النزاعات العشائرية في العراق تتحدى القانون
تراجع دور القضاء وضعف الأجهزة الأمنية في بعض مناطق جنوب العراق، وتحديداً في محافظة البصرة، سمحا بتغول النفوذ العشائري، إلى الحد الذي أصبح فيه السلاح هو "اللغة الوحيدة" بين الأطراف المتنازعة.
وتجهل الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2003، حتى الآن طريقة نزع سلاح هذه العشائر، وتعجز عن تنفيذ أوامر قانونية بالقبض على أفراد هذه العشائر، وتكتفي بالدعوات إلى التهدئة و"احترام القوانين".
أسباب النزاع
زيارة وزير الداخلية العراقي ياسين الياسري إلى البصرة، أول من أمس، جاءت في إطار التوجيه بـ "عدم التهاون مع مثيري النزاعات العشائرية وعصابات الجريمة المنظمة وتجار المخدرات، إضافة إلى تنفيذ مذكرات القبض الصادرة ضد المطلوبين للعدالة بالمحافظة من دون تردد".
وأمهلت القوات الأمنية التي بدأت قبل أيام بحملة أمنية في البصرة يوم الخميس 29 أغسطس (آب) 2019، العشائر 48 ساعة لإنهاء القتال في ما بينها وهددت برد قاس، إذا لم يتم حل النزاع خلال الفترة التي منحتها إلى العشائر.
إلا أن رئيس مجلس عشائر البصرة، الشيخ رائد المفرجي، يستبعد أن "تسهم تحركات وزير الداخلية في إنهاء ظاهرة النزاع العشائري، ما لم يتمكن من استبدال القيادات الأمنية في المحافظة".
ويقول المفرجي لـ"اندبندنت عربية" إن "هذه العشائر تمتلك السلاح المتوسط والثقيل وتتنازع في ما بينها على مصالح مختلفة، أحياناً في شأن عقارات وأراض تعود للدولة، أو في شأن صفقات مخدرات، أو نزاعات تقليدية بشأن الفصل (الدية العشائرية) ومشكلات صغيرة تتحول إلى مواجهات كبيرة تودي بحياة العشرات".
ويرجح رئيس مجلس العشائر أن يكون ضعف الأجهزة الأمنية إلى جانب "مصالح سياسية مستفيدة من أصوات هذه العشائر في الانتخابات وراء غياب الإرادة الحقيقية لمكافحة النزاعات، لذا لا تطبق أوامر القبض على إي زعيم قبلي".
مكافحة الإرهاب
وأعلن مجلس القضاء الأعلى في بيان في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 "اعتبار الدكات العشائرية (إطلاق النار العشوائي على منزل الخصم) من الجرائم الإرهابية، وضرورة التعامل مع مرتكبيها بحزم".
وأشار إلى أن المادة الثانية من قانون مكافحة الإرهاب الذي أقر العام 2005، تنص على أن "التهديد الذي يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أياً كانت بواعثه، يعد من الأفعال الإرهابية".
على الرغم من ذلك لم يتمكن القضاء من تطبيق هذه الأحكام حتى في المناطق القريبة من مراكز المدن، وآخرها النزاع العشائري في بغداد الذي أسفر عن مقتل نجل المدير العام للدفاع المدني العراقي، اللواء كاظم بوهان العكيلي وابن أخيه، يوليو (تموز) الماضي، إثر هجوم على منزل العائلة من جانب مسلحي إحدى العشائر.
مع ذلك، يقول قائد الشرطة الاتحادية الجديد اللواء الركن جعفر البطاط إن التوجيهات الوزارية الأخيرة تقضي بأن يتم العمل على إنهاء النزاعات العشائرية في الوسط والجنوب مبيناً أن قواته سيكون لها دور في هذا الملف.
نزوح العائلات
ويقول مدير مكتب مفوضية حقوق الإنسان بالبصرة مهدي التميمي، إن النزاعات العشائرية المسلحة أسفرت عن نزوح العشرات من العائلات، ويقول إن "القوات الأمنية ليست لها الجدية في بسط وفرض القانون إثر النزاعات العشائرية المسلحة التي شهدتها البصرة مؤخراً". ويؤكد نزوح العشرات من العائلات عن مناطقهم ومقتل العديد من الأبرياء إثر الاشتباكات المسلحة بين العشائر.