أقول : ولنشر إلى جملة من محاسن أخلاقه التي جمعها بعض علماء العامّة (1) والتقطها من الأخبار ملخّصا ـ ومن الله التأييد ـ.
فصل [2]
[جمل من محاسن أخلاقه صلىاللهعليهوآله]
قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله أحلم الناس (2) وأشجع الناس (3) وأعدل الناس (4) وأعفّ الناس ، لم تمسّ ـ قطّ ـ يده يد امرأة لا يملك رقّها أو عصمة نكاحها أو تكون ذات محرم منه (5).
__________________
(1) ـ اقتباس مما أورده الغزالي أيضا في الإحياء (كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة ، بيان جمل من محاسن أخلاقه : 2 / 520 ـ 526) نقلا عن بعض العلماء ـ ولم يسمه ـ وكذلك ابن شهرآشوب في المناقب : فصل في آدابه ومزاحه صلىاللهعليهوآله ، 1 / 145 ـ 149.
(2) ـ قال العراقي (المغني : ذيل الإحياء الطبعة القديمة ، 2 / 359) : «أخرجه أبو الشيخ في كتاب أخلاق رسول الله صلىاللهعليهوآله من رواية عبد الرحمن بن أبزي ، وهو مرسل».
(3) ـ البخاري : كتاب الجهاد ، باب الحمائل وتعليق السيف ، 4 / 47. مسلم : كتاب الفضائل ، باب (11) في شجاعة النبي صلىاللهعليهوآله وتقدمه للحرب ، 4 / 1802 ، ح 48. ابن ماجة : كتاب الجهاد ، باب (9) الخروج في النفير ، 2 / 926 ، ح 2772. الترمذي : كتاب الجهاد ، باب (14) ما جاء في الخروج عند الفزع ، 4 / 199 ، ح 1687. طبقات ابن سعد : 1 / 373 و 419.
(4) ـ في المسند (3 / 65) عن رسول الله صلىاللهعليهوآله : «والله لا تجدون بعدي أعدل عليكم منّي». راجع أيضا : 4 / 421 و 425.
(5) ـ مسلم (كتاب الإمارة ، باب (21) كيفية بيعة النساء : 3 / 1489) : عن عائشة «ما مسّ رسول الله صلىاللهعليهوآله بيده امرأة قطّ». ويقرب منه ما في ابن ماجة : كتاب الجهاد ، باب بيعة النساء ، 2 / 960 ، ح 2875. والمسند : 6 / 114 و 270.
وفي الترمذي (كتاب التفسير ، سورة الممتحنة ، 5 / 411 ، ح 3306) والمسند (6 / 153) : «ما مسّت يد رسول الله صلىاللهعليهوآله يد امرأة إلا امرأة يملكها».
وكان أسخى الناس (1) ، لا يبيت عنده دينار ولا درهم ، وإن فضل ولم يجد من يعطيه ـ ويجيئه الليل ـ لم يأو إلى منزله حتّى يبرأ منه إلى من يحتاج إليه (2) ، لا يأخذ ممّا آتاه الله إلّا قوت عامه فقط من أيسر ما يجد من التمر والشعير ، ويضع سائر ذلك في سبيل الله (3) ، لا يسأل شيئا إلّا أعطاه (4) ثمّ يعود على قوت عامه فيؤثر منه ـ حتّى ربّما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شيء ـ (5).
وكان يخصف النعل ويرقّع الثوب (6) ، ويخدم في مهنة أهله (7)
__________________
(1) ـ في الحديث : «كان صلىاللهعليهوآله أحسن الناس وكان أجود الناس وكان أشجع الناس ...» ذكر مسانيده آنفا في التعليق على قوله : «وأشجع الناس».
(2) ـ راجع شواهد ذلك في إتحاف السادة المتقين : 7 / 96.
(3) ـ في مسلم (كتاب الجهاد ، باب (15) حكم الفيء ، 3 / 1379 ، الحديث 50) «... يحبس قوت أهله منه سنة ثم يجعل ما بقي منه مجعل مال الله». وجاء في البخاري (كتاب النفقات ، باب حبس نفقة الرجل قوت سنته على أهله ، 7 / 81) : «أنّ النبي صلىاللهعليهوآله كان يبيع نخل بني النضير ويحبس لأهله قوت سنتهم».
(4) ـ راجع مسلم : كتاب الفضائل ، باب ما سئل رسول الله صلىاللهعليهوآله شيئا قط فقال لا ، 4 / 1805 ـ 1806 ، ح 56 و 57. المسند : 6 / 130. طبقات ابن سعد : 1 / 368.
(5) ـ أخرج ابن ماجة (كتاب الرهون ، باب (1) ، 2 / 815 ، الحديث 2439) : «إنّ رسول اللهصلىاللهعليهوآله مات ودرعه رهن عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير».
راجع أيضا ح 2436 ـ 2438 منه. وابن ماجة : كتاب البيوع ، باب (7) ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل ، 3 / 519 ، ح 1214 ـ 1215. مسند : 1 / 300 و 301 و 361. طبقات ابن سعد : 1 / 408.
(6) ـ المسند (6 / 106 و 242) عن عائشة : «كان صلىاللهعليهوآله يخصف النعل ويرقع الثوب».
(7) ـ روى البخاري (كتاب النفقات ، باب خدمة الرجل في أهله : 7 / 84 ـ 85) عن عائشة ـ وقد سئل : ما كان النبي صلىاللهعليهوآله يصنع في البيت؟ فقالت : ـ «كان في مهنة أهله ، فإذا سمع الأذان خرج». ومثله في الترمذي (باب 45 من كتاب صفة القيامة : 4 / 654 ، ح 2489) إلا أنّ فيه : «فإذا حضرت الصلاة قام فصلى».
ويقرب منهما ما في المسند : 6 / 49 و 126 و 206. طبقات ابن سعد : 1 / 365.
ويقطع اللحم معهنّ (1) ، أشدّ الناس حياء (2) لا يثبت بصره في وجه أحد ، يجيب دعوة الحرّ والعبد (3) ، ويقبل الهديّة ـ ولو أنّها جرعة لبن ـ ويكافئ عليها ويأكلها (4)
__________________
(1) ـ المسند (6 / 94 و 217) عن عائشة : «أرسل إلينا آل أبي بكر بقائمة شاة ليلا ، فأمسكت وقطع رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ أو قالت : أمسك رسول الله صلىاللهعليهوآله وقطعت».
راجع أيضا طبقات ابن سعد : 1 / 405.
(2) ـ في البخاري (كتاب التفسير ، سورة الأحزاب : 6 / 149) : «... وكان النبي صلىاللهعليهوآله شديد الحياء ...». وفيه (كتاب الأدب ، باب من لم يواجه الناس بالعتاب : 8 / 32 ، وباب الحياء : 8 / 35) : «كان النبيّ صلىاللهعليهوآله أشدّ حياء من العذراء في خدرها».
ومثله في مسلم : كتاب الفضائل ، باب (16) كثرة حيائه صلىاللهعليهوآله ، 4 / 1809 ، ح 67. وابن ماجة: كتاب الزهد ، باب (17) الحياء ، 2 / 1399 ، ح 4180.
طبقات ابن سعد : 1 / 368.
(3) ـ الترمذي (باب 32 من كتاب الجنائز : 3 / 337 ، ح 1017) : «كان رسول اللهصلىاللهعليهوآله يعود المريض ويشهد الجنازة ... ويجيب دعوة العبد». وفي ابن ماجة (كتاب التجارات ، باب (66) ما للعبد أن يعطي ويتصدّق ، 2 / 770 ، ح 2296. وكتاب الزهد ، باب (16) البراءة من الكبر : 2 / 1398 ، ح 4178) : «... يجيب دعوة المملوك». ومثله في مستدرك الحاكم : كتاب التفسير ، سورة ق : 2 / 466. وطبقات ابن سعد : 1 / 370.
(4) ـ في البخاري (كتاب الهبة ، باب المكافأة في الهبة ، 3 / 206) : «كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يقبل الهديّة ويثيب عليها». ومثله في الترمذي : كتاب البر ، باب (34) ما جاء في قبول الهدية ... ، 4 / 338 ، ح 1953. وأبي داود : كتاب البيوع ، باب في قبول الهدايا ، 3 / 290 ، ح 3536. راجع أيضا طبقات ابن سعد : 1 / 388 ـ 390.
وفي البخاري (كتاب الأشربة ، باب شرب اللبن : 7 / 140) عن أمّ الفضل : «... فأرسلت إليه بإناء فيه لبن ، فشرب». ومثله في المسند : 6 / 340.
وفي البخاري (كتاب الهبة ، باب قبول هدية الصيد : 3 / 202) عن أنس أنّ أبا طلحة ذبح أرنبا «وبعث بها إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله بوركها أو فخذيها ... فقبله». ومثله في مسلم : كتاب الصيد ، باب (9) إباحة الأرنب ، 3 / 1547 ، ح 53. والترمذي : كتاب الأطعمة ، باب (2) ما جاء في أكل الأرنب ، 4 / 251 ، ح 1789. وابن ماجة : كتاب الصيد ، باب (17) الأرنب ، 2 / 1080 ، ح 3243.
ولا يأكل الصدقة (1) ، ولا يستكبر عن إجابة الأمة والمسكين (2).
يغضب لربّه ـ عزوجل ـ ولا يغضب لنفسه (3) ، وينفذ الحقّ (4) وإن عاد ذلك بالضرر عليه وعلى أصحابه ، عرض عليه الانتصار بالمشركين على المشركين ـ وهو في قلّة وحاجة إلى إنسان واحد يزيده في عدد من معه ـ فأبى وقال : «إنّا «لا نستنصر بمشرك (5)».
ووجد من فضلاء أصحابه وخيارهم قتيلا بين اليهود فلم يحف عليهم ولم يزد على مرّ الخلق ، بل ودّاه بمائة ناقة (6) ـ وكان لأصحابه حاجة إلى بعير واحد يتقوّون به ـ وكان يعصب الحجر على بطنه مرّة
__________________
(1) ـ راجع أحاديث تحريم الصدقة عليه في مسلم : كتاب الزكاة ، باب تحريم الزكاة على رسول الله صلىاللهعليهوآله وعلى آله ... ، 2 / 751 ـ 752. الترمذي : كتاب الزكاة ، باب (25) ما جاء في كراهية الصدقة للنبيّصلىاللهعليهوآله وأهل بيته ومواليه ، 3 / 45. أبي داود : كتاب الزكاة ، باب الصدقة على بني هاشم ، 2 / 123. المسند: 2 / 279.
(2) ـ مضى آنفا في التعليق على قوله «يجيب دعوة الحر والعبد» الحديث : «يجيب دعوة العبد» و «... المملوك».
(3) ـ جاء في حديث عند بن أبي هالة في صفة رسول الله صلىاللهعليهوآله : «لا تغضبه الدنيا وما كان لها ، فإذا تعوطي الحقّ لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شيء حتّى ينتصر له ؛ لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها ...» راجع معاني الأخبار : باب معاني أخبار وردت في صفة النبي صلىاللهعليهوآله ، 81. ودلائل النبوة : 1 / 288. والمعجم الكبير : 22 / 156.
(4) ـ يدل عليه الحديث المذكور في التعليقة السابقة.
(5) ـ أخرج مسلم (كتاب الجهاد ، الحديث الأخير : 3 / 1450) : «... لن أستعين بمشرك».
ومثله في الترمذي : كتاب السير ، باب (10) ما جاء في أهل الذمة يغزون مع المسلمين ... ، 4 / 128. وفي المسند (3 / 454) : «... لا نستعين بالمشركين على المشركين».
(6) ـ راجع مسلم : كتاب القسامة ، باب (1) القسامة ، 3 / 1291 ـ 1295.
البخاري : كتاب الديات ، باب القسامة ، 9 / 10 ـ 13 وكتاب الأدب ، باب إكرام الكبير : 8 / 41. وأبا داود : كتاب الديات ، باب القسامة ، 4 / 177.
من الجوع (1) ومرّة يأكل ما حضر ولا يردّ ما وجد ، ولا يتورّع من مطعم حلال (2).
إن وجد تمرا دون خبز أكله (3) ، وإن وجد شواء أكله (4) ، وإن وجد خبز برّ أو شعير أكله ، وإن وجد حلوا أو عسلا أكله (5) ، وإن وجد لبنا دون خبز اكتفى به ، وإن وجد بطّيخا أو رطبا أكله (6).
__________________
(1) ـ في حديث البخاري (باب غزوة الخندق : 5 / 138) : «... ثمّ قام وبطنه معصوب بحجر ، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا ...».
وفي الترمذي (كتاب الزهد ، باب (39) ما جاء في معيشة أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله ، 4 / 585 ، ح 2371) : «عن أبي طلحة ، قال : شكونا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله الجوع ، ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر ، فرفع رسول الله صلىاللهعليهوآله عن حجرين».
(2) ـ في الترمذي (كتاب الأطعمة ، باب (35) ما جاء في الخلّ ، 4 / 279 ، ح 1841) : «...
فقال صلىاللهعليهوآله : هل عندكم من شيء ، فقلت : لا ، إلا كسر يابسة وخلّ. فقال النبي صلىاللهعليهوآله : قرّبيه ، فما أفقر بيت من آدم فيه خلّ».
(3) ـ مسلم (كتاب الأشربة ، باب (24) استحباب تواضع الآكل ، 3 / 1616 ، ح 148) : «أنس بن مالك ، قال : رأيت النبي صلىاللهعليهوآله مقعيا يأكل تمرا».
ويقرب منه المسند : 3 / 180.
(4) ـ الترمذي (كتاب الأطعمة ، باب (27) ما جاء في أكل الشواء ، 4 / 272 ، ح 1829) : «أمّ سلمة ... قرّبت إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله جنبا مشويّا ، فأكل منه». المسند : 6 / 207.
(5) ـ راجع البخاري : كتاب الأشربة ، باب شراب الحلواء والعسل ، 7 / 143.
طبقات ابن سعد : 1 / 391.
(6) ـ الترمذي (كتاب الأطعمة ، باب (26) ما جاء في أكل البطيخ بالرطب ، 4 / 280 ح 1843) :
«عن عائشة ، إن النبي صلىاللهعليهوآله كان يأكل البطيخ بالرطب». ويقرب منه ابن ماجة : كتاب الأطعمة ، باب (37) القثاء والرطب يجمعان ، 2 / 1104 ، ح 3326.
طبقات ابن سعد : 1 / 393.
وكتب هنا في هامش النسخة : «وفي رواية أنه صلىاللهعليهوآله لا يأكل الثوم ولا البصل ولا الكراث ولا العسل الذي فيه المعافير. والمعافير : ما يبقى من الشجر في بطون النحل فيلقيه في العسل فيبقى له ريح في الفم ـ منه».
لا يأكل متّكئا (1) ولا على خوان (2) ، لم يشبع من خبز ـ برّ ولا شعير ـ ثلاثة أيّام متوالية حتّى لقى الله (3) إيثارا على نفسه ـ لا فقرا ولا بخلا ـ
يجيب الوليمة (4) ويعود المرضى ويشيّع الجنائز (5) ، ويمشى وحده بين أعدائه بلا حارس (6).
__________________
(1) ـ البخاري (كتاب الأطعمة ، باب الأكل متكئا : 7 / 93) عن رسول الله صلىاللهعليهوآله : «لا آكل متّكئا». ومثله في الترمذي : كتاب الأطعمة ، باب (28) ، 4 / 273. وابن ماجة : كتاب الأطعمة ، باب (6) الأكل متكئا ، 2 / 1086. وأبي داود : كتاب الأطعمة ، باب ما جاء في الأكل متكئا ، 3 / 348. طبقات ابن سعد : 1 / 380.
(2) ـ البخاري (كتاب الأطعمة ، باب الخبز المرقق والأكل على الخوان : 7 / 91) عن أنس : «ما أكل النبيّ صلىاللهعليهوآله ... ولا أكل على خوان». ويقرب منه ما في الترمذي : كتاب الأطعمة ، باب (1) ما جاء علام كان يأكل رسول الله صلىاللهعليهوآله ، 4 / 250.
وابن ماجة : كتاب الأطعمة ، باب (20) الأكل على الخوان والسفرة ، 2 / 1095.
(3) ـ ابن ماجة (كتاب الأطعمة ، باب (48) خبز الشعير ، 2 / 1110 ، ح 3343) : «ما شبع نبي الله صلىاللهعليهوآله ثلاثة أيام تباعا من خبز الحنطة حتى توفاه الله عزوجل». وفي ابن ماجة (ح 3344) : «ما شبع آل محمد صلىاللهعليهوآله منذ قدموا المدينة ثلاث ليال تباعا من برّ ، حتى توفّى صلىاللهعليهوآله». وفيه (ح 3346) : «ما شبع آل محمد صلىاللهعليهوآله من خبز الشعير حتى قبض». المسند (6 / 42) : «ما شبع رسول الله صلىاللهعليهوآله ثلاثة أيام تباعا من خبز برّ حتى مضى لسبيله». راجع أيضا طبقات ابن سعد : 1 / 401 ـ 403. الشمائل النبوية : الباب (25) ، ح 143 ، 194.
(4) ـ البخاري (كتاب الهبة ، باب القليل من الهبة : 3 / 201) : «لو دعيت إلى كراع لأجبت» وفي مسلم (كتاب النكاح ، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوة : 2 / 1053) : «إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليجب».
(5) ـ الترمذي (كتاب الجنائز ، باب (32) ، 3 / 337 ، ح 1017) : «كان رسول اللهصلىاللهعليهوآله يعود المريض ويشهد الجنازة ...».
(6) ـ في المستدرك للحاكم (2 / 313) : «كان النبيّ صلىاللهعليهوآله يحرس حتّى نزلت هذه الآية : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) ، فأخرج النبيّ صلىاللهعليهوآله رأسه من القبّة فقال لهم : «أيها الناس انصرفوا ، فقد عصمني الله».
أشدّ الناس تواضعا وأسكنهم في غير كبر (1) ، وأبلغهم من غير تطويل (2) ، وأحسنهم بشرا (3). لا يهوله شيء من أمر الدنيا (4).
ويلبس ما وجد : فمرّة شملة ، ومرّة برد حبرة يمانيّا ، ومرّة جبّة صوف ، ما وجد من المباح لبس (5) ،
__________________
(1) ـ قال العراقي (المغني) : رواه أبو الحسن بن الضحاك في الشمائل من حديث أبي سعيد الخدري : «... متواضع في غير كبر ...» ـ انتهى ـ
والأحاديث الدالة على تواضعه صلىاللهعليهوآله كثيرة.
(2) ـ البخاري (باب صفة النبي : 4 / 231) : «كان صلىاللهعليهوآله يحدّث حديثا لو عدّه العادّ لأحصاه».
وفي حديث هند بن أبي هالة (معاني الأخبار : 81) : «... لا يتكلم في غير حاجة ، يفتتح الكلام يختمه بأشداقه ، يتكلم بجوامع الكلم ، فصلا ، لا فضول فيه ولا تقصير ...». راجع أيضا المعجم الكبير : 22 / 156. دلائل النبوة : 1 / 287.
(3) ـ الترمذي (كتاب المناقب : باب 10 في بشاشة النبي صلىاللهعليهوآله ، 5 / 601) : «ما رأيت أحد أكثر تبسّما من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم». وفي الشمائل للترمذي (باب 48 ، ما جاء في خلق رسول الله صلىاللهعليهوآله ، 430 ، ح 353) من حديث علي بن أبي طالب : «كان رسول الله صلىاللهعليهوآله دائم البشر ، سهل الخلق ...».
(4) ـ المسند (6 / 69) عن عائشة : «ما أعجب النبي صلىاللهعليهوآله بشيء ولا أعجبه شيء من الدنيا ، إلا أن يكون فيه ذو تقى».
(5) ـ المسند (5 / 443) : «... وقد تبع صلىاللهعليهوآله جنازة من أصحابه عليه شملتان ...» وفيه (5 / 64) : «أتيت رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو محتب بشملة له ...».
وفي البخاري (كتاب اللباس ، باب البرود والحبرة والشملة : 7 / 188) : «قال خباب : شكونا إلى النبي صلىاللهعليهوآله وهو متوسّد بردة له». وفي حديث آخر (7 / 189) عن أنس : «كنت أمشي مع رسول اللهصلىاللهعليهوآله وعليه برد نجراني غليظ ...». وفى الباب أحاديث اخر.
وفي مسلم (كتاب اللباس ، باب (5) فضل ثياب الحبرة ، 3 / 1648) : «كان أحبّ اللباس إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله الحبرة». ومثله في الشمائل النبوية : الباب 8 ، ح 62 ، 107.
وجاء في البخاري (كتاب اللباس ، باب جبة الصوف في الغزو : 7 / 186) : «... فغسلصلىاللهعليهوآله وجهه ويديه وعليه جبة من صوف ...».
وخاتمه فضّة يلبسه في خنصره الأيمن ، وربّما يلبس في الأيسر (1).
يردف خلفه عبده أو غيره (2).
يركب ما أمكنه ـ مرّة فرسا ومرّة بغلة شهباء ومرّة حمارا ـ ومرّة يمشي راجلا حافيا بلا رداء ولا عمامة ولا قلنسوة (3).
يعود المرضى في أقصى المدينة (4) ، يحبّ الطيب ويكره الرائحة
__________________
(1) ـ البخاري : (كتاب اللباس ، باب الخاتم في الخنصر : 7 / 203) عن أنس : «... فاتخذ خاتما من فضّة ونقشه محمد رسول الله ...». ومثله مع فرق يسير في الشمائل النبوية : الباب (12) ، 144 ، ح 92. وفي البخاري أيضا (نفس الباب) عن أنس : «صنع النبي خاتما ... فإني لأرى بريقه في خنصره». الترمذي (كتاب اللباس ، باب (15) ما جاء ما يستحب في فصّ الخاتم ، 4 / 227) : «كان خاتم رسول اللهصلىاللهعليهوآله من فضة ...». وفيه (باب (16) ما جاء في نقش الخاتم في اليمين ، 4 / 228) عن ابن راقع. وفي مسلم (كتاب اللباس ، باب (16) في لبس الخاتم في الخنصر من اليد ، 3 / 1659) عن أنس : «كان خاتم النبيّ صلىاللهعليهوآله في هذه ـ وأشار إل الخنصر من يده اليسرى».
(2) ـ البخاري (كتاب التفسير ، سورة آل عمران : 6 / 49) : «إن رسول الله ركب على حمار ، على قطيفة فدكية ، وأردف اسامة بن زيد وراءه ...».
راجع أيضا ما جاء في 4 / 68 منه.
(3) ـ مسلم (كتاب الجنائز ، باب ركوب المصلي على الجنازة إذا انصرف : 2 / 664) : «اتي النبي بفرس معروري ، فركبه حين انصرف من جنازة أبي الدحداح ...».
وفي البخاري (كتاب الحج ، باب استلام الركن بالمحجن ، 2 / 185) : «طاف النبيصلىاللهعليهوآله في حجة الوداع على بعير ...». ومضى في التعليقة السابقة ركوبه صلىاللهعليهوآله على حمار. وفي مسلم (كتاب الحج ، باب (97) فضل مسجد قباء ... ، 2 / 1016) : «إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يأتي قباء راكبا وماشيا». وفيه (كتاب الجنائز ، باب (7) في عيادة المرضى : 2 / 637) : «... فقامصلىاللهعليهوآله وقمنا معه ، ونحن بضعة عشر ، ما علينا نعال ولا خفاف ولا قلانس ولا قمص ...».
(4) ـ راجع ما مضى في التعليقة السابقة.
الرديّة (1) ، ويجالس الفقراء (2) ويؤاكل المساكين (3) ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم ، ويتألف أهل الشرف بالبرّ لهم ، يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم ، لا يجفو على أحد ، يقبل معذرة المعتذر إليه.
يمزح ولا يقول إلّا حقّا (4) ، ويضحك من غير قهقهة (5) ، يرى
__________________
(1) ـ الحديث معروف عنه صلىاللهعليهوآله «حبّب إليّ من دنياكم النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة». الخصال : باب الثلاثة ، 1 / 165 ، ح 217 ـ 218. المسند : 3 / 128 و 285. مستدرك الحاكم : كتاب النكاح ، 2 / 160.
كنز العمال : 7 / 288 ، ح 18913. طبقات ابن سعد : 1 / 398.
وأخرج الحاكم (المستدرك : كتاب اللباس ، 4 / 188) عن عائشة : «أنها صنعت لرسول اللهصلىاللهعليهوآله جبة من صوف ، فلبسها ، فلما عرق وجد ريح الصوف فخلعها ، وكان يعجبه الريح الطيب».
(2) ـ أخرج أبو داود (كتاب العلم ، باب (13) ، 3 / 323) عن أبي سعيد : «جلست في عصابة من ضعفاء المهاجرين ـ إن بعضهم ليستتر ببعض من العرى ـ ... فجلس رسول الله صلىاللهعليهوآله وسطنا ليعدل بنفسه فينا».
(3) ـ البخاري (الرقاق ، 8 / 120) : «... وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهل ولا مال ولا على أحد ، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا ، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها ...».
(4) ـ المسند (2 / 340) : «قال بعض أصحابه : فإنك تداعبنا يا رسول الله. فقال : إني لا أقول إلا حقا».
وما يقرب منه فيه : 2 / 160. والترمذي : 4 / 357 ، كتاب البر والصلة ، باب (57) ما جاء في المزاح ، ح 1990. الشمائل النبوية : الباب (36) ، 295 ، ح 237.
(5) ـ في معاني الأخبار (باب معاني ألفاظ وردت في صفة النبي صلىاللهعليهوآله ، حديث هند بن أبي هالة ، 81) : «ضحكه التبسم». مثله في المعجم الكبير : 22 / 156 ، ودلائل النبوة : 1 / 288. وجاء في الترمذي (كتاب المناقب ، باب (10) في بشاشة النبي صلىاللهعليهوآله ، 5 / 601 ، ح 3642) : «ما كان ضحك رسول اللهصلىاللهعليهوآله إلا تبسّما».
راجع أيضا طبقات ابن سعد : 1 / 420.
اللعب المباح فلا ينكره ، ويسابق أهله ، وترفع الأصوات عليه فيصبر.
وكان له لقاح وغنم يتقوّت هو وأهله من ألبانها ، وكان له عبيد وإماء لا يرتفع عليهم في مأكل ولا ملبس (1).
لا يمضي له وقت في غير عمل الله أو فيما لا بدّ له من صلاح نفسه ، يخرج إلى بساتين أصحابه ، لا يحقّر مسكينا لفقره وزمانه ، ولا يهاب ملكا لملكه ، يدعو هذا وهذا إلى الله دعاء واحدا.
قد جمع له الله السيرة الفاضلة والسياسة التامّة وهو أمّي ـ لا يكتب ولا يقرأ ـ نشأ في بلاد الجهل والصحاري في فقر وفي رعاية الغنم يتيما لا أب له ولا أمّ ، فعلّمه الله جميع محاسن الأخلاق والطرق الحميدة وأخبار الأوّلين والآخرين ، وما فيه النجاة والفوز في الآخرة ، والغبطة والصلاح والخلاص في الدنيا ، ولزوم الواجب وترك الفضول.
وفّقنا الله لطاعته في أمره والتأسّي به في فعله.
أقول : ويأتي كلام آخر في معنى الامّي (2) من طريق أهل البيت عليهمالسلام إن شاء الله.
__________________
(1) ـ مسلم (كتاب الإيمان ، باب (10) إطعام المملوك مما يأكل ... ، 3 / 1282 ، ح 28) : «...
هم إخوانكم ، جعلهم الله تحت أيديكم ، فأطعموهم مما تطعمون ، وألبسوهم مما تلبسون ...».
(2) ـ راجع الفصل التاسع من هذا الباب.
فصل [3]
قال (1) : وفي رواية اخرى (2) :
وكان من خلقه أن يبدأ من لقيه بالسلام (3) ، ومن قام معه بحاجة صابره حتّى يكون هو المنصرف ، وما أخذ أحد بيده فيرسلها حتّى يكون يرسلها الآخذ (4) ، وكان إذا لقي أحدا من أصحابه بدأه بالمصافحة ، ثمّ أخذ يده فشابكه ، ثمّ شدّ قبضه عليها (5).
وكان لا يقوم ولا يقعد إلّا على ذكر الله (6) ، وكان لا يجلس إليه أحد وهو يصلّي إلّا خفّف صلاته وأقبل عليه فقال : «ألك حاجة»؟ فإذا فرغ من حاجته عاد إلى صلاته.
وكان أكثر جلوسه أن ينصب ساقيه جميعا ويمسك بيديه عليهما ـ
__________________
(1) ـ إحياء علوم الدين : كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة ، بيان جملة اخرى من آدابه وأخلاقه صلىاللهعليهوآله ، 2 / 526 ـ 528.
(2) ـ قال في الإحياء : «ومما رواه أبو البختري ...». وهو سعيد بن فيروز الطائي الكوفي ؛ قال في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال (142) : «وثقه أبو زرعة وابن معين. قال أبو نعيم : مات في الجماجم سنة ثلاث وثمانين».
(3) ـ في معاني الأخبار (باب معاني ألفاظ وردت في صفة النبي صلىاللهعليهوآله ، 81 ، حديث هند بن أبي هالة) : «يبدر من لقيه بالسلام ...». ومثله في المعجم الكبير : 22 / 156 ، هند بن أبي هالة. ودلائل النبوة : 1 / 287. طبقات ابن سعد : 1 / 422.
(4) ـ طبقات ابن سعد : 1 / 378 و 382.
(5) ـ مصافحته صلىاللهعليهوآله وارد في عدة من الروايات ، منها ما أخرجه أبو داود (كتاب الأدب ، باب في المعانقة ، 4 / 354 ، ح 5214) عن أبي ذر : «ما لقيته قط إلا صافحني». وأما ذيل الرواية فلم أعثر عليه.
(6) ـ معاني الأخبار : باب معاني ألفاظ وردت في صفة النبي صلىاللهعليهوآله ، 82.
شبه الحبوة ـ (1) ولم يعرف مجلسه من مجالس أصحابه ـ لأنّه كان حيث ما انتهى به المجلس جلس ـ (2) وما رئي قطّ مادّا رجليه بين أصحابه ـ حتّى يضيق بهما على أصحابه ، إلّا أن يكون المكان واسعا لا ضيق فيه ، وكان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة.
وكان يكرم من يدخل عليه ، حتّى ربّما بسط ثوبه لمن ليست بينه وبينه قرابة ولا رضاع ـ يجلسه عليه ـ (3) وكان يؤثر الداخل عليه بالوسادة التي تكون تحته ، فإن أبى أن يقبلها عزم عليه حتّى يفعل.
وما استصغاه أحد إلّا ظنّ أنّه أكرم الناس عليه ، حتّى يعطي كلّ من جلس إليه نصيبه من وجهه ، حتّى كان مجلسه وسمعه وحديثه ولطف مجلسه وتوجّهه للجالس إليه ؛ ومجلسه مع ذلك مجلس حياء وتواضع وأمانة (4).
قال الله ـ تعالى ـ : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [3 / 159].
__________________
(1) ـ أخرج أبو داود (كتاب الأدب ، في جلوس الرجل ، 3 / 262) : «إن رسول الله صلىاللهعليهوآله كان إذا جلس احتبى بيده». ومثله في الشمائل النبوية : الباب (21) ، ح 129 ، 182.
(2) ـ معاني الأخبار : باب معاني ألفاظ وردت في صفة النبي صلىاللهعليهوآله ، 82. وأخرج ابو داود (كتاب السنة ، باب في القدر ، 4 / 225 ، ح 4698 ، «كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يجلس بين ظهري أصحابه ، فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل ، فطلبنا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله أن نجعل له مجلسا يعرفه الغريب ...».
(3) ـ راجع ما أورده أبو نعيم في الحلية : 6 / 205 ، عن جرير بن عبد الله ووروده مجلس رسول اللهصلىاللهعليهوآله.
(4) ـ في معاني الأخبار (باب معاني ألفاظ وردت في صفة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، 82) : «... يعطي كل جلسائه نصيبه ، ولا يحسب من جلسائه أن أحدا أكرم عليه منه ... مجلسه مجلس حلم وحياء وصدق وأمانة ...».
ولقد كان يدعو أصحابه بكناهم ـ إكراما لهم واستمالة لقلوبهم ـ ويكنّي من لم تكن له كنية ؛ فكان يدعى بما كنّاه به (1) ، وكان يكنّي أيضا النساء اللاتي لهنّ أولاد ، واللاتي لم يلدن يبتدئ لهنّ الكنى ، ويكنّي الصبيان فيستلين به قلوبهم.
وكان أبعد الناس غضبا وأسرعهم رضا ، وكان أرقّ الناس بالناس وخير الناس للناس ، وأنفع الناس للناس ، ولم تكن ترفع في مجلسه الأصوات (2).
وكان إذا قام من مجلسه قال : «سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلّا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك» ـ ثمّ يقول : ـ «علّمنيهن جبرئيل عليهالسلام» (3).
* * *
__________________
(1) ـ تكنية رسول الله لأصحابه ورد في عدة من الروايات ، منها ما قاله صهيب لعمر ـ حين عابه باكتنائه ب «أبي يحيى» ولم يكن له ولد ـ : «أما اكتنائي بأبي يحيى فإن رسول الله صلىاللهعليهوآله كناني بها ، فلا أدعها حتى ألقاه ...» المسند : 4 / 333.
(2) ـ في معاني الأخبار (باب معاني ألفاظ وردت في صفة النبي صلىاللهعليهوآله ، 82) : «مجلسه مجلس حلم وحياء وصدق وأمانة ولا ترتفع فيه الأصوات».
(3) ـ في مستدرك الحاكم (كتاب الدعاء ، 1 / 496 ـ 497) : «ما كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يقوم من مجلس إلا قال : سبحانك اللهم ربي وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك».
فصل (1) [4]
قيل : كان صلىاللهعليهوآله أفصح الناس منطقا وأحلاهم كلاما ، ويقول (2) : «أنا أفصح العرب» و «إنّ أهل الجنّة يتكلّمون فيها بلغة محمّد».
وكان نزر الكلام سمح المقالة إذا نطق ليس بمهذار ، وكان كلامه كخزرات النظم ، وكان أوجز الناس كلاما ، وبذلك جاءه جبرئيل عليهالسلام.
وكان مع الإيجاز يجمع كل ما أراد ، وكان يتكلّم بجوامع الكلم (3) لا فضول ولا تقصير (4) ، كلام يتبع بعضه ، بين كلامه توقّف يحفظه سامعه ويعيه.
وكان جهير الصوت أحسن الناس نغمة (5).
وكان طويل السكوت لا يتكلّم في غير حاجة (6).
__________________
(1) ـ الفصل مقتبس مما أورده الغزالي في إحياء علوم الدين : كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة ، بيان كلامه وضحكه صلىاللهعليهوآله : 2 / 529.
(2) ـ في المعجم الكبير (أبو سعيد الخدري ، 6 / 36 ، ح 5437) : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ... أنا أعرب العرب ...».
(3) ـ حديث متفق عليه معروف منه صلىاللهعليهوآله : اعطيت جوامع الكلم. راجع الفصل السادس من الباب الحادي عشر من هذا المقصد.
(4) ـ مضى في حديث هند بن أبي هالة.
(5) ـ أخرج مسلم (كتاب الصلاة ، باب (36) القراءة في العشاء ، 1 / 339) عن البراء بن عازب : «سمعت النبي صلىاللهعليهوآله قرأ في العشاء بالتين والزيتون ، فما سمعت أحدا أحسن صوتا منه».
ويقرب منه ابن ماجة : كتاب إقامة الصلاة ، باب (10) في القراءة في صلاة العشاء ، 1 / 273 ، ح 835. المسند : 4 / 298 و 302.
(6) ـ معاني الأخبار : باب معانى ألفاظ وردت في صفة النبي صلىاللهعليهوآله ، 81.
ولا يقول في المنكر ولا يقول في الرضا والغضب إلا الحق (1) ، ويعرض عمّن تكلّم بغير جميل (2) ، ويكنّى عمّا اضطرّه الكلام إليه ممّا يكره.
وكان إذا سكت تكلّم جلساؤه ، ولا يتنازع عنده في الحديث (3) ، ويعظ بالجدّ والنصيحة (4) ، ويقول (5) : «لا تضربوا القرآن بعضه ببعض ، فإنّه انزل على وجوه».
وكان أكثر الناس تبسّما وضحكا في وجوه أصحابه ، وتعجّبا ممّا تحدّثوا به ، وخلطا لنفسه بهم (6).
__________________
(1) ـ روى الحاكم (المستدرك : كتاب العلم ، 1 / 105 ـ 106) عن ابن عمر : «كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلىاللهعليهوآله وأريد حفظه ، فنهتني قريش وقالوا : تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ورسول الله بشر يتكلم في الرضا والغضب.
ـ قال : ـ فأمسكت ، فذكرت ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال : اكتب ، فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق ـ وأشار بيده إلى فيه ـ.
(2) ـ معاني الأخبار (الباب المذكور ، 83) في حديث علي عليهالسلام في توصيفه صلىاللهعليهوآله : «يتغافل عما لا يشتهي».
(3) ـ معاني الأخبار (الحديث السابق) : «إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير ، فإذا سكت تكلموا ، ولا يتنازعون عنده الحديث ...».
(4) ـ روى مسلم (كتاب الجمعة ، باب تخفيف الصلاة والخطبة ، 2 / 592 ، ح 43) : «... إذا خطب احمرّت عيناه وعلا صوته واشتدّ غضبه ، حتى كأنه منذر جيش ...».
(5) ـ في كنز العمال (1 / 191 ، ح 967) : «... إنما هلك الذين من قبلكم بأشباه هذا ، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض ...». ويقرب منه ح 966 و 970 و 977. وجاء فيه (1 / 193 ، ح 976) : «سيكون أقوام من امتي يضربون القرآن بعضه ببعض ليبطلوه ...».
(6) ـ أخرج الترمذي (كتاب المناقب : باب (10) في بشاشة النبي صلىاللهعليهوآله ، 5 / 601 ، ح 3641) عن عبد الله بن الحارث : «ما رأيت أحدا أكثر تبسّما من رسول الله صلىاللهعليهوآله». ومثله في المسند : 4 / 190 ـ 191. وجاء في معاني الأخبار (الحديث السابق عن علي عليهالسلام) : «كان يضحك مما يضحكون ويتعجب مما يتعجبون».
ولربّما يضحك حتّى تبدو نواجذه (1).
وكان (2) لا يدعوه أحد من أصحابه إلّا قال : «لبّيك» (3) ، وكانوا لا يقومون له ـ لما عرفوا من كراهته لذلك (4).
وكان يمرّ بالصبيان فيسلّم عليهم (5) ، واتي برجل فأرعد من هيبته فقال (6) : «هوّن عليك ، فلست بملك ، إنّما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد».
__________________
(1) ـ قال ابن الأثير (النهاية : نجذ ، 5 / 20) : «فيه : «إنّه ضحك حتى بدت نواجذه» ، النواجذ من الأسنان : الضواحك ، وهي التي تبدو عند الضحك. والأكثر الأشهر أنّها أقصى الأسنان. والمراد الأول ، لأنّه ما كان يبلغ به الضحك حتى تبدو أواخر أضراسه ؛ كيف وقد جاء في صفة ضحكه صلىاللهعليهوآله : «جلّ ضحكه التبسّم». وإن اريد بها الأواخر فالوجه فيه أن يراد مبالغة مثله في الضحك ، وهو أقيس القولين ؛ لاشتهار النواجذ بأواخر الأسنان».
أخرج مسلم (كتاب الإيمان ، باب (83) آخر أهل النار خروجا ، 1 / 173 ، ح 308) عن ابن مسعود : «... لقد رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآله ضحك حتى بدت نواجذه».
ابن ماجة (كتاب الأحكام ، باب (20) القضاء بالقرعة ، 2 / 786 ، ح 2348) عن زيد بن أرقم : «... فضحك حتى بدت نواجذه».
وقد ورد مثله في مواضع اخر.
(2) ـ من هنا إلى آخر الفصل مقتبس من الإحياء : الكتاب المذكور ، بيان تواضعه صلىاللهعليهوآله ، 2 / 545.
(3) ـ حكى الزبيدي (إتحاف السادة المتقين : 7 / 143) عن أبي نعيم في الدلائل ، عن عائشة : «ما كان أحسن خلقا منه ، ما دعاه أحد من أصحابه إلا قال : لبيك».
(4) ـ الشمائل النبوية : باب (47) ما جاء في تواضع رسول الله صلىاللهعليهوآله ، 409 ـ 410 ، ح 337.
(5) ـ دلائل النبوة : (باب ذكر أخبار رويت في شمائله وأخلاقه ... ، 1 / 330) : «مر على صبيان فسلم عليهم».
(6) ـ أخرجه الحاكم في المستدرك : كتاب التفسير ، سورة ق ، 2 / 466. وليس فيه : «لست بملك».
وكان يجلس بين أصحابه مختلطا بهم ـ كانّه أحدهم ـ فيأتي الغريب فلا يدري أيّهم هو حتّى يسأل عنه ، حتّى طلبوا إليه أن يجلس مجلسا يعرفه الغريب ، فبنوا له دكّانا من طين ، فكان يجلس عليه (1).
وكان يقول : (2) «إنّما أنا عبد ، آكل كما يأكل العبد ، وأجلس كما يجلس العبد».
وكان لا يأكل على خوان ولا سكرّجة حتّى لحق بالله عزوجل (3).
فصل [5]
وعن مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه إذا وصف النبي صلىاللهعليهوآله قال (4) :
«كان أجود الناس ، وأجرأ الناس صدرا ، وأصدق الناس لهجة ، وأوفاهم بذمّة ، وألينهم عريكة (5) ، وأكرمهم عشيرة ؛ من رآه
__________________
(1) ـ مضى تخريجه في الفصل السابق.
(2) ـ جاء مع فرق يسير في اللفظ في طبقات ابن سعد : ذكر صفته في مأكله صلىاللهعليهوآله ، 1 / 381.
(3) ـ راجع البخاري : كتاب الأطعمة ، باب الخبز المرقق والأكل على الخوان والسكرجة ، 7 / 91. وباب ما كان النبي وأصحابه يأكلون ، 7 / 97. الترمذي : كتاب الأطعمة ، باب (1) ، 4 / 250 ، ح 1788.
الخوان : المائدة ـ معرب ـ. قال ابن الأثير (النهاية : سكرجة ، 2 / 384) : «لا آكل في سكرجة : هي بضم السين والكاف والراء والتشديد : إناء صغير يؤكل فيه الشيء القليل من الادم ؛ وهي فارسية».
(4) ـ أخرجه الترمذي مع فروق يسيرة : كتاب المناقب ، باب (
ما جاء في صفة النبي صلىاللهعليهوآله ، 5 / 598. وجاء ما يقرب منه في أمالي الطوسي : 341 ، المجلس الثاني عشر ، ح 35.
عنه البحار : 16 / 147 ، ح 3.
(5) ـ في الترمذي : «أجود الناس كفّا ، وأشرحهم صدرا ، وأصدق الناس لهجة ، وألينهم عريكة ...».
بديهة هابه ، ومن خالطه معرفة أحبّه ؛ يقول ناعته : لم أر (1) قبله ولا بعده مثلهصلىاللهعليهوآله».
وما سئل شيئا ـ قطّ ـ على الإسلام إلّا أعطاه ، وإنّ رجلا أتاه وسأله ، فأعطاه غنما بين جبلين ؛ فرجع إلى قومه فقال : «أسلموا فإنّ محمّدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة (2)» ، وما سئل شيئا ـ قطّ ـ فقال لا (3)». وعنه عليهالسلام (4) : «لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي صلىاللهعليهوآله ، وهو أقربنا إلى العدوّ ، وكان من أشدّ الناس يومئذ بأسا».
وقال ـ أيضا ـ (5) : «كنّا إذا أحمى البأس ، ولقى القوم القوم ، اتّقينا برسول اللهصلىاللهعليهوآله ، فما يكون أحد أقرب إلى العدوّ منه».
قيل : «وكان البطل الشجاع هو الذي يدنو منه وقت اشتداد الحرب حين وقوع الطعن والضرب» (6).
__________________
(1) ـ في النسخة : «فلم أر». والأظهر كونه من سهو القلم والصحيح ما أثبتناه مطابقا للمصادر.
(2) ـ رواه البيهقي (دلائل النبوة ، باب ذكر أخبار رويت في شمائله ... ، 1 / 327) عن أنس.
المسند : 3 / 108 و 175. مسلم : كتاب الفضائل ، باب (14) ما سئل رسول اللهصلىاللهعليهوآله شيئا قط فقال لا ، 4 / 1805 ، ح 56.
(3) ـ البخاري : كتاب الأدب ، باب حسن الخلق والسخاء ... ، 8 / 16. دلائل النبوة : الباب السابق : 1 / 326. مسلم الباب السابق : 4 / 1806 ، ح 57. الشمائل النبوية : باب (48) ما جاء في خلق رسول اللهصلىاللهعليهوآله ، 431 ، ح 354.
(4) ـ مكارم الأخلاق : 17. عنه البحار : 16 / 232. راجع أيضا ما جاء في تاريخ الطبري : السنة الثانية ، غزوة بدر ، 2 / 426.
(5) ـ مكارم الأخلاق : 17. عنه البحار : 16 / 232. نهج البلاغة : الكلام التاسع مما اختاره الرضي ـ قدسسره ـ المحتاج إلى التفسير : كنا إذا احمر ...
(6) ـ أخرج مسلم (كتاب الجهاد ، باب (28) في غزوة حنين ، 3 / 1401 ، ح 79) عن البراء بن عازب : «كنا ـ والله ـ إذا احمرّ البأس نتقي به صلىاللهعليهوآله ، وإنّ الشجاع منّا للذي يحاذي به».
فصل [6]
قيل : وكان صلىاللهعليهوآله أخشى الناس لربّه وأتقاهم له ، وأعلمهم به ، وأقواهم في طاعته ، وأصبرهم على عبادته ، وأكثرهم حبّا لمولاه ، وأزهدهم فيما سواه. وكان يقوم في صلاته حتّى ينشقّ بطون أقدامه من طول قنوته وقيامه ، ويسمع على الأرض لو كف (1) دموعه حسّا كحسّ المطر من كثرة خضوعه. وكانت أوقاته لا يخلو من الصيام ، وربّما يواصل الليالي بالأيّام.
* * *
وفي طريق أهل البيت عليهمالسلام (2) : «إنّه صلىاللهعليهوآله صام حتّى قيل : «إنّه ما يفطر» ، ثمّ إنّه أفطر حتّى قيل : «إنّه ما يصوم» ، ثمّ إنّه كان يصوم الثلاثة الأيّام في الشهر ؛ وعليه قبض». وفيه (3) : «إنه كان إذا قام إلى الصلاة يسمع من صدره أزيزا ـ كأزيز المرجل(4)».
__________________
(1) ـ وكف الدمع ونحوه : سال قليلا قليلا.
(2) ـ الكافي : كتاب الصيام ، باب صوم رسول الله صلىاللهعليهوآله ، 4 / 89 ، ح 1. وفيه : «... ثم صام صوم داود عليهالسلام ـ يوما ويوما لا ـ ثم قبض على صيام ثلاثة أيام في الشهر ...».
وجاء ما يقرب منه مع إضافات في ثواب الأعمال : ثواب صوم ثلاثة أيام في الشهر ... ، 54. عنه البحار : 97 / 101.
(3) ـ جاء ما يقرب منه في الخصال : باب الخمسة ، أنواع الخوف خمسة ، 1 / 282. الاحتجاج : احتجاج أمير المؤمنين عليهالسلام على أحبار اليهود ، 1 / 519. فلاح السائل : الفصل التاسع عشر ، 161. البحار : 70 / 381 ، ح 30. و 10 / 40 ، ح 1. و 17 / 287 ، ح 7. و 17 / 257 ، ح 4. وروى مثله العامة أيضا : المسند : 4 / 25 ـ 26.
(4) ـ في الفائق (از ، 1 / 39) : «النبي صلىاللهعليهوآله كان يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء.
هو الغليان. المرجل ـ عن الأصمعي ـ كل قدر يطبخ فيها من حجارة أو خزف أو حديد. وقيل : إنما سمي بذلك لأنه إذا نصب فكأنه اقيم على أرجل».
فصل [7]
وأمّا خلقته وصورته صلىاللهعليهوآله فقال بعض علماء العامّة (1) :
«كان من صفة رسول الله صلىاللهعليهوآله في قامته أنّه لم يكن بالطويل البائن ، ولا القصير المتردّد ، بل كان ينسب إلى الربعة (2) إذا مشى وحده ، ومع ذلك فلم يكن أحد يماشيه من الناس ـ ينسب إلى الطول ـ إلّا طاله ، ولربّما يكتنفه الرجلان الطويلان ويطولهما ، فإذا فارقاه نسبا إلى الطول (3) ، ونسب هو إلى
__________________
(1) ـ اقتباس من إحياء علوم الدين : كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة ، بيان صورته وخلقته صلىاللهعليهوآله ، 2 / 545 ـ 547. ويظهر أنه مقتبس مما أورده البيهقي في الدلائل (1 / 298 ـ 306) قائلا : «وقد روى صبيح بن عبد الله الفرغاني ـ وليس بالمعروف ـ حديثا آخر في صفة النبي صلىاللهعليهوآله ، وأدرج فيه تفسير بعض ألفاظه ، ولم يبين قائل تفسيره فيما سمعنا ، إلا أنه يوافق جملة ما روينا في الأحاديث الصحيحة والمشهورة».
(2) ـ الطويل البائن ـ بالهمزة ـ أي المفرط طولا مع اضطراب. والقصير المتردد : الذي يتردد بعض خلقه على بعض (راجع دلائل النبوة : 1 / 271 ـ 272) ، ففيه نفي الطول المفرط والقصر المفرط. الربعة ـ بفتح فسكون ، وقد يحرك ـ : كون الإنسان بين الطويل والقصير ، يستوي فيه المؤنث والمذكر.
أخرج البيهقي في الدلائل (باب جامع صفة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، 1 / 270) عن علي عليهالسلام : «لم يكن بالطويل الممغّط ولا القصير المتردد ..». وفيه (باب صفة قامة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، 1 / 251) عن عليعليهالسلام : «كان لا قصير ولا طويل».
ويقرب منه الترمذي : كتاب المناقب ، باب (
ما جاء في صفة النبي صلىاللهعليهوآله ، 5 / 598 ، ح 3637. الشمائل النبوية : الباب (1) ، ح 7 ، 45. المسند : 1 / 96.
وأخرج البخاري (كتاب المناقب ، باب صفة النبي صلىاللهعليهوآله ، 4 / 227 ـ 228) عن أنس : «كان ربعة من القوم ، ليس بالطويل ولا بالقصير ...».
(3) ـ أخرجه البيهقي عن عائشة : دلائل النبوة ، باب حديث هند بن أبي هالة ، 1 / 298.
الربعة ، ويقول صلىاللهعليهوآله (1) : «جعل الخير كلّه في الربعة».
وأمّا لونه صلىاللهعليهوآله : فقد كان أزهر اللون ، ولم يكن بالآدم ولا الشديد البياض ـ (2) والأزهر : هو الأبيض الناصع الذي لا يشوبه صفرة ولا حمرة ولا شيء من الألوان ـ. ونعته عمّه أبو طالب فقال (3) :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
ثمال اليتامى عصمة للأرامل
ونعته بعضهم (4) بأنّه مشرب بحمرة ، فقال : «إنّما كان المشرب منه بالحمرة ما ظهر للشمس والرياح ـ كالوجه والرقبة ـ والأزهر الصافي عن الحمرة هو ما تحت الثياب منه».
وكان صلىاللهعليهوآله عرقه في وجهه كاللؤلؤ ، أطيب من المسك الأذفر (5).
وأمّا شعره : فقد كان رجل الشعرة حسنها ، ليس بالسبط ولا الجعد القطط (6).
__________________
(1) ـ نفس المصدر. كنز العمال : 11 / 92 ، ح 30751.
(2) ـ نفس المصدر (باب صفة لون رسول الله صلىاللهعليهوآله ، 1 / 201) : «أزهر اللون أمهق ، ليس بأبيض ولا آدم ...». راجع فيه : 1 / 299 أيضا.
(3) ـ نفس المصدر : 1 / 299.
(4) ـ نفس المصدر (1 / 206) عن علي عليهالسلام : «كان صلىاللهعليهوآله أبيض مشرب الحمرة».
(5) ـ نفس المصدر : 1 / 299 راجع أيضا فيه : 1 / 255. وفيه (1 / 258) إن أمّ سليم جمعت عرق النبي صلىاللهعليهوآله في قارورة وقالت : «هذا عرق نجعله لطيبنا ، وهو أطيب الطيب».
(6) ـ راجع دلائل النبوة : 1 / 300 ـ 301 وباب صفة شعر رسول الله صلىاللهعليهوآله ، 1 / 220 ـ 219.
الشمائل النبوية : الباب (1) ، ح 1 ، 40. والباب (3) ، ح 27 ، 67.
كان إذا مشطه بالمشط يأتي كأنّه حبك الرمل (1)
وكان شيبه في الرأس واللحية سبع عشرة طاقة شعرة ـ ما زاد عليها (2).
وكان أحسن الناس وجها وأنوره ، لم يصفه واصف إلّا شبّهه بالقمر ليلة البدر (3) ، وكان يرى رضاه وغضبه في وجهه ـ لصفاء بشرته ـ.
وكان واسع الجبهة أزجّ الحاجبين سابغهما ، وكان أبلج ما بين الحاجبين ـ كأنّ ما بينهما الفضّة المخلّصة (4) ـ.
وكانت عيناه نجلاوين أدعجهما ، وكان في عينه مزج من
__________________
(1) ـ كتب هنا ما يلي ثم شطب عليه :
«وقيل : كان شعره يضرب منكبيه. وأكثر الرواية أنّه كان إلى شحمة اذنيه ، وربّما جعله غدائر أربعا يخرج كل اذن من بين غديرتين ، وربّما جعل شعره على اذنيه فتبدو سوالفه يتلألأ».
(2) ـ دلائل النبوة (باب ذكر شيب النبي صلىاللهعليهوآله ، 1 / 232) عن أنس : «ما كان في رأسه إلا سبع عشرة أو ثمان عشرة شعرة». المسند : 3 / 254. وجاء في الشمائل النبوية (الباب 5 ، ح 38 ، 81) عن أنس : «ما عددت في رأس رسول الله صلىاللهعليهوآله ولحيته إلا أربع عشرة شعرة بيضاء».
(3) ـ راجع دلائل النبوة : باب صفة وجه رسول الله صلىاللهعليهوآله ، 1 / 194 ـ 199. الترمذي : كتاب الأدب ، باب (47) ما جاء في الرخصة في لبس الحمرة ، 5 / 118 ، ح 2811.
مسلم : كتاب التوبة ، باب (9) حديث توبة كعب بن مالك ، 4 / 2127 ، ح 53.
(4) ـ الزجج : تقوّس في الحاجب مع طول في طرفه وامتداد. الحاجب السابغ : التام الطويل.
وقوله «أبلج ما بين الحاجبين» : أي كان بين حاجبيه بلجة ـ فرجة بيضاء دقيقة لا تتبين إلا لمتأمل ـ فهو غير أقرن.
جاء في حديث هند بن أبي هالة : «كان رسول الله صلىاللهعليهوآله واسع الجبين ، أزجّ الحواجب سوابغ في غير قرن ...». دلائل النبوة : 1 / 214. معاني الأخبار : 80.
حمرة. وكان أهدب الأشفار ـ حتّى كاد تلبس من كثرتها ـ (1).
وكان أقنى العرنين ـ أي مستوى الأنف ـ (2).
وكان مفلج الأسنان ـ أي متفرّقها ـ وكان إذا افترّ ضاحكا افترّ عن مثل سنا البرق إذا تلألأ. وكان من أحسن عباد الله شفتين وألطفهم ختم فم (3).
وكان سهل الخدّين صلتهما ، ليس بالطويل الوجه ولا المكلثم ، كثّ اللحية (4) ، وكان يعفي لحيته ويأخذ شاربه (5).
وكان من أحسن الناس عنقا ، لا ينسب إلى الطول ولا إلى القصر ؛ ما ظهر من عنقه للشمس والرياح فكأنّه إبريق فضّة مشربا يتلألأ ذهبا في بياض الفضّة وفي حمرة الذهب (6).
__________________
(1) ـ دعجت العين : صارت شديدة السواد مع سعتها ، فصاحبها أدعج.
أخرج البيهقي (الدلائل : باب صفة عين رسول الله صلىاللهعليهوآله ، 1 / 213) عن علي عليهالسلام : «كان في الوجه تدوير ، أبيض مشرب ، أدعج العينين أهدب الأشفار».
مشرب العين بحمرة».
(2) ـ في حديث هند بن أبي هالة : «أقنى العرنين له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم». الدلائل : 1 / 215. معاني الأخبار : 80.
(3) ـ جاء في حديث هند المذكور : «ضليع الفم أشنب مفلج الأسنان». وفي الدلائل (1 / 215) عن ابن عباس : «أفلج الثنيتين وكان إذا تكلم رئي كالنور بين ثناياه».
(4) ـ راجع دلائل النبوة : 1 / 216 ـ 217 و 269 و 287. معاني الأخبار : 80.
(5) ـ ورد عنه صلىاللهعليهوآله : «احفوا الشوارب واعفوا اللحى». مسلم : كتاب الطهارة : باب خصال الفطرة ، 1 / 222 ، ح 52. الترمذي : كتاب الأدب ، باب (18) ما جاء في إعفاء اللحية ، 5 / 95 ، ح 2763. المسند : 2 / 16.
(6) ـ دلائل النبوة : 1 / 304. راجع أيضا فيه : 1 / 274 و 287.