الناس في كلّ شيء ، ثمّ نشأ ابنه عبد الله فكان على شاكلة أبيه ، ثمّ نشأ (الحفيد) خالد ففاق الجماعة ، إلّا أنّه اختلف عنهما ، حيث اشتهر بالفصاحة والبلاغة ، ويعد من خطباء العرب المشهورين ، وكان جوادا ، كثير العطاء.
وكانت أم خالد القسريّ نصرانية (روميّة) وبنى لها كنيسة في ظهر قبلة مسجد الكوفة ، فكان إذا رفع الأذان في المسجد ، ضربت النواقيس في كنيستها ، وإذا قام الخطيب على المنبر ، رفع النصارى أصواتهم بقراءاتهم (التراتيل) ، فقال الفرزدق في ذلك يهجو القسريّ : (1)
ألا قبّح الرحمن ظهر مطيّة
أتتنا تخطى من بعيد بخالد
وكيف يؤم المسلمين وأمّه
تدين بأن الله ليس بواحد
بنى بيعة فيها الصليب لأمّه
ويهدم من بغض منار المساجد
وكان خالد القسريّ (ناصبيّا) يكره الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام وينال منه (2) ، وقد شاهد خالد يوما (عكرمة) مولى عبد الله بن عباس وكانت على رأسه عمامة سوداء ، فقال خالد : (إنّه بلغني أنّ هذا العبد يشبه عليّ بن أبي طالب ، وأنّي لأرجو أن يسوّد الله وجهه ، كما سوّد وجه ذاك). (3)
وفي أيّام حكم الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، كان العراقيّون يهربون إلى مكّة والمدينة ، وعند ما عين خالد القسريّ أميرا على الحجاز ، طرد كلّ العراقيين الموجودين فيهما ، وهدّد كلّ من أنزل أو آوى عراقيّا ، أو أجّره دارا (4) ، وقيل إنّ الوليد بن عبد الملك ، أمره بإخراج كلّ العراقيين
__________________
(1) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج 8 / 36. وأبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج 22 / 21. والذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج 5 / 427.
(2) كان القسريّ يفعل ذلك نفيا للتهمة ، وتقربا إلى الأمويين.
(3) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج 22 / 18.
(4) ابن الأثير ـ الكامل. ج 4 / 577.
الموجودين في مكّة والمدينة ، وإرسالهم إلى الحجّاج. (1)
وعند ما كان خالد القسريّ أميرا على مكّة ، طلب من رئيس الحجبة أن يفتح له باب الكعبة فرفض ، فأمر خالد بضربه مائة سوط ، فذهب الشيبي (2) إلى سليمان بن عبد الملك ، يشكو إليه خالد القسريّ ، فدخل على سليمان ، ودخل معه الفرزدق ، فقال الفرزدق : (3)
سلوا خالدا لا أكرم الله خالدا
متى وليت قسر قريشا تدينها؟
أقبل رسول الله أم ذاك بعده
فتلك قريش قد أغث سمينها؟
رجونا هداه لا هدى الله خالدا
فما أمّه بالأمّ يهدي جنينها
فأمر سليمان بن عبد الملك بقطع يد خالد ، إلّا أنّ يزيد بن المهلّب ، كان جالسا عنده فتشفع له ، عندها أمر سليمان بضرب خالد مائة سوط ، فقال الفرزدق :
لعمري لقد صبت على ظهر خالد
شآبيب ما استهللن من سبل القطر
أيضرب في العصيان من كان طائعا
ويعصي أمير المؤمنين أخو قسر؟
فلو لا يزيد بن المهلّب حلّقت
بكفّك فتخاء إلى الفرخ في الوكر
لعمري لقد صال ابن شيبة صولة
أرتك نجوم اللّيل ظاهرة تسري
وعند ما كان خالد القسريّ أميرا على الكوفة ، هجاه الفرزدق ، فأمر خالد بحبسه ، فقال الفرزدق وهو في الحبس : (4)
أبلغ أمير المؤمنين رسالة
فعجّل هداك الله نزعك خالدا
__________________
(1) تاريخ اليعقوبي. ج 3 / 34.
(2) الشيبي : نسبة إلى آل شيبة ، وهم سدنة الكعبة حينذاك.
(3) المسعودي ـ مروج الذهب. ج 3 / 179. وأبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج 19 / 22.
(4) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج 19 / 22.
بنى بيعة (1) فيها الصليب لأمه
وهدّم من بغض الإله المساجدا
فبعث هشام بن عبد الملك إلى خالد القسريّ ، يأمره بإطلاق سراح الفرزدق ، فأطلقه.
وذهب الفرزدق يوما إلى خالد القسريّ يطلب مساعدته في (ديات) (2) قد دفعها ، فقال له خالد : (إيه يا فرزدق!! كأنّي بك قد قلت : آتي الحائك ابن الحائك ، فأخدعه عن ماله إن أعطاني ، أو أذمّه إن منعني ، فأنا حائك ابن حائك ولا أعطيك شيئا ، فاذممني كيف شئت) ، فهجاه الفرزدق بأشعار كثيرة ، نذكر منها : (3)
ليتني من بجيلة اللؤم حتّى
يعزل العامل (4) الّذي بالعراق
فإذا عامل العراقين (5) ولّى
عدت في أسرة الكرام العتاق
وادّعى رجل النبوة في زمن خالد القسريّ ، فجيء به إلى خالد فقال له ، ماذا عندك؟ فقال : قال الله تعالى في القرآن : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ، إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ). وقلت أنا ما هو أحسن منه : (إنا أعطيناك الجماهر ، فصل لربك وجاهر ، ولا تطع كل ساحر وكافر). (6)
فأمر خالد بقتله وصلبه ، فمر به الشاعر خلف بن خليفة ، ورآه مصلوبا على خشبه فقال : (إنا أعطيناك العمود ، فصل لربك على عود ، وأنا ضامن عنك ألّا تعود).
وقيل دخل شاعر على خالد القسريّ يوم جلوسه للشعراء ، فلمّا رآى
__________________
(1) البيعة : الكنيسة ـ محل عبادة المسيحيين.
(2) الديات : مفردها دية : وهي الّتي تدفع إلى ذوي القتيل أو : هي المبالغ الّتي تدفع للصلح.
(3) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج 22 / 17.
(4) العامل : الوالي ، الأمير.
(5) عامل العراقين : أي الكوفة والبصرة ، ويقصد به خالد القسريّ.
(6) ابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج 6 / 145.
كثرة ما قاله الشعراء في مدح خالد ، سكت ولم يتكلّم ، فقال له خالد : سل حاجتك ، فقال الشاعر : مدحت الأمير ببيتين من الشعر ، فلمّا سمعت قول الشعراء ، أستصغرت شعري. فقال له خالد : وما هما؟ فقال الشاعر : (1)
تبرعت لي بالجود حتّى نعشتني
وأعطيتني حتّى حسبتك تلعب
فأنت الندى وابن الندى وأبو الندى
حليف الندى ما للندى عنك مذهب
فأمر خالد بإعطاء دينه ، ثمّ أعطاه مثله.
وفي سنة (119) للهجرة ، ثار بالكوفة (المغيرة بن سعيد) ومعه سبعة رجال ، وكانوا يدعون (الوصفاء) ولمّا سمع القسريّ بثورتهم (وكان وقتذاك يخطب في مسجد الكوفة) فقال : (أطعموني ماء) ، فقال يحيى بن نوفل : (2)
أخالد لا جزاك الله خيرا
في حرّ أمّك من أمير
تمنّى الفخر في قيس وقسر
كأنّك من سراة بني جرير
وأمّك علجة وأبوك وغد
وما الأذناب عدلا للصدور
وكنت لدى المغيرة عبد سوء
تبول من المخافة للزئير
وقلت لما أصابك : أطعموني
شرابا ثمّ بلت على السرير
وقال الكميت (3) : يهجو خالد القسريّ أيضا في هذه الحادثة : (4)
خرجت لهم تمشي البراح (5) ولم تكن
كمن حصنه في الرتاج (6) المضبب
وما خالد يستطعم الماء فاغرا
بعدلك والداعي إلى الموت ينصب
__________________
(1) ابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج 2 / 6.
(2) تاريخ الطبري. ج 7 / 130.
(3) الكميت : بن زيد بن خنيش الأسديّ ، شاعر مقدم. مات سنة (126) للهجرة ، اشتهر بقصائده (الهاشميات).
(4) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج 22 / 13.
(5) البراح : الواضح ، البيّن.
(6) الرتاج المضبب : غلق الباب المصنوع من الحديد ، والمعنى : أنه خرج لأعدائه ماشيا.
وكان عمر بن أبي ربيعة ، يتمشى ذات يوم مع خالد القسريّ خارج المدينة ، فشاهدا (أسماء وهند) (1) ، فجلسوا جميعا يتحدثون ، وبعد لحظة تلبّدت السماء بالغيوم ، وأخذ المطر ينزل بغزارة ، فقام خالد ، وأخذ يظللهم بمطرفته (2) حتّى هدأ المطر ، فقال عمر بن أبي ربيعة في ذلك : (3)
أفي رسم دار دمعك المترقرق
سفاها وما استنطاق ما ليس ينطق
بحيث التقى جمع ومفضى محسّر (4)
معالم قد كادت على الدهر تخلق (5)
ذكرت بها ما قد مضى من زماننا
وذكرك رسم الدار مما يشوّق
يبل أعالي الثوب قطر وتحته
شعاع بدا يعشي العيون ويشرق
وعن عمر بن أبي ربيعة (6) أنّه قال : بينما كنت جالسا أيّام شبابي وإذا بخالد الخريث قد جاءني وقال : بأنّه مرّ بأربع نسوة ، لم ير مثلهن قط ومعهنّ (هند) يردن الذهاب إلى (العقيق) (7) وما عليك إلّا أن تتنكر وتلبس ملابس الأعراب ، فذهبت اليهنّ وقد لبست ملابس قديمة ، وتعمّمت عمّة الأعراب ، وركبت بعيرا بغير وطاء فسلّمت عليهنّ ، ثمّ طلبن منّي أن أقول لهنّ شعرا ، فأنشدتهن (لكثيّر عزّة) و (جميل بثينة) وغيرهما ، فقلن لي : يا أعرابيّ ، ما أملحك وأظرفك ، وما أحلى إنشادك فما سبب مجيئك إلى هذا المكان؟! فقلت لهن : جئت أنشد ضالّة لي. فدنت (هند) منّي ونزعت عمامتي وقالت : أتظن أنّك خدعتنا بملابس الأعراب هذه ، والله نحن خدعناك ، لقد أرسلنا اليك
__________________
(1) أسماء وهند : عشيقتان لعمر بن أبي ربيعة.
(2) المطرفة : جبة قصيرة تشبه القمصلة.
(3) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج 22 / 7.
(4) محسر : اسم مكان.
(5) تخلق : تبلى : أي خرقة بالية.
(6) عمر بن أبي ربيعة : شاعر أموي ، له ديوان ، وهو أخو الأمير الحارث بن عبد الله.
(7) العقيق : وادي يبعد عن المدينة حوالي عشرة فراسخ (وقد بينا ذلك في ص 12).
(خالد الحريث) ليأتينا بك على أقبح حالة ، ونحن على أحسن حال ، وبقيت معهن حتّى المساء ، ثمّ افترقنا فقلت في حينها : (1)
ألم تعرف الأطلال والمترّبعا
ببطن حليات دوارس بلقعا؟
إلى السّرح من وادي المغمس (2) بدلت
معالمه وبلا ونكباء (3) زعزعا
فيبخلن أو يخبرن بالعلم بعد ما
نكأن فؤادا كان قدما مفجعّا
لهند وأتراب لهند إذ الهوى
جميع وإذ لم نخش أن يتصدعا
وكان الكميت قد مدح آل هاشم وذم الأمويين فقال : (4)
ساسة لا كمن يرعى الن
اس سواء ورعية الأنعام
لا كعبد المليك أو كوليد
أو كسليمان بعد أو كهشام
فلمّا سمع خالد القسريّ بذلك (وكان أمير الكوفة آنذاك) حبسه ، وكتب إلى هشام بن عبد الملك يخبره بذلك ، فكتب إليه يأمره بقطع لسان الكميت ورجليه ، ثمّ يصلبه على باب داره ، فتمكن الكميت من الهرب من سجنه ، وذهب إلى الشام فاستجار بمسلمة بن عبد الملك فتشفع له.
وكان معاذ بن مسلم قد نصح الكميت بعدم الذهاب إلى خالد القسريّ ، ولمّا حبسه خالد قال معاذ : (5)
نصحتك والنصيحة إن تعدّت
هوى المنصوح عزّ لها القول
فخالفت الّذي لك فيه حظّ
فغالك دون ما أملت غول
وعند ما كان خالد القسريّ أميرا على البصرة ، قبض على (لصّ)
__________________
(1) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج 22 / 9.
(2) المغمس : أسم مكان.
(3) النكباء والزعزع : الريح العاتية.
(4) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج 8 / 83.
(5) الزمخشري ـ ربيع الأبرار. ج 4 / 311.
وكان ذلك السارق شابا جميل الصورة ، عليه السكينة والوقار ، فجيء به إلى خالد القسريّ ، فاعترف أمامه بأنه سارق ، ولكن خالد لم يقتنع باعترافه ، فحبسه عنده ، ثمّ جاءه خالد ليلا وطلب من اللّصّ أن يقول الحقيقة ، وإلّا فسوف تقطع يده ، إلّا أنّ الشاب الجميل أصرّ على أنه لصّ ولا شيء غير هذا.
وفي اللّيل ، وبعد أن هدأت الأنفاس أخذ الشاب يقول : (1)
هددني خالد بقطع يدي
إن لم أبح عنده بقصتها
فقلت : هيهات أن أبوح بما
تضمّن القلب من محبتها
قطع يدي بالذي اعترفت به
أهون للقلب من فضيحتها
فسمعه السجّان ، وأخبر خالد القسريّ بما سمعه من الشاب ، فطلب إحضاره ، ثمّ تكلّم معه خالد ، وخوّفه من مغبّة عدم اعترافه بالحقيقة ، لكن الشاب بقي مصرا على أنّه لصّ ، عند ذلك أمر خالد بقطع يد الشاب على مرآى من الناس ، وعند ما جيء بالشاب لقطع يده ، وإذا بفتاة تصرخ وترمي بنفسها على ذلك الشاب ، وتعطي ورقة إلى خالد القسريّ ، جاء فيها : (2)
أخالد هذا مستهام متيّم
رمته لحاضي من قسيّ الحمالق
فأحماه سهم اللحظ منّي فقلبه
حليف الجوى من دائه غير فائق
أقرّ بما لم يقترفه لأنّه
رآى ذاك خيرا من هتيكة عاشق
فمهلا على الصب الكئيب لأنّه
كريم السجايا في الهوى غير سارق
فأرسل خالد إلى والد الفتاة وخطبها منه ، وزوجها من الشاب ودفع مهرها من عنده.
__________________
(1) سعيد الكرمي ـ قول على قول. ج 6 / 83.
(2) ابن منظور : مختصر تاريخ دمشق. ج 7 / 377. وسعيد الكرمي ـ قول على قول. ج 6 / 84.
وعند ما كان خالد القسريّ أميرا على مكّة ، خطب الناس يوم جمعة ، فذكر الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ومدحه ، ولمّا سمع سليمان بن عبد الملك بذلك ، أمر خالد بشتم الحجّاج ، وأن يذكر عيوبه ومساوئه ، ثمّ البراء منه ، ولمّا جاءت الجمعة الثانية صعد خالد المنبر وقال : (إنّ إبليس كان ملكا ، وكان يظهر من طاعة الله ما كانت الملائكة ترى له بذلك فضلا ، وكان الله تعالى قد علم من غشّه ما خفي عن الملائكة ، فلمّا أراد الله فضيحته ، ابتلاه بالسجود لآدم ، فظهر لهم ما كان يخفيه عنهم ، فلعنوه ، وأنّ الحجّاج كان يظهر من طاعة أمير المؤمنين ما كنّا نرى له بذلك فضلا ، وكان الله عزوجل اطلع أمير المؤمنين من غلّه وخبثه على ما خفي عنّا ، فلمّا أراد الله فضيحته ، أجرى ذلك على يدي أمير المؤمنين فالعنوه ، لعنه الله) (1) ثمّ نزل.
وقيل إنّ الكميت هجا في بعض قصائده قبائل قحطان ، فغضب عليه خالد القسريّ وأراد أن ينتقم منه ، فاشترى عدّة جوار ، وقرأ عليهن قصائد الكميت المسمات ب (الهاشميات) ثمّ أرسل الجواري إلى هشام بن عبد الملك في الشام ، فلمّا سمع هشام تلك القصائد ، أمر بإحضار الكميت ، ولمّا جيء به ، أخذ الكميت يعتذر ويقول شعرا في مدح بني أميّة ، حتّى رضى عنه هشام. (2) ودخل أعرابيّ على خالد القسريّ وقال له : امتدحتك ببيتين ، ولست أقولهما إلّا بعشرة آلاف وخادم. فقال له خالد : قل ما هما؟ فقال :
لزمت نعم ، حتّى كأنّك لم تكن
سمعت (3) من الأشياء سوى نعم
وأنكرت لا ، حتّى كأنّك لم تكن
سمعت بها سالف الدهر والأمم
فأعطاه خالد ما أراد.
__________________
(1) الحصري ـ زهر الآداب. ج 2 / 63.
(2) الذهبي ـ سيرة أعلام النبلاء. ج 5 / 425.
(3) ابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق. ج 7 / 378.
وبينما كان خالد سائرا في طريقه ذات يوم ، إذ وقف له رجل وقال له :سألتك بالله إلا ضربت عنقي. فقال له خالد : أكفر بعد إيمان؟ قال : لا. قال خالد : هل قتلت نفسا؟ قال الرجل : لا. فقال خالد : إذن ما سبب ذلك؟
فقال الرجل : لي خصم لجوج ، قد لزمني وقهرني. فقال خالد : ومن هو؟
فقال الرجل : إنه الفقر يا أمير. فقال له خالد : فكم يكفيك لدفعه؟ قال الرجل : أربعة آلاف درهم. فالتفت خالد إلى أصحابه ، وقال لهم : (لقد ربحت هذا اليوم ستّة وعشرين ألف درهم ، فقد عزمت أن أعطي هذا الرجل ثلاثين ألف درهم) (1). فلمّا سمع ذلك الرجل ، رجع إلى خالد وقال له : (حاشاك وأعيذك بالله أن تربح على مؤملك) ، فقال خالد : أعطوه ثلاثين ألف درهم ، ثمّ قال للرجل : (خذ المال ، واذهب آمنا إلى خصمك ، ومتى عاد يعارضك فاستنجد بنا عليه).
وقيل إنّ خالدا القسريّ ، قد حرّم الغناء في الكوفة ، فذهب إليه (حنين) متظلما ، (2) وأخذ عوده (3) معه وقال : (أصلح الله الأمير ، شيخ ذو عيال ، كانت له صناعة ، حلّت بينه وبينها) فقال خالد : وما ذاك؟! فأخرج حنين عوده وغنّى : (4)
أيّها الشامت المعير بالشي
ب أقلنّ بالشباب افتخارا
قد لبست الشباب قبلك حينا
فوجدت الشباب ثوبا معارا
فبكى خالد وقال : صدق والله عد ولا تجالس شابا ولا معربدا.
وقيل إنّ أعرابيا قال لخالد القسريّ : ليأمر لي الأمير بملئ جرابي
__________________
(1) محمّد أبو الفضل إبراهيم ـ قصص العرب. ج 1 / 244.
(2) حنين : بن بلوع الحيري ، كان شاعرا ومغنيا ، ومن فحول المغنين في الحيرة وكان نصرانيا.
(3) العود : آلة موسيقية.
(4) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج 5 / 427 و428.
دقيقا ، فقال خالد : أملؤوه له دراهم. فقال الأعرابي : (سألت الأمير ما أشتهي فأمر لي بما يشتهي). (1)
وقيل أيضا إنّ أعرابيا أنشد خالد القسريّ فقال : (2)
أخالد بين الحمد والأجر حاجتي
فأيّهما يأتي فأنت عماد
أخالد إنّي لم أزرك لحاجة
سوى إنّني عاف وأنت جواد
فقال خالد : سل حاجتك ، قال الأعرابيّ : مائة ألف ، فقال خالد : لقد أسرفت يا أعرابيّ. فقال الأعرابي : فهل أحطّ للأمير؟ قال : نعم. قال الأعرابي : حططتك تسعين ألفا ، فتعجب خالد منه. فقال الأعرابي : سألتك على قدرك وحططتك على قدري ، وما أستهلّه على نفسي. قال خالد : لا والله لا تغلبني ، يا غلام اعطه مائة ألف. (3)
ولمّا مات أسد بن عبد الله (أخو خالد القسريّ) بعث إليه مسلمة بن هشام بن عبد الملك (أبو شاكر) يعزيه بالأبيات التاليّة : (4)
أراح من خالد فأهلكه
ربّ أراح العباد من أسد
أمّا أبوه فكان مؤتشبا
عبدا لئيما لأعبد فقد
يرى الزنا والصليب والخمر
والخنزير حلّا والغيّ كالرشد
وأمّه همّها وبغيتها
همّ الإماء العواهر الشّرّد
كافرة بالنبيّ مؤمنة
بقسّها والصليب والعمد
ولمّا قرأ خالد الأبيات قال : يا عباد الله ، أهذه تعزية رجل فقد أخاه؟! ويقال : إنّ خالدا القسريّ سبق له أن قال : (أنا كافر بكلّ خليفة يكنّى أبا
__________________
(1) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج 5 / 427 و428.
(2) نفس المصدر اعلاه.
(3) انظر المصدر السابق.
(4) ابن الأثير ـ الكامل. ج 5 / 217.
شاكر) ، فسمعه (أبو شاكر) هذا فحقد عليه.
وكما ذكرت سابقا فقد كان خالد القسريّ ناصبيّا ويلعن الإمام عليّ عليهالسلام ويحبّ ، بل ويجازي ويعطي كلّ من يسبّ الإمام عليّ ، حتّى ذكر بأنّه دخل عليه فراس بن جعدة بن هبيرة وبيده (نبق) فقال له خالد : إلعن عليّ ولك في كل نبقة دينار. ففعل فأعطاه خالد في كلّ نبقة دينار. (1)
وكان لخالد (عامل) أسمه (خالد بن آهي) فكان خالد يقول : والله إنّ خالد بن آهي أفضل أمانة من عليّ بن أبي طالب. (2)
وقد لعن خالد القسريّ الإمام عليّ عليهالسلام ذات يوم وعرّفه تعريفا تامّا ، إذ قال : عليّ بن أبي طالب أبن عمّ محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب وزوج ابنته فاطمة ، وأبو الحسن والحسين. (3) وكان قصده من ذلك أن لا تخطأه اللعنة.
ويقال إنّ خالدا القسريّ هو أخو هشام بن عبد الملك من الرضاعة ، فقال له هشام ذات يوم : إن وليت الخلافة فسوف أوليك العراق ، وعند ما ولي هشام الخلافة ، ذهب إليه خالد وقال له : (لقد كانت لك الولاية اليك أشوق منك اليها وأنت لها أزين منها لك ومثلك ومثلها إلّا كما قال الأحوص (4) بن محمّد). (5)
وتزين طيب الطيب طيبا
إذ تمسيه أين مثلك أينا
وإذا الدّرّ زاد حسن وجوده
كان للدّرّ حسن وجهك زينا
__________________
(1) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج 22 / 18 ـ 16.
(2) نفس المصدر السابق.
(3) نفس المصدر اعلاه.
(4) الأحوص : هو عبد الله بن محمّد بن عبد الله بن ثابت الأنصاريّ ، والأحوص لقبه وليس اسمه.
(5) الزمخشري ـ ربيع الأبرار. ج 3 / 512.
واستغل خالد القسريّ منصبه كأمير للكوفة ، شأنه في ذلك شأن من سبقه من الأمراء الأمويين فاشترى ضياعا كثيرة ، وبنى له دارا كبيرة في دمشق تعرف بدار اليزيديّ ، وبلغت وارداته في السنة (عشرة آلاف ألف درهم) وأخذ يتردد كثيرا على هشام بن عبد الملك ، حتّى قيل أنّه كان يتطاول على هشام ، فخطب في الكوفة ذات يوم وقد جاء في خطبته : (والله ما إمارة العراق مما يشرّفني). (1)
فلمّا سمع هشام بن عبد الملك غضب عليه وكتب إليه يقول : (بلغني يابن النصرانية إنّك تقول : إنّ إمارة العراق ليست مما يشرفك ، صدقت والله ، ما شيء يشرّفك وكيف تشرّف وأنت دعي إلى بجيلة ، القبيلة ، القليلة ، الذليلة ، أما والله إنّي لأضن أنّ أوّل ما يأتيك ضغن من قيس فيشد يديك إلى عنقك). (2) ثمّ عزله ، وقيل : إنّ جماعة أرادوا قتل الوليد بن يزيد ، فطلبوا من خالد القسريّ أن يشاركهم في قتله فرفض ذلك ثمّ ذهب إلى الوليد وقال له : يا أمير المؤمنين دع الحجّ هذا العامّ ، وقال له الوليد : ممّن تخاف؟
اذكر لي أسمائهم. فقال خالد : قد نصحتك ولن أبوح بأسمائهم. فقال له الوليد : إذن سوف أبعث بك إلى عدوّك يوسف بن عمر ، عندها أرسله ليوسف بن عمر فعذّبه حتّى قتله. (3) وقيل عزل خالد القسريّ عن العراق سنة (120) (4) للهجرة عزله هشام بن عبد الملك ، وعيّن مكانه يوسف بن عمر.
__________________
(1) أبو الفرج الأصبهاني ـ الأغاني. ج 22 / 25.
(2) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج 8 / 83.
(3) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج 5 / 430.
(4) صالح خريسات ـ تهذيب تاريخ الطبري. ص 422. وابن الجوزي ـ المنتظم. ج 7 / 200. وابن الأثير ـ الكامل. ج 5 / 219. وابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق. ج 7 / 370. وتاريخ ابن خلدون. ج 3 / 140. والترمانيني ـ أحداث التاريخ الإسلاميّ. ج 1 / 753. ومحمّد مختار باشا ـ التوفيقات الإلهامية. ج 1 / 152.
وجلس خالد القسريّ يوما مع أصحابه وخواصّه وطلب منهم أن يحدثوه عن الحبّ أحاديث لا فحش فيها ، فقال أبو حمزة اليماني : كان فتى من العرب يسمّى (مالك بن نصر) وكانت له ابنة عمّ يحبّها وتحبّه يقال لها (الرباب) وكانت جميلة وذات عقل وكمال ، فبينما هما ذات يوم يتناجيان أخذ مالك يبكي ، فسألته (الرباب) عن سبب بكائه فقال لها : أخاف أن أموت وتتزوجين بعدي فتعاهدا سوية على أن لا يتزوج أيّ منهما إذا مات مدى الحياة ، ثمّ خرج مالك مع قتيبة بن مسلم الباهلي إلى خراسان ، وفي إحدى المعارك طعن برمح فسقط عن فرسه وهو يقول : (1)
ألا ليت شعري من غزال تركته
إذا ما أتاه مصرعي كيف يصنع؟
أيلبس أثواب السواد تسليّا
على مالك أم فيه للبعل (2) مطمع؟
فلو أنّني كنت المؤخّر بعده
لما لبثت نفسي عليه تقطع
ثمّ مات مالك من أثر طعنته تلك وحزنت عليه الرباب حزنا شديدا كاد أن يؤدي بحياتها ، وكانت لا تهدأ من النوح والبكاء عليه ، فرّق لها أهلها وعزّ أمرها فزوجوها ظنّا منهم أن يكون في ذلك سببا لسعادتها ، ولمّا كانت الليلة الّتي ستزفّ بها الرباب إلى عريسها نامت هنيئة فرأت في منامها مالكا وهو واقف أمام الباب وهو يقول : (3)
حييت ساكن هذا الدار كلّهم
إلّا الرباب فإنّي لا أحييها
استبدلت بدلا غيري وقد علمت
أنّ القبور تواري من ثوى فيها
فاستيقضت الرباب مذعورة وقصّت على أمّها ما رأته فهدئتها أمّها ،
__________________
(1) سعيد الكرمي ـ قول على قول. ج 5 / 275.
(2) البعل : الزوج.
(3) سعيد الكرمي ـ قول على قول. ج 5 / 275.
ثمّ نامت الرباب وإذا بخيال مالك يعود اليها ثانية وهو يقول : (1)
قد كنت أحسبها للعهد راعية
حتّى تموت وما جفّت مآقيها
أمست عروسا وأمسى مسكني جدثا
حتّى تموت فإنّي لا ألاقيها
أمسيت في حفرة يبلى الحديد بها
لا يسمع الصوت نفسا من يناديها
فانتبهت الرباب من نومها مذعورة ومزّقت ثياب عرسها وعاهدت الله أن لا يجتمع رأسها مع رأس رجل ما عاشت ، ثمّ حزنت حزنا شديدا وماتت بعد ذلك بقليل.
قتل خالد بن عبد الله القسريّ سنة (126) (2) للهجرة ، قتله يوسف بن عمر ودفن في ناحية (الحيرة) وكان عمره ستين سنة ، وقال فيه أبو الأشعث العبسيّ : (3)
ألا أنّ خير الناس حيّا وميتا
أسير ثقيف عندهم في السلاسل
65 ـ عبد الملك بن جزء بن حدرجان :
هو : عبد الملك بن جزء بن حدرجان الأزدي ، وهو من أهل فلسطين. (4)
استخلفه خالد بن عبد الله القسريّ على إمارة الكوفة سنة (106) (5) للهجرة ، ثمّ عزله واستخلف مكانه إسماعيل بن أوسط البجليّ.
وكان عبد الملك بن حدرجان في مكّة ، وقد التقى به حميد بن مسلم
__________________
(1) نفس المصدر السابق.
(2) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج 7 / 248. وابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق. ج 7 / 370. والذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج 5 / 430. وابن العماد ـ الشذرات. ج 1 / 169.
(3) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج 5 / 432.
(4) تاريخ خليفة بن خياط. ج 2 / 535.
(5) نفس المصدر السابق.
الأزدي ، فدار الحديث بينهما عن يوم (عين الوردة) (1) فقال عبد الملك : من أعجب ما رأيت في ذلك اليوم (بعد هلاك القوم) أنّ رجلا (2) جاء وهجم عليّ بسيفه ، فخرجنا إليه وقد عقر وهو يقول : (3)
إنّي من الله إلى الله أفرّ
رضوانك اللهم أبدي وأسرّ
فقلت له : ممن أنت؟ قال : من بني آدم. فقلنا له : ممن؟ قال : (لا أحبّ أن أعرفكم ، ولا أن تعرفوني ، يا مخربي البيت الحرام). (4)
ثم هجم عليه الناس فقتلوه ، فو الله ما رأيت رجلا قط أشجع منه. ثمّ دمعت عينا حميد بن مسلم ، فسأله عبد الملك : هل بينك وبينه قرابة؟ فأجابه حميد : لا ، هو رجل من مضر ، كان لي صديقا. فقال عبد الملك بن حدرجان : لا أرقأ الله دمعك ، أتبكي على رجل من مضر ، قتل على ضلالة؟
فقال حميد : لا والله ، ما قتل على ضلالة ، ولكنه قتل على بيّنة من ربّه وهدى ، فقال له عبد الملك : أدخلك الله مدخله. فأجابه حميد : آمين ، وأدخلك الله مدخل حصين بن نمير (5) ، ثمّ لا أرقأ الله لك عليه دمعا ، ثمّ افترقا.
66 ـ إسماعيل بن أوسط البجليّ :
استخلفه خالد بن عبد الله القسريّ على إمارة الكوفة ، وذلك بعد
__________________
(1) عين الوردة : وهي المعركة الّتي حدثت بين التوابين وبين عبيد الله بن زياد سنة 64 للهجرة ، وقد قتل فيها سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن نجبه الفزاري وجماعة آخرين.
(2) الرجل : هو عبيدة بن سفيان المزنيّ.
(3) تاريخ الطبري. ج 5 / 607.
(4) نفس المصدر السابق.
(5) حصين بن نمير الكوفي : وهو أحد قادة عبيد الله بن زياد ، قتله المختار بن عبيد الثقفيّ.
عزل عبد الملك بن جزء بن حدرجان الأزدي. (1) وهو من مدينة حمص من أهل الشام.
وإسماعيل هذا من أعوان الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، ومن عتاة أصحابه ، وهو ثقفي أيضا. وبعد أن انتصر الحجّاج في معركة (دير الجماجم) أخذ الحجّاج يقتل كلّ من اشترك مع عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث في حروبه ، لذلك أخذ يطارد ويبحث عن الأشخاص الّذين حاربوه ، وكان من جملة هؤلاء (سعيد بن جبير) (2) فأوعز الحجّاج إلى إسماعيل بن أوسط وإلى الملتمس بن الأحوص ، وإلى جماعة آخرين من ثقات أصحابه ، وطلب منهم أن يأتوه بسعيد بن جبير أينما وجدوه ، فأخذوا يسألون عنه هنا وهناك ، إلا أنّه لا أحد يرشدهم إليه.
وذات يوم مرّوا بصومعة فيها راهب ، فسألوه عن سعيد بن جبير ، فقال الراهب : أمّا سعيد بن جبير فإنّي لا أعرفه ، ولكنّي شاهدت البارحة شخصا أوصافه كذا وكذا ، توضأ من هذه البئر ، وصلّى ركعتين ، ثمّ سار في هذه البرية ، فأخذوا يتعقبون أثره ، حتّى وجدوه ساجدا ، فسلموا عليه ، فردّ السلام عليهم بعد الفراغ من صلاته ، ثمّ قالوا له : إنّ الحجّاج يطلبك ولا بدّ من الذهاب معنا ، ثمّ رجعوا إلى الدير وقد حلّ الظلام فقال لهم الراهب : ادخلوا الدير وأغلقوا الباب ، فإنّ المكان فيه سباع ، ووحوش ضارية فدخلوا الدير ، وأمتنع سعيد بن جبير عن الدخول إلى الدير ، فسألوه عن
__________________
(1) تاريخ خليفة بن خياط. ج 1 / 358. والزركلي ـ الأعلام. ج 2 / 31.
(2) سعيد بن جبير : كوفي ، وهو أحد الأعلام البارزين في الفقه والتفسير والحديث ، ثار مع عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث على الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، وبعد معركة (دير الجماجم) هرب سعيد بن جبير إلى مكّة فقبض عليه خالد بن عبد الله القسريّ (أمير مكّة آنذاك) وأرسله إلى الحجّاج فقتله وكان عمره (49) سنة وقيل (50) سنة. (ابن سعد ـ الطبقات. ج 6 / 275 ، وياقوت الحموي ـ معجم الأدباء. ج 3 / 163 ، وابن العماد ـ الشذرات. ج 1 / 108).
السبب فقال : لا أحبّ أن ادخل منزلا لا يصلّي فيه أهله الصلاة الخمس ، فادخلوا أنتم ، وإنّي أعطيكم عهد الله وميثاقه أن لا أترك مكاني هذا حتّى الصباح فتركوه ، ولمّا مضى من اللّيل بعضه ، وإذا بأسد ولبوة (1) ، قد توجها نحو سعيد بن جبير فقربا منه وهما يزئران ، ثمّ بعد ذلك ابتعدا عنه قليلا ، ثمّ ربضا على الأرض فصاح الراهب : أنظروا يا قوم إلى صاحبكم!! أنظروا إلى سعيد بن جبير قائما يصلّي والأسد واللبوة رابضان بالقرب منه ، فتعجبوا من ذلك وقال بعضهم لبعض : بأيّ وجه نلقى الله غدا إذا ذهبنا بهذا الرجل إلى الحجّاج وقد يقتله؟ ولمّا أصبح الصباح خرج الراهب من صومعته وأسلم على يد سعيد بن جبير ، ثمّ جاءت جماعة الحجّاج وقالوا لسعيد : أيّها الرجل الصالح ، إنّ الحجّاج أخذ علينا الأيمان المغلظة أن نأتيه بك إذا وجدناك فأمرنا بالذي ترغب وتشاء ، فقال سعيد : إذا كنتم قد حلفتم ، وأعطيتم المواثيق ، فلا بدّ من الذهاب إلى الحجّاج. ولمّا وصلوا إلى (واسط) حيث كان الحجّاج هناك ، دخل عليه إسماعيل بن الأوسط (2) ، وأخبره بأنّ سعيد بن جبير على الباب ، ثمّ حدثه بما رآى فغضب الحجّاج وقال لإسماعيل : أخرج وآتني به ، فلمّا دخل سعيد بن جبير على الحجّاج قال له الحجّاج : (لا مرحبا بك يا رأس النفاق). (3) فقال سعيد : المنافق من كان من شيعة المنافقين ، فقال الحجّاج : صدقت يا شقي. قال : بل أنا سعيد بن جبير!! قال الحجّاج : بل أنت شقي ابن كسير. قال سعيد : كانت أمّي أعرف بي منك. قال الحجّاج : لقد شقيت أمّك حين ولدتك. قال سعيد : (العلم يعلمه غيرك). ثمّ وبعد محاورة طويلة بين الحجّاج وسعيد بن جبير ، قال الحجّاج : اضربوا عنقه.
__________________
(1) اللبوة : أنثى الأسد.
(2) الذهبي ـ تاريخ الإسلام. ج 7 / 322.
(3) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج 7 / 161.
وقيل : إنّ الحجّاج ندم بعد ذلك على قتل سعيد بن جبير وكان لا يهدأ له قرار ، ويستيقظ من نومه مرعوبا وهو يقول : ما لي ولسعيد بن جبير!!.
مات سعيد بن أوسط البجليّ سنة (117) (1) للهجرة.
67 ـ عبد الله بن عمرو البجليّ :
استخلفه خالد بن عبد الله القسريّ على إمارة الكوفة في سنة (117) للهجرة تقريبا وذلك بعد عزل إسماعيل بن أوسط البجليّ عنها ، ثمّ عزله وولّى أخاه عاصم بن عمرو البجليّ. (2)
68 ـ عاصم بن عمرو البجليّ :
استخلفه خالد بن عبد الله القسريّ على إمارة الكوفة وذلك بعد عزل أخيه عبد الله بن عمرو البجليّ ، ثمّ عزله واستخلف مكانه ضبيس بن عبد الله البجليّ. (3)
69 ـ ضبيس بن عبد الله البجليّ :
استخلفه خالد بن عبد الله القسريّ على إمارة الكوفة وذلك بعد عزل عاصم بن عمرو البجليّ. ثمّ عزله ، واستخلف مكانة نوف الأشعري. (4)
__________________
(1) الذهبي ـ التاريخ الإسلاميّ. ج 7 / 322.
(2) تاريخ خليفة بن خياط. ج 2 / 536.
(3) تاريخ ابن خياط. ج 2 / 536.
(4) المصدر السابق. ج 1 / 358.
70 ـ نوف الأشعري :
استخلفه خالد بن عبد الله القسريّ على إمارة الكوفة ، وذلك بعد عزل ضبيس بن عبد الله البجليّ ، ثمّ عزله ، واستخلف زياد بن عبيد الله الحارثي. (1)
71 ـ زياد بن عبيد الله الحارثي :
وهو : زياد بن عبيد الله بن قطن بن زياد بن الحارث بن ربيعة بن كعب وينتهي نسبه إلى قحطان الحارثي. (2) وكنيته : أبو يحيى ، استخلفه خالد ابن عبد الله القسريّ على إمارة الكوفة ، وذلك بعد عزل نوف الأشعري ، ثمّ عزل خالد القسريّ عن إمارة العراقين سنة (120) (3) للهجرة.
وعند ما جاء يوسف بن عمر أميرا على الكوفة سنة (120) للهجرة ، كان أميرها آنذاك زياد بن عبيد الله الحارثي ، فسأله يوسف بن عمر : من أنت؟ قال : زياد النجراني ، فخلى سبيله ، ثمّ أرسل على طارق (خليفة خالد القسريّ) فحبسه. (4)
وزياد الحارثي هو : خال الخليفة العباسي (أبو العباس السفّاح) ، ذهب إلى الشام واتّصل بخالد بن عبد الله القسريّ ، ولمّا تولّى خالد إمارة العراق من قبل هشام بن عبد الملك سنة (105) للهجرة ، ذهب زياد الحارثي إلى
__________________
(1) تاريخ ابن خياط. ج 1 / 358.
(2) ابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق. ج 9 /؟
(3) تاريخ ابن خياط. ج 1 / 358.
(4) ابن بكار ـ الأخبار الموفقيات. ص 295.
الكوفة فولّاه خالد (المعونة) في (الريّ) (1) ثمّ ولّاه الشرطة.
وقيل : إنّ خالد القسريّ قال لزياد الحارثي : (إذا سمعت بي قد ولّيت العراق فالحق بي). (2) ولم تمض أيّام حتّى ولي خالد القسريّ العراق والمشرق كلّه فذهب زياد إلى الكوفة ودخل على خالد فرحّب به كثيرا وأعطاه ستمائة دينار ، ثمّ بقي زياد أياما في الكوفة يتردد خلالها على خالد.
وذات يوم أخبره خالد بأنّه قد ولّاه خراج (الريّ) وذلك بعد سنة (105) للهجرة (3) ، وعند ما حوصر يزيد بن عمر بن هبيرة في (واسط) من قبل الجيوش العباسية ، كان زياد الحارثي وزياد بن صالح الحارثي مع ابن هبيرة ، وقالا لابن هبيرة : دعنا نذهب إلى أبي جعفر المنصور لنصلح بينكما ، وحينما ذهبا إلى أبي جعفر المنصور طلبا العفو والأمان لهما ولم يفعلا شيئا لأبن هبيرة ، كان ذلك سنة (132) (4) للهجرة.
ولمّا بويع أبو العباس السفّاح بالخلافة في الكوفة سنة (132) للهجرة ، ولّاه إمارة مكّة والمدينة والطائف واليمامة بعد موت أميرها السابق داود بن عليّ ، ثمّ أقرّه أبو جعفر المنصور على ولايته ، عند ما جاء بعد أخيه السفّاح إلى الخلافة. (5) وقيل مات داود بن عليّ سنة (133) للهجرة (أمير المدينة) فولّى أبو العباس السفّاح مكانه خاله زياد الحارثي. وأضاف له مكّة والطائف واليمامة. (6) كما وحجّ بالناس في هذه السنة (أعني سنة 133
__________________
(1) الريّ : عاصمة خراسان وهي كبرى مدنها.
(2) تاريخ الطبري. ج 7 / 27.
(3) نفس المصدر السابق.
(4) المصدر اعلاه. ج 7 / 454.
(5) ابن الأثير ـ الكامل. ج 5 / 448.
(6) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج 7 / 321. وابن الأثير ـ الكامل. ج 5 / 448.
للهجرة) هو زياد الحارثي. (1)
وفي شهر رجب من سنة (141) للهجرة غضب أبو جعفر المنصور على زياد الحارثي فعزله عن المدينة ومكّة والطائف واليمامة ، ثمّ صادر أمواله وحبسه وكان سبب ذلك اتّهامه بمحاباته لمحمّد بن عبد الله بن الحسن ابن الحسن بن عليّ بن أبي طالب (النفس الزكية) وأخيه إبراهيم ، وعدم اهتمامه بالقبض عليهما. (2) وولّى مكانه محمّد بن خالد القسريّ ، وقال زياد الحارثي لما عزله المنصور : (3)
ولو أنّي بليت بهاشمي
خؤولته بنو عبد المدان
صبرت على عداوته ولكن
تعالي فانظري بمن ابتلاني؟!
وفي سنة (144) للهجرة أمر أبو جعفر المنصور بحبس عبد الله بن الحسن (المحض) (4) ، وأولاده وأخوته فحصلت مشادّة كلاميّة بين عبد الله وبين أبي جعفر المنصور وأراد المنصور أن يقتله فتدخل زياد الحارثي وقال لأبي جعفر المنصور : (هبه لي يا أمير المؤمنين ، فأنا آتيك بولديه). (5) وجيء إلى زياد بن عبد الله الحارثي عند ما كان أميرا على المدينة بسلال خبيص ، هدية (6) فظنّ زياد أنّها رطبا ، فقال : ضعوها وادعوا مساكين المسجد ليأكلوا منها. ولمّا فتحت السلال وإذا بها الخبيص يابس ، فغضب زياد وقال : اذهبوا بهؤلاء (7) إلى السجن ، فقالوا : ولم أصلح الله الأمير؟!. قال : (لأنّكم تقيلون (
__________________
(1) ابن الجوزي ـ المنتظم. ج 7 / 322.
(2) ابن الأثير ـ الكامل. ج 5 / 507. ومحمّد مختار باشا ـ التوفيقات الإلهامية. ج 1 / 173.
(3) الزمخشري ـ ربيع الأبرار. ج 3 / 40.
(4) المحض : لأن جد عبد الله لأبيه هو الحسن بن عليّ عليهالسلام وجده لأمه هو الحسين بن عليّ عليهماالسلام.
(5) تاريخ الطبري. ج 7 / 523.
(6) الخبيص : الحلوى المخبوصة.
(7) هؤلاء : الّذين جاؤوا بالخبيص اليابس ، لأنهم استهزئوا بالمصلين وبزياد الحارثي.
(
القيلولة : النوم في الظهيرة ، أو الاستراحة في الظهيرة (الاضطجاع).
في المسجد وتصلون بغير وضوء).
وقيل : إنّه قال : (اضربوا كل واحد منهم عشرة أسواط ، فقد بلغني أنّهم يفسون في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم) (1) فقالوا : (نحلف بالله ألّا ندخل المسجد أبدا). (2)
72 ـ طارق بن أبي زياد :
وكان طارق بن أبي زياد (خليفة) خالد بن عبد الله القسريّ على الكوفة. وعند ما (3) أراد هشام بن عبد الملك أن يعزل خالد القسريّ عن العراق ، كتب إلى يوسف بن عمر : (سر سرا ، أميرا على العراق ، وأشفني من أبن النصرانية (4) وعماله). (5)
وحينما علم طارق (نائب خالد القسريّ) ذهب إلى (واسط) لملاقاة خالد هناك ، فقال له خالد : كيف جئت بدون موافقتي؟ فأخبره طارق بخبر مجيء يوسف بن عمر أميرا على العراق بدلا منه ، فقال له خالد : وما هو الرأي يا طارق؟ قال طارق : أرى أن تذهب إلى الخليفة هشام بن عبد الملك (بنفسك) وتعتذر منه عمّا سمعه عنك ، وإذا رآك استحيا منك ، وزال منه ما كان عليك في نفسه وأنت لك منزلة عنده.
فقال خالد : لا يمكنني الذهاب إلى الخليفة قبل أخذ موافقته. قال طارق : فأرسلني إليه حتّى آتيك بموافقته ، فقال خالد : ولا هذا أيضا. قال
__________________
(9) الآبي ـ نثر الدر. ج 3 / 294.
(10) التوحيدي ـ البصائر والذخائر. ج 4 / 178.
(11) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج 5 / 430.
(12) ابن النصرانية : هو خالد القسريّ.
(13) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج 5 / 430.
طارق : أذهب (أنا) إلى الخليفة وأضمن له ما فاته من أموال عن السنين الماضية ، وآتيك بعهدك. فقال خالد : وكم هو المال؟ قال طارق : مائة ألف ألف. فقال خالد : ومن أين آتي بهذا المبلغ وأنا لا أملك عشرة آلاف درهم؟. قال طارق : أتحمّل أنا وسعيد (1) بن راشد أربعين ألف ألف ، وأبان والزيني عشرين ألف (2) ألف ، وباقي المبلغ نوزعه على (العمّال) (3) الآخرين ، فرفض خالد أيضا ، عند ذلك بكى طارق وودّع خالد القسريّ وقال له : هذا آخر ما نلتقي بالدنيا ، ثمّ رجع إلى الكوفة. (4)
ولمّا وصل يوسف بن عمر إلى (النجف) في شهر جمادي الآخرة من سنة (120) للهجرة ، طلب إحضار طارق فجيء به ، فلمّا رآه يوسف بن عمر ، أمر بضربه خمسمائة سوط ، وقيل مات طارق من التعذيب! (5)
ثم جاء يوسف بن عمر إلى الكوفة ، فذهب إلى الجامع فصلّى فقرأ : (إذا وقعت الواقعة) ، ثمّ قرأ : (وسأل سائل) ثمّ أرسل إلى خالد القسريّ وأصحابه فحبسهم. (6)
ومرّ طارق (صاحب شرطة خالد القسريّ) (7) بأبن شبرمة (
، وكان طارق في موكب عظيم فلمّا رآه ابن شبرمة ، تنفس الصعداء وقال :
__________________
(1) سعيد بن راشد : كان يتقلد سقي الفرات.
(2) أبان والزيني : أحد الأمراء التابعين للكوفة ، وكان أميرا على واسط.
(3) العمال : المقصود بهم أمراء البصرة وواسط وعمال الخراج.
(4) ابن الأثير ـ الكامل. ج 5 / 222.
(5) ابن خلكان ـ وفيات الأعيان. ج 7 / 103.
(6) ابن الأثير ـ الكامل. ج 5 / 223. والذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج 5 / 431.
(7) وقد ذكر صاحب العقد الفريد : بأن طارق كان واليا على البصرة عند مروره بموكبه على ابن شبرمة.
(
أبن شبرمة : هو عبد الله بن شبرمة بن حسّان الضبي وكنيته : أبو شبرمة الكوفي ، ولي القضاء لهشام بن عبد الملك في الكوفة. ولد سنة (72) للهجرة ومات سنة (144) للهجرة.
أراها (1) وإن كانت تحبّ كأنّها
سحابة صيف عن قريب تقشع
ثمّ قال : (اللهم لي ديني ولهم دنياهم). ثمّ عيّن ابن شبرمة بعد ذلك قاضيا في الكوفة ، فقال له ابنه : أتذكر يوم مرّ بك طارق في موكبه وقلت ما قلت؟ فقال أبوه : (يا بنيّ إنّهم يجدون مثل أبيك ، ولا يجد مثلهم أبوك ، إنّ أباك أكل من حلوائهم ، وحطّ في أهوائهم). (2)
وكان طارق (أمير الكوفة) قد ختن ولده فأهدوا له : ألف عتيق ، وألف وصيف ، وألف جارية ، ما عدا الثياب والأموال. (3)
73 ـ يزيد بن خالد القسريّ :
هو يزيد بن خالد بن عبد الله القسريّ (4). كان مع أبيه (خالد) في العراق (5). ولّاه هشام بن عبد الملك إمارة (العراقين) سنة (120) للهجرة مكان أبيه خالد القسريّ ، وولّى في هذه السنة نصر بن سيّار بلاد خراسان بأجمعها. (6)
ولمّا ولّي يزيد بن خالد القسريّ إمارة الكوفة ، سار بهم سيرة الحجّاج بن يوسف الثقفيّ ، فأخذ أموال الناس دون حقّ ، وقتل الرجال بلا رحمة ، ولا هوادة ، حتّى شكاه الناس إلى هشام بن عبد الملك فعزله. وولّى
__________________
(1) ابن قتيبة ـ عيون الأخبار. ج 1 / 56. وابن عبد ربه الأندلسي ـ العقد الفريد. ج 1 / 81. والجاحظ ـ البيان والتبيين. ج 3 / 146.
(2) نفس المصدر السابق.
(3) الذهبي ـ سير أعلام النبلاء. ج 5 / 431.
(4) وقد مرّ نسبه عند ذكر نسب أبيه خالد القسريّ ص 167.
(5) أبو الفرج الأصفهاني ـ الاغاني. ج 1 / 22. وابن منظور ـ مختصر تاريخ دمشق. ج 7 / 369. والمزن ـ تهذيب الكمال. ج 9 / 108.
(6) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج 8 / 107.
مكانه يوسف بن عمر ، وأمره أن يأخذ يزيد بن خالد القسريّ فيعذّبه أشدّ عذاب ويأخذ منه الأموال الّتي جباها من أهل العراق. (1) فجاء يوسف بن عمر ونزل في (الحيرة) ، وجيء بيزيد بن خالد من البصرة ، فأخذ منه أموالا كثيرة ، وأخذ يعذّبه ليعترف بالأموال الباقية ، وهدّده بالقتل إن لم يدفعها. فقال له يزيد بن خالد : لا تسرع بقتلي ، فإن لي بذمة زيد بن عليّ ابن الحسين ، ومحمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب ، وداود بن عليّ بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، وإبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف ، وأيوب بن سلمة بن عبد الله المخزومي (وكان هؤلاء جميعهم حينذاك في الشام عند هشام بن عبد الملك). فكتب يوسف بن عمر إلى هشام بن عبد الملك ليعلمه بذلك ، فدعاهم هشام ، فأنكروا ما ادعاه يزيد بن خالد ، ثمّ بعد ذلك أرسلهم هشام إلى يوسف بن عمر ليجمع بينهم ويتوصل إلى حقيقة الأمر. ولمّا وصلوا إلى الكوفة ، سألهم يوسف بن عمر عن الأموال الّتي استودعها لديهم يزيد بن خالد القسريّ ، فأنكروا ذلك ، ثمّ أحضر يزيد بن خالد فقال له يوسف بن عمر : هؤلاء القوم ، الّذين ادعيت إنّك استودعتهم الأموال ، فماذا تقول؟ فقال يزيد بن خالد : (ما لي عندهم قليل ولا كثير ولا دعوة ولا طلبة). فغضب يوسف بن عمر فأودعه السجن ، وأخذ يعذّبه حتى مات. (2)
هذا وقد ذكر أكثر المؤرخين بأنّ يزيد بن خالد القسريّ قد قتل في
__________________
(1) وذكر البعقوبي بتاريخه أن هشام بن عبد الملك أرسل يوسف بن عمر إلى الكوفة وأمره أن يقبض على خالد بن عبد الله القسريّ (وليس أبنه يزيد) وأن يأخذ منه ستّة وثلاثين ألف ألف درهم. (تاريخ اليعقوبي. ج 2 / 323).
(2) ابن أعثم الكوفي ـ الفتوح. ج 8 / 110.