الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
البيت اهل
المواضيع الأخيرة
» مقاتل الطالبيّين مقاتل الطالبيّين المؤلف :أبي الفرج الاصفهاني
علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Emptyأمس في 11:42 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج1
علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Emptyأمس في 10:27 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج2
علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Emptyأمس في 9:59 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج3
علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Emptyأمس في 9:34 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  كلام جميل عن التسامح
علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Emptyأمس في 8:57 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  مفهوم التسامح مع الذات
علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Emptyأمس في 8:48 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» أقوال الحكماء والفلاسفة
علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Emptyأمس في 10:01 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» أقوال وحكم رائعة
علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Emptyأمس في 9:55 am من طرف الشيخ شوقي البديري

»  أحاديث / شرح حديث (إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا) شرح حديث (إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا)
علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Emptyأمس في 9:50 am من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     علم اليقين في اصول الدين ج1

    اذهب الى الأسفل 
    انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: علم اليقين في اصول الدين ج1   علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Emptyالأربعاء أكتوبر 30, 2024 4:52 pm

    قلوبها. كما أخبر الله ـ عزوجل ـ به فقال : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) [3 / 7].
    فالرسول والإمام والكتاب هم الحجّة على الامّة (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) [8 / 42].
    وأيضا وجود الإمام لطف من الله ـ تعالى ـ بعبيده ، لأنّه بوجوده فيهم يجتمع شملهم ، ويتّصل حبلهم ، وينتصف الضعيف من القويّ ، والفقير من الغنيّ ، ويرتدع الجاهل ، ويتيقّظ الغافل ؛ فإذا عدم بطل الشرع وأكثر أحكام الدين وأركان الإسلام ـ كالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقضايا ، ونحو ذلك ـ فتنتفي الفائدة المقصودة منها.
    وأمّا غيبة بعض الأئمّة في بعض الأحيان ، وتعطّل الأحكام في المدد المتطاولة : فإنّما ذلك من جهة الرعيّة دون الإمام ، فليس ذلك نقصا على لطف الله ـ سبحانه ـ فإنّما على الله ـ عزوجل ـ إيجاد الإمام للرعيّة ليجمع به شملهم ، فإن لم يمكّنوه من فعله ـ لعدم قابليّتهم وسوء استعدادهم ـ فما على الله من ذلك حجّة : (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [30 / 9] ؛ وذلك كما في سائر الكمالات والخيرات ، فإنّها إنّما تفيض على العباد بقدر قابليّتهم. مع أنّ ما في الغيبة من الخيرات والحكم ـ من تضاعف مثوبات المؤمنين بها ، المصدّقين بوجود الإمام في أعمالهم الصالحات ـ ما يسهل معها فوات إقامة الحدود ونحوها. وسيأتي تمام الكلام في ذلك إن شاء الله.

    فصل [2]
    [صفات الإمام]
    ويجب أن يكون أفضل الامّة ، وأقربهم إلى الله ـ سبحانه ـ وأن تجتمع فيه خصال الخير المفرّقة في غيره ـ مثل العلم بكتاب الله وسنّة رسوله ، والفقه في دين الله ، والجهاد في سبيل الله ، والرغبة فيما عند الله ، والزهد فيما بيد خلق الله ، إلى غير ذلك من الخيرات ـ.
    وأن يكون معصوما من الزيغ والزلل والخطأ في القول والعمل ، منزّها عن أن يحكم بالهوى أو يميل إلى الدنيا.
    وقد مرّ حديث عصمة الإمام (1).
    وفي معاني الأخبار (2) بإسناده عن مولانا الكاظم ، عن أبيه ، عن أبيه ، عن السجّاد عليهم‌السلام قال : «الإمام منّا لا يكون إلّا معصوما ؛ وليست العصمة في ظاهر الخلق فيعرف بها ، ولذلك لا يكون إلّا منصوصا».
    فقيل له : «يا ابن رسول الله ، فما معنى المعصوم»؟
    فقال : «هو المعتصم بحبل الله ، وحبل الله هو القرآن ؛ لا يفترقان إلى يوم القيامة ؛ والإمام يهدي إلى القرآن ، والقرآن يهدي إلى الإمام ؛ وذلك قول الله ـ عزوجل : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [17 / 9].
    __________________
    (1) ـ راجع الفصل السادس من الباب الثاني من هذا المقصد ، ص 474.
    (2) ـ معاني الأخبار : باب معنى عصمة الإمام ، 132 ، ح 1. عنه البحار : 25 / 194 ، ح 5.

    وبالجملة ، كلّ ما اشترط في النبيّ من الصفات فهو شرط في الإمام ، ما خلا النبوّة.
    قال مولانا الصادق عليه‌السلام (1) : «كلّ ما كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلنا مثله إلّا النبوّة والأزواج».
    أقول : وذلك لما دريت أنّ الغرض الأصلي من بعثة الأنبياء والرسل تقوية الجنبة العالية ، واستخدام الغيب للشهادة ؛ لا مجرّد السياسة الحافظة للاجتماع الضروري ؛ ولأجل ذلك عبء الأمانة ثقيل ، وخطبها جليل ، وأمرها عظيم ، وخطرها جسيم.
    فصل [3]
    [الإنسان الكامل غرض الخلقة]
    اعلم أنّ الغاية القصوى والفائدة العظمى من إيجاد العالم الحسّي إنّما هي خلقة الإنسان ؛ وغاية خلقة الإنسان بلوغه إلى أقصى درجة الكمال ، واتّصاله بالملإ الأعلى ، ومعرفته للمعبود الحقّ ، والعبوديّة الكاملة له ـ عزوجل ـ كما قال سبحانه : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [51 / 56].
    فخلقة سائر الكائنات ـ من الجمادات والنباتات والحيوانات ـ إنّما هي لضرورة تعيّش الإنسان واستخدامه إيّاها وانتفاعه بها ، ولئلّا يهمل
    __________________
    (1) ـ حكاه المجلسي ـ قدس‌سره ـ في البحار (26 / 317 ، ح 83) نقلا عن كتاب تفضيل الأئمة على الأنبياء للحسن بن سليمان.

    فضالة الموادّ الّتي قد صرف صفوها وزبدتها في تكوّن الإنسان ؛ فإنّ الحكمة الإلهيّة والرحمة الرحمانيّة تقتضي أن لا يفوت حقّ من الحقوق ؛ بل يصيب كلّ مخلوق من السعادة قدرا يليق به ويحتمله ويستعدّ له.
    والدليل (1) على أنّ الإنسان هو الغرض الأصلي من بين الكائنات تسخير الله ـ عزوجل ـ له كلّها كما قال ـ جلّ جلاله ـ : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) [45 / 13].
    (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ* وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) [16 / 12 ـ 13].
    قال بعض المحقّقين :
    «التسخير على ضربين : حقيقيّ ، وغير حقيقيّ. أمّا الغير الحقيقي فهو على ثلاثة أقسام :
    أدناها الوضعيّ العرضيّ ؛ كتسخير الله ـ سبحانه ـ للإنسان وجه الأرض وما فيها للحرث والزرع وغير ذلك ، و (سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ) [22 / 65] جميعا.
    ومن ذلك تسخير الجبال والمعادن : (جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) [16 / 81].
    __________________
    (1) ـ عين اليقين : 391.

    ومنه تسخير البحار : (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [16 / 14].
    ومنه تسخير الفلك : (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ) [14 / 32].
    ومنه تسخير الأشجار للغرس وأخذ الثمار وغيرها : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) (1) [6 / 141] (كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ) [20 / 54] (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ* يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ) [16 / 10 ـ 11] (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) [16 / 67] (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) [36 / 80].
    ومنه تسخير الدوابّ والأنعام للركوب والزينة وحمل الأثقال : (أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ* وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ) [36 / 71 ـ 72] (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ* وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ* وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ* وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) [16 / 5 ـ 8].
    ومنه تسخير النسوان والجواري للنسل والتوليد (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) [2 / 223].
    __________________
    (1) ـ في النسخ : كلوا من الثمرات. والصحيح ما أثبتناه.

    وأوسطها التسخير الطبيعي : وهو تسخير جنود القوى النباتيّة ومواضعها له للتغذية والتنمية والتوليد والجذب والإمساك والهضم والدفع والتصوير والتشكل.
    وأعلاها التسخير النفساني : وهو تسخير الحواسّ :
    وهي على صنفين : صنف من عالم الشهادة ، وصنف من عالم الغيب :
    أمّا الأوّل فلا يستطيعون له خلافا ، ولا عليه تمرّدا ، فإذا أمر العين بالانفتاح انفتحت ، وإذا أمر اللسان بالتكلّم وجزم الحكم به تكلّم ، وإذا أمر الرجل بالحركة تحرّكت ـ وكذا سائر الأعضاء الظاهرة.
    وأمّا الثاني فكذلك ، إلّا أنّ الوهم له شيطنة بحسب الفطرة ، يقبل إغواء الشيطان فيعارض العقل في مقاصده البرهانيّة الإيمانيّة ، فيحتاج إلى تأييد جديد اخرويّ من جانب الله ليقهره ويغلب عليه ويطرد ظلماته.
    وأمّا التسخير الحقيقي فهو عبارة عن تسخير الله المعاني العقليّة الإلهيّة للكامل من الإنسان ، وجعله بقوّته الباطنيّة إيّاها صورا روحانيّة ، أو أمثلة غيبيّة موجودة في عالمه العقلي والخيالي ، ونقله الأشياء من عالم الشهادة إلى عالم الغيب بانتزاعه من الجزئيّات ، وقبضه الأرواح من موادّ الأجسام والأشباح بإمداد الله من اسمه «القابض» ، راجعا من عالم الدنيا إلى الآخرة ، ومنقلبا من حالة التفرقة والافتراق إلى حالة الجمع والتلاق ـ انتهى كلامه ـ

    [لا يخلو الأرض من خليفة الله تعالى]
    ولمّا ثبت أنّ خلق هذا العالم الجسماني إنّما هو لأجل الإنسان ، فالملائكة المدبّرون له كلّهم خادمون له ، مسخّرون لأجله ، مطيعون إيّاه ، سماويين كانوا أم أرضيّين ، موكّلين به أم بسائر ما خلق لأجله (1).
    وبالجملة ـ فالغرض الأصلي من خلق الموجودات مطلقا إنّما هو وجود الإنسان الكامل ، الذي هو خليفة الله في أرضه ؛ كما اشير إليه في الحديث القدسي (2) : «يا ابن آدم ، خلقت الأشياء لأجلك ، وخلقتك لأجلي».
    وفي حديث آخر مشهور ـ خطابا لنبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ (3) : «لولاك لما خلقت الأفلاك».
    وعن أهل البيت عليهم‌السلام (4) : «نحن صنائع الله ، والناس بعد صنائع لنا ، مصنوعين لأجلنا».
    وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (5) ـ في حديث طويل قاله لأمير المؤمنين عليه‌السلام : «إنّ
    __________________
    (1) ـ كتب أولا ما يلي ثم شطب عليه : «وكأن هذا هو تأويل السجود المأمور به الملائكة لآدم ـ والله أعلم ـ».
    (2) ـ لم أعثر عليه في الجوامع الروائية ، وورد كثيرا في مكتوبات العرفاء ؛ جاء في الفتوحات المكية (1 / 295 ، الباب الستون) : «وأنزل الله في التوراة : يا ابن آدم ، خلقت الأشياء من أجلك وخلقتك من أجلي».
    (3) ـ أورده المجلسي ـ ره ـ في البحار (15 / 28 و 57 / 199) عن كتاب الأنوار المنسوب إلى الشيخ أبي الحسن البكري ؛ وقد ورد مضمونه في عدة من الروايات منها الذي تذكر بعد الرواية التالية.
    (4) ـ جاء في نهج البلاغة (الكتاب 28) : «... فإنّا صنائع ربّنا والناس بعد صنائع لنا».
    (5) ـ كمال الدين : باب نصّ الله عزوجل على القائم عليه‌السلام : 254 ، ح 4.

    الله ـ تبارك وتعالى ـ فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين وفضّلني على جميع النبيّين والمرسلين ، والفضل بعدي لك ـ يا علي ـ وللأئمة من بعدك ، وإنّ الملائكة لخدّامنا وخدّام محبّينا.
    يا علي : الذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربّهم ويستغفرون للذين آمنوا بربّهم وبولايتنا.
    يا علي : لو لا نحن ما خلق الله ـ تعالى ـ آدم ، ولا حوّاء ، ولا الجنّة ولا النار ، ولا السماء ، ولا الأرض» ـ الحديث ـ
    وسيأتي تمامه فيما بعد.
    وعن مولانا الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه الباقر ، عن أبيه السجّاد عليه‌السلام ، قال : «نحن أئمّة المسلمين ، وحجج الله على العالمين ، وسادة المؤمنين ، وقادة الغرّ المحجّلين ، وموالي المؤمنين ، ونحن أمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء ، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه ، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها ، وبنا ينزّل الغيث ، وتنشر الرحمة ، ويخرج بركات الأرض ، ولو لا ما في الأرض منّا لساخت بأهلها».
    ثمّ قال : «ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة لله فيها ظاهر مشهور ، أو غائب مستور ، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة لله فيها ، ولو لا ذلك لم يعبد الله».
    ـ قال الراوي : ـ فقلت للصادق عليه‌السلام : «فكيف ينتفع الناس بالحجّة الغائب المستور»؟

    قال : «كما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب».
    رواهما الشيخ الصدوق في إكمال الدين وإتمام النعمة (1) ، والأخبار في هذا المعنى كثيرة.
    وإذا ثبت ذلك ، ثبت أنّه لا بدّ في كلّ زمان من وجود خليفة يقوم به الأمر ويدوم به النوع ، ويحفظ به البلاد ، ويهتدي به العباد ، ويمسك به السماوات والأرضون ، وإلّا فيكون الكلّ هباء وعبثا ، إذ لا ترجع إلى غاية ، ولا تؤول إلى عاقبة ، ففنيت إذن وخربت ، وساخت الأرض بأهلها. كما في الحديث المذكور :
    «فلو خلق الله الخليقة خلوا من الخليفة لكان قد عرضهم للتلف» (2)
    ولهذا لمّا أراد الله ـ عزوجل ـ خلق الناس قال : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [2 / 30]. فبدأ بالخليفة قبل الخليقة ؛ والحكيم العليم يبدأ بالأهمّ دون الأعمّ.
    وتصديق ذلك قول مولانا الصادق عليه‌السلام (3) في الصحيح : «الحجّة قبل الخلق ، وبعد الخلق ، ومع الخلق».
    __________________
    (1) ـ إكمال الدين : باب العلة التي من أجلها يحتاج إلى الإمام ، 207 ، ح 22.
    أمالي الصدوق : الحديث الأخير من المجلس الرابع والثلاثون : 252 ـ 253.
    وأورده الطبرسي ـ ره ـ في الاحتجاج : 2 / 151. عنها البحار : 23 / 5 ، ح 10.
    (2) ـ إكمال الدين : مقدمة المصنف : 4.
    (3) ـ لفظ الحديث : «الحجّة قبل الخلق ، ومع الخلق ، وبعد الخلق» الكافي : كتاب الحجّة ، باب أن الحجّة لا تقوم على خلقه إلا بإمام : 1 / 177 ، ح 4.
    كمال الدين : الصفحة السابقة. و 221 ، ح 5. و 232 ، ح 36.

    وقال تعالى : (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) [6 / 89] ، دلّ على أنّه لا يخلو كلّ زمان من حافظ للدين ، إمّا نبيّ أو إمام.
    وقال عزوجل (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) [35 / 24]. وهذا عامّ في سائر الامم ، وعمومه يقتضي أنّ في كلّ زمان ـ حصلت فيه أمّة مكلّفة ـ نذيرا ؛ ففي أزمنة الأنبياء عليهم‌السلام هم النذر للامم ، وفي غيرها الأئمّة عليهم‌السلام.
    وقال سبحانه : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) [16 / 89] ، وقال : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) [4 / 41].
    وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ في طرق متعدّدة وألفاظ متكثّرة (1) : ـ «في كلّ خلف من أمّتي عدل من أهل بيتي ، ينفون عن الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين».
    ولنزد من الأخبار تأكيدا وتشييدا.
    __________________
    (1) ـ كمال الدين : باب أن الأرض لا تخلو من حجة ، 221 ، ح 7. وما يقرب منه في قرب الإسناد : 77 ، ح 250. عنه البحار : 23 / 30 ، ح 46. والتفسير المنسوب إلى العسكري عليه‌السلام : في تفسير (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) : ص 47. عنه البحار : 27 / 222 ، ح 11. اختيار معرفة الرجال : 4. عنه البحار : 2 / 92 ، ح 22.
    وقريب منه ما روي عن الصادق عليه‌السلام في بصائر الدرجات : 10 ـ 11.
    الاختصاص : 4. عنهما البحار : 2 / 92.
    الكافي : كتاب فضل العلم ، باب صفة العلم وفضله ... : 1 / 32 ، ح 2.

    فصل [4]
    [وجوب وجود الحجة بالنصوص]
    روى كميل بن زياد عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث طويل مشهور (1) : «إنّه لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة : إمّا ظاهر مشهور ، وإمّا خائف (2) مغمور».
    وروى في إكمال الدين (3) ـ بإسناده ـ عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي
    __________________
    (1) ـ كمال الدين : ما أخبر به عليّ عليه‌السلام من وقوع الغيبة : 290 ـ 294 ، ح 2 بألفاظه وأسانيده المختلفة. عنه البحار : 23 / 46 ـ 49 ، ح 91. الخصال : باب الثلاثة ، ح 257 ، 1 / 187. عنه البحار : 1 / 188 ، ح 4. وما يقرب منه في أمالي الطوسي : المجلس الأول ، 20 ، ح 23. الغيبة للطوسي : 221 ، ح 183. نهج البلاغة : الحكمة الأول ، 20 ، ح 23. الغيبة للطوسي : 221 ، ح 183. نهج البلاغة : الحكمة (147). تحف العقول : من كلامه عليه‌السلام لكميل بن زياد : 170. الغارات : 1 / 153. عنها البحار : 1 / 189. تفسير القمي : في تفسير الآية الرعد / 7 ، 1 / 389. علل الشرائع : باب (153) العلة التي من أجلها لا تخلو الأرض من حجة ... ، 1 / 195 ، ح 2. عنهما البحار : 23 / 20 ، ح 16 و 17. الغيبة للنعماني : الباب 8 ، ح 1 ، 136. عنه البحار : 23 / 55 ، ح 116.
    (2) ـ في المصدر : إما خاف.
    (3) ـ كمال الدين : باب العلة التي من أجلها يحتاج إلى الإمام : 201 ، ح 1. علل الشرائع : باب (153) العلة التي من أجلها لا تخلو الأرض من حجة الله عزوجل ، 196 ، ح 5.
    عنهما البحار : 23 / 21 ، ح 20. و 23 / 26 ، ح 34. و 23 / 28 ، ح 40.
    الكافي : كتاب الحجة ، باب أن الأرض لا تخلو من الحجة ، 1 / 179 ، ح 10. الغيبة للطوسي : 220 ، ح 182. الغيبة للنعماني : باب أن الله لا يخلو أرضه بغير حجة ، 138 ، ح 8. عنهما البحار : 23 / 24 ، ح 30. وما يقرب منه في بصائر الدرجات : الجزء العاشر ، باب (12) أن الأرض لا تبقى بغير إمام ... ، ص 488 ، ح 2. عنه البحار : 23 / 28 ، ح 40. ومثله عن الرضا عليه‌السلام في كمال الدين : الباب المذكور ، 202 ، ح 5. و 204 ، ح 15. عيون الأخبار : باب (28) فيما جاء عن الرضا عليه‌السلام ـ

    عبد الله عليه‌السلام ـ قال : ـ قلت له : «أتبقى الأرض بغير إمام»؟
    قال : «لو بقيت الأرض بغير إمام ساعة لساخت».
    وبإسناده (1) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لو أنّ الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت(2) بأهلها كما يموج البحر بأهله».
    وبإسناده (3) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث له في الحسين بن عليّ عليه‌السلام (4) إنّه قال في آخره : «ولو لا من على الأرض من حجج الله :
    لنفضت (5) الأرض ما فيها ، وألقت ما عليها ؛ إنّ الأرض لا تخلو ساعة من الحجّة».
    وبإسناده (6) عن الحسن بن زياد ـ قال : ـ سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «إنّ الأرض لا تخلو من أن يكون فيها حجّة عالم ، إنّ الأرض لا يصلحها إلّا ذلك ، ولا يصلح الناس إلّا ذلك».
    __________________
    ـ من الأخبار المتفرقة ، 1 / 272 ، ح 1 ـ 4. بصائر الدرجات : الباب المذكور ، 488 ـ 489 ، ح 3 ـ 7. عنها البحار : 23 / 29 ، و 34.
    (1) ـ كمال الدين : الباب المذكور ، 202 ، ح 3. الكافي : الصفحة السابقة ، ح 12. الغيبة للنعماني ، 139 ، ح 10. وما يقرب منه في بصائر الدرجات : الباب السابق ، 488 ، ح 3. البحار : 23 / 34 ، ح 56. وعن الرضا عليه‌السلام ما يقرب منه : كمال الدين : الصفحة المذكورة. البحار : 23 / 35.
    (2) ـ ماج البحر ، موجا : اضطرب (مصباح).
    (3) ـ كمال الدين : الباب المذكور : 202. عنه البحار : 23 / 34.
    (4) ـ في النسخ : في علي بن الحسين عليه‌السلام ، والتصحيح من المصدر والمنقول عنه في البحار.
    (5) ـ في النسخ : لنقضت. والتصحيح من المصدر والبحار.
    (6) ـ كمال الدين : الباب السابق ، 203 ، ح 7. عنه البحار : 23 / 35 ، ح 60.

    وبإسناده (1) عنه عليه‌السلام ـ قال ـ : «إنّ الله تبارك وتعالى لم يدع الأرض إلّا وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان ، فإذا زاد المؤمنون شيئا ردّهم ، وإذا نقصوا شيئا أكمله لهم ، ولو لا ذلك لالتبست على المؤمنين امورهم».
    وفي رواية (2) : «ولو لا ذلك لما عرف الحقّ من الباطل».
    وبإسناده (3) عنه عليه‌السلام ـ قال ـ : «لو لم يبق في الأرض إلّا اثنان لكان أحدهما الحجّة».
    وزاد في رواية (4) : «ولو ذهب أحدهما بقي الحجّة». وفي لفظ آخر (5) : «لو لم يكن في الدنيا إلّا اثنان لكان الإمام أحدهما».
    وفي الكافي بأسانيده إلى الصادق والكاظم والرضا عليه‌السلام : «إنّ الحجّة لا تقوم لله تعالى على خلقه إلّا بإمام حتّى يعرف» (6).
    __________________
    (1) ـ كمال الدين : الصفحة السابقة ، ح 11. ويقرب منه ما في العلل : الباب السابق ، 199 ، ح 22. وبصائر الدرجات : الجزء العاشر ، باب (10) الأرض لا يخلو من الحجة ... ، 484. عنه البحار : 23 / 21 و 25 و 26.
    (2) ـ المصادر السابقة.
    (3) ـ كمال الدين : الباب السابق ، 203 ، ح 10 و 230 ، ح 30. علل الشرائع : الباب السابق ، 1 / 197 ، ح 10. عنهما البحار : 23 / 22 ، ح 24. 23 / 36 ، ح 61. 23 / 43 ، ح 85. الكافي : كتاب الحجة ، باب أنه لو لم يبق إلا رجلان ... ، 1 / 179 ، ح 1.
    بصائر الدرجات : الجزء العاشر ، باب (11) في الأئمة إن الأرض لا تخلو منهم ... ، 488 ، ح 2 و 5. عنه البحار : 23 / 52 ، ح 107. الغيبة للنعماني : 140 ، ح 4.
    (4) ـ راجع كمال الدين وبصائر الدرجات : الصفحات المذكورة.
    (5) ـ الكافي : الباب السابق : 1 / 180 ، ح 5.
    (6) ـ الكافي : كتاب الحجة ، باب أن الحجة لا تقوم على خلقه إلا بإمام ، 1 / 177 ، ح 1 ـ 3.
    بصائر الدرجات : الجزء العاشر ، باب (10) الأرض لا تخلو من الحجة ... ، ـ

    وفي الحديث النبويّ المشهور المتّفق عليه بين الخاصّة والعامّة (1) : «من مات ولم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة الجاهليّة».
    __________________
    ـ 486 ، ح 13. عنه البحار : 23 / 51 ، ح 103. وقال المجلسي ـ قدس‌سره ـ : «في بعض النسخ : (حتى يعرف) يمكن أن يقرأ : «يعرّف» ، على بناء التفعيل المعلوم ... وفي بعضها (الا بامام حىّ يعرف) وفي بعضها (حق يعرف)».
    الاختصاص : 268 ـ 269. وفيه : «حيّ يعرف».
    (1) ـ ورد بهذا اللفظ مسندا في كمال الدين : باب (28) ما روي عن العسكري عليه‌السلام من وقوع الغيبة ، 409 ، ح 9. عنه البحار : 51 / 160 ، ح 7.
    وفي أعلام الدين للديلمي (باب ما جاء من عقاب الأعمال ، 400) : «من مات لا يعرف إمام زمانه ...». عنه البحار : 27 / 201 ، ح 68. ومثله فى الفصول المختارة : 2 / 102 ، عنه البحار : 37 / 27.
    وحكى البحار (23 / 89) عن الكشي «من مات لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» ولكن ليس في المصدر (ص 425) كلمة «زمانه».
    وجاء بلا كلمة «زمانه» وبألفاظ مختلفة في عدة من المصادر ، منها في الكافي (كتاب الحجة ، باب من مات وليس له إمام ... : 1 / 376 ـ 377 ، ح 1 ـ 3) عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من مات وليس عليه إمام فميتته ميتة جاهلية» و «من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهليّة».
    الاختصاص (ص 269) عن الصادق عليه‌السلام : «من مات وليس عليه إمام حيّ ظاهر مات ميتة جاهليّة». المحاسن عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والباقر والصادق عليهما‌السلام : (كتاب الصفوة والنور : باب من مات لا يعرف إمامه : 1 / 153 ـ 155 ، ح 78 و 80 ـ 82) : «من مات وهو لا يعرف إمامه ...» و «من مات ليس له إمام ...» و «من مات بغير إمام جماعة ...».
    راجع أيضا : كمال الدين : 412 ، ح 10 ـ 11. و 413 ، ح 15. و 668 ، ح 11 ، عن رسول الله والباقر والصادق والرضا عليهم‌السلام. البحار : كتاب الإمامة ، باب وجوب معرفة الإمام : 23 / 76 ـ 95.
    وعن طرق العامة : «من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية» المسند : 4 / 96. حلية الأولياء : ترجمة زيد بن أسلم ، 3 / 224. المعجم الكبير : 19 / 388 ، ح 910.
    كنز العمال : 1 / 103 و 6 / 65 ، الحديث 464 و 14863.

    وفي بصائر الدرجات (1) : بإسناده عنه عليه‌السلام ـ أيضا ـ قال : «ما زالت الأرض إلّا ولله الحجّة ، يعرف الحلال والحرام ، ويدعو إلى سبيل الله ، ولا ينقطع الحجّة من الأرض إلّا أربعين يوما قبل يوم القيامة ، فإذا رفعت الحجة ، وغلق باب التوبة ف (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) [6 / 158] أن يرفع الحجّة ؛ اولئك شرار من خلق الله ، وهم الذين تقوم عليهم القيامة».
    والأخبار في هذه المعاني ـ في الكافي وغيره ـ كثيرة جدّا ،
    ولنقتصر على ما ذكرنا ، فإنّ فيه كفاية.
    * * *
    __________________
    (1) ـ بصائر الدرجات : الجزء العاشر ، باب أن الأرض لا تخلو من الحجّة ، 484 ، ح 1. كمال الدين : باب اتصال الوصية ، 229 ، ح 24.
    المحاسن : كتاب مصابيح الظلم ، باب لا تخلو الأرض من عالم : 1 / 236 ، ح 202.
    البحار : 6 / 18 ، ح 1. و 23 / 41 ، ح 78. راجع أيضا البحار : 51 / 348.

    [6]
    باب
    تفاصيل الأنبياء والأولياء
    ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وما يتبع ذلك
    (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) [2 / 253]
    فصل [1]
    [عدد الأنبياء والرسل واولي العزم منهم]
    قد روينا أنّ الأنبياء والرسل والأئمّة عليهم‌السلام من زمن آدم ـ على نبيّنا وعليه‌السلام ـ إلى الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله على طبقاتهم مائة وأربعة وعشرون ألف نبيّا. منهم من جمع إلى النبوّة الرسالة والإمامة ؛ كنبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله كما قال الله عزوجل : (وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) [33 / 40]. وكموسى ـ على نبيّنا وعليه‌السلام ـ كما قال الله تعالى في حقّه : (وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا) [19 / 51]. وكإبراهيم ـ على نبيّنا وعليه‌السلام ـ قال الله تعالى فيه : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) [2 / 124].

    وأولو العزم منهم خمسة : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمّد ـ صلوات الله عليهم ـ.
    ومعنى اولي العزم ما رواه في الكافي (1) بإسناده عن سماعة (2) ، عن مولانا الصادقعليه‌السلام في قول الله ـ عزوجل ـ : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) [46 / 35]. فقال : «نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد ـ صلوات الله عليهم». قلت : «كيف صاروا اولي العزم»؟
    فقال : «لأنّ نوحا بعث بكتاب وشريعة ، وكلّ من جاء بعد نوح أخذ بكتاب نوح وشريعته ومنهاجه ، حتى جاء إبراهيم عليه‌السلام بالصحف وبعزيمة ترك كتاب نوح ـ لا كفرا به ـ فكلّ نبيّ جاء بعد إبراهيم أخذ بشريعة إبراهيم ومنهاجه وبالصحف ، حتّى جاء موسى عليه‌السلام بالتوراة وشريعته ومنهاجه ، وبعزيمة ترك الصحف ، وكلّ نبيّ جاء بعد موسى أخذ بتوراته وشريعته ومنهاجه ، حتّى جاء المسيح عليه‌السلام بالإنجيل وبعزيمة ترك شريعة موسى ومنهاجه ، وكل نبيّ جاء بعد المسيح أخذ بشريعته ومنهاجه ، حتّى جاء محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فجاء بالقرآن وشريعته ومنهاجه ، فحلاله حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة ، فهؤلاء أولو العزم من الرسل عليهم‌السلام».
    __________________
    (1) ـ الكافي : كتاب الإيمان والكفر ، باب الشرائع ، 2 / 17 ، ح 2. المحاسن : كتاب مصابيح الظلم ، 1 / 269 ، ح 358 ، وفيه فروق. عنهما البحار : 16 / 353 ـ 354 ، ح 38 11 / 56 ، ح 55. 68 / 326 ، ح 2. وما يقرب منه في العيون : باب (32) في ذكر ما جاء عن الرضا عليه‌السلام من العلل ، 2 / 80 ، ح 22. عنه البحار : 11 / 34 ، ح 28.
    (2) ـ سماعة بن مهران بن عبد الرحمن الحضرمي ، روى عن الصادق والكاظم عليهما‌السلام ، قال النجاشي (193 ، رقم 517) : «ثقة ثقة». قال الصدوق (الفقيه : 2 / 121) : «كان واقفيا». راجع قاموس الرجال : 5 / 302 ـ 307 ، رقم 3420.

    وبإسناده (1) عن مولانا الباقر عليه‌السلام : «وإنّما سمّوا أولو العزم لأنّه عهد إليهم في محمّد والأوصياء من بعده والمهدى وسيرته ، فأجمع عزمهم أنّ ذلك كذلك ، والإقرار به» (2).
    فصل [2]
    [أكابر الأنبياء ومعجزاتهم]
    والأكابر الأشراف من الأنبياء هم المشاهير الذين ذكرهم الله سبحانه في كتابه في مواضع :
    منها قوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً* وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً* رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) [4 / 163 ـ 165].
    ومنها قوله عزوجل : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ
    __________________
    (1) ـ الكافي : كتاب الحجة ، باب نكت من التنزيل في الولاية : 1 / 416 ، ح 22. تفسير القمي : تفسير الآية طه / 115 ، 2 / 64 ـ 65. علل الشرائع : باب (101) العلة التي من أجلها سمي أولو العزم ... ، 1 / 122 ، ح 1. عنهما البحار 11 / 35 ـ 36 ، ح 31. 11 / 112 ، ح 30. بصائر الدرجات : الجزء الثاني ، باب (7) ما خصّ الله به الأئمة من ولاية اولي العزم ... ، 70 ، ح 1. عنه البحار : 26 / 278 ، ح 21.
    (2) ـ في هامش النسخة : «وقيل : هم أولو العزم الذين يبلغون رسالات ربّهم ويلزمون من ارسلوا إليهم بالإيمان ، فإن أبوا قاتلوهم ـ منه ـ».

    نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ* وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ* وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ* وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ* أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ* أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) [6 / 83 ـ 89].
    * * *
    ولكلّ منهم آيات ومعجزات تدلّ على صدقه وحقيّته وتناسبه وتناسب أهل زمانه ، فمن الناس من آمن به ، ومنهم من صدّ عنه كما ذكر الله ـ عزوجل ـ تفصيل حكاياتهم وقصصهم في كتابه.
    * * *
    روى في الكافي : بإسناده (1) عن أبي يعقوب البغدادي (2) ـ قال : ـ
    __________________
    (1) ـ الكافي : كتاب العقل والجهل ، 1 / 24 ، ح 20. عنه البحار : 17 / 210 ، ح 15.
    علل الشرائع : باب (98) علة احتجاب الله جل جلاله عن خلقه ، 1 / 121 ، ح 6. عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : باب (32) في ذكر ما جاء عن الرضا عليه‌السلام من العلل ، 2 / 79 ـ 80 ، ح 12.
    الاحتجاج : 2 / 437. عنها البحار : 11 / 70 ، ح 1.
    (2) ـ مجهول لم يذكر عنه شيئا غير روايته هذه ؛ راجع تنقيح المقال : فصل الكنى من الجزء الثالث : 39. معجم رجال الحديث : 22 / 89.

    قال ابن السكّيت (1) لأبي الحسن عليه‌السلام : «لما ذا بعث الله موسى بن عمران بالعصا ويده البيضا وآلة السحر؟ وبعث عيسى بآلة الطبّ؟ وبعث محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى جميع الأنبياء ـ بالكلام والخطب»؟
    فقال أبو الحسن عليه‌السلام : «إنّ الله لمّا بعث موسى عليه‌السلام كان الغالب على أهل عصره السحر ، فأتاهم من عند الله بما لم يكن في وسعهم مثله ، وما أبطل به سحرهم ، وأثبت به الحجّة عليهم. وإنّ الله بعث عيسى عليه‌السلام في وقت قد ظهرت فيه الزمانات (2) ، واحتاج الناس إلى الطبّ ، فأتاهم من عند الله بما لم يكن عندهم مثله ـ بما أحيا لهم الموتى ، وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله ، وأثبت به الحجّة عليهم ـ.
    وإنّ الله بعث محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله في وقت كان الغالب على أهل عصره الخطب والكلام ـ وأظنّه قال : الشعر ـ فأتاهم من عند الله من مواعظه وحكمه ما أبطل به قولهم ، وأثبت به الحجّة عليهم».
    ـ قال : ـ فقال ابن السكّيت : «تالله ـ ما رأيت مثلك قطّ ؛ فما الحجّة على الخلق اليوم»؟
    ـ قال : ـ فقال عليه‌السلام : «العقل ؛ يعرف به الصادق على الله ، فيصدّقه ، والكاذب على الله فيكذّبه» ،
    ـ قال : ـ فقال ابن السكّيت : «هذا ـ والله ـ هو الجواب».
    __________________
    (1) ـ قال النجاشي (الترجمة : 1214 ، ص 449) : «يعقوب بن اسحاق السكيت أبو يوسف ، كان متقدما عند أبي جعفر الثاني وأبي الحسن عليهم‌السلام ، وله عن أبي جعفر رواية ومسائل ، وقتله المتوكل لأجل التشيّع ـ وأمره مشهور ـ وكان وجها في علم العربية.
    (2) ـ الزمانات ـ جمع الزمانة ـ : الآفات الواردة على بعض الأعضاء ، فيمنعها عن الحركة.

    فصل [3]
    [اتصال الوصية]
    روي في إكمال الدين والفقيه (1) ، بإسناده عن مولانا الصادق عليه‌السلام ـ قال : ـ
    قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا سيّد النبيّين ، ووصيّي سيّد الوصيّين ، وأوصياؤه سادة الأوصياء ؛
    إنّ آدم عليه‌السلام سأل الله ـ عزوجل ـ أن يجعل له وصيّا صالحا ، فأوحى الله ـ عزوجل ـ إليه : إنّي أكرمت الأنبياء بالنبوّة ، ثمّ اخترت خلقا (2) ، وجعلت خيارهم الأوصياء.
    فقال آدم عليه‌السلام : يا ربّ فاجعل وصيّي خير الأوصياء ؛
    فأوحى الله عزوجل إليه : يا آدم ، أوص إلى شيث ـ وهو هبة الله بن آدم (3) ـ.
    فأوصى الله شيث ، وأوصى شيث إلى ابنه شبّان ـ وهو ابن نزلة الحوراء (4) التي أنزلها الله ـ عزوجل ـ على آدم من
    __________________
    (1) ـ كمال الدين : باب (22) اتصال الوصية ... ، 211 ـ 213 ، ح 1. الفقيه : كتاب الوصية ، باب الوصية من لدن آدم عليه‌السلام ، 4 / 175 ـ 177 ، ح 5402. أمالي الصدوق : المجلس الثالث والستون ، ح 3 ، 486 ـ 488. عنه البحار : 17 / 148 ، ح 43.
    (2) ـ نسخة : خلفي.
    (3) ـ نسخة : هبة الله له.
    (4) ـ نسخة : ابن له من الحوراء.

    الجنّة ، فزوّجها شيث ـ وأوصى شبّان إلى ابنه مجليث (1) وأوصى مجليث إلى محوق ، وأوصى محوق إلى عثميشا (2) وأوصى عثميشا إلى اخنوخ ـ وهو إدريس النبيّ صلى الله عليه ـ وأوصى إدريس إلى ناخور.
    ودفعها ناخور إلى نوح عليه‌السلام ، وأوصى نوح إلى سام ، وأوصى سام إلى عثامر ، وأوصى عثامر إلى برعيثاشا ، وأوصى برعيثاشا إلى يافث ، وأوصى يافث إلى برّه ، وأوصى برّه إلى حسفية (3) وأوصى حسفية إلى عمران.
    ودفعها عمران إلى إبراهيم الخليل عليه‌السلام ، وأوصى إبراهيم إلى ابنه إسماعيل ، وأوصى إسماعيل إلى إسحاق ، وأوصى إسحاق إلى يعقوب ، وأوصى يعقوب إلى يوسف ، وأوصى يوسف إلى بثريا ، وأوصى بثريا إلى شعيب.
    وأوصى شعيب إلى موسى بن عمران عليه‌السلام وأوصى موسى إلى يوشع بن نون ، وأوصى يوشع بن نون إلى داود ، وأوصى داود إلى سليمان ، وأوصى سليمان إلى آصف بن برخيا ، وأوصى آصف إلى زكريّا.
    ودفعها زكريّا إلى عيسى عليه‌السلام ، وأوصى عيسى إلى شمعون بن حمون الصفا ، وأوصى شمعون إلى يحيى بن زكريّا ، وأوصى
    __________________
    (1) ـ كذا هنا وفيما يليه والياء مهملة. كمال الدين والأمالي : مجلث. الفقيه : محلث.
    (2) ـ كمال الدين ، نسخة في الأمالي : غثميشا.
    (3) ـ هنا وفيما يليه نسخة : خفسية.
    كمال الدين : جفيسة. الفقيه ، الأمالي ، نسخة في كمال الدين : جفسية.

    يحيى بن زكريّا إلى منذر ، وأوصى منذر إلى سليمة ، وأوصى سليمة إلى بردة».
    ثمّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ودفعها إلى بردة ، وأنا أدفعها إليك ـ يا عليّ ـ ، وأنت تدفعها إلى وصيّك ، ويدفعها وصيّك إلى أوصيائك من ولدك ، واحد بعد واحد ، حتّى تدفع إلى خير أهل الأرض بعدك ؛ ولتكفرنّ بك الامّة ، ولتختلفنّ عليك اختلافا شديدا ؛ الثابت عليك كالمقيم معي ، والشاذّ عنك في النار ، والنار مثوى للكافرين».
    * * *
    وفي الإكمال (1) بإسناده عن مولانا الباقر عليه‌السلام ـ قال : ـ
    «إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ عهد إلى آدم عليه‌السلام أن لا يقرب الشجرة ، فلمّا بلغ الوقت الذي كان في علم الله ـ تبارك وتعالى ـ أن يأكل منها ، نسي فأكل منها ، وهو قول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) [20 / 115].
    فلمّا أكل آدم من الشجرة ، اهبط إلى الأرض ، فولد له هابيل واخته توأم وولد له قابيل واخته توأم.
    ثمّ إنّ آدم عليه‌السلام أمر قابيل وهابيل أن يقرّبا قربانا ، وكان
    __________________
    (1) ـ كمال الدين : الباب الثاني والعشرون ، اتصال الوصية ... ، 213 ـ 220 ، ح 2.
    الكافي : الروضة ، حديث آدم مع الشجرة ، 8 / 113 ـ 120 ، ح 92 ، مع اختلافات في الألفاظ. عنهما البحار : 11 / 43 ـ 52 ، ح 49.

    هابيل صاحب غنم ، وكان قابيل صاحب زرع ، فقرّب هابيل كبشا ، وقرّب قابيل من زرعه ما لم ينقّ ؛ وكان كبش هابيل من أفضل غنمه ، وكان زرع قابيل غير منقّى ، فتقبّل قربان هابيل ، ولم يتقبّل قربان قابيل ؛ وهو قول الله ـ عزوجل ـ : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ) ـ إلى آخر الآية ـ [5 / 72].
    وكان القربان إذا قبل تأكله النار ، فعمد قابيل (1) فبنى لها بيتا ، وهو أوّل من بنى للنار البيوت ، وقال لأعبدنّ هذه النار حتّى تقبل قرباني.
    ثمّ إنّ عدوّ الله ـ إبليس ـ قال لقابيل : «إنّه قد تقبّل قربان هابيل ، ولم يتقبّل قربانك ، وإن تركته يكون له عقب يفتخرون على عقبك» ؛ فقتله قابيل ؛ فلمّا رجع إلى آدم عليه‌السلام قال له : «يا قابيل ـ أين هابيل»؟ فقال : «ما أدري ؛ وما بعثتني راعيا له». فانطلق آدم فوجد هابيل مقتولا ، فقال : «لعنت من أرض كما قبلت دم هابيل». فبكى آدم على هابيل أربعين ليلة.
    ثمّ إنّ آدم سأل ربّه ـ عزوجل ـ أن يهب له ولدا ، فولد له غلام سمّاه «هبة الله» ، لأن الله ـ عزوجل ـ وهبه له ، فأحبّه آدم حبّا شديدا ؛ فلمّا انقضت نبوّة آدم واستكملت أيّامه أوحى الله ـ تعالى ـ إليه : «أن يا آدم قد انقضت نبوّتك واستكملت أيّامك ، فاجعل العلم الذي عندك ، والإيمان
    __________________
    (1) ـ في المصدر والكافي : فعمد قابيل إلى النار فبنى ...

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: علم اليقين في اصول الدين ج1   علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Emptyالأربعاء أكتوبر 30, 2024 4:54 pm

    والاسم الأكبر ، وميراث العلم وآثار النبوّة في العقب من ذرّيّتك عند ابنك هبة الله ، فإنّي لن أقطع العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار النبوّة من العقب من ذرّيّتك إلى يوم القيامة ، ولن أدع الأرض إلّا وفيها عالم يعرف به ديني ، ويعرف به طاعتي ، ويكون نجاة لمن يولد فيما بينك وبين نوح.
    وذكر آدم عليه‌السلام نوحا عليه‌السلام وقال : «إنّ الله تعالى باعث نبيّا اسمه نوح ، وأنّه يدعو إلى الله ـ عزوجل ـ فيكذّبونه ، فيقتلهم الله بالطوفان ، وكان بين آدم وبين نوح عشرة آباء كلّهم أنبياء.
    وأوصى آدم إلى هبة الله أن «من أدركه منكم فليؤمن به وليتّبعه وليصدّق به ، فإنّه ينجو من الغرق».
    ثمّ إنّ آدم عليه‌السلام مرض المرضة التي قبض فيها ، فأرسل إلى هبة الله ، فقال : إن لقيت جبرئيل أو من لقيت من الملائكة ، فاقرأه السلام ، وقل له : «يا جبرئيل ، إنّ أبي يستهديك من ثمار الجنّة».
    ففعل ؛ فقال له جبرئيل : «يا هبة الله ـ إنّ أباك قد قبض ، وما نزلت إلّا للصلاة عليه ؛ فارجع».
    فرجع ، فوجد أباه وقد قبض ؛ فاراه جبرئيل عليه‌السلام كيف يغسله ؛ فغسله ، حتّى إذا بلغ الصلاة عليه قال هبة الله : «يا جبرئيل ـ تقدّم فصلّ على آدم». فقال له جبرئيل : «يا هبة الله إنّ الله أمرنا أن نسجد لأبيك في الجنّة ، فليس لنا أن نؤمّ أحدا من ولده».

    فتقدّم هبة الله فصلّى على آدم ، وجبرئيل خلفه وحزب من الملائكة ، وكبّر عليه ثلاثين تكبيرة ؛ فأمر جبرئيل (1) فرفع من ذلك خمسا وعشرين تكبيرة (2) ، والسنّة اليوم فينا خمس تكبيرات ، وقد كان يكبّر على أهل بدر سبعا وتسعا (3).
    * * *
    ثمّ إنّ هبة الله لمّا دفن آدم أتاه قابيل ، فقال له : «يا هبة الله إنّي قد رأيت آدم ـ أبي ـ قد خصّك من العلم بما لم أخصّ به ، وهو العلم الذي دعا به أخوك هابيل فتقبّل قربانه ، وإنّما قتلته لكيلا يكون له عقب فيفتخرون على عقبي ، فيقولون «نحن أبناء الذي تقبّل قربانه ، وأنتم أبناء الذي لم يتقبّل قربانه» ؛ وإنّك إن أظهرت من العلم الذي اختصّك به أبوك شيئا ، قتلتك كما قتلت أخاك هابيل».
    فلبث هبة الله والعقب منه مستخفين بما عندهم من العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوّة ، حتّى بعث نوح وظهرت وصيّة هبة الله حين نظروا في وصيّة آدم ، فوجدوا نوحا عليه‌السلام قد بشّر به أبوهم آدم ، فآمنوا به واتّبعوه
    __________________
    (1) ـ في المصدر : «بأمر جبرئيل». والأظهر أنه خطأ الطبع ، إذ المنقول عنه في البحار أيضا يطابق المتن.
    (2) ـ كذا في النسخ والكافي. وفي المصدر : «خمسا وعشرون».
    وهو ظاهر الخطأ وفي البحار : «خمس وعشرون». وأظهر أنه الصحيح.
    (3) ـ كذا. وفي المصدر : «وقد كان صلى‌الله‌عليه‌وآله يكبّر على أهل بدر سبعا وتسعا».
    البحار : «وقد كان يكبّر على أهل بدر سبع وتسع».
    الكافي : «وقد كان يكبّر على أهل بدر تسعا وسبعا».

    وصدّقوه ؛ وقد كان آدم عليه‌السلام أوصى هبة الله أن يتعاهد هذه الوصيّة عند رأس كلّ سنة ، فيكون يوم عيد لهم ، فيتعاهدون بعث نوح وزمانه الذي يخرج فيه (1).
    وكذلك جرى وصيّة كلّ نبيّ (2) حتّى بعث الله ـ عزوجل ـ محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله.
    وإنّما عرفوا نوحا بالعلم الذي عندهم ، وهو قول الله ـ عزوجل ـ : (لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً) [7 / 59] ـ إلى آخر الآية ـ
    وكان ما بين آدم ونوح من الأنبياء مستخفين ومستعلنين ، ولذلك خفى ذكرهم في القرآن ، فلم يسمّوا كما سمّي من استعلن من الأنبياء ، وهو قول الله تبارك وتعالى : (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) [4 / 164] يعني : من لم نسمّهم من المستخفين ، كما سمّى المستعلنين من الأنبياء. فمكث نوح عليه‌السلام (فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) [29 / 14] لم يشاركه في نبوّته أحد ، ولكنّه قدم على قوم مكذّبين للأنبياء الذين كانوا بينه وبين آدم وذلك قوله ـ عزوجل ـ : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) [26 / 105] يعني من كان بينه وبين آدم إلى أن انتهى إلى قوله : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [26 / 122].
    * * *
    __________________
    (1) ـ المصدر : «فيتعاهدون بعث نوح عليه‌السلام في زمانه الذي بعث فيه». الكافي : «فيتعاهدون نوحا وزمانه الذي يخرج فيه».
    (2) ـ المصدر : «وكذلك جرى في وصيّة كل نبيّ» الكافي : «وكذلك جاء في وصية كل نبيّ».

    ثمّ إنّ نوحا لمّا انقضت نبوّته واستكملت أيّامه ، أوحى الله إليه أنّه «يا نوح قد انقضت نبوّتك واستكملت أيّامك ، فاجعل العلم الذي عندك والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوّة في العقب من ذرّيّتك عند سام ، فإنّي لم أقطعها من بيوتات الأنبياء الذين بينك وبين آدم ، ولن أدع الأرض إلّا وفيها عالم يعرف به ديني ، ويعرف به طاعتي ، ويكون نجاة لمن يولد فيما بين قبض النبيّ إلى خروج النبيّ الآخر». وليس بعد سام إلّا هود ، وكان ما بين نوح وهود من الأنبياء مستخفين ومستعلنين.
    وقال نوح : «إنّ الله تبارك وتعالى باعث نبيّا يقال له هود وإنّه يدعو قومه إلى الله ـ عزوجل ـ فيكذّبونه ، وأنّ الله ـ عزوجل ـ يهلكهم (1) ؛ فمن أدركه منكم فليؤمن به وليتّبعه ، فإنّ الله تبارك وتعالي ينجيه من عذاب الريح».
    وأمر نوح ابنه سام أن يتعاهد هذه الوصيّة عند رأس كلّ سنة ، ويكون يوم عيد لهم ، فيتعاهدون فيه بعث هود وزمانه الذي يخرج فيه.
    * * *
    فلمّا بعث الله ـ تبارك وتعالى ـ هودا نظروا فيما عندهم من العلم ، والإيمان ، وميراث العلم ، والاسم الأكبر ، وآثار علم النبوّة ، فوجدوا هودا نبيّا قد بشّرهم أبوهم نوح به ، فآمنوا به
    __________________
    (1) ـ المصدر : مهلكهم بالريح. الكافي والبحار : مهلكهم.

    وصدّقوه واتّبعوه ، فنجوا من عذاب الريح ، وهو قول الله ـ عزوجل ـ : (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) [7 / 65]. وقوله : (كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ) [26 / 123 ـ 124] ، وقال عزوجل : (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ) [2 / 132]. وقوله : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا) لنجعلها في أهل بيته (وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ) [6 / 84] لنجعلها في أهل بيته ، فآمن العقب من ذريّة الأنبياء من كان قبل إبراهيم لإبراهيم عليه‌السلام.
    وكان بين هود وإبراهيم من الأنبياء عشرة أنبياء ، وهو قوله عزوجل : (وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) [11 / 89]. وقوله : (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) [29 / 26] سيهدين (1) وقوله جلّ وعزّ : (وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) [29 / 16].
    فجرى بين كلّ نبيّ وبين نبيّ عشرة آباء وتسعة آباء وثمانية آباء كلّهم أنبياء (2) ، وجرى لكلّ نبيّ ما جرى لنوح ، وكما جرى لآدم ، وهود ، وصالح ، وشعيب ، وإبراهيم ، حتّى انتهى إلى يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.
    __________________
    (1) ـ كذا في النسخ والمصدر والكافي والبحار. غير أن مصحح المصدر رأى السياق يلمح إلى سقوط فقرة هناك ، فأضاف [وقول إبراهيم : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي] سَيَهْدِينِ).
    ولعله الصحيح.
    (2) ـ كذا. وفي المصدر : «فجرى بين كل نبيّ عشرة آباء ... كلهم أنبياء». الكافي : «فجرى بين كل نبين عشرة أنبياء وتسعة وثمانية أنبياء كلهم أنبياء». والأظهر أن ما في كمال الدين أصح.

    ثمّ صارت بعد يوسف في الأسباط إخوته ، حتّى انتهت إلى موسى بن عمران ـ صلى الله عليهم ـ وكان بين يوسف وبين موسى عشرة من الأنبياء.
    * * *
    فأرسل الله ـ عزوجل ـ موسى وهارون إلى فرعون وهامان وقارون. ثمّ أرسل الله ـ عزوجل ـ الرسل (تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) [23 / 44].
    وكانت بنو إسرائيل تقتل في يوم نبيّين وثلاثة وأربعة ، حتّى أنّه كان تقتل في اليوم الواحد سبعين نبيّا ، فيقوم سوق قتلهم (1) في آخر النهار.
    فلمّا انزلت التوراة على موسى بن عمران عليه‌السلام بشّر (2) بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان بين موسى ويوسف عليهما‌السلام أنبياء (3) وكان وصيّ موسى بن عمران يوشع بن نون ـ وهو فتاه الذي قال الله تبارك وتعالى في كتابه (4) ـ.
    فلم تزل الأنبياء عليهم‌السلام تبشّر بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك قوله : (يَجِدُونَهُ) يعني اليهود والنصارى [(مَكْتُوباً)] يعني صفة
    __________________
    (1) ـ البحار : سوق بقلهم.
    (2) ـ المصدر : تبشر.
    (3) ـ المصدر والبحار : «وكان بين يوسف وموسى من الأنبياء عشرة».
    الكافي : «وكان بين يوسف وموسى من الأنبياء».
    (4) ـ (وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً) [18 / 60].

    محمّد واسمه (1) (عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ) [7 / 157]. وهو قول الله ـ عزوجل ـ يحكي عن عيسى بن مريم عليه‌السلام : (مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [61 / 6]. فبشّر موسى وعيسى بمحمّد ، كما بشّرت الأنبياء بعضهم بعضا ، حتّى بلغت محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله.
    * * *
    فلمّا قضى محمّد نبوّته واستكملت أيّامه ، أوحى الله ـ عزوجل ـ إليه «أن يا محمّد ـ قد قضيت نبوّتك واستكملت أيّامك ، فاجعل العلم الذي عندك والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوّة عند علي بن أبي طالب ، فإنّي لم أقطع العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوّة من العقب من ذرّيّتك ، كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء الذين كانوا بينك وبين أبيك آدم ، وذلك قوله عزوجل : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [3 / 34].
    فإنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ لم يجعل العلم جهلا ، ولم يكل أمره إلى ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل ، ولكنّه أرسل رسولا من ملائكته إلى نبيّه ، فقال له كذا وكذا ، وأمره بما يحبّه (2) ، ونهاه عمّا ينكر ، فقصّ عليه ما قبله وما خلفه بعلم ، فعلم ذلك
    __________________
    (1) ـ النسخ والمنقول عن المصدر في البحار : «يعني اليهود والنصارى يعني صفة محمد واسمه مكتوبا عندهم ...» والأظهر أن الصحيح ما أثبتناه مطابقا للمصدر والكافي.
    (2) ـ كمال الدين والكافي والبحار : عمّا يحبّ.

    العلم أنبياؤه وأصفياؤه (1) من الآباء والإخوان بالذريّة التي بعضها من بعض ، فذلك قوله ـ عزوجل : (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) [4 / 54].
    فأمّا الكتاب : فالنبوّة. وأمّا الحكمة : فهم الحكماء من الصفوة (2) ، وكلّ هؤلاء من الذريّة التي بعضها من بعض ، الذين جعل الله ـ عزوجل ـ فيهم النبوّة ، وفيهم العاقبة ، وحفظ الميثاق حتّى تنقضي الدنيا ؛ فهم العلماء وولاة الأمر و [أهل] (3) استنباط العلم والهداة.
    * * *
    فهذا بيان الفضل في الرسل والأنبياء والحكماء وأئمّة الهدى والخلفاء ، الذين هم ولاة أمر الله وأهل استنباط علم الله ، وأهل آثار علم الله ، من الذرّيّة التى بعضها من بعض ، من الصفوة بعد الأنبياء ، من الآل والإخوان والذريّة من بيوتات الأنبياء ، فمن عمل بعلمهم (4) وانتهى إلى أمرهم فجاء بنصرهم.
    __________________
    (1) ـ المصدر : فعلم ذلك العلم أنبياءه وأصفياءه ...
    (2) ـ المصدر والبحار : «فهم الحكماء من الأنبياء والأصفياء من الصفوة».
    الكافي : «فهم الأنبياء من الصفوة وأما الملك العظيم فهم الأئمة من الصفوة».
    (3) ـ إضافة من المصدر. وفي الكافي : «حتى تنقضي الدنيا والعلماء ، ولولاة الأمر استنباط العلم وللهداة ؛ فهذا شأن الفضّل من الصفوة والرسل والأنبياء والحكماء ...»
    (4) ـ كذا في النسخ والمحكي عن المصدر في البحار. لكن في المصدر : «فمن عمل بعملهم».
    الكافي : «فمن اعتصم بالفضّل انتهى بعلمهم ، ونجا بنصرتهم ، ومن وضع ولاة أمر الله عزوجل وأهل استنباط علمه في غير الصفوة من بيوتات الأنبياء عليهم‌السلام فقد خالف أمر الله عزوجل ...».

    ومن وضع ولاية الله وأهل استنباط علم الله في غير الصفوة من بيوتات الأنبياء ، فقد خالف أمر الله ـ عزوجل ـ وجعل الجهّال ولاة أمر الله ، والمتكلّفين بغير هدى ، وزعموا أنّهم أهل استنباط علم الله ، فكذبوا على الله ، وزاغوا عن وصيّة الله وطاعته ، فلم يضعوا فضل الله حيث وضعه الله تبارك وتعالى ، فضلّوا واضلّوا أتباعهم فلا يكون لهم يوم القيامة حجّة ، إنّما الحجّة في آل إبراهيم ، لقول الله ـ عزوجل ـ : (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) [4 / 54].
    والحجّة الأنبياء وأهل بيوتات الأنبياء حتّى تقوم الساعة لأنّ كتاب الله ينطق بذلك ، ووصيّة الله جرت بذلك في العقب من البيوت التي رفعها الله ـ تبارك وتعالى ـ على الناس ، فقال : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) [24 / 36]. وهي بيوتات الأنبياء والرسل والحكماء وأئمّة الهدى.
    فهذا بيان عروة الإيمان التي بها نجا من نجا قبلكم ، وبها ينجو من اتّبع الأئمّة.
    وقد ذكر الله ـ تبارك وتعالى ـ في كتابه : (وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ* وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ* وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* [ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ

    وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (1)] أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ [6 / 89].
    فإنّه من وكّل بالفضّل من أهل بيته من الأنبياء والإخوان والذرّيّة ، وهو قول الله ـ عزوجل ـ في كتابه (2) : (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها) ـ أمّتك ـ (فَقَدْ وَكَّلْنا) أهل بيتك بالإيمان الذي أرسلتك به فلا يكفرون بها أبدا ، ولا اضيّع الإيمان الذي أرسلتك به ، وجعلت أهل بيتك من بعدك علما أمّتك (3) وولاة أمري بعدك ، وأهل استنباط علمي الذي ليس فيه كذب ولا إثم ولا زور ولا بطر ولا رياء.
    * * *
    فهذا تبيان ما بيّنه الله ـ عزوجل ـ من أمر هذه الامّة بعد نبيّها صلى‌الله‌عليه‌وآله.
    «إنّ الله طهّر أهل بيت نبيّه ، وجعل لهم أجر المودّة ، وأجرى لهم الولاية وجعلهم أوصياءه وأحبّاءه وأئمّته في أمّته من بعده. فاعتبروا أيّها الناس فيما قلت ، وتفكّروا حيث وضع الله ـ عزوجل ـ ولايته ومودّته واستنباط علمه وحجّته ، فإيّاه فتعلّموا ، وبه فاستمسكوا تنجوا ، ويكون لكم به حجّة
    __________________
    (1) ـ ما بين المعقوفين إضافة من القرآن الكريم.
    (2) ـ كتب فوق «في كتابه» : نسخة.
    (3) ـ في بعض نسخ المصدر : «علما على امتك» وكان المكتوب في النسخة أيضا ذلك غير أنه استدرك بعد الكتابة بما في المتن.

    يوم القيامة والفوز ، فإنّهم صلة ما بينكم وبين ربّكم ، لا تصل الولاية إلى الله ـ عزوجل ـ إلّا بهم ، فمن فعل ذلك كان حقّا على الله ـ عزوجل ـ أن يكرمه ولا يعذّبه ، ومن يأتي الله بغير ما أمره كان حقّا على الله أن يذلّه ويعذّبه (1).
    * * *
    وإنّ الأنبياء بعثوا خاصّة وعامّة :
    فأمّا نوح : فإنّه ارسل إلى من في الأرض بنبوّة عامّة ورسالة عامّة.
    وأمّا هود : فإنّه ارسل إلى عاد ، بنبوّة خاصّة.
    وأمّا صالح : فإنّه ارسل إلى ثمود ، وهي قرية واحدة ولا تكمل أربعين بيتا على ساحل البحر صغيرة.
    وأمّا شعيب : فإنّه ارسل إلى مدين ، وهي لا تكمل أربعين بيتا.
    وأمّا إبراهيم : فكانت نبوّته بكوثى ربا (2) ، وهي قرية من قرى السواد ، فيها مبدأ أوّل أمره ، ثمّ هاجر منها ، وليست بهجرة قتال ، وذلك قوله ـ جلّ وعزّ ـ : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) (3) [37 / 99] وكانت هجرة إبراهيم بغير قتال.
    __________________
    (1) ـ هنا آخر الخبر في الكافي. واحتمل محقق المصدر أن ما يجيء بعد من كلام الصدوق تلقته من الأخبار.
    (2) ـ في هامش النسخة : «كوثى ـ كطوبى ـ بالثاء المثلثة ، وربى ـ كهدى ـ بالراء والباء الموحدة ـ منه ـ».
    (3) ـ في النسخة : إنى مهاجر الى ربى سيهدين.

    وأمّا إسحاق : فكانت نبوّته بعد إبراهيم.
    وأمّا يعقوب : فكانت نبوّته بأرض كنعان ، ثمّ هبط إلى أرض مصر فتوفّى فيها ، ثمّ حمل بعد ذلك جسده حتّى دفن بأرض كنعان ، والرؤيا التي رأى يوسف ـ الأحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين ـ فكانت نبوّته في أرض مصر بدؤها.
    ثمّ إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أرسل الأسباط اثنا عشر بعد يوسف. ثمّ موسى وهارون إلى فرعون وملئه إلى مصر وحدها.
    ثمّ أنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أرسل يوشع بن نون إلى بني إسرائيل من بعد موسى ، فنبوّته بدؤها في البريّة التي تاه فيها بنو إسرائيل.
    ثمّ كانت أنبياء كثيرة منهم من قصّه الله ـ عزوجل ـ على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ومنهم من لم يقصصه على محمّد.
    ثمّ إن الله ـ عزوجل ـ أرسل عيسى عليه‌السلام إلى بني إسرائيل خاصّة ، وكانت نبوّته ببيت المقدّس ، وكان من بعد [ه] : الحواريين (1) اثنا عشر ، فلم يزل الإيمان يستسرّ في بقية أهله منذ رفع الله ـ عزوجل ـ عيسى عليه‌السلام.
    وأرسل الله ـ عزوجل ـ محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الجنّ والإنس عامّة ، وكان خاتم الأنبياء ، وكان من بعده الاثنا عشر الأوصياء : منهم من أدركنا ومنهم من سبقنا ، ومنهم من بقى
    __________________
    (1) ـ النسخة : من بعد الحواريين. (التصحيح من المصدر).

    ـ فهذا أمر النبوّة والرسالة ـ. فكلّ نبيّ ارسل إلى بني إسرائيل ـ خاصّ أو عامّ ـ له وصيّ جرت به السنّة ، وكان الأوصياء الذين بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على سنّة أوصياء عيسى عليه‌السلام. وكان أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ على سنّة المسيح عليه‌السلام.
    فهذا تبيان السنّة ، وأمثال الأوصياء بعد الأنبياء عليهم‌السلام».
    * * *
    وروي في الكافي (1) ما يقرب منه إلى قوله : «كان حقّا علي الله أن يذلّه وأن يعذّبه».
    ويشبه أن يكون المراد «بالعلم الذي عندك» معرفته بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، على سبيل المشاهدة والعيان.
    وب «الإيمان» التصديق بهذه الامور مع الانقياد المقرون بالإيقان.
    وب «الاسم الأكبر» الكتب المنزلة على الأنبياء عليهم‌السلام ، ولا سيّما الكتاب الذي يعلم به كلّ شيء الذي يكون معهم ـ كما فسّر به في بعض الأخبار.
    وب «ميراث العلم» التخلّق بأخلاق الله.
    وب «آثار علم النبوّة» علم الشرائع والأحكام.
    * * *
    وفي بصائر الدرجات (2) بإسناده إلى مولانا الباقر عليه‌السلام ـ قال : ـ قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :
    __________________
    (1) ـ أشرنا إليه في صدر الرواية.
    (2) ـ بصائر الدرجات : الجزء الثالث ، نادر من الباب الثالث ، 121 ، ح 1.
    عنه البحار : 38 / 6 ، ح 12. 27 / 6 ، ح 13. 11 / 41 ، ح 1.

    «إنّ أوّل وصيّ كان على وجه الأرض هبة الله بن آدم ، وما من نبيّ مضى إلّا وله وصيّ. وكان جميع الأنبياء مائة ألف نبيّ وأربعة وعشرين ألف نبيّ. منهم خمسة أولو العزم : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد ـ صلوات الله عليهم ـ وإنّ علي بن أبي طالب كان هبة الله لمحمّد ، ورث علم الأوصياء وعلم من كان قبله ، كما أنّ محمّدا ورث علم من كان قبله من الأنبياء والمرسلين ؛ وعلى قائمة العرش مكتوب : «حمزة أسد الله وأسد رسوله وسيّد الشهداء». وفي ذؤابة العرش (1) عن يمين ربّها ـ وكلتا يدي ربّنا عزوجل يمين ـ : «عليّ أمير المؤمنين».
    فهذه حجّتنا على من أنكر حقّنا ، وجحدنا ميراثنا وما منعنا من الكلام ، وأمامنا اليقين ؛ فأيّ حجّة تكون أبلغ من هذا؟».
    وبإسناده (2) عن أبي الحجار (3) ، قال :
    قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «إنّ رسول الله ختم مائة ألف نبيّ وأربعة وعشرين ألف نبيّ ، وختمت أنا مائة ألف وصيّ وأربعة وعشرين ألف وصيّ ، وكلّفت ما كلّفت الأوصياء قبلي ـ والله المستعان ـ فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في مرضه : لست أخاف عليك أن تضلّ بعد الهدى ، ولكن أخاف عليك فسّاق قريش وعاديتهم ـ حسبنا الله ونعم الوكيل ـ.
    __________________
    (1) ـ قال في المصباح : «الذؤابة ـ بالضم ، مهموز ـ : الضفيرة من الشعر إذا كانت مرسلة. فإن كانت ملوية فهي عقيصة. والذؤابة أيضا طرف العمامة ، والذؤابة طرف السوط» فذؤابة العرش طرفها.
    (2) ـ بصائر الدرجات : الباب السابق ، 121 ، ح 2. عنه البحار : 39 / 342.
    (3) ـ في النسخة بحاءين مهملتين. وفي المصدر والبحار : أبو الحجاز. ولم أعثر على ترجمته.

    على أنّ ثلثي القرآن فينا وفي شيعتنا ، فما كان من خير فلنا ولشيعتنا ، والثلث الباقي أشركنا فيه الناس ، فما كان فيه من شرّ فلعدوّنا.
    ـ ثمّ قال : ـ (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) الآية ـ [39 / 9]. فنحن ـ أهل البيت ـ الذين يعلمون ، وشيعتنا أولو الألباب ؛ والذين لا يعلمون عدوّنا ؛ وشيعتنا هم المهتدون».
    فصل [4]
    [خلفاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله]
    روى السيّد الجليل الحسن بن أبي كبش (1) بإسناده عن سلمان الفارسي رضي الله عنه ، قال : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلمّا نظر إلى قال :
    __________________
    (1) ـ لم أعثر على ترجمته.
    والأظهر أن المؤلف رواه حكاية عن كتاب المحتضر لحسن بن سليمان الحلي ، كما حكى عنه المجلسي ـ قدس‌سره ـ في البحار (25 / 6 ، ح 9) : «كتاب المحتضر ... مما رواه من كتاب السيد حسن بن كبش (كذا) ، مما أخذه من كتاب المقتضب ووجدته في المقتضب أيضا ...» راجع أيضا ما أورده في 15 / 9 من البحار.
    والرواية موجودة في كتاب «مقتضب الأثر في النص على الأئمة الاثنا عشر» لأحمد بن محمّد بن عبيد الله بن عيّاش الجوهري (ص 6) مع اختلافات في الألفاظ : «حدثنا أبو علي أحمد بن محمّد بن جعفر الصولي البصري ، قال حدثنا عبد الرحمن بن صالح بن رعيدة ، قال حدثني الحسين بن حميد بن الربيع ، قال حدثنا الأعمش ، عن محمّد بن خلف الطاطري ، عن زاذان ، عن سلمان ...». ورواه مسندا (باختلافات يسيرة) الطبري في دلائل الإمامة : معرفة وجوب القائم ، 447 ـ 450 ، ح 28. والحضيني في الهداية الكبرى : الباب الرابع عشر : 375.

    «يا سلمان إنّ الله عزوجل لم يبعث نبيّنا ولا رسولا إلّا جعل له اثنا عشر نقيبا».
    ـ قال : ـ قلت : «يا رسول الله ـ قد عرفت هذا من الكتابين».
    قال : «يا سلمان ـ فهل علمت نقبائي الاثنا عشر ، الذين اختارهم الله للإمامة من بعدي؟». فقلت : «الله ورسوله أعلم».
    قال : «يا سلمان ـ خلقني الله من صفاء نوره ، فدعاني فأطعته ؛ وخلق من نوري عليّا ، فدعاه إلى طاعته فأطاعه ؛ وخلق من نوري ونور عليّ فاطمة ، فدعاها فأطاعته ؛ وخلق منّي ومن عليّ ومن فاطمة : الحسن والحسين ، فدعاهما فأطاعاه ؛ فسمّانا الله ـ عزوجل ـ بخمسة أسماء من أسمائه : فالله المحمود ، وأنا محمّد ؛ والله العليّ ، وهذا عليّ ؛ والله فاطر ، وهذه فاطمة ؛ ولله الإحسان ، وهذا حسن ؛ والله المحسن ، وهذا الحسين. ثمّ خلق من نور الحسين تسعة أئمّة ، فدعاهم فاطاعوا قبل أن يخلق الله سماء مبنيّة ، أو أرضا مدحيّة ، أو هواء أو ماء ، أو ملكا أو بشرا ؛ وكنّا نعلمه (1) أنوارا نسبّحه ونسمع له ونطيعه».
    ـ فقال سلمان ـ : قلت : «يا رسول الله بأبي أنت وأمّي ـ ما لمن عرف هؤلاء»؟
    فقال : «يا سلمان ، من عرفهم ـ حقّ معرفتهم ـ واقتدى بهم وو الى وليّهم وتبرّأ من عدوّهم ؛ فهو والله منّا ، يرد حيث نرد ويسكن حيث نسكن».
    قلت : «يا رسول الله ـ يكون إيمان بهم بغير معرفتهم بأسمائهم
    __________________
    (1) ـ كذا. وفي المصادر : بعلمه.

    وأنسابهم»؟ فقال : «لا ـ يا سلمان».
    فقلت : «يا رسول الله ـ فأنّى لي بهم»؟
    قال : «قد عرفت إلى الحسين ؛ ثمّ زين العابدين عليّ بن الحسين ، ثمّ ابنه محمّد بن عليّ باقر علم الأوّلين والآخرين من النبيّين والمرسلين ، ثمّ ابنه جعفر بن محمّد لسان الله الصادق ، ثمّ موسى بن جعفر الكاظم غيظه صبرا في الله ، ثمّ عليّ بن موسى الرضا لأمر الله ، ثمّ محمّد بن عليّ الجواد المختار من خلق الله ، ثمّ عليّ بن محمّد الهادي إلى الله ، ثمّ الحسن بن عليّ الضامن الأمين العسكري ، ثمّ ابنه محمّد بن الحسن المهدي الناطق القائم بحقّ الله».
    قال سلمان : فسكتّ ، ثمّ قلت : «يا رسول الله ـ ادع لي بإدراكهم».
    قال : «يا سلمان ـ إنّك مدركهم وأمثالك ومن توالاهم بحقيقة المعرفة».
    قال سلمان : فشكرت الله كثيرا ، ثمّ قلت : «يا رسول الله ـ مؤجّل إلى عهدهم»؟.
    فقال : «يا سلمان اقرأ : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً* ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) [17 / 5 ـ 6]».
    قال سلمان : فاشتدّ بكائي وشوقي ، وقلت : «يا رسول الله ـ بعهد منك»؟.
    فقال : «إي والذي أرسل محمّدا ـ إنّه لعهد منّي ولعليّ وفاطمة والحسن والحسين وتسعة أئمّة ، وكلّ من هو منّا ومظلوم فينا ؛ إي والله

    يا سلمان ـ ثمّ لتحضرنّ إبليس وجنوده وكلّ من محض الإيمان محضا ومحض الكفر محضا ، حتّى يؤخذ بالقصاص والأوتار والتراث (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) [18 / 49]. ونحن نأول هذه الآية : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ* وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) [28 / 65]».
    قال سلمان : «فقمت من بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وما يبالي سلمان متى لقى الموت ، أو لقيه».
    * * *
    وروى الصدوق في إكمال الدين (1) بإسناده إلى جابر بن يزيد الجعفي قال : سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول :
    «لمّا أنزل الله ـ عزوجل ـ على نبيّه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [4 / 59] ، قلت : «يا رسول الله ـ عرفنا الله ورسوله ، فمن اولي الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك»؟
    فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «هم خلفائي ـ يا جابر ـ وأئمّة المسلمين من بعدي ؛ أوّلهم عليّ بن أبي طالب ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ عليّ بن الحسين ، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر ـ وستدركه يا جابر ، فإذا
    __________________
    (1) ـ كمال الدين : باب نصّ الله عزوجل على القائم عليه‌السلام ، 253 ، ح 3. كفاية الأثر : باب ما جاء عن جابر بن عبد الله ... ، 53.
    عنهما البحار : 36 / 250 ، ح 67. راجع أيضا 23 / 289 ، ح 16.

    لقيته فاقرأه منّي السلام ـ ثمّ الصادق جعفر بن محمّد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ عليّ بن موسى ، ثمّ محمّد بن عليّ ، ثمّ عليّ بن محمّد ، ثمّ الحسن بن عليّ ، ثمّ سميّي وكنيّي حجّة الله في أرضه ، وبقيّته في عباده ابن الحسن بن عليّ ، ذاك الذي يفتح الله ـ تعالى ذكره ـ على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان».
    ـ قال جابر : ـ فقلت له : «يا رسول الله ـ فهل ينتفع الشيعة به في غيبته»؟
    فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إي ـ والذي بعثني بالنبوّة ـ يستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلّلها سحاب. ـ يا جابر ـ هذا من مكنون سرّ الله ومخزون علم الله ؛ فاكتمه إلّا عن أهله».
    ـ قال جابر بن يزيد : ـ فدخل جابر بن عبد الله على عليّ بن الحسين ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فبينما هو يحدّثه إذ خرج محمّد بن عليّ الباقر ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ من عند نسائه وعلى رأسه ذؤابة (1) وهو غلام ، فلمّا بصر به جابر ارتعدت فرائصه (2) ، وقامت كلّ شعرة على بدنه ، ونظر إليه مليّا ، ثمّ قال له : «يا غلام ، أقبل» فأقبل ؛ ثمّ قال له : «أدبر» فأدبر ؛ فقال جابر : «شمائل رسول الله ـ وربّ الكعبة». ثمّ قام فدنا منه وقال له : «ما اسمك يا غلام»؟ فقال : «محمّد».
    __________________
    (1) ـ الذؤابة : الضفيرة من الشعر إذا كانت مرسلة. فإذا كانت ملويّة فهي عقيصة.
    (2) ـ لسان العرب (فرص) : «الفريصة : اللحم الذي بين الكتف والصدر ، ومنه الحديث «فجيء بهما ترعد فرائصهما ، أي : ترجف».

    قال : «ابن من»؟ قال : «ابن عليّ بن الحسين».
    قال : «يا بنيّ ـ فدتك نفسي ؛ فأنت إذا الباقر». قال : «نعم».
    قال ـ صلوات الله عليه ـ : «فأبلغني ما حمّلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».
    فقال جابر : «يا مولاى ـ إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بشّرني بالبقاء إلى أن ألقاك ، وقال لي :
    «إذا لقيته فاقرأه منّي السلام».
    ـ فرسول الله ـ يا مولاي ـ يقرأ عليك السلام».
    فقال أبو جعفر ـ صلوات الله عليه ـ : «يا جابر ـ على رسول الله السلام ما قامت السماوات والأرض ، وعليك ـ يا جابر ـ كما بلّغت السلام».
    فكان جابر بعد ذلك يختلف إليه ويتعلّم منه ؛ فسأله محمّد بن عليّ ـ صلوات الله عليه ـ عن شيء ، فقال جابر : «والله لا دخلت في نهي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فقد أخبرني أنّكم الأئمّة الهداة من أهل بيته من بعده ، أحلم الناس صغارا وأعلم الناس كبارا ، وقال : لا تعلّموهم ، فهم أعلم منكم».
    فقال أبو جعفر ـ صلوات الله عليه ـ : «صدق جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والله إنّي لأعلم منك بما سألتك عنه ، ولقد اوتيت الحكم صبيّا ، كلّ ذلك بفضل الله علينا ورحمته لنا أهل البيت».
    * * *

    وبإسناده (1) عن جابر بن عبد الله الأنصاري ـ قال : ـ «دخلت على فاطمة ـ صلوات الله عليها ـ وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها ؛ فعددت اثنا عشر ، آخرهم القائم ؛ ثلاثة منهم محمّد ، وأربعة منهم عليّ ـ صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين ـ».
    وبإسناده (2) عن ثابت بن دينار (3) ، عن سيّد العابدين عليّ بن الحسين ، عن سيّد الشهداء الحسين بن عليّ ، عن سيّد الأوصياء أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ صلوات الله عليهم ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الأئمة بعدي اثنا عشر ، أوّلهم أنت ـ يا علي ـ وآخرهم القائم الذي يفتح الله ـ عزوجل ـ على يديه مشارق الأرض ومغاربها».
    وبإسناده (4) عن مولانا الصادق عليه‌السلام عن أبيه ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الأئمة (5) اثنا عشر من أهل بيتي ، أعطاهم
    __________________
    (1) ـ كمال الدين : باب خبر اللوح ، 269 ، ح 13. ورواه بسند آخر فيه : 311 ـ 312 ، ح 3.
    وعيون أخبار الرضا عليه‌السلام باب في النصوص على الرضا عليه‌السلام بالإمامة ، 1 / 47 ـ 46 ح 6 ـ 7. وليس فيهما كلمة «من ولدها». وكذا في الخصال : أبواب الاثنا عشر 477 ـ 478 ، ح 42. على أن فيه : «ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي». ولكن في الغيبة للطوسي : 139 ، ح 103. والكافي : كتاب الحجة ، 1 / 532 ، ح 9 : «... من ولدها ... ثلاثة منهم محمد وثلاثة منهم علي». والذي يظهر أن كلمة «ولدها» خطأ في الرواية الاولى من كمال الدين وساقطة من الخصال.
    (2) ـ كمال الدين : ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في النصّ على القائم عليه‌السلام ، 282 ، ح 35.
    (3) ـ هو أبو حمزة الثمالي ، وقد مضى ذكره.
    (4) ـ كمال الدين : الباب السابق ، 281 ، ح 33. عيون الأخبار : الباب السابق ، 1 / 64 ، ح 32.
    الاختصاص : 208. عنها البحار : 36 / 243 ، ح 52.
    (5) ـ كذا في كمال الدين. وأما في غيره (العيون والاختصاص والمنقول عنه في البحار) لا يوجد هذه الكلمة وشروع الحديث : «اثنا عشر من أهل بيتي ...».


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: علم اليقين في اصول الدين ج1   علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Emptyالأربعاء أكتوبر 30, 2024 4:56 pm


    الله (1) فهمي وعلمي وحكمتي ، وخلقهم من طينتي ؛ فويل للمتكبّرين عليهم بعدي ، القاطعين فيهم صلتي ؛ ما لهم ، لا أنا لهم الله شفاعتي».
    ورواه العامّة بأسانيد وألفاظ متعددة (2).
    فصل [5]
    [نصوص على الأئمة الاثنا عشر]
    روى الحافظ ابو عبد الله محمد بن أبي نصر بن عبد الله الحميدي (3) من العامة في الجمع بين الصحيحين المتّفق عليه ، عن جابر بن سمرة (4) ،
    __________________
    (1) ـ الاختصاص : من أعطاهم الله.
    (2) ـ أحاديث أن الأئمة اثنا عشر سيذكر في الفصل الآتي من طرق العامة. وأما ما جاء في ذيل الحديث (أعطاهم الله فهمي ...) فقد جاء ما يقرب منه في حلية الأولياء : آخر ذكر علي بن أبي طالب عليه‌السلام : 1 / 86. تاريخ دمشق ، ترجمة الامام علي بن أبي طالب عليه‌السلام : 2 / 95 الحديث 596. كنز العمال : 12 / 103 ، ح 34198.
    (3) ـ من رواة العامة وحافظهم وفقيه ظاهري ، تلميذ ابن حزم الاندلسي. قال الذهبي : (سير أعلام النبلاء : 19 / 126) : «توفى الحميدي في سابع عشر ذي الحجة ، سنة ثمان وثمانين وأربع مائة ، عن بضع وستين سنة أو أكثر». جاءت ترجمته في أكثر كتب التراجم : راجع الأنساب : 4 / 263. معجم الادباء : 18 / 282. تذكرة الحفاظ : 4 / 1218. مرآة الجنان : 3 / 149. شذرات الذهب : 3 / 392. معجم المؤلفين : 3 / 583 ، الترجمة 15164. وغيرها. والكتاب غير مطبوعة بعد ولذلك أرجعنا المنقول إلى أصله من الصحيحين.
    (4) ـ جابر بن سمرة ابن جنادة ، أبو خالد السوائي وقيل أبو عبد الله. قال في اسد الغابة (1 / 304 ، الترجمة 638) : «روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أحاديث كثيرة» قال ابن سعد (الطبقات : 6 / 24) : «نزل الكوفة وابتنى بها دارا في بني سواءة ، وتوفى بها في أول خلافة عبد الملك بن مروان» راجع أيضا : الإصابة : 1 / 212 ، الترجمة 1018. الاستيعاب : بحاشية الإصابة 1 / 224. المعجم الكبير : 2 / 194. سير أعلام النبلاء : 3 / 186.

    قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول (1) : «يكون بعدي اثنا عشر أميرا» ـ فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنّه قال : ـ «كلّهم من قريش».
    وزاد في رواية (2) : «وكلّهم لا يرى مثله».
    وفي رواية أبي عيينة (3) ـ قال : ـ «لا يزال أمر الناس ماضيا ما ولّاهم اثنا عشر رجلا».
    وفي رواية عامر بن سعد بن أبى وقّاص (4) : «لا يزال الدين قائما حتّى تقوم الساعة ، ويكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش».
    __________________
    (1) ـ لفظ البخاري (كتاب الأحكام ، باب ما قبل آخره ، 9 / 101) : «يكون اثنا عشر أميرا ـ فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي إنّه قال : ـ كلهم من قريش».
    وأما مسلم فرواه بألفاظ مختلفة قريبة من المعنى : كتاب الإمارة ، باب الناس تبع لقريش ... ، 3 / 1452 ـ 1453 ، ح 4 ـ 10.
    وقد خرّج مسانيد الحديث مستوفى في ملحقات إحقاق الحق : 13 / 1 ـ 84.
    (2) ـ لم أعثر بهذا اللفظ في البخاري أو مسلم. وورد في كمال الدين : باب (24) ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في النص على القائم عليه‌السلام ... ، 273 ، ح 21. الخصال : ابواب الاثنا عشر ، ح 29 ، 2 / 473.
    (3) ـ كذا في النسخ ، الأظهر كونه خطأ ، والصحيح «ابن عيينة» وهو سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي من مشايخ الرواة المشهورين.
    والحديث رواه مسلم (الصفحة السابقة ، ح 6) عن ابن أبي عمر ، عن سفيان ، عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة. ورواه أحمد في المسند (5 / 97 ـ 98 و 101) بلفظ «لا يزال هذا الأمر ماضيا حتى يقوم اثنا عشر أميرا».
    (4) ـ عامر بن سعد بن أبي وقّاص روى عن أبيه واسامة بن زيد وعائشة وأبي هريرة وجابر بن سمرة. مات سنة أربع ومائة. راجع طبقات ابن سعد : 5 / 167. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال : 184. سير أعلام النبلاء : 4 / 349.
    والحديث في مسلم : الباب السابق ، ح 10 ، 3 / 1453.

    وفي رواية عامر الشعبى (1) : «لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلى اثنا عشر خليفة».
    وفي مسند أحمد بن حنبل (2) عن مسروق (3) قال : كنّا مع عبد الله جلوسا في المسجد يقرأ بنا ، فأتاه رجل فقال : «يا بن مسعود ـ هل حدّثكم نبيّكم كم يكون من بعده خليفة»؟
    قال : «نعم ؛ كعدّة نقباء بنى إسرائيل».
    وروى أبو عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد الدوريستي (4) منهم مرفوعا عن ابن عباس(5) ـ قال : ـ سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين حضرته
    __________________
    (1) ـ عامر بن شراحيل الشعبي معروف من مشايخ الرواة ، مات بعد المائة. راجع طبقات ابن سعد : 6 / 246. المعارف : 449. سير أعلام النبلاء : 4 / 294. تقريب التهذيب : 1 / 387.
    والحديث في مسلم : الصفحة السابقة ، ح 9.
    (2) ـ المسند : 1 / 406 ، وما يقرب منه في 1 / 398.
    (3) ـ مسروق بن الأجدع بن مالك من أعلام العامة ، روى عن جمع من الصحابة وحكى ابن سعد أنه مات سنة ثلاث وستين. راجع طبقات ابن سعد : 6 / 76 ـ 84. سير أعلام النبلاء : 4 / 63. المعارف : 432. حلية الأولياء : 2 / 95. تاريخ بغداد : 13 / 232. اسد الغابة : 4 / 380 الترجمة : 4863.
    (4) ـ قال منتجب الدين في فهرسته (ص 37. الترجمة : 67) : «الشيخ الجليل أبو عبد الله جعفر بن محمد الدوريستي ، ثقة ، عين ، عدل ؛ قرأ على شيخنا المفيد ... وعلى السيد الأجل المرتضى ـ قدس الله أرواحهم ـ وله تصانيف ...». راجع أيضا معجم الرجال : 4 / 103 و 126.
    (5) ـ الحديث حكاه الطبرسي في أعلام الورى (الركن الرابع ، القسم الأول ، الفصل الأول في ذكر بعض الأخبار التي جاءت في النص على عدد الأئمة الاثنا عشر من الأئمة من طريق العامة ... ، 365) قال : «ومما ذكره الشيخ أبو عبد الله جعفر بن محمد بن أبي أحمد الدوريستي في كتابه في الرّد على الزيديّة ، قال : أخبرني أبي ، قال : أخبرني الشيخ ـ

    الوفاة ، فقلت : «إذا كان ما نعوذ بالله منه ، فإلى من»؟
    فأشار إلى عليّ عليه‌السلام فقال : «إلى هذا ، فإنّه مع الحقّ والحقّ معه ؛ ثمّ يكون من بعده أحد عشر إماما مفترضة طاعتهم بطاعته (1)».
    وعن عائشة (2) أنها سئلت : «كم خليفة يكون لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟ فقالت : «أخبرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه يكون بعده اثنا عشر خليفة».
    ـ قال : ـ فقلت لها : «من هم»؟
    فقالت : «أسماؤهم عندي مكتوبة بإملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».
    فقلت لها : «فأعرضيه». فأبت.
    وعن العباس بن عبد المطلب (3) أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال له : «يا عمّ ـ يملك من ولدي اثنا عشر خليفة ، ثمّ يكون امور كريهة وشدائد عظيمة ؛ ثمّ يخرج المهدي من ولدي يصلح الله أمره في ليلة ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت جورا ، ويمكث في الأرض ما شاء الله ، ثمّ يخرج الدجّال».
    __________________
    ـ أبو جعفر بن بابويه ، قال : حدثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه ، عن عمّه ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن خلف بن حمّاد الأسدي ، عن الأعمش ، عن عباية بن ربعي ، عن ابن عباس ، قال : سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين حضرته وفاته ...».
    والظن الغالب أن الكتاب (الرد على الزيدية) لم يكن بيد المؤلف وأنّه ينقل الأحاديث الثلاثة الآتيات منه اعتمادا على ما رواه الطبرسي ؛ ثم الأظهر أنّ هذا الحديث مسند ـ كما ترى ـ وليس بمرفوعة ؛ وأنّ رواته ليسوا من العامة ـ على ما هو معروف عنهم ـ وإن أورده الدوريستي ضمن الروايات المروية عنهم.
    (1) ـ كذا. وفي أعلام الورى : «كطاعتي».
    (2) ـ إعلام الورى : الصفحة السابقة ، عن كتاب الدوريستي المذكور.
    (3) ـ عن الكتاب المذكور.

    وقد استفاض هذا النقل وأمثاله في كتب العامّة (1). وأمّا عندنا فقد بلغ حدّ التواتر بنصوص واضحة جليّة مفصّلة لا شكّ فيها (2) ، وقد نصّ كلّ منهم ـ صلوات الله عليهم ـ على لاحقه ، وأخبر أصحابه بإمامته واسمه وصفته ، وقد ثبت طهارتهم وصدقهم جميعا عند معتبري أهل الإسلام كافّة ، وهذا من أدلّ الدلائل على حجّيتهم دون غيرهم ممّن اختلف في فضله وحاله ، وكذلك عصمتهم ثابتة عندنا ، وولايتهم لله ، وشرفهم وفضلهم وحجيّتهم معلومة من التتبّع لآثارهم ومعارفهم بحيث لا يبقى للشك مجال.
    * * *
    قال الشيخ الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه القمي ـ رحمه‌الله ـ في إكمال الدين وإتمام النعمة (3) :
    «ومن أوضح الأدلّة على الإمامة أنّ الله عزوجل جعل آية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه أتى بقصص الأنبياء الماضين عليهم‌السلام وبكلّ علم توراة وإنجيل وزبور ، من غير أن يكون يعلم الكتابة ظاهرا ، أو لقي نصرانيّا أو يهوديّا ، فكان ذلك أعظم آياته.
    وقتل الحسين بن عليّ عليه‌السلام وخلّف علي بن الحسين عليه‌السلام
    __________________
    (1) ـ راجع الأحاديث وتخريجاتها في ملحقات الإحقاق : 13 / 1 ـ 74. معجم أحاديث المهدي عليه‌السلام : ج 1.
    (2) ـ راجع البحار : أبواب النصوص على أمير المؤمنين والنصوص على الأئمة الاثنا عشر عليهم‌السلام : 36 / 192 ـ 418. عوالم العلوم : الجزء الثالث من المجلد الخامس عشر 33 ـ 313.
    وغيرهما من المصادر.
    (3) ـ كمال الدين : مقدمة المؤلف ، أجوبة النوبختي عن المخالفين : 91.

    متقارب السنّ ـ كانت سنّة أقلّ من عشرين سنة ـ ثمّ انقبض عن الناس فلم يلق أحدا ولا كان يلقاه إلّا خواصّ أصحابه ، وكان في نهاية العبادة ولم يخرج عنه من العلم إلّا يسيرا لصعوبة الزمان وجور بني اميّة ـ.
    ثمّ ظهر ابنه محمّد بن عليّ المسمّى بالباقر عليه‌السلام لفتقه العلم ، فأتى من علوم الدين والكتاب والسنّة والسير والمغازي بأمر عظيم.
    وأتى جعفر بن محمّد عليه‌السلام من بعده من ذلك بما كثر وظهر ، فلم يبق فنّ من فنون العلم إلّا أتى فيه بأشياء كثيرة ، وفسّر القرآن والسنن ، ورويت عنه المغازي وأخبار الأنبياء من غير أن يرى هو وأبوه ـ محمّد بن عليّ أو عليّ بن الحسين عليه‌السلام عند أحد من رواة حديث العامّة أو فقهائهم يتعلّمون منهم شيئا ، وفي ذلك أدلّ دليل على أنّهم إنّما أخذوا ذلك العلم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ عن عليّ عليه‌السلام ، ثمّ عن واحد واحد من الأئمّة عليهم‌السلام.
    وكذلك جماعة الأئمّة عليهم‌السلام هذه سنّتهم في العلم ؛ يسألون عن الحلال والحرام فيجيبون جوابات متّفقة ، من غير أن يتعلّموا ذلك من أحد من الناس.
    فأيّ دليل أدلّ من هذا على إمامتهم ، وأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نصبهم وعلّمهم وأودعهم علمه وعلوم الأنبياء عليهم‌السلام قبله ؛ وهل رأينا في العادات من ظهر عنه مثل ما ظهر عن محمّد بن علي وجعفر بن محمّد عليه‌السلام من غير أن يتعلّموا ذلك من أحد من الناس»؟ ـ انتهى كلامه ـ.

    * * *
    * وأمّا النصوص الواردة في فضائلهم ومناقبهم ، فأكثر من أن تحصى وأشهر من أن تخفى ، وسنأتي بطرف منها في باب على حدة إن شاء الله.
    قال عليّ بن عيسى الإربلي ـ رحمه‌الله ـ (1) بعد نقل نبذ من أخبار خلافتهم :
    «ولا يقدح في ذلك كونهم ـ صلوات الله عليهم ـ منعوا من الخلافة ، وعزلوا عن المنصب الذي اختارهم الله له ، واستبدّ به دونهم ، إذ لم يقدح في نبوّة الأنبياء تكذيب من كذّبهم ، ولا وقع الشكّ فيهم لانحراف من انحرف عنهم ، ولاشوّه وجوه محاسنهم تقبيح من قبّحها ، ولا نقّص شرفهم خلاف من عاندهم ونصب لهم العداوة ، وجاهرهم بالعصيان.
    وقد قال أمير المؤمنين عليه‌السلام (2) : «وما على المؤمن من غضاضة في دينه أن يكون مظلوما ـ ما لم يكن شاكّا في دينه ، ولا مرتابا بيقينه».
    وقال عمّار بن ياسر ـ رضي الله عنه ـ في أيّام صفّين (3) :
    __________________
    (1) ـ كشف الغمّة : في ذكر الإمامة وكونهم خصّوا بها : 1 / 58.
    (2) ـ نهج البلاغة : الكتاب 28. بلفظ : «وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ...»
    (3) ـ وقعة صفين لنصر بن مزاحم : 322. السعف : أغصان النخلة. وقيل : ورقها.
    هجر : بلد بالبحرين موصوفة بكثرة النخيل ، وبها يضرب المثل ، وجاء في كتاب أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى معاوية (نهج البلاغة : الكتاب : 28) : «فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر». وإنما خصّها بالذكر لبعدها.
    راجع أيضا معجم البلدان : هجر ، 4 / 952 ـ 953.

    «والله ـ لو ضربونا حتّى يبلغونا سعفات هجر ، لعلمنا أنّا على الحقّ ، وأنّهم على الباطل».
    ـ وهذا واضح بحمد الله لمن تأمّله».
    وسيأتى له مزيد تحقيق وتبيان إن شاء الله ((1)
    __________________
    (1) ـ كتب المؤلف هنا فصلا كاملا ثم أعرض عنه وأسقط الورقة المكتوب عليها من النسخة.
    وحيث أن هذا الفصل كانت موجودة في المطبوعة الحجرية من الكتاب رأينا الإتيان بها لازما على ما هو سياق عملنا في هذا الطبع ، والفصل ما يلي :
    فصل
    قال بعض أهل التحقيق :
    (ـ لم أعثر على القائل ، غير أن السيد حيدر الآملي أيضا أورده في كتابه جامع الأسرار (240 ـ 241) حاكيا عن بعض الفضلاء ـ على حد تعبيره ـ ولعل المؤلف أيضا حكى عنه ، ويوجد بينهما اختلافات في ضبط الأسامي لم نتعرض لها.) «اعلم أنّ أصحاب الشريعة من لدن آدم إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ستّة ، كلّ واحد منهم جاء بشريعة واحد مدّة ، فالاولى فاتحته والآخر خاتمته ، وما بينهما ينسخ الاولى الأخير ليعود الخاتمة فاتحة ، والفاتحة خاتمة ، وإلى ذلك أشار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله باستدارة الزمان وهو قوله (ـ لفظ الحديث : «إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ...».
    البخاري : كتاب بدء الخلق ، باب ما جاء في سبع أرضين ، 4 / 130. كتاب التفسير ، سورة براءة ، 6 / 83. مسلم : كتاب القسامة ، باب تغليظ تحريم الدماء ... ، 3 / 1305 ، ح 29. أبو داود : كتاب المناسك ، باب الأشهر الحرم : 2 / 195 ، ح 1947. المسند : 5 / 37 و 73.) : «قد استدار الزمان كهيئته يوم خلق الله فيه السماوات والأرض».
    فالستّة : آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد ـ صلوات الله عليهم أجمعين.

    __________________
    ـ وإنّه لكلّ واحد منهم من الأوصياء المتواصلين به في الأزمنة المتباعدة والمتقاربة اثنا عشر وصيّا ؛ يحفظون كلمته ويقيمون شريعته ، ما دام التكليف باقيا.
    والوصيّ هو الحجّة بعد ذلك النبيّ ، والإمام الناطق بتأويل الكتاب الصامت ، يحفظ الشريعة ، ويقيم الحدود ، ويسدّ الثغور ، ويقصّر يد الظالم عن المظلوم.
    فالشريعة الفاتحة لآدم عليه‌السلام ، وأوصياؤها اثنا عشر وصيّا ؛ وهم : شيث ، هابيل ، قينال ، ميسم ، شميسم ، قادس ، قيدق ، ايمنح ، إينوخ ، إدريس ، دينوخ ، ثاخور.
    الشريعة الثانية لنوح عليه‌السلام ، واوصياؤها اثنا عشر ، وهم : سام ، يافث ، ارشخ ، فرشخ ، فاقو ، شالح ، هود ، صالح ، ديمنح ، معدل ، وريخا ، هجان.
    الشريعة الثالثة لإبراهيم عليه‌السلام ، وأوصياؤها اثنا عشر وصيّا ، وهم : إسماعيل وإسحاق ويعقوب ، يوسف ، إيلون ، إيتم ، أيّوب ، زينون ، دانيال الأكبر ، إينوخ ، اناخا ، ميدخ.
    الشريعة الرابعة لموسى عليه‌السلام ، وأوصياؤها اثنا عشر ، وهم : يوشع ، عروف ، فيدوف ، عزير ، اريسا ، داود ، سليمان ، آصف ، اتواخ ، منيقا ، ارون ، واعث.
    الشريعة الخامسة لعيسى عليه‌السلام ، وأوصياؤها اثنا عشر وصيّا ، وهم : شمعون ، عروف ، فيدق [فيدوف] ، عبير [عسير] ، زكريّا ، يحيى ، اهدى ، مشحا ، طالوت ، قسّ ، استين ، بحيرا الراهب.
    الشريعة السادسة لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأوصياؤها اثنا عشر وصيّا ، وهم : أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، الحسن الزكيّ ، الحسين الشهيد ، عليّ زين العابدين ، محمّد الباقر ، جعفر الصادق ، موسى الكاظم ، عليّ بن موسى الرضا ، محمد التقيّ ، عليّ النقيّ ، الحسن العسكريّ ، المهدي القائم ، وبه ختمت الأوصياء ، وعددهم : اثنان وسبعون وصيّا لستّة أنبياء مرسلين.

    وفي كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة (1) : «إنّ الرسل الذين تقدموا قبل عصر نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله كان اوصياؤهم أنبياء ، فكلّ وصيّ قام بوصيّة حجة تعدّمه ـ من وفات آدم عليه‌السلام إلى عصر نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كان نبيّا ... وأوصياء نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكونوا أنبياء ، لأنّ الله ـ عزوجل ـ جعل محمّدا خاتما لهذا الاسم كرامة له وتفضيلا».
    __________________
    فإن حصل بين الوصيّ المتّصل بالنبيّ بالله فترة من الزمان إلى وصيّ آخر ، حفظ ذلك الوصيّة الرجال المؤمنون بشريعة ذلك النبي عليه‌السلام وإيمان ذلك الوصيّ ؛ ولا يزالون ينقلونها سرّا إلى أن يظهرها الله جهرا ؛ لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ولو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد ، لطوّل الله ـ تعالى ـ ذلك اليوم ، ليخرج رجلا من ولدى اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، يملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت جورا وظلما.
    (1) ـ مقدمة المصنف : 26.

    [7]
    باب
    أخذ ميثاق النبيّين لنبيّنا
    والبشارة به قبل ظهوره صلى‌الله‌عليه‌وآله
    (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) [3 / 81]
    فصل [1]
    [ما ذا اخذ عليه الميثاق]
    إنّ الله عزوجل أخذ العهود على الأنبياء عليهم‌السلام أنّ من أدرك محمّدا يؤمن به وينصره ، ومن لم يدركه فليخبر قومه عن صفته ، ويلقي إليهم نعته ويأمرهم باتّباعه ونصره ، فإن لم يدركه أحد منهم فليوص به من بعده ، كوصيّة من سبقه ، وهلم جرّا ـ كما مرّ بيانه مفصّلا في حديث اتّصال الوصيّة ـ وذلك لئلا يقع لبس في أمره ، ولا يرتاب من أدرك نبوّته في صفته وفي قوله ـ سبحانه ـ : (وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) تشديد للتأكيد من الله ـ تعالى ـ وتوثيق للميثاق والعهد بعد إقرارهم.

    قيل : «فأشهدوا» على أنفسكم ، أو على اممكم ، «وأنا شاهد عليكم» ، أو لكم عليهم ، بتبليغكم وإقرارهم على أنفسهم بقبول رسالتكم ؛ وهذا غاية التعظيم لشرفهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونهاية التشديد عليهم بتصريحه بشهادة نفسه الكريمة المقدّسة على هذه المواثيق ومخاطبة أنبيائهم بهذا ، وكذا أخذ الميثاق منهم بولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام والأئمّة من ولده عليهم‌السلام كما ورد في الأخبار المستفيضة :
    ففي بصائر الدرجات (1) بإسناده عن مولانا الكاظم عليه‌السلام ـ قال : ـ «ولاية عليّ مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ، ولم يبعث (2) الله رسولا إلّا بنبوّة محمّد ، ووصيّة عليّ».
    وبأسانيده (3) المتعدّدة عنهم عليهم‌السلام : «ما نبّئ نبيّ قطّ إلّا بمعرفة حقّنا وتفضيلنا (4) على من سوانا».
    وبأسانيده المتعدّدة (5) عنهم عليهم‌السلام : «ولايتنا ولاية الله الّتي لم يبعث نبيّا قطّ إلّا بها».
    __________________
    (1) ـ بصائر الدرجات : الجزء الثاني ، باب (Cool ما خصّ الله به الأئمّة من آل محمد عليهم‌السلام من ولاية الأنبياء لهم ... ، 72 ، ح 1. عنه البحار : 26 / 280 ، ح 24.
    (2) ـ في المصدر والبحار : «لن يبعث». ولا يخلو عن تكلف.
    (3) ـ بصائر الدرجات : باب (9) آخر في ولاية الأئمة عليهم‌السلام ، 74 ـ 75 ، ح 1 ـ 5.
    عنه البحار : 26 / 281 ، ح 29. كنز الفوائد : 259. عنه البحار : 18 / 299.
    (4) ـ في المصدر والبحار : بفضلنا.
    (5) ـ بصائر الدرجات : الباب السابق ، 75 ، ح 6 ـ 9. عنه البحار : 26 / 281 ، ح 30 ـ 33.
    أمالي المفيد : المجلس السابع عشر ، ح 9 ، 142. عنه البحار : 100 / 262 ، ح 15.
    أمالي الطوسي : المجلس السادس والثلاثون ، ح 19 ، 671.

    وفي كتاب التوحيد (1) بإسناده عن داود الرقّي (2) قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوله ـ عزوجل ـ : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) [11 / 7] فقال لي : «ما يقولون في ذلك»؟
    قلت : «يقولون : إنّ العرش كان على الماء ، والربّ فوقه».
    فقال : «كذبوا ؛ من زعم هذا فقد صيّر الله محمولا ، ووصفه بصفة المخلوقين ، ولزمه أنّ الشيء الذي يحمله أقوى منه».
    قلت : «بيّن لي ـ جعلت فداك ـ».
    فقال : «إنّ الله ـ عزوجل ـ حمّل دينه وعلمه الماء ، قبل أن يكون أرض أو سماء ، أو جنّ أو إنس ، أو شمس أو قمر ؛ فلمّا أراد أن يخلق الخلق نثرهم بين يديه ، فقال لهم : «من ربّكم»؟ فكان أوّل من نطق رسول الله وأمير المؤمنين والأئمّة ـ صلوات الله عليهم ـ فقالوا : «أنت ربّنا» ؛ فحمّلهم العلم والدين. ثمّ قال للملائكة : «هؤلاء حملة علمي وديني ، وامنائي في خلقي ، وهم المسئولون». ثمّ قيل لبني آدم : «أقرّوا لله بالربوبيّة ، ولهؤلاء النفر بالطاعة». فقالوا : «نعم ـ ربّنا أقررنا». فقال للملائكة : «أشهدوا». فقالت الملائكة : «شهدنا على أن لا تقولوا : (إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ* أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً
    __________________
    (1) ـ التوحيد : باب معنى (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ») ، 319 ، ح 1. عنه البحار : 3 / 334 ، ح 45. و 26 / 277 ، ح 19. الكافي : كتاب التوحيد ، باب العرش والكرسي ، 1 / 132 ـ 133 ، ح 7. عنهما البحار : 57 / 95 ، ح 80.
    (2) ـ داود بن كثير الرقي ، عده الشيخ (الرجال : 190 ، رقم 9 ، و 349 ، رقم 1) من أصحاب الصادق والكاظم عليهما‌السلام ؛ ضعفه النجاشي وابن الغضائري ، ووثقه الشيخ والعلامة وآخرون. راجع النجاشي : 156 ، الترجمة 410. معجم رجال الحديث : 7 / 122. تنقيح المقال : 1 / 414 ، رقم 3861. اختيار معرفة الرجال : 402.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: علم اليقين في اصول الدين ج1   علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Emptyالأربعاء أكتوبر 30, 2024 4:58 pm


    الله (1) فهمي وعلمي وحكمتي ، وخلقهم من طينتي ؛ فويل للمتكبّرين عليهم بعدي ، القاطعين فيهم صلتي ؛ ما لهم ، لا أنا لهم الله شفاعتي».
    ورواه العامّة بأسانيد وألفاظ متعددة (2).
    فصل [5]
    [نصوص على الأئمة الاثنا عشر]
    روى الحافظ ابو عبد الله محمد بن أبي نصر بن عبد الله الحميدي (3) من العامة في الجمع بين الصحيحين المتّفق عليه ، عن جابر بن سمرة (4) ،
    __________________
    (1) ـ الاختصاص : من أعطاهم الله.
    (2) ـ أحاديث أن الأئمة اثنا عشر سيذكر في الفصل الآتي من طرق العامة. وأما ما جاء في ذيل الحديث (أعطاهم الله فهمي ...) فقد جاء ما يقرب منه في حلية الأولياء : آخر ذكر علي بن أبي طالب عليه‌السلام : 1 / 86. تاريخ دمشق ، ترجمة الامام علي بن أبي طالب عليه‌السلام : 2 / 95 الحديث 596. كنز العمال : 12 / 103 ، ح 34198.
    (3) ـ من رواة العامة وحافظهم وفقيه ظاهري ، تلميذ ابن حزم الاندلسي. قال الذهبي : (سير أعلام النبلاء : 19 / 126) : «توفى الحميدي في سابع عشر ذي الحجة ، سنة ثمان وثمانين وأربع مائة ، عن بضع وستين سنة أو أكثر». جاءت ترجمته في أكثر كتب التراجم : راجع الأنساب : 4 / 263. معجم الادباء : 18 / 282. تذكرة الحفاظ : 4 / 1218. مرآة الجنان : 3 / 149. شذرات الذهب : 3 / 392. معجم المؤلفين : 3 / 583 ، الترجمة 15164. وغيرها. والكتاب غير مطبوعة بعد ولذلك أرجعنا المنقول إلى أصله من الصحيحين.
    (4) ـ جابر بن سمرة ابن جنادة ، أبو خالد السوائي وقيل أبو عبد الله. قال في اسد الغابة (1 / 304 ، الترجمة 638) : «روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أحاديث كثيرة» قال ابن سعد (الطبقات : 6 / 24) : «نزل الكوفة وابتنى بها دارا في بني سواءة ، وتوفى بها في أول خلافة عبد الملك بن مروان» راجع أيضا : الإصابة : 1 / 212 ، الترجمة 1018. الاستيعاب : بحاشية الإصابة 1 / 224. المعجم الكبير : 2 / 194. سير أعلام النبلاء : 3 / 186.

    قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول (1) : «يكون بعدي اثنا عشر أميرا» ـ فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنّه قال : ـ «كلّهم من قريش».
    وزاد في رواية (2) : «وكلّهم لا يرى مثله».
    وفي رواية أبي عيينة (3) ـ قال : ـ «لا يزال أمر الناس ماضيا ما ولّاهم اثنا عشر رجلا».
    وفي رواية عامر بن سعد بن أبى وقّاص (4) : «لا يزال الدين قائما حتّى تقوم الساعة ، ويكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش».
    __________________
    (1) ـ لفظ البخاري (كتاب الأحكام ، باب ما قبل آخره ، 9 / 101) : «يكون اثنا عشر أميرا ـ فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي إنّه قال : ـ كلهم من قريش».
    وأما مسلم فرواه بألفاظ مختلفة قريبة من المعنى : كتاب الإمارة ، باب الناس تبع لقريش ... ، 3 / 1452 ـ 1453 ، ح 4 ـ 10.
    وقد خرّج مسانيد الحديث مستوفى في ملحقات إحقاق الحق : 13 / 1 ـ 84.
    (2) ـ لم أعثر بهذا اللفظ في البخاري أو مسلم. وورد في كمال الدين : باب (24) ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في النص على القائم عليه‌السلام ... ، 273 ، ح 21. الخصال : ابواب الاثنا عشر ، ح 29 ، 2 / 473.
    (3) ـ كذا في النسخ ، الأظهر كونه خطأ ، والصحيح «ابن عيينة» وهو سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي من مشايخ الرواة المشهورين.
    والحديث رواه مسلم (الصفحة السابقة ، ح 6) عن ابن أبي عمر ، عن سفيان ، عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة. ورواه أحمد في المسند (5 / 97 ـ 98 و 101) بلفظ «لا يزال هذا الأمر ماضيا حتى يقوم اثنا عشر أميرا».
    (4) ـ عامر بن سعد بن أبي وقّاص روى عن أبيه واسامة بن زيد وعائشة وأبي هريرة وجابر بن سمرة. مات سنة أربع ومائة. راجع طبقات ابن سعد : 5 / 167. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال : 184. سير أعلام النبلاء : 4 / 349.
    والحديث في مسلم : الباب السابق ، ح 10 ، 3 / 1453.

    وفي رواية عامر الشعبى (1) : «لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلى اثنا عشر خليفة».
    وفي مسند أحمد بن حنبل (2) عن مسروق (3) قال : كنّا مع عبد الله جلوسا في المسجد يقرأ بنا ، فأتاه رجل فقال : «يا بن مسعود ـ هل حدّثكم نبيّكم كم يكون من بعده خليفة»؟
    قال : «نعم ؛ كعدّة نقباء بنى إسرائيل».
    وروى أبو عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد الدوريستي (4) منهم مرفوعا عن ابن عباس(5) ـ قال : ـ سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين حضرته
    __________________
    (1) ـ عامر بن شراحيل الشعبي معروف من مشايخ الرواة ، مات بعد المائة. راجع طبقات ابن سعد : 6 / 246. المعارف : 449. سير أعلام النبلاء : 4 / 294. تقريب التهذيب : 1 / 387.
    والحديث في مسلم : الصفحة السابقة ، ح 9.
    (2) ـ المسند : 1 / 406 ، وما يقرب منه في 1 / 398.
    (3) ـ مسروق بن الأجدع بن مالك من أعلام العامة ، روى عن جمع من الصحابة وحكى ابن سعد أنه مات سنة ثلاث وستين. راجع طبقات ابن سعد : 6 / 76 ـ 84. سير أعلام النبلاء : 4 / 63. المعارف : 432. حلية الأولياء : 2 / 95. تاريخ بغداد : 13 / 232. اسد الغابة : 4 / 380 الترجمة : 4863.
    (4) ـ قال منتجب الدين في فهرسته (ص 37. الترجمة : 67) : «الشيخ الجليل أبو عبد الله جعفر بن محمد الدوريستي ، ثقة ، عين ، عدل ؛ قرأ على شيخنا المفيد ... وعلى السيد الأجل المرتضى ـ قدس الله أرواحهم ـ وله تصانيف ...». راجع أيضا معجم الرجال : 4 / 103 و 126.
    (5) ـ الحديث حكاه الطبرسي في أعلام الورى (الركن الرابع ، القسم الأول ، الفصل الأول في ذكر بعض الأخبار التي جاءت في النص على عدد الأئمة الاثنا عشر من الأئمة من طريق العامة ... ، 365) قال : «ومما ذكره الشيخ أبو عبد الله جعفر بن محمد بن أبي أحمد الدوريستي في كتابه في الرّد على الزيديّة ، قال : أخبرني أبي ، قال : أخبرني الشيخ ـ

    الوفاة ، فقلت : «إذا كان ما نعوذ بالله منه ، فإلى من»؟
    فأشار إلى عليّ عليه‌السلام فقال : «إلى هذا ، فإنّه مع الحقّ والحقّ معه ؛ ثمّ يكون من بعده أحد عشر إماما مفترضة طاعتهم بطاعته (1)».
    وعن عائشة (2) أنها سئلت : «كم خليفة يكون لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟ فقالت : «أخبرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه يكون بعده اثنا عشر خليفة».
    ـ قال : ـ فقلت لها : «من هم»؟
    فقالت : «أسماؤهم عندي مكتوبة بإملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».
    فقلت لها : «فأعرضيه». فأبت.
    وعن العباس بن عبد المطلب (3) أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال له : «يا عمّ ـ يملك من ولدي اثنا عشر خليفة ، ثمّ يكون امور كريهة وشدائد عظيمة ؛ ثمّ يخرج المهدي من ولدي يصلح الله أمره في ليلة ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت جورا ، ويمكث في الأرض ما شاء الله ، ثمّ يخرج الدجّال».
    __________________
    ـ أبو جعفر بن بابويه ، قال : حدثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه ، عن عمّه ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن خلف بن حمّاد الأسدي ، عن الأعمش ، عن عباية بن ربعي ، عن ابن عباس ، قال : سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين حضرته وفاته ...».
    والظن الغالب أن الكتاب (الرد على الزيدية) لم يكن بيد المؤلف وأنّه ينقل الأحاديث الثلاثة الآتيات منه اعتمادا على ما رواه الطبرسي ؛ ثم الأظهر أنّ هذا الحديث مسند ـ كما ترى ـ وليس بمرفوعة ؛ وأنّ رواته ليسوا من العامة ـ على ما هو معروف عنهم ـ وإن أورده الدوريستي ضمن الروايات المروية عنهم.
    (1) ـ كذا. وفي أعلام الورى : «كطاعتي».
    (2) ـ إعلام الورى : الصفحة السابقة ، عن كتاب الدوريستي المذكور.
    (3) ـ عن الكتاب المذكور.

    وقد استفاض هذا النقل وأمثاله في كتب العامّة (1). وأمّا عندنا فقد بلغ حدّ التواتر بنصوص واضحة جليّة مفصّلة لا شكّ فيها (2) ، وقد نصّ كلّ منهم ـ صلوات الله عليهم ـ على لاحقه ، وأخبر أصحابه بإمامته واسمه وصفته ، وقد ثبت طهارتهم وصدقهم جميعا عند معتبري أهل الإسلام كافّة ، وهذا من أدلّ الدلائل على حجّيتهم دون غيرهم ممّن اختلف في فضله وحاله ، وكذلك عصمتهم ثابتة عندنا ، وولايتهم لله ، وشرفهم وفضلهم وحجيّتهم معلومة من التتبّع لآثارهم ومعارفهم بحيث لا يبقى للشك مجال.
    * * *
    قال الشيخ الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه القمي ـ رحمه‌الله ـ في إكمال الدين وإتمام النعمة (3) :
    «ومن أوضح الأدلّة على الإمامة أنّ الله عزوجل جعل آية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه أتى بقصص الأنبياء الماضين عليهم‌السلام وبكلّ علم توراة وإنجيل وزبور ، من غير أن يكون يعلم الكتابة ظاهرا ، أو لقي نصرانيّا أو يهوديّا ، فكان ذلك أعظم آياته.
    وقتل الحسين بن عليّ عليه‌السلام وخلّف علي بن الحسين عليه‌السلام
    __________________
    (1) ـ راجع الأحاديث وتخريجاتها في ملحقات الإحقاق : 13 / 1 ـ 74. معجم أحاديث المهدي عليه‌السلام : ج 1.
    (2) ـ راجع البحار : أبواب النصوص على أمير المؤمنين والنصوص على الأئمة الاثنا عشر عليهم‌السلام : 36 / 192 ـ 418. عوالم العلوم : الجزء الثالث من المجلد الخامس عشر 33 ـ 313.
    وغيرهما من المصادر.
    (3) ـ كمال الدين : مقدمة المؤلف ، أجوبة النوبختي عن المخالفين : 91.

    متقارب السنّ ـ كانت سنّة أقلّ من عشرين سنة ـ ثمّ انقبض عن الناس فلم يلق أحدا ولا كان يلقاه إلّا خواصّ أصحابه ، وكان في نهاية العبادة ولم يخرج عنه من العلم إلّا يسيرا لصعوبة الزمان وجور بني اميّة ـ.
    ثمّ ظهر ابنه محمّد بن عليّ المسمّى بالباقر عليه‌السلام لفتقه العلم ، فأتى من علوم الدين والكتاب والسنّة والسير والمغازي بأمر عظيم.
    وأتى جعفر بن محمّد عليه‌السلام من بعده من ذلك بما كثر وظهر ، فلم يبق فنّ من فنون العلم إلّا أتى فيه بأشياء كثيرة ، وفسّر القرآن والسنن ، ورويت عنه المغازي وأخبار الأنبياء من غير أن يرى هو وأبوه ـ محمّد بن عليّ أو عليّ بن الحسين عليه‌السلام عند أحد من رواة حديث العامّة أو فقهائهم يتعلّمون منهم شيئا ، وفي ذلك أدلّ دليل على أنّهم إنّما أخذوا ذلك العلم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ عن عليّ عليه‌السلام ، ثمّ عن واحد واحد من الأئمّة عليهم‌السلام.
    وكذلك جماعة الأئمّة عليهم‌السلام هذه سنّتهم في العلم ؛ يسألون عن الحلال والحرام فيجيبون جوابات متّفقة ، من غير أن يتعلّموا ذلك من أحد من الناس.
    فأيّ دليل أدلّ من هذا على إمامتهم ، وأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نصبهم وعلّمهم وأودعهم علمه وعلوم الأنبياء عليهم‌السلام قبله ؛ وهل رأينا في العادات من ظهر عنه مثل ما ظهر عن محمّد بن علي وجعفر بن محمّد عليه‌السلام من غير أن يتعلّموا ذلك من أحد من الناس»؟ ـ انتهى كلامه ـ.

    * * *
    * وأمّا النصوص الواردة في فضائلهم ومناقبهم ، فأكثر من أن تحصى وأشهر من أن تخفى ، وسنأتي بطرف منها في باب على حدة إن شاء الله.
    قال عليّ بن عيسى الإربلي ـ رحمه‌الله ـ (1) بعد نقل نبذ من أخبار خلافتهم :
    «ولا يقدح في ذلك كونهم ـ صلوات الله عليهم ـ منعوا من الخلافة ، وعزلوا عن المنصب الذي اختارهم الله له ، واستبدّ به دونهم ، إذ لم يقدح في نبوّة الأنبياء تكذيب من كذّبهم ، ولا وقع الشكّ فيهم لانحراف من انحرف عنهم ، ولاشوّه وجوه محاسنهم تقبيح من قبّحها ، ولا نقّص شرفهم خلاف من عاندهم ونصب لهم العداوة ، وجاهرهم بالعصيان.
    وقد قال أمير المؤمنين عليه‌السلام (2) : «وما على المؤمن من غضاضة في دينه أن يكون مظلوما ـ ما لم يكن شاكّا في دينه ، ولا مرتابا بيقينه».
    وقال عمّار بن ياسر ـ رضي الله عنه ـ في أيّام صفّين (3) :
    __________________
    (1) ـ كشف الغمّة : في ذكر الإمامة وكونهم خصّوا بها : 1 / 58.
    (2) ـ نهج البلاغة : الكتاب 28. بلفظ : «وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ...»
    (3) ـ وقعة صفين لنصر بن مزاحم : 322. السعف : أغصان النخلة. وقيل : ورقها.
    هجر : بلد بالبحرين موصوفة بكثرة النخيل ، وبها يضرب المثل ، وجاء في كتاب أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى معاوية (نهج البلاغة : الكتاب : 28) : «فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر». وإنما خصّها بالذكر لبعدها.
    راجع أيضا معجم البلدان : هجر ، 4 / 952 ـ 953.

    «والله ـ لو ضربونا حتّى يبلغونا سعفات هجر ، لعلمنا أنّا على الحقّ ، وأنّهم على الباطل».
    ـ وهذا واضح بحمد الله لمن تأمّله».
    وسيأتى له مزيد تحقيق وتبيان إن شاء الله ((1)
    __________________
    (1) ـ كتب المؤلف هنا فصلا كاملا ثم أعرض عنه وأسقط الورقة المكتوب عليها من النسخة.
    وحيث أن هذا الفصل كانت موجودة في المطبوعة الحجرية من الكتاب رأينا الإتيان بها لازما على ما هو سياق عملنا في هذا الطبع ، والفصل ما يلي :
    فصل
    قال بعض أهل التحقيق :
    (ـ لم أعثر على القائل ، غير أن السيد حيدر الآملي أيضا أورده في كتابه جامع الأسرار (240 ـ 241) حاكيا عن بعض الفضلاء ـ على حد تعبيره ـ ولعل المؤلف أيضا حكى عنه ، ويوجد بينهما اختلافات في ضبط الأسامي لم نتعرض لها.) «اعلم أنّ أصحاب الشريعة من لدن آدم إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ستّة ، كلّ واحد منهم جاء بشريعة واحد مدّة ، فالاولى فاتحته والآخر خاتمته ، وما بينهما ينسخ الاولى الأخير ليعود الخاتمة فاتحة ، والفاتحة خاتمة ، وإلى ذلك أشار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله باستدارة الزمان وهو قوله (ـ لفظ الحديث : «إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ...».
    البخاري : كتاب بدء الخلق ، باب ما جاء في سبع أرضين ، 4 / 130. كتاب التفسير ، سورة براءة ، 6 / 83. مسلم : كتاب القسامة ، باب تغليظ تحريم الدماء ... ، 3 / 1305 ، ح 29. أبو داود : كتاب المناسك ، باب الأشهر الحرم : 2 / 195 ، ح 1947. المسند : 5 / 37 و 73.) : «قد استدار الزمان كهيئته يوم خلق الله فيه السماوات والأرض».
    فالستّة : آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد ـ صلوات الله عليهم أجمعين.

    __________________
    ـ وإنّه لكلّ واحد منهم من الأوصياء المتواصلين به في الأزمنة المتباعدة والمتقاربة اثنا عشر وصيّا ؛ يحفظون كلمته ويقيمون شريعته ، ما دام التكليف باقيا.
    والوصيّ هو الحجّة بعد ذلك النبيّ ، والإمام الناطق بتأويل الكتاب الصامت ، يحفظ الشريعة ، ويقيم الحدود ، ويسدّ الثغور ، ويقصّر يد الظالم عن المظلوم.
    فالشريعة الفاتحة لآدم عليه‌السلام ، وأوصياؤها اثنا عشر وصيّا ؛ وهم : شيث ، هابيل ، قينال ، ميسم ، شميسم ، قادس ، قيدق ، ايمنح ، إينوخ ، إدريس ، دينوخ ، ثاخور.
    الشريعة الثانية لنوح عليه‌السلام ، واوصياؤها اثنا عشر ، وهم : سام ، يافث ، ارشخ ، فرشخ ، فاقو ، شالح ، هود ، صالح ، ديمنح ، معدل ، وريخا ، هجان.
    الشريعة الثالثة لإبراهيم عليه‌السلام ، وأوصياؤها اثنا عشر وصيّا ، وهم : إسماعيل وإسحاق ويعقوب ، يوسف ، إيلون ، إيتم ، أيّوب ، زينون ، دانيال الأكبر ، إينوخ ، اناخا ، ميدخ.
    الشريعة الرابعة لموسى عليه‌السلام ، وأوصياؤها اثنا عشر ، وهم : يوشع ، عروف ، فيدوف ، عزير ، اريسا ، داود ، سليمان ، آصف ، اتواخ ، منيقا ، ارون ، واعث.
    الشريعة الخامسة لعيسى عليه‌السلام ، وأوصياؤها اثنا عشر وصيّا ، وهم : شمعون ، عروف ، فيدق [فيدوف] ، عبير [عسير] ، زكريّا ، يحيى ، اهدى ، مشحا ، طالوت ، قسّ ، استين ، بحيرا الراهب.
    الشريعة السادسة لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأوصياؤها اثنا عشر وصيّا ، وهم : أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، الحسن الزكيّ ، الحسين الشهيد ، عليّ زين العابدين ، محمّد الباقر ، جعفر الصادق ، موسى الكاظم ، عليّ بن موسى الرضا ، محمد التقيّ ، عليّ النقيّ ، الحسن العسكريّ ، المهدي القائم ، وبه ختمت الأوصياء ، وعددهم : اثنان وسبعون وصيّا لستّة أنبياء مرسلين.

    وفي كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة (1) : «إنّ الرسل الذين تقدموا قبل عصر نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله كان اوصياؤهم أنبياء ، فكلّ وصيّ قام بوصيّة حجة تعدّمه ـ من وفات آدم عليه‌السلام إلى عصر نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كان نبيّا ... وأوصياء نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكونوا أنبياء ، لأنّ الله ـ عزوجل ـ جعل محمّدا خاتما لهذا الاسم كرامة له وتفضيلا».
    __________________
    فإن حصل بين الوصيّ المتّصل بالنبيّ بالله فترة من الزمان إلى وصيّ آخر ، حفظ ذلك الوصيّة الرجال المؤمنون بشريعة ذلك النبي عليه‌السلام وإيمان ذلك الوصيّ ؛ ولا يزالون ينقلونها سرّا إلى أن يظهرها الله جهرا ؛ لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ولو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد ، لطوّل الله ـ تعالى ـ ذلك اليوم ، ليخرج رجلا من ولدى اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، يملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت جورا وظلما.
    (1) ـ مقدمة المصنف : 26.

    [7]
    باب
    أخذ ميثاق النبيّين لنبيّنا
    والبشارة به قبل ظهوره صلى‌الله‌عليه‌وآله
    (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) [3 / 81]
    فصل [1]
    [ما ذا اخذ عليه الميثاق]
    إنّ الله عزوجل أخذ العهود على الأنبياء عليهم‌السلام أنّ من أدرك محمّدا يؤمن به وينصره ، ومن لم يدركه فليخبر قومه عن صفته ، ويلقي إليهم نعته ويأمرهم باتّباعه ونصره ، فإن لم يدركه أحد منهم فليوص به من بعده ، كوصيّة من سبقه ، وهلم جرّا ـ كما مرّ بيانه مفصّلا في حديث اتّصال الوصيّة ـ وذلك لئلا يقع لبس في أمره ، ولا يرتاب من أدرك نبوّته في صفته وفي قوله ـ سبحانه ـ : (وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) تشديد للتأكيد من الله ـ تعالى ـ وتوثيق للميثاق والعهد بعد إقرارهم.

    قيل : «فأشهدوا» على أنفسكم ، أو على اممكم ، «وأنا شاهد عليكم» ، أو لكم عليهم ، بتبليغكم وإقرارهم على أنفسهم بقبول رسالتكم ؛ وهذا غاية التعظيم لشرفهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونهاية التشديد عليهم بتصريحه بشهادة نفسه الكريمة المقدّسة على هذه المواثيق ومخاطبة أنبيائهم بهذا ، وكذا أخذ الميثاق منهم بولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام والأئمّة من ولده عليهم‌السلام كما ورد في الأخبار المستفيضة :
    ففي بصائر الدرجات (1) بإسناده عن مولانا الكاظم عليه‌السلام ـ قال : ـ «ولاية عليّ مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ، ولم يبعث (2) الله رسولا إلّا بنبوّة محمّد ، ووصيّة عليّ».
    وبأسانيده (3) المتعدّدة عنهم عليهم‌السلام : «ما نبّئ نبيّ قطّ إلّا بمعرفة حقّنا وتفضيلنا (4) على من سوانا».
    وبأسانيده المتعدّدة (5) عنهم عليهم‌السلام : «ولايتنا ولاية الله الّتي لم يبعث نبيّا قطّ إلّا بها».
    __________________
    (1) ـ بصائر الدرجات : الجزء الثاني ، باب (Cool ما خصّ الله به الأئمّة من آل محمد عليهم‌السلام من ولاية الأنبياء لهم ... ، 72 ، ح 1. عنه البحار : 26 / 280 ، ح 24.
    (2) ـ في المصدر والبحار : «لن يبعث». ولا يخلو عن تكلف.
    (3) ـ بصائر الدرجات : باب (9) آخر في ولاية الأئمة عليهم‌السلام ، 74 ـ 75 ، ح 1 ـ 5.
    عنه البحار : 26 / 281 ، ح 29. كنز الفوائد : 259. عنه البحار : 18 / 299.
    (4) ـ في المصدر والبحار : بفضلنا.
    (5) ـ بصائر الدرجات : الباب السابق ، 75 ، ح 6 ـ 9. عنه البحار : 26 / 281 ، ح 30 ـ 33.
    أمالي المفيد : المجلس السابع عشر ، ح 9 ، 142. عنه البحار : 100 / 262 ، ح 15.
    أمالي الطوسي : المجلس السادس والثلاثون ، ح 19 ، 671.

    وفي كتاب التوحيد (1) بإسناده عن داود الرقّي (2) قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوله ـ عزوجل ـ : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) [11 / 7] فقال لي : «ما يقولون في ذلك»؟
    قلت : «يقولون : إنّ العرش كان على الماء ، والربّ فوقه».
    فقال : «كذبوا ؛ من زعم هذا فقد صيّر الله محمولا ، ووصفه بصفة المخلوقين ، ولزمه أنّ الشيء الذي يحمله أقوى منه».
    قلت : «بيّن لي ـ جعلت فداك ـ».
    فقال : «إنّ الله ـ عزوجل ـ حمّل دينه وعلمه الماء ، قبل أن يكون أرض أو سماء ، أو جنّ أو إنس ، أو شمس أو قمر ؛ فلمّا أراد أن يخلق الخلق نثرهم بين يديه ، فقال لهم : «من ربّكم»؟ فكان أوّل من نطق رسول الله وأمير المؤمنين والأئمّة ـ صلوات الله عليهم ـ فقالوا : «أنت ربّنا» ؛ فحمّلهم العلم والدين. ثمّ قال للملائكة : «هؤلاء حملة علمي وديني ، وامنائي في خلقي ، وهم المسئولون». ثمّ قيل لبني آدم : «أقرّوا لله بالربوبيّة ، ولهؤلاء النفر بالطاعة». فقالوا : «نعم ـ ربّنا أقررنا». فقال للملائكة : «أشهدوا». فقالت الملائكة : «شهدنا على أن لا تقولوا : (إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ* أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً
    __________________
    (1) ـ التوحيد : باب معنى (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ») ، 319 ، ح 1. عنه البحار : 3 / 334 ، ح 45. و 26 / 277 ، ح 19. الكافي : كتاب التوحيد ، باب العرش والكرسي ، 1 / 132 ـ 133 ، ح 7. عنهما البحار : 57 / 95 ، ح 80.
    (2) ـ داود بن كثير الرقي ، عده الشيخ (الرجال : 190 ، رقم 9 ، و 349 ، رقم 1) من أصحاب الصادق والكاظم عليهما‌السلام ؛ ضعفه النجاشي وابن الغضائري ، ووثقه الشيخ والعلامة وآخرون. راجع النجاشي : 156 ، الترجمة 410. معجم رجال الحديث : 7 / 122. تنقيح المقال : 1 / 414 ، رقم 3861. اختيار معرفة الرجال : 402.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: علم اليقين في اصول الدين ج1   علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Emptyالأربعاء أكتوبر 30, 2024 4:59 pm

    بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) [7 / 172 ـ 173] ؛ يا داود ، ولايتنا مؤكّدة عليهم في الميثاق».
    وفي إكمال الدين (1) بإسناده عن مولانا الصادق عليه‌السلام :
    «إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ علّم آدم أسماء حجج الله كلّها (ثُمَّ عَرَضَهُمْ) وهم أرواح (عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) بأنّكم أحقّ بالخلافة في الأرض لتسبيحكم وتقديسكم من آدم ؛ (قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ* قالَ) الله ـ تبارك وتعالى ـ : (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) وقفوا على عظيم منزلتهم عند الله تعالى ذكره ، فعلموا أنّهم أحقّ بأن يكونوا خلفاء الله في أرضه ، وحججه على بريّته ، ثمّ غيّبهم عن أبصارهم واستعبدهم بولايتهم ومحبّتهم و (قالَ) لهم : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) [2 / 31 ـ 33].
    والأخبار في هذه المعاني كثيرة جدّا.
    * * *
    __________________
    (1) ـ كمال الدين : المقدمة ، 14. عنه البحار : 11 / 145 ، ح 15. و 26 / 283 ، ح 38.

    فصل [2]
    [البشائر على النبيّ قبل ولادته وبعثته]
    وقد جاءت الأخبار في كتب الله المنزلة ممّا دلّ على شرف نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلوّ قدره والتنويه بأوصافه على ثبوت نبوّته ، إذا آن ظهوره ليتحقّق أهل زمانه صحّة ما جاء به بما تعاقب واستفاض عندهم وتداولوه في كتبهم ملّة بعد ملّة ، وقرنا بعد قرن ، و (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) ـ وذلك كثير جدّا ـ
    وقد ورد في بعض الأقوال (1) في تفسير قوله تعالى : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) [10 / 94] أنّ معناه «إن كنت في شكّ ممّا شرّفناك به ، فاسألهم عن صفتك في الكتب وتشريفاتك».
    أي أنّ الكتب دالّة على علوّ مكانك عندنا ، وهي مشحونة بأوصافك الشاهدة بصدقك في دعوى نبوّتك وعموم رسالتك.
    وقال ـ عزوجل ـ : (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [61 / 6].
    وعن ابن عبّاس ـ قال ـ : أوحى الله ـ تعالى ـ إلى عيسى بن مريم عليه‌السلام : «يا عيسى ـ آمن بمحمّد ، وأمر من أدركه من أمّتك أن يؤمنوا به ؛
    __________________
    (1) ـ راجع تفسير الطبري : 11 / 115.

    فلولا محمّد ما خلقت آدم ، ولو لا محمّد ما خلقت الجنّة والنار».
    وقال تعالى : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) [7 / 157].
    وفي الدر النظيم (1) :
    فصل [3]
    في البشائر به صلى‌الله‌عليه‌وآله :
    من ذلك (2) بشائر موسى عليه‌السلام في السفر الأوّل (3). وبشائر إبراهيم عليه‌السلام
    __________________
    (1) ـ لم أعثر على الكتاب أو على مؤلفه. وقد ذكر صاحب كشف الظنون (1 / 736) : الدر النظيم في تفسير القرآن الكريم ، للشيخ تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي المتوفى سنة 756. والدر النظيم المرشد إلى مقاصد القرآن العظيم ، في التفسير للشيخ مجد الدين أبي طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي الشيرازي ، المتوفى سنة 817. والدر النظيم في خواص القرآن العظيم ، للشيخ أبي عبد الله بن سهل الخزرجي المعروف بابن الخشّاب اليميني ، المتوفى سنة 567.
    وذكر صاحب الذريعة (8 / 86) الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم. للشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي ، تلميذ المحقق الحلي. وذكروا كتبا اخرى بهذا الاسم أيضا مما الّف بعد الفيض ـ قدس‌سره ـ أو لا يلائم موضوعه مع النص المنقول هنا.
    وقد أورد ابن شهرآشوب ـ قدس‌سره ـ النصّ بلفظه في المناقب : باب ذكر سيدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : 1 / 13 ـ 14 من غير نسبة إلى كتاب ، لكن تطابق الألفاظ دالة على وحدة المصدر. ثم الأظهر أن ما يلي من العنوان (فصل) محكي ما في المصدر ، ولكن لعدم عثورنا عليه ذكرناه كعنوان لهذا الكتاب أيضا.
    (2) ـ صدر هذا الفصل ـ إلى قوله : وقيل ـ مقتبس عن مناقب ابن شهرآشوب : 1 / 13 ـ 14.
    (3) ـ لعله يشير إلى ما جاء في سفر التكوين ، الفصل 17 ، الآية 20 ـ 21.

    في السفر الثاني. وفي السفر الخامس عشر (1) ، وفي الثالث والخمسين من مزامير داودعليه‌السلام.
    ومنها بشائر : عويديا (2) وحبقوق (3) وحزقيل ودانيال وشعيا (4).
    وقال داود في زبوره (5) : «اللهم ابعث مقيم السنّة بعد الفترة».
    وقال عيسى عليه‌السلام في الإنجيل (6) : «إنّ البرّ ذاهب والبارقليطا جاء من بعده ، وهو يخفّف الآصار ويفسّر لكم كلّ شيء ، ويشهد لي كما شهدت له ، أنا جئتكم بالأمثال ، وهو يأتيكم بالتأويل».
    وكان كعب بن لؤيّ بن غالب (7) يجتمع الناس إليه في كلّ جمعة وكانوا يسمّونها «عرّوبة» ، فسمّاه كعب «يوم الجمعة» ؛ وكان يخطب
    __________________
    (1) ـ كذا في النسخة والمناقب ، ولعل كلمة «عشر» زائدة ، والصحيح : «السفر الخامس» كما هو في تفسير الفخر الرازي أيضا ، والإشارة إلى ما جاء في السفر الخامس ، الفصل 18 ، الآية 15. وأيضا : السفر الخامس ، الفصل 33 ، الآية 2 ـ 3.
    (2) ـ كذا في النسخة ، ولكن في العهد العتيق : عوبدياء.
    (3) ـ لعله إشارة إلى ما جاء في الباب الثالث من كتاب حبقوق النبي.
    (4) ـ لعله إشارة إلى ما جاء في كتاب أشعياء النبي : الفصل 60 ، الآية 1 ـ 7.
    (5) ـ كذا في المناقب ولم أعثر عليه ، ولا يخفى أن الكتب الموجودة الآن تختلف كثيرا في المضامين والتقسيمات مع ما كانت بأيدي المتقدمين على ما يظهر من منقولاتهم من هذه الكتب ، راجع أيضا تفسير الفخر الرازى : 3 / 36 ـ 38.
    (6) ـ راجع إنجيل يوحنا : الإصحاح 14 ، الآية 17 و 26 و 29. والإصحاح 16 ، الآية 7 ـ 13.
    (7) ـ أحد آباء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنه : محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ بن كلاب بن مرة بن كعب بن لو بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة ؛ راجع سيرة ابن هشام : 1 / 1 وأنساب الأشراف : 1 / 41.

    فيه بالناس ، ويذكر خبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (1) ـ انتهى كلامه (2) ـ.
    قيل (3) : وفي الفصل الحادي عشر من السفر الخامس من التوراة : «إنّ الربّ إلهكم قال : إنّي اقيم لهم نبيّنا مثلك من أحبّهم ، وأجعل كلامي على فمه ، وأيّما رجل لم يسمع كلماتي التي يرويها عنّي ذلك الرجل باسمي فإنّي انتقم منه».
    وفي الإسرائيليّات (4) : أوحى الله ـ تعالى ـ إلى عيسى عليه‌السلام : «اسمع قولي ، وأطع أمري ـ يا ابن الطاهرة البتول ـ فإنّي خلقتك من غير فحل وجعلتك آية للعالمين ؛ فإيّاى فاعبد ، وعليّ فتوكّل ، وخذ الكتاب بقوّة وبلّغ من بين يديك.
    أخبرهم أنّي أنا الله البديع الدائم الذي لا يزول ، صدّقوا النبيّ الاميّ الذي أبعث في آخر الزمان ، صاحب الجمل ، صاحب النسل والنسب ، الكثير الأزواج ، القليل الأولاد ؛ نسله من المباركة التي مع
    __________________
    (1) ـ قال السهيلي (الروض الانف : 1 / Cool : «وكعب بن لؤي هذا أول من جمع يوم العروبة ، ولم تسمّ العروبة جمعة إلا مذ جاء الإسلام ، ـ في قول بعضهم ـ وقيل : هو أول من سمّاها الجمعة ؛ فكانت قريش تجتمع إليه في هذا اليوم ، فيخطبهم ويذكرهم بمبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويعلمهم أنه من ولده ، ويأمرهم باتّباعه والإيمان به ، وينشد في هذا أبياتا ، منها قوله :
    يا ليتني شاهد فحواء دعوته
    إذا قريش تبغّي الحقّ خذلانا

    وقد ذكر الماوردي هذا الخبر في كتاب الأحكام له».
    (2) ـ يعني كلام صاحب الدر النظيم.
    (3) ـ حكاه الفخر الرازي (التفسير : 3 / 36) والذي يظهر أنه إشارة إلى ما جاء فى السفر الخامس ، الفصل 18 ، الآية 15. وهذا أيضا مؤيد لما أشرنا إليه أن التقسيمات في كتب العهدين الموجودة الآن تختلف مع ما كانت من هذه الكتب بأيدي القدماء.
    (4) ـ لم أعثر على مصدره ، ولكنه قريب المأخذ ـ كما ترى ـ مما يحكى بعده من كمال الدين.

    أمّك في الجنّة ، له منها ابنة لها فرخان يستشهدان ، دينه الحنيفيّة ، وقبلته يمانيّة ، وهو رحمة العرب والعجم ؛ له حوض أبعد من مكّة إلى أن تطلع الشمس ، فيه آنية عدد نجوم السماء ، له لون كلّ شراب في الجنّة ، وطعم كلّ ثمار الجنّة ، من شرب منه لم يظمأ أبدا ، يصفّ لي قدميه كما تصفّ الملائكة ، ويخشع لي قلبه ، النور من صدره ، والحقّ على لسانه ، تنام عيناه ولا ينام قلبه ، له تدّخر الشفاعة ، وعلى أمّته تقوم القيامة.
    * * *
    وفي إكمال الدين (1) بإسناده إلى عبد الله بن سليمان (2) ـ وكان قارئا للكتب ـ قال : «قرأت في الإنجيل : يا عيسى جدّ في أمري ولا تهزل ، واسمع وأطع يا ابن الطاهرة الطهر البكر البتول ، أنت من غير فحل ؛ أنا خلقتك آية للعالمين ، فإيّاي فاعبد ، وعليّ فتوكّل ؛ خذ الكتاب بقوّة ، فسّر لأهل السوريا السريانيّة ، بلّغ من بين يديك : إنّي أنا الله الدائم الذي لا أزول ، صدّقوا النبيّ الامّي صاحب الجمل والمدرعة (3) والتاج ـ وهي العامة ـ والنعلين والهراوة (4) ـ وهي القضيب ـ الأنجل العينين (5)
    __________________
    (1) ـ كمال الدين : باب بشارة عيسى عليه‌السلام بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 159 ، ح 18.
    أمالي الصدوق : المجلس السادس والأربعون ، 345 ـ 347 ، ح 10.
    عنه البحار : 16 / 144 ، ح 1. 14 / 284 ، ح 6.
    (2) ـ في بعض نسخ المصدر : حماد بن عبد الله بن سليمان. ولكن المنقول في البحار ونسخ علم اليقين مثل ما في المتن (عن حماد ، عن عبد الله بن سليمان) ؛ ولعله الأصح. ولم أعثر على ترجمته. واستظهر محقق المصدر أن الصحيح : حماد بن أبي سليمان.
    (3) ـ المدرعة : ثوب كالدراعة ، ولا تكون إلا من صوف.
    (4) ـ الهراوة : العصا.
    (5) ـ النجل : سعة العين ، فهو أنجل.

    الصلت الجبين (1) ، الواضح الخدّين ، الأقنى الأنف (2) ، مفلّج الثنايا (3) كأنّ عنقه إبريق فضّة ، كأنّ الذهب يجري في تراقيه ، له شعرات من صدره إلى سرّته ، ليس على بطنه ولا على صدره شعر ، أسمر اللون ، رقيق المسربة (4) ، شئن الكفّ (5) والقدم ، إذ التفت التفت جميعا ، وإذا مشى فكأنّما ينقلع من الصخر ، وينحدر من صبب ، وإذا جاء مع القوم بذّهم ؛ عرقه في وجهه كاللؤلؤ ، وريح المسك تنفح منه ، لم ير قبله مثله ولا بعده ؛ طيّب الريح ، نكّاح النساء ، ذو النسل القليل ؛ إنّما نسله من مباركة لها بيت في الجنّة ، لا صحب فيه ولا نصب ، يكفّلها في آخر الزمان كما كفّل زكريّا أمّك ، لها فرخان مستشهدان ، كلامه القرآن ودينه الإسلام ـ وأنا السلام ـ طوبى لمن أدرك زمانه وشهد أيّامه وسمع كلامه».
    قال عيسى : «يا ربّ وما طوبى»؟
    قال : «شجرة في الجنّة أنا غرستها بيدي (6) ، تظلّ الجنان ، أصلها من رضوان ، ماؤها من تسنيم ، برده برد الكافور ، وطعمه طعم الزنجبيل ؛ من يشرب من تلك العين شربة لا يظمأ بعدها أبدا».
    فقال عيسى عليه‌السلام : «اللهم اسقني منها»؟
    __________________
    (1) ـ الصلت الجبين : واسعة.
    (2) ـ أقنى الأنف : محدبه ، أي ارتفع وسط قصبة أنفه وضاق منخراه.
    (3) ـ مفلج الثنايا : منفرجها.
    (4) ـ السرب : الشعر وسط الصدر إلى البطن.
    (5) ـ شثنت كفّه : خشنت وغلظت.
    (6) ـ المصدر : ـ بيدي.

    قال : «حرام ـ يا عيسى ـ على البشر أن يشربوا منها حتّى يشرب ذلك النبيّ ، وحرام على الامم أن تشرب منها حتّى تشرب أمّة ذلك النبيّ ؛ أرفعك إليّ ، ثمّ أهبطك في آخر الزمان ، لترى من أمّة ذلك النبيّ العجائب ، ولتعينهم على اللعين ـ الدجّال ـ أهبطك في وقت الصلاة لتصلّي معهم ، إنّهم أمّة مرحومة».
    وقال في كشف الغمّة (1) : «وفي التوراة ما حكاه لي بعض اليهود ورأيته ـ أنا ـ في توراة معرّبة ، وقد نقله الرواة ـ أيضا ـ : «اسماعيل قبلت صلاته ، وباركت فيه وأنميته وكثّرت عدده بمادماد ـ معناه : محمّد ـ وعدد حروفه اثنان وتسعون حرفا (2) ، ساخرج اثنا عشر إماما ملكا من نسله ، واعطيه قوما كثير العدد» ـ وأوّل هذا الفصل بالعبري : لا شموعيل شمعيتخو (3)» ـ انتهى.
    وعن وهب بن منبه (4) قال : «قرأت في بعض الكتب المنزلة على بعض أنبياء بني إسرائيل : «أن قم في قومك ؛ فقل : يا سماء اسمعي ، ويا أرض أنصتي ، لأنّ الله يريد أن يقصّ على بني إسرائيل أنّي ربّيتهم
    __________________
    (1) ـ كشف الغمّة : ذكر آياته ومعجزاته : 1 / 21.
    (2) ـ م 40+ ح 8+ م 40+ د 4 92.
    (3) ـ المصدر : شمعيثوخو.
    (4) ـ وهب بن منبه تابعيّ معروف ، عالم بالإسرائيليات ، ولد زمن عثمان ، مات سنة عشر ومائة ، وقيل : أربع عشر ومائة ، وقيل سنة ثلاث عشرة.
    راجع سير أعلام النبلاء : 4 / 544. طبقات ابن سعد : 5 / 543. المعارف : 459. معجم الادباء : 19 / 259.

    بنعمتي وآثرتهم بكرامتي واخترتهم لنفسي ، وأنّ بني إسرائيل كانوا كالغنم الشاردة التي لا راعي لها فرددت شاردها ، وجمعت ضالّتها ، وداويت مريضتها ، وجبرت كسيرها ، وحفظت سمينها ، فلمّا فعلت ذلك لها بطرت ، فتناطح كباشها ، فقتل بعضها بعضا ؛ فويل لهذه الامّة الخاطئة وويل لها وللقوم الظالمين.
    إنّي قضيت يوم خلقت السماوات والأرض قضاء حتما ، وجعلت لها أجلا مؤجّلا لا بدّ منه ، فإن كانوا يعلمون الغيب فليخبروك متى حتمه وفي أيّ زمان يكون ذلك؟ فإنّي مظهره على الدين كلّه ، وليخبروك متى يكون هذا؟ ومن القيّم به؟ ومن أعوانه وأنصاره؟ إن كانوا يعلمون.
    فإنّي باعث بذلك رسولا من الاميّين ، ليس بفظّ ولا غليظ ، ولا صخّاب ، ولا عيّاب ولا مدّاح ، ولا قوّال للفحش والخنا ، اسدّده لكلّ جميل ، وأهب له كلّ خلق كريم ، أجعل التقوى شعاره ، والحكمة منطقه ، والصدق والوفاء طبيعته ، والعفو والمعروف خلقه ، والحقّ شريعته ، والعدل سيرته ، والإسلام ملّته.
    أرفع به من الوضيعة ، واغني به من العيلة ، واهدي به من الضلالة ، وأؤلف به بين قلوب متفرّقة وأهواء لي وإخلاصا لما جاء به رسولي الأعظم ، وألهمهم التسبيح والتقديس والتحميد في مساجدهم وصلواتهم ومنقلبهم ومثواهم.
    يخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء مرضاتي ، يقاتلون في سبيلي صفوفا ، ويصلّون لي قياما وركوعا وسجودا ، ويكبّروني على كلّ شرف ؛ رهبان الليل ، اسد النهار ـ ذلك فضلي اوتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم ـ».

    وفي بعض مزامير داود عليه‌السلام : «إنّ الله مظهر من صهيون إكليلا محمودا». وصهيون : العرب. والإكليل النبوّة ، ومحمود : محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.
    وفي مزمور آخر : «تقلّد ـ أيّها الجبّار ـ السيف ، فإنّ ناموسك وشرائعك مقرونة بهيبة يمينك ، وسهامك مسنونة ، والامم يخرّون تحتك.
    وفي مزمور آخر في صفته : «إنّه يجوز من البحر إلى البحر ، ومن لدن الأنهار إلى منقطع الأرض ، وإنّه يخرّ أهل الجزائر بين يديه على ركبهم ، وتلحسن أعداؤه التراب ، تأتيه الملوك بالقرابين ، وتسجد وتدين له الامم بالطاعة والاعتقاد ، لأنّه يخلص البائس والمضطهد ممّن هو أقوى منه ، وينقذ الضعيف الذي لا ناصر له ، ويرؤف بالضعفاء والمساكين ، وإنّه يعطي من كلّ ذهب بلاد شيئا ويصلّى عليه ويبارك في كلّ يوم ، ويدوم ذكره إلى الأبد».
    * * *
    وعن كعب الأحبار (1) : إنّ سليمان ـ على نبيّنا وعليه‌السلام ـ مرّ في مسيره إلى اليمن بمدينة طيّبة ، فقال لمن معه : «هذه دار هجرة نبيّ في آخر الزمان ، طوبى لمن آمن به وطوبى لمن اتّبعه وطوبى لمن اقتدى به».
    وإنّه مرّ بمكّة فقال : «هذه مخرج نبىّ عربيّ صفته كذا وكذا ، يعطي النصر على جميع من ناواه ، القريب والبعيد عنده في الحقّ سواء ، لا تأخذه في الله لومة لائم».
    فقالوا : «أيّ دين يدين به»؟ فقال : «بدين الحنيفيّة».
    __________________
    (1) ـ أورد المجلسي ـ قدس‌سره ـ ما يقرب منه (البحار : 14 / 83 ـ 84) عن تفسير الثعلبي ، عن كعب.

    قالوا : «كم بيننا وبين ظهوره»؟ قال : «زهاء ألف عام ، فليبلّغ الشاهد الغائب ، فإنّه سيّد الأنبياء وخاتم الرسل ، وأنّ اسمه مكتب (1) في زمرة الأنبياء».
    فلمّا فارق مكّة بكى البيت ؛ فأوحى الله ـ تعالى ـ إليه : «ما يبكيك»؟ فقال : «يا ربّ أنت أعلم ، هذا نبيّ من أنبيائك في قوم من أوليائك مرّوا بي ، فلم يهبطوا فيّ ، ولم يصلّوا عندي ، ولم يذكروك بحضرتي ، والأصنام تعبد حولي».
    فأوحى الله تعالى إليه : إنّي سوف أملؤك وجوها سجّدا ، وانزل فيك قرآنا جديدا ، وابعث منك نبيّا في آخر الزمان ـ أحبّ أنبيائي إليّ ـ وأجعل فيك عمّارا من خلقي يعبدونني ، وأفترض على عبادي فريضة يزفّون إليك زفيف النسور إلى أوكارها ، ويحنّون إليك حنين الناقة إلى ولدها والحمامة إلى بيضتها ، واطهّرك من الأوثان وعبدة الشيطان».
    فصل [4]
    [من البشائر بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله]
    وممّن بشّر به العالم الحكيم قسّ بن ساعدة الأيادى فإنّه قال (2) :
    __________________
    (1) ـ كذا في النسخة ، ولعل الصحيح : مكتوب.
    (2) ـ وردت أخبار قسّ في كتب التراجم والأدب ؛ وهذا الكلام من خطبة له رواها الجاحظ في البيان والتبيين (باب ذكر أسماء الخطباء والبلغاء : 1 / 308) والسجستاني في المعمّرون (ص 78). وتراه في كمال الدين : باب خبر قسّ : 167. كنز الكراجكي :
    255. البحار : 15 / 184 ، ح 8 ـ 9. 15 / 235 ، ح 56.

    «يحلف قسّ يمينا غير كاذبة ، أنّ لله دينا هو خير من الدين الذي أنتم عليه».
    وقسّ هذا هو أوّل من آمن بالبعث من أهل الجاهليّة ، وأوّل من توكّأ على عصا ؛ ويقال إنّه عاش ستّمائة سنة.
    وكان يعرف نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله باسمه ونسبه ، ويبشّر الناس بخروجه ، وكان يستعمل التقيّة ويأمر بها في خلال ما يعظ الناس ، وكان يتكلّم بما يخفى معناه على العوامّ ، ولا يستدركه ألّا الخواصّ.
    وترحّم عليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال (1) : «إنّه يحشر يوم القيامة أمّة واحدة (2)».
    * * *
    ومنهم : تبّع الملك (3). فإنّه بشّر به وانتظر لخروجه.
    __________________
    (1) ـ كمال الدين والبحار وكنز الكراجكي : الصفحة السابقة.
    (2) ـ في المصادر : أمّة وحده.
    (3) ـ التبابعة من ملوك اليمن ، قال المسعودي (مروج الذهب : الباب السادس والأربعون : 2 / 236) : «وقد كان لليمن ملوك لا يدعون بالتبابعة ممن تقدم وتأخّر منهم ، حتّى ينقاد إلى ملكهم أهل الشحر وحضرموت ، فحينئذ يستحقّ أن يسمّى تبّعا».
    وأمّا تبّع الأكبر : فهو تبّع بن الأقرن بن عمرو بن شمر بن افريقس ـ على قول المسعودي (2 / 209) ، ملك اليمن مائة سنة وثلاثا وخمسين سنة ، بعد أبيه الذي ملك بعد ينعم بن أبي يعفر ، وكان ملكا بعد أرخبعم بن سليمان النبي عليه‌السلام.
    راجع أيضا تاريخ الطبري : 1 / 566. والمعارف : 630.
    كمال الدين : باب خبر تبّع : 169.
    الكشاف : تفسير قوله تعالى ، (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) ، 4 / 279 ـ 280. أيضا مجمع البيان : 9 / 66.

    قال مولانا الصادق عليه‌السلام (1) : إنّه قد أخبر أنّه «سيخرج من هذه ـ يعنى مكّة ـ نبيّ يكون مهاجره يثرب» ، وقال : «أمّا أنا فلو أدركته لخدمته ولخرجت معه».
    * * *
    ومنهم سيف بن ذي يزن (2) ، فإنّه قال لعبد المطلب :
    إذا ولد بتهامة ، غلام بين كتفيه شامة ، كانت له الإمامة ، ولكم به الدعامة ، إلى يوم القيامة»
    ثمّ قال : «هذا حينه الذي يولد فيه ـ أو قد ولد ـ اسمه محمّد ؛ يموت أبوه وأمّه ، ويكفله جدّه وعمّه. وقد ولّداه سرارا ، والله باعثه جهارا ، وجاعل له منّا أنصارا ، ليعزّ بهم أولياءه ، ويذلّ بهم أعداءه ، يضرب بهم الناس عن عرض ، ويستفتح بهم كرائم الأرض ، يكسر الأوثان ويخمد النيران ، ويعبد الرحمن ويدحر الشيطان ؛ قوله فصل وحكمه عدل ، يأمر بالمعروف ويفعله ، وينهى عن المنكر ويبطله».
    * * *
    __________________
    (1) ـ كمال الدين : الباب السابق ، 170 ، ح 26. عنه البحار : 15 / 182 ، ح 6.
    (2) ـ سيف بن ذي يزن ، كان من ملوك اليمن في زمن عبد المطلب ، راجع أخباره في مروج الذهب : الباب الثالث والأربعون ، ذكر اليمن وملوكها : 2 / 203. كمال الدين : باب في خبر سيف بن ذي يزن ، 179 ، ح 32. عنه البحار : 15 / 188 ، ح 11.
    كنز الكراجكي : 82 ـ 84. دلائل النبوّة : باب ما جاء في إخبار سيف بن ذي يزن ... : 2 / 9 ـ 14. سيرة ابن هشام : 1 / 62 ـ 66.

    فصل [5]
    [بشارة بحيرا وأبو المويهب]
    وممّن عرفه بصفته ونعته ونسبه واسمه قبل ظهوره بالنبوّة ، وكان من المنتظرين لخروجه : بحيراء الراهب وأبو المويهب الراهب ، وغيرهما من أكابر الرهبان.
    وقد بصر به بحيرا في طريق الشام (1) ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله قد خرج إليه مع عمّه أبي طالب للتجارة ، وقد ظلّلته الغمامة ، فاستقبلته صومعة بحيرا ، فنزل تحت شجرة عظيمة ، قليلة الأغصان ليس لها حمل ، فاهتزّت وألقت أغصانها عليه وحملت من ثلاثة أنواع من الفاكهة ـ فاكهتان للصيف وفاكهة للشتاء ـ.
    فعرفه بحيرا بعلاماته ، وأضافه بطعام قليل ، فشبع منه رجال كثير ، ثمّ سأله عن نومه ويقظته وهيأته وجميع شأنه ، فأخبره صلى‌الله‌عليه‌وآله بجميع ذلك ؛ فوافق ـ ما عند بحيرا من صفته ـ التي عنده.
    فانكبّ عليه بحيرا يقبّل رجله ويقول : «يا بنيّ ـ ما أطيبك وأطيب ريحك ، يا أكثر النبيّين أتباعا ، يا من بهاء نور الدنيا من نوره ، يا من بذكره تعمر المساجد ، كأنّي بك قد قدت الأجناد والخيل الجياد ،
    __________________
    (1) ـ ما أورده ـ قدس‌سره ـ اقتباس مما جاء في كمال الدين : باب في خبر بحيرا الراهب : 182 ـ 188 ، ح 33. عنه البحار : 15 / 193.
    راجع أيضا سيرة ابن هشام : 1 / 180. دلائل النبوّة : باب ما جاء في خروج النبيّ مع أبي طالب حين أراد الخروج إلى الشام ... ، 2 / 24 ـ 29. الروض الانف : 1 / 205 ـ 207.

    وقد تبعك العرب والعجم طوعا وكرها ، وكأنّي باللات والعزّى قد كسّرتهما ، وقد صار البيت العتيق لا يملكه غيرك ، تضع مفاتيحه حيث تريد ، كم من بطل من قريش والعرب تصرعه ، معك مفاتيح الجنان والنيران ، معك الذبح الأكبر وهلاك الأصنام ، أنت الذي لا تقوم الساعة حتّى يدخل الملوك كلّها في دينك صاغرة قمئة (1)».
    فلم يزل يقبّل يديه مرّة ورجليه مرّة ، ويقول : «لئن أدركت زمانك لأضربنّ بين يديك بالسيف ضرب الزند بالزند ؛ أنت سيّد ولد آدم ، وسيّد المرسلين وإمام المتّقين وخاتم النبيّين. والله لقد ضحكت الأرض يوم ولدت فهي ضاحكة إلى يوم القيامة ـ فرحا بك ـ والله لقد بكت البيع والأصنام والشياطين ، فهي باكية إلى يوم القيامة ؛ أنت دعوة إبراهيم ، وبشرى عيسى ، أنت المقدّس المطهّر من أنجاس الجاهليّة».
    ثمّ التفت إلى أبي طالب فقال : «ما يكون هذا الغلام منك؟ فإنّي أراك لا تفارقه».
    فقال أبو طالب : «هو ابني».
    فقال : ما هو بابنك ، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون والده الذي ولّده حيّا ولا أمّ».
    فقال : «فإنّه ابن أخي ، وقد مات أبوه وأمّه حامل [ة] به ، وماتت أمّه وهو ابن ستّ سنين».
    فقال : «صدقت ـ هكذا هو ـ ولكن أرى لك أن تردّه إلى بلدة عن هذا الوجه ، فإنّه ما بقي على ظهر الأرض يهوديّ ولا نصرانيّ و
    __________________
    (1) ـ القميء : الذليل الصغير.

    لا صاحب كتاب إلّا وقد علم بمولد هذا الغلام ؛ ولئن رأوه وعرفوا منه ما قد عرفت أنا منه لابتغوه شرّا ، وأكثر ذلك هؤلاء اليهود».
    فقال أبو طالب : «ولم ذلك»؟
    قال : «لأنّه كائن لابن أخيك هذا النبوّة والرسالة ، ويأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى وعيسى».
    فقال أبو طالب : «كلّا ـ إن شاء الله لم يكن الله ليضيعه».
    وفي رواية اخرى (1) : ثم التفت إلى أبي طالب وقال :
    «أمّا أنت يا عمّ فارع فيه قرابتك الموصولة ، واحفظ فيه وصيّة أبيك ؛ فإنّ قريشا سيهجرك فيه ، فلا تبال ؛ وإنّي أعلم أنّك لا تؤمن به ظاهرا ، ولكن ستؤمن به باطنا.
    وولد تلده وسينصره نصرا عزيزا ، اسمه في السماوات : البطل الهاصر (2) والشجاع الأنزع ، منه الفرخين المستشهدين ، وهو سيّد العرب وربانيها (3) وذوقرنيها ؛ وهو في الكتب أعرف من أصحاب عيسى عليه‌السلام».
    فقال أبو طالب : «لقد رأيت ـ والله كلّ ـ الذي وصفه بحيرا وأكثر».
    * * *
    __________________
    (1) ـ كمال الدين : الباب السابق : 187 ، ح 35.
    (2) ـ الهاصر : الأسد الشديد الذي يفترس ويكسر.
    (3) ـ في كمال الدين : سيد العرب ورئيسها وذوقرنيها.

    وقال أبو المويهب ـ لمّا رآه في الشام (1) :
    «هذا والله نبيّ هذا الزمان ، سيخرج إلى قريب ، فيدعو الناس إلى شهادة أن لا إله إلّا الله ، فإذا رأيتم ذلك فاتّبعوه».
    ثمّ قال : «هل ولد لعمّه أبي طالب ولد يقال له عليّ»؟
    فقلنا (2) : «لا».
    قال : «إمّا أن يكون قد ولد أو يولد في سنته ، هو أوّل من يؤمن به نعرفه ، وإنّا لنجد صفته عندنا بالوصيّة ، كما نجد صفة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنبوّة ، وإنّه سيّد العرب وربانيها وذوقرنيها. يعطى السيف حقّه ، اسمه في الملأ الأعلى «عليّ» ، هو أعلى الخلائق يوم القيامة ـ بعد الأنبياء ـ ذكرا وتسمّيه الملائكة «البطل الأزهر المفلح (3)» ، لا يتوجّه إلى وجه إلّا أفلح وظفر ، والله لهو أعرف بين أصحابه في السماوات من الشمس الطالعة».
    * * *
    ومنهم ابن حوّاش الحبر (4) ، الذي أقبل من الشام فقال :
    «تركت الخمر والخمير ، وجئت إلى البؤس والتمور ، لنبيّ يبعث ، هذا أوان خروجه ، يكون مخرجه بمكّة ، وهذه دار هجرته ، وهو الضحوك القتّال ، يجتزي بالكسرة والتميرات ، ويركب الحمار العارى ، في
    __________________
    (1) ـ كمال الدين : باب خبر أبي المويهب : 190.
    (2) ـ أي رواة الحديث ، وهم كانوا مع النبي في السفر.
    (3) ـ في كمال الدين : المفلج ، لا يتوجه إلى وجه إلا أفلج وظفر.
    (4) ـ كمال الدين : باب خبر ابن حواش ، 198 ، ح 40.
    عنه البحار : 15 / 206 ، ح 24. 20 / 247 ، ح 15.

    عينه حمرة وبين كتفيه خاتم النبوّة ، يضع سيفه على عاتقه ، لا يبالي بمن لاقى ، يبلغ سلطانه منقطع الخفّ والحافر».
    فصل [6]
    وممن كان يعرف أمره وينتظر خروجه وخرج في طلبه طالبا للدين الحنيف : زيد بن عمرو بن نفيل ، وقد قتل في الطريق (1).
    وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّه يجيء يوم القيامة أمّة وحده».
    * * *
    ومنهم : سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ وقصّته مشهورة (2).
    * * *
    ومنهم : عبد المطّلب وأبو طالب. فإنّهما كانا من أعرف العلماء وأعلمهم بشأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانا يكتمان ذلك عن الجهّال وأهل الكفر والضلال ، وكانا يعظّمانه غاية التعظيم والإجلال (3).
    وكان عبد المطّلب يقول : «والله إنّ له لشأنا عظيما ، إنّي أرى أنّه سيأتي عليكم يوم وهو سيّدكم ، إنّي أرى غرّته غرّة تسود الناس». ثمّ
    __________________
    (1) ـ راجع أخباره وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه في كمال الدين : باب خبر زيد بن عمرو بن نفيل : 198 ـ 200 ، ح 41. سيرة ابن هشام : 1 / 224 ـ 232.
    (2) ـ كمال الدين باب خبر سلمان (قدس‌سره) ، 161 ـ 166 ، ح 21. سيرة ابن هشام : 214 ـ 222.
    وقد ورد أخبار سلمان في غير واحد من المراجع المعتبرة وأفرد المحدث النوري ـ ره ـ فيه كتابا سماه «نفس الرحمن في أخبار سلمان».
    (3) ـ كمال الدين : باب في خبر عبد المطلب وأبي طالب : 171 ـ 176.
    وجاء ما يقرب منه في سيرة ابن هشام : 1 / 168.

    وصّى بحفظه وحسن تربيته ومتابعته أبا طالب ، فقبل أبو طالب ذلك وأشهد الله عليه.
    قال الصدوق في إكمال الدين (1) :
    «إنّ أبا طالب كان مؤمنا ولكنّه يظهر الشرك ويسرّ الإيمان ليكون أشدّ تمكّنا من نصرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (2)».
    وروى بإسناده عن مولانا الصادق عليه‌السلام قال (3) : «إنّ أبا طالب أظهر الكفر وأسرّ الإيمان ، فلمّا حضرته الوفاة أوحى الله ـ عزوجل ـ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اخرج منها ، فليس لك بها ناصر». فهاجر إلى المدينة».
    وبإسناده (4) إلى الأصبغ بن نباتة قال : سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام
    __________________
    (1) ـ كمال الدين : الباب السابق : 174.
    (2) ـ كون أبي طالب مسلما مؤمنا بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من الواضحات التي لو لا بغض معاوية وشيعته لابنه أمير المؤمنين وإمام الموحّدين عليه‌السلام لم يتردد فيه أحد ، ولكن كثرة الحقد وثوران العناد وما وضع المخالفون فيه من الأحاديث والأقاويل المختلفة ألزم المحققين للخوض في هذا البحث ، فأوردوا فيه أبوابا مفصلة في الكتب المختلفة ، وأفرد البعض في ذلك كتابا مفردة ـ فجزاهم الله عنه خير جزاء المحسنين.
    راجع : البحار : 35 / 138 ـ 178. الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب للسيد فخّار بن معدّ الموسوي. الغدير : 7 / 330 و 8 / 3 ـ 29. أبو طالب مؤمن قريش. وغيرها. ولله در العلامة الأميني ـ قدس‌سره ـ حيث قال في هذا المقام (الغدير : 7 / 400) : «نعم ـ إنّ في أبي طالب سرّا لا يثبت إيمانه بألف دليل ، وإيمان غيره يثبت بقيل مجهول ودعوى مجردة».
    (3) ـ كمال الدين : الباب السابق ، 174 ، ح 31.
    (4) ـ نفس المصدر : ح 32.

    يقول : «والله ما عبد أبي ولا جدّي عبد المطّلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنما قطّ».
    قيل : «فما كانوا يعبدون»؟
    قال : «كانوا يصلّون إلى البيت على دين ابراهيم عليه‌السلام متمسّكين به».
    وفي درّ النظيم (1) عن الصادق عليه‌السلام : «نزل جبرئيل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمّد إنّ الله ـ عزوجل ـ يقرؤك السلام ويقول : إنّي قد حرّمت النار على صلب أنزلك ، وبطن حملك ، وحجر كفّلك».
    يعني : عبد الله وآمنة ، وأبا طالب ، وفاطمة بنت أسد.
    وفي كتاب بشارة المصطفى لشيعة المرتضى (2) بإسناده عن مفضّل بن عمر ، عن أبي عبد الله ، عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ قال ـ : «كان ذات يوم جالسا بالرحبة والناس حوله مجتمعون ، فقام إليه رجل ، فقال : «يا أمير المؤمنين إنّك بالمكان الذي أنزلك الله به ، وأبوك يعذّب بالنار».
    __________________
    (1) ـ لم أعثر علي الكتاب ـ كما ذكرت سابقا ـ. والحديث وارد في الكافي : كتاب الحجة ، باب مولد النبيّ ، 1 / 446 ، ح 21. معاني الأخبار : باب معنى تحريم النار على ... ، 136 ، ح 1. أمالي الصدوق : المجلس الثامن والثمانون ، ح 12 ، 703. عنهما البحار : 15 / 108 ، ح 52. الحجة على الذاهب إلى إيمان أبي طالب للفخار الموسوي :. واضيف فيه : «وأهل بيت آواك» عنه البحار : 35 / 109 ، ح 36. وجاء في معاني الأخبار (باب معنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما أظلت الغبراء ... : 179 ، ح 1) عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أتاني جبرئيل عليه‌السلام فقال : إن الله عزوجل حرم النار على ظهر أنزلك ، وبطن حملك ، وثدي أرضعك ، وحجر كفلك».
    (2) ـ بشارة المصطفى : 249. أمالي الطوسي : المجلس الأربعون ، ح 2 ، 701. الاحتجاج : 1 / 546. كنز الفوائد : 80. البحار : 35 / 69 ، ح 3 و 110 ، ح 39.

    فقال له : «مه ـ فضّ الله فاك ـ والذي بعث محمّدا بالحقّ لو شفّع أبي في كلّ مذنب على وجه الأرض لشفّعه الله ـ تعالى ـ فيهم ؛ لأبي يعذّب بالنار وابنه قسيم النار»!؟
    ثمّ قال : «والذي بعث محمّدا بالحقّ إنّ نور أبي طالب يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلق إلّا خمسة أنوار : نور محمّد ونوري ونور فاطمة ونور الحسن والحسين ، ومن ولده من الأئمّة ، لأنّ نورنا الذي خلقه الله ـ عزوجل ـ من قبل خلق آدم بألفي عام».
    فصل [7]
    روي أنّ حسّان بن ثابت قال (1) : كنت على سطح في المدينة فسمعت يهوديّا يصرخ : «هذا كوكب أحمد قد طلع ، وهو لا يطلع إلّا بالنبوّة ، ولم يبق من الأنبياء إلّا أحمد».
    قال : وكان أبو قيس ـ أحد بني عبد النجار ـ قد ترهّب ، فسمعه ، فقال : «صدق اليهوديّ ، هذا أوان انتظار أحمد ، وهو الذي صنع بي ما صنع». فلمّا ظهر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بمكّة ، آمن به أبو قيس بالمدينة ، ولم يقدر على الذهاب إليه لكبر سنّه.
    * * *
    ورأى بعض اليهود في ليلة ولادته صلى‌الله‌عليه‌وآله النجوم وانفضاضها ،
    __________________
    (1) ـ جاء ما يقرب منه في سيرة ابن هشام : ولادة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ورضاعته ، 1 / 159. دلائل النبوة : 1 / 110. المستدرك للحاكم : 3 / 486.

    فقال (1) : «في هذه الليلة ولد نبيّ ، فإنّا نجد في كتبنا : أنّ الشيطان تمنع من استراق السمع ، فترجم بالنجوم لذلك».
    وفي رواية اخرى أنّه قال : «ولد هذه الليلة نبي العرب ، بين منكبيه شامة عليها شعرات».
    وحكي أنّ حبرا قال لعبد المطّلب : «يا سيّد البطحاء إنّ المولود الذي كنت احدّثكم عنه ولد البارحة».
    فقال له عبد المطّلب : «لقد ولد لي البارحة غلام».
    قال : «فما سمّيته»؟
    قال : «محمّدا».
    فقال : هذه ثلاثة دلائل شاهدة بنبوّته : إحداها أنّ نجمه طلع البارحة. والثانية : أنّ اسمه محمد. والثالثة : أنّه من صميم قومه ـ أي من أشرفهم ـ.
    * * *
    إلى غير ذلك من الأخبار عن الأحبار ـ وهي كثيرة ـ.
    وقصّة رؤيا المؤبذان (2) ، وانفاذ عمرو بن نفيلة إلى شقّ وسطيح
    __________________
    (1) ـ جاء ما يقرب منه في كمال الدين : باب خبر يوسف اليهودي ، 197 ، ح 39.
    (2) ـ قال ابن الأثير (النهاية : باب الميم مع الواو : 4 / 369) : «الموبذان للمجوس : كقاضي القضاة للمسلمين ؛ والموبذ : كالقاضي». وفي القاموس : «الموبذان ـ بضمّ الميم وفتح الباء ـ فقيه الفرس وحاكم المجوس ، كالموبذ ؛ والجمع : الموابذة. والهاء فيها للعجمة».
    يظهر أنها كلمة فارسية وملخص «موبد موبدان» وكان صاحب أعلى المقامات بعد الملك عند المجوس ومشاوره في جميع الامور المرتبطة بالروحانيات. راجع لغت نامه دهخدا : موبد وموبد موبدان.

    الكاهنين (1) وإخبارهما بقرب أيّامه وظهوره مشهورة قد نقلها الرواة وتداولها الأخباريون (2).
    فصل [8]
    [ما رآه آمنة أمّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله]
    روي (3) أنّ آمنة أمّه لمّا حملت به فكانت تقول : «ما شعرت أنّي حملت ، ولا وجدت ثقلا كما تجد النساء ، إلّا أنّني أنكرت رفع حيضتي ، وأتاني آت ـ وأنا بين النائم واليقظان ـ فقال : «هل شعرت أنّك حملت»؟ ـ وكأنّي أقول : «لا أدري» ـ.
    __________________
    (1) ـ قال المسعودي (مروج الذهب : الباب الثاني والخمسون في ذكر الكهانة ... : 2 / 317) : «وقد كان سطيح الكاهن ـ وهو ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب بن عدي بن مازن بن غسّان ـ يدرج سائر جسده ، كما يدرج الثوب ؛ لا عظم فيه إلا جمجمة الرأس ، وكانت إذا لمست باليد أثّرت فيها للين عظمها. وكان شقّ بن صعب بن يشكر بن رهم بن أفرك بن قيس بن عبقر بن أنمار بن نزار معه في عصر واحد ...». راجع أيضا 2 / 233 منه. سيرة ابن هشام : 1 / 15 ـ 18. حياة الحيوان (شق). تاريخ الطبري : 2 / 112 ـ 114.
    (2) ـ لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ارتجّ إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرافة ، وغاضت بحيرة ساوة ، وخمدت نار فارس ـ ولم تخمد قبل ذلك ألف سنة ـ ورأى الموبذان إيلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت الدجلة وانتشرت في بلادها ...
    راجع تفصيل الأخبار وما قيل فيها عن شقّ وسطيح في كمال الدين : باب خبر سطيح الكاهن : 191 ـ 196 ، ح 48. دلائل النبوة : باب ما جاء في ارتجاس إيوان كسرى ... ، 1 / 126 ـ 130. حياة الحيوان: شقّ. سيرة ابن هشام : 1 / 15. الروض الانف : 1 / 26 ـ 30.
    (3) ـ جاء ما يقرب منه في طبقات ابن سعد : ذكر حمل آمنة برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : 1 / 98. صفة الصفوة : ذكر حمل آمنة برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : 1 / 50. راجع أيضا سيرة ابن هشام : 1 / 157 ـ 158. دلائل النبوة : 1 / 111.

    فقال : «إنّك حملت بسيّد هذه الامّة ونبيّها».
    ـ قالت : ـ ثمّ أمهلني حتّى دنت ولادتي ، أتاني فقال : «قولي : اعيذه بالواحد من شرّ كلّ حاسد ؛ ثمّ سمّيه محمّدا».
    ـ قالت : ـ «فذكرت ذلك لنسائي ، فقلن : «علّقي في عضدك حديدة» ؛ فعلّقت فكان ينقطع مرارا ، فتركته».
    وفي رواية (1) أنّها قالت : «لمّا وضعته خرج معه نور أضاء له ما بين المشرق والمغرب ، ثمّ وقع على الأرض ـ معتمدا على يديه ـ ثمّ أخذ قبضة من تراب ورفع رأسه إلى السماء».
    فاوّله بعض الأحبار : بأنّه يملك الأرض وتصير في قبضته ، ويأتيه أمر من قبل السماء.
    وروي : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا وضع رفع رأسه إلى السماء ثمّ خرّ ساجدا لله ـ تعالى ـ.
    وأنّه ولد مسرورا (2) ـ أي مقطوع السرّة ـ مختونا ـ غير محتاج إلى علاج الداية والطبيب ـ نظيفا ليس معه دم ولا شيء من أقذار النفاس المعتادة.
    __________________
    (1) ـ طبقات ابن سعد : ذكر مولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : 1 / 102.
    (2) ـ أخرج البيهقي (دلائل النبوة : 1 / 114 ، عن العباس بن عبد المطلب) : «ولد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مختونا مسرورا ...».

    وفي بعض الأحاديث المرفوعة أنّه قال : «من كرامتي على ربّي أنّي ولدت مختونا مسرورا ، ولم ير أحد سوأتي».
    وارتجّ إيوان كسرى يوم ولادته ، وسقط منه أربع عشر شرفة (1) ، وخمدت نيران فارس ـ ولم تخمد قبل ذلك منذ ألف سنة ـ وغاضت بحيرة ساوة (2).
    وصرفت الشياطين عن خبر السماء ورجمت بالشهب لولادته ، وكانت قبل ذلك تصعد السماء ، ثمّ تجاوز سماء الدنيا إلى غيرها ، فلمّا ولد عيسى عليه‌السلام منعوا من مجاوزة سماء الدنيا وصاروا يسترقون منها السمع ، فيستمع الجنّي الكلمة يتكلم بها الملك من أمر الله ، فيلقيها لوليّه من الإنس ، فيخلط فيها الكذب ؛ حتّى ولد نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله فمنعوا من التردّد إلى السماء إلّا قليلا ، حتّى بعث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمنعوا أصلا.
    قال الله ـ تعالى ـ حكاية عنهم : (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً* وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) [72 / 8 ـ 9].
    * * *
    __________________
    (1) ـ أخرج البيهقي رواية ارتجاس إيوان كسرى وخمود نيران فارس وغياض بحيرة ساوة في الدلائل : باب ما جاء في ارتجاس إيوان كسرى ... ، 1 / 126 ـ 127.
    (2) ـ في هامش النسخة : «بحيرة ساوة كانت عظيمة ، لكنها صغّرت للتعظيم ، من الأضداد كالمفازة. وغاض الماء : أي ذهب ؛ روي أنها ذهبت حتّى أن واردها لم يجد قطرة ـ منه ـ».

    قيل (1) : كان لكل قبيل من الجنّ مقعد من السماء يستمعون فيه ، فلمّا ولد محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله رجموا بالكواكب ؛ فقال إبليس : «هذا أمر حدث في الأرض ، ايتوني من كلّ أرض بتربة ، فكان يؤتى بالتربة فيشمّها ويلقيها ، حتّى اتي بأرض تهامة فشمّها وقال : «من هاهنا الحدث».
    إلى غير ذلك من الآيات والشواهد
    وهي كثيرة جدّا وفيما ذكر كفاية ـ إن شاء الله ـ
    فصلى الله عليه وسلم (2).
    * * *
    __________________
    (1) ـ الدر المنثور : 8 / 302 ، تفسير الآية المذكورة ، قال : أخرجه ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس.
    (2) ـ لا يخفى أن الدليل القاطع على نبوّة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله هو القرآن ؛ وقد تحدي به على جميع الخلق بأنّكم (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) [2 / 23] وهذا الخطاب يقرأ ليلا ونهارا ولم يتمكّن أحد من العرب والعجم طوال القرون المتمادية على الإتيان بسورة مثل القرآن ، على ما كان فيهم من الدواعي المختلفة والمتعددة على معارضة النبيّ والمسلمين والقرآن ؛ فلا يبقى ريب مع هذا الدليل الحيّ الواضح بأنه ليس من قبل أحد من البشر ؛ ولا نحتاج معه إلى دليل آخر.
    وأمّا ما ذكره المؤلف من البشارات والوقائع فتأييدات وأمارات تنفع لغير المعاندين.

    [8]
    باب
    أخلاق نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله وأوصافه
    وأسمائه وخصائصه
    (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [68 / 4]
    فصل [1]
    [خلقه صلى‌الله‌عليه‌وآله]
    قال بعض العلماء (1) :
    «كان نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله كثير الضراعة والابتهال ، دائم السؤال من الله تعالى أن يزيّنه بمحاسن الآداب ومكارم الأخلاق ، فكان يقول في دعائه :
    «اللهمّ حسّن خلقي وخلقي» (2)
    ويقول : «اللهم جنّبني منكرات الأخلاق» (3).
    __________________
    (1) ـ إحياء علوم الدين : كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوّة ، بيان تأديب الله حبيبه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالقرآن : 2 / 518 ملخصا.
    (2) ـ في المسند (1 / 403 و 6 / 68 و 155) بلفظ : «اللهم أحسنت خلقي فأحسن خلقي».
    وفي طبقات ابن سعد (1 / 377) : «اللهم كما حسّنت خلقي فحسّن خلقي».
    (3) ـ المستدرك للحاكم : 1 / 532 بلفظه. وجاء في الترمذي (كتاب الدعوات ، باب (127) دعاء أمّ سلمة ، 5 / 575 ، ح 3591) : «اللهم أعوذ بك من منكرات الأخلاق».

    فاستجاب الله دعاءه وأنزل عليه القرآن وأدّبه به ، فكان خلقه القرآن (1) ، وأدّبه بمثل قوله ـ عزوجل ـ :
    (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) [7 / 199].
    (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) [16 / 90].
    (وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ) [31 / 17.
    (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ) [5 / 13].
    (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [23 / 96] ـ إلى غير ذلك ـ.
    ثمّ لمّا أكمل الله خلقه وخلقه أثنى عليه وقال : (إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [68 / 4] فانظر إلى عميم فضل الله كيف أعطى ثمّ اثنى.
    ثمّ بيّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (2) للخلق : «إنّ الله يحبّ مكارم الأخلاق ، ويبغض سفسافها (3)». وقال (4) : «بعثت لاتمّم مكارم الأخلاق».
    ثمّ رغّب الخلق في ذلك أشدّ ترغيب».
    __________________
    (1) ـ دلائل النبوة : باب ذكر شمائله وأخلاقه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 1 / 309.
    (2) ـ في المستدرك للحاكم (كتاب الإيمان : 1 / 48) : «إنّ الله يحبّ معالي الأخلاق ...».
    وفي البحار (75 / 137 ، ح 5 و 92 / 184 ، ح 21 عن نوادر الراوندي) : «إنّ الله تعالى جواد يحبّ الجواد ومعالي الامور ، ويكره سفسافها ...».
    (3) ـ السفساف : الرديء من كل شيء.
    (4) ـ مجمع البيان : 10 / 333 ، تفسير الآية القلم / 5.
    وحكاه في كنز العمال : 11 / 420 ، ح 31969 ، عن مستدرك الحاكم ، ولكن في المستدرك (2 / 613) والمسند (2 / 381) : «بعثت لاتمم صالح الأخلاق». وفي موطأ مالك (باب ما جاء في حسن الخلق : 3 / 97) : «بعثت لاتمم حسن الأخلاق».

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: علم اليقين في اصول الدين ج1   علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Emptyالأربعاء أكتوبر 30, 2024 5:00 pm

    أقول : ولنشر إلى جملة من محاسن أخلاقه التي جمعها بعض علماء العامّة (1) والتقطها من الأخبار ملخّصا ـ ومن الله التأييد ـ.
    فصل [2]
    [جمل من محاسن أخلاقه صلى‌الله‌عليه‌وآله]
    قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحلم الناس (2) وأشجع الناس (3) وأعدل الناس (4) وأعفّ الناس ، لم تمسّ ـ قطّ ـ يده يد امرأة لا يملك رقّها أو عصمة نكاحها أو تكون ذات محرم منه (5).
    __________________
    (1) ـ اقتباس مما أورده الغزالي أيضا في الإحياء (كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة ، بيان جمل من محاسن أخلاقه : 2 / 520 ـ 526) نقلا عن بعض العلماء ـ ولم يسمه ـ وكذلك ابن شهرآشوب في المناقب : فصل في آدابه ومزاحه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 1 / 145 ـ 149.
    (2) ـ قال العراقي (المغني : ذيل الإحياء الطبعة القديمة ، 2 / 359) : «أخرجه أبو الشيخ في كتاب أخلاق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من رواية عبد الرحمن بن أبزي ، وهو مرسل».
    (3) ـ البخاري : كتاب الجهاد ، باب الحمائل وتعليق السيف ، 4 / 47. مسلم : كتاب الفضائل ، باب (11) في شجاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتقدمه للحرب ، 4 / 1802 ، ح 48. ابن ماجة : كتاب الجهاد ، باب (9) الخروج في النفير ، 2 / 926 ، ح 2772. الترمذي : كتاب الجهاد ، باب (14) ما جاء في الخروج عند الفزع ، 4 / 199 ، ح 1687. طبقات ابن سعد : 1 / 373 و 419.
    (4) ـ في المسند (3 / 65) عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «والله لا تجدون بعدي أعدل عليكم منّي». راجع أيضا : 4 / 421 و 425.
    (5) ـ مسلم (كتاب الإمارة ، باب (21) كيفية بيعة النساء : 3 / 1489) : عن عائشة «ما مسّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيده امرأة قطّ». ويقرب منه ما في ابن ماجة : كتاب الجهاد ، باب بيعة النساء ، 2 / 960 ، ح 2875. والمسند : 6 / 114 و 270.
    وفي الترمذي (كتاب التفسير ، سورة الممتحنة ، 5 / 411 ، ح 3306) والمسند (6 / 153) : «ما مسّت يد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يد امرأة إلا امرأة يملكها».

    وكان أسخى الناس (1) ، لا يبيت عنده دينار ولا درهم ، وإن فضل ولم يجد من يعطيه ـ ويجيئه الليل ـ لم يأو إلى منزله حتّى يبرأ منه إلى من يحتاج إليه (2) ، لا يأخذ ممّا آتاه الله إلّا قوت عامه فقط من أيسر ما يجد من التمر والشعير ، ويضع سائر ذلك في سبيل الله (3) ، لا يسأل شيئا إلّا أعطاه (4) ثمّ يعود على قوت عامه فيؤثر منه ـ حتّى ربّما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شيء ـ (5).
    وكان يخصف النعل ويرقّع الثوب (6) ، ويخدم في مهنة أهله (7)
    __________________
    (1) ـ في الحديث : «كان صلى‌الله‌عليه‌وآله أحسن الناس وكان أجود الناس وكان أشجع الناس ...» ذكر مسانيده آنفا في التعليق على قوله : «وأشجع الناس».
    (2) ـ راجع شواهد ذلك في إتحاف السادة المتقين : 7 / 96.
    (3) ـ في مسلم (كتاب الجهاد ، باب (15) حكم الفيء ، 3 / 1379 ، الحديث 50) «... يحبس قوت أهله منه سنة ثم يجعل ما بقي منه مجعل مال الله». وجاء في البخاري (كتاب النفقات ، باب حبس نفقة الرجل قوت سنته على أهله ، 7 / 81) : «أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يبيع نخل بني النضير ويحبس لأهله قوت سنتهم».
    (4) ـ راجع مسلم : كتاب الفضائل ، باب ما سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شيئا قط فقال لا ، 4 / 1805 ـ 1806 ، ح 56 و 57. المسند : 6 / 130. طبقات ابن سعد : 1 / 368.
    (5) ـ أخرج ابن ماجة (كتاب الرهون ، باب (1) ، 2 / 815 ، الحديث 2439) : «إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مات ودرعه رهن عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير».
    راجع أيضا ح 2436 ـ 2438 منه. وابن ماجة : كتاب البيوع ، باب (7) ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل ، 3 / 519 ، ح 1214 ـ 1215. مسند : 1 / 300 و 301 و 361. طبقات ابن سعد : 1 / 408.
    (6) ـ المسند (6 / 106 و 242) عن عائشة : «كان صلى‌الله‌عليه‌وآله يخصف النعل ويرقع الثوب».
    (7) ـ روى البخاري (كتاب النفقات ، باب خدمة الرجل في أهله : 7 / 84 ـ 85) عن عائشة ـ وقد سئل : ما كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يصنع في البيت؟ فقالت : ـ «كان في مهنة أهله ، فإذا سمع الأذان خرج». ومثله في الترمذي (باب 45 من كتاب صفة القيامة : 4 / 654 ، ح 2489) إلا أنّ فيه : «فإذا حضرت الصلاة قام فصلى».
    ويقرب منهما ما في المسند : 6 / 49 و 126 و 206. طبقات ابن سعد : 1 / 365.

    ويقطع اللحم معهنّ (1) ، أشدّ الناس حياء (2) لا يثبت بصره في وجه أحد ، يجيب دعوة الحرّ والعبد (3) ، ويقبل الهديّة ـ ولو أنّها جرعة لبن ـ ويكافئ عليها ويأكلها (4)
    __________________
    (1) ـ المسند (6 / 94 و 217) عن عائشة : «أرسل إلينا آل أبي بكر بقائمة شاة ليلا ، فأمسكت وقطع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أو قالت : أمسك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقطعت».
    راجع أيضا طبقات ابن سعد : 1 / 405.
    (2) ـ في البخاري (كتاب التفسير ، سورة الأحزاب : 6 / 149) : «... وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله شديد الحياء ...». وفيه (كتاب الأدب ، باب من لم يواجه الناس بالعتاب : 8 / 32 ، وباب الحياء : 8 / 35) : «كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أشدّ حياء من العذراء في خدرها».
    ومثله في مسلم : كتاب الفضائل ، باب (16) كثرة حيائه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 4 / 1809 ، ح 67. وابن ماجة: كتاب الزهد ، باب (17) الحياء ، 2 / 1399 ، ح 4180.
    طبقات ابن سعد : 1 / 368.
    (3) ـ الترمذي (باب 32 من كتاب الجنائز : 3 / 337 ، ح 1017) : «كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعود المريض ويشهد الجنازة ... ويجيب دعوة العبد». وفي ابن ماجة (كتاب التجارات ، باب (66) ما للعبد أن يعطي ويتصدّق ، 2 / 770 ، ح 2296. وكتاب الزهد ، باب (16) البراءة من الكبر : 2 / 1398 ، ح 4178) : «... يجيب دعوة المملوك». ومثله في مستدرك الحاكم : كتاب التفسير ، سورة ق : 2 / 466. وطبقات ابن سعد : 1 / 370.
    (4) ـ في البخاري (كتاب الهبة ، باب المكافأة في الهبة ، 3 / 206) : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقبل الهديّة ويثيب عليها». ومثله في الترمذي : كتاب البر ، باب (34) ما جاء في قبول الهدية ... ، 4 / 338 ، ح 1953. وأبي داود : كتاب البيوع ، باب في قبول الهدايا ، 3 / 290 ، ح 3536. راجع أيضا طبقات ابن سعد : 1 / 388 ـ 390.
    وفي البخاري (كتاب الأشربة ، باب شرب اللبن : 7 / 140) عن أمّ الفضل : «... فأرسلت إليه بإناء فيه لبن ، فشرب». ومثله في المسند : 6 / 340.
    وفي البخاري (كتاب الهبة ، باب قبول هدية الصيد : 3 / 202) عن أنس أنّ أبا طلحة ذبح أرنبا «وبعث بها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بوركها أو فخذيها ... فقبله». ومثله في مسلم : كتاب الصيد ، باب (9) إباحة الأرنب ، 3 / 1547 ، ح 53. والترمذي : كتاب الأطعمة ، باب (2) ما جاء في أكل الأرنب ، 4 / 251 ، ح 1789. وابن ماجة : كتاب الصيد ، باب (17) الأرنب ، 2 / 1080 ، ح 3243.

    ولا يأكل الصدقة (1) ، ولا يستكبر عن إجابة الأمة والمسكين (2).
    يغضب لربّه ـ عزوجل ـ ولا يغضب لنفسه (3) ، وينفذ الحقّ (4) وإن عاد ذلك بالضرر عليه وعلى أصحابه ، عرض عليه الانتصار بالمشركين على المشركين ـ وهو في قلّة وحاجة إلى إنسان واحد يزيده في عدد من معه ـ فأبى وقال : «إنّا «لا نستنصر بمشرك (5)».
    ووجد من فضلاء أصحابه وخيارهم قتيلا بين اليهود فلم يحف عليهم ولم يزد على مرّ الخلق ، بل ودّاه بمائة ناقة (6) ـ وكان لأصحابه حاجة إلى بعير واحد يتقوّون به ـ وكان يعصب الحجر على بطنه مرّة
    __________________
    (1) ـ راجع أحاديث تحريم الصدقة عليه في مسلم : كتاب الزكاة ، باب تحريم الزكاة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى آله ... ، 2 / 751 ـ 752. الترمذي : كتاب الزكاة ، باب (25) ما جاء في كراهية الصدقة للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته ومواليه ، 3 / 45. أبي داود : كتاب الزكاة ، باب الصدقة على بني هاشم ، 2 / 123. المسند: 2 / 279.
    (2) ـ مضى آنفا في التعليق على قوله «يجيب دعوة الحر والعبد» الحديث : «يجيب دعوة العبد» و «... المملوك».
    (3) ـ جاء في حديث عند بن أبي هالة في صفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا تغضبه الدنيا وما كان لها ، فإذا تعوطي الحقّ لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شيء حتّى ينتصر له ؛ لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها ...» راجع معاني الأخبار : باب معاني أخبار وردت في صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 81. ودلائل النبوة : 1 / 288. والمعجم الكبير : 22 / 156.
    (4) ـ يدل عليه الحديث المذكور في التعليقة السابقة.
    (5) ـ أخرج مسلم (كتاب الجهاد ، الحديث الأخير : 3 / 1450) : «... لن أستعين بمشرك».
    ومثله في الترمذي : كتاب السير ، باب (10) ما جاء في أهل الذمة يغزون مع المسلمين ... ، 4 / 128. وفي المسند (3 / 454) : «... لا نستعين بالمشركين على المشركين».
    (6) ـ راجع مسلم : كتاب القسامة ، باب (1) القسامة ، 3 / 1291 ـ 1295.
    البخاري : كتاب الديات ، باب القسامة ، 9 / 10 ـ 13 وكتاب الأدب ، باب إكرام الكبير : 8 / 41. وأبا داود : كتاب الديات ، باب القسامة ، 4 / 177.

    من الجوع (1) ومرّة يأكل ما حضر ولا يردّ ما وجد ، ولا يتورّع من مطعم حلال (2).
    إن وجد تمرا دون خبز أكله (3) ، وإن وجد شواء أكله (4) ، وإن وجد خبز برّ أو شعير أكله ، وإن وجد حلوا أو عسلا أكله (5) ، وإن وجد لبنا دون خبز اكتفى به ، وإن وجد بطّيخا أو رطبا أكله (6).
    __________________
    (1) ـ في حديث البخاري (باب غزوة الخندق : 5 / 138) : «... ثمّ قام وبطنه معصوب بحجر ، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا ...».
    وفي الترمذي (كتاب الزهد ، باب (39) ما جاء في معيشة أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 4 / 585 ، ح 2371) : «عن أبي طلحة ، قال : شكونا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الجوع ، ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر ، فرفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن حجرين».
    (2) ـ في الترمذي (كتاب الأطعمة ، باب (35) ما جاء في الخلّ ، 4 / 279 ، ح 1841) : «...
    فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : هل عندكم من شيء ، فقلت : لا ، إلا كسر يابسة وخلّ. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : قرّبيه ، فما أفقر بيت من آدم فيه خلّ».
    (3) ـ مسلم (كتاب الأشربة ، باب (24) استحباب تواضع الآكل ، 3 / 1616 ، ح 148) : «أنس بن مالك ، قال : رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مقعيا يأكل تمرا».
    ويقرب منه المسند : 3 / 180.
    (4) ـ الترمذي (كتاب الأطعمة ، باب (27) ما جاء في أكل الشواء ، 4 / 272 ، ح 1829) : «أمّ سلمة ... قرّبت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جنبا مشويّا ، فأكل منه». المسند : 6 / 207.
    (5) ـ راجع البخاري : كتاب الأشربة ، باب شراب الحلواء والعسل ، 7 / 143.
    طبقات ابن سعد : 1 / 391.
    (6) ـ الترمذي (كتاب الأطعمة ، باب (26) ما جاء في أكل البطيخ بالرطب ، 4 / 280 ح 1843) :
    «عن عائشة ، إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأكل البطيخ بالرطب». ويقرب منه ابن ماجة : كتاب الأطعمة ، باب (37) القثاء والرطب يجمعان ، 2 / 1104 ، ح 3326.
    طبقات ابن سعد : 1 / 393.
    وكتب هنا في هامش النسخة : «وفي رواية أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يأكل الثوم ولا البصل ولا الكراث ولا العسل الذي فيه المعافير. والمعافير : ما يبقى من الشجر في بطون النحل فيلقيه في العسل فيبقى له ريح في الفم ـ منه».

    لا يأكل متّكئا (1) ولا على خوان (2) ، لم يشبع من خبز ـ برّ ولا شعير ـ ثلاثة أيّام متوالية حتّى لقى الله (3) إيثارا على نفسه ـ لا فقرا ولا بخلا ـ
    يجيب الوليمة (4) ويعود المرضى ويشيّع الجنائز (5) ، ويمشى وحده بين أعدائه بلا حارس (6).
    __________________
    (1) ـ البخاري (كتاب الأطعمة ، باب الأكل متكئا : 7 / 93) عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا آكل متّكئا». ومثله في الترمذي : كتاب الأطعمة ، باب (28) ، 4 / 273. وابن ماجة : كتاب الأطعمة ، باب (6) الأكل متكئا ، 2 / 1086. وأبي داود : كتاب الأطعمة ، باب ما جاء في الأكل متكئا ، 3 / 348. طبقات ابن سعد : 1 / 380.
    (2) ـ البخاري (كتاب الأطعمة ، باب الخبز المرقق والأكل على الخوان : 7 / 91) عن أنس : «ما أكل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ... ولا أكل على خوان». ويقرب منه ما في الترمذي : كتاب الأطعمة ، باب (1) ما جاء علام كان يأكل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 4 / 250.
    وابن ماجة : كتاب الأطعمة ، باب (20) الأكل على الخوان والسفرة ، 2 / 1095.
    (3) ـ ابن ماجة (كتاب الأطعمة ، باب (48) خبز الشعير ، 2 / 1110 ، ح 3343) : «ما شبع نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثة أيام تباعا من خبز الحنطة حتى توفاه الله عزوجل». وفي ابن ماجة (ح 3344) : «ما شبع آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله منذ قدموا المدينة ثلاث ليال تباعا من برّ ، حتى توفّى صلى‌الله‌عليه‌وآله». وفيه (ح 3346) : «ما شبع آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من خبز الشعير حتى قبض». المسند (6 / 42) : «ما شبع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثة أيام تباعا من خبز برّ حتى مضى لسبيله». راجع أيضا طبقات ابن سعد : 1 / 401 ـ 403. الشمائل النبوية : الباب (25) ، ح 143 ، 194.
    (4) ـ البخاري (كتاب الهبة ، باب القليل من الهبة : 3 / 201) : «لو دعيت إلى كراع لأجبت» وفي مسلم (كتاب النكاح ، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة : 2 / 1053) : «إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليجب».
    (5) ـ الترمذي (كتاب الجنائز ، باب (32) ، 3 / 337 ، ح 1017) : «كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يعود المريض ويشهد الجنازة ...».
    (6) ـ في المستدرك للحاكم (2 / 313) : «كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يحرس حتّى نزلت هذه الآية : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) ، فأخرج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله رأسه من القبّة فقال لهم : «أيها الناس انصرفوا ، فقد عصمني الله».

    أشدّ الناس تواضعا وأسكنهم في غير كبر (1) ، وأبلغهم من غير تطويل (2) ، وأحسنهم بشرا (3). لا يهوله شيء من أمر الدنيا (4).
    ويلبس ما وجد : فمرّة شملة ، ومرّة برد حبرة يمانيّا ، ومرّة جبّة صوف ، ما وجد من المباح لبس (5) ،
    __________________
    (1) ـ قال العراقي (المغني) : رواه أبو الحسن بن الضحاك في الشمائل من حديث أبي سعيد الخدري : «... متواضع في غير كبر ...» ـ انتهى ـ
    والأحاديث الدالة على تواضعه صلى‌الله‌عليه‌وآله كثيرة.
    (2) ـ البخاري (باب صفة النبي : 4 / 231) : «كان صلى‌الله‌عليه‌وآله يحدّث حديثا لو عدّه العادّ لأحصاه».
    وفي حديث هند بن أبي هالة (معاني الأخبار : 81) : «... لا يتكلم في غير حاجة ، يفتتح الكلام يختمه بأشداقه ، يتكلم بجوامع الكلم ، فصلا ، لا فضول فيه ولا تقصير ...». راجع أيضا المعجم الكبير : 22 / 156. دلائل النبوة : 1 / 287.
    (3) ـ الترمذي (كتاب المناقب : باب 10 في بشاشة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 5 / 601) : «ما رأيت أحد أكثر تبسّما من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم». وفي الشمائل للترمذي (باب 48 ، ما جاء في خلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 430 ، ح 353) من حديث علي بن أبي طالب : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دائم البشر ، سهل الخلق ...».
    (4) ـ المسند (6 / 69) عن عائشة : «ما أعجب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بشيء ولا أعجبه شيء من الدنيا ، إلا أن يكون فيه ذو تقى».
    (5) ـ المسند (5 / 443) : «... وقد تبع صلى‌الله‌عليه‌وآله جنازة من أصحابه عليه شملتان ...» وفيه (5 / 64) : «أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو محتب بشملة له ...».
    وفي البخاري (كتاب اللباس ، باب البرود والحبرة والشملة : 7 / 188) : «قال خباب : شكونا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو متوسّد بردة له». وفي حديث آخر (7 / 189) عن أنس : «كنت أمشي مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليه برد نجراني غليظ ...». وفى الباب أحاديث اخر.
    وفي مسلم (كتاب اللباس ، باب (5) فضل ثياب الحبرة ، 3 / 1648) : «كان أحبّ اللباس إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الحبرة». ومثله في الشمائل النبوية : الباب 8 ، ح 62 ، 107.
    وجاء في البخاري (كتاب اللباس ، باب جبة الصوف في الغزو : 7 / 186) : «... فغسلصلى‌الله‌عليه‌وآله وجهه ويديه وعليه جبة من صوف ...».

    وخاتمه فضّة يلبسه في خنصره الأيمن ، وربّما يلبس في الأيسر (1).
    يردف خلفه عبده أو غيره (2).
    يركب ما أمكنه ـ مرّة فرسا ومرّة بغلة شهباء ومرّة حمارا ـ ومرّة يمشي راجلا حافيا بلا رداء ولا عمامة ولا قلنسوة (3).
    يعود المرضى في أقصى المدينة (4) ، يحبّ الطيب ويكره الرائحة
    __________________
    (1) ـ البخاري : (كتاب اللباس ، باب الخاتم في الخنصر : 7 / 203) عن أنس : «... فاتخذ خاتما من فضّة ونقشه محمد رسول الله ...». ومثله مع فرق يسير في الشمائل النبوية : الباب (12) ، 144 ، ح 92. وفي البخاري أيضا (نفس الباب) عن أنس : «صنع النبي خاتما ... فإني لأرى بريقه في خنصره». الترمذي (كتاب اللباس ، باب (15) ما جاء ما يستحب في فصّ الخاتم ، 4 / 227) : «كان خاتم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من فضة ...». وفيه (باب (16) ما جاء في نقش الخاتم في اليمين ، 4 / 228) عن ابن راقع. وفي مسلم (كتاب اللباس ، باب (16) في لبس الخاتم في الخنصر من اليد ، 3 / 1659) عن أنس : «كان خاتم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه ـ وأشار إل الخنصر من يده اليسرى».
    (2) ـ البخاري (كتاب التفسير ، سورة آل عمران : 6 / 49) : «إن رسول الله ركب على حمار ، على قطيفة فدكية ، وأردف اسامة بن زيد وراءه ...».
    راجع أيضا ما جاء في 4 / 68 منه.
    (3) ـ مسلم (كتاب الجنائز ، باب ركوب المصلي على الجنازة إذا انصرف : 2 / 664) : «اتي النبي بفرس معروري ، فركبه حين انصرف من جنازة أبي الدحداح ...».
    وفي البخاري (كتاب الحج ، باب استلام الركن بالمحجن ، 2 / 185) : «طاف النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع على بعير ...». ومضى في التعليقة السابقة ركوبه صلى‌الله‌عليه‌وآله على حمار. وفي مسلم (كتاب الحج ، باب (97) فضل مسجد قباء ... ، 2 / 1016) : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأتي قباء راكبا وماشيا». وفيه (كتاب الجنائز ، باب (7) في عيادة المرضى : 2 / 637) : «... فقامصلى‌الله‌عليه‌وآله وقمنا معه ، ونحن بضعة عشر ، ما علينا نعال ولا خفاف ولا قلانس ولا قمص ...».
    (4) ـ راجع ما مضى في التعليقة السابقة.

    الرديّة (1) ، ويجالس الفقراء (2) ويؤاكل المساكين (3) ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم ، ويتألف أهل الشرف بالبرّ لهم ، يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم ، لا يجفو على أحد ، يقبل معذرة المعتذر إليه.
    يمزح ولا يقول إلّا حقّا (4) ، ويضحك من غير قهقهة (5) ، يرى
    __________________
    (1) ـ الحديث معروف عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله «حبّب إليّ من دنياكم النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة». الخصال : باب الثلاثة ، 1 / 165 ، ح 217 ـ 218. المسند : 3 / 128 و 285. مستدرك الحاكم : كتاب النكاح ، 2 / 160.
    كنز العمال : 7 / 288 ، ح 18913. طبقات ابن سعد : 1 / 398.
    وأخرج الحاكم (المستدرك : كتاب اللباس ، 4 / 188) عن عائشة : «أنها صنعت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جبة من صوف ، فلبسها ، فلما عرق وجد ريح الصوف فخلعها ، وكان يعجبه الريح الطيب».
    (2) ـ أخرج أبو داود (كتاب العلم ، باب (13) ، 3 / 323) عن أبي سعيد : «جلست في عصابة من ضعفاء المهاجرين ـ إن بعضهم ليستتر ببعض من العرى ـ ... فجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسطنا ليعدل بنفسه فينا».
    (3) ـ البخاري (الرقاق ، 8 / 120) : «... وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهل ولا مال ولا على أحد ، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا ، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها ...».
    (4) ـ المسند (2 / 340) : «قال بعض أصحابه : فإنك تداعبنا يا رسول الله. فقال : إني لا أقول إلا حقا».
    وما يقرب منه فيه : 2 / 160. والترمذي : 4 / 357 ، كتاب البر والصلة ، باب (57) ما جاء في المزاح ، ح 1990. الشمائل النبوية : الباب (36) ، 295 ، ح 237.
    (5) ـ في معاني الأخبار (باب معاني ألفاظ وردت في صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حديث هند بن أبي هالة ، 81) : «ضحكه التبسم». مثله في المعجم الكبير : 22 / 156 ، ودلائل النبوة : 1 / 288. وجاء في الترمذي (كتاب المناقب ، باب (10) في بشاشة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 5 / 601 ، ح 3642) : «ما كان ضحك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلا تبسّما».
    راجع أيضا طبقات ابن سعد : 1 / 420.

    اللعب المباح فلا ينكره ، ويسابق أهله ، وترفع الأصوات عليه فيصبر.
    وكان له لقاح وغنم يتقوّت هو وأهله من ألبانها ، وكان له عبيد وإماء لا يرتفع عليهم في مأكل ولا ملبس (1).
    لا يمضي له وقت في غير عمل الله أو فيما لا بدّ له من صلاح نفسه ، يخرج إلى بساتين أصحابه ، لا يحقّر مسكينا لفقره وزمانه ، ولا يهاب ملكا لملكه ، يدعو هذا وهذا إلى الله دعاء واحدا.
    قد جمع له الله السيرة الفاضلة والسياسة التامّة وهو أمّي ـ لا يكتب ولا يقرأ ـ نشأ في بلاد الجهل والصحاري في فقر وفي رعاية الغنم يتيما لا أب له ولا أمّ ، فعلّمه الله جميع محاسن الأخلاق والطرق الحميدة وأخبار الأوّلين والآخرين ، وما فيه النجاة والفوز في الآخرة ، والغبطة والصلاح والخلاص في الدنيا ، ولزوم الواجب وترك الفضول.
    وفّقنا الله لطاعته في أمره والتأسّي به في فعله.
    أقول : ويأتي كلام آخر في معنى الامّي (2) من طريق أهل البيت عليهم‌السلام إن شاء الله.
    __________________
    (1) ـ مسلم (كتاب الإيمان ، باب (10) إطعام المملوك مما يأكل ... ، 3 / 1282 ، ح 28) : «...
    هم إخوانكم ، جعلهم الله تحت أيديكم ، فأطعموهم مما تطعمون ، وألبسوهم مما تلبسون ...».
    (2) ـ راجع الفصل التاسع من هذا الباب.

    فصل [3]
    قال (1) : وفي رواية اخرى (2) :
    وكان من خلقه أن يبدأ من لقيه بالسلام (3) ، ومن قام معه بحاجة صابره حتّى يكون هو المنصرف ، وما أخذ أحد بيده فيرسلها حتّى يكون يرسلها الآخذ (4) ، وكان إذا لقي أحدا من أصحابه بدأه بالمصافحة ، ثمّ أخذ يده فشابكه ، ثمّ شدّ قبضه عليها (5).
    وكان لا يقوم ولا يقعد إلّا على ذكر الله (6) ، وكان لا يجلس إليه أحد وهو يصلّي إلّا خفّف صلاته وأقبل عليه فقال : «ألك حاجة»؟ فإذا فرغ من حاجته عاد إلى صلاته.
    وكان أكثر جلوسه أن ينصب ساقيه جميعا ويمسك بيديه عليهما ـ
    __________________
    (1) ـ إحياء علوم الدين : كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة ، بيان جملة اخرى من آدابه وأخلاقه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 2 / 526 ـ 528.
    (2) ـ قال في الإحياء : «ومما رواه أبو البختري ...». وهو سعيد بن فيروز الطائي الكوفي ؛ قال في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال (142) : «وثقه أبو زرعة وابن معين. قال أبو نعيم : مات في الجماجم سنة ثلاث وثمانين».
    (3) ـ في معاني الأخبار (باب معاني ألفاظ وردت في صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 81 ، حديث هند بن أبي هالة) : «يبدر من لقيه بالسلام ...». ومثله في المعجم الكبير : 22 / 156 ، هند بن أبي هالة. ودلائل النبوة : 1 / 287. طبقات ابن سعد : 1 / 422.
    (4) ـ طبقات ابن سعد : 1 / 378 و 382.
    (5) ـ مصافحته صلى‌الله‌عليه‌وآله وارد في عدة من الروايات ، منها ما أخرجه أبو داود (كتاب الأدب ، باب في المعانقة ، 4 / 354 ، ح 5214) عن أبي ذر : «ما لقيته قط إلا صافحني». وأما ذيل الرواية فلم أعثر عليه.
    (6) ـ معاني الأخبار : باب معاني ألفاظ وردت في صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 82.

    شبه الحبوة ـ (1) ولم يعرف مجلسه من مجالس أصحابه ـ لأنّه كان حيث ما انتهى به المجلس جلس ـ (2) وما رئي قطّ مادّا رجليه بين أصحابه ـ حتّى يضيق بهما على أصحابه ، إلّا أن يكون المكان واسعا لا ضيق فيه ، وكان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة.
    وكان يكرم من يدخل عليه ، حتّى ربّما بسط ثوبه لمن ليست بينه وبينه قرابة ولا رضاع ـ يجلسه عليه ـ (3) وكان يؤثر الداخل عليه بالوسادة التي تكون تحته ، فإن أبى أن يقبلها عزم عليه حتّى يفعل.
    وما استصغاه أحد إلّا ظنّ أنّه أكرم الناس عليه ، حتّى يعطي كلّ من جلس إليه نصيبه من وجهه ، حتّى كان مجلسه وسمعه وحديثه ولطف مجلسه وتوجّهه للجالس إليه ؛ ومجلسه مع ذلك مجلس حياء وتواضع وأمانة (4).
    قال الله ـ تعالى ـ : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [3 / 159].
    __________________
    (1) ـ أخرج أبو داود (كتاب الأدب ، في جلوس الرجل ، 3 / 262) : «إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا جلس احتبى بيده». ومثله في الشمائل النبوية : الباب (21) ، ح 129 ، 182.
    (2) ـ معاني الأخبار : باب معاني ألفاظ وردت في صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 82. وأخرج ابو داود (كتاب السنة ، باب في القدر ، 4 / 225 ، ح 4698 ، «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يجلس بين ظهري أصحابه ، فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل ، فطلبنا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن نجعل له مجلسا يعرفه الغريب ...».
    (3) ـ راجع ما أورده أبو نعيم في الحلية : 6 / 205 ، عن جرير بن عبد الله ووروده مجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله.
    (4) ـ في معاني الأخبار (باب معاني ألفاظ وردت في صفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 82) : «... يعطي كل جلسائه نصيبه ، ولا يحسب من جلسائه أن أحدا أكرم عليه منه ... مجلسه مجلس حلم وحياء وصدق وأمانة ...».

    ولقد كان يدعو أصحابه بكناهم ـ إكراما لهم واستمالة لقلوبهم ـ ويكنّي من لم تكن له كنية ؛ فكان يدعى بما كنّاه به (1) ، وكان يكنّي أيضا النساء اللاتي لهنّ أولاد ، واللاتي لم يلدن يبتدئ لهنّ الكنى ، ويكنّي الصبيان فيستلين به قلوبهم.
    وكان أبعد الناس غضبا وأسرعهم رضا ، وكان أرقّ الناس بالناس وخير الناس للناس ، وأنفع الناس للناس ، ولم تكن ترفع في مجلسه الأصوات (2).
    وكان إذا قام من مجلسه قال : «سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلّا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك» ـ ثمّ يقول : ـ «علّمنيهن جبرئيل عليه‌السلام» (3).
    * * *
    __________________
    (1) ـ تكنية رسول الله لأصحابه ورد في عدة من الروايات ، منها ما قاله صهيب لعمر ـ حين عابه باكتنائه ب «أبي يحيى» ولم يكن له ولد ـ : «أما اكتنائي بأبي يحيى فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كناني بها ، فلا أدعها حتى ألقاه ...» المسند : 4 / 333.
    (2) ـ في معاني الأخبار (باب معاني ألفاظ وردت في صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 82) : «مجلسه مجلس حلم وحياء وصدق وأمانة ولا ترتفع فيه الأصوات».
    (3) ـ في مستدرك الحاكم (كتاب الدعاء ، 1 / 496 ـ 497) : «ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقوم من مجلس إلا قال : سبحانك اللهم ربي وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك».

    فصل (1) [4]
    قيل : كان صلى‌الله‌عليه‌وآله أفصح الناس منطقا وأحلاهم كلاما ، ويقول (2) : «أنا أفصح العرب» و «إنّ أهل الجنّة يتكلّمون فيها بلغة محمّد».
    وكان نزر الكلام سمح المقالة إذا نطق ليس بمهذار ، وكان كلامه كخزرات النظم ، وكان أوجز الناس كلاما ، وبذلك جاءه جبرئيل عليه‌السلام.
    وكان مع الإيجاز يجمع كل ما أراد ، وكان يتكلّم بجوامع الكلم (3) لا فضول ولا تقصير (4) ، كلام يتبع بعضه ، بين كلامه توقّف يحفظه سامعه ويعيه.
    وكان جهير الصوت أحسن الناس نغمة (5).
    وكان طويل السكوت لا يتكلّم في غير حاجة (6).
    __________________
    (1) ـ الفصل مقتبس مما أورده الغزالي في إحياء علوم الدين : كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة ، بيان كلامه وضحكه صلى‌الله‌عليه‌وآله : 2 / 529.
    (2) ـ في المعجم الكبير (أبو سعيد الخدري ، 6 / 36 ، ح 5437) : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ... أنا أعرب العرب ...».
    (3) ـ حديث متفق عليه معروف منه صلى‌الله‌عليه‌وآله : اعطيت جوامع الكلم. راجع الفصل السادس من الباب الحادي عشر من هذا المقصد.
    (4) ـ مضى في حديث هند بن أبي هالة.
    (5) ـ أخرج مسلم (كتاب الصلاة ، باب (36) القراءة في العشاء ، 1 / 339) عن البراء بن عازب : «سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قرأ في العشاء بالتين والزيتون ، فما سمعت أحدا أحسن صوتا منه».
    ويقرب منه ابن ماجة : كتاب إقامة الصلاة ، باب (10) في القراءة في صلاة العشاء ، 1 / 273 ، ح 835. المسند : 4 / 298 و 302.
    (6) ـ معاني الأخبار : باب معانى ألفاظ وردت في صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 81.

    ولا يقول في المنكر ولا يقول في الرضا والغضب إلا الحق (1) ، ويعرض عمّن تكلّم بغير جميل (2) ، ويكنّى عمّا اضطرّه الكلام إليه ممّا يكره.
    وكان إذا سكت تكلّم جلساؤه ، ولا يتنازع عنده في الحديث (3) ، ويعظ بالجدّ والنصيحة (4) ، ويقول (5) : «لا تضربوا القرآن بعضه ببعض ، فإنّه انزل على وجوه».
    وكان أكثر الناس تبسّما وضحكا في وجوه أصحابه ، وتعجّبا ممّا تحدّثوا به ، وخلطا لنفسه بهم (6).
    __________________
    (1) ـ روى الحاكم (المستدرك : كتاب العلم ، 1 / 105 ـ 106) عن ابن عمر : «كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأريد حفظه ، فنهتني قريش وقالوا : تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورسول الله بشر يتكلم في الرضا والغضب.
    ـ قال : ـ فأمسكت ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : اكتب ، فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق ـ وأشار بيده إلى فيه ـ.
    (2) ـ معاني الأخبار (الباب المذكور ، 83) في حديث علي عليه‌السلام في توصيفه صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يتغافل عما لا يشتهي».
    (3) ـ معاني الأخبار (الحديث السابق) : «إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير ، فإذا سكت تكلموا ، ولا يتنازعون عنده الحديث ...».
    (4) ـ روى مسلم (كتاب الجمعة ، باب تخفيف الصلاة والخطبة ، 2 / 592 ، ح 43) : «... إذا خطب احمرّت عيناه وعلا صوته واشتدّ غضبه ، حتى كأنه منذر جيش ...».
    (5) ـ في كنز العمال (1 / 191 ، ح 967) : «... إنما هلك الذين من قبلكم بأشباه هذا ، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض ...». ويقرب منه ح 966 و 970 و 977. وجاء فيه (1 / 193 ، ح 976) : «سيكون أقوام من امتي يضربون القرآن بعضه ببعض ليبطلوه ...».
    (6) ـ أخرج الترمذي (كتاب المناقب : باب (10) في بشاشة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 5 / 601 ، ح 3641) عن عبد الله بن الحارث : «ما رأيت أحدا أكثر تبسّما من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله». ومثله في المسند : 4 / 190 ـ 191. وجاء في معاني الأخبار (الحديث السابق عن علي عليه‌السلام) : «كان يضحك مما يضحكون ويتعجب مما يتعجبون».

    ولربّما يضحك حتّى تبدو نواجذه (1).
    وكان (2) لا يدعوه أحد من أصحابه إلّا قال : «لبّيك» (3) ، وكانوا لا يقومون له ـ لما عرفوا من كراهته لذلك (4).
    وكان يمرّ بالصبيان فيسلّم عليهم (5) ، واتي برجل فأرعد من هيبته فقال (6) : «هوّن عليك ، فلست بملك ، إنّما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد».
    __________________
    (1) ـ قال ابن الأثير (النهاية : نجذ ، 5 / 20) : «فيه : «إنّه ضحك حتى بدت نواجذه» ، النواجذ من الأسنان : الضواحك ، وهي التي تبدو عند الضحك. والأكثر الأشهر أنّها أقصى الأسنان. والمراد الأول ، لأنّه ما كان يبلغ به الضحك حتى تبدو أواخر أضراسه ؛ كيف وقد جاء في صفة ضحكه صلى‌الله‌عليه‌وآله : «جلّ ضحكه التبسّم». وإن اريد بها الأواخر فالوجه فيه أن يراد مبالغة مثله في الضحك ، وهو أقيس القولين ؛ لاشتهار النواجذ بأواخر الأسنان».
    أخرج مسلم (كتاب الإيمان ، باب (83) آخر أهل النار خروجا ، 1 / 173 ، ح 308) عن ابن مسعود : «... لقد رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ضحك حتى بدت نواجذه».
    ابن ماجة (كتاب الأحكام ، باب (20) القضاء بالقرعة ، 2 / 786 ، ح 2348) عن زيد بن أرقم : «... فضحك حتى بدت نواجذه».
    وقد ورد مثله في مواضع اخر.
    (2) ـ من هنا إلى آخر الفصل مقتبس من الإحياء : الكتاب المذكور ، بيان تواضعه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 2 / 545.
    (3) ـ حكى الزبيدي (إتحاف السادة المتقين : 7 / 143) عن أبي نعيم في الدلائل ، عن عائشة : «ما كان أحسن خلقا منه ، ما دعاه أحد من أصحابه إلا قال : لبيك».
    (4) ـ الشمائل النبوية : باب (47) ما جاء في تواضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 409 ـ 410 ، ح 337.
    (5) ـ دلائل النبوة : (باب ذكر أخبار رويت في شمائله وأخلاقه ... ، 1 / 330) : «مر على صبيان فسلم عليهم».
    (6) ـ أخرجه الحاكم في المستدرك : كتاب التفسير ، سورة ق ، 2 / 466. وليس فيه : «لست بملك».

    وكان يجلس بين أصحابه مختلطا بهم ـ كانّه أحدهم ـ فيأتي الغريب فلا يدري أيّهم هو حتّى يسأل عنه ، حتّى طلبوا إليه أن يجلس مجلسا يعرفه الغريب ، فبنوا له دكّانا من طين ، فكان يجلس عليه (1).
    وكان يقول : (2) «إنّما أنا عبد ، آكل كما يأكل العبد ، وأجلس كما يجلس العبد».
    وكان لا يأكل على خوان ولا سكرّجة حتّى لحق بالله عزوجل (3).
    فصل [5]
    وعن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه إذا وصف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال (4) :
    «كان أجود الناس ، وأجرأ الناس صدرا ، وأصدق الناس لهجة ، وأوفاهم بذمّة ، وألينهم عريكة (5) ، وأكرمهم عشيرة ؛ من رآه
    __________________
    (1) ـ مضى تخريجه في الفصل السابق.
    (2) ـ جاء مع فرق يسير في اللفظ في طبقات ابن سعد : ذكر صفته في مأكله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 1 / 381.
    (3) ـ راجع البخاري : كتاب الأطعمة ، باب الخبز المرقق والأكل على الخوان والسكرجة ، 7 / 91. وباب ما كان النبي وأصحابه يأكلون ، 7 / 97. الترمذي : كتاب الأطعمة ، باب (1) ، 4 / 250 ، ح 1788.
    الخوان : المائدة ـ معرب ـ. قال ابن الأثير (النهاية : سكرجة ، 2 / 384) : «لا آكل في سكرجة : هي بضم السين والكاف والراء والتشديد : إناء صغير يؤكل فيه الشيء القليل من الادم ؛ وهي فارسية».
    (4) ـ أخرجه الترمذي مع فروق يسيرة : كتاب المناقب ، باب (Cool ما جاء في صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 5 / 598. وجاء ما يقرب منه في أمالي الطوسي : 341 ، المجلس الثاني عشر ، ح 35.
    عنه البحار : 16 / 147 ، ح 3.
    (5) ـ في الترمذي : «أجود الناس كفّا ، وأشرحهم صدرا ، وأصدق الناس لهجة ، وألينهم عريكة ...».

    بديهة هابه ، ومن خالطه معرفة أحبّه ؛ يقول ناعته : لم أر (1) قبله ولا بعده مثلهصلى‌الله‌عليه‌وآله».
    وما سئل شيئا ـ قطّ ـ على الإسلام إلّا أعطاه ، وإنّ رجلا أتاه وسأله ، فأعطاه غنما بين جبلين ؛ فرجع إلى قومه فقال : «أسلموا فإنّ محمّدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة (2)» ، وما سئل شيئا ـ قطّ ـ فقال لا (3)». وعنه عليه‌السلام (4) : «لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو أقربنا إلى العدوّ ، وكان من أشدّ الناس يومئذ بأسا».
    وقال ـ أيضا ـ (5) : «كنّا إذا أحمى البأس ، ولقى القوم القوم ، اتّقينا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فما يكون أحد أقرب إلى العدوّ منه».
    قيل : «وكان البطل الشجاع هو الذي يدنو منه وقت اشتداد الحرب حين وقوع الطعن والضرب» (6).
    __________________
    (1) ـ في النسخة : «فلم أر». والأظهر كونه من سهو القلم والصحيح ما أثبتناه مطابقا للمصادر.
    (2) ـ رواه البيهقي (دلائل النبوة ، باب ذكر أخبار رويت في شمائله ... ، 1 / 327) عن أنس.
    المسند : 3 / 108 و 175. مسلم : كتاب الفضائل ، باب (14) ما سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شيئا قط فقال لا ، 4 / 1805 ، ح 56.
    (3) ـ البخاري : كتاب الأدب ، باب حسن الخلق والسخاء ... ، 8 / 16. دلائل النبوة : الباب السابق : 1 / 326. مسلم الباب السابق : 4 / 1806 ، ح 57. الشمائل النبوية : باب (48) ما جاء في خلق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، 431 ، ح 354.
    (4) ـ مكارم الأخلاق : 17. عنه البحار : 16 / 232. راجع أيضا ما جاء في تاريخ الطبري : السنة الثانية ، غزوة بدر ، 2 / 426.
    (5) ـ مكارم الأخلاق : 17. عنه البحار : 16 / 232. نهج البلاغة : الكلام التاسع مما اختاره الرضي ـ قدس‌سره ـ المحتاج إلى التفسير : كنا إذا احمر ...
    (6) ـ أخرج مسلم (كتاب الجهاد ، باب (28) في غزوة حنين ، 3 / 1401 ، ح 79) عن البراء بن عازب : «كنا ـ والله ـ إذا احمرّ البأس نتقي به صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّ الشجاع منّا للذي يحاذي به».

    فصل [6]
    قيل : وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله أخشى الناس لربّه وأتقاهم له ، وأعلمهم به ، وأقواهم في طاعته ، وأصبرهم على عبادته ، وأكثرهم حبّا لمولاه ، وأزهدهم فيما سواه. وكان يقوم في صلاته حتّى ينشقّ بطون أقدامه من طول قنوته وقيامه ، ويسمع على الأرض لو كف (1) دموعه حسّا كحسّ المطر من كثرة خضوعه. وكانت أوقاته لا يخلو من الصيام ، وربّما يواصل الليالي بالأيّام.
    * * *
    وفي طريق أهل البيت عليهم‌السلام (2) : «إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله صام حتّى قيل : «إنّه ما يفطر» ، ثمّ إنّه أفطر حتّى قيل : «إنّه ما يصوم» ، ثمّ إنّه كان يصوم الثلاثة الأيّام في الشهر ؛ وعليه قبض». وفيه (3) : «إنه كان إذا قام إلى الصلاة يسمع من صدره أزيزا ـ كأزيز المرجل(4)».
    __________________
    (1) ـ وكف الدمع ونحوه : سال قليلا قليلا.
    (2) ـ الكافي : كتاب الصيام ، باب صوم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 4 / 89 ، ح 1. وفيه : «... ثم صام صوم داود عليه‌السلام ـ يوما ويوما لا ـ ثم قبض على صيام ثلاثة أيام في الشهر ...».
    وجاء ما يقرب منه مع إضافات في ثواب الأعمال : ثواب صوم ثلاثة أيام في الشهر ... ، 54. عنه البحار : 97 / 101.
    (3) ـ جاء ما يقرب منه في الخصال : باب الخمسة ، أنواع الخوف خمسة ، 1 / 282. الاحتجاج : احتجاج أمير المؤمنين عليه‌السلام على أحبار اليهود ، 1 / 519. فلاح السائل : الفصل التاسع عشر ، 161. البحار : 70 / 381 ، ح 30. و 10 / 40 ، ح 1. و 17 / 287 ، ح 7. و 17 / 257 ، ح 4. وروى مثله العامة أيضا : المسند : 4 / 25 ـ 26.
    (4) ـ في الفائق (از ، 1 / 39) : «النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء.
    هو الغليان. المرجل ـ عن الأصمعي ـ كل قدر يطبخ فيها من حجارة أو خزف أو حديد. وقيل : إنما سمي بذلك لأنه إذا نصب فكأنه اقيم على أرجل».

    فصل [7]
    وأمّا خلقته وصورته صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال بعض علماء العامّة (1) :
    «كان من صفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في قامته أنّه لم يكن بالطويل البائن ، ولا القصير المتردّد ، بل كان ينسب إلى الربعة (2) إذا مشى وحده ، ومع ذلك فلم يكن أحد يماشيه من الناس ـ ينسب إلى الطول ـ إلّا طاله ، ولربّما يكتنفه الرجلان الطويلان ويطولهما ، فإذا فارقاه نسبا إلى الطول (3) ، ونسب هو إلى
    __________________
    (1) ـ اقتباس من إحياء علوم الدين : كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة ، بيان صورته وخلقته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 2 / 545 ـ 547. ويظهر أنه مقتبس مما أورده البيهقي في الدلائل (1 / 298 ـ 306) قائلا : «وقد روى صبيح بن عبد الله الفرغاني ـ وليس بالمعروف ـ حديثا آخر في صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأدرج فيه تفسير بعض ألفاظه ، ولم يبين قائل تفسيره فيما سمعنا ، إلا أنه يوافق جملة ما روينا في الأحاديث الصحيحة والمشهورة».
    (2) ـ الطويل البائن ـ بالهمزة ـ أي المفرط طولا مع اضطراب. والقصير المتردد : الذي يتردد بعض خلقه على بعض (راجع دلائل النبوة : 1 / 271 ـ 272) ، ففيه نفي الطول المفرط والقصر المفرط. الربعة ـ بفتح فسكون ، وقد يحرك ـ : كون الإنسان بين الطويل والقصير ، يستوي فيه المؤنث والمذكر.
    أخرج البيهقي في الدلائل (باب جامع صفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 1 / 270) عن علي عليه‌السلام : «لم يكن بالطويل الممغّط ولا القصير المتردد ..». وفيه (باب صفة قامة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 1 / 251) عن عليعليه‌السلام : «كان لا قصير ولا طويل».
    ويقرب منه الترمذي : كتاب المناقب ، باب (Cool ما جاء في صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 5 / 598 ، ح 3637. الشمائل النبوية : الباب (1) ، ح 7 ، 45. المسند : 1 / 96.
    وأخرج البخاري (كتاب المناقب ، باب صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 4 / 227 ـ 228) عن أنس : «كان ربعة من القوم ، ليس بالطويل ولا بالقصير ...».
    (3) ـ أخرجه البيهقي عن عائشة : دلائل النبوة ، باب حديث هند بن أبي هالة ، 1 / 298.

    الربعة ، ويقول صلى‌الله‌عليه‌وآله (1) : «جعل الخير كلّه في الربعة».
    وأمّا لونه صلى‌الله‌عليه‌وآله : فقد كان أزهر اللون ، ولم يكن بالآدم ولا الشديد البياض ـ (2) والأزهر : هو الأبيض الناصع الذي لا يشوبه صفرة ولا حمرة ولا شيء من الألوان ـ. ونعته عمّه أبو طالب فقال (3) :
    وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
    ثمال اليتامى عصمة للأرامل

    ونعته بعضهم (4) بأنّه مشرب بحمرة ، فقال : «إنّما كان المشرب منه بالحمرة ما ظهر للشمس والرياح ـ كالوجه والرقبة ـ والأزهر الصافي عن الحمرة هو ما تحت الثياب منه».
    وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله عرقه في وجهه كاللؤلؤ ، أطيب من المسك الأذفر (5).
    وأمّا شعره : فقد كان رجل الشعرة حسنها ، ليس بالسبط ولا الجعد القطط (6).
    __________________
    (1) ـ نفس المصدر. كنز العمال : 11 / 92 ، ح 30751.
    (2) ـ نفس المصدر (باب صفة لون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 1 / 201) : «أزهر اللون أمهق ، ليس بأبيض ولا آدم ...». راجع فيه : 1 / 299 أيضا.
    (3) ـ نفس المصدر : 1 / 299.
    (4) ـ نفس المصدر (1 / 206) عن علي عليه‌السلام : «كان صلى‌الله‌عليه‌وآله أبيض مشرب الحمرة».
    (5) ـ نفس المصدر : 1 / 299 راجع أيضا فيه : 1 / 255. وفيه (1 / 258) إن أمّ سليم جمعت عرق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في قارورة وقالت : «هذا عرق نجعله لطيبنا ، وهو أطيب الطيب».
    (6) ـ راجع دلائل النبوة : 1 / 300 ـ 301 وباب صفة شعر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 1 / 220 ـ 219.
    الشمائل النبوية : الباب (1) ، ح 1 ، 40. والباب (3) ، ح 27 ، 67.

    كان إذا مشطه بالمشط يأتي كأنّه حبك الرمل (1)
    وكان شيبه في الرأس واللحية سبع عشرة طاقة شعرة ـ ما زاد عليها (2).
    وكان أحسن الناس وجها وأنوره ، لم يصفه واصف إلّا شبّهه بالقمر ليلة البدر (3) ، وكان يرى رضاه وغضبه في وجهه ـ لصفاء بشرته ـ.
    وكان واسع الجبهة أزجّ الحاجبين سابغهما ، وكان أبلج ما بين الحاجبين ـ كأنّ ما بينهما الفضّة المخلّصة (4) ـ.
    وكانت عيناه نجلاوين أدعجهما ، وكان في عينه مزج من
    __________________
    (1) ـ كتب هنا ما يلي ثم شطب عليه :
    «وقيل : كان شعره يضرب منكبيه. وأكثر الرواية أنّه كان إلى شحمة اذنيه ، وربّما جعله غدائر أربعا يخرج كل اذن من بين غديرتين ، وربّما جعل شعره على اذنيه فتبدو سوالفه يتلألأ».
    (2) ـ دلائل النبوة (باب ذكر شيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 1 / 232) عن أنس : «ما كان في رأسه إلا سبع عشرة أو ثمان عشرة شعرة». المسند : 3 / 254. وجاء في الشمائل النبوية (الباب 5 ، ح 38 ، 81) عن أنس : «ما عددت في رأس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولحيته إلا أربع عشرة شعرة بيضاء».
    (3) ـ راجع دلائل النبوة : باب صفة وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 1 / 194 ـ 199. الترمذي : كتاب الأدب ، باب (47) ما جاء في الرخصة في لبس الحمرة ، 5 / 118 ، ح 2811.
    مسلم : كتاب التوبة ، باب (9) حديث توبة كعب بن مالك ، 4 / 2127 ، ح 53.
    (4) ـ الزجج : تقوّس في الحاجب مع طول في طرفه وامتداد. الحاجب السابغ : التام الطويل.
    وقوله «أبلج ما بين الحاجبين» : أي كان بين حاجبيه بلجة ـ فرجة بيضاء دقيقة لا تتبين إلا لمتأمل ـ فهو غير أقرن.
    جاء في حديث هند بن أبي هالة : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واسع الجبين ، أزجّ الحواجب سوابغ في غير قرن ...». دلائل النبوة : 1 / 214. معاني الأخبار : 80.

    حمرة. وكان أهدب الأشفار ـ حتّى كاد تلبس من كثرتها ـ (1).
    وكان أقنى العرنين ـ أي مستوى الأنف ـ (2).
    وكان مفلج الأسنان ـ أي متفرّقها ـ وكان إذا افترّ ضاحكا افترّ عن مثل سنا البرق إذا تلألأ. وكان من أحسن عباد الله شفتين وألطفهم ختم فم (3).
    وكان سهل الخدّين صلتهما ، ليس بالطويل الوجه ولا المكلثم ، كثّ اللحية (4) ، وكان يعفي لحيته ويأخذ شاربه (5).
    وكان من أحسن الناس عنقا ، لا ينسب إلى الطول ولا إلى القصر ؛ ما ظهر من عنقه للشمس والرياح فكأنّه إبريق فضّة مشربا يتلألأ ذهبا في بياض الفضّة وفي حمرة الذهب (6).
    __________________
    (1) ـ دعجت العين : صارت شديدة السواد مع سعتها ، فصاحبها أدعج.
    أخرج البيهقي (الدلائل : باب صفة عين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 1 / 213) عن علي عليه‌السلام : «كان في الوجه تدوير ، أبيض مشرب ، أدعج العينين أهدب الأشفار».
    مشرب العين بحمرة».
    (2) ـ في حديث هند بن أبي هالة : «أقنى العرنين له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم». الدلائل : 1 / 215. معاني الأخبار : 80.
    (3) ـ جاء في حديث هند المذكور : «ضليع الفم أشنب مفلج الأسنان». وفي الدلائل (1 / 215) عن ابن عباس : «أفلج الثنيتين وكان إذا تكلم رئي كالنور بين ثناياه».
    (4) ـ راجع دلائل النبوة : 1 / 216 ـ 217 و 269 و 287. معاني الأخبار : 80.
    (5) ـ ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : «احفوا الشوارب واعفوا اللحى». مسلم : كتاب الطهارة : باب خصال الفطرة ، 1 / 222 ، ح 52. الترمذي : كتاب الأدب ، باب (18) ما جاء في إعفاء اللحية ، 5 / 95 ، ح 2763. المسند : 2 / 16.
    (6) ـ دلائل النبوة : 1 / 304. راجع أيضا فيه : 1 / 274 و 287.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: علم اليقين في اصول الدين ج1   علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Emptyالأربعاء أكتوبر 30, 2024 5:02 pm

    وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله عريض الصدر (1) لا يعدو لحم بعض بدنه بعضا ـ كالمرايا في استوائه ، وكالقمر في بياضه ـ موصول ما بين لبّته وسرّته بشعر منقاد كالقضيب ، لم يكن في صدره ولا بطنه شعر غيره (2). وكانت له عكن (3) ثلاث : يغطّي الإزار منها واحدة وتظهر اثنتان.
    وكان عظيم المنكبين أشعرهما (4) ، ضخم الكراديس (5) ـ أي رءوس العظام من المنكبين والمرفقين والوركين ، وكان واسع الظهر ، ما بين كتفيه خاتم النبوّة ، وهو مما يلي منكبه الأيمن ، فيه شامة سوداء يضرب إلى الصفرة ، حولها شعرات متواليات ـ كانّها من عرف فرس ـ (6).
    وكان عبل العضدين والذراعين ، طويل الزندين ، رحب الراحتين ، سائل الأطراف (7) ، وكان أصابعه قصبان الفضّة ، كأنّ كفّه كفّ عطّار طيبا ـ مسّها بطيب أو لم يمسّها ـ يصافحها المصافح فيظلّ يومه يجد ريحها ، ويضع يده على رأس الصبي
    __________________
    (1) ـ حديث هند بن أبي هالة. دلائل النبوة : 1 / 287. معاني الأخبار : 80.
    (2) ـ دلائل النبوة : باب جامع صفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 1 / 274 ، عن علي عليه‌السلام.
    (3) ـ العكنة ـ بالضم ـ : طية من طيات البطن.
    (4) ـ دلائل النبوة (باب صفة ما بين منكبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 1 / 241) : «عظيم مشاش المنكبين ...». وفي حديث هند بن أبي هالة : «أشعر الذراعين والمنكبين».
    راجع أيضا الشمائل النبوية : الباب (1) ، 43 ، ح 3 ـ 4.
    (5) ـ حديث هند بن أبي هالة.
    (6) ـ ورد في وصف خاتم النبوة أحاديث مختلفة ، راجع إتحاف السادة المتقين : 7 / 152 ـ 153.
    دلائل النبوة : 1 / 259 ـ 267. الشمائل النبوية : الباب (2) ، 58 ـ 63.
    (7) ـ في حديث هند بن أبي هالة : «... طويل الزندين رحب الراحة ... سائل الأطراف ...»

    فيعرف من بين الصبيان بريحها على رأسه (1).
    وكان عبل ما تحت الإزار من الفخذ والساق.
    وكان معتدل الخلق في السمن ، بدن في آخر زمانه (2).
    وكان لحمه متماسكا يكاد يكون على الخلق الأوّل لم يضرّه السنّ.
    وأمّا مشيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : فكان يمشي كأنّما ينقلع من صخر وينحدر من صبب ، يخطو تكفيا ويمشي الهوينا (3) من غير تبختر ـ والهوينا : تقارب الخطا ـ.
    وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول (4) : «أنا أشبه الناس بآدم عليه‌السلام وكان أبي إبراهيم أشبه الناس بي خلقا وخلقا».
    * * *
    وإن أردت زيادة على ما ذكر فى بيان خلقه وخلقه واموره صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن طريق أهل البيت عليهم‌السلام فارجع إلى كتاب مكارم الأخلاق للطبرسي ـ رحمه‌الله ـ.
    __________________
    (1) ـ أخرج البخاري (كتاب المناقب ، باب صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 4 / 230) عن أنس : «ما مست حريرا ولا ديباجا ألين من كف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا شممت ريحا قط أو عرفا أطيب من ريح ـ أو عرف ـ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله». وما يقرب منه في مسلم : كتاب الفضائل ، 4 / 1814 ـ 1815 ، ح 81. دلائل النبوة : 1 / 254.
    (2) ـ في حديث هند بن أبي هالة : «معتدل الخلق بادن متماسك».
    (3) ـ في الحديث المذكور : يخطو تكفيا ويمشي هونا ...
    (4) ـ معاني الأخبار : باب معاني أسماء النبي وأهل بيته عليهم‌السلام ، 51.

    فصل [8]
    قيل في قوّة حواسّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّه كان لسمعه قوّة يسمع بها ما يخفي عن غيره حتّى كان يسمع صرير الأقلام في تصاريف الأحكام.
    ولبصره قوّة يبصر بها الأشياء الدقيقة القاصية ، كما أخبر برؤية قصور الشام واليمن(1) ، وجسد النجاشي (2) ؛ بل كان لبصره نفوذ إلى الملأ الأعلى.
    وقال : «إنّي لأجد ريح الجنّة دون احد» ، و «إنّي أشمّ ريح الرحمن من قبل اليمن» (3) ـ يخبر عن اويس (4) ـ.
    ويكفي في قوّة حواسّه ثبوت سمعه وبصره وقلبه لسماع خطاب ربّ العالمين ومشاهدة آياته الكبرى.
    __________________
    (1) ـ أخرج البيهقي (دلائل النبوة : باب ما ظهر في حفر الخندق من دلائل النبوة ، 3 / 421) : «... عرض لنا في بعض الخندق صخرة عظيمة ... فلما رآها صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ المعول وقال : بسم الله ، وضرب ضربة فكسر ثلثها ، فقال : الله أكبر ، اعطيت مفاتيح الشام ، والله إني لأبصر قصورها الحمر إن شاء الله ، ... فقال : الله أكبر اعطيت مفاتيح اليمن ، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني الساعة».
    (2) ـ أورد الطبري (التاريخ : 3 / 122 ، وقائع سنة 9) : «وفيها نعى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للمسلمين النجاشي ، وإنه مات في رجب سنة تسع».
    (3) ـ أخرج الطبراني (المعجم الكبير ، 7 / 52 ، ح 6358) : «قال صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مولّ ظهره إلى اليمن : إني أجد نفس الرحمن من هاهنا». وفي المسند (2 / 541) : «ألا إن الإيمان يمان ، والحكمة يمانية ، وأجد نفس ربّكم من قبل اليمن».
    (4) ـ أبو عمرو اويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني اليماني ، الزاهد المعروف ، استشهد بصفين في حرب معاوية ، راجع أخباره في حلية الأولياء : 2 / 79 ـ 87. سير أعلام النبلاء : 4 / 19 ـ 33. طبقات ابن سعد : 6 / 161 ـ 165.

    فصل [9]
    وأمّا أسماؤه صلى‌الله‌عليه‌وآله :
    فروي أنّه كان يقول (1) : «إنّ لي عند ربّي عشرة أسماء : أنا محمّد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا العاقب الّذي ليس بعده أحد ، وأنا الحاشر الذي يحشر العباد على قدمي ، وأنا رسول الرحمة ، ورسول التوبة ، ورسول الملاحم ، والمقفي ـ قفيت الناس ـ ، وأنا قثم».
    __________________
    (1) ـ أورده الغزالي في الإحياء : كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة : 2 / 547. وعنه اقتبس المؤلف ـ على ما يظهر ـ.
    وأورد ابن عدي في الكامل (سيف بن وهب : 3 / 437) : «... أبو يحيى التيمي ، حدثنا سيف بن وهب ، عن أبي الطفيل ـ قال : ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ لي عند ربّي عشرة أسماء. قال أبو الطفيل : قد حفظت منها ثمانية : محمّد وأحمد وأبو القاسم ، والفاتح ، والخاتم ، والماحي ، والعاقب ، والحاشر. قال أبو يحيى :
    وزعم سيف أن أبا جعفر قال له : إن الاسمين الباقيين : يس وطه».
    وأخرج البخاري (كتاب التفسير ، سورة الصف : 6 / 188) : «إنّ لي أسماء : أنا محمّد وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر على قدمي ، وأنا العاقب». ومثله في مسلم : كتاب الفضائل ، باب في أسمائه صلى‌الله‌عليه‌وآله : 4 / 1828. والترمذي : كتاب الأدب ، باب (67) ما جاء في أسماء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : 5 / 135. ودلائل النبوة : باب ذكر أسماء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : 1 / 151. وأخرج مسلم في حديث آخر (الباب والصفحة المذكورة) : «عن أبي موسى الأشعري : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يسمّي لنا نفسه أسماء ، فقال : أنا محمّد ، وأحمد ، والمقفّي ، والحاشر ، ونبيّ التوبة ، ونبيّ الرحمة». ومثله في المسند : 4 / 404 ودلائل النبوة : 1 / 157. راجع أيضا الشمائل النبوية : الباب (51) ، 446 ـ 449 ، ح 368 ـ 370.
    راجع ساير التخريجات وشرحها في إتحاف السادة المتقين : 7 / 161 ـ 164.

    قيل (1) : القثم : الكامل الجامع. وقيل : الجواد.
    وقيل ـ أيضا ـ في أسمائه : الشاهد ؛ لأنّه يشهد في القيامة للأنبياء بالتبليغ ، وعلى الامم أنّهم بلّغوا ـ كما ورد في القرآن (2) ـ
    والبشير ، والنذير ، والسراج المنير ، والضحوك ، والقتّال ، والمتوكّل ، والفاتح والأمين ـ وقد سمّي بذلك قبل مبعثه لأمانته وصدق وعده ـ والخاتم ، والمصطفى ، والرسول ، والنبيّ ، والامّي ـ لنسبته إلى أمّ القرى ـ
    وقيل : لأنّه لم يكتب ولم يقرأ كما قال تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) [29 / 48] (3).
    * * *
    __________________
    (1) ـ في الإحياء (2 / 548) : «قال أبو البختري : والقثم الكامل الجامع».
    وفي النهاية (قثم : 4 / 16) : «فيه أتاني ملك فقال : أنت قثم ، وخلقك قيّم. القثم : المجتمع الخلق. وقيل : الجامع الكامل ، قيل : الجموع للخير. وبه سمّي الرجل قثم. وقيل : قثم معدول عن قاثم ، وهو كثير العطاء».
    (2) ـ (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) [4 / 14] (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ) [16 / 89].
    (3) ـ قال البيهقي (دلائل النبوة : 1 / 160 ـ 161) : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، قال : حدثنا خلف بن محمد البخاريّ ، قال : حدثنا صالح بن محمّد بن حبيب الحافظ ، قال : حدثنا محمد بن ميمون المكي ، قال : حدثنا صالح بن محمّد حبيب الحافظ ، قال : حدثنا سمعته يقول : اجتمعوا ، فتذاكروا أيّ بيت أحسن فيما قالته العرب؟ قالوا : الذي قاله أبو طالب للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله :
    وشقّ له من اسمه كي يجلّه
    فذو العرش محمود ، وهذا محمّد



    وفي بصائر الدرجات (1) عن جعفر بن محمد الصوفي (2) قال : سألت أبا جعفر محمد بن على الرضا عليهما‌السلام وقلت له : «يا ابن رسول الله ـ لم سمّي النبيّ : الامّي»؟ قال : «ما يقول الناس»؟
    قلت : «يزعمون أنّما سمّي النبيّ الامّي ، لأنّه لم يكتب».
    فقال : «كذبوا ـ عليهم لعنة الله ـ أنّى يكون ذلك ، والله تبارك وتعالى يقول في محكم كتابه : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) [63 / 2] فكيف يعلّمهم ما لا يحسن؟ والله لقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقرأ ويكتب باثنين وسبعين ـ أو (3) : بثلاثة وسبعين ـ لسانا ؛ وإنّما سمّي الامّي لأنّه كان من أهل مكّة ـ ومكّة من أمّهات القرى ـ وذلك قول الله في كتابه : (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) [6 / 92]».
    وفيه (4) عن عبد الرحمن بن الحجّاج (5) ـ قال : ـ قال أبو عبد الله : «إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقرأ ويكتب ، ويقرأ ما لم يكتب».
    __________________
    (1) ـ بصائر الدرجات : الجزء الخامس ، باب (4) في أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقرأ ويكتب بكل لسان ، 225 ، ح 1. معاني الأخبار : باب معاني أسماء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 53 ، ح 6.
    الاختصاص : 263. علل الشرائع : باب (105) العلة التي من أجلها سمي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الامي ، 1 / 124 ، ح 1. عنها البحار : 16 / 132 ، ح 70.
    (2) ـ لم أعثر على ترجمته ، ولم يذكر عنه شيء في معاجم رجال الحديث غير روايته هذا.
    (3) ـ الترديد من الراوي.
    (4) ـ بصائر الدرجات : الباب السابق : 227 ، ح 5.
    (5) ـ قال النجاشي (الترجمة : 630 ص 237) : «عبد الرحمن بن الحجاج البجلي مولاهم ، كوفيّ ، بيّاع السابري ، سكن بغداد ، ورمي بالكيسانية ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهم‌السلام وبقي بعد أبي الحسن عليهما‌السلام ورجع إلى الحق ولقى الرضا عليه‌السلام وكان ثقة ثقة ، ثبتا ، وجها ...».

    * * *
    وسمّاه الله : المزمّل ، والمدثّر ، والكريم ، والنور ، والعبد ، والرءوف ، والرحيم ، وطه ، ويس ، ومنذر ، ومذكّر (1).
    * * *
    وعن مولانا الباقر عليه‌السلام بإسناد الصدوق (2) ـ رحمه‌الله ـ :
    «إنّ اسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في صحف إبراهيم : الماحي ، وفي توراة موسى : الحاد ، وفي إنجيل عيسى : أحمد. وفي الفرقان : محمّد».
    قيل : «فما تأويل الماحي»؟
    فقال : «الماحي صورة الأصنام ، وماحي الأوثان والأزلام ، وكلّ معبود دون الرحمن».
    قيل : «فما تأويل الحاد»؟
    فقال : «الحاد من حادّ لله (3) ودينه ، قريبا كان أو بعيدا».
    قيل : «فما تأويل أحمد»؟
    __________________
    (1) ـ (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) [73 / 1] (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) [74 / 1] (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) [69 / 40] (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ) [5 / 15] (نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ) [25 / 1] (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) [9 / 128] (طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) [20 / 1] (يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) [36 / 1 ـ 2] (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) [13 / 7] (إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) [88 / 21].
    (2) ـ الشطر الأول من حديث رواه الصدوق ـ ره ـ في الفقيه ، كتاب الوصية ، باب الوصية من لدن آدمعليه‌السلام ، 4 / 174 ، ح 5402. وفي المجلس السابع عشر من أماليه ، ح 2 ، 129. عنه البحار : 11 / 39 ، ح 38 و 16 / 98 ، ح 37.
    ويأتي تمام الحديث في الفصل الآتي.
    (3) ـ المصدر : يحادّ من حادّ الله.

    فقال : «حسن ثناء الله تعالى عليه في الكتب بما حمد من أفعاله».
    قيل : «فما تأويل محمّد»؟
    قال : «أنّ الله وملائكته وجميع أنبيائه ورسله وجميع اممهم يحمدونه ويصلّون عليه ، وأنّ اسمه مكتوب على العرش : محمّد رسول الله».
    * * *
    وعن كعب الأحبار أنّه قال (1) : «اسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند أهل الجنّة : عبد الكريم ، وعند أهل النار : عبد الجبّار ، وعند أهل العرش : عبد المجيد ، وعند سائر الملائكة : عبد الحميد ، وعند الأنبياء : عبد الوهّاب وعند الشياطين : عبد القهّار ، وعند الجنّ : عبد الرحيم ، وفي الجبال : عبد الخالق ، وفي البرّ : عبد القادر ، وفي البحر : عبد المهيمن ، وعند الحيتان : عبد القدّوس ، وعند الهوامّ : عبد الغياث ، وعند الوحوش : عبد الرزّاق ، وعند السباع : عبد السلام ، وعند البهائم : عبد المؤمن ، وعند الطيور : عبد الغفّار ، وفي التوراة : مودمود ، وفي الإنجيل : طاب طاب ، وفي الصحف : عاقب ، وفي الزبور : فاروق ، وعند الله : طه ، ويس ، وعند المؤمنين : محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله» ـ انتهى.
    وقيل (2) : «اسمه في التوراة بمادماد ، وصاحب الملحمة ـ والملحمة : الحرب ـ وكنيته : أبو الأرامل ، واسمه في الإنجيل : الفارقليط. وقال : أنا الأوّل والآخر ـ أوّل في النبوّة ، وآخر في البعثة ـ».
    __________________
    (1) ـ لم أعثر على مصدره.
    (2) ـ كذا في كشف الغمة (ذكر أسمائه صلى‌الله‌عليه‌وآله : 1 / 13) أيضا ولم يسم القائل.

    وكنيته (1) : أبو القاسم.
    وقيل (2) : لمّا ولد له إبراهيم أتاه جبرئيل عليه‌السلام فقال : «السلام عليك أبا إبراهيم» ـ أو ـ «يا أبا إبراهيم».
    فصل [10]
    [متعلقاته صلى‌الله‌عليه‌وآله]
    روى الصدوق ـ رحمه‌الله ـ بإسناده (3) عن مولانا الباقر عليه‌السلام أنّه قال : «وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يلبس من القلانس اليمانيّة والبيضاء المضرّبة (4) ذات الاذنين في الحرب.
    __________________
    (1) ـ كشف الغمة : الصفحة السابقة. مسلم : كتاب الآداب ، باب (1) النهي عن التكنّي بأبي القاسم ، 3 / 1683 ، ح 5. البخاري : كتاب المناقب ، باب كنية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : 4 / 226. ابن ماجة : كتاب الأدب ، باب (33) الجمع بين اسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكنيته ، 2 / 1230 ، ح 3735. الترمذي : كتاب الأدب ، باب (68) ما جاء في كراهيّة الجمع بين اسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكنيته ، 5 / 136 ، ح 2841. دلائل النبوة : باب ذكر كنية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 1 / 162.
    طبقات ابن سعد : ذكر كنية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 1 / 106.
    (2) ـ روي عن أنس ـ كشف الغمة : الصفحة السابقة. دلائل النبوة : الباب السابق : 1 / 164.
    المستدرك للحاكم : كتاب التاريخ : 2 / 604.
    (3) ـ الفقيه : كتاب الوصية ، باب الوصية من لدن آدم عليه‌السلام ، 4 / 178. أمالي الصدوق : المجلس السابع عشر ، ح 2 ، 129. عنهما البحار : 16 / 98 ، ح 37.
    وقد مضى صدر الحديث في الباب السابق.
    (4) ـ في النسخة مهملة. وفي الفقيه والمنقول عنه وعن الأمالي في البحار : والبيضاء والمضرّبة.
    ومثله في الكافي : باب القلانس ح 1 ، 6 / 461. وفيه (ح 2) : «يلبس قلنسوة بيضاء مضربة ، وفي الحرب قلنسوة لها اذنان».
    وفي الأمالي (نسخة) : والبيضاء والمضرية (خطأ). المضرّب : المخيط.

    وكانت له عنزة (1) يتّكئ عليها ويخرجها في العيدين فيخطب بها.
    وكان له قضيب يقال له : الممشوق.
    وكان له فسطاط ويسمّى بالكنّ (2).
    وكانت له قصعة تسمّى المنيعة (3).
    وكان له قعب يسمّى الريّ.
    وكان له فرسان ، يقال لأحدهما : المرتجز ، وللآخر : السكب.
    وكان له بغلتان ، يقال لإحداهما : دلدل ، وللاخرى : الشهباء.
    وكانت له ناقتان ، يقال لإحداهما العضباء ، وللاخرى الجدعاء.
    وكان له سيفان ، يقال لأحدهما : ذو الفقار ، وللآخر : العون.
    وكان له سيفان آخران ، يقال لأحدهما : المخذم ، وللآخر : الرسوم.
    وكان له حمار يسمّى يعفور.
    وكانت له عمامة تسمّى السحاب.
    وكان له درع يسمّى ذات الفضول ؛ لها ثلاث حلقات فضّة ـ حلقة بين يديها وحلقتان خلفها.
    وكانت له راية تسمّى العقاب.
    وكان له بعير يحمل عليه يقال له الديباج.
    __________________
    (1) ـ العنزة ـ محركة ـ : أطول من العصا وأقصر من الرمح ، وفيه زجّ كزجّ الرمح.
    (2) ـ المصدر : يسمى الكن. (وفي النسخة كتب كذلك ، ثم استدرك واضيف الباء).
    الكنّ : وقاء كل شيء وستره.
    (3) ـ كذا في النسخة. وفي الأمالي والبحار : المنبعة. وفي الفقيه : السعة.
    القعب : قدح من خشب مقعّر.

    وكان له لواء تسمّى المعلوم.
    وكان له مغفر يقال له : الأسعد.
    فسلّم ذلك كلّه لعليّ عليه‌السلام عند موته ، وأخرج خاتمه وجعله في إصبعه.
    فذكر عليّ عليه‌السلام أنّه وجد في قائمة سيف من سيوفه صحيفة فيها ثلاثة أحرف : «صل من قطعك ، وقل الحقّ ولو على نفسك ، وأحسن إلى من أساء إليك».
    ـ قال : ـ (1) وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «خمس لا أدعهنّ حتّى الممات : الأكل على الحضيض (2) مع العبيد ، وركوبي الحمار موكفا (3) ، وحلبي العنز بيدي ، ولبس الصوف ، والتسليم على الصبيان ـ ليكون سنّة من بعدي».
    * * *
    __________________
    (1) ـ هذا المقطع غير موجود في الفقيه وموجود في الأمالي.
    (2) ـ في هامش النسخة : «الحضيض : القرار من الأرض عند منقطع الجبل. وفي الحديث : «اهدي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هدية ، فلم يجد شيئا يضعه عليه ، فقال : ضعه بالحضيض ، فإنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد ؛ يعني بالأرض ـ منه ـ».
    (3) ـ وكف وأكف وآكف الحمار : وضع عليه الوكاف. والوكاف : البرذعة وكساء يلقى على ظهر الدابّة.
    في هامش النسخة : «الإيكاف : پالان كردن ـ منه ـ».

    فصل [11]
    [خصائصه صلى‌الله‌عليه‌وآله]
    روى جابر بن عبد الله الأنصاري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال (1) :
    «اعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، فأيّما رجل من أمّتي أدركته الصلاة فليصلّ ، واحلّت لي الغنائم ـ ولم تحل لأحد قبلي (2) ـ واعطيت الشفاعة ، وكان النبيّ يبعث إلى قومه خاصّة ، وبعثت إلى الناس عامّة».
    ومضمون هذا الحديث مستفيض بين العامّة والخاصّة (3) ، لكنّه يروى بألفاظ مختلفة : ففي بعضها (4) : ستّ.
    __________________
    (1) ـ البخاري : باب التيمم : 1 / 91 ، مع تقديم وتأخير. مسلم : 1 / 370 ـ 371 ، ح 3.
    (2) ـ في هامش النسخة :
    «قيل : قد كانت الغنائم في حقّ غيره من الأنبياء ـ إذا انصرف من قبل العدوّ ـ جمع الغنائم كلها ، فإذا لم يبق شيء منها نزلت نار من الجوّ ، فأحرقتها كلها ، فإن وقع منها غلول لم ينزل تلك النار حتى يردّ ويلقى فيها ذلك الذي اخذ منها ؛ فكان لهم نزول النار علامة على القبول الإلهي لفعلهم ؛ فأحلّها الله لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقسّمها في أصحابه ، فتناولتها نار شهواتهم عناية من الله لهم وكرامة له صلى‌الله‌عليه‌وآله. منه ـ».
    (3) ـ راجع البحار : تاريخ نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، باب فضائله وخصائصه : 16 / 313 ـ 325.
    دلائل النبوة : باب ما جاء في تحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بنعمة ربه عزوجل ... : 5 / 470 ـ 490.
    (4) ـ مسلم (كتاب المساجد ، ح 5 ، 1 / 371) : «فضّلت على الأنبياء بستّ : اعطيت جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، واحلت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا ، وارسلت إلى الخلق كافّة ، وختم بي النبيّون».
    ومثله في المسند : 2 / 412. دلائل النبوة : 5 / 472.

    وفي آخر (1) : «سبع».
    وفي بعضها (2) : «اعطيت جوامع الكلم».
    وفي آخر (3) : «الوسيلة».
    وفي آخر (4) : «واعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش ، لم يعطهنّ نبيّ قبلي».
    وفي آخر (5) : «وختم بي النبيّون».
    وفي آخر (6) : «وفضّلت على الناس بثلاث ، وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة».
    __________________
    (1) ـ في الخصال (باب السبعة ، ح 36 ، 2 / 355) في الجواب عمن سأله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن سبع خصال أعطاه الله تعالى وأمّته من بين النبيين واممهم : «أعطاني الله عزوجل فاتحة الكتاب ، والأذان ، والجماعة في المسجد ويوم الجمعة ، والصلاة على الجنائز ، والإجهار في ثلاث صلوات ، والرخصة لامّتي عند الأمراض والسفر ، والشفاعة لأصحاب الكبائر من أمّتي».
    (2) ـ الخصال : باب الخمسة ، ح 56 ، 1 / 292. عنه البحار : 8 / 38 ، ح 17. 83 / 276 ، ح 1. و 100 / 55 ، ح 5. أمالي الطوسي : المجلس السابع عشر ، ح 28 ، 484. عنه البحار : 16 / 324 ، ح 16. 92 / 14 ، ح 7.
    (3) ـ بصائر الدرجات (الجزء الخامس ، باب (1) ما عند الأئمة عليهم‌السلام من اسم الله الأعظم وعلم الكتاب ، 216 ، ح 21) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «قد صدّقه الله وأعطاه الوسيلة في الوصيّة ولا تخلي امته من وسيلة إليه وإلى الله ...».
    عنه البحار : 35 / 432 ، ح 12.
    (4) ـ المسند : 5 / 180 و 383. وفي معاني الأخبار (باب معاني أسماء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 51 ، ح 1) : «... ومنّ عليّ ربي وقال لي : .. وأعطيت لك ولامّتك كنزا من كنوز عرشي : فاتحة الكتاب وخاتمة سورة البقرة ...».
    (5) ـ مسلم : كتاب المساجد ، ح 5 ، 1 / 371. المسند : 2 / 412.
    (6) ـ مسلم : الباب السابق ، ح 4 ، 1 / 371.

    وفي حديث المعراج (1) : «واعطي نبيّكم ثلاثا : اعطي الصلوات الخمس ، واعطي خواتيم سورة البقرة ، وغفر ـ لمن لا يشرك بالله شيئا من أمّته ـ المقحمات». فهذه اثنتا عشرة خصلة خصّ بها عن سائر الأنبياء ، وله غير ذلك منع من تتّبعها خوف الإطالة.
    * * *
    وأمّا خصائصه التي خصّ بها عن أمّته فكثيرة جدّا ، وفيها خلاف منتشر مشهور في كتب الفقه (2) ، وقسّمها بعضهم إلى :
    واجبات : كالتهجّد ، وقضاء دين الميّت المقرّ.
    ومحرّمات : كأكل الصدقة ، ونكاح الأمة ، وخائنة الأعين.
    ومباحات : كالزيادة على أربع زوجات ، ووصال صوم الأيّام بالليالي ، والشهادة والحكم لنفسه.
    وإلى ما يرجع إلى مجرّد تشريفه وعلوّ شأنه ورفعة مكانه : كسيادة ولد آدم وكون أمّته خير الامم ، ورؤية ما وراء ظهره ، وعدم وقوع ظلّه على الأرض ، وابتلاع الأرض برازه ـ وغير ذلك ـ.
    * * *
    وكما أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث إلى الناس كافّة ، كذلك بعث إلى الجنّ باتّفاق الامّة.
    __________________
    (1) ـ ما يقرب منه في مسلم : كتاب الإيمان ، باب في ذكر سدرة المنتهى ، ح 279 ، 1 / 157.
    الترمذي : كتاب التفسير ، سورة النجم ، 5 / 393 ، ح 3276.
    المسند : 1 / 387. دلائل النبوة : 5 / 474.
    (2) ـ راجع تفصيل ذلك في البحار : باب فضائله وخصائصه صلى‌الله‌عليه‌وآله : 16 / 382 ـ 401.

    قيل : إنّه لم يبعث نبيّ قبله إلى الإنس والجنّ جميعا (1).
    قال البغوي (2) في قوله ـ تعالى ـ : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) ـ إلى قوله : ـ (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) [46 / 29 ـ 31] ـ قال : ـ «يعنى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله».
    ـ قال : ـ وقال ابن عبّاس ـ رضي الله عنه ـ : «فاستجاب له نحوا من سبعين رجلا من الجنّ فوافقوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالبطحاء ، فقرأ عليهم القرآن وأمرهم ونهاهم».
    وفي تفسير علي بن إبراهيم (3) : «وكانوا يعودون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في كلّ وقت ، فأمر أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يعلّمهم ويفقّههم ، فهم مؤمنون وكافرون وناصبون ويهود ونصارى ومجوس ، وهم ولد الجانّ».
    * * *
    __________________
    (1) ـ مجمع البيان : قوله تعالى (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ ...) ـ الآية [46 / 29] ، ج 9 ص 94.
    (2) ـ معالم التنزيل : 4 / 158 ، الأحقاف / 31. وهو حسين بن مسعود بن محمد البغوي الفقيه المحدث المفسر الشافعي ، صاحب كتب شرح السنة. توفى بمروالروذ سنة ست عشرة وخمس مائة. راجع وفيات الأعيان : 2 / 136 ـ 137. تذكرة الحفاظ : 4 / 1257 ـ 1259. سير أعلام النبلاء : 19 / 439.
    (3) ـ تفسير القمي : 2 / 306 ، تفسير الآية المذكورة.

    فصل [12]
    نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل الأنبياء وأشرفهم وخاتمهم ـ بلا خلاف :
    قال صلى‌الله‌عليه‌وآله (1) : «أنا سيّد ولد آدم ولا فخر».
    وقال ـ أيضا ـ (2) : «أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة ، وأنا أوّل من تنشقّ عنه الأرض ، وأوّل شافع وأوّل مشفّع».
    وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله (3) : «أنا أوّل الناس خروجا إذا بعثوا ، وأنا خطيبهم إذا وفدوا ، وأنا مبشّرهم إذا يئسوا ، لواء الحمد بيدي ، وأنا أكرم ولد آدم على الله وخاتم النبيّين».
    __________________
    (1) ـ عيون أخبار الرضا : باب فيما جاء عن الرضا عليه‌السلام من الأخبار المجموعة ، 2 / 35 ، ح 78.
    عنه البحار : 16 / 325 ، ح 21. أمالي الصدوق : المجلس الخامس والثلاثون ، ح 1 ، 254. عنه البحار : 9 / 294 ، ح 5. وعن العياشي : 8 / 48 ، ح 51.
    المسند : 1 / 281. المستدرك للحاكم : 2 / 604 ـ 605. كنز العمال : 11 / 434 ، و 756 ، ح 32040 و 33682.
    (2) ـ أمالي الطوسي : المجلس العاشر ، 271 ، ح 44. عنه البحار : 16 / 326 ، ح 32.
    مسلم : كتاب الفضائل ، 4 / 1782 ، ح 3. كنز العمال : 11 / 404 و 433 ، ح 31881 و 32033. المسند : 3 / 2. دلائل النبوة : 5 / 476 ، باب ما جاء في تحدث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بنعمة ربهعزوجل.
    (3) ـ الترمذي : كتاب المناقب ، باب (1) ، 5 / 585 ، ح 3610 ، مع فروق يسيرة في اللفظ ، وليس فيه «وأنا خاتم النبيين». وأخرج الدارمي (باب ما اعطي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من الفضل ، 1 / 26) : «أنا أولهم خروجا ، وأنا قائدهم إذا وفدوا ، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا ، وأنا مشفّعهم إذا حبسوا ، وأنا مبشّرهم إذا أيسوا ، والمفاتيح يومئذ بيدي ، وأنا أكرم ولد آدم على ربّي ...». في حديث آخر (1 / 27) : «أنا قائد المرسلين ولا فخر ، وأنا خاتم النبيّين ولا فخر ، وأنا أول شافع وأول مشفّع ولا فخر».
    راجع أيضا : كنز العمال : 11 / 404 ، ح 318882.

    وقال (1) : «آدم فمن دونه تحت لوائي يوم القيامة».
    وقال (2) : «كنت نبيّا وآدم بين الماء والطين».
    وقال (3) : «أنا أوّل الأنبياء خلقا ، وآخرهم بعثا».
    وقال (4) : «نحن الآخرون السابقون».
    __________________
    (1) ـ المناقب لابن شهرآشوب : باب ذكر سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فصل في اللطائف : 1 / 214. عنه البحار : 16 / 402. و 39 / 213. المسند : 1 / 281 و 295. وفي الخصال (باب التسعة ، الحديث الخامس : 2 / 415) : «... وأما الثلاث التي في الآخرة : فإني اعطي لواء الحمد ، فأجعله في يدك ، وآدم وذريّته تحت لوائي». عنه البحار : 40 / 35. وفي العلل (باب (136) العلة التي من أجلها دفع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي عليه‌السلام سهمين ... : 1 / 173) : «... يا علي ـ كأني بك وقد دخلت الجنة وبيدك لوائي ، وهو لواء الحمد ، تحته آدم فمن دونه». عنه البحار : 8 / 6. راجع أيضا : البحار : 18 / 400. و 36 / 67. الترمذي (كتاب المناقب ، باب (1) في فضل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 5 / 587 ، ح 3615) : «... وبيدي لواء الحمد ولا فخر ، وما من نبيّ يومئذ ـ آدم فمن سواه ـ إلا تحت لوائي ...». مثله فيه : كتاب تفسير القرآن ، 5 / 308 ، ح 3148. ويقرب منه : المسند : 1 / 281. دلائل النبوة : 5 / 481 ، باب ما جاء في تحدث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بنعمة ربه عزوجل ...
    (2) ـ المناقب : الصفحة السابقة. عنه البحار : 16 / 402 ، ح 1. وفي الترمذي (كتاب المناقب : باب (1) في فضل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله 5 / 585 ، ح 3609) : «... قالوا : يا رسول الله ـ متى وجبت لك النبوة؟ قال : وآدم بين الروح والجسد». ويقرب منه ما في المسند : 5 / 59 و 379. و 4 / 66. والمستدرك للحاكم : 2 / 608 ـ 609. ودلائل النبوة : باب مولد المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله ... : 1 / 85. وباب الوقت الذي كتب فيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله نبيّا : 2 / 129. طبقات ابن سعد : 7 / 60.
    (3) ـ في الكامل لابن عدي (ترجمة سعيد بن بشير البصري ، 3 / 373) : «كنت أول النبيّين في الخلق وآخرهم في البعث» مثله في كنز العمال : 11 / 452 ، ح 32126. وجاء أيضا بلفظ : «كنت أول الناس في الخلق ...» الكامل : 3 / 49.
    (4) ـ البخاري : (كتاب الجمعة : 2 / 2) : «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة». ومثله في مسلم : كتاب الجمعة : 2 / 586 ، ح 21. عنهما البحار : 61 / 232. كشف الغمة : ـ

    قيل : يعنى الآخرون زمانا ، السابقون بالفضائل والمناقب.
    وقيل : الآخرون من أهل الدنيا ، والسابقون يوم القيامة المقضيّ لهم قبل الخلائق.
    أقول : وله وجوه اخر ، وهي : الآخرون خلقا والأوّلون قصدا ؛ وهذا كما يقال : «أوّل الفكر آخر العمل».
    أو الآخرون خلقا من حيث الأبدان ، والأوّلون خلقا من حيث الأرواح.
    أو الآخرون بحسب الاستكمال والتعلّم من الملائكة في العالم السفلي وبحسب الظاهر ـ كما قال الله عزوجل : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) [53 / 5] ـ والأوّلون من حيث التكميل والتعليم لهم في العالم العلوي وبحسب الباطن.
    كما قال مولانا الصادق عليه‌السلام (1) ـ حين سأله مفضّل بن عمر «ما كنتم
    __________________
    ـ ذكر أسمائه صلى‌الله‌عليه‌وآله : 1 / 11. البحار : 16 / 118. وفي دلائل النبوة (باب ما جاء في تحديث رسول الله بنعمة ربه عزوجل ، 5 / 482) : «... فنحن الآخرون الأولون ...». وورد في بصائر الدرجات (الجزء الثاني ، باب (3) في الأئمة أنهم حجة الله ... ، ح 10 ، 63) عن الباقر عليه‌السلام : «نحن جنب الله ... ونحن السابقون ونحن الآخرون ...». عنه البحار : 26 / 248 ، ح 18.
    (1) ـ البحار : 26 / 350 ، ح 24 ، عن كتاب المحتضر. والبحار : 25 / 21 ، ح 34 ، عن روض الجنان. وفي تأويل الآيات الظاهرة (سورة الصافات / 265 ـ 266 : 2 / 501 ، ح 19) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «إنّا آل محمّد كنّا أنوارا حول العرش ، فأمرنا الله بالتسبيح ، فسبّحنا ، فسبّحت الملائكة بتسبيحنا ...». عنه البحار : 24 / 88 ، ح 3. وفيه (نفس الصفحة) ما يقرب منه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا.

    قبل أن يخلق الله السموات والأرض»؟ فقال ـ : «كنّا أنوارا نسبّح الله ونقدّسه حتّى خلق الله الملائكة ، فقال لهم الله ـ عزوجل ـ : «سبّحوا» ؛ فقالوا : «إي ربّنا ، لا علم لنا». فقال لنا : «سبّحوا» ، فسبّحنا ؛ فسبّحت الملائكة بتسبيحنا» ـ الحديث ، وسيأتي نظائره ـ.
    ووجه آخر ألطف وأشرف ، وهو : الآخرون في سلسلة العود ، والأوّلون في سلسلة البدو ـ وهذا المعنى لا يدركه إلّا الخواصّ ـ وقليل ما هم ـ.
    * * *
    قال بعض العلماء (1) :
    «إنّ مقصود فطرة الآدميّين وكمالهم وغايتهم إدراكهم لسعادة القرب من الحضرة الإلهيّة ، ولم يمكن ذلك إلّا بتعريف الأنبياء ، فكانت النبوّة مقصودة بالإيجاد ، والمقصود كمالها وغايتها لا أوّلها ، وإنّما تكمل بحسب سنّة الله ـ تعالى ـ بالتدريج كما تكمل عمارة الدار بالتدريج.
    فتمهّد أصل النبوّة بآدم عليه‌السلام ولم يزل ينمو ويكمل حتّى بلغ الكمال بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان المقصود كمال النبوّة وغايتها ، وتمهيد أوائلها وسيلة إليها كتأسيس البناء وتمهيد اصول الحيتان ، فإنّه وسيلة إلى كمال صورة الدار.
    ولهذا السرّ كان خاتم النبيّين ، فإنّ الزيادة على الكمال
    __________________
    (1) ـ الغزالي : رسالة الأجوبة الغزالية في المسائل الاخرويّة : مجموعة رسائل الغزالي : 4 / 180 مع تلخيص.

    نقصان كالإصبع الزائدة في الكفّ. وإليه الإشارة بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (1) : «مثل النبوّة مثل دار معمورة لم يبق فيها إلّا موضع لبنة ، وكنت أنا تلك اللبنة» ـ أو لفظ هذا معناه ـ.
    فهو إذن خاتم النبيّين ـ ضرورة ـ إذ بلغ به الغاية والكمال ، والغاية أوّل في التقدير، آخر في الوجود.
    وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (2) : «كنت نبيّا وآدم بين الماء والطين» ـ أيضا ـ إشارة إلى ما ذكرناه ، وأنّه كان نبيّا في التقدير قبل تمام خلقة آدم ، لأنّه لم ينشأ خلقة آدم إلّا لينتزع الصافى من ذريّته ، ولا يزال يستصفى تدريجا ـ إلى أن يبلغ كمال الصفا ـ فيقبل الروح القدسيّ المحمّدي» ـ انتهى كلامه ـ (3)
    __________________
    (1) ـ في البخاري (كتاب المناقب ، باب خاتم النبيين : 4 / 226) : «إنّ مثلي ومثل الأنبياء قبلي ، كمثل رجل بنى بيتا ، فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية ، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ، ويقولون : هلّا وضعت هذه اللبنة؟ قال : فأنا اللبنة ، وأنا خاتم النبيّين». وأخرج مثله مسلم (كتاب الفضائل ، باب (7) ذكر كونه صلى‌الله‌عليه‌وآله خاتم النبيّين ، 4 / 1790 ـ 1791 ، ح 22) : كما أخرجه أيضا بألفاظ اخر ح 20 ـ 23.
    وجاء ما يقرب منه في كنز العمال : 11 / 453 ، ح 32127.
    (2) ـ مضى الحديث آنفا.
    (3) ـ في هامش النسخة :
    «قال الفخر الرازي في المعالم [ص 95] : «إنّ عند مقدم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان العالم مملوّا من الكفر والضلالة ؛ أمّا اليهود فكانوا في المذاهب الباطلة من التشبيه والافتراء على الأنبياء ، وتحريف التوراة ؛ وأما النصارى فقد قالوا بالتثليث والأب والابن والحلول والاتّحاد ؛ وأمّا المجوس فأثبتوا إلهين ـ يزدان وأهرمن ـ وتحليل نكاح الامّهات ؛ وأمّا العرب فانهمكوا في عبادة الأصنام والفساد في الأرض.
    فلمّا بعث ـ صلوات الله عليه ـ انقلب الدنيا من الباطل إلى الحقّ ، ومن الظلمة إلى النور ، وانطلقت الألسنة بتوحيد الله ، واستنارت العقول بمعرفة الله ، ورجع ـ

    * * *
    وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (1) : «إنّ الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل ، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة ، واصطفى من بني كنانة قريشا ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفانى من بني هاشم».
    وروى الصدوق (2) بإسناده عن ابن عبّاس ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «إنّ الله خلق الخلائق قسمين ، فجعلني في خيرهما قسما ، وذلك قوله تعالى : (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ... وَأَصْحابُ الشِّمالِ) [56 / 27 ـ 41] ، فأنا من أصحاب اليمين ، وأنا من خير أصحاب اليمين.
    ثمّ جعل القسمين أثلاثا ، فجعلني في خيرها ثلثا ، فذلك قوله : (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ... وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ... وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) [56 / 8 ـ 10] ؛ فأنا من السابقين ، وأنا خير السابقين.
    ثمّ جعل الأثلاث قبائل ، فجعلني في خيرها قبيلة ، وذلك قوله تعالى : (وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) [49 / 13] ؛ فأنا أتقى ولد آدم وأكرمهم على الله ـ ولا فخر ـ.
    __________________
    ـ الخلق من حبّ الدنيا إلى حبّ المولى. وحيث لا معنى للنبوّة إلّا تكميل الناقصين في القوّة العلميّة والعمليّة ، ورأينا أنّه قد حصل هذا الأثر بمقدم سيّدنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر ممّا ظهر بمقدم سائر الأنبياء ؛ علمنا أنّه سيّدهم وقدوتهم» ـ منه ره ـ
    (1) ـ الترمذي : كتاب المناقب ، باب (1) في فضل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله 5 / 583 ، ح 3605. وجاء بفرق يسير في أمالي المفيد : المجلس الخامس والعشرون ، ح 2 ، 216. وأمالي الطوسي : المجلس التاسع ، ح 22 ، 246. البحار : 16 / 323 ، ح 15. 16 / 325 ، ح 19.
    (2) ـ مع فرق يسير لفظية في أمالي الصدوق : المجلس الثاني والتسعون ، ح 1 ، 729. تفسير القمي : تفسير الآية (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ...) : 2 / 358. عنهما البحار : 16 / 315 ، ح 4. دلائل النبوة : باب ذكر شرف أصل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونسبه : 1 / 170.

    ثمّ جعل القبائل بيوتا ، فجعلني فى خيرها بيتا ، وذلك قوله عزوجل : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [33 / 33] ، فأنا وأهل بيتي مطهّرون من الذنوب».
    وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (1) : «لمّا خلق الله آدم أهبطني في صلبه إلى الأرض ، وجعلني في صلب نوح في السفينة ، وقذف بي في النار في صلب إبراهيم ، ثمّ لم يزل تنقلني الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة حتّى أخرجني من بين أبوي لم يلتقيا على سفاح قطّ».
    وفي درّ النظيم (2) : عن عطا وعكرمة ، عن ابن عبّاس في قوله تعالى : (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) [26 / 219] يعني : يديرك من أصلاب الموحّدين ، من موحّد إلى موحّد ، حتّى أخرجك في هذه الامّة ، وما زال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتقلّب في أصلاب الأنبياء والصالحين حتّى ولدته آمنة».
    وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام (3) : «إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : خرجت من نكاح
    __________________
    (1) ـ أخرج الصدوق ـ قدس‌سره ـ ما يقرب منه في كمال الدين : باب (24) ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في النص على القائم عليه‌السلام ح 25 ، 275. والأمالي : المجلس الحادي والتسعون ، ح 1 ، 723. عنه البحار : 16 / 314 ، ح 2. والسيوطي عن ابن مردويه : الدر المنثور ، في تفسير الآية (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) ، ج 6 ص 332.
    (2) ـ لم أعثر على الكتاب كما ذكرت سابقا ، ويقرب من الحديث ما جاء في الدر المنثور وقد أشرت إليه في التعليقة السابقة.
    (3) ـ ورد ما يقرب منه في دلائل النبوة (باب ذكر شرف أصل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : 1 / 174) عن أنس وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام. وروى الصدوق في اعتقاداته (باب الاعتقاد في آباء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «وقال النبيّ خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم». عنه البحار : 15 / 117 ، ح 63.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: علم اليقين في اصول الدين ج1   علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Emptyالأربعاء أكتوبر 30, 2024 5:03 pm

    ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولّدني أبي وأمّي ، ولم يصبني من سفاح الجاهليّة شيء».
    وروى الصدوق (1) بإسناده عن مولانا الصادق ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله ـ عزوجل ـ اختار من الأيّام الجمعة ، ومن الشهور شهر رمضان ، ومن الليالي ليلة القدر ، واختارني على جميع الأنبياء ، واختار منّي عليّا وفضّله على جميع الأوصياء ، واختار من عليّ الحسن والحسين ، واختار من الحسين الأوصياء من ولده ؛ ينفون عن التنزيل تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الضالّين ، تاسعهم قائمهم وهو ظاهرهم وهو باطنهم».
    وروى سعد الإربلي في كتابه الأربعين (2) بإسناده عن سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ : قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :
    «ما أنزل الله كتابا ، ولا خلق خلقا إلّا جعل له سيّدا ، فالقرآن
    __________________
    (1) ـ كمال الدين : باب نصّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على القائم عليه‌السلام ، 281 ، ح 32.
    (2) ـ قال صاحب الرياض (2 / 413) : «الشيخ سعد الإربلي ، له كتاب الأربعين في الأخبار ، وينقل عن كتابه المذكور الشيخ حسن بن سليمان تلميذ الشهيد بعض الأخبار في كتاب المحتضر ، لكن فيه هكذا : كتاب الأربعين ، رواية سعد الإربلي ... ولعله من علماء الخاصّة ـ فتأمّل». راجع أيضا : الذريعة : 1 / 416 ـ 417.
    والأظهر أنّ المؤلف أيضا حكى هذا الحديث نقلا عن كتاب المحتضر ، ولا يفهم من كلام صاحب المحتضر أن لسعد الإربلي كتاب الأربعين ، كما أشار إليه صاحب الرياض أيضا بقوله «فتأمل».
    والرواية ورد في البحار (27 / 129 ، ح 119) نقلا عن كتاب المحتضر. وورد ما يقرب منه في تأويل الآيات الظاهرة : خاتمة الكتاب ، ح 7 ، 2 / 870. وعنه البحار : 40 / 54 ، ح 89.

    سيّد الكتب المنزلة ، وجبريل سيّد الملائكة ـ أو قال إسرافيل ـ وأنا سيّد الأنبياء ، وعليّ سيّد الأوصياء ، لكلّ امرئ من عمله سيّد ، وحبّي وحبّ عليّ بن أبي طالب سيّد ما تقرّب به المتقرّبون من طاعة ربّهم».
    وفي كتاب المناقب (1) عن سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت حبيبي المصطفى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «كنت أنا وعليّ نورا بين يدي الله ـ عزوجل ـ مطيعا يسبّح الله ذلك النور ويقدّسه قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق الله ـ تعالى ـ آدم ركّب ذلك النور في صلبه ، فلم يزل في شيء واحد حتّى افترقنا في صلب عبد المطلّب ، فجزء أنا وجزء عليّ».
    فصل [13]
    وكما أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل من سائر الأنبياء والمرسلين ، فكذلك هو أفضل من الملائكة المقرّبين أجمعين ، لفضل الأنبياء المرسلين على الملائكة المقربين.
    يدلّ على ذلك ما رواه الصدوق ـ رحمه‌الله ـ في إكمال الدين (2) بإسناده عن مولانا الرضا ، عن أبيه ، عن أبيه ، عن أبيه ، عن أبيه ، عن أبيه ، عن أبيه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام قال :
    __________________
    (1) ـ راجع البحار : 40 / 77 ، ح 113. و 35 / 24 ، ح 18.
    (2) ـ كمال الدين : باب نصّ الله عزوجل على القائم عليه‌السلام ، ح 4 ، 254. وفيه فروق يسيرة.
    العيون : باب (36) ما جاء عن الرضا عليه‌السلام من الأخبار في فنون شتّى ، ح 22 ، 1 / 262. البحار: 18 / 345 ، ح 56. و 26 / 335 ، ح 1.

    قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «والله ما خلق الله خلقا أفضل منّي ، ولا أكرم عليه منّي».
    ـ قال عليّ عليه‌السلام : ـ فقلت : «يا رسول الله ـ فأنت أفضل أم جبرئيل عليه‌السلام»؟
    فقال : «يا عليّ ـ إنّ الله تبارك وتعالى فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين ، وفضّلني على جميع النبيّين والمرسلين ، والفضل بعدي لك ـ يا علي ـ وللأئمة من بعدك ؛ وإنّ الملائكة لخدّامنا وخدّام محبّينا.
    ـ يا عليّ ـ (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ [وَيُؤْمِنُونَ بِهِ] (1) وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) [40 / 7] بربّهم وبولايتنا.
    يا عليّ ـ لو لا نحن ما خلق الله ـ تعالى ـ آدم ولا حوّاء ، ولا الجنّة ولا النار ، ولا السماء ولا الأرض.
    وكيف لا نكون أفضل من الملائكة ، وقد سبقناهم إلى التوحيد ، ومعرفة ربّنا ـ عزوجل ـ وتسبيحه وتقديسه وتهليله.
    لأنّ أوّل ما خلق الله تعالى أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتمجيده ، ثمّ خلق الملائكة ، فلمّا شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا امورنا فسبّحنا لتعلم الملائكة أنّا خلق مخلوقون ، وأنّه منزّه عن صفاتنا. فسبّحت الملائكة لتسبيحنا ونزّهته عن صفاتنا.
    فلمّا شاهدوا عظم شأننا هلّلنا ، لتعلم الملائكة أن لا إله إلّا الله ،
    __________________
    (1) ـ إضافة من القرآن الكريم.

    وأنّا عبيد ، ولسنا بآلهة نحبّ (1) أن نعبد معه أو دونه (2) ؛ فلمّا شاهدوا كبر محلّنا كبّرنا الله ، لتعلم الملائكة أنّ الله أكبر من أن ينال ، وأنّه عظيم المحل.
    فلمّا شاهدوا ما جعله الله ـ عزوجل ـ لنا من العزّة والقوّة ، قلنا : «لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم» ، لتعلم الملائكة أن لا حول ولا قوّة إلّا بالله ؛ فقالت الملائكة : «لا حول ولا قوّة إلّا بالله».
    فلمّا شاهدوا ما أنعم الله به علينا ، وأوجبه لنا من فرض الطاعة ، قلنا : «الحمد لله» ، لتعلم الملائكة ما يحقّ لله ـ تعالى ذكره ـ علينا من الحمد على نعمه ؛ فقالت الملائكة: «الحمد لله». فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد الله وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده.
    ثمّ إنّ الله ـ تعالى ـ خلق آدم عليه‌السلام وأودعنا صلبه ، وأمر الملائكة بالسجود له ـ تعظيما لنا وإكراما ـ وكان سجودهم لله ـ عزوجل ـ عبوديّة ولآدم إكراما وطاعة ـ لكوننا في صلبه (3) ـ.
    فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلّهم أجمعون؟
    * * *
    وإنّه لمّا عرج بي إلى السماء ، أذّن جبرئيل ـ مثنى مثنى ـ وأقام ـ مثنى مثنى ـ ثمّ قال لي : «تقدّم ـ يا محمّد».
    __________________
    (1) ـ المصدر : يجب.
    (2) ـ اضيف في المصدر : فقالوا : «لا إله إلا الله».
    (3) ـ في هامش النسخة :
    ملك در سجده آدم زمين بوس تو نيّت كرد
    كه در حدّ تو چيزى يافت بيش از شأن انساني



    فقلت : «يا جبرئيل ـ أتقدّم عليك»؟
    فقال : «نعم ـ لأنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ فضّل أنبياءه على ملائكته أجمعين ، وفضّلك خاصّة».
    فتقدّمت ، فصلّيت بهم ـ ولا فخر ـ فلمّا انتهينا إلى حجب النور قال لي جبرئيلعليه‌السلام : «تقدّم يا محمّد» وتخلّف عنّي.
    فقلت : «يا جبرئيل ـ في مثل هذا الموقع تفارقني»؟
    فقال : «يا محمّد ـ إنّ هذا انتهاء حدّي الذي وضعني الله ـ عزوجل ـ فيه إلى هذا المكان ، فإن تجاوزته احترقت أجنحتي لتعدّي حدود ربّي ـ جلّ جلاله ـ».
    فزجّ بي في النور زجّة حتّى انتهيت إلى حيث ما شاء الله ـ عزوجل ـ من علوّ ملكوته.
    فنوديت : «يا محمّد».
    فقلت : «لبّيك ربّي وسعديك ، تباركت وتعاليت».
    فنوديت : «يا محمّد ـ أنت عبدي وأنا ربّك ، فإيّاي فاعبد ، وعليّ فتوكّل ، فإنّك نوري في عبادي ، ورسولي إلى خلقي ، وحجّتي في بريّتي ، لمن تبعك خلقت جنّتي ، ولمن خالفك خلقت ناري ، ولأوصيائك أوجبت كرامتي ، ولشيعتهم أوجبت ثوابي».
    فقلت : «يا ربّ ـ ومن أوصيائي»؟.
    فنوديت : «يا محمّد ـ أوصياؤك المكتوبون على ساق عرشي».
    فنظرت ـ وأنا بين يدي ربّي ـ إلى ساق العرش ، فرأيت اثنى عشر نورا ، في كلّ نور سطر أخضر مكتوب عليه اسم وصيّ من

    أوصيائي ؛ أوّلهم عليّ بن أبي طالب ، وآخرهم مهديّ أمّتي. فقلت : «يا ربّ ـ أهؤلاء أوصيائي من بعدي»؟
    فنوديت : «يا محمّد ـ هؤلاء أوليائي وأحبّائي وأصفيائي وحججي بعدك على بريّتي ؛ وهم أوصياؤك وخلفاؤك ، وخير خلقي بعدك ؛ وعزّتي وجلالي لأظهرنّ بهم ديني ، ولاعلينّ بهم كلمتي ، ولاطهّرنّ الأرض بآخرهم من أعدائي ، ولاملّكنّه مشارق الأرض ومغاربها ، ولاسخّرنّ له الرياح ، ولاذلّلنّ له الرقاب الصعاب ، ولارقينّه في الأسباب ، ولأنصرنّه بجندي ، ولاؤيّدنّه (1) بملائكتي ، حتّى يعلن دعوتي ، ويجمع الخلق على توحيدي ، ثمّ لاديمنّ ملكه ، ولاداولنّ الأيّام بين أوليائي إلى يوم القيامة».
    * * *
    وبإسناده (2) عن مولانا الرضا عن أبيه عن آبائه ـ صلوات الله عليهم ـ قال :
    قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا سيّد من خلق الله ـ عزوجل ـ وأنا خير من جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وحملة العرش وجميع ملائكة الله المقرّبين وأنبياء الله المرسلين ، وأنا صاحب الشفاعة والحوض الشريف. وأنا وعليّ أبوا هذه الامّة ، من عرفنا فقد عرف الله ـ عزوجل ـ ، ومن أنكرنا فقد أنكر الله ـ عزوجل ـ. ومن عليّ سبطا أمّتي وسيّدا
    __________________
    (1) ـ المصدر : لامدنه. (وكان المكتوب في النسخة أولا كذلك ، ثم استدرك بما في المتن).
    (2) ـ كمال الدين : باب نصّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على القائم عليه‌السلام ، 261 ، ح 7. عنه البحار : 16 / 364 ، ح 66. و 26 / 342 ، ح 13. و 36 / 255 ، ح 71.

    شباب أهل الجنّة : الحسن والحسين ، ومن ولد الحسين أئمّة تسعة ، طاعتهم طاعتي ، ومعصيتهم معصيتي ، تاسعهم قائمهم ومهديّهم».
    وبإسناده (1) عن مولانا الصادق عليه‌السلام عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام ـ قال : ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لمّا اسري بي إلى السماء أوحى إليّ ربّي ـ جلّ جلاله ـ فقال : يا محمّد ـ إنّي اطّلعت إلى الأرض اطّلاعة ، فاخترتك منها ، فجعلتك نبيّا ، وشققت لك من اسمي اسما ، فأنا المحمود ، وأنت محمّد ؛ ثمّ اطّلعت الثانية فاخترت بها عليّا ، وجعلته وصيّك وخليفتك وزوج ابنتك وأبا ذرّيّتك ، وشققت له اسما من أسمائي ، فأنا العليّ الأعلى ، وهو عليّ ؛ وخلقت فاطمة والحسن والحسين من نور كما ، ثمّ عرضت ولايتهم على الملائكة ، فمن قبلها كان عندي من المقرّبين.
    يا محمّد ـ لو أنّ عبدا عبدني حتّى ينقطع ويصير كالشنّ البالي ثمّ أتاني جاحدا لولايتهم : ما أسكنته جنّتى ، ولا أظلّنّه تحت عرشى.
    __________________
    (1) ـ كمال الدين : الباب السابق ، 252 ، ح 2. عيون أخبار الرضا ، باب (6) النصوص على الرضا عليه‌السلام بالإمامة ، ح 27 ، 1 / 58.
    وجاء ما يقرب منه في تفسير الفرات : سورة البقرة ، (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ ...) ، 73. وفي البحار (26 / 307 ، ح 71) عن كتاب المحتضر نقلا عن كتاب المعراج للصدوق ـ قدس‌سره ـ.
    مناقب ابن شاذان : المنقبة السابعة عشر : 11. مقتضب الأثر : 11 و 26. الغيبة للطوسي : 147 ـ 148 ، ح 109. الغيبة للنعماني : الباب الرابع ، 94 ، ح 24. تأويل الآيات الظاهرة : 1 / 98.
    البحار : 16 / 361 ، ح 61. 27 / 199 ، ح 66. 36 / 216 ، ح 18. 36 / 222 ، ح 21. 36 / 245 ، ح 58. 36 / 262 ، ح 82. 36 / 281 ، ح 100.

    يا محمّد ـ تحبّ أن تراهم؟ قلت : نعم يا ربّ.
    فقال ـ عزوجل ـ : ارفع رأسك.
    ـ فرفعت رأسي واذا أنا بأنوار عليّ وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمّد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمّد بن علي وعلي بن محمّد والحسن بن علي ومحمّد بن الحسن القائم في وسطهم كأنّه كوكب درّي ـ
    قلت : يا ربّ ـ ومن هؤلاء؟
    قال : هؤلاء الأئمّة ، وهذا القائم الذي يحلّ حلالي ويحرّم حرامي ، وبه أنتقم من أعدائي ، وهو راحة لأوليائي ، وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين ؛ فيخرج اللات والعزّى طريّين ، فيحرقهما ؛ فلفتنة الناس يومئذ بهما أشدّ من فتنة العجل والسامري».
    وبإسناده (1) عن مولانا الرضا عليه‌السلام قال : «إنّ آدم عليه‌السلام لمّا أكرمه الله بإسجاد ملائكته له وبإدخاله الجنّة قال في نفسه : «هل خلق بشرا أفضل منّي»؟
    فعلم الله ـ عزوجل ـ ما وقع في نفسه ؛ فناداه الله ـ عزوجل ـ : «ارفع رأسك ـ يا آدم ـ فانظر إلى ساق عرشي». فرفع آدم رأسه ، فنظر إلى ساق العرش فوجد عليه مكتوبا : «لا إله إلّا الله ، محمّد
    __________________
    (1) ـ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : فيما جاء عن الرضا عليه‌السلام من الأخبار المتفرقة : 1 / 306 ، ح 67.
    عنه البحار : 11 / 165 ، ح 9. 16 / 362 ، ح 62. و 26 / 273 ، ح 14.

    رسول الله ، عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين ، وزوجته [فاطمة] (1) سيّدة نساء العالمين ، والحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة».
    فقال آدم : «يا ربّ ـ من هؤلاء»؟
    فقال ـ عزوجل ـ : «هؤلاء من ذرّيّتك ، وهم خير منك ومن جميع خلقي ، ولولاهم ما خلقتك ، ولا خلقت الجنّة والنار ، ولا السماء ولا الأرض ؛ فإيّاك أن تنظر إليهم بعين الحسد ، فاخرجك عن جواري».
    فنظر إليهم بعين الحسد ، وتمنّى منزلتهم ، فتسلّط عليه الشيطان فأكل من الشجرة ...» ـ الحديث ـ.
    * * *
    وفي تفسير مولانا العسكري عليه‌السلام (2) في حديث طويل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :
    «لمّا زلّت من آدم الخطيئة ، فاعتذر إلى ربّه ـ عزوجل ـ فقال : «يا ربّ تب عليّ ، واقبل معذرتي ، وأعدني إلى مرتبتي ، وارفع لديك درجتي ، فلقد تبيّن نقص الخطيئة وذلّها بأعضائي وسائر بدني».
    قال الله ـ تعالى ـ : «يا آدم ـ أما تذكّر أمري إياك أن تدعوني بمحمّد وآله الطيّبين عند شدائدك ودواهيك وفي النوازل تبهظك (3)»؟
    قال آدم : «يا ربّ ـ بلى».
    __________________
    (1) ـ إضافة من المصدر.
    (2) ـ التفسير المنسوب إلى العسكري عليه‌السلام : في قوله تعالى (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ ...) : ص 225 ـ 227 ، مع فروق يسيرة لم نتعرض لها. عنه البحار : 11 / 192 ، ح 47.
    (3) ـ بهظ الأمر : أثقله.

    قال الله ـ عزوجل ـ : «فبهم ـ بمحمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين خصوصا ـ فادعني ، أجبك إلى ملتمسك ، وأزدك فوق مرادك».
    فقال آدم : «يا ربّ وإلهي ـ قد بلغ عندك من محلّهم أنّك بالتوسّل بهم تقبل توبتي ، وتغفر خطيئتي؟ وأنا الذي أسجدت له ملائكتك ، وأبحته جنّتك ، وزوّجته حوّاء أمتك ، وأخدمته كرام ملائكتك».
    قال الله : «يا آدم ـ إنّما أمرت الملائكة بتعظيمك بالسجود ، إذ كنت وعاء لهذه الأنوار ، ولو كنت سألتني بهم قبل خطيئتك أن أعصمك منها وأن افطّنك لدواعي إبليس حتّى تحترز منها : لكنت قد فعلت ذلك ؛ ولكنّ المعلوم في سابق علمي يجري موافقا لعلمي. فالآن ، فبهم فادعني لاجيبك».
    فعند ذلك قال آدم : «اللهمّ بجاه محمّد وآل محمد الطيّبين ، بجاه محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والطيّبين من آلهم لما تفضّلت بقبول توبتي ، وغفران زلّتي وإعادتي من كراماتك إلى مرتبتي».
    ثمّ قال الله ـ عزوجل ـ : «قد قبلت توبتك وأقبلت برضواني عليك ، وصرفت آلائي ونعمائي إليك ، وأعدتك إلى مرتبتك من كراماتي ، ووفّرت نصيبك من رحماتي».
    فذلك قول الله ـ عزوجل ـ : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [2 / 37]».
    * * *

    وفي رواية اخرى (1) :
    قال آدم : «يا ربّ ـ ما أعظم شأن محمّد وآل محمّد وخيار أصحابه»؟
    فأوحى الله : «يا آدم ـ إنّك لو عرفت جلال منزلة محمّد وآله عندي وخيار أصحابه ، لأحببته حبّا يكون أفضل أعمالك عندي».
    قال آدم : «يا ربّ ـ عرّفني لأعرف».
    قال الله ـ تعالى ـ : «يا آدم ـ إنّ محمّدا لو وزن به جميع الخلق ـ النبيّين والمرسلين والملائكة المقرّبين وسائر عبادي الصالحين من أوّل الدهر إلى آخره ، ومن الثرى إلى العرش ـ لرجح بهم ؛ وإنّ رجلا من آل محمّد لو وزن به ـ بعد محمّد ـ خيار النبيّين وآل النبيّين لرجح بهم ؛ وإنّ رجلا من خيار صحابة محمّد لو وزن به جميع أصحاب المرسلين : لرجح بهم.
    ـ يا آدم ـ لو أحبّ رجل من الكفّار أو جميعهم رجلا من آل محمّد وأصحابه الخيّرين لكافأه الله ـ عزوجل ـ عن ذلك بأن يختم له بالخير والتوبة والإيمان ، ثمّ يدخله الجنّة.
    إنّ الله ليفيض على كلّ واحد من محبّي محمّد وآل محمّد ما لو قسّمت على كلّ عدد ما خلق الله من أوّل الدهر إلى آخره وكانوا كفّارا لكفاهم ولأدّاهم إلى عاقبة محمودة والإيمان بالله ، حتّى يستحقّوا به الجنّة ؛
    __________________
    (1) ـ التفسير المنسوب : في قوله تعالى : (قالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ ...) : ص 392 ، مع فروق يسيرة. عنه البحار : 26 / 330 ، ح 12.

    وإنّ رجلا ممّن يبغض آل محمّد وأصحابه الخيّرين أو واحدا منهم يعذّبه الله عذابا لو قسّم على مثل عدد خلق الله لأهلكهم أجمعين».
    وعن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام (1) : «إنّ اليهود قبل ظهور نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا يستفتحون على أعدائهم بذكره والصلاة عليه وعلى آله ، وكان الله ـ عزوجل ـ يأمر اليهود في أيّام موسى وبعده ـ إذا دهمهم أمر ودهتهم داهية ـ أن يدعوا الله ـ عزوجل ـ بمحمّد وآله الطيّبين ، وكانوا يستنصرون بهم ويفعلون ذلك ، حتّى كانت اليهود من أهل المدينة قبل ظهور محمّد بسنين كثيرة يفعلون ذلك. فيكفّون البلاء والدهماء والداهية»
    «(2) وإنّ قضاء الحوائج وإجابة الدعاء ـ إذا سئل الله بمحمّد وعليّ وآلهما ـ مشهور في الامم والزمان السالف ، حتّى أنّ من طال به البلاء قبل هذا طال بلاؤه لنسيانه الدعاء لله بمحمّد وآله الطيّبين ...».
    ـ الحديث ـ.
    والأخبار في هذه المعاني كثيرة جدّا ، ولنقتصر على ما ذكر ،
    فإنّ فيه كفاية لمن تدبّره. ـ والحمد لله ـ
    * * *
    __________________
    (1) ـ التفسير المنسوب : في قوله تعالى (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ ...) : ص 393.
    (2) ـ التفسير المنسوب : 398.

    فصل [14]
    قيل : الحكمة في كونه صلى‌الله‌عليه‌وآله خاتم النبيّين وأمّته آخر الامم امور :
    منها : أن يظهر فضله وشرفه بنسخ شريعته لسائر الشرائع واستمرار حكمها إلى آخر الدهر.
    ومنها : أخذ الله العهد والميثاق على سائر الأنبياء بأنّ من أدركه اتّبعه ومن لم يدركه يأخذ العهد على أمّته بذلك ، ليكون ذلك دليلا على صدقه في دعوى نبوّته ، وحجّة على من خالفه.
    ومنها : أن يكون هو وأمّته شهداء على الناس.
    ومنها : أن يكون لبثهم تحت الأرض أقلّ من لبث غيرهم ـ تكريما لهم.
    ومنها : أنّ الله قصّ أخبار الامم وعواقب امورهم على من بعدهم من الامم ، حتّى وصل علم ذلك إلينا ، ولم يجعل بعد هذه الامّة أمّة تطّلع على أحوالهم ؛ بل سرائرهم موكولة إلى الله ـ تعالى ـ سترا لهم لئلّا يطّلع على معايبهم ولا يفتضحوا بذكرها ـ إكراما لنبيّهمصلى‌الله‌عليه‌وآله.
    إلى غير ذلك من الفوائد والحكم (1).
    * * *
    __________________
    (1) ـ لا يخفى على المتأمل أن ما ذكره هذا القائل من الوجوه كلها خطابيات واستحسانات غير معتدّة بها ؛ والأظهر أن وجه كونه خاتم النبيين مقامه صلى‌الله‌عليه‌وآله الأعلى في معرفة الله تعالى واستعداد امته لأخذ المعارف العالية ، إذ أمكناه من الإتيان بالكتاب المهيمن والشريعة الناسخة الخاتمة.

    والحكمة في كونه صلى‌الله‌عليه‌وآله يتيما : لئلّا يجب عليه طاعة لغير الله ، ولا يكون عليه ولاية لغير مولاه ، ولا يتوجّه عليه حقّ لمخلوق ، ولا ينسب إلى مخالفة ولا قطيعة ولا عقوق.
    فصل [15]
    وأمّا نسبه صلى‌الله‌عليه‌وآله (1) : فهو محمّد بن عبد الله بن عبد المطلّب ـ واسمه شيبة الحمد ـ بن هاشم ـ واسمه عمرو ـ بن عبد مناف ـ واسمه المغيرة ـ بن قصيّ ـ واسمه زيد ـ بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر ـ وهو قريش ـ بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
    روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال (2) : «إذا بلغ نسبي عدنان فأمسكوا». واتّصال نسبه بآدم أبي البشر كثير موجود في كتب التواريخ والأنساب (3).
    * * *
    وأمّه (4) آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة.
    * * *
    __________________
    (1) ـ كشف الغمّة : ذكر نسبه صلى‌الله‌عليه‌وآله : 1 / 15. سيرة ابن هشام : ذكر سرد النسب الزكي : 1 / 1.
    (2) ـ كشف الغمة : الصفحة السابقة. المناقب لابن شهرآشوب : 1 / 155. إعلام الورى : 13.
    (3) ـ راجع سيرة ابن هشام : 1 / 1 ـ 3. الروض الانف : 1 / 7 ـ 13.
    دلائل النبوة : باب ذكر شرف أصل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : 1 / 177 ـ 182.
    تاريخ الطبري : 2 / 239 ـ 276. مروج الذهب : الباب السبعون ، 3 / 5 ـ 7.
    (4) ـ كشف الغمة : الصفحة السابقة. سيرة ابن هشام : 1 / 156. تاريخ الطبري : 2 / 243.
    إعلام الورى : 14.

    وأرضعته ـ حتّى شبّ ـ حليمة بنت عبد الله بن الحارث السعديّة من بني سعد بن بكر بن هوازن (1).
    وأرضعته : ثويبة (2) ـ مولاة أبي لهب ـ قبل قدوم حليمة أيّاما بلبن ابنها مسروح.
    * * *
    وعن مولانا الباقر عليه‌السلام قال (3) : قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ابن ثلاث وستّين سنة ، في سنة عشر من الهجرة.
    فكان مقامه بمكة أربعين سنة ، ثمّ نزل عليه الوحي في تمام الأربعين ، وكان بمكّة ثلاثة عشر سنة ، ثمّ هاجر إلى المدينة ـ وهو ابن ثلاث وخمسين سنة ـ فأقام بالمدينة عشر سنين.
    وقبض في شهر ربيع الأوّل ـ يوم الاثنين لليلتين خلتا منه ـ
    صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ (4).
    * * *
    __________________
    (1) ـ كشف الغمة : الصفحة السابقة. سيرة ابن هشام : 1 / 160. دلائل النبوة : باب ذكر رضاع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : 1 / 132. تاريخ الطبري : ذكر مولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : 2 / 157 ـ 159. إعلام الورى : 14.
    (2) ـ كشف الغمة : الصفحة السابقة. تاريخ الطبري : ذكر مولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : 2 / 158.
    الروض الانف : 1 / 186. إعلام الورى : 14.
    (3) ـ كشف الغمة : ذكر مولده صلى‌الله‌عليه‌وآله : 1 / 14. عنه البحار : 22 / 503.
    (4) ـ اختلفت الروايات في يوم وفات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمشهور عند الشيعة أنها وقعت لليلتين بقيتا من صفر ، سنة إحدى عشرة من الهجرة كما جاء في الإرشاد (1 / 189) وغيرها.

    [9]
    باب
    معجزات نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله وآيات صدقه
    وما يتبع ذلك
    (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) [13 / 38]
    فصل [1]
    [شواهد صدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله]
    قال بعض العلماء (1) :
    إنّ من شاهد أحواله وأصغى إلى سماع أخباره ـ الدالّة على أخلاقه وأفعاله وأحواله وآدابه وعاداته وسجاياه وسياسته لأصناف الخلق وهدايته إلى ضبطهم وتألّفه أصناف الخلق وقوده إيّاهم إلى طاعته ، مع ما يحكى من عجائب أجوبته في مضائق الأسئلة ، وبدائع تدبيراته في مصالح الخلق ، ومحاسن
    __________________
    (1) ـ الغزالي : إحياء علوم الدين ، كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوّة ، بيان معجزاته وآياته الدالّة على صدقه : 2 / 548. وفيه اختلافات لفظية لم نتعرض لها.

    إشاراته في تفصيل ظاهر الشرع الذي يعجز الفقهاء والعقلاء عن إدراك أوائل دقائقها في طول أعمارهم ـ لم يبق له ريب ولا شكّ في أنّ ذلك لم يكن مكتسبا بحيلة تقوم بها القوّة البشريّة ، بل لا يتصوّر ذلك إلّا بالاستمداد من تأييد سماويّ وقوّة إلهيّة ؛ وأنّ ذلك كلّه لا يتصوّر لكذّاب ولا لملبّس ، بل كانت شمائله وأحواله شواهد قاطعة مصدّقة ؛ حتّى أنّ العربيّ القحّ كان يراه فيقول : «والله ما هذا وجه كذّاب» فكان يشهد له بالصدق بمجرّد شمائله.
    فكيف بمن يشاهد أخلاقه ويمارس في جميع مصادره وموارده ... وقد آتاه الله جميع ذلك ، وهو رجل أمّي لم يمارس العلم ولم يطالع الكتب ، ولم يسافر قطّ في طلب العلم ، ولم يزل بين أظهر الجهّال من الأعراب يتيما ضعيفا مستضعفا.
    فمن أين حصل له ما حصل من محاسن الأخلاق والآداب ومعرفة مصالح الفقه ـ مثلا ـ فقط ، دون غيره من العلوم ؛ فضلا عن معرفته بالله وملائكته وكتبه ، وغير ذلك من خواصّ النبوّة! لو لا صريح الوحي؟!
    ومن أين لبشر الاستقلال لذلك؟!
    ولو لم يكن له إلّا هذه الامور الظاهرة لكان فيه كفاية ، وقد ظهر من معجزاته وآياته ما لا يستريب فيه محصّل».
    * * *

    أقول : ولنذكر من جملتها ما ذكره بعض علماء العامّة (1) ممّا استفاضت به الأخبار ، أو اشتملت عليه الكتب المعتبرة ، إشارة إلى مجامعها من غير تطويل بالتفصيل. ثمّ نذكر جملة ممّا استفاض نقله من طريق أهل البيت عليهم‌السلام ـ ومن الله التأييد ـ.
    فصل [2]
    قال (2) : قد خرق الله العادة على يده صلى‌الله‌عليه‌وآله غير مرّة :
    إذ شقّ له القمر بمكّة لمّا سألته قريش آية (3).
    وأطعم النفر الكثير في منزل جابر (4) ، وفي منزل أبي طلحة (5).
    __________________
    (1) ـ الغزالي : إحياء علوم الدين : 2 / 548 ـ 553.
    (2) ـ الغزالي : إحياء علوم الدين ، الصفحة السابقة.
    (3) ـ راجع تفاسير القرآن الكريم ، القمر / 1. أيضا البخاري : كتاب المناقب ، باب سؤال المشركين انشقاق القمر ، 4 / 251. مسلم : كتاب المنافقين ، باب (Cool ، 4 / 2158 ـ 2159 ، ح 43 ـ 48. المسند : 1 / 377 و 413 و 447. الترمذي : كتاب التفسير ، باب (55) ، 5 / 397 ـ 398. تفسير القمي : 2 / 350. الدر المنثور : 7 / 670 ـ 672.
    (4) ـ دلائل النبوة : باب ما ظهر في الطعام الذي دعي إليه من البركة ، 3 / 422 ـ 426.
    البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الخندق ، 5 / 138 ـ 139. مسلم : كتاب الأشربة ، باب (20) جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه ... ، 3 / 1610 ـ 1611 ، ح 141. المستدرك للحاكم : 3 / 31.
    (5) ـ هو أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري من البدريين. راجع دلائل النبوة : باب ما جاء في دعوة أبي طلحة ... ، 6 / 88 ـ 92. البخاري : كتاب المناقب ، باب علامات النبوة في الإسلام ، 4 / 234 ـ 235. مسلم : الباب السابق ، 3 / 1612 ـ 1614 ، ح 142 ـ 143. الترمذي : كتاب المناقب ، باب (6) ، ح 3630 ، 5 / 595.

    ويوم الخندق ـ مرّة ـ أطعم ثمانين رجلا من أربعة أمداد شعير وعناق ـ وهو من أولاد المعز دون العتود ـ (1)
    ومرّة أكثر من ثمانين من أقراص شعير حملها أنس في يده (2).
    ومرّة أهل الجيش من تمر يسير ساقته بنت بشر (3) في يديها ؛ فأكلوا كلّهم حتّى شبعوا من ذلك وفضل لهم (4).
    ونبع الماء من بين أصابعه ، فشرب أهل العسكر كلّهم ـ وهم عطاش (5).
    __________________
    (1) ـ راجع المصادر المذكورة آنفا في حديث إطعام جابر ، وفيه : «صاع من شعير» ، والصاع أربعة أمداد. وقوله : «ثمانين رجلا» كذا في الإحياء أيضا ، والأظهر أنه سهو ، والصحيح «ثمانمائة» كما استظهره الزبيدي أيضا (إتحاف السادة 7 / 167) وصرح به في حديث البيهقي في الدلائل 3 / 424 : (إنهم كانوا ثمانمائة أو ثلاثمائة».
    العتود : من أولاد المعز ما أتى عليه الحول.
    (2) ـ راجع ما مضى في إطعام منزل أبي طلحة آنفا. والأظهر أن ما سرده المؤلف واقعتين ولم تكن أربعة كما يفهم من ذكرها مفردة ، ولعله اتفق كرارا.
    (3) ـ كذا في النسخة ، ولكن في الإحياء والمحجة : «بنت بشير» وهو الصحيح كما جاء في المصادر الروائية التي نشير إليها أيضا.
    والذي يظهر أنه في نسخة المؤلف من الإحياء كان «بنت بشر» كما أورده الزبيدي في الإتحاف (7 / 169) ، وقال : «كذا في النسخ ، بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة ، وفي بعضها بضم الموحدة وسكون المهملة ؛ وكلاهما غلط والصواب «بنت بشير» ـ كأمير ـ ... وهو بشير بن سعد بن ثعلبة الخزرجي والد النعمان وأمه عمرة بنت رواحة اخت عبد الله بن رواحة صحابية ...».
    (4) ـ راجع دلائل النبوة : باب ما ظهر في الطعام الذي دعي إليها أيام الخندق من البركة ، 3 / 267. قرب الإسناد : 328. ح 1228.
    (5) ـ وقع ذلك عدة مرات كما يظهر من الأخبار ، راجع دلائل النبوة : باب انقياد الشجر لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ... ، 6 / 9 ـ 12. مسلم : الزهد ، باب (18) حديث جابر الطويل ... ، 4 / 2308. البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة الحديبية ، 5 / 156 ـ 157.

    وتوضّأ (1) من قدح صغير ضاق عن أن يبسط يده فيه (2).
    وإهراق وضوئه صلى‌الله‌عليه‌وآله في عين تبوك ـ ولا ماء فيها ـ فجرت بماء كثير (3).
    ومرّة اخرى في بئر الحديبيّة (4) ، فجاشت بالماء (5) ، فشرب من عين تبوك أهل الجيش ـ وهم ألوف ـ حتّى رووا ؛ قال لمعاذ : «إن طال بك حياة فسترى ما هاهنا قد ملأ خياما» ، فكان كذلك ، وشرب من بئر الحديبيّة ألف وخمسمائة ولم يكن فيها قبل ذلك ماء.
    وأمر بعض أصحابه أن يزوّد أربعمائة راكب من تمر كان في اجتماعه كربضة البعير ـ وهو موضع بروكه ـ فزوّدهم كلّهم منه ، وبقي بحسبه (6).
    ورمى الجيش بقبضة من تراب ، فعميت عيونهم (7) ونزل بذلك القرآن في قوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [8 / 17].
    __________________
    (1) ـ كذا في النسخة ، ولكن في الإحياء والمحجة : «توضئوا» ، ولعله الصحيح كما يظهر من الأحاديث أيضا.
    (2) ـ راجع البخاري ومسلم : الحديثان المذكوران في التعليقة السابقة.
    دلائل النبوة : باب ذكر البيان أن خروج الماء من بين أصابع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان غير مرة ... ، 4 / 121 ـ 124.
    (3) ـ دلائل النبوة : باب إخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن وقت إتيانهم عين تبوك ... ، 5 / 236.
    مسلم : كتاب الفضائل ، باب (3) في معجزات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 4 / 1784 ، ح 10.
    (4) ـ في النسخة : «البئر الحديبية» والصحيح ما أثبتناه مطابقا للإحياء والمحجة.
    (5) ـ راجع دلائل النبوة : باب ما ظهر في البئر التي دعا فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهي الحديبية ، 4 / 110. البخاري كتاب المغازي ، باب غزوة الحديبية ، 5 / 156.
    (6) ـ المسند : 5 / 445.
    (7) ـ وذلك يوم بدر وحنين. راجع تخريج الحديث في الدر المنثور ، قوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [8 / 17] ، 4 / 39 ـ 40. وسائر التفاسير.

    وابطل الكهانة بمبعثه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعدمت ، وكانت ظاهرة موجودة (1).
    وحنّ الجذع الذي كان يخطب مستندا إليه ، لمّا عمل له المنبر ، حتّى سمعه جميع أصحابه ـ مثل صوت الإبل ـ فضمّه إليه فسكن (2).
    ودعا اليهود إلى تمنّى الموت ، وأخبرهم بأنّهم لا يتمنّونه ، فحيل بينهم وبين النطق بذلك ، فعجزوا عنه ؛ وهذه الآية مذكورة في سورة يقرأ بها في جميع جوامع أهل الإسلام ، من شرق الأرض إلى غربها يوم الجمعة جهرا ـ تعظيما للآية التي فيها (3).
    وأخبر صلى‌الله‌عليه‌وآله بالغيوب :
    وأخبر عمّارا بأنّه تقتله الفئة الباغية (4).
    وأنّ الحسن عليه‌السلام يصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين (5).
    __________________
    (1) ـ قرب الإسناد : 318 ، ح 1228.
    (2) ـ راجع دلائل النبوة : باب ما جاء في حنين الجذع ... ، 6 / 66 ـ 68. البخاري : كتاب المناقب : باب علامات النبوة ، 5 / 237. ابن ماجة : كتاب إقامة الصلاة ، باب ما جاء في بدء شأن المنبر ، 1 / 454 ، ح 1414. والرواية في شأن حنين الجذع متواتر راجع تخريجاتها في إتحاف السادة : 7 / 174 ـ 177.
    (3) ـ (قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) [62 / 6 ـ 7].
    (4) ـ حكى الزبيدى في الإتحاف (7 / 178) : «قال القرطبي : وهذا الحديث من أثبت الأحاديث». راجع مسلم : كتاب الفتن ، باب (18) لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنّى أن يكون مكان الميت من البلاء ، 4 / 2236 ، ح 72.
    دلائل النبوة : باب ما جاء في إخباره عن الفئة الباغية ، 6 / 420422.
    (5) ـ دلائل النبوة : باب ما جاء في إخباره بسيادة ابنه الحسن بن علي عليه‌السلام ... 6 / 442 ـ 445 المسند : 5 / 44 و 49.

    وأخبر عن رجل قاتل في سبيل الله أنّه من أهل النار ، فظهر ذلك بأن قتل ذلك الرجل نفسه (1).
    وهذه الأشياء لا تعرف البتّة بشيء من وجوه تقدّمه المعرفة ـ لا بنجوم ، ولا بكهن ، ولا بكتب ، ولا بخطّ ، ولا بزجر ـ لكن بإعلام الله له ووحيه إليه.
    وأتبعه سراقة بن جعشم ، فساخت قدما فرسه في الأرض ، وأتبعه دخان حتّى استغاثه ؛ فدعا له فانطلقت الفرس (2). وأنذره بأن سيوضع في ذراعيه سوارى كسرى ـ فكان ذلك ـ (3).
    وأخبر بموت النجاشي بأرض الحبشة ، وصلّى عليه في المدينة (4).
    وأخبر بمقتل الأسود العنسي الكذّاب ليلة قتله وهو بصنعاء اليمن (5) وأخبر بمن قتله.
    وخرج على مائة من قريش ينتظرونه ، فوضع التراب على رءوسهم ـ ولم يروه ـ (6).
    __________________
    (1) ـ دلائل النبوة : باب ما جاء في الرجل الذي أخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه من أهل النار ... ، 4 / 252 ـ 254. البخاري : كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر ، 5 / 168 ـ 169.
    (2) ـ سيرة ابن هشام : 2 / 489 ـ 490. البخاري : مناقب الأنصار ، باب هجرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ... ، 5 / 76 ـ 77. المسند : 1 / 3 و 4 / 281. مسلم : كتاب الأشربة ، باب (10) جواز شرب اللبن ، 3 / 1592. ح 91.
    (3) ـ دلائل النبوة : باب قول الله عزوجل : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا ...) ، 6 / 325.
    السوار والسوار : حلية كالطوق تلبس في الزند أو المعصم.
    (4) ـ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : باب (28) فيما جاء عن الرضا عليه‌السلام من الأخبار المتفرقة ، 1 / 279 ، ح 19.
    (5) ـ راجع تاريخ الطبري : وقائع سنة 11 ، 3 / 236 و 239.
    (6) ـ سيرة ابن هشام : 1 / 483.

    وشكا إليه البعير بحضرة أصحابه وتذلّل له (1).
    وقال لنفر من أصحابه مجتمعين : «أحدكم في النار ضرسه مثل احد» ؛ فماتوا كلّهم على استقامة ، وارتدّ واحد منهم فقتل مرتدّا (2).
    وقال لآخرين منهم : «آخركم موتا في النار» ؛ فسقط آخرهم موتا في النار ، فاحترق فيها فمات (3).
    ودعا صلى‌الله‌عليه‌وآله شجرتين ، فأتتاه فاجتمعا ، ثمّ أمرهما فافترقا (4).
    ودعا صلى‌الله‌عليه‌وآله النصارى إلى المباهلة فامتنعوا ، وأخبر أنّهم إن فعلوا ذلك هلكوا ؛ فعلموا صحّة قوله ، فامتنعوا (5).
    وأتاه عامر بن الطفيل بن مالك ، وأربد بن قيس ـ فارسا العرب وفاتكاهم ـ عازمين على قتله ، فحيل بينهما وبين ذلك ؛ ودعا عليهما ، فهلك عامر بغدّة ، وهلك أربد بصاعقة أحرقته (6).
    وأخبر أنّه يقتل ابيّ بن خلف الجمحي ، فخدشه يوم احد خدشا
    __________________
    (1) ـ المسند : 4 / 173 ـ 172 و 170.
    (2) ـ هو الرجّال بن عنفوة ، راجع المؤتلف والمختلف للدار قطني : باب الرحّال والرجّال ، 2 / 1063. تاريخ الطبري : سنة 11 ، 3 / 287.
    (3) ـ راجع دلائل النبوة : باب ما روي في إخباره نفرا من أصحابه بأن آخرهم موتا في النار ، 6 / 458 ـ 460. المعجم الكبير : 7 / 177.
    (4) ـ المسند : 4 / 170 و 172.
    (5) ـ جاء تفصيل القصة في التفاسير : قوله تعالى (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ ...) [3 / 61].
    (6) ـ راجع التفصيل في سيرة ابن هشام : 2 / 568 ـ 569. وقرب الإسناد : 320 ، ح 1228.
    وأخرج الطبراني موت عامر بدعاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليه في المعجم الكبير : 6 / 125 ـ 126 ، ح 5724.

    لطيفا فكان منيّته (1). واطعم صلى‌الله‌عليه‌وآله السمّ ، فمات الذي أكله معه ، وعاش هو بعده أربع سنين (2) وكلّمه الذراع المسموم (3).
    وأخبر يوم بدر بمصارع صناديد قريش ، ووقّفهم على مصارعهم ـ رجلا رجلا فلم يتعدّ واحد منهم ذلك الموضع (4).
    وأنذر صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ طوائف من أمّته يغزون في البحر ، فكان كذلك (5).
    وزويت له الأرض ، فاري مشارقها ومغاربها. وأخبر بأنّ ملك أمّته سيبلغ ما زوي له منها ـ فكان ذلك كما أخبر ، فإنّ ملكهم من أوّل المشرق ـ من بلاد الترك ـ إلى آخر المغرب من بحر الأندلس وبلاد البربر ولم يتّسعوا في الجنوب ولا في الشمال كما أخبر ، سواء بسواء ـ (6).
    وأخبر صلى‌الله‌عليه‌وآله ابنته فاطمة أنّها أوّل أهله لحاقا به ، فكان كذلك (7).
    وأخبر نسائه بأنّ أطولهنّ يدا أسرعهنّ لحاقا به ، فكانت زينب بنت جحش الأسديّة أطولهنّ يدا بالصدقة ، وأوّلهنّ لحوقا به (Cool.
    __________________
    (1) ـ دلائل النبوة : باب سياق قصة خروج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى احد ، 3 / 211 ـ 212.
    (2) ـ في النسخة : أربع. سنة. التصحيح من الإحياء والمحجة.
    (3) ـ الرجل الذي مات هو بشر بن البراء ؛ راجع دلائل النبوة : باب ما جاء في الشاة التي سمّت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بخيبر ، 4 / 263. قرب الإسناد : 326 ، ح 1228.
    (4) ـ أبو داود : كتاب الجهاد ، في الأسير يضرب ، 3 / 58 ، ح 2681. دلائل النبوة : 3 / 47.
    (5) ـ البخاري : الجهاد ، باب فضل من يصرع في سبيل الله ، 4 / 21.
    (6) ـ المسند : 5 / 278 و 284. 4 / 123. مسلم : كتاب الفتن ، باب (5) هلاك هذه الامة بعضهم ببعض ، 4 / 2215 ، ح 19.
    (7) ـ البخاري : كتاب المناقب ، باب علامات النبوة في الإسلام ، 5 / 248. مسلم : كتاب فضائل الصحابة ، باب (15) فضائل فاطمة عليها‌السلام ، 4 / 1905 ، ح 99.
    (Cool ـ مسلم : كتاب فضائل الصحابة ، باب (17) من فضائل زينب أمّ المؤمنين ، 4 / 1907 ، ح 101.

    ومسح ضرع شاة حائل (1) لا لبن فيها ، فدرّت ، فكان ذلك سبب إسلام ابن مسعود (2).
    وفعل ذلك مرّة اخرى في خيمة أمّ معبد الخزاعيّة (3).
    وندرت (4) عين بعض أصحابه فسقطت ، فردّها صلى‌الله‌عليه‌وآله بيده ، فكانت أصحّ عينيه وأحسنهما (5).
    وتفل في عين عليّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وهو أرمد ـ يوم خيبر ، فصحّ من وقته وبعثه بالراية (6).
    وكانوا يستمعون تسبيح الطعام من يديه صلى‌الله‌عليه‌وآله (7).
    واصيب عين رجل (Cool من أصحابه ، فمسحها بيده فبرأت من حينها.
    __________________
    (1) ـ حالت الشاة والناقة والمرأة : لم تحمل ، فهي حائل.
    (2) ـ المسند : 1 / 462. المعجم الصغير للطبراني : 224 ، ح 514.
    (3) ـ دلائل النبوة : باب حديث أمّ معبد : 1 / 276 ـ 279.
    مستدرك الحاكم : 3 / 9 ـ 10. طبقات ابن سعد : 1 / 230.
    (4) ـ ندر الشيء : سقط من جوف شيء.
    (5) ـ الرجل قتادة بن النعمان اصيبت عينه يوم بدر كما في دلائل النبوة : ما ذكر في المغازي من دعائه يوم بدر : 3 / 100. وفي المعجم الكبير أنه كان في يوم أحد : 19 / 8 ، ح 12.
    (6) ـ القصة معروفة جاءت في التواريخ والسير. راجع دلائل النبوة : باب ما جاء في بعث السرايا إلى حصون خيبر ... : 3 / 205 ـ 213.
    (7) ـ البخاري : المناقب ، باب علامات النبوة ، 4 / 235. وقد روي سماع تسبيح الطعام عنده في وقائع مختلفة ، راجع تخريجاتها في إتحاف السادة : 7 / 189.
    (Cool ـ كذا في النسخة ، والأظهر أنه من سهو القلم ، والصحيح ما جاء في المصدر (الإحياء : 2 / 552) : «اصيب رجل بعض أصحابه». فإن إصابة العين مضى آنفا في قصة قتادة بن النعمان. والرجل الذي اصيبت رجله وبرئت بمسح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من حينه هو عبد الله بن عتيك ، على ما يظهر من قصة قتل أبي رافع اليهودي. راجع دلائل النبوة : باب قتل أبي رافع ، 4 / 33 ـ 39.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: علم اليقين في اصول الدين ج1   علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Emptyالأربعاء أكتوبر 30, 2024 5:06 pm

    وقلّ زاد جيش كان معه فدعا بجميع ما بقي ، فاجتمع شيء يسير جدّا ، فدعا فيه بالبركة ، ثمّ أمرهم فأخذوا ؛ فلم يبق وعاء في العسكر إلّا ملئ من ذلك (1).
    وحكى الحكم بن أبي العاص مشيه صلى‌الله‌عليه‌وآله مستهزئا ؛ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «كذلك فكن» ؛ فلم يزل يرتعش حتّى مات (2).
    وخطب صلى‌الله‌عليه‌وآله امرأة ، فقال أبوها : «إنّ بها برصا» ـ امتناعا من خطبته واعتذارا ولم يكن بها برص ـ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «فلتكن كذلك». فبرصت ؛ وهي : أمّ شبيب الذي يعرف ب «ابن البرصاء» الشاعر (3).
    إلى غير ذلك من آياته ومعجزاته صلى‌الله‌عليه‌وآله ،
    وإنّما اقتصرنا على المستفيض.
    ـ وكذا ذكره بعض العلماء (4) ـ.
    * * *
    __________________
    (1) ـ مسلم : كتاب الإيمان ، باب (10) الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة ، 1 / 56 ـ 57 ، ح 45. والوقعة في غزوة تبوك.
    (2) ـ دلائل النبوة : باب ما جاء في دعائه صلى‌الله‌عليه‌وآله ... ، 6 / 240. وهو والد مروان الحكم.
    (3) ـ راجع إتحاف السادة : 7 / 191.
    (4) ـ ذكرنا في صدر الباب أنه الغزالي في إحياء علوم الدين : 2 / 548 ـ 552. وإنما اقتصرنا في تخريج هذه الأحاديث على بعض المصادر المعروفة وأعرضنا عن الاستقصاء لشهرتها وذكرها في كتب السير وجوامع الحديث الشريف ، ثم إنها مستخرجة مشروحا في إتحاف السادة المتقين : 7 / 164 ـ 196.

    أقول : وممّا استفاض نقله بطريق أهل البيت عليهم‌السلام :
    إخباره بشهادة مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وأنّه يضرب على رأسه في شهر رمضان ، فتخضب بدمه لحيته المباركة (1).
    وبشهادة سبطيه الحسن والحسين ، وأنّ مولانا الحسن عليه‌السلام يسمّ ، ومولانا الحسين عليه‌السلام يقتل بأرض كربلاء ، بعد شهادة أصحابه وحيدا غريبا (2).
    وبأنّه يدفن بضعة منه صلى‌الله‌عليه‌وآله بطوس ، إشارة إلى مولانا الرضا عليه‌السلام (3) وبأنّ الأئمّة بعده اثنا عشر ، وتسميتهم بأسمائهم (4).
    وبأنّ أمير المؤمنين يقاتل بعده الناكثين والقاسطين والمارقين (5).
    وأنّ بعض أزواجه تبغي عليه وهي له ظالمة ، وأنّه تنبح عندها كلاب حوأب ، وبجميع الفتن التي وقعت بعده (6).
    وأنّ أبا ذر ـ رضي الله عنه ـ يموت وحيدا غريبا (7).
    __________________
    (1) ـ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : باب (28) ما جاء عن الرضا عليه‌السلام من الأخبار المتفرقة ، 1 / 297 ، ح 53.
    (2) ـ راجع أمالي الصدوق : المجلس الرابع والعشرون ، ح 2 ، 176 ـ 177.
    عنه البحار : 44 / 148 ، ح 16.
    (3) ـ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : الباب 66 ، ح 4 ، 2 / 255.
    (4) ـ كمال الدين : 258.
    (5) ـ الخصال : أبواب السبعين وما فوقه ، ح 1 ، 2 / 573 ـ 574. الخرائج والجرائح : 1 / 123.
    عنه البحار : 18 / 119 ، ح 33.
    (6) ـ الاحتجاج : 1 / 388. عنه البحار : 32 / 149.
    (7) ـ اختيار معرفة الرجال : 24 ، ح 48. عنه البحار : 22 / 399 ، ح 8.

    وبأنّ آخر رزق عمّار من الدنيا صاع من لبن (1).
    ـ إلى غير ذلك من الخصوصيّات ـ
    ومن معجزاته صلى‌الله‌عليه‌وآله : إطاعة الشمس له في التوقّف عن الغروب مرّة (2) وفي الطلوع بعد الغروب اخرى (3).
    وإطاعة الشجرة له بالإتيان حتّى انقلعت من مكانها ، وخدّت الأرض جارّة عروقها مغبرة ، فوقفت بين يديه وسلّمت عليه ؛ ثمّ رجعت بأمره إلى مكانها ـ كما هو مذكور في نهج البلاغة في كلام أمير المؤمنين عليه‌السلام (4). وتسليم الأحجار عليه (5).
    وتضليل الغمامة على رأسه دون القوم ـ حين رآه بحيراء في طريق الشام (6).
    وتضليل الملكين عليه حين رأته خديجة ونساؤها وعبدها ميسرة (7) وتسبيح الحصى في كفّه المباركة (Cool.
    __________________
    (1) ـ كذا جاء في بعض نسخ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : 85 ، البقرة / 3. عنه البحار : 22 / 334 ، ح 48.
    وجاء في الخرائج والجرائح (1 / 124) : «ضياح من لبن».
    (2) ـ الشفاء للقاضي عياض : الباب الثاني عشر ، 1 / 549. عنه البحار : 17 / 359.
    (3) ـ نفس المصدر. الخرائج والجرائح : 1 / 52 ، ح 81. عنه البحار : 17 / 359.
    (4) ـ نهج البلاغة : الخطبة (192) القاصعة.
    (5) ـ راجع سيرة ابن هشام : 1 / 234.
    (6) ـ كمال الدين : باب خبر بحيرى الراهب ، 188. عنه البحار : 15 / 201.
    (7) ـ الخرائج والجرائح : 1 / 140. عنه البحار : 16 / 3.
    (Cool ـ الخرائج والجرائح : 1 / 124 و 159. عنه البحار : 17 / 379 و 411.

    وتأثير قدمه الشريفة في الحجر ـ مع عدم تأثيره في الرمل ـ.
    وظهور البركات والآيات في بني سعد بإرضاع حليمة السعديّة إيّاه (1).
    ونبات الشعر من رءوس الأقرعين من الصبيان بإمرار يده الشريفة عليها (2).
    وانفجار البئر التي شكا أهلها ملوحتها بالماء الزلال ؛ وكانت غائرة.
    وإعطائه رجلا عرجونا في ليلة مظلمة ، فأضاء له (3).
    وآخر قطعة من جريد النخل الخضراء حين اشتكى انقطاع سيفه ، فصارت سيفا في يده (4).
    وإلقاء بصاقه على كفّ ابن عفراء المقطوعة فلصقت من ساعته (5).
    ودعائه آية للدوسي ليدعو قومه إلى الإسلام ، فوقع بين عينيه مثل المصباح ثمّ حوّل ذلك إلى رأس سوطه لمّا خاف أن يظنّوا به المثلة (6).
    وعصمة الله له ممّن كان يؤذيه من المستهزئين وردّ كيدهم عليهم (7).
    __________________
    (1) ـ الخرائج والجرائح : 1 / 81. عنه البحار : 15 / 331.
    (2) ـ الخرائج والجرائح : 1 / 29. عنه البحار : 18 / 8.
    (3) ـ الرجل قتادة بن النعمان كما جاء في مناقب ابن شهرآشوب : 1 / 219 و 118. عنه البحار : 16 / 409 و 17 / 380. والخرائج والجرائح : 1 / 34. عنه البحار : 17 / 376.
    (4) ـ الخرائج والجرائح : 1 / 148. عنه البحار : 30 / 78. والرجل علي عليه‌السلام.
    (5) ـ الخرائج والجرائح : 1 / 50. عنه البحار : 18 / 10.
    (6) ـ هو طفيل بن عمرو بن طريف الدوسي على ما في مناقب ابن شهرآشوب : 1 / 118. عنه البحار : 17 / 380. راجع سيرة ابن هشام : 1 / 382 ـ 383. اسد الغابة : 2 / 461.
    (7) ـ راجع التفاسير ، في تفسير قوله تعالى : (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ).
    الخرائج والجرائح : 1 / 63 ، الحديث 109.

    وحيلولة جبرئيل بينه وبين أبي جهل في صورة فحل أو أسد قدر الفحل من الإبل ، حين أراد إلقاء الصخرة عليه في سجوده (1).
    وخلق الله ـ عزوجل ـ شجرة على فم الغار الذي اختفي فيه ، وإلهامه حمامتين وحشيّتين لتعشّشا وتبيّضا عندها وتسخيره العنكبوت لينسج نسجا عظيما لا يمكن مثله إلّا في سنين عديدة ، ليرجع عنه المشركون الذين كانوا في طلبه (2).
    وإخباره بتأكّل الصحيفة القاطعة الظالمة كلّها ، غير ما فيه من ذكر الله ـ تعالى ـ فكان كما أخبر (3).
    وبالذي أضمره بنو النضير ـ من إلقاء الصخرة عليه ـ (4).
    وضربه الكدية التي اعترضت يوم الخندق بالمعول ، حتّى صارت كثيبا مهيلا ـ مع ضعفه وجوعه مذ ثلاثة أيام (5) ، وقيل إنه تفل في إناء ماء فنضح عليها ، فصارت كذلك ـ.
    إلى غير ذلك من الآيات ـ وهي كثيرة جدا ـ.
    * * *
    __________________
    (1) ـ الخرائج والجرائح : 1 / 93 ـ 94. الاحتجاج : 1 / 516. عنه البحار : 10 / 38 و 17 / 285.
    (2) ـ البحار عن مناقب ابن شهرآشوب : 19 / 77. البحار عن إعلام الورى : 17 / 392.
    (3) ـ الخرائج والجرائح : 1 / 87 و 142. عنه البحار : 17 / 355 و 18 / 120 و 19 / 17.
    (4) ـ الخرائج والجرائح : 1 / 33. عنه البحار : 18 / 110.
    (5) ـ نفس المصدر : 1 / 152. عنه البحار : 1 / 33.

    فصل [3]
    [شقّ صدر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وغسل قلبه]
    روي (1) أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله سئل : «ما أوّل ما رأيت من النبوّة»؟ فاستوى جالسا وقال :
    «بينا أنا في صخرة ، وإذا بكلام فوق رأسي ، وإذا رجل من فوق رأسي يقول لآخر : «أهو هو؟» ، فاستقبلاني بوجوه لم أرها على أحد ، فانطلقا يمشيان حتّى أخذ كلّ واحد منهما بعضدي ، لا أجد لأخذه مسّا ، فأضجعاني بلا قسر ولا هسر (2).
    فقال أحدهما : «أفلق الصدر». ففلقه فيما أرى بلا دم ولا وجع.
    فقال له : «أخرج الغلّ والحسد». فأخرج شيئا كهيئة العلقة فطرحها.
    فقال : «أدخل الرأفة والرحمة». فإذا مثل الذي أدخل (3) شبيه بالفضّة. ثمّ هزّ إبهام رجلي اليمنى ، وقال : «أعد وأسلم» ، فرجعت بها أعدو رأفة (4) على الصغير ورحمة على الكبير».
    __________________
    (1) ـ المسند : 5 / 139 مع اختلافات يسيرة. وفيه : «إني لفي صحراء ابن عشر سنين ...».
    الدر المنثور : 8 / 548 ، في تفسير (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ).
    (2) ـ في هامش النسخة :
    «في الحديث : «كان إذا ركع هصر ظهره» أي ثنّاه إلى الأرض. وأصل الهصر أن تأخذ برأس العود فتثنية إليك وتعطفه ـ النهاية ـ».
    (3) ـ كذا. ولكن في المسند : مثل الذي أخرج.
    (4) ـ في المسند : وقال : اغد واسلم ، فرجعت بها اغدو رقة.

    وفي رواية (1) :
    «بينا أنا مع أخ لي م بني سعد بن بكر (2) خلف بيوتنا ـ نرعي بهما (3) لنا ـ إذ جاءني رجلان ـ وفي رواية (4) : ثلاث رجال ـ بطست من الذهب مملوّا ثلجا ، فشقّا بطني من نحري إلى مراق (5) بطني ـ
    ـ قال في غير هذه الرواية : فاستخرجا قلبي فشقّاه ـ
    ـ واستخرجا منه علقة سوداء (6) فقال : «هذا حظّ الشيطان
    __________________
    (1) ـ جاء ما يقرب منه في سيرة ابن هشام : 1 / 166. والمستدرك للحاكم : 2 / 600. ودلائل النبوة : باب ذكر رضاع النبي ، 1 / 146. الخصائص الكبرى : باب ما ظهر في زمان رضاعه صلى‌الله‌عليه‌وآله من المعجزات : 1 / 55.
    (2) ـ أخوه صلى‌الله‌عليه‌وآله من الرضاعة هو عبد الله بن الحارث ، وهو ابن حليمة السعديّة أمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله التي أرضعته. راجع سيرة ابن هشام : 1 / 161.
    (3) ـ البهم : صغر الغنم (مصباح المنير ، عن ابن فارس).
    (4) ـ دلائل النبوة : 1 / 140.
    (5) ـ المراقّ ـ بتشديد القاف ـ : ما سفل من البطن فما تحته من المواضع التي ترقّ جلودها.
    (النهاية).
    (6) ـ في هامش النسخة :
    «سئل بعض المشايخ عن العلقة السوداء التي اخرجت من قلب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في صغره ، حين شقّ فؤاده ، وقول الملك «هذا حظّ الشيطان منك» ؛ فقال :
    «تلك العلقة خلقها الله في قلوب البشر قابلة لما تلقنه الشيطان فيها ، فازبلت من قلبه ، فلم يبق فيه مكان قابل لأن يلقي الشيطان فيه شيئا.
    هذا معنى الحديث ؛ ولم يكن للشيطان فيه حظّ قطّ ؛ وإنّما الذي نقّاه الملك أمر هو في الجبلات البشريّة ، فازبل القابل الذي لم يكن يلزم من حصوله حصول القذف في القلب».
    قيل له : «فلم خلق الله هذا القابل في هذه الذات الشريفة؟ وكان يمكن أن لا يخلقه سبحانه فيها؟». فقال : «لأنه من جملة الأجزاء الإنسانيّة ، فخلقه تكملة للخلق الإنساني ، فلا بدّ منه ؛ ونزعه كرامة ربّانيّة طرأت بعده». ـ منه ـ».

    منك» ، ثمّ غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج ، حتّى أنقياه ؛ ثمّ تناول أحدهما شيئا ، فإذا بخاتم في يده من نور يحار الناظر فيه أو دونه ، فختم به على قلبي ، فامتلأ إيمانا وحكمة ، وأعاده مكانه ، وأمرّ الآخر يده على مفرق صدرى فالتأم ـ وإنّي لأجد برد الخاتم في عروقي ـ».
    وفي رواية (1) : فقال جبرئيل : «قلب وكيع ـ أي شديد ـ فيه عينان تبصران ، واذنان تسمعان». ثمّ قال لأحدهما : «زنه بألف من أمّته» ، فوزنني ، فرجحتهم ؛ فقال : «دعه ، لو وزنته بامّته لرجحها» ؛ ثمّ ضمّوني إلى صدورهم وقبّلوا رأسي وبين عيني ، وقالوا : «يا حبيب الله ـ لن تراع ، إنّك لو تدري ما ذا يراد بك لأقرّت عيناك ، ما أكرمك على الله ، إنّ الله وملائكته معك».
    وهذا كان في طفوليّته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حين كان ابن أربع سنين (2) ؛ ثمّ ورد مثلها في حال نبوّته ، كما روي عن أبي ذر (3) ما معناه :
    أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «فرّج سقف بيتي ـ وأنا بمكّة ـ فنزل جبرئيل ففرّج صدري ، ثمّ غسله من ماء زمزم ، ثمّ جاء بطست من ذهب ، ممتلئ حكمة وإيمانا ، فأفرغه في صدري (4) ، ثمّ أطبقه ، ثمّ أخذ بيدي فعرج بنا إلى السماء».
    __________________
    (1) ـ الدارمي : باب ما اعطي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من الفضل : 1 / 29 : «... فيه اذنان سميعتان وعينان بصيرتان ...».
    (2) ـ مروج الذهب : الباب السبعون : 3 / 13.
    (3) ـ البخاري : كتاب الحج ، باب ما جاء في زمزم : 2 / 191. المسند : 5 / 122 و 143. وروي ما يقرب منه أيضا في الطبري : 2 / 305.
    (4) ـ في النسخة : «صدره». ثم كتب فوق «ه» ياء ووضع فوق الياء علامة : «ظ».

    وعن أنس (1) : لمّا اسري برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من مسجد الكعبة ، إذ جاءه ثلاثة نفر ، قبل أن يوحى إليه ـ وهو نائم في المسجد الحرام ـ. فقال أوّلهم : «إنّه هو» (2). فقال أوسطهم : «هو خيرهم». فقال آخرهم» «خذوا خيرهم». فكانت تلك الليلة ؛ فلم يرهم حتّى أتوه ليلة اخرى ، فيما يرى قلبه وتنام عينه ولا ينام قلبه ـ
    ـ وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولاتنام قلوبهم ـ
    ـ فلم يكلّموه حتّى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم ، فتولّاه منهم جبرئيل ، فشقّ جبرئيل ما بين نحره إلى لبّته حتّى فرغ من صدره وجوفه ؛ فغسل من ماء زمزم بيده ، حتّى أنقى جوفه ، ثمّ أتى بطست من ذهب محشوّا إيمانا وحكمة ، فحشا به صدره ولغاديده (3) بغير عروق خلقه (4) ، ثمّ أطبقه ، ثمّ عرج به إلى السماء» ـ إلى آخر حديث الإسراء ، وسنذكره في باب على حدة إن شاء الله (5) ـ.
    __________________
    (1) ـ البخاري : كتاب التوحيد : باب قوله (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) ، ج 9 ص 182.
    (2) ـ البخاري : أيّهم هو.
    (3) ـ قال في النهاية (4 / 256) : هي جمع لغدود ، وهي لحمة عند اللهوات. ويقال له : لغد أيضا ويجمع : ألغادا.
    (4) ـ كذا في النسخة ، والأظهر كونه سهوا ، والصحيح ما في البخاري : «يعني عروق حلقه».
    فيكون تفسيرا من الراوي للغاديد.
    (5) ـ قال العلامة المجلسي (البحار : 16 / 140) : «اعلم أنّ شقّ بطنه صلى‌الله‌عليه‌وآله في روايات العامّة كثيرة مستفيضة ـ كما عرفت ـ وأما رواياتنا وإن لم يرد فيها بأسانيد معتبرة ، لم يرد نفيها أيضا ؛ ولا يأبى عنه العقل أيضا ؛ فنحن في نفيه وإثباته من المتوقّفين ، كما أعرض عنه أكثر علمائنا من المتقدّمين ؛ وإن كان يغلب على الظنّ وقوعه ـ والله تعالى يعلم وحججه عليهم‌السلام ـ».
    وقد أورد الروايات في البحار : 15 / 352 و 365 و 366 و 379.

    فصل [4]
    قيل (1) : «من يستريب في انخراق العادة في يده صلى‌الله‌عليه‌وآله ويزعم أنّ آحاد هذه الوقائع لم ينقل تواترا ـ بل المتواتر هو القرآن فقط ـ كمن يستريب في شجاعة علي عليه‌السلام وسخاوة حاتم ؛ ومعلوم أنّ آحاد هذه الوقائع غير متواترة ، ولكن مجموع الوقائع تورث علما ضروريّا.
    ثمّ لا يتمارى في تواتر القرآن ، وهو المعجزة الكبرى الباقية بين الخلق ـ وليس لنبيّ معجزة باقية سواه صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ إذ تحدّى بها بلغاء الخلق ، وفصحاء العرب ـ وجزيرة العرب يومئذ مملوّة بآلاف منهم ، والفصاحة صنعتهم وبها منافستهم ومباهاتهم ـ وكان ينادي بين أظهرهم : أن يأتوا بمثله ، أو بعشر سور مثله ، أو بسورة مثله (2) ـ إن شكّوا ـ وقال لهم :
    (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) [17 / 88].
    وقال ذلك تعجيزا لهم ؛ فعجزوا عن ذلك وصرفوا عنه ، حتّى عرّضوا أنفسهم للقتل ، ونساءهم وذراريهم للسبي ، وما استطاعوا أن يعارضوا ، ولا أن يقدحوا في جزالته وحسنه» ـ انتهى كلامه ـ.
    ولا يخفى أنّه لم يزل صلى‌الله‌عليه‌وآله يقرعهم أشدّ التقريع ، ويوبّخهم غاية التوبيخ ، ويسفّه أحلامهم ويحطّ أعلامهم ويشتّت نظامهم ويذمّ آلهتهم
    __________________
    (1) ـ الغزالي : إحياء علوم الدين ، كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوّة ، بيان معجزاته وآياته صلى‌الله‌عليه‌وآله : 2 / 553.
    (2) ـ سورة الإسراء / 88. سورة هود / 13. سورة البقرة / 22. سورة يونس / 38.

    وآباءهم ، ويستفتح أرضهم وبلادهم وديارهم ، وهم في كل هذا ناكصون عن معارضته ، مجمحون عن مماثلته ، مخادعون أنفسهم بالتشعيث بالتكذيب ، والاغتراء بالافتراء ، وقولهم : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) [74 / 24] ، و (سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) [54 / 2 ، و (إِفْكٌ افْتَراهُ) [25 / 4] ، و (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [6 / 25].
    والمباهتة والرضاء بالدنيّة كقولهم : (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) [41 / 5] ، و (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ) [41 / 26].
    والادّعاء مع العجز بقولهم : (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) [8 / 31].
    وقد قال لهم الله : (وَلَنْ تَفْعَلُوا) [2 / 24] ، فما فعلوا ولا قدروا ، بل ولّوا عنه مدبرين ، وأتوا مذعنين من بين مهتد وبين مفتون.
    ولهذا لمّا سمع الوليد بن المغيرة (1) من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) [16 / 90] ، قال (2) : «والله إنّ له لحلاوة ، وإنّ عليه لطلاوة ، وإنّ أسفله لمغدق (3) ، وإنّ أعلاه لمثمر ، وما يقول هذا بشر».
    __________________
    (1) ـ وليد بن المغيرة بن هشام المخزومي ، أبو خالد بن الوليد ؛ كان من المخاصمين والمستهزئين برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يسلم. راجع طبقات ابن سعد : 1 / 200. سيرة ابن هشام : 1 / 361 و 362 و 395 و 409.
    (2) ـ أورده البيهقي في الدلائل : باب اعتراف مشركي قريش بما في كتاب الله من الإعجاز : 2 / 199. وجاء ما يقرب منه في المستدرك للحاكم : 2 / 506.
    (3) ـ قال في النهاية (3 / 137) : «وفي قصة الوليد بن المغيرة : «إنّ له لحلاوة ، وإنّ عليه لطلاوة» : أي رونقا وحسنا». وقال أيضا (3 / 345) : «في حديث الاستسقاء : «اسقنا غيثا غدقا مغدقا» ، الغدق ـ بفتح الدال ـ : المطر الكبار القطر ، والمغدق : مفعل منه ، أكّده به. يقال : أغدق المطر ، يغدق إغداقا ، فهو مغدق».

    وحكى الأصمعيّ أنّه سمع كلام جارية ، فقال : قاتلك الله ـ ما أفصحك». فقالت : «أو يعدّ هذا فصاحة بعد قوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ) [28 / 7]. فجمع في آية بين أمرين ونهيين ، وخبرين وبشارتين».
    قيل : إذا تأمّل متأمّل قوله ـ عزوجل ـ : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) [2 / 179] (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا) [34 / 51] وقوله : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [23 / 96] وقوله : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ) [11 / 44] وقوله : (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) [29 / 40] ـ الآيات إلى آخرها ـ وأشباهها ، بل أكثر القرآن تحقّق له إيجاز ألفاظها وكثرة معانيها وديباجة عباراتها ، وأنّ تحت كلّ لفظ منها جملا كثيرة ، وفصولا جمّة ، وعلوما زواخر ملأت الدواوين من بعض ما استفيد منها ، وكثرت المقالات في المستنبطات عنها.
    فصل [5]
    [وجوه إعجاز القرآن]
    قد عدّ العلماء من وجوه إعجاز القرآن أشياء كثيرة :
    فذكر الماوردي منها : فصاحته وبيانه الذي منها بلاغة ألفاظه واستيفاء معانيه وحسن نظمه ، وإيجازه ، ونظم اسلوبه ، ووصف اعتداله الذي لا يدخل في نظم ولا نثر ولا رجز ولا شعر ولا خطب ولا سجع ، مع كثرة معان في قلّة ألفاظ ، وما جمعه من العلوم التي لا يحيط بها بشر ، ولا تجتمع في مخلوق.

    ثمّ ما تضمّنه من الحجج والبراهين على التوحيد والرجعة وإثبات النبوّة والرسالة وتقدير أحكام الشريعة.
    ثمّ ما تضمّنه من أخبار الامم السالفة والقرون الخالية ، وما تعنّته أهل الكتاب من سؤالهم عن خفايا الامور الماضية التي لا يعرفها إلّا خواصّ أحبارهم وأكابر علمائهم ـ كقصّة أهل الكهف ، وشأن موسى والخضر ، وقصّة ذي القرنين ـ.
    ثمّ ما أخبر به من الأشياء من علم الغيب ، كقوله لليهود : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ثمّ قال : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) [2 / 94 ـ 95] فما تمنّاه أحد منهم.
    ثمّ ما فيه من الإخبار بضمائر القلوب التي لا يطّلع عليها إلّا علّام الغيوب ؛ كقوله : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا) [3 / 122]. وقوله : (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) [8 / 7].
    ثمّ من وجوه إعجازه البواعث المعينة في الليالي على تلاوته ، ومنها هشاشة مخرجه وبهجة رونقه ، وسلاسة نظمه وحسن قبوله ، وأنّ قاريه لا يكلّ وسامعه لا يملّ ، وهذا في غيره معدوم ، مع أنّه ينتقل في السورة الواحدة من وعد إلى وعيد ، ومن ترغيب إلى ترهيب ، ومن ماض إلى مستقبل ، ومن خطاب إلى غيبة ، ومن قصص إلى مثل ، ومن حكم إلى جدل ـ فلا ينبو ولا يتنافر.
    * * *

    وهذه الامور فى غيره من الكتب مفصّلة :
    فالتوراة خمسة أسفار : سفر لبدء الخلق ، وسفر لخروج بني إسرائيل من مصر ، وسفر لأمر التوّابين ، وسفر لإحياء موسى بني إسرائيل وما وقع بهم ، وسفر لتكرّر النواميس.
    فاختلاف معانيها موجب لتفاصيلها ، فأفضل ما فيها العشر كلمات الوصايا التي خوطب بها موسى ـ وبها يستحلفون.
    وأفضل ما في الإنجيل : الصحف الأربعة المنسوبة لتلامذة عيسى الأربعة ، وهي المخصوصة بالقراءة في الصلوات والأعياد.
    وأفضل ما في الزبور : ما اتّفق أهل الكتابين على اختياره ، وهو أدعية وتحاميد وتسابيح ينسب إلى داود بما فيها ـ وليس كذلك ـ.
    والقرآن كلّ سورة منه مشتملة على أنواع مختلفة وعلوم متكاثرة ، فهي معجزة برأسها لاشتمالها على معان باطنة وظاهرة.
    ثمّ من وجوه إعجاز القرآن تيسّره على جميع الألسنة ، حتّى يحفظه الأعجميّ الأبكم ، والصغير والألكن ؛ بخلاف غيره من الكتب ـ فلا يحفظ عن ظهر قلب كحفظه ـ قال تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) [54 / 17 و 22 و 32 و 40].
    ومنها أنّه مأمون من الزيادة والنقص ، محفوظ من التغيير والتبديل :
    قال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [15 / 9]

    فصل [6]
    [إعجاز القرآن في التجدد الدائم]
    أقول : إنّ أشرف وجوه إعجاز القرآن وأقواها عند اولي البصائر هو اشتماله على العلوم والأسرار وانطوائه على المعارف والأنوار وتضمّنه جوامع الكلم ولوامع الحكم الذي يعجز العقول عن إدراكها ، بل كلّما تقلقل الإنسان في رياض فنونها وتعمّق في بحار عيونها انفتحت له مسالك موصلة إلى مقفّلاتها ، واتّضحت له مدارك تبيّن جمل مشكلاتها ، وانكشفت له معالم يدرك بها وجوه صوابها ، ولاحت له لوائح تذلّل له شدائد صعابها ، فيستخرج بغوّاص عقله جواهر بحورها ، ويقدح بزناد فكره فيقتبس من أضواء نورها.
    ويرى العلماء والعارفين في كلّ وقت في ازدياد لا ينتهون إلى غاية في بلوغ المراد ، (إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ) ، وقد ملأت علوم الأقدمين الدفاتر ، وصدق من قال : «كم ترك الأوّل للآخر».
    ولذلك قال الله ـ عزوجل ـ : (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَ) [34 / 6].
    وعلى هذا : فهو من المعجزات المتكرّرة التي تحدث بالتأمّل يوما فيوما وشيئا بعد شيء.
    ومن هذا القبيل الأحاديث النبويّة ، وكلماته الجامعة صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّ العالم الذكيّ ، ذا اللبّ الصالح والذكاء القادح ، إذا تأمّلها وبالغ في النظر فيها بصفاء القريحة ملاحظا لأنواع العلوم الدقيقة ، ومستحضرا لحكم

    أهل الحقيقة ، ظهر له من مكنون أسرارها جمل متكاثرة ، وكشف من خفايا كنوزها عن تحف باطنة وظاهرة ، وكلّما أعمل فكره في تحرير دقائقها واستعان بصفاء سرّه على تحقيق حقائقها : لاحت له لوائح عوارفها ، وبدت له لطائف معارفها.
    قال الله ـ عزوجل ـ : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) [53 / 54].
    فالعلماء بعلم الشرائع والأحكام لا يزالون من القرآن والحديث في فهم وإفهام ، وأرباب القلوب والألباب دائما منها في ترقّ لمعالي الدرجات ، وتلقّ لتنزّل التحف والكرامات ، لحسن اقتدائهم في اقتفائهم لآثار سيّد السادات ، وذلك من أجلّ المعجزات المتجدّدة على تجدّد الأوقات.
    فصل [7]
    قيل : ومن المعجزات المتكرّرة المتجدّدة العمل بأحكام الشريعة المطهّرة ، كالعبادات المقرّرة وفروع المعاملات المنتشرة وامتثال الأوامر والنواهي ، وإظهار الشعائر المعتبرة.
    وخصوصا كثرة الصلوات والسلام عليه وآله في الصلاة وغيرها.
    فإنّ المصلّي يقول : «السلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة الله وبركاته» ، ويصلّي عليه.
    والدنيا لا تخلو من مصلّ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلا أو نهارا ، سرّا أو

    جهرا ، في البرّ والبحر ، في الشرق والغرب ، في الأرض والسماء.
    قال الله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) [33 / 56].
    وقد علمت كثرة الملائكة وعظم عالمها وعدم فتورهم عن العبادة التي امروا بها ، فوجود الصلاة عليه وآله منهم وتجدّدها من مصلّيهم كلّ وقت إذا تأمّله ذو النهى ظهر له أنّها معجزة له صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وربّما كانت خاصّة بجنابه الشريف ، ومقامه المنيف ؛ ولا يعلم أنّ الله أمر أمّة نبيّ بالصلاة على نبيّهم وآله إلّا نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله.
    قيل : وكلّ كرامة ظهرت على يد أحد من أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فهي معدودة من جملة معجزاته ، لأنّ ذلك إنّما يكون ببركة متابعة له صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّ أوفر الناس حظّا من القرب إلى الله أوفرهم حظّا من متابعة الرسول ، فكرامات الأولياء من تتمّة معجزات الأنبياء.
    أقول : ومن معجزاته الظاهرة المتكرّرة ، وبيّناته الباهرة المتجدّدة : أوصياؤه المعصومون وعترته الطاهرون ، وظهورهم واحدا بعد واحد من ذريّته في كلّ حين إلى يوم الدين ، فإنّ كلّا منهم ـ صلوات الله عليهم ـ حجّة قائمة على صدقه ، وآية بيّنة على حقيّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما يظهر من التتبّع لأحوالهم ، وملاحظة آثارهم والاطّلاع على فضائلهم ومناقبهم والآيات الصادرة منهم ، والكرامات الظاهرة على أيديهم بسبب متابعتهم إيّاه واقتدائهم بهداه ـ صلى الله عليه وعليهم ـ ولأنّ بهم يقضى حوائج العباد ، وببركتهم يدفع الله أنواع البلاء عن البلاد ، وبدعائهم تنزل

    الرحمة ، وبوجودهم تصرف النقمة ـ إلى غير ذلك من بركات خيراتهم صلوات الله عليهم ـ.
    فكما أنّ القرآن معجزة لنبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله باقية إلى يوم الدين يظهر منه صدقه وحقّيّته شيئا فشيئا ، ويوما فيوما ـ لمن تأمّله من اولي النهى ـ فكذلك كلّ من عترته المعصومين معجزة له ، باقية نوعه إلى يوم القيام ، دالّة على حقّيته لمن عرفهم بالولاية والحجّية من الشيعة اولي الألباب ـ ولهذا قال صلى‌الله‌عليه‌وآله (1) :
    «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».
    * * *
    وسنذكر لكلّ من الثقلين وفضائله بابا على حدة ـ إن شاء الله ـ.
    * * *
    __________________
    (1) ـ حديث الثقلين روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله في عدة مواضع وجاء بألفاظ مختلفة مضمونها واحد. وممن رواه ابن سعد في الطبقات : ذكر ما قرب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أجله : 2 / 194. والطبراني في المعجم الصغير : 158 و 163. الترمذي : كتاب المناقب ، باب مناقب أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : 5 / 663. والحاكم في المستدرك : 3 / 148 و 109.
    إكمال الدين : الباب الثاني والعشرون ، 234 ـ 244. الخصال : باب الاثنين ، ح 98 ، 1 / 65 ـ 67. فرائد السمطين : الباب الثالث والثلاثون ، 2 / 142.
    البحار : 23 / 106 ـ 118. راجع أيضا تخريجات الحديث في ملحقات الإحقاق : 4 / 436 ـ 443. 9 / 309 ـ 375. 18 / 261 ـ 289.

    [10]
    باب
    معراج نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله
    (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) [17 / 1]
    فصل [1]
    [المعراج في الروايات]
    روى الشيخ الصدوق ـ رحمه‌الله ـ في عرض المجالس (1) بإسناده (2) إلى عبد الرحمن بن غنم (3) ـ قال ـ :
    «جاء جبرئيل عليه‌السلام إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بدابّة دون البغل وفوق الحمار ، رجلاها أطول من يديها ، خطوها مدّ البصر ، فلمّا أراد أن
    __________________
    (1) ـ أمالي الصدوق : المجلس التاسع والستون ، ح 2 ، 534 ـ 537 ، مع فروق يسيرة.
    عنه البحار : 18 / 333 ، ح 36.
    (2) ـ الرواية مرفوعة.
    (3) ـ قال في الإصابة (2 / 417) : «عبد الرحمن بن غنم ـ بفتح المعجمة وسكون النون ـ الأشعري ، قال البخاري : له صحبة ... مات سنة ثمان وسبعين».


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: علم اليقين في اصول الدين ج1   علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Emptyالأربعاء أكتوبر 30, 2024 5:07 pm

    يركب امتنعت ، فقال جبرئيل : «إنّه محمّد» ، فتواضعت حتّى لصقت بالأرض».
    ـ قال ـ : «فركب فكلّما هبطت ارتفعت يداها وقصرت رجلاها وإذا صعدت ارتفعت رجلاها وقصرت يداها ؛ فمرّت به في ظلمة الليل على عير محمّلة ، فنفرت العير من دفيف البراق ؛ فنادى رجل في آخر العير غلاما له في أوّل العير : «يا فلان ـ إنّ الإبل قد نفرت ، وإنّ فلانة قد ألقت حملها وانكسر يدها» ـ وكانت العير لأبي سفيان ـ».
    ـ قال ـ : ثمّ مضى ـ حتّى إذا كانت ببطن البلقاء (1) ـ قال : «يا جبرئيل ـ قد عطشت ، فتناول جبرئيل قصعة فيها ماء ، فناوله ، فشرب ، ثمّ مضى ، فمرّ على قوم معلّقين بعراقيبهم بكلاليب من نار (2).
    فقال : «ما هؤلاء ـ يا جبرئيل»؟
    فقال : «هؤلاء الذين أغناهم الله بالحلال ، فيبغون الحرام».
    ـ قال ـ : «ثمّ مرّ على قوم تخاط جلودهم بمخائيط من نار ؛ فقال : «ما هؤلاء ـ يا جبرئيل»؟
    فقال : «هؤلاء الذين يأخذون عذرة النساء بغير حلّ».
    ثمّ مضى ، فمرّ على رجل يرفع حزمة من حطب (3) ، كلّما لم يستطع أن يرفعها زاد فيها ؛ فقال : «من هذا ـ يا جبرئيل»؟
    __________________
    (1) ـ قال الياقوت (معجم البلدان : 1 / 728) : «البلقاء : كورة من أعمال دمشق بين الشام ووادي القرى ، قصبتها عمان».
    (2) ـ العرقوب : عصب غليظ فوق العقب. الكلاليب ـ جمع كلاب ـ : حديدة معطوفة يعلق بها اللحم وغيره.
    (3) ـ الحزمة : ما حزم وشدّ عليه الحزام من الحطب.

    فقال : «هذا صاحب الدين ، يريد أن يقضي فاذا لم يستطع زاد عليه».
    ثمّ مضى ، حتّى إذا كان بالجبل الشرقي من بيت المقدّس ، وجد ريحا حارّة ، وسمع صوتا ؛ فقال : «ما هذه الريح التي أجدها ، وهذا الصوت الّذي أسمع»؟
    فقال : «هذه جهنّم» ؛ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أعوذ بالله من جهنّم».
    ثمّ وجد ريحا عن يمينه طيّبة وسمع صوتا ؛ فقال : «ما هذه الريح الذي أجدها وهذا الصوت الذي أسمع»؟
    قال : «هذه الجنّة». فقال : «أسأل الله الجنّة» (1).
    ـ قال : ـ «ثمّ مضى حتّى انتهى إلى باب مدينة بيت المقدّس ـ وفيها هرقل ـ وكانت أبواب المدينة تغلق كلّ ليلة ، ويؤتى بالمفاتيح ويوضع عند رأسه ، فلمّا كانت تلك الليلة امتنع الباب أن ينغلق ؛ فأخبروه ، فقال : «ضاعفوا عليها من الحرس».
    ـ قال ـ : «فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فدخل بيت المقدّس ؛ فجاء جبرئيل إلى الصخرة فرفعها ، فأخرج من تحتها ثلاثة أقداح : قدحا من لبن ، وقدحا من عسل ، وقدحا من خمر ؛ فناوله قدح اللبن فشرب ، ثمّ ناوله قدح العسل فشرب ، ثمّ ناوله قدح الخمر ؛ فقال : «قد رويت ـ يا جبرئيل».
    قال : «أمّا إنّك لو شربته ضلّت أمّتك وتفرّقت عنك».
    __________________
    (1) ـ جاء شطر من هذه الأمثال فيما أورده البيهقي أيضا : دلائل النبوة : باب الدليل على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عرج به إلى السماء ، 2 / 398 ـ 399.

    ثمّ أمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجد بيت المقدّس بسبعين نبيّا».
    ـ قال ـ : «وهبط مع جبرئيل عليه‌السلام ملك لم يطأ الأرض قطّ ، معه مفاتيح خزائن الأرض ؛ فقال : «يا محمّد ـ إنّ ربّك يقرؤك السلام ويقول : هذه مفاتيح خزائن الأرض ، فإن شئت فكن نبيّا عبدا ، وإن شئت فكن نبيّا ملكا». فأشار إليه جبرئيل : أن تواضع ـ يا محمّد. فقال : «بل أكون نبيّا عبدا».
    ثمّ صعد إلى السماء ؛ فلمّا انتهى إلى باب السماء استفتح جبرئيل عليه‌السلام ؛ فقالوا : «من هذا»؟ قال : «محمّد». قالوا : «نعم المجيء جاء».
    فدخل ـ فما مرّ على ملأ من الملائكة إلّا سلّموا عليه ودعوا له ، وشيّعه مقرّبوها. فمرّ على شيخ قاعد تحت شجرة وحوله أطفال. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من هذا الشيخ ـ يا جبرئيل»؟ قال : «هذا أبوك إبراهيم».
    قال : «فما هؤلاء الأطفال حوله»؟
    قال : «أطفال المؤمنين حوله ، يغذوهم».
    ثمّ مضى ، فمرّ على شيخ قاعد على كرسيّ ، إذا نظر عن يمينه ضحك وفرح وإذا نظر عن يساره حزن وبكى. فقال «من هذا ـ يا جبرئيل»؟
    قال : «أبوك آدم ، إذا رأى من يدخل الجنّة من ذريّته ضحك وفرح ، وإذا رأى من يدخل النار من ذرّيّته حزن وبكى».
    ثمّ مضى فمرّ على ملك قاعد على كرسيّ فسلّم عليه ، فلم ير منه من البشر ما رأى من الملائكة ؛ فقال : «يا جبرئيل ما مررت بأحد من الملائكة إلّا رأيت منه ما احبّ إلّا هذا ، فمن هذا الملك»؟

    قال : «هذا مالك خازن النار ، أمّا إنّه قد كان من أحسن الملائكة بشرا ، وأطلقهم وجها ، فلمّا جعل خازن النار اطّلع فيها اطّلاعة ، فرأى ما أعدّ الله فيها لأهلها ، فلم يضحك بعد ذلك».
    ثمّ مضى حتّى إذا انتهى ، فرضت عليه الصلاة ـ خمسون صلاة ـ
    ـ قال : ـ فأقبل فمرّ على موسى عليه‌السلام ، قال : «يا محمّد ـ كم فرض على أمّتك»؟ قال : «خمسون صلاة». قال : «ارجع إلى ربّك فسله أن يخفّف عن أمّتك».
    ـ قال : ـ فرجع ، ثمّ مرّ على موسى عليه‌السلام ، قال : «كم فرض على أمّتك»؟ قال : «كذا وكذا». قال : «فإنّ أمّتك أضعف الامم ، ارجع إلى ربّك فسله أن يخفّف عن أمّتك ، فإنّي كنت في بني إسرائيل ، فلم يكونوا يطيقون إلّا دون هذا». فلم يزل يرجع إلى ربّه تعالى حتّى جعلها خمس صلوات.
    ـ قال : ـ ثمّ مرّ على موسى عليه‌السلام ، فقال : «كم فرض على أمّتك»؟
    قال : «خمس صلوات». قال : «ارجع فسله أن يخفّف عن أمّتك».
    قال : «قد استحييت من ربّي» ـ فما رجع إليه ـ.
    ثمّ مضى فمرّ على إبراهيم خليل الرحمن ، فناداه من خلفه فقال : «يا محمّد اقرأ أمّتك عنّي السلام ، وأخبرهم أنّ الجنّة ماؤها عذب وتربتها طيّبة قيعان (1) بيض ، غرسها : «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ولا حول ولا قوّة إلّا بالله» ، فمر أمّتك فليكثروا من غرسها».
    __________________
    (1) ـ قيعان ـ جمع قاع ـ : أرض سهلة مطمئنة قد انفرجت عنها الجبال والآكام.

    ثمّ مضى حتّى مرّ بعير يقدمها جمل أورق (1) ، ثمّ أتى أهل مكّة فأخبرهم بسيره ؛ وقد كان بمكّة قوم من قريش ، قد أتوا بيت المقدّس ، فأخبرهم ، ثمّ قال : «آية ذلك أنّها تطلع عليكم الساعة عير مع طلوع الشمس ، يقدمها جمل أورق».
    ـ قال ـ : فنظروا ، فإذا هي قد طلعت. وأخبرهم أنّه مرّ بأبي سفيان ، وأنّ إبله نفرت في بعض الليل ، وأنّه نادى غلاما له في أوّل العير : «يا فلان ، إنّ الإبل قد نفرت ، وإنّ فلانة قد ألقت حملها ، وانكسر يدها». فسألوا عن الخبر فوجدوه كما قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله».
    * * *
    وبإسناده (2) الحسن عن مولانا الصادق عليه‌السلام قال : «لمّا اسري برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بيت المقدّس حمله جبرئيل على البراق ، فأتيا إلى بيت المقدّس ، وعرض عليه محاريب الأنبياء وصلّى بها وردّه.
    فمرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في رجوعه بعير لقريش ، وإذا لهم ماء في آنية ، وقد أضلّوا بعيرا لهم وكانوا يطلبونه. فشرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من ذلك الماء وأهرق باقيه.
    فلمّا أصبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لقريش : «إنّ الله تعالى قد أسرى بي إلى بيت المقدّس ، وأراني آثار الأنبياء ومنازلهم ، وإنّي مررت بعير في موضع كذا وكذا ـ وقد أضلّوا بعيرا لهم ، فشربت من مائهم ، وأهرقت باقي ذلك».
    __________________
    (1) ـ الأورق : الذي لونه لون الرماد.
    (2) ـ أمالي الصدوق : المجلس التاسع والستون ، ح 1 ، 533. عنه البحار : 18 / 336 ، ح 37.

    فقال أبو جهل : «قد أمكنتكم الفرصة منه ، فسلوه كم الأساطين فيها والقناديل». فقالوا : «يا محمّد ـ إنّ هاهنا من قد دخل بيت المقدّس ، فصف لنا كم أساطينه وقناديله ، ومحاريبه»؟
    فجاء جبرئيل عليه‌السلام فعلّق صورة بيت المقدّس تجاه وجهه ، فجعل يخبرهم بما يسألونه ، عنه ؛ فلمّا أخبرهم قالوا : «حتّى تجيء العير ، ونسألهم عمّا قلت». فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «تصديق ذلك أنّ العير تطلع عليكم مع طلوع الشمس ، يقدمها جمل أورق».
    فلمّا كان من الغد أقبلوا ينظرون إلى العقبة ويقولون : «هذه الشمس تطلع الساعة» ، فبيناهم كذلك إذا طلعت عليهم العير حين طلع القرص ، يقدمها جمل أورق ، فسألوهم عمّا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالوا : «لقد كان هذا ، ضلّ جمل لنا في موضع كذا وكذا ، ووضعنا ماء فأصبحنا وقد اهريق الماء» ـ فلم يزدهم ذلك إلّا عتوّا».
    وفي رواية اخرى رواها عليّ بن إبراهيم (1) عن الصادق عليه‌السلام ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: «بينا أنا راقد بالأبطح ، وعليّ عن يميني ، وجعفر عن يساري ، وحمزة بين يديّ ، وإذا أنا بحفيف أجنحة الملائكة ، وقائل يقول :
    «إلى أيّهم بعثت ـ يا جبرئيل»؟
    فقال : «إلى هذا ـ وأشار إليّ ـ وهو سيّد ولد آدم ، هذا وصيّه
    __________________
    (1) ـ تفسير القمي : 2 / 12 ، تفسير قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ ...).
    عنه البحار : 18 / 337 ، ح 38.

    ووزيره وختنه وخليفته في أمّته ، وهذا عمّه سيّد الشهداء حمزة ، وهذا ابن عمّه جعفر ـ له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنّة مع الملائكة ـ دعه فلتنم عيناه وتسمع اذناه ويعي قلبه ، واضربوا له مثلا : «ملك بنى دارا ، واتّخذ مأدبة ، وبعث داعيا» ـ».
    ـ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الملك الله ، والدار الدنيا ، والمأدبة الجنّة ، والداعى أنا» ـ.
    ـ قال ـ : ثمّ أركبه جبرئيل البراق وأسرى به إلى بيت المقدّس ، وعرض عليه محاريب الأنبياء وآيات الأنبياء ، فصلّى (1) وردّه من ليلته إلى مكّة ؛ فمرّ في رجوعه بعير لقريش ...».
    ـ إلى آخر الحديث بأدنى تفاوت في اللفظ ـ.
    * * *
    __________________
    (1) ـ المصدر : فصلى بها.

    وبإسناد العامّة (1) قال :
    «بينما أنا في الحطيم ـ وربّما قال : في الحجر ـ إذ أتاني آت فشقّ ما بين هذه إلى هذه» يعني من ثغرة نحره إلى سرّته ـ قال ـ : «فاستخرج قلبي ، ثمّ أتى بطست من ذهب مملوّا إيمانا فغسل قلبي ، ثمّ حشي ، ثمّ اعيد ، ثمّ اتيت بدابّة دون البغل وفوق الحمار أبيض يضع حافره عند أقصى طرفه ...».
    ـ إلى آخر الحديث بأسانيدهم المتكثرة ، وألفاظهم المختلفة ـ (2).
    وفى رواية أنّه لمّا فرغ من بيت المقدّس أتى بالمعراج ، قال : «ولم أر شيئا قطّ أحسن منه ، فأصعدنى فيه ...» ـ الحديث ـ (3).
    وليس في رواياتهم زيادة على ما مرّ ، وسيأتي بطريق أهل البيت عليهم‌السلام ما له كثير فائدة.
    __________________
    (1) ـ البخاري : كتاب مناقب الأنصار ، باب المعراج ، 5 / 66. مع فروق في اللفظ. وجاء ما يقرب منه أيضا فيه : كتاب بدء الخلق : باب ذكر الملائكة : 4 / 133.
    دلائل النبوة : باب الدليل على أن النبيّ عرج به إلى السماء : 2 / 377 ـ 378.
    (2) ـ راجع : دلائل النبوّة : باب الدليل على أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عرج به إلى السماء : 2 / 377 ـ 405. تفسير الطبري : تفسير الآية الاولى من سورة الإسراء : 15 / 2 ـ 14.
    الدر المنثور : تفسير الآية المذكورة ، ج 5 ص 182 ـ 229.
    مسلم : كتاب الإيمان : باب الإسراء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : 1 / 145 ـ 154.
    (3) ـ دلائل النبوة (الباب السابق : 2 / 390) : «... ثمّ أتيت بالمعراج الذي تعرج عليه أرواح بني آدم ، فلم ير الخلائق أحسن من المعراج ...». وفي تفسير الطبري (تفسير الآية الاولى من سورة الاسراء : 15 / 10): «... فإذا هو أحسن ما رأيت ...».
    وحكاه السيوطي بلفظ الدلائل (الدر المنثور : 5 / 195) عن ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي ، وابن عساكر.

    فصل [2]
    [وصف المعراج في حديث تفسير القمي]
    روى عليّ بن إبراهيم ـ رحمه‌الله ـ في تفسيره (1) ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :
    جاء جبرئيل وميكائيل وإسرافيل بالبراق إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخذ واحد باللجام ، وواحد بالركاب ، وسوّى الآخر عليه ثيابه ، فتضعضعت البراق ، فلطمها جبرئيل ثمّ قال : «اسكني ـ يا براق ـ فما ركبك نبيّ قبله ولا يركبك بعده مثله» ـ».
    ـ قال : ـ «فرقت به (2) ورفعته ارتفاعا ليس بالكثير ، ومعه جبرئيل يريه الآيات من السماء والأرض.
    ـ قال : ـ فبينا أنا في مسيرتي إذ نادى مناد عن يميني : «يا محمّد» ، فلم أجبه ولم ألتفت إليه ، ثمّ نادى مناد عن يساري : «يا محمّد» ، فلم أجبه ولم ألتفت إليه ؛ ثمّ استقبلني امرأة كاشفة عن ذراعيها ، عليها من كلّ زينة الدنيا ، فقالت : «يا محمّد أتنظرني حتّى اكلّمك»؟ فلم ألتفت إليها. ثمّ سرت فسمعت صوتا أفزعني فجاوبه (3).
    __________________
    (1) ـ تفسير القمي : 2 / 3 ـ 12 ، تفسير الآية الاولى من سورة الأسرى ، وفيه فروق يسيرة لفظيّة لم نتعرض لها. عنه البحار : 18 / 319 ـ 331 ، ح 34.
    (2) ـ من رقي يرقى : إذا صعد.
    (3) ـ في المصدر : فجاوزت. وجاء في حاشية النسخة : «لعل المراد بقوله : «فجاوبه» أن الصوت جاوب نفسه. وهذا كما يكون في بعض المواضع عند الصوت».

    فنزل بي جبرئيل فقال : «صلّ» ؛ فصلّيت ، فقال : «تدري أين صلّيت»؟ فقلت : «لا». فقال : «صلّيت بطيّبة ، وإليها مهاجرتك».
    ثمّ ركبت ، فمضينا ما شاء الله ؛ ثمّ قال لي : «انزل فصلّ» ، فنزلت وصلّيت ،
    فقال لي : «أتدري أين صلّيت»؟ فقلت : «لا».
    فقال : «صلّيت بطور سيناء ، حيث كلّم الله موسى تكليما».
    ثمّ ركبت ، فمضينا ما شاء الله ، ثمّ قال لي : «انزل فصلّ» ، فنزلت وصلّيت.
    فقال لي : «أتدري أين صلّيت»؟ فقلت : «لا».
    قال : «صلّيت ببيت لحم» ـ وبيت لحم بناحية بيت المقدّس حيث ولد عيسى بن مريم صلى الله عليه ـ.
    ثمّ ركبت ، فمضينا حيث (1) انتهينا إلى بيت المقدّس فربطت البراق بالحلقة التي كانت الأنبياء يربطون بها ، فدخلت المسجد ، ومعي جبرئيل إلى جنبي ، فوجدنا إبراهيم وموسى وعيسى ومن شاء الله من أنبياء الله ، فقد جمعوا إليّ واقيمت الصلاة ـ ولا أشكّ إلّا وجبرئيل سيتقدّمنا ـ فلمّا استووا ، أخذ جبرئيل بعضدي فقدّمني ، وأمّمتهم ـ ولا فخر ـ.
    ثمّ أتاني الخازن بثلاثة أوان ـ : إناء فيه لبن ، وإناء فيه ماء ، واناء فيه خمر ـ وسمعت قائلا يقول : «إن أخذ الماء غرق وغرقت أمّته ، وإن
    __________________
    (1) ـ كذا في النسخة. المصدر : حتى.

    أخذ الخمر غوي وغوت أمّته ، وإن أخذ اللبن هدي وهديت أمّته» ـ
    ـ قال : ـ فأخذت اللبن وشربت منه ، فقال لي جبرئيل : «هديت ، وهديت أمّتك».
    ثمّ قال لي : «ما ذا رأيت في مسيرك»؟
    فقلت : «ناداني مناد عن يميني».
    فقال لي : «أو أجبته»؟
    فقلت : «لا ، ولم ألتفت إليه».
    فقال : «ذلك داعي اليهود ، ولو أجبته لتهوّدت أمّتك من بعدك».
    ثمّ قال : «ما ذا رأيت»؟
    فقلت : «ناداني مناد عن يساري».
    فقال لي : «أو أجبته»؟
    فقلت : «لا ، ولم ألتفت إليه».
    فقال : «ذاك داعي النصارى ، ولو أجبته لتنصّرت أمّتك من بعدك».
    ثمّ قال : «ما ذا استقبلك»؟
    فقلت : «لقيت امرأة كاشفة عن ذراعيها ، عليها من كلّ زينة الدنيا ، فقالت : يا محمّد ـ أتنظرني حتّى اكلّمك»؟
    فقال لي : «أفكلّمتها»؟
    فقلت : «لم اكلّمها ولم ألتفت إليها».
    فقال : «تلك الدنيا ، ولو كلّمتها لاختارت أمّتك الدنيا على الآخرة».
    ثمّ سمعت صوتا أفزعني ، فقال لي جبرئيل : «تسمع ـ يا محمّد»؟
    قلت : «نعم».

    قال : «هذه صخرة قذفتها على شفير جهنّم منذ سبعين عاما ، فهذا حين استقرّت».
    ـ قالوا : فما ضحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى قبض ـ.
    * * *
    قال : فصعد جبرئيل ، وصعدت معه إلى السماء الدنيا ، وعليها ملك يقال له إسماعيل ـ وهو صاحب الخطفة التي قال الله عزوجل : (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ) [37 / 10] وتحته سبعون ألف ملك ، تحت كلّ ملك سبعون ألف ملك ـ فقال : «يا جبرئيل ـ من هذا معك»؟ فقال : «محمّد».
    قال : «وقد بعث»؟ قال : «نعم».
    ثمّ فتح الباب فسلّمت عليه وسلّم عليّ ، واستغفرت له واستغفر لي ، وقال : «مرحبا بالأخ الصالح ، والنبيّ الصالح».
    وتلقّتني الملائكة حتّى دخلت سماء الدنيا ، فما لقيني ملك إلّا ضاحك مستبشر ، حتّى لقيني ملك من الملائكة لم أر أعظم خلقا منه ـ كريه المنظر ، ظاهر الغضب ـ فقال لي مثل ما قالوا من الدعاء ، إلّا أنّه لم يضحك ولم أر فيه [من] (1) الاستبشار ممّا رأيت ممّن ضحك من الملائكة. فقلت : «من هذا ـ يا جبرئيل؟ فإنّي قد فزعت منه».
    فقال : «يجوز أن تفزع منه ، فكلّنا نفزع منه ، إنّ هذا مالك خازن النار ، لم يضحك قطّ ، ولم يزل منذ ولّاه الله جهنّم ، يزداد كلّ يوم غضبا وغيضا على أعداء الله وأهل معصيته ، فينتقم الله به منهم ، ولو ضحك إلى
    __________________
    (1) ـ إضافة من المصدر.

    أحد كان قبلك ، أو كان ضاحكا إلى أحد بعدك ، لضحك إليك ، ولكنّه لا يضحك ، فسلّمت عليه ، فردّ السلام عليّ وبشّرني بالجنّة».
    فقلت لجبرئيل ـ وجبرئيل بالمكان الذي وضعه الله : مطاع ثمّ أمين ـ : «ألا تأمره أن يريني النار»؟ فقال له جبرئيل : «يا مالك ـ أر محمّدا النار». فكشف عنها غطاء ، وفتح بابا منها ؛ فخرج منها لهب ساطع في السماء ، وفارت وارتفعت ، حتّى ظننت ليتنا ولني ممّا رأيت. فقلت : «يا جبرئيل ـ قل له فليردّ عليها غطائها». فأمرها ، فقال : «ارجعي». فرجعت إلى مكانها الذي خرجت منه.
    * * *
    ثمّ مضيت ، فرأيت رجلا آدم جسيما فقلت : «من هذا يا جبرئيل»؟
    فقال : «هذا أبوك آدم». فإذا هو يعرض عليه ذريّته فيقول : «ريح طيّبة من جسد طيّب». ثمّ تلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سورة المطفّفين على رأس سبع عشرة آية : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ* وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ* كِتابٌ مَرْقُومٌ* يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) [83 / 18 ـ 21] إلى آخرها.
    ـ قال : ـ فسلّمت على أبي آدم ، وسلّم عليّ ، واستغفرت له واستغفر لي وقال : «مرحبا بالابن الصالح ، والنبيّ الصالح ، والمبعوث في الزمن الصالح». ثم مررت بملك من الملائكة جالس على مجلس ، وإذا جميع الدنيا بين ركبتيه ، وإذا بيده لوح من نور ينظر فيه ، مكتوب فيه كتابا ينظر فيه (1) ، لا يلتفت يمينا ولا شمالا إلّا مقبلا (2) عليه به كهيئة الحزين. فقلت : «من هذا ـ يا جبرئيل»؟
    __________________
    (1) ـ المصدر : وإذا بيده لوح من نور فيه كتاب ينظر فيه.
    (2) ـ النسخة : مقبل (التصحيح من المصدر).

    فقال : «هذا ملك الموت ، دائب فى قبض الأرواح».
    فقلت : «يا جبرئيل ـ ادنني منه. فأدناني منه فسلّمت عليه». وقال له جبرئيل : «هذا نبيّ الرحمة ، الذي أرسله الله إلى العباد». فرحّب بي ، وحيّاني بالسلام ، وقال : «ابشر ـ يا محمّد ـ فإنّي أرى الخير كلّه في أمّتك».
    فقلت : «الحمد لله المنّان ، ذي النعم على عباده ، ذلك من فضل ربّي ورحمته عليّ».
    فقال جبرئيل : «هو أشدّ الملائكة عملا».
    فقلت : «أكلّ من مات أو هو ميّت فيما بعد ، هذا تقبض روحه»؟
    فقال : «نعم».
    قلت : «وتراهم حيث كانوا ، وتشهدهم بنفسك»؟
    فقال : «نعم». ـ فقال ملك الموت : ـ «ما الدنيا كلّها عندي فيما سخّرها الله لي ومكّنني عليها إلّا كالدرهم في كفّ الرجل ـ يقلّبه كيف يشاء ـ وما من دار إلّا وأنا اتصفّحه كلّ يوم خمس مرّات ، وأقول إذا بكى أهل الميّت على ميّتهم : لا تبكوا عليه ، فإنّ لي فيكم عودة وعودة ، حتّى لا يبقى منكم أحد».
    فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «كفى بالموت طامّة ـ يا جبرئيل».
    فقال جبرئيل : «إنّ ما بعد الموت أطمّ ، وأطمّ من الموت».
    * * *
    قال : ثمّ مضيت ، فإذا أنا بقوم بين أيديهم موائد من لحم طيّب ، ولحم خبيث ، يأكلون اللحم الخبيث ويدعون الطيّب. فقلت : «من هؤلاء ـ يا جبرئيل»؟

    فقال : «هؤلاء الذين يأكلون الحرام ، ويدعون الحلال ، وهم من أمّتك ـ يا محمّد».
    فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ثمّ رأيت ملكا من الملائكة جعل الله أمره عجبا : نصف جسده النار ، ونصفه الآخر ثلجا ـ فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفئ النار ـ وهو ينادي بصوت رفيع ويقول : «سبحان الذي كفّ حرّ هذه النار ، فلا تذيب الثلج ، وكفّ برد هذا الثلج ، فلا يطفئ حرّ هذه النار ، اللهم مؤلّف بين الثلج والنار ، ألّف بين قلوب عبادك المؤمنين». فقلت : «من هذا ـ يا جبرئيل»؟
    فقال : «هذا ملك وكّله الله بأكناف السماء وأطراف الأرضين ، وهو أنصح ملائكة الله لأهل الأرضين من عباده المؤمنين ، يدعو لهم بما تسمع منذ خلق».
    وملكان يناديان في السماء ، أحدهما يقول : «اللهم اعط كلّ منفق خلفا» ، والآخر يقول : «اللهم اعط كلّ ممسك تلفا».
    * * *
    ثمّ مضيت ، فإذا أنا بأقوام لهم مشافر كمشفر الإبل (1) ، يقرض اللحم من جنوبهم ويلقى في أفواههم. فقلت : «من هؤلاء ـ يا جبرئيل»؟
    فقال : «هؤلاء الهمّازون اللمّازون».
    ثمّ مضيت ، فإذا أنا بأقوام ترضخ (2) رءوسهم بالصخر ، فقلت : «من هؤلاء ـ يا جبرئيل»؟
    __________________
    (1) ـ المشفر : الشفه ، وأخص استعماله للبعير.
    (2) ـ الرضخ : الدقّ والكسر (النهاية : 2 / 229).
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: علم اليقين في اصول الدين ج1   علم اليقين في اصول الدين ج1 - صفحة 2 Emptyالأربعاء أكتوبر 30, 2024 5:09 pm

    فقال : «هؤلاء الذين ينامون عن صلاة العشاء».
    ثمّ مضيت ، فإذا أنا بأقوام تقذف النار في أفواههم وتخرج من أدبارهم. فقلت : «من هؤلاء ـ يا جبرئيل»؟
    قال : «هؤلاء (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)» [4 / 10].
    ثمّ مضيت ، فإذا أنا بأقوام يريد أحدهم أن يقوم ، فلا يقدر من عظم بطنه. فقلت : «من هؤلاء ـ يا جبرئيل»؟
    قال : «هؤلاء (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ) [2 / 275] ، وإذا هم بسبيل آل فرعون يعرضون على النار غدوّا وعشيّا ، يقولون : «ربّنا متى تقيم الساعة»؟
    قال : «ثمّ مضيت ، فإذا أنا بنسوان معلّقات بثديهنّ». فقلت : «من هؤلاء ـ يا جبرئيل»؟
    فقال : «هؤلاء اللواتي يورثن أموال أزواجهنّ أولاد غيرهم».
    ثمّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اشتدّ غضب الله على امرأة أدخلت على قوم في نسبهم من ليس منهم ، فاطّلع على عوراتهم ، وأكل خزائنهم».
    قال : «ثمّ مررنا بملائكة من ملائكة الله ـ عزوجل ـ خلقهم الله كيف شاء ، ووضع وجوههم كيف شاء ؛ ليس شيء من أطباق أجسادهم إلّا وهو يسبّح الله ويحمده من كلّ ناحية بأصوات مختلفة ؛ أصواتهم مرتفعة بالتحميد والبكاء من خشية الله. فسألت جبرئيل عنهم.
    فقال : «كما ترى خلقوا ، إنّ الملك منهم إلى جنب صاحبه ، ما كلّمه قطّ ، ولا رفعوا رءوسهم إلى ما فوقها ولا خفضوها إلى ما تحتها خوفا لله

    وخشوعا». فسلّمت عليهم ، فردّوا عليّ إيماء برءوسهم لا ينظرون إليّ من الخشوع».
    فقال لهم جبرئيل : «هذا محمّد نبيّ الرحمة ، أرسله الله إلى العباد رسولا ونبيّا ، وهو خاتم النبوّة وسيّدهم ، أفلا تكلّموه»؟
    ـ قال : ـ فلمّا سمعوا ذلك من جبرئيل ، أقبلوا عليّ بالسلام ، وأكرموني وبشّروني بالخير لي ولامّتي.
    * * *
    قال ثمّ صعدنا إلى السماء الثانية ، فاذا فيها رجلان متشابهان ؛ فقلت : «من هذان ـ يا جبرئيل»؟
    قال : «ابنا الخالة : يحيى وعيسى عليهما‌السلام ـ فسلّمت عليهما وسلّما عليّ ، واستغفرت لهما واستغفرا لي ، وقالا : «مرحبا بالأخ الصالح والنبيّ الصالح». وإذا فيها من الملائكة وعليهم الخشوع ، قد وضع الله وجوههم كيف شاء ، ليس منهم ملك إلّا يسبّح الله ويحمده بأصوات مختلفة».
    * * *
    ثمّ صعدنا إلى السماء الثالثة ، فإذا فيها رجل فضل حسنه على سائر الخلق كفضل قمر ليلة البدر على سائر النجوم. فقلت : «من هذا ـ يا جبرئيل»؟
    فقال : «هذا أخوك يوسف».
    فسلّمت عليه وسلّم عليّ ، واستغفرت له واستغفر لي ، وقال : «مرحبا بالنبيّ الصالح والأخ الصالح والمبعوث في الزمن الصالح».

    وإذا فيها ملائكة عليهم من الخشوع مثل ما وصفت في السماء الاولى والثانية ، وقال لهم جبرئيل في أمرى ما قال للآخرين وصنعوا فيّ مثل ما صنع الآخرون.
    * * *
    ثمّ صعدنا إلى السماء الرابعة ، وإذا فيها رجل ، فقلت : «من هذا ـ يا جبرئيل»؟
    فقال : «هذا إدريس ، رفعه الله مكانا عليّا». فسلّمت عليه وسلّم عليّ ، واستغفرت له واستغفر لي.
    وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات ، فبشّروني بالخير لي ولامّتي.
    ثمّ رأيت ملكا جالسا على سرير ، تحت يده سبعون ألف ملك ، تحت كل ملك سبعون ألف ملك ـ
    ـ فوقع في نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه هو (1) ـ فصاح به جبرئيل ، فقال : «قم» ، فهو قائم إلى يوم القيامة.
    * * *
    ثمّ صعدنا إلى السماء الخامسة ، فإذا فيها رجل كهل عظيم العين ، لم أر كهلا أعظم منه ، حوله ثلّة من أمّته ، فأعجبنى كثرتهم ؛ فقلت : «من هذا يا جبرئيل»؟
    __________________
    (1) ـ لا يخفى ضعف هذا الكلام ، فإنه لا يصدر من أضعف العارفين بالله ، فكيف بمن هو في المعرفة إمام الأنبياء والأولياء والمقربين ؛ وظني أنه دخيل من إضافة بعض النقلة ويؤيد ذلك تغيير سياق الكلام من التكلم إلى الخطاب.

    فقال : «هذا المجيب لقومه هارون بن عمران» ، فسلّمت عليه وسلّم عليّ ، واستغفرت له واستغفر لي. وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات.
    * * *
    ثمّ صعدنا إلى السماء السادسة ، وإذا فيها رجل آدم طويل. كأنّه من سمّرة (1) لو أنّ عليه قميصين لنفذ شعره فيهما ، وسمعت يقول : «يزعم بنو إسرائيل أنّي أكرم ولد آدم على الله ، وهذا رجل أكرم على الله منّي». فقلت : «من هذا ـ يا جبرئيل»؟
    فقال : «أخوك موسى بن عمران». فسلّمت عليه وسلّم عليّ ، واستغفرت له واستغفر لي. وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات».
    * * *
    قال : «ثمّ صعدنا إلى السماء السابعة ، فما مررت بملك من الملائكة إلّا قالوا : «يا محمّد احتجم ، وأمر أمّتك بالحجامة».
    وإذا فيها رجل أشمط الرأس واللحية جالس على كرسيّ ، فقلت : «يا جبرئيل ـ من هذا الذي في السماء السابعة على باب البيت المعمور في جوار الله»؟
    فقال : «هذا ـ يا محمّد أبوك إبراهيم ، وهذا محلّك ومحلّ من اتّقى من أمّتك» ـ ثمّ قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) [3 / 68]. ـ
    __________________
    (1) ـ على هامش النسخة : شبوة ـ خ ل ـ شنوة ـ خ ل ـ.

    فسلّمت عليه وسلّم عليّ وقال : «مرحبا بالنبيّ الصالح ، والابن الصالح ، والمبعوث في الزمن الصالح».
    وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات ، فبشّروني بالخير لي ولامّتي».
    قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ورأيت في السماء السابعة بحارا من نور يتلألأ ، يكاد تلألؤها يخطف بالأبصار ، وفيها بحار مظلمة ، وبحار ثلج ترعد ، فلمّا فزعت (1) ورأيت هؤلاء سألت جبرئيل؟ فقال : «ابشر ـ يا محمّد ـ واشكر كرامة ربّك ، واشكر الله ما صنع إليك».
    ـ قال : ـ فثبّتني الله بقوّته وعونه ، حتّى كثر قولي لجبرئيل وتعجّبي. فقال جبرئيل : «يا محمّد ـ تعظّم ما ترى؟ إنّما هذا خلق من خلق ربّك ، فكيف بالخالق الذي خلق ما ترى ، وما لا ترى أعظم من هذا من خلق ربّك ، إنّ بين الله وبين خلقه تسعين ألف حجاب ، وأقرب الخلق إلى الله أنا وإسرافيل ، وبيننا وبينه أربعة حجب : حجاب من نور ، وحجاب من ظلمة ، وحجاب من الغمام ، وحجاب من ماء».
    ـ قال : ـ «ورأيت من العجائب ـ الذي خلق الله وسخّر على ما أراده ـ ديكا رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ، ورأسه عند العرش ، وملكا في ملائكة الله تعالى خلقه الله كما أراد ، رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ، ثمّ أقبل مصعّدا حتّى خرج في الهواء إلى السماء السابعة ، وانتهى فيها مصعّدا حتّى انتهى قرنه إلى قرب العرش ، وهو يقول : «سبحان ربّي حيث ما كنت ، لا تدري أين ربّك من عظم شأنه».
    __________________
    (1) ـ في النسخة : فرغت. والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

    وله (1) جناحان في منكبيه إذا نشرهما جاوز المشرق والمغرب ، فإذا كان في السحر نشر جناحيه وخفق بهما وصرخ بالتسبيح ـ يقول : «سبحان الله الملك القدّوس ، سبحان الله الكبير المتعال ، لا إله إلّا الله الحيّ القيّوم».
    وإذا قال ذلك سبّحت ديك الأرض كلّها وخفقت بأجنحتها وأخذت بالصراخ ، وإذا سكت ذلك الديك فى السماء سكت ديك الأرض كلّها ؛ ولذلك الديك زغب أخضر وريش أبيض كأشد بياض رأيته قطّ ، وله زغيب أخضر ـ أيضا ـ تحت الريش الأبيض كأشدّ خضرة رأيتها قطّ».
    * * *
    ـ قال : ـ «ثمّ مضيت مع جبرئيل فدخلت البيت المعمور ، فصلّيت فيها ركعتين ومعي اناس من أصحابي ، عليهم ثياب جدد ، وآخرين عليهم ثياب خلقان ، فدخل أصحاب الجدد وحبس أصحاب الخلقان. ثمّ خرجت فانقاد لي نهران : نهر تسمّى الكوثر ، ونهر تسمّى الرحمة.
    فشربت من الكوثر ، واغتسلت من الرحمة ، ثمّ انقادا لي جميعا حتّى دخلت الجنّة ، وإذا على حافتيها بيوتي وبيوت أزواجي ، وإذا ترابها كالمسك ، وإذا جارية تنغمس فى أنهار الجنّة ـ فقلت : «لمن أنت ـ يا جارية»؟
    فقالت : «لزيد بن حارثة» (2) ، فبشّرته بها حين أصبحت.
    __________________
    (1) ـ الضمير راجع إلى الديك على ما يظهر ، ولا يخفى ما في العبارة من الاختلاط.
    (2) ـ زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، اشتراه خديجة عليها‌السلام فوهبته لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأعتقه وتبناه. راجع اسد الغابة : 2 / 129 ـ 132 ، الترجمة 1829.

    وإذا بطيرها كالبخت ، وإذا رمّانها مثل الدليّ العظام (1) ، وإذا شجرة لو أرسل طائر في أصلها ما دارها سبعمائة سنة ، وليس في الجنّة منزل إلّا وفيها قتر (2) منها.
    فقلت : «ما هذه ـ يا جبرئيل»؟
    فقال : «هذه شجرة طوبى» قال الله : (طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) [13 / 29].
    قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «فلمّا دخلت الجنّة رجعت إلى نفسي ، فسألت جبرئيل عن تلك البحار وهولها وأعاجيبها. فقال : «هو سرادقات الحجب ، التي احتجب الله ـ تبارك وتعالى ـ بها ، ولو لا تلك الحجب لتهتك نور العرش وكلّ شيء فيه».
    * * *
    وانتهيت إلى سدرة المنتهى ، فإذا الورقة منها تظل أمّة من الامم ، فكنت منها كما قال الله ـ تعالى ـ : (قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) [53 / 9]. فناداني ربّي تبارك وتعالى : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) ، فقلت أنا مجيب (3) عنّي وعن أمّتي : (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) فقلت (4) (سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ). فقال الله : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ). فقلت : (رَبَّنا لا
    __________________
    (1) ـ البخت : الإبل الخراسانية ، والجمع : نجاتي. الدلي والدلي والدلي : جمع الدلو ، وهو ما يستقى به.
    (2) ـ على هامش النسخة : قرن خ ل. المصدر : فرع.
    (3) ـ كذا.
    (4) ـ المصدر : وقالوا.

    تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا). فقال الله : «لا أؤاخذك». فقلت : (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا). فقال الله : «لا أحملك». فقلت : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) [2 / 286].
    فقال الله ـ تبارك وتعالى ـ : «قد أعطيتك ذلك لك ولامّتك».
    ـ فقال الصادق عليه‌السلام : «ما وفد إلى الله ـ تعالى وتبارك ـ أحد أكرم من رسول الله حين سأله لامّته هذه الخصال» ـ.
    فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا ربّ ـ أعطيت أنبيائك فضائل ، فاعطني».
    فقال الله : «وقد أعطيتك ـ فيما أعطيتك ـ كلمتين من تحت عرشي : لا حول ولا قوّة إلّا بالله ، ولا منجئ منك إلّا إليك».
    قال : «وعلّمتني الملائكة قولا أقوله إذا أصبحت وأمسيت : «اللهم إنّ ظلمي أصبح مستجيرا بعفوك ، وذنبي مستجيرا بمغفرتك ، وذلّي مستجيرا بعزّتك ، وفقرى أصبح مستجيرا بغناك ، ووجهي البالي أصبح مستجيرا بوجهك الباقي الذي لا يفنى». وأقول ذلك إذا أمسيت».
    * * *
    ثمّ سمعت الأذان ، فإذا ملك يؤذّن لم ير في السماء قبل تلك الليلة.
    فقال : «الله أكبر ، الله أكبر».
    فقال الله : «صدق عبدي ، أنا أكبر».
    فقال : «أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله».

    فقال الله : «صدق عبدي ، أنا الله لا إله غيري».
    فقال : «أشهد أنّ محمّدا رسول الله ، أشهد أنّ محمّدا رسول الله».
    فقال الله : «صدق عبدي ، إنّ محمّدا عبدي ورسولي ، أنا بعثته وانتجبته».
    فقال : «حيّ على الصلاة».
    فقال الله : «صدق عبدي ، دعا إلى فريضتي ، فمن مشى إليها راغبا فيها محتسبا ، كانت كفّارة لما مضى من ذنوبه».
    فقال : «حيّ على الفلاح».
    فقال الله : «هي الصلاح والنجاح والفلاح».
    ثمّ أمّمت الملائكة في السماء ، كما أمّمت الأنبياء في بيت المقدّس».
    * * *
    قال : «ثمّ غشيتني صبابة ، فخررت ساجدا ، فناداني ربّي : «إنّي قد فرضت على كلّ نبيّ كان قبلك خمسين صلاة ، وفرضتها عليك وعلى أمّتك ، فقم بها أنت في أمّتك». ـ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ـ «فانحدرت حتّى مررت على إبراهيم ، فلم يسألنى عن شيء حتّى انتهيت إلى موسى ، فقال : «ما صنعت ـ يا محمّد»؟
    فقلت : «قال ربّي : فرضت على كلّ نبيّ كان قبلك خمسين صلاة ، وفرضتها عليك وعلى أمّتك».
    فقال موسى : «يا محمّد ـ إنّ أمّتك آخر الامم وأضعفها ، وإنّ ربّك لا يردّه شيء ، وإنّ أمّتك لا تستطيع أن تقوم بها ؛ فارجع إلى ربّك ، فسله التخفيف لامّتك».
    فرجعت إلى ربّى حتّى انتهيت إلى سدرة المنتهى ، فخررت ساجدا

    ثمّ قلت : «فرضت عليّ وعلى أمّتي خمسين صلاة ، ولا اطيق ذلك ولا أمّتي ؛ فخفّف عنّي». فوضع عنّي عشرا ؛ فرجعت إلى موسى فأخبرته. فقال : «ارجع لا تطيق».
    فرجعت إلى ربّي فوضع عنّي عشرا.
    فرجعت إلى موسى فاخبرته ، فقال : «ارجع».
    وفي كلّ رجعة أرجع إليه أخرّ ساجدا ، حتّى رجع إلى عشر صلوات. فرجعت إلى موسى وأخبرته ، فقال : «لا تطيق ارجع» ؛ فرجعت إلى ربّي فوضع عنّي خمسا ؛ فرجعت إلى موسى وأخبرته ، فقال : «لا تطيق».
    فقلت : «قد استحييت من ربّي ولكن أصبر عليها» (1).
    فناداني مناد : «كما صبرت عليها ، فهذه الخمس بخمسين ، كلّ صلاة بعشر ، ومن همّ من أمّتك بحسنة يعملها ـ فعملها ـ كتبت له عشرا ، وإن لم يعمل كتبت له واحدة. ومن همّ من أمّتك بسيّئة فعملها ، كتبت عليه واحدة ، وإن لم يعملها لم أكتب عليه».
    ـ فقال الصادق عليه‌السلام : «جزى الله موسى عن هذه الامّة خيرا».
    * * *
    __________________
    (1) ـ راجع دلائل النبوة : 2 / 394.

    فصل [3]
    [تعليم الصلاة في المعراج]
    وروى ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني ـ رحمه‌الله ـ في الكافي (1) عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اذينة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ـ قال ـ :
    قال : «ما تروي هذه الناصبة»؟
    فقلت : «جعلت فداك ـ في ما ذا»؟
    فقال : «في أذانهم وركوعهم وسجودهم».
    فقلت : «إنّهم يقولون : إنّ ابيّ بن كعب رآه في النوم».
    فقال : «كذبوا ، فإنّ دين الله أعزّ من أن يرى في النوم».
    ـ قال ـ : «فقال له سدير الصيرفي : «جعلت فداك ـ فأحدث لنا من ذلك ذكرا».
    فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ الله ـ تعالى ـ لمّا عرّج بنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى سماواته السبع ، أمّا أولادهنّ : فبارك عليه ، والثانية : علّمه فرضه. فأنزل الله محملا من نور فيه أربعون نوعا من أنواع النور ، كانت محدقة بعرش الله تغشي أبصار الناظرين.
    __________________
    (1) ـ الكافي : كتاب الصلاة ، باب النوادر ، ح 1 ، 3 / 482 ـ 487. ورواه الصدوق (ره) بطرق مختلفة ومع اختلاف في الألفاظ في العلل : باب علل الوضوء والأذان والصلاة : 2 / 312. عنه البحار : 18 / 354 ، ح 66. 82 / 237.

    أمّا واحد منها فأصفر ـ فمن أجل ذلك اصفرّت الصفرة ، وواحد منها أحمر ـ فمن أجل ذلك احمرّت الحمرة ـ وواحد منها أبيض ـ فمن أجل ذلك ابيضّ البياض ، والباقي على عدد سائر الخلق من النور. فالألوان في ذلك المحمل حلق وسلاسل من فضّة.
    ثمّ عرج به إلى السماء ، فنفرت الملائكة إلى أطراف السماء وخرّت سجّدا وقالت : «سبّوح قدّوس ، ما أشبه هذا النور بنور ربّنا».
    فقال جبرئيل : «الله اكبر ، الله اكبر».
    ثمّ فتحت أبواب السماء واجتمعت الملائكة فسلّمت على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أفواجا ، وقالت «يا محمّد ـ كيف أخوك؟ إذا نزلت فاقرأه السلام».
    قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أفتعرفونه»؟
    قالوا : «وكيف لا نعرفه ، وقد أخذ ميثاقك وميثاقه منّا ، وميثاق شيعته إلى يوم القيامة علينا ، وإنّا لنتصفّح وجوه شيعته كلّ يوم وليلة خمسا ـ يعنون في كلّ وقت صلاة ـ وإنّا لنصلّي عليك وعليه».
    ثمّ زادني ربّي أربعين نوعا من أنواع النور لا يشبه نور الأوّل ، وزادني حلقا وسلاسل ، وعرج بي إلى السماء الثانية ، فلمّا قربت من باب السماء الثانية نفرت الملائكة إلى أطراف السماء وخرّت سجّدا وقالت : «سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والروح ، ما أشبه هذا النور بنور ربّنا».
    فقال جبرئيل : «أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله».
    فاجتمعت الملائكة وقالت : «يا جبرئيل ـ من هذا معك»؟
    قال : «هذا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله».
    قالوا : «وقد بعث»؟ قال : «نعم».

    ـ قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فخرجوا إلى شبه المعانيق ، فسلّموا عليّ وقالوا : «أقرئ أخاك السلام».
    قلت : «أتعرفونه»؟
    قالوا : «وكيف لا نعرفه ، وقد اخذ ميثاقك وميثاقه وميثاق شيعته إلى يوم القيامة علينا ، وإنّا لنتصفّح وجوه شيعته في كلّ يوم وليلة خمسا» ـ يعنون في كلّ وقت الصلاة ـ.
    ـ قال : ـ ثمّ زادني ربّي أربعين نوعا من أنواع النور ـ لا يشبه الأنوار الاول ؛ ثمّ عرج بي إلى السماء الثالثة ، فنفرت الملائكة وخرّت سجّدا وقالت : «سبّوح قدّوس ، ربّ الملائكة والروح ، ما هذا النور الذي يشبه نور ربّنا»؟
    فقال جبرئيل : «أشهد أنّ محمّدا رسول الله ، أشهد أنّ محمّدا رسول الله».
    فاجتمعت الملائكة وقالت : «مرحبا بالأوّل ومرحبا بالآخر ، ومرحبا بالحاشر ومرحبا بالناشر ، محمّد خير النبيّين ، وعليّ خير الوصيّين». ـ قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ـ ثمّ سلّموا عليّ وسألوني عن أخي. فقلت : «هو في الأرض ، أفتعرفونه»؟
    فقالوا : «وكيف لا نعرفه ، وقد نحجّ البيت المعمور كلّ سنة وعليه رقّ أبيض ، فيه اسم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله واسم عليّ والحسن والحسين والأئمّة وشيعتهم إلى يوم القيامة ، وإنّا لنبارك عليهم في كلّ يوم وليلة خمسا» ـ يعنون به وقت كلّ صلاة ـ ويمسحون رءوسهم بأيديهم.

    قال : ثمّ زادني ربّي أربعين نوعا من أنواع النور لا يشبه تلك الأنوار الاول ، ثمّ عرج بي حتّى انتهيت إلى السماء الرابعة ؛ فلم تقل الملائكة شيئا ، وسمعت دويّا كأنّه في الصدور ، فاجتمعت الملائكة وفتحت أبواب السماء ، وخرجت إلى شبه المعانيق.
    فقال جبرئيل عليه‌السلام : «حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ؛ حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح».
    فقالت الملائكة : «صوتان مقرونان معروفان».
    فقال جبرئيل عليه‌السلام : «قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة».
    فقالت الملائكة : «هي لشيعته إلى يوم القيامة».
    ثمّ اجتمعت الملائكة وقالت : «كيف تركت أخاك»؟
    فقلت لهم : «وتعرفونه»؟
    قالوا : «نعرفه وشيعته وهم نور حول عرش الله ، وإنّ في البيت المعمور لرقّا من نور فيه كتاب من نور ، فيه اسم محمّد وعليّ والحسن والحسين والأئمّة ـ صلوات الله عليهم ـ وشيعتهم إلى يوم القيامة ، لا يزيد منهم رجل (1) ، ولا ينقص منهم رجل ، وإنّه لميثاقنا ، وإنّه ليقرأ علينا كلّ يوم جمعة».
    * * *
    ثمّ قيل لي : «ارفع رأسك ـ يا محمّد» ، فرفعت رأسي ، فإذا أطباق السماء قد خرقت ، والحجب قد رفعت ؛ ثمّ قال لي : «طأطأ رأسك ،
    __________________
    (1) ـ كذا. وفي المصدر : لا يزيد فيهم.

    انظر ما ذا ترى» ؛ فطأطأت رأسي فنظرت إلى بيت مثل بيتكم هذا ، وحرم مثل حرم هذا البيت ، لو القيت شيئا من يدي لم يقع إلّا عليه. فقيل لي : «يا محمّد ـ هذا الحرم ، وأنت الحرام ، ولكلّ مثل مثال».
    ثمّ أوحى الله إليّ : «يا محمّد ـ ادن من صاد ، فاغسل مساجدك وطهّرها ، وصلّ لربّك».
    فدنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من صاد ـ وهو ماء يسيل من ساق العرش الأيمن ، فتلقّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الماء بيده اليمنى ؛ فمن أجل ذلك صار الوضوء باليمين.
    ثمّ أوحى الله إليه أن «أغسل وجهك ، فإنّك تنظر إلى عظمتي ، ثمّ اغسل ذراعيك اليمنى واليسرى ، فإنّك تلقي بيديك كلامي ـ ثمّ امسح رأسك بفضل ما بقي في يديك ـ من الماء ـ ورجليك إلى كعبيك ، فإنّي ابارك عليك واوطئك موطئا لم يطأه أحد غيرك».
    ـ فهذا علّة الأذان والوضوء. ـ
    ثمّ أوحى الله ـ تعالى ـ إليه : «يا محمّد ـ استقبل الحجر الأسود ، وكبّرني على عدد حجبي» فمن أجل ذلك صار التكبير سبعا ، لأنّ الحجب سبع ـ فافتتح عند انقطاع الحجب ، فمن أجل ذلك صار الافتتاح سنّة ، والحجب متطابقة بينهنّ بحار النور ، وذلك النور النور الذي أنزله الله ـ تعالى ـ على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فمن أجل ذلك صار الافتتاح ثلاث مرّات لافتتاح الحجب ثلاث مرّات ، فصار التكبير سبعا والافتتاح ثلاثا.
    فلمّا فرغ من التكبير والافتتاح ، أوحى الله إليه : «سمّ باسمي» ـ فمن أجل ذلك جعل (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في أوّل السورة ـ.

    ثمّ أوحى الله إليه أن «أحمدني» ، فلمّا قال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في نفسه : «شكرا». فأوحى الله إليه : «قطعت حمدي ، فسمّ باسمي» فمن أجل ذلك جعل في الحمد (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) مرّتين ؛ فلمّا بلغ : (وَلَا الضَّالِّينَ) ، قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الحمد لله ربّ العالمين شكرا».
    فأوحى الله إليه : «قطعت ذكري ، فسمّ باسمي» ـ فمن أجل ذلك جعل (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) [في أول السورة] (1) ؛ ثمّ أوحي الله إليه : «اقرأ ـ يا محمّد ـ نسبة ربّك : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ* اللهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (2).
    ثمّ امسك عنه الوحي ، فقال رسول الله : «كذلك الله ، كذلك الله ربّنا» ، فلمّا قال ذلك ، أوحى الله إليه : «اركع لربّك ـ يا محمّد». فركع ؛ فأوحى الله إليه وهو راكع ، قل : «سبحان ربّي العظيم». ففعل ذلك ثلاثا.
    ثمّ أوحى الله إليه أن «ارفع رأسك ـ يا محمّد». ففعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقام منتصبا. فأوحى الله ـ عزوجل ـ إليه : «أن اسجد لربّك ـ يا محمّد». فخرّ رسول الله ساجدا. فأوحى الله ـ عزوجل ـ إليه ، قل : «سبحان ربّي الأعلى». ففعل ذلك ثلاثا.
    ثمّ أوحى الله إليه : «استو جالسا ـ يا محمّد». ففعل ؛ فلمّا رفع رأسه من سجوده واستوى جالسا ، نظر إلى عظمة تجلّت له ، فخرّ
    __________________
    (1) ـ إضافة من المصدر.
    (2) ـ اضيف في المصدر : ثمّ امسك عنه الوحي فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الواحد الأحد الصمد» فأوحى الله إليه : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ).

    ساجدا من تلقاء نفسه ـ لا لأمر امر به ـ فسبّح أيضا ثلاثا.
    فأوحى الله إليه انتصب قائما. ففعل فلم ير ما كان رأى من العظمة ، فمن أجل ذلك صارت الصلاة ركعة وسجدتين.
    ثمّ أوحى الله ـ تعالى ـ إليه : «اقرأ بالحمد لله» ، فقرأها مثل ما قرأ أوّلا ، ثمّ أوحى الله إليه ، اقرأ : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) ، فإنّها نسبتك ونسبة أهل بيتك إلى يوم القيامة ، وفعل فى الركوع ما فعل في المرّة الاولى ، ثمّ سجد سجدة واحدة ، فلمّا رفع رأسه تجلّت له العظمة ، فخرّ ساجدا من تلقاء نفسه ـ لا لأمر امر به ـ فسبّح أيضا.
    ثمّ اوحي إليه : «ارفع رأسك ـ يا محمّد ـ ثبّتك ربّك». فلمّا ذهب ليقوم ، قيل : «يا محمّد ـ اجلس» ، فجلس ؛ فأوحى الله إليه «يا محمّد ـ إذا ما أنعمت عليك فسمّ باسمي» ، فالهم أن قال : «بسم الله وبالله ، ولا إله إلّا الله ، والأسماء الحسنى كلّها لله». ثمّ أوحى الله إليه : «يا محمّد ـ صلّ على نفسك وعلى أهل بيتك». فقال : «صلى الله عليّ وعلى أهل بيتي».
    ثمّ التفت ، فإذا بصفوف من الملائكة والمرسلين والنبيّين ، فقيل : «يا محمّد ـ سلّم عليهم». فقال : «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته». فأوحى الله إليه : «أنا السلام والتحيّة ، والرحمة والبركات أنت وذريّتك».
    ثمّ أوحى الله إليه : «أن لا تلتفت يسارا» ، فأوّل آية سمعها بعد قل هو الله أحد وإنّا أنزلناه ، آية : أصحاب اليمين وأصحاب الشمال ـ فمن أجل ذلك كان السلام واحدة تجاه القبلة ، ومن أجل ذلك كان التكبير في السجود شكرا.
    وقوله : «سمع الله لمن حمده» ، لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سمع ضجّة الملائكة

    بالتسبيح والتحميد والتهليل ـ ومن أجل ذلك قال : «سمع الله لمن حمده» ، ومن أجل ذلك صارت الركعتان الأوليان كلّما احدث فيهما حدثا كان على صاحبهما إعادتهما.
    فهذا الفرض الأوّل ، وهي صلاة الزوال ـ يعني صلاة الظهر ـ.
    فصل [4]
    [مثال علي عليه‌السلام في المعراج]
    وروى عليّ بن إبراهيم في تفسيره (1) ، بإسناده عن أبي بردة الأسلمي (2) قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعليّ عليه‌السلام : «يا علي ـ إنّ الله أشهدك معي في سبعة مواطن :
    «أمّا أوّل ذلك فليلة اسري بي إلى السماء ، قال لي جبرئيل : «أين أخوك»؟ قلت : «خلّفته ورائي». قال : «ادع الله فليأتك به». فدعوت الله وإذا مثالك معى ، وإذا الملائكة وقوف صفوف ؛ فقلت : «يا جبرئيل ـ من هؤلاء»؟ قال : «هم الذين يباهيهم الله بك يوم القيامة». فدنوت ، فنطقت بما كان ويكون إلى يوم القيامة.
    __________________
    (1) ـ تفسير القمي : 2 / 344 ـ 345 ، تفسير الآية (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى ...). عنه البحار : 18 / 405 ، ح 112. وجاء مع اختلاف في الألفاظ في أمالي الطوسي (المجلس الثاني والثلاثون ، ح 21 ، 642) عن الصادق عن آبائه عن علي عليهم‌السلام.
    عنه البحار : 18 / 388 ، ح 97 و 40 / 35 ، ح 70. وورد شطر منه في بصائر الدرجات : الجزء الثاني ، باب (20) في الأئمة عليهم‌السلام أنه عرض عليهم ملكوت السماوات ... ، 107 ، ح 3. عنه البحار : 26 / 115 ، ح 16.
    (2) ـ كذا في النسخ والمصدر ؛ ولم يذكر في تراجم رجال الحديث والصحابة هذا العنوان ، والأظهر أنه مصحف بريدة الأسلمي كما جاء في بصائر الدرجات.

    والثاني : حين اسري بي في المرّة الثانية ، فقال جبرئيل : «أين أخوك»؟ قلت : «خلّفته ورائي». قال : «ادع الله فليأتك به». فدعوت الله ، فاذا مثالك معي ، فكشط لي عن سبع سماوات حتّى رأيت سكّانها وعمّارها وموضع كلّ ملك منها.
    والثالث : حين بعثت إلى الجنّ ، فقال لي جبرئيل : «أين أخوك»؟ قلت : «خلّفته ورائي». فقال : «ادع الله فليأتك به» ؛ فدعوت الله فإذا أنت معي ، فما قلت لهم شيئا إلّا سمعته.
    الرابع : خصّصنا بليلة القدر وليست لأحد غيرنا.
    والخامس : دعوت الله فيك ، وأعطاني فيك كلّ شيء إلّا النبوّة ، فإنّه قال : «خصصتك به (1) وختمتها بك».
    والسادس : لمّا اسري بي إلى السماء جمع الله لي النبيّين فصلّيت بهم ومثالك خلفي.
    والسابع : هلاك الأحزاب بأيدينا».
    وهذا الحديث كما ترى يدلّ على أنّ الإسراء كانت مرّتين موافقا لما ذكره بعض العامّة ، وأنّ مثال مولانا أمير المؤمنين عليهم‌السلام كان معه في جميع الوقائع.
    [خاطبني ربي بلغة عليّ بن أبي طالب]
    وروى ابن عمر (2) قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ واسأل : «بأيّ
    __________________
    (1) ـ المصدر : بها.
    (2) ـ مناقب الخوارزمي : الفصل السادس في محبة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله إياه عليه‌السلام ، 37.

    لغة خاطبك ربّك ليلة المعراج»؟ ـ فقال : «خاطبني بلغة عليّ بن أبي طالب ، فالهمت أن قلت : يا ربّ خاطبتني أم عليّ»؟
    فقال : «يا أحمد ـ أنا شيء ليس كالأشياء ، ولا اقاس بالناس ، ولا اوصف بالأشياء ، خلقتك من نوري ، وخلقت عليّا من نورك ، فاطّلعت على سرائر قلبك فلم أجد إلى قلبك أحبّ من عليّ بن أبي طالب ، فخاطبتك بلسانه كي يطمئنّ (1) قلبك».
    ـ كذا في كشف الغمّة (2) ـ.
    فصل [5]
    [وصف البراق وسدرة المنتهى]
    قيل في وصف البراق (3) : إنّها دابّة وجهها كوجه الإنسان ، وآذانها كآذان الفيلة ، وعرفها كعرف الفرس ، وقوائمها كقوائم البعير ، وذنبها كذنب البقرة.
    وقيل : إنّ في فخذيه جناحين يحفّ بها رجليه ، سمّي ب «البراق» لبريق لونه ، أو لإشراق نوره ، أو لسرعة ذهابه.
    وقيل في سدرة المنتهى (4) : أنّه ينتهي إليها كلّ أحد من أمّته. وهي
    __________________
    (1) ـ في هامش النسخة : كيما يطمئن ـ خ ل.
    (2) ـ كشف الغمة : في محبة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله إياه ... : 1 / 106. عنه البحار : 38 / 312.
    (3) ـ جاء ما يقرب منه في قصص الأنبياء : الفصل السادس من الباب العشرون ، ح 406 ، 325. ومثله في مناقب ابن شهرآشوب : فصل في معراجه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، 1 / 177.
    البحار : 18 / 375 ، ح 81. 18 / 381 ، ح 386.
    (4) ـ مضى في حديث المعراج «... أن الورقة منها تظل أمّة من الامم ...»

    شجرة يسير الراكب في ظلّها سبعين عاما ، وأنّ ورقه (1) مثل مظلّة الخلق يغشاها نور ، وغشيها الملائكة ، فذلك قوله ـ تعالى ـ : (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) [53 / 16].
    وروى : أنّها من أصل العرش ، وأنّها على رءوس حملته كأنّ ثمرها القلال ، يغشاها فراش من ذهب (2) ، إذا غشيها من أمر الله ما غشى تغيّرت فما يستطيع أحد من الخلق أن ينعتها من حسنها.
    وقيل : إنّها تحمل الحلى والحلل والثمار من جميع الألوان لأهل الجنّة ، على كلّ ورقة منها ملك يسبّح الله تعالى ، لو أنّ ورقة منها وضعت في الأرض لأضاءت لأهل الأرض ، وأنّها هي شجرة طوبى.
    [وصف إبراهيم وموسى وعيسى عليهم‌السلام]
    وروي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وصف لأصحابه إبراهيم وموسى وعيسى ، فقال : «أمّا إبراهيم : فلم أر بصاحبكم أشبه رجلا منه ، ولا صاحبكم أشبه به منه. وأمّا عيسى (3) : فرجل أحمر بين الطويل والقصير ، سبط
    __________________
    (1) ـ كتب فوقها : منها ظ.
    (2) ـ جاء في الترمذي في وصف السدرة (كتاب صفة الجنة ، باب (9) ما جاء في صفة ثمار أهل الجنة : 4 / 680 ، 2541) : «... فيها فراش الذهب ، كأن ثمرها القلال».
    (3) ـ سقط هنا وصف موسى. وجاء في مسلم (كتاب الإيمان ، باب (74) الإسراء برسول الله : 1 / 153 ، ح 271) والمسند (3 / 334) : «... فإذا موسى ضرب من الرجال كأنه من رجال شنوءة ، ورأيت عيسى بن مريم عليه‌السلام ، فإذا أقرب من رأيت به شبها عروة بن مسعود ، ورأيت إبراهيم ـ صلوات الله عليه ـ ، فإذا أقرب من رأيت به شبها صاحبكم ـ يعني نفسه ...». وجاء أيضا في مسلم (1 / 154 ، ح 272) : «... لقيت موسى ... فإذا رجل مضطرب الرأس كأنه من رجال شنوءة ـ قال : ـ ولقيت عيسى ... فإذا ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس ـ يعني حماما ـ ... ورأيت إبراهيم صلوات الله عليه ـ وأنا أشبه ولده به».

    الشعر كأنّه يخرج من ديماس ، يخال رأسه يقطّر ماء ـ ليس به ماء ـ أشبه رجالكم به عروة بن مسعود الثقفي (1)».
    واختلف في الإسراء (2) : هل كان قبل الهجرة بسنة ، أم كان قبل البعثة؟
    وهل كان في دار أمّ هاني ، أم في المسجد ، أم في الأبطح؟
    بروحه كان أم بجسده؟
    في اليقظة أو المنام؟
    وهل فقد تلك الليلة جسده الشريف ، أم لا؟
    وأنت يمكنك أن تعرف الحقّ في الأخيرة ممّا أعطيناك من الاصول في تحقيق النفس الإنسانيّة والأرواح المتعلقة بها وأحوال المعجزات وغير ذلك.
    * * *
    __________________
    (1) ـ من الصحابة ، أسلم وخرج يدعو قومه إلى الإسلام ، فرموه بالنبل وقتلوه (اسد الغابة : 3 / 528 ـ 529 ، الترجمة 3652).
    (2) ـ تفسير الفخر الرازي : سورة الإسراء ، 20 / 146 ـ 147.

    فصل [6]
    قيل : كان في الإسراء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بلاء وتمحيص وأمر من الله تعالى في قدرته وسلطانه ، وحكمة بالغة وعبرة لاولي الألباب ، وهدى ورحمة وثبات لمن آمن وصدّق وكان من أمر الله على يقين.
    فأسرى به كيف شاء ، وكما شاء ، ليريه من عجائب آياته ما أراد ، حتّى عاين ما عاين من غيوبه ، ومكنون ملكوته ، وسلطانه العظيم ، وقدرته التي يصنع بها ما يريد.
    وفي بعض الروايات (1) :
    إنّ الله جمع له الأنبياء في بيت المقدّس ، فيهم إبراهيم وموسى وعيسى ، فصلّى بهم كما أمّ أهل السماء ، ليتمّ له سيادة أهل السماوات والأرض والشرف عليهم.
    وفي رواية (2) :
    إنّ الأنبياء أثنوا على ربّهم ، وإنّ محمّدا أثنى على ربّه ، فقال : «الحمد لله الذي أرسلني رحمة للعالمين وكافّة للناس ، بشيرا ونذيرا ، وأنزل عليّ القرآن فيه تبيان كلّ شيء ، وجعل أمّتي خير أمّة اخرجت
    __________________
    (1) ـ جمع الأنبياء في بيت المقدس وإمامته صلى‌الله‌عليه‌وآله عليهم ، وكذا إمامته لأهل السماوات مضى في أحاديث المعراج.
    (2) ـ أخرجه البيهقي في الدلائل : باب أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عرج به إلى السماء : 2 / 400 ـ 401.

    للناس ، وجعل أمّتي أمّة وسطا ، وجعل أمّتي هم الأوّلون وهم الآخرون ، وشرح لي صدري ، ووضع عنّي وزري ، ورفع لي ذكري ، وجعلني فاتحا وخاتما».
    فقال إبراهيم : «بهذا فضّلكم محمّد» (1).
    وفي رواية (2) : قال الله ـ تعالى ـ له : «سل».
    قال : «إنّك اتّخذت إبراهيم خليلا ، وأعطيت سليمان ملكا عظيما ـ سخّرت له الإنس والجنّ والشياطين والرياح ، وأعطيته ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ـ وعلّمت موسى التوراة ، وعيسى الإنجيل ، وجعلته يبرئ الأكمه والأبرص ، وأعذته وأمّه من الشيطان الرجيم ، فلم يكن له عليهما من سبيل».
    فقال له ربّه : «قد اتّخذتك حبيبا ، فهو مكتوب في التوراة : «محمّد حبيب الرحمن» ؛ وأرسلتك للناس كافّة ، وجعلت أمّتك هم الأولون وهم الآخرون ، وجعلت أمّتك لا تجوز لهم خطبة حتّى يشهدوا أنّك
    __________________
    (1) ـ كتب في هامش النسخة ـ ويظهر من خطه أن الكاتب غير المؤلف ـ :
    هرگز دلم به درد تو از كس دوا نخواست
    كام تو جست وحاجت خود را روا نخواست

    مشتاق تو به هيچ جمالى نظر نكرد
    بيمار تو ز هيچ طبيبى دوا نخواست

    بر ما دلت نسوخت ، ندانم چرا نسوخت
    ما را دلت نخواست ، ندانم چرا نخواست

    (2) ـ أخرجه البيهقي مع إضافات في الدلائل : باب الدليل على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عرج به إلى السماء : 2 / 402. وجاء ما يقرب منه في البحار : 18 / 305 ، ح 11 ، عن كتاب المحتضر مع اختلافات في اللفظ.

    عبدي ورسولي ، وجعلتك أوّل النبيّين خلقا وآخرهم بعثا ، وأعطيتك سبعا من المثاني لم أعطها نبيّا قبلك ، وأعطيتك خواتيم سورة البقرة من كنز تحت عرشي ، وجعلتك فاتحا وخاتما».
    ـ رواه العامة ـ.
    * * *
    وقيل (1) ـ في قوله عزوجل : (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) [53 / 18] ـ : إنّه رأى جبرئيل في صورته.
    وقيل (2) : رأى رفرفا أخضر قد سدّ الافق.
    وقيل : أراه الله من غيوبه وأسراره ما لم يطلع عليه نبيّا قبله ، وأوحى إليه فيما أوحى إليه : أنّ الجنّة محرّمة على الأنبياء حتّى تدخلها أنت ، وعلى الامم حتّى تدخلها أمّتك.
    * * *
    قيل : إنّ معجزة الإسراء معجزة عظيمة لا يبلغها معجزة من معجزات سائر الأنبياء ، وإن كان لبعض الأنبياء معاريج :
    فمعراج نوح : في السفينة حتى طافت في أقطار البرّ وظاهر البحر ، وشاهد امورا من عجائب ذلك.
    ومعراج يونس في بطن الحوت ، وأنّه غاض به إلى الأرض السابعة
    __________________
    (1) ـ راجع البخاري : كتاب التفسير ، سورة النجم : 6 / 176.
    دلائل النبوة : الباب السابق : 2 / 368 و 370.
    (2) ـ البخاري : الصفحة المذكورة. وجاء في الدلائل (الباب السابق : 2 / 372) : «... قد ملأ الافق ...».

    واطّلع على غوامض من مكنون ذلك ، فهو معراج ـ أيضا ـ وإن كان تدليا بالنسبة إلى خلقتنا ، إذ علم الله سبحانه به ـ وهو في قرار البحر ـ كعلمه بالنبيّ (1) صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو فوق طباق السماوات السبع ، لأنّه ـ تعالى ـ منزّه عن الجهات ، وقربه بالزلف والكرامات ، لا بقطع المسافات.
    وكذا معراج غيرهما من الأنبياء.
    لكنّ لنبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله في معراجه خصائص عظيمة ، وكرامات جليلة ،
    ومعارف ربّانيّة ، ولطائف رحمانيّة ، ومواهب ملكوتيّة ،
    وبوارق نورانيّة ، وطرف حسيّة ، وتحف معنويّة ،
    وعلوم قلبيّة ، وأسرار سريّة ، ودقائق خفيّة ،
    وحقائق جليّة ، ومشاهدات غيبيّة ،
    وأخلاق نبويّة ، وأوصاف زكيّة ،
    وترويحات روحانيّة في حظائر قدسيّة ،
    ومقاعد صدقيّة ، وتقريبات عنديّة ،
    من غير كيفيّة ولا أينيّة ،
    فاق بها على سائر البريّة ،
    فاق بها على سائر البريّة ،
    ونال بها السعادات الأبديّة السرمديّة
    ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ
    * * *
    __________________
    (1) ـ في هامش النسخة : بنبينال.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
     
    علم اليقين في اصول الدين ج1
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 2 من اصل 2انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
     مواضيع مماثلة
    -
    » اصول بعض العشائر العراقيه
    » كتاب اللمراجعات للإمام شرف الدين (قدس سرّه)
    » نتنياهو يعلن تصفية مرشحين محتملين لنصر الله.. هل قُتل هاشم صفي الدين؟

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: -27- الكتب الاسلاميه-
    انتقل الى: