاهوت

    وقلبهُ في قالب الإمكان
    كالروح في الأعيان والأكوان

    وكيفَ وهو أعظم المظاهر
    للمتجلي بالجمال الباهر

    همتُهُ فوقَ سماواتِ الهممْ
    بل هي كالعنقاء في قاف القدم

    وعزمه يكاد يسبقُ القضا
    كيف وفي رضاهُ لله رضا

    وهو له ولايةُ الهدايهْ
    في منتهى مراتب الولايهْ

    وهو يمثلُ النبيَّ الهادي
    في بثِّ روح العلم والإرشاد

    فإنهُ لكلِّ قومٍ هاد
    كجدِّهِ المنذرِ للعباد

    هو النقيُّ لم يزل نقيا
    وكان عند ربه مرضيا

    فهو نقي السرِّ والسريرهْ
    وسرُّ جدِّه بحكم السيرهْ

    وهو كتابٌ ليس فيه ريبُ
    وشاهدٌ فيه تجلى الغيبُ

    وكيف لا وهو ابن من تدلى
    في قربه من العليِّ الأعلى

    ما كَذَبَ الفؤاد ما رآه
    مُذْ بلغَ الشهودُ منتهاهُ

    مرآتهُ نقيةٌ من الكدرْ
    فما طغى قطُّ وما زاغَ البصر

    وهو مطافُ الملأ الأعلى كما
    تطوفُ بالضّراح أملاكُ السما

    وبابه كعبة أهل المعرفهْ
    لهم بها مناسكٌ موظفهْ

    فأينَ منهُ الحِجْرُ والمقامُ
    وأين منه المشعرُ الحرام

    والحرمُ الآمن حريمُ بابه
    والبيتُ منسوبٌ إلى جنابه

    ملجأُ كل مِلَّةٍ ونِحْلَهْ
    وهو لأرباب القلوب قِبلهْ



    ملاذُ كل حاضرٍ وباد
    وكيف لا والباب بابُ الهادي

    بل هو بابُ الله من أتاهُ
    فقد أتى الله فما أعلاهُ

    ولست أحصي مكرمات الهادي
    فإنها في العد كالأعداد

    وكم أساءَ المتوكلُ الأدبْ
    أحضرهُ عند الشراب والطَّرَبْ

    وهو من السنة والكتاب
    منزلة اللبِّ من اللُّبَاب

    أهذه القبائح الشنيعهْ
    بمحضر من صاحب الشريعهْ

    أيَطْلِبُ الشُّـْرَب من الإمام
    وهو وليُّ عصمة الأحكام

    أيَطلِبُ الغِناء بالأشعار
    من معدنِ الحكمة والأنوار

    أنزلهُ في أشنعِ المنازل
    وفخر كل منزلٍ بالنازل

    من هو عند ربه مكين
    فلا عليه أينما يكون

    له رياضُ القدس مأوىً ومقرّْ
    خان الصعاليك غطاءٌ للبصر

    وكم أساءَ القول في أبيهِ
    عليِّ القدر وفي بنيهِ

    حتى انتهى الأمر إلى الصديقهْ
    فأظهرَ الكفر على الحقيقهْ

    عاجلهُ المنتقمُ القهارُ
    بضربةٍ تَقدح منها النار

    قاسى الإمام من بني العباس
    ما ليسَ في الوهم وفي القياس

    كم مرةٍ من بعد مرةٍ حُبِسْ
    وهو بما يراهُ منهم مُحتبس

    حتى قضى بالغم عمراً كاملا
    فسمه المعتز سماً قاتلا

    قضى شهيداً في ديار الغربهْ
    في شدة ومحنة وكربهْ

    بكتهُ عين الرشد والهدايهْ
    حيث هوى منها أجلُّ رايهْ

    بكته عينُ العلم والآداب
    ومحكمُ السنةِ والكتاب


    بكته عينُ الفلك الدوار
    حزناً على المدير والُمدار

    بكاهُ جدُّهُ النبيُّ المجتبى
    كأنه ضياءُ عينيه خَبَا

    بكته أعينُ البدور النيرهْ
    آباؤه الغُرُّ الكرامُ البررهْ

    بكاهُ كل ما سوى الله على
    مصابه حتى الوحوش في الفلا ) .

    من قصيدة للدكتور الشيخ محمد حسين الصغير على إثر تفجير مشهد العسكريين عليهما‌السلام :
    إرثُ النبوة من طهَ وياسينِ
    بالنور يخطفُ أبصارَ الشياطين

    أعماهمُ الحق هَدَّاراً بصولته
    فقابلوه بتفجير البراكين

    القصفُ والنسف والتدمير أسلحةٌ
    على العدا لا على الغُرِّ الميامين !

    أئمةٌ ورسولُ الله جدُّهُمُ
    بيضُ الأسارير أو شُمُّ العَرانين

    أيديهمُ لدواهي الظلم دافعةٌ
    ومالهُمْ للضحايا والمساكين

    ما قبةُ العَلَم الهادي وروضتُه
    إلا مقرُّ الأعالي والأساطين

    زهت بمغناهُ سامراءُ والتجأت
    له الأقاليم من جور السلاطين

    طالت اليه يدُ الإرهاب غادرةً
    وفجرت حقدَها في غصن زيتون

    تلك القبابُ أعز الله جانبها
    رمزُ السلام ومقياسُ الموازين

    داجٍ من الخطب غطى كل منحدرٍ
    من العراق فما حيٌّ بمأمون

    أبنا صهيونَ إن عاثوا الفساد بها
    ففي بلادي منهمْ ألف صَهْيُوني



    للشيخ عبد الكريم الجزائري قدس‌سره مؤرخاً باب مشهد العسكريين عليهما‌السلام سنة 1343 :
    لُذْ ببابِ النجاةِ باب الهادي
    فهو بابٌ به بلوغُ الُمراد

    كمْ لركبِ الزوارِ فيه مناخٌ
    قد حداهم من جانب الله حادي

    هو بابُ الرجَا إلى مرتجيه
    وإمام اللاجي وريُّ الصَّادي

    لحِمَى العسكريِّ منه دخولٌ
    وضريحِ الإمام نجلِ الجواد

    لضريحٍ أضحى مزاراً وملجاً
    وأماناً لحاضرِ ولبادِ

    ضمِّ قبرين بل وبدرين يُهدى
    بهما الخلق في طريق الرشاد

    فهما جنتي ودِرعي وحِرزي
    وملاذي وِلاهما وسِنادي

    وإماماي قد طويتُ على هذا
    ضميري في مبدئي ومعادي

    وبوادي وِلاهما ِهِمْتُ شوقاً
    لست ممن يهيم في كل واد

    أهل بيت الوحي الأولى غرسَ الله
    وِلاهم وحبَّهم في فؤادي

    فحقيقٌ إذا لجأْنا ولُذْنا
    بفنا العسكري وبابِ الهادي

    فهو بابُ النجاة للخلق أرِّخْ
    وهو بابٌ به بلوغُ الُمرادِ

    ( تم الكتاب والحمد لله رب العالمين )
    * *

    فهرس موضوعات الكتاب
    مقدمة
    الفصل الأول :
    الإمام الهادي عليه‌السلام في عهد المأمون والمعتصم والواثق
    الطفل المعجزة افتخر به المأمون وأنكره المعتصم ! 5
    الإمام الهادي عليه‌السلام عرف بشهادة أبيه في بغداد 6
    فرضوا عليه الإقامة الجبرية وهو طفل 7
    دلالة فرض الإقامة الجبرية على الإمام عليه‌السلام ؟ 9
    استبصر « معلمه » الجنيدي وثبت على الإيمان 10
    صَرْيا مزرعة الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام 11
    فشلت خطة المعتصم في محاصرة الإمام عليه‌السلام 12
    كان الواثق ليناً مع العلويين ومعجباً بالإمام الهادي عليه‌السلام 13
    المتوكل يضطهد الإمام الهادي عليه‌السلام 15
    الفصل الثاني :
    من مفردات صحيفة المتوكل
    الهوية الشخصية 17
    كان حضرة الخليفة مخنثاً يطلب الرجال ! 18
    وأتوا به من سجن المخانيث الى كرسي الخلافة 20


    وكان لحضرة الخليفة ندماء مخانيث ! 23
    وكان حضرة الخليفة خَمَّاراً يهوى الغلمان ! 26
    وكان لحضرة الخليفة أربعة آلاف جارية ! 29
    عنده آلاف الجواري واغتصب بنت رئيس وزرائه ! 32
    دخل جِنِّيٌ في جارية المتوكل فأخرجه ابن حنبل بالقبقاب ! 33
    ما قيمة الخلافة إذا كان الخليفة مُنْحَطاً ! 41
    كانت عقيدة المتوكل وسياسته مضادةً لآبائه ! 43
    وَضَعَ المتوكل خطةً واسعة لنشر النُّصْب والتجسيم 44
    كان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام 45
    قَرَّبَ المتوكل العلماء المجسمين والنواصب وأغدق عليهم 48
    أسس حزب أهل الحديث أو الصاعدية 51
    الصاعدية أجداد الوهابية ! 55
    أعطوا المتوكل لقب محي السنة ، وقطب الظاهر والباطن ! 57
    كيف كان المتوكل يدير الدولة ؟ 58
    الفصل الثالث :
    سياسة المتوكل مع الإمام الهادي عليه‌السلام
    من ثوابت سياسة الخلفاء تصفية مخالفيهم ! 65
    1. سَجَنَ المتوكل الإمام عليه‌السلام ليقتله فأنجاه الله 66
    2. واتهم المتوكل الإمام عليه‌السلام بجمع السلاح للثورة عليه 69
    3. وكان يقول : أعياني أمرُ ابن الرضا ! 71
    4. يتفاءل المتوكل بنفسه ويتشاءم بالإمام عليه‌السلام 72
    5. وكانت أم المتوكل تعتقد بالإمام عليه‌السلام وتنذر له 73

    6. هيأ له علوجاً ليقتلوه ، فهابوه وسجدوا له 75
    7. بنى المتوكل عاصمة جديدة بالإجبار 76
    8. حاول المتوكل إذلال الإمام عليه‌السلام فدعا عليه 77
    9. أظهر الله قدرة وليه عليه‌السلام فخاف الطاغية 80
    10. لقد فاخرتنا من قريش عصابةٌ 82
    الفصل الرابع :
    إحضار المتوكل للإمام الهادي عليه‌السلام الى سامراء
    إحضار المتوكل للإمام الهادي عليه‌السلام الى سامراء 85
    أحضر المتوكل الإمام عليه‌السلام الى سامراء ثلاث مرات 85
    الإحضار الأول للإمام عليه‌السلام الى سامراء 87
    عتَّاب بن أبي عتاب قائد عباسي فارسي 87
    إحضار الإمام الى سامراء بعد هدم قبر الحسين عليه‌السلام 89
    أمر المتوكل قائده أن يفتش بيت الإمام عليه‌السلام 92
    نص كتاب المتوكل الى الإمام الهادي عليه‌السلام 94
    خافت السلطة من ثورة البغداديين ! 99
    الفصل الخامس :
    خطة المتوكل لإبادة أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم
    كان المتوكل يبغض أسلافه لحبهم علياً عليه‌السلام 101
    أرسل المتوكل الرُّخَّجِي المتوحش والياً على الحجاز ! 102
    اضطهد المتوكل الشيعة في مصر 103
    واضطهد والي مصر محمد بن الفَرَج 104
    واضطهد المتوكل قاضي قضاة مصر 106


    واضطهد أحد تجار بغداد 109
    نجَّى أهل الدينور أنفسهم من شر المتوكل 112
    كان مسجد براثا مركزاً للشيعة قبل بغداد ! 116
    الفصل السادس :
    هدم المتوكل قبر الإمام الحسين عليه‌السلام
    عقدة المتوكل من الإمام الحسين عليه‌السلام وزواره 119
    ملاحظات على نصوص هدم القبر الشريف 127
    هدم قبر الحسين عليه‌السلام قبل المتوكل 132
    هدم قبر الحسين عليه‌السلام بعد عصر المتوكل 141
    الفصل السابع :
    الوهابية أبناء المتوكل وبناته
    إصرار الوهابية على تفجير قبر الحسين عليه‌السلام 147
    قام الوهابيون بتفجير قبر الإمام الهادي عليه‌السلام 149
    رعونة الوهابية في دفاعهم عن المتوكل ! 153
    الفصل الثامن :
    ثورات العلويين بعد هدم قبر الحسين عليه‌السلام
    ثورات العلويين بعد هدم قبر الحسين عليه‌السلام 165
    الموجة الشعبية المؤيدة للإمام الهادي عليه‌السلام 167
    من الثورات العلوية في زمن المتوكل 169
    قصيدة ابن الرومي في رثاء يحيى العلوي 176
    دور قم المميز في زمن الإمام الهادي عليه‌السلام 184

    الفصل التاسع :
    مرسوم إمامة ابن حنبل بعد هدم قبر الحسين عليه‌السلام
    كان ابن حنبل غير مرضي عند المأمون والمعتصم والواثق 187
    اتهموا ابن حنبل بالخيانة وفتشوا بيته ! 188
    أحضر المتوكل أحمد الى سامراء عدة مرات 190
    اتفق المتوكل مع أحمد وجعله مرجعاً للدولة ! 193
    مرجعية ابن حنبل لمواجهة مرجعية الإمام الهادي عليه‌السلام 195
    احتفل المتوكل بمرجعية أحمد وإنزال رأس ابن نصر ! 196
    أهم إنجازات مرجعية أحمد بن حنبل 198
    محنة أحمد بن حنبل كذبة حنبلية ! 199
    أحاط ابن حنبل نفسه بهالةٍ من المبالغات ! 211
    لم يكن أحمد من شيبان وقد يكون حليفهم 213
    كان جده حنبل مجنداً مشاغباً 215
    قال علماءٌ إن أحمد من ذرية حرقوص رأس الخوارج ؟ 217
    كانت الفارسية اللغة الأم لأحمد بن حنبل 218
    تناقض ابن حنبل في موقفه من أهل البيت عليهم‌السلام 219
    من غلو الحنابلة ومبالغاتهم في إمامهم وأنفسهم 221
    الفصل العاشر :
    الإمام الهادي عليه‌السلام ينقض مذهب أحمد والمتوكل
    المأمون عالمُ الخلفاء والمتوكل من جهالهم 225
    جواب أهل البيت عليهم‌السلام على مقولة خلق القرآن 226
    الإمام الهادي عليه‌السلام يشرح مسألة خلق القرآن 227


    وينفي عن الله تعالى الجسم والصورة 237
    المتوكل يمتحن علم الإمام الهادي عليه‌السلام 240
    ردَّ الإمام الهادي عليه‌السلام تفسير المجسمة للمقام المحمود 244
    تكريم الإمام لعالم مناظر وإفحامه العباسيين 247
    عالمٌ يعرض عقيدته على الإمام الهادي عليه‌السلام 249
    محاولة ابن تيمية التشكيك بفضائل الإمام الهادي عليه‌السلام 250
    الفصل الحادي عشر :
    الإمام الهادي عليه‌السلام يطلق منشور الغدير والزيارة الجامعة
    منشور الغدير في فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام 259
    فهرس علمي أولي لزيارة الغدير 274
    الإمام الهادي عليه‌السلام يطلق ( إلياذة ) الشيعة في الأئمة عليهم‌السلام 295
    ظاهرة النصب والغلو في أهل البيت عليهم‌السلام 298
    موقف أمير المؤمنين عليه‌السلام من الذين ألَّهُوه 300
    موقف الإمام الصادق عليه‌السلام من الذين ألَّهُوه 301
    موقف الإمام الكاظم عليه‌السلام من الذين ألَّهُوه 302
    موقف الإمام الرضا عليه‌السلام من الذين ألَّهُوه 302
    موقف الإمام الهادي عليه‌السلام من الذين ألَّهُوه 303
    سند الزيارة الجامعة وشروحها 304
    نص الزيارة الجامعة 305
    فهرس أولي للزيارة الجامعة 311

    الفصل الثاني عشر :
    شخصيات عاصرت الإمام الهادي عليه‌السلام
    قاضي القضاة يحيى بن أكثم 315
    قاضي القضاة أحمد بن أبي دؤاد 318
    قاضي القضاة ابن أبي الشوارب 319
    الوزير محمد بن عبد الملك بن الزيات 323
    الوزير عمر بن الفرج الرخجي 327
    الوزير الفتح بن خاقان 332
    الوزير عبيدالله بن يحيى بن خاقان 335
    القائد العام لجيش الخلافة : إيتاخ 340
    القائد وصيف التركي 346
    القائد صالح بن وصيف 351
    رئيس الأطباء بخت يشوع 353
    تسليط العلماء النواصب والمجسمة على الأمة 359
    هشام بن عمار الدمشقي 359
    علي بن جهم : مستشار المتوكل 361
    الفصل الثالث عشر :
    الإمام الهادي عليه‌السلام مع المنتصر والمستعين والمعتز
    ثلاثة خلفاء في ست سنين 363
    عصفت العاصفة بالمتوكل ومن بعده ! 363
    سيطرة المماليك على خلافة العباسيين ! 365
    أجيال الترك الأوائل لم يدخل الإيمان في قلوبهم 368
    الخليفة المنتصر بن المتوكل 370


    هل قتل المنتصر أباه المتوكل ؟ 375
    لم يستفد المنتصر من توجيه الإمام الهادي عليه‌السلام 377
    قَتل المنتصر ونَصب المستعين « أحمد بن محمد بن المعتصم » 380
    قَتل المستعين ونصب المعتز « الزبير بن المتوكل » 382
    قتل المعتز ونصب المهتدي « محمد بن الواثق » 384
    قتل المهتدي ونصب المعتمد « أحمد بن المتوكل » 387
    أخبار الإمام الهادي عليه‌السلام في عهد المستعين والمعتز 389
    الفصل الرابع عشر :
    من معجزات الإمام الهادي عليه‌السلام
    الأئمة أفضل أوصياء الأنبياء عليهم‌السلام 391
    1. ظهر الماء في الصحراء ورويت القافلة 392
    2. عرف الإمام بموعد نزول المطر في الصيف 393
    3. الإمام يشفي عين طفل ويرد بصره 394
    4. رواية أخرى لحادثة المطر في الصيف 394
    5. رواية ثانية لظهور الماء وريَّ القافلة 397
    6. ما ظهر للفتح بن يزيد الجرجاني 399
    7. قال البغدادون : أقبل بيت الله الحرام 402
    8. عرف الإمام عليه‌السلام ما في ضميره فاستبصر 403
    9. النصراني الكاتب والإمام الهادي عليه‌السلام 404
    10. طبيب نصراني يسلم على يد الإمام عليه‌السلام 407
    11. عزم المتوكل على قتل علي بن جعفر 408
    12. قصة زينب الكذابة 409
    13. بستان الآس 411

    14. معرفة الإمام عليه‌السلام باللغات 412
    15. لسنا في خان الصعاليك 412
    16. برذون أبي هاشم الجعفري 413
    17. المتوكل يستعين بمشعوذ 414
    18. وعُلِّمْنَا منطقَ الطير 415
    19. إخباره عليه‌السلام بأجله 416
    20. إنتقام الله للإمام عليه‌السلام من أحمد بن الخصيب 418
    الفصل الخامس عشر :
    شخصيات من تلاميذ الإمام الهادي عليه‌السلام وأصحابه
    1. الصقر بن أبي دلف 420
    2 ـ 3. شخصيتان من أولاد المنصور الدوانيقي 421
    4. خيران الأسباطي 428
    5. عبد العظيم بن عبد الله الحسني 429
    6. أبوهاشم داود بن القاسم الجعفري 433
    7. العالم اللغوي يعقوب بن السِّكِّيت 436
    8. عبد الله بن جعفر الحميري 437
    9. الفضل بن شاذان 438
    10. أحمد بن إسحاق الأشعري 440
    الفصل السادس عشر :
    شهادة الإمام الهادي عليه‌السلام
    شهادته عليه‌السلام بيد المعتز وليس المعتمد 444
    مراسم جنازة الإمام عليه‌السلام 447


    شاعران من أصحاب الإمام عليه‌السلام رثياه 450
    الفصل السابع عشر :
    بشارة الإمام الهادي بحفيده الإمام المهدي عليهما‌السلام
    نصه على إمامة ابنه الحسن العسكري عليه‌السلام 456
    تبشيره بحفيده المهدي الموعود عليه‌السلام 458
    أولاد الإمام الهادي عليه‌السلام 459
    محمد بن الإمام الهادي ، المعروف بالسيد محمد 461
    جعفر الكذاب 463
    ملاحظة في الختام 468
    مقطوعات شعرية في الإمام الهادي عليه‌السلام 470
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
     
    الامام علي الهادي عليه السلام عمر حافل بالجهاد والمعجزات علي الكوراني
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    » الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ
    » موسوعة الامام علي عليه السلام
    » الامام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ
    » الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الاموي
    » الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: 35-منتدى كتب سيرة اهل البيت عليهم السلام-
    انتقل الى: