الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
البيت اهل
المواضيع الأخيرة
» نثر الدر المكنون
بحوث في مباني علم الرجال Emptyاليوم في 4:54 من طرف الشيخ شوقي البديري

» مقاتل الطالبيّين مقاتل الطالبيّين المؤلف :أبي الفرج الاصفهاني
بحوث في مباني علم الرجال Emptyأمس في 22:42 من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج1
بحوث في مباني علم الرجال Emptyأمس في 21:27 من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج2
بحوث في مباني علم الرجال Emptyأمس في 20:59 من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج3
بحوث في مباني علم الرجال Emptyأمس في 20:34 من طرف الشيخ شوقي البديري

»  كلام جميل عن التسامح
بحوث في مباني علم الرجال Emptyأمس في 19:57 من طرف الشيخ شوقي البديري

»  مفهوم التسامح مع الذات
بحوث في مباني علم الرجال Emptyأمس في 19:48 من طرف الشيخ شوقي البديري

» أقوال الحكماء والفلاسفة
بحوث في مباني علم الرجال Emptyأمس في 9:01 من طرف الشيخ شوقي البديري

» أقوال وحكم رائعة
بحوث في مباني علم الرجال Emptyأمس في 8:55 من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     بحوث في مباني علم الرجال

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2975
    نقاط : 4628
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    بحوث في مباني علم الرجال Empty
    مُساهمةموضوع: بحوث في مباني علم الرجال   بحوث في مباني علم الرجال Emptyالثلاثاء 29 أكتوبر 2024 - 20:17

    الفهرس الإجمالي
    تقديم 9 ـ 10
    المقدّمة 11 ـ 21
    المدخل : الحاجة لعلم الرجال 23 ـ 68
    الفصل الأوّل : ميزان حجّتية التوثيق والتعيف 69 ـ 120
    الفصل الثاني : في ما تثبت به الوثاقة أو الحّسن 121 ـ 176
    الفصل الثالث : في المناهج وأنماط البحث الرجالي 177 ـ 199
    الفصل الرابع : في أحوال الكتب 201 ـ 252
    الخاتمة 253 ـ 336
    مصادر الكتاب 337 ـ 339
    محتويات الكتاب 240 ـ 244



    تقديم
    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
    الحمد لله الذي ندب المؤمنين لينفر طائفة منهم ليتفقّهوا في الدين من معدن مشكاة النبوّة والعصمة ، ولينذروا بالرواية والفتوى قومهم والأجيال اللاحقة.
    والصلاة والسلام على سيّد المرسلين الذي ترحّم على الذين يأتون بعده فيروون أحاديثه ، وعلى آله الأوصياء الذين رغّبوا في المنازل على قدر الرواية عنهم والدراية لها.
    وبعد .. فإنّ الواجب من التمسّك بسنّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأوصياءه المعصومين عليهم‌السلام في استنباط الأحكام الشرعيّة يتوقّف على تمحيص الطرق والأسانيد للأحاديث عنهم صلوات الله عليهم ، سواء في أخبار الآحاد أو في تقدير التواتر والاستفاضة وما يلابس ذلك من مقدّمات ولوازم ، وهذا ما يتكفّل به علم الرجال ، وهو لا يتمّ الخوض فيه بمتانة ورصانة إلّا بتنقيح المباني والاسس العامّة للجرح والتعديل ، والتوثيق والتحسين ، فإنّها مبادئ تصديقيّة لبحث علم الرجال ، وبلحاظ آخر بمثابة قواعد عامّة للبحث الرجالي ، وهي تنطوي على مقدّمات اصوليّة وفقهيّة ، في حين هي مسائل برزخيّة بين علمي الاصول والرجال ،

    وبمنزلة تطبيقات اصوليّة تحليليّة على موادّ رجاليّة ، وقد وفّق تعالى لبحثها مع مجموعة من الأفاضل في السنين الماضية ، وقد قام السيّد الفاضل النحرير محمّد صالح ابن السيّد مهدي التبريزي أدام الله مثابرته العلميّة ونشره لعلوم الدين بتقرير تلك البحوث وتقويمها ومتابعة المصادر بجدّ وجهد وافر ، فشكر الله سعيه وأجزل توفيقه.
    11 ذي القعدة ميلاد ثامن الأوصياء
    الإمام الرضا
    الثاوي بأرض طوس ـ 1420 ه‍. ق
    محمّد السند

    مقدمة
    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
    وبه نستعين ، الحمد ربّ العالمين.
    وصلّى الله على رسوله وآله الطاهرين ،
    ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
    وبعد ..
    بداية علم الرجال
    قد جرى الكلام في أوّل واضع لعلم الرجال في العهد الإسلامي ، إلّا أنّ الصحيح أنّ مبتدأ هذا العلم هو من قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ)(1) ، حيث إنّه دعوة لتمييز النبأ والخبر بين كون الناقل له فاسقاً أو عادلاً ، وقد أكّد هذه الدعوة قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أَيُّها النّاسُ ، قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ الْكَذّابَةُ فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ» (2).
    __________________
    (1). الحجرات / 6.
    (2) اصول الكافي 1 / 62 ، كتاب فضل العلم ، باب اختلاف الحديث.


    ثمّ تابع تأكيد هذه الدعوة أيضاً أمير المؤمنين عليه‌السلام في ما رواه سليم بن قيس الهلالي ، قال : قلت لأمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّي سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذرّ شيئاً من تفسير القرآن وأحاديث عن نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غير ما في أيدي النّاس ، ثمّ سمعت منك تصديق ما سمعت منهم ، ورأيت في أيدي النّاس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ، ومن الأحاديث عن نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنتم تخالفونهم فيها ، وتزعمون أنّ ذلك كلّه باطل ، أفترى النّاس يكذبون على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله متعمّدين ، ويفسّرون القرآن بآرائهم؟ قال : فأقبل علَيَّ فقال :
    «قَدْ سَأَلْتَ فَافْهَمِ الْجَوابَ ، إِنَّ فِي أَيْدِي النّاسِ حَقّاً وَباطِلاً ، وَصِدقاً وَكِذْباً ، وَناسِخاً وَمَنْسُوخاً ، وَعامّاً وَخاصّاً ، وَمُحْكَماً وَمُتَشابهاً ، وَحِفْظاً وَوَهْماً ، وَقَدْ كُذِبَ عَلى رَسُولِ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله عَلى عَهْدِهِ حَتَّى قامَ خَطِيباً ، فَقالَ : أَيُّها النّاسُ ، قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ الْكَذّابَةُ فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ. ثُمّ كُذِبَ عَلَيْهِ مِنْ بَعْدِهِ. وَإِنَّما أَتاكُم الْحَدِيثُ مِنْ أَرْبَعَةٍ لَيْسَ لَهُمْ خامِسٌ :
    رَجُلٌ مُنافِقٌ يُظْهِرُ الْايمانَ ، مُتَصَنِّعٌ بِالْإِسْلَامِ ، لَا يَتَأَثَّمُ وَلَا يَتَحَرَّجُ أَنْ يَكْذِبَ عَلى رَسُولِ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله مُتَعَمِّداً ، فَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّهُ مُنافِقٌ كَذّابٌ ، لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ وَلَمْ يُصَدِّقُوهُ ، وَلكِنَّهُمْ قالُوا : هذا قَدْ صَحِبَ رَسُولَ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله وَرآهُ وَسَمِعَ مِنْهُ ، وَأَخَذُوا عَنْهُ ، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ حالَهُ ، وَقَدْ أَخْبَرَهُ اللهُ عَنِ الْمُنافِقِينَ بِمَا أَخْبَرَهُ ، وَوَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ فَقالَ عَزَّ وَجَلَّ : (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ)(1) ، ثُمَّ بَقُوا بَعْدَهُ فَتَقَرَّبُوا إِلى أَئِمَّةِ الضَّلَالَةِ وَالدُّعاةِ إِلَى النّارِ بِالزُّورِ وَالْكَذِبِ وَالْبُهْتانِ ، فَوَلَّوهُمْ الْأَعْمالَ ، وَحَمَلُوهُمْ عَلى رِقابِ النّاسِ ، وَأَكَلُوا بِهمُ الدُّنْيا ، وَإِنّما النّاسُ مَعَ الْمُلُوكِ
    __________________
    (1). المنافقون / 4.

    وَالدُّنْيا إِلَّا مَنْ عَصِمَ اللهُ فَهذا أَحد الْأَرْبَعَة.
    وَرَجُلٌ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله شَيْئاً لَمْ يَحْمِلْهُ عَلى وَجْهِهِ وَوَهِمَ فِيْهِ ، وَلَمْ يَتَعَمَّدْ كِذْباً ، فَهُوَ فِي يَدِهِ يَقُولُ بِهِ ، وَيَعْمَلُ بِهِ ، وَيَرْوِيهِ ، وَلَوْ عَلِمَ هُوَ أَنَّهُ وَهْمٌ لَرَفَضَهُ.
    وَرَجُلٌ ثالِثٌ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله شَيْئاً أَمَرَ بِهِ ثُمَّ نَهى عَنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ، أَوْ سَمِعَهُ يَنْهى عَنْ شَيْءٍ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ، فَحَفِظَ مَنْسُوخَهُ وَلَمْ يَحْفَظِ النَّاسِخَ ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضَهُ ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ إِذْ سَمِعُوهُ مِنْهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضُوهُ.
    وَآخَر رابِعٌ لَمْ يَكْذِبْ عَلى رَسُولِ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، مُبْغِضٌ لِلْكَذِبِ خَوْفاً مِنَ اللهِ وَتَعْظِيماً لِرَسُولِ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لَمْ يَنْسَهُ ، بَلْ حَفِظَ ما سَمِعَ عَلى وَجْهِهِ فَجاءَ بِهِ كَما سَمِعَ لَمْ يَزِدْ فِيْهِ ، وَلَمْ يُنْقِصْ مِنْهُ ، وَعَلِمَ النّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ ، فَعَمِلَ بِالنّاسِخِ وَرَفَضَ الْمَنْسُوخَ ، فَإِنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مَثَلُ الْقُرْآنِ ناسِخٌ وَمَنْسُوخٌ ، [خاصٌّ وَعامٌ] ، وَمُحْكَمٌ وَمُتَشابِهٌ ، قَدْ يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله الْكَلَامُ لَهُ وَجْهانِ كَلَامٌ عامٌّ ، وَكَلَامٌ خاصٌّ مِثْلُ الْقُرْآنِ ، وَقالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتابِهِ : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(1) فَيَشْتَبِهَ عَلى مَنْ لَمْ يَعْرِفْ وَلَمْ يَدْرِ ما عَنى اللهُ بِهِ وَرَسُولُهُ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وَلَيْسَ كُلُّ أَصْحابِ رَسُولِ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله كَانَ يَسْأَلُهُ عَنْ الشَّيْءِ فَيَفْهَمُ ، وَكانَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْأَلُهُ ، وَلَا يَسْتَفْهِمُهُ ، حَتَّى أَنْ كانُوا لَيُحِبُّونَ أَنْ يَجِيءَ الْأَعْرَابِيُّ ، وَالطّارِي فَيَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله حَتَّى يَسْمَعُوا.
    وَقَدْ كُنْتُ أَدْخُلُ عَلى رَسُولِ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله كُلَّ يَوْمٍ دَخْلَةً وَكُلَّ لَيْلَةِ دَخْلَةً فَيُخَلِّينِي فِيْها أَدُورُ مَعَهُ حَيْثُ دارَ ، وَقَدْ عَلِمَ أَصْحابُ رَسُولِ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله أَنَّهُ لَمْ يَصْنَعْ ذلك بِأَحَدٍ مِنَ النّاسِ غَيْرِي ، فَرُبّما كانَ فِي بَيْتِي يَأْتِينِي رَسُولُ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله أَكْثَرَ ذلِكَ. وَكُنْتُ إِذا دَخَلْتُ عَلَيْهِ بَعْضَ مَنازِلِهِ ، أَخْلانِي ، وَأَقامَ عَنِّي نِسَاءَهُ فَلَا يَبْقى عِنْدَهُ غَيْرِي ، وَإِذا أَتانِي لِلْخَلْوَةِ
    __________________
    (1). الحشر / 7.

    مَعِي فِي مَنْزِلِي لَمْ تَقُمْ عَنِّي فاطِمَةُ ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ بَنِيَّ.
    وَكُنْتُ إِذا سَأَلْتُهُ أَجَابَنِي وَإِذا سَكَتُّ عَنْهُ ، وَفَنِيَتْ مَسَائِلِي إبْتَدَأَنِي.
    فَمَا نَزَلَتْ عَلى رَسُولِ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله آيَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا أَقْرَأَنِيها وَأَمْلاها عَلَيَّ فَاكْتَتَبْتُها بِخَطِّي ، وَعَلَّمَنِي تَأْويِلَها وَتَفْسِيرَها ، وَناسِخَها وَمَنْسُوخَها ، وَمُحْكَمَها وَمُتَشابِهَها ، وَخاصَّها وَعامَّها ، وَدَعا اللهَ أَنْ يُعْطِيَنِي فَهْمَها وَحِفْظَها فَمَا نَسِيتُ آيَةً مِنْ كِتابِ اللهِ ، وَلَا عِلْماً أَمْلَاهُ عَلَيَّ وَكَتَبْتُهُ مُنْذُ دَعا اللهَ لِي بِما دَعا.
    وَما تَرَكَ شَيْئاً عَلَّمَهُ اللهُ مِنْ حَلَالٍ وَلَا حَرامٍ ، وَلَا أَمْرٍ وَلَا نَهْي كانَ أَوْ يَكُونُ ، وَلَا كِتابٍ مُنْزَلٍ عَلى أَحَدٍ قَبْلَهُ مِنْ طاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ ، إِلَّا عَلَّمَنِيهِ وَحَفِظْتُهُ ، فَلَمْ أَنْسَ حَرْفاً واحِداً.
    ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلى صَدْرِي وَدَعا اللهَ أَنْ يَمْلَأَ قَلْبِي عِلْماً وَفَهْماً وَحُكْماً وَنُوراً فَقُلْتُ : يا نَبِيَّ اللهِ ، بِأَبِي أَنْتَ وَامِّي مُنْذُ دَعَوْتَ اللهَ لِي بِمَا دَعَوْتَ لَمْ أَنْسَ شَيْئاً ، وَلَمْ يَفُتْنِي شَيْءٌ لَمْ أَكْتُبْهُ أَفَتَتَخَوَّفُ عَلَيَّ النِّسْيانَ فِيمَا بَعْدُ؟ فَقَالَ : لَا لَسْتُ أَتَخَوَّفُ عَلَيْكَ النِّسْيانَ وَالْجَهْلَ» (1).
    فإنّ في كلامه عليه‌السلام بيان لُاصول علم الدراية وعلم الحديث ، من أحوال الخبر وكيفيّات النقل ، مضافاً إلى أحوال الراوي الناقل من ناحية الصفات العمليّة والعلميّة
    تعريف علم الرجال
    وقد عُرّف بتعاريف عديدة متقاربة ، محصّلها : إنّه العلم الباحث عن رواة الأخبار ، وتشخيصهم ذاتاً وصفةً ، وتوفّرهم على شرائط القبول ، وهذا بخلاف
    __________________
    (1) اصول الكافي 1 / 62 ، كتاب فضل العلم ، باب اختلاف الحديث.

    علم الدراية الباحث عن أحوال الحديث متناً وسنداً ، وكيفيّة تحمّله وآدابه ، وأمّا التعرّض لسند الحديث فيه فهو بما هو من أحوال الخبر وصفة له ، أي أنّ البحث في مجموع السند ، وأنّه على أي درجة ، وبالتالي فلا يبحث فيه عن أحوال أفراد السند بأشخاصهم وأعيانهم ، وإنّما البحث فيه من قبيل الكبرى ، بينما الصغرى يتكفّلها علم الرجال.
    وبذلك يتّضح موضوع علم الرجال ، ويتّضح امتيازه عن موضوع علم الدراية ، وكذلك تتّضح الفائدة منه ، مضافاً إلى ما سيأتي في المدخل من بيان وجه الحاجة لعلم الرجال ، إلّا أنّنا نضيف في المقام فوائد اخرى :
    منها زيادة البصيرة في المسائل الاعتقاديّة ؛ وذلك لانطواء البحث الرجالي على دراسة الفرق المنحرفة والمستقيمة ، وهذا يعطي للباحث إلماماً بموارد الانحراف وكيفيّة نشوئه ، والاطّلاع على المذاهب الاعتقاديّة المختلفة ، كما تجد ذلك في ترجمة أمثال : محمّد بن أبي زينب ، ويونس بن ظبيان ، والمغيرة بن سعيد ، وبنان.
    كما أنّه يوقف المتتبّع في الأبحاث الرجاليّة على مذاق الشرع في كثير من الامور باطّلاعه على سيرتهم عليهم‌السلام مع مختلف أصناف الرواة ؛ إذ تعاملهم معهم تجسيد عملي لرأي الشارع المقدّس تجاه أدقّ المسائل الحالكة المعضلة في أبواب كثيرة.
    وبعبارة اخرى : إنّ البحث الرجالي تدقيق عميق في سيرة الأئمّة العمليّة واتّجاههم في قبال الاعتقادات الموجودة في زمانهم ؛ وبكلمة : أنّ البحث الرجالي في المفردات بمثابة الفتوى في الأحكام الاعتقاديّة المنطبقة على تلك المفردة ، وعليه فالباحث الرجالي لا غنى له عن الاعتماد على مذهب كلامي في الجرح

    أو التعديل للمفردة الرجاليّة.
    ومنها الاطّلاع على مسائل اعتقاديّة انفرد علم الرجال بتحريرها ، حيث إنّ هناك من المسائل الاعتقاديّة التي لم تُحرّر في علم الكلام ، ولا في الفقه ، يجدها الباحث محرّرة استطراداً في علم الرجال ، ومثال على ذلك مسألة ما لو كان أحد الرواة لا يعلم بجميع الأئمّة عليهم‌السلام ، بل إلى الإمام المعاصر له ، فهل مثل هذا يُدرج في الإماميّة أم لا؟ وقد ذهب مشهور الرجاليّين إلى الحكم بإماميّته ، وممّن عنون هذه المسألة السيّد بحر العلوم في رجاله.
    ومثال آخر : الحدّ الفاصل بين الضروريّات وغيرها من المسائل الاعتقاديّة ، وفي تفاصيل المعارف ، واختلاف طبيعة المسائل الاعتقاديّة ، وقد أشار المحقّق البحراني الشيخ سليمان الماحوزي ـ في المعراج في ترجمة أحمد بن نوح السيرافي ـ إلى ذلك ، وأنّه لم ينقّح ذلك إلّا في علم الرجال ، حتّى إنّه اضطرّ إلى الخوض في ذلك بشكل معمّق مستشهداً بسيرة الأئمّة عليهم‌السلام مع أصحابهم في ذلك ، وكذلك أشار المولى الوحيد البهبهاني إلى ذلك في تعليقته في ترجمة جعفر بن عيسى ، أنّه يظهر من تلك الترجمة ، وترجمة مثل يونس بن عبد الرحمن ، وزرارة ، والمفضّل بن عمر ، وغيرهم من أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام ، كثير من المباحث ، وكذا التعرّف على جذور الضرورات الدينيّة في التاريخ ونشوء البحوث العقائديّة.
    ومثل ما ذكره الرجاليّون من كيفيّة الجمع بين الأخبار النافية لجملة من مقامات وشئون الأئمّة عليهم‌السلام وبين المثبتة ، وأنّ مرجع ذلك إلى قابليّة الراوي ، ومستواه العلمي ، وقدرة تحمّله الذهني.
    ومثل مقارنة المسألة العقائديّة في هذا اليوم ما كانت عليه في العصور الاولى ،

    ومثل مسألة حكم من أنكر نيابة النوّاب الأربعة ، أي النيابة الخاصّة.
    منها الاطّلاع على مسائل فرعيّة وفقهيّة انفرد علم الرجال بتحريرها والتركيز عليها ، وذلك بسبب ما يوفّره للمتتبّع من الاطّلاع على سِير العديد من أصحاب الأئمّة في أبواب الفقه المختلفة.
    بل إنّ البحث الرجالي يُشرف على العديد من الضرورات ومسلّمات المذهب ، والتي كانت من معالم الطائفة يَعرِفهم بها القاضي والداني ، وذلك نظير الرجعة ـ فإنّها وإن كانت مثالاً للمسائل الاعتقاديّة وقد وردت بها الروايات المتواترة ـ حيث يشاهد الباحث في العديد من تراجم متكلّمي الطائفة من أصحاب الأئمّة وسجالاتهم مع وجوه العامّة أنّ القول بالرجعة هو من المتسالم عليه عند مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، وأنّهم كانوا يُعرفون به ، وأنّ النقاش في الأندية العلميّة بين الفريقين كان محتدماً حوله (1).
    وبعبارة موجزة : إنّ التراث الرجالي ثروة زاخرة بالتراث الديني المتجسّد في السيرة العمليّة للمفردات الرجاليّة ولأصحاب الأئمّة ، وموقف الأئمّة عليهم‌السلام تجاه تلك الظواهر المنتشرة ، ولا يخفى على الباحث الفقهي مدى أهمّية سيرة أصحاب الأئمّة في استكشاف الأحكام الفقهيّة.
    كما أنّ موقف الأئمّة العملي خير شاهد ودليل على تفسير فقه طوائف الروايات الواردة في ظهور معيّن ، فإنّ ذلك الموقف يكون قرينة على المراد
    __________________
    (1) لاحظ في ذلك ترجمة مؤمن الطاق ، محمّد بن عليّ بن نعمان البجلي ، وغيره من متكلّمي أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام ، ولاحظ ترجمة جابر بن يزيد الجعفي في كتاب رجال العامّة ، وقول سنان : «إنّ النّاس كانوا يحملون عن جابر ، وكان من وجوه الرواية قبل أن يظهر الإيمان بالرجعة».

    الجدّي من ذلك ، وعلى تحكيم طائفة من الروايات على طوائف اخرى ، كما هو الحال في طوائف الروايات الواردة في شرطيّة الإيمان في الإسلام ، أو أنّ الشهادتين يُحقن الدم ويحرم المال وتحلّ المناكح والذبيحة ، وكذا في تحديد درجة النُّصب وأنّه المجاهر بعداوتهم هو الذي يترتّب عليه الآثار من النجاسة والكفر وغيرها ، دون بقيّة درجات النُّصب ، وكذلك تحديد الغلوّ الموجب للكفر وأحكامه ، وكذلك تحديد التقصير في المعرفة ، أو أدنى درجات المعرفة به تعالى وبرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبهم عليهم‌السلام ، التي يكون ما دونها تقصير.
    فهذا الشيخ الطوسي في العدّة ـ مثلاً ـ تراه يستشهد في تفسير فقه الآيات والروايات الواردة في حجّية الخبر وأقسامه بعمل الطائفة في عدّة من أقسام الخبر في كتبهم الرجاليّة والفهارس والحديث ، ويستخلص منه التسالم العملي على ذلك إلى زمن الأئمّة عليهم‌السلام ، ولقد شدّد عدّة من أساطين الفقه على لزوم إحراز سيرة الأصحاب وديدنهم في الأبواب الفقهيّة المختلفة كشرط في الوصول إلى الفقه السليم لمدلول طوائف الروايات الصادرة عنهم عليهم‌السلام ، وأنّ الظهور للروايات المجرّد عن سيرة أصحابهم لا يشكّل عناصر الدلالة بتمامها لاستكشاف المراد الجدّي.
    ومن البيّن الواضح أنّ الاطّلاع على تلك السير لا يتمّ إلّا بتوسّط علمي الرجال والحديث ، لأنّه تاريخ قطعي للمسير الفقهي لدى الطائفة الإماميّة في عصر الأئمّة عليهم‌السلام ، والحال كذلك في أبواب المعارف والروايات فيها. فلاحظ ـ مثلاً ـ ما ذكره الوحيد البهبهاني في فوائده في شرح اصطلاح الواقفيّة ، من بيان منشأ الشبهة التي حصلت لهم من ألفاظ الروايات ك (صاحب الأمر) ، ولفظ (القائم من آل محمّد) و (القائم بالأمر) ، مستشهداً بما ورد في ترجمة عنبسة ،

    وأبي جرير القمّي ، وإبراهيم بن موسى بن جعفر ، وغيرهما ، وكذا كلامه في الناووسيّة ، وكذا كلام غيره من الرجاليّين.
    منها معرفة درجات الضعف والقوّة في طريق الخبر ، فإنّه مؤثّر جدّاً في جبر أو كسر الخبر بالشهرة العمليّة أو الفتوائيّة على القول بهما ، فإنّ مجرّد عدم الصحّة لا يطّلع الباحث على درجة الضعف كي يعرف حصول الجبر من عدمه ، وكذا الصحّة من دون معرفة علم الرجال لا يطلع الدرجة القابلة للكسر ، ومن ذلك يتّضح توقّف معرفة التواتر والمستفيض بالدقّة على معرفة علم الرجال ، فإنّه تراكم الاحتمالات كيفاً وتعدّد الكمّ إنّما يقف عليه الباحث بهذا العلم ، وإلّا كيف يتعرّف على بُعد وجود الدواعي للتواطؤ على الكذب. وكذا تتّضح درجات وأقسام التواتر والمستفيض.
    منها معرفة صحّة النُّسخ والمتون ، فإنّ كلّياتها وإن كان بحثها مختصّ بعلم الدراية ، أو صغرياتها بعلم الحديث ، إلّا أنّ الجانب المهمّ من صغرياتها يتوقّف على معرفة كتب الفهارس والمشيخة ، وكيفيّة وصول النُّسخ ، وطُرق الإجازات ، ونحو ذلك ، وهذه الفائدة يعرف خطورتها الممارس لعمليّة الاستنباط في الأبواب الفقهيّة أو الاعتقاديّة.
    منها حصول الإحاطة التامّة بمجموع التراث الحديثي الروائي ، والابتعاد عن الغفلة عن مظانّ المدارك ، فإنّه من أوّليّات اصول الفحص والبحث عن الدليل الشرعي ، ويتمّ الاطّلاع بتوسّط ما يذكر من اصول وكتب للمترجم له في المفردات الرجاليّة.
    منها الاطّلاع على اختلاف أقوال القدماء وتعدّدها من الرواة وأصحابها الأئمّة عليهم‌السلام في مختلف المسائل ، سواء الفقهيّة أو اصول الفقه ، أو الكلام ،

    أو الرجال ، وغيرها من مسائل العلوم الدينيّة ، فإنّ كثيراً منهم لم تكن له كتب مؤلّفة في تلك العلوم ، أو كانت ولم تصل إلينا ، فلا يتمّ تحقيق الأقوال في تلك المسائل أو وجوه الاستدلال المذكورة لها إلّا بضميمة ما يحصّله البحث في المفردات الرجاليّة.
    منها إنّ هناك عدّة فوائد يقدّمها علم الرجال لعلوم اخرى ، كعلم التاريخ لتحقيق الوقائع والأحداث العامّة بدقّة ، وبتحديد أدوار المفردات الرجاليّة فيها ، وانطباع ما يذكر فيها على تحليل تلك الوقائع ، وكعلم الأخلاق والسير والسلوك لتهذيب النفس ، فإنّ نماذج المفردات الرجاليّة عبرة لأنماط التجارب التي تمرّ بها البشريّة في مسيرها العلمي أو العملي ، وكيفيّة صعود بعض وتسافل آخرين ، وتبديل بعض ثالث من حال إلى آخر ، وكعلم الكلام والفقه ، وقد مرّ بيانه ، وكعلم الحديث والدراية وقد تبيّن ممّا سبق ، وكذا بقيّة العلوم الدينيّة وقد مرّت الإشارة إلى ذلك
    امتيازات الكتاب
    وقد تضمّن هذا الكتاب مضافاً إلى منهجة الأبواب المقرّرة في الفوائد الرجاليّة عدّة فوائد اخرى :
    الاولى : بيان القيمة العلميّة للأحاديث الضعيفة والآثار الشرعيّة الاخرى المترتّبة عليها.
    الثانية : الكشف عن مراد القدماء في تعبيرهم بتخريج أحاديث الكتاب عن الثقات ، كما في كتاب الكافي والفقيه والتهذيبين وكامل الزيارات ، وغيرها.
    الثالثة : أنّ تقسيم الحديث لدى القدماء عبارة عن أربعة تقاسيم ، وكلّ منها

    يشتمل على عدّة أقسام ، ومن ثمّ قد بنوا على درجات عديدة في الحجّية ودرجات عديدة في الضعف ، كما بنوا على تحيّث الحجيّة في الحديث وتحيّث الضعف فيه ، فالاعتبار للحديث ليس بقول مطلق دائماً ، وهكذا الحال في الضعف.
    الرابعة : بيان انفتاح باب العلم في علم الرجال ، وأنّ المبنى العمدة لدى الرجاليّين في هذا العلم هو على تراكم القرائن والاحتمالات إلى حدّ الاطمئنان ، وبيان مدى خطورة الفوائد المترتّبة عليه في كافّة الأبحاث الرجاليّة ، عرض التحليل الصناعي الدقيق للمباني الاخرى في علم الرجال.
    الخامسة : بيان إدراج الخبر الحسن والقوي في دائرة الخبر الحجّة المعتبر ، مع بيان حقيقة أصالة العدالة المنسوبة إلى المتقدّمين.
    السادسة : تفسير أمارات التوثيق ، من قبيل قاعدة الإجماع ، ولا يروي إلّا عن ثقة ، وغيرها ، على مبنيي الاطمئنان ـ تراكم الاحتمالات ـ وحُسن الظاهر.
    السابعة : استعراض أربعة عشر منهج للرجاليّين في البحث الرجالي.
    الثامنة : بيان ضوابط تصحيح الكتب والنُّسخ الحديثيّة واعتبارها.
    التاسعة : توثيق عدّة من مصادر الكتب الروائيّة بوجوه وطرق عديدة.
    ثمّ إنّ هذا الكتاب قد جاء تحريراً وتقريراً للدورة التي ألقاها الشيخ الاستاذ في شهري جمادى ورجب من سنة 1413 ه‍.
    والحمد لله أوّلاً وآخراً
    محمّد صالح التبريزي


    المدخل :
    الحاجة لعلم الرجال
    في بيان وجه الحاجة لعلم الرجال أو فقل بيان الضرورة الملزمة لمراجعته مضافاً إلى ما يذكر من فوائد عديدة تنجم من الاضطلاع به ، يتمّ ببيان عدّة مقدّمات ملخّصها :
    إنّ المتديّن بالشرع له علم اجمالي بتكاليف وأحكام شرعيّة لا بدّ أن يتوصّل إلى معرفتها وذلك لامتثالها ، أو لأجل حفظ الدين عن الاندراس ، أو لأجل تعليمها للآخرين ، أو إقامتها في الناس والمجتمع ، وتلك المعرفة لا تستتمّ بصورة شاملة إلّا عبر الأخبار الظنّية ، والمقدار الحجّة من تلك الأخبار هو حصّة خاصّة منها ، سواء بنينا في اعتبار خبر الواحد على الدليل الخاصّ أو على الانسداد ، على القول بالكشف فيه ، بل والحكومة كما سيتّضح ، وإحراز الصغرى لتلك الحصّة لا يتمّ إلّا بواسطة علم الرجال ، وهذا الدليل يضاهي في الصياغة دليل الانسداد ومؤلّف من مقدّماته بعينها ، غاية الأمر انّه تضاف إليه مقدّمة أخرى مبيّنة لكون صغرى الظن لا تحرز إلّا بعلم الرجال ، وفي الحقيقة انّ هذا الدليل صياغة لدليل الانسداد على العلم الإجمالي بالطرق ، في قبال صياغته على العلم الإجمالي

    بالأحكام الواقعيّة ، فكما أنّ دليل الانسداد قد يكون كبيراً بلحاظ أبواب كلّ الشريعة وبلحاظ الطرق لتلك الأحكام صدوراً ودلالة وجهة أو امتثالاً قد يكون صغيراً بلحاظ باب معيّن أو بلحاظ موضوع في باب معيّن ، كما قيل في الأنساب والأوقاف ونحوهما ، فكذلك الحال في صياغة هذا الدليل لبيان ضرورة علم الرجال.
    وتفصيل ذلك يتمّ ببيان مقدّمات :
    المقدّمة الأُولى : العلم الإجمالي بوجود أحكام يجب معرفتها ، إمّا للامتثال أو للحفظ عن الاندراس أو لتعليمها للآخرين أو لإقامتها بين المكلّفين.
    المقدمة الثانية : انّ معرفة تلك الأحكام لا يفي بها مجموع ما يستفاد من ظاهر الكتاب وحكم العقل والأخبار المستفيضة منها والمتواترة ، وهكذا المسلّمات الضرورية بين المتشرّعة ، فإنّ مجموع ذلك لا يتولّد منه إلّا معرفة الأحكام الضرورية وما يليها لا مطلق التفاصيل ، فإنّ آيات الأحكام وإن رَبَتْ على الخمسمائة آية إلّا إنّ ما يستفاد منها ليس إلّا أمّهات قواعد الأبواب ، وباطن الكتاب وإن اشتمل على تبيان كلّ شيء من الفروع والمعارف الاعتقاديّة كما في قوله تعالى (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ)(1). إلّا أنّ الوصول إلى ذلك بحكم الوجدان لا يمكن إلّا بحبل العترة الطاهرة.
    وأما حكم العقل فهو في دائرة الأحكام الكلّية الفوقانيّة جداً (2) ، كأحكام
    __________________
    (1) النحل / 89.
    (2) والتي هي بمثابة المواد الدستورية الأمّ في القوانين الوضعية بخلاف المواد التشريعية في المجالس النيابية المتوسطة التي يعبّر عنها في اصطلاح الأصوليين العمومات المتوسطة ، وبخلاف المواد التشريعية الوزارية التحتانية والتي يعبّر عنها بالعمومات التحتانية القريبة.

    العقل العملي كالتحسين والتقبيح ، وأمّا مدارج الأفعال النازلة فهو لا يصل إلى جهات حسنها وقبحها ، ومن ثمّ احتاج إلى هداية الوحي ، وكأحكام العقل النظري في الملازمات العقلية غير المستقلة الخمسة فقط ، وإن ضممنا إلى ذلك أخيراً في علم الأصول حكم العقل النظري المستقلّ في استكشاف الحكم الشرعي (1) إلّا أنّ دائرته هي أيضاً في الكليات الفوقانيّة الأولى ، وكذا الحال في حصيلة الضرورات المسلّمة بين المتشرّعة.
    وبعبارة موجزة : إنّ المتصفّح لدورة استدلاليّة في الفقه يرى أنّ القسم الأوفر منه يعتمد في إثباته على الأخبار ، بل لو سلّمنا دعوى وجود الاستفاضة في أكثر المسائل فإنّ صغرى الاستفاضة الروائية لا يتمّ التوصّل إليها إلّا بعلم الرجال أيضاً ، حيث انّ به يُتعرّف على الدرجة الاحتماليّة المتراكمة المتصاعدة من تكثّر الطرق ، إذ لكلّ طريق درجة احتمالية في الصدور ، والمطابقة للواقع يتمّ تحديدها بمعرفة درجة وثاقة أو ضعف سلسلة السند ومعرفة تعدّد الطرق من اشتراكها.
    وبذلك يتّضح إنّ هاتين المقدّمتين لا ينحصر صياغتهما على الحاجة لعلم الرجال في احكام الفروع ، بل تصاغ أيضاً بلحاظ الأحكام الاعتقاديّة والمعارف الدينيّة ، سواء بنينا على حجّية الظن في الجملة فيها في تفاصيل المعارف لا أساسياتها ، فيكون الحال في تلك الدائرة هو الحال في الفروع ، أو لم نبنِ على حجيتها وخصّصنا الحجية بالمتواتر والمتاخم له في باب الاعتقادات مطلقاً ، فإنّ صغرى المتواتر ونحوه أيضاً لا يتوصّل إلى معرفتها إلّا بعلم الرجال ، لما بيّناه آنفاً من أنّ الدرجة الاحتماليّة للخبر لا تُحدّد إلّا به.
    __________________
    (1). إشارة إلى القاعدة الثانية : «كلّ ما حكم به العقل النظري حكم به الشارع».

    المقدمة الثالثة : إنّ المقدار الثابت اعتباره من حجّية الخبر بالدليل الخاصّ انّما هو خبر الثقة أو الموثوق بصدوره دون مطلق الخبر ، ولو بنينا على عدم تمامية الدليل الخاصّ بل الاستناد في الحجّية على الانسداد ، فإنّ دليله بناءً على الكشف منتج لحجية حصّة خاصّة من الظن تقارب دائرة خبر الثقة.
    وأمّا على القول بالحكومة في دليل الانسداد أي حكم العقل بالاكتفاء الظني في فراغ الذمّة فهو أيضاً يُحدّد درجة الامتثال الظني بموارد خبر الثقة تقريباً ، وتحديد صغرى الثقة من غيره يتكفّلها علم الرجال.
    هذا فضلاً عن موارد التعارض في الأخبار المنتشرة في كلّ أبواب الفقه حيث يكون معالجتها أو تحديد الحجّة بالترجيح في صفات الراوي الممتاز بها عن الراوي الآخر ، وتلك الصفات الزائدة على الوثاقة لا يتمّ إحرازها إلّا بعلم الرجال.
    المقدمة الرابعة : وهاهنا دعويان :
    إنّ ما بأيدينا من الأخبار الواصلة في الكتب الأربعة وغيرها من كتب الحديث ليس كما يدّعيه أصحابنا الأخباريون من اعتبار كلّ طُرقها ، إذ في الطرق ما هو واجد لشرائط الحجّية وما هو ليس كذلك ، ولتميّز الواجد عن غيره لا بدّ أن يتوسّل بعلم الرجال ، كما انّ دعوى المحقّق الهمداني والمحقّق العراقي من التوصّل في إحراز صغرى الخبر الموثوق به بتوسّط الشهرة بأقسامها ، فهي غير تامّة أيضاً.
    بيان عدم تماميّة الدعويين
    نتعرض أوّلاً للدعوى الأخيرة منهما حيث أورد عليها :
    أوّلاً : منع حجّية الشهرة بأقسامها كسراً وجبراً.

    أقول : في هذا الإيراد نظر ، حيث أنّ مراد القائلين بكاسريّة الشهرة أو جابريّتها ليست حجّية الشهرة المستقلّة ولا حجّيتها كبروياً ، بل مرادهم تحقيق الشهرة لصغرى الخبر الموثوق به أي صغرى لحجّية أخرى ، هذا في الجبر. أو ممانعتها لتحقّق تلك الصغرى في صورة الكسر ، وقد وقعت الغفلة عن ذلك عند كثير من متأخّري هذا العصر ، وقد حرّرناها مفصّلاً في علم الأصول وانّها من باب تراكم الاحتمالات وتزايدها تكويناً أو تضاؤلها ، نعم شهرة الطبقات المتأخّرة لا تاثير لها كبروياً ولا صغروياً في الجبر والكسر ، لأنّها في الغالب مبنيّة على نكات اجتهاديّة حدسيّة فلا بدّ أن ينظر إلى تلك النكتة نفسها.
    ثانياً : منع تحقّق الشهرة في كلّ موارد الروايات ، وهذا بيّن للمتصفّح لأبواب الفقه ، حيث إنّ كثيراً من المسائل تكثّر الأقوال فيها من دون وجود شهرة لأحدها ، أو لا شهرة عملية أو روائية فيها لقلّة النصوص ، كما أنّ بعض المسائل غير معنونة عند جميع القدماء ، بل عند بعضهم فقط بنحو لا يكوّن الشهرة عندهم ، كما أنّ كثيراً من الفروع المنصوص عليها لم يعنونها القدماء ، بل عنونها من تأخّر عنهم مع كون النصوص في تلك المسائل محدودة بطريق واحد أو طريقين ، كما أنّ هناك نمط آخر من المسائل وقع الشجار فيها بين المحدّثين والمتقدّمين ، واختلافهم في تضعيف الطرق حيث انّ بعضهم يصحّح بعض الطرق دون الطرق الاخرى ، وترى جماعة منهم يعكس الأمر تماماً ، كما أنّ هناك نمط رابع من المسائل وهي التي يمكن تخريج الحكم فيها على مقتضى فذلكات صناعية ، بحيث لا يحرز استنادهم الى النصّ الخاصّ الوارد في تلك المسألة ، وغير ذلك من أنماط وطبيعة الاستدلال في أبواب الفقه ، مما يجدها المتتبّع ممّا لا يكمن تحصيل الشهرة بأقسامها فيها.

    ثالثاً : إنّه من البيّن وجود التعارض الروائي في أكثر الأبواب الفقهية ، وعلاج ذلك بالترجيح فيها بصفات الراوي لا يمكن إلّا بعد معرفة علم الرجال كما لا يخفى ، بل إنّ الترجيح في جهة الصدور أو المضمون يعتمد كثيراً ما على علم الرجال أيضاً ، ولا يكفي فيه الفقه المقارن والرجوع إلى الكتب الفقهية من أبناء العامّة ، حيث إنّ تحديد الجوّ العلمي والرأي السائد للوسط العلمي للمخالفين حين صدور الرواية لا يتحدّد بالدقّة إلّا بعد التعرّف على حياة الرواة العلمية ، وكذا التعرّف على مذاهب الفرق الشيعية الاخرى كالفطحيّة والواقفيّة والناووسيّة ، أو معرفة مدى تأثّر الراوي أو انتمائه لهم ، كلّ ذلك لا يتمّ إلّا بعد مراجعة علم الرجال ، كما إنّ تحديد درجات أجوبتهم عليهم‌السلام بلحاظ إختلاف مستويات الرواة تقبّلاً أو اهتماماً أو تضلّعاً ، بل قد قال عدّة من المحقّقين إنّ معرفة نوع درجة المخاطب مؤثّرة في دلالة وظهور الجواب. ومن ذلك يتبيّن أنّ لعلم الرجال فائدة غير هيّنة في باب الدلالة وجهة الصدور ، وإن لم يُنبِّه على ذلك مَن تعرّض لبيان ضرورة علم الرجال ، ولا سيما في باب روايات المعارف الاعتقاديّة.
    رابعاً : إنّه قد تقدّم في معرفة الخبر المتواتر والمستفيض انّه لا يكفي فيه مجرّد الإلمام والإحاطة بالمصادر الروائية ، بل لا بدّ أن ينضمّ إليه الاطّلاع على أحوال الرجال ، ليتمّ التحديد الدقيق لدرجات الضعف والوثاقة في الطرق ومفردات الأسانيد ولتمييز الطرق بعضها عن البعض الآخر.
    وبكلمة موجزة إنّ علم الرجال حافظ وصائن للتراث الروائي والسنّة عن الضياع والتلاعب والحذف ، وهذه الفائدة من أعظم فوائد علم الرجال وإن لم يصرّح بها في التعاريف المذكورة لعلم الرجال.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2975
    نقاط : 4628
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    بحوث في مباني علم الرجال Empty
    مُساهمةموضوع: رد: بحوث في مباني علم الرجال   بحوث في مباني علم الرجال Emptyالثلاثاء 29 أكتوبر 2024 - 20:19

    فمن باب المثال إنّ انتساب الكتب الروائية ونُسخها إلى أصحابها المتقدّمين ، وهو ما يُعنون بمعرفة أحوال الكتب ، كالذي قام به المحقّقان الجليلان الميرزا النوري في خاتمة المستدرك والآغا بزرگ في الذريعة وغيرهم ، إنّما يتحرّر ويتنقح بالاضطلاع في أحوال الرجال وكتب الفهارس.
    الجواب على دعوى قطعيّة أو صحّة جميع ما في الكتب الأربعة
    وأمّا الدعوى الاخرى من قطعية أو صحّة صدور جميع ما في الكتب الأربعة والتي ذهب إليها أصحابنا الأخباريّون ، فمضافاً إلى ما ذكرناه على ردّ الدعوى المتقدّمة فإنّه يرد عليها :
    أوّلاً : إنّ كثيراً من المسائل الفقهية قد اعتمد فيها على نصوص من غير الكتب الأربعة كقرب الاسناد وكتاب علي بن جعفر وتفسير القمي وغيرها من المصادر الروائية المعروفة ، وعليه فلا يستغنى عن علم الرجال بهذه الدعوى.
    ثانياً : إنّ كثيراً من الموارد الطرق في الكتب الأربعة ناقش فيها المحمّدون الثلاثة قدس‌سرهم أنفسهم ، حيث ضعّفوا العديد من الطرق ، فترى الصدوق مثلاً يضعّف روايات سماعة لأنّه واقفي (1) ، وقوّاه في موضع آخر يصف رواية عبد العظيم الحسني التي تفرّد بها بالغرابة (2) ، بل قد يُرى منهم طرح بعض الروايات ممّا هي صحيحة السند ، كما صنع الشيخ الطوسي في التهذيب (3) في روايات عدم نقصان شهر رمضان عن ثلاثين يوماً ، حيث قد ذكر رواية صحيحة السند استخرجها من
    __________________
    (1) الفقيه 2 / 128 و 121.
    (2) الفقيه 2 / 128.
    (3) التهذيب 4 / 169.

    كتاب محمّد بن أبي عمير عن حذيفة بن منصور ، حيث قال : «وهذا الخبر لا يصحّ العمل به من وجوه : أحدها إنّ متن هذا الحديث لا يوجد في شيء من الأصول المصنّفة وإنّما هو موجود في الشواذّ من الأخبار ، ومنها أنّ كتاب حذيفة بن منصور رحمه‌الله عريّ منه ، والكتاب معروف مشهور ، ولو كان هذا الحديث صحيحاً عنه لضمّنه كتابه» (1) انتهى.
    فترى الشيخ يضعّف سند الحديث بقرينة خلوّ كتاب حذيفة مع أنّ السند من الصحيح الأعلائي ، ومع أنّ الصدوق التزم بمضمون هذه الرواية ونظائرها من عدم نقصان شهر رمضان في ثلاثين يوماً ، وادّعى فيه أنّه من مسلّمات المذهب ، وقال : بأنّ الذي لا يلتزم به نتكلّم معه بالتقيّة لأنّ ذلك شيء ثابت.
    وترى الصدوق رحمه‌الله في باب (الوصي يمنع ماله الوارث بعد البلوغ) يروي رواية عن الكليني رحمه‌الله ثمّ يعقّبها بقوله : «قال مصنّف هذا الكتاب رحمه‌الله ما وجدت هذا الحديث إلّا في كتاب محمّد بن يعقوب وما رويته إلّا من طريقه ، حدّثني به غير واحد منهم محمّد بن محمّد بن عصام الكليني رضى الله عنه عن محمّد بن يعقوب» (2) ، فترى الصدوق رحمه‌الله مع كون الحديث مشتملاً على الإرسال ومع عدم تعلّقه بحكم فقهي ، بل هو متعرّض إلى إثم الوصي في ما لو زنى الوارث ، ينبّه على تفرّد الكليني بهذا الحديث ، أي يريد أن يبيّن عدم اعتقاده بقطعيّة صدوره ، فهو لا يعتقد بقطعية أو صحّة كلّ ما في كتاب الكليني ، كما أنّه يستفاد من ذلك إنّه ليس كلّ ما يودعه الصدوق رحمه‌الله في كتاب الفقيه يبني على قطعية أو صحّة صدوره.
    ومن أمثال هذين الموردين يجد المتتبّع الكثير من الموارد في التهذيبين
    __________________
    (1) التهذيب 4 / 169.
    (2) الفقيه 4 / 224.

    والفقيه ، وهكذا ترى الكليني رحمه‌الله في باب الطلاق للعدّة يروي رواية مسندة عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام إلّا أنّه يطرحها معلّلاً ذلك بأنّ مضمون هذه الرواية هو رأي ابن بكير وهو رأي الفطحيّة من جماعته لا روايته عنه عليه‌السلام مع أنّ ابن بكير من أصحاب الإجماع الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم.
    وكذا قال في الفقيه (1) : «وفي كتاب محمّد بن يعقوب الكليني (2) عن أحمد بن محمّد ، قال : ولست أفتي بهذا الحديث ، بل بما عندي بخطّ الحسن بن علي عليه‌السلام ـ العسكري ـ ولو صحّ الخبران جميعاً لكان الواجب الأخذ بقول الأخير كما أمر به الصادق عليه‌السلام».
    وقال الشيخ في التهذيب بعد ذكر الخبرين ـ خبر الكليني والصدوق المتقدّمين ـ قال : «وانّما عمل على الخبر الأوّل ظناً منه إنّهما متنافيين وليس الأمر على ما ظنّ» (3).
    وقال في الفقيه في (كفارة من جامع في شهر رمضان) قال : «لم أجد ذلك في شيء من الأصول وإنّما انفرد بروايته علي بن ابراهيم» ، ويشير إلى رواية الكليني عنه (4).
    وقال في التهذيب في روايات الكرّ بعد ما روى مرسل ابن أبي عمير قال : «فأوّل ما فيه أنّه مرسل غير مسند» (5).
    __________________
    (1). الفقيه 4 / 151 ، 523.
    (2) الكافي 7 / 46 ـ 47.
    (3) التهذيب 9 / 185 ـ 186.
    (4) الفقيه 2 / 73 ، الحديث 3013. الكافي 4 / 103.
    (5) التهذيب 1 / 41 ، 43.

    وهكذا ترى في العديد من الموارد أنّ الصدوق رحمه‌الله يضعّف روايات قد اعتمدها الشيخ في التهذيب والكليني في الكافي مسندة ، حتّى إنّه قال في الفقيه : «كلّما لم يحكم ابن الوليد بصحّته فهو عندنا غير صحيح» (1).
    وهكذا ترى العكس حيث إنّ الشيخ يضعّف سند روايات قد اعتمدها الصدوق في الفقيه أو الكليني في الكافي.
    وقد روى الكليني رحمه‌الله في باب (شهادة الصبيان) عن أبي ايوب ، قال : سمعت إسماعيل بن جعفر عليه‌السلام ... ، حيث إنّ الرواية ليست قول المعصوم عليه‌السلام.
    وكذا الحال ما في الفقيه في (ارث الزوجة) ما رواه عن محمّد بن أبي عمير عن ابن اذينة (2) ، فهي مقطوعة وغير مسندة.
    وهكذا معالجة الكليني لباب التعارض بالترجيح السندي دليل على عدم حجّية كلّ ما في الروايات (3) ، وهكذا في عبارة الصدوق في ديباجة الفقيه حيث قال :
    «ولم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووا ...» ، فمؤدّى هذه أنّ الصدوق رحمه‌الله لم يكن يرى أنّ كلّ ما في كتاب الكافي حجّة في ما بينه وبين الله ، وإلّا لاستغنى به عن كتابة الفقيه ، مضافاً إلى أنّ عبارته عند قوله : «ولم أقصد قصد المصنّفين في ما رووا» يدلّ على أنّ ما صُنّف قبله ومنه الكافي لم يكن مختصّاً بالروايات الصحيحة ، بل هو حاوي للروايات الصحيحة وغيرها.
    وهذا الرأي من الصدوق في قبال رأي الميرزا النوري صاحب المستدرك حيث
    __________________
    (1) الفقيه 2 / 55 ، الحديث 241 ، في ذيل حديث صلاة الغدير.
    (2) الفقيه 4 / 252.
    (3) راجع ذلك في ديباجة الكافي.

    إنّه يذهب إلى الاعتماد على كلّ طرق الكافي ، لكون تأليفه في زمن الغيبة الصغرى مع وجود النوّاب الأربعة في بغداد والتي أقام فيها الكليني عند تأليفه للكتاب ، وأنّه قد قيل فيه : إنّ الكافي كافٍ لشيعتنا.
    ويدلّ كلام الصدوق أيضاً لا سيّما مع الالتفات إلى ما ذكرناه في ما نقله في باب الوصية على أنّ الكليني رحمه‌الله أيضاً لم يكن مبناه على أنّ كلّ ما يورده في الكافي أنّه يفتي به ؛ لأنه قد صرّح إلى أنّ المصنّفين من قبله كان ديدنهم على عدم الاقتصار على خصوص الروايات الصحيحة عندهم ، وإن نقّوا كتبهم عن الروايات المدسوسة والمدلّسة (1).
    وأيضاً عبارة الشيخ في التهذيب عند قوله : «والآن فحيث وفّق الله تعالى للفراغ من هذا الكتاب نحن نذكر الطرق التي نتوصّل بها إلى رواية هذه الأصول والمصنّفات ونذكرها لتخريج الأخبار بذلك عن حدّ المراسيل وتلحق بباب المسندات» (2).
    فهذه العبارة صريحة في أنّه لا يرى قطعيّة صدور كلّ ما في التهذيبين وانّه ليس وراء صورة سلسلة السند معيار للتصحيح ، كالذي ادّعاه أصحابنا الاخباريّون ، ليجعل المدار في الصحّة على السند المذكور.
    وقريب من ذلك كلام الصدوق في مشيخة الفقيه.
    وهكذا عبارة الصدوق في ديباجة الفقيه إنّه قد وضع كتاب فهرس لجميع طرقه
    __________________
    (1) سيأتي بيان الفرق بين الضعيف بالمعنى الأخص وبين المدلّس ، والموضوع والمدسوس ، كما سيأتي تفسير أن الصحيح في اصطلاح القدماء يقع على معنيين : أحدهما : ما يقابل المدسوس والموضوع والمجعول ، والآخر : ما يساوي الحجّة المعتبرة ويقابل الضعيف.
    (2) التهذيب في ديباجة المشيخة.

    الى الكتب ، فانّه دالّ على أنّ المدار في التصحيح عليها لا على شيء آخر وراءها.
    هذا مضافاً إلى كثير من عبارات الفقيه والطوسي في تضاعيف الأبواب الدالّة على تضعيف بعض الروايات مثلاً :
    1. عبارة الشيخ الطوسي في التهذيب حيث روى رواية عن الكليني بسنده عن أبي سعيد الخدري قال : «أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بلالاً ينادي كذا ...» (1) ثمّ يعقّبها بقوله : «قال محمّد بن الحسن : فما تضمن هذا الحديث من تحريم لحم الحمار الأهلي موافق للعامّة والرجال الذين رووا هذا الحديث اكثرهم عامّة وما يختصّون بنقله لا يلتفت إليه» (2) ، مع أنّ الرواية موجودة في الكافي أيضاً (3).
    2. وفي الاستبصار يروي الرواية عن الكليني بسنده عن عمران الزعفراني في باب الأخبار التي تتعلّق بالعدد في شهر رمضان فيعبّر الشيخ : «إنّ الروايتين خبر واحد لا يوجبان علماً ولا عملاً وراويهما عمران الزعفراني وهو مجهول وفي أسناد الحديثين قوم ضعفاء لا نعمل بما يختصّون بروايته» (4) ، مع أنّ الرواية موجودة في الكافي (5) ، بالإضافة إلى أنّ الصدوق أيضاً من القائلين ـ بتصلّب ـ بتمام العدد في شهر رمضان.
    3. وفي التهذيب في بحث الظهار روى رواية يرويها عن القاسم بن محمّد
    __________________
    (1) التهذيب 9 / 40 ، الحديث 170. كتاب الصيد والذبائح ، باب 1 ، باب الصيد والذكاة.
    (2) المصدر المتقدّم 9 / 41.
    (3) الكافي 6 / 243 ، كتاب الأطعمة ، باب جامع في الدواب التي لا تؤكل لحمها ، الحديث 1.
    (4) الاستبصار 2 / 76 ، كتاب الصيام ، الباب 36 ، باب ذكر جمل من الأخبار يتعلّق بها أصحاب العدد ، الحديث 2.
    (5) الكافي 4 / 81 ، كتاب الصيام ، باب 8 بدون عنوان ، الحديث 4.

    الزيّات ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : إنّي ظاهرت من امرأتي ... الخ ، عن طريق محمّد بن يعقوب (1) ، ومع ذلك يلاحظ أنّ الشيخ يعرض عن هذه الرواية ونظيراتها (2) التي رواها الصدوق (3) ويعمل على مقتضى القاعدة.
    ثالثاً : إنّ نفس أصحاب الكتب الأربعة قد ذكروا في ديباجة كتبهم أنّهم ذكروا سلسلة السند كي تخرج روايات الكتاب عن حدّ الإرسال وهذا ممّا يدلّل على أنّ منشأ اعتبار روايات الكتب إنّما هو صورة السند المذكور ولو كان هناك قرائن أخرى على اعتبار السند لأوردوها لأنّ بغيتهم من إيراد السند هو اعتبار الرواية سنداً.
    ودعوى أنّ إيرادهم لسلسلة الأسانيد والمشيخة هي للتزيين ، واهية جداً ومنافية لما صرّحوا به في ديباجة كتبهم ولما يصرّحون به في تضاعيف الأبواب من طرح عدّة من الروايات لإرسالها مثلاً ، أو كون الراوي ذا مذهب فاسد ونحو ذلك.
    نعم هناك دعوى أخرى لاعتبار طرق أصحاب الكتب الأربعة إلى كتب وأصول المشيخة لا لتمام سلسلة السند ، وسيأتي التعرّض لها وبيان تماميّتها ومغايرتها لدعوى الأخباريين.
    رابعاً : إنّ هناك دعوى وجود العلم الإجمالي بوقوع التدليس في الطرق وقد تعرّض لها الشيخ الأنصاري رحمه‌الله في رسائله في مبحث حجّية خبر الواحد قبل دليل
    __________________
    (1). التهذيب 8 / 13 ، كتاب الطلاق ، باب 2 في حكم الظهار ، الحديث 17. وفي الكافي 6 / 158 ، الحديث 24.
    (2). التهذيب 8 / 14 ، كتاب الطلاق ، باب 2 في حكم الظهار ، ذيل الحديث 19.
    (3) الفقيه 3 / 344 ، كتاب الطلاق ، باب 171 ، باب الظهار ، الحديث 13.

    الانسداد ، وجمع فيها عدّة شواهد وقرائن من كتاب الكشّي والنجاشي وفهرست الشيخ الطوسي على وقوع مثل هذا التدليس ، نظير ما هو موجود في الكشّي بأسانيد بعضها معتبر كما في قوله عليه‌السلام :
    «قد كان المغيرة بن سعيد يكذب على أبي» و «دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي» (1).
    ونظير ما يرويه عن يونس بن عبد الرحمن أنّه قد روى عن جمّ غفير من أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام ثمّ عرضها على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام فحكم الإمام عليه‌السلام على العديد منها إنّها ممّا كُذب على أبي عبد الله عليه‌السلام (2) إلى غير ذلك ممّا تسالم الرجاليّون على بعض الرواة أنّهم من الوضّاعين ممّن قد وقعوا في أسانيد الروايات ، وغير ذلك من القرائن فراجع.
    وهذا العلم الإجمالي قد أشار الشيخ إلى أنّه قد أوجب صيرورة بعض المحقّقين إلى التمسّك بذيل دليل الانسداد في حجّية الخبر لعدم جدوى الدليل الخاصّ على حجّية خبر الثقة بعد فرض وجود العلم الإجمالي المزبور ، لعدم إمكان إحراز الصغرى ، فيتعيّن حينئذ قيام دليل الانسداد.
    وقد ذهب إلى ذلك في الجملة بعض السادة من مشايخنا المحقّقين.
    وبالجملة : فدعوى العلم الإجمالي المزبور وعدم انحلاله وبقائه وإن كانت غير سديدة عندنا كما سنبيّن ذلك ، إلّا أنّها بشواهدها المتقدّمة صالحة لمقابلة
    __________________
    (1) راجع : رجال الكشّي (اختيار معرفة الرجال) في المغيرة بن سعيد : 296 ـ 301 ، الحديث 399 ـ 408.
    (2) رجال الكشّي / 297 ، الحديث 401 ، في المغيرة بن سعيد.

    ما يذكر من شواهد لدعوى الأخباريين من صحّة كلّ ما في الكتب الروائية ، فإنّ شواهد الدعوى الاخرى وان كانت تامّة في نفسها إلّا أنّها لا تثبت الدعوى المتقدّمة ، بل هي موجبة لانحلال شواهد الدعوى الأولى بوجود العلم الإجمالي بوقوع التدليس.
    وعليه فتسقط كلتا الدعويين ويكون المدار على صحّة السند حينئذ ، وليس ذلك من باب التساقط عند الشك والتعارض ، بل لتولّد العلم التفصيلي اللاحق بانحلال العلم الإجمالي المزبور ، أي العلم بوقوع الغربلة والتصفية والمقابلة والتثبّت والتشدّد لكلّ روايات الأصول الأربعمائة وكتب المجاميع بعدها بعرضها أمّا على الأئمّة عليهم‌السلام أو على ما استفاض من رواياتهم عليهم‌السلام بحيث طُرح كلّ ما علم بتدليسه أو وقع ضمن دائرة العلم بحسب الموارد والأبواب.
    وأمّا الشواهد على تولّد العلم التفصيلي فملخّصها هو ما وقع من تشدد القميين إلى الغاية ، بل قد أفرطوا في ذلك في صيانة النقل ، حيث كانوا يخرجون من (قم) كلّ من يروي عن الضعفاء والمجاهيل ، وإن لم يُعلم أنّ تلك الرواية مدلّسة أو مدسوسة ، فهذا البرقي الجليل قد أخرجوه وغيره من عشرات الرواة الأجلّاء ، وكذا ما استثنوه من كتاب نوادر محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري ، الموسوم كتابه (بدبّة شبيب) ، وغيرها من الكتب التي استثنوا كثيراً من رواياتها تصلّباً منهم في تنقية الحديث ، وكم من راوٍ ضعّفوه وهجروا روايته لمجرّد دعواهم الغلوّ في حقّه مع أنّ مبناهم في حدّ الغلوّ ـ ضابطته ـ إفراط من القول ، كما ذكر ذلك عامّة متأخّري هذه الأعصار ، وهذا التشدّد في الوقت الذي أوجب عمليّة تصفية وتنقية في الحوزات الروائية الحديثية ، وأوجب ظاهرة المداقّة المتناهية في غربلة طرق الحديث ، إلّا أنّه في الوقت نفسه أوجب ضياع جزء من التراث الروائي.

    ومن الشواهد أيضاً ما وقع من كبار الرواة من مقابلة الأحاديث التي جمعوها بعرضها على الأئمّة عليهم‌السلام المتأخّرين ، كما وقع ذلك ليونس بن عبد الرحمن بطريق معتبر في الكشّي (1) ، وكتاب عبيد الله بن علي الحلبي المعروض على الصادق عليه‌السلام (2) ، وككتابي : يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان المعروضين على الإمام العسكري عليه‌السلام ، وكما وقع ذلك في عدّة من الكتب التي عرضت على الإمام الجواد عليه‌السلام والتي ترحّم الإمام على مؤلّفيها ، ككتاب يوم وليلة (3) ، وكما وقع ذلك أيضاً من النائب الثالث الحسين بن روح من عرض كتابه الذي جمع فيه مروياته عن شيوخ الرواة على فقهاء ومحدّثي (قم) ليقابلوها مع المستفيض من رواياتهم كما ذكر ذلك الشيخ في كتاب الغيبة في ترجمته (4).
    وبالجملة : فإنّ عمليّة مقابلة الكتب أدمنها الرواة منذ عهد الصادق عليه‌السلام ، ومرحلة تدوين الأصول الأربعمائة مروراً بمرحلة تدوين المجاميع في عهد الرضا عليه‌السلام ، كمشيخة الحسن بن محبوب وكتب الحسين بن سعيد الأهوازي وصفوان بن يحيى وابن أبي عمير وغيرهم ، إلى مرحلة تدوين الكتب في عهد العسكريين عليهما‌السلام والغيبة الصغرى ككتاب قرب الاسناد لعبد الله بن جعفر الحميري ، وكتاب المحاسن لأحمد بن محمّد البرقي وغيرهما ، وانتهاءً بمرحلة أصحاب الكتب الأربعة في كتبهم الأربعة وغيرها.
    حيث إنّ مرحلة الأصول كانت قائمة على التلقّي المباشر عن الإمام عليه‌السلام ،
    __________________
    (1) رجال الكشّي 297 / الحديث 401 ، في المغيرة بن سعيد.
    (2) رجال النجاشي 231 / الرقم 612 ، عبيد الله بن عليّ بن أبي شعبة.
    (3) وسائل الشيعة : كتاب القضاء ، الباب 8 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 74.
    (4) الغيبة / 390.

    ومرحلة المجاميع وكتب المشيخة كانت عبارة عن جمع ما في الاصول مع تشذيبها وتهذيبها وعرضها ومقابلتها على الأئمّة المتأخّرين عليهم‌السلام ، ومرحلة الكتب كانت عبارة عن جمع الأصول اللاحقة المتولّدة من الأئمّة المتأخّرين عليهم‌السلام مع تبويب الروايات ، وأمّا مرحلة أصحاب الكتب الأربعة فكانت عبارة عن استقصاء كلّ الروايات والطرق مع المبالغة في التبويب والفهرسة والتنقية ، فنرى الكليني رحمه‌الله يذكر أن الداعي إلى تأليف كتاب الكافي هو : «أمّا بعد فقد فهمت يا أخي ما شكوت من اصطلاح أهل دهرنا على الجهالة وتوازرهم وسعيهم في عمارة طرقها ومباينتهم للعلم ...».
    ونرى الصدوق في الفقيه في مقام بيان منهجه في كتابه يقول : «بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحّته وأعتقد فيه أنّه حجّة في ما بيني وبين ربّي ـ تقدّس ذكره وتعالت قدرته ـ وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة ، عليها المعوّل وإليها المرجع ـ ثمّ ذكر أسماء الكتب ـ وقال : وغيرها من الاصول والمصنّفات التي طرقي إليها معروفة في فهرس الكتب التي رويتها عن مشايخي وأسلافي ـ رضي‌الله‌عنهم ـ وبالغت في ذلك جهدي» (1).
    هذا وقد ذكر الآغا بزرك الطهراني رحمه‌الله في كتاب مصفّى المقال في مصنّفي علم الرجال : «انّه كان في مكتبة السيّد ابن طاوس مائة ونيّف من مصنّفات الإمامية من كتب الفهارس والرجال فقط».
    وغير ذلك ممّا ذكره روّاد ومهرة علم الرجال من تواتر القرائن التي لا تُحصى على غربلة الحديث وتنقيته بما لم يعهد ذلك عند أحد من فرق المسلمين ، بعد
    __________________
    (1) ديباجة الفقيه / 3 ـ 5.

    كون الطائفة الإمامية هي أوّل من دوّن الحديث في الصدر الأوّل ككتاب سليم بن قيس وغيره ، بينما نرى بقيّة الفرق قد تأخّرت في تدوين الحديث إلى ما بعد منتصف القرن الثاني.
    لكن لا يخفى أنّ كلّ ذلك لا يعني إهمال النظر من قبلنا في ملاحظة سلسلة الأسانيد والطرق ، بل هي في قبال دعوى العلم الإجمالي المتقدّم.
    خامساً : إنّ ظروف التقيّة الشديدة السائدة في عهد أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام ، الرواة عنهم ، والتي قد تؤدّي ببعضهم إلى ضياع كتبه أو عدم روايتها إلّا لواحد أو اثنين لظروف الخوف من السلطة الأمويّة والعباسيّة كما وقع ذلك لابن أبي عمير في القصّة المعروفة له وتعذيبه في سجن هارون ليقرّ على رواة الشيعة وقيام ابنته بدفن كتبه أو إخفاءها فانمحت عديد من الأسانيد ، ولذلك اشتهر ابن أبي عمير بالمراسيل ، كما أنّ العديد من الرواة الأجلّاء الكبار أصحاب الكتب ديدنهم على الرواية عن الضعاف في تلك الروايات التي لا يظهر منها الوضع والدسّ وتكون غير مخالفة للكتاب والسنّة القطعية حتّى إنّ الذي اختصّ من الرواة بالرواية عن خصوص الثقة قد مُيّز بأصحاب الإجماع وبوصف أنّه لا يروي ولا يرسل إلّا عن ثقة ، وبأدنى مراجعة إلى تراجم المفردات الرجاليّة يظهر عدم تقيّد العديد من الرواة بالرواية عن خصوص الثقة ، ومع هذا فكيف تتمّ دعوى كون كلّ الأسانيد قطعيّة أو صحيحة.
    تذييل ذو صلة بردّ الدعويين
    لا يخفى أنّ كلّ ما ذكرناه في ردّ الدعويين المتقدّمتين لا يعني الاستهانة والإنكار للقيمة العلمية لبعض روايات الكتب الأربعة والكتب الاخرى الروائيّة ،

    لأنّ الروايات الضعيفة ليست بمعنى المدسوسة والمدلّسة وغير الصادرة عنهم عليهم‌السلام وكم هو الفارق بينهما ، وإن اشتبه ذلك على كثير من المبتدءين ، حيث أنّ المدسوس والمدلّس هو ما يحكم بوضعه وتزويره بقرائن شاهدة على ذلك ، بخلاف الرواية الضعيفة أو المجهولة السند أو المرسلة أو المرفوعة أو المقطوعة أو الحسنة أو القويّة ، فإنّ المراد من ضعفها عدم واجديّتها في نفسها لشرائط الحجّية ، لا أنّها موضوعة فلربّما كانت صادرة ومضمونها حقّ وإن لم نحتجّ بها ، كما أنّ للخبر الضعيف حكمين آخرين غير الحجّية يشترك فيهما مع الخبر الصحيح المعتبر : ـ
    أوّلهما : حرمة الردّ الثابتة بروايات متواترة ، وموضوعها كلّ رواية لم يُعلم ولم يُقطع بوضعها ولا تناقضها مع ضروريات الكتاب والسنة ، وهذه الحرمة المسلّمة بين علماء الإمامية موضوعها كلّ من الخبر الصحيح والضعيف.
    ثانيها : تشكّل وتولّد وتكوّن الخبر المستفيض والمتواتر من كلّ من الخبر الصحيح أو الضعيف ، حيث إنّ النسبة الاحتماليّة المتصاعدة بالصدور بالعامل الكمّي والكيفي في نظرية الاحتمالات الرياضية البرهانية تتصاعد بهذين العاملين إلى أن يصبح مستفيضاً أو متواتراً ، لا سيّما بعد ما نبّه عليه الآخوند من تقسيم التواتر والمستفيض إلى المتواتر والمستفيض اللفظي والمعنوي والإجمالي ، وأدناها درجةً هو الإجمالي وهو حاصل في غالب الأبواب.
    فمن ثمّ من الخطورة بمكان تضييع التراث الروائي الديني عنهم عليهم‌السلام بالغفلة والجهالة عن هذين الحكمين (1).
    __________________
    (1) نظير ما ألّف من كتاب (الصحيح من الكافي).

    والحال أنّ التواتر والمستفيض على درجة من الأهميّة الكبيرة التي لا تقارن بآحاد الأخبار الصحاح من الحجّة المنفردة ، إذ المتواتر والمستفيض مدرك قطعي ومن بيّنات الدين الحنيف فكيف يُستهان ويُغفل عن منابع تولّده.
    ونظير هذه الغفلة ما يطلقه بعض الأجلّة حول كتاب مستدرك الوسائل ، أو غيرها من المجاميع الروائية لمصادر الأدلّة الشرعية أو ما يطلقه بعض المبتدءين حول كتاب بحار الأنوار ، فإنّ في هذه المجاميع كثيراً من الطرق الصحيحة والمتعاضدة لحصول الوثوق بالصدور ، ومن الغريب أيضاً ما يُشاهد عن بعضهم من استعراض العديد من الروايات التي قد تصل أحياناً إلى الثمانية المختلفة في درجات الضعف أو المأخوذة من مصادر معتبرة ، حيث يطرحها سنداً مع أنّ الوثوق بالصدور الحاصل منها بسبب العامل الكيفي كأن تكون الطرق مختلفة من حيث المدرسة الروائية حيث إنّ في بعضها سلسلة من الرواة القميين وأخرى البصريين وثالثة البغداديين ورابعة الكوفيين ممّا يبعّد تواطئهم على أمر واحد ، مضافاً إلى العامل الكمّي مع أنّه أكبر درجة في الوثوق من الخبر الصحيح الأعلائي.
    إضافة إلى أنّ جلّ ومعظم أبواب بحار الأنوار لا يقلّ عدد روايات كلّ باب منه عن حدّ الاستفاضة ، هذا فضلاً عن كثرة وجود الصحاح والموثّق والمعتبر فيه.
    وبالجملة : فالالتفات إلى هذه القاعدة من علم الدراية وهي كيفيّة نشوء المستفيض والمتواتر وكيفيّة اجتماع وتظافر القرائن لحصول الوثوق بالصدور في الخبر مع الالتفات إلى الاختلاف في درجات الضعف عاصم عن مثل هذه الورطات العلمية.
    فمثلاً : إنّ الإرسال في الخبر المرسل على درجات ، إذ قد يكون الإرسال فيه في طبقة واحدة وقد يكون في طبقات عديدة وقد يكون المرسل من كبار الرواة

    (كجميل بن درّاج) ، وهكذا الحال في لفظ الإرسال ، فنرى الاختلاف فيه كما في التعبير تارة : (عن بعض أصحابنا) ، وأخرى : (عمّن ذكره) ، وثالثة : (عن رجاله) ، ورابعة : (عن رجل) ، فإنّ بينها اختلافاً في درجة احتمال الصدور.
    ومثلاً الرجل الضعيف تختلف درجات ضعفه ، فتارة هو ممدوح غير مطعون عليه أو له كتاب أو قد روى عنه الأجلّاء أو إنّ له رواياتاً كثيرة أو إنّه شيخ إجازة ، وأخرى يكون مهملاً أو مجهولاً أو موصوفاً بالكذب أو طعن عليه بالغلوّ فقط أو طعن عليه بالتخليط وعدم الضبط وعدم التثبّت أي إنّه ثقة في نفسه إلّا أنّ ضعفه من جهة أخرى ، فإنّ كلّ ذلك تختلف معه درجات احتمال الصدور ، أي إنّ منشأ الضعف تارة يرجع إلى صدق اللهجة من حيث العمد وأخرى من جهة عدم الاشتباه والضبط ، كما ذكروا ذلك في أنّ حجّية الخبر من حيث الصدور يجب أن يؤمّن اعتبار الصدور من جنبتين : عدم العمد إلى الكذب وعدم الاشتباه. أو كما أنّه يمكن أن يكون في سلسلة السند عدّة مجاهيل أو مجهول واحد فقط ، كما أنّ الرواية الضعيفة قد تكون منفردة بمضمونها في الباب وقد تكون متعاضدة في أبعاض مضامينها بروايات أخرى معتبرة.
    إلى غير ذلك ممّا يتنوّع ويختلف درجات الضعف في الرواية ممّا تكون مقاربة ومشارفة للاعتبار أو تكون بعيدة عنه ؛ فإنّ مثل هذه التقسيمات الروائيّة والدرائية للحديث مع الالتفات إلى صغرياتها في الأبواب أمر بالغ الأهميّة في تحديد العامل الكمّي والكيفي للوثوق بالصدور أو الاستفاضة والتواتر.

    دعوى الثالثة
    وهي دعوى الميرزا النوري وتابعه عليها الميرزا النائيني 0 ، حيث قال في خاتمة المستدرك في الفائدة الرابعة (1) :
    «وكتاب الكافي ..... امتاز عنها ـ الكتب الأربعة ـ بأمور إذا تامّل فيها المنصف يستغني عن ملاحظة حال آحاد رجال سند الأحاديث المودعة فيه وتورثه الوثوق ويحصل له الاطمئنان بصدورها وثبوتها وصحّتها بالمعنى المعروف عند الأقدمين ـ مطلق المعتبر ـ :
    الأوّل : ما ذكر في مقام مدحه تصريحاً أو تلويحاً ، ثمّ ذكر عبارات المفيد والمحقّق الكركي ووالد الشيخ البهائي والمجلسي والأسترابادي والشيخ حسن الدمستاني.
    الثاني : ما ذكره عن السيّد ابن طاوس في كشف المحجّة (2) من كون الكليني في حياة النواب الأربعة أي في الغيبة الصغرى وكان مقيماً في بغداد في النصف الثاني من عمره «فتصانيف هذا الشيخ ـ محمّد بن يعقوب ـ ورواياته في زمن الوكلاء المذكورين في وقت يجد طريقاً إلى تحقيق منقولاته وتصديق مصنّفاته».
    ثمّ ذكر الميرزا النوري إنّه من المطمئنّ به عرض الكتاب على أحدهم وإمضائه حيث كان وجهاً وعيناً ومرجعاً للطائفة ؛ مع اعترافه بأنّ الخبر الشائع من عرض الكتاب على الحجّة عليه‌السلام وقوله : «إنّ هذا كافٍ لشيعتنا» لا أصل له ولا أثر ، وصرّح المحدّث الأسترابادي بعدمه ، مع أنّ الأخير يبني على كون أحاديث كتاب الكافي
    __________________
    (1) خاتمة المستدرك 3 / 463 ، طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.
    (2) كشف المحجّة / 159.

    قطعيّة كما هو الحال في مكاتيب الحميري للناحية المقدّسة عبر النوّاب الأربعة.
    وكما في عرض كتاب الشلمغاني ـ ابن أبي عزاقر ـ على النائب الثالث (1).
    الثالث : قول النجاشي في حقّه رحمه‌الله : «إنّه أوثق الناس في الحديث وأثبتهم ، صنّف الكتاب المعروف بالكليني يسمّى الكافي في عشرين سنة» (2) ثمّ ذكر أنّ هذا التوثيق يفوق توثيق العديد من كبار الرواة وأصحاب الكتب ، فلا يتمّ إطلاق تلك العبارة إلّا باعتبار سند أحاديث كتبه. ثمّ ذكر عبارة الشيخ المفيد بأنّه أجلّ كتب الشيعة وأكثرها فائدة.
    الرابع : شهادته قدس‌سره بصحّة أخباره في خطبة الكتاب ، ثمّ ذكر أنّ المراد عن صحّة الحديث عند القدماء هي ليست الصحّة عند المتأخّرين ، بل المراد منها الخبر المعتبر بكافّة أقسامه ، كما ذكر ذلك الشيخ بهاء الدين في كتاب مشرق الشمسين.
    ثمّ استعرض النوري عدّة من الشبهات في قبال دعواه وأجاب عنها (3).
    الجواب على هذه الدعوى
    أمّا الأمر الأوّل الذي عنونه فإنّه هناك فرق بيّن ، بين وثاقة الكتاب ووثاقة مشايخ صاحب الكتاب والكتب الذي اعتمد عليها الكتاب كمأخذ ومنبع له ، وبين اعتبار كلّ الطرق الموجودة فيه إلى المعصوم عليه‌السلام.
    وبعبارة أخرى : إنّ هناك فرقاً واضحاً بين اعتبار الكتاب في مقابل الدسّ
    __________________
    (1) الغيبة / الشيخ الطوسي / 251.
    (2) رجال النجاشي 377 / 1026.
    (3) خاتمة المستدرك 3 / 485 ـ 505.

    والوضع وبين اعتبار طرق الكتاب في مقابل ضعف تلك الطرق ، وكم وقع الخلط بينهما ، نظير ما سيأتي في عبارة كامل الزيارات وعبارة علي بن إبراهيم القمي في تفسيره ، ونظير تعبير الكليني نفسه في ديباجته وكذا الفقيه والتهذيب في ديباجتهما ، إذ ديدن أصحاب الكتب الأجلّاء في تدوينهم لها هو اعتماد المصادر والأصول التي ليس فيها شبهة الوضع والدسّ ، بل موثّق انتسابها لأصحابها ، والسبب في هذه الظاهرة العلمية لديهم ، هو أنّ تلك الفترة كانت فترة تشدّد في تصفية الحديث وتنقيته عن الكتب المخلّطة والأحاديث الموضوعة والمدسوسة ، كما هو معروف من المدرسة القمّية بإسقاطها اعتبار أيّ محدّث يروي عن غير المأمونين من الدسّ والوضع ، مهما بلغ مقامه العلمي وجلالته ، وهذه الحالة نشأت تحفّظاً عن التسيّب في نقل الحديث واندساس الكذّابة والوضّاعة في طرق الحديث ، إلى غير ذلك من قرائن وشرائط تجنّب المدسوس والموضوع ، وهذا الباب غير باب اعتبار الطريق مقابل ضعفه.
    كما قد نبّهنا إلى التفرقة بين الضعيف بأقسامه وبين المدسوس والموضوع والمجعول فكذلك فرق بين الخبر الصحيح ـ أي المعتبر بأقسامه ـ مع الضعيف بأقسامه ، فبين الأقسام الثلاثة تعدّد ، فتارة تقام الشواهد على نفي القسم الثالث وأخرى تقام الشواهد على نفي القسم الثاني ، نظير ما ذكرناه في الجواب الرابع عن دعوى أصحابنا الأخباريّين من وجود العلم التفصيلي بقرائن وشواهد عديدة على تمحيص وغربلة الأخبار ؛ فإنّ مؤدّى هذا العلم هو نفي القسم الثالث لا نفي القسم الثاني ، ومن ثمّ اقتصرنا في مؤدّاه على حلّ دعوى العلم الإجمالي بوجود القسم الثالث.
    والحاصل : إنّ لدى المحدّثين والرجاليّين نمطين من الاعتبار والصحّة

    لا يخفيان على مثل المحدّث الميرزا النوري.
    وأمّا الجواب على الأمر الثاني ، فقد نقل الميرزا النوري نفسه عن العلّامة المجلسي في مرآة العقول ما لفظه : «وأمّا جزم بعض المجازفين بكون جميع الكافي معروضاً على القائم عجّل الله فرجه لكونه في بلد السفراء ، فلا يخفى ما فيه ، نعم عدم انكار القائم عجّل الله فرجه وآبائه في أمثاله في تأليفاتهم ورواياتهم ممّا يورث الظن المتاخم للعلم بكونهم عليهم‌السلام راضيين بفعلهم ومجوّزين للعمل بأخبارهم» (1).
    ووجه ضعف هذا الأمر الثاني هو أنّه كان نصب النوّاب الأربعة من الناحية المقدّسة في الأمور التنفيذيّة من قبض مال الصاحب عجّل الله فرجه ورفع الأسئلة في وقائع الحوادث المستجدّة وارتباط الطائفة بالأصل ونحو ذلك ، ولم يكن ديدنهم عرض ما يرويه الرواة عن آبائه عليهم‌السلام عليه عجّل الله فرجه حتّى إنّ في كثير من الأسئلة الموجّهة للناحية المقدّسة يجيبهم عجّل الله فرجه بالرجوع إلى كتب الروايات عن آبائه تعليماً للطائفة على هذا النهج ، حتّى في مثل مكاتبات الحميري التي استشهد بها المحدّث النوري فإنّ في كثير منها يرجعه إلى موازين معالجة تعارض الروايات المرويّة عن آبائه عليهم‌السلام تعليماً للطائفة بالرجوع إلى روايات الرواة عن الأئمّة الماضين عليهم‌السلام بأعمال موازين الحجّية وعدم التوقّف والحيرة ، بل إنّ ذلك كان ديدن النوّاب الأربعة أنفسهم ، حيث يذكر الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة (2) إنّ النائب الثالث الحسين بن روح قد ألّف كتاباً جمع فيه روايات عن
    __________________
    (1) مرآة العقول 1 / 22.
    (2) الغيبة / 390 ، طبعة مؤسسة المعارف.
    قال : «أنفذ الشيخ الحسين بن روح رضى الله عنه كتاب التأديب إلى (قم) وكتب إلى جماعة

    الرواة عن الأئمّة الماضين عليهم‌السلام ثمّ عرض ذلك الكتاب على محدّثي وفقهاء قم ومنهم علي بن بابويه فصحّحوا له روايات كتابه عدا ما رواه في القدر الواجب في زكاة الفطرة ، فإنّه خلاف مسلّمات المذهب.
    وكذا ما ذكره الشيخ (1) عن النائب الأوّل والثاني من تأليفهما لكتاب جمعا فيه ما روياه عن الإمامين العسكريين عليهما‌السلام ، وما روياه عن الرواة عن الأئمّة الماضين ، وورثته بنتهما العالمة الجليلة وقد تلقّت الطائفة هذا الكتاب كبقيّة الكتب الروائية من النظر إلى أسانيده وغير ذلك ؛ فإذا كان الحال في النوّاب الأربعة ذلك فكيف بغيرهم!
    والحاصل : انّه كان ديدن الناحية المقدّسة عجّل الله فرجه بل وكان ديدن الأئمّة الماضين عليهم‌السلام ذلك ، إذ هي الطريقة المألوفة ، فهل يتوهّم أنّ ما ألّف من كتب روائيّة في عهد الصادقين أو الكاظمين والرضا والعسكريين عليهم‌السلام إنّه قد عُرضت جميع تلك الكتب عليهم وصحّحت جميع طرقها ، مع أنّ عهدهم كان عهد الحضور والتقيّة فيه ، دون التقيّة في زمن الغيبة الصغرى.
    وأمّا الجواب عن الأمر الثالث ، فإنّ أوثقيّة الكليني وأثبتيّته حتّى سُمّي بثقة الإسلام لا تعني إلّا الإعتبار لنفي الدسّ والوضع عن كتابه وعن المنابع والمآخذ التي استند إليها ، لا إنّها تعني توفّر الكليني رحمه‌الله على ما يرفع الإرسال أو القطع أو المجهولية في سلسلة الطرق التي قد تكون في روايات كتابه ، إذ قد ذكرنا أنّ ذكر
    __________________
    ل لا الفقهاء بها ، وقال لهم : انظروا في هذا الكتاب وانظروا فيه شيئاً يخالفكم ، فكتبوا إليه : انّه كلّه صحيح ، وما فيه شيء يخالف إلّا قوله في الصاع : في الفطرة نصف صاع من طعام ، والطعام عندنا مثل الشعير من كلّ واحد صاع».
    (1). الغيبة / 363.

    أصحاب الكتب الأربعة وغيرهم لصورة أسانيد الروايات هي لكون السند ميزان اعتبار الرواية وأنّه ليس ورائه ميزان آخر وإلّا لذكروه لكون غرضهم ذكر ما يوجب اعتبار ما يروونه.
    ويكفي ـ مثلاً ـ في المقام ما ذكر في أصحاب الإجماع ـ الطبقات الثلاث ـ فإنّه حكى كلّ من الكشّي والشيخ إجماع الطائفة على تصحيح ما يصحّ عنهم وهم أقرب عهد بصدور الروايات وهم مشيخة أصحاب الكتب التي روى عنها الكليني ومع ذلك سيأتي أنّ الإجماع المزبور في حقّهم إنّما هو بمعنى وثاقتهم وتحفظهم عن رواية المدسوس والموضوع ، وأنّ ديدنهم كان على التثبّت وتنقيد صدور الروايات لا بمعنى صحّة الطريق بينهم وبين المعصوم ممّا يتوسط من الرواة الآخرين.
    وأمّا الجواب على الأمر الرابع ، فيتّضح الجواب عنه بما ذكرناه في الجواب عن الأوّل فتدبّره فإنّه نافع في مقامات كثيرة
    دعوى رابعة
    اعتبار طرق المشيخة المشهورين ومقتضاها التفصيل في اعتبار طرق روايات الكتب الأربعة ، وذلك بالتفصيل في تلك الطرق بين طرق أصحاب الكتب الأربعة إلى الكتب المشهورة ـ طرقهم إلى كتب المشيخة ـ وبين طرق أصحاب كتب المشيخة إلى المعصوم وكذا الحال في طرق من أتى بعد أصحاب الكتب الأربعة من القدماء كالراوندي وابن إدريس وابن شهرآشوب بالنسبة إلى طرقهم إلى الكتب المشهورة ، فيترتّب على هذه الدعوى لو تمّت حصر الحاجة لعلم الرجال وتمحيص السند في قطعة منه من صاحب الكتاب المشهور في ما يرويه بسلسلة معنعنة عن الإمام عليه‌السلام أو في الفوائد الاخرى التي ذكرت آنفاً من حفظ التراث وتحصيل التواتر والمستفيض وغير ذلك.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2975
    نقاط : 4628
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    بحوث في مباني علم الرجال Empty
    مُساهمةموضوع: رد: بحوث في مباني علم الرجال   بحوث في مباني علم الرجال Emptyالثلاثاء 29 أكتوبر 2024 - 20:20

    «وكُتُب ابن أبي عمير كانت أشهر عند المحدّثين من اصولنا الأربعة (2) عندنا ، بل كانت الاصول المعتبرة الأربعمائة عندهم أظهر من الشمس في رابعة النهار ، فكما إنّا لا نحتاج إلى سند لهذه الأصول الأربعة وإذا أوردنا سنداً فليس إلّا للتيمّن والتبرّك والاقتداء بسنّة السلف وربّما لم ينال [ينل] بذكر سند فيه ضعف أو جهالة لذلك فكذا هؤلاء الأكابر من المؤلّفين ، لذلك كانوا يكتفون بذكر سند واحد إلى الكتب المشهورة وإن كان فيه ضعف أو مجهول. وهذا باب واسع شاف نافع إن أتيتَها يظهر لك صحّة كثير من الأخبار التي وصفها القوم بالضعف.
    ولنا على ذلك شواهد كثيرة لا يظهر على غيرنا إلّا بممارسة الأخبار وتتبّع سيرة قدماء علمائنا الأخيار ولنذكر هنا بعض تلك الشواهد ينتفع بها من لم يسلك مسلك المتعسّف المعاند.
    الأوّل : إنّك ترى الكليني رحمه‌الله يذكر سنداً متّصلاً إلى ابن محبوب أو إلى ابن أبي عمير أو إلى غيره من أصحاب الكتب المشهورة ثمّ يبتدئ بابن محبوب مثلاً ويترك ما تقدّمه من السند وليس ذلك إلّا لأنّه أخذ الخبر من كتابه فيكتفي بإيراد السند مرّة واحدة فيظنّ من لا دراية له في الحديث أنّ الخبر مرسل.
    __________________
    (1). كتاب الأربعين / 509 ـ 514.
    (2) اي الكتب الأربعة.

    الثاني : إنّك ترى الكليني والشيخ وغيرهما يروون خبراً واحداً في موضعين ويذكرون سنداً إلى صاحب الكتاب ثمّ يوردون هذا الخبر بعينه في موضع آخر بسند آخر إلى صاحب الكتاب أو يضمّ سنداً أو أسانيد غيره إليه ، وتراهم لهم أسانيد صحاح في خبر يذكرونها في موضع ، ثمّ يكتفون بذكر سند ضعيف في موضع آخر ولم يكن ذلك إلّا لعدم اعتنائهم بإيراد تلك الأسانيد لاشتهار هذه الكتب عندهم.
    الثالث : إنّك ترى الصدوق رحمه‌الله مع كونه متأخّراً عن الكليني رحمه‌الله أخذ الأخبار في الفقيه عن الأصول المعتمدة واكتفى بذكر الأسانيد في الفهرست وذكر لكلّ كتاب أسانيد صحيحة ومعتبرة ، ولو كان ذكر الخبر مع سنده لاكتفى بسند واحد اختصاراً ولذا صار الفقيه متضمّناً للصحاح أكثر من سائر الكتب.
    والعجب ممّن تأخّره كيف لم يقتف أثره لتكثير الفائدة وقلّة حجم الكتاب فظهر أنّهم كانوا يأخذون الأخبار من الكتب وكانت الكتب عندهم معروفة مشهورة متواترة.
    الرابع : إنّك ترى الشيخ رحمه‌الله إذا اضطرّ في الجمع بين الأخبار إلى القدح في سند ، لا يقدح في من هو قبل صاحب الكتاب من مشايخ الإجازة ، بل يقدح إمّا في صاحب الكتاب أو في من بعده من الرواة ، كعلي بن حديد وأضرابه ، مع أنّه في الرجال ضعّف جماعة ممّن يقعون في أوائل الأسانيد.
    الخامس : إنّك ترى جماعة من القدماء والمتوسّطين يصفون خبراً بالصحّة مع اشتماله على جماعة لم يوثّقوا ، فغفل المتأخّرون عن ذلك واعترضوا عليهم كأحمد بن محمّد بن الوليد وأحمد بن محمّد بن يحيى العطّار والحسين بن الحسن بن أبان وأضرابهم ، وليس ذلك إلّا لما ذكرنا.

    السادس : إنّ الشيخ (قدّس الله روحه) فعل مثل ما فعل الصدوق ، لكن لم يترك الأسانيد طرّاً في كتبه ، فاشتبه الأمر على المتأخّرين ، لأنّ الشيخ عمل لذلك كتاب الفهرست وذكر فيه أسماء المحدّثين والرواة من الإماميّة وكتبهم وطرقه إليهم وذكر قليلاً من ذلك في مختتم كتابي التهذيب والاستبصار ؛ فإذا أورد رواية ظهر على المتتبّع الممارس أنّه أخذه من شيء من تلك الأصول المعتبرة وكان للشيخ في الفهرست إليه سند صحيح ، فالخبر صحيح مع صحّة سند الكتاب إلى الإمام وإن اكتفى الشيخ عند إيراد الخبر بسند فيه ضعف.
    السابع : إنّ الشيخ رحمه‌الله ذكر في الفهرست عند ترجمة محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ما هذا لفظه : «له نحو من ثلاثمائة مصنّف ... أخبرنا بجميع كتبه ورواياته جماعة من أصحابنا ؛ منهم الشيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان ، وأبو عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري ، وأبو الحسين بن جعفر بن الحسن بن حسكة القمي ، وأبو زكريّا محمّد بن سليمان الحمراني كلّهم عنه» (1) انتهى.
    فظهر أنّ الشيخ روى جميع مرويّات الصدوق (نوّر الله ضريحهما) بتلك الأسانيد الصحيحة ، فكلّما روى الشيخ خبراً من بعض الأصول التي ذكرها الصدوق في فهرسته ، بسند صحيح ، فسنده إلى هذا الأصل صحيح وإن لم يذكر في الفهرست سنداً صحيحاً إليه ، وهذا أيضاً باب غامض دقيق ينفع في الأخبار التي لم تصل إلينا من مؤلّفات الصدوق رحمه‌الله.
    فاذا أحطت خُبراً بما ذكرنا لك من غوامض أسرار الأخبار وإن كان ما تركنا
    __________________
    (1) الفهرست / 443 و 444 ، الرقم 710.

    أكثر ممّا أوردنا وأصغيت إليه بسمع اليقين ونسيت تعسّفات المتعصّبين وتأويلات المتكلّفين لا أظنّك ترتاب في حقّية هذا الباب ولا تحتاج بعد ذلك إلى تكلّفات الأخباريّين في تصحيح الأخبار والله الموفّق للخير والصواب ، ولنا في تصحيح الأخبار طرق لا تتّسع تلك الرسالة لإيرادها وعسى أن تقرع سمعك في عوض تلك الرسالة بعضها.
    وتابعه المحقّق القمي في القوانين (1) ، بعد أن نقل عبارته بطولها لما فيها من النكات والفوائد الجمّة.
    وذكر قريباً من هذا المضمون صاحب الوسائل في الخاتمة في الفائدة الرابعة «في ذكر الكتب المعتمدة التي نقلت منها أحاديث هذا الكتاب ، وشهد بصحّتها مؤلّفوها وغيرهم وقامت القرائن على ثبوتها وتواترت عن مؤلّفيها أو علمت صحّة نسبتها إليهم بحيث لم يبق فيها شك ولا ريب كوجودها بخطوط أكابر العلماء وتكرّر ذكرها في مصنّفاتهم وموافقة مضامينها لروايات الكتب المتواترة أو نقلها بخبر واحد محفوف بقرينة وغير ذلك ـ ثمّ عدّد أسماء الكتب ابتداءً من الكتب الأربعة إلى ستّ وتسعين كتاباً وغيرها من الكتب ـ قال : وأمّا ما نقلوا منه ولم يصرّحوا باسمه فكثير جدّاً مذكور في كتب الرجال يزيد على ستة آلاف وستمائة كتاب على ما ضبطناه» (2).
    ثمّ قال في الفائدة الخامسة : «في بيان بعض الطرق التي يروي بها الكتب المذكورة عن مؤلّفيها وإنّما ذكرنا ذلك تيمّناً وتبرّكاً باتصال السلسلة بأصحاب
    __________________
    (1). القوانين : ج 2 ، باب التعادل والتراجيح.
    (2) خاتمة الوسائل / 153 و 165.

    العصمة عليهم‌السلام لا لتوقّف العمل عليه لتواتر تلك الكتب وقيام القرائن على صحّتها وثبوتها كما يأتي» (1).
    وقال في الفائدة السادسة : «في ذكر شهادة جمع كثير من علمائنا بصحّة الكتب المذكورة وأمثالها وتواترها وثبوتها عن مؤلّفيها وثبوت أحاديثها عن أهل العصمة عليهم‌السلام» (2) ثمّ ذكر ما في ديباجة الفقيه من أنّه حذف الأسانيد لكي لا تكثر طرقه ومن إنّ جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع وأنّ طرقه إليها معروفة في فهرست كتب خاصّ به بطرق الروايات التي رواها عن مشايخه.
    ثمّ ذكر صاحب الوسائل ما في ديباجة الكافي : «من أنّ الكتاب جُمع فيه الآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم‌السلام والسنن القائمة التي عليها العمل وبها تؤدّى فرائض الله وسنّة نبيّه» (3).
    واستظهر صاحب الوسائل (4) من عبارته تلك كالعبارة المتقدّمة عن ديباجة الفقيه دعوى أخرى ـ وهي الدعوى الأولى المتقدّمة ـ غير الدعوى الرابعة التي نحن بصددها والتي كان صاحب الوسائل في صددها في صدر الفائدة الأولى والثانية والسادسة ، وإن كان الصحيح مع الالتفات إلى ما ذكرناه حول الدعوى الأولى والثالثة بعد تدبّره بإمعان ترى أنّ مراد الكليني والصدوق رحمهما‌الله هو ما ينطبق على الدعوى الرابعة وأنّهما كانا في صدد نفي قسم الموضوع والمدسوس
    __________________
    (1) خاتمة الوسائل / 169.
    (2) خاتمة الوسائل / 193 ـ 194.
    (3) خاتمة الوسائل / 195.
    (4) المصدر المتقدّم / 196.

    من الأحاديث.
    ثمّ ذكر صاحب الوسائل عبارة الشيخ في العدّة والاستبصار (1) من أنّ أحاديث كتب أصحابنا المشهورة بينهم ثلاثة أقسام :
    منها : ما يكون الخبر متواتراً.
    ومنها : ما يكون مقترناً بقرينة موجبة للقطع بمضمون الخبر.
    ومنها : ما لا يوجد فيها هذا ولا ذاك ولكن دلّت القرائن على وجوب العمل به وهذا القسم الثالث ينقسم إلى أقسام.
    منها : خبر أجمعوا على نقله ولم ينقلوا له معارضاً.
    ومنها : ما انعقد إجماعهم على صحّته وإنّ كلّ خبر عمل به في كتابي الأخبار وغيرهما لا يخلو من الأقسام الأربعة. ثمّ نقل عنه من موضع آخر أنّ كلّ حديث عمل به فهو مأخوذ من الأصول والكتب المعتمدة.
    ثمّ نقل صاحب الوسائل (2) عبارة الشيخ البهائي في مشرق الشمسين (3) في استعراض القرائن والمعاضدات التي توجب الاعتماد والوثوق والركون إلى الحديث.
    منها : وجوده في كثير من الأصول الأربعمائة التي نقلوها عن مشايخهم بطرقهم المتّصلة بأصحاب العصمة وكانت متداولة في تلك الأعصار مشتهرة بينهم
    __________________
    (1). خاتمة الوسائل / 197.
    (2) خاتمة الوسائل / 198.
    (3) مشرق الشمسين / 269 ـ 270.

    اشتهار الشمس في رابعة النهار.
    ومنها : تكرّره في أصل أو أصلين منها فصاعداً بطرق مختلفة وأسانيد عديدة معتبرة.
    ومنها وجوده في أصل معروف الانتساب إلى أحد الجماعة الذين أجمعوا على تصديقهم كزرارة ومحمّد بن مسلم والفضيل بن يسار أو على تصحيح ما يصحّ عنهم كصفوان بن يحيى ويونس بن عبد الرحمن وأحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي عنهم أو العمل برواياتهم كعمّار الساباطي وغيرهم ممّن عدّهم في العدّة ونقله المحقّق في بحث التراوح على نزح البئر من المعتبر.
    ومنها اندراجه في أحد الكتب التي عُرضت على الأئمّة عليهم‌السلام فأثنوا على مصنّفيها.
    ومنها كونه مأخوذاً من الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها ككتاب عبيد الله بن علي الحلبي الذي عرضه على الصادق عليه‌السلام ، وكتابي : يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان المعروضين على العسكري عليه‌السلام.
    ومنها كونه مأخوذاً من الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها ، سواء كان مؤلّفوها من الفرقة الناجية المحقّة ككتاب الصلاة لحريز بن عبد الله وكتب ابني سعيد وعلي بن مهزيار ، أو من غير الإماميّة ككتاب حفص بن غياث القاضي وكتب الحسين بن عبيد الله السعدي وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري.
    ثمّ قال في مشرق الشمسين : «وقد جرى رئيس المحدّثين على متعارف القدماء ، فحكم بصحّة جميع أحاديثه ، وقد سلك ذلك المنوال جماعة من أعلام

    علماء الرجال لما لاح لهم من القرائن الموجبة للوثوق والاعتماد» (1).
    أقول : إنّ ما ذكره الشيخ البهائي رحمه‌الله في استنتاج صحّة جميع الأحاديث المودعة في الكتب إلى المعصومين عليهم‌السلام إنّما هو منطبق على الدعوى الرابعة ، أي صحّة الطريق من أصحاب الكتب الأربعة إلى كتب المشيخة المشهورة المعروفة خاصّة ، التي استخرجوا منها روايات كتبهم لا الدعوى الأولى ، أي الصحّة إلى المعصوم عليه‌السلام كما لا يخفى ذلك على من تدبّر
    مبدأ تقسيم الأحاديث
    ثمّ ذكر صاحب الوسائل (2) عنه أنّ أوّل من قرّر الاصطلاح في تقسيم الأحاديث هو العلّامة قدس‌سره مع أنّه كثيراً ما يبني العلّامة على مسلك المتقدّمين في تصحيح واعتبار الأحاديث.
    أقول : سيأتي البحث مفصّلاً حول هذا الرأي للشيخ البهائي والذي تابعه عليه أكثر المتأخّرين ، وبيان أنّ هذا الاصطلاح في التقسيم كان عند القدماء في كتب الحديث والرجال والفهرست من الفقهاء أو المحدّثين أو الرواة ، وأنّ الأقسام التي لديهم تزيد بأضعاف على ما عدّده العلّامة قدس‌سره وأنّ لتلك الأقسام فوائد هامّة في كيفيّة اعتبار الطرق.
    ثمّ ذكر صاحب الوسائل (3) عن الشيخ البهائي في الوجيزة (4) ذكر أنّ ما في
    __________________
    (1) مشرق الشمسين / 270.
    (2) خاتمة الوسائل / 199.
    (3) خاتمة الوسائل / 200.
    (4) الوجيزة / 6 ـ 7.

    كتاب الخاصّة من الأحاديث المرويّة عن الأئمّة عليهم‌السلام يزيد على ما في الصحاح الستّة للعامّة بكثير (1) وأنّ راوي واحد مثل أبان بن تغلب قد روى عن إمام واحد وهو الصادق عليه‌السلام ثلاثين ألف حديث ، وأنّه قد جمعت تلك الأحاديث عن الأئمّة عليهم‌السلام في أربعمائة كتاب سُميت بالاصول ، ثمّ تصدّى جماعة من المتأخّرين لجمع تلك الكتب ـ الأصول ـ وترتيبها تقليلاً للانتشار وتسهيلاً على طالبي تلك الأخبار ، فألّفوا كتباً مضبوطة مهذّبة مشتملة على الأسانيد المتّصلة بأصحاب العصمة عليهم‌السلام.
    ثمّ ذكر صاحب الوسائل (2) عن الشهيد الثاني في الدراية (3) : إنّه قد استقرّ أمر المتقدّمين على أربعمائة مصنَّف ، لأربعمائة مصنّف ، سمّوها أصولاً فكان عليها اعتمادهم ، ثمّ تداعت الحال إلى ذهاب معظم تلك الأصول ولخّصها جماعة في
    __________________
    (1). قد حكى الميرزا النوري في الخاتمة في الفائدة الرابعة عن صاحب الحدائق في لؤلؤة البحرين ص 394 : «إنّ جميع أحاديث الكافي حُصرت في ستة عشر ألف ومائة وتسعة وتسعين حديثاً ، الصحيح منها خمسة آلاف واثنان وسبعون حديث ، والحسن مائة وأربعة وأربعين ، والموثق مائة وألف وثمانية عشر حديثاً ، والقوي منها اثنان وثلاثمائة ، والضعيف منها أربعمائة وتسعة آلاف وخمسة وثمانون حديثاً.
    أقول : ولا يخفى القيمة العلمية للخبر الضعيف في تولّد المستفيض والمتواتر كما تقدّم بيان ذلك في تحقيق حال الدعوى الثالثة».
    وحكى في الهامش عن الشهيد في الذكرى (ص 6): «إنّ ما في الكافي يزيد على مجموع الصحاح الستّ. والظاهر انّ مراد الشهيد قدس‌سره هو الخالص من كلّ كتاب بعد حذف المكرر في الكتاب الواحد كما نبّه على ذلك في كشف الظنون 1 / 544 ـ 556».
    (2) خاتمة الوسائل / 201.
    (3) الدراية / 17.

    كتب خاصّة تقريباً على المتناول وأحسن ما جمع منها الكتب الأربعة ...
    ثمّ ذكر صاحب الوسائل (1) عبارة كلّ من علي بن إبراهيم في تفسيره وجعفر بن محمّد بن قولويه في كامل الزيارات من أنّهما أخرجا في كتابيهما الأحاديث المرويّة عن الثقات عن الأئمّة عليهم‌السلام.
    وذكر صاحب الوسائل أنّ أكثر أصحاب الكتب قد ذكروا في أوائل كتبهم أو أواخرها أو أثنائها نظير عبارتيهما ، ثمّ أشار إلى كلام الشيخ في العدّة بنحو ذلك (2).
    أقول : لا يخفى انطباق ما ذكره من القرائن على تصحيح الطرق إلى المشيخة والكتب لا تصحيحها إلى المعصومين عليهم‌السلام.
    ثمّ ذكر صاحب الوسائل عن عدّة من المتأخّرين بناءهم على تصحيح الطريق لأجل تلك القرائن ، ثمّ ذكر عن المفيد في الإرشاد (3) : إنّ الرواة عن الصادق عليه‌السلام أربعة آلاف وكذا ابن شهرآشوب في المناقب (4) عن ابن عقدة ، وكذا المحقّق الحلّي في المعتبر (5) ، حيث ذكر ذلك وذكر أسماء أكثرهم شهرة ، ثمّ ذكر تلامذة الإمام الجواد عليه‌السلام المصنّفين منهم ، ثمّ قال : وغيرهم ممّن يطول تعدادهم وكتبهم ـ الآن ـ منقولة بين الأصحاب ، ثمّ قال : اجتزأت بإيراد كلام من اشتهر علمه وفضله وعرف تقدّمه في نقد الأخبار ـ نقل الأخبار ـ وصحّة الاختيار وجودة الاعتبار
    __________________
    (1). خاتمة الوسائل / 202.
    (2) خاتمة الوسائل / 202.
    (3). الإرشاد / 270.
    (4) المناقب 2 / 74 ـ 24.
    (5) المعتبر 1 / 26.

    واقتصرت من كتب هؤلاء الأفاضل على ما بان فيه اجتهادهم وعرف به اهتمامهم وعليه اعتمادهم.
    وكذا ذكرهم الطبرسي في إعلام الورى (1).
    ثمّ حكى صاحب الوسائل عن المحقّق في كتابه معارج الأصول (2) : ذهب شيخنا أبو جعفر إلى العمل بخبر العدل من رواة أصحابنا ، لكن لفظه وإن كان مطلقاً فعند التحقيق يتبيّن أنّه لا يعمل بالخبر مطلقاً ، بل بهذه الأخبار المرويّة عن الأئمّة عليهم‌السلام ودوّنها الأصحاب لا أنّ كلّ خبر يرويه الإمامي يجب العمل به. هذا الذي تبيّن لي من كلامه ونقل إجماع الأصحاب على العمل بهذه الأخبار حتّى لو رواها غير الإمامي وكان الخبر سليماً عن المعارض واشتهر نقله في هذه الكتب الدائرة بين الأصحاب عمل به.
    ثمّ حكى صاحب الوسائل عن المعتبر في بحث الخمس بعد ما ذكر خبرين مرسلين : الذي ينبغي العمل به اتّباع ما نقله الأصحاب وأفتى به الفضلاء ، وإذا سلم النقل عن المعارض ومن المنكر لم يقدح إرسال الرواية الموافقة لفتواهم ، فإنّا نعلم ما ذهب إليه أبو حنيفة والشافعي وإن كان الناقل عنهم ممّن لا يعتمد على قوله وربّما لم يُعلم نسبته إلى صاحب المقالة ولو قال إنسان : «لا أعلم مذهب أبي هاشم في الكلام ولا مذهب الشافعي في الفقه لأنّه لم يُنقل مسنداً» كان متجاهلاً وكذا مذهب أهل البيت عليهم‌السلام يُنسب إليهم بحكاية بعض شيعتهم سواء أرسل أو أسند إذا لم يُنقل عنهم ما يعارضه ولا ردّه الفضلاء منهم.
    __________________
    (1) إعلام الورى / 410 ـ 284.
    (2) معارج الأصول / 147.

    أقول : ما حكاه صاحب الوسائل عن المحقّق رحمه‌الله في آخر كلامه المراد منه جبر الخبر الضعيف بالشهرة العملية والفتوائية وأنّ هذا الجبر بالشرائط الخاصّة ممّا قام عليه ديدن وسيرة العقلاء وهو وجيه تامّ ، كما حرّرناه في علم الأصول على القول بحجّية الخبر الموثوق بصدوره ولا يخفى تخريج وجه صناعي مستقلّاً من كلام المحقّق ـ المتقدّم ـ على الدعوى الرابعة من تصحيح طرق أصحاب الكتب الأربعة إلى كتب المشيخة ، وهو أنّ كتب المشيخة المشهورة منها والمعتمدة ـ وهي التي محطّ الدعوى الرابعة ـ حيث كانت الشهرة العملية باعتبار انتسابها لأصحابها ، وكذا الروائية بتعدّد طرق أصحاب الكتب الأربعة وغيرهم إليها ، والفتوائية بفتوى كلّ الفقهاء المتقدّمين بمضامين أخبارها حيث إنّ الشهرة بأقسامها على انتسابها لأصحابها والاعتماد على كونها لهم تكون موجبة للوثوق بتلك النسبة.
    وهذا الوجه يغاير الوجوه السابقة التي ذكرناها عن المجلسي وعن الحرّ العاملي في خاتمة الوسائل حيث إنّ في الوجوه السابقة كان الاعتماد على قرائن أخرى تتراكم وتتظافر في تصعيد درجة الاحتمال إلى الوثوق بصدور تلك الكتب من مصنّفيها من كبار الرواة ، بينما هذا الوجه الأخير المولّد لدرجة احتمال الوثوق بالصدور هو نفس الشهرة المستفيضة بأقسامها دون تلك القرائن.
    ثمّ ذكر صاحب الوسائل عبارة ابن إدريس في مستطرفه (1) من كتب المشيخة المصنّفين والرواة المحصّلين ووصف بعضها (2) بأنّه كتاب معتمد والبعض الآخر بأنّه بخطّ شيخنا أبي جعفر الطوسي ، وأنّه نقلها من خطّه.
    __________________
    (1). كتاب مشيخة الحسن بن محبوب.
    (2) نوادر محمّد بن علي بن محبوب.

    أقول : سيأتي (1) بيان وجه خاصّ لتصحيح طرق ابن إدريس إلى كتب المشيخة التي استطرف منها وذلك عبر سلسلة إجازات العلّامة لابن زهرة والشهيد الثاني وإجازات صاحب الوسائل والبحار وغيرهم ممّن هو في طبقتهم إلى تلك الكتب حيث وقع في طرقها ابن إدريس إلى الشيخ الطوسي.
    ومضافاً إلى كلّ ذلك فإنّ التعبير عن تلك الكتب بكتب المشيخة والرواة المحصّلين اصطلاح واقع عندهم على الكتب المشتهرة بالاستفاضة أو التواتر عن مصنّفيها على حذو التعبير في عصرنا بالمصادر الروائية ، فإنّه يطلق على الكتب الثابتة عن مصنّفيها.
    ثمّ ذكر صاحب الوسائل عن السيّد ابن طاوس في كتبه ممّا يدلّ على أنّ أكثر الكتب المذكورة من الأصول وغيرها كانت عنده ، وأشار إلى ما قاله الشهيد في الذكرى والكفعمي في مصباحه وصرّح بأنّ كثيراً من اصول القدماء وكتبهم كانت موجودة عندهما ، فما الظنّ بأصحاب الكتب الأربعة.
    ثمّ ذكر عبارة السيّد المرتضى رحمه‌الله كما نقلها صاحب المعالم والمنتقى : «إنّ أكثر أحاديثنا المرويّة في كتبنا معلومة مقطوع على صحّتها إمّا بالتواتر من طريق الإشاعة والإذاعة وإمّا بعلامة وأمارة دلّت على صحّتها وصدق رواتها ، فهي موجبة للعلم مقتضية للقطع وإن وجدناها مودعة في الكتب بسند معيّن مخصوص من طريق الآحاد» (2).
    وقال أيضاً : «إنّ معظم الفقه تعلم مذاهب أئمّتنا عليهم‌السلام فيه بالضرورة وبالأخبار
    __________________
    (1). في الفوائد والتنبيهات في خاتمة الكتاب.
    (2) معالم الدين / 197. منتقى الجمان 1 / 2.

    المتواترة وما لم يتحقّق ذلك فيه ـ ولعلّه الأقل ـ يعوّل فيه على إجماع الإماميّة» (1).
    أقول : دائرة الاشتهار والإذاعة التي في كلام السيّد واضحة الانطباق على الطرق لكتب المشيخة لا طرق أصحاب المشيخة إلى الإمام عليه‌السلام لأنّ تلك القطعة من الطرق كما أقرّ السيّد في كلامه هي من طرق الآحاد.
    ثمّ نقل عن الشيخ حسن في المنتقى (2) : بأنّ أحاديث الكتب الأربعة وأمثالها محفوفة بالقرائن وأنّها منقولة من الأصول والكتب المجمع عليها بغير تغيير.
    ثمّ ذكر عبارة الشهيد في الذكرى (3) حيث قال : عن الصادق عليه‌السلام إنّه كُتب عنه أجوبة مسائله في أربعمائة مصنّف من أربعة آلاف رجل وكذا رجال باقي الأئمّة عليهم‌السلام معروفون مشهورون أولو مصنّفاتٍ مشهورة وقد ذكر كثيراً منهم العامّة في رجالهم ، وبالجملة إسناد النقل والنقلة عنهم عليه‌السلام يزيد أضعافاً كثيرة عن كلّ واحد من رؤساء العامّة ، فالإنصاف يقتضي الجزم بنسبة ما نقل عنهم إليهم ... إلى أن قال ... وكتاب الكافي لأبي جعفر الكليني وهو يزيد على ما في الصحاح الستّة للعامّة متوناً وأسانيد ، وكتاب مدينة العلم وكتاب من لا يحضره الفقيه والتهذيب والاستبصار قريب ذلك وغيرها ممّا يطول تعداده بالأسانيد الصحيحة المتّصلة المنتقدة والحسان والقويّة.
    أقول : مضافاً إلى ما مرّ في كلام المجلسي والحرّ العاملي ومن تقدّمهما من
    __________________
    (1) معالم الدين / 197.
    (2) منتقى الجمان 1 / 27.
    (3) الذكرى / 6 ، س 16.

    أعلام الطائفة وإلى تخريج تصحيح الطرق إلى كتب المشيخة المشهورة ، إنّه من باب الشهرة العملية والروائية الموجبة للوثوق بنسبتها إلى أصحابها ، مضافاً إلى كلّ ذلك هناك عدّة قرائن أخرى عثرنا عليها :
    منها ولعلّها من أهمّها إنّنا لم نعهد مورداً من الموارد قد ناقش فيه الصدوق أو الشيخ في التهذيبين في سند الرواية إلّا وكان النقاش في الطريق من صاحب الكتاب إلى المعصوم عليه‌السلام دون الطريق إلى ذلك الكتاب وهذا يدلّ على الفراغ من اعتبار تلك الطرق إلى كتب المشيخة عندهم. ويعضد هذا ما ذكره الشيخ في العُدّة من اعتماد الطائفة على كتب المشيخة وتلقّيها لها بالقبول والعمل ، ثمّ ذكر العديد منها فراجع.
    ومنها ما في عبارة الصدوق في أول الفقيه إنّ طرقه إلى أصحاب الكتب قد جمعها في كتاب الفهرس ، وأنّ ما ذكره في المشيخة اقتطاف من بعضها ممّا يدلّ على توفّر الطرق الكثيرة لديه إلى أصحابها ولذلك يشاهد المتتبّع أنّ لدى الصدوق طرق أخرى إلى كتب المشيخة قد ذكرها في العيون والتوحيد والأمالي والعلل وثواب الأعمال.
    ومنها إنّ الشيخ الطوسي في الغالب يذكر طريقاً في المشيخة لكنّه في الفهرست يذكر طرقاً أخرى لتلك الكتب ، بل يجد المتتبّع أنّ الشيخ في كتاب الأمالي أو الغيبة أو المصباح له طرق أخرى لتلك الكتب غير ما ذكرهما في مشيخة التهذيبين والفهرست ، بل يرى الناظر أنّ لأستاذه الشيخ المفيد طرقاً أخرى لكتب المشيخة في الإرشاد أو عيون المحاسن أو الأمالي أو الاختصاص أو غيرها تغاير ما ذكره الشيخ الطوسي في بقيّة كتبه ، مع أنّ كلّ ما يرويه الشيخ المفيد بطرقه إلى كتب المشيخة قد رواه الشيخ الطوسي.

    بل يجد الناظر أيضاً أنّ النجاشي قد ذكر إلى أصحاب الكتب المشهورة طرقاً معتبرة عن شيخ مشترك بينه وبين الشيخ الطوسي كالحسين بن عبيد الله الغضائري أو الشيخ المفيد أو غيرهما مع أنّ الشيخ لم يذكرها في التهذيبين والأمالي وغيرها من كتبه.
    نظير ذلك إنّ طريق الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضّال ضعيف ، لكن طريق النجاشي إليه صحيح مع أنّه عبر شيخ مشترك.
    ومنها ما ذكره النجاشي في ديباجة كتابه حيث قال : «إنّي وقفت على ما قاله السيّد الشريف (أطال الله بقاءه وأدام توفيقه) من تعيير قوم من مخالفينا إنّه لا سلف لكم ولا مصنّف وهذا قول من لا علم له بالناس ...
    إلى أن قال : ولا حجّة علينا لمن لم يعلم ولا عرف وقد جمعت من ذلك ما استطعته ولم أبلغ غايته لعدم أكثر الكتب وإنّما ذكرت ذلك عذراً إلى من وقع إليه كتاب لم أذكره ...
    إلى أن قال : على أنّ لأصحابنا رحمهم‌الله في بعض هذا الفن كتباً ليست مستغرقة لجميع ما رسمه ...
    إلى أن قال : وذكرت لرجل طريقاً واحداً حتّى لا تكثر الطرق فيخرج عن الغرض» (1).
    أقول : يفيد كلامه أنّ ما ذكره في فهرسته من طرق إلى كتب المشيخة المشهورة ليست كلّ ما عنده من الطرق إلى تلك الكتب كما أنّ لأصحابنا في عصره
    __________________
    (1) رجال النجاشي / 3.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2975
    نقاط : 4628
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    بحوث في مباني علم الرجال Empty
    مُساهمةموضوع: رد: بحوث في مباني علم الرجال   بحوث في مباني علم الرجال Emptyالثلاثاء 29 أكتوبر 2024 - 20:21

    من شواهده : ما ذكره النجاشي في عبد الله بن أيّوب بن راشد الزُّهري ، «روى عن جعفر بن محمّد عليه‌السلام ، ثقة ، وقد قيل فيه تخليط» (1). فإنّ الخلل في ضبط الراوي واضطلاعه بفن الحديث وتممييز الأسانيد.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2975
    نقاط : 4628
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    بحوث في مباني علم الرجال Empty
    مُساهمةموضوع: رد: بحوث في مباني علم الرجال   بحوث في مباني علم الرجال Emptyالثلاثاء 29 أكتوبر 2024 - 20:23

    الواسطي : «وقال بعض أصحابنا : لم يكن سُهيل بكلّ الثبت في الحديث» (2).
    فإنّ هذا تقسيم للحديث بلحاظ الضبط وعدم الاشتباه
    التقسيم الثالث
    وهو ما كان بلحاظ صفات مضمون الخبر ، فيعبّرون عن الراوي بأنّه ثقة معتمد الحديث إلّا ما فيه من غلوّ وارتفاع ، وإلّا ما فيه من شذوذ ، ويعبّرون في موارد أخرى ثقة وحديثه يُعرف وينكر.
    ومن شواهده ما ذكره الصدوق في الفقيه في باب (صوم يوم الشك) لخبر عبد العظيم بن عبد الله الحسني عن سهل بن سعد عن الرضا عليه‌السلام قال : «وهذا حديث غريب لا أعرفه إلّا من طريق عبد العظيم بن عبد الله الحسني المدفون بريّ في مقابر الشجرة ، وكان مرضيّاً رضى الله عنه» (3).
    فيظهر من عبارته أيضاً أنّ خبر الإمامي الثقة أيضاً يُصنّف إلى أقسام كالغريب وغيره ، على ما هو محرّر في علم الدراية في الأعصار الأخيرة من أقسام الحديث
    __________________
    (1) رجال النجاشي 221 / المفردة 578.
    (2) رجال النجاشي 192 / المفردة 513.
    (3) الفقيه 2 / 80 ، كتاب الصيام ، الباب 36 صوم يوم الشكّ ، الحديث 8.

    بلحاظ المضمون وهذا من التقسيم الثالث كما لا يخفى.
    ونظير ما ذكره النجاشي في سالم بن أبي سلمة الكندي : «حديثه ليس بالنقي ، وإن كُنّا لا نعرف منه إلّا خيراً» (1) ؛ فإنّه يريد بذلك وثاقة الراوي في نفسه واعتبار خبره بلحاظ التقسيم الأوّل والتوقّف فيه بلحاظ التقسيم الثالث.
    التقسيم الرابع
    وهو ما كان بلحاظ الصفات الطارئة على الخبر ، من الشهرة العملية وقبول الأصحاب واعتمادهم عليه ، أو إعراضهم عنه أو هجرهم له ؛ كما في قول النجاشي في ترجمة أحمد بن محمّد بن جعفر عند قوله : «وكان ثقة في حديثه ، مسكوناً إلى روايته» (2) ؛ فإنّه لم يكتف بوثاقة الراوي ، وهو اعتبار خبره بلحاظ التقسيم الأوّل ، بل نبّه على اعتباره بلحاظ هذا التقسيم.
    وقول النجاشي في عبد الله بن الصلت أبو طالب القمي : «ثقة ، مسكون إلى روايته» (3).
    وقول الشيخ في ترجمة عبيد الله بن علي الحلبي : «له كتاب مصنّف معمول عليه ، وقيل إنّه عرض على الصادق عليه‌السلام فلمّا رآه استحسنه وقال : ليس لهؤلاء ـ يعني المخالفين ـ مثله» (4) ، فإنّه يريد بروايته ـ بالإضافة إلى كونه إمامياً ثقة ـ موصوف بالشهرة العلمية وهي من الصفات الطارئة على الحديث.
    __________________
    (1). رجال النجاشي 190 / 509.
    (2). رجال النجاشي 84 / 202.
    (3) رجال النجاشي 217 / 564.
    (4) الفهرست 305 / المفردة 467.

    وقول النجاشي في ترجمة علي بن جعفر بن محمّد : «له كتاب في الحلال والحرام ، يروي تارة غير مبوّب وتارة مبوّباً» (1). فهذا تنبيه على إختلاف النسخ وهو من الصفات الطارئة على الحديث.
    والحاصل : إنّه يظهر من كلمات المتقدّمين من الرجاليّين في كتبهم وفهارسهم وكذا من المحدّثين إنّهم كانوا يُميّزون في تقسيمات الحديث واعتباره بين الصفات التي تكون للحديث بلحاظ الراوي من جهة أمانة نقله أو التي للراوي بلحاظ خبرويّة نقله أو التي تكون لمضمون الحديث المروي في نفسه أو التي تكون للحديث باعتبار الطروّ أي ممّا يعرض عليه من حالات مختلفة ولم يكن ذلك منهم إلّا لإختلاف درجات الاعتبار والحجّية ، وكذا الضعف بلحاظها كما أنّه يختلف الحديث في كيفية وصوله إلى درجة الوثوق والصدور بلحاظ تلك التقسيمات ودرجاتها ، حيث توضح هذه التقسيمات إنّه لم يكن مدار الحجّية عندهم صرف وثاقة الراوي ، بل على الوثوق بالصدور من الزوايا الأربع ، ومن ثمّ تراهم يطرحون خبر الثقة إن اختلّت الجهات الاخرى ويعملون بخبر الراوي الضعيف إذا تمّت الجهات الاخرى مع انضمام قرائن تجبر النقص في الجهة الأولى.
    وبما تقدّم يتجلّى أنّ التقسيمات الأربعة بأقسام عديدة كثيرة من علماء الدراية في الأعصار المتأخّرة لم يكن إلّا مواضعة اسم جديد لكلّ قسم ، لا أنّها استحداث لواقع مسمّى المصطلح ، أو لتمييز لم يكن حاصلاً عند قدماء المحدّثين والرجاليين.
    __________________
    (1) رجال النجاشي 252 / 662.

    بل إنّ توهّم كون هذه الأقسام مخترعة من علماء الدراية المتأخّرين ممتنع في نفسه ، إذ كيف يستحدثون ما لا وجود له ، إذ المفروض أنّ التمييز بين أقسام الرواة والروايات هو بلحاظ الأحوال والصفات ، وهي إنّما وصلت إليهم من المتقدّمين فلا بدّ من فرض تمييز المتقدّمين أوّلاً ثمّ مواضعة المتقدّمين لأسماء تلك الأقسام المتميّزة ، وبعبارة أخرى إنّ المتأخّر يُصنّف الأقسام بلحاظ ما ذكره المتقدّم من صفات وأحوال الرواة ومرويّاتهم.
    وحرص المتقدّم على ذكر الصفات والأحوال المتقدّمة دالّ على دخالتها عندهم في درجة حجّية الرواية.
    كما أنّه يظهر ممّا تقدّم أنّ الاقتصار في البحث الاستدلالي بالروايات لا يكتفى فيه بقصر النظر على الأقسام الأربعة في التقسيم الأوّل ، بل لا بدّ من ملاحظة تمام أقسام التقسيم الأوّل ، كما لا بدّ من ملاحظة التقسيمات الأخرى وأقسامها بعد كون حجّية واعتبار الخبر لا تتمّ إلّا بعد تأمين الجهات الأربعة ، أي أمانة الراوي في اللهجة ، وخبرويّته في النقل ، وسلامة مضمون حديثه وصحّته ، ونقاءه عن صفات الوهن الطارئة ولذلك نرى مراعاة هذه الجهات الأربع في التقسيمات الأربعة في الروايات العلاجيّة لتعارض الأخبار ، كمقبولة أو صحيحة عمر بن حنظلة ومرسلة زرارة وغيرها من الروايات العلاجية ، حيث لوحظ فيها المفاضلة بين الحديثين المتعارضين ، تارة بلحاظ صفات الراوي من جهة أمانته وأخرى خبرويّته أو صفات الحديث بلحاظ مضمونه أو ما يطرأ عليه.
    وبالجملة عدم مراعاة تلك الجهات والأقسام يُسبب ضياع كثير من الأحاديث وعدم ابتناء العمل بالحديث على الأصول الفنّية للاعتبار.
    ثمّ إنّ هذه الغفلة عن هذه التقسيمات العديدة لدى القدماء سبّب الوقوع

    في غفلة أخرى ذات أثر كبير ، وهي إنّ المتأخّرين قد حملوا الطعون والذموم في المفردات الرجاليّة في أقوال الرجاليين على الجهة الأولى فقط وهي الخدشة في صدق لهجة الراوي وأمانته في نقله ، والحال أنّ الكثير منها في صدد الخدشة في الجهات الثلاث الأخيرة من خبرويّته أو مضمون الحديث أو هجر الأصحاب لروايته ، ومن المعلوم أنّ أحكام الجهات الأربع مختلفة من ناحية شرائط الحجّية ، وعليه فليست النتيجة واحدة وهي السقوط عن الحجّية من رأس ، فمثلاً لفظ الضعيف ـ كما سيأتي ـ ليس في غالب استعمال الرجاليين يُراد منها الخدشة في وثاقة الراوي في نقله ، بل يُراد منه القدح في ضبطه وخبرويته في الحديث ، أو ضعف مضامين حديثه.
    كما إنّه لا بدّ لمن يريد مراعاتها الإحاطة خُبراً والاضطلاع بكيفيّة ترجمة الراوي في كتب الرجال ، وترجمة الكتاب الذي استخرجت منه الرواية في كتب الفهرس ، بالإضافة إلى ما يحفّ الخبر من ملابسات ؛ وسنرى مدى تأثير وفوائد هذه المقدّمة في أنحاء التوثيق والاعتبار في الخبر.

    الوجه في حجّية الظنون الرجاليّة
    وقد اختلفت المباني والأنظار في تخريج حجيّة أقوال الرجاليين في الظنون الحاصلة بأحوال المفردات الرجاليّة على مسالك متعددة :
    المسلك الأوّل : مسلك الاطمئنان في التوثيقات الرجاليّة
    وبيانه يتمّ عبر نقاط :
    الأولى : إنّ الحجّية في صدور الخبر بعد ابتنائها على الزوايا الأربع يظهر جلياً عدم صحّة جعل المدار على صرف وثاقة الراوي ، بل لا بدّ من خبرويّته وضبطه وإتقانه أيضاً ، كما لا بدّ من قرب مضمونه لقواعد المذهب وللروايات المستفيضة الأخرى ، كما لا بدّ من عدم طروّ صفات الوهن الأخرى من قبيل إختلاف النُّسخ أو الهجر من قبل الأصحاب بحيث يؤدّي إلى ضعف الوثوق بتداول نقله إلى الطبقات المتأخّرة حيث إنّنا نتلقّى الحديث والكتاب المدوّن فيه من قبلهم يداً بيد وعليه لا بدّ أن تكون قناة التلقّي تامّة.
    وعلى ذلك فلا يكفي إحراز صرف وثاقة الراوي ، كما لا يمنع عن العمل بالحديث صرف ضعف الراوي ، بل الوثوق بالصدور النابع من الجهات الأربع يتأثّر بعوامل عديدة كما سبق بسطه.
    الثانية : ويترتّب على ذلك أنّ قيمة طرق التوثيق لا تنحصر بكون ذلك الطريق لتوثيق الراوي حجّة مستقلّة ، كأن تكون هناك بيّنة على وثاقة الراوي أو شهادة

    العدل الواحد بناءً على اعتبارها أو دلالة القرينة المعيّنة بنفسها مستقلّاً على الوثاقة ، بل اللازم هو حصول الاطمئنان والوثوق بالصدور وبوثاقة الراوي بعد تظافر وتعاضد القرائن وتراكمها بنحو تزداد درجة الاحتمال إلى درجة الاطمئنان والوثوق ، فيكفي في قرينة التوثيق كونها مولِّدة للظنّ ولو الضعيف غير المعتبر ، غاية الأمر إنّه لا بدّ من انضمام قرائن أخرى تصاعد من الاحتمال والظن إلى درجة الوثوق.
    ويشهد بذلك ما في موثقة ابن أبي يعفور الواردة في تعريف العدالة وعلامات استظهارها وإحرازها ، حيث ذكر فيها تجنّب الشخص عن الغيبة وإتيانه لصلاة الجماعة وغيرها من السلوك الظاهرة ، والتي لا توجب الوثوق بالعدالة بكلّ منها مفردة ، بل بمجموعها.
    الثالثة : ومن ثمّ لا يقتصر في تجميع القرائن على الأصول الرجاليّة الخمسة القديمة ، بل يستفاد في تجميع القرائن على الكتب الرجاليّة المتأخّرة إلى يومنا هذا ؛ لأنّ المدار على العثور على القرينة وان كانت القرائن تختلف قوّة وضعفاً لا على قول الرجالي بما هو هو ، ولا يخفى أنّ هذا المبنى هو ما يُسمّى بتحصيل الاطمئنان والوثوق بوثاقة الراوي أو اعتبار خبره أو ما يُسمّى بمسلك تجميع القرائن أو ما يُسمّى حديثاً بنظريّة حساب الاحتمال الرياضي ـ المدلّل عليها بقاعدة رياضيّة برهانيّة ـ هو مسلك مشهور الرجاليين وروّاد هذا الفن ، وهذا المسلك كما يستخدم لإحراز صغرى خبر الثقة وللوثوق بوثاقة الراوي في البحث الرجالي ، كذلك يستخدم للوثوق بالصدور واعتبار نفس الخبر ونقله كما بيّناه مبسوطاً في ذيل دعوى الأخباريّين بصحّة روايات الكتب الأربعة فراجع.
    الرابعة : إنّه لا انسداد في علم الرجال ، بل انفتاح العلم الوجداني من دون

    حاجة إلى العلم التعبّدي والحجّية المستقلّة لبعض طرق التوثيق ، حيث إنّ القرائن على حال الراوي من جهة أمانته أو خبرويّته أو سلامة مضمون نقله أو ما يطرأ روايته من الأحوال كلّها يمكن الاستحصال عليها بالتتبّع الوافر والممارسة والإدمان.
    الخامسة : يترتّب على ذلك سعة منابع علم الرجال وعدم حصرها بالكتب الرجاليّة والفهارس فضلاً عن الأصول الخمسة الرجاليّة القديمة ، كما أشار إلى ذلك المجلسي الأوّل في شرحه الفارسي على الفقيه في الفوائد التي قدّمها للشرح ، والسيّد البروجردي في منهجه الخاصّ المعروف بعلم الطبقات (1) وسيأتي بسطه.
    وملخصه : إنّه عبارة عن الفحص في الأسانيد الواصلة للروايات كمادّة علمية حية وجدانية للتعرّف على الطبقات السابقة للمفردة الرجاليّة الكائنة لها بمنزلة المشايخ ، والطبقة اللاحقة لها الكائنة بمنزلة التلاميذ في الرواية ، فمن خلال إحصاء كلّ الأسانيد التي وقعت فيها المفردة يتمّ تركيز الضوء على البيئة العلمية المحيطة بالراوي وانتمائه في المذهب والمسلك العلمي ، كما يحصل التنبّه إلى الحقل الروائي الذي يزاوله الراوي من خلال مضامين رواياته كما يحصل التعرف على ضبطه وإتقانه في النقل من خلال صورة السند التي يرويها بنفسه وكذا المتن إلى غير ذلك من الفوائد العديدة الجمة ، فمن ثمّ قلنا في النقطة السابقة أنّ العلم الوجداني في باب الرجال منفتح فضلاً عن التعبدي ، ولا انسداد في البين ، غاية الأمر يتوقّف على التتبّع والفحص المستمر نظير الحال في علم التاريخ ، فإنّه أقرب
    __________________
    (1) قد تقدمه في ذلك الاردبيلي في (جامع الرواة) حيث اختصّ كتابه بذلك ، حيث ان الكتب الرجاليّة كلّ منها يختصّ بمنهج من التنقيح في تنقيح المفردات وسيأتي بسط هذه النكتة في الفوائد.

    وأشبه العلوم بعلم الرجال وعلى صلة وثيقة به.
    السادسة : وهي هامّة في الغاية إنّ القاعدة في اعتبار الجرح أو التعديل أو عند تعارض الجرح والتعديل ليس على القبول التعبدي بلفظ التعديل والتوثيق أو لفظ الجرح والتضعيف ، إذ الفرض أنّ المدار في الحجّية على هذا المبنى والمسلك الشهير بين الرجاليين ليس على الحجّية التعبّدية في التوثيق والتضعيف من الشهادة والبيّنة وغير ذلك بل على حصول الاطمئنان والعلم العادي والوجداني.
    وعلى ذلك فلا يُتلقّى توثيق النجاشي مثلاً أو تضعيفه كحجّة تعبديّة ومسلّمة من المسلّمات ، بل اللازم ملاحظة القرائن الأخرى التي قد يكون قد استند النجاشي في تضعيفه عليها إذ قد لا تكون هي منشأ للضعف بقول مطلق أو تكون منشأً للضعف من جهة غير الجهة التي بنى عليها ، فكم من تضعيف بنى عليه القمّيون أو البغداديون لم يعتدّ به المتأخّرون كما هو معروف في درجة الغلوّ والتفويض ونحوها من المسائل الاعتقاديّة ، وكالإدمان لروايات المعارف ، بل إنّهم قد يجعلون الراوي كذّاباً في أمانة نقله لكونه كثيراً ما يروي طائفة خاصّة من المعارف كما وقع حتّى لمثل الفضل بن شاذان ، حيث حكم وقال كما نُسب إليه : «الكذّابون المشهورون ، أبو الخطّاب ، ويونس بن ظبيان ، ويزيد الصائغ ، ومحمّد بن سنان وأبو سمينة أشهرهم» (1) ، وكما وقع للقميين والبصريين مع يونس بن عبد الرحمن ، وهكذا الحال في التوثيق.
    وهذا باب واسع تنفتح منه فوائد عديدة ، وأشبه ما يكون مقامنا على المسلك المزبور بالبحث التاريخي حول مفردة تاريخية ، فإنّ الباحث التاريخي يريد أن
    __________________
    (1). رجال الكشّي 590 / 1033 ، في أبي سمينة محمّد بن علي الصيرفي.

    يقيم الدراسة حولها حتّى يجد شواهد حيّة لوجهة النظر تلك ، فتراه يلاحق الشواهد والظروف المحيطة والملابسات المختلفة يتحرّى بذلك الإمعان في طروّ الحالات لتلك الشخصية وفتراتها حتّى يصل إلى الحقيقة حول تلك الشخصية.
    ومثال ذلك ما وقع من النجاشي في العديد من التراجم من التضعيف لجملة من شيوخ الإجازة والرواية ، بسبب أنّ مشايخه البغداديين هجروا روايته أو نالوه بألسنتهم.
    ومن ذلك يتبيّن عدم صحّة تقديم الجرح على التعديل عند التعارض بقول مطلق ولا العكس كذلك ، وإنّما اللازم الموازنة بين مدركيهما.
    السابعة : إنّ كثيراً من قواعد التوثيق العامّة التي اختلف فيها اختلافاً كثيراً في مؤدّاها كقاعدة أصحاب الإجماع «أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه» أو كما ذكر في الثلاثة «إنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة» أو إنّ مراسيل ابن أبي عمير حجّة وغيرها يتمّ الاعتداد بها لا كشهادات حسّية وإنّما كقرائن تتظافر مع بعضها البعض ولو بُني على حدسيتها.
    هذا كلّه على المسلك الأوّل في ميزان حجّية التوثيقات الرجاليّة وهو مسلك الاطمئنان عبر تجميع القرائن وقد عرفت إنّه هو المسك الشهير بين الرجاليين
    المسلك الثاني : الحجّية من باب قول أهل الخبرة
    وهذا يعتمد على حجّية كبرى قول أهل الخبرة ، المبحوث عنها في قسم الحجج من علم الأصول ، وموضوعها الرأي المستحصل من المتضلّع بعلم وفنّ معيّن اختصّ فيه بحيث تكون آراؤه المستنتجة مبنيّة على الحدس المتولّد من ملكته العلميّة وحيطته بأبواب ذلك العلم يعسر على غيره الوصول إلى تلك النتائج لعدم الحيطة

    والاضطلاع بمسائل وقواعد ذلك العلم.
    وقد ذكر هاهنا إنّ الدليل على الحجّية في تلك الكبرى هو السيرة العقلائية من رجوع الجاهل إلى العالم أو الانسداد الصغير (1).
    وبالجملة : هذه الكبرى لا غبار عليها كما لا غبار في انطباقها على قول الرجالي ، سواء كان قوله حسّياً أو حدسياً ، حيث إنّ المنشأ الحسّي غير المصرّح به كسلسلة سند التوثيق أو التضعيف يعود كالمنشإ الحدسي الخفي بعد عدم التصريح به.
    وأمّا دعوى جماعة من المتأخّرين أنّ التوثيقات في الأصول الرجاليّة الخمسة هي شهادات حسّية فسيأتي عدم تماميّتها.
    ثمّ إنّه لا بدّ من الالتفات إلى أنّ شرط حجّية قول أهل الخبرة هو عدم كون المستند والمتمسّك من يحتجّ بقول أهل الخبرة يشترط فيه أن لا يكون من أهل الخبرة أو أن لا يكون في مكنته تنقيح المورد الذي حصلت فيه المراجعة لقول أهل الخبرة وإلّا فلو كانت له القدرة العلمية وكانت المواد الرجاليّة في متناول يده فلا يكون رجوعه إلى أهل الخبرة صحيحاً ولا معذِّراً ، كما لا بدّ من الرجوع إلى الأكثر خبرةً والأعلم ؛ ففي قول الرجاليين مثلاً يقدّم قول المتقدّم على المتأخّر لكونه أكثر حيطة لقربه لعصر الرواة ، نعم قد يكون المتأخّر أكثر خبرويّةً لحيطته بقرائن مستجمعة خفيت على المتقدّم كما هو الشأن في الفحص والتتبّع للأبواب الروائية ببركة التبويب والمعاجم الموضوعة.
    __________________
    (1) وهو حصول انسداد العلم والعلميّ في باب من الأبواب ، أو موضوع من الموضوعات مع حصول العلم الإجمالي المنجّز للحكم أو الأحكام الشرعية فيه.

    ويتبيّن من ذلك عموم حجّية قول الرجالي على هذا المسلك شريطة توفّر النقطتين السابقتين.
    وقد يستشكل على هذا المسلك بما حاصله : إنّ رجوع المجتهد إلى أهل الخبرة في الرجال نحو تقليد لهم ، ويلزم منه أن تكون النتيجة المستنبطة منه مبنيّة على بعض المقدّمات التقليدية ، فلا يكون اجتهاداً محضاً.
    وفيه : إنّه لا مانع من ذلك ، كما في العديد من مقدّمات الاستنباط البعيدة التي يُستعان بها في الاستنباط ، كالقواعد الأدبيّة ، أو المنطقيّة ، أو التفسيريّة وغيرها ، حيث إنّ اللازم في صدق الاستنباط عن اجتهاد هو كون المقدّمات الاصوليّة والفقهيّة هي عن تحقيق وعن ملكة علميّة دون ما سواها ، وبذلك يصدق عليه أنّه ممّن روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا ، ويصدق عليه عنوان الفقيه
    المسلك الثالث : حجيّة مطلق الظنون الرجاليّة بالانسداد الصغير
    قد قدّمنا أنّ هذا الوجه قد يجعل للتدليل على الوجه السابق ، كما قد يُجعل للتدليل على حجّية مطلق الظنون الرجاليّة مع مراعاة الظن الراجح دون المرجوح والمانع دون الممنوع ، ممّا هو مذكور مسطور في بحث الانسداد من علم الأصول في كون نتيجة الانسداد هو حجّية الظنّ ذي الشرائط المعيّنة فإن لم يكتف به يُتنزّل إلى الفاقد للشرائط ، هذا من حيث النتيجة.
    أمّا من حيث تحقّق مقدّمات الانسداد الصغير فقد يقرّب بوجهين :
    الأوّل : هو دعوى وقوع الانسداد الكبير في مطلق أحكام الفروع ، ومن ثمّ يعمّ الظن الذي هو نتيجة دليل الانسداد الكبير للظن بالطريق لا خصوص الظن

    بالواقع ، والظنون الرجاليّة هي أحد أفراد الظنّ بالطريق.
    كما قد يقرّب وقوع الانسداد الكبير بما قدّمناه من دعوى العلم الإجمالي بوقوع الوضع والدسّ في الأسانيد في ذيل الجواب الرابع عن دعوى الأخباريّين لصحّة الكتب الأربعة ، فالانسداد الكبير حاصل إمّا بمنع كبرى حجّية الظنون الخاصّة ، أو لمنع الصغرى وجوداً أو إحرازاً.
    هذا والصحيح عدم تماميّة الوجه الأوّل بكلا صياغتيه ، إذ بعد توفّر الظنون الخاصّة المعتبرة الوافية بكلّ أبواب الفروع ، فلا مورد لتحقّق مقدّمات الانسداد الكبير ، كما إنّك قد عرفت أنّ العلم الإجمالي بالوضع والدسّ في الأسانيد قد انحلّ تكويناً بالعلم التفصيلي والإجمالي بالتنقية والتصفية للأحاديث والغربلة للروايات بما ذكرناه من نماذج على مثل ذلك.
    الوجه الثاني : دعوى الانسداد الصغير في خصوص علم الرجال ، ببيان أنّ لدينا علم إجمالي بوجود أخبار الثقات الصحاح المعتبرة المتضمّنة لأغلب أحكام الفروع ، ولا علم وجداني ولا تعبّدي بصغريات تلك الأخبار ، بمعنى عدم تحقّق العلم الوجداني بوثاقة رواة الأسانيد ممّن هم في دائرة العلم الإجمالي المتقدّم ، كما أنّ وثاقة رواة لا يوجد لنا علم تعبّدي بها من البيّنة أو الشهادة أو الأخبار الحسّي المعتبر ، إذ لا تذكر سلسلة سند التوثيق في الأصول الرجاليّة القديمة عدا الكشّي في غالب موارده ، وحينئذ فلا يمكن لنا إحراز صغرى ومصاديق تلك الكبرى ، وهي العلم الإجمالي بوجود أخبار الثقات المتضمّنة لأحكام الفروع.
    وهذا الوجه إنّما يتمّ لو لم يتمّ المسلكين الأوّلين ، ليتحقّق انسداد العلم الوجداني والعلم التعبّدي فتصل النوبة إليه لكنّك قد عرفت تماميّة المسلكين.
    وقد يُستشكل على هذا المسلك بأنّ ما يستخرجه المجتهد من نتائج حينئذ

    ليست عن علم فلا يسوغ رجوع الآخرين إليه ؛ لأنّه من رجوع الجاهل إلى الجاهل ، وهذا الإشكال قد ذكر في مبحث الانسداد في علم الأصول ، كالإشكال على تقليد الانسدادي ، وحاصله أنّ المقلِّد لم ينسدّ عليه الطريق بعد وجود المجتهدين الآخرين القائلين بالانفتاح.
    وقد أجيب بعدّة أجوبة :
    منها إنّ المجتهد الانسدادي عالم بالوظيفة عند الانسداد والحكم الظاهري وإن لم يكن عالماً بالحكم الواقعي.
    ومنها : بأنّ الانسدادي يُخطّئ الانفتاحي.
    ومنها : بأنّ الانسدادي بعد ترتيب مقدّمات الانسداد لا سيّما على الكشف يعلم بالأحكام الواقعيّة أو بالطريق المؤدّي إلى الفراغ منها
    المسلك الرابع : كون التوثيق من باب الشهادة والإخبار الحسّي
    وقد صيغ بعدّة صياغات :
    منها : كونه من باب البيّنة ، كما ذهب إليه صاحب المدارك والمعالم ، ولعلّه تبعاً لأستاذهما المحقّق الأردبيلي.
    ومنها : كونه من خبر الثقة بناءً على حجيّته في الموضوعات ، أو لدعوى إنّه في المقام وإن قام على موضوع جزئي إلّا أنّ ثمرته إثبات الحكم الكلي فهو من قبيل خبر الثقة القائم على الحكم الكلّي ، أو كما قرّبه في المستمسك في الاجتهاد والتقليد من أنّ الإخبار عن المعصوم في الحكم الكلي يؤول إلى الإخبار عن الموضوع الجزئي الخارجي ، حيث إنّه إخبار عن واقعة خاصّة بصدور قول المعصوم.

    ومنها كونه من الخبر المتواتر أو المستفيض ، وذهب إليه من متأخّري هذه الأعصار السيّد الخوئي قدس‌سره وقرّب ذلك بكون توثيقات الأعلام المتقدّمين من الرجاليّين ، كالبرقي وابن قولويه والكشّي والصدوق والمفيد والنجاشي والشيخ وأضرابهم ، هي نقل كابر عن كابر وثقة عن ثقة ، لكون كتب الفهارس والتراجم لتمييز الصحيح من السقيم أمراً متعارفاً عندهم ولقد وصلتنا جملة من ذلك ولم تصلنا جملة أخرى وإنّ الكتب الرجاليّة من زمان الحسن بن محبوب إلى زمان الشيخ كانت تبلغ نيّفاً ومائة كتاب ، على ما يظهر من النجاشي والشيخ وغيرهما ، وقد جمعها البحّاثة الشيخ آغا بزرك في مصفّى المقال ، واستشهد أيضاً بما ذكره الشيخ في العُدّة في فصل خبر الواحد من أنّ للطائفة كتباً وفهارس ميّزت الرجال الناقلة بين ثقة وضعيف ومعتمد وغير معتمد عليه ؛ وكذا استشهد ببعض عبائر النجاشي عند ما يقول : «ذكره أصحاب الرجال».
    فكلّ ذلك يشهد بأنّ أقوالهم في الرجال هي عن حسّ مستفيض أو متواتر ، خلافاً لما يحتمله الشيخ فخر الدين الطريحي في مشتركاته من أنّ توثيقات النجاشي أو الشيخ يحتمل أنّها مبنيّة على الحدس فلا يعتمد عليها.
    أقول : يرد على عموم المسلك الرابع بصياغاته أو خصوص دعوى التواتر منه :
    أوّلاً : إنّ دعوى التواتر والاستفاضة في روايات الكتب الأربعة أولى منها في الكتب الرجاليّة ، إذ كتب الروايات تزيد مآخذها أضعافاً مضاعفة على مآخذ الاصول الرجاليّة القديمة ، فإذا كانت كتب الفهارس والرجال تزيد على المائة ونيّف من فترة الحسن بن محبوب إلى زمان الشيخ ، فكتب الروايات الأصول منها فقط يربو على الأربعمائة فضلاً عن الكتب والمجاميع التي الّفت بعدها ، وقد تقدّم مبسوطاً أنّ دعوى اعتبار مطلق الطرق فيها غير تامّة ، فكيف بك في مآخذ

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2975
    نقاط : 4628
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    بحوث في مباني علم الرجال Empty
    مُساهمةموضوع: رد: بحوث في مباني علم الرجال   بحوث في مباني علم الرجال Emptyالثلاثاء 29 أكتوبر 2024 - 20:24

    الأصول الرجاليّة.
    نعم قد بيّنا الفرق بصياغة فنّية رجالية درائية بين الطرق إلى كتب المشيخة والطرق التي في كتب المشيخة إلى المعصوم ، والفارق المزبور هو بعينه يوجد بين طرق الكتب الرجاليّة والمشيخة وبين مراسيل التوثيقات أو التضعيفات في الأصول الرجاليّة.
    على أنّ غاية دعوى كثرة مآخذ الكتب الرجاليّة هو عدم النظر في طرق الأصول الرجاليّة الخمسة أو الستّة إلى الكتب الرجاليّة التي قبلها ، لا الطرق التي في الثانية المتقدّمة إلى المعاصر للمفردة الرجاليّة المترجمة.
    ثانياً : إنّ كتاب الكشّي وهو متقدّم على فهرست النجاشي وفهرست ورجال الشيخ بطبقتين وهو المشتمل في توثيقاته وتضعيفاته في العديد من الموارد على سلسلة السند ، فإنّه يقيّم جرحه وتعديله بحسب اعتبار تلك السلسلة ، فتارة تكون ضعيفة وتارة تكون معتبرة كما هو دأب الجميع على ذلك حتّى القائلين بالمسلك الرابع ، والمعروف أنّ كتاب التحرير الطاووسي من صاحب المعالم هو تشذيب وتهذيب لرجال السيّد أحمد بن طاوس الموضوع لتقييم طرق التوثيق أو التضعيف في رجال الكشّي ، فإذا كان الحال ذلك في كتاب الكشّي وهو الأقرب عصراً لطبقات الرجال وكتب الفهارس ، فكيف بك لمن تأخّر عنه بطبقتين ؛ فإنّ ما صنعه الكشّي من ذكر تلك الطرق دليل بيّن على عدم استفاضة وتواتر التوثيقات كلّها ، بل هي في الأغلب منها طرق آحاد.
    ثالثاً : إنّ هناك العديد من الموارد التي وقع فيها التعارض في التوثيقات أو التضعيفات بين الشيخ والنجاشي وبين كلّ منهما والكشّي ، ولو كانت إخباراتهم حسّية من نمط التواتر والاستفاضة لما وقع مثل ذلك بهذه الكثرة ومن ثمّ لم يلتزم

    القائل نفسه في عدّة من المفردات الرجاليّة على رأي النجاشي أو الشيخ بعد عثوره على قرائن مخالفة أخرى.
    رابعاً : إنّ عبارات الأصول الرجاليّة الخمسة أو الستّة هي بنفسها مختلفة ، وهي تدلّ على أنّ طرقهم في التوثيق والتضعيف مختلفة فبعضها بالشهرة والتواتر ، والأخرى آحاديّة.
    فترى التعبير تارة : قال مشايخنا ، وأخرى : ضعّفه القميون ، أو : وجه في الطائفة ، أو : في أصحابنا ، أو : كان له صيت ، أو : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، أو : على وثاقته ، فهذا نمط ، ونمط آخر ترى يكتفي بالتعبير بثقة أو ضعيف ، أو : قيل إنّه كذا ، أو رُمي بكذا ، ونحوها من التعابير الصريحة في كون مآخذها آحادية.
    وبالجملة : نستردف لك بعض الشواهد الدالّة عموماً على عدم صحّة الاستفاضة في طرق الجرح والتعديل :
    منها ما ذكره صاحب قاموس الرجال (1) من أنّ الشيخ أكثر من الأخذ عن فهرست ابن النديم أوهاماً وأغلاطاً كثيرة في التراجم ولم ينبّه الشيخ على وهمه إلّا في الفضل بن شاذان ولذلك لم يستند إليه النجاشي إلّا في موضع واحد وهو بندار بن محمّد ، وكذا ما نبّه عليه من إختلاف نسخ الكشّي التي كانت مأخذاً للشيخ الطوسي ، وقد قال النجاشي عنه ـ رجال الكشّي ـ «له كتاب الرجال ، كثير العلم ، وفيه أغلاط كثيرة وروى عن الضعفاء كثيراً» (2).
    __________________
    (1). قاموس الرجال 1 / 52.
    (2) رجال النجاشي 372 / المفردة 1018.

    وقد نبّه صاحب قاموس الرجال في الموضع المتقدّم على وقوع التصحيف والخلط في مجموعة من التراجم في الأصول الرجاليّة ، فراجع.
    ومنها ما نبّه عليه في الفوائد الرجاليّة (1) من بناء مثل الصدوق والنجاشي وغيرهما على قواعد في التوثيق والتضعيف اجتهادية غير تامّة.
    فتحصّل : إنّ البناء على الأخبار الحسّي في قول الرجاليين ليس بواجد لشرائط الحجّية للإرسال الموجود فيه ، وإنّ صغرى حجّية الخبر الحسّي غير متحقّقة غالباً.
    __________________
    (1). الفوائد الرجاليّة 1 / 25 ـ ص 58.

    المقام الثاني
    حجّية أصالة العدالة وحسن الظاهر في التوثيق
    فقد وقع الخلاف في أنّ البناء على وثاقة واعتبار المفردة الرجاليّة ، هل بمجرّد كونه مسلماً أو إمامياً لم يثبت ولم يُحرز فسقه ، أو إنّه من اللازم إحراز عدم فسقه ، ولا يكفي في ذلك الإحراز إجراء أصالة العدم؟
    فقد نسب متأخّري هذه الأعصار إلى المتقدّمين بناءهم على أصالة العدالة ، وفُسّرت بالاكتفاء فيها بمجرّد الإسلام أو الإيمان مع عدم إحراز الفسق ، للاكتفاء في الفسق بأصالة العدم وقد نُسب ذلك صريحاً إلى الشيخ الطوسي ، واحتمل كون ذلك مبنى الرواة والرجاليين المتقدّمين على الشيخ أيضاً كالصدوق ، كما نُسب ذلك صريحاً إلى العلّامة الحلّي ، ولتحرير المقام لا بدّ من ذكر جهات :
    الجهة الأولى : في تنقيح فرض المسألة والضابطة
    إذ كبرويّاً قد يُبنى على حجّية مطلق الخبر سوى خبر الفاسق ، فيكون الفسق حينئذ مانعاً ولا تكون الوثاقة أو العدالة شرطاً ، وأخرى يُبنى كبرويّاً على شرطيّة العدالة أو الوثاقة كصفة وجوديّة ، كما إنّه لا بدّ من الالتفات إلى إمكان وجود

    الواسطة بين العادل والفاسق أو الثقة والمتّهم أو عدمها ، كما لا بدّ من الالتفات إلى أنّ الأمارات على الوثاقة والكواشف على العدالة ، هل يكتفى بها في إحراز العدالة والوثاقة أو لا بدّ من إحراز عدم الفسق ، أي عدم موجب الفسق؟
    ولا يتوهّم أنّ هذا الترديد لا مجال له ؛ لأنّه مع فرض وجود العدالة أو الوثاقة فهو يلازم عدم الفسق المطلق أو عدم الفسق في اللهجة ، ومع وجود الأمارة على أحد الضدّين لا حاجة إلى وجود الأمارة على عدم وجود الضدّ الآخر ، إذ إنّ وجود أحد الضدّين وإن لازَمَ عدم الضدّ الآخر إلّا أنّ الكاشف عن أحد الضدّين ليس من الضروري اعتبار كاشفيّته ـ كمدلول التزامي ـ على عدم الضدّ الآخر.
    وبعبارة أخرى : إنّ الكاشف عن أحد الضدّين قد يكون اقتضائياً ناقصاً لا بدّ من ضميمة إحراز عدم المانع ، فمواظبة الرجل مثلاً على صلاة الجماعة وعدم ايذاء المسلمين بجوارحه وحسن ظاهره ، كلّ ذلك مقتض لتواجد صفة العدالة أو الوثاقة ، فقد يقال مع ذلك بلابدّية إحراز عدم الموجب للفسق ، أي عدم صدور ما يخلّ بالوثاقة أو العدالة منه
    الجهة الثانية : صحّة النسبة المتقدّمة
    قال الشيخ الطريحي في جامع المقال : «الثانية : في الطريق الموصل إلى معرفتها ـ العدالة ـ ، فنقول : اكتفى بعض فقهاؤنا بثبوت العدالة بظاهر الإسلام من دون أن يُعلم منه الاتّصاف بملكتها ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف ، ونقل عن ابن الجُنيد صريحاً والمفيد في كتاب الاشراف ظاهراً ، وزاد آخرون على ذلك أن يكون ظاهره ظاهراً مأموناً ، بأن يكون ساتراً لعيوبه ، راغباً إلى المساجد والجماعات ، إذا سُئل عنه أهل محلّته وقبيلته يقولون ما رأينا منه إلّا خيراً

    وهو مذهب الشيخ في النهاية وابن بابويه في الفقيه» (1).
    كما نسب كثير متأخّري هذه الأعصار إلى الشيخ الطوسي والعلّامة الحلّي بنائهما على أصالة العدالة ، استناداً لما ذكره في الخلاصة في ترجمة (أحمد بن إسماعيل بن سمكة بن عبد الله) ولما ذكره في ترجمة (إبراهيم بن هاشم أبو اسحاق القمي) ، واستناداً إلى ما ذكره الشيخ الطوسي في كلّ من النهاية في باب العدالة والعدّة في فصل القرائن التي تدلّ على صحّة أخبار الآحاد ، ولما ذكره في الاستبصار أيضاً في كتاب الشهادات منه في باب العدالة المعتبرة في الشهادة.
    وقال الشهيد الثاني في الدراية : «واختلفوا في العمل بالحسن ، فمنهم مَن عمل به مطلقاً كالصحيح ، وهو الشيخ قدس‌سره على ما يظهر من عمله ، وكلّ من اكتفى في العدالة بظاهر الإسلام ولم يشترط ظهورها ، ومنهم مَن ردّه مطلقاً وهم الأكثرون حيث اشترطوا في قبول الرواية الإيمان والعدالة ، كما قطع به العلّامة في كتبه الأصولية وغيره ، والعجب أنّ الشيخ قدس‌سره اشترط ذلك في كتب الأصول ووقع له في الحديث وكتب الفروع الغرائب ، فتارة يعمل بالخبر الضعيف مطلقاً ، حتّى إنّه يخصّص به أخباراً كثيرة صحيحة ، حيث تعارضه بإطلاقها ، وتارة يصرّح بردّ الحديث الضعيف لضعفه وأخرى بردّ الصحيح معلّلاً بأنّه خبر واحد لا يوجب علماً ولا عملاً كما هي عبارة المرتضى قدس‌سره» (2).
    وقال في موضع آخر : «إنّ الشيخ عمل بالخبر الضعيف المعتضد بالشهرة الروائية أو الفتوائية لقوّة الظنّ بصدق الراوي وإن ضُعّف في نفسه كما يعلم
    __________________
    (1) جامع المقال / 24.
    (2) الدراية / 26.

    مذاهب الفرق الإسلاميّة بإخبار أهلها وإن لم يبلغوا حدّ التواتر» (1).
    وقال صاحب الوسائل في الفائدة التاسعة من الخاتمة في معرض الحديث عن آية النبأ وحجّية الخبر ، من أنّ القدماء في اعتمادهم الحديث قد يبنون على أصالة العدالة قال : «فإن أجابوا بأصالة العدالة أجبنا بأنّه خلاف مذهبهم ولم يذهب منهم إلّا القليل».
    وقال السيّد الخوئي في المعجم : «إنّ اعتماد ابن الوليد أو غيره من الأعلام المتقدّمين فضلاً عن المتأخّرين على رواية شخص والحكم بصحّتها لا يكشف عن وثاقة الراوي وحسنه ، وذلك لاحتمال أنّ الحاكم بالصحّة يعتمد على أصالة العدالة ويرى حجّية كلّ رواية يرويها مؤمن لم يظهر منه فسق ، وهذا لا يفيد من يعتبر وثاقة الراوي أو حسنه في حجّية خبره» (2).
    وقال أيضاً في معرض الخدشة في استفادة التوثيق من رواية الثقة عن رجل : «وأين هذا من التوثيق والشهادة على حسنه ومدحه ، ولعلّ الراوي كان يعتمد على رواية كلّ إمامي لم يظهر منه فسق» (3).
    أقول : التأمّل والنظر في مجمل هذه النسبة يقضي بأنّ المراد من المحكي من عبارات القدماء ليس هو أصالة العدالة كما تُوهّم في المسلم أو المؤمن ما لم يحرز الفسق ، بل المراد حجّية حُسن الظاهر وظهور حال وسلوك المسلم والمؤمن في الوثاقة أو العدالة كأمارة كاشفة معتدّ بها ، شريطة عدم العلم بالفسق
    __________________
    (1) الدراية / 27.
    (2) المعجم 1 / 74 ، طبعة قم.
    (3) المصدر المتقدّم / 73.

    وعدم إحرازه ولو بضمّ الأصل العدمي ، وهو مضمون عدّة من الروايات المعتبرة الواردة في باب العدالة ، كموثّقة ابن أبي يعفور وغيرها الآتي ذكرها في الجهة الثالثة ، هذا إجمال النظر.
    وأمّا تفصيل الحال في ما نُسب ، فمثلاً ما ذكره العلّامة الحلّي في ترجمة أحمد بن إسماعيل بن سمكة بن عبد الله هو : «أبو علي البجلي عربيّ من أهل قم ، كان من أهل الفضل والأدب والعلم ، وعليه قرأ أبو الفضل محمّد بن الحسين بن العميد ، وله كتب عدّة لم يُصنّف مثلها ، وكان إسماعيل بن عبد الله من أصحاب محمّد بن أبي عبد الله البرقي وممّن تأدّب عليه ، فمن كتبه كتاب العباسيّ وهو كتاب عظيم نحو عشرة آلاف ورقة في أخبار الخلفاء والدولة العباسية مستوفى لم يصنّف مثله. هذا خلاصة ما وصل إلينا في معناه ولم ينصّ علماؤنا عليه بتعديل ولم يرو فيه جرح ، فالأقوى قبول روايته مع سلامتها من المعارض» (1).
    فذيل كلامه وإن أوهم البناء على أصالة العدالة بأصالة عدم الفسق إلّا أنّه من البيّن أنّ صدر العبارة فيها تعداد لقرائن الوثاقة تبلغ الخمس ، من كونه ذو درجة عالية في الفضل والأدب والعلم وقراءة ابن العميد عليه والذي كان من وزراء الدولة البويهية ومن الأدباء أيضاً وتصنيفه لكتب عدّة عديمة المثيل وكون والده من خواصّ البرقي وتصنيفه لكتاب العباسي الكبير ، فإنّ كلّ ذلك دالّ على الوجاهة والجلالة والوثاقة من دون معارض.
    وأمّا ما ذكره العلّامة في ترجمة إبراهيم بن هاشم أبو اسحاق القمي : «أصله من الكوفة وانتقل إلى قم ، وأصحابنا يقولون إنّه أوّل من نشر حديث الكوفيين
    __________________
    (1) خلاصة العلّامة الحلي / 16.

    بقم ، وذكروا إنّه لقى الرضا عليه‌السلام وهو تلميذ يونس بن عبد الرحمن من أصحاب الرضا عليه‌السلام ولم أقف لأحد من أصحابنا على قول في القدح فيه ولا على تعديله بالتنصيص والروايات عنه كثيرة والأرجح قبول قوله».
    فإنّك ترى إنّه قد استند في توثيقه على أربع قرائن هامّة ، هي عين ما استند عليها متأخّري هذه الأعصار في توثيق إبراهيم بن هاشم ، فليس هو من البناء على أصالة العدالة بمعنى مجرّد أصالة عدم الفسق في من أحرز إيمانه ، ومن ثمّ ترى أنّ العلّامة لم يوثّق كثيراً من مفردات الرواة الإماميّة ممّن لم يرد فيهم تعديل ولا جرح وأدرجهم في القسم الثاني من كتابه.
    وأمّا ما نسبه الشهيد الثاني للشيخ الطوسي استناداً لما وقع للشيخ في كتب الحديث من أنّه تارة يعمل بالخبر الضعيف ويخصّص به الصحاح وأخرى يردّ الحديث الضعيف وثالثة يردّ الخبر الصحيح معلّلاً بأنّه خبر واحد لا يوجب علماً ولا عملاً كما هو مذهب السيّد المرتضى.
    ففيه : أنّ الشيخ دأبه في التهذيبين على الجمع بين الأحاديث المختلفة مهما أمكن ، لدفع شبهة كثرة التعارض في أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام التي أدّت بأحد الأشراف إلى الخروج من المذهب ، كما صرّح بذلك في مقدّمة الكتابين ، أي إنّ غرضه بيان فنون الاحتمالات العلمية والفذلكات الصناعية ، كما أنّ اعتماده على الخبر الضعيف في موارد يدلّل عليه بقرائن عدّة توجب الوثوق بالصدور ، فيرتكب التخصيص به فلا ينافي ردّه لخبرٍ ضعيف آخر منفرد عن القرائن.
    وكذا الحال في ردّه للخبر الصحيح بالتعليل المزبور ، فإنّه يريد به مخالفته لقواعد آبية عن التخصيص مثلاً أو لبعض أصول المذهب التي لا يرفع اليد عنها لأقوائية عمومها من دلالة الخبر الخاصّ الصحيح.

    وقد أسهبنا في مسألة الإجماع من علم الأصول الجمع بين دعويي الإجماع من الشيخ الطوسي والسيّد المرتضى في العمل بالخبر الواحد أو عدم العمل به.
    وأمّا عبارة الشيخ في الاستبصار عند قوله : «إنّه لا يجب على الحاكم التفتيش عن بواطن الناس ، وإنّما يجوز له أن يقبل شهادتهم إذا كانوا على ظاهر الإسلام والأمانة وأن لا يعرفهم بما يقدح فيهم ويوجب تفسيقهم ، فمتى تكلّف التفتيش عن أحوالهم يحتاج إلى أن يعلم جميع الصفات» (1).
    وقال أيضاً في معرض الجمع بين الأخبار الواردة في العدالة وكيفيّة إحرازها : «إنّه ينبغي قبول شهادة من كان ظاهره الإسلام ، ولا يعرف فيه شيء من هذه الأشياء» (2) ويشير بذلك إلى الصفات القادحة في الشهادة.
    فهذه العبارة وإن أوهمت ذلك ، إلّا أنّ التدبّر فيها يقضي بأنّ استناده في إحراز العدالة إلى وجود ظهور السلوك العملي من الشاهد على الأمانة والاستقامة ، من دون بروز صفة قادحة للعدالة ، أي بضميمة عدم العلم بالفسق ، فمستنده حسن الظاهر الذي هو من أمارات الوثاقة والعدالة المذكورة في مثل موثقة ابن أبي يعفور الواردة في العدالة.
    وأمّا ما ذكره الشيخ في العُدّة عند قوله : «وأمّا العدالة المراعاة في ترجيح أحد الخبرين على الآخر ، فهو ان يكون الراوي معتقداً للحقّ ، مستبصراً ثقة في دينه ، متحرّجاً من الكذب ، غير متّهم في ما يرويه ، فامّا إذا كان مخالفاً في الاعتقاد لأصل المذهب وروى مع ذلك عن الأئمّة عليهم‌السلام نُظر في ما يرويه ... وإن لم يكن من
    __________________
    (1) الاستبصار 3 / 13.
    (2) المصدر المتقدّم / 14.

    الفرقة المحقّة خبر يوافق ذلك ولا يخالف ولا يعرف لهم قول فيه وجب أيضاً العمل به ، لما رُوي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال :
    «إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها في ما رووا عنّا فانظروا إلى ما رووا عن عليّ فاعملوا به ، ...».
    وإذا كان الراوي من فرق الشيعة مثل الفطحية والواقفية والناووسية وغيرهم نُظر في ما يرويه ... وإن كان ما رووه ليس هناك ما يخالفه ، ولا يعرف من الطائفة العمل بخلافه ، وجب أيضاً العمل به إذا كان تحرّجاً في روايته ، موثوقاً في أمانته وإن كان مخطئاً في أصل الاعتقاد ، ... وأمّا ما ترويه الغلاة والمتّهمون والمضعّفون وغير هؤلاء فما يختصّ الغلاة بروايته ، فإن كان ممّن عُرف لهم حال استقامة وحال غلوّ ، عُمل بما رووه في حال الاستقامة وتُرك في ما رووه في حال خطأهم ، ... فأمّا ما يرويه في حال تخليطهم فلا يجوز العمل به على كلّ حال ، وكذلك القول في ما ترويه المتّهمون والمضعّفون ... فأمّا من كان مخطِئاً في بعض الأفعال أو فاسقاً بأفعال الجوارح وكان ثقة في روايته متحرّزاً فيها ، فإنّ ذلك لا يوجب ردّ خبره ويجوز العمل به ، لأنّ العدالة المطلوبة في الرواية حاصلة فيه ، وإنّما الفسق بأفعال الجوارح يمنع من قبول شهادته وليس بمانع من قبول خبره» (1).
    أقول : من البيّن جَعْل الشيخ المدار في حجّية الخبر على ظهور الوثاقة في اللسان واللهجة ، لا ما توهّمه عبارته في خبر المخالف ، إذ كلامه في الثقة ، ولذلك مثّل بأسماء الموثقة بهم من رواة العامّة فلاحظ ، فهو في صدد عدم ردّ
    __________________
    (1) العُدّة 1 / 148 ـ 152.

    خبر المخالف بمجرّد مخالفته ، وإلّا فخبره لا يزيد في الاعتبار عن خبر الراوي من فرق الشيعة الاخرى ، حيث اشترط فيه الوثاقة في العبارة المتقدّمة.
    وأمّا عبارته في النهاية في تعريف العدالة التي هي شرط الشهادة ، فهي صريحة في ظهور حال الشخص في الإيمان عند قوله : «العدل الذي يجوز قبول شهادته للمسلمين وعليهم هو أن يكون ظاهر الإيمان ثمّ يعرف بالستر والصلاح والعفاف والكفّ عن البطن والفرج واليد واللسان ويُعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله تعالى عليها النار من شرب الخمر والزنا .... الخ» (1).
    ونظيره عبارة الشيخ المفيد ، وابن برّاج ، وأبي الصلاح الحلبي ، في الباب المزبور ، وابن الجُنيد في محكيّ المختلف ، وكذا ابن إدريس في السرائر فلاحظ.
    وأمّا عبارة الشيخ في الخلاف في آداب القضاء حيث قال : «إذا شهد عند الحاكم شاهدان يعرف إسلامهما ولا يُعرف فيهما جرح حُكم بشهادتهما ، ولا يقف على البحث إلّا أن يجرح المحكوم عليه فيهما بأن يقول : هما فاسقان فحينئذ يجب عليه البحث ... دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم ، وأيضاً الأصل في الإسلام العدالة ، والفسق طارئ عليه يحتاج إلى دليل ، وأيضاً نحن نعلم إنّه ما كان البحث في أيّام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا أيام الصحابة ولا أيام التابعين ، وانّما هو شيء أحدثه شريك بن عبد الله القاضي ، فلو كان شرطاً ما أجمع أهل الأعصار على تركه».
    وقال في المسألة اللاحقة ، المسألة الحادي عشر : «الجرح والتعديل لا يقبل إلّا عن اثنين يشهدان بذلك ، فإذا شهدا بذلك عُمل عليه ، ... دليلنا : إنّ الجرح
    __________________
    (1) النهاية : كتاب الشهادات ، باب تعديل الشهود ومن تقبل شهادته ومن لا تُقبل.

    والتعديل حكم من الأحكام ولا تثبت الأحكام إلّا بشهادة شاهدين».
    وقال في المسألة الخامسة عشر : «إذا حظر الغرباء في بلد عند الحاكم فشهد عنده اثنان فإن عرفا بعدالة حُكّما ، وإن عرفا بالفسق وُقّفا وإن لم يعرف عدالة ولا فسقاً بحث عنهما ، وسواء كان لهما السيماء الحسنة والمنظر الجميل وظاهر الصدق ، وبه قال الشافعي.
    وقال مالك : إن كان المنظر الحسن توسّم فيهما العدالة حكم بشهادتهما ، دليلنا قوله تعالى (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ)(1) وهذا ما رُضي بها» (2).
    أقول : والناظر لعبارة الشيخ في المسألة الأولى المتقدّمة يوهم وهماً شديداً بأنّه قائل بأنّ الأصل في المسلم والمؤمن العدالة ، بينما إذا ضُمّت المسألة الأخيرة والمسألة المتوسّطة مع المسألة الأولى ، يتّضح جليّاً لا خفاء فيه أنّ الشيخ في صدد التفصيل بين من تحصل معه العِشرة من المسلمين والمؤمنين ، بحيث لا يظهر عليه خلاف الصلاح ولا سوء ولا منافي للعدالة ، وبين من يكون من المسلمين أو المؤمنين من الغرباء الذين لا خلطة ولا معاشرة للإنسان بهم ، فإنّه يجب أن يتحرّى أمارات العدالة فيهم ، وبين من شُهد عليه بكلّ من الجرح والتعديل وإن كانت به خلطة وعِشرة ، فإنّه حكم في الشقين الآخرين بلزوم الفحص دون الأوّل لا لكون الأصل فيه العدالة كما توهّمه العبارة ، بل استناداً إلى أمارات الصلاح المحسوسة بالعشرة والخلطة ، فلا حاجة للتنقيب معها عن ثبوت الجرح ،
    __________________
    (1). البقرة / 282.
    (2) الخلاف 6 / 217 ، أبواب القضاء ، المسألة العاشرة ، الحادية عشر ، الخامسة عشر.

    وهذا معنى الأصالة التي يريدها الشيخ ، أي أصالة عدم موجب الفسق بضميمة الأمارات السابقة على العدالة ، وأنّ التنقيب الزائد عن الواقع وعدم الاعتداد بالأمارات أمر أحدثه شريك بن عبد الله ويزيدك وضوحاً على ما ذكرناه إشارة الشيخ في المسألة الأولى إلى الروايات الواردة وستأتي أنّ كلّها هي بمعنى الاعتداد بأمارات ظاهر الحال ، من دون لزوم التنقيب ممّا وراء ذلك لا بمعنى الأصل العملي العدمي للفسق بمجرّده مثبت للعدالة.
    ومن ثمّ قال صاحب الجواهر : إنّه قد استقصى الكلام في المسألة وقال : «لم نتحقّق القائل به ، لظهور من وقفنا على كلام من يُحكى عنه في المسلم الذي لم يظهر منه فسق ، لا أنّ الإسلام عدالة مع معلوميّة فساد الأصل المزبور ، وإن اشتهر في كلام الأصحاب أنّ الأصل في المسلم أن لا يخلّ بواجب ولا يفعل محرّماً ، إلّا أنّ ذلك لا يقتضي تحقّق وصف العدالة به ، بل المراد منه حكماً تعبّدياً في نفسه لا في ما يترتّب على ذلك لو كان واقعاً ...
    وإنّ التحقيق الذي تجتمع عليه الروايات وعليه عمل العلماء في جميع الأعصار والأمصار حُسن الظاهر ، بمعنى الخِلطة المُطّلعة على أنّ ما يظهر منه حسن من دون معرفة باطنه» (1).
    أقول : ونِعم ما أفاد من أنّ غالب مَن نُسب إليه أصالة العدالة هو بسبب ايهام العبائر ، فليس مرادهم تعريف العدالة بالإسلام والإيمان ، كما أنّ ليس مرادهم إحرازها بمجرّد أصالة عدم الفسق ، بل مراد من نُسب إليه هو كون حُسن الظاهر أمارة على العدالة ، ولو بضميمة أصالة عدم موجب الفسق من دون لزوم تحرّي ما
    __________________
    (1) الجواهر 40 / 112.

    وراء ذلك من الباطل.
    وقد بسط صاحب جواهر الكلام في كتاب الصلاة في مبحث الجماعة هذه النكتة فلاحظ (1).
    وبعبارة أخرى : إنّ مراد الشيخ والمتقدّمين من كون ظاهره الإسلام وعدم معرفته بالصفة القادحة هو عدم معرفته بذلك في من يتعايش معه من أهل محلّته أو قبيلته ، إذ التعايش كذلك يفرض على نطاق خمس دوائر :
    الأولى : تعايشه في نطاق الأسرة وهي أخصّ خاصّة ، كزوجته وولده وخدمه وحشمه.
    الثانية : هي ذوي رَحِمه وأصدقاءه ، وهي المعبّر عنها بخاصّته.
    الثالثة : هي الحيّ والمحلّ الذي يعيش فيها ، أو القبيلة التي يقطنها.
    الرابعة : هي تعايشه ضمن طبقة من أهل عصره لكن في مدينة أو بلاد أخرى أو قبائل أخرى مختلفة.
    الخامسة : وهي نطاق من لم يعاصره من الطبقات اللاحقة ، كنسبتنا نحن إلى الرواة.
    وعليه فإنّ المراد من عدم معرفة الشخص بالفسق وهو سلامة سلوكه في الظاهر ، إنّما هو في الدائرة الثالثة ، لا بقيّة الدوائر ، والمتأخّرون حملوا عدم معرفته بالفسق بلحاظ الدائرة الرابعة والخامسة ، ومن الواضح تباين ذلك المعنى حينئذ مع حُسن الظاهر ، حيث أنّ حُسن الظاهر هو سلامة سلوكيات الشخص على
    __________________
    (1) الجواهر 13 / 280 ـ 290.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2975
    نقاط : 4628
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    بحوث في مباني علم الرجال Empty
    مُساهمةموضوع: رد: بحوث في مباني علم الرجال   بحوث في مباني علم الرجال Emptyالثلاثاء 29 أكتوبر 2024 - 20:26

    صعيد سطح تعامله التعايشي في نطاق الدائرة الثالثة ، وواضح أنّ عدم معرفته بالفسق في سلوكه في نطاق الدائرة الثالثة ومع من يتعايش معه يعني حُسن ظاهره وسلوكه ، بخلاف عدم معرفته بالفسق بالإضافة إلى من لم يعاصره ـ الدائرة الخامسة ـ كما في عدم معرفتنا نحن الآن بفسق بعض الرواة ، فإنّه لا يعني ذلك حُسن الظاهر ، بل يعني الجهالة بحال الراوي ، وهكذا الحال في من عاصر الشخص ولم يكن من أهل مدينته ، فالعمدة في غفلة تفسير المتأخّرين لعبائر المتقدّمين ولظاهر جملة من الروايات هو حملهم عدم المعرفة بالفسق لنطاق من لم يتعايش ولم يعاصر ذلك الشخص ، وفسّروا ذلك بأصالة العدالة عند الجهل بحال الراوي ، أي بمجرّد اسلامه مع عدم العلم بالفسق ، والحال أنّ مراد الروايات والمتقدّمين هو ما أشرنا إليه ، وعليه فعدم العلم بالفسق لا ينفكّ عن حُسن الظاهر لمن عاصر وعايش ذلك الشخص.
    وهناك غفلة أخرى على طرف مقابل كما سبق ، وهي الاعتماد في توثيق الشخص وإحراز عدالته على خصوص من اختصّ بالتعايش مع الشخص ـ أي بمن يكون في نطاق الدائرة الأولى أو الثانية ـ بمقتضى حديث «إنّ المرء على دين خليله».
    مع أنّ ذلك خلط واضح بين إحراز الوثاقة بدرجة عالية ، كدرجة الاطمئنان ونحوه ، وبين إحرازها بدرجة ظنيّة معتادة معتبرة ، فهو تناسي لأماريّة حُسن الظاهر.
    ومن ثمّ يتبيّن لك أنّ الشخص الذي يُحرز وثاقته بالدرجة العالية يُسمّى في الاصطلاح بالثقة أو العادل وخبره يصنّف في الخبر الصحيح أو الموثّق ، وأمّا من تحرز وثاقته بدرجة ظنيّة معتادة معتبرة ، فيُقال عنه إنّه ممدوح ، وخبره يُصنّف

    في الخبر الحسن أو القوي.
    وعليه فالفارق بين الخبر الصحيح والموثّق من جهة والحسن والقوي من جهة أخرى هو فرق في درجة إحراز صفات الراوي ، لا فرق في حقيقة صفات الراوي الخارجية ؛ فالتقسيم المزبور للأخبار غير مبنيّ على تباين الأقسام ثبوتاً ، بل إثباتاً وإحرازاً بالإضافة إلى صفات الراوي
    الجهة الثالثة
    الضابطة الصغرويّة للاحراز في تحقيق المقام : وهي الضابطة الصغرويّة للإحراز ، بمعنى ميزان الأمارات القائمة على صغرى صفات راوي الخبر المعتبر.
    فليُعلم في البدء انّه يتنقّح ذلك أوّلاً بما يُبنى عليه في دائرة حجّية الخبر ، فتارة يُبنى على حجّية كلّ خبر سوى خبر الفاسق ، فيشمل حينئذ أكثر أقسام الخبر ، ويمكن إحراز صغراه حينئذ بتوسّط أصالة عدم الفسق ، إذ الفسق صفة وجودية يُستصحب عدمها ، والفرض أنّه لا يُعتبر على هذا القول صفة وجودية كشرط في موضوع الحجّية ، وإنّما أخذ الفسق مانعاً في الموضوع فحسب ، وأخرى يُبنى على حجّية خبر كلٍّ من العادل والثقة والحسن والقوي سوى الضعيف والفاسق ، فيحقّق صغراه حينئذ حُسن الظاهر ، ومجرّد المدح مع عدم الطعن وسواء كان الراوي من الخاصّة أو غيرهم ، وثالثاً يبنى على حجّية خبر العادل أو الثقة دون الحسن والقوي ، فضلاً عن الضعيف والكاذب ، وحينئذ تُحرز صغراه بالأمارات المحرزة للعدالة أو الوثاقة في اللهجة ، وحيث إنّ المبنى الأخير هو الأشهر بين متأخّري الأعصار ، فالكلام يقع حينئذ في كون حُسن الظاهر من أمارات العدالة المعتدّ بها أم لا؟ ولو بضميمة أصالة عدم الفسق.

    والثمرة في مثل هذا البحث حينئذ هو الاعتداد بالخبر الحسن والقوي أيضاً ، أي بشمول الحجّية لهما ، لا برجوع القول الثالث إلى القول الثاني ، من كونها كبرويّاً حجّة بل الكبرى في القول الثالث أضيق منها من القول الثاني كما عرفت ، بل من باب إنّ الخبر الحسن والقوي اللذين يكون راويهما ممدوحاً بحسن السمت والظاهر ، تكون تلك الصفة بمثابة أمارة موضوعية على إحراز الوثاقة أو العدالة ، فيكون إرجاع القسمين الأخيرين من الخبر (الحسن والقوي) إلحاقاً على صعيد المصداق والصغرى بخبر القسمين الأوّلين (خبر العادل والثقة) في مرحلة الإثبات لا الثبوت.
    وهو الذي يسمّى في الاصطلاح الدارج حالياً في علم الأصول بالحكومة الظاهريّة والتي هي توسعة لموضوع دليل آخر على مستوى الإحراز التعبّدي لمصداقه ، بخلاف الحكومة الواقعيّة التي هي توسعة الدليل لموضوع دليل آخر حقيقة.
    وبيان ذلك : إنّ البحث في المقام ليس في صدد التدليل على أنّ ماهيّة العدالة ثبوتاً هي حُسن الظاهر ، كما اختاره جمع ، ولا على أنّ الوثاقة ثبوتاً ماهيّتها ممدوحيّة الراوي في سلوكه الظاهر ، لكي يكون إدراج خبر الراوي الممدوح من الخاصّة والعامّة إدراجاً مصداقياً حقيقياً موضوعياً في خبر العادل وخبر الثقة ، بل إنّ محصّل الدعوى في المقام هو كون صفة الحسن والممدوحيّة صفة إثباتية مثبتة ومحرزة لصفة العدالة والوثاقة ، فهو إدراج إحرازيّ في الموضوع من دون التصرف في كبرى قضيّة حجّية الخبر.
    وبالجملة : إنّ في هذه الدعوى يُسلّم القائل بتباين وجود صفة الحسن والممدوحيّة عن وجود صفة العدالة والوثاقة ، فليستا مندرجتين كمصاديق

    حقيقيّة في الصفتين الأخيرتين ، كما يقرّ القائل إنّ في حجّية الخبر كبرويّاً يختصّ موضوعها بخصوص خبر العادل والثقة ، لكن غاية دعوى القائل هو كون صفة الحسن والممدوحيّة أمارتين موضوعيتين محرزتين لما هو الموضوع ، أي للعدالة والثقة ، أي لما هو موضوع الحجّية ، فالتفرقة بين ما هو محطّ هذه الدعوى في القول الثالث مع القول الثاني يحتاج إلى دقّة فهمٍ ، فيلتفت.
    ونظير هذا الخلط الصناعي بين هذه الدعوى والقول الثاني ، ما وقع من الخلط في حجّية الشهرة بأقسامها العملية والروائية والفتوائية ، حيث إنّه قد دُمج البحث عن كونها حجّة مستقلّة في البحث عن كونها كاسرة أو جابرة ، إذ البحث الأوّل وإن وقع الخلاف فيه واستدلّ بوجوه لكلا الطرفين ، إلّا أنّ مسألة جابريّة الشهرة أو كاسريّتها ليس بحثاً عن حجّيتها المستقلّة بمنزلة حجّية الخبر الواحد ، المثبتة بانفرادها للحكم ، بل البحث الثاني هو عن تحقيق الشهرة لصغرى حجّية الخبر الموثوق بصدوره ، أو اعدامها صغرويّاً له ، وليس ذلك من باب تعارض الحجّة مع الحجّة الأخرى ، كي يظنّ أنّه بحث عن حجّية الشهرة المستقلّة ، وعن حالة تعارضها مع خبر الثقة ، بل هو من باب كون الشهرة أمارة موضوعية على وجود قرائن موجبة للوثوق بالصدور ، وهذا معنى جبرها ، أو كاشفيّتها عن قرائن موضوعية مانعة عن الوثوق بالصدور وهذا معنى كسرها ، أو أن يوجّه البحث الثاني بكون الشهرة ليست حجّة مستقلّة ، بل هي أمارة ظنيّة غير معتبرة في نفسها ، إلّا أنّه بانضمامها إلى الخبر الحسن أو الضعيف تتعاضد معه في توليد الاطمئنان تكويناً ، وما يقال من أنّ انضمام اللاحجّة إلى اللاحجّة لا يورث شيئاً ولا اعتباراً ، هو غفلة عن أنّ تولّد الاطمئنان تولّد تكويني مندرج في الاستقراء المنطقي ، أو ما يُسمّى بحساب الاحتمالات ، فلا يشكل أيضاً بأنّ الاطمئنان

    المتولّد من منشأ ليس بحجّة لا اعتبار به ، لأنّ ذلك مغالطة ، حيث إنّ الاطمئنان لم ينشأ ممّا ليس بحجّة بما هو هو ، وإنّما نشأ من مجموع الظنون المتصاعدة ، نظير التواتر والاستفاضة.
    نعم بين هذين الوجهين في البحث الثاني فرق ، إذ أحدهما بحث في الشهرة كامارة موضوعيّة ، والآخر بحث فيها كجزء الحجّة كبرويّاً.
    لكن على كلا الوجهين لم يقع البحث حينئذ عن حجّيتها المستقلّة كبرويّاً.
    وأمّا الأدلّة على كون حُسن الظاهر أمارة موضوعيّة على العدالة أو الوثاقة فهي :
    1. موثقة ابن أبي يعفور المعروفة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : بما تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتّى تقبل شهادته لهم وعليهم ، قال : فقال :
    «إن تعرفوه بالستر والعفاف ، والكفّ عن البطن والفرج واليد واللسان ، ويُعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار ، من شرب الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وغير ذلك ، والدالّ على ذلك كلّه والساتر لجميع عيوبه حتّى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك ، من عثراته وغيبته ويجب عليهم تولّيه وإظهار عدالته في الناس ، المتعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهنّ وحافظ مواقيتهن بإحضار جماعة المسلمين وأن لا يتخلّف من جماعتهم ومصلاهم إلّا من علّة ، وذلك إن الصلاة ستر وكفارة للذنوب ، ولو لا ذلك لم يكن لأحد أن يشهد على أحد بالصلاح ... ومن لزم جماعتهم حرمت عليهم غيبته وثبتت عدالته بينهم» (1).
    ومفاد الحديث كما هو مقتضى السؤال هو عن أمارات العدالة ، ولو سُلّم إنّه عن
    __________________
    (1) الاستبصار 3 / 12.

    حدّ العدالة وكون صدر جوابه عليه‌السلام عن ذلك ، فصريح الذيل حيث عبّر عليه‌السلام (والدالّ على ذلك) هو في الأمارات الكاشفة عن العدالة ، وقد جعل ذلك حُسن ظاهره في التزام الصلاة والكفّ عن إبراز المحرّمات ، وهو نحوٌ من الستر.
    2. موثّقة ابن أبي يعفور الأخرى عن أخيه عن أبي جعفر عليه‌السلام قال :
    «تُقبل شهادة المرأة والنسوة إذا كُنّ مستورات ، من أهل البيوتات ، معروفات بالستر والعفاف ، مطيعان للأزواج ، تاركات للبذاء والتبرج إلى الرجال في أنديتهم» (1).
    وظاهر هذه الرواية هو الاعتداد بالستر في الظاهر والمعروفية بالستر ، أي الاعتداد بحسن الظاهر.
    3. صحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا فعدل منهم اثنان ولم يعدل الآخران ، قال : فقال :
    «إذا كانوا أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور أجيزت شهادتهم جميعاً وأقيم الحدّ على الذي شهدوا عليه ، إنّما عليهم أن يشهدوا بما أبصروا وعلموا وعلى الوالي أن يجيز شهادتهم ، إلّا أن يكونوا معروفين بالفسق» (2).
    وفي هذه الصحيحة دلالة واضحة على أماريّة حُسن الظاهر ، مع عدم إحراز موجب الفسق.
    وقد يقال : بأنّ ظاهر الرواية الاكتفاء بمجرّد الإسلام ، وعدم معرفة الفسق فيهم ، وهو عبارة أخرى عن أصالة العدالة في كلّ مسلم ، وهو كما ترى فانّه مخالف للمشهور من لزوم إحراز العدالة وعدم الاكتفاء بمجرّد الإسلام.
    __________________
    (1) الاستبصار 3 / 13.
    (2) المصدر المتقدّم / 14.

    فانّه يقال : إنّ مقتضى التدبّر في ظاهر الصحيحة والالتفات إلى حذف الفاعل وبناء الفعل للمجهول في تعبيره عليه‌السلام «ليس يُعرفون» مع إطلاق هذا النفي أي إطلاق نفي وجود أحد يعرفهم بالفسق هو كون كلّ من يعاشرهم لا يعرفهم بذلك ، وهو معنى حُسن الظاهر.
    وبعبارة أخرى : لم يُجعل المنفي هو نفي معرفة القاضي فقط ، كي يتوهّم ذلك ، وكذا مقتضى التدبّر في ذيل الصحيحة ، حيث جُعلت المعرفة كصفة مشبّهة لهم ، ممّا يدلّ على عموم المعرفة عند من يعاشرهم ، لا أنّ المدار على معرفة خصوص القاضي.
    4. موثّقة سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «من عامل الناس فلم يظلمهم وحدّثهم فلم يكذبهم ، ووعدهم فلم يخلفهم ، كان ممّن حرمت غيبته ، وكملت مروته ، وظهر عدله ، ووجبت أخوّته» (1) ومفادها كالروايات السابقة فلاحظ.
    5. رواية العلاء بن سيّابة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن شهادة من يلعب بالحمام ، قال : «لا بأس إذا كان لا يُعرف بفسق» (2). والتوهّم الذي تقدّم في صحيحة حريز آتي هنا ، وجوابه ممّا سبق.
    6. رواية علقمة ، حيث قال : قال الصادق عليه‌السلام وقد قلت له : يا ابن رسول الله أخبرني عمّن تقبل شهادته ، ومن لا تقبل؟ فقال : «يا علقمة كلّ مَن كان على فطرة الإسلام جازت شهادته» ، قال : فقلت له : تقبل شهادة مقترف بالذنوب ، فقال : «يا علقمة ، لو لم تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قُبلت إلّا شهادة الأنبياء
    __________________
    (1) الوسائل : باب 41 أبواب الشهادات ، ح 15 ، وأبواب أحكام العشرة ، باب 152.
    (2). الوسائل / باب 54 أبواب الشهادات ، ح 54.

    والأوصياء ، لأنّهم المعصومون دون سائر الخلق ، فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً ، أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة والستر وشهادته مقبولة ، وإن كان في نفسه مذنباً» (1).
    فإنّ مفادها عين ما تقدّم وكذا التوهّم والجواب عنه.
    وغيرها من الروايات (2) التي يجدها المتتبّع ، ممّا تُخيّل أنّها دالّة على أصالة العدالة ، بمعنى أصالة عدم الفسق بمجرّد الإسلام ، فإنّ هذا التخيّل كما قدّمنا مندفع ، بل هي بصدد بيان حجّية حسن الظاهر بالتقريب المتقدّم.
    7. وقد يستدلّ على ذلك أيضاً بعموم الحجّية في مفهوم قوله تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)(3).
    ببيان : إنّ المجعول بنحو المانع من الحجّية هو خصوص الفسق ، وعند الشك فيه يستصحب العدم ، ولكن العموم المزعوم لو بُني على ظاهره لعارض قوله تعالى (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ)(4) ، وقوله تعالى (فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ)(5) ، بل هو في الحقيقة من توسعة دائرة الحجّية كبرويّاً إلى أغلب أقسام الخبر ، عدا خبر الراوي المعلوم ضعفه وفسقه ، مع أنّ المطلوب في المقام هو الاستدلال على حجّية حُسن الظاهر كأمارة موضوعية محرزة للوثاقة
    __________________
    (1) الوسائل : باب 41 أبواب الشهادات ، ح 13.
    (2). الوسائل : باب 41 من أبواب الشهادات ، باب 30 ح 3 ، أبواب صلاة الجماعة باب 12 ح 4 ، باب 37 ح 1 ، باب 11 ح 1.
    (3) الحجرات / 6.
    (4). البقرة / 282.
    (5). الطلاق / 56.

    أو العدالة ، وقد حرّر في حجّية الخبر اختصاصه بهما كبرويّاً.
    هذا ويمكن تقريب دلالة الآية على ما نحن فيه إنّ استثناء الآية لخبر الفاسق ليس هو من باب حجّية ما عداه كبرويّاً ، بل من باب أنّ من ستر ظاهره يُعتدّ بخبره عدا من عُرف بالفسق ، ففي الآية نحو دلالة على أمارية حُسن الظاهر الموضوعية.
    وبعبارة أخرى : إنّ وصف الفاسق وإن كان يراد به من ارتكب ما يُخرج عن العدالة ، فيكون وصفاً ثبوتياً للشخص ، إلّا أنّه يُستعمل بمعنى من تظاهر بالمعصية ، أي كان معلن الفسق ، والظاهر أنّ المراد في الآية هو الثاني ، وعليه فيكون غيره مندرجاً في موضوع الحجّية الذي هو مفاد مفهوم الآية ، فالآية حينئذ تكون من نمط الأدلّة التي يُتعرض فيها إلى كلّ من الحكم وموارد وجود موضوعه.
    8. وقد يستدلّ بأنّ الراوي بحسب الواقع لا يخلو من أحد الوصفين ، إمّا الفسق أو العدالة والوثاقة ، والتقسيمات التي ذكرت للخبر ليست إلّا بحسب الأمارات الإثباتية ، فليس التقسيمات بحسب الواقع ، كما قد يُتبادر ذلك إلى الذهن ـ وقد أشرنا إلى ذلك في آخر الجهة الثانية من أنّ التقسيمات للخبر ليست كلّها بحسب الصفات الثبوتية للراوي ، بل العديد منها هو بحسب درجة إحراز الصفات الثبوتية ـ ، فإذا كان حال الأقسام كذلك فهي عبارة عن تقسيمات بحسب درجات الإحراز لإحدى الصفتين الواقعيتين ، ومن البيّن أنّه في البناء العقلائي لا ينحصر طريق الإحراز لأحدهما بالعلم والقطع وهو المسمّى بالخبر الصحيح أو الخبر الموثّق ، أي خبر الراوي الذي عُلم أنّه ثقة ، بل تعتمد الظنون والقرائن الحاليّة في شخص في استكشاف أحد الصفتين له ، ومآل هذا الوجه إلى دعوى حجّية حُسن الظاهر في البناء العقلائي ، وأنّ قسمي الحسن والقوي هو تقسيم بحسب درجة الإحراز ، لا أنّه قسم مباين بحسب الواقع والحقيقة لخبر العادل أو

    الثقة أو المتّصف بضدهما ، فالخبر الحسن والقوي هو من ظُنّ بوثاقته بظنّ معتبر.
    ويترتّب على حجّية حسن الظاهر كأمارة موضوعية الاكتفاء بالحسن في الراوي مع عدم الطعن فيه في إحراز وثاقته ، وتكون حينئذ لقرائن المدح بالغ الأهمية في تحصيل حسن الظاهر المحرز للوثاقة ، من دون حاجة إلى التنصيص على الوثاقة ، ولا إلى بلوغ قرائن الحسن المتراكمة إلى درجة الاطمئنان الشخصي بالوثاقة.
    وبعبارة أخرى : إنّ لقرائن المدح أهميّة لكونها أجزاء حُسن الظاهر ، ويكتفى بها لإحراز الوثوق ، ويكون النقاش في دلالتها على الوثاقة لا محصّل لها حينئذ ، لأنّ منشأ درجة دلالتها على الوثاقة وإن كانت ظنّية لا قطعية إلّا أنّها من الظنّ المعتبر ، بعد اعتبار حسن الظاهر في إحراز الوثاقة ، فهذا باب واسع ينفتح للتوثيق والعمل بالروايات ، وهو مغاير لطريق تحصيل الاطمئنان الذي ذكرناه سابقاً في التوثيق ـ وإن كان تامّاً في نفسه ـ كما أنّه مغاير للشهادة بالوثاقة والنص عليها ، ومغاير أيضاً لقول أهل الخبرة ، وهكذا مغايرته لحجّية الظنّ من باب الانسداد الصغير في الرجال.
    وقد عرفت أنّ كلّ من نُسب إليه أصالة العدالة وتوهّم منه العمل بكلّ رواية لم يرد في راويها طعن ولم يحرز له فسق هو في الحقيقة قد بنى على هذا المسلك ، وهو أمارية حُسن الظاهر ، فلاحظ ما نقلناه من الأقوال في الجهة الثانية من هذا المقام ، وراجع إلى ما أشرنا إليه من مظانّ كلماتهم.
    لا كما يُقال في تفسير عملهم ذلك من أنّهم قد وجدوا قرائن خاصّة مختصّة بأخبار أولئك الرواة فعملوا بها ، وذلك لأنّ هذا ليس مطرداً في هذا الكمّ الكبير من تلك الأخبار الحسان والقويّة ، كما لا يخفى على المتتبّع في

    الفروعات الفقهية الكثيرة.
    وأمّا قرائن الحسن فسوف نعقد لها بعد قرائن الوثاقة تعداداً تبعاً لمهرة فنّ الرجال والدراية ، فلا نقتصر على خصوص القرائن الملازمة للوثاقة فقط.
    وببيان آخر : إنّا قد نبّهنا أنّ للقرائن الظنّية على الوثاقة فائدة في باب التوثيق على مسلك تحصيل الاطمئنان بتراكمها المنتهية إلى الاطمئنان ، كما أنّ لها فائدة أخرى وهي في تحصيل حُسن الظاهر ، وإن لم تتراكم إلى درجة الاطمئنان ، فبين المسلكين في الاستفادة من تلك القرائن الظنيّة فرق واضح ، لا يخفى على اللبيب الحاذق. ويمكن تمثيل الفرق بالفرق بين من تعاشره ليلاً ونهاراً سنين عديدة تطمئنّ بصفة العدالة أو الوثاقة فيه ، وبين من لا عِشرة لك به من قُرب ، بل هو معروف بين الناس بالستر ، ولم يبرز منه في العلن الشائع موجب للفسق.
    ثمّ لا يتوهّم لغويّة التقسيمات في الخبر ما دامت كلّها معتبرة ، وذلك لما بيّناه سابقاً على مسلك حجّية الاطمئنان في التوثيقات ، فيتأتّى بعينه أيضاً على مسلك حجّية أمارية حسن الظاهر على العدالة أو الوثاقة.
    وملخصه : إنّ تحديد درجات الاعتبار يفيد في مورد التعارض والتراجيح سواء بلحاظ السند أو بلحاظ المتن والمضمون ، بتقديم أحدهما على الآخر للأضبطيّة في النقل أو لبصيرته فيه لفقاهته أو في جهة الصدور ، وتمثّل لذلك بتعارض خبرين أحدهما تطمئن بوثاقته وصفة العدالة فيه للمعاشرة معه من قرب ، والآخر تعرفه من خلال حُسن الظاهر لاشتهاره بذلك عند من يعاشره.
    وباب الترجيح في الصفات بلحاظ الوثاقة أو الضبط ، أي الأمانة والخبرة قد بسطنا الكلام فيه عند ما دللنا على أنّ تقسيمات الحديث هي موجودة بدائرة وسيعة عند القدماء ، فلاحظ.

    الفصل الثانى
    في ما تثبت به
    الوثاقة أو الحُسن
    أي درجات طرق التوثيق


    المقام الأوّل
    مباني حجّية الطرق الرجاليّة
    ولا بدّ من تمهيد مقدّمات :
    المقدّمة الأولى
    بعد ما تبيّن أنّ العمدة في باب التوثيقات الرجاليّة والتضعيفات هو تراكم القرائن ، ليتصاعد الاحتمال إلى درجة الوثوق والعلم العادي الاطمئناني ، فإنّه يتبيّن جلياً لا خفاء فيه إنّه لا تنحصر قرائن التوثيق بتلك التي تستقلّ في الدلالة ، بل يكفي في قرائن التوثيق أو التضعيف أدنى إشعار وكاشفيّة ، لأنّ المدار على تعاضد وتكاتف القرائن الكاشفة ، لترتفع درجة الكشف إلى درجة العلم ، فمن الغفلة بمكان ما اشتهر في هذا العصر من دأب النقاش في قرائن التوثيق على عدم دلالتها بنفسها على ذلك ، ومن ثمّ طرحها وعدم الاعتناء بها بالمرّة ، وهو ما يمكن التعبير عنه بالنظرة الفرديّة للمدارك.
    وليس ذلك دعوى للتسامح في التوثيق والعفويّة في المفردات الرجاليّة ، بل هو بمقتضى قاعدة رياضية برهانيّة وهي حساب الاحتمال المتصاعد بالعامل الكيفي

    والكمّي إلى درجة العلم ، نظير التواتر والاستفاضة ، إذ كلّ خبر خبر منها لا يولّد العلم بنفسه وإنّما بالتراكم.
    وكما هو دأب العقلاء في علم التاريخ حيث ترى البحّاثة في الوصول إلى الوقائع التاريخية يستجمعون الشواهد والقرائن إلى أن يستشرفون العلم بالوقائع الماضية ، وهكذا الحال في الفنون والعلوم الأخرى وهو عين دليل الاستقراء في علم المنطق. وقد بيّنا الفوائد العلمية لهذا المسلك في المقام الأوّل فراجع.
    وبالجملة فبحثنا في القرائن هو عن كلّ قرينة توجب أدنى درجات الظن بحال الراوي ، من الوثاقة أو الضعف وغيرها ، وتكون دالّة على أدنى درجات الكشف عن وصف المفردة الرجاليّة كحسنها لا عن خصوص القرائن العلميّة المستقلّة
    المقدمة الثانية
    بناءً على ما عرفت من مسلك القدماء من الاعتداد بحُسن الظاهر في إحراز العدالة أو الوثاقة ، فتتسع بذلك قرائن التوثيق بأكثر ممّا ذكرناه في المقدّمة الأولى ، بناءً على حجّية الاطمئنان والتوثيقات بتظافر تلك القرائن ، وذلك لأنّه على هذا المسلك يكفي فيه حصول القرائن بدرجة الظن غير الاطمئنان أيضاً المحقّقة لحسن الظاهر ، ويتبيّن على هذا المسلك أنّ الاعتداد هو بكلّ أمارات الحسن والمدح مع عدم وجود الطعن ،
    وقد ذكرنا أنّ هذا هو سرّ عمل القدماء بخبر كلّ راوٍ لم يرد فيه طعن ، بعد تثبّتهم من نقاء ظاهر عشرته بين المعاصرين له وعدم غمزهم عليه بمغمز ورواية معاصريه عنه ونحو ذلك ممّا يأتي الحديث عنه مفصّلاً.
    ومن ثمّ يتّضح اندفاع كثير من النقاشات في تلك القرائن ، لأنّها مبنيّة على نفي

    دلالتها بدرجة القطع والاستقلال على الوثاقة ، إذ على هذا المسلك المطلوب من القرينة هو كشفها بدرجة الظنّ عن نقاء عشرته وصفاء سيرته ، نظير ما ذكر في روايات العدالة في أبواب الشهادات المتقدّمة ، كموثّقة ابن أبي يعفور حيث ذكرت قرائن حسن الظاهر من قبيل حضوره لصلاة الجماعة أو ستره لعيوبه من طعن طاعن وكفّه عن الغير ونحو ذلك
    المقدمة الثالثة
    ليعلم أنّ ما نذكره من تقييم لطرق التوثيق الخاصّة منها والعامّة هو عبارة عن بحث ودراسة للمعدّل المتوسّط النوعي لذلك الطريق في التوثيق ، أو عدمه ، أي إنّه لا بدّ من التنبّه إلى أنّ تلك الطرق في الغالب كلّ واحد منها بحسب الموارد والمصاديق تشكيكيّ ، يختلف باختلاف الملابسات في المورد ، فمثلاً شيخ الإجازة والرواية عند ما يبحث عنه حول كونه أمارة على الوثاقة ، فإنّه يجب الالتفات إلى أنّ هذه الصفة تشكيكية بحسب الموارد ، فقد يكون قد تتلمّذ عليه جمهرة من كبار الرواة ، أو تتلمّذ عليه من عُرّف بالتشدّد في النقل ، أو إنّ ذلك الشيخ قد التزم في رواياته لتلاميذه برواية خصوص ما تحمّله من الروايات في سن راشد ، كما يؤْثَر عن علي بن الحسن بن فضّال إنّه لم يرو مباشرة عن أبيه ما تحمّله من روايات في صغر سنّه إلّا بواسطة أخويه الذين يكبران عليه سنّاً.
    وكذلك مثلاً الوكالة عن المعصوم عليه‌السلام فقد تكون في الأمور المالية فقط ، وأخرى في الأمور الشخصية ، وقد يكون وكيلاً في بيان الأحكام الشرعية وما يصدر عنه من أوامر خاصّة وغير ذلك ، فعند ما يوقع البحث عنها فإنّما هو حول المعدّل المتوسّط لها ، فلا يغفل عن خصوصيات الموارد في التطبيقات الجزئية

    بعد كون طرق التوثيق في الغالب صفة تشكيكية.
    ثمّ إنّه لا ينبغي الغفلة أنّنا لسنا في صدد تسوية قرائن التوثيق في درجة واحدة ، بل هي على درجات ، بعضها ضعيف في الغاية ، وبعضها متوسّط ، وبعضها قوي ، فضلاً عن الدرجات الأخرى في ما بين هذه المقاطع ، فليس المقصود من البحث كيل تلك القرائن بعيار واحد ، بل غاية ما نحن بصدده هو التنبيه على أنّ أيّ درجة من كاشفيّة القرينة هي ذات قيمة علميّة في حساب المجموع ، أي التأكيد على النظرة المجموعيّة في استنتاج حال المفردة الرجاليّة بعد التقسيم الآحادي لكلّ قرينة قائمة على تلك المفردة الرجاليّة.

    في بيان طرق الوثاقة
    أ ـ طرق التوثيق أو التحسين الخاصّة
    الطريق الأوّل : نصّ أحد المعصومين عليهم‌السلام
    وسند الرواية إلى المعصوم تارة يكون صحيحاً ، فلا ريب في الأخذ به ، وأخرى يكون ضعيفاً فقيل بعدم الاعتبار حينئذ من رأس ، لكنّك قد عرفت أنّ الرواية الضعيفة ودلالتها الظنّية وان لم يعتمد عليها بنفسها إلّا أنّها تكون كجزء الحجّة في تراكم الاحتمالات ، وهكذا الحال في الدلالة ، فقد تكون معتبرة كالنص والصريح والظهور ومفادها المطابقي بعنوان الوثاقة ، وقد يكون مفادها الإشارة إلى حُسن أو ترحّم منه عليه‌السلام ونحو ذلك كالترضّي وغيرها ، فإنّ ذلك وإن كان أعمّ من الوثاقة إلّا أنّا بيّنا أنّه يصلح كجزء للحجّية.
    ومثال ذلك : ما ورد بسند صحيح من ترحّم الإمام الجواد عليه‌السلام على محمّد بن سنان وصفوان بن يحيى
    الطريق الثاني : نصّ أحد الأعلام المتقدّمين
    وقد تقدّم مفصّلاً أنّ تنصيص أحد الأعلام المتقدّمين كالعقيقي في رجاله ، أو ابن قولويه ، أو الكشّي ، أو الصدوق ، أو المفيد ، أو النجاشي ، أو الشيخ ، أو ابن عقدة ، أو ابن فضّال ، أو الغضائري ، وأضرابهم ليس المدار في حجّيته على الإخبار الحسّي ، فلاحظ.

    الطريق الثالث : نصّ أحد الأعلام المتأخّرين
    وقد بيّنا عدم اختصاص الاعتماد على قول الرجالي المتقدّم ، بل يعمّ المتأخّر حتّى عصرنا هذا ، من باب حجّية أهل الخبرة ، أو من باب تجميع القرائن وتحصيل الاطمئنان ، وإن كان لا يغفل عن تفاوت الدرجة في ذلك ، تارة بحسب تقدّم الزمن والقرب ، وأخرى بحسب الإحاطة ، وإن كانت للمتأخّر ولم يطّلع عليها المتقدّم.
    فقد يحصل للمتأخّر إحاطة ما لم يحصل للمتقدّم ، كما وقع في موارد عديدة للسيّد ابن طاوس ، حيث يشير في كتب الأدعية إلى حال العديد من المفردات وموقعيتهم في الطائفة ، بانياً ذلك على ما ظهر له من تتبّع لموارد روايات تلك المفردة ، وإعمال نكات علم الطبقات.
    وكذا ما وقع للمجلسي الأوّل ، فإنّه يذكر في مقدّمة شرحه الفارسي على الفقيه (1) إنّه حصل له التتبّع حول ابن أبي عمير في مدّة خمسين عاماً.
    وما يذكر من شواهد وقرائن على انقطاع طرق المتأخّرين ، فضلاً عن متأخّري المتأخّرين في التوثيق ، لضياع كتب الرجال والفهارس وحصر طرقهم في الإجازات الصادرة عنهم كلّها إلى الشيخ ، وأنّ السلسلة قد انقطعت بعد الشيخ ، وأنّ بعض المتأخّرين كالعلّامة الحلّي يبني على أصالة العدالة في المسلم ، كما ذكر ذلك في ترجمة أحمد بن إسماعيل بن عبد الله لا طائل تحته ، لأنه ممنوع صغرى وكبرى.
    أمّا الكبرى فلما تقدّم مفصّلاً من عدم ابتناء حجّية قول الرجالي على الإخبار
    __________________
    (1) المسمّى بكتاب لوامع صاحبقراني.

    الحسّي ، بل لا مورد لها إلّا النزر القليل من أقوال الكشّي بل هي مبنية على المسلكين الأوّلين فراجع.
    وأمّا الصغرى فلما ذكرنا في الجواب الرابع عن دعوى الأخباريّين ، وفي الدعوى الرابعة شواهد عديدة في كلمات المتقدّمين دالّة على وصول كثير من الأصول والكتب الروائية والفهارس وكتب الرجال إلى المتأخّرين ، فلاحظ (1).
    بل إنّ الملاحظ لكتاب الخرائج والجرائح للقطب الراوندي ، وكذا ما في إجازة الشهيد الثاني ، حيث يذكر طرقه إلى بعض الكتب عبر العلّامة الحلّي وغيرهما ، يظهر له معنى وجود طرق إلى كتب الروايات والأصول من غير طريق الشيخ.
    فمثلاً لاحظ الرواية الصحيحة التي رواها الراوندي ، والتي اعتمد عليها في الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة ، والترتيب بينهما ، والتي أخرجها صاحب الوسائل في باب (9) من أبواب صفات القاضي ، فإنّ السند فيها هكذا (عن محمّد وعلي ابني علي بن عبد الصمد ، عن أبيهما ، عن أبي البركات علي بن الحسين ، عن أبي جعفر ابن بابويه ، عن أبيه ...) إلى آخر الرواية فإنّه لا يمرّ بالشيخ أصلاً.
    ومثلاً كتاب الغضائري ، وإن اشتهر أنّه كان فقط عند العلّامة ، وابن داود ، والمولى القهبائي من متأخّري المتأخّرين ، إلّا أنّه غير سديد.
    بل كان لدى التفريشي المعاصر للقهبائي أيضاً ، وكانت لديه نسخة مبسوطة مصحّحة قد صحّح بها على العلّامة وابن داود ، ونقل في كثير من المفردات ما لم ينقله القهبائي.
    __________________
    (1) تعرّضنا لذلك عند بيان الحاجة إلى علم الرجال.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2975
    نقاط : 4628
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    بحوث في مباني علم الرجال Empty
    مُساهمةموضوع: رد: بحوث في مباني علم الرجال   بحوث في مباني علم الرجال Emptyالثلاثاء 29 أكتوبر 2024 - 20:27

    وهذا الكتاب الذي هو للغضائري الابن ، أي أحمد بن الحسين بن عبيد الله ، كما في كلمات النجاشي والشيخ لم يصل إلى المتأخّرين عن طريق الشيخ ، وسيأتي الكلام عنه مفصّلاً.
    وأمّا ما اشتهر في هذه الأعصار من بناء العلّامة الحلّي على أصالة العدالة ، كما ذكره في ترجمة أحمد بن إسماعيل بن سمكة بن عبد الله وغيره ، وقد تقدّم في الفصل السابق عدم تماميّتها
    الطريق الرابع : دعوى الإجماع من قبل المتقدّمين أو المتأخّرين
    فإنّ حكاية الإجماع على التوثيق بمنزلة الإخبار عن استفاضة التوثيق واشتهاره ، وهو كاف لحصول العلم العادي به.
    وأمّا المتأخّرون فقد تبيّن لك ممّا تقدّم ، وممّا ذكرناه في حجّية مسلك الاطمئنان في التوثيقات إنّه يتمكّنون من العلم بحال المفردة الرجاليّة بتوسّط فنّ الطبقات وتجريد الأسانيد وتتبّع حال المفردة عبر ذلك وغيرها من مناهج البحث الرجالي ـ كما سيأتي شرحها في فصل لاحق ـ يوجب تبيّن موقعيّة تلك المفردة ، وموقعيّتها العلمية والاجتماعيّة في الطائفة ، كما قد مثّلنا في شواهد الطريق السابق.

    ب ـ طرق التوثيق أو التحسين العامّة
    ونمهّد مقدّمة : وهي إنّ العديد من القرائن العامّة للتوثيق سنرى أنّها تعتمد على مقدّمة حسّية وأخرى حدسيّة ، فمن ثمّ تكون النتيجة في التوثيق حدسيّة ظنّية وليست حسّية ، وهي وإن لم تكن ساقطة عن الاعتبار في الجملة على المسلك الأوّل في التوثيقات الرجاليّة وهو تحصيل الاطمينان بتراكم استقراء القرائن إلّا أنّها لا يعتمد عليها بناءً على المسلك الرابع وهو من باب الشهادة والإخبار الحسّي ، وهذا الذي ذكرناه هو مراد المتقدّمين من الرجاليين وأصحاب التراجم كما سيتّضح ، إلّا أنّ جماعة كثيرة من المتأخّرين إلى هذه الأعصار بنوا على أنّ هذه القرائن شهادات حسّية ، ومن ثمّ وقع الاختلاف بينهم في مفاد هذه القرائن كإخبارات ، فمثلاً في قاعدة الإجماع (أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه) قد تعدّدت الآراء بكثرة ، وكذا في عبارة (لا يروي ولا يرسل إلّا عن ثقة) ، وعبارة (روى عن الثقات ورووا عنه) ، وعبارة (لا يروي عن الضعفاء) ، وعبارة (عملت الطائفة بمراسيله) ، ونحوها من العبائر وقرائن التوثيق العامّة ، وسنتعرض إلى بيان كلّ واحد منها تفصيلاً إن شاء الله تعالى.
    ثمّ إنّه قد ذكرنا سابقاً إنّه على مسلك حجّية الاطمئنان لا ينحصر الكلام في القرائن المستقلّة الدالّة على التوثيق ، بل يكفي حتّى القرائن الدالّة على الحسن ، إذ بتراكمها يتولّد الوثوق ، بل قد ذكرنا أيضاً أنّ قرائن الحُسن تُحرز صغرى خبر الثقة ، وعلى هذا فيعتدّ بقرائن الحُسن بنفسها ، فتكون تلك القرائن محَقّقة لصغرى حُسن الظاهر ، وحُسن الظاهر يُحرز صغرى خبر الثقة.

    وبذلك يتبيّن لنا مدى أهمّية استقصاء مختلف القرائن ونوعيّاتها ، كما هو دأب الرجاليين في تراجم المفردات ، ودأب المؤرّخين في البحث التأريخي ، ليُعطوا صورة مرتَسمة مبسوطة عن الشخصية الرجاليّة الروائية أو التأريخية.
    ثمّ إنّه هناك طرقاً لتحصيل التوثيق أو التحسين :
    الطريق الأوّل
    كونه من أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام
    لما ذكره الشيخ المفيد في الإرشاد : «إنّ أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه عليه‌السلام من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات ، فكانوا أربعة آلاف» (1).
    ونظيره ما ذكره ابن شهرآشوب وقال : «إنّ ابن عُقدة مصنّف كتاب (الرجال لأبي عبد الله عليه‌السلام) عدّدهم فيه ...» (2).
    وفي رجال الشيخ جميع من ذكره ابن عُقدة كما نبّه عليه في أوّل كتابه وقد زاد أحمد بن نوح على ما جمعه ابن عقدة كما ذكره النجاشي ، بل ذكر الشيخ إنّ الزيادة كثيرة ، وكذا الطبرسي في إعلام الورى.
    مع أنّ المذكور في كتب الرجال (3) لا يبلغون الثلاثة آلاف ، كما نبّه عليه الحرّ العاملي في أمل الآمل في ترجمة أبي الربيع الشامي.
    __________________
    (1) الإرشاد / 289 ، طبعة النجف الأشرف.
    (2) المناقب 2 / 324.
    (3). قيل إنّ ما ذكره الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق عليه‌السلام لا يزيد على الثلاثة آلاف إلّا بنزر يسير.

    والمحكيّ عن المحدّث النوري أنّه نسب هذا التوثيق العامّ إلى ابن عُقدة ، لكنّه لم يذكر مأخذ هذه النسبة ، وليس في ما تقدّم نقله من الكلمات تلك النسبة ، وسواء كانت تلك النسبة محقّقة عن ابن عقدة أو أنّها عن المفيد المتأخّر عنه بطبقة فلا يختلف الحال في وجه الحجّية لذلك التوثيق أو عدمها ، وسواء بُني على حجّية التوثيق الرجالي على الإخبار الحسّي أو على المسالك الاخرى. والصحيح أنّه ليس من الإخبار الحسّي المحض كما عرفت ، أو ليس هو من الحجّة المستقلّة على تقدير كونه من الحسّي المحض ، لعدم كون المستند هو الاستفاضة أو التواتر لهذا القائل ، كما بيّناه فيكون حينئذ جزء الحجّة ، وهي قرينة على الحُسن ، والوجه في ذلك ما تقدّم إجمالاً ، من أنّ الغالب في هذه القرائن العامّة للتوثيق ليست مبنيّة على حسّ محض ، بل هي بضمائم حدسيّة ، فتفيد مفاد ظنّي على درجات تتعاضد مع غيرها.
    فمثل المقام ما ورد في التعبير المتقدّم من أنّه روى عنه عليه‌السلام أربعة آلاف من الثقات ، فليس المراد منها ـ وان صدرت من ابن عُقدة ـ شهادة حسّية عامّة استغراقية بان يكون ابن عقدة أو الشيخ المفيد أخبر حسّاً عبر وسائط معاصرة لتلك الطبقات. كيف وأنّ هناك عدّة ممّن روى عنه عليه‌السلام هو ممّن عُرف بالضعف كوهب بن وهب البختري ، أو ممّن قد نُصّ على مجهوليّته أو إهماله ، بل المراد هو بيان أنّ هناك جملة عديدة كثيرة ممّن روى عنه عليه‌السلام هم من العيون والثقات وهم عمدة النقلة عنه عليه‌السلام ، وأنّ مستند هذه المقولة هو استقراء القائل ـ سواء كان المفيد أو ابن عُقدة ـ لكلّ مفردة رجالية ممّن روى عنه بحسب ما ورد في تلك المفردة بالخصوص من نصوص رجالية أو قرائن أخرى. ثمّ ذكر هذه المقولة كنتيجة غالبيّة في طول النصوص والقرائن الخاصّة ، وهذا معنى ما ذكرناه من

    حدسيّة النتيجة ، كما هو الحال في صحبة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّ صحبته صلى‌الله‌عليه‌وآله مُعِدّة للصلاح ، إلّا أنّه كم من مصاحب كان من أهل النفاق والريبة ، كما يحدّثنا القرآن الكريم في آيات النفاق الجمّة الكثيرة (1).
    فالمحصّل : إنّ هذه القرينة هي ظنّية حدسيّة لا بدّ أن تنضمّ إليها قرائن أخرى
    الطريق الثاني
    قاعدة الإجماع الكبير أو الصغير أو حجّة مراسيل بعض الرواة (2)
    وهو الإجماع الذي نقله الكشّي في رجاله والشيخ في العُدّة.
    قال الكشّي تحت عنوان : (في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر عليه‌السلام وأبي عبد الله عليه‌السلام) : «أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر عليه‌السلام وأبي عبد الله عليه‌السلام وانقادوا لهم بالفقه ، فقالوا : أفقه الأوّلين ستّة ... زرارة ومعروف بن خربوذ وبُريد وأبو بصير الأسدي والفضيل بن يسار ومحمّد بن مسلم الطائفي ، قالوا ... وأفقه الستّة زرارة ، وقال بعضهم مكان أبي
    __________________
    (1) وان كان بين الصحبتين فرق واضح ، من جهة ان الصحبة في صدر الإسلام هي في الدخول في الإسلام ، والصحبة في عهده عليه‌السلام كانت في الداخل في الايمان.
    (2) الكبير ، أي الإجماع في الثمانية عشر رجل أو الاثنين وعشرين ، والصغير هو الإجماع الذي ذكره الشيخ في (العُدّة) في محمّد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمّد بن أبي نصر الذي سيأتي ، والمراسيل هي حجّية مراسيل ابن أبي عمير بالخصوص أو الثلاثة أو بعض أصحاب الإجماع الممتاز منهم بالتثبت الشديد ، كما في عمل الطائفة بمرسلتي يونس بن عبد الرحمن الطويلة والقصيرة في أكثر أحكام باب الحيض.

    بصير الأسدي أبو بصير المرادي وهو ليث بن البختري» (1).
    ثمّ روى بعد ذلك روايات عن الصادق عليه‌السلام في مدح هؤلاء.
    وقال أيضاً تحت عنوان (تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام) : «أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ من هؤلاء وتصديقهم لما يقولون وأقرّوا لهم بالفقه من دون اولئك الستّة الذين عددناهم وسمّيناهم ستّة نفر ... جميل بن درّاج وعبد الله بن مسكان وعبد الله بن بكير وحمّاد بن عيسى وحمّاد بن عثمان وأبان بن عثمان قالوا : وزعم أبو اسحاق الفقيه يعني ثعلبة بن ميمون .. إنّ أفقه هؤلاء جميل بن دراج ، وهم أحداث أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام» (2).
    وقال تحت عنوان (تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم عليه‌السلام وأبي الحسن الرضا عليه‌السلام) : «أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم وأقرّوا لهم بالفقه والعلم وهم ستّة نفر آخر دون الستّة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام منهم : يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى بيّاع السابري ومحمّد بن أبي عمير وعبد الله بن المغيرة والحسن بن محبوب وأحمد بن محمّد بن أبي نصر وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب ، الحسن بن علي بن فضّال وفضالة بن أيّوب وقال بعضهم مكان ابن فضّال ، عثمان بن عيسى وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى» (3).
    وقال الشيخ الطوسي في العُدّة : «وإذا كان أحد الراويين أعلم وأفقه من الآخر
    __________________
    (1) الكشّي 2 / 507 ، رقم 431 ، طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.
    (2) الكشّي 2 / 673 ، رقم 705 ، طبعة آل البيت عليهم‌السلام.
    (3) المصدر المتقدّم / 830 ، رقم 1050.

    فينبغي أن يُقدّم خبره على خبر الآخر ويرجّح عليه ولأجل ذلك قدّمت الطائفة ما يرويه زرارة ومحمّد بن مسلم وبُريد وأبو بصير والفضيل بن يسار ونضراؤهم من الحفّاظ الضابطين على رواية من ليس له تلك الحال» (1).
    وقال أيضاً : «وإذا كان أحد الراويين مسنداً والآخر مرسلاً نُظر في حال المرسل ، فإن كان ممّن يُعلم أنّه لا يُرسل إلّا عن ثقة موثوق به ، فلا ترجيح لخبر غيره على خبره ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه محمّد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمّد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات الذين عُرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عمّن يُوثق به وبين ما أسنده غيرهم ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم ... فأمّا إذا انفردت المراسيل يجوز العمل بها على الشرط الذي ذكرناه ودليلنا على ذلك الأدلّة التي قدّمناها على جواز العمل بأخبار الآحاد ، فإنّ الطائفة كما عملت بالمسانيد عملت بالمراسيل ، فبما يُطعن في واحد منهما يُطعن في الآخر وما أجاز أحدهما أجاز الآخر فلا فرق بينهما على حال» (2).
    وقد ذكر هذا الإجماع ابن شهرآشوب في أحوال الإمام الباقر عليه‌السلام.
    وقال النجاشي في رجاله في ترجمة محمّد بن أبي عمير قال : «قيل إنّ اخته دفنت كتبه في حال استتارها وكونه في الحبس أربع سنين ، فهلكت الكتب ، وقيل : بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر ، فهلكت فحدّث من حفظه وممّا كان سلف له في أيدي الناس فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله» (3).
    __________________
    (1) العُدّة 1 / 152.
    (2) المصدر المتقدّم / 154.
    (3) النجاشي / 326 ، طبعة قم.

    وقال عنه النجاشي أيضاً : «جليل القدر وعظيم المنزلة فينا وعند المخالفين». لكن بقرينة رواية أكثر كتبه بالطرق المختلفة عند أصحاب الكتب الأربعة وفي فهرست الشيخ والنجاشي ، فالظاهر إنّ المراد من العبارة المزبورة محو بعض صور أسانيد كتبه ومن ثمّ تعدّدت المراسيل في رواياته.
    وأمّا الأقوال في مفاد هذا الإجماع
    الأوّل : الاتّفاق على وثاقة هؤلاء من غير منازع ، أي لم يختلف أحد الرجاليين أو الرواة أو الفقهاء في وثاقتهم بخلاف غيرهم من الرواة.
    الثاني : أضبطيّة هؤلاء وحفظهم وتثبّتهم وفقاهتهم ، أي إنّ هؤلاء وقع الاتّفاق على تفوّقهم على مَن سواهم في هذه الصفات.
    الثالث : اعتماد مراسيلهم ، أي إنّهم إذا أرسلوا خبراً يُعامل كالخبر المُسند.
    الرابع : تصحيح الخبر الذي يرويه هؤلاء واعتباره والاعتماد عليه ، وإن كان في السند الذي يرويه هؤلاء عن المعصوم ضعفاء أو مجاهيل ، فكلّ ما يصحّ عنهم وإليهم يُصحّح ما بعدهم إلى المعصوم.
    الخامس : توثيق من يروي عنه هؤلاء مباشرة أو مع الواسطة ، فكلّ مجهول الحال يروي عنه أصحاب الإجماع مباشرة فقط أو بالواسطة على الاحتمال الآخر فإنّه يوثّق وكذا الضعيف ، فإنّ روايتهم عنه تكون بمثابة الشهادة على تعديله.
    السادس : كون هذا الإجماع بالمعنى الذي اصطلح عليه علماء الأصول ـ تعبّدي ـ داخل فيه المعصوم عليه‌السلام وهو منعقد على لزوم الأخذ برواياتهم إذا صحّ الطريق عنهم ، وافتراق هذا الوجه عمّا سبق بدعوى دخول المعصوم عليه‌السلام.
    السابع : إنّ المراد بهذا الإجماع هو الحكاية عن ديدن أصحاب الإجماع

    ودأبهم ورويّتهم في التثبّت عمّن يروون عنه ، وفي الاضطلاع بقواعد المذهب في الرواية ومعرفة النقيّ من الحديث مضموناً وسنداً عن غيره ، فكلّ هذه الخبرة الفقهية والروائية والدرائية والرجاليّة جعلتهم مَهَرةَ الحديث والفقه ، وروّاداً في مجال خبرتهم ممّا يشكّل قرينة قويّة جدّاً إجمالية على سلامة ما يرونه ، وإن كان عن الضعفاء ، أو سلامة من يروون عنه إذا أكثروا النقل عنه.
    فالمحصّل أنّها ليست شهادة حسّية بصحّة الخبر ولا بوثاقة من يروون عنه ، بل قرينة إجمالية قويّة ظنّية تفصيليّة تتعاضد مع قرائن أخرى توجب حصول الاطمئنان بالصحّة أو الوثاقة حسب الموارد.
    ثمّ إنّ المعروف بين المتأخّرين لا سيّما متأخّري المتأخّرين هو اختيار الأقوال الأولى ، فقد قال الطبرسي في إعلام الورى ص 276 قال : «وأمّا الذين وثّقهم الأئمّة عليهم‌السلام وأمروا بالرجوع إليهم والعمل بأخبارهم وجعلوا منهم الوكلاء والأمناء فكثيرون يُعرفون بالتتبّع في كتب أهل الفن ، وأمّا من عُرف بين الأصحاب بأنّه لا يروي إلّا عن ثقة فقد اشتهر بذلك جماعة منهم محمّد بن أبي عمير».
    وقد قال السيّد بحر العلوم في رجاله في توثيق زيد النرسي : «إنّ رواية ابن أبي عمير لهذا الأصل تدلّ على صحّته واعتباره والوثوق بمن رواه ، فإنّ المستفاد من تتبّع الحديث وكتب الرجال بلوغه الغاية في الثقة والعدالة والورع والضبط والتحرّز عن التخليط والرواية عن الضعفاء والمجاهيل ، ولذا ترى أنّ الأصحاب يسكنون إلى روايته ويعتمدون مراسيله. وقد ذكر الشيخ في العُدّة أنّه لا يروي ولا يرسل إلّا عمّن يُوثق به وهذا توثيق عامّ لمن روى عنه ولا معارض له هاهنا ، وحكى الكشّي في رجاله إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه والإقرار له بالفقه والعلم ، ومقتضى ذلك صحّة الأصل المذكور لكونه ممّا صحّ عنه ، بل توثيق

    راويه أيضاً لكونه العلّة في التصحيح غالباً ، والاستناد إلى القرائن وإن كان ممكناً إلّا أنّه بعيد في جميع روايات الأصل» (1).
    وقال في منظومته :
    قد أجمع الكلّ على تصحيح
    ما يصحّ عن جماعة فليعلما

    وهم اولو نجابة ورفعة
    أربعة وخمسة وستّة

    إلى أن يقول :
    وما ذكرناه الأصحّ عندنا
    وشذّ قول من به خالفنا

    وذكر المحدّث الكاشاني في أوائل كتاب الوافي في المقدّمة الثانية : إنّ المتأخّرين ذهبوا إلى هذا المفاد ، وقال : أنت خبير بأنّ هذه العبارة ليست صريحة في ذلك ولا ظاهرة فيه ، فإنّ ما يصحّ عنهم إنّما هو الرواية لا المروي ، بل كما يحتمل ذلك يحتمل كونه كناية عن الإجماع على عدالتهم وصدقهم بخلاف غيرهم ممّن لم يُنقل الإجماع على عدالته.
    وقال الوحيد البهبهاني في فوائده : «فالمشهور أنّ المراد صحّة كلّ ما رواه حيث تصحّ الرواية إليه ، فلا يلاحظ ما بعده إلى المعصوم عليه‌السلام ، وإن كان فيه ضعف ، وهذا هو الظاهر ، وقيل لا يفهم منه إلّا كونه ثقة فاعترض عليه أنّ كونه ثقة أمر مشترك فلا وجه لاختصاص الإجماع بالمذكورين به وهذا الاعتراض بظاهره في غاية السخافة إذ كون الرجل ثقة لا يستلزم وقوع الإجماع على وثاقته إلّا أن يكون المراد ما أورده بعض المحقّقين من أنّه ليس في التعبير بها لتلك الجماعة دون غيرهم ممّن لا خلاف في عدالته فائدة وفيه : أنّه إن أردت عدم
    __________________
    (1) رجال السيّد بحر العلوم 2 / 366.

    خلاف من المعدّلين المعروفين في الرجال ففيه أولاً : إنّا لم نجد من وثّقه جميعهم ، وإن أردت عدم وجدان خلاف منهم ففيه : إنّ هذا غير ظهور الوفاق ... ربّما يتوهم بعض من عبارة (إجماع العصابة) وثاقة من روى عنه هؤلاء ، وفساده ظاهر ، وقد عرفت الوجه. نعم يمكن أن يُفهم منه اعتدادٌ ما بالنسبة إليه فتأمّل ، وعندي أنّ رواية هؤلاء إذا صحّت إليهم لا تقصر عن أكثر الصحاح ووجهه يظهر بالتأمّل في ما ذكرناه» (1).
    أقول : قد أشار الوحيد في كلامه المتقدّم إلى وجود الأقوال المتقدّمة إجمالاً. فالعمدة التدبّر في متن عبارة الكشّي ، فإنّ العبارة الأولى قالبها أنّ مصبّ التصديق هم أصحاب الإجماع أنفسهم لإسناد التصديق إليهم لا لغيرهم ، ولا ريب أنّ الطبقة الأولى أعلى شأناً من الثانية والثالثة ، فتحمل عبارته بتصحيح ما يصحّ عنهم أي تصحيح الروايات التي صحّ الطريق إليهم ، تصحيحها سنداً من ناحية وقوعهم في السند أي إنّ السند بالإضافة إليهم صحيح معتبر لا بالإضافة إلى من بعدهم أياً من كان.
    وحمل الصحّة عند المتقدّمين على خصوص سلامة المضمون وموافقته لأصول وقواعد المذهب ، فقد تقدّم ضعفها ، مضافاً إلى أنّ العبارة في المقام مشتملة على لفظة (ما يصحّ من هؤلاء) و (عن هؤلاء) وهو صريح في كون الصحّة وصفاً للسند ، نعم قد يقال بأنّ العبارة الأولى وهي التصديق بقرينة إردافها بالانقياد لهم بالفقه تُحمل على تصديق صدور الرواية بتصديقهم ، فتوافق ظاهر العبارتين الأخيرتين.
    __________________
    (1) فوائد الوحيد البهبهاني / 29 ، في طبعة مجلد (رجال الخاقاني).

    وأمّا دعوى الإجماع الاصطلاحي على اعتبار رواياتهم إلى المعصوم بدعوى دخول المعصوم في المُجمعين وأمره بالأخذ برواياتهم ، فالظاهر أنّ منشأها ما أشرنا إليه من الروايات التي رواها الكشّي عن الإمام الصادق عليه‌السلام بعد عبارته الأولى في مدح الأربعة ، وهي بلا ريب دالّة على منزلة ممتازة لهم في الرواية والفقه وقدم راسخة في النقل عن الإمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام.
    كما قد تؤيّد الأقوال الأولى في معنى القاعدة بما نقلناه من عبارة الشيخ الطوسي في العُدّة من التصريح بأنّ الطائفة عملت بمراسيلهم عمل المسانيد ، وأنّ الثلاثة من الطبقة الأخيرة وغيرهم من الطبقات الثلاث لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة ، لكنك عرفت في ما تقدّم أنّ الشيخ في مواضع عديدة من التهذيب لم يبن على ذلك ، ولعل المتتبّع يرى مواضع أخرى من الشيخ والصدوق في كتابيهما من الخدشة في الطرق مع اشتمالها على أصحاب الإجماع ، وهذا وغيره ممّا يدلّل على القول السابع الأخير.
    والعُمدة في الاستشهاد له أنّنا لو قدّرنا شهادة معاصر لواحدٍ من أصحاب الإجماع بالمضمون المتقدّم فضلاً عن شهادة من لم يعاصره ، فغاية هذه الشهادة بالألفاظ المزبورة هو أنّ المعاصر استقرأ إجمالاً العديد من الموارد من ديدن معاصره ، في نحو التثبّت والتقيّد بالرواية عن الثقات ، ولَمَسَ منه علوّ الخبرة في نقد الحديث ، واطّلع منه على درجة فائقة من الفقاهة تؤهّله لتمييز مضامين الحديث الصحيح منها الموافق للمذهب ، من السقيم المخالف للمعلوم من المذهب ، لا إنّه استقرأ كلّ مشايخ الرواية لمعاصره وغيرهم ممّن روى عنهم ، إذ ذلك غير متأتّ له ، وإن كانت ملازمته له ملازمة الظلّ للشمس ، كما هو العادة الغالبة في المعاشرة العلمية بين المتعاصرين ، سواء في معاشرة التلميذ وشيخ

    الرواية ، أو القرين لقرينه ، نظير الشهادة بالعدالة والوثاقة ، فإنّ الشاهد يلحظ سلوكيّات استقرأها من الشخص فيحصل له الحدس القريب بتلك الصفة. ولذلك ترى عند إمعان النظر إلى العبارات المتقدّمة أنّها أوصاف لأصحاب الإجماع ، لا أنّها أوصاف لمن يروون عنه ، ولا لما يرووه بالأصالة ، بل هي صفات لهم أوّلاً وبالذات وبالتبع صفات لمن يروون عنه ولرواياتهم. وهذا الذي ذكرناه قرينة إجمالية قطعية عامّة ، إلّا أنّها في التفاصيل والآحاد ظنّية تفصيلية يُنتفع بها ، بضمّ قرائن إحدى لتحصيل الوثوق والاطمئنان ، سواء بصدور الرواية ، أو بمن يدمنون الرواية عنه ، أو يكثرون عنه ، وهذا ما أشرنا إليه أيضاً في صدر التوثيقات العامّة من عدم كونها شهادات حسّية تفصيلية استغراقية للموارد ، بل استقرائيات غالبية يحدس منها قرينة عامّة يستفاد منها في تحصيل الاطمئنان.
    ومن كلّ ذلك يتبيّن الحال في الإجماع الصغير ، وفي حجّية مراسيل بعض الرواة كمراسيل ابن أبي عمير ويونس بن عبد الرحمن ، فإنّ العبائر الرجاليّة في العدّة وفي فهرس النجاشي مستوحاة من الإجماع الكبير ، ولذلك عبّر الشيخ بعد ذكره للثلاثة الذين لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة قال : «وغيرهم من الثقات الذين عُرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عمّن يوثق به». فتمعّن وتدبّر في هذه العبارة فإنّه مضافاً إلى تعميمه الدالّ على ما ادّعيناه قد جعل الوصف لأصحاب الإجماع ، وبالأحرى وصفاً لديدنهم ورويّتهم وسلوكهم العلمي في الحديث ، كما هو مؤدّى (عُرفوا) وهو يقابل التعبير بأنّ كلّ من روى عنه ثقة وكلّ ما رووه حجّة.
    ولذلك ترى أنّ في كلّ طبقة من الطبقات الثلاث ترى المفاضلة بين أصحاب الطبقة وتعيين أفقههم ، كما عُبّر عنهم بالانقياد لهم بالفقه وهي صفة لأصحاب

    الإجماع تؤهّلهم لنقد وتمييز مضامين الحديث ، ممّا يورّث قرينة إجمالية بسلامة مضامين ما يرووه ، بخلاف غيرهم ممّا ليس له باع نقد المضمون.
    والحاصل أنّ القول الأخير في الإجماع الكبير والصغير ومراسيل ابن أبي عمير ونظرائه لا يُفرّط بالقيمة العلمية للقرائن والقواعد الثلاث ، غاية الأمر أنّها ليست حجّة مستقلّة بل جزء الحجّة في حجّية الاستقراء وتراكم الاحتمالات لتحصيل الاطمئنان ، لا يُستهان بها لقوّة درجتها في الكاشفية
    الطريق الثالث
    كون الراوي ممّن اتفق على العمل برواياته
    فقد حكى الشيخ في العدّة بقوله : «عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث وغياث بن كلوب ونوح بن دراج والسكوني وغيرهم من العامّة عن أئمّتنا عليهم‌السلام في ما لم ينكروه ولم يكن عندهم خلافه» (1).
    وقال أيضاً : «عملت الطائفة بأخبار الفطحيّة مثل عبد الله بن بكير وغيره ، وأخبار الواقفة مثل سماعة بن مهران وعلي بن أبي حمزة وعثمان بن عيسى ومن بعد هؤلاء بما رواه بنو فضّال وبنو سماعة والطاطريون وغيرهم في ما لم يكن عندهم فيه خلافه» (2).
    وقد تعدّدت الوجوه في مفاد هذا التوثيق :
    الوجه الأوّل : إنّه توثيق من الشيخ للأشخاص المذكورين بأعيانهم ، كما حُكي
    __________________
    (1) العدة 1 / 149 ، طبعة قم.
    (2) المصدر المتقدّم / 150.

    عن الوحيد في فوائده وفي تعليقته على منهج المقال.
    الوجه الثاني : توثيق صدور الروايات التي يقع فيها الراوي.
    الوجه الثالث : توثيق الرواة الذين يروون عن هؤلاء ، كالنوفلي حيث يروي بكثرة عن السكوني.
    أقول : والصحيح من هذه الوجوه ما قد عرفت في قاعدة الإجماع المتقدّمة ، من أنّ هذه الشهادة من الشيخ بالعمل بروايات هؤلاء ليست حسّية استقرائية تامّة استغراقية ، وإنّما هي حكاية عن الديدن الغالب أو الكثير لعمل الطائفة ، كيف والشيخ الطوسي بنفسه يناقش في العديد من الموارد في التهذيبين بضعف الروايات التي وقع في طريقها هؤلاء ، وقد سمعت مناقشات الصدوق في روايات سماعة وغيره من الواقفية وغيرهم ، وكيف يمكن أن تكون رواية هؤلاء أعلى رتبة من روايات أصحاب الإجماع الذين قد عرفت الحال في ما يروونه. هذا ولا يستراب في كون مؤدّى هذه العبارة توثيق هؤلاء بأعيانهم ، وكذا توثيق من يروي عنهم بكثرة وإدمان ، ولا يتدافع مع ما ذكرناه ، إذ ما تقدّم هو بيان الديدن الغالب ومع فرض الكثرة والغلبة فيتحقّق مؤدّى عبارة الشيخ المقتضي لتوثيق هؤلاء ، والاعتماد على من يروي عنهم بغلبة وكثرة ، نظير ما تقدّم في أصحاب الإجماع من أنّ من يدمنون الرواية عنه أو يدمن في الرواية عنهم لصيقاً بهم في الرواية والدراية شيخوخة وتلمّذاً هو من قرائن الوثوق
    الطريق الرابع
    عدم استثناء القمّيين الراوي من رجال نوادر الحكمة
    وهو كتاب حسن كبير مشتمل على كتب يعرفه القميّون (بدبّة شبيب) ،

    وشبيب فاميٌّ ـ بيّاع الفوم ـ كان بقم ، له دبّة ذات بيوت يُعطي منها ما يُطلب منه ، من دُهن ، فشبّهوا هذا الكتاب بذلك ، لاشتماله على الكتب العديدة ، ولأنّه كان يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل ولا يبالي عمن أخذ ، وإن لم يكن عليه في نفسه طعن في شيء إلّا أنّ القميين محّصوا كتابه ونقّوه ، باستثناء ما يقارب من ستّة وعشرين رجلاً من مشايخه ، واعتمدوا على باقي رجاله ، واعتمادهم عليهم مع ما عُرف من تشدّد مسلكهم المفرط في التوثيق والتعديل دالّ كلّ ذلك على التوثيق بلا ريب ، فإذا لوحظ في طريق روايتهم محمّد بن أحمد بن يحيى يروي عمّن لم يستثنه القميّون ، يكون ذلك بمثابة توثيقه. نعم من الجانب الآخر ليس كلّ من استثناه القميّون وضعّفوه يعتدّ بتضعيفهم له ، لما بيّنا من تشدّدهم الخاصّ في التعديل والتجريح ، وجريهم على رؤية خاصّة في المعارف.
    هذا والصحيح أنّه لا دلالة لعدم الاستثناء على التوثيق ، لأنّ الاستثناء في هذا المقام وغيره من ديدن القميين هو على نمط غربلة الأحاديث وتنقيتها عن المدسوس والموضوع والمدلّس ، إذ من البيّن الجلي أنّهم لم يكونوا متقيّدين بخصوص رواية الثقات ، ولا بخصوص الروايات المعتبرة ، فكم من راوية قمّي كأحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري ومحمّد بن الحسن الصفّار وسعد بن عبد الله الأشعري ، وزكريا بن آدم ، وعلي بن إبراهيم ، ومحمّد بن يحيى ، وعلي بن بابويه ، ومحمّد بن جعفر ابن قولويه ، ومحمّد بن الحسن بن الوليد ، وغيرهم من نجوم وجهاء الرواة الفقهاء والمحدّثين القميين يظفر المتتبّع على العديد من الموارد التي يروون فيها عن الضعاف ، أو الحسان ونحوها ، فذلك برهان على أنّ مرادهم من الاستثناء عدم الرواية هو لتحرّجهم عن رواية الحديث الموضوع ، أو الذي عليه علامات الدسّ أو قرائن التدليس والجعل ، نظير ما صنع محمّد بن الحسن بن الوليد

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2975
    نقاط : 4628
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    بحوث في مباني علم الرجال Empty
    مُساهمةموضوع: رد: بحوث في مباني علم الرجال   بحوث في مباني علم الرجال Emptyالثلاثاء 29 أكتوبر 2024 - 20:29

    في تركه لرواية أصْلَي زيد الزرّاد ، وزيد النرسي ، لدعواه أنّ هذين الأصلين ممّا قد وضعهما محمّد بن موسى الهمداني السمّان ـ وان حُقّق خطأ ابن الوليد في ذلك لوجود السند الصحيح لابن أبي عمير في الكتب الأربعة وغيره عن زيد الزرّاد ، وزيد النرسي ـ فتحرّج عن رواية الأصلين وكذا تبعه تلميذه الصدوق ، وكذا ما صنعه أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري وغيره من القميين من إخراج البرقي وسهل بن زياد الآدمي وغيرهم من الأجلّاء لروايتهم عن الضعاف ، ليس بمعنى المتبادر من ظاهر اللفظ ، بل مرادهم ترك الرواية المحفوفة بقرائن الدسّ والوضع والجعل عن الضعاف أو عن راوي وضّاع.
    وهذا الذي شرحناه من قبل في تشدّد المدرسة القمّية في غربلة وتنقية الأحاديث ، وهذه العملية لم تكن بمعنى ترك التراث الروائي المنقول بطرق ضعيفة غير موثّقة ، والاقتصار على خصوص الموثّق والمعتبر ، فكم تكرّر هذا التعبير عن الصدوق في الفقيه وعن القميين في فهرست الشيخ والنجاشي «أروي كلّ ما كان في الكتاب إلّا ما كان فيه من تخليط أو غلوّ أو يتفرّد به». نظير ما ذكرناه في ردّ دعوى الأخباريّين من اعتبار كلّ ما في الكتب الأربعة ، ودعوى الميرزا النوري في اعتبار كلّ روايات الكافي لموضع تعبير الصدوق والكليني والشيخ في مقدّمة كتبهم ، مثيل العبارتين المتقدّمتين في عبارة علي بن إبراهيم في مقدّمة تفسيره ، من توثيق الروايات التي يذكرها فيه إنّها عن الثقات ، ومثلها عبارة ابن قولويه في كامل الزيارات ، إنّ مقصودهما منها هو نفي الروايات الموضوعة والمدسوسة عمّا أخرجاه من روايات في كتابيهما ، لا أنّها في صدد التوثيق لكلّ السند ، فهذا الاصطلاح في جانب الرواية والاعتماد أو في جانب عدم الرواية والتحرّج من نقلها هو فيصلة بين المدسوس وغيره ، والموضوع وغيره

    في المرحلة التاريخية للحديث الهامّة التي قام بها الرواة القميون ، ويدلّل على ذلك في خصوص المقام أنّ الذي استثنى من كتاب النوادر في عبارة النجاشي هو محمّد بن الحسن بن الوليد.
    وقد عرفت ديدنه في أصْلَي زيد الزرّاد ، والنرسي ، وإنّه ذكر في الاستثناءات استثناءهم ما كان فيها من غلوّ أو تخليط ، حيث إنّ بناءهم في روايات الغلوّ على إنّها موضوعة ، والتخليط عبارة عن الخلط في الإسناد ، والخلط في المتن ، ممّا يساوي الموضوع والمدسوس وإن لم يكن بعمد ، ويدلّ على ذلك أيضاً أنّ مَن استثنوه لم يقتصر فيه على مشايخ صاحب النوادر كما هو الحال في وهب بن منبّه مع أنّ وفاته في سنة (114 ه‍)
    فتحصّل : إنّ استثناء القميين من كتاب النوادر يريدون به عدم روايتهم لتلك الروايات ، لما لاح لهم من قرائن الوضع والتدليس ، ولو بحسب المباني المختصّة بهم ، وأنّ الذي يروونه من كتاب النوادر ليس بمعنى التوثيق المصطلح ، بل بمعنى نقاء تلك الروايات عن شوب التدليس والوضع ، وهو درجة من التوثيق ، لكنّه ليس بالمعنى المصطلح له ، بل بمعنى تشكّل الخبر المتواتر منه أو المستفيض وصلاحيّته للاعتضاد به ، بخلاف الخبر المدسوس والموضوع فإنّه لا يتولّد منه التواتر والاستفاضة مهما بلغ العدد.
    وأمّا الخدشة في كون عدم استثنائهم توثيقاً استناداً إلى احتمال بناء (ابن الوليد) على أصالة العدالة في كلّ من لم يظهر منه الفسق ، فقد تقدّم مبسوطاً وهن هذه الدعوى ، إذ ليس في المتقدّمين ولا الشيخ الطوسي ولا العلّامة الحلّي من يبني على أصالة العدالة بمجرّد عدم إحراز الفسق من دون ضميمة وجود أمارات على الوثاقة ، فلاحظ.

    الطريق الخامس : من قيل في حقّه أنّه لا يروي إلّا عن ثقة
    وقد تقدّم شطر من أمثلة هذه القرينة ، كما في صفوان والبزنطي وابن أبي عمير ، في ما تقدّم في قاعدة الإجماع ، وهذا عين الذي نختاره في هذه القرينة ، من أنّه حكاية عن ديدن وروية ذلك الشخص ، لا أنّها شهادة حسّية استغراقية عن كلّ من يروي عنه ذلك الراوي.
    وممّن قيل في حقّه ذلك :
    1. جعفر بن بشير ، فقد قال عنه النجاشي : (روى عن الثقات ورووا عنه)
    إذ من الواضح أنّ المراد بهذا التعبير ليس بيان حكم استغراقي لكلّ من يروي هو عنه ، أو من روى عن ابن بشير ، بل هو بيان الحال بنحو الغلبة ، وحال من كثر الرواية عنه أو العكس.
    وبعبارة أخرى : إنّ التدقيق في ما ذكره النجاشي لو أردنا التحفّظ والجمود على حرفيّة العبارة إنّه روى عن الثقات أي جميع من عاصره من الثقات ، لكن ذلك لا ينفي كونه قد روى عن غيرهم ، وهكذا الحال فيمن يروي عنه ، فإنّه لا ينفي كونه قد روى عنه الضعفاء ، نعم كون ديدنه ذلك كاشف ظنّي يتعاضد مع القرائن الاخرى في تحصيل الاطمئنان ، أو لتكوين حُسن الظاهر ، الذي هو دون الاطمئنان في حال من يرتبط روائيّاً بجعفر بن بشير.
    ويؤيّد ذلك ما ذكره السيّد الخوئي في نقضه على تلك الكلّيّة ، من رواية جعفر بن بشير عن صالح بن الحكم الذي ضعّفه النجاشي ، ورواية عبد الله بن محمّد الجعفي عن جعفر بن بشير ، وقد ضعّفه النجاشي أيضاً. فتدبّر وتأمّل. ونظيره ما وقع في محمّد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني من قول النجاشي فيه

    (روى عن الثقات ورووا عنه)
    2. أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري : وهو الذي أخرج البرقي وسهل بن زياد وغيرهم من قم من كبار الرواة ، وذلك بسبب روايتهم عن الضعفاء ، ممّا يدلّ على تشدّده في الرواية عن خصوص الثقة.
    وقد نُقض على ذلك بروايته عن الضعاف أيضاً ، كروايته عن محمّد بن سنان ، وعلي بن حديد ، وإسماعيل بن سهل ، وبكر بن صالح.
    وذكر أنّ تفسير ديدنه هو في وجود قاعدة حديثية درائية لدى الرواة ، وهي المرجوحية والتحرّج في الإكثار والرواية عن الضعاف ، وإلّا فلا يخلو راوي من كبار الرواة عن الرواية عن بعض الضعفاء.
    وهذا التفسير وان كان متيناً في نفسه ، ويصلح أن يكون توجيهاً لديدن ورويّة أحمد بن محمّد بن عيسى في تعاطيه الحديث ، وكذا بقيّة كبار الرواة. إلّا أنّ الأظهر في تفسير ما صنعه من إخراج بعض الرواة هو ما ذكرناه مراراً في ما سبق ، من أنّ القميين خاصّة كانوا يتشدّدون في مآخذ الحديث من الكتب ومشايخ الرواية ، ويمتنعون من الرواية عن ما يعتقدون فيه علامات الدسّ والوضع ، وإن كانت تلك العقيدة والرؤية بالدسّ مبنيّة على مبانيهم الخاصّة في أبواب المعارف ، أو مسالكهم الخاصّة الضيّقة في النقل ، فلم يكن يمتنعون في الرواية عن الضعيف لضعفه ، وإنّما يتحرّجون ويمتنعون في الرواية عن ما يلوح منه أمارات الدسّ والوضع ، كما امتنع الصدوق وشيخه عن رواية أصْلَي زيد الزرّاد وزيد النرسي لدعواهما وضع ذلك الأصلين ـ مع أنّهما قد خُطّئا في ذلك ، كما حُرّر في محلّه ـ وكما في ما استثناه ابن الوليد وامتنع من روايته من روايات كتاب نوادر الحكمة لمحمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري ، الذي تقدّم ذكره ، وما صنعوه وإن

    كان غربلة وتنقية للأحاديث ، إلّا أنّ ذلك لا يعني صحّة كلّ تشدّدهم المزبور ، كما لا يعني صحّة ما حكموا عليه بالوضع ، وبنوا على أنّه مدلّس ، كما هو الحال في الأصلين المتقدّمين ، ومن ثمّ مشى أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري في جنازة البرقي حافي القدمين ، وبحال يبجّل البرقي نادماً على تشدّده معه.
    3. علي بن الحسن الطاطري : حيث قال الشيخ في ترجمته «وله كتب في الفقه ، رواها عن الرجال الموثوق بهم وبرواياتهم ، فلأجل ذلك ذكرناها» (1).
    فقيل : «إنّ كلّ من يروي عنه علي بن الحسن الطاطري هو ثقة» (2).
    وقيل : إنّ كلّ من يروي عنه ممّا نقله الشيخ من رواياته عن كتبه الفقهية حيث كان علي بن الحسن في بداية السند ـ أي ممّا يدلّ على أخذ الرواية من كتب الطاطري ـ فهو ثقة ، بخلاف ما لم يكن كذلك ممّا يكون الطاطري في أثناء السند الذي ذكره الشيخ.
    ولكن الصحيح عدم كون ذلك توثيقاً عامّاً لكلّ من روى عنه الطاطري ، حتّى في كتبه الفقهية ، وذلك لأنّ هذا التعبير ليس في مقام بيان حال من يروي عنه تفصيلاً فرداً فرداً ، بل في مقام تحفّظ صاحب الكتاب عن الرواية عن الوضّاعين والمدلّسين ومن عُلم كذبه ، وعن كلّ رواية قد احتفت بقرائن الوضع والدسّ ، وأنّ مجمل من روى عنهم ممّن قد عُرف بالوثاقة ، بنحو لا يمانع روايته عن بعض الضعاف ، ممّا اعتضدت روايته بقرائن مؤيّدة ، وهذا مصطلح دأب عليه المحدّثون والرجاليون لبيان اعتبار مآخذهم ونقاوتها من شبهة الدسّ والوضع والتدليس.
    __________________
    (1) الفهرست / 92.
    (2) السيّد الخوئي رحمه‌الله في معجمه.

    وقد نبّهنا عليه عند استعراض وجه الحاجة لعلم الرجال ، وردّ نظريّات اعتبار روايات الكتب الأربعة ، أو كلّ روايات الكافي خاصّة ، حيث إنّ الكليني وكذا الصدوق والطوسي قد عبّروا نظير هذا التعبير ، ممّا يوهم مثل هذه الدعوى أيضاً.
    ويتمّ التحقّق من فهم هذا المصطلح عند تصفّح تراجم الرواة ذوي الكتب التي هُجرت روايتها بالطعن عليهم ، بأنّهم قد رووها عن الوضّاعين أو المعروفين بالكذب ، ولم يتثبّتوا في تنقيتها عمّا احتفّ بقرائن الدسّ ، بأن كانوا يخرجون في كتبهم كلّ من هبّ ودبّ ، كالكشكول ، فيكفي في ذلك نظرة يسيرة في الفهرست والنجاشي ، بالإضافة إلى ما عُرف من قيام المدرسة القمية وغيرها بغربلة الأحاديث ، بسبب ظهور جماعة من الكذّابين والوضاعين ، فدأب كبار الرواة في التثبّت في المصادر التي يجعلونها مأخذاً لكتبهم ورواياتهم ، حيطة عن تسلّل تلك الأيدي ، ولاحظ ما قدّمناه ثمّة المشار إليه سابقاً.
    4. جعفر بن محمّد بن قولويه (صاحب كامل الزيارات) ، حيث قال في أوّل كتابه : «حتّى أخرجته وجمعته عن الأئمّة عليهم‌السلام من أحاديثهم ، ولم أخرج فيه حديثاً رُوي عن غيرهم ، إذ كان في ما روينا عنهم من حديثهم عليهم‌السلام كفاية عن حديث غيرهم ، وقد علمنا أنّا لا نحيط بجميع ما رُوي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره ، لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم‌الله برحمته ولا أخرجت فيه حديثاً رُوي عن الشذاذ من الرجال يُؤثّر ذلك عنهم عن المذكورين غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم» (1).
    __________________
    (1) مقدّمة كامل الزيارات.

    وقد تقدّم في بحث الحاجة إلى علم الرجال (1) تفسير هذه العبارة ، وكذا عبارة علي بن إبراهيم في تفسيره
    الطريق السادس
    الوقوع في سندٍ حكم بصحته
    كما في تصحيح الطرق والروايات من قبل الأعلام المتقدّمين ، أو من قرب منهم كأوائل المتأخّرين ، كما في تنصيص الصدوق على تصحيح بعض الأسانيد في كتبه الحديثية تبعاً لشيخه ابن الوليد ، أو العبّاس بن نوح شيخ النجاشي ، أو النعماني في كتاب الغيبة ، وكذا المفيد في كتبه ، والشيخ الطوسي والسيّد المرتضى ، ومَن يلي طبقتهم إلى زمن السيّدين ابني طاوس والعلّامة الحلّي.
    لكن لا يخفى أنّا قد ذكرنا التفاوت في درجة قوّة التوثيقات للمتقدّم على المتأخّر ، سواء على مسلك تراكم الظنون والاحتمال ، أو على مسلك شهادة أهل الخبرة.
    كما أنّه لا بدّ من التفطن إلى أنّ تنصيص المتقدّم على تصحيح سند الرواية يغاير مجرّد اعتماده على روايةٍ ما ، إذ الثاني أعمّ من توثيق مفردات السند ، إذ قد يكون تعاضد صدور الرواية بقرائن أخرى موجبة للوثوق بالصدور ، لا لوثاقة سلسلة السند ، ولا يخفى أنّ عبائر القدماء في تصحيح السند والطريق للرواية لا يقتصر على لفظ صحّة الطريق ، إذ قد يعبّرون بلفظ «الطريق سليم ليس فيه شائبة ، أو ليس فيه من يتوقّف فيه» أو غيرها من العبائر المستعملة في ذلك ، وإن كان اعتبار
    __________________
    (1). عند بيان دعوى الميرزا النوري من صحّة كلّ ما في الكافي.

    الرواية بمعنى الوثوق بالصدور ليس عديم الفائدة في الاعتداد بصدور الروايات وحجّية الخبر ولو كجزء القرينة للوثوق ، إلّا أنّه لا يرتبط بتوثيق سلسلة السند كما نبّهنا عليه ؛ كما أنّ الجرح لطريق معيّن حاله كذلك ، إلّا أنّه لا بدّ من الالتفات إلى مسلك المتقدّم في الجرح.
    وأمّا الخدشة في هذا الطريق من التوثيق باحتمال أنّ الحاكم بالصحّة من المتقدّمين أو من يتلوهم قد أعتمد على أصالة العدالة ، ومن لم يظهر منه فسق ، أو بكون تصحيح الرواية راجعاً لا إلى تصحيح الطريق ، بل إلى الاعتماد على صدورها لقرائن موجبة للوثوق بالصدور.
    ففيها : إنّ أصالة العدالة المزعومة كمسلك للقدماء قد قدّمنا مفصّلاً في المقام الثاني في الفصل الأوّل أنّ مبناهم ليس على مجرّد أصالة عدم الفسق ، بل يبنون على إحراز حسن الظاهر الذي اعتبر أمارة في الكشف عن العدالة والوثاقة في روايات باب العدالة ، بضميمة عدم الفسق البارز فلاحظ ما ذكرناه من كلماتهم وأدلّتهم
    الطريق السابع
    كونه شيخ إجازة
    وقد عدّه الوحيد البهبهاني في الفوائد من أسباب الحسن ، وكما عدّه بعضهم من قرائن الوثاقة والجلالة ، ويُعبّر عن هذا العنوان في تراجم الرجاليين بقولهم : هو من مشايخ الإجازة أو هو شيخ الإجازة.
    وعن الميرداماد في الرواشح السماوية : إنّ مشيخة المشايخ الذين هم كالأساطين والأركان أمرهم أجلّ من الاحتياج إلى تزكية مزكّ وتوثيق موثّق.

    ولا يخفى أنّ عبارته ليس في مطلق شيخ الإجازة ، بل في خصوص ما اشتهر منهم. وقريب منه ما عن الشيخ البهائي في الحبل المتين ، حيث عدّ الشيخوخة ممّا يوجب الظن بالعدالة.
    وعدّ جماعة من مشايخ الإجازة ممّن لم يرد فيهم توثيق كأحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد وأحمد بن محمّد بن يحيى العطار ـ الذين روى عنهما كبار وجوه الطائفة كالشيخ المفيد ونحوه ـ وكالحسين بن الحسن بن أبان ، وأبي الحسين علي بن أبي جيّد.
    أقول : ويضاف إلى أمثلة مشايخ الإجازة عبد الواحد بن عبدوس ، ومحمّد بن موسى بن المتوكّل ، وعلي بن الحسين السعدآبادي ، وغيرهم من مشايخ الصدوق ، الذين أكثرهم عنهم الرواية لا مطلق من روى عنهم.
    وفي مقباس الهداية (1) التفرقة بين شيخوخة الإجازة وشيخوخة الرواية ، في إفادة الحسن أو الوثاقة تبعاً لصاحب التكملة ، حيث ذكر في ترجمة أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد أنّ الأوّل منهما من ليس له كتاب يروى ، ولا رواية تُنقل ، بل يُخبر عن كتب غيره ، ويُذكر في السند لمحض اتّصاله ، بخلاف الثاني فهو ممّن تؤخذ الرواية عنه أو يكون صاحب كتاب.
    أقول : ما أفاده من التفرقة موضوعاً وإن كان له وجه ، إلّا أنّه على اطلاقه ليس بسديد ، وكأنه قد ارتكز في هذه التفرقة على ما جرى عليه التعارف في الأعصار الأخيرة من الاستجازة من أكابر الأعلام في الكتب المتواترة والمشهورة للطائفة ، وإلّا فكيف يُعدّ سلسلة المشيخة التي ذكرها الصدوق في الفقيه ، والتي ذكرها
    __________________
    (1). مقباس الهداية 4 / 222.

    الشيخ في مشيخة التهذيبين إنّها ليست دخيلة في اتصال السند ، إذ المشيخة ليست إلّا طريقاً لأصحاب الكتب ، كي تخرج رواية الصدوق والشيخ عن تلك الكتب التي ابتدأ بها السند في داخل الكتاب عن الإرسال.
    وبعبارة أخرى : إنّ كلّاً من الشيخ والصدوق في المشيخة قد عبّرا بأنّهما يذكران الطرق إلى أصحاب الكتب ـ الذين قد ابتدأ سند الروايات بأسمائهم ، لكي تخرج عن حدّ الإرسال ، ممّا يدلّل على دخالة الطريق إلى الكتاب في سند رواية الكتاب ، ومن ثمّ ترى الكليني في الكافي حيث لم يبتدأ باسم صاحب الكتاب الذي يستخرج عنه الرواية ، تراه يكرّر دوماً في كلّ رواية عدّة مشايخه ، ومن يروون عنه متّصلاً بصاحب الكتاب ، فشيخ الإجازة للكتب ليس حاله كحال شيخ الإجازة في الأعصار المتأخّرة ، بعد اشتهار الكتب ، وتواترها عن أصحابها ، حيث يقصد المستجيزين من الإجازة التشرّف باتصالهم في سلسلة الرواة عن الأئمّة عليهم‌السلام.
    نعم هناك فرق بين شيخ الرواية وشيخ الإجازة عند المتقدّمين من طبقات الرواة ، وهو كون الأوّل منهما هو الذي يُتتلمذ عليه في الرواية عنه ممّا قد رواه من روايات غفيرة ، إمّا في ضمن كتاب قد جمعه ، أو من حصيلة ما قد حفظها من عشرات أو مئات أو آلاف الروايات بحسب منزلته ، وأمّا شيخ الإجازة فهو في الغالب من يكون من رواة الكتب المؤلّفة من قبل الآخرين ، أي يقع في سلسلة الطريق في رواية الكتاب عن مؤلّفه ، وقد يجمع مع ذلك شيئاً من الرواية عن سماع.
    ومن ذلك يتّضح أنّه من الأولى تقسيم هذا الطريق إلى طريقين للتوثيق ، حيث إنّ درجة اعتبار الأوّل ـ شيخ الرواية ـ تفوق اعتبار الثاني ، إذ أنّ الأوّل يُتتلمذ عليه

    في الفقه والحديث ، ويركن إلى تدوينه ، ويُعدّ كونه شيخ رواية اعتماداً لكتابه ، بخلاف الثاني فإنّه لأجل اتصال السند إلى صاحب الكتاب ممّا قد يجد الراوي طريقاً آخر إلى صاحب الكتاب في العادة.
    هذا مع أنّ ديدن الرواة كان على تقسيم الراوي بلحاظ شيخه في الرواية وعمّن يدمن الرواية عنه ، كما هو الديدن في هذه الأعصار في علم الفقه والأصول والمعارف ، بل هو ديدن العقلاء في العلوم والفنون ، ولأجل ذلك عدّوا شيخ الرواية الذي تتلمذ عليه عدّة من الكبار في مرتبة من الجلالة والوجاهة فوق الوثاقة ، وأضافوا في تقريب ذلك أيضاً إنّه إذا كان التلميذ من أعلام الرواة الذين عُرّف منهم التشدّد في الرواية فإنّ ذلك يكشف جزماً عن مقام شيخه في الرواية.
    وكلّ ما تقدّم آتٍ في شيخ الإجازة أيضاً بدرجة أقل ، لأنّها نحو من الشيخوخة أيضاً ، لا سيّما وأنّ شيخ الإجازة ـ كما تقدّم ـ دخيل في اتصال السند والطريق إلى صاحب الكتاب ، لا أنّ الاستجازة عنه لمحض التبرّك ، فانظر إلى ديدن المحدّثين في وضعهم لكتب الفهارس المؤلّفة لذكر الطرق لأصحاب الكتب كي تخرج عن الإرسال ، كفهرس الشيخ الطوسي ، وفهرس النجاشي المشتهر برجاله ، مع أنّك قد عرفت أنّ الديدن في طرق التوثيق ليس على تحرّي خصوص ما يدلّ بنفسه على الوثاقة ، بل على جمع قرائن تكون بمثابة الأجزاء لحسن الظاهر ، أو يُتراكم منها ما يفيد الاطمئنان ، فمن ثمّ قد يكون طريق التوثيق الواحد يختلف في الدلالة بحسب الأفراد باختلاف الملابسات التي أشرنا إليها آنفاً.
    وقد أشكل على هذا الطريق أنّ أصحاب الإجماع قد تُرجم لهم ووُثّقوا في كتب الرجال ، فكيف لا تكون هناك حاجة إلى التعرض لمشايخ الإجازة.
    وبعبارة أخرى : إنّ أصحاب الإجماع لم ير الرجاليّون إستغناءهم عن التوثيق

    فتعرّضوا لهم ، فما بالك في مشايخ الإجازة.
    وأشكل أيضاً : من أنّ عدّة من مشايخ الإجازة كالحسن بن محمّد بن يحيى ، والحسين بن حمدان الحضيني ، والحسن بن محمّد النوفلي ، والحسين بن أحمد المنقري التميمي ، هم من مشايخ الإجازة وقد ضعّفهم النجاشي.
    وفيه : إنّ تعرض أصحاب كتب الرجال وعدم تعرّضهم قد لا يندرج تحت ضابطة في بعض الأمثلة ، فقد تراهم يتعرّضون لذكر بعض أصحاب الإجماع دون بعضهم الآخر ، مع تقارب وثاقتهم في الدرجة ، وقد يتعرّضون للثقة قليل الرواية مع عدم تعرّضهم للثقة الكثير الرواية ، لا سيّما وأنّ ما بأيدينا من كتب وأصول رجالية متقدّمة نزر يسير ، والتي هي عبارة عن الخمسة المعروفة ، فلم تصل بأيدينا ما وصل من عشرات تلك الكتب والأصول إلى السيّد ابن طاوس في القرن السابع ، وكم قد استدرك المتأخّرون في كتبهم الرجاليّة على المتقدّمين مفردات رجالية لم يتعرّضوا لها ، بعد أن جمعوا من خلال تتبّع قرائن على أحوال تلك المفردات من خلال الطبقات ، أو مشايخ تلك المفردة في الرواية ، أو من يروي عنه ، أو نمط رواياته ، إلى غير ذلك من القرائن على تلك المفردة بالاستقراء.
    إذن فتعرضهم أو عدمه لا ينضبط بالحاجة وعدمها فكم من مفردة رجالية قامت عليها قرائن التوثيق لم يتعرّضوا لها في كتب المتقدّمين لسبب أو لآخر ، أو تعرّضوا لها من دون ذكر تصريح بالتوثيق ، مثل عمر بن حنظلة الذي عقدنا له رسالة خاصّة (1) ، دالّة على جلالته ووثاقته برتبة زرارة ومحمّد بن مسلم عبر روايات معتبرة ، ونظير إبراهيم بن هاشم الكوفي والد علي بن إبراهيم
    __________________
    (1). في كتاب الهيويات الفقهيّة ـ رسالة في ثبوت الهلال بحكم الحاكم ـ.

    القمي ، وغيرهم.
    فليس كلّ من هو ثقة يلزم أن يوثّقه أصحاب الرجال في كتبهم ، وقد مرّ في المقدّمة في بحث الحاجة إلى علم الرجال من أنّ العلم بأحوال الرواة ليس منسدّاً بابه ، بل مفتوح عبر الاستقراء لطرق وأسانيد الروايات الواقع فيها الراوي ، للتعرّف على طبقته وشيوخه وتلامذته ، ونمط ما يروي من روايات ، واستقامة المتون المنقولة عنه ، وكونه صاحب كتاب ، إلى غير ذلك من الاطّلاع على حاله وشئونه. فالمعيار حينئذ هو حال الأوصاف التي اتصف بها الراوي ، وقد قرّبنا أنّ شيخوخة الرواية أو الإجازة هي بمنزلة شيخوخة التلمذة في هذه الأعصار ، من كونها إحدى قرائن حسن ووجاهة الظاهر.
    وبذلك يظهر لك الجواب على الإشكال الثاني ، حيث أنّ قرائن التوثيق ليست من قبيل اللوازم التكوينية غير المنفكّة عن العدالة والوثاقة ، كما هو الحال في جلّ قرائن حسن الظاهر ، ومن ثمّ اعتدّ بها كقرائن ظنّية أمارية على الواقع ، قد يتخلّف الواقع عنها ، فمثل ما ذكر في معتبرة ابن أبي يعفور الواردة في العدالة وإحرازها «إن يكون آتياً لصلاة الجماعة لا يؤذي أحداً ولا يغتاب ويؤدّي الأمانة» إلى غير ذلك ممّا ذكر فيها لا يلازم تكويناً بنحو الملازمة التكوينية العدالة ، إذ قد يكون واجداً لتلك الصفات ولكن في باطن حاله مقيماً على الكبائر ، فليس إذن المتوخّى من طرق التوثيق كونها علل تكوينية ، أو معلولات ملازمة للوثاقة والعدالة ، وإنّما الغرض منها الاعتداد بها في السيرة المتشرّعة أو العقلائية كقرائن ظنّية تورث الاطمئنان النوعي بهما.

    الطريق الثامن
    الوكالة عن الإمام عليه‌السلام
    وهي على مراتب ، إذ منها ما يكون بمثابة النيابة عنه عليه‌السلام في شئون الفتيا والقضاء ، وجَبْيِ الأخماس وغير ذلك ، كما هو الحال في وكلاء الإمام الهادي عليه‌السلام في بلاد العراق وفارس ، ومنها ما يكون وكالة في جَبْيِ الأخماس ، ومنها ما تكون وكالة في رفع نزاع كقاضي التحكيم ، ومنها ما يكون وكيلاً في الأمور الفردية المعاشية كخدمهم وغلمانهم عليهم‌السلام ، ونحوه الوكيل على مزرعة أو على وقف أرض ونحو ذلك.
    وقد عدّها الوحيد البهبهاني في فوائده من أمارات الوثاقة والقوّة ، بل عن جماعة جعل ذلك من أقوى أمارات المدح بل الوثاقة والعدالة. وأيّد بما رواه الكليني عن علي بن محمّد عن الحسن بن عبد الحميد قال : شككت في أمر حاجز ، فجمعت شيئاً ، ثمّ صرت إلى العسكر ، فخرج إليّ : «ليس فينا شكّ ولا في من يقوم مقامنا بأمرنا ، ردّ ما معك إلى حاجز بن يزيد» (1).
    إلّا أنّه أشكل بعض متأخّري هذا العصر في دلالة الوكالة على الوثاقة ، لعدم اشتراطها شرعاً بالعدالة ، بل غاية الأمر إنّ العادة قائمة على عدم التوكيل في الماليات من لا يوثق بأمانته ، والنهي عن الركون إلى الظالم لا ربط له بالتوكيل ، في الأمور الشخصية ، وقد عدّ الشيخ في كتاب الغيبة جملة من الوكلاء المذمومين ممّا يدلّ على إمكان الانفكاك بينهما ، وأمّا الرواية المتقدّمة فضعيفة السند
    __________________
    (1) الكافي 1 / 521 باب مولد الصاحب عليه‌السلام الكتاب الرابع ، الحديث 14. وذكره الشيخ المفيد أيضاً في الارشاد في باب ذكر طرف من دلائل صاحب الزمان عليه‌السلام.

    بالحسن بن عبد الحميد ، مع اختصاصها بمن قام مقامهم بأمرهم ، أي بالنوّاب والسفراء من قبلهم. بل إنّ هناك رواية دالّة على عكس ذلك ، وهي ما رواه الكشّي في ترجمة معتّب عن حمدويه وإبراهيم عن محمّد بن عبد الحميد عن يونس بن يعقوب عن عبد العزيز بن نافع إنّه سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «هم عشرة ـ يعني مواليه ـ فخيرهم وأفضلهم معتّب وفيهم خائن فاحذروه وهو صغير» ـ وفي نسخة أخرى صفير بالفاء ـ.
    وكذا روى الكشّي عن علي بن محمّد قال : حدّثني محمّد بن أحمد عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، عن الحسن بن محبوب : لا أعلمه إلّا عن إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «مواليّ عشرة خيرهم معتّب ، ولا يظنّ معتّب أنّي أسحر من الناس».
    وفي نسخة أخرى : «أسخر من الناس» ، وفي ثالثة : «أسخى الناس» ، وفي رابعة : «أحقّ الناس».
    والصحيح أنّ الوكالة في الأمور الشرعيّة ولو جباية الأموال كالخمس ونحوها دالّة على الوثاقة ، نظراً لكون هذه الوظائف الشرعية مسنداً ومنصباً شرعياً ، مع الالتفات إلى الانتساب له عليه‌السلام في نظر عامّة المكلّفين ، مضافاً إلى أنّ الحيطة في أداء تلك الوظيفة الشرعية إنّما يتمّ بوضع الثقة مع زيادة كونه بصيراً أيضاً.
    وتشتدّ الدلالة كلّما اتسعت دائرة مورد الوكالة وأعلاها في النوّاب والسفراء ، ولك أن تتمثّل ذلك بالوكلاء عن علماء الدين ، سواء في الأوقاف أو الأموال أو في بيان الأحكام الشرعيّة أو في حلّ الخصومات بالصلح ونحو ذلك ، فإنّه بمثابة تمثيل عن ذلك العالم الديني. وهذا ما تشير إليه الرواية المتقدّمة حيث جعل عجّل الله فرجه الشك في «حاجز» شك فيه عجّل الله فرجه ومن ثَمّ قدّم

    نفي الشك في نفسه الشريفة ، ثمّ في من يقوم مقامه بأمره ، والتمعّن والتدبّر في ذلك يعطي أنّ الشك في الوكيل يرجع لُبّاً في سداد توكيل الموكّل ، وكذلك الحال في وكلاء من يكون وكيلاً عن ذي وجاهة ، ولذلك ورد في مضمون الرواية ، وهو مطابق لما في المثل الحكمي من قولهم (الرسول دليل عقل المُرسِل) ، ومن ثمّ يظهر قرينيّة الوكالة في الأمور العادية أو الشخصية أو النوّاب على الحُسن ، ولذلك ترى ركون الرواة الأجلّاء أو الثقات إلى ما يذكره موالي الأئمّة عليهم‌السلام تذييلاً لأقوالهم عليهم‌السلام ، كأن يكون قد خفي شيء على الراوي فيسائل «مصادف» مولى الإمام الصادق عليه‌السلام عنه ، حتّى أنّه قد روي أنّ الإمام الصادق عليه‌السلام قد خيّر بعض مواليه بالإقامة عنده بإزاء عظم الثواب في الآخرة أو بالرجوع إلى أهله ، بعد ما بذل أحد التجار الشيعة مالاً على أن يحلّ محلّه في قبال أن يأتي هو في خدمته عليه‌السلام.
    وأمّا الطعن في دلالة الوكالة بعدم اشتراطها بالعدالة ، فقد تقدّم أنّه وجه الملازمة والدلالة ليس هو للاشتراط الشرعي ، بل وجهها هو الاشتراط بحسب حكم الآداب ومنشئيتها للإضافة والإسناد إلى الموكّل.
    وبعبارة أخرى : إنّ مطلق الوكالة وإن لم تشترط العدالة فيها شرعاً ، كما هو الحال في العاديّات ، بخلاف الشرعيات ، إلّا أنّه من باب الآداب الشرعية ، مضافاً الى أنّ التوكيل يحسب على الموكِّل ويضاف إلى اسمه.
    وأمّا كون التوكيل في ما يرجع إلى الأمور الشخصية فليس مورد البحث في الوكالة مقصوراً عليه.
    وأمّا وقوع الذم على عدّة من الوكلاء ، كالذين ذكرهم الشيخ في الغيبة وغيرهم كرؤساء الوقف.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2975
    نقاط : 4628
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    بحوث في مباني علم الرجال Empty
    مُساهمةموضوع: رد: بحوث في مباني علم الرجال   بحوث في مباني علم الرجال Emptyالثلاثاء 29 أكتوبر 2024 - 20:31

    ففيه : إنّ المذمومين لم يكونوا وكلاء حين صدور الذمّ في حقّهم ، بل وكالتهم كانت في فترة استقامتهم ، مع أنّ المدّعى ليس هو التلازم التكويني بين الوكالة والعدالة أو الوثاقة ، بل المدّعى هو الأمارية والكاشفية ، فليس التخلّف بممتنع بالإمكان العقلي.
    تنبيه : قد حُكي عن الشيخ البهائي والوحيد البهبهاني أنّ إطلاق التوصيف بوكيل في اصطلاح علماء الرجال يراد به أنّه وكيل لأحدهم عليهم‌السلام (1).
    وأمّا الروايتين في «معتّب» بناءً على ثبوت نسخة الذمّ في الرواية الثانية فليس بنقض لما ذكرناه ، بل هما دليل على المطلوب ، والوجه في ذلك إنّ نفس تصدّيه عليه‌السلام ـ على فرض صدور تلك الروايتين ـ لبيان حال مواليه ولدفع توهم وثاقتهم هو دليل على أنّ الإضافة إليهم مقتضية للوثاقة ، وإلّا لما تعرّض عليه‌السلام لدفع ذلك الوهم ، حيث إنّ الوهم يحدث لمنشإ في البين ، ولذلك ترى في مفاد الرواية الأولى أنّه عليه‌السلام يُعيّن من هو المذموم عن غيره لأصحابه.
    مع احتمال أن يكون الإمام عليه‌السلام قد أخبر عن ذلك بعد أن سرّحهم ، كي لا يطمعوا ـ مواليه ـ في النقل عنه كذباً
    الطريق التاسع
    مصاحبة المعصوم عليه‌السلام
    حيث قد جعلها البعض من أمارات الوثاقة ، وأشكل عليه : إنّه لا دلالة للمصاحبة على الحُسن فضلاً عن الوثاقة ، إذ قد صحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسائر
    __________________
    (1) أقول : وهذا نظير لفظة الكاتب فهو منصرف إلى كاتب الديوان في السلطة القائمة آنذاك.

    المعصومين عليهم‌السلام من كان فاسد السيرة وسيّئ الفعل.
    والصحيح أنّ للصحبة معاني وأقساماً ، فتارة بمعنى مطلق من أدرك أو رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو أحد المعصومين عليهم‌السلام ، وأخرى بمعنى مطلق من حدّث وسمع عنهم ، وثالثة بمعنى من أدمن الرفقة والنشأة العلمية ، ويكون قد ترعرع على يديهم مدّة من الزمان ، ورابعة بمعنى صاحب السرّ كأمثال سلمان الفارسي ، وميثم التمّار ، ورشيد الهجري ، وجابر بن يزيد الجعفي ، وأمثالهم.
    فأمّا القسم الرابع فمن الواضح إنّه دالّ على ما هو فوق العدالة الوثاقة ، وإن لم تكن بمعنى العصمة كما قد يُتخيل ، إذ هناك من حظي ببعض هذه المرتبة لكنّه زاغ عن الطريق كمحمّد بن أبي زينب أبي الخطّاب ويونس بن ظبيان وأمثالهما (1).
    وأمّا حال القسم الثالث فكذلك يدلّ على الوثاقة والعدالة بما يزيد على حسن الظاهر ، كما لو تتلمّذ واختصّ بأحد الأعلام في العلم والأدب والتربية ، وحضى بالتلمّذ مع حسن سمته وهديه عنده ، فإنّ ذلك يُعدّ عند المتشرّعة فوق ما هو حسن الظاهر.
    وأمّا القسم الثاني ، فضلاً عن الأوّل فلا يدلّ على شيء مع قلّة الرواية ، وأمّا كثرة الرواية فهي طريق آخر مستقلّ سيأتي الحديث عنه.
    __________________
    (1) كما هو الحال في من صحب النبي موسى عليه‌السلام وهو من أنبياء اولي العزم وهو (بلعم بن باعورا) ، حتّى قال فيه القرآن الكريم (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا ...) (الاعراف 175) ، وكان قد أعطي الاسم الأعظم.

    الطريق العاشر
    كثرة الرواية عن المعصوم عليه‌السلام
    وقد يكون ذلك بالمباشرة وأخرى بغير المباشرة ، وقد يعنون هذا تحت عنوان كثرة من روى عن الراوي ، أو يعبّرون عنه بكثرة الرواية عنه ، والصحيح أنّهما طريقان متقاربان. والدليل على أماريّته على الوثاقة هو ما روي بطرق متعدّدة عنهم عليهم‌السلام.
    نها : ما رواه الكشّي عن أبي عبد الله عليه‌السلام بسنده عن حمدويه بن نصير الكشّي ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمّد بن سنان ، عن أبي حذيفة بن منصور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :
    «اعرفوا منازل الرجال منّا على قدر روايتهم عنّا» (1) وسند هذه الرواية ليس فيها من يُتوقّف فيه إلّا محمّد بن سنان (2).
    وما رواه عن إبراهيم بن محمّد بن العبّاس الختلي ، قال : حدّثنا أحمد بن إدريس القمي المعلّم ، قال : حدّثنا أحمد بن يحيى بن عمران ، قال : حدّثنا سليمان الخطاب ، قال : حدّثني محمّد بن محمّد ، عن بعض رجاله عن محمّد بن حمران العجلي ، عن علي بن حنظلة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «اعرفوا منازل الناس منّا على قدر رواياتهم عنّا» (3).
    __________________
    (1). الكشّي : باب معرفة قدر الرواة.
    (2) وسيأتي في الفوائد بيان حاله ووثاقته.
    (3) الكشّي باب معرفة قدر الرواة.

    ومنها وما رواه أيضاً عن محمّد بن سعيد الكشّي بن مزيد ، وأبو جعفر محمّد بن عوف البخاري ، قالا : حدّثنا أبو علي محمّد بن أحمد بن حمّاد المروزي المحمودي ، يرفعه قال : قال الصادق عليه‌السلام :
    «اعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنّا ، فإنّا لا نعدّ الفقيه منهم فقيهاً حتّى يكون محدّثاً. فقيل له : أو يكون المؤمن محدّثا؟ قال : يكون مفهّماً والمفهّم محدّث» (1).
    ومنها ما رواه الكليني عن الحسين بن محمّد ، عن أحمد بن اسحاق ، عن سعدان بن مسلم ، عن معاوية بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل راوية لحديثكم يبث ذلك في الناس ويسدّده في قلوبهم وقلوب شيعتكم ، ولعلّ عابداً من شيعتكم ليست له هذه الرواية أيّهما أفضل؟ قال :
    «الراوية لحديثنا يشدّ به (يسدّده فيه) قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد» (2).
    وأيضاً ما رواه الكليني عن محمّد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن ابن سنان ، عن محمّد بن مروان ، عن علي بن حنظلة ، مثل الذي تقدّم عنه بطريق الكشّي (3).
    ومنها ما رواه المجلسي في كتاب العلم ، في فضل كتابة الحديث وروايته ، روايات عديدة دالّة على فضل رواة الحديث ورواة السُنّة ، وإنّهم موصوفون بخلفاء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّ الأخذ بالحديث عن صادق خير من الدنيا وما فيها ، وإنّ من أدّى إلى أمّته صلى‌الله‌عليه‌وآله حديثاً يقام به سُنّة أو يثلم به بدعة فله الجنّة (4).
    __________________
    (1) الكشّي باب معرفة قدر الرواة.
    (2) الكافي 1 / 33 ، ح 9. ورواه الصفّار في بصائر الدرجات 7 / 6.
    (3) الكافي 1 / 50 ، ح 13.
    (4) بحار الأنوار 2 / 144 ، باب 19.

    وفي باب بعده أورد الأحاديث التي وردت في فضل حفظ الحديث ، وأنّ من حفظ أربعين حديثاً ممّا تحتاج الأمّة إليه من أمر دينهم بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً ، ولم يعذّبه ويُشفّع له (1).
    وغيرها ممّا يجد المتتبّع كثيراً منها في مديح هذا المقام من العلم والدين.
    ثمّ لا يخفى أنّ في ما تقدّم من الروايات التمييز بين دراية الحديث وروايته ، وأنّ المقام الأوّل أعظم شأنا من الثاني ، نظير ما روي من أنّ «حديثاً تدريه خير من ألف حديث ترويه» (2).
    لكن لا يخفى أنّ الدراية للحديث والذي بمعنى الفقاهة طريق آخر غير كثرة الرواية وإن كانت النسبة بينهما من وجه.
    وأشكل على ذلك : بأنّ هذه الروايات ضعيفة سنداً ، بل ودلالة ، حيث إنّ المراد من «على قدر رواياتهم عنّا» هو كثرة الرواية بعد ثبوت حجيّة قول الراوي ، لكي يثبت لدينا كثرة روايته عنهم في الواقع ، فتكون مدحاً له ، وأمّا بدون ثبوت حجّية قوله فلا يُعلم إنّ الروايات الكثيرة عنهم ، أو أنّها من وضع الراوي عنهم.
    وفيه : إنّ كثرة الرواية ـ كما قد سبق في صدر البحث ـ لها حيثيتان في الكاشفية عن الحسن أو الوثاقة ، فالأولى من جهة كثرة رواية الراوي عن المعصوم عليه‌السلام بواسطة أو بدونها ، وظاهر الإشكال في مدلول هذه الروايات ناظر إليه ، والثانية في كثرة رواية الرواة عن الراوي ، لا سيّما إذا كانوا أجلّاء ومن وجهاء وكبار الرواة.
    __________________
    (1) بحار الأنوار 2 / 153 ، باب 20.
    (2) الخصال.

    ولكنّه على الحيثية الأولى غير وارد أيضاً ، لأنّ كثرة الرواية عنهم قبل ثبوت حجّية قول الراوي من طريق آخر وإن كانت بحسب الظاهر غير معلومة التحقّق أنّها روايات عنهم ، أو إنّها وضعت عليهم ، إلّا أنّ الظن بكون الروايات عنهم وإن لم يكن معتبراً بنفسه متحقّق ، كما إذا لم تكن الروايات معارضة لأصول المذهب وقواعده ، ولم تكن غريبة وشاذة المضمون بضميمة إنّه لا يعرف عن الراوي فسق ظاهر أو اشتهار بكذب ، فإنّه بذلك يحصل الظن بالرواية عنهم ، فتكون حينئذ جزء القرينة ومن قرائن الحُسن أو الوثاقة ، هذا في حين أنّا لا ننكر شمول الرواية للمصداق البارز ، وهو الراوي الذي قد ثبت حجّية قوله عن طريق آخر وأكثر في الرواية عنهم ، فتكون حينئذ أحد مرجّحات باب الترجيح.
    وأمّا الحيثية الثانية ، فأيضاً هي دالّة على الحسن بل الوثاقة ، لعدم صمود وتوجه واعتماد الرواة لا سيّما الأجلّاء وكبارهم بكثرة إلّا إلى من يعتمد عليه في الرواية ويوثق به ، وهذا أمر يجده الإنسان في الأعراف العقلائية ، فضلاً عن المتشرّعة ، فضلاً عن نقّاد الحديث ومهرة الرواية.
    وأمّا ضعف السند فممنوع ، بعد ما أشرنا إلى استفاضة الروايات في هذا الباب ، وكأنّه لتخيّل اقتصار المدرك على الروايات الثلاث الأولى ، وهو في غير محلّه ، لأنّ بقية الروايات دالّة بالالتزام على نفس المطلوب.
    ومثال كثرة الرواية إكثار الكليني للرواية عن سهل بن زياد في الكافي في ما يربو على الألف والخمسمائة مورد.
    وما يقال من أنّ إيراد الكليني لتلك الروايات في الكافي انّما هي في مقام التأييد لروايات أخرى بنفس المضمون فلا يدلّ على الاعتماد عليه مستقلّاً ، مندفع بأنّه ما يرويه عنه بانفراد كثير جدّاً ، كما لا يخفى على المتتبّع.

    الطريق الحادي عشر
    كونه صاحب كتاب أو أصل
    فقد حكى ابن شهرآشوب في معالم العلماء (1) عن المفيد : إنّ الإماميّة صنّفوا من عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى زمان العسكري عليه‌السلام أربعمائة كتاب تُسمّى الأصول.
    وقال الوحيد في فوائده : لا يخفى أنّ مصنفاتهم أزيد من الأصول ، فلا بدّ من وجه تسمية بعضها أصولاً دون الباقي ، ثمّ ذكر احتمالات عديدة :
    منها كون معناه الكتاب الذي يقتصر فيه على كلام المعصوم فقط ، ثمّ حكى عن خاله وجدّه المجلسيين اعتدادهما بكون الرجل صاحب أصل أنّه من أسباب الحسن ، ثمّ اعترض على ذلك بأنّ الحسن بن صالح بن حي الثوري البتري صاحب أصل ، إلّا أنّه متروك العمل بما يختصّ بروايته كما في التهذيب وكذلك علي بن ابن أبي حمزة البطائني.
    ثمّ حكى عن الشيخ المفيد في رسالته في الردّ على الصدوق (2) قال : وهم أصحاب الأصول المدوّنة ، ثمّ أشكل على عبارة المفيد بأنّ الجماعة الذين امتدحهم المفيد من جملتهم أبا الجارود ، وعمّار الساباطي ، وسماعة.
    ثمّ ذكر أنّ كون الرجل ذا كتاب أضعف دلالة على الحُسن ، وحكى عن صاحب المعراج المحقّق البحراني نظير ذلك ، إلّا أنّه حكى عنه في كتاب البُلغة اعتداده به ، وقال : إنّه من قبيل ذلك قولهم : إنّه كثير التصنيف ، وجيّد التصنيف.
    __________________
    (1). معالم العلماء / 3.
    (2). الظاهر ان مراده الرسالة العددية.

    هذا وقد اعترض بعض الأجلّة أيضاً على دلالة هذا الطريق : بأنّ رُبّ مؤلِّف كذّاب وضّاع.
    أقول : إنّ ظاهر مرادهم من الأصل هو الكتاب الذي جمع فيه المصنّف الروايات التي رواها عن المعصوم مباشرة ، وإن وُجد موارد للنقض على هذا الحدّ ، وأمّا الكتب فهي التي يجمع فيها مؤلّفها ما رواه مباشرة أو بواسطة عن المعصوم ، وقد يُضمّ إلى هذه التفرقة أنّ الأوّل موضوع من دون تبويب ، ولا موضوع في باب خاصّ ، بينما الكتاب هو الذي يكون مبوّباً أو موضوعاً في عنوان خاص.
    وأمّا الطعون التي ذكرها في الفوائد فغير واردة ، حيث إنّ تقييدهم بترك العمل بروايات الثوري بما ينفرد به دالّ على اعتمادهم على رواياته كضميمة مؤيّدة أو معاضدة لبقيّة الروايات ، مع أنّ ذلك لخصوصية في الثوري كما هو معلوم من ترجمته ، بل إنّ تنبيههم على ذلك عند ذكر أصله دالّ على أنّ عنوان الأصل مقتض للمدح ، فمن ثمّ صرّحوا بترك العمل برواياته تنبيهاً على أنّ حاله ليس كحال بقية أصحاب الأصول.
    وأمّا نقضه بالبطائني فغير وارد أيضاً ، لأنّ ديدن المتقدّمين خلافاً لما اشتهر عند متأخّري الطبقات هو العمل بروايات ابن أبي حمزة البطائني أيّام استقامته ، كما ذكر ذلك الشيخ الطوسي في العُدّة ، وتمييز الرواية عنه يحصل بكون الراوي عنه من الإماميّة والأجلّاء ، بخلاف ما إذا كان من الواقفية ، وذلك لأنّ الكشّي قد حكى في ترجمة رؤساء الواقفة أنّ الطائفة قد قاطعتهم إلى درجة أنّ يونس بن عبد الرحمن حيث لم يقاطعهم بُغية استتابتهم ، خاف على نفسه من الاتّهام بأنّه منهم ، فترك حينئذ الارتباط بهم (1).
    __________________
    (1) سيأتي البحث عن علي بن حمزة البطائني.

    وأمّا النقض بابن أبي الجارود فإنّ هناك جماعة تذهب إلى توثيقه ، وإن كان زيدياً سرحوبياً ، قد ورد منهم عليهم‌السلام ذمّه حيث أنّ ذلك بلحاظ رأيه ومعتقده وانحرافه عنهم عليهم‌السلام ، ومن ثمّ حمّله الإمام الباقر عليه‌السلام رواية تفسير أغلب السور القرآنية.
    وأمّا الطعن بعمّار بن موسى الساباطي فهو وإن كان فطحياً ، إلّا أنّه من كبار الفقهاء الثقات ، وهكذا الحال في سماعة مع أنّ نفس الوحيد البهبهاني قد تأمّل في وقفه ، لأنّه قد كانت وفاته في حياة الإمام الكاظم عليه‌السلام.
    وبجانب ذلك كلّه إذا انضمّ إليه تلقّي الطائفة للأصل أو الكتاب أو الروايات ، ووجد المتتبّع بثّ رواياته في الأبواب ، ووجود الطرق إليه في كتب الفهارس والمشيخة ، فإنّ ذلك يعني اعتماد الطائفة عليه وتلقّيه بالقبول ، وقد اعتمد الشيخ الطوسي في العُدّة كثيراً على مثل هذه القرائن ، فلاحظ ما قدّمنا ذكره في الفصول المتقدّمة ، نعم قد فرّق بعضهم بين كونه ذا أصل أو كتاب ، وبين زيادة وصفه بالمعتمد ، وهو وإن كان في محلّه ، إلّا أنّه يمكن تحرّي وجود هذا الوصف وإن لم يصرّح به في التراجم الرجاليّة بالتتبّع الذي أشرنا إليه آنفاً.
    ثمّ إنّه دون ذلك في الدلالة على الحُسن كونه ذا تصانيف ، وكتب في غير الرواية ، كالتاريخ والسير ونحو ذلك ، فانّه دالّ على المكانة العلمية
    الطريق الثاني عشر
    كونه من مشيخة الكتب الأربعة ، وذكر طريق إليه
    فقد جعله غير واحد من طرق المدح ، باعتبار ما ذكره كلّ من المشايخ الثلاثة في أوّل كتبهم ، من أنّهم استخرجوا أحاديث كتبهم من الكتب المشهورة المعوّل

    عليها ، والآثار الصحيحة ، أو المقترنة بقرائن تدلّ على صحّتها ، وأنّ طرقهم إلى تلك الكتب لم يقتصر فيها على التي ذكروها في المشيخة ، بل عقد كلّ من الصدوق والشيخ كتاب فهرست يجمع فيه طرقه ، إلّا أنّ الأوّل منهما لم يصل إلينا ، فهذا ممّا يدلّ على أنّ من يذكرون الطريق إليه في المشيخة معتمد الرواية والكتاب ومركون الى كتابه ، بل إنّ المتدبّر يلتفت إلى أنّ المشيخة المذكورة في التهذيبين والفقيه هي عبارة أخرى عن كتاب فهرست ، ولعلّ نمط كتابة الفهرست هي تطور في تدوين المشيخة عند الرواة ، التي هي أسبق زمناً في التدوين كمشيخة الحسن بن محبوب ، إلّا أنّه على ذلك فمن الحريّ توسعة هذا الطريق إلى المذكورين في فهرست الشيخ والنجاشي ، وإن كان للكتب الأربعة امتياز ، هذا ويقرب هذا الطريق مع عدّة من الطرق الاخرى المذكورة من شيخوخة الإجازة ، أو كونه صاحب كتاب ، أو إكثار الكليني والفقيه الرواية من أحد ، أو كون كتابه مرويّاً عند الأصحاب بطرق خاصّة لديه.
    هذا وقد أشكل على هذا الطريق بأنّ الصدوق قد ذكر طرق إلى مثل إبراهيم بن سفيان ، وإسماعيل بن عيسى ، وأنس بن محمّد ، وجعفر بن قاسم ، والحسن بن قارن ، وغيرهم ، مع أنّ النجاشي والشيخ لم يذكراهم في فهرستيهما الموضوعين لذكر ذلك ، بل لم يذكرهم الشيخ في رجاله ، فكيف يكونون أرباب كتب مشهورة.
    وبأنّ الصدوق ذكر طريقاً إلى أسماء بنت عميس مع أنّها ليست صاحبة كتاب معروف ، وبأنّه قد ذكر طريقاً إلى نفس الرواية ، مثل تلك التي «جاء نفر من اليهود ..» ، وبأنّ الصدوق لم يروِ عن بعض من ذكر طريقه إليه في المشيخة إلّا رواية واحدة ، مثل الذي تقدّمت أسماؤهم ، ومثل بزيع المؤذن ، وأيوب بن نوح ، وبحر السقا ، وبكّار بن كردم ، فكيف يمكن أن يكون لهم كتاب معروف ولم يخرج

    لهم إلّا رواية واحدة.
    والحاصل : إنّ الروايات التي رواها الصدوق في كتابه لم يخرجها حسب الظاهر من كتب المشيخة التي ذكر الطرق إليها وبدأ بهم السند في الفقيه ، وإنّما هي من كتب غيرهم من الأعلام المتأخّرين المشهورين كرسالة والده إليه ، وكتاب شيخه ابن الوليد ونحوهما ، بخلاف الشيخ الطوسي في التهذيب ، فلا بدّ حينئذ من ملاحظة طريق الصدوق إلى ذلك الكتاب في المشيخة ، بعد ما اتضح أنّ الشهرة ليست هي وصف لكتب المشيخة ، بل لكتب أخرى غيرها ، فلا يُستغنى عن ملاحظة الطريق إلى كتب المشيخة.
    وفيه : إنّه على تقدير إرادة الصدوق ذلك ، فإنّه يكون تدليساً في الكلام ، حيث إنّ صريح عبارته في أوّل المشيخة هو تكرار هذا التعبير (كلّما كان في هذا الكتاب عن فلان فقد رويته عن) ، ثمّ يذكر طريق شيوخ الإجازة إلى ذلك الكتاب ، وقد يذكر إلى الكتاب الواحد عدّة طرق ، بل إنّه يؤكّد في عدّة من الكتب بتعبيره (وكذلك جميع كتاب فلان) ، وكذلك مؤدّى عبارته في أوّل الفقيه «جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع ، مثل كتاب حريز ... ، وكتاب الحلبي ، وعلي بن مهزيار ، وجامع شيخنا محمّد بن الحسن بن الوليد رضى الله عنه ، ونوادر محمّد بن عمير ، وكتب البرقي ، ورسالة أبي رضى الله عنه وغيرها من الأصول والمصنّفات التي طرقي إليها معروفة في فهرس الكتب التي رويتها عن مشايخي وأسلافي رضي‌الله‌عنهم».
    بل إنّها صريحة في تعداد كتب مشايخه كابن الوليد ورسالة والده في عرض بقيّة كتب المشيخة ، وإنّه يستخرج منها وينقل عنها في عرض تلك الكتب.
    كما أنّ كلامه صريح في أنّ له كتاب فهرست ـ لم يصل إلينا ـ قد جمع فيه كافّة

    طرقه إلى أصول مصنّفات الأصحاب قد تضمّن طرقاً مشهورة معروفة.
    وكيف تصل كتب الأصول إلى الشيخ بل إلى ابن إدريس بل إلى المحقّق والشهيدين ولا تصل إلى الصدوق ، والذي يتقدّم على الشيخ بطبقتين ويتأخّر عن الكليني بطبقة.
    وأمّا النقوض المذكورة من عدم ذكر النجاشي والشيخ لبعض من ذكرهم الصدوق في المشيخة ، فغير بعيد أن تكون تلك الكتب لم تصل إلى النجاشي والشيخ ، أو وصلت بغير طرق مسندة ، أو وصلت إليهم بطرق ولكن لم يذكروها ، كما هو مشاهد عند المقابلة بين فهرست الشيخ ومشيخته مع أماليه ، بل إنّه عند المقابلة بين فهرست الشيخ وفهرست النجاشي كذلك يُشاهد إنّ هناك كتباً التي ذكرها أحدهما دون الآخر ، فنرى الشيخ يترجم لثمانمائة وثمانية وثمانين (888) رجلاً ، بينما ترجم النجاشي لألف ومائتين وتسع وستون (1269) ، مع أنّ بعض من ذكره الشيخ لم يذكره النجاشي ، والصدوق في المشيخة قد ذكر ما يقرب من أربعمائة وأحد عشر عنواناً.
    بل إنّ عدم ذكر الشيخ في رجاله لأسماء هؤلاء التي ذكرها المستشكل شاهد على أنّ إسقاط ذكرهم في الفهرست ليس لعدم كونهم أصحاب كتب ، وإلّا لكان إسقاط ذكرهم في رجاله أيضاً دالّ على أنّهم ليسوا برواة أصلاً.
    وأمّا النقض بما أخرجه عن أسماء بنت عميس وخبر «النفر من اليهود» ففيه : إنّه قد نصّ في المشيخة إنّ هذا الطريق طريق إلى الخبر لا إلى كتاب ، بل قد نصّ في موارد أخرى على ذلك ، كما في جويرية بن مسهر ، وما كان فيه من حديث سليمان بن داود في معنى قول الله عزوجل (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ)(1).
    __________________
    (1) ص / 33.

    وأمّا إخراجه لرواية واحدة عن بعض الكتب فلا دلالة له على عدم كون الراوي صاحب كتاب ، وذلك لأنّ إخراج الرواية من كتاب معتبر وراوي جليل شهير أولى من إخراجها من كتاب دونه في المرتبة بكثير.
    هذا وملخّص الوجه في هذا الطريق يتساوى في درجة الدلالة مع ما ذكرناه في ما يقاربه من الطرق
    الطريق الثالث عشر
    وقوعه في طريق المشيخة
    بأن يقع في الطريق الذي وصل عبره الكتاب إلى أصحاب الكتب الأربعة ، إمّا مناولة ، أو قراءة ، وغير ذلك من طرق الرواية ، لا سيّما إذا كان الكتاب معتمداً قد نقل عنه أصحاب الكتب الأربعة واستخرجوا منه الروايات في أكثر الأبواب ممّا يدلّل على اعتمادهم عليه ، ولا سيّما إذا كان الطريق منفرداً بالذي وقع فيه ذلك الشخص ، فإنّ ذلك كلّه يشكّل قرينة على الاعتماد على ذلك الراوي ، وإنّه مأمون الجانب من الدسّ والوضع وإنّه مأمون في التثبت والضبط.
    وبعبارة أخرى : إنّ الاعتماد في كثير من الروايات المستخرجة في كتبهم تؤول في الاعتماد على ذلك الراوي ، فتنطبق عليه عدّة من القرائن السابقة ، ككثرة الرواية ، أو شيخوخة الإجازة ، وغيرهما من القرائن المتقدّمة ممّا يتفطّن إليها المتدبّر ، فكيف إذا اعتمد على راوٍ في العديد من الكتب المشهورة ، كما هو الحال في اعتماد الشيخ على أبي المفضّل الشيباني محمّد بن عبد الله بن محمّد ، فإنّه قد وقع في أكثر طرق الشيخ إلى العديد من الكتب في الفهرست وفي الأمالي.

    الطريق الرابع عشر
    ترحّم أحد الأعلام
    كترحّم الشيخ والصدوق والكليني والمفيد وابن قولويه وغيرهم من الأعلام ، وقيل : بأنّه فيه عناية خاصّة ، فلا أقلّ من الدلالة على الحُسن.
    وأشكل بأنّ الدعاء والاستغفار مستحبّ لكلّ مؤمن ، وقد ترحّم الصادق عليه‌السلام على عدّة أشخاص عُرفوا بالفسق كالسيّد إسماعيل الحميري وغيره ، وذلك لوجود ما يقتضي الترحّم ، فكيف بترحم أحد الأعلام ، فهذا الصدوق قد روى عن شيخه أحمد بن الحسين بن أحمد بن عبيد الضبّي أبو نصر وقال عنه : «ما لقيت أنصب منه ، وبلغ من نصبه أنّه كان يقول : اللهمّ صلّ على محمّد فرداً ، ويمتنع عن الصلاة على آله» ، وهذا النجاشي يترحّم على محمّد بن عبد الله بن محمّد بن عبيد الله بن البهلول ، مع أنّه ذكر أنّه تجنب الرواية عنه لتضعيف شيوخه إيّاه.
    وفيه : إنّ ما نقض به في مورد السيّد الحميري دالّ على المدّعى لا العكس ، حيث إنّ في تلك الروايات المشار إليها من ترحّم الإمام الصادق عليه‌السلام عليه قد تضمّنت استغراب الرواة وتعجّبهم من ترحّمه عليه‌السلام عليه ، مع أنّه كان شارباً للخمر ، فأجاب عليه‌السلام بأنّ الترحّم هو لفعله المشكور عليه من شدّة تولّيه ومناصرته لأهل البيت عليه‌السلام مع كون ذلك الزمن مخطوراً ، لا سيّما الشاعر الذي يعتبر شعره أفضل وسيلة إعلام لنصرة الدين ، فهذا الاستغراب والإجابة منه عليه‌السلام دالّ على أنّ الترحّم بنفسه له دلالة على الحُسن ، وبعبارة أخرى أنّ الترحّم منشؤه وجود حُسن في المترحّم عليه ، أمّا نفي وجود السوء فيه فيكفي فيه عدم الإحراز ، كما بيّنا مفصّلاً في حُسن الظاهر فراجع.
    هذا مع أنّ الروايات الواردة في الحميري متعدّدة ، فظاهر بعضها إقلاعه

    عن الخمر عند بدء انتمائه إلى المذهب بعد أن كان كيسانياً ، كما يظهر ذلك من رواية محمّد بن نعمان التي أوردها الكشّي في ترجمته ، ولا يعارضها بقية الروايات التي يظهر منها بقاؤه على شرب الخمر ، فإنّها قد تحمل على فعله السابق الذي قد تاب منه.
    وأمّا ترحّم النجاشي على من ضعّفه الأصحاب فالكلام فيه عين ما تقدّم ، من كون الترحّم منشؤه حُسنٌ ما ، وهو في أبي المفضّل الشيباني المعروف لمجاهدته في طلب الرواية وإكثار الرواية وكثرة الكتب التي ألّفها في الذبّ عن المذهب ، وهذا كلّه مقتض للترحّم والحُسن ، غاية الأمر أنّ النجاشي قد استدرك ذلك بلفظة (إلّا) الدالّة على وجود المقتضي مع مصاحبة المانع.
    وأمّا رواية الصدوق فهو من جهة تلمّذه عليه في الرواية ، فهو وإن كان من القرائن ـ ومن ثمّ استدرك بالطعن عليه بذكر النصب فيه لدفع تلك القرينة ـ إلّا أنّه ليس ممّا نحن فيه ، إذ لم نعثر على مورد ترضّى فيه عليه ، نعم لا يخفى أنّ غرضنا من الاعتماد على هذه القرينة ليس هو الاعتماد عليها منفردة مستقلّة ، كما في سابقاتها ، بل الغرض هو التدليل على وجود نسبة من الكاشفية والظن الحاصل منها كجزء من مجموع قرائن حُسن الظاهر.
    ويعضد ما استظهرناه ما قاله الصدوق في الفقيه في كتاب الصوم في باب صوم يوم الشك ، قال في ذيل رواية رواها عن عبد العظيم الحسني : «وهذا حديث غريب لا أعرفه إلّا من طريق عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، وكان مرضيّاً رضى الله عنه».
    ووجه الدلالة هو أنّه مع غرابة مضمون الحديث فقد أورده الصدوق اعتماداً على الراوي لكون حاله مرضيّاً وإنشاء الترضي عليه عقيب ذلك الوصف بنفس المادّة الواحدة مشعر بأنّ المنشأ لذلك واحد ، أي إنّ الترضّي لكونه مرضيّاً.

    الفصل الثالث
    في المناهج
    وأنماط البحث الرجالي

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2975
    نقاط : 4628
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    بحوث في مباني علم الرجال Empty
    مُساهمةموضوع: رد: بحوث في مباني علم الرجال   بحوث في مباني علم الرجال Emptyالثلاثاء 29 أكتوبر 2024 - 20:32

    ولا بدّ أن لا يغيب عن الأذهان كون علم الرجال مقتطعاً من علم التاريخ ، فله وثيق الصلة في كيفية البحث التاريخي ، وبالأحرى أنّ التعرّف على المفردة الرجاليّة في رجال سند الروايات ، وكذا أحوال أصحاب الكتب ومشاربهم ومدارسهم أشبه شيء بمعرفة مفردة من الشخصيات في التاريخ ، فكما أنّ الباحث التاريخي لا يوطّن نفسه على انسداد الطريق للوصول إلى الوقائع وحقيقة المجريات السالفة ، بل تراه يتحمّل العناء في جمع القصاصات وكلّ شاردة وواردة مرتبطة بالمفردة والشخصية التي يحاول التعرّف عليها ، إلى أن يصل إلى الوضوح في حال المفردة وقد يفوق عن تقدّمه ، بل من قد عاصر تلك المفردة ، حيث قد تخفى عليه جوانب لا يلمّ بها المعاصر ، وهذه مقارنة موجزة تنطوي على بيان عمدة المنهج في البحث الرجالي ، فكما أنّ في البحث التاريخي توجد أصول ومناهج ومدارس فكذلك الحال في البحث الرجالي ، ومن ثمّ قال السيّد البروجردي ـ على ما نُسب إليه ـ : «إنّه لا انسداد في علم الرجال» ولو افترض ضياع الأصول الرجاليّة الخمسة لما وقع لدى الباحث انسداد في التنقيب عن

    المفردة ، وذلك لما اتضح من مقارنة البحث الرجالي مع البحث التاريخي ، ولما يأتي من ذكر النظريات الأخرى ، وعلى ضوء هذه المقارنة أنّه لا بدّ من الالتفات إلى أن هذه المناهج الآتية في حين كونها أساليب وطرق عمليّة في علم الرجال فهي أيضاً تعتبر في الوقت نفسه منابع للبحث الرجالي ، والغرض من عقد هذا الفصل هو التنبيه على سعة منابع البحث الرجالي وتعدّدها ، وعدم الاقتصار فيها على النصوص الرجاليّة كما هو الرائج في العصر الحاضر.
    مضافاً إلى التنبيه إلى مظانّ تلك المنابع المختلفة. وينبغي الالتفات أيضاً إلى أنّ الكتاب الرجالي قد يعتمد على منهج واحد فقط ، وقد يعتمد على منهجين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك ، وذلك حسب غرض المؤلّف أو مبناه في علم الرجال ، أو طبيعة ممارسته في هذا العلم.
    وإليك تفصيل المناهج المعتمدة من قبل الرجاليين :
    المنهج الأوّل : المنهج التحليلي
    وهو أوثق صلة من بقيّة المناهج بالمقارنة المتقدّمة ، وفيه عدّة مراحل تتّضح من خلال النقاط التالية :
    الأولى : جمع كلمات الرجاليين حول المفردة ، وهي بمنزلة الفتاوى الرجاليّة.
    الثانية : تعيين طبقة الراوي ، من حيث الراويين عنه والراوي هو عنهم ، وهو بداية لمعرفة البيئة العلمية ، والوسط الذي كان يعيش فيه.
    الثالثة : ملاحظة مضامين ما يرويه ، والأبواب الذي يكثر الرواية فيها ، فإنّها تعكس المستوى العلمي للراوي كما في قولهم عليهم‌السلام :

    «اعرفوا منازل الرجال منّا على قدر روايتهم عنّا» ، وفي رواية أخرى : «منازل الرجال على قدر دراية الرواية ...».
    الرابعة : نتاجه العلمي من الكتب المؤلفة ، ونحو تلقّي الأصحاب لها ، واشتهارها بينهم ، ويندرج في هذه النقطة إحصاء عدد رواياته في كتب الحديث.
    الخامسة : مراجعة حال المفردة في كتب العامّة الرجاليّة ، فإنّه يلقى كثيراً من الضوء على الموقع العلمي ، وحال المفردة في الانتماء إلى المذهب ، مضافاً إلى مراجعة وقوع تلك المفردة في طرقهم أيضاً ، وكذا مراجعة كتب التراجم كتاريخ بغداد للخطيب وتاريخ دمشق لابن عساكر ونحو ذلك.
    السادسة : مراجعة سائر المصادر الرجاليّة الأخرى لدى الأصحاب ، واستقصائها ، وكذا ما كتب بيراعاتهم الشريفة بعنوان الفوائد الرجاليّة الرجاليّة ، فإنّ فيها من التحقيقات الجمّة ما لو جُمعت في كتاب مبوّب بحسب المفردات لكان حافلاً بالشوارد والنكات المتعدّدة حول المفردة الواحدة ، ولا يخفى في صدارة هذه الفوائد كتاب الميرزا النوري في خاتمة المستدرك ، وكذلك ما هو المبثوث من التحقيقات في المفردات من كتاب الذريعة.
    السابعة : إعمال سلسلة من التحليلات حول المفردة ، من خلال ضبط ومقارنة التاريخ الذي عاشت فيه ، والانتماء المدرسي ، سواء في المدارس الفقهية داخل الطائفة ، أو الكلامية أو التفسيرية وغيرها ، ومن خلال علائق شيوخ الرواية ، ومن يُدمِن معاشرتهم علمياً ، والأبواب الروائية التي يُدمن روايتها ، ومواقف المفردة المنعكسة من خلال بعض الأجوبة المأثورة عنها في أحداث ووقائع معيّنة ، فإنّ رسم المفاد التحليلي للمواد المجموعة عن المفردة من خلال النقاط السابقة بنحو منسجم ملائم كفيل بإعطاء الصورة الواضحة عنها.

    كما أنّه لا يخفى أنّ عناصر التوثيق العامّة والخاصّة التي ذكرناها في الفصل السابق لا بدّ من ضمّها وإعطاء المفاد التحليلي لها المؤثّر في الاطّلاع على الدرجة العلميّة والاجتماعيّة وموقع المفردة في الطائفة ، وبهذه الرويّة التحليلية يكون الباحث الرجالي قد أعمل المنهج التحليلي لدى الباحث التاريخي ، وهذا في غاية الأهمّية بعد تجميع المواد حول المفردة ، وإلّا لعادت الموادّ والقرائن المجموعة عنها نكات مبعثرة متوزّعة كقصاصات مقتطعة ، غير مجتمعة فلا ترسم صورة واضحة عن المفردة.
    وبهذه النقطة تندفع كثير من الإشكالات التي طابعها الجمود وعدم استنطاق القرائن والموادّ المختصّة بالمفردة ، يستشرف الباحث على حقيقة الجرح والتعديل والطعون المثارة حول المفردة ، وترجيح أيّ منها وموضوعيّتها.
    وقد اعتمد هذا المنهج كتاب تنقيح المقال ، وقاموس الرجال ، حيث غلب عليهما هذا المنهج
    المنهج الثاني : نظرية الطبقات
    وهي كما قدّمنا في الفصول السابقة تشترك مع نظرية تجريد الأسانيد ، إلّا أنّ بينهما نحواً من الفوارق ، وقد اعتمد هذا المنهج مشهور الرجاليين ، إلّا أنّ الذي برع فيه صاحب كتاب جامع الرواة المحقّق الشيخ محمّد بن علي الأردبيلي.
    وتعريفه : هو تحرّي معرفة طبقة الراوي ، عن طريق الراوي والمروي عنه ، ومن ثمّ يشخّص الفترة الزمنية التي بدأ بتحمّل الرواية ، كما يُشخّص بذلك فترة بروزه كنجم في سماء الرواية والتحديث وانتهاءً إلى آخر فترة عاش فيها الراوي ، وبتشخيص ذلك ينجم منه معرفة عدّة جهات في شخصية الراوي.

    منها حقبة عمر الراوي ، ومنها : المكان الذي عاش فيه ، ومنها : أساتذته وشيوخه في الرواية وتلامذته الراوون عنه ، ومنها : انتماءاته للمدارس العلمية ، ومنها : تمييز المفردات المشتركة مع الراوي في الاسم وهو من المسائل الهامّة جداً في علم الرجال والحديث.
    وقد قال صاحب جامع الرواة في الخاتمة ، في الفائدة التي عقدها لشرح مشيخة التهذيب ، عند شرحه لطريق الشيخ إلى يونس بن عبد الرحمن ، وحكمه بأنّه صحيح ما ملخّصه : «إنّي لما نظرت إلى أقوال علماء الرجال رضى الله عنه في هذه الفائدة رايت أنّهم لم يذكروا طرق الشيخ قدس‌سره جميعاً ، بل ذكروا منها قليلاً في غاية القلّة وما ذكروه لم يكن مفيداً في أداء المطلوب من هذه الفائدة ، أردت تأليف رسالة على حدّ موسومة بتصحيح الأسانيد ، حيث إنّ الشيخ أراد من ذكر المشيخة وطرقه في الفهرست إخراج الروايات عن الإرسال ، إذ هو يطرح ابتداء السند في داخل الكتاب ويبتدأ بأصحاب الكتب والأصول وحيث كان في كثير من تلك الطرق في المشيخة من هو معلول على المشهور بضعف أو جهالة أو إرسال ، بل قد يروي الشيخ عن اناس آخرين معلّقاً مع عدم ذكره طريقاً إليهم لا في المشيخة ولا الفهرس اتّكالاً منه على كون الأصول والكتب مشهورة بل متواترة ، ولذا لا تراه يقدح في أوائل السند بل إنّما يقدح فيمن يُذكر بعد أصحاب الأصول ، وحيث إنّ المتأخّرين لم تثبت عندهم هذه الشهرة ، فأسقطوا كثيراً من أخبار الكتابين عن الاعتبار ، وقد خطر لديّ عند تصفّحي للكتابين أن وجدت لكلّ من الأصول والكتب طرقاً كثيرة أكثرها موصوفة بالصحّة والاعتبار فأردت أن أجمعها ، واكتفيت في ذلك على ضبط قدر قليل لأنّ المنظور هو الاختصار ، فجعلت لما رأيت في المشيخة علامة المشيخة ولما في الفهرست (ست) ،

    وفي التهذيب (يب) ، وفي الاستبصار (بص) ، وكتبتُ تحت كلّ واحد من الطرق الضعيفة والمرسلة والمجهولة والطرق الصحيحة والحسنة والموثّقة التي وجدتها في هذين الكتابين ، وأشرت إلى أنّها في أي باب وأيّ حديث من هذا الباب حتّى يكون للناظر مبرهناً مدلّلاً وسمّيته بتصحيح الأسانيد أو مجمل الفهارست أو مجمعها».
    وقال السيّد البروجردي في مقدّمة كتابه في شرح عبارته ما ملخّصها : «إنّ رسالته هذه هي لاستدراك ما سقط من قلم السيّدين الأسترابادي والتفريشي ، عند تعرّضهم لبيان ما هو معتبر من طرق الشيخ للكتب التي لم يذكر طرقه إليها ، حيث إنّ الطرق التي ذكرها الشيخ في المشيخة هم تسعة وثلاثون شيخاً ، والسيّد الأسترابادي لم يذكر من هؤلاء المشيخة سوى خمسة وعشرين ، وظاهرهما إنّ الطرق الباقية غير معتبرة.
    وأمّا التفريشي فزاد على مشيخة التهذيبين أحداً وثلاثين شيخاً ، وذكر طرق الشيخ إليها أخذاً من الفهرست ، وأمّا المصنّف الأردبيلي فزاد على مشيخة الشيخ طرقاً أنهاها إلى خمسين وثمانمائة تقريباً ، والمعتبر منها قريب خمسمائة طريق ، والذي دعاه إلى هذا التكثير هو ما ذكره ـ ثمّ حكى عنه كلامه المتقدّم ـ ثمّ شرح مبنى المصنّف بقوله : إنه إذا رأى في سند من أسانيد التهذيبين صاحب كتاب أو أصل استظهر أنّ الحديث المروي بذلك السند مأخوذ من كتاب هذا الرجل ، وإنّ الرواة الذين توسّطوا في سنده بين الشيخ وبينه رووا هذا الحديث عنه بسبب روايتهم لجميع ما في كتابه من روايات ، فهؤلاء الرواة طريق للشيخ إلى ذلك الكتاب ، وإن لم يذكره في المشيخة أو الفهرست أو ذكر طريقاً آخر ضعيفاً على المشهور ، فبذلك تصحّح كثير من طرق الشيخ للكتب ، مثلاً روى الشيخ

    عن علي بن الحسن الطاطري قريباً من ثلاثين حديثاً ، وطريق الشيخ إلى الطاطري هو عن أحمد بن عبدون عن علي بن محمّد بن الزبير عن أبي الملك أحمد بن عمر بن كيسبة عن علي بن الحسن الطاطري ، وهذا الطريق مجهول بابن كيسبة وبابن الزبير ، ولكن الشيخ في كتاب الحج روى أربع روايات عن موسى بن القاسم عن علي بن الحسن الطاطري عن دُرُسْت بن أبي منصور ومحمّد بن أبي حمزة عن ابن مسكان وطريق الشيخ إلى موسى بن القاسم صحيح ، فصحّح المصنّف طريق الشيخ إلى الطاطري بذلك في مختصر رسالته ، حيث قال : وإلى علي بن الحسن الطاطري فيه علي بن محمّد بن الزبير في المشيخة والفهرست ، وإلى الطاطري صحيح في التهذيب في باب الطواف قريباً من الآخر في ستّة عشر حديثاً ، وفي الحديث الستين ، وفي باب الخروج إلى الصفا في الحديث الحادي والستين ، وإلى علي الجرمي صحيح في باب ما يجب على المحرم اجتنابه في الحديث السادس.
    المثال الثاني : قال في مختصر الرسالة : وإلى علي بن الحسن بن فضّال فيه علي بن محمّد بن الزبير في المشيخة والفهرست ، وإليه صحيح في التهذيب في باب الأحداث الموجبة للطهارة في الحديث السادس ، وفي باب حكم الجنابة في الحديث الحادي والأربعين وفي باب حكم الحيض في الحديث الخامس والسادس والسابع» ، انتهى.
    والطريق في باب الطهارة هكذا : عن أبي محمّد هارون بن موسى عن أحمد بن محمّد بن سعيد عن علي بن الحسن وأحمد بن عبدون عن علي بن محمّد بن الزبير عن علي بن الحسن عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن حمّاد بن عيسى ، والطريق في الحديث الثالث ينتهي عن صفوان وقد وصف علي بن الحسن في واحد من الطرق الثلاثة بابن فضّال ، وفي آخر علي بن الحسن عن اخيه أحمد بن الحسن عن أبيه.

    ثمّ أشكل السيّد قدس‌سره على المصنّف بما حاصله : «إنّه كما يحتمل ما استظهره يحتمل أن تكون هذه الروايات مأخوذة من كتاب دُرُسْت بن أبي منصور ومحمّد بن أبي حمزة أو من فوقهما لا من كتاب الطاطري ، والطاطري إنّما وقع كطريق إلى تلك الكتب ، هذا في المثال الأوّل ، وكذا في المثال الثاني يحتمل أنّ الأحاديث مأخوذة من كتاب عبد الرحمن بن أبي نجران وكان ابن فضال واقعاً في طريق ذلك الكتاب ، إذ ليس كلّ من روى كتاب شيخ يلزم أن يذكر أخبار كتاب ذلك الشيخ في كتاب نفسه ، وعلى فرض أنّها مذكورة في كتاب الطاطري مثلاً كما هو في المثال الأوّل لا يلزم حينئذ أن يكون موسى بن قاسم روى عنه غيرها ممّا لم يكن في كتاب دُرُسْت بن أبي منصور.
    وبالجملة هذا الاحتمال قائم في جميع ما استنبطه من أسانيد التهذيبين ، فلم أرى في تلك الرسالة كثير فائدة ، وإنّما الامتياز القيّم الذي هو لكتابه باعتبار ما فيه من جمع رواة الكتب الأربعة ، وذكر من رووا عنه ومن روى عنهم ، وتعيين مقدار رواياتهم ورفعه بذلك بعض النقص عن كتب الرجال ، وإنّي كنت عند مراجعتي لأسانيد الروايات وتصانيف الفهارس والرجال والمشتركات تفطّنت لما تفطّن هذا الشيخ الجليل ولغيره من النقص في تلك الكتب ، ولكنّي سلكت في رفعها مسلكاً آخر ، إلّا أنّي استعظمت ما تحمّله هذا الشيخ قدس‌سره من المشقّة في طريقة هذا التصنيف ، فندبت إلى طبعه». انتهى.
    أقول : نقلنا كلاميهما 0 بطوله مع تلخيص منّا لما فيه من تبيان منهج الطبقات ، وهو الذي ذكره أخيراً السيّد شرحاً لامتياز كتاب جامع الرواة ، ومغايرته لمنهج تجريد الأسانيد الذي تضمّنه صدر كلاميهما ، والذي يأتي الكلام عنه ، وعمّا أورده السيّد على المصنّف في ما بعد ، وقد فتح جامع الرواة الباب

    للعديد من التصنيفات الرجاليّة المتأخّرة عنه احتذاءً بمنهجه ، فمثلاً معجم الرجال للسيّد الخوئي قدس‌سره حيث يغلب عليه طابع هذا المنهج بخلاف كتاب تنقيح المقال وقاموس الرجال فالذي يغلب عليهما المنهج الأوّل
    المنهج الثالث : تجريد الأسانيد
    وملخّصها : هو المقابلة بين الطرق الموجودة في الكتب الروائية ، مع غضّ النظر عن المتن ، وتتمّ المقابلة بترتيب حسب إعجام الاسم ، أو بحسب الكتاب المستخرج منه أو الأصل ، وبهذه المقابلة يتمّ كشف بعض الوسائط الساقطة ، أو بعض إختلاف واشتباه النسخ ، كما يتمّ به كشف المشتركات ، ومعرفة الروايات المأخوذة من الكتب عن المأخوذة سماعاً ، وكذلك يتمّ به اكتشاف طرق مثل الشيخ والصدوق في كتبه الأخرى على أصحاب الكتب كما تبيّن مثاله في صدر العبارة التي نقلناها عن جامع الرواة.
    وبالجملة إنّ المقابلة بين سلسلة الأسانيد يستخرج منها علم جمّ ، ويتزوّد الباحث الرجالي من بحره ما لا يُحصى من الفوائد والنكات ، ويظهر ذلك بأدنى ممارسة ، فمن تلك الفوائد أيضاً معرفة أسماء الراوي المتعدّدة وألقابه وكناه ، وكذا تلاميذه الرّاوين عنه ، ومن يكثر منهم عنه ممّن يقلّ ، ومن يكثر هو عنهم ومن يُقلّ ، كما يظهر منه مدى عمر الراوي وأسفاره وتنقلاته في الحواظر العلمية الروائية ، كما يظهر مشربه ومرامه من خلال من يطالسهم ، كما يظهر منه رتبته العلمية ، كما لو شوهد رواية بعض من عاصره من الأكابر عنه.
    وبكلمة موجزة ، إنّ سلاسل السند والطرق المعنعنة فيها بمنزلة النسب العلمي والاجتماعي الذي عاش فيه الراوي.

    وممّن اعتمد هذا المنهج السيّد البروجردي رحمه‌الله في كتبه تجريد الأسانيد للكتب الأربعة وغيرها
    المنهج الرابع : النصوص الرجاليّة
    ويُعتمد فيه الاقتصار على أقوال الرجاليين المتقدّمين كالأُصول الخمسة ، وقد يلحق بهم أقوال المتأخّرين كخلاصة العلّامة ورجال ابن داود ، وقد يضاف إليهم أقوال متأخّري المتأخّرين ، ممّن له الريادة في التحقيقات الرجاليّة ، وذلك حسب المبنى المعتمد في حجّية قول الرجالي وتوثيق المفردات.
    ومن الكتب الرجاليّة المؤلّفة على هذا النمط كتاب خلاصة العلّامة الحلّي ، وابن داود ، وكتاب مجمع الرجال للقهبائي ، ونقد الرجال للتفريشي ، وإن اشتمل الأخير في خاتمته على تبيان مناهج أخرى بنحو مختزل.
    ويؤاخذ على هذا المنهج ما تقدّم في البحث عن حجّية قول الرجالي ، من عدم اقتصار باب التوثيقات عليه ، وأنّ الاقتصار عليه مخلّ بمعرفة كثير من المفردات الرجاليّة ، بل لا يؤدّي إلى معرفة المفردات المذكورة في أقوالهم معرفة حقيقية ، إذ فكم من جرح معلّل ، وكم من توثيق مقيّد بجهات معيّنة ، وإن أوهمت عبائر الرجاليين أنّهما مطلقين ، إذ لا بدّ في الراوي من توفّره على صفات عملية كالوثاقة أو العدالة ، وصفات علميّة كالضبط والحفظ ونحو ذلك.
    مضافاً إلى ما ذكرناه من أنّ الوثاقة أو العدالة لا تنحصر ولا يقتصر في إثباتها على ألفاظ محصورة وموادّ معدودة بعينها ، فليس مثبتات التوثيق قوالب لفظية ، كلفظة ثقة ، أو ثبت ، أو صدوق ، ونحوها من الألفاظ المعدودة ، والاختصار على هذا المنهج يُدرج علم الرجال بالعلوم الرياضية أو العقلية المؤطّرة بقضايا

    مقولبة ، بينما علم الرجال علم استقرائي يعتمد على التتبّع ، وجمع قصاصات الآثار وتصيّد كلّ شاردة وواردة كفصل من فصول علم التاريخ ، نعم أصول علم الرجال وقواعد الفوائد العامّة فيه وحجّية المنهج المتّبع الذي يتبع في أبحاث المفردات لا بدّ أن ينضبط بقواعد رصينة وضوابط معيّنة ، أمّا جانب التطبيق والفحص والاستقراء فليس يتقيّد بقضايا وموادّ محصورة ، وهذا الخلط في الجانبين تفشّى داؤه في نمط البحث الرجالي في العصر الحاضر
    المنهج الخامس : تراجم البيوتات والأسر الروائية
    وقد اعتمد هذا المنهج في مصنّفات العديد من الرجاليين ، كما صنّف أبو غالب الزراري رسالة في آل زرارة بن أعين ، وعن بعض آخر في آل نجاشي ، وبعض في النوبختية ، وقد وضع العلّامة بحر العلوم كتابه في الرجال على هذا المنهج حيث ترجم لكثير من البيوتات الشيعية.
    ويمتاز هذا المنهج بتسليط الضوء على الراوي من جهة التربية الأسرية وقراءة ترجمة المفردة من جهة النشأة التي نشأ فيها ، والمهد الذي ترعرع فيه المؤثّر في انصباغ سلوكه به ، وهذه الجهة تمهّد لتفسير كثير من الحالات والجوانب في المفردة ممّا قد يستعصي على المناهج الاخرى قراءة خلفيتها من دون ذلك.
    ويمكن أن يعدّ ما أُلف في نسب الطالبيين من مؤلّفات عديدة من هذا القبيل ، ككتاب مقاتل الطالبيّين لأبي الفرج الأصفهاني وكتاب العُمدة ، وكتاب الفخري والمجدي وأمثالها ، بل هناك من التأليفات التاريخية في القبائل وبطونها وأفخاذها ، وسيأتي أنّ أحد طرق توثيق النسخة الموجودة لعلي بن إبراهيم هو بالاستفادة عبر هذا المنهج في ترجمة الحسن بن حمزة بن علي بن

    عبد الله الواقع في سلسلة سند النسخة ، ولكن الأصحّ والأحرى عدّها في المنهج الآتي من علم الأنساب ، إذ لا يخفى وثاقة الصلة بين هذا المنهج وعلم الأنساب
    المنهج السادس : تاريخ المدن
    بترجمة كلّ مَن دخل المدينة أو سكن فيها وأقام ، ممّن وقع في سلسلة الرواة ، أو كان له شأن في الوقائع التأريخية ، ويتحرّى في هذا المنهج التطرّق لذكر الوقائع التي جرت لصاحب الترجمة في تلك المدينة ، ولسلسلة رواة تلك المدينة الراويين عنه ، وللمحافل والأندية العلمية وغيرها التي وقعت له أو كانت مقامة حين وجوده.
    كما قد يركّز في هذا المنهج على ذكر الروايات التي تبدأ طرقها من الرواة المنتسبين إلى تلك المدينة ، المتضمّنة لتعرفة حال المفردة.
    ويتميّز هذا المنهج أيضاً بتعرفة الكتب وأصحابها والطرق الروائية التي تجتمع سلاسل سندها إلى رواة من أصحاب تلك المدينة.
    وبعبارة أخرى : إنّ في هذا المنهج يتمّ التركيز على الحواضر العلمية والروائية وغيرها ، التي نشأت في تلك المدينة ، والرواة الذين فيها ممّا قد لا توجد ترجمتهم لدى أرباب التراجم والكتب الرجاليّة بسبب كون مؤلّفيها يقطنون في حواضر علمية في مدن أخرى لم يكن بينهم صلات علمية حديثية ، كما سيأتي مثال ذلك في فصل أحوال الكتب في تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام ، حيث إنّ نسخته مرويّة بطرق رواة الحواظر الروائية في أسترآباد وجرجان ، وهذا أمر بالغ الأهمّية حيث إنّه قد ضُعّف العديد من الكتب بسبب عدم الالتفات إلى هذا المنهج ، كما هو الحال في كتب أصحابنا التي دُوّنت في مصر ، كما يذكر ذلك

    في الأشعثيات ودعائم الإسلام ، أو في نيشابور وما يقربها من المدن ، ولذلك اعتنى كبار المحدّثين في أواخر الغيبة الصغرى وأوائل الغيبة الكبرى بالسفر إلى المدن العديدة لتحمّل الروايات ، حتّى إنّه عُدّ من خصائص المحدّث الراوي وامتيازاته الجليلة هو كثرة أسفاره لتحمّل الحديث ، كما هو الحال في الشيخ الصدوق فإنّ أكثر أو كثير ما في كتبه من الروايات قد تحمّلها في أسفاره ، وهكذا الحال في أبي محمّد هارون بن موسى التلعكبري شيخ الطائفة في زمانه ، وأبي المفضّل الشيباني ، والذي سافر طيلة عمره في طلب الحديث ، وغيرهم.
    وممّن اعتمد هذا المنهج كتاب تاريخ قم ، وكتاب تاريخ الكوفة ، والخطيب في تاريخ بغداد ، وابن عساكر في تأريخه أيضاً ، وابن شُبّة في تاريخ المدينة ، والأزرقي في تاريخ مكّة
    المنهج السابع : المنهج الروائي
    ويعتمد فيه على خصوص الروايات الواردة بمضمون مدح أو قدح أو ما يلازمهما حول الترجمة ، وقد اعتمد على هذا المنهج كثيراً الشيخ الكشّي في رجاله ، حيث ذكر في كلّ ترجمةٍ الروايات الواردة حولها ، وقد استدرك عليه أصحابنا في كتبهم الرجاليّة إلى عصرنا هذا الكثير من الروايات ، إذ هي مبثوثة في الأبواب الروائية ، وتحتاج إلى فطنة والتفاتة من المتتبّع ، حيث إنّ الكثير من الروايات ليس فيه التصريح بالمدح أو القدح ، وإنّما يُفهم ذلك بإمعان التدبّر واقتناص المغزى من مضمون الرواية ، فمثلاً كون الراوي صاحب سرّ الإمام يتوصّل إليه عبر اطّلاعه عليه‌السلام الكثير من الأمور ذات الشأن في مجالٍ ما للراوي وايقافه عليها ، وكذا معرفة كون الراوي إمامياً من خلال روايته لمضامين

    في معارف الإمامة.
    وبعبارة أخرى : فإنّ هذا المنهج يوضح منزلة الراوي العلمية ودرجة أمانته لدى الإمام عليه‌السلام ، ومرتبة وثاقته منه ، وهذا ما عبّر الأئمّة عليهم‌السلام عنه بمنازل الرجال ، فإنّه لا شك يعطي صورة واضحة عن دوائر الرواة المحيطة بالمعصوم الأقرب فالأقرب
    المنهج الثامن : أصحاب كلّ إمام
    ويعتمد فيه على ذكر أصحاب كلّ إمام ، الشيوخ منهم والمتوسّطين والأحداث ، وقد يشترك بعض الرواة في صحبة أكثر من إمام ، وبهذا يمتاز هذا المنهج عن منهج الطبقات الذي سبق ، وقد اعتمده الشيخ الطوسي في رجاله ، كما قد ألّف الرجاليّ الكبير ابن عقدة محمّد بن سعيد كتاباً في أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام ، وقد الّف على هذا المنوال العديد من الكتب ، لا سيّما في هذه الأعصار المتأخّرة ، وكما قد ألّف في صحابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كثيراً كالإصابة في معرفة الصحابة ، والطبقات ، واسد الغابة وغيرها
    المنهج التاسع : الفهرسة وتراجم الكتب
    وهذا المنهج وإن كان بالأحرى اعتبار مصنّفاته في ضمن علم الدراية ، إلّا أنّه قد اصطلح عليه قديماً وحديثاً إدراجه في علم الرجال ، ولعلّه من أقدم مناهج التصنيف في علم الرجال ، ويعتمد فيه على ذكر الكتب التي ألّفها المفردة المترجمة ، ومن روى تلك الكتب عنه ، والطرق إلى تلك الكتب ، مع ترجمة مختصرة لحال الكتب ، ومدى شهرتها واعتماد الطائفة عليها ، واختلاف النُّسخ وتوثيقها ، وينجلي بذلك مكانة الراوي العلمية ، حيث إنّ الكتاب ومؤلّفه

    ـ الراوي ـ يقوم اعتبار أحدهما بالآخر.
    وبعبارة آخرة : إنّ سلاسل الأسانيد والطرق حيث إنّ غالبها عبارة عن تلفيق من الطريق إلى أصحاب الكتب مع الطريق من صاحب الكتاب إلى المعصوم عليه‌السلام ، فيكون البحث في الطرق إلى الكتب بحث رجالي في توثيق الأسانيد ، ومن ثمّ أدرج مثل هذا المنهج في علم الرجال ، وربّما يؤلّف المحدّث الكبير فهرستاً خاصاً بطرقه إلى الكتب التي يروي عنها ، كما صنع الصدوق فلاحظ عبارته في أوّل كتاب الفقيه ، وكذلك الشيخ الطوسي حيث وضع كتابه الفهرست ، وقد لا يكون محدّثاً بالمعنى الأخصّ كما هو الحال في النجاشي.
    وقد تطوّر هذا المنهج إلى ذروته عند المحقّق الكبير والرجالي الشهير الآغا بزرگ الطهراني ، حيث قد أدخل في هذا المنهج العديد من ضوابط البحث في أحوال الكتب والنسخ وطريقة توثيقها ، ممّا سنشير إليها في فصل أحوال الكتب ، والناظر المتتبّع في كتابه الذريعة يرى جدوى هذا المنهج ، وغاية فائدته في الوقوف على شخصية المفردة الرجاليّة من خلال تصانيفها ، ويعتبر ابن النديم في فهرسته من روّاد من خاض هذا الغمار.
    وممّن اعتمد هذا المنهج أيضاً الشيخ منتجب الدين في فهرسته ، وابن شهرآشوب في معالم العلماء ، والميرزا النوري في الفائدة الأولى من الخاتمة ، والحاج عبد الله الأفندي في رياض العلماء
    المنهج العاشر : المشيخة
    وهو منهج يكاد يكون كسابقه ، إلّا أنّ الصحيح إنّه يتميّز عنه في كون المشيخة أسلوب في التدوين يُرفق بكتاب الحديث لتوضيح طرق صاحب الكتاب إلى

    الكتب التي استخرج روايات كتابه عنها مقتصراً عليها ، بخلاف كتب الفهرست ، فإنّها أعمّ من ذلك ، وأعمّ من أن يكون مؤلّف الفهرست محدّثاً وصاحب مدوّنات حديثية ، كما هو الحال في الشيخ النجاشي ، مضافاً إلى أنّه في المشيخة يقتصر فقط على ذكر الطرق إلى الكتب المستخرجة منها الروايات من دون تعريف زائد بأحوال الكتب والنسخ والتعريف بخصوصيات أخرى ، وهذا بخلاف كتب الفهرست.
    ومن ثمّ توسّع هذا المنهج ببزوغ كتب شرح المشيخة ، وقد تبارى الرجاليون في هذه الشروح وقد بدأت بنحو مقتضب كالّذي صنعه العلّامة ـ في خاتمة الخلاصة ـ في بيان حكم طرق كتاب الفقيه والتهذيبين من حيث الصحّة والضعف مقتصراً على ذكر النتيجة فقط ، وتوالت من بعده شروح بنفس الاقتضاب والاقتصار على ذكر النتيجة وحكم الطرق ، ثمّ زيد على ذلك بشرح مفردات الطرق من حيث الضعف والوثاقة.
    وقد تحرّى من كتب في ذلك إبداء حلول عامّة أو خاصّة لانتشال الطريق إلى الكتاب من الضعف ، فبدت نظريّة تبديل الأسانيد وتزويجها ـ تعويض السند ـ كما مرّت الإشارة إليها في الفصول السابقة ، وهي ذات أقسام عديدة آخذة في الازدياد حسب ما يجده المتتبّع من شواهد يُخرّج بها القسم الذي ابتكره وعثر عليه.
    كما ابديت نظريّة شهرة الكتب والاصول المعروفة المستخرج عنها الروايات وتواترها ، وكون الطرق إليها ليست إلّا كزينة وحيطة عن توهّم إرسالها ، أو الخشية من انتهائها إلى ذلك ، وقد التزم بها المرحوم المجلسي في كتابه الأربعين والحرّ العاملي في خاتمة الوسائل ، وتبعهم على ذلك الميرزا القمي في القوانين ومرّت الإشارة إلى ذلك مفصّلاً ، كما قد مرّت عبارة صاحب جامع الرواة في منهج

    الطبقات المتقدّم ، وقد بسط الميرزا النوري في الفائدتين اللّتين عقدهما في الخاتمة لشرح مشيخة الفقيه والتهذيبين بشرح وافر بالنكات والفوائد.
    ويعدّ أوّل من ألّف في المشيخة الراوي الجليل الحسن بن محبوب الزرّاد في كتابه المعروف بالمشيخة ، ومن ثمّ عدّه بعض الرجاليين أوّل من كتب في الرجال من الإماميّة
    المنهج الحادي عشر : منهج الفوائد
    وهو يعتمد على ذكر الفوائد العامّة في التوثيق أو الجرح أو المبيِّنة لحال الطرق وإعلالها وبيان الاصطلاحات الرجاليّة ، كما قد يتعرّض فيها إلى الترجمات المسهبة عن بعض المفردات بتقصّ وافٍ ، كما قد يُتعرّض إلى فوائد عامّة في التوثيق مبتكرة جديدة ، وأيضاً قد يبحث فيها عن أصول علم الرجال ، وهو بحث يتناول المنهج المعتمد في التوثيق والتضعيف وتطبيق المباني الأصولية بمداقّة ، كي تنضبط طريقة الاستنتاج الرجالي وفق أصول ومباني منقّحة.
    كما أنّ هذا المنهج يعتبر كالبنية التحتية لمباحث علم الرجال وللسير الرجالي في نقضه وإبرامه وجرحه وتوثيقه في آحاد المفردات ، ومن ثمّ ترى كلّ كتاب يوضع في الرجال ـ عند المتأخّرين ـ لا بدّ أن يشتمل على الفوائد في مقدّمته أو خاتمته ، وهي تعكس مبنى المؤلِّف في المنهج الرجالي ، وبعض هذه الفوائد قد توضع مستقلّة كما في الرواشح السماوية للميرداماد ، أو فوائد الشيخ علي الخاقاني وفوائد الخاجوئي ، وبعضها تلحق بكتاب الحديث ، كما صنع صاحب المعالم في منتقى الجمان ، ولو قُدّر أن تُجمع هذه الفوائد لكانت موسوعة تربو على عشرات المجلّدات ، بل إنّ في مجموع الفوائد نفسهما ما يجتمع منه قرابة دورة

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2975
    نقاط : 4628
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    بحوث في مباني علم الرجال Empty
    مُساهمةموضوع: رد: بحوث في مباني علم الرجال   بحوث في مباني علم الرجال Emptyالثلاثاء 29 أكتوبر 2024 - 20:33

    كاملة في المفردات الرجاليّة
    المنهج الثاني عشر : منهج تراجم الأعيان
    وهو يعتمد على ترجمة طبقات علماء الطائفة من ابتداء عصر الغيبتين ، ويكون لهذا المنهج دور مهمّ في توثيق سلاسل الطرق في كتب الأصحاب ، سواء في المجاميع الأربعة الأولى أو الكتب الروائية التي الّفت بعدهم ، كالطرق التي اعتمد عليها الراوندي في الخرائج والجرائح ، وفي مستطرفات السرائر لابن إدريس ، وطرق الطبرسي في الاحتجاج والطبري في دلائل الإمامة ، والمسعودي في إثبات الوصيّة ، والشيخ سليمان الحلّي في مختصر بصائر الدرجات ، وكذا طرق المحمدون الثلاثة في المجامع الروائية الثلاثة المتأخّرة.
    ولا يخفى أهمّيتها لتصحيحها النسخ التي اعتمدوا عليها في استخراج روايات كتبهم ، وكذا السيّد هاشم البحراني في طرق الكتب التي اعتمد عليها ، ومن ذلك يظهر أهمّية هذا المنهج في تصحيح نُسخ الكتب الروائية غير المشهورة الواصلة إلى متأخّري الأعصار ، فمثلاً نرى أنّ صاحب الوسائل قد أخرج أكثر روايات كتاب علي بن جعفر في كتابه الوسائل ، وكتابه وإن كان من الكتب المشهورة ، إلّا أنّ خصوصيات النسخة وألفاظها تكون حينئذ مسندة بالطريق الصحيح.
    وسيأتي في فصل أحوال الكتب أنّ أحد طرق تصحيح النسخة الموجودة لكتاب تفسير علي بن إبراهيم ـ وإن كانت النسخة من الكتب المشهورة ـ هو طريق صاحب الوسائل لتلك النسخة الممزوجة بتفسير الجارودي.
    ومثل رواية الترتيب في المرجّحات بين الأخبار المتعارضة ، فإنّ رواية الترتيب هذه قد رواها صاحب الوسائل عن كتاب الراوندي وتصحيحها بتوثيق

    طبقات السلسلة التي يروي بتوسّطها صاحب الوسائل نسخة كتاب الراوندي ، وإن كان هو في الكتب المشهورة في الجملة.
    ومن ثمّ فقد سمّى بعض هذا المنهج بمشيخة المتأخّرين ، ومنهج المشيخة السابق بمشيخة المتقدّمين.
    وممّن كتب في هذا المنهج المحقّق الرجالي الكبير الآغا بزرگ الطهراني في كتابه المعروف طبقات أعلام الشيعة ، وكذا العلّامة السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة ، والعلّامة الشيخ عبد الحسين الأميني في شهداء الفضيلة ، وكذا السيّد محمّد باقر الخونساري في روضات الجنّات ، والمحدّث القمي في الكنى والألقاب ، وغيرهم.
    ولا يخفى أنّه قد يستفاد من كتب أخرى موضوعة على مناهج أخرى ما يصبّ في هذا المنهج كفهرست منتجب الدين ، ومثل رياض العلماء للأفندي ، وهما بالدقّة من منهج فهرسة كتب المتأخّرين في قبال منهج فهرسة كتب المتقدّمين
    المنهج الثالث عشر : منهج الإجازات
    وهو يتعرّض لسلاسل الإجازة في الرواية لطبقات المشايخ ، وكذا إجازة رواية الكتب أعمّ من كونها كتب الحديث أو من علوم وفنون أخرى ، وهذا المنهج وإن كان أحد أبواب علم الدراية ، إلّا أنّه يتبع علم الرجال ، لما فيه من الفوائد والثمرات الرجاليّة ، وقد كتب فيه العديد من العلماء ، حيث ترى في كلّ قرن وطبقة هناك من وضع رسائل وكتب في ذلك ، نظير إجازتي العلّامة الحلّي لبني زهرة الطويلة والقصيرة ، وإجازات الشهيد الثاني لتلاميذه ، وإجازات المرحوم المجلسي واستجازاته ، وكذا إجازات السيّد هاشم البحراني والحرّ

    العاملي التي ذكروها في كتبهم ، وكتاب لؤلؤة البحرين للشيخ يوسف البحراني ، وما جمعه الميرزا النوري في الخاتمة من شجرة الإجازات الكبيرة ، وقد تعرّض الميرزا لترجمة كثير ممّن وقع في سلسلة الإجازات تلك ، وهناك الكثير ممّن كتب إجازاته واستجازاته كفائدة ملحقة ببعض كتبه.
    وهذا المنهج يقرب من المنهج السابق مورداً وفائدة ، إلّا إنّه يختلف عنه في الحيثيّة والجهة ، إذ هو يقتصر على من وقع في سلسلة الإجازة وإن لم يكن من الأعيان ، بخلاف المنهج السابق ، فإنّه يعمّ من لم يكن من مشايخ الإجازة ولكنّه يختص بأعيان الأعلام ، كما أنّ هذا المنهج يعني بالكتب والروايات المستجاز فيها بينما المنهج السابق يركّز فيه حول ترجمة المفردة في نفسها.
    وقد مرّ سابقاً إنّه ببركة هذا المنهج أخرجنا روايات مستطرفات السرائر عن الإرسال ، حيث علم من طرق إجازات الشهيد الثاني وغيره من أعلام متأخّري المتأخّرين بتوسّط وقوع ابن إدريس في تلك السلسلة المنتهية إلى الشيخ الطوسي ، فعلم منها طرق ابن إدريس إلى تلك الكتب.
    ومن ثمّ يتبيّن أنّ التسمية بمشيخة متأخّري المتأخّرين الأولى أن تكون تسمية لهذا المنهج من سابقه. ومنه يعلم أهمّية ضبط كتب الإجازات وجمعها والتعرّف عليها
    المنهج الرابع عشر : علم الأنساب
    وهو العلم الباحث عن أنساب القبائل وبطونها وأفخاذها ومواطن سكناها وأحوالها وصفاتها وقرونها التي عاشت فيها وانتهاء شجراتها إلى الأفراد ، وحيث أنّ النسب النبويّ والعلويّ قد اختص ببالغ الشرف فقد وضعت فيه كتب خاصّة به

    قد أشرنا إليها في المنهج الخامس ، كما قد بيّنا بعض الثمرات هاهناك فلاحظ.
    ودخالة علم الأنساب في الكشف عن هويّة المفردة هو من الأوّليات الضرورية لمعرفة ترجمة المفردة ، فكلّما كان الرجالي محيطاً بهذه الكتب كان أقدر على تمييز المشتركات بتوسّط اللقب أو الكنية أو موطن السكنى أو تاريخها وغير ذلك ممّا له دخل في هويّة المفردة الرجاليّة ، وقد كان الشيخ النجاشي يتميّز بالإلمام بهذا العلم.
    وهذا العلم وإن كان في بدايات نشوئه مدرج في كتب التاريخ تارة ، وأخرى في كتب اللغة القديمة باعتبار أسماء القبائل ، إلّا أنّه ألحق بأحد الأبواب الرجاليّة أيضاً ، بل انتهى الأمر إلى جعله علماً براسه ، وعلى كلّ تقدير فإنّ فائدته تصبّ في علم الرجال بنحو بالغ الخطورة ، وإن استفيد منه في علوم أخرى.


    الفصل الرّابعِ
    في أحوال الكتب :


    ولكيفيّة تحقيق الكتب الروائية والمصادر لا بدّ من اعتماد منهج معيّن ، وضوابط مشخصة ، إذ لم يبلور ذلك بصورة مفرزة في كتب الدراية ، ولا في كتب الفهارس ، كفهرست النجاشي رجال ، وفهرست الشيخ الطوسي ، أو كتاب الذريعة ، أو خاتمة المستدرك للنوري.
    وقد بزغت ظاهرة غير علمية في الأوساط المختلفة من الإقدام على نفي صحّة الكتب ، أو التشكيك في نسبتها إلى أصحابها بمجرّد احتمال عدم مطابقة النسخ الموجودة للكتاب الأصلي للمؤلّف ، أو احتمال عدم صحّة أصل نسبته للمؤلّف.
    وتحقيق صحّة النسخة وصحّة النسبة للمؤلّف وان كان لا بدّ منه ، إلّا أنّ النفي أيضاً متوقّف على الفحص والتثبّت ، ولا يكتفى فيه على مجرّد الاحتمال وعدم الاطّلاع ، فكل من النفي والإثبات محتاج إلى الدليل والشواهد والقرائن.
    كما أنّه من المحبّذ بل اللازم على المحقّقين للكتب الروائية مراعات المنهج العلمي لتوثيق النسخ ـ الآتي في النقاط التالية لا سيّما في النقطة السابعة ـ ونسبتها الى أصحابها ، فإنّ هذا أهمّ ما يجب ذكره في مقدّمة تحقيق الكتاب ، لا الاقتصار

    على ما هو الدارج في هذا العصر من ذكر النكات الفنّية فحسب من ذكر طول النسخة وكون الورق أبيض أو أصفر ، وكون الخط باللون الأحمر أو الأسود ، وذكر نوع الخط ، وغيرها ممّا له فائدةٌ ما ، إلّا أنّ المدار المهم في تصحيح النسخ ليس إلّا إثبات صحّتها وصحّة انتسابها إلى مؤلّفها وتوثيقها ، فإذا أنجز هذا المطلب حفظت الكتاب قيمته كمدرك ومستند للأدلة الشرعية ، فكم هو الفارق بين ما يصنعه المحقّق الكبير الآغا بزرگ الطهراني في الذريعة واستاذه المحقّق النوري في الخاتمة وبين ما هو متّبع الآن في مقدّمات التصحيح للكتب ، وسيتّضح ذلك عن قريب.
    ضوابط المنهج
    الأولى : مراجعة هويّة الكتاب ، من خلال كتب الفهرست ، أو كتب التراجم ، ولا يخفى هنا أنّ من النافع هو الإحاطة بالفهارس الموجودة ، كفهرس النجاشي ، والشيخ وابن النديم ، والشيخ منتجب الدين ، وكذا الفهارس المتأخّرة ، ككتاب الذريعة ، ورياض العلماء للأفندي ، وخاتمة المستدرك للنوري ، ومصفّى المقال في مصنّفي علم الرجال للآغا بزرگ الطهراني ، وكذا كتب التراجم والرجال كبقية الأصول الرجاليّة الخمسة وكتب الرجال للمتأخّرين ، كالعلّامة وابن داود ، وكتب التراجم كأعيان الشيعة ، وكتاب طبقات أعلام الشيعة لآغا بزرگ الطهراني ، وكتاب روضات الجنّات للخوانساري وغيرها.
    الثانية : معرفة أسانيد أصحاب الفهارس إلى ذلك الكتاب ، ولا ريب أنّ كثرة تلك الأسانيد ووفرة نسخه الواصلة إليهم يفيد استفاضة الكتاب ، أو تواتر نسخه ، ويثبت اشتهاره ، وهو في غاية الأهمّية.

    الثالثة : معرفة أسانيد أصحاب المجاميع الروائية المتأخّرة إلى ذلك الكتاب ، وذلك بتوسّط اتصال سندهم إلى أصحاب الفهارس ، كإجازات المرحوم المجلسي في البحار وطرقه إلى الكتب التي استخرج منها روايات كتابه ، وكذا الحال بالإضافة إلى الحرّ العاملي في خاتمة الوسائل ومفتتح كتاب إثبات الهداة ، وكذا طرق الفيض الكاشاني في الوافي ، وطرق السيّد هاشم البحراني ، وذلك عبر وقوعه في سلسلة إجازات عدّة من المحدّثين التي ذكروها عنه ، كما يمكن استخراج أسانيدهم من السلسلة المذكورة في كتب الإجازات ، كإجازة العلّامة الحلّي لابن زهرة وإجازة الشهيد الثاني إلى الشيخ حسين بن عبد الصمد الحارثي الهمداني العاملي ، وغيرها من الإجازات التي يُعثر عليها.
    الرابعة : التعرّف على اشتهار الكتاب في الطبقات المتلاحقة ، وهي خطوة هامّة للغاية ، إذ معرفة اشتهار الكتاب عند الأصحاب وفي أنديتهم العلمية والحوزات الروائية دالّ على شهرة الكتاب ونُسخه ، ويتمّ ذلك بملاحظة الاستناد إلى استخراج الروايات من ذلك الكتاب في الكتب الفقهيّة الاستدلاليّة ، ككتب الراوندي ، وابن إدريس ، والمحقّق والعلّامة والشهيدين والمحقّق الكركي ، ومن أتى بعدهم ، وفي المصنّفات الروائيّة ، ككتب ابن طاوس ، ومزار الشهيد الأوّل ، وكتب الطبرسي ، وغيرها ، وكذا الكتب الاعتقاديّة ، كإرشاد الشيخ المفيد ، وأمالي المرتضى وإعلام الورى والاحتجاج للطبرسيّين ، وإثبات الهداة للحرّ العاملي.
    والحاصل : إنّ تتبّع المدوّنات الفقهية وغيرها لأعلام الطائفة للقدماء والمتأخّرين ومتأخّري المتأخّرين حيث إنّهم كثيراً ما يستخرجون الرواية من الكتب المشهورة ، وهي شهادة بوجود النسخة المعتمدة لدى ذلك الفقيه والمؤلّف ، كما هو الحال في العلّامة الحلّي ، حيث أودع في كتابه منتهى المطلب

    روايات عديدة استخرجها من الكتاب المفقود مدينة العلم للشيخ الصدوق ، وعبّر عن الكثير منها بالصحيح ، وكذا ما نصّ عليه المحقّق الحلّي في المقدّمة الرابعة من كتاب المعتبر ، حيث ذكر فيها أسماء الكتب التي استخرج منها روايات الكتاب غير الكتب الأربعة ، وكذا الشهيد الثاني في تسلية الفؤاد.
    الخامسة : ملاحظة الخطوط والتوقيعات المتعدّدة على النسخ المختلفة الواصلة إلينا ، فإنّها تشير إلى أيدي متعاقبة متناولة لها ، وإلى الحواضر والحوزات العلمية التي تناقلتها ، ويسعف في هذا المجال كثيراً الكتب المعجميّة المتكفّلة بأحوال النسخ ، كالذريعة ، ورياض العلماء ، وخاتمة المستدرك ، وكذا فهرست النسخ الموجودة في المكتبات المخطوطة ، المحتفظة بكميّات كبيرة من النسخ الخطية ، فإنّها بأجمعها تنفع في تحصيل موسوعة عن الكتب الروائية ، وفي التعرّف على النسخ العديدة ممّا يوجب معرفة إسناد طرق الكتب ، فمن المهمّ الالتفات إلى لزوم الإشارة إلى كلّ النسخ الموجودة ، فإنّ إغفال ذكر نسخة قد يؤدّي إلى إغفال قرينة عامّة على سند ذلك الكتاب الواصل إلينا.
    السادسة : التعرّف على خط نسخة الكتاب ، واسم الناسخ ، وعمّن نسخ ، ومطابقة العدد المذكور فيه ، مع العدد المذكور في كتب النقل ، وكذا المطابقة بين ما في تلك النسخة وبين الروايات الواردة عنه في كتب أخرى.
    وبعبارة أخرى : لا بدّ في تصحيح وتحقيق نسخة الكتاب الروائي الأخذ بالقرائن الرجاليّة ، والحديثية الدرائية التي يحتجّ بها ، لا الأخذ بقرائن الاطر الفنيّة الشكليّة.
    السابعة : الرجوع والاستعانة بأهل الاختصاص في علم النسخ ، فإنّ التعرّف على النُّسخ عاد اليوم علماً برأسه اختصاصيّاً أكاديميّاً ، أو حاصل بالتجربة والتلمذ

    على يد أهل الخبرة من هذا الفن ، فإنّ في العصر الحديث قد فتح باب تزوير النسخ لتظهر كأنّها نُسخ أثريّة قديمة من القرون المتطاولة السابقة ، خصوصاً في الكتب الفريدة لتباع بأعلى الأثمان تحت عنوان النفائس القديمة ، وبسبب ذلك بزغ أرشفة ووضع عِلمان مختصّان بتحقيق صحّة النُّسخ ، وهو علم تصحيح النُّسخ ، وعلم فهارس الكتب والمكتبات.
    أمّا الأوّل : فهو يبحث فيه عن كلّ من مادّة الورق بتوسّط المختبرات المختصّة وأنّ تركيبته راجعة إلى أيّ قرن من القرون الماضية ، حيث إنّ التركيبة في كلّ قرن كانت آخذة في التطور والتغيّر ، وكذلك يبحث فيه عن مركّب الخط أي الحبر المنقوش فيه رسم الخط ، فإنّ نسبة الكاربون المركّبة أيضاً هي مختلفة بحسب تطوّر صناعة الحبر ومادّة المركّب ، ويقع البحث فيه أيضاً عن الجانب الأدبي في صياغة الكتاب ، فإنّ المفردات ونمط التراكيب والأمثلة المستخدمة إلى غير ذلك من الخصائص الثقافية لأدب كلّ قرن ، بل وكلّ مكان وقوم وبيئة لها خصائص تفترق عن المورد والزمن الآخر ، فمثلاً يقع الفحص عن مفردات مستعملة في السابق مهجورة في القرون اللاحقة ، فإذا وقع العكس عُلم تزوير النسخة ، إذ ظاهرة النَّحْت في اللغة ، أو النقل ، أو هجر المعنى من لفظ إلى معنى آخر ، وهو ما يسمّى بالارتجال المنشرة في اللغات المختلفة ، وكذا الأمثلة ، فإنّها تعكس عن المستوى الثقافي لذلك الزمن ، فتحدّد بذلك زمن النسخة ، ويقع فيه البحث أيضاً عن نمط ديباجة الكتاب ، وتوقيع الخاتمة ، فإنّه بحسب الأزمنة يختلف نمط الاستهلال في الديباجة ، ونمط التوقيع في الخاتمة ، بل إنّه من خلال أسماء الناسخين أيضاً يُتعرّف على الحقبة الزمنية لها ، إذ كلّ حقبة تشتهر بأسماء معيّنة ، وهكذا رسم الخط ، فإنّ نوعية الرسم والنقش تختلف بحسب الأزمنة في أنواع

    الخطوط والنقوش ، وكذلك حجم الكتاب ، وحجم الورق ، وعدد الصحائف ، وكيفيّة التجليد.
    وأمّا علم فهارس الكتب والمكتبات ، فإنّه يقع البحث فيه عن تاريخ المكتبات في القرون المتقدّمة وعدد ما تحويه من الكتب ، والمواضع التي انتقلت إليها الكتب في القرون اللاحقة ، وأصناف الكتب التي حوتها تلك المكتبات ، كما يقع البحث فيه عن التمييز بين النسخ الأصلية ، التي فيها خطوط مؤلّفيها والنسخ المستنسخة عنها ، وتبويب الكتب وتفصيلها بفصول ومقالات ، أي ما يشتمل عليه الكتاب من الأبواب والفصول فإنّ لكلّ فنّ في كلّ زمن نمط خاص من الفهرسة والتبويب ، وكذا يقع البحث فيه عن نمط تخريج الأقوال والأحاديث ، وطريقة الاستدلال ، والاصطلاحات المستخدمة في كلّ فنّ ، لكلّ زمن ، فمثلاً صاحب تخصّص الفهرسة إذا أراد التعرّف على النسخة كان اللازم عليه الإحاطة بالأدوار الزمانية لتطوّر ذلك الفنّ ، كي يتعرّف على كلّ ذلك ، وعلى الاسلوب الذي كتب به ، فانّه بذلك يستطيع الاطّلاع على صحّة النسخة ، وواقعيّتها المنسوبة لذلك الزمن ، إلى غير ذلك من الأمور.
    والحاصل : إنّ الاستعانة بهذين العلمين ولو عبر المتخصّصين فيها يشرف الباحث والمصحّح للنسخة على الجزم والوثوق بسلامة النسخة ، وصحّة انتسابها إلى مؤلّفها.
    الثامنة : التعرّف على أسلوب المؤلّف من خلال بقيّة كتبه ، فإنّ لكلّ مؤلّف من الرواة رويّة معينة في كيفيّة التأليف ، مضافاً إلى مبانيه الخاصّة به في الفقه ، أو المعارف ، فإنّ ذلك يُطلع المتتبّع على الوثوق بكون هذا التصنيف لذلك المؤلّف ، فمثلاً الصدوق رحمه‌الله الذي لا يرى نقص شهر رمضان ، ونحو ذلك من مبانيه

    الخاصّة به ، إذا شوهد في نسخة كتاب روائي ما يعاكس ذلك تماماً في المباني الذي عرف تشدّده فيها ، فإنّ ذلك يدلّ على خطأ النسخة ، والعكس يفيد في توليد الظن في صحّة النسخة ، الظنّ الذي لا بدّ أن يعتضد بقرائن أخرى.
    التاسعة : مطابقة مضامين الروايات في نسخة ذلك الكتاب مع ما ينقل عنه في كتب أخرى ، وكذا مقابلة مضامين تلك الروايات مع مضامين روايات الكتب المشهورة الاخرى ، فإنّ هذين القسمين من المقابلة لو تمّا على نحو مستوعب كامل لَأورث اطّلاعاً دقيقاً على درجة سلامة النسخة ، وضبطها ، ومدى قوّة انتسابها إلى مؤلّفها.
    العاشرة : استقصاء أكبر عدد من النُّسخ الموجودة في المكتبات المختصّة بالمخطوطات في المدن والدول المختلفة ، فإنّه كلّما ازداد عدد النُّسخ زادت الموادّ التي هي منبع لتطبيق الضوابط السابقة
    ثمّ إنّ هاهنا اعتراضين على طريق تحقيق الكتب
    الاعتراض الأوّل : وهو ما ينسب إلى السيّد البروجردي قدس‌سره ، من أنّ غير الكتب الأربعة لا يمكن الاعتماد على الروايات الواردة في نسخها منفردة وذلك لأنّ الطائفة قد اهتمّت ببالغ الأهمّية بالكتب الأربعة ، قراءة ، ومداولة ، وإملاءً ، واستنساخاً ، دون غيرها.
    الاعتراض الثاني : ويتولّد اعتراض آخر ، وهو أنّ أسانيد وطرق الكتب التي يذكرها أصحاب المجاميع المتأخّرة كالمحمّدون الثلاثة ، والفيض الكاشاني في الوافي ، والمجلسي في البحار ، والحرّ في الوسائل ، وغيرها ، والسيّد هاشم البحراني في كتبه ، وغيرهم في جوامعهم الروائية عبر سلسلة الإجازات ليست

    طرقاً اصطلاحيّة لاعتماد النسخ ، بحيث تخرجها عن الإرسال ، بل هي عبارة عن صورة إجازات تبركيّة كي تتّصل صورة السند بالمعصومين عليهم‌السلام ، كما هو شأن الإجازات في العصر الحاضر. فمثلاً : ترى الحرّ العاملي قد استجاز من المجلسي وكذا العكس ، وكذا السيّد هاشم البحراني ، قد حصلت له استجازة متقابلة مع غيره من الأعلام لكلّ ما يرويه كلّ منهما من الكتب الروائية للآخر ، فهل يُظنّ من هذه الإجازة مناولة كلّ للآخر جميع الكتب.
    فلا ريب أنّها دعوى مجازفة ، فضلاً من قراءته كلّ نُسخ الكتب على الآخر ، وعلى ذلك لا يعوّل على الروايات المستخرجة في جوامعهم من تلك النسخ لتلك الكتب غير المشهورة بمفردها.
    ولا يخفى إختلاف الثمرة بين هذين الاعتراضين ، فإنّه على الأوّل لا يُعتمد على روايات غير الكتب الأربعة ، وإن كانت مشهورة بمفردها ، وأمّا على الاعتراض الثاني فإنّه لا يُعتمد على روايات الكتب النُّسخ غير المشهورة ـ المستفيضة ـ بمفردها.
    ويندفع هذان الاعتراضان ببيان عدّة أمور :
    الأمر الأوّل : إنّ ما افيد في الاعتراض الأوّل من التفرقة بين إجازة الكتاب بالقراءة والسماع والإملاء والمقابلة من جانب وبين إجازة الكتاب بالمناولة من حجّية النقل بالطرق الأولى دون النقل بالطريق الثاني ممنوع ومردود ، كما هو مقرّر في علمي الدراية والأصول ، وإن كان النقل بالطرق الأولى أقوى حجّة وضبطاً وتثبّتاً ، لا أنّ الطريق الثاني ليس بحجّة.
    وبيان ذلك : إنّ النسخة إذا كانت معتمدة لدى شيخ الإجازة مصحّحة ومقابلة ، وناولها يداً بيد للمستجيز منه ، فيكون ذلك بمنزلة إخبار جُمَلي مجموعي من

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2975
    نقاط : 4628
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    بحوث في مباني علم الرجال Empty
    مُساهمةموضوع: رد: بحوث في مباني علم الرجال   بحوث في مباني علم الرجال Emptyالثلاثاء 29 أكتوبر 2024 - 20:35

    المجيز للمجاز بروايات ذلك الكتاب ، لا سيّما مع ديدن شيوخ الإجازة في المناولة من قراءة مقتطف من أحاديث الكتاب من مواضع متفرقة في ذلك الكتاب ، مع إخبار المجيز بعدد الروايات المتضمّن لها النسخة ، وخصوصيّات تلك النسخة ، وأهمّها عدد روايات ذلك الكتاب ، فالمناولة بهذه الصورة نحو توثيق معتمد عليه بين العقلاء في سيرهم ، فضلاً عن المتشرّعة وبين المسلمين أجمع.
    ومن ثمّ نُسب الاعتراض الأوّل إليه قدس‌سره بصياغة أخرى ، وهو التوقّف في الاعتماد على الدلالة والتركيب اللفظي في متون أحاديث تلك الكتب ، لعدم الوثوق بضبط ألفاظ المتون ، وإن اطمئنّ بالنسخة والكتاب إجمالاً.
    وإلى ذلك يشير مفاد رواية محمّد بن الحسن بن أبي خالد شينولة ، قال : قلت لأبي جعفر الثاني عليه‌السلام : جعلت فداك إنّ مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهم‌السلام وكانت التقيّة شديدة ، فكتموا كتبهم فلم تروا عنهم ، فلمّا ماتوا صارت تلك الكتب إلينا ، فقال : «حدّثوا بها فإنّها حقّ» (1).
    ولكنّ الاعتراض بصياغته الثانية هذه أيضاً مدفوع بنفس الجواب السالف ، وغاية هذه الصياغة الثانية هو أرجحيّة متون روايات الكتب الأربعة ودلالتها اللفظية على متون الكتب المشهورة الاخرى عند الاختلاف ، لا الإسقاط عن الحجّية التفصيلية ابتداءً ، والوجه في ذلك إنّ الإجازات عن طريق المناولة لا محالة تؤول بالنهاية إلى أخذها عن طريق السماع ، أو الإملاء والمقابلة ، إذ المناولة إمّا تكون بتمليك المجيز نسخة كتابه للمستجيز مع كون المجيز قد
    __________________
    (1) الوسائل : باب 8 ، أبواب صفات القاضي ، الحديث 27.

    حاز عليها بنفس النمط قبل ذلك وهلم جراً إلى أن تصل إلى الإجازة بالقراءة والسماع والإملاء ، وإمّا أن يكون المجيز بمناولته للمجاز آذن له بالاستنساخ والقيام بالمقابلة بمفرده ، وهكذا الأمر في المجيزين مترامية حتّى تقف وتنتهي إلى ما انتهت إليه الصورة الأولى والفرض الأوّل.
    وقد ذكر علماء الدراية أنّ المناولة مع الإجازة أخصّ من الإجازة ، لأنّها إجازة مخصوصة في كتاب بعينه ، وقالوا : «إنّ منها أن يدفع الشيخ إلى الطالب تمليكاً أو عارية النسخة ويقول له هذا سماعي من فلان أو روايتي عنه فاروه عنّي أو أجزت لك روايته عنّي أو يقول خذه وانسخه وقابل به ، ثمّ ردّه إليّ ويسمّى عرض المناولة في مقابل عرض القراءة» (1).
    وله تفاصيل كثيرة ذكروها في أقسام المناولة والإجازة والأداء فلاحظها (2).
    والعمدة أنّه مع تحفّظ المجيز والمجاز بشرائط الضبط والتي تعتبر في النقل بالسماع أيضاً فحجية النقل متحقّقة في الطريق (3).
    الأمر الثاني : وأمّا ما أفيد في الاعتراض الثاني فهي دعوى مدلّل عليها بمجرّد الاستئناس ، والقياس على الإجازات في عصرنا الحاضر التي يقصد بها التبرّك بالاتصال بسلسلة السند المتّصلة بالمعصومين عليهم‌السلام ، مع أنّ الإجازات الحاليّة إنّما هي في الكتب المتواترة المشهورة ، والتي لا تحتاج إلى المناولة أو القراءة
    __________________
    (1) مقباس الهداية 3 / 137.
    (2) مثل نهاية الدراية للشهيد الثاني ، ومقباس الهداية للمامقاني ، والنووي في التقريب.
    (3) سيأتي عند تحقيق الحال في تفسير القمّي نقل عبارة المجلسي من انّ كتب الصدوق لا تقصر في الاشتهار عن الكتب الأربعة التي عليها المدار في هذه الأعصار وانّها داخلة في اجازاته.

    والسماع والمقابلة ، أمّا لو كان موردها النُّسخ غير المتواترة فالمشاهد منهم في العصر الحاضر أيضاً مراعاتهم لشرائط النقل بالمناولة والسماع ، ويشهد لذلك ملاحظة ديدن المحقّق الطهراني في الذريعة في مثل تلك النسخ ، واستاذه الميرزا النوري في خاتمة المستدرك في فائدة الكتب ، والأفندي في الرياض ، وكذا الفقهاء بالنسبة إلى التدقيق في نسخ الكتب المتواترة ، كالوسائل والكتب الأربعة ، فإنّهم يتناولونها يداً بيد عن نُسخ أكثر إتقاناً ودقّة إلى الطبقات المتقدّمة من الأعلام ، نسخوها عن نُسخ منسوخة من خطّ المؤلّف.
    وبعبارة أخرى : إنّ الإجازات الحالية المعاصرة على نمطين ، أحدهما ما اصطلح عليه في علم الدراية في باب أقسام النقل عندهم بما يسمّى بالإجازة المطلقة ، وهي التي لا يُطلع المجيز المجاز على الكتب التي يرويها من دون مناولة ولا سماع ولا قراءة ، والغرض منها في العادة يكون الإذن في إسناد أيّ حديث يقع للمجاز من قبل المجيز ، وهذا الطريق من النقل قد استشكل في حجّيته ، أمّا النمط الثاني وهي الإجازة الخاصّة المنطبقة على المناولة أو المقابلة أو السماع والإملاء ونحوها من طرق النقل والتي يتحفظ فيها على الضبط تفصيلاً أو مجموعياً ، فلا ريب في حجّيتها.
    والحاصل : إنّ الدعوى المزبورة استئناسيّة ، لأنّ الإجازات المذكورة في كتب المحمّدين الثلاثة وغيرهم من أصحاب المجاميع المتأخّرة ليست هي إلّا طرق مناولة لتلك الكتب ، بشهادة إنّهم يميّزون بين مجموع الكتب المشهورة بعضها عن البعض ، فعند ما يستعرضون طرقهم إلى الكتب تراهم يخصّون بعضها الأوّل مثلاً بمجموعة من الطرق ، وبعضها الآخر بمجموعة أخرى من الطرق ، وهكذا بل يميّزون بعضها الثالث بطريق أو طريقين ، وكذا يميّزون بعض الكتب غير

    المشهورة بطريق غير طريق الكتب المشهورة.
    وكذا تراهم يصرّحون بأنّ بعض الكتب لم تصل إليهم عن طريق وإنّما عثروا عليها وجادة ، فلاحظ خاتمة الوسائل ومفتَتح كتاب إثبات الهداة ، وقد صرّح الحُرّ في هامش الوسائل في كتاب الأطعمة في تحريم العصير الزبيبي والتمري إنّه يتوقّف عن إخراج روايات من اصْلَي زيد الزرّاد والنرسي ، لأنّ النسخة التي عنده بالوجادة لا بطريق مسند ، وكذا المجلسي في باب الإجازات من كتاب البحار وقد صرّح في بحاره في مواضع عديدة بأنّ النسخة الكذائيّة من كتاب معيّن لم تصل إليه بطريق مسند ، بل عثر عليها وجادة ، فما يستخرجه من رواية منها لمجرّد التأييد كلّ ذلك تحفّظاً عن التدليس والايهام ، وهكذا السيّد هاشم البحراني في كتابه ترتيب التهذيب (1) في الخاتمة حيث يذكر طرقه للكتب ، وكذا غيرهم من الأعلام.
    وهذا شاهد جليّ واضح على أنّ سلسلة الإجازات هي طرق مناولة ، وليست طرق اتّصال تبركيّة ، مع أنّ تكثّر نُسخ الكتب في الحواضر العلمية كما هو معهود ومتعارف لم يكن بنحو الطباعة الحديثة ، بل بالاستنساخ ، والكتب المشهورة كانت متكثّرة الوجود في الحواضر والحوزات العلمية ، فكان تحصيل جيل من العلماء على النُّسخ من الجيل المتقدّم إنّما هو بالاستعارة ونحوها ، وإذا ما حصل المستجيز على نُسخة من أحد الكتب من المجيز فكان ديدنهم على المقابلة بالعارية ، وغير ذلك ممّا يطمئنّ بتوافق النسختين عموماً ، ولذا تراهم يذكرون العدد المسلسل لمجموع أحاديث كلّ كتاب وأوّل وآخر حديث فيه وعدد فصوله وأبوابه تحفّظاً منهم عن تطرّق التخليط أو الزيادة والنقصان.
    __________________
    (1). ترتيب التهذيب ـ الطبعة الحجرية 3 / 389 ، في الفصل الثالث من الخاتمة.

    تحقيق الحال في
    كتاب تفسير علي بن إبراهيم القمّي
    حيث قد وقع التساؤل عن هذه النسخة الواصلة بأيدينا أنّها هي تفسير القمّي أبي الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي الشيخ المعتمد للكليني الذي بقي إلى سنة 307 (1) ، أم إنّه تفسير تلميذه الراوي عنه ، حيث قد دمج بين تفسير القمّي وتفسير الجارودي وروايات أخرى له في التفسير ، وهو أبو الفضل العبّاس بن محمّد بن قاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر عليه‌السلام.
    وعلى فرض كونه لتلميذه فيقع التردّد في إسناد النسخة الموجودة بأيدينا ، ولا سيّما وأنّه لا يوجد لأبي الفضل العبّاس هذا ذكر في الأصول الرجاليّة ، بل المذكور فيها ترجمة والده المعروف بمحمّد الأعرابي ، وجدّه القاسم ، حيث ذكر الأوّل الشيخ في رجاله في أصحاب الإمام الهادي عليه‌السلام وذكر الثاني الكشّي.
    نعم ، قد ذكر هو في أكثر كتب الأنساب ، وكذا أحفاده عند تعرّضهم لذكر أعقاب الحمزة ابن الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام ، كما ذكر ذلك المحقّق الطهراني ، وحُكى عن أحدها وهو كتاب النسب المسطّر إنّه قال : «وأمّا العبّاس بطبرستان ابن محمّد الأعرابي فله أولاد بها منهم جعفر وزيد والحسين ومنهم أعقاب» ، وظاهره إنّه نزل بطبرستان وقد كانت حينئذ مركزاً للزيدية ، واحتمل صاحب
    __________________
    (1). كما يشير إلى ذلك الشيخ آغا بزرگ الطهراني في الذريعة 4 / 302.

    الذريعة أنّ نزول العبّاس كان لترويج الحقّ بها ، فتوسّل بنشر تفسير علي بن إبراهيم ، جامعاً له مع تفسير أبي الجارود عن الإمام الباقر عليه‌السلام ، إذ هو مرغوب عند الفرقة الجاروديّة الزيديّة ، والذي هو لا يقصر في الاعتبار عن تفسير القمّي ، لكون طريق الرواية عن أبي الجارود غير منحصر بكثير بن عيّاش ، إذ يرويه عنه جماعة من الثقات تقرب إلى العشرة.
    وللعباس هذا إسناد إلى تفسير أبي الجارود ، يرويه عن أحمد بن محمّد الهمداني ، عن جعفر بن عبد الله ، عن كثير بن عيّاش ، عن زياد بن منذر أبي جارود ، عن أبي جعفر محمّد بن علي عليه‌السلام ، قد ذكره في أوائل سورة آل عمران في تفسير آية (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ)(1).
    والحاصل : إنّ النسخة التي بأيدينا ـ بل في عامّة النُّسخ الصحيحة ـ قد وقع في صدرها التصدير باسم العبّاس ، فإنّ فيها بعد الديباجة والفراغ عن بيان أنواع علوم القرآن ما لفظه : «حدّثني أبو الفضل العبّاس بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : حدّثنا أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم قال : حدّثني أبي رحمه‌الله عن محمّد بن أبي عمير عن حمّاد بن عيسى ...».
    وقد وقع التصرّف من التلميذ ـ العبّاس ـ في التفسير من أوائل سورة آل عمران فما بعد ، إلّا أنّه قد فصّل وميّز بين روايات علي بن إبراهيم وروايات تفسير أبي جارود بنحو لا يشتبه على الناظرين في الكتاب ، ولا يخفى على من ألمّ بتمييز طبقات مشايخ القمّي عن مشايخ تلميذه أبي الفضل.
    والذي يظهر من كلام المحقّق الطهراني في الذريعة اعتماده على هذه النسخة
    __________________
    (1) آل عمران / 49.

    نظراً لتواتر تفسير عليّ بن إبراهيم في الطبقات ، بنحو لا يضرّ عدم تجرّد نسخته عن نسخة تفسير التلميذ أبي الفضل ، ولا سيّما وأنّ هذا التلميذ الجامع بين تفسير القمّي وتفسير الجارودي ليس إلّا جمع بين تفسيرين مشهورين متواتري النسخ في الطبقات ، وإن أضاف إليهما بعض روايات أخرى في التفسير بطرق أخرى لا تشتبه على الناظر التمييز بينهما ، لأنّه يروي تفسير الجارودي بالسند المشهور إليه إلى التفسير ، أي نفس السند الذي يروي كلّ من الشيخ الطوسي والنجاشي تفسير أبي الجارود عنه بسندهما إلى أحمد بن محمّد الهمداني ، المعروف بابن عقدة المتوفي سنة (333)
    أقول : إنّ ما ذكره المحقّق الطهراني رحمه‌الله وإن كان متيناً ، نظير ما يتعارف في الكتب المشهورة المتواترة الأخرى ، حيث يجمع بينها في الطباعة ، نظير كتاب مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمّي مع كتابه الآخر الباقيات الصالحات ، فإنّه اعتيد على طبع الثاني في حاشية الأوّل ، وكذا اعتيد جعل تفسير مرآة الأنوار للشريف أبي الحسن التوني مقدّمة لتفسير البرهان ، ونظير جعل الأصول الخمسة الرجاليّة في كتاب واحد في التراجم ، كما صنعه القهبائي في المجمع ، وما صنعه الأردبيلي في جامع الرواة ، بل وما صنعه أغلب الرجاليين في كتبهم ، من نقل متون الأصول الرجاليّة الخمسة في كتبهم ، بحيث لو قُدّر وفرض أنّ الأصول الرجاليّة الخمسة المجرّدة لم تكن بأيدينا ما أضرّ ذلك بتواترها ، لتواتر كامل متونها في الكتب الاخرى بنحو مفرّق في التراجم ، فتكون الأصول الرجاليّة الخمسة متواترة لدينا بطريقين متواترين نستغني بكلّ منهما عن الآخر ، أحدهما نفس النسخ المجرّدة ، والثاني انتشار متونها الكاملة في الكتب الرجاليّة الأخرى.
    ونظير ذلك الكتب الأربعة فإنّها قد وصلت بكتبها المجرّدة ، وكذلك وصلت

    منضمّة إلى الكتب الاخرى في كتاب مجموع آخر ، ككتاب الوسائل والوافي والكتب الفقهية الاستدلاليّة من المتقدّمين إلى متأخّري الأعصار ، فهذا حال كثير من الكتب المتواترة أن يكون لها عدّة طرق كلّها متواترة ، وقد يبقى أحدها ويستغنى به عن البقية ، نظير ما حدث لكتاب الكشّي ، حيث اختصره الشيخ باختيار معرفة الرجال ، فبقي تواتره في ضمن هذا المختصر.
    وهذا حال كثير من الكتب عند ما تُختصر أو تضمّ مع كتب اخرى أن يقتصر ويكتفى على أحد طرقه المتواترة دون الاخرى ، وقد يكون ذلك بسبب مشقّة وتكلفة وجهد الاستنساخ في أعصارهم ، أو بسبب العكوف على النسخة الجامعة له ولغيره من الكتب بسبب ما حظيت به من امتياز الجمع ، لا سيّما في مثالنا حيث إنّ هذه النسخة من تفسير القمّي جامعة لكلّ من التفسيرين المشهورين من الشيعة القمي والجارودي.
    والحاصل : إنّ طريق نقل الكتب من نمط التواتر ، سواء في الكتب الروائية أو الرجاليّة أو التاريخية ، كما يذكر عن كتاب صفّين لابن مزاحم إنّه مبثوث في تاريخ الطبري ، وهكذا حال الكتب في بعض العلوم والفنون.
    وعليه فما ذكره المحقّق الطهراني متين جداً ، وهو أوّل الوجوه لاعتماد تواتر النسخة الواصلة ، وهناك وجوه أخرى :
    الوجه الثاني : وهو إنّ صاحب الوسائل في خاتمة كتابه في الفائدة الخامسة منها قد ذكر الطرق التي يروي بها الكتب المذكورة في كتابه عن مؤلّفيها ، المنتهية إلى الشيخ الطوسي ، مع قوله قدس‌سره في صدر تلك الفائدة بعدم توقّف العمل على تلك الطرق ، لتواتر تلك الكتب ، مع قيام القرائن على صحّتها وثبوتها ، فقد ذكر طريقه إلى تفسير عليّ بن إبراهيم بنفس الطرق التي له إلى الكليني والصدوق والشيخ

    الطوسي والبرقي والصفّار والحميري وغيرهم ، ثمّ أفرد طرقاً أخرى إلى بقيّة الكتب فلاحظ.
    هذا مع أنّ من المحقّق أنّ نسخة صاحب الوسائل لتفسير علي بن إبراهيم هي نفس النسخة التي بأيدينا المرويّة بتوسّط العبّاس عن علي بن إبراهيم ، وذلك بشهادة أنّ الروايات التي يستخرجها في الوسائل عن تفسير القمّي هي روايات من كلّ من التفسيرين القمّي والجارودي ، فلاحظ روايات أبواب الوسائل التي يستخرج فيها من التفسير المزبور.
    ومن أمثلة ذلك ، ما قاله صاحب الوسائل في كتاب الطلاق في الباب التاسع من أبواب مقدّماته وشرائطه في الحديث السابع : «علي بن إبراهيم في تفسيره ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)(1) : والعدّة الطُّهر من الحيض ، وأحصوا العدّة».
    وقال أيضاً في كتاب الطهارة في أبواب مقدّمات العبادة في الحديث الثالث عشر منه ما لفظه : علي بن إبراهيم في تفسيره قال : في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تفسير قول الله عزوجل : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)(2) ، فقال : من صلّى مراءاة الناس فهو مشرك ، إلى أن قال : ومن عمل عملاً ممّا أمر به مراءاة الناس فهو مشرك ولا يقبل الله عمل مُراء».
    وقال أيضاً في كتاب الحج الباب الواحد والخمسين من أبواب أحكام العشرة في
    __________________
    (1). الطلاق / 1.
    (2). الكهف / 110.

    الحديث الثالث منه ما لفظه : «عليّ بن إبراهيم في تفسيره ، قال في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إذا دخل الرجل منكم بيته فان كان فيه أحد يسلّم عليهم ، وان لم يكن فيه أحد فليقل : السلام علينا من عند ربّنا ، يقول الله : (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً)(1)».
    وهناك روايات أخرى نشير إلى مصدرها فعليك بمراجعتها وهي : في كتاب التجارة في أبواب ما يكتسب به ، في باب تحريم اللعب بالشطرنج ونحوه في الحديث التاسع منه.
    وفي (2 / 542 ، الباب 5) ، وفي (25 / 28 ، 53) ، و (26 / 196 ، الباب 1) ، وفي (27 / 172 ، الباب 12) (2).
    وهكذا الحال في نسخة تفسير القمّي التي كانت عند العلّامة المجلسي صاحب البحار ، فقد ذكر في مقدّمة كتاب البحار في الفصل الأوّل في بيان الأصول والكتب المأخوذة منها قال : «وكتاب التفسير للشيخ الجليل الثقة علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي ، وكتاب العلل لولده الجليل محمّد» ، ثمّ ذكر سنده إلى تلك الكتب ، ومنها كتاب التفسير ، حيث قال في الفصل الثاني بعد ذلك في بيان الوثوق على الكتب المذكورة واختلافها في ذلك قال : «اعلم أنّ أكثر الكتب التي اعتمدنا عليها في النقل مشهورة معلومة الانتساب إلى مؤلّفيها ، ككتب الصدوق رحمه‌الله ، فإنّها سوى الهداية وصفات الشيعة وفضائل الشيعة ومصادقة الإخوان وفضائل الأشهر ، لا تقصر في الاشتهار عن الكتب الأربعة التي عليها المدار في هذه الأعصار ،
    __________________
    (1) النور / 61.
    (2) من طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

    وهي داخلة في إجازاتنا ، ونقل منها من تأخّر عن الصدوق عن الأفاضل الأخيار» إلى أن قال «وكتاب تفسير عليّ بن إبراهيم من الكتب المعروفة ، وروى عنه الطبرسي وغيره».
    وأمّا سنده التفصيلي لكتاب التفسير فلاحظ ما ذكره في كتاب الإجازات (1) ، من أسانيد عديدة ينتهي كثير منها إلى الشيخ الطوسي ، وبعضها ينتهي إلى الشيخ المفيد ، وغيرهم من المشايخ ، فقد ضمّن في كتابه البحار رواياته المستخرجة عن تفسير عليّ بن إبراهيم ، وتلك الروايات هي من النسخة التي تجمع بين التفسيرين ، أي تفسير القمّي وتفسير أبي الجارود ، حيث أورد الروايات التي رواها علي بن إبراهيم عن مشايخه عن الصادق عليه‌السلام ، والتي عرفت اختصاصها بتفسير القمّي ، وأورد الروايات التي رواها العبّاس بسنده إلى تفسير أبي الجارود ، وإليك في الهامش نبذة عن المواطن التي استخرجها صاحب البحار من تلك الروايات (2) فيظهر من ذلك أنّ نسخة صاحب البحار المسندة إلى الشيخ هي نسخة العبّاس التلميذ أيضاً.
    وهكذا الحال في نسخة تفسير القمّي ، التي كانت عند السيّد هاشم البحراني ، فإنّها النسخة المشتملة على التفسيرين ، وذلك بشهادة ما ذكره (3) في ذيل آية (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ)(4) من الرواية الأولى : علي بن إبراهيم قال في رواية
    __________________
    (1) بحار الأنوار 110 / 103.
    (2) بحار الأنوار 4 / 82 ، 5 / 9 ، الحديث 13 ، ص 197 ، الأحاديث : 11 و 12 و 13 و 14 ، 6 / 55 ، 6 / 228 ، الحديث 30 ، 7 / 46 ، الحديث 28 ، 7 / 103 ، 7 / 106 ، الحديث 24 ، 7 / 107 ، الحديث 28 ، وغيرها كثير.
    (3) تفسير البرهان 2 / 285 ، الرواية الأولى.
    (4) الرعد / 14.

    أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام ، من قوله : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) الآية ، وكذا الرواية التالية لها.
    وأيضاً في (1) ذيل قوله تعالى : (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ)(2).
    وأيضاً (3) في قوله تعالى : (قَدْ شَغَفَها حُبًّا)(4).
    وأيضاً في (5) ذيل قوله تعالى : (إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ)(6).
    وأيضاً في قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً)(7). (Cool
    وقد قال في مقدّمة تفسير البرهان في الباب السادس عشر ، في ذكر الكتب المأخوذ منها الكتاب ، وابتدأ بقوله : تفسير الشيخ الثقة أبي الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم ، فكلّ ما ذكرته عنه فهو منه.
    الوجه الثالث : إنّ إسناد الشيخ الطوسي إلى تفسير القمّي كما ذكره في الفهرست بقوله : أخبرنا بجميعها كتب علي بن إبراهيم جماعة عن علي بن محمّد الحسن بن حمزة العلوي الطبري ، عن علي بن إبراهيم ، وأخبرنا بذلك الشيخ المفيد رحمه‌الله ، عن محمّد بن الحسين بن بابويه ، عن أبيه ، ومحمّد بن الحسن ، وحمزة بن محمّد العلوي ، ومحمّد بن علي بن ماجيلويه ، عن علي بن إبراهيم.
    __________________
    (1) تفسير البرهان 2 / 253 ، الرواية الثانية.
    (2) الرعد / 11.
    (3) تفسير البرهان 2 / 251 ، الحديث 36.
    (4) يوسف / 30.
    (5) تفسير البرهان 2 / 243 ، الحديث 2.
    (6) يوسف / 4.
    (7) هود / 118.
    (Cool تفسير البرهان 2 / 240 ، الحديث 5.

    وقال النجاشي في ترجمة علي بن إبراهيم بن هاشم «وله كتاب التفسير ـ إلى أن قال ـ أخبرنا محمّد بن محمّد وغيره ، عن الحسن بن حمزة بن علي بن عبد الله ، قال : كتب إليّ علي بن إبراهيم بإجازة سائر أحاديثه وكتبه».
    وقال في ترجمة الحسن بن حمزة بن علي بن عبد الله أبو محمّد الطبري : يُعرّف بالمَرْعَش ، كان من أجلّاء هذه الطائفة قدم بغداد ولقيه شيخنا في سنة 356 ومات في سنه 358.
    وقال في عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب في ترجمة عقب الحسين الأصغر ابن زين العابدين (1) : «ومن ولد علي المَرْعَش أبو القاسم حمزة بن المَرْعَش له عقب منهم أبا محمّد الحسن النسّابة المحدّث ابن حمزة ، المذكور له عقب».
    وذكر المصحّح في حاشية الكتاب : إنّه ممّن ينتمي إلى علي المَرْعَش بعض سلاطين مازندران (طبرستان) ، وقال في الفخري في عقب الحسين الأصغر ابن زين العابدين (2) : «وأمّا حمزة بن علي المَرْعَش فهو أكثر إخوته عقباً ، وولده المعقّب ثلاثة : علي بن الحسن القاضي المحدّث المامطيري ، ومحمّد له ثلاثة أعقبوا وذيّلوا بطبرستان ، والحسين له ولد أعقب وذيّل بها».
    والظاهر أنّ الحسين مصحّف عن الحسن ، كما قد اتضح في كتاب العمدة.
    ويظهر من كلّ ذلك أنّ نسخة التفسير التي وصلت إلى الشيخ والنجاشي هي نسخة العبّاس ، الجامعة للتفسيرين ، إذ الظاهر أنّ النسخة التي وصلت إليهما هي
    __________________
    (1). عمدة الطالب / 314.
    (2). الفخري / 75.

    نسخة الحسن بن حمزة العلوي الطبري المتقدّم آنفاً ، وكان في طبرستان قبل قدوم بغداد وطبرستان كانت محلّ انتشار نسخة العبّاس كما عرفت سابقاً.
    فالظاهر أنّ نسخة الحسن بن حمزة هي النسخة المنتشرة للعبّاس ، التي استجاز الحسن بن حمزة من علي بن إبراهيم في روايتها ، وقد تقدّم من المحقّق آغا بزرگ الطهراني استظهار أنّ الدولة الزيديّة بطبرستان آنذاك قد قامت بترويج النسخة لتضمّنها تفسير الجارودي.

    التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه‌السلام
    مقدّمة : ممّا يعين الباحث في الاطّلاع على أطرف الكلام حول اعتبار هذا الكتاب مراجعة المصادر التالية :
    الأوّل : ما ذكره المحدّث النوري في خاتمة المستدرك (1) عند تعداده لمشايخ الصدوق وهو محمّد بن القاسم الأسترابادي.
    الثاني : ما ذكره المحقّق آغا بزرگ الطهراني في الذريعة (2).
    الثالث : ما ذكره المحقّق شيخ محمّد تقي التُستري في الأخبار الدخيلة (3).
    الرابع : ما في روضة المتّقين للمجلسي الأوّل (4).
    الخامس : ما رقمه الفاضل المعاصر الشيخ الأستاذيّ في رسالته (5).
    وتنقيح الحال في التفسير يتمّ عبر النقاط التالية :
    النقطة الأولى : إنّ هناك تفسيرين بهذا الاسم ، كما نبّه على ذلك غير واحد :
    __________________
    (1). خاتمة المستدرك 6 / 186 ـ 200.
    (2) الذريعة 4 / 283 ـ 293.
    (3) الأخبار الدخيلة 1 / 152.
    (4) روضة المتّقين 14 / 250.
    (5) رسالة حول تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام ، المطبوعة في نهاية التفسير ، طبعة مؤسسة الإمام المهدي عجّل الله فرجه.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2975
    نقاط : 4628
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    بحوث في مباني علم الرجال Empty
    مُساهمةموضوع: رد: بحوث في مباني علم الرجال   بحوث في مباني علم الرجال Emptyالثلاثاء 29 أكتوبر 2024 - 20:36

    أوّلهما : التفسير الذي جَمَعه الحسن بن خالد البرقي ، كما ذكر ذلك ابن شهرآشوب في معالم العلماء قال : «أخو محمّد بن خالد من كتبه تفسير العسكري من إملاء الإمام عليه‌السلام مائة وعشرون مجلّداً» ، لكن في فهرست النجاشي ذكر أنّ له كتاب نوادر ، وفي فهرست الشيخ قال : «له كتب» ، ولم يصرّح الشيخ بأسمائها فلعلّ أحدها ينطبق على التفسير الذي نسبه ابن شهرآشوب ، وإن كان مثل ذلك العدد من المجلّدات لو كان هو مراد الشيخ ولا سيّما تفسير الروائي لكان محلّ اهتمام ، وصرّح باسمه ولأخرج من رواياته في الكتب المعتبرة ، بينما لم نظفر على ما يشير إلى ذلك.
    وعلى أيّ حال فقد استظهر المحقّق الطهراني في الذريعة بقرائن عديدة أنّ هذا التفسير يرويه البرقي عن الإمام أبي الحسن الثالث عليه‌السلام ، لا أبي محمّد الحسن بن علي عليه‌السلام فلاحظ.
    وثانيهما : هو المنسوب للإمام أبي محمّد الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام ، بإملائه على أبي يعقوب يوسف بن محمّد بن زياد ، وأبي الحسن علي بن محمّد بن سيّار والذي روياه إلى محمّد بن القاسم (أبي القاسم) (1) المفسّر الأسترابادي المعروف بأبي الحسن الجرجاني المفسّر. ذكره بهذه الأوصاف الصدوق في كتاب معاني الأخبار باب الحروف المقطّعة (2) وقد وصفه بالخطيب في أوّل النسخة الموجودة من التفسير ، وقد روى الصدوق هذا التفسير ، وبثّ
    __________________
    (1). قال السيّد الخوئي رحمه‌الله في معجم رجاله : انّ ابن أبي القاسم لا يوجد مورد من الموارد التي روى عنها الصدوق بهذا التعبير في شيء من كتبه ، وانّما ذكره العلّامة في ترجمته في الخلاصة ، قال : محمّد بن القاسم وقيل : ابن أبي القاسم.
    (2). معاني الأخبار : باب 16 ، حديث 4.

    العديد من رواياته في كتبه.
    النقطة الثانية : انّ الصدوق روى في الأمالي في المجلس (33) عن محمّد بن علي الاسترآبادي ، عن يوسف بن محمّد بن زياد ، وعلي بن محمّد بن سيّار ، عن أبويهما ، عن الحسن بن علي بن محمّد عليهم‌السلام ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قال الله تبارك وتعالى : «قسّمت فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي ... الخ» (1).
    ثمّ روى رواية ثانية في المجلس المزبور عن محمّد بن القاسم ، عن الولدين ، عن أبويهما ، عن الإمام عليه‌السلام ، فيظهر من هذا أنّ السند في الرواية الأولى يرويه عن الولدين بغير طريق محمّد بن القاسم ، أي عن محمّد بن علي الأسترابادي ، واحتمال كونه تصحيفاً من النُّسّاخ لا يرفع اليد عن صورة النسخ للكتاب ، كما أشار إلى ذلك المحقّق الطهراني.
    كما أنّ وصفه بالأسترآبادي لا يدلّ على كونه الأسترابادي المفسّر ، كما هو الحال في كثير من الرواة الموصفين بالكوفيّ والبصريّ ، وهذه الرواية التي يرويها الصدوق عن محمّد بن علي الأسترابادي عن الولدين ، موجودة في نسخة التفسير الواصلة.
    النقطة الثالثة : اعلم أنّ الصدوق يروي روايات هذا التفسير بصور مختلفة للطريق :
    منها : وهي الأكثر في كتبه ، (عن المفسّر ، عن الولدين ، وهما يوسف بن محمّد بن زياد ، وعلي بن محمّد بن سيّار) ويسنده بعد ذلك عن أبويهما.
    __________________
    (1) الأمالي / 147.

    ومنها : حدثنا محمّد بن القاسم الجرجاني المفسّر رحمه‌الله ، قال : حدثنا يوسف بن محمّد بن زياد ، وأبو الحسن علي بن سيّار ، وكانا من الشيعة الإمامية ، عن أبويهما ، عن الحسن بن علي بن محمّد عليه‌السلام ...) (1). ونحوه في مواضع اخرى من كتبه (2).
    ومنها : كما في الخصال ما صورته : (قال : حدثني محمّد بن القاسم المفسّر ، المعروف بأبي الحسن الجرجاني رضى الله عنه ، قال : حدّثنا يوسف بن محمّد بن زياد ، عن أبيه ، عن الحسن بن علي ، عن أبيه علي بن محمّد ... الخ)
    والحال أنّ سند التفسير الموجود في هذه النُّسخة المتداولة الواصلة هو عن المفسّر ، عنهما ، عن الحسن بن علي عليه‌السلام كما ذكرت فيها قصّة روايتهما مفصّلاً ، من دون توسيط الأبوين ، وكذا الحال في أسانيد الأعلام والمحدّثين إلى ذلك التفسير ـ الآتي ذكرها في النقطة اللاحقة ـ.
    وقد يوجّه ذلك بوجوه :
    الأوّل : ما ذكره المحقّق الطهراني في الذريعة ، وتبعه عدّة من المحقّقين ، من زيادة لفظة (عن) قبل كلمة (أبويهما) ، أي فتكون صورة العبارة هكذا : (وكانا من الشيعة الإماميّة أبويهما) كجملة معترضة.
    وهذا متين في الموارد التي صرّح الصدوق بلفظة (وكان من الشيعة الإمامية) وأمّا في المواضع التي لم يذكر هذه العبارة فلا يتأتى هذا التوجيه ، إلّا أن يتحمل إسقاط الناسخ لها.
    __________________
    (1) كتاب التوحيد / 23.
    (2) كما في معاني الأخبار : 4 ، الحديث 2.

    الثاني : أن تكون لفظة (عن) قبل أبويهما متعلّقة بلفظة (وكانا من الشيعة) ، أي تشيّعهما بسبب أبويهما ، فكلمة (عن) بمعنى باء السببيّة ، أو (من) النشويّة ، فلا تكون متعلّقة بالتحديث.
    الثالث : إنّ الصدوق قد روى عن المفسّر عنهما ، أو عن أحدهما ، عن أبويهما ، أو عن أحد أبويهما ، عنه عليه‌السلام ، روايات لا تتعلّق بالتفسير ، ولا موجب لاحتمال الخطأ في صورة السند ، إذ أنّ معرفة واتصال أبويهما به عليه‌السلام هي التي أوجبت اتصال الولدين به عليه‌السلام ، فلعلّ سبب وقوع مثل هذا السند في الروايات غير التفسيريّة أوهم النُّسّاخ لحمل بقية الأسانيد على صورة الروايات المزبورة.
    النقطة الرابعة : إنّ للأعلام عدّة أسانيد لهذا التفسير :
    منهم : الطبري في دلائل الإمامة باب معجزات الإمام الرضا عليه‌السلام ، قال : «حدثني أبو الحسن علي بن هبة الله عثمان ابن أحمد بن إبراهيم الرائق الموصلي ، قال : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه الفقيه القمّي ، قال : حدثنا أبو الحسن محمّد بن القاسم ، قال : حدّثنا يوسف بن محمّد بن زياد ، وعلي بن محمّد بن سيّار ، عن أبويهما ، عن الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام عن أبيه .... الخ» الحديث (1).
    ومنهم : الطبرسي في الاحتجاج فإنّه قال في مقدّمة الكتاب : «ولا ناتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناده ، إمّا لوجود الإجماع عليه ، أو موافقته لما دلّت العقول إليه ، ولاشتهاره في السِيَر والكتب بين المخالف والمؤالف ، إلّا ما أوردته عن أبي محمّد الحسن العسكري عليه‌السلام ، فإنّه ليس في الاشتهار على حدّ ما سواه ، وإن
    __________________
    (1) دلائل الامامة / 195.

    كان مشتملاً على مثل الذي قدّمناه ، فلأجل ذلك ذكرت إسناده في أوّل خبر من ذلك دون غيره ، لأنّ جميع ما رويت عنه عليه‌السلام إنّما رويته بإسناد واحد من جملة الأخبار التي ذكرها عليه‌السلام في تفسيره» (1).
    ثمّ قال : «فمن ذلك ما حدّثني به السيّد العالم العابد أبو جعفر مهدي بن أبي حرب الحسيني المَرْعَشي رضى الله عنه ، قال : حدّثني الشيخ الصدوق أبو عبد الله جعفر بن محمّد بن أحمد الدوريستي رحمه‌الله ، قال : حدّثني أبي محمّد بن أحمد قال : حدثني الشيخ السعيد أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي رحمه‌الله ، قال : حدّثني أبو الحسن محمّد بن القاسم المفسّر الأسترابادي ، قال : حدّثني أبو يعقوب يوسف بن محمّد بن زياد ، وأبو الحسن علي بن محمّد بن سيّار ـ وكانا من الشيعة الإماميّة ـ قالا : حدثنا أبو محمّد الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام ...» (2).
    ومنهم : قطب الدين الراوندي ، فإنّه أخرج في كتاب الخرائج والجرائح من التفسير المذكور جملة وافرة من رواياته ، كما نبّه على ذلك الميرزا النوري ، إلّا أنّه لم يذكر سنده إلى الكتاب.
    ومنهم : ابن شهرآشوب في مناقبه ، فإنّه أيضاً أخرج منه جملة وافرة ، إلّا أنّه أيضاً لم يذكر سنده للكتاب. وقد تقدّم منه في معالم العلماء أنّ تفسير العسكري عليه‌السلام مائة وعشرون مجلّداً رواه الحسن بن خالد البرقي عن العسكري عليه‌السلام ، ولعلّ ذلك قرينة على تغاير التفسيرين عنده.
    ومنهم : الحسن بن سليمان الحلي ، تلميذ الشهيد الأوّل ، صاحب كتاب
    __________________
    (1) الاحتجاج 1 / 4 ، طبعة دار الاسوة.
    (2) المصدر المتقدّم / 6.

    مختصر بصائر الدرجات وكتاب المختصر ، حيث أخرج في الثاني روايات عن التفسير المذكور. وقد وصف ما أخرجه من الخبرين عن التفسير بأنّها من الأحاديث المجمع عليها ، التي يروونها عن الأئمّة عليهم‌السلام جماعة علماء الإماميّة.
    والظاهر أنّ له سنداً إلى الكتاب ، كما أنّ له سنداً لبصائر الدرجات لسعد بن عبد الله الأشعري حيث ذكر سنده إليه في تضاعيف كتاب المختصر.
    ومنهم : المحقّق الكركي في إجازته لصفي الدين ، قال فيها : «وبالجملة : فما أرويه من طرق أصحابنا (رضي‌الله‌عنهم) لا نهاية له ، لأنّي أروي جميع ما صنّفه ورواه علماؤنا الماضون الصالحون من عصر اشياخنا إلى عصر أئمتنا (صلوات الله وسلامه عليهم) وكثير من أسانيد ذلك موجود في مواضع معدّة له مثبت في مظانّه ، وقد أذنت للمشار إليه (أدام الله تعالى علوّ قدره في التسلّط على روايته ونقله إلى تلامذته) ، محتاطاً لي وله ، مراعياً لشرائط المعتبرة في ذلك عند أهل الفنّ والحديث.
    ولنورد حديثاً واحداً ممّا نرويه متّصلاً ، تبرّكاً وتيمّناً ، وجرياً على عادتهم الجليلة الجميلة ، فنقول : أخبرنا شيخنا العلّامة أبو الحسن علي بن هلال ، بالإسناد المتقدّم إلى شيخنا الإمام أبي عبد الله محمّد بن مكي ، السعيد الشهيد ، قال : أخبرنا الشيخ الإمام السعيد فخر الدين أبو طالب ، محمّد بن المطهّر ، والسيّد السعيد عميد الدين عبد المطلب بن أعرج الحسيني ، عن الإمام المتبحّر جمال الدين أبي منصور الحسن بن مطهّر ، عن العلّامة المحقّق نجم الدين أبي القاسم جعفر بن سعيد ، عن الفقيه العلّامة أبي عبد الله محمّد بن نما عن الشيخ المتبحّر فخر الدين أبي عبد الله بن إدريس ، عن عربي بن مسافر العبادي ، عن إلياس بن هشام الحائري.
    وأعلى منه بالإسناد إلى الإمام جمال الدين الحسن بن المطهّر ، عن والده

    سديد الدين يوسف ، عن العلّامة نجيب الدين محمّد السوراوي ، عن الحسين بن هبة الله ابن رطبة.
    وأعلى منهما بالإسناد إلى شيخنا الشهيد ، قال : أخبرنا الشيخ الفقيه العلّامة رضي الدين أبو الحسن علي بن أحمد المزيدي ، قال : أخبرنا الفقيه محمّد بن أحمد ابن صالح ، حدّثنا نجيب الدين محمّد بن نما ، حدّثنا والدي أبو البقاء هبة الله بن نما ، حدّثنا الحسين بن محمّد بن أحمد بن طحال المقدادي ، جميعهم عن الشيخ السعيد أبي علي الحسن ابن الشيخ الإمام أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي.
    وأعلى من الجميع بالإسناد العلّامة جمال الدين أحمد بن فهد ، عن السيّد العالم النسّابة تاج الدين محمّد بن معية ، عن السيّد العالم علي بن عبد الحميد بن فخّار الحسيني ، عن والده السيّد عبد الحميد ، عن السيّد الفقيه مجد الدين أبي القاسم علي بن العريضي ، عن الشيخ السعيد رشيد الدين أبي جعفر محمّد بن شهرآشوب المازندراني ، عن السيّد العالم ذي الفقار محمّد بن معد الحسيني ، كلاهما عن الشيخ الإمام عماد الفرقة الناجية أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ، قال :
    أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري ، حدّثنا أبو جعفر محمّد بن بابويه ، حدّثنا محمّد بن القاسم المفسّر الجرجاني ، حدّثنا يوسف بن محمّد بن زياد ، وعلي بن محمّد بن سنان ، عن أبويهما ، عن مولانا ومولى كافة الأنام أبي محمّد الحسن العسكري ، عن أبيه ، عن أبيه ، عن أبيه ، عن أبيه ، عن أبيه ، عن أبيه ، عن أبيه ، عن أبيه ، عن أبيه (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) قال :
    «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لبعض أصحابه ذات يوم : ... الخ» (1). ثمّ نقل الحديث
    __________________
    (1) بحار الأنوار 108 / 77.

    الموجود في تفسير العسكري.
    ويظهر من إسناده هذا اعتماد من وقع في الطريق من أعلام الطائفة ورؤسائها على التفسير المزبور ، كعلماء الحلّة ، وكذا الشيخ الطوسي ، وكذا شيخه الحسين بن أبي عبد الله الغضائري الأب.
    ومنهم : الشهيد الثاني في إجازته الكبيرة للشيخ حسين ابن عبد الصمد ، قال فيها ـ بعد ذكر طرق عديدة إلى كثير من الأصحاب كالشيخ الطوسي والمفيد وابن بابويه ـ : «ولنذكر طريقاً واحداً هو أعلى ما اشتملت عليه هذه الطرق إلى مولانا وسيّدنا وسيّد الكائنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويعلم منه أيضاً مفصّلاً أعلى ما عندنا من السند إلى كتب الحديث كالتهذيب ، والاستبصار ، والفقيه ، والمدينة ، والكافي ، وغيرهما.
    أخبرنا شيخنا السعيد نور الدين علي بن عبد العالي ، إجازة عن الشيخ شمس الدين محمّد بن داود ، عن الشيخ ضياء الدين علي ، عن والده السعيد محمّد بن مكي ، عن رضي الدين المزيدي ، عن محمّد بن صالح ، عن السيّد فخار.
    وعن الشيخ ضياء الدين بن مكّي ، عن السيّد تاج الدين بن معيّة ، عن الشيخ جمال الدين بن مطهّر ، عن الشيخ نجم الدين بن سعيد ، عن السيّد فخار.
    وعن الشيخ شمس الدين بن مكّي ، عن محمّد بن الكوفي ، عن نجم الدين بن سعيد عن السيّد فخار ، عن شاذان بن جبرئيل ، عن جعفر الدوريستي ، عن المفيد ، عن الصدوق أبي جعفر محمّد بن بابويه ، قال : حدّثنا محمّد بن القاسم الجرجاني ، قال : حدّثنا يوسف بن محمّد بن زياد ، وعلي بن محمّد بن سنان ، عن أبويهما ، عن مولانا وسيّدنا أبي محمّد الحسن بن ... الخ» (1).
    __________________
    (1) بحار الأنوار 108 / 169.

    وهي نفس الرواية التي تقدّم سندها عن المحقّق الكركي.
    ثمّ روى أيضاً في آخر الإجازة عنه رواية أخرى عن التفسير عن مولانا العسكري عليه‌السلام ، أنّه : قال عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :
    «أشَدُّ مِن يُتم اليتيم ، يتيم انقطع عن إمامه ، ولا يقدر على الوصول إليه ، فلا يدري كيف حكمه في ما ابتلى به من شرائع دينه ، ألا فمن كان من شيعتنا عالماً بعلومنا ، فهدى الجاهل بشريعتنا ، كان معنا في الرفيق الأعلى» (1) وقد اعتمد عليه في تخريج الأحاديث في كتابه منية المريد».
    ومنهم : المجلسي الأوّل في الشرح الفارسي لمن لا يحضره الفقيه (2) ، حيث ذكر سنده الذي تقدّم آنفاً في إجازة الشهيد الثاني ، قال : «والصدوق روى هذا التفسير عن محمّد (المفسّر) ، وأوصله إلينا فحول علمائنا من الثقات المعتمدين ، حتّى أنّ المحدّثين اعتبروا هذا السند من أعلى الأسانيد ، ومن جملته هذا الحديث تناقلوه مشافهةً خلف عن سلف ، كما أخبرنا شيخ المحدثين بهاء الملّة والدين محمّد بن الحسين ، عن أبيه عن الشيخ زين الدين» ، ثمّ ساق السند المتقدّم عن إجازة الشهيد الثاني؟ (3).
    ومنهم : المجلسي الثاني ، قال في البحار في مقدّمة الكتاب ، في الفصل الثاني (4) ، في بيان الأصول والكتب المأخوذ منها : «وكتاب تفسير الإمام من الكتب المعروفة ، واعتمد الصدوق عليه ، وأخذ منه ، وإن طعن فيه بعض
    __________________
    (1) بحار الأنوار 108 / 171.
    (2) المعروف ب (لوامع صاحبقراني) 5 / 142 ـ 213 ، كتاب الصلاة.
    (3) المصدر المتقدّم 7 / 533.
    (4) بحار الأنوار 1 / 28.

    المحدّثين ، ولكن الصدوق رحمه‌الله أعرف وأقرب عهداً ممّن طعن فيه ، وقد رواه أكثر العلماء من غير غمزٍ فيه».
    ثمّ قال : «ويروي ـ جعفر بن أحمد ـ عن الصدوق أيضاً ، كما سيأتي في إسناد تفسير الإمام عليه‌السلام» (1).
    ثمّ ذكر في الفصل الخامس الذي عقده لذكر مفتتح الكتب (2) قال : «ولنذكر ما وجدناه في مفتتح تفسير الإمام العسكري (صلوات الله عليه) ، قال الشيخ أبو الفضل شاذان بن جبرئيل بن إسماعيل القمي (أدام الله تأييده) ، حدّثنا السيّد محمّد بن شراهتك الحسنيّ الجرجاني ، عن السيّد أبي جعفر مهتدي بن حارث الحسيني المَرْعَشي ، عن الشيخ الصدوق أبي عبد الله جعفر بن محمّد الدوريستي ، عن أبيه ، عن الشيخ الفقيه أبي جعفر محمّد بن علي بن بابويه القمّي رحمه‌الله ، قال : ...» ثمّ ذكر ما هو موجود في التفسير ، ثمّ قال : أقول : وفي بعض النسخ في أوّل السند هكذا : قال محمّد بن علي بن محمّد بن جعفر بن الدقاق ، حدّثني الشيخان الفقيهان أبو الحسن محمّد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان ، وأبو محمّد جعفر بن أحمد بن علي القمي رحمهما‌الله ، قالا : حدثنا الشيخ الفقيه أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه رحمه‌الله ، إلى آخر ما مرّ.
    ومنهم : الحرّ العاملي صاحب الوسائل ، حيث ذكر في خاتمة الوسائل في الفائدة الرابعة ، عند ذكر الكتب المعتمدة التي نقل عنها أحاديث كتابه الوسائل ، قال : كتاب تفسير الإمام الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام ثمّ ذكر في الفائدة الخامسة
    __________________
    (1) بحار الأنوار 1 / 37.
    (2) المصدر المتقدّم / 70.

    طرقه إلى تلك الكتب ، وقال فيها : «ونروي تفسير الإمام الحسن بن علي العسكري عليهم‌السلام بالإسناد إلى الشيخ أبي جعفر الطوسي ، عن المفيد ، عن الصدوق ، عن محمّد بن القاسم المفسّر الأسترابادي ، عن يوسف بن محمّد بن زياد ، وعلي بن محمّد بن سيّار ، قال الصدوق والطبرسي : وكانا من الشيعة الإماميّة ، عن أبويهما ، عن الإمام عليه‌السلام ، وهذا التفسير ليس هو الذي طعن فيه بعض علماء الرجال ، لأنّ ذلك يُروى عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام ، وهذا عن أبي محمّد عليه‌السلام وذاك يرويه سهل الديباجي ، عن أبيه ، وهما غير مذكورين في سند هذا التفسير أصلاً ، وذاك فيه أحاديث من المناكير ، وهذا خالٍ من ذلك ، وقد اعتمد عليه رئيس المحدّثين ابن بابويه ، فنقل منه أحاديث كثيرة في كتاب من لا يحضره الفقيه وفي سائر كتبه ، وكذلك الطبرسي وغيرهما من علمائنا» (1).
    وقد أخرج عنه في كتابه إثبات الهداة أيضاً.
    ومنهم : السيّد هاشم البحراني رحمه‌الله ، فإنّه قد أخرج منه كثيراً في كتابه ، تفسير البرهان.
    ومنهم : المحدّث الكاشاني رحمه‌الله ، فإنّه أخرج منه في كتابه تفسير الصافي ، وطرقه مذكورة في مقدّمة كتابه الوافي.
    النقطة الخامسة : لا يخفى أنّ الحوزات الروائية كانت متعدّدة في البلدان ، سواء المتعاصر منها أو المختلف زمناً ، فكما كانت الكوفة حاضرة روائية وفقهية فكذلك كانت بغداد والبصرة وقم والري ، وكذلك نيشابور ، بل لو أردنا أن نشير إلى الحواضر المتوسّطة والصغيرة لكان ذلك في أغلب المدن من بلاد المسلمين
    __________________
    (1) خاتمة الوسائل ـ آخر الفائدة الخامسة.

    مثل شيراز واسترآباد ، هذا من جانب.
    ومن جانب آخر فلم يكن التبادل الروائي بين جميع تلك الحواضر ، فمثلاً لو لا سفر محمّد بن محمّد الأشعث الكوفي ، الذي كان مقيماً في مصر إلى الكوفة ، لما وقع كتاب الأشعثيّات والجعفريّات ، بيد رواتنا الكوفيين والبغداديين ، وكذا سفر الصدوق إلى الأطراف والأكناف إلى نيشابور ومرو وسمرقند وبخارى وبلخ وغيرها من البلدان ، لما وقع بيده الكثير من الروايات ، التي إخراجها في كتبه الروائية ، وتدارك الصدوق في أسفاره نيّف ومائتين شيخ من شيوخ أصحابنا ، كما استعرضهم الميرزا النوري في خاتمة المستدرك ، وأكثرهم مترجَمين في كتب الرجال.
    فهذا تلعكبري شيخ الطائفة في زمانه ، وغيره من كبار الرواة ، قد ذكر في تراجمهم عنائهم بالأسفار لجمع الحديث ، ويعدّ السفر إلى طلب العلم في تحصيل الروايات من خصائص وامتيازات الراوي.
    وتبين من ذلك امور :
    منها : ضرورة استقصاء المدوّنات المؤلّفة حول تلك الحواضر المختلفة ، فإنّها أكثر إحاطة بمفردات تلك الحواضر وأحوال رواتها ، وهكذا الحال في كتب الفهارس.
    ومنها : لا يخفى أنّ هناك انقطاعاً في الجملة بين الحواضر العلمية بعضها عن البعض الآخر ، بمعنى عدم وجود التواصل العلمي في العديد من الموارد والأزمنة وعدم اطّلاع بعضها على بعضها الآخر ، وينتج عن ذلك إنّه من الممكن بل الواقع كون الرواة من الثقات والأجلّاء ، وكذلك بعض الكتب الروائية المعروفة في بعض الحواضر مجهولة في حواضر أخرى ، ولأجل ذلك حرص الرواة على السفر

    والاستجازة لأكثر الكتب بُغية الاستقصاء ، ولكن ذلك لا يعني حصول الاستقصاء في كلّ الكتب وفي كلّ الأزمان لكلّ الرواة ولكلّ الكتب.
    أضف إلى ذلك أنّ كثيراً من كتب الفهارس لم تصل إلينا ، وقد تقدّمت حكاية المحقّق الطهراني (1) : انه كانت في مكتبة ابن طاوس مائة ونيّف من الفهارس وكتب الرجال ، لكنّها لم تصل إلى أيدينا ، بل إنّ بعض الكتب المشهورة قد كان سبيلها الضياع ، مثل كتاب مدينة العلم الذي قُرن بالكتب الأربعة في إجازات العلّامة الحلّي ، والشهيدين ، وقد أخرج منه في المنتهى في كثير من الأبواب الفقهية ، لم يصل إلى المحمّدين الثلاثة المتأخّرين.
    وعليه فلا غرابة في أن يوجد كتاب التفسير في الحاضرة الروائية في نيشابور دون بقية الحواضر ، وكذا لا غرابة في أن لا يترجم هذان الولدان الراويان للتفسير ، وكذا الخطيب المفسّر الأسترابادي الجرجاني أن لا يترجم لهم في كتب الفهارس والرجال المدوّنة من أصحابنا البغداديّين.
    هذا مع أنّك قد عرفت وقوع الشيخ الطوسي والمفيد في أسانيد إجازة هذا الكتب عن الصدوق ، كما تقدّم في النقطة السابقة.
    النقطة السادسة : ذكر المحقّق الطهراني أنّ علي بن محمّد بن سيّار ، الذي هو أحد الولدين يروي الندبة المشهورة لسيّد الساجدين عليه‌السلام ، التي خصّها العلّامة الحلّي قدس‌سره بطرق متعدّدة لروايتها في إجازته الكبيرة لابْنَي زُهرة ، ومن تلك الطرق رواية ابن سيّار للندبة.
    قال العلّامة في الإجازة : «من ذلك الندبة لمولانا زين العابدين علي بن
    __________________
    (1) مصفّى المقال في مصنّفي علم الرجال ، للمحقق الطهراني.

    الحسين عليهم‌السلام ، رواها الحسن بن الدربي ، عن نجم الدين عبد الله بن جعفر الدوريستي ، عن ضياء الدين أبي الرضا فضل بن علي الحسني بقاشان ، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسن المقري النيسابوري ، عن الحسن بن يعقوب بن أحمد النيسابوري ، عن الحاكم أبي القاسم عبد الله بن عبيد الله الحسكاني ، عن أبي القاسم علي بن محمّد العمري ، عن أبي جعفر محمّد بن بابويه ، عن أبي محمّد بن القاسم بن محمّد الأسترابادي ، عن عبد الملك بن إبراهيم ، وعلي بن محمّد بن سيّار ، عن أبي يحيى بن عبد الله بن زيد المقري ، عن سفيان بن عُيينة ، عن الزُّهري ، قال : سمعت مولانا زين العابدين عليه‌السلام ... الخ» (1).
    والراوي بين ابن بابويه وعلي بن محمّد بن سيّار ، هاهنا أبو القاسم بن محمّد الأسترابادي ، وهو غير الخطيب المفسّر أبي الحسن محمّد بن القاسم الأسترابادي.
    النقطة السابعة : إنّ الصدوق قد أكثر الرواية عن الخطيب المفسّر الأسترابادي ، في روايات أخرى غير روايات تفسير العسكري عليه‌السلام ، مبثوثة في كتبه (2) ، وقد روى في العيون : ما حدثنا به أبو الحسن محمّد بن القاسم المفسّر الجرجاني رضى الله عنه ، قال : «حدثنا أحمد بن الحسن الحسيني ، عن الحسن بن علي ، عن أبيه ، عن محمّد بن علي ، عن أبيه الرضا ، عن أبيه موسى بن جعفر عليه‌السلام ، قال : ... الخ» الحديث (3).
    وقد أورد بهذا السند عشرة أحاديث ، ومن هذا يظهر أنّ الخطيب المفسّر من
    __________________
    (1) بحار الأنوار 107 / 121.
    (2) لاحظ الأمالي للصدوق ، ومعاني الأخبار : 287 ـ 290 ، وقد ذكر عنه عشر روايات عالية المضمون.
    (3) العيون 2 / 2.

    مشايخ الإجازة ، الذين لهم مشايخ متعدّدون ، وإنّه كثير وواسع الرواية ، وإنّ معروفيّته وشهرته أوجبت حمل الصدوق الرواية عنه ، من دون بقية المشايخ الذين أدركهم وروى عنهم في أسترآباد وجرجان.
    النقطة الثامنة : قد ذكر غير واحد أنّ الصدوق قدس‌سره قد تفنّن في التعبير عن أبي الحسن محمّد بن القاسم المفسّر ، فتارة يصفه بالخطيب ، وأخرى بالمفسّر ، وثالثة بالأسترآبادي ، ورابعة بالتقييد بالجرجاني ، وخامسة بالكنية ، وسادسة بمحمّد بن أبي القاسم المفسّر ، وهذا التفنّن في التعبير إنّما يعتاد عند المحدّثين والرجاليين في الرجل الذي له أوصاف مشهورة ، لا سيّما في خصوص هذه الأوصاف كالمفسّر والخطيب.
    أضف إلى ذلك ما يظهر من تجليل الصدوق له من بين مشايخه ، وترحّمه عليه وترضّيه كلّما ذكر اسمه.
    النقطة التاسعة : إنّ الصدوق روى في من لا يحضره الفقيه في كتاب الحج في باب التلبية رواية قال في ذيلها : «الحديث طويل ، أخذنا منه موضع الحاجة ، وقد أخرجته في تفسير القرآن» (1).
    وقال المجلسي في مرآة العقول : «إنّ الحديث المذكور يدلّ على كيفيّة التلبية ، وعلى أنّها شعار المحرم وعلامته وعلى استحباب الجهر فيها».
    هذا مع الالتفات إلى أنّ الصدوق في مقدّمة من لا يحضره الفقيه أشار إلى عدد مؤلّفاته التي كانت بصحبته وهي مائتا وخمسة وأربعون كتاباً ، وإنّه لا يورد فيه من الأحاديث إلّا ما هو حجّة بينه وبين ربّه ، ولا شكّ أنّ إخراج الصدوق
    __________________
    (1) من لا يحضره الفقيه 2 / 328 ، طبعة قم.

    لرواية التلبية ونظائرها في الأبواب من المواضع الهامّة من هذا الكتاب دون غيره من المصنّفات الكثيرة التي معه شاهد على مدى اعتداد الصدوق بهذا الكتاب ، مضافاً إلى أنّ المتتبّع المطّلع على عبارات الصدوق المتقدّمة وغيرها ينجلي له بوضوح توثيق الصدوق لهذا المفسّر وعدّه له من المشايخ الكبار. كما أنّ المطّلع على عبائر الأعلام الذين وقعوا في سلسلة إجازات هذا التفسير المتقدّمة ، وغيرهم ممّن أخرجوا أحاديث التفسير في كتبهم يُرى اعتمادهم عليه كبقيّة الكتب الروائية
    الطعون على التفسير
    هذا ولنستعرض جملة من الطعون (1) التي أوردت على التفسير :
    الطعن الأوّل : عدم صحّة كثير من الوقائع التاريخية المرتبطة بالسيرة ، أو بعض الوقائع التاريخية عن الماضين قبل الإسلام. مثل ما ذكره في قصّة المختار بن أبي عُبيدة مع الحجّاج بن يوسف ، مع أنّه لم تقع مع الحجاج ، بل مع عبيد الله بن زياد ، وفي ما ذكر في هذه من التفسير عن هذه الواقعة خلط كثير ، فلاحظ.
    وما فيه من إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لأبي جهل لمّا طلب منه أن يحرقه بصاعقة إن كان نبيّاً : «يا أبا جهل إنّما رفع عنك العذاب بعلّة أنّه ستخرج من صلبك ذرّية طيّبة عكرمة ابنك» مع أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما فتح مكّة أمر بقتل عكرمة ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة ، وعكرمة كان في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله متولداً كبيراً.
    الطعن الثاني : ما فيه من امور تخالف أصول المذهب وضرورياته :
    __________________
    (1) ذكر اكثرها المحقّق التستري في كتابه الاخبار الدخيلة 1 / 152 ، 219.

    منها : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لأبي بكر ـ بعد عزله عن تبليغ آيات سورة البراءة ـ : «وأمّا أنت فقد عوّض الله بما قد حملك من آياته وكذلك من طاعاته ، الدرجات الرفيعة والمراتب الشريفة ...».
    ومنها : ما في تفسير قوله تعالى : (أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ)(1) من إنّ وصيّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأصحابه ـ وبها أوصى حين صار إلى الغار ـ فإنّ الله قد أوحى إليه : يا محمّد إنّ العليّ الأعلى يقرأ عليك السلام ويقول لك : إنّ أبا جهل والملأ من قريش قد دبّروا يريدون قتلك ، وآمرك أن تبيّت عليّاً في موضعك ، وقال لك : إنّ منزلته منزلة إسماعيل الذبيح من إبراهيم الخليل ، يجعل نفسه لنفسك فداء وروحه لروحك وقاءً ، وآمرك أن تستصحب أبا بكر ، فانّه إن آنسك وساعدك ووازرك وثبت على ما يعاهدك ويعاقدك ، كان في الجنّة مِن رفقائك ، وفي غرفاتها من خلطائك ... ثمّ قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي بكر : أرضيتَ أن تكون معي يا أبا بكر تطلب كما أطلب ، وتُعرف بأنّك أنت الذي تحملني على ما ادّعيه ، فتحمل عنّي أنواع العذاب؟ قال أبو بكر : أمّا أنا لو عشت عمر الدنيا أعذب في جميعها أشدّ عذاب ، لا ينزل عليّ موت مُريح ولا فرج مُتيح وكان ذلك في محبّتك لكان ذلك أحبّ إليّ من أن أتنعّم فيها وأنا مالك لجميع ممالك ملوكها في مخالفتك ، وهل أنا ومالي وولدي إلّا فداؤك؟ .... الخ.
    مع أنّ ما اشتمل عليه أنّ استصحابه له بالوحي ، شيئاً لم يقل به العامّة في صاحبهم ، بل رووا أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستصحبه ، بل لحق أبو بكر به لمّا سمع ، وصار سبباً لإسراع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في المشي وإدماء رجله ، كما رواه الطبري.
    __________________
    (1). البقرة / 100.

    ومنها : ما تقدّم في عكرمة ابن أبي جهل ، مع أنّه لا ريب في انحراف عكرمة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام وبغضه له ، وكان في غزوة أحد على مسيرة الكفّار ، وقتل من المسلمين نفراً.
    ومنها : ما فيه من تفسير قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ)(1) أنّها نزلت في بلال وصهيب وخبّاب وعمار بن ياسر وأنّ صهيب قال للكفار : أنا شيخ كبير لا يضرّكم إذا كنت معكم أو عليكم ، فخذوا مالي ودعوني وديني ، وأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بشّره بثواب عظيم ، مع أنّ صهيب من المبغضين لعليّ عليه‌السلام والمنحرفين عنه ، روى الكشّي في رجاله عن الصادق عليه‌السلام في عنوان بلال وصهيب أنّه قال : كان بلال عبداً صالحاً وصهيب عبد سوء يبكي على فلان.
    وروى المفيد في الاختصاص عنه عليه‌السلام : «رحم الله بلال كان يحبنا اهل البيت ولعن الله صهيب كان يعادينا» (2).
    ومنها : إنّ الكتاب مشحون من إجابتهم عليه‌السلام إلى كلّ ما اقترحه الكفار المخالفون من معجزات ، وهو خلاف كثير من الآيات الدالّة على عدم إجابته صلى‌الله‌عليه‌وآله لمقترحاتهم ، كما في قوله تعالى في سورة الإسراء : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً * وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ ... قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً)(3).
    وقوله تعالى : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ)(4)
    __________________
    (1). البقرة / 207.
    (2) الاختصاص / 73.
    (3) الإسراء / 89 ـ 93.
    (4). الإسراء / 59.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2975
    نقاط : 4628
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    بحوث في مباني علم الرجال Empty
    مُساهمةموضوع: رد: بحوث في مباني علم الرجال   بحوث في مباني علم الرجال Emptyالثلاثاء 29 أكتوبر 2024 - 20:38

    مضافاً إلى أنّه لو كانت هذه المعجزات وقعت عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله وعنهم عليهم‌السلام لرواها علماء الإمامية.
    الطعن الثالث : ما يتّصل بالجرح لرواية التفسير والراويين له :
    منه : إنّ الكتاب لو كان من الإمام العسكري عليه‌السلام لنقل شيئاً منه علي بن إبراهيم القمي ومحمّد بن مسعود العياشي اللذان كانا في عصره عليه‌السلام ـ ومحمّد بن العبّاس بن مروان الذي كان مقارباً لعصره عليه‌السلام ـ في تفاسيرهم.
    ومنه : إنّ أحمد بن الحسين الغضائري قد طعن فيه ، وقال إنّ محمّد بن أبي القاسم الذي يروي عنه ابن بابويه ضعيف كذّاب روى عنه تفسيراً يرويه عن رجلين مجهولين ، أحدهما يعرف بيوسف بن محمّد بن زياد ، والآخر علي بن محمّد بن يسار عن أبويهما عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام. والتفسير موضوع عن سهل الديباجي عن أبيه بأحاديث من هذه المناكير (1).
    ومنه : إنّ ما ينقله الصدوق وصاحب الاحتجاج من ذلك الكتاب من الروايات ليس فيها ما ينكر ، بخلاف النسخ الموجودة بأيدينا. ويشهد لهذا التغاير أنّ في سند الصدوق والطبري رواية الولدين عن أبويهما عن الإمام العسكري عليه‌السلام ، بينما في النسخ الموجودة الرواية عن الولدين عن العسكري عليه‌السلام. وكذلك في عبارة ابن الغضائري.
    وقال التستري في نهاية كلامه حول التفسير : «وبالجملة وهذا التفسير وإن كان مشتملاً على ذكر معجزات كثيرة لأمير المؤمنين عليه‌السلام كالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو بمنزلة نفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بشهادة القرآن ، إلّا أنّه ليس كلّ ما نسب إليهم عليهم‌السلام صحيحاً فقد
    __________________
    (1) خلاصة العلّامة / 256. مجمع الرجال 6 / 25.

    وضع جمعاً من الغلاة أخباراً في معجزاتهم وفضائلهم وغير ذلك ـ إلى أن قال ـ : وضع جمع من النصّاب والمعاندين أخباراً منكرة في فضائلهم ومعجزاتهم بقصد تخريب الدين وإلى أن يرى الناس الباطل منه فيكفر بالحق منه ...» ، وروى الصدوق في العيون أنّ إبراهيم بن أبي محمود قال للرضا عليه‌السلام : يا ابن رسول الله إنّ عندنا أخباراً في فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام وفضلكم أهل البيت ، وهي من رواية مخالفيكم ولا نعرف مثلها عندكم أفندين بها؟ فقال عليه‌السلام :
    «يا ابن أبي محمود ، إنّ مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا ، وجعلوها على ثلاثة أقسام أحدها الغلوّ وثانيها التقصير في أمرنا وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا ، فإذا سمع الناس الغلوّ فينا كفّروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيّتنا وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا وقد قال الله عزوجل : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) ـ إلى أن قال ـ يا ابن أبي محمود احفظ ما حدّثتك به فقد جمعت لك فيه خير الدنيا والآخرة» (1)
    التأمل في الطعون
    أمّا في الطعن الأوّل ، وهي الوقائع التاريخية فلا بدّ من الالتفات إلى أنّه قلّ ما يخلو كتاب ، سواء كان في الحديث أو غيره من الخاصّة أو العامّة ، بل وكذا في كتب السِّيَر والتراجم وغيرها ، قلّ ما يخلو من وهم الرواة فلا يكون ذلك شاهد الوضع والجعل ، والمقام وإن سلّمنا فيه كثرة ذلك الوهم ، إلّا أنّه يمكن تصنيف ذلك الوهم في الموارد المزبورة التي تعرّض لها المحقّق التستري رحمه‌الله إلى أصناف :
    الأوّل : ما يقطع بحصول الوهم فيه.
    __________________
    (1) بحار الأنوار 26 / 239.

    الثاني : ما يظنّ بحصوله ظنّاً قويّاً لخلافه لما اشتهر في التراجم وكتب السِّير.
    الثالث : ما يظنّ ذلك لمخالفته مصدراً أو مصدرين من كتب التاريخ والسِّير أو التراجم ونحوها.
    الرابع : ما يحتمل فيه الوهم وارتياباً ، لمخالفته لقول من تلك الكتب.
    فغالب ما استعرضه المحقّق المزبور للوهم التاريخي في نسخة الكتاب الموجودة هو من قبيل الأقسام الأخيرة ، وكثير منه من القسمين الأخيرين. وأمّا ما كان من قبيل المورد الأوّل فهو موردين أو ثلاثة ، مع أنّ هذين الموردين أو الثلاثة ليس الوهم فيها مخالفاً للواقع من رأس تماماً ، فإنّ قضية محاولة قتل المختار وحصول التشفّع لإطلاقه من السجن ، وأنّ نجاته من القتل عدّة مرات ، لكونه قد قدّر أن يثأر لواقعة كربلاء مطابقاً للواقع ، غاية الأمر أنّ الراوي وهم في الأسماء ولعلّ سبب ذلك كما احتمله بعض ، إنّ الراويين لم يكونا يقيّدان ما يملأ عليهما في المجلس ، بل كانا يقيّدانه بعد ذلك وكذا في قصّة عكرمة ابن أبي جهل فلعلّ هو ابن عتبة بن أبي لهب حيث كان ضمن من ثبت في حنين (1) ولعلّ الاشتباه كان برسم الخط.
    والحاصل : إنّ شطراً وافراً ممّا يؤاخذ به هذا التفسير في ضبطه للوقائع التاريخية لا يستبعد وقوع هذا الوهم من الراوي أو النسّاخ ، مع أنّه استند في التخطئة إلى بعض المصادر التاريخية المحتمل تطرّق الوهم إليها أيضاً إذ ليس كلّها من مسلّمات التاريخ. وما أكثر ما يشاهد من الاختلاف بين كتب التاريخ والسِّير في الضبط ، وإن كان ذلك يورث لزوم التثبّت والفحص في الوقائع
    __________________
    (1). الإصابة / ج 2.

    التاريخية في النسخة الموجودة.
    أمّا الطعن الثاني ، فالمورد الأوّل فما نسب إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله من قوله لأبي بكر فهو بنحو القضية الشرطية التعليقية حيث إنّه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذيل تلك العبارة : «أما إنّك إن دمت على موالاتنا ووافيتنا في عرصات القيامة وفيّا بما أخذنا به عليك من العهود والمواثيق ، فأنت من خيار شيعتنا وكرام أهل مودّتنا فسري بذلك عن أبي بكر» (1).
    فمن الواضح أنّ تلك المقولة منه صلى‌الله‌عليه‌وآله تعليقية مشروطة نظير الشرطيات التي ذكر الباري عزوجل مثل قوله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ ...) (2) ، ونظير قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)(3) ، ونظير قوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ... وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)(4).
    ونظير قوله تعالى (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ)(5).
    وأمّا المورد الثاني ، فالحال فيه كالمورد الأوّل إنّه تعليقي مشروط ؛ حيث إنّه في ذكر في المورد «إن» الشرطية «إن آنسك وساعدك ووازرك وثبت على ما يعاهدك ويعاقدك ...» (6).
    __________________
    (1) تفسير العسكري / 559.
    (2) النساء / 13.
    (3) الفتح / 10.
    (4) الفتح / 29.
    (5) الأحزاب / 32.
    (6) تفسير العسكري / 466.

    وأيضاً في ذيله قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «لا جرم إن اطلع الله على قلبك ووجد ما فيه موافقاً لما جرى على لسانك جعلك منّي بمنزلة السمع والبصر والرأس من الجسد وبمنزلة الروح من البدن ، كعليّ الذي هو منّي كذلك وعليّ فوق ذلك لزيادة فضله وشريف خصاله ، يا أبا بكر إنّ مَن عاهد الله ، ثمّ لم ينكث ولم يغيّر ولم يبدّل ولم يحسد من أبانه الله بالتفضيل ، فهو معنا بالرفيق الأعلى وإذا أنت مضيت على طريقة يحبّها منك ربّك ولم تتبعها بما يسخطه ، ووافيته بها إذا بعثك بين يديه ، كنت لولاية الله مستحقّاً ولمرافقتنا في تلك الجنان مستوجبا ، أنظر أبا بكر فنظر في آفاق السماء فرأى أملاكاً ، ثمّ سمع السماء والأرض والجبال والبحار كلاً يقول [يا محمّد] ما آمرك ربّك بدخول الغار لعجزك عن الكفار ، ولكن امتحاناً وابتلاءً ليتخلّص الخبيث من الطيّب من عباده وامناءه بأناتك وصبرك وحلمك عنهم. يا محمّد مَن وفى بعهدك فهو من رفقائك في الجنان ومن نكث فعلى نفسه ينكث وهو من قرناء إبليس اللعين في طبقات النيران» (1).
    فإنّه مضافاً إلى الشرطية والتعليق فيها من التشديد على ولاية أمير المؤمنين وفرضها على أبي بكر ، وفيها أيضاً إشارة إلى جزعه في الغار وأنّه آذاه حتّى نهاه عن ذلك فلم ينته ، فلم ينزل الله تعالى السكينة عليه مع نبيه كما أنزلها على باقي المؤمنين معه صلى‌الله‌عليه‌وآله في موضع آخر. نعم هي مخازات لا مباهات وإنّما المباهاة فعل أمير المؤمنين في شراء نفسه حيث باه الله ملائكته جبرئيل وميكائيل. أمّا إنّ استصحاب النبي له فهو لا ينافي أن أبا بكر لحق النبي لما سمع بخروجه ، وصار سبباً لأذيّته النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وإدماء رجله وذلك لأنّه بعد ما لحقه استصحبه خشية أن يدلّهم عليه ، نظير ما رواه في تفسير البرهان عن ابن طاوس والمفيد ، بل إنّ
    __________________
    (1) تفسير / 468.

    مضمون هذه الرواية قد رواه في تفسير البرهان في ذيل آية الغار عن الكافي من أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أرى أبا بكر من الآيات العديدة فأضمر في تلك الساعة إنّه ساحر. فقال له صلى‌الله‌عليه‌وآله أنت الصدّيق وفي رواية تفسير عليّ بن إبراهيم فقال في نفسه : الآن صدّقتُ أنّك ساحر. فقال له صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت الصدّيق.
    ونظير ما رواه الصدوق في العيون عن أبي الحسن الثالث عن آبائه عن الحسين بن علي عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ أبا بكر منّي بمنزلة السمع ، وإنّ عمر منّي لبمنزلة البصر ، وإنّ عثمان منّي لبمنزلة الفؤاد ، فلمّا [قال : فلما] كان من الغد دخلت إليه وعنده أمير المؤمنين عليه‌السلام وأبو بكر وعمر وعثمان ، فقلت له : يا أبه سمعتك تقول في أصحابك هؤلاء قولاً فما هو. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم ثمّ أشار إليهم ، فقال : هم السمع والبصر والفؤاد وسيسألون عن وصيّ هذا ـ وأشار إلى عليّ عليه‌السلام ـ ثمّ قال إنّ الله عزوجل يقول : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً)(1) ، ثمّ قال : وعد ربّي أنّ جميع امّتي لموقوفون يوم القيامة ومسئولون عن ولايته» وذلك قول الله عزوجل : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ)(2).
    وأمّا المورد الثالث : فقد تقدّم الكلام عنه في ما ذكرنا حول الطعن الأوّل.
    وأمّا المورد الرابع ، فمورد نزول الآية : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ)(3) ، وإن كان مسلّماً بين الفريقين أنّها نزلت في الإمام عليّ عليه‌السلام للمبيت فوق فراش النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا أنّ تهديد كفّار قريش لبلال وعمّار وخباب وصهيب ، قد ذكره في مجمع البيان إنّه مورد نزول الآية (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ
    __________________
    (1). الإسراء / 36.
    (2) الصافّات / 24.
    (3). البقرة / 207.

    إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ)(1) فالواقعة مذكورة في مورد نزول آية اخرى خاصّة بعمّار ولا تعني هذه الواقعة كثير مديح لصهيب ، وليس فيها دلالة على حُسن عاقبته وعدم تبديله لعهد الله ورسوله ، فإنّ الوعد بالثواب قد ذكر في مواطن كثيرة على أعمال البِرّ والخير ، إلّا أنّه كلّه مشروطاً بالموافاة عند الموت على الإيمان والاستقامة على عهد الله ورسوله كما هو مفاد آية سورة الفتح في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)(2).
    المورد الخامس ، وهو كون الكتاب مشحوناً من إجابتهم عليهم‌السلام على كلّ ما اقترحه الكفّار والمخالفين من المعجزات وهو خلاف كثير من الآيات.
    ففيه : أوّلاً : إنّه ليس مجموع ما ذكر في الكتاب هو إجابة كلّ ما اقترحه بل هو بعض ذلك.
    ثانياً : إنّ العديد منها وقع مع أئمّة الضلالة زيادةً في قطع العذر عليهم.
    ثالثاً : إنّ تعداد ما يستعرضه من المعاجز التي وقعت على يد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو التي أنبأ بها القرآن قبل وقوعها من الملاحم وغيرها عدد ليس باليسير.
    رابعاً : إنّ العديد من تلك المعاجز ليست من المعاجز المصطلحة ، وإنّما هي من الكرامات التي حباها الله أوليائه المعصومين.
    خامساً : إنّ المشار إليه في الآيات من عدم إجابة الكفّار إلى كلّ ما سأله من المعجزات إنّما هو في مقام عدم إجابة تكبّرهم وغطرستهم لا امتناعاً عن إقامة
    __________________
    (1). النحل / 106.
    (2) الفتح / 10.

    البيّنات والحجج فليست البيّنات والبراهين مقامه بحسب التشهّي والأهواء.
    أمّا الطعن الثالث :
    فالمورد الأوّل في عدم نقل المعاصرين له مثل علي بن إبراهيم والعيّاشي ومحمّد بن عباس بن مروان شيئاً منه في تفاسيرهم فليس بغريب؟ وذلك لأمور :
    الأوّل : إنّ هذا التفسير كما قد اتّضح وصل إلى الصدوق عبر سلسلة رواة حوزة المحدّثين في نيشابور وأستراباد ، ولم تكن منفتحة على حوزات الحديث الاخرى ولم يكن لها ارتباط وثيق. فهذا الصدوق قد أكثر في كتبه النقل عن مشايخ ورواة كتب من الحوزات الحديث النائية ، لا توجد عند معاصريه أو من قارب عصره.
    الثاني : إنّ نفس علي بن إبراهيم والعيّاشي لم ينقل أحدهما من الآخر ؛ إذ ليس من شرط التعاصر نقل أحدهما من الآخر.
    وأمّا المورد الثاني : فطعن الغضائري يتأمّل فيه بتدافع وصفهما ، لأنّ ابن الغضائري لم يكن له طريق لمعرفة حال الأسترابادي المفسّر ، فما حكم به تحدّس قائم على مذاقه بتصفّح بعض رواياته في التفسير ، ويشير إلى ذلك وصفه للأحاديث بالمناكير ، مع أنّك قد عرفت في النكات السابقة أنّ الغضائري الأب أبا عبيد الله الحسين بن عبيد الله ، قد وقع في سند رواية التفسير ، وكذا الشيخ الطوسي تلميذه وكذا الشيخ المفيد وكذا من مشايخ الأعلام الطائفة كما أنّ دعوى كون الابنين الراويين مجهولان ، فهو بالإضافة إلى حوزة الحديث في بغداد لا بالإضافة إلى حوزة الحديث في نيشابور وجرجان وأستراباد. كما أنّ إسناد وضع التفسير إلى سهل الديباجي عن أبيه ، الظاهر فيها أنّه سهو من الناسخ كما أشار إلى ذلك المحقّق التستري في الأخبار الدخيلة ، والصحيح في العبارة «إنّ التفسير موضوع كما عن سهل الديباجي عن أبيه أي إنّ نسبة التفسير للوضع ذكرها سهل الديباجي

    عن أبيه وذلك ...».
    وأمّا المورد الثالث : فكون ما ينقله الصدوق وصاحب الاحتجاج من التفسير ليس فيه ما ينكر ، بخلاف النسخة الموجودة. فهذا مبنيّ على تماميّة الطعون السابقة ، وقد اتضح الحال فيها كما قد عرفت ، وأنّ بعض الخلط في الوقائع التاريخية قد يكون من الناسخ ، وقد يكون من غيره كما تقدّم. وأمّا ما ذكره التستري في آخر كلامه مستشهداً برواية أبي محمود عن الرضا عليه‌السلام ففيه :
    أوّلاً : إنّ مضمون الرواية حول رواية المخالفين في فضائل أهل البيت عليهم‌السلام غير موجودة في الروايات الواردة عنهم عليهم‌السلام.
    وثانياً : إنّه عليه‌السلام جعل ضابطة لمعرفة الوضع في تلك الروايات بنحو القضية المنفصلة وهي إمّا الغلوّ أو التقصير في أمرهم ، ومن الواضح أنّ هذه الضابطة لا تنطبق على روايات هذه النسخة لعدم وجود ما يؤدّي إلى القول بربوبيّتهم عليهم‌السلام.
    كما ليس فيها ، حسب الظاهر ما يكون تقصيراً في القول في مراتبهم وأمرهم عليهم‌السلام.

    الخاتمةُ


    وفيها عدّة أمور
    الأمر الأوّل :
    الدعوة إلى نبذ غير الصحيح من الحديث في المجاميع الروائية
    حيث قد أشرنا سابقاً إلى أنّ هناك دعوات في الأوساط الثقافية إلى إعادة كتابة المجاميع الروائية ، بانتقاء الصحيح منها ونبذ غير الصحيح ، فمثلاً الكتب الأربعة يُعاد جمع كلّ منها تحت عنوان الصحيح منها ، هكذا الحال بالنسبة إلى كتاب بحار الأنوار ، كما أنّ هناك نظرة إلى أنّ كتاب مستدرك الوسائل لا يتضمّن الروايات الصحيحة ، وأنّ كلّ ما فيه غير معتبر ، فلا يدخل في عمليّة الاستنباط في دائرة الفحص والتتبّع في المدارك الروائية. وهكذا قيل في مجاميع روائية أخرى وقد اعتمد في هذه الدعوى على بعض الوجوه :
    منها : المحاذاة لما موجود موجود عند العامّة من الصحاح الستّة ، فيكون للخاصّة كذلك ، من وجود مجاميع روائية مشتملة على الصحيح فقط.
    ومنها : إنّ الكتب الروائية حيث أنّها تمثّل مَعلَم المذهب ، فاللازم تنقيتها عن الشوائب ، وعمّا يسيء النظرة إليه.
    ومنها : عدم جدوى وجود غير الصحيح في المجاميع الروائية ، حيث هو

    غير قابل للاعتماد ، وأنّ التنقية والغربلة تقطع الطريق عن الخبر المدسوس أو المدلّس والموضوع.
    ولأجل بيان مدى الغفلة العلمية الخطيرة في هذه الدعوى لا بدّ من بيان نقاط :
    النقطة الأولى : الفرق بين الضعيف والمدسوس
    وهو ما تقدّمت الإشارة إليه من الفرق بين الخبر الضعيف والمدسوس والمدلّس والموضوع ، وأنّ الضعيف يطلق تارة على ما يعمّ ذلك وأخرى على ما يقابل المدسوس والموضوع ، وهو الضعيف بالمعنى الأخصّ ، أي إنّه ليس كلّ خبر غير واجد لشرائط الحجّية في نفسه فهو مدسوس وموضوع ، بل المدسوس والموضوع هو ما علم دسّه ووضعه لا كلّ ما احتمل ذلك فيه.
    بل قد يكون المدسوس والموضوع قد زُيّف لسنده بصورة الطريق الصحيح ، بل قد يكون صحيحاً أعلائياً ، أي أنّه زُوّر في صورته ، فالضعيف الاصطلاحي يقابل المدلّس والموضوع وإن احتمل فيه ذلك ، بل إنّ هذا الاحتمال موجود حتّى في الصحيح نفسه ، إذ العادل قد يكذب كما انّ الكذّاب قد يصدق ، مع أنّ الضعيف اصطلاحاً ليس بمعنى إنّ رواته لا بدّ أن يكونوا موصوفين بالكذب ، إذ الضعيف يشمل المجهول الحال أو الممدوح غير الموثّق أو المهمل أو المرفوع أو المرسل إلى غير ذلك من الأقسام ، فرواته في الواقع قد يكونوا من الثقات ، بل من الأكابر في بعض الأحيان ، إلّا أنّنا بسبب عدم وصول الكثير من المصادر الرجاليّة إلينا وبسبب الحاجة إلى بذل الجهود الكثيرة في المفردات الرجاليّة ـ مع كلّ ما بُذل من مشايخنا العظام (قدّس الله اسرارهم) قد جهلنا أحوال الكثير من المفردات ، كما هو الحال في عمر بن حنظلة حيث إنّه قد أثبتنا أنّه من أتراب محمّد بن مسلم

    وزرارة مع أنّه بقي مجهول الحال إلى الأعصار المتأخّرة.
    وكذلك الحال في إبراهيم بن هاشم فإنّه في هذا العصر يُعدّ عند الأعلام من الثقات الكبار ، مع أنّه ظلّ قروناً عند المتأخّرين تصنّف روايته في الحسن دون الصحيح إلى غير ذلك من أمثلة المفردات.
    وقد نُسب إلى السيّد البروجردي قدس‌سره القول بأنّ علم الرجال منفتح فيه العلم الوجداني ـ وذلك عن طريق المناهج التي تقدّم ذكرها في فصل المناهج ـ في خصوص التعبّدي فضلاً عن دعوى الانسداد ، أي إنّه لو قُيّض بذل جهود وفق تلك المناهج لما بقيت مفردة مهملة أو مجهولة إلّا بمقدار نزر قليل جداً.
    وهاهنا توهّم وهو أنّ كلّ ما يرويه من وصف في الرجال إنّه كذّاب فهو مدسوس موضوع ، ونظيره أيضاً إنّ كلّ ما يرويه من وُصف إنّه ضعيف ، أو وُصف إنّ في حديثه مناكير ، أو وُصف إنّه قد يضع الحديث ، أو كون حديثه مهملاً ، فخبره مدسوس موضوع.
    وهذان التوهّمان سببهما الغفلة ، أو عدم الإحاطة باصطلاح الرجاليين والدرائيين المحدّثين ، فإنّه ليس كلّ من وصف إنّه كذّاب أو أكذب البريّة يعني أنّ كلّ حديثه مدسوس أو موضوع ، فإنّ الرواة الكبار النقاد للحديث صيارفة المتون المتثبّتين في الأسانيد إذا رووا عن مثل من يوصف بذلك ، فليس إلّا عن تمحيص ومداقّة في ما يتحمّلونه من الرواية عنه ، ولا نريد بذلك دعوى حجّية الرواية حينئذ ، بل المراد إقامة الشاهد على انتفاء دعوى العلم بالوضع.
    هذا مضافاً إلى أنّ من وُصف بالكذّاب وإن صدر عن معاصر لذلك الراوي فليس من الضروري مطابقته للواقع ، إذ قد يكون ذلك بسبب مبنى يعتمده الطاعن في طعنه ، نظير ما صدر من الفضل بن شاذان مع جلالته ومكانته العلمية في حقّ

    الستّة الذين وصفهم بالكذّابين المشهورين ، كما في الكشّي ، وعدّ منهم محمّد بن سنان وأبي سمينة محمّد بن علي وأبي جميلة المفضل بن صالح ويونس بن ضبيان وأبي زينب محمّد بن المقلاص أبي الخطّاب (1).
    مع أنّ طعنه هذا منشؤه اختصاص هؤلاء في رواية المعارف العالية الغامضة على أذهان العامّة ، لكن حيث كان مسلك الفضل كلاميّاً فحكم بشذوذ مضامين تلك الروايات ، والتي هي على درجة فوق البحث الكلامي ، المناسبة للمباحث العقلية والذوقيّة البرهانيّة ، وإن كان في بعض هؤلاء الستّة كأبي الخطّاب ممّن قد انحرف ، فإذا كان حال مَن وصف بالكذب هكذا ، فكيف بك بمن وصف بالضعف والإهمال ، أو أنّ حديثه يُنكر ، وغيرها من الأوصاف التي هي مبنيّة إمّا على عدم العلم بحال الراوي أو على مبنى معيّن في علم الكلام أو الفقه.
    وكذا الحال في مَن وصف بوضع الحديث ، فإنّه ليس بمعنى أنّ كلّ حديث رواه أنّه محكوم بذلك ، بل يعني أنّه قد عثر على بعض ما يرويه كونه بذلك الوصف ، بل إنّ التنبيه على ذلك الوصف في الراوي دليل على يقظة من تحمّل الرواية عنه في نقد حديثه متناً وسنداً.
    وهناك وهم ثالث وهو أنّا ما دمنا نحتمل في الحديث الضعيف إنّه قد دُسّ ووضع ، فكيف لا نجعله بمنزلة المدسوس والموضوع ، إذ الاحتمال بنفسه كاف في الريبة والاحتياط في الدين.
    وفيه : إنّ هذا الاحتمال مضافاً إلى أنّه معاكس باحتمال صدور الرواية وكونه حكماً من الأحكام الشرعية في اللوح المحفوظ ، إنّ مجرّد الاحتمال الضئيل غير
    __________________
    (1) الكشّي في ترجمة أبي سمينة محمّد بن علي الصيرفي.

    المعتدّ به كما سيتبيّن في النقاط اللاحقة لا يسوّغ هذا التنزيل القاضي على الآثار الدينيّة والدلائل على الأحكام.
    هذا مضافاً إلى ما سننبّه عليه في النقاط اللاحقة من أجوبة لهذا التوهّم
    النقطة الثانية : الخبر الضعف وآثار الشرعيّة
    فإنّ الضعيف بمفرده وإن كان غير واجد لشرائط الحجيّة ، إلّا أنّه قد وردت الأحاديث المستفيضة (1) بحرمة ردّ الخبر غير المعلوم صدوره وغير المعلوم وضعه ، ولا بدّ أن لا يقع الخلط بين حرمة ردّ الحديث وبين وجوب العمل به كحجّة ، فإنّ عدم ردّ الحديث بمعنى عدم الحكم بوضعه وعدم الحكم بإنكار مضمونه ، لا بمعنى متابعته والأخذ به منفرداً ، بل بمعنى احتمال مطابقة الواقع.
    كما أنّ له أثراً آخر ، وهو تشكّل الخبر المتواتر والمستفيض منه ، بانضمامه إلى الأخبار الضعاف الأخرى أو الصحاح أو الموثّق ، وقد وقعت الغفلة والوهم بأنّ المتواتر لا يتألّف إلّا من الصحاح والأخبار المعتبرة فقط ، وأنّه كيف يتولّد القطع من الضعيف المحتمل للدسّ والوضع ، مع احتمال عدم الصدور وعدم المطابقة للواقع.
    وهذا ناشئ من عدم الإحاطة بحقيقة التواتر وتولّده صناعياً ، وإلّا فهذا التساؤل يرد على الخبر الصحيح أيضاً ، إذ هو لا يتعدّى الظن ، وإن كان بدرجة أرفع من الظن الذي في الخبر الضعيف.
    والحلّ هو أنّ بتراكم الاحتمالات كمّاً وكيفاً تتضاءل تكويناً نسبة الخلاف ،
    __________________
    (1). الوسائل : باب 6 ، وكذا باب 7 و 8.

    وذلك بحسب ضريب حساب الاحتمالات الرياضي ، إلى أن تصل إلى درجة تشارف اليقين ، بحيث يكون الاحتمال في مقابلها ضئيلاً جدّاً لا يعتدّ به الذهن البشري السليم ، ومن الواضع أنّ هذه الماهيّة للتواتر لا يفرّق فيها بين أصناف الخبر الظنّي ، غاية الأمر أنّ الخبر الضعيف أقلّ درجة من ناحية الكيف ، فيحتاج إلى ضمائم كميّة وكيفيّة زائدة كي يتصاعد فيه احتمال الصدور.
    ومنه يتبيّن كيفية نشوء الخبر المستفيض ، والذي هو دون درجة التواتر ، بل بدرجة الظنّ الاطمئناني الفائق على الظنّ الذي في درجة الخبر الصحيح.
    فمن الغريب جدّاً التقيّد بالخبر الصحيح وطرح المستفيض ، بسبب الاقتصار على النظرة الفرديّة الآحاديّة للأخبار الضعاف ، كالأخبار الحسان ، أو التي من صنف القوي ، أو غيرها من أقسام الضعيف ، فإنّه غفلة عن النظرة المجموعيّة المولّدة للمستفيض ، وهذه غفلة ليست هيّنة في عملية الاستنباط ، وهذا هو الأثر الثالث للخبر الضعيف.
    وثمّة أثر رابع للخبر الضعيف ، وهو أنّ مضمون الخبر سواء كان في الفروع أو المعارف فإنّه يفيد تولّد الاحتمال في افق المسألة العلمية ، ونشوء تصوّر لم يكن ليلتفت إليه لو لا ذلك الخبر ، فهو يزيل الجهل المركّب إلى الجهل البسيط ولو كمحتمل تصوّري ، وهذا بالغ الأهميّة في تحقيق أبواب المعارف ، يتنبّه إليه من خاض عُبابها ، وكيف يُستقلّ المفاد والإفادة التصوّرية في مضمون الروايات المحتملة النسبة إلى الوحي الإلهي ، عن الفائدة الحاصلة من قول أحد علماء فنّ المعارف أو الفروع.
    والمراد من هذا الاحتمال ليس احتمال نسبة الصدور المتقدّم ذكره ، وإنّما المراد تصوّر المؤدّى ، وإدراك ما الشارحة وما الحقيقة في المسألة العلمية ،

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2975
    نقاط : 4628
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    بحوث في مباني علم الرجال Empty
    مُساهمةموضوع: رد: بحوث في مباني علم الرجال   بحوث في مباني علم الرجال Emptyالثلاثاء 29 أكتوبر 2024 - 20:39

    سواء كانت من اصول المعارف أو من الفروع
    النقطة الثالثة : درجات الضعف
    إنّ الضعيف في مصطلح علم الرجال والدراية والحديث هو على درجات وأقسام ، قد تعرّضنا إليها سابقاً بنحو مبسوط ، فمثلاً المرسل تختلف درجات الإرسال فيه فبعضها يكون كالمسند إذا عبّر الراوي أو قال : «عن جميل عن بعض أصحاب ...».
    فإنّه يستفاد منه أنّ جميل قد روى ذلك عن مشايخه ممّن أدمن عنهم في الرواية ، وقد يكون شديد الضعف في الإرسال المتوغّل في الجهالة وتعدّد الطبقات ، وكذلك المقطوع والمرفوع وفيه الحسن وفيه القوي ، كما أنّ الضعف تارة يكون بلحاظ الصفات العمليّة في الراوي كالأمانة والصدق وأخرى في الصفات العلميّة الخُبرويّة كالضبط والحفظ والثبت والتمييز في الأسانيد ، وقد يكون الضعف بلحاظ المضمون ، إمّا من جهة النُّسخ أو شذوذ المعنى أو الإسقاط ، إلى غير ذلك من جهات الضعف التي ذكرناها بنحو مستوفى تقريباً في الفصول السابقة.
    وعلى هذا فأقسام الضعيف ودرجاته وإن اشتركت في عدم الحجّية للخبر منفرداً إلّا أنّها تختلف في توليد الآثار الأربعة المذكورة في النقطة السابقة ، وعليه فلا تكال بكيل واحد
    النقطة الرابعة : انحلال العلم الإجمالي
    أي انحلال العلم الإجمالي بشبهة الدسّ بتوسّط العلم الإجمالي القريب من

    التفصيلي بوقوع التصفية والتنقية والغربلة لكتب الحديث والاصول الروائية ، وقد تمّت على مراحل :
    منها : ما قام به كبار الرواة من عرض الكتب الروائية المهمّة ككتاب (ظريف) في الديات وكتاب الفرائض وغيرها من الكتب (1) التي أشرنا إليها في فصل وجوه حجّية قول الرجالي.
    ومنها : ما قامت به المدرسة القمّية بالتشديد البالغ أقصاه ، وكُتب الرجال مليئة بالشواهد على ديدنهم في هذا التشدّد.
    ومنها : ما قام به أصحاب المجاميع الروائية كأصحاب الكتب الأربعة ، وغيرهم من معاصريهم كصاحب كامل الزيارات وغيره ، وقد ذكرنا في الفصل المشار إليه الشواهد العديدة على ذلك.
    ومنها : ما أمر به الأئمّة عليهم‌السلام وأسّسوه من ضابطة كميزان لمعرفة الخبر الموضوع عن غيره ، وهذا المحك العياريّ هو العرض على الكتاب والسنّة وضرورات المذهب والعقل في حدود دائرة البديهيّات وما يقرب منها ، لا سيّما وأنّ شبهة الدسّ والوضع في الغالب هي في أبواب خاصّة في المعارف ، وقد بيّنوا عليهم‌السلام الضوابط الفيصليّة الخاصة بتلك الأبواب.
    ومنها : ما قام به المحدّثون في شروحهم ، والفقهاء في كتبهم الاستدلاليّة ، والحكماء والمتكلّمون في كتب المعارف ، والمفسّرون في كتب التفسير ، وغيرهم من طبقات علماء الإماميّة عبر أحد عشر قرناً بعد الغيبة ، من التنقية والتمحيص والغربلة في المضامين والأسانيد والنسخ ، فإنّ حاصل هذا المجهود المكدّس
    __________________
    (1). كتاب الوسائل ، أبواب صفات القاضي الباب الثامن منه.

    يسهّل على الباحث العناء الكثير ، ويوفّر عليه الوقت في الوصول إلى النتيجة.
    وقد ذكرنا في الفصل المشار إليه أنّ نتيجة تلك الشواهد العديدة على التنقية والغربلة سبّبت ذهاب علمائنا الأخباريّين إلى نظريتهم في الكتب الأربعة ، وذهاب الميرزا النوري والنائيني إلى نظريتهما حول كتاب الكافي وذهاب السيّد الخوئي ورعيل من تلامذته حول كامل الزيارات وتفسير علي بن إبراهيم وغيرهم على إختلاف التفاصيل في اعتبار صدور كلّ الروايات أو قسم وافر منها في المجاميع الروائية ، إلّا أنّه قد أشرنا آنفاً أنّ الصحيح ومحصّل هذه الشواهد المفعمة هو دفع بقاء شبهة الدسّ والوضع ، فلاحظ ما ذكرناه هناك مفصّلاً.
    وبعد وضوح هذه النقاط الأربع نوضح الخلل في دعوى التصحيح بالأمور التالية :
    الأمر الأوّل : إنّ ما يتخيّل من كون كلّ ما أودع في كتب صحاح العامّة من صحّة كلّ ما فيها فهو تخيّل في غير محلّه ، فقد استدرك كثيراً على أسانيد الروايات فيها ، وقد جرّد غير واحد لائحة بمجموع الرواة الضعاف الواقعين في أسانيد مثل البخاري أو صحيح مسلم وغيرها (1) ، كما قد استدرك على صحيح مسلم والبخاري بالصحاح الأخرى وبمستدرك الحاكم النيسابوري ممّا قد فاتهم من الروايات الصحيحة ، ويُعزى كلّ من الاستدراك السنديّ والاستدراك الروائي عليهم إلى ما قدّمناه في النقاط السابقة إلى أسباب ، أحدها إختلاف المباني في الجرح والتعديل ، واختلاف دوائر التتبّع والاستقصاء ، إلى غير ذلك
    __________________
    (1). لاحظ من باب المثال كتاب (المراجعات) للسيد شرف الدين ، وكتاب (دلائل الصدق) ج 1 للشيخ محمّد حسن المظفر ، وكتاب (العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل) للسيد محمّد بن عقيل ، وكتاب (عين الميزان) للشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء.

    من الأسباب أو الدواعي الأخرى.
    الأمر الثاني : إنّ دعوى التصحيح بمعنى التنقيح من المدسوس والموضوع ونحوهما ، قد تمّت في مجاميعنا المشهورة ، وتظافرت الشواهد على وقوع تلك العملية ، حتّى آل الأمر كما نبّهنا سابقاً إلى التزام عدّة بتصحيح ما في المجاميع مطلقاً ، أو في بعضها كخصوص الكافي أو خصوص كامل الزيارات أو تفسير القمّي أو غيرها ، حسباناً منهم من أنّ التصحيح الواقع هو بمعنى اعتبار السند من كلّ الجهات ، بينما المراد منه كما ذكرنا هو التنقية من المشتبه بالدسّ والوضع.
    الأمر الثالث : ايجاب ذلك لضياع التراث الديني كما بيّنا ، والتفريط بالآثار الشرعية الكثيرة البالغة في الروايات التي يُراد طرحها.
    الأمر الرابع : إنّ كلّ ما ذكرناه من النقاط والأمور في قبال هذه الدعوى لا تعني عدم القيام بمنهج الدراسة المتنيّة للأحاديث ، مضافاً إلى الدراسة السنديّة لها بالموازين المقرّرة في علمي الفقه والأصول ، ولكن هذا غير الدعوى المزبورة بإقصاء وإتلاف مجموعات روائية.

    الأمر الثاني
    بداية تقسيم الحديث
    قد اشتهر أخيراً إنّ البداية هي من زمن العلّامة الحلّي تبعاً لُاستاذه السيّد أحمد بن طاوس ، ويستشهد لذلك بما ذكره الشيخ البهائي في مشرق الشمسين من أنّ التقسيم الرباعي هو من ابتكارات العلّامة حذواً للتقسيم الموجود عند العامّة. ولكن الصحيح هو وجود هذا التقسيم عند الرجاليين والمحدّثين وأصحاب الفهارس منذ القدم ، بل إنّ الأقسام التي عندهم تربو على ذلك بكثير ، كما أوضحنا ذلك في تضاعيف الكتاب سابقاً.
    والشاهد على ذلك هو أنّ علماء الدراية في كتبهم المستحدثة ربّما ينهون أقسامها إلى ما يربو على الأربعين ، يستشهدون على وجود هذه الأقسام بالألفاظ الخاصّة الواردة في تراجم الرواة ووصف حديثهم ، أو في كتب الفهارس والحديث القديمة ، لا أنّ تلك الأقسام مقترحة من قبل علماء الدراية ، ومبادرة منهم لتصنيف الأحاديث ، من دون وجود صفات متميّزة في واقع الحديث ، إمّا بلحاظ سند الحديث أو متنه أو جهة صدوره أو غير ذلك ، دلّل عليها أصحاب كتب الحديث والرجال والفهارس القديمة ، وقد قدّمنا في طيّات البحث عند الإشارة إلى هذا المطلب شطراً من كلمات التراجم والرواة والمحدّثين ، ممّا يشير إلى كثرة تصنيفهم الحديث إلى أقسام عديدة ، ويكفي للمتتبّع المرور على تعابير تراجم الرواة وتعابير أصحاب الكتب الأربعة مثلاً في طيّات كلامهم عن ردّ حديث أو الأخذ بآخر.

    الأمر الثالث
    تصحيح طرق المتأخّرين إلى الأصول الروائية
    أي تصحيح طرق القطب الراوندي ، والسيّد ابن طاوس ، وابن إدريس والفاضلين وابن شهرآشوب ، وغيرهم ممّن هو في هذه الطبقات (1).
    إنّ أهمّية هذا التصحيح تكمن في أنّ هؤلاء الأعلام في كتبهم كثيراً ما يخرجون رواية من الكتب والأصول الأربعمائة المشهورة ، ككتاب معاوية بن عمار ، وكتاب عمار بن موسى الساباطي في مشيخة الحسن بن محبوب ، وغيرهم ، إلّا أنّهم لا يذكرون طرقهم إلى الشيخ الطوسي ونحوه الذي هو واصل بينهم وبين تلك الكتب والأصول.
    ولا سيّما مثل ابن إدريس ، حيث جعل أحد فصول كتابه السرائر في المستطرفات من الأصول الحديثيّة القديمة ، وهكذا الحال عند السيّد ابن طاوس في كتابه غياث سلطان الورى ، الذي جمع فيه كثيراً من أحكام الصلاة وقضائها ، وغيره من كتبه ، وقد دُرج في الكلمات التعبير عن تلك الروايات بالمراسيل ، والحال أنّ في عدّة من الأبواب والمسائل عمدة ما يستدلّ به روايات
    __________________
    (1) لا يخفى أنّ هذا التصحيح قد أشار إليه الشيخ الأستاذ في الدورة الرجاليّة التي ألقاها في شهري جمادى ورجب من سنة 1413 ه‍ وهذه المدوّنة التي بين يدي القارئ هي تحرير وتقرير لتلك الدورة المسجّلة بالأشرطة ، وقد قام أحد حضّار البحث آنذاك بتتبع أسانيد الإجازات من صغريات فكرة التصحيح ، وقد اشير إلى ذلك في كتاب صلاة المسافر : 310.

    هذه الكتب ، ومن ثمّ كان العثور على أسانيد هؤلاء الأعلام المتّصلة بالشيخ الطوسي ومن هو في طبقته مخرج لها عن الإرسال.
    وعلى كلّ حال فقد قال ابن إدريس في السرائر في أوّل المستطرفات تحت عنوان باب الزيادات : «وهو آخر أبواب هذا الكتاب ممّا استنزعتُه من كتب المشيخة المصنّفين والرواة المحصّلين ، وستقف على أسمائهم إن شاء الله ، فمِن ذلك ما أورده موسى بن بكر الواسطي في كتابه ...» وأخرج روايات عديدة ، ثمّ قال : «ومن ذلك ما استطرفناه من كتاب معاوية بن عمار ...» وقال في ما استطرفه من كتاب محمّد بن علي بن محبوب «وهذا الكتاب كان بخط شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه‌الله مصنّف النهاية فنقلت هذه الأحاديث من خطه قدس‌سره من الكتاب المشار إليه».
    وقال في ذلك ما استطرفه من كتاب حريز : «تمّت الأحاديث المنتزعة من كتاب حريز بن عبد الله السجستاني رحمه‌الله وكتاب حريز أصل معتمد معمول عليه» ، وكذا في ذيل كتاب المشيخة للحسن بن محبوب السرّاد قال : «وهو كتاب معتمد».
    وقال المحقّق في المعتبر في مقدّمة الكتاب تحت عنوان الفصل الرابع «في السبب المقتضي للاقتصار على من ذكرناه من فضلائنا لمّا كان فقهاؤنا (رضي‌الله‌عنهم) في الكثرة إلى حدّ يتعسّر ضبط عددهم ويتعذّر حصر أقوالهم لاتّساعها وانتشارها وكثرة ما صنّفوه ، وكانت مع ذلك منحصرة في أقوال جماعة من فضلاء المتأخّرين اجتزأت بإيراد كلام من اشتهر فضله وعرف تقدّمه في نقل الأخبار وصحّة الاختيار وجودة الاعتبار واقتصرت من كتب هؤلاء الأفاضل على ما بان في اجتهادهم وعُرف به اهتمامهم وعليّ اعتمادهم ، فممّن اخترت نقله الحسن بن

    محبوب ، ومحمّد بن أبي نصر البزنطي ، والحسين بن سعيد ، والفضل بن شاذان ، ويونس بن عبد الرحمن ، ومن المتأخّرين أبو جعفر محمّد بن بابويه القمّي رضى الله عنه ، ومحمّد بن يعقوب الكليني» انتهى.
    وتصحيح أسانيدهم يتمّ بما ذكره المتأخّرون كالعلّامة الحلّي والشهيد الثاني والمحقّق الكركي والمحمّدون الثلاثة وغيرهم من أصحاب الإجازات أو الطرق المذكورة في مشيخة الكتب ككتاب الوسائل والبحار ، ونذكر بعض النماذج منها إذ في أغلبها وقوع ابن إدريس والمحقّق والعلّامة وابن طاوس وغيرهم ممّن يُراد تحصيل أسانيده في طرق إجازات الكتب الروائية والفقهية المصرّح في بعض منها في إجازة جميع ما رواه الشيخ في الفهرست وغيره.
    فمنها : ما ذكره الشهيد الثاني في إجازته لوالد شيخنا البهائي (1) قال : «وبهذه الطرق نروي جميع مصنّفات من تقدّم على الشيخ أبي جعفر من المشايخ المذكورين وغيرهم ، وجميع ما اشتمل عليه كتابه فهرست أسماء المصنفين وجميع كتبهم ورواياتهم بالطرق التي له إليهم ، ثمّ بالطرق التي تضمّنتها الأحاديث ، وإنّما أكثرنا الطرق إلى الشيخ أبي جعفر لأنّ اصول المذهب ترجع كلّها إلى كتبه ورواياته» انتهى كلامه.
    أقول : إنّ في بعض تلك الطرق وقع ابن إدريس عن الحسن بن رطبة عن أبي علي عن والده الشيخ الطوسي ، وحينئذ يكون طريق ابن إدريس إلى الكتب التي روى عنها في المستطرفات هي بهذا الطريق إلى الشيخ ، ومن ثمّ بطرق الشيخ في الفهرست إليها إلّا التي لم يتعرّض لها الشيخ ولم يذكر لها طرقاً ، ككتاب جعفر بن
    __________________
    (1). بحار الأنوار ـ كتاب الاجازات 108 / 163.

    محمّد بن سنان الدهقان.
    ومنها : ما في إجازة المحقّق الكركي إلى الشيخ علي الميسي (1) بإسناد الأوّل إلى ابن إدريس بحقّ روايته عن الفقيه الصالح عربي بن مسافر العبادي ، عن الفقيه السعيد إلياس بن هشام الحائري ، عن الشيخ السعيد الجليل المفيد أبي علي ابن الشيخ أبي جعفر الطوسي عن أبيه.
    وكذا ما ذكره المحقّق الكركي في إجازته لصفي الدين قال فيها : «وبالجملة فما أرويه من طرق أصحابنا لا نهاية له ، لأنّي أروي جميع ما صنّفه ورواه علماؤنا الماضون الصالحون ، من عصر أشياخنا إلى عصر أئمّتنا (صلوات الله وسلامه عليهم) وكثير من أسانيد ذلك موجود في مواضع معدّة له مثبت في مضانّه ، وقد أذنت للمشار إليه (أدام الله تعالى علوّ قدره في التسلّط على روايته ونقله إلى تلامذته) ..» ـ ثمّ ذكر طريقاً من تلك الطرق وقع فيها كلّ من الشهيد الأوّل والعلّامة عن المحقّق الحلّي عن ابن نما عن ابن إدريس عن عربي بن مسافر العبادي عن إلياس بن هشام الحائري.
    ومنها : ما في إجازة الشهيد الثاني أيضاً للشيخ حسين بن عبد الصمد (2) قال : «ولنذكر طريقاً واحداً هو أعلى ما اشتملت عليه هذه الطرق إلى مولانا وسيّدنا وسيّد الكائنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويُعلم منه أيضاً مفصّلاً أعلى ما عندنا من السند الى كتب الحديث التهذيب والاستبصار والفقيه والمدينة والكافي وغيرها ـ ثمّ ذكر أسانيده إلى العلّامة الحلّي عن المحقّق الحلّي عن السيّد فخّار عن شاذان بن
    __________________
    (1). بحار الأنوار 108 / 45.
    (2) المصدر المتقدّم / 169.

    جبرئيل عن جعفر الدورستي عن المفيد عن الصدوق».
    ومنها : ما ذكره الشيخ الحرّ العاملي في الفائدة الخامسة من خاتمة الوسائل قال : في بيان بعض الطرق التي نروي فيها الكتب المذكورة (1) عن مؤلّفيها ، وإنّما ذكرنا ذلك تيمّناً وتبرّكاً باتصال السلسلة بأصحاب العصمة عليهم‌السلام لا لتوقّف العمل عليها لتواتر تلك الكتب ، وقيام القرائن على صحّتها وثبوتها ـ كما يأتي إن شاء الله تعالى ـ ثمّ ذكر طرقاً كثيرة إلى الشهيد الثاني وإلى المحقّق الثاني وإلى الشهيد الأوّل ، ثمّ منهم بسندهم إلى العلّامة الحلّي ، عن المحقّق الحلّي ، عن السيّد فخار عن شاذان بن جبريل القمّي ، عن ابن أبي القاسم الطبري ، عن المفيد الثاني ، عن أبيه ، وذكر إسناداً آخر عن الشهيد الأوّل بسنده عن ابن شهرآشوب ، عن أبيه والداعي بن علي الحسيني ، وفضل الله بن علي الحسيني الراوندي ، وعبد الجليل بن عيسى الرازي ، ومحمّد وعلي ابني عبد الصمد النيسابوري ، وأحمد بن علي الرازي ، ومحمّد بن الحسن الشوهاني ، وأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي ، ومحمّد بن علي بن الحسن الحلبي ، ومسعود بن علي الصوأبي ، والحسين بن أحمد بن طحال المقدادي ، كلهم عن الشيخين أبي علي الحسن بن محمّد بن الحسن الطوسي ، وأبي الوفاء عبد الجبار بن علي المقري ، عن الشيخ أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي.
    أقول : ويظهر من ذلك كثرة طرق ابن شهرآشوب إلى الشيخ الطوسي ، وقد وقع هو في سلسلة الإجازات المذكورة في البحار كثيراً ، أعرضنا عن ذكرها روماً للاختصار ، ويظهر منها الكثرة أيضاً.
    وقد ذكر الحرّ العاملي في الفائدة السادسة كلمات العديد من الأعلام في القرون
    __________________
    (1). اي التي ذكرها في الفائدة الرابعة.

    المتأخّرة ، الدالّة على استفاضة واشتهار وصول الأصول والكتب الروائية الكثيرة القديمة.
    ومنها : ما قاله السيّد ابن طاوس في مقدّمة كتابه فلاح السائل : «وربّما لا أذكر أوّل طريقي لكلّ حديث من هذا الكتاب لئلّا يطول ، ويكفي أنّني أذكر طريقي إلى رواية كلّ ما رواه جدّي السعيد أبو جعفر الطوسي (تلقّاه الله جلّ جلاله ببلوغ المأمول) فإنّه روى في جملة ما رواه عن الشيخ الصدوق هارون بن موسى التلعكبري (قدّس الله روحه ونوّر ضريحه) كلّ ما رواه ، وكان ذلك الشيخ الصدوق قد اشتملت روايته على جميع الأصول والمصنّفات إلى زمانه ـ إلى أن قال ـ ثمّ رويته بعدّة طرق عن جدي أبي جعفر الطوسي ، كلّ ما رواه محمّد بن يعقوب الكليني ، وكلّ ما رواه أبو جعفر محمّد بن بابويه ، وكلّ ما رواه السعيد المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان ، وكلّ ما رواه السيّد المعظّم المرتضى ، وغيرهم ممّن تضمّن الفهرست وكتاب أسماء الرجال وغيرهما رواية جدي أبي جعفر الطوسي عنهم (رضوان الله جلّ جلاله عليهم وضاعف إحسانه إليهم)
    أقول : فمن طرقي في الرواية إلى كلّ ما رواه جدي جعفر الطوسي في كتاب الفهرست وكتاب أسماء الرجال وغيرهم من الروايات ، وما أخبرني به جماعة من الثقات منهم الشيخ حسين بن أحمد السوراوي إجازة في (جمادى الأخرى سنة تسع وستّمائة) قال : أخبرني محمّد بن أبي القاسم الطبري ، عن الشيخ المفيد أبي علي ، عن والده جدي السعيد أبي جعفر الطوسي ـ ثمّ ذكر طريقاً آخر عن الشيخ علي بن يحيى الخيّاط الحلّي ، عن الشيخ عربي بن مسافر العبادي ، عن محمّد بن أبي القاسم الطبري ، عن أبي علي عن والده ، وذكر طريقاً ثالثاً عن الشيخ اسعد بن عبد القاهر الأصفهاني ، عن أبي الفرج علي بن السعيد أبي الحسين

    الراوندي ، عن الشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسن الحلبي ، عن الشيخ الطوسي قال : أقول وهذه روايتي عن أسعد بن عبد القاهر الأصفهاني اشتملت على روايتي عنه الكتب والأصول والمصنّفات ، وبعيد أن يكون قد خرج عنها شيء من الذي أذكره من الروايات».
    أقول : وهناك نماذج من الطرق الاخرى الكثيرة يمكن استخراجها عن الإجازات التي يجدها المتتبّع في مظانّها من الكتب التي أشرنا إليها وغيرها.
    والمحصّل منها اتّصال سلاسل أسانيد هذه الإجازات عبر هؤلاء الأعلام إلى الشيخ الطوسي ، أو المفيد ، أو الصدوق ، وغيرهم إلى أصحاب الكتب والأصول.
    إشكال ودفع : هذا وقد يشكل على هذا التصحيح بأنّ الإجازات المتصلة إنّما توقع وتُنشأ وتؤخذ لأجل التبرّك بالاتصال بسلسلة السند بالمعصومين عليهم‌السلام ، لا أنّه طريق لرواية الكتب والأصول ، بل قد يطفح التصريح بذلك من بعض عبائرهم.
    مضافاً إلى أنّه من المقطوع به عدم وصول كلّ ما اشتمل عليه كتاب الفهرست ، وما اشتمل عليه كتاب أسماء الرجال إلى مثل الشهيد الثاني ، والمحمّدون الثلاثة المتأخّرون. وحينئذ لا يعلم أنّ الكتب التي استطرف منها ابن إدريس مثلاً ، أو التي استخرج منها الفاضلان ، أو السيّد ابن طاوس ، أو ابن شهرآشوب ، وغيرهم ممّن تقدّم ذكرهم ، هي من الكتب الواصلة للشهيد وللمحقّق الثاني مثلاً عن ذلك الطريق ، وعليه لا يمكن الحكم بصحّة الطريق بالمعنى المصطلح عليه ، وهل يظنّ أنّ الحرّ العاملي حين أجاز واستجاز من المجلسي ، وكذا السيّد هاشم البحراني ، أنّ كلاً منهما ناول الآخر جميع الكتب وهذه مجازفة في الدعوى (1).
    __________________
    (1) قد تقدّم نظير هذا الاشكال في أول هذا الفصل مع بعض الاجابات عنه.

    ودفع هذا الاشكال : إنّ هذا الإشكال وإن كان له وجه ، إلّا أنّ فيه إفراطاً وغفلةً عن واقع حال الإجازات ، وذلك لأنّ هذه الإجازات هي طرق مناولة تلك الكتب ، بشهادة أنّهم يميّزون بين مجموعات الكتب المشهورة بعضها عن البعض الآخر ، فيخصّون بعضها الأوّل مثلاً بمجموعة من الطرق ، والبعض الآخر بمجموعة أخرى من الطرق ، وهكذا دواليك ، بل يميّزون بعضها الثالث بطريق أو طريقين وهلم جرّا ، وكذا يميّزون بعض الكتب غير المشهورة بطريق غير طريق الكتب المشهورة ، كما أنّ ديدنهم كان على المقابلة في النُّسخ ، بأن يعيّر المجيز المستجيز ليقابل النسختين ليطمئنّ بتوافقهما ، ولذا تراهم يذكرون العدد المسلسل لمجموع أحاديث كلّ كتاب ، وأوّلها وآخرها ، وعدد الفصول والأبواب ، تحفّظاً منهم على عدم تطرّق التخليط أو الزيادة والنقصان ، وعليك بالنظر إلى خاتمة الوسائل والبحار ومفتتح كتاب إثبات الهداة وغيرها من كتب الإجازات لترى حقيقة ذلك ، نعم القدر المتيقّن والمطمئنّ به لهذا التصحيح مع ملاحظة نكتة الوجه في الإشكال هو في الكتب المشهورة النُّسَخ في تلك الطبقات ، وإن لم تكن متواترة ، وقد تقدّم في فصل أحوال الكتب بيان طريقة استكشاف شهرة الكتاب.
    والحاصل : إنّ الطريق المستكشف لهؤلاء الأعلام من إجازات المتأخّرين عليهم إن نُصّ على اسم الكتاب بخصوصه عند المتأخّر صاحب الإجازة في إجازته فهو ، وإلّا فلا بدّ أن يكون الكتاب قد أحرز أنّه متكثّر النُّسخ في تلك الطبقات ، ويطمئنّ بشمول الطريق إليه ، وإلّا فعموم العبارة في لفظ الإجازة من المتأخّر لا يُراد منه جميع الكتب بالاستغراق التامّ قطعاً.

    الأمر الرابع
    مفردات رجاليّة مضطربة
    كما هو الحال في علي بن أبي حمزة البطائني وأحمد بن هلال ومحمّد بن أبي زينب أبي الخطاب ويونس بن ظبيان وغيرهم ممّن كانت لهم فترة استقامة ثمّ أعقبتها فترة انحراف وضلال.
    المعروف عند القدماء البناء على تصحيح روايات هؤلاء والاعتماد عليها في ما رُوي عنهم في فترة استقامتهم ، ولكنّه لم يعتمد الكثير من الطبقات المتأخّرة على رواياتهم ، استناداً إلى ما ورد في حقّهم من الذموم واللعن ، وحيث أنّ ذلك لا ينهض لطرح جملة رواياتهم ، بل غايته التفصيل بين روايات فترة الاستقامة وفترة الانحراف ، والوجه في ذلك إجمالاً :
    إنّ ديدن الطائفة من رواتهم وأعيانهم ووجوه نَقَلة الأخبار كان على مقاطعة أصحاب رءوس البدع والفرق المنحرفة ، فإذا ما تلبّس أحد بذلك قاطعوه ونبذوا الرواية عنه ، وعليه فإذا عُثر على رواية منهم عنه فيعلم من ذلك أنّ الرواية وقعت منهم عنه أيّام استقامته قبل انحرافه ، وتكون حينئذ معتبرة ، وهذا وجه اعتبار الرواية حينئذ على نحو الإجمال.
    أما الوجه التفصيلي على ذلك ، ففي مورد البطائني فقد روى الكشّي تحت عنوان الواقفة ، بسنده عن يونس بن يعقوب ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : أعطي هؤلاء الذين يزعمون أنّ أباك حيّ من الزكاة شيئاً؟ قال : «لا تعطهم فإنّهم

    كفّار مشركون زنادقة» (1).
    وروى أيضاً عن محمّد بن عاصم قال : سمعت الرضا عليه‌السلام يقول : «يا محمّد بن عاصم بلغني أنّك تجالس الواقفة ، قلت : نعم جعلت فداك اجالسهم وأنا مخالف لهم ، قال : لا تجالسهم فإنّ الله عزوجل يقول (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)(2) يعني بالآيات ، الأوصياء الذين كفروا بها الواقفة» (3).
    وروى الكشّي أيضاً عن يحيى بن المبارك قال : كتبت إلى الرضا عليه‌السلام بمسائل فأجابني ، وكنت ذكرت في آخر الكتاب قول الله عزوجل (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ)(4) ، فقال : «نزلت في الواقفة ووجدت الجواب كلّه بخطّه : ليس هم من المؤمنين ولا من المسلمين ، هم من كذّب بآيات الله ، ونحن أشهر معلومات ، فلا جدال فينا ولا رفث ولا فسوق فينا ، أنصب لهم من العداوة يا يحيى ما استطعتَ» (5).
    وروى الكشّي أيضاً عن يونس بن عبد الرحمن قال : مات أبو الحسن عليه‌السلام وليس من قوّامه أحد إلّا وعنده المال الكثير ، وكان ذلك سبب وقوفهم وجحودهم موته ، وكان عند زياد القندي سبعون ألف دينار ، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف
    __________________
    (1) الكشّي 2 / 756 ، الحديث 862 ، طبعة آل البيت عليهم‌السلام.
    (2). النساء / 140.
    (3) الكشّي 2 / 756 ، الحديث 864.
    (4) النساء / 143.
    (5) الكشّي 2 / 756 ، الحديث 880.

    دينار ، قال : فلما رايت ذلك وتبيّن عليّ الحق وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ما علمت تكلّمت ودعوت الناس إليه ، قال : فبعثا إليّ وقالا : ما تدعو إلى هذا ، إن كنت تريد المال فنحن نغنيك ، وضمّنا لي عشرة آلاف دينار ، وقالا لي كفّ. قال يونس : فقلت لهما أما روينا عن الصادقين عليهم‌السلام أنّهم قالوا : «إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يُظهر علمه ، فإن لم يفعل سُلب نور الإيمان ، وما كنتُ لأدع الجهاد وأمر الله على كلّ حال فناصباني وأظهرا لي العداوة» (1).
    وغير ذلك يجدها المتتبّع في كتاب رجال الكشّي في ترجمة رؤساء فرقة الواقفة وما رواه الصدوق في إكمال الدين والشيخ في الغيبة وغيرها من المظانّ الأخرى الدالّة على مقاطعة الشيعة بشدّة لرؤساء الوقف حسماً لمادّة ضلالتهم.
    وعليه فيظهر من كلّ ذلك أنّهم لم يتحمّلوا الرواية عنهم في فترة انحرافهم وأنّ ما رووه عنهم فقد كان في فترة استقامتهم السابقة ، حيث كان البطائني من وجوه الرواة وأعيان الطائفة ، وكان قائداً لأبي بصير يحيى بن القاسم ، ومن ثمّ كان وكيلاً للإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام ، وقد صنّف كتباً عدّة ، منها كتاب الصلاة ، وكتاب الزكاة ، وكتاب التفسير أكثره عن أبي بصير وكتاب جامع في أبواب الفقه ، كما ذكر ذلك النجاشي ، وقد روى كتبه عنه محمّد بن أبي عُمير ـ المعروف بتشدّده وحيطته في الرواية ـ وصفوان بن يحيى.
    ومن ثمّ يتحصّل أنّ الراوي عنه إن كان اثني عشرياً فيعلم من ذلك أنّ روايته عنه كانت أيّام استقامته ، وإن كان الراوي عنه من الواقفة فلا يحرز أنّ ذلك عنه في أيّام استقامته.
    __________________
    (1) الكشّي 2 / 756 ، الحديث 946.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2975
    نقاط : 4628
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    بحوث في مباني علم الرجال Empty
    مُساهمةموضوع: رد: بحوث في مباني علم الرجال   بحوث في مباني علم الرجال Emptyالثلاثاء 29 أكتوبر 2024 - 20:40

    هذا مضافاً إلى ما يظهر من الروايات من عدم امتداد عمره بعد انحرافه ، ومن ثمّ أودعت الطائفة رواياته في كتبهم وأكثروا منها.
    وقد أشار إلى ذلك الشيخ الطوسي في العدّة في الفصل الخامس من باب الخبر الواحد في معرض كلامه عن الراوي إذا كان من فرق الشيعة مثل الفطحية والواقفة والناووسية قال : «وإن كان ما رووه ليس هناك ما يخالفه ولم يعرف من الطائفة العمل بخلافه وجب أيضاً العمل به إذا كان متحرّجاً في روايته ، موثوقاً في أمانته ، وإن كان مخطئاً في أصل الاعتقاد ، ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحية مثل عبد الله بن بكير ، وغيره وأخبار الواقفة مثل سماعة بن مهران ، وعلي بن أبي حمزة ، وعثمان بن عيسى ، ومن بعد هؤلاء بما رواه بنو فضال ، وبنو سماعة ، والطاطريّون ، وغيرهم في ما لم يكن عندهم فيه خلافه ، وأمّا ما ترويه الغلاة والمتّهمون والمضعّفون وغير هؤلاء فما يختصّ الغلاة بروايته ، فإن كانوا ممّن عُرف لهم حال استقامة وحال غلوّ عُمل بما رووه في حال الاستقامة وتُرك ما رووه في حال خطئهم (تخليطهم) ولأجل ذلك عملت الطائفة بما رواه أبو الخطاب محمّد بن أبي زينب في حال استقامته وتركوا ما رواه في حال تخليطه ، وكذلك القول في أحمد بن هلال العبرتائي وابن أبي عذافر وغير هؤلاء ، فأمّا ما يرويه في حال تخليطهم فلا يجوز العمل به على كلّ حال» (1).
    وأمّا الكلام في أحمد بن هلال العبرتائي ، فقد روى الكشّي عن علي بن محمّد بن قتيبة قال : حدّثني أبو حامد المراغي قال : ورد على القاسم بن علاء نسخة ما كان خرج من لعن ابن هلال ، وكان ابتداء ذلك أنّ كتب عليه‌السلام إلى نوّابه
    __________________
    (1) العدة 1 / 150 ، الطبعة الحديثة.

    (قوّامه بالعراق) : «احذروا الصوفي المتصنّع» قال : وكان من شأن أحمد بن هلال أنّه كان قد حجّ أربعاً وخمسين حجّة ، عشرون منها على قدميه ، قال : وقد كان رواة أصحابنا بالعراق لَقَوه وكتبوا منه ، فأنكروا ما ورد في مذمّته ، فحملوا القاسم بن علاء على أن يراجع في أمره فخرج إليه :
    «قد كان أمرنا نفذ إليه في المتصنّع ابن هلال ـ لا رحمه‌الله ـ بما قد علمت ولم يزل لا غفر الله له ذنبه ولا أقال له عثرته ، يداخل في أمرنا بلا إذن منّا ولا رضا ، يستبدّ برأيه ، فيتحامى من ديوننا (من ذنوبه) لا يمضي من أمرنا إيّاه إلّا بما يهواه ويريده ، أرداه الله بذلك في نار جهنم ، فصبرنا عليه حتّى وتر الله بدعوتنا عمره وكُنّا قد عرّفنا خبره قوماً من موالينا في أيّامه ـ لا رحمه‌الله ـ وأمرناهم بإلقاء ذلك إلى الخاصّ من موالينا ونحن نبرأ إلى الله من ابن هلال لا رحمه‌الله ولا من لا يبرأ منه (واعلم الإسحاقي) سلّمه الله وأهل بيته ممّا أعلمناك من حال هذا الفاجر ، وجميع من كان سألك ويسألك عنه من أهل بلده والخارجين ومن كان يستحق أن يطّلع على ذلك ، فإنّه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك في ما روى عنّا ثقاتنا قد عرفوا بأنّنا نفاوضهم بسرّنا ونحمله إيّاه إليهم وعرفنا ما يكون من ذلك إن شاء الله تعالى».
    قال : وقال أبو حامد فثبت قوم على إنكار ما خرج فيه ، فخرج «لا أشكر الله قدره لم يدعو المرء ربّه بأن لا يزيغ قلبه بعد أن هداه وأن يجعل ما منّ به عليه مستقراً ولا يجعله مستودعاً ، وقد علمتم ما كان من امر الدهقان ـ عليه لعنة الله ـ وخدمته وطول صحبته ، فأبدله الله بالإيمان كفراً حين فعل ما فعل فعاجله بالنقمة ولم يمهله والحمد لله لا شريك له وصلى الله على محمّد وآله وسلم».
    وقد ذكر الشيخ مقطعاً من التوقيع الثاني في كتاب الغيبة ، وذكر أيضاً في باب المذمومين الذين ادّعوا البابيّة لعنهم الله قال : «ومنهم أحمد بن هلال الكرخي ،

    قال أبو علي بن همّام : كان أحمد بن هلال من أصحاب أبي محمّد عليه‌السلام فأجمعت الشيعة على وكالة محمّد بن عثمان رضي‌الله‌عنه بنصّ الحسن عليه‌السلام في حياته ، ولما مضى الحسن عليه‌السلام قالت الشيعة الجماعة له : ألا تقبل أمر أبي جعفر محمّد بن عثمان وترجع إليه وقد نصّ عليه الإمام المفترض الطاعة؟ فقال لهم : لم أسمعه ينصّ عليه بالوكالة ، وليس أنكر أباه يعني عثمان بن سعيد فأمّا إن أقطع أنّ أبا جعفر وكيل صاحب الزمان فلا أجسر عليه ، فقالوا : قد سمعه غيرك ، فقال : أنتم وما سمعتم ، ووقف على أبي جعفر فلعنوه وتبرّءوا منه ، ثمّ ظهر التوقيع على يد أبي القاسم الحسين بن روح بلعنه والبراءة منه في جملة من لُعن».
    أقول : وقال النجاشي فيه : «صالح الرواية يُعرف منها ويُنكر ، وقد روي فيه ذموم سيدنا أبي محمّد العسكري عليه‌السلام» ، انتهى.
    والظاهر وقوع الاشتباه من النجاشي لأنّ ظاهر التوقيعات ، وكذا عبارة الشيخ في الغيبة السابقة أنّها صادرة من الناحية المقدّسة على يد النوّاب ، كما أنّ الظاهر أنّه صدر فيه ثلاث توقيعات ، إذ القاسم بن علاء كان من الوكلاء الذين تردهم التوقيعات بتوسّط العمري والحسين بن روح ولو كان الذمّ صدر من عهد العسكري لما كان هناك مجالاً لبقاء رواة الأصحاب بالعراق على التردّد في عهد الحجّة عجّل الله فرجه ، مضافاً إلى أنّ بدأ انحرافه كما يظهر من كلام الشيخ في الغيبة هو بسبب توقّفه عن محمّد بن عثمان العمري وافتراقه عن الشيعة ، مضافاً إلى إشارته عجّل الله فرجه في التوقيع الثاني إلى موته بينما العسكري عليه‌السلام توفّى قبل هلاك العبرتائي الذي مات سنة سبعة وستين بعد المائتين.
    ثمّ إنّه يظهر جلياً من التوقيعات عند قوله عليه‌السلام في التوقيع : «انّه لم يدعو الله أن يجعل ايمانه مستقراً وأن لا يزيغ قلبه» ومن كلمات الأصحاب في حقّه إنّه كان له

    فترة استقامة ، ثمّ فترة انحراف. وأنّه بعد انحرافه قاطعوه وقد روى الصدوق في إكمال الدين عن شيخه ابن الوليد عن سعد بن عبد الله قوله : «ما رأينا ولا سمعنا بمتشيّع رجع عن تشيعه إلى النصب إلّا أحمد بن هلال».
    هذا مضافاً إلى ما سبق من عبارة الشيخ في العدّة وما يظهر من النجاشي والغضائري والصدوق من التفصيل في العمل بروايته ، كما أنّه يظهر ممّا سبق أنّ الطائفة قد قاطعته بعد انحرافه ، وإن تردّدوا في بادئ الأمر ، إلّا أنّهم في مآل الأمر استثبتوا من انحرافه ، ومن ثمّ فإنّ ما رووه عنه واعتمدوا عليه منه ، لا بدّ أن يكون بلحاظ أيّام استقامته.
    وبذلك يظهر وجه التفصيل في روايات محمّد بن أبي زينب الخطاب ويونس بن ظبيان (1) وما شاكلهم من رؤساء الجماعات الضّالة المنحرفة ، ويتّضح ذلك جلياً بملاحظة تراجمهم في الأصول الرجاليّة ، وأنّ الطائفة قد قاطعتهم ونبذت الرواية عنهم بعد انحرافهم ، فيتجه التفصيل في رواياتهم في الحالتين ، ويستعلم ذلك من كون الراوي عنه إمامياً أو غيره.
    ويحسن هاهنا نقل ما قاله الشيخ البهائي في مشرق الشمسين : «المستفاد من تصفّح كتب علمائنا المؤلّفة في السير والجرح والتعديل أنّ أصحابنا الإمامية كان اجتنابهم ـ لمن كان من الشيعة على الحق أوّلاً ثمّ أنكر إمامة بعض الأئمّة عليهم‌السلام ـ في أقصى المراتب ، بل كانوا يحترزون عن مجالستهم فضلاً عن أخذ الحديث عنهم ،
    __________________
    (1). لا يخفى انه قد وقع الخلاف كثيراً في يونس بن ظبيان بين الرجاليين المتأخّرين كثيراً على طرفي نقيض ، فبين موثّق له إلى درجة الأجلّاء ، مستند في ذلك إلى قرائن كثيرة على ذلك ، وبين مضعّف له إلى النهاية ، مستند في ذلك إلى الطعون والذموم الصادرة فيه ، ووجه الجمع بينهما هو التفريق بين فترة استقامته وانحرافه.

    بل كانت تظاهرهم بالعداوة لهم أشدّ من تظاهرهم بها للعامّة ، فإنّهم كانوا يُتاقون العامّة ، ويجالسونهم ، وينقلون عنهم ، ويظهرون لهم أنّهم منهم ، خوفاً من شوكتهم ، لأنّ حكّام الضلال منهم ، وأمّا هؤلاء المخذلون فلم يكن لأصحابنا الإمامية ضرورةٌ داعية إلى أن يسلكوا معهم على ذلك المنوال ، وخصوصاً الواقفية فإنّ الإمامية كانوا في غاية الاجتناب لهم والتباعد عنهم ، حتّى أنّهم كانوا يسمّونهم الممطورة ، أي الكلاب التي أصابها المطر.
    وأئمّتنا عليهم‌السلام كانوا ينهون شيعتهم من مجالستهم ومخالطتهم ، ويأمرونهم بالدعاء عليهم في الصلاة ويقولون إنّهم كفّار مشركون زنادقة ، وإنّهم شرّ من النواصب وإنّ مَن خالطهم فهو منهم وكُتُب أصحابنا مملوءة بذلك ، كما يظهر لمن تصفّح كتاب الكشّي وغيره ، فإذا قبل علماؤنا ـ وسيّما المتأخّرون منهم ـ رواية رواها رجل من ثقات الإمامية عن أحد من هؤلاء وعوّلوا عليها وقالوا بصحّتها مع علمهم بحاله ، فقبولهم لها وقولهم بصحّتها لا بدّ من ابتنائه على وجه صحيح لا يتطرّق به القدح إليهم ، ولا إلى ذلك الرجل الثقة الراوي عن من هذا حاله ، كأن يكون سماعه منه قبل عدوله عن الحق وقوله بالوقف ، أو بعد توبته ورجوعه إلى الحق ، أو إنّ النقل إنّما وقع من أصله الذي ألّفه واشتهر عنه قبل الوقف ، أو من كتابه الذي الّفه بعد الوقف ، ولكنّه أخذ ذلك الكتاب عن شيوخ أصحابنا الذين عليهم الاعتماد ، ككتاب علي بن الحسن الطاطريّ ـ فإنّه وإن كان من أشدّ الواقفة عناداً للإمامية ـ فإنّ الشيخ شهد له في الفهرست بأنّه روى كتبه عن الرجال الموثوق بهم وبروايتهم ، إلى غير ذلك من المحامل الصحيحة ، والظاهر أنّ قبول المحقّق رواية علي بن أبي حمزة ـ مع تعصّبه في مذهبه الفاسد ـ مبنيّ على ما هو الظاهر من كونها منقولة من أصله ، وتعليله يُشعر بذلك فإنّ الرجل من أصحاب

    الأصول ، وكذلك قول العلّامة بصحّة رواية إسحاق بن جرير عن الصادق عليه‌السلام ، فإنّه ثقة من أصحاب الأصول أيضاً ، وتأليف هؤلاء اصولهم كان قبل الوقف ، وأنّه وقع في زمن الصادق عليه‌السلام فقد بلغت عن مشايخنا (قدّس الله أرواحهم) أنّه قد كان من دأب أصحاب الأصول أنّهم إذا سمعوا من أحد الأئمّة عليهم‌السلام حديثاً بادروا إلى إثباته في اصولهم ، لئلّا يعرض لهم نسيان بعضه أو كلّه بتمادي الأيّام وتوالي الشهور والأعوام ، والله أعلم بحقائق الأمور» (1).
    __________________
    (1) مشرق الشمسين : 273 ، الطبعة الحجرية.

    الأمر الخامس
    أقسام المراسيل في الاعتبار أو درجات الضعف في الخبر
    فإنّه جرى وشاع في عصرنا النظرة إلى استتمام الخبر لشرائط الحجّية في نفسه ، فإن تمّت فهو ، وإلّا فإن اختلّ منه شرط من الشرائط فيُعزب عنه بالمرّة ، تحت مقولة أنّه غير واجد لشرائط الحجّية ، فيستوي مع غيره ممّا هو فاقد للشرائط في عدم الحجّية.
    والصحيح هو تمييز الناقد لشرائط الحجّية على أقسام ودرجات ، وذلك لأهمّيته القصوى في النظرة المجموعيّة للأخبار ، وكيفيّة حصول الاستفاضة والمعاضدة بين الأخبار ببعضها البعض ، وعلى ذلك يجب التفرقة بين أنواع الإرسال في الخبر ، فتارة إرسال في طبقة وأخرى في طبقات ، كما أنّه تارة بلفظة (عن رجل) وأخرى بلفظة (روي عن فلان) وثالثة بلفظ (عمّن ذكره) ورابعة بلفظ (بعض أصحابنا) ، وخامسة بلفظ (عن غير واحد من أصحابنا) أو (عن جماعة)
    كما أنّ الخبر المرسل أو المرفوع تارة بوجد في الكتب الأربعة وما يقرب منها ، كبقيّة كتب الصدوق والشيخ والمحاسن والبرقي وقرب الإسناد ونحوها ، وأخرى يوجد في كتب دونها في الشهرة ككتاب الدعائم والأشعثيّات والفقه الرضوي والتفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام ونحوها.
    كما أنّه تارة يكون متكرّراً وأخرى معنىً ومضموناً ، كما أنّ مجموعة الأخبار

    تارة تكون حسان ـ بناء على عدم حجّية الخبر الحسن ـ أو القويّة ، وأخرى طرقاً مجهولة أو غير موثّقة من غير الإمامية لكنّها ممدوحة ، فإنّ هذه الأقسام تختلف في كيفيّة التعاضد وتوليد الوثوق بالصدور من جهة الكيف والكمّ ، وعليه فكيلها بمكيال واحد بدعوى فقدها لشرائط الحجّية غفلة عن هذا الجانب.
    مضافاً إلى أنّ بعضها وإن كان من حيث الصورة فاقداً لشرائط الحجّية ، إلّا أنّه حقيقة واجد لها بالتدبّر ، وذلك مثل التعبير بمثل أصحابنا ، أو من غير واحد ، أو عن جماعة ، فإنّ الدارج عند الرواة إرادة الثقات الإماميّة من هذا التعبير ، وان كان الجمود على اللفظ بلحاظ مؤداه اللغوي أعمّ من ذلك ، بل الظاهر أنّهم يميّزون بين التعبير عن قولهم (عن بعض أصحابنا) و (عن رجل من بعض أصحابنا) ، لا سيّما إذا كان المرسِل مثل جميل بن دراج ، وابن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى ، والحسن بن محبوب ، ونحوهم من فقهاء الرواة.
    ولذلك قال الشيخ الطوسي في العدّة : «وإذا كان احد الراويين معروفاً والآخر مجهولاً ، قدّم خبر المعروف على خبر المجهول ، لأنّه لا يؤمن أن يكون المجهول على صفة لا يجوز معها قبول خبره ... وإذا كان أحد الراويين مُسنداً والآخر مرسلاً نُظر في حال المُرسل ، فإن كان ممّن يُعلم أنّه لا يُرسل إلّا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره ، ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه محمّد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمّد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات الذين عُرفوا بأنّهم لا يروون ولا يُرسلون إلّا عمّن يوثق به ، وبين ما أسنده غيرهم ، ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم ..
    فأما إذا انفردت المراسيل فيجوز العمل به على الشرط الذي ذكرناه ، ودليلنا على ذلك الأدلّة التي قدّمناها على جواز العمل بأخبار الآحاد ، فإنّ الطائفة

    كما عملت بالمسانيد عملت بالمراسيل ، فبما يُطعن في واحد منهما يطعن في الآخر ، وما أجاز أحدهما أجاز الآخر ، فلا فرق بينهما على حال» (1).
    وقد تقدّم في فصل التوثيقات العامّة البحث في خصوص مراسيل ابن أبي عمير فلاحظ.
    __________________
    (1) العدة 1 / 154 ، الفصل الخامس من باب الأخبار ، الطبعة الحديثة.

    الأمر السادس
    بيان حال من رُمي بالغلوّ
    الأوّل : محمّد بن سنان
    وقد وقع في إسناد كثير من الروايات ، قيل إنّها تبلغ سبعمائة وسبعة وتسعون (797) مورداً ، فمن ثمّ كان تنقيح الحال فيه جديراً بالاهتمام ، وقد روى هو عن خلق كثير ، فقيل إنّ روايته عن ابن مُسكان تبلغ واحد وستين ومائة (161) ، وهو كما قد روى عن أصحاب الإجماع والثقات الكبار روى أيضاً عن الزيدية وغيرهم من رُمي بالغلوّ كأبي الجارود زياد بن منذر العبدي الكوفي ، وعن يونس بن ظبيان ، والمفضل بن صالح ، والمفضّل بن عمر الجعفي الكوفي ، وعن علي بن أبي حمزة البطائني ، وعن عمرو بن شمر ، وفرات بن الأحنف ، وداوود بن كثير الرقّي وغيرهم ، كما قد روى عن جماعة من المتكلّمين من أمثال أبي جعفر الأحول ، وابن الطيار ، والحمزة بن الطيار ، وعمر بن قيس الماصر.
    كما قد روى عنه جملة كثيرة من الثقات الأجلّاء وأصحاب الإجماع ، كصفوان ، والحسن بن محبوب ، والحسين بن سعيد ، والبرقي ، وابن أبي نجران ، وإبراهيم بن هاشم ، ويونس ، والفضل بن شاذان ، وزكريا ، ومحمّد بن إسماعيل بن بزيع ، والحسين بن أبي الخطاب ، وعلي بن أسباط ، وابن الحكم ، وابن النعمان ، والعبّاس بن معروف ، وأيّوب بن نوح ، ومحمّد بن عبد الجبّار ، ومحمّد بن عيسى بن عبيد ، ويعقوب بن يزيد ، والوشّاء ، وأحمد بن محمّد بن عيسى

    الأشعري ، والحسن بن فضال ، والحسن بن علي بن يقطين ، كما قد روى عنه من رُمي بالغلوّ كسهل بن زياد ، وبكر بن صالح محمّد بن جمهور العمي ، ومحمّد بن علي الكوفي أبو سمينة الصيرفي.
    وإليك عرض لأهمّ ما قيل فيه :
    1. قال عنه النجاشي : «محمّد بن سنان أبو جعفر الزاهري من ولد زاهر مولى عمرو بن الحمق الخزاعي ، كان أبو عبد الله بن العياش يقول : حدّثنا أبو عيسى محمّد بن أحمد بن محمّد بن سنان ، قال : هو محمّد بن الحسن بن سنان مولى زاهر توفّي أبوه الحسن وهو طفل ، وكفّله جدّه سنان فنسب إليه ، وقال أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد إنّه روى عن الرضا عليه‌السلام ، قال وله مسائل عنه معروفة ، وهو رجل ضعيف جدّاً لا يُعوّل عليه ولا يلتفت إلى ما تفرّد به ، وقد ذكر أبو عمرو في رجاله : أبو الحسن علي بن محمّد بن قُتيبة النيشابوري قال : قال أبو محمّد بن الفضل شاذان : لا احلّ لكم أن ترووا أحاديث محمّد بن سنان ، وذكر أيضاً أنّه وجد بخطّ أبي عبد الله الشاذاني انّي سمعت القاضي (العاصمي) يقول :
    إنّ عبد الله بن محمّد بن عيسى الملقّب ببنان قال : كنت مع صفوان بن يحيى بالكوفة في منزل إذ دخل علينا محمّد بن سنان ، وقال صفوان : إنّ هذا ابن سنان لقد همّ أن يطير غير مرّة فقصصناه حتّى ثبت معنا.
    وهذا يدلّ على اضطراب كان وزال ، وقد صنّف كتباً منها كتاب الطرائف ، ثمّ ذكر مسنده إليه عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب عنه. وكتاب الأضلة وكتاب المكاسب وكتاب الحجّ وكتاب الصيد والذبائح وكتاب الشراء والبيع وكتاب الوصيّة وكتاب النوادر وذكر سنده إلى محمّد بن الحسين ابن أبي الخطّاب عنه.

    هذا وقد ضعّفه النجاشي أيضاً في ترجمة ميّاح المدائني.
    2. ما قاله الشيخ في الفهرست : «محمّد بن سنان له كتب ، وقد طعن عليه وضعّف ، وكتبه مثل كتب الحسين بن سعيد على عددها ، وله كتاب النوادر وجميع ما رواه إلّا ما كان فيها من تخليط أو غلوّ ، أخبرنا بكتبه ورواياته جماعة عن أبي جعفر بن بابويه عن أبيه ومحمّد بن الحسن جميعاً عن سعد والحميري ومحمّد بن يحيى عن محمّد بن الحسين وأحمد بن محمّد عنه ، ورواها ابن بابويه عن محمّد بن علي ماجيلويه عن محمّد بن أبي القاسم عمّه عن محمّد بن علي الصيرفي عنه».
    وترجم له الشيخ في موضع آخر في الفهرست قائلاً : «له رسالة أبي جعفر الجواد عليه‌السلام إلى أهل البصرة ، أخبرنا بها ابن أبي جيّد ، عن ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن أحمد بن محمّد المدائني ، عن الحسن بن شمّون ، عن محمّد بن سنان ، عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام».
    وعدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الكاظم عليه‌السلام ومن أصحاب الرضا عليه‌السلام ومن أصحاب الجواد عليه‌السلام أيضاً ، إلّا أنّه قال عند عدّه من أصحاب الرضا عليه‌السلام : «محمّد بن سنان ضعيف».
    3. قد عدّه البرقي من أصحاب الأئمّة الثلاثة.
    4. ما رواه الكشّي (1) :
    الأولى : عن حمدويه بن نصير أنّ أيّوب بن نوح دفع إليه دفتراً فيه أحاديث محمّد بن سنان ، فقال لنا : إن شئتم أن تكتبوا ذلك فافعلوا ، فإنّي كتبت عن
    __________________
    (1) الكشّي : الحديث 976 ، طبعة آل البيت.

    محمّد بن سنان ولكن لا أروي لكم أنا عنه شيئاً ، فإنّه قال قبل موته : كلّما حدّثتكم به لم يكن لي سماع ولا رواية وانّما وجدته.
    الثانية : وروى أيضاً (1) عن محمّد بن مسعود قال : حدّثني علي بن محمّد القمي ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، قال : كُنّا عند صفوان بن يحيى فذكر محمّد بن سنان ، فقال : إنّ محمّد بن سنان كان من الطيّارة فقصصناه.
    الثالثة : وروى أيضاً عن محمّد بن مسعود عن عبد الله بن حمدويه قال : سمعت الفضل بن شاذان يقول : لا أستحلّ أن أروي أحاديث محمّد بن سنان.
    الرابعة : وذكر الفضل في بعض كتبه إنّ من الكذّابين المشهورين ابن سنان وليس بعبد الله ، وقال في ترجمة أبي سمينة محمّد بن علي الصيرفي : وذكر الفضل في بعض كتبه الكذابون المشهورون أبو الخطاب ، ويونس بن ضبيان ، ويزيد الصائغ ، ومحمّد بن سنان ، وأبو سمينة أشهرهم.
    الخامسة : وروى أيضاً عن ابن قتيبة النيشابوري ، عن الفضل أنّه قال : «ردّوا أحاديث محمّد بن سنان وقال : لا أحلّ لكم أن ترووا أحاديث محمّد بن سنان عنّي ما دمت حيّاً ، وأذن في الرواية بعد موته» (2).
    السادسة : وروى أيضاً ما تقدّم من حكاية النجاشي عنه.
    السابعة : وقال : قد روى عنه الفضل ، وأبوه ، ويونس ، ومحمّد بن عيسى العبيدي ، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطاب ، والحسن والحسين ابنا سعيد الأهوازيان وأبناء دندان ، وأيّوب بن نوح ، وغيرهم من العدول والثقات من
    __________________
    (1). الكشّي : الحديث 977.
    (2) الكشّي : الحديث 979.

    أهل العلم ، وكان محمّد بن سنان مكفوف البصر أعمى في ما بلغني.
    الثامنة : وروى أيضاً أنّه وجد بخط أبي عبد الله الشاذاني قال (1) : سمعت العاصمي قال : كُنّا ندخل مسجد الكوفة فكان ينظر إلينا محمّد بن سنان ويقول : من أراد المعضلات فإنّي ، ومن أراد الحلال والحرام فعليه بالشيخ.
    التاسعة : وروى أيضاً في موضع آخر (2) تحت عنوان ما روي في صفوان بن يحيى بيّاع السابري ، ومحمّد بن سنان ، وزكريا بن آدم ، وسعد بن سعد القمي ، روى عن محمّد بن قولويه ، قال : حدثني سعد بن عبد الله قال : حدثني أبو جعفر أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن رجل ، عن علي بن الحسين بن داود القمي ، قال : سمعت أبا جعفر الثاني عليه‌السلام يذكر صفوان بن يحيى ، ومحمّد بن سنان بخير ، وقال : «رضي‌الله‌عنهما برضاي عنهما فما خالفاني قطّ» هذا بعد ما جاء عنه فيهما ما قد سمعته من أصحابنا.
    العاشرة : ورُوي عن أبي طالب عبد الله بن الصلت القمي قال : دخلت على أبي جعفر الثاني عليه‌السلام في آخر عمره فسمعته يقول : «جزى الله صفوان بن يحيى ومحمّد بن سنان وزكريا بن آدم عنّي خيراً ، فقد وفوا لي» ولم يذكر سعد بن سعد ، قال : فخرجت فلقيت موفّقاً ، فقلت له : إنّ مولاي ذكر صفوان ، ومحمّد بن سنان ، وزكريا بن آدم ، وجزاهم خيراً ، ولم يذكر سعد بن سعد ، قال : فعدت إليه فقال : «جزى الله صفوان بن يحيى ومحمّد بن سنان وزكريا ابن آدم وسعد بن سعد عنّي خيراً فقد وفوا لي».
    __________________
    (1). ولعل الضمير يرجع إلى العاصم عن بنان عبد الله بن محمّد بن عيسى.
    (2). الكشّي ، الحديث 962 ، وما بعده.

    الحادية عشر : وروى أيضاً ، عن محمّد بن قولويه ، قال : حدثني سعد عن أحمد بن هلال ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، إنّ أبا جعفر عليه‌السلام ، كان لعن صفوان بن يحيى ، ومحمّد بن سنان ، فقال : «إنّهما خالفا أمري» قال : فلما كان من قابل ، قال أبو جعفر عليه‌السلام لمحمد بن سهل البحراني : «تولّى صفوان بن يحيى ، ومحمّد بن سنان ، فقد رضيت عنهما».
    أقول : إنّ في أغلب أسانيد هذا الترضّي أو في جميعها نظراً ، وإن قال في المعجم إنّ اثنين منها صحيح ، وذلك لأنّ في الرواية الأولى المشتملة على الترضّي إرسالاً ، وهو قوله (عن رجل) ، والرواية الثانية معلّق إسنادها على الأولى ، ويحتمل أن يكون تعليقاً على ما في السند الأوّل من الإرسال ، والرواية الثالثة المشتملة على أحمد بن هلال وإن ذكرنا الاعتماد على رواياته بلحاظ حال الاستقامة ، الذي هو ظاهر رواية سعد عنه ، إلّا أنّ في خصوص هذا الموضع لا يمكن الاعتماد عليه ، حيث إنّ رواية اللعن ثمّ الترضّي لعلّها تكون في نفع أحمد بن هلال ، حيث إنّه قد صدر فيه اللعن أيضاً من الإمام العسكري عليه‌السلام ، أو الحجّة المنتظر عجّل الله فرجه ، ومثل هذا المضمون ينفعه ، وذلك ليُخيّل أنّ ما صدر فيه من اللعن قد يتعقّبه الرضا.
    بل إنّ ما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى عن رجل يحتمل قويّاً أن يكون أحمد بن هلال أيضاً ، لأنّ المتتبّع يرى أنّ ديدن كبار الرواة إذا رووا عن ضعيف الحال فإنّهم يتحاشون ذكر اسمه.
    ولكن هذه الروايات على أسوأ الاحتمالات في السند دالّة على أنّه من قرناء هؤلاء الثلاثة الآخرين من الطائفة ، وهذا يدلّل على المكانة المرموقة والوجاهة وأنّه من الوجهاء والأعيان فيهم.

    الثانية عشر : وروى عن حمدويه ، قال : حدّثني الحسن بن موسى ، قال : حدّثني محمّد بن سنان ، قال : دخلت على أبي الحسن موسى عليه‌السلام قبل أن يحمل إلى العراق بسنة ، وعليٌّ ابنه عليه‌السلام بين يديه ، فقال لي : يا محمّد ، قلت : لبّيك ، قال : «إنّه سيكون في هذه السنة حركة ، ولا تخرج منها» ، ثمّ أطرق ونكت الأرض بيده ، ثمّ رفع رأسه إليّ وهو يقول : «ويضلّ الله الظالمين ويفعل ما يشاء» ، قلت : وما ذاك جُعلت فداك؟ قال : «من ظلم ابني هذا حقّه ، وجحد إمامته من بعدي كان كمن ظلم علي بن أبي طالب حقّه وإمامته من بعد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فعلمت أنّه قد نعى إليّ نفسه ، ودلّ على ابنه ، فقلت : والله لأن مدّ الله في عمري ولأسلّمنّ له حقّه ، ولُاقرّن له بالإمامة ، أشهد أنّه من بعدك حجة الله على خلقه ، والداعي إلى دينه ، فقال لي : «يا محمّد يمدّ الله في عمرك وتدعو إلى إمامته ، وإمامة من يقوم مقامه مِن بعده». فقلت : ومن ذاك جعلت فداك؟ قال : «محمّد ابنه» ، قلت : بالرضا والتسليم ، فقال : «كذلك قد وجدتك في صحيفة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أما إنّك في شيعتنا أبين من البرق في الليلة الظلماء» ، ثمّ قال : «يا محمّد إنّ المفضّل انسي ومستراحي ، وأنت أنسهما ومستراحهما ، حرام على النار أن تمسك أبداً» ، يعني أبا الحسن وأبا جعفر عليهما‌السلام ، وقد رواه الكليني في الكافي في باب الإشارة والنص على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، إلّا أنّه ليس فيه قوله عليه‌السلام : فقلت ومن ذاك جعلت فداك ... إلى آخر الحديث (1).
    الثالثة عشر : وروى أيضاً عن حمدويه قال : حدّثنا أبو سعيد الآدمي ، عن محمّد بن مرزبان ، عن محمّد بن سنان ، قال : شكوت إلى الرضا عليه‌السلام وجع العين
    __________________
    (1) الكشّي : الحديث 982. الكافي 1 / 319 ، الحديث 16.

    فأخذ قرطاساً فكتب إلى أبي جعفر عليه‌السلام وهو أقلّ من نيتي (1) ، فدفع الكتاب إلى الخادم وأمرني أن أذهب معه ، وقال : «أكتم» فأتيناه وخادم قد حمله ، قال : ففتح الخادم الكتاب بين يدي أبي جعفر عليه‌السلام ، فجعل أبو جعفر عليه‌السلام ينظر في الكتاب ويرفع رأسه إلى السماء ، ويقول : «ناج» ، ففعل ذلك مراراً ، فذهب كلّ وجع في عيني ، وأبصرت بصراً لا يبصره أحد ، قال : فقلت لأبي جعفر عليه‌السلام : جعلك الله شيخاً على هذه الأمة ، كما جعل عيسى ابن مريم شيخاً على بني إسرائيل ، قال : ثمّ قلت له : يا شبيه صاحب فطرس ، قال : وانصرفت وقد أمرني الرضا عليه‌السلام أن أكتم ، فما زلت صحيح البصر حتّى اذعت ما كان من أبي جعفر عليه‌السلام في أمر عيني ، فعاودني الوجع.
    قال ، قلت لمحمّد بن سنان : ما عنيت بقولك يا شبيه صاحب فطرس؟ فقال : إنّ الله تعالى قد غضب على ملك من الملائكة يدعى فطرس ، فدقّ جناحه ورمي في جزيرة من جزائر البحر ، فلمّا ولد الحسين عليه‌السلام بعث الله عزوجل جبرئيل إلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ليهنّئه بولده الحسين عليه‌السلام ، وكان جبرئيل صديقاً لفطرس فمرّ به وهو في الجزيرة مطروح ، فخبّره بولادة الحسين عليه‌السلام وما أمر الله به ، فقال له : هل لك أن أحملك على جناح من أجنحتي وأمضي بك إلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ليشفع لك؟ فقال فطرس : نعم. فحمله على جناح من أجنحته حتّى أتى به محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فبلّغه تهنئة ربّه تعالى ثمّ حدّثه بقصّة فطرس ، فقال محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله لفطرس : «امسح جناحك على مهد الحسين وتمسّح به» ، ففعل ذلك فطرس ، فجبر الله جناحه وردّه إلى منزله مع الملائكة (2).
    __________________
    (1). في نسخة : «أوّل ما بدى» ، وفي اخرى : «أول شيء».
    (2) الكشّي : الحديث 1092.

    الرابعة عشر : وروى أيضاً : وجدت بخطّ جبرئيل بن أحمد ، حدّثني محمّد بن عبد الله بن مهران ، قال : أخبرني عبد الله بن عامر ، عن شاذويه بن الحسين بن داود القمّي ، قال : دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام وبأهلي حبل ، فقلت : جعلت فداك أدع الله أن يرزقني ولداً ذكراً ، فأطرق مليّاً ، ثمّ رفع رأسه ، قال : «اذهب فإنّ الله يرزقك غلاماً ذكراً» ثلاث مرات ، قال : وقدمت مكّة فصرت إلى المسجد فأتى محمّد بن الحسن بن صباح برسالة من جماعة من أصحابنا ، منهم صفوان بن يحيى ، ومحمّد بن سنان ، وابن أبي عمير ، وغيرهم ، فأتيتهم ، فسألوني فخبّرتهم بما قال ، فقالوا لي : فهمت عنه ذكى أو زكي؟ فقلت : ذكي قد فهمته؟
    قال ابن سنان : أمّا أنت سترزق ولداً ذكراً ، أمّا أنّه يموت على المكان ، أو يكون ميتاً ، فقال بعض أصحابنا لمحمّد بن سنان : أسأت ، قد علمنا الذي علمت ، فأتى غلام في المسجد ، فقال : أدرك فقد مات أهلك ، فذهبت مسرعاً فوجدتها على شرف الموت ، ثمّ لم تلبث أن ولدت غلاماً ذكراً ميتاً».
    5. وقال العلّامة في خلاصته عن ابن الغضائري : «محمّد بن سنان أبو جعفر الهمداني مولاهم ، هذا أصحّ ما يُنسب إليه ، ضعيف ، ضالّ ، يضع ، لا يُلتفت إليه».
    وقال أيضاً في ترجمة زياد بن منذر أبي الجارود : «وأصحابنا يكرهون ما رواه محمّد بن سنان عنه ، ويعتمدون ما رواه محمّد بن بكر الأرجني».
    6. وقال الشيخ في التهذيب (1) في باب المهور : «محمّد بن سنان مطعون عليه ، ضعيف جدّاً ، وما يستبدّ بروايته ولا يشركه فيه غيره لا يُعمل عليه».
    __________________
    (1). التهذيب : ج 7 ، ذيل الحديث 1464.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2975
    نقاط : 4628
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    بحوث في مباني علم الرجال Empty
    مُساهمةموضوع: رد: بحوث في مباني علم الرجال   بحوث في مباني علم الرجال Emptyالثلاثاء 29 أكتوبر 2024 - 20:42

    . والشيخ المفيد قد ضعّفه في الرسالة العدديّة ، ووثّقه في الإرشاد.
    وتنقيح الحال فيه يتمّ بذكر نقاط من سيرته الروائية والعلمية ، وتحليل أقوال الآخرين عنه.
    النقطة الأولى : إنّه ممّن أدمن المعاشرة والرواية عن أصحاب روايات المعارف والتفسير ، ممّن كانوا من الفرق الضالّة ، كأبي الجارود زياد بن منذر ، ويونس بن ظبيان ، وعلي بن أبي حمزة ، وإن كان يحتمل في الأخيرين أنّه روى عنهما في حالة استقامتهما.
    وهكذا قد أدمن الرواية عمّن اختصّ بروايات المعارف من الأصحاب ، كالمفضّل بن عمر ، والمفضّل بن صالح ، ونحوهما ممّا تقدّمت الإشارة إليه ، كما أنّه أدمن في الرواية عمّن رمي بالغلوّ ـ كما أسلفنا ـ مثل بكر بن صالح ، ومحمّد بن جمهور ، وأبي سمينة محمّد بن علي الكوفي.
    فيظهر من هذه النقطة ولعه وشغفه بروايات المعارف ، كما صرّح هو بنفسه بقوله : «من أراد المعضلات فإليّ» ويشهد لذلك أيضاً تتبّع الروايات التي رواها هو ، أو وقع في طريقها في مجلّدي اصول الكافي ، والعيون والتوحيد وغيرها من الكتب المؤلّفة في باب المعارف ، كما أنّه يظهر حرصه على هذا الباب ، وإن استلزم ذلك خلطته للطيّارة والغُلاة ، وهذا يفتح باب الطعن عليه لأنّه يؤدّي إلى التأثّر به بدرجةٍ ما.
    بل إنّ ظاهرة الحرص والولع في هذا الباب ملحوظة في عدّة من الرواة ، ممّن طعن عليه بالضعف أو الغلو ، كما هو الحال في أبي سمينة ، وسهل بن زياد ، والمفضّل بن صالح ، ولا يستبعد أنّهم في بدء نشأتهم العلمية قد حرصوا على

    رواية الغثّ والسمين في ذلك الباب ، فأورث ذلك عليهم الطعن أو التخليط.
    ولعلّ بعضهم كان يحرص على بلوغ مرتبة أصحاب المعارف الغامضة ، والعلوم الخفيّة ، احتذاءً بجابر بن يزيد الجُعفي ، وميثم ، ورشيد الهجري وأضرابهم.
    بل إنّ هذا التطلّع والحرص مع عدم القابلية قد شطّ بالبعض الآخر إلى الشذوذ والانحراف ، كأبي الخطاب محمّد بن مقلاص ، ويونس بن ظبيان ، ونحوهما ممّن كانت له فترة استقامة ثمّ انحراف ، ويشير إلى ذلك ما رواه في تحف العقول عن أبي جعفر محمّد بن النعمان الأحول ، قال : قال لي الصادق عليه‌السلام : «إنّ الله جلّ وعزّ قد عيّر أقواماً في القرآن بالإذاعة» ، فقلت له : جُعلت فداك أين قال؟ قال : «قوله : (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ)(1).
    ثمّ قال : «المُذيع علينا سرّنا كالشاهر بسيفه علينا ، رحم الله عبداً سمع بمكنون علمنا فدفنه تحت قدميه. يا ابن النعمان ، إني لأحدث الرجل منكم بحديث ، فيتحدّث به عنّي ، فاستحل بذلك لعنته والبرائة منه ، فإنّ أبي كان يقول : وأيّ شيء أقرّ للعين من التقيّة ، إنّ التقيّة جُنّة المؤمن ، ولو لا التقيّة ما عبد الله ، وقال الله عزوجل : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ ...) (2) الآية. يا ابن النعمان ، إنّ المُذيع ليس كقاتلنا بسيفه ، بل هو أعظم وزراً ، بل هو أعظم وزراً ، بل هو أعظم وزراً. يا ابن النعمان : إنّ العالم لا يقدر أن يخبرك بكلّ ما يعلم ، لأنّه سرّ الله الذي سرّه إلى جبرئيل ، وأسرّه جبرئيل إلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأسرّه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عليّ ، وأسرّه علي عليه‌السلام إلى الحسن ، وأسرّه الحسن عليه‌السلام إلى الحسين ، وأسرّه الحسين عليه‌السلام إلى عليّ ، وأسرّه عليّ عليه‌السلام إلى محمّد ، وأسرّه محمّد عليه‌السلام إلى مَن أسرّه عليه‌السلام ، فلا تعجلوا فو الله لقد قرب هذا الأمر ثلاث مرات فأذَعْتُموه ، فأخّره
    __________________
    (1) النساء / 83.
    (2). آل عمران / 28.

    الله والله ما لكم سرّ إلّا وعَدُوُّكم أعلم به منكم.
    يا ابن النعمان ، ابقِ على نفسك ، فقد عصيتني ، لا تذع سرّي ، فإنّ المغيرة ابن سعيد كذب على أبي وأذاع سرّه ، فأذاقه الله حرّ الحديد ، وإنّ أبا الخطاب كذب عليّ وأذاع سرّي ، فأذاقه الله حرّ الحديد ، ومن كتم أمرنا زيّنه الله به في الدنيا والآخرة ، وأعطاه ، ووقاه حرّ الحديد ، وضيق المحابس» الحديث (1).
    فإنّ هذه الرواية تشير إلى أنّ عدّة من رواة أسرار المعارف حيث لم تكن لهم القابليّة على صون تلك الأمور ، مضافاً إلى حدّة العجلة التي فيهم حرصاً على بلوغ المراتب العالية ، أدّى بهم إلى الزيغ عن الجادّة.
    ولعلّ هذا يفسّر تشدّد الأصحاب حول أمثال هؤلاء الرواة ، ردعاً لهم عن الشطط والتطرّف.
    النقطة الثانية : إنّ كتبه كما عرفت بعضها في المعارف ، وأكثرها في الفروع ،
    وقد وصفها الشيخ بأنّها مثل كتب الحسين بن سعيد على عددها ، وأنّ كبار الأصحاب كالصدوق ، وأبيه ، وشيخه ابن الوليد ، وسعد بن عبد الله ، والحميري ، ومحمّد بن يحيى العطار شيخ الكليني ، ومحمّد بن الحسين ابن أبي الخطّاب الكوفي ، وأحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري ، قد رووا كتبه وتلقّوها بالقبول.
    وأمّا عبارة أيّوب بن نوح المتقدّمة فهي نحو من التستّر عن الاشتهار بالرواية عنه ، وإلّا فمناولته تلامذته الراويين عنه روايات محمّد بن سنان نحوٌ من الرواية وهي الرواية بالمناولة ، مع أنّ في كلامه نحو من الترغيب لهم في روايتها بشيء من الخفاء ، وذلك في قوله : «إن شئتم أن تكتبوا ذلك فافعلوا» وأمّا تعليله عدم
    __________________
    (1) رواه في المستدرك أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، باب 32.

    الرواية لهم تحديثاً من أنّ روايات محمّد بن سنان كلّها وجادة ، فهذا ما لا يصدّق ، حيث إنّ محمّد بن سنان قد التقى بالجمع الغفير من كبار الرواة ، والظاهر أنّ هذا التعليل خارج مخرج التورية ونحوها.
    وكذا الحال في ما قاله الفضل بن شاذان ، فإنّ تقييده لتلامذته الراويين عنه روايات محمّد بن سنان ببعد الموت دالّ على أنّ ذلك ليس لأجل الخدشة في رواياته ، وإنّما هو خشية الاشتهار المشار إليه ، بل إنّ تقييده هذا يدفع ما نقل عن بعض كتب الفضل من عدّ ابن سنان من الكذّابين المشهورين ، لا سيّما وأنّ الستّة الذين وصفهم الفضل بذلك كلّهم قد اشتركوا في إدمان نقل روايات المعارف الغامضة ، وإن كان بعضهم شطّ وزاغ بعد استقامته.
    ولا يخفى أنّ مدارس المعارف في أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام الرواة كان بِتَتَلْمُذِهم عند الأئمّة عليهم‌السلام على أنحاء ، فمنهم من ينهج علم الكلام كهشام بن الحكم ، والفضل بن شاذان ، ومؤمن الطاق أبو جعفر محمّد بن النعمان ، وحمزة الطيّار ، وغيرهم ، ومنهم من ينهج علوم الولاية ، كعلم المنايا والبلايا ونحوها ، كسلمان الفارسي ، وميثم التمّار ورشيد الهجري ، وكميل بن يزيد النخعي ، وجابر بن يزيد الجعفي ، وغيرهم ، وبعضهم في علم الفقه ، كزرارة ، وأبي بصير ، وبُريد ، ومحمّد بن مسلم ، وقد يجمع بعضهم أكثر من جانب ، وبعضهم في علوم القرآن والتفسير ، وبعضهم في بقية العلوم الاخرى ، وينجم عن هذا في بعض الموارد طعن بعضهم على البعض الآخر ، ومن ثمّ يجب دراسة تلك الطعون بالالتفات إلى مثل هذه الأمور التي أشرنا إليها ، بعيداً عن الإفراط والتفريط.
    كما أنّ تعبير صفوان بن يحيى : «بأنّه هَمّ أن يطير غير مرّة فقصصناه حتّى ثبت معنا» دالّ على أيّ تقدير على عدم الشطط ولو بسبب التشدّد الذي

    أولاه الأصحاب تجاهه.
    النقطة الثالثة : إنّ في عدّة من الروايات المتقدّمة سواء التي رواها هو أو التي رواها غيره فيه دالّة على شدّة حرص منه في هذا الباب ، تكاد تؤدّي به إلى العجلة والتسرّع المذمومة في مثل هذا الباب الخطير ، نظير ما ذكره هو عن نفسه من إذاعة شفاء عينه بمسح الإمام الجواد عليه‌السلام ، وقد أمر بكتمانه ، ومثل أنباء صاحب المولود بأن ولده سيموت ، ومؤاخذة الأصحاب على تسرّعه في الكشف عن ذلك ، وكذا ما ذكره الراوي من أنّه كنّا ندخل مسجد الكوفة وكان ينظر إلينا محمّد بن سنان وقوله : «من أراد المعضلات فإليّ» فإنّ البروز إلى العلن في مثل ذلك ليس من حكمة هذا الباب ، مضافاً إلى ما عرفت في أنّ المخالطة لكلّ من يطرق هذا الباب لمن هبّ ودبّ وممّن كان له شذوذ يفتح باب الطعن على الإنسان ، ويخشى من معرضيّة الزلل ، ولعلّ من هذا القبيل ما روى الكشّي إنّه رأى في بعض كتب الغلاة وهو كتاب الدور عن الحسن بن علي ، عن الحسن بن شعيب ، عن محمّد بن سنان ، قال : دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام فقال لي :
    «يا محمّد ، كيف أنت إذا لعنتك وبرئت منك وجعلتك محنة للعالمين أهدي بك من أشاء وأضلّ بك من أشاء» قال : قلت له : تفعل بعبدك ما تشاء إنّك على كلّ شيء قدير.
    ثمّ قال : «يا محمّد ، أنت عبد قد أخلصت لله إنّي ناجيت الله فيك فأبى إلّا أن يضلّ بك كثيراً ويهدي بك كثيراً» (1) ، وإن كان قد يُحمل هذا الكلام على محمل آخر صحيح.
    __________________
    (1). الكشّي : الحديث 1091.

    النقطة الرابعة : قد عرفت أنّه قد روى عن أبي الحسن ، وأبي الحسن الرضا ، وأبي جعفر الثاني عليهم‌السلام ، بل وروى الكليني في الكافي في رواية يظهر منها روايته عن الإمام الهادي عليه‌السلام (1) ، وقد عرفت أنّه روى هو عن جمّ غفير ، فقد روى عمّا يربو على مائة وأربعين راوٍ ، وروى عنه ما يربو عن ستّين راوٍ.
    كما أنّ في طبقته أو ما يقرب منها محمّد بن سنان بن عبد الرحمن ، الظاهر أنّه أخ لعبد الله بن سنان ، وكذا محمّد بن سنان الحنظلي الذي روى عنه الصدوق في التوحيد في بعض الطرق ، ولكن الظاهر أنّه عند الإطلاق ينصرف إليه كما هو الدأب في علم الحديث.
    وقد ذكر الشيخ ، محمّد بن سنان بن طريف الهاشمي في رجاله في أصحاب الصادق وزاد قوله «وأخوه عبد الله».
    وذكر صاحب تنقيح المقال أنّ محمّد بن سنان بن عبد الرحمن الهاشمي قد ذكر في كلام غير واحد من علماء الرجال ، ولكنه مجهول الحال.
    وخلاصة ما تقدّم : إنّه ثقة في نفسه ، ومن أصحاب روايات المعارف ، وإن صدرت فيه طعن مِن بعض معاصريه ، إلّا أنّها محمولة على غير ظاهرها ، وإن اعتدّ بها في باب تعارض الروايات في مقام الترجيح بالصفات الموهنة للراوي ، كما تقدّمت الإشارة إليه.
    وقد حرّرنا في بحث ألفاظ الجرح والتعديل أنّ الطعن بالكذب والوضع المعطوف على الغلو يراد به رواياته المحمولة على الغلوّ.
    __________________
    (1). الكافي 1 / 496 ، الحديث 9 ، باب مولد أبي جعفر محمّد بن علي الثاني.

    الثاني : أبو سمينة محمّد بن علي الصيرفي
    ويحسن بنا في المقام التعرّض إلى أبي سمينة محمّد بن علي الصيرفي الكوفي القرشي ، وإليك عرض لأهمّ ما قيل فيه :
    أولاً : قد تقدّم أنّ الفضل بن شاذان قد عدّه من الكذّابين الستّة المشهورين ، وأضاف أبو سمينة أشهرهم.
    ثانياً : قال الكشّي : «قال حمدويه عن بعض مشيخته : محمّد بن علي رُمي بالغلو ، قال نصر بن الصباح : محمّد بن علي الطاحي هو أبو سمينة».
    ثالثاً : ما قال النجاشي : «محمّد بن علي بن إبراهيم بن موسى ، أبو جعفر القرشي ، مولاهم ، صيرفي ، ابن أخت خلّاد المُقري ، وهو خلّاد بن عيسى ، وكان يلقّب محمّد بن علي أبا سمينة ، ضعيف جدّاً ، فاسد الاعتقاد لا يُعتمد في شيء ، وكان ورد قم ، وقد اشتهر بالكذب بالكوفة ، ونزل على أحمد بن محمّد بن عيسى مدّة ، ثمّ تشهّر بالغلوّ ، فخفي وأخرجه أحمد بن محمّد بن عيسى عن قم ، وله قصة ، وله من الكتب كتاب الدلائل ، وكتاب الوصايا ، وكتاب العتق ، أخبرنا أبو الحسين علي بن أحمد قال : حدثنا محمّد بن الحسن (الحسين) ، قال : قال حدثنا محمّد بن أبي القاسم ماجيلويه عنه في كتاب الدلائل ، وأخبرنا محمّد بن جعفر قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد قال : حدّثنا جعفر بن عبد الله المحمدي عنه بكتبه ، وكتاب تفسير (عمّ يتساءلون) وكتاب الآداب ، أخبرنا ابن شاذان قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى قال : حدّثنا أبي ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي القاسم ماجيلويه عنه».
    رابعاً : قال ابن الغضائري : «محمّد بن علي بن إبراهيم الصيرفي بن خلّاد

    والمقري أبو جعفر ، الملقّب بأبي سمينة ، كوفي كذّاب غال ، دخل قم ، واشتهر أمره بها ، ونفاه أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري رحمه‌الله منها ، وكان شهيراً في الارتفاع لا يلتفت إليه ، ولا يكتب حديثه».
    خامساً : ما قال الشيخ : «محمّد بن علي الصيرفي ، يكنّى أبا سمينة ، له كتب ، وقيل : إنّها مثل كتب الحسين بن سعيد ، أخبرنا بذلك جماعة عن أبي جعفر بن بابويه ، عن أبيه ومحمّد بن الحسن ومحمّد بن علي ماجيلويه ، عن محمّد بن أبي القاسم عنه ، إلّا ما كان فيها من تخليط ، أو غلوّ ، أو تدليس ، أو ينفرد به ولا يعرف من غير طريقه».
    وعدّه كلّ من الشيخ والبرقي في أصحاب الإمام الرضا عليه‌السلام.
    ثمّ إنّه يضاف على ما ذكرناه في محمّد بن سنان نقاط :
    الأولى : إنّ أبا سمينة وقع في أربع طرق في مشيخة الصدوق ، واستدلّ في معجم الرجال بذلك على التغاير الواقع في تلك الطرق ، لأنّ الصدوق التزم أن لا يذكر في كتابه إلّا ما يعتمد عليه ويحكم بصحّته ، فلا يروي عمّن هو معروف بالكذب.
    والصحيح هو ضعف دعوى التغاير جدّاً ، إذ قد أخرج الصدوق في الفقيه عن الضعفاء جدّاً ، أو عمّن طعن عليه بذلك ، مثل وهب بن وهب البختري ، وعمرو بن شمر ، وغيرهما ، أو بطريق فيه الضعفاء أو الضعفاء جداً ، مثل سلمة بن الخطّاب ، وأبي جميلة المفضّل بن صالح ، في طريقه إلى أبي اسامة زيد الشحّام وغيرهما.
    وقد وقع أبو سمينة في طريق رواية إسحاق بن عمّار المعروفة (1) في من قصّر
    __________________
    (1). الوسائل : الباب 3 من أبواب صلاة المسافر ، الحديث 10.

    ثمّ بدى له عدم السفر وقد اعتمدها الأصحاب.
    وذكر المحقّق الحلّي في النكت أنّ الحديث حسن ، قد ذكره الشيخ الكليني وجماعة من أصحاب الحديث ، والتمسّك به ممكن ، وهو حجّة في نفسه.
    الثانية : يظهر من طريق الشيخ في الفهرست تلقّي والرواية والقبول لكتب أبي سمينة من كلّ من الشيخ المفيد والصدوق ووالده وشيخه ابن الوليد ، وكذا بيت ماجيلويه ، حيث رووا كتبه عنه.
    وكذا يظهر من طرق النجاشي قبول ورواية محمّد بن يحيى العطار ، شيخ الكليني لكتبه أيضاً.
    وكذا يظهر القبول من الشيخ لتعبيره : «انّ كتبه قيل إنّها مثل كتب الحسين بن سعيد» وإن احتمل ارادته التشبيه من ناحية العدد.
    الثالثة : يظهر من نزوله على أحمد بن محمّد بن عيسى في بداية أمره في قم مدّة ، وكذا من عدم قنوت ابن شاذان عليه ، وكذا من عدّ ابن شاذان له من الستة المشار إليهم ، أنّ وجه التضعيف هو ما رُمي به من الغلوّ والارتفاع ، كما صُرّح بذلك في الكلمات السابقة ، وقد تقدّم أنّه تَتَلْمَذ على محمّد بن سنان ، وكما عرفت في النقطة السابقة تلقّي بيت ماجيلويه القمّي ، وكبار محدّثي قم لكتبه ورواياته مع ذلك.
    الرابعة : قد روى هو عن محمّد بن عيسى ، وإسماعيل بن مهران ، ويزيد بن إسحاق شعر ، ومحمّد بن الفضيل ، ومحسن بن أحمد ، وعثمان بن أحمد بن عبد الله أبي عمرو ، وعثمان بن عيسى ، وعلي بن حمّاد ، ومحمّد بن عبد الله الخراساني خادم الرضا عليه‌السلام ، وحمّاد بن عيسى ، وطاهر بن حاتم بن ماهويه ، الحكم بن مسكين ، وأبي جميلة المفضّل بن صالح.

    وروى عنه محمّد بن أبي القاسم (بُندار ماجيلويه) ، وأحمد بن أبي عبد الله (محمّد بن خالد) البرقي ، وأبي إسحاق إبراهيم بن سليمان الخزّاز ، وعبد الكريم بن عبد الرحيم ، وأحمد بن حمزة القمي ، ومحمّد بن أحمد بن داود ، ومحمّد بن أبي القاسم البرقي.
    وقد وقع في عدّة طرق من مشيخة الفقيه :
    1. إلى أبي الجارود ، روى محمّد بن أبي القاسم عنه ، عن محمّد بن سنان.
    2. إلى الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني ، فقد رواه الصدوق عن محمّد بن أبي القاسم عنه ، عن إسماعيل بن مهران.
    3. إلى أبي خديجة سالم بن مكرم الجمّال ، فقد رواه عن محمّد بن أبي القاسم عنه ، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم ، عن أبي خديجة.
    4. إلى عبد الحميد الأزدي ، فقد رواه عن محمّد بن أبي القاسم عنه ، عن إسماعيل بن بشار.
    5. إلى هارون بن خارجة ، فقد رواه عن أحمد بن أبي عبد الله عنه ، عن عثمان بن عيسى.
    6. إلى إبراهيم بن سفيان ، وعلي بن محمّد الحضيني ، ومحمّد بن سنان ، فقد رواه عن محمّد بن أبي القاسم عنه ، عن محمّد بن سنان.
    والحاصل : إنّ أبا سمينة ليس من الضعف بمكان كما هو معروف في الكلمات ، وإنّما فتح باب الطعن عليه ما ذكرناه في ترجمة محمّد بن سنان ، وإن لم يكن هو بمنزلته ، والمتتبّع لرواياته في كتاب توحيد الصدوق ، أو اصول الكافي في المعارف ، يراها أنّها اشتملت على أجلّ وأدقّ المطالب.

    وما ذكرناه في محمّد بن سنان وأبي سمينة ، يُعلم الحال في أمثالهم ممّن يُرمى بالضعف والكذب من جهة الغلوّ ، كسهل بن زياد ، والمفضّل بن عمر ، ومحمّد بن أورمة وغيرهم.

    الأمر السابع
    حكم الروايات المضمرة
    وهو أن يُضمر الراوي ولا يفصح عن اسم المعصوم عليه‌السلام فيسند القول إلى الضمير ، كأن يقول : قال ... ، أو سألته ... ، أو كتب إليّ .. ، ونحو ذلك.
    واختلفت الكلمات في المضمرات ، فبين طارح لها عن الاعتبار حتّى في مثل سماعة بن مهران ، وعلي بن جعفر ونحوهما ، وبين مفصّل بين كبار الرواة كزرارة ، وأبي بصير ، ومحمّد بن مسلم ممّن لا يروي عن غير المعصوم عليه‌السلام إلّا نادراً ، ومن يروي تارة عن المعصوم عليه‌السلام وأخرى عن غيره ككثير من الرواة. والصحيح ما أشار إليه صاحب الحدائق رحمه‌الله ، من أنّ من الرواة يبتدأ في صدر كتابه بإسناد القول إلى المعصوم ، ثمّ يعطف بقية الروايات معتمداً على الإسناد الأوّل ، أو أنّه يبتدأ في صدر الفصل بذلك ، ثمّ يعطف عليه مضمراً في الروايات اللاحقة ، أو إنّه يصرّح باسمه عليه‌السلام بين كلّ مجموعة من الروايات ، لا سيّما إذا اختلف المعصوم الذي يروي عنه ، وعند ما يقع كتابه أو أصله عند أصحاب الكتب والمجاميع الروائية المتأخّرة ومَن في طبقتهم يقومون بتوزيع رواياته على الأبواب فتظهر بصورة المضمرة من دون مرجع الضمير ، ويتبيّن ذلك جليّاً لمن راجع كتاب مسائل علي بن جعفر وكذلك الحال في كثير من روايات سُماعة.
    بل الذي يقف عليه المتتبّع في الروايات أنّ متوسّطي الرواة ممّن أدمن وأكثر الرواية فضلاً عن كبارهم لا يضمرون من دون قرينة ، بنحو يجعلون المرجع شيئاً

    مطلقاً ، إلّا ويريدون المعصوم عليه‌السلام منه ، وإن كانوا يروون عن المعصوم بالواسطة كثيراً ويروون عنه عليه‌السلام مباشرة قليلاً.
    وعليه فما لم تكن هناك قرينة في البين على إرادة أحد الرواة فإنّ المتعيّن في استعمالهم إرادة المعصوم عليه‌السلام.
    ثمّ إنّ تلك القرائن قد تكون تميّز أحد شيوخ الرواية بالفتوى في مسألة معيّنة كزرارة في الاستطاعة والقدرة والاختيار ، واشتهار المجادلة معه فيها ، أو التصريح في طرق أخرى بأنّ هذا رأيه وقوله الذي استنبطه كعبد الله بن بُكير في عدّة الطلاق ، أو انعدام رواية هذا الراوي عن المعصوم كعبد الله بن مسكان ، كما قيل ، واختصاص تلمّذه بأحد شيخ الرواية كما هو الحال في العلاء بن رزين مع شيخه محمّد بن مسلم ، فيكون شاهد حال على إرادة شيخه من الضمير ونحو ذلك من القرائن.

    الأمر الثامن
    تحقيق الحال في رجال الغضائري
    المعروف بكتاب الضعف وهو الكتاب المنسوب إلى ابن الغضائري أبي الحسين أحمد بن أبي عبد الله الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم الغضائري ، وقد حكى في قاموس الرجال (1) عن الشهيد الثاني قوله : «إنّه للحسين بن عبيد الله الغضائري دون ابنه أحمد» ، حاكياً له عن إجازة الشهيد الثاني لوالد الشيخ البهائي ، كما في البحار (2).
    وقد اختلفت كلمات الأصحاب فيه ، فمنهم من ينفي أصل نسبة الكتاب إليه ، ومنهم من يثبتها ، فذهب المحقّق الآغا بزرگ الطهراني إلى القول الأوّل (3) وذكر ما ملخّصه : «إنّ أوّل من وجده هو السيّد جمال الدين أبو الفضائل أحمد بن طاوس الحسيني الحلّي ، المتوفّى سنة (673) ، فأدرجه في كتابه حلّ الإشكال في معرفة الرجال) الذي ألّفه سنة (644) وجمع فيه عبارات الكتب الخمسة الرجاليّة ، وأنّ له إلى الجميع روايات متّصلة عدا كتاب ابن الغضائري ، ثمّ تبعه في ذلك تلميذيه العلّامة في الخلاصة ، وابن داود في رجاله ، ثمّ قال : إنّ المتأخّرين عن العلّامة وابن داود ينقلون عنها ، إذ نُسخة الضعفاء التي وجدها السيّد
    __________________
    (1). قاموس الرجال 1 / 45.
    (2) بحار الأنوار 108 / 160.
    (3). الذريعة 4 / 388 ، في ذيل ترجمة تفسير العسكري عليه‌السلام.

    ابن طاوس قد انقطع خبرها ، واستظهر هو من عبارة ابن طاوس أنّه يتبرّأ من عهدة صحّة نسبة الكتاب ، لا سيّما بضميمة القاعدة التي ذكرها في أوّل كتابه من الركون إلى التعديل من دون معارض ، وعدم السكون إلى الجرح من دون معارض ، وكتاب حلّ الإشكال بقي إلى سنة نيّف وألف ، فكان عند الشهيد الثاني ، كما في إجازته للشيخ حسين بن عبد الصمد ، ثمّ انتقل إلى ابن صاحب المعالم فاستخرج منه كتابه الموسوم بالتحرير الطاووسي ، ثمّ وقعت تلك النسخة بعينها عند المولى عبد الله التستري المتوفّى (1021) فاستخرج منها خصوص عبارات كتاب الضعفاء ، ثمّ وزّع تلميذه المولى عناية الله القهبائي تمام ما استخرجه استاذه في كتابه مجمع الرجال المشتمل على الأصول الخمسة ـ إلى أن قال ـ إنّ ابن الغضائري وإن كان من الأجلّاء المعتمدين ، ومن نظراء شيخ الطائفة والنجاشي ، وكانا مصاحبين معه ومطّلعين على آرائه وأقواله ، وينقلان عنه أقواله في كتابيهما ، إلّا أنّ نسبة كتاب الضعفاء هذا إليه ممّا لم نجد له أصلاً ، ويحقّ لنا أن نُنزّه ابن الغضائري عن هذا الكتاب ، والاقتحام في هتك هؤلاء المشاهير بالعفاف والتقوى والصلاح ، المذكورين في الكتاب ، والمطعونين بأنواع الجراح ، بل جملة من جراحات سارية إلى المبرّئين من العيوب. ثمّ ذكر شواهد تخطئة الطعن في المفسّر الأسترابادي الراوي لتفسير العسكري عليه‌السلام.
    ثمّ قال : كلّ ذلك قرائن تدلّنا على أنّ هذا الكتاب ليس من تأليفه ، وإنّما ألّفه بعض المعاندين للاثني عشريّة ، المحبّين لإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا ، وأدرج فيه بعض الأقوال التي نسبها الشيخ والنجاشي في كتابيهما إلى ابن الغضائري ، ليتمكّن من النسبة إليه ، وليروّج منه ما أدرجه فيه من الأكاذيب والمفتريات. ـ الى أن قال ـ : وما ذكرناه هو الوجه للسيرة الجارية بين الأصحاب قديماً وحديثاً ،

    من عدم الاعتناء بما تفرّد به ابن الغضائري من الجرح ، فإنّ ذلك لعدم ثبوت الجرح منه ، لا لعدم قبول الجرح عنه ، كما ينسبق ذلك إلى بعض الأذهان» انتهى.
    وتابعه على ذلك جماعة منهم السيّد الخوئي في مقدّمة معجم الرجال.
    لكن الذي يظهر من تضاعيف كتاب المعجم أنّه يعتمد عليه في موارد ، سواء في تمييز المشتركات أو في جمع القرائن في ترجمة المفردات.
    وممّن ذهب إلى اعتماد الكتاب المحقّق التستري في مقدّمة كتابه قاموس الرجال واعتبره من مَهَرة الجرح ، وقال عنه : «قد اختلف فيه : فقال الشهيد الثاني : إنّه للحسين بن عبيد الله الغضائري دون ابنه أحمد ، واستند في ذلك إلى قول الخلاصة في عنوان سهل الآدمي : ذكر ذلك أحمد بن علي بن نوح ، وأحمد بن الحسين.
    وقال ابن الغضائري : إنّه كان ضعيفاً ، قال : عطفه ابن الغضائري على أحمد بن الحسين يدلّ على أنّه غيره.
    قلت : إنّه لم يتفطّن لقاعدة العلّامة في كتابه ، فإنّ قوله : ذكر ذلك أحمد بن علي بن نوح ، وأحمد بن الحسين عين عبارة النجاشي ، عبّر به ، كما هو دأبه في تعبيره بعين عبارات أئمّة الرجال ، كما قلنا.
    وقوله : وقال ابن الغضائري ، نقلٌ منه عن ذاك الكتاب ، سواء كان للأب أو الابن. ويشهد أنّ الكتاب للابن : إنّ فيه في عنوان المفضّل بن صالح حدّثنا أحمد بن عبد الواحد ، قال : حدّثنا علي بن محمّد بن الزبير ، قال : حدّثنا علي بن الحسين بن فضّال.
    وقد قال النجاشي في عنوان علي بن فضّال : قرأ أحمد بن الحسين كتاب الصلاة

    والزكاة ومناسك الحج والصيام والطلاق والنكاح والزهد والجنائز والمواعظ والوصايا والفرائض والمتعة والرجال على أحمد بن عبد الواحد في مدّة سمعتها معه ، وأيضاً أحمد بن عبد الواحد ـ وهو ابن عبدون ـ في طبقة الحسين بن عبيد الله ، وكلاهما من مشايخ الشيخ والنجاشي ، فلا يروي الحسين عنه ، وإنّما تصحّ رواية أحمد ـ الذي في طبقة الشيخ والنجاشي ـ عنه ، كما عرفت من عبارة النجاشي» (1). انتهى.
    وقال في موضع آخر من المقدّمة : «وأمّا كتاب ابن الغضائري وإن اشتهر من عصر المجلسي عدم العبرة به ، لأنّه يتسرّع إلى جرح الأجلّة ، إلّا أنّه كلام قشري ، ولم أر مثله في دقّة نظره ، ويكفيه اعتماد مثل النجاشي ـ الذي عندهم هو أضبط أهل الرجال ـ عليه ، وممّا استند إليه في (خيبري) ، وقد عرفت من الشيخ أنّه :
    أوّل من ألّف فهرستاً كاملاً في مصنّفات الشيعة واصولهم.
    فتقدُّمُ قول الشيخ والنجاشي عليه غير معلوم ، وقد كان العلّامة في الخلاصة ـ في مقام التعارض ـ يقدّم قول النجاشي لو لم يكن له تردّد ، وكان ابن الغضائري اقتصر على التضعيف بدون ذكر فساد المذهب ، كما في إبراهيم بن عمر اليماني ، وإلّا فيقدّم قول ابن الغضائري ، كما في عبد الله ابن أيّوب ، وقد دلّلنا في بكر بن صالح على سلامته بالقرائن ، وإن طعن فيه ابن الغضائري وتبعه فيه النجاشي» (2).
    وقال في موضع ثالث : «وأكثر القدماء طعناً بالغلوّ ابن الغضائري ، وشهّر المتأخّرون إنّه يتسرّع إلى الجرح ، فلا عدة بطعونه. مع أنّ الذي وجدنا بالسبر في
    __________________
    (1) قاموس الرجال 1 / 45.
    (2) قاموس الرجال 1 / 55.

    الذين وقفنا على كتبهم ممّن طعن فيهم ـ ككتاب استغاثة علي بن أحمد الكوفي ، وكتاب تفسير محمّد بن القاسم الأسترابادي ، وكذلك كتاب الحسن بن عباس بن حريش على نقل الكافي تسعة من أخباره في باب شأن (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) ـ أنّ الأمر كما ذكر ، والرجل نقّاد ، وقد قوّى ممّن ضعفه القميّون جمعاً ، كأحمد بن الحسين بن سعيد ، والحسين بن شاذويه ، والزيدين ـ الزرّاد والنرسي ـ ، ومحمّد بن اورمة ، بأنّه رأى كتبهم وأحاديثهم صحيحة» (1).
    أقول : وفي تصحيحه لطعون ابن الغضائري بالغلوّ نظر ، كما عرفت في حال التفسير المنسوب للعسكري عليه‌السلام ، وما سيأتي في الأمر العاشر في مصطلح الغالي.
    وممّن لم يعتدّ بطعونه بسبب التسرّع الوحيد البهبهاني في فوائده ، في الفائدة التي تعرّض فيها لألفاظ الجرح ، كالرمي بالغلوّ.
    وممّن لم يعتمده في التضعيف أيضاً الميرداماد في الرواشح السماوية حيث قال بعد ذكر نبذة في ترجمة ابن الغضائري : «والسيّد المعظّم المكرّم جمال الدين أحمد بن محمّد بن طاوس قال في كتابه في الجمع بين كتب الرجال والاستطراف منها : وذكر بعض المتأخّرين أنّه رأى بخطّه عند نقله عن ابن الغضائري ما هذه عبارته : «من كتاب الحسين أحمد بن الحسين ابن عُبيد الله بن إبراهيم الغضائري ، المقصور على ذكر الضعفاء والمرتّب على حروف المعجم».
    ثمّ في آخر ما استطرفه في كتابه قال : «أقول إنّ أحمد بن الحسين على ما يظهر لي هو ابن الحسين بن عُبيد الله الغضائري رحمه‌الله ، فهذا الكتاب المعروف لأبي الحسين أحمد.
    __________________
    (1) قاموس الرجال 1 / 67.

    وأمّا أبوه الحسين أبو عبد الله شيخ الطائفة فتلميذاه النجاشي والشيخ ذكرا كتبه وتصانيفه ، ولم ينسبا إليه كتاباً في الرجال ، وإنّما كلامهما وكلام غيرهما إنّه كثير السماع عارفاً بالرجال.
    وبالجملة لم يبلغني إلى الآن عن أحد من الأصحاب أنّ له في الرجال كتاباً ، ثمّ إنّ أحمد بن الحسين ابن الغضائري صاحب كتاب الرجال هذا مع أنّه في الأكثر مسارع إلى التضعيف بأدنى سبب» (1).
    أقول : قد تقدّم أنّ المحقّق الطهراني قد نسب مقولة بعض المتأخّرين إلى المولى عبد الله التستري ، ولكن عبارة الميرداماد توهم أنّ الحاكي عن بعض المتأخّرين هو ابن طاوس ، فتدبّر.
    وممّن لم يعتدّ به أيضاً صاحب المعالم ، الشيخ حسن بن زين الدين الشهيد الثاني ، حيث قال في مقدّمة كتاب التحرير الطاووسي المستخرج في كتاب حلّ الإشكال في معرفة الرجال للسيّد أحمد بن طاوس «ورأيت بعد التأمّل أنّ المهمّ منه هو تحرير كتاب الاختيار ، حيث إنّ السيّد رحمه‌الله جمع في الكتاب عدّة كتب من كتب الرجال بعد تلخيصه لها ، ولمّا كان أكثر تلك الكتب منقّحاً محرّراً اقتصر فيها على مجرّد الجمع فيمكن الاستغناء عنها بأصل الكتب ، لأنّ ما عدا كتاب ابن الغضائري منها موجود في هذا الزمان ، بلطف الله سبحانه ومنّه ، والحاجة إلى كتاب ابن الغضائري قليلة ، لأنّه مقصود على ذكر الضعفاء».
    ثمّ قال : «قال السيّد رحمه‌الله في أثناء خطبة الكتاب : وقد عزمت على أن أجمع في كتابي هذا أسماء الرجال المصنّفين وغيرهم ممّن قيل فيه مدح أو قدح ، وقد ألمّ
    __________________
    (1) الرواشح السماوية / السيّد الميرداماد : الراشحة الخامسة والثلاثون.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2975
    نقاط : 4628
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    بحوث في مباني علم الرجال Empty
    مُساهمةموضوع: رد: بحوث في مباني علم الرجال   بحوث في مباني علم الرجال Emptyالثلاثاء 29 أكتوبر 2024 - 20:43

    بغير ذلك من كتب خمسة ، كتاب الرجال لشيخنا أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي رضى الله عنه ، وكتاب فهرست المصنّفين له ، وكتاب اختيار الرجال من كتاب الكشّي أبي عمرو محمّد بن عبد العزيز له ، وكتاب أبي الحسين أحمد بن العبّاس النجاشي الأسدي ، وكتاب أبي الحسين أحمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائري في ذكر الضعفاء خاصّة ، رحمهم‌الله تعالى جميعاً ... ولي بالجميع روايات متّصلة ، عدا كتاب ابن الغضائري» (1).
    وللخروج بصورة واضحة عن الكتاب والمؤلّف نشير إلى النقاط التالية :
    النقطة الأولى : قال الشيخ في مقدّمة الفهرست : «أمّا بعد ، فإنّي لما رأيت جماعة من شيوخ طائفتنا من أصحاب الحديث عملوا فهرست كتب أصحابنا ، وما صنّفوه من التصانيف ، ورووه من الأصول ، لم أجد أحداً استوفى ذلك ، ولا ذكر أكثره ، بل كلّ منهم كان غرضه أن يذكر ما اختصّ بروايته ، وأحاطت به خزانته من الكتب ، ولم يتعرّض أحد منهم لاستيفاء جميعه ، إلّا ما قصده أبو الحسن أحمد بن الحسين بن عبيد الله رحمه‌الله ، فإنّه عمل كتابين أحدهما ذكر فيه المصنّفات ، والآخر ذكر فيه الأصول واستوفاهما على مبلغ ما وجده وقدر عليه ، غير أنّ هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من أصحابنا ، واخترم هو رحمه‌الله ، وعمد بعض ورثته إلى إهلاك هذين الكتابين ، وغيرهما من الكتب على ما حكى بعضهم عنه».
    واستظهر البعض كالمحقّق الطهراني من عبارة الشيخ هذه فقدان كتبه ، وأنّ ما عثر عليه ابن طاوس من نسخة الكتاب موضوعة على المؤلّف ، لا سيّما وأنّ ابن طاوس صرّح إنّه ليس له رواية متّصلة به.
    __________________
    (1) التحرير الطاووسي : 23 ـ 25 ، طبعة دار الذخائر.

    أقول : إنّ ذيل عبارة الشيخ ظاهرة في تمريض ذلك ، حيث نسبه إلى الحكاية ، كما أنّه يظهر من عبارة الشيخ أنّ أحمد بن الحسين من شيوخ الطائفة وأصحاب التصانيف ، كما يظهر منها أنّ وفاته قبل سنّ الأربعين ، لأنّه معنى الاخترام ، كما في الحديث ، ويظهر من عبارته كذلك أنّ كون ابن الغضائري قد عمل بتصنيف كتابين أمرٌ محقّق.
    النقطة الثانية : إنّ النجاشي قد ذكر ابن الغضائري في مواضع من كتابه :
    منها : في عنوان أحمد بن الحسين ابن عمر حيث ذكر فيه : «له كتب لا يُعرف منها إلّا النوادر ، قرأته أنا وأحمد بن الحسين رحمه‌الله على أبيه ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى ... وقال : أحمد بن الحسين رحمه‌الله : له كتاب في الإمامة ، أخبرنا به أبي عن العطّار ، عن أبيه ، عن أحمد بن أبي زاهر ، عن أحمد بن الحسين به».
    ومؤدّى عبارته هذه أنّ ابن الغضائري شريكه في القراءة على أبيه ، وهو أيضاً شيخ الرواية له في طرق لكتب أخرى.
    ومنها : ما ذكره في عنوان خيبريّ بن علي ، حيث قال : «الطحّان كوفي ، ضعيف في مذهبه ، ذكر ذلك أحمد بن الحسين ، يقال في مذهبه ارتفاع».
    ومؤدّى هذه العبارة أنّ ابن الغضائري يُنقل عنه في باب الجرح والتعديل في الرجال ، وإن نقل النجاشي عنه يدلّ على تتلمذه عليه ، ويحتمل نقله عن كتابه أيضاً ، لأنّ ديدن النجاشي في كتابه النقل عن مشايخه في الجرح والتعديل.
    ومنها : ما ذكره في عنوان علي بن الحسن بن فضّال ، حيث قال : «وذكر أحمد بن الحسين رحمه‌الله أنّه رأى نسخة أخرجها أبو جعفر ابن بابويه ، وقال : حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن اسحاق الطالقاني ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد ،

    قال : حدّثنا علي بن الحسن بن فضّال ، عن أبيه عن الرضا عليه‌السلام ، ولا يعرف الكوفيّون هذه النسخة ، ولا رويت من غير هذا الطريق».
    وقال في العنوان نفسه : «وقرأ أحمد بن الحسين كتاب الصلاة والزكاة ... والرجال على أحمد بن عبد الواحد في مدّة سمعتها معه».
    ويظهر من هاتين العبارتين اشتراك النجاشي معه في القراءة على والده وعلى ابن عبدون.
    ومنها : ما في عنوان علي بن محمّد بن شيران أبو الحسن الأبلّي ، كان أصله من كازرون ، سكن أبوه ابلّة ، شيخ من أصحابنا ، ثقة صدوق ، له كتاب الأشربة ، وذكر ما حُلّل منها وما حُرّم ، مات سنة (410) رحمه‌الله وكنّا نجتمع معه عند أحمد بن الحسين».
    واستظهر من هذه العبارة أنّ أبا الحسين أحمد من مشايخ النجاشي ، إذ اجتماعهما عنده ليس إلّا للاستفادة ، ومن ثَمّ عدّه العلّامة بحر العلوم في الفوائد الرجاليّة أنّه في مشايخ النجاشي كوالده ، ولكنّه يشكل هنا الاستظهار بأنّ مجرّد الاجتماع عنده لا يدلّ على ذلك ، بل الأحرى ضمّ ذلك مع ما نقلناه عنه في ترجمة علي بن الحسن بن فضّال (العبارة الأولى المتقدّمة) حيث إنّ صريحها أنّه كان من مشايخ الرواية للنجاشي.
    النقطة الثالثة : المعروف من تاريخ نُسخ هذا الكتاب هو ما قدّمنا نقله من عبارة المحقّق الطهراني في الذريعة ، ولكن الذي يظهر من تصفّح كتاب نقد الرجال للسيد التفريشي أنّه ينقل من رجال الغضائري متوناً ليست موجودة في الخلاصة ، ورجال ابن داود ، وفي بعض الموارد تراه يُخطّئ ما ينقله ابن داود

    عن كتاب الغضائري ، بل في موارد عديدة يزيد على ما يذكره القهبائي المعاصر له في مجمع الرجال ، ويظهر من ذلك ومن موارد أخرى أنّ النسخة التي كانت بحوزة السيّد التفريشي أصحّ وأوسع ممّا كانت لدى القهبائي ، لا سيّما وأنّ التفريشي متقدّم رتبة على القهبائي وإن عاصره ، وقد تقدّمت عبارة الميرداماد في الرواشح ، حيث حكى عبارة السيّد ابن طاوس عن نسخة كتاب الرجال لابن الغضائري ، وكذا تقدّمت عبارة صاحب العالم في التحرير الطاووسي ، حيث حكى عبارة أخرى للسيّد ابن طاوس ، وهي التي أشار إليها الآغا بزرگ المحقّق الطهراني رحمه‌الله.
    النقطة الرابعة : لم نعثر بحسب التتبّع المحدود غير المستقصى على ذكر لكتاب الرجال لابن الغضائري في إجازات المتأخّرين ، ولا متأخّري المتأخّرين ، كما لم يُشر أحد إلى عثوره على ذلك ، وقد عرفتَ أنّ السيّد ابن طاوس قد صرّح بعدم الرواية المتّصلة له بذلك.
    وخلاصة ما تقدّم : إنّ نسخة الكتاب ليس لها سند متّصل ، وهذا ممّا يضعف الوثوق بها ، إلّا أنّه بحسب التتبّع يظهر منه إحاطة المؤلّف بأحوال الرجال وخصوصياتهم ، وان كانت آراؤه الرجاليّة فيها نحو تسرّع ، كما ذكر ذلك الميرداماد ، إلّا أنّ الموادّ التي يذكرها في التراجم لا تخلو من فائدة ، ولو بحسب مسلك تجميع القرائن لتحصيل الاطمئنان ، ومن ثمّ أولاها الرجاليّون من متأخّري الأعصار نحو اهتمام ، وأدمنوا ذكر أقواله.

    الأمر التاسع
    الفرق بين فهرست ورجال الشيخ ورجال النجاشي
    وممّا لا شكّ فيه أهميّة هذه التفرقة في مقام الجرح والتعديل ، وفي مقام الترجيح عند التعارض في القرائن المستفادة من كلام كلّ منهما.
    وقد ذكرت عدّة فروق بينهما :
    الأوّل : إنّ فهرست الشيخ متقدّم في التصنيف زمناً ، ومن ثمّ لم يتعرض إلى كتاب النجاشي ، بينما تعرض النجاشي لفهرست كتاب الشيخ ، ولذا قيل : إنّ التتبّع والمقارنة بينهما في كثير من المفردات يستفاد منه أنّ النجاشي قد وضع كتابه استدراكاً لفهرست الشيخ.
    الثاني : إنّ كتاب النجاشي اشتمل على كلّ مِن ترجمة كتب صاحب العنوان ، وعلى ذكر طرف من كنيته ولقبه ومنزله ونسبه وما قاله مشايخه فيه ، بينما اقتصر الشيخ على ترجمة كتب صاحب العنوان ، وذكر ما قيل فيه من التعديل والترجيح من دون إبرام.
    الثالث : إنّ النجاشي قد اختصّ بهذا الفن ، ومن ثمّ كانت له كتب أخرى في الأنساب ونحوها ، بخلاف الشيخ فقد يقع منه وهم في النسب ، كما في أبي غالب الزراري.
    الرابع : إنّ الشيخ قد اعتمد على فهرست ابن النديم كثيراً ، وكذا اعتمد على

    رجال الكشّي ، بخلاف النجاشي ، فلم يعتمد على الأوّل ، وأقلّ الأخذ من الثاني ، وقد قال هو في ترجمة الكشّي : له كتاب الرجال ، كثير العلم ، فيه أغلاط كثيرة.
    الخامس : إنّ الشيخ قد يكرّر في ترجمة بعض المفردات ، لا سيّما في كتاب الرجال ، بخلاف النجاشي فإنّه قلّما يُكرّر.
    السادس : إنّ الشيخ حيث كان ملمّاً بعلوم متعدّدة من الفقه والكلام والحديث والتفسير وأصول الفقه وغيرها ، بل وكان صاحب فُتيا واجتهاد ، بخلاف النجاشي فإنّه كان دون مستوى الشيخ في ذلك ، فسبّب ذلك عدم متابعة الشيخ لآراء مشايخه في الجرح والتعديل ، بل أعمل اجتهاده في مناشئ الجرح والتعديل بخلاف النجاشي.
    السابع : المعروف في الكلمات تقديم قول النجاشي ، معلّلين بأنّه أضبط وأعرف وأثبت (1) ، وقد قال السيّد العلّامة بحر العلوم في رجاله عن النجاشي : «أحد المشايخ الثقات ، والعدول والإثبات ، من أعظم أركان الجرح والتعديل ، وأعلم علماء هذا السبيل ، أجمع علماؤنا على الاعتماد عليه ، وأطبقوا على الاستناد في الأحوال الرجاليّة إليه ، وبتقديمه صرّح جماعة من الأصحاب ، نظراً إلى كتابه الذي لا نظير له في هذا الباب» (2).
    وقال المحقّق التستري : «بل قد يقدّم قول الشيخ بشهادة القرائن على قول النجاشي والكشّي معاً ، كما في إسماعيل بن جابر فوصفاه بالجُعفي ، ووصفه بالخثعمي ، وهو الصواب ، وإنّما الجُعفي إسماعيل بن عبد الرحمن».
    __________________
    (1). مسالك الأفهام 7 / 467 ، الطبعة الحديثة.
    (2) الفوائد الرجاليّة 2 / 250.

    ومع أنّ النجاشي متخصّص في الأنساب ، وقد ألّف كتاباً في أنساب بني نصر بن قعين ، وأيّامهم وأشعارهم ، ليس أيضاً قوله مقدّماً على قول الشيخ مطلقاً ، فسيأتي في أبان بن تغلب أنّ الصواب قول الشيخ : «إنّه مولى بني جرير بن عباد بن ضبيعة» دون قول النجاشي : «ابن عبادة بن ضبيعة» ، وفي أحمد بن إبراهيم بن أبي رافع أنّ الصواب قول الشيخ : «من ولد عُبيد بن عازب» ، دون قول النجاشي : «ابن عبيد بن عازب» ، وسيأتي في إسماعيل بن الفضل أنّ الصواب قول الشيخ في نسبه ، دون قول النجاشي» (1).
    إلّا أنّه قال مع ذلك : «إنّ النجاشي أضبط من الشيخ نوعاً ، إلّا أنّه لا يحكم بتقدّم قوله على قول الشيخ مطلقاً بل يجب رعاية القرائن» (2).
    أقول : والحاصل من النقاط السابقة أنّ المدار في تقديم قول أحدهما على الآخر هو إمّا الترجيح بالقرائن ، وهو يعني مسلك الاستنباط والاجتهاد الرجالي ، والذي عبّرنا عنه في الفصل الأوّل عند استعراض وجوه حجّية قول الرجالي بمسلك تحصيل الاطمينان بتراكم القرائن ، وتعيين درجتها كمّاً وكيفاً ، مع ملاحظة الكسر والانكسار بينها ، أي جهات التضعيف والتقوية ، وهو عمدة وديدن روّاد هذا الفن. وإمّا التفصيل في التقديم.
    فوجهه : أنّ النجاشي قد امتاز بموارد هو أضبط فيها ، كالنسب وتميز المشتركات ولواحقها ، وهكذا الشيخ في جهات أخرى ، لأجل امتيازات هو مقدّم فيها كمباني الجرح والتعديل ، وهذا التفصيل في التقديم مبنيّ على الأخذ بقول الرجالي من باب أهل الخبرة.
    __________________
    (1) قاموس الرجال 1 / 54.
    (2) قاموس الرجال / التستري 1 / 53.

    الأمر العاشر
    ألفاظ الجرح والتعديل وغيرها
    واعلم إنّ هذا الأمر بالغ الأهمّية في بحث الرجال ، بل هو وتد الاستنباط الرجالي ، إذ المتتبّع بجمعه للموادّ حول المفردة الرجاليّة لا يمكنه أن يقف على واقع حالها إلّا عبر ألفاظ الجرح والتعديل وغيرها ، والتي ذكرها متقدّموا هذا الفنّ ، فإذا لم يقف الباحث على حقيقة مرامهم من العبائر المختلفة فسوف يشتبه عليه الأمر ، فيحسب أنّ ما هو جرح تعديل ، أو العكس ، أو قد يشتبه في درجة الطعن فيتوهّم أنّ جهة معيّنة من الطعن تُسقط رواية الراوي عن الاعتبار ، وكذا قد يتخيّل أنّ درجة تعديل معيّن قد ترفع بالراوي وروايته على رواية راوٍ آخر فوق الأوّل في الاعتبار.
    وبالجملة فإنّه لا بدّ من التدقيق في معاني الألفاظ المصطلحة عند الرجاليين ، كي يصل الباحث إلى الرؤية الواضحة الصحيحة عن المفردة الرجاليّة.
    والحريّ في المقام هو التعرّض لما اختلف فيه من تلك المصطلحات ، وأمّا المتفق عليه فيجده القارئ في الكتب والفوائد الرجاليّة مسطورة.
    فمنها
    مولى
    فعن الشهيد الثاني إنّه يطلق على غير العربي الخالص ، وعلى المُعتَق ،

    وعلى الحليف ، والأكثر في هذا الباب إرادة المعنى الأوّل.
    وأضاف الوحيد البهبهاني معنى رابعاً ، وهو النزيل قال : كما قال جدّي رحمه‌الله في مولى الجُعفي (1).
    وذهب المحقّق التستري (2) إلى اختصاصه بالمعنى الأوّل ، مستشهداً بقول النجاشي في حمّاد بن عيسى : «مولى ، وقيل عربي ، وبما روته العامّة إنّ رهطاً جاءوا إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقالوا : السلام عليك يا مولانا ، فقال : كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ فقالوا : سمعنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول يوم غدير خمّ : من كنت مولاه فعلي مولاه (3) ، وبما روته الخاصّة ، إنّ مالك بن عطية قال للإمام الصادق عليه‌السلام : إنّي رجل من بجيل ، وإنّي أدين الله تعالى بأنكم مواليّ ، وقد يسألني بعض من لا يعرفني فيقول : ممّن الرجل؟ فأقول : من العرب ، ثمّ من بجيل ، فعليّ في هذا إثم؟ حيث لم أقل مولى لبني هاشم» (4) انتهى.
    أقول : أمّا ما استشهد به من كلام النجاشي فلا يدلّ على الحصر ، لأنّ الاستعمال لا ينفي الاشتراك ، وأمّا الروايتان الأخريان فهما أدلّ على الاشتراك منها على الاختصاص ، وغاية دلالتهما هو الانسباق.
    وعليه فالصحيح هو اشتراك اللفظة في الاستعمال بين المعاني العديدة ، وتتعيّن أحدهما بالقرينة ، نعم مع إطلاق اللفظة من دون إضافتها إلى اسم قبيلة أو بطن معيّن فإنّه يراد بها المعنى الأوّل.
    __________________
    (1) فوائد الوحيد البهبهاني : الفائدة الثانية.
    (2). قاموس الرجال 1 / 12.
    (3). مناقب ابن المغازلي / 22. بحار الأنوار 37 / 148.
    (4) الكافي 8 / 268 ، الحديث 395.

    وقد يقال : إنّ لازم المعتَق كونه غير عربي ، لا سيّما في ما بعد منتصف القرن الأوّل ، حيث إنّ تلك الفترة بالذات كان الاسترقاق في الحروب قد وقع على غير العرب.
    ولعلّ من القرائن على المعنى الثالث ـ أي بمعنى الحليف ـ ما يُرى في العديد من التراجم من نسبة الراوي إلى قبيلة ، ثمّ جعله مولى لقبيلة أخرى ، بل إنّ إضافة المولى إلى عنوان قبيلة ظاهر في المعنى الثالث ، لكن الغالب في من يتحالف هم من الموالي غير العرب
    غالٍ من أهل الارتفاع والطيّارة
    وقد اختلف في مراد الرجاليين من ذلك.
    فقيل إنّ المراد به هو ترك العبادة اعتماداً على ولايتهم عليهم‌السلام ، كما ذهب إليه المحقّق التستري في قاموسه (1) ، واستشهد بما رواه أحمد بن الحسين الغضائري عن الحسن بن محمّد بن بندار القمي ، قال : سمعت مشايخي يقولون : إنّ محمّد بن اورمة لمّا طعن عليه بالغلوّ بعث إليه الأشاعرة ليقتلوه ، فوجدوه يصلّي الليل من أوّله إلى آخره ليالي عدّة ، فتوقّفوا عن اعتقادهم.
    وبما رواه ابن طاوس عن الحسين بن أحمد المالكي ، قلت لأحمد بن مالك الكرخي : عمّا يقال في محمّد بن سنان من أمر الغلوّ؟ فقال : معاذ الله هو والله علمني الطهور ، وحبس العيال ، وكان متقشّفاً متعبّداً (2).
    وبما عنونه الكشّي من جماعة ، منهم علي بن عبد الله بن مروان ، وقال إنّه سأل
    __________________
    (1). قاموس الرجال 1 / 66.
    (2) فلاح السائل / 13.

    العيّاشي عنهم ، فقال : أمّا علي بن عبد الله بن مروان فإنّ القوم ـ الغلاة ـ يُمتحنون في أوقات الصلاة ، ولم أحظره وقت الصلاة.
    وبما ذكره أيضاً عن الغلاة في وقت الإمام الهادي عليه‌السلام ، فقد روى عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، «كتبت إليه عليه‌السلام في قوم يتكلّمون ويقرءون أحاديث ينسبونها إليك وإلى آبائك ، قال : ومن أقاويلهم أنّهم يقولون إنّ قوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ)(1) معناها رجل ، لا ركوع ولا سجود ، وكذلك الزكاة ، معناها ذلك الرجل لا عدد درهم ولا إخراج ، وأشياء من الفرائض والسنن والمعاصي ، فأوّلوها وصيّروها على هذا الحدّ الذي ذكرته لك» انتهى.
    وقيل ـ كما ذهب إليه الوحيد البهبهاني ـ : «إنّ كثيراً من القدماء لا سيّما القمّيين وابن الغضائري كانوا يعتقدون للأئمّة عليهم‌السلام منزلة خاصّة من الرفعة والجلالة ، ومرتبة معيّنة من العصمة والكمال بحسب اجتهادهم ورأيهم ، وما كانوا يجوّزون التعدّي عنها ، وكانوا يعدّون التعدي ارتفاعاً وغلوّاً حسب معتقدهم ، حتّى إنّهم جعلوا مثل نفي السهو عنهم غلوّاً ، بل ربّما جعلوا مطلق التفويض إليهم ـ أو التفويض الذي اختلف فيه كما سنذكر ـ أو المبالغة في معجزاتهم ، ونقل العجائب من خوارق العادات منهم ، أو الإغراق في شأنهم وإجلالهم وتنزيههم من كثير من النقائص ، وإظهار كثير قدرة لهم ، وذكر علمهم بمكنونات السماء والأرض ـ ارتفاعاً ، أو مورّثاً للتهمة به ، لا سيّما من جهة أنّ الغلاة كانوا مختلفين في الشيعة ، مخلوطين بهم مدلّسين.
    وبالجملة الظاهر أنّ القدماء كانوا مختلفين في المسائل الأصولية أيضاً ،
    __________________
    (1). العنكبوت / 45.

    فربّما كان شيء عند بعضهم فاسداً أو كفراً غلوّاً أو تفويضاً أو جبراً أو تشبيهاً ، أو غير ذلك ، وكان عند آخر ممّا يجب اعتقاده ، أو لا هذا ولا ذاك ، وربّما كان منشأ جرحهم بالأمور المذكورة وجدان الرواية الظاهرة فيها منهم ، كما أشرنا آنفاً ، وادعاء أرباب المذاهب كونه منهم أو روايتهم عنه ، وربّما كان المنشأ روايتهم المناكير عنه ، إلى غير ذلك ، فعلى هذا ربما يحصل التأمّل في جرحهم بأمثال الأمور المذكورة وممّا ينبّه على ما ذكرنا ملاحظة ما سيذكر في تراجم كثيرة ، ثمّ ذكر مجموعة كبيرة من الرواة ممّن طعن عليهم بالغلوّ ، ورتّب على ذلك ضعف تضعيفات الغضائري ، وتضعيفات أحمد بن محمّد بن عيسى.
    ثمّ قال : «اعلم أنّه ـ يعني أحمد بن محمّد بن عيسى ـ والغضائري ربما ينسبان الراوي إلى الكذب ، ووضع الحديث أيضاً ، بعد ما نسباه إلى الغلوّ ، وكأنّه لروايته ما يدلّ عليه ، ولا يخفى ما فيه ، وربما كان غيرهما أيضاً كذلك فتأمّل» (1).
    أقول : ويشهد له ما قاله الصدوق في الفقيه ، بعد روايته لما روته العامّة من فوت صلاة الفجر على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ إسهائه في الصلاة ، قال : «إنّ الغلاة والمفوّضة ـ لعنهم الله ـ ينكرون سهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويقولون لو جاز أن يسهو عليه‌السلام في الصلاة لجاز أن يسهو في التبليغ ، لأنّ الصلاة عليه فريضة ، كما أنّ التبليغ عليه فريضة ، وهذا لا يلزمنا وذلك لأنّ جميع الأحوال المشتركة يقع على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فيها ما يقع على غيره ، وهو متعبّد في الصلاة كغيره ممّن ليس بنبي ، وليس كلّ من سواه بنبي كهو ، فالحالة التي اختصّ بها هي النبوّة ، والتبليغ من شرائطها ، ولا يجوز أن يقع عليه في التبليغ ما يقع عليه في الصلاة ، لأنّها عبادة مخصوصة
    __________________
    (1) الفوائد الرجاليّة / الوحيد البهبهاني : الفائدة الثانية.

    والصلاة عبادة مشتركة ، وبها تثبت له العبودية ، وبإثبات النوم له عن خدمة ربّه عزوجل من غير إرادة له وقصد منه إليه نفي الربوبية عنه ، لأنّ الذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو الله الحيّ القيّوم ، وليس سهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كسهونا ، لأنّ سهوه من الله عزوجل ، وإنّما أسهاه ليُعلم أنّه بشر مخلوق ، فلا يُتّخذ ربّاً معبوداً دونه ، وليعلم الناس بسهوه حكم السهو متى سهواً ، وسهونا من الشيطان ، وليس للشيطان على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة (صلوات الله عليهم) سلطان ، (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ)(1) وعلى من تبعه في الغاوين. ـ إلى أن قال ـ :
    وكان شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه‌الله يقول : أوّل درجة في الغلوّ نفي السهو عن النبي ـ إلى أن قال ـ : وإن احتسب الأجر في تصنيف كتاب منفرد في إثبات سهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والردّ على منكريه إن شاء الله تعالى» (2).
    وحكى الوحيد البهبهاني عن جدّه المجلسي الأوّل أنّه قال : «إنّ الذي حصل لي من التتبّع التامّ ، أنّ جماعة من أصحاب الرجال رأوا أنّ الغلاة لعنهم الله نسبوا إلى جماعة شيئاً ترويجاً لمذاهبهم الفاسدة ، كجابر ، والمفضّل بن عمر ، والمعلّى وأمثالهم ، وهم بريئون ممّا نسبوه إليهم ، فرأوا دفعاً للأفسد بالفاسد أن يضعّفوا هؤلاء كسراً لمذاهبهم الباطلة ، حتّى لا يمكنهم إلزامنا بأخبارهم الموضوعة ـ إلى أن قال ـ :
    وقرينة الوضع عليهم دون غيرهم أنّهم كانوا أصحاب الأسرار ، وكانوا ينقلون من معجزاتهم ، فكانوا يضعون عليهم والجاهل بالأحوال لا يستنكر ذلك ، كما ورد
    __________________
    (1) النحل / 100.
    (2) الفقيه 1 / 359 ، باب أحكام السهو في الصلاة ، الحديث 1031.

    عن المعلى أنّ الأئمّة محدّثون بمنزلة الأنبياء ، بل قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : علماء أمتي كأنبياء بني اسرائيل ، فتوهّموا أنّه يقول إنّهم أنبياء» (1).
    وممّن ذهب إلى هذا القول صاحب تنقيح المقال حيث قال ما ملخّصه : إنّ المتتبّع النَّيْقد يجد أنّ أكثر من رُمي بالغلوّ بريء من الغلوّ في الحقيقة ، وأنّ أكثر ما يُعد اليوم من ضروريّات المذهب في أوصاف الأئمّة عليهم‌السلام كان القول به معدوداً في العهد السابق من الغلوّ ، ... وذلك أنّ الأئمّة عليهم‌السلام حذّروا شيعتهم من القول في حقّهم بجملة من مراتبهم ، إبعاداً لهم عمّا هو غلوّ حقيقة ، فهم منعوا الشيعة من القول بجملة من شئونهم ، حفظاً لشئون الله جلّت عظمته ، حيث كان أهمّ من حفظ شئونهم ، لأنّه الأصل وشئونهم فرع شأنه ، نشأت من قربهم لديه ومنزلتهم عنده ، وهذا هو الجامع بين الأخبار المثبتة لجملة من الشئون لهم والنافية لها (2).
    أقول : الصحيح التفصيل في ذلك ، فإنّ الغلو كان عند المتقدّمين على أقسام ، كما يظهر ذلك جليّاً من الشواهد التي ذكرت لكلّ من القولين ، فإنّ العنوان قد أطلق واستعمل في الفرق المنحرفة التي كانت تؤلّه الأئمّة عليهم‌السلام ، نظير الخطّابية والبنانية والمغيرية وغيرهم ممّن ذهب مذهبهم. كما أنّ القمّيّين يطلقوها على من يروي في صفات الأئمّة عليهم‌السلام ممّا يوهم للسامع في أوّل وهلة أنّها من صفات واجب الوجود تعالى ذكره ، أو من يروي في خوارق افعالهم التي من سنخ نشأة الملكوت.
    وعليه فيجب تدبّر القرائن بحسب الموارد ، ويعين في ذلك الاطّلاع على أنحاء
    __________________
    (1) الفوائد الرجاليّة / الوحيد البهبهاني : الفائدة الثانية.
    (2) تنقيح المقال : الفائدة الخامسة والعشرون من المقدّمة.

    مقولات الغلاة وروّاد جماعاتهم ليتبيّن القسم المراد من الغلو في خصوص تلك المفردة.
    كما أنّه تبيّن ممّا استعرضناه في القول الثاني إنّ القسم الآخر من الغلوّ المزعوم في كلمات المتقدّمين ـ غير القادح ـ يكون قرينة على أنّ الرمي بالوضع والكذب هو بلحاظ رواية ذلك الراوي لتلك المضامين
    ومنه الرمي بالتفويض
    قال الوحيد البهبهاني في فوائده : «إنّ للتفويض معانٍ بعضها لا تأمّل للشيعة في فساده وبعضها لا تأمّل لهم في صحّته ، وبعضها ليس من قبيلهما ، والفساد كفراً أو لا ، ظاهر الكفريّة أو لا ، ونحن نشير إليهما مجملاً :
    الأوّل : التفويض في الوجود ، بمعنى عدم حاجة الممكن بقاءً إلى الخالق ، وهو نظير ما التزم به جماعة من متكلّمي العامّة وقد التزمت المعتزلة بالتفويض في إيجاد الأفعال على وجه الاستقلال ، وقد يجعل القسم الأوّل تفويض أمر العالم بأسره وخلق الدنيا وما فيها.
    الثاني : تفويض الخلق والرزق إليهم ، ولعلّه يرجع إلى الأوّل ، وورد فساده عن الصادق والرضا عليهما‌السلام.
    الثالث : تفويض تقسيم الأرزاق ، ولعلّه ممّا يُطلق عليه.
    الرابع : تفويض الأحكام والأفعال بأن يثبت ما رآه حسناً ، ويردّ ما رآه قبيحاً ، فيجيز الله إثباته وردّه ، مثل : إطعام الجدّ السادس ، وإضافة ركعتين في الرباعيّات ، والواحدة في المغرب ، والنوافل أربعاً وثلاثين سنّة ، وتحريم كلّ مسكر عند تحريم الخمر ، إلى غير ذلك. وهذا محلّ إشكال عندهم لمنافاته ظاهر

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2975
    نقاط : 4628
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    بحوث في مباني علم الرجال Empty
    مُساهمةموضوع: رد: بحوث في مباني علم الرجال   بحوث في مباني علم الرجال Emptyالثلاثاء 29 أكتوبر 2024 - 20:45

    (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى)(1) ، وغير ذلك. لكن الكليني رحمه‌الله قائل به ، والأخبار الكثيرة واردة فيه ، ووجّه بأنّها ثبتت من الوحي إلّا أنّ الوحي تابع ومجيز ، فتأمّل.
    الخامس : تفويض الإرادة بأن يريد شيئاً لحسنه ولا يريد شيئاً لقبحه ، كإرادته تغير القبلة فأوحى الله تعالى إليه بما أراد.
    السادس : تفويض القول بما هو أصلح له وللخلق ، وإن كان الحكم الأصيل خلافه ، كما في صورة التقيّة.
    السابع : تفويض أمر الخلق بمعنى أنّه واجب عليهم طاعته في كلّ ما يأمر وينهى ، سواء علموا وجه الصحّة أو لا ، بل ولو كان بحسب ظاهر نظرهم عدم الصحّة ، بل الواجب عليهم القبول على وجه التسليم ، وقد يقسّم التفويض بنحو آخر بأنّه إمّا في الخلق أو في الدين أو الحكم في السياسات والآداب ، أو في بيان الأحكام والمعارف ، أو في الإعطاء والمنع في الأموال العامّة ، أو في الأرزاق أو في الاختيار في الحكم التخييري ، ولا يخفى أنّه يرجع إلى التقسيم السابق ، وبعد الإحاطة بما ذكر هنا وما ذكر سابقاً عليه يظهر أنّ القدح بمجرّد رميهم إلى التفويض لعلّه لا يخلو عن إشكال» (2).
    أقول : المحرّر في التحقيقات الأخيرة في المباحث العقليّة ومسائل المعرفة أنّ التفويض العُزلي الذي يقول به بعض متكلّمي العامّة بمعنى استقلال المخلوق في القدرة ، سواء كان متعلّق القدرة بقدر الذرّة أو بقدر المجرّة ، وهو نوع من الشرك الباطل.
    __________________
    (1). النجم / 3.
    (2) فوائد الوحيد البهبهاني ـ الفائدة الثانية.

    وأمّا إذا كان إقدار من الله عزوجل للمخلوق لا بنحو التجافي الباطل ، بل هو تعالى أقدر بلا كُفو على الشيء الذي يؤتيه للمخلوق من المخلوق نفسه الذي اعطي تلك القدرة ، بنحو لا يكون حول ولا قوّة للمخلوق إلّا بإذن خالقه ، فهذا ليس من التفويض المصطلح الباطل ، وإلّا فالقرآن قد أسند وأثبت عدّة من الأفعال إلى عيسى عليه‌السلام وغيره.
    ثمّ إنّه لا يخفى أنّ القمّيّين قد يطلقون التفويض والغلوّ على من لا يقول بسهو النبيّ ، أي مَن يثبت لهم العلم بالكون وما فيه ، وإن كان بإقدار من الله ، فلاحظ إطلاق الصدوق على رواة الشهادة الثالثة في الأذان أنّهم من المفوّضة ، وبذلك يظهر أنّ إطلاق الرمي بالتفويض لا يكون قادحاً بقول مطلق ، بل يجب التدبّر في المعنى والقسم المراد منها
    ضعيف
    فقد يوصف الراوي بذلك في كلمات الرجاليّين المتقدّمين أو المحدثين ، واخرى يقال فيه ضعف ، أو يقال ضعيف في الحديث ، ونحو ذلك ، وقد اشتهر عند المتأخّرين وما بعدهم على أنّه من ألفاظ القدح في الوثاقة أو العدالة ، مع أنّ مقتضى المعنى اللغوي له في مقابل القوّة ، ويختلف عن الكذب والتضعيف.
    قد قال المجلسي الأوّل ـ كما حكى عنه المولى الوحيد ـ : «نراهم يطلقون الضعيف على من يروي عن الضعفاء ويرسل الأخبار ، والغالب في إطلاقاتهم أنّه ضعيف في الحديث ، أي يروي عن كلّ أحد».
    وقال بعضهم : «الظاهر أنّه متّى استعمل اريد منه ما يقابل الثقة ، أعني من يحصل الوثوق بصدور رواياته عن المعصوم عليه‌السلام ، فيشمل من لا يبالي عمّن أخذ

    الحديث ، لا ريب أنّه يجامع العدالة .. ومنه قولهم ضعيف في الحديث ، والقدح بالنسبة إلى الراوي في الأوّل أقوى ، وبالنسبة إلى الراوي في الثاني».
    وذكر الوحيد أنّهم جعلوا كثرة الإرسال ذمّاً وقدحاً ، والرواية عن الضعفاء والمجاهيل من عيوب الضعفاء ، مع أنّ عادة المصنّفين إيرادهم جميع ما رووه كما يظهر من طريقتهم ، واحتمل أن يكون من أسباب الضعف عندهم قلّة الحافظة وسوء الضبط ، والرواية من غير إجازة ، والرواية عمّن لم يلقه ، واضطراب ألفاظ الرواية ، وإيراد الرواية التي ظاهرها الغلوّ أو التفويض أو الجبر أو التشبيه ، وكذا من أسبابه رواية فاسدي العقيدة عنه وعكسه ، وربّما كانت الرواية بالمعنى ونظائره سبباً».
    ثمّ قال : «إنّ أسباب قدح القدماء كثيرة ، وأنّ أمثال ما ذكر ليس منافياً للعدالة» ، ويشير الوحيد إلى :
    1. ما حكى القهبائي عن ابن الغضائري ـ الابن ـ في ترجمة جعفر بن محمّد بن مالك بن عيسى بن سابور الفزاري : «... كان في مذهبه ارتفاع ويروي عن الضعفاء والمجاهيل ، وكلّ عيوب الضعفاء مجتمعة فيه».
    وقال النجاشي : «أنّه كان ضعيفاً في الحديث» ، وتعجّب كيف روى شيخنا النبيل الثقة أبو عليّ بن همام وشيخنا الجليل الثقة أبو غالب الزراري ، ثمّ ذكر النجاشي طريقين إلى كتبه برواية محمّد بن همام عنه.
    2. وحكى القهبائي عن ابن الغضائري ـ الابن ـ في ترجمة محمّد بن عبد الله الجعفري ـ [محمّد بن الحسن بن عبد الله الجعفري] ـ : «لا نعرفه إلّا من جهة عليّ بن محمّد صاحب الزيج ، ومن جهة عبد الله بن محمّد البلوي ، والذي يحمل عليه فائدة فاسد».

    وقال النجاشي : «روى عنه البلوري ، والبلوري رجل ضعيف مطعون عليه ، وذكر بعض أصحابنا أنّه رأى له رواية رواها عنه عليّ بن محمّد بن البردي صاحب الزيج ، وهذا أيضاً ممّا يضعّفه».
    3. وما ذكره النجاشي في داود بن كثير الرقي : «ضعيف جدّاً ، والغلاة تروي عنه».
    وقال عنه ابن الغضائري : «كان فاسد المذهب ، ضعيف الرواية ، لا يلتفت إليه».
    وقال الشيخ : «مولى بني أسد ، ثقة ، وهو من أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام».
    وقال الكشّي : «تذكر الغلاة أنّه من أركانهم ، وقد تروي المناكير من الغلوّ ، وينسب إليهم أقاويل ، ولم أسمع أحداً من مشايخ العصابة يطعن فيه ، ولا عثرت من الرواة [الرواية] على شيء غير ما أثبته في هذا الباب» ، وقد كان روى عدّة روايات عنه ، فلاحظ.
    4. وما ذكره ابن الغضائري في أحمد بن محمّد بن خالد البرقي «طعن القمّيون عليه ، وليس الطعن فيه ، إنّما الطعن في من يروي عنه ، فإنّه كان لا يبالي عمّن يأخذ على طريقة أهل الأخبار ، وكان أحمد بن محمّد بن عيسى أبعده عن قم ، ثمّ أعاده إليها ، واعتذر إليه» ، وقال الشيخ : «وكان ثقة في نفسه ، غير أنّه أكثر الرواية عن الضعفاء واعتمد المراسيل».
    5. وما ذكره ابن الغضائري في سهل بن زياد الآدمي الرازي «كان ضعيفاً جدّاً ، فاسد الرواية والمذهب ، وكان أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري أخرجه من قم ، وأظهر البراءة منه ، ونهى النّاس عن السماع منه ، والرواية ، ويروي المراسيل ويعتمد المجاهيل» ، وقال النجاشي : «كان ضعيفاً في الحديث ، غير معتمد فيه ،

    وكان أحمد بن محمّد بن عيسى يشهد عليه بالغلوّ والكذب ، وأخرجه من قم إلى الري ، وكان يسكنها».
    وقال الكشّي : «كان أبو محمّد الفضل لا يرتضي أبا سعيد الآدمي ، ويقول : هو أحمق».
    وقال الشيخ في أصحاب الهادي عليه‌السلام : «يكنّى أبا سعيد ، ثقة ، رازيّ».
    وقال في الفهرست : «أبا سعيد ، ضعيف ، له كتاب» ، ثمّ ذكر سنده المتضمّن لرواية محمّد بن الحسن بن الوليد القمّي ، عن محمّد بن يحيى العطّار ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري عنه ، ثمّ ذكر طريقاً آخر برواية ابن الوليد عن سعد بن عبد الله الأشعري والحميري عن البرقي عنه ، فتراهم يطلقون الضعف على الحمق وهو البلادة وعدم الدقّة ، وعلى الضعف في الحديث ، وعلى رواية ما يتضمّن الغلوّ بحسب نظرهم.
    6. وما ذكره ابن الغضائري في صالح بن أبي حمّاد الرازي : «أبو الخير ضعيف».
    وقال النجاشي : «لقى أبا الحسن العسكري عليه‌السلام ، وكان أمره ملبّساً يعرف وينكر ، له كتب». ثمّ ذكر روايته عن أحمد بن محمّد بن يحيى ، عن سعد بن عبد الله الأشعري عنه.
    وقال الكشّي : «كان أبو محمّد الفضل يرتضيه ويمدحه ، ولا يرتضي أبا سعيد الآدمي ...».
    فترى يطلقون الضعف على من يروي أحاديث يعرف بعضها وينكر مضمون بعضها الآخر.
    والحاصل : أنّ المتتبّع لموارد إطلاقهم الضعيف ، يقف على صحّة تفسير المجلسي الأوّل والمولى الوحيد لهذا الاصطلاح.

    يُعرف ويُنكر
    فقد يوصف الراوي بذلك ، أو ب يعرف حديثه وينكر ، أو غمز عليه في حديثه ، أو مضطرب ومختلط الحديث ، أو ليس بنقيّ الحديث.
    قال المولى الوحيد في فوائده المقدّمة لتعليقته : «إنّه ليس من أسباب الجرح ولا ظاهر في القدح في العدالة. نعم ، هو من أسباب المرجوحيّة عند التعارض» ، وقد تقدّم في الفصول السابقة أنّ القدماء قد قسّموا الحديث إلى تقسيمات أربعة كلّ تقسيم اشتمل على أقسام :
    أحدها : بلحاظ الصفات العمليّة للراوي ، مثل من الوثاقة والعدالة أو الفسق ونحوه.
    ثانيها : بلحاظ الصفات العلميّة للراوي ، كالضبط والدقّة أو التخليط والخبط وغيرها.
    ثالثها : بلحاظ مضمون الخبر والأخبار التي يرويها ، كمثل الوصف الذي نحن فيه أو عكسه ، كنقي الأخبار وغيرها.
    رابعها : بلحاظ الصفات الخارجة عن الراوي وروايته كعمل الأصحاب بها أو هجرها أو الراوون عنه وغيرها ، والغرض من ذكر بعض هذه الاصطلاحات في الذمّ بيان أنّها ليست كلّها مندرجة في التقسيم الأوّل كما هو متوهّم في هذه الأعصار الأخيرة ، بل الكثير منها مندرج في بقيّة التقسيمات الراجعة إلى صفات الراوي العلميّة أو المضمونيّة لخبره أو الصفات الخارجية الطارئة عليه أو على خبره.
    ومن الواضح أنّ حكم وشأن التقسيمات الثلاث الأخيرة لا تسقط خبر الراوي بقول مطلق ، بل على تفصيل حرّرناه في الفصول السابقة ، فلاحظ. خلافاً لما جرى عليه في هذه الأعصار ، والخطب فيه بالغ الأهمّية في باب الجرح والتعديل.

    المصادر
    إثبات الهداة الحرّ العاملي
    الأخبار الدخيلة الشيخ محمّد تقي التستري
    الإرشاد الشيخ المفيد
    الاستبصار الشيخ الطوسي
    اسد الغابة ابن الأثير
    الاستيعاب ابن عبد البرّ
    الأشعثيّات محمّد بن محمّد الأشعث الكوفي
    الإصابة في معرفة الصحابة ابن حجر العسقلاني
    إعلام الورى الطبرسي
    أعيان الشيعة السيّد محسن الأمين
    الأمالي السيّد المرتضى
    أمل الآمل الحرّ العاملي
    بحار الأنوار المجلسي الثاني
    تاريخ بغداد الخطيب البغدادي
    تاريخ دمشق ابن عساكر
    تاريخ المدينة ابن شُبّة
    تاريخ مكّة الأزرقي
    تجريد الأسانيد البروجردي
    ترتيب التهذيب السيّد هاشم البحراني
    تسلية الفؤاد الشهيد الثاني


    تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام.
    التقريب النووي
    تنقيح المقال المامقاني
    جامع الرواة الأردبيلي
    الخصال الصدوق
    الخلاف الشيخ الطوسي
    الدراية الشهيد الثاني
    دعائم الإسلام القاضي أبو حنيفة النعمان المغربي المصري
    دلائل الإمامة الطبري
    الذريعة آغا بزرك الطهراني
    الذريعة السيّد المرتضى
    الذكرى الشهيد الأوّل
    الرجال السيّد بحر العلوم
    رسالة حول تفسير الإمام العسكري الشيخ الاستادي
    الرواشح السماوية الميرداماد
    روضات الجنّات السيّد محمّد باقر الخوانساري
    روضة المتّقين المجلسي الأوّل
    رياض العلماء الحاج عبد الله الأفندي
    شهداء الفضيلة السيّد الأمين
    طبقات أعلام الشيعة آغا بزرك الطهراني
    الطبقات ابن سعد
    العدّة في اصول الفقه الشيخ الطوسي
    عمدة الطالب في أنساب أبى طالب ابن عقبة ، جمال الدين أحمد بن عليّ الحسيني
    عيون أخبار الرضا عليه‌السلام الصدوق


    الفخري في أنساب الطالبيّين إسماعيل المروزيّ الأزورقاني
    الفوائد الرجاليّة الوحيد البهبهاني
    فوائد (رجال) الشيخ علي الخاقاني
    الفهرست ابن النديم
    الفهرست الشيخ منتجب الدين
    الفهرست الشيخ الطوسي
    قاموس الرجال التستري
    القوانين الميرزا القمّي
    الكافي الكليني
    كامل الزيارات ابن قولويه
    كتاب الأربعين المجلسي
    الكنى والألقاب المحدّث القمّي
    لوامع صاحبقراني المجلسي الأوّل
    لؤلؤة البحرين الشيخ يوسف البحراني
    المجدي في أنساب الطالبيّين نجم الدين العلوي
    مجمع الرجال القهبائي
    مستطرفات السرائر ابن إدريس
    مشرق الشمسين (المطبوع مع الحبل المتين) الشيخ البهائي
    مصفّى المقال في مصنّفي علم الرجال آغا بزرك الطهراني
    معالم الدين الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني
    معالم العلماء ابن شهرآشوب
    المعتبر المحقّق الحلّي
    معجم الرجال السيّد الخوئي
    مقاتل الطالبيّين الاصفهاني


    مقباس الهداية المامقاني
    المناقب ابن شهرآشوب
    منتقى الجمان الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني
    منتهى المطلب العلّامة الحلّي
    منتهى المقال أبو علي الحائري
    من لا يحضره الفقيه الصدوق
    نقد الرجال التفريشي
    نهاية الدراية الشهيد الثاني
    النهاية الشيخ الطوسي
    مقباس الهداية المامقاني


    المحتويات
    تقديم 9 ـ 10
    المقدّمة 11 ـ 21
    بداية علم الرجال 11
    تعريف علم الرجال 14
    امتيازات الكتاب 20
    المدخل الحاجة لعلم الرجال 23 ـ 68
    دعوى قطعيّة أو صحّة جميع ما في الكتب الأربعة 29
    دعوى عدم صحّة المناقشة في أسانيد الكافي 44
    الجواب على هذه الدعوى 45
    دعوى اعتبار طرق المشيخة المشهورين 49
    مبدأ تقسيم الأحاديث 57
    الفصل الأوّل ميزان حجّية التوثيق والتضعيف 69 ـ 120
    المقام الأوّل : مباني حجيّة الطرق الرجاليّة 71
    أقسام الحديث بين المتقدّمين والمتأخّرين 71
    التقسيم الأوّل 75
    التقسيم الثاني 78
    التقسيم ثالث 80
    التقسيم الرابع 81

    الوجه في حجيّة الظنون الرجاليّة 85
    المسلك الأوّل : مسلك الاطمئنان في التوثيقات الرجاليّة 8 5
    المسلك الثاني : الحجّية من باب قول أهل الخبرة 89
    المسلك الثالث : حجّية مطلق الظنون الرجاليّة بالانسداد الصغير 91
    المسلك الرابع : كون التوثيق من باب الشهادة والإخبار الحسّي 93
    المقام الثاني : حجّية أصالة العدالة وحسن الظاهر في التوثيق 98
    الجهة الأولى : في تنقيح فرض المسألة والضابطة 98
    الجهة الثانية : صحّة النسبة إلى القدماء 99
    الجهة الثالثة : الضابطة الصغرويّة للإحراز 111
    الفصل الثاني في ما تثبت به الوثاقة أو الحُسن 121 ـ 176
    المقام الأوّل : مباني حجيّة الطرق الرجاليّة 123
    المقدّمة الأولى 123
    المقدمة الثانية 124
    المقدمة الثالثة 125
    في بيان طرق الوثاقة 127
    أ ـ طرق التوثيق أو التحسين الخاصّة 127
    الطريق الأوّل : نصّ أحد المعصومين عليهم‌السلام 127
    الطريق الثاني : نصّ أحد الأعلام المتقدّمين 127
    الطريق الثالث : نصّ أحد الأعلام المتأخّرين 128
    الطريق الرابع : دعوى الإجماع من قبل المتقدّمين أو المتأخّرين 130
    ب ـ طرق التوثيق أو التحسين العامّة 131
    الطريق الأوّل : كونه من أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام 132
    الطريق الثاني : قاعدة الإجماع الكبير أو الصغير ... 134

    الطريق الثالث : كون الراوي ممّن اتفق على العمل برواياته 143
    الطريق الرابع : عدم استثناء القمّيين الراوي من رجال نوادر الحكمة 144
    الطريق الخامس : من قيل في حقّه إنّه لا يروي إلّا عن ثقة 148
    الطريق السادس : الوقوع في سندٍ حكم بصحّته 152
    الطريق السابع : كونه شيخ إجازة 153
    الطريق الثامن : الوكالة عن الإمام عليه‌السلام 159
    الطريق التاسع : مصاحبة المعصوم عليه‌السلام 162
    الطريق العاشر : كثرة الرواية عن المعصوم عليه‌السلام 164
    الطريق الحادي عشر : كونه صاحب كتاب أو أصل 168
    الطريق الثاني عشر : كونه من مشيخة الكتب الأربعة ، وذكر طريق إليه 170
    الطريق الثالث عشر : وقوعه في طريق المشيخة 174
    الطريق الرابع عشر : ترحّم أحد الأعلام 175
    الفصل الثالث في المناهج وأنماط البحث الرجالي 177 ـ 199
    المنهج الأوّل : المنهج التحليلي 180
    المنهج الثاني : نظرية الطبقات 182
    المنهج الثالث : تجريد الأسانيد 187
    المنهج الرابع : النصوص الرجاليّة 188
    المنهج الخامس : تراجم البيوتات والأسر الروائية 189
    المنهج السادس : تاريخ المدن 190
    المنهج السابع : المنهج الروائي 191
    المنهج الثامن : أصحاب كلّ إمام 192
    المنهج التاسع : الفهرسة وتراجم الكتب 192
    المنهج العاشر : المشيخة 193

    المنهج الحادي عشر : منهج الفوائد 195
    المنهج الثاني عشر : منهج تراجم الأعيان 196
    المنهج الثالث عشر : منهج الإجازات 197
    المنهج الرابع عشر : علم الأنساب 198
    الفصل الرابع في أحوال الكتب 201 ـ 252
    ضوابط المنهج 204
    اعتراضان على طريق تحقيق الكتب 209
    تحقيق الحال في كتاب تفسير علي بن إبراهيم القمّي 215
    التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه‌السلام 225
    الطعون على التفسير 241
    التأمل في الطعون 245
    الخاتمة 253 ـ 336
    الأمر الأوّل : الدعوة إلى نبذ غير الصحيح من الحديث ... 255
    النقطة الأولى : الفرق بين الضعيف والمدسوس 256
    النقطة الثانية : الآثار الشرعيّة للضعيف 259
    النقطة الثالثة : درجات الضعف 261
    النقطة الرابعة : انحلال العلم الإجمالي 261
    الأمر الثاني : بداية تقسيم الحديث 265
    الأمر الثالث : تصحيح طرق المتأخّرين إلى الأصول الروائية 266
    الأمر الرابع : مفردات رجاليّة مضطربة 274
    الأمر الخامس : أقسام المراسيل في الاعتبار أو درجات الضعف في الخبر 283
    الأمر السادس : بيان حال من رُمي بالغلوّ 286

    الأوّل : محمّد بن سنان 286
    الثاني : أبو سمينة محمّد بن علي الصيرفي 301
    الأمر السابع : حكم الروايات المضمرة 306
    الأمر الثامن : تحقيق الحال في رجال الغضائري 308
    الأمر التاسع : الفرق بين فهرست ورجال الشيخ ورجال النجاشي 318
    الأمر العاشر : ألفاظ الجرح والتعديل وغيرها 321
    مولى 321
    غالٍ من أهل الارتفاع والطيّارة 323
    ومنه الرمي بالتفويض 328
    ضعيف 330
    يُعرف ويُنكر 334
    مصادر الكتاب 336 ـ 338
    محتويات الكتاب
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
     
    بحوث في مباني علم الرجال
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    » بحوث في الملل والنحل ج7

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: 36-منتدى الكتب الدينيه المنوعه-
    انتقل الى: