الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
البيت اهل
المواضيع الأخيرة
» المحكم في أصول الفقه [ ج2
الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Emptyاليوم في 10:39 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» المحكم في اصول الفقه ج3
الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Emptyاليوم في 8:41 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» المحكم في أصول الفقه [ ج4
الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Emptyاليوم في 7:55 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» الصحيفه السجاديه كامله
الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Emptyأمس في 9:49 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» القول الرّشيد في الإجتهاد والتقليد [ ج ١ ]
الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Emptyأمس في 3:11 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه
الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Emptyأمس في 2:36 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» قاعدة لا ضرر ولا ضرار
الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Emptyأمس في 8:51 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» القول المبين
الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:46 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» ------التقيه
الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:37 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Empty
    مُساهمةموضوع: الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ   الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Emptyالأحد أكتوبر 27, 2024 5:49 am

    مقدمة المركز
    ليس الحديث عن سيرة وتاريخ الأئمّة : حديثاً عن الماضي ، بل المقصود بذلك إغناء حركة الواقع الإسلامي في مسيرته المعاصرة من خلال معرفة العظماء وبناة الحضارة الإسلامية الذين أغنوا تلك الحركة في عصورهم بإجابات وحلول ، لا زالت هي الجواب المحكم لأكثر من سؤال معاصر ، والحل الأمثل لجلّ المشاكل القائمة. وهكذا يكون هدفنا في دراسة أيّ من عظماء الفكر وقادته ، خصوصاً من كانت له مواقع مميزة في حياته كموقع الإمامة. ذلك لأن الإمام لا ينظر ـ من منطلق إمامته ـ في طرح المفاهيم ومعالجتها ، والمشاكل العالقة وحلّها إلى مرحلة معينة ، بل يطرحها على صعيد الحياة برمّتها ، انطلاقاً من ذلك الموقع المعبّر عن نظرة الإسلام تجاه مفاهيمه وتعاليمه.
    وفي هذا الصدد رأينا باقر العلم 7 من خلال دراسة سيرته المشرقة وتاريخه الوضّاء الحافل بأنواع العطاء ، ليس كبقية العظماء من العلماء والمجدّدين في تاريخ هذه الأُمّة الذين قادوا حركة الفكر في أزمانهم ، بل رأيناه رسالة تتحرّك على أرض الواقع ، رسالة تحمل الإسلام وتحميه ، بتدبير حكيم فذّ ، وعقل منفتح على العالم بأسره ، وحلول ناجعة شافية لمشاكل الأُمّة على أكثر من صعيد لا في حاضرها فحسب ، بل في عمرها ومستقبلها إلى أن يرث اللّه الأرض ومَن عليها.
    ولا عجب فيمن يصطفيه اللّه تعالى لحماية دينه ، وردّ كيد الكائدين به ، بل العجب من حثالات أدعياء العلم وجهلة هذه الأُمّة من الذين تجرّأوا على وضع باقر العلم 7 موضع المقارنة مع غيره من رواة الحديث وحملته! مع أن قولهم (الباقر وغيره) لا معنى له ، ولا يصحّ من كل وجه؛ لأنّ المسافة التي تفصله 7 عن غيره شاسعة تتّسع لكل الدنيا ، ولو كانت المسافة واحدة لما

    خُصّ الباقر 7 بالاصطفاء والولاية والإمامة وعُدّ من مات في زمانه ولم يعرفه مات ميتة جاهلية.
    و (الباقر) كلقب ، بل وسام قلّده النبي 9 لحفيده كما في حديث جابر المشهور ، يكفي وحده للإطاحة بكل مقارنة.
    نعم ، إنّه 7 بقر العلم بقرا ، وأسكت الكلّ في زمانه ، وانقادوا لحجّته ، ويحدّثنا تاريخ الإمام الباقر 7 إن فطاحل العلماء في زمانه كانوا لا ينبسون ببنت شفة في محضره ، وكان أعظمهم علماً إذا ما حضر بين يديه صار كالحجل في كفّ البازي لا يدري ما يقول.
    وأما عن مدرسته ، فقد تنوّعت مسارب العلم فيها ، وتعدّدت آفاقها المعرفية ، واتّسعت اتّساعاً هائلاً ، فكانت ضروباً وألواناً شتّى ، ناهيك عن علوم الشريعة فيها من فقه وتفسير وحديث وكلام ، حيث بلغت ذروتها في تلك المدرسة الشريفة.
    وأمّا عن روّاد مدرسته 7 ، فبفضل انفتاحها الواسع رأينا صنوفاً شتّى من تلامذتها ، إذ لم يكونوا كلهم أرباب فكر واحد أو اعتقاد واحد ، ولكن مدرسة الإسلام الباقرية جمعتهم في صعيد واحد بعد أن جمعهم الانتماء إلى الإسلام وفرّقتهم مدارس المسلمين ، الأمر الذي شهدت عليه بكل وضوح سيرة الإمام وتاريخه في هذا الكتاب.
    إنّه لجهد مميّز في بابه ، حيث اقتنص مؤلّفه المحترم الكثير من الحقائق التاريخية بدراسة علمية واعية موثّقة ، ليجعلها في متناول القرّاء بأسلوبه السهل الممتنع.
    سائلين المولى عزّوجلّ أن يشركنا في ثوابه إنّه سميع مجيب.
    مركز الرسالة

    المقدمة
    الحمد للّه رب العالمين ، وسلامه على عباده المصطفين محمد وآله الميامين.
    إنّ سيرة أهل البيت : تكتنز تاريخاً غنياً بالعطاء وبالجهود التي بذلوها من أجل نشر معارف الدين السامية ، وإشاعة نور الإصلاح والحقّ والعلم في دياجير الانحراف والظلم والباطل ، سيّما وهم : الركيزة الراسخة التي يقوم عليها صرح الإسلام بعد رسول اللّه 9 ، فصاروا قبلة يهوي إليها طالبو الحقّ والعدل والعلم ، وقدوة حسنة يصبو إليها أهل التقى والمكارم.
    وإمامنا الباقر 7 واحد من أفذاذ تلك السلسلة المحمدية المعصومة ، فأبوه سيّد العابدين علي بن الحسين 8 حليف المحراب والدعاء والابتهال ، وجدّه الحسين 7 شهيد الإصلاح والثورة على طغاة بني أمية ، وهو الذي سمّاه جدّه رسول اللّه 9 بـ (محمد الباقر) وأخبر عن توسعّه في العلم وتبحّره في دقائقه ، لقوله 9 لجابر بن عبد اللّه الأنصاري 2 : «يا جابر ، يوشك أن تلحق بولد من ولد الحسين اسمه كاسمي يبقر العلم بقراً ، فإذا رأيته فاقرأه منّي السلام» (1).
    __________________
    (1) هذا الحديث مروي بطرق متعدّدة ، سنأتي على ذكرها في الفصل الثاني.


    إنّ التفوّق العلمي ، هو أحد الظواهر البارزة في حياة إمامنا الباقر 7 ، فقد كان كما قال الصادق الأمين 9 قد بقر العلم وعرف أصله واستنبط فرعه ، من هنا تربّع على عرش العلم في زمانه بكل ما حوى من حقول المعرفة ، حتى اعترف معاصروه بتفوّقه وسمّوه في منار العلم.
    عن عبد اللّه بن عطاء ، قال : ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر محمد بن علي ، لقد رأيت الحكم عنده كأنّه متعلّم (1).
    وإذا كان الإمام الباقر 7 قد نأى بنفسه عن التدخّل في معترك السياسة ، فقد نشط لاستكمال جهود سلفه المعصومين : في مجال نشر معارف الإسلام ، وتفرّغ بكلّه للعلم ، فأغنى الواقع الإسلامي علماً ومعرفة ، من خلال مدرسة علمية مفتوحة على الواقع الإسلامي ، في فترة شهدت تباشير الدعوة العباسية ، وعاش فيها المسلمون صراعاً عنيفاً انتهى بسقوط العهد الأموي وبداية العهد العباسي.
    كان الإمام الباقر 7 شخصية علمية منفتحة على واقع المسؤلية ، فقد تلمّذ له ونهل من علمه جيل من أعلام معاصريه من شتّى المذاهب والاتجاهات ، واستطاع إعداد وتربية النخبة الصالحة والصفوة من فقهاء وعلماء وثقات أهل البيت المخلصين ، فنهض لإرساء قاعدة المدرسة الفقهية المستندة على أُسس الإسلام المتينة ، في وقت بدأ الحكام بترويج فقه كل من هبّ ودبّ من وعّاظ السلاطين ، فكان سفينة النجاة التي حفظت الشريعة المقدسة من أمواج الضلال والانحراف ، والنور الذي أشرق به فجر العلم.
    __________________
    (1) تاريخ دمشق / ابن عساكر 45 : 278 ، صفة الصفوة / ابن الجوزي 2 : 108 / 171.

    وكان لتلك المدرسة ميزة عن كل المدارس التي نشأت إبّان تلك المرحلة وما بعدها ، وهي الانفتاح على الواقع الإسلامي واستيعاب كل ما فيه من تيارات فكرية ومدارس مخالفة ومناقشتها بكل هدوء من غير أن تصادر الأفكار ، أو تلغي الآخر ، وبذلك قدّمت لنا درساً في وحدة الثقافة والفكر.
    ولتلك المدرسة عطاء وافر وإنجازات علمية رائعة ، لها الأثر في إغناء المعرفة الإسلامية في شتّى فنون العلم وحقول المعرفة ، كعلوم القرآن والحديث والفقه وأُصوله والعقائد والتاريخ والطب وغيرها.
    واستطاع الإمام الباقر 7 ملاحقة القضايا الفكرية التي تمثّل تحدّيات الفكر آنذاك ، سيّما ما طرأ على الواقع الإسلامي من بدع وشبهات ومفاهيم باطلة كالغلوّ والإرجاء والجبر والتفويض وغيرها ، وله احتجاجات مع أصحاب الفكر والاعتقادات المخالفة ، تركت بصماتها إلى اليوم ، إذ أجاب الإمام 7 عن الكثير من الأسئلة التي قد تكون جواباً على أكثر من سؤال يدور في أذهان المعاصرين.
    وترك لنا الإمام الباقر 7 ثروة فكرية هائلة تهدف إلى تقويم السلوك ، وتدعو إلى الأخلاق الحميدة والصفات الكريمة ، تتجلّى في الحكم والمواعظ والوصايا والرسائل التربوية.
    أما حين نتناول دراسة البعد الروحي من شخصية الإمام الباقر 7 ، نجده كآبائه الهداة الميامين ، مثلاً أعلى في العبادة والورع والزهد والتقوى والتواضع والحلم والجود والهيبة والوقار. من هنا كان ولده الصادق 7 يقول : حدّثني أبي ، وكان خير محمدي يومئذٍ على وجه الأرض (1).
    __________________
    (1) البداية والنهاية / ابن كثير 9 : 338.

    وحين نقرأ سيرة إمامنا المشرقة بالعطاء ، نأمل أن نستلهم منها دروس العظمة في الفكر والمنهج والسلوك ، لا أن نقرأ الماضي وحسب ، ذلك لأنّها تعبير عن حركة الإسلام في واقع الحياة ، والمفاهيم الإسلامية لا تعالج مرحلة معينة ، بل تعالج الحياة كلّها.
    وعلى الرغم من عدم إنصاف التاريخ الذي كتبه أعوان الطغاة ، وتعمّده في طمس سيرة هذا الإمام العظيم ، فإننا تطلّعنا من نوافذ شتّى على تاريخه 7 ، معتمدين على النزر اليسير من شتات أخباره في مصادر التاريخ ، وعلى الكم الهائل من آثاره في مصادر الحديث والتفسير ، فجاء كتابنا في ثمانية فصول ، حرصنا على أن نستوعب فيها سيرته منذ النشأة حتى قضى شهيداً وشاهداً على فصل من فصول المحنة والابتلاء بعد واقعة كربلاء الأليمة الذي كان أحد شهودها ، ومكمّلاً دوره الذي تميّز بحمل منار العلم وصيانة مسار الإسلام عقيدة وشريعة نظرية ومنهاجا. ومنه تعالى نستمدّ العون والتوفيق ، وهو من وراء القصد.

    الفصل الأوّل
    عصر الإمام الباقر عليه السلام 57 ـ 114 هـ
    تاريخ الباقر 7 :
    عاش الإمام الباقر 7 خلال الحقبة الأموية التي تميزت بالعنف والقمع ، وانتشار مظاهر الجور والظلم والفساد ، فقد امتدّت حياته 7 من سنة 57 إلى سنة 114 هـ ، فأدرك جده الحسين 7 نحو أربعة أعوام ، وهي الفترة الممتدة من غرّة رجب سنة 57 إلى المحرم سنة 61 هـ حيث شهادة جده الحسين 7 ، فكانت بدايات نشأته مع واقعة الطف الأليمة ، التي شهد كل فصولها ، وما جرى فيها من مشاهد القتل والترويع والسبي والأسر بشكل لم تعرفه الجريمة البشرية من قبل.
    روي عن الإمام الباقر 7 أنه قال : «قتل جدي الحسين 7 ولي أربع سنين ، واني لأذكر مقتله ، وما نالنا في ذلك الوقت» (1).
    وعاش أبو جعفر الباقر 7 في ظلّ إمامة أبيه علي زين العابدين 7 من سنة 61 إلى 95 هـ ، أي نحو أربع وثلاثين سنة وأشهر ، وقام بأعباء الإمامة مقام
    __________________
    (1) تاريخ اليعقوبي 2 : 320 ، وروي ثلاث سنين ، كما في وفيات الأعيان / ابن خلكان 2 : 23 ، الهداية الكبرى / الخصيبي : 241 ، الفصول المهمة / ابن الصباغ : 193.

    أبيه وهو ابن ثمان وثلاثين سنة ، من سنة 95 هـ إلى شهادته في سابع ذي الحجّة سنة 114 هـ ، أي نحو تسع عشرة سنة (1).
    وشهد خلال هذه الفترة فصولاً أُخرى من مشاهد الفوضى والجريمة والبغي الأموي ، كوقعة الحرّة بأهل المدينة ، وغزو مكة المكرمة ، وعاصر فترة نشوء الثورات والحركات المعارضة للجبروت الأموي ، كثورة المدينة المنورة ، وابن الزبير ، والمختار ، وثورة القرّاء ، والتوّابين ، وابن الأشعث ، وبدايات تحرّك الشهيد زيد بن علي 7 ، وتباشير الدعوة العباسية.
    الحكام المعاصرون له 7 :
    أدرك الإمام الباقر 7 قبل إمامته أواخر أيام معاوية بن أبي سفيان الذي عهد إلى ابنه الطاغية يزيد 60 ـ 64 هـ ، فجعل الخلافة ملكا يتوارثه آل سفيان وآل مروان ، وعهد يزيد إلى ابنه معاوية بن يزيد الذي خلع نفسه فلم يمارس الحكم ، وتوفّي بعد فترة وجيزة من البيعة له ، ومن ثم مروان بن الحكم 64 ـ 65 هـ ، وعبد الملك بن مروان 65 ـ 86 هـ ، والوليد بن عبد الملك 86 ـ 96 هـ.
    وأدرك خلال فترة إمامته 7 نحو سنة واحدة من أيام الوليد بن عبد الملك ، وأيام سليمان بن عبد الملك 96 ـ 99 هـ ، وعمر بن عبد العزيز بن مروان 99 ـ 101 هـ ، ويزيد بن عبد الملك 101 ـ 105 هـ ، وهشام بن عبد الملك 105 ـ 125 هـ ، وقضى مسموماً بعد مضي نحو تسع سنين من أيام
    __________________
    (1) راجع : الكافي / الكليني 1 : 472 ، اعلام الورى / الطبرسي 1 : 497 ، مناقب آل أبي طالب / ابن شهر آشوب 3 : 339 ، دلائل الإمامة / الطبري : 215 ، تاريخ مواليد الأئمّة : / ابن الخشاب : 25 ، كشف الغمّة / الإربلي 2 : 347.

    هشام (1).
    خصائص عصره :
    أولاً ـ انحراف المسار :
    لم يكن بنو أمية وعمالهم ممن يقيم للدين والقيم وزناً ، لذلك عملوا على انتهاك الحرمات ، والاستهانة بالمقدّسات ، وتعطيل سنن الإسلام وشرائعه والاستخفاف بها ، وأصبح زمانهم زمان الانحراف عن مسار الإسلام وإفراغه من قيمه الأخلاقية والروحية ، فنجد عبد الملك بن مروان أول من ينهى عن الأمر بالمعروف ، ويقول في خطبته بعد قتل ابن الزبير : ولا يأمرني أحد بتقوى اللّه بعد مقامي هذا إلاّ ضربت عنقه (2).
    وترضّى يزيد بن عبد الملك على أبي لهب ، وهو في مجلس طرب ، وذلك حين غنّاه أحد بني أبي لهب بشعر الفند الزمّاني ، فقال له : عمن أخذت هذا الغناء؟ قال : أخذته من أبي ، وأخذه أبي عن أبيه ، قال يزيد : لو لم ترث إلاّ هذا الصوت لكان أبو لهب 2 ورثكم خيراً كثيراً. فقال المغنّي : يا أمير المؤمنين ، إنّ أبا لهب مات كافراً مؤذّياً لرسول اللّه 9. قال يزيد : قد أعلم ما تقول ، ولكني داخلني عليه رقّة ، إذ كان يجيد الغناء (3). هذا واللّه تعالى يقول : «تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ» (4).
    __________________
    (1) الإرشاد / المفيد 2 : 168 ، إثبات الوصية / المسعودي : 153 ، دلائل الإمامة : 215 ، الهداية الكبرى : 237 ، التتمّة في تاريخ الأئمّة : / العاملي : 94.
    (2) تاريخ الخلفاء / السيوطي : 216.
    (3) شذرات الذهب / ابن العماد 1 : 129.
    (4) سورة المسد : 111 / 1.

    ووصل الأمر بالحجّاج الثقفي ـ طاغية الأُمَويين وعاملهم ـ إلى الاستخفاف بكتاب اللّه العظيم ، بل وإنكاره أيضاً! ، قال الأعمش : واللّه سمعت الحجّاج بن يوسف يقول : يا عجباً من عبد هذيل ـ يعني عبد اللّه بن مسعود ـ يزعم أنّه يقرأ قرآناً. أو قال : يزعم أنّ قرآنه من عند اللّه ، واللّه ما هو إلاّ رجز من رجز الأعراب ، واللّه لو أدركت عبد هذيل لضربت عنقه (1).
    ورمى الحجّاج بمنجنيقه الكعبة المشرفة بكيزان النار حتى احترقت ستائرها ، وصارت رماداً ، فارتجز :
    أما تراها ساطعاً غبارها
    واللّه فيما يزعمون جارها (2)

    وبلغ الفسوق والعصيان بالحجّاج وغيره من ولاة بني أمية ، إلى حدّ التجاوز على مقام النبوة ، روي عن الجاحظ أنّه قال : خطب الحجّاج بالكوفة ، فذكر الذين يزورون قبر رسول اللّه 9 بالمدينة ، فقال : تبّاً لهم ، إنّما يطوفون بأعواد ورمّة بالية ، هلاّ طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك؟ ألا يعلمون أن خليفة المرء خير من رسوله (3).
    وعلى نفس المنوال يقول خالد بن عبد اللّه القسري والي مكة في خطبة له : أيها الناس ، أيّهما أعظم ، أخليفة الرجل على أهله ، أم رسوله إليهم؟ واللّه لو لم تعلموا فضل الخليفة ، ألا إن ابراهيم خليل الرحمن استسقى فسقاه ملحاً أجاجاً ، واستسقاه الخليفة فسقاه عذباً فراتاً. يريد بذلك بئراً حفرها الوليد بن عبد الملك بالثنيّتين : ثنية طوى ، وثنية الحجون ، فكان ينقل ماؤها ، فيوضع في حوض من
    __________________
    (1) المستدرك على الصحيحين / الحاكم 3 : 556.
    (2) الفتوح / ابن أعثم 6 : 276.
    (3) شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد 15 : 242 ، النصائح الكافية / ابن عقيل : 106.

    أدم إلى جنب زمزم ، ليعرف فضله على زمزم ، قال : ثمّ غارت البئر فذهبت ، فلا يدرى أين هي اليوم (1).
    ولما أخذ خالد القسري سعيد بن جبير وطلق بن حبيب ليرسلهما إلى الحجّاج ، خطب فقال : كأنكم أنكرتم ما صنعت ، واللّه أن لو كتب إليّ أمير المؤمنين لنقضت الكعبة حجراً حجراً (2) ، واللّه لأمير المؤمنين أكرم على اللّه من أنبيائه (3).
    وأفرغت صلاة الجمعة من محتواها الروحي والعبادي ، فتحوّلت إلى مأدبة غداء ، فقد ورد أن خطباء بني أمية كانوا يأكلون ويشربون على المنبر يوم الجمعة ، لإطالتهم في الخطبة ، وكان المسلمون تحت منبر الخطبة يأكلون ويشربون (4) ، وأمثلة ذلك كثيرة سوّدت صحائف التاريخ ، وكلّها تحكي انحراف البيت الأموي عما يريد اللّه ورسوله 9.
    ثانياً ـ سياسة الارهاب والترويع :
    اعتمد الأمويون سياسة دموية في تثبيت سلطانهم ، تعتمد القمع والإرهاب والإسراف في دماء المسلمين وإذلالهم ، فقد روي أن عبد الملك كثيراً ما يجلس إلى أُمِّ الدرداء ، فقالت : بلغني أنّك شربت الطلاء (5) بعد النسك والعبادة! فقال : إي واللّه ، والدماء شربتها (6).
    __________________
    (1) تاريخ الطبري 5 : 225.
    (2) تاريخ دمشق 61 : 161 ، سير أعلام النبلاء / الذهبي 5 : 429.
    (3) الأغاني 19 : 60.
    (4) شرح نهج البلاغة 15 : 242.
    (5) الطلاء : الخمر.
    (6) تاريخ الخلفاء / السيوطي : 215.

    واتّخذ مروان بن الحكم مصلّى رسول اللّه 9 في جبانة المدينة مصلباً ، فبعثت عائشة إليه : تعست ، صلّى عليه رسول اللّه 9 ، واتّخذته مصلباً! (1).
    ووصف الوليد بن عبد الملك بأنّه شديد السطوة ، لا يتوقّف عند الغضب ، ولا ينظر في عاقبة ، ولا يكلّم عند سطوته ، وتهون عليه الدماء (2).
    ولغرض الإمعان في إذلال المسلمين ، كانت بنو أمية تختم في أعناقهم ، كما توسّم الخيل ، علامة لاستعبادهم ، ونقشوا أكفّ المسلمين علامة لاسترقاقهم ، كما يصنع بالعلوج من الروم والحبشة (3).
    وامتلأت بلاد المسلمين خلال هذه الحقبة بولاة القمع والجور ، قال عمر بن عبد العزيز : كان الوليد بالشام ، والحجاج بالعراق ، وعثمان بن حيان في الحجاز ، وقرة بن شريك بمصر ، امتلأت الأرض واللّه جوراً (4). وقائمة عمال الجور طويلة فيها الكثير من الجلادين سيئي الصيت أمثال : هشام بن اسماعيل المخزومي ، وعبد اللّه بن هشام ، وإبراهيم بن هشام ، ومحمد بن هشام ، ومحمد بن يوسف ، ومحمد بن مروان ، وخالد بن عبد اللّه القسري ، وعبد الرحمن بن الضحاك ، وخالد بن عبد الملك وغيرهم ممن ملأوا الأرض جوراً وفساداً.
    قال المسعودي : كان عدّة من قتله الحجّاج صبراً سوى من قتل في زحوفه وحروبه مئة ألف وعشرين ألفاً ، منهم سعيد بن جبير ، قتله في سنة 94 هـ ، وكميل بن زياد النخعي ، وتوفّي الحجّاج وفي محبسه خمسون ألف رجل ،
    __________________
    (1) تاريخ المدينة / ابن شبة 1 : 62.
    (2) التنبيه والاشراف / المسعودي : 274.
    (3) شرح نهج البلاغة 15 : 242.
    (4) تاريخ الخلفاء / السيوطي : 223.

    وثلاثون ألف امرأة ، وكان حبسه حائراً لا شيء فيه يكنّهم فيه من حرّ ولا برد ، ويسقون الماء مشوباً بالرماد (1).
    من هنا يقول عمر بن عبد العزيز : لو جاءت كل أمة بمنافقيها ، وجئنا بالحجّاج ، لفضلناهم (2).
    ثالثاً ـ نصب العداء لآل البيت : :
    إنّ نصب العداء لآل البيت النبوي : وبغضهم وانتقاصهم وإباحة قتلهم وسفك دمائهم ، هو سلوك مألوف درج عليه حكام بني أُمية ، فقد دأب الحاكم الأموي من عهد معاوية على لعن أمير المؤمنين الإمام علي 7 من على منابر المسلمين بعد صلاة الجمعة ثلاث مرات ، وبعضهم يزيد ذكر الحسن والحسين 8 ، رغم أن رسول اللّه 9 يقول : «من سبّ علياً فقد سبّني ، ومن سبّني فقد سبّ اللّه» (3).
    قال عبيد اللّه بن كثير السهمي :
    لعن اللّه من يسبّ علياً
    وحسيناً من سوقة وإمام

    أيسبّ المطهّرون جدوداً
    والكرام الآباء والأعمام

    يأمن الطير والحمام ولا يأ
    من آل الرسول عند المقام

    طبت بيتاً وطاب أهلك أهلاً
    أهل بيت النبي والإسلام

    رحمة اللّه والسلام عليهم
    كلّما قام قائم بسلام (4)

    __________________
    (1) التنبيه والاشراف : 274.
    (2) تاريخ ابن الوردي : 180.
    (3) المستدرك / الحاكم 3 : 121.
    (4) شرح نهج البلاغة 15 : 256.

    وكانوا يقتلون من يمتنع عن سبّه 7 ، يقول جابر الجعفي : لما أفضت الخلافة إلى بني أُمية سفكوا في أيامهم الدم الحرام ، ولعنوا أمير المؤمنين 7 على منابرهم ألف شهر ، واغتالوا شيعته في البلدان ، وقتلوهم واستأصلوا شأفتهم ، ومالأتهم على ذلك علماء السوء رغبة في حطام الدنيا ، وصارت محنتهم على الشيعة لعن أمير المؤمنين 7 ، فمن لم يلعنه قتلوه (1).
    ولا يختلف إثنان في كون آل مروان من أقبح النواصب ، يقول الذهبي : في آل مروان نصب ظاهر ، سوى عمر بن عبد العزيز (2). وقد قصد الوليد بن عبد الملك سيّد الساجدين وزين العابدين 7 ، فدسّ إليه السمّ سنة 95 هـ (3).
    ووصل بهم النصب والبغض أن حاربوا حتّى مَن يتسمّى بأسمائهم ، فقد روي أن إنساناً وقف للحجّاج الثقفي فصاح به : أيها الأمير ، إنّ أهلي عقّوني فسمّوني علياً ، وإنّي فقير بائس ، وإلى صلة الأمير محتاج. فتضاحك له الحجّاج قائلاً : للطف ما توسّلت به ولّيتك موضع كذا (4).
    على أن عمر بن عبد العزيز وإن استُثني من ظاهرة النصب الأموي المرواني ، إلاّ أنّه كان ـ مع ذلك ـ محكوماً بالفكر الأموي أيضاً في تفضيل عثمان على علي 7 ، قال ميمون بن مهران : كنت أفضل علياً على عثمان ، فقال لي عمر ابن عبد العزيز : أيّهم أحبُّ إليك ، رجل أسرع في الدماء ، أو رجل أسرع في
    __________________
    (1) عيون المعجزات / حسين بن عبد الوهاب : 69.
    (2) سير أعلام النبلاء 5 : 113.
    (3) مصباح الكفعمي : 522 ، الفصول المهمة : 208 ، نور الأبصار / الشبلنجي : 157.
    (4) شرح نهج البلاغة 11 : 46 ، ونحوه في 4 : 46.

    المال؟ قال : فرجعت وقلت : لا أعود (1).
    وكان عهد هشام بن عبد الملك حافلاً بالتعسّف والصدام المعلن مع الإمام الباقر 7 ، فقد أمر بإشخاصه مع ولده الصادق 8 إلى الشام ، ولما ورد حجبه ثلاثة أيام (2) ، وتآمر مع أصحابه ومن كان بحضرته من بني أُميّة للنيل منه وتوبيخه ، فلما دخل عليه أبو جعفر 7 قال بيده السلام عليكم ، فعمّهم جميعاً بالسلام ثم جلس ، فازداد هشام عليه حنقاً بتركه السلام عليه بالخلافة وجلوسه بغير إذن ، فأقبل يوبّخه ، ويقول فيما يقول له : يا محمد بن علي ، لا يزال الرجل منكم قد شقّ عصا المسلمين ، ودعا إلى نفسه ، وزعم أنه الإمام سفهاً وقلّة علم ، فلما سكت القوم نهض 7 قائماً ، ثم قال : «أيها الناس ، أين تذهبون ، وأين يُراد بكم؟! بنا هدى اللّه أولكم ، وبنا يختم آخركم ، فإن يكن لكم ملك معجّل ، فإن لنا ملكاً مؤجلاً ، وليس بعد ملكنا ملك ، لأنا أهل العاقبة ، يقول اللّه عزّوجلّ : «وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» (3). فأمر به إلى الحبس» (4). وأخيراً تكشّفت سريرة هشام بدسّ السمّ إلى الإمام 7 والقضاء على حياته (5).
    وقد عبّر الإمام الباقر 7 عن حالة الظلم المقصود به آل محمد : ، في
    __________________
    (1) تاريخ دمشق 16 : 348 ، سير أعلام النبلاء 5 : 72.
    (2) نوادر المعجزات / الطبري : 129 ، دلائل الإمامة / الطبري : 233.
    (3) سورة الأعراف : 7 / 128.
    (4) الكافي 1 : 471 / 5 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 322.
    (5) راجع : مناقب آل أبي طالب 3 : 339 ، دلائل الإمامة : 215 و 216 ، نور الأبصار : 195 ، الصواعق المحرقة / الهيتمي : 201 ، اسعاف الراغبين / ابن الصبان : 254 ، مصباح الكفعمي : 522 ، أحسن القصص / الشريف علي فكري 4 : 272 ، الفصول المهمة : 222 ، بحار الأنوار 46 : 217 / 19 ، التتمة : 96.

    حديثه لجابر الجعفي ، قال 7 : «لا رعى اللّه هذه الأُمّة ، فإنها لم ترعَ حقّ نبيّها 9 ، أما واللّه لو تركوا الحق على أهله لما اختلف في اللّه تعالى اثنان ، ثم أنشأ 7 يقول :
    إنّ اليهود بحبِّهم لنبيِّهم
    قد آمنوا من حادث الأزمان

    وذوو الصليب بحبِّ عيسى أصبحوا
    يمشون زهواً في قرى نجران

    والمؤمنون بحبِّ آل محمد
    يُرمَون في الآفاق بالنيران» (1)

    وعبّر الشاعر أبو ثميلة الأبّار عن رزية البيت النبوي خلال الحكم الأموي ، في قصيدته التي يرثي بها زيداً :
    والناس قد أمنوا وآل محمد
    من بين مقتول وبين مشرّد

    نصب إذا ألقى الظلام ستوره
    رقد الحمام وليلهم لم يرقد (2)

    البطش بشيعتهم :
    لم يترك بنو أمية وسيلة من وسائل الإيذاء إلاّ اقترفوها بحقّ آل أبي طالب وشيعة أهل البيت ومواليهم ، فأمروا العمال والولاة بتشريدهم وملاحقتهم وقطع أرزاقهم والتضييق عليهم ، وملأوا بهم السجون ، وعرضوهم على البراءة أوالسيف ، فقتل من الشيعة خلقاً كثيرا سيما في زمان الحجاج.
    وعرض جابر الجعفي في حديث شكوى الشيعة إلى الإمام زين العابدين 7 ، واقع التشيع في ذلك الوقت ، قال جابر : «اشتكت الشيعة إلى زين العابدين 7 ، وقالوا : يابن رسول اللّه ، أجلونا عن البلدان ، وأفنونا بالقتل الذريع ، وقد أعلنوا لعن أمير المؤمنين 7 في البلدان ، وفي مسجد رسول اللّه 9
    __________________
    (1) ينابيع المودة / القندوزي 3 : 42 ، كفاية الأثر / الخزاز : 247.
    (2) مقاتل الطالبيين / ابو الفرج : 102.

    وعلى منبره ، ولا ينكر عليهم منكر ، ولا يغير عليهم مغير ، فان أنكر واحد منا على لعنه قالوا : هذا ترابي ، ورفع ذلك إلى سلطانهم ، وكتب إليه : ان هذا ذكر أبا تراب بخير حتى ضرب وحبس ثم قتل. فلما سمع ذلك 7 نظر إلى السماء وقال : سبحانك! ما أعظم شأنك! إنّك أمهلت عبادك حتّى ظنّوا أنّك أهملتهم ، وهذا كلّه بعينك ، إذ لا يغلب قضاءك ، ولا يردّ تدبير محتوم أمرك ، فهو كيف شئت وأنّى شئت ، لما أنت أعلم به منّا» (1).
    ومن أفعالهم في هذا الخصوص ، ما روي أن هشام بن إسماعيل المخزومي كان ظالماً مبغضاً لآل محمد 9 ، أظهر لهم العداوة وأساء إلى آل أبي طالب والعلويين خصوصا ، قال عبد اللّه بن محمد بن عمر بن علي : كان هشام بن إسماعيل يسيء جوارنا ويؤذينا ، ولقي منه علي بن الحسين أذىً شديداً (2).
    ودسّ سليمان بن عبد الملك السمّ إلى عبد اللّه بن محمد بن علي بن أبي طالب ، فمات منه بالحميمة من أرض الشراة سنة 97 هـ بعد أن وفد إليه (3).
    واستعمل يزيد بن عبد الملك على المدينة عبد الرحمن بن الضحّاك الفهري ، وخطب عبد الرحمن فاطمة بنت الحسين بن علي ، فأرسل إليها رجالاً يحلف باللّه لئن لم تفعلي ليضربنّ أكبر ولدها بالسياط ، فشكته فعزل عن عمله (4).
    وكان شيعة آل البيت يعرضون على البراءة من أمير المؤمنين 7 ، وتفشّت الحالة إلى الحدّ الذي سئل الإمام الباقر 7 عن فقه المسألة ، روى عبد اللّه بن
    __________________
    (1) عيون المعجزات / حسين بن عبد الوهاب : 69.
    (2) تاريخ الطبري 5 : 217 ، الارشاد 2 : 147.
    (3) مقاتل الطالبيين : 124 ، التنبيه والاشراف : 292.
    (4) تاريخ اليعقوبي 2 : 312.

    عطاء ، قال : قلت لأبي جعفر الباقر 7 : «رجلان من أهل الكوفة أخذا ، فقيل لأحدهما : ابرأ من أمير المؤمنين 7 ، فبرئ واحد منهما ، وأبى الآخر ، فخُلّي سبيل الذي برئ ، وقُتل الآخر؟ فقال 7 : أما الذي برئ فرجل فقيه في دينه ، وأما الذي لم يبرأ فرجل تعجّل إلى الجنّة» (1).
    وضيّق الوليد بن عبد الملك على الشيعة في العراق ، فهربوا إلى نواحي مكة والمدينة من قمع الحجّاج ، فعزل الوليد عمر بن عبد العزيز من المدينة ، وأبدله بالجلاّد عثمان بن حيّان ، الذي فرض عليهم الحصار ، وأخذ عليهم الطرق ، حيث ارتقى المنبر فقال : واللّه ما جربت عراقياً قط إلاّ وجدت أفضلهم عند نفسه الذي يقول في آل أبي طالب ما يقول ... وإنّي واللّه لا أوتى بأحد آوى أحداً منهم ، أو أكراه منزلاً ، أو أنزله ، إلاّ هدمت منزله ، وأنزلت به ما هو أهله (2). فكان يلقي القبض على من تمكّن منهم ، ويعاقبهم ويحبسهم ، ثم يبعث بهم إلى الحجّاج في العراق.
    وروي عن الإمام الباقر 7 أن يحيى بن أم الطويل ـ وهو من أصحابه ـ طلبه الحجّاج ، فقال : تلعن أبا تراب ، وأمر بقطع يديه ورجليه وقتله ، وأما أبو خالد الكابلي فهرب إلى مكّة ، وأخفى نفسه فنجا (3).
    وقطع يوسف بن عمر بنفسه يد سليمان بن خالد بن دهقان ، أبو الربيع الأقطع ، لخروجه مع زيد ، وكان قارئاً فقيهاً وجهاً (4).
    __________________
    (1) الكافي 2 : 175 / 21.
    (2) تاريخ الطبري 5 : 259.
    (3) معجم رجال الحديث / الإمام الخوئي 12 : 37.
    (4) رجال النجاشي : 183.

    وكتب هشام بن الحكم إلى خالد بن عبد اللّه القسري يقسم عليه أن يقطع لسان الكميت ويده ، لقصيدة رثى بها زيد بن علي 7 وابنه ومدح بني هاشم. فلم يشعر الكميت إلاّ والخيل محدقة بداره ، فأُخذ وحبس في المحبس ، وخلّصه أبان بن الوليد ، وكان صديقه (1).
    وأمر الإمام الباقر 7 جابر بن يزيد الجعفي أن يتظاهر بالجنون ، كي يتخلّص من بطش السلطة ، فخرج وفي عنقه كعاب قد علقها ، وقد ركب قصبة ، وهو يردّد أشعاراً واجتمع عليه الصبيان والناس ، والناس يقولون : جُنّ جابر ابن يزيد جنّ ، وذهب إلى الرحبة ، وما مضت الأيام حتى ورد كتاب هشام بن عبد الملك إلى واليه أن انظر رجلاً يقال له : جابر بن يزيد الجعفي فاضرب عنقه ، وابعث إليّ برأسه. فسأل الوالي عنه ، فقيل له : كان رجلاً له علم وفضل وحديث فجنّ ، وهو ذا في الرحبة مع الصبيان على القصب يلعب معهم ، فعفى عنه (2).
    رابعاً ـ ظهور الحركات المناهضة للسلطة :
    كان من تداعيات سياسة الجور والاستبداد التي انتهجها طغاة بني اُمية ، واستهتارهم بقيم وتعاليم الإسلام ، أن تألبت عليهم الأمة بجملة نهضات تاريخية اندلعت هنا وهناك ، بدأها أهل البيت بثورة الحسين 7 ، وختموها بثورة زيد وابنه يحيى.
    1 ـ نهضة الطف (سنة 60 ـ 61 هـ ) :
    وصل يزيد لعنه اللّه إلى ذروة السلطة بعهد من أبيه معاوية ، وكان حاكماً منحرفاً مستهتراً بقيم الإسلام ، أشاع مظاهر الفساد والمنكر ، وتجاهر بالكفر
    __________________
    (1) الاغاني / أبو الفرج 15 : 114 ، الغدير / الأميني 2 : 194.
    (2) الكافي 1 : 396 / 7.

    والفسوق وأنواع الرذيلة (1) ، وحين وصل إلى سدة الحكم أراد انتزاع البيعة من الحسين 7 ، فامتنع الحسين 7 ، ورأى أن مجرّد السكوت عن هذا الحاكم الفاسق يشكّل خطرا داهماً على الإسلام كدعوة ودين ، فكيف يبايعه وهو وارث الرسول ووصيّه وسبطه وسيّد شباب أهل الجنة ، من هنا اختار طريق الصراع المسلح والثورة على الطغيان اليزيدي ، فخرج من المدينة بعياله وأهل بيته وأنصاره الصادقين ، وأعلن أهداف نهضته ، وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإحياء معالم الدين ، وطلب الإصلاح في الأُمّة وإيقاظ ضميرها وتحريك وجدانها ، كي يحيا من حيي عن بينة ، ويهلك من هلك عن بينة.
    ومن مكة قصد العراق مصمِّما على تحقيق أهداف نهضته ، فتسابق هو وأصحابه إلى الشهادة ونيل الرضوان ، وسجّلوا ملحمة البطولة والفداء بدمائهم الزكيّة حتّى تضرّجوا بدم الشهادة على طفّ كربلاء. ولم ينم بنو أمية مل ء جفونهم بعد مصرع الحسين 7 ، بل هزّت واقعة الطف عروشهم ، وزلزلت الأرض تحت أقدامهم ، وكشفت عن أقنعتهم المزيفة ، فكانت رائدة الثورات والانتفاضات التي بدّدت سلطانهم ومزّقت ملكهم أي ممزّق.
    2 ـ ثورة أهل المدينة (سنة / 63 هـ ) :
    بعث أهل المدينة وفداً إلى الشام ، فعادوا وهم يشهدون أن يزيد رجل لا دين له ، يشرب الخمر ، ويدع الصلاة ، ويلعب بالكلاب ، ويعزف بالطنابير ، وينكح الأمهات والبنات والأخوات ، فخلعه أهل المدينة ، وبايع الأنصار عبد اللّه بن حنظلة الأنصاري ، وبايعت قريش عبد اللّه بن مطيع بن الأسود والمنذر بن الزبير ، فوجّه إليهم يزيد جيشاً بقيادة السفّاح مسرف بن عقبة ،
    __________________
    (1) راجع : الفخري في الآداب السلطانية : 55 ، مروج الذهب 3 : 67.

    فاستباح المدينة ثلاثة أيام لجنده بأمر يزيد ، انتهك فيها الجيش الأموي مدينة الرسول ، فهتك الأعراض ، وأزهق نفوس وجوه الناس من قريش والأنصار والمهاجرين ، ونهب الأموال (1).
    3 ـ حركة التوابين (سنة / 65 هـ ) :
    أمير هذه الثورة الصحابي سليمان بن صرد الخزاعي ، وكان ممّن كاتب الحسين 7 ليبايعه ، فلما عجز من نصرته 7 ندم وحارب (2) ، ودعا الناس إلى التوبة ، فبايعه نحو خمسة آلاف على الثأر للحسين 7 ، فسار بهم نحو الشام لحرب عبيد اللّه بن زياد ، فعسكروا في عين الوردة ، فالتحم القتال ثلاثة أيام ، فأبلوا بلاء حسناً ، وقاتلوا شوقاً ورغبةً إلى رضوان ربّهم ، وأصدقوا القتال والتوبة حتّى قُتل سليمان وخيرة أصحابه ، وانحاز الباقون إلى بلدانهم (3).
    4 ـ حركة ابن الزبير (سنة / 73 هـ ) :
    دعا عبد اللّه بن الزبير إلى نفسه ، فبُويع له بالخلافة عقب وفاة معاوية بن يزيد سنة 64 هـ.
    وهكذا استامها كل مفلسِ.
    وتوسّعت حركته في رقعة جغرافية واسعة ، فشملت الحجاز والبصرة والكوفة وفارس والأهواز وخراسان ومصر واليمن وأكثر الشام ، وجعل قاعدة ملكه المدينة ، وكانت له مع الأمويين وقائع هائلة ، حتّى سيّر عبد الملك بن
    __________________
    (1) تاريخ اليعقوبي 2 : 250 ، المنتظم / ابن الجوزي 6 : 7 ، الطبقات الكبرى 5 : 66 ، تاريخ الإسلام / الذهبي 5 : 23 ، تهذيب الكمال / المزي 14 : 436 / 3236.
    (2) سير أعلام النبلاء 3 : 395 / 61 في ترجمة سليمان بن صرد نقله عن ابن عبد البر القرطبي المالكي.
    (3) تاريخ اليعقوبي 2 : 257 ، المنتظم 6 : 35.

    مروان إليه الحجّاج الثقفي ، فانتقل إلى مكة ، وعسكر الحجّاج في الطائف ، ونشبت بينهما حروب شديدة رمى فيها الحجّاج الكعبة بأحجار المنجنيق ، وانتهت بمقتل ابن الزبير في مكة سنة 73 هـ بعد أن خذله عامّة أصحابه ، وكانت مدّة ملكه تسع سنين.
    وكان ابن الزبير خبيثاً ، عدوّاً للحقّ ، بخيلاً قليل العطاء ، كثير الحسد والخلاف ، شديد العداوة والبغضاء لآل أبي طالب ، تحامل على بني هاشم تحاملاً شديداً ، حتّى أنّه حين تسلّط على المدينة ترك الصلاة على محمد 9 في خطبته ، فقيل له : لِمَ تركت الصلاة على النبي 9. فقال : إنّ له أُهيل سوء إذا ذكرته أتلعوا أعناقهم ، فأنا أحبّ أن أكبتهم. وحين امتنع محمد بن الحنفية وعبد اللّه بن عباس عن بيعته ، أخذهما ابن الزبير مع أربعة وعشرين رجلاً من بني هاشم ، فحبسهم في حجرة زمزم ، وحلف باللّه الذي لا إله إلاّ هو ليبايعن أو ليحرقنّ بالنار ، فأنقذهم جيش المختار ، وكان ينال من علي بن أبي طالب 7 ويسبّه (1). من هنا كان أبو جعفر الباقر 9 يسمّيها فتنة ابن الزبير (2).
    5 ـ حركة المختار الثقفي (سنة / 65 ـ 67 هـ ) :
    وهو 2 من زعماء الثائرين على بني أمية ، وأحد الشجعان الأفذاذ ، بدأت حركته بعد ثورة التوّابين ، فعندما انتهت المواجهة ، دخل الذين انحازوا إلى الكوفة من جيش ابن صرد تحت مظلّة المختار ، ذلك لأنّ شعار المختار هو الثأر لدماء الحسين 7 ، والاقتصاص من قاتليه ، فكثر أتباعه ، واستولى على
    __________________
    (1) تاربخ اليعقوبي 2 : 261 ، تاريخ الخلفاء : 196 ، المنتظم 6 : 138 ، الاستيعاب / ابن عبد البر2 : 302 ، الاعلام / الزركلي 4 : 86 و 7 : 247.
    (2) اكمال الدين / الصدوق : 386 / 2.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ   الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Emptyالأحد أكتوبر 27, 2024 5:51 am

    الكوفة ، وتتبّع قتلة الحسين 7 فقتلهم ، فأقرّ عيون آل أبي طالب ، واستولى على الموصل والجزيرة ، وبقي حتّى بعث ابن الزبير جيشا كثيفا بقيادة أخيه مصعب ، فهزم المختار وقتله وقتل أصحابه ، وكانوا زهاء خمسة آلاف أسير ، وأبردوا برأس المختار إلى ابن الزبير في مكة ، فترحّم عليه ابن عباس ، ورغم أن الإمام زين العابدين 7 لم يكن طرفاً في حركة المختار ، لكنّه استبشر فرحاً حين أبرد برأس ابن زياد إليه ، وخرّ ساجدا ودعا له وجزاه خيراً ، وبارك ابن الحنفية للمختار أخذ ثأرهم (1) ، فويل لقاتله من النار.
    6 ـ حركة ابن الأشعث (سنة / 81 ـ 82 هـ ) :
    وكانت بقيادة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي ، الذي سيّره الحجّاج بجيش لغزو بلاد الترك وراء سجستان ، فتمرّد عليه وخلع طاعته وطاعة عبد الملك بن مروان سنة 80 هـ ، وكان أغلب أصحابه من القرّاء وأهل العلم ، كالحسن البصري ، وعامر الشعبي ، وسعيد بن جبير ، ومالك بن دينار ، وابن أبي ليلى وغيرهم ، وزحف بهم عبد الرحمن سنة 81 هـ إلى العراق ، فكانت له وقائع مع الحجّاج ، ظفر فيها عبد الرحمن ، وتمّ له ملك سجستان وكرمان والبصرة وفارس ، واستولى على الكوفة ، فقصده الحجّاج ، فحدثت بينهما موقعة دير الجماجم التي دامت مئة وثلاثة أيام ، وانتهت بخروج ابن الأشعث من الكوفة ، ومن ثم مقتله ، وبعث برأسه إلى الحجّاج سنة 85 هـ (2).
    __________________
    (1) تاريخ اليعقوبي 2 : 259 ، مروج الذهب / المسعودي 3 : 86 ، الفتوح / ابن أعثم 6 : 200 ، رجال الكشي : 125 ، شرح الأخبار / القاضي النعمان 3 : 270.
    (2) راجع : تاريخ الإسلام 6 : 10 ، الاعلام 3 : 323.

    7 ـ ثورة زيد بن علي 7 (سنة / 121 هـ ) :
    وهو أخو الإمام الباقر 7 ، وكان عابداً ورعاً فقيهاً سخيّاً شجاعاً ، ويعرف حليف القرآن ، كانت أحداث ثورته في زمان الإمام الصادق 7 ، غير أن بداية تحرّكه كان في زمان الإمام الباقر 7 ، وذلك أن هشاماً أشخصه إلى الشام ، فحجبه عنه مبالغة في الاستهانة به ، ثم ضيّق عليه وحبسه ، وقال له يوماً : بلغني أنّك تذكر الخلافة وتتمنّاها ، ولست هناك لأنّك ابن أمة! فقال زيد : ان لك جواباً.
    قال : تكلّم. قال : انه ليس أحد أولى باللّه ولا أرفع درجة عنده من نبي ابتعثه ، وهو إسماعيل بن إبراهيم ، وهو ابن أمة ، قد اختاره اللّه لنبوته ، وأخرج منه خير البشر. فقال هشام لعنة اللّه وملائكته عليه : فما يصنع أخوك البقرة! فغضب زيد حتى كاد يخرج من إهابه ، ثم قال : سمّاه رسول اللّه 9 الباقر ، وتسمّيه أنت البقرة! لشدّ ما اختلفتما! لتخالفنّه في الآخرة كما خالفته في الدنيا ، فيرد الجنة ، وترد النار. وقال زيد : لم يكره قوم قطّ حرّ السيوف إلاّ ذلّوا. ثمّ أمر هشام بحمله إلى عامله ، وقد جرت هذه المقابلة بين زيد وبين هشام في حياة الإمام الباقر 7 ، وكان ذلك بدايات نهضته.
    وحين خرج زيد 2 بايعه غالب أهل الكوفة على الدعوة إلى الكتاب والسنّة ، وجهاد الظالمين ، والدفع عن المستضعفين ، وإعطاء المحرومين ، والعدل في قسمة الفيء ، وردّ المظالم ، ونصرة أهل البيت ، والطلب بثارات الحسين 7 ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والرضا من آل محمد ، وبايعه كثير من الفقهاء والعلماء ، وأبلى بلاءً حسناً في قتال الأمويين ، ثم تخلّف عنه أهل الكوفة ، فجاهد حتى قُتل رضوان اللّه تعالى عليه ، وصلب نحو أربع سنين ، ثم أحرقه

    يوسف بن عمر بالنار ، وألقى رفاته بالفرات ، بأمر الوليد بن يزيد ، وترحّم عليه ابن أخيه الإمام الصادق 7 (1).
    وأخبر الإمام الباقر 7 عن خروج أخيه زيد بالكوفة ، وأنّه يُقتل ويُطاف برأسه ، ويُصلَب بالكناسة (2).
    8 ـ ظهور الدعوة العباسية (سنة / 87 ـ 132 هـ ) :
    روى ابن عساكر أن ابتداء دعاة بني العباس إلى محمد بن علي ، وتسميتهم إيّاه بالإمام ، كان في خلافة الوليد سنة 87 هـ ، ولم يزل الأمر في ذلك يتزايد إلى أن توفّى سنة 124 هـ ، وأوصى إلى ابنه إبراهيم (3).
    وذكر المسعودي أنّه كان مبدأ الدعوة العباسية في سنة 100 هـ ، حيث أفضى بها أبو هاشم عبد اللّه بن محمد بن الحنفية إلى محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس سنة 98 هـ ، وعرف بينه وبين الدعاة ، وأعلمه أن الخلافة صائرة إلى ولده ، وأمره أن يكون ابتداء الدعوة سنة 100 هـ (4).
    ولما دخلت سنة 100 هـ بثّ محمد بن علي دعاته بالآفاق يدعون إلى بني العباس ، وفي سنة 111 هـ ظهرت دعوتهم ، وكثر من يجيبهم إلى خلع
    __________________
    (1) مصادر ترجمته : الطبقات الكبرى 5 : 333 ، تاريخ الطبري 5 : 558 و 507 ، مقاتل الطالبيين : 89 ، التنبيه والاشراف : 279 ، مروج الذهب 2 : 191 و 207 ، الارشاد 2 : 168 ، كشف الغمة 2 : 337 و 353 ، شرح نهج البلاغة 3 : 286 ، البدء والتاريخ / المقدسي 6 : 49 ، وفيات الأعيان 6 : 110 ، الخرائج والجرائح / الراوندي 1 : 278 و 281 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 322 ، المنتظم 7 : 207.
    (2) مقاتل الطالبيين : 89 ، الهداية الكبرى : 239.
    (3) تاريخ دمشق 45 : 368.
    (4) التنبيه والاشراف : 292.

    بني أمية (1).
    وواصل إبراهيم بن محمد تحدّي السلطة الأموية بعد أبيه ، حتى مقتله في حبس مروان بن محمد سنة 131 هـ ، واستطاع الدعاة تصدير بعض الشعارات العلوية لاستقطاب المدّ العلوي ، ومنها الرضا لآل محمد ، فكثر من يأتيهم ويميل معهم ، سيّما بعد مقتل زيد بن علي سنة 121 هـ ، حتى أطاحوا بالعرش الأموي سنة 132 هـ.
    وقد أخبر الإمام الباقر 7 هشام بن عبد الملك بدنو زمان ملك بني العباس ، حين أشخصه إلى الشام ، وسأله هشام : «أنت أبو جعفر الذي تقتل بني أمية ، فقال 7 : لا ، قال : فمن ذاك؟ فقال 7 : ابن عمّنا أبو العباس بن محمد ابن علي ، فنظر إليه هشام وقال : واللّه ما جرّبت عليك كذباً ، ثم قال : ومتى ذاك؟ قال : عن سنيات واللّه ما هي ببعيدة» (2).
    وعن أبي بصير أن الإمام أبا جعفر 7 أخبر بني العباس بملكهم ، وكانوا في ناحية مسجد المدينة ، منهم داود بن علي ، وسليمان بن خالد ، وأبو جعفر الدوانيقي. فقال 7 وهو يشير إلى أبي جعفر الدوانيقي : «أما واللّه لا تذهب الليالي والأيام ، حتى يملك ما بين قطريها ، ثم ليطأن الرجال عقبه ، ثم ليذلن له رقاب الرجال ، ثم ليملكن ملكاً شديداً.
    وقال 7 حين سأله الدوانيقي عن الدولة : دولتكم قبل دولتنا ، وسلطانكم قبل سلطاننا ، سلطانكم شديدعسر لايسر فيه ، وله مدّة طويلة ، واللّه لايملك بنو أمية يوماً إلاّملكتم مثليه ، ولاسنة إلاّملكتم مثليها ، ولتتلقفهاصبيان منكم
    __________________
    (1) تاريخ اليعقوبي 2 : 306.
    (2) مناقب آل أبي طالب 3 : 320.

    فضلاً عن رجالكم ، كما تتلقّف الصبيان الكرة ، أفهمت؟ ثم قال : لا تزالون في عنفوان الملك ترغدون فيه ، ما لم تصيبوا منّا دماً حراماً ، فإذا أصبتم ذلك الدم غضب اللّه عزّوجلّ عليكم ، فذهب بملككم وسلطانكم ، وذهب بريحكم» (1).
    9 ـ حركات الخوارج :
    كان الخوارج تيارات فكرية مختلفة ، تتّفق جميعاً على لغة التكفير واستباحة الدماء ، فمنهم الأزارقة ، أتباع نافع بن الأزرق ، وكانت لهم حروب شديدة مع الأمويين في البصرة والأهواز ، قاتلوا أهل الشام مع ابن الزبير أولاً ، فلما علموا أنّه يتولّى عثمان فارقوه ، فانتدب المهلب لقتالهم ، فحاربهم وهزمهم ، وانحازوا إلى الأهواز ، ثم إلى فارس ، وقتل نافع بن الأزرق سنة 65 هـ ، ثم لم يزل يواقعهم من بلد إلى بلد حتى قُتل ابن الزبير ، وخلص الأمر إلى عبد الملك ، واستمر في قتالهم حتى سنة 78 هـ حيث ضعف أمرهم.
    ومنهم النجدات ، أتباع نجدة الحروري ، استولوا على حضرموت والبحرين واليمن والطائف واليمامة وعمان وهجر ، وكان أول أمره مع نافع بن الأزرق ، وفارقه لاحداثه في مذهبه ، ثم خرج باليمامة أيام عبد اللّه بن الزبير ، وأتى البحرين واستقرّ بها ، وتسمّى بأمير المؤمنين ، ووجّه إليه مصعب بن الزبير جيشاً بعد جيش فهزمهم حتى قُتل.
    ومنهم الأباضية ، وهم أتباع عبد اللّه بن أباض ، الذي تخلّف عن قتال ابن الزبير مع ابن الأزرق ، فتبرّأ ابن الأزرق منه ، وقتل ابن أباض في أيام مروان بن محمد ، وافترقت هذه الجماعة فيما بينها (2).
    __________________
    (1) الكافي 8 : 210 / 256 ، ونحوه في الصواعق المحرقة : 121 ، والخرائج 1 : 273.
    (2) الأخبار الطوال / الدينوري : 199 ، لسان الميزان / ابن حجر 3 : 248 / 1083 ،

    خامساً ـ نشوء العقائد المنحرفة :
    1 ـ الدعوة إلى الجبر :
    الجبر هو الاعتقاد بنسبة أفعال العباد إلى اللّه تعالى ، ويقول المجبرة : ليس لنا صنع ، أي لسنا مخيرين في أفعالنا التي نفعلها ، بل اننا مجبورون بإرادته ومشيئته تعالى ، فهم يعطلون أي دور للإنسان في أقواله وأفعاله ، وقد تبنّى الأمويون مقولة الجبر من أجل تثبيت أركان دولتهم ، بدعوى أن اللّه آتاهم الملك قدراً مقدراً ، فلا يجوز انتزاعه منهم ، ونشط الجبر في أحضان البلاط الأموي كعقيدة يتذرّعون بها لتبرّر ظلمهم ، وتنزيه ساحتهم مما ارتكبوه من مفاسد وموبقات ، مدّعين أنّها من قضاء اللّه وقدره ، وهم منها براء ، وإن كانت تجرى على أيديهم.
    2 ـ ظهور المفوضة :
    في مقابل القول بالجبر ، ظهر اتجاه منحرف آخر يدعو إلى القول بالاختيار ، أو التفويض المطلق ، وهؤلاء يرون أن اللّه سبحانه لا دخل له في أفعال العباد سوى أنّه خلقهم وأقدرهم ، ثمّ فوّض أمر أفعالهم إلى سلطانهم وإرادتهم ، ولا دخل لأي إرادة أو سلطان عليهم ، فنفوا كل أثر لمشيئة اللّه وإرادته.
    وقد وقف الأمويون بوجه أصحاب هذه الفكرة الهدامة ، لأنّها تنقض ما جعلوه أساساً لأركان سلطانهم ، وهو القول بالجبر ، فأخذ عبد الملك بن مروان معبداً الجهني وعذّبه ثمّ قتله ، وقبض هشام على غيلان الدمشقي وقتله.
    وقد طال معترك الكلام بين أصحاب الجبر والاختيار ، حتّى تصدّى الإمام الباقر والصادق 8 لنقض المقولتين ، وهدوا الناس إلى مذهب وسط بين الجبر
    __________________
    الفرق بين الفرق / البغدادي : 70 ، الأعلام 4 : 191 و 5 : 200 و 7 : 351 و 8 : 10.

    والاختيار ، وهو الأمر بين الأمرين ، فجمعوا الآراء المتشعّبة ، مستندين إلى ما آي الكتاب الكريم في هذا الشأن.
    قال أبو جعفر الباقر وأبو عبد اللّه الصادق 8 : «إنّ اللّه عزّوجلّ أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ثم يعذّبهم عليها ، واللّه أعزّ من أن يريد أمراً فلا يكون» (1).
    ومنع الإمام الباقر 7 أصحابه من الائتمام بمن يقول بالقدر ، قال الحارث ابن سريج البزّاز : «قلت لمحمد بن علي إن لنا إماماً يقول في القدر ، فقال : اُنظر كل صلاة صلّيتها خلفه أعدها ، إخوان اليهود والنصارى ، قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون» (2).
    3 ـ الدعوة إلى الإرجاء :
    المراد بالإرجاء التأخير ، والمرجئة هم الذين يبالغون في إثبات الوعد ، ويرجون المغفرة والثواب لأهل المعاصي ، ويرجئون حكم أصحاب الكبائر وسائر المذنبين إلى الآخرة ، فلا يحكمون عليهم بكفر ولا فسق ، ويرى المرجئة أن الإيمان معرفة بالقلب وتصديق باللسان ، وهو قول بلا عمل ، ولا يضرّ معه ذنب أو معصية ، وهو لا يزيد ولا ينقص (3).
    وقد روّجت السلطة الأموية لفكرة الإرجاء ، لتبرير هوس طغاتهم بالدماء ، وإيغالهم بالجريمة والظلم ، واستباحة الحرمات ، واستخفافهم بأحكام الدين ، وتعطيل الكتاب والسنّة ، كي يبقوا رغم ذلك مؤمنين ، لا يضرّ بإيمانهم
    __________________
    (1) التوحيد / الصدوق : 360 / 3.
    (2) اعتقاد السنّة / ابن منصور : 731.
    (3) راجع : الملل والنحل 1 : 125.

    معصية ، ولا ينقصه عمل!
    روي أنّه لما استخلف يزيد بن عبد الملك (101 ـ 105 هـ ) قال : سيروا سيرة عمر بن عبدالعزيز ، فأتوه بأربعين شيخاً شهدوا له أن الخلفاء لا حساب عليهم ولا عذاب (1) ، فأقبل على الجور والبذخ ، وانهمك بالشرب وسماع الغناء.
    ويشير طاوس اليماني لآثار هذا الاعتقاد في أفكار الناس بقوله : عجبت لإخواننا من أهل العراق يسمّون الحجّاج مؤمناً ، قال الذهبي : يشير إلى المرجئة منهم ، الذين يقولون : هو مؤمن كامل الإيمان مع عسفه وسفكه الدماء وسبّه الصحابة (2).
    ووقف أئمّة أهل البيت : بوجه هذا الفكر الهدّام ، فروي عن الإمام الباقر 7 أنّه لعن المرجئة ، وقال في حديث : «اللهمّ العن المرجئة ، فإنّهم أعداؤنا في الدنيا والآخرة» (3).
    وهناك المزيد من الحديث الوارد عن الإمام الباقر 7 ينقض فيها أفكار المرجئة صيانة لأفكار الناس ، وإن لم يسمهم تقية من بطش السلطة ، فأكد في حديثه لبعض شيعته أن الإيمان قول وعمل ، قال 7 : «ما تنال شفاعتنا إلاّ بالتقوى والورع والعمل الصالح والجدّ والاجتهاد ، فلا تغترّوا بالعمل ويسقط عنكم ، فإذن أنتم أعزّ على اللّه منّا» (4). وقال 7 : «الإيمان إقرار وعمل ، والإسلام إقرار بلا عمل» (5).
    __________________
    (1) تاريخ الخلفاء : 246.
    (2) سير أعلام النبلاء 5 : 44.
    (3) الكافي 8 : 276 / 417.
    (4) أعلام الدين في صفات المؤمنين / الديلمي : 143.
    (5) تحف العقول : 297.

    وعن أبي الصباح الكناني ، عنه 7 قال : «قيل لأمير المؤمنين 7 : من شهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمداً رسول اللّه ، كان مؤمناً؟ قال : فأين فرائض اللّه؟
    قال : وسمعته يقول : كان علي 7 يقول : لو كان الإيمان كلاماً لم ينزل فيه صوم ولا صلاة ولا حلال ولا حرام.
    قال : وقلت لأبي جعفر 7 : إنّ عندنا قوماً يقولون : إذا شهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمداً رسول اللّه ، فهو مؤمن. قال 7 : فلِمَ يضربون الحدود ، ولِم تُقطع أيديهم؟! وما خلق اللّه عزّوجلّ خلقاً أكرم على اللّه عزّوجلّ من المؤمن ، لأنّ الملائكة خدّام المؤمنين ، وأنّ جوار اللّه للمؤمنين ، وأنّ الجنّة للمؤمنين ، وأنّ الحور العين للمؤمنين ، ثم قال 7 : فما بال من جحد الفرائض كان كافراً؟» (1).
    وتقوّل بعضهم على الإمام الباقر 7 أنّه قال : اذا عرفت فاعمل ما شئت ، تماشياً مع ما يذهب إليه مروّجو الإرجاء ، فصحّح الإمام الصادق 7 هذا الحديث مبيّناً وجه التحريف فيه ، قال فضيل بن عثمان : سُئل أبو عبد اللّه 7 فقيل له : إنّ هؤلاء الأخابث يروون عن أبيك يقولون : إنّ أباك 7 قال : إذا عرفت فاعمل ما شئت ، فهم يستحلّون بعد ذلك كلّ محرم. قال 7 : «ما لهم لعنهم اللّه؟! إنّما قال أبي 7 : إذا عرفت الحقّ فاعمل ما شئت من خير يقبل منك» (2).
    __________________
    (1) الكافي 2 : 33 / 2.
    (2) معاني الأخبار : 181.

    مواقف الإمام 7 من السلطة :
    اتّبع الإمام 7 اُسلوب الحيطة إزاء عنف رجال السلطة وبطشهم ، فانصرف عن هموم السياسة ، ودعا أصحابه إلى مقاطعة السلطة ، ولم يبخل بإسداء النصح لبعضهم حيثما يتعلّق الأمر بمصالح المسلمين ، وإذا كان قد اتّقى على نفسه وأصحابه من رجال السلطة ، فإنّه لم يتردّد من مواجهة بعض الحكام في مواقف فرضوها عليه ، فكم من كلمة حق قالها أمام سلطان جائر ، وانقطع إلى نشر علوم الإسلام ومعارفه ، وواصل مسيره في هداية الناس والدعوة إلى اللّه ، وقضاء حقوق المسلمين والسعي في حاجاتهم ، وتنبيههم على مواضع الخطر ، وسعى إلى بيان مظلومية أهل البيت : ، والتجاوز على حقوقهم.
    1 ـ الدور العلمي :
    اعتنى الإمام الباقر 7 بتشييد مدرسة أهل البيت العلمية على الأسس التي وطّدها آباؤه : ، وسعى إلى استقطاب الجماهير حول علوم أهل البيت ، فكان يقصده ويشدّ إليه الرحال جمع غفير من كبار التابعين وأعيان الفقهاء والمحدثين وغيرهم على اختلاف أغراضهم وأهدافهم ومعتقداتهم ومبانيهم الفكرية ، فيتحلّقون حوله للدرس في رواق المسجد النبوي الشريف ، الذي يمارس به التعليم ، أو في مسجد مكة ، أو في مجلس بيته العامر بطلبة العلم ورواته وبالمستفتين الوافدين من مختلف ديار الإسلام سيما في أيام الحج.
    وهكذا كان باقر العلم رائد مدرسة أهل البيت : في الفقه والحديث والتفسير وسائر العلوم الأخرى ، وكانت مدرسته تتميز بالسعة والشمول لكل أبناء الأمة ، وتتميز بالخطاب الإسلامي الموحّد ، فهي مدرسة الإسلام التي استقطبت كل أبنائه دون استثناء.

    2 ـ بيان مظلومية أهل البيت : :
    سعى الإمام الباقر 7 إلى بيان مظلومية أهل البيت : ، وبيّن ـ في أكثر من مناسبة ـ إقصاءهم عن مراتبهم وجحود منزلتهم ، مع أنهم ثاني الثقلين وأولى الناس بالناس ، ومع تفوقهم على سواهم بالعلم والمعرفة ، وبيّن اتفاق الحكام على قتلهم واستذلالهم وحرمانهم من حقوقهم ، والكذب عليهم بما لم يقولوه من الأحاديث الموضوعة ، روى ابن أبي الحديد أن أبا جعفر محمد بن علي الباقر 7 قال لبعض أصحابه : «ما لقينا من ظلم قريش إيانا وتظاهرهم علينا ، وما لقي شيعتنا ومحبونا من الناس ، إن رسول اللّه 9 قبض وقد أخبر أنا أولى الناس بالناس ، فتمالأت علينا قريش ، حتى أخرجت الأمر عن معدنه ، واحتجت على الأنصار بحقنا وحجتنا ، ثم تداولتها قريش واحد بعد واحد حتى رجعت إلينا ، فنكثت بيعتنا ، ونصبت الحرب لنا ، ولم يزل صاحب الأمر في صعود كئود حتى قتل ، فبويع الحسن ابنه وعوهد ، ثم غدر به وأسلم ، ووثب عليه أهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه ، ونهبت عسكره ، وعولجت خلاليل أمهات أولاده ، فوادع معاوية ، وحقن دمه ودماء أهل بيته ، وهم قليل حق قليل ، ثم بايع الحسين 7 من أهل العراق عشرون ألفاً ثم غدروا به ، وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم ، وقتلوه.
    ثم لم نزل أهل البيت نستذل ونستضام ، ونقصى ونمتهن ، ونحرم ونقتل ، ونخاف ، ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائنا ، ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعاً يتقربون به إلى أوليائهم وقضاة السوء وعمال السوء فى كل بلدة ، فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة ، ورووا عنا ما لم نقله وما لم نفعله ، ليبغضونا إلى الناس ، وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد

    موت الحسن 7 ، فقتلت شيعتنا بكل بلدة ، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنّة.
    وكان من يذكر بحبنا والانقطاع الينا سجن ، أو نهب ماله ، أو هدمت داره.
    ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد اللّه بن زياد قاتل الحسين 7 ، ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة ، وأخذهم بكل ظنّة وتهمة ، حتى أن الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحب إليه من أن يقال شيعة علي ، وحتى صار الرجل الذي يذكر بالخير ـ ولعله يكون ورعاً صدوقاً ـ يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة ، ولم يخلق اللّه تعالى شيئاً منها ، ولا كانت ، ولا وقعت ، وهو يحسب أنها حق لكثرة من قد رواها ممن لم يعرف بكذب ولا بقلة ورع» (1).
    وعن المنهال بن عمرو ، قال : كنت جالسا مع محمد بن علي الباقر 7 ، اذ جاءه رجل فسلم عليه ، فرد 7 ، قال الرجل : كيف أنتم؟ فقال له محمد 7 : «أو ما آن لكم أن تعلموا كيف نحن ، انما مثلنا في هذه الأمّة مثل بني إسرائيل ، كان يُذبح أبناؤهم وتستحيا نساؤهم ، ألا وان هؤلاء يذبّحون أبناءنا ويستحيون نساءنا ، زعمت العرب أنّ لهم فضلاً على العجم ، فقالت العجم : وبماذا؟ قالوا : كان محمّد 9 عربيا. قالوا لهم : صدقتم. وزعمت قريش أنّ لها فضلاً على غيرها من العرب ، فقالت لهم العرب من غيرهم : وبما ذاك؟ قالوا : كان محمّد 9 قرشيا. قالوا لهم : صدقتم ؛ فإن كان القوم صدقوا فلنا فضل على الناس ، لأنّا ذرية محمّد 9 ، وأهل بيته خاصة وعترته ، لا
    __________________
    (1) شرح نهج البلاغة 11 : 43.

    يشركه في ذلك غيرنا.
    فقال له الرجل : واللّه إنّي لأحبّكم أهل البيت. قال : فاتّخذ للبلاء جلبابا ، فواللّه إنّه لأسرع إلينا وإلى شيعتنا من السيل في الوادي ، وبنا يبدأ البلاء ثمّ بكم ، وبنا يبدأ الرخاء ثمّ بكم» (1).
    3 ـ مقاطعة السلطة :
    لم يكن الإمام الباقر 7 ذلك المعارض الذي يرى الخروج بالسيف كوسيلة للوصول إلى السلطة ، رغم إيمانه بأنّه أولى الناس بالأمر ، ويعلّل ذلك في حديثه إلى جابر بن يزيد الجعفي بعدم وجود الناصر ، قال جابر : «قلت له 7 : يا سيدي ، أليس هذا الأمر لكم؟ قال : نعم. قلت : فلِم قعدتم عن حقّكم ودعواكم ، وقد قال اللّه تعالى : «وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ» (2)؟ قال : فما بال أمير المؤمنين 7 قعد عن حقّه حيث لم يجد ناصراً ، أو لم تسمع اللّه تعالى يقول في قصّة لوط 7 : «قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ» (3) وفي حكاية عن نوح 7 : «فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ» (4) ، ويقول في قصة موسى 7 : «قَالَ رَبِّ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ» (5) ، فإذا كان النبي هكذا ، فالوصي أعذر. يا جابر ، مثل الإمام مثل الكعبة ، يؤتى ولا يأتي» (6).
    __________________
    (1) أمالي الطوسي : 254 ـ 255 / 7.
    (2) سورة الحج : 22 / 78.
    (3) سورة هود : 11 / 80.
    (4) سورة القمر : 54 / 10.
    (5) سورة المائدة : 5 / 25.
    (6) كفاية الأثر / الخزاز : 247.

    من هنا دعا الإمام الباقر 7 أتباعه إلى مقاطعة السلطة وتحريم التعاون مع رموزها الذين أمعنوا كثيراً في إقصاء أهل البيت : عن ممارسة دورهم الرسالي ، ومارست ضدّهم شتّى أساليب الظلم والجور والقتل.
    وهذا الموقف جاء في مقابل فتاوى فقهاء البلاط من المتزلّفين المتملّقين الذين يحاولون إضفاء الشرعية الزائفة على ممارسات حكام الجور ، يقول الإمام الباقر 7 : «إنّ اللّه قال : لأعذبنّ كلّ رعية في الإسلام دانت بولاية إمام جائر ، وإن كانت الرعية في أعمالها برّة تقية ، ولأعفونّ عن كلّ رعية في الإسلام دانت بولاية إمام عادل من اللّه ، وإن كانت الرعية ظالمة مسيئة» (1).
    وسعى الإمام الباقر 7 إلى تنبيه الأمّة على أن أي تعامل مع الحكام يعتبر تقويةً لظلمهم وجبروتهم ، ومشاركةً لهم في جناياتهم ، فحرّم التورّط في أعمال الظلمة ، ومعونتهم ولو لتمرير المعاش ، عن أبي بصير ، قال : «سألت أبا جعفر 7 عن أعمالهم فقال لي : يا أبا محمد ، لا ولا مَدّة قلم ، إن أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئاً إلاّ أصابوا من دينه مثله» (2).
    وجعل ذلك بمثابة فريضة واجبة الأداء ، عن أبي مريم عبد الغفار بن القاسم ، قال : «دخلت على مولاي الباقر 7 وعنده أُناس من أصحابه ...فقلت : يا سيدي ، فما تقول في الدخول على السلطان؟ قال : لا أرى لك ذلك. قلت : فإنّي ربما سافرت الشام ، فأدخل على إبراهيم بن الوليد. قال : يا عبد الغفار ، إن دخولك على السلطان يدعو إلى ثلاثة أشياء : محبّة الدنيا ، ونسيان الموت ، وقلّة الرضا بما قسم اللّه. قلت : يا ابن رسول اللّه ، فإنّي ذو عيلة ، وأتّجر إلى ذلك
    __________________
    (1) الكافي 1 : 386 / 2.
    (2) الكافي 5 : 106 / 5 ، التهذيب 6 : 331 / 918.

    المكان لجرّ المنفعة ، فما ترى في ذلك؟ قال : يا عبد اللّه ، إني لست آمرك بترك الدنيا ، بل آمرك بترك الذنوب ، فترك الدنيا فضيلة ، وترك الذنوب فريضة ، وأنت إلى إقامة الفريضة أحوج منك إلى اكتساب الفضيلة» (1).
    4 ـ إسداء النصيحة :
    حرص الإمام الباقر 7 على إسداء النصيحة لجميع المسلمين بما في ذلك بعض سلاطين بني مروان.
    دخل عمر بن عبد العزيز المدينة وصاح مناديه : من كانت له مظلمة وظلامة فليحضر ، فأتاه أبو جعفر الباقر 7 ، فلما رآه استقبله وأقعده مقعده ، فقال 7 : «إنّما الدنيا سوق من الأسواق يبتاع فيها الناس ما ينفعهم وما يضرّهم ، وكم قوم ابتاعوا ما ضرّهم فلم يصبحوا حتى أتاهم الموت ، فخرجوا من الدنيا ملومين ، لمّا لم يأخذوا ما ينفعهم في الآخرة ، فقسم ما جمعوا لمن لم يحمدهم ، وصاروا إلى من لا يعذرهم ، فنحن واللّه حقيقون أن ننظر إلى تلك الأعمال التي كنّا نغبطهم بها فنوافقهم فيها ، وننظر إلى تلك الأعمال التي نتخوّف عليهم منها ، فنكفّ عنها.
    فاتّقِ اللّه ، واجعل في نفسك اثنتين : اُنظر إلى ما تحبّ أن يكون معك إذا قدمت على ربّك فقدّمه بين يديك ، واُنظر إلى ما تكره أن يكون معك إذا قدمت على ربّك فارمِه وراءك ، ولا ترغبنّ في سلعة بارت على من كان قبلك ، فترجو أن تجوز عنك ، وافتح الأبواب ، وسهل الحجاب ، وانصف المظلوم ، ورد الظالم.
    ثلاثة من كُنّ فيه استكمل الإيمان باللّه : من إذا رضي لم يدخله رضاه في
    __________________
    (1) كفاية الأثر : 250.

    باطل ، ومن إذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق ، ومن إذا قدر لم يتناول ما ليس له.
    فدعا عمر بداوة وبياض وكتب : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، هذا ما ردّ عمر ابن عبد العزيز ظلامة محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم بفدك» (1).
    وحينما وفد الإمام الباقر 7 إلى الشام في جملة الفقهاء ، بأمر عمر بن عبد العزيز ، دخل أبو جعفر 7 على عمر فقال : «يا أبا جعفر أوصني. قال 7 : أوصيك أن تتّخذ صغير المسلمين ولداً ، وأوسطهم أخاً ، وكبيرهم أباً ، فارحم ولدك ، وصِل أخاك ، وبِر أباك ، وإذا صنعت معروفاً فربّه» (2).
    ورواه ابن عساكر عن أبي حمزة ، وزاد فيه : قال عمر : رحمك اللّه جمعت لنا رأسها ، ان أخذنا به ، وأعاننا اللّه عليه ، استقامت لنا الخيرات إن شاء اللّه (3).
    ومن المسائل التي أعضلت على الحكام ، ولم يهتدوا إلى وجه الصواب فيها ، فاستوجبت تدخّل الإمام 7 ، ما نقل في التاريخ أن ملك الروم هدّد عبد الملك ابن مروان حين أراد عبد الملك تبديل العملة الرومية المتداولة آنذاك ، فأنكره واستشاط غيظاً ، فكتب إلى عبد الملك يتهدّده بأن ينقش على الدراهم والدنانير شتم النبي 9 ، فتحيّر عبد الملك كيف يمكن أن يتراجع عن موقفه الذي يضعف موقف الدولة ، وإذا لم يتراجع فسوف يصدر ملك الروم عملة ينقش فيها سبّ النبي 9 ، فأشار إليه روح بن زنباع أن يرسل إلى الباقر 7
    __________________
    (1) مناقب آل أبي طالب 3 : 337.
    (2) أمالي القالي 2 : 308.
    (3) تاريخ دمشق 45 : 270.

    ليستقدمه إلى الشام ، فقدم عليه وأعطاه الرأي في الإصرار على إصدار عملة إسلامية ، وبيّن له أوزانها وما يكتب فيها ، وطلب إليه أن يلزم المسلمين آنذاك باستعمال هذه العملة ، وأن لا يستعملوا العملة الرومية تحت طائلة العقوبة والتهديد ، فعمل عبد الملك ما طلب الإمام 7 ، وعندما علم ملك الروم بإجراءات عبد الملك لم ينفذ تهديده ، فقيل له : افعل ما كنت تهدّد به ملك العرب. فقال : إنما أردت أن أغيظه بما كتبت إليه ، لأنّي كنت قادراً عليه والمال وغيره برسوم للروم ، فأما الآن فلا أفعل لأن ذلك لا يتعامل به أهل الإسلام (1) ، وبهذا أنقذ الباقر 7 الواقع الإسلامي من مأزق حقيقي ، وأحبط الخطة الرومية في زعزعة النظام المالي للمسلمين.
    5 ـ الدعاء :
    الدعاء سلاح الأنبياء والأوصياء والمؤمنين الصالحين الذي يشهرونه في وجه الظالمين ، وعدّتهم في مواجهة الأعداء ، ومن أقوى الأسباب التي يستدفع بها البلاء ، قال الصادق 7 : «كان أبي 7 إذا حزنه أمر (2) جمع النساء والصبيان ثم دعا وأمّنوا» (3).
    ويلجأ الإمام الباقر 7 إلى الدعاء حيث يشتدّ الخناق ، ويحتدّ الوثاق ، وتنقطع حبائل الصبر من جور طغاة بني أُميّة وبني مروان الذين سعوا في الأرض فساداً ، فاتّخذوا مال اللّه دولاً ، وعباد اللّه خولاً ، ويتضرّع الإمام 7
    __________________
    (1) المحاسن والأضداد / البيهقي 1 : 31 ، حياة الحيوان / الدميري 1 : 63. وروي أيضاً أن المشير على عبد الملك قد أرشده إلى الإمام زين العابدين 7.
    (2) الظاهر حزبه أمر ، أي دهاه وأعياه علاجه.
    (3) الكافي 2 : 487 / 3.

    إلى اللّه لينقذ المسلمين من محنتهم ، وينزل عقابه الصارم بالمردة الظالمين لعنة اللّه عليهم أجمعين.
    قال 7 في قنوته : «اللّهمّ إنّ عدوي قد استسن في غلوائه ، واستمرّ في عدوانه ، وأمن بما شمله من الحلم عاقبة جرأته عليك ، وتمرّد في مباينتك ، ولك اللّهمّ لحظات سخط بياتاً وهم نائمون ، ونهاراً وهم غافلون ، وجهرة وهم يلعبون ، وبغتة وهم ساهون ، وإن الخناق قد اشتدّ ، والوثاق قد احتدّ ، والقلوب قد شجيت ، والعقول قد تنكرت ، والصبر قد أودى ، وكادت تنقطع حبائله ، فإنّك لبالمرصاد من الظالم ، ومشاهدة من الكاظم ، لا يعجلك فوت درك ، ولا يعجزك احتجاز محتجز ، وإنّما مهّلته استثباتاً ، وحجّتك على الأحوال البالغة الدامغة ، ولعبدك ضعف البشرية وعجز الإنسانية ، ولك سلطان الإلهية ، وملكة الربوبية ، وبطشة الأناة ، وعقوبة التأبيد.
    اللّهمّ فإن كان في المصابرة لحرارة المعان من الظالمين ، وكيد من نشاهد من المبدلين ، رضىً لك ومثوبةً منك ، فهب لنا مزيداً من التأييد ، وعوناً من التسديد ، إلى حين نفوذ مشيّتك فيمن أسعدته وأشقيته من بريّتك ، وامنُن علينا بالتسليم لمحتومات أقضيتك ، والتجرّع لواردات أقدارك ، وهب لنا محبّة لما أحببت في متقدّم ومتأخّر ومتعجّل ومتأجّل ، والإيثار لما اخترت في مستقرب ومستبعد ، ولا تخلنا اللّهمّ مع ذلك من عواطف رأفتك ورحمتك وكفايتك وحسن كلاءتك بمنّك وكرمك» (1).
    وله 7 في ذات السياق دعاء يقول في بعض أجزائه : «اللّهمّ فإنّ القلوب قد بلغت الحناجر ، والنفوس قد علت التراقي ، والأعمار قذ نفدت بالانتظار ، لا
    __________________
    (1) بحار الأنوار 82 : 216.

    عن نقص استبصار ، ولا عن اتهام مقدار ، ولكن لما تعاني من ركوب معاصيك ، والخلاف عليك في أوامرك ونواهيك ، والتلعب بأوليائك ومظاهرة أعدائك ، اللّهمّ فقرّب ما قد قرب ، وأورد ما قد دنا ، وحقّق ظنون الموقنين ، وبلّغ المؤمنين تأميلهم من إقامة حقّك ونصر دينك ، وإظهار حجّتك والانتقام من أعدائك» (1).
    6 ـ المواجهة :
    لم تخل حياة الإمام الباقر 7 من خط المواجهة الساخن مع بعض رجالات السلطة ، في ظروف فرضت عليه تلك المجابهة التي قد تصل إلى حد التعريض الواضح برأس السلطة ، فحين أشخص هشام بن عبد الملك الإمام الباقر وولده الصادق 8 إلى الشام وطلب منهما المناضلة والرمي ، قال هشام : أين رمي جعفر من رميك؟ فقال 7 : «إنّا نحن نتوارث الكمال والتمام اللذين أنزلهما اللّه على نبيه 9 في قوله : «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِْسْلاَمَ دِيناً» (2) والأرض لا تخلو ممن يكمل هذه الأمور التي يقصر عنها غيرنا».
    فلما سمع هشام ذلك من الباقر 7 انقلبت عينه اليمنى واحمر وجهه ، وكان ذلك علامة غضبه إذا غضب.
    ثم أطرق هشام فقال : ألسنا بنو عبد مناف نسبنا ونسبكم واحد؟ فقال الباقر 7 : «نحن كذلك ، ولكنّ اللّه جلّ ثناؤه اختصّنا من مكنون سرّه وخالص علمه ، بما لم يختصّ أحداً به غيرنا».
    __________________
    (1) بحار الأنوار 82 : 217.
    (2) سورة المائدة : 5 / 3.


    فقال : أليس اللّه بعث محمداً 9 من شجرة عبد مناف إلى الناس كافّة ، فمن أين ورثتم ما ليس لغيركم ، ورسول اللّه مبعوث إلى الناس كافّة؟ فمن أين ورثتم هذا العلم ، وليس بعد محمد 9 نبي ، ولا أنتم أنبياء؟ فقال 7 : «من قوله تعالى لنبيّه 9 : «لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ» (1) فالذي أبداه فهو للناس كافّة ، والذي لم يحرّك به لسانه ، أمر اللّه تعالى أن يخصّنا به من دون غيرنا ، فلذلك كان يناجي أخاه علياً من دون أصحابه ، وأنزل اللّه بذلك قرآناً في قوله تعالى : «وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ» (2) ، فقال رسول اللّه 9 لأصحابه : سألت اللّه تعالى أن يجعلها أذنك يا علي ، فلذلك قال علي 7 بالكوفة : علّمني رسول اللّه 9 ألف باب من العلم ، يفتح من كلّ باب ألف باب. خصّه به رسول اللّه 9 من مكنون علمه ما خصّه اللّه به ، فصار إلينا وتوارثناه من دون قومنا» إلى آخر المناظرة ، وهي طويلة (3).
    قال الشاعر :
    تعساً وبؤساً لهشام الشوم
    من هتكه لباقر العلوم

    أيطلب الرمي من الإمام
    مع الرماة من علوج الشام

    وهو ابن من خاطبه اللّه بما
    رميت إذ رميت واللّه رمى

    وهو ابن سهم اللّه إذ رماه
    فبان لا إله إلاّ اللّه

    حتّى بدت من رمية الكرامه
    وللعدو الخزي والندامه

    أيوقف القائم بالأمر لدى
    أذل مخلوق تردى في الردى

    __________________
    (1) سورة القيامة : 75 / 16.
    (2) سورة الحاقة : 69 / 12.
    (3) دلائل الإمامة : 235 ، نوادر المعجزات : 131.


    طال وقوف حجّة الرحمن
    بين يدي طاغية الزمان

    لكن حبّ الملك داء مهلكُ
    وكم بهذا الداء قدماً هلكوا (1)

    وله مواجهة مع هشام عند المسجد الحرام ، أسكته فيها فلم يحر جواباً ، رواها جمع من المؤرخين عن عبد الرحمن الزهري ، قال : «حجّ هشام بن عبد الملك ، فدخل المسجد الحرام متّكئاً على يد سالم مولاه ، ومحمد بن علي بن الحسين : جالس في المسجد ، فقال له سالم مولاه : هذا محمد بن علي ، قال هشام : المفتون به أهل العراق؟ قال : نعم. قال : اذهب إليه فقل له : يقول لك هشام : ما الذي يأكل الناس ويشربون إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة؟ قال له أبو جعفر 7 : يحشر الناس على مثل قرص النقي (2) ، فيها أنهار متفجّرة ، يأكلون ويشربون حتّى يفرغ من الحساب. قال : فرأى هشام أنه قد ظفر به ، فقال : اللّه أكبر ، اذهب إليه فقل له : ما أشغلهم عن الأكل والشرب يومئذٍ؟! فقال له أبو جعفر 7 : هم في النار أشغل ولم يشغلوا عن أن قالوا : «أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ» (3). فظهر عليه الباقر 7 ، وسكت هشام لا يرجع كلاماً» (4).
    وهناك موقف آخر له 7 في الشام استوجب المواجهة ، ولكن هذه المرّة كان مع جمع من الناس ، وفي عقر دار الملك ، حينما سمع الإمام 7
    __________________
    (1) الأنوار القدسية / محمد حسين الأصفهاني : 77.
    (2) النقي : الخبز الحواري.
    (3) سورة الأعراف : 7 / 50.
    (4) الإرشاد 2 : 163 ، تاريخ دمشق 45 : 279 ، الاحتجاج 2 : 57 ، شرح الأخبار 3 : 280 ، سير أعلام النبلاء 4 : 405 ، روضة الواعظين : 203.

    أهل الشام يعرّضون بجدّه أمير المؤمنين 7 بذكر كنيته التي كنّاه بها رسول اللّه 9 ، وما ينطق عن الهوى ، ورغم ذلك بقي طغاة أُميّة يسبّون علياً أمير المؤمنين 7 إلى سنين متمادية ، ويتّخذون من هذه الكنية وسيلة للسبّ والشتم ، من هنا اعتبرهم الإمام الباقر 7 ذرية النفاق وحشو النار وحصب جهنّم.
    روي بالإسناد عن الصادق 7 ، قال : «لما أشخص أبي محمد بن علي 8 إلى دمشق ، سمع الناس يقولون : هذا ابن أبي تراب؟ قال : فأسند ظهره إلى جدار القبلة ، ثم حمد اللّه وأثنى عليه ، وصلّى على النبي 9 ، ثم قال : اجتنبوا أهل الشقاق ، وذرية النفاق ، وحشو النار ، وحصب جهنم ، عن البدر الزاهر ، والبحر الزاخر ، والشهاب الثاقب ، وشهاب المؤمنين ، والصراط المستقيم ، من قبل أن نطمس وجوهاً فنردّها على أدبارها ، أو يلعنوا كما لعن أصحاب السبت ، وكان أمر اللّه مفعولاً.
    ثم قال بعد كلام : أبصنو رسول اللّه تستهزؤون ، أم بيعسوب الدين تلمزون ، وأي سبل بعده تسلكون ، وأي حزن بعده تدفعون؟! هيهات هيهات برز واللّه بالسبق ، وفاز بالخصل ، واستوى على الغاية ، واحرز على الخطاب ، فانحسرت عنه الأبصار ، وخضعت دونه الرقاب ، وقرع الذروة العليا ، فكذب من رام من نفسه السعي ، وأعياه الطلب ، فأنّى لهم التناوش من مكان بعيد؟!
    وقال :
    أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم
    من اللوم أو سدّوا المكان الذي سدّوا



    أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا
    وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدّوا

    فأنّى تسدّ ثلمة أخي رسول اللّه إذ شفعوا ، وشقيقه إذ نسبوا ، ونديده إذ قتلوا ، وذي قربى كنزها إذ فتحوا ، ومصلّي القبلتين إذ تحرفوا ، والمشهود له بالإيمان إذ كفروا ، والمدّعي لنبذ عهد المشركين إذ نكلوا ، والخليفة على المهاد ليلة الحصار إذ جزعوا ، والمستودع الأسرار ساعة الوداع»؟! (1) إلى آخر كلامه.
    7 ـ التقية :
    التقية : هي الحفظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحق ، وهي من الوسائل التي أباحها الشرع من أجل التحرّز من التلف أو الموت والفناء ، في ظروف استثنائية يمرّ بها الفرد المكره أو المضطر ، ولها أدلتها المفصّلة كتاباً وسنّة (2).
    والتقية بمثابة الدرع الحصينة التي تقي المؤمن في ساحات المواجهة مع الظالمين ، يقول أبو جعفر الباقر 7 : «إنّ التقية جُنّة المؤمن» (3).
    ولا يخفى أن الأوضاع الخطيرة التي مرّ بها الإمام الباقر 7 في زمان طغاة بني أُميّة ، وأساليب القهر والإرهاب ، دفعته إلى استثمار مفهوم التقية في بعض
    __________________
    (1) مناقب آل أبي طالب 3 : 334.
    (2) راجع : تعريفات التقية في كتاب التقية في الفكر الإسلامي / الدكتور السيد ثامر العميدي : 11 ـ 12 الطبعة الثانية ، إصدار مركز الرسالة.
    (3) الكافي 2 : 220 / 14.

    الموارد ، هذا مع بيان الإمام الباقر 7 واقع الحكم لبعض أصحابه أولاً (1) ، وحيث إن أخبار التقية عادة ما تكون معارضة لما صدر عن إرادة جدية ، لذا وضع الإمام 7 قواعد كلية جعل فيها خطاً فاصلاً بين الأحكام التي تصدر بسبب التقية ، وبين ما صدر على نحو الإرادة الجديّة ، منها : قوله 7 : «خذ بما اشتهر بين أصحابك ، ودع الشاذ النادر». وقوله : «انظر ما وافق منهما العامّة فاتركه ، وخذ بما خالفه فإن الحقّ فيما خالفهم» (2). أي خذ ما يخالف الخط الموالي للسلطة من وعاظ السلاطين والدائرين في فلكهم.
    وفي حديثه 7 لجابر الجعفي : «انظروا أمرنا وما جاءكم عنا ، فإن وجدتموه موافقاً القرآن فهو من قولنا ، وما لم يكن موافقاً للقرآن ، فقفوا عنده وردّوه إلينا ، حتّى نشرحه لكم كما شرح لنا» (3). وبهذا الاُسلوب استطاع الحفاظ على واقعية الأحكام الشرعية وتمييزها عن أخبار التقية.
    وبسبب ضغط الظروف وحرصاً على حياة أصحابه من شرّ الظالمين ، بيّن الإمام الباقر 7 لهم موارد وجوب التقية ، فقال : «إنّ التقية في كلّ ضرورة ، وصاحبها أعلم بها حين تنزل به» (4). فالأمر منوط بتقدير المرء لحالة التهديد والبلاء الذي يتعرّض له لو لم ينفذ ما يطلب منه ، بشرط أن لا تصل التقية إلى هدر الدم ، قال 7 : «إنّما جعلت التقية ليحقن بها الدم ، فإذا بلغ الدم فليس
    __________________
    (1) راجع : الكافي : 6 : 407 / 4 ، تهذيب الأحكام 9 : 31 / 121.
    (2) غوالي اللآلي 4 : 133 / 229.
    (3) أعلام الدين في صفات المؤمنين : 314.
    (4) الكافي 2 : 219 / 13.

    تقية» (1).
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ   الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Emptyالأحد أكتوبر 27, 2024 5:53 am

    تقية» (1).
    وفي هذا السياق كان يدفع الضرر عن طلابه تستّراً عليهم من عيون السلطة بموارد من التقية المباحة ، قال جابر الجعفي : «دخلت على أبي جعفر 7 ، فقال لي : من أين أنت؟ فقلت : من أهل الكوفة. قال : ممن؟ قلت : من جعف. قال : ما أقدمك إلى ها هنا؟ قلت : طلب العلم. قال : ممن؟ قلت : منك. قال : إذا سألك أحد من أين أنت ، فقل : من أهل المدينة. قلت : أيحل لي أن أكذب؟ قال : ليس هذا كذباً ، من كان في مدينة فهو من أهلها حتى يخرج» (2). وكان ذلك حين بدأ عثمان بن حيان ، عامل الوليد بن عبد الملك ، يلقي القبض على من تمكّن من الشيعة الهاربين إلى المدينة طلباً للأمان ، فيعاقبهم ثم يبعثهم إلى الحجّاج في العراق لينكل بهم.
    8 ـ الدعوة إلى اللّه :
    كان للإمام 7 أثر فاعل في هداية كثير من الناس ، وإخراجهم من ظلمات الجهل والضلال إلى نور العلم وسواء السبيل ، من خلال التأثّر بسيرته الصالحة ، أو من خلال دعوته إلى اللّه بالحكمة والموعظة الحسنة ، وسجّلت لنا كتب الحديث والتاريخ بعض آثاره 7 في دعوته إلى الإصلاح والإرشاد في أوساط الأُمّة المختلفة.
    وكان من ثمار تلك الدعوة ، أن أحد بني أُميّة تأثّر بهديه ، وصار من خلص أصحابه ، وهو سعد بن عبد الملك ، وكان أبو جعفر 7 يسمّيه سعد الخير ، وهو من ولد عبد العزيز بن مروان ، وكان يدخل على الإمام 7 فينشج كما تنشج
    __________________
    (1) الكافي 2 : 174 / 16.
    (2) مناقب آل أبي طالب 3 : 331.

    النساء ، فيقول له أبو جعفر 7 : «ما يبكيك يا سعد؟ قال : وكيف لا أبكي وأنا من الشجرة الملعونة في القرآن! فيقول له الإمام 7 : لست منهم ، أنت أموي ، منّا أهل البيت ، أما سمعت قول اللّه عزّوجلّ يحكي عن إبراهيم 7 : «فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي» (1)».
    وصار محمد بن قيس البجلي من أصحابه الثقات ، وهو وجه من وجوه العرب بالكوفة ، وكان خصيصاً بعمر بن عبد العزيز ، ثم يزيد بن عبد الملك ، وكان أحدهما أنفذه إلى بلاد الروم في فداء المسلمين (2).
    ووردت الأخبار أن أحد النصارى ، وكان من البربر ، أسلم على يده 7 بعد رؤية كراماته ، فقال الرجل : آمنت باللّه الذي لا إله إلاّ هو ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وأنّك الإمام المفترض الطاعة (3).
    ويروى أنّ رجلاً من أهل الشام ، كان يسكن المدينة المنورة ، وكان يتردّد كثيراً على مجلس الإمام 7 ، إعجاباً بفصاحته وحسن أدبه ، غير أنّه ناصبي مبغض لأهل البيت : ، مطيع لرجال الخلافة ، وكان أبو جعفر 7 يقول له خيراً ، وحين مرض هذا الناصب واشتدّ وجعه حتّى سجّوه ، لم يلبث إلاّ قليلاً حتى عوفي بكرامة من الإمام 7 ، فأتى أبا جعفر 7 فقال : أشهد أنّك حجّة اللّه على خلقه ، وبابه الذي يُؤتى منه ، فمن أتى من غيرك خاب وخسر وضلّ ضلالاً بعيداً. فقال له أبو جعفر 7 : «أما علمت أن اللّه يحبّ العبد ويبغض عمله ،
    __________________
    (1) الاختصاص / المفيد : 85 ، والآية من سورة إبراهيم : 14 / 36.
    (2) رجال النجاشي : 322 ، الفهرست : 206 ، خلاصة الأقوال : 252.
    (3) الخرائج والجرائح 1 : 277.

    ويبغض العبد ويحبّ عمله؟» فصار بعد ذلك من أصحاب أبي جعفر 7 (1).
    9 ـ تنبيه الأُمّة :
    وكان الإمام الباقر 7 ينبّه الأُمّة على مواضع الخطر ، حرصاً منه على دماء الناس من عبث العابثين ، قال أبو بصير : «أطرق أبو جعفر 7 إلى الأرض ينكت فيها ملياً ، ثمّ انّه رفع رأسه فقال : كيف أنتم يا قوم إذا جاءكم رجل فدخل عليكم مدينتكم هذه ، في أربعة آلاف رجل ، حتى يستعرضكم بسيفه ثلاثة أيام ، فيقتل مقاتليكم ، وتلقون منه بلاءً لا تقدرون أن تدفعوه بأيديكم ، وذلك يكون في قابل ، فخذوا حذركم ، واعلموا أنّه ما قلت لكم كائن لابدّ منه ، فلم يأخذ أحد حذره من أهل المدينة إلاّ بنو هاشم خاصة ، فلما كان من قابل حمل أبو جعفر 7 عياله أجمعين وبنو هاشم فخرجوا من المدينة ، فكان كما قال 7 ، فأُصيب أهل المدينة ، وقالوا : واللّه لا نرد على أبي جعفر شيئاً نسمعه أبداً».
    وقال بعضهم : إنّما القوم أهل بيت النبوة ينطقون بالحق (2).
    10 ـ قضاء حقوق المسلمين :
    لم يدع الإمام الباقر 7 مناسبة دون أن يسعى إلى تلبية حاجات المسلمين ، ويعد ذلك من الحقوق عليه ، عن زرارة ، قال : «حضر أبو جعفر 7 جنازة رجل من قريش وأنا معه ، وكان فيها عطاء بن أبي رباح ، فصرخت صارخة ، فقال عطاء : لتسكتن أو لنرجعن. قال : فلم تسكت ، فرجع عطاء ، قال : فقلت لأبي جعفر 7 : إن عطاء قد رجع. قال : ولِم؟ قلت : صرخت هذه
    __________________
    (1) الأمالي / الطوسي : 410 / 923.
    (2) مناقب آل أبي طالب 3 : 325 ، دلائل الإمامة : 221 ، الصراط المستقيم 2 : 182.

    الصارخة. فقال لها : لتسكتن أو لنرجعن ، فلم تسكت فرجع ، فقال : امضِ بنا ، فلو أنا إذا رأينا شيئاً من الباطل مع الحقّ تركنا له الحق ، لم نقضِ حق مسلم. قال : فلما صلّى على الجنازة قال وليها لأبي جعفر 7 : ارجع مأجوراً رحمك اللّه ، فإنّك لا تقوى على المشي ، فأبى أن يرجع ، قال : فقلت له : قد أذن لك في الرجوع ولي حاجة أريد أن أسألك عنها ، فقال : امضِ فليس بإذنه جئنا ولا بإذنه نرجع ، إنّما هو فضل وأجر طلبناه ، فبقدر ما يتبع الجنازة الرجل يؤجر على ذلك» (1).
    * * *
    __________________
    (1) الكافي 3 : 171 / 3.

    الفصل الثاني
    الهوية الشخصية للإمام الباقر عليه السلام
    نسبه :
    هو الإمام المبجّل محمد باقر العلم بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد ابن علي المرتضى بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.
    فأمّا نسبه أباً وأماً ، فأبوه سيد الساجدين وزين العابدين وراعي الفقراء والمساكين علي بن الحسين السجّاد 7 ، الذي يقول فيه أبو جعفر الباقر 7 : كان يقال لعلي بن الحسين ابن الخيرتين ؛ فخيرة اللّه من العرب هاشم ، ومن العجم فارس.
    وقال فيه أبو الأسود الدؤلي (1) :
    وإنّ غُلاما بين كسرى وهاشمٍ
    لأكرم من نيطت عليه التمائم (2)

    وأما أُمّه فهي السيدة الجليلة فاطمة بنت الحسن بن علي بن أبي طالب ، وتكنّى أُمّ الحسن ، وقيل : أُمّ عبد اللّه ، وقيل : أُمّ عبدة (3).
    __________________
    (1) من التابعين ، توفّي سنة 69 هـ.
    (2) الكافي 1 : 467 / 1 ، مناقب آل أبي طالب 4 : 167.
    (3) تاريخ أهل البيت : / رواية كبار المحدثين والمؤرخين : 122 ، الطبقات الكبرى

    وهو ممن أمسك رداء المجد من أطرافه ، فهو أول علوي تولّد من علويين ، وأول فاطمي تولّد من فاطميين ، وأول من اجتمعت له ولادة الحسن والحسين 8 ، وتلك هي صهوة المجد ، وغاية السؤدد.
    قال له جابر بن عبد اللّه الأنصاري : أنت ابن خير البرية ، وجدّك سيد شباب أهل الجنة ، وجدّتك سيدة نساء العالمين (1).
    ولابدّ من التنويه هنا أنّ ابن كثير يعدّ الإمام الباقر بن علي الأكبر الشهيد في كربلاء وهماً منه ، قال ابن كثير : أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، كان أبوه علي زين العابدين ، وجدّه الحسين قتلا شهيدين بالعراق (2). ومن المسلم أنّ عمه علي الأكبر هو الشهيد ، وليس أبوه الذي كان مريضاً ، وهو ينمّ عن جهل ابن كثير وأضرابه بتاريخهم.
    أحوال أمّه وفضلها :
    كانت فاطمة بنت الحسن 7 صدّيقة طاهرة ذات جلالة ونجابة ، قال أبو الصباح : ذكر أبو عبد اللّه 7 جدّته أُمّ أبيه يوماً فقال : كانت صدّيقة ، لم
    __________________
    5 : 246 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 320 ، الكافي 1 : 469 ، إكمال الدين 1 : 307 ، الإرشاد 2 : 158 ، الهداية الكبرى : 240 ، روضة الواعظين : 207 ، دلائل الإمامة : 217 ، كشف الغمة 2 : 349 ، عمدة الطالب / ابن عنبة : 195 ، تاريخ مواليد الأئمة : / ابن الخشاب : 28 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 339 ، تاريخ دمشق 45 : 270 ، سير أعلام النبلاء 4 : 401 ، تاج المواليد : 39 ، إعلام الورى بأعلام الهدى 1 : 497.
    (1) كشف الغمة 2 : 332 عن الحافظ عبد العزيز الجنابذي ، تاج المواليد : 40.
    (2) البداية والنهاية 9 : 339.

    يدرك في آل الحسن امرأة مثلها (1). ومن كراماتها ما روي عن ولدها أبي جعفر الباقر 7 ، قال : «كانت أُمّي قاعدة عند جدار ، فتصدّع الجدار ، وسمعنا هدّة شديدة ، فقالت بيدها : لا وحقّ المصطفى ما أذن اللّه لك في السقوط ، فبقي معلقاً في الجو حتى جازته ، فتصدّق أبي عنها بمئة دينار» (2).
    ولادته 7 :
    قال أبو محمد الحسن بن علي العسكري 7 : «ولد الباقر 7 بالمدينة ، يوم الجمعة ، غرّة رجب ، سنة سبع وخمسين من الهجرة ، قبل قتل الحسين 7 بثلاث أو أربع سنين» ، وهذا التاريخ هو الذي يعوّل عليه أغلب العلماء والمؤرّخين وأصحاب التراجم والسير.
    واختلفوا في تعيين اليوم والشهر والسنة على أقوال عدّة ، فقد تردّدت الأقوال بين الأول من رجب ، والثالث من صفر ، والثالث من ذي الحجّة ، واختلفوا في اليوم بين الاثنين والثلاثاء والجمعة ، واختلفوا في السنة على عدّة أقوال ، هي على التوالي سنة 41 و 44 و 57 و 56 و 58 و 59 و 60 من الهجرة (3).
    __________________
    (1) الكافي 1 : 469 ، الهداية الكبرى : 240 ، دلائل الإمامة : 217 ، التتمة : 94.
    (2) الكافي 1 : 469 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 323 ، دلائل الإمامة : 218.
    (3) راجع : تاريخ أهل البيت : : 79 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 320 ، الكافي 1 : 469 ، الإرشاد 2 : 158 ، الهداية الكبرى : 237 و 241 ، روضة الواعظين : 207 ، كشف الغمّة 2 : 328 و 347 و 349 ، عمدة الطالب : 194 ، تاريخ مواليد الأئمة : : 26 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 339 ، تاريخ دمشق 45 : 270 ، سير أعلام النبلاء 4 : 401 ، مصباح الكفعمي : 522 ، تاريخ الخميس 2 : 356 ، الأئمة الاثنا عشر / ابن طولون : 81 ، تاريخ أبي الفداء 1 : 214 ، وفيات الأعيان 2 : 23 ، تذكرة

    على أنّه لم يصرّح أحد من المصادر التي رأيتها بأنّ ولادته كانت سنة 41 هـ ولا سنة 44 هـ ، لكن ذكر ابن خلدون أنه توفّي سنة 114 هـ وعمره 73 سنة (1) ، وذلك يعني أنّ ولادته كانت سنة 41 هـ.
    ونقل ابن سعد عن محمد بن عمر ، أنّه قال : أما في روايتنا فإنّه مات سنة 117 هـ وهو ابن 73 سنة ، وذلك يقتضي أن ولادته كانت سنة 44 هـ (2).
    ويبدو أنّ أبا القاسم الكوفي قد بنى على هذا القول ، فذكر أنّ الإمام محمد الباقر 7 كان يوم عاشوراء من أبناء خمس عشرة سنة (3) ، وهو أمر مستبعد ، لأنّه يعني كونه ممن يقدر على حمل السلاح في ذلك اليوم العظيم في تاريخ أهل البيت : ، ولو كان كذلك لما خفي مكانه ولا توانى في نصرة جدّه الحسين 7 في تلك المعركة الفاصلة في تاريخ الإسلام.
    وهكذا حال القول الذي يحّدد ولادته 7 بسنة 59 أو 60 هـ ، فهو مستبعد لأنّه يقتضي أن يكون عمره يوم الطفّ نحو سنة أو أكثر بقليل ، وهو يعارض الروايات والأخبار التي حدّدت عمره آنذاك بنحو ثلاث أو أربع سنين (4).
    __________________
    الحفاظ / الذهبي 1 : 124 ، شذرات الذهب 1 : 149 ، الوافي بالوفيات / الصفدي 4 : 102 ، تهذيب التهذيب / ابن حجر 9 : 351 ، تاريخ الأئمة : / ابن أبي الثلج 1 : 12 ، الفصول المهمة : 193 ، نور الأبصار : 193 ، إعلام الورى 1 : 497 ، بحار الأنوار 46 : 212 و 217 ، التتمّة : 93 ، تاريخ ابن الوردي 1 : 184.
    (1) تاريخ ابن خلدون 4 : 217.
    (2) الطبقات الكبرى 5 : 248 ، كشف الغمة 2 : 333 عن الجنابذي.
    (3) الاستغاثة / أبو القاسم الكوفي : 71.
    (4) تاريخ اليعقوبي 2 : 320 ، وفيات الأعيان 2 : 23 ، مطالب السؤول / ابن طلحة :

    وفاته :
    انتقل الإمام الباقر 7 إلى رضوان بارئه بالحميمة من الشراة ، ثم نقل إلى بقيع المدينة يوم الاثنين ، السابع من ذي الحجّة ، في ملك هشام بن عبد الملك ، سنة 114 هـ ، وعمره يومئذٍ سبع وخمسون سنة ، وهو المشهور عند غالبية المؤرّخين والمحدّثين (1) ، والموافق لما قرّر في المشهور من تاريخ ولادته وما قدّر من عمره. ودفن في بقيع الغرقد بالمدينة ، في القبر الذي فيه أبوه علي بن الحسين 8 ، وعمّ أبيه الحسن 7 ، في القبّة التي فيها قبر العباس 2.
    كنيته :
    كنيته أبو جعفر ولا كنية له غيرها ، وهي مشتركة بينه وبين الإمام محمد الجواد 7 ، ويقال في التخصيص بالباقر أبو جعفر الأول ، وللجواد أبو جعفر الثاني.
    قال التفرشي : إذا ورد في الرواية عن أبي جعفر ، فالظاهر منه الباقر 7 ، وعن أبي جعفر الثاني فهو الجواد 7 ، وقد يطلق ويراد منه : الجواد ، فالتمييز يظهر من الرجال (2).
    __________________
    80 ، الفصول المهمة : 193 ، نور الأبصار : 193 ، إعلام الورى 1 : 497 ، تاج المواليد : 40 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 339.
    (1) الكافي 1 : 469 و 472 ، الإرشاد 2 : 158 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 339 ، روضة الواعظين : 207 ، كشف الغمّة 2 : 347 ، مصباح الكفعمي : 522 ، إعلام الورى 1 : 497 ، التتمّة : 96 ، إثبات الوصية : 153 ، بحار الأنوار 46 : 217.
    (2) نقد الرجال / التفرشي 5 : 316.

    ألقابه :
    للإمام الباقر 7 ألقاب عدّة تدلّ على عظمة شخصيته ، هي : الباقر ، أو باقر العلم ، والهادي ، والشاكر ، أو الشاكر للّه ، والأمين ، ويدعى الشبيه ، لأنّه كان يشبه رسول اللّه 9 (1).
    معنى الباقر :
    أشهر الألقاب التي عرف بها هي الباقر ، وهو مشتقّ من التبقّر ، والتبقّر لغة : يعني التوسّع والتفتّح ، ومنه يقال : بقر الأرض : شقّها ووسّعها ، وأجمع المترجمون له من لغويين ومؤرّخين ومحدّثين أنّه 7 عرف بالباقر لأنّه بقر العلم ، أي شقّه وعرف أصله واستنبط فرعه ، وعلم خفيّه وتمكّن فيه.
    وقال بعضهم : عرف بالباقر لتبقّره في العلم ، أي توسّعه فيه ، وتبحّره في دقائقه ، أو لأنّه بقر علوم النبيين (2).
    قال ابن حجر الهيتمي : أبو جعفر محمد الباقر ، سمّي بذلك من بقر الأرض ، أي شقّها وأثار مخبآتها ومكامنها ، فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز
    __________________
    (1) تاريخ أهل البيت : : 131 ، دلائل الإمامة : 216 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 339 ، الهداية الكبرى : 237 ، كشف الغمّة 2 : 117 ، الفصول المهمة : 211 ، نور الأبصار : 192 ، مطالب السؤول : 80 ، تاريخ مواليد الأئمّة : / ابن الخشاب : 28 ، التتمّة في تاريخ الأئمّة : : 93.
    (2) تاريخ اليعقوبي 2 : 320 ، معاني الأخبار : 280 ، شرح صحيح مسلم / النووي 1 : 102 ، دلائل الإمامة : 216 ، مرآة الجنان / اليافعي 1 : 247 ، وفيات الأعيان 2 : 23 ، لسان العرب 4 : 74 ، مفردات القرآن / الراغب : 56 ، البداية والنهاية 9 : 339 ، كشف الغمّة 2 : 392 و 394 ، تذكرة الحفّاظ 1 : 124 ، نور الأبصار : 192 ، إسعاف الراغبين : 253.

    المعارف ، وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ما لا يخفى إلاّ على منطمس البصيرة ، أو فاسد الطوية والسريرة ، ومن ثم قيل فيه : هو باقر العلم وجامعه ، وشاهر عَلمه ورافعه ، صفا قلبه ، وزكى عمله ، وطهرت نفسه ، وشرف خلقه ، وعمرت أوقاته بطاعة اللّه ... (1).
    وذكر سبط ابن الجوزي رأياً غريباً في سبب هذا اللقب ، قال : وإنّما سمّي الباقر من كثرة سجوده ، من بقر السجود جبهته ، أي فتحها ووسعها. وقيل : لغزارة علمه (2). والقول الأول الذي ذكره السبط معارض بما سنذكره من بشارة رسول اللّه 9 بولادته ، وذكره اسمه ولقبه ، وكونه يبقر العلم بقراً ، ومعارض بإجماع غالب العلماء في معنى هذا الاسم المبارك ، فضلاً عن أن اللغة لا تساعد على ما يقول.
    بشارة الرسول 9 بالباقر 7 :
    روي بطرق عدّة أنّ النبي المصطفى 9 قد بشّر جابر بن عبد اللّه الأنصاري بأنّه يدرك زمان الباقر 7 ، وسمّاه له ولقّبه ، وذكر بأنّه يبقر العلم بقراً ، وأنّ اللّه يهب له النور والحكمة ، وأبلغه سلامه.
    روى الطبري عن أبان بن تغلب ، عن أبي جعفر 7 ، قال : «جاءني جابر ابن عبد اللّه وأنا في الكتّاب ، فقال لي : اكشف لي عن بطنك ، فكشفت له عن بطني فقبله ، ثم قال : إن رسول اللّه 9 أمرني أن أقرئك السلام» (3).
    وروى جابر عن رسول اللّه 9 ، قال : «يا جابر ، يوشك أن تبقى حتى
    __________________
    (1) الصواعق المحرقة : 120.
    (2) تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : 346.
    (3) المنتخب من ذيل المذيل / الطبري : 129 ، تاريخ دمشق 45 : 275.

    تلقى ولداً من ولدي ، يقال له محمد بن علي بن الحسين ، يبقر العلم بقراً ، فإذا رأيته فاقرأه مني السلام. قال جابر 2 : فأخّر اللّه تعالى مدّتي حتّى رأيت الباقر ، فأقرأته السلام عن جدّه رسول اللّه 9».
    وروى المديني عن جابر ، أنّه قال للباقر 7 وهو صغير : رسول اللّه 9 يسلّم عليك ، فقيل له : وكيف ذاك؟ قال : كنت جالساً عنده والحسين في حجره ، وهو يداعبه ، فقال : «يا جابر ، يولد له مولود اسمه علي ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد : ليقم سيد العابدين ، فيقوم ولده ، ثم يولد له ولد اسمه محمد ، فإن أدركته يا جابر ، فأقرئه منّي السلام».
    وفي بعض الأحاديث : وإن لقيته فاعلم أنّ بقاءك بعده قليل ، فلم يعش جابر 2 بعد ذلك إلاّ قليلاً (1) ، وذلك من أعلام النبوة.
    __________________
    (1) هذا الحديث مروي بطرق وألفاظ متعدّدة ، قال ابن شهرآشوب : حديث جابر مشهور معروف ، رواه فقهاء المدينة والعراق كلّهم ، وقد أخبرني جدي شهرآشوب وابن كيابكي الحسيني بطرق كثيرة عن سعيد بن المسيب ، وسليمان الأعمش ، وأبان ابن تغلب ، ومحمد بن مسلم ، وزرارة بن أعين ، وأبي خالد الكابلي ، ثم روى الحديث. راجع : تاريخ أهل البيت : : 80 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 320 ، الكافي 1 : 469 ، معاني الأخبار : 280 ، عيون الأخبار / الدينوري 1 : 212 ، الإرشاد 2 : 158 ، الاختصاص : 62 ، رجال الكشي : 41 / 88 ، الأمالي / الطوسي : 636 / 1314 / 16 ، دلائل الإمامة : 218 ، الهداية : 237 ، روضة الواعظين : 202 و 206 ، تذكرة الخواص : 347 ، تاريخ دمشق 45 : 276 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 327 ، مطالب السؤول : 81 ، الصواعق المحرقة : 120 ، كشف الغمة 2 : 330 و 349 ، الكامل / ابن عدي : 6 / 240 ، تاريخ مواليد الأئمة : / ابن الخشاب : 26 ، سير أعلام النبلاء 4 : 404 ، إعلام الورى 1 : 505 ، لسان الميزان 5 : 168 ، نور

    وقالوا في معنى يبقر العلم بقراً الواردة في حديث رسول اللّه 9 : أي يفجّره تفجيراً ، ويظهره إظهاراً.
    ونقل في بعض الأحاديث أنّ آباء الباقر : قد أبلغوه سلام جدّه رسول اللّه 9 أيضاً ، ففي وصية أمير المؤمنين علي إلى ولده الحسن 8 : أنّه أخذ بيد علي بن الحسين ، وقال : «وأمرك رسول اللّه 9 أن تدفعها إلى ابنك محمد بن علي ، فأقرئه من رسول اللّه ومنّي السلام» (1).
    وقال أبو جعفر الباقر 7 : «أجلسني جدّي الحسين بن علي في حجره ، وقال لي : رسول اللّه 9 يقرئك السلام. وقال لي علي بن الحسين : أجلسني علي بن أبي طالب في حجره ، وقال لي : رسول اللّه 9 يقرئك السلام» (2).
    وفي حديث عن أمير المؤمنين علي 7 عن رسول اللّه 9 : أنّه أقبل على الحسين 7 ، فقال : «سيولد محمّد بن عليّ في حياتك ، فأقرئه منّي السلام» (3).
    أصل اللقب :
    روي في الحديث أنّ الإمام أبا جعفر 7 معروف في كتاب التوراة بالباقر ، منه ما رواه جابر عن رسول اللّه 9 في حديث ورد فيه النصّ على الأئمّة الاثني عشر : ، قال : «ثم محمد بن علي المعروف في التوراة
    __________________
    الأبصار : 143 ، عمدة الطالب : 194 ، مجمع الزوائد 10 : 22 ، سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب / السويدي : 329 وغيرها كثير.
    (1) كتاب سليم : 444 ، الكافي 1 : 297 ، التهذيب 9 : 176 / 714.
    (2) تاريخ دمشق 45 : 275 ، سير أعلام النبلاء 4 : 404.
    (3) الغيبة / النعماني : 80 / 10.

    بالباقر» (1).
    وعن أبي خالد الكابلي ، أنّه سأل الإمام علي بن الحسين زين العابدين 7 عن الإمام بعده ، فقال : «ابني محمد ، واسمه في التوراة باقر» (2).
    وعن ابن بابويه القمّي ، عن موسى بن جعفر 8 ، قال : «اسم جدّي أبي جعفر 7 في التوراة باقر» (3).
    هشام يخالف الرسول 9 :
    أصبح من الواضح والمسلّم أن رسول اللّه 9 هو الذي بشّر بولادة الإمام أبي جعفر الباقر 7 ، وسمّاه محمداً ، ولقّبه الباقر ، غير أن هشام بن عبد الملك بن مروان بلغ من الجرأة على اللّه ورسوله إلى الحدّ الذي سمّي باقر العلم وفالق صبحه في زمان الجهل الأموي بالبقرة ، وذلك في محضر أخيه زيد بن علي حين وفد على هشام ، فقال له هشام : ما يصنع أخوك البقرة؟ فغضب زيد ، حتى كاد يخرج من إهابه ، ثم قال : لشدّ ما خالفت رسول اللّه 9 ، سمّاه رسول اللّه الباقر ، وتسميه أنت البقرة! لشدّ ما اختلفتما! لتخالفنّه في الآخرة كما خالفته في الدنيا ، فيرد الجنة وترد النار (4).
    قال الشاعر (5) :
    تبّاً له تاللّه باللّه كفر
    مذ بدل الباقر كفراً بالبقر

    __________________
    (1) إكمال الدين : 253 / 3.
    (2) علل الشرائع 1 : 234 / 1 ، إكمال الدين : 319 / 2.
    (3) الإمامة والتبصرة : 64.
    (4) عمدة الطالب : 194 ، شرح نهج البلاغة 3 : 132 و 286 ، عيون الأخبار / ابن قتيبة 1 : 212 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 327.
    (5) هو الشيخ محمد حسين الأصفهاني.


    وكذب النبي في مقالته
    وتاه في الغي وفي ضلالته (1)

    مخالفة لابن تيمية :
    ليس هشام وحده مخالفاً لما جاء عن رسول اللّه 9 ، بل درج ابن تيمية في غالب ما صنفه على الإنكار للمسلمات والمخالفة للبديهيات ، مما أوقعه في مطبّات وتناقضات عديدة أحصاها عليه حتّى أتباعه ، ومع ما قدّمناه من مصادر حديث تسمية محمد بن علي 8 بالباقر عن النبي 9 ، ومن بينها مصادر اعتمد ابن تيمية عليها ، مثل عيون أخبار ابن قتيبة ، ذكر ابن تيمية أنّه حديث موضوع.
    وقال : ونقل تسميته بالباقر عن النبي 9 لا أصل له عند أهل العلم ، بل هو من الأحاديث الموضوعة ، وكذلك حديث تبليغ جابر له السلام ، هو من الموضوعات عند أهل العلم بالحديث (2).
    ولكن لا عتب على ابن تيمية بعد أن كفّره الكثير من علماء أهل السنّة وحكموا بردّته وأباحوا دمه ، وبعضهم صرّح بنصبه وتحامله على أمير المؤمنين الإمام علي 7 كابن حجر وغيره ، ولا زالت شرذمة الوهابية التي ابتدعت لها ديناً جديداً يجوز لها قطع رؤوس المسلمين وتهديم مساجدهم ، يبجّلونه ويعدونه إماماً لهم.
    نعم .. لا عتب عليه ولا على أمثاله من الذين لا يعرفون عن الإمام الباقر 7 إلاّ كما يعرف ابن كثير كما مرّ قوله من أنه 7 استُشهد بكربلاء!!!
    __________________
    (1) الأنوار القدسية : 77.
    (2) منهاج السنّة 2 : 153.

    شمائله وحليته 7 :
    كان الإمام الباقر 7 يشبه جدّه رسول اللّه 9 في شمائله وأخلاقه وهديه وسمته ، وقد وصفه بذلك جدّه رسول اللّه 9 قبل مولده ، وجاء ذلك على لسان الصحابي الجليل جابر بن عبد اللّه الأنصاري 2 بعد أن رآه في أكثر من مناسبة ، ففي تاريخ اليعقوبي ، قال جابر بن عبد اللّه الأنصاري 2 : قال لي رسول اللّه 9 : «إنّك ستبقى حتّى ترى رجلاً من ولدي أشبه الناس بي اسمه على اسمي ، إذا رأيته لم يخل عليك ، فأقرئه مني السلام ، فلما كبرت سنّ جابر ، وخاف الموت ، جعل يقول : يا باقر ، يا باقر ، أين أنت؟ حتى رآه فوقع عليه يقبّل يديه ورجليه ، ويقول : بأبي وأُمّي شبيه أبيه رسول اللّه ، إنّ أباك يقرئك السلام» (1).
    وروى أبان بن تغلب ، عن أبي عبد اللّه 7 قال : «إنّ جابر بن عبد اللّه الأنصاري 2 كان يقعد في مسجد رسول اللّه 9 وهو معتجر بعمامة سوداء ، وكان ينادي : يا باقر العلم ، وكان أهل المدينة يقولون : جابر يهجر ، فكان يقول : لاواللّه ما أهجر ، ولكنّي سمعت رسول اللّه 9 يقول : إنّك ستدرك رجلاً منّي ، اسمه اسمي ، وشمائله شمائلي ، يبقر العلم بقراً» (2).
    وفي حديث آخر أن جابر بن عبد اللّه الأنصاري 2 رأى الباقر 7 يتردّد ذات يوم في بعض طرق المدينة ، فقال : يا غلام أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، ثم قال : شمائل رسول اللّه 9 والذي نفسي بيده (3). ومن هنا كان 7
    __________________
    (1) تاريخ اليعقوبي 2 : 320.
    (2) مناقب آل أبي طالب 3 : 327 ، إعلام الورى 1 : 505.
    (3) الكافي 1 : 469 ، الخرائج والجرائح 1 : 279.

    يُدعى الشبيه ، لأنّه كان يشبه جدّه رسول اللّه 9 (1).
    قال الشاعر :
    وكان كالنبي في شمائله
    وفي صفاته وفي دلائله

    ففي محيّاه حياة العرفا
    وكيف لا وهو شبيه المصطفى

    ووجهه الوجيه قبلة الورى
    من كلّ ما يرى وما ليس يرى

    وعينه عين عيون المعرفه
    أسرارها بنورها منكشفه (2)

    ومن صفاته 7 أنّه كان معتدل القامة ، أسمر اللون (3) ، جعد الشعر ، رقيق البشرة ، ربع القامة ، ضامر الكشح ، مطرق الرأس ، حسن الصوت ، له خال على خدّه ، وخال أحمر في جسده.
    وروي أنّه كان على جبهته وأنفه أثر السجود ، وكان يختضب بالحناء والكتم ، ويأخذ عارضيه ويبطن لحيته ، وروي أنّه كان يدوّرها (4). وفي صفة ملبسه روي أنّه كان يلبس جبّة خزّ ومطرف خزّ ، ويرسل عمامته خلفه (5).
    زوجاته :
    كان لدى الإمام الباقر 7 من الزوجات الدائمة اثنتان ، هما : أُمّ فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وأُمّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، وقيل : إنّ
    __________________
    (1) دلائل الإمامة : 216 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 339.
    (2) الأنوار القدسية : 75.
    (3) أخبار الدول 1 : 332.
    (4) مناقب آل أبي طالب 3 : 339 ، بحار الأنوار 46 : 222 و 297 ، سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب / السويدي : 329.
    (5) الطبقات الكبرى 5 : 247 ، سير أعلام النبلاء 4 : 407.

    اسمها فاطمة ، وأُمّ فروة كنيتها ، وتُعرف أيضاً باسم قريبة (1) ، وهي أُمّ الإمام جعفر الصادق 7 وعبد اللّه. وكانت من ذوات الإيمان والتقوى والعمل الصالح ، وهكذا أنبتها اللّه نباتاً حسناً كرامة لجدّها محمد رضي اللّه تعالى عنه.
    قال الإمام الصادق 7 : «كانت أُمّي ممن آمنت واتّقت وأحسنت ، واللّه يحبّ المحسنين» (2).
    قال ابن أبي الحديد : وإلى أُمّ فروة أشار الرضا أبو الحسن 7 بقوله :
    يفاخرنا قوم بمن لم نلدهم
    بتيم إذا عد السوابق أو عدي

    وينسون من لو قدّموه لقدّموا
    عذار جواد في الجياد مقلّد

    فتى هاشم بعد النبي وباعها
    لمرمى علا أو نيل مجد وسؤدد

    ولولا علي ما علوا سرواتها
    ولا جعجعوا فيها بمرعىً ومورد

    أخذنا عليكم بالنبي وفاطم
    طلاع المساعي من مقام ومقعد

    وطلنا بسبطي أحمد ووصيه
    رقاب الورى من متهمين ومنجد

    وحزنا عتيقاً وهو غاية فخركم
    بمولد بنت القاسم بن محمد (3)

    وزوجته الثانية هي أُمّ حكيم بنت أسيد بن المغيرة بن الأخنس بن شريف الثقفي (4) ، وهي أُمّ إبراهيم وعبيد اللّه.
    والمعروف من السراري وأُمّهات الأولاد ، أُمّ ابنته أُمّ سلمة ، وأُمّ أولاده علي وزينب ، ويبدو من حديث الكافي عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر 7 أن
    __________________
    (1) إكمال الدين 1 : 307 ، عمدة الطالب : 194 ، بحار الأنوار 47 : 5 / 15.
    (2) الكافي 1 : 472 / 1 ، إثبات الوصية / المسعودي : 154.
    (3) شرح نهج البلاغة 6 : 54.
    (4) كشف الغمّة 2 : 131 ، نور الأبصار : 159 ، التتمّة في تاريخ الأئمة : : 95.

    زوجته أم علي كانت ترى رأي الخوارج ، فأراد منها الإمام 7 أن ترجع عن رأيها ، فامتنعت فطلّقها (1). وسأله بعض مواليه عن سبب فراقها ، فقال : إنّي ذكرت عليّاً فتنقّصته ، فكرهت أن ألصق جمرة من جمر جهنم بجلدي (2).
    لكن يظهر من حديث مالك بن أعين في الكافي أيضاً أن الثقفية هي التي سمعها تبرأ من علي 7 ، فطلّقها ولم يسعه أن يمسكها ، وهي تبرأ منه (3).
    ولم يرد في مصادر النسب وغيرها أنّ للثقفية ولداً اسمه علي ، بل المذكور أنّها أُمّ إبراهيم وعبيد اللّه ، وعليه فإنّ أُمّ علي غير الثقفية ، إلاّ أن نقول أن أُمّ ولده علي ثقفية أيضاً ، وأنّ الحديثين يدلاّن عليها ، أو نقول أنّه 7 طلّقهما جميعاً.
    نقش خاتمه :
    وردت عدّة ألفاظ لنقش خاتمه 7 ، ولا شك أن تعدّد النقوش يعود إلى تعدّد الخواتيم ، فروي عن الإمام الرضا 7 أنّ الإمام الباقر 7 كان يتختّم بخاتم جدّه الحسين 7 وكان نقشه : إنّ اللّه بالغ أمره (4).
    وعن أبي عبداللّه الصادق 7 ، قال : «كان على خاتم محمد بن علي 8 :
    ظنّي باللّه حسن
    وبالنبـي المؤتمـن

    وبالوصي ذي المنن
    وبالحسين والحسن» (5)

    __________________
    (1) الكافي 6 : 477 / 6.
    (2) الكافي 6 : 55 / 1.
    (3) الكافي 6 : 447 / 7.
    (4) بحار الأنوار 46 : 221.
    (5) كشف الغمّة 2 : 331 ، مكارم الأخلاق : 92 ، نور الأبصار : 158 ، مطالب السؤول : 81 ، بحار الأنوار 46 : 221 ، التتمّة : 94 ، سبائك الذهب : 329 ، أخبار الدول 1 : 332 ، نور الأبصار : 159.

    وعنه 7 قال : «كان نقش خاتم أبي : القوّة للّه جميعاً» (1).
    وعنه 7 قال : «كان في خاتم أبيمحمدبن علي ، وكان خيرمحمديرأيته بعيني : العزّة للّه جميعاً» (2). وروي أنّ نقش خاتمه 7 : ربّ لاتذرني فرداً (3).
    شعراؤه :
    جاء في تراجم الإمام الباقر 7 أنّ الشعراء الذين يتواصلون مع الإمام الباقر 7 هم : الكميت الأسدي ، والورد أخو الكميت ، وكثير عزّة ، ووجدت أنّ من الشعراء الذين عاصروه وأنشده بعضهم : أبو هريرة العجلي ، والشاعر الحجازي مالك بن أعين الجهني ، وسديف بن مهران بن ميمون المكّي.
    وعدّ الشبلنجي من شعراء الإمام الباقر 7 السيد الحميري (4) ، غير أنّ السيّد الحميري ، وإن كان من شعراء أهل البيت : ، لكنّه أكثر اختصاصاً بالإمام الصادق 7 كما يبدو من أخباره ، لأنّه أدرك الإمام الباقر 7 وعمره نحو تسع سنين ، حيث ولد سنة 105 هـ ، وتوفّي الإمام الباقر 7 سنة 114 هـ.
    ولا ريب أنّ اتّصال أكثر من شاعر بالإمام الباقر 7 ، يعني أنّه لم يهمل دور الشعر في إيصال ما يريد من أفكار واعتقادات ، ولم يترك أُسلوباً يتيح له التواصل بالأُمّة وإيصال رسالته العلمية والإصلاحية إلاّ وسلكه ، ولعلّ قراءة
    __________________
    (1) حلية الأولياء / أبو نعيم 3 : 186 ، تاريخ دمشق 45 : 277 ، كشف الغمة 2 : 344.
    (2) قرب الإسناد : 72 ، التهذيب 1 : 31 / 22 ، الاستبصار 1 : 48 / 2 ، دلائل الإمامة : 216 ، مصباح الكفعمي : 522 ، بحار الأنوار 46 : 223.
    (3) نور الأبصار : 159 ، سبائك الذهب : 329 ، أخبار الدول 1 : 332.
    (4) نور الأبصار : 157.

    آثار بعض الشعراء الذين اتّصلوا بالأئمّة : كالكميت الأسدي والسيد الحميري وكثير عزّة والفرزدق وغيرهم ، تبيّن حجم المحتوى الفكري والتعبيري للشعر ، وأنّه احدى وسائل الإيصال الفكري المهمّة لعقائد الإسلام فضلاً عمّا يشتمل عليه من عناصر الجمال والإبداع.
    وسوف نذكر أهمّ الشعراء الذي عُدّوا من شعرائه 7 مع بيان اليسير من قصائدهم وأبياتهم ، كالآتي :
    1 ـ الكميت الأسدي :
    عن زرارة قال : أنّ الكميت أنشد الإمام أبا جعفر الباقر 7 قصيدته التي مطلعها :
    من لقلب متيّم مستهام
    غير ما صبوة ولا أحلام

    فقال أبو جعفر 7 : «لا تزال مؤيّدا بروح القدس ما دمت تقول فينا (1).
    ثم توجّه الإمام 7 إلى الكعبة فقال : اللّهمّ ارحم الكميت واغفر له ، ثلاث مرّات. ثم قال : يا كميت ، هذه مائة ألف ، قد جمعتها لك من أهل بيتي. فقال الكميت : لا واللّه لا يعلم أحد أنّي آخذ منها حتّى يكون اللّه عزّوجلّ الذي يكافيني ، ولكن تكرمني بقميص من قمصك ، فأعطاه» (2).
    وروى جابر الجعفي أنّ الكميت قال للإمام الباقر 7 : «يا سيدي ، واللّه ما أنشدك طلباً لعرض من الدنيا ، وما أردت بذلك إلاّ صلة رسول اللّه 9 ، وما أوجبه اللّه علي من حقّكم. فدعا له أبو جعفر 7» (3).
    __________________
    (1) رجال الكشي : 208 / 366 ، إعلام الورى 1 : 509.
    (2) مناقب آل أبي طالب 3 : 329.
    (3) دلائل الإمامة : 224 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 321.

    وروى الخزّاز في حديث أنّ الكميت دخل على أبي جعفر الباقر 7 في أيّام الحجّ فأنشده :
    أضحكني الدهر وأبكاني
    والدهر ذو صرف وألوان

    لتسعة بالطفّ قد غودروا
    صاروا جميعاً رهن أكفان

    وستّة لا يتجارى بهم
    بنو عقيل خير فرسان

    ثمّ علي الخير مولاهم
    ذكرهم هيّج أحزاني

    فبكى الباقر 7 وبكى أبو عبد اللّه 7 ، فلمّا بلغ إلى قوله :
    من كان مسروراً بما مسّكم
    أو شامتاً يوماً من الآن

    فقد ذللتم بعد عزّ فما
    أدفع ضيماً حين يغشاني

    أخذ بيده ثم قال : اللّهمّ اغفر للكميت ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، فلمّا بلغ إلى قوله :
    متى يقوم الحقّ فيكم متى
    يقوم مهديكم الثاني

    قال : سريعاً إن شاء اللّه سريعاً. ثم قال : يا أبا المستهل ، إنّ قائمنا هو التاسع من ولد الحسين ، لأنّ الأئمّة بعد رسول اللّه 9 اثنا عشر ، الثاني عشر هو القائم.
    قال : فمتى يخرج يا بن رسول اللّه؟ قال : لقد سئل رسول اللّه 9 عن ذلك فقال : إنّما مثله كمثل الساعة لا تأتيكم إلاّ بغتة (1).
    وممّا يدلّ على صدق ولاء الكميت وشدّة تعلّقه بأهل البيت : ، قصيدته العينية التي أنشدها الإمام الباقر 7 حين وفد إليه ، وهي تتضمّن ذكر النص على خلافة علي 7 بعد رسول اللّه 9 يوم غدير خم ، يقول فيها :
    __________________
    (1) كفاية الأثر : 248.


    نفى عن عينك الأرق الهجوعا
    وهم يمتري منها الدموعا

    دخيل في الفؤاد يهيج سقماً
    وحزناً كان من جذل منوعا

    وتوكاف الدموع على اكتئاب
    أحل الدهر موجعه الضلوعا

    لفقدان الخضارم من قريش
    وخير الشافعين معاً شفيعا

    لدى الرحمن يصدع بالمثاني
    وكان له أبو حسن قريعا

    وأصفاه النبي على اختيار
    بما أعيى الرفوض له المذيعا

    ويوم الدوح دوح غدير خم
    أبان له الولاية لو أطيعا

    ولكن الرجال تبايعوها
    فلم أرَ مثلها خطراً مبيعا

    فلم أبلغ بها لعناً ولكن
    أساء بذاك أولهم صنيعا

    فصار بذاك أقربهم لعدل
    إلى الجور وأحفظهم مضيعا

    أضاعوا أمر قائدهم فضلّوا
    وأقومهم لدى الحدثان ريعا

    تناسوا حقّه وبغوا عليه
    بلا ترة وكان لهم قريعا

    فقل لبني أُمية حيث حلّوا
    وإن خفت المهند والقطيعا

    ألا أفٍ لدهر كنت فيه
    هدانا طائعاً لكم مطيعا

    أجاع اللّه من أشبعتموه
    وأشبع من بجوركم أجيعا (1)

    وذكر المؤرّخون أنّ الإمام أبا جعفر 7 لما سمع هذه القصيدة قال : اللّهمّ أكف الكميت ، وأخذ يكرّرها ثلاثاً.
    __________________
    (1) الهاشميات : 79 ، شرح الهاشميّات لأبي رياش القيسي : 197 ، كنز الفوائد 1 : 233 ، كشف الغمّة 1 : 50 ، الغدير 2 : 180.

    2 ـ الورد بن زيد الأسدي :
    وهو أخو الكميت ، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الباقر 7 (1) ، وأنشد الإمام أبا جعفر الباقر 7 حين وفد عليه قصيدة ، عبّر فيها عن حبّه وولائه له ، يقول فيها :
    كم جزت فيك من أحواز وأيفاع (2)
    وأوقع الشوق بي قاعا إلى قاعِ

    ياخير من حملت أُنثى ومن وضعت
    به إليك غدا سيري وإيضاعي (3)

    أما بلغتك فالآمال بالغة
    بنا إلى غاية يسعى لها الساعي

    من معشر شيعة للّه ثم لكم
    صور (4) إليكم بأبصارٍ وأسماعِ

    وعاة أمر ونهي عن أئمّتهم
    يوصي بها منهم واع إلى واعِ

    لا يسأمون دعاء الخير ربّهم
    أن يدركوا فيلبّوا دعوة الداعِ

    وأظهر فيها حسن اعتقاده بالغيبة ، وعبّر عن لسان الغيب الذي سمعه من رواة أهل البيت الثقات ، فذكر الوليد بسامراء قبل بنائها ، ويريد به الإمام الثاني عشر من أهل البيت : ، يواصل القول فيها :
    متى الوليد بسامرا إذا بنيت
    يبدو كمثل شهاب الليل طلاعِ

    حتى إذا قذفت أرض العراق به
    إلى الحجاز أناخوه بجعجاعِ (5)

    __________________
    (1) رجال الشيخ : 317.
    (2) الأحواز : جمع حوزة ، الناحية. الأيفاع جمع يَفاع : وهو المرتفع من الأرض.
    (3) أوضعت الناقة إيضاعا : أسرعت في سيرها.
    (4) صُور : جمع أصْوَر ، وهو المائل العنق ، يقال : صار عنقه إليه : أي أقبل به عليه.
    (5) الجعجاع : المكان الضيّق ، والمُناخ السَّيء الذي لا يقرّ فيه صاحبه.


    وغاب سبتا (1) وسبتا من ولادته
    مع كل ذي جوبٍ (2) للأرض قطّاعِ

    لا يسأمون به التجواب قد تبعوا
    أسباط هارون كيل الصاع بالصاعِ

    شبيه موسى وعيسى في مغابهما
    لو عاش عمريهما لم ينعه ناعِ

    تتمّة النقباء المسرعين إلى
    موسى بن عمران كانوا خير سراعِ

    أو كالعيون التي يوم العصا انفجرت
    فانصاع منها إليه كل منصاعِ (3)

    إنّي لأرجو له رؤيا فأدركه
    حتى أكون له من خير أتباعِ

    بذاك أنبأنا الراوون عن نفر
    منهم ذوي خشية للّه طواعِ

    روته عنكم رواة الحقّ ما شرعت
    آباؤكم خير آباء وشرَّاعِ (4)

    3 ـ كثير عزّة :
    وهو كثير بن عبد الرحمن بن الأسود الخزاعي المدني ، من فحول الشعراء ومتقدّميهم ، ينسب إلى عزّة امرأة أحبّها وشبّب بها ، روي أن الإمام الباقر 7 شيّعه ورفع جنازته بيده الشريفة وعرقه يجري ، وكان يعد من أصحابه ، غير أنّه كان على مذهب الكيسانية ، كما هو واضحٌ من قوله :
    ألا إن الأئمّة من قريش
    ولاة الحقّ أربعة سواءُ

    عليٌّ والثلاثة من بنيه
    هم الأسباط ليس بهم خفاءُ

    فسبط سبط إيمان وبر
    وسبط غيّبته كربلاءُ

    __________________
    (1) السبت : الدهر أو برهة منه.
    (2) الجوب : القطع. يقال : جاب الأرض جوبا وتجوابا : قطعها سيرا.
    (3) انصاع : تفرَّق.
    (4) مقتضب الأثر / ابن عياش الجوهري : 46 ، وبعض المصادر تنسبها إلى الكميت.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ   الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Emptyالأحد أكتوبر 27, 2024 5:58 am

    وسبط لا يذوق الموت (1)
    حتّى يقود الخيل يقدمها اللواءُ

    يغيبُ فلا يرى منهم (2) زمانا
    برضوى (3) عنده عسل وماءُ (4)

    ورغم اعتقاده الكيساني إلاّ أنّه كان على مودّة من الإمام الباقر 7 ، يدلّ عليه ما رواه السيد المرتضى أنّ رجلاً نظر إلى كثير وهو راكب ، والإمام أبو جعفر 7 يمشي ، فأنكر عليه ذلك وقال له : أتركب وأبو جعفر يمشي؟! فأجابه كثير قائلاً : هو أمرني بذلك ، وأنا بطاعته في الركوب ، أفضل من عصياني إيّاه بالمشي (5).
    ويبدو أنّ كثيراً لم يكن جادّاً في مدح بني أمية ، ولا مؤمناً بما يقوله فيهم ، روى المرزباني عن أبي عبد الرحمن الخزاعي ، قال : إنّ الباقر 7 قال له : «تزعم أنّك من شيعتنا وتمدح آل مروان؟!» فقال : إنّما أسخر منهم ، وأجعلهم حيّات وعقارب ، وآخذ أموالهم ، ألم تسمع إلى قولي في عبد العزيز بن مروان :
    وكنت عتبت معتبة فلجت
    بي الغلواء في سنن العتاب

    فما زالت رقاك تسل ضغني
    وتخرج من مكامنها ضبابي

    ويرقيني لك الراقون حتّى
    أجابك حيّة تحت الحجاب

    __________________
    (1) في الأغاني : وسبطٌ لا تراه العينُ.
    (2) في الأغاني والشعر والشعراء : تغيَّبَ لا يُرى عنهم ، وفي إكمال الدين : يغيب فلا يُرى عنّا.
    (3) رضوى : جبل بالمدينة ، وهو الجبل الذي تزعم الكيسانية أنَّ محمّد بن الحنفية مقيم به حي يرزق. معجم البلدان 3 : 51.
    (4) المقالات والفرق : 29 ، شرح ديوان كثير 2 : 186 ، الأغاني 8 : 31 ، الشعر والشعراء : 350 ، إكمال الدين : 32 ، تذكرة الخواص : 293 ، الفصول المختارة : 242.
    (5) الأمالي / السيد المرتضى 1 : 204.

    قال : فقال له عبد الملك بن مروان : ما مدحك إنّما جعلك راقياً للحيّات ، قال : فذكر عبد العزيز ذلك لي ، قلت : واللّه لأجعلنّه حيّة ، ثمّ لا ينكر ذلك ، فقلت له :
    يقلب عيني حيّة بمجارة
    أضاف إليها الساريات سبيلها

    يصيد ويغضي وهو ليث خفية
    إذا أمكنته عدوة لا يقيلها

    قال : فأجزل لي عبد الملك الصلة (1).
    وذكر ابن شهر آشوب أنّ الإمام الباقر 7 قال لكثير : امتدحت عبد الملك؟ فقال : ما قلت له يا إمام الهدى ، وإنّما قلت يا أسد والأسد كلب ، ويا شمس والشمس جماد ، ويا بحر والبحر موات ، ويا حية والحية دويبة منتنة ، ويا جبل وإنّما هو حجر أصمّ. قال : فتبسّم 7 (2).
    4 ـ مالك بن أعين الجهني :
    شاعر حجازي سكن الكوفة ، له أبيات في مدح أبي جعفر الباقر 7 ، ومثلها في رثاء جعفر بن محمد الصادق 7 (3) ، وعدّه الشيخ من أصحاب الإمام الباقر 7 (4) ، توفّي سنة 148 هـ ، وممّا قاله في الإمام الباقر 7 :
    إذا طلب الناس علم القرآ
    ن كانت قريش عليه عيالا

    وإن قيل أين ابن بنت النبي
    نلت بذاك فروعاً طوالاً

    __________________
    (1) مختصر أخبار شعراء الشيعة / المرزباني : 68.
    (2) مناقب آل أبي طالب 3 : 337.
    (3) الأعلام / الزركلي 5 : 257.
    (4) رجال الشيخ : 145.


    نجوم تهلّل للمدلجين
    جبال تورث علماً جبالا (1)

    5 ـ أبو هريرة العجلي :
    عدّه ابن شهر آشوب في شعراء أهل البيت : المجاهرين (2) ، وأنشد الإمام محمد الباقر 7 قصيدة تدلّ على متابعته وطاعته له ، ورصده الحديث الصحيح وتمييزه عمّن سواه ممّا يحدثه المبتدعة أمثال المغيرة بن سعيد :
    أبا جعفر أنت الولي أحبّه
    وأرضى بما ترضى به وأتابع

    أتتنا رجال يحملون عليكم
    أحاديث قد ضاقت بهنّ الأضالع

    أحاديث أفشاها المغيرة فيهم
    وشرّ الأُمور المحدثات البدائع (3)

    بوّابه :
    بوّابه : جابر بن يزيد الجعفي (4).
    أولاده 7 :
    المشهور بين المؤرّخين والمحدّثين ورجال النسب أنّ للإمام الباقر 7 سبعة أولاد ، خمسة ذكور وابنتان ، وهم : أبو عبد اللّه جعفر الصادق 7 ويُكنّى به ، وعبد اللّه ، وأُمّهما أُم فروة بنت القاسم ، وإبراهيم وعبيد اللّه درجا (5) ، أُمّهما أُم حكيم بنت أسيد بن المغيرة الثقفية ، وعلي وزينب ، لأُم ولد ، وأُم سلمة
    __________________
    (1) معجم الشعراء / المرزباني : 268 ، الإرشاد 2 : 157 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 335 ، روضة الواعظين : 207 ، تاريخ دمشق 45 : 271 ، عمدة الطالب : 195.
    (2) معالم العلماء : 183.
    (3) عيون الأخبار / ابن قتيبة 2 : 151 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 341.
    (4) تاريخ أهل البيت : : 148 ، دلائل الإمامة : 217 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 339 ، مصباح الكفعمي : 522 ، التتمّة في تاريخ الأئمة : : 96.
    (5) درج الرجل : إذا مات ولم يخلف نسلاً ، ويقال : درج في حياته ، إذا مات.

    لأُم ولد.
    وهناك اختلاف في اللذين درجا ، فروي : عبيد اللّه وعلي ، ويوجد اختلاف في ترتيبهم على الأُمّهات ، فقيل : علي وأُم سلمة وزينب من أُم ولد ، وقيل : زينب لأُم ولد أُخرى.
    وهناك اختلاف في العدد أيضاً ، فمنهم من ذكر تسعة ، ستّة ذكور وهم : جعفر الصادق 7 وعبد اللّه وعلي وزيد وعبيد اللّه وإبراهيم ، وثلاث بنات ، وذكر منهنّ : زينب وأُم سلمة ، ولم يذكر الثالثة.
    وقيل : خلّف ثمانية ، ستّة ذكور وبنتان ، فأضاف إلى الذكور المذكورين أولاً أحمد.
    وقيل : خلف ستّة ، أربعة ذكور وبنتان ، فأسقط من المذكورين عبيد اللّه ، وجعل بعضهم أُم سليمان بدل أُم سلمة.
    ومنهم من ذكر أربعة من الذكور ، وثلاث بنات ، وهم : جعفر الصادق 7 وعبد اللّه وإبراهيم وعبيد اللّه ، وأُم سليمان وزينب وواحدة غير مشهورة.
    وقيل له خمسة اولاد ، أربعة ذكور وبنت ، وهم : جعفر الصادق 7 وعلي وعبد اللّه وإبراهيم وأُم سلمة.
    وقيل : له أربعة أولاد ، ثلاثة ذكور وبنت ، وهم : جعفر الصادق 7 وعبد اللّه وإبراهيم وأُم سلمة ، واسمها زينب.
    أما العقب ، فذكر بعضهم أنّ عقبه في اثنين من الذكور فقط ، وهما جعفر الصادق 7 وعبد اللّه ، وقيل : العقب من جعفر الصادق 7 فقط (1).
    __________________
    (1) راجع : تاريخ أهل البيت : : 104 ، الطبقات الكبرى 5 : 246 ، جمهرة أنساب

    وعدّا الذين ذكرناهم من أولاد الإمام الباقر 7 ، هناك بعض المصادر تكاد تنفرد بذكر أسماء أو مزارات ومشاهد ادُّعي أنّها منسوبة إلى أولاد صلبيين للإمام الباقر 7 ، ولم تذكرهم المصادر المشهورة ، ومنهم زيد بن الإمام محمد الباقر 7 ، عدّه العمري من أولاد الثقفية ، وذكر أنّه درج مع أشقائه عبيد اللّه وإبراهيم (1). ومنهم آمنة بنت الإمام الباقر 7 ، قال ياقوت : بين مصر والقاهرة مشهد يقال : إنّ فيه قبر آمنة بنت محمد الباقر (2). وخديجة بنت الإمام الباقر 7 ، فقد عدّها الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الباقر 7 (3) ، وذكر العمري أنّها أُم يحيى بن الحسين ذي الدمعة بن زيد الشهيد (4). وفيما يلي نذكر بعض أخبار أولاد الإمام الباقر 7.
    1 ـ أبو عبد اللّه جعفر الصادق 7 :
    وكان من بين اخوته سيد ولد أبيه ، وخليفته ووصيه ، والإمام القائم بالإمامة من بعده ، ولد 7 في السابع عشر من شهر ربيع الأوّل سنة 83 هـ ، وهو اليوم الذي وُلد فيه جدّه رسول اللّه 9 ، فكان ذلك إيذاناً بإحياء السنّة ونشر
    __________________
    (1) المجدي : 94.
    (2) معجم البلدان 5 : 142.
    (3) رجال الشيخ : 102.
    (4) المجدي : 166.

    الحديث على يديه ، فأقام الإسلام على أُصوله الأولى وأُسسه الثابتة التي أوشكت على الانهيار في ظلّ البلاطين الأُموي والعباسي ، قيل فيه : ذو علم غزير في الدين ، وأدب كامل في الحكمة ، وزهد بالغ في الدنيا ، وورع تام عن الشهوات (1). والحديث عن علمه وزهده وتقواه ومنزلته لا يحيط به محيط ، ولا يقف على متناه إلاّ اللّه.
    2 ـ عبد اللّه بن محمد الباقر 7 :
    وهو شقيق الإمام الصادق 7 ، أُمّهما أُم فروة ، وهو أكبر اخوته بعد الصادق 7 ، وقد توفّي شهيداً ، سقاه السمّ أحد رجال بني أُمّية.
    روى أبو الفرج الأصفهاني وغيره بالإسناد عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبيه ، قال : دخل عبد اللّه بن محمد بن علي بن الحسين : على رجل من بني أُمّية ، فأراد قتله ، فقال له عبد اللّه : لا تقتلني أكن للّه عليك عيناً ، ولك على اللّه عوناً (2). فقال : لست هناك (3). وتركه ساعة ، ثم سقاه سُمّاً في شراب سقاه إيّاه فقتله (4).
    قال الشيخ المفيد : وكان عبد اللّه 2 يشار إليه بالفضل والصلاح (5). وتدلّ أخبار سيرته على موالاته لأخيه الصادق 7 ، لكن ذكر في بعض المصادر أنّه ادّعى الإمامة لنفسه ، وكان على خلاف مع أخيه الإمام الصادق 7 ، وما لبث
    __________________
    (1) الملل والنحل / الشهرستاني 1 : 147.
    (2) يريد بذلك أنه ممن يشفع إلى اللّه فيشفعه.
    (3) أي لست أهلاً للشفاعة.
    (4) مقاتل الطالبيين : 109 ، شرح شافية أبي فراس / ابن أمير الحاج : 155 ، الإرشاد 2 : 176.
    (5) الإرشاد 2 : 176.

    عبد اللّه إلاّ يسيراً حتّى مات (1) ، من هنا سمّاه بعضهم الأفطح ، وعدّه من أولاد الباقر 7 (2) ، مع أنّه لم يدّعِ أحد من أولاد الباقر 7 الإمامة ، ولا ادّعاها أحد لهم ، قال الشيخ المفيد : ولم يعتقد في أحد من ولد أبي جعفر 7 الإمامة إلاّ في أبي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق 7 خاصّة (3).
    ويبدو أنّ منشأ هذا الوهم هو الخلط بين عبد اللّه الأفطح ابن الإمام الصادق 7 ، وعبد اللّه بن الإمام الباقر 7 ، وعبد اللّه الأفطح هو الذي ادّعى الإمامة بعد أبيه الإمام الصادق 7 ، وكان متّهماً بالخلاف على أبيه في الاعتقاد ، وكان يخالط الحشوية ، ويميل إلى مذاهب المرجئة ، وادّعى بعد أبيه الإمامة ، فاتبعه على قوله جماعة من أصحاب أبي عبد اللّه 7 ، ثم رجعوا بعد ذلك إلى القول بإمامة أخيه موسى 7 لمّا تبيّنوا ضعف دعواه ، وقوّة أمر أبي الحسن 7 ، ودلالة حقّه وبراهين إمامته (4).
    3 ـ أُم سلمة بنت محمد الباقر 7 :
    أُمّها أُم ولد ، وذكر بعضهم أنّها البنت الوحيدة للإمام الباقر 7 ، وأنّ اسمها زينب ، وكنيتها أم سلمة (5). رُوي أنّها كانت عند ابن عمّها محمد بن عبد اللّه بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، الذي يقال له الأرقط ، فولدت له إسماعيل (6).
    __________________
    (1) كشف الغمّة 2 : 349 ، عن كتاب الدلائل للحميري.
    (2) راجع : مناقب آل أبي طالب 3 : 339.
    (3) الإرشاد 2 : 176.
    (4) الإرشاد 2 : 211 ، بحار الأنوار 48 : 299.
    (5) تاج المواليد : 118.
    (6) نسب قريش / الزبيري : 63 ، المجدي : 94.

    4 ـ زينب بنت محمد الباقر 7 :
    أُمّها وأُم شقيقها علي أُم ولد ، وقيل : إنّ أُم زينب أُم ولد أُخرى غيرها ، قيل : إنّها كانت عند عبيد اللّه بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ثم خلف عليها عبيد اللّه بن محمد بن عمر بن علي بن محمد بن عمر بن علي أبي طالب ، فولدت له محمداً والعباس ومحمداً الأصغر وخديجة وفاطمة وأُم حسن (1).
    اُخوته 7 :
    المشهور أنّ له من الأخوة عشرة وهم : الحسن ، والحسين الأصغر ، والحسين الأكبر ، وزيد الشهيد ، وسليمان ، وعبد الرحمن ، وعبد اللّه ، وعلي وكان أصغر أخوته ، وعمر ، ومحمد الأصغر ، وأربع أخوات ، وهن : أُم كلثوم ، وخديجة ، وعلية وكنيتها أُم علي ، وفاطمة.
    وهناك تفاوت في عدد الأخوة والأخوات ، فقيل : كان له أربعة أخوة ، وقيل : سبعة ، وقيل : ثمانية ، ولم يكن له أخت ، وقيل : كان له تسعة أخوة وأربع أخوات ، وقيل : له عشرة أخوة ، وسبع أخوات ، وقيل : له عشرة أخوة ، وتسع أخوات ، وهن : أُم الحسن ، وأُم موسى ، وكلثوم ، وعبدة ، ومليكة ، وعلية ، وفاطمة ، وسكينة ، وخديجة ، وهناك تفاوت في الأسماء فعدّوا : القاسم ، وعبيد اللّه ، وأُم البنين ، من أخوته (2).
    أما من حيث فضلهم ومنزلتهم ، فقد ذكر الشيخ المفيد أنه كان لكل واحد
    __________________
    (1) نسب قريش / الزبيري : 63.
    (2) تاريخ اليعقوبي 2 : 304 ، الإرشاد 2 : 155 ، تاج المواليد : 38 ، العدد القوية / رضي الدين الحلي : 316 ، تاريخ دمشق 45 : 271 ، النجوم الزاهرة / ابن تغرى 1 : 273 ، المجدي : 93 ، عمدة الطالب : 194.

    من أخوة الباقر 7 فضل ، وإن لم يبلغوا فضله ، لمكانه من الإمامة ، ورتبته عند اللّه في الولاية ، ومحلّه من النبي 9 في الخلافة (1).
    ويعزّز ذلك ما رواه السيد المرتضى عن أبي الجارود زياد بن المنذر ، أنّه سأل الإمام الباقر 7 : أيُّ أخوتك أحبّ إليك؟ فقال : أما عبد اللّه فيدي التي أبطش بها ، وأما عمر فبصري الذي أبصر به ، وأما زيد فلساني الذي أنطق به ، وأما الحسين فحليم يمشي على الأرض هوناً ، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً (2). وفيما يلي نذكر بعض أخبار أخوة الإمام الباقر 7.
    1 ـ زيد الشهيد 7 :
    أبو الحسين العلوي ، ولد سنة 78 هـ ، وأُمّه أُم ولد اسمها حورية ، أو حوراء ، اشتراها المختار الثقفي ، وأهداها إلى الإمام علي بن الحسين 8 ، فولدت له زيداً وعمر وعلياً وخديجة ، وقد اشتهر زيد 2 بالعلم والشجاعة والنسك وغير ذلك من الفضائل.
    يقول عاصم بن عبيد العمري : رأيته وهو شاب بالمدينة يذكر اللّه فيغشى عليه ، حتّى يقول القائل : ما يرجع إلى الدنيا. وكان يعرف عند أهل المدينة بحليف القرآن ، وكان زيد من علماء عصره البارزين في الحديث والفقه والتفسير واللغة والأدب وعلم الكلام ، وله آثار شاخصة إلى اليوم في حقول علمية مختلفة.
    كانت إقامته بالكوفة والمدينة ، وأمر هشام بن عبد الملك لعنة اللّه عليه بإشخاصه إلى الشام ، فحجبه عنه وضيّق عليه مبالغة في إذلاله ، وحبسه خمسة
    __________________
    (1) الإرشاد 2 : 168.
    (2) الناصريات : 64.

    أشهر ، ثم أطلقه بعد جدال بينهما ، فعاد إلى الكوفة وكلّه عزم على الثورة والمناهضة للجور والباطل والاستبداد في أُمور المسلمين ، فاجتمع إليه غالب أهلها ، وبايعوه على قتال الأُمويين ، والدعوة إلى كتاب اللّه ، وسنّة نبيّه 9 ، وجهاد الظالمين ، والدفع عن المستضعفين ، وإعطاء المحرومين ، والعدل في قسمة الفيء ، وردّ المظالم ، ونصرة أهل الحقّ. وكان في المبايعين الفقهاء والقضاة وأعلام الفكر والأدب ، فظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويطالب بثارات الحسين 7 ، ويدعو إلى الرضا من آل محمد 9 ، ثم أنّهم نقضوا بيعته وأسلموه ، فقُتل 7 وصلب منكوساً في سوق الكناسة أربع سنين ، ونصب رأسه الشريف على باب دمشق ، ثم في المدينة ومصر ، ولمّا قُتل حزن له الإمام أبو عبد اللّه الصادق 7 حزناً عظيماً حتّى بان عليه ، وفرّق من ماله على عيال من أُصيب معه من أصحابه ألف دينار ، وكان مقتله يوم الاثنين لليلتين خلتا من صفر سنة120 هـ وكانت سنّه يومئذ اثنتين وأربعين سنة ، وقيل : كان ذلك في المحرم سنة122 هـ ، فسلام عليه يوم وُلد ويوم جاهد ويوم استُشهد ويوم يُبعث حيّاً (1).
    2 ـ الحسين بن علي 7 :
    وكان الحسين بن علي بن الحسين 8 فاضلاً ورعاً ، روى حديثاً كثيراً عن أبيه علي بن الحسين ، وعمّته فاطمة بنت الحسين ، وأخيه أبي جعفر 7.
    روى أحمد بن عيسى عن أبيه ، قال : كنت أرى الحسين بن علي بن الحسين يدعو ، فكنت أقول : لا يضع يده حتّى يُستجاب له في الخلق جميعاً.
    وعن سعيد صاحب الحسن بن صالح ، قال : لم أرَ أحداً أخوف من الحسن ابن صالح ، حتى قدمت المدينة ، فرأيت الحسين بن علي بن الحسين 8 ، فلم أرَ
    __________________
    (1) ذكرنا مصادر ترجمته في الفصل الأول.

    أشدّ خوفاً منه ، كأنّما أدخل النار ثمّ أُخرج منها لشدّة خوفه (1).
    3 ـ عبد اللّه بن علي 7 :
    وهو شقيق الإمام الباقر 7 لأُمّه وأبيه ، لُقِّب بالباهر لجماله وحسنه ، وكان يلي صدقات رسول اللّه 9 ، وصدقات أمير المؤمنين 7 ، وهو من مفاخر أبناء الأئمّة الطاهرين في العلم والورع والتقوى والفضل ، وكان من فقهاء أهل البيت : ، روى عن آبائه عن رسول اللّه 9 أخباراً كثيرة ، وحدّث الناس عنه وحملوا عنه الآثار ، كما روى مرسلاً عن جدّه الإمام أمير المؤمنين 7 ، وعن جدّه لأُمِّه الإمام الحسن 7 ، وروى عنه عمارة بن غزية ، وموسى بن عقبة ، وعيسى بن دينار ، ويزيد بن أبي زياد ، وهو ثقة مشهور عند العامة أخرج له الترمذي والحاكم (2).
    4 ـ عمر بن علي 7 :
    وأُمّه أُم ولد ، وكان فاضلاً جليلاً ورعاً سخياً ، لُقِّب بالأشرف ، لما له من شرف وفضيلة في الحسب ومحاسن الأخلاق ، وكان من العلماء الأفاضل ، عدّه الشيخ من أصحاب أخيه الإمام الباقر 7 ، وقد روى عن أبيه ، وروى عنه فطر ابن خليفة ، وتولّى صدقات النبي 9 وصدقات أمير المؤمنين 7.
    ومن أخبار جوده وسخائه ما رواه الحسين بن زيد ، قال : رأيت عمّي عمر ابن علي بن الحسين يشرط على من ابتاع صدقات علي 7 أن يثلم في الحائط كذا وكذا ثلمة ، ولا يمنع من دخله أن يأكل منه.
    * * *
    __________________
    (1) الإرشاد 2 : 174 ، عمدة الطالب 2 : 29.
    (2) الإرشاد 2 : 169 ، عمدة الطالب 2 : 127 ، تهذيب التهذيب 5 : 324.

    الفصل الثالث
    إمامته عليه السلام
    الإمامة رئاسة عامّة في أُمور الدين والدنيا ، ولا تُنال إلاّ بتعيين من السماء ينصّ عليه النبي المرسل ، وذلك من تمام الدين وكمال النعمة ، ومن صلب واجب النبي 9 ، الذي بعث رحمة للأنام ، ولجمع كلمتهم ، ونظم أمرهم ، ورفع أسباب الخلاف من بينهم ، فلا يصحّ أن يترك أمرهم بعده هملاً ، بل لا بدّ أن يبيّن لأُمّته من يأتمنه على دين اللّه تعالى ورسالاته ، ليقوم بأمرهم من بعده.
    وقد أدّى المصطفى 9 أمانة ربّه حقّ الأداء ، وبلّغ رسالة ربّه تمام البلاغ ، فلم يفارق أُمّته حتّى أرشدهم إلى وليّ الأمر من بعده ، ونصّ على أخيه ووصيه علي بن أبي طالب 7 في مناسبات عدّة ومواضع شتّى ، وقد تواترت النصوص بهذا عند المسلمين قاطبة. كما نصّ على أحد عشر إماما يكونون بعد علي : بأسمائهم وأوصافهم ، كما نصّ كلّ إمام على الإمام اللاّحق له ، وقد صحّت بذلك الأحاديث من طرق شتّى ، وتناقلتها نفائس كتب الحديث والمناقب والتاريخ وغيرها (1).
    __________________
    (1) من أهم المصادر التي أفردها العلماء لجمع تلك النصوص : إثبات النصّ على

    ومن الأُمور التي يجب توفّرها في الإمام بعد ثبوت النصّ : العصمة والدلالة وسلامة النسب والنشأة والسبق في العلم والحكمة وسائر الفضائل ، ليكون أهلاً لهذه المنزلة ، وقطباً تلتف حوله الناس.
    والإمام الباقركآبائه الأطهار : توفّرت فيه جميع الشروط المطلوبة في الإمام.
    قال الشيخ المفيد : كان الباقر أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين : من بين اُخوته خليفة أبيه علي بن الحسين ووصيّه والقائم بالإمامة من بعده ، وبرز على جماعتهم بالفضل في العلم والزهد والسؤدد ، وكان أنبههم ذكرا ، وأجلّهم في العامّة والخاصّة وأعظمهم قدرا. ولم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين 8
    __________________
    الأئمّة : للشيخ الصدوق ، (ت / 381 هـ ) ، كِفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر : ، للخزّاز ، مقتضب الأثر في النص على الأئمّة الاثني عشر : ، لابن عيَّاش الجوهري ، (ت / 401 هـ ) ، الاستنصار في النصّ على الأئمّة الأطهار : ، لأبي الفتح الكراجكي (ت / 449 هـ ) ، اتفاق صحاح الأثر في إمامة الأئمّة الاثني عشر : ، لابن البطريق ، (ت / 600 هـ ) ، استقصاء النظر في إمامة الأئمّة الاثني عشر : ، لابن ميثم البحراني ، (ت / 679 هـ ) ، الإنصاف في النص على الأئمّة الاثني عشر من آل محمد الأشراف : ، للسيد هاشم البحراني ، (ت / 1107 هـ ) وغيرها.
    ومن المصادر التي أفردت باباً لتلك النصوص : الكافي لثقة الإسلام الكليني (ت / 329 هـ ) ، والإمامة والتبصرة من الحيرة ، لابن بابويه القمي (ت / 329 هـ ) ، إثبات الوصيّة ، للمسعودي (ت / 346 هـ ) ، إكمال الدين ، للشيخ الصدوق (ت / 381 هـ ) ، الإرشاد ، للشيخ المفيد (ت / 413 هـ ) ، روضة الواعظين ، لابن الفتال النيسابوري ، الشهيد (سنة / 508 هـ ). إعلام الورى بأعلام الهدى ، للطبرسي ، (ت / 548 هـ ) ، كشف الغمّة في معرفة الأئمّة : ، للإربلي ، (ت / 687 هـ ). بحار الأنوار ، للعلاّمة المجلسي (ت / 1111 هـ ).

    من علم الدين والآثار والسنّة وعلم القرآن والسيرة وفنون الآداب ما ظهر عن أبي جعفر 7 ، وروى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين ، وصار بالفضل به علماً لأهله تضرب به الأمثال ، وتسير بوصفه الآثار والأشعار.
    وفيه يقول القرظي :
    يا باقر العلم لأهل التّقى
    وخير من لبّى على الأجبل (1)

    وقال مالك بن أعين الجهني فيه 7 :
    إذا طلب الناس علم القرا
    ن كانت قريش عليه عيالا

    وإن قيل أين ابن بنت النبي
    نلت بذاك فروعاً طوالا

    نجوم تهلّل للمدلجين
    جبال تورث علماً جبالا (2)

    وإلى جانب تواتر النص عليه من أبيه ، ذكر بعض العلماء الدليل العقلي على إمامته المتعلّق بوجوب الإمامة عقلاً في كلّ زمان ، وعدم ادّعاء الإمامة في أيام أبي جعفر الباقر 7 سواه ، فثبتت فيه ، لاستحالة خلوّ الزمان من إمام معصوم.
    قال ابن شهر آشوب : الذي يدلّ على إمامته ما ثبت من وجوب الإمامة ، وكون الإمام معصوماً ومنصوصاً عليه ، وإن الحقّ لا يخرج من بين الاُمّة (3).
    وقال الطبرسي : الدليل على إمامته ما قدّمناه بعينه في إمامة أبيه من اعتبار وجوب العصمة ، وبطلان قول كلّ من ادّعى حياة الأموات ، ودلائل العقول
    __________________
    (1) البيت في تاريخ دمشق 45 : 271 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 329 ، شرح الأخبار 3 : 281 ، روضة الواعظين : 207 ، وفيات الأعيان 4 : 174.
    (2) الإرشاد / الشيخ المفيد 2 : 157 ، والأبيات تقدّم تخريجها.
    (3) مناقب آل أبي طالب / ابن شهر آشوب 3 : 341.

    أوكد من دلائل الأخبار لبعدها عن التأويل والاحتمال (1).
    وفيما يلي نذكر أهم النصوص الدالّة على إمامته 7 سواء التي وردت عن آبائه المعصومين : أو عن أبيه 7 خاصة.
    أولاً : نصّ آبائه عليه : :
    تواترت النصوص على الإمام الباقر 7 عن جدّه المصطفى 9 وآبائه المعصومين : ، قال ابن شهرآشوب : ومما يدلّ على إمامته تواتر الإمامية بالنصوص عليه من أبيه وجدّه 8 ، وكذلك الأخبار الواردة من النبي 9 على الأئمّة الاثني عشر إماماً إماماً ، ومن قال بذلك قطع على إمامته.
    ومنها اعتبار طريق العصمة ، وغير ذلك (2).
    وقال الشيخ الطبرسي : وأما طريقة التواتر ، فمثل ما ذكرناه فيما تقدّم ، فإن الشيعة قد تواترت خلفاً عن سلف إلى أن اتّصل نقلهم بالباقر 7 أنّه نصّ على الصادق 7 ، كما تواترت على أنّ أمير المؤمنين نصّ على الحسن ، ونصّ الحسن على الحسين : ، وكذلك كلّ إمام على الإمام الذي يليه ، ثم هكذا إلى أن ينتهي إلى صاحب الزمان 7 (3).
    وأمّا النصوص على إمامة الباقر 7 المروية عن النبي 9 وآبائه المعصومين في جملة الاثني عشر : فكثيرة ، منها :
    1 ـ خبر اللوح الذي هبط به جبرئيل على رسول اللّه 9 من الجنّة ، فأعطاه فاطمة 3 ، وفيه أسماء الأئمّة من بعده ، وكان فيه : محمد بن علي الإمام
    __________________
    (1) إعلام الورى بأعلام الهدى 1 : 500.
    (2) مناقب آل أبي طالب 3 : 315.
    (3) إعلام الورى بأعلام الهدى 1 : 512.

    بعد أبيه (1).
    وهو في أعلى درجات الصحّة ورُوي من عدّة طرق معتبرة.
    2 ـ وفيحديث عن أميرالمؤمنين علي 7 عن رسول اللّه 9 : «وقدأخبرنياللّه عزّوجلّ أنّه قد استجاب لي فيك وفي شركائك الذين يكونون من بعدك.
    قلت : يا رسول اللّه ، ومن شركائي؟ فقال : الذين قرنهم اللّه بنفسه وبي ، فقال : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاْءَمْرِ مِنْكُمْ» (2).
    قلت : يا رسول اللّه ، سمِّهم لي. فقال : ابني هذا ، ووضع يده على رأس الحسن ، ثمّ ابني هذا ، ووضع يده على رأس الحسين ، ثمّ ابن له على اسمك يا عليّ ، ثمّ ابن له اسمه محمد بن عليّ. ثمّ أقبل على الحسين ، فقال : سيولد محمد بن علي في حياتك فأقرئه منّي السلام ، ثمّ تكملة اثني عشر إماماً.
    قلت : يا نبيّ اللّه ، سمِّهم لي ، فسمّاهم رجلاً رجلاً ، منهم واللّه مهديّ هذه الأُمّة ، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً» (3).
    3 ـ وعن جابر بن عبد اللّه الأنصاري ، قال : قال لي رسول اللّه 9 : «يا جابر ، إنّ أوصيائي وأئمّة المسلمين من بعدي أولهم علي ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي المعروف بالباقر ، ستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام ، ثم جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ، ثم علي بن
    __________________
    (1) إكمال الدين : 311 / 2 و 3 ، الإرشاد 2 : 159 ، إعلام الورى 1 : 501.
    (2) سورة النساء : 4 / 59.
    (3) الغيبة / النعماني : 80 / 10.

    محمد ، ثم الحسن بن علي ، ثم القائم ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي» (1).
    وهذا من الأخبار المشهورة عن جابر.
    4 ـ وعنه قال : لما أنزل اللّه عزّوجلّ على نبيّه محمد 9 : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاْءَمْرِ مِنْكُمْ» (2) قلت : يا رسول اللّه ، عرفنا اللّه ورسوله ، فمن أولو الأمر الذين قرن اللّه طاعتهم بطاعتك؟ فقال : «هم خلفائي يا جابر ، وأئمّة المسلمين من بعدي ، أولهم علي بن أبي طالب ، ثم الحسن ، والحسين ، ثم على بن الحسين ، ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر ، ستدركه يا جابر ، فإذا لقيته فاقرأة مني السلام ، ثمّ الصادق جعفر بن محمد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ علي بن موسى ، ثمّ محمد بن علي ، ثمّ علي بن محمد ، ثمّ الحسن بن علي ، ثمّ سميّي وكنيّي حُجّة اللّه في أرضه ، وبقيّته في عباده» (3).
    5 ـ وعن أبي سلمى راعي إبل رسول اللّه 9 ، وذكر حديث الإسراء وما جاء فيه من النصّ على الأئمّة الاثني عشر ، وفيه : «يا محمد ، أتحبّ أن تراهم؟ قلت : نعم يا رب. فقال لي : التفِتْ عن يمين العرش ، فالتفتُّ فإذا أنا بعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي ، والمهدي ، في ضحضاح من نور قياما يصلّون ، وهو في وسطهم ـ يعني المهدي ـ كأنّه كوكب درّي. قال : يا محمد ، هؤلاء الحجج ، وهو الثائر من عترتك ، وعزّتي وجلالي انّه الحجّة
    __________________
    (1) ينابيع المودّة 3 : 398 ، كشف الغمّة 3 : 314.
    (2) سورة النساء : 4 / 59.
    (3) إكمال الدين : 253 / 3.

    الواجبة لأوليائي ، والمنتقم من أعدائي» (1).
    6 ـ ومثل ذلك ما روي : أنّ اللّه تعالى أنزل إلى نبيّه 9 كتاباً مختوماً باثني عشر خاتماً ، وأمره أن يدفعه إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 ، ويأمره أن يفضّ أول خاتم فيه ويعمل بما تحته ، ثم يدفعه عند وفاته إلى ابنه الحسن 7 ، ويأمره أن يفضّ الخاتم الثاني ويعمل بما تحته ، ثم يدفعه عند حضور وفاته إلى أخيه الحسين 7 ، ويأمره أن يفضّ الخاتم الثالث ويعمل بما تحته ، ثم يدفعه الحسين عند وفاته إلى ابنه علي بن الحسين ، ويأمره بمثل ذلك ، ويدفعه علي بن الحسين 8 عند وفاته إلى ابنه محمد بن علي 7 حتّى ينتهى إلى آخر الأئمّة : أجمعين (2).
    7 ـ وجاء في وصية أمير المؤمنين علي إلى ولده الحسن 8 : «يا بني ، انّه أمرني رسول اللّه 9 أن أوصي إليك ، وأدفع إليك كتبي وسلاحي ، كما أوصى إليّ ودفع إليّ كتبه وسلاحه ، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين ، ثم أقبل على ابنه الحسين ، فقال : وأمرك رسول اللّه أن تدفعها إلى ابنك هذا ، ثم أخذ بيد علي بن الحسين ، وقال : وأمرك رسول اللّه أن تدفعها إلى ابنك محمد بن علي ، فأقرئه من رسول اللّه ومنّي السلام» (3).
    إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الأخرى التي لا مجال للاستطراد معها.
    __________________
    (1) مقتل الحسين 7 / الخوارزمي 1 : 95 ، فرائد السمطين / الجويني 2 : 319 / 571.
    (2) الإرشاد 2 : 159 ، إعلام الورى بأعلام الهدى 1 : 501.
    (3) كتاب سليم : 444 ، الكافي 1 : 297 ، الفقيه / الصدوق 4 : 189 / 5433 ، التهذيب / الطوسي 9 : 176 / 714.

    ثانياً : نصّ أبيه عليه 8 :
    في وقت عصيب تعرّض فيه التشيّع لأشرس الحملات التي استهدفت وحدته وكيانه وعقيدته ، اضطلع الإمام علي بن الحسين 8 بالوصية لولده محمد الباقر 7 بالإمامة في ملأ من أولاده وخواصّ شيعته ، وسلّم إليه بعد ذلك الاسم الأعظم ومواريث الأنبياء ، فيكون بذلك قد هيّأ أحد الأدوات المهمّة لتثبيت الإمامة وضمان استمرارها ، واستطاع توحيد الصفوف واستعادة القوى لتهيئة الأرضية المناسبة لنشوء مدرسة أهل البيت على يد الصادقين من ولـده :.
    وقد روى النص عنه 7 : جابر بن عبد اللّه الأنصاري 2 ، وولداه الحسين وعمر ، وأبو خالد الكابلي ، وأبو حمزة الثمالي ، ومالك بن أعين الجهني ، وعثمان بن خالد عن أبيه ، وفيما يلي نعرض أهم النصوص الواردة عن أبيه 7 في النص عليه والإشارة إليه بالإمامة من بعده.
    1 ـ عن أبي خالد الكابلي قال : «دخلت على سيدي علي بن الحسين زين العابدين 7 فقلت له : يا سيدي ، روي لنا عن أمير المؤمنين علي 7 أن الأرض لا تخلو من حجّة للّه عزّوجلّ على عباده ، فمن الحجّة والإمام بعدك؟ قال : ابني محمد ، واسمه في التوراة باقر ، يبقر العلم بقراً ، هو الحجّة والإمام بعدي ، ومن بعد محمد ابنه جعفر ، واسمه عند أهل السماء الصادق» (1).
    2 ـ وعن جابر بن عبد اللّه الأنصاري أنّه دخل على زين العابدين 7 فرأى عنده غلاماً فقال له : «أقبل فأقبل ، فقال له : أدبر فأدبر ، فقال جابر : شمائل رسول اللّه 9 ، ثمّ قال لزين العابدين 7 : من هذا؟ قال : ابني ووصيي
    __________________
    (1) إكمال الدين : 319 / 2 ، علل الشرائع / الصدوق 1 : 234.

    وخليفتي من بعدي ، اسمه محمد الباقر. فقام جابر وقبّل رأسه ورجليه ، وأبلغه سلام جدّه وأبيه 7» (1).
    4 ـ وعن مالك بن أعين الجهني ، قال : «أوصى علي بن الحسين 8 ابنه محمد ابن علي 8 فقال : بني ، إنّي جعلتك خليفتي من بعدي ، لا يدّعي فيما بيني وبينك أحد إلاّ قلّده اللّه يوم القيامة طوقاً من النار ، فاحمد اللّه على ذلك واشكره» (2).
    5 ـ وعن عثمان بن خالد ، عن أبيه ، قال : «مرض علي بن الحسين 8 مرضه الذي توفّي فيه ، فجمع أولاده محمد والحسن وعبد اللّه وعمر وزيد والحسين ، وأوصى إلى ابنه محمد ، وكنّاه بالباقر ، وجعل أمرهم إليه» (3).
    6 ـ وعن عمر بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين 7 ، قال : «كان يقول : ادعوا لي ابني الباقر ، فقلت له : يا أبه ، ولِمَ سمّيته الباقر؟ قال : فتبسّم ، وما رأيته تبسّم قبل ذلك ، ثم سجد للّه تعالى طويلاً ، فسمعته يقول في سجوده : اللّهمّ لك الحمد سيدي على ما أنعمت به علينا أهل البيت ، يعيد ذلك مراراً ، ثم قال : يا بني ، إنّ الإمامة في ولده إلى أن يقوم قائمنا ، فيملأها قسطاً وعدلاً ، وأنّه الإمام أبو الأئمّة ، معدن الحلم وموضع العلم يبقره بقراً ، واللّه لهو أشبه الناس برسول اللّه 9» (4).
    7 ـ وعن الحسين بن علي 7 ، قال : «سأل رجل أبي 7 عن الأئمّة ، فقال :
    __________________
    (1) الصراط المستقيم / البياضي 2 : 161.
    (2) كفاية الأثر : 240.
    (3) كفاية الأثر : 239.
    (4) كفاية الأثر : 237.

    اثنا عشر ، سبعة من صلب هذا ، ووضع يده على كتف أخي محمد» (1).
    8 ـ وروى أبو حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر 7 ، قال : «لما حضرت علي ابن الحسين 8 الوفاةَ ضمّني إلى صدره وقال : أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة ، وبما ذكر أن أباه أوصاه به» (2).
    9 ـ وعن أبي بصير ، قال : قال أبو جعفر 7 : «كان فيما أوصى أبي 7 إليّ أن قال : يا بني ، إذا أنا متّ فلا يلي غسلي أحد غيرك ، فإنّ الإمام لا يغسله إلاّ إمام» (3). إلى غير ذلك من الآثار الواردة في هذا الباب.
    ثالثا : من أقوال العامّة حول الإمام الباقر 7 :
    هناك أقوال كثيرة لدى العامة في إمامنا الباقر وكلّها تشير إلى عظمته 7 ، لا بأس بالإشارة السريعة إلى بعضها كالآتي :
    1 ـ ذكر كل من ابن خلكان المتوفّى 681 هـ ، واليافعي المتوفّى 768 هـ ، وابن العماد المتوفّى 1089 هـ ، أنّ محمد بن علي الباقر 7 أحد الأئمّة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية (4).
    2 ـ وذكر تغرى بردى المتوفّى 874 هـ أنّ محمد بن علي الباقر 7 أحد الأئمّة الاثني عشر الذين تعتقد الشيعة عصمتهم (5).
    3 ـ وذكر ابن الصبّاغ المالكي المتوفّى سنة 855 هـ ، وابن طولون المتوفّى سنة 953 هـ ، والشيخ عبد اللّه بن محمد الشبراوي المتوفّى 1171 هـ في ترجمة الإمام
    __________________
    (1) كفاية الأثر : 238.
    (2) الصراط المستقيم 2 : 162.
    (3) كشف الغمّة 2 : 349 ، الخرائج والجرائح 1 : 264.
    (4) وفيات الأعيان 4 : 174 ، مرآة الجنان 1 : 247 ، شذرات الذهب 2 : 72.
    (5) النجوم الزاهرة 1 : 273.

    أبي جعفر الباقر 7 أنّه خامس أئمّة أهل البيت الطاهر (1).
    4 ـ وقال الذهبي ، المتوفّى سنة 748 هـ : أبو جعفر الباقر ، هو السيد الإمام ، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي ، العلوي الفاطمي ، المدني ، وكان أحد من جمع بين العلم والعمل والسؤدد ، والشرف ، والثقة ، والرزانة ، وكان أهلاً للخلافة.
    وهو أحد الأئمّة الاثني عشر الذين تبجّلهم الشيعة الإمامية ، وتقول بعصمتهم ، وبمعرفتهم بجميع الدين (2).
    5 ـ وقال ابن خلدون ، المتوفّى سنة 808 هـ : وأما الإمامية ، فساقوا الإمامة من علي الرضي إلى ابنه الحسن بالوصية ، ثم إلى أخيه الحسين ، ثم إلى ابنه علي زين العابدين ، ثم إلى ابنه محمد الباقر ، ثم إلى ابنه جعفر الصادق ... (3).
    6 ـ وقال أحمد بن يوسف القرماني ، المتوفّى 1019 هـ : في ذكر أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين الباقر 2 : وإنّما سُمّي بالباقر ، لأنّه بقر العلم ، وكان خليفة أبيه من بين اُخوته ووصيّه والقائم بالإمامة من بعده (4).
    7 ـ وروى العامّة أنّ جابر بن يزيد الجعفي إذا حدّث عن الإمام محمد بن علي الباقر 7 يقول : حدّثني وصي الأوصياء. وصارت هذه اللفظة ، إضافة إلى قوله : إنّ العلم النبوي انتقل إلى أهل البيت : ، سببا لإعراضهم عن حديث جابر الجعفي.
    __________________
    (1) الفصول المهمّة : 192 ، الأئمّة الاثنا عشر : 79 ، الإتحاف بحبّ الاشراف : 143.
    (2) سير أعلام النبلاء 4 : 401 ، تاريخ الإسلام 7 : 462.
    (3) تاريخ ابن خلدون 1 : 201.
    (4) أخبار الدول وآثار الأول 1 : 331 ، الفصل الرابع ـ باب في ذكر الحسن والحسين وأولادهما.

    قال ابن عيينة : سمعت من جابر ستّين حديثاً ، ما أستحلّ أن أروي عنه شيئاً ، يقول حدّثني وصي الأوصياء (1).
    وذكر شهاب أنّه سمع ابن عيينة يقول : تركت جابرا الجعفي وما سمعتُ منه قال : دعا رسول اللّه 9 عليّا فعلّمه مما تعلم ، ثم دعا علي الحسن فعلّمه مما تعلم ، ثم دعا الحسن الحسين فعلّمه مما تعلّم ، ثم دعا ولده ... حتى بلغ جعفر بن محمد. قال سفيان : فتركته لذلك ، وسمعه يقول أيضا : انتقل العلم الذي كان في النبي 9 إلى علي ، ثم انتقل من علي إلى الحسن ، ثم لم يزل حتى بلغ جعفرا (2).
    ولا يعنينا موقف ابن عيينة شيئاً ولا كرامة به ، بل يعنينا من كلامه ، شهادته بأنّه سمع جابر الجعفي يقول ذلك ، وجابر ثقة عند الفريقين.
    ولا ريب أن ذكر لفظ الوصي وانتقال العلم النبوي إلى المعصومين : ، هو نصّ في الإمامة ، ودليل واضح عليها ، سيما وأنّها شهادة صادرة من جابر بن يزيد الجعفي الذي ثبت عند أغلب أهل الجرح والتعديل أنّه كان ثقة صدوقا ورعا في الحديث (3).
    * * *
    __________________
    (1) راجع : صحيح مسلم 1 : 25 من المقدّمة ، ميزان الاعتدال / الذهبي 1 : 383 ، تهذيب التهذيب / ابن حجر 2 : 43.
    (2) ميزان الاعتدال 1 : 381.
    (3) راجع : تهذيب الكمال 4 : 467 ، تاريخ الإسلام / الذهبي ـ وفيات سنة 121 هـ : 59 ، ميزان الاعتدال 1 : 379 ، تهذيب التهذيب 2 : 47 ، الجرح والتعديل / ابن أبي حاتم 1 : 136.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ   الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Emptyالأحد أكتوبر 27, 2024 6:00 am

    الفصل الرابع
    مكارم أخلاقه عليه السلام
    حاز الإمام الباقر 7 قصب السبق على كل من عاصره في العبادة والعلم والحلم والزهد والكرم والشجاعة وغيرها من مظاهر العظمة ، وشهد له فطاحل العلماء في عصره ومن جاء بعدهم بالفضل والعلم والتقى وسموّ المكانة والهيبة في المجتمع آنذاك ، ذلك لأنّ تلك السمات كانت سجية وملكة في نفسه المقدّسة ، فكان يعمل على ترسيخها باقتران القول بالفعل ، والشعار بالسلوك.
    ولعلّ أوثق شهادة في هذا المضمار ، هي ما جاء على لسان أقرب الناس إليه ولده الإمام الصادق 7 حيث قال : «حدّثني أبي ، وكان خير محمدي يومئذٍ على وجه الأرض» (1). وفي لفظ آخر : كان خير محمدي رأيته بعيني (2).
    ولا يخفي الشاعر الحجازي سديف المكي (3) إعجابه بشخصية الإمام 7 ، ومعالي أخلاقه حيث عبّر عن شخصية الإمام بقوله : «حدّثني محمد بن علي
    __________________
    (1) البداية والنهاية 9 : 338 ، تهذيب الكمال 26 : 139.
    (2) قرب الإسناد : 72 ، التهذيب 1 : 31 / 22 ، الاستبصار 1 : 48 / 2.
    (3) سديف بن مهران بن ميمون المكي ، الشهيد (سنة / 147 هـ ) ، قتله عبد الصمد بن علي العباسي بأمر المنصور.

    الباقر ، وما رأيت محمديا قطّ يعدله» ، وفي رواية : يشبهه (1).
    واشتهر عن محمد بن المنكدر (2) ، أنّه قال : «ما رأيت أحداً يفضل على علي ابن الحسين حتّى رأيت ابنه محمداً ، أردت يوماً أن أعظه فوعظني» (3).
    وفي قوله تعالى : «إِنَّ فِي ذَلِكَ َلآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ» (4) ، قال سلمة بن كهيل (5) : «كان أبو جعفر منهم» (6). وقال الحكم بن عتيبة (7) : «كان واللّه محمد بن علي منهم» (Cool.
    وفي دائرة المعاصرين للإمام الباقر 7 ، نجد بعض ذوي الزعامات الأُموية تعترف راغمة بصفات الكمال التي ميّزت شخصية الإمام 7 ، وعلى رأسهم هشام بن عبد الملك ، الذي قال له : واللّه ما جربت عليك كذباً (9). وخاطبه مرّة : يا محمد ، لا تزال العرب والعجم تسودها قريش ما دام فيها
    __________________
    (1) أمالي المفيد : 126 ، أمالي الصدوق : 412 ، أمالي الطوسي : 649 ، ميزان الاعتدال 1 : 369 ، لسان الميزان 3 : 10.
    (2) محمد بن المنكدر بن عبد اللّه القرشي ، محدّث زاهد قارئ ، روى عنه أبو حنيفة والزهري ، قال ابن عيينة : انه من معادن الصدق ، توفّي (سنة / 130أو 131 هـ ).
    (3) تهذيب التهذيب 9 : 352 ، الإرشاد 2 : 161 ، الفصول المهمة : 195 ، شرح الأخبار 3 : 282 ، إعلام الورى 1 : 507 ، الإتحاف بحب الاشراف / الشبراوي : 143.
    (4) سورة الحجر : 15 / 75.
    (5) أبو يحيى الحضرمي ، كوفي تابعي ، توفي نحو سنة 122 هـ.
    (6) تاريخ دمشق 45 : 279 ، سير أعلام النبلاء 4 : 404.
    (7) أبو محمد الكوفي ، مولى زيدي ، كان عالماً جليلاً في زمانه ، توفي نحو سنة 114 هـ.
    (Cool كشف الغمّة 2 : 332 ، عن الحافظ عبد العزيز الجنابذي.
    (9) مناقب آل أبي طالب 3 : 320.

    مثلك (1). ومهما كان غرضه من هذا الكلام ، وسواء انطوى على المواربة السياسية أم التشدّق والرياء ، فانّه يعبّر عن حقيقة الإمام 7 من ألدّ أعدائه ، ويسوق لنا الدليل على أنّه حظي بإكبار وتقدير طبقات المجتمع كلّها بمن فيهم الأعداء.
    وخير الفضل ما شهدت به الأعداءُ
    ويشاطر هشام في التعبير عن مناقب الإمام الباقر 7 الفريدة ، عامل المدينة في زمان عبد الملك بن مروان حين كتب إليه عبد الملك : أن ابعث إليّ محمد بن علي مقيّداً.
    فكتب إليه العامل وهو يعدّد أبرز خصاله 7 : ليس كتابي هذا خلافاً عليك يا أمير المؤمنين ، ولا ردّاً لأمرك ، ولكن رأيت أن أراجعك في الكتاب نصيحة لك ، وشفقة عليك ، إنّ الرجل الذي أردته ليس اليوم على وجه الأرض أعفّ منه ولا أزهد ولا أورع منه ، وانّه من أعلم الناس ، وأرقّ الناس ، وأشدّ الناس اجتهاداً وعبادة ، وكرهت لأمير المؤمنين التعرّض له ، فإنّ اللّه لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم. فسرّ عبد الملك بما أنهى إليه الوالي ، وعلم أنّه قد نصحه (2).
    وإذا خرجنا عن دائرة المعاصرين له 7 ، نصل إلى حقيقة إجماع كلّ من ترجم للباقر 7 على تعظيمه وتقديره وإكباره.
    قال أبو نعيم الأصفهاني المتوفّى سنة 430 هـ في ترجمته 7 : «هو الحاضر الذاكر ، الخاشع الصابر ، أبو جعفر محمد بن علي الباقر ، كان من سلالة النبوة ،
    __________________
    (1) دلائل الإمامة : 234 ، نوادر المعجزات : 130.
    (2) الثاقب في المناقب : 389 ، الصراط المستقيم 2 : 184 ، بحار الأنوار 46 : 329.

    وممّن جمع حسب الدين والأبوة ، تكلّم في العوارض والخطرات ، وسفح الدموع والعبرات ، ونهى عن المراء والخصومات» (1).
    وقال شمس الدين الذهبي ، المتوفّى سنة 748 هـ : «أبو جعفر الباقر ، محمد بن علي بن الحسين ، الإمام الثبت الهاشمي العلوي المدني ، أحد الأعلام ، وكان سيد بني هاشم في زمانه» (2).
    وقال ابن كثير ، المتوفّى سنة 774 هـ : هو أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب ، سمّي الباقر لبقره العلوم واستنباطه الحكم ، كان ذاكراً خاشعاً صابراً (3).
    من هنا نأتي إلى نبذة من الملكات القدسية والمناقب الفذّة التي تحلّى بها الإمام الباقر 7 وورثها عن آبائه المعصومين : :
    1 ـ العلم :
    اقترن اسم الإمام أبي جعفر 7 بوصف (باقر العلم) ، للحديث الذي قدّمناه في الفصل الثاني ، والمروي عن جدّه المصطفى 9 ، فقد وصفه الصادق الأمين بالباقر لأنّه سيبقر العلم ، أي يتبحّر ويتوسّع فيه.
    نبوغه العلمي :
    منذ فجر حياة أبي جعفر الباقر 7 كان مصداقاً لذلك النعت ، حيث بدت عليه مظاهر العلم والمعرفة والنبوغ من أيام طفولته ، وقد عرفه الناس بسعة الاطلاع والفضل وغزارة العلم ، فكانوا يرجعون إليه في كل
    __________________
    (1) حلية الأولياء 3 : 180.
    (2) تذكرة الحفاظ 1 : 124.
    (3) البداية والنهاية 9 : 339.

    ما يستعصي من المسائل ، ووجّهت إليه أدقّ الأسئلة فأجاب عنها ولما يزل غلاماً يافعاً.
    وأذكر في هذا المجال خبراً مفاده أنّ الباقر 7 يوم كان صبياً يلازم أباه في مسجد جدّه رسول اللّه 9 ، سأل رجل عبد اللّه بن عمر المتوفّى 73 هـ عن مسألة فلم يدرِ بما يجيبه ، فقال : اذهب إلى ذلك الغلام فسله وأعلمني بما يجيبك ، وأشار به إلى محمد بن علي الباقر 7 ، فأتاه الرجل فسأله فأجابه ، فرجع إلى ابن عمر فأخبره ، فقال ابن عمر : إنّهم أهل بيت مُفَهَّمُونَ (1).
    وأجاب 7 عن أسئلة دقيقة توجّه بها إليه طاوس اليماني (2) في الحرم ، وهو شاب حدث ، رواها أبان بن تغلب ، قال : «دخل طاوس اليماني إلى الطواف ومعه صاحب له ، فإذا هو بأبي جعفر 7 يطوف أمامه وهو شاب حدث ، فقال طاوس لصاحبه : إنّ هذا الفتى لعالم. فلما فرغ من طوافه صلّى ركعتين ، ثم جلس وأتاه الناس ، فقال طاوس لصاحبه : نذهب إلى أبي جعفر ونسأله عن مسألة لا أدري عنده فيها شيء أم لا ، فأتياه فسلّما عليه ، ثم قال له طاوس : يا أبا جعفر ، هل تدري أيّ يوم مات ثلث الناس؟ فقال : يا أبا عبد الرحمن ، لم يمت ثلث الناس قط ، إنّما أردت أن تقول : متى هلك ربع الناس؟ قال : وكيف ذلك؟ قال : وذلك يوم قتل قابيل هابيل ، كانوا أربعة : آدم وحواء وهابيل وقابيل ، فقتل قابيل هابيل ، فذلك ربع الناس. قال :
    __________________
    (1) مناقب آل أبي طالب 3 : 329 ، الإيضاح / النيسابوري : 458 ، بحار الأنوار 46 : 289 ، الإمام جعفر الصادق / عبد الحليم الجندي : 141.
    (2) طاوس بن كيسان اليماني ، من سادات التابعين ، وعبّاد أهل اليمن ، توفّي سنة 106 هـ.

    صدقت» (1).
    وهناك أسئلة اُخرى مهمّة وجّهها إليه طاوس ، وأجاب عنها الإمام 7 ، وردت في رواية أبي بصير ، نختار بعضاً منها ، قال : قال طاوس : «فلم سُمّي آدم آدم؟ قال الإمام 7 : لأنّه رفعت طينته من أديم الأرض السفلى. قال : ولِمَ سُمّيت حواء حواء؟ قال : لأنّها خُلقت من ضلع حي ، يعني ضلع آدم. قال : فلِم سُمّي إبليس إبليس؟ قال : لأنّه أبلس من رحمة اللّه عزّوجلّ فلا يرجوها. قال : فلِم سُمّي الجنّ جِنّاً؟ قال : لأنّهم استجنوا فلم يروا.
    قال : فأخبرني عن قوم شهدوا شهادة الحقّ وكانوا كاذبين؟ قال : المنافقون حين قالوا لرسول اللّه 9 : نشهد أنّك لرسول اللّه. فأنزل اللّه عزّوجلّ : «إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ» (2).
    قال : فأخبرني عن رسول بعثه اللّه تعالى ليس من الجن ، ولا من الإنس ، ولا من الملائكة ، ذكره اللّه تعالى في كتابه؟ قال : الغراب ، حين بعثه اللّه عزّوجلّ ليُري قابيل كيف يواري سوأة أخيه هابيل حين قتله ، قال اللّه عزّوجلّ : «فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الاْءَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ» (3).
    قال : فأخبرني عمّن أنذر قومه ليس من الجن ، ولا من الإنس ، ولا من الملائكة ، ذكره اللّه عزّوجلّ في كتابه؟ قال : النملة حين قالت : «يَا أَيُّهَا النَّمْلُ
    __________________
    (1) الاحتجاج 2 : 61 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 332.
    (2) سورة المنافقون : 63 / 1.
    (3) سورة المائدة : 5 / 31.

    ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيَْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ» (1).
    قال : فأخبرني عن شيء قليله حلال وكثيره حرام ، ذكره اللّه عزّوجلّ في كتابه؟ قال : نهر طالوت ، قال اللّه عزّوجلّ : «إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ» (2).
    قال : فأخبرني عن صلاة فريضة تُصلّى بغير وضوء ، وعن صوم لا يحجز عن أكل ولا شرب ، قال : أما الصلاة بغير وضوء فالصلاة على النبي وآله عليه و: ، وأما الصوم فقول اللّه عزّوجلّ : «إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً» (3).
    قال : فأخبرني عن شيء يزيد وينقص ، وعن شيء يزيد ولا ينقص ، وعن شيء ينقص ولا يزيد؟ فقال الباقر 7 : أما الشيء الذي يزيد وينقص فهو القمر ، والشيء الذي يزيد ولا ينقص هو البحر ، والشيء الذي ينقص ولا يزيد هو العمر» (4).
    وفي مزاياه 7 العلمية يقول الشاعر :
    أضاء وجه العلم والرسوم
    بنور وجه باقر العلوم

    إذ هو شمس مشرق الحقائق
    وبدره المشرق بالدقائق

    وكعبة العلم ومستجارها
    بل في فناء بابه قرارها

    هو المدار في محيط المعرفه
    به استدار كل اسم وصفه

    وهو لسان اللّه في بيانه
    وسرّه المودع في لسانه

    __________________
    (1) سورة النمل : 27 / 18.
    (2) سورة البقرة : 2 / 249.
    (3) سورة مريم : 19 / 26.
    (4) الاحتجاج 2 : 64.


    قام بحمل راية الرساله
    بمحكم البيان والدلاله

    فطبق الأرض بلابتيها
    بالعلم إشفاقاً بمَن عليها (1)

    أعلم أهل زمانه :
    لا ريب كان الباقر 7 أعلم أهل زمانه ، مثلما كان آباؤه : كذلك ، وهو وريثهم : في التصدّر للعلم ونشر الهداية ، ولم يظهر عن أحد في عصره ما ظهر عنه من علم الدين والقرآن والآثار والسنّة والسيرة وغيرها ، من هنا تسابق بقايا الصحابة وأئمّة التابعين وأكابر علماء الدين لينهلوا من نمير علمه وصافي فضله ، وهم يتصاغرون هيبة لعلمه وجلالته.
    قال عبد اللّه بن عطاء المكي : ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر ، ولقد رأيت الحكم بن عتيبة ـ مع جلالته في القوم ـ بين يديه كأنّه صبي بين يدي معلّمه (2). وهو اعتراف صريح بتفوّقه العلمي.
    وعن أبي حمزة الثمالي : أن قتادة (3) حين التقى الإمام الباقر 7 في مسجد جدّه رسول اللّه ، قال له الإمام 7 : «من أنت؟ قال : أنا قتادة بن دعامة البصري.
    __________________
    (1) الأنوار القدسية : 71.
    (2) الإرشاد 2 : 160 ، روضة الواعظين : 202 ، حلية الأولياء 3 : 185 ، تاريخ دمشق 45 : 278 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 334 ، البداية والنهاية 9 : 340 ، تذكرة الخواص : 347 ، وفيه : كأنّه عصفور مغلوب ، روضة الرياحين / اليافعي : 57 ، مرآة الجنان / اليافعي 1 : 248 ، كشف الغمّة 2 : 329 ، إعلام الورى 1 : 506.
    (3) قتادة بن دعامة السدوسي ، أبو الخطاب البصري ، من أعلام التابعين ، كان ذا علم بالقرآن والحديث والفقه ، توفي سنة 117 هـ وقيل : 118 هـ.

    قال : أنت فقيه أهل البصرة؟ قال : نعم. فقال أبو جعفر 7 : إنّ اللّه جلّ وعزّ خلق خلقاً من خلقه ، فجعلهم حججاً على خلقه ، فهم أوتاد في أرضه ، قوام بأمره ، نجباء في علمه ، اصطفاهم قبل خلقه أظلّة عن يمين عرشه. فسكت قتادة طويلاً ، ثم قال : أصلحك اللّه ، واللّه لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدام ابن عباس ، فما اضطرب قلبي قدام واحد منهم ما اضطرب قدامك. فقال له أبو جعفر 7 : ويحك أتدري أين أنت؟! أنت بين يدي «بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاة وَإِيتَاءِ الزَّكَوةِ» (1) فأنت ثمَّ ، ونحن أولئك ، فقال له قتادة : صدقت واللّه ، جعلني اللّه فداك ، واللّه ما هي بيوت حجارة ولا طين» (2).
    وأقرّ رجال العلم والفكر الذين أدركوه ومن تبعهم بأنّه بقر العلوم بقراً ، وأصاب قلب الحكمة وعرف حقيقتها ، واتّفقت كلمتهم على أنّه أسمى شخصية علمية عرفها العالم الإسلامي في عصره.
    روي عن معاوية بن عمار الدهني ، عن محمد بن علي الباقر 7 في قول اللّه عزّوجلّ : «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ» (3) ، قال : «نحن أهل الذكر».
    قال أبو زرعة : صدق محمد بن علي ، ولعمري ان أبا جعفر لمن أكبر
    __________________
    (1) سورة النور : 24 / 36 و 37.
    (2) الكافي 6 : 256.
    (3) سورة النحل : 16 / 43.

    العلماء (1).
    وقال الأبرش بن الوليد الكلبي (2) بعد أن ناظر الإمام الباقر 7 : «إنّ هذا أعلم أهل الأرض بما في السماء والأرض ، فهذا ولد رسول اللّه 9» (3).
    وقال نافع مولى عبد اللّه بن عمر بعد أن ناظره 7 : «أنت واللّه أعلم الناس حقّاً» (4).
    وقال عالم النصارى بعد أن ناظره الإمام الباقر 7 في بلاد الشام : «يا معشر النصارى ، ما رأيت أحداً قط أعلم من هذا الرجل» (5).
    وقال كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي ، المتوفّى سنة 652 هـ : «هو باقر العلم وجامعه ، وشاهر علمه ورافعه ، ومتفوّق درّه وراضعه ، ومنمّق دره وواضعه ، صفا قلبه ، وزكا عمله ، وطهرت نفسه ، وشرفت أخلاقه ، وعمرت بطاعة اللّه أوقاته ، ورسخت في مقام التقوى قدمه ، وظهرت عليه سمات الازدلاف ، وطهارة الاجتباء ، فالمناقب تسبق إليه والصفات تشرف به» (6).
    وقال ابن خلّكان ، المتوفّى سنة 681 هـ : «كان الباقر عالماً ، سيّداً كبيراً ، وإنّما قيل له الباقر ، لأنّه تبقّر في العلم ، أي توسّع» (7).
    وقال ابن حجر الهيتمي المكّي ، المتوفّى سنة 974 هـ : «أبو جعفر محمد
    __________________
    (1) الإرشاد 2 : 162 ، روضة الواعظين : 202.
    (2) وزير هشام بن عبد الملك ، والغالب عليه.
    (3) مناقب آل أبي طالب 3 : 329.
    (4) الكافي 8 : 120 / 93 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 330.
    (5) الكافي 8 : 122 / 94.
    (6) كشف الغمّة 2 : 328.
    (7) وفيات الأعيان 1 : 174.

    الباقر ، سُمّي بذلك من بقر الأرض ، أي شقّها وأثار مُخَبّآتها ومكامنها ، فلذلك هو أظهر من مُخَبّآت كنوز المعارف ، وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ، ما لا يخفى إلاّ على منطمس البصيرة ، أو فاسد الطوية والسريرة» (1).
    وتسالم العلماء والفقهاء على الرجوع إلى رأيه في المسائل المعضلة والغامضة من أحكام الشريعة الإسلامية ومسائل العقائد المختلفة.
    قال قيس بن ربيع : «سألت أبا إسحاق السبيعي عن المسح ـ يعني على الخفّين ـ فقال : أدركت الناس يمسحون ، حتّى لقيت رجلاً من بني هاشم لم أرَ مثله قط ، يقال له محمد بن علي بن الحسين ، فسألته عن المسح فنهاني عنه ، وقال : لم يكن أمير المؤمنين 7 يمسح ، وكان يقول : سبق الكتاب المسح على الخفّين» (2).
    وسمع أبو جعفر المنصور عن الباقر 7 حديث النداء من السماء باسم رجل من ولد فاطمة 3 ، فقال لسيف بن عميرة : «لولا أنني سمعته من أبي جعفر محمد ابن علي يحدّثني به ، وحدّثني به أهل الأرض كلهم ما قبلته منهم ، ولكنّه محمد ابن علي» (3).
    أجوبة واحتجاج :
    روي عن الإمام الباقر 7 المزيد من الأخبار المتعلّقة بالاحتجاج والأجوبة على تساؤلات في شتّى فروع العلم ، تميّزت بقوّة الحجّة والبرهان وسرعة البديهة ووضوح البيان ، وعكست مقدار ما يمتلك الإمام 7 من أفق
    __________________
    (1) الصواعق المحرقة : 304.
    (2) روضة الواعظين : 202 ، شرح الأخبار 3 : 281.
    (3) الإرشاد 2 : 370.

    معرفي واسع ، بما يقدّمه من قراءات صحيحة لقضايا معضلة.
    عن أبي حمزة الثمالي : أنّ قتادة بن دعامة البصري أقبل إلى مسجد رسول اللّه وكان قد هيّأ أربعين مسألة يسأل عنها أبا جعفر 7 ، منها ، قال قتادة : «فأخبرني عن الجبن ، قال : فتبسّم أبو جعفر 7 ثم قال : رجعت مسائلك إلى هذا؟ قال : ضلّت علي ، فقال : لا بأس به. فقال : إنّه ربّما جعلت فيه أنفحة الميت.
    قال : ليس بها بأس ، إنّ الأنفحة ليس لها عروق ، ولا فيها دم ، ولا لها عظم ، إنّما تخرج من بين فرث ودم ، ثم قال : وإنّما الأنفحة بمنزلة دجاجة ميتة أخرجت منها بيضة ، فهل تؤكل تلك البيضة؟ فقال قتادة : لا ، ولا آمر بأكلها. فقال له أبو جعفر 7 : ولِمَ؟ فقال : لأنّها من الميتة. قال له : فإن حضنت تلك البيضة فخرجت منها دجاجة ، أتأكلها؟ قال : نعم. قال : فما حرم عليك البيضة ، وحلّل لك الدجاجة؟ ثم قال 7 : فكذلك الأنفحة مثل البيضة ، فاشتر الجبن من أسواق المسلمين من أيدي المصلّين ، ولا تسأل عنه إلاّ أن يأتيك من يخبرك عنه» (1).
    وروي عن جعفر بن محمد الصادق 7 قال : «جاء رجل من الشام (2) ، وسأل أبا جعفر 7 عن بدو خلق البيت؟ فقال 7 : إنّ اللّه تعالى لما قال للملائكة : «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الاْءَرْضِ خَلِيفَةً» فردّوا عليه بقولهم : «أَتَجْعَلُ فِيهَا» (3) إلى قوله : «وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ» فعلموا أنّهم وقعوا في الخطيئة ،
    __________________
    (1) الكافي 6 : 256.
    (2) وفي رواية : من المغرب.
    (3) سورة البقرة : 2 / 29.

    فعاذوا بالعرش ، فطافوا حوله سبعة أشواط ، يسترضون ربّهم عزّوجلّ ، فرضي عنهم ، وقال لهم : اهبطوا إلى الأرض ، فابنوا لي بيتاً يعوذ به من أذنب من عبادي ، ويطوف حوله كما طفتم حول عرشي ، فأرضى عنهم كما رضيت عنكم. فبنوا هذا البيت.
    فقال له الرجل : صدقت يا أبا جعفر ، فما بدو هذا الحجر؟ قال : إنّ اللّه تعالى لما أخذ ميثاق بني آدم ، أجرى نهراً أحلى من العسل وألين من الزبد ، ثم أمر القلم فاستمدّ من ذلك النهر ، وكتب إقرارهم وما هو كائن إلى يوم القيامة ، ثم ألقم ذلك الكتاب هذا الحجر ، فهذا الاستلام الذي ترى ، إنّما هو بيعة على إقرارهم ، وكان أبي إذا استلم الركن قال : اللّهمّ أمانتي أدّيتها ، وميثاقي تعاهدته ، ليشهد لي عندك بالوفاء. فقال الرجل : صدقت يا أبا جعفر ، ثم قام ، فلما ولّى قال الباقر لابنه الصادق 8 : اردده علي ، فتبعه إلى الصفا فلم يره ، فقال الباقر 7 : أراه الخضر» (1).
    وروى حريز ، عن ياسين ، أنّه أوصى رجل بألف درهم للكعبة ، فجاء الوصي إلى مكّة وسأل ، فدلّوه إلى بني شيبة ، فأتاهم فأخبرهم الخبر ، فقالوا له : برئت ذمّتك ، ادفعه إلينا. فقال الناس : سل أبا جعفر ، فسأله ، فقال 7 : «إنّ الكعبة غنية عن هذا ، انظر إلى من زار هذا البيت فقطع به ، أو ذهبت نفقته ، أو ضلّت راحلته ، أو عجز أن يرجع إلى أهله ، فادفعها إلى هؤلاء» (2).
    وعن علي بن محمد بن القاسم العلوي أنّه سأل أبا جعفر 7 عن آدم حيث
    __________________
    (1) مناقب آل أبي طالب 3 : 333 ، شرح الأخبار 3 : 278 ، ونقله ابن حجر في الإصابة 2 : 264 ، عن كتاب أخبار مكّة للفاكهي ، وكتاب النسب للزبيري.
    (2) مناقب آل أبي طالب 3 : 330 ، الكافي 4 : 241 / 1.

    حجّ ، بم حلق رأسه ، ومن حلقه؟ فقال : «نزل جبرئيل عليه بياقوتة من الجنّة ، فأمرّها على رأسه فتناثر شعره» (1).
    2 ـ العبادة :
    كان الإمام الباقر 7 مثلاً أعلى في العبادة والورع والتقوى ، شأنه شأن آبائه المعصومين : ، أولئك الذوات المقدسة الذين ذابوا في حبّ اللّه وانقطعوا إليه ، لنيل رضوانه ورجاء الزلفى لديه.
    وقد جاء عن الإمام الباقر 7 جملة توصيات في موارد العبادة المختلفة ، فأكّد على الجانب الأخلاقي فيها ، فخير العبادة ما اقترن بالورع عن المحارم وعفّة البطن والفرج ، قال الباقر 7 : «إنّ أشدّ العبادة الورع» (2). وقال 7 : «ما من عبادة أفضل من عفّة بطن أو فرج» (3).
    وحثّ على حضور القلب في الصلاة ، وأداء النوافل ، فقال 7 : «إنّ العبد ليرفع له من صلاته نصفها وثلثها وربعها وخمسها ، فما يرفع له إلاّ ما أقبل عليه بقلبه ، وإنّما أُمروا بالنوافل ليتمّ لهم ما نقصوا من الفريضة» (4).
    وفي سيرته العملية ، كان الإمام الباقر 7 يحيي ليله قياماً وتضرّعاً إلى بارئه ، وهو في محراب عبادته ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه 8 ، أنّه كان في جوف الليل يقول : «أمرتني فلم أئتمر ، وزجرتني فلم أزدجر ، فها أنا عبدك
    __________________
    (1) مناقب آل أبي طالب 3 : 335 ، الكافي 6 : 195 / 6.
    (2) الكافي 2 : 77 / 5.
    (3) حلية الأولياء 3 : 187 ، تاريخ دمشق 45 : 293 ، أعلام الدين : 301 ، البداية والنهاية 9 : 341.
    (4) الكافي 3 : 363 / 2.

    بين يديك ولا أعتذر» (1).
    وعرف الإمام الباقر 7 بكثرة الصلاة ، ولم يثنِه عنها كثرة مشاغله في الوسط العلمي والاجتماعي ، قال أبو يعقوب البزّار : رأيت على أبي جعفر محمد ابن علي إزاراً أصفر ، وكان يصلّي كل يوم وليلة خمسين ركعة بالمكتوبة (2).
    وعن عبد اللّه بن محمد بن عقيل : بلغنا أنّ أبا جعفر كان يصلّي في اليوم والليلة مئة وخمسين ركعة (3).
    وكان 7 يطيل السجود ، ويتّجه بخالص قلبه نحو ربّه ، فيناجيه منقطعاً إليه ، طاعة للّه عزّوجلّ ، وتجسيداً لحقيقة العبودية.
    عن أبي عبد اللّه 7 قال : «إنّي كنت أُمهِّد لأبي فراشه ، فانتظره حتى يأتي ، فإذا أوى إلى فراشه ونام قمت إلى فراشي ، وإنّه أبطأ علي ذات ليلة ، فأتيت المسجد في طلبه ، وذلك بعد ما هدأ الناس ، فإذا هو في المسجد ساجد ، وليس في المسجد غيره ، فسمعت حنينه وهو يقول : سبحانك اللّهمّ أنت ربّي حقّاً حقّاً ، سجدت لك يا رب تعبّداً ورقّاً ، اللّهمّ إنّ عملي ضعيف فضاعفه لي ، اللّهمّ قني عذابك يوم تبعث عبادك ، وتب علي ، إنّك أنت التوّاب الرحيم» (4).
    وعن جعفر بن محمد 8 قال : «كان أبي يصلّي في جوف النهار ،
    __________________
    (1) كشف الغمّة 2 : 329 ، حلية الأولياء 3 : 186 ، الفصول المهمّة : 194 ، نور الأبصار : 132 ، المختار في مناقب الأخيار / ابن الأثير الجزري : 30.
    (2) تاريخ مدينة دمشق 45 : 280 ، سير أعلام النبلاء 4 : 404.
    (3) سير أعلام النبلاء 4 : 404 ، تذكرة الحفّاظ 1 : 124.
    (4) الكافي 3 : 323 / 9.

    فيسجد السجدة فيطيل السجود حتّى يقال إنّه راقد» (1).
    وكان 7 في أكثر أوقاته وفي جميع حالاته ، لا يفتر لسانه عن ذكر اللّه سبحانه ، ويأمر أهله بالقراءة والذكر ، روى ابن القداح ، عن أبي عبد اللّه 7 ، قال : «كان أبي 7 كثير الذكر ، لقد كنت أمشي معه وانّه ليذكر اللّه ، وآكل معه الطعام وانّه ليذكر اللّه ، ولقد كان يحدّث القوم وما يشغله ذلك عن ذكر اللّه ، وكنت أرى لسانه لازقاً بحنكه يقول : لا إله إلاّ اللّه ، وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتّى تطلع الشمس ، ويأمر بالقراءة من كان يقرأ منّا ، ومن كان لا يقرأ منّا أمره بالذكر» (2).
    البكاء العبادي :
    ونلمس عند الإمام الباقر 7 امتداداً لظاهرة البكاء ، تلك الظاهرة التي تكاد تستحوذ على حياة أبيه 7 ، المعروف بالبكّاء ، لكثرة نشيجه وبكائه ، نتيجة الألم الذي يعتصر قلبه الزكي ، ليس فقط لفجيعته بأبيه وأخوته الذين رآهم يقتلون رأي العين في ساحة المواجهة مع الجبروت الأُموي ، بل لفجيعته برموز التغيير والنهضة والإصلاح في واقع الأُمّة.
    وفي فضاء محموم بالظلم والإرهاب ، كانت دموعه التي يرسلها ساخنة ، هي المتنفّس الوحيد للتعبير عن عمق ألمه ومرارته ، وكانت أيضاً رسالة ناطقة لاستنهاض وجدان الأُمّة ، وشحذ همّتها ، وتذكيرها بالجريمة النكراء التي ارتكبها عتاة بني أُمية بحقّ سبط النبي 9 ، وسيد شباب أهل الجنّة 7.
    وعليه فلا ريب أن نجد آثار تلك الظاهرة تمتد إلى الإمام الباقر 7 ، سيما
    __________________
    (1) وسائل الشيعة 6 : 381 / 8242.
    (2) الكافي 2 : 498 / 1.

    في جانبها العبادي ، ولا يخفى أنّ البكاء هو تجسيد لخشية المؤمن وطاعته لربّه ، وذوبانه في حبّه ، سيّما إذا كان صادراً عن قلب مخلص متعلّق بخالقه.
    عن خالد بن أبي الهيثم ، عن محمد بن علي بن الحسين : ، قال : «ما اغرورقت عين بمائها من خشية اللّه تعالى إلاّ حرّم اللّه وجه صاحبها على النار ، فإن سالت على الخدّين لم يرهق وجهه قتر ولا ذلّة ، وما من شيء إلاّ له جزاء إلاّ الدمعة ، فإن اللّه يكفّر بها بحور الخطايا ، ولو أنّ باكياً بكى في أُمّة لحرّم اللّه تلك الأُمّة على النار» (1).
    من هنا كان الإمام الباقر 7 يبكي في الحجّ بمجرّد أن يدخل المسجد الحرام تضرّعاً وخشوعاً للّه سبحانه ، وحين ينفتل من صلاته يبتلّ موضع سجوده من الدموع ، قال أفلح مولى الإمام الباقر 7 : «خرجت مع محمد بن علي 8 حاجّاً ، فلما دخل المسجد الحرام نظر إلى البيت فبكى حتى علا صوته ، فبكى الناس لبكائه ، فقلت : بأبي وأُمّي إنّ الناس ينظرون إليك ، فلو رفقت بنفسك قليلاً. فقال : ويحك! لِمَ لا أبكي؟! لعلّ اللّه ينظر إليّ برحمة منه فأفوز بها عنده غداً. قال : ثم طاف بالبيت حتى جاء فركع عند المقام ، ورفع رأسه من سجوده ، فإذا موضع سجوده مبتلّ كلّه من دموعه» (2).
    __________________
    (1) كشف الغمّة 2 : 360 ، نور الأبصار : 192 ، مطالب السؤول : 80 ، تذكرة الخواص : 349 ، البداية والنهاية 9 : 341 ، أخبار الدول 1 : 332.
    (2) كشف الغمّة 2 : 329 و 360 ، حلية الأولياء 3 : 186 ، الفصول المهمّة : 194 ، نور الأبصار : 193 ، المختار في مناقب الأخيار / ابن الأثير الجزري : 30 ، تاريخ دمشق 45 : 280 ، تذكرة الخواص : 349 ، روض الرياحين / اليافعي : 57.

    الدعاء :
    وثمّة مظهر عبادي آخر نلمسه في حياة إمامنا الباقر 7 ، وهو الدعاء ، مخّ العبادة وسلاح الأنبياء ، إذ تتوطّد به دعائم الصلة بين العبد وخالقه ، لأنّ اللّه تعالى قد أذن للإنسان بالدعاء وتكفّل له بالإجابة.
    سار الإمام الباقر على خطى أبيه السجّاد 8 الذي عاش في مرحلة فرضت عليه أن يتّخذ من الدعاء والتضرّع والمناجاة منهجاً لتعليم العقائد ، وبلورة الفكر الإسلامي ، وإرساء المفاهيم الأخلاقية التربوية ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وذلك في مجموعة صحائف هي بمثابة زبور آل محمد :.
    من هنا دعا الإمام الباقر 7 إلى ربط الإنسان المسلم بربّه ، من خلال كشف ما يترتّب على الدعاء من ثمار طيّبة يجتنيها الإنسان في الدنيا والآخرة ، كدفع البلاء ونيل المحبّة والرضوان. قال أبو جعفر 7 : «ما من شيء أحبّ إلى اللّه عزّوجلّ من أن يسأل ، وما يدفع القضاء إلاّ الدعاء» (1).
    وعنه 7 : «إنّ اللّه تعالى يحبّ من عباده المؤمنين كلّ دعّاء» (2).
    وقال 7 : «إنّ اللّه كره إلحاح الناس بعضهم على بعض في المسألة ، وأحبّ ذلك لنفسه ، إنّ اللّه جلّ ذكره يحبّ أن يُسأل ويُطلب ما عنده» (3).
    وقد أثرت عن الإمام الباقر 7 المزيد من الأدعية في مجال العبادة كالأذكار والقنوتات والتعقيبات التي تكشف عن تمسّكه 7 بطاعة اللّه وعظيم إنابته إليه ،
    __________________
    (1) حلية الأولياء 3 : 187 ، تاريخ دمشق 45 : 293 ، أعلام الدين في صفات المؤمنين : 301 ، البداية والنهاية 9 : 341.
    (2) الدعوات / قطب الدين الراوندي : 34 / 78.
    (3) تحف العقول : 293.

    وأخرى في مجال العقائد تشعّ منها معاني التوحيد ومختلف دروس العقيدة ، وأدعية في مجال التربية الأخلاقية وشدّ الناس باللّه تعالى وتذكيرهم بعظمته وجبروته ، وتحذيرهم من الكفر به وتجاوز حدوده ، وأدعية في مواقف ومواطن شتّى كأيّام الأسبوع وطلب الحاجات والمهمّات والأحراز عند المرض وعند النوم وبعد الطعام وغيرها.
    ومن أمثلة أدعيته في مجال العبادة ، دعاؤه عند السجود ، رواه أبو عبيدة الحذّاء ، قال : «سمعت أبا جعفر 7 يقول وهو ساجد : أسألك بحقّ حبيبك محمد إلاّ بدّلت سيئاتي حسنات ، وحاسبتني حسابا يسيرا. ثم قال في الثانية : أسألك بحقّ حبيبك محمد إلاّ كفيتني مؤونة الدنيا وكل هول دون الجنّة. ثم قال في الثالثة : أسألك بحقّ حبيبك محمد لمّا غفرت لي الكثير من الذنوب والقليل ، وقبلت من عملي اليسير. ثم قال في الرابعة : أسألك بحقّ حبيبك محمد لمّا أدخلتني الجنّة ، وجعلتني من سكّانها ، ولما نجّيتني من سفعات النار برحمتك» (1).
    ومن دعاء له 7 عقيب صلاة الليل : «لا إله إلاّ اللّه ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ويميت ويحيي ، وهو حي لا يموت ، بيده الخير ، وهو على كل شيء قدير ، اللهمّ لك الحمد يا رب ، أنت نور السماوات والأرض فلك الحمد يا رب ، وأنت قوّام السماوات والأرض فلك الحمد ، وأنت جمال السماوات والأرض فلك الحمد ، وأنت زين السماوات والأرض فلك الحمد ، وأنت صريخ المستصرخين فلك الحمد ، وأنت غياث المستغيثين فلك الحمد ، وأنت مجيب دعوة المضطرين ، فلك الحمد وأنت أرحم الراحمين.
    __________________
    (1) فلاح السائل / ابن طاوس : 243.

    اللّهمّ بك تنزل كل حاجة فلك الحمد ، وبك يا إلهي أنزلت حوائجي الليلة فاقضها يا قاضي الحوائج ، اللّهمّ أنت الحقّ ، وقولك الحقّ ، ووعدك الحقّ ، وأنت مليك الحقّ ، أشهد أنّ لقاك حقّ ، وأنّ الجنّة حقّ والنار حقّ ، والساعة حقّ آتية لا ريب فيها ، وأنّك تبعث من في القبور.
    اللّهمّ لك أسلمت ، وبك آمنت ، وعليك توكّلت ، وبك خاصمت ، وإليك يا ربّ حاكمت ، فاغفر لي ما قدّمت وما أخّرت ، وما أسررت وما أعلنت ، أنت الحي القيوم لا إله إلاّ أنت» (1).
    ومن أدعيته 7 في المجال العقيدي قوله : «الحمد للّه الذي منّ علينا ووفّقنا لعبادته ، الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد ، وجنّبنا عبادة الأوثان ، حمداً سرمداً وشكراً واصباً» (2).
    ومن دعاء له 7 ، وكان يسمّيه الجامع ، رواه عنه أبو حمزة الثمالي :
    « بسم اللّه الرحمن الرحيم
    أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله ، آمنت باللّه وبجميع رسل اللّه ، وبجميع ما أرسل به رسل اللّه ، وأنّ وعد اللّه حقّ ، ولقاءه حقّ ، وصدق اللّه وبلّغ المرسلون ، والحمد للّه ربّ العالمين ، وسبحان اللّه كلّما سبّح اللّه شيء ، وكما يحبّ اللّه أن يسبّح ، والحمد للّه كلّما حمد اللّه شيء ، وكما يحبّ اللّه أن يحمد ، ولا إله إلاّ اللّه كلّما هلّل اللّه شيء ، وكما يحبّ اللّه أن يهلّل ، واللّه أكبر كلّما كبّر اللّه شيء ،
    __________________
    (1) مصباح المتهجّد : 116 ، بحار الأنوار 84 : 258.
    (2) التوحيد : 93.

    وكما يحبّ اللّه أن يكبّر .. » (1).
    وله 7 من أدعيته القصيرة ما رواه الجاحظ : «اللّهمّ أعنّي على الدنيا بالغنى ، وعلى الآخرة بالتقوى» (2).
    وله 7 دعاء حين يخرج من منزله ، رواه أبو حمزة الثمالي ، وهو في كفاية المهمّات ، قال 7 في فضله : ما تكلم به أحد قط إلاّ كفاه اللّه ما أهمّه من أمر دنياه وآخرته ، ولفظه : «بسم اللّه ، حسبي اللّه ، توكّلت على اللّه ، اللّهمّ إنّي أسألك خير أُموري كلّها ، وأعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة» (3).
    وآخر رواه عبد اللّه بن عبد الرحمن ، عنه 7 ، قال : قال لي : «ألا أعلمك دعاءً تدعو به ، إنّا أهل البيت إذا كربنا أمر ، وتخوّفنا من السلطان أمر لا قبل لنا به ، ندعو به. قلت : بلى بأبي أنت وأمي ، يا بن رسول اللّه. قال : قل : يا كائناً قبل كل شيء ، ويا مكوّن كلّ شيء ، ويا باقي بعد كلّ شيء ، صلِّ على محمد وآل محمد ، وافعل بي كذا وكذا» (4).
    ومن دعائه بعد الطعام ، عن الصادق 7 ، قال : «كان أبي يقول : الحمد للّه الذي أشبعنا في جائعين ، وأروانا في ظامين ، وآوانا في ضاحين ، وحملنا في راجلين ، وآمننا في خائفين ، وأخدمنا في عانين» (5).
    __________________
    (1) مهج الدعوات / ابن طاوس : 213.
    (2) البيان والتبيين 3 : 250 ، كشف الغمّة 2 : 363 وفيه : وعلى الآخرة بالعفو.
    (3) الكافي 2 : 541 / 3.
    (4) الكافي 2 : 560 / 13.
    (5) الكافي 6 : 295 / 16.

    3 ـ الزهد :
    أما زهد الإمام الباقر 7 في الحياة الدنيا ، وتجرّده عن كل نزعة مادية أو ذاتية ، فتشير كل تفاصيل حياته أنّه كان أزهد أهل زمانه وأورعهم وأتقاهم.
    يقول ابن حجر الهيتمي : وله من الرسوم في مقامات العارفين ، ما تكلّ عنه ألسنة الواصفين ، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة (1).
    وقد أفرد الشيخ الصدوق ، كتاباً في زهده ، سمّاه كتاب زهد أبي جعفر 7 (2).
    وكان 7 يحث أصحابه ويحدثهم بضرورة العمل بمقتضيات الزهد في الدنيا ، منها إخلاص الإيمان ، وإدامة الذّكر سيما ذكر الموت ، وقصر الأمل ، وغايته هدايتهم وتهذيب أخلاقهم ، قال 7 : «لا زهد كقصر الأمل» (3).
    وعن أبي عبيدة الحذاء ، قال : قلت لأبي جعفر 7 : «حدثني بما أنتفع به. فقال : يا أبا عبيدة ، أكثر ذكر الموت ، فإنّه لم يكثر إنسان ذكر الموت إلاّ زهد في الدنيا» (4).
    وقال 7 : «ما أخلص العبد الإيمان باللّه عزّوجلّ أربعين يوماً إلاّ زهده اللّه عزّوجلّ في الدنيا ، وبصره داءها ودواءها ، فأثبت الحكمة في قلبه ،
    __________________
    (1) الصواعق المحرقة : 304.
    (2) رجال النجاشي : 389.
    (3) تحف العقول : 286.
    (4) الكافي 2 : 131 / 13.

    وأنطق بها لسانه» (1).
    ومن خصائصه 7 أنه كان ذا قلب محزون ، مشغول عما في الدنيا ، لم يحفل بمظاهر الحياة الفانية ونعيمها الزائل ، بل امتلأت آفاق قلبه بخالص دين اللّه ، واتجه بكلّ عواطفه إلى اللّه سبحانه ، ليس له همّة إلاّ لقاءه ، رغبة فيما أعدّه له في دار الخلود من الرضوان والنعيم والكرامة ، ويترجم الإمام 7 ذلك خلال وصيته إلى تلميذه جابر الجعفي ، في ذم الدنيا وحث السالكين سبيل الهدى كي يسيروا في طريق المتّقين الصادقين في إدراك الآخرة والعمل لها ما وسعهم ذلك.
    قال جابر : «خرج 7 يوماً وهو يقول : أصبحت واللّه يا جابر محزوناً مشغول القلب. فقلت : جعلت فداك ، ما حزنك وشغل قلبك ، كل هذا على الدنيا؟ فقال 7 : لا يا جابر ، ولكن حزن همّ الآخرة. يا جابر ، من دخل قلبه خالص حقيقة الإيمان شغل عما في الدنيا من زينتها ، إن زينة زهرة الدنيا ، إنّما هو لعب ولهو ، وإنّ الدار الآخرة لهي الحيوان. يا جابر ، إن المؤمن لا ينبغي له أن يركن ويطمئن إلى زهرة الحياة الدنيا.
    واعلم أن أبناء الدنيا هم أهل غفلة وغرور وجهالة ، وأن أبناء الآخرة هم المؤمنون العاملون الزاهدون ، أهل العلم والفقه ، وأهل فكرة واعتبار واختيار ، لا يملون من ذكر اللّه.
    واعلم يا جابر أن أهل التقوى هم الأغنياء ، أغناهم القليل من الدنيا ، فمؤونتهم يسيرة ، إن نسيت الخير ذكروك ، وإن عملت به أعانوك ، أخروا شهواتهم ولذاتهم خلفهم ، وقدموا طاعة ربهم أمامهم ، ونظروا إلى سبيل الخير ، وإلى ولاية أحباء اللّه ، فأحبوهم وتولوهم واتبعوهم. فانزل نفسك
    __________________
    (1) الكافي 2 : 16 / 6.

    من الدنيا كمثل منزل نزلته ساعة ثم ارتحلت عنه ، أو كمثل مال استفدته في منامك ففرحت به وسررت ، ثم انتبهت من رقدتك وليس في يدك شيء.
    وإني إنما ضربت لك مثلاً لتعقل وتعمل به إن وفقك اللّه له. فاحفظ يا جابر ما أستودعك من دين اللّه وحكمته ، وانصح لنفسك ، وانظر ما اللّه عندك في حياتك ، فكذلك يكون لك العهد عنده في مرجعك.
    وانظر فإن تكن الدنيا عندك على غير ما وصفت لك فتحول عنها إلى دار المستعتب اليوم ، فلرب حريص على أمر من أمور الدنيا قد ناله ، فلما ناله كان عليه وبالاً وشقي به ، ولرب كاره لأمر من أمور الآخرة قد ناله فسعد به» (1).
    ومما جاء عن معالي أخلاقه 7 وشدة ورعه أنه كان اذا ضحك قال : «اللهمّ لا تمقتني» (2).
    ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه إذا كان الإمام 7 زاهداً ، فإنّما يستن بسنة جده المصطفى ، ويتبع منهاج آبائه الكرام : ، ولم يكن زهده بالمعنى الصوفي أو الرهباني ، الذي يعزله عن التمتع بزينة الحياة ، ويقطعه عن لقاء الناس ، بل هو إمام منفتح على الواقع بكل تفاصيله ، وله مرجعية واسعة ومهام
    __________________
    (1) تحف العقول : 287 ، وروي نحوه فى كتاب ذم الدنيا / ابن أبي الدنيا : 129 ، تاريخ دمشق 45 : 280 ، سير أعلام النبلاء 4 : 405 ، حلية الأولياء 3 : 182 ، مطالب السؤول : 80 ، الفصول المهمة : 194 ، تذكرة الخواص : 348 ، روض الرياحين / اليافعي : 57 ، كشف الغمة 2 : 333.
    (2) حلية الأولياء 3 : 185.

    جسيمة ، على رأسها رفع منار العلم والنهوض بالواقع المعرفي للأمة ، فلا يمكن أن يحجر نفسه في خانة المتصوفة ، كما يدعي بعض المتصوفة (1) ، أو يتخذ من الزهد نظاماً يحكم حياته.
    وهناك المزيد من الأخبار تدل على ما ذكرناه ، منها رواية الحكم بن عتيبة ، قال : «دخلت على أبي جعفر 7 وهو في بيت منجد ، وعليه قميص رطب وملحفة مصبوغة ، قد أثر الصبغ على عاتقه ، فجعلت أنظر إلى البيت وأنظر إلى هيئته ، فقال : يا حكم ، ما تقول في هذا؟ فقلت : وما عسيت أن أقول وأنا أراه عليك؟
    وأما عندنا فانما يفعله الشاب المُرِهْقُ ، فقال لي : يا حكم «مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ» (2) وهذا مما أخرج اللّه لعباده ، فأما هذا البيت الذي ترى فهو بيت المرأة ، وأنا قريب العهد بالعرس ، وبيتي البيت الذي تعرف» (3).
    وعن الحسن الزيات ، قال : «دخلت على أبي جعفر 7 في بيت منجد ، ثم عدت إليه من الغد وهو في بيت ليس فيه إلاّ حصير ، وعليه قميص غليظ ، فقال : البيت الذي رأيته ليس بيتي ، انما هو بيت المرأة ، وكان أمس يومها» (4).
    وروي أنه 7 كان يتأنق بملبسه ، قال زرارة : «رأيت على أبي جعفر 7
    __________________
    (1) راجع : الإمامة وأهل البيت / محمد بيومي مهران 3 : 67.
    (2) سورة الأعراف : 7 / 32.
    (3) الكافي 6 : 446 / 1.
    (4) الكافي 6 : 477 / 5 و 448 / 13.

    ثوباً معصفراً ، فقال : إني تزوجت امرأة من قريش» (1).
    وعن جراح المدائني ، عن أبي جعفر 7 ، قال : «إنا نلبس المعصفرات والمضرجات» (2).
    وعن أبي الجارود ، قال : كان أبو جعفر 7 «يلبس المعصفر والمنيّر» (3).
    4 ـ الكرم :
    البذل والعطاء والجود خصال بارزة في سيرة أئمتنا المعصومين : ، وكان الإمام أبو جعفر 7 من أندى الناس كفاً ، وأسمحهم يداً ، لايردّ سائلاً ، ولا يخيب مؤملاً. قال الشيخ المفيد : وكان ـ مع ما وصفناه به من الفضل في العلم والسؤدد والرئاسة والإمامة ـ ظاهر الجود في الخاصة والعامة ، مشهور الكرم في الكافة ، معروفاً بالفضل والاحسان مع كثرة عياله وتوسط حاله (4).
    ولم يكن 7 يمارس الإحسان والجود وحسب ، بل كان يدعو كثيراً إلى العطاء ويمتدح أهل المعروف ، ويبين فضلهم في الدنيا والآخرة ، وكأنه يريد أن يجعله منهجا وسلوكاً للسائرين في طريقه ، فمن كلامه 7 في هذا الاتجاه : «إن من أحب عباد اللّه إلى اللّه ، لمن حبب إليه المعروف ، وحبب إليه فعاله» (5).
    __________________
    (1) الكافي 6 : 447 / 3.
    (2) الكافي 6 : 447 / 6.
    (3) الكافي 6 : 447 / 8.
    (4) الارشاد 2 : 166.
    (5) الكافي 4 : 25 / 3.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ   الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Emptyالأحد أكتوبر 27, 2024 6:02 am

    وقيل له 7 : أتعرف شيئاً خيراً من الذهب؟ قال : «نعم ، معطيه» (1).
    وقال 7 : «إن اللّه جعل للمعروف أهلا من خلقه ، حبب إليهم المعروف وحبب إليهم فعاله ، ووجه لطلاب المعروف الطلب إليهم ، ويسر لهم قضاءه ، كما يسر الغيث للأرض المجدبة ليحييها ويحيي أهلها ، وان اللّه جعل للمعروف أعداء من خلقه بغّض إليهم المعروف ، وبغض إليهم فعاله ، وحظر على طلاب المعروف التوجه إليهم ، وحظر عليهم قضاءه ، كما يحظر الغيث عن الأرض المجدبة ليهلكها ويهلك أهلها ، وما يعفو اللّه عنه أكثر» (2).
    وعن جابر الجعفي ، قال : «دخل رجل على أبي جعفر الباقر 7 ، فقال له : عافاك اللّه ، اقبض مني هذه الخمس مئة درهم ، فإنها زكاة مالي. فقال له أبوجعفر 7 : خذها أنت فضعها في جيرانك من أهل الإسلام والمساكين من إخوانك المسلمين» (3).
    ويرتفع الإمام الباقر 7 بالتكافل إلى مقام العبادة ، بل ويضاهي بعض العبادات ويفوقها ثوابا ، وهو مثل رائع في تنمية روح التضامن والتكافل في مجتمع يسوده التفاوت الطبقي بسبب ظروف المقاطعة ، واحتكار بيت المال في دائرة البلاط الضيقة ، التي تمارس قطع الأرزاق كعقوبة لمخالفيها في الرأي.
    قال 7 : «واللّه لأن أحج حجة أحب إليَّ من أن أعتق رقبة ورقبة ورقبة ومثلها ومثلها حتى بلغ عشراً ، ومثلها ومثلها حتى بلغ السبعين ، ولأن أعول أهل بيت من المسلمين أسدّ جوعتهم ، وأكسو عورتهم ، وأكف وجوههم
    __________________
    (1) تاريخ اليعقوبي 2 : 320.
    (2) تحف العقول : 295.
    (3) الغيبة / النعماني : 242.

    عن الناس ، أحب إليَّ من أن أحج حجة وحجة وحجة ومثلها ومثلها حتى بلغ عشراً ، ومثلها ومثلها حتى بلغ السبعين» (1).
    وفي هذا الصدد ، كان 7 يسعى إلى تربية شيعته وأتباعه من المؤمنين على أرقى نماذج التعامل الإسلامي فيما بينهم ، فيضرب لهم مثلاً أعلى في التكافل والتضامن ، لأجل التخفيف عن كاهل الأمة التي يرهقها الظلم والجور الذي تصبّه السياسة الأموية على قطاعات واسعة من جماهير الأمة ، سيما أتباع أهل البيت :.
    عن الوصافي ، قال : «كنا عند أبي جعفر محمد بن علي يوماً ، فقال لنا : أيدخل أحدكم يده في كم أخيه ـ أو قال في كيسه ـ فيأخذ حاجته؟ قال : قلنا : لا. قال : فلستم أذن باخوان كما تزعمون. وفي رواية : أنتم أخدان ، ولستم باخوان» (2).
    وفي رواية الكافي ، فقال أبو جعفر 7 : «فلا شيء اذا ، قلت : فالهلاك اذا؟ وقال : إنّ القوم لم يعطوا أحلامهم بعد» (3). وعن الحجاج بن أرطاة حين سأله 7 : أيدخل أحدكم يده في كم أخيه ...قلت : أما هذا فلا. فقال : «أما لو فعلتم ما احتجتم» (4).
    ولا ريب أن الإمام 7 يريد بهذا البيان أن يربي أصحابه على المواساة في
    __________________
    (1) الكافي 2 : 195 / 11 ، و 4 : 2 / 3 ، ثواب الأعمال : 141.
    (2) تاريخ دمشق 45 : 293 ، الصداقة والصديق / أبو حيان التوحيدي : 27 كشف الغمة 2 : 330 و 361 ، البداية والنهاية 9 : 340 ، حلية الأولياء : 3 : 187.
    (3) الكافي 2 : 181 / 13.
    (4) كشف الغمة 2 : 333.

    المال ، وهي أرفع المكارم وأعلى المقامات ، وفي الوقت نفسه أشدّ الأعمال على الإنسان الذي جبل على حبّ المال وانشدّ إلى عالمه المادي ، إلاّ أولئك الذين بلغوا درجات من الكمال والإيمان تؤهلهم للزهد بالمال وعدم الاكتراث به.
    روي عن أبي جعفر 7 أنه قال : «أشد الأعمال ثلاثة : ذكر اللّه على كل حال ، وإنصافك الناس من نفسك ، ومواساة الإخوان في المال» (1).
    وعلى الصعيد العملي كان من سجايا الإمام الباقر 7 صلة الإخوان وإدخال السرور عليهم ، والإحسان والبذل والتصدق على ذوي الفاقة ، قال الشيخ المفيد : «كان لا يملّ من صلة إخوانه وقاصديه ومؤمليه وراجيه» (2).
    ولعل القيمة الموضوعية لبِرِّ الإمام 7 وصدقاته الجارية تكون أكثر وقعاً إذا عرفنا أنه 7 كان متوسط الحال كثير العيال ، ولم يكن من ذوي الثروة والمال.
    عن أبي عبد اللّه 7 ، قال : «كان أبي 7 أقلّ أهل بيته مالاً ، وأعظمهم مؤنة ، قال : وكان يتصدق كل جمعة بدينار ، وكان يقول : الصدقة يوم الجمعة تضاعف لفضل الجمعة على غيره من الأيام» (3).
    وعن الصادق : أن أباه 8 تصدق على فقراء أهل المدينة بثمانية آلاف دينار (4).
    وحكت سلمى مولاة أبي جعفر 7 أنه كان يدخل عليه بعض إخوانه ،
    __________________
    (1) كشف الغمة 2 : 344 ، حلية الأولياء 3 : 183.
    (2) الارشاد 2 : 167.
    (3) ثواب الأعمال : 185.
    (4) فلاح السائل / ابن طاوس : 176.

    فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطيب ، ويكسوهم الثياب الحسنة في بعض الأحيان ، ويهب لهم الدراهم ، فكنت أكلمه في ذلك ، لكثرة عياله وتوسط حاله ، فيقول : «يا سلمى ، ما حسنة الدنيا إلاّ صلة الإخوان والمعارف. وكان يصل بالخمس مئة درهم ، وبالست مئة ، وبالألف درهم» (1).
    وعن سليمان بن قرم ، قال : كان أبو جعفر محمد بن علي 8 يجيزنا بالخمس مئة درهم ، إلى الست مئة ، إلى الألف درهم (2).
    وعن عمرو بن دينار وعبد اللّه بن عبيد ، أنهما قالا : «ما لقينا أبا جعفر محمد ابن علي 8 إلاّ وحمل إلينا النفقة والصلة والكسوة ، ويقول : هذه معدّة لكم قبل أن تلقوني» (3).
    وقال الحسن بن كثير : «شكوت إلى أبي جعفر 7 جور الزمان وجفاء الإخوان ، فقال : بئس الأخ أخ يرعاك غنياً ويجفوك فقيراً. ثم أمر غلامه فأخرج كيساً فيه سبع مئة درهم ، فقال : استعن بهذه على الوقت ، فإذا فرغت فأعلمني» (4).
    وثمة موقف تربوي في العطاء والبذل يسجله الإمام الباقر 7 ، في حفظ كرامة السائل وحرمته في داره ، وعدم الحط من شأن الفقراء ، قال الجاحظ :
    __________________
    (1) الفصول المهمة : 197 ، نور الأبصار : 194 ، تذكرة الخواص : 350 ، كشف الغمة 2 : 330 و 332.
    (2) الارشاد 2 : 167 ، روضة الواعظين : 204 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 337.
    (3) الارشاد 2 : 166 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 337.
    (4) الفصول المهمة : 197 ، المختار في مناقب الأخيار : 30 ، روضة الواعظين : 204 ، الارشاد 2 : 166 ، كشف الغمة 2 : 330 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 337.

    وكان محمد بن علي الباقر اذا رأى مبتلى أخفى الاستعاذة ، وكان لا يسمع من داره للسائل : بورك فيك ، ولا ياسائل خذ هذا ، وكان يقول : سمّوهم بأحسن أسمائهم» (1).
    وفي هذا الاتجاه يقول 7 : «اعلم أن طالب الحاجة لم يكرم وجهه عن مسألتك ، فأكرم وجهك عن رده» (2).
    ويتسع العطاء لديه 7 ليشمل الرفق بسائر المخلوقات ، يقول 7 : «من سقى كبدا حرى من بهيمة أو غيرها أظلّه اللّه يوم لا ظل إلاّ ظلّه» (3).
    عتق المماليك :
    كان الرقّ ظاهرة متفشية في الوسط الاجتماعي آنداك ، وكان يُنظر إلى العبيد نظرة ازدراء واحتقار ، وبحكم النظام الاجتماعي القائم ، أصبح العبيد محكومين من قبل ساداتهم لايستطيعون التمرّد عليهم ، وجاء الإسلام لتحرير الإنسان من براثن العبودية والرق ، واستئصال تلك الظاهرة ولو بالتدريج ، فشجع على البذل والعطاء في سبيل عتق الرقاب ، ومارس الرسول وأهل البيت : ذلك ممارسة عملية ، فتبوأ المماليك بفضل ذلك مراكز اجتماعية مهمة في أوساط المجتمع الإسلامي ، وكان آخر وصايا رسول اللّه 9 بالصلاة وبهذه الشريحة الاجتماعية المهمة ، حيث قال 9 : «اللّه اللّه في صلاتكم ، وما ملكت أيمانكم».
    وقال : «ألبسوهم مما تلبسون ، وأطعموهم مما تأكلون».
    __________________
    (1) البيان والتبيين 3 : 157.
    (2) تحف العقول : 299.
    (3) الكافي 4 : 58 / 6.

    وقد جسّد الإمام الباقر 7 إيمانه بكرامة الإنسان وسعيه إلى تحريره ، من خلال عتق العبيد والمماليك ، وبذله المزيد من العطاء في هذا السبيل ، امتداداً لعمل آبائه الكرام : ، واقتداءً بأحد خصال أبيه السجاد 7 الذي تعامل مع تلك الظاهرة من موقع المسؤولية ، فاتّبع فلسفة خاصة في تحرير العبيد ، وتعامل معهم كبشر لا يميّزهم شيء عن سواهم في تطلعاتهم وآمالهم ، وسعى إلى تربيتهم وزرع القيم الرسالية في نفوسهم.
    نعم ، كان الإمام الباقر 7 قد تعامل مع تلك الظاهرة على خطى آبائه المعصومين : ، فحث وعمل على شراء المماليك وعتقهم لوجه اللّه ، وتعامل معهم بلطف الأخ الكبير وشفافية الأب الحنون والصديق الحميم ، وكان يجالسهم ويؤدب شرارهم ، ويعمل معهم يداً بيد ، ليزرع فيهم الثقة والاعتزاز بالنفس وبالدين.
    روى أبو حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر الباقر محمد بن علي 8 ، أنه قال في حديث : «أربع من كن فيه من المؤمنين ، أسكنه اللّه في أعلى عليين ، في غرف فوق غرف ، في محل الشرف. إلى أن قال : ومن لم يخرق بمملوكه ، وأعانه على ما يكلفه ، ولم يستسعه فيما لا يطيق» (1).
    ولم يكن ذلك شعاراً يطلقه الإمام 7 وحسب ، بل كان يمارس العمل مع مماليكه فيما لا يطيقون ، عن داود بن فرقد ، قال : «سمعت أبا عبد اللّه 7 يقول : في كتاب رسول اللّه 9 : إذا استعملتم ما ملكت أيمانكم في شيء يشقّ عليهم ، فاعملوا معهم فيه. قال 7 : كان أبي يأمرهم ، فيقول : كما أنتم ، فيأتي فينظر فإن كان ثقيلاً قال : بسم اللّه ، ثم عمل معهم ، وإن كان خفيفاً
    __________________
    (1) أمالي المفيد : 166.

    تنحّى عنهم» (1).
    وكان الإمام الباقر 7 يكتب لبعضهم عهداً بالحرية بخط يده ويختمه بخاتمه ، منها العهد الذي كتبه لعبد اللّه بن المبارك قبل موته بسنة واحدة ، وكان عبد اللّه من سبي الحروب ، فأتى أبا جعفر 7 فقال : «إني رويت عن آبائك : أن كل فتح بضلال فهو للإمام. فقال : نعم. قلت : جعلت فداك ، فإنهم أتوا بي من بعض فتوح الضلال ، وقد تخلصت ممن ملكوني بسبب ، وقد أتيتك مسترقاً مستعبداً. قال 7 : قد قبلت. فلما كان وقت خروجه إلى مكة ، قال : مذ حججت فتزوجت ومكسبي مما يعطف علي إخواني ، لا شيء لي غيره ، فمرني بأمرك.
    فقال 7 : انصرف إلى بلادك ، وأنت من حجك وتزويجك وكسبك في حلّ.
    ثم أتاه بعد ست سنين ، وذكر له العبودية التي ألزمها نفسه. فقال : أنت حرّ لوجه اللّه تعالى. فقال : اكتب لي به عهداً ، فخرج كتابه 7 :
    بسم اللّه الرحمن الرحيم
    هذا كتاب محمد بن علي الهاشمي العلوي لعبد اللّه بن المبارك فتاه ، إنّي أعتقك لوجه اللّه والدار الآخرة ، لا رب لك إلاّ اللّه ، وليس عليك سيد ، وأنت مولاي ومولى عقبي من بعدي ، وكتب في المحرم سنة ثلاث عشرة ومائة ، ووقع فيه محمد بن علي بخط يده وختمه بخاتمه» (2).
    وعن محمد بن مروان ، عن أبي عبد اللّه 7 : أن أبا جعفر 7 مات وترك
    __________________
    (1) كتاب الزهد / الحسين بن سعيد : 44 / 117.
    (2) مناقب آل أبي طالب 3 : 338.

    ستين مملوكاً ، فأعتق ثلثهم عند موته ، فأقرعت بينهم وأخرجت الثلث (1).
    وعن أبي عبد اللّه 7 ، قال : «دخلت على أبي يوماً وقد تصدق على فقراء أهل المدينة بثمانية آلاف دينار ، وأعتق أهل بيت بلغوا أحد عشر» (2).
    5 ـ التواضع :
    التواضع من الخصال الحميدة التي حظيت بقراءة واقعية من قبل الإمام الباقر 7 ، فأكّد أنه على المرء أن يرتقي على العجب ويتغلب على صفة الكبر في نفسه بالسلام والرضا بأدنى المجلس ، وعدم المراء حتى في الحق ، وعدم مجالسة الأغنياء.
    قال 7 : «التواضع الرضا بالمجلس دون شرفه ، وأن تسلم على من لقيت ، وأن تترك المراء وإن كنت محقاً» (3).
    وقال 7 لرجل : «يا فلان ، لا تجالس الأغنياء ، فإنّ العبد يجالسهم وهو يرى أن للّه عليه نعمة ، فما يقوم حتى يرى أن ليس للّه عليه نعمة» (4).
    وكان 7 يرى أن الكبر يتناسب عكسياً مع المعرفة ، فكلما علم الإنسان عاقبته وما يؤول إليه مصيره ، زهد في الدنيا وتواضع لأبناء جنسه ، وحيثما يكون فارغاً من تلك المعرفة اغترّ بدنياه وزها بنفسه ، وكما يقال : إن السنابل الملآى تميل تواضعاً ، والفارغة تشمخ برأسها ، فالعجب علامة الجهل ، والتواضع دليل المعرفة ، جاء في وصيته 7 لجابر الجعفي : «سدّ سبيل العجب
    __________________
    (1) المحاسن 2 : 624 / 81 ، الكافي 7 : 18 / 11.
    (2) فلاح السائل : 176.
    (3) تحف العقول : 296.
    (4) أمالي الصدوق : 326 / 318.

    بمعرفة النفس» (1). وقال 7 : «ما دخل قلب أحد شيء من الكبر ، إلاّ نقص من عقله مثل ما دخله من ذلك ، قلّ ذلك أو كثر» (2).
    وبيّن أن التكبر صفة مذمومة للعبد ، لأنها تعني تقمص صفة الرب تعالى ، قال 7 : «المتكبر ينازع اللّه رداءه» (3).
    وعلى صعيد السيرة العملية للإمام الباقر 7 ، فإن التواضع صفة بارزة في حياته ، فهو يجتهد نفسه بالعمل لكسب عيشه ، لا يصده عنه كبر السن ، ولا شدّة الحرّ ، ويعدّ ذلك طاعة من طاعات اللّه يكف بها نفسه عن سائر الناس.
    عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمد 8 ، قال : «إن محمد بن المنكدر كان يقول : ما كنت أرى أن مثل علي بن الحسين يدع خلفاً ـ لفضل علي بن الحسين 8 ـ حتى رأيت ابنه محمد بن علي ، فأردت أن أعظه فوعظني. فقال له أصحابه : بأي شيء وعظك؟ قال : خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة ، فلقيت محمد بن علي ، وكان رجلاً بديناً ، وهو متكئ على غلامين له أسودين ، فقلت في نفسي : شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا! أشهد لأعظنه؟ فدنوت منه فسلمت عليه ،
    __________________
    (1) تحف العقول : 284.
    (2) كشف الغمة 2 : 344 و 360 ، حلية الأولياء 3 : 180 ، مطالب السؤول : 80 ، الفصول المهمة : 195 ، نور الأبصار : 195 ، تذكرة الخواص : 348 ، سير أعلام النبلاء 4 : 408.
    (3) تحف العقول : 292.

    فسلم علي ببُهر (1) وقد تصبب عرقاً.
    فقلت : أصلحك اللّه ، شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على مثل هذه الحال في طلب الدنيا! لو جاءك الموت وأنت على هذه الحال؟! قال : فخلى عن الغلامين من يده ، ثم تساند ، وقال : لو جاءني واللّه الموت وأنا في هذه الحال ، جاءني وأنا في طاعة من طاعات اللّه ، أكفّ بها نفسي عنك وعن الناس ، وانما كنت أخاف الموت لو جاءني وأنا على معصية من معاصي اللّه. فقلت : يرحمك اللّه ، أردت أن أعظك فوعظتني» (2).
    وكان 7 في مركبه مثالاً للتواضع ، فلا يمتطي الخيل الفارهة ، بل يفضل الحمار على البغل ، ويحمد اللّه الذي سخّره حين يستوي عليه ، عن عبد اللّه بن عطاء ، قال : «قال لي أبو جعفر 7 : قم فأسرج دابتين حماراً وبغلاً ، فأسرجت حماراً وبغلاً ، فقدمت إليه البغل ، ورأيت أنه أحبهما إليه ، فقال : من أمرك أن تقدم إلي هذا البغل؟ قلت : اخترته لك. قال : وأمرتك أنت تختار لي؟! ثم قال : إنّ أحبّ المطايا إلي الحمر. قال : فقدمت إليه الحمار ، وأمسكت له بالركاب فركب ، فقال : الحمد للّه الذي هدانا بالإسلام ، وعلمنا القرآن ، ومنّ علينا بمحمد 9 ، والحمد للّه الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ، وإنا إلى ربنا لمنقلبون ، والحمد للّه رب العالمين» (3).
    وكان يؤثر أصحابه بالركوب ، ويفضل أن يمشي على قدميه ، قال السيد
    __________________
    (1) البُهر : تتابع النفس.
    (2) الارشاد 2 : 161 ، الفصول المهمة : 195 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 332 ، شرح الأخبار 3 : 282 ، اعلام الورى 1 : 507.
    (3) المحاسن 2 : 325 / 41 ، الكافي 8 : 276 / 417.

    المرتضى : «روى أن رجلاً نظر إلى كثير الشاعر وهو راكب ، وأبو جعفر محمد بن علي 8 يمشى ، فقيل له : أتركب وأبو جعفر يمشي؟! فقال : هو أمرني بذلك ، وأنا بطاعته في الركوب ، أفضل مني في عصياني إياه بالمشي» (1).
    وفي مأكله كان في غاية التواضع والبساطة ، فيكتفي بالخل والزيت أوالجبن وحده ، عن بزيع ، قال : «دخلت على أبي جعفر 7 وهو يأكل خلاً وزيتاً في قصعة سوداء ، مكتوب في وسطها بصفرة : قل هو اللّه أحد. فقال لي : اُدن يا بزيع ، فدنوت فأكلت معه ، ثم حسا من الماء ثلاث حسيات حين لم يبق من الخبز شيء ، ثم ناولني فحسوت البقية» (2).
    وعن عبد اللّه بن سليمان ، قال : «سألت أبا جعفر 7 عن الجبن ، فقال : لقد سألتني عن طعام يعجبني ، ثم أعطى الغلام درهماً ، فقال : يا غلام ابتع لنا جبناً. ودعا بالغداء فتغدينا معه ، وأتى بالجبن فأكل وأكلنا» (3).
    6 ـ الصبر والحلم :
    دعا الإمام الباقر 7 إلى إعداد النفس للارتقاء إلى أفضل الكمال المتمثل بجملة تعاليم منها الصبر على النائبة ، قال 7 : «الكمال كل الكمال التفقه في الدين ، والصبر على النائبة ، وتقدير المعيشة» (4).
    والصبر إضافة إلى كونه من الكمالات ، ومن مصاديق الحلم ، فهو من الفضائل التي قد تؤدي بصاحبها إلى الجنة ، إذا صبر على مصائب الدنيا وعما
    __________________
    (1) أمالي المرتضى 1 : 204.
    (2) المحاسن 2 : 440 / 300 ، الكافي 6 : 298 / 14.
    (3) الكافي 6 : 339 / 1.
    (4) تحف العقول : 292.

    حرم اللّه من الشهوات واللذات ، قال 7 : «الجنة محفوفة بالمكاره والصبر ، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة ، وجهنم محفوفة باللذات والشهوات ، فمن أعطى نفسه لذتها وشهوتها دخل النار» (1).
    وبيّن الإمام الباقر 7 مصداق الصبر الجميل ، وهو اجتناب الشكوى إلى الناس ، عن جابر الجعفي ، قال : «قلت لأبي جعفر : يرحمك اللّه ، ما الصبر الجميل؟ قال : ذلك الصبر الذي ليس فيه شكوى إلى الناس» (2).
    ويدخل في هذا الإطار الصبر في حال الفاقة والحاجة ، بل وحتى في الغنى الذي قد يؤدي بالإنسان إلى العتوّ والطغيان ، وقد عبر عنه الإمام 7 بمروءة الصبر ، لأنه دليل الثقة باللّه ، ولذلك فهو أعلى مرتبة من مروءة الاعطاء.
    قال 7 : «سخاء المرء عما في أيدي الناس أكثر من سخاء النفس والبذل ، ومروءة الصبر في حال الفاقة والحاجة والتعفف والغنى أكثر من مروءة الاعطاء ، وخير المال الثقة باللّه ، واليأس مما في أيدي الناس» (3).
    والصبر صفة بارزة في سيرة الإمام الباقر 7 العملية ، مثلما في سيرته القولية ، لأن قوله فعل وممارسة وتجسيد على أرض الواقع بمصاديق عملية واضحة ، فكان 7 نموذج الصابر المتوكل على اللّه ، الذي ارتفع إلى حقيقة اليقين المتمثل بالصبر عند البلاء ، والشكر عند الرخاء ، والرضا بالقضاء.
    روي أنه كان قوم أتوا أبا جعفر 7 ، فوافقوا صبياً له مريضاً ، فرأوا منه اهتماماً وغماً ، وجعل لا يقر ، فقالوا : واللّه لئن أصابه شيء ، إنا لنتخوف أن نرى
    __________________
    (1) الكافي 2 : 89 / 7.
    (2) الكافي 2 : 93 / 23.
    (3) التهذيب 6 : 187 / 1153.

    منه ما نكره. قال : فما لبثوا أن سمعوا الصياح عليه ، فإذا هو قد خرج عليهم منبسط الوجه في غير الحال التي كان عليها ، فقالوا له : جعلنا اللّه فداك ، لقد كنا نخاف مما نرى منك ، أن لو وقع أن نرى منك ما يغمنا. فقال لهم : «إنا لنحب أن نعافى فيمن نحب ، فإذا جاء أمر اللّه سلمنا فيما يحب» (1).
    وفي رواية سفيان بن عيينة أنه قال : «ندعو اللّه تبارك وتعالى فيما نحب ، فإذا وقع ما نكره لم نخالف اللّه فيما أحب» (2).
    وعن زرارة ، قال : «فلما قضى الغلام ، أمر به فغمض عيناه وشد لحياه ، ثم قال لنا : إن نجزع ما لم ينزل أمر اللّه ، فإذا نزل أمر اللّه ، فليس لنا إلاّ التسليم ، ثم دعا بدهن فادّهن واكتحل ، ودعا بطعام فأكل هو ومن معه ، ثم قال : هذا هو الصبر الجميل ، ثم أمر به فغسل ، ثم لبس جبة خز ومطرف خز وعمامة خز ، وخرج فصلى عليه» (3).
    وحثّ الإمام 7 على الحلم وسعة الصدر ، وأكد على ضرورة اقتران الحلم بالعلم ، إذ الحلم لباس العالم ، فيصبر حيثما يقتضي الامر حلماً ، أما الجاهل فلباسه التهور والجزع ، مما يوقعه في أخطاء وخيمة.
    جاء في رسالة الإمام الباقر 7 إلى سعد الخير : «وليس الحليم الذي لا يتقي أحداً في مكان التقوى ، والحلم لباس العالم ، فلا تعرين منه» (4).
    __________________
    (1) الكافى 3 : 226 / 14.
    (2) تاريخ دمشق 45 : 294 ، سير أعلام النبلاء 4 : 407 ، كشف الغمة 2 : 363 ، حلية الأولياء 3 : 187.
    (3) التهذيب 6 : 187 / 1153.
    (4) الكافي 8 : 53 / 16.

    وقال 7 : «ما شيب شيء بشيء ، أحسن من حلم بعلم» (1).
    وجاء في سيرته العملية المزيد من المواقف التي صبر فيها على كيد الأعداء ، وسكت عن الجهال ، وصفح عن المسيئين ، وغضّ الطرف عن الهفوات ، ووسعها بعفوه وصبره وسعة صدره.
    ومن ذلك موقفه من الناصبي الذي واجهه بكلمات قبيحة ، رواه محمد بن سليمان ، عن أبيه ، قال : «كان رجل من أهل الشام يختلف إلى مجلس أبي جعفر 7 ، ويقول له : يا محمد ، ألا ترى إني إنما أغشى مجلسك حياءً مني لك ، ولا أقول : إن في الأرض أحداً أبغض إلي منكم أهل البيت ، وأعلم أن طاعة اللّه وطاعة رسوله وطاعة أمير المؤمنين في بغضكم ، ولكن أراك رجلاً فصيحاً ، لك أدب وحسن لفظ ، وإنما الاختلاف إليك لحسن أدبك ، وكان أبو جعفر 7 يقول له خيراً ، ويقول : لن تخفى على اللّه خافية ... وصار بعد ذلك من أصحاب أبي جعفر 7» (2).
    ومنه موقفه من النصراني الذي أراد استفزازه بكثرة الأسئلة ، وأجاب عنها الإمام بردّ جميل وموعظة حسنة ، قال له النصراني : «أنت ابن السوادء الزنجية البذية ، فقال له الإمام 7 : إن كنت صدقت غفر اللّه لها ، وإن كنت كذبت غفر اللّه لك. ولم يزد عليها ، فأسلم النصراني» (3).
    7 ـ الهيبة والوقار :
    تجلّت في شخصية الإمام الباقر 7 سمات أولياء اللّه وأحبائه الذين أضفى
    __________________
    (1) شرح الأخبار3 : 283 ، الارشاد 2 : 168 ، تحف العقول : 292.
    (2) الأمالي / الطوسي : 410 / 923 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 320.
    (3) مناقب آل أبي طالب 3 : 337.

    عليهم العزة والوقار والهيبة في الدنيا ، والظفر في الآخرة ، قال 7 : «إن اللّه عزّوجلّ أعطى المؤمن ثلاث خصال : العزة في الدنيا ، والفلح في الآخرة ، والمهابة في صدور الظالمين ، ثم قرأ : «وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُوءْمِنِينَ» (1) (2).
    وقد ابتعد الإمام 7 عن كل ما ينافي الوقار وسمو الشخصية ومعالي الأخلاق ، فروي أنه كان إذا ضحك قال : «اللهم لا تمقتني» (3).
    من هنا كان كل من التقى الإمام 7 ، قد بدت له مظاهر العظمة والإجلال وملامح الهيبة والوقار ، عظمة المكارم التي يحملها ، وهيبة الملكات القدسية التي اجتمعت في شخصه 7 ، ومنهم الصحابي الجليل جابر بن عبد اللّه الأنصاري.
    قال جابر بن يزيد الجعفي : « دخل جابر بن عبد اللّه الأنصاري على علي بن الحسين 8 ، فبينا يحدّثه إذ خرج محمد بن علي الباقر 7 من عند نسائه ، وعلى رأسه ذؤابة ، وهو غلام ، فلما بصر به جابر ارتعدت فرائصه ، وقامت كل شعرة على جسده ، ونظر إليه ملياً ، ثم قال له : يا غلام أقبل. فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ... » (4).
    وقال أبو حمزة الثمالي : «لما كانت السنة التي حج فيها أبو جعفر محمد بن علي 8 ، ولقيه هشام بن عبد الملك ، أقبل الناس ينثالون عليه ، فقال عكرمة :
    __________________
    (1) سورة المنافقون : 63 / 8.
    (2) كشف الغمة 2 : 363.
    (3 حلية الأولياء 3 : 185.
    (4) كفاية الأثر : 55.

    من هذا الذي عليه سيماء زهرة العلم لأجربنه؟ فلما مثل بين يديه ارتعدت فرائصه ، واسقط في يده ، وقال : يا بن رسول اللّه ، لقد جلست مجالس كثيرة بين يدي ابن عباس وغيره فما أدركني ما أدركني آنفاً؟ فقال له أبو جعفر 7 : ويلك ، إنك بين يدي بيوت أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه» (1).
    وقابله فقيه أهل البصرة قتادة بن دعامة البصري ، فاضطرب قلبه من هيبته ، فقال : «أصلحك اللّه ، لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدام ابن عباس ، فما اضطرب قلبي قدام واحدٍ منهم ما اضطرب قدّامك!» (2).
    وقال عبد اللّه بن عطاء المكي : «ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر» (3).
    8 ـ حسن العشرة :
    أكد الإمام الباقر 7 في أحاديث مستفيضة على تكريس مبدأ الأخاء في اللّه طلباً لمرضاة اللّه ، وبين فضل ذلك في الدارين ، فقال 7 : «من استفاد أخاً في اللّه على إيمان باللّه ووفاء بأخائه طلباً لمرضاة اللّه ، فقد استفاد شعاعاً من نور اللّه ، وأماناً من عذاب اللّه ، وحجة يفلج بها يوم القيامة ، وعزاً باقياً وذكراً نامياً ، لأن المؤمن من اللّه عزوجل لا موصول ولا مفصول» (4).
    وأكد على تعهد الإخوان بالزيارة والتواصل والمصافحة ، وإيثارهم على
    __________________
    (1) مناقب آل أبي طالب 3 : 317.
    (2) الكافي 6 : 256.
    (3) الارشاد 2 : 160 ، روضة الواعظين : 202 ، حلية الأولياء 3 : 185.
    (4) تحف العقول : 295.

    النفس ، فقال 7 : «إن للّه عزّوجلّ جنّة لا يدخلها إلاّ ثلاثة : رجل حكم على نفسه بالحق ، ورجل زار أخاه المؤمن في اللّه ، ورجل آثر أخاه المؤمن في اللّه على نفسه» (1).
    وقال 7 : «أيما مؤمن خرج إلى أخيه يزوره عارفاً بحقه ، كتب اللّه له بكل خطوة حسنة ، ومحيت عنه سيئة ، ورفعت له درجة ، وإذ طرق الباب فتحت له أبواب السماء ، فإذا التقيا وتصافحا وتعانقا أقبل اللّه عليهما بوجهه ، ثم باهى بهما الملائكة ، فيقول : انظروا إلى عبدي تزاورا وتحابا في ، حق علي ألاّ أعذّبهما بالنار بعد هذا الموقف ، فإذا انصرف شيعه الملائكة عدد نفسه وخطاه وكلامه ، يحفظونه من بلاء الدنيا وبوائق الآخرة إلى مثل تلك الليلة من قابل ، فإن مات فيما بينهما أعفي من الحساب ، وإن كان يعرف من حق الزائر ما عرفه الزائر من حق المزور كان له مثل أجره» (2).
    وقال 7 : «إن المؤمنَين إذا التقيا فتصافحا أقبل اللّه عزّوجلّ عليهما بوجهه ، وتساقطت عنهما الذنوب كما يتساقط الورق من الشجر» (3).
    وجعل الصحبة الطويلة بمثابة القرابة ، فقال 7 : «صحبة عشرين سنة
    __________________
    (1) أعلام الدين : 126.
    (2) الكافي 2 : 183 / 1.
    (3) الكافي 2 : 180 / 4.

    قرابة» (1).
    وأكد على تعهد الإخوان ومواصلتهم والإحسان إليهم والسعي في حاجاتهم ، فمن كلامه في هذا الاتجاه : «ليس في الدنيا شيء أعون من الإحسان إلى الإخوان» (2).
    وقال 7 : «ما من عبد يمتنع من معونة أخيه المسلم والسعي له في حاجته قضيت أو لم تقض ، إلاّ ابتُلي بالسعي في حاجة من يأثم عليه ولا يؤجر ، وما من عبد يبخل بنفقة ينفقها فيما يرضى اللّه ، إلاّ ابتُلى بأن ينفق أضعافها فيما أسخط اللّه» (3).
    وقال 7 : «إنّ اللّه تعالى أوحى إلى داود : يا داود ، أن العبد من عبيدي ليأتيني بالحسنة فأحكمه بها في الجنّة ، فقال داود : يا رب ، وما تلك الحسنة؟ قال : عبد مؤمن سعى في حاجة أخيه المؤمن أحب قضاءها ، قضيت له أم لم تقض» (4).
    وإلى جانب ذلك أوصى 7 بحسن السيرة والتعايش مع الآخر ولو كان منافقاً أو يهودياً ، فقال 7 : «صانع المنافق بلسانك ، وأخلص ودك للمؤمنين ، وإن جالسك يهودي فأحسن
    __________________
    (1) تحف العقول : 293.
    (2) اسعاف الراغبين : 253.
    (3) تحف العقول : 293.
    (4) أعلام الدين : 265.

    مجالسته» (1).
    وأوصى 7 بالبشر وطلاقة الوجه ، كأحد مقومات حسن العشرة ، فقال 7 : «البشر الحسن وطلاقة الوجه مكسبة للمحبة وقربة من اللّه ، وعبوس الوجه وسوء البشر مكسبة للمقت وبعد من اللّه» (2).
    وعلى الصعيد العملي ، عرف الإمام الباقر 7 بحسن العشرة وتعهد الإخوان والإحسان إليهم ، قال أبو عبيدة الحذاء : «كنت زميل أبي جعفر 7 ، وكنت أبدأ بالركوب ، ثم يركب هو ، فإذا استوينا سلّم وساءل مسألة رجل لا عهد له بصاحبه وصافح ، قال : وكان إذا نزل نزل قبلي ، فإذا استويت أنا وهو على الأرض سلم وساءل مسألة من لا عهد له بصاحبه ، فقلت : يا ابن رسول اللّه ، إنك لتفعل شيئاً ما يفعله أحد من قبلنا ، وإن فعل مرة فكثير. فقال : أما علمت ما في المصافحة ، ان المؤمنين يلتقيان ، فيصافح أحدهما صاحبه ، فلا تزال الذنوب تتحات عنهما كما يتحات الورق عن الشجر ، واللّه ينظر إليهما حتى يفترقا» (3).
    وعن أبي حمزة ، قال : «زاملت أبا جعفر 7 فحططنا الرحل ثم مشى قليلاً ، ثم جاء فأخذ بيدي فغمزها غمزة شديدة فقلت : جعلت فداك ، أو ما كنت معك في المحمل؟! فقال : أما علمت أن المؤمن إذا جال جولة ثم أخذ بيد أخيه ،
    __________________
    (1) الأمالي / الشيخ المفيد 13 : 185 / 10 ، تحف العقول : 292 ، أعلام الدين : 301.
    (2) تحف العقول : 297.
    (3) الكافي 2 : 179 / 1.

    نظر اللّه إليهما بوجهه ، فلم يزل مقبلاً عليهما بوجهه ، ويقول للذنوب تتحات عنهما ، فتتحات ـ يا أبا حمزة ـ كما يتحات الورق عن الشجر ، فيفترقان وما عليهما من ذنب» (1).
    * * *
    __________________
    (1) الكافي 2 : 180 / 7.

    الفصل الخامس
    على أعتاب مدرسة أهل البيت عليهم السلام
    أنبأ رسول اللّه 9 عن الدور العلمي الذي سيضطلع به حفيده الباقر 7 ، حينما بشّر الصحابي الجليل جابر بن عبد اللّه الأنصاري بادراك زمانه ورؤيته ، وأنه يبقر العلم بقراً ، فيخرجه من منابعه الأصيلة وكنوزه الدفينة ، وقد تحقق ذلك بجهود الإمام الباقر 7 على طريق انشاء جامعة أهل البيت العلمية ، وتغذيتها بحقول المعرفة المختلفة.
    تأسيس مدرسة أهل البيت : :
    إذا كان لكل واحد من أئمة أهل البيت : دور ينسجم مع الحاجات البشرية ويتوافق مع طبيعة ظروف الحياة الاجتماعية والسياسية ، فيمكن القول : إن جهود أئمة أهل البيت : كانت تدور كلّها حول محور واحد ، وهو محور الحفاظ على الإسلام من خطر الانحراف الذي بدأ يدبّ في جسم هذه الأُمّة منذ اليوم الأول للسقيفة المشؤومة التي كانت السبب المباشر لكل ما تلاها من عوامل وأسباب الانحراف الذي كلّف أهل البيت : تضحيات جسيمة ، حيث تعاملوا مع مسبّبات الانحراف كل بحسب طبيعة المرحلة التي تكتنفه زماناً ومكاناً.

    وفي حدود ما اتّصل بحياة الإمام الباقر 7 ونشاطه العلمي المبدع على جميع الاتجاهات نجد أبيه الإمام السجّاد 7 قد مهّد لولده الإمام الباقر 7 الدور الذي سيضطلع به ، حيث استطاع إمامنا زين العابدين 7 رغم سوء الظروف التي اكتنفت عصره أن يضع إصبعه على مواطن الانحراف ، وأن يجمع صفوف المؤمنين من أصحابه ، ويركّز على تربيتهم روحياً وعلمياً ، ليعيد الثقة إلى نفوسهم ، وكان أولئك الرجال من أهم أدوات مدرسة أهل البيت :.
    وبعد وفاة الإمام السجاد 7 بزغ نجم الباقر 7 في سماء المدينة ، فحاول أن ينأى بنفسه عن دوائر الصراع السياسي خلال فترة إمامته ، كي يمهّد السبيل لأداء مهمته الرسالية المتمثلة بالتأسيس العلمي لفقه أهل البيت : ، وإقامة ركائز مدرستهم : ، فأتيح له أن يبلور اتجاه أهل البيت : إلى العلم والتعليم.
    ورغم الإرهاب الفكري والسياسي الذي أشاعه الحكم الأموي المنحرف حينذاك ، كرس الإمام الباقر 7 خلال إمامته كل جهوده لاستقطاب المسلمين حول تعاليم الدين الإسلامي الصحيحة ، وإرساء ركائز البناء العلمي والتربوي على قواعد الإسلام المتينة ومصادره وأصوله الرصينة ، في وقت بدأ الحكام بترويج فقه وعاظ السلاطين المداهنين للسلطة الظالمة ، واستطاع الإمام الباقر 7 إغناء الواقع الإسلامي بما فتح عليه من آفاق العلم والمعرفة ، وما حققه من انجازات علمية رائعة ، وبالتالي أسهم في حفظ الشريعة المقدسة من خطر الزوال والتحريف.
    ولم يقتصر التدريس في مدرسة أهل البيت على أصول الاعتقاد والفقه

    وأصوله ، بل تعداه إلى تدريس الفلسفه والكلام والطب وغيرها من العلوم المتاحة آنذاك ، وامتدّ أثر تلك المدرسة بما تحمل من علوم على مساحة واسعة من الأرض ، بعد أن كانت محصورة في مساجد المدينة المنورة والكوفة والبصرة ، فكانت مدرسة مفتوحة على الواقع الإسلامي كلّه ، واستوعبت فطاحل العلماء في عصره من مختلف الميول والاتجاهات.
    وحين لفظت الدولة الأموية أنفاسها الأخيرة ، لاح في الأفق شيء من الانفراج للنشاط الفكري ، الأمر الذي جعل مدرسة أهل البيت تكتمل على يد صادق أهل البيت جعفر بن محمد 8 لتبلغ أوجها ، من حيث عدد طلابها وسعة العلوم التي تصدت لنشرها ، تلك العلوم المأخوذة عن النبي 9 بواسطة وصيه وسبطيه ومن تلاهما من العترة الطاهرة : ، فعميد المدرسة الصادق 7 هو القائل : حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدي ، وحديث جدي حديث الحسين ، وحديث الحسين حديث الحسن ، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين ، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول اللّه 9 ، وحديث رسول اللّه قول اللّه عزوجل (1).
    قال الشاعر :
    أحيا دوارس الربوع الخاليه
    فأصبحت ذات قباب عاليه

    أنار وجه الحق والحقيقه
    بأحسن البيان والطريقه

    أحيا بما فيه من اللطائف
    لطيفة العارف والمكاشف

    أحيا بعلمه معالم الهدى
    فأصبحت آمنة من الردى (2)

    __________________
    (1) الكافي 1 : 53 / 14.
    (2) الأنوار القدسية : 73.

    اجراءاته 7 في هذا السبيل :
    كان على رأس سلّم أولويّات الإمام الباقر 7 ، في اطار وضع اللبنات لمدرسة أهل البيت : ، هو العمل على إبراز هوية الإسلام بعد اختلاط الأوراق في زمانه ، وإظهاره على أنه التمثيل الواقعي لما أراده اللّه تعالى ورسوله 9 عقيدة وفكراً وتشريعاً ، ومن ثم العمل على تهيئة مقدمات نشر علوم أهل البيت : ، ضمن عدة اجراءات اتخذها لتحقيق هذا الغرض ، منها اعداد الجماعة الصالحة سلوكاً وعملاً ، والحث على طلب العلم ، والدعوة إلى تدوينه ، والانفتاح على الواقع الإسلامي بكل ما فيه من مذاهب وفرق وتوجهات ، والدعوة إلى اعتماد الكتاب والسنة ، ومجابهة أصحاب الرأي والقياس ، وإعداد نخبة من المؤلفين والثقات من أصحابه الذين حملوا على أكتافهم رسالة الإسلام ومنار العلم ، وفيما يلي شرح موجز لتلك الإجراءات :
    1 ـ إعداد الجماعة الصالحة :
    لم تكن رسالة الإمام الباقر 7 قائمة على العلوم النظرية البحتة ، بل كانت ذات سمة قرآنية دنيوية طفحت على جنباتها الأخلاق الفاضلة والتربية الإسلامية الصحيحة التي تؤكد تربية الذات على النقاء والطهارة ، وتعميق الصفات الأخلاقية في المجتمع الإسلامي ، وقد عمل الإمام الباقر 7 بوحي من عمق إدراكه للواقع على إعداد النماذج الإسلامية المتحركة ، التي تسير على أكتافها عجلة مدرسة أهل البيت : ، وتعمّ باشعاعها ونورها مختلف قطاعات الأمة ، بوصفها الكتلة المؤمنة والمحافظة على خط الإسلام الأصيل.
    حرص الإمام 7 على بلوغ هذه الأهداف من خلال عدة توصيات ، كان لها الأثر الفاعل في تربية الكوادر الرسالية الواعية والنخبة الصالحة على

    المستوى السلوكي والفكري ، وركز في توصياته على بيان مفهوم التشيع الأصيل ، وتأطير خواص ومميزات المنتمين إليه ، فليس جميع الشيعة بمستوى واحد من الخلال التي تؤهلهم لما يريده الإمام 7 ، بل فيهم الانتهازي الذي يتحين الفرص ، وفيهم من يتهشم كالزجاج في وقت الفتنة والابتلاء ، وفيهم من هو كالذهب الخالص كلما فتنته إزداد جودة ، قال أبو جعفر الباقر 7 : «شيعتنا ثلاثة أصناف : صنف يأكلون الناس بنا ، وصنف كالزجاج تهشم ، وصنف كالذهب الأحمر كلما أدخل النار ازداد جودة» (1).
    وأولئك الذين وصفهم الإمام 7 بالذهب الأحمر ، هم الذين توافرت فيهم عِدّة خصال حددها الإمام 7 في جملة أحاديث :
    أولاً : إخلاص الولاء والمحبة لأهل البيت : وإحياء أمرهم ، باعتبارهم الصفوة والقيادة الرسالية ، قال 7 : «إنما شيعة علي 7 المتباذلون في ولايتنا ، المتحابون في مودتنا ، المتزاورون لاحياء أمرنا ، الذين إذا غضبوا لم يظلموا ، وإذا رضوا لم يسرفوا ، بركة على من جاوروا ، سلم لمن خالطوا» (2).
    ثانياً : لا يكفي الشيعي أن ينتحل محبة أهل البيت : ويدين بولايتهم وحسب ، بل لا بد أن يتمسك بتقوى اللّه ويعمل بطاعته ، فمن كان للّه مطيعا فهو لهم : ولي ، ومن كان للّه عاصيا فهو لهم عدو ، ولا بد أن يعمل بعملهم ويستن بسنتهم ، فلا تنال ولايتهم إلاّ بالورع والعمل والاجتهاد ، ولابد للشيعي أن يتحلّى بمكارم الأخلاق ويجعلها سلوكاً وعملاً يسير على الأرض ، وعلى رأس تلك الفضائل التواضع والتخشع وصدق الحديث والأمانة وكثرة الذكر وتلاوة
    __________________
    (1) تاريخ دمشق 45 : 291 ، كشف الغمة 2 : 344 ، حلية الأولياء 3 : 183.
    (2) تحف العقول : 300.

    القرآن والصوم والصلاة وتعهد الجيران والأيتام.
    قال الباقر 7 لمحمد بن مسلم : «يا محمد ، لا تذهبنّ بكم المذاهب ، فواللّه ما شيعتنا منكم إلاّ من أطاع اللّه» (1).
    وقال 7 لبعض شيعته : «إنا لا نغني عنكم شيئاً إلاّ بالورع ، وإن ولايتنا لا تنال إلاّ بالورع والاجتهاد ، ولا تدرك إلاّ بالعمل ، وإنّ أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة من وصف عدلاً وأتى جوراً» (2).
    وقال 7 لجابر بن يزيد الجعفي : «يا جابر ، أيكتفي من انتحل التشيّع أن يقول بحبّنا أهل البيت؟ فو اللّه ما شيعتنا إلاّ من اتقى اللّه وأطاعه ، وما كانوا يعرفون ـ يا جابر ـ إلاّ بالتواضع ، والتخشع ، وكثرة ذكر اللّه ، والصوم ، والصلاة ، والتعهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام ، وصدق الحديث ، وتلاوة القرآن ، وكفّ الألسن عن الناس إلاّ من خير ، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء.
    فقال جابر : يا بن رسول اللّه ، لست أعرف أحدا بهذه الصفة. فقال : يا جابر ، لا تذهبنّ بك المذاهب ، أحسب الرجل أن يقول أحبّ عليا وأتولاه! فلو قال : اني أحبّ رسول اللّه ؛ ورسول اللّه خيرٌ من عليّ ، ثم لا يعمل بعمله ولا يتبع سنته ، ما نفعه حبّه إيّاه شيئا ، فاتقّوا اللّه واعملوا لما عند اللّه ، ليس بين اللّه وبين أحد قرابة ، أحبّ العباد إلى اللّه وأكرمهم عليه ، أتقاهم له وأعملهم بطاعته ، واللّه ما يتقرّب إلى اللّه جلّ ثناؤه إلاّ بالطاعة ، ما معنا براءة من النار ، ولا على اللّه لأحد من حجّة ، من كان للّه مطيعا فهو لنا وليّ ، ومن كان للّه عاصيا
    __________________
    (1) حلية الأولياء 3 : 184 ، كشف الغمة 2 : 344 ، أعلام الدين : 144.
    (2) أعلام الدين في صفات المؤمنين : 127 و 301.

    فهو لنا عدو ، ولا تنال ولايتنا إلاّ بالورع والعمل» (1).
    ثالثاً : أمرهم أن يجاهدوا أنفسهم كي يعرجوا في سلّم الكمال ، قال 7 : «إنما شيعة علي 7 الشاحبون الناحلون الذابلون ، ذابلة شفاههم ، خميصة بطونهم ، متغيرة ألوانهم ، مصفرة وجوههم ، إذا جنهم الليل اتخذوا الأرض فراشاً ، واستقبلوا الأرض بجباههم ، كثير سجودهم ، كثيرة دموعهم ، كثير دعاءهم ، كثير بكاءهم ، يفرح الناس وهم محزونون» (2).
    رابعاً : وأمرهم أن يعرضوا أنفسهم على المكارم الواردة في القرآن ، وأن يسلكوا سبيله ، فمن وصيته إلى جابر بن يزيد الجعفي : « واعلم بأنك لا تكون لنا ولياً حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك وقالوا : إنك رجل سوء لم يحزنك ذلك ، ولو قالوا : إنك رجل صالح لم يسرك ذلك ، ولكن اعرض نفسك على كتاب اللّه ، فان كنت سالكاً سبيله ، زاهداً في تزهيده ، راغباً في ترغيبه ، خائفاً من تخويفه فاثبت وأبشر ، فإنه لا يضرك ما قيل فيك. وإن كنت مبايناً للقرآن ، فماذا الذي يغرك من نفسك؟ ان المؤمن معنّي بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها ، فمرّة يقيم أودها ويخالف هواها في محبة اللّه ، ومرة تصرعه نفسه فيتبع هواها ، فينعشه اللّه فينتعش ، ويقيل اللّه عثرته ، فيتذكر ويفزع إلى التوبة والمخافة ، فيزداد بصيرة ومعرفة لما زيد فيه من الخوف ، وذلك بأن اللّه يقول : «إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ» » (3).
    __________________
    (1) أمالي الطوسي : 735 / 1535 ، الكافي 2 : 60 / 3 ، تحف العقول : 294.
    (2) الخصال : 444 / 40.
    (1) تحف العقول : 284 ، والآية من سورة الأعراف : 7 / 201.

    خامساً : حرص 7 على تأصيل الخصال الإسلامية في سلوكهم ، ونبذ خصال السوء ، ففي قول اللّه عزّوجلّ : «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً» (2).قال 7 : «قولوا لهم أحسن ما تحبون أن يقال لكم ، ثم قال : إن اللّه عزوجل يبغض اللعان السباب ، الطعان الفحاش المتفحش ، السائل الملحف ، ويحب الحيي الحليم ، العفيف المتعفف» (3).
    سادساً : كان 7 يطلب من شيعته أن لاينعزلوا عن محيطهم الاجتماعي ، وأن يتجردوا عن حبّ الذات ، لأن التشيع لا ينفك عن الألفة والأخوة ، وتحقيق أعلى مستويات التعاون والإيثار ، فأوصاهم بتعهد الجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام.
    وفي هذا الشأن ، يقول جابر بن يزيد الجعفي : «دخلت على أبي جعفر الباقر 7 فقلت : أوصني يا ابن رسول اللّه. فقال : ليعن قويكم ضعيفكم ، وليعطف غنيكم على فقيركم ، وليساعد ذو الجاه منكم بجاهه من لا جاه له ، ولينصح الرجل أخاه كنصحه لنفسه ، واكتموا أسراركم ، ولا تحملوا الناس على رقابنا» (4).
    وقال 7 لأحد أصحابه : «يا اسماعيل ، أرأيت فيما قبلكم إذا كان الرجل ليس له رداء ، وعند بعض إخوانه فضل رداء ، يطرحه عليه حتى يصيب رداء؟ فقلت : لا. قال : فإذا كان له إزار يرسل إلى بعض إخوانه بإزاره حتى يصيب
    __________________
    (1) سورة البقرة : 2 / 83.
    (2) تاريخ اليعقوبي 2 : 321.
    (3) أعلام الدين : 314 ، بشارة المصطفى : 113.

    إزارا؟ فقلت : لا. فضرب بيده على فخذه ، ثم قال : ما هؤلاء باخوة» (1).
    2 ـ الحثّ على طلب العلم وتعليمه :
    وفي المجال النظري حثّ الإمام الباقر 7 أتباعه على طلب العلم ، باعتباره الدعامة الأولى والمقدمة الضرورية التي يرتكز عليها صرح المدرسة العلمية ، وذلك من خلال الارشادات التالية :
    أولاً : تحدث 7 عن تمجيد العلم ، وبين ثمراته وفوائده ، وأثنى على طلابه.
    عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر 7 ، قال : « سارعوا في طلب العلم ، فوالذي نفسي بيده لحديث واحد في حلالٍ وحرام ، تأخذه عن صادق ، خير من الدنيا وما حملت من ذهب وفضّة ، وذلك أنّ اللّه يقول : «مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» » (2).
    وقال 7 : «ما من عبد يغدو في طلب العلم ويروح إلاّ خاض الرحمة ، وهتفت به الملائكة : مرحباً بزائر اللّه ، وسلك من الجنة مثل ذلك المسلك» (3).
    ومن كلامه 7 في هذا السياق ، قوله لبعض أصحابه : «تعلموا العلم ، فإن تعلّمه حسنة ، وطلبه عبادة ، ومذاكرته تسبيح ، والبحث عنه جهاد ، وتعليمه صدقة ، وبذله لأهله قربة ، والعلم ثمار (4) الجنة ، وأنس في الوحشة ، وصاحب في الغربة ، ورفيق في الخلوة ، ودليل على السراء ، وعون على
    __________________
    (1) مصادقة الاخوان / الصدوق : 36 ، مجموعة ورام 2 : 85 ، كتاب المؤمن / الحسين ابن سعيد : 45.
    (2) المحاسن 1 : 227 / 156 ، الآية من سورة الحشر : 59 / 7.
    (3) ثواب الأعمال : 131.
    (4) في التذكرة : منار.

    الضراء ، وزين عند الأخلاء ، وسلاح على الأعداء ، يرفع اللّه به قوماً فيجعلهم في الخير سادة ، وللناس أئمة ، يقتدى بفعالهم ، وتقتصّ آثارهم ، ويصلى عليهم كل رطب ويابس ، وحيتان البحر وهوامه ، وسباع البرّ وأنعامه» (1).
    ثانياً : شدد الإمام 7 على ضرورة سؤال أهل العلم ومذاكرتهم ، لأن السؤال هو المفتاح الذي يلج منه الطالب إلى خزائن العلم ، قال 7 : «العلم خزائن ، والمفاتيح السؤال ، فاسألوا يرحمكم اللّه ، فانه يؤجر في العلم أربعة : السائل ، والمتكلم ، والمستمع ، والمحبّ لهم» (2).
    وقال : «ألا إن مفاتيح العلم السؤال ، وأنشأ يقول :
    شفاء العمى طول السؤال وانما
    تمام العمى طول السكوت على الجهل»(3)

    أما المذاكرة في العلوم ، فإنها تفتح آفاق الدراسة والمعرفة الواسعة ، وذلك من وسائل إحياء للعلم ، قال الباقر 7 : «رحم اللّه عبداً أحيا العلم. فقيل : وما إحياؤه؟ قال : إن يذاكر به أهل الدين والورع» (4).
    وقال 7 : «تذاكر العلم ساعة خير من قيام ليل» (5). وقال 7 : «تذاكر العلم دراسة ، والدراسة صلاة حسنة» (6).
    __________________
    (1) أعلام الدين في صفات المؤمنين : 302 ، التذكرة الحمدونية : 387.
    (2) الخصال : 245 / 101.
    (3) كفاية الأثر : 252.
    (4) الكافي 1 : 41 / 7 ، منية المريد / الشهيد الثاني : 169.
    (5) الاختصاص : 245.
    (6) المحاسن 1 : 206 / 62 ، الكافي 1 : 41 / 9.


    وهنا يرتفع الإمام 7 بدراسة العلم إلى مستوى الصلاة والعبادة ، فأنت حينما تتدارس العلم مع الآخرين ، فكأنك تصلي وتتعبد ، يصلي عقلك ويتعبّد إلى اللّه سبحانه حتى يفيض عليه الحقيقة مما لم يطلع عليه في دراسته وحده.
    فالعلم لا يقتصر على أن نقرأ ونسمع ، لأن التلقي والتلقين وحدهما من المسائل السلبية التي لا يتعمق بهما العلم ، ولا تُفتح آفاقه ، وهذا من التعاليم الراقية لمن يريد أن ينهض بتأسيس مدرسة علمية تلتقي فيها مختلف الطوائف ، لأن التذاكر يجعل الفكر يصطدم بفكر الآخر أو ينفتح عليه ، كما قد يكون التذاكر تفاعلاً ذاتيا مع العلم ، مما يجعل العلم يتعمق في الذات.
    ثالثاً : وضع الإمام الباقر 7 الأسس القويمة لآداب المتعلمين ، قال 7 : «إذا جلست إلى عالم فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول ، وتعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن القول ، ولا تقطع على أحد حديثه» (1).
    وتحدّث الإمام 7 عن الروحية التي ينبغي للمتعلم أن يعيشها في طلب العلم ، فقال 7 : «من طلب العلم ليباهي به العلماء ، أو يماري به السفهاء ، أو يصرف به وجوه الناس إليه ، فليتبوأ مقعده من النار ، إن الرياسة لا تصلح إلاّ لأهلها» (2).
    ذلك لأن هناك من يطلب العلم للشيطان ولا يطلبه للّه ، فقد يريد من العلم أن يخدم شخصه في الجاه أو الكسب المادي ، كي يصرف وجوه الناس إليه ،
    __________________
    (1) الاختصاص : 245.
    (2) الكافي 1 : 47/6.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ   الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Emptyالأحد أكتوبر 27, 2024 6:04 am

    وهناك من يتشدق به في مواجهة العلماء ، أو يجادل به السفهاء ، لتأكيد ذاته مباهاة وافتخاراً ، وفي المقابل فإن هناك من يطلب العلم من أجل أن ينير ذاته في معرفة الحقيقة ، وأن ينير بالعلم مجتمعه.
    رابعاً : تحدّث الإمام أبو جعفر 7 في كثير من أحاديثه عن صفات العلماء ، ودعاهم إلى الابتعاد عن الآفات النفسية سيما الحسد ، وإلى عدم استصغار من هو دونهم من صغار طلابهم ، قال 7 : «لا يكون العبد عالماً حتى لا يكون حاسداً لمن فوقه ، ولا محقراً لمن دونه» (2).
    ونهى المتصدين منهم للإفتاء عن الفتوى بغير علم ، لأنها مصدر لضلالة الأمة ، قال 7 : «ما علمتم فقولوا ، وما لم تعلموا فقولوا : اللّه أعلم» (3).
    واعتبر ذلك من حقوق اللّه سبحانه على العباد ، فقد سأله زرارة : «ما حق اللّه على العباد؟ فقال 7 : أن يقولوا ما يعلمون ، ويكفوا عما لا يعلمون ، فإذا فعلوا ذلك فقد أدوا إلى اللّه حقه» (4).
    وطلب الإمام 7 من أهل العلم العمل بمقتضى العلم ، وتطبيق ما علموه على واقع حياتهم ، لأن ذلك يفتح عليهم آفاقاً علمية رحبة ، قال 7 : «من عمل بما يعلم ، علمه اللّه ما لا يعلم» (4). وقال 7 : «إذا سمعتم العلم فاستعملوه» (5).
    __________________
    (1) تحف العقول : 294.
    (2) المحاسن 1 : 206 / 62 ، الكافي 1 : 42 / 4.
    (3) المحاسن 1 : 204 / 53 ، الكافي 1 : 50 / 12.
    (4) أعلام الدين في صفات المؤمنين : 300.
    (5) الكافي 1 : 45 / 7.

    ودعاهم إلى تعاطي العلم وإشاعته بين الناس ، جاعلاً ذلك بمثابة الزكاة للعلم ، يقول 7 : «زكاة العلم أن تعلمه عباد اللّه» (1).
    خامساً : بيّن الإمام 7 نوع العلم الذي ينبغي على المعلّم تعليمه إلى طلابه ، فيقول 7 : «من علّم باب هدى ، فله مثل أجر من عمل به ، ولا ينقص أولئك من أجورهم شيئاً ، ومن علم باب ضلال ، كان عليه مثل أوزار من عمل به ، ولا ينقص أولئك من أوزارهم شيئاً» (2).
    سادساً : أشاد 7 بفضل العلماء ، وبين سمو منزلتهم ، فقال 7 : «العالم كمن معه شمعة تضيء للناس ، فكل من أبصر شمعته دعا له بخير» (3).
    وقال 7 : «إن الذي يعلّم العلم منكم ، له مثل أجر المتعلّم ، وله الفضل عليه ، فتعلموا العلم من حملة العلم ، وعلموه إخوانكم كما علمكم العلماء» (4).
    وقال 7 : «عالم ينتفع بعلمه ، أفضل من سبعين ألف عابد» (5).
    3 ـ الانفتاح على الأمة بكل طوائفها :
    رغم أن الإمام الباقر 7 يمثل عنواناً مذهبياً في ما يعتقده كثير من المسلمين بأنه إمام في موقع الوصاية من الرسول 9 ، إلاّ أنه كان منفتحاً على مختلف أطياف الواقع الإسلامي ، وكان مرجعاً لها جميعاً ، وحرص على أن تمتاز مدرسته بالسعة والشمولية والتنوع ، بحيث يصدق عليها مدرسة الإسلام الكبرى ،
    __________________
    (1) الكافي 1 : 41 / 3.
    (2) تحف العقول : 297.
    (3) الاحتجاج 1 : 28 / 156 ، اليقين / ابن طاوس : 7.
    (4) الكافي 1 : 35 / 2.
    (5) حلية الأولياء 3 : 183 ، الفصول المهمة : 195 ، كشف الغمة 2 : 344 ، أعلام الدين في صفات المؤمنين : 83 ، تحف العقول : 294 ، مطالب السؤول : 80.

    ويتضح ذلك مما يلي :
    أولاً : التواضع العلمي ، وهو المقدمة الأساسية لتحقيق الانفتاح على الأمة ، وأبدى الإمام الباقر 7 تواضعه العلمي في روايته حديث اللوح عن جابر مع علمه الأكيد بهذا الحديث الشريف ، فقد ثبت في الصحيح أنه 7 عارض ما يحفظ من حديث اللوح الذي يتضمن النص على أئمة أهل البيت : واحداً واحداً ، بالأصل الذي كان عند الصحابي الجليل جابر بن عبد اللّه الأنصاري 2 ، وتجشم زحمة الذهاب إلى بيت جابر لهذا الغرض ، وجاء في الرواية أنه 7 قال لجابر : هل لك يا جابر أن تعرضه علي؟ فقال : نعم ، فمشى معه 7 حتى انتهى إلى منزل جابر ، فأخرج إليه صحيفة من رقّ ، فقال : يا جابر ، انظر أنت في كتابك لأقرأه أنا عليك ، فنظر جابر في نسخته ، فقرأه عليه وما خالف حرف حرفاً (1). ولا يخلو هذا العمل من محاولة الإمام 7 إثارة الوازع في نفوس أصحابه لطلب العلم ، ودفعهم باتجاه التفاني في سبيل الحفاظ على السنة المحمدية وتدوينها.
    ويدل على تواضعه من خلال تواصله العلمي ومراسلاته الفقهية وحواراته الفكرية والكلامية مع علماء الإسلام من مختلف أوساط الأمة بمن فيهم حكام الجور الأمويين وفقهائهم ، كالحسن البصري ، ونافع مولى عبد اللّه ابن عمر ، والأبرش بن الوليد الكلبي وزير هشام بن عبد الملك ، وقتادة بن دعامة البصري ، وسالم التمار من الزيدية ، وطاوس اليماني ، وعبد اللّه بن معمر الليثي ، وعبد اللّه بن المبارك ، وعمر بن عبد العزيز ، وعمرو بن عبيد من المعتزلة وآخرين ، باعتبار أن الحوار هو الذي يقلّص مساحة الخلاف.
    __________________
    (1) اكمال الدين : 308.

    ثانياً : استقطاب رواد المعرفة بغض النظر عن توجهاتهم الفكرية والفقهية والعقدية ، فتجد في مجلسه وحلقة درسه مختلف رجالات الفكر من شتى ديار الإسلام ، منهم العامي والزيدي والمعتزلي والمتصوف والخارجي وغيرهم ، فلا يضيق مجلسه بفكر يختلف مع فكره ، ولا بعالم يلتزم اجتهاداً أو يتبنى مذهباً معيناً في الفقه أو الكلام.
    قال الشيخ الطبرسي في ذكره لتاريخ الإمام الباقر 7 : يختلف إليه الخاص والعام ، ويأخذون عنه معالم دينهم ، حتى صار في الناس علماً تضرب به الأمثال (1).
    ويقول أبو زهرة : ورث الباقر إمامة العلم ونبل الهداية عن أبيه زين العابدين ، ولذا كان مقصد العلماء من كل البلاد الإسلامية ، وما زار أحد المدينة ، إلاّ عرج على بيت محمد الباقر يأخذ عنه ، وكان ممن يزوره علماء من الذين يتشيعون لآل البيت ، وعلماء من أهل السنة ، وكان يقصده بعض المنحرفين الغلاة في تشيعهم الذين أفرطوا ، فكان يبين لهم الحق ، فإن اهتدوا أخذ بيدهم إلى الحق الكامل ، وان استمروا على غيهم صدهم ، وأخرجهم من مجلسه ، وكان يقصده من أئمة الفقه والحديث كثيرون ، منهم سفيان الثوري ، وسفيان بن عيينة محدث مكة ، ومنهم الإمام أبو حنيفة (2) فقيه العراق ، وكان
    __________________
    (1) تاج المواليد : 40.
    (2) عدّ الحافظ أبو المؤيد محمد بن محمود الخوارزمي الإمام الباقر 7 من التابعين الذين روى عنهم أبو حنيفة ، في كتابه جامع مسانيد أبي حنيفة 2 : 349 ، وجاء في تذكرة الخواص : 347 قال ابن سعد : محمد الباقر من الطبقة الثالثة من التابعين من أهل المدينة ، كان عالماً عابداً ثقة ، روى عنه الأئمة أبو حنيفة وغيره.

    يرشد كل من يجيء إليه ، ويبين له الحق الذي لا عوج فيه (1).
    وعدا من ذكر أبو زهرة ، عدّ المترجمون للإمام 7 من رجال العامة أعلاماً آخرين تلقوا العلم عنه 7 ، مما يدل على سعة مدرسته وتنوعها ، منهم : أبو إسحاق السبيعي ، وأبيض بن أبان ، والأعمش ، والأوزاعي إمام الشام ، وحجاج بن أرطاة ، وحرب بن سريج ، وحفص بن غياث ، والحكم بن عتيبة ، وخالد بن طهمان أبو العلاء الخفاف السلولي ، وربيعة الرأي ، والزهري ، وأخوه زيد ، وعبادة بن صهيب ، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، وعبد اللّه بن أبي بكر ابن حزم شيخ مالك ، وعبد الملك بن جريج إمام مكة ، وعطاء بن أبي رباح ، وعمر بن خالد الواسطي ، وعمرو بن دينار ، والقاسم بن الفضل الحذاء ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر ، وقرة بن خالد البصري ، وكيسان صاحب الصوفية ، وليث بن أبي سليم ، ومالك ، ومحمد بن المنكدر ، ومحمد بن يوسف ، ومخول بن راشد ، ومعمر بن يحيى ، ومكحول بن راشد ، ووكيع ، ويحيى بن أبي كثير ، وغيرهم (2).
    وعدّ المترجمون له 7 من الشيعة رجالاً من الزيدية أو البترية رووا عنه 7 معالم الدين ، منهم : أبو المقدام ثابت الحداد ، والحسن بن صالح بن حي ، وإليه تنسب الزيدية الصالحية ، وأبو الجارود زياد بن المنذر ، وإليه تنسب
    __________________
    (1) الإمام الصادق / محمد أبو زهرة : 22.
    (2) تاريخ دمشق 45 : 268 ، و 272 ، البداية والنهاية 9 : 338 ، سير أعلام النبلاء 4 : 401 ، تذكرة الحفاظ / الذهبي 1 : 124 ، طبقات الحفاظ / السيوطي : 56 ، كشف الغمة 2 : 344 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 327 ، الجمع بين رجال الصحيحين 2 : 446.

    الزيدية الجارودية ، وسالم التمار ، وسعيد بن خيثم الهلالي وأخوه معمر وكانا من دعاة زيد ، وسلمة بن كهيل ، وصباح بن قيس بن يحيى المزني ، وطلحة بن زيد ، وعمر بن قيس الماصر ، وعمرو بن جميع ، وعمرو بن خالد الواسطي ، وغياث بن إبراهيم ، وقيس بن الربيع ، وكثير النواء ، ومحمد بن زيد ، ومسعدة ابن صدقة ، ومقاتل بن سليمان ، ومنصور بن المعتمر ، ويوسف بن الحارث.
    وذكروا أيضاً جملة من أعلام الأمة تطول قائمة تعدادهم ، فيهم خيرة وفضلاء وأئمة التابعين ومن قاربهم من شيوخ آل أبي طالب وغيرهم ممن روى عنه وتلمذ له في مدرسته (1).
    ونحن حينما ندرس تلك المرحلة ، نلمس الدرس الوحدوي الإسلامي في مسألة الثقافة والفكر ، بعيداً عن كل ما يثير الخلاف والتناحر ، وعلى ضوئه يمكننا اليوم أن نوسع ساحتنا الإسلامية ، كي ينطلق المسلمون مع اختلاف أفكارهم وتعددها ، ليلتقوا في مدرسة واحدة ، يطرح فيها كل واحد فكره ، دون أي تعقيد أو احراج ، فما دام الاختلاف في تحديد ما هو الإسلام عقيدة وشريعة ومفاهيم ، وما دامت المسألة هي في اكتشاف الحقيقة الإسلامية من الكتاب والسنة ، فلماذا يحمل المسلم في داخله حقداً على أخيه المسلم الآخر ، قد يصل إلى حد الاقصاء والتكفير وإباحة إزهاق الأرواح على الهوية ، مثلما يحصل اليوم في عراقنا الدامي من قبل عصابات الاجرام الضالة التي تقودهم الوهابية على مرأى ومسمع كل أحد!
    __________________
    (1) راجع : من روى عنه 7 في رجال الطوسي ، وخلاصة الأقوال ، ورجال ابن داود ، ورجال النجاشي وغيرها من مصادر ومجاميع رجال الشيعة.

    هل روى عنه 7 من يحتج به؟
    قد يبدو هذا السؤال غريباً مع ما ذكرنا من أسماء الرجال الذين رووا العلم عن الإمام الباقر 7 ، وما ذكره الذين ترجموا للإمام 7 من أنه روى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ، ووجوه التابعين ، ورؤساء فقهاء المسلمين ، وكبار أئمة الحديث ، ووصفهم الذهبي والسيوطي بالخلق أو الخلائق مما يدل على كثرتهم (1). ولكن ابن سعد في طبقاته يقول في ترجمة الباقر 7 : كان ثقة كثير العلم والحديث ، وليس يروي عنه من يحتج به (2) ، وهل يعقل أنه لم يطلع على هذا اللفيف من رجالات الأمة بمختلف مشاربهم واتجاهاتهم واطلع فقط على الضعفاء الذين رووا الحديث عنه 7؟ فهلا يحتج بأمثال فطاحل العلم ابنه جعفر الصادق 7 وأخوه زيد ، وأعلام التابعين وأئمة العلم في عصره؟! فانظر أين وصلت العصبية بابن سعد في تجاهله مثل هذه الحقائق الدامغة ، فكان كمن أراد تغطية ضوء الشمس بغربال؟
    4 ـ اعتماد الكتاب والسنة :
    الكتاب والسنة الأساسان المتينان لأي مدرسة علمية تتصدى لنشر علوم الإسلام ، والابتعاد عنهما يعني البناء على قاعدة هشّة ، لا تلبث أن تنزع عنها رداء الإسلام وهويته لتلحق بمدارس الهوى والضلال والانحراف.
    من هنا يعتقد أئمة أهل البيت : وشيعتهم من بعدهم اعتقاداً راسخاً بأن القرآن الكريم والسنة النبوية قولاً وفعلاً وتقريراً ، هما أصل التشريع ومصدره
    __________________
    (1) البداية والنهاية 9 : 338 ، سير أعلام النبلاء / الذهبي 4 : 401 ، تذكرة الحفاظ / الذهبي 1 : 124 ، طبقات الحفاظ / السيوطي : 56 ، روضة الواعظين : 202.
    (2) الطبقات الكبرى 5 : 248.

    الأم بلا منازع ، ومن ذلك ندرك سرّ التلازم والتوافق بين القرآن الكريم والعترة المطهرة القائم منذ صدور حديث الثقلين ، والباقي ما دام هناك مسلم على وجه الأرض ، وعلى هذه الخطى جاء عن الإمام الباقر 7 جملة توصيات :
    أولاً : دعا الإمام الباقر 7 ومن قبله آباؤه : إلى مركزية الكتاب الكريم ، وكونه حاكماً على جميع ما نسب إلى السنة في جميع الأحكام الشرعية والعقائد التي جاء بها أهل البيت : عن جدهم رسول اللّه 9. قال الإمام الباقر 7 : «انظروا أمرنا وما جاءكم عنا ، فان وجدتموه موافقاً القرآن فهو من قولنا ، وما لم يكن موافقاً للقرآن ، فقفوا عنده وردوه الينا ، حتى نشرحه لكم كما شرح لنا» (1).
    وقال 7 : «إن على كل حق نوراً ، وما خالف كتاب اللّه فدعوه» (2).
    وعلى ضوء ذلك ، كان 7 إذا سئل عن حديث يحدّث به أشار إلى دليله من كتاب اللّه ، حتى يبدو حديثه وكأنّه انتزاعات من القرآن المجيد. عن أبي الجارود ، قال : قال أبو جعفر 7 : « إذا حدثتكم بشيء فاسألوني من كتاب اللّه ، ثم قال في بعض حديثه : إن النبي 9 نهى عن القيل والقال ، وفساد المال ، وكثرة السؤال. فقيل له : يا بن رسول اللّه ، أين هذا من كتاب اللّه عزوجل؟ قال : قوله : «لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ» (3) ، وقال : «وَلاَ تُوءْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي
    __________________
    (1) أعلام الدين في صفات المؤمنين : 314.
    (2) أعلام الدين في صفات المؤمنين : 301.
    (3) سورة النساء : 4 / 114.

    جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً» (2) ، وقال : «لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُوءْكُمْ» » (2).
    فالقرآن نور يضيء لنا الطريق في ثقافتنا وروحيتنا وحركتنا في الحياة ، وهو الأساس الأول الحري بأن نتدبره ونستلهًمه ، ونجعله كتاب الحياة الذي ينفتح على كل ما يحقق للإنسان الخير والسعادة ، ولا نجمده من خلال تخلفنا وجهلنا.
    ثانياً : نقل السنة النبوية ، كان الإمام الباقر 7 رافداً عظيماً للعلم النبوي ، وقد اضطلع بدور تأريخي في ربط زمان صدور السنة المباركة بزمانه الذي تغير فيه المسار ، وذلك من خلال جسر من النصوص المحمدية التي تستطيع معالجة مشكلات الحياة على وجه الأرض ، وتنتزع منها القواعد التي تساير الحياة إلى يوم الدين.
    والصفة الثابتة لتلك السنة لا تمثل تطلعات وآراء خاصة مطلقاً ، بل هي آثار مودعة لديه 7 من علوم النبوة ومكنون الرسالة ، توارثها أهل البيت : كابراً عن كابر ، واكتنزوها في صدورهم كما يكنز الناس ذهبهم وفضتهم.
    عن أبي جعفر الباقر 7 ، في حديثه لجابر الجعفي ، قال : «يا جابر ، إنا لو كنّا نحدثكم برأينا وهوانا لكنا من الهالكين ، ولكنا نحدثكم بأحاديث نكنزها عن رسول اللّه 9 كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم» (3).
    وعنه 7 قال : «لو أنا حدثنا برأينا ضللنا ، كما ضل من كان قبلنا ، ولكنا
    __________________
    (1) سورة النساء : 4 / 5.
    (2) الاحتجاج 2 : 55 ، والآية الأخيرة من سورة المائدة : 5 / 101.
    (3) الاختصاص : 280 ، بصائر الدرجات : 319.

    حدثنا ببينة من ربنا بينها لنبيه فبينها لنا» (1).
    ويؤكد 7 حجية حديث أهل البيت : ، باعتباره امتداداً لحديث رسول اللّه 9 ، ورواية صادقة له ، فحينما سئل عن الحديث يرسله ولا يسنده ، قال : إذا حدثت الحديث ولم أسنده ، فسندي فيه : أبي ، عن جدي ، عن أبيه ، عن جده رسول اللّه 9 ، عن جبرئيل 7 ، عن اللّه عزوجل (2).
    ثالثاً : الموروث المدوّن ، حيث تداول أهل البيت : عدة كتب منها : الجفر والجامعة والصحيفة ومصحف فاطمة ، وكتاب علي 7 ، الذي يشتمل على الشرائع والسنن الالهية بخط علي 7 ، واملاء رسول اللّه 9 ، وقد وصلت الإمام أبي جعفر الباقر 7 ، ومن بعده من أئمة أهل البيت :.
    روى حمران بن أعين عن أبي جعفر 7 ، قال : أشار إلى بيت كبير ، وقال : «يا حمران ، إن في هذا البيت صحيفة طولها سبعون ذراعاً بخط علي ، وإملاء رسول اللّه ، ولو ولينا الناس لحكمنا بينهم بما أنزل اللّه ، لم نعدُ ما في هذه الصحيفة» (3).
    وأخرج الإمام محمد الباقر 7 كتاب علي 7 أمام بعض أهل العلم ، وجعل ينظر فيه وكان كتاباً مدروجاً عظيماً ، روى ذلك النجاشي بسنده عن محمد بن عذافر بن عيسى الصيرفي المدائني ، قال : «كنت مع الحكم بن عتيبة عند أبي جعفر 7 ، فجعل يسأله ، وكان أبو جعفر 7 له مكرماً ، فاختلفا في شيء ، فقال أبو جعفر 7 : يا بني قم ، فأخرج كتاب علي ، فأخرج كتاباً مدروجاً عظيماً
    __________________
    (1) بصائر الدرجات : 319 ، اعلام الورى 1 : 508.
    (2) الارشاد 2 : 167 ، الخرائج والجرائح 2 : 893 ، اعلام الورى 1 : 508.
    (3) بصائر الدرجات : 163.

    ففتحه ، وجعل ينظر حتى أخرج المسألة. فقاله أبو جعفر 7 : هذا خط علي 7 ، وإملاء رسول اللّه 9 ، وأقبل على الحكم ، وقال : يا أبا محمد ، اذهب أنت وسلمة وأبو المقدام حيث شئتم يميناً وشمالاً ، فواللّه لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرئيل» 7 (1).
    رابعاً : وجه الإمام 7 الأنظار إلى ضرورة أخذ العلم من منابعه الصحيحة ومدرسته الوثقى ، وأهله الذين نزل في بيوتهم ، ولم تجد الأمة علماً أوثق ولا أصح مما خرج من أهل البيت : حصراً.
    عن أبي مريم ، قال : «قال أبو جعفر 7 لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة : شرّقا وغرّبا ، فلا تجدان علماً صحيحاً إلاّ شيئاً خرج من عندنا أهل البيت :» (2).
    وقال 7 : «كل شيء لم يخرج من هذا البيت فهو وبال» (3).
    وعن عبد اللّه بن سليمان ، قال : «سمعت أبا جعفر 7 يقول وعنده رجل من أهل البصرة يقال له عثمان الأعمى ، وهو يقول : ان الحسن البصري يزعم أن الذين يكتمون العلم يؤذي ريح بطونهم أهل النار ، فقال أبو جعفر 7 : فهلك إذن مؤمن آل فرعون! ما زال العلم مكتوماً منذ بعث اللّه نوحاً 7 ، فليذهب الحسن يميناً وشمالاً ، فواللّه ما يوجد العلم إلاّ هاهنا» (4). وفي رواية : «فواللّه ما يوجد العلم إلاّ عند أهل العلم الذين نزل عليهم
    __________________
    (1) رجال النجاشي : 359 ، ترجمة محمد بن عذافر.
    (2) الكافي 1 : 399.
    (3) الاختصاص : 31.
    (4) الكافي 1 : 51 / 15 ، بصائر الدرجات : 29 ، الاحتجاج 2 : 68.

    جبرئيل» (2).
    وعن زرارة ، عن أبي جعفر 7 ـ في حديث ـ قال : «إنه ليس أحد عنده علم شيء إلاّ خرج من عند أمير المؤمنين 7 ، فليذهب الناس حيث شاءوا ، فواللّه ليس الأمر إلاّ من هاهنا ، وأشار بيده إلى بيته (3) ، وأشار بيده إلى صدره» (4).
    على أن دعوة الإمام أبي جعفر 7 إلى التمسك بهدي القرآن والسنة وتركيزه على مركزيتهما ، لاقت آذاناً صاغية من بعض أعلام الأمة حتى على المستوى التشريعي الذي غالباً ما يختلف الفقهاء في فروعه.
    عن قيس بن الربيع ، قال : سألت أبا اسحاق السبيعي عن المسح ، فقال : «أدركت الناس يمسحون حتى لقيت رجلاً من بني هاشم لم أر مثله قط ، محمد بن علي بن الحسين ، فسألته عن المسح على الخفين فنهاني عنه ، وقال : لم يكن أميرالمؤمنين 7 يمسح ، وكان يقول : سبق الكتاب المسح على الخفين. قال أبوإسحاق : فما مسحت منذ نهاني عنه. وقال قيس بن الربيع : وما مسحت أنا منذ سمعت أبا إسحاق» (5).
    5 ـ مجابهة الرأي والقياس :
    بالنظر لاختلاف جيل التابعين حول مصادر الفقه التي يستقون منها أحكامهم ، وحول جواز الرجوع إلى الرأي ، تشعّبت الآراء في تلك الفترة إلى
    __________________
    (1) بصائر الدرجات : 30.
    (2) الكافي 1 : 399 / 2.
    (3) بصائر الدرجات : 538.
    (4) الارشاد 2 : 161 ، شرح الأخبار 3 : 281.

    إتجاهين متباينين ، هما اتجاه الحديث ، ومركزه المدينة المنورة ، واتجاه الرأي ، ومركزه الكوفة ، فألغى الأول اتجاه الرأي ، وتوقّفت النصوص الشرعية إلى حدّ الجمود على ظواهرها ، بينما الاتجاه الثاني بالغ باستخدام الرأي ، وتشدّد في قبول الحديث ، فضيّق دائرة العمل بالحديث ، وتبع ذلك التوسّع في الأخذ بالقياس.
    ولا شك أن تضيق دائرة الحديث هو من تداعيات الحظر على تدوين الحديث وروايته الذي فرضته السلطة بعد وفاة الرسول 9 ، الأمر الذي جعل بعض الفقهاء ينأى بنفسه عن مصادر التشريع الأصيلة المتمثلة بالكتاب والسنة ، ويلجأ إلى اعتماد عناصر جديدة في استنباط الأحكام الشرعية ، وهي القياس والرأي والاستحسان والعرف والمصالح المرسلة التي دخلت بقوة في خط الاجتهاد حتى بلغت ذروتها على يد أبي حنيفة (1) الذي اشتهر بكثرة القياس في الفقه.
    وقد وقف الإمام الباقر وأولاده المعصومون : من بعده بوجه هذه القواعد الاجتهادية ، وقاوموا اجتهاد الرأي ، وتصدوا لتفنيد آراء ومزاعم القائلين بها ، من خلال ما يلي :
    أولاً : التأكيد على أن النصوص الشرعية تفي بتزويد الفقيه ما يحتاج إليه ، أو بعبارة أخرى التأكيد على شمولية الكتاب والسنة لحاجات الإنسان كلّها ، بل وحتى لما يطرأ عليها من مسائل في المستقبل ، قال الإمام الباقر 7 : «إن اللّه تبارك وتعالى لم يدع شيئاً تحتاج إليه الأمة إلاّ أنزله في كتابه وبيّنه لرسوله 9 ، وجعل لكل شيء حداً وجعل عليه دليلاً يدل عليه ، وجعل على
    __________________
    (1) النعمان بن ثابت ، المتوفى سنة 150 هـ.

    من تعدى ذلك الحد حداً» (1). فلا توجد واقعة في الحياة إلاّ ويمكن إدراجها تحت الأحكام الكلية المستنبطة من الكتاب والسنة دون الرجوع إلى الرأي ، وإذا وجد رأي يقول بعدم ذلك ، فيلجأ إلى الاستحسان والرأي ، فالمشكلة ليست في أن اللّه سبحانه لم يبيّن للإنسان الخطوط التفصيلية التي يحتاجها في تلبية حاجات الحياة ومواجهة مشكلاتها ، بل هي في أن الناس تركوا ما أمروا به من الانصياع إلى أهل البيت : وأخذ معالم الدين عنهم ، ولو فعلوا ذلك لاستطاعوا أن يكتشفوا الحل الإسلامي لأية مشكلة طارئة تعترى حياتهم.
    ثانياً : رفض القياس ، وعدّه ابتداعاً في الدين ومحقاً له ، لما فيه من جرأة على تجاوز أحكام اللّه تعالى ، وتهاون بالسنة والحديث ، وتعويل على العقل من غير حجة شرعية ولا دليل معتبر. عن أبي جعفر الباقر 7 ، قال : «إنَّ السنّة لا تقاس ، وكيف تقاس السُنّة ، والحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة؟!» (2).
    إذ لو صحّ القياس كدليل لوجب على الحائض أن تقضي صلاتها دون صومها ، وهو كما ترى.
    وعنه 7 ، قال : «من أفتى الناس برأيه ، فقد دان اللّه بما لا يعلم ، ومن دان اللّه بما لا يعلم ، فقد ضادَّ اللّه حيث أحلَّ وحرَّم فيما لا يعلم» (3).
    ثالثاً : بلورة اتجاه معارض لمدرسة الحديث والرأي في الأوساط العلمية
    __________________
    (1) الكافي 1 : 59 / 2.
    (2) المحاسن 1 : 214 / 96.
    (3) الكافي 1 : 58 / 17.

    آنذاك ، وضع حجره الأساس الإمام الباقر 7 من خلال تحديد معالم مدرسة أهل البيت ومصادر أصولها التشريعية ، المستندة إلى الكتاب والسنة ودليل العقل ، والقول بعصمة أهل البيت : في تبليغ الأحكام والحدود ، وحجية حديثهم باعتباره الامتداد الصحيح لحديث رسول اللّه 9 ، من هنا كانت مدرسة أهل البيت بمثابة النمرقة الوسطى بين تيارين فكريين متنازعين ، وقد أثمرت جهود روادها في التخفيف من غلواء هذين التيارين.
    رابعاً : مواجهة الداعين إلى القياس بالحوار والمناظرة ، فقد حاور الإمام الباقر 7 أبا حنيفة حول القياس في الفقه ، حين لقيه في المدينة أيام الموسم ، فقال : « أنت الذي حولت دين جدي وأحاديثه إلى القياس؟ فقال : معاذ اللّه عن ذلك ، اجلس مكانك كما يحق لي ، فان لك عندي حرمة كحرمة جدك 9 في حياته على أصحابه .. » (2).
    ومهما قيل في هذا الحوار ، فإنه يدل على إنكار الإمام الباقر 7 للقياس ، وأنه كان يتابع ما يجري على الساحة الفكرية ، ويراقب أعلام الأمة فيما يطرحون من أفكار ، وكان يحاور كي يقلّص من مساحات الخلاف ، باعتباره إمام الأئمة الذي يقوم بدوره الرسالي.
    يقول الشيخ أبو زهرة : من هذا الخبر نتبين إمامة الإمام الباقر للعلماء ، يحضرهم إليه ، ويحاسبهم على ما يبلغه عنهم ، أو يبدو منهم ، وكأنه الرئيس يحكم مرؤوسيه ليحملهم على الجادة ، وهم يقبلون طائعين غير مكرهين تلك الرئاسة (2).
    __________________
    (1) مناقب أبي حنيفة 1 : 208 للحافظ الكردي ، طبعة حيدر آباد.
    (2) الإمام الصادق / أبو زهرة : 23.

    قال الشاعر :
    سمت به معاهد العلم إلى
    هام الضراح والسماوات العلى

    حتى تجلت لأولى الألباب
    حقائق السنة والكتاب

    أحكمها بمحكم الأساس
    جلت عن الرأي أو القياس

    وسد باب الظن والتخمين
    بفتح باب العلم واليقين

    وبابه المفتوح باب الباري
    وباب علم المصطفى المختار

    هل يترك العين ويطلب الأثر
    فما أضل من تولى وكفر!

    فاتبعوا إبليس في قياسه
    واستحسنوا البنا على أساسه

    واتخذوا سبيله سبيلا
    ما راقبوا اللّه ولا الرسولا

    صدوا عن الحق وتاهوا في العمى
    في مثله تحبس قطرها السما

    حادوا عن العترة والكتاب
    بل نكسوا قُدما على الأعقاب (2)

    6 ـ اعداد المؤلفين والثقات :
    كان الكثير من أصحاب الإمام الباقر 7 يزدحمون في حلقة درسه ويختلفون إليه في جميع المناسبات ، ولكثرتهم أفردهم ابن عقدة في كتاب من روى عن أبي جعفر 7 (3) ، وعدّ الشيخ الطوسي (468) من أصحابه والرواة عنه من مختلف ديار الإسلام ، ومن مختلف الاتجاهات ، فتجد فيهم العامي والزيدي والمعتزلي والمتصوف والخارجي وغيرهم ، وتجد فيهم النساء إلى جانب الرجال ، ممن شمرن عن ساعد الجدّ للرواية عن الإمام 7 ، ومنهن ابنته
    __________________
    (1) الأنوار القدسية : 76.
    (2) رجال النجاشي : 94 ، الذريعة 22 : 228.

    خديجة ، وحبابة الوالبية.
    وقد أثمرت توصيات الإمام الباقر 7 وجهوده في اعداد النخبة الصالحة من هذا الجمع ، أن تمخضت عن كوكبة من الرجال الثقات المخلصين والمؤلفين الذين أوقفوا حياتهم على حمل راية العلم ومعالم الدين وتبليغه إلى سائر البلدان.
    وكان أهم انجازاتهم في هذا الاتجاه :
    أولاً : عملوا على صيانة آثار النبوة وحديث أهل البيت : وتراثهم من مطبات الوضع والتزوير ، وأوصلوه إلينا بأمانة عبر الأجيال المتعاقبة.
    قال أبو عبد اللّه 7 : «رحم اللّه زرارة بن أعين ، لولا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي 7» (1).
    وقال 7 : «بشّر المخبتين بالجنة : بريد بن معاوية العجلي ، وأبو بصير بن ليث البختري المرادي ، ومحمد بن مسلم ، وزرارة ، أربعة نجباء أمناء اللّه على حلاله وحرامه ، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست» (2).
    ثانياً : تميزت منهم شخصيات واعية تتمتع بذهنية علمية قادرة على التفكير والتحليل ، أسهمت في اثراء مدرسة أهل البيت : بالمتخصصين في حقول المعرفة المختلفة ، وأرست قواعد التحديث والحديث وأصول الاجتهاد والاستنباط. قال الصادق 7 : «ما أجد أحداً أحيا ذكرنا وأحاديث أبي 7 إلاّ زرارة ، وأبو بصير ليث المرادي ، ومحمد بن مسلم ، وبريد بن معاوية العجلي ، ولولا هؤلاء ماكان أحد يستنبط هذا. هؤلاء حفاظ الدين ، وأمناء أبي 7 على
    __________________
    (1) اختيار معرفة الرجال 1 : 347 / 217.
    (2) اختيار معرفة الرجال 1 : 398.

    حلال اللّه وحرامه» (1).
    ثالثاً : تنوعهم الجغرافي أوصل صوت الإمام 7 إلى بقعة جغرافية شاسعة ، وأسهم في اتساع مرجعيته الفكرية والروحية ، فتجد فيهم الكوفي ، والبصري ، والموصلي ، والبغدادي ، والمدائني ، والأنباري ، والواسطي ، والرصافي ، والحجازي ، والمدني ، والمكي ، والطائفي ، والشامي ، والحلبي ، واليماني ، والحضرمي ، والهجري ، والمصري ، والنيسابوري ، والجبلي ، والكناسي ، والهمذاني ، والبرقي ، والسجستاني ، والقمي وغيرهم.
    رابعاً : تنوع الاختصاص في مختلف ضروب المعرفة الإنسانية ، من علوم لغوية وشرعية وطبيعية ، أكسب مدرسة أهل البيت البقاء والدقة والشمولية ، وأدى إلى نشاط ملحوظ في حركة التأليف.
    فتجد في أصحابه 7 المفسر والقارئ والفقيه والمتكلم والراوي والشاعر واللغوي والمؤرخ وغيرهم ، فمن أصحاب أبي جعفر 7 من علماء التفسير وعلوم القرآن : أبو النضر محمد بن السائب بن بشر الكلبي ، وهو أول من صنف في علم أحكام القرآن ، وله تفسير كبير ، وجابر بن يزيد الجعفي ، وأبو بصير ، وأبو حمزة الثمالي ، وصنف أبان بن تغلب في معاني القرآن (2) ، وتفسير غريب القرآن.
    ومن الفقهاء الذين أجمعت العصابة على تصديقهم ، وكونهم أفقه الأولين ستة : زرارة ، ومعروف بن خربوذ ، وبريد ، وأبو بصير الأسدي ، والفضيل بن
    __________________
    (1) اختيار معرفة الرجال 1 : 348 / 219.
    (2) ذكره ابن النديم في الفهرست : 276.

    يسار ، ومحمد بن مسلم الطائفي ، وقالوا : وأفقه الستة زرارة (1).
    ومن الفقهاء القراء : سليمان بن خالد الأقطع ، وأبان بن تغلب ، وكان أبان عالماً بالقراءات ، وله كتاب القراءات (2) ، قرأ على عاصم ، وأبي عمرو الشيباني ، وطلحة بن مصرف ، والأعمش (3) ، ومنهم حمران بن أعين ، وهو مقرئ كبير ، أخذ القراءة عرضاً عن أبي جعفر 7 وآخرين ، وروى القراءة عنه عرضاً حمزة الزيات (4).
    وممن اهتمّ بالكلام من أصحابه 7 : زرارة بن أعين بن سنسن ، وله مصنفات في الاستطاعة والجبر.
    ومن أعلام اللغة والأدب : الشاعر الحجازي سديف بن مهران بن ميمون المكي ، ومالك بن أعين الجهني ، والكميت بن زيد الأسدي ، والشاعر الفقيه عبد اللّه بن غالب الأسدي ، وكثير عزّة ، وأبو جعفر محمد بن الحسن بن أبي سارة الرواسي الكوفي ، أستاذ الكسائي ، وإمام الكوفيين في النحو ، وأقدمهم بالتصنيف فيه.
    وممن كتب في التاريخ : أبان بن تغلب ، وعبد اللّه بن إبراهيم بن محمد الجعفري ، ومحمد بن مبشر الثقفي ، ومسمع بن عبد الملك ، الملقب كردين.
    ولكي نطلع القارئ الكريم على دور أصحاب الإمام الباقر 7 في رفع منار
    __________________
    (1) اختيار معرفة الرجال 2 : 431.
    (2) وهو كتاب القراءات ، ذكره ابن النديم في الفهرست : 276.
    (3) غاية النهاية / ابن الجزري 1 : 4.
    (4) غاية النهاية / ابن الجزري 1 : 261.

    العلم وإقامة عماده ، وامتياز مدرسة أهل البيت بسعة معارفها وتنوع رجالها ، نعرض هنا مجموعة مختارة من أصحابه الثقات والمؤلفين :
    1 ـ أبان بن تغلب بن رباح. كان عظيم المنزلة في أصحابنا ، لقي علي بن الحسين وأبا جعفر وأبا عبد اللّه : ، وروى عنهم ، وكانت له عندهم منزلة وقدم. وكان أبان ; مقدماً في كل فن من العلم في القرآن والفقه والحديث والأدب واللغة والنحو ، وله كتب ، منها : تفسير غريب القرآن (1) ، وكتاب الفضائل ، وكتاب صفين ، ولأبان قراءة مفردة مشهورة عند القراء ، وكان قارئاً من وجوه القراء. روي أنه كان اذا قدم المدينة تقوّضت إليه الحلق ، وأخليت له سارية النبي 9. وقال له الباقر 7 : «اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس ، فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك». ومات أبان في حياة أبي عبد اللّه الصادق 7 ، سنة 141 هـ ، فلما أتاه نعيه قال : «أما واللّه لقد أوجع قلبي موت أبان» (2).
    2 ـ إبراهيم بن أبي البلاد. كان ثقة قارئاً أديباً ، وكان راوية الشعر ، وله يقول الفرزدق :
    يا لهف نفسي على عينيك من رجل.
    وعمّر دهراً ، وكان للرضا 7 إليه رسالة أثنى بها عليه ، وله كتاب (3).
    __________________
    (1) قيل : هو أول من صنف فيه ، لأن معمر بن المثنى توفي بعد المئتين ، وأبان توفي سنة 141 هـ.
    (2) رجال النجاشي : 11 ، الفهرست / الشيخ الطوسي : 57 ، خلاصة الأقوال : 73 ، الذريعة 2 : 135 ، وترجمه السيوطي في بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ، وياقوت الحموي في معجم الأدباء.
    (3) رجال النجاشي : 22.

    3 ـ إبراهيم بن صالح الأنماطي. ثقة ، لا بأس به ، له كتب ، قال النجاشي : قال لي أبو العباس أحمد بن علي بن نوح :
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ   الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Emptyالأحد أكتوبر 27, 2024 6:06 am

    4 ـ إبراهيم بن عثمان الخزاز. ثقة ، له أكثر من أصل ، وله كتاب النوادر (2).
    5 ـ إبراهيم بن عمر الصنعاني. شيخ من أصحابنا ، ثقة ، له كتاب وأصول (3).
    6 ـ إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى. مدني ، روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه 8 ، وكان خصيصاً بهما ، والعامة لهذه العلة تضعّفه ، وحكى بعض أصحابنا عن بعض المخالفين أن كتب الواقدي سائرها إنما هي كتب إبراهيم ابن محمد بن أبي يحيى ، نقلها الواقدي وادّعاها. وذكر بعض أصحابنا أن له كتاباً مبوباً في الحلال والحرام عن أبي عبد اللّه 7 (4).
    7 ـ إبراهيم بن نعيم العبدي. أبو الصباح الكناني ، له كتاب ، ويسمى الميزان من ثقته ، قال له الصادق 7 : أنت ميزان لا عين فيه (5).
    8 ـ إسماعيل بن جابر الجعفي. ثقة ممدوح ، له أصول رواها عنه صفوان بن يحيى ، وله كتاب ذكره محمد بن الحسن بن الوليد في فهرسته (6).
    __________________
    (1) رجال النجاشي : 15 ، الفهرست / الشيخ الطوسي : 34 ، خلاصة الأقوال : 314 ، رجال ابن داود : 32 ، معالم العلماء : 41.
    (2) الذريعة 2 : 136 و 24 : 319.
    (3) رجال النجاشي : 20 ، رجال الطوسي : 121 ، معالم العلماء : 42.
    (4) رجال النجاشي : 14 ، الذريعة 7 : 61.
    (5) رجال الطوسي : 121 ، نقد الرجال 1 : 92 ، الذريعة 2 : 137.
    (6) رجال النجاشي : 32 رجال الطوسي : 121 ، خلاصة الأقوال : 54.

    9 ـ إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفي. تابعي ، سمع أبا الطفيل عامر بن واثلة ، وكان فقيهاً ، نقل ابن عقدة : أن الصادق 7 ترحم عليه ، وحكى عن ابن نمير أنه قال : ثقة (1).
    10 ـ إسماعيل بن عبد الرحمن السدي. مفسر مشهور ، عدّه الشيخ من أصحاب السجاد والباقر والصادق : (2).
    11 ـ إسماعيل بن الفضل بن يعقوب. من بني الحارث بن عبد المطلب ، ثقة ، من أهل البصرة ، روي أن الصادق 7 قال : هو كهل من كهولنا ، وسيد من ساداتنا (3).
    12 ـ برد الأسكاف الأزدي الكوفي. عده الشيخ من أصحاب السجاد والباقر 8 ، وله كتاب (4).
    13 ـ بريد بن معاوية العجلي. وجه من وجوه أصحابنا ، ثقة فقيه ، روي أنه من حواري الباقر والصادق 8 ، وله محل عندهما ، قال الكشي : انه ممن اتفقت العصابة على تصديقه ، وممن انقادوا له بالفقه. ومات سنة 150 هـ (5).
    14 ـ ثابت بن دينار الكوفي الأزدي. أبو حمزة الثمالي ، ثقة ، من خيار أصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث ، له كتاب تفسير القرآن ، وكتاب النوادر ، وكتاب الزهد (6).
    __________________
    (1) خلاصة الأقوال : 54 ، نقد الرجال 1 : 220.
    (2) رجال الطوسي : 109 و 124 و 160.
    (3) رجال الطوسي : 121 ، خلاصة الأقوال : 53.
    (4) رجال النجاشي : 113 ، رجال الطوسي : 110 ، الذريعة 6 : 315.
    (5) خلاصة الأقوال : 81.
    (6) رجال الطوسي : 129 ، الفهرست : 90.

    15 ـ جابر بن يزيد الجعفي. ثقة جليل مشهور له أصل وتفسير وكتاب النوادر والفضائل ، ورسالة أبي جعفر الباقر 7 إلى أهل البصرة ، توفي سنة 128 هـ ، وقيل : 132 هـ (1).
    16 ـ الحارث بن المغيرة النصري. بصري ، ثقة ثقة ، له كتاب (2).
    17 ـ حجر بن زائدة الحضرمي. ثقة صحيح المذهب ، صالح ، له كتاب (3).
    18 ـ حجر بن زائدة الحضرمي. أبو عبد اللّه ، ثقة صحيح المذهب ، له كتاب (4).
    19 ـ حذيفة بن منصور الخزاعي. ثقة ، له كتاب (5).
    20 ـ حسان بن مهران الجمال. أخو صفوان الجمال ، عدّه الشيخ من أصحاب الباقر 7 ، ثقة ثقة ، له كتاب (6).
    21 ـ الحسن بن السري الكاتب. الكرخي ، ثقة ، له كتاب (7).
    22 ـ الحسن بن علي بن أبي المغيرة الكوفي. ثقة ، له كتاب (Cool.
    23 ـ الحسين بن ثوير بن أبي فاختة. ثقة ، له كتاب نوادر (9).
    __________________
    (1) رجال الطوسي : 129 ، نقد الرجال 1 : 325 ، الذريعة 2 : 144 و 24 : 324.
    (2) رجال النجاشي : 139 ، خلاصة الأقوال : 123 ، الذريعة 6 : 319.
    (3) نقد الرجال 1 : 403 ، الذريعة 6 : 320.
    (4) رجال النجاشي : 148.
    (5) رجال النجاشي : 147.
    (6) رجال النجاشي : 147 رجال الطوسي : 132 ، الفهرست : 120.
    (7) نقد الرجال 2 : 26.
    (Cool رجال النجاشي : 149.
    (9) رجال النجاشي : 55.

    24 ـ الحكم بن عبد الرحمن بن أبي نعيم. روى ابن عقدة ، عن الفضل بن يوسف ، قال : الحكم بن عبد الرحمن ، خيار ، ثقة ثقة (1).
    25 ـ الحكم بن المختار بن أبي عبيدة. ثقة (2).
    26 ـ خالد بن طهمان. أبو العلاء الخفاف السلولي ، له نسخة أحاديث رواها عن أبي جعفر 7 ، وكان من العامة (3).
    27 ـ رافع بن سلمة بن زياد الأشجعي. كوفي ، ثقة من بيت الثقات وعيونهم ، له كتاب (4).
    28 ـ زحر بن عبد اللّه الأسدي. ثقة ، له كتاب (5).
    29 ـ زرارة بن أعين. شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدمهم ، كان قارئاً فقيهاً متكلماً شاعراً أديباً ، قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين ، مات سنة 150 هـ ، كان ثقة صادقاً فيما يرويه ، وله مصنفات منها كتاب في الاستطاعة والجبر (6).
    30 ـ زياد بن أبي الحلال. كوفي ثقة ، عده الشيخ من أصحاب الباقر 7 ، له كتاب (7).
    31 ـ زياد بن سوقة البجلي. كوفي ، ثقة ، عده الشيخ من أصحاب
    __________________
    (1) نقد الرجال 2 : 141.
    (2) رجال الطوسي : 131.
    (3) رجال النجاشي : 151.
    (4) رجال النجاشي : 169 ، الذريعة 6 : 331 ، خلاصة الأقوال : 147.
    (5) رجال النجاشي : 176 ، الذريعة 6 : 332.
    (6) نقد الرجال 2 : 254.
    (7) رجال النجاشي : 171 ، رجال الطوسي : 136.

    الباقر 7 (1).
    32 ـ زياد بن عيسى الحذاء. كوفي ، ثقة صحيح ، له كتاب ، قال العقيقي العلوي : أبو عبيدة ، زياد الحذاء ، كان حسن المنزلة عند آل محمد : ، وكان زامل أبا جعفر 7 إلى مكة (2).
    33 ـ زياد بن المنذر. أبو الجارود الهمداني الخارقي ، زيدي المذهب ، واليه تنسب الزيدية الجارودية ، له أصل ، وكتاب تفسير القرآن ، رواه عن أبي جعفر 7 أيام استقامته ، وكأنه كان يكتبه عن إملائه 7 ، ولذا نسبه ابن النديم إلى الباقر 7 (3).
    34 ـ زيد بن محمد بن يونس. أبو أسامة الشحام ، كوفي ، ثقة عين ، له كتاب (4).
    35 ـ سعد بن طريف الحنظلي الاسكاف. كان قاضياً ، وله رسالة الإمام الباقر 7 إليه (5).
    36 ـ سلام بن أبي عمرة الخراساني. ثقة ، له كتاب (6).
    37 ـ سليمان بن خالد بن دهقان. أبو الربيع الأقطع ، كان قارئاً فقيهاً وجهاً ، خرج مع زيد 7 فقطعت يده ، وكان الذي قطعها يوسف بن عمر بنفسه ، ومات في حياة أبي عبد اللّه 7 ، فتوجع لفقده ، ودعا لولده ، وأوصى بهم أصحابه ، له
    __________________
    (1) رجال الطوسي : 135 ، خلاصة الأقوال : 149.
    (2) رجال النجاشي : 170 ، نقد الرجال 2 : 275.
    (3) رجال النجاشي : 170 ، الفهرست : 131 ، الذريعة 2 : 150 و 4 : 251.
    (4) رجال ابن داود : 100 ، نقد الرجال 2 : 290.
    (5) رجال النجاشي : 178 ، نقد الرجال 2 : 309.
    (6) رجال النجاشي : 189 ، الذريعة 6 : 336.

    كتاب (1).
    38 ـ شجرة بن ميمون. أبو أراكة النبال الوابشي ، كوفي ، هو وابنه علي بن شجرة ، والحسن بن شجرة ، كلهم ثقات وجوه أعيان أجلة ، وله كتاب (2).
    39 ـ شهاب بن عبد ربه الأسدي الصيرفي الكوفي. ثقة له كتاب يعد من الأصول (3).
    40 ـ صباح بن يحيى. أبو محمد المزني الكوفي ، ثقة ، له كتاب (4).
    41 ـ عامر بن عبد اللّه بن جذاعة. من حواري الباقر والصادق 8 (5).
    42 ـ عباد بن صهيب. أبو بكر التميمي ، بصري ، ثقة ، روى عن أبي عبد اللّه 7 كتاباً ، وعده الشيخ من أصحاب الباقر 7 (6).
    43 ـ عبد الرحمن بن أعين بن سنسن الشيباني. له كتاب ، روى الكشي عن الحسن بن علي بن يقطين عن مشايخه أنه كان مستقيماً (7).
    44 ـ عبد الغفار بن القاسم بن قيس. أبو مريم الأنصاري ، ثقة ، له كتاب (Cool.
    45 ـ عبد اللّه بن ابراهيم بن محمد الجعفري. ثقة ، صدوق ، له كتب ، منها :
    __________________
    (1) رجال النجاشي : 183 ، الذريعة 6 : 336.
    (2) رجال النجاشي : 275 ، رجال الطوسي : 138 ، خلاصة الأقوال : 169 و 189.
    (3) خلاصة الأقوال : 56 ، في ترجمة اسماعيل بن عبد الخالق بن عبد ربه ، الذريعة 2 : 159.
    (4) رجال النجاشي : 201 ، الذريعة 6 : 339.
    (5) رجال ابن داود : 113.
    (6) رجال النجاشي : 293 ، رجال الطوسي : 142 ، الفهرست : 192.
    (7) رجال النجاشي : 237 ، نقد الرجال 3 : 43.
    (Cool رجال النجاشي : 246 ، الذريعة 6 : 343.

    كتاب خروج محمد بن عبد اللّه ومقتله ، وكتاب خروج صاحب فخ ومقتله (1).
    46 ـ عبد اللّه بن سنان بن طريف. ثقة جليل ، له كتاب الصلاة الكبير (2).
    47 ـ عبد اللّه بن غالب الأسدي. شاعر فقيه ، ثقة ثقة ، له كتاب تكثر الرواة عنه ، قال له أبو عبد اللّه الصادق 7 : «إن ملكاً يلقي الشعر عليك ، وإني لأعرف ذلك الملك» (3).
    48 ـ عبد المؤمن بن القاسم بن قيس الأنصاري. كوفي ، ثقة ، هو وأخوه أبو مريم عبد الغفار بن القاسم ، توفي سنة 147 هـ ، له كتاب (4).
    49 ـ عبيد بن محمد بن قيس البجلي. له كتاب يرويه عن أبيه ، عرضه على أبي جعفر محمد بن علي الباقر 7 ، فقال : «هذا قول أمير المؤمنين 7» (5).
    50 ـ عبيد اللّه بن الوليد الوصافي. ثقة ، له كتاب (6).
    51 ـ علي بن أبي المغيرة الزبيدي. ثقة ، وله كتاب مفرد (7).
    52 ـ عنبسة بن بجاد العابد. عده الشيخ من أصحاب الباقر 7 ، وكان قاضياً ، ثقةً خيراً فاضلاً ، له كتاب (Cool.
    53 ـ غياث بن ابراهيم التميمي. بصري وسكن الكوفة ، عده الشيخ من
    __________________
    (1) رجال النجاشي : 216.
    (2) الذريعة 15 : 57.
    (3) رجال النجاشي : 222 ، الذريعة 6 : 345.
    (4) رجال النجاشي : 249.
    (5) الفهرست : 176.
    (6) رجال النجاشي : 231.
    (7) نقد الرجال 3 : 225.
    (Cool رجال النجاشي : 320 ، رجال الطوسي : 141.

    أصحاب الباقر 7 ، ثقة ، له كتاب في الحديث ، وكتاب مقتل أمير المؤمنين 7 (1).
    54 ـ فضيل بن يسار النهدي البصري. ثقة عين ، جليل القدر ، له كتاب (2).
    55 ـ الفيض بن المختار الجعفي الكوفي. ثقة عين ، له كتاب (3).
    56 ـ كثير بن كلثم. كوفي ، ثقة (4).
    57 ـ الكميت بن زيد الأسدي. شاعر الإمام الباقر 7 ، وقد قدمنا ترجمته في الفصل الثاني ، وقيل : في الكميت عشر خصال لم تكن في شاعر : كان خطيب بني أسد ، وفقيه الشيعة ، وحافظ القرآن ، وكاتباً حسن الخط ، ونسابة ، وكان جدلياً ، وهو أول من ناظر في التشيع مجاهراً بذلك ، وكان رامياً لم يكن في بني أسد أرمى منه ، وكان فارساً شجاعاً ، وكان سخياً ديناً (5).
    58 ـ ليث بن البختري المرادي. ثقة عظيم الشأن ، وله كتاب (6).
    59 ـ مالك بن عطية الأحمسي. عده الشيخ من أصحاب الباقر 7 ، ثقة ، وله كتاب (7).
    60 ـ محمد بن الحسن بن أبي سارة الرواسي. أصله كوفي ، وسكن هو وأبوه قبله النيل ، روى هو وأبوه عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه 8 ، وابن عمه معاذ بن
    __________________
    (1) الفهرست : 196 ، خلاصة الأقوال : 385.
    (2) رجال النجاشي : 309 ، رجال الطوسي : 143 ، خلاصة الأقوال : 228.
    (3) رجال النجاشي : 311.
    (4) رجال النجاشي : 319.
    (5) الغدير 2 : 169 عن خزانة الأدب 2 : 69 وشرح الشواهد : 13.
    (6) رجال النجاشي : 321 ، معالم العلماء : 129 ، رجال ابن داود : 214.
    (7) رجال النجاشي : 422 ، رجال الطوسي : 145 ، الفهرست : 250.

    مسلم بن أبي سارة ، وهم أهل بيت فضل وأدب ، وعلى معاذ ومحمد تفقّه الكسائي علم العرب ، والكسائي والفراء يحكون عنهما في كتبهم كثيراً ، وهم ثقات لا يطعن عليهم بشيء. ولمحمد هذا كتاب الوقف والابتداء ، وكتاب الهمز ، وكتاب إعراب القرآن (1).
    61 ـ محمد بن السائب الكلبي. له كتاب أحكام القرآن ، والتفسير ، وقيل : هو أول من صنف في هذا الفن ، توفي سنة 146 هـ (2).
    62 ـ محمد بن شريح الحضرمي. ثقة ، عده الشيخ من أصحاب الباقر 7 ، وله كتاب (3).
    63 ـ محمد بن قيس البجلي. ثقة ، وجه من وجوه العرب بالكوفة ، له كتاب قضايا أمير المؤمنين 7 رواه عن الباقر 7 ، وكتاب آخر نوادر (4).
    64 ـ محمد بن مرازم الساباطي. ثقة ، له كتاب (5).
    65 ـ محمد بن مسلم بن رباح الطحان. وجه أصحابنا بالكوفة ، فقيه ، صحب أبا جعفر وأبا عبد اللّه 8 ، وروى عنهما ، وكان من أوثق الناس. له كتاب يسمى الأربع مئة مسألة في أبواب الحلال والحرام (6).
    66 ـ مسكين. ثقة ، عده الشيخ من أصحاب الباقر 7 (7).
    __________________
    (1) رجال النجاشي : 324.
    (2) الذريعة 1 : 40 و 4 : 311.
    (3) رجال النجاشي : 366 ، رجال الطوسي : 145 ، الفهرست : 230.
    (4) رجال النجاشي : 322 ، الفهرست : 206 ، خلاصة الأقوال : 252.
    (5) الذريعة 6 : 364.
    (6) رجال النجاشي : 323 ، الذريعة 1 : 407.
    (7) رجال الطوسي : 145.

    67 ـ مسمع بن عبد الملك. أبو سيار ، الملقب كردين ، شيخ بكر بن وائل بالبصرة ووجهها ، وسيد المسامعة ، وكان أوجه من أخيه عامر بن عبد الملك وأبيه ، له كتاب نوادر كبير ، وروى أيام البسوس. وقال له أبو عبد اللّه 7 : «إنّي لأعدك لأمر عظيم ، يا أبا السيار» (1).
    68 ـ معاذ بن مسلم بن أبي سارة النحوي. نحوي مشهور ، وثقه النجاشي عند ترجمة محمد بن الحسن بن أبي سارة (2).
    69 ـ منصور بن حازم أبو أيوب البجلي. كوفي ، ثقة ، عين ، صدوق ، من أجلة أصحابنا وفقهائهم. عده الشيخ من أصحاب الباقر 7 ، له كتب منها : أصول الشرائع ، وكتاب الحج (3).
    70 ـ معمر بن يحيى بن سام العجلي. ثقة ، متقدم ، له كتاب (4).
    71 ـ موسى بن الحسن بن عامر الأشعري القمي. أبو الحسن ، ثقة ، عين ، جليل. صنف ثلاثين كتاباً ، منها : كتاب الطلاق ، كتاب الوصايا ، كتاب الفرائض ، كتاب الفضائل ، كتاب الحج ، كتاب الرحمة ، كتاب الوضوء ، كتاب الصلاة ، كتاب الزكاة ، كتاب الحج ، كتاب الصيام ، كتاب يوم وليلة ، كتاب الطب. روى عن أبي عبد اللّه 7 ، وعده الشيخ من أصحاب الباقر 7 (5).
    72 ـ نصر بن مزاحم المنقري. مستقيم الطريقة ، صالح الأمر ، له مصنفات
    __________________
    (1) رجال النجاشي : 420 ، نقد الرجال 4 : 375.
    (2) نقد الرجال 4 : 384.
    (3) رجال النجاشي : 413 ، معالم العلماء : 156 ، رجال الطوسي : 147.
    (4) رجال النجاشي : 425 ، نقد الرجال 4 : 402.
    (5) رجال النجاشي : 406 ، رجال الطوسي : 147 ، خلاصة الأقوال : 272.

    حسان (1).
    73 ـ هارون بن حمزة الغنوي. ثقة ، عين ، له كتاب ، عده الشيخ من أصحاب الباقر 7 (2).
    74 ـ هيثم بن أبي مسروق النهدي. قريب الأمر ، له كتاب نوادر (3).
    75 ـ وهب بن عبد ربه الأسدي. ثقة ، له كتاب (4).
    76 ـ يحيى بن أبي العلاء الرازي. له كتاب (5) ، وهو ثقة مشهور.
    77 ـ يحيى بن القاسم الأسدي. أبو بصير ، ثقة وجيه ، له كتاب يوم وليلة ، كتاب مناسك الحج ، وتفسير أبي بصير (6).
    78 ـ أبو خالد القماط. كوفي ، ثقة ، له كتاب (7).
    وكان كل هؤلاء وغيرهم من الرجال الأفذاذ يشكلون حجر الزاوية في مدرسة أهل البيت : التي اكتمل بناؤها على يد الإمام الصادق 7 ، الذي كان حلقة الوصل في نقل علوم الشريعة بشكل لم يسبق له مثيل ، قال الحسن بن علي الوشاء يصف مسجد الكوفة : اني أدركت في هذا المسجد تسع مئة شيخ كلٌّ يقول حدثني جعفر بن محمد (Cool.
    __________________
    (1) نقد الرجال 5 : 11.
    (2) رجال النجاشي : 437 ، رجال الطوسي : 148 ، الفهرست : 260.
    (3) رجال النجاشي : 161 ، نقد الرجال 5 : 45.
    (4) رجال النجاشي : 430.
    (5) نقد الرجال 5 : 60.
    (6) رجال النجاشي : 441 ، الذريعة 4 : 251.
    (7) نقد الرجال 5 : 86.
    (Cool رجال النجاشي : 40 / 80.

    الفصل السادس
    دوره عليه السلام في تأصيل عقائد الإسلام
    في أصول الاعتقاد :
    تعرض الإمام الباقر 7 لمسائل كلامية دقيقة ذات صلة بالتوحيد وصفات الذات الإلهية والإمامة والمعاد وغيرها من المسائل التي كانت مثار جدل في عصره ، وهي تكتسب أهمية قصوى في ذلك العصر إذا لوحظ حجم التحديات
    التي تواجه الإسلام من قبل الحكام الذين استباحوا كل وسائل القمع والإرهاب ضد القائلين بإمامة أهل البيت : ، وكان الإمام 7 بصدد إعادة المسار إلى نصابه في سبيل إعلاء كلمة الدين ، وتنمية الأفكار والمفاهيم الإسلامية الصحيحة في وعي المسلم ووجدانه.
    قال الشاعر :
    وشيد الدين الحنيف السامي
    حتى علت دعائم الإسلام

    قامت به قواعد التوحيد
    واستحكمت برأيه السديد

    فرّقَ جمعَ الغيِّ والضلالِ
    بجمع شمل العلم والكمال (1)

    وقد ورد في حديث الإمام الباقر 7 تبيين أصول العقيدة لبعض أصحابه ، حيث سأله أبو الجارود عن دينه الذي يدين اللّه به هو وأهل بيته.

    قال أبو الجارود : «قلت لأبي جعفر 7 : يا بن رسول اللّه ، هل تعرف مودتي لكم وانقطاعي إليكم وموالاتي إيّاكم؟ قال : فقال : نعم. قال : فقلت : فإني أسألك مسألة تجيبني فيها ، فإني مكفوف البصر ، قليل المشي ، ولا استطيع زيارتكم كل حين. قال : هات حاجتك. قلت : أخبرني بدينك الذي تدين اللّه عزّوجلّ به أنت وأهل بيتك ، لأدين اللّه عزّوجلّ به. قال : إن كنت أقصرت الخطبة ، فقد أعظمت المسألة ، واللّه لأعطينك ديني ودين آبائي الذي ندين اللّه عزّوجلّ به ، شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، وأن محمداً رسول اللّه ، والإقرار بما جاء به من عند اللّه ، والولاية لولينا ، والبراءة من عدونا ، والتسليم لأمرنا ، وانتظار قائمنا ، والاجتهاد والورع» (2).
    1 ـ كلماته في التوحيد ومعرفة الخالق :
    يشكل التوحيد الحجر الأساس في البناء الفكري والعقيدي والأخلاقي ، وهو المحور الذي تدور عليه العقائد والشرائع الإلهية ، من هنا كان للإمام الباقر 7 كلمات كثيرة في بيان معنى التوحيد الخالص من شوائب الشرك ومقولات التشبيه والتجسيم ، وتأكيد أن المعبود سبحانه لم يزل ولا يزال واحداً صمداً قدوساً تفرّد بالعبودية ، وتعالى عن صفات الخلق.
    إخلاص التوحيد :
    قال أبو جعفر الباقر 7 : «الأحد الفرد المتفرد ، والأحد والواحد بمعنى واحد ، وهو المتفرد الذي لا نظير له ، والتوحيد الإقرار بالوحدة ، وهو الانفراد ، والواحد المتباين الذي لا ينبعث من شيء ولا يتحد بشيء ، ومن ثم قالوا : ان بناء العدد من الواحد ، وليس الواحد من العدد ، لأن العدد
    __________________
    (1) الأنوار القدسية : 72.
    (2) الكافي 2 : 21 / 10.

    لا يقع على الواحد ، بل يقع على الإثنين ، فمعنى قوله : اللّه أحد ، المعبود الذي يأله الخلق عن إدراكه والإحاطة بكيفيته ، فرد بالهيته ، متعال عن صفات خلقه» (1).
    وقال محمد بن مسلم : سأل نافع بن الأزرق أبا جعفر 7 قال : «أخبرني عن اللّه عزّوجلّ متى كان؟ قال : متى لم يكن حتى أخبرك متى كان؟! سبحان من لم يزل ولا يزال فرداً صمداً ، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً» (2).
    وأكد الإمام 7 على إخلاص التوحيد للّه وما يترتب عليه من حسن الثواب ، روى جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر 7 ، قال : «جاء جبرئيل إلى رسول اللّه 9 ، فقال : يا محمد ، طوبى لمن قال من أمتك : لا إله إلاّ اللّه ، وحده وحده وحده» (3).
    وعن أبي حمزة ، قال : سمعت أبا جعفر 7 يقول : «ما من شيء أعظم ثواباً من شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، إنّ اللّه عزّوجلّ لا يعدله شيء ، ولا يشركه في الأمور أحد» (4).
    وحذّر 7 من الشرك لأنه من الظلم الذي لا يغفره اللّه ، قال 7 : « الظلم ثلاثة : ظلم لا يغفره اللّه ، وظلم يغفره اللّه ، وظلم لا يدعه اللّه ، فأما الظلم الذي لا يغفره اللّه فالشرك باللّه ... » (5).
    __________________
    (1) التوحيد : 90.
    (2) الكافي 8 : 120 / 93 ، الاحتجاج 2 : 54.
    (3) التوحيد : 21 / 10.
    (4) الكافي 2 : 516 / 1 ، التوحيد : 19 / 3.
    (5) تحف العقول : 293 ، الخصال : 118 / 105.

    وحاول 7 غرس هذه المفاهيم عن طريق الدعاء الذي جعل منه ميداناً لتعليم العقائد وعلى رأسها التوحيد ، ومن ذلك الدعاء وقت الزوال الذي علمه الباقر 7 محمد بن مسلم : «لا إله إلاّ اللّه ، واللّه أكبر ، وسبحان اللّه ، والحمد للّه الذي لم يتخذ ولداً ، ولم يكن له شريك في الملك ، ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً.
    قال محمد بن مسلم : فقلت : جعلت فداك ، أحافظ على هذا الكلام عند الزوال؟ قال : نعم ، حافظ عليه كما تحافظ على عينيك» (1).
    العقول لا تدرك كنه الذات :
    يؤكد الإمام الباقر 7 امتناع عقول المخلوقين وحواسهم عن إدراك حقيقة الذات الالهية ، أو توهمه بالمحسوسات ، لأنه سبحانه فوق ما يدركه العقل ، وفوق ما تتصوره الأوهام والحواس ، عن المنهال بن عمرو ، عنه 7 قال : «اذكروا من عظمة اللّه ما شئتم ، ولا تذكرون منه شيئاً إلاّ وهو أعظم منه» (2).
    وقال 7 : «اللّه معناه المعبود الذي أَلْهَ الخلق عن درك ماهيته والإحاطة بكيفيته» (3).
    وعن عبد الرحمن بن أبي نجران ، قال : «سألت أبا جعفر 7 عن التوحيد ، فقلت : أتوهم شيئاً. فقال : نعم ، غير معقول ولا محدود ، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه ، لا يشبهه شيء ولا تدركه الأوهام ، كيف تدركه الأوهام وهو خلاف ما يعقل ، وخلاف ما يتصور في الأوهام؟! إنّما يتوهم
    __________________
    (1) فلاح السائل : 96 ، بحار الأنوار 87 : 54 ، مستدرك الوسائل 3 : 126 / 3174.
    (2) تاريخ دمشق 45 : 282 ، سير أعلام النبلاء 4 : 405.
    (3) التتوحيد : 89.

    شيء غير معقول ولا محدود» (1).
    وعن المدائني ، قال : «بينما محمد بن علي بن الحسين : في فناء الكعبة أتاه أعرابي فقال له : هل رأيت اللّه حيث عبدته؟ فأطرق وأطرق من كان حوله ، ثم رفع رأسه إليه ، فقال : ما كنت لأعبد شيئاً لم أره. فقال : وكيف رأيته؟ قال : لم تره الأبصار بمشاهدة العيان ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ، لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس ، معروف بالآيات ، منعوت بالعلامات ، لا يجور في قضية ، بان من الأشياء وبانت الأشياء منه ، ليس كمثله شيء ، ذلك اللّه لا إله إلاّ هو. فقال الأعرابي : اللّه أعلم حيث يجعل رسالاته» (2).
    ونهى 7 عن الكلام في كنه الذات لأنه يؤدي إلى الخوض في التشبيه والتجسيم ، وإنزال ذات الإله وكأنها شيء من الأشياء التي تخضع لوصف الحواس وسائر المدركات العقلية ، الأمر الذي يتبعه الضُلاَّل والتِّيه.
    عن محمد بن مسلم ، قال : قال أبو جعفر 7 : «يا محمد ، إن الناس لا يزال لهم المنطق حتى يتكلموا في اللّه ، فإذا سمعتم ذلك فقولوا : لا إله إلاّ اللّه» (3).
    وعنه ، عن أبي جعفر 7 ، قال : «تكلموا فيما دون العرش ، ولا تكلموا فيما فوق العرش ، فإنَّ قوماً تكلموا في اللّه فتاهوا ، حتى كان الرجل ينادى من بين يديه فيجيب من خلفه» (4).
    __________________
    (1) التوحيد : 89.
    (2) الكافي 1 : 82 / 1 ، التوحيد : 106 / 6.
    (3) تاريخ دمشق 45 : 282 ، البدء والتاريخ 1 : 74 ، ونحوه في التوحيد : 108 / 5 ، الاحتجاج 1 : 54 ، أمالي المرتضى 1 : 104.
    (4) المحاسن 1 : 237 / 209.


    وعن أبي بصير ، قال : قال أبو جعفر 7 : «تكلموا في خلق اللّه ، ولا تتكلموا في اللّه ، فإن الكلام في اللّه لا يزداد صاحبه إلاّ تحيراً».
    وفي رواية أخرى عن حريز : «تكلموا في كل شيء ، ولا تتكلموا في ذات اللّه» (2).
    وعنه 7 : «كلّما ميزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه ، مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم» (3).
    صفات الذات :
    نفى الإمام الباقر 7 ما قاله بعض متكلمي العراق من تعدد صفات الذات ، وأنّه تعالى يسمع بغير ما يبصر ، ويبصر بغير ما يسمع ، شأنه في ذلك شأن مخلوقاته ، وقد عمل الإمام 7 على وضع هذه المسألة في إطارها الصحيح ، مؤكّداً وحدة الصفات ، وكونها عين الذات الإلهية المقدّسة.
    روى محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر 7 ، ـ في صفة القديم ـ إنّه واحد صمد ، أحدي المعنى ، ليس بمعان كثيرة مختلفة. قال : «قلت : جعلت فداك ، إنّه يزعم قوم من أهل الع راق أنّه يسمع بغير الذي يبصر ، ويبصر بغير الذي يسمع. قال : فقال : كذبوا وألحدوا ، وشبهوا اللّه تعالى ، إنّه سميع بصير ، يسمع بما به يبصر ، ويبصر بما به يسمع. قال : فقلت : يزعمون أنّه بصير على ما يعقله. قال : فقال : تعالى اللّه ، إنما يعقل من كان بصفة المخلوق ، وليس اللّه
    __________________
    (1) المحاسن 1 : 238 / 211.
    (2) الكافي 1 : 92 / 1.
    (3) بحار الأنوار 66 : 292.

    كذلك» (1).
    أزلية الذات :
    ورد في كلام الإمام الباقر 7 ما يؤكد أزلية واجب الوجود وتوحيده ، وتنزيهه عن المشابهة لمخلوقاته المفتقرة إلى الزمان والمكان والعلّة.
    قال الإمام محمد بن علي الباقر 7 : «إن اللّه تبارك وتعالى كان ولا شيء غيره ، نوراً لا ظلام فيه ، وصادقاً لا كذب فيه ، وعالماً لا جهل فيه ، وحياً لا موت فيه ، وكذلك هو اليوم ، وكذلك لا يزال أبداً» (2).
    وعن أبي بصير ، قال : «جاء رجل إلى أبي جعفر 7 ، فقال له : أخبرني عن ربك متى كان؟ فقال : ويلك إنما يقال لشيء لم يكن متى كان ، إنّ ربي تبارك وتعالى كان ولم يزل حياً بلا كيف ، ولم يكن له كان ، ولا كان لكونه كيف ، ولا كان له أين ، ولا كان في شيء ، ولا كان على شيء ، ولا ابتدع لمكانه مكاناً ، ولا قوي بعد ما كون الأشياء ، ولا كان ضعيفاً قبل أن يكون شيئاً ، ولا كان مستوحشاً قبل أن يبتدع شيئاً ، ولا يشبه شيئاً مذكوراً ، ولا كان خلواً من الملك قبل إنشائه ، ولا يكون منه خلواً بعد ذهابه ، لم يزل حياً بلا حياة ، وملكاً قادراً قبل أن ينشئ شيئاً ، وملكاً جباراً بعد إنشائه للكون ، فليس لكونه كيف ، ولا له أين ، ولا له حدّ ، ولا يعرف بشيء يشبهه ، ولا يهرم لطول البقاء ، ولا يصعق لشيء ، بل لخوفه تصعق الأشياء كلّها ، كان حياً بلا حياة حادثة ، ولا كون موصوف ، ولا كيف محدود ، ولا أين
    __________________
    (1) الاحتجاج 2 : 54.
    (2) التوحيد : 141.

    موقوف (1) عليه ، ولا مكان جاور شيئاً ، بل حي يعرف ، وملك لم يزل له القدرة والملك ، أنشأ ما شاء حين شاء بمشيئته ، لا يحدّ ولا يبعّض ولا يفنى ، كان أولاً بلا كيف ، ويكون آخراً بلا أين ، وكل شيء هالك إلاّ وجهه ، له الخلق والأمر ، تبارك اللّه ربّ العالمين.
    ويلك أيّها السائل ، إنّ ربّي لا تغشاه الأوهام ، ولا تنزل به الشبهات ، ولا يحار ولا يجاوزه شيء (2) ، ولا تنزل به الأحداث ، ولا يسأل عن شيء يفعله ، ولا يندم على شيء ، ولا تأخذه سنة ولا نوم ، له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى» (3).
    معنى الصمد :
    ذهب المشبهة إلى أن معنى الصمد هو المصمت الذي لا جوف له ، وذلك لا يكون إلاّ من صفة الأجسام المصمتة التي لا أجواف لها ، واللّه جلّ ذكره متعال عن ذلك ، ليس كمثله شيء ، وهو أعظم وأجلّ من أن تقع الأوهام على صفته ، أو تدرك كنه عظمته.
    من هنا أكّد الإمام أبو جعفر الباقر 7 على أن معنى الصمد هو أن اللّه سبحانه يعبده كل شيء ، ويصمد إليه كل شيء (4). وقال 7 : «الصمد السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر وناهٍ» (5). أي هو السيد الصمد الذي جميع الخلق
    __________________
    (1) في التوحيد : ولا أثر مقفو.
    (2) في التوحيد : ولا يجار من شيء ، ولا يجاوره شيء.
    (3) الكافي 1 : 88 / 3 ، التوحيد : 173 / 2.
    (4) الكافي 1 : 123 / 2.
    (5) التوحيد : 90 ، معاني الأخبار : 7.

    من الجن والإنس إليه يصمدون في الحوائج ، وإليه يلجأون عند الشدائد ، ومنه يرجون الرخاء ودوام النعماء ، ليدفع عنهم الشدائد (1).
    وورد عنه 7 تفسير لحروف كلمة الصمد ، ينسجم مع المعنى الذي يؤكده في وحدانية الخالق ، وأزلية ملكه ودوامه ، وعجز حواس وأوهام الخلق عن درك ماهيته وكيفيته.
    قال وهب بن وهب القرشي : سمعت الصادق 7 يقول : «قدم وفد من أهل فلسطين على الباقر 7 فسألوه عن مسائل فأجابهم ، ثم سألوه عن الصمد ، فقال : تفسيره فيه ، الصمد خمسة أحرف : فالألف دليل على إنّيته ، وهو قوله عزّوجلّ : «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ» (2) وذلك تنبيه وإشارة إلى الغائب عن درك الحواس ، واللام دليل على إلهيته بأنه هو اللّه.
    والألف واللام مدغمان لا يظهران على اللسان ، ولا يقعان في السمع ، ويظهران في الكتابة ، دليل على أن إلهيته بلطفه خافية لا تدرك بالحواس ، ولا تقع في لسان واصف ، ولا أذن سامع ، لأن تفسير الإله هو الذي ألْهَ الخلق عن درك ماهيته وكيفيته بحسّ أو بوهم ، لا بل هو مبدع الأوهام وخالق الحواس ، وإنما يظهر ذلك عند الكتابة ، دليل على أن اللّه سبحانه أظهر ربوبيته في إبداع الخلق وتركيب أرواحهم اللطيفة في أجسادهم الكثيفة ، فإذا نظر عبد إلى نفسه لم ير روحه ، كما أن لام الصمد لا تتبين ولا تدخل في حاسة من الحواس الخمس ، فإذا نظر إلى الكتابة ظهر له ما خفي ولطف ، فمتى تفكر العبد في ماهية الباري وكيفيته ، ألْهَ فيه وتحيّر ، ولم تحط فكرته بشيء يتصور له ، لأنه
    __________________
    (1) راجع : الكافي 1 : 124.
    (2) سورة آل عمران : 3 / 18.

    عزّوجلّ خالق الصور ، فإذا نظر إلى خلقه ثبت له أنه عز وجل خالقهم ومركب أرواحهم في أجسادهم.
    وأما الصاد فدليل على أنه عز وجل صادق وقوله صدق وكلامه صدق ، ودعا عباده إلى إتباع الصدق بالصدق ، ووعد بالصدق دار الصدق.
    وأما الميم فدليل على ملكه ، وأنه الملك الحق لم يزل ولا يزال ولا يزول ملكه.
    وأما الدال فدليل على دوام ملكه ، وأنه عزّوجلّ دائم ، تعالى عن الكون والزوال ، بل هو عزّوجلّ يكوّن الكائنات ، الذي كان بتكوينه كل كائن» (1).
    العلم الإلهي :
    جاء في حديث الباقر 7 ما يؤكد أزلية علمه تعالى ، وأنه محيط بكل شيء ، وليس في علمه تفاوت ولا اختلاف وليس له حدود ، فهو عالم بالأشياء قبل وبعد كونها على حد سواء ، لأنه الخالق والمكوّن له.
    عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر 7 ، قال : «سمعته يقول : كان اللّه عزّوجلّ ولا شيء غيره ، ولم يزل عالماً بما يكون ، فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد كونه» (2).
    وعن فضيل ، قال : قلت لأبي جعفر 7 : «جعلت فداك ، إن رأيت أن تعلمني هل كان اللّه جل ذكره يعلم قبل أن يخلق الخلق أنه وحده؟ فقد اختلف مواليك. فقال بعضهم : قد كان يعلم تبارك وتعالى أنه وحده قبل أن يخلق شيئاً من خلقه ، وقال بعضهم : إنما معنى يعلم يفعل ، فهو اليوم يعلم أنه لا غيره قبل
    __________________
    (1) التوحيد : 92 ، معاني الأخبار : 7.
    (2) الكافي 1 : 107 / 2 ، التوحيد : 145 / 12.

    فعل الأشياء ، وقالوا : إن أثبتنا أنه لم يزل عالماً بأنه لاغيره ، فقد أثبتنا معه غيره في أزليته ، فإن رأيت يا سيدي أن تعلمني ما لا أعدوه إلى غيره ، فكتب 7 : ما زال اللّه تعالى عالماً تبارك وتعالى ذكره» (1).
    2 ـ كلماته في الإمامة :
    تحدث الإمام أبو جعفر الباقر 7 عن كثير من جوانب الإمامة ، باعتبارها من أصول الدين وأركان الإسلام في مدرسة أهل البيت : ، وهي القاعدة الصلبة التي ترتكز عليها بنى الإسلام ، وكان ذلك في وقت عصيب عملت فيه السلطة بكل ما أوتيت من قوة على طمس معالم الإمامة ، وإقصاء أهلها.
    وكان من مضامين حديثه في هذا الاتجاه بيان ضرورة ووجوب الإمامة ، ووجه الحاجة إلى الإمام ، وكون معرفته من ضرورات الدين ، التي بدونها يموت المرء ميتة جاهلية ، وتحدث عن منزلة الإمام وعظمته وكرامته عند اللّه ، وأكد على أن الأئمة الذين فرض اللّه طاعتهم هم المعصومون الإثنا عشر من أهل البيت : حصراً ، وهم الأوصياء ، الذين أوجب اللّه سبحانه التمسك بهم وطاعتهم وإخلاص الولاية لهم ، وفرض حبهم ومودتهم والصلوات عليهم.
    ضرورة ووجوب الإمامة :
    أكّد الإمام الباقر 7 على ضرورة الإمامة ووجوبها من اللّه تعالى ، ذلك لأن الإمام حجته على عباده ، وهو الذي يهتدى به إليه سبحانه ، من هنا لا تخلو الأرض من إمام حي معروف ظاهر أو غائب منذ بدء الخليقة إلى آخر الدهر.
    عن أبي هراسة ، عن أبي جعفر الباقر 7 أنه قال : «لو أن الإمام رُفِعَ من
    __________________
    (1) التوحيد : 145 / 11.

    الأرض ساعة لساخت بأهلها وماجت ، كما يموج البحر بأهله» (1).
    عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر الباقر 7 أنه قال : «واللّه ما ترك اللّه أرضه منذ قبض اللّه آدم إلاّ وفيها إمام يهتدى به إلى اللّه ، وهو حجته على عباده ، ولا تبقى الأرض بغير إمام حجة للّه على عباده» (2).
    وجه الحاجة إلى الإمام :
    لتأكيد ضرورة النبوة والإمامة ، ذكر الإمام الباقر 7 العلّة التي من أجلها يحتاج إلى النبي والإمام ، وهي تحقيق صلاح العالم وأمان أهل الأرض.
    عن جابر بن يزيد الجعفي ، قال : «قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر 7 : لأي شيء يحتاج إلى النبي والإمام؟ فقال : لبقاء العالم على صلاحه ، وذلك أن اللّه عزوجل يرفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيها نبي أو إمام ، قال اللّه عزّوجلّ : «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ» (3) وقال النبي 9 : النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يكرهون ، وإذا ذهب أهل بيتي أتى أهل الأرض ما يكرهون. يعني بأهل بيته الأئمة الذين قرن اللّه عزوجل طاعتهم بطاعته ، فقال : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاْءَمْرِ مِنْكُمْ» (4) وهم المعصومون المطهرون الذين لا يذنبون ولا يعصون ، وهم المؤيدون
    __________________
    (1) الغيبة / النعماني : 139 ، بصائر الدرجات : 508 / 3 ، الإمامة والتبصرة : 34 ، الكافي 1 : 179 / 12 ، اكمال الدين : 202 / 3 و 9.
    (2) الغيبة / النعماني : 138.
    (3) سورة الأنفال : 8 / 33.
    (4) سورة النساء : 4 / 59.

    الموفّقون المسدّدون ، بهم يرزق اللّه عباده ، وبهم تعمر بلاده ، وبهم ينزل القطر من السماء ، وبهم يخرج بركات الأرض ، وبهم يمهل أهل المعاصي ، ولا يعجل عليهم بالعقوبة والعذاب ، لا يفارقهم روح القدس ولا يفارقونه ، ولا يفارقون القرآن ولا يفارقهم ، صلوات اللّه عليهم أجمعين» (1). وقد شخص 7 في هذا الحديث أيضاً هوية الأئمة مفترضي الطاعة من قبل اللّه عزّوجلّ.
    وجوب معرفة الإمام :
    تحدّث الإمام الباقر 7 عن وجوب معرفة إمام العصر ، لارتباط هذه المعرفة بمعرفة اللّه ، قال 7 : «إنّما كلّف الناس ثلاثة : معرفة الأئمة ، والتسليم لهم فيما ورد عليهم ، والرد إليهم فيما اختلفوا فيه» (2).
    وعن جابر ، قال : سمعت أبا جعفر 7 يقول : «إنّما يعرف اللّه عزّوجلّ ويعبده من عرف اللّه وعرف إمامه منا أهل البيت ، ومن لا يعرف اللّه عزّوجلّ ولا يعرف الإمام منا أهل البيت ، فإنّما يعرف ويعبد غير اللّه ، هكذا واللّه ضلالاً» (3).
    وأكّد حديث آبائه : «أنّ من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» ، من هنا فإن الحجة لا تقوم للّه عزّوجلّ على عباده إلاّ بإمام حي معروف.
    عن فضيل بن يسار ، قال : سمعت أبا جعفر 7 يقول : «من مات وليس له
    __________________
    (1) علل الشرائع 1 : 123 / باب 103.
    (2) الكافي 1 : 390 / 1.
    (3) الكافي 1 : 181 / 4.

    إمام فميتته ميتة جاهلية ، ومن مات وهو عارف لإمامه لم يضره تقدم هذا الأمر أو تأخر ، ومن مات وهو عارف لإمامه ، كان كمن هو مع القائم في فسطاطه» (1).
    وعن أبي عبيدة الحذاء ، قال : سمعت أبا جعفر 7 يقول : «من مات لا يعرف إمامه ، مات ميتة جاهلية كفر ونفاق وضلال» (2).
    وفي لفظ آخر عنه وعن سالم بن أبي حفصة ، أنهما سمعا أبا جعفر 7 يقول : «من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية» (3).
    وقال أبو جعفر 7 : «إن الحجّة لا تقوم للّه عزّوجلّ على خلقه إلاّ بإمام حي يعرفونه» (4).
    الآثار المترتبة على عدم المعرفة :
    وشرح الإمام 7 الآثار المترتبة على عدم معرفة الإمام ، وعلى رأسها عدم قبول الأعمال إلاّ بتلك المعرفة ، ضارباً أروع الأمثلة في هذا السياق.
    عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر 7 يقول : «كل من دان اللّه عزّوجلّ بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من اللّه ، فسعيه غير مقبول ، وهو ضال متحير ، واللّه شانئ لأعماله ، ومثله كمثل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها ، فهجمت ذاهبة وجائية يومها ، فلما جنّها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها ، فحنت إليها واغترت بها ، فباتت معها في مربضها ، فلما أن
    __________________
    (1) الكافي 1 : 371 / 5.
    (2) الإمامة والتبصرة : 82.
    (3) الكافي 1 : 397 / 1 ، بصائر الدرجات : 279 و 529 و 530.
    (4) قرب الاسناد : 351.

    ساق الراعي قطيعه ، أنكرت راعيها وقطيعها ، فهجمت متحيرة تطلب راعيها وقطيعها ، فبصرت بغنم مع راعيها فحنت إليها واغترت بهافصاح بها الراعي : ألحقي براعيك ، وقطيعك فأنت تائهة متحيرة عن راعيك وقطيعك ، فهجمت ذعرة متحيرة تائهة لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها أو يردها ، فبينا هي كذلك إذ اغتنم الذئب ضيعتها ، فأكلها.
    وكذلك واللّه يا محمد من أصبح من هذه الأُمّة لا إمام له من اللّه عزّوجلّ ظاهر عادل ، أصبح ضالاً تائهاً ، وإن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق.
    واعلم يا محمد أن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين اللّه ، قد ضلّوا وأضلّوا ، فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ، لا يقدرون مما كسبوا على شيء ، ذلك هو الضّلال البعيد» (1).
    كيف يُعْرَف الإمام؟
    تحدث الإمام الباقر 7 عن الوسائل التي يتمكّن المرء من التعرّف على الإمام ، أو الخصال التي يجب توافرها في الإمام ، لكي يسحب البساط عن كل من يدعي هذا المنصب الخطير.
    عن أبي الجارود ، قال : سألت أبا جعفر الباقر 7 : «بم يعرف الإمام؟ قال : بخصال أولها : نص من اللّه تبارك وتعالى عليه ، ونصبه علماً للناس حتى يكون عليهم حجة ، لأن رسول اللّه 9 نصب علياً 7 وعرفه الناس باسمه وعيّنه ، وكذلك الأئمة : ينصب الأول الثاني ، وأن يُسأل فيجيب ، وأن يسكت عنه فيبتدئ ، ويخبر الناس بما يكون في غد ، ويكلم الناس بكل
    __________________
    (1) الكافي 1 : 183 / 8 و : 374 / 2 ، المحاسن 1 : 92 / 47.

    لسان ولغة» (1).
    أئمة أهل البيت : :
    عمل الإمام الباقر 7 على تشخيص المراد من أئمة أهل البيت : بعد رسول اللّه 9 ، فذكر أنّ اللّه تبارك وتعالى أرسل محمداً 9 إلى الجن والإنس ، وجعل من بعده اثني عشر وصياً ، منهم من مضى ، ومنهم من بقي (2) ، وذكر أنهم اثنا عشر إماماً من أهل بيت النبي 9 ، وكلهم محدثون ، ومنهم علي بن أبي طالب وهو أولهم (3) ، وبقية الأئمة من ولد علي وفاطمة إلى أن تقوم الساعة (4) ، وهم الحسن والحسين ، ثم الأئمة من ولد الحسين 7 (5) ، وهم تسعة من صلبه (6) ، وتاسعهم قائمهم (7).
    وروى الإمام الباقر 7 عن الصحابي الجليل جابر عبد اللّه الأنصاري حديث اللوح الذي هبط به جبرئيل على رسول اللّه 9 من الجنّة ، فأعطاه فاطمة 3 ، وفيه أسماء الأئمة من بعده ، وفيه اثنا عشر اسماً هي أسماء الأوصياء أولهم علي 7 وبعده أحد عشر من ولده ، وآخرهم القائم 7 (Cool.
    __________________
    (1) معاني الأخبار : 101 / 3.
    (2) اكمال الدين : 325 / 4.
    (3) عيون أخبار الرضا 7 2 : 60 / 24.
    (4) اكمال الدين 1 : 222 / 8.
    (5) الكافي 1 : 533 / 16 ، عيون أخبار الرضا 7 2 : 59 / 22 ، الخصال : 478 / 44.
    (6) كفاية الأثر : 245.
    (7) الخصال : 419 / 12.
    (Cool اكمال الدين : 311 / 2 و 3 ، الارشاد 2 : 159 ، اعلام الورى 1 : 501.

    الوصية :
    وذكر الإمام الباقر 7 الوصية باعتبارها أهم ما يعهد به النبي إلى القائد الرسالي الذي يخلفه في قيادة الأمة في مسيرتها الرسالية ، ويكون حجةً للّه على العباد ، ووريثاً للنبوة ، ومحافظاً على ديمومة حركة الرسالة ، ولم يتخلف أحد من الأنبياء عن هذه القاعدة الإلهية منذ أبينا آدم 7 حتى رسولنا المصطفى 9 ، وتماشياً مع هذه السنن الإلهية خلّف النبي 9 علياً 7 وصياً له من بعده ، في أحاديث كثيرة منها قوله 9 : «لكلّ نبي وصيّ ووارث ، وأنّ علياً وصيي ووارثي» (1) ، وبيّن أن أولاده المعصومين هم الأوصياء من بعده.
    وجاء في حديث الإمام الباقر 7 ما يؤكّد هذه المضامين ، ففي حديث عنه 7 ذكر فيه اتصال الوصية منذ هبة اللّه وصيّ آدم 8 إلى سام بن نوح 7 (2).
    وفي حديث آخر عنه 7 جاء فيه : « فلمّا انقضت نبوة آدم 7 واستكمل أيامه ، أوصى اللّه تعالى إليه ، أن يا آدم قد قضيت نبوتك ، واستكملت أيامك ، فاجعل العلم الذي عندك والايمان والاسم الأعظم وميراث العلم وآثار علم النبوة في العقب من ذريتك ، عند هبة اللّه ابنك ، فإني لم أقطع العلم والإيمان والاسم الأعظم وآثار علم النبوة في العقب من ذريتك إلى يوم القيامة ، ولن أدع الأرض إلاّ وفيها عالم يُعرَف به ديني ، وتُعرَف به طاعتي ، ويكون نجاةً لمن يولد بينك وبين نوح .. » (3).
    __________________
    (1) الرياض النضرة 3 : 119 ، ذخائر العقبى : 71 ، فتح الباري 8 : 150.
    (2) تفسير العياشي 2 : 28 / 1237 ، قصص الأنبياء / الراوندي : 62 / 43.
    (3) تفسير العياشي 2 : 32 / 1238 ، روضة الكافي 8 : 113 / 92 ، اكمال الدين : 213 / 2.


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ   الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Emptyالأحد أكتوبر 27, 2024 6:08 am

    وفي حديث آخر عنه 7 ذكر فيه وصية موسى 7 إلى فتاه يوشع بن نون (2).
    وأخرج العلامة ابراهيم بن محمّد الصنعاني في كتابه (إشراق الأصباح) عن محمد بن علي الباقر 7 ، عن آبائه : : عن رسول اللّه 9 من حديث طويل ، وفيه : «وهو ـ يعني علياً ـ وصيي ووليي» (3).
    وعن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر 7 ، قال : سمعته يقول : «إن أقرب الناس إلى اللّه عزوجل وأعلمهم به وأرأفهم بالناس محمد 9 والأئمة : ، فادخلوا أين دخلوا ، وفارقوا من فارقوا ، فإن الحقّ فيهم ، وهم الأوصياء ، ومنهم الأئمة» (4).
    التمسك بالأئمة وطاعتهم : :
    تحدّث الإمام أبو جعفر 7 عن حقوق أهل البيت الواجبة على الأُمّة ، والتي تسالم الحكام على الاعتداء عليها وتجاوزها ، ومن ذلك فرض طاعتهم ومولاتهم والتمسّك بهديهم ومودّتهم.
    عن زرارة ، عن أبي جعفر 7 ، قال : « ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه ، وباب الأشياء ورضا الرحمن تبارك وتعالى ، الطاعة للإمام بعد معرفته ، ثم قال : إن اللّه تبارك وتعالى يقول : «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً» » (5).
    __________________
    (2) تفسير العياشي 3 : 98 / 2666 ، اكمال الدين : 217 / 2.
    (3) العقد الثمين / الشوكاني : 41.
    (4) اكمال الدين : 328 / 8.
    (5) الكافي 1 : 185 / 1 ، والآية من سورة النساء : 4 / 80.

    وعن أبي بصير أنه سأل الإمام الباقر 7 عن قول اللّه تعالى : «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاْءَمْرِ مِنْكُمْ» (1) ، فقال : «نزلت في علي بن أبي طالب 7.
    قلت : إنّ الناس يقولون : فما منعه أن يسمّي علياً وأهل بيته في كتابه؟ فقال أبو جعفر 7 : قولوا لهم : إنّ اللّه أنزل على رسوله الصلاة ولم يسمّ ثلاثاً ولا أربعاً حتى كان رسول اللّه هو الذي فسّر ذلك ، وأنزل الحجّ فلم ينزل طوفوا سبعاً حتى فسّر ذلك لهم رسول اللّه 9 ، وأنزل : «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاْءَمْرِ مِنْكُمْ» فنزلت في علي والحسن والحسين ، وقال رسول اللّه 9 : أوصيكم بكتاب اللّه وأهل بيتي ، اني سألت اللّه أن لا يفرّق بينهما حتى يوردهما عليّ الحوض ، فأعطاني ذلك» (2).
    وجاء في حديث جابر الجعفي ، عن أبي جعفر الباقر 7 : «وطاعتنا فريضة» (3).
    وقال 7 موضحاً أن التمسك بهم هو سبيل النجاة ، والتخلف عنهم هو سبيل الغواية والضلال : «نحن صراط اللّه المستقيم ، نحن رحمة اللّه للمؤمنين ، بنا يفتح اللّه ، وبنا يختم اللّه ، من تمسّك بنا نجا ، ومن تخلّف عنا غوى» (1).
    ومثلما ذكر حقوق الإمام على الرعية ، تحدث عن حق الرعية على الإمام.
    عن أبي حمزة الثمالي ، قال : «سألت أبا جعفر 7 ما حق الإمام على الناس؟
    __________________
    (1) سورة النساء : 4 / 59.
    (2) الكافي 1 : 286 / 1 ، شواهد التنزيل / الحسكاني 1 : 189 / 203.
    (3) مناقب آل أبي طالب 3 : 336.

    قال : حقه عليهم أن يسمعوا له ويطيعوا. قلت : فما حقهم عليهم؟ قال : يقسم بينهم بالسوية ، ويعدل في الرعية ، فإذا كان ذلك في الناس ، فلا يبالي من أخذ هاهنا وهاهنا» (2).
    إخلاص الموالاة لهم : :
    وحيث أن الإمامة منصب خطير ، به تقام الفرائض وتنتظم الأمور ، صارت الولاية أحد أركان الإسلام ، عن فضيل بن يسار ، عن أبي جعفر 7 ، قال : «بني الإسلام على خمس : على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية ، فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه» (3).
    وعن زرارة ، عن أبي جعفر 7 ، قال : «بني الإسلام على خمسة أشياء : على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية. قال زرارة : فقلت : وأي شيء من ذلك أفضل؟ فقال : الولاية أفضل ، لأنها مفتاحهن والوالي هو الدليل عليهن» (4).
    وقال أبو جعفر 7 : «من سره أن لا يكون بينه وبين اللّه حجاب حتى ينظر الى اللّه وينظر اللّه إليه ، فليتول آل محمد ويبرأ من عدوهم ، ويأتم بالإمام منهم» (5).
    وعن الفضيل ، قال : نظر أبو جعفر 7 إلى الناس يطوفون حول الكعبة ، فقال : « هكذا كانوا يطوفون في الجاهلية ، إنما أمروا أن يطوفوا بها ، ثم ينفروا
    __________________
    (1) عيون المعجزات : 67.
    (2) الكافي 1 : 405 / 1.
    (3) الكافي 2 : 18 / 3.
    (4) الكافي 2 : 18 / 5.
    (5) قرب الاسناد : 351.

    الينا فيعلمونا ولايتهم ومودتهم ، ويعرضوا علينا نصرتهم ، ثم قرأ هذه الآية «فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ» » (1).
    وفي قوله تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» (2).
    جاء عن الإمام الباقر 7 في هذه الآية قوله : «كونوا مع آل محمد :» (3).
    وقال 7 : «من سرّه أن لا يكون بينه وبين اللّه حجاب حتى ينظر إلى اللّه وينظر اللّه إليه ، فليتول آل محمد ويبرأ من عدوهم ، ويأتم بالإمام منهم ، فإنه إذا كان كذلك نظر اللّه إليه ونظر إلى اللّه» (4).
    مودتهم : :
    لا يختلف اثنان أن مودة أهل البيت : عقيدة مستمدة من كتاب اللّه تعالى وسنة نبيه 9 ، ومبدأ رسالي ينطوي على آثار مهمة في حياة الفرد والمجتمع ، من هنا حرص الإمام الباقر 7 على نفض غبار التناسي والنسيان عن ذاكرة الأُمّة ، وإزالة تراكمات الحكام الذين عملوا على تبديل ذلك الودّ المفروض بالقتل والقمع والإرهاب والترويع والبغض والنصب ، فذكّرهم بضرورة من ضرورات الدين ، وحق من حقوق أهل البيت الثابتة لهم لطهارتهم وعصمتهم وقربهم من ربهم ، مبيناً أن حبهم من الإيمان ، بل هو أصل الإيمان.
    __________________
    (1) أصول الكافي 1 : 392 / 1 ، والآية من سورة إبراهيم : 14 / 37.
    (2) سورة التوبة : 9 / 119.
    (3) ترجمة الإمام علي 7 من تاريخ مدينة دمشق 2 : 421 / 930.
    (4) قرب الاسناد : 351.

    قال 7 : «حبنا إيمان ، وبغضنا كفر» (1).
    وقال 7 : «إنّما حبنا أهل البيت شيء يكتبه اللّه في قلب العبد ، فمن كتبه اللّه في قلبه لم يستطع أحد أن يمحوه ، أما سمعت اللّه يقول : «أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِْيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ» (2) فحبنا أهل البيت من أصل الإيمان» (3).
    آثار مودّتهم : :
    بيّن الإمام الباقر 7 عمق الآثار المترتبة على حب آل البيت ، ومنها أنه دليل على طهارة القلب وطيب المولد ، ويؤدي بالمرء إلى غفران الذنوب والخلاص من شديد الحساب والأمن من فزع يوم القيامة.
    قال الإمام الباقر 7 : «لا يحبّنا عبد ويتولانا حتى يطهّر اللّه قلبه ، ولا يطهّر اللّه قلب عبد حتى يسلّم لنا ويكون سلما لنا ، فإذا كان سلما لنا سلّمه اللّه من شديد الحساب ، وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر» (4).
    وعنه 7 ، قال : «من أصبح يجد برد حبنا على قلبه فليحمد اللّه على بادئ النعم. قيل : وما بادئ النعم؟ قال : طيب المولد» (5).
    وقال 7 : «محبنا في الجنة ، ومبغضنا في النار» (6).
    __________________
    (1) الكافي 1 : 188 / 12 ، المحاسن 1 : 247 / 463.
    (2) المجادلة : 58 / 22.
    (3) شواهد التنزيل 2 : 330 / 971.
    (4) الكافي 1 : 194 / 1.
    (5) معاني الأخبار : 161 / 2.
    (6) مناقب آل أبي طالب 3 : 336.


    وقال 7 : «بحبّنا تغفر لكم الذنوب» (1).
    وإخلاص حبهم هو دليل على بلوغ حقيقة الإيمان ، روى فضيل بن يسار ، عن أبي جعفر 7 قال : «لا يبلغ أحدكم حقيقة الإيمان حتى يكون فيه ثلاث خصال : حتى يكون الموت أحب إليه من الحياة ، والفقر أحب إليه من الغنى ، والمرض أحب إليه من الصحة. قلنا : ومن يكون كذلك؟ قال : كلكم. ثم قال : أيما أحب إلى أحدكم؛ يموت في حبنا ، أو يعيش في بغضنا؟ فقلت : نموت واللّه في حبكم أحب إلينا. قال : وكذلك الفقر والغنى والمرض والصحة. قلت : إي واللّه» (3).
    ونقل الإمام الباقر 7 عن جده رسول اللّه 9 وأمير المؤمنين 7 كثيراً من الأحاديث في هذا الاتجاه (4).
    الصلاة عليهم :
    الصلاة على النبي وآله من الحقوق التي جاءت صريحة لأهل البيت : في محكم الكتاب الكريم في قوله تعالى : «إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً» (4) ، وثبت في السنن المنقولة عن النبي 9 أنه حينما سئل عن كيفية الصلاة قال : «قولوا اللهم صل على محمد
    __________________
    (1) أمالي الطوسي : 452 / 1010.
    (2) معاني الأخبار : 189.
    (3) راجع : أمالي الطوسي : 423 / 947 ، تفسير البرهان / البحراني 3 : 212 في تفسير قوله تعالى : «من جاء بالحسنة فله خير منها» ، مناقب ابن المغازلي : 138 ، بحار الأنوار 26 : 227 / 1 و 27 : 77 / 8.
    (4) سورة الأحزاب : 33 / 56.

    وآل محمد».
    ونقل عن الإمام الباقر 7 ما يؤكد هذا الحق الثابت والمضيع ، أو المنقول بصور مشوهة ومبتورة تزلفاً للحكام الذين استخدموا شتى الوسائل في حرب مفتوحة على أهل هذا البيت الطاهر.
    وقد صرّح الإمام الباقر 7 بوجوب الصلاة عليهم في التشهّد (2).
    ورويت أحد صور الصلاة على النبي والآل : عن الإمام الباقر 7 ، وبين فضلها ، بالاسناد عن ناجية ، قال : «قال أبو جعفر الباقر 7 : إذا صلّيت العصر يوم الجمعة فقل : اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد الأوصياء المرضيّين بأفضل صلواتك ، وبارك عليهم بأفضل بركاتك ، والسلام عليه وعليهم وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة اللّه وبركاته. فإنّه من قالها بعد العصر ، كتب اللّه له مائة ألف حسنة ، ومحا عنه مائة ألف سيئة ، وقضى له بها مائة ألف حاجة ، ورفع له بها مائة ألف درجة» (3).
    فضل أهل البيت : ومنزلتهم :
    واستغرق الإمام أبو جعفر 7 في الحديث عن عظمة منصب الإمامة وسمو منزلتها عند اللّه تعالى في جملة أحاديث بين فيها أن الإمامة عهد من اللّه لشخص محدّد متميّز بخصال وصفات تؤهله لهذا المنصب العظيم ، منها أنه معصوم متنزّه من الظلم بجميع صوره. روى جابر ، عن أبي جعفر 7 ، قال : سمعته يقول : «إن اللّه اتّخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتّخذه نبياً ، واتّخذه نبياً قبل أن يتّخذه رسولاً ، واتّخذه رسولاً قبل أن يتّخذه خليلاً ، واتّخذه خليلاً قبل أن يتّخذه
    __________________
    (1) جلاء الأفهام / ابن قيم الجوزية : 253.
    (2) أمالي الصدوق : 483 / 656 ، أمالي الطوسي : 440 / 986.

    إماماً ، فلمّا جمع له هذه الأشياء ـ وقبض يده ـ قال له : يا إبراهيم إني جاعلك للناس إماماً فمن عظمها في عين إبراهيم 7 قال : يا رب ، ومن ذريتي؟ قال : لا ينال عهدي الظالمين» (1).
    وتحدث عن خصوص منزلة أهل بيت النبي : المعصومين الذين فرض اللّه طاعتهم ، وعن فضائلهم التي حباهم اللّه بها في أحاديث عدّة ، منها حديث خيثمة الجعفي ، عن أبي جعفر 7 ، قال : « سمعته يقول : نحن جنب اللّه ، ونحن صفوته ، ونحن خيرته ، ونحن مستودع مواريث الأنبياء ، ونحن أمناء اللّه عزوجل ، ونحن حجج اللّه ، ونحن أركان الإيمان ، ونحن دعائم الإسلام ، ونحن من رحمة اللّه على خلقه ، ونحن الذين بنا يفتح وبنا يختم ، ونحن أئمة الهدى ، ونحن مصابيح الدجى ، ونحن منار الهدى ، ونحن السابقون ، ونحن الأخرون ، ونحن العلم المرفوع للخلق ، من تمسك بنا لحق ، ومن تخلف عنا غرق ، ونحن قادة الغر المحجلين ، ونحن خيرة اللّه ، ونحن الطريق الواضح والصراط المستقيم إلى اللّه عزوجل ، ونحن من نعمة اللّه عزوجل على خلقه ، ونحن المنهاج ، ونحن معدن النبوة ، ونحن موضع الرسالة ، ونحن الذين إلينا تختلف الملائكة ، ونحن السراج لمن استضاء بنا ، ونحن السبيل لمن اقتدى بنا ، ونحن الهداة إلى الجنة ... » (2).
    وعنه عن أبي جعفر 7 ، قال : «نحن شجرة النبوة ، وبيت الرحمة ، ومفاتيح الحكمة ، ومعدن العلم ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، وموضع
    __________________
    (1) الكافي 1 : 175 / 4.
    (2) اكمال الدين : 205 / 20 ، بصائرالدرجات : 82 / 10 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 336.

    سر اللّه ، ونحن وديعة اللّه في عباده ، ونحن حرم اللّه الأكبر ، ونحن عهد اللّه ، فمن وفى بذمتنا فقد وفى بذمة اللّه ، ومن وفى بعهدنا فقد وفى بعهد اللّه ، ومن خفرنا فقد خفر ذمة اللّه وعهده» (1).
    وعن سدير ، عن أبي جعفر 7 ، قال : «قلت له : جعلت فداك ، ما أنتم؟ قال : نحن خزان علم اللّه ، ونحن تراجمة وحي اللّه ، ونحن الحجة البالغة على من دون السماء ومن فوق الأرض» (2).
    وعن جابر الجعفي ، قال : قال الباقر 7 : «نحن ولاة أمر اللّه ، وخزان علم اللّه ، وورثة وحي اللّه ، وحملة كتاب اللّه» (3).
    وعن الفضيل بن يسار ، قال أبو جعفر 7 : «يا فضيل ، ما ينقم الناس منا ، فواللّه إنّا لشجرة النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، وبيت الرحمة ، ومعدن العلم» (4).
    وعنه 7 : «نحن الأُمّة الوسطى ، ونحن شهداء اللّه على خلقه ، وحججه في أرضه» (5).
    فضل الحسين 7 وزيارته :
    الحسين 7 مفجّر ثورة تصحيح المسار في الزمن العصيب ، كان له نصيب وافر من حديث الإمام الباقر 7 الذي شهد الثورة وهو غلام رباعي ، وحمل
    __________________
    (1) بصائر الدرجات : 77 / 3.
    (2) الكافي 1 : 192 / 3.
    (3) مناقب آل أبي طالب 3 : 336.
    (4) بصائر الدرجات : 77 / 5.
    (5) الكافي 1 : 146 / 2 و 147 / 4 ، بصائر الدرجات : 183 / 11 و 102 / 3.

    منارها طوال حياته لاستثمار النصر الذي حققه جده الحسين 7 بدمه الزكي ، واستكمال الخطوات التي حمل السجاد 7 أعباءها في الدفاع عن أهداف نهضة الحسين 7 وتأصيل مبادئها في أذهان الأمة ، عن طريق التحديث بفضائل قائد النهضة وفضل التواصل مع دلالات ثورته وتعهده بالزيارة تصديقاً لما رغب فيه.
    روى محمد بن مسلم عن الباقر والصادق 8 : «أن للحسين 7 ثلاث فضائل يتميز بها عن سواه من الخلق ، فضلاً عن سائر فضائله الأخرى ، وهي : أن جعل اللّه الإمامة في ذريته ، والشفاء في تربته ، واجابة الدعاء عند قبره» (1).
    وعنه ، عن أبي جعفر 7 ، قال : «مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين 7 ، فإنّ إتيانه يزيد في الرزق ، ويمدّ في العمر ، ويدفع مدافع السوء ، وإتيانه مفترض على كل مؤمن يقرّ له بالإمامة من اللّه» (2).
    وعن داود الرقي ، قال : «قال الباقر محمد بن علي بن الحسين : : من زار الحسين 7 في ليلة النصف من شعبان غفرت له ذنوبه ، ولم تكتب عليه سيئة في سنته حتى تحول عليه السنة ، فإن زاره في السنة المستقبلة غفرت له ذنوبه» (3).
    الغيبة :
    __________________
    (1) اعلام الورى 1 : 431.
    (2) تهذيب الأحكام 6 : 42 / 1 ، كامل الزيارات : 284.
    (3) الإمالي / الطوسي : 47 / 59.


    استغرق موضوع الغيبة كثيراً من حديث الإمام الباقر 7 وجهوده ، ويبدو أن واحدة من دواعي ذلك هو اعتقاد بعض الناس بمهدويته هو 7 ، وما أرجف به الأمويون من ادعاء مهدوية عمر بن عبد العزيز ، وصنع الوضاعون روايات عن الباقر 7 وفاطمة بنت علي 7 تؤيد مهدوية عمر بن عبد العزيز ، ومنها الحديث المزعوم عن الباقر 7 : النبي منّا ، والمهدي من بني عبد شمس ، ولا نعلمه إلاّ عمر بن عبد العزيز ، ونحو ذلك (1). لأجل الطعن بهذه العقيدة وإضعافها في نفوس معتقديها.
    وعلى ضوء ذلك عمل الإمام الباقر 7 في اتجاهين ، الأول : نفي مهدويته ومهدوية غيره من المدعين. الثاني : تشخيص هوية مهدي أهل البيت الذي بشّر به النبي 9 والأئمة الميامين من قبل ، وبيان خصاله التي لا تنطبق إلاّ عليه.
    1 ـ نفي ادعاء مهدويته 7 :
    كان ردّ الإمام الباقر 7 على من ادعى المهدوية له أو لغيره ، يبتني على جملة أمور ، هي :
    أ ـ تأكيد أن كل واحد من أئمة أهل البيت : قائم بأمر اللّه ، ويهدي إلى اللّه عزّوجلّ ، لكنه ليس القائم أو المهدي الموعود صاحب السيف الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.
    ب ـ تأكيد أن المهدي 7 يظهر في صورة شاب أقل عمراً منه 7 ، وأنى يكون هو المهدي وقد دنى أجله؟!
    روي أن الحكم بن أبي نعيم كان يعتقد مهدوية الإمام الباقر 7 ، قال : «أتيت أبا جعفر 7 بالمدينة فقلت له : جعلت فداك ، إني جعلت عليّ نذر صيام
    __________________
    (1) راجع : الطبقات الكبرى 5 : 333 ، تاريخ دمشق 45 : 187.

    وصدقة إن أنا لقيتك لم أخرج من المدينة حتى أعلم أنك قائم آل محمد 7 أو لا ، فإن كنت أنت رابطتك ، وإن لم تكن انتشرت في الأرض وطلبت المعاش؟
    فقال 7 : يا حكم ، كلنا قائم بأمر اللّه عزّوجلّ. فقلت : وأنت المهدي؟ قال : كلنا نهدي إلى اللّه عزّوجلّ. قلت : فأنت صاحب السيف ووارث السيف ، وأنت الذي تقتل أعداء اللّه وتعزّ أولياءه ، ويظهر بك دين اللّه؟ قال : يا حكم ، أكون أنا هو وقد بلغت هذا! أليس صاحب الأمر أقرب عهداً باللين مني؟! ثم قال بعد كلام طويل : سر في حفظ اللّه والتمس معاشاً» (1).
    وعن الأعمش عن أبي جعفر 7 ، قال : «يزعمون أني أنا المهدي ، وإني إلى أجلي أدنى مني إلى ما يدعون ، ولو أن الناس اجتمعوا على أن يأتيهم العدل من باب ، لخالفهم القدر حتى يأتي به من باب آخر» (2).
    ج ـ تأكيد أن المهدي الموعود 7 يتميز بصفات لا تنطبق على أحد ممن أدّعي له هذا الأمر ، سواء كان من أهل البيت : أو من غيرهم ، منها :
    أولاً : خفاء ولادته :
    قال الشيخ المفيد : روي عن الباقر 7 : أن الشيعة قالت له يوماً : «أنت صاحبنا الذي يقوم بالسيف؟ قال : لست بصاحبكم ، انظروا من خفيت ولادته ، فيقول قوم ولد ، ويقول قوم ما ولد ، فهو صاحبكم» (3).
    وعن أبي الجارود ، عن أبي جعفر الباقر 7 ، قال : «لا تزالون تمدون أعناقكم إلى الرجل منا تقولون : هو هذا ، فيذهب اللّه به ، حتى يبعث اللّه لهذا
    __________________
    (1) الهداية الكبرى : 242.
    (2) تاريخ دمشق 45 : 291.
    (3) رسائل في الغيبة 2 : 13.

    الأمر من لا تدرون ولد أم لم يولد ، خلق أم لم يخلق» (1).
    وعن عبد اللّه بن عطاء ، قال : قلت لأبي جعفر 7 : «إن شيعتك بالعراق كثيرون ، فواللّه ما في أهل بيتك مثلك ، فكيف لا تخرج؟! فقال : يا عبد اللّه بن عطاء ، قد أمكنت الحشو من أذنيك! واللّه ما أنا بصاحبكم. قلت : فمن صاحبنا؟ قال : انظروا من تخفى على الناس ولادته ، فهو صاحبكم» (2).
    ثانياً : الفتنة والتمحيص :
    ذكر 7 في أحاديث كثيرة مرور شيعته خلال غيبة الإمام المهدي 7 بمرحلة طويلة من التمحيص والابتلاء ، ومنه عن محمد بن منصور الصيقل ، عن أبيه ، قال : «دخلت على أبي جعفر الباقر 7 وعنده جماعة ، فبينا نحن نتحدث وهو على بعض أصحابه مقبل ، إذ التفت إلينا وقال : في أي شيء أنتم؟ هيهات هيهات ، لا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم حتى تمحّصوا ، هيهات ولا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم حتى تميّزوا ، ولا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم حتى تغربلوا ، ولا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم إلاّ بعد إياس» (3).
    2 ـ تشخيص هوية المهدي 7 وبيان خصاله :
    وأخبر أبو جعفر الباقر 7 أن الإمام الحجة 7 هو الثاني عشر من الأئمة 7 ، وشخص بعض صفاته التي لا تنطبق إلاّ عليه ، كما ذكر الملاحم والفتن وعلامات الظهور ، وقيام دولة الحق على يديه.
    __________________
    (1) الغيبة / النعماني : 188.
    (2) اكمال الدين : 325 / 2.
    (3) الغيبة / النعماني : 216.

    ولكي لا يطول بنا المقام هنا ، اقتصر على ذكر بعض مضامين حديث الإمام الباقر 7 في هذا الاتجاه ، فقد ورد عنه أن الإمام المهدي 7 من آل محمد 9 (1) ، وهو رجل من ولد الحسين 7 (2) ، وهو الإمام التاسع من بعد الحسين بن علي 8 (3) ، والسابع من بعد الباقر 7 (4) ، وهو ابن أمة (5) ، وله غيبتان (6) ، وأن قيامه 7 من المحتوم الذي لا تبديل له عند اللّه (7).
    وفيه شبه بالأنبياء : وسنن من سننهم ، منهم يونس بن متى 7 في غيبته وعودته ، ويوسف 7 في حبسه وغيبته ، وموسى 7 بكونه خائفاً يترقب ، وعيسى 7 في اختلافهم به ، بين قائل : انه مات ، وقائل : انه لم يمت ، ومحمد المصطفى 9 في خروجه بالسيف ، وقتله أعداء اللّه وأعداء رسوله 9 من الجبارين والطواغيت ، وأنه ينصر بالسيف والرعب ، وأنه لا ترد له راية (Cool.
    وروي عن الإمام الباقر 7 أنه يصلح اللّه له أمره في ليلة واحدة (9) ، ويخرج في آخر الزمان فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً
    __________________
    (1) الغيبة / النعماني : 234 ، الارشاد 2 : 371.
    (2) عقد الدرر : 126 ، الارشاد 2 : 347.
    (3) الغيبة / النعماني : 94 ، كفاية الأثر : 251.
    (4) الغيبة / النعماني : 96 ، كفاية الأثر : 251.
    (5) الغيبة / النعماني : 166 و 233 و 329.
    (6) الغيبة / النعماني : 171 و 178 ، دلائل الإمامة : 535.
    (7) الغيبة / النعماني : 88.
    (Cool اكمال الدين : 326 / 6 و 7 و 11 ، الغيبة / النعماني : 167.
    (9) الغيبة / النعماني : 166 و 233 و 329.

    وظلماً (1) ، وأنه منصور بالرعب ، مؤيد بالنصر ، تطوي له الأرض وتظهر له الكنوز ، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب ، ويظهر اللّه عزّوجلّ به دينه على الدين كله ولو كره المشركون ، فلا يبقى في الأرض خراب إلاّ قد عمّر ، وينزل روح اللّه عيسى بن مريم 7 فيصلّي خلفه (2) ، ويهدم ما قبله كما صنع رسول اللّه 9 ، ويستأنف الإسلام جديداً (3) ، وإذا قام قسم بالسوية ، وعدل في الرعية (4) ، وذكر علامات ظهوره المقدس وأخبار أصحابه ودولته في أخبار طويلة (5).
    3 ـ كلماته 7 في الموت والجنّة والنار :
    معنى الموت :
    قيل لمحمد بن علي الباقر 7 : «ما الموت؟ قال 8 : هو النوم الذي يأتيكم في كل ليلة ، إلاّ أنه طويل مدته ، لا ينتبه منه إلاّ يوم القيامة» (6).
    عظمة الجنة والنار :
    عن المنهال بن عمرو ، عنه 7 ، قال : «اذكروا من النار ما شئتم ، ولا تذكرون منها شيئاً إلاّ وهي أشد منه ، واذكروا من الجنّة ما شئتم ، ولا تذكرون منها شيئاً إلاّ وهي أفضل» (7).
    __________________
    (1) كفاية الأثر : 251.
    (2) اكمال الدين : 330 / 16.
    (3) الغيبة / النعماني : 237.
    (4) الغيبة / النعماني : 242.
    (5) الغيبة / النعماني : 288 و 315 ، عقد الدرر 1 : 49 و 64.
    (6) الاعتقادات / الشيخ الصدوق : 31.
    (7) تاريخ دمشق 45 : 282 ، سير أعلام النبلاء 4 : 405.

    وصف النار وأهلها :
    عن عمرو بن ثابت ، عن أبي جعفر الباقر 7 ، قال : «إن أهل النار يتعاوون فيها كما يتعاوى الكلاب والذئاب ممّا يلقون من ألم العذاب.
    ما ظنّك ـ ياعمرو ـ بقومٍ لا يقضى عليهم فيموتوا ، ولا يُخفف عنهم من عذابها ، عطاش فيها جياع ، كليلة أبصارهم ، صم بكم عمي ، مُسودّة وجوههم ، خاسئين فيها نادمين ، مغضوبٌ عليهم فلا يرحمون ، ومن العذاب لا يُخفّف عنهم ، وفي النار يُسجرون ، ومن الحميم يشربون ، ومن الزقوم يأكلون ، وبكلاليب النار يخطمون ، وبالمقامع يضربون ، والملائكة الغلاظ الشداد لا يرحمون ، فهم في النار يسحبون على وجوههم ، ومع الشياطين يقرنون ، وفي الأنكال (2) والأغلال يصفدون ، إن دعوا لم يُستجب لهم ، وإن سألوا حاجة لم تقضَ لهم ، هذه حال من دخل النار» (3).
    وعن زرارة ، عن أبي جعفر الباقر 7 ، قال : «إنّ رسول اللّه 9 حيث أسري به إلى السماء لم يمر بخلق من خلق اللّه إلاّ رأى منه ما يحب من البِشر واللطف والسرور به حتى مرّ بخلق من خلق اللّه ، فلم يلتفت إليه ، ولم يقل له شيئا ، فوجده قاطبا عابسا ، فقال : يا جبرئيل ، ما مررت بخلق من خلق اللّه إلاّ رأيت البشر واللطف والسرور منه إلاّ هذا ، فمن هذا؟ قال : هذا مالك خازن النار ، وهكذا خلقه ربّه. قال : فإنّي أحبّ أن تطلب إليه أن يريني النار. فقال له جبرئيل : إنّ هذا محمّدا رسول اللّه ، وقد سألني أن
    __________________
    (2) الأنكال : جمع نكل ، القيد الشديد.
    (3) أمالي الصدوق : 651 / 886.

    أطلب إليك أن تريه النار. قال : فأخرج له عنقا منها (1) فرآها ، فما افترَّ ضاحكا (2) حتى قبضه اللّه عزّوجلّ» (3).
    4 ـ مجابهة البدع والمفاهيم الخاطئة :
    الابتداع شرك وضلال :
    قام الإمام الباقر 7 بدور بارز في الدفاع عن العقيدة الإسلامية المتمثلة بالكتاب الكريم وسنة النبي المصطفى 9 ، وجعلهما الميزان في تقييم الأعمال وإن كل ما خالفهما فهو بدعة وضلال (4).
    وعلى ضوء ذلك بين لأصحابه عدم مشروعية صلاة الضحى وصلاة التراويح جماعة في شهر رمضان ، فقد سأل زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل أبا جعفر الباقر وأبا عبد اللّه الصادق 8 عن الصلاة في شهر رمضان نافلة بالليل جماعة ، فقالا : «إن النبي 9 كان إذا صلّى العشاء الآخرة انصرف إلى منزله ، ثم يخرج من آخر الليل إلى المسجد فيقوم فيصلّي ، فخرج في أول ليلة من شهر رمضان ليصلّي ، كما كان يصلّي ، فاصطفّ الناس خلفه ، فهرب منهم إلى بيته وتركهم ، ففعلوا ذلك ثلاث ليال ، فقام 9 في اليوم الثالث على منبره ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، إن الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في جماعة بدعة ، وصلاة الضحى بدعة ، ألا فلا تجتمعوا ليلاً في شهر رمضان لصلاة الليل ، ولا تصلّوا صلاة الضحى ، فإن تلك معصية ، ألا
    __________________
    (1) أي طائفة منها.
    (2) أي ابتسم وبدت ثناياه.
    (3) أمالي الصدوق : 697 / 952.
    (4) يُنظر : أُصول الكافي 1 : 56 / 8 ، وعقاب الأعمال : 578 / 3.

    فإن كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة سبيلها إلى النار ، ثم نزل 9 وهو يقول : قليل في سُنّة خير من كثير في بدعة» (1).
    وعن أبي جعفر 7 أن رجلاً من الأنصار سأله عن صلاة الضحى ، فقال : «أول من ابتدعها قومك الأنصار ، سمعوا قول رسول اللّه 9 : صلاة في مسجدي تعدل ألف صلاة ، فكانوا يأتون من ضياعهم ضحى فيدخلون المسجد فيصلون فيه ، فبلغ ذلك رسول اللّه 9 ، فنهاهم عنه» (2).
    ادعاءات وأباطيل :
    عمل الحاكم الأموي على تصدير أكذوبة مفادها أن الكعبة تسجد لبيت المقدس في كل غداة ، وأخرى أن اللّه تبارك وتعالى ، أو أن رسول اللّه 9 ، حيث صعد إلى السماء ، وضع قدمه على صخرة بيت المقدس ، وتمّ وضع الأحاديث على هذا المنوال ، حين منع عبد الملك بن مروان أهل الشام من الحج أيام كانت مكة بيد ابن الزبير ، فجعل عبد الملك يجبرهم على تغيير وجهة الحج إلى بيت المقدس تحت غطاء أمثال هذه الأحاديث التي تفضل البيت على الكعبة.
    قال اليعقوبي : منع عبد الملك أهل الشام من الحج ، وذلك أن ابن الزبير كان يأخذهم اذا حجوا بالبيعة ، فلما رأى عبد الملك ذلك منعهم من الخروج إلى مكة ، فضج الناس ، وقالوا : تمنعنا من حج بيت اللّه الحرام ، وهو فرض من اللّه علينا!
    فقال لهم : هذا ابن شهاب الزهري يحدثكم أن رسول اللّه قال : لا تشدّ
    __________________
    (1) من لايحضره الفقيه 2 : 137 / 1964 ، الاستبصار 1 : 467 / 1807 ، تهذيب الأحكام 3 : 226.
    (2) دعائم الإسلام 1 : 214.

    الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي ، ومسجد بيت المقدس. وهو يقوم لكم مقام المسجد الحرام ، وهذه الصخرة التي يروى أن رسول اللّه وضع قدمه عليها ، لما صعد إلى السماء ، تقوم لكم مقام الكعبة ، فبنى على الصخرة قبة ، وعلق عليها ستور الديباج ، وأقام لها سدنة ، وأخذ الناس بأن يطوفوا حولها كما يطوفون حول الكعبة ، وأقام بذلك أيام بني أمية (1).
    وكان موقف الإمام الباقر 7 يسير باتجاه تكذيب أمثال هذه الأباطيل.
    عن زرارة ، قال : كنت قاعداً إلى جنب أبي جعفر 7 وهو محتب مستقبل الكعبة ، فقال : «أما أن النظر إليها عبادة ، فجاءه رجل من بجيلة يقال له : عاصم بن عمر ، فقال لأبي جعفر 7 : إن كعب الأحبار كان يقول : إن الكعبة تسجد لبيت المقدس في كل غداة. فقال أبو جعفر 7 : فما تقول فيما قال كعب؟ فقال : صدق ، القول ما قال كعب. فقال أبو جعفر 7 : كذبت وكذب كعب الأحبار معك ، وغضب. قال زرارة : ما رأيته استقبل أحداً بقول كذبت غيره. ثم قال : ما خلق اللّه عزوجل بقعة في الأرض أحب إليه منها ـ ثم أومأ بيده نحو الكعبة ـ ولا أكرم على اللّه عزوجل منها ، لها حرّم اللّه الأشهر الحرم في كتابه يوم خلق السماوات والأرض ، ثلاثة متوالية للحج : شوال وذو القعدة وذو الحجة ، وشهر مفرد للعمرة وهو رجب» (2).
    وروى جابر بن يزيد الجعفي ، قال : قال محمد بن علي الباقر 8 : «يا جابر ، ما أعظم فرية أهل الشام على اللّه عزّوجلّ! يزعمون أن اللّه تبارك وتعالى حيث صعد إلى السماء ، وضع قدمه على صخرة بيت
    __________________
    (1) تاريخ اليعقوبي 2 : 261.
    (2) الكافي 4 : 239 / 1.

    المقدس ، ولقد وضع عبد من عباد اللّه قدمه على حجره ، فأمرنا اللّه تبارك وتعالى أن نتخذه مصلّى. يا جابر ، إن اللّه تبارك وتعالى لا نظير له ولا شبيه ، تعالى عن صفة الواصفين ، وجل عن أوهام المتوهّمين ، واحتجب عن أعين الناظرين ، لا يزول مع الزائلين ، ولا يأفل مع الآفلين ، ليس كمثله شيء ، وهو السميع العليم» (1).
    ومن الأباطيل التي روّج لها الحاكم الأموي قولهم قبّحهم اللّه : إن أبا طالب في ضحضاح من نار ، للطعن بايمانه ، والحط من أهل بيته ، وقد رد الإمام الباقر 7 هذه الفرية بشدة ، فقد سئل 7 عما يقوله حثالة الناس : إن أبا طالب في ضحضاح من نار. فقال : «لو وضع إيمان أبي طالب في كفة ميزان ، وإيمان هذا الخلق في كفة أخرى لرجح إيمانه. ثم قال : ألم تعلموا أن أمير المؤمنين علياً 7 كان يأمر أن يحج عن عبد اللّه وابنه وأبي طالب في حياته ، ثم أوصى في وصيته بالحج عنهم» (2).
    وقد قدمنا في الفصل الأول أن حكام بني أمية وعمالهم عملوا على النيل من مقام النبوة ، والاستخفاف بزوار قبر رسول اللّه 9 بالمدينة (3).
    وإزاء ذلك قدم الإمام الباقر دروساً عملية في مشروعية زيارة قبر النبي 9 وقبور الأئمة المعصومين من أهل البيت : وشدَّ الرحال إليهم ، والتوسل والاستشفاع بهم ، منها حديث الإمام الباقر 7 عن أبيه علي بن
    __________________
    (1) التوحيد : 179.
    (2) شرح نهج البلاغة 14 : 68.
    (3) شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد 15 : 242.

    الحسين 8 ، أنّه كان يقف على قبر النبي 9 ويلتزق بالقبر (1).
    وروى ابن عساكر بالاسناد عن قيس بن النعمان أنه خرج يوماً إلى بعض مقابر المدينة ، فوجد الإمام الباقر 7 جالساً عند قبر أبيه يبكي بكاءً شديداً ، وأن وجهه ليلقي شعاعاً من نور ، فقال له في بعض حديثه : «هذا قبر أبي ، فأي أنس آنس من قربه ، وأي وحشة تكون معه». قال قيس : فانصرفت وما تركت زيارة القبور مذ ذاك (2).
    تصحيح مقولات خاطئة :
    مارس الإمام الباقر 7 عملية تصحيح لبعض المقولات الخاطئة الجارية على ألسن الناس ، فقال يوماً رجل عنده : اللهم أغننا عن جميع خلقك. فقال أبو جعفر 7 : «لا تقل هكذا. ولكن قل : اللهم أغننا عن شرار خلقك ، فإن المؤمن لا يستغني عن أخيه» (3).
    وقال 7 : «كم من رجل قد لقي رجلاً فقال له : كب اللّه عدوك ، وما له من عدو إلاّ اللّه» (4).
    مواجهة حركة الغلو :
    إن حركة الغلو من الاتجاهات المدمرة في الفكر الإسلامي ، لذلك كان لأهل البيت : كلمتهم حيثما يظهر الغلو ، وهي كلمة واحدة أعلنوا فيها عن كفر الغلاة والحادهم ، ولعنوهم ودعوا أصحابهم إلى البراءة منهم ، لحرصهم على
    __________________
    (1) الكافي 4 : 551 / 2.
    (2) تاريخ دمشق 45 : 281.
    (3) تحف العقول : 293.
    (4) تحف العقول : 294.

    تنزيه تعاليم الإسلام من التشويه والتحريف والافتراء ، ولتصحيح المسار الإسلامي بكل ما حوى من علوم ومعارف واتجاهات ، ولم يدخروا في هذا السبيل وسعاً.
    وتصدّى الإمام الباقر 7 لحركة الغلو وحذر من مقالات الغلاة ، وفنّد ادعاءاتهم الباطلة.
    وهكذا فعل مع المغيرة بن سعيد ، روى سليمان الكناني ، عن أبي جعفر 7 ، أنه قال له : « هل تدري ما مثل المغيرة؟ قال : قلت : لا. قال : مثله مثل بلعم. قلت : ومن بلعم؟ قال : الذي قال اللّه عزّوجلّ : «الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ» (1) ».
    وأعلن الإمام الصادق 7 عن لعن المغيرة بن سعيد ، وحذر أصحابه مما كان يفتريه المغيرة على أبي جعفر 7 ، وصرح أنه كان يكذب على أبي جعفر 7 ، فأذاقه اللّه حر الحديد (2) ، وعرى ما دسه من الكفر والزندقة في كتب أصحابه (3). وكان من شيوع ذلك وذيوعه أن ذكره حتى الشعراء ، فقد جاء أبو هريرة العجلي الشاعر إلى الإمام الباقر 7 فأنشده :
    أبا جعفر أنت الولي أحبّه
    وأرضى بما ترضى به وأتابعُ

    أتتنا رجالٌ يحملون عليكمُ
    أحاديث قد ضاقت بهنّ الأضالعُ

    أحاديث أفشاها المغيرة فيهم
    وشر الأمور المحدثات البدائعُ (4)

    __________________
    (1) رجال الكشي 2 : 494 / 406 ، والآية من سورة الأعراف : 7 / 175.
    (2) رجال الكشي 2 : 436 و 489.
    (3) رجال الكشي 2 : 491 / 402.
    (4) مناقب آل أبي طالب 3 : 341 ، عيون الأخبار / ابن قتيبة 2 : 151.

    ولكي لا يقع أصحابه في متاهة الغلو وأحابيل أهله ومقالاتهم الباطلة ، أكّد الإمام الباقر 7 على المؤمنين أن لا يتجاوزوا الحدّ فيهم : ، ولا يغتروا بما يقوله الغلاة من نبوّتهم أو أُلوهيّتهم ، وأكد أنهم عبيد اللّه لا يشركون به شيئاً ، وما بينهم وبين اللّه من قرابة إلاّ بالطاعة ، وطلب من شيعته أن يكونوا النمرقة الوسطى ، يرجع إليهم الغالي ، ويلحق بهم التالي (1).
    * * *
    __________________
    (1) اعلام الدين : 143 ، و : 301 ، كشف الغمّة 2 : 362.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ   الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Emptyالأحد أكتوبر 27, 2024 6:11 am

    الفصل السابع
    اسهامه في العلوم
    أظهر باقر العلم 7 طاقات هائلة من العلم تركت بصماتها إلى اليوم ، في جل العلوم والمعارف التي أسهم فيها ، كعلوم القرآن والتفسير والحديث والأصول والفقه والتشريع والكلام والطب واللغة والأدب والسيرة والتاريخ والملاحم والحكم العالية والمواعظ السامية.
    قال الشيخ المفيد : روى أبو جعفر 7 أخبار المبتدأ وأخبار الأنبياء ، وكتب عنه الناس المغازي ، وأثروا عنه السنن ، واعتمدوا عليه في مناسك الحج التي رواها عن رسول اللّه 9 ، وكتبوا عنه تفسير القرآن ، وروت عنه الخاصة والعامة الأخبار ، وناظر من كان يرد عليه من أهل الآراء ، وحفظ عنه الناس كثيراً من علم الكلام (1).
    وقال أبو زهرة : كان 2 مفسراً للقرآن ، ومفسراً للفقه الإسلامي ، مدركاً حكمة الأوامر والنواهي ، فاهماً كل الفهم لمراميها ، وكان راوية للأحاديث ، يروي أحاديث آل البيت ، ويروي أحاديث الصحابة من غير تفرقة ، ولكمال نفسه ونور قلبه وقوة مداركه ، أنطقه اللّه تعالى بالحكم الرائعة ، ورويت عنه عبارات في الأخلاق الشخصية والاجتماعية ، ما لو نظم في سلك لتكون فيه
    __________________
    (1) الارشاد 2 : 163.

    مذهب خلقي سام ، يعلو بمن يأخذ به إلى مدارج السمو الإنساني (1).
    قال الشاعر :
    والخير كل الخير في لسانه
    والعلم كل العلم في بيانه

    منطقه منطقة الكمال
    ناطقة العدل والاعتدال

    بل هو مفتاح مفاتيح الهدى
    وعنده الغيب شهود أبدا

    به تجلت صفوة المعارف
    في قلب كل سالك وعارف (2)

    ويمكن الإشارة إلى انجازات الإمام الباقر 7 العلمية ضمن النقاط التالية :
    1 ـ الآثار العلمية المنسوبة إليه 7 :
    نسبت إلى الإمام أبي جعفر الباقر 7 مؤلّفات عدة ، رواها عنه أصحابه ، يتضمن غالبها علمي التفسير والحديث ، وهي كما يلي :
    1 ـ تفسير القرآن : رواه عنه 7 زياد بن المنذر ، أبو الجارود العبدي (3).
    2 ـ نسخة أحاديث : رواها عنه 7 خالد بن أبي كريمة (4).
    3 ـ نسخة أحاديث أخرى : رواها عنه 7 خالد بن طهمان ، أبو العلاء الخفّاف. قال مسلم بن الحجاج : أبو العلاء الخفاف له نسخة أحاديث ، رواها عن أبي جعفر 7 (5).
    4 ـ كتاب : رواه عنه عبد المؤمن بن القاسم الأنصاري (6).
    __________________
    (1) الإمام الصادق / محمد أبو زهرة : 24.
    (2) الأنوار القدسية : 75.
    (3) الفهرست للنديم : 36 ، الذريعة 4 : 262.
    (4) رجال النجاشي : 151 / 396.
    (5) رجال النجاشي : 151 / 397.
    (6) تأسيس الشيعة : 285.

    5 ـ كتاب : رواه زرارة بن أعين الشيباني (1).
    6 ـ رسالته 7 إلى سعد بن طريف الاسكاف الحنظلي ، وكان قاضياً (2).
    7 ـ رسالته 7 إلى سعد بن عبد الملك الأموي نسبا ، المعروف بسعد الخير ، وقد روى ثقة الإسلام الكليني هذه الرسالة بسندين (3).
    8 ـ نسخة الباقر والصادق 8 لأبي عثمان عمر بن جميع الأزدي البصري ، القاضي بالري ، ذكرها النجاشي مع سندها (4).
    9 ـ مناظرته 7 مع الهروي في خلافة أبي بكر ، وهي موجودة في مجموعة مع مناظرة ابن أبي جمهور ، ومناظرة ركن الدولة في المكتبة الرضوية (5).
    10 ـ ووصلت إلينا عدّة مناظرات وحوارات ساخنة للإمام الباقر 7 مع العلماء من مختلف أوساط الامة وغيرهم ، منها : مناظرته مع عمرو بن عبيد المعتزلي (6) ، وسالم التمار من البترية (7) ، ونافع بن الأزرق مولى عبد اللّه بن عمر (Cool ، وقتادة بن دعامة البصري (9) ، وطاوس اليماني (10) ، وعبد اللّه
    __________________
    (1) تأسيس الشيعة : 286.
    (2) رجال النجاشي : 178 ، نقد الرجال 2 : 309.
    (3) الكافي 8 : 53 / 16 و 17.
    (4) الذريعة 24 : 148.
    (5) كشف الحجب والأستار : 553 ، الذريعة 22 : 287.
    (6) روضة الواعظين : 203.
    (7) الاحتجاج 2 : 63.
    (Cool الكافي 8 : 120 / 93 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 330 ، الارشاد 2 : 164 ، الاحتجاج 2 : 57 ، روضة الواعظين : 204 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 330.
    (9) الكافي 6 : 256.
    (10) الاحتجاج 2 : 61 و 64 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 332.

    ابن عباس 2 (1) ، وهشام بن عبد الملك (2) ، والأبرش بن الوليد الكلبي وزير هشام بن عبد الملك (3) ، والخضر 7 (4) ، وعالم النصارى (5).
    11 ـ ونقلت عنه 7 مواعظ ووصايا ورسائل كثيرة ، سنعرض نماذج منها ومن المناظرات في آخر الفصل.
    2 ـ دوره في علوم القرآن :
    بيان فضل القرآن :
    تحدث الإمام الباقر 7 عن فضل القرآن ، ولا يخفى ما في ذلك من دفع باتجاه الاهتمام بالكتاب الكريم ، روى سعد الخفاف ، عن أبي جعفر 7 في حديث طويل عن فضل القرآن ، قال : «يا سعد ، تعلّموا القرآن ، فإن القرآن يأتي يوم القيامة في أحسن صورة نظر إليها الخلق ، والناس صفوف ، إلى أن قال : فيخر تحت العرش ، فيناديه تبارك وتعالى : يا حجّتي في الأرض وكلامي الصادق الناطق ، ارفع رأسك ، وسل تعط ، واشفع تشفع. فيرفع رأسه ، فيقول اللّه تبارك وتعالى : كيف رأيت عبادي؟ فيقول : يا رب ، منهم من صانني وحافظ عليّ ولم يضيّع شيئاً ، ومنهم من ضيّعني واستخفّ بحقّي
    __________________
    (1) مناقب آل أبي طالب 3 : 330.
    (2) دلائل الإمامة : 235 ، نوادر المعجزات : 131 ، الارشاد 2 : 163 ، تاريخ دمشق 45 : 279 ، الاحتجاج 2 : 57 ، شرح الأخبار 3 : 280 ، سير أعلام النبلاء 4 : 405 ، روضة الواعظين : 203.
    (3) الكافي 6 : 286 / 1 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 329.
    (4) مناقب آل أبي طالب 3 : 333 ، شرح الأخبار3 : 278 ، ونقله ابن حجر في الاصابة 2 : 264 ، عن كتاب أخبار مكة للفاكهي ، وكتاب النسب للزبيري.
    (5) الكافي 8 : 122 / 94 ، دلائل الإمامة : 229 / 157 ، الخرائج والجرائح 1 : 291.

    وكذب بي ، وأنا حجّتك على جميع خلقك. فيقول اللّه تبارك وتعالى : وعزّتي وجلالي وارتفاع مكاني ، لأثيبنّ عليك اليوم أحسن الثواب ، ولأعاقبنّ عليك اليوم أليم العقاب» (1).
    قراءته 7 :
    كان الإمام الباقر 7 كآبائه أحسن الناس قراءة وصوتاً ، روى معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه الصادق 7 ، قال : «إن أبا جعفر 7 كان أحسن الناس صوتاً بالقرآن ، وكان إذا قام من الليل وقرأ ، رفع صوته ، فيمر به مار الطريق من الساقين وغيرهم فيقومون فيستمعون إلى قراءته» (2). وقد أخذ عنه القراءة عرضاً بعض أصحابه منهم حمران بن أعين (3).
    شروط تلاوة القرآن :
    للإمام الباقر 7 وصايا في تحمّل القرآن وقراءته ، تتناغم مع قداسة هذا الكتاب العظيم ، وتحقيق أهدافه في تهذيب النفوس والأخذ بمجامع القلوب ، من هنا جدير بكل مسلم أن يجعل تلك الوصايا نصب عينه حينما يقرأ كتاب اللّه.
    قال أبو جعفر الباقر 7 : «قراء القرآن ثلاثة : رجل قرأ القرآن فاتخذه بضاعة ، واستدر به الملوك ، واستطال به على الناس ، ورجل قرأ القرآن فحفظ حروفه وضيع حدوده ، وأقامه اقامة القدح ، فلا كثّر اللّه هؤلاء من حملة القرآن. ورجل قرأ القرآن فوضع دواء القرآن على داء قلبه ، فأسهر به ليله ، وأظمأ به نهاره ، وقام به في مساجده ، وتجافى به عن فراشه ،
    __________________
    (1) الكافي 2 : 596 / 1.
    (2) مستطرفات السرائر / ابن ادريس : 97 / 17.
    (3) غاية النهاية / ابن الجزري 1 : 261.

    فبأولئك يدفع العزيز الجبار البلاء ، وباولئك يديل اللّه عز وجل من الأعداء ، وبأولئك ينزل اللّه عزوجل الغيث من السماء ، فواللّه لهؤلاء في قراء القرآن أعز من الكبريت الأحمر» (1).
    ثم قال 7 : «إذا قرأتم القرآن فبينوه تبياناً ، ولا تهذّوه (2) هذاً كهذّ الشعر ، ولا تنثروه نثر الرمل ، ولكن افرغوا له القلوب القاسية. ولا يكن هم أحدكم آخر السورة ، واقرءوه بألحان العرب وأصواتها ، واياكم ولحون أهل الكبائر ، وأعربوا به فإنّه عربي ، ولا تقرأوه هذرمة (3) ، وإذا مررتم بآية فيها ذكر الجنة فقفوا عندها واسألوا اللّه الجنة ، وإذا مررتم بآية فيها ذكر النار فقفوا عندها وتعوذوا باللّه من النار ، وحزّنوه بأصواتكم ، فإن اللّه تعالى أوحى إلى موسى بن عمران 7 : إذا وقفت بين يدي فقف موقف الذليل الفقير ، وإذا قرأت التوراة فاسمعنيها بصوت حزين» (4).
    وعن جابر ، عن أبي جعفر الباقر 7 ، قال : «قلت له : إنّ قوما إذا ذُكّروا بشيء من القرآن أو حدثوا به صعق أحدهم حتى يرى أنّه لو قطعت يداه ورجلاه لم يشعر بذلك. فقال : سبحان اللّه! ذاك من الشيطان ، ما بهذا أمروا ، إنّما هو اللين والرقة والدمعة والوجل» (5).
    وعن أبي بصير عنه 7 : «ورجّع بالقرآن صوتك ، فإن اللّه يحبّ الصوت
    __________________
    (1) الكافي 2 : 627 / 1 ، أعلام الدين : 101.
    (2) الهذ : السرعة في القطع والقراءة.
    (3) الهذرمة : سرعة القراءة.
    (4) أعلام الدين : 101.
    (5) أمالي الصدوق : 328 / 387.

    الحسن يرجع فيه ترجيعاً» (1).
    التفسير :
    تعدّ الأخبار الواردة في التفسير عن أهل البيت : بالأسانيد المعتمدة من أوثق مصادر التفسير ، وأثبتت الدلائل أنهم الأقدر على تفسير آي الكتاب وإدراك مضامينها وفهم دقائقها ، لأنهم أعدال الكتاب الذين قرن رسول اللّه 9 بينهم وبينه ، وذكر أنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض.
    وأكد الإمام الباقر 7 هذه الحقيقة في أكثر من مناسبة ، فقال 7 : «إن رسول اللّه 9 أفضل الراسخين في العلم ، فقد علم جميع ما أنزل اللّه عليه من التنزيل والتأويل ، وما كان اللّه لينزل عليه شيئاً لم يعلمّه إياه ، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كلّه» (2).
    وعن جابر ، عن أبي جعفر 7 أنه قال : «ما يستطيع أحد أن يدّعي أن عنده جميع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الأوصياء» (3). أي أن العلم بجميع القرآن من حيث معانيه الظاهرة ومعانيه الباطنة منحصر بهم :.
    من هنا فإن الحديث عن تفسير الإمام الباقر 7 واسع بسعة التفسير المأثور عنه ، لكننا سوف نقتصر على بيان بعض الأمثلة من التفسير الوارد عن الإمام الباقر 7.
    1 ـ عن محمد بن مسلم ، قال : «سألت أبا جعفر 7 ، فقلت : قوله
    __________________
    (1) الكافي 2 : 616 / 13.
    (2) تفسير القمي 1 : 96 ، تفسير العياشي 1 : 164 / 6.
    (3) الكافي 1 : 228 / 2.

    عزوجل : «يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ» (1). فقال 7 : اليد في كلام العرب القوّة والنعمة ، قال اللّه : «وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الاْءَيْدِ» (2) ، وقال : «وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ» (3) ، أي : بقوّة ، وقال : «وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ» (4) ، أي قوّاهم ، ويقال : لفلان عندي أيادٍ كثيرة. أي فواضل واحسان ، وله عندي يد بيضاء ، أي نعمة» (5).
    2 ـ وعن زرارة ومحمّد بن مسلم : أنّهما قالا : قلنا لأبي جعفر 7 : «ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي ، وكم هي؟ فقال : إن اللّه عزوجل يقول : «وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الاْءَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاة» (6) ، فصار التقصير في السفر واجباً كوجوب التمام في الحضر.
    قالا : قلنا : إنما قال اللّه عزوجل : «فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ» ، ولم يقل : افعلوا ، فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام في الحضر؟ فقال : أو ليس قد قال اللّه عزّوجلّ في الصفا والمروة : «فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا» (7)؟ ألا ترون أن الطواف بهما واجب مفروض؟ لأن اللّه عزّوجلّ ذكره في كتابه وصنعه نبيه 9 ، وكذلك التقصير في السفر شيء
    __________________
    (1) سورة ص : 38 / 75.
    (2) سورة ص : 38 / 17.
    (3) سورة الذاريات : 51 / 47.
    (4) سورة المجادلة : 58 / 22.
    (5) التوحيد : 153 / 1.
    (6) سورة النساء : 4 / 101.
    (7) سورة البقرة : 2 / 158.

    صنعه النبي 9 وذكره اللّه تعالى في كتابه» (1).
    3 ـ وفي حديث نافع بن الأزرق أنه سأل الباقر 7 عن مسائل ، منها قوله تعالى : «وَاسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ» (2) من الذي يسأل محمد 9 ، وكان بينه وبين عيسى خمس مائة سنة؟ قال : فقرأ أبو جعفر 7 : «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً» (3) ثم ذكر اجتماعه بالمرسلين والصلاة بهم في المسجد الأقصى وسؤاله منهم على من يشهدون ، وما كانوا يعبدون. قالوا : نشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وحده لا شريك له ، وأنك رسول اللّه ، أخذت على ذلك عهودنا ومواثيقنا (4).
    أولاً : القول بسلامة القرآن من النقصان ، وأنه الذي بأيدي المسلمين مابين الدفتين ، وقد حرص أهل البيت : في الحفاظ على سلامة القرآن من التحريف ، وعدم ضياع أي حرف منه.
    وصرح الإمام الباقر 7 في رسالته إلى سعد الخير أن التحريف المزعوم في الكتاب الكريم إنما يقع من الجهال في شرحه وتفسيره ، لا في حروفه ، قال 7 : «كان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه ، وحرفوا حدوده ، فهم يروونه ولا يرعونه ، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية ، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية» (5).
    __________________
    (1) من لا يحضره الفقيه 1 : 278 / 1266.
    (2) سورة الزخرف : 43 / 45.
    (3) سورة الاسراء : 17 / 1.
    (4) الكافي 8 : 103 ـ 104 / 93 ، الاحتجاج 2 : 60 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 333.
    (5) الكافي 8 : 56 / 17.

    وفي هذا السياق ، نفى الإمام الباقر 7 أن يكون القرآن نزل على سبعة أحرف ، عن زرارة ، عن أبي جعفر 7 قال : «إن القرآن واحد ، نزل من عند واحد ، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة» (1). فالأحرف المدعاة إنما هي أخبار آحاد واختلاف من قبل الرواة ، والقرآن لا اختلاف فيه من حيث صورة ألفاظه ، بل نزل بلغة واحدة ، وعلى قراءة واحدة ، هي لغة قريش ، لقوله تعالى : «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ» (2) وكان رسول اللّه 9 قرشياً.
    رابعاً : تأويل المتشابه الذي يعارض العقائد الإسلامية التي أرادها اللّه ورسوله 9 ، بمعانٍ مناسبة لجوّ الآيات والروايات ، مثل تنزيه الخالق عن التجسيم التشبيه والتعطيل ، وتنزيه الأنبياء عن المعاصي ، واستحالة روءية الخالق في الدنيا والآخرة ، والأمر بين الأمرين وغيرها من عقائد الإسلام الأصيل ، وذلك بالاستفادة من معاني الكلمات المجازية عند العرب ، أو من الآيات الأخرى التي تكمل بمجموعها معنى النص القرآني ، كما في تأويل الإمام الباقر 7 لكلمة اليد في الحديث المتقدم.
    ومثال تنزيه الخالق من صفة المخلوق ، ما سأل عمرو بن عبيد الإمام الباقر 7 ، عن قول اللّه تبارك وتعالى : «وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى» (3) ، ما ذلك الغضب؟ فقال أبو جعفر 7 : «هو العقاب. يا عمرو ، إنه من زعم أن اللّه قد زال من شيء إلى شيء فقد وصفه صفة مخلوق ، وإنّ اللّه تعالى
    __________________
    (1) الكافي 2 : 630 / 12.
    (2) سورة إبراهيم : 14 / 4.
    (3) سورة طه : 20 / 81.

    لا يستفزّه شيء فيغيره» (1).
    وعن أبي حمزة ، عن أبي جعفر 7 ، قال : في قول اللّه عزوجل : «كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ» (2) ، قال : «فيهلك كل شيء ويبقى وجه اللّه عزوجل ، واللّه أعظم من أن يوصف؟! ولكن معناها كل شيء هالك إلاّ دينه ، ونحن الوجه الذي يؤتى اللّه منه» (3).
    ومثال على مبدأ الأمر بين الأمرين ، وهو مبدأ وسط بين الجبر والتفويض ، ما رواه جابر بن يزيد الجعفي ، عن أبي جعفر الباقر 7 ، قال : «سألته عن معنى (لا حول ولا قوة إلاّ باللّه ). فقال : معناه : لا حول لنا عن معصية اللّه إلاّ بعون اللّه ، ولا قوة لنا على طاعة اللّه إلاّ بتوفيق اللّه عزوجل» (4). فلا تفويض مطلق ، ولا جبر مطلق ، بل إن للإنسان حولاً وقوةً ، لكنهما خاضعان للإرادة الإلهية ، وعلى أساس هذا الاتجاه من الوعي فسروا آيات القرآن ، ونفوا عن كلام اللّه تعالى كل ما يفهم منه الجبر أو التفويض.
    خامساً : النهي عن التفسير بالرأي ، ويراد به الأخذ بالاعتبارات الظنية في التفسير ، يقول شيخ الطائفة الطوسي في مقدمة تفسيره : ان تفسير القرآن لا يجوز إلاّ بالأثر الصحيح عن النبي 9 وعن الأئمة : الذين قولهم حجة كقول النبي (5).
    __________________
    (1) الكافي 1 : 110 / 5.
    (2) سورة القصص : 28 / 88.
    (3) اكمال الدين : 231 / 33 ، المحاسن1 : 218 / 116 ، بصائرالدرجات : 85 / 3 و 5.
    (4) التوحيد : 242 / 3 ، معاني الأخبار : 21 ، الاحتجاج : 412.
    (5) التبيان 1 : 4.

    وقد نهى الإمام أبو جعفر 7 عن الأحتكام إلى الحدس والظن والتخمين في التفسير ، أو أن يفسره الإنسان بذوقه ومن تلقاء نفسه ، في عدة أحاديث ، منها ما رواه ثقة الإسلام الكليني عن زيد الشحام ، قال : «دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر 7 فقال : يا قتادة ، أنت فقيه أهل البصرة؟ قال : هكذا يزعمون. فقال أبو جعفر 7 : بلغني أنك تفسر القرآن؟ فقال له قتادة : نعم. فقال له أبو جعفر 7 : بعلم تفسره أم بجهل؟ قال : لا ، بعلم. فقال له أبو جعفر 7 : فإن كنت تفسره بعلم ، فأنت أنت ، وأنا أسألك؟ قال قتادة : سل. قال : أخبرني عن قول اللّه عزوجل في سبأ : «وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ» (1). فقال قتادة : ذلك من خرج من بيته بزاد حلال وراحلة وكراء حلال ، يريد هذا البيت ، كان آمنا حتى يرجع إلى أهله. فقال أبو جعفر 7 : نشدتك اللّه يا قتادة ، هل تعلم أنه قد يخرج الرجل من بيته بزاد حلال وراحلة وكراء حلال يريد هذا البيت ، فيقطع عليه الطريق ، فتذهب نفقته ويضرب مع ذلك ضربة فيها اجتياحه؟ قال قتادة : اللهم نعم.
    فقال أبو جعفر 7 : ويحك يا قتادة ، إن كنت إنما فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت ، وإن كنت قد أخذته من الرجال فقد هلكت وأهلكت. ويحك يا قتادة ، ذلك من خرج من بيته بزاد وراحلة وكراء حلال يروم هذا البيت عارفاً بحقنا ، يهوانا قلبه ، كما قال اللّه عزّوجلّ : «فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ» (2) ولم يعن البيت فيقول : إليه ، فنحن واللّه دعوة إبراهيم 7 التي من هوانا قلبه قبلت حجّته
    __________________
    (1) سورة سبأ : 34 / 18.
    (2) سورة إبراهيم : 14 / 37.

    وإلاّ فلا ، يا قتادة فإذا كان كذلك كان آمناً من عذاب جهنّم يوم القيامة. قال قتادة : لا جرم واللّه لا فسرتها إلاّ هكذا.
    فقال أبو جعفر 7 : ويحك يا قتادة ، إنما يعرف القرآن من خُوطب به» (1).
    وهنا يحصر الإمام أبو جعفر 7 ، معرفة الكتاب العزيز تفسيراً وتأويلاً وعلى درجة الكمال بالمعصومين من أهل البيت : دون سواهم ، باعتبارهم المخاطبين الذين نزل الكتاب في بيوتهم ، وعليه لا يجوز تفسير القرآن بغير علم ، وهو المستفاد من قوله 7 : «فإن كنت تفسره بعلم ، فأنت أنت» ، وقوله 7 : «ما علمتم فقولوا ، وما لم تعلموا فقولوا : اللّه أعلم ، ان الرجل لينزع بالآية من القرآن يخر فيها أبعد من السماء» (2). لأن التفسير الخالي من الدليل العلمي الواضح والبرهان القطعي يعتمد على الظن الذي لا يغني عن الحقّ شيئاً.
    حجم تراثه التفسيري :
    أما من حيث حجم التفسير المأثور عن الإمام الباقر 7 ، فقد ترك تراثاً هائلاً من الروايات والأخبار التي تدخل في باب التفسير ، ويشكل هذا التراث أهم عناصر التفاسير الأثرية ، مثل تفسير فرات الكوفي ، والعياشي ، وعلي بن ابراهيم القمي.
    وأورد تفسيره للآيات علماء التفسير على اختلاف مشاربهم وأطيافهم الشيء الكثير ، كالطبري وسفيان الثوري والثعلبي والبغوي وابن كثير والشوكاني والسيوطي والنقاش والزمخشري وغيرهم.
    __________________
    (1) الكافي 8 : 311 / 485.
    (2) المحاسن 1 : 206 / 62.

    أما تفسيره المبثوث في مصادر الحديث وغيرها ، فقد جمعها السيد هاشم البحراني في (البرهان) والعروسي في (نور الثقلين) وهما يتضمنان المزيد من التفسير الأثري الوارد عن الإمام الباقر 7.
    وراجعنا معجم تفسير أهل البيت : الذي أسهمنا في اعداده خلال عملنا في قسم الدراسات الإسلامية التابع إلى مؤسسة البعثة ، من خلال تتبّع 177 مصدراً من مصادر المسلمين ، عدا مصادر التفسير ، فأحصينا فيه 2680 مورداً منقولاً عن الإمام الباقر 7 في تفسر آي القرآن ، وهو يعكس عظمة جهود الإمام 7 في تفسير الكتاب الكريم.
    ومن جملة جهود الإمام الباقر 7 في هذا السياق ، أنه ألف كتاباً في التفسير ، ذكره ابن النديم في الفهرست ، وقال : رواه عنه أبو الجارود زياد بن المنذر ، رئيس الجارودية الزيدية (1). وألف جابر بن يزيد الجعفي كتاباً في تفسير القرآن ، أخذه من الإمام الباقر 7 ، وكان أبو النضر محمد بن السائب بن بشر الكلبي أول من صنف في علم أحكام القرآن ، وله تفسير كبير ، وأبو بصير يحيى بن أبي القاسم الأسدي ، له تفسير ، وأبو حمزة الثمالي ، له تفسير ، وصنف أبان بن تغلب في معاني القرآن (2) ، وتفسير غريب القرآن. ولا ريب أن جهود أصحاب الإمام في هذا الاتجاه ، تعكس مقدار اهتمام الإمام 7 بعلم التفسير ، لأنه صاحب مدرسة تمتد إلى مختلف ديار الإسلام.
    تنقية التفسير :
    أسهم الإمام الباقر 7 في تنقية التفسير مما وفد إلى رحابه من آثار
    __________________
    (1) الفهرست : 36.
    (2) ذكره ابن النديم في الفهرست : 308.

    إسرائيلية ، وأقوال المغرضين والجهال من أهل الهوى وغيرهم.
    قال الباقر 7 لجابر الجعفي : «ما يقول فقهاء العراق في قوله تعالى : «لَوْلاَ أَنْ رَءَا بُرْهَانَ رَبِّهِ» (1)؟ قال : رأى يعقوب عاضاً على إبهامه. فقال : لا ، حدثني أبي عن جدي علي بن أبي طالب 8 أن البرهان الذي رآه أنها حين همت به وهم بها ، قامت إلى صنم لها مكلل بالدر والياقوت في ناحية البيت فسترته بثوب أبيض خشية أن يراها ، أو استحياء منه. فقال لها يوسف 7 : ما هذا؟ فقالت : الهي أستحي منه أن يراني على هذه الصورة. فقال يوسف 7 : تستحين من صنم لا ينفع ولا يضر ، ولا يسمع ولا يبصر ، أفلا أستحي أنا من إلهي الذي هو قائم على كل نفس بما كسبت؟ ثم قال : واللّه لا تنالين مني أبداً ، فهو البرهان» (2).
    وعن محمد بن عطية ، قال : «جاء رجل إلى أبي جعفر 7 من أهل الشام من علمائهم ، فقال له : يا أبا جعفر ، قول اللّه تعالى : «أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالاْءَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا» (3)؟ فقال له أبو جعفر 7 : فلعلك تزعم أنهما كانتا رتقاً ملتزقتين ملتصقتين ففتقت احداهما من الأخرى؟ فقال : نعم. فقال أبو جعفر 7 : استغفر ربك ، فإنّ قول اللّه عزوجل : «كَانَتَا رَتْقاً»يقول : كانت السماء رتقاً لا تنزل المطر ، وكانت الأرض رتقاً لا تنبت الحبّ ، فلمّا خلق اللّه تبارك وتعالى الخلق وبثّ فيها من كلّ دابة ، فتق السماء بالمطر ، والأرض بنبات الحبّ. فقال الشامي : أشهد أنك من ولد الأنبياء ، وأنّ علمك
    __________________
    (1) سورة يوسف : 12 / 24.
    (2) البداية والنهاية 9 : 340.
    (3) سورة الأنبياء : 21 / 30.

    علمهم» (1).
    وسأله الأبرش الكلبي عن قول اللّه عزوجل : «وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ» (2). فقال أبو جعفر 7 : «ما قيل لك؟ فقال : قالوا : الشاهد يوم الجمعة ، والمشهود يوم عرفة.
    فقال أبو جعفر 7 : ليس كما قيل لك ، الشاهد يوم عرفة ، والمشهود يوم القيامة ، أما تقرأ القرآن؟ قال اللّه عزوجل : «ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ» (3).
    3 ـ دوره في علوم الحديث :
    يشكل الحديث أولى الاهتمامات العلمية للإمام أبو جعفر الباقر 7 ، فربى جيلاً من حملة الحديث الثقات ، وحمّلهم حديث جده وآبائه المعصومين : ، كي يحفظونه من الضياع والتحريف ، منهم بريد بن معاوية العجلي ، وأبو بصير بن ليث البختري ، وجابر الجعفي ، ومحمد بن مسلم ، وزرارة بن أعين وغيرهم ، ذلك لكون الحديث ثاني ركائز التشريع ومنابع الفكر الديني بعد كتاب اللّه تعالى ، من هنا يمكن أن نتلمس دور الإمام 7 في هذا الاتجاه بما يلي :
    رواية الحديث ودرايته :
    هناك جملة قواعد في رواية الحديث أكد عليها الإمام الباقر 7 في حديثه ، وهي تحكي مدى عنايته بثاني أثافي التشريع الإسلامي ، وأضحت
    __________________
    (1) الكافي 8 : 95 / 67.
    (2) سورة البروج : 85 / 3.
    (3) معاني الأخبار : 299 / 5 ، والآية من سورة هود : 11 / 103.

    بعض تلك القواعد فيما بعد من جملة القواعد التي تبحث في أصول الفقه الذي وضع الإمام الباقر 7 حجره الأساس.
    ومن تلك القواعد الوقوف عند الشبهات ، حيث يلتبس وجه الحق بالباطل ، سيما في مجال العقيدة والمسؤلية الشرعية ، عن أبي سعيد الزهري ، عن أبي جعفر 7 ، قال : «الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ، وتركك حديثاً لم تروه خير من روايتك حديثاً لم تحصه» (1).
    فإذا كان ثمة حالة يشتبه فيها الأمر عليك ، فلا تملك وضوحا في معرفة الخير والشر ، أو الصلاح والفساد ، أو الحق والباطل ، فإن عليك أن تقف لتبحث وتسأل وتتثبت ، حتى تعرف الحقيقة التي تضيء لك الموقف كله ، أما اذا ألقيت نفسك في الشبهة ، وأصدرت الأحكام بلا رويّة ، فقد تنتظرك الهلكة التي قد تقع فيها وأنت لا تعلم.
    واذا أردت أن تنقل حديثا ، فان عليك أن تعرفه ، وأن تحفظ عناصره كلها ، متناً وسنداً من غير تبديل وتغيير مخل بالمعنى المقصود ، لتكون دقيقا في نقله ، وواعيا لمفاهيمه وعناصره ، لا أن تنقله كيفما اتفق ، بل إن ترك رواية حديث لم تنقله بعناصره المذكورة خير من روايتك إيّاه ، لأنك إن رويته هلكت وأهلكت الناس المتابعين لك فيما ليس لك به علم ، وإن تركت روايته سلمت وسلم الناس من الوقوع في الضلال.
    وعلى نفس المنوال اهتم الإمام الباقر 7 بضرورة إدراك الحديث والوقوف على مضامينه ، وجعل ذلك ميزاناً للتفاضل بين الرواة ، ودليلاً على سمو منزلتهم العلمية.
    __________________
    (1) الكافي 1 : 50 / 9 ، المحاسن 1 : 215.

    روى الشيخ الصدوق عن بريد الرزاز ، عن أبي عبد اللّه 7 ، قال : «قال أبو جعفر 7 : يا بني ، أعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم ، فإن المعرفة هي الدراية للرواية ، وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان ، إني نظرت في كتاب لعلي 7 فوجدت في الكتاب : أن قيمة كل امرء وقدره معرفته ، إن اللّه تبارك وتعالى يحاسب الناس على قدر ما آتاهم من العقول في دار الدنيا» (1).
    كما أكد على تحري الدقة في الرواية ، وأن تكون عن الثقات الصادقين ، قال الباقر 7 : «يا جابر ، واللّه لحديث تصيبه من صادق في حلال وحرام ، خير لك مما طلعت عليه الشمس حتى تغرب» (2).
    وقد صنف أحد أصحاب الإمام الباقر 7 كتاباً بعنوان (من الأصول في الرواية على مذاهب الشيعة) ذكره ابن النديم في الفهرست (3) ، وهو يعكس مدى اهتمام الإمام 7 وأصحابه بمبادئ الرواية والدراية.
    عرض الحديث وتدوينه :
    أكد الإمام الباقر 7 ضرورة عرض وقراءة الكتب على مشيخة الحديث ، وعدّ ذلك بمثابة السماع منهم ، عن داود بن عطاء المديني ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه 8 ، قال : «عرض الكتاب والحديث سواء» (4).
    وعلى ضوء ذلك بادر بعض الأصحاب إلى عرض كتبهم على الإمام 7
    __________________
    (1) معاني الأخبار : 1.
    (2) الكافي 1 : 7.
    (3) الفهرست : 276.
    (4) سنن الدارمي 1 : 152 ، الكفاية في علم الرواية / الخطيب : 301.

    بهدف توثيقها وتصحيحها ، قال الشيخ الطوسي في ترجمة عبيد بن محمد بن قيس البجلي : «له كتاب ، يرويه عن أبيه ... وقال أبوه : عرضنا هذا الكتاب على أبي جعفر محمد بن علي الباقر 8 ، فقال : هذا قول أمير المؤمنين 7 ، انّه كان يقول إذا صلّى قال في أول الصلاة ... وذكر الكتاب» (1).
    إلى جانب ذلك كان الإمام الباقر 7 يدعو أصحابه إلى ضرورة تدوين الحديث ووجوب كتابته ، وحفظه كما يحفظ الذهب والفضة ، كي لا يتعرض بتمادي الأيام إلى الضياع والنسيان ، عن جابر الجعفي ، قال : قلت لأبي جعفر 7 : «أقيد الحديث إذا سمعت؟ قال : إذا سمعت حديثاً من فقيه خير ممّا في الأرض من ذهب وفضة» (2). وقد حدث ذلك في وقت كان يعدّ خرقاً للحظر الذي فرضه الخلفاء على تدوين الحديث وروايته.
    ومارس الإمام الباقر 7 الكتابة بنفسه ، فقد ورد في أول الصحيفة السجادية أن السجاد 7 أملاها على ولده الإمام الباقر 7 وزيد الشهيد ، وكتباه بخطهما (3).
    ومارس الإمام 7 الكتابة للسنة ، قال عبد اللّه بن محمّد بن عقيل بن أبي طالب : كنت أختلف إلى جابر بن عبد اللّه ، أنا ، وأبو جعفر ، معنا ألواح نكتب فيها. وقال فنسأله عن سنن رسول اللّه 9 ، وعن صلاته ، فنكتب عنه» (4).
    __________________
    (1) الفهرست : 176.
    (2) أدب الاملاء والاستملاء / السمعاني : 67.
    (3) الذريعة 1 : 396.
    (4) تقييد العلم / للخطيب البغدادي : 104 ، المحدث الفاصل / الرامهرمزي : 370 ، سير أعلام النبلاء 4 : 403 ، تاريخ دمشق 45 : 277.

    ممارسة التصحيح :
    وضع الإمام الباقر 7 يده على الاختلاق الذي مارسه الحكام في ساحة الحديث الشريف ، منبهاً إلى أن كثيراً من أحاديث الفضائل التي رويت في السلف من الولاة موضوع ، وإن كانت قد رويت عن الثقات بتقادم الأيام ، وهم يعتقدون صحتها ، قال 7 لبعض أصحابه وهو يذكر ما لقوا من ظلم قريش : «حتى صار الرجل الذي يُذكر بالخير ، ولعله يكون ورعا صدوقا ، يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض مَن قد سلف من الولاة ، ولم يخلق اللّه تعالى شيئا منها ، ولا كانت وقعت ، وهو يحسب أنّها حقّ لكثرة من رواها ممّن لم يُعرف بالكذب ولابقلة ورع» (1).
    ومارس الإمام التصحيح لبعض السنن المنقولة على غير وجهها عن المعصومين ، ومنه ما رواه زرارة ، قال : «كنت عند أبي جعفر 7 وعنده رجل من الأنصار ، فمرت به جنازة ، فقام الأنصاري ولم يقم أبو جعفر 7 ، فقعدت معه ، ولم يزل الأنصاري قائماً حتى مضوا بها ، ثم جلس ، فقال له أبو جعفر 7 : ما أقامك؟ قال : رأيت الحسين بن علي 8 يفعل ذلك. فقال أبو جعفر 7 : واللّه ما فعله الحسين 7 ، ولا قام لها أحد منا أهل البيت قط. فقال الأنصاري : شككتني أصلحك اللّه ، قد كنت أظن أني رأيت» (2).
    عناية الإمام 7 بالحديث :
    خلّف الإمام الباقر 7 تراثاً حديثياً هائلاً يستوعب مختلف مجالات الأحكام والشرائع والتفسير وآداب السلوك والأخلاق ، وشتى فروع المعرفة ،
    __________________
    (1) شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد 11 : 43.
    (2) الكافي 3 : 191 / 1 ، تهذيب الأحكام 1 : 456 / 1486.

    وقد وصل الينا مدوّناً في موسوعات الفقه والحديث ، التي اعتمدت الأصول الأربعمائة المروية عن الإمام الباقر وولده الصادق 8 ، كما نسبت إليه عدّة كتب ورسائل ومسائل في أبواب الفقه المختلفة ذكرناها آنفاً.
    من هنا كان الإمام الباقر 7 معدوداً في كتب الرجال السنية من صفوة التابعين ، ومن رؤوس المحدثين المكثرين الصادقين فيما يروون (1).
    وأخرج أصحاب المسانيد والسنن التسعة نحو تسعة وثلاثين حديثاً عن الإمام الباقر 7 ، وهو بلا ريب ظلم بحق باقر العلم 7 فرضته مواقف السياسة وقت تدوين تلك المسانيد والسنن.
    ولعل ذلك دفع الذهبي إلى القول في ترجمة الإمام الباقر 7 : وليس هو بالمكثر ، هو في الرواية كأبيه وابنه جعفر ، ثلاثتهم لا يبلغ حديث كل واحد منهم جزءاً ضخماً ، ولكن لهم مسائل وفتاو (2).
    والحق كان الإمام 7 كثير الحديث كما وصفه ابن سعد (3) ، ولو اطلع الذهبي على تراث الإمام الباقر 7 في غير المسانيد لوجد الكثير ، سيما في مصادر التفسير والسيرة والتاريخ وشتى فروع المعرفة.
    من جانب آخر أن أصحاب المسانيد تجافوا حديثه وحديث أبيه وولده الصادق : وكل من ينتمي إلى شجرة النبوة ، تزلفاً أو خوفاً من الحكام الذين شددوا من ممارساتهم التعسفية القائمة على الإرهاب الفكري والتعتيم وكم
    __________________
    (1) الطبقات الكبرى 5 : 346 ، تاريخ الثقات / العجلي بترتيب الحافظ نور الدين الهيثمي : 410 ، تاريخ دمشق 45 : 279 ، البداية والنهاية 9 : 338.
    (2) سير أعلام النبلاء 4 : 401.
    (3) الطبقات الكبرى 5 : 346.

    الأفواه ، وفرضوا حظراً على أهل هذا البيت حسداً لمكانتهم السامية.
    وكمثال على ما نقول أنهم أعرضوا عن الحديث الذي رواه جابر الجعفي عن الإمام الباقر 7 وتركوه ، لا لشيء إلاّ لأنّه يقول : حدثني وصي الأوصياء ، يريد بذلك الإمام الباقر 7 ، مع أن الذهبي يصف جابراً بأنه أحد أوعية العلم (1).
    جاء في مقدمة صحيح مسلم عن الجراح بن مليح ، قال : سمعت جابرا يقول : عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر الباقر عن النبي 9 ، تركوها كلّها (2). فاذا كان هذا الكم الهائل من الحديث ، هو لراوٍ واحد من أصحاب الإمام 7 ، فكيف حال مجموع الرواة ، بل وكيف يمكن الإحاطة بعلم الإمام 7 ، فضلاً عن التجرؤ عليه وهو باقر العلم ، ووضعه مع أبيه وولده : في خانة قليلي العلم؟ وأي ذنبٍ لباقر العلم 7 حتى يسقط حديثه؟! إن الجواب نلتمسه منه 7 حيث يقول : «بلية الناس علينا عظيمة ، إن دعوناهم لم يستجيبوا لنا ، وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا» (3).
    ولو استثنينا جابر الجعفي ، فإن الوارد عن بعض أصحابه الثقات أنهم سمعوا منه كماً هائلاً من الحديث ، فهذا محمد بن مسلم يقول : «ما شجر في رأيي شيء إلاّ سألت عنه أبا جعفر 7 حتى سألته عن ثلاثين ألف حديث ، وسألت أبا عبد اللّه الصادق عن ستة عشر ألف حديث» (4).
    __________________
    (1) تاريخ الإسلام / الذهبي وفيات سنة 121 ـ 140 هـ : 59.
    (2) صحيح مسلم ـ المقدمة : 25 ، ميزان الاعتدال 1 : 383.
    (3) الارشاد 2 : 167 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 336 ، الاحتجاج : 2 : 68.
    (4) رجال الكشي 1 : 386 / 276 ، الاختصاص : 201.

    وعن أبي عبد اللّه 7 : «إن أبان بن تغلب روى عني ثلاثين ألف حديث ، فاروها عنه» (1).
    وفي رجال ابن داود في ذكر جماعة ضبطت روايتهم بالعدد ، قال يعقوب ابن شعيب : روى عن أبي عبد اللّه 7 خمسة آلاف حديث (2).
    ومما يدل على سعة علوم الإمام الباقر 7 وعمقها ، أنه مع الكم الهائل المروي عنه من علوم أهل البيت ، كان يقول : «لو كان لألسنتكم أوكية لحدثت كلّ امرئ بما له وعليه» (3).
    ويقول 7 : « لو وجدت لعلمي الذي آتاني اللّه عز وجل حملة لنشرت التوحيد والإسلام والإيمان والدين والشرائع من الصمد ، وكيف لي بذلك ولم يجد جدي أمير المؤمنين 7 حملة لعلمه حتى كان يتنفس الصعداء ويقول على المنبر : سلوني قبل أن تفقدوني ، فإن بين الجوانح مني علماً جماً ... » (4).
    فأين الذهبي عن كل هذا؟! انه التعصب الذي يعمي ويصم؟!
    قال الشاعر في الباقر 7 :
    وأشرقت به سماء المعرفه
    مذ أصبحت وشمسها منكسفه

    بل استنار عالم الأنوار
    بنوره الخاطف للأبصار

    علومه الغر مصابيح الهدى
    بنور علمه اهتدى من اهتدى

    علومه أثماره الزكيه
    من دوحة العلم المحمديه

    __________________
    (1) رجال النجاشي : 11.
    (2) رجال ابن داود : 212.
    (3) أصول الكافي 1 : 264 / 1.
    (4) التوحيد : 92.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ   الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ Emptyالأحد أكتوبر 27, 2024 6:13 am

    جوهر علمه من الكنز الخفي
    فياله من شرف في شرف (1)

    4 ـ دوره في علم الفقه والتشريع :
    كان للإمام الباقر 7 دور كبير في نشر الفقه ، وأعاد له نضارته ، وحافظ على أصوله من الضياع ، في وقت درج فيه الناس على إهمال شؤون الدين ، والجهل بمسائل الحلال والحرام.
    قال ابن أبي الحديد : كان محمد بن علي بن الحسين سيد فقهاء الحجاز ، ومنه ومن ابنه جعفر تعلم الناس الفقه (2).
    وقال الشيخ المفيد : آثر عنه الناس السنن ، واعتمدوا عليه في مناسك الحج التي رواها عن رسول اللّه 9 (3).
    وعدّ باقر العلم 7 من قبل أعلام أهل السنة كالنسائي وغيره في فقهاء التابعين من أهل المدينة (4) ، واتفق الحفاظ على الاحتجاج بأبي جعفر 7 (5).
    أما انجازاته على هذا الصعيد ، فيمكن بلورتها من خلال النقاط التالية :
    أولاً : ترك الإمام 7 تراثاً ضخماً يغطي معظم أبواب الفقه والتشريع ، حفلت بها موسوعات فقه وحديث الإمامية ، وكانت ولا تزال رافداً ومعيناً للفقهاء.
    ثانياً : كان في حلقة درسه في بيته وفي مسجد مكة والمدينة ، سيما في موسم
    __________________
    (1) الأنوار القدسية : 73.
    (2) شرح نهج البلاغة 15 : 277.
    (3) الإرشاد 2 : 163.
    (4) تذكرة الحفّاظ / الذهبي 1 : 124 ، طبقات الحفّاظ / السيوطي : 56.
    (5) سير أعلام النبلاء 4 : 403.

    الحج ، بمثابة مدرسة سيارة في افتاء الناس وحلّ المسائل المعضلة ، وكان ضمن الوافدين إليه الذين سألوه عن مسائل في الحلال والحرام ، فأجابهم : نافع بن الأزرق (1) ، والحكم بن عتيبة (2) ، والحسن الزيات (3) ، وقتادة بن دعامة السدوسي ، ووفد من أهل خراسان (4) ، ووفد من أهل فلسطين (5).
    وكان يجلس حوله عالم من الناس ، فلم يبرح مكانه حتى يفتي في ألف مسألة ، وهو في الساعة الأخيرة من يومه. قالت حبابة الوالبية : رأيته بمكة أصيلاً (6) في الملتزم ، أو بين الباب والحجر ، على صعدة من الأرض ، وقد حزم وسطه على المئرز بعمامة خز ، والغزالة (7) تخال على قلل الجبال كالعمائم على قمم الرجال ، وقد صاعد كفه وطرفه نحو السماء ويدعو ، فلما انثال الناس عليه يستفتونه عن المعضلات ، ويستفتحون أبواب المشكلات ، فلم يرم (Cool حتى أفتاهم في ألف مسألة ، ثم نهض يريد رحله (9).
    ثالثاً : هناك جملة من الإرشادات في مجال الفقه والتشريع ، وردت في حديث الإمام 7 ، منها أن على الفقيه أن يعتمد الكتاب والسنة فيما يصدر من
    __________________
    (1) الكافي 8 : 120 / 93 ، الإرشاد 2 : 164 ، روضة الواعظين / الفتال : 204.
    (2) الكافي 6 : 446 / 1.
    (3) الكافي 6 : 477 / 5.
    (4) الكافي 6 : 256.
    (5) التوحيد / الصدوق : 92 ، معاني الأخبار / الصدوق : 7.
    (6) أي وقت الأصيل.
    (7) أي الشمس.
    (Cool أي لم يبرح مكانه.
    (9) مناقب آل أبي طالب 3 : 317 ، بحار الأنوار 46 : 259 / 60.

    أحكام ، ولا يعتمد رأيه واستحسانه. عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي جعفر 7 : «يرد علينا أشياء لا نجدها في الكتاب والسنة ، فنقول فيها برأينا؟ فقال : أما إنّك إن أصبت لم تؤجر ، وإن أخطأت كذبت على اللّه» (1).
    ونهى الفقهاء عن الفتوى بغير علم ، لأنها سبب للضلال والانحراف ، من هنا يستحق فاعلها لعنة الملائكة ، قال 7 : «من أفتى الناس بغير علم ولا هدى ، لعنته ملائكة الرحمن وملائكة العذاب ، ولحقه وزر من عمل بفتياه» (2).
    وتحدث عن الصفات الواجب توافرها في الفقيه ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر 7 قال : «قال أمير المؤمنين 7 : ألا أخبركم بالفقيه حقاً؟ قالوا : بلى يا أمير المؤمنين ، قال : من لم يقنط الناس من رحمة اللّه ، ولم يؤمنهم من عذاب اللّه ، ولم يرخص لهم في معاصي اللّه ، ولم يترك القرآن رغبة عنه إلى غيره» (3).
    وعن أبان بن تغلب ، عن أبي جعفر 7 ، أنه سئل عن مسألة فأجاب فيها ، قال : فقال الرجل : «إنّ الفقهاء لا يقولون هذا ، فقال : يا ويحك ، وهل رأيت فقيهاً قط؟! إنّ الفقيه حقّ الفقيه ؛ الزاهد في الدنيا ، الراغب في الآخرة ، المتمسّك بسنّة النبي 9» (4).
    __________________
    (1) المحاسن 1 : 215 / 99.
    (2) المحاسن 1 : 205 / 60 ، الكافي 1 : 42 / 3.
    (3) معاني الأخبار : 226 / 1.
    (4) الكافي 1 : 70 / 8.

    رابعاً : على أساس هذا الاتجاه من الوعي والمعرفة ، وعلى ضوء هذه الإرشادات ، ربّى جيلاً من الفقهاء الرواة ، وتخرج على يده جمهرة كبيرة من مراجع الفتيا ، ممن أجمعت الطائفة على تصديقهم ، وكونهم أفقه الأولين ، أمثال زرارة ومعروف بن خربوذ وبريد بن معاوية وأبي بصير الأسدي والفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم الطائفي وأبان بن تغلب ، وغير هؤلاء كثير.
    وكان الإمام 7 يخلق فيهم حوافز الاهتمام بالفقه والاجتهاد به وإفادة الناس منه ، عن طريق ممارسة التوثيق للنابهين منهم ، على مستوى الشهادة له بالفقاهة وجواز الإفتاء ، ومن ذلك قوله 7 لأبان بن تغلب : «اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس ، فإني أُحبّ أن يُرى في شيعتي مثلك» (1).
    وكان التنوع صفة بارزة في مدرسته الفقهية على ما قدمنا ، فكان يقصده العلماء من كل البلاد الإسلامية ، وفيهم من أئمة الفقه والحديث كثيرون ، فأخذ منه ومن ولده الصادق 8 ، أعلام الأُمّة آنذاك كأبي حنيفة ومالك وسفيان الثوري وأبي اسحاق السبيعي والأوزاعي وحجاج بن أرطاة وحفص بن غياث والحكم بن عتيبة وربيعة الرأي والزهري وعبد الملك بن جريج وعطاء بن أبي رباح ووكيع وغيرهم.
    خامساً : حثّ شيعته سيما شبابهم على التفقه في الدين ، قال 7 : «تفقهوا في الحلال والحرام ، وإلاّ فأنتم أعراب» (2). وقال 7 : «لو أتيت بشاب من
    __________________
    (1) رجال النجاشي : 11 ، الفهرست / الشيخ الطوسي : 57 ، خلاصة الأقوال : 73 ، الذريعة 2 : 135.
    (2) المحاسن 1 : 227 / 158.

    شباب الشيعة لا يتفقه في الدين لأوجعته» (2).
    سادساً : رجع الفقهاء إلى رأيه في المسائل الغامضة من أحكام الشريعة ، منهم أبو أسحاق السبيعي ، في مسألة المسح على الخفين (3) ، وعبد اللّه بن عمر حين سأله رجل عن مسألة ، فلم يدر بما يجيبه ، فأرسله إلى الباقر 7 (4).
    وروي أنه جاءت امرأة إلى محمد بن مسلم الثقفي فقالت : «لي بنت عروس ضربها الطلق ، فما زالت تطلق حتى ماتت ، والولد يتحرك في بطنها ، ويذهب ويجيء ، فما أصنع؟ فقال : يا أَمَة اللّه ، سئل الباقر 7 عن مثل ذلك فقال : يشق بطن الميت ويستخرج الولد ، أفعلي مثل ذلك يا أَمة اللّه ، أنا في ستر ، من وجّهك إليّ؟ قالت : سألت أبا حنيفة فقال : عليك بالثقفي ، فإذا افتاك فأعلمينيه» (5).
    وروي عن ابن أبي ليلى أنه قدّم إليه رجل خصماً له ، فقال : «إنّ هذا باعني هذه الجارية فلم أجد على ركبها حين كشفتها شعراً ، وزعمت أنه لم يكن لها قط.
    قال : فقال له ابن أبي ليلى : إن الناس ليحتالون لهذا بالحيل حتى يذهبوا به ، فما الذي كرهت؟ قال : أيها القاضي ، إن كان عيباً فاقضِ لي به. قال : حتى أخرج إليك ، فإنّي أجد أذىً في بطني. ثم دخل وخرج من باب آخر ، فأتى محمد ابن مسلم الثقفي ، فقال له : أي شيء تروون عن أبي جعفر في المرأة لا يكون على
    __________________
    (2) المحاسن 1 : 228 / 161.
    (3) روضة الواعظين : 202 ، شرح الأخبار 3 : 281.
    (4) مناقب آل أبي طالب 3 : 329 ، الايضاح / النيسابوري : 458.
    (5) مناقب آل أبي طالب 3 : 331.

    ركبها شعر ، أيكون ذلك عيباً؟ فقال له محمد بن مسلم : أما هذا نصاً فلا أعرفه ، ولكن حدثني أبو جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه : ، عن النبي 9 أنّه قال : كل ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب. فقال له ابن أبي ليلى : حسبك ، ثم رجع إلى القوم ، فقضى لهم بالعيب» (1). وهنا استفاد محمد بن مسلم من هذا الحديث كقاعدة فقهية عينت موضوع الحكم.
    قال الشاعر :
    ناشر آثار النبي الهادي
    بالعلم والحكمة والارشاد

    به استبانت لأولي الأفهام
    معالم الحلال والحرام

    به صفت شريعة المختار
    عن كدر الأهواء والأفكار

    كأنها الكوثر في الصفاء
    طاب ورودها لطيب الماء

    به نمت وأورقت أشجارها
    به زكت وأينعت أثمارها

    به تدلّت لذوى المعالي
    أغصانها في غاية الكمال (2)

    5 ـ دوره في علم الأصول :
    إنّ الحاجة إلى هذا العلم تكمن في ابتلاء المكلفين بمسائل قد لا تكون هناك أخبار خاصة تجيب عنها ، لبعد الشقة عن الإمام أو لغيبته ، من هنا تصبح قواعد وأصول الفقه المعين الذي يتكفل بتعيين الحكم الذي يحدد وظيفة المكلف العملية وتعين له حكم موضوعه ، وعليه لايمكن أن يحصل المجتهد على ملكة الاجتهاد واستنباط الأحكام حتى يطلع على بحوث هذا العلم ، وكان الإمام الباقر 7 الرائد الأول في هذا العلم.
    __________________
    (1) الكافي 5 : 215 / 12.
    (2) الأنوار القدسية : 74.

    يقول السيد حسن الصدر عن علم الأصول : ان أول من فتح بابه وفتق مسائله ، هو باقر العلوم الإمام أبو جعفر الباقر ، وبعده ابنه أبو عبد اللّه الصادق 8 ، وقد أمليا فيه على جماعة من تلامذتهما قواعده ومسائله ، جمعوا من ذلك مسائل رتبها المتأخرون على ترتيب مباحثه ، ككتاب أصول آل الرسول ، وكتاب الفصول المهمة في أصول الأئمة ، وكتاب الأصول الأصلية ، كلها بروايات الثقات مسندة متصلة الاسناد إلى أهل البيت :. وأول من أفرد بعض مباحثه بالتصنيف هشام بن الحكم شيخ المتكلمين تلميذ أبي عبد اللّه الصادق 7 ، صنف كتاب الألفاظ ... (1).
    وحفلت كتب الحديث بالأخبار التي أضحت دليلاً على قواعد الأصول ، كقاعدة الاستصحاب ، والترجيح عند تعارض الأخبار ، والتعادل ، والتجاوز ، والفراغ ، والبراءة الشرعية وغيرها ، وانتقد الإمام الباقر 7 بعض المباني الأصولية التي اعتمدها بعض أئمة الفقه كمسألة القياس والاستحسان كما قدمنا.
    وإنّما أدلى الإمام 7 بتلك القواعد إلى طلاّبه ، كي يخلق فيهم القدرة العلمية على الاستقراء والاستنتاج ، فيزود من يراه أهلاً بالمزيد ويأمره بالتفريع على القاعدة ، والتطبيق على مواردها.
    ومن أمثلة تلك الأصول والقواعد العامة ، قاعدة الترجيح التي تعين على التمييز بين الصحيح وغيره في حال تعارض الأخبار ، وذلك بالردّ إلى كتاب اللّه وسنّة نبيه 9 ، فلا يؤخذ إلاّ بما وافق كتاب اللّه أو سنّة رسول اللّه ، لقول أبي جعفر وأبي عبد اللّه 8 : «لا تصدق علينا إلاّ ما وافق كتاب اللّه وسنّة
    __________________
    (1) الشيعة وفنون الإسلام : 95.

    نبيّه 9» (1).
    ومن قواعد الترجيح الأخرى الأخذ بالمشهور ، والنظر إلى حال الراوي من حيث الوثاقة والعدالة ، لرواية زرارة بن أعين قال : «سألت الباقر 7 فقلت : جعلت فداك ، يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ؟ فقال : يا زرارة ، خذ بما اشتهر بين أصحابك ، ودع الشاذ النادر. فقلت : يا سيدي ، إنّهما معا مشهوران مرويان مأثوران عنكم؟ فقال 7 : خذ بقول أعدلهما عندك ، وأوثقهما في نفسك» (2).
    ومنها ما يصطلح عليه قاعدة الفراغ ، وهي الحكم بصحة الفعل فيما لو شك في صحته بعد الفراغ منه ، لحديث محمد بن مسلم عن أبي جعفر 7 ، قال : «كلّما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو» (3). ولقوله 7 : «كل شيء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمضِ عليه» (4).
    ومنها قاعدة الاستصحاب ، كما في صحيحة زرارة عن الباقر 7 : «لا تنقض اليقين بالشك أبداً ، وإنّما تنقضه بيقين آخر» (5).
    6 ـ دوره في علوم اللغة والأدب :
    أصحابه الأدباء :
    كان لأصحاب الإمام الباقر 7 دور ملحوظ في علوم اللغة وقواعدها
    __________________
    (1) تفسير العياشي 1 : 9 / 6.
    (2) غوالي اللآلي 4 : 133 / 229.
    (3) تهذيب الأحكام 2 : 344 / 1426.
    (4) الاستبصار 1 : 358 / 1359.
    (5) التهذيب 1 : 8 / 11.

    والأدب ورواية الشعر ، منهم أبو جعفر محمد بن الحسن بن أبي سارة الرواسي ، أُستاذ الكسائي والفرّاء ، وإمام الكوفيين في النحو ، وأقدمهم بالتصنيف فيه ، فقد صنف كتاب الوقف والابتداء ، وكتاب الهمز ، وكتاب إعراب القران (1).
    ومن أعلام الأدب واللغة والنحو أبان بن تغلب ، والأديب وراوية الشعر ابراهيم بن أبي البلاد ، والشاعر الأديب زرارة بن أعين ، وذكر ابن النديم أن زرارة كان نحوياً (2) ، والنحوي المشهور معاذ بن مسلم بن أبي سارة النحوي.
    ومن أعلام الأدب : الشاعر الحجازي سديف بن مهران بن ميمون المكي ، ومالك بن أعين الجهني ، والكميت بن زيد الأسدي ، والورد أخوه ، والشاعر عبد اللّه بن غالب الأسدي ، وكثير عزّة ، وأبو هريرة العجلي.
    الشعر المنسوب إليه 7 :
    لم يكن الإمام الباقر 7 يعنى بنظم الشعر ، رغم أن قول الشعر لم يكن بعزيز على من أوتي الحكمة وفصل الخطاب ، أما الأشعار المنسوبة إليه فان بعضها لا يرقى إلى بلاغة الإمام وفصاحته المعهودة في قصار كلماته ومواعظه وسائر حديثه. ومنها ما رواه ابن عساكر بالاسناد عن قيس بن النعمان أن الباقر 7 أنشده :
    إنّ الصبي صبي العقل ، لا صغر
    أزرى بذي العقل فينا ، لا ولا كبر

    وفي نفس الخبر أنّه 7 زار قبر أبيه فقال :
    ما غاض دمعي عند نازلة
    إلاّ جعلتك للبكا سببا

    إنّي أجلّ ثرىً حللت به
    من أن أرى لسواك مكتئبا

    __________________
    (1) رجال النجاشي : 324.
    (2) الفهرست : 276.


    فإذا ذكرتك سامحتك به
    مني الدموع ففاض فانسكبا (1)

    ومن كتاب جمعه الوزير مؤيد الدين أبو طالب محمد بن أحمد بن محمد العلقمي أنّه 7 أنشد يقول :
    نحن على الحوض رواده (2)
    نذود ويسعد (3) ورّاده

    فما فاز من فاز إلاّ بنا
    وما خاب من حبنا زاده

    فمن سرنا نال منا السرور (4)
    ومن ساءنا ساء ميلاده

    ومن كان غاصبنا حقنا (5)
    فيوم القيامة ميعاده (6)

    وأنشد 7 مخاطباً العصاة :
    تعصي الإله وأنت تظهر حبّه
    هذا لعمرك في الفعال بديع

    لو كان حبّك صادقاً لأطعته
    إنّ المحبّ لمن أحبّ مطيع (7)

    وأنشأ 7 يقول :
    شفاء العمى طول السؤال وإنما
    تمام العمى طول السكوت على الجهل (Cool

    __________________
    (1) تاريخ دمشق 45 : 281.
    (2) في نسخة : ذواده.
    (3) في نسخة : ونسقي.
    (4) في نسخة : فمن سرنا نال منا مناه.
    (5) في نسخة : ومن فاتنا غاصبا حقنا.
    (6) كشف الغمة 2 : 353 ، الفصول المهمة : 202.
    (7) تحف العقول : 294.
    (Cool كفاية الأثر : 252.

    وقال في ظلم الحكام لمحبي آل البيت : :
    إنّ اليهود بحبّهم لنبيّهم
    قد آمنوا من حادث الأزمان

    وذوو الصليب بحبّ عيسى أصبحوا
    يمشون زهواً في قرى نجران

    والمؤمنون بحبّ آل محمد
    يُرمَون في الآفاق بالنيران (1)

    ما تمثّل به من الشعر :
    روي أن هناك أشعاراً تمثل بها الإمام الباقر 7 ، منها أنه تمثل بشعر لحاتم الطائي في حديثه عن فضل اليأس ممّا في أيدي الناس ، روى نجم بن حطيم (2) الغنوي ، عن أبي جعفر 7 ، قال : «اليأس ممّا في أيدي الناس عزّ المؤمن في دينه ، أما سمعت قول حاتم :
    إذا ما عزمت اليأس ألفيته الغنى
    إذا عرفته النفس والطمع الفقر» (3)

    وعن أبي خالد البرقي في كتاب (الشعر والشعراء) أن الباقر 7 تمثل بقول الشاعر :
    وأطرق اطراق الشجاع ولو يرى
    مساغاً لنايبه الشجاع لصمها (4)

    __________________
    (1) ينابيع المودة / القندوزي 3 : 42 ، كفاية الأثر / الخزاز : 247.
    (2) في الكافي : نجم بن خطيم.
    (3) الكافي 2 : 149 / 6.
    (4) مناقب آل أبي طالب 3 : 338.

    استنشاده الشعراء :
    روى المؤرخون عن رجل من بني هاشم ، قال : «كنا عند محمد بن علي بن الحسين ، وأخوه زيد جالس ، فدخل رجل من أهل الكوفة ، فقال له محمد بن علي 8 : إنّك لتروي طرائف من نوادر الشعر ، فكيف قال الأنصاري لأخيه؟
    فأنشده :
    لعمرك ما إن أبو مالك
    بواهٍ ولا بضعيف قواه

    ولا بالألد (2) له وازع
    يعادي أخاه إذا ما نهاه

    ولكنّه هين لين
    كعالية الرمح عرد نساه (3)

    اذا سدته سدت مطواعة
    ومهما وكلت إليه كفاه

    أبو مالك قاصر فقره
    على نفسه ومشيع غناه

    فوضع أبو جعفر 7 يده على كتف زيد ، وقال له : هذه صفتك يا أخي ، وأعيذك باللّه أن تكون قتيل العراق» (3).
    ورواها الشيخ الصدوق عن جابر الجعفي ، وفيها أن أبا جعفر 7 استنشد معروف بن خربوذ المكي ، قائلاً له : «يا معروف ، أنشدني من طرائف ما عندك» فأنشده الأبيات (4).
    وروى أبو الفرج عن الإمام الباقر 7 أنّه كان إذا نظر إلى أخيه زيد تمثّل
    __________________
    (1) الألد : شديد الخصومة.
    (2) أي شديد ساقه.
    (3) زهرالآداب / القيرواني 1 : 118 ، والأبيات من قصيدة للمتنخل بن عويمر الهذلي.
    (4) الأمالي / الصدوق : 94 / 73 ، عيون أخبار الرضا 7 1 : 251 / 2 ، وروى القصيدة السيد المرتضى في الأمالي 1 : 222.

    بهذه الأبيات (3).
    والأبيات التي أراد الإمام 7 وصف أخيه زيد بها ، تعني أنّه كان كريماً في طباعه ، صلباً في إرادته ، وإن ساده أخوه في أمر الإمامة فهو مطيع لأخيه لا يعصيه ولا يحسده ، ومهما وكل إليه من أمر عظيم فإنّه أهل للقيام به.
    تصحيح الشعر :
    روي أنّ الكميت أتى المدينة ، فأنشد الباقر 7 قصيدته التي يقول فيها :
    من لقلب متيم مستهام
    غير ما صبوة ولا أحلام

    فلما بلغ إلى قوله :
    أخلص اللّه لي هواي فما أُغـ
    رقُ نزعا ولا تطيش سهامي (4)

    قال له محمد بن علي الباقر 7 : «من لم يُغرق النزع لم يبلغ غايته بسهمه ، ولكن لو قلت : فقد اُغرق نزعا ولا تطيش سهامي» (5).
    وفي رواية ابن شهر آشوب والطبرسي : فقال الكميت : «يا مولاي ، أنت أشعر منّي في هذا المعنى» (6).
    قال العلاّمة المجلسي : إن فيما ذكره 7 معنى لطيفاً كاملاً ، وهو أن المداحين إذا بالغوا في مدح ممدوحهم ، خرجوا عن الحقّ ، وكذبوا فيما يثبتون له ، كما أن
    __________________
    (1) الأغاني 20 : 127.
    (2) البيت من أوّل قصيدة في الهاشميّات ، ورد في الهاشميات : 23 ، شرح الهاشميات / أبو رياش القيسي : 37 ، رجال الكشي : 206 / 362 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 337 ، اعلام الورى 1 : 510.
    (3) شرح الهاشميات : 37.
    (4) المناقب 3 : 337 ، اعلام الورى 1 : 510.

    الرامي إذا أغرق نزعاً أخطأ الهدف ، وإنّي كلّما أبالغ في مدحكم ، لا يعدل سهمي عن هدف الحقّ والصدق (1).
    وفي مورد آخر نقل العلاّمة المجلسي عن خط الشيخ ابن فهد الحلي : أنّ رجلاً ورد على أبي جعفر الأول 7 بقصيدة مطلعها :
    عليك السلام أبا جعفر
    فلم يمنحه شيئاً ، فسأله في ذلك وقال : لِمَ لا تمنحني وقد مدحتك؟ فقال : «حييتني تحية الأموات ، أما سمعت قول الشاعر :
    ألا طرقتنا آخر الليل زينب
    عليك سلام لما فات مطلب

    فقلت لها حييت زينب خدنكم
    تحية ميت وهو في الحي يشرب

    مع أنه كان يكفيك أن تقول : سلام عليك أبا جعفر» (2).
    علم العروض :
    في كتاب (الزينة) للحافظ أبي حاتم أحمد بن حمدان الرازي : كان الخليل بن أحمد أول من استخرج العروض ، فاستنبط منها ومن علل النحو ما لم يستخرجه أحد ، ولم يسبق إلى مثله سابق. وسمعت بعض أهل العلم يذكر أن الخليل بن أحمد أخذ رسم العروض عن رجل من أصحاب محمد بن علي ، أو من أصحاب علي بن الحسين ، فوضع له أصولاً ، وقسم الشعر ضروباً ، وسماه بها ، وجعل لتلك الأقسام دوائر وأسطراً ... (3).
    __________________
    (1) بحار الأنوار 46 : 339.
    (2) بحار الأنوار 46 : 345.
    (3) شرح إحقاق الحق 12 : 170 عن كتاب الزينة : 80.

    7 ـ دوره في السيرة والتاريخ :
    قلما يخلو كتاب من كتب التاريخ عن ذكر الأخبار المنقولة عن الإمام الباقر 7 ، فقد أخذ عنه المؤرخون وكتاب السيرة وقصص الأنبياء.
    قال الشيخ المفيد : كتب عنه الناس المغازي (1).
    وقال ابن شهر آشوب : روى عنه من المصنفين نحو الطبري والبلاذري والسلامي والخطيب في تواريخهم (2). ونقل عنه غيرهم من المؤرخين كابن اسحاق وابن هشام والواقدي واليعقوبي والمسعودي والمنقري وابن شبة وابن عساكر والشيخ المفيد وأبو الفرج الاصفهاني والذهبي وابن كثير وابن سيد الناس وآخرون غيرهم ، ونقلت عنه 7 أخبار في غير كتب التاريخ ، مما يصلح أن يكون مادة تاريخية مهمة. ونكتفي هنا بالاشارة إلى مضامين بعض الأخبار التاريخية المنقولة عن باقر العلم مع ذكر مظانها.
    فمن جملة المباحث التي نقلت عنه أخبار ومواعظ وسنن الأنبياء : ، ومن ذلك أخبار خلق آدم 7 (3) ، وابنا آدم اذ قربا القربان (4) ، وولادة عيسى 7 وتأديبه ونشأته (5) ، والذبيح اسماعيل بن ابراهيم (6) ، وذو القرنين (7).
    ونقلت عنه أخبار في التاريخ العربي والإسلامي ، منها : أصنام
    __________________
    (1) الارشاد 2 : 163.
    (2) مناقب آل أبي طالب 3 : 327.
    (3) البداية والنهاية 1 : 77.
    (4) البداية والنهاية 1 : 103 ، قصص الأنبياء / ابن كثير 1 : 6 و 56.
    (5) التوحيد : 236.
    (6) تحف العقول : 297.
    (7) البداية والنهاية 1 : 127.

    العرب (1) ، وما عند العرب من خصال الحنيفية ، وما خالفوا من تلك الخصال (2) ، ونذر عبد المطلب بذبح ولده العاشر عبد اللّه ، وما فداه به من الابل (3) ، ومولد البشير النذير رسول اللّه 9 ، وذكر تسميته محمداً وأحمد ، وابتداء الوحي ، وصفته وسمته وهديه وصفة حجّه ، وتاريخ نبوته حتى وفاته ، وكيف غسّله علي 7 عند وفاته من بئر سعد بن خيثمة ، وذكر أولاده 9 من خديجة ، ووفاة القاسم والطاهر ولدا رسول اللّه 9 (4) ، وأحكام السيوف التي بعث اللّه بها محمداً 9 (5) ، وبعض أحداث وقعة بدر ، ووقعة أحد (6) ، وزيارة فاطمة 3 قبر حمزة ، وأنها كانت ترمّه وتصلحه وتعلّمه بحجر (7) ، ووفاة فاطمة 3 ومقدار عمرها ومدة بقائها بعد الرسول 9 (Cool ، وغزوة خيبر وتترس علي 7 بباب خيبر حتى صعد المسلمون عليه (9) ، وذكر الخبر عن
    __________________
    (1) البداية والنهاية 1 : 119 ، قصص الأنبياء / ابن كثير 1 : 86.
    (2) الكافي 4 : 210 / 17.
    (3) الخصال : 156 / 198.
    (4) تاريخ المدينة / ابن شبة 1 : 142 و 162 ، البداية والنهاية 2 : 314 و 320 ، 3 : 10 ، 5 : 180 و 293 ، السيرة النبوية 4 : 323 ، عيون الأثر / ابن سيد الناس 1 : 45 ، البحار22 : 151 عن قرب الاسناد.
    (5) تحف العقول : 287.
    (6) إعلام الورى 1 : 170 ، تاريخ الطبري 2 : 148 ، السيرة النبويّة / ابن هشام 1 : 158 ، 2 : 456.
    (7) تاريخ المدينة / ابن شبة 1 : 132.
    (Cool المنتخب من ذيل المذيل / الطبري : 6 ، البداية والنهاية 4 : 611 ، 5 : 330 ، السيرة النبوية / ابن كثير 4 : 611.
    (9) تاريخ الإسلام / الذهبي ـ المغازي : 412 ، البداية والنهاية 4 : 216.

    غزوة رسول اللّه 9 هوازن بحنين (1) ، وبعثة خالد بن الوليد إلى بني جذيمة (2) ، وبعثة علي 7 إلى اليمن (3) ، ومقتل عثمان (4) ، ومسير علي 7 من ذي قار إلى حرب البصرة (5) ، ومسير علي 7 ولقاؤه أهل الشام في صفين (6) ، وتحكيم الحكمين بعد الحرب (7) ، وشهادة أمير المؤمنين علي 7 ومحل دفنه (Cool ، وذكر الخبر عن صفته (9) ، ورووا عنه أحداث الطف ، ومقتل الحسين 7 وأهل بيته وأصحابه (10) ، ووقعة الحرة (11) ، وأخبار المختار (12).
    وممن صنف في التاريخ من أصحابه : أبان بن تغلب ، له كتاب الفضائل ، وكتاب صفين ، وإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى ، قيل : ان كتب الواقدي سائرها
    __________________
    (1) تاريخ الطبري 2 : 344 و 346.
    (2) السيرة النبويّة / ابن هشام 4 : 882 ، تاريخ الطبري 2 : 341 ، تاريخ الإسلام : 568.
    (3) تاريخ الإسلام : 691.
    (4) البداية والنهاية 7 : 218 ، تاريخ المدينة 4 : 1220.
    (5) الجمل / الشيخ المفيد : 158.
    (6) البداية والنهاية 7 : 289 و 8 : 138.
    (7) وقعة صفين : 500.
    (Cool البداية والنهاية 7 : 365 و 8 : 15.
    (9) تاريخ الطبري 4 : 117 ، المنتخب من ذيل المذيل : 6.
    (10) مقاتل الطالبيين : 54 ـ62 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 320 ، مقتل الحسين 7 / أبو مخنف : 173 و 197 ، تاريخ الطبري 4 : 342 ، ترجمة الإمام الحسين 7 / ابن عساكر : 270 ، البداية والنهاية 8 : 42.
    (11) البداية والنهاية 8 : 256.
    (12) تاريخ الطبري 4 : 532 ، البداية والنهاية 8 : 301.

    إنّما هي كتب ابن أبي يحيى ، نقلها الواقدي وادّعاها (1) ، وجابر بن يزيد الجعفي ، له كتاب الفضائل ، وعبد اللّه بن ابراهيم بن محمد الجعفري ، له كتب منها : كتاب خروج محمد بن عبد اللّه ومقتله ، وكتاب خروج صاحب فخ ومقتله (2) ، وغياث بن ابراهيم التميمي ، له كتاب مقتل أمير المؤمنين 7 (3) ، ومحمد بن مبشر الثقفي ، له كتاب أخبار السلف ، وكتاب جمل وصية محمد بن الحنفية (4) ، ومسمع ابن عبد الملك ، له كتاب أيام البسوس (5).
    الملاحم والفتن :
    وأخبر الإمام الباقر 7 عن وقوع الكثير من الملاحم وحوادث المستقبل وأخبار الغيب التي رواها عن آبائه عن رسول اللّه 9 ، وقد تحقق بعضها ، وبعض منها لا يزال بظهر الغيب ، منها : اخباره عن عمر بن عبد العزيز بأنّه يلي الأمر (6) ، وأخباره بزوال دولة بني أمية ، وظهور الرايات السود (7) ، وقيام ملك بني العباس (Cool ، وأخبر بدخول نافع بن الأزرق المدينة وقتله جماعة كثيرة (9) ، وشهادة أخيه زيد والطواف برأسه ، وأنه صليب
    __________________
    (1) رجال النجاشي : 14 ، الذريعة 7 : 61.
    (2) رجال النجاشي : 216.
    (3) الفهرست / الطوسي : 196 ، خلاصة الأقوال : 385.
    (4) رجال النجاشي : 146 / 379.
    (5) رجال النجاشي : 420 ، نقد الرجال 4 : 375.
    (6) الخرائج والجرائح / الراوندي 1 : 276.
    (7) كتاب الفتن / نعيم بن حماد : 118.
    (Cool الكافي 8 : 210 / 256 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 320 ، الصواعق المحرقة : 121.
    (9) الخرائج والجرائح 1 : 289 ، الصراط المستقيم 2 : 182.

    الكناسة (1) ، وهدم دار هشام بن عبد الملك في يثرب التي بناها بأحجار الزيت ، وأخبر أن أحجار الزيت هي موضع شهادة النفس الزكية ، وهو ما حدث (2) ، وأخبر عن شهادة الحسين بن علي بن الحسن صاحب فخ (3) ، وقال لأهل الكوفة : يخطب على أعوادكم سنة تسع وتسعين ومائة رجل منا أهل البيت ، يباهي اللّه به الملائكة (4) ، وقام محمد بن إبراهيم بن طباطبا وداعيته أبو السرايا بثورته ضد حكم المأمون ، بنفس التاريخ المذكور (5) ، كما أُخبر 7 بوقوع غيبة الإمام المهدي 7 بأحاديث كثيرة جدّاً وحدّد تاريخها بسنة 260 هـ (6).
    ووردت عنه 7 أخبار لا يبلغها الاحصاء عن أحداث وفتن آخر الزمان ، سيما ما يتعلق بأشراط الظهور وعلاماته ، كظهور اثنتي عشرة راية بالكوفة ، ومقتل أربعة نفر بالشام كلهم ولد خليفة (7) ، وظهور السفياني وبيان صفته ومدة ملكه ، وغلبته الكندي والترك والروم والأبقع الذي بمصر ، واليماني الذي يأتي من صنعاء بجنوده بعد ملاحم عظيمة ، ثم خروجه إلى العراق ونشر جنوده في
    __________________
    (1) مقاتل الطالبيين : 89.
    (2) دلائل الإمامة : 243.
    (3) مقاتل الطالبيين : 289.
    (4) مقاتل الطالبيين : 348.
    (5) تاريخ الطبري 8 : 528 ـ 535.
    (6) أُصول الكافي 1 : 341 / 22 ، وإكمال الدين 2 : 324 / 1 باب (32) ، وكتاب الغيبة / النعماني : 149 / 1 باب (10) ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : 101 ، والهداية الكبرى : 88.
    (7) كتاب الفتن / نعيم بن حماد : 171.

    الآفاق (1) ، وخروج الحسني من خراسان برايات سود وبين يديه شعيب بن صالح ، فيقاتل أصحاب السفياني فيهزمهم (2) ، ونزول راياته السود الكوفة ، فاذا ظهر المهدي 7 بمكة بعثت إليه بالبيعة (3) ، ومقتل نفس زكية من آل محمد 9 عند أحجار الزيت (4) ، والخسف بجيش السفياني (5) ، والنداء من السماء (6) ، وظهور المهدي 7 بمكة عند العشاء ومعه راية رسول اللّه 9 وقميصه وسيفه وعلامات ونور وبيان (7) ، وتراث الإمام الباقر 7 في هذا الباب واسع جداً (Cool.
    هذا فضلاً عما قدمناه من أخباره 7 في الغيبة.
    8 ـ دوره في علم الطب :
    وردت عن الإمام الباقر 7 ارشادات كثيرة في مجال الطب الروحاني ، وعلاجات لبعض الأمراض ، ومواصفات لبعض الأدوية والأغذية.
    ونقل عنه 7 الكثير من العلاجات بطريقة الطب الروحاني ، ولا يخفى أن البحوث الطبية الحديثة أكدت أنّ الطبّ الروحاني من أهمّ الأسباب المؤدّية إلى
    __________________
    (1) كتاب الفتن / نعيم بن حماد : 129 و 165 و 174 و 184 و 192 و 202.
    (2) كتاب الفتن / نعيم بن حماد : 189.
    (3) كتاب الفتن / نعيم بن حماد : 190 و 198 و 199.
    (4) كتاب الفتن / نعيم بن حماد : 200.
    (5) كتاب الفتن / نعيم بن حماد : 203.
    (6) كتاب الفتن / نعيم بن حماد : 208.
    (7) كتاب الفتن / نعيم بن حماد : 213.
    (Cool راجع : كتاب معجم أحاديث المهدي 7 بأجزائه الخمسة ، لتطلع على حجم المرويات عنه 7 في هذا الاطار.

    تخفيف الأمراض النفسية المستعصية ، والكثيرة الشيوع في زماننا هذا ، ولا ريب أنّ القرآن الكريم والدعاء يقفان على رأس مفردات الطبّ الروحاني والعلاج النفساني ، قال تعالى : «وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُوءْمِنِينَ» (1).
    من هنا أكد الإمام الباقر 7 أن يتعوذ المسلم بالرقى المستخرجة من القرآن ، دون غيرها لأن كثيراً منها قد يؤدي بالمرء إلى الشرك دون أن يشعر.
    روى أحمد بن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر محمد الباقر 7 : «أنتعوّذ بشيء من هذه الرقى؟ قال : إلاّ من القرآن ، فإن علياً 7 كان يقول : إنّ كثيراً من الرقى والتمائم من الإشراك» (2).
    وأكد على خصوصية سورة الحمد والإخلاص في علاج جميع الأمراض ، قال 7 : «كل من لم تبرأه سورة الحمد ، وقل هو اللّه أحد ، لم يبرأه شيء ، كلّ علّة تبرأها هاتان السورتان» (3).
    ونقل عن الإمام الباقر 7 مزيد من العلاجات والوصفات الروحانية التي تعتمد القرآن أو الدعاء ، منها في علاج آلام الجسد (4) ، ووجع الرأس والشقيقة (5) ، والصمم (6) ، ووجع
    __________________
    (1) سورة الإسراء : 17 / 82.
    (2) طب الأئمة : 48.
    (3) طب الأئمة : 39.
    (4) طب الأئمة : 17.
    (5) طب الأئمة : 18 و 20
    (6) طب الأئمة : 23.

    الأضراس (1) ، ووجع الخاصرة (2) ، ووجع الظهر (3) ، ووجع الرجلين (4) ، وبكاء الصبيان (5) ، والسل (6) ، وكل ما يشتكي منه الإنسان (7) ، وشدّة الطلق وعسر الولادة (Cool ، والرمد (9) ، وعبث الشيطان (10) ، وتعرّض الأرواح (11) ، وشدّة النزع عند الموت (12) ، وآثار الهوام (13) ، والجراح (14).
    كما نقلت عن الإمام الباقر 7 وصفات طبية لبعض الأمراض ، تعتمد العلاج بالأعشاب ، منها في علاج الطحال (15) ، وضعف البدن (16) ،
    __________________
    (1) طب الأئمة : 23.
    (2) طب الأئمة : 28.
    (3) طب الأئمة : 30.
    (4) طب الأئمة : 33.
    (5) طب الأئمة : 36.
    (6) طب الأئمة : 37.
    (7) طب الأئمة : 39.
    (Cool طب الأئمة : 69.
    (9) طب الأئمة : 83.
    (10) طب الأئمة : 97.
    (11) طب الأئمة : 108.
    (12) طب الأئمة : 118.
    (13) طب الأئمة : 119.
    (14) دعائم الإسلام 2 : 142.
    (15) طب الأئمّة : 30.
    (16) طب الأئمّة : 64.

    والزحير (1) ، والبلغم (2) ، وتقطير البول (3) ، والبواسير (4) ، وبياض العين (5) ، والحمى (6) ، وأوجاع الجسد (7) ، والجنون والصرع (Cool ، وعلاج السموم ولدغ المؤذيات (9).
    وذكر في طب الإمام الباقر 7 خواص بعض الأغذية والعلاجات وآثارها الطبية ، منها : السويق (10) ، والحبة السوداء (11) ، والبيض (12) ، والتفاح (13) ، والكمثرى (14) ، والكمأة (15) ، والسلجم (16) ، والحجامة (17) ،
    __________________
    (1) طب الأئمّة : 65.
    (2) طب الأئمة : 66.
    (3) طب الأئمة : 68.
    (4) طب الأئمة : 81.
    (5) طب الأئمة : 87.
    (6) بحار الأنوار 59 : 96.
    (7) طب الأئمة : 94.
    (Cool طب الأئمة : 112 ، بحار الأنوار 59 : 156.
    (9) بحار الأنوار 59 : 207.
    (10) طب الأئمة : 67.
    (11) طب الأئمة : 68 ، دعائم الإسلام 2 : 149 ، بحار الأنوار 59 : 228.
    (12) طب الأئمة : 130.
    (13) طب الأئمة : 135.
    (14) طب الأئمة : 135.
    (15) بحار الأنوار 59 : 208.
    (16) بحار الأنوار 59 : 214.
    (17) بحار الأنوار 59 : 120 و 121.

    والكحل المعروف بكحل أبي جعفر (1) ، وبخور مريم (2) ، والإدهان بالبان والزنبق أو الرازقي (3).
    وهناك مجموعة إرشادات طبّية أثرت عنه 7 ، وهي تدخل في صميم هذا العلم ، منها تشخيصه نوع المرض من خلال الأعراض البادية على الوجه ، كاستدلاله على البواسير من خلال امتقاع لون الوجه البادي على إسحاق الجريري وعلاجه إيّاه (4).
    ونقل عنه 7 أصناف طب العرب في قوله : «طب العرب في سبعة : شرطة الحجامة ، والحقنة ، والحمام ، والسعوط ، والقيء ، وشربة عسل ، وآخر الدواء الكي. وربّما يزاد فيه النورة» (5).
    وفي هذا الاتجاه ذكر 7 أنّ إخراج الحمى في ثلاثة أشياء : في القيء ، وفي العرق ، وفي إسهال البطن (6).
    وفي حديث آخر ذكر 7 «أن القيء يخرج كل داء وعلّة» (7).
    وذكر 7 أن خير الدواء الحقنة والسعوط والحجامة والحمام (Cool.
    وعنه 7 أنه قال : «إذا دخلتم أرضاً وبيئةً فكلوا من بصلها ، فإنّه يذهب
    __________________
    (1) بحار الأنوار 59 : 150.
    (2) بحار الأنوار 59 : 156.
    (3) طب الأئمة : 93 و 94.
    (4) طب الأئمة : 81.
    (5) طب الأئمة : 4 و 55.
    (6) طب الأئمة : 50.
    (7) طب الأئمة : 67.
    (Cool طب الأئمة : 57.

    عنك وباءها» (2).
    9 ـ نماذج من مواعظه ووصاياه ورسائله :
    كان الإمام الباقر 7 يثير بعض الكلمات في مختلف جوانب المعرفة ، كي يزيد من حالة ارتباط الناس وتواصلهم الروحي والتربوي مع شخصيات الإسلام المتحركة مع كل جيل ، ويجعلهم حاضرين معه في عقولهم وتعاملهم ومجالات حياتهم كلها ، من خلال جملة مواعظه ووصاياه تقعد القواعد المشرقة لآداب السلوك ، وتسهم في تنظيم الأسرة وصيانتها من الانحراف ، وتلبي ما يحتاج إليه الناس في حياتهم على مستوى الفرد والمجتمع.
    أولاً ـ المواعظ وقصار الحكم :
    ذكرنا في الفصل الرابع السيرة العملية للإمام الباقر 7 ، وتتجلى فيها حركة التأصيل للمفاهيم التربوية التي رسمها من خلال خصائص شخصه وتحركه في أوساط الأمة ، ونذكر هنا السيرة القولية المتمثلة بما أدلى به من النصح والارشاد والموعظة والحكمة والوصايا والرسائل التي حرص من خلالها على تقويم سلوك الفرد المسلم ، وغرس بذور الخير والصلاح في النفوس وتقويم اعوجاجها ، واعدادها للسير في مدارج الكمال ، والارتقاء إلى مراحل إيمانية عالية ، وإلى حقيقة اليقين المتمثل بالصبر عند البلاء ، والشكر عند الرخاء ، والرضا بالقضاء.
    وقد نالت الحكم المنقولة عنه 7 اعجاب الأدباء على مر العصور ، لأنها لوحات جميلة من حيث الشكل والمحتوى ، قال الجاحظ : قد جمع محمد بن علي ابن الحسين صلاح حال الدنيا بحذافيرها في كلمتين ، فقال : «صلاح شأن جميع
    __________________
    (3) دعائم الإسلام 2 : 149.

    المعايش والتعاشر مل ء مكيال : ثلثاه فطنة ، وثلث تغافل» (1).
    وفيما يلي نماذج مختارة من المواعظ البليغة والحكم الرائعة والأقوال الجامعة الواردة عنه 7 مرتبة على الحروف :
    قال الإمام الباقر 7 :
    1 ـ «إذا علم اللّه تعالى حسن نيّة من أحد ، اكتنفه بالعصمة» (2).
    2 ـ «أربع من كنوز البر : كتمان الحاجة ، وكتمان الصدقة ، وكتمان الوجع ، وكتمان المصيبة» (3).
    3 ـ قال 7 لابنه : «اصبر نفسك على الحق ، فانه من منع شيئاً في حق ، أعطى في باطل مثليه» (4).
    4 ـ «اعرف مودة أخيك لك بما له في قلبك من المودة ، فان القلوب تتكافأ» (5).
    5 ـ «إن استطعت أن لا تعامل أحداً إلاّ ولك الفضل عليه فافعل» (6).
    6 ـ «إن أسرع الخير ثواباً البر ، وإن أسرع الشر عقوبة البغي» (7).
    7 ـ «إن اللّه يتعهّد عبده المؤمن بالبلاء ، كما يتعهّد الغائب أهله
    __________________
    (1) البيان والتبيين 1 : ، مناقب آل أبي طالب 3 : 334 ، كشف الغمة 2 : 361.
    (2) أعلام الدين : 301.
    (3) تحف العقول : 295.
    (4) تحف العقول : 296.
    (5) تحف العقول : 295 ، حلية الأولياء 3 : 187 ، البداية والنهاية 9 : 340.
    (6) تحف العقول : 293.
    (7) حلية الأولياء 3 : 187 ، تاريخ دمشق 45 : 293 ، أعلام الدين : 301 ، البداية والنهاية 9 : 341.

    بالهدية ، ويحميه عن الدنيا كما يحمي الطبيب المريض» (1).
    8 ـ «إن اللّه يحبّ إفشاء السلام» (2).
    9 ـ «إن اللّه يعطي الدنيا من يحبّ ويبغض ، ولا يعطي دينه إلاّ من يحبّ» (3).
    10 ـ «إنّما يُبتلى المؤمن في الدنيا على قدر دينه» (4).
    11 ـ «إنّ المؤمن أخ المؤمن لايشتمه ولايحرمه ، ولايسيء به الظن» (5).
    12 ـ «إنّ هذه الدنيا تعاطاها البرّ والفاجر ، وإن هذا الدين لا يعطيه اللّه إلاّ أهل خاصّته» (6).
    13 ـ «إنّي لأكره أن يكون مقدار لسان الرجل فاضلاً على مقدار علمه ، كما أكره أن يكون مقدار علمه فاضلاً على مقدار عقله» (7).
    14 ـ «بئس الأخ أخ يرعاك غنياً ويقطعك فقيراً» (Cool.
    15 ـ «بئس العبد عبداً يكون ذا وجهين وذا لسانين ، يطري أخاه شاهداً ، ويأكله غائباً ، إن أعطي حسده ، وإن ابتلي خذله» (9).
    __________________
    (1) الكافي 2 : 255 / 17 ، تحف العقول : 300.
    (2) تحف العقول : 300.
    (3) تحف العقول : 300.
    (4) الكافي 2 : 253 / 9.
    (5) تحف العقول : 296.
    (6) تحف العقول : 297.
    (7) شرح نهج البلاغة 7 : 92.
    (Cool البداية والنهاية 9 : 341.
    (9) عقاب الأعمال : 269 ، الخصال : 38 / 20 ، معاني الأخبار : 185 / 1.

    16 ـ «ثلاث من مكارم الدنيا والآخرة : أن تعفو عمن ظلمك ، وتصل من قطعك ، وتحلم إذا جهل عليك» (1).
    17 ـ «ثلاث لم يجعل اللّه عزّوجلّ لأحد فيهنّ رخصة : أداء الأمانة إلى البرّ والفاجر ، والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر ، وبرّ الوالدين برّين كانا أو فاجرين» (2).
    18 ـ «ثلاث من عمل الجاهلية : الفخر بالأنساب ، والطعن في الأحساب ، والاستقساء بالأنواء» (3).
    19 ـ «الحياء والإيمان مقرونان في قرن ، فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه» (4).
    20 ـ «سلاح اللئام قبح الكلام» (5).
    21 ـ «شرّ الآباء من دعاه البرّ إلى الإفراط ، وشرّ الأبناء من دعاه التقصير إلى العقوق» (6).
    22 ـ «صلة الأرحام تزكّي الأعمال ، وتنمّي الأموال ، وتدفع البلوى ، وتيسّر الحساب ، وتنسئ في الأجل» (7).
    __________________
    (1) تحف العقول : 293.
    (2) الكافي 2 : 162 / 15.
    (3) معاني الأخبار : 326.
    (4) تحف العقول : 297.
    (5) حلية الأولياء 3 : 182 ، سير أعلام النبلاء 4 : 408 ، كشف الغمة 2 : 333.
    (6) تاريخ اليعقوبي 2 : 320.
    (7) تحف العقول : 299.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
     
    الامام ابو جعفر الباقر عليه السلام سيرته وتاريخ
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    » الامام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ
    » الامام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ
    » موسوعة الامام علي عليه السلام
    » الامام محمد الباقر (ع) من أفذاذ العترة الطاهرة
    » الامام الحسن عليه السلام في مواجهة الانشقاق الاموي

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: 35-منتدى كتب سيرة اهل البيت عليهم السلام-
    انتقل الى: