الأسلحة القديمة بين أصالة التراث وركب التطور الحضاري
تشير معظم الحرف التقليدية القديمة إلى أصالة بلدنا وعراقته، فهي لا تقتصر على الجماليات الفنية فقط، وإنما تتألق تاريخياً كقيمة معنوية، ومثال على ذلك مهنة “تصليح الأسلحة”. وتتيح “القرية التراثية” في أبوظبي لروادها من المواطنين والمقيمين في الدولة وزوارها السياح الاطلاع على نماذج من الأسلحة التراثية الطابع والحديثة الصنع. بل تتيح لهم متابعة الحرفيين خلال تصليح أسلحة قديمة مثل السيوف والخناجر على اختلاف أنواعها وأعمارها فثمة أسلحة عمرها نحو 400- 500 عام وأكثر، يحرص أصحابها على ترميمها وصيانتها دورياً. أدوات عديدة يقول ابن زعل- استشاري تراث البيئة البرية: “إن من لايجيد صناعة الأسلحة كالخناجر والسيوف قد لا يجيد إصلاحها بحرفية لأن عملية إصلاح أو صيانة الأسلحة تتصل بمعرفة أجزاء السلاح ومادته التي صنع منها، فعلى سبيل المثال إن إصلاح الخناجر الحديدية والمعدنية وسواها، تختلف كلياً عن إصلاح اعوجاج السيف، أو الخنجر الذهبي أو الفضي، حيث تحتاج إلى أدوات تقليدية صغيرة ناعمة لا تخدش سطحه، كذلك تجب العناية الشديدة بالسلاح أثناء إصلاحه لئلا تنكسر زاوية نصله، أو يفقد بالمطرقة زخارفه الجميلة، إلى جانب مراعاة استخدام أدوات تختلف باختلاف الجزء المراد إصلاحه من السيف أو الخنجر، فالفرق شاسع بين معالجة وصيانة مقبض السيف ونصله”. يسترسل ابن زعل معدداً الأدوات المستخدمة في إصلاح تلك الأسلحة. ويقول: “تتوفر لدى مصلّح الأسلحة التراثية ذات أدوات صناعة الأسلحة، فلربما احتاج إليها بجانب أدواته التقليدية خلال الصيانة والترميم، وهي (المطرقة والسندان والمقص والشفت والمنشار والمهبش والمسّن والمشال والبوطي والقالب والغاز والمفتق والمخرز) وهي أدوات تتراوح بين سندان ومطارق متنوعة وورق حفّ وتشذيب ومقصات”. أنواع مختلفة يمارس عبدالرحيم عبود مهنة الحدادة وصناعة وإصلاح الأسلحة في القرية التراثية، بعد أن ورث هذه المهنة عن والده، يقول: “مارس الأجداد والآباء مهنة تصــليح الأسلحة المتصلة بتراثنا، وقد ورثتها بدوري عن أبي الذي اشـتهر بصناعة وإصلاح الأسلحة الشــعبية على اخـتلاف أنواعها المحلي الإماراتي والعماني والجنبية اليمنية وغيرها من الأسلحة التي أوشــكت تندثر بفعل التطور الحضاري، لذا فإن إصلاح الأسلحة القديمة هو حماية لها من الاندثار وتـعزيز لقيمتها التراثية”. تختلف أسماء وأنواع الأسلحة التي يصلحها عبود، يقول في ذلك: “أصلّح مختلف أنواع السيوف والخناجر المحلية الساحلية أو البدوية أوالمصنوعة من الذهب والفضة، أو الخناجر اليمنية “الجنبية” التي تختلف بتصميمها عن الخناجر المحلية والعمانية اختلافاً كلياً، فهذه الأخيرة تتوفر منها العديد من الأنواع مثل السعيدية والنزوانية والصورية، وهناك تصاميم أخرى كقرن الزرافة والمحني وقرن العاج والحادّ والصندلي وغيرها من التصاميم التي تختلف في شكلها أو انحناءة نصلها أو قوامها”. إقبال السياح ويضيف: “يحتاج السيف إلى يوم كامل لإصلاحه لأن استخدام الأدوات التقليدية غير الحديثة خلال الصيانة يتطلب الحرص الشديد بحسب المواد الخام المصنوع منها السلاح، أما الخنجر الصغير فيحتاج إلى نصف يوم لإصلاحه. إذ ثمة سيف أو خنجر تقدّر قيمته بعشرين ألف درهم لأنه من الفضة، وثمة سيف يقدّر ثمنه حوالى مئة ألف درهم لأنه مصنوع كاملاً من الذهب أو نصله أو مقبضه أو غمده، بينما صيانة وإصلاح هذه الأسلحة لاتتجاوز عشرات الدراهم، وغالباً تتراوح بين (30-300) درهم بحسب الجزء المطلوب إصلاحه أو بحسب خامة السلاح نفسه”. إلى ذلك، لا تستهوي السيوف الصغيرة والخناجر العرب فقط، بل إنها القطع الأكثر مبيعاً للسياح الأجانب الذين يقتنونها بأحجام صغيرة جداً لتزيين جدران وزوايا بيوتهم أو كهدايا تذكارية.