الداعي ؛ وهو تصوّر الشيء الملائم ـ تصوّرا ظنّيّا أو تخيّليّا أو علميّا ـ فإنّا إذا أدركنا شيئا ، فإن وجدنا ملائمته أو منافرته لنا دفعة بالوهم أو ببديهة العقل ، انبعث منّا شوق إلى جذبه أو دفعه ، وتأكّد هذا الشوق هو العزم الجازم المسمّى ب «الإرادة». وإذا انضمّت إلى القدرة التى هي هيئة للقوّة الفاعلة ، انبعثت تلك القوّة لتحريك الأعضاء الأدوية ـ من العضلات وغيرها ـ فيحصل الفعل.
فإذن إذا تحقّق الداعي للفعل الذي تنبعث منه المشيّة ، تحقّقت المشيّة ؛ وإذا تحقّقت المشيّة التي تصرف القدرة إلى مقدورها ، انصرفت القدرة لا محالة ولم يكن لها سبيل إلى المخالفة.
فالحركة لازمة ضرورة بالقدرة ، والقدرة محرّكة ضرورة عند انجزام المشيّة ، والمشيّة تحدث ضرورة في القلب عقيب الداعي.
فهذه ضروريّات ترتّب بعضها على بعض ، وليس لنا أن ندفع وجود شيء منها عند تحقّق سابقه ، فليس يمكن لنا أن ندفع المشيّة عند تحقّق الداعي للفعل ، ولا انصراف القدرة إلى المقدور بعدها ؛ فنحن مضطرّون في الجميع ، فنحن في عين الاختيار مجبورون ؛
فنحن إذن مجبورون على الاختيار (1)
__________________
(1) ـ في هامش النسخة :
كردار ماست گرچه به نيروى اختيار
نبود به اختيار ولى اختيار ما
فصل [11]
[كيف يستند الحوادث إليه تعالى]
قال بعض العلماء (1) :
الحوادث كلّها مستندة إلى القدرة الأزليّة ، ولكن بعضها مرتّب على البعض في الحدوث ـ ترتّب المشروط على الشرط ـ فلا تصدر من القدرة الأزليّة والقضاء الإلهي إرادة حادثة ، إلّا بعد علم ، ولا علم إلّا بعد حياة ، ولا حياة إلّا بعد محلّها (2) ؛ ولكنّ بعض الشروط ممّا ظهر للعامّة وبعضها ممّا لم يظهر إلّا للخواصّ المكاشفين بنور الحقّ.
فكلّ ما في عالم الإمكان حادث على ترتيب واجب وحقّ لازم ، لا يتصوّر أن يكون إلّا كما يكون ، وعلى الوجه الذي يكون ، فلا يسبق سابق إلّا بحقّ ولا يلحق لاحق إلّا بحقّ كما اشير إليه بقوله سبحانه (ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِ) [44 / 39].
فما تأخّر متأخّر إلّا لانتظار شرطه ، إذ وقوع المشروط قبل وقوع الشرط ممتنع ، والمحال لا يوصف بكونه مقدورا ؛ فلا يتخلّف العلم عن النطفة إلّا لفقد شرطه ـ وهو الحياة ـ
__________________
(1) ـ مقتبس من إحياء علوم الدين : كتاب التوحيد والتوكل ، بيان حقيقة التوحيد الذي هو أصل التوكل : 4 / 372.
(2) ـ كتب المؤلف ما يلي ثم شطب عليه : «وكما لا يجوز أن يقال : حصل الحياة من الجسم الذي هو شرطها. فكذلك في سائر مراتب الترتيب ودرجات التوقيف».
ولا الإرادة عن العلم إلّا لفقد شرطها ـ وهو القدرة ـ ولا الفعل عن القدرة إلّا لفقد شرطه ـ وهو الإرادة ؛ وكلّ ذلك على المنهاج الواجب ، والترتيب الواجب ، ليس شيء منها ببخت واتّفاق ؛ بل كله بحكمة وتدبير.
فصل (1) [12]
[التوحيد الأفعالي ينفي الجبر والتفويض]
وإذا كان هذا هكذا ، فمن نظر إلى الأسباب القريبة للفعل ورآه مستقلّة ، قال بالقدر والتفويض ؛ أى بكون أفاعيلنا واقعة بقدرتنا ، مفوّضة إلينا ـ والله سبحانه أحكم من أن يهمل عبده ، ويكله إلى نفسه ، وأعزّ من أن يكون في سلطانه ما لا يريد.
ومن نظر إلى السبب الأوّل ـ وقطع النظر عن الأسباب القريبة مطلقا ـ قال بالجبر والاضطرار ، ولم يفرّق بين أعمال الإنسان وأعمال الجمادات ؛ والله تعالى أعدل من أن يجبر خلقه ثمّ يعذّبهم ، وأكرم من أن يكلّف الناس ما لا يطيقون ؛
فكلاهما أعور لا يبصر بإحدى عينيه :
أمّا القدريّة فبالعين اليمنى ، أي النظر الأقوى ، الذي به يدرك
__________________
(1) ـ عين اليقين : 321. راجع تفسير صدر المتألهين : 1 / 343. وشرح اصول الكافي له ، باب الجبر والقدر ، شرح الحديث الرابع : 408.
الحقائق والأسباب القصوى للأشياء ـ كالدجّال حيث يقول (1) : «أنا ربّكم الأعلى».
وأمّا الجبريّة فباليسرى ، أي الأضعف ، الذي به يدرك الظواهر والأسباب القريبة ، ـ كإبليس ، حيث قال : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) [15 / 39].
وأمّا من نظر حقّ النظر ، فقلبه ذو عينين ، يبصر الحقّ باليمنى ، فيضيف الأعمال كلّها إلى الله سبحانه : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) [4 / 78] ؛
ويبصر الخلق باليسرى فيثبت تأثيرهم في الأعمال ؛ (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) (2) [22 / 10] ؛ لكن بالله ـ عزوجل ـ لا بالاستقلال : «لا حول ولا قوّة إلّا بالله» ؛
فيتحقّق بمعنى قول مولانا الصادق عليهالسلام (3) : «لا جبر ولا تفويض ، بل أمر بين أمرين» فيتذهّب به ـ وذلك الفوز الكبير.
* * *
__________________
(1) ـ راجع كمال الدين : باب حديث الدجال ، 527. عنه البحار : 52 / 194 ، ح 26.
(2) ـ في النسخة : «ذلك بما كسبت يداك». والصحيح ما أثبتناه.
(3) ـ مضى في الفصل العاشر من هذا الباب. راجع أيضا : عيون أخبار الرضا عليهالسلام : الباب (11) ، 1 / 124 ، ح 11. معاني الأخبار : باب معنى قول الصادق عليهالسلام : الترتر حمران : 212. البحار : 69 / 4 ، ح 4.
فصل (1) [13]
[سرّ نسبة الفعل إلى الفواعل المختلفة]
ولأجل هذا التطابق بين الجبر والتفويض ، والتوافق بين الوجوب والإمكان ، نسب الله الأفعال في القرآن تارة إلى نفسه ، ومرّة إلى الملائكة ، واخرى إلى العباد. فقال تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) [39 / 42]. وقال : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) [32 / 11].
وقال في نفخ الروح في مريم ـ على نبيّنا وعليهاالسلام ـ : (فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) [66 / 12] ؛ وقال : (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) [19 / 17] ـ وفي الحديث (2) : «إنّ النافخ فيه جبرئيل»
وقال ـ عزوجل ـ في القتل : (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ) [9 / 14] ، فأضاف القتل إلى العباد والتعذيب إلى نفسه ، والتعذيب عين القتل هنا ؛ وقال : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) [8 / 17].
وقال في الرمي : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [8 / 17] ، وهو جمع بين النفي والإثبات ظاهرا ، ولكنّ معناه : «وما رميت بالمعنى الذي يكون العبد به راميا ، إذ رميت بالمعنى الذي يكون الربّ به راميا» ، إذ هما معنيان مختلفان.
__________________
(1) ـ مقتبس من إحياء علوم الدين : كتاب التوحيد والتوكل : 4 / 374. وأورده في عين اليقين أيضا 322 بألفاظه.
(2) ـ راجع تفسير القمي : سورة مريم ، 2 / 48. قصص الأنبياء : الباب الثامن عشر ، 264.
فصل (1) [14]
[كيف يؤثر الدعاء]
وكما أنّ الأشياء الداخلة في وجود الإنسان ـ كالعلم والقدرة والإرادة ـ من جملة أسباب الفعل ، فكذلك الامور الخارجة ـ من الدعوات والطاعات والسعي والجدّ والتدبير والحذر والالتماس والتكليف والوعد والوعيد والإرشاد والتهذيب والترغيب والترهيب وأمثال ذلك ـ
فإنّ ذلك كلّه أسباب ووسائط ووسائل وروابط لوجود الأفعال ، ودواع إلى الخير ، ومهيّجات للأشواق ، ومهيّئة للمطالب ، موصلة إلى الأرزاق ، مخرجة من القوّة إلى الفعل ؛ وكلّ ذلك ممّا يقاوم القضاء لا من حيث أنّه فعل العبد ـ فإنّه من هذه الحيثيّة ممّا يتحكّم به القضاء ، لأنّه لو لم يقض لم يوجد ـ بل من حيث أنّ الله ـ سبحانه ـ جعله من الأسباب ، على حسب ما قدّر وقضى ، لربط وموافاة بينه وبين الفعل ؛ كما جعل شرب الدواء سببا لحصول الصحّة في هذا المريض. فالسبب والمسبّب كلاهما ينبعثان من القضاء ، ويستندان إلى الله ـ سبحانه ـ وإلى أمره ، أمرا ذاتيّا عقليّا. وقد يكون بالأمر القوليّ السمعيّ ـ أيضا ـ كما فيما كلّفنا به من ذلك ، كالدعاء ـ مثلا ـ فإنّه ـ سبحانه ـ أمرنا به وحثّنا عليه ؛ فقال : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [40 / 60] ، (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) [2 / 186].
__________________
(1) ـ عين اليقين : 322 بألفاظه.
فالدعاء والاستجابة كلاهما من أمر الله ، أمرا تكليفيّا ، كما أنّه من أمره الذاتي ؛ ولسان العبد ترجمان الدعاء ، وكلّ من فعل شيئا بأمر أحد فيده يد الآمر في الحقيقة ، إلّا أنّ بعض هذه الامور علل وموجبات ، وبعضها علامات ومعرّفات ، وبعضها ينقسم إلى القسمين.
ولعلّ الدعاء من القسم الثالث ؛ ولهذا اشتهر بين الداعين «إنّ الدعاء كالدواء ، بعضها يؤثّر بالطبع ، وبعضها بالخاصيّة». فالأوّل إشارة إلى الأوّل ، والثاني إلى الثانى.
فصل (1) [15]
وأمّا الابتلاء من الله ـ سبحانه ـ فهو إظهار ما كتب ـ لنا أو علينا ـ في القدر ، وإبراز ما أودع فينا ، وغرّز في طباعنا بالقوّة ، بحيث يترتّب عليه الثواب والعقاب ، فإنّه ما لم يخرج من القوّة إلى الفعل لم يوجد بعد ـ وإن كان معلوما لله سبحانه ـ فلا تحصل ثمرته وتبعته اللازمتان.
ولهذا قال عزوجل : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) [47 / 31] ـ وأمثال ذلك من الآيات ـ أي نعلمهم موصوفين بهذه الصفة ، بحيث يترتّب عليها الجزاء ؛ وأمّا قبل ذلك الابتلاء فإنّه علمهم مستعدّين للمجاهدة والصبر ، صائرين إليهما بعد حين.
__________________
(1) ـ عين اليقين : 322. الوافي : 1 / 524.
فصل (1) [16]
وأمّا الثواب والعقاب : فهما من لوازم الأفاعيل الواقعة منّا وثمراتها ، ولواحق الامور الموجودة فينا وتبعاتها ، ليسا يردان علينا من خارج.
فالمجازاة أيضا هو إظهار ما كتب لنا أو علينا في القدر ، وابراز ما اودع فينا وغرّز في طباعنا بالقوّة ، كما قال سبحانه : (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) [6 / 139] (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) [29 / 54].
فمن أساء عمله وأخطأ في اعتقاده ، فإنّما ظلم نفسه بظلمة جوهره وسوء استعداده ، فكان أهلا للشقاوة في معاده ؛ وليس ذلك لأنّ الله سبحانه يستولى عليه الغضب ، ويحدث له الانتقام ـ تعالى عن ذلك ـ.
وإنّما ورد أمثال ذلك في الشرع على نحو من التجوّز.
فصل (2) [17]
[لمّية تفاوت النفوس]
وأمّا تفاوت النفوس في ذلك وعدم تساويها في الخيرات والشرور ، واختلافها في السعادة والشقاوة فلاختلاف الاستعدادات
__________________
(1) ـ عين اليقين : 322. راجع ما أورده في الوافي 1 / 549 أيضا.
(2) ـ عين اليقين : 323. راجع شرح اصول الكافي : باب الخير والشر ، شرح الحديث الثاني : 402. وقد أورد المؤلف ـ قدسسره ـ نفس البيان في الوافي : 1 / 528.
وتنوّع الحقائق ؛ فإنّ الموادّ السفليّة بحسب الخلقة والماهيّة ، ومتباينة في اللطافة والكثافة ، وأمزجتها مختلفة في القرب والبعد من الاعتدال الحقيقي ؛ والأرواح الإنسيّة التي بإزائها مختلفة بحسب الفطرة الاولى في الصفاء والكدورة ، والقوّة والضعف ، مترتّبة في درجات القرب والبعد من الله ـ تعالى ـ لما تقرّر وتحقّق أنّ بإزاء كلّ مادّة ما تناسبه من الصور ؛ فأجود الكمالات لأتمّ الاستعدادات ، وأخسّها لأنقصها ، كما اشير إليه بقوله صلىاللهعليهوآله (1) :
«الناس معادن كمعادن الذهب والفضّة ، خيارهم في الجاهليّة خيارهم في الإسلام».(2)
وفي الحديث النبوي (3) : «من وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه».
__________________
(1) ـ المسند : من حديث أبي هريرة ، 2 / 539. كنز العمال : 10 / 149 ، ح 28761. الجامع الكبير :
8 / 6 ، ح 23983. وفي مسلم (كتاب فضائل الصحابة ، باب (48) خيار الناس ، 4 / 1958 ، ح 199) : «تجدون الناس معادن ، فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا». ومثله في المسند : 2 / 498. ومستدرك الحاكم : 3 / 243. وحلية الأولياء : 6 / 256. وروى الكليني ـ قدسسره ـ في الكافي (الروضة ، 177 ، ح 197) عن الصادق عليهالسلام : «الناس معادن كمعادن الذهب والفضّة ، فمن كان له في الجاهليّة أصل ، فله في الإسلام أصل».
(2) ـ كتب المؤلف هنا ما يلي ثم شطب عليه :
قال في فصوص الحكم [الفصّ الإبراهيمي : 83] : «ما كنت في ثبوتك ، ظهرت به في وجودك ، فليس للحقّ إلّا إفاضة الوجود عليك ، والحكم لك عليك ؛ فلا تحمد إلّا نفسك ، ولا تذمّ إلّا نفسك ، وما يبقى للحقّ إلّا حمد إفاضة الوجود ، لأنّ ذلك له لا لك» ـ انتهى كلامه ـ.
(3) ـ مسلم : كتاب البرّ والصلة ، باب تحريم الظلم ، 4 / 1995 ، ح 55.
وفي كلام أمير المؤمنين عليهالسلام (1) : «ولا يحمد حامد إلّا ربّه ، ولا يلم لائم إلّا نفسه».
ووجه آخر (2) : وهو أنّه قد علمت أنّ لله ـ عزوجل ـ صفات وأسماء متقابلة هي من أوصاف الكمال ونعوت الجلال ، ولها مظاهر متباينة بها يظهر أثر تلك الأسماء ، فكلّ من الأسماء يوجب تعلّق إرادته ـ سبحانه ـ وقدرته إلى ايجاد مخلوق يدلّ عليه ـ من حيث اتّصافه بتلك الصفة ـ فلذلك اقتضت رحمة الله ـ جلّ وعزّ ـ إيجاد المخلوقات كلّها ، لتكون مظاهر لأسمائه الحسنى ، ومجالي لصفاته العليا.
ـ مثلا ـ لمّا كان قهّارا ، أوجد المظاهر القهريّة التي لا يترتّب عليها إلّا أثر القهر ـ من الجحيم وساكنيه ، والزقّوم ومتناوليه ـ ولمّا كان عفوّا غفورا ، أوجد مجالي للعفو والغفران يظهر فيها آثار رحمته ، وقس على هذا.
فالملائكة ومن ضاهاهم ـ من الأخيار وأهل الجنّة ـ مظاهر اللطف ، والشياطين ومن والاهم ـ من الأشرار وأهل النار ـ مظاهر القهر.
ومنها يظهر السعادة والشقاوة : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) [11 / 105].
فظهر أن لا وجه لإسناد الظلم والقبائح إلى الله ـ سبحانه ـ لأنّ
__________________
(1) ـ نهج البلاغة : الخطبة 16 ـ أولها : «ذمّتي بما أقول رهينة ...».
(2) ـ عين اليقين : 323 مع تفصيل وتوضيح أكثر.
هذا الترتيب والتمييز ـ من وقوع فريق في طريق اللطف ، وآخر في طريق القهر ـ من ضروريّات الوجود والإيجاد ، ومن مقتضيات الحكمة والعدالة.
ومن هنا قال بعض العلماء : «ليت شعري لم لا ينسب الظلم إلى الملك المجازي ـ حيث يجعل بعض من تحت تصرّفه وزيرا قريبا ، وبعضهم كنّاسا بعيدا ؛ لأنّ كلا منهما من ضروريات مملكته ـ وينسب الظلم إلى الله تعالى في تخصيص كلّ من عبيده بما خصّص ، مع أنّ كلا منهما ضرورىّ في مقامه.
فصل (1) [18]
[ما ورد من الأخبار في السعادة والشقاوة]
روي في الكافي (2) بإسناده عن مولانا الباقر عليهالسلام ـ قال : ـ» لو علم الناس كيف خلق الله [تبارك وتعالى] (3) هذا الخلق ، لم يلم أحد أحدا».
وبإسناده (4) عن مولانا الصادق عليهالسلام أنّه سئل : «من أين لحق الشقاء أهل المعصية حتّى حكم لهم في علمه بالعذاب على عملهم»؟
__________________
(1) ـ عين اليقين : 323.
(2) ـ الكافي : كتاب الإيمان والكفر ، باب درجات الإيمان : 2 / 44.
(3) ـ الإضافة من المصدر.
(4) ـ الكافي : كتاب التوحيد ، باب السعادة والشقاوة : 1 / 153 ، ح 2. التوحيد : نفس الباب : 354 ، ح 1. البحار : 5 / 156 ، ح 8. راجع شرح الرواية في الوافي : 1 / 529.
فقال : «أيّها السائل ـ حكم الله أن لا يقوم (1) له أحد من خلقه بحقّه ، فلمّا حكم بذلك وهب لأهل محبّته القوّة على معرفته ، ووضع عنهم ثقل العمل بحقيقة ما هم أهله ، ووهب لأهل المعصية القوّة على معصيته ـ لسبق علمه فيهم ـ ومنعهم (2) إطاقة القبول منه ؛ فواقعوا (3) ما سبق لهم في علمه ولم يقدروا (4) أن يأتوا حالا ينجيهم من عذابه ، لأنّ علمه أولى بحقيقة التصديق ؛ وهو معنى «شاء ما شاء» ، وهو سرّه».
وبإسناده (5) عنه عليهالسلام ـ قال : ـ «إنّ الله خلق السعادة والشقاء قبل أن يخلق خلقه ، فمن خلقه الله سعيدا (6) لم يبغضه أبدا ، وإن عمل شرّا أبغض عمله ولم يبغضه ؛ وإن كان شقيّا (7) لم يحبّه أبدا ، وإن عمل صالحا أحبّ عمله ، وأبغضه لما يصير إليه. فإذا أحبّ الله شيئا لم يبغضه أبدا ، وإذا أبغض شيئا لم يحبّه أبدا».
وبإسناده (
الصحيح عنه عليهالسلام ـ قال : ـ «إنّ ممّا أوحى الله إلى
__________________
(1) ـ الكافي : حكم الله عزوجل لا يقوم. التوحيد : علم الله عزوجل ألا يقوم ... فلما علم.
(2) ـ التوحيد : ولم يمنعهم.
(3) ـ الكافي نسخة : فوافقوا.
(4) ـ في التوحيد بدلا من «ولم يقدروا أن يأتوا ...» : وإن قدروا أن يأتوا خلالا (نسخة : ولم يقدروا أن يأتوا حالا) تنجيهم عن معصيته وهو معنى شاء ما شاء وهو سر.
(5) ـ الكافي : الباب السابق ، 1 / 152 ، ح 1. التوحيد : الباب السابق ، 357 ، ح 5.
المحاسن : كتاب مصابيح الظلم ، باب السعادة والشقاء ، 1 / 279 ، ح 405.
البحار عنهما : 5 / 157 ، ح 11.
(6) ـ التوحيد : فمن علمه الله سعيدا ...
(7) ـ التوحيد : وإن كان علمه شقيّا ...
(
ـ الكافي : كتاب التوحيد ، باب الخير والشرّ ، 1 / 154 ، ح 1.
المحاسن : كتاب مصابيح الظلم ، باب خلق الخير والشرّ ، 283 ، ح 414.
موسى عليهالسلام وأنزل عليه في التوراة : إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا ، خلقت الخلق وخلقت الخير ، وأجريته على يدي من احبّ ، فطوبى لمن أجريته على يديه ؛ وأنا الله لا إله إلّا أنا ، خلقت الخلق وخلقت الشرّ ، وأجريته على يدي من اريده ، فويل لمن أجريته على يديه».
وفي رواية اخرى (1) : «وويل لمن يقول : كيف ذا ، وكيف ذا»؟
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآله (2) ـ قال : ـ «الشقيّ من شقي في بطن أمّه ، والسعيد من سعد في بطن أمّه».
والأخبار في هذا المعنى كثيرة.
فصل (3) [19]
[القضاء والقدر في المأثور]
لمّا كانت الحكمة الإلهيّة تقتضي أن يكون العبد معلّقا بين الرجاء والخوف ، الّذين بهما تتمّ العبوديّة ، جعل الله كيفيّة علمه وقضائه وقدره وسائر الأسباب غائبة عن العقول ، وجعل الدعوات والطاعات ـ
__________________
(1) ـ الكافي : الصفحة السابقة. المحاسن : الصفحة السابقة.
(2) ـ التوحيد : باب السعادة والشقاوة : 356 ، ح 3. تفسير القمي : 1 / 255 ، تفسير قوله تعالى : (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ ...). وفي أمالي الصدوق (المجلس الرابع والسبعون ، 576 ، ح 1) : «... والشقيّ من شقي في بطن أمّه والسعيد من وعظ بغيره ...». ومثله في تفسير القمي : 1 / 319 ، (تفسير قوله تعالى : (وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ...)).
البحار : 5 / 9 و 153 و 157 ، ح 13 وح 1 وح 10 و 21 / 212 ، ح 2.
(3) ـ عين اليقين : 324.
وما يجري مجرى ذلك ـ مناط التكليف وملاك العبوديّة ليتمّ المقصود.
وهذا إحدى الطرق في تصحيح القول بالتكاليف مطلقا ، مع الاعتراف بإحاطة علم الله ، وكون الأقدار جارية والأقضية سابقة في الكلّ.
روي أنّه جاء سراقة بن مالك (1) إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله فقال (2) : «يا رسول
__________________
(1) ـ سراقة بن مالك بن جعشم ، أسلم بعد الفتح ، ورووا أنه ذهب في طلب رسول الله صلىاللهعليهوآله بعد خروجه من مكة ، لما أن قريش جعلت فيه مائة ناقة لمن ردّه إليهم ؛ ولما وصل إليه صلىاللهعليهوآله ساخت قوائم فرسه في الأرض وسقط منها.
راجع الاستيعاب : 2 / 179 ، الترجمة 1955.
(2) ـ مسلم : كتاب القدر : باب (1) كيفية خلق الآدمي ... ، 4 / 2040 ، ح 8.
وروي بألفاظ اخر : ابن ماجة المقدمة ، باب (10) في القدر ، 1 / 35 ، ح 91.
المعجم الكبير : 7 / 119 ـ 121 ، ح 6562 ـ 6567. أخبار أصبهان : 1 / 105 ـ 106. موضح أوهام الجمع والتفريق : 1 / 131.
راجع أيضا : المسند : 1 / 82 و 3 / 304 و 4 / 67 و 431. الترمذي : كتاب القدر ، باب (3) ما جاء في الشقاوة والسعادة ، 4 / 445 ، ح 2136. وكتاب التفسير ، باب (81) سورة الليل ، 5 / 441 ، ح 3344. المعجم الكبير : 4 / 237 ، ح 4235 و 4236. 7 / 119 و 121 ، ح 6562 و 6566. 18 / 130 ـ 131 ، ح 267 ـ 270.
تفسير الطبري : 27 / 65 ، سورة القمر ، الآية 49. مسلم : كتاب القدر ، باب كيفية خلق الآدمي ... ، 4 / 2040 ، ح 7.
وبفرق يسير في المسند : 1 / 140 و 375. 3 / 293. البخاري : كتاب التفسير ، سورة الليل ، 6 / 211 ـ 212. وكتاب الأدب ، باب الرجل ينكت الشيء بيده في الأرض ، 8 / 59. وكتاب القدر ، باب وكان أمر الله قدرا مقدورا ، 8 / 154.
وكتاب التوحيد ، باب ولقد يسرنا القرآن للذكر ، 9 / 195. أبي داود : كتاب السنة ، باب في القدر ، 4 / 222 ، ح 4694. المعجم الكبير : 7 / 120 ـ 122 و 130 ، ح 6565 و 6567 و 6568 و 6593. 18 / 129 ـ 131 ، ح 266 و 268 و 269 و 272 و 273. تفسير الطبري : 30 / 143.
الله ـ بيّن لنا ديننا كأنّا خلقنا الآن ، ففيم العمل اليوم؟ فيما جفّت به الأقلام وجرت به المقادير؟ أم فيما يستقبل»؟
قال : «بل فيما جفّت به الأقلام ، وجرت به المقادير».
قال : «ففيم العمل»؟
قال : «اعملوا ، فكلّ ميسّر لما خلق له ، وكل عامل بعمله».
فعلّقنا بين الأمرين : رهّبنا بسابق القدر ، ثمّ رغّبنا في العمل ، ولم يترك أحد الأمرين للآخر ، فقال : «كلّ ميسّر لما خلق له» ، يريد أنّه ميسّر في أيّام حياته للعمل الذي سبق إليه القدر قبل وجوده ؛ ولم يقل «مسخّر» لكيلا يغرق في لجّة القضاء والقدر.
وسئل النبي صلىاللهعليهوآله (1) : «أنحن في أمر فرغ منه أو أمر مستأنف»؟
قال : «في أمر فرغ منه ، وفي أمر مستأنف».
وسئل (2) : «هل يغيّر الدواء والرقية (3) من قدر الله»؟
__________________
(1) ـ ورد الحديث بألفاظ مختلفة ، وفي الجواب عن سؤال عدة من الصحابة ـ منهم عمر وأبو بكر وسراقة بن مالك وأبو الدرداء وغيرهم ـ ولم أعثر على قوله صلىاللهعليهوآله «وفي أمر مستأنف»
راجع المسند : 1 / 6 و 29. 2 / 52 و 77. 3 / 304. 6 / 441. الترمذي : كتاب التفسير ، سورة هود ، 5 / 289 ، ح 3.
(2) ـ جاء في ابن ماجة (كتاب الطب ، باب (1) ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء ، 2 / 1137 ، ح 3437) : «سئل رسول الله صلىاللهعليهوآله : أرأيت أدوية نتداوي بها ، ورقى نسترقي بها وتقى نتقيها ، هل تردّ من قدر الله شيئا؟ قال : هي من قدر الله».
ومثله في الترمذي : كتاب القدر ، الباب (12) : 4 / 453 ، ح 2148.
ويقرب منه ما في المعجم الكبير : 3 / 192 ، ح 3090. و 6 / 48 ، ح 5468.
(3) ـ الرقية : ما يقرأ من الدعاء والعزائم ويعوذ به.
قال : «والدواء والرقية ـ أيضا ـ من قدر الله».
ومثله عن مولانا الصادق عليهالسلام رواه في التوحيد (1).
وبإسناده (2) عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه سئل عند انحرافه عن جدار يريد أن ينقضّ : «أتفرّ من قضاء الله»؟
قال : «أفرّ من قضائه إلى قدره».
وبإسناده (3) عنه عليهالسلام ـ قال : «أوحى الله ـ عزوجل ـ إلى داود : «يا داود ، تريد واريد ، ولا يكون إلّا ما اريد ؛ [فإن أسلمت لما اريد أعطيتك ما تريد] (4) وإن لم تسلم لما اريد أتعبتك فيما تريد ، ثمّ لا يكون إلّا ما اريد».
وفي الكافي (5) بإسناده عن مولانا الصادق عليهالسلام قال : «كان أمير المؤمنين عليهالسلام كثيرا ما يقول : اعلموا علما يقينيّا أنّ الله ـ تعالى ـ لم يجعل للعبد ـ وإن اشتدّ جهده ، وعظمت حيلته ، وكثرت مكابدته ـ أن يسبق ما سمّي له في الذكر الحكيم ، ولم يحل بين العبد ـ في ضعفه وقلّة حيلته ـ أن يبلغ ما سمّي له في الذكر الحكيم.
__________________
(1) ـ التوحيد : باب القضاء والقدر : 382 ، ح 29 ، عن عليّ بن سالم : سألته عليهالسلام عن الرقى : أتدفع من القدر شيئا؟ فقال : «هي من القدر».
(2) ـ التوحيد : الباب السابق : 369 ، ح 8. عنه البحار : 5 / 114 ، ح 41. و 41 / 2 ، ح 2.
(3) ـ التوحيد : باب المشيّة والإرادة ، 337 ، ح 4. عنه البحار : 5 / 104 ، ح 28.
(4) ـ زيادة من المصدر.
(5) ـ الكافي : كتاب المعيشة ، باب الإجمال في الطلب ، 5 / 81 ، ح 9. وأورده الحراني أيضا مع فروق يسيرة ضمن حكمه عليهالسلام في تحف العقول : 155. عنه البحار : 77 / 408 ، ح 38.
أيّها الناس ـ إنّه لن يزداد امرؤ نقيرا بحذقه ، ولم ينقص امرؤ نقيرا بحمقه ؛ فالعالم بهذا ، العامل به ، أعظم الناس راحة في منفعة ؛ والعالم بهذا ، التارك له ، أعظم الناس شغلا في مضرّة ، وربّ منعم عليه مستدرج بالإحسان إليه ، وربّ مغرور في الناس مصنوع له.
فأفق أيّها الساعي من سعيك ، واقصر من عجلتك ، وانتبه من سنة غفلتك ، وتفكّر فيما جاء عن الله ـ عزوجل ـ على لسان نبيّه ـ صلوات الله عليه ـ ...» ـ الحديث.
وبإسناده (1) عن ثابت بن سعيد (2) ـ قال : ـ قال أبو عبد الله عليهالسلام : «يا ثابت ـ ما لكم والناس؟ كفّوا عن الناس ، ولا تدعوا أحدا إلى أمركم ، فو الله لو أنّ أهل السماوات وأهل الأرضين اجتمعوا على أن يهدوا عبدا يريد الله ضلالته ما استطاعوا على أن يهدوه ، ولو أنّ أهل السماوات وأهل الأرضين اجتمعوا على أن يضلّوا عبدا يريد الله هداه ، ما استطاعوا أن يضلّوه ؛
كفّوا عن الناس ولا يقول أحد : عمّي وأخي وابن عمّي وجاري ؛
__________________
(1) ـ الكافي : كتاب التوحيد ، باب الهداية ، 1 / 165 ، ح 1. وكتاب الإيمان والكفر ، باب في ترك دعاء الناس ، 2 / 213 ، ح 2. عنه البحار : 68 / 208 ، ح 12. المحاسن : كتاب مصابيح الظلم ، باب الهداية من الله عزوجل : 1 / 200 ، ح 34. عنه البحار : 5 / 203 ، ح 30. وورد ما يقرب منه فيما رواه الحراني (تحف العقول : 312) ضمن وصيته عليهالسلام لمؤمن الطاق ، وأورده عنه البحار : 78 / 291 ، ح 2.
(2) ـ كذا ورد في الكافي : 1 / 165. ولكن في 2 / 213 منه وكذا في المحاسن : «ثابت أبي سعيد» ولعلهما صحيحان ، أو أحدهما محرف ، وكذا ما في البحار (68 / 208) : «ثابت بن أبي سعيدة». ولم يذكروا عنه شيئا غير روايته هذا عن الصادق عليهالسلام التي يفيد كونه من خواصّه عليهالسلام ، غير أنّ فيه كون الممدوح نفس الراوي.
فإنّ الله إذا أراد بعبد خيرا طيّب روحه ، فلا يسمع معروفا إلّا عرفه ، ولا منكرا إلّا أنكره ، ثمّ يقذف الله في قلبه كلمة يجمع بها أمره».
وعن النبي صلىاللهعليهوآله (1) : ـ «اعلم أنّ الامّة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلّا بشيء كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضرّوك ، لم يضرّوك إلّا بشيء كتبه الله عليك ؛ رفعت الأقلام وجفّت الصحف».
أقول : وتصديق ذلك في كتاب الله ـ عزوجل ـ قوله سبحانه : (قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [9 / 15].
فصل (2) [20]
[القضاء لا تتخلف]
قد تبيّن بما ذكرنا أن لا رادّ لقضاء الله ، ولا معقّب لحكمه ، ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، لا ملجأ لعباده فيما قضى ، ولا حجّة لهم فيما ارتضى ، لم يقدروا على عمل ولا معالجة ممّا أحدث في أبدانهم المخلوقة ، إلّا بربّهم ، فمن زعم أنّه يقوى على عمل لم يرده الله عزوجل
__________________
(1) ـ الترمذي : كتاب صفة القيامة : الباب (59) ، 4 / 667 ، ح 2516. كنز العمال : 3 / 102 ، ح 5691. و 15 / 863 ح 43435.
وجاء ما يقرب منه في شعب الإيمان : باب 5 ، 1 / 217 ، ح 195. و 2 / 28 ، باب 12 ، ح 1074. مستدرك الحاكم : كتاب معرفة الصحابة ، 3 / 542. الجامع الكبير : 9 / 198 و 199 ، ح 28006 و 28011.
(2) ـ عين اليقين : 324.
فقد زعم أنّ إرادته تغلب إرادة الله ـ تعالى عمّا يقولون ـ هذا.
وقد ثبت أنّ الأجسام تحت قهر الطبائع ، والطبائع تحت قهر النفوس ، والنفوس تحت قهر العقول ، والعقول تحت قهر كبرياء الأوّل ، وهو الله الواحد القهّار.
ومن وجه آخر : إنّ الأرضيّات تحت تأثير السماوات ـ بإذن الله ـ والسماوات في ذلّ تسخير الملكوت ، والملكوت في قيد أسر الجبروت ، والجبروت مقهور بأمر الجبّار ، وهو الغالب على أمره ، و (الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) [6 / 18] ؛ فلا مؤثّر في الوجود سواه ، ولا فاعل غيره ؛ (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ [يَوْمَ الْقِيامَةِ] وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) [39 / 67] ، (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) [7 / 54] و (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) [11 / 56] ؛ أيدي الكلّ مغلولة بيد قدرته (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) [37 / 96] ، وأرجلهم معقولة بعقال مشيّته (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) [10 / 22] ، وآمالهم منقطعة إلّا بحوله وقوّته (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) [10 / 107] ، (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) [3 / 160] ؛ (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) [36 / 83] و (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) [67 / 1].
فصل [21]
اعلم : أنّ الله ـ عزوجل ـ لا يفعل بعباده إلّا ما هو أصلح لهم ، لأنّه سبحانه لطيف بعباده ، رءوف بهم ، وهو قادر حكيم.
روي في التوحيد (1) بإسناده عن النبي صلىاللهعليهوآله ، عن جبرئيل عليهالسلام ، عن الله ـ تبارك وتعالى ـ : ـ قال ـ : «قال الله عزوجل : من أهان لي وليّا فقد بارزني بالمحاربة ، وما تردّدت في شيء أنا فاعله ما تردّدت في (2) قبض نفس المؤمن ؛ يكره الموت ، وأكره مساءته ـ ولا بدّ له منه ـ
وما تقرّب إليّ عبد بمثل أداء ما افترضت عليه ، ولا يزال عبدي يتنفّل لي حتّى احبّه ، ومتى أحببته كنت له سمعا وبصرا ، ويدا ومؤيّدا ، إن دعاني أجبته ، وإن سألني أعطيته ؛
وإنّ من عبادي المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة فأكفّه عنه لئلّا يدخله عجب فيفسده ، وإنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلّا بالفقر ، ولو أغنيته لأفسده ؛ وإنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلّا بالغناء ، ولو أفقرته لأفسده ذلك ؛ وإنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلّا بالسقم ، ولو صحّحت جسمه لأفسده ذلك ؛ وإنّ من
__________________
(1) ـ التوحيد : باب أنّ الله لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم ، 398. علل الشرائع : باب (9) علة خلق الخلق واختلاف أحوالهم ، 1 / 12 ، ح 7. عنه البحار : 5 / 283 ، ح 3.
وجاء ما يقرب منه في الكافي : كتاب الإيمان والكفر ، باب من آذى المسلمين ، 2 / 350 ـ 353 ح 1 ـ 11.
(2) ـ نسخة : عن (هامش النسخة).
عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلّا بالصحّة ، ولو أسقمته لأفسده ذلك ؛ وإنّي ادبّر عبادي بعلمي بقلوبهم ، فإنّي عليم خبير».
وبإسناده (1) عنه صلىاللهعليهوآله ـ قال : ـ «ربّ أغبر أشعث (2) ذى طمرين (3) مدفّع بالأبواب (4) لو أقسم على الله عزوجل لأبرّه».
وبإسناده (5) عن مولانا الصادق ، عن أبيه ، عن جدّه عليهالسلام ـ قال : ـ «ضحك رسول الله صلىاللهعليهوآله ذات يوم حتّى بدت نواجذه ـ ثمّ قال : ـ لا تسألوني ممّ ضحكت؟ قالوا : بلى يا رسول الله. قال : عجبت للمرء المسلم ، أنّه ليس من قضاء يقضيه الله عزوجل له إلّا كان خيرا له في عاقبة أمره».
__________________
(1) ـ التوحيد : الباب السابق ، 400. أمالي الصدوق : المجلس الحادي والستون ، ح 6 ، 470. عنه البحار : 72 / 36 ، ح 29. أمالي الطوسي : المجلس الخامس عشر ، ح 16 ، 429. عنه البحار : 75 / 143 ، ح 7. وفي مسلم (كتاب البر ، باب (40) فضل الضعفاء والخاملين : 4 / 2024 ، ح 138. وكتاب الجنّة : باب (13) ، 4 / 2191 ، ح 48) : «ربّ أشعث مدفوع بالأبواب ، لو أقسم على الله لأبرّه».
وفي الترمذي (كتاب المناقب ، باب (55) البراء بن مالك : 5 / 693 ، ح 3854) : «كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه به ، لو أقسم على الله لأبرّه».
(2) ـ شعث الشعر شعثا ، فهو شعث ـ من باب تعب ـ : تغيّر وتلبّد لقلّة تعهّده بالدهن ... والشعث أيضا : الوسخ. ورجل شعث : وسخ الجسد شعث الرأس أيضا ؛ وهو أشعث أغبر : أي من غير استحداد ولا تنظّف. والشعث أيضا الانتشار والتفرّق (مصباح ـ شعث).
(3) ـ الطمر : الثوب الخلق. والجمع : أطمار.
(4) ـ أى يدفع عند الدخول على الأعيان والحضور في المحافل ولا يترك أن يلج الباب ، فضلا أن يحضر المجالس.
(5) ـ التوحيد : الباب السابق : 401. أمالي الصدوق : المجلس الحادي والثمانون ، ح 15 ، 640.
عنه البحار : 71 / 140 ـ 141 ، ح 32.
وبإسناده (1) عنه عليهالسلام ـ قال : ـ «كان فيما أوحى الله ـ عزوجل ـ إلى موسى عليهالسلام أن يا موسى : ما خلقت خلقا أحبّ إليّ من عبدي المؤمن ؛ وإنّما ابتليته لما هو خير له واعافيه لما هو خير له ؛ وأنا أعلم بما يصلح عليه أمر عبدي ، فليصبر على بلائي ، وليشكر نعمائي ، وليرض بقضائي ، اكتبه في الصدّيقين عندي ، إذا عمل برضواني وأطاع أمري».
وبإسناده (2) عنه عليهالسلام ـ أنّه قال : ـ «والذي بعث جدّي صلىاللهعليهوآله بالحقّ نبيّا ـ إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ ليرزق العبد وعلى قدر المروّة ، وإنّ المعونة تنزل من السماء على قدر المئونة ، وإنّ الصبر على قدر شدّة البلاء».
والأخبار في هذه المعاني كثيرة.
* * *
__________________
(1) ـ التوحيد : الباب السابق : 405. أمالي الطوسي : المجلس التاسع ، ح 13 ، 238.
وجاء ما يقرب منه في أمالي المفيد : المجلس الحادي عشر ، ح 2 ، 93. المؤمن : باب شدة ابتلاء المؤمن : 17 ، ح 9. عنه البحار : 13 / 348 ، 36. و 67 / 235 ، ح 52.
و 71 / 139 ـ 140 ، ح 32. 71 / 145 و 160 ، ح 42 و 77.
(2) ـ التوحيد : الباب السابق ، 401. أمالي الصدوق : المجلس الثاني والثمانون ، ح 3 ، 646.
أمالي الطوسي : المجلس الحادي عشر ، 41 ، 301. عنهما البحار : 76 / 311.
[8]
باب نبذ من آثار رحمته وآيات عظمته
ـ جلّ ذكره ـ
(فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ)
[30 / 50]
فصل [1]
[أقسام مخلوقاته تعالى والتفكر فيها]
أكثر ما نورده في هذا الباب أخذناه من كلام بعض العلماء (1) مع تلخيص له وتوشيح بآيات قرآنيّة وأخبار عن أهل البيت عليهمالسلام وكلمات نزرة عن غيرهم.
اعلم أنّ كلّ ما في الوجود سوى الله ـ عزوجل ـ فهو فعل الله ـ جلّ جلاله ـ وخلقه ، وكلّ ذرّة من الذرّات ـ من جوهر وعرض ، وصفة وموصوف ـ ففيها عجائب تظهر بها حكمة الله وقدرته ، وجلاله وعظمته ؛ وإحصاء ذلك غير ممكن ، لأنّه (لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ
__________________
(1) ـ الغزالي : إحياء علوم الدين ، كتاب التفكر ، التفكر في خلق الله تعالى : 4 / 631 ـ 637.
رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي) [18 / 109] ؛ بل ولا عشر عشير من ذلك ؛ ولكنّا نشير إلى جمل ليكون ذلك كالمثال لما عداه ، فنقول :
الموجودات المخلوقة منقسمة إلى ما لا نعرف أصلها ، فلا يمكننا التفكّر فيها ، وكم من الموجودات التي لا نعلمها ، كما قال ـ عزوجل ـ : (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) [36 / 36] ؛ وقال : (وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ) [56 / 61].
وإلي ما نعرف أصلها وجملتها ، ولا نعرف تفصيلها ، فيمكننا أن نتفكّر في تفصيلها لنزداد معرفة وبصيرة بخالقها ـ جلّ جلاله ـ
وهي منقسمة إلى ما أدركناه بحسّ البصر ، وإلى ما لا ندركه بالبصر :
أمّا الذي لا ندركه بالبصر فكالملائكة والجنّ والشياطين.
وأمّا المدركات بحسّ البصر فهي السماوات السبع ، والأرضون ، وما بينهما. والسماوات مشاهدة بكواكبها وشمسها وقمرها ، وحركاتها ودورانها في طلوعها وغروبها ؛ والأرض مشاهدة بما فيها من جبالها ومعادنها وأنهارها وبحارها وحيوانها ونباتها ؛ وما بين السماء والأرض ـ وهو الجوّ ـ مدرك بغيومها وأمطارها وثلوجها ورعدها وبرقها وصواعقها وشهبها وعواصف رياحها.
فهذه هي الأجناس المشاهدة من السماوات والأرض وما بينهما. وكلّ جنس منها ينقسم إلى أنواع ، وكلّ نوع ينقسم إلى أقسام ، وينشعب
كلّ قسم إلى أصناف ؛ ولا نهاية لانشعاب ذلك وانقسامها في اختلاف صفاتها وهيئاتها ومعانيها الظاهرة والباطنة ، وجميع ذلك مجال الفكر والتدبّر لتحصيل المعرفة والبصيرة.
فلا تتحرّك ذرّة في السماوات والأرض ـ من جماد ونبات وحيوان وفلك وكوكب ـ إلّا ومحرّكها هو الله ـ عزوجل ـ وفي حركتها حكمة أو حكمتان أو عشر أو ألف حكمة ؛ كلّ ذلك شاهد (1) لله ـ تعالى ـ بالوحدانيّة ، ودالّ على جلاله وكبريائه ، وهي الآيات الدالّة عليه.
وقد ورد القرآن بالحثّ على التفكّر في هذه الآيات ، كما قال عزوجل : (الَّذِينَ ... إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ) [3 / 190].
وكما قال : (وَمِنْ آياتِهِ ... وَمِنْ آياتِهِ ...) [30 / 20 ـ 25] من أوّله إلى آخره.
فلنشر إلى طرف من ذلك وكيفيّة التفكّر فيه في فصول :
__________________
(1) ـ النسخة : شاهدة.
فصل [2]
[عجائب خلقة الإنسان]
فمن آياته الإنسان المخلوق من النطفة :
فانظر يا أخي أوّلا في نفسك وبدنك ، فإنّه أقرب شيء إليك ، وفيك من العجائب الدالّة على عظمة الله ـ تعالى ـ ما تنقضي الأعمار في الوقوف على عشر عشيرها ، وأنت غافل عنها ؛ فيا من هو غافل عن نفسه وجاهل بها ، كيف تطمع في معرفة غيرها (1)؟!
وقد أمرك الله ـ تعالى ـ بالتدبّر في نفسك في كتابه العزيز ، فقال : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) [51 / 21].
وذكر أنّك مخلوق من نطفة قذرة ، فقال ـ تعالى ـ : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ* مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ* مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ* ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ* ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ* ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) [80 / 17 ـ 22].
(أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى * ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى) [75 / 37 ـ 38]. (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ* فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ) [77 / 20 ـ 21]. (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) [36 / 77].
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً
__________________
(1) ـ في هامش النسخة :
تو كه در نفس خود زبون باشى
عارف كردگار چون باشى
فِي قَرارٍ مَكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [23 / 12 ـ 14].
فانظر إلى النطفة ـ وهي قطرة من الماء قذرة ، ولو تركت ساعة ليضربها الهواء فسدت وأنتنت ـ كيف أخرجها ربّها ـ ربّ الأرباب ـ من الصلب والترائب؟ وكيف جمع بين الذكر والانثى ، وألقى الإلف والمحبّة في قلبهما؟ وكيف قادهما بسلسلة المحبّة والشهوة إلى الاجتماع؟ وكيف استخرج النطفة عن الرجل بحركة الوقاع؟ وكيف استجلب دم الحيض من أعماق العروق وجمعه في الأرحام؟ ثمّ كيف خلق المولود من النطفة وسقاه بماء الحيض (1) ، وغذّاه وربّاه؟ وكيف جعل النطفة ـ وهي بيضاء مشرقة ـ علقة حمراء؟ فشكّلها وأحسن تشكيلها وقدّرها فأحسن تقديرها ، وصوّرها فأحسن تصويرها؟! وقسّم أجزائها المتشابهة إلى أجزاء مختلفة ، فأحكم العظام في أرجائها. وحسّن أشكال أعضائها ، وزيّن ظاهرها وباطنها ، ورتّب عروقها وجعلها مجرى لغذائها ، ليكون ذلك سببا لبقائها. وجعلها سميعا بصيرا عالما ناطقا.
فخلق لها الظهر أساسا لبدنها ، حاويا لآلات غذائها ؛ والرأس جامعا لحواسّها.
ففتح العين ورتّب طبقاتها ، وأحسن شكلها ولونها وهيئتها ، ثمّ
__________________
(1) ـ الغرض بيان العجائب الموجودة في تكوين الإنسان ، فلا يقدح فيه ذكر بعض المصطلحات الغير الصحيحة المعروفة قديما ، كتغذية الجنين بدم الحيض ؛ فمن الواضح الآن أنّ الجنين يشترك في التغذية مع أمّها ويتغذّى بغذائها من طريق جريان الدم الجارية الى عروقه منها. وفي ذلك من لطائف الحكم والعجائب ما لا يحصى.