اختتمت أمس الأول المحاضرات المصاحبة لمعرض «مال لول» الذي يغلق أبوابه غدا الخميس. وتم في ختام المحاضرات تقديم عرضين، الأول بعنوان «ترميم الأسلحة القديمة» لمحمد رشدي، أمين مقتنيات متحف السلاح بالدوحة، فيما ألقت المحاضرة الثانية الدكتورة مي عيسى علي رئيس التدريب المهني بدار الإنماء الاجتماعي التابعة لمؤسسة قطر، وكانت بعنوان «العلاقة بين الفن والعلوم والتكنولوجيا عبر الحضارات». فبخصوص محاضرة محمد رشيدي، أكد هذا الأخير في بداية الحديث أن السلاح يعكس بصورة واضحة حضارات مختلفة، استطاع الإنسان بواسطته الدفاع عن نفسه, واستطاع أيضا تطوير أسلحته من خلال الخامات والمواد الموجودة في بيئته، مشيراً إلى أن هذا الأمر كان هو مصدر الاهتمام بالسلاح الذي تفنن الإنسان في صناعته من أجل إبراز القيم الثقافية والجمالية المختلفة للشعوب والتي عكستها زخارف الأسلحة القديمة كموروثات حضارات كثيرة، حيث دلت بعض قطع السلاح على فترات زمنية هامة وثقت الزخارف والكتابات الموجودة على نصال السيوف والخناجر وفوهات ومواسير البنادق والمسدسات. وأشار رشدي إلى أن السلاح احتل مكانة هامة في حياة العرب الذين حرصوا على اقتناء قطع السلاح سواء للدفاع عن النفس أو كتحف. من جانب آخر، تناولت المحاضرة جوانب عدة تتعلق بترميم الأسلحة القديمة، حيث انطلق في البداية للتعريف بأنواع الأسلحة التي حددها في الأسلحة البيضاء والسيوف والخناجر والتروس والدروع والفؤوس والهراوات والخوذ والواقيات والرماح والحراب وغيرها، باعتبارها أسلحة تقليدية، فيما حدد أنواع الأسلحة النارية في البنادق والمدافع وحاويات البارود وغيرها، ليعرج للحديث حول المكونات الرئيسية للأسلحة القديمة مثل المعادن والحديد والنحاس والفضة والذهب والقصدير والرصاص والجلود والأخشاب والأحجار. وبخصوص تلف الأسلحة القديمة، أشار محمد رشدي إلى أن هذا الأمر يرجع إلى وجود طبقات من الصدأ على أسطح المعادن المكونة للأسلحة وجفاف أو حموضة الجلود بالأسلحة وتآكل وتشقق الأخشاب بالأسلحة ووجود الفطريات بالأسلحة وتلف الأحجار الموجود بقطع السلاح. وقبل الحديث عن طرق علاج وترميم الأسلحة القديمة، أعطى المحاضر نبذة عن مفهوم الترميم التي قال إنها تعني إعادة القطعة إلى حالتها الأصلية من خلال عملية علاج تتضمن التخلص من مظاهر التلف التي تسببها عوامل التلف، مشيراً إلى أن طرق العلاج تختلف على حسب حالة قطعة السلاح الفنية ونوعها والعناصر والمواد المكونة لقطعة السلاح, كما تتطلب عملية الترميم مرممين في غاية المهارة للمحافظة على الأثر وعدم إحداث خدوش أو تشققات به خلال عملية الترميم التي تستلزم القيام بعدة خطوات بدأ من جمع المعلومات حول قطعة السلاح المراد ترميمها من الناحية التاريخية ومن الناحية الفنية وعمليات الترميم السابقة للقطعة لتبدأ بعد ذلك عملية التسجيل الفوتوغرافي للقطعة, ويكون بالصور والفيديو للاستعانة به في خطة العلاج، ليتم بعد ذلك المرور إلى عملية التقوية التي تروم استعادة قطعة السلاح لقوتها في الحالات التي تكون بها مكونات قطعة السلاح متآكلة وغير متماسكة نتيجة تأثرها الشديد بعوامل التلف، فعملية التنظيف تتم بطريقتين, الأولى تسمى الطريقة الميكانيكية والثانية تسمى الطريقة الكيميائية, حيث قال المحاضر إنه يفضل أولا استخدام الطريقة الميكانيكية، علما بأن طرق الترميم تختلف باختلاف أنواعها والمواد المكونة لكل قطعة وترميم المعادن المكونة لقطع السلاح. وفي الجزء الأخير من المحاضرة فصل المحاضر شيئا ما في طرق ترميم الأسلحة من خلال المعادن المكونة لها، حيث أشار إلى أن لكل معدن طريقته الخاصة في الترميم. فبخصوص الحديد الذي يعد مكونا رئيسيا في الأسلحة القديمة، قال محمد رشدي إن هذا المعدن يتأثر بالرطوبة والصدأ الذي يؤدي إلى تكون هيدروكسيدات الحديدوز والحديديك, وفي حالة وجود قطعة السلاح في جو به نسبة رطوبة عالية ونسبة أملاح خصوصا في المتاحف القريبة من البحار فإن الظروف تكون مهيأة لحدوث تفاعلات كهروكيميائية تسير بعملية الصدأ خطوات أخرى, مما قد يتسبب في تحول الحديد من فلز إلى مركبات معدنية, وهذه الزيادة ينتج عنها في كثير من الحالات تآكل قطعة السلاح وتفتتها، حيث يتم اللجوء إلى الطرق اليدوية والميكانيكية وأيضا الكيمائية للترميم, خاصة بعد التأكد من خلو قطعة السلاح من مركبات الكلوريد. كما توقف المحاضر عند طرق علاج الجوهر الذي يعني الخطوط المتداخلة المتباينة الألوان والأشكال على صفحات السيوف, والتي تتفرع إلى أنواع ما بين الجوهر الدمشقي والفارسي والهندي، هذا إلى جانب الحديث عن ترميم النحاس وسبائكه بالأسلحة القديمة، حيث أشار إلى أنه يعتبر أحد أهم المكونات الرئيسية للأسلحة ويتأثر بعوامل التلف من ارتفاع في درجات الحرارة والرطوبة, ويظهر على سطح الأسلحة التي تحتوي على النحاس أو البرونزية طبقات من الصدأ, وتتأثر الأسلحة المحتوية على النحاس أو البرونز بغاز الأوكسجين الموجود بالجو, وتتكون على أسطحها طبقة من أكسيد النحاس الأحمر, ومع وجود ارتفاع في درجة الحرارة والرطوبة في الجو واستمرار تعرض هذه الأسلحة لهذه الظروف تتكون على سطوحها طبقات أخرى من الصدأ, حيث يتحول أكسيد النحاس الأحمر إلى معدن الكبريت وتتداخل معه طبقات أخرى من كربونات النحاس القاعدية الخضراء (الملاكيت) أو الزرقاء (الأزوريت) بالإضافة إلى كلوريد النحاسوز وهو مركب غير ثابت في ظل وجود رطوبة نسبية ونسبة من الأملاح في الجو, يستمر في التفاعل مع الأوكسجين مكونا كلوريد النحاسيك الأحمر وغير ذلك. هذا إلى جانب الحديث حول طرق علاج الفضة والذهب والجلود والأخشاب وأخيرا الأحجار. محاضرة الدكتورة مي عيسى علي، التي حملت عنوان «العلاقة ما بين الفن والعلوم والتكنولوجيا عبر الحضارات»، افتتحتها من خلال استحضارها لمقولة للكاتب الروسي الكبير تولستوي والتي يقول فيها «كل واحد يفكر في تغيير العالم ولكن ليس هناك واحد يفكر في تغيير نفسه» مشيرة إلى أن الإنسان لا يتغير ولكنه يتطور وهذا التطور رافق نظرته للفن والعلوم على مر الأزمان، لتمر بعد ذلك إلى الحديث عن الهدف من المحاضرة التي جاءت عبارة عن رسوم كاريكاتيرية للفنان العراقي غازي لتأكيد بعض مقولاتها, وكذلك استعمال صور فوتوغرافية وتشكيلية للتدليل على الأفكار والتحاليل التي تحاول من خلالها إبراز العلاقة ما بين الفن والعلوم والتكنولوجيا. وقالت المتحدثة إن الهدف من المحاضرة يرمي إلى إنعاش ما يملكه الإنسان من معلومات وخبرة وموقف ذهني مرتبطين بالأعمال الفنية المتنوعة لأغراض توضيح ارتباط أسس الفن والعلوم والتكنولوجيا عبر التاريخ، حيث انطلقت من ذلك لإعطاء تعريف للحضارة التي قالت إنها عبارة عن نظام اجتماعي يعين الإنسان على إنتاجه الثقافي، من خلال الموارد الاقتصادية والنظم السياسية والتقاليد الخلقية ومتابعة العلوم والفنون، مضيفة أن الحضارة ترتكز على البحث العلمي والفن التشكيلي بالدرجة الأولى, حيث يتمثل الجانب الفني التشكيلي في الفنون المعمارية والمنحوتات وبعض الفنون التي تسهم في الرقي والتي تتمظهر من خلال الآثار التي خلفها القدماء مثل الحضارة الرومانية التي كانت تمتلك علماء وفنانين عظماء. أما «العلم» حسب الدكتور مي عيسى، فهو كل نوع من المعارف أو التطبيقات وهو مجموع مسائل وأصول كلية تدور حول موضوع أو ظاهرة محددة وتعالج بمنهج معين وينتهي إلى النظريات والقوانين، فيما اعتبرت الفن لغة استخدمها الإنسان لترجمة التعابير التي ترد في ذاته الجوهرية وليس تعبيرا عن حاجة الإنسان لمتطلبات حياته رغم أن بعض العلماء يعتبرون الفن ضرورة حياتية للإنسان كالماء والطعام. وبخصوص التكنولوجيا، فقالت المحاضرة، إنها تعني كل ما قام الإنسان بعمله، وكل التغييرات التي أدخلها على الأشياء الموجودة في الطبيعة، والأدوات التي صنعها لمساعدته في أعماله، رغم أن البعض يحصر التكنولوجيا في الآلات المعقدة كالحاسوب والساتل والسيارة فقط, رغم أنها تشمل الأدوات البسيطة كالورق والأقلام والخيط والنعل ومفتاح العلب أيضا. بعد ذلك، انتقلت المحاضِرة إلى ربط محاضرتها ببعض المفاهيم الاجتماعية, مثل الأسرة والعمل والشيخوخة والشباب والحرب والسلام والتقدير والامتنان والابتكار عند المحن والفقر والرفاهية، وذلك من خلال مجموعة من الصور التفسيرية التي عملت من خلالها طوال المحاضرة على التأكيد على أن كل ما يقوم به الإنسان وكل المراحل الحياتية التي يعبرها لا تعدو أن تكون تجليا من تجليات العلاقة التي تجمع بين الفن والعلوم والتكنولوجيا عبر كل الحضارات الإنسانية.