الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
البيت اهل
المواضيع الأخيرة
» مقاتل الطالبيّين مقاتل الطالبيّين المؤلف :أبي الفرج الاصفهاني
تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Emptyأمس في 11:42 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج1
تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Emptyأمس في 10:27 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج2
تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Emptyأمس في 9:59 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج3
تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Emptyأمس في 9:34 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  كلام جميل عن التسامح
تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Emptyأمس في 8:57 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  مفهوم التسامح مع الذات
تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Emptyأمس في 8:48 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» أقوال الحكماء والفلاسفة
تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Emptyأمس في 10:01 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» أقوال وحكم رائعة
تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Emptyأمس في 9:55 am من طرف الشيخ شوقي البديري

»  أحاديث / شرح حديث (إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا) شرح حديث (إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا)
تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Emptyأمس في 9:50 am من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Empty
    مُساهمةموضوع: تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي   تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 6:19 am

    الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
    أما بعد فإن حياة العراق تهمنا معرفتها كثيرا. ولعلنا نتوصل إليها من طرق شتى ، ووسائل عديدة ، ولكننا لا يتيسر لنا بسهولة أن نعين حالاتها في هدوئها ، وفي تهيجها ، وفرحها ، وحربها وثروتها وفقرها ، ووجوه ثقافتها وحضارتها ... وهذه يقربها التاريخ. ويخطىء من يعاديه ، أو يجهل أمره إذ يبقى غافلا عن هذه الحياة في أطوارها العديدة ، وأوضاعها المختلفة.
    حاولنا أن نتبين هذه ، ونعلم عنها ما نستطيع ، ولكننا في كل الأحوال وجدناها مفرقة في (كتب التاريخ) ، فعزمنا على تأليفها وجمع شملها. وربما كانت الوسيلة للمعرفة الصحيحة. فإذا قورنت بما نشاهد ، وبما ندرك من أوضاع تكاملت من كافة الوجوه.
    مرت بنا صفحات من ذلك في أجزاء سبقت. فهذه صفحة تالية لها ، مؤدية إلى الغرض. وفيها ما يكمل تلك ، ويوضح ما خفي وتبدأ من سنة 1049 ه‍ ـ 1639 م وتنتهي بأواخر سنة 1162 ه‍ ـ 1749 م ، وفي هذه ضروب الوقائع ، وألوان المعرفة.

    وكل ما نرجوه أن نوفق للموضوع ، وأن نلمّ بأطرافه. وهذا لا يقل عما سبقه في حروبه ، وفي أوضاعه الأخرى. وأعتقد أنه أبين من سابقه.جلا الغموض وزاد في المعرفة. ومن ثم نتدارك الخلل. والتاريخ يوضح بعضه بعضا.
    وفي ثقافته وضوح لا يقبل الارتياب ولا يقل فائدة عن تاريخه السياسي وسائر حوادثه. وأملنا أن نحصل على الإجمال من وجهه الصحيح.
    ولا شك أن هذه صفحات جليلة الفائدة ، والجهل بها حرمان لا نعذر فيه. ووقائعنا على كثرة التتبعات والجهود المبذولة قليلة المادة. وفي هذا العهد تزايدت المراجع. وكانت المعرفة أتم ، وفي كلها لا تزال الإدارة شديدة الوطأة ليس فيها إلا التغلب والقسوة.
    ولعل هذه تكشف عن مدى السيطرة وما بلغته الإدارة في أكثر الأحيان ولا تخلو من وقائع مشهودة. نحاول بيانها من طريق صحة الحوادث لنتمكن من السيرة التاريخية دون أن تكون مشوبة بآمال يزينها أهل الزيغ. وليس بعد التجربة والتمحيص ، أو بعد معرفة ما جرى فعلا مستعتب.
    ذقنا الأمرّين من آمال الطامعين. ورأينا جفوة من كل إدارة مرت بنا. كرهنا وسخطنا ، ولكن ذلك لم يغير في الوضع ، ولم يبدل في الحالة.
    وقائع هذا العهد جليلة. فيها من الأوضاع السياسية ، والأحوال الحربية ، والشؤون الاجتماعية ما هو متبدل ، فلم يستقر أمر على وتيرة.
    وفي حالته هذه لم يخلف أرباب السلطة ذكرى جميلة أو جليلة ، ولا سجلوا خير الأعمال ، ولا عظيم الخصال وقلّ أن نرى من كانت هذه صفته في خدمة الجماعة ومراعاة نظامها ، والعدل بين أفرادها ...

    هذا التاريخ يعين علاقة الدولة بنا وعلاقتنا بها ، والاتصالات الدولية في المعاملات والتعاملات ، وحوادث القطر مما جرى فيه. وأكبر مؤثر أن الدولة لا تزال في ارتباك من أمرها. والضرورة تدعو إلى هذه المعرفة.
    المراجع التاريخية
    في هذا العهد زادت الوثائق ، وكثرت المطالب لقرب الزمن منا وسهولة المعرفة ، ولا تزال الغوامض كثيرة والجهود مصروفة للحصول على ما يبين عن الحالات. وما وصل إلينا محدود نوعا أو بحالة مقتضبة ... والأمل أن ينال التتبع حقه ، وتكتسب المعرفة مكانها اللائق بها.
    بذلنا كل غال ومرتخص في سبيل جمع الوثائق ولم شعثها وشتاتها حتى تيسر الاطلاع على بعض الغوامض. ومن هذه ما يعين مجاري السياسة داخلا وخارجا. ومنها ما أوضح عن الثقافة أو عن التشكيلات الإدارية. وبين هذه ما انفردنا به ، أو عزّ وجوده ، وبينها ما هو متصل بالحوادث الرسمية. وهكذا ما يتعلق بالمجتمع ، أو بالعشائر وسائر ما له صلة بالقطر وشؤونه.
    وليس في الوسع أن نتناول بالذكر كل ما طالعناه من مراجع أو كل ما استفدنا منه. فالكتب التاريخية من هذا النوع كثيرة ، ومن الصعب استقصاؤها أو وصفها وبيان قيمتها التاريخية وبينها ما كتب لغرض ايضاح تاريخ أهليها فتعرضت لما اتصل بالعراق ، أو جاء استطرادا ، وفيه فائدة.
    ويهمنا من هذه المراجع (الكتب المحلية). ويليها في الرتبة (التواريخ الرسمية) للدولة العثمانية ، وبعدها (تواريخ ايران) وتواريخ الاقطار الأخرى ، وبينها المعاصرة أو القريبة من العهد. ولعل المقابلات تظهر الحقيقة.

    تعرضنا بسعة لتفصيل هذه المصادر في كتاب (التعريف بالمؤرخين). إلا أننا نخصّ بالذكر هنا (تواريخ العراق) عند الكلام عليها في محلها. فمثلا نتناول (تاريخ الغرابي) بوفاة مؤلفه وهكذا .. فنتوسع فيه. وفي گلشن خلفا عند ذكر حياة مؤلفه. ومثله يقال في تاريخ (قويم الفرج بعد الشدة). ذكرناه في تاريخ انتهاء حوادثه.
    وكلامنا هنا موجز يعرف بها أو يعين وضعها ، أو قيمتها كوثيقة تاريخية ولا نتجاوز حدود التعريف ، نناقش وجه الصواب ، والمراجع في الاجزاء السابقة لا نتعرض لها إلا بقدر.
    1 ـ المراجع المحلية :
    ظهر فيها من التواريخ المهمة (منظومة آل أفراسياب) ، و(زاد المسافر) ، و(تاريخ الغرابي) ، و(گلشن خلفا) ، و(قويم الفرج بعد الشدة) أو (سيرة المولوي) ، وتواريخ أخرى تعود لعهد تال. والمصادر الخاصة أمثال ما ذكر يأتي الكلام عليها في موطنها من هذا الكتاب. وأما التالية مما يخص هذا العهد مثل (كتاب حديقة الزوراء في أخبار الوزراء) وكتب محمد أمين العمري وأخيه ياسين العمري ودوحة الوزراء ، فلا نعجل فيها بالبيان ، وإنما نكتفي بالنقل منها.
    2 ـ المراجع الرسمية للدولة العثمانية :
    هذه ظهرت العناية بها أكبر. ذكرنا قسما منها ولا تزال حوادثها مستمرة. ومما يدخل ضمن موضوعنا :
    (1) ذيل الفذلكة. ويسمى ب (تاريخ السلحدار)
    هو من تأليف محمد آغا خواجه زاده من أهل فندقلي من مضافات غلطة باستنبول. ولد في 12 ربيع الأول سنة 1069 ه‍ ـ 1658 م. كتبه إلى 22 جمادى الآخرة سنة 1106 ه‍ ـ 1695 م وكان مولعا بالتاريخ. أتمّ

    (فذلكة كاتب چلبي) بدأ به من حوادث سنة 1065 ه‍ ـ 1655 م. ثم إنه كتب (نصر تنامه) ، أكمل بها حوادث تاريخه وأتمها بحوادث سنة 1133 ه‍ ـ 1721 م كان شاهد عيان إلى سنة 1115 ه‍ ـ 1703 م فكتب بتفصيل ثم أجمل ما وقع بعد ذلك. توفي سنة 1136 ه‍ ـ 1723 م.
    أوضح عنه الأستاذ أحمد رفيق ايضاحا وافيا ، وعين النسخ الموجودة من هذا التاريخ. فاتخذ بعضها أصلا. ونقده في الاعلام الجغرافية والأسماء الأجنبية فصححها في الهامش بالافرنسية فسدّ خللا كما أنه شاهد أغلاطا في رسم الكلمات وفي التراكيب فلم يتعرض لها وإنما ابقاها كما جاءت ، ورجح هذا التاريخ على (تاريخ راشد) من حيث السعة والإتقان قال في راشد إنه كان يكتم الحقيقة أحيانا إلا أن هذا يعدّ من الوثائق المعتبرة جدا للمؤرخ لا سيما ما كان يخص المائة الثانية عشرة.
    طبع في مجلدين الأول تمتد حوادثه إلى سنة (1096 ه‍). طبع في مطبعة الدولة سنة 1928 م. والثاني ينتهي بسنة (1106 ه‍) بتعليقات للأستاد المؤرخ أحمد رفيق وصدره بمقدمة له في التعريف بالكتاب ونسخه.
    (2) تاريخ راشد (ذيل تاريخ نعيما)
    من الكتب التاريخية المهمة. وإن الغمز الموجه عليه من الأستاذ المؤرخ أحمد رفيق كان مصروفا إلى أنه سهل لم يتوسع في الحوادث. وهذا لا يضر به ولا يخل بصحة ما كتب مع وجود ما هو اوسع. لعل له عذرا ولكن المؤاخذة إنما تتوجه في تغيير ما وقع ، وتبديل ما حدث. وليس لدينا شيء من هذا القبيل. وفائدة هذا التاريخ كبيرة جدا بالنظر لوقائع العراق. نراه يوسع فيها.
    ومؤلفه أبو المكارم محمد المعروف ب (راشد). كان شاعرا ،

    ومؤرخا في التاريخ العثماني. وأبوه من أهل ملاطية. كان من الصدور ويعرف ب
    (مصطفى الملاطيوي) توفي باستنبول سنة 1148 ه‍ ـ 1735 م. ولا يفوقه في شعره ونثره أحد من معاصريه إلا أمثال (نديم) و(نابي).
    وهذا التاريخ مضى به على طريقة (تاريخ نعيما). جاء ذيلا عليه رتبه على السنين. فصّل بعضها وأجمل الأخرى ، وراعى الجرح والتعديل في بعض الوقائع فلم يغفل أمرا. وإن مقابلة الحوادث ربما كانت السبب فيما أبداه الأستاذ أحمد رفيق من نسبة النقص إليه.
    بدأ بوقائع السلطان محمد سنة 1071 ه‍ ـ 1660 م وانتهى المجلد الأول منه بوقائع سنة 1098 ه‍ ـ 1687 م ويليه المجلد الثاني ، وتمتد حوادثه إلى نهاية سنة 1115 ه‍ ـ 1703 م ويتلوه المجلد الثالث. يمضي في حوادثه حتى سنة 1134 ه‍ ـ 1721 م لكنه لم يبلغ درجة نعيما في تاريخه. جاءت ترجمته في آخر المجلد الخامس من تكملات هذا التاريخ. وفي كتاب (عثمانلي مؤلفلري) ذكر له نماذج من شعره. وكان مؤرخ الدولة (1).
    (3) تاريخ جلبي زاده :
    وهذا التاريخ تبتدىء حوادثه من ذي القعدة سنة 1134 ه‍ ـ 1722 م وتنتهي بحوادث عام 1141 ه‍ ـ 1728 م. قطعه كبير كسابقه وعدد أوراقه 158. وهو من مطبوعات إبراهيم متفرقة طبع سنة 1153 ه‍ ـ 1741 م تأليف إسماعيل عاصم المعروف ب (كوچك جلبي زاده) من مؤرخي الدولة اختاره الوزير الأعظم إبراهيم باشا الداماد في 28 شهر رمضان المبارك لسنة 1135 ه‍ ـ 1723 م إلا أنه شرع في تدوين حوادثه من ذي القعدة سنة 1134 ه‍ ـ 1722 م من حيث انتهى سلفه. وله مهارة فائقة.
    __________________
    (1) عثمانلي مؤلفلري ج 3 ص 55.

    توفي في 3 جمادى الآخرة سنة 1173 ه‍ ـ 1760 م (1).
    (4) تواريخ سامي وشاكر وصبحي :
    هذا التاريخ تناوب في تدوينه سامي ، ثم شاكر ، ثم صبحي فكمل كل واحد ما قام به الآخر. فمن هؤلاء سامي مصطفى. ولي تحرير وقائع الدولة. وفي سنة 1146 ه‍ توفي فأضيفت تدويناته في الوقائع إلى تاريخ صبحي. وأما شاكر بك فإنه ابن حسين باشا والي البصرة المتوفى فيها. وهذا أيضا كان قد ولي قضاء حلب في شعبان سنة 1155 ه‍ وبعد مرور خمسة عشر يوما توفي فأضيفت وقائع أيامه إلى ما دونه صبحي. وهذا ابن خليل فهمي ولي تحرير الوقائع الرسمية خلال سنة 1152 ه‍ ، واستمر إلى أواخر سنة 1156 ه‍. وتوفي في غرة المحرم سنة 1157 ه‍ 1743 م. وضع تاريخه في سنة 1198 ه‍ باستنبول في مطبعة إبراهيم متفرقة المعادة مجددا.
    (5) تاريخ عزّي :
    لسليمان عزي من المؤرخين الرسميين ، جاء بعد صبحي. وكتابه طبع سنة 1199 ه‍ ـ 1784 م ، ويحتوي على ذكر ولاة بغداد :
    1 ـ أحمد باشا بن حسن باشا.
    2 ـ أحمد باشا الصدر الأسبق.
    3 ـ الحاج أحمد باشا كسريه لي.
    4 ـ الحاج محمد باشا الصدر الأسبق.
    5 ـ سليمان باشا مؤسس حكومة المماليك.
    __________________
    (1) عثمانلي تاريخ ومؤرخلري ص 45.

    وهؤلاء ذكر وقائعهم من سنة 1157 ه‍ ـ 1744 م واستمر إلى اواخر سنة 1165 ه‍ ـ 1752 م في مجلدين طبعا معا. وكان خلفا لصبحي محمد المؤرخ العثماني الرسمي في تحرير الوقائع. وإن تاريخ صبحي يقف عند نهاية عام 1156 ـ 1744 م فشرع عزي في تدوين الوقائع من حيث انتهى سالفه ، اختارته الحكومة في غرة رجب سنة 1158 ه‍ ـ 1745 م.
    وهذا الكتاب طبعه محمد راشد مكتوبي الصدر وأحمد واصف مؤرخ الدولة العثمانية. كانا اعادا الطباعة كما كانت في عهد إبراهيم متفرقة وعهد خريجه إبراهيم القاضي وكانت أهملت في أواسط أيام السلطان مصطفى. وكان طبع تاريخ صبحي في المطبعة المذكورة.
    3 ـ المراجع التركية الأخرى :
    وهذه لمؤرخين لم يكونوا رسميين. وإنما ساقت الرغبة التاريخية ، والميل إلى تدوين الحوادث للكتابة فيها. وهذه قد يلتفت أصحابها إلى ما هو جليل الفائدة ، عظيم العائدة. وفيه من الأخبار ما يكشف عن حوادث قطرنا ، بل قد يتيسر في مؤلفات لا تظهر للناظر فائدة فيها ، فيتبين ما خفي عنا ، ونحن في حاجة إلى معرفته.
    (1) گلشن معارف :
    من المؤلفات التركية في التاريخ ذكر وقائع العراق وايران وهو من خير المصادر يعتمد عليه في الوقائع الرسمية. في مجلدين ضخمين ، موضوعه عام إلا أنه يمضي مختصرا ويفصل القول في الحوادث العثمانية وفيه الكثير من الوقائع العراقية وينتهي بسنة 1188 ه‍ ـ 1774 م ومؤلفه محمد سعيد بن محمد المدرس ولد في بروسنة. ثم ذهب إلى استانبول وتخرج على (نشأت) رئيس الطريقة النقشبندية ودرس الفارسية على أكابر رجالها آنئذ الحاج علي بابا الملقب بصديق الشاعر في الفارسية. قرأ

    عليه مدة 25 عاما ومن جملة ما درس عليه (شاهدي) و(پند عطار). و(ديوان حافظ) وقسما من (كتاب بوستان). فبرع بالشعر والنثر. قال : إنه رأى التاريخ نافعا لكل الطبقات والصنوف ، وجعل اسمه تاريخا له وهو سنة 1249 ه‍ فدعاه (لب التواريخ) ثم قدمه إلى السلطان باسم (گلشن معارف) وذكر المراجع. كتبه بلسان سهل ... تم طبعه في دار الطباعة العامرة عام 1252 ه‍ ـ 1836 م.
    وهناك كتب تاريخية عديدة مثل (تاريخ واصف) ، و(تحقيق وتدقيق) و(سجل عثماني) ، و(نتائج الوقوعات) ... وغيرها من التواريخ المتأخرة.
    4 ـ المراجع الفارسية :
    وهذه كثيرة ، من أهمها المخابرات السياسية ، والمعاهدات ، والوقائع الحربية وفي هذه مدونات عديدة ولعل من أهمها (دره نادري) ، و(جهان گشاي نادري) ... وتواريخ أخرى لا يستهان بها. وكانت من الكثرة مما لا تسع مطالعته كله إلا أن المهم منها ما كان أيام نادر شاه. ومثله المؤلفات التركية. حصلت على مجموعات كبيرة جدا في اللغتين التركية والفارسية. وبينها وثائق معتبرة جدا ، ومحل التفصيل (التعريف بالمؤرخين).
    5 ـ المراجع العربية :
    وهذه غالبها يتعلق بالتاريخ العلمي والأدبي وقل فيها ذكر الوقائع. وهنا لا أتعرض لها إلا بقدر الحاجة دون تفصيل. وقد أكملت (التاريخ الأدبي في العراق). ولعل الأيام تسمح بتدوين التاريخ العلمي وبيان مؤلفاته والتعريف برجاله. والمعلوم منهم أكثر مما في المجلد السابق. والنقل يعين اسماءها.

    هذا ، والكثرة في المصادر لا تفيدنا إلا بما احتوت عليه من وقائع أو تفصيلات أو مادة بحث. ولا شك أننا في نهم شديد للحصول على الجديد والاستزادة فيما يكشف عن القطر لينجلي مبهمه. نعلل بأن ما عرفنا كبير الفائدة. وربما يتم به الغرض ، أو أن ذلك مما يصحّ أن يزاد فيه ، ويكمل النقص المشهود ولكننا نريد أن نتوضح الوقائع. فلا نكتفي بمصدر أو وثيقة ... وهكذا المعارف التاريخية الأخرى. وموعدنا الاتصال بالوقائع ونصوصها. وتظهر قيمة الأثر بمقدار ما تتيسر الاستفادة منه. وجل أملنا أن يكون هذا المجلد عند رغبة الأفاضل ورضاهم مفيدا نافعا. ويعوزني ارشادهم في التوجيه أو التنبيه إلى الاغلاط ، أو الاشارة إلى المراجع المهمة التي أغفلتها لتثبيت الوقائع أو تحرير ما يستدعي التفصيل.
    هذا ، وليس في المستطاع أن نبدي أكثر مما عندنا. أما الوثائق القليلة ، أو التي لا تتناول فصولا كثيرة فهذه لا نتعرض لها هنا. وإنما نعين وجوه الاستقاء منها في محلها.
    نظرة عامة
    في هذا العهد كانت الحكومة العراقية آمنة من الغوائل في الخارج. ركدت حوادث ايران ، أو أصابها فتور في كثير من الأحيان ، فوجهت جهودها للتسلط على العشائر. فقد كانت إلى هذا الحين بنجوة من الغوائل لانشغال بال الحكومة بنفسها ، وفي هذه المرة قست فكأنها شعرت بقوة ، ومن ثم أضرت بالعشائر ونكلت بها تنكيلا مرا ، ذلك ما دعا أن تميل الضعيفة منها إلى القوية لتعتز بها. أو لتكون بمعزل عن الاذى والضرر ...
    والولاة كانوا بعيدين عن الأهلين لا يعرفون من أحوال الشعب ، ولا من انحائه سوى الاسم وقد يكون مغلوطا ... رغبتهم لم تتحقق إلا

    على الضعفاء ، وعمرهم قصير ، فلم يتمكن وال مدة طويلة من الحكم ليعرف الحالة. ولا سبب لذلك إلا خوف الدولة من أن يحدث غائلة ، أو يضمر آمالا. فيستعين بالأهلين ، أو بالموظفين الأهليين. ومن ثم تبقى علاقته بهم قليلة ورسمية لا سيما أن الواحد منهم كان يأتي بكتخداه معه وإذا رجع أعاده وجاء غيره ومعه كتخداه ...
    وفي هذا كله ما يمنع من التسلط ، والتوغل ، أو المعرفة التامة بحقيقة الوضع فبقيت الجهالة سائدة ، ونفوذ العشائر الكبيرة بالغ حدّه ... وموظفو الدولة لا يتجاوزون الوالي وكتخداه ، والقاضي ، والدفتري ، أما كتابة الديوان ورئاسته فإنها بيد الأهلين من الترك أو العرب وهم لا يأمنون منهم وإن كانوا لا يقصرون في تنفيذ رغائبهم وتمكين ادارتهم ... ولم تطل إدارة إلا للواليين الأخيرين حسن باشا وابنه أحمد باشا ، فكانت النتائج أن تكونت (حكومة المماليك) أو (حكومة الكولات).
    كان حسن باشا وهو من أشهر وزراء بغداد قام بأعمال مهمة لدولته ... ثم خلفه ابنه أحمد باشا وهذا لا يقل عن والده ويعد الأول فاتحة لتسلط العثمانيين على هذا القطر بصورة مكينة. وصار تمهيدا لمن تلاه وتجديدا في حياة الدولة.
    إن الحالة إلى أيام الوزيرين كانت بيد الينگجريّة وتسلطهم فالوالي ليس له من الأمر شيء وإنما يكون في الغالب منقادا لرؤسائهم وكبار رجالهم فلا قدرة له كما أن الأهلين يئنّون من قسوتهم وظلمهم ، ويتخلل ذلك الضرائب والنهب والغصب وانتهاك الحرمات ...
    وفي (انحاء العراق) كانت العشائر أقوى. لا تسلط عليها لما اضطرت إليه من اتفاق بعضها مع بعض. ونطاق بغداد ضيق إلا أنه صار يتوسع قليلا. وكانت العشائر في ماضي العهد ذاقت الأمرين من

    قسوة الموظفين وانتهاكهم للأعراض ، وسبي الأطفال والتعرض للنساء مما يسوّد وجه الإنسانية فضلا عن أنه مردود شرعا ... وما ذلك إلا لأن الجيش متغلب على القيادة ، فالطاعة مفقودة ، ولذا رأت الحكومة معارضات شديدة جدا واتفاقا على محاربة الظلم والعدوان.
    وهذا العهد يمتاز بأنه لم يحصل فيه تجاوز على الاعراض ، فإن الوزير حسن باشا كبح من جماح الجيش كما أنه أراد أن يتسلط على العشائر ، وقفهم عند حدّ وبالتعبير الأصح عزم على الوقيعة بالعشائر باستخدام القوة ، والتحكم في هؤلاء ، كما قضى على نفوذ الينگچرية فلم يستطيعوا أن يقوموا بتجاوز أو تعدّ.
    والفضل في ذلك كله لهذا الوزير فإنه بقدرته وشدته أسس النظام وحافظ على إدارة العراق ، وراعى الأمن داخلا وخارجا بقدر الإمكان .. وصرف القوم عن حالة اعتادها الناس وتمرنوا عليها ، فجعلوها طريق استفادتهم .. فقهر الأكثر من المتغلبة وأذلهم ...
    وكذا ابنه أحمد باشا حذا حذوه وتخلل ذلك بعض ما يوجه من تنديد ولكنه قليل بالنظر لأيام الراحة ، وتلاهما من حدثت في أيامه بعض الغوائل ولم تكن عامة ، والناس في هذه الحالة اعتادوا النظام. ومشوا على خطة في إدارة المملكة لو لا أن حدث ما أزعج الوضع من حروب ايران في حالتي الضعف والقوة. فاضطرب العراق اضطرابا عظيما.
    هذه النظرة السريعة تعين الوضع مجملا ، ويعدّ أصلح من سابقه بالنظر لوجهة الحكومة وإن كانت تخللته بعض أوضاع لم تكن مرضية.
    ولا نقول إن هذا كاف للإصلاح بالنظر إليهم وباعتبار وجهة نظرهم بحيث يقف الأمر عنده ، أو يجب أن يلتزم إذ لم يخل من سوء الإدارة.
    والملحوظ أن الدولة تريد ضبط القطر وتأمين ادارته بأي وجه كان

    ولا تلتفت إلى ما يقع ، أو لم تسمع عنه شيئا لبعده عن عاصمتها. وهذا هو الصحيح.
    وهنا نكتفي بما ذكر من مزايا هذا الدور إجمالا وأن نبدي مطالعاتنا على نفس الوقائع ، والأحوال التي تعرض في مواطنها لتكون أقرب للوقوف على الوضع ، وماهية الحوادث ...
    وصفوة القول أن الحكومة حاولت التمكن من إدارة العراق بالتسلط على المتنفذين من الينگچرية والعشائر. ويعدّ الأهلون من أهل المدن ذلك نعمة للتخلص من العتاة المتنفذين والتمكن من الإدارة. فاتخذت بعض العشائر وسيلة لاخضاع الأخرى استفادة من عداء سابق ، أو اطماع لمصلحة تقوية النفوذ للسيطرة على خارج بغداد.
    والحالة الخارجية ساءت في أواخر هذا العهد. نهض الايرانيون وعلى رأسهم نادر شاه بقوة كاد يدمر بها القطر بل شوّش أمره ، وجعله في ريب ...
    ويعزى لهذا العهد ثقافة نافعة كانت أصل ثقافة عهد المماليك. ظهر علماء وشعراء كثيرون. ولعل لقرب العهد أثره.
    حوادث سنة 1048 ه‍ ـ 1638
    والي بغداد كوجك حسن باشا
    فتحت بغداد على يد السلطان مراد الرابع في 23 شعبان فنظم شؤون بغداد. وفي 25 منه عهد ببغداد إلى كوچك حسن باشا ، وفوض القضاء إلى مصطفى التذكرچي ، وأودعت وظائف أخرى لموظفين آخرين.
    ذكرنا ما جرى في المجلد السابق ، وفي 12 من شهر رمضان هذه السنة عاد السلطان إلى عاصمته ، وبقي الصدر الأعظم يدبر بعض الشؤون.

    وفي عهده انصرف إلى تأسيس النظام وتشكيل الإدارة وتقريبها ولو بصورة مصغرة من ادارة الدولة وتشكيلاتها. وجعلها مدينة كمدن الدولة.
    جرت في أيامه الطمأنينة وعاد الفارون من حكم العجم إلى أوطانهم فآبوا من غربتهم ومن ثم تكونت العمارات ، وعمرت المساجد وأعيدت بغداد إلى ما كانت عليه من إقامة الصلوات والجمع ...
    وحسن باشا كان موصوفا بالشجاعة وهو الباني الأصل ، والأهلون يطرونه بأحسن الذكر. يقولون كان سليم الطويّة ، حليم السجية ، يرعى الفقراء والصغار ، ويوصي أعوانه بحسن السلوك ومراعاة العدل والحق ، كما يمنع من الظلم ويزجر فاعله ، ويعزر من يرى منه سوء فعله. وعلى كل كان حسن السلوك ومن أرباب الخير ... يروى أنه لما رتب ديوانه للعدل فأول ما قضى به أن أصدر حكمه لفقير ونبه تنبيها أكيدا أن لا يميل أحد عن الحق لمحاباة ، أو منفعة ، وشدد النكير.
    كان كوچك حسن باشا من الينگچرية فصار رئيس السكبانية. وفي شهر رمضان سنة 1047 ه‍ نال منصب آغا الينگچرية ومنها ولي بغداد بالوجه المشروح (1).
    أثر الفتح في النفوس
    إن أهم الأحداث الفتح بعد مقارعات عظيمة كبدت الدولتين خسائر فادحة في الأموال والنفوس. فكانت المدونات عنها كثيرة. ولعل من بقايا ذكرياتها مدفع أبي خزامة وكان من مدافع الفتح. ولعله قام بخدمات كبيرة في تسهيل هذا الفتح ، فصار يعد مباركا محترما في نظر العوام من الأهلين ، ويعين شعورهم الصادق.
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 79 ـ 2 وفذلكة كاتب جلبي ج 2 ص 205 ومثله في تاريخ نعيما.

    وربما نسبت للسلطان كرامات ، ولم يدر هؤلاء أنه كان شجاعا ، قوي الإدارة في قهر من وجد منه ضررا للدولة أو رآه لم يتورع في انتهاك حرمات الأمة بل قسا تلك القسوة الجائرة. ولعل ما ظهر من عظمته في حرب بغداد ، وتمكنه من انقاذ الناس بما بذل من أموال ونفوس خلدت له الذكرى الجميلة ، فاشتهر صيته ، فلا يصح أن تعزى له كرامة ولا لمدفعه إلا ما صح من الخدمة الحربية ، ولكن العوام يزعمون أن مدفعه (أبا خزامة (1)) كان يلتهم الاحجار والصخور فتظهر منه قذائف صبت على رؤوس الأعداء وابلا من البلاء كما أن النساء تأتي بالاطفال للاستشفاء من الأمراض بعرض الأولاد على فوهته كأنه (طبيب الأطفال) ، وكأن انفاسه تمد ببركاتها الشفاء. وهكذا تعقد العقد للبركة ... والعامة لا قياس لتفكيرهم ، فلم يوجهوا ، ولم يردعوا عن هذه المنكرات الخرافية المضرة بالعقيدة الحقة.
    ولا يزال العوام في ضلال ، فيضطر الكثير من العلماء إلى مداراتهم. وكأن القول قولهم ، والمتابعة من العلماء واجبة ، فلم ينه العلماء عن منكر فعله العوام ، أو لا يتناهون عن منكر فعلوه ... وأحسنت الدولة العراقية الحاضرة في رفعه عن أنظار العامة. ووضعته في متحف الأسلحة. والأمر المهم أن هذا كان من مظاهر الفرح في النفوس إثر الفتح.
    وكان عند اليهود (عيد يوم الفتح) يعتبر من أعياد بني اسرائيل في بغداد تعاد ذكراه في كل عام. ولا شك أن هذا العيد كان من مظاهر الفرح بهذا الفتح لما لقي الأهلون من المصائب والارزاء ففرج الفتح الكربة ولم يقف عند طائفة.
    __________________
    (1) مجلة سومر ج 4 ص 254 ذكرت المدافع وتصاويرها ومنها مدفع أبي خزامة.

    حوادث سنة 1049 ه‍ 1639 ـ عزل الوالي
    بقي الصدر الأعظم ينظر في شؤون العراق العامة. ومن أجل ما فعله عقد المعاهدة مع ايران ، وفي 2 المحرم سنة 1049 ه‍ ـ 1639 م وفي گلشن خلفا في 4 المحرم عهد بولاية بغداد إلى (درويش محمد باشا) بدل الوالي (كوچك حسن باشا). وعين هذا الأخير لمنصب (وان) ثم نقل إلى منصب طرابلس.
    وغالب المدة التي قضاها الوالي تصادف وجود السلطان ببغداد ، وبعد عودته كان الصدر الأعظم فيها. وبقي إلى آخر أيامه ، أو في الانحاء العراقية للمفاوضات في الصلح بين ايران والعثمانيين.
    كنج عثمان
    كان (گنج عثمان) من الشجعان الابطال. وهو من اتباع أبازه باشا المشهورين فجعل على جيش تولى رئاسته. وأرسل لفتح الانحاء العربية. وهذا لاقى (القزلباش) أي الايرانيين أو الشيعة منهم بسيفه فدمرهم ، وفتح قصبة كربلاء وذهب منها إلى النجف وكانت بلدة معمورة فاستولى عليها. ومنها اكتسح الحلة ، وضبط الرماحية. ومن ثم حطّ ركابه في كربلاء. إلا أنه اهتم غاية الاهتمام بالبلدان والبقاع التي استولى عليها وراعى حسن ادارتها.
    كان جاء من طريق الفرات إلى الفلوجة ، ومنها هاجم الحلة وما والاها بالوجه المذكور ، فورد خبر ذلك إلى خسرو باشا ، فمال السردار إلى محاصرة بغداد كما مرّ تفصيله في سنة 1040 ه‍ (1). فشرع الوزير بمحاصرة بغداد ، فلم يتيسر له الفتح.
    __________________
    (1) تاريخ نعيما ج 3 ص 19 و50 وفذلكة كاتب جلبي ج 2 ص 129 وتاريخ العراق بين احتلالين ج 4.



    وكانت وردت الأخبار من الحلة في حينها إلى السردار بأن الشاه عازم على محاربتنا ، ومتوجّه إلينا ، فطلبوا منه أن يمدّهم ، فصدر الفرمان إلى نوغاي باشا أمير أمراء الشام وإلى أمراء آخرين إلا أن ذلك لم يجد ، فحاصر الشاه الحلة ، فلم يتمكن المحصورون من الدفاع إلا لمدة قليلة ، فمضى خليل باشا إلى السردار ، وتمكن من العودة بمن معه.
    ومن ثم طوي خبر (گنج عثمان) ، ولم يعد يعرف عنه شيء إلا أن صاحب السجل العثماني ذكر أنه كانت له خدمات في حروب بغداد وكان شجاعا غيورا. توفي شهيدا سنة 1040 ه‍ (1).
    وهذا البطل الشاب نقل نعشه إلى بغداد كما يظهر ، واتخذت له (سقاية) بقرب (سراي بغداد) كعمل خيري له. هذا ويعرف ب (قبر گنج عثمان) ، واتخذ مزارا.
    صار يسكنه بعض الدراويش لتعليم الصغار من أولاد المسلمين القرآن ، ولعلّها كانت من تأسيس الدولة.
    ونرى كتّابنا اضطربت كلمتهم في أمره. وأوسع من كتب الأستاذ عبد الحميد عبادة في كتابه (العقد اللامع) (2) ، إلا أنه عدّه ممن توفي أثناء فتح السلطان مراد الرابع بغداد.
    قال :
    «من الرجال الذين استشهدوا في واقعة بغداد من قبل السلطان مراد خان (3). كان قد بنى على مرقده قبة معقودة بالحجارة والجص وبجنبه ايوان للصلاة. وفي سنة 1133 ه‍ جدد ذلك البناء من قبل الوالي حسن
    __________________
    (1) سجل عثماني ج 3 ص 418.
    (2) مخطوط في خزانتي.
    (3) هذا غير صواب لما عرف من نصوص.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي   تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 6:21 am

    باشا وكتب على شباك مرقده المطلّ على الطريق بالحجر الكاشاني ما نصه :
    «ألا أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. رئيس الشهداء گنج عثمان. قد عمر هذا المكان صاحب الخيرات حسن باشا سنة 1133 ه‍.».
    وفي المحرم سنة 1324 ه‍ شبّت النار ليلا من أحد الدكاكين المجاورة لهذا المرقد وكان يشغله صالح البقال فاحترق الدكان واحترقت معه عشرة دكاكين وقهوة ، خمسة منها لدائرة البلدية وخمسة لدائرة الاوقاف ومات المرقوم صالح بسبب ذلك الحريق واحترق بعض هذا المسجد فأمرت دائرة الاوقاف بتعميره وذلك سنة 1326 ه‍ ولما تولى خليل باشا بغداد سنة 1333 ه‍ أمر بهدم رباط الجندرمة والمسجد المذكور وجعلهما أرضا بسيطة ، فرفعوا بناءهما وبقي قبره وحده في الطريق وعليه شبّاك من خشب. وفي يوم الخميس 20 ربيع الأول سنة 1336 ه‍ وبعد استحصال الفتوى من العلماء نقلت بقايا جثمانه إلى مقبرة الشهداء وقد قال المأمور الموظف على نقله إنه وجد في القبر عظاما بالية فوضعها في كيس ودفنها في المقبرة المذكورة وقد وضع الشباك عليها كما كان. وعلق الأستاذ عبد الحميد عبادة أنه بعد التحقيق من المأمور قال لي : جئنا قبره ليلا مع أحد البنائين وقد بنوا القبر داخلا واعتنوا بتحكيم بنائه وابقائه في محله ورفع الشباك الخشبي الذي كان فوقه ووضعه على قبر في مقبرة الشهداء وحلف بالله أن گنج عثمان في محله لم ننقل من جثمانه شيئا. «اه.» (1).
    وجاء في لغة العرب ما ملخصه أن گنج عثمان كان حاملا لواء
    __________________
    (1) العقد اللامع ص 55 ـ 56 وهذه التفصيلات لم نجدها في غير هذا الكتاب.

    عند دخول السلطان مراد بغداد متقدما أمامه ، وأنه قطعت يداه وبقي العلم يمشي أمامه بلا حامل يحمله حتى رآه أحد الناس فدهش به وعند ذلك هوت الراية إلى الأرض وقتل گنج عثمان إلى آخر ما جاء مما لا يوزن بميزان الصحة (1) فجاء هذا النقل موافقا لما ذكر الأستاذ عبد الحميد عبادة. ولم يكن هذان القولان صحيحين وإنما نقلا من الأفواه.
    وجاء في لغة العرب أيضا أن السقاية أمر الأتراك بهدمها سنة 1915 م لتوسيع الطريق لتصلح أن تكون جادة. وأبقو القبر وحوطوه ... وفي الاحتلال أزيل القبر وسوّي ، فدخل قارعة الطريق في أيلول سنة 1917 م (2).
    وقد تبين من النصوص المنقولة أنه توفي قبل مجيء السلطان مراد الرابع بسنين. اتخذ في هذا المحل كتّاب ، وبقي مستمرا يدرس فيه شيخ يعلم القرآن ، وقد شاهدته.
    الوالي درويش باشا
    في 2 المحرم سنة 1049 ه‍ ولي بغداد. وكان الصدر الأعظم في منزل (خانقاه الصغير). وجاءته براءة الوزارة في 24 ربيع الأول.
    وبعد أن فارق الصدر وجاء إلى بغداد قبض على إدارتها بيد من حديد. راعى الشدة. قال صاحب گلشن خلفا إن العراق كان مضطرب الجوانب ، مختلف الأجناس ، ومختل الأحوال. فجاء هذا الوزير بقصد إظهار السطوة والقوة. والمنقول أنه كانت أيام حكومته خالية من العدل والإنصاف. أقام في سراي (بكتاش خان) (3).
    __________________
    (1) لغة العرب ج 3 ص 413 ـ 414.
    (2) لغة العرب ج 4 ص 332.
    (3) كلشن خلفا ص 79 ـ 2.

    الموصل :
    إن الصدر الأعظم قبل ذهابه إلى استنبول بقليل اختار أحمد باشا والي ديار بكر قائدا للجيش وجعله محافظا على الموصل.
    قتلة السيد دراج :
    سبق أن ذكرناها (1) ، ومن احفاده المرحوم السيد حسن نقيب كربلاء المتوفى سنة 1952 م.
    قبيلة الخزاعل :
    القبائل انضم بعضها إلى بعض وتناصرت فيما بينها فلم تتمكن الحكومة من الاستيلاء عليها وكانت رئاسة الخزاعل معروفة. قالوا إنها في حالة اضطراب وإن شيخ الخزاعل (مهنا) في أطراف السماوة أظهر العصيان كخالد العجاج أبي ريشة. كانوا ممن يلحظهم شاه العجم ، وصار الشيخ مهنا يضر بالمارة وأبناء السبيل فطغى سيل شرّه وأعلن طريق الغواية ... فاقتضى إيقافه عند حدّه وكسر شوكته. فأمر الوزير بتجهيز الجيوش وجعل كتخداه علي آغا قائدا فسار إليهم فلم يثبت شيخ الخزاعل أكثر من ساعة أو ساعتين في الحرب فهلك أكثر أشياعه وفرّ هو وشر ذمة قليلة إلى بلاد العجم ومن ثم دخل ما كان تحت سطوته في حوزة الحكومة (2) ... قال في تاريخ نعيما : «إن الكتخدا ضرب العصاة من العربان وجاء إلى بغداد بغنائم عظيمة (3) ...».
    ولعل التجاءه إلى ايران كان من جرّاء ما أصابه من إحراج حتى
    __________________
    (1) تاريخ العراق بين احتلالين ج 4.
    (2) كلشن خلفا ص 80 ـ 1.
    (3) نعيما ج 4 ص 11.

    اضطر إلى ما قام به (1) ... وفي مثل هذه الأحوال يعرف أن الحكومة التزمت رئيسا آخر ونكّلت بالأول وإلا فالقبيلة لا تزال في مكانها وفي مواطن مجاورة أو قريبة منها ... والولاية في كافة العصور عدوة كل من نال مكانة ونفوذا سواء كان شخصا أو قبيلة ...
    وهذه القبيلة أصلها خزاعة كما هو المعروف ، في حين أن خزاعل جمع خزعل والتسمية به شائعة. ولم يعرف موطن لخزاعة في هذه الأنحاء. ولا نزال في ريب من القول بأنها من خزاعة. ولنقل ما قالوا حتى نهتدي إلى وجه الصواب. وتتفرع إلى فروع عديدة لا محل لذكرها هنا (2) (3).
    __________________
    (1) في السنة الأولى أظهر أمير الخزاعل مهنا بن علي العصيان وقطع الطرقات وفي السنة التالية ولي الوزير درويش محمد باشا بغداد فبلغه خبر شيخ الخزاعل فبعث كتخداه علي أغا بالعساكر إلى حربه. وأول ما ملك هيت ، ثم توجه إلى سماوة (كذا) وحارب الخزاعل وقتل أكثرهم وهرب مهنا وملك علي أغا سماوة ثم العرجة وعاد إلى بغداد «1». والملحوظ أننا ذكرناها في حوادث سنة 1049 ه‍. وهي الصواب وأن درويش محمد باشا ولي سنة 1049 ه‍ لا كما ذكرها صاحب الدر المكنون.
    (2) عشائر العراق لا يزال مخطوطا.
    (3) من رسالة للشيخ وداي العطية يقول معلقا : كان شيخ الخزاعل ممن يلحظهم الشاه وذكرت ما مستنده النص والوقائع التاريخية. ومطالعتي في أنه أحرج فاضطر إلى الالتجاء ، وإذا لم يوجد نص في أن الحكومة التزمت رئيسا آخر فالوقائع تؤيد ولم يحكم شيخ الخزاعل من هيت إلى السماوة حتى العرجاء. وإنما كانت وقعة هيت مع آخرين وكان الأولى أن يذكر نصوصا أصلية. وخزاعل لم تكن تحريف خزاعة كما أن الحميدات ليست تحريف آل حميد ومثلها السعيدات والجنابات وإذا كان أصل الخزاعل من خزاعة فإن خزاعل جمع خزعل والتسمية به مشهودة وهو في اللغة الضبع وتحريف اللفظ غير معروف. ولم نجد نصا قديما يعين موقع
    __________________
    (1) الدر المكنون مخطوطة باريس رقم 4949.

    أمير المنتفق ـ آل افراسياب :
    إن العرجة كانت تحت إدارة أمير من أمراء العرب وحياتها مطمئنة استفادت ذلك من الفترة بين العجم والروم فلما توفي أميرها سار إليها أمير الأمراء علي باشا أمير البصرة من آل أفراسياب. اغتنم الفرصة للاستيلاء عليها وعزم على اكتساحها ... فلما سمع أهلوها التجأوا إلى والى بغداد وأنهوا إليه ما جرى. طلبوا أن يتولى أمرهم دون علي باشا أفراسياب وعلى هذا أرسل الوزير قائدا وجيشا كافيا وموظفين مع دزدار (محافظ) (1) وأمير لواء. سيّرهم إليها فاستولت عليها حكومة بغداد (2) ... والظاهر أن الأمير كان من أمراء المنتفق ... ومن هذا تعرف سلطة ولاة بغداد ومنطقة حدود نفوذهم ...
    وفاة السلطان مراد الرابع :
    في 16 شوال سنة 1049 ه‍ يوم الخميس توفي السلطان مراد الرابع. وقال عنه كاتب چلبي إنه أعظم الملوك الذين جاؤوا بعد الألف
    __________________
    وجودهم ، ولا سابق عهدهم. وإذا كانت خزاعة تسكن في العراق قديما ، فقد انقطع ذكرها بميلها إلى إيران والمرجح أن أحد رؤسائها خزعل سميت القبيلة به.
    ولذا قلت : «ولنقل ما قالوا حتى نهتدي إلى وجه الصواب.» اه. هذا ، والنصوص التي ذكرها الشيخ متأخرة عن تاريخ أول شيوع ذكرهم بخزاعل. وليس في هذا طعن بنسب. وإنما هو فتح طريق للتحري التاريخي. ومحفوظ القبيلة معتبر حتى يتبين خلافه ...
    أما حوادث سنة 1106 ه‍ فقد ذكرتها في حوادث سنة 1105 ه‍ لأن مرتضى آل نظمي ذكرها في هذه السنة. وكان كاتب الديوان. فهو أقرب لضبط الوقائع ، فلا يحتاج هذا إلى العجب. ولو رجع الشيخ إلى (كتاب أربعة عصور) لرأى الشيء الكثير من التنديد بمهنا.
    (1) الدزدار كلمة فارسية استعملها الترك أيضا وتعني ضابط الحصن أو محافظه. فإن (دز) بمعنى حصن و(دار) قابض. وهو القابض على البلد. ويطلق عليه أحيانا لفظ (ضابط).
    (2) كلشن خلفا ص 80 ـ 1.

    من العثمانيين وكان في بادىء أمره إلى سنة 1042 ه‍ كسائر الملوك قبله إلا أنه انتبه للأمر بعد ذلك وباشر الشؤون الخارجية والداخلية بنفسه وقد مرّ عنه في حادث بغداد ما يغني عن اعادة القول ... ترجمه كثيرون وأطنبوا في بيان حياته وأعماله ... وإن صاحب روضة الابرار أفرد له رسالة في (فتح بغداد). رأيت عرشه في متحف سراي طوپقپو باستنبول ، وأفرد في المتحف محل خاص يحتوي على لباسه وسلاحه حين فتح بغداد وضعت في خزانة خاصة وكذلك رأيت قصره المسمى (بغداد كشكي) أي قصر بغداد بناه لذكرى هذا الفتح ويحق له أن يفخر به ويباهي بعد أن استعصى أمر بغداد على عدة صدور عظام ... وأكثر الغوائل إنما تحصل من التهاون لما هناك من الضعف.
    حوادث سنة 1050 ه‍ ـ 1640 م
    من ذيول حادث بغداد :
    لم نعثر على حوادث في هذه السنة. وإنما أغفلها المؤرخون فيما يتعلق بالعراق ويعدّ من (ذيول حادث بغداد) أن (ابن مير فتاح) كان أخذ أسيرا أثناء الفتح ، وسجن في استنبول ففي ذي الحجة من هذه السنة أمر بقتله فقتل (1). وكأن ايران قائمة على أكتافه فإذا مات ماتت!!
    حوادث سنة 1051 ه‍ ـ 1641 م
    في هذه السنة توفي محمود باشا جغاله زاده بن سنان باشا كان قد ولي بغداد. وآخر مهمة قام بها أن صار وزير الديوان فتقاعد وتوفي في شوال سنة 1051 ه‍ وهو الذي سميت مقاطعة المحمودية باسمه. كما أن خان جغان (خان جغاله) عرف باسم والده (2). مرّ بنا ذكرها في المجلد السابق.
    __________________
    (1) فذلكة كاتب جلبي ج 2 ص 223.
    (2) فذلكة كاتب جلبي ج 2 ص 227.

    حوادث سنة 1052 ه‍ ـ 1642 م
    عزل الوزير درويش محمد باشا :
    في 18 المحرم انتهت أيام حكم هذا الوالي وكانت ابتدأت في 5 المحرم سنة 1049 ه‍ (1).
    وهو چركسي. كان أولا في خدمة مصطفى آغا ضابط الحرم السلطاني في عهد السلطان أحمد ثم خدم الوزير الأعظم محمد باشا المعروف ب (دال طبان). وكان السلطان عثمان يحبّه لفروسيته وشجاعته. ذهب في خدمة الوزير إلى مصر حينما صار محافظها وكان يقدمه على جميع أعوانه ، ولي الخدمات السامية حتى صيره كتخدا له. ولما ولي الوزارة العظمى عهد إليه بولاية الشام في أواسط سنة 1045 ه‍. وكان ظالما جبارا فتك بأهليها وتجاوز في ظلمه الحد. وتنقل في الايالات (2).
    ولما ورد السلطان مراد بغداد كان أمير أمراء الشام فلحق به. وفي 25 ربيع الآخر عند ما كان السلطان في ديار بكر عهد إليه بإيالة ديار بكر وألحق به كثيرا من أمراء الولاية وانضم إليه (حاكم البر) أو (أمير الصحراء) ابن أبو ريش (3) (من أمراء طيىء) مع باشوات طرابلس وحلب وعدة امراء ألوية جعله قائد المقدمة. وكان درويش محمد باشا مشتهرا بالشجاعة وقوة المراس وشدة البطش والفتك والظلم (4).
    توفي في أوائل شهر ربيع الأول سنة 1064 ه‍ (5). وكان ولي الصدارة العظمى ، فعزل عنها لما اعتراه من الفالج.
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 80 ـ 2.
    (2) خلاصة الأثر ج 2 ص 156.
    (3) صوابه أبي ريشة.
    (4) نعيما ج 3 ص 442.
    (5) فذلكة كاتب جلبي ج 2 ص 397.

    الوالي كوجك حسن باشا (للمرة الثانية)
    كان هذا الوزير أول وال على بغداد أيام فتحها ، أخلاقه حميدة وأوصافه مقبولة ، استجمع السجايا المرضية ، فكان هذا من دواعي إعادته في 19 المحرم من هذه السنة (1).
    وفي أيام وزارته هذه صرف جهوده لإعالة المحتاجين وإعانتهم بما استطاع ، فكانت أعماله جليلة جميلة مشحونة بالثناء. واسمه موصوف بالخير والحلم. جلّ آماله مصروفة إلى راحة الأهلين وحراسة المملكة وطمأنينتها. أزال الخوف والاضطراب ولحظ عمارة المدينة وترصين حصونها. بنى ثلاثة أبراج قرب باب الأعظمية في المحل المسمى (طابية ذي الفقار) قبالة برج العجم فكانت محكمة البناء لتكون سدا منيعا في وجه الأعداء وحارسا للمدينة.
    قال في گلشن خلفا : ولا يزال هذا البناء معلنا عن آثاره الحسنة. وهو الآن (مرقد أمير الاوزبك) التركستاني (امام قولي خان). كان جاء في طريقه للحج. ورد بغداد ومات فيها فدفن في هذا المحل (2).
    جامع الاوزبك :
    أصله مرقد (امام قولي خان) أمير الاوزبك. مات ببغداد. جاء بنية الحج فتوفي سنة 1060 ه‍ ثم جاء ابن أخيه عبد العزيز خان ذاهبا إلى الحج. مر ببغداد سنة 1092 ه‍. ولي مكانه أخوه سبحان قلي خان سنة 1091 ه‍ ولا شك أن هذا الجامع من بناء عبد العزيز خان حين وروده. ثم جدّده داود باشا في صفر سنة 1243 ه‍ جاء تاريخه (مليك لذكر الله جدد جامعا) (3) وهذا التاريخ لا يأتلف وأيامه وتوالت عليه تعميرات. وفيه مدرسة أيضا.
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 80 ـ 2 وسجل عثماني ص 134.
    (2) كلشن خلفا ص 80 ـ 2.
    (3) تاريخ مساجد بغداد ص 28 والتاريخ من أبيات للشيخ صالح التميمي.

    ذكر صاحب گلشن خلفا مرقد امام قلي خان بمناسبة بيان الطوابي أو الابراج. والتفصيل في (المعاهد الخيرية).
    دولة الاوزبك :
    هذه الدولة سماها صاحب گلشن خلفا بهذا الاسم مرة وبدولة ما وراء النهر أخرى. ذكرت في كتاب (دول إسلامية) (دولة جابيان) أو (دولة استراخان) أو (الزدر خان) ويقال لها (حاجي ترخان). خلفت الشيبانيين وهي مغولية من آل جوجي بن جنگيز خان. وأول أمرائها باقي محمد بن جان خان من زوجته زهرا خانم وهو مغولي. ولي باقي محمد سنة 1007 ه‍ وخلفه أخوه ولي محمد سنة 1014 ه‍ ثم إمام قلي ابنه سنة 1020 ه‍. وتوفي ببغداد حين مجيئه للحج سنة 1060 ه‍ ثم صار أخوه نذر محمد سنة 1051 ه‍ وفي سنة 1055 ه‍ خلفه عبد العزيز بن نذر محمد (ابنه) وهذا مرّ ببغداد في طريقه إلى الحج ثم صار أخوه سبحان قلي خان سنة 1091 ه‍. وهكذا توالوا فكان آخرهم أبو الغازي دام حكمه إلى سنة 1200 (1).
    ولا يهمّنا منها إلا تلك العلاقة بجامع الاوزبك. ورد عبد العزيز خان بغداد سنة 1092 ه‍.
    حوادث سنة 1053 ه‍ ـ 1643 م
    بقية أحوال الوالي :
    دامت الحالة في بغداد هذه السنة وأوائل التالية بهدوء وسكينة والناس في راحة وطمأنينة ...
    __________________
    (1) دول إسلامية ص 435 ـ 437.

    حوادث سنة 1054 ه‍ ـ 1644 م
    في هذه السنة في 24 المحرم عزل الوالي (1).
    والملحوظ أنه ولي بعدها مرعش. وفي سنة 1055 ه‍ صار واليا على روم ايلي وأمر بالذهاب للحرب في گريد. وفي سنة 1058 ه‍ أصابته رمية أودت بحياته.
    الوزير دلي حسين باشا
    كان من مرافقي السلطان مراد الرابع. ولما ولي ادارة بغداد سعى لتمكين السلطة واستقرارها فأوقع الهيبة في قلوب الناس وأبدى قسوة وكان ضيّق الصدر.
    وفي كل هذا كان مطمح أنظاره أن يعدل بين الناس وأن لا يميز بين واحد وآخر تحقيقا لهذا الغرض فكان يتجوّل ويستطلع أحوال الناس ليل نهار ويصرف أكثر أوقاته بتبديل زيّه فتراه في المحلات ومنعرجات الطرق ... ليقف على أحوال الاشرار وأن ينالوا منه ما يستحقون فسعى لإزالة المظالم.
    ومع كل هذا كان قاسيا ، لا يقبل عذرا ويخشى الناس بطشه ... ولكنه لم يحد عن طريق الحكمة. يصلي الجمعة والجماعات ويثابر عليهما.
    جامع قمرية ـ تعميره :
    من مآثر هذا الوزير تعمير جامع قمرية. وهذا الجامع كان أصابه الدمار أيام حروب العجم ولم يكن له من يقوم بخدمته. وأن أبنيته تضعضعت وتهدم قسم منها فعمر أركانه وقبابه فأتمّها وعين له خطيبا
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 81 ـ 2.

    حسن القراءة وإماما وعيّن وظائف أخرى لخدمته. ولا تزال آثاره الخيرية باقية لحد الآن (1).
    هو اليوم من الجوامع المعروفة في جانب الكرخ ونسب بناءه صاحب منتخب المختار إلى الخليفة الناصر إلا أن الكازروني عين أنه من بناء الخليفة المستنصر فتمت عمارته في سنة 626 ه‍. وتوالت عليه التعميرات. ومنها ما وقع في هذه السنة. والتفصيل في كتاب (المعاهد الخيرية) (2).
    أيام الوالي في بغداد :
    وكانت أيام حكومته في بغداد من 25 المحرم سنة 1054 ه‍ ودامت إلى 9 رجب من هذه السنة.
    ولما وصل إلى استنبول صار مرافقا للسلطان. وكان يتكلم بلا تحاش من أحد وينطق بحضور السلطان بلا مبالاة يجرؤ في القول ولا يبالي. هذا ما دعا أن يكرهه أعوان الملك وحاشيته. أبدوا أنه يجب الاستفادة منه لمحافظة الثغور فعيّن واليا لبوسنة. ثم ولي بودين ومنها عين لمحافظة حانية في جزيرة گريد. ثم عهد إليه بقيادة گريد (3).
    وفي تاريخ السلحدار أنه لما أن عاد الصدر الأعظم قره مصطفى باشا من بغداد كان قائما مقامه (قائممقام) ثم صار في مناصب عديدة وفي سنة 1053 ه‍ عزل عن منصب بوسنة وورد استنبول فوجهت إليه ايالة بغداد. وفي سنة 1054 ه‍ عزل فعاد إلى استنبول فصار نديم السلطان. ثم
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 81 ـ 2.
    (2) الكازروني. ظهير الدين صاحب كتاب مختصر التاريخ حتى منتهى الدولة العباسية. مخطوط في خزانتي ، ومنتخب المختار ص 145.
    (3) نعيما ج 4 ص 116 و167 و205.

    ولي مناصب عديدة وزاول حروب گريد وكان ولي منصب السلطان. ثم ولي منصب (روم ايلي) فلفق عليه الصدر الأعظم شكاية فعزل وفي شهر ربيع الآخر سنة 1069 ه‍ ورد العاصمة فحبس في (يدي قله) ثم قتل وقد نعت بخير الأوصاف والنعوت (1).
    الوالي محمد باشا :
    وهو المعروف ب (محمد باشا آل حيدر آغا). وكان صاحب رأي رزين ، وفكر متين ولم يكن في أيامه غير المألوف من العدل والإدارة ولم تحصل حوادث تستحق الذكر والتدوين (2).
    أمير أمراء البصرة :
    في جمادى الآخرة صار مصطفى باشا أمير أمراء بودين. وكان قد عزل من البصرة قبل هذا وصودرت أمواله ثم عين إلى ولاية ديار بكر ومن هناك عزل فصار أمير أمراء بودين. ولا يعلم متى كان في البصرة وهي في أيدي آل أفراسياب ...!!
    خالد العجاج رئيس طيء :
    هذه القبيلة كان يرأسها أمير العشائر خالد العجاج من آل أبي ريشة. كان في انحاء عانة وهيت. وهو موصوف بالشجاعة ، ينهب الطرق ويقطع السبل ...
    وكان انقاد إلى بكتاش خان (حاكم بغداد) من جانب الايرانيين وصار يهاجم بمن معه الاطراف فنال احتراما من هذا الوالي. كان يأتي
    __________________
    (1) تاريخ السلحدار ج 1 ص 143 و178.
    (2) كلشن خلفا ص 81 ـ 2.

    بالرؤوس المقطوعة والألسنة من أماكن بعيدة فيحصل على اكراميات منه.
    وبأمر من حاكم بغداد هاجم مرة أطراف حلب فأتى إلى الخان برؤوس وبمواش كثيرة. باع فرسه المعروف ب (ابن العرب) إلى هذا الوالي بخمسة آلاف قرش ليسد بها عوزه. احتفظ به الوالي لنفسه واتخذ له سلسلة أمراس من ذهب وعليه العدة و(الرخت). جعله أمام عينه في أكثر الأحيان.
    ولما كان يركبه بكتاش خان يصعب عليه قياده فلم يسلس له. يرى منه ضروبا من الشموس والجموح. فدعي خالد العجاج فقال له : إن ابن العرب قد ساءت أخلاقه.
    أما خالد فإنه ركبه وخرج هو وبكتاش خان إلى جهة مرقد الشيخ شهاب الدين السهروردي فقال له :
    لم تحسنوا قياده ومسك بيده أربعة أقداح ماء فصار كلما رأى منه تصلبا وشموسا ضربه على رأسه بواحد منها. وبذلك أصلحه.
    وهذا الفارس شجاع لا يدع أحدا يمضي من جهة عانة وهيت دون أمره. ومن الاتفاقات الغريبة أنه في هذه السنة سارت قافلة من بغداد إلى حلب. فمشى بين أفرادها وحده.
    وحينئذ تقدم مملوك چركسي لأحد التجار يجيد الرمي بالبنادق فصوّب عليه بندقيته وضربه فأرداه قتيلا. ولما رأى أتباعه ذلك تفرقوا.
    سمع (جفته لرلي عثمان باشا) بذلك فأنعم على المملوك بخلعة وأكرمه وأعطاه رتبة الشجاعة فنال مكانة عنده (1) ...
    __________________
    (1) نعيما ج 4 ص 92.

    الأمير عساف أمير طيء :
    لم تمض مدة على قتلة خالد العجاج من آل أبي ريشة بل في أواخر هذه السنة طمعت الحكومة في الوقيعة بأمير الصحراء الأمير عساف خلف سابقه. وكانت الدولة قد فوضت ايالة حلب إلى إبراهيم باشا سلحدار الخاصة برتبة الوزارة. وهذا شرع في شؤون الحكومة وضبطها.
    وكان آنئذ أمير العشائر عساف في حلب يتقاضى راتبا من الحكومة ، ومن عادته أن لا يمر بالبلد ولا يتقرب للأمراء والوزراء. وإنما كان يأخذ من القرى بعض العوائد الباهظة أو الاتاوة (الخاوة أو الخوة) بلا انصاف. في أيامه جارت العشائر وصارت تقطع الطرق.
    دبّر هذا الوالي اغتيال أمير طيىء هذا واتخذ الوسائل للوقيعة به فشعر بالحيلة فأحبطت. كان عمل له دعوة فلم ينجح التدبر ، فعاد وبالا على الوالي ومن دعاهم للوليمة. ونجا الأمير عساف. فنرى وقائع طيىء لا تزال مهمة وتخشاهم الدولة. وكانت هذه الواقعة بتدبير الدولة ففشلت ولكنها نسبت الحادث إلى خرق الوزير ، وكتبت كتاب استمالة وأرضت أمير طيىء وهو الأمير عساف (1).
    وفيات :
    1 ـ توفي عبد علي الحويزي. وله شعر سمّى به نفسه كلب علي. وبشعره ثبت وقائع مهمة تخص العراق.
    __________________
    (1) التفصيل في تاريخ نعيما ج 4 ص 110.

    حوادث سنة 1055 ه‍ ـ 1645 م
    عزل الوزير :
    كانت الحالة في هدوء وسكينة. لم يحدث ما يدعو للتدوين. وفي 23 رجب هذه السنة عزل الوزير وكان ولي في 10 رجب سنة 1054 ه‍ وبعد العزل صار من وزراء الديوان ثم وجهت إليه ايالة مصر (1).
    الوزير موسى باشا
    يعرف ب (كوچك موسى باشا) أي موسى باشا الصغير. عرف بالشجاعة. فلما ولي بغداد أبدى السطوة فأوقع في القلوب رهبة فتمكن من تأمين الراحة والهدوء.
    أحوال البصرة :
    رأى هذا الوزير أن والي البصرة (علي باشا افراسياب) مال عن جادة الصواب. فلم يكتف بما لديه وبإغراء من ابنه حسين بك مدّ يده إلى (قلعة دكه) التابعة لبغداد وتغلب عليها ...
    فلما سمع الوزير جمّع العساكر وعين لها قائدا وشحن سفنا وبعث بالمدافع. وفي مدة يسيرة وافوا إلى ذلك المحل فتولدت الخشية في قلوب عساكر البصرة فلم يتمكنوا من المقاومة. فروا إلى قلعة (قصر) التابعة للبصرة فاكتسحوها أيضا. وكانت قلعة حصينة فضموها إلى ايالة بغداد وعينوا لها محافظين.
    والظاهر أن الحكومة نسيت مساعدات علي باشا أفراسياب فاستفادت من ركود الحالة فسارت للاستيلاء على مواقعه للتحرش به بأعذار اختلقتها نظرا إلى أنها شعرت بقوة لديها ... هذا في حين أن
    __________________
    (1) نعيما ج 4 ص 219. وكلشن خلفا ص 81 ـ 1.

    الحكومة الأصلية كانت مشغولة بحروب ومقارعات عظيمة في گريد وفي هذا الحين تم لها الاستيلاء وأعلنت الافراح في بغداد لورود الاخبار السارة بالاستيلاء على مدينة (حانية) في أواخر سنة 1055 ه‍ (1) ...
    غبار وظلمة :
    في أواخر هذه السنة ظهر في السماء غبار متراكم فولّد ظلمة مدة أربع ساعات ثم انكشف فرفعت هذه الغمة (2).
    حوادث سنة 1056 ه‍ ـ 1646 م
    عزل الوالي :
    انتهت أيام هذا الوالي في 15 شعبان سنة 1056 ه‍ وكانت ابتدأت في 24 رجب سنة 1055 ه‍ (3).
    الوزير إبراهيم باشا :
    كان حسن المنظر ، جميل الهندام ، ولما ولي بغداد مال بمقتضى شبابه إلى الكبرياء. ولم يجرب الحوادث وليس له نصيب من السياسة العسكرية ولا خبرة في ادارة الرعية ولا وقوف على أحوال الأهلين فمضت غالب أيامه بالفتن والاضطرابات (4). وأصل ذلك سوء الإدارة.
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 81 ـ 1.
    (2) كلشن خلفا ص 81 ـ 2.
    (3) كلشن خلفا ص 81 ـ 2.
    (4) كلشن خلفا ص 81 ـ 2.

    حوادث سنة 1057 ه‍ ـ 1647 م
    فتنة واضطراب ـ قتلة الوالي :
    وهذا الوالي تولد بينه وبين الينگچرية العداء بسبب ما اتخذه في ادارتهم من طريقة صاروا يتربصون به الوقيعة ، فاشتعلت نيران الفتن بينهما.
    وذلك أن هذا الوالي كان خازنا للوزير الأعظم صالح باشا ومن رجاله فعينه لولاية بغداد. ولما قتل عينت الدولة أخاه مرتضى باشا لمنصب بغداد. وفي طريقه إليها سيرت الدولة مراد آغا الخاصكي لقتله فوافى إليه في تكريت فقطع عليه طريقه وأخبره ببشرى ترفيعه إلى القيودانية ومن ذلك المنزل رجع فوجّه عزمه نحو دار السلطنة فوصل إلى ديار بكر ، وهناك قتل.
    فلما سمع والي بغداد إبراهيم باشا بذلك ارتاب من سعاية بعض أعدائه وغدرهم به نظرا لمنسوبيته إلى الوزير الأعظم المقتول إذ كان سيده فخاف أن يلحق به ما أصابه. فصار يتوقع ما تأتي به الأيام. وهذه الحالة دعته أن يجتذب لهجته بعض أهل الحل والعقد من رجال الجيش في بغداد ممن هم من أصحاب الكلمة النافذة. وشاورهم في هذا الأمر المهم. فحاول الاستقلال بالبلاد ليأسه من حكومته فوافقوه ... فقبض على أمور بغداد وسيطر على إدارتها ...
    وبينا هو غافل مطمئن من وضعه وتدبيره إذ ظهر متسلم بغداد (عن الوزير موسى باشا) فأنهى ما وقع. وحينئذ أعرض بعض رجال الجيش البغدادي عن المتسلم ولم يبدوا له رضى وبينوا أن لا معنى لعزل والينا؟ ورجوه أن يطلب من دولته ابقاءه وقالوا : إننا لا نستبدل غيره به!
    أرجعوه من حيث أتى لتنفيذ هذا المتسلم. ولكن قبل أن يشتعل لهيب الفتنة قام بعض الينگچرية من عسكر السلطان المعهود إليهم

    بمحافظة بغداد. وكذا من كان مجربا للأمور فسعوا سعيهم لتسكين الفتنة واطفائها فاجتمعوا في الميدان وفي القلعة الداخلية وكونوا صفا واحدا. وقدموا بعض النصائح حفظا للسلام والراحة وأرسلوا بعض رجالهم إلى الوالي وكان غافلا عن مجرى الأمور فأبدى أنه لا يعلم عن المتسلم شيئا فوافى لدعوتهم وجاء إلى القلعة الداخلية للمذاكرة. وحينئذ أحاط به الينگچرية. قالوا له ليس لك أن تتحرك ، وألقوا القبض عليه. ولم يكتفوا بذلك بل أعادوا المتسلم الذي كان قد سيّر من حيث أتى وأبقوه في الحكومة. وحينئذ أنهوا إلى الدولة ما وقع.
    أما (جيش بغداد) فإن أكابر رجاله تجمعوا في محل وكانت نيّاتهم مصروفة إلى الخصام والشروع في حرب الينگچرية بداعي أنه لم يصدر من الوالي جرم يستدعي اهانته لهذا الحد : فما كان ذنبه لينال هذه العقوبة القاسية أو تصيبه هذه الإهانة؟!
    وعلى هذا كادت تلتهب نيران الفتن بين الفريقين. ولما كان هذا الوالي خائفا من حكومته أن تبطش به توسل بهذا القيام ، فصار جيش بغداد يعتذر عنه ويتخذ ذلك وسيلة للقيام مبديا أنه لم تصدر منه جريرة ما.
    وفي هذه الأثناء ورد بغداد (الميراخور) (1) الصغير للسلطان وهذا قضى على الوالي فدفن في مقبرة الإمام الأعظم (2).
    وجاء في تاريخ نعيما :
    «قبل هذا كان الوزير الأعظم قد عين خازنه إبراهيم باشا واليا على بغداد. وفي شوال تلك السنة جاء موسى باشا القبودان إلى استانبول
    __________________
    (1) الميراخور أمير الاصطبل.
    (2) كلشن خلفا ص 82 ـ 1.

    بأمل أن ينال الوزارة العظمى فوجهت إليه ايالة بغداد. وحينئذ أبدى تمارضا ولم يرغب في الذهاب. فلم يتمكن بوجه من التخلص من هذا المنصب فأرسل متسلّمه ثم ذهب هو في الأثر.
    أما سلفه إبراهيم باشا فإنه علم بقتل (سيده) صالح باشا فأيس ولم يبق له أمل في الحكومة. ولذا قبض على بغداد بيد من حديد واستولى عليها بأمل أن يستقل في البلاد العراقية. وصار يدبر ما يقتضي لنهوضه ويعدّ لوازم القيام ... وأن جيش بغداد ارتبط به قلبا وقالبا. فرد المتسلّم المرسل من جانب موسى باشا ...
    فلما شاهد الينگچرية ذلك قاموا في وجهه معارضين له. فحدث قتال بين القبيلين. وأن صف حجاب الباب (قپوقولي) داخل القلعة دفعوا هجوم الجيش الأهلي والباشا معا.
    وحينئذ سلك الضباط طريق الحيلة استفادة من بساطة الوالي وصفاء سريرته وأبدوا أنهم تركوا النزاع وأنهم مطيعون لأوامره ، وأظهروا البشاشة فتمكنوا من أخذه إليهم إلى القلعة فألقوا القبض عليه وحبسوه في غرفة. أما الجيش الأهلي فإنه سعى لإنقاذه بهجومات متعددة فلم يتيسر له. فسمعت الدولة بالأمر فعهدت بولاية بغداد إلى مرتضى باشا المعزول من بودين وهو أخو صالح باشا المقتول. ثم صدر خط همايوني آخر بقتل إبراهيم باشا. وسير مع الميراخور الثاني.
    ثم صدر فرمان بقتل والي بغداد مرتضى باشا وعهد بإيالة بغداد إلى الوالي السابق موسى باشا. فأدرك المباشر مرتضى باشا في مدينة ديار بكر فقتله وقطع رأسه وكذا الميراخور الثاني قتل إبراهيم باشا في بغداد فأرسلت رؤوسهما إلى استنبول.
    أن الميراخور الثاني لم يكتف بقتل إبراهيم باشا وحده. وإنما قتل كتخداه أيضا. وكذا بعض المشهورين من آغواته ممن لهم اليد في

    العصيان كما أن المتهمين من الأهلين من أعيان البلد حبسوا وصودرت أموالهم ونكّل بهم.
    وحينئذ ضبط موسى باشا إدارة بغداد بيد من حديد وقتل بعض المشايعين لإبراهيم باشا من متقدمي (الجيش الأهلي) كما أنه فرت جماعة منهم إلى بلاد العجم» (1) ..
    وفي تاريخ الغرابي ما نصّه :
    «وفيها ـ في سنة 1056 ه‍ ـ وقعت فتنة عظيمة في بغداد. وذلك أنه كان فيها من الجند طائفتان يقال لهم (الينگچرية). وهم (طائفة) كانت وظائفهم تأتي من طرف السلطنة ، وهم ليسوا مربوطين ببغداد بل تذهب منهم جماعة ويأتي مكانها غيرها. والطائفة الأخرى من الجند كانت تعطي وظائفهم من حاصل بغداد ، وهم لا يتغيرون ، فاتفق أنه كان في السنة المزبورة إبراهيم باشا واليا على بغداد ، فعزل عنها ، ووليها موسى باشا ، ولما أن جاء متسلمه قالت الطائفة التي وظائفها من محصول بغداد نحن راضون عن والينا إبراهيم باشا لا نريد غيره ، ونريد أن يخرج من هذه البلدة آلتنجي أحمد آغا الذي هو أحد رؤساء الينگچرية فتحزبوا واجتمعوا ، فأرسل الباشا يستفسر عن تحزبهم فذهب إليه أحمد آغا فسأله عن السبب فقال له تقول طائفة الينگچرية أن الباشا يريد أن يستبدّ بهذا القطر ويخرج عن طاعة السلطان ، فقال له ليس مرادي ما تقول. وإنما الجند يريد أن أبقى هنا واليا وأنا لا أرضى بالبقاء فضلا عن العصيان ، فقال له أحمد آغا : يا مولانا الوزير إن كنت صادقا فيما تقول فقم واركب واذهب إلى القلعة واجلس بها ساعة ، ثم ارجع إلى مكانك حتى يصدق هذا الجمّ الغفير ما في ضميرك. وحلف له ايمانا مؤكدة بأنه ما
    __________________
    (1) نعيما ج 4 ص 249 ، ومثله في فذلكة كاتب جلبي ج 2 ص 310.

    يصيبه ضرر ولا وصب. فقام الوزير الغافل وذهب إلى القلعة فلما جلس واستقر ساعة أراد الذهاب فقال له أحمد آغا أنت محبوس. وليس لك خلاص من هذا المكان حتى يأتي الإذن من طرف السلطان. فلما آل الأمر إلى هذا تحزبت الينگچرية في الميدان. وجند بغداد اجتمعوا في حضرة الشيخ عبد القادر الجيلي قدس سره وأرادوا تخليص إبراهيم باشا فلم يمكنهم ، وبقي كل منهم يرتقب الفرصة ، وداموا على هذا الحال نحو شهرين. فأتى من طرف السلطنة أمر بأن يقتل إبراهيم باشا ، ويكون موسى باشا واليا على بغداد ، فأتى موسى باشا بالأمر ودخل بالسفينة ليلا ، فلما أصبح الصباح قتل إبراهيم باشا. ولما رأى جند بغداد أن إبراهيم باشا قتل طلبوا الخروج والذهاب ، ففتح لهم الباب ، فخرجوا وفروا إلى جهة العجم وقتل موسى باشا بقاياهم. وكانت هذه الوقعة في سنة 1057 ه‍.» اه (1).
    ومن هذه النصوص علمنا أن الينگچرية منهم من يستوفي علوفته من استنبول ويسمى (الينگچرية) ، ومنهم من ترجى علوفته من بغداد. ويقال له (قول بغداد). وهو (الجيش الأهلي). وهذا أيضا من صنف الينگچرية. وسماه في (تاريخ الغرابي) :
    (جند بغداد). وهذا الأخير مال إلى الوالي ، وحاول الانتصار له ، فلم يفلح. واضطرب أمر بغداد.
    فكان الوزير إبراهيم باشا ابتدأ حكمه في 16 شعبان لسنة 1056 ه‍ ودامت ولايته إلى غرة ذي القعدة لسنة 1057 ه‍ (2).
    وزارة موسى باشا :
    كان مصاحب السلطان. اشتهر ب (سمين موسى باشا) أي موسى
    __________________
    (1) تاريخ الغرابي ص 301 ـ 2.
    (2) كلشن خلفا ص 82 ـ 1.

    باشا السمين. فسمي بذلك من جراء أنه يصعب عليه الذهاب والإياب أو المشي. ويقال إن السلطان أنعم عليه بهذا المنصب لرفع الكلفة عنه.وفي تاريخ نعيما سماه (قپوجي موسى باشا).
    وهذا الوزير من حين تسلم زمام الإدارة فوّض أموره إلى أرباب الاغراض بل تغلب الينگچرية عليه فلم يعدل بين الرعية فكانت ادارته طبق رغباتهم فلم يبق له اختيار. أهمل الصفح والعفو وراعى الشدة والقسوة دون أن يقف عند حد ولم يبق أثر من صفاته في وزارته الأولى من عفو وصفح.
    أوقع برجال الفتنة ما أوقع فلم ينظر بعيدا في دقائق الأمور وبادر بالقسوة في (جند بغداد) ، متهما لهم جميعا ، أخرجهم من المدينة وبعث جيشا في تعقب أثرهم وعلى هذا أسر المشاة منهم فأمر بقتلهم ثم صار يتحرى المختفين داخل المدينة وخارجها حتى أنه اتهم من كان لم يرض بحدوث هذا الأمر فأوقع بهم مع أنهم كانوا أبرياء.
    وعلى كل تركت البقية الباقية ديارها وأسرعت بالهزيمة إلى بلاد العجم فعاشت في غربة أو هلكت في طريق هذا التشتت وتبعثرت أحوالها ... صار القوم يشتبهون من كل واحد من الأهلين فلم يأمنوا على حياتهم ، يخشون الغوائل ويتوقعون الاخطار فكان الاضطراب مستوليا على بغداد ...
    ذلك ما دعا أن ترسل الحكومة لتحقيق الأمر كلّا من الوزير محمد باشا جاووش زاده أمير أمراء ديار بكر والوزير أحمد باشا الطيار وجعفر باشا فكل هؤلاء مع جيوشهم في هذه الايالات أرسلوا لمحافظة بغداد ... (1) فكان لهم الأثر الكبير.
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 82 ـ 2.

    هدية الشاه :
    وفي هذا التاريخ قدم شاه العجم فيلين يضاهي كل واحد منهما الجبل في عظمته! مع هدايا أخرى أرسلها إلى السلطان صحبه سفيره (محمد قولي خان) السفير السابق. مر بها من بغداد ، فذهب إلى استنبول (1).
    عزل الوالي وقتله :
    ورد الفرمان بعزل الوزير. وكان من مرافقي السلطان السابق. ذهب إلى استنبول. ولما كان تعديه في بغداد وظلمه للأهلين تجاوز الحد صدر الفرمان بقتله حين وصوله فقتل في (يدي قله).
    كان موسى باشا في زمن السلطان إبراهيم أمير سلاح (سلحدار) فعهد إليه بمنصب روم ايلي ثم صار والي بغداد فقتل في هذه السنة (2).
    أوضح نعيما عن تعدياته. وسبب قتله فقال ما ملخصه إنه كان أمين العاصمة زمن السلطان إبراهيم فاكتسب الشهرة بانتسابه إلى شكر پاره. فنال آغوية الينگچرية برتبة وزارة ، ثم صار دفتريا. وبعد ذلك حصل على القيودانية ثم عزل. وبعد قتل صالح باشا أرسل إلى بغداد فاكتسب شهرة وشأنا ونال مكانة وظهورا. وحينئذ مال إلى الحصول على ختم الوزارة وصار لا يفكر في غيره.
    وعلى هذا بذل ما في وسعه لجمع المال. جار في أمر ادخاره وأبدى وقاحة. فقتل في بغداد ما يربو على المائتين من المتمولين بتهم مختلفة فانتهب أموالهم ...
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 82 ـ 2.
    (2) تاريخ نعيما ج 4 ص 383.

    وهذا بلغ حد التواتر عنه. قسا على أخي الخواجة حسب الله الشابندر الايراني صديق (آغا بغداد) آنئذ مراد آغا. ورجا منه الأهلون وعرفوه أنه من أعز أحباب (مراد آغا) الذي صار وزيرا فقتله واستولى على أمواله الوافرة.
    ثم إنه جعل يرنججي (1) زاده (آغا الينگچرية) الذي صار كتخداه ، في مكان مراد آغا. فترك مراد آغا بعض الأموال وذهب إلى گريد بمنصب قبطان قپودان باشا ومن جراء ذلك تولدت نفرة بين مراد آغا والوزير. وقد عثر على كتابات منه بخط يده اطلع بها على نياته وأنه كان يحلم بالصدارة واتخذ الوسائل المالية تمهيدا للحصول على هذا المنصب ... مما دعا إلى اسقاطه فعزل من بغداد.
    ولما ورد استنبول شاع عنه أنه قدم هدايا وأموالا للتوسط في الأمر المذكور كما وقعت الشكاوى من حسب الله الشابندر فأمر السلطان بقتله. ولا ننسى أنه تغلب عليه الينگچرية (2).
    كانت ولايته ابتدأت في 2 ذي القعدة سنة 1057 ه‍ ودامت إلى 21 ذي الحجة سنة 1058 ه‍ (3).
    وزارة ملك أحمد باشا :
    إن هذا الوزير حليم الطبع والسيرة والكلام الطيب. ويعرف ب (ملك أحمد باشا). نال منصب بغداد. وكان والي ديار بكر. جاء بغداد (4). وفي رحلة اوليا چلبي مباحث واسعة عنه (5).
    __________________
    (1) في تاريخ الغرابي (آلتنجي).
    (2) تاريخ نعيما ج 4 ص 430.
    (3) كلشن خلفا ص 83 ـ 1.
    (4) كلشن خلفا ص 83 ـ 1.
    (5) رحلة أوليا جلبي ج 4 في صفحات عديدة.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي   تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 6:23 am

    حوادث سنة 1059 ه‍ ـ 1649 م
    أيام الوزير في بغداد :
    كان سلوكه مع الناس مقبولا وحسنا جدا حتى أنه في زمنه سقط جدار على عامل فقير فتوفي ولما علم بذلك الوزير قال : مات شهيدا. لأن وفاته كانت في طريق الكسب والكاسب حبيب الله ، فحضر الجامع بنفسه وصلى عليه مع سائر الناس صلاة الجنازة. ذكر صاحب گلشن خلفا أنه شاهد ذلك بأم عينه. كان يتفطر قلبه أسى على الفقراء والضعفاء. لا يرضى بالظلم ويجتنب ما استطاعه من الانحراف عن العدل إلا أنه كان صافي القلب ، لا يستطيع أن يدرك النتائج للمقدمات وما تنجر إليه حوادث الأمور نظرا لبساطته (1). ولعل للينگچرية دخلا في غل يده.
    كاتب الديوان :
    كاتب الديوان في أيامه محمد أفندي. وكان عارفا بالقوانين العثمانية وهو منشىء ، وكاتب قدير (2).
    عزل الوزير :
    بدأت حكومته من 22 ذي الحجة سنة 1058 ه‍ ودامت إلى 20 ذي الحجة سنة 1059 ه‍ (3) وفي نعيما أنه عزل في المحرم سنة 1060 ه‍.
    وملك أحمد باشا من الابازة ابن پروانه القبودان من أمراء البحرية. فدخل السراي في غلطة ، ثم في السراي الجديد إلى أن ولي
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 83 ـ 1.
    (2) كلشن خلفا ص 83 ـ 2.
    (3) كلشن خلفا ص 83 ـ 2.

    منصب (سلحدار). وفي فتح بغداد نال الوزارة ومنح منصب ديار بكر ، ومنها عين لمحافظة الموصل وهكذا تقلب في مناصب أخرى فصار واليا ببغداد بالوجه المذكور. ثم صار وزيرا أعظم في 10 شعبان سنة 1060 ه‍ ثم صار في مناصب أخرى وفي سنة 1070 ه‍ أحيل على التقاعد وفي 17 المحرم سنة 1073 ه‍ توفي وكان حليما سليما ذا دين وصلاح حال وزهد وتقوى. بلغ الستين من العمر. وله استقامة في أعماله (1).
    الوزير ارسلان باشا :
    هو ابن نوغاي باشا (2). شجاع وحيد بين أقرانه ، يخترق الصفوف بقلب غير هياب ولا وجل ، ذو شهامة وكياسة عقل ، يتيقظ للأمر وينتبه ... ويحكى عنه وقائع كثيرة تدل على فروسيته وعقله. وله خدمات جلّى في الثغور.
    دجلة :
    زادت وكادت تغرق بغداد. جاء الماء على حين غرة فأحاط بها.
    حوادث سنة 1060 ه‍ ـ 1650 م
    جاء في گلشن خلفا أن هذا الوزير في أيام حكومته عاش أهل المدينة وقطّان البوادي براحة وطمأنينة وسلامة من الغوائل. وفي نعيما (3) : إن آغا بغداد كان مصطفى آغا ال (طوبخانه لي) وكان منسوبا إلى الوزير الأعظم فعزله. وكان متنفذا حصر كل الأمور بيده فهو صاحب الحل والعقد ... ومن ثم أرسل إلى بغداد الياس آغا الخاصكي.
    __________________
    (1) تاريخ السلحدار ج 1 ص 258 بتلخيص.
    (2) رحلة اوليا جلبي ج 3 ص 255. وكلشن خلفا.
    (3) تاريخ نعيما ج 5 ص 3.

    وفي هذه الأيام ذهبت جماعة من الينگچرية إلى استنبول يشكون آغا بغداد (مصطفى آغا) فأعيدوا وفي الحقيقة سمعت شكواهم. والغرض تقريب مصطفى آغا وكان قتل في بغداد جماعة من الينگچرية ورماهم في دجلة.
    وكذا أرسل قاضي بغداد كتابا يشكو فيه من عدم اصغاء الأهلين إلى الأوامر والفرامين ويبدي اضطرابه وتألمه من هذه الحالة.
    توفي والي بغداد فدفن في غرفة المحقق الجيلي (لعله الشيخ عبد الكريم الجيلي) ولم يحدث في أيامه من الوقائع ما يستحق البيان.
    كانت حكومته من 21 ذي القعدة سنة 1059 ه‍ إلى أواسط سنة 1060 ه‍.
    ولما وصل خبر وفاته إلى استنبول أرسل متسلم إلى بغداد ولم يصل إليها الخبر ولا أتى المتسلم إلا بعد نحو شهرين أو ثلاثة من تاريخ وفاته (1).
    ولاية بغداد :
    وفي نعيما كلّف كتخدا الوزير الأعظم في قبولها برتبة الوزارة فلم يقبل ومنحت إلى ملك أحمد باشا. ولما كان حديث العهد بالزواج لم يرض السلطان بإرساله لتزوجه (قيا سلطان) وطلبت هذه الخاتون من أبيها أن يبقيه أو يطلقها منه.
    ولم تمض إلا بضعة أيام حتى استعفى الوزير بتضييق من الكتخدا وحاشيته وأعوانه من طائفة الينگچرية. ولكنه نصح السلطان أن يودع الوزارة العظمى إلى أحد من الينگچرية وإلا فعلى الدولة السلام. وحينئذ التأم الديوان وقرر ايداع ختم الوزارة إلى ملك أحمد باشا سوى أنه
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 83 ـ 2.

    اشترط أن لا يتدخل في أعماله أحد من الينگچرية فوافق السلطان على هذا الشرط وأطلق يده ظاهرا. ولم تمض مدة إلا وقد غلت يده كسلفه.
    وحينئذ بقيت بغداد شاغرة (1).
    حوادث سنة 1061 ه‍ ـ 1650 م
    حكومة الوزير حسين باشا :
    وهذا كان كريما ، هينا لينا ، يلاطف الصغير والكبير. وهو شاب في مقتبل العمر. عاش في بلاط السلطان مراد. ولما ورد بغداد بسط فيها بساط الحلم والشفقة ورفع الارجاس عن المدينة والشدة المألوفة فيها فصرف جهوده لجلب القلوب بالإحسان والأنعام.
    وكان يعتكف في الجامع كل ليلة جمعة ويؤدي فريضة صلاة الجمعة في الجامع ويكرم الإمام والخطيب والفقراء بما تيسر له من احسان ذهبا وفضة. فاستعبد الناس بخيراته وأحبوه حبا جما.
    ولم تطل أيام حكومته بل وافاه الأجل المحتوم فأسف الكثير على فقده فدفن بجوار الشيخ عبد القادر الجيلي. حزنوا عليه وسكبوا الدموع الغزيرة على فقده. إلى أن قال صاحب گلشن خلفا : كانت أيامه أشبه بالحلم ، مضت بهدوء وسكينة بلا تغلب واضطراب فلم يحدث في أيامه من الوقائع ما يكدر الخواطر (2). وكان في أيامه آغا بغداد الياس آغا.
    هذا الوالي كانت قد بدأت حكومته في 5 من شهر رمضان سنة 1060 ه‍ ودامت إلى أواسط سنة 1061 ه‍ (3).
    __________________
    (1) نعيما ج 5 ص 19.
    (2) كلشن خلفا ص 83 ـ 2.
    (3) كلشن خلفا ص 84 ـ 1.

    جاءت حوادثه في سنة 1061 ه‍ والظاهر أنه لم يصل إلى بغداد إلا في هذه السنة وليس في النصوص ما يكشف عن تاريخ وروده بغداد.
    ولما وصل إلى استنبول خبر وفاته أرسلت إلى بغداد متسلما جديدا فمضت عليه مدة شهرين.
    الوزير قره مصطفى باشا :
    إن هذا الوزير نشأ في البلاط. ونال رتبة سلحدار. ثم جاءته الوزارة فورد بغداد. وعامل الناس على اختلاف طبقاتهم بحسن المعاملة ولطف المجاملة. وكان صبيح الوجه فصيح الكلام ، حليم الطبع ، نافذ الأحكام. لم يكن يعرف الكبر والغرور بل كان يراعي الناس على اختلاف مراتبهم بتواضع فهو هيّن لين.
    واقعة داسني ميرزا :
    هو من أمراء الأكراد الداسنية (1) ويعرف ب (مرداسني) والعشيرة المعروفة بالداسنية في أنحاء الموصل (من اليزيدية) (مير داسني) من سلالة الأمراء كان شجاعا باسلا ، وفي سنة (فتح بغداد) قام بخدمات مهمة وبسالة فائقة ففي سبعة أفراد من رجاله قتل مئات من القزلباشية فمنح (ايالة الموصل) في صدارة مراد باشا (قبل أن يتولى الوزير الأعظم ملك باشا) فنال لقب (ميرزا باشا) ، ثم عزل ، فلم ينل بعدها منصبا وبقي في استانبول مدة ، فلم يحصل على غرضه ، نالته مشقة واصابته فاقة. وفي شعبان سنة 1061 ه‍ يئس من حالته فعبر هو وجماعته البوسفور (المضيق) إلى الاناضول وعاثوا بالأمن ، فتعقبوهم ، وقتلوا أصحابه
    __________________
    (1) نسبة إلى داسن جبل في شمالي الموصل من جانب دجلة الشرقي فيه خلق كثير من طوائف الأكراد يقال لها (الداسنية). ذكره في معجم البلدان. ولم تكن نسبة إلى عقيدة. ثم اطلق على (اليزيدية) فقيل لهم (الداسنية).

    وقبضوا عليه فقتل أيضا (1).
    هذا والملحوظ أن صدارة مراد باشا كانت في سنة 1059 ه‍ في جمادى الأولى. وعزل في سنة 1065 ه‍ في شعبان منها. فكانت ولاية الداسني خلال المدة بين سنة 1059 ه‍ وسنة 1061 ه‍ وفي عمدة البيان أن ولايته كانت سنة 1060 ه‍ وفي كتابنا تاريخ اليزيدية تفصيل.
    حوادث سنة 1062 ه‍ ـ 1651 م
    علي باشا افراسياب :
    في هذه السنة توفي والي البصرة علي باشا أفراسياب ومن حين وفاة والده تولى شؤون البصرة ونظر في إدارتها. وكان جلّ ما قام به أن حافظ على البصرة أيام الحروب مع العجم فتمكن من حراستها. ولما ورد السلطان مراد الرابع بغداد وافتتحها أقره في ولايته ... وكانت قد حصلت منه مساعدات للجيوش التركية بكل ما استطاع.
    وفي أيامه راجت سوق العلوم والآداب ، واشتهر شعراء عديدون. مثل عبد علي الحويزي وسوف نوضح عنهم. ولما توفي خلفه ابنه حسين باشا في ولاية البصرة (2).
    تزوير ولاية الموصل :
    توفي والي الموصل ، فوجهت الايالة إلى محمد باشا الدباغ ، فبعث بمتسلمه فرأى محمد بن عثمان جاووش. وهذا كان أمير لواء پياس التابع لحلب ثم عزل. وطلب أن يكون واليا على البصرة بمكان علي باشا أفراسياب فلم يمكنه الوزير الأعظم گورچي باشا من ذلك
    __________________
    (1) تاريخ نعيما ج 5 ص 92 وفذلكة كاتب جلبي ج 2 ص 373.
    (2) سجل عثماني ج 2 ص 195 وج 3 ص 513.

    فزوّر منشورا في الموصل فوردها وضبطها. وقال إن هذا المنصب صار عليّ بمبلغ اثني عشر ألف قرش. وبدأ في تحصيل أربعة آلاف قرش. ثم عرض على استنبول أنه وجد الموصل خالية فضبطها وأنه يقبلها بمبلغ اثني عشر ألف قرش قال : والآن قدمت أربعة آلاف وما بقي فمهتم بتحصيله. غضب گورچي باشا واستغرب من مثل هذه البيانات الغريبة من هذا الرجل وأمر بلزوم إحضاره.
    ومن الجهة الأخرى إن متسلّم محمد باشا الدباغ وصل إليها فوجده مشغولا بجمع الأموال ، وإنه منتظر الأمر بخصوص ما كتب ومن ثم أبرز الفرمان وضبط المدينة ثم ذهب إلى ذلك الرجل وكان نصب خيامه خارج المدينة بأمل مطالبته بالأموال التي استوفاها من أهل الموصل. وحينئذ ضرب المتسلّم بغدارته (1) في ذراعه وركب مع اتباعه وذهب إلى أنحاء البصرة بخفارة بعض الشيوخ. ومن ثم وصل إلى البصرة فنجا (2).
    حوادث سنة 1063 ه‍ ـ 1652 م
    حفر نهر السيب :
    في هذه السنة كان النهر الواقع بين دجلة والفرات المسمى (نهر السيب) قد اندثر من مدة طويلة. وفي هذه الأيام قام محمد وعمر وعثمان من الينگچرية في بغداد بحفر هذا النهر فحفروه مجددا بهمة لا مزيد عليها وجمعوا الناس لزرعه. وغرس البساتين فيه فصار يعطي من الخراج لبيت المال ألفي طغار (تغار) من الحنطة والشعير وهذا هو عشر المحاصيل (3).
    __________________
    (1) الغدارة أشبه بالسيف ذات حدين وإنها غير منحنية.
    (2) تاريخ نعيما ج 5 ص 194.
    (3) كلشن خلفا ص 84 ـ 1.

    عزل الوالي :
    لا تذكر عنه وقائع مهمة في هذه الأيام سوى أنه كان ولي بغداد ثلاث مرات وسيمر بنا الايضاح عنها في حينها. وفي هذه المرة عزل وخرج من بغداد في 13 شوال سنة 1063 ه‍ وكان أول حكومته في 22 من شهر رمضان سنة 1061 ه‍ (1).
    الوزير مرتضى باشا :
    هذا الوزير خلف سابقه. وكان ممن عاش في البلاط. ثم صار برتبة سلحدار وولي الشام والروم. ومنها صار واليا على بغداد. لا يبالي من عمل سوء وغضب في طبعه. إلا أنه كان موافقا للعوام في طباعهم ، جالبا لحبهم حتى أنه ليس له في دار حكومته حاجب يمنع المراجعين أو يوصد الباب في وجوههم بل ترى بابه مفتوحا في كل وقت لمن يتطلب العدل لحد أنه كان نائما يوما للاستراحة وقد انفض عنه خدمه فدخل عليه بعض أصحاب الشكوى فأيقظه وقدم إليه عريضة. فلم يجد من يأتيه بالقلم فطلب من صاحب الشكوى أن يأتي بمحبرته فكتب أمرا قطعيا ، نافذا للحال فجبر خاطر صاحب المظلمة.
    ومن خصائله أنه كان يقرأ المولد الشريف كل سنة فيطعم ويقدم الشراب للحضار.
    ومن المؤسف أنه كان يميل إلى الإفراط في معاشرة النساء. راجت الفحشاء في زمنه. فكان مجلسه ملوثا بتصاوير أمثال هذه الفواحش. ومع كل هذا كان وحيدا في الفروسية ، شجاعا ، فأذعن العابثون بالأمن لحكمه ولم يتمكن أحد منهم أن يعصي فصار الداخل والخارج زمن حكومته في حراسة تامة وأمن فاشتهر في الانحاء.
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 84 ـ 1.

    ومما يعزى إليه أنه كان يجترىء في تحميل الفقراء تكاليف لا يطيقونها فكان أمن المملكة مشوبا بالقسوة والظلم ... فكانت أطواره بين شدة وغضب وقبول عذر وهكذا ظهرت في حكمه أنواع التقلبات (1).
    حوادث سنة 1064 ه‍ ـ 1653 م
    واقعة مفاجئة :
    ومما يذكر لهذا الوالي أنه خرجت طائفة من الجيش عن دائرة الأدب فتجمعت في ليلة. ولما سمع بالخبر ذهب على حين غرة راكبا فرسه وهاجمهم ففرق جمعهم ونكل بهم. ففي 27 شهر رمضان قتل منهم محمود آغا الرئيس الأول لاتهامه في هذه القضية.
    حسين باشا آل افراسياب :
    في هذه الأيام وردت رسائل من أحمد بك وفتحي بك عمي أمير البصرة حسين باشا أفراسياب ومن أمير الأحساء محمد باشا يشكون فيها من أمير البصرة حسين باشا جاء بها (قاصد) على عجل. ومفاد هذه الشكوى أن أعمام أمير البصرة أصابهم منه حيف واعتداء. حكوا ما جرى عليهم. كان في أيديهم لواء أو لواءان فجاؤوا البصرة لبعض الشؤون فبادر بالتوجيه إليهم وأكرمهم إلا أنه صار يتخذ الوسائل للقضاء عليهم واغتيالهم. ولما لم ير هؤلاء طريقا للنجاة ركنوا إلى من تحزب لهم وقاموا في وجهه وسلّوا سيف العدوان عليه ، واستعدوا لمناضلته إلا أنهم رأوا أن لا طريق للخلاص من هذه الورطة وبتوسط المصلحين اكتفى بنفيهم إلى الهند. ولما وصلوا إلى سواحل الأحساء ، وجدوا فرصة ففروا هاربين إلى أمير الأحساء. ومن ثم عجلوا بالالتجاء إلى الدولة.
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 84 ـ 1.

    جاء في تاريخ السلحدار ذكر هذه الواقعة في حوادث سنة 1065 ه‍ والظاهر أن ذلك كان مبنيا على تاريخ وصول الخبر والصواب أن ذلك كان أيام الوزير مرتضى باشا لا مصطفى باشا (1). كتب ما كتب بعد أن تمت الواقعة وانتهى أمرها. وبين أن الخلاف كان بين المذكورين والمشايخ والأهلين من جهة ، وبين حسين آل أفراسياب من الجهة الأخرى. ويقصد بالمشايخ (آل باش أعيان) (2).
    ثم إن أتباع هؤلاء ركبوا السفن ومضوا بها إلى مأمنهم في الهند. وفي هذا الحين لا تزال الاحساء بيد واليها محمد باشا. فركن إليه احمد بك ويحيى بك ونزلوا عنده ضيوفا. وهذا أنهى واقع أحوالهم إلى الدولة بكتاب قدمه إلى وزير بغداد مع رسول فلما وافت الكتب أمر أن يأتوا إليه دون تأخر وعرض القضية على دولته فاغتنمت هذا الخلاف وسيلة للتدخل بإدارة البصرة ... وحينئذ أرسلهم حاكم الاحساء بكتاب و(قاصد) إلى بغداد على وجه العجلة كما رغب الوزير فوصلوا إليها في أيام قليلة.
    أما الوزير فإنه حينما رأى هؤلاء وما تعهدوا به له ولخزانة الدولة أسرع في الأمر ولم يتدبر العواقب بروية فجمع العساكر وتدارك المؤونة الحربية (العتاد) والمدافع وجعل كتخداه رمضان آغا سردارا وبعث به وأن يكون هؤلاء بصحبته فتوجهوا نحو البصرة.
    ثم تبعهم الوالي ومعه العساكر فطوى المسافات حتى ورد العرجاء (العرجة). وحينئذ ولد الخبر في البصرة اضطرابا. ومنها وصل إلى (الشالوشية) و(العقارة) فدخلتهما الجنود ...
    __________________
    (1) تاريخ السلحدار ج 1 ص 16.
    (2) من الأسرات المعروفة في البصرة.

    أما البصرة فقد انقادت قراها وعشائرها وجندها للحكومة بسبب حبهم واخلاصهم لأحمد بك وبأمل أن ينالوا قسطهم من الاختصاص به في الإدارة المدنية. ولذا عدّوا سدّ الطريق في وجههم اساءة محضة فأذعنوا بالطاعة والانقياد واتخذت العساكر نخيل الجزائر مضربا لخيامهم.
    وهكذا استولى الباشا على البصرة بلا تعب ولا عناء. وأول ما توجه إلى القرنة أخذها بسهولة فوضع فيها محافظين. وكانت تعد مفتاح البصرة المتين. ومن جهة أخرى إن خبر هذا الزحف أحدث خوفا عظيما وارتباكا في حالة حسين باشا وسبب له اضطرابا زائدا فلم يجسر على المقاومة بل فرّ إلى حدود العجم.
    ثم دخلها بلا عناء. واستقبل بأبهة واحتفال لا مزيد عليهما.
    أما أحمد بك فإنه نال ولاية البصرة وفرح بها بعد أن ناله ما ناله من وبال وإن الأشراف والأعيان قاموا بما يقتضي لتوقير الوزير وإكرامه فاهتموا في جمع هدية نقدية له تليق به وبينا هم في مداولة هذا الأمر إذ غلب على الوزير الطمع ومال إلى الغدر وأول عمل قام به أن استولى على أموال حسين باشا ووالده وأموال أولادهم وأحفادهم. ولم تكفه هذه بل مدّ يده إلى أموال أغنياء البصرة ومتموليهم في (القبان) مما لم تصل إليها الأيدي أو كانت بعيدة المنال عنه أمر بجلبها وبعث أحمد بك وفتحي بك مع مقدار من (السكبان) وبعض الآغوات من أعوانه فذهبوا إلى (القبان). وصوبوا المدافع إلى جهة السراي فأوقعوا الخوف والرعب في القلوب وأعملوا السيف في أشراف البلد. سوّل بعض الأشرار للوالي سوء عمله هذا. وحينئذ وقع كثير من القتلى بنيران المدافع والبنادق ...
    وأيضا كان قصد هذا الوالي أن يستولي على البصرة ويقطع دابر



    هؤلاء لتكون تابعة لدولته ولكنه خذل في هذا المسعى ، فوجّه اللوم عليه من جراء عدم نجاحه ، وذلك أنه حينما أرسل أحمد بك وفتحي بك كان قد أمر من معهما أن يقتلوهما فامتثلوا أمره وأوردوهما حتفهما. ثم أحضروا رأسيهما إلى البصرة. علم الناس بما وقع وما جرى من أفعال فلم يبق من لم يتألم وحينئذ علموا أن الغرض المقصود لم يكن نصرة الموما إليهما وإنما كان النهب والسلب والاستيلاء على المملكة للوقيعة بأهليها ... فسل الجميع سيوفهم للانتقام من هذا الوالي والنفرة من أعماله الشائنة. ثار الأهلون جميعا وقاموا على قدم وساق ، وبادروا للعمل على إمحاء الروم ومحاربتهم من جراء فعلاتهم هذه وغدرهم.
    ومن ثم شرعوا في مناوشة المحافظين في القرنة فورد الخبر إلى الوزير فارتبك للحادث فسير السفن لامدادهم ومعهم جماعة من الرماة بالبنادق فاجتازوا المهالك كما بعث بثلاثة آلاف أو أربعة من ناحية البر وهؤلاء من جند بغداد من (السكبان) وهم خيالة.
    تحاربوا في محل تجاه القرنة يقال له الشرش «وقعت معركة دامية بين الفريقين دامت بضع ساعات كان لها وقع كبير في النفوس. وفي هذه الحرب أبدى كل من الطرفين بسالة لا توصف. فكانت النتيجة أن انتصر العرب على (الروم). فتغيرت قدرتهم إلى خذلان ذريع وولوا الأدبار.
    وأن السفن أيضا أصابها قرب ساحل الدير ما أصاب الجيش فلم تتمكن من الوصول إلى القرنة. فدمرها الثائرون ولم تبق إلا شرذمة قليلة في القرنة مقهورة. ولكنها ثبتت في دفاعها.
    كان جيش بغداد قد تألم من الوزير لما جرى. فتركوه والبصرة وعادوا إلى بغداد. وحينئذ ندم الوزير على ما بدر منه فترك جميع ما كان أحرزه من الأموال والنفائس وفرّ بنفسه فوصل إلى جيش بغداد في

    العرجاء (العرجة). وهذه الطائفة من الجيش حينما وصل إليها فرّ بعض رجالها من وجهه لما رأوا أنه يخشى أن يعاقبهم بما بدا منهم من تقصير ، وأنهم محل التهمة فتفرقوا وانهزم أكابرهم ، لما علموا أن سوف ينتقم منهم (1).
    وفي تاريخ السلحدار بين أن الجيش فرّ من الوزير وذهب إلى بغداد قبله ولم يدعه يدخل المدينة فاضطر إلى مقابلته ، واحتمى بجانب الكرخ (قلعة الطيور) ووصلت الأخبار إلى استنبول فعلم السلطان بذلك فعزله (2).
    وهذا الحادث صار سبب حصول حسين باشا على مرغوبه وعودته إلى مملكته لقلة تدبيره ونظره في العواقب عاد حسين باشا إلى محل ولايته وقام بشؤون الإدارة وعلى كل أراد الوزير أن يستفيد من الخلاف الأول فساء رأيه وخسر مكانته (3).
    وجاء في تاريخ الغرابي :
    «وفي سنة 1064 ه‍ سافر مرتضى باشا والي بغداد وصحب معه فتحي بك وأحمد آغا أولاد سياب باشا (أفراسياب) لأخذ البصرة من يد حسين باشا بن علي باشا وتسليمها إلى عمه أحمد آغا. فلما وصلوا إلى البصرة ورأى حسين باشا أهلها يريدون أحمد آغا خرج منها ودخلها مرتضى باشا والعسكر وقعدوا فيها ثلاثة عشر يوما فسوّل له بعض الرؤساء أن يقتل فتحي بك وأحمد آغا ويقيم في البصرة ، فقتلهما فسمع الرعايا بتلك الأطراف ، فقاموا عليه فهرب مرتضى باشا وقتل جانب من العسكر ، فأرسل الأهلون إلى حسين باشا بهذا الخبر وطلبوا أن يعود
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 86 ـ 1.
    (2) تاريخ السلحدار ج 1 ص 17.
    (3) كلشن خلفا ص 84 ـ 1 ، وتاريخ نعيما ج 6 ص 112.

    إليهم. فلما وصل إليه أظهر الحزن وقعد للتعزية. وبعد ذلك توجه إلى البصرة. وكان دخوله سنة 1065 ه‍ وحكم فيها إلى سنة 1077 ه‍. وهنأه بعض أهل المعارف بقصيدة ختمها بهذا التاريخ : (خاب من عادى حسين ابن علي) ه (1).
    ولا شك أن الواقعة توضحت من هذه النصوص فلم يبق غموض أو إبهام.
    حوادث سنة 1065 ه‍ ـ 1654 م
    حالة بغداد :
    وفي هذه الأيام حصلت الاراجيف في بغداد وقامت الثورات فيها من كل صوب. وحينئذ ظهر سرّاق الليل نهارا فصاروا لا يخشون سطوة واستولى على الناس الخوف والرعب بحيث عادوا لا يقدرون أن يناموا ليلهم ولم تذق أعينهم طعم الراحة. فاقتنى الأهلون الأسلحة وصار يحملها من لم يعتد بذلك من قبل توقعا من ظهور الشرور وأعدوا العدة ليحرسوا أنفسهم بأنفسهم.
    الوزير في بغداد :
    أما الوزير فإنه منذ ورد بغداد كان متألما من مغلوبيته هذه وكتب إلى دولته لإعلامها بلزوم إعادة الكرة فلم يجد له سامعا ، مجيبا. لينتقم. والملحوظ أنها كانت متفقة معه في الغرض إلا أنه أعماه الطمع ولم يستعمل الحكمة ... وبقي على هذا مدة في محنة من أمره. وجاء في تاريخ السلحدار (2) أنه وأتباعه فروا بأرواحهم إلى بغداد. ولما وصلوا إليها لم يوافق الجيش أن يدخلها ، فاضطر أن يلتجىء إلى جانب الكرخ
    __________________
    (1) تاريخ الغرابي ج 2 ص 300 ـ 2.
    (2) تاريخ السلحدار ج 1 ص 17 وكلشن خلفا ص 86 ـ 1.

    (قلعة الطيور) ويحارب هذا الجيش فعلمت الدولة بتلك الأخبار الموحشة.
    ومن ثم أسدل الستار ، ولم يوضح في بغداد ، وما جرى بينه وبين الجيش إلى أن ورد الوالي الجديد.
    ابتدأت حكومته في 14 شوال سنة 1063 ه‍ ودامت إلى 14 شهر رمضان سنة 1065 ه‍.
    الوزير محمد باشا :
    ويعرف ب (آق محمد باشا) أي محمد باشا الأبيض. نشأ في البلاط وحصل على ولاية بغداد وفيها قضى نحو نصف أيامه بالامراض والعلل مرتبك الحالة مضطربا من جراء الآلام ونغص العيش ...
    اسطورة :
    ومما حكى كاتب ديوانه (عبد الباقي وجدي) المنشىء البليغ ، والشاعر العندليب أن هذا الوزير استولى عليه المرض لدرجة أنه صار يخشى أن يعطى دواء لما أنهكه الضعف.
    وبينا هو في هذه الحالة إذ جاءه لعيادته بعض دراويش المولوية وهو (مصطفى دده الخراباتي) من المتصوفة. جسّه خفيفا وبادر بالدعاء له بالشفاء القريب وفي ساعته عجل بالخروج ومضى في طريقه.
    وعند خروجه رافقه عبد الباقي وجدي ورجا منه حسن الدعاء. أبدى أن القلب لا يقطع مأموله من الله تعالى ، وعسى أن يأتى المدد السريع من رجال الله. أما الدرويش فإنه قال نعم! إننا والله أخذنا على عاتقنا مثل هذا الأمر وأومأ إلى أنه يشير بقوله : إننا فديناه بأنفسنا وعهدنا له بذلك (1) ...
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 86 ـ 2.

    وأقول كانت للطريقة المولوية تكية المولا خانة وهي جامع الآصفية المعروف اليوم وقد مرّ الكلام عليها (1). فعرفنا من شيوخ هذه الطريقة (مصطفى دده الخراباتي) ، ومنهم يوسف الملقب بعزيز المولوي. وبينهم خطاطون أفاضل.
    ويروى أن ذلك الدرويش عمل في تلك الأيام ضيافة جعل فيها حلوى وأنواع المأكولات للفقراء (الدراويش) وقام بخدمتهم فلما أتموا أكلهم قام هذا الدرويش بمقام الرجاء والالتماس من أستاذه الذي كان جالسا في صف متأخر فانتصب قائلا :
    الإرادة أن يأتي المحبون ، والاجازة أن يؤذن لهم بالانصراف.
    وحينئذ أبان أن من لوازم السفر إلى الآخرة دعاء الاحباب ...
    فتصدى لجوابه الدرويش الجالس بمقام المشيخة قائلا :
    أيها الدرويش ما هذا الهذيان أو القول الهراء!؟ ، وما تلك الدعوى الباطلة!؟ عنفه على ما صدر منه وأنبه تأنيبا مرا وقال ـ إن عالم الأرواح صار يدعونا ، يحاول تحقيق هذه المعضلة وتوضيح المدعى!
    فعجب الدراويش وأصابتهم الحيرة من أمرهم هذا لما شاهدوه من الحالة ...!
    ثم قال : ليكن قدومكم خيرا ، وأن لا ينالكم فشل لدى الحق عزّ وجل.
    وبعد تلاوة الفاتحة صدر من الدراويش كلامهم المعهود فيما بينهم (ذكرهم) ومرت على ذلك ثلاثة أيام زال خلالها الضعف من الوزير المريض فحصل على العافية بإلهام غيبي من ذلك الدرويش الصالح ...!
    __________________
    (1) تاريخ العراق بين احتلالين ج 4.

    وهذا الدرويش كان من الملامتية. لم يخل من ابداء بعض ما يعنف عليه. ولكنه كان فذا في تسخير قلوب الناس وجذبها إليه. وحالة كونه لابسا خرقة الدروشة كان يبذل للفقراء الدراهم والدنانير بسخاء حاتمي. أكثر الناس من التقول عليه بأنه لا يبالي (خراباتي) والله أعلم بحقيقة الحال (1).
    ويلاحظ هنا أن أمثال هذه الخزعبلات لا تروّج سوق هؤلاء المتصوفة ، ودعاة الباطل ممن يرتكب المنكرات بداعي أنه ملامتي ويتظاهر بالقبائح زاعما أنه يتستر فيما بينه وبين الله تعالى ... وفي هذا مخالفة ظاهرة للكتاب والأحاديث الصحيحة ، ومعاكسة بوقاحة للمأمورات والمنهيات. فالمجاهرة بسوء الأعمال مما يشجع أصحاب القلوب الضعيفة وذوي النفوس الشريرة فيكونون قدوة الباطل ، وسوء الأمثولة ...
    والملامتية طريقة معروفة من زمن بعيد جدا يتظاهر الواحد منهم بما يلام عليه من أعمال مخالفة للشرع. وفي الباطن يعمل ... الصلاح ، (كذا) قالوا ... ولم تؤسس طريقة عندنا بهذا الاسم في هذا العهد بل ظهر مثل هذا الدرويش من المولوية وزعم مزاعم لا يقرها الشرع ...! فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مهمات الإسلام.
    صفات الوزير :
    وهذا الوزير مشهور بالفروسية والشجاعة وله رغبة في الصيد. يقضي أكثر أوقاته في الصحارى والفلوات متجولا فلا يرى وحشة.
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 86 ـ 2.

    حوادث سنة 1066 ه‍ ـ 1655 م
    أيام حكومته :
    وفي أيام حكومته ظهرت بعض المفاسد والفتن من رجال الجيش البغدادي ممن لم تؤدبهم الحوادث فلا يزالون في غرورهم وفي مقدمة هؤلاء امرؤ يقال له (عبدي) وهو شيخ جاهل وان كان طاعنا في السن. فصار قدوتهم في العصيان وفي تشويش الحالة.
    أوليا جلبي :
    سيّاح معروف يعدّ (ابن بطوطة الترك) ولد سنة 1020 ه‍ ، ويهمنا أنه ورد العراق. دخل بغداد في يوم مولد الرسول صلى الله عليه وسلم سنة 1066 ه‍ وكان آنئذ واليها قره مرتضى باشا دخل عليه ، وقدم له هدية مرسلة من ملك أحمد باشا ، وقص الكثير من أحوال بغداد التي شاهدها وبينها ما أزال الابهام عن شؤوننا. اعتمدنا على حوادثه فيما شاهده ، وذكرنا الكثير مما أشار إليه ...
    والحق أنه مؤرخ عظيم ، وسيّاح شهير. اسمه محمد ظلي بن قره أحمد بن قره مصطفى من سلالة أحمد يسوي المتصوف المعروف ، ساح بلادا عديدة وممالك كثيرة منها العراق وايران وسورية ومصر وبلاد المجر ، ولهستان (بولونيا) والمانيا ، وهولاندة ، والدانمارك ، والسويد وروسيا ...
    وفي سياحته قصص خرافية إلا أن مشاهدته قطعية وصحيحة ، كان عارفا باليونانية واللاتينية ، وبالتواريخ الرومية. أدرج حوادث وقصصا تاريخية لما يتعلق بالآثار التي عاينها ، وغالب الخرافات وصلت إليه من تلك الكتب القديمة. وسياحته في عشرة مجلدات ، وفي رباط سليمية باسكدار نسخة كاملة من سياحته. دفن في مقبرة قاسم باشا من شيشخانه

    قرب بلدية (بك أوغلي). وقد اندرس قبره.
    طبعت سياحته قسما بالحروف العربية ، وقسما بالحروف اللاتينية. اختصر هذه السياحة الحافظ (فيض الله بلبل) مصاحب السلطان في مجلد واحد ضخم. فكان لهذا التلخيص مكانته كما طبعت منتخبات منها. ويهمنا ما فصله في أصل السياحة عن العراق. أبدى أمورا لم يعد فيها شاكلة الصواب في غالب ما ذكر (1).
    ورد بغداد وكان واليها مرتضى باشا وهذا لا يأتلف والمدونات الأخرى فأوليا چلبي قد عين تاريخ وروده بغداد ، وتقديم الهدية للوالي مرتضى باشا ...! فهل الغلط من گلشن خلفا أو أن السهو جاء من أوليا چلبي في التاريخ ، أو في الاسم إلى آخر ما هنالك ما يجب أن يتبين منه حقيقة الوضع ولعل تعيين الوالي الجديد وتاريخ توجيه الولاية إليه لا تعني وروده وإن عزل مرتضى باشا لا يعني خروجه في الحال ، وإنما يأتي المتسلم ، ويخبر بالوصول وأخذ الولاية من يد سلفه وهكذا بعد المسافة يدعو إلى مثل ذلك. ولعله اعتمد على الحافظة فتولد السهو. وهذا مما يقع كثيرا. وفيه أن عمر النخلة يبلغ ثلاثة آلاف سنة مما لا محل لاستقصائه ...
    حوادث سنة 1067 ه‍ ـ 1656 م
    قتل الوالي :
    عزم هذا الوالي أن يقضى على جميع العصاة ، فدعا القوم في يوم جمعة وأمر بقتل (عبدي) المذكور. دعا الجلاد فقتله. وحينئذ اجتمع أعوانه في الميدان وسارعوا للانتقام فلما سمع بهم الوزير شتت شملهم ،
    __________________
    (1) عثمانلي مؤلفلري ج 3 ص 15.

    وألقى الرعب في قلوبهم فتفرقوا. وظن الوزير أنهم ذهبوا ولم يلتئم لهم جمع.
    ثم ذهب لصلاة الجمعة في جامع الإمام الأعظم. سار بلا خوف ولا خشية ظانا أن قد زال الخطر. ولم يدر أن الاحتراس من كيد الاعداء أمر ملتزم. مضى في طريقه إلى الإمام الأعظم من جهة الميدان وكان قد كمن له بعضهم. كانوا جلوسا في القهاوي. فصار بعض القوم من أعوانهم يسبون الوالي وتقدم اثنان بسيوفهم وهجموا عليه بقصد الوقيعة به والانتقام منه فقتلا فلما رأى ذلك بادر في الرجوع لاتخاذ التدابير لتسكين الفتنة واسرع في امالة عنان فرسه إلى جهة داره. سكنت الفتنة نوعا ولكن هذه الحالة لم ترق للأهلين. بدأوا يعيبون الوالي على هزيمته. وفي هذه الأثناء ورد من استنبول حسين آغا الخاصكي بصفة (آغا بغداد) ليتدخل في حل بعض العقد العويصة والأمور الطارئة. بذل المجهود لتهدئة الحالة ، فخول قتل هذا الوالي. وحين وصوله إليه قتله وصار (آغا بغداد)
    وكان هذا الوالي قد ابتدأ حكمه في 15 شهر رمضان سنة 1065 ه‍ ودام إلى سلخ المحرم سنة 1067 ه‍ (1).
    الوزير محمد باشا الخاصكي :
    هذا الوزير منظره جميل. تربى في البلاط. ثم نال إمارة مصر والشام. وبعدها ولي بغداد. وهو يميل إلى الابهة والحشمة. يجلس في الديوان وأمامه ستار مما لم يكن معهودا في بغداد. رتب ديوانه وألزم أهل هذا الديوان بلباس خاص من فرجية (2) وغيرها. وكان كل يوم يجلس فيه يبذل للمستحقين بسخاء. وله عطايا وإنعامات كبيرة لأهل
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 87 ـ 1.
    (2) الفرجية لباس خاص. ويقول الترك (فراجه).

    الفن. إلا أنه كان في غفلة عما تضمره الليالي وأن التجملات وأثواب الحشمة والأبهة لا تكفي لتوليد حسن الادارة. ذهل عن أن الاقبال معرّض للزوال ... فلم يكن مطلعا على الشؤون ولا عارفا بالبلاد ولا بأحوال الناس ، تساهل في ضبط الجيوش وربطها وأبدى عدم مبالاة ونام عن التدبير ، بل إن الجيش تغلب ...
    اتصل به بعض رجال الجيش في بغداد والتفوا حوله فولّدوا فيه غرورا من جهة وفتورا عن العمل من جهة أخرى. فكان يقضي ليله مع الغواني بالطرب والملاهي ونهاره بالشرب مع المغنين ... ومن ثم حدثت الفتن في زمنه. وأمور العالم لا تتم بمثل هذه الأعمال بل هي داعية للفتن (1).
    ما جرى في أيامه
    الجوازر وجيش بغداد :
    في أواخر هذه السنة قام بعض العربان في أنحاء الجوازر فشقّوا عصا الطاعة ، وتمادوا في الطغيان فاقتضى تأديبهم ، فأرسل الوزير جيشا قويا من جهة البر ومن طريق النهر مشاة وفرسانا. جعل عليهم قائدا. ولما وصل الجند إلى هناك حدث فيما بين أفراد الجيش خلاف تناوشوا في خلاله الكلام. أوقد نيران الفتنة كل من كتخدا اليسار ورئيس العرفاء من جيش بغداد وثلّة من الخيالة فمال هؤلاء إلى ما لا يليق من الأعمال ، فقتل جمّ غفير من الأبرياء وجرح آخرون واختفى قسم عن الانظار. ثم رجع الجيش إلى بغداد.
    فلمّا علم الوالي بما وقع اضطرب لهذا الحادث ودعا (آغا
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 87 ـ 1.

    بغداد) (1) والمتميزين من الينگچرية فألف ديوانا عاما. فاتحهم فيه بما يجب عمله من التدابير ومن ثم استقر الرأي على أن لا يفسح المجال لهؤلاء البغاة أن يدخلوا المدينة وأن لا يعفى عنهم ما لم يسلموا العصاة القائمين بالفتنة والشغب.
    كانت هذه الموافقة من أهل الديوان ظاهرية وعلى دخل. حسنوا هذا الرأي إلا أن القلوب الزائغة كانت على خلاف هذا. فاتخذوا هذا المنع وسيلة لإظهار مكنونات سرّهم. ولما طال المنع يومين أو ثلاثة اتخذ ذلك وسيلة للشغب فأغروا بعض الجهال وجمعوا الينگچرية فأشعلوا نيران الفتنة ليلا ، وصاروا يطرقون الأبواب ويتجمهرون في كل منعرج طريق. جمعوا لهم جمعا كبيرا. وفي الصباح فتحوا الأبواب. وظاهروا الممنوعين ، وأدخلوا جيش بغداد إلى المدينة. هاجموا البلدة من كل صوب فأحدثوا ضجة واتفقوا على أن يفعلوا ما عزموا عليه من فضائح.
    وحينئذ هاجموا السراي بحجة أنهم يبغون الشيخ بندرا والروزنامة چي ، وأمين المخزن. طلبوا تسليم هؤلاء فهاجموا الوزير ، فلم تبد منه مخالفة. انتهبوا كل ما وجدوه في طريقهم. وبعد رجوعهم ظفروا بأمين المخزن فقتلوه ومثلوا به.
    وفي اليوم الآخر انذروا الوالي أن يسلم إليهم الباقين وهددوه فحلف لهم بالأيمان المغلظة بأنه لم يكن لديه واحد منهم وعين إكرامية لمن يظفر بواحد منهم فصاروا يتحرون عن المرقومين فظفروا بالروزنامة چي وحين كان مؤذن الجمعة ينادي للصلاة قتلوه ولم يرعوا حرمة الأذان وعاثوا بالمدينة.
    __________________
    (1) يطلق على آغا الينگچرية. وباب الآغا المحل الذي كان يتولى الادارة فيه. ولا تزال المحلة معروفة بمحلة باب الآغا.

    وهذا لم يكن مستحقا لهذا العقاب الصارم ولا ما هو أقل ... ولم يظهر منه ما يستدعي. اتخذوا الفرصة للوقيعة به وبغيره.
    وفي هذه الأيام كان (أمير طيىء) قرب بغداد. وفي الليلة الاولى فرّ (الشيخ بندر) (1) إليه ولاذ به فقبل دخالته وذهب به إلى الموصل. شاع هذا الخبر ولم تبق شبهة في صحته.
    ومن ثم تفرقت جموعهم وذهب كل لمحلّه وسكنت البلدة.
    ولم يقفوا عند هذا الحدّ بل ظهروا في ليلة على حين غرة وبلا موجب. فتجمعوا في الميدان حتى الصباح ولم يعلم غرضهم. اضطرب الناس وحذروا من سوء العاقبة.
    أما الوالي فإنه خاف بطشهم فاتخذ طريق الفرار وذهب توا إلى هيت ينتظر ما يتولد من الوقائع ، وما تؤول إليه الحالة.
    ولما أحس الثوار بما وقع من ذهاب الوالي خافوا ما ينجم عنه فتلوموا مدة. ومن ثم أرسلوا إليه على وجه السرعة. دعوه إلى الحضور إلى مقرّ حكومته. فوافى ونزل في الجانب الغربي من المدينة. وحينئذ تقدم إليه جماعة من رؤساء الينگچرية وأبدوا له الطاعة والإذعان وأنهم سكنوا الفتنة ونكلوا بالمتجاسرين وعلى هذا تشتت الجيش الأهلي (جند
    __________________
    (1) الشيخ بندر صوابه الشاهبندر ، كذا قال الدكتور مصطفى جواد. ولدى مراجعة النص وجد في گلشن خلفا (شيخبندر) تكرر كذلك. ومن مراجعة المخطوطة عرفنا أنه شاه بندر ، فجاء نص تاريخ الغرابي مصححا. وهنا يهمنا الإشارة إلى أنه من المحتمل القويّ أن يكون أصل لفظ (شاه بندر) شيخ البندر ولا ينطق الفرس ولا الترك بالخاء بل بالهاء فقالوا شهبندر أو شاه بندر فشاع ... وحيدر جلبي الشاهبندر صاحب الوقف المعروف ببغداد ب (وقف حيدر) وعندي نص وقفيته.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي   تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 6:25 am

    بغداد) قسم منه فرّ وجماعة أقاموا في محلة قنبر علي. ركنوا إلى أعوانهم هناك.
    وفي هذه الحالة لم يتسرع الوزير في الأمر. وإنما راعى التؤدة لاستطلاع الأخبار على وجه الصحة فنزل (المنطقة) (1) بخيامه. اتفق رؤساء الينگچرية فأصدروا الأمر القطعي بلزوم التنكيل بالجيش البغدادي. وكان منشأ هذا الشغب من الرئيس الأول ومن كتخدا الجيش الأهلي رئيس الخيالة وعدة أفراد. طلبت الينگچرية كل هؤلاء وحذروهم من التهاون في الحضور أو التخلّف. وحينئذ استولى عليهم الرعب ولم تبق لهم قوة المقاومة فركنوا إلى طريق الصلح وأبدوا أن القتال سيؤدي إلى أن يتمكن العداء فأذعنوا للينگچرية وسلموا المذكورين إلى الباشا. فأعطى الرئيس الأول آغا اليمين ومن معه إلى (الجورباجي) فأمر بنفيه بناء على الرجاء الواقع إليه وأوعز إلى رجاله بقتل الباقين.
    ثم إن الباشا قطع أرزاق نحو ثلاثمائة من الجند وفرّقهم فأصابتهم الحاجة فعاشوا ببؤس وتغرّب منهم آخرون.
    دامت هذه الحوادث نحو أربعين يوما فأصابهم جزاء ما اقترفوه.
    أما الوزير فإنه أبدى احتياجا إلى الحرس من الجند واضطر أن ينقاد إلى أقوال أتباعه فتغلبوا عليه ومدوا إلى الظلم الأيدي وتجاوزوا حدود الأدب في التطاول (2).
    __________________
    (1) المنطقة. فيها (جامع المنطقة). ويعرف قديما ب (مسجد براثا) إلا أنه بتوالي الأيام اندثر. وتدوينات المؤرخين تابعت الشيوع مرة باسم براثا ، ومرة بجامع العتيقة ذلك ما ولّد اشتباها بأنه اسم لموقعين. والحال جاء في كتاب المشتبه للذهبي : «وبراثا محلة عتيقة بالجانب الغربي» اه ص 29. والتفصيل في كتاب (المعاهد الخيرية). وفي سنة 1949 م اتخذ مسجدا. ولا يزال تقام فيه الصلوات بعد أن كان مهملا أمدا طويلا.
    (2) كلشن خلفا ص 88 ـ 2.

    جاء في تاريخ الغرابي :
    «أرسل الخاصكي محمد باشا عسكر بغداد إلى البطايح لمحاربة بعض العربان. فثار الجند وقتلوا بعض رؤسائهم. فلما قفلوا وأرادوا الدخول إلى البلد أمر محمد باشا بسدّ الأبواب في وجوههم وقال : لا يدخلوا حتى يسلموا من كان سببا لإثارة الفتنة فما رضوا بذلك وراسلوا الينگچرية في بغداد فقاموا بالليل وفتحوا الأبواب وأدخلوهم فلما أصبح الصباح ذهبوا جميعا إلى دار الإمارة ونهبوها وأرادوا قتل محمد باشا فاختفى فلم يظفروا به. ثم إنهم تحزبوا في الميدان فطلبوا ثلاثة رجال أمين المخزن ذا الفقار والروزنامة جي علي وحيدر جلبي الشابندر فظفروا بذي الفقار وعلي فقتلوهما. وأما حيدر جلبي فإنه علم بالأحوال في الليلة الاولى فعبر بالسفينة إلى الجانب الغربي من بغداد ومنه إلى ديار بكر وبعد ثلاثة أيام انفلّوا وذهب كل إلى عمله ثم بعد أيام اجتمعوا مرة أخرى فانهزم محمد باشا إلى هيت ثم رجع وجلس في الجانب الغربي من بغداد فوقعت المشاجرة بين طائفتي الجند فسلموا من كان سببا لإثارة الفتنة فقتلهم محمد باشا.» اه (1).
    وفي گلشن خلفا تفصيلات وكان مرتضى آل نظمي في ديوان بغداد فاطلع على الحادث كما عرفنا بعض الأسماء من الغرابي.
    إرسال سفير إلى الهند :
    في هذه الأيام ورد السفير العثماني حسين آغا آل معن للذهاب إلى الهند إلى (شاه جهان خرم شاه) وأقام ببغداد بضعة أيام ثم ركب السفينة ومضى في طريقه.
    __________________
    (1) تاريخ الغرابي ج 2 ص 202.

    وذلك أنه في سنة 1059 ه‍ كان أرسل ملك الاوزبك (محمد نذر خان) إلى السلطان كتابا مؤدّاه أنه يشكو من ابنه عبد العزيز فرغب أن يكتب إليه السلطان كتاب نصيحة يردعه فيه ويطلب منه الرجوع إلى الصواب ، وأن يوعز أن يتدخل بالصلح شاه العجم والهند إصلاحا لذات البين وأن يمده بهذه العناية فضلا من عنده. فقبل السلطان أن يقوم بالأمر إجابة للطلب فأرسلت الكتب مع السيد محيي الدين متفرقة عهد إليه بهذا الأمر فوصل إلى هناك وأدى واجب الخدمة وحينئذ أرسل ملك الهند جوابا مع السيد أحمد ومعه هدايا وتحف باهرة أتى بها إلى السلطان.
    وبالمقابلة قدم إليه السلطان كتابا مع هدايا أرسلت مع ذي الفقار آغا فأدى الواجب. وعلى هذا قدم ملك الهند أيضا تحفا وهدايا مع كتاب وكان الرسول يقال له قائم بك. وفي هذه المرة قدم إليه السلطان أيضا هدايا مع حسين آغا فوصل إلى الهند وحينئذ رأى في ساحل الهند أنه قام مراد بخش ابن ملك الهند بعصيان. فأعاد الرسول الهدايا فوصل إلى بغداد وفي سنة 1069 ه‍ عاد إلى بلاد الروم.
    وشاه جهان خرم شاه هو ابن جهانگير سليم شاه بن أكبر شاه بن همايون شاه بن بابر شاه ابن عمر شيخ التيموري. وبابر شاه أسس امبراطورية المغول في الهند. تكونت سنة 932 ه‍ ـ 1526 م. ومن مشاهير هذه الدولة بعد شاه جهان (أورنك زيب) المعروف ب (عالمگير) وتنسب إليه الفتاوى (العالمگيرية) ولي سنة 1069 ه‍ ـ 1659 م. وتوفي في 28 ذي العقدة سنة 1118 ه‍ ـ 1707 م. ودامت عظمة هذه الدولة من أيام بابر إلى آخر أيام (أورنك زيب). مرّ بنا من ملوكها من له علاقة بأبحاثنا وبعد أورنك زيب طرأ على هذه الدولة ضعف متوال حتى انقرضت سنة 1273 ه‍ ـ 1857 م. وتوفي آخر ملوكها في رانغون بعد إجلائه إليها من دولة الإنكليز. مات سنة 1279 ه‍ ـ 1862 م. ثم إن دولة

    الانكليز أعلنت امبراطوريتها على الهند في سنة 1294 ه‍ ـ 1877 م. وفي أيامنا تكونت في الهند حكومة باكستان الإسلامية وحكومة الهند.
    هذا وإن مراد بخش بن شاه جهان توفي سنة 1068 ه‍ قتله أورنك زيب بعد عودة السفير إلى بغداد (1).
    عبد العزيز خان :
    ابن ملك الازبك الخاقان نذر خان. سيأتي الكلام عليه في حوادث سنة 1093 ه‍ كما سبق البحث عن الاوزبك عند ذكر (جامع الاوزبك).
    سفير إلى شاه العجم :
    وفي هذه السنة (سنة 1067 ه‍) أرسلت الدولة العثمانية إسماعيل آغا رسولا إلى شاه العجم عباس الثاني مع الهدايا السنيّة والجواب على كتابه المرسل مع علي خان المتضمن رجاء دوام الصلح ومعه الهدايا المقدمة من الشاه فهذا الرسول إسماعيل آغا ذهب إلى ايران وأدى ما عهد إليه من واجب وعاد عن طريق بغداد. ولكنه وافاه الأجل المحتوم فتوفي ودفن في مقبرة الإمام الأعظم.
    حوادث سنة 1068 ه‍ ـ 1657 م
    امطار وفيضان وغرق :
    كثرت الأمطار في هذه السنة وفاضت الأنهار وطفحت مياهها. التقى النهران دجلة والفرات بسبب هذه الزيادة واستولت المياه على صحارى بين النهرين. وصارت بغداد محاطة بالمياه من جميع جوانبها
    __________________
    (1) دول إسلامية ص 498 وتاريخ العراق بين احتلالين ج 2.

    حتى أن المياه وصلت إلى باب الأعظمية وجرفت المياه (تابية الفتح) فتخربت بسبب ذلك الابراج الكبيرة للمدينة وما جاورها من الابنية المهمة.
    وعلى هذا أبدى الوزير ما أبدى من همة عظيمة لإعادة بناء (تابية الفتح) (قرب مقبرة الشيخ عمر السهروردي في غربيها) والأبنية اللازمة فعمرها مجددا وبذل ما في وسعه من قدرة.
    ولما رأى أن قد استولت المياه في جانب الكرخ على المنطقة وصارت تصب مياه الفرات في دجلة تحول إلى دار حكومته في الجانب الغربي. وفي هذا الحين فتح الانهار لتصب في دجلة واتخذ لها قناطر وجسورا كما أنه عمل سدتين محكمتين. قام بهذا العمل بنفسه وجمع خلقا كثيرا للعمل تسهيلا للمارة ذهابا وإيابا. وهذه بقيت في حالة ينتفع بها مدة.
    ولما سمع كل من والي آمد (ديار بكر) مرتضى باشا وولاة الموصل وكركوك بما جرى على بغداد جاؤوا للخدمة وما يقتضي لها من المحافظة .. فنصبوا خيامهم في صحاريها وقاموا بما لزم.
    حوادث سنة 1069 ه‍ ـ 1658 م
    أعمال أخرى :
    لم تمض إلا مدة قليلة حتى ورد الفرمان بلزوم ذهاب مرتضى باشا إلى جهة الاناضول للقضاء على حسن باشا أبازه وأعوانه فذهب.
    أما هذا الوالي فإنه كان محبا للخير ، مراعيا أعمال البر والأمور النافعة. ومن أعماله أنه عمّر قبّة عثمان ذي النورين (رض) وأرسل من يقوم بذلك لما علم أن بناءها قد تداعى وعمل لها ستارا. وبذلك بذل مبالغ طائلة. ولا تزال مبراته باقية.

    بناء منارتين :
    وهذا الوزير تم في أيامه بناء المنارتين لمسجد الإمام علي (رض) في النجف.
    جامع الخاصكي :
    في أيام هذا الوزير كان بنى بعض الرهبان كنيسة بقرب مرقد الشيخ محمد الأزهري وهو من الأولياء الكرام والمشايخ العظام (1) في حين أن النصارى لم يبنوا في بغداد من ابتداء عمارتها ديرا (كذا) فلما سمع الوزير بذلك خرب الكنيسة وبنى موضعها جامعا يؤمه المسلمون وأعلى قبّته وبنى له منارة وجعل طيقانه مقرنسة ، واتخذ له جدرانا قويّة وسمي (جامع نور سلحدار محمد باشا) وعرف بجامع محمد باشا السلحدار ثم شاع باسم (جامع الخاصكي) وكان في القاهرة يطلق عليه أبو النور. أراد أن يقف أوقافا لهذا الجامع وقرّر له خدّاما ويعيّن ما يحتاجه. وبينا هو كذلك إذ ورد الأمر بعزله. ومن ثم هجر هذا الجامع ، ولم ينقصه إلا القليل ، فحصل فتور حال دون إكماله.
    وجاء في رحلة أوليا چلبي أن جامع محمد باشا الخاصكي جامع جديد في رأس القرية. فيه منارة. ولا شك أن الرحالة بقي إلى ما بعد بنائه. كان ورد أكثر من مرة إلى بغداد (2).
    __________________
    (1) في (أولياء بغداد) للسيد عيسى صفاء الدين البندنيجي الذي نقله من كتاب (جامع الأنوار) لمرتضى آل نظمي «أن والده أي والد الشيخ محمد الازهري كان من أصحاب الشيخ محيي الدين عبد القادر الكيلاني ، فكان هو أيضا من جملة المنسوبين إلى تلك الطريقة السنية ... وتوفي الشيخ محمد في بغداد ودفن بها في الجامع الشهير بجامع الخاصكي الواقع في محلة رأس القرية من محلات بغداد» اه.
    (2) رحلة أوليا جلبي ج ص 419.

    ثم جرت عليه تعميرات متوالية منها ما كان في سنة 1077 ه‍ أيام وزارة إبراهيم باشا الطويل عمّر بعضا منه واهتم بما يقتضي لترميمه. فشرع فيه بإقامة الجمع والجماعات.
    وفي سنة 1079 ه‍ توجّه نظر الوزير قره مصطفى باشا إليه فعني بأمره وعيّن لمستخدميه راتبا من مال الدولة.
    وفي سنة 1094 ه‍ ورد بغداد محمد بك السلحشور لقضاء بعض المصالح التي أودعت إليه. وكان هذا ممن عاش في نعمة باني الجامع محمد باشا فعمره وأكمل بناءه وزوقه بنقوش ذهبية وكتابة ياقوتيّة (1) وزاد في وقفه وفي خدامه.
    والتفصيل في كتابنا (المعاهد الخيرية).
    مدة حكومته :
    إن هذا الوالي بدأ حكمه في بغداد في غرة صفر سنة 1067 ه‍ ودام إلى 7 ذي الحجة سنة 1069 ه‍ (2).
    الوزير مرتضى باشا :
    إن هذا الوزير موصوف بالشجاعة والبطولة وقبل هذا كان واليا على بغداد. ثم صار واليا على ديار بكر فعهد إليه بالقيادة الممتازة. وفي هذه المرة فوّض إليه منصب بغداد أيضا.
    وفي أيامه هذه أحيا (نهر دجيل) وكان اندرس. أراد أن يقوم
    __________________
    (1) الكتابة الياقوتية منسوبة إلى ياقوت المستعصمي الخطاط العراقي المعروف المتوفى سنة 697 ه‍. وردت بلفظ (كتيبة ياقوتية). مع أن المنسوب إليه الكتابة لا الكتيبة المعروفة بنقوش الصنعة.
    (2) سجل عثماني ج 4 ص 173 وفيه ترجمته.

    بالعمل وأن يوفق بين مصاريف بغداد ودخلها ويرفع عنها ما أصابها من اعتلال وأن يؤدي من ضرائب بغداد مائة كيس من الاقجات (1) سنويا يقدمها للدولة تعرف هذه ب (ارسالية) مع ألفي رطل من البارود ترسل إلى استنبول. كان طلب من حكومته أن تمنحه المنصب بهذه الشروط فوافقت.
    ولي زمام الإدارة في بغداد. ولم يدخلها في أول وروده وإنما نزل بقرب فيلق الوالي السابق على حين غرة فولّد هيبة ... وحينئذ اتخذ المحاسبة عن خزانة بغداد وسيلة فأبدى أنه تبين للخزانة بذمّة الوالي أكثر من ستمائة كيس من الأقجات فصار يطالب بها وضيّق عليه الخناق من أجلها ومن ثمّ لجأ الوزير السابق إلى طريق الاستشفاع والالتماس منه فإنه كان منفورا من الصدر الأعظم محمد باشا الكوپر يلي فعفا حينئذ عن مائة كيس وحوله بمبالغ مقابل رهان مقبوضة والباقي جعله دينا إلى أجل.
    وحينئذ دخل الوزير الجديد المدينة. وتطييبا لخاطر هذا الوزير وإزالة ما مضى دعاه إلى الضيافة وأعطاه خمسة عشر كيسا من النقود الكاملة العيار وثلاثة من البغال للركوب من نوع رهوان (رهوار). وأنعم عليه ب (فرجيّة سمّور) وأعطى لكل من أخيه وولده خنجرا مرصعا هدية لهما. ولكن هذا لم يكن الدواء الشافي لما جرحه به.
    وهذا الوزير لم ير بدا من قبول هديته وتبرئة ساحته.
    نهر دجيل :
    ثم إن الوزير مرتضى باشا تولى الحكم بإجلال وعظمة واستقلال ، وأصدر أوامره إلى النواحي والقرى بتوليه الوزارة وجمّع الأهلين في نهر
    __________________
    (1) تاريخ العراق بين احتلالين ج 4.

    دجيل وسكانه القدماء وأحضرهم إليه وأعد ثلاثة آلاف أو أربعة من العمّال والمعمارين ومن يصلح فشرعوا في العمل ولم تمض ثلاثة أشهر أو أربعة حتى أتمه حفرا وتطهيرا وعمر القصبات والجوامع هناك وأرضى الرعايا وأخذ الرسوم العشرية بوجه العدل والانصاف (1)
    التبدل في الإدارة والمالية :
    ألغى هذا الوزير ما كان يتقاضاه الولاة والدفتريون من المخصصات السنوية البالغة أكثر من مائة كيس ويقال لها (ساليانة) (2) وتصرف لمعيشتهم وإدارتهم ، وأبطل إمارات بعض الألوية ، وأرسل للدولة المبلغ المقرر والبارود المعين ولا يزال هذا حملا ثقيلا على كاهل خزانة بغداد (3). وبهذه الطريقة مضى في تدبير المملكة العراقية.
    ظلم وقسوة :
    ومن ثم اضطر بسبب التغير الحاصل إلى أخذ الرسومات المعينة من الرعايا سلفا وهي (الساليانة). واتخذ اختلاط الشهور العربية بالرومية (4) وسيلة للغبن الفاحش واستعمل الغلظة على الأهلين فتمكن من جمع الضرائب سلفا ولكنه قضى على إدارة الماضي نهائيا وثبت الوارد والمصروف ودوّنهما بدفاتر خاصة. وعدّل في الادارة بالنظر للوضع الحالي. وهذا عمل مقبول لولا أنه أحدث ضجة بسبب الضرائب. نفع
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 91 ـ 1.
    (2) الساليانة المقرر السنوي ولا يزال أثرها باقيا. والصليان مأخوذ منها. ويطلق على رسوم النخيل المخصصة لهذه الجهة. وكذا المبالغ المخصصة للسلطان.
    (3) كلشن خلفا ص 91 ـ 1.
    (4) التاريخ الهجري القمري والشمسي والتوفيق بينهما أمر قديم تعرضت لتفصيله في المجلد السابع للتبدل في التاريخين وما جرى من تعديل مما يسمى ازدلاقا أو ازدلافا. وفي التركية يقال له (سويش).

    الدولة إلا أنه أضر بالأمة. حملها ما لم تطق. وقدرة الوالي يجب أن تصرف إلى أخذ المقرر من الضرائب دون أن يحدث ضرائب جديدة.
    بدعة أخرى :
    قرر أيضا على بغداد (معتادا) فيما يرسل من التحف الملوكية لرجال الحل والعقد في مركز الدولة وقرّر الانعامات لمن يأتي ويعود. ولم تزل الولاة مكلفين بهذه التكاليف حتى أواخر عهد المماليك.
    إن هذا الوزير أبرز قدرة وأبدى مهارة في الإصلاح إلا أنه بعمله هذا أضرّ كثيرا إذ بلغ الناس من الضعف الغاية بل نرى الضرائب تتزايد وتتجدد متواليا فلم يفكر الولاة إلا في خاصة أنفسهم وإرضاء دولتهم.
    سعر النقود :
    كان القرش الواحد في خزانة بغداد يعتبر ثمانين آقچة. فأبلغ في هذه السنة بفرمان إلى تسعين وهذا تدبير آخر من هذا الوالي ، زاد على كل قرش بارة فكان ذلك منحة للموظفين ومصيبة على الرعية فيما يجبى منهم.
    لهو وسفاهة :
    ثم إنه مال إلى أمور لا تليق بشأن الوزارة رغّب في أمور تأباها النفوس. ولم تكفه المجالس الخاصة داخل المدينة. وإنما اتخذ خياما في الصحراء يقيم فيها الضيافات مفتوحة للعام والخاص يتعاطى فيها الرذائل ويزين مجالسه بالمغنّيات وسائر أمور اللهو.
    والحاصل أن ما يستحسن منه أقل بقليل مما يسوء. جمع أموالا موفورة وخزائن غير محصورة فصار يضاهي الملوك في خدمه وحشمه وجيشه بحيث بلغ غاية الأبهة.

    حوادث سنة 1072 ه‍ ـ 1661 م
    مما يعزى إليه :
    أنه يبدي لبعض الاشخاص منوياتهم أو يخبر عن قدوم الآخرين ...! ومن مشهودات المؤرخ مرتضى آل نظمي أن أحد المساكين حين مرور الوالي رمى بشبكته فأصاب نحو عشرين سمكة. كان طرحها على حظّه.
    ففي أيام حكومته تولدت قناعة للناس فيه ومن هذا القبيل ما يحكى أنه جاءه ملّاح ، دخل عليه قائلا إن سفينته أصابتها الريح واضطرب أمرها وكادت تغرق فاستمد بسعد الوزير ونذر شمعة فنجا من الخطر. فقدمها إليه.
    ومن ذلك أنه كان يخرج وحده منفردا يتجوّل في الأسواق والطرق تارة في رأس الجسر وآونة في القهاوي فيستريح هناك. وفي هذه الأثناء يفصل القضايا ويقطع الخصومات وعلى كل حال كان يخشى الناس سطوته وينقاد إليه الجيش والأمراء وكان الكل معه في دائرة الآداب.
    والغريب أنه لو رأى عصيانا. أو شاهد تقصيرا عاقب بالحبس الطويل ، أو صادر أموال الجاني ، ورأى منه أنواع العذاب لدرجة أنه قد يؤدي إلى هلاكه ... وفي أيامه كثر السراق وزادت السفاهات.
    عزله :
    بدأت حكومته في 20 ذي الحجة سنة 1069 ه‍ ودامت إلى 9 رجب سنة 1072 ه‍.
    وبعد أن عزل عهد إليه بمنصب الاناضول ومن هناك أمر أن يذهب إلى جزيرة گريد فظن أنه ورد الأمر السلطاني بقتله فكان يخشى السجن فارتبك شأنه وبتسويل من بعض أعوانه التجأ إلى يوسف بن سيدي خان

    حاكم العمادية (1) ولم يوافق على القيام بما عهد إليه وحينئذ لم يرض سائر من معه بأفعاله هذه فانفصلوا عنه وكذلك تركته العساكر التي كانت معه فألقى الأكراد القبض عليه واستولوا على أمواله. وبفرمان من السلطان أمر والي ديار بكر محمد باشا الكرجي فتمكن من قتله وقتل بعض أتباعه وأرسل رؤوسهم إلى استنبول (2).
    وفي قصص هذا الوزير عبرة ، نال حظا وافرا من الحياة الدنيا ثم أصابته هذه النكبة فذل.
    حكومة الوزير مصطفى باشا القنبور :
    هذا الوزير شيخ وقور. يدعى بمصطفى باشا القنبور (الأحدب). كان آغا الينگچرية فأنعم عليه السلطان بولاية بغداد. وفي أيام السلطان مراد نال منصب چورباجي في بغداد. قضى بها مدة. ثم صار (آغا بغداد) وفي هذه المرة ولي الوزارة. كان واليا جليلا محترما ، تعرف لدى الأهلين وألفوه لما سبق له من معرفة بهم. وإن منصب آغا الينگچرية عهد به إلى صالح آغا رئيس العرفاء (3).
    إلغاء ضرائب :
    هذا الوزير رفع ما تمكن من رفعه من بدع فأبطل الأمور التي لم تكن لائقة. ولم يكسر خاطر أحد. كانت تؤخذ من الأهلين دراهم بيتية أو مصاريف المضيف. تستوفى كمورد رزق للكتخدا وللمختارين ورؤساء
    __________________
    (1) تاريخ راشد ج 1 ص 24 ـ 25 ، وكلشن خلفا ص 92 ـ 2. ورد سيد خان وصوابه سيدي خان.
    (2) أوليا جلبي ج 4 ص 410.
    (3) كلشن خلفا ص 92 ـ 1 وتاريخ راشد ج 1 ص 23.

    المحلات فرفعها. وعين للكتخدا راتبا من كيسه الخاص فجبر خاطر الضعفاء (1).
    حوادث سنة 1073 ه‍ ـ 1662 م
    لم يحدث في أيامه ما يستحق الذكر إلا أن هذا الوزير وإن كان صاحب تجربة وتدابير صائبة ولكنه ابتلي بالأفيون والبرش (معجون من أفيون وغيره مما يولد التخيلات) كان أحيانا يغضب بلا داع ويستعمل الشدة ويهدّد أو يقوم بأمور لا مبرّر لها. ومن ثم يتحرّك بحركات غير مقبولة ويعزر أعوانه أحيانا. ذلك ما دعا أن يعهد بكافة الشؤون إلى كتخداه. فكان يسمع منه بعض ما يتصدى به إلى اهانته فترك من خوفه أمواله وما يملك وفرّ هاربا (2).
    حوادث سنة 1074 ه‍ ـ 1663 م
    عزل الوالي :
    مضت هذه السنة والأحوال على ما هي عليه. وفيها عزل الوزير وكانت حكومته في 10 رجب سنة 1072 ه‍ وانتهت في 27 جمادى الأولى سنة 1074 ه‍ (3).
    وفاة نظمي البغدادي :
    هو والد مرتضى المؤرخ صاحب گلشن خلفا وابن بنت عهدي البغدادي صاحب گلشن شعرا. أورد له ابنه مرتضى بعض الأشعار في تاريخه وخير ترجمة له الترجمة الملحقة ب (تذكرة عهدي) للقربى والصلة
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 92 ـ 2.
    (2) كلشن خلفا ص 92 ـ 2.
    (3) كلشن خلفا ص 92 ـ 2.

    بينهما. ومنها عرفنا أن نظمي ولد في 4 شهر رمضان سنة 1002 ه‍. ومن أول نشأته مال إلى المعارف كآبائه وأجداده فظهرت مواهبه. وجالس العلماء والأدباء فبرز في النظم كما فاق في التحرير.
    وبينا هو في راحة ورغد من العيش إذ فاجأ الناس أمر (بكر صوباشي) وهجوم العجم وقائعهما المؤلمة فغيرت في الوضع فاضطر المترجم أن يترك بغداد ويتزيّا بزي درويش. سكن هو وأمه في كربلاء خشية أن يعرف حاله.
    بقي هناك مدة في خفاء حتى جاء حافظ أحمد باشا لاستخلاص بغداد. فوافاه ومدحه بقصيدة. ولما عاد الباشا غير ناجح في مهمته ارتبك أمره. وعرف حاله ، فهاجر إلى الرها وهناك عرفت له مكانته. وبعد مدة سقط من صهوة الجواد فكسرت رجله وبقي عليلا مدة إلا أنه لم يخف حاله. كان اتصل بأشراف البلد وشيوخها وفضلائها قبل أن يصاب ونال مكانة سامية.
    وفي أثناء ملازمته لداره بارى (منظومة مجنون ليلى) للشاعر فضولي برواية سمّاها (ناز ونياز) فأضافها إلى ديوانه. اعتاد النظم منذ الصغر. ولما ورد السلطان مراد الرابع مدحه بقصيدة وتمنى له السفر الميمون. وبعد الفتح عام 1053 ه‍ عاد بأهله وولده إلى بغداد فحصل على مكانة معروفة ونال بعض المناصب في كتابة الديوان. وفي سنة 1066 ه‍ ذهب مع أمه وعياله إلى الحج وزيارة مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وقبل أن يتوفى ببضع سنوات تتجاوز الخمس ترك الأعمال ولازم العبادة وقراءة القرآن والأوراد إلى أن توفي عام 1074 ه‍.
    فالمترجم له اليد الطولى في النظم والنثر. كان فذّا في الفارسية والعربية. يعد فريد عصره. وهو صاحب عرفان وزهد ، وسلوك مقبول ، وتصوف مرغوب فيه ، وله مساع وأعمال فاضلة ... وفي كل أحواله راعى القوانين الشرعية. ولم يحد عنها.

    ورثاه من معاصريه :
    1 ـ سيفا : رثاه بقصيدة فيها تاريخ الوفاة.
    2 ـ غوثي : رثاه بقصيدة ختمها ببيت يتضمن تاريخ وفاته.
    3 ـ ابنه (ابن المترجم) لم يعين اسمه والظاهر أنه مرتضى صاحب (گلشن خلفا) فهو شاعر أيضا. ونسختي الخطية من گلشن شعرا عليها ختمه وكان محترما في عصره لدى علماء وأدباء زمانه (1) ...
    الوزير مصطفى باشا :
    نشأ في البلاط ويعرف ب (مصطفى باشا الينبوغ) (2). كان واليا في الروم. ثم فوض إليه منصب بغداد. كان في سنّ الشباب. ولا يخلو من كبرياء فلم تؤدبه التجارب ولا هذبته الأيام في وقائعها فلا يزال لم يستفد من عبر الدهر. كان يميل إلى بعض أهل النميمة فهو مسماع اذن. يبدي غلظة وشدة ... ومما عرف عنه أنه تجاوز على بعض مجاوريه فاغتصب دورهم وألحقها بسرايه الخاص فارتكب جريرة. لم يشتر هذا الدور بغبن فاحش ولكن الغدر متحقق ظاهر فاشتهر بسوء السمعة فسخط الناس عليه وتذمّروا منه ...
    يحكى عن بعض أهل الصلاح أنه قال في هذا الوزير :
    في بغداد (الحسين بن منصور الحلاج) (3) يحلج قطنه.!
    لم تطل مدة حكمه ولا دام له رغد العيش فقضى نحبه بداء البطنة. دفن بجوار (حضرة الشيخ عبد القادر الجيلي).
    __________________
    (1) كلشن شعرا ص 362.
    (2) الينبوغ القطن ويراد به القطني.
    (3) الحلاج. جاء ذكره في غالب كتب التصوف ، وفي كتاب النبراس في خلفاء بني العباس لابن دحية الكلبي ص 99 ـ 105 وفي كتابنا (التكايا والطرق).

    وأيام حكومته من 28 جمادى الأولى سنة 1074 ه‍ إلى أواخر ذي الحجة منها (1).
    حوادث سنة 1075 ع 1664 م
    وزارة قره مصطفى باشا :
    كان صبيح الوجه. حلو الكلام. ولي بغداد سنة 1061 ه‍ ثم ديار بكر فحلب ومصر القاهرة. فأقبلت عليه الدنيا ونال حظا وافرا منها. ثم انقلب الزمان عليه فكشر له أنيابه. غضب عليه السلطان فعزله من مصر وتوجّه نحو استنبول. وفي أثناء الطريق عيّن حسن باشا أبازه لإلقاء القبض عليه بتسويل من أهل الفساد ...
    فلما سمع بذلك ترك ما لديه من أموال ونفائس وذهب بنفسه فارا فدخل استنبول بزيّ متخف ، فانزوى. ولم يتمكن أحد من العثور عليه. بالرغم من التحريات.
    ولهذا لقب ب (مصطفى باشا الفار). اختفى سبع سنوات أو ثمانيا فعفا عنه السلطان وأنعم عليه بولاية (وان) ثم نال منصب بغداد.
    ولما وصل إلى بغداد أبدى الزهد والدروشة وعامل الأهلين بالحسنى والرأفة ، فأنسى ما كان فعله سابقا.
    ولد له ولد اسمه محمد بك في حكومته الأولى ببغداد. وفي هذه المرة أجريت له حفلة ختان فقدم سبعة أيام أنواع المأكولات وأطعم الصادر والوارد. أجرى الضيافة للجميع وكان يلاطف الكل ويبسم في وجوههم.
    كان هذا الوزير حلو اللسان ، بديع البيان. ينهض لكل زائر ويبش بكل وارد فجلب القلوب بتواضعه.
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 93 ـ 2.

    حكم من سلخ صفر سنة 1075 ه‍ إلى 26 ذي القعدة منها (1).
    وزارة إبراهيم باشا الطويل :
    كان هذا رئيس البستانيين في الحرم السلطاني. ثم صار قائمقام استنبول. اشتهر بالصلاح ورضي عنه الخاص والعام. ثم عهد إليه بمنصب بغداد (2).
    حوادث سنة 1076 ه‍ ـ 1665 م
    الأحساء والبصرة
    واقعة الأحساء :
    كانت امارة الاحساء في الاصل امارة عثمانية من أيام السلطان سليمان القانوني. دخلت في حوزة العثمانيين من حين الاستيلاء على البصرة والحكم المباشر فيها بالقضاء على امارتها ...
    الأحساء أيام الحكم العثماني :
    الأحساء بحذاء هجر دار القرامطة في أنحاء البحرين وأحيانا تشمل البحرين وأحيانا تعدّ منها تبعا لاختلاف التشكيلات الإدارية (3). وفي العهد العثماني لا نستطيع أن ندون عنها معلومات كافية وواضحة. وكل ما علمناه أن الحكومة عينت حكاما وارسلتهم إلى الاحساء لا نعلم عن حكمهم ما يستحق الذكر. وفي أيام سيدي علي رئيس كان حاكمها مراد رئيس (4).
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 94 ـ 1.
    (2) تاريخ راشد ج 1 ص 97. وكلشن خلفا ص 94 ـ 1.
    (3) خلاصة الأثر ج 1 ص 19.
    (4) تاريخ العراق بين احتلالين ج 4.

    ثم عرفنا من مؤلفات عديدة أن أمراء بني خالد حكموها إلى أواخر القرن العاشر ثم حكمها علي باشا من أوائل القرن الحادي عشر باسم العثمانيين. ثم صارت لذريته (1). وتوفي عام 1051 ه‍. خلفه الأمير أبو بكر ثم يحيى بن علي باشا المذكور وأخذ الطريقة عن الشيخ تاج الدين الهندي (2).
    ويحيى باشا أخو الأمير أبي بكر ولد في أول الألف وتوفي سنة 1076 ه‍ في المدينة. وهذا عالم أديب له ديوان شعر في مجلدين. مدح الشريف زيد بن محسن شريف مكة.
    وآخر ولاة الاحساء محمد باشا جرت واقعة البصرة هذه من جرائه. ومن ترجمة أبي بكر نعلم العلاقة والصلة بينهما.
    ولما حدثت الفتن بين حسين باشا آل أفراسياب وأعمامه وأدت إلى ما أدت إليه كان أمير الاحساء ناصرهم ودلّهم على طريق الالتجاء إلى الدولة العثمانية وساعدهم بكل ما أوتي ... ومن ثم أراد حسين باشا الانتقام منه وأول عمل قام به أنه استمال العشائر الكبيرة هناك وفي مقدمتها (بنو خالد). كانت تنازع السلطة وأميرها آنئذ براك فقربه إليه واتفق معه وأرسل جيشا في قيادة أمير له اسمه سلمان.
    ضيقوا الحصار على الاحساء ، فوجد واليها في نفسه ضعفا. لم يستطع الكفاح فاضطر أن يسلم البلد إلى الأمير سلمان بعد أن طلب الأمان من أمير بني خالد (براك) وأجلى الباشا وأعوانه عن البلد. ولما رام سلمان دخول البلد منعه الشيخ براك وانتزع أسلحة من معه وطردهم فحكم البلد وكان حاكما عادلا.
    أنهي الخبر إلى حسين باشا ففكر في الأمر. فلم ير بدّا من تجهيز جيش على الشيخ براك فبعث بالجند تحت قيادة أمير له يدعى يحيى
    __________________
    (1) خلاصة الأثر ج 1 ص 18.
    (2) خلاصة الأثر ج 1 ص 90.

    وحينئذ جرت معركة دامية بين براك ويحيى فكان النصر حليف يحيى وهرب الشيخ براك فارا من البلد فجاء أعيان الأحساء يطلبون الأمان فأمنّهم وصار حاكما وهذا حاول أن يوسع حكمه إلى عمان وأن تمتد سلطته على الاصقاع الأخرى النائية (1) ...
    والي الأحساء محمد باشا :
    بعد أن سلم محمد باشا الاحساء مال إلى الشريف زيد يطلب منه أن يتوسط في أمره ويشرح ما جرى لدى السلطان محمد شاكيا ظلامته ، ملتمسا رفع ما ناله من حيف. أوضح الشريف زيد للسلطان أن حسين باشا أوقع أضرارا بالأهلين. واغتصب الأموال وتسلط على الضعفاء وعلى هذا أرسل السلطان إلى الوزير (قره مصطفى باشا) والي بغداد يستطلع الأخبار عن هذه الفتن ، وأن يحققها ويعلمه.
    ومن ثم استفهم الوزير من حسين باشا عما فعل فكان جوابه أن ذلك إنما جرى منه بأمر سلطاني ، وأن الأمر لدى يحيى أمير الأحساء ، وأنه سوف يأتي به ، تعلل بذلك ولا أصل لما أجاب به (2). ولكن صاحب گلشن خلفا أيد قول حسين باشا أنه حصل على فرمان سلطاني ليحقق ما جال في فكره من لزوم الاستيلاء على الاحساء. عدلت الدولة عن فرمانها وأرادت أن تتخذ هذه الفتنة وسيلة للتدخل فالعشائر صارت مع الدولة. وكذا الشريف سنحت له الفرصة كما أن ايران لم تتدخل على ما يفهم من المخابرة الرسمية. فكانت فرصة لا تضيّع بل يجب أن تغتنم. وحينئذ كتب حسين باشا إلى يحيى ما جرى من المخابرة حاكيا ما ابتلي به. ومن جملة ما كتب أن يأتي على عجل ليتخذ معه الأهبة لما
    __________________
    (1) منظومة الشهابي البصري ، وكلشن خلفا ، وعنوان المجد في تاريخ بغداد والبصرة ونجد. وذكر هذا الحادث في عمدة البيان في عمدة البيان في السنة السابقة.
    (2) منظومة الشهابي.

    يتوقع حدوثه. كتب إليه كتابا أرسله مع الساعي محمد. فصادف شيخ العرب هذا الساعي فأخذ الكتب وقدمها إلى محمد باشا وكان إذ ذاك في بغداد. جاء بأمل انقاذ مملكته فقدمها إلى الوزير وفيها طعن في نفس الوزير فاشتد حنقه وسخط على حسين باشا وصار ينتظر الفرصة للوقيعة به. ولكنه في ذلك الحين عزل. فلم يسع محمد باشا غير السكوت والانتظار. وقضية الحصول على الكتب فيها نظر.
    أما حسين باشا فإنه أرسل إلى الاحساء أميرا اسمه عمر. وعاد يحيى إلى البصرة للاستعانة به فيما يخشى حدوثه (1) ...
    ويفهم من مجرى هذه الحوادث ومن ولاية قره مصطفى باشا أنها من حوادث سنة 1075 ه‍ وإلا فلا يأتلف ما ذكر في تاريخ السلحدار وما جاء في الوثائق المحلية (2).
    وجاء في عمدة البيان أن الأمير يحيى سار بالعساكر ومعه كنعان أمير قشعم فملك الاحساء وهرب منها الأمير برّاك ، فعادت كما كانت لآل أفراسياب سنة 1076 ه‍ وبين أن أبا بكر توفي وكان أحد أسخياء العالم وهو ابن علي باشا الأحسائي.
    الدولة العثمانية ـ ايران :
    إن الدولة العثمانية في حربها مع حسين باشا آل أفراسياب حاذرت من الايرانيين أن يتدخلوا في الأمر فيكونوا لجهة أفراسياب فكتب الوزير الأعظم إلى اعتماد الدولة الايرانية أنه اقتضى تأديب هذا الثائر ، وأنه باغ على السلطان فطلب منه أن لا يمد إليه يد المعونة إذا التجأ إلى ايران وأن يحافظ على أساس الصلح وأن لا يظهر ما يخالف.
    __________________
    (1) منظومة الشهابي.
    (2) تاريخ السلحدار ج 1 ص 399 وكلشن خلفا ص 94 ـ 1.

    وإن اعتماد الدولة في جوابه يشير إلى أن الصلح لا يزال دائما ، ولا يساعد أمير أمراء البصرة بوجه ، ولا حدّ لأحد أن يخرق الصداقة ، أو يتحرك بما يغاير الصلح وكتبت الأوامر إلى أمراء الحدود في لزوم احترام العهود وأن لا يخلّوا بأمر منها.
    وبهذا أمنت الدولة الغوائل والتدخلات من المجاور (1) ...
    إبراهيم باشا وحسين باشا افراسياب :
    إن حسين باشا هذا علم أن قد اتسع الخرق ولم يطق التخلص إلا بطريقة صالحة وأن المقاومة والاعتزاز استنادا إلى القوة لا تجدي نفعا. أرسل جماعة إلى دار السلطنة يبذلون الأموال ولكنهم عادوا بفشل ذريع لما رأى السلطان ما عرضه الشريف زيد فقدمه للمفتي فكتب إليه أن حسين باشا هذا يجب أن يعزل وإن بغى فيقتل كسائر البغاة ...
    وعلى هذا أرسل السلطان وزيرا هو إبراهيم باشا إلى بغداد ليقوم بالأمر وينقذ محمد باشا وعزّزه بأمراء آخرين بينهم والي ديار بكر ووالي حلب ووالي شهرزور الوزير كنعان باشا الگرجي ووالي الموصل إبراهيم باشا الگرجي وغيرهم من الأمراء بمن معهم من جيوش ، وبلغت جيوشهم ما يربو على خمسين ألفا ، استكملوا العدة والعدد في بغداد ثم توجهوا نحو حسين باشا. وهذا لما علم بالأمر سار إلى القرنة مسرعا ينتظر ما سيجري ... وقد قضى مدة يترقب الأخبار فلم يصل إليه منها شيء ، ولم يأته بيان ولكنه لم يدع الفرصة بل أرسل إلى شيوخ العشائر كتبا يدعوهم بها لمؤازرته فجاءه بعضهم وتخلف آخرون ...
    ثم إن حسين باشا كتب إلى الوزير إبراهيم باشا والي بغداد يستفهم عما دعا وفيه تهديد من جهة واستعطاف من جهة أخرى معتذرا أنه إنما
    __________________
    (1) تاريخ السلحدار ج 1 ص 399 ـ 401.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي   تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 6:35 am

    فتح الاحساء بناء على الأمر الوارد إليه ولم يكن منه تقصير فأجابه انك معزول ولك الخيار في أن تأتي إلى السلطان ، أو تخرج من بلاده وبذلك تحقن الدماء وكذا كتب إليه سائر الوزراء ينصحونه فلم يلتفت. وكان الرسول أحد السادات من أتباع والي آمد فأغلظ القول على الرسول جهرا وأخفى خلافه وقال له : إن أصلحت هذا الأمر منحتك خيرا وحزت أجرا وقد أراه جماعة من العجم ليرهبه بهم وفي الوقت نفسه أكرمه وقال له بلّغ ما رأيت فأجابه : إننا نود القتال مع هؤلاء الاعجام وقد سمعنا بذكرهم فلم يبال بهم الوزراء. ثم أتى بعد ذلك خبر مؤداه أن ابنه الاصغر قد عبر نحو العسكر مصحوبا بالبن والسكر فدس الذهب في البن لبعض ذوي الرتب من عسكر الروم وربما أفسد بعضا من الجند على ما نقلوا (1) ...
    وفي گلشن خلفا : إن السلطان أمر بإعادة الاحساء إلى حاكمها السابق ، وأن يساعد في الاستيلاء عليها واستخلاصها ، وأن يؤدب حسين باشا على عمله ... فجعل ابراهيم باشا أميرا ، وعهد إلى والي ديار بكر إبراهيم باشا ، ومحافظ حلب الوزير حسين باشا ومتصرف الموصل إبراهيم باشا الگرجي وأمير الرقة (صاري محمد باشا) ووالي شهرزور كنعان باشا أن يكونوا معه تبعا له وأن يقوم كل منهم بقيادة جيشه وإدارته ...
    أما الوزير فإنه حينما ولي بغداد جاءه محمد باشا من مكة المكرمة وحسب الفرمان جهز الجيوش واجتمع الكل في بغداد. وحينئذ أرسل من هؤلاء نحو ألف فارس على عجل وبينوا له ما وقع بتحرير جاؤوا به إليه من الوالي وفيه تحذير ما يتوقع حدوثه وأن يذعن للدولة ولكنه أبى أن يقدم معذرته وإنما صار يبذل مبالغ من جهة ، وطورا ينذر ويهدد فلم يفد ذلك كله ، ذهبت الاتعاب سدى ولم يتلقوا منه سوى التعنّت والجواب الفظ والخطاب المملوء غرورا ...
    __________________
    (1) منظومة الشهابي. وتاريخ السلحدار ج 1 ص 399 ، وتاريخ راشد ج 1 ص 126.

    ولما رأى وضعه في خطر أرسل أهله وأمواله إلى حدود العجم وتحصّن هو ومن معه في القرنة وصارت تتلاحق جنوده إليها ... تأهب للحرب واستعد لها (1) ...
    وقال الشهابي :
    «ثم جاءت الأخبار إليه أن الجيش العثماني قد حل العرجة (2) فاهتم للأمر وجمع الأعراب وشجع الجيوش والأحزاب العائدة له فساقهم إلى الرملة ومن بينهم يحيى أمير الحملة وحينئذ اشتبك القتال بين الفريقين وابتدأ برمي المدافع ولكن جيش يحيى قد انهزم ولم يطق الصبر على الحرب. فرّ قبل طلوع الشمس فاستولت الروم على المؤونة وكانت كثيرة جدا ولما عادوا وجدوا حسين باشا خارج الفتحية ومعه قوة جيش فعاد إلى القرنة وعلى هذا أرسل البريد إلى أهله أن يخرجوا فخرجوا جميعا وحاول الهزيمة. خاف أن يكون في قبضة عدوه. ولكنه رأى الرياح مخالفة ، وصادف المد في النهر أيضا ، جاءه أكبر أمرائه يخيّره بين اللقاء وضده وكذلك الجيش خيّره بذلك فلم يلتفت لقولهم ولم يعوّل على رأيهم. ولما رأوه بهذه الحالة قالوا له اترك العربان وما حوته واذهب لشأنك لصد غائلة الروم وفيها نحتمي من أذاهم. أتت إليه جموع كبيرة فلما أصبح عليه الصباح ورأى جموعه هذه زال عنه الوهم. فاستقر في القرنة بعد ما كاد يترك الحرب إلا أنه لم يعلم بنيّاته هذه سوى مشاركيه ومن كان يسر إليهم القول.
    ثم جاءه أهل الجزائر فاعتز بهم أكثر. وهكذا استعد للقتال فجاء
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 94 ـ 2 وتاريخ السلحدار ج 1 ص 399 إلا أن كلشن خلفا أوسع نوعا.
    (2) العرجاء. تقع شمالي الناصرية بنحو ثلاث كيلو مترات. وهي قرية على ضفة الفرات. مباحث عراقية ص 39.

    إبراهيم باشا بعسكر عظيم إلى القرنة إلا أن مجيئه كان متأخرا ولو جاء في حينه لاستولى عليها فحاصرها مدة شهرين فلم ينل غير الخيبة والخذلان. وقد تصدى للقتال جنوده المعروفون ب (صارجه) (1) وهؤلاء كانوا معاندين عنادا بالغا حده فلم يهتموا بالحرب بل فقدوا الطاعة المطلوبة في الجيش فكان ذلك من أهم أسباب الخذلان.» اه (2).
    وأما الوزير فإنه في أواسط جمادى الأولى سنة 1076 ه‍ جهز جيوشه ونهض من بغداد سائرا نحو البصرة. كل هذا وحسين باشا لم يطرأ خلل على تجلده وأصر على الدفاع محتقرا عدوه. وفي هذه الحالة قصّر الوزير في احضار المدافع المعدة لهدم القلاع والحصون ، ومع هذا طاول في الأمر على أمل أن يذعن حسين باشا اليوم أو غدا وبهذا الأمل كان يترقب ورود رسول في الاستئمان. سار حتى وصل إلى (الرمّاحية) (3) ، ومع كل هذا لم يظهر أثر فتور في حسين باشا فأرسل الوزير كتابا إليه يدعوه إلى الطاعة والانقياد مشتملا على نصائح قدمه إليه مع قاصد ذهب به. وهذا أيضا لم يفلّ من عزمه ولم يقلل من غلوائه ، ولم يتلق منه جوابا سوى قوله (المقدر كائن).
    وحينئذ لم ير الوزير بدا من أن يمضى بجيوشه إليه فوصلت الجنود إلى (المنصورية) (4) فضربوا خيامهم هناك فتقابل الفريقان واشتعلت نيران
    __________________
    (1) صارجة وردت في منظومة الشهابي والترك يقولون صاروجه وتعني نوع جيش قديم من اللوند (اللاوند). ورد ذكرهم في تاريخ السلحدار ص 475.
    (2) منظومة الشهابي.
    (3) الرماحية موجودة قبل العثمانيين ورد ذكرها في تاريخ العراق بين احتلالين ج 3 وتعد لواء من ألوية بغداد أيام السلطان سليمان القانوني. ثم خربت في وقت متأخر. وتكوّن بدلها (لواء الديوانية). ولا تزال أطلالها معروفة في هذا اللواء. ومرّت في (ج 4 من هذا التاريخ) في صفحات عديدة منه. وفي لغة العرب ج 3 ص 61.
    (4) هي منصورية الجزائر.



    الحرب بينهما وحمي الوطيس فغطى غبار الحرب السماء ، لا تسمع إلا قعقعة السلاح واشتباك الابطال ... دامت الحرب من العصر إلى نصف الليل ... وبالنتيجة ولي فرسان حسين باشا هاربين مذعورين من شدة ما لاقوه فاستولى الوزير على الجزائر وجعلها محط خيامه واتخذ جسرا قرب المنصورية فعبر إلى القرنة وهي بمثابة مفتاح للبصرة وأحاطت بها الجنود من جميع جهاتها فحاصروها.
    وهناك نصبوا خيامهم وتأهبوا للحرب. ولكن كما سبق القول لا توجد مدافع حصار كافية لهدم القلاع. بعث الوزير إلى بغداد أن ترسل إليه مدافع لهدمها إلّا أنه لم يقف عند هذا الحد وإنما بادر بالهجوم بما عنده لأنه رأى أن العدو قد تكاثر مدده والمطاولة لا تفيده فاشتبك القتال بين الجمعين ورتب ما لديه من المدافع للهجوم على القلعة.
    أما حسين باشا فإنه أرسل ابنه إلى العجم واستمد بهم. لجأ طالبا المعونة فأمدوه بعسكر يحسن الرمي ويقدر على المقارعة ... وكذا جمّع من الجزائر نحو خمسة آلاف من الرماة وألفين أو ثلاثة آلاف من سكبانية الروم. وملأ السفن العائدة للتجار من الأموال العائدة لهم فضبطها وربطها في ميناء القرنة تأهبا للطوارىء وللاستعانة بها عند الحاجة وارجع التجار إلى ميناء البصرة (1).
    حالة البصرة :
    ولما وصل هؤلاء التجار إلى البصرة وجدوها خالية من حاكم وأنها في هرج ومرج وحينئذ راجع هؤلاء الوزير بالاتفاق مع المشايخ (2)
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 95 ـ 1.
    (2) آل باش أعيان. كانوا يسمون بهذا الاسم (المشايخ) لأن صفة المشيخة غالبة عليهم. ويقال لهم (الكواوزة) أو (الكوّازيون). ذكر لي الأستاذ المرحوم الشيخ ياسين من رجال الاسرة أنهم من أولاد الأمير محمد بن الحسن المستضيء بأمر الله العباسي. ولقبوا في العهد العثماني بلقب أحد أجدادهم (باش أعيان). ونشر

    وكتبوا له كتابا طلبوا فيه أن يرسل إليهم باشا أو متسلما. أما الوزير فإنه أرسل إليهم (حسين الصولاق) حاملا أمرا منه وهو من التجار وبعث إليهم بكتب طافحة بالاستمالة والترغيبات الكثيرة.
    والتجار كانوا اتفقوا مع المشايخ المعروفين آنئذ بكثرة الاتباع والمريدين إلا أن الكثرة تحتاج إلى مهارة سياسية وقدرة على الادارة والحرب فالتاجر لا يصير في يوم واحد سياسيا محنكا أو قائدا مدربا. فالقوم دبروا البلدة وأظهروا عصيانهم على حسين باشا وخاصموه.
    وكان في البلدة سفاك يقال له (ابن بداق) تربّى في نعيم حسين باشا وإحسانه ، فكتب إليه يخبره بكل ما جرى ويقول له : لو أمددتني بقليل من القوة وعهدت إليّ بالأمر فلا أقصر في دفع المخالفين والقضاء على مخالفتهم فأبذل ما أستطيعه من قوة في سبيل تأمين البلدة خالصة لكم.
    أما حسين باشا فقد منّاه بما شاء وأمره أن يستأصل الخارجين ويدمرهم ما استطاع. جهز جماعة من العربان وسيرهم لمعاضدته وهؤلاء تقدموا إلى موقع التجار والمشايخ وهاجموهم فاستعرت نيران القتال نحو ساعة أو ساعتين فظهرت آثار الانتصار للتجار والمشايخ فقتل ابن بداق وأتباعه.
    __________________
    كتاب في تاريخ هذه الاسرة. تعرض لتاريخهم وللفرامين التي صدرت. وفي عنوان المجد للحيدري بيان عنهم (1).
    __________________
    (1) ورد في الهامش السابق أنهم من أولاد محمد بن الحسن المستضيء بأمر الله العباسي وجاء في الكتاب الذي نشره آل باش أعيان أنهم من أولاد هاشم بن المستضيء ، فبين الدكتور مصطفى جواد أن كنية المستضيء أبو محمد ولم يعرف له ولد بهذا الاسم. قال : ولعل الانتقال إلى هاشم أدى إلى التخلص من هذا ، وأوضح أن هاشما لم يكن له ابن أو لم يعرف.

    وحينئذ رجع الشيوخ والتجار ثملين بخمرة هذا الانتصار ولم يبالوا بمداخل البلد وضبطها من صولات الاعداء فعادوا كأنهم في مأمن ولم يبق ما يستدعي قلقهم فذهب كل من هؤلاء لشأنه وانسحب لمحله.
    ولم تمض مدة حتى جاءت العربان أفواجا من جهة شط العرب لنصرة ابن بداق. هاجموا البلدة من جديد فدخلوها وبدأوا بنهب دور آل عبد السلام (1) وولدوا اضطرابا بسبب كثرتهم وشدة صولتهم. وفي هذه المعركة دارت الدائرة على التجار والمشايخ. وقتل من الشيوخ (ذو الكفل) والسريّ من آل (عبد السلام). وبهذا انفرط عقد نظام المشايخ والتجار وتبعثرت أحوالهم فعلت ضجة بلغت عنان السماء وقتل من التجار جماعة ، ولما رأى الأهلون الحالة وما وصلت إليه اختفى كل من أحس بخوف من حسين باشا كما أن جماعة من المشايخ رأوا أن لا طاقة لهم بالمقاومة فهربوا إلى جانب الوزير. نجوا فوصلوا إلى دار الأمان ، وحينئذ أخبروا بما وقع وقصوا القصة بآلامها وكان حالهم ينبىء عن خبرهم (2).
    وهذا ما قصه الشهابي البصري عن حالة البصرة قال :
    «من حين أتى حسين باشا العليّة أرسل جندا فأخرجوا كل ما في الزكيّة من المدافع. ولما خرجت عياله من البلاد ، واختفت رجاله ولي البصرة شيوخها ، حصلوا على ادارتها حفظا للنظام وخوفا على البلاد من كيد أهل الشقاء لا رغبة في الحكم وحينئذ أخبروا الوزير إبراهيم باشا عن ذهاب كل أهل البلدة وأنها بقيت منحلة الادارة ... وأعلموا أنهم ضبطوا البلاد وطلبوا أن يأتيهم على عجل وحينئذ عقد الوزير مجلسا ،
    __________________
    (1) عبد السلام توفي سنة 1035 ه‍ وهو ابن الشيخ عبد القادر المتوفى سنة 991 ه‍. قال ذلك الشيخ ياسين آل باش أعيان. وترجمته في زاد المسافر. ومن أولاده الشيخ محمد شيخ الشيوخ. يأتي الكلام عليه وعلى آخرين منهم.
    (2) كلشن خلفا ص 95 ـ 2.

    استشار به الأمراء ممن كان معه فلم يوافقوا على إرسال جند ينقذونهم وظنوا أن ذلك مكر وحيلة من بعض الأمراء ، وهذا ما سهّل التضييق على البصرة وجعلها مهددة من (آل أفراسياب) كما أن حسين باشا اتخذ الوسائل وصار يسعى في افساد الجند ببذل المال لهم وبعث الوزير إلى الشيوخ أن سلّموا البلد إلى السولاخ (الصولاق) وهو من تجار البلد فلم يتمرن على الحكم ، ولا مارس الحرب وأيضا أرسل الوزير أمرا إليهم طلب فيه منهم أن ينصره فسلموا إليه بعد ذلك البلد مترقبين أن يجيء المدد ليزول عنهم الوجل والخوف ، إلّا أن حسين باشا سابقهم في ارسال موسى وسلمان ليحكما البلاد استفادة من استقرار الحرب وركودها. كتب مع اولئك كتابا يخاطب به الشيوخ مهددا لهم بالتهديد المر وقال : «هذا نجل خالي واصل إليكم وهو الرئيس عليكم». وقد أقاموا عند رأس الشط وبعثوا بالكتاب فامتنع الشيوخ من تمكينه فرجع من حيث أتى.
    ولما طال بهم الأمر وانقطع الرجاء بادر آل أفراسياب بالمراسلة فتمكنوا من استهواء جماعة بينهم (ابن بداغ) وهو ابن بداق. انفصل عن جماعته أهل البصرة وجمّع الناس بناء على مخابرة جرت بينه وبين آل أفراسياب ووعد أن سيأتيه (بصري الديري) بعسكره لنصرته وأن يمسك الشيوخ ويضبط البلاد. وعند ذلك قام (بصري) بالأمر وجمع أهل الصيمر (1) ولفيفا من العسكر وبهؤلاء مشى إلى باب الشمال وكان فيها الشيخ عبد الله بن حبيب فاقتتلا هناك واستولت البغاة على مواطن أعدائهم ، ثم مشى إلى (المشراق) (2) وعند ذلك جاءهم الروم من المقام فقتلوا بعضا وفر الآخرون فرأوا رأس (ابن بداغ) قرب بستان القصب
    __________________
    (1) محلة في البصرة.
    (2) محلة في البصرة.

    فتفرق قومه ... ومن ثم مال (بصري الديري) مع جماعته فمشوا على عجل إلى المشراق فاقتتلوا هناك وكادت الشيوخ تتغلب على جماعة حسين باشا لو لا أن أتى المدد إليهم ففر الشيوخ واتباعهم وانفل جمعهم فقتلوا بعض مقدميهم ومثّلوا به ثم أمسكوا (ذا الكفل) وعاملوه بأقسى المعاملة ، ونهبوا بيوت المخالفين وفتشوا عن رجال الروم ... وقد ألقوا القبض على كثيرين فاستولى (بصري) على المدينة.
    وذكر الشهابي في منظومته القسوة بهؤلاء بحيث صار لا يستطيع أحد أن يدخل المساجد خوفا.
    وجاء إبراهيم آغا بعد ذاك فزاد في ظلمه وجوره وصار يهين الأشخاص وينهب أموالهم. وفي هذه المدة جرى التضييق على البصرة وكان إبراهيم باشا الوزير محاصرا القرنة ، وحينئذ وصل إليه الخبر باستيلاء حسين باشا على البصرة ، ونقل شيوخها وأعيانها المذكورين.» اه (1).
    دوام الحرب
    أمير الموالي :
    وفي هذه الأثناء توجه أمير الموالي علي الشديد (2) من بغداد لنصرة الوزير وكان معه ثلاثمائة فارس سارع لإمداد الوزير فجاء البصرة. ولمّا وصل المحل المسمى (كوت معمر) تقاتل مع شيخ المنتفق وكان قد تابع حسين باشا. حدثت معركة شديدة بينهما ولكنه لم يتيسر له الانتصار على المنتفق وبعد القتال الشديد عاد الموالي بالخيبة فلم يطيقوا مواجهة الوزير لعدم النجاح ولهلاك الكثير منهم أثناء الحرب.
    __________________
    (1) منظومة الشهابي.
    (2) شديد بن أحمد ورد في تاريخ العراق بين احتلالين ج 4.

    نتائج أعمال الوزير :
    أما الوزير فإنه اتخذ التدابير الكثيرة وحفر الخنادق ووجه النيران الشديدة على القرنة إلا أنه لم يتيسر له الفتح مع ما بذل من الهمة والسعي المتواصل والهجوم لكرات متعددة دارت رحى الحرب فيها بين الفريقين بصورة مهولة ، كل هذا لم يجد نفعا.
    وفي الأخير وضع الوزير الينگچرية في (المنصورية) وأشعل نيران الحصار للمرة الأخيرة وفي هذا أيضا لم يتمكن من الاستيلاء وإنما كان يقوى أمر حسين باشا ويشتد يوما فيوما بسبب إمداد العشائر بالأرزاق وما يحتاجون إليه من أمتعة ، أما جيش الوزير فإنه استولى عليه القحط وقلّ المأكول وحدث نقص في المؤونة فاستحال أمر الظفر وأخفق أمر الاستيلاء والانتصار.
    الصلح :
    وحينئذ فتحت أبواب المذاكرة في الصلح بين إبراهيم باشا والي ديار بكر وبين حسين باشا أفراسياب فتدخل إبراهيم باشا في إصلاح ذات البين ورفع العداء فتمكن من أخذ خمسمائة كيس نقدا لجانب الدولة من حسين باشا وتعهد بأداء مائتي كيس من الاقجات كل سنة وأن يعرض طاعته على السلطان وتعهد بأداء قيمة ما أخذه من أموال التجار وأن يرشح ابنه أفراسياب لحكومة البصرة وأن يسلم الاحساء إلى واليها محمد باشا ، وحينئذ أرسل خبرا للوزير بأن يحيى آغا كتخداه سيأتي بالأموال المقرر أداؤها لجانب الدولة وأبدى الطاعة والانقياد واستعفى القصور عما وقع منه من جرم.
    وعلى هذا اضطر الوزير إلى قبول الصلح ، وجهز محمد باشا بنحو مائتين من المتطوعين ، جعلهم معه واتخذ له سفنا تسيره وأرسله إلى

    الاحساء. وأما الوزير فإنه ركب سفن التجار وذهب على وجه العجلة ومعه معداته فوصل إلى بغداد وحينئذ عرض ما جرى على حكومته. فرضي السلطان بما فعله وما ألفه من الجيش الجديد فأكرمه (1).
    وزاد الشهابي أنه أخذ منه ابن عمه يحيى رهنا لتأمين تأدية المبلغ وبيّن عن حسين باشا أنه لم يف بأكثر هذه الشروط ، وكان من الدهاء والحيلة بمكانة ولكنه لم يدم له حكم. والشهابي ممن عاداه وندد به ... قال : وبعد أن رفع الجيش خيامه أخذ يسعى بانتزاع الأموال ظلما وبصور منوعة. ولم يقل إن الحكومة طلبت منه ما طلبت فلم يتمكن من التأدية.
    وفي زاد المسافر :
    «أما إبراهيم باشا فإنه وصل إلى القرنة وحاصر حسين باشا أشد الحصار ، وبقي على ذلك مدة ثلاثة أشهر ولما لم ينالوا منه أظهروا له الصلح فتصالح معهم على أن يرسل وزيره يحيى آغا ... وكان متزوجا بأخت حسين باشا المسماة حجية. وكانت من أفذاذ النساء بالكمال وعلو الهمة» اه (2).
    الاحساء في هذا الحين :
    إن حسين باشا كان استدعى الأمير يحيى وسيّر مكانه عمر الحليبي فولي الاحساء إلا أن براكا لم يصغ إليه ، ورام مع أصحابه قتاله وعند ذلك حاصر البلد ، وسد الأبواب وطينها وقاتل الاعراب ... حاصروه مدة بقوة شديدة فاضطرب الأهلون لما أصابهم من جوع ومن ضجر.
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 95 ـ 2 ، وتاريخ السلحدار ج 1 ص 400.
    (2) زاد المسافر ص 33.

    وفي هذه الأثناء كان قد اشتد الأمر بحسين باشا فسلم البلاد إلى عيسى بن علي أخي محمد باشا حاكم الاحساء السابق ، وطلب من عمر أن يأتي إليه بسرعة فرجع يحمي الشيخ حسين. وعيسى هذا وضع ابنه رهنا لدى حسين باشا لئلا يحصل منه ما يكره ... فأخرج ابنه من القرنة العليّة ثم توجها إلى البر.
    أما برّاك أمير بني خالد فإنه أتى إلى عيسى وقال له اخرج آمنا من البلد. أنبت عن أخيك بأمر منه وسيأتيك خبر ذلك ففوض الأمر إليه وخرج دون قتال إذ لم يكن مستعدا لحرب برّاك فجاء عيسى إلى القطيف وكانت في أيديهم ، أنعم بها خصمهم عليهم قبل هذا حين أتاه العسكر.
    ما حدث بعد الصلح :
    عاد الوزير إبراهيم باشا إلى بغداد ، وصار يلوم نفسه ولم يسعه أن يخفي ما أصابه من جزع لما جرى من الأمور في البصرة فصار يستر الأمور ... ولكنه لم تمض مدة حتى جاءه محمد بن عبد السلام مستمدا منه للبصرة وطلب منه أن يعود إليها. شكا ما جرى بعده فقال له الوزير إبراهيم باشا إنني أنصب لكم يحيى ليكون واليا فأجابه بالقبول على شرط أن لا يبقى في البلاد شخص ينتمي إلى آل أفراسياب ، أو يحتمي بحسين باشا فلم يقبل يحيى بذلك وحينئذ طلبوا الرخصة أن يذهبوا إلى السلطان ليشكوا ما أصابهم ويوضحوا ما نالهم على يديه فلم يدعهم أولا حتى عاهدوه أن لا تقع منهم عليه شكوى أو يحصل تذمّر.
    المسير إلى استنبول لعرض الشكوى :
    كان قبل ذلك وافى أيضا الشيخ عبد الله وجماعة من الشيوخ إلى بغداد فعزم الشيخ محمد على المسير ، وكذا الشيخ عبد الله وجماعة من الشيوخ ، وبعضهم أقام في بغداد مدعيا العجز فذهب اولئك من طريق حلب فمضوا إلى استنبول ، وكان آنئذ السلطان محمد في أنحاء أدرنة

    فواجهوه. كان في الصيد فأخبروا بقصدهم ثم طلب محمدا لمواجهته فقدّم عرضا بين فيه أحواله فأكرم السلطان مثواهم ووعدهم خيرا إذا عاد إلى العاصمة وحينئذ عاتبهم نائب الوزير لعدم مواجهتهم له أولا قبل أن يأتوا إلى السلطان ليكون على علم من الأمر فاعتذروا إليه بأنهم لم يقصدوا أن يتخطوه فعذرهم ... فقام بأمر ضيافتهم وخصص لهم منزلا ، وكان أمر السلطان أن يخبروا الوزير بالأمر إلا أنه كان غائبا وحينئذ دعا القائم مقام وأمره أن يخبر الوزير الأعظم بقصصهم وأن يرسل اثنين منهم مع الرسول ليتفهم الأمر بتمامه على وجه الصحة فأدركوا الوزير بعد ما عبر غالب الجند في البحر فرحب بهم وأخبروه بالخبر حتى استوعب ما عندهم وعرف مطلوبهم وقال لهم لو جئتم إلي قبل هذا لكنت صالحت هؤلاء وذهبت لفتح البصرة. أكرمهم بنقود وخلع عليهم ووعدهم خيرا وسكّن روعهم فردّهم من حيث جاؤوا ثم دعاهم نائب الوزير إليه وسألهم بعض الأسئلة ثم أرسل إلى بغداد من يستفهم عن صحة هذه الأمور والفتن وعن بقية الشيوخ وأن يأتي إليه بالخبر الصحيح على عجل وذلك لأن الشيخ محمدا ذكر أن لهم بقية في بغداد فلما ذهب الرسول وعاد أيد مقالة الجماعة وصدّقهم في مطلوبهم حتى تحقق الأمر للسلطان بوجه الصحة وكان الوالي يكتم الأمر ويخشى أن يعرف تقصيره. وعلى كل حال بعد عودة الرسول إلى العاصمة شاور الجماعة في تولية يحيى على مدينة البصرة فوافقوا عليه ورغبوا فيه.
    وعلى هذا أعيدوا إلى بغداد وقد حصلوا على مرغوبهم ...
    حوادث سنة 1077 ه‍ ـ 1666 م
    الطريقة المولوية :
    شاعت في المملكة العثمانية شيوعا بلغ حده الأقصى. استولت على عقلية الكثيرين. وهكذا في بغداد كانت تأسست تكية لهم إلا أنها لم

    تنل حظها من الرواج (1). وفي هذه السنة أبطل ما كانوا يقومون به من الدور والسماع المعتادين لعدم تجويزه شرعا. جرى المنع من واعظ السلطان وهو محمد الواني. صرح أن العمل بها غير مشروع قطعا فتابعته الحكومة في رأيه الشرعي وحينئذ سكت صوت الناي. وذهبت خطراتهم ، وركدت حركتهم ، وألغى سماعهم فعد أرباب هذه الطريقة ذلك تعصبا من الواعظ كأن الدين رقص وسماع.
    إمارة شهرزور :
    في 5 شوال وجّه منصب ايالة شهرزور إلى حسين آغا من آغوات البلاط فصار حسين باشا. وفي گلشن خلفا أنه (حسن باشا). وهو الصواب (2).
    عزل الوزير :
    كان بدأ حكمه في 27 ذي القعدة لسنة 1075 ه‍ ودام إلى شوال هذه السنة.
    وفي زاد المسافر أن الشيخ فتح الله الكعبي مؤلف هذا الكتاب رأى ختم إبراهيم باشا ووصفه (3) ...
    وزارة قره مصطفى باشا :
    وكان هذا الوزير ولي بغداد مرتين. وفي هذه المرة وليها أيضا في 14 شوال من هذه السنة. وكان واليا في الشام فعهد إليه القيام بمهمة البصرة.
    __________________
    (1) تاريخ العراق بين احتلالين ج 4.
    (2) تاريخ راشد ج 1 ص 158 ، وكلشن خلفا ص 99 ـ 2.
    (3) زاد المسافر ص 33.

    حوادث سنة 1078 ه‍ ـ 1667 م
    تجدّد حوادث البصرة :
    كانت الدولة قد تصالحت مع حسين باشا والي البصرة لضرورة اقتضت وجعل ابنه مكانه إلا أنه استمر في العمل وأن ابنه أفراسياب لم يكن له ذكر في الإدارة بل بقيت بيد حسين باشا. وبعد تمام الصلح شكاه مشايخ البصرة وأعيانها لما لحقهم من حيف. ذهبوا إلى السلطان فعرضوا ظلامتهم ، وما قاساه الأهلون من ضيم ... ولا شك أن لمطالبة الدولة بالمبالغ المقررة دخلا ، فكان التضييق من جرّاء ذلك فجاءت الشكوى لهذا الغرض نفسه ، فكان المقرر السنوي مائتي كيس فصدر الفرمان بمنصب البصرة إلى كتخداه (يحيى آغا) مع تحوطات فورد الأمر إلى والي بغداد بعزل حسين باشا وتوجيه منصبه إلى يحيى بلقب باشا وعهد بالقيادة لوالي بغداد وأن يكون معه والي ديار بكر إبراهيم باشا ومحافظ شهرزور كنعان باشا الوزير ، وأمير أمراء الموصل موسى باشا ودلاور باشا أمير الرقة (1) ... وأمدتهم الدولة بألفين من الينگچرية تجمعوا في صحراء قلعة الطيور (2) واستوفوا معداتهم وأخذوا أربعة مدافع من نوع (بال يمز) وعشرين قطعة أخرى من نوع (المدافع الشاهية).
    وحينئذ قام الوزير بما عهد إليه وسعى سعيه لاستخلاص البصرة ،
    __________________
    (1) يعرف إبراهيم باشا والي ديار بكر ب (شيطان إبراهيم باشا) كما أن دلاور باشا يسمى (دلي دلاور باشا). تاريخ السلحدار ج 1 ص 474.
    (2) تاريخ العراق ج 4. ويراد بها جانب الكرخ. وفي الأصل قلعة في جانب الكرخ وهي عند رأس الجسر من الجانب الغربي تجاه القلعة الداخلية (وزارة الدفاع). تكلمت عليها عند الكلام على تكية البكتاشية في خضر الياس. في كتاب (التكايا والطرق في العراق).

    ومن رجاله ممن قاموا بالخدمة خليل الكهية وسائر أعوانه ، وممن كان قد تابع الوزير في سفرته هذه الشيخ عثمان بن عمر الحنفي وكان جاء معه إلى بغداد. وفي هذه التأهبات وافى إليه شيخ المنتفق عثمان (ابن أخي محمد بن راشد) طالبا منه الأمان وهو مشهور بالكرم. ولما أتى جعله شيخا وأحل اتباعه محلهم ورده محافظا مع عسكره من جهة حسين باشا وعلى الأثر جاء عبيد ابن عمه مزاحما له طالبا المشيخة دونه ... تلاقوا على الفور واقتتلوا فخر عبيد صريعا وهرب من جاء معه. ثم توالى مجيء الشيوخ إلى بغداد وكانوا قد ذهبوا إلى استنبول كما تقدم وقيل الكل جاء إلى بغداد محمد بن عبد السلام (شيخ الشيوخ) من طريق حلب إلا أنه بالقرب من بغداد حل به الأجل المحتوم فدفن في مقبرة الشيخ معروف (1) ، ثم جاء يحيى باشا ثم توالى الجنود والكل نزلوا بغداد ولما تكامل جمعهم بعساكرهم ووزرائهم توجه الوزير مصطفى باشا إلى البصرة من طريق الحلة ، وكان الوزير قد سار خلف الجيوش في 7 جمادى الثانية سنة 1078 ه‍ نزل أولا (قلعة الطيور) ثم مضى فقطع منازل في سيره فوصل الاسكندرية ومنها ذهب بامرأته لزيارة الإمام الحسين (رض) ثم توجهوا إلى الحلة ومنها إلى قناقية (2) ، ومنها ذهب الوزير وأمراؤه إلى زيارة الإمام علي (رض) ومن هناك توجهوا نحو المطلوب وقطعوا البيد حتى جاؤوا (الرماحية) ، ومنها وافوا إلى العرجة (العرجاء) فاجتمعت العساكر هناك. وفي 20 رجب ساروا منها فوردوا (كوت معمر) (3) ، قال صاحب گلشن خلفا : وفي هذا الحين ورد عثمان شيخ المنتفق ومعه ألف من رجاله بين فرسان ومشاة فبذل الانقياد والطاعة (4) بخلاف ما مرّ بيانه عن منظومة
    __________________
    (1) لم يذكره لي الشيخ ياسين آل باش أعيان. ولعله فاته.
    (2) تسمى اليوم اليوم (جناجة) من قرى الحلة.
    (3) قرية بين الناصرية وسوق الشيوخ على ساحل الفرات من جهة الشامية.
    (4) كلشن خلفا ص 97 ـ 2 وتاريخ السلحدار ج 1 ص 474.

    الشهابي مع أنه جاء أوضح وأزال شبهة الراشد في أمراء المنتفق التي كانت تتردد على الالسن من أن حكام البصرة من الراشد. فتبين أنهم أمراء المنتفق ، فلم يبق ريب. ثم إن الوزير استمر في طريقه حتى جاء إلى المنصورية (منصورية الجزائر).
    أما العساكر الأخرى فكان سيّر قسما منها إلى جانب القرنة ، والبعض الآخر في السفن من دجلة حتى صار جميعهم في الرملة ، وبعد ذلك كله جاء الأمر السلطاني مع رجل يدعى عمر يحثه فيه على السفر دون تأخر أو توان. ولما جاء الرسول رأى الوزير بقرب (منصورية الجزائر) وعلى هذا قرر الأمراء لزوم الدوام في السير فأرسلوا عثمان (شيخ العرب) مع ثلة من الجنود من طريق البر ، والوزير بدأ يسير من جانب الشط ووالي الموصل يمشي مقابلا له من الجهة الأخرى منه وعسكر (الينگچرية) في السفن فصار مشيهم بطيئا بسبب أن كل جانب يشتمل على أنهر متفرعة فأكملوا دفن جميع الأنهار في غرة شعبان وأتى ديار بني سد (بني أسد) وهناك رأوا بعض أعدائهم فأكثروا فيهم القتل بعد حروب دامية لم يروا مثلها. ونالهم الهول الأعظم بحيث كادت تزل أقدامهم واستمروا في طريقهم حتى وصلوا في 13 شعبان (الشرش) مقابل القرنة وهناك نصبوا الجسر فعبروا إلّا أن الوزير أبقى طائفة من الجيش رابطت ومعها مدافع تمنع من يأتي إلى القرنة ، ونصب الوزير المدافع على العليّة فأمطرها بوابل من القنابل فجعلها في لبس من أمرها وبلغت هناك القلوب الحناجر فاتفقوا أن يعبروا إلى (السعيداوية) فعبر إبراهيم باشا والي ديار بكر ، إلى شط زكيّة وكان ذلك في أول شهر رمضان والفتح في الحادي عشر منه.
    كل هذا جرى وحسين باشا في جانب السويب ملازما مكانه وحين جاءته الأخبار ارتبك أمره واضطرب. ولما رأى أن القرنة تضايق أمرها أرسل إليها مددا وساعدها ... وعند ما رأى والي ديار بكر أن قد عبر

    إلى ناحيته فرّ بأهله وعياله إلى بلاد العجم بعد أن أضر بالأهلين وشتت شملهم ، ونهبهم ... وبينوا أنه دعا الناس إلى الخروج من البصرة فجرى نهب وسلب وانتهاك حرمات بما لا يستطيع المرء وصفه.
    وفي زاد المسافر أن إخلاء البصرة كان في غرة جمادى الثانية في اليوم الأول والثاني والثالث من الشهر. ووصف هول ما جرى على الأهلين فكان أشبه بهول يوم المحشر. وتوالت الارزاء من هذا القبيل على الانحاء ، فكان الدمار والخراب (1).
    وعلى كل كانت معاول التخريب تدمر البلد. أما جيش حسين باشا فقد تحصن بالقرنة للدفاع وأحكم قلعتها ، وحافظ أطرافها ، وذهب بمن معه من مشاهير رجاله ويتراوحون بين الألف والألفين فضرب خيامه في المحل المسمى (سحاب). وأجلى الأهلين إلى الجزائر فنالهم من جراء ذلك ما نالهم.
    أما المحصورون من أهل القرنة فإنهم حينما سمعوا بما جرى على حسين باشا استولى عليهم الخوف وأصابهم اليأس. وفي ليلة 17 من الشهر المذكور عبروا شط زكيّة ومضوا إلى بر الجزيرة ساروا في أثر حسين باشا (2) ...
    وحينئذ سار جيش الوزير في الصباح فافتتح القرنة العليّة وأمن الأهلين في 11 شهر رمضان فسار على الأثر نحو البصرة فافتتحها وبقي فيها نحو خمسة أيام زار في خلالها مشهدي طلحة والزبير (رض) ، وعاد إلى القرنة بعد أن وضع في البصرة ألف وخمسمائة من الينگچرية وأمر
    __________________
    (1) زاد المسافر ولهنة المقيم والحاضر في صفحات عديدة منه ص 14 ـ 28.
    (2) منظومة الشهابي البصري وكلشن خلفا ص 98 ـ 2 وتاريخ السلحدار ج 1 ص 475 وفيه تفصيل زائد وذكر ما أبداه الجيش من البسالة حتى وصل إلى نهر عنتر ، فاجتازه.

    أن يرتب جيش أهلي نحو ثلاثة آلاف. وجعل أرزاق الجيش الأهلي عليها ، وأنها تحتاج إلى دفتري وكاتب مستقل نظرا إلى أن واردات البصرة موفورة وفيها نواح معمورة فعرض الأمر على دولته وكتب كتابا بالفتح أرسله مع رسول سريع السير ثم مضى إلى القرنة ، فرتب فيها الجيوش ، ورجع إلى بغداد. سلم البلد إلى يحيى باشا فجاءته خلعة.
    أما حسين باشا فإنه لم ير مخلصا له فمال إلى نوروز خان أمير الدورق. مضى من محل قريب من السويب. أما القائد فإنه كتب إلى أمراء الحويزة والدورق وبهبهان وأرسل إليهم رسلا أفهمهم بأن قبول التجائه مما يغاير أحكام الصلح ، وأن يحتفظ بأمواله وأمتعته وأن لا يترك المجال لأن يفر ... وعقب ذلك ورد إلى القائد كتاب من أمير الحويزة يشعر بأن المشار إليه التجأ إلى الشاه ومعه ثلة من الخيالة. وأما الأهلون فقد التجأوا إلى الحويزة ... وحينئذ أمن القائد الأهلين. أما العجم فإنهم رأوا تهديدا من العثمانيين وذلك أن القائد كتب إلى نوروز خان أن يعيد حسين باشا مكبلا إلى الدولة ، أو أنه يأتيه بنفسه ويعرفه حده ويجعل ذلك عبرة للمعتبر فخاف من ذلك وأخرجه من مملكته ... وعلى هذا فر إلى أنحاء الهند (1) ...
    وفي زاد المسافر :
    «كان حسين باشا قبل وصولهم وتهيئة نصولهم استعد لحربهم ... قامت الحرب على ساق ... فلم تكن إلا كجولة ... حتى انتصر الروم على العرب ، وسقوهم كاسات العطب ، وحل بأصحاب الباشا البوار ، وولوا الأدبار ...» اه (2).
    __________________
    (1) تاريخ السلحدار ج 1 ص 473 إلى ص 479 وفيه تفصيل إلا أنه كان يغلط في الأعلام.
    (2) زاد المسافر ص 38 ووصف ما جرى على الأهلين من مصائب ونكبات ...

    عاقبة أمر حسين باشا :
    إن حسين باشا رأى والي ديار بكر قد عبر إلى ناحيته ففر بأهله وعياله إلى بلاد العجم. وأوضح صاحب زاد المسافر : «أنه بعد هزيمته من العليّة وصل إلى الدورق ، وترك فيها أهله وحشمه ثم توجه إلى شيراز مستنصرا بشاه العجم ، وهو يومئذ الشاه سليمان ابن الشاه عباس ابن الشاه صفي ... فلما وصل إلى شيراز ، وعرض أمره إلى الشاه ثبط بعض أمرائه عن نصرته وكان حاقدا عليه. لما وصل إليهم من بغضه سابقا. ثم إنه ترخص وتوجه إلى الهند ، فأكرمه ملك الهند وولاه بعض مدنه وهي البلدة المعروفة ب (باچير). وبقي هناك في بعض حروب من يليه. وقتل هو وابنه علي بك ... وكان قبل هلاكه أرسل إلى حرمه وحشمه ونقلهم من الدورق إلى الهند. فهم هناك الآن.» اه (1).
    ولا شك أن الشاه لم يشأ أن تتولد بينه وبين العثمانيين مشادّة ، فالظاهر أنهم اعتذروه فمضى إلى أنحاء الهند ، فاختار الإقامة فيها.
    كتاب زاد المسافر ولهنة المقيم والحاضر :
    هذا الكتاب تأليف الشيخ فتح الله بن علوان الكعبي المولود سنة 1053 ه‍. ألف كتابه في 27 من شهر رجب سنة 1095 ه‍. توفي بعد هذا التاريخ حكى فيه واقعة حسين باشا أفراسياب سنة 1078 ه‍ وما تبعها من الحوادث إلى أن هرب من البصرة وما آلت إليه حاله. وفي هذا الكتاب كشف عن الكثير من أحوال البصرة أيام آل أفراسياب وإن كان بصورة مقامة. وفيه بيان خططها وأنهارها وما كانت عليه في أيامه وما صارت إليه من خراب ... فهو من المراجع المهمة المعاصرة. جاءت ترجمة مؤلفه في أول الكتاب وهو من أهل القبان ونسخة الكتاب المخطوطة في
    __________________
    (1) زاد المسافر ص 43.

    خزانة (آل باش اعيان). طبعت على نفقة طالب غنى صاحب مكتبة الفيحاء بالبصرة بتصحيح وترتيب الأستاذ المرحوم خلف شوقي الداودي صاحب جريدة شط العرب في سنة 1342 ه‍ ـ 1924 م.
    ملحوظة :
    في أيام الراحة والهناء رأينا كتاب (الفيض الغزير في شرح مواليا الأمير). ويقصد مؤلفه الأمير حسين باشا ابن علي باشا آل أفراسياب ألفه له (عبد علي بن ناصر) الشهير ب (ابن رحمة) الحويزي. وهذا الكتاب شرح به مواليا هذا الأمير ، فأبدى قدرة وفضلا في اللغة والعربية والبلاغة ، والعروض. وفيه حكايات مهمة ونافعة. وأورد (أرجوزة) نظمها في أسبوع وهي في الحكم والآداب. وقد ناصرت هذه الإمارة مؤلفين عديدين. وفي الطالع كتب باسمه كتاب في علم الفلك تنقصه الورقة الأولى فهو صفحة من عقلية ذلك العصر. وآخر يسمى (بلوغ الافهام في معرفة أقسام العام). كتبه مؤلفه باسم حسين باشا آل أفراسياب كتبت نسخته في شوال سنة 1122 ه‍ ولم أقف على اسم مؤلفها وهذه المخطوطات في خزانة كتبي.
    يحيى باشا في البصرة :
    كان أوصاه السلطان بحسن المعاملة والرأفة بالرعايا فلما دخل البصرة لم يعمل بتلك الوصية وأول ما قام به أن بيّن أن أرزاق الجيش الأهلي لا طريق لسدها ، كما أنه بيّن أن لا حاجة إلى كاتب الديوان ، وإلى الدفتري وأن ليس هناك شرط بينه وبين الدولة في قبول هذه المناصب. وصار يمانع في أرزاق الجيش الأهلي ، فتولدت بينه وبين (كاتب الديوان) المسمى ب (المنشىء) نفرة. وزادت المشادة بينه وبين الجيش الأهلي ، اشتعلت نيران العداوة والبغضاء ، وصار يصد عن الجيش وعن الدفتري ، ويتأذى من دفع ارزاق الجند بل صار يخشى

    غائلتهم لما قاموا به من تضييق عليه فأحرجوه وتغلبوا عليه (1).
    ففي أواخر هذه السنة اختفى هذا الوالي عن الأنظار إذ لم يتحمل مطالب هؤلاء. خاف تحكماتهم. وزاد الكره بينه وبينهم فذهب إلى جهة (كردلان) (2). فصار يجمع العساكر. وفي مدة قليلة تمكن من جمع نحو أربعة آلاف أو خمسة من الرماة من عجم وعرب وسكبانية ، وحاصر البصرة ، فأوقد نيران الخصام.
    وكان أول عمل قام به قبل اختفائه أنه شرع يفسد بين كعب وأعراب آخرين ، ويقرب أهل الجزائر وكل اتباع حسين باشا ، ومن ينتسب إلى آل أفراسياب. استوثق من هؤلاء فخرج خفية من البصرة وذهب إلى (كردلان) ولم يدر الجيش به أين ذهب ، ولا علم بالسبب.
    ضيقوا عليه ، فخافهم ، ولم يطق البقاء ، فضبطوا البلاد ثم جاءهم الخبر أنه في جهة السويب ، ومعه شرذمة قليلة ، وصار أهل الشر يميلون إليه من كل صوب حتى غدا يسول لهم النهب والسلب فاجتمعت لديه جماعات لا هم لها إلا غصب أموال الناس فكتبوا إليه يسألونه عما بدا له ليتركهم ويتنحى عن البلد ليعود إليهم وحاولوا استمالته فجاءهم
    __________________
    (1) تاريخ راشد ج 1 ص 163.
    (2) لا تزال معروفة وتعني أرض التل أو مأوى التل وفي كلشن خلفا جاءت غلطا بلفظ (كردكان) وفي تاريخ راشد (كوردلان) ج 2 ص 514. وفي (الكاكائية في التاريخ) ما يوضح أنها كردلان وهو الصواب. واللفظة تركية لا كردية على ما أكد لي الأستاذ بسيم آتالاي وأورد ألفاظا كثيرة في التركية على هذا التركيب. وتقع قرية كردلان في الجانب الشرقي من شط العرب في مقاطعة تنومة وهي تجاه البصرة تماما.
    قال الدكتور مصطسفى جواد : رأيت في خارطة شط العرب المحفوظة بدار الكتب الوطنية بباريس رقم 2279 ما هذا نصه : «شريعة گردلان ونخيلها لشط العرب ومقاطعتها راجعة للميري.» اه.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي   تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 6:36 am

    الجواب أنه لا يرى أن يبقوا في البصرة ، طلب أن يخرجوا منها ، ويذهبوا إلى بغداد ، وهكذا جاءتهم رسالة من البغاة تنذرهم بالتهديد.
    أسعر نار الحرب وبان ما أضمره في جانبي (شط العرب) ينهب الغادي والرائح. وبعد الشورى مع الشيوخ والأعيان استقر الرأي على وجوب قتاله لا سيما أنه كان قد عاث ببعض السفن الذاهبة إلى القرنة ... ولم يقف عند هذا بل أرسل كتخداه قادر آغا إليها ومعه جماعة بينهم الشيخ يوسف وجملة من أقربائه ... فجرت بين الجيوش وبين هؤلاء معركة شديدة قتل فيها الكتخدا ففر من فر وقتل من قتل ...
    ولما سمع يحيى باشا بذلك سار بمن معه إلى البصرة فحاصرها. أثار فيها الفتنة. ولما كانت غير محصنة هاجمها العربان من كل صوب. دخلوا وسلّوا سيوفهم على العساكر فاستأصلوهم.
    وعلى هذا فرّ الجيش والدفتري وآغا الجيش الأهلي ، الرئيس الأول وتركوا ما يملكون من مال. عادوا إلى بغداد. وحينئذ اتهمهم الوزير وسجنهم ، لما ارتكبوا من جرائم وسببوا مثل هذا الحادث.
    وتفصيل الخبر أن أهل البصرة مال فريق منهم إلى يحيى باشا فاستبان الحالة واستوثق ممن كان معه فشوشوا الأمر في المدينة وأشعلوا نيران الفتن فنهض العسكر لمحاربة جيش يحيى باشا. استمرت الحرب إلى قبيل الظهر ، أبلى فيها الجيش بلاء حسنا إلا أنهم خافوا أن يبقوا في المدينة فنهجوا طريق البر فعقب جيش يحيى باشا أثرهم فلم يفوزوا منهم بطائل فرجعوا. خرج الجيش العثماني بلا زاد فأصابه الجوع والألم إلا أنه قيض الله له بعض العربان فأنقذوه من الهلاك وجاؤوا به إلى العرجاء. وحينئذ زال الخوف وذهب الرعب.
    أما القرنة فإن يحيى باشا أرسل إليها عسكرا فأخبروهم بما حلّ بالبصرة وطلبوا أن يسلموا إليهم البلد وإلا أصابهم ما أصاب اولئك فلم

    يذعنوا وقرروا لزوم الدفاع وكانوا أخبروا الوالي مصطفى باشا بما وقع وطلبوا منه أن يعجّل بالمدد ...
    فلما سمع الوالي بهذا الحادث اهتم للأمر وجرد تجريدة قادها خلف آغا وصالح آغا مع جيش سارع في النصرة. وبينهم آغا الجيش الأهلي. والمتطوعون وأمير جسان ، وأمراء البيات وأمراء باجلان وعدة بيارق من السكبانية. ساروا برا ونهرا. عبروا من شط زكية امدادا للمحصورين في القرنة ، فتمكنوا من الوصول ، فكانوا قوة لهم ، قاتلهم الثائرون في مواقع عديدة وجرى نضال شديد حتى شقوا الطريق فأمدوا اولئك المحصورين ودخلوا القرنة.
    سمع يحيى باشا بذاك فجهز جيشا لجبا من العربان يتراوح بين خمسة آلاف وعشرة آلاف ، فتصدى للهجوم على القرنة على حين غرة ، فقابلهم الجيش المحصور فدامت الحرب نحو ثلاث ساعات أو أربع فلم يتمكن جيش يحيى باشا من اختراق الجبهة للاستيلاء عليها ، فخابوا وقتل منهم نحو خمسمائة أو ستمائة فوصل الخبر إلى بغداد بهذا الانتصار. وفي هذه المعركة قتل أمير جسان.
    سمع يحيى باشا بخبر اندحار جيشه فاضطرب للحادث ولكنه لم يقف عند حده وإنما سيّر نحو القرنة صباحا قوة من غير أن يعلم به أحد. انتبه أحد الأفراد فأخبر جماعته فاستعدوا للحرب وقاتلوا قتالا عنيفا حتى تمكنوا من فل غرب المهاجمين فأذاقوهم من القتل والأسر ما أذاقوا ... فجاءه نبأ ذلك وحينئذ زاد ألمه ، وكثر ندمه ... وفي هذه الحرب قتل خلف آغا ، وهذا صار سبب تسكين ألمه نوعا ، ثم جاءه المدد من العربان فحاصرها مرة أخرى (1) ...
    __________________
    (1) منظومة الشهابي وكلشن خلفا ص 99 ـ 2.

    حوادث سنة 1079 ه‍ ـ 1668 م
    هذه السنة مضت بالتأهبات للقيام بأمر ما طرأ على البصرة ، ولم تظهر واقعة أهم من هذه فغطت على ما سواها. واكتسبت اهتماما كبيرا.
    حوادث سنة 1080 ه‍ ـ 1669 م
    الوزير مصطفى باشا :
    إن الوزير مصطفى باشا علم بما جرى فأخبر دولته ، فأصدرت الفرمان بتوجيه ولاية البصرة إلى رئيس الحجاب مصطفى باشا وعهد بالقيادة إلى والي بغداد للقضاء على الغائلة. وأوعز إلى الوزير عمر باشا والي ديار بكر ، وإلى محمد باشا چاوش زاده والي الموصل ، وإلى حسن باشا أمير أمراء شهرزور ، وإلى علي باشا أمير الرقة أن يقوموا بواجب المهمة. ولما كان السفر إلى العراق في أيام الصيف صعبا اضطر الوزير أن يذهب مع والي البصرة مصطفى باشا بحرس بغداد والجيش الأهلي ، فسار في صفر سنة 1080 ه‍ من بغداد قاصدا البصرة ليمد القرنة وجيشها المحصور ، فوصل إلى مكان قريب منها.
    ومن ثم سمع بذلك يحيى باشا والي البصرة فاضطرب أمره وعلم أن لا قدرة له على الدفاع. فلم يستطع البقاء وفرّ إلى الهند راكبا سفينته ومن ثم نجت القرنة من خطر الحصار بعد أن ناضلت مدة.
    وبعد عشرة أيام لحق بجيش الوزير والي شهرزور فحط رحاله في البادية كما أن والي الموصل ورد بعد خمسة عشر يوما فنزل حيث نزل سابقه فلحق بجيش الوزير. وأما محافظ ديار بكر فإنه وصل إلى العرجاء فأخبر الوزير بذلك فبعث إليه بكتاب يتضمن الترحيب به ، وأنه أتم ما أراد ، وطلب إليه أن يبقى بضعة أيام ثم يعود إلى بغداد.
    ولما أتم الوزير عمله في القرنة ذهب إلى البصرة ، فدخلها بلا منازع أو مزاحم ، وأودع أمر ادارتها إلى مصطفى باشا واليها بعد أن مهد

    له أمر ادارتها. ومن ثم عاد إلى بغداد دخلها في رجب هذه السنة (1).
    منظومة الشهابي :
    غالب ما نقلنا كان من منظومة الشهابي ولم يفت منها شيء إلا بعض ما هو حشو أو مدح وإطراء ، أو اقتضاه الوضع الصحيح بقدر الإمكان.
    وهذه المنظومة للعلّامة الشيخ ياسين بن حمزة آل شهاب البصري الشافعي ، قال لي المرحوم الشيخ ياسين باش أعيان إنه من رجال أسرتهم. ذكر فيها واقعة حسين باشا بن علي باشا آل أفراسياب وعصيانه على الدولة والوقيعة به. أولها :
    يقول راجي رحمة الوهاب
    ياسين نجل حمزة الشهاب

    الحمد لله الذي أزالا
    عنّا بمحض فضله الضلالا

    وتعد من خير المراجع وإن كانت تنتصر لجهة ، فالنصوص الأخرى جاءت مؤيدة أو معدلة لما فيها قليلا ولكننا نرى فيها من ضبط المواقع ، وتفصيل الحوادث ما لم نره في غيرها. والحق أنها صفحة كاشفة عن أيام حسين باشا آل أفراسياب وعلاقته بالدولة وبالأحساء. وأن التحامل على إمارة حسين باشا لا يخل بمكانها من الصحة ولا شك أن الصدق لا يؤثر عليه البغض. وهذا مشاهد في وثائق كثيرة ، فالبغض غير الكذب.
    والنسخة كتبت بخط عبد الله بن عيسى بن إسماعيل الشهير بالعباي (كذا) نقلها من نسخة الناظم في 10 المحرم سنة 1232 ه‍ ولناظمها من المؤلفات (تفسير سورة الكوثر) قدمه لحسين باشا والي البصرة و(الجوهرة في علم العروض) نظما ، و(قصيدة) يمدح بها عالما من
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 100 ـ 1 ، ومنظومة الشهابي ، وتاريخ السلحدار ج 1 ص 479.

    علماء البصرة اسمه (مصطفى). وهذه كلها في مجموعة رسائل ذكرها الدكتور
    (داود الچلبي) في (مخطوطات الموصل) (1). ومن ثم عرفنا مؤلفات أخرى لهذا الفاضل تعين العلاقة وتبين قدرته العلمية والأدبية. وتعرف ببعض معاصريه.
    انعامات سلطانية
    عاد الوزير إلى بغداد ، فأنعم عليه السلطان وشكر مساعيه ، خلع عليه خلعة سمور ، ومنحه سيفا مرصعة أرسلها بصحبة خليل آغا ، وأصدر إلى ابنه محمد بك فرمانا بإمارة شهرزور ، كما أنه عهد إلى محمد بك الآخر أخي الوزير بدفترية بغداد ، فكان هذا الاحسان عميما.
    جامع الإمام الأعظم :
    في هذه السنة أيضا قام أخو الوزير محمد بك الدفتري بتوسيع نطاق هذا الجامع وبناء رواقه وبذلك صار وافيا على المصلين. وهذا الجامع توالت عليه تعميرات أخرى (2)
    قتلة الدفتري ورفقائه :
    وبعد الواقعة والانتصار أطلق الوزير دفتري البصرة وآغا الجيش الأهلي والرئيس الأول ولكن لم تمض بضعة أيام حتى ورد الفرمان بإعدامهم فألقي القبض عليهم فقتلوا (3)
    كان هؤلاء السبب فيما جرى على يحيى باشا وهو الوضع الظاهري ، ولعل هذا القتل كان سياسة من الحكومة لإظهار أنها لا دخل لها بذلك. وعلى كل نالوا جزاء ما اقترفوا.
    __________________
    (1) مخطوطات الموصل ص 211.
    (2) في المعاهد الخيرية تفصيل.
    (3) كلشن خلفا ص 100 ـ 2.

    معاهدة مع الانكليز :
    في هذه السنة عقد عهد منح الانكليز بموجبه بعض الامتيازات وتسمّى (عهد نامه همايون) وإن هذا العهد شمل العراق أيضا باعتباره من ممالك الدولة.
    عندي نسخة مخطوطة من هذه المعاهدة باللغة التركية. كتبت سنة 1239 ه‍. والعهود العتيقة تستند إلى هذه وأمثالها.
    حمى وبائية :
    حدثت في بغداد حمى وبائية. كان يموت في اليوم نحو خمسين إلى سبعين (1).
    حوادث سنة 1081 ه‍ ـ 1670 م
    البصرة ـ الميزانية :
    استكثرت الحكومة جيش البصرة فأنقصت منه. ومع هذا لم يتمكن مصطفى باشا من الإدارة فإن ضرائب الولاية قلّت فأبدى أنه لا يستطيع إعطاء مائتي كيس للدولة وأن يقوم بأرزاق الجند. صعب عليه الأمر وطلب لزوم خفض قسم وأن تعفى المدينة لما رأت من غوائل بل إن ذلك أصل الغوائل.
    كان الوزير حين الفتح قد كتب إلى الدولة في (رسالة الفتح) بالغ فيها عن وارد المدينة وأبدى أن عمارتها وافرة وفي هذه المرة وبناء على الخط الهمايوني أمر بتحرير الحالة. وفي أواخر جمادى الثانية توجه نحو البصرة. وفي أوائل شعبان وصل إلى صحرائها فضرب خيامه في (باب
    __________________
    (1) عمدة البيان.

    رباط) (1) وهو مقام معروف. بقي خمسة عشر يوما. وبسبب كثرة الامطار اتخذ دار الإمارة مقرا له.
    وحينئذ كتب إلى أنحاء البصرة ، وعين مخمنين من ذوي المعرفة والكفاءة فعينوا الأراضي الاميرية ورسومها والأوقاف والأملاك المعفاة والأعشار والرسومات العرفية فصّلوا ذلك جميعه. ومن ثم ساووا بين الدخل والمصروف بقدر الإمكان ، وحرروا دفاتر أبقاها الوزير في خزانة البصرة وبعث بصور منها إلى دولته ثم توجه إلى بغداد. وصل إليها في أواسط ذي الحجة.
    ايالة البصرة :
    وهذه الدفاتر قبل بها السلطان ورضي عنها وأنعم على الوزير الوالي ببغداد بإيالة البصرة. ومن ثم نقل من بغداد.
    أيامه في بغداد :
    ابتدأت في 14 شوال سنة 1077 ه‍ ودامت إلى سلخ ذي الحجة لسنة 1081 ه‍ (2).
    مسجد بابا كور كور وتكيته
    مسجد في محلة الميدان قرب سوق الهرج. أصله مرقد لأحد البكتاشية اسمه (بابا گور گور) ومعناه (الأب النوراني) ، من شيوخ البكتاشية ببغداد. والظاهر أن لآبار النفط في كركوك علاقة به وربما
    __________________
    (1) في خارطة شط العرب المقدم ذكرها أن لشمالي البصرة بابين : باب رباط كبير ، وباب رباط صغير ، وأن الأول راجع لمحمود الثامر (لعله لحمود الثامر) ، والثاني تابع للعشار وراجع للميري.
    (2) كلشن خلفا ص 100 ـ 2.

    كانت تعد كرامة من كراماته. دفن في المحل المذكور. والمسجد بني بجانب هذا القبر. بناه الحاج محمد الدفتري بن عبد الله بن غرة المحرم سنة 1081 ه‍ وأرصد عليه موقوفات جعل غلّتها على تربة (بابا گور گور) وعلى المسجد وبين أنه إذا انقرضت ذريته عادت التولية لمن يكون قاضيا ببغداد. فانقرضت ذريته ثم صار تكية للبكتاشية مدة ، وأن (دده حسين) صار متوليا من مدة تبلغ نحو عشرين سنة. ثم إنه في نيابة المرحوم الأستاذ محمد فيضي الزهاوي المفتي ببغداد نصب متوليا ثم عزل في 28 صفر سنة 1300 ه‍ ، فأعيد مسجدا ، ونزعت التولية من البكتاشية. وتوفي دده حسين سنة 1302 ه‍. وبعد عزله وجهت التولية والتدريس إلى المرحوم الأستاذ عبد الرحمن الفراداغي العالم المعروف. وتوفي سنة 1335 ه‍. والنفط اشتهر باسم (بابا گور گور) في العالم الشرقي والغربي ، وصار يتردد اسمه بما حصل من هذا النفط في الأراضي المعروفة باسمه في كركوك أو التي أنارت بكرامة منه (1).
    حوادث سنة 1082 ه‍ ـ 1671 م
    الوزير حسين باشا :
    هذا الوزير معروف ب (حسين باشا السلحدار) كان رؤوفا بالأهلين ، باشا بهم ، حسن المنظر ويقال له (قز حسين باشا) (2) أي حسين باشا البنت. ولما ولّي بغداد كان كاتب ديوانه مصطفى العدلي. وكان لهذا عداوة قديمة مع كتخدا الوالي السابق ومن جراء محاسبة الأموال الأميرية في بغداد حصلت مشادة بين أتباع الطرفين أدت إلى النزاع بين الوزيرين ولم ينقطع. وبالنتيجة عرض الأمر على الدولة وعلى هذا ذهب الوزير
    __________________
    (1) التفصيل في كتاب المعاهد الخيرية.
    (2) تاريخ السلحدار ج 2 ص 293.

    السابق بكدورة خاطر إلى البصرة. وبعد أيام عزم الوزير الحاضر على زيارة المشهدين ترويحا للنفس ثم عاد إلى بغداد.
    وأما مصطفى العدلي فإنه نال التفاتا زائدا ، تطلب الكتخدائية فحصل عليها إلا أنه لم يتحمل هذا الالتفات ولا تمكن أن يدبرها تدبيرا صحيحا وإنما عدل عن طريق الصواب وصار مفترسا ومن ثم كان يؤذي الخلق ويتجاوز على حقوقهم. ولمجرد الحرص والتخوف على المنصب سوّل للباشا أن يصدر فرمانا بإعدام اثنين من الحجاب ففعل كما أنه جلد آخرين وضربهم ضربا مبرحا ونفى آخرين دون أن ينتبه لنوايا الكتخدا وقد مرّ أن للعدلي دخلا عظيما في محاسبة الوالي السابق عن (الميري) فتولدت بينهما الشحناء لحدّ أن وصلت إلى سمع السلطان فورد من جانبه خضر آغا من رؤساء الحجّاب ليكون حكما عدلا فعقد لمرات مجلس أشراف وجمع فيه من له وقوف على القوانين فلم يتمكن من فصل النزاع بوجه بل فتحت أبواب العداء بينهما حتى أن العدلي تطاول على الآغا فرجع إلى دولته مملوءا غيظا ... وحينئذ انتهى العام.
    وفاة مفتي الموصل :
    في هذه السنة توفي محمود بن عبد الوهاب (1) الموصلي الحنفي مفتي الموصل ورئيسها المشهور بالعلوم الشرعية والفنون العقلية. ولد بالموصل ونشأ بها وتفنن في علم النظر والكلام والحكمة. برع في جميع ذلك ورحل إلى حلب وأخذ بها عن النجم الحلفاوي. وإبراهيم الكردي ، وأبي الوفاء العرضي والجمال البابولي (كذا) وغيرهم ، وأجازوه. ورجع إلى بلده. مكث مدة ، ورحل إلى الديار الرومية ، وأخذ
    __________________
    (1) في خلاصة الأثر عبد الله بدل عبد الوهاب وفي عمدة البيان جاء التصحيح من أحد أحفاد المفتي وهو محمد أمين بن إبراهيم من آل ياسين المفتي ابن المترجم. ذكر أنه ابن عبد الوهاب.

    عن جمع بها ، ثم ولي افتاء الموصل. رجع إليها وأقام بها يشتغل بتدريس العلوم وتخرج به جماعة. كانت المسائل المشكلة ترد عليه فيجيب بأحسن جواب. وكان عارفا بالعربية والفارسية والتركية.
    ومن مصنفاته :
    1 ـ حاشية على التلويح.
    2 ـ حاشية على البيضاوي.
    وله نظم حسن. وكان ذا دين متين وتقوى صادق اللهجة. حجّ سنة 1081 ه‍ وأخذ عنه جماعة بالحرمين ، منهم الشيخ مصطفى بن فتح الله ، وأجازه بإجازة منظومة. ولما رجع من الحج توفي بحلب ودفن فيها سنة 1082 ه‍ عن نحو 83 سنة (1).
    وهذا هو والد ياسين افندي المفتي في الموصل وتعرف أسرته بآل ياسين المفتي.
    حوادث سنة 1083 ه‍ ـ 1672 م
    والي البصرة :
    هذا الوزير استولت عليه الأمراض فوافاه أجله. وبناء على إنهاء والي بغداد عهد بها إلى والي الموصل حسن باشا الچلبي وكان في بغداد (2).
    مصطفى العدلي :
    وهذا فرح بمصاب الوالي فرحا لا مزيد عليه ، فتجدد نشاطه إلا أن خضر آغا شكاه لدى السلطان وأبدى كل مثالبه فاشتد غضب السلطان
    __________________
    (1) خلاصة الأثر ج 4 ص 319 وعمدة البيان.
    (2) كلشن خلفا ص 101 ـ 1.

    بعد أن عرف أنه سبب الفتنة فأرسل الميرا خور الثاني وبيده فرمان الاعدام فورد بغداد وألقى القبض على العدلي وعلى عبد الله الدفتري من أهل الفتنة فأعدما.
    ثم إن منصب كتخدا وجه إلى عوض آغا. وهذا كان من أتباع العدلي وممن رشحه لمثل هذا المنصب وكان لا يعقل (1).
    الغلاء في الموصل :
    حدث الغلاء في الموصل. فكان تاريخه (الغبن) (2).
    وفاة الشيخ محمد الاحسائي :
    توفي الشيخ محمد الاحسائي بن أحمد نزيل بغداد. كان من العلماء المحققين قرأ ببلاده على الشيخ إبراهيم الاحسائي المتوفى سنة 1048 ه‍ (3) وأخذ ببغداد عن مفتيها الشيخ مدلج.
    وله مؤلفات منها :
    1 ـ حاشية على شرح الألفية للجلال السيوطي. عندي مخطوطة منها.
    2 ـ كتاب التعريفات.
    3 ـ شرح تهذيب المنطق.
    4 ـ شرح القدوري في الفقه.
    توفي ببغداد في هذه السنة ودفن (بجامع الأحسائي) ويسمى اليوم
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 101 ـ 2.
    (2) خلاصة الأثر ج 1 ص 18.
    (3) عمدة البيان.

    (تكية الخالدية) نسبة إلى الشيخ خالد النقشبندي (1) ...
    حوادث سنة 1084 ه‍ ـ 1673 م
    طاعون وجراد في الموصل :
    جاء الجراد النجدي الأصفر إلى الموصل. وكان وقع الطاعون الكبير فيها (2).
    جامع الشيخ عمر السهروردي :
    إن الشيخ عمر السهروردي من رجال الصوفية وإن جامعه خلا عن السكان وصارت أطرافه بوارا من جراء قلة المياه. فهذا الوزير عمّر كردا (بئرا) على شاطىء دجلة واتخذ ساقية من مكان البئر إلى مقام الشيخ عمر أجرى فيها الماء من دجلة ، واتخذ هناك جنينة وأنشأ داري سبيل يتروى بهما الناس فصار الجامع والتربة منتزها للخاص والعام ... والطريقة السهروردية ذكرتها في كتاب (الطرق والتكايا في العراق).
    حوادث سنة 1085 ه‍ ـ 1674 م
    ساقية الشيخ عمر السهروردي :
    أراد هذا الوزير أن تكون هذه الخيرات مدى الأيام فعمر لها في هذه السنة سوقا في باب (المدرسة المستنصرية) واشترى أملاكا أخرى فأرصدها عليها. ولا تزال آثاره الخيرية باقية لحد الآن وخيراتها عميمة (3).
    __________________
    (1) خلاصة الاثر ج 4 ص 313 وكتاب المعاهد الخيرية وفيه تفصيل.
    (2) عمدة البيان.
    (3) كلشن خلفا ص 101 ـ 2.

    سدة الأعظيمة :
    كانت مياه دجلة استولت على قصبة الأعظمية فهدمت الدور وخربت البساتين والحدائق ، فالوزير عرض ذلك على دولته فورد إليه الأمر بعمل سدّة عظيمة خصصت لها مبالغ كافية يصرف عليها من دراهم الارسالية. وبينما أعدّ لوازم التعمير وهيأها وباشروا في البناء إذ وقع عزله فلم يتم العمل في وقته (1).
    جامع حسين باشا :
    كان الشيخ إبراهيم الفضل من المشايخ المعروفين وقد شارف مرقده على الاندثار بتوالي الأيام. وكان الكتخدا عوض آغا قد بذل المبالغ المقتضية والوافية فبنى هذا الجامع وأعدّ كل ما يحتاج إليه.
    كان هذا الوزير معروفا بحسن الحال. أكثر أوقاته يقضيها في الصلوات والعبادات إلا أنه كان ساذجا يخدع بسهولة كما أنه أودع أمور الإدارة إلى أرباب الأغراض فلم تجر الأمور كما يراد.
    صار ألعوبة بأيدي أعوانه. وإن صاحب گلشن خلفا وصف كتخداه بما وصفه. وعلى هذا عزله وحبسه بسعي من أرباب الأغراض بقصد الوقيعة به ، وضيّق عليه بالتعذيب فضبط جميع أمواله ونفاه إلى البصرة. لما علم من سوء حاله وأنه سرق الأموال حتى من مداخل نفس الوزير فبنى بها الجامع. ولذا نسب إلى الوزير دونه. ولعله حسده على عمله ، فاشتهر باسمه. وإلى الآن يسمى جامع حسين باشا (2).
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 102 ـ 1.
    (2) كلشن خلفا ص 102 ـ 1 والمعاهد الخيرية.

    جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني
    كان للوزير وكيل خرج خاص يقال له مصطفى آغا الجراح وهو امرؤ حلب الدهر اشطره وذاق حلوه ومرّه. سلك سبيل الخير فبنى لهذا الجامع طارمة وعمّر المرقد واتخذ صفة ورتب المصلى فكان هذا منه فعلا جميلا وعملا مبرورا (1).
    الوزير والبصرة :
    هذا الوزير عزل من بغداد فوجّه إليه منصب البصرة. وكانت حكومته بدأت في غرة محرم سنة 1082 ه‍ وانتهت في 20 جمادى الأولى سنة 1085 ه‍.
    جاءت ترجمته في تاريخ السلحدار. أصله من بوسنة. ولجماله يسمى (قز حسين باشا). كان من الغلمان أيام السلطان مراد الرابع. وصار سلحدارا فولي بغداد والبصرة ومناصب أخرى عديدة. توفي في ربيع الآخر سنة 1098 ه‍. وكان حليما سخيا ، وله الخيرات المبرورة (2).
    وزارة عبد الرحمن باشا :
    كان مدبر أمور الدولة ومنظّم أحوال الرعايا. صار آغا الينگچرية ثم ولي الوزارة. وفي أيام الوزير السابق كانت راجت شائعة بأن ايران تنوي الحركة نحو بغداد فظهرت أراجيف كثيرة وحكايات ملفقة. وهذا أكبر رأس مال لأمثال هؤلاء دائما. فولّدت هذه ركودا في الأعمال وتوقفا في التجارة والذهاب والإياب. فعهد بمنصب بغداد لهذا الوزير
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 102 ـ 1 وتاريخ العراق بين احتلالين ج 4 وفيه تفصيل عن الجامع والطريقة.
    (2) تاريخ السلحدار ج 2 ص 294 ، وكلشن خلفا ص 102 ـ 1.

    وكان من آغوات الينگچرية فجاء على عجل. أعماله حكيمة. نشر بساط الامن والأمان وضرب على أيدي العتاة وعمّر القلعة وأحكم الابراج ووفر المؤونة وأكثر المعدات. وبهذا أزال عن القلوب الارتباك والاضطراب.
    راقب أحوال الموظفين فمنع من الظلم. فكان ذلك دواء عاجلا وتدبيرا نافعا أراح به الناس فصحح الأفكار وعدّل أمزجة الناس وأزال الخوف.
    ولا تزال آثاره الخيرية باقية. كان كريما سخيا وحيدا في بذله وإنعامه يرعى أرباب الفنون ويمنح الشعراء الصلات العظيمة. ولكن المؤسف أنه كان مدمن الخمر ولا يبالي من الفحشاء (1).
    حوادث سنة 1086 ه‍ ـ 1675 م
    جامع الشيخ معروف :
    إن الشيخ معروفا الكرخي من أكابر الصوفية ومقتداهم وكان جامعه محتاجا إلى بعض التعميرات والترميمات فقام الوزير ورتب له خطبة وخطيبا (2).
    حوادث سنة 1087 ه‍ ـ 1676 م
    سدة الأعظمية :
    في زمن الوالي السابق كان قد بوشر بعمل هذه السدة. وهذا الوزير بذل جهده لإكمالها فأتمها. ولكن لم تكن محكمة بحيث تقاوم
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 102 ـ 2.
    (2) كلشن خلفا ص 102 ـ 2 ورحلة المنشىء البغدادي وكتاب المعاهد الخيرية.

    تيّار المياه بل عجّل في انهائها. كما أن المبالغ المرصدة لهذا الغرض لم تكف. ولذا أتمها الفقراء بطريق (السخرة) والتضييق عليهم بل لم تدفع لكثير من أهل الحقوق حقوقهم. ولما طغى الماء جرفها وذهب بالاتعاب لعدم اتقان العمل ومن جراء التضييق على الناس. فنال الأهلين ما نالهم من الغرق (1) ...
    مدة حكم الوزير :
    دامت من 21 جمادى الأولى سنة 1085 ه‍ إلى 26 صفر سنة 1087 ه‍.
    وجاء في تاريخ السلحدار أنه ألباني. دخل في زمرة الينگچرية حتى صار آغا. ثم ولي بغداد. ومناصب عديدة. واستشهد في حرب (بدون) في سنة 1097 ه‍. مدح شجاعته وقال بلغ من العمر 80 سنة (2).
    الوزير قبلان مصطفى باشا :
    له صولة غضنفر ، شجيع ، باسل ، ولذلك يعرف بقبلان مصطفى باشا أي النمر. ولي بغداد فبسط الأمن وقضى على أهل الشر والشقاء ... وبينا هو مشغول في ذلك إذ حدث أن رئيس العسس بمقتضى السياسة كان باشر صلب أحد السرّاق المتهمين ممن ليس لهم مكانة معروفة في رأس الجسر. وحينئذ حدث نزاع بين أحد الينگچرية وأحد السكبانية فمال جماعة إلى كل من المتخاصمين واشتدت المعركة.
    ولما سمع الوزير توجه نحو محل المعركة فولّد نبأ مجيئه هيبة فسكن الأمر قبل وصوله. وحينئذ عاد لمحله وفي أثناء عودته تجمّع قسم
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 103 ـ 1.
    (2) تاريخ السلحدار ج 2 ص 259.

    من الينگچرية بسبب سوء تدبير آغواتهم. وعجلوا بالذهاب إلى باب الباشا وباب الكتخدا. هاجموهما وقتلوا بعض الأبرياء. هذا ما دعا إلى تشوش الوالي. ولذا جمع من ساعته أتباعه ولواحقه ومنع من ورود أي أحد من هؤلاء العتاة فأظهر قوّته وأبدى شجاعته فقطع دابر الكيد. ولما وافى الليل ترك هؤلاء الخصومة وذهب كل إلى محلّه. ولكن آغا الينگچرية حاذر أن يتهم بسوء التدبير فاتهم رئيس العسس والصوباشي. ذلك ما أدى إلى اعدام هذين البريئين.
    وأعمال هؤلاء لم تقف عند هذا الحد في بغداد وإنما تفاقم شرهم وإن صاحب گلشن خلفا كان معاصرا لهذه الحوادث وأشخاصها ولذا نراه لا يلوم نفس الينگچرية بصورة عامة ، بل كان يندد بأناس معينين حذر الوقيعة به (1).
    امارة الحج :
    كانت القافلة التي تذهب إلى حج بيت الله الحرام يتولى شؤونها أمير يسمى (أمير الحاج). وهؤلاء كان كل منهم يتخذ الوسائل لنهب الأموال والاستفادة من هذه الطريقة. فيضرون بالناس. ومن آخرهم منيهاج أمير الحاج. فأقصى الوزير هذا الأمير ووجه الإمارة إلى أحد آغواته المسمّى (بكتاش). وهذا جاهل ، قليل الفهم. ومن سوء تدبيره وتقصيره لم يستطع الحجاج أن يحجّوا ولم يتيسر لهم الوقفة بعرفة بل عادوا وكانوا حينما ذهبوا من المدينة لمسافة ثلاث مراحل أو أربع هاجمهم العربان فسلبوا الكل من رجال ونساء بحيث صاروا عراة. ولما لم يقدر الكثيرون منهم على المشي وليس لديهم ما يقتاتون به ولا ماء يشربونه هلكوا ولم ينج إلا قسم منهم (2). استكثروا هذه الإمارة وأرادوا
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 103 ـ 1.
    (2) كلشن خلفا ص 103 ـ 1.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي   تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 6:38 am

    أن يضعوا اليد عليها فلم يوفوها حقها. الخرق سائد في غالب الأعمال.
    حوادث سنة 1088 ه‍ ـ 1677 م
    مسناة الأعظمية :
    كانت أقيمت ثم أتت عليها مياه الفيضان فلم تبق لها أثرا فاقتضى عمارتها مجددا فعرض الوزير الأمر على دولته والتمس أن يساعد فوافقت على المبلغ المقترح نحو سبعين أو ثمانين ألف قرش وأن يستوفى من خزانة بغداد والبصرة. فبذل الوزير أقصى جهده لعمارة هذه المسنّاة وإكمالها وإتقان صنعها فجاءت محكمة ، قوية جدا. وفي هذه المرة لم يتضرر أحد ولا قطع من أجورهم شيء ولا تأخرت. ولكن قبل أن تتم الأعمال عزل الوزير (1).
    جامع القبلانية :
    هذا الوزير أيضا تعلّق نظره بعمارة (جامع الشيخ القدوري) ومرقده (كذا) وأن يبنى مجددا فقام بذلك وعين له خطيبا وخداما فأحياه وصار زينة لسوق السرّاجين ... والآن يسمى (جامع القپلانية) وترك اسمه الأصلي فاشتهر باسم من عمّره (2). وهذا الجامع جرت عليه تعميرات عديدة. والتحقيق عنه في كتاب (المعاهد الخيرية).
    ولاية البصرة :
    ثم إن الوالي السابق حسن باشا الچلبي قد عين مرة أخرى لمحافظة البصرة فمر ببغداد وإثر ذلك عين حسين باشا الوالي السابق لمنصب ديار بكر.
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 103 ـ 2.
    (2) كلشن خلفا ص 103 ـ 2.

    زيارة وعزل :
    كان الوزير الحالي صافي القلب. له ميل عظيم إلى زيارة الأولياء. وفي شعبان ذهب لزيارة الإمام الحسين (رض) والإمام علي (رض) فقضى بضعة أيام. ثم عاد. فوقع عزله ومدة حكومته من 27 صفر سنة 1087 ه‍ إلى 3 من شهر رمضان سنة 1088 ه‍ (1).
    حوادث سنة 1089 ه‍ ـ 1678 م
    الوزير عمر باشا :
    إن هذا الوزير كان قد حاز رتبة سلحدار ثم منح منصب مصر القاهرة. وعقب ذلك ولي ديار بكر فأرزن الروم (أرضروم) ثم في هذه المرة نال منصب بغداد وشرع في أعمالها (2) ...
    الينگچرية في بغداد :
    كانت الدولة تخاف من ظلّها في بغداد وتحسب لكل حادث حسابه فساءت ادارتها بحيث صارت تشتبه من نفسها ... وهذا الوزير من حيث ولايته عرف ما يقوم به الينگچرية في بغداد وسمع الشيء الكثير كما علمت الدولة ذلك. تمكنوا أن يأتلفوا مع الأهلين في بغداد وصارت لهم قدرة على الإدارة ... فاقتضى رفع أكثر هذه الوظائف منهم وأقيم مقامهم غيرهم من الجند وأبلغ عددهم الألف. صاروا يزاولون ما عهد إليهم من أمور الوزير أو محافظة بغداد ...
    جاء الآغا الجديد ومعه أولئك وكل واحد منهم أراد أن يحصل له اعتبار وسمعة ... ومن مجرى الحالة يظهر أن الينگچرية القدماء تجمعوا
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 103 ـ 2.
    (2) كلشن خلفا ص 103 ـ 2.

    في أواسط سنة 1089 ه‍ وخرجوا عن الطاعة وفي اليوم الثالث أخرجوا الآغا وقتلوه معلنين عصيانهم.
    وفي اليوم الرابع أصدر الوالي فرمانا في نصب بعض المجربين من مقدمي هذا الصنف من قسم الچورباچية فمنح له منصب آغا.
    وفي اليوم الخامس انتهى الاضراب وانجلت الغمّة. وفي خلال الاسبوع قتلوا من قاموا بالفتن والاضطرابات وزالت الغائلة. وعلى كل حال كان النفوذ مستمرا ، وإن الحكومة لا تقدر أن تتسلط على متنفذيها كما أنها تخشى الأهلين أكثر (1).
    جاء في تاريخ الغرابي :
    «في سنة 1089 ه‍ ثارت فتنة عظيمة في بغداد ، فقتلت الينگچرية رئيسهم أحمد آغا ، وصار لهم تسلّط كلي في بلدة بغداد. وبقي إلى الآن وهي سنة 1099 ه‍ تلك الآثار. نسأل الله أن يصلح الأحوال.» اه (2).
    وهذا يدل على ما آلموه. فإنهم ثاروا مرة أخرى سنة 1100 ه‍ فقتلوا أخاه.
    قبيلة بني لام :
    وفي هذه السنة قتل أعراب بني لام آغا (الاحشامات) وألحقوا بأبناء السبيل الاضرار. فجهز الوزير عليهم أربعة آلاف أو خمسة من الخيالة وجعل كتخداه أمير الحملة. فأغار عليهم حتى أنه تجاوز حدود الحويزة وسار في أثر الاعراب المذكورين فتمكن من اللحاق بهم وأوقع
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 104 ـ 1.
    (2) تاريخ الغرابي ص 201.

    بهم ما أراد فانتقم منهم وقضى على عصيانهم فعاد منتصرا انتصارا باهرا (1) ...
    وهذه العشيرة من طيىء. تكلمنا عليها في كتاب (عشائر العراق).
    حوادث سنة 1090 ه‍ ـ 1679 م
    تبديل والي البصرة :
    في هذه المرة وجه منصب البصرة إلى الوزير حسين باشا السلحدار للمرة الأخرى. فمر ببغداد ومنها مضى إلى البصرة ثم وردها الوالي السابق حسين باشا الچلبي وتوجه لجهة الروم (2) ...
    الوزير عمر باشا ـ اعماله الخيرية :
    1 ـ تعمير جامع الإمام الأعظم. كان الوزير راغبا في الخيرات ، مائلا إلى أعمال البر ولم يغفل عن التزود للآخرة. ولذا عمّر قبة مرقد الإمام الأعظم ورمّمها وجعل الحديقة بهجة للناظر ...
    2 ـ تعمير مرقد الإمام أبي يوسف. بناه مجددا واتخذ عليه قبة ورواقا وعين له خداما وأرصد أوقافا جديدة (3).
    3 ـ المدرسة العمرية : بنى مدرسة بقرب (جامع القمرية) بوضع هندسي بديع ، اتخذ فيها غرفا وعيّن لها مدرسا ومحدّثا وطلابا. وبين وظائفهم. أرخ ذلك كاتب ديوانه (طيبي) سنة 1090 ه‍.
    أوضحت عن هذه المدرسة في المعاهد الخيرية ، وجاء في رحلة السويدي ما نصه :
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 104 ـ 1.
    (2) كلشن خلفا ص 104 ـ 1.
    (3) كلشن خلفا ص 104 ـ 1.

    «أرسلنا عمّنا إلى الشيخ حسين نوح ... لنتعلم العلم وكان شيخنا هذا يدرّس بالمدرسة العمرية نسبة إلى والي بغداد إذ ذاك عمر باشا رحمه الله وهو قد بناها لأجل شيخنا المذكور. فهو أول من درس بها التدريس العام. وهذه المدرسة على كتف دجلة في الجانب الغربي شرقي جامع قمرية بفتح القاف والميم ، ملاصقة له ...» اه.
    وأوضح أن الشيخ حسين لم يكن ابن نوح ، وإنما كان نوح عمّه ، رباه فعرف به. والشيخ حسين من أهل حديثه. وكان نوح من العلماء العاملين والنسّاك الصالحين. ومن آل نوح يحيى أفندي ابن نوح العراقي الذي سأل عبد الغني النابلسي في الدخان فأجابه في سنة 1111 ه‍ (1).
    هذا وإن الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ محمود من أهل ما وراء النهر لم يكن أول مدرس بها وإنما كان معلم كتّاب (مكتب) درس عليه الشيخ عبد الله السويدي. وبهذا تصحيح لما جاء في مساجد بغداد للأستاذ المرحوم السيد محمود شكري الآلوسي (2).
    حوادث سنة 1092 ه‍ ـ 1681 م
    سدّة الأعظمية :
    في زمن هذا الوالي أكملت (سدّة الأعظمية) فكانت محكمة لما بذله هذا الوزير من الجهود وبنى في رأس المسناة مسجدا (3) ...
    خان ازاد :
    في الجانب الغربي الخان المسمى بهذا الاسم تنزله الرواحل
    __________________
    (1) مخطوطات الموصل ص 34 ومجلة (لغة العرب) ج 7 ص 232.
    (2) تاريخ مساجد بغداد ص 134 وكلشن خلفا ص 104 ـ 1 ورحلة الشيخ عبد الله السويدي المخطوطة عندي.
    (3) كلشن خلفا ص 104 ـ 2.

    والقوافل ، ومن مدة طرأ عليه الدمار وصار مكمنا لقطاع الطرق من الاعراب. فأمر الوزير بتعميره وتحصينه وتعيين خدّام ومحافظين له لغرض راحة ابناء السبيل ، وهذا الخان لم تبق منه إلا بعض رسومه وزالت في هذه الأيام. يقع على يمين الذاهب إلى المحمودية قبل عبور قنطرة اليوسفية. والآن تكوّنت بالقرب منه قرية جديدة في جانبي النهر فيها بعض الأبنية وتتصل بها بساتين.
    ولا يبعد أن تتكامل نظرا لجميل موقعها وقربها من نهر اليوسفية (1).
    عزل الوالي :
    كانت ابتدأت ولايته في 30 شهر رمضان سنة 1088 ه‍ ودامت إلى غرة جمادى الأولى سنة 1092 ه‍ (2).
    الوزير إبراهيم باشا :
    ولي الوزارة في عنفوان الشباب. وكان (آغا الينگچرية) ثم عهد إليه بمنصب (أرزن الروم) وإثر ذلك نال منصب بغداد (3).
    حوادث سنة 1093 ه‍ ـ 1682 م
    توجيه المقاطعات :
    غيّر هذا الوزير وقت التزام المقاطعات. كانت تجري في غرة المحرم. وبسبب تداخل الشهور العربية والرومية يقع تداخل في
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 104 ـ 2.
    (2) كلشن خلفا ص 104 ـ 2.
    (3) كلشن خلفا ص 104 ـ 2.

    المحاصيل ويحدث خلل في أمور الموظفين والرعايا. فصار توجيه المقاطعات من أول أيلول هذه السنة. عرض ذلك على دولته فورد الفرمان في 1 أيلول الموافق (9 رمضان المبارك) ومن ثم جرى العمل على ذلك ودوّن في دفاتر خاصة (1).
    خاقان ما وراء النهر :
    مرّ ببغداد عبد العزيز خان خاقان ما وراء النهر (ملك أوزبك) قاصدا حج بيت الله الحرام ، وكان قد قضّى أربعين عاما في خانية ما وراء النهر. فخلع نفسه سنة 1091 ه‍. وخلفه سبحان قلي خان. ودامت حكومته إلى سنة 1114 ه‍ (2).
    وفي تاريخ الغرابي :
    «في سنة 1093 ه‍ أتى إلى بغداد سلطان الاوزبك عبد العزيز خان بعد ما خلع نفسه من السلطنة وترك أخاه سبحان قلي خان مكانه وتوجه إلى الحج. ففي أثناء الطريق وقع له مع العرب واقعة وكانت الغلبة له. فلما قضى حجه وزار النبي صلّى الله عليه وسلّم توجه في البحر قاصدا الهند ، فلما وصل إلى (مخا) حان أجله فدفن هناك وبعد أشهر نقلوه إلى المدينة المشرفة ودفنوه في البقيع عند تربة والده وجده بين قبة العباس وبين قبة عائشة (رض).» اه (3).
    مذنب هاللي :
    وفي هذه السنة ـ كما قال الغرابي ـ ظهر ما بين القبلة والمغرب جرم نوراني شبيه بالسيف. بقي أياما ثم اضمحل. وهذا هو النجم
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 104 ـ 2.
    (2) كلشن خلفا ص 104 ـ 2.
    (3) تاريخ الغرابي وكتاب دول إسلامية ص 435.

    المعروف ب (هاللي) وهو المذكور في بائية أبي تمام باسم (الكوكب الغربي ذو الذنب) (1).
    عصيان العشائر :
    هذا الوزير قضى على عصيان الداخل والخارج بقوة وتدبير ، فجعل القوي ضعيفا. وتمكن من خضد شوكة بعض العشائر العربية التي لم تكن تعرف الرضوخ والطاعة وأمن أبناء السبيل والمارة من أضرارهم وخسائرهم.
    الينگچرية أيضا :
    وفي أيامه أرسلت الدولة نحو ألف من الينگچرية ليكونوا في الخدمة فوردوا بغداد وحين وصولهم اتخذوا الارزاق ذريعة للاضطراب وتصدوا للمعركة فقاموا بأعمال غير لائقة إلا أنه طيب خواطرهم بترغيب حكيم وترهيب من جهة فسكنوا نوعا.
    وفي السنة التالية تجمهرت هذه الطائفة وتحزبت لأسباب غير مهمة فأظهرت العصيان فأدى ذلك إلى معارك استخدموا فيها البنادق والمدافع.
    وفي هذه المرة أيضا قام الوزير بأعمال حكيمة ولم يدع مجالا لتقوية العداء. فذهب كل إلى محله. وعلى كل كان الينگچرية خراب المملكة في كافة انحائها ، فلم ينجع فيهم دواء ، وعادت جميع ما قامت به الدولة من تدابير فعالة فاشلة ... ولا فرق بين القدماء منهم والحديثين.
    __________________
    (1) تاريخ الغرابي.

    اليساقجية :
    هذا الوزير أراح الناس من عائلة اليساقچية الذين طالما اضروا الأهلين برديء أعمالهم فأقصاهم وقضى على ما كانوا يقومون به من وقائع مؤلمة وأفعال شائنة (1) ...
    طربزون الجسر :
    ومن أعماله المبرورة أنه وضع طربزونا (درابزونا) للجسر كان يصعب مروره والسير عليه فأراح الناس من عناء كبير يتولد في الزحام. ويعرف ب (المحجر).
    جامع سلطان سيد علي الجلبي :
    وهذا الجامع على شاطىء دجلة لصاحب الأنوار سلطان سيد علي الچلبي فأقام قواعد هذا الجامع وعيّن له خطيبا وخدما وقرر وظائفهم ، ويسمى اليوم (جامع السيد سلطان علي) (2).
    عبد القادر البغدادي :
    عبد القادر بن عمر البغدادي نزيل القاهرة. نعته المحبّي في كتابه خلاصة الأثر بقوله
    «الأديب المصنف الرحال الباهر الطريقة في الإحاطة بالمعارف والتضلّع من الذخائر العلمية. كان فاضلا بارعا مطلعا على أقسام كلام العرب النظم والنثر ، راويا لوقائعها وحروبها وأيامها وهو أحسن المتأخرين معرفة باللغة والاشعار والحكايات البديعة مع التثبت في النقل
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 105 ـ 1.
    (2) تاريخ العراق بين احتلالين ج 2 ، وكلشن خلفا ص 105 ـ 1 ، والمعاهد الخيرية وفيه تفصيل.

    وزيادة الفضل والانتقاد الحسن ، ومناسبة ايراد كل شيء منها في موضعه مع اللطافة وقوة المذاكرة وحسن المنادمة وحفظ اللغة الفارسية والتركية واتقانهما كل الاتقان ومعرفة الاشعار الحسنة منهما وأخبار الفرس. خرج من بغداد وهو متقن لهذه اللغات الثلاث ...» اه.
    ولا أدل على مقدرته العلمية من كتابه خزانة الأدب وشواهد شرح الشافية للاستر ابادي ، وشرح (بانت سعاد) و(شرح شاهدية) وتصحيح كتاب الاهرام المسمى ب (المقصد المرام) فقد انقذه من التلف.
    ورأيت بخطه كتاب مغني اللبيب ومعه رسائل أخرى منها رسالة في التغليب وغيره. مخطوطتها في خزانة الآثار القديمة ببغداد.
    سافر إلى دمشق بعد فتح بغداد وأقام فيها سنة ثم رحل إلى مصر فوردها عام 1050 ه‍ وهناك ظهرت مواهبه ، وزاد اتقانه ، ونال الشهرة الذائعة في عودته إلى الشام ، وذهابه إلى بلاد الروم ، ثم رجوعه إلى مصر وهكذا حتى توفي بمصر سنة 1093 ه‍ وكانت ولادته ببغداد سنة 1030 ه‍.
    كان زينة هذا العصر ، ودرة تاج العلم في بغداد. وأمثاله فيها كثيرون إلا أن الشهرة لا تكون إلا نصيب البعض. اشتهر غيره مثل مدلج المفتي ببغداد.
    وترجمته حافلة بالمطالب العلمية الغزيرة ، فصلنا القول فيه في التاريخ الأدبي. وكان مثال الجد والنشاط ، والمثابرة ...
    كانت بغداد بسبب الغوائل ضيقة على أمثاله ممن يريد التزود من الثقافة والظهور أو الانقطاع إلى العلم فرأى الضرورة ملحة لهجرته وترك وطنه ... ولم يكن القطر بعد ذهابه مستريحا بل انتابته الحوادث من كل صوب ... ذلك ما دعا أن يعيش خارجه إلى أن وافاه أجله.

    حوادث سنة 1094 ه‍ ـ 1682 م
    جامع السراي :
    جدد الوزير عمارة هذا الجامع وأحكم بناءه. أرخ ذلك (يحيى دده) شيخ المولوية فكان سنة 1094 ه‍. مر ذكره باسم الجامع السليماني. وتغلب عليه (جامع السراي) ، وجامع (جديد حسن باشا) (1).
    والي البصرة :
    في هذه الأيام عهد إلى الوزير عبد الرحمن باشا المعروف بعبدي باشا بمنصب البصرة ، مر ببغداد ثم وافى واليها السابق حسين باشا السلحدار فذهب إلى بلاد الروم ...
    كان هذا الوزير في البلاط. اجتاز مراتب عديدة فحصل على رتبة الوزارة في صفر سنة 1080 ه‍ ومنح منصب توقيعي ثم إنه في المحرم سنة 1089 ه‍ ولي القائم مقامية في السدة الملكية. وفي شهر رمضان سنة 1093 ه‍ عيّن واليا إلى البصرة وفي سنة 1098 ه‍ عزل عنها ...
    ومن طبعه الشعر ، فائض المعرفة ، وكان مجلسه غاصا بالعلماء والفضلاء والشعراء والظرفاء ولهؤلاء جميعا منزلة معتبرة لديه ، وكلامه طيب لطيف ، طاهر القول ، وله رغبة خاصة بالشعراء ، وبأصحاب العرفان ، وله ذهن وقّاد ، وشعر رقيق (2) ...
    __________________
    (1) تاريخ العراق بين احتلالين ج 4.
    (2) تذكرة سالم ص 469.

    حوادث سنة 1095 ه‍ ـ 1684 م
    تبدلات في الإدارة :
    1 ـ ايالة الموصل كانت للامير دلي محمد باشا فعزل (1). وولي الموصل علي باشا الشهير بقدوم صاحب الايوان بالموصل وتوفي في البر عند الشيخ محمد الغزلاني (2).
    2 ـ وجهت ايالة شهر زور إلى حسين بك عمر زاده. وكانت هذه التبدلات في غرة المحرم (3).
    عزل الوزير :
    في غرة شوال عزل الوالي. دعي بما لديه من جيش الحرس بعدته الكاملة ... وكانت ابتدأت ايالته في غرة جمادى الاولى سنة 1092 ه‍.
    حكومة الوزير عمر باشا الثانية :
    عهد إليه بولاية بغداد للمرة الثانية فوردها في غرة شوال بسط فيها بساط الأمن وصان أهليها. وفي أيامه لم يحدث ما يكدر الخواطر من فتن. وفي تاريخ السلحدار نعته ب (أوكوز عمر باشا) (4).
    حوادث سنة 1097 ه‍ ـ 1685 م
    تبدلات ادارية :
    1 ـ ولي ايالة شهرزور حسين باشا ابن القاضي. عزل من ولاية قسطموني.
    __________________
    (1) تاريخ السلحدار ج 2 ص 125.
    (2) عمدة البيان.
    (3) تاريخ السلحدار ج 2 ص 125.
    (4) تاريخ السلحدار ج 2 ص 267 وأوكوز بمعنى (الثور) ، واللفظة تركية.

    2 ـ ولي الموصل عرب علي باشا. وكانت هذه التبدلات في 17 جمادى الأولى (1). واعتقد أنه المذكور في السنة السابقة وهو (ربيعي).
    حوادث سنة 1098 ه‍ ـ 1686 م
    ولاية البصرة :
    عهد في هذه السنة بولاية البصرة إلى حسين باشا الكمركچي فنصب خيامه في بغداد لبضعة أيام ثم توجه نحو منصبه. ثم ورد والي البصرة السابق الوزير عبد الرحمن باشا (عبدي باشا) صاحب السيف والقلم وضرب خيامه في جانب الكرخ ، فاستولى الرعب على الأهلين في البصرة من واليهم الجديد لما سمعوه عنه من أنه صعب المراس ، لا يقبل معذرة فأصابهم الخوف منه. ولكن هذا الوالي لم يبق إلا قليلا فوافاه الأجل. أما والي البصرة السابق فإنه قضى أيام حكومته بما يستدعي راحة الأهلين كما أنه أمن العدل ... وكان في حد ذاته عالما ، فاضلا ، ضليعا في الشريعة الغراء فهو كامل من كل وجه ، وفي هذه المرة عاد الوزير المشار إليه إلى البصرة ثانية بناء على التماس من أهل البصرة وبغداد من السلطان وباستشفاع وزير بغداد عمر باشا فعهد إليه بمنصب البصرة سنة 1098 ه‍ (2). ثم عزل عن هذا المنصب في المحرم من سنة 1100 ه‍. فحصل ولايات أخرى وتوفي في شهر رجب سنة 1103 ه‍ وهو في محافظة سافر (3) ... ونعته في تاريخ السلحدار (بالشاعر) وأنه وجه إليه منصب البصرة سنة 1099 ه‍.
    __________________
    (1) تاريخ السلحدار ج 2 ص 237.
    (2) في تذكرة سالم سنة 1099 ه‍ وهذه طبعت في مطبعة اقدام باستنبول ، وكان مؤلفها قاضي العسكر.
    (3) كلشن خلفا ص 105 ـ 2 وتذكرة سالم.

    جامع الوزير :
    في هذا التاريخ عمّر (أحمد آغا الكتخدا) أي (الكهية) الجانب الغربي من جامع حسن باشا الچلبي لخلوه من البناء. بنى قبّة عالية ، ووسع في الجامع. وهذا هو (جامع الوزير) (1).
    عزل الوزير :
    ابتدأ حكمه في غرة شوال سنة 1095 ه‍ وامتد إلى 3 ذي القعدة سنة 1098 ه‍ فعزل.
    الوزير أحمد باشا البوشناق :
    هذا الوزير يعرف بأحمد باشا الكتخدا. كان كتخدا قرا محمد باشا فلازمه الوصف. وعرف في بغداد ب (أحمد باشا البوشناق) نال الوزارة سنة 1095 ه‍ وبعد أن تقلب في مناصب عديدة صار واليا في حلب في المحرم سنة 1097 ه‍. وعهد إليه منصب بغداد في 8 ذي القعدة سنة 1098 ه‍. وهذا سعى جهده في ضبط الإدارة خارجا وداخلا بصورة لا تقبل القياس مع من تقدمه. فكانت له السلطة على الرعايا وعلى الجيوش بترهيب أو ترغيب فانقاد له الكل. وسعى سعيا بليغا في تدقيق الحسابات والدفاتر ...
    كان لا يؤخر المؤاخذة ، ولا يتهاون في الإدارة بل يعجل في العقاب أو العتاب فكان الموظفون في شغل منه. لم يروا راحة في زمنه إلا أنهم كانوا في استقامة حذرا من بطشه فلازموا الحق والاتقان في أعمالهم. يتوقون من التساهل فكان للاهتمام بشؤونهم وتفحص أمورهم غاية حميدة سواء في كليات الأمور أو في جزئياتها (2) ...
    __________________
    (1) تاريخ العراق بين احتلالين ج 4 ، وكلشن خلفا ص 105 ـ 2 والمعاهد الخيرية وفيها سعة وبسط.
    (2) كلشن خلفا ص 105 ـ 2.

    حوادث سنة 1099 ه‍ ـ 1687 م
    ولاية الموصل :
    في هذه السنة عهد بولاية الموصل إلى الوزير أحمد باشا السهرابي (1).
    حراسة القطر :
    كان الوزير مشغولا في حراسة الثغور وقام بتعمير أبراج بغداد وتوابيها. وبتجديد برج الچاوش فأتمه في هذه السنة ثم إنه أقام برج الصابوني. فكان أثره خالدا وقويا.
    جامع احمد باشا البوشناق :
    بناه سنة 1099 ه‍ ، وخصص في وقفه للمدرس عشر أقچات يوميا. وجاء في وقفية الغرابي أن من شهوده طه الواعظ في جامع أحمد باشا البوشناق. ثم توقف التدريس من هذا الجامع لقلة وارده. ثم أعيد إليه في سنة 1327 ه‍. وجرت تحولات وتعميرات على هذا الجامع أوضحنا عنها في كتاب (المعاهد الخيرية). ولعل هذا الجامع قد خرب ، فتغلب عليه اسم المحلة (محلة حمام المالح) فصار يقال له (جامع حمام المالح).
    جامع محمد الفضل :
    ومن مآثره الخيرية تعمير جامع محمد الفضل بجوار مرقده ، ورتب له قواما وخداما. والأستاذ المرحوم السيد محمود شكري الآلوسي عدّه من الجوامع القديمة كما أن صاحب گلشن خلفا لم يتعرض له (2).
    __________________
    (1) تاريخ السلحدار ج 2 ص 350.
    (2) تاريخ العراق بين احتلالين ج 2.

    عزل الوزير :
    وبينا هو مهتم في تعمير الابراج والتوابي في بغداد إذ ورد خبر عزله. فكان ابتداء حكمه في 3 ذي القعدة سنة 1098 ه‍ وانفصاله في 14 ذي القعدة سنة 1099 ه‍. ثم صار مفتش الاناضول. وتوفي في رجب سنة 1102 ه‍ (1).
    الوزير عمر باشا :
    هذه المرة الثالثة من ولايته ببغداد.
    حوادث سنة 1100 ه‍ ـ 1688 م
    خان بني سعد :
    وفي أيامه كان الطريق بين بغداد وقرية بهرز صحراء واسعة. فبنى خانا محكما ، قويا فأتمه وأنقذ الناس من قطاع الطرق. أتمه في هذه السنة وهذا الخان هو المسمى (بخان بني سعد) في منتصف الطريق. وكان يسمى طريق بعقوبة القديم بطريق بهرز ويمر من الباب الوسطاني ... والعوام يقولون (خان النص). وخان بني سعد وهو اليوم مركز ناحية بهذا الاسم من (قضاء الخالص). ولا يزال الخان قائما (2).
    جامع الشيخ معروف :
    كان كتخدا الوزير (أحمد آغا) رأى أن جدران جامع الشيخ معروف الكرخي متداعية بسبب مرور الأيام عليها. وأن مصلاه يضيق بالناس نظرا لصغره فأقامه من جديد ووسّعه فكان عمله هذا مبرورا.
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 106 ـ 1 وسجل عثماني ج 1 ص 226.
    (2) كلشن خلفا ص 106 ـ 2.

    ومما يؤثر عن هذا الكتخدا أنه لم يكتب له تاريخا جديدا في عمارته. وإنما أبقى التاريخ الأول لغرض أن لا ينسى العمل الصالح والذكر الجميل لمن سلف. وهذه مأثرة أخرى فلم يكن غرضه الفخر والمباهاة (1).
    قتلة محمود الغرابي :
    قال الغرابي في تاريخه :
    «في هذه السنة شغب الجند المعروفون بالينگچرية في بغداد فقتلوا أخي وشقيقي الفاضل محمودا الناصح بجامع الإمام الأعظم أبي حنيفة يوم الثلاثاء 13 صفر. وذلك بإغراء بعض أكابرهم فعاجل الله اولئك الخبثاء فأتى حكم من الدولة العلية فقتل منهم ثلاثة والله ينتقم من الجميع ...» اه.
    وجاء في گلشن خلفا أنه في هذه الأيام قلّت الأمطار ونضب ماء دجلة والفرات مما دعا الناس أن يتخوفوا من الغلاء بالرغم من أن الأطعمة متوفرة. وفي 13 صفر حدث القيل والقال فاتخذ أرباب الزيغ ذلك وسيلة إلى الشغب بتحريض الجهال. اتهموا (محمودا آل غراب) بالاحتكار ، وكان من العلماء فقتل مظلوما بأيدي العوام. وهذه الفتنة زاد لهيبها وتطاير شررها وقد مضت نحو عشرة أشهر ولم تنطفىء فكانت خاتمتها أن قتل ثلاثة من رجال الچورباچية صلبا. ثم ماتت الاضطرابات وبطلت الاراجيف (2).
    آل الغرابي :
    ذكرتهم في كتاب المعاهد الخيرية عند الكلام على (مدرسة آل الغرابي).
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 106 ـ 2 والمعاهد الخيرية.
    (2) كلشن خلفا ص 106 ـ 2.

    سفير ايران لتأكيد الصلح :
    وفي أواخر السنة ورد من ايران سفير مرّ ببغداد ذاهبا إلى استنبول لتأكيد قواعد الصلح بين الدولتين بمناسبة جلوس السلطان سليمان.
    ولاية البصرة :
    ولي الوزير حسين باشا الدفتري. وفي ابتداء هذه السنة مرّ ببغداد وذهب إلى البصرة. وأما الوزير السابق عبد الرحمن باشا (عبدي باشا) فإنه جاء إلى بغداد في أواسط هذه السنة. ضرب خيامه في الجانب الغربي منها. وحينئذ وافاه الادباء وكان له في الغزل قصيدة غراء. وممن بارى هذه القصيدة مرتضى آل نظمي كان نظمها باللغة التركية. احتفل به وبقي في بغداد شهرا واحدا ثم ذهب إلى بلاد الروم. توفي في شهر رجب من سنة 1103 ه‍ في ساقز.
    الوزير في بغداد :
    وفي ذي القعدة ورد الفرمان بإقرار الوالي عمر باشا في وزارته وأودعت إليه إدارة الحدود والثغور فكرّم أرباب المناصب بخلع فاخرة ... وكثيرا ما يجري ذلك في المناصب الكبيرة أيام التبدل في السلطنة.
    الغلاء في الموصل :
    كان بدأ سنة 1099 ه‍ ، واشتد في هذه السنة. ويعرف بالغلاء الكبير (1).
    __________________
    (1) عمدة البيان.

    مرتضى آل نظمي ـ كلشن خلفا :
    وفي أواخر هذه السنة ذهب إلى الحج من طريق العراق وكان ختم كتابه (كلشن خلفا) فكان خير تحفة قدمها للعراق. ثم زاد في وقائعه بعد عودته. تداولته الأيدي قبل أن يضاف إليه شيء وقد رأيت نسخة مخطوطة منه في (فينة) في المكتبة الأهلية كتبت سنة 1116 ه‍ وفيها اضافات ... ونسخه المخطوطة في بغداد قليلة تكاد تكون مفقودة بل المطبوع منه عزيز جدا. ذكر في تذكرة سالم أنه وقف عند هذه السنة. عندي نسخة قديمة كاملة وكذا عند الأستاذ يعقوب سركيس ، وفي استنبول نسخ عديدة مخطوطة منه.
    حوادث سنة 1101 ه‍ ـ 1689 م
    الوزير حسن باشا :
    هذا الوزير بدأ حكمه ببغداد في 25 ربيع الأول. ورد متسلّمه ومضت عليه أربعة أشهر ثم وافى. وهو كاسمه حسن موصوف بالحلم وصاحب قلم سيال. وفي أيام شبابه عاش بالبلاط ثم حصل على منصب المحاسبة في الحرمين الشريفين ، وبعدها صار كتخدا الحرم السلطاني. ثم ولي مصر القاهرة. وتقلد مناصب ، ولما ولي الصدارة مصطفى باشا الكوبريلي أنعم عليه السلطان بمنصب بغداد ومن حين وروده أبدى الرأفة بالأهلين وأزال بعض المظالم في الضرائب ...
    قحط وطاعون :
    في هذه السنة والتي قبلها حدث قحط في بغداد. استولى الجوع على الأهلين من كرد وعرب وأمضّ بأنحاء الموصل وديار الكرد فنزح الكثيرون إلى بغداد وصاروا يلحّون في طلب الأكل ، وإن اغنياء بغداد لم يقصروا في اطعام الطعام وإعالة الفقراء وإيواء من بقي بلا مأوى ولا مأكل ...

    ومن جراء هذا القحط ونزوح الناس استولت الأمراض وبدأ الطاعون. ويسمى ب (أبي طبر) صار يفتك فتكا ذريعا فعادت بغداد مأتما. وفي خلال ثلاثة أشهر أو أربعة دمّر المرض أكثر من مائة ألف نسمة جاء الوزير في أواخر هذه المصائب ...
    وفي غرة شوال زال هذا البلاء وظهرت بشائر الصحة ...
    وجاء في تاريخ الغرابي :
    «قل الغيث وغارت الشطوط وغلت الاسعار. وازداد الغلاء في بغداد ، ودام إلى شهر رمضان ، ووقع أيضا طاعون تفتتت منه الأكباد ، ومات به خلق كثير وأول ما ظهر في مندلي (بندنيج) (1) ، ثم أتى إلى بغداد في جمادى الآخرة ، وكثر في شعبان وانقطع في شوال.» اه.
    الحج :
    في هذه السنة سار الحاج من بغداد وأميرهم حسين آغا بن عبدال رئيس العرفاء ببغداد. فلما وصلوا إلى تنومة أول قرية من قرى نجد للذاهب من البصرة نهبهم الأعراب. وأخذوا منهم أموالا كثيرة ، ثم قفل أكثرهم راجعين وبعضهم ذهب إلى البصرة. وشرذمة سارت إلى المدينة.
    زلزال :
    اهتزت الأرض في هذه السنة ببغداد هزة خفيفة وقت الفجر.
    __________________
    (1) تسمى اليوم مندلي ومندلجين محرفا عن بندنيجين معرب بندنيك أي الربط الحسن كناية عن الحد الذي حدّ بين الروم والعجم. قال ذلك السيد عيسى صفاء الدين البندنيجي في رسالته على الأجوبة اللاهورية. وهذا غير صحيح فقد عرفت قبل ظهور دولتي العجم والروم كانت من أيام العباسيين والمغول. وهي اليوم قضاء من أقضية لواء ديالى. وذكرت في غاية المرام في محاسن بغداد مدينة السلام أنها مدينة معمورة في جهة النهروان من ناحية الجبل من أعمال بغداد.

    الشيخ إبراهيم الكوراني :
    توفي في هذه السنة الشيخ إبراهيم الكردي الگوراني في المدينة. أصله من الكرد. وبأرضهم نشأ وحصل على العلوم العقلية والأدبية. ثم قدم بغداد ، ودرس بها سنة أو سنتين ثم سافر إلى الشام ومنها إلى مصر ، فالمدينة المنورة فأقام بها مكبا على الاشتغال بالفقه والحديث والتصوف واشتهرت فضيلته ، فقصده الناس من الآفاق ... ومن مؤلفاته قصد السبيل في توحيد الحق الوكيل في العقائد (1) ...
    آل بابان وتغلبهم :
    ثار في هذه الأيام مير سليمان ومير حسن من أمراء لواء (ببه) من الأكراد. اكتسحوا قلعة (شهرزور) وتجاوزوا على الرعايا. أظهروا تغلبهم ، فاشتعلت نيران الحرب بينهم وبين متصرف ايالة كركوك دلاور باشا واشتد النزاع فأدى الخصام إلى قتل الباشا في المعركة.
    حوادث سنة 1102 ه‍ ـ 1690 م
    بقية حوادث بابان :
    وصل في أواخر السنة الماضية الخبر إلى الوزير بما وقع في بابان وقتل متصرف كركوك فعيّن لها متسلما في أوائل هذه السنة وأنذر مير سليمان بكتاب محتو على أنواع الترغيب والترهيب. وكان كتب بقلم صاحب گلشن خلفا. أوضحت ذلك في كتاب (شهرزور ـ السليمانية).
    منصب كركوك ـ بابان :
    عهد بمنصب كركوك إلى حسين باشا. وهذا أمدّته الدولة بمقدار
    __________________
    (1) تاريخ الغرابي ص 204 ـ 1. ذكرته في كتاب (العقيدة الإسلامية في العراق).

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي   تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 6:39 am

    أن يضعوا اليد عليها فلم يوفوها حقها. الخرق سائد في غالب الأعمال.
    حوادث سنة 1088 ه‍ ـ 1677 م
    مسناة الأعظمية :
    كانت أقيمت ثم أتت عليها مياه الفيضان فلم تبق لها أثرا فاقتضى عمارتها مجددا فعرض الوزير الأمر على دولته والتمس أن يساعد فوافقت على المبلغ المقترح نحو سبعين أو ثمانين ألف قرش وأن يستوفى من خزانة بغداد والبصرة. فبذل الوزير أقصى جهده لعمارة هذه المسنّاة وإكمالها وإتقان صنعها فجاءت محكمة ، قوية جدا. وفي هذه المرة لم يتضرر أحد ولا قطع من أجورهم شيء ولا تأخرت. ولكن قبل أن تتم الأعمال عزل الوزير (1).
    جامع القبلانية :
    هذا الوزير أيضا تعلّق نظره بعمارة (جامع الشيخ القدوري) ومرقده (كذا) وأن يبنى مجددا فقام بذلك وعين له خطيبا وخداما فأحياه وصار زينة لسوق السرّاجين ... والآن يسمى (جامع القپلانية) وترك اسمه الأصلي فاشتهر باسم من عمّره (2). وهذا الجامع جرت عليه تعميرات عديدة. والتحقيق عنه في كتاب (المعاهد الخيرية).
    ولاية البصرة :
    ثم إن الوالي السابق حسن باشا الچلبي قد عين مرة أخرى لمحافظة البصرة فمر ببغداد وإثر ذلك عين حسين باشا الوالي السابق لمنصب ديار بكر.
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 103 ـ 2.
    (2) كلشن خلفا ص 103 ـ 2.

    زيارة وعزل :
    كان الوزير الحالي صافي القلب. له ميل عظيم إلى زيارة الأولياء. وفي شعبان ذهب لزيارة الإمام الحسين (رض) والإمام علي (رض) فقضى بضعة أيام. ثم عاد. فوقع عزله ومدة حكومته من 27 صفر سنة 1087 ه‍ إلى 3 من شهر رمضان سنة 1088 ه‍ (1).
    حوادث سنة 1089 ه‍ ـ 1678 م
    الوزير عمر باشا :
    إن هذا الوزير كان قد حاز رتبة سلحدار ثم منح منصب مصر القاهرة. وعقب ذلك ولي ديار بكر فأرزن الروم (أرضروم) ثم في هذه المرة نال منصب بغداد وشرع في أعمالها (2) ...
    الينگچرية في بغداد :
    كانت الدولة تخاف من ظلّها في بغداد وتحسب لكل حادث حسابه فساءت ادارتها بحيث صارت تشتبه من نفسها ... وهذا الوزير من حيث ولايته عرف ما يقوم به الينگچرية في بغداد وسمع الشيء الكثير كما علمت الدولة ذلك. تمكنوا أن يأتلفوا مع الأهلين في بغداد وصارت لهم قدرة على الإدارة ... فاقتضى رفع أكثر هذه الوظائف منهم وأقيم مقامهم غيرهم من الجند وأبلغ عددهم الألف. صاروا يزاولون ما عهد إليهم من أمور الوزير أو محافظة بغداد ...
    جاء الآغا الجديد ومعه أولئك وكل واحد منهم أراد أن يحصل له اعتبار وسمعة ... ومن مجرى الحالة يظهر أن الينگچرية القدماء تجمعوا
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 103 ـ 2.
    (2) كلشن خلفا ص 103 ـ 2.

    في أواسط سنة 1089 ه‍ وخرجوا عن الطاعة وفي اليوم الثالث أخرجوا الآغا وقتلوه معلنين عصيانهم.
    وفي اليوم الرابع أصدر الوالي فرمانا في نصب بعض المجربين من مقدمي هذا الصنف من قسم الچورباچية فمنح له منصب آغا.
    وفي اليوم الخامس انتهى الاضراب وانجلت الغمّة. وفي خلال الاسبوع قتلوا من قاموا بالفتن والاضطرابات وزالت الغائلة. وعلى كل حال كان النفوذ مستمرا ، وإن الحكومة لا تقدر أن تتسلط على متنفذيها كما أنها تخشى الأهلين أكثر (1).
    جاء في تاريخ الغرابي :
    «في سنة 1089 ه‍ ثارت فتنة عظيمة في بغداد ، فقتلت الينگچرية رئيسهم أحمد آغا ، وصار لهم تسلّط كلي في بلدة بغداد. وبقي إلى الآن وهي سنة 1099 ه‍ تلك الآثار. نسأل الله أن يصلح الأحوال.» اه (2).
    وهذا يدل على ما آلموه. فإنهم ثاروا مرة أخرى سنة 1100 ه‍ فقتلوا أخاه.
    قبيلة بني لام :
    وفي هذه السنة قتل أعراب بني لام آغا (الاحشامات) وألحقوا بأبناء السبيل الاضرار. فجهز الوزير عليهم أربعة آلاف أو خمسة من الخيالة وجعل كتخداه أمير الحملة. فأغار عليهم حتى أنه تجاوز حدود الحويزة وسار في أثر الاعراب المذكورين فتمكن من اللحاق بهم وأوقع
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 104 ـ 1.
    (2) تاريخ الغرابي ص 201.

    بهم ما أراد فانتقم منهم وقضى على عصيانهم فعاد منتصرا انتصارا باهرا (1) ...
    وهذه العشيرة من طيىء. تكلمنا عليها في كتاب (عشائر العراق).
    حوادث سنة 1090 ه‍ ـ 1679 م
    تبديل والي البصرة :
    في هذه المرة وجه منصب البصرة إلى الوزير حسين باشا السلحدار للمرة الأخرى. فمر ببغداد ومنها مضى إلى البصرة ثم وردها الوالي السابق حسين باشا الچلبي وتوجه لجهة الروم (2) ...
    الوزير عمر باشا ـ اعماله الخيرية :
    1 ـ تعمير جامع الإمام الأعظم. كان الوزير راغبا في الخيرات ، مائلا إلى أعمال البر ولم يغفل عن التزود للآخرة. ولذا عمّر قبة مرقد الإمام الأعظم ورمّمها وجعل الحديقة بهجة للناظر ...
    2 ـ تعمير مرقد الإمام أبي يوسف. بناه مجددا واتخذ عليه قبة ورواقا وعين له خداما وأرصد أوقافا جديدة (3).
    3 ـ المدرسة العمرية : بنى مدرسة بقرب (جامع القمرية) بوضع هندسي بديع ، اتخذ فيها غرفا وعيّن لها مدرسا ومحدّثا وطلابا. وبين وظائفهم. أرخ ذلك كاتب ديوانه (طيبي) سنة 1090 ه‍.
    أوضحت عن هذه المدرسة في المعاهد الخيرية ، وجاء في رحلة السويدي ما نصه :
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 104 ـ 1.
    (2) كلشن خلفا ص 104 ـ 1.
    (3) كلشن خلفا ص 104 ـ 1.

    «أرسلنا عمّنا إلى الشيخ حسين نوح ... لنتعلم العلم وكان شيخنا هذا يدرّس بالمدرسة العمرية نسبة إلى والي بغداد إذ ذاك عمر باشا رحمه الله وهو قد بناها لأجل شيخنا المذكور. فهو أول من درس بها التدريس العام. وهذه المدرسة على كتف دجلة في الجانب الغربي شرقي جامع قمرية بفتح القاف والميم ، ملاصقة له ...» اه.
    وأوضح أن الشيخ حسين لم يكن ابن نوح ، وإنما كان نوح عمّه ، رباه فعرف به. والشيخ حسين من أهل حديثه. وكان نوح من العلماء العاملين والنسّاك الصالحين. ومن آل نوح يحيى أفندي ابن نوح العراقي الذي سأل عبد الغني النابلسي في الدخان فأجابه في سنة 1111 ه‍ (1).
    هذا وإن الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ محمود من أهل ما وراء النهر لم يكن أول مدرس بها وإنما كان معلم كتّاب (مكتب) درس عليه الشيخ عبد الله السويدي. وبهذا تصحيح لما جاء في مساجد بغداد للأستاذ المرحوم السيد محمود شكري الآلوسي (2).
    حوادث سنة 1092 ه‍ ـ 1681 م
    سدّة الأعظمية :
    في زمن هذا الوالي أكملت (سدّة الأعظمية) فكانت محكمة لما بذله هذا الوزير من الجهود وبنى في رأس المسناة مسجدا (3) ...
    خان ازاد :
    في الجانب الغربي الخان المسمى بهذا الاسم تنزله الرواحل
    __________________
    (1) مخطوطات الموصل ص 34 ومجلة (لغة العرب) ج 7 ص 232.
    (2) تاريخ مساجد بغداد ص 134 وكلشن خلفا ص 104 ـ 1 ورحلة الشيخ عبد الله السويدي المخطوطة عندي.
    (3) كلشن خلفا ص 104 ـ 2.

    والقوافل ، ومن مدة طرأ عليه الدمار وصار مكمنا لقطاع الطرق من الاعراب. فأمر الوزير بتعميره وتحصينه وتعيين خدّام ومحافظين له لغرض راحة ابناء السبيل ، وهذا الخان لم تبق منه إلا بعض رسومه وزالت في هذه الأيام. يقع على يمين الذاهب إلى المحمودية قبل عبور قنطرة اليوسفية. والآن تكوّنت بالقرب منه قرية جديدة في جانبي النهر فيها بعض الأبنية وتتصل بها بساتين.
    ولا يبعد أن تتكامل نظرا لجميل موقعها وقربها من نهر اليوسفية (1).
    عزل الوالي :
    كانت ابتدأت ولايته في 30 شهر رمضان سنة 1088 ه‍ ودامت إلى غرة جمادى الأولى سنة 1092 ه‍ (2).
    الوزير إبراهيم باشا :
    ولي الوزارة في عنفوان الشباب. وكان (آغا الينگچرية) ثم عهد إليه بمنصب (أرزن الروم) وإثر ذلك نال منصب بغداد (3).
    حوادث سنة 1093 ه‍ ـ 1682 م
    توجيه المقاطعات :
    غيّر هذا الوزير وقت التزام المقاطعات. كانت تجري في غرة المحرم. وبسبب تداخل الشهور العربية والرومية يقع تداخل في
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 104 ـ 2.
    (2) كلشن خلفا ص 104 ـ 2.
    (3) كلشن خلفا ص 104 ـ 2.

    المحاصيل ويحدث خلل في أمور الموظفين والرعايا. فصار توجيه المقاطعات من أول أيلول هذه السنة. عرض ذلك على دولته فورد الفرمان في 1 أيلول الموافق (9 رمضان المبارك) ومن ثم جرى العمل على ذلك ودوّن في دفاتر خاصة (1).
    خاقان ما وراء النهر :
    مرّ ببغداد عبد العزيز خان خاقان ما وراء النهر (ملك أوزبك) قاصدا حج بيت الله الحرام ، وكان قد قضّى أربعين عاما في خانية ما وراء النهر. فخلع نفسه سنة 1091 ه‍. وخلفه سبحان قلي خان. ودامت حكومته إلى سنة 1114 ه‍ (2).
    وفي تاريخ الغرابي :
    «في سنة 1093 ه‍ أتى إلى بغداد سلطان الاوزبك عبد العزيز خان بعد ما خلع نفسه من السلطنة وترك أخاه سبحان قلي خان مكانه وتوجه إلى الحج. ففي أثناء الطريق وقع له مع العرب واقعة وكانت الغلبة له. فلما قضى حجه وزار النبي صلّى الله عليه وسلّم توجه في البحر قاصدا الهند ، فلما وصل إلى (مخا) حان أجله فدفن هناك وبعد أشهر نقلوه إلى المدينة المشرفة ودفنوه في البقيع عند تربة والده وجده بين قبة العباس وبين قبة عائشة (رض).» اه (3).
    مذنب هاللي :
    وفي هذه السنة ـ كما قال الغرابي ـ ظهر ما بين القبلة والمغرب جرم نوراني شبيه بالسيف. بقي أياما ثم اضمحل. وهذا هو النجم
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 104 ـ 2.
    (2) كلشن خلفا ص 104 ـ 2.
    (3) تاريخ الغرابي وكتاب دول إسلامية ص 435.

    المعروف ب (هاللي) وهو المذكور في بائية أبي تمام باسم (الكوكب الغربي ذو الذنب) (1).
    عصيان العشائر :
    هذا الوزير قضى على عصيان الداخل والخارج بقوة وتدبير ، فجعل القوي ضعيفا. وتمكن من خضد شوكة بعض العشائر العربية التي لم تكن تعرف الرضوخ والطاعة وأمن أبناء السبيل والمارة من أضرارهم وخسائرهم.
    الينگچرية أيضا :
    وفي أيامه أرسلت الدولة نحو ألف من الينگچرية ليكونوا في الخدمة فوردوا بغداد وحين وصولهم اتخذوا الارزاق ذريعة للاضطراب وتصدوا للمعركة فقاموا بأعمال غير لائقة إلا أنه طيب خواطرهم بترغيب حكيم وترهيب من جهة فسكنوا نوعا.
    وفي السنة التالية تجمهرت هذه الطائفة وتحزبت لأسباب غير مهمة فأظهرت العصيان فأدى ذلك إلى معارك استخدموا فيها البنادق والمدافع.
    وفي هذه المرة أيضا قام الوزير بأعمال حكيمة ولم يدع مجالا لتقوية العداء. فذهب كل إلى محله. وعلى كل كان الينگچرية خراب المملكة في كافة انحائها ، فلم ينجع فيهم دواء ، وعادت جميع ما قامت به الدولة من تدابير فعالة فاشلة ... ولا فرق بين القدماء منهم والحديثين.
    __________________
    (1) تاريخ الغرابي.

    اليساقجية :
    هذا الوزير أراح الناس من عائلة اليساقچية الذين طالما اضروا الأهلين برديء أعمالهم فأقصاهم وقضى على ما كانوا يقومون به من وقائع مؤلمة وأفعال شائنة (1) ...
    طربزون الجسر :
    ومن أعماله المبرورة أنه وضع طربزونا (درابزونا) للجسر كان يصعب مروره والسير عليه فأراح الناس من عناء كبير يتولد في الزحام. ويعرف ب (المحجر).
    جامع سلطان سيد علي الجلبي :
    وهذا الجامع على شاطىء دجلة لصاحب الأنوار سلطان سيد علي الچلبي فأقام قواعد هذا الجامع وعيّن له خطيبا وخدما وقرر وظائفهم ، ويسمى اليوم (جامع السيد سلطان علي) (2).
    عبد القادر البغدادي :
    عبد القادر بن عمر البغدادي نزيل القاهرة. نعته المحبّي في كتابه خلاصة الأثر بقوله
    «الأديب المصنف الرحال الباهر الطريقة في الإحاطة بالمعارف والتضلّع من الذخائر العلمية. كان فاضلا بارعا مطلعا على أقسام كلام العرب النظم والنثر ، راويا لوقائعها وحروبها وأيامها وهو أحسن المتأخرين معرفة باللغة والاشعار والحكايات البديعة مع التثبت في النقل
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 105 ـ 1.
    (2) تاريخ العراق بين احتلالين ج 2 ، وكلشن خلفا ص 105 ـ 1 ، والمعاهد الخيرية وفيه تفصيل.

    وزيادة الفضل والانتقاد الحسن ، ومناسبة ايراد كل شيء منها في موضعه مع اللطافة وقوة المذاكرة وحسن المنادمة وحفظ اللغة الفارسية والتركية واتقانهما كل الاتقان ومعرفة الاشعار الحسنة منهما وأخبار الفرس. خرج من بغداد وهو متقن لهذه اللغات الثلاث ...» اه.
    ولا أدل على مقدرته العلمية من كتابه خزانة الأدب وشواهد شرح الشافية للاستر ابادي ، وشرح (بانت سعاد) و(شرح شاهدية) وتصحيح كتاب الاهرام المسمى ب (المقصد المرام) فقد انقذه من التلف.
    ورأيت بخطه كتاب مغني اللبيب ومعه رسائل أخرى منها رسالة في التغليب وغيره. مخطوطتها في خزانة الآثار القديمة ببغداد.
    سافر إلى دمشق بعد فتح بغداد وأقام فيها سنة ثم رحل إلى مصر فوردها عام 1050 ه‍ وهناك ظهرت مواهبه ، وزاد اتقانه ، ونال الشهرة الذائعة في عودته إلى الشام ، وذهابه إلى بلاد الروم ، ثم رجوعه إلى مصر وهكذا حتى توفي بمصر سنة 1093 ه‍ وكانت ولادته ببغداد سنة 1030 ه‍.
    كان زينة هذا العصر ، ودرة تاج العلم في بغداد. وأمثاله فيها كثيرون إلا أن الشهرة لا تكون إلا نصيب البعض. اشتهر غيره مثل مدلج المفتي ببغداد.
    وترجمته حافلة بالمطالب العلمية الغزيرة ، فصلنا القول فيه في التاريخ الأدبي. وكان مثال الجد والنشاط ، والمثابرة ...
    كانت بغداد بسبب الغوائل ضيقة على أمثاله ممن يريد التزود من الثقافة والظهور أو الانقطاع إلى العلم فرأى الضرورة ملحة لهجرته وترك وطنه ... ولم يكن القطر بعد ذهابه مستريحا بل انتابته الحوادث من كل صوب ... ذلك ما دعا أن يعيش خارجه إلى أن وافاه أجله.

    حوادث سنة 1094 ه‍ ـ 1682 م
    جامع السراي :
    جدد الوزير عمارة هذا الجامع وأحكم بناءه. أرخ ذلك (يحيى دده) شيخ المولوية فكان سنة 1094 ه‍. مر ذكره باسم الجامع السليماني. وتغلب عليه (جامع السراي) ، وجامع (جديد حسن باشا) (1).
    والي البصرة :
    في هذه الأيام عهد إلى الوزير عبد الرحمن باشا المعروف بعبدي باشا بمنصب البصرة ، مر ببغداد ثم وافى واليها السابق حسين باشا السلحدار فذهب إلى بلاد الروم ...
    كان هذا الوزير في البلاط. اجتاز مراتب عديدة فحصل على رتبة الوزارة في صفر سنة 1080 ه‍ ومنح منصب توقيعي ثم إنه في المحرم سنة 1089 ه‍ ولي القائم مقامية في السدة الملكية. وفي شهر رمضان سنة 1093 ه‍ عيّن واليا إلى البصرة وفي سنة 1098 ه‍ عزل عنها ...
    ومن طبعه الشعر ، فائض المعرفة ، وكان مجلسه غاصا بالعلماء والفضلاء والشعراء والظرفاء ولهؤلاء جميعا منزلة معتبرة لديه ، وكلامه طيب لطيف ، طاهر القول ، وله رغبة خاصة بالشعراء ، وبأصحاب العرفان ، وله ذهن وقّاد ، وشعر رقيق (2) ...
    __________________
    (1) تاريخ العراق بين احتلالين ج 4.
    (2) تذكرة سالم ص 469.

    حوادث سنة 1095 ه‍ ـ 1684 م
    تبدلات في الإدارة :
    1 ـ ايالة الموصل كانت للامير دلي محمد باشا فعزل (1). وولي الموصل علي باشا الشهير بقدوم صاحب الايوان بالموصل وتوفي في البر عند الشيخ محمد الغزلاني (2).
    2 ـ وجهت ايالة شهر زور إلى حسين بك عمر زاده. وكانت هذه التبدلات في غرة المحرم (3).
    عزل الوزير :
    في غرة شوال عزل الوالي. دعي بما لديه من جيش الحرس بعدته الكاملة ... وكانت ابتدأت ايالته في غرة جمادى الاولى سنة 1092 ه‍.
    حكومة الوزير عمر باشا الثانية :
    عهد إليه بولاية بغداد للمرة الثانية فوردها في غرة شوال بسط فيها بساط الأمن وصان أهليها. وفي أيامه لم يحدث ما يكدر الخواطر من فتن. وفي تاريخ السلحدار نعته ب (أوكوز عمر باشا) (4).
    حوادث سنة 1097 ه‍ ـ 1685 م
    تبدلات ادارية :
    1 ـ ولي ايالة شهرزور حسين باشا ابن القاضي. عزل من ولاية قسطموني.
    __________________
    (1) تاريخ السلحدار ج 2 ص 125.
    (2) عمدة البيان.
    (3) تاريخ السلحدار ج 2 ص 125.
    (4) تاريخ السلحدار ج 2 ص 267 وأوكوز بمعنى (الثور) ، واللفظة تركية.

    2 ـ ولي الموصل عرب علي باشا. وكانت هذه التبدلات في 17 جمادى الأولى (1). واعتقد أنه المذكور في السنة السابقة وهو (ربيعي).
    حوادث سنة 1098 ه‍ ـ 1686 م
    ولاية البصرة :
    عهد في هذه السنة بولاية البصرة إلى حسين باشا الكمركچي فنصب خيامه في بغداد لبضعة أيام ثم توجه نحو منصبه. ثم ورد والي البصرة السابق الوزير عبد الرحمن باشا (عبدي باشا) صاحب السيف والقلم وضرب خيامه في جانب الكرخ ، فاستولى الرعب على الأهلين في البصرة من واليهم الجديد لما سمعوه عنه من أنه صعب المراس ، لا يقبل معذرة فأصابهم الخوف منه. ولكن هذا الوالي لم يبق إلا قليلا فوافاه الأجل. أما والي البصرة السابق فإنه قضى أيام حكومته بما يستدعي راحة الأهلين كما أنه أمن العدل ... وكان في حد ذاته عالما ، فاضلا ، ضليعا في الشريعة الغراء فهو كامل من كل وجه ، وفي هذه المرة عاد الوزير المشار إليه إلى البصرة ثانية بناء على التماس من أهل البصرة وبغداد من السلطان وباستشفاع وزير بغداد عمر باشا فعهد إليه بمنصب البصرة سنة 1098 ه‍ (2). ثم عزل عن هذا المنصب في المحرم من سنة 1100 ه‍. فحصل ولايات أخرى وتوفي في شهر رجب سنة 1103 ه‍ وهو في محافظة سافر (3) ... ونعته في تاريخ السلحدار (بالشاعر) وأنه وجه إليه منصب البصرة سنة 1099 ه‍.
    __________________
    (1) تاريخ السلحدار ج 2 ص 237.
    (2) في تذكرة سالم سنة 1099 ه‍ وهذه طبعت في مطبعة اقدام باستنبول ، وكان مؤلفها قاضي العسكر.
    (3) كلشن خلفا ص 105 ـ 2 وتذكرة سالم.

    جامع الوزير :
    في هذا التاريخ عمّر (أحمد آغا الكتخدا) أي (الكهية) الجانب الغربي من جامع حسن باشا الچلبي لخلوه من البناء. بنى قبّة عالية ، ووسع في الجامع. وهذا هو (جامع الوزير) (1).
    عزل الوزير :
    ابتدأ حكمه في غرة شوال سنة 1095 ه‍ وامتد إلى 3 ذي القعدة سنة 1098 ه‍ فعزل.
    الوزير أحمد باشا البوشناق :
    هذا الوزير يعرف بأحمد باشا الكتخدا. كان كتخدا قرا محمد باشا فلازمه الوصف. وعرف في بغداد ب (أحمد باشا البوشناق) نال الوزارة سنة 1095 ه‍ وبعد أن تقلب في مناصب عديدة صار واليا في حلب في المحرم سنة 1097 ه‍. وعهد إليه منصب بغداد في 8 ذي القعدة سنة 1098 ه‍. وهذا سعى جهده في ضبط الإدارة خارجا وداخلا بصورة لا تقبل القياس مع من تقدمه. فكانت له السلطة على الرعايا وعلى الجيوش بترهيب أو ترغيب فانقاد له الكل. وسعى سعيا بليغا في تدقيق الحسابات والدفاتر ...
    كان لا يؤخر المؤاخذة ، ولا يتهاون في الإدارة بل يعجل في العقاب أو العتاب فكان الموظفون في شغل منه. لم يروا راحة في زمنه إلا أنهم كانوا في استقامة حذرا من بطشه فلازموا الحق والاتقان في أعمالهم. يتوقون من التساهل فكان للاهتمام بشؤونهم وتفحص أمورهم غاية حميدة سواء في كليات الأمور أو في جزئياتها (2) ...
    __________________
    (1) تاريخ العراق بين احتلالين ج 4 ، وكلشن خلفا ص 105 ـ 2 والمعاهد الخيرية وفيها سعة وبسط.
    (2) كلشن خلفا ص 105 ـ 2.

    حوادث سنة 1099 ه‍ ـ 1687 م
    ولاية الموصل :
    في هذه السنة عهد بولاية الموصل إلى الوزير أحمد باشا السهرابي (1).
    حراسة القطر :
    كان الوزير مشغولا في حراسة الثغور وقام بتعمير أبراج بغداد وتوابيها. وبتجديد برج الچاوش فأتمه في هذه السنة ثم إنه أقام برج الصابوني. فكان أثره خالدا وقويا.
    جامع احمد باشا البوشناق :
    بناه سنة 1099 ه‍ ، وخصص في وقفه للمدرس عشر أقچات يوميا. وجاء في وقفية الغرابي أن من شهوده طه الواعظ في جامع أحمد باشا البوشناق. ثم توقف التدريس من هذا الجامع لقلة وارده. ثم أعيد إليه في سنة 1327 ه‍. وجرت تحولات وتعميرات على هذا الجامع أوضحنا عنها في كتاب (المعاهد الخيرية). ولعل هذا الجامع قد خرب ، فتغلب عليه اسم المحلة (محلة حمام المالح) فصار يقال له (جامع حمام المالح).
    جامع محمد الفضل :
    ومن مآثره الخيرية تعمير جامع محمد الفضل بجوار مرقده ، ورتب له قواما وخداما. والأستاذ المرحوم السيد محمود شكري الآلوسي عدّه من الجوامع القديمة كما أن صاحب گلشن خلفا لم يتعرض له (2).
    __________________
    (1) تاريخ السلحدار ج 2 ص 350.
    (2) تاريخ العراق بين احتلالين ج 2.

    عزل الوزير :
    وبينا هو مهتم في تعمير الابراج والتوابي في بغداد إذ ورد خبر عزله. فكان ابتداء حكمه في 3 ذي القعدة سنة 1098 ه‍ وانفصاله في 14 ذي القعدة سنة 1099 ه‍. ثم صار مفتش الاناضول. وتوفي في رجب سنة 1102 ه‍ (1).
    الوزير عمر باشا :
    هذه المرة الثالثة من ولايته ببغداد.
    حوادث سنة 1100 ه‍ ـ 1688 م
    خان بني سعد :
    وفي أيامه كان الطريق بين بغداد وقرية بهرز صحراء واسعة. فبنى خانا محكما ، قويا فأتمه وأنقذ الناس من قطاع الطرق. أتمه في هذه السنة وهذا الخان هو المسمى (بخان بني سعد) في منتصف الطريق. وكان يسمى طريق بعقوبة القديم بطريق بهرز ويمر من الباب الوسطاني ... والعوام يقولون (خان النص). وخان بني سعد وهو اليوم مركز ناحية بهذا الاسم من (قضاء الخالص). ولا يزال الخان قائما (2).
    جامع الشيخ معروف :
    كان كتخدا الوزير (أحمد آغا) رأى أن جدران جامع الشيخ معروف الكرخي متداعية بسبب مرور الأيام عليها. وأن مصلاه يضيق بالناس نظرا لصغره فأقامه من جديد ووسّعه فكان عمله هذا مبرورا.
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 106 ـ 1 وسجل عثماني ج 1 ص 226.
    (2) كلشن خلفا ص 106 ـ 2.

    ومما يؤثر عن هذا الكتخدا أنه لم يكتب له تاريخا جديدا في عمارته. وإنما أبقى التاريخ الأول لغرض أن لا ينسى العمل الصالح والذكر الجميل لمن سلف. وهذه مأثرة أخرى فلم يكن غرضه الفخر والمباهاة (1).
    قتلة محمود الغرابي :
    قال الغرابي في تاريخه :
    «في هذه السنة شغب الجند المعروفون بالينگچرية في بغداد فقتلوا أخي وشقيقي الفاضل محمودا الناصح بجامع الإمام الأعظم أبي حنيفة يوم الثلاثاء 13 صفر. وذلك بإغراء بعض أكابرهم فعاجل الله اولئك الخبثاء فأتى حكم من الدولة العلية فقتل منهم ثلاثة والله ينتقم من الجميع ...» اه.
    وجاء في گلشن خلفا أنه في هذه الأيام قلّت الأمطار ونضب ماء دجلة والفرات مما دعا الناس أن يتخوفوا من الغلاء بالرغم من أن الأطعمة متوفرة. وفي 13 صفر حدث القيل والقال فاتخذ أرباب الزيغ ذلك وسيلة إلى الشغب بتحريض الجهال. اتهموا (محمودا آل غراب) بالاحتكار ، وكان من العلماء فقتل مظلوما بأيدي العوام. وهذه الفتنة زاد لهيبها وتطاير شررها وقد مضت نحو عشرة أشهر ولم تنطفىء فكانت خاتمتها أن قتل ثلاثة من رجال الچورباچية صلبا. ثم ماتت الاضطرابات وبطلت الاراجيف (2).
    آل الغرابي :
    ذكرتهم في كتاب المعاهد الخيرية عند الكلام على (مدرسة آل الغرابي).
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 106 ـ 2 والمعاهد الخيرية.
    (2) كلشن خلفا ص 106 ـ 2.

    سفير ايران لتأكيد الصلح :
    وفي أواخر السنة ورد من ايران سفير مرّ ببغداد ذاهبا إلى استنبول لتأكيد قواعد الصلح بين الدولتين بمناسبة جلوس السلطان سليمان.
    ولاية البصرة :
    ولي الوزير حسين باشا الدفتري. وفي ابتداء هذه السنة مرّ ببغداد وذهب إلى البصرة. وأما الوزير السابق عبد الرحمن باشا (عبدي باشا) فإنه جاء إلى بغداد في أواسط هذه السنة. ضرب خيامه في الجانب الغربي منها. وحينئذ وافاه الادباء وكان له في الغزل قصيدة غراء. وممن بارى هذه القصيدة مرتضى آل نظمي كان نظمها باللغة التركية. احتفل به وبقي في بغداد شهرا واحدا ثم ذهب إلى بلاد الروم. توفي في شهر رجب من سنة 1103 ه‍ في ساقز.
    الوزير في بغداد :
    وفي ذي القعدة ورد الفرمان بإقرار الوالي عمر باشا في وزارته وأودعت إليه إدارة الحدود والثغور فكرّم أرباب المناصب بخلع فاخرة ... وكثيرا ما يجري ذلك في المناصب الكبيرة أيام التبدل في السلطنة.
    الغلاء في الموصل :
    كان بدأ سنة 1099 ه‍ ، واشتد في هذه السنة. ويعرف بالغلاء الكبير (1).
    __________________
    (1) عمدة البيان.

    مرتضى آل نظمي ـ كلشن خلفا :
    وفي أواخر هذه السنة ذهب إلى الحج من طريق العراق وكان ختم كتابه (كلشن خلفا) فكان خير تحفة قدمها للعراق. ثم زاد في وقائعه بعد عودته. تداولته الأيدي قبل أن يضاف إليه شيء وقد رأيت نسخة مخطوطة منه في (فينة) في المكتبة الأهلية كتبت سنة 1116 ه‍ وفيها اضافات ... ونسخه المخطوطة في بغداد قليلة تكاد تكون مفقودة بل المطبوع منه عزيز جدا. ذكر في تذكرة سالم أنه وقف عند هذه السنة. عندي نسخة قديمة كاملة وكذا عند الأستاذ يعقوب سركيس ، وفي استنبول نسخ عديدة مخطوطة منه.
    حوادث سنة 1101 ه‍ ـ 1689 م
    الوزير حسن باشا :
    هذا الوزير بدأ حكمه ببغداد في 25 ربيع الأول. ورد متسلّمه ومضت عليه أربعة أشهر ثم وافى. وهو كاسمه حسن موصوف بالحلم وصاحب قلم سيال. وفي أيام شبابه عاش بالبلاط ثم حصل على منصب المحاسبة في الحرمين الشريفين ، وبعدها صار كتخدا الحرم السلطاني. ثم ولي مصر القاهرة. وتقلد مناصب ، ولما ولي الصدارة مصطفى باشا الكوبريلي أنعم عليه السلطان بمنصب بغداد ومن حين وروده أبدى الرأفة بالأهلين وأزال بعض المظالم في الضرائب ...
    قحط وطاعون :
    في هذه السنة والتي قبلها حدث قحط في بغداد. استولى الجوع على الأهلين من كرد وعرب وأمضّ بأنحاء الموصل وديار الكرد فنزح الكثيرون إلى بغداد وصاروا يلحّون في طلب الأكل ، وإن اغنياء بغداد لم يقصروا في اطعام الطعام وإعالة الفقراء وإيواء من بقي بلا مأوى ولا مأكل ...

    ومن جراء هذا القحط ونزوح الناس استولت الأمراض وبدأ الطاعون. ويسمى ب (أبي طبر) صار يفتك فتكا ذريعا فعادت بغداد مأتما. وفي خلال ثلاثة أشهر أو أربعة دمّر المرض أكثر من مائة ألف نسمة جاء الوزير في أواخر هذه المصائب ...
    وفي غرة شوال زال هذا البلاء وظهرت بشائر الصحة ...
    وجاء في تاريخ الغرابي :
    «قل الغيث وغارت الشطوط وغلت الاسعار. وازداد الغلاء في بغداد ، ودام إلى شهر رمضان ، ووقع أيضا طاعون تفتتت منه الأكباد ، ومات به خلق كثير وأول ما ظهر في مندلي (بندنيج) (1) ، ثم أتى إلى بغداد في جمادى الآخرة ، وكثر في شعبان وانقطع في شوال.» اه.
    الحج :
    في هذه السنة سار الحاج من بغداد وأميرهم حسين آغا بن عبدال رئيس العرفاء ببغداد. فلما وصلوا إلى تنومة أول قرية من قرى نجد للذاهب من البصرة نهبهم الأعراب. وأخذوا منهم أموالا كثيرة ، ثم قفل أكثرهم راجعين وبعضهم ذهب إلى البصرة. وشرذمة سارت إلى المدينة.
    زلزال :
    اهتزت الأرض في هذه السنة ببغداد هزة خفيفة وقت الفجر.
    __________________
    (1) تسمى اليوم مندلي ومندلجين محرفا عن بندنيجين معرب بندنيك أي الربط الحسن كناية عن الحد الذي حدّ بين الروم والعجم. قال ذلك السيد عيسى صفاء الدين البندنيجي في رسالته على الأجوبة اللاهورية. وهذا غير صحيح فقد عرفت قبل ظهور دولتي العجم والروم كانت من أيام العباسيين والمغول. وهي اليوم قضاء من أقضية لواء ديالى. وذكرت في غاية المرام في محاسن بغداد مدينة السلام أنها مدينة معمورة في جهة النهروان من ناحية الجبل من أعمال بغداد.

    الشيخ إبراهيم الكوراني :
    توفي في هذه السنة الشيخ إبراهيم الكردي الگوراني في المدينة. أصله من الكرد. وبأرضهم نشأ وحصل على العلوم العقلية والأدبية. ثم قدم بغداد ، ودرس بها سنة أو سنتين ثم سافر إلى الشام ومنها إلى مصر ، فالمدينة المنورة فأقام بها مكبا على الاشتغال بالفقه والحديث والتصوف واشتهرت فضيلته ، فقصده الناس من الآفاق ... ومن مؤلفاته قصد السبيل في توحيد الحق الوكيل في العقائد (1) ...
    آل بابان وتغلبهم :
    ثار في هذه الأيام مير سليمان ومير حسن من أمراء لواء (ببه) من الأكراد. اكتسحوا قلعة (شهرزور) وتجاوزوا على الرعايا. أظهروا تغلبهم ، فاشتعلت نيران الحرب بينهم وبين متصرف ايالة كركوك دلاور باشا واشتد النزاع فأدى الخصام إلى قتل الباشا في المعركة.
    حوادث سنة 1102 ه‍ ـ 1690 م
    بقية حوادث بابان :
    وصل في أواخر السنة الماضية الخبر إلى الوزير بما وقع في بابان وقتل متصرف كركوك فعيّن لها متسلما في أوائل هذه السنة وأنذر مير سليمان بكتاب محتو على أنواع الترغيب والترهيب. وكان كتب بقلم صاحب گلشن خلفا. أوضحت ذلك في كتاب (شهرزور ـ السليمانية).
    منصب كركوك ـ بابان :
    عهد بمنصب كركوك إلى حسين باشا. وهذا أمدّته الدولة بمقدار
    __________________
    (1) تاريخ الغرابي ص 204 ـ 1. ذكرته في كتاب (العقيدة الإسلامية في العراق).

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي   تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 6:47 am

    أن يضعوا اليد عليها فلم يوفوها حقها. الخرق سائد في غالب الأعمال.
    حوادث سنة 1088 ه‍ ـ 1677 م
    مسناة الأعظمية :
    كانت أقيمت ثم أتت عليها مياه الفيضان فلم تبق لها أثرا فاقتضى عمارتها مجددا فعرض الوزير الأمر على دولته والتمس أن يساعد فوافقت على المبلغ المقترح نحو سبعين أو ثمانين ألف قرش وأن يستوفى من خزانة بغداد والبصرة. فبذل الوزير أقصى جهده لعمارة هذه المسنّاة وإكمالها وإتقان صنعها فجاءت محكمة ، قوية جدا. وفي هذه المرة لم يتضرر أحد ولا قطع من أجورهم شيء ولا تأخرت. ولكن قبل أن تتم الأعمال عزل الوزير (1).
    جامع القبلانية :
    هذا الوزير أيضا تعلّق نظره بعمارة (جامع الشيخ القدوري) ومرقده (كذا) وأن يبنى مجددا فقام بذلك وعين له خطيبا وخداما فأحياه وصار زينة لسوق السرّاجين ... والآن يسمى (جامع القپلانية) وترك اسمه الأصلي فاشتهر باسم من عمّره (2). وهذا الجامع جرت عليه تعميرات عديدة. والتحقيق عنه في كتاب (المعاهد الخيرية).
    ولاية البصرة :
    ثم إن الوالي السابق حسن باشا الچلبي قد عين مرة أخرى لمحافظة البصرة فمر ببغداد وإثر ذلك عين حسين باشا الوالي السابق لمنصب ديار بكر.
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 103 ـ 2.
    (2) كلشن خلفا ص 103 ـ 2.

    زيارة وعزل :
    كان الوزير الحالي صافي القلب. له ميل عظيم إلى زيارة الأولياء. وفي شعبان ذهب لزيارة الإمام الحسين (رض) والإمام علي (رض) فقضى بضعة أيام. ثم عاد. فوقع عزله ومدة حكومته من 27 صفر سنة 1087 ه‍ إلى 3 من شهر رمضان سنة 1088 ه‍ (1).
    حوادث سنة 1089 ه‍ ـ 1678 م
    الوزير عمر باشا :
    إن هذا الوزير كان قد حاز رتبة سلحدار ثم منح منصب مصر القاهرة. وعقب ذلك ولي ديار بكر فأرزن الروم (أرضروم) ثم في هذه المرة نال منصب بغداد وشرع في أعمالها (2) ...
    الينگچرية في بغداد :
    كانت الدولة تخاف من ظلّها في بغداد وتحسب لكل حادث حسابه فساءت ادارتها بحيث صارت تشتبه من نفسها ... وهذا الوزير من حيث ولايته عرف ما يقوم به الينگچرية في بغداد وسمع الشيء الكثير كما علمت الدولة ذلك. تمكنوا أن يأتلفوا مع الأهلين في بغداد وصارت لهم قدرة على الإدارة ... فاقتضى رفع أكثر هذه الوظائف منهم وأقيم مقامهم غيرهم من الجند وأبلغ عددهم الألف. صاروا يزاولون ما عهد إليهم من أمور الوزير أو محافظة بغداد ...
    جاء الآغا الجديد ومعه أولئك وكل واحد منهم أراد أن يحصل له اعتبار وسمعة ... ومن مجرى الحالة يظهر أن الينگچرية القدماء تجمعوا
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 103 ـ 2.
    (2) كلشن خلفا ص 103 ـ 2.

    في أواسط سنة 1089 ه‍ وخرجوا عن الطاعة وفي اليوم الثالث أخرجوا الآغا وقتلوه معلنين عصيانهم.
    وفي اليوم الرابع أصدر الوالي فرمانا في نصب بعض المجربين من مقدمي هذا الصنف من قسم الچورباچية فمنح له منصب آغا.
    وفي اليوم الخامس انتهى الاضراب وانجلت الغمّة. وفي خلال الاسبوع قتلوا من قاموا بالفتن والاضطرابات وزالت الغائلة. وعلى كل حال كان النفوذ مستمرا ، وإن الحكومة لا تقدر أن تتسلط على متنفذيها كما أنها تخشى الأهلين أكثر (1).
    جاء في تاريخ الغرابي :
    «في سنة 1089 ه‍ ثارت فتنة عظيمة في بغداد ، فقتلت الينگچرية رئيسهم أحمد آغا ، وصار لهم تسلّط كلي في بلدة بغداد. وبقي إلى الآن وهي سنة 1099 ه‍ تلك الآثار. نسأل الله أن يصلح الأحوال.» اه (2).
    وهذا يدل على ما آلموه. فإنهم ثاروا مرة أخرى سنة 1100 ه‍ فقتلوا أخاه.
    قبيلة بني لام :
    وفي هذه السنة قتل أعراب بني لام آغا (الاحشامات) وألحقوا بأبناء السبيل الاضرار. فجهز الوزير عليهم أربعة آلاف أو خمسة من الخيالة وجعل كتخداه أمير الحملة. فأغار عليهم حتى أنه تجاوز حدود الحويزة وسار في أثر الاعراب المذكورين فتمكن من اللحاق بهم وأوقع
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 104 ـ 1.
    (2) تاريخ الغرابي ص 201.

    بهم ما أراد فانتقم منهم وقضى على عصيانهم فعاد منتصرا انتصارا باهرا (1) ...
    وهذه العشيرة من طيىء. تكلمنا عليها في كتاب (عشائر العراق).
    حوادث سنة 1090 ه‍ ـ 1679 م
    تبديل والي البصرة :
    في هذه المرة وجه منصب البصرة إلى الوزير حسين باشا السلحدار للمرة الأخرى. فمر ببغداد ومنها مضى إلى البصرة ثم وردها الوالي السابق حسين باشا الچلبي وتوجه لجهة الروم (2) ...
    الوزير عمر باشا ـ اعماله الخيرية :
    1 ـ تعمير جامع الإمام الأعظم. كان الوزير راغبا في الخيرات ، مائلا إلى أعمال البر ولم يغفل عن التزود للآخرة. ولذا عمّر قبة مرقد الإمام الأعظم ورمّمها وجعل الحديقة بهجة للناظر ...
    2 ـ تعمير مرقد الإمام أبي يوسف. بناه مجددا واتخذ عليه قبة ورواقا وعين له خداما وأرصد أوقافا جديدة (3).
    3 ـ المدرسة العمرية : بنى مدرسة بقرب (جامع القمرية) بوضع هندسي بديع ، اتخذ فيها غرفا وعيّن لها مدرسا ومحدّثا وطلابا. وبين وظائفهم. أرخ ذلك كاتب ديوانه (طيبي) سنة 1090 ه‍.
    أوضحت عن هذه المدرسة في المعاهد الخيرية ، وجاء في رحلة السويدي ما نصه :
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 104 ـ 1.
    (2) كلشن خلفا ص 104 ـ 1.
    (3) كلشن خلفا ص 104 ـ 1.

    «أرسلنا عمّنا إلى الشيخ حسين نوح ... لنتعلم العلم وكان شيخنا هذا يدرّس بالمدرسة العمرية نسبة إلى والي بغداد إذ ذاك عمر باشا رحمه الله وهو قد بناها لأجل شيخنا المذكور. فهو أول من درس بها التدريس العام. وهذه المدرسة على كتف دجلة في الجانب الغربي شرقي جامع قمرية بفتح القاف والميم ، ملاصقة له ...» اه.
    وأوضح أن الشيخ حسين لم يكن ابن نوح ، وإنما كان نوح عمّه ، رباه فعرف به. والشيخ حسين من أهل حديثه. وكان نوح من العلماء العاملين والنسّاك الصالحين. ومن آل نوح يحيى أفندي ابن نوح العراقي الذي سأل عبد الغني النابلسي في الدخان فأجابه في سنة 1111 ه‍ (1).
    هذا وإن الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ محمود من أهل ما وراء النهر لم يكن أول مدرس بها وإنما كان معلم كتّاب (مكتب) درس عليه الشيخ عبد الله السويدي. وبهذا تصحيح لما جاء في مساجد بغداد للأستاذ المرحوم السيد محمود شكري الآلوسي (2).
    حوادث سنة 1092 ه‍ ـ 1681 م
    سدّة الأعظمية :
    في زمن هذا الوالي أكملت (سدّة الأعظمية) فكانت محكمة لما بذله هذا الوزير من الجهود وبنى في رأس المسناة مسجدا (3) ...
    خان ازاد :
    في الجانب الغربي الخان المسمى بهذا الاسم تنزله الرواحل
    __________________
    (1) مخطوطات الموصل ص 34 ومجلة (لغة العرب) ج 7 ص 232.
    (2) تاريخ مساجد بغداد ص 134 وكلشن خلفا ص 104 ـ 1 ورحلة الشيخ عبد الله السويدي المخطوطة عندي.
    (3) كلشن خلفا ص 104 ـ 2.

    والقوافل ، ومن مدة طرأ عليه الدمار وصار مكمنا لقطاع الطرق من الاعراب. فأمر الوزير بتعميره وتحصينه وتعيين خدّام ومحافظين له لغرض راحة ابناء السبيل ، وهذا الخان لم تبق منه إلا بعض رسومه وزالت في هذه الأيام. يقع على يمين الذاهب إلى المحمودية قبل عبور قنطرة اليوسفية. والآن تكوّنت بالقرب منه قرية جديدة في جانبي النهر فيها بعض الأبنية وتتصل بها بساتين.
    ولا يبعد أن تتكامل نظرا لجميل موقعها وقربها من نهر اليوسفية (1).
    عزل الوالي :
    كانت ابتدأت ولايته في 30 شهر رمضان سنة 1088 ه‍ ودامت إلى غرة جمادى الأولى سنة 1092 ه‍ (2).
    الوزير إبراهيم باشا :
    ولي الوزارة في عنفوان الشباب. وكان (آغا الينگچرية) ثم عهد إليه بمنصب (أرزن الروم) وإثر ذلك نال منصب بغداد (3).
    حوادث سنة 1093 ه‍ ـ 1682 م
    توجيه المقاطعات :
    غيّر هذا الوزير وقت التزام المقاطعات. كانت تجري في غرة المحرم. وبسبب تداخل الشهور العربية والرومية يقع تداخل في
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 104 ـ 2.
    (2) كلشن خلفا ص 104 ـ 2.
    (3) كلشن خلفا ص 104 ـ 2.

    المحاصيل ويحدث خلل في أمور الموظفين والرعايا. فصار توجيه المقاطعات من أول أيلول هذه السنة. عرض ذلك على دولته فورد الفرمان في 1 أيلول الموافق (9 رمضان المبارك) ومن ثم جرى العمل على ذلك ودوّن في دفاتر خاصة (1).
    خاقان ما وراء النهر :
    مرّ ببغداد عبد العزيز خان خاقان ما وراء النهر (ملك أوزبك) قاصدا حج بيت الله الحرام ، وكان قد قضّى أربعين عاما في خانية ما وراء النهر. فخلع نفسه سنة 1091 ه‍. وخلفه سبحان قلي خان. ودامت حكومته إلى سنة 1114 ه‍ (2).
    وفي تاريخ الغرابي :
    «في سنة 1093 ه‍ أتى إلى بغداد سلطان الاوزبك عبد العزيز خان بعد ما خلع نفسه من السلطنة وترك أخاه سبحان قلي خان مكانه وتوجه إلى الحج. ففي أثناء الطريق وقع له مع العرب واقعة وكانت الغلبة له. فلما قضى حجه وزار النبي صلّى الله عليه وسلّم توجه في البحر قاصدا الهند ، فلما وصل إلى (مخا) حان أجله فدفن هناك وبعد أشهر نقلوه إلى المدينة المشرفة ودفنوه في البقيع عند تربة والده وجده بين قبة العباس وبين قبة عائشة (رض).» اه (3).
    مذنب هاللي :
    وفي هذه السنة ـ كما قال الغرابي ـ ظهر ما بين القبلة والمغرب جرم نوراني شبيه بالسيف. بقي أياما ثم اضمحل. وهذا هو النجم
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 104 ـ 2.
    (2) كلشن خلفا ص 104 ـ 2.
    (3) تاريخ الغرابي وكتاب دول إسلامية ص 435.

    المعروف ب (هاللي) وهو المذكور في بائية أبي تمام باسم (الكوكب الغربي ذو الذنب) (1).
    عصيان العشائر :
    هذا الوزير قضى على عصيان الداخل والخارج بقوة وتدبير ، فجعل القوي ضعيفا. وتمكن من خضد شوكة بعض العشائر العربية التي لم تكن تعرف الرضوخ والطاعة وأمن أبناء السبيل والمارة من أضرارهم وخسائرهم.
    الينگچرية أيضا :
    وفي أيامه أرسلت الدولة نحو ألف من الينگچرية ليكونوا في الخدمة فوردوا بغداد وحين وصولهم اتخذوا الارزاق ذريعة للاضطراب وتصدوا للمعركة فقاموا بأعمال غير لائقة إلا أنه طيب خواطرهم بترغيب حكيم وترهيب من جهة فسكنوا نوعا.
    وفي السنة التالية تجمهرت هذه الطائفة وتحزبت لأسباب غير مهمة فأظهرت العصيان فأدى ذلك إلى معارك استخدموا فيها البنادق والمدافع.
    وفي هذه المرة أيضا قام الوزير بأعمال حكيمة ولم يدع مجالا لتقوية العداء. فذهب كل إلى محله. وعلى كل كان الينگچرية خراب المملكة في كافة انحائها ، فلم ينجع فيهم دواء ، وعادت جميع ما قامت به الدولة من تدابير فعالة فاشلة ... ولا فرق بين القدماء منهم والحديثين.
    __________________
    (1) تاريخ الغرابي.

    اليساقجية :
    هذا الوزير أراح الناس من عائلة اليساقچية الذين طالما اضروا الأهلين برديء أعمالهم فأقصاهم وقضى على ما كانوا يقومون به من وقائع مؤلمة وأفعال شائنة (1) ...
    طربزون الجسر :
    ومن أعماله المبرورة أنه وضع طربزونا (درابزونا) للجسر كان يصعب مروره والسير عليه فأراح الناس من عناء كبير يتولد في الزحام. ويعرف ب (المحجر).
    جامع سلطان سيد علي الجلبي :
    وهذا الجامع على شاطىء دجلة لصاحب الأنوار سلطان سيد علي الچلبي فأقام قواعد هذا الجامع وعيّن له خطيبا وخدما وقرر وظائفهم ، ويسمى اليوم (جامع السيد سلطان علي) (2).
    عبد القادر البغدادي :
    عبد القادر بن عمر البغدادي نزيل القاهرة. نعته المحبّي في كتابه خلاصة الأثر بقوله
    «الأديب المصنف الرحال الباهر الطريقة في الإحاطة بالمعارف والتضلّع من الذخائر العلمية. كان فاضلا بارعا مطلعا على أقسام كلام العرب النظم والنثر ، راويا لوقائعها وحروبها وأيامها وهو أحسن المتأخرين معرفة باللغة والاشعار والحكايات البديعة مع التثبت في النقل
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 105 ـ 1.
    (2) تاريخ العراق بين احتلالين ج 2 ، وكلشن خلفا ص 105 ـ 1 ، والمعاهد الخيرية وفيه تفصيل.

    وزيادة الفضل والانتقاد الحسن ، ومناسبة ايراد كل شيء منها في موضعه مع اللطافة وقوة المذاكرة وحسن المنادمة وحفظ اللغة الفارسية والتركية واتقانهما كل الاتقان ومعرفة الاشعار الحسنة منهما وأخبار الفرس. خرج من بغداد وهو متقن لهذه اللغات الثلاث ...» اه.
    ولا أدل على مقدرته العلمية من كتابه خزانة الأدب وشواهد شرح الشافية للاستر ابادي ، وشرح (بانت سعاد) و(شرح شاهدية) وتصحيح كتاب الاهرام المسمى ب (المقصد المرام) فقد انقذه من التلف.
    ورأيت بخطه كتاب مغني اللبيب ومعه رسائل أخرى منها رسالة في التغليب وغيره. مخطوطتها في خزانة الآثار القديمة ببغداد.
    سافر إلى دمشق بعد فتح بغداد وأقام فيها سنة ثم رحل إلى مصر فوردها عام 1050 ه‍ وهناك ظهرت مواهبه ، وزاد اتقانه ، ونال الشهرة الذائعة في عودته إلى الشام ، وذهابه إلى بلاد الروم ، ثم رجوعه إلى مصر وهكذا حتى توفي بمصر سنة 1093 ه‍ وكانت ولادته ببغداد سنة 1030 ه‍.
    كان زينة هذا العصر ، ودرة تاج العلم في بغداد. وأمثاله فيها كثيرون إلا أن الشهرة لا تكون إلا نصيب البعض. اشتهر غيره مثل مدلج المفتي ببغداد.
    وترجمته حافلة بالمطالب العلمية الغزيرة ، فصلنا القول فيه في التاريخ الأدبي. وكان مثال الجد والنشاط ، والمثابرة ...
    كانت بغداد بسبب الغوائل ضيقة على أمثاله ممن يريد التزود من الثقافة والظهور أو الانقطاع إلى العلم فرأى الضرورة ملحة لهجرته وترك وطنه ... ولم يكن القطر بعد ذهابه مستريحا بل انتابته الحوادث من كل صوب ... ذلك ما دعا أن يعيش خارجه إلى أن وافاه أجله.

    حوادث سنة 1094 ه‍ ـ 1682 م
    جامع السراي :
    جدد الوزير عمارة هذا الجامع وأحكم بناءه. أرخ ذلك (يحيى دده) شيخ المولوية فكان سنة 1094 ه‍. مر ذكره باسم الجامع السليماني. وتغلب عليه (جامع السراي) ، وجامع (جديد حسن باشا) (1).
    والي البصرة :
    في هذه الأيام عهد إلى الوزير عبد الرحمن باشا المعروف بعبدي باشا بمنصب البصرة ، مر ببغداد ثم وافى واليها السابق حسين باشا السلحدار فذهب إلى بلاد الروم ...
    كان هذا الوزير في البلاط. اجتاز مراتب عديدة فحصل على رتبة الوزارة في صفر سنة 1080 ه‍ ومنح منصب توقيعي ثم إنه في المحرم سنة 1089 ه‍ ولي القائم مقامية في السدة الملكية. وفي شهر رمضان سنة 1093 ه‍ عيّن واليا إلى البصرة وفي سنة 1098 ه‍ عزل عنها ...
    ومن طبعه الشعر ، فائض المعرفة ، وكان مجلسه غاصا بالعلماء والفضلاء والشعراء والظرفاء ولهؤلاء جميعا منزلة معتبرة لديه ، وكلامه طيب لطيف ، طاهر القول ، وله رغبة خاصة بالشعراء ، وبأصحاب العرفان ، وله ذهن وقّاد ، وشعر رقيق (2) ...
    __________________
    (1) تاريخ العراق بين احتلالين ج 4.
    (2) تذكرة سالم ص 469.

    حوادث سنة 1095 ه‍ ـ 1684 م
    تبدلات في الإدارة :
    1 ـ ايالة الموصل كانت للامير دلي محمد باشا فعزل (1). وولي الموصل علي باشا الشهير بقدوم صاحب الايوان بالموصل وتوفي في البر عند الشيخ محمد الغزلاني (2).
    2 ـ وجهت ايالة شهر زور إلى حسين بك عمر زاده. وكانت هذه التبدلات في غرة المحرم (3).
    عزل الوزير :
    في غرة شوال عزل الوالي. دعي بما لديه من جيش الحرس بعدته الكاملة ... وكانت ابتدأت ايالته في غرة جمادى الاولى سنة 1092 ه‍.
    حكومة الوزير عمر باشا الثانية :
    عهد إليه بولاية بغداد للمرة الثانية فوردها في غرة شوال بسط فيها بساط الأمن وصان أهليها. وفي أيامه لم يحدث ما يكدر الخواطر من فتن. وفي تاريخ السلحدار نعته ب (أوكوز عمر باشا) (4).
    حوادث سنة 1097 ه‍ ـ 1685 م
    تبدلات ادارية :
    1 ـ ولي ايالة شهرزور حسين باشا ابن القاضي. عزل من ولاية قسطموني.
    __________________
    (1) تاريخ السلحدار ج 2 ص 125.
    (2) عمدة البيان.
    (3) تاريخ السلحدار ج 2 ص 125.
    (4) تاريخ السلحدار ج 2 ص 267 وأوكوز بمعنى (الثور) ، واللفظة تركية.

    2 ـ ولي الموصل عرب علي باشا. وكانت هذه التبدلات في 17 جمادى الأولى (1). واعتقد أنه المذكور في السنة السابقة وهو (ربيعي).
    حوادث سنة 1098 ه‍ ـ 1686 م
    ولاية البصرة :
    عهد في هذه السنة بولاية البصرة إلى حسين باشا الكمركچي فنصب خيامه في بغداد لبضعة أيام ثم توجه نحو منصبه. ثم ورد والي البصرة السابق الوزير عبد الرحمن باشا (عبدي باشا) صاحب السيف والقلم وضرب خيامه في جانب الكرخ ، فاستولى الرعب على الأهلين في البصرة من واليهم الجديد لما سمعوه عنه من أنه صعب المراس ، لا يقبل معذرة فأصابهم الخوف منه. ولكن هذا الوالي لم يبق إلا قليلا فوافاه الأجل. أما والي البصرة السابق فإنه قضى أيام حكومته بما يستدعي راحة الأهلين كما أنه أمن العدل ... وكان في حد ذاته عالما ، فاضلا ، ضليعا في الشريعة الغراء فهو كامل من كل وجه ، وفي هذه المرة عاد الوزير المشار إليه إلى البصرة ثانية بناء على التماس من أهل البصرة وبغداد من السلطان وباستشفاع وزير بغداد عمر باشا فعهد إليه بمنصب البصرة سنة 1098 ه‍ (2). ثم عزل عن هذا المنصب في المحرم من سنة 1100 ه‍. فحصل ولايات أخرى وتوفي في شهر رجب سنة 1103 ه‍ وهو في محافظة سافر (3) ... ونعته في تاريخ السلحدار (بالشاعر) وأنه وجه إليه منصب البصرة سنة 1099 ه‍.
    __________________
    (1) تاريخ السلحدار ج 2 ص 237.
    (2) في تذكرة سالم سنة 1099 ه‍ وهذه طبعت في مطبعة اقدام باستنبول ، وكان مؤلفها قاضي العسكر.
    (3) كلشن خلفا ص 105 ـ 2 وتذكرة سالم.

    جامع الوزير :
    في هذا التاريخ عمّر (أحمد آغا الكتخدا) أي (الكهية) الجانب الغربي من جامع حسن باشا الچلبي لخلوه من البناء. بنى قبّة عالية ، ووسع في الجامع. وهذا هو (جامع الوزير) (1).
    عزل الوزير :
    ابتدأ حكمه في غرة شوال سنة 1095 ه‍ وامتد إلى 3 ذي القعدة سنة 1098 ه‍ فعزل.
    الوزير أحمد باشا البوشناق :
    هذا الوزير يعرف بأحمد باشا الكتخدا. كان كتخدا قرا محمد باشا فلازمه الوصف. وعرف في بغداد ب (أحمد باشا البوشناق) نال الوزارة سنة 1095 ه‍ وبعد أن تقلب في مناصب عديدة صار واليا في حلب في المحرم سنة 1097 ه‍. وعهد إليه منصب بغداد في 8 ذي القعدة سنة 1098 ه‍. وهذا سعى جهده في ضبط الإدارة خارجا وداخلا بصورة لا تقبل القياس مع من تقدمه. فكانت له السلطة على الرعايا وعلى الجيوش بترهيب أو ترغيب فانقاد له الكل. وسعى سعيا بليغا في تدقيق الحسابات والدفاتر ...
    كان لا يؤخر المؤاخذة ، ولا يتهاون في الإدارة بل يعجل في العقاب أو العتاب فكان الموظفون في شغل منه. لم يروا راحة في زمنه إلا أنهم كانوا في استقامة حذرا من بطشه فلازموا الحق والاتقان في أعمالهم. يتوقون من التساهل فكان للاهتمام بشؤونهم وتفحص أمورهم غاية حميدة سواء في كليات الأمور أو في جزئياتها (2) ...
    __________________
    (1) تاريخ العراق بين احتلالين ج 4 ، وكلشن خلفا ص 105 ـ 2 والمعاهد الخيرية وفيها سعة وبسط.
    (2) كلشن خلفا ص 105 ـ 2.

    حوادث سنة 1099 ه‍ ـ 1687 م
    ولاية الموصل :
    في هذه السنة عهد بولاية الموصل إلى الوزير أحمد باشا السهرابي (1).
    حراسة القطر :
    كان الوزير مشغولا في حراسة الثغور وقام بتعمير أبراج بغداد وتوابيها. وبتجديد برج الچاوش فأتمه في هذه السنة ثم إنه أقام برج الصابوني. فكان أثره خالدا وقويا.
    جامع احمد باشا البوشناق :
    بناه سنة 1099 ه‍ ، وخصص في وقفه للمدرس عشر أقچات يوميا. وجاء في وقفية الغرابي أن من شهوده طه الواعظ في جامع أحمد باشا البوشناق. ثم توقف التدريس من هذا الجامع لقلة وارده. ثم أعيد إليه في سنة 1327 ه‍. وجرت تحولات وتعميرات على هذا الجامع أوضحنا عنها في كتاب (المعاهد الخيرية). ولعل هذا الجامع قد خرب ، فتغلب عليه اسم المحلة (محلة حمام المالح) فصار يقال له (جامع حمام المالح).
    جامع محمد الفضل :
    ومن مآثره الخيرية تعمير جامع محمد الفضل بجوار مرقده ، ورتب له قواما وخداما. والأستاذ المرحوم السيد محمود شكري الآلوسي عدّه من الجوامع القديمة كما أن صاحب گلشن خلفا لم يتعرض له (2).
    __________________
    (1) تاريخ السلحدار ج 2 ص 350.
    (2) تاريخ العراق بين احتلالين ج 2.

    عزل الوزير :
    وبينا هو مهتم في تعمير الابراج والتوابي في بغداد إذ ورد خبر عزله. فكان ابتداء حكمه في 3 ذي القعدة سنة 1098 ه‍ وانفصاله في 14 ذي القعدة سنة 1099 ه‍. ثم صار مفتش الاناضول. وتوفي في رجب سنة 1102 ه‍ (1).
    الوزير عمر باشا :
    هذه المرة الثالثة من ولايته ببغداد.
    حوادث سنة 1100 ه‍ ـ 1688 م
    خان بني سعد :
    وفي أيامه كان الطريق بين بغداد وقرية بهرز صحراء واسعة. فبنى خانا محكما ، قويا فأتمه وأنقذ الناس من قطاع الطرق. أتمه في هذه السنة وهذا الخان هو المسمى (بخان بني سعد) في منتصف الطريق. وكان يسمى طريق بعقوبة القديم بطريق بهرز ويمر من الباب الوسطاني ... والعوام يقولون (خان النص). وخان بني سعد وهو اليوم مركز ناحية بهذا الاسم من (قضاء الخالص). ولا يزال الخان قائما (2).
    جامع الشيخ معروف :
    كان كتخدا الوزير (أحمد آغا) رأى أن جدران جامع الشيخ معروف الكرخي متداعية بسبب مرور الأيام عليها. وأن مصلاه يضيق بالناس نظرا لصغره فأقامه من جديد ووسّعه فكان عمله هذا مبرورا.
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 106 ـ 1 وسجل عثماني ج 1 ص 226.
    (2) كلشن خلفا ص 106 ـ 2.

    ومما يؤثر عن هذا الكتخدا أنه لم يكتب له تاريخا جديدا في عمارته. وإنما أبقى التاريخ الأول لغرض أن لا ينسى العمل الصالح والذكر الجميل لمن سلف. وهذه مأثرة أخرى فلم يكن غرضه الفخر والمباهاة (1).
    قتلة محمود الغرابي :
    قال الغرابي في تاريخه :
    «في هذه السنة شغب الجند المعروفون بالينگچرية في بغداد فقتلوا أخي وشقيقي الفاضل محمودا الناصح بجامع الإمام الأعظم أبي حنيفة يوم الثلاثاء 13 صفر. وذلك بإغراء بعض أكابرهم فعاجل الله اولئك الخبثاء فأتى حكم من الدولة العلية فقتل منهم ثلاثة والله ينتقم من الجميع ...» اه.
    وجاء في گلشن خلفا أنه في هذه الأيام قلّت الأمطار ونضب ماء دجلة والفرات مما دعا الناس أن يتخوفوا من الغلاء بالرغم من أن الأطعمة متوفرة. وفي 13 صفر حدث القيل والقال فاتخذ أرباب الزيغ ذلك وسيلة إلى الشغب بتحريض الجهال. اتهموا (محمودا آل غراب) بالاحتكار ، وكان من العلماء فقتل مظلوما بأيدي العوام. وهذه الفتنة زاد لهيبها وتطاير شررها وقد مضت نحو عشرة أشهر ولم تنطفىء فكانت خاتمتها أن قتل ثلاثة من رجال الچورباچية صلبا. ثم ماتت الاضطرابات وبطلت الاراجيف (2).
    آل الغرابي :
    ذكرتهم في كتاب المعاهد الخيرية عند الكلام على (مدرسة آل الغرابي).
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 106 ـ 2 والمعاهد الخيرية.
    (2) كلشن خلفا ص 106 ـ 2.

    سفير ايران لتأكيد الصلح :
    وفي أواخر السنة ورد من ايران سفير مرّ ببغداد ذاهبا إلى استنبول لتأكيد قواعد الصلح بين الدولتين بمناسبة جلوس السلطان سليمان.
    ولاية البصرة :
    ولي الوزير حسين باشا الدفتري. وفي ابتداء هذه السنة مرّ ببغداد وذهب إلى البصرة. وأما الوزير السابق عبد الرحمن باشا (عبدي باشا) فإنه جاء إلى بغداد في أواسط هذه السنة. ضرب خيامه في الجانب الغربي منها. وحينئذ وافاه الادباء وكان له في الغزل قصيدة غراء. وممن بارى هذه القصيدة مرتضى آل نظمي كان نظمها باللغة التركية. احتفل به وبقي في بغداد شهرا واحدا ثم ذهب إلى بلاد الروم. توفي في شهر رجب من سنة 1103 ه‍ في ساقز.
    الوزير في بغداد :
    وفي ذي القعدة ورد الفرمان بإقرار الوالي عمر باشا في وزارته وأودعت إليه إدارة الحدود والثغور فكرّم أرباب المناصب بخلع فاخرة ... وكثيرا ما يجري ذلك في المناصب الكبيرة أيام التبدل في السلطنة.
    الغلاء في الموصل :
    كان بدأ سنة 1099 ه‍ ، واشتد في هذه السنة. ويعرف بالغلاء الكبير (1).
    __________________
    (1) عمدة البيان.

    مرتضى آل نظمي ـ كلشن خلفا :
    وفي أواخر هذه السنة ذهب إلى الحج من طريق العراق وكان ختم كتابه (كلشن خلفا) فكان خير تحفة قدمها للعراق. ثم زاد في وقائعه بعد عودته. تداولته الأيدي قبل أن يضاف إليه شيء وقد رأيت نسخة مخطوطة منه في (فينة) في المكتبة الأهلية كتبت سنة 1116 ه‍ وفيها اضافات ... ونسخه المخطوطة في بغداد قليلة تكاد تكون مفقودة بل المطبوع منه عزيز جدا. ذكر في تذكرة سالم أنه وقف عند هذه السنة. عندي نسخة قديمة كاملة وكذا عند الأستاذ يعقوب سركيس ، وفي استنبول نسخ عديدة مخطوطة منه.
    حوادث سنة 1101 ه‍ ـ 1689 م
    الوزير حسن باشا :
    هذا الوزير بدأ حكمه ببغداد في 25 ربيع الأول. ورد متسلّمه ومضت عليه أربعة أشهر ثم وافى. وهو كاسمه حسن موصوف بالحلم وصاحب قلم سيال. وفي أيام شبابه عاش بالبلاط ثم حصل على منصب المحاسبة في الحرمين الشريفين ، وبعدها صار كتخدا الحرم السلطاني. ثم ولي مصر القاهرة. وتقلد مناصب ، ولما ولي الصدارة مصطفى باشا الكوبريلي أنعم عليه السلطان بمنصب بغداد ومن حين وروده أبدى الرأفة بالأهلين وأزال بعض المظالم في الضرائب ...
    قحط وطاعون :
    في هذه السنة والتي قبلها حدث قحط في بغداد. استولى الجوع على الأهلين من كرد وعرب وأمضّ بأنحاء الموصل وديار الكرد فنزح الكثيرون إلى بغداد وصاروا يلحّون في طلب الأكل ، وإن اغنياء بغداد لم يقصروا في اطعام الطعام وإعالة الفقراء وإيواء من بقي بلا مأوى ولا مأكل ...

    ومن جراء هذا القحط ونزوح الناس استولت الأمراض وبدأ الطاعون. ويسمى ب (أبي طبر) صار يفتك فتكا ذريعا فعادت بغداد مأتما. وفي خلال ثلاثة أشهر أو أربعة دمّر المرض أكثر من مائة ألف نسمة جاء الوزير في أواخر هذه المصائب ...
    وفي غرة شوال زال هذا البلاء وظهرت بشائر الصحة ...
    وجاء في تاريخ الغرابي :
    «قل الغيث وغارت الشطوط وغلت الاسعار. وازداد الغلاء في بغداد ، ودام إلى شهر رمضان ، ووقع أيضا طاعون تفتتت منه الأكباد ، ومات به خلق كثير وأول ما ظهر في مندلي (بندنيج) (1) ، ثم أتى إلى بغداد في جمادى الآخرة ، وكثر في شعبان وانقطع في شوال.» اه.
    الحج :
    في هذه السنة سار الحاج من بغداد وأميرهم حسين آغا بن عبدال رئيس العرفاء ببغداد. فلما وصلوا إلى تنومة أول قرية من قرى نجد للذاهب من البصرة نهبهم الأعراب. وأخذوا منهم أموالا كثيرة ، ثم قفل أكثرهم راجعين وبعضهم ذهب إلى البصرة. وشرذمة سارت إلى المدينة.
    زلزال :
    اهتزت الأرض في هذه السنة ببغداد هزة خفيفة وقت الفجر.
    __________________
    (1) تسمى اليوم مندلي ومندلجين محرفا عن بندنيجين معرب بندنيك أي الربط الحسن كناية عن الحد الذي حدّ بين الروم والعجم. قال ذلك السيد عيسى صفاء الدين البندنيجي في رسالته على الأجوبة اللاهورية. وهذا غير صحيح فقد عرفت قبل ظهور دولتي العجم والروم كانت من أيام العباسيين والمغول. وهي اليوم قضاء من أقضية لواء ديالى. وذكرت في غاية المرام في محاسن بغداد مدينة السلام أنها مدينة معمورة في جهة النهروان من ناحية الجبل من أعمال بغداد.

    الشيخ إبراهيم الكوراني :
    توفي في هذه السنة الشيخ إبراهيم الكردي الگوراني في المدينة. أصله من الكرد. وبأرضهم نشأ وحصل على العلوم العقلية والأدبية. ثم قدم بغداد ، ودرس بها سنة أو سنتين ثم سافر إلى الشام ومنها إلى مصر ، فالمدينة المنورة فأقام بها مكبا على الاشتغال بالفقه والحديث والتصوف واشتهرت فضيلته ، فقصده الناس من الآفاق ... ومن مؤلفاته قصد السبيل في توحيد الحق الوكيل في العقائد (1) ...
    آل بابان وتغلبهم :
    ثار في هذه الأيام مير سليمان ومير حسن من أمراء لواء (ببه) من الأكراد. اكتسحوا قلعة (شهرزور) وتجاوزوا على الرعايا. أظهروا تغلبهم ، فاشتعلت نيران الحرب بينهم وبين متصرف ايالة كركوك دلاور باشا واشتد النزاع فأدى الخصام إلى قتل الباشا في المعركة.
    حوادث سنة 1102 ه‍ ـ 1690 م
    بقية حوادث بابان :
    وصل في أواخر السنة الماضية الخبر إلى الوزير بما وقع في بابان وقتل متصرف كركوك فعيّن لها متسلما في أوائل هذه السنة وأنذر مير سليمان بكتاب محتو على أنواع الترغيب والترهيب. وكان كتب بقلم صاحب گلشن خلفا. أوضحت ذلك في كتاب (شهرزور ـ السليمانية).
    منصب كركوك ـ بابان :
    عهد بمنصب كركوك إلى حسين باشا. وهذا أمدّته الدولة بمقدار
    __________________
    (1) تاريخ الغرابي ص 204 ـ 1. ذكرته في كتاب (العقيدة الإسلامية في العراق).

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي   تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 6:48 am

    من جيوش بغداد والجزيرة والعمادية لحرب هذا الثائر والانتقام منه صدر الفرمان بالقضاء عليه. ولكن بقي متصرف كركوك في الحدود شهرين يتجول فلم يتمكن من الوقيعة به. وإنما رجع بأخذ تقدمة زهيدة ... بل عاد والعجز باد عليه (1) ...
    الطاعون :
    وفي أواسط هذه السنة عاد الطاعون مرة أخرى وظهر ببغداد فجاس خلال الديار داخلا وخارجا ، وفتك فتكا ذريعا ، فكان أشدّ ، وضائعاته أكبر ، فشغلت كل نفس بشأنها ولم يعد يعرف أحد آخر فبلغت الوفيات نحو ألف نسمة يوميا وربما تجاوزت ذلك ، وهذا المرض أنسى ما قبله ، فتجول في الانحاء ثلاثة أشهر حتى وافى النصف من شعبان سنة 1102 ه‍ فخفّت وطأته وزال خطره وبسبب ذلك اضطربت الأحوال وتولد نقص في النفوس في القرى والقصبات. وإن أعراب البادية اغتنموا الفرصة فمدّوا أيديهم إلى أموال الناس وأغاروا من كل صوب فلم يسمعوا نصحا ولم يصغوا لقول. فقارعهم الحكام بما استطاعوا (2).
    وفي تاريخ الغرابي أنه استمر إلى هذه السنة ، وكان من وفياته أحمد بن عبد الله الغرابي صاحب التاريخ المسمى ب (عيون أخبار الأعيان في من مضى من سالف العصر والازمان). توفي في 1 شعبان سنة 1102 ه‍ وبوفاته زال الطاعون. وتعرض لذكره صاحب (روضات الجنات) أيضا (3).
    الغرابي وتاريخه :
    الغرابي هو أحمد بن عبد الله المعروف ب (غراب) ، ومرّ ذكر أخيه
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 114 ـ 1.
    (2) كلشن خلفا ص 114 ـ 1.
    (3) روضات الجنات ص 25.

    محمود الغرابي العالم الأديب. ورد ذكر هذه الأسرة في أوليا چلبي وفي الروض النضر وفي مؤلفات عديدة. ومن رجالها حسين الغرابي صاحب المدرسة المعروفة ب (مدرسة الغرابي) ، و(تكية عرب) في محلة باب الشيخ ، ولا تزال بقايا أسرتهم موجودة. ترجمه صاحب (عثمانلي مؤلفلري).
    وتاريخ الغرابي من أجل ما رجعنا إليه ، تعرض لوقائعنا التاريخية إلى آخر أيامه. وحوادثه تتناول العراق وغيره. وما يتعلق بالعراق منها قليل إلّا أن فائدته كبيرة جدا لا سيما ما يتعلق بعصره. فإذا كان گلشن خلفا عظيم الأثر في الوقائع فهذا لا يقل عنه وأحيانا يزيد عليه. وإن صاحب گلشن خلفا من المطلعين على الحوادث الرسمية. وفي هذه نرى الغرابي يصرح بما لم يستطع أن يصرح به صاحب گلشن خلفا. أوسعت البحث فيه في كتابي (التعريف بالمؤرخين). عندي نسخة خطية منه وأخرى مصورة.
    ولمؤلفه (زبدة آثار المواهب والأنوار في التفسير) باللغة التركية. ونسخه موجودة إلا أنها قليلة. منه نسخة في نور عثمانية. ألفه سنة 1096 ه‍. وطبع سنة 1294 ه‍. عندي مجلد واحد منه. وفي مخطوطات الموصل ورد ذكره. والمؤلف من ذرية الشيخ علي الهيتي المتوفى سنة 563 ه‍.
    وكان المؤلف قبل وفاته أوصى فتح الله بن عبد القادر لقمان بإخراج تاريخه إلى البياض لينتفع به الناس. وكان فراغه من كتابته في 19 شوال سنة 1104 ه‍.
    الطاعون في البصرة ـ حوادثها :
    سرى الطاعون إلى أنحاء البصرة فأنهك قواها ودمرها فوصلت إلى حالة لا تستطيع بها نقل أمواتها بل كان يوارى من يموت في محله.

    أورث أضرارا زاد بها على ما أصاب بغداد.
    ذلك ما دعا أن يقع اختلاف بين والي البصرة وهو الوزير أحمد باشا آل عثمان باشا والأهلين على (الرسومات الشرعية) و(الضرائب العرفية) بحيث أدى إلى وقوع القتال.
    اتفق عشائر الجزائر مع أمراء المنتفق فخرجوا عن الطاعة وهاجموا والي البصرة جاؤوه بجيش يتراوح بين الألفين والثلاثة آلاف فارس وراجل فوصلوا إلى (الدير) فلما سمع بذلك سارع لصد غائلتهم دون رويّة لمجرد شجاعته وتهوره. قام بأمل تشتيت شملهم ونصحه بعض أهل الرأي أن يتخذ تدبيرا ناجعا لإسكان الفتنة والاضطراب فلم يلتفت وإنما استقبل اولئك بخمسمائة من المشاة والخيالة مع من كان معه من أتباع. حاربهم فحمي الوطيس بين الفريقين ففرّ منه أكثر أصحابه ولم يبق معه سوى مائة جندي فهاجم بهؤلاء حتى هلك معهم (1). ومن ثم حاول كتخداه حسن آغا أن يتولى منصبه باتفاق أهل الرأي ممن كان هناك فلم يفلح. وإنما تقدم العربان نحوهم فتمكنوا من الاستيلاء على البصرة. وكان شيخ المنتفق (مانع) قائد الجموع ، وصل إليها وتغلب ولكن أرباب الحل والعقد من أهل البصرة اتفقوا على ابعاده منها ، واختاروا (حسنا الجمّال) من أعيان الولاية وكان مشتهرا في تلك الاطراف فاستدعوه وولوه أمورهم ليقوم بعبء المستلمية (2)
    أحوال بغداد ـ عزل الوزير :
    اضطربت أحوال العراق وساءت. تسلط العربان على أكثر انحائه مما نقص الرسوم الاميرية والاعشار وكان الوزير رؤوفا بالناس ، حسن
    __________________
    (1) تاريخ راشد ج 2 ص 181.
    (2) كلشن خلفا ص 114 ـ 2.

    المعاملة فتساهل. طلب أن يعفى من الحكم فعزل في 17 ذي الحجة سنة 1102 ه‍ وكان ابتدأ حكمه في 25 ربيع الأول سنة 1101 ه‍ (1).
    حوادث سنة 1103 ه‍ 1691 م
    الوزير أحمد باشا البازركان
    هذا الوزير ورد متسلمه بغداد في 17 ذي الحجة سنة 1102 ه‍ ثم وافى في أوائل سنة 1103 ه‍. وهذا الوزير أرسل كتخداه بجم غفير إلى مانع شيخ المنتفق فعاد بمغلوبية فاحشة كما أن الوزير قضى أيامه في بغداد بأمراض مزمنة فتوفي في 2 شوال ودفن في مقبرة الأعظمية (2).
    وزارة أحمد باشا الكتخدا :
    كان الوالي السابق حسن باشا قد سجن ببغداد بناء على الفرمان الوارد من أجل بقايا الميري عليه. وكانت أعماله معتدلة جدا فكان الأهلون راضين عنه. ولذا اجتمع العلماء وأهل الحل والعقد كافة فأخرجوه من القلعة وقدموه لمنصب الحكومة وعرضوا الأمر إلى الدولة فصدر الفرمان بالعفو عنه وعهد بالوزارة إلى أحمد باشا كتخدا عمر باشا الوزير السابق.
    وجاء في تاريخ راشد ما يوضح أكثر. قال : بعد قتلة أحمد باشا آل عثمان باشا والي البصرة عهد إلى حسن باشا إلا أنه لم يؤد ما ترتب بذمته من مبالغ الدولة. وبناء على حادث البصرة عهد إليه بمنصب بغداد ، واختير سلفه (صالت أحمد باشا) والي بغداد إلى البصرة (3).
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 114 ـ 2.
    (2) كلشن خلفا ص 115 ـ 1.
    (3) تاريخ راشد ج 2 ص 181.

    وفي هذا موافقة لما اختاره الأهلون ، ولكن الدولة مضت على خلافه كما ذكر صاحب كلشن خلفا. وفي هذه الواقعة وغيرها من الوقائع المحلية ما يصحح مدونات المؤرخين الرسميين ، يدل على ذلك ما أبداه (راشد) في حوادث هذه السنة ما يوافق المدون في گلشن خلفا. وزاد أن أحمد باشا الكتخدا كان يقال له أحمد آغا محصل حلب ، ثم منح الوزارة ببغداد ، وسبق للبغداديين أن عرفوه (1).
    وفي 24 ذي الحجة ورد متسلّمه ثم جاء عقب ذلك فشرع في الإدارة (2).
    قتل والي البصرة :
    إن السلطان أمر بقتل حسين باشا والي البصرة سابقا لما ترتب بذمته من أموال الدولة ، وكان يماطل في الأداء ويبدي اعتذارا. وفي سنة 1099 ه‍ نال ولاية البصرة ووزارتها وحبس في (المابين) قبل قتله (3).
    وفيات
    البرزنجي :
    في غرة المحرم سنة 1103 ه‍ توفي السيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي. ولد بشهرزور ليلة الجمعة 12 ربيع الأول سنة 1040 ه‍ ثم ورد بغداد وأخذ عن الشيخ مدلج. ومن مؤلفاته نوافض الروافض مختصر النواقض. وعلى النواقض ردود مطبوعة وغير مطبوعة. وفي كلها ما يعين
    __________________
    (1) تاريخ راشد ج 2 ص 191.
    (2) كلشن خلفا ص 115 ـ 1.
    (3) تاريخ راشد ج 2 ص 174.

    المشادة السياسية بين ايران والعراق (1).
    حوادث سنة 1104 ه‍ 1692 م
    حوادث البصرة :
    بعد قتل والي البصرة أحمد باشا عهد بالولاية إلى كتخداه حسن آغا ومنح طوغين (2) إلا أن مانعا شيخ المنتفق حاربه كثيرا ثم عهد إلى الوزير خليل باشا أخي أحمد باشا البازركان بإيالة البصرة فسمع مانع بذلك فتأهب للطوارىء ، وللاستيلاء على المدينة وتسليمها إلى الوزير الجديد جعل والي بغداد أحمد باشا قائدا وأن يكون في صحبته ولاة كركوك والموصل ومقدار من جيش ديار بكر فوصلوا ، قابلهم الشيخ مانع في جزائر البصرة فدامت المعركة بضعة أيام ، وبالنتيجة في سلخ شهر رمضان انهزم الباشا وانكسر جيشه ، وحينئذ انتهب العربان ما معهم من معدات حتى النقود وصارت سفن الكثير من التجار غنائم. فهلك قسم من العسكر والقسم الآخر فرّ إلى البصرة وبعضهم ورد بغداد مجروحا مسلوبا. وبهذه الحالة عاد خليل باشا إلى بغداد ولم ينل مأربا.
    وهذه الواقعة عرضت بتفاصيلها إلى الدولة فوجهت لائمتها على الولاة وإن تعدياتهم اضطرت الشيخ مانعا أن يقوم في وجه الحكومة فارتكب ما ارتكب. وبهذه الملاحظة أرسلت إليه السلطة كتابا استمالته به ، وأضيف إلى تيماره مقدار قليل جبرا لخاطره. وحينئذ أمر خليل باشا أن يذهب إلى البصرة ففعل (3) ...
    __________________
    (1) سلك الدرر ج 4 ص 65.
    (2) تاريخ العراق بين احتلالين ج 4.
    (3) كلشن خلفا ص 115 ـ 1 و2.

    حوادث سنة 1105 ه‍ ـ 1693 م
    وفاة الوزير :
    وفي 5 جمادى الأولى توفي الوزير فدفن في مقبرة الإمام الأعظم. هذا وبناء على رأي أهل الحل والعقد نصب كتخداه قائممقاما. وافقت الحكومة على ذلك فتشوش النظام أكثر واضطربت الحالة فأودعت جلائل الأعمال إلى صغار الموظفين (1) ...
    وفي تاريخ السلحدار إن الوزير السابق من أهل اخسخة ، وهذا هو (دال أحمد آغا) كتخدا عمر باشا والي بغداد ، كانت الدولة ابان جلوس السلطان سليمان أرسلت بكتاب إلى شاه العجم بيد عثمان آغا أمين العرفاء تنبىء فيه بجلوس السلطان ، ولما ورد بغداد توفي فأخبر الوالي عمر باشا دولته فأمرت بلزوم إرسال الكتاب مع من يختاره فأرسل (دال أحمد آغا) كتخداه رسولا. ولما سلم الكتاب أكرمه الشاه إكراما عظيما وحينئذ قدم كتاب تهنئة إلى السلطان مع هدايا وافرة نفيسة وأعاد الرسول مع سفيره كلب علي خان. وفي الطريق سمعوا بأن السلطان توفي ، فمضوا من طريق روان إلى اسكدار. ولما وصل إلى استنبول أجريت له الضيافة كما أن دال أحمد آغا أنعم عليه برئاسة الحجاب.
    وهذا هو الذي ولي بغداد ، وهو كتخدا عمر باشا (2).
    والي بغداد :
    وجهت وزارة بغداد إلى أحمد باشا ، في 3 شوال. ورد متسلمه. ثم جاء هو فبدأ بأعماله. وفي تاريخ السلحدار وجهت ولاية بغداد إلى علي باشا وزير زادة.
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 115 ـ 2.
    (2) تاريخ السلحدار ج 2 ص 620 و622 و738.

    وفي هذا ما يخالف گلشن خلفا. وصاحبه كاتب الديوان وهو أعرف بما وقع.
    طغيان دجلة :
    في أيامه طغى ماء دجلة وأحاطت المياه ببغداد. فظهرت له خدمات مشكورة في تخريج المياه وسدّ مداخلها ...
    اضطرابات :
    في هذه الأيام ذهب أمير جيشه لمحاربة العربان فعاد منهزما وانتزعت منه مقاطعات العرجة ، والسماوة ، وبني مالك ، والرماحية ، والجوازر ولم يبق منها ما هو تحت سلطة الحكومة. فلم يعد يرسل إليها ضباط فصارت سلطة الولاة محدودة جدا ... وأن بني عمير قد عصى رئيسهم عباس فأغار على الصليند والسيب وقدس والمحاويل فعاثوا في تلك الانحاء وانتهبوا أهلها (1) ...
    حوادث سنة 1106 ه‍ 1694 م
    حالة العراق :
    لا سلطة للدولة إلا على بغداد. تركوا الأطراف فلم يحركوا ساكنا ، ولهذا لم يقع ما يستحق الذكر.
    تاريخ السلحدار :
    في هذه السنة انتهت حوادث تاريخ السلحدار. وهو من التواريخ المهمة في توضيح وقائع العصر لا سيما العراق. ويزيد في غالب الأحيان على تاريخ راشد إلا أن الاثنين لا يفيدان الفائدة المطلوبة من كل وجه ولا يؤديان الغرض التاريخي متصلا بالوقائع المتسلسلة وغالب
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 115 ـ 2 وقدس مقاطعة في انحاء المحاويل.

    ما يشغل الدولة من وقائع يكون موضوع بحثها.
    حوادث سنة 1107 ه‍ 1695 م
    الوزير علي باشا :
    ولي بغداد. دخل متسلّمه في 7 المحرم ثم ورد هو فحكم بغداد.
    التأهب لاستخلاص البصرة :
    بذل الوزير ما في وسعه لإنقاذ البصرة وجعل معه الوزير حسين باشا محافظ ديار بكر بعساكره. وكذا ولاة كركوك والموصل والرها فهؤلاء أمروا مع كتخدا الباشا بالذهاب إلى البصرة حتى أن الشريف سعد (شريف مكة) (1) عيّن مع هؤلاء وعهد بالقيادة (الإمارة) إلى الوزير فلم يتيسر له السفر وأن والي ديار بكر حسين باشا توفي في بغداد. رأى الجيش فقدان الارزاق وقلتها فلم يبد رغبة ، وعاد أكثره إلى مواطنه (2).
    عشيرة شمر :
    اهتم الوالي بها وبذل جهوده ليلا ونهارا فصار يجمع من يستعين
    __________________
    (1) كان الشريف سعد بن زيد ولي سنة 1103 ه‍ وعزل الشريف محسن بن حسين وفي سنة 1105 ه‍ عزل سعد من الشرافة أيضا فهرب إلى اليمن في ذي الحجة وأقيم مكانه الشريف عبد الله بن هاشم وبعد انتهاء موسم الحج في سنة 1106 ه‍ عاد بمساعدة إمام اليمن فاستولى على المواقع المهمة فاضطر الشريف عبد الله ومعه أحمد بن غالب إلى الهرب إلى ينبع فاضطرت الدولة إلى إعادته وكان ابنه سعيد ذهب معه إلى اليمن وعاد معه. تاريخ راشد ج 2 ص 286 و304 وتاريخ السلحدار ج 2 ص 613.
    (2) كلشن خلفا ص 116 ـ 1 وفي تاريخ راشد ج 2 ص 255 ، إن المصروفات في هذا السبيل بلغت (45) ألف قرش منها (15) ألفا أعطيت إلى والي ديار بكر والمتبقي لوالي بغداد.

    بهم من الأنحاء الأخرى لدفع الغوائل ، وكان ورد إلى جهة نهر عيسى نحو ثلاثمائة من عشيرة شمر فعاثوا بالأمن. ظهروا هناك على حين غرة. وحينئذ آغار عليهم هذا الوزير بما لديه من خاصة فأعمل فيهم السيف والرمح وأورد الكثيرين منهم حتفهم وأسر نحو خمسين أو ستين وجاء بهم إلى بغداد ، فضربت أعناقهم (1).
    غزية ـ أمير الموالي حسين العباس :
    ثم حدثت غوائل أخرى فإن أعراب غزية في ناحية الشامية شوشوا الأمن وصاروا ينهبون القرى والبلاد. فلما علم ذلك منهم سير إليهم حسين العباس أمير الموالي وكان آنئذ مع الوزير. جهز معه ثلة من الجيش. أما هؤلاء الأعراب فلم يستطيعوا المقاومة ، فاستولى على نحو من ألف أو ألفين من ابلهم ...
    ومن هذا نعلم أن الموالي لا يزالون إلى هذا الحين أصحاب السلطة العشائرية القوية ، وأن الحكومة تستعين بهم وتركن إلى قوّتهم في تأديب العشائر الأخرى وفي العراق لا تزال فرق منهم في أنحاء مختلفة (2).
    هذه من طيىء ، من أكبر عشائر العراق. واليوم استقل كل فرع من فروعها باسم خاص وربما عادت الصلة غير معروفة لو لا المدونات التاريخية (3).
    عشيرة بني جميل ـ زبيد :
    عاثت عشيرة بني جميل في أطراف دجيل وكذا في مهروذ
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 116 ـ 1.
    (2) كلشن خلفا ص 116 ـ 1.
    (3) عشائر العراق ج 3. وكلشن خلفا ص 116 ـ 1.

    (مهروت) أعراب (زبيد) كانوا قد اعتادوا الغارة والنهب وعلى هذا ذهب الوزير نفسه إليهم فعاقبهم بما يستحقون. ويقصد بأعراب زبيد (عشائر العزة). وهم من زبيد الأصغر وفروعهم كثيرة.
    وعشيرة بني جميل. من العشائر القيسية. ولها فروع عديدة.
    عشائر بني لام :
    ظهر من بني لام اعتداء على أطراف مندلي (بند نيجين). ولما اشتهر ذلك وتحقق ذهب الوزير نحوهم بما عنده من حاشية. ومن عشائر البيات وباجلان. وكان الأعراب نحو خمسة آلاف أو ستة فلم يبال بهم. وفي أثناء المعركة واشتدادها تزلزلت أقدام الأعراب ولم يقووا على العراك. ولم تمض إلا أربع ساعات أو خمس حتى فرق شملهم فقتل من قتل وجرح من جرح ، فأعادهم مقهورين. ورجع منتصرا (1) ...
    رأى هذا الوزير أنه من سنين طويلة قد تسلّط العربان سواء في أنحاء بغداد أو حوالي البصرة فاختل نظام الدولة وفقدت السيطرة عليها فصارت تشوش الحالة وتضر بالأمن ... فبذل خلال وزارته البالغة ثلاث سنوات أو أربعا مجهودات كبيرة. سعى سعيا حثيثا ليل نهار وتسلط على القاصي والداني. تولى تأديب هذه العشائر مرة بنفسه وأحيانا استعان برجاله.
    وعلى كل كانت همته مصروفة إلى ضبط الأمور وصيانة الضعفاء (2).
    حوادث سنة 1109 ه‍ ـ 1697 م
    حالة البصرة :
    إن الحوادث المارة تجعلنا نقطع بجلاء أن حكومة بغداد لم تتمكن
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 116 ـ 1. وعشائر العراق ج 3.
    (2) كلشن خلفا ص 116 ـ 2.

    من ضبط العشائر المجاورة فكيف تستطيع القضاء على إمارة المنتفق بالبصرة.
    وجل ما عرف من تاريخ راشد أن أخا الشيخ مانع ومثله كتخداه جعفر لم يتمكن من الحويزة وعاد مخذولا في حربه ، وتوالى الوهن في القوة وأن العربان الذين معه تفرقوا منه تدريجيا ...
    وأن الأهلين في البصرة وشيوخ العرب في انحائها أخبروا الوالي بهذه الحالة وطلبوا أن يجعل حسن باشا والي البصرة السابق واليا عليهم وأن ينقذهم قدموا محضرا بذلك. فلم يعتمد والي بغداد على هذه الأخبار فأرسل درويش آغا كتخدا الجيش الأهلي لاستطاع حقيقة الحالة. ولما عاد أبدى أن القرنة راغبة في التسليم وأن الشيخ ابن صبيح طلب قوة صغيرة فأرسل إليه ثلاثمائة من الجيش فسلم إليهم البلد وأخرج أعوان الشيخ مانع.
    وأن أهل البصرة لا سيما سادات الرفاعية وردت الكتب منهم يلتمسون إرسال حسن باشا بألف جندي ليسلموا إليه المدينة.
    أما الوالي فإنه ليس في استطاعته تجهيز ألف جندي ، فتهرب من كل مصرف أو بالتعبير الأولى لم يتمكن من اخضاع العشائر التي بجهته فكيف يستطيع أن يجهز جيشا لهذه المهمة ، فلم يهتم بكل هذا ، وأضاع الفرصة.
    وفي هذه الحالة ورد سفير من أمير الحويزة فأبدى أنه يستطيع أن يستولي على البصرة ويقدمها إلى الدولة والظاهر أن الوالي أذن له. ومن ثم لم يستطع الشيخ مانع دفعه فترك المدينة واستولى عليها أمير الحويزة ، فصارت بيد المشعشعين (1).
    __________________
    (1) تاريخ راشد ج 2 ص 420.

    مفاتيح البصرة :
    وبعد ما مرّ من الحوادث من انتزاع أمير الحويزة المولى فرج الله البصرة من الشيخ مانع كان أخبر شاه ايران بذلك وحينما سمع لم يشأ أن يجدد حوادث الخصومة مع العثمانيين فأرسل رستم خان سفيرا إلى الترك فذهب إلى أدرنة. وبعد الاستراحة أياما معدودات واجه الصدر الأعظم وشيخ الإسلام ، وأبدى أنه جاء بمفاتيح البصرة والهدايا الوافرة. ثم تكرّم بمواجهة السلطان وعرض كتاب الشاه مع الهدايا وبلغ ما أرسل من أجله فأبدى السلطان اللطف لهذا السفير واستأنس به وكساه وأتباعه الخلع (1).
    حوادث سنة 1110 ه‍ ـ 1698 م
    حكومة الوزير إسماعيل باشا :
    ولي بغداد في هذه السنة ، وأن متسلّمه ورد في 2 ربيع الأول ثم جاء هو بعده بيوم أو يومين فقام بأعباء الادارة. وجاء في تاريخ راشد أن علي باشا عزل سنة 1109 ه‍ إثر عودة رسول الشاه. وكان غضب عليه من جراء إهماله وتكاسله بحيث ترك البصرة حتى استولى عليها أمير الحويزة ، وعهد إلى إسماعيل باشا بمنصب بغداد وكان والي مصر (2).
    تأهبات جديدة على البصرة :
    وفي هذه الأيام كان كل من والي حلب الوزير حسن باشا ووالي ديار بكر الوزير يوسف باشا الچلبي في صحبة الوزير جاؤوا إلى حسن باشا والي البصرة السابق وكان آنئذ والي الموصل ودعوه لضبط حكومة
    __________________
    (1) تاريخ راشد ج 2 ص 429.
    (2) تاريخ راشد ج 2 ص 429.

    البصرة وعين من جانب الحكومة مع هؤلاء مائة (بيرق) وأكثر من ألف ينگچري من نوع (سردن گيچدي) ونحو ألف من اللوند (اللاوند) (1). أرسل هذا الجيش إلى البصرة إلا أنه عاد مخذولا مقهورا فإن هذا الوزير جمّع الجيش وذهب للزيارة في كربلاء فحصلت منه اعتداءات كثيرة. مدّ الجند أيديهم إلى النهب وعادوا بتلك الحالة. وحينئذ وردت رسائل عتاب وتقريع من حكومة ايران من جراء هذه الأعمال.
    والأغرب أن هذا الوزير حينما عزل عهد إليه بمنصب (وان) ولكنه استولى عليه الوهم من الدولة وخشي بطشها به ففر إلى أنحاء ايران وهناك أصابته أنواع النكبات فتوفي.
    ومجمل القول إن خطة بغداد ومدينة البصرة قد مثلا أنواع الاعاجيب والغرائب من سنة 1102 ه‍ إلى 1111 ه‍ وأن أحوال الناس اضطربت. تسلط العشائر على الأنحاء استفادة من ضعف الدولة حتى أن الشيخ مانعا حينما استولى على البصرة لم يقدر على ضبطها وحسن إدارتها ومن ثم توصل أمير الحويزة (فرج الله) بطرائف الحيل وبلا حرب حتى استولى عليها.
    ثم إن الدولة في هذه الأيام كانت مشغولة بمقارعات مع الحكومات الأجنبية المجاورة لها فكل ما قامت به من التجهيزات والمعدات للحرب لم تكن مجدية.
    قال صاحب گلشن خلفا : فبقيت الأمور مرهونة بأوقاتها. ولما تم الصلح بين الدولة والأجانب عطفت الهمة إلى جهة استعادة البصرة. وقال إن العشر سنوات السابقة حدثت فيها حوادث مرّة لا تدعو للطمأنينة والرغبة وإن تفصيلها لا طائل تحته فأغفلت أمرها.
    وفي ما ذكره كفاية لمعرفة الوضع ، وحقيقة الإدارة. وكان الأولى
    __________________
    (1) تاريخ العراق بين احتلالين ج 4 ومباحث عراقية ج 1 ص 31.

    به أن يدوّن ما جرى من أنهم لم يستطيعوا في هذه الحالة توليد النظام أو تسكين راحة الخلق بالسيطرة على الإدارة. وإنما قام المتغلبة من كل فج وهم لاهون (1).
    المدرسة الإسماعيلية :
    عرف جامع الخفافين أو (جامع الصاغة) قديما بمسجد الخظائر. وفي أيام سنان باشا جغاله زاده عمر مدرسة هذا الجامع. وفي أيام إسماعيل باشا (سنة 1110 ه‍ ـ 1111 ه‍) أعيدت عمارتها ، وعرفت ب (الإسماعيلية). وما قيل من أن مدرسة الإسماعيلية في (سوق الكبابية) فغير صحيح. فهناك (مدرسة الوفائية) (2). وهذه قديمة ذكرها الشيخ سلطان الجبوري. كان كتب رسالة سنة 1118 ه‍ في المدرسة الإسماعيلية كما جاء في مخطوطات الموصل (3).
    ودامت هذه المدرسة إلى أيام علي باشا صاحب المدرسة العلية كما هو منطوق الأمر السامي المؤرخ سنة 1176 ه‍ ، بل بقيت معروفة بهذا الاسم إلى أن عمرها وجدد بناءها (آل الپاچه چي) (4).
    حوادث سنة 1111 ه‍ 1699 م
    الوزير مصطفى باشا :
    عزل إسماعيل باشا من جراء أنه لم يستطع القيام بما هو مطلوب منه في حوادث بغداد والبصرة. وإنما قصّر في واجبه وبقيت الأمور على
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 117 ـ 1.
    (2) تاريخ مساجد بغداد ص 77.
    (3) مخطوطات الموصل ص 29.
    (4) المعاهد الخيرية.

    ما كانت عليه قبله مما دعا إلى عزله (1) ، فولي مكانه مصطفى باشا المشهور ب (دال طبان) وكان تربّى في دائرة قره مصطفى باشا ثم نال مناصب عديدة منها أنه صار آغا الينگچرية ثم ولي مراتب أخرى حتى نقل من أدرنة إلى بغداد في ربيع الآخر ووصل متسلمه في غرة ذي القعدة ، وجاء هو في أواسط ذي الحجة (2).
    حوادث سنة 1112 ه‍ 1700 م
    استخلاص البصرة والقرنة :
    إن الدولة كانت مشغولة بحروب طاحنة مع دول عديدة من الغربيين الأمر الذي دعا أن تهمل أمر بغداد والبصرة ، ولم تلتفت إلى ما حدث من تغلب وتشوش ، فكانت قضية البصرة والقرنة في درجة تالية من الاهتمام بل تركت إلى الوقت المرهون.
    وفي هذه الأيام زالت الغوائل فتوجهت أنظار الدولة إلى هذه المهمة من توطيد النظام والمهام الأخرى فيها. اتخذت التدابير لذلك كله (3).
    وفي أواسط المحرم ورد الفرمان بلزوم استخلاص البصرة والقرنة من أيدي المتغلبة وإعادتهما إلى حوزة الدولة وأن يعهد بانضمام ايالة البصرة إلى حلب الشهباء وإيداعهما إلى والي بغداد السابق علي باشا. وعيّن قائد الحملة وأن يكون معه محافظ آمد الوزير محمد باشا وأمراء الألوية وجيش الحرس ومحافظ شهرزور يوسف باشا ، ووالي سيواس
    __________________
    (1) تاريخ راشد ج 2 ص 484.
    (2) كلشن خلفا ص 117 ـ 2 وسجل عثماني.
    (3) تاريخ راشد ج 2 ص 509.



    مصطفى باشا ووالي قره مان أيوب باشا ومتصرف پيره جك علي باشا ومتصرف أماسية محمد باشا مع من في ايالتهم من زعماء وأرباب تيمار وحرس ... وأمير العمادية ومن معه من فرسان ومشاة ، وأمراء عينتاب ومرعش ، وايالة حلب وكتخدا الجيش مع ثماني عشرة أورطة من ينگچرية الباب العالي مع كتخدائية السپاه والسلحدارية ونحو ألف من شجعان (سردنگچدي) من الترقية (1) وخمسمائة أو ستمائة من الجبه جية والمدفعية والعرباتية وكتخدائية الباب العالي. وكذا خمس الجيش الأهلي في بغداد ، وأمراء بدرة وباجلان والبيات وعشائر الكرد الفرسان ... عيّن هؤلاء. وأمدوا بذخائر وأرزاق من الرقة وديار بكر ومن الموصل وبالنقود من بعض البلاد الأخرى النائية.
    وكانت الدولة قبل هذا قد عينت محمد باشا آشچي زاده للقيام بإعداد أسطول في (پيره جك) لمهمة الجيش ونقل أرزاقه فأكملت.
    ثم إن والي حلب كان في محافظة بغداد منذ سنة ولا يزال في سفر طول هذه المدة. فعين لمحافظة الحلة وأبقي محافظ الموصل الوزير يوسف باشا الچلبي. وكان متصرف أماسية محمد باشا عين للقيام بهذه المهمة فظهر منه بعض التكاسل فتوقف بضعة أيام في الموصل. ولما علمت الدولة بذلك أنفذت فرمانا يقضي بإعدامه ودفن بمقبرة الإمام الأعظم.
    إن حل هذه المشكلة أقصى ما كان يبتغيه السلطان. فأمر بسوق العساكر وتعيّن موعد القيام بالأمر والاستيلاء على الأعراب ممن تحصّن في الاهوار وضبط مقاطعات الجزائر وأما الفرات ودجلة فإن سفائن التجار وسائر أرباب المنافع والمصالح ظاهرة الاستفادة والحاجة إليها
    __________________
    (1) وردت في تاريخ راشد (ترقي) وهو الارجح وفي غيره (ترقلي) فقلنا (ترقية). وهؤلاء صنف من الجيش لهم كتخدا وآغوات. والسردنكجدية من السباه (نوع جند).

    كثيرة أمر السلطان بإنشاء مقدار مائة وعشرين سفينة بين كبيرة وصغيرة في ميناء (پيره جك) وسير نحو 4200 من اللوندات وجهّزهم بنحو 420 مدفعا من نوع (قوغوش) وب (300) مدفع من نوع (يان صاچمه) وأربع قطع من مدافع هاون المسماة (خميره) فجدّدها وعيّنها وهناك مدافع أخرى منها 15 من نوع (باليمز) وأكثر من 30 من نوع (شاهيّة). وأعد كل ما يقتضي من آلات وأدوات وهيأ اللوازم من صغيرة وكبيرة. حملها السفن واستخدم لها محمد باشا وكان ربانيا ماهرا وسيّر معه أرزاقا وافية فتوجه من طريق الفرات. وزود بالأوامر لمن يهمه (1).
    صناديق اضرحة :
    وفي هذه الأيام ورد كتاب من والي كرمنشاه (قرميسين) إلى الوزير مع قاصد منه يفيد أن حضرة الشاه بإذن من السلطان صنع صندوقين لضريحي الإمام علي الهادي والإمام حسن العسكري. وأن الجبه دار محمود آغا قد عيّن لإيصالهما ... وبعد مدة جاء كتاب آخر يتضمن أنه توجّه حاملا الفرمان والكتاب المرسل إلى الوزير ومعه آغا لتأمين راحته فوضع الصندوقين مع بابين نفيسين في محلّهما من الاضرحة (2).
    توارد الجيوش ـ الأمر بالسفر :
    تواردت الجنود. فضربت خيامها في صحراء بغداد. وكان الجيش والأمراء مهيّأون للحرب. وبينا هم كذلك إذ ورد نديم السلطان (بلال آغا) حاملا الخط الهمايوني يؤكد فيه مهام القيادة (امارة الجيش) وأمر الوزراء وسائر الأمراء وجميع العساكر أن يسيروا إلى الحرب.
    ولما تأكد لزوم السفر عقد أهل الرأي مجلسا قرروا فيه الذهاب من طريق دجلة بالنظر لقرب حلول الشتاء. وفي 2 رجب ضرب كتخدا
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 118 ـ 1.
    (2) كلشن خلفا ص 118 ـ 1.

    الجيش الأهلي وينگچرية الباب العالي خيامهم في صحراء الباب الشرقي. وفي 7 منه نهض السردار الأكرم والي بغداد وسائر الوزراء والأمراء. تجمعوا في ذلك المحل (1).
    وكان السردار قد صنع في بغداد جملة من السفن من نوع (فرقته) تربو على الأربعين ونحو 300 سفينة عادية مكشوفة. وضعت فيها المهمات والأرزاق (2).
    والملحوظ أن الينگچرية كانوا خرجوا مع من خرج للتأهب إلى الحرب ولكنهم بلا موجب طلبوا الأرزاق والعلوفة بلا سبب فتجاوزوا الحد ، فأغلقت بغداد ثلاثة أيام من جراء ما أثاروا من فتنة ، وأطلقوا نيران المدافع على سراي الوالي فأهلكوا الكثيرين وسلبوا الأمن وشوشوا الحالة. وبتوسط المصلحين أرضوهم بحسن تدبير. وهكذا طلب لوندات السردار أرزاقهم وعلوفاتهم فحاول الوزير ارضاءهم وتطبيب خواطرهم فلم يصغوا فاضطر على حربهم فبعث عليهم لوندات المشاة فحاربوهم وفرقوهم بتدمير.
    هذه أوضاع الجيش ومنها يدرك ما آلت إليه الحالة من سوء.
    تفصيل حادث البصرة :
    إن الشيخ مانعا كان استولى على البصرة وإن أمير الحويزة أخرجه وانتزع منه المدينة. أعلم بذلك الشاه وعرض ما وقع ثم إن الشاه فكر في الأمر كثيرا وبعد تلوم ثلاثة أشهر أو أربعة وتأمل في القضية قطع بأن لا طريق سوى مراعاة الصلح القديم فأكد بكتاب منه روابط الاخلاص وقدم مفاتيح المدينة مصنوعة من الذهب من العيار الكامل مع أحد الأمراء المعتبرين وهو (أبو المعصوم خان) فعرضها على السلطان. جاء
    __________________
    (1) تاريخ راشد ج 2 ص 511.
    (2) كلشن خلفا ص 118 ـ 1.

    هذا الخان بمهمّة السفارة ورجا أن تجدد الصناديق لحضرات الأئمة المشار إليهم من جانب الشاه. فوافق السلطان وصدر الإذن بذلك ، وإن ولاة بغداد أيضا ساروا طبق الفرمان وسارعوا في الأمر.
    ورود السفن الحربية :
    وفي 4 شعبان ورد الخبر بوصول السفن الحربية من طريق الفرات إلى جبّة. وكان عهد بذلك إلى محافظ البصرة الوزير علي باشا والدفتري الجديد. فهؤلاء التحقوا بالجيش ...
    وأما والي شهرزور الوزير يوسف باشا ، ومتصرف سيواس مصطفى باشا فقد عيّنا في مقدمة الجيش ووالي قرمان أيوب باشا في مؤخرة الجيش كما أنه قد نبّه كتخدا الجيش الأهلي وينگچرية الباب العالي أن يمضوا سوية.
    وفي 8 شعبان وصلت السفن الحربية إلى شاطىء الرضوانية فرست هناك. وقد كتب إلى محمد باشا القبودان فدعي إلى بغداد.
    ولما تمت التأهبات الحربية وحملت المؤونة والمعدات الحربية في السفن نهض الجيش يوم السبت 19 شعبان وعبر جسر ديالى ونزلت العساكر في الجانب الآخرمنه (الشرقي).
    وفي هذه الأثناء ورد محمد باشا القبطان (قپودان) مع ثلاثة أو أربعة من أعوانه. وبعد المواجهة عهد إليه بالحلة فذهب إليها توا.
    وإن (الجبه دار) أنهى أمره وعاد إلى بغداد فحرر له الجواب على كتاب الشاه وسلم إليه وأوعز إلى متسلّم بغداد بالقيام بما اقتضى.
    وأيضا عاد بلال آغا مصاحب السلطان بعد أن حصل على مراده.
    وفي طريق العساكر كانت الأرض خصبة وفيها من الزروع ما يكفي لاقتيات الخيل ... فالأسباب كانت مهيأة. ولذا لم تر الجنود كلفة ، بل ساروا في طريقهم بكمال الراحة والطمأنينة فلم يصب أحدا ملل.
    وفي أثناء سيرهم ووصولهم إلى شط زكية في محل بقرب من

    القرنة نحو مرحلتين ورد كتاب وقاصد من داود خان أمير البصرة ففتح واجتمع الأمراء وقرىء علنا بمحضرهم فوجد مطولا خرج به كثيرا عن الصدد فأجابه الوزير بكتاب حرر صاحب گلشن خلفا مسودته ، مؤدّاه أن قوتنا كافية لضبط البصرة وأن الدولة إنما تأخرت لاسباب حربية كانت مع الأعداء ولما كان كتابكم مبهما فالمطلوب أن توضحوا غرضكم وتفيدونا على عجل لنقوم بما أمرنا.
    ثم إن الوزير أرسل هذا الكتاب مع من اعتمد عليه من الآغوات وذهب بصحبة الخان الذي أتى بالكتاب.
    وفي هذه الأيام جاء من القرنة الضابط عبد الرحيم ودخل الفيلق فواجه القائد وطلب أن يرسل معتمده ليسلم إليه البلدة فعهد إلى أحد آغواته بذلك وأرسل معه المقدار الكافي من الأفراد لضبطها فتم له وأمن جند العجم الذين كانوا فيها. ومن هناك ركبوا السفن دون أن يحصل أي تعرض وساروا. وكذا أهل القرنة لم يتعرض لهم بسوء ولم يقع اعتداء على واحد منهم قام بهذه المهمة (محمد آغا الخاصكي) من ينگچرية الباب العالي ومعه ثلاث أورطات فشكر الأهلون صنيع الآغا بهم.
    أما أهل البصرة فإنهم حينما سمعوا بذلك أنسوا وأبدوا الطاعة قبل أن يأتي إليهم أحد. وكان استيلاء الجيش على القرنة في 19 شهر رمضان سنة 1112 ه‍ فنزل الفيلق بلا حرب ولا جدال وحينئذ عيّن محمد آغا الخاصكي لمحافظتها وجعل معه ست اورطات من ينگچرية الباب العالي للحراسة.
    ثم إن الآغا المرسل إلى البصرة أخبر (داود خان) بحقيقة الحال كما أن الخان المرسل منه اطلع على الأمر. وحينئذ أرسل داود خان كتابا أول فيه الكلمات وقرر لزوم تسليم المدينة فطلب المهلة للخروج منها. ولما كان في ثغر الحدود قرية يقال لها (الدورق) علم أن فيها جماعة من العجم يبلغون نحو أربعين ألفا لم يمهلوا طويلا فعبر العسكر
    (شط العرب) وعرفوا بأن يتداركوا أمورهم وليخلوا المدينة. وكتب إليهم

    كتابا بذلك. وعهد إلى متسلم البصرة من جانب محافظها علي باشا ليقوم بالأمر.
    ثم عبروا شط العرب وتوجه الوزير علي باشا إلى جهة البصرة. وحينئذ سمع أميرها (داود خان) وكان في محل (مقام علي) (1) تجاه قرية
    __________________
    (1) مقام علي هذا هو (مشهد العشار) شاع غلطا بهذا الاسم ، وهو قريب من فم نهر العشار المعروف قديما ب (نهر الابلة) «1». وفي عجائب البلدان ودائرة معارف البستاني ما يوضح.
    __________________
    (1) ورد في الخارطة المذكورة تحت كلمة (العشار لفظ احتساب ميري) يدل على أن التسمية حديثة كانت في أيام الترك وأنها ترجمة لاحتساب ميري. قال الدكتور ذلك وطعن في كتاب (بلدان الخلافة الشرقية) تأليف لسترنج فظن أنه الذي أوقع الناس في الوهم. وبين أن العشار الحالي لم يكن هو العشار العتيق الذي كان في الأبلة. وقول لسترنج : ان البصرة الحديثة قائمة على موضع الأبلة في فوهة القناة (يريد نهر الأبلة العتيق) مع أن كتب البلدان القديمة مجمعة على أن الأبلة كانت في جنوب موضع البصرة الحديثة بما يقرب من نهر أبي الخصيب. وأقول : كنت كتبت في جريدة (البلاد) بحثا في (الأبلة أو العشار) بتاريخ 6 و9 و11 آذار سنة 1938 م ولم أطلع على ما كتبه لسترنج وأوردت النصوص ، وفي مجلة غرفة التجارة أوضحت عن العشار. والأبلة هي العشار ، وأن مقام علي قبر العشار ، وأن الكتب القديمة لا يعرف لها هذا الإجماع. وإنما نشأت فكرة مغلوطة من بعض المتأخرين ، ولا تصلح أن تكون سندا. وإن الخارطة فسرت العشار (باحتساب ميري) غلطا. وإنما أرادت أن تقول العشر هو الاحتساب الميري فأرادت تقريب اللفظ وبيان المراد منه فوقعت في غلط أكبر. ولكن الدكتور بنى على ذلك التفسير المغلوط ما حاول به هدم ما قلناه من الاستمرار من القرن السابع بعد اندثار مدينة الأبلة إلى يومنا هذا. ومشهد العشار معروف قبل القرن السابع ثم عرف باسم مقام علي وورد ذكره في حوادث سنة 1112 ه‍ في المجلد الخامس. وأما العشار النهر فبقي اسمه مستمرا ولا يزال إلى يومنا هذا ولم ينس بل حل محل الأبلة بعد اندثارها من القرن السابع ولكن مشهد العشار تبدل ب (مقام علي). ولا نمض بعيدا فإن موقع مشهد العشار في المحل الذي وصفه القزويني في عجائب البلدان.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي   تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 6:50 am

    كردلان من جانب البصرة. ركب سفينة وأخذ معه باقي الايرانيين وذهب إلى مملكته سوى أن هذا الخان كان مريضا ، فلم يصل إلى منتصف شط العرب حتى توفي. وجاء تاريخه (موت داود خان) سنة 1112 ه‍.
    والبصرة كان استولى عليها الشيخ مانع أمير المنتفق في أواخر سنة 1106 ه‍. وفي شهر رمضان من سنة 1108 ه‍ استولى عليها أمير الحويزة المولى فرج الله ولما أخبر الشاه لم يرض بعمله ، وضبط المدينة وعيّن لها داود خان واليا إلى أن تتسلمها الدولة العثمانية منه. وفي شهر رمضان سنة 1112 ه‍ عادت إلى الدولة ودخلت في حوزتها.
    وكان قد بنى العجم في الجانب الشرقي من البصرة قلعة جديدة في محل يقال له
    (كردلان) فعين للمحافظة عليها نحو مائة نفر من جيش القرنة ووضع فيها مدفعان وهذه لا تزال قرية معمورة من قرى ناحية (شط العرب) ومركز هذه الناحية (تنومة). وكردلان معناها (مأوى التل) فسميت كذلك.
    هذا ولوحظ انضباط البصرة وانتظامها فتمكن واليها وحصل له ما يريد فعاد الوزير إلى القرنة ...
    وكان نصب محمد آغا الخاصكي لمحافظة القرنة كما تقدم. وضع هناك 1400 من الجند من ينگچرية الباب العالي وهم ست أورطات فأعطي لهم قسط من المواجب والأرزاق عن ثمانية أشهر وأبقوا في خدمة المحافظة. ومن الينگچرية الجيش الأهلي والمتطوعون والعزب والمستحفظون والجبه جية والمدفعية والكتاب وعرفاء الديوان والكل جمعا 1767 نفرا وقد أبقى فيها من حرس الوزراء والأمراء حسب الرغبة والطلب فسجّلوا وعمرت القلعة ووفرت المؤونة من المعدات وأكمل جميع ما تحتاجه القلعة.
    ولما كانت ايالة البصرة من البلاد الحارة اقتضت العودة نظرا

    لإقبال موسم الصيف. وفي 14 شوال يوم الخميس رحلت العساكر من القرنة. وعلى هذا عبروا أنهارا متعددة وطووا صحاري وقطعوا براري حتى نزلوا قصبة مندلي (بندنيجين) وفيها توفي أيوب باشا ودفن قرب قبر (نبي توران) وبعد عدة مراحل نزل الفيلق في الجانب الآخر من ديالى. نصب جسرا فتوالى عليه عبور العساكر.
    وبينا الجيش يعبر إذ ورد في تلك الليلة حسن آغا من حجاب الباب العالي بفرمان في قتل محمد باشا والي ديار بكر. فقضي عليه ودفن في مقبرة حضرة الشيخ عبد القادر الكيلاني. ولم يعلم السبب. والمعلوم أنه لم تكن له معاملة حسنة مع القائد ولا مع بعض متولي الأمور وبناء على شكاية هؤلاء وإنهائهم أمر السلطان كما طلب.
    ثم إن الوزير القائد دخل بغداد في 15 ذي القعدة ومن ثم عاد الأمراء والوزراء إلى مواطنهم رويدا رويدا (1).
    عشائر بني لام :
    إن شيخها (عبد الشاه) أبدى الطاعة للدولة ، وبين أنه حاضر للخدمة ، وأن عشائره تبلغ نحو (20) الفا. أدرك القائد خدعته وأنه يحاول معرفة القوة فلما علم أنها فائقة أذعن بالطاعة وقدم نفسه للمعاونة فقال له القائد لا حاجة لنا إلا أن تخلص للدولة وتكف عن سابق أفعالك وإلا دمرناك. ولما أظهر الاخلاص استخدمته الدولة للتعريف بالطرق وألبس الخلعة وتعهد بالانقياد والطاعة. ومن ثم أعلم العشائر الأخرى فجاء شيوخها وطلبوا الأمان والعفو وأخذت رهائن منهم فكتبت لهم خطوط الأمان (2).
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 120 ـ 1 وتاريخ راشد ج 2 ص 519.
    (2) تاريخ راشد ج 2 ص 515.

    نهر ذياب :
    نهر الفرات يمضي من شمال الحلة فيتوجه نحو الشرق فيمر بالرماحية وب (خالد كبشة) وحسكة والسماوة. يجتاز هذه النواحي فيصل إلى الجزائر ثم يختلط بدجلة في شط العرب. وكان من زمن بعيد يجري كذلك بهذه الصورة ... وفي سنة (1100 ه‍) فما بعدها صار يقوى جريانه في النهر المتشعب من الفرات المسمى ب (نهر ذياب) الواقع في غربي قصبة الرماحية ببعد أربع ساعات وفي المثل العامي (طلعة نهر ذياب). وهذا يقوى جريانه عند نهر حسكة. وقبل هذا التاريخ لم يكن بهذه السعة وكان من السهل اتخاذ سد له وإيقافه عند حده ولكن أهمل فلم يهتم أحد به وإن الذين يرغبون في سده لم يقدروا عليه فلم تتيسر الاستفادة منه. وما زال هذا النهر يتوسع يوما فيوما حتى اكتسب سعة فائقة فمال شط الفرات إليه فتعذر سدّه فصار مضرب المثل. وهناك حدثت أنواع الاهوار والجزائر حتى أن بعض النواحي صارت معرضة لخطر الغرق كما أن البعض الآخر منها بقي غير مزروع بسبب انقطاع المياه (1).
    العشائر في هذه الأنحاء :
    قالوا : جبل العربان على العصيان فصاروا يتحصنون في تلك الأهوار والجزائر ويمتنعون عن اداء الميري. وبعض الضرائب تزايدت
    __________________
    (1) علق الشيخ ودّاي العطية في رسالته : النص الذي نقلته هو من گلشن خلفا. وراجعت النسخة المخطوطة منه فلم أجد فيها اختلافا عن المطبوعة. وقد حدثت تبديلات في هذا النهر كما تدل حوادث سد الفرات فمن الضروري الاحتفاظ بالنص. وإن المؤلفات الأخيرة لا تصلح أن تعد مرجعا صحيحا والأولى مناقشة النصوص القديمة. ومع هذا كانت بيانات الشيخ مهمة ومفيدة في توضيح ما ذكرت.

    فعادت لا تطاق فاضطر بعض العشائر إلى الانضواء إلى تلك. اغتنموا الفرصة ، فخرجوا عن الطاعة. لا يرضخون للحكومة في تأدية التكاليف.
    نرى العشائر والحكومة بين الافراط والتفريط.
    سلمان بن عباس الخزعلي :
    ومن هؤلاء الشيخ سلمان بن عبّاس الخزعلي لم يذعن بل ضبط مقاطعات (الرماحية) ، و(خالد كبشة) ، و(حسكة) ، و(بني مالك) ، و(نهر الشاه) حتى أنه لم يكتف بكل ذلك بل استولى على (النجف الأشرف). جهز ولاة بغداد عليه مرتين أو ثلاثا فلم يتمكنوا من اخضاعه. خسروا أموالا طائلة. فعادوا بالخيبة.
    أما الشيخ سلمان فإنه اكتسب ثروة ، وقدرة. وبهذا صار كل واحد من رؤساء العشائر يدعي الاستقلال ويتطاول على القرى والنواحي. فأصاب أبناء السبيل أنواع الأضرار. وصاروا يأخذون ضريبة يسمونها (التسيار) أي مبالغ معينة يفرضونها ، يسلمها المارة لرئيس العشيرة صاحب النفوذ ، أو أن قوة من الجيش تدرب هؤلاء وتمضي بهم للمحافظة. وإلا فلا يمكن اجتياز خطر هؤلاء.
    الخزاعل والحلة :
    لم يكتف الشيخ سلمان الخزعلي بكل ذلك بل جمع جيوشا من الاعراب وحشد أصنافا حاصروا الحلة بقصد الاستيلاء عليها. ولذا تدارك الوزير جيشا من بغداد أرسله إليها يتألف من ينگچرية الباب العالي ، ومن الجنود الجدد (سردن كچدي) فأزيح المذكور. وكان الأهلون احتاطوا للأمر فبنوا في أطراف الحلة سورا وتأهبوا للطوارىء

    فلم يفلح الخزعلي في هجومه على البلدة ولم يتمكن من ضبطها (1).
    حوادث سنة 1113 ه‍ 1701 م
    تأهبات جديدة :
    إن عمل الشيخ سلمان واستيلاء العربان على الأطراف كل هذا مما شل يد الحكومة وقلل من الضرائب فأدى إلى قلة (العلوفة) ومرتبات الكتاب. فعرض الأمر على الدولة مرارا. فكان جل ما فعلته أن أصدرت أمرها في أوائل ربيع الأول يقضي بلزوم سد (نهر ذياب) وأن يؤسس النظام في تلك الأنحاء وأن يضرب على أيدي البغاة. أمدت الدولة بغداد بمقدار من المبالغ وعنيت بأمر السفن ووجهت محافظ كوتاهية الوزير عبدي باشا ومحافظ ديار بكر الوزير يوسف باشا ومحافظ الموصل الوزير ابراهيم باشا ووالي شهرزور الوزير يوسف باشا ومتصرف لواء كوي (كويسنجق) التابع لولاية شهرزور (علي باشا) وكتخدا جيش بغداد وينگچرية الباب العالي وعساكر البلاد المذكورة قياما بهذا الأمر وجمعت اللوازم من بغداد والحلة لسد هذا النهر فأعدت للعمل. وكذا توارد الأمراء والعساكر تدريجا.
    ثم إن الوزير دعا والد سلمان الخزعلي (عباسا) للطاعة ، نصحه بكتاب بعثه إليه وحذره من نتائج الاصرار وما تجر إليه الحالة كما رغبه من أخرى فلم يجب وإنما أجاب ابنه سلمان بكلمات يشم منها الغرور والتعند.
    ولما تم جمع العساكر ورد الفرمان بلزوم السفر وحرض الأمراء على القضاء على هذه الغائلة. فنهض الجيش من الكرخ في 6 رجب يوم
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 120 ـ 2.

    الثلاثاء فقطع المراحل حتى وصل إلى قريب من النهر إلى مرقد (عون بن علي) المعروف.
    أما سلمان الخزعلي فإنه علم بوصول العساكر فجمع أطرافه القريبة والبعيدة ودعا العشائر. عدا من كان لديه من الخيالة والمشاة فصار يقسر الناس على الحرب ، وكذا وصل مدده من العشائر البعيدة وكان يأمل أن يسد طريق العسكر ويقطع خط رجعتهم. وبهذا الأمل حشد ما يربو على الأربعين ألفا بين مشاة وفرسان. هيأهم للوقيعة فعلم الوزير بذلك.
    وفي اليوم التالي نهض الجيش من موطنه. يسير باحتراس وتوقّع للطوارىء من كل الجهات ، وكان أمل العشائر أن لا يقابلوا الجيش في هذا المنزل. ولما نزل قرب هذا النهر بنحو ثلاث ساعات أو أربع. شغل بتنزيل الاثقال وتهيئة ما يلزم. وبينا أصحاب الخيل على ظهور خيولهم قد شوهد أن سلمان الخزعلي حشد المشاة بين الأدغال في محل ضيق وصاروا يطلقون البنادق على الجيش. عبأوا المشاة وكذا الخيالة وظهروا على حين غرة. هاجموا هجوما عنيفا. فبدوا من وراء الستار. وحينئذ قابلهم الجيش واشتبكوا في القتال وبينا هم كذلك إذ سمعوا دوي المدفع كالرعد القاصف فرقوا شملهم وانتشروا كالجراد وحينئذ تولاهم الجيش من جميع جهاتهم وصاروا طعما للسيوف وولى سلمان الخزعلي الادبار. تعقبوا أثرهم ساعة أو ساعتين ونكلوا بهم تنكيلا مرا فعادوا منتصرين.
    أوقع هذا الحادث في قلوب الاعراب الاضطراب وولد الخوف والهلع في نفوسهم. وبعضهم كان مكرها فأسرع بالطاعة ومال إلى الانقياد. هكذا قالوا.
    ثم إن الجيش بقي يومين في ذلك المحل فرحل عنه ونزل عند النهر الجديد المراد حفره وحينئذ مسحوه فتبين أن طوله 5170 ذراعا

    وعرضه 120 ذراعا وعمقه 20 ذراعا. فشرعوا بالحفر. وأعطى كل فريق ما يلزم له من المساحي. وكذا ما يحتاج إليه من قزمات وغرائر وهزز (1) بدأوا في 22 شهر رجب وامتد العمل إلى 48 يوما ، وفي 12 شهر رمضان فتحوا السد بين النهر الجديد وبين الشط. وفتح المجرى. ولما كانت الأرض يابسة والنهر عظيما بقي الاتصال بمجراه القديم فلم يجد الحفر نفعا بالرغم مما صرف من جهود فلم ينجح.
    جاء في هذا المحضر (2) بيان جهودهم المبذولة إلا أنها لم تثمر.
    قدموا المحضر ونهضوا من مكانهم في غرة ذي القعدة راجعين إلى بغداد.
    وصل المحضر إلى القائد فعين ضابطا في الحسكة ومحافظا ورحلوا جميعا من طريق النجف وكربلاء إلى بغداد.
    وفي أواخر هذا الشهر ورد كتاب من ضابط الحسكة ينبىء أن سلمان الخزعلي جاء إلى تلك الانحاء ، وطلب المدد من الوزير فلم يصل إليه في حينه. فتقدم سلمان واستولى على تلك الجهة (3).
    حوادث سنة 1114 ه‍ ـ 1702 م
    أحوال بغداد ـ عزل الوزير :
    في هذا الحين جاء الأمر إلى الوزراء بذهاب كل إلى محله. وفي
    __________________
    (1) القزمة آلة حفر تستخدم في الأماكن الصلبة أو الحجرية. وغرار ويقال لها بالعامية (هرار) واحدتها (هرارة). كيس من الشعر غير محبوك النسج. وأما (الهزّة) فإنها قطعة من هرارة معقودة من طرف منها لتوضع بين الرقبة والابط يحمل فيها التراب أو الاحجار ويرفع على الكتف فينقل إلى المحل المراد. وهي أشبه بالجاروكة إلا أنها عادية لنقل أمثال ما ذكر.
    (2) نصّ المحضر في كلشن خلفا ص 121 ـ 2.
    (3) كلشن خلفا ص 122 ـ 2.

    14 صفر عزل الوزير فأقام بضعة أيام بقرب الأعظمية فذهب إلى استنبول فوجهت إليه الصدارة في ربيع الآخر وتوفي في شهر رمضان. وهو شجيع غيور. له همة عالية. كتب رامي باشا رسالة سماها (اصطلاحات دالطبانية) تتضمن غلطاته اللغوية.
    وكانت مدة حكمه سنتين وأربعة أشهر. ولي بغداد في ربيع الآخر سنة 1111 ه‍ (1).
    الوزير يوسف باشا :
    هذا الوزير حنكته التجارب. وهو عارف بالأحوال متحلّ بالاخلاق الجميلة ولائق من كل وجه. ولما عاد من سد نهر ذياب كان في منصب ديار بكر وبقي في بغداد ينتظر جواب المحضر. ومن ثم عهد إليه بمنصب بغداد فشرع في ادارة المملكة وتنظيم الحالة. بذل جهودا كبيرة في هذا السبيل (2).
    زلزال وريح سموم :
    وفي 20 صفر حدث زلزال في بغداد وأعقبه ريح السموم (3).
    تخفيف الضرائب وبيع المقاطعات :
    وفي 21 ربيع الآخر وردت الفرامين بلزوم تخفيف الرسوم. ورفع البدع المحدثة ، وأن تباع المقاطعات فتم ذلك وبوشر ببيع الاملاك.
    يوضح هذا أن السلطان أمر بإصلاح خزانة بغداد وأن تمضي على نظام ونصب محمد الدري من كتاب الديوان (دفتريّا) فقام بتنظيمها ورفع
    __________________
    (1) سجل عثماني ص 412. وكلشن خلفا ص 122 ـ 2.
    (2) كلشن خلفا ص 122 ـ 2.
    (3) كلشن خلفا ص 122 ـ 2.

    الرسوم المحدثة والبدع وجعل للجيش الأهلي لكل من صنف اليمين وصنف اليسار أربعمائة نفر ورتب عليهم رئيس حجاب وقرر لكل صنف مائتي أقچة أرزاقا ونصب
    (آغا) لكل منهما ورتب لآغواتهم أربعة آلاف قرش مصاريف سفرية (1).
    الخزاعل :
    وفي أواسط رجب ورد الفرمان إلى الوزير بتولي امارة الجيش فنصب خيامه في الجانب الغربي. وصار ينتظر ورود العساكر المأمورة وأن يؤلف الجيش المتطوع فأرسلت الدولة آغوات وبوشر بقيد ما يلزم من الجنود وأن الضباط الجدد وردوا بغداد في 5 شعبان. نزلوا حول فيلق الوزير.
    وجاء بغداد للغرض نفسه كل من محافظ ديار بكر الوزير حسن باشا ووالي قرمان علي باشا ووالي الموصل يوسف باشا. وردوا بعساكرهم وحجابهم وسائر أتباعهم ، فاحتشد الجميع في الجانب الغربي.
    عزم الكل على حرب سلمان الخزعلي. أما هذ الشيخ فإنه ركن إلى الخدعة. فأرسل ابنه رهنا وأرسل والده عباسا الخزعلي وأبدى أنه يؤدي الضرائب لناحية حسكة كل سنة وطلب الأمان وبتوسط منلا بغداد (القاضي) قبل مطلوبه وترك أمر حربه (2).
    حوادث سنة 1115 ه‍ ـ 1703 م
    ميزانية بغداد ـ قلمية الوالي :
    في 5 ربيع الأول ورد دفتري جديد عمل ميزانية الخزانة في الوارد
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 122 ـ 2 ، وتاريخ راشد ج 2 ص 335.
    (2) كلشن خلفا ص 123 ـ 1.

    والمصروف وتعيّنت قلمية الوالي. أتى بالدفاتر من جانب الدولة ولما لم تساعد المالية حرر له نحو خمسمائة جندي لكل من متطوعي اليمين واليسار مجددا فبلغوا ألف نسمة وسرّح ما زاد. وفي 25 من شهر ربيع الآخر ورد الفرمان بمنصب البصرة إلى محمد باشا القبطان وبمنصب بغداد إلى الوزير علي باشا والي البصرة.
    ثم أحدثت في الدولة بعض تبدلات فأعيد والي بغداد الوزير يوسف باشا إلى وزارته وأقر كل في محله ...
    ولما علم أن المتسلم من جانب الوزير علي باشا وصل إلى مندلي (بندنيجين) كتب الوزير في بغداد إليه كتابا بلزوم عودته فعاد ولكن الوزير علي باشا لم يصغ إلى هذا القول وإنما أعاده إلى بغداد وسار هو من البصرة متوجها إليها.
    والملحوظ أن محمد باشا صدر الفرمان بولايته البصرة ويسمّى (آشجي محمد باشا) ونبّه بلزوم أخذ الاسطول ، لتأمين الحالة في مسقط من البرتغال في حرب السواحل العربية. وجاء ذكر للفرقته وعددها والقليونات التي يجب أن يتخذها إلا أننا لم نر نتيجة ، ولم يظهر أثر (1).
    عزل الوالي ـ الوزير الجديد :
    كان الوزير يوسف باشا عزل ثم ورد الوالي الجديد علي باشا ونزل بالقرب من الأعظيمة. جاء المتسلم الجديد في 21 جمادى الثانية ثم ورد هو بنفسه بعد أربعة أيام أو خمسة ونزل دار الحكومة وأن الوالي السابق ذهب إلى استنبول. وفي هذا ما فيه من اضطراب في أصل الدولة.
    __________________
    (1) تاريخ راشد ج 2 ص 594 ، وكلشن خلفا ص 123 ـ 1.

    الوزير علي باشا :
    ولي وزارة بغداد للمرة الثانية. وكان موصوفا بالدروشة ، واسع الخلق مشتهرا بالصلاح ، عفيف الذيل وهو فارس مشهور ، بذل جهوده في استقرار الحالة. كان ممتطيا جواده دوما ، يتجوّل ، فأبدى قدرة. وجلّ همه أن يقضي على أعمال أهل الشرور.
    وفي هذه المرة طالت حكومته أكثر (1).
    حوادث سنة 1116 ه‍ ـ 1704 م
    والي البصرة :
    وفي أوائل هذه السنة أبدى والي البصرة محمد باشا القبطان شدة في حكومته تجرأ على الناس ، ولم يتحاش من أحد. وفي أواخر هذه السنة توفي وكان لازم الفراش بضعة أيام ورد بذلك محضر إلى الوزير فأعلم دولته. وحينئذ عهد إليه بمنصب البصرة وعهد بولاية بغداد إلى الوزير حسن باشا والي ديار بكر. وكان ورد إليها في حادثة نهر ذياب.
    ابتدأت حكومة الوزير السابق في 21 جمادى الثانية من سنة 1115 ه‍ وانتهت في 13 صفر من سنة 1116 ه‍ (2).
    وقائع بغداد :
    إلى آخر أيام هذا الوزير علي باشا مضت حقبة كانت فيها أعمال الولاة مجملة لقلة ما قاموا به كما أن المصادر لم تكشف عنها. فالوثائق التاريخية المعاصرة والتواريخ الرسمية لم نجد فيها وضوحا وإن كانت أوسع من العهد السابق. وجل ما عرفنا أنهم لم يعملوا عملا يذكر.
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 123 ـ 1.
    (2) كلشن خلفا ص 123 ـ 2.

    لم تفسح الدولة المجال لهؤلاء الولاة ليستقلوا بالادارة. ومع هذا كانت بعيدة وتابعة لمواهب الولاة. تحسن مرة وتسوء مرات.
    ويصح أن نعدّ الأيام التالية خاتمة للحكم المباشر للدولة وفيها سعة في السلطة والخير للعراق أن يؤسس فيه النظام ، وتتمكن الطمأنينة.
    إن بقاء العراق تابعا لعاصمة الدولة أضرّ به من جهة ، وكلف الدولة كلفا زائدة. ولعلّ أهم سبب في ذلك وقائع بكر صوباشي ، والعلاقات الايرانية ، وسوء الادارة والاشتباه من أعمال الولاة ، واضطراب أصل الدولة.
    وعندنا الادارة مصغرة من تشكيلات الدولة لا تعرف سوى ما عندها ، ولم تدرك تثبيت ما عندنا والجري بموجبه فكل هذا مما دعا للنفرة وعدم المألوفية.
    إن صفة الحكم المباشر لم تزايل هذه الإدارة وإن كانت بدت أوصاف جديدة في (توسيع الإدارة) فهي تابعة لمواهب الوزراء وما فيهم من قدرة.
    عهد جديد
    أو أيام سبعة وزراء
    حصل تجدد في الإدارة في هذا العهد غير مقصود من الدولة. وإنما تيسر للوزير حسن باشا وابنه أحمد باشا ما لم يتيسر لأحد قبلهما من حسن التنظيم. ولحق بهما إدارة وزراء آخرين بلغ الكل (سبعة وزراء). كنت أفردت كتابا خاصا بهؤلاء سميته (تاريخ سبعة وزراء) ، وهو تال لما مرّ بيانه إلا أني اخترت أن أوحدهما. وهنا أشير إلى أن هذا العهد يمتاز بحنكة في الإدارة لو لا أن آخره تشوش واضطربت فيه الحالة أيام نادر شاه وهجومه المتوالي على العراق وأيام نزوع المماليك إلى الإدارة.

    الوزير حسن باشا
    ويعرف هذا الوزير ب (حسن باشا الجديد). والأيوبي (1) ومحلة (جديد حسن باشا) باسمه ، وكذا جامع السراي وهو الجامع السليماني سمي باسمه فقيل (جامع جديد حسن باشا). عهد بالوزارة إليه في 13 صفر واشتهر بالقدرة وحسن الإدارة. وأول من أفرد له مناقب خاصة به (يوسف المولوي) شيخ المولوية ببغداد ، وسمى هذه المناقب ب (قويم الفرج بعد الشدة) أو (السيرة المولوية في المناقب الحسنية). وذكر صاحب گلشن خلفا وقائعه مفصلا. وأوسع من كتب (الشيخ عبد الرحمن السويدي) في كتابه
    (حديقة الزوراء في تاريخ الوزراء) ترجمه وابنه أحمد باشا. ثم جاء صاحب دوحة الوزراء وذكر أحواله ، وهكذا جاء ذكره في (تاريخ نشاطي) وفي التواريخ الرسمية للدولة.
    أثنوا عليه ، وأبدوا حنكته ومهارته في الإدارة والحروب. توسعوا في حياته. حدث في عهده هدوء وطمأنينة. وكان العراق في أشد الحاجة إليهما. فأزال الاضطراب ، وقضى على التغلب.
    وأصله من محل قريب من بلدة (دبرة) ، سكن مع والده قصبة (قترين). وفي سنة 1109 ه‍ نال وزارة وولي مناصب عديدة منها منصب الرها فانتصر على الموالي رؤساء طيىء. وفي سنة 1114 ه‍ ولي آمد (ديار بكر) ، فأطاعته عشائر (الملية) من الكرد (2).
    وفي 13 صفر سنة 1116 ه‍ ولي بغداد وفيها بدت مواهبه ، وتجلت أعماله ، فنال شهرة ذائعة ، وفي حديقة الزوراء ولي بغداد سنة 1117 ه‍. وليس بصواب (3).
    __________________
    (1) نسبة إلى محلة أبي أيوب الانصاري في استنبول.
    (2) الملية عشائر كردية جاء ذكرها في عشائر الشام للأستاذ وصفي زكريا.
    (3) قويم الفرج بعد الشدة ، وكلشن خلفا ص 123 ـ 2 وحديقة الزوراء.

    أحوال بغداد :
    لم تهدأ بغداد إلا بدخول السلطان مراد الرابع. والولاة حالهم ما ذكرنا. وفي سنة 1101 ه‍ حدث الطاعون ، فبدّل الحالة وشوش الإدارة أكثر. فظهرت الفتن وتغلبت العشائر ، فاضطربت الأوضاع. ومن ثم جاء هذا الوزير بغداد ، فكانت أيامه من خير العهود. كان استطلع الأحوال ، وعرف الشيء الكثير قبل أن يصل إليها بل اتصل بها اتصالا مباشرا فأسس النظام داخلها ، وتوجه إلى الخارج ، فتسلط عليه بقوة. راعى الحزم وأبدى المصلحة. توضح ذلك كله من وقائعه المتوالية. وفي أيامه تنفس الأهلون الصعداء. بدأ الإصلاح فنجح. وللدولة اهتمام بأمر بغداد لبعدها عن العاصمة ، ولمجاورتها ايران. ومن أهم ما قام به أن وجه آماله نحو التسلط على العشائر ، فكانت سيطرته قاهرة. أرضت الدولة بالرغم من قسوتها.
    عشائر الغرير والشهوان :
    قالوا : كانوا أشد ضررا. عاثوا في طريق كركوك والموصل. وقطعوا السبل ، فلم يدعوا قرية عامرة حتى انتهبوها. طار شرهم إلى أنحاء ديار بكر. عجزت الدولة عن مقارعتهم مدة ، فاحتاط الوزير للأمر. وأعدّ له عدته ، فاتخذ بعض الوقائع منهم وسيلة. كانوا انتهبوا (كلكا) ورد من الموصل وكذا قطعوا طريق كركوك ، فتجمعت الأسباب.
    جهز الوزير جيشا لجبا نحوهم ، فلما سمعوا بذلك أرسلوا مائتي فارس بالهدايا ، وأبدوا أنهم على الطاعة ، وكذبوا ما نسب إليهم تكذيبا باتا ، وقالوا : نتعهد بحفظ الطريق ، ونسلك سبيل الأمان ... فحمل ذلك على أنهم يقصدون تثبيط عزم الوزير ، عدّ ذلك خديعة منهم.
    وكانوا تحصنوا (بالخانوقة) (1) ، جعلوا فيها أهليهم تقع على
    __________________
    (1) رحلة المنشي البغدادي ص 87.

    شاطىء دجلة. أمامها الماء وسكر عظيم (1) من السكور القديمة ، فلم يستطع أحد العبور إليها لشدة جريان الماء. وفي غربيّها (غابة) ملتفة بالأشجار وخلفها وشرقيها جبال شامخة. تقرب من الموصل بنحو ثلاث مراحل ...
    شاهد الوزير هذا المكان ، فأرسل من ورائهم ثلاثة آلاف تمنعهم من الفرار ، فاتخذ مرتفعا هناك فوجه إليهم المدافع فأمطرت عليهم بالقنابل ، وتسلط بها عليهم ، فنالت هدفا منهم حاولوا الهرب إلى الغابة ، وحينئذ زاد الخطر. فاضطروا أن يخرجوا منها ، وكانوا نحو سبعة آلاف منهم ثلاثة آلاف فارس والباقون مشاة. وكلهم تعودوا الحروب ، وتمرنوا عليها.
    حاربوا حرب مستميت ، فلم يصبروا أكثر من ثلاث ساعات ثم انهزموا من وجه الوزير. وفي هذه الحالة وجدوا الرصد بانتظارهم. فنالوا منهم ما نالوا ، ولم ينج إلا القليل ، صاروا طعما للسيوف ، وألقي القبض على رئيسهم ، وطلب الباقون الأمان. فأمنهم الوزير ولم يدع مجالا للاعتداء على النساء ، لكن أموالهم صارت نهبا بأيدي الجنود. وبعد أن تمت الحرب أطلق الوزير سراح النساء وكن في حرز حريز ، ففرحوا بذلك. وكان الجيش قديما لا تسلم منه النساء. وبئس الجيش الذي لا يستطيع أمراؤه ضبطه والتمكن منه (2).
    انتهت هذه الواقعة بانتصار الوزير. وأعلنها للعشائر الأخرى
    __________________
    (1) السكر سدّ قديم جاء ذكره في كتاب رحلة تافرنيه. راجع العراق في القرن السابع عشر ، نقله إلى العربية الأستاذان بشير فرنسيس وكوركيس عواد ص 70 وص 145 ورحلة ريج ج 2 ص 29 ورحلة المنشي البغدادي ص 81.
    (2) حديقة الزوراء ، وقويم الفرج ، وكلشن خلفا ص 124 ـ 1.

    يحذرها (1). وكنت تكلمت على عشيرة الغرير (2) وأما الشهوان فقد سكنوا لواء كركوك ، وتكونت منهم ناحية (شوان). نسيت لغتها وصارت كردية ، أو كادت ، ومنها من يقيم الآن في أنحاء الموصل. ومنهم من يقول إن شوان كردية الأصل. ومعناها الراعي. ولكن حوادثها متعينة. ولعل الأيام تكشف أكثر (3).
    أذعن للوزير بهذه الطاعة من أذعن من العشائر ، وعصى من عصى ، ولم يلتفت للانذار والقصد إلقاء الحجة.
    هذا. وجاء في كتاب عمدة البيان في تصاريف الزمان أن هؤلاء من البو حمدان ، وأن الوزير حاربهم في الخانوقة ونهب وقتل وسلب. ولا يزال الغرير يدعون أنهم من البو حمدان (4).
    زيارة المشاهد :
    ثم ذهب الوزير إلى زيارة سلمان الفارسي (رض). وبقي هناك بضعة أيام في الصيد. اتخذه وسيلة لسبر المواطن. ثم عاد. وفي شوال ذهب لزيارة كربلاء والنجف. وفي طريقه مرّ بنهر الشاه. وزار مشاهد الكوفة ، ومنها مضى إلى ذي الكفل ، فالحلة ومنها جاء إلى خان النصف (النص). وجده مهدما فعمره (5).
    وفي كل هذه التجولات لم يقطع في غزو جهة. وإنما كان يترصد المواطن والأوضاع الملائمة فجاء في عودته إلى الدورة. والملحوظ أن خان النص هو الخان القريب من مخفر الشرطة بين الاسكندرية
    __________________
    (1) نص الكتاب في قويم الفرج.
    (2) عشائر العراق ج 1 ص 253.
    (3) عشائر العراق ج 2 ص 163.
    (4) عمدة البيان ، حوادث سنة 1116 ه‍.
    (5) حديقة الزوراء وكلشن خلفا ص 124 ـ 1.

    والمحمودية. وهو الآن مندثر. ومثله (خان الحصوة) أهمل في هذه الأيام. (وخان الناصرية) اندثر من مدة. وهذه في طريق بغداد ـ الحلة. والدورة متصلة ببغداد وهي اليوم ناحية من نواحيها.
    عشائر بني لام :
    في سنة 1116 ه‍ غزاها الوزير. وكانت لم تذعن بالطاعة ، ولا أدت التكاليف المطلوبة بل هاجمت بعض القرى. وهي من أقوى العشائر شكيمة ، تقع حجر عثرة في طريق بغداد ـ البصرة. تجاوزت حتى بلغت (خان بني سعد). ومن أيام السلطان سليمان القانوني إلى اليوم لم تذعن للولاة. وكلما تضايقت مالت إلى ايران لتكون بنجوة. وعشائرها كثيرة جدا. تتفق مع شيوخ المنتفق ، ومع أمراء الحويزة دائما.
    قصدها الوزير ، فلم يجد لها أثرا. رحلت عن منازلها ومضت إلى مضيق طور سنجاق (طور سخ). كمنوا في مواقع هناك خفية عن الانظار في الجبل المسمى ب (جبل البستان). وجعلوا أهليهم في مضيق منه. تتبع الوزير أثر هذه العشيرة حتى عثر على الكمين ، فظهروا على حين غرة. خرج من جيش الوزير عدة اشخاص بينهم (باش آغا) أي آغا الينگچرية. وحينما علم الوزير ساق جيشه عليهم ، وحمل بمن معه ، فانتصروا. وكان جماعة منهم مضوا إلى (شاه نخجير) بأمل أن يحرسوا أموالهم وأهليهم. التجأوا إلى اللّر الفيلية ولكن الوزير لم يتركهم ، ولم يبال بالعقبات ، حتى وصل إلى مواقعهم. فغنم الجيش أموالهم ، ولم يتعرض للنساء ، فأخمد ثورتهم ، وأمن الطرق ، وعاد إلى بغداد. غزوة ناجحة. نهب وعاد. وهو المطلوب (1).
    __________________
    (1) قويم الفرج ص 45 ـ 50 وحديقة الزوراء وكلشن خلفا ص 124 ـ 2 وعشائر العراق الريفية ج 3.

    والملحوظ أن (طورسخ) أو (ترسخ) ويقال لها بالتركية (تورساق) بلدة مندثرة ، أطلالها مشهودة تقع في يمين الجدول المعروف بهذا الاسم. وتأتي مياهه من خلال الجبال ومن المحل المسمى (ده بالا). وتتفرع منه شاخات يمينا ويسارا يزرع عليها. وتبعد تلك الاطلال عن زرباطية نحو سبع ساعات من شماليها ، والمضيق يسمى باسمها.
    والجبال هناك كل منها يعرف باسم خاص. ويقال لها (جبل البستان) أو قسم منه والجبل الأصلي يدعى (كبير كوه) أو (كور كوه). والعوام يقولون (جبل الفيلية). والوجه الناظر منه إلى ايران يسمى (پشكوه) والمطل على العراق يقال له (پشتكوه) ، وهو القسم الغربي منه أي ما وراء الجبل والطريق بين زرباطية ومندلي إلى الجبل يعد من پشتكوه و(شاه نخچير) من مواطن پشتكوه (1).
    حوادث سنة 1117 ه‍ ـ 1705 م
    ماسة نفيسة :
    كان الحديث في بغداد في أوائل هذه السنة يدور حول ماسة نفيسة عثر عليها جسار في الحلة. رأى حجرا براقا فباعه لآخر بثمن بخس. وهذا باعه لصراف يهودي بثمن أكثر. وحينئذ شاع الخبر في الحلة وتحدث الناس به فدعا إلى نزاع بين المشتري والبائع فوصل الخبر إلى ضابط الحلة. وهذا استولى عليه وقدمه إلى الوزير. وكانت هذه الماسة لا يقتنيها إلا الملوك لنفاستها. عرضت على الجوهريين فتحقق للوزير أنها من أفخر أنواع الماس ، زنتها نحو 15 قيراطا أو 14 (2). كانت في غاية الصفاء والبهاء. حجمها بقدر الباقلاء. أما الوزير فإنه ختمها
    __________________
    (1) كلشن خلفا وسياحتنامه حدود ص 100.
    (2) في كلشن خلفا على رواية أنها 25 قيراطا.

    وقدمها هدية إلى السلطان لعلمه أنه اللائق بها (1). ولم يبينوا شيئا عن أخذها من المالكين الأولين.
    زيارة المشاهد في سامراء :
    في أواسط هذه السنة توجه الوزير لزيارة الإمامين علي الهادي وحسن العسكري في سامراء فأنعم على الفقراء والخدام. ثم ذهب يتصيد في تلك الفلوات فعاد. وغالب ما تكون أمثال هذه الزيارات مقدمة تأهب لغزو وهكذا وقع (2).
    الخزاعل وحادثة حسكة :
    ثم عزم على أن يقضي على الشيخ سلمان العباس الخزعلي. قالوا كان سبب فتنة العشائر في أنحائه ، وكانت الخزاعل قليلة العدد إلا أنها اكتسبت بمهارة رئيسها الشهرة الكاملة وانقادت لها العشائر لحد أن صار رئيسها يدعي الإمارة على العرب وصاهر عشائر كثيرة فتجمعت له أعراب البادية والتفت حوله.
    ولما شعر أنه في عدة كاملة سوّلت له نفسه أن يملك بغداد فاستولى على الحسكة وهي من أحسن ضياع العراق. فأقدم الوزير على حربه وساق إليه جيشا قويا وشن الغارة من بغداد في أربعة أيام وثلاث ليال. فوصل الحسكة فلم يجد له أثرا فقيل له إنه انهزم إلى السماوة. وهناك حاول أن يجمع العشائر للقتال فلم توافقه. حذروا أن يصيبهم ما أصاب بني لام فلم يبق معه إلا اتباعه فاستولى الوزير على أمواله وعياله. وحينئذ كتب إلى الأطراف يدعوها إلى العودة فعادت وتعهدت بالمحافظة على السكينة وأن لا تميل بعدها إلى شيخ الخزاعل. وضع
    __________________
    (1) حديقة الزوراء وقويم الفرج وكلشن خلفا ص 124 ـ 2.
    (2) كلشن خلفا ص 124 ـ 2.

    المدفع على سور الحسكة وأمر أن يحافظ عليها من الهجوم.
    رأى الشيخ حالته هذه غير مرضية فأرسل ابنه إلى الوزير يطلب الأمان فلم يوافق الوزير أن يبقى في تلك الأنحاء وأمنه بنفسه وأهليه ولكن لم يأمن أن يسلم. فهرب إلى البصرة فأجاره شيخ المنتفق.
    ثم إن الوزير بعد أن أمن تلك الأطراف نصب فيها بعض المحافظين ولم يكن يخطر بالبال أنه سوف يمزق جيش الخزاعل البالغ نحو أربعين ألفا. ورجع إلى بغداد في أواخر جمادى الثانية (1).
    حوادث البصرة
    البصرة والأمير مغامس :
    كان والي البصرة محمد باشا القبطان توفي في أوائل سنة 1116 ه‍ ، فعهد بمنصب البصرة إلى والي بغداد علي باشا فذهب إليها. وبقي فيها إلى أن عزل ، فصار مكانه خليل باشا ورد بغداد في جمادى الثانية من سنة 1117 ه‍ وتوفي علي باشا قبل أن يصل إلى بغداد بثلاثة منازل في طريق عودته وصلت جنازته في سلخ رجب. فدفن بمقبرة الأعظمية.
    استفاد الأمير مغامس بن مانع أمير المنتفق من انحلال البصرة فلم يبق فيها سوى المتسلّم ، فاستولى عليها. استغل فترة تبدل الولاة ووجود المتسلّم وحده وكان في هذه الاثناء بعد ما استولى الأمير مغامس حضر أمامه في 22 رجب سنة 1117 ه‍ ـ 7 تشرين الثاني سنة 1705 م الربّان الهولندي. وبعد أن هنأه التمس منه عقدا بين الهولنديين والعرب يتعلق بشؤون شركتهم وأن يحمي كنيسة الكرمليين ودارهم. وفي 9 من تشرين
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 125 ـ 1.

    الثاني قدم مذكرتين إلى الأمير مغامس ، فأحالهما إلى قاضيه الشيخ سلمان فصدقهما. وفي 12 منه أرسل البراءتين إلى الربان الهولندي. فحصل الكرمليون على عهد يتعلق بكنيستهم ودارهم. وهذا نصه :
    توكلت على الله
    «تعلمون به الواقفون على كتابنا هذا من كافة خدامنا وعمالنا وضباطنا بأن أعطينا حامل الورقة البادري حنا (1) على موجب ما بيده من فرمانات أولياء الدولة القاهرة ومن أوامر الوزراء العظام والأمراء الكرام. وله منا فوق زيادة الحشمة والرعاية وقد أسقطنا عن خدامه وترجمانه الجزية والخراج وكتبنا له هذا الكتاب سندا بيده يتمسك به لدى الحاجة إليه. وعلى كتابنا هذا غاية الاعتماد. والله تعالى شأنه ولي العباد وبه كفى. حرر في 22 من شهر رجب الفرد سنة 1117 ه‍».
    الفقير مغامس آل مانع اه (2)
    أخبر الوزير بوفاة الوالي السابق وورد والي البصرة الجديد. وكان أتم أعماله في الحسكة ، فرجع إلى بغداد ، وأمر ببيع متروكات الوالي المتوفى ، فأرسلت إلى استنبول مع باقي مخلفاته من الأشياء المشهورة مع الكتخدا والخزندار (الخازن). ولم يقم بأي عمل.
    وولي علي باشا البصرة سنة 1112 ه‍. وكان قبلها واليا على حلب سنة 1111 ه‍ (3).
    __________________
    (1) جاء في المطبوع : البادري حقّا وجاء في تعليقات الأستاذ مصطفى جواد على المجلد الخامس من تاريخ العراق بين احتلالين : «صوابه : البادري حنا ، وكان غلط ناسخ».
    (2) مباحث عراقية ص 204 وفيه تصوير الكتاب.
    (3) كلشن خلفا ص 125 ـ 1 وقويم الفرج ، وحديقة الزوراء ونهر الذهب ج 3 ص 293.

    برد وثلج :
    في 8 شهر رمضان ظهر في العراق شتاء لم يتفق مثله مع ريح عاصف ونزل المطر بكثرة كما تساقط الثلج ويقال : إن ارتفاعه بلغ ذراعين وعلى قول بلغ الشبرين. نزل لأربع مرات أو خمس ، ودام الانجماد خمسة عشر يوما فأحدث ضررا كبيرا في المغروسات من نخيل وتوت ونارنج واترج ونبق وليمون. صار أكثرها حطبا. وفي گلشن خلفا كان بتاريخ 7 و8 من شوال ابتدأ البرد ولعل سقوط الثلج (الوفر) (1) كان في التاريخ الذي عينه صاحب الحديقة (2).
    حوادث سنة 1118 ه‍ ـ 1706 م
    قبيلة شمر :
    إن الوزير رأى من شيخ شمر غانم الحسان (3) عصيانا. هاجم الشامية وجمع جموعا فاستولى الرعب على تلك الأنحاء. وكان ممن وافق شيخ الخزاعل في مناوأة الحكومة ، لما رأوا من عزمها أن تقضي على العشائر.
    استولى على الناس الخوف ، إلا أن هذا الوزير وقف القوم عند
    __________________
    (1) وفر معرب بفر الكردية. وهي مقلوب برف الفارسية. والواو أصلها (ب) وتتحول إلى الواو. والوفر مستعمل عندنا بدل (الثلج).
    (2) حديقة الزوراء وكلشن خلفا ص 125 ـ 1.
    (3) وهذا أصل سلسلة نسبهم المحفوظ ورئيسهم الآن ذياب الحسان توفي 17 ـ 6 ـ 1951. (عشائر العراق ج 1 ص 207) وجاء في الحديقة (حسان وغانم). وهذا غير صواب.
    وقد جاء في رسالة الشيخ وداي العطية : نقلت صحيح الاسم من قويم الفرج بعد الشدة وهو غانم الحسان. وتحققت من ابن حسان عن أسماء أجداده. وهم من أول من ورد العراق من شمر ، فهم أعرف بأنفسهم. والبدو أكثر علاقة بأنسابهم وأهل الأرياف لا يشعرون بالحاجة إلى ضبط أنسابهم.

    حدودهم وولد فيهم خشية. ولما رأى شيخ شمر أن ركونه إلى الخزاعل غير مجد مال إلى بغداد مذعنا بالطاعة وعند خروجه رفع الراية وأبدى أنه صار شيخا في حين أنه لم يقدم (البيتية) (1) وإنما وافقه على ذلك شيوخ آخرون.
    رأى الوزير من الضروري التنكيل بهؤلاء لغزوهم ونهبهم وعدم طاعتهم بتأدية (البيتية) فجهز عليهم جيشه وتوجه بنفسه فعبر الجسر الرضواني ووصل إلى مواطنهم فلم يجد لهم أثرا. فاستراح هناك قليلا ثم فرق جيشه إلى جهات مختلفة للعثور عليهم واللحاق بهم لضربهم وذهب بنفسه في الطريق السلطاني حتى وصل إلى منزل (مشيهد) فحط ركابه واستراح. ولم يقف على خبر عنهم.
    وفي نتيجة التحريات أدركهم جيش الوزير ليلا وصاروا على مقربة منه فلم يقاتلهم حتى الصباح وحينئذ هاجم الوزير بجيشه وأبدى البسالة والشجاعة بما لا يوصف. والعشائر ناضلوا نضالا ليس وراءه نضال إلا أنهم لم يستطيعوا المقاومة ففروا.
    وفي هذه الحرب نالهم ما لم تنله عشيرة. وأن الجند نهبوا مواشيهم وأغنامهم وربحوا منهم أموالا كثيرة ... ومما يحكى أن الحكومة من حين استولت على العراق إلى اليوم لم تنل ظفرا مثل هذا. وأن العشائر لم تر حربا كهذه. ظهرت فيها الشجاعة والفروسية من الجانبين بكل معانيها ... وأبلى العربان واستماتوا ... جادلوا بكل طاقتهم وبما أوتوا من قوة. لكنهم قهروا. وقتل منهم خلق كثير ...
    وعلى هذا جاء إلى الوزير من بقي منهم من كبار وصغار وأطفال
    __________________
    (1) ضريبة تؤخذ على البيوت من أهل البادية وتسمى (الخانة) ومعناها (البيتية).

    ونساء فطلبوا الأمان فقبل دخالتهم وعفا عنهم (1).
    كانت هذه العشيرة تظهر الطاعة أحيانا إلا أنها كانت في الخفاء تغري العشائر البدوية وتحرضها على الاشتراك معها ، وبذلك تؤذي السكان في غربي الفرات بالنهب والغارة.
    أغار عليها الوزير في شعبان فغنم غنائم لا تحصى وعاد إلى بغداد فاستقبله العلماء والوجهاء استقبالا فخما (2) ...
    وهذه الوقعة كانت السبب في انفصال شمر طوقة (طوگة) وبعض العشائر مثل المسعود فتبدد شملهم فصاروا شذر مذر ... فالمسعود استقروا في أطراف المسيب وكربلاء ، وشمر طوقة في جزيرة حميد بين ديالى و(كوت العمارة) (3)(4).
    الوزير ومجالس العلم والأدب :
    ثم صرف الوزير همته لتنظيم البلد ، وصار يعقد مجالس في ديوانه الخاص يؤمها العلماء والأعيان ، فتارة تراها (مجالس علم) وبحث في منقول أو معقول ... ويتخللها الشعر واللطائف ... وطورا تراعى فيها
    __________________
    (1) قويم الفرج بعد الشدة ص 61.
    (2) قويم الفرج بعد الشدة ص 61 ـ 67. وكلشن خلفا ص 125 ـ 1.
    (3) شمر طوكه (طوقة) وابن حسان في عشائر العراق ج 1 ص 207 وفي كلشن خلفا ص 125 ـ 2.
    (4) قال الشيخ العطية في رسالته : في سنة 1118 ه‍ كانت انقطعت حوادث شمر العظيمة. وفي سنة 1106 ه‍ وما بعدها لا تزال حوادثهم العظيمة متكررة. فالأولى الأخذ بما ذكرت. فأما المسعود فقسم منهم في ديار الشام فانشطروا شطرين وكان ورودهم في تلك الأثناء. وإن وجود الزقاريط لا يمنع من وجود المسعود في حين أن المسعود مالوا إلى الأرياف من أمد بعيد حتى صاروا من أهل الأرياف. ولا يزال الزقاريط على البداوة. لا سيما وأن لغة المسعود تأثرت كثيرا بلغة أهل الأرياف ولذا فقدت منهم البداوة من أمد طويل.

    التمارين الحربية وأصول قراع الكتائب ، ومرة يقضيها باستماع (قراءة القرآن) الكريم ، وآونة في النظم والغزل ... فراجت سوق العلم والأدب يتخلل ذلك التفكير في حسن الإدارة والاطلاع على الأحوال وعلى طرق الإصلاح فأثار جميع المواهب (1). وبيوت الأعيان لا تخلو من هذه المجالس.
    غزية وقبائل أخرى :
    بينا الوزير والأهلون في راحة إذ ورد الشيخ شبيب أمير قشعم يشكو من عشيرة غزية و(ساعدة) و(آل حميد) و(آل رفيع) مبينا أنهم أغاروا على المجاورين وأخذوا أغنامهم وأموالهم وعاثوا في أنحاء السماوة والرماحية ونهر الشاه وما والى. فأحدثوا أضرارا بليغة.
    وفي هذه الأثناء جاء رسول من ضابط الحلة فأيد ما قال (أمير قشعم). فاهتم الوزير للأمر خوف استفحاله وسارع للذهاب. وفي يومين أو ثلاثة أيام وصل إلى قرب الحلة فاستراح قليلا وسار توا فعبر الشط ومضى لجهتهم بقصد أن يدركهم. وكانت المسافة أربعين ساعة. قطعها بثلاثة أيام أو أربعة لكنه لم يدركهم. سمعوا بالخبر ففروا وتفرقت جموعهم.
    ولم يتركهم الوزير وشأنهم وإنما بعث خلفهم بألف فارس من جنده ليدركوهم. وصار هو أيضا يتحرى عنهم ويتعقب أثرهم يمنة ويسرة إلى نصف الليل. ولما بدت بشائر الصبح تبين أثر اظعانهم فوجدهم قرب القائم ، وحينئذ تركوا الأثقال والعيال والاطفال وفروا بأنفسهم ... والكثير منهم ألقى بنفسه في الماء ...
    وحينئذ غنم الجيش أموالهم وخيامهم وإبلهم وبقرهم وخيلهم وعاد من ناحية القائم.
    ومن هناك مضى الجيش لتعقيب عشيرة ساعدة فظفروا بها وغنموا أموالها وأرسلوها إلى الحلة. فعادوا ظافرين منتصرين وألقي القبض على
    __________________
    (1) قويم الفرج بعد الشدة وحديقة الزوراء.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي   تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 6:51 am

    اثنين من مشاهيرهم فكان لهذه الوقعة تأثيرها. كان في هذا غزو ونهب أو مقابلة عمل بمثله (1).
    آل حميد وشيخهم :
    كان شيخ الحميد (سعد الصعب) في الرماحية. والعشائر هناك منقادة له. ويعرف بالدهاء. امتد نفوذه إلى الحلة والبصرة. وكان معتصمه الشيخ سلمان الخزعلي. أقام في الحسكة. وفي هذه الوقعة هاجمه الجيش ليلا حينما رأى منه تأهبا فامحى أكثر قومه وغنمت العساكر أموالهم لا سيما أغنامهم فسيقت إلى بغداد.
    ولما وصل الوزير إلى قرب الرماحية أرسل الشيخ شبيبا بألفي فارس إلى هور نجم فانتصر على من هناك ...
    وهكذا نكّل بسائر العشائر وأثرت هذه الوقيعة أكثر.
    ولما أتم الوزير أعماله عاد لزيارة الإمام علي (رض) ومنها جاء إلى بغداد فاستقبله النقيب والعلماء والمفتي والموالي وسائر الأعيان وهنّأوه بالنصر (2) ...
    حوادث سنة 1119 ه‍ ـ 1707 م
    عشائر زبيد :
    وكان من جملة من ثار على الوزير عشائر زبيد ، وفيهم الجحيش ، والسعيد ، والمعامرة. وآل خالد ، وكذا عشائر الدليم وآل نوفل ، وآل حسين. وهم برئاسة شيخ شيوخهم (عبد القادر) ، مضت لهم وقائع تغلبوا فيها (3).
    __________________
    (1) قويم الفرج وحديقة الزوراء.
    (2) حديقة الزوراء وقويم الفرج.
    (3) كلشن خلفا ص 125 ـ 2.

    وفي هذه السنة جاهروا بالعصيان ، صاروا ينتهبون المارة ويقطعون السبل. تكاثرت الاراجيف عنهم من كل صوب وزاد الخوف منهم. فأنذرهم الوزير وفي الوقت نفسه طلب المدد من أنحاء مختلفة.
    رأى أن النصح غير مجد ، وأنهم لم يذعنوا. وصلت إليه الجيوش من أنحاء شهرزور والموصل فتقدم بهم إلى حد المحاويل.
    وحينئذ مال العربان إلى الخديعة فجاءه كثير من رؤسائهم والسيوف برقابهم ، صاروا يتذللون وطلبوا أن لا يؤاخذهم بما جنوا ، وأن يعفو عما سلف. وبينوا أنهم طوع أمره يؤدون ما يجب عليهم من ضرائب.
    أراد الوزير أن يختبر صدق نياتهم فطلب منهم بعض المفسدين وأن يأتوه بهم فرضوا وقالوا سمعا وطاعة. ولكنهم لما ذهبوا إليهم عادوا إلى سيرتهم الأولى فكان ذلك نقضا للعهد ...
    وعلى هذا مشى عليهم وكانت عدتهم كافية وعددهم كبيرا يقدر بمائة ألف أو يزيد. فكانوا متأهبين للنضال فهاجمهم بجميع قوته فتلاقى الفريقان ولم تستمر المحاربة أكثر من ساعتين أو ثلاث ساعات حتى نكسوا الأعلام هاربين من ساحة الوغى ... فطلبوا الأمان ولكن الجيوش اغتنمت جميع أموالهم وأسرت الكثير من عائلاتهم وصغارهم ثم عفا الوزير عن الأهل والعيال. ورجع ظافرا.
    ومما ينقل صاحب الحديقة عن والده الشيخ عبد الله السويدي أن شاويا جد آل شاوي الحميري (1). قال :
    «إننا كنا مع المرحوم حسن باشا والي بغداد أربعة أشخاص في غزو قبيلة زبيد سائرين أمام الجيش. وبينما نحن نتجاذب الحديث ، وقد بعدنا عن الجيش لدرجة أننا صرنا لا نراهم إذ صعدنا على كثب وعند ذاك شاهدنا مقدمة الأعداء وكانت الساقة خلفها أيضا فألويت عنان
    __________________
    (1) رئيس عشيرة العبيد من عشائر زبيد.

    فرسي إلى الوراء فمنعني الوالي وزجرني ، وفي الحال هاجمنا العدو فظن هؤلاء بل اعتقدوا أن الجيش وراءنا فدمرنا الكثير من فرسانهم وشتتنا جمعهم وهزمناهم عنا.
    ولما رأى أصل جيشهم هزيمتهم هذه أصابهم الارتباك وقبل أن يلتئم شملهم وافاهم جيشنا ولم يمكنهم. وفرقهم وأوقع بهم وقيعته في طرفة عين.
    ثم إن الوزير وقف هنيهة وأوصاني بهذه الوصية وأكد لي أن لا أنساها وهي أن العدو حينما يراك لا تتأخر عن مهاجمته ولا تبين له تراخيا أو اهمالا فيظن فيك ضعفا بل عاجله بالهجوم وإلا طمع فيه ويخشى حينئذ عليك منه ...» اه (1).
    وبهذه الحالة انتصر على عشائر زبيد بعد أن كانت أعجزت الولاة مرارا. وحينئذ أسكن الوزير العشائر المطيعة من مسعود وشمر طوگة وأعاد إليها السكينة. ثم عاد إلى بغداد.
    استعان بالعشائر مثل العبيد وبعشائر الكرد. وكان هذا شأن من بعده ، ويستخدمون جيوش الألوية الأخرى للوقيعة والتنكيل. وفي هذه المرة أيضا استقبله العلماء والأعيان. أرادوا ارضاءه بأمثال هذه الاحتفالات (2) ...
    حوادث سنة 1120 ه‍ ـ 1708 م
    غوائل البصرة :
    بعد أن تمكن الوزير من اخضاع العشائر التي تعوقه في طريق البصرة عزم على السفر إلى البصرة.
    __________________
    (1) حديقة الزوراء ومجلة لغة العرب ج 9 ص 39 وما بعدها.
    (2) الحديقة وقويم الفرج بعد الشدة وكلشن خلفا ص 125 ـ 2 والتفصيل عن زبيد في عشائر العراق ج 3.

    فأخبر الدولة بعزمه هذا فاهتمت للأمر وقررت لزوم القضاء على غائلتها ، وأخذ في تجهيز الجيوش.
    ومن جملة من وافى إليه للقيام بالمهمة محافظ كركوك يوسف باشا ووالي آمد (ديار بكر) رجب باشا ووالي كوتاهية حسن باشا (1) من سلحدارية السلطان. ثم ورد إليه الفرمان بولاية البصرة في ذي القعدة سنة 1120 ه‍ وجاء والي الموصل شهسوار زاده ومعه طوغان. ومن هؤلاء يوسف باشا صار بمرتبة قائممقام. ناب عن الوزير.
    وفي غرة رجب سنة 1120 ه‍ خرج الوزير وبقي مدة أسبوع زار خلالها بعض مراقد الصلحاء مثل الإمام معروف الكرخي واستكمل العدة فرحل عن بغداد يوم الاثنين 7 من الشهر المذكور.
    ثم وصل إلى شرقي الحلة وقضى هناك بضعة أيام. وفي 22 منه تحرك منها. فوصل إلى السماوة فبدت غرة شعبان (2).
    ثم مضى إلى مواطن المنتفق ، فورد يوم 6 منه (خطر الزور). وهناك علم ببعض الثوار وحينئذ عهد بالقيادة إلى الكتخدا بألفي فارس لتعقيب أثرهم ، وأرسل مائة أخرى بالقرب منهم للترصد من الجوانب وكان منزلهم (عين الذهب) فنال الكتخدا أربه فوصل إلى جمع الاعراب فظفر بهم وسيطر على تلك الانحاء.
    وفي 14 منه وصل إلى (أم التمن) (3) فحلها الجيش. وكان هناك
    __________________
    (1) شركسي ، تخرج من البلاط ونال مناصب عديدة. وتوفي في 16 رجب سنة 1123 ه‍. (سجل عثماني ج 2 ص 116).
    (2) في كلشن خلفا والحديقة لا يعدد المنازل وإنما يذكر وصوله إلى (قرية العرجة).
    استراح بها ومضى ... وفي الحديقة ذكر (قلعة العرجاء).
    (3) مقاطعة في الجانب الشرقي من الغراف بقرب صدر البدعة عن الأستاذ يعقوب سركيس.



    بعض المنتفق فضربهم وفرق شملهم ، فاستولى على غنائم وافرة. وحينئذ نال الكتخدا رضا الوزير ، وهكذا قطعوا المسافات والطرق بتأنّ. واعترضتهم صعوبات بسبب وعورة المسالك ...
    وفي 22 منه وصل إلى ضواحي البصرة. وكان الثوار متجمعين في الشرش فمر الوزير من وسط هذا المنزل فاتخذت الجيوش (نهر عنتر) موطنا لها. أما الثوار فاحتشدوا في موقع يقال له (دكاكين).
    ومن ثم تقابل الفريقان جيش الوزير وجموع المنتفق. وحينئذ صف الوزير الصفوف وحشدها وأعدها للقاء. وعين لكل وزير ممن كان معه موقفه وقابل بينهم وبين عدوهم ... فأكمل تعيينه كما اراد ثم شرع في سد النهر.
    وكان جمع الأمير مغامس يبلغ نحو مائة ألف أو يزيدون. انتشروا في الصحارى والمواطن المجاورة.
    جموع العرب :
    إن عشائر المنتفق لا تتجاوز العشرة آلاف إلا أن النجدات توالت إليهم من كل صوب فبلغت جموعهم الكثرة الزائدة. جاءهم المدد من بغداد ومن الاحساء والحويزة وممن انتصر لهم الشيخ سلمان الخزعلي. كان مقيما عندهم من أمد بعيد ، والتحق بهم كل من آل سراج (1) ، وزبيد ، وبني خالد ، وغزية ، وميّاح ، وشمر ... ملأوا تلك السهول ، وانتشروا في ساحات البر ... وكل واحد منهم مدجج بسلاحه.
    وفي هذه الأثناء تقارب الفريقان وصار يتجاول الفرسان فيمضي الواحد والواحد فتارة يكون الغلب في جهة ، وطورا في أخرى. وكانت ساحة الحرب ميدانا للابطال والشجعان ...
    __________________
    (1) وردت في قويم الفرج بعد الشدة بلفظ (سبراج) وهو غير صواب ويلفظ اليوم (سراي) وهم من ربيعة.

    ولم تمض مدة على هذه الحالة حتى اشتبكت الجموع وبطلت الرماح وصار الحكم للسيوف والخناجر ... ولم يتبين الغالب من المغلوب ، دام الحال على هذا المنوال حتى ظهر الانكسار في جموع العرب بعد أن أبلى الفريقان البلاء الحسن.
    دامت الحرب إلى 19 شهر رمضان. لم تكن حاسمة وإن انكسار جهة لا يعني انكسار الكل فكان من رأي الوزير إنهاء الحرب وأن التطاول فيها مذموم فحرك همة الجيش وهاجم بالكل وتقدم أمام جموعه وأغار على العربان فألجأهم إلى قراهم فهزمهم. توالت المغلوبيات عليهم إلى سبع مرات وحينئذ وفي المرة الأخيرة تداخل بعضهم في بعض وصارت المضاربة بالسيوف والخناجر ...
    وكان الشيخ تركي شيخ الاجود (1) سقط في المعركة. وكان يلازم الشيخ مغامسا وهو أشد منه كان جبارا قاهرا. فلما رآه الشيخ مغامس سقط صاح واه عليك! فاستولى عليه الخوف فاضطر إلى الفرار والهرب. فكان (تركي) شوكتهم. وبموته خذل الكل. وفروا جميعا. هلك في هذه المعمعة نحو العشرة آلاف بقيت أشلاؤهم مطروحة في ساحة القتال ... ولم يلتفت الباقون وراءهم من شدة ما أصابهم ... وحينئذ أنعم الوزير على الغالبين وكان يبذل الذهب والفضة لكل من يأتيه برأس أو قلب. لم يراع اقتصادا أو تقتيرا ...
    بقي الوزير في موقعه ثلاثة أيام. وفي اليوم الرابع مضى إلى البصرة ... فدخلها في نهاية شهر الصيام. وأرخ ذلك صاحب گلشن خلفا ب (غزاي مبين) أي سنة 1120 ه‍ وفي اليوم التالي احتفل بالعيد واتخذت الأفراح. دام ذلك ثلاثة أيام بعد أن كان الجيش قضى ثلاثة أشهر كاملة لم ير في خلالها راحة وحدث عن سهر الوزير ولا حرج ...!!
    __________________
    (1) الأجود من المنتفق وهم الثلث كما أن بني مالك ثلث وبني سعد ثلث آخر.

    وفي ثالث العيد دعا الوزير شيوخ الجزائر. وطيّب خاطرهم ، وأكرم الجميع من الوزراء وغيرهم حسب درجاتهم ... وعين لكل مكانته ورتبته ... وأكد عليهم لزوم الطاعة ...
    دام في ذلك المكان ستة أيام. ثم ذهب لزيارة الإمامين طلحة والزبير (رض) (1) ثم عاد إلى الفيلق ومن هناك قصد بغداد بعد أن تيقن أن قد تأسس النظام على الوجه المطلوب ، وحينئذ استقر والي البصرة في منصبه واشتغل في مهام أموره. وأن الأهلين فيها أثنوا على الوزير ولهجوا بذكره فحصلوا على الراحة من عناء الثورات والاضطرابات ...
    مضى الوزير إلى الجزائر بجيوشه. أراد أن يؤمن الحالة بالقضاء على بعض الغوائل يوقع ببعض من هو مظنة فتنة ، ولكنهم لم يجدوا من كانوا يأملون العثور عليه وأصابهم في الطريق تعب شديد بسبب وعورة المسالك.
    وفي غرة ذي القعدة وصلوا إلى (جفتاية) (2) قرب الهور. وفي اليوم التالي مروا (ببني حسن) وكان شيخهم (عباسا) (3) وهو امرؤ طاعن في السن وشجاع لا يجارى ثم وصلوا إلى الحلة. استراحوا فيها ليلة ثم ساروا نحو بغداد.
    وحينئذ استقبلهم القوم وبينهم (يوسف عزيز المولوي) صاحب تاريخ (قويم الفرج بعد الشدة). وصل إليها في أواخر ذي القعدة لسنة 1120 ه‍ (4).
    وفي مجموعة عندي رأيت قصيدة طويلة ناقصة من أولها يثني
    __________________
    (1) رحلة المنشي البغدادي ص 93 وفيها ذكر مشهد الزبير (رض).
    (2) في كلشن خلفا وصلوا قرية العرجة ومنها مضوا إلى بغداد.
    (3) ولا تزال الرئاسة في اعقابه إلى اليوم ومنهم عمران السعدون.
    (4) قويم الفرج بعد الشدة وحديقة الزوراء وكلشن خلفا ص 126 ـ 2.

    صاحبها عزيز المولوي على الوزير لما قام به. وهذه غير ما جاء في (قويم الفرج بعد الشدة). استعرض وقائعه وما أحدث من نظام ، ثم مضى إلى وقائع البصرة وذكر التغلب عليها.
    وبعدها جاءت في هذه المجموعة قصيدة عامية بدوية ذكر فيها وقائعه مع البصرة وتعرض لذكر العبيد والعزة والغرير مع الشبيب وأوضح عن اليزيدية في سنجار ، وربيعة والخزاعل ودعا الوزير ب (أخو فاطمة). ولعله ذكر ذلك بمناسبة حرب البصرة. أورد عنها وعن زبيد (1) ...
    ونرى من مجرى هذه الحادثة أن العشائر كانت متذمرة من إدارة الحكومة وكذا الأهلون. تجمعوا عليها من كل صوب وقاتلوا قتالا عنيفا. ولكن في مثل هذه المواطن يعوزهم النظام والتدريب ... وهذا سبب الخذلان ، ولو كانت هذه الحرب نجحت لصالحهم لا ستقلوا من ذلك الحين ولأخفق سعي الدولة ولما بقي لها أمل في كل العراق. وما ذلك إلا أنها لا تريد التحول عن سياسة واحدة مع كل الأقوام. وهذا أحد أسباب الفشل وإن التغلب لم يثن العزم. ودامت الوقائع مستمرة ومتوالية.
    قارعهم العرب بعدها مقارعات وبيلة ، رأوا العطب منهم وصاروا يخافون من ظل العربي وخياله ومن عرف أن المنتفق قارعوهم أكثر من مائة وسبعين سنة بعد هذا الحادث علم درجة هذه المطاحنات ومقدار النفوس الهالكة في هذا السبيل بل امتد ذلك أكثر وأكثر.
    ولا ينكر أن أكابر السلاطين أسسوا لهم ملكا عظيما ، وسيطروا على البلاد سيطرة لا مثيل لها ، ولا يزالون إلى أمد قريب يعيشون بتلك النعمة وفي كل هذه يجادل العربي عن استقلاله والقوى الفائقة لم تفل من عزمه ، ولا فترت من حبه لوطنه ... والمصيبة أن نرى مؤرخينا
    __________________
    (1) مجموعة منظومة فيها قصائد تركية وعربية ، غالبها مؤرخ في سنة ايراده. والظاهر أن التركي منها من نظم عزيز المولوي.

    المتزلفين للحكومة يعدون هذا غائلة ، أو فتنة ، أو خيانة ، أو ثورة ... وفي كل هذه لم يحذروا الحكومة من سوء العاقبة لتحسن سلوكها. بل مدحوها بقصائد وقووا عزمها للوقيعة بالعشائر ... فكانت نفوسهم ذليلة وخضوعهم بالغا حده. والتاريخ سجل ما هنالك. وغالب ما يعزى ذلك إلى سوء ادارة الموظفين وإلا فأصل الدولة لا تقصد الاضرار.
    المدرسة المغامسية :
    إن حكم المنتفق على البصرة لم يكن عشائريا. وإنما كان هناك قاضي شرع. وإن من بقايا أعمال الأمير مغامس المدرسة المغامسية منسوبة إليه. ولا نعرف عنها تفصيلا أكثر من أنها كانت في أقاصي البصرة أسست لتدريس العلوم وإطعام الطعام للطلاب. ولما اندرست آلت موقوفاتها إلى المدرسة الحللية من تأسيس أحد آل المفتي من الحلليين بحكم من قاضي البصرة في 8 ذي الحجة سنة 1244 ه‍ (كتاب المعاهد الخيرية).
    غزو آخر على زبيد :
    إن الوزير بعد أن انتصر في البصرة وأعاد لها النظام على نصابه ، ورأى أحوال الجزائر ورتبها عاد إلى الزوراء ولكن عشيرة زبيد كانت في غيبة الوزير أخذت تعكر صفو الأمن. سمع بذلك فلم يعرهم اهتمامه وإنما أخرهم لوقت آخر وأضمر لشيخهم عبد القادر الغيظ والوقيعة.
    قالوا : وهذا الشيخ لا يكاد يوازيه أحد في دهائه. كان نبيها متيقظا ، لم يطع الحكومة ولم يناوئها بصراحة. فتراه لا يجسر أن يقوم. وإنما يحرك العشائر الأخرى ويغريها في حين أنه يبدي للولاة الانقياد والطاعة والخدمة ... وكان يداريهم ولكنه يترقب الفرص. اطلع الوزير على دخائله. سامحه مرات وعفا عن كثير من أعماله إلا أنه رأى منه تعندا وطغيانا ...

    ومن ثم ركن إلى طريقة حكيمة فأعلن (النفير) إلى العشار فارتاب الشيخ من ذلك ولكن الوزير طير إليه الخبر ودعاه طالبا منه النجدة فورد إليه وذهب الوزير معه مسيرة مرحلة واحدة وحينئذ ألقى القبض عليه وعلى من معه وهم نحو مائتي فارس أو ثلاثمائة فشد وثاقهم ثم أمر بقتلهم لاعتقاده أنهم مضرون لا يمكن اصلاحهم فأباد أكابر رجالهم (1).
    برّر مؤرخونا أمر الغدر بالشيخ عبد القادر بكل ما أوتوا من بيان ولم يذكروا ما يؤيد ذلك وجلّ ما قالوا إنه يتحرك بالخفاء ويغري غيره. وإن جاز الغدر في السياسة فإنه ينبىء عن ضعف وما نسب إلى الشيخ عبد القادر لا يستوجب قتله ولو جوّز قتله فما الداعي لقتل أعوانه الأبرياء! فهذه السياسة غير رشيدة. أفهمت العرب أن يحترسوا من الحكومة ولا يطيعوا أمرها لأنها تقتل كل من أطاع ... وهذا ما جعل التنافر بين العشائر والحكومة وبذلك زال التفاهم والاطمئنان المتقابل وماشى المؤرخون فكرة الحكومة بالرغم من خطلها. وكذا يقال عن التنديد بالعرب وإنهم مجبولون على الظلم والاعتداء ... هذا والقلم بأيديهم يسطر ما شاؤوا من ذم للعرب ومدح لعمل الوزير بلا مبرّر ...
    وهذه الحادثة لم يذكرها بعض المؤرخين لما فيها من الغدر بما لا يقبل العذر ، فأضربوا عن ذكرها خوف الفضيحة وسوء السمعة.
    حوادث سنة 1121 ه‍ ـ 1709 م
    غزيّة :
    بعد أن دمر الوزير عشائر زبيد عاد إلى بغداد. ولم تمض أيام حتى جاءه أمير قشعم شبيب يشكو حال غزيّة ويقول إنهم اتفقوا مع شيخ
    __________________
    (1) حديقة الزوراء ، وقويم الفرج.

    المنتفق مغامس وتعاهدوا فيما بينهم. ولما انكسر الشيخ مغامس صار يتجوّل ذهب إلى الاحساء مرة وإلى الحويزة أخرى. يحاول تجديد العهود مع العشائر ولم يجد من يوافقه إلا غزية. جدد العهد معها على أن لا يأتيه شر منها وتعهدت بسد هذه الثلمة أو الثغرة من الشامية ...
    وحينئذ هاجم حسكة فانتهب بيادرها ... ونهب (الرماحية) وسائر انحائها وأحرق الزروع أيام الصيف.
    أخبر الوزير بكل ذلك وقيل له إذا داموا على هذا تطاير شررهم وتعسر القضاء على الفتن ...
    تحقق الوزير صحة هذه الأخبار كما حكاها أمير قشعم إلا أنه أخّر سفرته أياما ريثما تتم الزروع خشية أن تنتهب ... والصحيح أنه كتب إلى دولته فأرسلت إليه مرة أخرى والي ديار بكر ، ووالي كركوك بكهياتهم وبجنود غير قليلة. وكذا والي الموصل ووالي ديار الكرد جعلا تحت أمره فوردت الجنود تترى ... ومن ثم غزاهم إذ إنهم نقضوا العهد فوصل إلى الحلة وكان خروجه من بغداد في نهاية شهر رجب. ثم سمع أن القوم تشتتوا حينما علموا بالتأهب عليهم فسكن قسم منهم (الاخيضر) والقسم الآخر أقام في (دبلة). وحينئذ أرسل الوزير شبيبا (أمير قشعم) مع أربعة آلاف فارس. أمره عليهم ليذهبوا إلى حدود شفاثة (1) ، وذهب الوزير إلى جهة (دبلة). ولما وصل إليها لم يجد للقوم أثرا. وردت بلفظ (وبلة) (2).
    __________________
    (1) وردت في معجم البلدان بلفظ (شفاثا) راجع (عين التمر) منه.
    (2) جاء في رسالة الشيخ وداي عطية : كنت أظن أن الميل إلى الحلة أولى من الميل إلى نفس لواء الديوانية وهذا ما تبادر للخاطر فقلت (دبلة) ونبهت على ما ورد في أصل المرجع التاريخي. وفي بيان الشيخ في تعيين صحة اللفظة وأنها مقاطعة معروفة في ناحية الغماس مما يشكر عليه.

    وفي هذه الأثناء بدر له أن يميل إلى حسكة. وهناك كان الشيخ إسماعيل في بني مالك. ومن صدق لهجته علم الخبر وتيقن أن أصل هذه الفتنة الشيخ مغامس ، وأنه حدث بينه وبين المنتفق خلاف ...
    وعلى هذا توجه من هناك وقصد منازلهم فوصل إلى محل (شوكة) جاءه البريد من المنتفق وفيه عرائض قدمت إليه من الشيخ ناصر أمير المنتفق فحواها :
    إننا ضجرنا من شيخنا مغامس لما قام به من ظلم وليس لنا رضا بأعماله ، أنقدنا منه. وأمدنا بعنايتك ...!
    وأبدوا أحواله واحدة فواحدة ورجوا أن ينهي الأمر وطلبوا أن يسرع لإمدادهم ، وهم لا يزالون في حرب معه. فكان جواب الوزير :
    أتيناكم أبشروا بخير ، جئناكم بسرعة الريح. إنكم في حمانا فاطمئنوا وأيقنوا بالنصر.
    كتب ذلك مختصرا وبعث به مع من جاء بالكتب. أراد أن يقرب لجهته قسما منهم. ورحل بسرعة يقطع المنزلين ليمد الشيخ ناصرا من أمراء المنتفق ولم يمض إلا القليل حتى وجده ومعه قليل من الفرسان حضروا وعرضوا الطاعة. خلع الوزير عليه وأكرمه وعرف منه أن الشيخ مغامسا فرّ مع عشيرة عبودة. وأن العشائر التابعة له قليلة جدا.
    وحينئذ ركب الوزير السفن وعبر الفرات ليعقب أثر الفارين ، أرخى العنان نحو الجوازر فوصل (أبو مهفة) (1) الموقع المعروف فبات ليلته بقربه. وكان الشيخ مغامس تحصن فيه هو ومن معه من (ربيعة) و(ميّاح) (2) وجماعة من المنتفق أيضا. ويعد الكل بخمسين ألفا أو
    __________________
    (1) اليوم يلفظ (أبو مهيفة) ملك آل المناع رؤساء الأجود. وقال الأستاذ يعقوب سركيس : مقاطعة في الجانب الأيمن من الغراف قرب البدعة.
    (2) مياح من ربيعة عشيرة كبيرة ومستقلة. وكذا عبودة من عشائر ربيعة. وهي اليوم في عداد المنتفق.

    ستين. تأهب الفريقان للحرب واستعدوا للقتال ولكنهم قبل الشروع في المعركة تركوا أموالهم وأولادهم ، وتفرقوا في بعض الأنهر المندرسة (العتقان) في تلك الأنحاء فلما عبر الوزير بجيشه لم يجد لهم خبرا بالرغم من تتبع آثارهم. حاول أن يلحق بهم فلم يفلح.
    أما مغامس فلم يطب له المقام في كل الأصقاع فذهب إلى الحويزة فنظم الوزير الأمور خلال سبعة عشر يوما أقامها في تلك الديار. وحينئذ وصل الشيخ شبيب أيضا فنال إكرام الوزير ولطفه. ذهب إلى شفاثة (شفاثا) فعقب الفارين واستولى على إبلهم وأموالهم ونجوا بأنفسهم فنال من الوزير خلعا فاخرة وكذا الرؤساء الآخرون أنعم على كل منهم بإنعام يليق به وعلى ابن الشيخ شبيب وقدر سعيهم.
    قالوا : «وإن آل قشعم من أهل النسب العريق بين العشائر. وإن رئيسهم صادق اللهجة وله خدمات تذكر له فهو منقاد لأوامر الحكومة. ولذا عادته العشائر حتى أنهم نهبوا بيته مرات. وحاولوا إهانته فاستحق من الوزير كل رعاية ...».
    كان على المرام. قام بكل ما فوض إليه من المهام حبا في الاطماع والرئاسة ...
    ثم عين الوزير ضابطا لناحية (الجوازر) ورجع. ولما وصل إلى شريعة (ابو عمّار) هل شهر الصيام فقطع المراحل بلا توقف. وفي اليوم السابع وصل إلى بغداد.
    ولاية البصرة :
    وحين وصول الوزير أخبر دولته بما تم على يده فجاءه الجواب بالشكر لسعيه وأن تكون ولاية البصرة تحت تفويضه. يعين من يراه لائقا لإدارتها أرسل إليه منشور الولاية بلا تعيين اسم.

    أما الوزير فقد نصب صهره وكتخداه مصطفى آغا. وكان ممتازا في خدماته. قال له : انظر في هذا الأمر. وحرر المنشور باسمه وسلمه إليه.
    وفي 22 ذي القعدة ألبسه الخلعة وكرك السمّور وعظمه بما يليق وأرسل المتسلم إلى (البصرة) ثم ذهب بعد أن رتب حجابه وأعوانه وسائر موظفيه وذهب إلى دار حكومته. قال في الحديقة : كان تعيينه في ذي القعدة من سنة 1122 ه‍ والصحيح ما قدمنا (1).
    وفي عمدة البيان حدثت في هذه الأثناء أمراض طاعون في البصرة (2).
    حوادث سنة 1122 ه‍ ـ 1710 م
    أحوال البصرة :
    إن الكتخدا وصل إلى البصرة فوجد أن بعض العشائر في الجوازر نقضت العهد وعصت فأخبر الوزير بذلك فركب عليهم ودمرهم. وأبقى بعض العساكر في البصرة وعاد ظافرا. لجأ العصاة إلى الأهوار فاستولى على أموالهم ومواشيهم وعاد (3) ...
    ومصطفى باشا لم تطل مدته في هذا المنصب وإنما خلفه (قوجه حسن باشا) (4).
    ولعل هذه الوقعة متداخلة في حوادث بني لام الآتية.
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 127 ـ 2 وحديقة الزوراء.
    (2) عمدة البيان.
    (3) حديقة الزوراء وكلشن خلفا ص 127 ـ 2 وقويم الفرج بعد الشدة.
    (4) سجل عثماني ج 2 ص 148 وقويم الفرج بعد الشدة.

    عشائر الحي :
    ثم عصت بعض العشائر في أنحاء (الحي) فعزم الوزير على السفر إليهم. وهذه العشائر (ربيعة) و(ميّاح) وكانوا من مناصري الشيخ مغامس في وقعة المنتفق. وكان شيخ شيوخهم (خلفا). ثم جاء إلى الوزير يشكو الحالة. فجهز الوزير جيشا عليهم.
    مضى الوزير من ديالى فورد سلمان الفارسي (رض). ولما وصل تجاه (أم الغزلان) أمر كتخدا الحجاب يوسف آغا أن يعبر دجلة بألفين من جنده وذهب مع الشيخ المزبور فمضوا في طريقهم ...
    أما الوزير فإنه سار على طريقه حتى وصل إلى العمارة فساق جيوشه نحو (آل ازيرك) (1) عبر شط العمارة ومنه مضى إلى شط زكية فأغار على منزل فمنزل حتى وصل إلى قرب هور (أبي غرافة). وحينئذ لمح ثوار العشيرة فلم يمهلهم. أعمل السيف فيهم واغتنم كافة مواشيهم وعفا عن الأولاد والأهل (2).
    عشائر بني لام :
    ثم إن الوزير سدّ (گرمة حتيرش). ورأى أنه يجب أن يسد شط الحي (الغراف) باشر العمل فردمه ردما محكما. فجعل الثوار في شغل شاغل. ثم رأى المصلحة أن يعود إلى جانب العمارة. وهناك بقي بضعة أيام للاهتمام بأمر بني لام. فأرسل (خط الأمان) إلى شيخهم عبد العال بعثه مع أحد آغواته ومكث أياما أطاعته خلالها بعض العشائر.
    وحينئذ شاور أهل الخبرة العسكرية عن الوضع وحقيقته فأبدوا لزوم سدّ (شط العمارة) فإذا لم يسد فلا يتمكن من ضبط العشائر ولذا يجب
    __________________
    (1) ويلفظون (آل ازيرج) أي (آل ازيرق) تصغير أزرق.
    (2) قويم الفرج بعد الشدة.

    أن يمر دجلة من زكية ليذهب إلى الجوازر لأن شط العمارة (خليج العمارة) لم يكن له أصل قديم (1). فاضطر إلى سدّه في 5 شهر رمضان سنة 1122 ه‍ واستمر العمل 53 يوما حتى أتمه. بذل اهتماما زائدا وصرف مبالغ طائلة.
    ولما عاد إلى بغداد فاضت مياه دجلة فحصلت ثلمة في الجانب الغربي من هذا السد فتخرب وعادت المياه إلى مجراها الأول ، فلم تفد هذه التدابير. وهي دليل العجز (2).
    حوادث سنة 1123 ه‍ ـ 1711 م
    عشائر بني لام أيضا :
    عاد بنو لام إلى العصيان. أغاروا على انحاء نهر خريسان (3) ، فنهبوا ودمروا ، فكانت أضرارهم بليغة. وفي هذه السنة جهز عليهم الوزير جيشا. وتعقب أثرهم ففروا من وجهه إلى ايران حتى وصلوا إلى الحويزة والتجأوا إلى أميرها المولى عبد الله.
    ولما قرب الوزير من أرض الحويزة أرسل بعض آغواته بصفة رسول إلى العجم فطلب من أميرها أن تسلم إليه عشيرة بني لام وعند ذلك أبدى أنه التجأ إليه ، وأنه يعيد المنهوبات إلا أنه ماطل في ذلك فكان هذا خدعة منه. وقدم إلى الوزير بعض الهدايا ، فلم يقبلها وكتب أمير الحويزة إلى الشاه بأن العثمانيين تجاوزوا وكان الشاه قد علم حقيقة
    __________________
    (1) ورد ذكره في رحلة سيدي علي وأشير إليه في تاريخ العراق ج 4 ولا شك أنه كان قبل ذلك.
    (2) قويم الفرج بعد الشدة ص 161.
    (3) نهر خريسان أصله نهر طريق خراسان. طريق خراسان (لواء ديالى) لوقوعه في طريق خراسان القطر المعروف من ايران ، فخفف وسمي ب (نهر خريسان) بإمالة الألف. وليس معناه شرقي نهر ديالى.

    الأمر فأقصاه عن منصبه ، فمال إلى شيخ بني لام ، فلقي هناك من البؤس ما لا يوصف ثم عفا عنه. وعشيرة بني لام من طيىء (1).
    عشيرة بلباس :
    ذكر صاحب الحديقة أن حرب الوزير لهذه العشيرة كانت عام 1124 ه‍. وفي گلشن خلفا أنها كانت سنة 1126 ه‍ ولكن صاحب قويم الفرج أورد أنها حدثت عام 1123 ه‍ ولما كان أقدم المصادر وأوسعها بحثا رجحنا قوله. أوردنا تفصيلات عن أصلها وفروعها في (عشائر العراق ـ الكردية) (2).
    والملحوظ أن حكومة العراق اتخذت ضعف بابان وسيلة للتدخل ، فناصرتهم وقضت على بلباس. ومن هذا التاريخ قوي أمر بابان وصار بازدياد وضعفت عشائر بلباس ... وكانت تفحصت الحالة من أهل كركوك فتدخلت وناصرت بابان.
    حوادث سنة 1124 ه‍ ـ 1712 م
    والي البصرة :
    في هذه السنة نصب الوزير عثمان باشا واليا على البصرة بعد أن قمع الوزير حسن باشا كل عصيان أو ثورة ظهرت فيها. ذهب إليها فوجدها آمنة مطمئنة. وعلى ما قال صاحب (الحديقة) في معرض مدح الوزير إنه تركها جسدا بلا روح (3) ...
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 127 ـ 2 وقويم الفرج بعد الشدة ص 173 ـ 181 وعشائر العراق ج 3.
    (2) عشائر العراق ج 2 ص 101.
    (3) الحديقة وكلشن خلفا ص 128 ـ 1.

    البو ناصر والمليك :
    قالوا : في هذه السنة أطاعت العربان كافة وتركت كل فتنة ولكن البو ناصر والمليك ثاروا وسلكوا طريق الشرور فأدبهم الوزير. صاروا عبرة لغيرهم فانتهب أموالهم وفرق شملهم (1) ...
    الجراد :
    وفي هذه الأثناء هاجم الجراد فأضر بالبلاد كثيرا ، فولد غلاء فكانت مصيبة الناس فادحة وخساراتهم عظيمة فبلغ سعر وزنة الحنطة سبعة دراهم. أما الوزير فقد تمكن من المحافظة على هذا السعر بسبب ما قدمه للناس من حبوب باعها بخمسة دراهم بدل السبعة ... فالتزمت الوقوف ولم تحصل زيادة ... فخفّفت عن الناس وفي آخر هذه السنة لم يبق أثر للجراد.
    حوادث سنة 1125 ه‍ ـ 1713 م
    عشيرة بلباس :
    وفي شهر رمضان ظهرت فتنة بلباس. تجاوزوا حدود العجم فحصل بينهم وبين الايرانيين قتال. خربوا قرى العجم فأخبر الوزير بواقع الحال فعين كتخداه لمعرفة الأمر ... وهذا الكتخدا كان مقتدرا مستعدا وهو صهر الوزير (2).
    فلما وصل إلى هنا أوقع الرعب في القلوب. فعلم جلية الأمر. وجد أن أصل الفتنة من بلباس ولكن العجم لم يكونوا خالين من تقصير فقضى على الفتنة وزجر بلباس ولامهم لوما عنيفا. وحينئذ عرض الأمر بتفاصيله على الوزير.
    __________________
    (1) قويم الفرج بعد الشدة.
    (2) قويم الفرج بعد الشدة.

    وعلى هذا أمر بترحيلهم لرفع الكدورة وعجل بإنهاء ذلك وفق المراد (1) ...
    حوادث سنة 1126 ه‍ ـ 1714 م
    والي البصرة :
    وجه في هذه السنة منصب البصرة إلى الوزير حسن باشا فمرّ ببغداد ولم يتعرض لما جرى على الوزير السابق (2).
    البرد القارس :
    مضى الشتاء ببرد شديد. صار البرد قارسا والهواء زمهريرا ولذا رأى الوزير أن لا يخرج من بغداد خشية أن يضر بالجنود. ولكن التجارب قضت بأن الحكومة إذا سكنت يثور أهل الشغب. ولذا اقتضى ترقب الأحوال حذرا من وقوع حوادث ... أبدى عزمه في زيارة الإمام الحسين (رض) فذهب وزار. خيّم خارج البلد مدة يومين. ثم توجه إلى زيارة الإمام علي (رض). وفي هذه المرة جدد صندوق ضريحه. ولما تم حضر القاضي والمفتي والنقيب. فأجري الاحتفال المهيب ورفع الصندوق العتيق فوضع مكانه الجديد فغطاه بالستار. ووضع له (يوسف عزيز المولوي) صاحب قويم تاريخا باللغة التركية وكان في جملة من حضر الاحتفال. جاء في كتاب (ماضي النجف وحاضره) أن هذا الصندوق كان من الساج المطعم بالعاج إلا أنه يبين أن هذا الصندوق قديم. جرت عليه اصلاحات عديدة منها ما كان في هذه السنة. والحال أن النص المنقول عن قويم الفرج يعين أن الوزير حسن باشا هو الذي عمله. وممن أرخه الحاج محمد جواد بن عواد. وفيه إشارة إلى أنه
    __________________
    (1) قويم الفرج بعد الشدة.
    (2) كلشن خلفا ص 128 ـ 1.

    جدده الوالي ولم يقل أصلحه بل الشعر يشير إلى أنه من عمله (1). ثم عاد إلى بغداد. استراح بضعة أيام خارج البلد. فعزم على زيارة الإمامين الحسن العسكري وعلي الهادي (رض). وفي هذه المرة أوجد الرهبة في قلوب تلك الانحاء ... تجول ثم عاد. ومن ثم ذهب البرد وأقبل فصل الربيع ...
    نظم بهارية وقويم الفرج بعد الشدة :
    في فصل الربيع نظم المولوي صاحب قويم الفرج (بهارية) تركية في مدح الوزير قدمها إليه وهو في بستانه الذي كان عمره سنة 1121 ه‍. كان تاريخها (باغ حسن). وفيه تورية (بستان حسن) أو بستان الوزير حسن باشا.
    وهذه البهارية راقت للوزير. وعلى هذا ونظرا للاستحسان كتب تاريخه (قويم الفرج بعد الشدة) بعد هذا التاريخ ...
    ثم ختم كتابه بها. وصف الربيع والبستان وخصائل الممدوح ودعا له ولابنه احمد بك. ثم قدمه بعريضة منظومة في بيتين وأنهى المقال (2).
    ولله دره من أديب اشتهر شعره في بلاد الترك فكان يعد من أدبائهم ومن المؤسف أن لا يشيروا إلى كتابه قويم الفرج وهو من أجل الآثار التاريخية لهذا العصر في قطرنا. وإن صاحب الحديقة كان ينقل منه حرفيا ويختصر أحيانا ويحيل إليه أخرى وسماه (المؤرخ المولوي).
    وقف قلم صاحب قويم الفرج عند هذا. وتوفي سنة 1153 ه‍ وأما المصادر التاريخية عن الوقائع التالية فإنها في الغالب تعوّل على گلشن خلفا ، والحديقة وسائر المراجع المعاصرة والتواريخ الرسمية. وفي هذا العهد تكاثر المؤرخون منا. دونوا ما أمكن. وصل إلينا منها ما تمكنا
    __________________
    (1) ماضي النجف وحاضره ص 51.
    (2) لغة العرب ج 8 ص 588 وعشائر العراق ج 2.

    من العثور عليه مما يوضح في محله.
    هذا ثم حصلت على مجموعة خطية فيها قصائد عديدة عربية وتركية وغالب التركيات من نظم يوسف عزيز المولوي أكمل بها وقائع الوزير حسن باشا إلا أن حوادثها لم تتجاوز سنة 1130 ع. ومنها علمنا ضبط التاريخ في الشعر.
    عصيان الببه (بابان):
    ثم شق عصا الطاعة أمير لواء ببه (بابان) وهو (مير بكر) على ولاة شهرزور واستولى على ما حوله من البلدان والأهلين. قتل جملة من الأبرياء من أقاربه وفيهم الأطفال والصبيان فلم يأمن أحد على ما بيده ولا على نفسه وماله فدعت الضرورة إلى لزوم انقاذ الناس من شره. قام الوزير عليه ليردعه من أمثال هذه الفعلات الجائرة. ولما كان في أماكن جبلية ، صعبة المنال ، شاهقة لا يتيسر الوصول إليها. أو اجتياز عقباتها ... تأهب للمقاومة. أما الوالي فإنه لم يبال بكل هذه الصعاب وتقدم إليه غير مكترث بالأخطار والأهوال ولا العقبات غير ناظر إلى كثرة أعوانه فقابلهم وحاربهم فكان النصر حليف الوزير فلم تمنعهم القوة ولا خطورة المواقع فكانت النتيجة أن تشتت شملهم وصار أكثرهم طعم السيوف ففر الثائر. حاول انقاذ حياته دون أن يتولى أمر الحرب ...
    ونصب الوزير أميرا غيره وعاد منصورا ومن غريب أمر هذا أنه بدل قيافته وجاء إلى أطراف بغداد متنكرا فعرف فألقى القبض عليه من جنود الوزير فأمر الوزير بقتله في بغداد فقتل (1). والظاهر أنه حاول الدخالة على الوزير وطلب العفو فعرف قبل أن يقدم الدخالة.
    __________________
    (1) الحديقة وكلشن خلفا ص 128 ـ 1.

    حوادث سنة 1127 ه‍ ـ 1716 م
    أمير الحويزة وعشيرة بني لام :
    ثم جمع أمير الحويزة المولى عبد الله رجاله وجنوده الوافرة وأمير (الفيلية). قصدوا غزو بني لام. فلما سمعوا تحصنوا بجزيرة الجوازر. خافوا أن يوقع بهم. فأخبروا الوزير بما جرى. يطلبون تخليصهم من صولة هؤلاء وتأمين القرى. فأمر الوزير عساكره في تلك الأنحاء أن يمدوا بني لام ويعاضدوهم. إذ لم يظهر منهم في هذه المرة تعدّ. وحينئذ حصل لبني لام الفرح من نصرة الجيوش. قوي عزمهم واشتدوا على المقاومة. ولما جاء العجم وبارزوهم لم يلبثوا إلا قليلا حتى هربوا فكثر فيهم القتل ولم يسلم منهم إلا القليل. تركوا خيامهم وفروا. فاغتنمت الجنود أموالهم وأثقالهم وانتهت الوقعة بخذلان أمير الحويزة.
    اليزيدية :
    ثم هاجم الوزير اليزيدية في سنجار. وكانوا في ذروة منه يقال لها (دير العاصي). وبعد أن جرت حرب عظيمة فروا إلى الخاتونية وهناك تحاربوا ، فلم تنجع الوسائل ولم يروا بدا من التسليم. وقتل منهم ديللو ، ومندو وعباس أخو مندو ، وخركي ، وسواس من مشاهير رجالهم.
    خرج الوزير في 28 من ربيع الآخر من بغداد ، ووصل إلى انحاء سنجار في 17 رجب وفوض أمرهم إلى رئيس طيىء محمد الذياب والتفصيل في (تاريخ اليزيدية).
    وجاء مدح الوزير في قصيدة تركية مؤرخة في سنة 1127 ه‍. وفيها يقول أزلت من البين اسم أهل الشقاء وقطعت دابر اليزيدية الكفرة فلك الأجر فيما قمت به من صولة لم يسبقك إلى مثلها سابق ...

    وهناك قصيدة أخرى ذكر فيها جبل سنجار وهي طويلة من نظم يوسف عزيز المولوي. وأخرى كذلك.
    طارمة لمشهد الإمام الحسين :
    في هذه السنة عمر الوزير طارمة الحضرة الحسينية. ومدحه يوسف عزيز المولوي بقصيدة.
    شهرزور :
    أنعمت الدولة على أحمد باشا ابن الوزير حسن باشا بإيالة شهرزور فقام بأعبائها. وهذا أول منصب عهد به إليه ، وفي السنة التالية ولي البصرة (1).
    حوادث سنة 1128 ه‍ ـ 1716 م
    أرسل الوزير مددا لدولته بناء على طلب منها خمسمائة من فرسان الأكراد مع كتخداه وصهره عبد الرحمن آغا لحرب النمسة ثم عاد. ومن ثم أنعمت عليه الدولة بإيالة شهرزور فوافاها وباشر إدارتها (2).
    مسناة جسر بغداد :
    ومن مآثر هذا الوزير أنه أمر ببناء مسناة لجسر بغداد ، فتمت وأن الحاج محمد جواد عواد مدح الوالي عليها في قصيدة أوردها في ديوانه (3). وجاء في كلشن خلفا أنها بنيت سنة 1129 ه‍ (4).
    __________________
    (1) حديقة الزوراء ، وكلشن خلفا ص 128 ـ 2. وفي هذا ما يدفع النصوص المتأخرة ، والعبرة لأقدم نص عرف ، فلا يلتفت إلى غيره.
    (2) كلشن خلفا ص 129 ـ 1.
    (3) ديوان محمد جواد عواد ص 10 ، عندي نسخة مخطوطة منه. وكان شاعرا فاضلا.
    (4) كلشن خلفا ص 129 ـ 1.

    وفي قصيدة أخرى من مجموعة مخطوطة جاء ما يؤيد أنها بنيت سنة 1128 ه‍.
    وفي قصيدة تركية جاء التاريخ سنة 1127 ه‍. والظاهر أن الشروع بالبناء كان في هذا التاريخ.
    والملحوظ أن الجسر قد بدأ فتحه في تاريخ المسناة أو قبل ذلك بقليل واتخذ الطريق من المستنصرية فهدمت بعض نواحيها وجعلت طريقا وإلا فلم يكن الطريق من هناك وإنما كان من تجاه قلعة الطيور في جهة القلعة قرب النجيبية (المستشفى الملكي) اليوم.
    حوادث سنة 1129 ه‍ ـ 1717 م
    عشيرة الجاف :
    هاجمت على حين غفلة أنحاء بغداد فقتلت عثمان بك أمير باجلان مع اثنين من اتباعه. ونهبت الأموال فلما سمع الوزير عزم على التنكيل بها فلم تستطع المقاومة ولكنه عقبها عدة منازل فلم يظفر بها. تحصنت بالجبال المنيعة. ولذا عاد الوزير وكتب إلى دولة ايران بما جرى. وحينئذ غضبت على موظفيها وعزلتهم على تهاونهم في ضبط هذه العشيرة وأعطت دية المقتولين (1).
    قنطرة الذهب أو آلتون كوبري :
    عرفت من أيام السلطان مراد الرابع ، بل قبله ، وقبل دخول العثمانيين العراق وردت في تاريخ الغياثي. وفي هذه المرة عمرها الوزير حسن باشا سنة 1129 ه‍. وتقع في طريق كركوك ـ الموصل. فهي مهمة من الوجهة العسكرية ، ومن جهة أنها على الطريق العام. طلب من دولته
    __________________
    (1) عشائر العراق ج 2 ص 28 وفيه تفصيل.

    أن تساعد في أمر عمارتها ، فوافقت. وكان يتعسر اجتيازها. وتقع على نهر الذهب (آلتون صويي) فقام الوزير بالمهمة ، ونصب لها محافظا فصارت هذه القنطرة محكمة ومتينة (1). والزاب يظهر أن أصله الذهب فلحقه التصرف باللفظ. وسمي نهر الذهب وقنطرته عرفت به. ومنهم من يقول إن أصل اسمه (زي) وزي آب أو زاب تعني نهر زي بالكردية. وزي بار أو زنيبار العشيرة التي تسكن جانبا منه إلا أن التسمية ب (آلتون صويي) و(آلتون كوبري)ترجمة نهر الذهب وقنطرته وكان قديما يقال له (نهرالذهب) (2)
    قناطر أخرى :
    رأى الوزير في طريقه قناطر أخرى مهدمة منها قنطرة على (نهر چمن) ، وأخرى على (نهر نارين). وقنطرة على (چوبين). فأمر ببناء هذه القناطر من صخور ، وجعل نفقاتها من كيسه الخاص. وبذلك سهل طريق المرور (3).
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 129 ـ 1.
    (2) علق الدكتور مصطفى جواد فقال : سماه الترك (آلتون صويي) أي نهر الذهب.
    وزاب قريبة من لفظ (ذهب) حصل تصرف في اللفظ. والساميون قدماء في تلك الأصقاع. وفي أنحاء الفرات عرفت هذه التسمية. وهل هنا وجه للغرابة وأكثر الألفاظ للمواقع هناك سامية وأنها كانت مسكونة بأقوام ساميين وكيف يرجح أن يكون زاب من قدماء ملوك الفرس ، وهو زاب بن توكال بن منوشهر بن ايرج ابن أفريدون وأنه حفر عدة أنهر في العراق مع العلم بأن هذه الأنهار طبيعية ...!! وأن الإيرانيين ينسبون كل مأثرة لملوكهم ...!! ويتعصبون. ألم يكن هذا محل نظر؟ مع أنني قلت : «والزاب يظهر أن أصله الذهب فلحقه التصرف في اللفظ».
    وذكرت ما نقله صاحب الشرفنامة من قول وبنيت المطالعة ولم أقطع. ولعل اللغة الكلدانية ، أو اللغة الآشورية تذكر اسم الذهب. ومن ثم تسهل التسمية به. وإنما ذكرت ذلك مطالعة.
    (3) كلشن خلفا ص 129 ـ 1.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي   تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 6:52 am

    حوادث سنة 1130 ه‍ ـ 1718 م
    عشيرة بني لام أيضا :
    إن شيخ بني لام عبد العال عاد إلى ما هو عليه فاتفق مع أمير الحويزة ، فعاث بالأمن ونهب سفن التجار. ولذا أرسل الوزير كتخداه عليهم فدخلوا أراضي الحويزة وكان أميرها المولى عبد الله وفي هذه المرة ساعد الجيش في الدخول فتحارب مع بني لام ، فانتصر عليهم بعد أن عبر (نهر الكرخة) حتى وصل إلى قرب نهر كارون فدامت الحرب ساعات ومن ثم انكسر بنو لام. وتركوا ما معهم وهربوا. ففرح الوزير بهذا وألبس كتخداه خلعة (1).
    كلشن خلفا
    تمّ تاريخ گلشن خلفا المدون باللغة التركية في حوادث هذه السنة. ويعد من تواريخ أيام هذا الوزير. بينا عن حياة مؤلفه وكتبه التاريخية في مجلة لغة العرب. وهنا أقول : إن هذا المؤرخ أكمل تاريخه عام 1100 ه‍. كتبه باسم الوزير عمر باشا وختمه إلا أنه بعد ذلك لم تنقطع يده منه ، وصار يدوّن ما كان يجري في أيامه مستمرا في عمله. زاد عليه وأكمله في سنة 1129 ه‍ وختمه في نهايتها بذكر مناقب هذا الوزير. ولكنه استمر بعدها أيضا فذكر في عام 1130 ه‍ وقعة بني لام المارة الذكر ووقف عندها بعد أن مضت مدة ثلاثين سنة على تقديمه إلى عمر باشا ، فجاء بما يهم من الوقائع. ولا شك أن وقائعه من أواخر المائة الحادية عشرة إلى هذا التاريخ تعد من الوقائع المعاصرة والجمع بينه وبين تاريخ الغرابي أدى إلى أن تكمل وقائع بغداد بل العراق إلا أن التفصيل في قويم الفرج زائد جدا.
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 130 ـ 1.

    أوضحت عنه في كتاب (التعريف بالمؤرخين للعهد العثماني). وكتابه گلشن خلفا طبع في مطبعة إبراهيم متفرقة باستنبول في غرة صفر سنة 1143 ه‍. فكان من أوائل مطبوعات هذه المطبعة وهي أول مطبعة في المملكة التركية. وعندي نسخة مخطوطة قديمة منه. إلا أنها غير مؤرخة.
    هذا ، وإن صاحب الحديقة أخذ عن گلشن خلفا لما جاء بعد قويم. ذكر مناقب الوزير وحادث بني لام منه (1).
    حوادث سنة 1131 ه‍ ـ 1718 م
    عشيرة بني لام :
    حدث خلاف بين بني لام بعضهم مع بعض فتقاتلوا وأدى ذلك إلى وقائع مؤلمة. فلما وصل الوزير إليهم وجد أن شيخهم (فارسا) لم يتمكن من الإدارة فعزله ونصب الشيخ عبد السيد من بيت الرئاسة ثم رتب أمورهم وقفل راجعا إلى بغداد.
    عشيرة بلباس :
    ثم أرسل والي كركوك أميرا على بعض الجنود إلى بلباس تجرأوا على الناس فأوقفهم الوالي عند حدهم وأخمد غائلتهم وشتت شملهم فعاد الجيش ظافرا.
    بابان :
    كان تغلب بكر بك من أكراد (لواء ببه) أي بابان على بعض المواطن فصارت له الشوكة والصولة ... فركب إليه الوزير بعساكره وأمرائه فأباد جمعه وخرب ربعه وقضى على ثورته ...
    __________________
    (1) آل نظمي في لغة العرب ج 8 ص 119 ـ 122 وج 9 ص 273 ومنهم مرتضى آل نظمي صاحب كلشن خلفا.

    اليزيدية الصاجلية :
    غزا الوالي الصاجلية وهم فرقة من اليزيدية فقتل الرجال وأسر العيال واغتنم الأموال ورجع. ولعل هذه الوقعة دعت إلى انقراضهم في حين أن أوليا چلبي ذكر الشيء الكثير عنهم. واليوم ليست معروفة بهذا الاسم.
    الخزاعل :
    دخل الشيخ سلمان الخزعلي بغداد خفية وكان هرب إلى بلاد العجم. جاء إلى الوزير مبديا العذر وطلب أن يعفى عنه فقبل الوزير معذرته وعفا عنه فبقي في أحسن حال ...
    شيخ بني لام عبد العال :
    قدم شيخ بني لام عبد العال إلى بغداد لما ضجر من حالته في البوادي. واجه الوزير فعفا عنه ولكنه رأى منه نقض العهود فلم يجعله رئيسا على عشيرته بل جعل أخاه عبد القادر.
    والي الحويزة :
    ثم قدم أمير الحويزة المولى عبد الله إلى بغداد ملتجئا إلى الوزير لما استوجب أن يعاقبه الشاه فأتى بعياله ورجاله. فآواه الوزير وتعهد بتخليصه بالشفاعة له.
    كان هذا الأمير مهذبا كاملا وأديبا يحفظ دواوين المتقدمين. يأتي منها بالسحر الحلال وهو شاعر مطبوع ، وأديب كامل ، وعالم بالمعقول والمنقول ... أورد له صاحب الحديقة من الشعر قوله :
    ظبي يتيه على الأسود بفتكه
    و يريك بدر التمّ عند شروقه




    ثملان من خمر الدلال كأنما
    كأس الحميّا ركبت بعروقه

    يختال في حلل الشباب كأنه
    قوس السحاب بدا خلال شروقه

    لا والذي أولاه صعب مقادتي
    و أذاع علم السحر من منطوقه

    ما حلت عن سنن الوداد ولم تكن
    نفسي بمهملة لبعض حقوقه

    ومن شعره :
    ذكر العهد فهام
    و جفا الجفن المنام

    و فؤاد ضاع منّي
    بين هاتيك الخيام

    لست أنسى عهد ظبي
    ناعم حلو الكلام

    بين لحظيه سقام
    و شفاء للسقام

    فعليه وعلى لح
    ظيه ما عشت السلام

    وللشيخ نصر الله أبيات فيه وفي الشيخ محمود الحويزي وفي الشيخ فرج وزير المولى عبد الله أمير الحويزة ومن ثم نعلم علاقة هؤلاء بأدباء العراق.
    طريق الحج :
    عمر الوزير طريق الحج الذي سنته زبيدة (زوج هارون الرشيد) فذهب الحجاج فيه وجهز معهم العسكر الكثير ورتب عشرين سقاء

    يسقون الحجاج الماء ويحملونه على الجمال يتفقدون به الفقراء ويتقاضون متعيناتهم من أي وال كان في بغداد.
    زوجة الوزير :
    وفي 27 شهر رمضان توفيت زوجة الوزير عائشة خاتون بنت مصطفى باشا أم أحمد باشا. دفنت في تربة السيدة زبيدة وبنى لها الوزير مدرسة لطيفة أجرى لها الماء وعين لها مدرسين ووظف لطلبة العلم موظفا في كل يوم وعين بعض المرتبات.
    تربة السيدة زبيدة
    (عائشة خاتون ومدرستها)
    هذه التربة لم تكن لزوج هارون الرشيد وإنما تعود إلى (زبيدة بنت هارون الجويني) ، وأمها رابعة بنت أحمد ابن الخليفة المستعصم بالله. وللعلاقة اشتهرت غلطا بأنها زوجة هارون الرشيد. وظن المرحوم السيد محمد سعيد الراوي أنها (زمرد خاتون) فقدمت من الأدلة ما يكفي ثم ظهر ما هو منقور على ميل الشيخ عمر السهروردي من تاريخ فانتفى أن يكون هذا الميل المماثل من أبنية العهد العباسي. ولم يلتفت إلى النصوص ، ولا إلى الشهرة ، ولا إلى ما تحقق من أن مثل هذه الأبنية كانت من عمل عهد المغول مع أن المراد بمدرسة زمرد خاتون (جامع الشيخ معروف) تغلب اسمه عليها وأن تاريخ المنارة ينطق بذلك. ثم عثرت على ما يكمل المكتوب على ميل السهروردي فذكرته في كتاب
    (المعاهد الخيرية) فكان من أصل البناء. كتب سنة 735 ه‍ (1).
    __________________
    (1) تاريخ العراق بين احتلالين ج 1. وجريدة (البلاد) 3 تموز و5 و6 و7 آب سنة 1935 م. وتوفي المرحوم الراوي في 22 ذي القعدة سنة 1354 ه‍ ـ 15 شباط سنة 1936 م.

    ولم يعرف دوام اسم غير اسم زبيدة وليس لزمرد خاتون ذكر. وإنما تغلب اسم (الشيخ معروف) عليها. ولا تزال (زبيدة) معروفة ولكن الناس وهموا بهارون الخليفة العباسي فكان غير صواب. وفي اتفاق الاسم ما دعا للشبهة وأوقع في الخطأ (1).
    حوادث سنة 1132 ه‍ ـ 1719 م
    الطاعون :
    في أواخر السنة الماضية وقع الطاعون وكثرت الاصابات ويعد بالألف أو أزيد يوميا وهرب أغلب الأهلين وخرج الوزير بعساكره إلى أنحاء سامراء ، واستمر إلى أوائل هذه السنة هلك فيه علماء ومشاهير لا يحصون. ثم ذهب البؤس وزال المرض فعاد الناس إلى ما كانوا عليه. ومثل هذه المصائب بدلت الأوضاع العلمية والإدارية.
    وقائع أخرى :
    ثم إن الموالي والعباسيين في أنحاء حلب قد عصوا فأمرت الدولة ولاة عديدين للوقيعة بهم ومن هؤلاء وزير بغداد حسن باشا على أن يكون الكل تحت قيادة علي باشا مقتول زاده والي الرقة ولم تظهر لها نتيجة وفي كتاب (نهر الذهب في تاريخ حلب) أن والي بغداد كان في هذه قائدا على عسكر شهرزور والموصل وديار بكر ، وأما علي باشا المقتول والي الرقة فإنه كان أمير عسكر حلب وقره مان فتناوشت العساكر والعربان من كل جانب فأذاقوهم أنواع المعاطب فزال خطرهم إلا أن هذا التاريخ ذكر الحادثة في وقائع سنة 1133 ه‍ (2).
    __________________
    (1) تاريخ سليمان باشا لنشاطي وهو السيد عبد الله الفخري. عندي نسخة مخطوطة منه. وفيه بيان تاريخ المدرسة.
    (2) نهر الذهب في تاريخ حلب للغزي ج 3 ص 295.

    حوادث سنة 1133 ه‍ ـ 1720 م
    ظهرت سنة 1131 ه‍ قبائل الافغان وأميرهم أويس بمظهر امارة قوية. استولت على قندهار وغيرها ، فلم يرضوا بما عندهم بل تمكنوا من مقارعة ايران فاستولوا على أصفهان قاعدة دولة الصفويين.
    وفي هذه السنة والتي تليها صرفت المجهودات لحفر الخندق في بغداد وتجديده خشية أن يقع ما لا تحمد عقباه. رأت الدولة أن الافغان هاجموا بلاد ايران واستولوا على أصفهان فخافت أن يلحق ببغداد ضرر فأمرت بالتأهب للطوارىء وأن يكون الوزير على حذر ... إلى أن تأتيه القوى الكافية ...
    حوادث سنة 1134 ه‍ ـ 1721 م
    حوادث الافغان :
    إن الصفويين آل أمرهم إلى الزوال وإن ولاتهم وأمراءهم عتوا إلى درجة لا تطاق لا سيما في بلاد الافغان ويقال إن كوركين خان أمير قندهار من الصفويين وهو كرجي الاصل تعرّض بأخت الأمير أويس الذي هو من العشائر الرحل. دعا الأمير أويس مرة أمير قندهار لوليمة فرأى أخت أويس فأعجبته. ومن ثم عمل هذا الأمير وليمة دعا فيها الرجال مع الرجال والنساء مع النساء. وبين النساء أخت الأمير أويس ، فمنع أن تعود إلى أهليها فكان ذلك داعية الهياج وأدى الأمر بأويس إلى اكتساح قندهار. قتل كوركين خان وكذا نكّل بأتباعه. وحينئذ ركب الأمير أويس في تلك الساعة مع العشيرة ودخلوا قندهار وأعملوا السيف في العجم. استولوا على المدينة سنة 1131 ه‍ وبقي أويس فيها أميرا إلى أن مات كما أن ابن أخيه الأمير قاسم استولى على هراة.
    وفي تاريخ راشد أوضح أن الأمير أويس ظهر سنة 1118 ه‍ في أنحاء قندهار ، وكان استولى على الاطراف وقهر جيش الشاه لمرات ،

    فانتزع المدينة من أميرها عبد الله خان الگرجي. وضرب النقود وقرأ الخطبة باسمه. كتب على النقود هذا البيت :
    سكه زد بر درهم دار القرار قندهار
    خان عادل شاه عالم مير أويس نامدار

    أي ضرب على الدرهم قندهار ذات القرار الخان العادل سلطان العالم الأمير أويس الذائع الصيت.
    وتوفي بعد سنوات من استيلائه فخلعه أخوه إلا أنه لم يكن من رجال الحكم فخلع بعد ستة أشهر ، واختير الأمير محمود بن الأمير أويس للحكم. ولم يهدأوا من حرب ايران واستولوا على مواطن عديدة. توغلوا في كرمان والمشهد.
    ثم إن هذا الأمير تقدم لاكتساح الممالك الايرانية وجهز جنوده نحو عاصمة العجم أصفهان فحاصرها نحو عامين فسلمت إليه وأطاعه كل من فيها وأسر الشاه حسينا وسجنه مدة وقيل إنه تزوج ابنته وفي تذكرة (الزاهدي الگيلاني) أن الأمير محمودا استولى على أصفهان في 15 المحرم سنة 1135 ه‍ وسمى كتابه (تذكرة الأحوال) عندي نسخة مخطوطة منه وفي تاريخ ايران للأستاذ عبد الله الرازي ما يؤيد ذلك (ص 569) ... أخبر والي أرضروم حكومته في شعبان سنة 1134 ه‍ بمحاصرة أصفهان فكتب الأوامر إلى الولاة المجاورين ومنهم حسن باشا والي بغداد ليكونوا على حذر وأهبة ... وحينئذ راعى والي بغداد الحزم والحيطة فكتب كتابا إلى الأمير محمود يعرض الوقوف على الحالة. فكان جوابه أنه انتقم للأمير محمود من العجم. أرسل الحاج عثمان آغا رسولا وكان فاضلا منتبها لدخائل الأمور وظواهرها بعثه بكتاب يهنئه بهذا الفتح ويندد بالعجم ، ويبين أنهم أعداء ... فأبدى له الأمير أنه لم يقم بهذا الأمر إلا ابتغاء مرضاة الله ... وأنه مطيع لسلطان المسلمين. فرجع الرسول منه مكرما وأرسل وزيره محمد صادق خان بكتاب إلى

    الوزير حسن باشا ينطوي على أن الظلم شاع في ايران ، فاقتضى تأديب الفجار فطرقنا هؤلاء. طلعت جيوشنا من مدينة قندهار لتسخير ممالك القزلباش. وردنا بلدة (گلون آباد). وبعد قتال عنيف انهزموا. وهكذا مضينا إلى (فرج آباد) من بناء الشاه حسين. فابتلوا منا بأعظم داهية فولوا الادبار. ثم دمرنا جيش فارس وكان عظيما. فرأوا منا العطب. ومن ثم لم يروا بدا من الاذعان والتسليم للقدرة القاهرة ... وأبدى في كتابه الخضوع للسلطان ، ورغب أن يكونوا على الصفاء والمودة ويقدم الحرمة ويدعو إلى الألفة.
    أوعز إلى الرسول أن يدقق الحالة فبين مشاهداته وذكر أن بلاد العجم صارت غنيمة باردة ومن السهل فتحها فأرسله الوزير إلى الدولة لتستطلع برأيه وتختبر منه الوضع وما عليه ايران اليوم.
    ويلاحظ هنا أن الوزير كان طامعا في ايران بعد أن تمكن من السيطرة على عشائر العراق. رغب دولته في لزوم اكتساحها فوافقت في حين أنها كانت وجلة. وأمرته بالحيطة. وعلى هذا بادر بإيفاد رسوله إلى ايران يسبر أحوالها قبل أن يقف على رأي دولته. وبذا أراد أن يقوي عزمها ويؤكد اعتمادها فبعث بالرسول إليها للاطلاع على الحالة بتفرعاتها. والظاهر أنه جرّ دولته إلى الحرب وولد أمل الظفر.
    أبدت الدولة أن بينها وبين ايران عقودا وعهودا إلا أن الاخطار انتابتها من كل صوب وصارت طعمة لكل آكل ، ويخشى أن تصيب الدولة حوادث غير متوقعة ، فأمرت أن يتخذ ما يلزم وأن يتهيأ للطوارىء فقامت بالأمر (1).
    ومن راجع التاريخ والأوضاع السياسية للأمم وطريق استقلالها
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ، ص 4 وتاريخ راشد ج 5 ص 433 ـ 434.

    علم أن البواعث إنما تكون ناشئة عن قسوة أصابت الأمة وظلم أرهقها فكانت على الأهبة والاستعداد للوثبة بأمل النهوض والانتقام.
    ولا ينظر في مثل هذه إلى السبب المباشر أو الضعيف كحادث حقيقي لثورة الأمة وإنما عوامل كثيرة متراكمة أذكت النيران. فجاء يوم الحساب بقسوة لا مزيد عليها ...
    والأفغان أمة عزيزة الجانب ، قوية الشكيمة ، معتادة على الخشونة وشظف العيش متمرنة على مطاردة الوحوش ومقارعة العشائر ، فثارت للانتقام فلم تجد ما يصد تيار هيجانها ...
    والمؤرخون اضطربت كلمتهم في أصل (الافغان) ويقال لهم عندنا (أغوان) وهكذا دعاهم صاحب (تاريخ أفغان) ولم تكن التسمية حديثة العهد ولا قريبة النشأة. جاء في قاموس الاعلام أن هيرودوتس ذكرهم في تاريخه بتحوير قليل في اللفظ. وهم قبائل متعددة بين أفغان أصليين ، وبين (تاجيك) و(هندوكي) ، و(هزاره) ، و(قزلباش). ويقال للغتهم (پختي) أو پختوان) من اللغات الآرية.
    وفي تاريخ الافغان : «أن أصل قبائلهم في أنحاء داغستان على سواحل بحر الخزر في قطر يدعى (شروان) أو خارج (باب الأبواب) على سفح داغستان والصحارى المتصلة به ، ولم يستطع أحد أن يقف على حقيقة جذمها ، أو أنهم من أقوام الخزر ، أو طائفة من فروعهم ... انحدروا إلى ايران وما يتصل بها من الممالك القريبة ... فصاروا يهاجمون ويغزون بغارات متوالية ...
    ولما ظهر الأمير تيمور اكتسح تلك الديار واستولى على هذه الاقطار فشكاهم الايرانيون وتظلموا من أعمالهم ... وحينئذ أمر تيمور بإجلاء هؤلاء إلى ديار تبعد نحو مائة مرحلة عن مواطنهم الأولى فأبعدهم. وكانت هذه البقعة من ايران ، حوالي قندهار والصحارى بينها وبين الهند ... أنقذ ايران منهم جعلهم سدا منيعا لها من الأقوام

    الشرقية فأمنوا غوائلهم وغوائل غيرهم بهم.
    وعلى ما ورد في بعض التواريخ أن هذه الطوائف من الأرمن وذلك أن ايالة شروان كانت تدعى (ألبانيا) وأهلها ألبانيون. فتكون الأغوان محرفة عن ألبان. وللآن توجد ناحية متصلة بشروان يقال لها (قره باغ) فيها كنيسة تسمى قند سار ويقال لرئيس بطارقتها (أغوانج) وفي لغة الارامنة تعني زعيم الأغوان ولا تزال طوائف الارامنة المتوطنة في جبال (صفناق) في حدود ايالة گيلان وأنحاء (كنجه وروان ونخچوان) يفتخرون بهذا العنوان ويدعون أنهم أغوان. ولعل رئيسهم الديني سكن قندهار وأصلها قندسار فتحرفت إلى قندهار ...
    وفي بعض الكتب أن هذه المدينة من بناء الاسكندر سكنها الارمن أثناء هجرتهم وتباعدهم عن وطنهم فألفوا الهنود واختلطوا بهم ثم اعتنقوا الإسلام ولا تزال بقايا بعض العوائد موجودة فيهم مثل أنهم يضعون علامة صليب على اكلاتهم منقولا عن تقاليدهم الاولى. ومن القديم حافظوا على خشونتهم الاولى وبداوتهم فعرفوا إلى اليوم بالشجاعة والاقدام ...» اه (1).
    وفي (كتاب دول إسلامية) أنهم في الأصل من قبائل الترك المسماة أحيانا ب (قلج) وكما يقال (أفغان). ويريد بالقلج ما يدعى ب (الخلج). وفي تاريخ مختصر ايران للأستاذ باول هرن ترجمه الدكتور رضا زاده شفق إلى اللغة الايرانية جاء إلى أصل هؤلاء من عشيرة گلزائي من العشائر المعروفة في الأفغان. وفي المخابرات مع أشرف خان علم أنه يدعي الانتساب إلى خالد بن الوليد (رض) وأنه من ذريته (2).
    اضطربت الأقوال في أصلهم ونظرا لبسالتهم وشجاعتهم صار كل
    __________________
    (1) تاريخ الافغان ص 23.
    (2) دول إسلامية ص 415 وتاريخ مختصر ايران ص 98.

    قوم لا يتحاشى أن يعدّهم منهم فهم بين هنود أهل البادية ، أو كرد ، أو أرمن ، أو فرس ، أو ترك ، أو عرب مما يدل على أن الماضي القديم غامض. ويرجح أنهم من الخلج.
    حوادث سنة 1135 ه‍ ـ 1722 م
    الوضع السياسي :
    صدر الأمر السلطاني بلزوم فتح بقية بلاد ايران التي لم يطرقها الافغان بعد ، وأن لا يتعرض لما بيد الأمير محمود الافغاني ، واختير لهذا الأمر وزير بغداد حسن باشا فنصب قائدا لجبهته كما أن عبد الله باشا الكوپريلي والي (وان) جعل قائدا عاما في انحاء تبريز واذربيجان وعهد إلى إبراهيم باشا السلحدار والي أرضروم أن يكون قائدا على انحاء (كنچة وروان) على أن يستولوا على الأماكن التي لم تدخل في حوزة الأمير محمود. وكان ذلك في أواخر سنة 1135 ه‍.
    رفقت الدولة بفرمانها فتوى شيخ الإسلام باعتبار أن العجم لا يعترفون بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان (رض) بل يعدونهم كفارا كسائر أكثر الصحابة ما عدا الإمام عليا (رض) أو يعتبرونهم مرتدين ومنافقين ، ويسبونهم علنا ، ويرمون عائشة بالإفك ، ويؤولون آيات كثيرة على خلاف مقتضى القواعد العربية ويجوزون قتل أهل السنة ، ويبيحون أموالهم وإذا أسروا النساء استحلوا وطأهن دون عقد كسبايا غير المسلمين ... ولهذه الأسباب عدتهم الفتوى مرتدين ، وأجرت في حقهم أحكام أهل الردة وجعلت بلادهم دار حرب (1).
    ومن هذا الوضع السياسي ، وتلك الفتوى يعرف أن الغرض الاستيلاء فاتخذ الدين وسيلة لتهييج الرأي العام. وأن شيخ الإسلام لا
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 6 وتاريخ كوجك جلبي زاده ص 65.

    يتخلّف عن إصدار فتوى مثل هذه. وهكذا كان يفعل الايرانيون في حروبهم مع العثمانيين. فأسسوا البغضاء وقووا شقة الخلاف. ولم ينظروا إلى أن كل المسلم على المسلم حرام ولا إلى أن سباب المسلم فسوق وقتاله كفر!! ولا إلى أننا لا نكفر أهل القبلة ولم نعد في وقت الشيعة (مرتدين) إلا أن ما جرى بين الصفويين والعثمانيين أدى إلى قبول هذا بسبب الحروب والتشنيع من كل جانب منهما.
    عزم الوزير وفتوحه :
    جهز الوزير جيوشه وفيهم القبائل الكثيرة من العرب منهم الخزاعل مع رئيسهم الشيخ سلمان لمهاجمة بلاد العجم ، نهض من بغداد ، ولما وصل إلى كرمنشاه (قرميسين) أثر في العجم تأثيرا كبيرا وولد فيهم خوفا فصار الايرانيون محاطين بالناهبين من كل صوب. ولذا تقدم رؤساؤهم وأعيانهم لاستقبال الجيش والترحيب به والاذعان له بالطاعة. فاستولى الوزير على المدينة بلا حرب ولا قتال ، وصارت وجهته همذان ولكن المصلحة اقتضت أن يقيموا في كرمانشاه بضعة أيام في خلالها بعثوا السرايا إلى لورستان وأطراف همذان وسائر النواحي المجاورة فعاثوا ونهبوا أموالا وخربوا قرى ، ذهبوا بعمارتها وتجاوزوا على أكثر أنحاء همذان وصادق بولاق (صوغرق بولاق) ولورستان ومضافات هذه المواطن فاستولوا عليها.
    وفي تاريخ كوچك چلبي زاده أن الجيش استولى على أردلان. واستعان الوزير ب (بلباس) و(بابان). استولوا على (سنة) وأميرها عباس قلي من قبيلة (ماموي) استقبلوا الوزير حسن باشا في 11 صفر سنة 1136 ه‍ ، وعلى (جوانرود). وأميرها (الله ويردي) من أمراء الجاف المعروفين بجاف جوانرود. ومنها وصلوا إلى كرمنشاه. وقبل أن يصلوا إلى هناك مضوا إلى امارة اللر. وصلوا إلى وادي (شبكان) ، ولم يقفوا حتى وردوا (خرم آباد) فمال أمير اللر (علي مردان) إلى الطاعة ... تم

    ذلك في 18 صفر سنة 1136 ه‍ (1).
    كان جيشهم يمثل الوحشية فلم يهذبهم دين ، ولا أثرت فيهم مدنية ... والصحيح أن أمراء الجيش لم يتمكنوا من ضبط الجنود ، ولم يستطيعوا السيطرة عليهم. فقدوا القدرة فأدى ذلك إلى انتهاك حرمات. وهكذا قل عن جيش الافغان فلم يجد الايرانيون من يلجأون إليه.
    وعلى هذا طلب سادات همذان وأعيانها أن لا يتعرض للنساء والبنات اللاتي أسرن مع القوافل المنهوبة وأنهم منقادون مطيعون ...
    وهذا الطلب يوضح أعمال الجيش الفاتح أو الخوف منه. وهذه الأحوال تعتبر من أكبر الموانع من توسع الفتح من جهة ، ومن أعظم البواعث إلى ظهور رجل كبير مثل نادر شاه ينقذ البلاد من هؤلاء الغزاة.
    قبل الوزير هذا الملتمس على أن يتركوا الرفض والسب ، وينقادوا للسلطان فيأمنوا على أموالهم وأنفسهم وأعراضهم وإلا فسوف ينفذ الأمر بموجب فتوى شيخ الإسلام (2)
    ثم إن الوزير بعد انتصاراته هذه كتب إلى حاكم أصفهان الأمير محمود يخبره بما جرى. أراد بذلك أن يستطلع الأوضاع وما حصل من أثر. وصار ينتظر الجواب ومشاهدات الرسول ... وهو (الحاج عثمان آغا) وكان من أفاضل الرجال. يعوّل عليه ، وعلى نظراته وإصابتها (3).
    موانع من التوغل :
    هي في الحقيقة انتظار الجواب من جهة وأن يخبر محافظ أرضروم الوزير مصطفى باشا أن يتوجه من ناحية تفليس وكذا الوزير الثاني
    __________________
    (1) تاريخ كوجك جلبي زاده ص 81 و88.
    (2) نص فتوى شيخ الإسلام في تاريخ كوجك جلبي زاده ص 16 ـ 17 من طبعة سنة 1153 ه‍.
    (3) دوحة الوزراء ص 7.

    عبد الله باشا الكوپرلي الموكل بالتقدم نحو همذان من ناحية (وان). والدواعي الظاهرية وجود الجبال والموانع وحلول موسم الشتاء وصعوبة المرور مع وجود الثلوج وتساقطها وتعذر الذهاب بسبب الجليد والصواب التأهب وإعداد العدة ومن ثم ضرب الوزير خيامه في كرمنشاه وتسمى كرمان شاهان.
    مسناة الجسر في الموصل :
    في هذه السنة أمر والي الموصل صاري مصطفى باشا ببناء مسناة لجسر الموصل. وعهد بذلك إلى علي العمري ، وإسماعيل آغا الجليلي وقره مصطفى بك. وهذه المسناة لم تتم ، وأن المصروف عليها كان كبيرا ، فلم يجسر الولاة على صرف المبالغ المقتضية لها ، وصارت تعد شؤما ، فلم يقدم وال على تعميرها (1) ...
    وفيات :
    1 ـ مفتي الموصل العلّامة الشيخ ياسين بن محمود الموصلي.
    كان والده مفتيا أيضا كما أن أسرتهم لا تزال معروفة. ومنها آل شريف بك (2).
    حوادث سنة 1136 ه‍ ـ 1723 م
    وقفت حوادث كرمنشاه في 18 صفر سنة 1136 ه‍ والوزير لم يستمر في سيره بل تأخر في كرمنشاه للأسباب المارة.
    وفاة الوزير حسن باشا :
    بينا كان الوزير في انتظار حلول موسم الربيع إذ عاجلته المنية. وهذا ما دعا إلى حزن وأسف كبيرين في المحافل العثمانية وفي جيوش الغزاة ...
    __________________
    (1) عمدة البيان.
    (2) عمدة البيان.



    راجعنا توارخ عديدة فلم نعثر على تاريخ وفاته إلا في تاريخ كوچك چلبي زاده من أنه توفي في غرة جمادى الآخرة سنة 1136 ه‍ كما نص في تاريخ نشاطي بقوله
    «رجاء عفو له در گاهكه كلدى حسن باشا». ولا يلتفت إلى الأقوال الأخرى (1).
    ترشيح ابنه أحمد باشا :
    وحينئذ ودون أن يطرأ خلل في الجيش قام صهره وكتخداه السابق أمير أمراء شهرزور عبد الرحمن باشا بتدبير الأمور باتفاق من الأمراء وأهل الرأي ، فعرضوا الأمر على الدولة ورشحوا ابنه أحمد باشا مكانه واليا على بغداد وقائدا على الجيش ، وأن يكون عبد الرحمن باشا والي البصرة في محله ، وأن ينصب لولاية شهرزور صهره وكتخداه الأقدم قره مصطفى باشا والي طربزون ...
    تم هذا الترشيح على وجه السرعة وطلبوا أن يجاب ملتمسهم وتنفذ رغبتهم. وصاروا ينتظرون الجواب بفارغ الصبر ...
    دفنه :
    ثم إن الأمراء حذروا من دفنه في كرمنشاه خوفا من تبدل فجائي يطرأ على الأوضاع العسكرية والسياسية وإنما نقلوه إلى بغداد بشق بطنه وتنظيف أمعائه وتطييبه بالأدوية وسيروه مع أحمد آغا كتخدا الحجاب فدفن قرب مرقد الإمام الأعظم. رثاه الشعراء والعلماء واحتفلوا بدفنه. حزن عليه النساء والأطفال والكبار والصغار ولم يبق من لم يأسف لفقدة (2) ...
    __________________
    (1) تاريخ كوجك جلبي زاده ص 180.
    (2) دوحة الوزراء ص 8.

    مناقبه ومآثره :
    أسس النظام في بغداد وحصل على موفقيات كثيرة وتمكن من ضبط المملكة وتأمين حقوق الرعايا وأموالهم. أسس إدارة مكينة في هذه الديار ... ويعد هو وابنه المؤسسين
    (لدولة المماليك) في العراق فكان فقده ضياعا كبيرا.
    ذكرنا بعض أعماله من بناء قنطرة الذهب (آلتون كوپري) ، وقناطر أخرى ، وبناء مسناتين لجسر بغداد (1) ، وأصلح في الضرائب وعمر بعض المراقد المباركة. وبنى صدرا جديدا لنهر الحسينية في كربلاء وكان معروفا بالنهر السليماني. وبنى خانات بين كربلاء وبغداد. وعمر المندثر منها (2).
    __________________
    (1) ذكر الدكتور الأستاذ مصطفى جواد أن الشيخ مصطفى بن كمال الدين محمد الصديقي الدمشقي في رحلته «كشط الصدا وغسل الران في زيارة العراق وما والاها من البلدان» وكان قد دخل العراق سنة 1139 ه‍. قال : «دعانا ليلة السبت المنلا محمود لمنزله المعهود فبتنا لديه فهمعت السحب السماوية ، وأوصل الله إمداده إليه ، وسرنا إلى الزيارة المعروفية «1» ، فرأينا الجسر مقطوع ، فقلنا انتظار الفرج عبادة ، فعسى أن يتصل بالأحباب المقطوع ، وانتظرنا نصبه في التكية المولوية «2» ، وجاء للانتظار الصديق الشيخ عثمان النجدي ـ بلغه الله وإيانا كل أمنية ـ ثم لم يتعوق أن نصب ، فزال عن الحشا النصب ، فبادرنا لزيارة الحارث بن أسد [المحاسبي] رفيع الحساب ، منيع الرتب. ودخلنا عليه من الباب ، للأمر الوارد في محكم الكتاب.» اه «3». هذا ، والملحوظ أن الدكتور علق أيضا على (جامع المنطقة) بأنه مشهد العتيقة وليس بجامع براثا. وأورد نصوصا كثيرة تأييدا لقوله. فأكتفي بالإشارة. ومحل التحقيق والبحث (كتاب المعاهد الخيرية). وتعرض أيضا لترجمة إبراهيم متفرقة. فالمعذرة للأستاذ الدكتور وشكرا له على ما أبدى.
    [2] دوحة الوزراء ص 8 وحديقة الزوراء وتاريخ كوجك جلبي زاده ص 115.
    __________________
    (1) يعني قبر الشيخ معروف الكرخي.
    (2) أي جامع الآصفية الحالي عند رأس الجسر.
    (3) نسخة المتحفة البريطانية. ورقة 70.

    وله من الأولاد :
    1 ـ الوزير أحمد باشا خلفه في منصبه.
    2 ـ فاطمة خانم زوجة عبد الرحمن باشا.
    3 ـ صفية خانم زوجة قره مصطفى باشا. كانت متضلعة بالعلوم ولها معرفة بالمنظوم والمنثور. انتسب زوجها إلى الوزير. صار عنده (كاتب الديوان). ثم جعله كتخداه إلى أن ولي بغداد. وفي السنة الثالثة من وزارته في بغداد زوجه بها. تقدم حتى بلغ الوزارة. وله منها خديجة خانم كانت عالمة فاضلة كاملة وصاحبة خيرات.
    قال صاحب الحديقة : وكانت السبب في تأليف هذا الكتاب (حديقة الزوراء) لحرصها على حفظ السير والأنساب. تزوجها محمد باشا ولها منه حسين بك ، وعلي بك ، وعبد الرحمن بك ، وعلي باشا (1).
    هذا ، وعرف الوزير حسن باشا ب (فاتح همذان) ، والحال أنه توفي في كرمانشاه ، وإنما كان الفاتح لها ابنه أحمد باشا ومنشأ هذه الشهرة أنه عزم على الفتح وباشر أمره.
    جامع السراي
    ذكرنا تجديد (الجامع السليماني) في المجلد السابق. وهذا الجامع أعاد الوزير حسن باشا تجديده فصار يسمى ب (جامع جديد حسن باشا). ويقال له (جامع السراي). عمّره ووقف له وقوفا عديدة ، واتخذت فيه مدرسة لا تزال.
    __________________
    (1) سجل عثماني ج 2 ص 149.

    الوزير أحمد باشا :
    كان واليا على البصرة وجاءه نعي والده فغادرها في غرة شعبان ووصل إلى بغداد في 29 منه وجهت إليه وزارة بغداد مع القيادة العامة في 23 جمادى الآخرة بترشيح من أمراء والده ، فذهب توا إلى كرمنشاه ، وصل إليها في 21 من شهر رمضان وفي 7 شوال أمر بالتوجه إلى همذان دون توقف (1).
    وكان منذ طفولته موصوفا بالاخلاق والخصائل الممدوحة. لازم أباه في حروبه وجلائل أعماله تمرّن على تدريبه وظهرت مواهبه في حياة والده ...
    رشحه والده فأودعت إليه إدارة شهرزور برتبة مير ميران سنة 1127 ه‍ فأرضى الأهلين بحسن معاملته وطيب إدارته ...
    ثم نال منصب قونية فحصل على رتبة الوزارة ثم نصب واليا للبصرة في السنة التالية. ومنها إلى قونية ، ثم إنه في آخر سنة 1129 ه‍ وجهت إليه ولاية حلب. وفي أول عام 1131 ه‍ فوضت إليه البصرة ودام فيها أربع سنوات حصل في خلالها على حب الأهلين. وفي أيامه استتب العدل وانتظمت الإدارة.
    ورد أحمد باشا بغداد فأبدى القوم حزنهم لفقد والده كما هنأوه بمنصبه (2).
    وممن مدحه أمين الفتوى السيد عبد الله سبط الشيخ عبد القادر الگيلاني بقصيدة مطلعها :
    __________________
    (1) تاريخ نشاطي. وتاريخ كوجك جلبي زاده ص 181.
    (2) دوحة الوزراء ص 8 وحديقة الزوراء ص 68 وكلشن خلفا ص 128 ـ 2.


    أقبل السعد والأمان تجدّد
    بسم الدهر ثغره عن منضد

    وفيها بين مزاياه ومزايا والده وجاء تاريخها :
    نزّه الفرد وادعون وأرّخ
    دم بحكم تسود فيه وتحمد

    بقي في بغداد عشرة أيام في خلالها نظم أموره ، وتأهب للحرب ، ثم توجه نحو ايران.
    الحالة :
    إن أمير اللّر علي مراد خان كانت سكناه في (خرّم آباد) وكان قائد الجيش الايراني فاضطر أن يطلب الأمان لما رآه في جيشه من انحلال وضعف فحصل عليه. ومن ثم دخلت ديار اللر في حوزة العثمانيين ولكن سوء الإدارة وعدم القدرة على ضبط الجيش مما ساق إلى ارتكاب أمور أخلت بسمعته في أنحاء طهران ولذا ناضل المحصورون عن كيانهم ودافعوا دفاع مستميت.
    ثم فوّض منصب البصرة إلى عبد الرحمن باشا صهر الوزير في 23 جمادى الآخرة سنة 1136 ه‍ ، فشاهده الوزير في طريقه قرب كرمانشاه عازما إلى محل حكومته فلم يوافق فأعاده معه وذهب توا إلى كرمانشاه فوصل إليها في 21 شهر رمضان سنة 1136 ه‍ يوم السبت فاستقبله الجيش استقبالا باهرا ، ثم عهد بلواء شهرزور إلى قره مصطفى باشا والي طربزون صهر الوزير الآخر وكان صحبة الجيش عشائر عربية منها الخزاعل وأخرى كردية بينها الأمير محمد باشا أمير أردلان ... ومعهم والي الموصل حسين باشا الجليلي.

    المباشرة في الحروب :
    إثر وصوله أنذر الأهلين في همذان بلزوم الطاعة والانقياد ... فلم يفز منهم بطائل فنهض في 7 شوال ولما وصل الجيش قريبا منها أحاط بها فاستكمل لوازم الحصار من جميع الجهات. لما أبدوا من تعند وحينئذ اشتعلت نيران الحرب أياما ، يحرض الوزير خلالها جيوشه على القتال ، وينفث روح النشاط والعزم. وما زالت الحرب تزداد وخامة ... وفي كل هذه المطاحنات ضيقوا الخناق ولكن المدينة كانت حصينة ، فلم يجسر الجنود على خرق سياجها. اشترك في القتال أمير أردلان وأمير درنة وأمراء آخرون.
    اتخذت عدة ألغام فلم تفلح حتى كان آخر أيام الحصار ثاني يوم عيد الاضحى أعدت ثلاثة ألغام. فنسفت السور من ثلاثة أماكن فهوجمت المدينة وتقدمت الجيوش فكان الهول عظيما فأعملت السيوف واستمرت الحرب ثلاثة أيام بلياليها حتى استولى الجيش عليها.
    وحينئذ طلب الأهلون الأمان ثالث يوم المعركة فأمر الوزير بالكف عن القتال ومنع الأسر ...! وذهبت البشائر إلى استنبول فأنعم السلطان على الأمراء بالخلع ، ونصب عبيد الله قاضيا للمدينة وكان قاضي حلب المعزول من قضاء بغداد وصدر الفرمان بشكر مساعي الغزاة.
    ثم استولى الجيش على الأنحاء المجاورة وأقام الوزير مدة ليتيسر للجيوش الاستيلاء على البقاع المجاورة ...
    دخلت البلاد في حوزة الجيش مثل كرند وسنقور ، وبروجرد ، ونهاوند ، وقرى وقصبات أخرى ... فاحتيج إلى تنظيم ادارتها وضبطها ، وفي هذه الحرب دخلت عشائر الجاف واللر في حوزة العثمانيين (1).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 12 وحديقة الزوراء ص 73. والتفصيل في تاريخ كوجك جلبي زاده ص 182 ـ 189.

    حوادث سنة 1137 ه‍ ـ 1724 م
    العودة إلى بغداد :
    وفي هذا الحين توالت الأخبار الموحشة عن بغداد. لما حدث من العيث والفساد ... ومن ثم تحرك الوزير من همذان نحو بغداد. ولعل السبب أن الجيش ضجر من البقاء فاتخذ هذا السبب. دامت هذه الأسفار سنة 1135 ه‍ و1136 ه‍ و1137 ه‍. وإن المؤرخين اكتفوا بذكرها ولم يبينوا ما يخص العراق في هذه المدة. وبعد عودته بدأت حوادث بغداد.
    ولما قدم الوزير إلى بغداد مدحه السيد عبد الله أمين الفتوى بقصيدة تبين الحالة ، أوضح أن بني جميل ، وبني لام عاثوا بالأمن فحضه على الوقيعة بهم ، وهنىء بقصائد أخرى (1).
    وقعة بني جميل :
    ورد الوزير بغداد ولم يبق فيها غير ليلته ، وصباحا عبر دجلة قاصدا بني جميل (2) ، وصل إليهم في اليوم الثالث. هاجمهم على حين غرة فلم يحجموا عن مقابلته ودامت المعركة أمدا ليس باليسير وكانت الحرب طاحنة والقتال عنيفا ... ثم ولوا الأدبار ولم ينج منهم إلا القليل فغنمت الجيوش أموالهم. ولكن الوزير رعى الأهلين وصان الأعراض. وحينئذ رجع الوزير إلى بغداد. فامتدحه السيد عبد الله أمين الفتوى والشيخ حسين الراوي (3) وكان إمام الجيش (4).
    __________________
    (1) حديقة الزوراء ص 77.
    (2) لا تزال بقاياها في عشيرة المجمع ولم تعرف اليوم مستقلة بهذا الاسم (عشائر العراق).
    (3) هو ابن الشيخ عمر الراوي وهو أخو الشيخ عثمان الراوي جد الأستاذ السيد أحمد عبد الغني الراوي الأعلى.
    (4) دوحة الوزراء ص 12 وحديقة الزوراء ص 79.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي   تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 6:54 am

    والي شهرزور ـ والي همذان :
    في هذه السنة وجهت ولاية همذان إلى قره مصطفى باشا والي شهرزور ، كما أن عثمان باشا الدفتري ولي شهرزور مكانه برتبة وزارة. وكان متصرف لواء نخچوان (1).
    حوادث سنة 1138 ه‍ ـ 1725 م
    حلف ذي الكفل :
    في أوائل هذه السنة تجمعت شمر وبنو لام وساعدة والشبل وعشائر أخرى فتحالفت في ذي الكفل (ع) وتعاهدت على مقاومة الحكومة ، ولم يتفق مثل هذا فأغارت على القرى والضياع وقطعت الطرق ومن ثم غزاهم في غرة شهر رمضان. أمر جيشه بالهجوم وكان معهم أعراب وأكراد بأمل تأديبهم وإرغامهم على الطاعة فلم يشعروا إلا والسيوف عملت فيهم عملها فلم ينج منهم إلا القليل. تركوا خيامهم وأسلحتهم وحطامهم فصارت نهبا بيد الجند فانتصر انتصارا باهرا.
    قالوا : قامت الحرب على قدم وساق. فأبدى الوزير بسالة ليس وراءها ... فكان يخترق الصفوف ... ولم يفصل بين الفريقين إلا الليل ... وحينئذ هرب الأعراب.
    ثم رجع إلى بغداد. فامتدحه شعراء كثيرون منهم الشيخ عبد الله السويدي والسيد عبد الله أمين الفتوى والشيخ حسين الراوي (2).
    __________________
    (1) كوجك جلبي زادة ص 225 وص 248.
    (2) دوحة الوزراء ص 13 وحديقة الزوراء ص 81.

    واقعة شمر :
    ثم إن شمر كانوا يسكنون الجزيرة. وفي هذه المعركة تجمعوا ثانية وهم بقية سيوف الواقعة السابقة ، وضعوا أهليهم بنجوة ، وبيوتهم في أماكن بعيدة في زوايا الغابات وأقاصي البراري لتكون بمأمن من أنظار الحكومة ... وصاروا يشنون الغارات على الأطراف فشوشوا الأمن وقطعوا السبيل ...
    فلما سمع الوزير بخبرهم أرسل إليهم سرية داهمتهم على حين غرة فلم يكن لهم بد من القتال ، حدثت معركة دامية فكانت نتيجتها أن دارت الدائرة على شمر وأسفرت عن نهب أموالهم فلم يروا بدا من الاذعان والطاعة فتقدم رؤساؤهم في طلب الدخالة فعفا الوزير عنهم ونصب عليهم شيخا جديدا وعين لهم محلّا للسكنى (1) ...
    وهنا نرى العشائر والحكومة في حالة غزو مستمر ، الواحدة تغزو الأخرى. وهذا ما يبرهن على أن المغلوبيات السابقة كانت رسمية ، والإطراء غير حقيقي. وإنما كانت صدودا من وجه العدو بمناوشة قليلة. والملحوظ أن عشائر شمر لا تزال العودة مشهودة لها في حروبها بعد اظهار الهزيمة فيعودون إلى ما كانوا عليه ولذا يسمون (بأهل العودة). وكما يقولون أهل العادة بعد إظهار الكسرة المصطنعة (2).
    المنتفق :
    وقالوا عصى محمد بن مانع أمير المنتفق في هذه السنة.
    حوادث أخرى :
    1 ـ الجراد أكل غلات الموصل وحدث غلاء وحمّى محرقة.
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 14 ، وحديقة الزوراء ص 85.
    (2) دوحة الوزراء ص 14.

    2 ـ افتتح الباب الجديد في الموصل قام بذلك علي أفندي العمري بأمر من الدولة (1).
    حوادث سنة 1139 ه‍ ـ 1726 م
    تعمير صفة الكيلاني :
    اعتاد الوزراء في حالة الراحة والسلم أن يلتفتوا إلى عمارات المراقد والمساجد ..
    رأى الوزير صفة الشيخ عبد القادر الگيلاني متداعية. تكاد تسقط لما أصابها من الوهن والخلل حتى أن الزائر أو المصلي كان يخشى أن يتداعى البناء عليه ... فأصدر الوزير أمره بتعميرها وكانت مبنية من جذوع ...
    نظم أمين الفتوى السيد عبد الله قصيدتين في مدح الوزير على صنيعه. وفي كل منهما تاريخ (2) ...
    رمية مسدّدة وسهم نافذ :
    ومما يحكى أن الوزير رمى سهما فنبت في الحديد. قالوا كان الضرب من بعيد وما ذلك إلا لقوة بنانه ، ومتانة يده. لان له الحديد ، على أنه مشهور بجودة أنواع الشجاعة حتى أنه يجعل القرطاس معلقا في الهواء من فوق فيضربه بالحسام فيقطعه نصفين كأنه قص بمقص. ويبل اللبد ويدرجه فيضربه بالسيف فيقطعه ، وأنه يجيد الطعن بالسمهرية ، ويحسن اللعب على صهوات الخيول العربية.
    أرخ السيد عبد الله أمين الفتوى هذه الرمية (3) مما يدل على درجة
    __________________
    (1) عمدة البيان في تصاريف الزمان.
    (2) دوحة الوزراء ص 14 ، وحديقة الزوراء ص 88.
    (3) دوحة الوزراء ص 14 ، وحديقة الزوراء ص 89.

    المتلق. وأمثاله في كل عصر ومصر كثيرون. نكتب ما قالوا وبذا تعرف النفسيات الضعيفة ودرجة التزلف.
    آل قشعم :
    حارب والي البصرة عبد الرحمن باشا آل قشعم فصالحوه على مال (1).
    حروب الافغان :
    بعد أن استولى الأمير محمود بن الأمير أويس الافغاني على ايران مدة توفي ، فخلفه (أشرف خان) ابن عبد العزيز أخي الأمير أويس فاستولى على (اصفهان) في منتصف رجب سنة 1137 ه‍ (2). وهذا صار يطالب العثمانيين بالبلاد المنسلخة من ايران. فتح بابا للمخابرة. أرسل الرسل في هذا الشأن بأمل استعادتها. كتب كتابا إلى السلطان كما كتب وزيره (زلا خان) إلى الوزير الأعظم بواسطة السفير (عبد العزيز سلطان) ، كتبت الكتب باللغة العربية وفيها أن الحاج الأمير أويس كان استولى على قندهار وبعد وفاته اكتسح الأمير محمود أصفهان ثم خلفه هو على عرش السلطنة وبعد أن حكى فتوحاتهم أشار إلى أن وجود أحمد باشا قائد جيوش همذان مما ينافي وحدة الحكومة راجيا أن يؤمر بإرجاعه ولما كان هو وارث حكومة ايران يأمل أن تكون الحدود كما كانت ويلوح بأن النتائج تكون وبيلة فيما إذا لم يسعف المطلوب وقدم السفير محضرا ممضى من تسعة عشر عالما من
    __________________
    (1) عمدة البيان في تصاريف الزمان.
    (2) في تاريخ كوجك جلبي زاده أن الأمير محمودا مرض في أوائل شعبان ، وكان ابن عمه (أشرف سلطان) معاديا له فاغتنم الفرصة فاستولى على سرير الحكم في 9 شعبان بعد الاتفاق مع الافغانيين. وبعد يومين خنق الأمير محمود خان ، فصفا له الملك ص 291.

    علمائهم في جواز تعدد الائمة وأن أشرف خان أحق بايران.
    قالوا : ونحن قرشيون نسبتنا ثابتة إلى خالد بن الوليد (1) بالاتفاق وإننا أحق بالإمامة منكم وأولى بها والأئمة من قريش ولا يجب علينا متابعتكم ولا طاعتكم وإنكم جائرون وعلى غير الحق في دعواكم إذ من شرط الإمام كونه قرشيا مجتهدا وهذان الشرطان مفقودان منكم على أنا نقول : لا إمامة واجبة عقلا وسمعا لقوله (ص) الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا عضوضا. أما قوله (ص) : من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية فالإمام محمول على النبي (ص) ، ونعتقد أن الإمامة لنا لا لكم ونفعل في هذه الأمصار ما يجب على الإمام العادل في هذا الشأن ... إلى آخر ما جاء في فتواهم.
    وفتوى شيخ الإسلام للعثمانيين كانت مستندة إلى حديث : إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الثاني منهما ... وكذا كتب علماء استنبول محضرا ممضى من جماعة منهم ومعه كتاب ينصح فيه أشرف خان أن لا يطوح بنفسه في الحرب. وأعيد الرسول عبد العزيز سلطان بتاريخ 8 رجب سنة 1138 ه‍ معززا مكرما. ورد استنبول في 20 جمادى الأولى. أرسله قائد جيوش همذان أحمد باشا بصحبة موسى آغا. وكان معه المنلا عبد الرحيم. وفتوى شيخ الإسلام تتضمن أنه لا يصح اجتماع إمامين إلا أن
    __________________
    (1) نقل الشيخ السيد محمد أبو الهدى الصيادي الرفاعي في كتابه (الروض البسام في أشهر البطون القرشية بالشام) المطبوع بمطبعة الاهرام بالاسكندرية سنة 1892 م ص 8 عند الكلام على بني خالد وطعن ابن الأثير في نسب عقبه ومثله ما حكاه العدواني. فهذا غير صحيح كما ذكره السمعاني وعبد الغافر وغيرهما. قالوا : إن عقب خالد منتشر في الشام ونجد والعراق. ومنهم في مرو الروذ وبلاد الافغان ... والكلام على بني خالد في عشائر العراق. ووجود العشائر يؤيد صحة النسب. وربما كان اشتهار خالد غطى على اسم العشيرة. ولا مانع من انتساب الافغان إلى خالد. والعرب انتشروا.

    يكون بينهما حاجز عظيم بين مملكتيهما ، وإلا فيعد الثاني باغيا وقتاله واجب (1).
    وعلى هذا صدر الفرمان إلى الوزير بلزوم الحرب تأييدا لفتوى شيخ الإسلام فامتثل الأمر وجهز جيشا أكبر بقوة فائقة ، ومعدات كافية ، سار إلى ايران للنضال.
    ولم تدخر الدولة وسعا في المهمات ولا في إعداد الجنود الكثيرة ، وكان المعمول على الكرد. وبينهم أمير أردلان خانه محمد باشا أخو متصرف لواء بابان خالد بك ، وحاكم العمادية وأمير درنة ودرتنك أحمد بك ، وأمير باجلان علي بك ، وأمير كوي علي بك ، وأمير الجاف صفي قلي بك وأمير كروس حسن بك وأمير حرير مصطفى بك ، وأمير سعد آباد سبحان وبردي بك وأمير كلهر رضا قولي بك ، وأمير زنكنة محمد بك ، وأمير سرطان حسن بك وأمير آلتون كوپري أحمد بك وأمير قزلجة فرهاد بك زاده وأمير شهر بازار فرهاد بك وأمير سروجك حسن بك. وهؤلاء عدا ولاة الترك والأمراء والجيوش العديدة ...
    ويلاحظ هنا أن شيوخ الإسلام كأنهم موكلون بتوجيه الفتاوى طبق رغبات السلاطين مما جعلهم يميلون مع الأهواء تزلفا للدولة ومماشاتها ... ومثلهم علماء الأفغان.
    وللأستاذ الشيخ عبد الله السويدي مناقشة في الفتاوى منتصرا لوجهة نظر الدولة العثمانية (2) ...
    أما أشرف خان فإنه حين سمع بالخبر استعد أيضا وهيأ جيوشه وفى الوقت نفسه اتخذ دقائق الحيل لتقريب أمراء الكرد لجهته ، فولد
    __________________
    (1) تاريخ كوجك جلبي زاده ص 89 ـ 2.
    (2) حديقة الزوراء ص 92 ـ 2.

    فيهم آمالا وأماني تدعو إلى جذبهم. التقى الجمعان في محل بين اصفهان وهمذان فابتدأوا في المناوشات ثم قاربت الجيوش فدخلت المعركة فكان الهول كبيرا والقتال عنيفا ... دام مدة ولكن الجيش الأفغاني لم يطق الصبر فانهزم شر هزيمة ولم ينج أشرف خان إلا بشق الأنفس. فرّ من ساحة القتال متوجها نحو أصفهان.
    قالوا : وإن الوزير عاد لمخيمه فرحا مسرورا بهذا النصر إلا أنه رأى على حين غفلة أن الأكراد الذين بصحبته فارقوه ورجعوا ثم أعقبتهم الطوائف الأخرى بلا مبرر ولم يبق مع الوزير سوى أهل دائرته فدهش مما رأى حتى أنه صار يتمنى الموت فاضطر أن يرجع إلى كرمنشاه وبقي للاستراحة فيها وعرض كل ما وقع على دولته بوجه التفصيل ...
    وكان البذل كبيرا ، والمصاريف باهظة ، والمهمات لا تحصى والمعدات الحربية لا حد لها. تركت هذه كلها ، فكانت الخسائر فادحة.
    دعت هذه الحادثة إلى الاستغراب واختلفت فيها وجهات النظر إلا أن القوة الوحيدة المعول عليها عشائر الكرد ورجالهم ، فكان الغلط في هذا الاعتماد. فإنهم برجوعهم خذلوا الجيش. رأوا ما يكرهون فرجعوا.
    ولكن الدولة كانت وجهة نظرها أن الوزير لم يشاور في الأمر ولم يستطلع آراء الوزراء والقواد فوقع في الغلط ...
    عرضت الحالة على الدولة فصدر الفرمان بالاستعداد مرة ثانية. تأهبت الدولة للأمر وأيدت وجهة نظر الوزير. فأعدت المهمات وهيأت الجيوش ووردت إليه التسلية فتوقف في كرمنشاه منتظرا ورود القوة. في غرة ذي القعدة أعاد تنظيم الجيش تحت قيادته بالاستعانة بكتخدا البوابين محمد باشا فتأهبوا للأمر (1) ...
    __________________
    (1) تأتي باقي حوادث الافغان في السنة التالية.

    الطباعة
    في ذي القعدة بدأت الطباعة بالعمل في استنبول بناء على صدور الإذن السلطاني مقرونا بفتوى شيخ الإسلام. شرع بطبع أول كتاب (لغة وإن قولي) ترجمة (صحاح الجوهري) إلى التركية. ثم توالت الآثار الاخرى. وكان نصيب العراق من هذه المطبوعات كتاب (گلشن خلفا) ، و(تاريخ تيمور) لمرتضى آل نظمي. والاستفادة من هذه لم تكن مقصورة على استنبول. وإنما انتشرت في الاقطار العثمانية ، والعراق منها ، وتعد من أول العلاقات الثقافية المؤثرة في الشرق ، وهكذا شاع الكاغد من طريق الغرب بعد صنعه بوسائل فنية. فكان من أكبر مسهلات الثقافة (1).
    آل الجليلي في الموصل
    في هذه السنة بدأ حكم الجليليين في الموصل. وسنفرد لهم بحثا خاصا في المجلد السابع من هذا الكتاب ليكون مجموعا في صفحات متصلة الأطراف.
    حوادث سنة 1140 ه‍ ـ 1727 م
    حوادث الأفغان أيضا :
    في أوائل هذه السنة جاءت قائمة إلى الوزير تعين له الخطة المثلى في أعماله الحربية وأن لا يقع بمثل ما وقع به بأن يشاور الأمراء الذين معه وأن لا يقطع أمرا حتى يستطلع رأيهم وأن يكون متبصرا متنبها ... فكانت هذه الوصايا نافعة ومهمة جدا فعرف السبب وزالت الغرابة (2). تكاملت العساكر والمهمات فالتحقت بالوزير ومن ثم هب الوزير لإعادة الكرة فسار من كرمانشاه قاصدا أصفهان. فلما وصل إليها علم الأفغان
    __________________
    (1) في كتاب الطباعة والمطبوعات عندنا أوضحت هذه المطالب.
    (2) تاريخ كوجك جلبي زاده ص 133.

    أن لا طاقة لهم فتوسلوا بالصلح. ووافقهم الوزير على أن تكون كرمانشاه وهمذان وما يليهما في يد العثمانيين. وأن يكون للحكومة وكيل في الأنحاء الايرانية مما تحت حكم الأمير أشرف خان.
    وكان سفير الصلح من جانب أحمد باشا (عبيد الله) قاضي همذان فصار قاضي الفيلق برتبة أدرنة. ومن جانب الأفغان منلا نصرت. وإن عبيد الله كان قاضيا ببغداد ثم عزل وحصل على رتبة حلب وفي 24 ذي القعدة سنة 1139 ه‍ نصب قاضيا في مدينة همذان ثم قاضي الجيش. فكان فاضلا قديرا ومن ثم صار رسول الصلح. وكان الصك يحتوي على 12 مادة وفيها عدا ما ذكر أن تكون الممالك المفتوحة بيد العثمانيين ومنها مما يعود للعراق نهاوند وخرم آباد وديار اللر وكذا الحويزة ... فانتهت الحرب بين الطرفين وأمضى الصلح وتحددت الحدود وسطرت المصالحة وتسلم كل منهما نسخة منها. فنال الوزير مرامه وحصل على مرغوبه فعاد إلى بغداد (1).
    حوادث سنة 1141 ه‍ ـ 1728 م
    هدايا وفيل :
    ورد من أشرف خان هدايا ثمينة أرسلها إلى السلطان منها فيل توثيقا لأواصر الصلح بين الحكومتين. فكان لورود الفيل وقع كبير في النفوس. خرج الوالي والناس لمشاهدته ، وكان مزينا بأنواع الحلل وعليه سرير في شكل قبة وعلى رأسه ثلاثة أنفار وعلى رواية أربعة يومي للسلام بخرطومه. ولما وصلوا إلى الوزير وكان جالسا لاستقبال الرسول
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 16 تاريخ كوجك زاده ص 12 ـ 2 : 133 ـ 1 وفيه كتاب الصدر الأعظم إلى الوزير أحمد باشا ص 130 ـ 1 وفي كتابنا العلاقات بين العراق وايران تفصيل.

    في مسقف (باب الشجرة) وهو (باب المعظم). وقفوا تأدبا له وأومأ بخرطومه. ولكنه لم يتصرف حتى نال جائزة من الوزير. وهذا الفيل أصابه البرد في ديار بكر فهلك. فلم يقو على البرد ...
    قال في الحديقة : أن مجيئه كان في سلخ سنة 1140 ه‍ (1).
    شهرزور :
    إن أمير أمراء شهرزور (محمد باشا) البو غاز ليانلي ارتكب أنواع المظالم كما أنه تجاوز الحد في التخريب أثناء حرب همذان فعزل فخرج عن البلدة ونصب خيامه خارجها. فهاجمه الأهلون وانتهبوا ما عنده ففر بنفسه ولما وصل إلى (صاوق بولاق) جاء الأمر بقتله فقتل بفتوى من شيخ الإسلام. فخلفه الوزير علي باشا فلم تطل مدة إمارته فصار مكانه في هذه السنة الوزير عبد الرحمن باشا على أن يحافظ على همذان (2).
    خديجة خانم :
    تزوج الكتخدا (محمد باشا) بخديجة خانم بنت أخت الوزير. وأوضح الأستاذ السويدي في حديقته ما جرى من أفراح وزينة (3).
    غزو الحويزة :
    ثم ظهر من أهل الحويزة عصيان وتمرد فتوجه الوزير عليهم بجيش جرار ... ومن غريب ما كان في طريقهم أن رأوا الأرض مملوءة بالأفاعي. قتلوا كثيرا منها وهي في تزايد فصارت شغلهم الشاغل في
    __________________
    (1) حديقة الزوراء ص 93 ودوحة الوزراء ص 17.
    (2) تاريخ كوجك جلبي زاده ص 149.
    (3) حديقة الزوراء ص 92. ودوحة الوزراء ص 17.

    تلك الليلة. لم يهجعوا إلى الضحى ... مضت الليلة ولم تلسع أحدا ولا حصل منها أذى على الجيش ولا على الحيوانات.
    حمل بعضهم ذلك على طبعها وأنها لا تلحق ضررا ، ولكن الجيش رأى السكان لم ينتسبوا إلى الطريقة الرفاعية ولم يصبهم ضرر ...
    وصل الجيش إلى الحويزة. وحينئذ خاف الأهلون فقدموا إلى الوزير الهدايا وسلموا إليه مفاتيح البلد وطلبوا العفو عنهم فعفا ونصب الأمير السابق المولى محمدا حاكما عليهم (1). وكان عزله الايرانيون بعد أن نصبته الدولة العثمانية. وفي هذه المرة أعيد ، ومن ثم نظم الوزير أمورهم وأخذ المدافع الكبيرة وعاد إلى بغداد ظافرا منصورا ... وفي هذه الحرب قامت عشائر المنتفق وعلى رأسهم محمد المانع. وعشائر بني لام فتغلبوا عليهم (2).
    كرمانشاه :
    ثم وجه منصب كرمانشاه إلى حسن بك الپچوي برتبة أمير الأمراء. وهذا كان أثناء سفر أصفهان مبايعا الذخائر وله الاطلاع الكافي فعهد إليه لما أبداه من الخدمة (3).
    عصيان :
    ثم زاد عصيان بعض العربان. عاثوا فقطعوا السبيل. فأمر الوزير بمطاردتهم والقبض على زعمائهم المعروفين فتمكن من القبض على كل
    __________________
    (1) هو المولى محمد بن المولى عبد الله بن هبة الله من المشعشعين. ورد في كتاب (مشعشعيان) الفارسي للأستاذ أحمد كسروي ص 92 و104 وأغفل هذا الحادث.
    (2) تاريخ كوجك جلبي زاده ص 144 وحديقة الزوراء ص 96 ـ 2 ودوحة الوزراء ص 17.
    (3) كوجك جلبي زادة ص 144 ـ 2.

    من شبيل وشبلي ودندن فصلبوا الواحد بعد الآخر خلال شهرين ... فقطع بذلك دابر العصيان (1).
    حوادث سنة 1142 ه‍ ـ 1729 م
    تفرغ الوزير لبسط العدل وتأمين الراحة إذ لم يحدث ما يشوّش الأمن أو يقلق الراحة كما رعى العلم والعلماء ووجه عزمه نحو الفضلاء فصار سوق الأدب والعلم معمورا. توالى الشعراء والأدباء وتزاحموا على ناديه فنالوا من كرمه وإحسانه الشيء الكثير. فاشتهر في زمنه علماء وشعراء عديدون ... وراسله الوزراء والعلماء. والأمراء من أقاصي البلدان ...
    حوادث سنة 1143 ه‍ ـ 1730 م
    واقعة همذان وكرمنشاه :
    كان الناس في هدوء إذ فاجأهم نبأ ظهور الشاه طهماسب ابن الشاه حسين الصفوي جمع اعتماد دولته نادر خان جنودا كثيرة بأمل التغلب على ايران واستعادتها. وأول ما فعل أن أزاح الأفغان من أصفهان وسائر ايران سنة 1142 ه‍ ـ 1729 م (2).
    ثم باغت في هذه السنة همذان وكرمانشاه فقاتل ولاتها والعساكر المرابطة وبعد وقائع وبيلة تمكن من تمزيق قواهم وتشتيت شملهم.
    ولما طرق سمع الدولة نبأ ذلك نادت بالنفير العام وعلى هذا تأهب الوزير للحرب فنهض متوجها نحو ايران بسير متواصل. قضى ثمانية أيام حتى وافى الحدود من جانب
    (أدنه كوي) وتسمى اليوم بقرية المنصورية. فوصل إلى (درنة).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 18.
    (2) دول إسلامية ص 415.

    وفي هذه الأثناء ورد الأمر بجلوس السلطان محمود الأول مشيرا إلى لزوم التوقف إلى أن يأتي الفرمان. وحينئذ امتثل الأمر وضرب خيامه في شهرزور (1).
    حوادث سنة 1144 ه‍ ـ 1731 م
    الوزير ـ حرب طهماسب :
    مكث الوزير أحمد باشا في شهرزور ثلاثة أشهر. وفي أوائل هذه السنة صدر الفرمان بالسفر فتوجه نحو كرمانشاه فسلمت البلدة مقاليدها إليه وأذعنت بالطاعة. فبقي فيها بضعة أيام للاستراحة ثم توجه نحو همذان فلما قاربها وجد الأهلين والجند متأهبين للحصار وزادوا في العدة والعدد وأبوا أن يذعنوا. كما أنه رأى الشاه طهماسب قد استعد للحرب وكان على بعد ثلاث مراحل من همذان فجمع الوزير رؤساء الجيش والأمراء وبعد الاستشارة رجح الجميع مقاتلة الشاه. فسار حتى وصل إلى (لولو كرد) فحط الجيش رحاله فيها وكان مقر الشاه في كور جان (كوريجان) وبين المنزلين مسافة نحو ثلاث ساعات.
    وحينئذ تقدم الجيش لمقارعة الشاه. مرّوا من (بروجرد) فمنعوا الجيش من ورود الماء. وضعوا هناك كمينا فصادفهم الجيش بغتة فذبح منهم خلقا لا يحصى وفر القليل إلى عسكر الشاه. وكان مع الشاه على ما يروى مائة ألف أو يزيدون. فتلاقى الجيشان في محل يقال له (بيدا) و(كوريجان). فرتب الجمعان جيوشهما واستعدا للقتال ...
    أما الوزير فكان معه من الخيالة اثنا عشر ألفا عدا المشاة. ومعه من المدافع والأدوات مقدار وافر فكانت الوقعة بين الفريقين أشبه بجهنم متحركة فلا تسمع فيها غير دويّ المدافع وصوت البنادق. ونظرا لكثرة
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 19.

    جيوش ايران من الاصفهانيين واللّر لم يؤمل الظفر لجهة الوزير ولكن الصبر والثبات أمّنا له ذلك وفي كل صفحات الحرب كان يحرض على القتال والصبر ويشجّع الجيش وكان في مقدمته قبائل الاكراد. كمن الوزير قره مصطفى باشا بجيشه فاختفى في حضيض جبل فاتخذت الأوضاع اللازمة بالنظر للمواقع الحربية ... فلم تمض مدة حتى انكشفت الحرب عن هزيمة العجم فنالوا من أعدائهم فأصابتهم الهزيمة وفروا نحو قزوين. فاقتفى الجيش التركي أثرهم واستمر حتى نصف الليل فنكلوا بهم. وأن طائفة (در گزين) قطعت طريق فرارهم وأعملت فيهم السيف فدمرت أكثرهم ، وأن ثلة من أتباع محمد بلوج خان طلبت الاستئمان وبيّنت ما حل بالعجم.
    كانت ضائعات الوزير نحو ثلثمائة مقتول وخمسمائة مجروح في حين أن قتلى العجم وجرحاهم يقدرون بعشرين ألفا عدا الضائعات في خيالتهم.
    إن العجم كانوا أضعافا مضاعفة بالنظر لجيش الوزير ومع هذا تمكن من قهرهم ... وهلك من أمرائهم خان قزوين ، وخان شيراز ، وكاتب الجيش ، وخليفة الخلفاء. وأمثالهم كثيرون.
    غنم منهم 32 من مدافع هاون بين صالح للعمل وغير صالح و200 من نوع زنبرك ومهمات وأسلحة وأدوات مدفعية وخياما وغنائم لا تحصى ...
    ثم حطوا خيامهم في محل يبعد عن همذان بضع ساعات. فانهزم من جيش العجم من استطاع الهزيمة وبقي في المدينة العجزة فبقوا محصورين وأذعنوا بالطاعة فضبطت المدينة وفيها سبعة من المدافع من نوع (باليمز) و28 شاهيا و2 خمبره هاون و12 زنبرك ... فاستولى على المدينة فمكث فيها الجيش يوما واحدا. ثم تحول إلى موقع تجاه

    المدينة. وأقيمت صلاة الجمعة في أكبر الجوامع وقرئت الخطبة وفيها الدعاء للخليفة والتبريك بالفتوحات ...
    عرض الوزير تفاصيل ما جرى وأطرى بسالة جيوشه. وكان رسوله إلى السلطان أحد موظفيه وهو خليل. فأكرمه السلطان وخلع عليه الخلع النفيسة وقلّده سيفا ورمحا ... وقدمت للوزير خلعتان كريمتان و150 خلعة لمن معه من الأمراء جاء بذلك سلحشوره الخاص والميراخور الثاني علي بك (عبدي باشا زاده) شاكرا ما صنعوا وقرىء الفرمان على الكل ودعوا للسلطان بدوام التوفيق ...
    وفي هذه الحرب كان ولاة ديار بكر وسيواس وأمراء مرعش وأماسية وحسين باشا الجليلي متصرف الموصل سابقا حاضرين (1).
    الشاه طهماسب والصلح :
    إن الشاه انهزم في صحراء همذان إلى انحاء (قم وقاشان) مع من معه. تركوا خيامهم وأسلحتهم. واقتفى أثرهم وفلول جموعهم (سليم باشا) متصرف (أماسية) ومعه سبعة آلاف أو ثمانية آلاف من الفرسان فضبط ما مرّ به من قرى وبلدان وتتبع المغلوبين على عجل. وهكذا أمراء آخرون.
    أما الوزير فإنه اكتسح القلاع والبقاع والقصبات وأوقع خسارات كبيرة وعادوا منصورين بغنائم وافرة.
    وهذه الحالة أوقعت الشاه في رعب واستولى عليه الهلع وصار يترقب أمورا أخرى أكبر. فلم يستطع البقاء في قم بل مضى إلى طهران ونجا بنفسه ...
    __________________
    (1) حديقة الزوراء ص 101 ودوحة الوزراء ص 19.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي   تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 6:54 am

    والي شهرزور ـ والي همذان :
    في هذه السنة وجهت ولاية همذان إلى قره مصطفى باشا والي شهرزور ، كما أن عثمان باشا الدفتري ولي شهرزور مكانه برتبة وزارة. وكان متصرف لواء نخچوان (1).
    حوادث سنة 1138 ه‍ ـ 1725 م
    حلف ذي الكفل :
    في أوائل هذه السنة تجمعت شمر وبنو لام وساعدة والشبل وعشائر أخرى فتحالفت في ذي الكفل (ع) وتعاهدت على مقاومة الحكومة ، ولم يتفق مثل هذا فأغارت على القرى والضياع وقطعت الطرق ومن ثم غزاهم في غرة شهر رمضان. أمر جيشه بالهجوم وكان معهم أعراب وأكراد بأمل تأديبهم وإرغامهم على الطاعة فلم يشعروا إلا والسيوف عملت فيهم عملها فلم ينج منهم إلا القليل. تركوا خيامهم وأسلحتهم وحطامهم فصارت نهبا بيد الجند فانتصر انتصارا باهرا.
    قالوا : قامت الحرب على قدم وساق. فأبدى الوزير بسالة ليس وراءها ... فكان يخترق الصفوف ... ولم يفصل بين الفريقين إلا الليل ... وحينئذ هرب الأعراب.
    ثم رجع إلى بغداد. فامتدحه شعراء كثيرون منهم الشيخ عبد الله السويدي والسيد عبد الله أمين الفتوى والشيخ حسين الراوي (2).
    __________________
    (1) كوجك جلبي زادة ص 225 وص 248.
    (2) دوحة الوزراء ص 13 وحديقة الزوراء ص 81.

    واقعة شمر :
    ثم إن شمر كانوا يسكنون الجزيرة. وفي هذه المعركة تجمعوا ثانية وهم بقية سيوف الواقعة السابقة ، وضعوا أهليهم بنجوة ، وبيوتهم في أماكن بعيدة في زوايا الغابات وأقاصي البراري لتكون بمأمن من أنظار الحكومة ... وصاروا يشنون الغارات على الأطراف فشوشوا الأمن وقطعوا السبيل ...
    فلما سمع الوزير بخبرهم أرسل إليهم سرية داهمتهم على حين غرة فلم يكن لهم بد من القتال ، حدثت معركة دامية فكانت نتيجتها أن دارت الدائرة على شمر وأسفرت عن نهب أموالهم فلم يروا بدا من الاذعان والطاعة فتقدم رؤساؤهم في طلب الدخالة فعفا الوزير عنهم ونصب عليهم شيخا جديدا وعين لهم محلّا للسكنى (1) ...
    وهنا نرى العشائر والحكومة في حالة غزو مستمر ، الواحدة تغزو الأخرى. وهذا ما يبرهن على أن المغلوبيات السابقة كانت رسمية ، والإطراء غير حقيقي. وإنما كانت صدودا من وجه العدو بمناوشة قليلة. والملحوظ أن عشائر شمر لا تزال العودة مشهودة لها في حروبها بعد اظهار الهزيمة فيعودون إلى ما كانوا عليه ولذا يسمون (بأهل العودة). وكما يقولون أهل العادة بعد إظهار الكسرة المصطنعة (2).
    المنتفق :
    وقالوا عصى محمد بن مانع أمير المنتفق في هذه السنة.
    حوادث أخرى :
    1 ـ الجراد أكل غلات الموصل وحدث غلاء وحمّى محرقة.
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 14 ، وحديقة الزوراء ص 85.
    (2) دوحة الوزراء ص 14.

    2 ـ افتتح الباب الجديد في الموصل قام بذلك علي أفندي العمري بأمر من الدولة (1).
    حوادث سنة 1139 ه‍ ـ 1726 م
    تعمير صفة الكيلاني :
    اعتاد الوزراء في حالة الراحة والسلم أن يلتفتوا إلى عمارات المراقد والمساجد ..
    رأى الوزير صفة الشيخ عبد القادر الگيلاني متداعية. تكاد تسقط لما أصابها من الوهن والخلل حتى أن الزائر أو المصلي كان يخشى أن يتداعى البناء عليه ... فأصدر الوزير أمره بتعميرها وكانت مبنية من جذوع ...
    نظم أمين الفتوى السيد عبد الله قصيدتين في مدح الوزير على صنيعه. وفي كل منهما تاريخ (2) ...
    رمية مسدّدة وسهم نافذ :
    ومما يحكى أن الوزير رمى سهما فنبت في الحديد. قالوا كان الضرب من بعيد وما ذلك إلا لقوة بنانه ، ومتانة يده. لان له الحديد ، على أنه مشهور بجودة أنواع الشجاعة حتى أنه يجعل القرطاس معلقا في الهواء من فوق فيضربه بالحسام فيقطعه نصفين كأنه قص بمقص. ويبل اللبد ويدرجه فيضربه بالسيف فيقطعه ، وأنه يجيد الطعن بالسمهرية ، ويحسن اللعب على صهوات الخيول العربية.
    أرخ السيد عبد الله أمين الفتوى هذه الرمية (3) مما يدل على درجة
    __________________
    (1) عمدة البيان في تصاريف الزمان.
    (2) دوحة الوزراء ص 14 ، وحديقة الزوراء ص 88.
    (3) دوحة الوزراء ص 14 ، وحديقة الزوراء ص 89.

    المتلق. وأمثاله في كل عصر ومصر كثيرون. نكتب ما قالوا وبذا تعرف النفسيات الضعيفة ودرجة التزلف.
    آل قشعم :
    حارب والي البصرة عبد الرحمن باشا آل قشعم فصالحوه على مال (1).
    حروب الافغان :
    بعد أن استولى الأمير محمود بن الأمير أويس الافغاني على ايران مدة توفي ، فخلفه (أشرف خان) ابن عبد العزيز أخي الأمير أويس فاستولى على (اصفهان) في منتصف رجب سنة 1137 ه‍ (2). وهذا صار يطالب العثمانيين بالبلاد المنسلخة من ايران. فتح بابا للمخابرة. أرسل الرسل في هذا الشأن بأمل استعادتها. كتب كتابا إلى السلطان كما كتب وزيره (زلا خان) إلى الوزير الأعظم بواسطة السفير (عبد العزيز سلطان) ، كتبت الكتب باللغة العربية وفيها أن الحاج الأمير أويس كان استولى على قندهار وبعد وفاته اكتسح الأمير محمود أصفهان ثم خلفه هو على عرش السلطنة وبعد أن حكى فتوحاتهم أشار إلى أن وجود أحمد باشا قائد جيوش همذان مما ينافي وحدة الحكومة راجيا أن يؤمر بإرجاعه ولما كان هو وارث حكومة ايران يأمل أن تكون الحدود كما كانت ويلوح بأن النتائج تكون وبيلة فيما إذا لم يسعف المطلوب وقدم السفير محضرا ممضى من تسعة عشر عالما من
    __________________
    (1) عمدة البيان في تصاريف الزمان.
    (2) في تاريخ كوجك جلبي زاده أن الأمير محمودا مرض في أوائل شعبان ، وكان ابن عمه (أشرف سلطان) معاديا له فاغتنم الفرصة فاستولى على سرير الحكم في 9 شعبان بعد الاتفاق مع الافغانيين. وبعد يومين خنق الأمير محمود خان ، فصفا له الملك ص 291.

    علمائهم في جواز تعدد الائمة وأن أشرف خان أحق بايران.
    قالوا : ونحن قرشيون نسبتنا ثابتة إلى خالد بن الوليد (1) بالاتفاق وإننا أحق بالإمامة منكم وأولى بها والأئمة من قريش ولا يجب علينا متابعتكم ولا طاعتكم وإنكم جائرون وعلى غير الحق في دعواكم إذ من شرط الإمام كونه قرشيا مجتهدا وهذان الشرطان مفقودان منكم على أنا نقول : لا إمامة واجبة عقلا وسمعا لقوله (ص) الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا عضوضا. أما قوله (ص) : من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية فالإمام محمول على النبي (ص) ، ونعتقد أن الإمامة لنا لا لكم ونفعل في هذه الأمصار ما يجب على الإمام العادل في هذا الشأن ... إلى آخر ما جاء في فتواهم.
    وفتوى شيخ الإسلام للعثمانيين كانت مستندة إلى حديث : إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الثاني منهما ... وكذا كتب علماء استنبول محضرا ممضى من جماعة منهم ومعه كتاب ينصح فيه أشرف خان أن لا يطوح بنفسه في الحرب. وأعيد الرسول عبد العزيز سلطان بتاريخ 8 رجب سنة 1138 ه‍ معززا مكرما. ورد استنبول في 20 جمادى الأولى. أرسله قائد جيوش همذان أحمد باشا بصحبة موسى آغا. وكان معه المنلا عبد الرحيم. وفتوى شيخ الإسلام تتضمن أنه لا يصح اجتماع إمامين إلا أن
    __________________
    (1) نقل الشيخ السيد محمد أبو الهدى الصيادي الرفاعي في كتابه (الروض البسام في أشهر البطون القرشية بالشام) المطبوع بمطبعة الاهرام بالاسكندرية سنة 1892 م ص 8 عند الكلام على بني خالد وطعن ابن الأثير في نسب عقبه ومثله ما حكاه العدواني. فهذا غير صحيح كما ذكره السمعاني وعبد الغافر وغيرهما. قالوا : إن عقب خالد منتشر في الشام ونجد والعراق. ومنهم في مرو الروذ وبلاد الافغان ... والكلام على بني خالد في عشائر العراق. ووجود العشائر يؤيد صحة النسب. وربما كان اشتهار خالد غطى على اسم العشيرة. ولا مانع من انتساب الافغان إلى خالد. والعرب انتشروا.

    يكون بينهما حاجز عظيم بين مملكتيهما ، وإلا فيعد الثاني باغيا وقتاله واجب (1).
    وعلى هذا صدر الفرمان إلى الوزير بلزوم الحرب تأييدا لفتوى شيخ الإسلام فامتثل الأمر وجهز جيشا أكبر بقوة فائقة ، ومعدات كافية ، سار إلى ايران للنضال.
    ولم تدخر الدولة وسعا في المهمات ولا في إعداد الجنود الكثيرة ، وكان المعمول على الكرد. وبينهم أمير أردلان خانه محمد باشا أخو متصرف لواء بابان خالد بك ، وحاكم العمادية وأمير درنة ودرتنك أحمد بك ، وأمير باجلان علي بك ، وأمير كوي علي بك ، وأمير الجاف صفي قلي بك وأمير كروس حسن بك وأمير حرير مصطفى بك ، وأمير سعد آباد سبحان وبردي بك وأمير كلهر رضا قولي بك ، وأمير زنكنة محمد بك ، وأمير سرطان حسن بك وأمير آلتون كوپري أحمد بك وأمير قزلجة فرهاد بك زاده وأمير شهر بازار فرهاد بك وأمير سروجك حسن بك. وهؤلاء عدا ولاة الترك والأمراء والجيوش العديدة ...
    ويلاحظ هنا أن شيوخ الإسلام كأنهم موكلون بتوجيه الفتاوى طبق رغبات السلاطين مما جعلهم يميلون مع الأهواء تزلفا للدولة ومماشاتها ... ومثلهم علماء الأفغان.
    وللأستاذ الشيخ عبد الله السويدي مناقشة في الفتاوى منتصرا لوجهة نظر الدولة العثمانية (2) ...
    أما أشرف خان فإنه حين سمع بالخبر استعد أيضا وهيأ جيوشه وفى الوقت نفسه اتخذ دقائق الحيل لتقريب أمراء الكرد لجهته ، فولد
    __________________
    (1) تاريخ كوجك جلبي زاده ص 89 ـ 2.
    (2) حديقة الزوراء ص 92 ـ 2.

    فيهم آمالا وأماني تدعو إلى جذبهم. التقى الجمعان في محل بين اصفهان وهمذان فابتدأوا في المناوشات ثم قاربت الجيوش فدخلت المعركة فكان الهول كبيرا والقتال عنيفا ... دام مدة ولكن الجيش الأفغاني لم يطق الصبر فانهزم شر هزيمة ولم ينج أشرف خان إلا بشق الأنفس. فرّ من ساحة القتال متوجها نحو أصفهان.
    قالوا : وإن الوزير عاد لمخيمه فرحا مسرورا بهذا النصر إلا أنه رأى على حين غفلة أن الأكراد الذين بصحبته فارقوه ورجعوا ثم أعقبتهم الطوائف الأخرى بلا مبرر ولم يبق مع الوزير سوى أهل دائرته فدهش مما رأى حتى أنه صار يتمنى الموت فاضطر أن يرجع إلى كرمنشاه وبقي للاستراحة فيها وعرض كل ما وقع على دولته بوجه التفصيل ...
    وكان البذل كبيرا ، والمصاريف باهظة ، والمهمات لا تحصى والمعدات الحربية لا حد لها. تركت هذه كلها ، فكانت الخسائر فادحة.
    دعت هذه الحادثة إلى الاستغراب واختلفت فيها وجهات النظر إلا أن القوة الوحيدة المعول عليها عشائر الكرد ورجالهم ، فكان الغلط في هذا الاعتماد. فإنهم برجوعهم خذلوا الجيش. رأوا ما يكرهون فرجعوا.
    ولكن الدولة كانت وجهة نظرها أن الوزير لم يشاور في الأمر ولم يستطلع آراء الوزراء والقواد فوقع في الغلط ...
    عرضت الحالة على الدولة فصدر الفرمان بالاستعداد مرة ثانية. تأهبت الدولة للأمر وأيدت وجهة نظر الوزير. فأعدت المهمات وهيأت الجيوش ووردت إليه التسلية فتوقف في كرمنشاه منتظرا ورود القوة. في غرة ذي القعدة أعاد تنظيم الجيش تحت قيادته بالاستعانة بكتخدا البوابين محمد باشا فتأهبوا للأمر (1) ...
    __________________
    (1) تأتي باقي حوادث الافغان في السنة التالية.

    الطباعة
    في ذي القعدة بدأت الطباعة بالعمل في استنبول بناء على صدور الإذن السلطاني مقرونا بفتوى شيخ الإسلام. شرع بطبع أول كتاب (لغة وإن قولي) ترجمة (صحاح الجوهري) إلى التركية. ثم توالت الآثار الاخرى. وكان نصيب العراق من هذه المطبوعات كتاب (گلشن خلفا) ، و(تاريخ تيمور) لمرتضى آل نظمي. والاستفادة من هذه لم تكن مقصورة على استنبول. وإنما انتشرت في الاقطار العثمانية ، والعراق منها ، وتعد من أول العلاقات الثقافية المؤثرة في الشرق ، وهكذا شاع الكاغد من طريق الغرب بعد صنعه بوسائل فنية. فكان من أكبر مسهلات الثقافة (1).
    آل الجليلي في الموصل
    في هذه السنة بدأ حكم الجليليين في الموصل. وسنفرد لهم بحثا خاصا في المجلد السابع من هذا الكتاب ليكون مجموعا في صفحات متصلة الأطراف.
    حوادث سنة 1140 ه‍ ـ 1727 م
    حوادث الأفغان أيضا :
    في أوائل هذه السنة جاءت قائمة إلى الوزير تعين له الخطة المثلى في أعماله الحربية وأن لا يقع بمثل ما وقع به بأن يشاور الأمراء الذين معه وأن لا يقطع أمرا حتى يستطلع رأيهم وأن يكون متبصرا متنبها ... فكانت هذه الوصايا نافعة ومهمة جدا فعرف السبب وزالت الغرابة (2). تكاملت العساكر والمهمات فالتحقت بالوزير ومن ثم هب الوزير لإعادة الكرة فسار من كرمانشاه قاصدا أصفهان. فلما وصل إليها علم الأفغان
    __________________
    (1) في كتاب الطباعة والمطبوعات عندنا أوضحت هذه المطالب.
    (2) تاريخ كوجك جلبي زاده ص 133.

    أن لا طاقة لهم فتوسلوا بالصلح. ووافقهم الوزير على أن تكون كرمانشاه وهمذان وما يليهما في يد العثمانيين. وأن يكون للحكومة وكيل في الأنحاء الايرانية مما تحت حكم الأمير أشرف خان.
    وكان سفير الصلح من جانب أحمد باشا (عبيد الله) قاضي همذان فصار قاضي الفيلق برتبة أدرنة. ومن جانب الأفغان منلا نصرت. وإن عبيد الله كان قاضيا ببغداد ثم عزل وحصل على رتبة حلب وفي 24 ذي القعدة سنة 1139 ه‍ نصب قاضيا في مدينة همذان ثم قاضي الجيش. فكان فاضلا قديرا ومن ثم صار رسول الصلح. وكان الصك يحتوي على 12 مادة وفيها عدا ما ذكر أن تكون الممالك المفتوحة بيد العثمانيين ومنها مما يعود للعراق نهاوند وخرم آباد وديار اللر وكذا الحويزة ... فانتهت الحرب بين الطرفين وأمضى الصلح وتحددت الحدود وسطرت المصالحة وتسلم كل منهما نسخة منها. فنال الوزير مرامه وحصل على مرغوبه فعاد إلى بغداد (1).
    حوادث سنة 1141 ه‍ ـ 1728 م
    هدايا وفيل :
    ورد من أشرف خان هدايا ثمينة أرسلها إلى السلطان منها فيل توثيقا لأواصر الصلح بين الحكومتين. فكان لورود الفيل وقع كبير في النفوس. خرج الوالي والناس لمشاهدته ، وكان مزينا بأنواع الحلل وعليه سرير في شكل قبة وعلى رأسه ثلاثة أنفار وعلى رواية أربعة يومي للسلام بخرطومه. ولما وصلوا إلى الوزير وكان جالسا لاستقبال الرسول
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 16 تاريخ كوجك زاده ص 12 ـ 2 : 133 ـ 1 وفيه كتاب الصدر الأعظم إلى الوزير أحمد باشا ص 130 ـ 1 وفي كتابنا العلاقات بين العراق وايران تفصيل.

    في مسقف (باب الشجرة) وهو (باب المعظم). وقفوا تأدبا له وأومأ بخرطومه. ولكنه لم يتصرف حتى نال جائزة من الوزير. وهذا الفيل أصابه البرد في ديار بكر فهلك. فلم يقو على البرد ...
    قال في الحديقة : أن مجيئه كان في سلخ سنة 1140 ه‍ (1).
    شهرزور :
    إن أمير أمراء شهرزور (محمد باشا) البو غاز ليانلي ارتكب أنواع المظالم كما أنه تجاوز الحد في التخريب أثناء حرب همذان فعزل فخرج عن البلدة ونصب خيامه خارجها. فهاجمه الأهلون وانتهبوا ما عنده ففر بنفسه ولما وصل إلى (صاوق بولاق) جاء الأمر بقتله فقتل بفتوى من شيخ الإسلام. فخلفه الوزير علي باشا فلم تطل مدة إمارته فصار مكانه في هذه السنة الوزير عبد الرحمن باشا على أن يحافظ على همذان (2).
    خديجة خانم :
    تزوج الكتخدا (محمد باشا) بخديجة خانم بنت أخت الوزير. وأوضح الأستاذ السويدي في حديقته ما جرى من أفراح وزينة (3).
    غزو الحويزة :
    ثم ظهر من أهل الحويزة عصيان وتمرد فتوجه الوزير عليهم بجيش جرار ... ومن غريب ما كان في طريقهم أن رأوا الأرض مملوءة بالأفاعي. قتلوا كثيرا منها وهي في تزايد فصارت شغلهم الشاغل في
    __________________
    (1) حديقة الزوراء ص 93 ودوحة الوزراء ص 17.
    (2) تاريخ كوجك جلبي زاده ص 149.
    (3) حديقة الزوراء ص 92. ودوحة الوزراء ص 17.

    تلك الليلة. لم يهجعوا إلى الضحى ... مضت الليلة ولم تلسع أحدا ولا حصل منها أذى على الجيش ولا على الحيوانات.
    حمل بعضهم ذلك على طبعها وأنها لا تلحق ضررا ، ولكن الجيش رأى السكان لم ينتسبوا إلى الطريقة الرفاعية ولم يصبهم ضرر ...
    وصل الجيش إلى الحويزة. وحينئذ خاف الأهلون فقدموا إلى الوزير الهدايا وسلموا إليه مفاتيح البلد وطلبوا العفو عنهم فعفا ونصب الأمير السابق المولى محمدا حاكما عليهم (1). وكان عزله الايرانيون بعد أن نصبته الدولة العثمانية. وفي هذه المرة أعيد ، ومن ثم نظم الوزير أمورهم وأخذ المدافع الكبيرة وعاد إلى بغداد ظافرا منصورا ... وفي هذه الحرب قامت عشائر المنتفق وعلى رأسهم محمد المانع. وعشائر بني لام فتغلبوا عليهم (2).
    كرمانشاه :
    ثم وجه منصب كرمانشاه إلى حسن بك الپچوي برتبة أمير الأمراء. وهذا كان أثناء سفر أصفهان مبايعا الذخائر وله الاطلاع الكافي فعهد إليه لما أبداه من الخدمة (3).
    عصيان :
    ثم زاد عصيان بعض العربان. عاثوا فقطعوا السبيل. فأمر الوزير بمطاردتهم والقبض على زعمائهم المعروفين فتمكن من القبض على كل
    __________________
    (1) هو المولى محمد بن المولى عبد الله بن هبة الله من المشعشعين. ورد في كتاب (مشعشعيان) الفارسي للأستاذ أحمد كسروي ص 92 و104 وأغفل هذا الحادث.
    (2) تاريخ كوجك جلبي زاده ص 144 وحديقة الزوراء ص 96 ـ 2 ودوحة الوزراء ص 17.
    (3) كوجك جلبي زادة ص 144 ـ 2.

    من شبيل وشبلي ودندن فصلبوا الواحد بعد الآخر خلال شهرين ... فقطع بذلك دابر العصيان (1).
    حوادث سنة 1142 ه‍ ـ 1729 م
    تفرغ الوزير لبسط العدل وتأمين الراحة إذ لم يحدث ما يشوّش الأمن أو يقلق الراحة كما رعى العلم والعلماء ووجه عزمه نحو الفضلاء فصار سوق الأدب والعلم معمورا. توالى الشعراء والأدباء وتزاحموا على ناديه فنالوا من كرمه وإحسانه الشيء الكثير. فاشتهر في زمنه علماء وشعراء عديدون ... وراسله الوزراء والعلماء. والأمراء من أقاصي البلدان ...
    حوادث سنة 1143 ه‍ ـ 1730 م
    واقعة همذان وكرمنشاه :
    كان الناس في هدوء إذ فاجأهم نبأ ظهور الشاه طهماسب ابن الشاه حسين الصفوي جمع اعتماد دولته نادر خان جنودا كثيرة بأمل التغلب على ايران واستعادتها. وأول ما فعل أن أزاح الأفغان من أصفهان وسائر ايران سنة 1142 ه‍ ـ 1729 م (2).
    ثم باغت في هذه السنة همذان وكرمانشاه فقاتل ولاتها والعساكر المرابطة وبعد وقائع وبيلة تمكن من تمزيق قواهم وتشتيت شملهم.
    ولما طرق سمع الدولة نبأ ذلك نادت بالنفير العام وعلى هذا تأهب الوزير للحرب فنهض متوجها نحو ايران بسير متواصل. قضى ثمانية أيام حتى وافى الحدود من جانب
    (أدنه كوي) وتسمى اليوم بقرية المنصورية. فوصل إلى (درنة).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 18.
    (2) دول إسلامية ص 415.

    وفي هذه الأثناء ورد الأمر بجلوس السلطان محمود الأول مشيرا إلى لزوم التوقف إلى أن يأتي الفرمان. وحينئذ امتثل الأمر وضرب خيامه في شهرزور (1).
    حوادث سنة 1144 ه‍ ـ 1731 م
    الوزير ـ حرب طهماسب :
    مكث الوزير أحمد باشا في شهرزور ثلاثة أشهر. وفي أوائل هذه السنة صدر الفرمان بالسفر فتوجه نحو كرمانشاه فسلمت البلدة مقاليدها إليه وأذعنت بالطاعة. فبقي فيها بضعة أيام للاستراحة ثم توجه نحو همذان فلما قاربها وجد الأهلين والجند متأهبين للحصار وزادوا في العدة والعدد وأبوا أن يذعنوا. كما أنه رأى الشاه طهماسب قد استعد للحرب وكان على بعد ثلاث مراحل من همذان فجمع الوزير رؤساء الجيش والأمراء وبعد الاستشارة رجح الجميع مقاتلة الشاه. فسار حتى وصل إلى (لولو كرد) فحط الجيش رحاله فيها وكان مقر الشاه في كور جان (كوريجان) وبين المنزلين مسافة نحو ثلاث ساعات.
    وحينئذ تقدم الجيش لمقارعة الشاه. مرّوا من (بروجرد) فمنعوا الجيش من ورود الماء. وضعوا هناك كمينا فصادفهم الجيش بغتة فذبح منهم خلقا لا يحصى وفر القليل إلى عسكر الشاه. وكان مع الشاه على ما يروى مائة ألف أو يزيدون. فتلاقى الجيشان في محل يقال له (بيدا) و(كوريجان). فرتب الجمعان جيوشهما واستعدا للقتال ...
    أما الوزير فكان معه من الخيالة اثنا عشر ألفا عدا المشاة. ومعه من المدافع والأدوات مقدار وافر فكانت الوقعة بين الفريقين أشبه بجهنم متحركة فلا تسمع فيها غير دويّ المدافع وصوت البنادق. ونظرا لكثرة
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 19.

    جيوش ايران من الاصفهانيين واللّر لم يؤمل الظفر لجهة الوزير ولكن الصبر والثبات أمّنا له ذلك وفي كل صفحات الحرب كان يحرض على القتال والصبر ويشجّع الجيش وكان في مقدمته قبائل الاكراد. كمن الوزير قره مصطفى باشا بجيشه فاختفى في حضيض جبل فاتخذت الأوضاع اللازمة بالنظر للمواقع الحربية ... فلم تمض مدة حتى انكشفت الحرب عن هزيمة العجم فنالوا من أعدائهم فأصابتهم الهزيمة وفروا نحو قزوين. فاقتفى الجيش التركي أثرهم واستمر حتى نصف الليل فنكلوا بهم. وأن طائفة (در گزين) قطعت طريق فرارهم وأعملت فيهم السيف فدمرت أكثرهم ، وأن ثلة من أتباع محمد بلوج خان طلبت الاستئمان وبيّنت ما حل بالعجم.
    كانت ضائعات الوزير نحو ثلثمائة مقتول وخمسمائة مجروح في حين أن قتلى العجم وجرحاهم يقدرون بعشرين ألفا عدا الضائعات في خيالتهم.
    إن العجم كانوا أضعافا مضاعفة بالنظر لجيش الوزير ومع هذا تمكن من قهرهم ... وهلك من أمرائهم خان قزوين ، وخان شيراز ، وكاتب الجيش ، وخليفة الخلفاء. وأمثالهم كثيرون.
    غنم منهم 32 من مدافع هاون بين صالح للعمل وغير صالح و200 من نوع زنبرك ومهمات وأسلحة وأدوات مدفعية وخياما وغنائم لا تحصى ...
    ثم حطوا خيامهم في محل يبعد عن همذان بضع ساعات. فانهزم من جيش العجم من استطاع الهزيمة وبقي في المدينة العجزة فبقوا محصورين وأذعنوا بالطاعة فضبطت المدينة وفيها سبعة من المدافع من نوع (باليمز) و28 شاهيا و2 خمبره هاون و12 زنبرك ... فاستولى على المدينة فمكث فيها الجيش يوما واحدا. ثم تحول إلى موقع تجاه

    المدينة. وأقيمت صلاة الجمعة في أكبر الجوامع وقرئت الخطبة وفيها الدعاء للخليفة والتبريك بالفتوحات ...
    عرض الوزير تفاصيل ما جرى وأطرى بسالة جيوشه. وكان رسوله إلى السلطان أحد موظفيه وهو خليل. فأكرمه السلطان وخلع عليه الخلع النفيسة وقلّده سيفا ورمحا ... وقدمت للوزير خلعتان كريمتان و150 خلعة لمن معه من الأمراء جاء بذلك سلحشوره الخاص والميراخور الثاني علي بك (عبدي باشا زاده) شاكرا ما صنعوا وقرىء الفرمان على الكل ودعوا للسلطان بدوام التوفيق ...
    وفي هذه الحرب كان ولاة ديار بكر وسيواس وأمراء مرعش وأماسية وحسين باشا الجليلي متصرف الموصل سابقا حاضرين (1).
    الشاه طهماسب والصلح :
    إن الشاه انهزم في صحراء همذان إلى انحاء (قم وقاشان) مع من معه. تركوا خيامهم وأسلحتهم. واقتفى أثرهم وفلول جموعهم (سليم باشا) متصرف (أماسية) ومعه سبعة آلاف أو ثمانية آلاف من الفرسان فضبط ما مرّ به من قرى وبلدان وتتبع المغلوبين على عجل. وهكذا أمراء آخرون.
    أما الوزير فإنه اكتسح القلاع والبقاع والقصبات وأوقع خسارات كبيرة وعادوا منصورين بغنائم وافرة.
    وهذه الحالة أوقعت الشاه في رعب واستولى عليه الهلع وصار يترقب أمورا أخرى أكبر. فلم يستطع البقاء في قم بل مضى إلى طهران ونجا بنفسه ...
    __________________
    (1) حديقة الزوراء ص 101 ودوحة الوزراء ص 19.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي   تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 6:55 am

    ثم ورد كتاب منه بصحبة رسوله (محمد باقر خان) من أكابر رجال العجم يرجو فيه عقد الصلح ، وأنه بعث محمد رضا قولي خان قوريجي باشي من رجال الصفوية ليكون مرخصا في المفاوضة. وتكرر الالتماس.
    وعلى هذا دعا الوزير أحمد باشا وزراءه وأمراءه وعقد مجلس شورى استطلع فيه آراء جماعته فاستقر الرأي على أن طلب المفاوضة والإلحاج بها دليل الضعف والعجز التام. فمن الضروري الصفح عنهم وإجابة ملتمسهم. ولذا بشر الرسول بالقبول وأعيد.
    وحينئذ جاء رضا قولي خان من جهة الشاه. مفوضا بسلطة واسعة ، فشرعوا في المفاوضة فاستأذن الوزير دولته. وكذا قدمت رسالة من اعتماد الدولة يسترحم فيها قبول المفاوضة في أمر الصلح فأرسلت أيضا للاطلاع عليها ...
    ثم ورد الجواب متضمنا أنه لما كان طلب المسالمة بعد أن نالوا ما يستحقونه ، وبعد أن تحقق أنهم لا يرجى لهم نهضة إثر المخذولية الهائلة ... فلا مانع من قبول الصلح ، على أن لا تهملوا الحيطة والاستعداد للطوارىء ، والاحتفاظ بحراسة الممالك المفتوحة ، وأن لا يترك الحذر من أمر العودة فيجب التأهب للطوارىء وأن تكونوا في يقظة تامة. وليعقد الصلح ، ويعجل بإنجازه. ولكن بشروط مقبولة ومشروعة.
    وعلى هذا ورد من جانب الشاه (رضا قولي خان قوريجي باشي) مفوضا بسلطة تامة فعقد معه الصلح على أن تبقى الممالك المفتوحة في حوزة الدولة وتصرفها ... فكانت المعاهدة موافقة. فأمضيت مع (صك الحدود). وأخذ كل فريق نسخة.
    وبعد أن تم الأمر أرسل الوزير كاتب ديوانه (مصطفى أفندي) وهو كاتب قدير فبلغ الدولة مما جرى ومعه كتاب من الوزير يتضمن أن

    الحرب بين الفريقين انتهت وتم النضال بالتغلب على الاعداء وعقدت المصالحة ...
    ولما لم يبق للوزير حاجة في البقاء ترك هذه الديار وقفل راجعا إلى بغداد فوردها بأبهة لا مزيد عليها. ومدحه الشعراء بهذا النصر ، ومنهم الملا سليمان البصري ، والسيد عبد الله أمين الفتوى. والملا سليمان الكردي وغيرهم (1).
    حوادث سنة 1145 ه‍ ـ 1732 م
    زواج :
    في هذه السنة زوج الوزير ابنته عادلة خاتون وهي مشهورة بالعلم والكرم والأخلاق القويمة من كتخداه سليمان بك بعد أن أتم حروبه ومال إلى رغد العيش والراحة. وإن هذا الكتخدا موصوف بالشجاعة والاقدام وحنكة الرأي وحسن التدبير. صار واليا على بغداد وهو أول المماليك في العراق كما أن زوجته صاحبة أوقاف العادلية (2).
    وجاء في تاريخ نشاطي أن الوزير في سنة 1144 ه‍ زوج ابنته المزبورة من سليمان باشا وهو من أقدم المصادر.
    الوزير والأسد :
    كان الوزير في بعض أيامه عزم أن يقضي نهاره بالصيد ومعه الخيل والحشم فعبر بموكبه إلى الجانب الغربي من دجلة متوجها نحو هور (عگر گوف) (عقر قوفا). سار في طريقه في الآجام. وبينما هو سائر إذ جاءه أحد أعوانه مرعوبا فقال له رأيت أسدا ربض قرب عربته في حالة مهيبة تدعو للخطر والخوف ...
    __________________
    (1) حديقة الزوراء ص 109 ـ 2 وهناك نصوص القصائد ودوحة الوزراء ص 25.
    (2) حديقة الزوراء ص 109 ـ 2 ودوحة الوزراء ص 27.

    وحينئذ صال الوزير عليه مرخيا عنان فرسه قاصدا افتراسه فنهض في وجهه وتحفّز للوثوب عليه وحينئذ فر أعوان الوزير حذرا من بطشه وضاع رشدهم من هول ما رأوا ولم يبق سوى الوزير والأسد. وكل منهما يحاول قنص صاحبه ويحسب أن حملته القاضية عليه ...
    فأغار الوزير عليه بقوة جأش. رماه بحربة أصابت أحشاءه حيث مرقت من تحت إبطه لكنه تجلد ووثب عليه لكن الحصان أراد أن يكفي الوزير شره فحينما وثب الأسد ليختطف الوزير رمحه على أم رأسه فكاد يقطع أنفاسه. نزل الوزير من حصانه وبقي ساكنا ليحتال على الأسد وبيده خنجره قصد أن يفري بطنه بطعنة. ولكنه طال انتظاره. وحينئذ شهر سيفه وصال عليه فلم يجد له أثرا فعلم أن الضربة نالت منه مقتلا وأردته فطلب النجاة بنفسه وهرب لشأنه ، وأن رفسة الفرس زادت في إذلاله وأوهنت قواه.
    ثم إن الوزير ركب حصانه ودعا أعوانه فتراجعوا عن خجل. ويروى أنه ضربه حينما هاجمه وهو على صهوة حصانه ... ومما يحكى عن بعض أعوانه الظرفاء حينما أنحى عليه باللائمة والتأنيب أنه قال له : أيها الوزير إن أسدين تقارعا. فما شأن الكلاب في أن تدخل بينهما ، أو تتعرض بشأنهما ...! فضحك ومضت القصة ...!
    وحينئذ أمر الوزير أن يطوفوا الآجام ليتحروا عن الأسد الطريح فأبصروا أنه مختف خلال الشجر ولم يقدر أن ينهض من مكانه لما ناله من ألم الحربة التي عاد لا يستطيع معها أن ينقل رجله. فقتل وسلخ اهابه وحشي تبنا وجىء به إلى بغداد.
    ولما شاهد هذه الحالة بعض أهل البادية امتدحه بقصيدة عامية.
    ويروى أن الوزير طارد صيدا بواسطة طير يتصيد فيه فأبعد عن

    حاشيته فلاقى الأسد في طريقه فجرى ما جرى. ويقال إن فرسه قتلت من ضربة الأسد حينما صال عليه بعد أن أصابته الضربة الأولى فالتفت إليه الوزير وضربه بخنجره فأرداه قتيلا ... ومن ثم شاهده بعض الفرسان من العرب في هذه الحالة حينما قتلت فرسه فقدم الفارس له حصانه وقال له : أنت أهل له بعد قتلك هذا الأسد.
    وهذه الواقعة ذكرها أبو الضيا توفيق مع تصوير الوزير راكبا والأسد هاجما عليه (1)
    وفي تاريخ نشاطي أنه في سنة 1143 ه‍ قصد الصيد في هور نمرود ، فظهر عليه الأسد على حين غرة ففر أتباعه منه فقاتل الأسد وأرداه قتيلا ، وكان ظهر فارس عربي شاهد منه هذه الفعلة العظيمة فقدم له فرسه ومدحه. ولعلها وقعة أخرى.
    وهذه تذكرنا بقصيدة :
    أفاطم لو شهدت ببطن خبت
    و قد لاقى الهزبر أخاك بشرا

    ومثله قول المتنبي :
    أمعفر الليث الهزبر بسوطه
    لمن ادخرت الصارم المسلولا

    وعلى كل حال دخل هذه القصة بعض التحوير والتعديل.
    الشيخ محمد بن عقيلة :
    وفد على هذا الوزير في أوائل هذه السنة العلّامة ذو التآليف المفيدة الشيخ محمد بن عقيلة المكي فأكرمه. وأجاز بعض علماء بغداد ،
    __________________
    (1) حديقة الزوراء ص 109 ـ 2 صورها كمقامة ، ودوحة الوزراء ص 27.

    ومنهم الشيخ عبد الرحمن السويدي صاحب الحديقة وألبس الخرقة في التصوف (1). وعندي نسخة من اجازته. ويرجع الكثير من علمائنا إليها.
    نادر شاه ـ حصار بغداد :
    وفي 26 جمادى الآخرة ظهر نادر شاه مهاجما العراق بجيش عظيم على حين غفلة. وكان اعتماد دولة الشاه طهماسب. وهو مشهور بالشجاعة. ويقال إنه مرّن جيشه تمرينا زائدا على الشجاعة ... وعوّده على المشاق ثم نهض به نهضة جبارة.
    مال صرح السلطنة الصفوية إلى الانهيار ، عجّل بذلك هجوم الافغان وصولتهم عليها بقيادة الأمير محمود الافغاني فنال الشاه حسين الصفوي الخذلان.
    أما ولي عهده طهماسب فإنه تمكن من الفرار فبقي مدة في أنحاء مازندران يتجول وحيدا وبينا هو في هذه الحالة إذ حط رحاله في أنحاء خراسان وخوارزم لاستنجاد من هناك من العشائر التركمانية وغيرها. فاستنفرها فلبّى دعوته فتح علي خان التركماني ، وعشائر أفشار وبيات. وجمشكز. مالت إليه وعاهدته على النصرة.
    وإثر ذلك استولى على المشهد فأخرج منها محمود السيستاني (السجستاني). ويدعي نسبه إلى رستم فقضي على استقلاله.
    وفي جملة هؤلاء (نادر الاقشاري). أبدى خدمات جلى واشتهر بين رجال قبيلته بكياسته وذكائه وشجاعته وسخائه ، فهو يعد من ذوي الاقدام ويزاول الأعمال العظيمة.
    دخل في خدمة الشهزادة فظهرت مواهبه ومجاهداته المبرورة.
    __________________
    (1) حديقة الزوراء ص 111 ـ 2.

    وكان اسمه (نادر علي خان) فلقبه الشهزادة ب (طهماسب قولي) دليلا على رضاه عنه.
    إن طهماسب قولي هذا أعاد العدة لمقاتلة أشرف خان. ووقعت بينهما عدة حروب في (دامغان) وفي (دره حار) وقرب (أصفهان) فنكل بالافغان تنكيلا مرا واسترد أصفهان قسرا كما أعاد البلاد الأخرى لسطوة الصفويين ...
    وحينئذ أجلس الشهزادة على سرير السلطنة ولقب هو (باعتماد الدولة) وهي
    (رتبة الصدارة أو رئاسة الوزراء) فاشتهر أمره وذاع صيته وحينئذ جهز الشاه الجيوش لحرب أحمد باشا الوزير أمير الحملة العام في أنحاء العراق ...
    كسر أحمد باشا الشاه شر كسرة فاضطر للمصالحة.
    أما طهماسب قولي خان فإنه لم يرض بهذا الصلح. وكان يضمر نيات ظهرت للعيان. ولذا تقدم للحرب ولم يقبل بالصلح.
    وكان قبل هذا جهز جيشا من جهات عديدة على هراة فاستولى عليها ورتب أمرها. ثم إن الشاه كتب بما تم من أمر الصلح مبشرا به بواسطة (صفي قلي بك) سفيره. ولما علم بالصلح كاد يتميز غيظا. حنق على الشاه وسبّه وحبس رسوله. وفي الحال أغار على أصفهان في 5 ربيع الأول سنة 1145 ه‍ فخلع الشاه إثر وصوله بثلاثة أيام وأجلس مكانه ابنه الصغير عباس ميرزا ولم يتجاوز الاربعين يوما من العمر. باسم الشاه عباس الثالث.
    ثم جعل نفسه (وكيل الشاه) أي وصيا عليه وأرسل طهماسب محبوسا إلى مازندران. كما سجن أعوان الشاه وهم (محمد رضا خان) القوريجي باشي ، وسائر الأمراء والأركان ممن تعلق به واستولى على أموالهم.
    نال ما كان يضمر وتوصل إلى السلطنة بهذه الطريقة بعد أن عمل

    لها جهده وبذل ما في وسعه. فاكتفى بأن سمى نفسه (وكيل الشاه).
    وحينئذ أخذ عدّة الشاه وعساكره وهاجم الوزير أحمد باشا معلنا لزوم أخذ الانتقام. ولم يكتف بما لديه من الجيش بل كاتب الطوائف والعشائر الأخرى فجمعها بقصد الهجوم على بغداد والاستيلاء عليها ...
    ويقال إن الوزير لما سمع ذلك قال حينما دمرنا جيش طهماسب لو كان ذلك الكلب يريد (نادر شاه) موجودا لكنا خلصنا المسلمين منه فلما سمع ذلك الكلام جمع جموعه وأرسل إلى الوزير يخبره : قلت يوم كذا : (كذا وكذا) فها أنا قادم إليك إثر الرسول فتأهب للحرب والقتال ...!
    ثم إن الوزير عرض الأمر على دولته مبينا أن طهماسب قولي خان قصد بغداد ولما ورد كرمانشاه أخبرها بواسطة عثمان آغا الجوقدار (الچوخه دار) ، قال : وعند ذلك جهزنا جيوشا وأعددنا ما استطعنا في الحدود قدر الإمكان ، ولم نهمل أمرا ، راعينا الحيطة والمقدر كائن ، وعلى حين غرة في 26 جمادى الآخرة يوم السبت سحرا هاجم أمير (درنة) ، وصال على جيشنا هناك فوردنا الخبر أن جرح بعضهم ، فوصلوا في المساء إلى خانقين ، ولم يعرف بعد مقدار الشهداء في المعركة ، وتمكن قسم منهم من العودة سالمين. ولا شك أنه يقصد اقتحام الجيوش محاولا الوصول إلى بغداد.
    علم أنه جهز جيوش آذربيجان في قيادة خان تبريز ، وسار هؤلاء من قلعة (چولان) متوجهين نحو كركوك ، وكان الأمل أن نستعين بالكرد فشغلوا بأنفسهم وعيالهم ، فلم يعد في الإمكان أن يمدونا ، فخاب أملنا منهم. أما اللوندات عندنا فهم يبلغون نحو ثلاثة آلاف أو أربعة ، والخيالة نحو ثلاثة آلاف فارس ومن هؤلاء ألفان نكّل بهم العدو في درنة ، والألف الموجود لم نتمكن من جمع أكثر من ستمائة منه. وكذا سائر الجيوش من (سرد نكچدي) ، ومن الحجّاب (قپو قوللري) ، وهكذا جمعنا كل من يستطيع العمل. ولا يبلغون أكثر من ثلاثة آلاف أو أربعة

    آلاف ، وهناك بعض الايالات التي لا تستطيع أن تمدّنا بجيش يعوّل عليه ، ويصح أن نقول : ليس لدينا جيش يعتمد عليه. اتفقت كلمتنا أن نتخذ الحصار في بغداد. عرضنا مرارا أن ليس في الإمكان إرسال الخزانة ، وأن التجهيزات من بغداد غير متيسرة ، وليس في المقدور الدوام على الحصار مدة طويلة ، ولم يكن لنا من الأمر إلا أن نترقب الحل الإلهي ، وسنتعب جهدنا ونبذل ما نستطيع بذله بأمل أن تبقى سلطنة الدولة متمكنة ، ونسعى جهدنا للدفاع ولا نفلت الاخلاص للدولة بوجه ، فلا نقصر في مجهود. وفي هذه الحالة نأمل من ولي النعم أن يلحظنا ، ولا يهمل شأننا. ونحن في أشد الحاجة إلى ثلاثة عشر ألفا من الجيوش المدربة من الفرسان وإلى اثني عشر ألفا من المشاة المختارين لمساعدتنا وإلى ألف كيس من النقود مع ذخائر وافرة من ديار بكر وماردين بأن تكون هذه المساعدات من طريق البر على الابل ، وأن لا تضيع الفرصة. وإننا مسؤولون أمام الله والناس. نطلب الاهتمام للأمر واتخاذ العدة اللازمة من جميع جهاتها.
    إن عدونا اتخذ أطوارا قلّد بها هولاكو وتيمور ، وعدّ نفسه كأحدهما. وإننا في حالتنا الراهنة لو تمكن العدو من فرجة من جانبنا فلا يبقى مجال لسد الثغرة في كل الاناضول بل تبقى الحدود مفتوحة أمامه ـ لا سمح الله ـ فلا يعوقه أمر آخر ، فاختلال الأمر عندنا يسبب محاذير كثيرة من شأنها أن تخلّ بالوضع كله ، ويولّد مكاره ليست في الحسبان. ومن الضروري تدارك الأمر والاهتمام له. وقد تحقق بعض ما توقعناه في كتبنا السابقة. ولم يكن غرضنا تكثير السواد وتطويل المقال فالحذر والاهتمام مما يؤدي إلى حفظ مكانة الدولة ، وإبداء الحرص على المصالح مما يجب أن أعده من أكبر الضروريات لحياة الدولة.
    برهنت على ذلك مرارا لحد أنه عقب عقد المصالحة عرضت في قائمة أن النزاع بين طهماسب قولي خان وبين الافغان لم يتمّ ، ولا تزال

    المجادلات لم تحسم ، فالانتصار لا يعرف لواحد ، ومن الضروري أن نلحظ ما يحدث خلاف المأمول. وطلبت لزوم تقوية الحصون ، ومواطن الدفاع في الثغور ، وأشرت إلى لزوم تدارك الأمر قبل أن يقع ما يخشى منه فتفوت الفرصة. والآن بدت آثار ذلك ، وحدث ما توقعنا من بعد النظر ، وليس لنا اليوم بدّ من أن نذكر أولياء الأمور ، ليبذلوا أقصى ما يمكن من قدرة ، وذلك موكول إلى ذمتهم وحميتهم ، وهذه الوديعة منوطة بعاطفتهم. والأمل أن يعجل في الاهتمام وأن يتخذ التدبير السريع لصيانة المملكة.
    وهذا الوزير أكد ذلك. حض على الاهتمام بالأمر ، فحرك الحمية ، وهيج الفكرة ، وأثار الغيرة في رجال الدولة (1).
    قال صاحب الحديقة : ثم إن الدولة أمدته لكنه لم يؤمر بقتاله ، ولا بمقابلة جيشه بجيشه بل أمر بحفظ المدينة وحراستها ، وأن يكفّ عن لقائه فأرسلت الجنود لحفظ البلاد لا للمكافحة والنزال. وكان الصدر الأعظم آنئذ علي باشا المعروف بابن الحكيم.
    ويقدر الجيش المساعد للوزير بمائة ألف وكان معه من الوزراء قره مصطفى باشا ، وصاري مصطفى باشا وأحمد باشا ابن الحمال.
    وفي هذه الأثناء دخل نادر شاه حمى مدينة السلام وهرب من أمامه أهل القرى واستأصل غالب الناس وقابله أمير (درنة) بعساكر الاكراد فقتل وتفرقت أتباعه.
    ثم نزل محاصرا بغداد في الخامس والعشرين من رجب كذا في دوحة الوزراء وفي الحديقة. وجاء في تاريخ قباطي أن الحصار حدث في 27 رجب سنة 1145 ه‍ ودام إلى 7 صفر سنة 1146 ه‍. نزل محاذيا قصبة الإمام الأعظم بحيث ترى خيامه من فوق السور فكانت القبائل
    __________________
    (1) هذا ملخص ما كتبه الوالي في القائمة المرسلة إلى استنبول رأيتها في مجموعة محررات عندي مخطوطة ولم يتعرض صاحب الدوحة لتفصيل ذلك.

    تصل إليها فتحول فوق منزله بنصف ساعة خشية أن يصيب المرمى الخيام. لكنه بنى ليلا بعض الأبنية في مواضع شتى قريبة من السور بحيث تصل إليه قنابل الزنبرك ويقال لهذه الأبنية (الكونكرة). وضع عليها بعض المدافع بقصد أن يفتح ثغرات من السور ليدخل البلد. وحينئذ وجّه إليها من بغداد المدفع القالع فهدم بعضها ، والبعض الآخر بعيد عن السور فليس بضار فترك ...
    أما بغداد فكان سورها متينا ، وخندقها عميقا جدا ، ولذا احتار العدو في أمره ولم يقدر على قلع حجر منه بمدافعه ... أما بنادقه فكانت تذهب هباء.
    وأما الجانب الغربي فمعمور الجهات ، وإن دجلة كانت خير حارس مانع. وتراقب السواحل أن يعبر أو يجتاز. وضعت عساكر من الجانبين تمنعه من العبور ولا تدعه ينصب الجسور ... ولم يزل هذا الجانب سالما من الحصار ، متيسرا فيه كل ما يحتاج إليه فيستمد أهل الجانب الشرقي منه ما يتطلبون بدون عناء وكلفة ...
    ومن أيام مجيء نادر شاه كتب الوزير إلى حكومته يطلب منها المدد ورفع الحصار عنهم. فلم يتيسر للحكومة آنئذ القيام بأي أمر من أمور الحرب. ادارتها منحلة ولم تتمكن من الامداد والمساعدة.
    كتب والي الرقة إلى أحمد باشا يستطلع رأيه في إرسال المؤونة من (بيره جك) إلى بغداد بصورة أمينة وسالمة مبينا له من يختاره من شيوخ الموالي من حمد العباس ، أو الشيخ فندي لمحافظة السفن ، وأخذ التعهد منهم بذلك ...
    الجانب الغربي :
    وفي غرة رمضان عبرت الأعاجم إلى الجانب الغربي قريبا من تكريت ، ولم يشعر بهم أحد ، رفعوا مدافعهم وخيامهم وكانت تجاه العسكر فظنوا أنهم ملّوا الحرب ، أخبروا الوزير بما وقع فقال إذا كان

    الأمر كذلك فاحرسوا الشرائع وصفّوا ألف فارس كل يوم يراقبونها فيقطع على العدو العبور. فبقي الحال كذلك إلى أن عبروا من ناحية دجيل ليلا ... وإن أهل الجانب الغربي اهتموا للأمر وبنوا سورا من اللبن عرضه نحو خمسة أذرع بذراع الكرباس ... وحفروا خندقا واسعا عميقا إلا أنه لم يتم بناء السور ولا حفر الخندق. لأن الوقت ضاق والعدو أحرجهم. فلم يشعروا إلا وفي غرة شهر رمضان بعد نصف الليل هاجمهم ولكن القوة الموجودة في جانب الكرخ أوقفته عند حدّه وحدثت معركة طاحنة بين الفريقين أودت بنفوس كثيرة فمثلت يوم المحشر في وقعها فلا تسمع غير الضرب والقتل ودامت الحرب طيلة تلك الليلة حتى مطلع الشمس.
    وفي هذه المعركة كان الأعداء أكثر إلا أن جيش الوزير كان مدافعا في مواطنه فأبدى بسالة ومقاومة وحارب حربا دامية فتمكن من صده ...
    ثم دامت الحرب سجالا بين الفريقين حتى أدركهم المدد من قره مصطفى باشا فزاد في شجاعة القوم وقوى أملهم فألزموا العجم مكانهم ومنعوا تقدمهم بل صاروا ينهزمون ويفرّون من مواقع القتال ... ورد المدد فثبتوا.
    وعلى هذا حمي الوطيس واشتد القتال لدرجة أنه صار أشبه بالفزع الأكبر من هول ما جرى والكل صابر على مضض القتال. أبدى الجيش بسالة وإقداما لا مزيد عليهما فلم يقصّروا في الدفاع عن المدينة ووقفوا سدا حائلا ، ولم يحصل فيهم وهن.
    أما مدد ايران فكان يتزايد ، والجنود تتكاثر ... فكانت امارات الغالبية ظاهرة فيهم فوصلوا إلى المنطقة بين الكاظمية وبغداد إلا أنهم استولى عليهم الرعب وحذروا من البقاء هناك فتركوا هذا الموقع من تلقاء أنفسهم وولوا الادبار وعاد الجيش إلى محله ... وفي المعركة قتل

    خزيندار (خازن) الوزير فنقل جثمانه ودفن في باب المعظم. وكان صاحب الحديقة شاهد الوقعة.
    شورى :
    شاهد الوزير هذه الحالة من عبور اعدائه ، ورأى تزايد شرورهم ، فأكثر عدد الحرس والمحافظين ... سوى أنه علم بالخطر المحدق به ، وأن أمر المحافظة صعب عليه جدا فشاور من معه فأجمع الرأي على العبور إلى (جانب الرصافة) والدخول في القلعة ... فأمر بذلك. ولمدة ثلاثة أيام عبر الأهلون من الجسر وبوسائط أخرى. وفي هذه الحالة انتهكت أعراض وهلكت نفوس كثيرة من شدة الزحام ... فحل العدو محلهم وهدم الدور واستخدم الاخشاب والأبواب لجيشه من أجل اتخاذ حمّامات ودكاكين في معسكره فأحاط ببغداد من ثلاث جهاتها فصار يطلق المدافع والطلقات الأخرى للتضييق ولكن ثبت القوم على الحصار وصار الوزير يرسل بالعساكر كل يوم لمحاربة الاعداء ، فكانت الحرب سجالا ...
    إن نادر شاه استولى بهذه الصورة على القرى والضياع المجاورة والبعيدة فصارت تأتيه الارزاق والحاصلات والحاجيات الأخرى من أماكن بعيدة فزاد رفاه عسكره وأما الأهلون في بغداد فإن حالتهم كانت في منتهى السوء لكنهم تجلدوا وصبروا ، وأخفوا حزنهم وكدرهم ... ففي كل يوم يذهبون لحرب العدو. انقطعت عنهم القوافل والسوابل ولم يبق لهم اتصال بالخارج ، وإن الاقوات الموجودة في بغداد قلت وأصاب الناس الضنك الشديد فتبدل رغد عيشهم بالعسر. ومن شدة الجوع أكلوا لحوم الكلاب والبغال والحمير والسنانير ... ومن ثم تولدت فيهم أمراض وعاهات قاتلة.
    والحاصل أن الاضطراب بلغ حده واستولت الحاجة على الأهلين فصاروا يرتكبون في سبيل ذلك أنواع المنكرات. وحوادث الجوع

    كثيرة ... كانت تجلب عطف الوزير وتألمه فكان يسكب الدمع الغزير ولكنه لم يبد عجزا ولا فتورا في المحافظة. يتجوّل في الأماكن ويحرّض من جهة أخرى على المبارزة والدفاع ...
    كان إذا اجتمع بأناس وشاهدوا بعض القنابل وقعت قريبا منهم وقد خافوا عنفهم لئلا يستولي الرعب على الناس وكان يرسل بعض من لم يكن معروفا فيتسور سور بغداد ويدخل المدينة مبشرا بورود المدد من جانب الدولة.
    بذلك تمكن من تسلية الأهلين لبضعة أيام إلا أن تكرر الحادث وعدم ظهور نتيجة سبب عود اليأس ...
    ولذا عزم الينگچرية والأهلون ـ لما استولى عليهم من الضجر والسآمة أن يتقدموا لمحاربة العدو. فإما أن ينالوا ما يتمنون ، فيرفع الحصار ، أو أن يموتوا بشرف وعزة دون أن يهلكوا جوعا وحتف أنوفهم ...
    علم الوزير ومن معه من الوزراء بذلك فبيّنوا لهم غلط الفكرة وأنها لا تخلو من محاذير وأن النصر مأمول فنصحوا الجميع بالعدول عن ذلك.
    أما نادر شاه فإنه لم ير لهذه المحاصرة نهاية فكتب كتابا عن لسان مفتي العسكر إلى علماء بغداد مؤداه :
    إن بغداد جسيمة وأمر محافظتها يحتاج إلى قوة وقدرة وأنتم ليس لكم جيوش ولو كانت لظهرت. فالمحاصرة امتدت ومات عباد الله من الجوع. قولوا لأحمد باشا لا يقتل الخلق عبثا وليسلم فأجابه الوزير بما ملخصه أننا لم يكن وضعنا ناشئا عن ضعف وأن توقفنا كان لحكمة اقتضت. وسترون ما سيحل بكم. وتيقنوا أنكم لن تنالوا منا ولو حجرا واحدا فضلا عن مملكة.
    ثم إن نادر شاه ركن إلى ارسال بعض أكابر رجاله إلى الوزير ليكلمه في أمر الصلح ظاهرا بأمل الاطلاع على الحالة من ضيق أو

    رفاه. ولينظر قلة الجيوش وكثرتها وضعف الأهلين وقوتهم ورصانة السور ووهنه والقلعة ووضعها ودرجة قابليتها للمقاومة ومعرفة الأوضاع والأحوال الأخرى.
    أما الوزير فإنه جعل في طريقهم جميع الحالات الجيدة الداعية إلى النشاط مما يدل على القوة وعدم الضعف بإحضار أنواع الأطعمة وإعدادها للبيع بأثمان بخسة فبيع رغيف الخبز بأربعة فلوس مع أنه كان يباع بليرة (دينار ذهبا) بصعوبة ولا يتيسر الحصول عليه فكان الوزير يعطي النقصان من خزانة الدولة ليكمّل ثمنه الحقيقي ...
    واتخذ للايرانيين ضيافة بديعة دعت إلى اعجابهم فكذبوا الإشاعة القائلة بأن بغداد في مجاعة ففاوضوا بالصلح ، ولكن ظهر أخيرا أنهم لم يكن منهم الصلح إلا خديعة. وإنما قصدوا أن يدققوا أحوال بغداد من جميع الوجوه فلم يجدوا ما يحقق ظنهم بل غيروا اعتقادهم عن مسموعاتهم. ولما عادوا أخبروا بما شاهدوا ... وعلى هذا وافق على الصلح ودخل في مذاكرته فأرسل محمد باشا وراغبا الدفتري ببغداد ...
    وفي أوائل ذهابهم إليهم رأوا منه لطفا والتفاتا زائدا وقال : بغداد طيبة الهواء وأتيت ببذور البطيخ معي فزرعتها هنا فكانت صالحة الثمر وأريد أن أرسل إلى أحمد خان (باشا) منها. وجدوا التفاتا أزال عنهم الرعب والخوف. ولكنه أحضر راغبا ليلا وتكلم معه عكس ما كان فاه به نهارا وكان علم بوصول المدد من الدولة العثمانية فكان داعية رفضه أمر الصلح.
    ثم إنه دعا محمد باشا وراغبا الدفتري وتهور عليهما قائلا : إن غرضي لم يكن بغداد وحدها وإنما أقصد قيصر الروم ودياره فلماذا يتوقف أحمد باشا قولوا له ليسلّم بغداد فأجابوه بأنهما حينما يذهبان يقولان له في التسليم وقصدهما النجاة من مخالبه ...
    ولما عادا قصّا ما وقع على الوالي فقال لو قطعت إربا إربا لما

    سلمت إليه حجرا واحدا فضلا عن مملكة ... ولذا أطلق عليه مدفعا يشير به إلى أنه عازم على الحرب فتعاطيا الطلقات العديدة ... واشتركت مدفعية الطرفين وأوقدت نيران الحرب مجددا ...
    وحينئذ اشتد الأمر بالناس وضاقوا ذرعا وخرجت المخدرات من بيوتهن لما نالهن من سغب فلم يبق تحمّل. أما الوزير فإنه فادى بخيله لذبحها وإطعام الناس منها وكذا تابعه الأغنياء والأمراء فساعد كل على قدر استطاعته حتى لم يبق من الخيول والحيوانات ما يقتاتون به وصاروا يأكلون الشريس وحبّ القطن بسبب ما ألحهم من الجوع ... فاستولت عليهم الأمراض فلا تمر في طريق حتى ترى الواحد والاثنين والثلاثة أمواتا.
    وصلت الحالة بالناس أن صاروا يستهينون بالموت لما نالهم من عظيم المصيبة ولذا اتفقت كلمة الينگچرية والأهلين أن يموتوا شهداء أولى من أن يموتوا جوعا ... سمع الوزير بالخبر فدعا الرجال البارزين منهم وبيّن لهم خطل هذا الرأي. وأن النتائج المترتبة عليه أكبر خطرا. بذل الجهد ليعدلهم عن رأيهم حتى تمكن.
    حوادث سنة 1146 ه‍ ـ 1733 م
    المدد :
    بينا الأهلون والجيش بهذه الحالة من اليأس وانقطاع الأمل إذ جاء المدد من الدولة على يد القائد طوپال عثمان باشا أي الاعرج فأحيا الأمل وأوجد النشاط. فعلم نادر شاه بذلك أثناء مذاكرة الصلح فكان السبب في تعنّده.
    ومن ثم أبقى قسما من جيشه نحو اثني عشر ألفا لمناوشة المحصورين ومضاربتهم ليلا بالمدافع والخميرة لئلا يعلموا بحركته هذه ،



    وسحب جيشه جميعه فهاجم المدد. كمن لهم في مصب نهر العظيم وعلى حين غرة فاجأهم بأمل أن يقضي عليهم وكانوا في حالة مبعثرة.
    حينئذ صرخ بهم مهاجما فجعلهم شذر مذر بحيث لم يتيسر جمعهم فانكسرت الساقة والمقدمة والجناحان وأن الساقة لم يؤمل منها عودة إلى نظام. فرّ لا يلوي على شيء حتى وصل إلى الموصل ولكن القلب ثبت ولم يتغير نظامه لما فيه من الينگچرية والجيوش المدربة لا سيما وقد كان معهم القائد طوپال عثمان باشا ، فجمعوا باقي الجيوش من المقدمة وغيرها مما أمكن إعادته وحرض الكل على القتال وشجعهم كثيرا فأخذ جانب دجلة. لئلا ينقطع عنهم الماء ...
    عبأهم بالوجه اللائق وكان يقال لهذا النوع من التعبئة (چرح فلك) أي نصف دائرة ، وجهوا المدافع نحو الاعداء وصوّبوا البنادق فتقابل الجيشان بعددهما الكاملة وتصادما. وهناك الهول بحيث لا يستطيع أن يعبّر القلم عن بعض ما جرى فأنست هذه الحرب ما تقدمها في شدتها وحرارة نيرانها ... فلم تمض مدة حتى قتل من العجم خلق لا يحصون وظهرت بوادر الغلب عليهم. صاروا ينسحبون رويدا رويدا والجيش التركي في أثرهم لم يمهلهم عقب القوم حتى لم ينج منهم إلا القليل فلم يدعوا لهم مجالا للفرار والهزيمة. وذكر صاحب نتائج الوقوعات أن نادر شاه جرح في هذه المعركة (1). ولم يتحقق ذلك.
    وحينئذ وصل الخبر إلى المحصورين ليلا وعند الصباح هاجموا البقية الباقية واستولوا على الارزاق والمعدات والأسلحة والمدافع
    __________________
    (1) نتائج الوقوعات ج 3 ص 23 وهذا الكتاب من تأليف مصطفى نوري باشا المتوفى سنة 1307 ه‍. طبع سنة 1327 ه‍ في أربعة مجلدات. وفي (تاريخ ايران) للأستاذ عباس برويز طبعة سنة 1314 ه‍ ـ ش هلك في هذه الحرب نحو عشرين ألفا من كل جانب. ص 71.

    والخيام. وقع ذلك في يوم الأحد 7 صفر سنة 1146 ه‍.
    وبعد ثلاثة أيام وصل المدد إلى بغداد فدخلها بعظمة وشوكة إلا أن البلدة كان أصابها القحط فلم يقدر الجيش أن يبقى مدة طويلة. وفي (نتائج الوقوعات) أن أحمد باشا حذر من بقاء القائد فلم يأمنه واعتذر بقلة المؤونة فعاد ...
    وبذلك زال البؤس وصارت السوابل تتوارد إليها.
    ومن ثم تراجع الأهلون وعاد كل إلى مأواه ...
    عودة نادر شاه إلى بغداد :
    دامت محاصرة بغداد سبعة أشهر فكانت بلاء عظيما لم ير الأهلون مثله في غابر الأزمان فكل من نجا من هذه الغائلة اكتسب حياة جديدة. ففرح الجميع بزوال الخطر. ولكن لم تمض مدة حتى وصل نادر شاه إلى همذان فجمع جيوشه ولم شعثه فعاد إلى بغداد مرة أخرى.
    نظم له جيشا كالأول وتقدم به ... وأما الجيش العثماني فإنه رجع إلى مواطنه. فاغتنم نادر شاه هذه الفرصة إذ لم يبق مع طوپال عثمان باشا في كركوك إلا القليل. كما علم بما بث من جواسيس وأن بغداد لا تزال في قحط ...
    كانت الحالة في العراق مضطربة ولكن عثمان باشا حينما سمع بخبر نادر شاه جمع بعض الجيوش رغم تفرقهم فقاومه لمدة لم يطل أمدها فقتل عثمان باشا أثناء الحرب فخلا الجو لنادر شاه وحينئذ ضاعف جيوشه على بغداد ...
    كانت حالة بغداد معلومة. المؤونة مفقودة والجيوش متفرقة والپاشوات مضوا إلى مواطنهم فانقطع الرجاء في المدد بل استحال أمره ، فصار الوزير والأهلون في ارتباك حالة من رجوع نادر شاه لا سيما

    وقد علموا أن طوپال عثمان باشا قتل ، ولكن الوزير عزم على الدفاع إلى آخر نفس ...
    ومما يلاحظ أن الوزير بعث بعائلته إلى البصرة ، وفي هذه الأثناء أرسل نادر شاه قائده بابا خان إلى جهة الحلة. وهذا خرّب (بستان الباشا) المعروف بهذا الاسم. ومن ثم أعلن الوزير أن من لم يستطع البقاء في المدينة فليخرج ، وليذهب حيث شاء فخرج كثيرون. ولكن الشاه ألقى القبض على غالبهم فقتلهم ، فلم يبق مع الوزير إلا القليل.
    ضرب الحصار على البلدة كالأول. فعزم على فتحها فأصابها ما أصابها في المرة الأولى من الضنك والضيق. ولكن المحاصرة لم تطل بل طلب نادر شاه الصلح بسرعة فأرسل رسولا يدعو الوالي إلى إعادة المدافع التي أخذت في همذان ليقبل الصلح.
    وكانت هذه المعاهدة ترمي إلى لزوم بقاء الحدود بين ايران والدولة العثمانية على ما كانت عليه قبل حرب الافغان.
    اكتفى بهذا لأنه ورد إليه الخبر بأن محمد خان بلوج ثار عليه فتزايد ضرره وتسلط على بلاد كثيرة في فارس.
    قبل الوزير بالصلح وأمضى العهد بين الجانبين وفي الحال ذهب نادر شاه لزيارة العتبات ورجع بسرعة إلى ايران.
    إن هذه المحاصرة دامت عشرين يوما أو أقل إلا أن الأهلين رأوا منها مضايقة أشد من الأولى (1).
    __________________
    (1) حديقة الزوراء ص 120 ـ 123 وفيها تفصيل المشاهدات ، ودوحة الوزراء ص 28 ـ 38 وتاريخ ايران للأستاذ عباس برويز ص 73.

    عربان الجزيرة :
    إن الحكومة بعد أن مهدت ارجاء بغداد حوّلت عزمها نحو عربان الجزيرة. قالوا : وكانت رأت منهم أمورا أنكرتها من مناصرة العدو وإظهار العيوب. والدلالة على مواطن الضرر والمساعدة من كل وجه ... وأن عصيان هؤلاء كان خطرا أكبر فأظهروا الموافقة للشاه وتابعوه في الأغلب وبصّروه بمواطن الضعف مما لم يتيسر له الوقوف عليه لولاهم ...
    فلما اندفعت تلك الغوائل عن الحكومة عزمت على الانتقام من هؤلاء وتأديبهم. ولذا سيّر الوزير أحمد باشا كتخداه محمد باشا إلى الحلة ومنها سار إليهم ...
    وأول ما وجّه عزمه نحو شمر. وكانوا معتزين بكثرة جموعهم وعددهم فحصلت معركة قوية بين الطرفين دام القتال نحو بضع ساعات ثم دارت الدائرة على العشائر فقتل منهم الكثير وكسر الباقون وكانت الغنائم وفيرة. وأطلق سراح من أسر ...
    ثم إن الكتخدا توجه نحو (آل قشعم). و(زبيد). وهؤلاء أوردوا موارد من سبقهم ، وأسر شيوخهم فأرسلوا إلى بغداد مكبّلين فعفا عنهم الوزير على أن لا يعودوا لمثلها.
    بقي الكتخدا هناك مدة نظم في خلالها الأمور وأمن الطرق ورجع إلى بغداد ظافرا ...
    وحينئذ بالغ الوزير في إكرامه وألبسه كرك سمّور ، فكانت تعد هذه الوقعة من أكبر مفاخره.
    ويلاحظ هنا أن الحكومة كانت تختلق أنواع الأسباب للوقيعة بالعشائر كلما أحست من نفسها بقوة بأمل النهب والسلب. وهذا ما

    أحكم العداء بين العشائر والحكومة بحيث صار كل ينتظر الفرصة للوقيعة بصاحبه (1).
    اليزيدية :
    أرسل الوالي العساكر فنهبوا قرى اليزيدية على الزاب فتبعهم حسين باشا الجليلي وأخذ ما نهبوا وعاد (2).
    حوادث سنة 1147 ه‍ ـ 1734 م
    الوزير إسماعيل باشا
    عزل ونصب :
    عزل الوزير أحمد باشا ووجهت إليه ايالة حلب فامتثل الأمر ونصب مكانه إسماعيل باشا ، وكان والي طربزون (3).
    سفر أحمد باشا ووقائعه في طريقه :
    أطاع أحمد باشا الأمر أملا في أن يستريح من غوائل بغداد المتمادية ، بالرغم من أن هذا المنصب أقل من سابقه مع أنه كانت له قوة من الكولات تبلغ (1200) مملوك ، وهم صنوف بينهم الآغوات وجميع من كان في دائرته يبلغون اثني عشر ألفا. مطيعين له طاعة تامة (4).
    عزم على الذهاب فتوجه إلى محل وظيفته ... ويعزى سبب عزله
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 38 ، وحديقة الزوراء ص 125.
    (2) عمدة البيان.
    (3) تاريخ صبحي ص 63 ـ 1 ودوحة الوزراء ص 39.
    (4) نتائج الوقوعات ج 3 ص 107.

    إلى ما كان بينه وبين علي باشا بن الحكيم من الخصومة ...
    كانت بعض العشائر تضمر له العداء فلما علمت بعزله حاولت الانتقام منه ، والوقيعة به لما نالها منه فرابطت له في طريقه ، وأهم من عرف من هؤلاء عشيرة (الغرير والشهوان) وتابعتهما عشائر أخرى ، وكان الغرض الاستيلاء على ما عنده ، والوقيعة بمن معه من جند ، هاجمها بمن معه وصال عليها صولة مستميت لما علم من نياتها كما أن من معه من جيوش فادوا بأنفسهم وحملوا حملة صادقة ...
    قالوا : دامت الحرب بين الفريقين مدة فأبدى هو وجنده بسالة لا مزيد عليها فكانت النتيجة أن هزموا هؤلاء العربان وقتلوا منهم الكثيرين وغنموا غنائم وفيرة وذهبوا في طريقهم حتى وصلوا إلى الموصل ...
    عسكر خارج البلدة. وحينئذ قدم عرضا للدولة يطلب أن يعفى من حلب وأن يعين إلى غيرها في موطن قليل الموارد والمصادر. وعلى هذا أجيب إلى ما طلب فنصب لإيالة أورفة (الرها). سار إلى محل وظيفته الجديدة ... ولما قارب ماردين شكا إليه أهلها صولة (الكيكيّة) وهم مشهورون. قالوا نهبوا القوافل ، فأقلقوا الراحة ولم يقدر أحد على ردعهم ، فسمع هذه الشكوى وسار عليهم في جيشه فلما قاربهم تأهبوا للقتال وللنضال. لكنهم لم يلبثوا طويلا ولم يقووا على القراع ففروا وصار القسم الأعظم منها طعما للسيوف وبذلك رفع كيدهم وقضى على غائلتهم ...
    ثم سار حتى قارب اورفة فاستقبله الأهلون والعشائر واحتفلوا بقدومه ، أذعنوا له بالطاعة ، ثم بعد أيام وفدت عليه عشيرة طيىء فرحب بأمرائها ... ثم رحلوا عنه شاكرين.
    وبعد ذلك قام بتأديب (عشيرة البقارة) ، وتلاها بعشيرة (قوجه عز الدين) وكانوا يسكنون في (جبل الگاوور) بين حلب وأورفة ويعنون به

    جبل النصارى. فأمن الحالة والطمأنينة (1).
    وجاء في تاريخ نشاطي أن الوزير عزل في سنة 1147 ه‍ ووجهت إليه مدينة حلب. وقبل أن يصل إلى تلك الإيالة أنعم عليه بمنصب الرقة. وفي شعبان دخل الرها (2) ...
    بغداد أيام الوزير إسماعيل باشا :
    أما الأهلون في بغداد فقد كانوا يتحسرون على أيام أحمد باشا ، ويحسبون أنها لا تعود إليهم مرة أخرى. فيئسوا من صلاح الحالة ، اختل النظام داخلا وخارجا وفقد الأمن وتشوشت الأمور بحيث استحالت السيطرة على الادارة. فأحال الوالي الأمر في الخارج إلى رؤساء العشائر وليس لهم تلك الكفاءة والقدرة.
    وهنا يلاحظ أن إسماعيل باشا كان واليا قديما لكنه قليل الخبرة بأحوال العراق وأصول إدارته. ولذا اضطربت الإدارة في أيامه فاستغاث الأهلون منه ونقموا عليه ... فالينگچرية عاثوا في الداخل وكانوا ألوفا متعددة. قال صاحب الحديقة : أخبرنا الكهول أن هؤلاء كان بأيديهم حكم البلد في أيام الولاة الأول لا يقدرون على إذلالهم غير الوزير أحمد باشا وأبيه حسن باشا. وإلا فقد شاهدنا أعمال هؤلاء أيام إسماعيل باشا ومحمد باشا كما قدمنا بل شاهدنا أفعالهم بعد موت أحمد باشا. وكذا العشائر استفحل أمرها في الخارج (3).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 39. وحديقة الزوراء ص 128.
    (2) تاريخ نشاطي.
    (3) دوحة الوزراء ص 40 ، وحديقة الزوراء.

    حوادث سنة 1148 ه‍ ـ 1735 م
    عزل إسماعيل باشا وولاية محمد باشا :
    إن الخطة العراقية مهمة جدا من جهة مجاورتها لإيران ، ومن جهة أنها مجمع عشائر مختلفة ، ومحل إثارة القلاقل فالضرورة تدعو إلى حسن إدارتها وأن تعهد إلى وزير منحك يقوم بشؤونها.
    ولما كان زمن إسماعيل باشا أيام تسيب وانحلال ضجت الناس ، وشاع التذمر من إدارته فاقتضى ايقاف الأحوال عند حدودها خشية أن يتسع الخرق فيصعب تسكين الوضع ...
    وفي (گلشن معارف) (1) أن الوزير إسماعيل باشا اختير للصدارة فذهب من بغداد بسرعة فوصل إلى اسكدار في 11 جمادى الأولى فبقي في الصدارة 87 يوما ثم عزل.
    عهد بإدارة بغداد إلى حسين باشا الجليلي والي الموصل إلى أن يأتي الوزير محمد باشا (2). وكان من الصدور السابقين.
    عودة نادر شاه :
    قضى نادر شاه على غائلة محمد خان بلوج سنة 1146 ه‍. وفي السنة التالية لها سمع أن عبد الله باشا الكوبريلي والي مصر سار إلى أنحاء قارص بجيش لجب. سارع إليه فحدث تصاف بين الفريقين قرب اريوان في صحراء بغاوند فكان ربح الشاه هذه المعركة بعد قتال عنيف. وفيها استشهد القائد عبد الله باشا. وأجرى الصلح على أساس ما جرى
    __________________
    (1) ومثله في تاريخ صبحي فلا أصل للقول بأنه عزل من ولاية بغداد ص 68 ـ 1 ولم يشاهد أثر للشكاوى.
    (2) كلشن معارف ص 1280 ـ 2 ودوحة الوزراء ص 40.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي   تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 6:57 am

    مع أحمد باشا والي بغداد. ثم ذهب إلى صحراء مغان فأعلن سلطنته في 24 شوال سنة 1148 ه‍ وبهذا انقرضت الدولة الصفوية. وبعد ذلك قصد ارضروم فاختار السلطان الوزير أحمد باشا قائدا لمقارعة الشاه فأصدر فرمانه بذلك ودعاه للمهمة بعد أن أثنى على أعماله وأعمال والده وما قاما به من الخدمات الجليلة. جهزت الدولة ما يلزم من جيوش وأمراء ومهمات وذخائر له وكان هذا الوزير مطلعا على دخائل نادر شاه ومكايده وقادرا على تحمل الخطوب الجسام ، وأهلا للنضال وخوّل أن يتصالح معه إذا رغب في الصلح ، فتوجّه بعساكره الجرارة وجحافله ... ولما وصل إلى قرب أرضروم وجد الأهلين في ارتباك فأزال عنهم الخوف وسكن من روعهم.
    وجاء في تاريخ نشاطي أنه في سنة 1148 ه‍ أودعت إليه قيادة الجيش في أرضروم ، ومنح ايالة الأناضول في 15 ربيع الأول وأورد نص الفرمان. فعزم على الذهاب إلى أرضروم في 2 شهر ربيع الآخر متوجها إليها.
    وفي رجب دخل أرضروم ، وشرع في عقد الصلح مع نادر شاه ، فكان عمله سمعة وسلامة (1).
    رأى نادر شاه أن الدولة العثمانية اهتمت للأمر وعزمت على المقارعة وتيقن أن هذه الحروب ليس وراءها فائدة فأذاع أنه لا يزال على العهد ، وأنه لم يقصد سوى تسخير السند والهند ولم يكن له غرض في هذه الديار وإنما قصد تجديد الصلح ...
    عاد السفير العثماني مبيتا غرضه المذكور فعرضت القضية على الدولة العثمانية وتمت المعاهدة في جمادى الآخرة سنة 1149 ه‍ وفيها
    __________________
    (1) تاريخ نشاطي.

    بيان أن الحدود تبقى على ما كانت عليه في معاهدة السلطان مراد الرابع (1). ثم رجع نادر شاه كما أن الوزير عاد إلى مقر حكومته ...
    ويلاحظ أن نادر شاه حوّل عزمه لمقارعة من لم يكن معتاد الحروب متمرنا عليها. ألهم هذا الخاطر مما وقع من التأهبات في أنحاء الاناضول. فوجد أن الأمر لم يكن مقصورا على العراق (2) ...
    حوادث سنة 1149 ه‍ ـ 1736 م
    وزارة أحمد باشا :
    إن الحكومة العثمانية نظرا لما قام به أحمد باشا من محافظة الحدود ، وصد غائلة نادر شاه ، وإنهاء أمر الصلح معه أنعمت عليه انعامات عظيمة وأصدرت الفرمان بعزل محمد باشا ونصبه مكانه ... لما رأته من مرض محمد باشا واعتلاله بعلة (داء الفيل) دون أن يهتم بأمر العراق فاختلت الاحوال واضطربت داخلا وكذا العشائر انحرفت عن الطاعة في حين أن الإدارة أيام أحمد باشا وأبيه كانت على ما يرام من راحة وطمأنينة وأن الينگچرية كانوا منقادين يخشون البطش فلم يستطيعوا أن يتدخلوا في الأمور.
    زالت الطمأنينة واستولى الهلع وتحرك أحمد باشا من أورفة إلى بغداد فوصل إليها في 8 رجب وعين سليمان باشا كتخدا له وأخرج الكتخدا السابق فكان سرور الأهلين بالوالي كبيرا فاحتفلوا به في اليوم
    __________________
    (1) تفصيل المذاكرات في (تاريخ صبحي) ص 35 ـ 1 إلى ص 92 ـ 2 كتبت بقلم راغب باشا صاحب السفينة وصاحب كتاب (تدقيق وتحقيق) وهو صاحب الخزانة المشهورة باستنبول. ونص المعاهدة في كتاب معاهدات مجموعة سي ج 2 ص 315.
    (2) حديقة الزوراء ص 130 ـ 1.

    التالي وأن إسماعيل الروزنامة جي مدحه بقصيدة تركية كما مدحه آخرون بجملة قصائد عربية. ثم رتب الوزير رجاله وصار يتحرى عن العابثين ويوقع بهم ... فنكل برؤساء الينگچرية.
    قال صاحب حديقة الزوراء حصلت بغيبة الوزير المعارك في مدينة السلام ، وكثر القتل فأظفره الله برؤساء الينگچرية ، فخنق منهم الجبابرة المتمردين وقتل منهم العتاة. ونفى بعضهم عن البلد وحصل بذلك الفرح والسرور ، ولم يبق منهم إلا القليل ولم يترك إلا الضعيف ، فذلت أولاد الحاج بكداش (بكتاش) بعد شموسهم ، وهم إذ ذاك آلاف متعددة وجنود مجندة ، واخبرنا الكهول بأن هؤلاء بأيديهم حكم البلد لم يقدر على اخضاعهم غير هذا الوزير وأبيه صارا مضرب المثل وتفردا بهذا الأمر وإلا فقد شاهدنا أفعال هؤلاء أيام إسماعيل باشا ومحمد باشا بل أيام الحاج أحمد باشا فأخرجوه من البلد على ما سيوضح (1).
    ثم رشح الوزير كتخداه السابق محمد باشا فعيّن لإمارة شهرزور برتبة (مير ميران). وكذا بعد مدة حصل لكتخداه سليمان باشا امارة البصرة برتبة (مير ميران) (2).
    حوادث سنة 1150 ه‍ ـ 1737 م
    عشائر بني لام :
    نظم الوزير الداخل وأكمل كل الوسائل لراحة الأهلين ... ثم عطف نظره إلى أمر الخارج وتنظيمه أيضا ...
    علم أنه حين غيابه قامت العشائر بقطع الطرق والشقاء وارتكاب
    __________________
    (1) حديقة الزوراء ص 136 ـ 2.
    (2) حديقة الزوراء ص 130 ـ 2 وتاريخ نشاطي ودوحة الوزراء ص 41.

    المفاسد فعزم على تأديبهم دون تمييز صنف عن صنف.
    ومن بين هؤلاء الشيخ عبد القادر شيخ بني لام كان أشد ضررا. تجاوز الحد وأكبر ما يركن إليه أن عشائره وافرة العدد ، كثيرة العدد كما استعان بالمجاورين ، وبالفيلية وناوءوا الحكومة مناوأة تامة فتجمعوا في محل يقال له (علي الظاهر) وهو محل بين بغداد والبصرة (1).
    وعلى هذا قدم الوالي أمر هؤلاء على غيرهم فجهز عليهم قوة كافية ، وذهب بنفسه ... عند ما قدم الوزير إلى بغداد كان جاء لمواجهته موح ابن الشيخ عبد القادر للتبريك معتذرا عن والده أنه مريض لا يستطيع الحضور خشية أن يبطش به فقال الوالي له إن والدك مريض القلب وسأتواجه معه وأكرم الابن وسيره. ولم يحقق تهديده إلا في هذه السنة فقام بجيشه.
    ولما كانت البصرة تحت حكم هذا الوزير ، وكان الاسطول بيد موسى باشا القپودان شعر الوزير منه ببعض الخيانة فأمر بأخذ الاسطول منه سوى أنه حذر أن يفر بها إلى البحر فاتخذ الوسائل بخصوص تقريبه إليه فجلبه لجهته ثم عزله وحبسه. ونصب مكانه إبراهيم باشا وعهد بالأسطول إليه.
    قال في الحديقة :
    «سار ـ الوزير ـ في البر والسفن تجري على سيره في البحر. لتكون حاضرة عند الحاجة للعبور وحمل الامتعة والذخيرة والاسلحة ، وهذه السفن ليست كغيرها بل هي على هيئة مراكب صغيرة فيها المدافع والبنادق وسائر آلات الحرب ولها أناس معينون يقال لهم (الفرقدجية) ،
    __________________
    (1) هو علي الغربي. قال في حديقة الزوراء : سمي باسم صالح قبر فيه. والآن هو قضاء في لواء العمارة.

    ولكل سفينة كبيرة موظفون لهم الوظائف من الخنكار مهيئة للحرب لكنها ربما تحمل التجار بإذن الوالي.» اه (1).
    سار الوزير في أواخر السنة الماضية وحينئذ وقع الرعب في قلوب القوم. حاذر الشيخ عبد القادر (2) على أمواله وعياله من نتائج هذه الحرب فاتخذ بعض الأماكن الحريزة الصعبة المنال واستعد للحرب وأبدى خصومة شديدة وقبل أن يشتبك الفريقان حدثت مبارزة فتجاول الابطال فيها على الانفراد فأبدى كل من الجانبين المهارة ومنتهى البسالة ...
    ثم إن الفريقين اشتبكا في الحرب حتى أنهما لم يجدا مجالا إلا التناحر بالخناجر فثبت كل من الجانبين في ساحة القتال ولم يتبين الغالب فكان الهول عظيما. ثم ظهرت علائم النصر في جيش الوزير وولى العشائر الأدبار وقتل خلق كثير وفر الباقون فعقبوهم إلى أخبيتهم واغتنموا أموالهم وأسروا قسما كبيرا منهم ، وعلى هذا ورد جماعة وطلبوا الأمان وتصالحوا على أن يؤدوا الميري ومصاريف الجيش فقبلوا وأبقى كاتب الخزانة وبعض الجيش فصدر الأمر بالعودة (3) ...
    وفي أول سنة 1150 ه‍ عاد الوزير إلى بغداد.
    __________________
    (1) حديقة الزوراء ص 141 ـ 1. والفرقته نوع سفينة حربية وعمالها (فرقته جيه) أو كما ذكر في الحديقة.
    (2) ومما ينسب إليه (الجادرية) قلعة قديمة لا تزال آثارها باقية. ويختلط فرعا الغراف (أبو حجيرات) و(شط الأعمى) يختلطان عند (الذنابة) في جنوب قلعة سكر. وإن الجادرية تقع في جنوب الذنابة هذه كما أن (هور حافظ) منسوب إلى أحد رؤساء بني لام مما يدل على سعة سلطتهم (الاستاذ يعقوب سركيس).
    (3) دوحة الوزراء ص 52 وحديقة الزوراء ص 140 ـ 1.

    ورود سفير نادر شاه :
    رغب نادر شاه في تأكيد الصلح فأرسل سفراء إلى الدولة. ورد أحدهم بغداد يوم الخميس 10 المحرم سنة 1150 ه‍ ومعه كتاب إلى الوزير يفيد أن الصلح تم بيننا وقويت روابط الصداقة إلا أن أسرى الطرفين بقوا على حالهم فإذا تم فكهم قويت الأواصر أكثر ورجا أن ينهي ذلك.
    تلقى الوزير كتابه هذا بقبول حسن وأجاب الطلب واستقبل السفير استقبالا باهرا وأمر أن تنصب له الخيام وتتخذ الضيافة اللائقة ودعي أن يدخل المدينة (1) ...
    بلباس :
    قالوا : كانت هذه العشيرة تقطع الطرق وتنهب القوافل فتزعج الراحة. فقصد الوزير التنكيل بها فجهز جيشا عليها. وذهب بنفسه لمحاربتها ولما وصل إليها رآها احتمت بحصونها ومتاريسها وتأهبت فرسانها للغارة والحرب ... لكنها لم تقو على هجمات الجيش فولت الأدبار من أول حملة إلا أن المشاة المتحصنين ثبتوا نظرا لمناعة الأمكنة والاحتماء بها فصاروا يضاربون الجيش ببنادقهم وسهامهم نساء ورجالا.
    أما الوالي فإنه أعد العدة للحرب في الأماكن المنيعة. فهاجمهم بالخيالة والمشاة ولم يبال بالدفاع المستميت فتمكنوا من صعود الجبل والموافاة إلى المواقع فأطلقوا السيوف في رقابهم وقتلوا فيهم تقتيلا شائنا وأسرت بقيتهم الباقية ...
    ثم إنهم طلبوا الأمان ولما كانوا من اتباع الإمام الشافعي فحرمة لمذهبهم عفا عنهم وعاد الجيش ظافرا منصورا (2).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 44.
    (2) دوحة الوزراء ص 44.

    قال صاحب الحديقة : لم يكن هؤلاء قطاع طرق ، وإنما كان ذلك لأمر أراده الوزير وإلا فهم شافعية ذوو غيرة دينية وحمية ، أكثرهم طلبة علم وأصحاب جوامع وقرى يكرمون الضيف (1) وجل ما هنالك أن الوزير أراد الغزو والنهب فحصل على مرغوبه من الغنائم!!
    سرية أيضا :
    وقالوا : وكان هذا شأن بعض العشائر في الجانب الغربي مع أهل القرى. أرسل عليهم الوزير بعد عودته سرية مع كتخداه سليمان باشا فأدبهم تأديبا تاما ، ثم أغار على عشائر زبيد فلم يقووا على المقاومة ، ففروا من وجهه وقفل راجعا (2) ، وعلى كل أرادوا نهب أهل القرى والعشائر فحصلوا على الغنيمة.
    الطاعون في الموصل :
    حدث الطاعون في الموصل ، بدأ في هذه السنة واشتد في السنة التالية. فكان يحدث في اليوم نحو ألف اصابة فأكثر (3).
    حوادث سنة 1151 ه‍ ـ 1738 م
    عشائر بني لام :
    في كل مرة نعتقد أن الوزير قضى على هذه العشيرة وأمثالها لكننا لا نلبث أن نراها عادت إلى ما كانت عليه. فصرنا نشتبه من كل حادث عشائري ونتائجه. وفي هذه المرة قيل إن عشائر بني لام لم ترتدع وإنما استمرت على حالتها من قطع السبل وزادت عتوا فعزم الوالي على محوها حفظا لراحة العباد.
    __________________
    (1) حديقة الزوراء ص 144 ـ 1 وعشائر العراق الكردية ج 2 ص 101 ـ 128.
    (2) حديقة الزوراء ص 144 ـ 2 ودوحة الوزراء ص 45.
    (3) عمدة البيان.

    أراد الوالي أن يخفي أمره فجهز في الخفاء العدد اللازمة فقام من بغداد وأشاع أنه ذهب للصيد.
    حذرت العشائر وعلمت أن الصيد وسيلة للإخفاء. لذا تفرقت كل عشيرة وذهبت إلى جهة. ولما وصل الوزير إلى الجوازر أبقى (رئيس آغواته) المسمى (باشا آغا) مع ثلة من الجيش في صحبة ضابط الجوازر لتحصيل الرسوم الأميرية من (ربيعة) وعاد (1).
    عشائر ربيعة :
    شرعوا في استيفاء الرسوم الأميرية من ربيعة ولما بدأوا بالعمل تأخر عن الأداء بعض رؤسائهم (أبو سودة) فسجنه أميرهم (علي بك) .. ثم إن العشيرة هاجمت الأمير ليلا وقتلته وأخرجت أبا سودة من سجنه وهربت إلى بطون الأهوار ، وتبعتها بقية الفرق ...
    ثم إن الجند أخبروا الوزير فأرسل سرية بقيادة كتخداه سليمان باشا. ولما ورد أخبر بأنهم متحصنون بجزيرة يحيط بها الماء من جميع الجوانب فحاربهم من جهة منها رأى فيها ضعفا ومجالا لوصول الطلقات.
    ولما صار الليل أبقى الكتخدا البنادقية أمامهم وسار حتى جاء من ورائهم فعبر الجيش. وكان تعوّد على اجتياز أمثال هذه الأخطار أو العقبات. فلم يشعروا إلا والجيش في الجزيرة فصاروا في حيرة من أمرهم.
    وربيعة معروفة بالشجاعة وتعد من أقوى العشائر ولها دربة على
    __________________
    (1) الحديقة ص 145 ـ 1 ودوحة الوزراء ص 45.

    الحروب ، فلم يكن لها بد من قتال مستميت. شاهدت من الجند ما لم يكن يجول في خاطرها. ولما أصبح الصباح هرب من هرب سابحا ونجا من نجا بنفسه. فاغتنم الجيش خيولها وأموالها (1).
    حسكة وأمير المنتفق سعدون :
    ثم إن الكتخدا بأمر من الوزير رجع إلى حسكة ليصلح منها بعض الشؤون والصحيح لينال منها بعض الغنائم ، فوردها وأمّن طرقاتها من جميع جهاتها وانقادت عشائر البدو من كل فج. وكان من جملة من قصد أمير المنتفق سعدون بجملة من عشائره. فاتخذ الكتخدا ذلك فرصة للوقيعة به. قالوا : وكان يزعم أنه (سلطان العرب) فقبض عليه وكبّله ورجاله وجاء بهم إلى بغداد ، وسجن في الثكنة الداخلية ، بقي زمنا وكاد يقضي نحبه وأيقن بالهلاك فطلب من الوزير أن يعفو عنه وشفع فيه بعض الأعيان فعفا عنه وجعله رئيسا كما كان وألبسه حلة الرضا (2).
    وقعة الشيخ سعدون :
    وفي السنة نفسها أخبر الوزير بأن الأمير سعدون جمع نحو عشرة آلاف مقاتل فنزل بين النجف والكوفة ، وتغلب على بعض القرى ، ومنع الزراع من الانتفاع ... قائلا : أنا السلطان في هذه الديار. وما شأن أحمد باشا وما السلطان؟ إني إن شاء الله آخذ بغداد وأحكم فيها بالعدل ، ومن ثم حاصر الحلة وبقية الضياع ... كما حاصر البصرة قائلا : إنها ملكنا ليس للروم فيها شيء ، وإنا كنا نأخذ كل عام من أهلها الغنيمة (3) ...
    __________________
    (1) حديقة الزوراء ص 145 ـ 1 ودوحة الوزراء ص 45 ـ 46.
    (2) حديقة الزوراء ص 147 ـ 1.
    (3) دوحة الوزراء ص 46.

    قال في الحديقة : صدق ... فإن هؤلاء المنتفق أعراب البصرة ، وإنهم أكثر العرب مضرة ، عجزت الولاة عن كسر شوكتهم ، وذلت الوزراء عن درء أذاهم.
    نقل عن والده أنه قال : كانت بغداد قبل تولية حسن باشا تأتي إليها العساكر الكثيرة من قبل الدولة والوزراء العديدون يخيمون في الكرخ يأخذون صحبتهم والي بغداد إلى قتال هؤلاء فيرجعون خائبين من فتك أولئك وقوتهم ... وإن أهل البصرة يؤدون الخراج إليهم وإن واليها لا يسلم من ضرهم حتى يفوض الأمر إليهم ، لكن مذ حل الوزير حسن باشا مدينة السلام كسر شوكتهم ، ورفع غائلتهم عن أهل البصرة ، وبعده جرى ابنه مجرى الأب.
    نعم كان هؤلاء استخدموا العناصر العراقية بعضها على بعض فتمكنوا وقويت سلطتهم كما أن المماليك كانوا عونا لهم. وكانت طاعتهم عمياء.
    سمع الوزير بالخبر فعجل بالمسير وصحبه الاكراد وسائر ما عنده ولما علم بقدوم الوزير عليه قفل إلى ناحية البصرة فتبعه الوزير فاحتجب في بطون الأهوار ، وكسر السد من جميع الجهات ، وكانت طليعة عسكر الوزير الأكراد ورئيسهم عثمان باشا الكردي. فعبرت عليهم من خيول المنتفق الشجعان وقصدوهم فرسانا فالتقوا وبدأت الحرب. تكاثرت عليهم خيول المنتفق حتى صاروا أضعافهم وازدحم عليهم المدد حتى فاقهم فقاتل ذلك اليوم عثمان باشا قتالا تتضاءل عنده الابطال فذهلوا مما رأوا وولوا الادبار وتحرزوا في أهوارهم.
    ثم جاء الوزير ووجه عليهم المدافع وحاصرهم لبضعة أيام فلم يبرح. فنالهم الجوع والضيق لحد أن ابن الشيخ سعدون قدم على الوزير وقال له : يا عماه إني جائع فأشبعني وإن أهلي وأقاربي كادوا يموتون

    جوعا فإن عفوت فلك الفضل وإن لم تعف فلا ترجعني إلى أهلي فأهلك معهم فضحك الوزير لذلك وعفا عن سعدون ورجع عنه ...
    ولما رجع الوزير عاد الشيخ سعدون إلى ما كان عليه فأرسل سرية أمر عليها كتخداه سليمان باشا ولما وصلوا البصرة أبصروه بالمرصاد ينتظر قدوم العسكر فعزم على القتال. اشتبك الفريقان في الحرب ثم انجلت عن هزيمة سعدون وقومه. تركوا الخيام وقبض على سعدون في المعركة فأخمدت أنفاسه وأرسل رأسه إلى الوزير ولما جاءه البشير أنعم عليه وعلى قاتله بالعطايا الكبيرة وحينئذ أمر أن يسلخ جلد رأسه ويحشى تبنا ويوضع في صندوق ويرسل إلى الدولة لما شاع وذاع عندهم من قوة بطشه (1). وهذا منتهى الحنق ...!
    وبعد أيام قلائل وصل الكتخدا إلى بغداد منتصرا فألبسه الوالي الخلعة لما قام به من خدمة وما أحرزه من نصر ...
    قال في الحديقة : «ما ثبت في هذا الكتاب هو رواية الأكثر. وحدثني بعض الجند وهو الأصح عندي أن غزوة سعدون كانت بعد غزوة بلباس ، وأن نائب الوزير في بغداد (القائممقام) سمع بغائلة سعدون فخاف من ازدياد شوكته إذا أهمل فأرسل إلى الوزير وهو في بلباس بريدا يخبره بذلك فحين سمع ألوى عنان العزم وسار إليه فحدث ما قدمنا.
    وحدثني البعض أن غزوة ربيعة وقضية القبض على سعدون كانت قبل بلباس. وهذا هو الصحيح عندي.» اه (2).
    وفي تاريخ نشاطي ذكرت قضية الأمير سعدون في حوادث سنة 1155 ه‍ جاء أنه أرسل الوالي كتخداه سليمان باشا على الشيخ سعدون
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 47.
    (2) حديقة الزوراء ص 150 ـ 1.

    شيخ المنتفق ، وهذا قتل الشيخ وبعث برأسه إلى الدولة العلية فأنعمت عليه برتبة (روم اپلي).
    وفي مجموعة عمر رمضان أنه قتل سنة 1153 ه‍ ومثله في عمدة البيان (1). وآل السعدون ينسبون إلى هذا الأمير. فاشتهر امراؤهم باسمه.
    تربة العزير :
    جاء في سياحتنامه حدود ما ترجمته : «مضينا من القرنة إلى جهة الشمال من طريق دجلة حتى وصلنا إلى منتهى حدود المنتفق ، فرأينا في الجانب الايمن من دجلة المقام الشريف للنبي عزير (ع). وهذا النبي ذو الشأن من أنبياء بني اسرائيل وهناك يهود كثيرون ، وزوارهم أكثر من زوار سائر الملل ، وذلك أن المسلمين والنصارى إذا مروا بطريقهم من بغداد إلى البصرة ، أو بالعكس ووقفت بهم السفينة هناك يتقدمون للزيارة ولكنهم لا يقصدونها خصيصا كاليهود.
    إن والي بغداد الأسبق المرحوم أحمد باشا أمر بتجديد بنائه سنة 1150 ه‍ واتخذ على مرقده الشريف قبة مغطاة بالكاشي واتخذ تربة واسعة وكتب على باب التربة بعد تمامها :
    (قد جدّد وعمر هذا المكان المشرف الذي دفن فيه العزير عليه السلام ذو الدولة الوزير المكرم والي بغداد أحمد باشا سنة 1151 ه‍).
    والتربة لها ساحة وفي ثلاثة جوانبها حجر إلا أنها خالية ، وليس هناك من يتصدى لتنظيفها وتطهيرها إلا أن نفس التربة الشريفة لها باب مقفل وأن مفتاحه لدى أحد رجال القبيلة التي تسكن هناك. وفي خارج هذه التربة بضعة أشجار وفي داخل الساحة خمس نخلات وقد يعدّ ذكر
    __________________
    (1) تاريخ نشاطي ومجموعة عمر رمضان. وعندي بخط يده.

    مثل هذه الأشجار والنخلات عبثا كما يبدو لأول وهلة ولكننا مضينا في برية قاحلة وطويلة نتجول ، فلم نر أشجارا ونخيلا فلما شاهدناها سررنا بها وبهذا ندوّن مسرتنا.» اه (1).
    وما قيل من أنه بناه كريم خان فغير صواب (2) لأنه لم يأت إلى العراق ، وإنما أتى أخوه صادق خان سنة 1189 ه‍ فاستولى على البصرة ولم يصل إلى العزير (ع).
    حوادث سنة 1152 ه‍ ـ 1739 م
    آل قشعم والسرحان والأسلم وبنو صخر :
    قالوا : إن آل قشعم سلكوا طريق النهب والغارة وشوشوا على الحكومة. اتفقوا مع عشيرة السرحان ، وعشيرة الاسلم ، وبني صخر ، تجمعوا في محل يبعد عن شفاثا بضع ساعات. وهذا مكان منقطع خال من المياه تحصنوا فيه.
    ولما رأى الوزير ذلك عزم على القضاء على غائلتهم ، جعل جيشه قسمين قسما منه تحت قيادة كتخداه سليمان باشا ، وكانت وجهته بلدة هيت ، والآخر تحت قيادته وتوجه به من أنحاء كربلاء ، أغاروا من الجانبين. ودامت غارة الوزير أربع ساعات بلا راحة ولا وقفة في شدة الحرّ والعطش فتيسر له الوصول وقت السحر إلا أنه هلكت منه نفوس كثيرة وحيوانات وفيرة. وأن بقية الجيوش لبثت في مكانها ولم تتمكن من الدوام نظرا لما نالها من الإعياء.
    كان الوزير أمام الجيش سائرا ولم يكن معه سوى من هم بصحبته
    __________________
    (1) سياحتنامه حدود ص 67.
    (2) سياحة نيبهر.

    من أعوانه ولم ينتبه إلا والشمس علت بارتفاع رمحين. وحينئذ رأى جموع الاعداء قد خفوا عن الابصار بسبب ما كان من حواجز وعوارض طبيعية ...
    شاهد الوزير الأعداء فرتب جمعه ومن عنده ومن ثم هاجمهم وهكذا كان والده يفعل فوجه عنان فرسه وصال صولته المعروفة ...
    وبينا الأعداء تأهبوا لحربه ومناوأته من جميع أطرافه إذ رأوا الاثقال أتت فظنوها الجيش الاصلي فداخلهم الارتياب وكسرت قوة صبرهم ، فاستولى الرعب عليهم وشغلوا بأنفسهم.
    وفي هذه المعركة قتل ابن عم رئيسهم صقر ، وهو سعد وكان أعور وخذل الباقون ، تركوا أموالهم وسائر أثقالهم وأخبيتهم. وكان من جملة ما استولى عليه الجيش زوجة صقر فردّها الوزير مكرمة ولم يتعرض بها أحد ...
    ثم أمر بنصب الخيام. ولم تأت العساكر المنقطعة إلا بعد أن مضى نصف النهار. رأى هؤلاء في طريقهم كثيرا من الجرحى والفارين وفلولهم فكانوا يعجبون ويقولون ما هذه إلا فعلة ملائكة أعانت الوزير ليوقع هذه الوقيعة ...
    أما سليمان باشا فإنه ذهب بجيشه ولم يصل إلى المطلوب إلا أنه وقع بغير هؤلاء من أهل الشقاء فمزق شملهم وشتت جموعهم ورجع ظافرا (1) ... وجدهم آمنين فأصابهم على غرة ولم يسمهم ...
    ثم عاد الوزير إلى بغداد غانما. وكل غزواته مثل هذه سلب ونهب لا تختلف عن عمل العشائر.
    وللشيخ عبد الله السويدي قصيدة طويلة في مدحه.
    __________________
    (1) حديقة الزوراء ص 150 ـ 1 وما بعدها ، ودوحة الوزراء ص 49.

    وفي الحديقة أن الوزير سار من بغداد في يوم وليلة طالبا آل قشعم فأدركهم في الرحالية فوق شفاثا بأربعة فراسخ ، وكانت المواقعة في شدة الحرّ. فأخذهم أخذ عزيز مقتدر ، وصرف في تلك الغزوة على عساكره مقدار خمسمائة كيس. ولما جمعت الغنائم وهبها لأخت شيخهم كرما منه ، وأبدى همة يعجز عنها ذوو الهمم العلية من الوزراء ومكرمة يعجز عنها سخاء حاتم في وقت الرخاء ، ونظم السيد عبد الله الفخري قصيدة في مدح الوزير ، قال فيها :
    عقاب الوغى لما بدا طار صقرهم
    لدى حيث ألقت رحلها أم قشعم(1)

    حوادث أخرى :
    1 ـ الطاعون العظيم في بغداد. حدث في هذه السنة.
    حوادث سنة 1153 ه‍ ـ 1740 م
    هدايا نادر شاه :
    أرسل نادر شاه مع أحد أمرائه هدايا نقودا وافرة إلى الإمام الأعظم والعتبات المقدسة المباركة وتحفا سنيّة. ولما وردت بغداد كتب الوزير بها دفترا وسلم ما يخص العتبات بواسطة السفير الايراني فأوصلها إلى محلها. وأكرم السفير.
    قالوا إن الشاه حاول إخضاع اللزك (2) وهم طوائف من قفقاس.
    __________________
    (1) سكب الأدب على لامية العرب ، لسليمان بك الشاوي. ومجموعة السيد عبد الله الفخري ص 2. والروض النضر ص 193 مخطوطات عندي.
    (2) قال في حديقة الزوراء : كرد من أكراد العجم ص 154 ـ 1 وفي قاموس الاعلام أنهم من القفقاس من داغستان ، عاش قسم منهم في ايران وقبائلهم متفرعة إلى فروع عديدة ، وهم شجعان. (وردوا بلفظ لزكي) ص 3990.

    قاتلهم مدة فرأى منهم مكافحات عنيدة وتكبد خسائر ضعضعت من قوته.
    اتفقوا على صد غائلته فاجأوه بغتة بهجوم عنيد وكسروه شر كسرة وانتهبوا منه غنائم كثيرة من أموال وخيام ومعدات لا حد لها ...
    رأى الشاه هذه الصدمة العنيفة فأرسل هديته هذه تغطية لتلك المغلوبية.
    إن نادر شاه أراد أن يوثق أواصر صداقته ويؤكد حسن نواياه ومصافاته أكثر. ولذا لم يقطع رسائله ورسله. ولم يدع فرصة إلا ويقدم التحف والهدايا السنية ...
    قدّم هدايا لا تعد. بينها أحد عشر فيلا مع أحد أمرائه حاج بك خان إلى الدولة العثمانية وواحد إلى الوزير. جاءت من طريق بغداد ومعها ألف وخمسمائة فارس لمجرد اظهار الأبهة والعظمة.
    استقبل الوزير هذا السفير استقبالا باهرا وأبدى له الاحترام فأخذه معه إلى قصره (1) في جانب الكرخ وأبقى أعوانه وأتباعه في الرصافة.
    __________________
    (1) هذا القصر والبستان المتصل به عمرهما الوزير في هذه السنة وأطنب صاحب الحديقة في وصف القصر وقال إنه غربي قصر الخلد «1» وناظر إلى هور عقرقوف فوصف حديقته وأزهارها واثمارها ، وكذا مقاصيره ورياشه ، وإتقان بنائه. جمع اوصاف الحسن. وهما في الجهة الغربية من جانب الكرخ ... وكانت عادلة خاتون بنت الوزير وقفتهما على جامعي العادلية اللذين عمرتهما وصار يقال للبستان (بستان المتولية) فاستبدل بعد مدة ولازمها هذا الاسم.
    __________________
    (1) علق الدكتور الأستاذ مصطفى جواد على قصر الخلد قائلا : «إن قصر الخلد لم يبق له أثر في أواخر القرن الرابع لأن البيمارستان العضدي بني في أرضه أو أضيفت أرضه إليه ، فلعل السويدي عنى قصرا آخر ظنه قصر الخلد».

    ضيفه لأيام عديدة وأجرى له ما يقتضي من تكريم وعرض الأمر على دولته فقبلت ذلك بخير قبول.
    ولذا سيّرهم الوالي إلى جانبها (1).
    العمادية :
    حاصر والي الموصل حسين باشا العمادية فصالحه أميرها بهرام باشا على مال ، فعاد (2).
    المؤرخ يوسف عزيز المولوي :
    توفي في هذه السنة يوسف المولوي المؤرخ الملقب ب (عزيز المولوي). مرّ الكلام على تاريخه وما له من قصائد تركية والمترجم خطاط معروف (3).
    حوادث سنة 1154 ه‍ ـ 1741 م
    أشقياء القرى والضياع :
    إن قطاع الطرق عانوا في الجانب الغربي وعطلوا الاسفار من محل إلى آخر. ولما علم الوزير بذلك وضع خيالة في الطرق لتأمينها والتحري عن أهل الشقاوة فلم يتمكنوا منهم. ثم أرسلت عيون خفية لتحقيق هذا الأمر فكانت النتيجة المتحصلة أن هذه العشائر اتفقت مع بعض المفسدين من أهل القرى والضياع فالتزموا الكتمان.
    اطلع الوزير على ذلك فعزم على على تخريب هذه القرى وإهلاك أهلها فجهز عليها سرية بقيادة سليمان باشا الكتخدا. وهذا فرق جيشه ونبّه
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 50 وحديقة الزوراء ص 157 ـ 2.
    (2) عمدة البيان.
    (3) تحفة الخطاطين ص 596 ولغة العرب ج 8 ص 588.

    أن يقتل جميع رجالها وتنهب أموالها عدا كربلاء والحلة والغري وأن يذيقوهم جزاء ما اقترفوا وأن يجتمع الكل في (قرية المزيدية) وهكذا فعلوا.
    ثم توجهوا نحو عشائر زبيد فأغاروا عليها ولكنهم أحسوا بالخطر فتفرقوا في البراري النائية ...
    رجع الجيش ظافرا وفي عودته أغار على القرى والضياع في طريقه فقضى عليها. قال صاحب الحديقة : «جعلها كمدائن عاد وثمود كيلا يعود أحد من أهلها لمثل هذه المفاسد.» اه (1).
    ظلم بظلم ونهب بنهب. بقي المنهوبون المستغيثون لم يتعرض لمصيرهم ، ولا لتعويضهم. وليس هذا بالتدبير الحازم.
    عشائر بني لام :
    قالوا : إن عشائر بني لام لم تزل مستمرة في جورها. وضعوا أهليهم وأثقالهم في محال بعيدة في شامخ الجبال وتأهبوا لسلوك سبيل الشقاوة ...
    فلما علم الوزير كتم الأمر وصار يتحرى طرق الانتصار عليهم فهم على ظهور خيولهم وهي تسابق الريح. أغمض عينيه عنهم وأشاع أنه يقصد حرب المنتفق. أمر بالنفير العام وكتب إلى رؤساء العشائر ليلحقوا به وأرسل الشيخ ثامرا إلى رؤساء هؤلاء فلم يعلموا بالأمر. فسارعوا في المجيء إلى بغداد ونزلوا في دار كبيرة قريبة من مرقد محمد الفضل وحينئذ غصب خيولهم وقتل رؤساءهم وأعاد الباقين.
    وللسيد عبد الله أمير الفتوى قصيدة مدح بها الوزير قال السويدي : والظاهر أنه قالها في غزوة بني لام الأولى. اه (2).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 51 ، وحديقة الزوراء ص 156 ـ 1.
    (2) دوحة الوزراء ص 52 ، وحديقة الزوراء ص 160 ـ 1.

    إشاعات المرجفين :
    أراد الوزير ترويح النفس في موسم الربيع فنهض بركبه متوجها نحو مهروت (مهروذ) تصيد لبضعة أيام ، ثم قفل راجعا إلى بغداد ، لكن الايرانيين أشاعوا بأنه يقصد بلاد العجم. ولم يكن الغرض منه الصيد بل الغزو ، فأصاب أهل ايران الرعب لا سيما أهل كرمانشاه وهمذان. نالهم الهلع وفروا بأولادهم وأهليهم وبالنفيس من أموالهم.
    أخبروا نادر شاه بذلك فعبأ الجيوش في همذان وكرمانشاه ووضع حامية في الحدود فهدّأ الروع ونبّه جيشه أن لا يتجاوز.
    وهكذا نشر بعض المفسدين في بغداد أن العجم هاجموا العراق وجهزوا جيوشهم نحوها فراجت مما دعا إلى ارتفاع الأسعار وغلاء الحاجيات وصاروا يدّخرون الأطعمة وحصل توقف في الأعمال.
    بلغ الوزير ذلك فتأهب لجمع الذخائر وإعداد العدة وعمل ما استطاع عمله من ترقب الطوارىء وقسم جنوده إلى فرق ووجه كل فرقة لتأديب بعض العشائر وردعهم وأرسل العيون إلى ايران لاختبار الحالة.
    ومن ثم علم أن الإشاعات لا أصل لها. لذا زال الاضطراب وحلّ الاطمئنان (1).
    حوادث سنة 1155 ه‍ ـ 1742 م
    جسر الموصل :
    في منتصف رجب احترق جسر الموصل (2).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 52 ، وحديقة الزوراء ص 161 ـ 1.
    (2) عمدة البيان.

    غلاء في الموصل :
    امتد الغلاء في الموصل إلى هذه السنة بسبب قلة الامطار فزاد اضطراب الأهلين ، وعظمت حاجتهم ، وإن الوزير الحاج حسين باشا الجليلي عمل أفرانا لإطعام الفقراء والمحتاجين ، وأخرج الأهلين للاستسقاء فمن الباري تعالى بالمطر وذهب البؤس (1).
    حوادث سنة 1156 ه‍ ـ 1743 م
    نادر شاه في بغداد للمرة الثالثة :
    مضى نادر شاه إلى الهند وسخر ممالكها إلى أن وصل إلى (جهان آباد) فضبطها سنة 1151 ه‍ بعد قتال عنيف ، ثم صالح سلطانها (شاه محمد) (2) وغنم أموالا كثيرة وألزمه أن يرسل إليه كل عام مبالغ معينة وارتحل عنه. توجه نحو تركستان فاستولى على بلخ وبخارى وأطاعه الافغان. ومن ثم لقب نفسه ب (شاهنشاه).
    ثم قصد الروم ولكنه أظهر لوالي بغداد الصداقة ، فأرسل إليه أنه لم يشأ أن يكدّره فلم يقدم على بغداد. ثم بدا له أن استمنحه جميع مزارع بغداد وكان الموسم وقت حصاد فأجابه الوزير إلى ذلك ضرورة أن لا يدخل معه في نضال جديد فأرسل نحو سبعين ألفا من جنوده. وفي هذا لم يقصد إلا حصار بغداد وأن لا ينجد الوزير أهل الموصل فأحدق جيش الشاه ببغداد وصار عنها رمية بضعة أسهم.
    __________________
    (1) عمدة البيان.
    (2) من ملوك المغول في الهند. ومنهم أورنك زيب المذكور سابقا انحلت الإدارة بعده. وفي أيام الشاه محمد اكتسحها نادر شاه. وأبقاه بشروط ودام حكمه إلى سنة 1161 ه‍. توالى ملوكهم حتى انقرضوا سنة 1275 ه‍ ـ 1858 م (رحلة السويدي ودول إسلامية ص 498 ـ 509).

    تأهب الوزير وأهل بغداد للحصار وارتحل أهل الكرخ منه إلى الرصافة. ونالهم الضرر الكبير من جراء ذلك.
    استولى الايرانيون على جميع قرى بغداد وأطاعتهم العشائر وأرسل الشاه إلى البصرة نحو تسعين ألفا فحاصرها مع إضرام النار من الجانبين فلم ينل بغيته. وكان متسلم البصرة رستم آغا ناضل عنها. ودفع جيش نادر شاه ومعه جيش الحويزة وعشيرة كعب ورئيسها سليمان فلم يتمكنوا إلى أن وقع الصلح.
    وكان نادر شاه توجه ببقية عسكره إلى شهرزور فأطاعه أهلها وأذعنت له عشائر الكرد. ثم توجه إلى كركوك فحاصرها ثمانية أيام أمطر عليها وابلا من القنابل ، فمات فيها الكثير وخرب غالب أبنيتها فلم يكن لأهلها بدّ من التسليم فطلب منهم مبالغ طائلة من ابن المفتي وبعض أهل كركوك فلم يتمكنوا من أداء ما طلب فأسرهم ، ثم تشفع فيهم الشيخ عبد الله السويدي حينما ذهب إليه فجيء بهم إلى بغداد وبقوا فيها (1).
    مشهد الإمام علي :
    في سنة 1155 ه‍ بدأ نادر شاه بتذهيب القبة والإيوان والمأذنتين لمشهد الإمام علي (رض) وتمّ ذلك في (سنة 1156 ه‍) فبذل أموالا كثيرة وقدم للخزانة الغروية تحفا نفيسة. ورد ذلك في تاريخ (جهانگشاي نادري) وفي (بستان السياحة). وللسيد حسين بن مير رشيد وللسيد نصر الله الحائري وغيرهما قصائد (2).
    __________________
    (1) حديقة الزوراء ص 167 ولغة العرب ج 7 ص 39 وكتاب (نادر شاه) للدكتور لو كهارت.
    (2) كتاب المعاهد الخيرية. وكتاب ماضي النجف وحاضرها وديوان السيد حسين بن مير رشيد وديوان السيد نصر الله. وهما مخطوطان عندي.

    نادر شاه ـ الموصل :
    إن واقعة الموصل ذكرت في تقرير الوزير حسين باشا الجليلي المقدم إلى دولته مبينا حصار البلد وحروبه ، ونجاحه إلى أن دفعت الغائلة وليونس الموصلي قصيدة تركية أوضحت أكثر.
    كان توجه إلى إربل فسلم أهلها ثم توجه إلى الموصل وكان معه من العسكر نحو مائة وسبعين ألفا ونصب على دجلة جسرين فعبر وحاصر الموصل في النصف من شعبان ودام الحصار نحو أربعين يوما فثبتوا بالرغم مما أمطر عليهم من قنابل. ثم حفر ألغاما وملأها بارودا ورصاصا فعادت على جيشه وصعدوا السور بالسلالم فلم ينجحوا ولما لم يحصل منها على طائل ارتحل وتوجه بعسكره إلى بغداد بعد أن صالح حسين باشا الجليلي.
    ونظم الحافظ السيد خليل البصيري الموصلي (1) وقعة الموصل بأرجوزة أوردها في الحديقة. وكان قدمها إلى السيد عبد الله الفخري. ذكر فيها محاصرة الموصل من نادر شاه وهي في مجموعة السيد عبد الله الفخري أيضا ، وللسيد حسن ابن أخي السيد خليل قصيدة أشار إليها السيد خليل ولم أقف عليها ، وعارض البصيري كل من السيد عبد الله الفخري وصاحب الحديقة بقصيدة. وفي منهل الأولياء للأستاذ محمد أمين العمري تفصيل. ولما كان والي الموصل آنئذ الحاج حسين باشا الجليلي قد ناضل عنها ، ودافع دفاع الابطال (2) كافأه السلطان بتمليكه قرية (قره قوش) بما فيها وكانت من خواص ايالة شهرزور ، وتؤدي
    __________________
    (1) لم يسمه صاحب الحديقة.
    (2) كتاب الموصل في الجيل الثامن عشر من مذكرات (دومينيكولانزا) نقله عن الايطالية الأستاذ القس روفائيل بيداويد ص 29. وتاريخ الموصل للأستاذ الخوري سليمان الصائغ ج 1 ص 277.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي   تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 7:00 am

    ثمانمائة قرش سنويا كبدل تيمار. رأيت الفرمان لدى الفاضل السيد أحمد بن أيوب بك الجليلي وهو مؤرخ في أواسط شوال سنة 1156 ه‍.
    ثم وقف هذا الوالي القرية بموجب الوقفية المؤرخة في ذي القعدة سنة 1163 ه‍ سجلها باستنبول. وحكى هذا التمليك والوقف بما فيها من مزارع ومراع ورسوم وحقوق مطلقة من جميع التكاليف. وبعد أن تحققت ملكيتها وقفها على ابنه محمد أمين باشا وعلى أخيه سليم بك وعلى ابن أخيه عبد الله بن مراد باشا بالتساوي على أن يقوم هؤلاء ببناء جسرين على الطريق بين بغداد والموصل والبصرة وكركوك على قرية لك وقرية كوكجه لي ، وأن تؤدى إلى مراقد حضرات النبي يونس ، والنبي جرجيس لكل منهما مبلغ مائتي أقچه تعطى لمتوليهما وذكر شروطا أخرى.
    ولما لم ينل نادر شاه من الموصل مأربا توجه نحو بغداد فظهرت آثار الارتياب في الأهلين واستولى عليهم الخوف. ولما وصل الأعظمية اتخذت التدابير اللازمة للمقاومة والنضال عن بغداد.
    ولما علم بذلك أرسل رسولا إلى أحمد باشا في الصلح مع الدولة العثمانية بلا قيد ولا شرط فقبل الوزير وأرسل إليه كلّا من محمد باشا الكتخدا السابق وسليمان باشا وولي أفندي كاتب الديوان.
    وصل هؤلاء إلى الشاه وأسسوا الصلح بين الطرفين على أن يعود إلى مملكته ، وتعرض القضية على الدولة العثمانية ... وحينئذ عزم على زيارة العتبات فذهب أولا إلى النجف الأشرف لمشاهدة القبة المذهبة وكان أمر ببنائها ومنها ذهب إلى كربلاء ومن هناك كتب إلى الوزير أحمد باشا أن يرسل إليه عالما بأمل التوفيق والتأليف بين السنة والشيعة فأرسل إليه الوزير الشيخ عبد الله السويدي فحضر يوم الاربعاء 24 شوال سنة 1156 ه‍ ـ 1743 م. أوضح ذلك في كتابه (النفحة المسكية في الرحلة

    المكية). ذكر نص (محضر العلماء) لمختلف الاقطار. ونشرت المذاكرات في حديقة الزوراء وفي كتاب (الحجج القطعية لاتفاق الفرق الإسلامية) وطبعت مرارا وآخرها طبعة الأستاذ محب الدين الخطيب كما نقلت إلى اللغة التركية وطبعت ولخص الأستاذ عبد الحميد السباعي تلك المذاكرات باسم (السيوف العراقية) أملاها الشيخ محمد سعيد السويدي ابن الشيخ عبد الله السويدي سنة 1188 ه‍ ، فحكى ما جرى. وعندي مخطوطتها.
    وفي جهانگشاي نادري للأستاذ محمد مهدي منشي نادر شاه نص المحضر بالفارسية ونسخته وضعت في خزانة الإمام في النجف وأذيعت في مختلف البلدان (1).
    أبدى نادر شاه الاهتمام في اتفاق المسلمين وأن يزال ما دعا إلى الخلاف أيام الصفويين فبذل جهوده في تدوين المحضر. ونقل الأستاذ السويدي في رحلته أن نادر شاه أرسل أحد علماء كربلاء السيد نصر الله الحائري إلى مكة المكرمة ومعه كتب إلى الشريف سعود ابن الشريف سعد (2) وإلى المفتي والقاضي بأمل أن يصلي بالشيعة في ركن خاص في مكة فصار يرغّب ويرهّب فمنعه الشريف وكتب إلى الدولة بما جرى فجاء المرسوم بالقبض عليه وتسليمه إلى أمير الحاج أسعد باشا العظم (3) على أن يسجن في قلعة دمشق ، فحبس. ثم طلبته الدولة. قال : ولم أدر ما يفعل به. وفي هذا ما يوضح ما جاء في روضات الجنات (4).
    __________________
    (1) جهانكشاي نادري ص 242 وكتاب نادر شاه تأليف الدكتور لو كهارت طبعة سنة 1938 م nodnoL (.hiohS ridaN trahkcoL.L 8391)
    (2) الشريف سعد ـ مدوّن في هذا الكتاب.
    (3) هو باني الدار الأثرية المعروفة بدمشق ، وأتمها سنة 1163 ه‍ وكان أمير الحج أيام ذهاب السويدي إلى مكة المكرمة.
    (4) روضات الجنات ج 3 ص 219.

    وبهذا يظهر أن نادر شاه خالف ما جرى عليه الصلح. ولذا رفضت الدولة العثمانية أمر الصلح أو سكتت عنه واتخذت التأهبات الجديدة للحرب.
    حوادث سنة 1157 ه‍ ـ 1744 م
    شيخ زبيد (غصيبة):
    قالوا : إن غصيبة شيخ زبيد ساعد العجم أثناء حصار بغداد وأضر بالناس كثيرا فاقتضى الانتقام منه ولكن لم يتهيأ ذلك من جراء أنه لم يستقر في مكان من البادية فأرسل الوزير إليه كتابا لطف له فيه المقال وطلب إليه أن يأتي إلى الحلة بجميع فرسانه وشجعانه. ليسير مع العسكر لقتال شمّر فقدم إلى الحلة وإن الوزير سيّر كتخداه سليمان باشا مع سرية. فلما تجمّع القوم فيها قبض عليه ومن معه من أكابر العشيرة فصلبوا عند رأس الجسر وأخذت خيول الباقين ... ونظم بعض الأمور هناك ثم عاد إلى بغداد (1) ...
    هذا. ولم نجد أكبر من هذا الغدر. ولا غرابة أن تقوم العشائر تجاه هذه الأعمال القاسية ...
    قلعة الموصل :
    عمرها الوالي حسين باشا الجليلي ، ثم عمر نصف السور من الموصل.
    حوادث سنة 1158 ه‍ ـ 1745 م
    عشائر بني لام وشيخها :
    إن شيخ بني لام عبد القادر كان الوزير أقطعه قصبة السماوة ،
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 70 وحديقة الزوراء ص 206 ـ 1.

    فطفق بنو لام يعيثون هناك ، فعلم الوزير أن ذلك كان بإغراء من رئيسهم فأرسل إليه يأمره بالقدوم إليه لأجل المحاسبة عن الميري الذي أقطعه أباه ، فلما قدم إلى بغداد سجنه في القلعة مع ابنه فكان فيها أجله (1). أراد أن يسلط العشائر بعضها على بعض ... ثم خافه فقضى عليه ...
    نادر شاه والتماس الصلح :
    في عام 1157 ه‍ تجاوز نادر شاه على الحدود العثمانية من ناحية قارص لما علم من تأهبات فجرت له معارك دامية. وأن الدولة العثمانية حاولت القضاء عليه بواسطة قائدها محمد باشا الصدر الاسبق في أوائل سنة 1158 ه‍ فتوغل هذا القائد. قارع الشاه مقارعات عنيفة. ولكن لم يفلح العثمانيون. ولم تقف الدولة العثمانية عند هذا بل لم تلبث طويلا وإنما بذلت ما استطاعت للدفاع ثانية وجهّزت جيوشا أخرى من جديد وحينئذ شعر الشاه بالخطر وصار يخشى العاقبة لا سيما وأنه رأى داخليته مختلة ، وأن خطرها أعظم. وكان يتوقع في كل لحظة حدوث ما يكره لا سيما وأنه لم يجن من كل هذه الحروب العظيمة فائدة ملموسة أو عائدة مهمة (2).
    وعلى هذا كتب كتابا إلى السلطان وكتب ابن ابنه شاه رخ ميرزا (اعتماد دولته) كتابا إلى الصدر الأعظم. وكذا رئيس علمائه ملا علي أكبر كتب إلى شيخ الإسلام. أرسلوا هذه الكتب مع أحد متميزي رجالهم (فتح علي بك التركمان) ليكون سفيرا فذهب من طريق بغداد إلى استنبول. وكتب كتابا إلى احمد باشا ليتوسط في الأمر ويبين رغبة الشاه وملتمسه ...
    __________________
    (1) حديقة الزوراء ص 206 ـ 2.
    (2) تاريخ ايران : عباس برويز ص 76.

    ورد السفير إلى بغداد فأخره الوزير عنده وأرسل صور الكتب مع ترجماتها إلى السلطان. فعاد إليه الجواب بلزوم تأخير السفير مدة في بغداد. أخر السفير خمسة أشهر ثم سيّره إلى استنبول بإشارة من دولته. وكان ذلك بأمل استكمال القوى ثم المفاوضة في الصلح ...
    ونصوص هذه الكتب في دوحة الوزراء. وتوضح أنه عدل عن المطالبة بالاعتراف بالمذهب الجعفري وبالركن الخامس في البيت الحرام ، ولا مانع أن يؤدي الشيعة صلاتهم مع أهل السنة ، نظرا إلى أن مذهبهم يعتقد بأحقية الخلفاء الراشدين ويمنع من قبول البدع ... ورجا أن تدوم الألفة وينقطع النزاع وذلك بترك آذربيجان لإيران ، والعراق للدولة العثمانية (1) ...
    حوادث سنة 1159 ه‍ ـ 1746 م
    قبول مفاوضة الصلح مع نادر شاه :
    ورد خبر في قبول المذاكرة في أمر الصلح وجاء إلى بغداد نظيف مصطفى أحد كتاب الديوان الهمايوني حاملا كتابا بنصبه مرخصا وبصحبته سفير الشاه فتح علي بكل التركمان. وأن الوزير بعث معهما ولي أفندي كاتب ديوانه فذهبوا إلى ايران. ولما وصلوا إلى موقع بين قزوين وطهران وجدوا فيلق الشاه فأمر بعقد الصلح. وتم ما يقتضي بسرعة (2). وعاد نظيف مصطفى مع ولي أفندي إلى بغداد ومعهما مرخص الشاه محمد حسين بك.
    وفي الأثناء ورد من ايران السفير الكبير مصطفى خان شاملو ومعه هدايا عظيمة للسلطان وكذا ورد خليفة الخلفاء السفير الثاني محمد مهدي
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 70 ـ 87 وبعض هذه الكتب في جهانكشاي نادري ص 256.
    (2) المذاكرات في الصلح مفصلة في دوحة الوزراء.

    خان رئيس الديوان فذهب الكل معا في 4 شوال إلى استنبول.
    وابتنى هذا الصلح على أن يتوقى الجانبان مما يمس بكرامتهما أو أحدهما ، وأن يحمى الحجاج الايرانيون ويعاملوا كحجاج الروم ، وأن يعتنى بإيصالهم إلى مأمنهم سالمين ، وأن يعين سفراء من الجانبين لتأمين هذا الصلح وإشاعته. وأن يبدل السفراء في كل ثلاث سنوات مرة وأن يطلق أسرى الطرفين ، وأن لا يباع أحد منهم ولا يكره على البقاء من أراد الذهاب إلى وطنه وأن يكون الصلح على ما كان عليه أيام السلطان مراد الرابع وكذا الحدود وأن يلتزم محافظو الثغور الاصول القديمة فيحترسوا من الحركات المغايرة لشروط المسالمة ... كما أن الايرانيين تركوا الأحوال المحدثة أيام الصفويين مما لا يليق من سبّ وتشنيع ، وصاروا يطرون الخلفاء الراشدين بخير كسائر المسلمين ، وأن لا يطالب أحد باسم وقفة (رسوم الجواز) ، وأن يكون تجار الطرفين آمنين لا تؤخذ منهم مكوس زائدة ، ولا من الزوار. ومن تاريخ هذه المعاهدة لا تجوز حماية من فر من الجانبين ، وأن يسلم إلى دولته عند الطلب (1).
    صيد ـ شمر :
    في هذه السنة خرج الوزير كما هي عادته إلى الصيد نحو هور عقرقوف ، وكان معه أتباعه والشيخ بكر الحمام شيخ شمر ، فحصل في هذه الأثناء بعض التعدي ، فأراد أن يقبض على شيخهم ويشن الاغارة عليهم فبلغ بكرا هذا الخبر فهرب من بين العسكر ، وهذا هو شيخ زوبع من شمّر (2) ، ومن ذريته خميس الضاري الرئيس المعروف اليوم.
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 87 ـ 104 ، والتفصيل في كتاب (تاريخ العلاقات بين ايران والعراق) وتاريخ ايران لعبد الله الرازي.
    (2) حديقة الزوراء ص 209 ـ 2.

    حوادث سنة 1160 ه‍ ـ 1747 م
    تصديق المعاهدة ـ ورود السفراء :
    تم تصديق المعاهدة بين الدولتين فأعلنت للأهلين كما أرسل كل من الجانبين سفيرا يحمل معه تصديق المعاهدة. وتأييدا للألفة قدم كل واحد هدايا نفيسة للآخر مع السفراء. وكان سفير العثمانيين الوزير أحمد باشا (الكسريه لي) والي سيواس ، ومعه رجب باشا والي (خداوندگار) وهو سفير ثان وأرسل الشاه السفير الكبير مصطفى خان شاملو ومعه السفير الثاني محمد مهدي خان وهو كاتب ديوان الشاه ومؤلف تاريخ (جهانگشاي نادري) وكتاب (درة نادري) ، وهو ابن محمد نصير النوري المازندراني وكتبه هذه مطبوعة.
    ورد السفراء العثمانيون بغداد في 19 جمادى الأولى فأكرم الوزير مثواهم وأنزلهم في قلعة الطيور (الكرخ) ثم ذهبوا إلى ايران في 3 جمادى الثانية ، وفي الأثناء ورد سفراء ايران فالتقوا بهم في 16 من هذا الشهر في سرميل بعد أن وصلوا جبل (پاي طاق) وتجاوزوه بمسافة ثلاث ساعات ونصف ، فاتخذ الوزير مراسم التكريم والاعزاز وفي 21 منه نزلوا أمام قلعة بغداد فاستراحوا ثمانية أيام ثم ذهبوا إلى العتبات للزيارة بأمل أن يذهبوا إلى استنبول.
    أما السفير العثماني فإنه لم يكتم الوزير أحمد باشا والي بغداد ما جرى. أطلعه على الكتب المرسلة من حكومته (1) ...
    اغتيال نادر شاه :
    إن الشاه لم يستقر في وقت من حين نهضته إلى تاريخ وفاته. فهو
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 104 ـ 108.

    في جدال عنيف وحروب متمادية فالكل في خوف عظيم منه.
    وفي أواخر أيامه ركن إلى السلم وعقد معاهدة مع العثمانيين. وكانوا وقفوا سدا عظيما دون آماله وجل ما حصل عليه أن أعاد إلى ايران حدودها القديمة قبل حرب الافغان وأيام السلطان مراد الرابع ، وحينئذ أدرك لزوم تنظيم الداخل وحسن ادارته. واتخاذ الدواء الناجع.
    هذا الشاه فاتح عظيم اكتسب حب الشعب بإقدامه وبسالته وحسن ادارته وسياسته. فكانت أوائل أيامه زمن بطولة وشجاعة وتخليد ذكرى فهو منقذ عظيم للأمة الايرانية مما انتابها من آلام وحاق بها من مخاطر ومصائب.
    ومن ثم اضطر بسبب الفتوح إلى مراعاة السياسة العامة فاشتد كره الأهلين له. بدأ ذلك من تاريخ اعلان سلطنته وتعيين نهجه في صحراء مغان لا سيما أنه لم يكن من الأسرة المالكة. شعر منهم بوحشة ورآهم في صدود عنه مقسورين على الطاعة فلم يستطع أن يستهويهم لجانبه بل لم يدركوا آماله فكان ذلك من أكبر مولدات النفرة. اتخذ الوسائل الممكنة فلم تنجع بل قوي التشنيع عليه. ولعل هذا ما دعاه إلى الصلح حذر الغوائل فأنجزه بسرعة للقضاء على البقية الباقية من الصفويين. وأن يؤسس حكومة تبقى له ولأعقابه بعد تأمين أوضاع الجوار.
    فالشاه صار في شك من أمنه بل في حذر منها. فجعل غالب جيشه من الاوزبك ، والقاجار ، والأفغان. وهؤلاء يوضحون الغرض الذي هو نصب عينيه. فالواهمة استولت عليه ورأى الكل في نضال معه. يخشى ثورتهم ، فاتخذ جيشه من غيرهم ولم يكن ذلك استفادة من خشونة هذه الأقوام وعدم قابلية أهل المدن في تعودهم على الحروب ... وهذا الاحتراس زاد في النفرة أكثر وإن كان اطمأن به وقوي نوعا. فهذا الرجل العظيم راعى جميع الوسائل للاحتراس

    والحيطة فلم يقصّر في تدبير لكن ارادة الله غالبة.
    ومن جهة أخرى إن الشاه لم يقف عند حدود ذلك التدبير ، وإنما رأى أشراف ايران وأكابر أغنيائها العضد الوحيد في توليد الاضطراب والثورة فاختط خطة تدميرهم الواحد بعد الآخر لأدنى سبب أو بلا سبب وانتهب أموال الاغنياء بحيث صاروا لا يملكون شروى نقير كما أنه قتّل فيهم ونكّل وأقصى ... وهكذا فعل ..
    ظهرت المعارضات له من كثيرين شرعوا في التمرد عليه. ويئسوا من حالتهم فخافوا بطشه وطال لسانهم وفي الخفاء شرارة تذكو وتلتهب ، فتعاهدوا على قتله. فكانوا يترقبون الفرصة ويتطلبون الوقت الموعود. وشعر بالخطر ، فاتخذ التدابير.
    أقدم أمراء العجم على قتله قبل أن يقضي عليهم. نالهم اليأس فاستحقروا الحياة.
    وفي ليلة 11 جمادى الثانية (1) غدروا به في ساعة نومه وقتلوه ثم حزوا رأسه وأخذوا ما لديه من المجوهرات والنفائس وأرسلوها إلى علي قولي خان.
    وفي اليوم التالي شاع خبر وفاته فانفصل جيش الافغان والاوزبك عن عسكر العجم. حدث قتال بينهما فانسحب الاوزبك والأفغان وانتهبوا ما تمكنوا عليه من دواب ومواش وسلكوا طريق المشهد ، وإن عساكر العجم استولوا على خزانته وقوضوا الخيام وتوجهوا نحو علي قولي خان.
    وفي هذا اليوم قتل العسكر (نظر علي خان) من كبار رجال الشاه وانتبهوا أموال كل من (معير خان) و(ملا باشي) اللذين لاذا بالفرار بأنفسهما.
    __________________
    (1) تاريخ الزندية ـ عبد الكريم علي ضياء الشيرازي ص 2 وتواريخ عديدة.

    ثم إن مهر دار الشاه أركب حرمه الخيل ووضع جسد نادر شاه على بعير وتوجه إلى المشهد وفي الطريق ظهرت عليهم طائفة من الأكراد فهجموا عليهم. وفي أثناء المحاربة ألقي جسده في الوادي ووضع عليه التراب وأخفي ...
    ثم حدثت فتن في كل انحاء ايران واشتعلت نيرانها فلا تسمع غير الغارة والنهب وأنواع المفاسد. وصار كل يدعي السلطنة ويحاول اغتنام الفرصة.
    ومن ثم طويت صفحة حياة هذا الشاه العظيم الذي أحدث دويا فذاعت أخباره في الشرق والغرب. وتناول بحثه المؤرخون في العالم للاستفادة من معين هذه العظمة وهذا النبوغ. وكل ما يقال فيه إنه اخترمته المنية قبل تنظيم الداخل وتمكين ادارته فحرمت ايران من هذه النتائج وكانت في أشد الحاجة إليها.
    سفير الدولة العثمانية :
    أما السفير أحمد باشا الكسريه لي فإنه وصل إلى همذان فحدثت الحادثة ومن ثم تواترت الأخبار الموحشة فخرج الأهلون في همذان عن الطاعة وتحاربوا مع الاوزبك والأفغان فصارت قضية السفارة مستحيلة ...
    رأى السفير أن لا مجال للبقاء وأنه في خطر عظيم كما أن العودة لا تتيسر. وبعد المشاورة مع من معه عزموا على الذهاب إلى بغداد من طريق سنة (سنندج) فعادوا ومعهم الهدايا محروسة بالجيش فتجشموا الاخطار فوصلوا إلى (سنة) سالمين وكانت إذ ذاك من أملاك الدولة. وفي اواسط شعبان وصل السفير إلى بغداد.
    وفي حديقة الزوراء ، كانت معه هدايا عظيمة من جملتها نحو

    المائة حصان برخوتها وحليّها (1).
    سفير ايران :
    ثم إن سفير ايران مصطفى خان بعد أن عاد من زيارة العتبات توالت الأخبار عما وقع في ايران فعرض الوزير أحمد باشا الأمر لدولته بما وصلت إليه الحالة فأمرت بتأخير هدايا الطرفين في بغداد إلى أن يتبين الشاه. وبقي مصطفى خان ينتظر ما سيتم.
    وكان من جملة هدايا نادر شاه إلى السلطان فيلان يجيدان المصارعة واللعب العجيب ، وخيمة من الديباج محبّرة بالذهب. بعض اعمدتها فضة ، وبعضها ذهب وأوتادها فضة وأطنابها من الابريسم المطعم بالذهب وطرازها محبوك باللؤلؤ الجيّد. ومن بين الهدايا المرسلة عرش الشاه. كان جلس عليه يوم مذاكرات الصلح فأمر أن يقدم إلى السلطان. أبدى ذلك معير خان للسفير العثماني (2).
    تزوج عائشة خانم :
    رأى الوزير أن أحمد آغا مستكمل المزايا وقام بخدمات مهمة ولذا زوجه ببنته عائشة خاتون المستجمعة لصفات الكمال والأدب فهي درة زاهرة ، وجوهرة باهرة. كذا نعتها صاحب الحديقة. ومثله أو قريب منه في دوحة الوزراء (3).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 103 ـ 112 وحديقة الزوراء ص 213.
    (2) دوحة الوزراء ص 103 ـ 112 وحديقة الزوراء ص 212 وتاريخ العراق بين احتلالين ج 3 وتخت السلطنة المهدى إلى السلطان مرصع باللآلىء وكان من عمل الهند ذكره صاحب جهانكشاي نادري ص 259. وفي دوحة الوزراء تفصيل المذاكرات. وجاء صك المعاهدة في ص 91 من الدوحة. وفي كتاب (معاهدات مجموعة سي) ج 2 ص 315.
    (3) حديقة الزوراء ص 211 ـ 1 ودوحة الوزراء ص 112.

    وفي تاريخ نشاطي في 2 ربيع الأول جرى العقد ، وفي 12 منه وقع الزفاف وأرخ بقصيدة تركية كما أن عبد الرحمن السويدي قال قصيدة فيها تاريخ الزواج.
    وجاء في كتاب عنوان الشرف أن عبد الله باشا والي بغداد تزوجها بعد وفاة زوجها المذكور (1).
    أكراد العمادية :
    ثم علم الوزير أن أكراد العمادية وعشائرها صاروا يقطعون الطرق ويعيثون بالأمن. فأرسل الكتخدا سليمان باشا لتأديبهم (2).
    سليم باشا بابان :
    قالوا : إن متصرف بابان سليم باشا تابع الايرانيين مدة. وبعد وفاة نادر شاه راسل العجم وطلب منهم قوة لضبط بغداد. وأسس معهم مناسبات فعزم على تأديبه بنفسه قطعا لغائلة الشقاق. فرتب جنوده وسار إليه. وكذا أرسل أمرا إلى الكتخدا سليمان باشا أن يتحرك إلى الوجهة التي قصدها وأن يجتمعوا هناك.
    سار الوزير وفي اليوم الخامس من حركته ورد إليه والي كركوك مرتضى باشا ثم وصل إلى (حسن دبه). ومنها إلى (تابين) ، حتى ورد (قمچوقة) ، ولما كان سليم باشا لا قدرة له على المقاومة فرّ مع أخيه (شيربك) إلى رؤوس الجبال أقام سليم باشا في حصن سروچك (سروجق) وشيربك التجأ إلى حصن قمچوقة. فأول عمل قام به الوزير أنه هاجم حصن قمچوقة فأحاط به من كل صوب فقتل من قتل وأسر من
    __________________
    (1) عنوان الشرف. تأليف ياسين العمري. لا يزال مخطوطا منه نسخة بخط مؤلفه لدى الأستاذ المرحوم أحمد ناظم العمري. وفيها بعض النقص.
    (2) حديقة الزوراء ص 212 ـ 2 ودوحة الوزراء ص 112.

    أسر ولم ينج شير بك إلا بشق الأنفس. وفي اليوم التالي شوهد أن لم يبق أثر لهم ، فاستولى الوالي على الحصن.
    وعن هذا الانتصار كتب عبد الله الشاوي من الأعيان وكان مصاحبا للوزير يخبر أهل بغداد بهذا النصر.
    وللشيخ عبد الرحمن السويدي قصيدة في هذه الوقعة تاريخها سنة 1160 ه‍ (1).
    ثم إن الجيش توجه نحو سروچك على سليم باشا فوصل إلى كيچينه ، وبعدها سوسة ، وبعدها (دپه رش) ، ثم (سرچنار) ، وهناك حدث ريح زعزع. ومنها وافوا (دپه كل) ، ثم (بستانسور) ومنها مضوا إلى (سروچك) وحينئذ حاصروا سليم باشا ولكن هذا الموقع كان رديء الهواء والماء. مرض فيه أكثر أفراد الجيش. ومات منهم مقدار كبير. وإن المرض سرى إلى الوزير فانحرف مزاجه.
    وفي هذه الأثناء لم ير سليم باشا بدا من الطاعة والانقياد فأرسل ابنه إلى الوزير وتعهد بالخدمة الكاملة ونظرا لمرضه قبل منه ذلك وعفا عنه ... فاضطر إلى العودة (2).
    وجاء في تاريخ نشاطي أن الوزير مضى إلى (سروچك) ، فاتخذ المتاريس وحاصرها من جميع أطرافها. أمهل أهليها يومين بالتسليم فورد الجواب مع والدة سليم باشا ، فتقدم الفيلق ، وبقي الخازن وبعض الأتباع في (بستانسور) ، وأمر الوالي أن يمضوا بالحرم ومعها أحمد آغا صهر الوزير ، فجاؤوا إلى سراي خالد باشا في محل يدعى (سيد صادق) ، وذهب الجيش لجهة القلعة. وكان هذا المحل رديء الهواء أكثر من
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 112 وتاريخ نشاطي وحديقة الزوراء ص 214 ـ 2.
    (2) دوحة الوزراء ص 113 وحديقة الزوراء ص 213.

    شهرزور ولا يقيم فيه الأكراد إلا صيفا أو خريفا ، وإن أمراء بابان يتصيدون فيه. فالسراي عمل لهذا الغرض.
    ولما وصل الوالي طلبوا منه الأمان ، وأرسلوا أمهم إلى الوزير لهذا الغرض. واعتقد الوزير أن هؤلاء لا يفيد معهم الأمان ، فاتخذ التدابير الحربية ، وأحاط بالقلعة في جيشه ببنادقهم ومدافعهم ، وكان كتخدا البوابين حسين آغا توسط بأمر العفو ، فقبل طلب والدة سليم باشا. فعفا الوزير ، ورفع الحصار عن (سروچك). وفي اليوم التالي سار الوالي إلى محل سيد صادق ومنه إلى (بستانسور) ، فأقام الجيش يوما واحدا ثم عاد الوزير إلى بغداد ، فوصل إلى (گوز قلعة). وفي هذا المحل أذن لمرتضى باشا أن يذهب إلى كركوك محل وظيفته ، ونصب سليمان باشا آل خالد باشا على بابان ، وعثمان باشا على كوى ، وقوج باشا على إربل ، ومنح محمد بك (قراطاغ) ، وعبد الله بك (درنه) ...
    وفي الجيش ظهرت علامات المرض. وفي 3 شوال وافى محل (زادشت) ، ثم
    (عباسان) فأصيب الوالي بالمرض. وقطعوا مراحل. وفي 11 شوال وصل إلى (زنگباد) ، وفي 12 منه جاؤوا (قره تبه) ، ومنها إلى (نارين) (1).
    وفاة الوزير :
    وفي طريقه توفي الوزير في (دلي عباس) المسماة الآن (ناحية المنصورية) قرب القنطرة يوم الخميس 14 شوال سنة 1160 ه‍ (2). قالوا : فعم الأهلين حزن عظيم وأذرفوا عليه الدمع الغزير ... فدفن في مقبرة
    __________________
    (1) تاريخ نشاطي وفيه سعة.
    (2) بهجة الإخوان في ذكر الوزير سليمان. عندي نسخته المصورة من المتحفة البريطانية.

    الإمام الأعظم قرب مرقد والده يوم الجمعة 15 شوال.
    إن وزارته وحكومته بلغتا نحو الثلاثين عاما. وفي تاريخ نشاطي أنه بلغ 64 عاما.
    وذكر قصيدة تركية بوفاته من نظم نشاطي وهو كاتب الديوان السيد عبدالله الفخري.
    ويحكى عن نادر شاه أنه قال فيه : انسان كامل من أصحاب العقل والدراية ، كان يحذر حكومته مني كما أنه يخوفني بها. وبهذه الطريقة مضّى أوقات راحة (1). ولا شك أنه سيبقى ذكره خالدا ما بقي تاريخ نادر شاه ...
    استفاد من الوضع كثيرا فعاد إلى بغداد ولم يعوّل على قوة المماليك وحدها بل إن خذلان من جاء بعده كان من أسباب عودته تغلبوا فلم يقدر الولاة على ردعهم فكان هو الدواء الشافي. يطيعونه ولا يعصون له أمرا.
    وكان قاسيا على العشائر العربية والكردية وبهذه تمكن من إدارة حكومته. أطاعهم بالقسر والارهاق استخدم الكرد على العرب والعرب على الكرد فجعل الإدارة خالصة له.
    وللسيد عبد الله أمين الفتوى ببغداد قصائد عديدة في ذكر وقائعه. وكان للسيد عبد الله الفخري (2) وللسويديين قصائد كثيرة فيه ، ومنها ما جاء في مجموعة الفخري ، ومنها في المجموعات الأخرى وفي الحديقة.
    __________________
    (1) نتائج الوقوعات.
    (2) هو المعروف بشعره التركي بنشاطي ، وتاريخه سمي ب (تاريخ نشاطي). ويعد من خير التواريخ في تفصيله إلا أننا لم نجد نسخة كاملة منه.

    ولشناسي الشاعر التركي قصيدة في مدحه مذكورة في ديوانه. ومنه نسخة خطية برقم 1786 في خزانة الآثار القديمة ببغداد. ورثاه الشيخ عبد الرحمن السويدي في قصيدة.
    بقي في بغداد مدة اكتسب خلالها خبرة من والده حسن باشا ومن تجاربه ونال ثروة ، واشترى مماليك كثيرين. استخدم من أظهر منهم كفاءة لوظائف الحكومة ، وللملحقات. فهو المؤسس لحكومة المماليك. وبعد وفاته أرسلت الدولة ولاة لم يستطيعوا البقاء في الإدارة والتمكن منها مع وجود اعوانه في حين أن الولاية كانت توجه إلى من أظهر قدرة ولياقة في مناصبه ، ففشلوا ومن ثم تولى هؤلاء المماليك ونالوا نفوذا عظيما ولم يبق للدولة العثمانية إلا الاسم وبعض الطاعة ودامت ادارتهم مدة طويلة.
    حوادث سنة 1161 ه‍ ـ 1748 م
    الصدر الأسبق الحاج أحمد باشا
    إيالة بغداد والبصرة :
    إثر وفاة أحمد باشا بقيت بغداد والبصرة شاغرتين ولما علمت الدولة بالأمر فكرت في كتخدائية سليمان باشا ومحمد باشا وقاما مع الوزير بأعمال كبيرة فأبديا قدرة لا مزيد عليها. وكذا في (بغداد والبصرة) وإنهما تقعان قرب حدود ايران ، وهما مجمع العشائر وتحتاجان إلى تدبير وإدارة. فالضرورة تدعو أن تودع أمورهما إلى من حنكته التجارب. وبهذا الاعتقاد عدلت عن الكتخدائين ووقع الاختيار على أحد وزراء الدولة الحاج أحمد باشا الصدر الأسبق والي ديار بكر فوجهت إليه إيالة بغداد. وقصدها الحقيقي أن تكون الإدارة بيدها رأسا.
    وأما البصرة فأودعت إلى أحمد باشا (الكسريه لي). وبقي ببغداد بالوجه المشروح.

    إن والي بغداد سار من ديار بكر وتوجه إليها فدخلها باحتشام وتمكن في الحكومة وزاول الأعمال ...
    ورجحته الدولة لأنها لا تريد أن تعين أحدا من الأهلين فيكون وبالا عليها لما جربت من حوادث.
    حوادث ايران وسفراؤها :
    نال (علي شاه) السلطنة بعد نادر شاه سنة 1160 ه‍ فطلب اعتراف الدولة العثمانية. فأرسل محمد عبد الكريم خان أمير كرمانشاه بكتاب إلى السلطان يلتمس فيه أن يرعاه بعين عنايته وأنه مخلص لسرير الخلافة. كما كتب اعتماد دولته أخوه إبراهيم ميرزا إلى الصدر الأعظم كتابا في نفس الموضوع وكذا كتب الملا باشي إلى المشيخة الإسلامية ومضى هذا السفير ومعه الكتب من طريق بغداد.
    ولما وردها كان الوالي الحاج أحمد باشا الصدر الأسبق فأكرم مثواه وأحسن ضيافته سوى أنه أخره وأخبر دولته كما أرسل ترجمة كتبه. ولملاحظة المصلحة من جانب الدولة لزم تأخيره لمدة ثم صدر أمر آخر بلزوم تسييره إلى استنبول فأرسل بصحبته مرافق ...
    وفي كتاب الشاه يبدي أنه تمكن من السلطة. وأنه يؤيد الصداقة راغبا في استمرار الألفة والمصافاة (1).
    شغب على الوالي :
    قالوا : كان الوزير من رجال الدولة العاملين ، وهو صاحب قدرة على إدارة الأمور ويعد من أفذاذ العصر إلا أن القطر العراقي لا يستقر على وتيرة ولا يقف عند رأي. كما أن الخشونة بادية على الأهلين. وأن الينگچرية أصحاب فظاظة.
    __________________
    (1) دوحة الوزراء 114 وفيها نص الكتاب.

    لذا يحتاج في إدارته إلى تدبير زائد وحكمة بالغة. فالصعوبة كل الصعوبة في ضبطه وسوقه إلى النظام.
    كان الواجب يقضي بوجود وزير فعال ، مدبر ، وافر الحكمة وحسن الإدارة مع الشدة والشجاعة ... وهكذا كان الوزير ولكنه تعوزه المعرفة بطبائع الأهلين. حاول أن يذعن الأهلون له فبذل أقصى جهده. فكان ذلك داعية صعوبات وفيرة فأضجر الأهلين وصاروا يتذمرون منه. ولم تمض مدة يسيرة إلا وتزايدت النفرة منه وكثر القيل والقال عليه وبدت المعارضات من كل صوب.
    أما الينگچرية فلا يطاق حالهم. ولا يستطاع الصبر على أعمالهم. وأول ما قاموا به أنهم كانت لهم مواجب في زمن أحمد باشا لمدة سنة ونصف جعلوها وسيلة المطالبة وسبب المكاشفة ...
    بين لهم الوالي أنه ليس لديه من أموال الميري ولا من الأموال الخاصة ما يؤديه فاستمهل شهرين إلى أن يكتب إلى استنبول ويأتيه الجواب. فلم يوافقوا وأصروا. ومن ثم اشتعلت نيران الفتنة. واشتبك الفريقان. وثارت البنادق والمدافع من الطرفين فحاصروا الوزير في دار الإمارة وامتد القتال من الصباح إلى المساء ...
    وعلى هذا تدخل المصلحون وتعهد الوالي أن يكتب ويأتي بالمواجب في خلال شهرين وتم الصلح فسكنت الفتنة.
    ويقال إن أصل الفتنة أن الوزير لما وصل إلى بغداد انتسب إليه بعض الأهلين فامتثل أقوالهم بأن يجروه على سنن من قبله وقالوا له إن أردت أن تحكم في الرعية فاكسر أولا شوكة الينگچرية فبدأ بهم وظهر على لسانه أنهم لا يصلحون لخدمة الدولة وبالغ في أمرهم. فلما شاهدوا افعاله وسمعوا مقاله تحرك في أصاغرهم عرق الحمية وحصل لأكابرهم من ذلك حيرة. قالوا نحن أولو قوة وبأس ومن هذا حتى

    يتربص لنا بضرر؟ ... وكأنه يريد أن يتخلق بأخلاق المرحوم أحمد باشا! ، إن لم ينزجر قطّعنا أوداجه ...! فمن يكون هذا حتى يروم هذا المرام؟ فأرسل إليهم الذبائح كما هي العادة بينهم عند ارادة الصلح فأبوا وقالوا لا بد لنا من اخراجه فعاد الحرب بينهم سجالا ثم كسرهم وفرقهم فصالحوا عن ذلة وسالموا ...!
    والظاهر أنه لم يعمل بسوى المرسوم فلم ينجح. وهنا لم يعين حزب الوالي. ثم إنهم عادوا فتعاهدوا وأقسموا أنهم لا ينفكون عن قتاله إلى أن يخرج ...
    ولذا جمع الوالي في تلك الليلة أعوانه وجعلهم في دار الحكومة وملأ جامع السراي (1) أيضا بالعسكر ليأمن الغائلة فظن أن ذلك عين الصواب.
    ثم إن الينگچرية لم يتعرضوا فلما أصبح الصباح تأهب للطوارىء فأشار عليه البعض أن يأخذ (القلعة الداخلية) بأمل أن يتسلط عليهم. أرسل مائة رجل بزيهم ليدخلوا القلعة وليقوموا بالعمل فكانت النتيجة أن عرف الغرض وغلقت أبواب القلعة وعرفت المكيدة فأطلقت في وجوههم النيران. ومن ثم ابتدأت الفتنة من جديد وعادت الحرب جذعة ...
    وحينئذ تجمع الينگچرية وأوقعوا برجال الوزير وأحرجوهم على الحصار في دار الحكومة ودام القتال ثلاثة أيام. تسلطت خلالها مدافع الينگچرية من القلعة ومن الأسواق على دار الحكومة فدمرتها.
    وحينئذ أرسل الوزير إليهم يطلب الصلح بالشروط التي يوافقون عليها فلم يقبلوا إلا أن يخرج فأعاد الرسول إليهم راضيا بالخروج
    __________________
    (1) هو جامع حسن باشا.

    فوافقوا على أن لا يخرج من ناحيتهم بل ألزموه أن يركب زورقا ويعبر إلى بستان الباشا (1) وتعهدوا أن يمر رجاله وخيله من الجسر ... عبر هو وأهله بزورق حتى وصل إلى البستان وكان فيها السفير أحمد باشا (الكسريه لي) فآواه وحرمه فاجتمعت عساكره لديه فعبر بهم من الشريعة البيضاء إلى الجانب الشرقي.
    وتأنى بعض الأيام يرجو أن يصالحوه فأبوا وأقاموا مكانه رجب باشا السفير الثاني وكتبوا ما جرى إلى الحكومة ... لترى رأيها في الأمر.
    ساعد الوزير في الوقعة الأولى كل من محمد باشا وسليمان باشا ولكنهما في الثانية حوصرا في داريهما ولم يدعهما المشاغبون أن يخرجا حتى رحل الوزير عن بغداد.
    كان يرمى بعدم المعرفة بالمحيط. والحال أنه حاول تنفيذ سياسة الدولة فلم ينجح ، وأسندوا إليه أنه تابع المغرضين ولعل المحرك له نفس المماليك. حاولوا أن يوقع بالينگچرية ليصفو لهم الجو. ومهما كان الأمر فالحكومة لا تزال بيد المماليك فأوجدوا الشغب على الينگچرية للوقيعة بهم أو بالوالي. والدولة اختارت أكابر الرجال لكن التغلب كان مكينا.
    الوزير أحمد باشا الكسريه لي :
    قام هذا الوزير أيام الفتنة بالوسائل المهمة لتسكينها وأبدى السداد والاستقامة ، فأرضى دولته. فأرادت أن تقطع دابر هذا الاضطراب باستخلاص العراق وإنقاذه من أيدي المتنفذين. ولذا وجهت إليه إيالة
    __________________
    (1) هو بستان أحمد باشا. ويعرف اليوم ببستان المتولية.

    بغداد. توقف فيها من أجل إرسال الهدايا إلى ايران. ثم عين واليا للبصرة فلم يذهب إليها لأمر اقتضى فوجهت إليه الإيالة في هذه المرة (1).
    ايالة الموصل والبصرة :
    وجهت ولاية الموصل إلى الحاج محمد باشا الصدر السابق. ومنصب البصرة إلى الوزير حسين باشا الجليلي الذي كان في الموصل (2).
    أعمال والي بغداد ووقائعه
    في هذه السنة أرسل إلى بغداد من خزانة الدولة مائة وخمسون ألف قرش نقودا وأحيلت خمسون ألف قرش من متروكات أحمد باشا الوالي المتوفى لتكميل المواجب (الرواتب) للطوائف العسكرية في بغداد عن سنتي 1159 ه‍ و1160 ه‍ فأعطوا ما يستحقونه سيّر ذلك صحبة كتخدا البوابين نعمان بك ولما وصل الفرمان جلس الحاج أحمد باشا الكسريه لي في منصبه وقام بما يقتضي من مصالح الدولة. وكان مدركا للأوضاع (3).
    ولاية البصرة توجه إلى سليمان باشا :
    في أيام وزارته هذه كتب محمود ابن الشيخ عثمان الرحبي مفتي الحلة رسالة سماها
    (بهجة الإخوان في ذكر الوزير سليمان) لخص بها الحكومات السابقة ومنها تطرق إلى ذكره. كتب عن هذه الأيام فحسب.
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 118.
    (2) كذا كذا.
    (3) كذا كذا.

    إن سليمان باشا هو صهر أحمد باشا وكتخداه تخرج على يده في الإدارة والجندية فنال رتبة (مير ميران). وكانت بعهدته آنئذ ولاية أطنة. وفي أيام أحمد باشا قام بخدمات جليلة في بغداد والبصرة فضبط الأمور وأمّن الثغور والحدود وسائر المصالح ... فمآثره جليلة وجميلة في دفع الغوائل ، ورفع الشرور ... فكان رجلا قديرا وظهرت أعماله للدولة العلية عيانا.
    يضاف إلى ذلك أن الوزير أحمد باشا كان قام بمصالح عسكرية ومقتضيات أخرى فاستدان مبالغ عظيمة لا تزال بذمته وهي (1800) كيس كما أنه صرف على السفراء للمدة التي بقوا فيها ببغداد مبلغ 48134 قرشا من الديون الأميرية بموجب الفرمان ... فتعهد سليمان باشا بدفع هذه المبالغ كلها وتسديدها من كيسه الخاص على أن يمنح الوزارة وكذا أرباب الديون التمسوا ذلك أيضا تأمينا لحقوقهم. رأت الحكومة أن لا مخرج من مأزق تأدية هذه الديون بغير هذه الطريقة وهي لا ترغب في إخراج فلس مما يدخل إليها. ولا حظت أيضا أن الاضطراب متوقع في أطراف البصرة بسبب مجاورتها لإيران لا سيما أن أكثر العشائر هناك سلك طريق الغي فلم يقدر أحد عليها سوى سليمان باشا. رأوه أهلا للقيام بأعمال كهذه ... هذا ما لاحظته الدولة وتيقنت صحته.
    وعلى هذا منح ايالة البصرة برتبة وزارة على أن يقدم الوصولات من أرباب الديون ويؤديها بتمامها فأرسل إليه فرمان الوزارة والولاية وانفصل سلفه حسين باشا الجليلي ووجهت إليه ايالة أدنة (أطنة) (1).
    عشيرة طيء :
    في هذه السنة أرسل والي الموصل محمد باشا الترياكي عسكرا
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 119 وعمدة البيان.

    لمحاربة هذه العشيرة فهربت ، ثم رجعت على الجيش ، وغنمت منهم (346) فرسا وأمتعة أخرى (1).
    حوادث ايران مع علاقات عثمانية :
    لما جلس علي شاه على سرير الحكم في ايران وصار أخوه إبراهيم ميرزا خان اعتماد دولته كان الواحد يساعد الآخر إلا أن أرباب الزيغ أفسدوا ما بينهما فحدث الخلاف حتى انجر إلى الحرب.
    هاجم علي شاه أخاه إبراهيم ميرزا بجيش قوي ولما لم يستطع مقاومته فر من وجهه فجمّع جيوشا من الأفغان والأزبك وغيرهما وأعلن سلطنته في أنحاء آذربيجان كما أنه تمكن من جلب الأمير أرسلان لجانبه وكان ممن ادعى الحكومة لنفسه فمشى على الشاه بجمع عظيم فاشتعلت نيران الحرب بينهما في صحراء بين سلطانية وزنجان ...
    وفي هذه الحرب لم يظهر الغالب من المغلوب. وبينما هم كذلك إذ مال جيش الشاه إلى الميرزا وتابعه ... فبقي الشاه وحيدا مع بعض رجاله وحاشيته فاضطر إلى الهزيمة من وجه أخيه إبراهيم ميرزا فاستولى على خيامه ومعداته وأرسل سرية لتعقيب الشاه واقتفاء أثره فقبض عليه وجيء به إلى إبراهيم ميرزا فاكتفى بسمل عينيه.
    وعلى هذا جلس على سرير السلطنة وقام بمهام الملك. ولكن الأمير أرسلان كانت له نوايا يضمرها فلم يتفق مع الشاه الجديد وابتدأت النفرة بينهما. ولذا انحاز الأمير أرسلان إلى جهة آذربيجان. وكذا الميرزا توجه إلى تبريز.
    وبهذه الصورة اشتد الخصام في انحاء تبريز وأعد كل منهما عدته
    __________________
    (1) عمدة البيان.

    للحرب منتظرا ما تأتي به الأقدار. ومن ثم التحق جيش الأمير أرسلان بجيش الميرزا وقبض على كل من أمير ارسلان وأخويه صاري خان وحسن ميرزا وأعوانهم والمتعلقين بهم فأمر بقتلهم جميعا.
    تيقن الميرزا أن لم يبق له مزاحم وصار شاها بالاستقلال. فقام بما يقتضي من لوازم الملك وكاتب الأطراف لجلب الايرانيين له وأخذ يخطب ودهم ...
    وفي هذه الأثناء نهض شاه رخ ميرزا حفيد نادر شاه المتولد من بنت الشاه حسين الصفوي (ولي عهد نادر شاه) وجمع له جمعا عظيما مؤلفا من أكراد قوچان وخراسان والمواطن الأخرى فتألف لديه نحو ستين ألفا من طوائف مختلفة. جاء بهم إلى المشهد وتقلد سيف السلطنة.
    كان استولى على خزائن ايران مما كان بيد نادر شاه وملك سائر المعدات والأدوات الكثيرة فتمكن من تجهيز الجيش. فأظهر سلطنته وصار يقارع إبراهيم ميرزا.
    والحاصل أن ايران انتابتها الغوائل من كل صوب. وحاقت بها الفتن فكأنها لهيب نار.
    وقبل أن ينجلي الموقف ورد كتاب مؤرخ في شوال سنة 1161 ه‍ إلى مصطفى خان وكان أرسله نادر شاه إلى الدولة العثمانية فتوقف في بغداد ومؤداه أنه تفوق وتغلب على أخيه علي شاه فأعلن سلطنته واستقل في حكومة ايران وأنه ينهي إلى الدولة العلية اخلاصه وأنه على الصلح والمسالمة ويتوقع مكارم السلطان والتفاته الهمايوني. وذكر أنه وكل مصطفى خان لملاقاة الدولة العلية نيابة عنه.
    أما الوزير والخان فإنهما كتبا ما جرى من الحوادث بتفصيلها إلى الدولة العثمانية. وأرسل الخان الكتاب الوارد إليه بعينه وقدمه إلى

    استنبول واستأذن في القبول والمواجهة فأطلع رجال الدولة على الحالة وأبانوا أن المصالحة القديمة لا تزال مرعية وأن إجابة سؤال الخان ينافي شروطها. مما لا يسع الدولة قبوله. فلم ترخص الخان في المقابلة وأنهي إلى الوزير أن يبقى الخان في بغداد إلى انتهاء أمر الاختلال في ايران إلا أنها أمرت بتلطيف مصطفى خان والعناية به وأرسلت إليه ألفي ليرة كما أرسلت إلى رفيقه السفير الآخر محمد مهدي خان ألف ليرة من الذهب الخالص هدية لهما من الخزانة الهمايونية مع ساعة مجوهرة لكل واحد منهما.
    أما الوزير فإنه مضى بمقتضى الأمر حرفيا وأوصل إليهما الهدايا بعينها (1) ...
    الصدر الأسبق الحاج محمد باشا :
    حدث خلاف بين الجيش الأهلي وبين الطوائف العسكرية الأخرى في أمر محافظة بغداد واشتعلت الفتن لحد أنه لم يعد يسمع قول من أحد وزاد الشغب ... والسبب معروف.
    عرض الوالي الأحوال على دولته. وكانت تفكر في اختيار من يصلح لإدارة بغداد وإنقاذها مما حاق بها فوقع الاختيار على والي الموصل آنئذ الصدر الأسبق الحاج محمد باشا لما رأته فيه من مزايا. كان من الينگچرية وله وقوف على أحوال الأفراد وله مهارة في ملاطفة الموظفين ومعاملتهم بالحسنى لتمشية الأمور بالوجه المطلوب ...
    منح منصب وزارة بغداد بتاريخ 11 ذي الحجة سنة 1161 ه‍ كما أن ايالة الموصل عهدت إلى يحيى باشا والي (روم ايلي) (2) فكتب إلى
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 120.
    (2) في تاريخ عزي أن إيالة ديار بكر وجهت إلى يحيى باشا الذي وجهت إليه قبل أيام إيالة الموصل ص 88 ـ 1.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي   تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 7:02 am

    والي بغداد الحاج أحمد باشا الكسريه لي أن يسلم ادارة بغداد ويتوجه إلى الاناضول ليأتيه الفرمان بوظيفته الجديدة.
    وعليه امتثل الحاج محمد باشا الصدر الأسبق وتوجه إلى بغداد ليتسلم أعباء حكومته فوصل في أوائل سنة 1162 ه‍ وزاول مهام الأمور.
    وفاة الحاج أحمد باشا الكسريه لي :
    إن الدولة عهدت إليه بإيالة مرعش ورد الفرمان إليه وهو لا يزال في بغداد وحينئذ سلم جميع الودائع والأوراق والهدايا التي كانت أرسلت إلى نادر شاه بمحضر من العلماء والأعيان والأكابر ووضعت في المحل المعد لها وسجلت في دفاتر خاصة بمرأى من الدفتري على وجه المفردات وحفظت ...
    ولم تمض مدة حتى مرض الوزير فوافاه الأجل المحتوم (1).
    حياة هذا الوزير :
    ورد خبر وفاته إلى استنبول في 13 جمادى الأولى لمرض اعتراه. وكان سفير الدولة إلى نادر شاه. ولد في (روم ايلي) في مدينة كسريه ثم ولي مناصب عديدة منها أمانة العاصمة وغيرها ، فشوهد منه كل إقدام وإخلاص.
    وفي سنة 1157 ه‍ صار دفتريا للفيلق في أنحاء قارص. وهكذا حتى عهد إليه بمنصب الوزارة في سيواس. وفي أول المحرم من سنة 1160 ه‍ صار سفيرا إلى ايران فورد بغداد ومنها ذهب إلى الشاه فجرى ما جرى. دفن في مقبرة الإمام الأعظم ...
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 121.

    وللمترجم أعمال خيرية (1).
    مشادة بين الوزيرين :
    إن الوزير محمد باشا ورد بغداد فرأى أن والي البصرة سليمان باشا لم يذهب. والسبب معلوم فاجتمع به وعلم نواياه وما يدعو إليه فصار كل منهما يسعى أن ينال المنصبين معا. أشيع ذلك على لسان أعوان سليمان باشا ، في كتاباته على الوزير محمد باشا ...
    حصلت المشادة وأكثر الدعايات كانت من طريق أعوان سليمان باشا وفي الحقيقة إن سليمان باشا كان يهيىء لنفسه الفكرة ويدعو ويشاغب على وزير بغداد فيجتمع بالأعيان ورجال الإدارة ويغريهم عليه. وكلهم آنئذ من الدعاة له ...
    سفر الوزير سليمان باشا إلى البصرة :
    ومهما كان الأمر توجه سليمان باشا إلى البصرة وترك بغداد بأمل العودة ... ولما وصل كتب إلى دولته كتابا أنه وصل إليها في غرة ربيع الأول بيّن فيه أنه ساهر على مصلحة الدولة ، ومراع رغباتها. وفيه ترشيح ضمنا لنفسه لوزارة بغداد. قال :
    إن عشائر المنتفق اغتنمت فرصة وفاة الوالي أحمد باشا فخرجت عن الطاعة وعاثت بالأمن. واختارت الشيخ بندرا أميرا لها ، واتفقت مع عشائر بني لام ، وعشائر الحويزة والمعادي (المعدان) ممن يسكن الأهوار ، فتجمعت في القرنة وأعلنت العصيان فاضطرب حبل الأمن وقام الوزير من بغداد فنازع هؤلاء قاصدا (البصرة) ولما ورد الحسكة جاءه محضر من العلماء والصلحاء وسائر الأهلين يشعر أن الشيخ بندرا
    __________________
    (1) تاريخ عزي ص 203 ـ 1 وفيه تفصيل.

    أضر بالأنحاء المذكورة وأنهم حينما سمعوا بتوجه الوزير إليهم بادروا في البيان وأبدوا أنهم حاضرون للمعاونة والقيام معه ... فبقي فيها بضعة أيام نظم خلالها الأمور وقضى بعض اللوازم ثم تحرك متوجها نحو جمع العصاة لمقابلتهم ولكنهم لم يستطيعوا البقاء ولا المقاومة فتشتتوا. فروا إلى الصحارى والبوادي النائية وتمزق عقد جمعهم ... والباقون هربوا في الأهوار والتجأوا إلى الشيخ منها العثمان. وهذا اتفق مع المعادي (المعدان). ولما وصل العرجة نظم الجيش ثم عبر (الفرات) (1). وحينئذ هاجم (هور بني مالك) وفيه الشيخ مهنا مع العشائر. وكانوا تحصنوا في آجام القصب من أنحاء الهور. دامت الحرب نحو أربع ساعات. ومن ثم ضبط مكمنهم فانكسروا وفروا لا يلوون على شيء وقتل منهم ما يتجاوز الألف بينهم برهام وابنه كلب علي وأربعة آخرون من الرؤساء ونهب ما عندهم من مواش فقضى على العصيان في أنحاء البصرة كما أخمد غائلة بني كعب ورئيسهم مسطور الكعبي ، كان هاجمهم الجيش وقتل منهم نحو 25 من مشاهير رجالهم وأحرقت سفنهم ... ولم يكن آنئذ في طاعة الحكومة سوى عشيرة الدواسر وهم في ثغر البحر ... ومن ثم اطمأن الناس وزال الخوف. وصار الذهاب والإياب من البصرة وإليها برا وبحرا أمينا.
    ولما وصل الخبر إلى الدولة شكرت سعيه وأكدت عليه لزوم إتمام العمل بإنهاء الاضطرابات وحراسة الوضع بالقضاء على أهل الزيغ (2) ...
    اتخذ هذا الوزير كافة الوسائل لينال رضا الدولة تمهيدا لمطلوبه. هذا ولا ندري محل هذه الوقائع من الصحة بل الشبهة كل الشبهة في
    __________________
    (1) يسميه الترك (نهر مراد) وهكذا دعاه سليمان باشا فخاطبهم بما يعلمون.
    (2) تاريخ عزي ص 198 ـ 1.

    صحتها ... وإنما أراد أن يظهر بمظهر العظمة والقدرة.
    وقائع جديدة :
    قالوا : إن الوزير سليمان باشا بذل كل مجهوداته لتنظيم البصرة ، ومراعاة وسائل راحتها وجذبها إليه ... فأبدى :
    أن البصرة اصابها القحط ولا يتيسر له البقاء فيها بحاشيته ولو نداته فاضطر أن يخرج منها. فأول هذا بالقيام على وزير بغداد فأشاع والي البصرة أنه رأى لزوم تأديب بعض العشائر والتنكيل بهم لتمردهم فأعلم الوزير محمد باشا بذلك فلم يرق له ذلك لعلمه أنه ينوي ترتيب الجيش وتمرينه واستهواء العشائر لجانبه. صار يخشى مما وراء ذلك. يقصد غير ما أظهر.
    لذا حمل الوزير محمد باشا القضية على غير شكلها الظاهري فقدم إلى دولته شكواه منه ، وأبدى الخطر الذي سيحيق فيما إذا تغافلت عنه. ولكن سليمان باشا أظهر اخلاصه ، وأنه العبد المطيع وأن معارضة محمد باشا كانت لأمل منه. أما الدولة فإنها رأت ميلا لاحتمال أن ما عرضه محمد باشا صحيح منه.
    وفي هذه الأيام اختلت أمور ايران ، وزادت الاضطرابات فيها. فكانت الدولة تحذر من وقوع حوادث فاحتاطت وأعطت الاحتمالات حقها من الاهتمام ...
    كانت تخشى من حركة سليمان باشا وتخاف أن يحدث لها مشكلة بل عدت ذلك منه عين المشكلة. وحينئذ راعت الحكمة في خطتها ، وقررت لزوم نصحه وإقناعه بالحسنى فإذا لم تجد النصائح نفعا فلا ترى بدا من دفع غائلته بالقوة ، وأوعز إلى محمد باشا بذلك وأكد له في الأمر.

    ولم تكتف الدولة بهذه التدابير. وإنما احتاطت أكثر والتزمت سبيل الحزم فأرسلت والي سيواس الوزير محمد باشا الزازه لجهة بغداد ونصبته قائدا عاما وعينت ولاة حلب والرقة وديار بكر والموصل وأمراء الأكراد والعشائر وأمير ماردين ونبه الوزير ابراهيم باشا والي مرعش بصورة خاصة بحاشيته وزعماء الإيالة وأرباب التيمار أن يذهبوا على العجلة إلى بغداد لمحافظتها.
    ولما علم الوزير سليمان باشا باهتمام الدولة بشأنه وتيقن بجميع ما كتبه محمد باشا عنه عرض لدولته الحالة وبين أنه المحق. فإن الغلاء استولى على البصرة فاضطر إلى الخروج وأنه لا يصح بوجه أن يقوم على دولته فيكفر نعمتها. وأن محمد باشا تجاوز عليه في الكتابة وحاول إسقاطه فصور سليمان باشا الوقعة بشكل مرض وأبدى أنه عند الاقتضاء يأتي بنفسه ليقابل جلالة السلطان لإيراد ما يبرىء ساحته مما عزي إليه.
    وحينئذ أرادت الدولة أن تثبت من أقوال الاثنين وتقف على ماهية القضية فأرسلت مصطفى بك الميراخور على جناح السرعة فاكتشف الحالة واطلع على مجاري الأحوال وعرف أن ما كتب على سليمان باشا لا أصل له ، وظهر له صدق القول من سليمان باشا وسداد رأيه وإخلاصه لدولته فأخبرها بواقع الحال. والصحيح أن سليمان باشا لم يدع وسيلة موصلة إلى هدفه إلا فعلها. أمال مصطفى بك لجهته. ولا شك أن الذين يتحقق منهم ويستطلع آراءهم كانوا من جماعة سليمان باشا وأعوانه سواء من الموظفين أو غيرهم ، أو أنه شاهد الخطر فراعى جانب سليمان باشا ، أو أن الدولة أظهرته كذلك بعد أن عرفت حقيقة الوضع من رسولها مصطفى بك ، فصبته في هذا القالب.
    ثم إن سليمان باشا كتب إلى دولته على حدة في براءة ذمته ، وأبدى اخلاصه وخدماته ، وكذا التمس واستدعى أن تضاف إليه حكومة

    بغداد وهي بيت القصيد. وتعهد بجميع الخدمات المطلوبة منه راجيا تلبية مراده. واستخدم جماعات فقاموا بكل ما يلزم من وسائل (1).
    حرب سليمان باشا :
    قالوا : إن مصطفى بك الميراخور برأ ساحة سليمان باشا مما نسب إليه وخطأ الوالي محمد باشا. شاع خبر ذلك فعلم محمد باشا بالأمر فبقي في اضطراب وحاول الخروج من هذا المأزق الحرج فلاحظ أن كتاب مصطفى بك لو وصل قبل أن يقهر سليمان باشا لكان من المحقق أن يتغير رأي الدولة فيه. فتغير السلطان عليه فعزله ووجه الولاية إلى سليمان باشا فجهز كتخداه محمد باشا بكافة جيوشه قبل أن ينتظر ورود القوى إليه. جعله قائدا وسيره إلى سليمان باشا للوقيعة به ... فكانت هذه الحركة خلاف رغبة السلطان. وكان قصده كسر جيش سليمان باشا والانتصار عليه. فتقدم الجيش والتقى الفريقان في محل قريب من الحلة إلا أن سليمان باشا تمكن من اتخاذ بعض التدابير الناجعة فمال إليه فريق من اللوند ومن الصنوف الأخرى من جيش محمد باشا ...
    هاجم البقية الباقية وحمل عليها حملة صادقة فتيسر له التغلب. وانتصر انتصارا باهرا ...
    وحينما تحرك من الحسكة وتوجه إلى الانحاء الأخرى كان ضابط الحسكة آنئذ علي آغا (2) فاستصحبه معه ووجه إليه منصب الكتخدائية ، وسيره أمامه لإجراء بعض المصالح في الحلة ، وكان الكتخدا محمد باشا مع جيشه في الحلة فاتخذوا ذلك فرصة وألقوا القبض فأرسله القائد إلى بغداد. فلما وصل حبسه الوالي.
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 123.
    (2) هذا هو علي باشا الوزير الذي خلف سليمان باشا.

    سمع سليمان باشا بذلك فغضب كثيرا لما أصاب (علي آغا). وحين انتصاره في وقعته الأخيرة أسر الكتخدا المذكور مع الخازن (الخزبندار).
    وحينئذ سيرهما إلى والي بغداد وقال لهما : خبرا وزير كما أن القبض يكون هكذا. وأن المهارة في هذه لا فيما فعل.
    أرسلهما إلى محمد باشا الوالي. وتقدم هو بانتصار وأبهة إلى قرب الكاظمية إلى المحل المعروف ب (الشريعة البيضاء) (1) وأبدى شوكة.
    ولم يكتف بذلك بل عرض القضية على دولته. وصار ينتظر التوجيهات السنية إليه. أراد أن يعلمها بأنه قهر القوة قبل أن يأتي المدد وكأنه قال : ارضخوا للأمر الواقع واقبلوا. وأنا مطيع فلم تر الدولة بدا من الموافقة طوعا أو كرها ... ومن ثم أبدت الموافقة ، وجهت التبعية على الوزير السابق وقالت : إن الميراخور قال : الحق مع سليمان باشا.
    حوادث سنة 1163 ه‍ ـ 1750 م
    وزارة بغداد ـ سليمان باشا :
    إن الوقائع برهنت أن محمد باشا لم يتمكن من السيطرة على الوضع. والصحيح أن الدولة لم تنجح. انكسر جيش الكتخدا فخابت الآمال. ولما وصل كتاب سليمان باشا تحقق أن المصلحة لا تقتضي دوام المشادة. بل رأت خطر النتائج لا سيما وقد وصل سليمان باشا إلى بغداد وتأخرت القوى المساعدة. ولذا عزلت محمد باشا ووجهت ولاية بغداد إلى سليمان باشا مع ابقاء ايالة البصرة في حوزته كما كانت.
    __________________
    (1) تلفظ (الشريعة البيضة) في أراضي المشاهدة غربي الكاظمية تبعد نحو أربع ساعات للماشي. ولا تزال معروفة.

    فوجهت اللوم على الوزير محمد باشا تعبيرا لخذلانها كما أنها وجهت إلى محمد باشا مشيخة الحرم بمكة المكرمة وإيالة الجيش هناك ولواء جدة. فصدرت فرامين الاثنين بهذا الوجه. ومن ثم خرج محمد باشا من بغداد فامتنع أن يذهب إلى وظيفته الجديدة. ولذا رفعت عنه الوزارة وأمر أن يقيم في گريد وعينت له ستين ألف قرش سنويا يتقاضاها من خزانة الدولة (1) ... وبهذا انتهى هذا العهد.
    العشائر والإمارات
    ظهرت نفسيات العشائر وقواها الكامنة ، وتبين خطرها أكثر بما حدث من صلات وحوادث ماثلة للعيان تغني عن الإعادة. والإمارات مكبرة عن إدارة العشائر مثل بابان والمنتفق واليزيدية. وفي هذا الزمن تكونت امارة الجليليين في الموصل ، وأخذت قوة المماليك وإمارتهم تبدو في اواخر هذا العهد.
    ولا شك أن الحوادث كشفت عن الأوضاع. ولعل فيما عرض عن هذه الازمان كفاية. والتفصيل له محله.
    الدولة العثمانية
    (قائمة في سلاطينها)
    تعينت لنا صلات هذه الدولة بنا. وسبق ذكر السلطان مراد الرابع. وهذه قائمة بالسلاطين التالين :
    1 ـ السلطان إبراهيم بن أحمد : دام إلى 7 رجب سنة 1058 ه‍.
    2 ـ السلطان محمد الرابع ابن سابقه : إلى 2 المحرم سنة 1099 ه‍.
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 124.

    3 ـ السلطان سليمان الثاني أخو سابقه : إلى 26 رمضان سنة 1102 ه‍.
    4 ـ السلطان أحمد الثاني اخو سابقه إلى 22 جمادى الثانية سنة 1106 ه‍.
    5 ـ السلطان مصطفى الثاني ابن محمد الرابع : إلى 2 ربيع الآخر سنة 1115 ه‍.
    6 ـ السلطان أحمد الثالث أخو سابقه : خلع في 15 ربيع الأول سنة 1143 ه‍ وتوفي سنة 1149 ه‍.
    7 ـ السلطان محمود الأول ابن مصطفى الثاني إلى 27 صفر سنة 1168 ه‍.
    إدارة العراق
    إن الدولة العثمانية ربحت الحرب على ايران سنة 1048 ه‍. وهذا لم يعمر الخلل ، ولا جعل الإدارة أداة صالحة. وبعد وفاة السلطان مراد الرابع عادت الحالة إلى أسوأ مما كانت عليه قبله ، فلم تحصل توجيهات حقة في تجديد حياة الدولة.
    ولم يكن العراق بنجوة من هذا الضعف. وإنما الحروب مع ايران أدت إلى اختلال عظيم ، فاعترى هذا القطر الخراب والدمار. وليس من الصواب أن تكون ادارة الدولة معتلة ومنحلة فيبقى العراق بعيدا عن الغوائل والانحلال.
    والتشكيلات الإدارية لم تتغير إلا أن الضعف باد عليها. فالبصرة دخلت في حوزة الحكومة واستولى العراق على كرمنشاه ، وهمذان. وكانت حدود العراق ما وراء درتنك (حلوان) و(الايوان) تدخل فيه درنة ودرتنك وزهاو كذا الحويزة في بعض الأحيان.

    وأما الرماحية ، والمنتفق فإنها تطيع مرة وتعصي أخرى. ومثلها (شهرزور) و
    (إمارة البصرة) والمهم أن تعرف التبدلات ومرت بنا الحوادث المبصرة.
    1 ـ الولاية
    رأينا أعمال الولاة بادية للعيان ، وعرفنا ما فيهم من أوصاف وانكشف أمرهم بما حصل من مؤرخين معاصرين ووثائق وهكذا علمنا جملة من ولاة البصرة والموصل وشهرزور. والأمل أن يتجلى المبهم. والإدارة متصلة بالمركز اتصالا مكينا إلى أيام حسن باشا وأيام ابنه أحمد باشا ثم تغيرت نوعا واكتسبت نجاحا إلا أنها اضطربت بعدهما إلى آخر هذا العهد.
    2 ـ المالية
    علمنا من الوقائع ما يكشف عن المالية أكثر وعرفنا مصطلحات جديدة في الرسوم والضرائب. وعلمنا عن النقود شيئا أكثر مما زاد في المعرفة وكذا وصل إلينا عن الكمرك أو ضرائب الأموال التجارية ، والضرائب الأخرى ، والفرامين ، والعلاقات الدولية ، والمناصب المالية ما يكفي للاطلاع.
    وهذه تضاف إلى ما عرف عن الوثائق والمؤلفات في أصل الدولة وما كانت عليه وعندي وثائق ومجاميع في الضرائب مخطوطة توضح الوضع الاقتصادي والمالي وعلاقة الدولة به. والمقابلات بين ما في الدولة وبين ما دونه المؤرخون. وكلها تفيد أن العراق سار سيرة قانونية لا تختلف عما سارت عليه الدولة واقتصادياته ذات صلة بالمجاورين وغيرهم.
    ولا شك أن مراجعة ما كتبنا من الحوادث المالية يبصر بالمعرفة ،

    وفي كتاب النقود العراقية وكتاب الضرائب للأموال التجارية أوضحنا أكثر.
    والدفتريون لم يكونوا بثقافة أسلافهم. وإنما كان انحطاط المعرفة عاما. وما ذلك إلا لتدهور الإدارة بسبب الحروب والإدارة العسكرية المتمادية مما لم تدع مجالا للنظر في المالية وتنظيمها ولا توجيه الشؤون الاقتصادية واستغلالها بمقياس واسع.
    والحوادث كشفت عن بعض الضرائب الجديدة. ولما كانت الإدارة في شطر من هذا العهد ذات علاقة بالمركز فإن جباية الضرائب تغيرت كثيرا ، فعدلت الدولة فيها فجعلتها (التزاما). وتركت طريقة (الامانة) أي الجباية المباشرة. وكان ذلك سنة 1059 ه‍. وهكذا فعلت في (المقطوع). واستمرت على ذلك.
    وبهذا تطاول الموظفون والضباط وأوغلوا في الاعتداء أملا في الربح الزائد ، والاستفادة لأقصى حد ممكن. ومن جهة أخرى أثرت هذه الطريقة تأثيرا عظيما على الواردات فقللت منها ، وعادت بالخسارة على الأهلين ولم يتحاش موظف من ظلم وقسوة.
    لازمت هذه الأوضاع قلة الوارد فاضطرت قسرا إلى تنقيص في (دخل الولاة) وتقليل في المخصص لخزانة السلطان وكل هذا ذو علاقة في اختلال التشكيلات الإدارية ونطاق سلطة الحكومة فأدى إلى إلغاء بعض الألوية لأن السلطة الفعلية صارت (محدودة) جدا وهذه لها دخل في تنقيص الرواتب. فإن بابان استقلت نوعا وحاول الخزاعل التوسع والمنتفق كادوا يستقلون بالبصرة.
    ذلك مما اقتضى تحديد (حرس الوالي) وإلغاء ما يسمى (عوائد المطبخ) وتقليل (القلمية) أو (مصاريف الديوان) ، وكذا التعديل في العوائد الأخرى. وهكذا تنقيص مخصصات الدفتريين. وكانت تبلغ أكثر

    من مائة كيس. تستوفى من (الساليانة) وهكذا العوائد التي تؤخذ لعلوفة بعض صنوف الجيش. ولعل ما مر بيانه يبصر بالحالة.
    فعلت الدولة ذلك حذرا أن يؤدي التضييق إلى حوادث أمثال حادثة بكر صوباشي وعوضت ذلك ببيع الأراضي الأميرية وبتدابير أخرى نتيجة تداخل السنين المالية بالهجرية.
    وفي ولاية حسن باشا وابنه تغيرت الحالة. للقدرة والتسلط ، واستحصال الضرائب ... أو سلب ممتلكات العشائر بغزو متواصل. وبذلك زادت واردات الدولة وتوسعت أمورها. وإن الاضطراب أيام الوزراء التالين لم يغير في الأوضاع ، ولم يهدم ما جرى العمل به في أيامهما.
    ومن المهم ذكره أن نقود الدولة راجت في العراق أكثر ، وضربت في بغداد نقود أيضا ، كما أن النقود الأجنبية نراها تكاثرت للعلاقة. والنقود الايرانية انتشرت بزيادة بحيث صارت تؤخذ في معاملات الدولة وتحول إلى نقودها بإعادة ضربها أو بالضرب عليها ...
    والنقود العراقية ضربت بكثرة للحاجة إليها. ومنها ما كان ضرب أيام السلطان إبراهيم سنة 1049 ه‍ وهذه عثر على دراهم منها. وهكذا توالى الضرب لما بعده وفي أيام السلطان محمد الرابع سنة 1058 ه‍ عثر على دنانير ذهبية ، ودراهم لم يظهر تاريخها. مضى من الحوادث ما يعين سعر النقود. ومن النقود ما ضرب سنة 1143 ه‍ أيام السلطان محمود الأول. وما بعد هذه السنة من دراهم مما يسمى بتلك وهو أبو خمسة قروش صحيحة. وكل هذه من ضرب بغداد.
    وفي سنة 1069 ه‍ أحدث تغير في سعر النقود. وبهذا حصل التذمر. وبسطنا القول في كتاب (النقود العراقية).

    3 ـ القضاء
    كنا أوضحنا عن القضاء في المجلد السابق. والآن يهمنا أن نذكر أنه لم يتغير في هذا العهد كثيرا. وهو من أهم عناصر الإدارة بل هو قوامها ولا شك أنه متأثر بالحوادث.
    عثرت على اعلامات كثيرة ووقفيات تدل أحيانا على اتقان وعناية فتمثل خير العهود أو تقاربها في وضعها كما توصلت إلى معرفة ثلة من هؤلاء القضاة. أوضحت في مجلة (القضاء) العراقية لسنة 1952 م. وأفردت ذلك في رسالة على حدة فلا أتوغل هنا إلا أني أقول كان أول قاض في هذا العهد (مصطفى مذكره جي زاده) وآخر قاض عرف (السيد أحمد مؤمن زاده). وجل ما علمناه أن القضاء لم يتدخل في المدارس العلمية ولا في الافتاء ، وأنه تكامل نوعا بالنظر لتوسع الثقافة وتمكنها.
    4 ـ الجيش أو الينگچرية
    أصل الوظائف العسكرية مشتقة في الغالب من خدمة السلطان فانقلبت إلى مهمة عسكرية مثل صوباشي وبستانجي وأمير آخور أو اصطبل ... وإدارة الدولة عسكرية في غالب أحوالها إلا أن الإدارة المدنية متصلة بها في المالية والقضاء والمطالب القلمية ... والاهتمام بالجيش كبير جدا. وفي أوائل هذا العهد فقد الجيش السيطرة من قواده. فتحكم آغوات الينگچرية ، فاختلت الإدارة. ولا شك أنه اعترى من الضعف والانحلال ما اعترى وأدى الأمر إلى وقائع مؤلمة. تغلب الينگچرية. فالحكم بأيديهم. ومن صنوفهم (سرد نكيچدي) ، و(ترقي) ، و(لاوند) أو (لوند) ، و(صاروجة) أو (صاريجة) ، و(اليساقچية). وهم من الينگچرية.
    مرت في حوادث سنة 1089 ه‍ أمثلة ، ودامت الحالة إلى أيام حسن باشا وأيام ابنه أحمد باشا فتمكنا من التسلط على الينگچرية ، فصاروا

    أداة مفيدة ، وفي أيام الوزراء بعدهما عادوا إلى ما كانوا عليه. وبقيت مفاسدهم إلى آخر هذا العهد. و(جند بغداد) من نوع الينگچرية الأهلين.
    ومن المدافع المعروفة :
    1 ـ قوغوش.
    2 ـ يان صاچمة.
    3 ـ هاون أو خميرة.
    4 ـ باليمز.
    5 ـ شاهية.
    6 ـ أبو خزامة.
    7 ـ زنبرك.
    8 ـ مدافع قالعة.
    ورد ذكرها خلال نصوص الكتاب. وهذه المدافع وأمثالها دخلت بدخول العثمانيين العراق ومن الضروري معرفة تاريخها في أصل موطنها. ومنها ما عليها سمتهم أو سمة ايرانية أو عمل اجانب. والموجود عندنا لا يبين المجرى التاريخي وإنما يصلح أن يكون كمثال لما ورد.
    ذكرنا المدافع المعروفة أثناء الحصار والفتح العثماني على يد السلطان مراد الرابع وبعده فلا نطيل القول.
    هذا. ولا يزال الجيش في هذا العهد يقوم بأمر الإدارة والشرطة أو بالتعبير الأولى أن الإدارة عسكرية وتقوم بالأمور المدنية بالاستعانة بالولاة والدفتريين والقضاة.

    علاقات العراق بإيران
    هذه علاقة دولية بين العثمانيين والصفويين مرة ، والافغانيين أخرى. وهكذا اتصلت بالافشاريين وهي سياسية ومبناها الاطماع فأدت إلى حروب طاحنة ، ووقائع عديدة فاحترقنا بنيرانها ثم عقدت معاهدات. وجل ما نقوله إن العراق أصابه التدمير الزائد ، فانحلت ايران في أواخر الصفويين ، فبرز الافغان بقوة. أصابتهم الضربة من العثمانيين ، فسهلت لنادر شاه السيطرة فعادت السلطة إلى الصفويين وهددت كيان العثمانيين. وأرعبت العراق واضطربت حالته.
    ولما لم ينل نادر شاه مأموله ولم يتمكن من اكتساح العراق ، فقد فلت هذه الحروب غربه للوقوف في وجهه مما أدى إلى ظهور اغتشاش ، وساعدت نقمة (علماء الدين) عليه من جهة تساهله الديني ، ومن جهة استخدام الافغان والأقوام الآخرين لاشتباهه من الايرانيين فاضطر إلى عقد (معاهدة) بينه وبين العثمانيين ، وسنده قوة الجيش من غير الايرانيين ، فأراد أن يصفي الحساب مع الساخطين منه أو المدبرين القيام عليه من الايرانيين.
    شعر هؤلاء أيضا بالخطر ، فعجلوا بالقضاء عليه فاضطربت ايران إلى أواخر هذا العهد.
    1 ـ الدولة الصفوية :
    هذه الدولة اعتراها الضعف واختلفت إدارتها إلا أن العلاقات كانت جارية على ما كانت عليه أيام السلطان مراد الرابع ولم يحدث ما أخل إلا بسبب ما جرى أيام الافغان.
    وهذه قائمة في ملوك الصفويين :
    1 ـ الشاه صفي الأول. توفي في 13 صفر سنة 1052 ه‍ ـ 1642 م.

    2 ـ الشاه عباس الثاني ابن سابقه وتوفي سنة 1078 ه‍ ـ 1667 م.
    3 ـ الشاه سليمان ابن سابقه وتوفي سنة 1106 ه‍ ـ 1694 م.
    4 ـ السلطان حسين ابن سابقه. انقرضت دولته سنة 1135 ه‍ وتوفي سنة 1141 ه‍.
    2 ـ الدولة الافغانية :
    ظهرت بمظهر القوة. لما رأت من تضييق من الصفويين ، وأمراؤها :
    1 ـ الأمير أويس. توفي سنة 1134 ه‍.
    2 ـ الأمير محمود ابن الأمير أويس (1). وتوفي سنة 1137 ه‍.
    3 ـ الأمير أشرف بن عبد الله (عبد العزيز) ابن عم سابقه. وتوفي سنة 1142 ه‍
    فمن هؤلاء الأمير ويس فتح قندهار. وابنه الأمير محمود تسلط على ايران وبعده نال الإمارة الأمير أشرف وبعد حروب عقد أحمد باشا معه المعاهدة المؤرخة في 17 صفر سنة 1140 ه‍ (2) ثم انقرضت على يد نادر شاه سنة 1142 ه‍.
    وفي أيام نادر شاه نال الافغانيون سلطة. وبوفاته تولدت لهم آمال بالاستقلال على يد أحد قواده الأمير أحمد بن محمد زمان من قبيلة ابدالي. وكان رئيس السدزائية. وفي أيام استقلال احمد خان سميت حكومتهم ب (الدرانية) سنة 1169 ه‍. وتوالى أعقابه ، وتوسع نطاق حكمهم. وخلفهم الباركزائية وأمان الله خان من أواخرهم ثم عناية الله خان ولم يدم حكمه إلا أياما فانقرضوا. فتغلب (بچه سقا) لمدة قصيرة
    __________________
    (1) فتح اصفهان سنة 1135 ه‍.
    (2) نص المعاهدة في كتاب (معاهدات مجموعة سي) ج 2 ص 312.

    فقتل ، ومن ثم ولي ملك الأفغان (محمد نادر شاه الغازي) ، فاغتيل سنة 1934 م ، فخلفه ابنه جلالة محمد ظاهر شاه. وقدم بغداد زائرا في 21 آذار سنة 1950 م ـ 2 جمادى الثانية سنة 1369 ه‍.
    3 ـ عودة الدولة الصفوية :
    عادت الدولة الصفوية لمدة قصيرة. و(شاهاتها) :
    1 ـ الشاه طهماسب ابن السلطان حسين من سنة 1142 ه‍ إلى سنة 1145 ه‍ فخلع.
    2 ـ الشاه عباس الثالث ابن سابقه. ودام إلى أن أعلن نادر شاه سلطنته.
    ففي أيام الشاه طهماسب ظهر نادر خان بصولة عظيمة ، وقوة قاهرة. والشاه طهماسب غلب في المعركة بينه وبين العراق فطلب الصلح وعقد معاهدة لم يرض نادر بها فخلع الشاه ، وأقام ابنه الشاه عباس الثالث وعمره بضعة أشهر نصبه مكان والده فصار وكيله (وصيا عليه).
    4 ـ الدولة الافشارية :
    قام نادر خان أيام الشاه طهماسب ، واسمه ندر قولي أو (نادر علي) ابن إمام قلي من التركمان المعروفين ب (أفشار). قبيلة تركمانية قديمة قضى على غوائل عديدة انتابت ايران واكتسب نفوذا عظيما ، وأحبه الايرانيون. ولد سنة 1100 ه‍ في أبيورد من خراسان ، وشهد اضطراب ايران ومر ذكر حوادثه.
    وفي 24 شوال سنة 1148 ه‍ (1) أعلن سلطنته في صحراء مغان
    __________________
    (1) تاريخ ايران ص 73.

    فقضى على دولة الصفويين .. ثم نفره الايرانيون لقيامه بالتساهل الديني ، واستخدامه جيوشا من أقوام مختلفة. وفي جمادى الآخرة سنة 1149 ه‍ عقدت معاهدة مع العثمانيين على أساس معاهدة السلطان مراد الرابع. ثم عقدت أخرى في 17 شعبان سنة 1159 ه‍ على الأساس المذكور (1). وفي 11 جمادى الثانية سنة 1160 ه‍ اغتيل فاضطرب أمر ايران وعاد إلى أسوأ ما كان عليه. فتولى علي شاه بن ابراهيم ابن أخي نادر شاه ويسمى (عادل شاه) ونازعه في السلطنة شاه رخ ميرزا بن رضا قلي ميرزا بن نادر شاه واستولى سنة 1161 ه‍ ولم يصف له الجو وكثرت المنازعات ودامت حتى آخر هذا العهد ...
    إمارة الحويزة :
    لم تهدأ هذه الإمارة من الاتصال بالعراق. استولت أحيانا على البصرة وذكرت حوادثها. وأمراؤها في هذا العهد المولى منصور استمر إلى سنة 1053 ه‍ ثم المولى بركة دام إلى سنة 1060 ه‍ ، ثم المولى علي ابن خلف المطلب وتوفي سنة 1088 ه‍. وبعده المولى حيدر ابن سابقه. وتوفي سنة 1092 ه‍ ثم صار أخوه المولى حيدر ، فالمولى فرج الله ومرت حوادثه في العراق ، وكان النزاع بينه وبين هبة الله ، وفي سنة 1112 ه‍ صار المولى علي ثم عاد فرج الله ، وبعده ولي السيد عبد الله سنة 1114 ه‍. ثم صار السيد علي سنة 1127 ه‍ ثم المولى محمد بن عبد الله سنة 1132 ه‍. وفي أيام الافغان صار المولى عبد الله بن هبة الله سنة 1135 ه‍. ثم عرفنا المولى مطلب ابن المولى محمد قبيل وفاة نادر شاه واستمر حتى انتهى هذا العهد (2).
    __________________
    (1) نص هذه المعاهدات في كتاب (معاهدات مجموعة سي) ج 2 ص 215 و319.
    (2) كتاب (مشعشعيان) وفيه نصوص في غلوهم من عقائد وأدعية. وبانصد ساله در خوزستان ودوحة الوزراء وحديقة الزوراء. وقويم الفرج بعد الشدة.

    الثقافة
    الحروب والاضطرابات لم تدع مجالا للتوسع الثقافي. فالمؤسسات القديمة كادت تندثر ، فأعيد بعضها ، وأسس القليل. وهذه أصل الثقافة. كانت المخرج الوحيد للعلماء والأدباء والموظفين والتجار وسائر الصنوف. والعناية بها كبيرة جدا. ولا يخلو العهد من الاتصال بعلماء الاقطار.
    وكان التوسع في التركية والفارسية بالغا حده إلا أنه لم يمنع المدارس العربية أن تقوم بمهمتها. والعلاقة مشهودة. وهذه الثقافات لا تستغني عن المدارس العربية بوجه. وفي اتصالها لم تنقطع الثقافة بل زادت وربحت كثيرا. غذتها المدارس الجديدة ، والمدارس التي أعيد احياؤها مجددا ، فأضيفت إلى ما كان موجودا عامرا من هذه المعاهد.
    هذا ، والتكايا قامت بخدمات ثقافية لا تنكر لا سيما في القراءات وفي تعليم صنعة الخط ، وتعليم بعض المطالب الدينية. ومن أهم العوامل الفعالة ظهور (الطباعة) في عاصمة الدولة وتأثيرها على العراق في تسهيل المعرفة.
    وإذا كان محل تكون الثقافة ونموها المدارس والجوامع والتكايا ، فلا ريب أنها يغلب عليها (كتب الجادة) وقل من مال من العلماء إلى ما هو أوسع للإنتاج الجديد. ولا تزال بقية منهم تلمّ الشعث في وقت كادت الحروب والفتن تقضي على الإنتاج في مختلف العصور.
    والتوسع في التركية والفارسية لم يمنع من المدارس ولا أخل بها بل كان طريق العناية وسبب الاتصال المكين بها. تكلمنا خلال الوقائع عن بعض الادباء ، وعن وفيات بعض العلماء.
    وبين علمائنا المدرسون ، والوعاظ ، وبينهم من مالوا إلى التأليف والإنتاج العلمي. والتراث القديم خير مغذّ. ولا يسع احصاء المدرسين

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Empty
    مُساهمةموضوع: رد: تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي   تاريخ العراق بين الاحتلالين  ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 7:04 am

    إلا أن أهل التأليف قليلون وأشهر من عرف من الأسرات والأفراد في العلم :
    (1) آل الغرابي : وأصل هذا البيت عبد الله المعروف بالغراب. من العلماء وأبناؤه محمود ، وأحمد وحسين وغيرهم من هذه الأسرة. وهم رجال علم وأدب. وبينهم من خدم اللغة التركية وله مؤلفات فيها. ولا تزال بقاياهم في بغداد.
    (2) آل نظمي البغدادي : بيت أدب وعلم. منهم نظمي أصل الأسرة. له ديوان تركي ، ومرتضى آل نظمي مؤرخ العراق وصاحب المؤلفات ، وحسين آل نظمي اللغوي العالم في التركية والعربية. وله (لغة وصاف) ، و(ترجمته). تكلمت عليهم في تاريخ الأدب التركي في العراق. ومنهم المرحوم طاهر چلبي آل محمد سليم الراضي وأولاده.
    (3) الشهابي : له في التاريخ (منظومة آل أفراسياب) ومؤلفات أخرى.
    (4) الكعبي : صاحب (زاد المسافر).
    (5) مدلج مفتي بغداد : وآل مدلج بيت علم معروف. ويسمون (المفاتي). وإلى أمد قريب منا كانت بقاياهم ، فانقرضوا بعد احتلال بغداد ببضع سنوات. ومنهم الشيخ طاهر بن مدلج مفتي بغداد. كانوا يسكنون محلة المفاتي. وهي (محلة السنك).
    (6) الشيخ داود : من العلماء. ولم يكن له اتصال بالأسرة المعروفة بهذا الاسم اليوم.
    (7) تاج العارفين البغدادي.
    (Cool سعد الدين البغدادي.
    (9) الياس الكردي.

    (10) الملا محمد شريف الكوراني.
    (11) إبراهيم بن حسن الكوراني المتوفى سنة 1101 ه‍.
    (12) البرزنجي (السيد محمد بن رسول). وتوفي في غرة المحرم سنة 1103 ه‍ (1)
    (13) الشيخ خليل الخطيب المدرس في جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني. أخذ عن الشيخ عبد القادر بن يحيى البصري الشامي. وله ثبت منه يعين صلة علمائنا بالشام والحجاز عندي مخطوطة منه.
    (14) محمد الاحسائي في بغداد.
    (15) محمود المفتي في الموصل.
    (16) ياسين المفتي في الموصل. ابن سابقه وأسرتهم لا تزال معروفة في الموصل.
    (17) عبد القادر البغدادي : الأديب صاحب الخزانة.
    (18) آل الغلامي في الموصل : أسرة علمية معروفة إلى اليوم.
    (19) آل العمري في الموصل : اشتهر منها علماء كثيرون.
    (20) آل السويدي : يأتي الكلام عليهم في المجلد السادس.
    (21) سلطان الجبوري : أخذ عن الشيخ خليل الخطيب البغدادي.
    (22) آل الربتكي : منهم عبد الله رأس الأسرة. وهو المشهور بفتواه في اليزيدية. وابنه عبد الغفور المدرس. كلهم في الموصل. وعبد الغفور أجيز من سلطان الجبوري وله ثبت يعين صلات علمائنا به كما أنه أخذ عن والده. عندي مخطوطته.
    __________________
    (1) الكاكائية في التاريخ ص 75.

    (23) آل باش أعيان البيت العباسي. بينهم علماء كثيرون. وهم في البصرة.
    (24) السيد عبد الله أمين الفتوى.
    (25) ياسين المفتي من آل نظمي.
    (26) آل الطريحي في النجف. ولا تزال بقاياهم.
    (27) السيد نصر الله من أهل كربلاء. وأسرتهم لا تزال معروفة.
    (28) الحللية. مفاتي البصرة. وهم جماعة توالوا.
    (29) الشيخ أحمد بن علي القباني البصري. وله كتاب (فصل الخطاب) في الرد على الوهابية سنة 1155 ه‍. عندي مخطوطة منه. وهو أول رد عليهم.
    (30) آل الفخري في الموصل. ولا يزالون إلى اليوم.
    والأدب العربي أصله المدرسة أيضا. ظهر أدباء كثيرون ، وبدت آثارهم العديدة كما أن الأدب استفاد كثيرا من مخلفات اسلافه. وكثرتها جعلتها بمأمن من عوادي الزمن لم تقض عليها كلها. فلا تزال بقاياها منتشرة في الخزائن العامة ولدى البيوت والأشخاص من أهل العلم والأدب.
    ويهمنا أصحاب الآثار الأدبية أو الإنتاج الأدبي. ولكل خدمته في المجالس الأدبية ، وفي التدريس ، أو في ضروب المعرفة الأدبية. ويهمنا أرباب الشهرة الأدبية. ولا ننس أن العلماء والأدباء في هذا العهد لم يفرق بينهما وكثير من علمائنا أدباء ، فلم يتخلص فريق منهم إلى الآداب وحدها.
    وأشهر من عرف بالأدب والشعر :

    (1) عبد القادر البغدادي.
    (2) الطريحي ـ وأبوه الشهاب الموسوي.
    (3) معتوق الشهابي.
    (4) بشارة. صاحب نشوة السلافة.
    (5) السيد نصر الله الحائري. وله ديوان شعر.
    (6) آل السويدي. داموا إلى العهد التالي.
    (7) محمود الغرابي.
    (Cool السيد حسين بن مير رشيد. وله ديوان.
    وآخرون عديدون. والظاهرة الأدبية في هذا العهد (البنود العراقية). وتعد تجددا في الأدب ، ولم تتكامل إلا في العهود التالية. وكتبنا في (تاريخ الأدب العربي) ، وفي (تاريخ الأدب التركي) ، وكذا في (تاريخ الأدب الفارسي) توضح الاتجاه الأدبي وتعين المصادر بتفصيل.
    المؤرخون
    ظاهرة أخرى هي التاريخ. نهض مؤرخون عديدون للتدوين عن أحوال القطر ، نخص بالذكر منهم (آل الغرابي) ، و(مرتضى آل نظمي) ، و(الشهابي) ، و(يوسف عزيز المولوي) ، وآل (السويدي) و(نشاطي) ... وكل هؤلاء كشفوا عن تاريخ القطر ، وأزالوا الغموض عن الكثير من مبهمات حوادثه. وفي (التعريف بالمؤرخين) ما يوضح عنهم.
    الطباعة
    متجددات العصر لم تقف عند الإنتاج الجديد في الآداب والعلوم. وإنما يعد من أجل ذلك (صنعة الطباعة). ولم يعرف أثرها في حين ظهورها سوى أن فائدتها بقيت محصورة فيما طبعته وتعد اليوم من أكبر

    الوسائل لتمكين المعرفة. فكانت أول عمل من نوعه. ومثلها صنعة (الورق) ولكنها لم تنجح ، فهما متلازمان. ولا تدرك قيمتهما إلا بالرجوع إلى ما عانته البشرية في بث ثقافتها أو تثبيتها وما اتخذته من طرق النشر للعلوم والآداب وفي تسهيل الأخذ بها.
    وأول مطبعة تكونت في استنبول (مطبعة إبراهيم متفرقة). وما يقال من أن هناك مطابع سبقتها فهذه على فرض تحقق وجودها لم ينتفع منها للمصلحة العامة ، ولا للثقافة الشاملة ، ولا كان لها التأثير في تكوين الطباعة.
    وهذه المطبعة قامت بطبع (كتب اللغة) و(التاريخ). ومن أهم ما طبع فيها من نتاج العراق كتاب (گلشن خلفا) في تاريخ بغداد من أول بنائها سنة 145 ه‍ إلى سنة 1130 ه‍. و(تاريخ تيمور لنك). والاثنان من تأليف مرتضى آل نظمي. وطبع فيها ترجمة (صحاح الجوهري) المعروف ب (وآن قولي). و(فرهنك شعوري) في اللغة الفارسية وهو من أجل الآثار. و(تواريخ الدولة العثمانية) لمؤرخين رسميين وكل هذه لها علاقة بوقائع العراق ، وتهم في المعرفة. أوضحت ذلك في (تاريخ الطباعة والمطبوعات) وفي (تاريخ الأدب التركي في العراق).
    وكل ما أقوله هنا إن الطباعة سهلت نشر العلوم والآداب. وفي هذا تقوية للثقافة. والظاهرة الأخيرة فيها أنها صارت تطبع الآثار النفيسة المفيدة لثقافة الأمة. ولا تكون الكتب السخيفة موضوع البحث إلا من ناحية ضررها.
    والحاصل أن الثقافة تمكنت منا. ولا تزال بعض وثائقها منتشرة أو موجودة بين ظهرانينا. كشفت عن غوامض علمية وأدبية وتاريخية. ولعل في الحوادث المارة ، ما يعين الحالة الأدبية. ولا تزال تحتاج إلى اثارة.

    خاتمة
    توضحت حالة الثقافة ، والحوادث السياسية. وكانت جاءتنا مبتورة. ولعل قرب العهد منا أدى إلى التوسع ولا شك أن الوقعة المفصلة ، والحالة المبسوطة تبصر أكثر. ولما تزايدت رأينا لمّها ، والأخذ بأطرافها. فكنا نخشى أن يمل الموضوع ولا نزال في كثير من أوضاعنا نحتاج إلى ما يجلو الغامض ، أو يدعو لإثارة المجهول.
    لم نضيع الفرصة ، ولم ندع التتبع ولا الإثارة أو تدوين ما نعثر عليه. والعمل الفردي مقرون بالنقص دائما ، وعمل الجماعات بطيء.قدمنا ما تمكنا ، ولم نترك إلا ما نغتنم الفرصة في أمل تدوينه ولعل الأيام تكشف عن جديد.
    وهذا والأمراض الطارئة على الإدارة تعد من أكبر أسباب الانحلال في الشؤون الداخلية والخارجية. فالحكومة متأثرة بما يجري في عاصمة السلطنة أو هي إدارة مصغرة من تشكيلاتها ، ونفسيات أمرائها كما أنها ذات صلة مكينة بنا وبمجتمعنا وثقافتنا.
    وفي أيام حسن باشا وابنه استقرت الأحوال نوعا ، وكأن الإدارة في أيامهما بعيدة كل البعد عن أصل الدولة. وفي أيام الوزراء التالين عادت الحالة إلى ما كانت عليه وزيادة إلا أن مدة هذا الانحلال لم تطل فتكونت (ادارة المماليك) مما نراه في بحث تال.

    والثقافة ماضية في مدارسها ومؤسساتها على نهج علمي أدبي. ولا شك ان الأحوال الطارئة شوشت أمرها ، أو أثرت عليها قليلا أو كثيرا لكنها لم تخل من أفاضل في العلوم والآداب وفهم ذلك مما مرّ والله ولي الأمر.


    الفهارس العامة
    1 ـ فهرس الأعلام
    2 ـ فهرس الشعوب والقبائل والبيوت والنحل
    3 ـ فهرس المدن والأماكن
    4 ـ فهرس الكتب
    5 ـ فهرس الألفاظ الدخيلة والغريبة
    6 ـ فهرس الصور
    7 ـ فهرس الموضوعات


    1 ـ فهرس الأعلام
    حرف الألف
    أبازه باشا : 20
    إبراهيم (السلطان) : 45 ، 343 ، 347
    إبراهيم الأحسائي (الشيخ) : 124
    إبراهيم أغا : 100
    إبراهيم باشا : 36 ، 38 ، ـ 43 ، 91 ، 92 ، 94 ، 98 ، 101 ـ 103 ، 105 ، 108 ، 137 ، 180 ، 292
    إبراهيم باشا الداماد : 10
    إبراهيم باشا السلحدار : 238
    إبراهيم باشا الطويل : 77 ، 87
    إبراهيم الفضل (الشيخ) : 126
    إبراهيم القاضي : 12
    إبراهيم باشا الگرجي : 91 ، 106
    إبراهيم الكردي : 122 ، 152
    إبراهيم الكوراني : 356
    إبراهيم متفرقة : 12
    إبراهيم ميرزا : 327 ، 333 ، 334
    ابن الأثير : 254
    ابن بداق (بداغ) : 97 ، 99 ابن بطوطة : 65
    ابن الحكيم : انظر (علي باشا)
    ابن خليل فهمي : 11
    ابن دحية الكلبي : 85
    ابن أبي ريش : 29
    ابن صبيح : 164
    ابن الشيخ شبيب : 214
    ابن مير فتاح : 28
    أبو بكر (الأمير) : 88
    أبو بكر الخليفة : 238
    أبو بكر بن علي باشا : 90
    أبو سودة : 296
    أبو الغازي : 31
    أبو المعصوم خان : 172
    أبو النور : 76
    أبو الوفاء العرضي : 122
    أحمد (السلطان) : 29
    أحمد الثالث (السلطان) : 344
    أحمد الثاني (السلطان) : 344
    أحمد آغا صهر الوزير : 147 ، 321 ، 323


    أحمد آغا آلتنجي : 42 ، 43
    أحمد آغا رئيس الينگچرية : 134
    أحمد آغا الكتخدا : 145 ، 243
    أحمد بن أيوب بك الجليلي : 311
    أحمد باشا : 25 ، 158 ، 187
    أحمد باشا آل عثمان : 155 ، 156 ، 188 ، 213
    أحمد باشا (الحافظ) : 84
    أحمد باشا (ملك) : 46 ، 47 ، 49 ، 51 ، 65
    أحمد باشا ابن الحمال : 273
    أحمد باشا البازركان : 156 ، 158
    أحمد باشا البوشناق : 145
    أحمد باشا السهرابي : 146
    أحمد باشا الصدر الأسبق : 11 ، 326 ، 327
    أحمد باشا الطيار : 44
    أحمد باشا الكتخدا : 156 ، 157
    أحمد باشا الكسريه لي : 11 ، 317 ، 320 ، 326 ، 330 ، 331 ، 336
    أحمد باشا الوزير بن حسين باشا : 11 ، 15 ، 16 ، 221 ، 224 ، 243 ، 245 ، 246 ، 253 ، 254 ، 258 ، 262 ، 265 ، 270 ، 271 ، 274 ، 277 ، 278 ، 282 ، 284 ، 285 ، 287 ، 289 ، 290 ، 291 ، 297 ، 300 ، 311 ، 314 ، 317 ، 321 ، 328 ، 329 ، 331 ، 332 ، 337 ، 345 ، 348
    أحمد بك : 55 ، 56 ، 57 ، 59
    أحمد بك أفراسياب : 60
    أحمد بك أمير آلتون كوپري : 255 أحمد بك أمير درنة : 255
    أحمد خان : 351
    أحمد رسول الهند : 73
    أحمد رفيق (الأستاذ) : 9 ، 10
    أحمد بن عبد الله الغرابي : 153 ، 355
    أحمد عبد الغني الراوي : 249
    أحمد بن غالب (الشريف) : 161
    أحمد القبّاني : 357
    أحمد كسروي : 260
    أحمد بن محمد زمان : 351
    أحمد مؤمن زادة : 348
    أحمد ناظم العمري : 322
    أحمد واصف : 12
    أحمد يسوي : 65
    أرسلان (الأمير) : 333 ، 334
    أرسلان باشا : 48
    أسعد باشا العظم (الحاج) : 312
    الاسكندر المقدوني : 237
    إسماعيل (الشيخ) : 213
    إسماعيل أغا : 74 ، 241
    إسماعيل باشا : 165 ، 167 ، 285 ، 287 ، 288 ، 291
    إسماعيل الروزنامه : 291
    أشرف خان الأفغاني : 237 ، 253 ، 254 ، 255 ، 256 ، 258 ، 270 ، 351
    أفراسياب بن حسين باشا : 101 ، 106
    آق محمد باشا : 62
    الله ويردي : 239
    إلياس أغا : 50
    إلياس الخاصكي : 48


    إلياس الكردي : 355
    إمام قولي خان : 30 ، 31
    أمان الله خان : 351
    أورنك زيب : 73 ، 74 ، 308
    أوليا چلبي : 65 ، 66
    أويس أمير الأفغان : 233 ، 234 ، 253 ، 351
    أيوب باشا : 170 ، 173 ، 177
    حرف الباء
    بابا خان : 283
    بابا گورگور : 120 ، 121
    بابر شاه : 73
    بادري : 196
    باش أعيان : 96
    باقي محمد : 31
    باول هرن : 237
    پچه سقا : 351
    برّاك أمير بني خالد : 88 ، 89 ، 90 ، 102 ، 103
    بردي بك : 255
    برزنچي (محمد بن رسول) : 356
    برهام : 338
    بركة : 353
    بسيم آتالاي : 113
    بشارة : 357
    بشير فرنسيس (الأستاذ) : 190
    بصري الديري : 99 ، 100
    بكتاش خان : 34 ، 35
    بكتاش ولي (الحاج) : 130 ، 291
    بكر بك الكردي الباباني : 222 ، 228 بكر الحمام (الشيخ) : 316
    بكر صوباشي : 84 ، 187 ، 347
    بلال أغا : 171 ، 173
    بندر شيخ المنتفق : 69 ، 70 ، 337
    بهرام باشا : 305
    حرف التاء
    تاج الدين الهندي : 88
    تاج العارفين البغدادي : 355
    تركي (الشيخ) : 207
    توفيق (أبو الضيا) : 268
    تيمور (الأمير) : 236 ، 272
    حرف الثاء
    ثامر (الشيخ) : 306
    حرف الجيم
    جعفر : 164
    جعفر باشا : 44
    جفته لرلي عثمان باشا : 35
    الجلال السيوطي : 124
    چلبي زاده (كوجك) : 10
    الجمال البابولي : 122
    حرف الحاء
    حاج بك خان : 304
    الحارث بن أسد المحاربي : 244
    حجية (أخت حسين باشا) : 102
    حسب الله الشابندر : 46
    حسن آغا : 155 ، 158 ، 177


    حسن آغا الكتخدا : 155
    حسن باشا (كوچك) : 15 ، 16 ، 17 ، 18 ، 20 ، 22 ، 23 ، 30
    حسن باشا : 105 ، 116 ، 150 ، 156 ، 164 ، 165 ، 184 ، 186 ، 187 ، 188 ، 201 ، 204 ، 215 ، 218 ، 220 ، 221 ، 222 ، 225 ، 232 ، 234 ، 235 ، 239 ، 241 ، 245 ، 287 ، 298 ، 338 ، 345 ، 347 ، 348 ، 360
    حسن باشا أبازه : 75 ، 86
    حسن باشا الچلبي : 123 ، 145
    حسن بك أمير سرطاس : 255
    حسن بك أمير سروجك : 255
    حسن بك أمير كروس : 255
    حسن بك الپچوي : 260
    حسن ابن أخي السيد خليل : 310
    حسن الجمال : 155
    حسن العسكري (الإمام) : 171
    حسن ميرزا : 334
    حسن النقيب (السيد) : 25
    الإمام الحسين (رض) : 107 ، 133
    حسين آل نظمي : 355
    حسين آغا الخاصكي : 67
    حسين آغا بن عبدال : 151
    حسين آغا آل معن : 72 ، 73
    حسين آغا الكتخدا : 324
    حسين باشا : 11 ، 50 ، 52 ، 89 ، 90 ، 92 ، 93 ، 94 ، 96 ـ 103 ، 105 112 ، 132 ، 152 ، 157 ، 161
    حسين باشا أفراسياب : 37 ، 55 ، 56 ، 57 ، 88 ، 91 ، 101 ، 106 ، 111 ، 112 ، 117
    حسين باشا الچلبي : 135
    حسين باشا الجليلي : 135 ، 234 ، 247 ، 264 ، 285 ، 288 ، 305 ، 308 ، 310 ، 313 ، 331 ، 332
    حسين باشا الدفتري : 149
    حسين باشا السلحدار : 121 ، 127 ، 135 ، 142
    حسين باشا ابن القاضي : 143
    حسين باشا الكمركجي : 144
    حسين بك : 245
    حسين بك عمر زاده : 143
    حسين الراوي : 249 ، 250
    حسين شاه : 269 ، 334 ، 351
    حسين (الشيخ) : 103
    حسين الصولاق : 97 ، 99
    حسين العباس : 162
    حسين بن علي : 61
    حسين الغرابي : 154 ، 355
    حسين بن منصور الحلاج : 85
    حسين بن مير رشيد : 309 ، 358
    حسين نوح : 136
    حمد العباس : 162 ، 274
    حمزة الشهاب : 117
    حيدر الشابندر : 70 ، 72
    حيدر أمير الحويزة : 353
    حرف الخاء
    خاتون بنت الوزير : 304
    خالد بك متصرف لواء بابان : 255


    خالد العجاج : 25 ، 34 ، 35 ، 36
    خالد النقشبندي : 125
    خالد بن الوليد : 237 ، 254
    خانه محمد باشا : 255
    خديجة خانم : 245 ، 259
    خركي : 223
    خسرو باشا : 20
    خضر آغا : 122
    خلف شوقي الداودي : 112
    خليل آغا : 115 ، 118
    خليل باشا : 22 ، 158 ، 195
    خليل البصيري : 310
    خليل الخطيب : 356
    خليل الكهية : 107
    خميس الضاري : 316
    حرف الدال
    داسني مرزا : 51 ، 52
    دال أحمد آغا : 159
    داود باشا : 30
    داود الچلبي (الدكتور) : 118
    داود خان : 174 ، 175 ، 176
    داود (الشيخ) : 355
    دده حسين : 121
    درّاج (السيد) : 25
    درويش آغا : 164
    درويش محمد باشا : 20 ، 24 ، 26 ، 29
    دلاور باشا : 6 ، 152
    دلي حسين باشا : 32
    دلي محمد باشا : 143
    دندن : 261
    ديللو : 223 حرف الذال
    الذهبي : 71
    ذو الفقار : 72 ، 73
    ذو الكفل : 98 ، 100 ، 250
    ذياب الحسان : 197
    حرف الراء
    رابعة بنت أحمد بن الخليفة المستعصم بالله : 231
    راشد (أبو المكارم محمد) : 9
    راغب الدفتري : 278 ، 290
    رامي باشا : 183
    ربتكي : 356
    رجب باشا : 204 ، 317
    رستم خان : 165 ، 296
    رضا زاده شلق : 237
    رضا قلي بك : 255
    رضا قولي خان قوريجه جي : 265
    رمضان آغا : 56
    روفائيل بيداويد : 310
    حرف الزاي
    زاب بن توكال : 226
    الزاهدي الگيلاني : 234
    زبيدة بنت هارون الجويني : 231 ، 232
    زبيدة زوجة هارون الرشيد : 230 ، 231
    زلّا خان : 253
    زمرد خاتون : 231 ، 232
    زهرا خانم : 31
    زيد بن محسن (الشريف) : 88 ، 89


    حرف السين
    سامي المؤرخ : 11
    سبحان قولي خان : 30 ، 31 ، 138
    السري (من آل عبد السلام) : 98
    سعد (الشريف) : 161 ، 312
    سعد الدين البغدادي : 355
    سعد الصعب : 201
    سعدون أمير المنتفق : 297 ، 298 ، 299
    سعود بن الشريف سعد : 312
    سعيد بن سعد (الشريف) : 161
    سلطان الجبوري : 167 ، 356
    سلمان الأمير : 88 ، 99
    سلمان الخزعلي : 179 ، 180 ، 181 ، 182 ، 184 ، 194 ، 201 ، 206 ، 229 ، 239
    سلمان القاضي : 196
    سليم باشا متصرف بابان : 322 ، 323 ، 324
    سليم باشا متصرف أماسيه : 264
    سليم بك : 311
    سليمان رئيس قبيلة كعب : 309
    سليمان بابان : 152
    سليمان باشا : 11 ، 290 ، 291 ، 295 ، 296 ، 299 ، 301 ، 305 ، 313 ، 322 ، 326 ، 330 ، 331 ، 332 ، 337 ، 339 ، 340 ، 341 ، 342
    سليمان باشا آل خالد باشا : 324
    سليمان البصري : 266
    سليمان بك : 266
    سليمان الثاني (السلطان) : 344 ، 351 سليمان شاه : 111 ، 351
    سليمان الشاوي : 303
    سليمان الصائغ : 310
    سليمان القانوني (السلطان) : 87 ، 94
    سليمان الكردي : 266
    السمعاني : 254
    سنان باشا : 167
    سواس : 223
    سياب باشا : 60
    سيد علي الجلبي : 140
    سيدي علي رئيس : 87
    سيفا : 85
    حرف الشين
    شاكر المؤرخ : 11
    شاه جهان خرم شاه : 72 ، 73
    الشاه حسين : 234 ، 235
    شاه رخ : 314 ، 334 ، 353
    شاه محمد : 308 ، 309
    شبلي : 261
    شبيب : 200 ، 201 ، 211 ، 212 ، 214
    شبيل : 269
    شكر پاره : 45
    شناسي (الشاعر التركي) : 326
    شهاب الموسوي : 358
    الشهابي البصري : 98 ، 100 ، 102 ، 117 ، 355 ، 358
    الشهزادة : 269 ، 270
    شهسوار زاده : 204
    الشيخ عبد الله : 103


    الشيخ محمد (شيخ الشيوخ) : 98 ، 103 ، 104
    شير بك بابان : 322
    حرف الصاد
    صادق خان : 301
    صاري خان : 334
    صاري محمد باشا : 92
    صاري مصطفى باشا : 241 ، 273
    صالت أحمد باشا : 156
    صالح آغا : 82 ، 115
    صالح باشا : 39 ، 41 ، 45
    صالح البقال : 23
    صالح التميمي : 30
    صبحي المؤرخ : 11 ، 12
    الصدر الأعظم علي باشا : 273
    صفي شاه : 350
    صفي قلي بك : 255 ، 270
    صفية خانم بنت الوزير حسن باشا : 245
    صقر شيخ قشعم : 302
    حرف الطاء
    طالب غني : 112
    طه الواعظ : 146
    طاهر جلبي : 355
    طاهر بن مدلج : 355
    طهماسب شاه : 261 ، 262 ، 264 ، 269 ، 270 ، 271 ، 272 ، 352
    طيبي كاتب الديوان : 135 حرف العين
    عائشة زوجة رسول الله : 139 ، 238
    عائشة خاتون بنت مصطفى باشا : 231
    عائشة خانم بنت أحمد باشا : 321
    عادلة خاتون : 266
    عباس (الشيخ) : 208
    عباس أخو مندو : 223
    عباس پرويز : 281 ، 314
    العباس بن عبد المطلب : 139
    عباس شاه الثاني : 74 ، 270 ، 351 ، 352
    الشاه عباس الثالث : 352
    عباس شيخ بني عمير : 160
    عباس الخزعلي : 180 ، 184
    عباس قلي : 239
    عبد الله والي بغداد : 322
    عبد الله أمير الحويزة : 217 ، 223 ، 227 ، 229 ، 230
    عبد الله أمين الفتوى : 246 ، 249 ، 250 ، 252 ، 266 ، 306 ، 325 ، 357
    عبد الله باش أعيان (الشيخ) : 103
    عبد الله باشا الكوپريلي : 238 ، 241 ، 288
    عبد الله بك : 324
    عبد الله خان الكرجي : 234
    عبد الله بن حبيب : 99
    عبد الله الدفتري : 124
    عبد الله الرازي : 234
    عبد الله الربتكي : 356


    عبد الله السويدي : 136 ، 202 ، 250 ، 255 ، 259 ، 302 ، 304 ، 305 ، 306 ، 311 ، 312
    عبد الله الشاوي : 323
    عبد الله عيسى العباي : 117
    عبد الله (الغراب) : 355
    عبد الله الفخري : 303 ، 310 ، 325
    عبد الله بن مراد باشا : 311
    عبد الله بن هاشم (الشريف) : 161
    عبد الله هبة الله أمير الحويزة : 353
    عبد الباقي وجدي : 62
    عبد الحميد عبادة : 22 ، 23 ، 24
    عبد الرحمن آغا : 224
    عبد الرحمن باشا : 127 ، 142 ، 149 ، 243 ، 245 ، 247 ، 253
    عبد الرحمن السويدي : 188 ، 269 ، 322 ، 323 ، 304 ، 326
    عبد الرحمن ابن الشيخ محمود : 136
    عبد الرحمن الفراداغي : 121
    عبد الرحيم : 174 ، 254
    عبد السلام (الشيخ) : 98
    عبد السيد شيخ بني لام : 228
    عبد الشاه : 177
    عبد العال : 216 ، 227 ، 229
    عبد العزيز خان : 30 ، 31 ، 73 ، 74 ، 138
    عبد العزيز سلطان : 253 ، 254 عبد الغني النابلسي : 136
    عبد علي الحويزي : 36 ، 52
    عبد علي بن ناصر (ابن رحمة) : 112
    عبد الغافر : 254
    عبد الغفور الربتكي : 356
    عبد القادر : 98
    عبد القادر البغدادي : 140 ، 356 ، 358
    عبد القادر شيخ بني لام : 201 ، 211 ، 229 ، 292 ، 293 ، 313
    عبد القادر الگيلاني (الشيخ) : 76 ، 177
    عبد القادر بن يحيى البصري الشامي : 356
    عبد الكريم الجيلي (الشيخ): 43،49 ، 50 ، 85
    عبد الكريم علي ضياء الشيرازي : 319
    عبدي (عبد الرحمن باشا) : 65 ، 66 ، 144 ، 149 ، 180
    عبيد : 107
    عبيد الله القاضي : 248 ، 258
    عثمان (السلطان) : 29
    عثمان آغا : 234 ، 240 ، 271
    عثمان باشا (الوزير) : 218
    عثمان باشا الكردي : 298 ، 324
    عثمان باشا الطوپال: 279 ، 281 ،282 ،283
    عثمان باشا : 218
    عثمان بك أمير باجلان : 225
    عثمان الدفتري : 250
    عثمان الراوي : 249
    عثمان شيخ المنتفق : 107 ، 108
    عثمان بن عفان : 75 ، 238
    عثمان عمر الحنفي : 107
    عثمان النجدي : 244
    عثمان الينگچري : 53
    العدواني : 254


    عرب علي باشا : 144
    العزير (نبي) : 300
    عسّاف أمير طيىء : 36
    عقاب شيخ قشعم : 303
    علي بن أبي طالب (رض) : 107 ، 133 ، 238
    علي آغا : 25 ، 26
    علي أكبر : 314
    علي بابا (الحاج) : 12
    علي باشا المعروف بابن الحكيم : 273 ، 286
    علي باشا : 27 ، 88 ، 159 ، 161 ، 165 ، 167 ، 168 ، 170 ، 173 ، 175 ، 180 ، 184 ، 185 ، 186 ، 195 ، 196
    علي باشا أفراسياب : 37 ، 52
    علي باشا (قدوم) : 143
    علي باشا مقتول زاده : 232
    علي بك أمير ربيعة : 296
    علي بك أمير كوي : 255
    علي بك أمير باجلان : 255
    علي بك بن حسين باشا : 111 ، 245
    علي بك (عبدي باشا زاده) : 264
    علي خان : 74
    علي بن خلف مولى الحويزة : 353
    علي الدفتري : 252
    علي الروزنامه چي : 72
    علي شاه : 327 ، 333 ، 334 ، 353
    علي الشديد أمير الموالي : 100
    علي العمري : 246
    علي قولي خان : 319
    علي الكتخدا : 25 علي مردان أمير اللر : 239 ، 247
    علي الهادي (الإمام) : 171
    علي الهيتي (الشيخ) : 154
    عمر : 108
    عمر (الأمير) : 90
    عمر باشا : 116 ، 135 ، 136 ، 143 ، 144 ، 147 ، 149 ، 156 ، 159 ، 245
    عمر الحليبي : 102 ، 103
    عمر بن الخطاب : 238
    عمر باشا (الوزير) : 227
    عمر الراوي : 249
    عمر السهروردي : 75 ، 125 ، 231
    عمر الينگچري : 53
    عمران السعدون : 208
    عناية الله خان : 351
    عهدي البغدادي : 83
    عوض الكتخدا : 124 ، 126
    عيسى صفاء الدين البندنيجي : 76 ، 151
    عيسى بن علي باشا : 103
    حرف الغين
    غانم الحسان : 197
    الغرابي : 72 ، 138 ، 146 ، 154
    الغزي المؤرخ : 11 ، 12 ، 234
    غصيبة شيخ زبيد : 313
    الغلامي : 356
    غوثي : 85
    حرف الفاء
    فارس شيخ بني لام : 228


    فاطمة خانم بنت الوزير حسن باشا : 245 ، 268
    فتح علي بك التركمان : 269 ، 314 ، 315
    فتح الله بن عبد القادر لقمان : 154
    فتح الله الكعبي : 105 ، 111
    فتحي بك : 55 ، 57 ، 59 ، 60
    فرج الحويزي (الشيخ) : 230
    فرج الله (المولى) : 165 ، 166 ، 176 ، 353
    فرهاد بك أمير قزلچة : 255
    فضولي البغدادي : 84
    فندي (الشيخ) : 274
    فيض الله بلبل : 66
    حرف القاف
    قائم بك : 73
    قادر آغا : 114
    قاسم الأفغاني : 233
    قبلان مصطفى باشا : 129
    قرا محمد باشا : 145
    قره مصطفى باشا : 33 ، 77 ، 86 ، 89 ، 90 ، 241 ، 243 ، 245 ، 247 ، 263 ، 273 ، 275
    قوج باشا : 324
    قيا سلطان خاتون : 49
    حرف الكاف
    كاتب چلبي : 27
    الكازروني : 33
    كريم خان : 301 الكعبي : 355
    كلب علي بن برهام : 338
    گنج عثمان : 20 ، 22 ، 23 ، 24
    كنعان أمير قشعم : 90
    كنعان باشا الكرجي : 91 ، 92 ، 106
    گورجي باشا الصدر : 52 ، 53
    كوركيس عوّاد (الأستاذ) : 190
    كوركين خان : 233
    حرف اللام
    الله ويردي أمير الجاف : 239
    لوكهارت : 312
    حرف الميم
    مانع شيخ المنتفق : 155 ، 156 ، 158 ، 164 ، 165 ، 166 ، 172 ، 176
    المتنبي : 268
    محب الدين الخطيب : 312
    المحبي : 140
    محسن بن حسين (الشريف) : 161
    محمد (النبي صلّى الله عليه وسلّم) : 65 ، 138
    محمد أبو الهدى الصيادي (الشيخ) : 254
    محمد الأحسائي (الشيخ) : 124 ، 356
    محمد الأزهري (الشيخ) : 76
    محمد آغا الخاصكي : 174 ، 176
    محمد آغا خواجه زاده : 8
    محمد أفندي : 47
    محمد أمين باشا : 311
    محمد أمين حفيد المفتي : 122
    محمد أمين العمري : 8 ، 310
    محمد باشا : 92 ، 101 ، 103 ، 168 ،


    170 ، 171 ، 177 ، 342
    محمد باشا أمير أردلان : 245 ، 247 ، 255
    محمد باشا آشچي زاده : 170 ، 185
    محمد باشا أمير الأحساء : 55 ، 56 ، 88 ، 89 ، 90 ، 91 ، 92
    محمد باشا البوغازليانلي : 259
    محمد باشا الترياكي : 332
    محمد باشا جاوش زاده : 44 ، 116
    محمد باشا آل حيدر آغا : 34
    محمد باشا الخاصكي : 67 ، 72
    محمد باشا دال الطبان : 29
    محمد باشا الدباغ : 52 ، 53
    محمد باشا الزازه : 340 ، 343
    محمد باشا السلحدار : 76 ، 77 ، 88
    محمد باشا الصدر الأسبق : 11 ، 237 ، 239 ، 314 ، 331 ، 335 ، 336
    محمد (الساعي) : 90
    محمد باشا القبطان : 185 ، 186 ، 195
    محمد قبيل : 353
    محمد باشا الكتخدا : 256 ، 278 ، 284 ، 287 ، 288 ، 290 ، 291 ، 326 ، 330 ، 341
    محمد باشا الگرجي : 82
    محمد باشا الكوپرلي : 78
    محمد باشا الكبودان : 173
    محمد باقر خان : 265
    محمد بك : 324
    محمد بك أمير زنكنة : 255
    محمد بك السلحشور : 77
    محمد بك بن قره مصطفى باشا : 86 محمد بك ابن الوزير : 118
    محمد جواد عواد : 220 ، 224
    محمد بلوج خان : 263 ، 288
    محمد حسين بك : 315
    محمد خان بلوج : 283
    محمد الدفتري : 118 ، 121 ، 183
    محمد الذياب : 223
    محمد الرابع (السلطان) : 103 ، 343 ، 347
    محمد راشد مكتوبي الصدر : 12
    محمد رضا قولي خان قوريجي باشي :
    265 ، 270
    محمد سعيد الراوي : 231
    محمد سعيد السويدي : 312
    محمد سعيد المدرس : 12
    محمد السلطان : 10
    محمد شريف الگوراني : 356
    محمد صادق خان : 234
    محمد ظاهر شاه : 352
    محمد ظلي بن قره أحمد : 65
    محمد بن عبد الرسول البرزنجي : 157
    محمد بن عبد السلام شيخ الشيوخ :
    103 ، 107
    محمد عبد الكريم خان : 327
    محمد بن عثمان چاووش : 52
    محمد بن عقيلة : 268
    محمد الغزلاني : 143
    محمد الفضل : 146
    محمد فيضي الزهاوي : 121
    محمد قولي خان : 45
    محمد أفندي كاتب الديوان : 47


    محمد بن مانع : 251 ، 260
    محمد مهدي المنشي : 312 ، 315 ، 316 ، 317 ، 335
    محمد مولى الحويزة : 260 ، 353
    محمد نادر شاه الغازي : 352
    محمد نذر خان : 73
    محمد نصير النوري المازندراني : 317
    محمد الواني : 105
    محمد الينگچري : 53
    محمد آغا الجبه دار : 171
    محمود أمير الأفغان : 234 ، 240 ، 251 ، 269 ، 351
    محمود الأول (السلطان) : 262 ، 344 ، 347
    محمود باشا چغالة زاده : 28
    محمود الثامر : 120
    محمود الحويزي : 230
    محمود الرئيس الأول : 55
    محمود السيستاني : 269
    محمود شكري الآلوسي : 136 ، 146
    محمود الغرابي : 148 ، 154 ، 355 ، 358
    محمود بن عثمان الرحبي : 331
    محمود بن عبد الوهاب مفتي الموصل : 122 ، 356
    محيي الدين : 73
    مدلج المفتي : 141 ، 157 ، 355
    مراد آغا : 46
    مراد باشا : 51
    مراد بخش : 73 ، 74
    مراد الخاصكي : 39 مراد الرابع (السلطان) : 17 ، 22 ، 24 ، 27 ، 29 ، 32 ، 33 ، 50 ، 51 ، 53 ، 82 ، 84 ، 127 ، 189 ، 225 ، 290 ، 316 ، 318 ، 342 ، 349 ، 350 ، 353
    مراد رئيس : 87
    مرتضى باشا : 39 ، 41 ، 54 ، 56 ، 60 ، 65 ، 66 ، 75 ، 77 ، 78 ، 322 ، 324
    مرتضى آل نظمي البغدادي : 27 ، 72 ، 76 ، 81 ، 83 ، 85 ، 228 ، 257 ، 355 ، 358 ، 359
    المستنصر (الخليفة) : 33
    المستضيء بأمر الله : 96 ، 97
    مسطور الكعبي : 338
    مصطفى آغا الجراح : 127
    مصطفى آغا ضابط الحرم : 29
    مصطفى آغا الطوبخانه لي : 48 ، 49
    مصطفى أفندي : 265
    مصطفى باشا : 34 ، 51 ، 56 ، 105 ، 107 ، 115 ، 116 ، 119 ، 170 ، 173
    مصطفى باشا (الوزير) : 240
    مصطفى باشا الينبوغ : 85 ، 170
    مصطفى باشا دال طبان : 168
    مصطفى باشا رئيس الحجاب : 116
    مصطفى باشا القنبور : 82
    مصطفى باشا الكوبريلي : 150
    مصطفى التذكره جي : 17 ، 348
    مصطفى (السلطان) : 12
    مصطفى الثاني (السلطان) : 344


    مصطفى جواد : 70 ، 97 ، 113 ، 244 ، 304
    مصطفى خان شاملو : 315 ، 316 ، 321 ، 334 ، 335
    مصطفى الدده : 62 ، 63
    مصطفى (عالم البصرة) : 118
    مصطفى العدلي : 121 ، 122 ، 123 ، 124
    مصطفى فتح الله : 123
    مصطفى بن كمال الدين محمد الصديقي الدمشقي : 244
    مصطفى الملا طيوي : 10
    مصطفى الميراخور : 340 ، 341 ، 342
    مصطفى نوري باشا : 281
    مطلب مولى الحويزة : 353
    معتوق بن شهاب الموسوي : 358
    معروف الكرخي : 128 ، 147 ، 231
    معير خان : 319 ، 321
    مغامس أمير المنتفق : 195 ، 196 ، 206 ، 207 ، 212 ، 213 ، 214 ، 216
    ملا باشي : 319 ، 327
    مندو : 223
    منلا محمود : 244
    منصور مولى الحويزة : 353
    منيهاج : 130
    مهنا بن علي الخزعلي : 25 ، 26
    مهنا العثمان : 338
    موسى آغا : 254
    موسى باشا السمين : 43
    موسى باشا القپودان : 39 ، 40 ، 41 ، 42 ، 43 ، 44 ، 45 ، 292
    موسى : 99
    موسى باشا كوچك : 37 ، 39
    مير حسن : 152
    حرف النون
    نابي : 10
    نادر خان : 261 ، 270
    نادر شاه : 13 ، 17 ، 187 ، 269 ، 271 ، 273 ، 274 ، 276 ، 277 ، 279 ، 282 ، 283 ، 289 ، 290 ، 294 ، 303 ، 304 ، 307 ، 308 ، 309 ، 310 ، 311 ، 314 ، 315 ، 320 ، 321 ، 322 ، 325 ، 327 ، 334 ، 336 ، 350 ، 351 ، 352 ، 353 ، 355
    الناصر (الخليفة) : 33
    ناصر (الشيخ) : 213
    نجم الحلفاوي : 122
    نديم : 10
    نذر محمد : 31
    نشاطي : 358
    نصر الله الحائري : 230 ، 309 ، 312 ، 357 ، 358
    نصرة الأفغاني : 258
    نظر علي خان : 319
    نظمي البغدادي : 83
    نظيف مصطفى : 315
    نعمان بك : 331
    نوح (عم الشيخ حسين) : 136
    نوروز خان : 110
    نوغاي : 22


    حرف الهاء
    هارون الرشيد : 230 ـ 232
    هاشم بن المستضيء : 97
    هولاكو : 272
    هبة الله مولى الحويزة : 353
    هيرودوتس : 236
    حرف الواو
    ولي أفندي : 311 ، 315
    وصفي زكريا : 188
    ولي محمد : 31
    وداي العطية : 26 ، 178 ، 197 ، 198 ، 212
    حرف الياء
    ياسين باش أعيان : 96 ، 98 ، 107 ، 117
    ياسين بن حمزة آل شهاب : 117
    ياسين العمري : 8 ، 322
    ياسين بن محمود الموصلي : 190
    ياسين المفتي : 123 ، 356 ، 357
    ياقوت المستعصمي : 77
    يحيى آغا : 101 ، 102 ، 103 ، 106 يحيى (الأمير) : 88 ، 89 ، 90 ، 93 ، 104
    يحيى بك : 56
    يحيى باشا : 107 ، 110 ، 112 ، 114 ، 115 ، 116 ، 118 ، 335
    يحيى دده : 142
    يحيى بن علي باشا : 88
    يحيى بن نوح : 136
    يرنججي زاده : 46
    يعقوب سركيس (الأستاذ) : 150 ، 204 ، 213 ، 293
    يوسف آغا : 216
    يوسف (الشيخ) : 114
    يوسف باشا : 168 ، 173 ، 180 ، 183 ، 184 ، 185 ، 204
    يوسف باشا الچلبي : 165 ، 170
    يوسف بن سيدي خان : 81
    يوسف عزيز المولوي : 63 ، 188 ، 208 ، 220 ، 221 ، 222 ، 224 ، 305 ، 358
    يونس الموصلي : 310

    2 ـ فهرس الشعوب والقبائل والبيوت والنحل
    حرف الألف
    الأبازة : 47
    أبدالي : 351
    أبو ريشة (آل) : 34 ، 36
    الأجود : 207 ، 213
    أردلان : 239 ، 247 ، 248 ، 255
    الأرمن : 237 ، 238
    الأزيرق : 216
    أسلم : 301
    الأعاجم : 274
    أفراسياب (آل) : 27 ، 34 ، 90 ، 99 ، 103 ، 111 ، 113 ، 117
    أفشار والأفشارية : 219 ، 350 ، 352
    الأفغان : 233 ، 236 ، 237 ، 238 ، 253 ، 254 ، 255 ، 256 ، 257 ، 258 ، 261 ، 269 ، 272 ، 283 ، 308 ، 318 ، 319 ، 333 ، 350 ، 351 ، 352 ، 353
    الألبانيون : 237
    آلوسي (آل) : 136
    أهل البصرة : 114 أهل الجزائر : 93 ، 113
    أهل السنة : 76 ، 238 ، 311
    الإنكليز : 73 ، 74 ، 119
    أوزبك : 31 ، 73 ، 138 ، 318 ، 319 ، 333
    حرف الباء
    بابان ، ببه : 152 ، 218 ، 222 ، 228 ، 239 ، 255 ، 322 ، 324 ، 343
    باجلان : 115 ، 163 ، 170 ، 225 ، 255
    باش أعيان (آل) : 56 ، 57 ، 112 ، 117 ، 357
    الباچه جي (آل) : 167
    بارگزائية : 351
    البرتغال : 185
    بقارة : 286
    بكتاشية : 121
    بلباس : 218 ، 219 ، 228 ، 239 ، 294 ، 299 ، 294 ، 299
    بنو أسد ، بنوسد : 108
    بنو إسرائيل : 19 ، 300


    بنو جميل : 162 ، 163 ، 249
    بنو حسن : 208
    بنو خالد : 88 ، 103 ، 206 ، 254
    بنو سعد : 207
    بنو صخر : 301
    بنو عباس : 85
    بنو عمير : 160
    بنو لام : 134 ، 163 ، 177 ، 192 ، 194 ، 215 ، 216 ، 217 ، 218 ، 223 ، 227 ، 228 ، 229 ، 249 ، 250 ، 260 ، 291 ، 292 ، 293 ، 295 ، 306 ، 313 ، 337
    بنو مالك : 160 ، 179 ، 207 ، 213
    البو حمدان : 191
    بوشناق : 145 ، 146
    البو ناصر : 219
    بيات : 114 ، 163 ، 170 ، 269
    حرف التاء
    تاجيك : 236
    الترك ، الأتراك ، التركمان : 15 ، 24 ، 27 ، 70 ، 150 ، 165 ، 221 ، 237 ، 238 ، 255 ، 269
    حرف الثاء
    ثمود : 306
    حرف الجيم
    جاف (جاف جوانرود) : 225 ، 239 ، 248 ، 255
    الجحيش : 201 الجليلي (آل) : 257 ، 343
    جمشكز : 269
    جوجي (آل) : 31
    حرف الحاء
    حسين (آل) : 201
    الحللية : 210 ، 357
    حميد (آل) : 26 ، 200 ، 201
    حرف الخاء
    خالد (آل) : 201
    الخزاعل : 25 ، 26 ، 179 ، 184 ، 194 ، 195 ، 197 ، 198 ، 209 ، 229 ، 239 ، 247
    خزاعة : 26 ، 27
    الخزر : 236
    خلج : 237
    الخلفاء الراشدون : 315
    حرف الدال
    داسنية : 51
    درانية : 351
    دليم : 201
    الدواسر : 338
    حرف الراء
    الراشد : 108
    ربتكي (آل) : 356
    ربيعة : 206 ، 209 ، 213 ، 216 ، 296 ، 299
    الرفاعية : 164


    رفيع (آل) : 200
    الروم : 27 ، 32 ، 34 ، 45 ، 54 ، 59 ، 73 ، 85 ، 92 ، 93 ، 96 ، 99 ، 100 ، 110 ، 135 ، 141 ، 142 ، 149 ، 151 ، 278 ، 297 ، 308 ، 316
    حرف الزاي
    زبيد : 162 ، 163 ، 201 ، 202 ، 203 ، 206 ، 209 ، 210 ، 211 ، 284 ، 295 ، 306 ، 313
    زبيد الأصغر : 163
    الزراقيط : 199
    زوبع : 316
    زيبار أو زنيبار : 226
    حرف السين
    ساعدة : 200 ، 250
    الساميون : 226
    السراي (السراج) : 206
    السدزائية : 351
    السرحان : 301
    السعدون (آل) : 300
    السعيد : 201
    السكبان ، السكبانية : 18 ، 57 ، 113 ، 115 ، 129
    السويدي (آل) : 325 ، 356 ، 358
    حرف الشين
    شاوي الحميري (آل) : 202
    الشبل : 250 الشافعية : 294
    الشبيب : 209
    شريف بك (آل) : 241
    شمر : 161 ، 162 ، 197 ، 198 ، 199 ، 206 ، 250 ، 251 ، 284 ، 313 ، 316
    شمر طوگة (طوقة) : 199 ، 203
    شوان : 191
    شهاب البصري (آل) : 117
    الشهوان : 189 ، 191 ، 286
    شيبان : 31
    الشيعة : 20 ، 239 ، 311 ، 312 ، 315
    حرف الصاد
    الصاجلية : 229
    صفوية ، صفويون : 233 ، 239 ، 265 ، 269 ، 270 ، 289 ، 312 ، 316 ، 318 ، 350 ، 351 ، 352 ، 353
    الصوفية : 125 ، 128
    حرف الطاء
    طريحي (آل) : 352 ، 357 ، 358
    طيىء : 29 ، 36 ، 70 ، 135 ، 162 ، 188 ، 218 ، 223 ، 286 ، 332
    حرف العين
    عاد : 306
    العباسيون : 151 ، 232 ، 357
    عبد السلام : 98
    العبيد : 202 ، 203 ، 209
    عبودة : 213


    العثمانيون والدولة العثمانية : 7 ـ 9 ، 12 ، 15 ، 20 ، 28 ، 74 ، 87 ، 88 ، 90 ، 94 ، 104 ، 110 ، 111 ، 165 ، 176 ، 217 ، 225 ، 239 ، 247 ، 248 ، 253 ، 254 ، 257 ، 258 ، 260 ، 278 ، 283 ، 289 ، 290 ، 304 ، 311 ، 313 ، 314 ، 317 ، 318 ، 320 ، 326 ، 327 ، 334 ، 343 ، 344 ، 349 ، 350 ، 353
    العجم : 18 ، 25 ، 27 ، 31 ، 42 ، 43 ، 44 ، 45 ، 52 ، 57 ، 73 ، 74 ، 84 ، 92 ، 93 ، 96 ، 109 ، 110 ، 111 ، 113 ، 151 ، 159 ، 217 ، 219 ، 223 ، 229 ، 233 ، 234 ، 235 ، 239 ، 263 ، 281 ، 307 ، 313 ، 319 ، 322
    العرب : 15 ، 23 ، 24 ، 27 ، 59 ، 110 ، 113 ، 150 ، 195 ، 206 ، 211 ، 238
    العزة : 163 ، 209
    العمري (آل) : 356
    حرف الغين
    الغرابي (آل) : 148 ، 355 ، 358
    الغرير : 189 ، 191 ، 209 ، 286
    غزية : 162 ، 200 ، 206 ، 211
    الغلامي (آل) : 356
    حرف الفاء
    الفخري (آل) : 357
    الفرس : 70 ، 141 ، 226 ، 238 ، 283
    الفيلية : 193 حرف القاف
    قاجار : 318
    القرامطة : 87
    قريش : 254
    القزلباش (القزلباشية) : 51 ، 235 ، 236
    قطان البوادي : 48
    قوجة عز الدين : 286
    قيس : 163
    حرف الكاف
    الكرد ، الأكراد : 51 ، 152 ، 170 ، 188 ، 203 ، 224 ، 228 ، 238 ، 250 ، 255 ، 257 ، 263 ، 271 ، 273 ، 288 ، 303 ، 309 ، 320 ، 325 ، 333 ، 340 ، 349 ، 350
    الكرمليون : 196
    كعب : 113 ، 309 ، 338
    گلزائي : 237
    كواوزة : 96
    الكيكية : 286
    حرف اللام
    لور ، لر : 192 ، 239 ، 247 ، 248 ، 258 ، 263
    لزك ، لزكي : 303
    اللوند : 94 ، 166
    حرف الميم
    ماموي : 239
    المجمع (عشرة) : 249


    مدلج (آل) : 355
    المذهب الجعفري : 315
    المسعود : 199 ، 203
    مشاهدة : 342
    المشعشعون : 164 ، 260
    المعادي : 337 ، 338
    المعامرة : 201
    المغول : 31 ، 73 ، 151 ، 231 ، 308
    المفتي (آل) : 210
    الملامتية : 64
    المليك : 219
    الملية : 188
    المماليك وحكومة المماليك : 11 ، 15 ، 17 ، 80 ، 210 ، 244 ، 298 ، 326 ، 330 ، 343 ، 360
    المناع (آل) : 213
    المنتفق : 27 ، 100 ، 107 ، 108 ، 155 ، 156 ، 158 ، 164 ، 176 ، 192 ، 195 ، 204 ، 206 ، 207 ، 209 ، 210 ، 212 ، 213 ، 216 ، 251 ، 260 ، 297 ، 298 ، 300 ، 306 ، 337 ، 343 ، 345 ، 346
    الموالي : 100 ، 188 ، 232 ، 274
    المولوية : 142 ، 188
    الميّاح : 206 ، 213 ، 216
    حرف النون
    النصارى : 300
    نظمي (آل) : 149 ، 150 ، 355 ، 357 نوح (آل) : 136
    نوفل (آل) : 201
    حرف الهاء
    هزارة : 236
    هندوك ، هندوس : 236 ، 237 ، 238
    الهولنديون : 195
    حرف الواو
    الوهابية : 357
    حرف الياء
    ياسين المفتي (آل) : 103
    اليزيدية : 51 ، 209 ، 223 ، 229 ، 285 ، 343 ، 356
    الينگچرية : 15 ـ 18 ، 39 ـ 47 ، 49 ، 50 ، 53 ، 69 ـ 72 ، 101 ، 106 ، 108 ، 109 ، 127 ـ 130 ، 133 ، 134 ، 139 ، 148 ، 166 ، 168 ، 170 ، 172 ، 176 ، 179 ، 180 ، 192 ، 277 ، 279 ، 281 ، 287 ، 290 ، 291 ، 327 ، 328 ، 329 ، 330 ، 348 ، 349
    اليهود : 19

    3 ـ فهرس المدن والأماكن
    حرف الألف
    آلتون صويي (نهر الذهب) : 226
    آلتون كوپري (قنطرة الذهب) : 225 ، 226 ، 244 ، 255
    آمد : (ديار بكر)
    الأبلة (نهر) : 175
    أبو حجيرات : 293
    أبو غرافة : 216
    أبو مهفة (أبو مهيفة) : 213
    أبيورد : 352
    الأحساء : 55 ، 56 ، 87 ـ 90 ، 92 ، 101 ـ 103 ، 117 ، 206 ، 212
    أخسخة : 159
    أخيضر : 212
    أدرنة : 103 ، 165 ، 168
    أدنه كوي (منصورية الجبل) : 261
    أذربيجان : 238 ، 271 ، 315 ، 333
    إربل : 310 ، 324
    أردلان : 239 ، 247 ، 248 ، 255
    أرضروم (أرزن الروم) : 133 ، 137 ، 234 ، 238 ، 240 ، 289 أريوان : 288
    استنبول : 8 ـ 12 ، 25 ، 28 ، 33 ، 40 ، 41 ، 43 ، 45 ، 46 ، 49 ، 51 ، 53 ، 60 ، 67 ، 78 ، 82 ، 86 ، 87 ، 103 ، 107 ، 144 ، 149 ، 150 ، 185 ، 188 ، 196 ، 228 ، 248 ، 254 ، 257 ، 273 ، 290 ، 311 ، 314 ، 315 ، 316 ، 317 ، 327 ، 328 ، 335 ، 336 ، 359
    أسكدار : 159 ، 288
    الإسكندرية : 107 ، 191 ، 254
    أصفهان : 233 ، 234 ، 240 ، 253 ، 256 ، 257 ، 260 ، 263 ، 270
    أطنة (أدنة) : 332
    الأعظمية : 185 ، 273 ، 311
    ألبانيا : 237
    ألمانيا : 65
    أم التمن : 204
    أم الغزلان : 216
    أماسية : 170 ، 264
    الأناضول (أناطول) : 51 ، 75 ، 81 ، 147 ، 272 ، 289 ، 290


    الأهوار : 170 ، 215
    إيران والإيرانيون : 12 ، 14 ـ 17 ، 20 ، 25 ، 27 ، 28 ، 34 ، 65 ، 74 ، 89 ، 90 ، 127 ، 149 ، 158 ، 166 ، 174 ، 176 ، 189 ، 192 ، 193 ، 219 ، 225 ، 226 ، 233 ، 234 ، 235 ، 236 ، 238 ، 239 ، 240 ، 247 ، 253 ، 254 ، 255 ، 258 ، 260 ، 261 ، 275 ، 278 ، 283 ، 307 ، 309 ، 315 ، 316 ، 317 ، 318 ، 319 ، 320 ، 321 ، 322 ، 326 ، 327 ، 331 ، 332 ، 333 ، 334 ، 335 ، 336 ، 339 ، 344 ، 350 ، 351 ، 352 ، 353
    الإيوان : 344
    إيوان الموصل : 143
    حرف الباء
    باب الأبواب : 236
    باب الأعظمية : 30 ، 75
    باب الآغا (محلة) : 69
    الباب الجديد : 252
    باب رباط كبير : 119 ، 120
    باب رباط صغير : 120
    باب الشجرة : 259
    الباب الشرقي : 172
    باب الشيخ (محلة) : 154
    باب المعظم : 259 ، 276
    باب الوسطاني : 147
    باجلان : 115 ، 163 ، 170 ، 225 ، 255
    باچير : 111 باريس : 113
    باكستان : 74
    پاي طاق : 317
    بحر الخزر : 236
    البحرين : 87
    بخارى : 308
    بدرة : 170
    البدعة : 204
    بدون : 129
    براثا (مسجد) : 71
    برج الجاوش : 146
    برج الصابوني : 146
    برج العجم : 30
    بروجرد : 248 ، 262
    بروسنة : 12
    البستان (جبل) : 192 ، 193
    بستان الباشا (بستان المتولية) : 283 ، 304 ، 330
    بستان حسن : 221
    بستان القصب : 99
    بستانسور : 323 ، 324
    پشتكوه : 193
    بشكوه : 193
    البصرة : 11 ، 34 ، 37 ، 52 ، 53 ، 55 57 ، 59 ـ 61 ، 87 ـ 91 ، 94 ، 96 ، 98 ـ 101 ، 103 ـ 114 ، 116 ـ 120 ، 122 ، 123 ، 126 ، 127 ، 132 ، 135 ، 142 ، 144 ، 149 ، 154 ـ 159 ، 161 ، 163 ، 164 ، 165 ، 166 ، 167 ، 168 ، 172 ، 174 ـ 176 ، 185 ، 186 ،


    195 ، 196 ، 201 ، 203 ، 206 ، 207 ، 209 ، 210 ، 214 ، 215 ، 220 ، 224 ، 243 ، 246 ، 253 ، 283 ، 291 ، 292 ، 297 ، 298 ، 299 ، 300 ، 301 ، 309 ، 311 ، 326 ، 331 ، 332 ، 337 ، 338 ، 339 ، 340 ، 342 ، 344 ، 345 ، 346 ، 357
    البطائح (الجوازر) : 72 ، 160
    بغاوند : 288
    بغداد (مدينة السلام) : 11 ، 15 ، 17 ـ 20 ، 22 ـ 24 ، 26 ، 27 ـ 35 ، 37 ـ 54 ، 56 ، 59 ـ 62 ، 65 ـ 80 ، 82 ، 84 ـ 87 ، 89 ـ 92 ، 94 ، 96 ، 100 ، 102 ـ 107 ، 110 ـ 124 ، 127 ، 129 ، 130 ، 132 ـ 139 ، 141 ـ 145 ، 147 ـ 153 ، 155 ـ 157 ـ 173 ، 177 ، 179 ، 180 ، 182 ـ 186 ، 188 ، 189 ، 192 ـ 196 ، 198 ، 199 ، 201 ـ 204 ، 206 ، 208 ، 211 ، 212 ، 214 ، 217 ، 220 ـ 225 ، 227 ، 228 ، 229 ، 231 ، 232 ، 234 ، 238 ، 239 ، 243 ، 244 ، 246 ـ 250 ، 258 ، 260 ، 266 ـ 269 ، 271 ـ 278 ، 282 ، 284 ، 285 ، 287 ـ 300 ، 302 ـ 311 ، 313 ، 314 ، 315 ، 317 ، 320 ـ 322 ، 324 ـ 328 ، 330 ، 331 ، 332 ، 334 ، 335 ، 337 ، 339 ـ 343 ، 347 ، 349 ، 352 ، 355 ، 356 ، 359
    بغداد كوشكي (قصر بغداد) : 28 البقيع : 138
    بگ أوغلي : 66
    بلاد الأفغان : 233
    بلاد الترك : 221
    بلخ : 308
    بهبهان : 110
    بهرز (قرية) : 147
    بودين : 33 ، 34 ، 41
    البوسفور (مضيق) : 51
    البوسنة : 33 ، 127
    پولونيا (لهستان) : 65
    پياس : 52
    بيت الله الحرام : 130 ، 138 ، 315
    بيدا : 262
    پيره جك : 170 ، 171 ، 274
    پيشكوه : 193
    البيمارستان العضدي : 304
    حرف التاء
    تابية الفتح : 75
    تابين : 322
    تبريز : 238 ، 271 ، 333
    تربة بابا كور كور : 121
    تربة السيدة زبيدة : 231
    تربة العزيز عليه السّلام : 300 ، 301
    تركستان : 308
    تفليس : 240
    تكريت : 39 ، 274
    تكية البكتاشية : 106 ، 120 ، 121
    تكية عرب : 154
    تنومة : 113 ، 151 ، 176


    حرف الجيم
    الجادرية : 293
    جامع الآصفية : 244
    جامع الأحسائي (تكية الخالدية) : 125 ، 126
    جامع الآصفية : 63
    جامع الإمام الأعظم : 67 ، 118 ، 135 ، 148
    جامع الإمام علي : 242
    جامع الأوزبك : 30 ، 31 ، 74
    جامع براثا : 244
    جامع البوشناق : 146
    جامع جديد حسن باشا (جامع السراي ، جامع السليماني) : 142 ، 188 ، 245 ، 329
    جامع حسين باشا : 126
    جامع حمام المالح : 146
    جامع الخاصكي : 76 ، 77
    جامع الخفافين : 167
    جامع السهروردي : 125
    جامع سلطان سيد علي : 140
    جامع العتيقة : 71
    جامع القپلانية : 132
    جامع القدوري : 132
    جامع القمرية : 21 ، 32 ، 135 ، 136
    جامع الگيلاني : 127 ، 356
    جامع محمد باشا السلحدار : 76
    جامع محمد الفضل : 146
    جامع معروف الكرخي : 128 ، 147 ، 231 جامع المنطقة : 71
    جامع نور السلحدار : 76
    جامع الوزير : 145
    جبل الگاوور : 286
    جبل النصارى : 287
    جبه : 172
    جدة : 343
    جسّان : 115
    جسر بغداد : 224 ، 244
    جسر الحلة : 313
    جسر ديالى : 173
    الجسر الرضواني : 198
    جسر الموصل : 241 ، 307
    الجزائر (الجوازر ، البطائح) : 68 ، 72 ، 96 ، 109 ، 155 ، 170 ، 173 ، 178 ، 208 ، 210 ، 213 ، 214 ، 215 ، 217 ، 223 ، 296
    الجزيرة : 153 ، 251 ، 284
    جزيرة حميد : 199
    جفتايه : 208
    جوانرود : 239
    جوبين : 226
    چولان (قلعة) : 271
    جهان آباد : 308
    حرف الحاء
    حانية : 33 ، 38
    الحجاز : 356
    الحرم السلطاني : 150
    الحرم الشريف : 343
    الحرمان الشريفان : 123 ، 150


    حرير : 255
    الحسكة : 178 ، 179 ، 182 ، 184 ، 194 ، 195 ، 196 ، 201 ، 212 ، 213 ، 297 ، 337 ، 341
    حسن دپه (تپه) : 322
    الحسينية (نهر) : 244
    حلب : 11 ، 29 ، 35 ، 36 ، 52 ، 86 ، 91 ، 92 ، 103 ، 107 ، 122 ، 123 ، 145 ، 157 ، 165 ، 168 ، 170 ، 196 ، 232 ، 246 ، 248 ، 285 ، 286 ، 287 ، 340
    الحلّة : 20 ، 22 ، 107 ، 170 ، 173 ، 177 ، 179 ، 180 ، 193 ، 200 ، 201 ، 204 ، 208 ، 211 ، 283 ، 284 ، 297 ، 306 ، 331 ، 341
    الحويزة : 110 ، 134 ، 164 ، 165 ، 166 ، 172 ، 176 ، 192 ، 206 ، 212 ، 214 ، 223 ، 227 ، 230 ، 258 ، 259 ، 260 ، 309 ، 337 ، 344
    الحي : 216
    حرف الخاء
    الخاتونية : 223
    خالد كبشة : 178 ، 179
    خان آزاد : 136
    خان بني سعد : 147 ، 192
    خان جغان : 28
    خان الحصوة : 192
    خان الناصرية : 192
    خان النصف (النص) : 147 ، 191
    الخانقاه الصغير : 24 خانقين : 271
    الخانوقة : 189 ، 191
    خداوندگار : 317
    خراسان : 217 ، 269 ، 334 ، 352
    خرّم آباد : 239 ، 247 ، 258
    خزانة الآثار : 326
    خزانة الإمام علي : 312
    خزانة آل باش أعيان : 112
    الخزانة الهمايونية : 335
    خطر الزور : 204
    خليج العمارة : 217
    خندق بغداد : 233
    خوارزم : 269
    حرف الدال
    دار السلطنة : 91
    دار الآثار العراقية : 58 ، 95
    دار الآثار القديمة : 21
    الدار الآثرية بدمشق : 312
    دار الطباعة العامرة : 13
    دار الإمارة : 72
    دار القرامطة : 87
    دار الكتب الوطنية : 113
    داسن (داسني) : 51 ، 52
    داغستان : 303
    دامغان : 270
    دانمرك : 65
    دبره : 188
    دبلة : 212
    دپه رش (تپه رش) : 323
    دپه كل : 323


    دجلة : 48 ، 49 ، 51 ، 53 ، 74 ، 75 ، 108 ، 125 ، 126 ، 136 ، 140 ، 148 ، 160 ، 170 ، 171 ، 177 ، 190 ، 216 ، 217 ، 249 ، 266 ، 274 ، 281 ، 300 ، 310
    دجيل (نهر) : 77 ـ 79 ، 162 ، 275
    درتنك : 255 ، 344
    دره حار : 270
    درنه : 248 ، 255 ، 261 ، 271 ، 273 ، 324 ، 344
    دكاكين : 206
    دلي عباس (المنصورية) : 324
    دمشق : 141 ، 312
    دورق : 110 ، 111 ، 174
    الدورة : 191
    ده بالا : 193
    ديار بكر (آمد) : 25 ، 29 ، 34 ، 39 ، 41 ، 44 ، 46 ، 48 ، 72 ، 75 ، 77 ، 82 ، 86 ، 91 ، 92 ، 101 ، 106 ، 108 ، 111 ، 116 ، 132 ، 133 ، 158 ، 161 ، 165 ، 168 ، 170 ، 177 ، 180 ، 183 ، 184 ، 186 ، 188 ، 189 ، 204 ، 212 ، 232 ، 259 ، 264 ، 272 ، 326 ، 327 ، 335 ، 340
    ديار بني أسد : 108
    الديار الرومية : 122
    ديار الكرد : 150 ، 212
    ديالى : 151 ، 177 ، 199 ، 216 ، 217
    الدير : 155
    دير العاصي : 223
    ديوان بغداد : 72
    الديوانية : 212 الديوان الهمايوني : 315
    حرف الذال
    الذنابة : 293
    ذو الكفل : 191 ، 250
    حرف الراء
    رأس الجسر : 129
    رأس الشط : 99
    رأس القرية : 76
    رأس المسناة : 136
    رانغون : 73
    رباط الجندرمة : 23
    رباط سلمية : 65
    الرحالية : 303
    الرصافة : 276 ، 304 ، 309
    الرضوانية : 173
    الرقة : 92 ، 106 ، 116 ، 170 ، 232 ، 274 ، 287 ، 340
    الرمّاحية : 20 ، 94 ، 107 ، 160 ، 178 ، 179 ، 200 ، 201 ، 212 ، 345
    الرملة : 93 ، 108
    الرها (أورفة) : 84 ، 161 ، 188 ، 286 ، 287 ، 290
    روان : 159 ، 160 ، 237
    روسيا : 65
    روم إيلي : 335 ، 336
    حرف الزاي
    الزاب : 226 ، 285
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
     
    تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    » موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي
    » موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين العثماني للعزاوي
    » موسوعة عشائر العراق للعزاوي
    » موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج2
    » موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: 29-منتدى -موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين العهد العثماني الثاني-
    انتقل الى: