المجيز للمجاز بروايات ذلك الكتاب ، لا سيّما مع ديدن شيوخ الإجازة في المناولة من قراءة مقتطف من أحاديث الكتاب من مواضع متفرقة في ذلك الكتاب ، مع إخبار المجيز بعدد الروايات المتضمّن لها النسخة ، وخصوصيّات تلك النسخة ، وأهمّها عدد روايات ذلك الكتاب ، فالمناولة بهذه الصورة نحو توثيق معتمد عليه بين العقلاء في سيرهم ، فضلاً عن المتشرّعة وبين المسلمين أجمع.
ومن ثمّ نُسب الاعتراض الأوّل إليه قدسسره بصياغة أخرى ، وهو التوقّف في الاعتماد على الدلالة والتركيب اللفظي في متون أحاديث تلك الكتب ، لعدم الوثوق بضبط ألفاظ المتون ، وإن اطمئنّ بالنسخة والكتاب إجمالاً.
وإلى ذلك يشير مفاد رواية محمّد بن الحسن بن أبي خالد شينولة ، قال : قلت لأبي جعفر الثاني عليهالسلام : جعلت فداك إنّ مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهمالسلام وكانت التقيّة شديدة ، فكتموا كتبهم فلم تروا عنهم ، فلمّا ماتوا صارت تلك الكتب إلينا ، فقال : «حدّثوا بها فإنّها حقّ» (1).
ولكنّ الاعتراض بصياغته الثانية هذه أيضاً مدفوع بنفس الجواب السالف ، وغاية هذه الصياغة الثانية هو أرجحيّة متون روايات الكتب الأربعة ودلالتها اللفظية على متون الكتب المشهورة الاخرى عند الاختلاف ، لا الإسقاط عن الحجّية التفصيلية ابتداءً ، والوجه في ذلك إنّ الإجازات عن طريق المناولة لا محالة تؤول بالنهاية إلى أخذها عن طريق السماع ، أو الإملاء والمقابلة ، إذ المناولة إمّا تكون بتمليك المجيز نسخة كتابه للمستجيز مع كون المجيز قد
__________________
(1) الوسائل : باب 8 ، أبواب صفات القاضي ، الحديث 27.
حاز عليها بنفس النمط قبل ذلك وهلم جراً إلى أن تصل إلى الإجازة بالقراءة والسماع والإملاء ، وإمّا أن يكون المجيز بمناولته للمجاز آذن له بالاستنساخ والقيام بالمقابلة بمفرده ، وهكذا الأمر في المجيزين مترامية حتّى تقف وتنتهي إلى ما انتهت إليه الصورة الأولى والفرض الأوّل.
وقد ذكر علماء الدراية أنّ المناولة مع الإجازة أخصّ من الإجازة ، لأنّها إجازة مخصوصة في كتاب بعينه ، وقالوا : «إنّ منها أن يدفع الشيخ إلى الطالب تمليكاً أو عارية النسخة ويقول له هذا سماعي من فلان أو روايتي عنه فاروه عنّي أو أجزت لك روايته عنّي أو يقول خذه وانسخه وقابل به ، ثمّ ردّه إليّ ويسمّى عرض المناولة في مقابل عرض القراءة» (1).
وله تفاصيل كثيرة ذكروها في أقسام المناولة والإجازة والأداء فلاحظها (2).
والعمدة أنّه مع تحفّظ المجيز والمجاز بشرائط الضبط والتي تعتبر في النقل بالسماع أيضاً فحجية النقل متحقّقة في الطريق (3).
الأمر الثاني : وأمّا ما أفيد في الاعتراض الثاني فهي دعوى مدلّل عليها بمجرّد الاستئناس ، والقياس على الإجازات في عصرنا الحاضر التي يقصد بها التبرّك بالاتصال بسلسلة السند المتّصلة بالمعصومين عليهمالسلام ، مع أنّ الإجازات الحاليّة إنّما هي في الكتب المتواترة المشهورة ، والتي لا تحتاج إلى المناولة أو القراءة
__________________
(1) مقباس الهداية 3 / 137.
(2) مثل نهاية الدراية للشهيد الثاني ، ومقباس الهداية للمامقاني ، والنووي في التقريب.
(3) سيأتي عند تحقيق الحال في تفسير القمّي نقل عبارة المجلسي من انّ كتب الصدوق لا تقصر في الاشتهار عن الكتب الأربعة التي عليها المدار في هذه الأعصار وانّها داخلة في اجازاته.
والسماع والمقابلة ، أمّا لو كان موردها النُّسخ غير المتواترة فالمشاهد منهم في العصر الحاضر أيضاً مراعاتهم لشرائط النقل بالمناولة والسماع ، ويشهد لذلك ملاحظة ديدن المحقّق الطهراني في الذريعة في مثل تلك النسخ ، واستاذه الميرزا النوري في خاتمة المستدرك في فائدة الكتب ، والأفندي في الرياض ، وكذا الفقهاء بالنسبة إلى التدقيق في نسخ الكتب المتواترة ، كالوسائل والكتب الأربعة ، فإنّهم يتناولونها يداً بيد عن نُسخ أكثر إتقاناً ودقّة إلى الطبقات المتقدّمة من الأعلام ، نسخوها عن نُسخ منسوخة من خطّ المؤلّف.
وبعبارة أخرى : إنّ الإجازات الحالية المعاصرة على نمطين ، أحدهما ما اصطلح عليه في علم الدراية في باب أقسام النقل عندهم بما يسمّى بالإجازة المطلقة ، وهي التي لا يُطلع المجيز المجاز على الكتب التي يرويها من دون مناولة ولا سماع ولا قراءة ، والغرض منها في العادة يكون الإذن في إسناد أيّ حديث يقع للمجاز من قبل المجيز ، وهذا الطريق من النقل قد استشكل في حجّيته ، أمّا النمط الثاني وهي الإجازة الخاصّة المنطبقة على المناولة أو المقابلة أو السماع والإملاء ونحوها من طرق النقل والتي يتحفظ فيها على الضبط تفصيلاً أو مجموعياً ، فلا ريب في حجّيتها.
والحاصل : إنّ الدعوى المزبورة استئناسيّة ، لأنّ الإجازات المذكورة في كتب المحمّدين الثلاثة وغيرهم من أصحاب المجاميع المتأخّرة ليست هي إلّا طرق مناولة لتلك الكتب ، بشهادة إنّهم يميّزون بين مجموع الكتب المشهورة بعضها عن البعض ، فعند ما يستعرضون طرقهم إلى الكتب تراهم يخصّون بعضها الأوّل مثلاً بمجموعة من الطرق ، وبعضها الآخر بمجموعة أخرى من الطرق ، وهكذا بل يميّزون بعضها الثالث بطريق أو طريقين ، وكذا يميّزون بعض الكتب غير
المشهورة بطريق غير طريق الكتب المشهورة.
وكذا تراهم يصرّحون بأنّ بعض الكتب لم تصل إليهم عن طريق وإنّما عثروا عليها وجادة ، فلاحظ خاتمة الوسائل ومفتَتح كتاب إثبات الهداة ، وقد صرّح الحُرّ في هامش الوسائل في كتاب الأطعمة في تحريم العصير الزبيبي والتمري إنّه يتوقّف عن إخراج روايات من اصْلَي زيد الزرّاد والنرسي ، لأنّ النسخة التي عنده بالوجادة لا بطريق مسند ، وكذا المجلسي في باب الإجازات من كتاب البحار وقد صرّح في بحاره في مواضع عديدة بأنّ النسخة الكذائيّة من كتاب معيّن لم تصل إليه بطريق مسند ، بل عثر عليها وجادة ، فما يستخرجه من رواية منها لمجرّد التأييد كلّ ذلك تحفّظاً عن التدليس والايهام ، وهكذا السيّد هاشم البحراني في كتابه ترتيب التهذيب (1) في الخاتمة حيث يذكر طرقه للكتب ، وكذا غيرهم من الأعلام.
وهذا شاهد جليّ واضح على أنّ سلسلة الإجازات هي طرق مناولة ، وليست طرق اتّصال تبركيّة ، مع أنّ تكثّر نُسخ الكتب في الحواضر العلمية كما هو معهود ومتعارف لم يكن بنحو الطباعة الحديثة ، بل بالاستنساخ ، والكتب المشهورة كانت متكثّرة الوجود في الحواضر والحوزات العلمية ، فكان تحصيل جيل من العلماء على النُّسخ من الجيل المتقدّم إنّما هو بالاستعارة ونحوها ، وإذا ما حصل المستجيز على نُسخة من أحد الكتب من المجيز فكان ديدنهم على المقابلة بالعارية ، وغير ذلك ممّا يطمئنّ بتوافق النسختين عموماً ، ولذا تراهم يذكرون العدد المسلسل لمجموع أحاديث كلّ كتاب وأوّل وآخر حديث فيه وعدد فصوله وأبوابه تحفّظاً منهم عن تطرّق التخليط أو الزيادة والنقصان.
__________________
(1). ترتيب التهذيب ـ الطبعة الحجرية 3 / 389 ، في الفصل الثالث من الخاتمة.
تحقيق الحال في
كتاب تفسير علي بن إبراهيم القمّي
حيث قد وقع التساؤل عن هذه النسخة الواصلة بأيدينا أنّها هي تفسير القمّي أبي الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي الشيخ المعتمد للكليني الذي بقي إلى سنة 307 (1) ، أم إنّه تفسير تلميذه الراوي عنه ، حيث قد دمج بين تفسير القمّي وتفسير الجارودي وروايات أخرى له في التفسير ، وهو أبو الفضل العبّاس بن محمّد بن قاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر عليهالسلام.
وعلى فرض كونه لتلميذه فيقع التردّد في إسناد النسخة الموجودة بأيدينا ، ولا سيّما وأنّه لا يوجد لأبي الفضل العبّاس هذا ذكر في الأصول الرجاليّة ، بل المذكور فيها ترجمة والده المعروف بمحمّد الأعرابي ، وجدّه القاسم ، حيث ذكر الأوّل الشيخ في رجاله في أصحاب الإمام الهادي عليهالسلام وذكر الثاني الكشّي.
نعم ، قد ذكر هو في أكثر كتب الأنساب ، وكذا أحفاده عند تعرّضهم لذكر أعقاب الحمزة ابن الإمام موسى الكاظم عليهالسلام ، كما ذكر ذلك المحقّق الطهراني ، وحُكى عن أحدها وهو كتاب النسب المسطّر إنّه قال : «وأمّا العبّاس بطبرستان ابن محمّد الأعرابي فله أولاد بها منهم جعفر وزيد والحسين ومنهم أعقاب» ، وظاهره إنّه نزل بطبرستان وقد كانت حينئذ مركزاً للزيدية ، واحتمل صاحب
__________________
(1). كما يشير إلى ذلك الشيخ آغا بزرگ الطهراني في الذريعة 4 / 302.
الذريعة أنّ نزول العبّاس كان لترويج الحقّ بها ، فتوسّل بنشر تفسير علي بن إبراهيم ، جامعاً له مع تفسير أبي الجارود عن الإمام الباقر عليهالسلام ، إذ هو مرغوب عند الفرقة الجاروديّة الزيديّة ، والذي هو لا يقصر في الاعتبار عن تفسير القمّي ، لكون طريق الرواية عن أبي الجارود غير منحصر بكثير بن عيّاش ، إذ يرويه عنه جماعة من الثقات تقرب إلى العشرة.
وللعباس هذا إسناد إلى تفسير أبي الجارود ، يرويه عن أحمد بن محمّد الهمداني ، عن جعفر بن عبد الله ، عن كثير بن عيّاش ، عن زياد بن منذر أبي جارود ، عن أبي جعفر محمّد بن علي عليهالسلام ، قد ذكره في أوائل سورة آل عمران في تفسير آية (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ)(1).
والحاصل : إنّ النسخة التي بأيدينا ـ بل في عامّة النُّسخ الصحيحة ـ قد وقع في صدرها التصدير باسم العبّاس ، فإنّ فيها بعد الديباجة والفراغ عن بيان أنواع علوم القرآن ما لفظه : «حدّثني أبو الفضل العبّاس بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر عليهالسلام قال : حدّثنا أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم قال : حدّثني أبي رحمهالله عن محمّد بن أبي عمير عن حمّاد بن عيسى ...».
وقد وقع التصرّف من التلميذ ـ العبّاس ـ في التفسير من أوائل سورة آل عمران فما بعد ، إلّا أنّه قد فصّل وميّز بين روايات علي بن إبراهيم وروايات تفسير أبي جارود بنحو لا يشتبه على الناظرين في الكتاب ، ولا يخفى على من ألمّ بتمييز طبقات مشايخ القمّي عن مشايخ تلميذه أبي الفضل.
والذي يظهر من كلام المحقّق الطهراني في الذريعة اعتماده على هذه النسخة
__________________
(1) آل عمران / 49.
نظراً لتواتر تفسير عليّ بن إبراهيم في الطبقات ، بنحو لا يضرّ عدم تجرّد نسخته عن نسخة تفسير التلميذ أبي الفضل ، ولا سيّما وأنّ هذا التلميذ الجامع بين تفسير القمّي وتفسير الجارودي ليس إلّا جمع بين تفسيرين مشهورين متواتري النسخ في الطبقات ، وإن أضاف إليهما بعض روايات أخرى في التفسير بطرق أخرى لا تشتبه على الناظر التمييز بينهما ، لأنّه يروي تفسير الجارودي بالسند المشهور إليه إلى التفسير ، أي نفس السند الذي يروي كلّ من الشيخ الطوسي والنجاشي تفسير أبي الجارود عنه بسندهما إلى أحمد بن محمّد الهمداني ، المعروف بابن عقدة المتوفي سنة (333)
أقول : إنّ ما ذكره المحقّق الطهراني رحمهالله وإن كان متيناً ، نظير ما يتعارف في الكتب المشهورة المتواترة الأخرى ، حيث يجمع بينها في الطباعة ، نظير كتاب مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمّي مع كتابه الآخر الباقيات الصالحات ، فإنّه اعتيد على طبع الثاني في حاشية الأوّل ، وكذا اعتيد جعل تفسير مرآة الأنوار للشريف أبي الحسن التوني مقدّمة لتفسير البرهان ، ونظير جعل الأصول الخمسة الرجاليّة في كتاب واحد في التراجم ، كما صنعه القهبائي في المجمع ، وما صنعه الأردبيلي في جامع الرواة ، بل وما صنعه أغلب الرجاليين في كتبهم ، من نقل متون الأصول الرجاليّة الخمسة في كتبهم ، بحيث لو قُدّر وفرض أنّ الأصول الرجاليّة الخمسة المجرّدة لم تكن بأيدينا ما أضرّ ذلك بتواترها ، لتواتر كامل متونها في الكتب الاخرى بنحو مفرّق في التراجم ، فتكون الأصول الرجاليّة الخمسة متواترة لدينا بطريقين متواترين نستغني بكلّ منهما عن الآخر ، أحدهما نفس النسخ المجرّدة ، والثاني انتشار متونها الكاملة في الكتب الرجاليّة الأخرى.
ونظير ذلك الكتب الأربعة فإنّها قد وصلت بكتبها المجرّدة ، وكذلك وصلت
منضمّة إلى الكتب الاخرى في كتاب مجموع آخر ، ككتاب الوسائل والوافي والكتب الفقهية الاستدلاليّة من المتقدّمين إلى متأخّري الأعصار ، فهذا حال كثير من الكتب المتواترة أن يكون لها عدّة طرق كلّها متواترة ، وقد يبقى أحدها ويستغنى به عن البقية ، نظير ما حدث لكتاب الكشّي ، حيث اختصره الشيخ باختيار معرفة الرجال ، فبقي تواتره في ضمن هذا المختصر.
وهذا حال كثير من الكتب عند ما تُختصر أو تضمّ مع كتب اخرى أن يقتصر ويكتفى على أحد طرقه المتواترة دون الاخرى ، وقد يكون ذلك بسبب مشقّة وتكلفة وجهد الاستنساخ في أعصارهم ، أو بسبب العكوف على النسخة الجامعة له ولغيره من الكتب بسبب ما حظيت به من امتياز الجمع ، لا سيّما في مثالنا حيث إنّ هذه النسخة من تفسير القمّي جامعة لكلّ من التفسيرين المشهورين من الشيعة القمي والجارودي.
والحاصل : إنّ طريق نقل الكتب من نمط التواتر ، سواء في الكتب الروائية أو الرجاليّة أو التاريخية ، كما يذكر عن كتاب صفّين لابن مزاحم إنّه مبثوث في تاريخ الطبري ، وهكذا حال الكتب في بعض العلوم والفنون.
وعليه فما ذكره المحقّق الطهراني متين جداً ، وهو أوّل الوجوه لاعتماد تواتر النسخة الواصلة ، وهناك وجوه أخرى :
الوجه الثاني : وهو إنّ صاحب الوسائل في خاتمة كتابه في الفائدة الخامسة منها قد ذكر الطرق التي يروي بها الكتب المذكورة في كتابه عن مؤلّفيها ، المنتهية إلى الشيخ الطوسي ، مع قوله قدسسره في صدر تلك الفائدة بعدم توقّف العمل على تلك الطرق ، لتواتر تلك الكتب ، مع قيام القرائن على صحّتها وثبوتها ، فقد ذكر طريقه إلى تفسير عليّ بن إبراهيم بنفس الطرق التي له إلى الكليني والصدوق والشيخ
الطوسي والبرقي والصفّار والحميري وغيرهم ، ثمّ أفرد طرقاً أخرى إلى بقيّة الكتب فلاحظ.
هذا مع أنّ من المحقّق أنّ نسخة صاحب الوسائل لتفسير علي بن إبراهيم هي نفس النسخة التي بأيدينا المرويّة بتوسّط العبّاس عن علي بن إبراهيم ، وذلك بشهادة أنّ الروايات التي يستخرجها في الوسائل عن تفسير القمّي هي روايات من كلّ من التفسيرين القمّي والجارودي ، فلاحظ روايات أبواب الوسائل التي يستخرج فيها من التفسير المزبور.
ومن أمثلة ذلك ، ما قاله صاحب الوسائل في كتاب الطلاق في الباب التاسع من أبواب مقدّماته وشرائطه في الحديث السابع : «علي بن إبراهيم في تفسيره ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليهالسلام في قوله : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)(1) : والعدّة الطُّهر من الحيض ، وأحصوا العدّة».
وقال أيضاً في كتاب الطهارة في أبواب مقدّمات العبادة في الحديث الثالث عشر منه ما لفظه : علي بن إبراهيم في تفسيره قال : في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليهالسلام قال : سئل رسول الله صلىاللهعليهوآله عن تفسير قول الله عزوجل : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)(2) ، فقال : من صلّى مراءاة الناس فهو مشرك ، إلى أن قال : ومن عمل عملاً ممّا أمر به مراءاة الناس فهو مشرك ولا يقبل الله عمل مُراء».
وقال أيضاً في كتاب الحج الباب الواحد والخمسين من أبواب أحكام العشرة في
__________________
(1). الطلاق / 1.
(2). الكهف / 110.
الحديث الثالث منه ما لفظه : «عليّ بن إبراهيم في تفسيره ، قال في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليهالسلام قال : إذا دخل الرجل منكم بيته فان كان فيه أحد يسلّم عليهم ، وان لم يكن فيه أحد فليقل : السلام علينا من عند ربّنا ، يقول الله : (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً)(1)».
وهناك روايات أخرى نشير إلى مصدرها فعليك بمراجعتها وهي : في كتاب التجارة في أبواب ما يكتسب به ، في باب تحريم اللعب بالشطرنج ونحوه في الحديث التاسع منه.
وفي (2 / 542 ، الباب 5) ، وفي (25 / 28 ، 53) ، و (26 / 196 ، الباب 1) ، وفي (27 / 172 ، الباب 12) (2).
وهكذا الحال في نسخة تفسير القمّي التي كانت عند العلّامة المجلسي صاحب البحار ، فقد ذكر في مقدّمة كتاب البحار في الفصل الأوّل في بيان الأصول والكتب المأخوذة منها قال : «وكتاب التفسير للشيخ الجليل الثقة علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي ، وكتاب العلل لولده الجليل محمّد» ، ثمّ ذكر سنده إلى تلك الكتب ، ومنها كتاب التفسير ، حيث قال في الفصل الثاني بعد ذلك في بيان الوثوق على الكتب المذكورة واختلافها في ذلك قال : «اعلم أنّ أكثر الكتب التي اعتمدنا عليها في النقل مشهورة معلومة الانتساب إلى مؤلّفيها ، ككتب الصدوق رحمهالله ، فإنّها سوى الهداية وصفات الشيعة وفضائل الشيعة ومصادقة الإخوان وفضائل الأشهر ، لا تقصر في الاشتهار عن الكتب الأربعة التي عليها المدار في هذه الأعصار ،
__________________
(1) النور / 61.
(2) من طبعة مؤسسة آل البيت عليهمالسلام.
وهي داخلة في إجازاتنا ، ونقل منها من تأخّر عن الصدوق عن الأفاضل الأخيار» إلى أن قال «وكتاب تفسير عليّ بن إبراهيم من الكتب المعروفة ، وروى عنه الطبرسي وغيره».
وأمّا سنده التفصيلي لكتاب التفسير فلاحظ ما ذكره في كتاب الإجازات (1) ، من أسانيد عديدة ينتهي كثير منها إلى الشيخ الطوسي ، وبعضها ينتهي إلى الشيخ المفيد ، وغيرهم من المشايخ ، فقد ضمّن في كتابه البحار رواياته المستخرجة عن تفسير عليّ بن إبراهيم ، وتلك الروايات هي من النسخة التي تجمع بين التفسيرين ، أي تفسير القمّي وتفسير أبي الجارود ، حيث أورد الروايات التي رواها علي بن إبراهيم عن مشايخه عن الصادق عليهالسلام ، والتي عرفت اختصاصها بتفسير القمّي ، وأورد الروايات التي رواها العبّاس بسنده إلى تفسير أبي الجارود ، وإليك في الهامش نبذة عن المواطن التي استخرجها صاحب البحار من تلك الروايات (2) فيظهر من ذلك أنّ نسخة صاحب البحار المسندة إلى الشيخ هي نسخة العبّاس التلميذ أيضاً.
وهكذا الحال في نسخة تفسير القمّي ، التي كانت عند السيّد هاشم البحراني ، فإنّها النسخة المشتملة على التفسيرين ، وذلك بشهادة ما ذكره (3) في ذيل آية (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ)(4) من الرواية الأولى : علي بن إبراهيم قال في رواية
__________________
(1) بحار الأنوار 110 / 103.
(2) بحار الأنوار 4 / 82 ، 5 / 9 ، الحديث 13 ، ص 197 ، الأحاديث : 11 و 12 و 13 و 14 ، 6 / 55 ، 6 / 228 ، الحديث 30 ، 7 / 46 ، الحديث 28 ، 7 / 103 ، 7 / 106 ، الحديث 24 ، 7 / 107 ، الحديث 28 ، وغيرها كثير.
(3) تفسير البرهان 2 / 285 ، الرواية الأولى.
(4) الرعد / 14.
أبي الجارود عن أبي جعفر عليهالسلام ، من قوله : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) الآية ، وكذا الرواية التالية لها.
وأيضاً في (1) ذيل قوله تعالى : (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ)(2).
وأيضاً (3) في قوله تعالى : (قَدْ شَغَفَها حُبًّا)(4).
وأيضاً في (5) ذيل قوله تعالى : (إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ)(6).
وأيضاً في قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً)(7). (
وقد قال في مقدّمة تفسير البرهان في الباب السادس عشر ، في ذكر الكتب المأخوذ منها الكتاب ، وابتدأ بقوله : تفسير الشيخ الثقة أبي الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم ، فكلّ ما ذكرته عنه فهو منه.
الوجه الثالث : إنّ إسناد الشيخ الطوسي إلى تفسير القمّي كما ذكره في الفهرست بقوله : أخبرنا بجميعها كتب علي بن إبراهيم جماعة عن علي بن محمّد الحسن بن حمزة العلوي الطبري ، عن علي بن إبراهيم ، وأخبرنا بذلك الشيخ المفيد رحمهالله ، عن محمّد بن الحسين بن بابويه ، عن أبيه ، ومحمّد بن الحسن ، وحمزة بن محمّد العلوي ، ومحمّد بن علي بن ماجيلويه ، عن علي بن إبراهيم.
__________________
(1) تفسير البرهان 2 / 253 ، الرواية الثانية.
(2) الرعد / 11.
(3) تفسير البرهان 2 / 251 ، الحديث 36.
(4) يوسف / 30.
(5) تفسير البرهان 2 / 243 ، الحديث 2.
(6) يوسف / 4.
(7) هود / 118.
(
تفسير البرهان 2 / 240 ، الحديث 5.
وقال النجاشي في ترجمة علي بن إبراهيم بن هاشم «وله كتاب التفسير ـ إلى أن قال ـ أخبرنا محمّد بن محمّد وغيره ، عن الحسن بن حمزة بن علي بن عبد الله ، قال : كتب إليّ علي بن إبراهيم بإجازة سائر أحاديثه وكتبه».
وقال في ترجمة الحسن بن حمزة بن علي بن عبد الله أبو محمّد الطبري : يُعرّف بالمَرْعَش ، كان من أجلّاء هذه الطائفة قدم بغداد ولقيه شيخنا في سنة 356 ومات في سنه 358.
وقال في عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب في ترجمة عقب الحسين الأصغر ابن زين العابدين (1) : «ومن ولد علي المَرْعَش أبو القاسم حمزة بن المَرْعَش له عقب منهم أبا محمّد الحسن النسّابة المحدّث ابن حمزة ، المذكور له عقب».
وذكر المصحّح في حاشية الكتاب : إنّه ممّن ينتمي إلى علي المَرْعَش بعض سلاطين مازندران (طبرستان) ، وقال في الفخري في عقب الحسين الأصغر ابن زين العابدين (2) : «وأمّا حمزة بن علي المَرْعَش فهو أكثر إخوته عقباً ، وولده المعقّب ثلاثة : علي بن الحسن القاضي المحدّث المامطيري ، ومحمّد له ثلاثة أعقبوا وذيّلوا بطبرستان ، والحسين له ولد أعقب وذيّل بها».
والظاهر أنّ الحسين مصحّف عن الحسن ، كما قد اتضح في كتاب العمدة.
ويظهر من كلّ ذلك أنّ نسخة التفسير التي وصلت إلى الشيخ والنجاشي هي نسخة العبّاس ، الجامعة للتفسيرين ، إذ الظاهر أنّ النسخة التي وصلت إليهما هي
__________________
(1). عمدة الطالب / 314.
(2). الفخري / 75.
نسخة الحسن بن حمزة العلوي الطبري المتقدّم آنفاً ، وكان في طبرستان قبل قدوم بغداد وطبرستان كانت محلّ انتشار نسخة العبّاس كما عرفت سابقاً.
فالظاهر أنّ نسخة الحسن بن حمزة هي النسخة المنتشرة للعبّاس ، التي استجاز الحسن بن حمزة من علي بن إبراهيم في روايتها ، وقد تقدّم من المحقّق آغا بزرگ الطهراني استظهار أنّ الدولة الزيديّة بطبرستان آنذاك قد قامت بترويج النسخة لتضمّنها تفسير الجارودي.
التفسير المنسوب للإمام العسكري عليهالسلام
مقدّمة : ممّا يعين الباحث في الاطّلاع على أطرف الكلام حول اعتبار هذا الكتاب مراجعة المصادر التالية :
الأوّل : ما ذكره المحدّث النوري في خاتمة المستدرك (1) عند تعداده لمشايخ الصدوق وهو محمّد بن القاسم الأسترابادي.
الثاني : ما ذكره المحقّق آغا بزرگ الطهراني في الذريعة (2).
الثالث : ما ذكره المحقّق شيخ محمّد تقي التُستري في الأخبار الدخيلة (3).
الرابع : ما في روضة المتّقين للمجلسي الأوّل (4).
الخامس : ما رقمه الفاضل المعاصر الشيخ الأستاذيّ في رسالته (5).
وتنقيح الحال في التفسير يتمّ عبر النقاط التالية :
النقطة الأولى : إنّ هناك تفسيرين بهذا الاسم ، كما نبّه على ذلك غير واحد :
__________________
(1). خاتمة المستدرك 6 / 186 ـ 200.
(2) الذريعة 4 / 283 ـ 293.
(3) الأخبار الدخيلة 1 / 152.
(4) روضة المتّقين 14 / 250.
(5) رسالة حول تفسير الإمام العسكري عليهالسلام ، المطبوعة في نهاية التفسير ، طبعة مؤسسة الإمام المهدي عجّل الله فرجه.