الأسلحة العربية الإسلامية القديمة
ملخص المقال
الأسلحة العربية الإسلامية القديمة لها شهرة كبيرة خاصَّةً التي شاع استخدامها منذ غزاوت النبي صلى الله عليه وسلم، فما أشهرها؟ وما الوصف البياني الصحيحالأسلحة العربية الإسلامية القديمة
قيمة الأسلحة وأهميتها:
استعمل العرب المسلمون الأسلحة العربيَّة الإسلاميَّة في غزوات النبيِّ صلى الله عليه وسلم وسراياه، وفي معارك حروب الردَّة، وفي معارك الفتح الإسلامي العظيم، وفي معارك استعادة الفتح، وفي المعارك الدفاعية عن البلاد الإسلامية، وفي معركة (عين جالوت) بقيادة قطز على التتار، وفي معارك صلاح الدين الأيوبي على الصليبيِّين.
وكان من نتائج غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه، التي استمرَّت سبع سنوات فقط (الرسول القائد، ص423) توحيد شبه الجزيرة العربية تحت لواء الإسلام، لأوَّل مرَّةٍ في التاريخ، ولربَّما لآخر مرَّة أيضًا؛ إذ لم يوحِّدها غيره حتى اليوم.
وكان من نتائج معارك حروب الرِّدَّة التي استمرَّت سنة أو بعض السنة: إعادة الوحدة إلى شبه الجزيرة العربيَّة تحت لواء الإسلام، وإعادة الوحدة إلى صفوف المجاهدين التي لولا إعادتها لَمَا كان الفتح الإسلامي ممكنًا، ولظلَّ العرب في ديارهم يتَّخذون خطَّة الدِّفاع، والمدافع لا ينتصر أبدًا.
وكان من نتائج معارك الفتح: فتح بلادٍ شاسعةٍ تمتدُّ من الصين شرقًا إلى قلب فرنسا غربًا، ومن سيبيريا شمالًا إلى المحيط جنوبًا، وإحراز انتصارات حاسمة على أعظم إمبراطوريَّتين: الفرس والروم، وغيرهما من الأمم العريقة. وكان من نتائج معارك استعادة الفتح: إعادة فتح البلاد التي انتقضت إلى حظيرة الدولة الإسلامية من جديد بعد انتقاضها. وكان من نتائج المعارك الدفاعية عن البلاد الإسلامية: بسط الحماية القادرة على تلك البلاد، وصدُّ غارات المعتدين والطامعين عنها.
وكان من نتائج معركة (عين جالوت): كسرُ شوكة تعرُّض التتار الكبير لأوَّل مرَّة على بلاد المسلمين، وصدُّهم عن تنفيذ خطَّتهم المتعرِّضة للسيطرة على سائر بلاد المسلمين. وكان من نتائج جهاد صلاح الدين الأيوبي: تحرير كثيرٍ من البلاد العربية من سيطرة الصليبيِّين، وكان على رأس البلاد المحرَّرة مدينة القدس، والمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الطاهرين.
وكان استعمال العرب المسلمين للأسلحة العربية الإسلامية القديمة سببًا من أسباب انتصارهم في تلك المعارك على أعدائهم، فمن المفيد معرفة هذه الأسلحة وأساليب استعمالها؛ لمعرفة سببٍ من أسباب انتصار المسلمين في مسيرتهم الطويلة المظفَّرة، ولتفصيل المعارك القتاليَّة التي استُعملت فيها هذه الأسلحة من أجل تقريبها إلى الأفهام، وهذا التفصيل مفيدٌ للغاية في إعادة كتابة تاريخ المعارك العربية الإسلامية من جديد بأسلوبٍ واضحٍ خالٍ من التعقيد.
بساطة الأسلحة العربية وتطوُّرها:
والأسلحة العربية الإسلامية كثيرة العدد، وازداد عددها كمًّا ونوعًا بالتدريج، ولم تبقَ على ما هي عليه من أيَّام غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه إلى المعارك الدفاعية؛ بل تطوَّرت وتكاثرت يومًا بعد يوم.
لقد كان العرب المسلمون يتحلون بمزية (المرونة) في القضايا العسكرية عامَّةً؛ في التسليح، والقضايا التعبويَّة، والتنظيميَّة، وأساليب القتال. وكمثالٍ على ذلك، فإنَّ خالد بن الوليد رضي الله عنه اقتبس أسلوب الكراديس -قبل معركة اليرموك- نتيجةً لاستطلاعه الشخصي لقوَّات الرُّوم قبل أن ينشب القتال، وخرج في تعبيَّةٍ لم تُعبِّها العرب من قبلُ في ستَّةٍ وثلاثين كُردوسًا إلى الأربعين (الطبري، 3/396)، وباشر القتال بهذا الأسلوب القتالي، فأحرز النصر على الروم في تلك المعركة الحاسمة.
وما كان خالد لينتصر على الروم لو جَمُد على أسلوب العرب القتالي القديم؛ الكرِّ والفرِّ، وأسلوب الصفوف، ولكنَّه اقتبس من الرُّوم ما وجده صالحًا لجيش المسلمين في القتال، وطبَّقه فورًا، ولم يبقَ جامدًا على الأساليب القتالية القديمة.
كذلك كان العرب المسلمون يقتبسون صنوف الأسلحة من أعدائهم، كما كان أعدائهم يقتبسون منهم صنوف الأسلحة -نتيجةً للمعارك التي يخوضونها- فكانت هجرة الأسلحة من جانبٍ إلى جانب من جملة الدروس المستفادة من تلك المعارك.
لقد كانت أسلحة المسلمين عند ظهور الإسلام في غاية البساطة؛ رماحهم من مُرَّان (شجر تُتَّخذ من فروعه رماح فيها صلابة ولدونة)، وأسنَّتهم من قرون البقر، يركبون الخيل في الحرب أعراء، فإن كان الفرس ذا سرجٍ فسرجه رِحاله (سرج من جلدٍ بلا خشب) من أَدَم (الجلد غير المدبوغ، ويُطلق على المدبوغ أيضًا)، ولم يكن ذا ركاب، والرِّكاب من أجود آلات الطَّاعن برمحه، والضارب بسيفه، وكان فارسهم يطعن بالقناة الصمَّاء، بينما الجوفاء أخفُّ حملًا وأشدُّ طعنةً، وكانوا يفخرون بطول القناة، ولا يعرفون الطعن بالمطارد (جمع مطرد، وهو الرمح القصير)؛ وإنَّما القنا الطوال للرجَّالة والقصار للفرسان، وكانوا في ابتداء الفتح الإسلامي لا يعرفون الرُّتيلة (آلة تقذف الحصيات على العدو)، ولا العرَّادة (آلة تُشبه المنجنيق)، ولا المجانيق، ولا الدبَّابات، ولا الخنادق، ولا الحَسَك (خناجر تُصنع من الحديد الصلب، لها شعب تغرز أنصبتها في الأرض حول المعسكر، أو حول الموضع الدفاعي، حتى إذا دبَّ العدوُّ إلى المعسكر أو الموضع، أنشبَّت في أرجل الخيل أو الرجَّالة، فتمنعهم من الدنو)، ولا يعرفون الأقْبِيَة (جمع قباء: ضربٌ من الثياب أخذتها العرب من الفرس)، ولا السراويلات، ولا تعليق السيوف، ولا الطبول، ولا البنود (جمع بند، والبند: العلم الكبير)، ولا التجافيف (جمع التِّجفاف، بكسر التاء؛ آلة يُغَطَّى بها الفارس والفرس في الحرب للوقاية)، ولا الجواشن (الجواشن: صدور الدروع، وقد تُطلق على الدرع كلِّه)، ولا الرمي بالمنجنيقات، ولا الزرق بالنفط والنيران.
تلك بعض مطاعن الشعوبيَّة على العرب بشأن آلات الحرب، كما نقلها الجاحظ في كتابه: (البيان والتبيين: 3/13-16)، وردَّ عليها (3/17-24)، ولا أرى في هذا المطاعن شيئًا يستحقُّ الردَّ؛ فهي مفاخرٌ لا مطاعن، كفى العرب فخرًا أنَّهم تغلَّبوا على أعدائهم بهذه الأسلحة البسيطة البدائيَّة، بينما كانت أسلحة أعدائهم أفضل من أسلحتهم، فالأهمُّ من السلاح اليد التي تستخدمه، وقد انتصر العرب المسلمون بهذه الأسلحة البدائيَّة بفضل الأيدي المتوضِّئة التي استخدمتها في القتال.
ومن المعروف في تاريخ السلاح في العالم أنَّ السلاح ينتقل من أمَّةٍ إلى أخرى بعد انكشاف أمره وفضح أسراره، وبمجرَّد استعماله في المعركة لا يبقى سرًّا من الأسرار العسكريَّة؛ بل يُصبح معروفًا للصديق والعدوِّ معًا.
والمنهاج الذي أعتمده في هذه الدراسة يهدف إلى التركيز على أهميَّة دراسة الأسلحة العربيَّة القديمة، للدلالة على الطريق فحسب، تاركًا للباحثين سلوكه؛ لأنَّ الدخول في تفصيلات سلاحٍ واحدٍ كالسيف مثلًا، يستغرق كتابًا مستقلًّا ووقتًا طويلًا.
ولكن لابُدَّ من التطرُّق إلى أنواع الأسلحة، وخاصَّةً المهمَّة منها، مع شيءٍ من الوصف لها؛ لنُعين الدارس على سلوك الطريق.
التدريب على السلاح:
لا قيمة لأيِّ سلاحٍ من الأسلحة إلَّا باستعماله، والتدريب على استعمال السلاح تدريبًا راقيًا دائبًا هو الذي يؤدِّي إلى استعماله بكفائة، والمقاتل المدرَّب على استعمال سلاحه هو وحده يستطيع استعماله بنجاح، أمَّا المقاتل غير المدرَّب فلا يستفيد من سلاحه كما ينبغي، والمدرَّب يستطيع التغلُّب على غير المدرَّب بسهولة ويسر، ومن الضروري أن يثق المقاتل بسلاحه، والثقة تتمُّ بالتدريب على استعمال السلاح، فإذا كان المقاتل لا يثق بسلاحه لضعف تدريبه أو لضعف السلاح، فإنَّ مصير هذا المقاتل مصيرٌ لا يُحسد عليه.
وقد كان العرب قبل الإسلام يتدرَّبون على استعمال السلاح، ولكن لم يكن تدريبهم إلزاميًّا؛ فكان منهم من يتدرَّب ومنهم من لا يتدرَّب بحسب رغبته وهواه، فلمَّا جاء الإسلام أمر بالتدريب وحثَّ عليه؛ لأنَّ الجهاد فرضٌ على كلِّ مسلمٍ قادرٍ على حمل السـلاح، فالمسلمون كلُّهم جندٌ في جيش المسلمين، يُجاهدون في سبيل الله لتكون كلمته هي العليا.
وقد وردت أحاديثٌ كثيرةٌ في الحثِّ على الرمي، والرمي كما هو معروف، هو الاختبار العملي للتدريب على السلاح، فإذا كان الرامي (هدَّافًا) كان ذلك دليلٌ على تدريبه المتقن الراقي، وإذا كان الرامي (وَسَطًا) كان تدريبه وسطًا -أيضًا-، أمَّا إذا كان (ضعيفًا)، فهو ضعيفٌ في تدريبه.
فقد مرَّ الرسول صلى الله عليه وسلم على نَفرٍ مِن (أَسْلَم) -إحدى القبائل العربيَّة- يَنْتَضِلون بالسُّوق، فقال: "ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا، ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلَانٍ"، فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا لَكُمْ لَا تَرْمُونَ؟"، فقالوا: "كيف نرمي، وأنت معهم؟"، فقال: "ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ" (رواه أحمد والبخاري).
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ" (رواه أحمد). وقال عليه الصلاة والسلام: "مَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ، ثُمَّ تَرَكَهُ، فَلَيْسَ مِنَّا" (رواه أحمد). وقد شوهد كثيرٌ من الأئمَّة وكبار العلماء يُمارسون الرمي بعد أن بلغوا الشيخوخة المتقدِّمة، ومنهم: الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، فإذا سُئلوا عن سبب هذه الممارسة أو لمحوا استغراب الناس ممَّا يفعلون، أجابوا المتسائلين والمتغرِّبين بهذا الحديث النبويِّ الشريف، ومعنى هذا الحديث أنَّ المسلم يجب أن يمضي في تدريبه على السلاح من المهد إلى اللحد دون توقُّفٍ بسبب العمر أو العمل أو غيرهما من أسباب.
وعن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ الْجَنَّةَ: صَانِعَهُ الَّذِي يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرُ، وَالَّذِي يُجَهِّزُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالَّذِي يَرْمِي بِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ"، وقال: "ارْمُوا وَارْكَبُوا، وَأَنْ تَرْمُوا خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا"، وقال: "كُلُّ شَيْءٍ يَلْهُو بِهِ ابْنُ آدَمَ فَهُوَ بَاطِلٌ، إِلَّا ثَلَاثًا: رَمْيَهُ عَنْ قَوْسِهِ، وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ، وَمُلَاعَبَتَهُ أَهْلَهُ". (رواه الخمسة: التِّرمذي، والنَّسائي، وأبو داود، وابن ماجه، وأحمد).
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كانت بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم قَوْسٌ عربيَّة، فرأى رجلًا بيده قوسٌ فارسيَّة، فقال: "مَا هَذِهِ؟ أَلْقِهَا، وَعَلَيْكَ بِهَذِهِ وَأَشْبَاهِهَا، وَرِمَاحِ الْقَنَا؛ فَإِنَّهُمَا يُؤَيِّدُ اللهُ بِهِمَا فِي الدِّينِ، وَيُمَكِّنُ لَكُمْ فِي الْبِلَادِ" (رواه ابن ماجه). وعن عمرو بن عنَبسَة، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَهُوَ لَهُ عَدْلٌ مُحَرَّرٌ -مثل عتق رقبةٍ حرَّرها" (رواه الخمسة، وصحَّحه الترمذي).
وبالإمكان اتِّخاذ أهداف التصويب عليها في التدريب على الرمي من الأحجار أو الأخشاب وسائر المواد التي لا روح فيها؛ فقد لعن النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَن اتَّخذ شيئًا فيه الروح غرضًا، وقال عليه الصلاة والسلام: "لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا -هدفًا يُرمى بالسِّهام"، (رواه مسلم وأحمد والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجه). ودخل أنس بن مالك رضي الله عنه دار الحكم بن أيوب، فإذا قومٌ نصبوا دَجاجةً يرمونها، فقال: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ" (رواه البخاري ومسلم وأحمد).
وكان الذي يُجيد الرماية في عهد الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام يُشار إليه بالبنان، ويُرفع ذكره بين الناس؛ فسَعْد بن أبي وقاص رضي الله عنه كان يرمي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد، وكان أرمى الناس، فكان يجمع له الرسول صلى الله عليه وسلم أبويه ويقوله له: "ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي" (البخاري ومسلم). قال سعد: "جمع لي النبي صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أُحُد" (فتح الباري شرح البخاري: 7/66).
وإنَّ من مهرة الرُّماة يوم أُحُد سَهْل بن حُنَيْف رضي الله عنه الذي بايع النبي صلى الله عليه وسلم على الموت، وجعل ينضح عنه بالنَّبل حتى كشف الناس فكان عليه الصلاة والسلام يقول لأصحابه: "نَبِّلُوا سَهْلًا" (أسد الغابة: 1/365)، أي: اعطوه نبلكم.
وكان رماة المسلمين يوم أُحُد خمسين، ويومها رمى النبي صلى الله عليه وسلم عن قوسه (الكَتُوم) حتى صار شظايا، فرمى بالحجر، (ابن سعد: 2/29)، وكسر أبو طلحة يومئذٍ قوسين أو ثلاثة (البخاري شرح القسطلاني: 5/95).
هؤلاء الهدَّافون ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم وذكرهم أصحابه، ولا يزال ذكرهم يُضيء صفحات التاريخ وكتب الرجال بالتقدير والثناء؛ لأنَّ أحدهم كان هدَّافًا ماهرًا في الرمي.
ولا أعرف عقيدةً عسكريَّةً غير العقيدة العسكريَّة الإسلاميَّة أمرت بالتَّدريب على السلاح، ونهت عن التخلُّف عنه، وشجَّعت المتفوِّقين فيه، وكرَّمتهم في حياتهم وبعد موتهم، ممَّا أدَّى إلى تفوُّق المسلمين في التدريب على استخدام أسلحتهم، ومهارتهم في استعمالها في ميادين القتال، ومن الواضح أنَّ حرص المسلمين على التدريب وتفوُّقهم فيه، كان سببًا من أسباب انتصارهم في المعارك التي خاضوها.
الأسلحة الفرديَّة القديمة:
(أ) القــوس والسَّــهم:
أولًا- القــوس:
القوس في الأصل؛ عودٌ من شجرٍ جبليٍّ صلب، يُحنى طرفاه بقوَّة، ويُشدُّ فيهما وترٌ من الجلد أو العصب الذي يكون في عنق البعير، وهو يُشبه إلى حدٍّ ما قوس المنجِّدين في هذه الأيَّام، وكان العرب يُسمُّونها الذِّراع؛ لأنَّها في طولها، ولذا كانوا يتَّخذون منها وحدةً للقياس، فيقيسون بها المذروع، ومن ذلك قوله تعالى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9]؛ أي قدر قوسين عربيَّين أو قدر ذراعين.
وعلى الرامي إذا أراد الرمي أن يُمسك وسط القوس باليسرى، ثُمَّ يُثبت السهم في وسط الوتر باليمنى، ثم يجذب إليه مساويًا مرفقه الأيمن بكتفه، مسدِّدًا بنظره إلى الهدف، فإذا بلغ الوتر نهايته تركه من أصابعه، فاندفع إلى وضعه الأوَّل، دافعًا أمامه السهم إلى هدفه.
ثانيًا- السَّهم:
القوس للرامي كالبندقيَّة، والأسهم كطلقاتها، ولابُدَّ للرامي من أن يحتفظ في كِنانته بعددٍ من الأسهم عند القتال، والسَّهم والنبل والنشاب ... أسماءٌ لشيءٍ واحد، وهو عودٌ رفيعٌ من شجرٍ صلبٍ في طول الذراع تقريبًا، يأخذه الرامي فينحته ويُسوِّيه، ثم يفرض فيه فِراضًا دائريَّة ليركب فيها الريش، ويشده عليها بالجلد المتين، أو يلصقه بالغراء ويربطه، ثم يُركِّب في قمَّته نصلًا من حديدٍ مدبَّب، له سنَّتان في عكس اتِّجاهه، يجعلانه صعب الإخراج إذا نشب في الجسم.
وأجود الخشب للقوس والسهم ما اجتمع فيه الصلابة والخفَّة ورقَّة البشرة وصفاء الأديم، وكان طويل العرق غير رخوٍ ولا متنفِّش، وأجود الخشب بالمشرق عود الشوحط، وبالأندلس الصنوبر الأحمر الخفيف.
والأصل في السهام أن يُرمى بها عن بُعد، سواء أكان ذلك في ميدانٍ مكشوفٍ أم من وراء الأسوار والحصون، وهو سلاح قتال فتَّاك، وخاصَّةً إذا سُقي نصله السم، وفي بعض الأحيان كانت السهام تُستعمل كأداةٍ للتخاطب، يَكتب عليها راميها ما يشاء، ثم يرميها لمن يشاء، حفظًا للسِّرِّيَّة.
(ب) الرُّمح:
كان العربي يتَّخذ رمحه من فروع أشجارٍ صلبة، أشهرها النبع والشوحط، وأحيانًا كان يأخذه من القصب الهندي المجوَّف بعد تسوية عُقده بالسكين، وتركيب نصلٍ من حديدٍ في رأسه، والرمح سلاحٌ عريقٌ في القدم، شاع استعماله عند الشعوب القديمة، وكان أكثر شيوعًا عند الأمم التي ترتاد الصحراء، ومنهم العرب، وكان للرماح أطوال مختلفة، تتراوح بين الأربع أذرع والخمسة والعشرة وما فوقها؛ الرماح الطوال خاصَّة بالفرسان حيث تُساعدهم الخيل على حملها، أمَّا النيازك أو المطارد وهي الرماح القصيرة فقد يستعملها الراجل والفارس أيضًا.
وفي اللغة العربيَّة الفصحى أنَّ الحربة والنيزك والمزراق والمطرد والعَنَزة كلَّها أسماءٌ لشيءٍ واحد، وهي القِصَار من الرماح التي لم تبلغ أربعة أذرع، وهي أشبه شيءٍ بالعصا. وكان العرب يعنون بالرمح، ويفضِّلون القناة الصماء على الجوفاء لصلابتها وغنائها في المعارك، فيُوالون دهنها بالزيت لتُحافظ على مرونتها ولدونتها.
وطريقة حمل الرمح كانت في الغالب: الاعتقال؛ وهو خاصٌّ بالفرسان، وهو جعل الرمح بين الركاب والسَّاق (نهاية الأرب: 6/218)، بحيث يكون النصل لأعلى والزج لأسفل، على أنَّه كان لقسمٍ من القبائل العربيَّة طرائقٌ خاصَّةٌ في حمله؛ فــ (بنوا سُلَيْم) كانوا إذا ركبوا يضعون رماحهم بين آذان خيلهم، و(الأوس والخزرج) كانوا يحملونها عليها مستعرضة، أمَّا (قريش) فكانوا يحملون رماحهم على عواتقهم (ابن هشام: 3/252). وكان المسلمون يقضون وقتًا طويلًا في التدريب على استخدام الرماح؛ إمَّا بمطاردة الوحوش وطعنها بها، وإمَّا بإعداد حلقةٍ من الحديد تُسمَّى (الوترة)؛ يتمرَّنون على الطعن داخلها، حتَّى حَذِقُوا الطعن بها.
(ج) السيف:
السيف أشرف الأسلحة عند العرب وأكثرها غناءً في القتال، يُحافظ العربي على سيفه ولا يكاد يُفارقه، وقد امتلأت بتمجيده أشعارهم، وجاوزت أسماؤه المائة في لغتهم، وهو آخر الأسلحة استعمالًا في المعركة بعد القوس والرمح؛ وذلك أنَّ القتال يكون أوَّل أمره بالسهام عن بُعْد، ثم تطاعُنًا بالرماح عند المبارزة واقتراب الصفوف، ثم تصافُحًا بالسيوف عند الاختلاط، ثم تضاربًا بالأسلحة البيضاء، وخِلسًا بالخناجر عند الالتحام والاختلاط ... (نهاية الأرب: 6/238)؛ فهو الذي يُحدِّد مصير المعركة، وعلى حسن بلائه تتوقَّف نهايتها.
ويكفي لبيان فضل السيف قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: "الْجَنَّةُ تَحْتَ ظِلَالِ السِّيُوفِ" (رواه الحاكم، شرح الجامع الصغير للمناوي: 1/249).
وسيوف العرب أنواعٌ كثيرةٌ تختلف باختلاف صنَّاعها وأماكن صنعها، أشهرها: السيف اليماني نسبةً إلى اليمن، والهندي أو الهندواني أو المهنَّد، وهو المصنوع في الهند، وهو يلي اليماني بالجودة، والمشرفي المنسوب إلى مشارف الشام، والقَلَعي نسبةً إلى القلعة وهي حصنٌ بالبادية، والبُصْرَوِي المنسوب إلى بُصْرى بالشام.
وطريقة حمل السيف تكون بتعليقه في الأكتاف والعواتق، ولِذَا يُقال: تقلَّد سيفه؛ أي جعله كالقلادة، وذلك بحمله على الكتف الأيمن وتركه متدلِّيًا في جنبه الأيسر، أمَّا إذا كان الفارس يحمل سيفين فإنَّه يتقلَّد بأحدهما ويجعل الآخر في وسطه، وقد علَّق كلُّ واحدٍ منهما في حمَّالته محفوظًا في قرابه الجلدي.
(د) الخنجر:
وهو معروفٌ، يحمله المحارب في منطقته، أو تحت ثيابه، فإذا اختلط بآخر طعنه به خلسة، وقد كان قسمٌ من نساء المسلمين يحملن الخناجر في الغزوات المختلفة تحت ثيابهنَّ للدفاع الشخصي.
(هـ) الدبُّوس:
وبعضهم يُسمِّيها (المِطْرَقة)؛ وهي عصا قصيرة من الحديد، لها رأس حديدٍ مربَّعٍ أو مستدير، وهي في العادة للفرسان يحملونها في سروجهم ويُقاتلون بها عند الاقتراب.
(و) الفأس أو البلطة:
وهو سلاحٌ له نصلٌ من الحديد، مركَّبٌ في قائمٍ من الخشب، كالبلطة العاديَّة، بحيث يكون النصل مدبَّبًا من ناحية، ومن الناحية الأخرى رقيقًا مشحوذًا كالسكِّين.
الأسلحـة الجماعية القديمة:
(أ) المنجنيق والعَرَّادة:
هذا السلاح شديد النكاية بالأعداء، بعيد الأثر في قتالهم، فبحجارته تُهدم الحصون والأبراج، وبقنابله تُحرق الدور والمعسكرات، وهو يُشبه سلاح المدفعيَّة الحديثة. والعَرَّادة آلةٌ من آلات الحرب القديمة، وهي منجنيقٌ صغير.
وقد كان الإنسان أوَّل مرَّةٍ يُحارب بالحجر يرميه بيده، ثم اتَّخذ المقلاع بعد ذلك لتكون رميته بعيدة قويَّة، ثم فكَّر في طريقةٍ لرمي حجارةٍ أكبر ولهدفٍ أبعد، فهداه تفكيره إلى المنجنيق، واتَّخذه أوَّلًا على هيئة (الشَّادوف) الذي يسقي به قسمٌ من الفلاحين زرعهم، وهو عبارةٌ عن رافعة، محول الارتكاز فيها في الوسط، والقوَّة في ناحية والمقاومة في أخرى، على أن يكون ثقل الحجارة هو المحرِّك له، بحيث إذا هوى الثقل ارتفع الشيء المرميُّ في كفَّته.
وقد جُعل في أوَّل أمره على شكل قاعدةٍ من الخشب السميك، مربَّعة أو مستطيلة، يرتفع في وسطها عمودٌ خشبيٌّ قوي، ثم يُركَّب في أعلاه ذراع المنجنيق قابلًا للحركة كذراع الشَّادوف، بحيث يكون ربعه تقريبًا للأسفل، يتدلَّى منه صندوق خشبي مملوءٌ بالرصاص والحجارة والحديد أو نحوها، ويختلف حجمه باختلاف المنجنيق، وتكون ثلاثة أرباع الذراع للأعلى، تتدلَّى من نهايتها شبكة مصنوعة من حبالٍ قويَّة، يُوضع فيها الحجر المراد قذفه، وعند القذف به يُجذب أعلى الذراع إلى الأرض بقوَّة الرجال، فيرتفع الثقل المقابل من الحجارة والرصاص والحديد الذي بالصندوق، ثم تُترك الذراع فجأةً فيهوي الثقل، ويرتفع أعلى الذراع بالشبكة قاذفًا ما فيها من الحجارة إلى الهدف المعيَّن.
وبمرور الزمن، شمل التحسين هذا السلاح؛ فصار يُصنع من القاعدة المتقدِّمة نفسها، وفوقها قاعدةٌ أخرى على شكل مربَّعٍ ناقص ضلع من أسفل، ثم تُركَّب ذراع المنجنيق في وسط السَّطح العلوي لهذه القاعدة، بحيث تكون قابلة للحركة، وبحيث يكون ثقل الرصاص في الناحية القصيرة السُّفلى، ثم يُسحب الذراع كما سبق ذكره وتترك فجأة فيهوي الثقل بشدَّة، وتصدم الذراع بالعارضة السفلى في المربع، فتقذف الشبكة ما فيها بشدَّة لاصطدام الذِّراع بالحائط الخشبي.
وبعد أن شاع استعمال هذا السِّلاح لحقه كثيرٌ من التطوير، فعُرف منه نوعٌ قويٌّ يعمل بقوَّة الأوتار؛ وهو عبارةٌ عن قاعدةٍ مصنوعةٍ من كتلٍ خشبيَّةٍ ضخمة، تُجرُّ بقوَّة الرجال على الزّحَّافات أو العجلات الصغيرة، وقد ارتفعت القاعدة من ناحية على شكل جدارٍ خشبي، وثُبِّت الذراع في أسفل القاعدة القابلة للحركة، وخلفها وَتَرٌ قويٌّ مُستعرَض يمنع سحبها للخلف، بينما ربطت بحبالٍ مثبتَّةٍ إلى مؤخِّرة القاعدة تجذبها إلى الخلف، وعند الرمي يلفُّ الرجال العمود الخشبي المربوط به الذِّراع، فتجذب الذِّراع إلى الخلف، فيمتدُّ الوتر الذي خلفها إلى نهايته، ثم يوضع الجسم المراد رميه في كفَّة الذِّراع، ثم تُفكُّ الحبال الخلفيَّة مرَّةً واحدة، فيجذبها الوتر بقوَّةٍ عند انكماشه، فتصدم الذراع بالحائط الخشبي المثبت أمامها بقوة، فترمي رميتها كأبعد وأقوى ما يكون الرمي.
ولم يستجدِ العرب في الجاهلية المنجنيق، وأوَّل من استعمله الرسول صلى الله عليه وسلم في حصار مدينة الطائف (ابن الأثير: 2/266).
(ب) الدبَّابة:
الدبابة آلة تُتَّخذ للحرب وهدم الحصون (الوسيط: 1/268)، وسُمِّيت بذلك لأنَّها تدبُّ حتى تصل إلى الحصون، ثم يعمل الرجال الذين بداخلها في ثقب أسوارها بالآلات التي تحفر. والضَّيْرُ هي الدبابة تُتَّخذ من خشبٍ يُغشَّى بالجلد، يحتمي بها الرجال ويتقدَّمون بها إلى الحصون لدقِّ جدرانها ونقبها (الوسيط: 1/533).
وكانت الدبَّابة أوَّل الأمر عبارةً عن هودجٍ مصنوعٍ من كتلٍ خشبيَّةٍ صلبة، على هيئة برجٍ مربَّع، له سقفٌ من ذلك الخشب ولا أرض له، وبين كتل البرج مسافاتٌ قليلةٌ يستطيع الرجال العمل من خلالها، وقد ثُبِّت هذا الهودج على قاعدةٍ خشبية، لها عجلات أربع أو أكثر، أو بكرات صغيرة كالعَجَل، متَّخذين منها درعًا يقيهم سهام الأعداء من فوق الأسوار، أو دفعوها وهم بداخلها، فإذا ألصقوها بالسُّور عملوا من داخلها بمساعدة آلات الحفر الحديدية، على نقض حجارة السور، من الموضع الذي أوهنته حجارة المنجنيق، وكلما نقضوا منه قدرًا علَّقوه بدعائم خشبية، حتى لا ينهار السور عليهم. فإذا فرغوا من عمل فجوة متسعة فيه، دهنوا الأخشاب بالنفط، ثم أشعلوا فيها النار، وانسحبوا إلى الدبابة، فإذا احترقت الأخشاب انهار السور مرة واحدة، تاركًا ثغرة صالحة للاقتحام منها.
واستعمل النبي صلى الله عليه وسلم الدبابة في غزوة حصار الطائف (الطبري: 3/84)، ثم أدخل المسلمون عليها كثيرًا من التحسينات، حتى صارت ضخمة كثيرة العَجَل، فجعلوها برجًا مرتفعًا بارتفاع السور، وبداخلها سلالم مستعرضة تنتهي إلى شرفات فيها، تُقابل شرفات الحصن، فيصعد الرجال في أعلاها، ويستعلون على السور وينتقلون من شرفاتها إليه، ثم يطردون منه رماة الأعداء.
وبمرور الزمن زاد المسلمون من حجم الدبابة، فصاروا يصنعونها كبيرةً بحيث تُجرُّ على ستِّ عجلاتٍ أو ثماني عجلات، وتتَّسع الواحدة لعشرة رجال أو أكثر، يعملون بها على نقب السُّور، فهي سلاحٌ يتعاون مع المنجنيق.
(ج) رأس الكَّبْش وسُلَّم الحصار:
يُحمل رأس الكبش داخل برجٍ خشبي، أو داخل دبَّابة، وهي عبارةٌ عن كتلةٍ خشبيةٍ ضخمة مستديرة، يبلغ طولها حوالي عشرة أمتار أو أكثر، قد رُكِّب في نهايتها ممَّا يلي العدو رأسٌ من الحديد أو الفولاذ، تُشبه رأس الكبش تمامًا بقرونها وجبهتها، كما يركب السنان الحديدي على الرمح الخشبي، وتتدلَّى هذه الكتلة من سطح البرج أو الدبابة، محمولة بسلاسل أو حبال قويَّة تربطها من موضعين، فإذا أراد الجُند هدم سور أو باب قرَّبوا البرج منه، ثم وقفوا داخله على العوارض الخشبية، ثم يأخذون في أرجحة رأس الكبش للخلف والأمام، وهو معلَّقٌ بالسلاسل، ويصدمون به السور عدَّة مرَّات حتى تنهار حجارته، فيعملون على نقبه وهدمه.
وفي كثيرٍ من الحالات، كان رأس الكبش يُحمل داخل الدبَّابة الكبيرة ذات البرج في الجزء السفلي منها، لاستخدامه عند الحاجة إليه. أما السُلَّم، فهو من آلات الحصار أيضًا، وهو يُساعد المحاصِر على اعتلاء الأسوار وفتح مغالين الحصون، وبمرور الزمن صارت السلالم تُصنع من الأخشاب والحديد، مرتفعة بارتفاع السور تقريبًا، يصعد فيها الرجال بعد أن يسندوها إلى السور من مكانٍ أمين.
واهتمَّ المسلمون بالسلالم لأهميَّتها في اعتلاء الأسوار واقتحام الحصون، فطوَّروها وأدخلوا التحسينات عليها، فصار السُّلَّم بعد ذلك يُصنع على قاعدةٍ خشبيةٍ كبيرة تُساعد على إثباته، وأحيانًا كان يُقام عليها سُلَّمان يلتقيان في النهاية العلوية، ليدْعم كل منهما الآخر، وجعلوا لهذه القاعدة بكرات من خشب أو عجلات ثابتة؛ ليسهل بها نقله من مكانٍ إلى آخر، ثم أكثروا من أعداد السُّلَّم في الجيوش، وصار من أهمِّ آلات الحصار كالمنجنيق والدبَّابة وغيرهما.
أسلحة النصر:
لم يبقَ للأسلحة العربيَّة الإسلاميَّة القديمة من أثرٍ في الحروب الحاضرة؛ فقد تخطَّاها الزمن إلى أسلحةٍ تُضاعف الخسائر وتُطيل أمد الحرب وتُلقِ الويلات بالغالب والمغلوب، ولكنَّ هذه الأسلحة القديمة تبقى بالنسبة إلى العرب والمسلمين أسلحة النصر التي تُذكِّرهم بماضيهم المجيد.
ولا تزال قسمٌ من الأمم الحديثة تحتفظ في متاحف السلاح بكامل أسلحتها القديمة على اختلاف أنواعها، تُذكِّرها بتاريخها الحربي، وقد أحسنت قسمٌ من الدول العربيَّة صنعًا بإنشاء متاحف لأسلحتها القديمة، فأصبحت تلك المتاحف مصدرًا للدَّارسين وعبرةً للمعتبرين.
إنَّ معرفة الماضي هي وحدها تُطوِّع لنا تصوُّر المستقبل، وتُوجِّه جهودنا إلى الغاية الجديرة بتراثنا العظيم؛ فالماضي والحاضر والمستقبل وحدةٌ لا سبيل إلى انفصامها، ومعرفة الماضي هي وسيلتنا لتشخيص الحاضر ولمعرفة المستقبل.
والسلاح العربي الإسلامي جزءٌ لا يتجزَّأ من العسكريَّة الإسلاميَّة عقيدةً وتاريخًا، ولغةً وسلاحًا، وهذه العسكريَّة هي (روح) انتصاراتنا وفخر تاريخنا، فلابُدَّ من دراسة تلك الأسلحة ومعرفة أنواعها وأساليب استخدامها وتأثيرها المباشر في الحرب، فذلك يُوضِّح المعارك العربيَّة والإسلاميَّة ويُقرِّبها إلى الأفهام.
وقد دأب المؤرِّخون القدامى المعتمدون على السكوت عن وصف خواصِّ الأسلحة وكيفيَّة عملها في المعركة، وخاصَّةً الأسلحة الجماعيَّة كالمنجنيق والدبَّابة مثلًا، وسكوتهم قد يكون سببه معرفتهم الكاملة لخواصِّها وتشغيلها لأنَّها كانت معروفةً يومئذٍ .. أمَّا اليوم فقد اختلف الأمر؛ فأصبح ما كان معروفًا قبل قرونٍ غير معروفٍ اليوم، فلابُدَّ من السعي الحثيث لتعريف خواصِّ الأسلحة وآليَّتها، بدراسة كتب الأسلحة القديمة ونشرها، وبدراسة الأسلحة المتيسِّرة في المعارض والمتاحف العربيَّة والأجنبيَّة، فنُضيف دراسةً عسكريَّةً للأسلحة العربيَّة الإسلاميَّة القديمة تُفيدنا كثيرًا في دراساتنا التاريخيَّة وفي إعادة المعارك العسكريَّة العربيَّة الإسلاميَّة.
___________________