الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
اهل البيت
المواضيع الأخيرة
» نثر الدر المكنون
موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyاليوم في 6:12 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» مقاتل الطالبيّين مقاتل الطالبيّين المؤلف :أبي الفرج الاصفهاني
موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyأمس في 11:42 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج1
موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyأمس في 10:27 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج2
موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyأمس في 9:59 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج3
موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyأمس في 9:34 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  كلام جميل عن التسامح
موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyأمس في 8:57 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  مفهوم التسامح مع الذات
موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyأمس في 8:48 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» أقوال الحكماء والفلاسفة
موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyأمس في 10:01 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» أقوال وحكم رائعة
موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyأمس في 9:55 am من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Empty
    مُساهمةموضوع: موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 9:10 am

    استدرك المؤلف على الجزء السادس ، ووضع تعليقات ألحقها بالجزء السابع ، قال :
    «المرء معرض للنقص والسهو أو لا تتيسر له الإحاطة ولا الاستيعاب للمباحث ، لا سيما الحوادث التاريخية ، وبالتعليق والاستدراك يتلافى بعض النقص ويراعى إصلاح الخطأ. فيستدرك ما فات. ويصحّح الخطأ».
    وقد رأينا أن نضع فقرات هذه الاستدراكات والتعليقات في مواضعها من هذا الجزء. كما فعلنا في الأجزاء السابقة.
    وقد ألحق المؤلف بهذا الجزء تعليقات واستدراكات على الجزأين الرابع والخامس سماها «الملحق الخامس» وقد رأينا أن نضمها إلى الجزأين المذكورين.
    الدار العربية للموسوعات


    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
    المقدمة
    الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
    وبعد فهذه صفحة أخرى تالية لما سبقها من بيان حياتنا الماضية وتطورها ، كاشفة عما اتصل بنا من حوادث. وهدفنا أن نتطلع إلى وجوه الانتفاع وإلى ما طرق من مضايق حرجة وما اتخذ من مخارج ، أو ندرك الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في حالات الهدوء والاضطراب ...
    وتخص تلك الحوادث أيام (المماليك) المعروفين بـ (الكولات). نرى المطالب فيها أوسع والعلاقات أكمل وأتم. جاءتنا فيها الوثائق أكثر. وتبينت لنا الحالة أوضح لقرب العهد منا. وفيها من السياسة ضروب ، ومن الاتجاهات أنواع. ومثلها في الثقافة ما لا يقل شأنا. وهكذا سائر الأحوال مما يدعو إلى الانتباه والمعرفة الحقة بالرغم مما يحوطها من الاتجاهات.
    وحوادثها من سنة 1162 ه‍ ـ 1749 م إلى سنة 1247 ه‍ ـ 1831 م. وتعد زمن نهضة وأملنا أن تكون هذه المباحث عند رغبة الأفاضل.

    نظرة عامة
    حكومة المماليك أثرت على العراق سياسيا وثقافيا. فبرزت أهميتها كبيرة بما شوهد من وقائع. فخلدت لها ذكرا ، وأظهرت العراق مرة أخرى ، وإن كانت لم تتوافر لها الدوافع السياسية والبواعث الاجتماعية والاقتصادية ، من كل وجه.
    وهذا العهد يهمّ كثيرا في إدراته ، وفي نفسيات أهليه ، وما اكتسب من العظمة في أوضاع جرت فيه ، أو فرضت عليه من سياسة مشى عليها الحاكمون أو جموح من الأهلين ، وهكذا ما كان من اتصالات بالخارج وعلاقات اقتصادية وحربية ... أو ما حصل من ثقافة.
    استعان الوزير حسن باشا وابنه أحمد باشا (بالمماليك). فأكثروا منهم لتقوية سلطانهم وللقضاء على (الينگچرية) وتحكمهاتهم بالولاة وبالدولة ، فتمكنوا من هذه الادارة إلا أن السلطة حولت إليهم. ذاق المماليك حلاوة الحكم ، وشعروا بالقدرة ، فخلفوا أسيادهم في سلطانهم ولم يحصل من التبدل إلا أن يعلنوا ادارتهم. أرغموا الدولة أن تصادق على الأمر الواقع. وتسلطوا على الأهلين فأذعن العراق بالطاعة.
    رغبوا في الحكم. وكان بأيديهم. فهم بين أن يتمشوا والإدارة الأهلية فيجدوا أكبر مناصر ، وبين أن يرعوا مطالب الدولة إلا أنهم كانوا في ريب منها. وفي كلتا الحالتين لم يجدوا الأمر مكفولا ، فليس لهم قدرة النضال ، وليس من الميسور أن تقبل الدولة الانقياد الظاهري أو أن تدع مجالا لأحد أن يتدخل في ادارتها. والأهلون بالمرصاد.
    قرروا بعد تلوّم أن يجروا على خطة أحمد باشا في تسلطه وانقياده الظاهري للدولة دون معاكسة الأهلين ، فصرفوا الهمة إلى ارضاء الناحيتين مع مراعاة الحيلولة دون اتفاقهما. أبدوا الطاعة للدولة. وفي الوقت نفسه حاربوا الوالي المبعوث منها. وكان وضع الدولة آنئذ أن لا

    تحرك ساكنا حذرا من تكرر واقعة (بكر صوباشي) ، فتتدخل ايران مرة أخرى. وكان لها من الأوضاع الحربية والحالات الطارئة ما يشغل.
    لم يستطع الوالي أن يقف في وجه المماليك ، فاضطرت الدولة أن تذعن خشية توسع الخلاف ، أو أن يفرط الأمر ، فورد الفرمان وكان موقعا على البياض ، فجاء بنصب سليمان باشا وزيرا على بغداد ، وانتهت العقدة ، فتكونت (حكومة المماليك). وقبلت بما يؤديه الوالي إلى الدولة ، وانقادت اسميا بل راعت ما هو مرعي للولاة المنقادين رأسا. وكانت موافقة الدولة على مضض وشعرت بالخطر ، فحاولت بعدها محاولات عديدة للقضاء على هذه الغائلة فكانت كلها فاشلة. يتخلل ذلك وقائع أخرى غريبة ، وأحوال شاذّة وآراء مهمة ، وتدابير دقيقة. كلها تدل على حنكة. وفيها أقصى ما يمكن الركون إليه من خطط سليمة ، وآراء قويمة لا نجدها في غيرها.
    دامت هذه الحكومة في جدال عنيف تارة ، وفي سياسة مصافاة ومداراة أخرى وكانت في يقظة. لم تضيع الحكمة ولا حسن الادارة في وضعها وفيما تدعو إليه الحالة. وهكذا حتى شعرت بالقدرة. فاضطرت للمقارعة الحاسمة أو المجاهرة بالمخالفة للدولة فأرادت أن تجرب طالعها فحدث ما لم يخطر ببال ، فانتهت بخذلان ذريع وانقراض تام. وإرادة الله تعالى غالبة.
    ولا ننكر أن هذه الحكومة قضت أيام راحة وطمأنينة أكثر من الادارات السابقة نوعا ، وصرفت جهودا للنفع العام من احياء الحضارة والثقافة ومراعاة وسائل العمارة ، فنال القطر رفاها ، واكتسب انتظاما. وأقل ما عملوا أنهم أزالوا نفوذ الينگچرية.
    والأهلون لم ينالوا نصيبا وافرا في الادارة. ولذا كانت آمالهم ضعيفة فلا قيمة للعلوم والآداب ، وإنما كانت علما لا ينفع ، وربما

    صارت مصيبة فكلما شعر القوم بقوة قضوا عليها. ولا شك أن حكمهم كان غريبا. رأوا مصافاة الدولة أكبر من مصافاة الشعب فمالوا إليها ، ونال الشعب الإهمال. وكان ربحه في أن يرى راحة ، ولم يجد الازعاج الذي كان. وشاهد ثقافة غير نافعة.
    سيطروا على الادارة ، وتسلطوا بيد من حديد ، وكانت سيرتهم على سيرة مواليهم حسن باشا وأحمد باشا.
    ونرى في هذا العهد صفحات متجددة في السياسة والادارة والثقافة جربنا القلم في موضوعها الشائك بالرغم مما بذلنا من جهد. فالوثائق كثيرة والنزعات متضاربة. فحاولنا النفوذ إلى ما وراء الستار من دقائق سياسية مكتومة ، وجردناها مما كان يخفيه العثمانيون والمماليك. وجل أملنا أن يشارك القارىء الفاضل في النتائج وإلا فلكل رأيه.
    وهذا العهد ـ على قصر مدته ـ أمكن العمل فيه مع وجود المنغصات في حروب ايران ، وفي الطواعين ، وفي حروب الدولة. وكل أمر من هذه يكفي لتدمير دول وأمم ، ومع هذا سار العراق بخطوات واسعة. لم يبال بالعقبات. وهذا شأنه دائما لا يقف عند حادث ، ولا يهتم بما جرى. وإنما يفكر دائما في المستقبل.
    ولا شك أن هذا التاريخ أولى بالاهتمام. فلم تنقطع صلته ، ولا تزال حوادثه المحفوظة تدور في مجالسنا ، والعراق اظهر حبه لهذا العهد لما رأى بعده من غوائل.
    المراجع التاريخية
    لا يخلو هذا العهد من غوامض بالرغم من تعدد المستندات التي حصلنا عليها وتكاثرها بحيث يتبادر لأول وهلة أن لم يبق خفاء. وحب التطلع يقوي الرغبة أكثر. وهذه الوثائق في الغالب صادرة من صنائع

    المماليك ، أو من مؤرخي الدولة وكل منهم يستهدف سياسة خاصة يحاول فيها أن يخفي أمره أو لا يجهر بخطته بل يظهر غير المطلوب.
    والتاريخ السياسي بين الكتمان والمداراة أو هو مسجّى بغشاء من المماشاة وسائر التواريخ بين المغالاة من ناقم ، أو محب مداهن وجهودنا موجهة نحو ما تيسر من تثبيت الواقع وتجريده من الميول والنزعات ، قدر المستطاع. ولم نراع رغبتنا في التوجيه ولا شعورنا في تعيين الشؤون بل كنا بوضع رسام أو مصور بلا تزويق أو تشويه.
    ويهمنا أن نبصّر بعلاقة الحكومة بالأهلين ، وما هي عليه من حالات كما أن هناك علاقات خارجية لا يصح أن تهمل ، وثقافة أو آثار حضارة لا ينبغي أن تغفل.
    1 ـ المراجع العراقية :
    هذه يصعب احصاؤها. وبينها نتف مفرقة ، أو قصائد مفردة أو حوادث مبددة هنا وهناك. ويهمنا بيان ما كان أكثر فائدة. وغالب المؤرخين كانوا لجانب الحكومة. وأقل ما يقال فيهم التزلف.
    والعربية من هذه :
    1 ـ كتب الأدب. من دواوين ومجاميع وأمثالها. وفي التاريخ الأدبي أوسعنا القول فيها. ولا تخلو مما يعين بعض الوقائع فنذكر ما يتعلق منها بالتاريخ السياسي ، أو نستخلص مجمل التاريخ الثقافي.
    2 ـ الوثائق التاريخية. ونتناول منها ما كانت فائدته أشمل مثل منهل الأولياء ، وعمدة البيان ، وغرائب الأثر للعمريين ، ومطالع السعود لابن سند وسائر ما يعرض بحثه. وأما ما تأخر فإننا نتولى بحثه في حينه إلا أننا لا نغفل نصوصه.

    والمراجع التركية :
    لا تختلف عن العربية كثيرا. ونراعي فيها ما روعي في تلك مثل تاريخ نشاطي ودوحة الوزراء وما هناك من دواوين ومجاميع معاصرة. فلا ندخل الآن في التفصيل. أما المراجع الأخرى فإننا نرجىء البحث فيها إلى حينه مثل مرآة الزوراء ، ورسائل المنتفق وحروب الايرانيين وتاريخ الكولات في تكون حكومة المماليك في بغداد وانقراضهم وطبع سنة 1292 ه‍ باستنبول باسم (ثابت) ابن المؤلف. كل هذه للأستاذ سليمان فائق والد صاحب الفخامة الأستاذ الجليل حكمت سليمان.
    2 ـ المراجع التركية للدولة :
    وهذه كثيرة. منها (التواريخ الرسمية) ، ومنها التواريخ الأخرى لمؤلفين أصحاب رغبة.
    التواريخ الرسمية :
    1 ـ تاريخ واصف :
    تاريخ واصف المسمى بـ (محاسن الآثار وحقائق الأخبار) ، كتبه مؤلفه أحمد واصف بأمر من الدولة العثمانية أيام السلطان سليم الثالث ويحتوي على الوقائع من سنة 1156 ه‍ إلى سنة 1188 ه‍ وفيه أن العثمانيين دونوا وقائعهم على يد مؤرخيهم الرسميين إلى سنة 1156 ه‍ بصورة متصلة وكادت تضيع الوقائع أو تنعدم من ذلك التاريخ إلى سنة 1182 ه‍ فأحيل إليه أمر تحريرها وكان بوظيفة توقيعي.
    ذيل به الأستاذ واصف على تاريخ سليمان عزي ونقد بعض معاصريه ومن قبله ممن تولوا تحرير الوقائع ، فعابهم في الانشاء أو في اقتصارهم على حوادث العزل والنصب وأنهم اهملوا أسباب الوقائع ومقتضيات الوقت مما تجب مراعاته.

    وبيّن وقائع العراق وحوادث ايران بالاستناد إلى تقارير الوزير سليمان باشا الأول ونشر فرمان وزارته وأوضح فكرة الدولة آنئذ في إيداع الوزارة إليه ، وذكر طرفا من وقائع اليزيدية إلى آخر ما هنالك.
    طبع كتابه لأول مرة في دار الطباعة العامرة باستنبول عام 1209 ه‍ و 1210 ه‍ في شعبان المعظم كما طبع ببولاق في جمادى الثانية من سنة 1246 ه‍ في مجلدين على ورق سميك في أربعمائة صفحة.
    وعلى تاريخ واصف ذيل للمؤلف نفسه من سنة 1196 ه‍ إلى سنة 1200 ه‍ وآخر من سنة 1203 ه‍ إلى سنة 1209 ه‍ لم يطبعا.
    وتوفي في رجب سنة 1221 ه‍ 1806 م (1). وترجم تاريخه إلى اللغة الفرنسية وطبع.
    2 ـ تاريخ أحمد لطفي :
    هذا من الكتب التاريخية المعتبرة. تبتدىء وقائعه من سنة 1241 ه‍ وتمتد إلى ما بعد المماليك. وفيه بيان لمحارباتهم مع الدولة ، وطريقة القضاء عليهم. وحكاية الوقائع في بغداد عن مفتي بغداد الأسبق الحاج محمد أمين الزندي المتوفى يوم الخميس 13 صفر سنة 1285 ه‍. ولا يخلو الأستاذ سليمان فائق من مخالفة له. اتخذ تاريخ لطفي اصلا فعارضه في كثير مما بيّن. وتوفي في سنة 1325 ه‍ ـ 1907 م (2).
    3 ـ تاريخ عاصم :
    في مجلدين. طبع في مطبعة الحوادث وهو لأحمد عاصم العينتابي بدأ تاريخه من أواخر سنة 1220 ه‍ ويمتد إلى أواخر أيام السلطان سليم.
    __________________
    (1) عثمانلي مؤلفلري ج 3 ص 159 وعثمانلي تاريخ ومؤرخلري ص 62.
    (2) عثمانلي مؤلفلري ج 3 ص 159 وعثمانلي تاريخ ومؤرخلري ص 62.

    والمجلد الثاني منه يبتدىء من واقعة خلع هذا السلطان وينتهي بأوائل سلطنة السلطان محمود. ثم دوّن نحو اثنتي عشرة سنة لم تبيض فأودعت إلى خلفه (شاني زاده) وتوفي في صفر سنة 1235 ه‍ ـ 1819 م (1).
    4 ـ تاريخ شاني زاده :
    هو محمد عطاء الله بن محمد صادق الشاني. يبتدىء من بقية وقائع سنة 1223 ه‍ وينتهي بأواخر سنة 1236 ه‍. طبع عام 1284 ه‍ خلف أحمد عاصم العينتابي. وتوفي في سنة 1242 ه‍ (2).
    5 ـ أس ظفر :
    للمؤرخ أسعد المتوفى سنة 1264 ه‍. فصّل فيه الواقعة الخيرية في إلغاء الينگچرية وإزالة تكايا البكتاشية. وهو من المراجع الاصلية ، توفي سنة 1264 ه‍ ـ 1848 م (3).
    6 ـ تاريخ أحمد جودت :
    في اثني عشر مجلدا جعله تكملة لتاريخه العام. ويبتدىء من سنة 1188 ه‍ وينتهي بسنة 1242 ه‍ وهو متمم لحوادث كلشن معارف متداخل بوقائع من سبقه. والكتاب مفيد ومهم ومن مصادره (دوحة الوزراء). وكانت السياسة في أيامه تحولت فهو يكتب بعد انتهاء ذلك العصر ومؤثراته. طبع مرات (4).
    وهذه التواريخ فيها من ضبط الوقائع ما لا يخفى. وبعضها جاء
    __________________
    (1) عثمانلي تاريخ ومؤرخلري ص 65 وعثمانلي مؤلفلري ج 3 ص 221.
    (2) عثمانلي تاريخ ومؤرخلري ص 68 وعثمانلي مؤلفلري ج 3 ص 221.
    (3) عثمانلي مؤلفلري ج 3 ص 24 وعثمانلي تاريخ ومؤرخلري ص 68.
    (4) عثمانلي تاريخ ومؤرخلري ص 112.

    موضحا للمراجع العربية ، أو جاءت الوثائق العربية موضحة له. وفيها ما يكشف عن سياسة الدولة ، أو ما ترمي إليه من فكرة.
    التواريخ الأخرى :
    وأما المؤرخون الآخرون من غير الرسميين فلا تخلو تواريخهم من علاقة ببعض الوثائق ، وصلة بالوقائع ومنها تعرف وجهات النظر. كما أنها تكشف عن خبايا وحقائق لا يستهان بها. والمادة التاريخية لا تقتصر على وقت بعينه. وإنما تظهر في حالات جديدة. ولا تنجلي بعض الحوادث في حينها. وإنما الزمن كفيل بذلك.
    وأشهر هذه التواريخ :
    1 ـ گلشن معارف : من التواريخ العامة. مر في المجلد الخامس.
    2 ـ نتائج الوقوعات : جاء مكملا لگلشن معارف. يبتدىء من سنة 1188 ه‍ وينتهي بسنة 1257 ه‍. وهو من تأليف السيد مصطفى باشا ناظر الدفتر الخاقاني المعروف بمنصوري زاده المتوفى سنة 1307 ه‍. ويعد من التواريخ المعتبرة طبع 1327 ه‍ في مطبعة الحوادث باستنبول للمرة الثانية.
    والتواريخ التركية لهذا العهد عديدة. ربما تعرضنا لها عند النقل منها. والانكشاف التاريخي ظاهر من مطالعة هذه الآثار. وأما ما كان بعد هذا العصر فلا يخلو من نصوص جديدة. والترك نشروا تواريخهم ولم يقصروا.
    3 ـ المراجع الايرانية :
    وهذه كثيرة إلا أن الحوادث المتعلقة بهم لهذا العهد هي حوادث الدولة الزندية. ووقائع القجارية. وإننا في هذه الحالة رأينا وثائق معاصرة. ومنها تواريخ الدولة الزندية ، وتواريخ القجارية. وأشهرها :

    1 ـ مجمل التواريخ في تاريخ الزندية. تبدأ حوادثه من نادر شاه ، وهو تأليف أبي الحسن بن محمد گلستانة. كان واليا في كرمانشاه. وگلستانة ناحية في أصفهان. وهو من التواريخ المعاصرة المهمة. لم يذكر فيه تاريخ الطبع. والكتاب فيه تعليقات مهمة ، وفهارس عديدة. طبع بعناية زائدة في طهران.
    2 ـ تحفه عالم وتتمتها ، سياحة فارسية ، لعبد اللطيف بن أبي طالب الموسوي الشوشتري. فيها تعرض لوقائع سليمان باشا الكبير ويصف ما شاهد ويعين ملاحظاته المهمة طبعت في الهند في حيدر آباد سنة 1317 ه‍.
    3 ـ تاريخ گيتي گشا. لميرزا محمد صادق الموسوي الملقب بـ (نامي) مع ذيلين آخرين. طبع بتصحيح ومقدمة الأستاذ المؤرخ الفاضل سعيد نفيسي. طبع في مطبعة إقبال سنة 1317 ش. ه. وتنتهي حوادثه مع الذيلين بسنة 1208 ه‍. ويبحث في الدولة الزندية وما يتعلق بها. عندي مخطوطة منه كتبت في 20 رجب سنة 1299 ه‍.
    4 ـ تاريخ ايران. تأليف عبد الله الرازي. طبع في طهران سنة 1317 ه‍. ش. وهو عام. ومن مباحثه ما يتعلق بالعهد الذي نكتب فيه.
    5 ـ تاريخ مختصر ايران. تأليف پاول هرن. ترجمة الدكتور رضا شفق زاده إلى الفارسية وينتهي بانتهاء الدولة الزندية طبع سنة 1314 ه‍. ش.
    6 ـ تاريخ الزندية. تأليف عبد الكريم علي ضيا الشيرازي. طبع في ليدن سنة 1888 م وهو من التاريخ المعاصرة. ويهم كثيرا.
    وفي أيام القجارية المراجع كثيرة إلا أن ما يهمنا التعرض له قليل ، محصور في بعض الوقائع. وهذه سببها أن كلتا الدولتين العثمانية والايرانية أخلدت إلى الهدوء والراحة. وما ذلك إلا لانقطاع الأمل في

    التوسع من جهة وحذر أن يستغل الغربيون الأوضاع للقضاء على كل منهما.
    4 ـ المراجع للاقطار العربية :
    وهذه تتأثر للحادث. وتدون بعض الوقائع المهمة. ولم نجد فيها مرجعا عاما وقل أن نرى ما يدعو إلى الأخذ. لا سيما أن الصحافة لم تتكون أو أنها تكونت بصورة ضعيفة ومتأخرة ولم تتمكن بعد.
    هذا ، والاستفادة من المؤلفات التاريخية من عربية وتركية وإيرانية للتاريخ السياسي قليلة جدا. وهذا لا يمنع أن أذكر المراجع عند ما يعرض النقل في حينه. وأما الكتب المعاصرة فإنها كثيرة الغلط. ويتضح ذلك من مقابلة النصوص.
    حوادث سنة 1162 ه‍ ـ 1749 م
    وزارة سليمان باشا
    توصل سليمان باشا إلى (الوزارة) (1) من طريق الدعوة ، فاستهوى المماليك وغيرهم فلم يترك وسيلة ولا قصر في تدبير .. فنجح ولكن ذلك لا يفيد إذا لم تعضده قوة كبيرة تسانده. وهذا ما ركن إليه فالدعوة تشيع أن الحق معه مقرونة بتلك القوة تقهر وتمهد الطريق. فاضطرت الدولة إلى الاذعان فنال مطلوبه. ولسان حاله يقول :
    أنا تابع منقاد. ولكن لا أرجع دون نيل ما عزمت عليه والحكومة لي ، والأهلون طوع ارادتي ، والعشائر منقادة ، والقوة ما ترون ، وإلا فالعاقبة وخيمة.
    __________________
    (1) نشاطي أوضح أن وزارته كانت سنة 1162 ه‍ وهو الصواب. وفي الجزء الخامس من هذا الكتاب تفصيل الحوادث السابقة لهذا المنصب.

    فلم تر الدولة بدّا من اجابة ما طلب فحملت الخرق وسوء الادارة على الوالي السابق محمد باشا الصدر وأنهت الغائلة بإصدار فرمان الوزارة إليه في 29 شوال سنة 1162 ه‍ ـ 1749 م (1).
    وجهت إليه إيالة بغداد وهو موصوف بالشجاعة والقدرة على الادارة. وكان يقال له (أبو ليلة) و (أبو سمرة) و (دواس الليل). كان صهر الوزير أحمد باشا وكتخداه. فلم يترك وسيلة ، ولا أهمل أمرا حتى أدرك أمنيته. وهذا ما جعله من أفذاذ عصره ، نالها بحق وكفاءة ولم يقو على معارضته وزير بغداد السابق في حين أنه كان من الصدور. والكل ينطق بالتسليم له.
    قال الأستاذ سليمان فائق :
    «عاش سليمان باشا في الخطة العراقية من حين كان مملوكا. ثم تولى منصب كتخدا فصار مرجع الخاص والعام واستمر أمدا طويلا ، وأن الدولة لم تجربه التجربة اللائقة. لكنها طمعت في دراهمه فعهدت إليه بإيالة البصرة مختارة. ومنحته رتبة الوزارة كان ذلك بأمل تبعيده عن بغداد. ثم انكشفت لها بواطن الأمر (أو رأته استغل هذا الوضع) فوقعت في ارتباك واهتمت له كأنها أصابتها غائلة أجنبية هددت سلامتها ، فأعدت فيلقا عظيما واختارت له قائدا عاما. تجاوز حدود إيالته. وسابق جيشه تأهبات الدولة فأحاط بقاعدة إيالة (بغداد) وأوقعها في خطر. ومع هذا قوبل عمله هذا بالتحسين فأنعم عليه بوزارة بغداد على هذا العمل ضميمة إلى إيالة البصرة. وما لنا إلا أن نتساءل ماذا نقول لرجال الدولة في ذلك الحين ممن رأى هذا الرأي وصوّبه لدرجة أنهم سببوا تأسيس (حكومة المماليك) فشغلوا الدولة بغائلتها مدة عصر
    __________________
    (1) تاريخ نشاطي.

    تقريبا؟؟ اذكروا موتاكم بالخير!» ه (1).
    نراه لاحظ الأشخاص ولم ينظر إلى ضعف الدولة وأنها وجدت نفسها مضطرة للقبول فعلم لما كتبه محمد باشا. وكل الإدارة كانت عيونا له فكتب هو أيضا مبديا صدقه وإخلاصه ، وأورد أدلة تدحض أقوال محمد باشا وتبرىء ساحته مما عزي إليه. وجاء مصطفى بك مصدقا لما نطق به. وهذا اختبر الحالة وشاهدها عيانا. وعرف أن لا فائدة في القراع ، فإن عواقبه وخيمة ؛ والظاهر أن مهمته أفرغت في هذا القالب.
    ربح سليمان باشا المعركة في الحلة وطوّق بغداد حتى جاء إلى الكاظمية ، فوصل إلى (الشريعة البيضاء) وتبعد عن بغداد نحو ساعتين. ومن ثم كتب إلى الدولة بما جرى وأبدى أنه صادق مخلص وألح في الطلب ووعد بالقيام بما يطلب منه. وبهذا لم تر الدولة بدّا من الإذعان قسرا وتوجيه الوضع توجيها ظاهريا.
    وفرمان إيالته على بغداد يتضمن :
    «أنت والي البصرة سابقا سليمان باشا حدث بينك وبين والي بغداد وزيري محمد باشا من البرودة والاغبرار ما لا داعي لوقوعه وزال حسن التفاهم بينكما فتدخل قرناء السوء ، فوجدوا فرجة فخدشوا ذهنه فورد إليّ تحرير منه بذلك دعا لإصدار أوامري العلية ... إلا أنني لم أر منك لحدّ الآن من الأطوار سوى اظهار العبودية وإبراز الصداقة فتجلت لي كما أن طبعي المبارك المقرون بالصفاء والالهام الجلي حينما راجعته لم تظهر لي في مرآة حالك سوى الصدق والاخلاص. لذا إن سريرتي أبدت من صميمها حسن الظن بك. وللاطلاع على الحقيقة نوقشت المادة سرا
    __________________
    (1) تاريخ الكولات ص 10.

    وعلنا فاستطلع عن أحوالك من الواقفين وعن مزاجك ومشربك من العارفين الثقات وأهل الصدق عن كافة أوضاعك فأبدى الكل صدق كلامك وعرف اخلاصك مما أبدوه عنك ... وفضلا عن هذا وافت قديما منك عدة تحارير كنت نظرتها وإن مفاهيمها انتقشت تماما في ذهني الصافي فأكدت خلوص هويتك وصدق عبوديتك فكانت مضامين تحريراتك مطابقة لما فاه به الثقات وكلها وافقت ما في أعماق قلبي. وما قيل عنك من الأقوال جزمت بأنها جميعها لا أصل لها وتيقنت بأنها خلاف الواقع. وما توجه نحوك من غضب تحول إلى ألطاف وعنايات استوجبت حسن المكافأة. ومن مكارمي التي لا حدّ لها لحسن مكافأتك أن أبقيت الوزارة والطوغ واللواء كما كانت وأنعمت عليك مجددا بإيالة بغداد وبذلك أصدرت خطّي الهمايوني المقرون بالمواهب وسيّر مع الآغا الميراخور لطرفك ووجهت إيالة روم إيلي لسلفك الوزير محمد باشا ايضا دفعا للمخاصمة وأرسلت في الحال المباشر إليها قبل ورودك. فبوصول خطّي الهمايوني المقرون بالشوكة عليك أن تنهض بكافة أهل دائرتك ومن معك من اللوندات وسواد جماعتك وتذهب إلى بغداد وتضبط المدينة وتحافظ عليها وأن تحمي أفرادها وسكانها فتعاشر الجميع بالحسنى وتبادر لإجراء الأحكام المنيفة التي ترد إليك وأن تراعي شروط الصلح مع الدولة الايرانية وتعتني بها بزيادة فتؤيد حسن ظني فيك أكثر فتصرف جهدك لتنال دعائي الخيري وتعيد إليّ ميراخوري» انتهى (1).
    أبقيت له وزارة البصرة ، ووجهت إليه إيالة بغداد (2) وجاء مصطفى
    __________________
    (1) تاريخ أحمد واصف ج 1 ص 137. وفي تاريخ نشاطي تفصيل ذكر فيه العشائر التي أعانت الدولة مثل شمر والعبيد والعزة وبني لام فلم ينقذوا الموقف.
    (2) تاريخ نشاطي ودوحة الوزراء ص 124.

    بك الميراخور الثاني بالفرمان. وردت البشرى مع التتار كما وصل جوقدار دار السعادة في اليوم نفسه. وردوا من الدجيل فدخل الوزير الخيمة ونزل الجيش في خيامه ، وأن الوزير قرأ قوائم آغا دار السعادة مع مير اخور الدولة في ديوانه ، فأظهر الأفراح.
    وأما محمد باشا فإنه حينما سمع بحركة الوزير سليمان باشا من الحلة اتخذ في جانب الكرخ متاريس في الأزقة ، وأمر أن تحاصر بغداد ، وعيّن أو جقلية (1). فاتخذ وسائل الحصار. وحينئذ جاء أحد چوقدارية محمد باشا والي كركوك وهو أوشار أوغلي ، وبعض الأشخاص إلى بغداد بالبشرى على حين غرة وبينوا أن سليمان باشا صار واليا ، وأبدوا أن محمد باشا أرسلهم فأخبر الوالي بأن هؤلاء جاؤوا ليوقعوا فتنة ومن ثم قتل أوشار أوغلي وخمسة أشخاص معه. ونبه الوزير بأن من ذكر اسم سليمان باشا قتل.
    وفي مساء ذلك اليوم في 18 شوال ورد عثمان آغا آل يوسف آغا بالقوائم إلى بغداد مرسلا من محمد باشا ، وفي اليوم التالي أرسل أحمد آغا بربرباشي سلحشور السلطان ، مع تتار إلى الوزير محمد باشا ، وأن كاتب خزانة المرحوم أحمد باشا أرسل لاستقبال الميراخور الثاني مصطفى بك إلى الموصل ، وفي يوم الأحد جاء كل من مصطفى الدفتري وآغا الينگچرية ، وبعض الأشخاص إلى الوزير سليمان باشا ، وكذا علي آغا كتخدا الوزير وأبدوا أنه نصب علي آغا قائممقاما ، وأن هؤلاء أرسلوا مع كتخدا محمد باشا السابق وهو عبد الرحمن بك إلى بغداد.
    وفي 21 منه يوم الاثنين بعد العصر تحرك الوزير سليمان باشا من المحل المذكور ، ونزل حديقة المرحوم (أحمد باشا). وفي يوم الثلاثاء أرسل عثمان الجنباز إلى البصرة بالبشرى. وفي 25 منه الجمعة أرسل
    __________________
    (1) نوع من الجند. وكانوا يسمون (قوجقلي) بلسان العوام.

    كل من عبد الله آغا من أغوات الداخل ، وعثمان آغا تفگچي باشي ، فأركبوا السفن ليأتوا بحرم الوزير ، فذهبوا إلى البصرة وأن أحمد أفندي عين متسلما ، وعمر آغا المطرجي نصب آغا القرنة. وفي غرة ذي الحجة الأربعاء توجه إلى بغداد الميراخور الثاني مصطفى بك. فوصل إلى الموصل ، وركب كلكا وسار نحو بغداد ، فمضى لاستقباله أحمد آغا إلى الدجيل بأمر من الوزير. وفي 6 منه يوم الاثنين دخل الوزير بغداد من باب الإمام الأعظم. وفي 7 منه الثلاثاء ورد مصطفى بك المير اخور الثاني شريعة بلد ، وشرف خيمة أحمد آغا. وفي مساء ذلك النهار ورد مع نحو 20 من أتباعه من طريق البر مع أحمد آغا متوجها إلى بغداد. وفي 9 منه ليلا وصل إلى ناحية الإمام الأعظم. وفي اليوم التالي دخل بغداد باحتفال مهيب. وفي 11 منه أظهر الأهلون أفراحهم بورود الوزير مدة أربعة أيام ، لما نجاهم به الله تعالى من الغوائل وقطع دابر النزاع.
    وفي 27 منه ورد الأمر بتفويض منصب مير اخور أول للمير اخور الثاني مصطفى بك (1).
    حوادث سنة 1163 ه‍ ـ 1750 م
    حرم الوزير :
    وفي 3 المحرم سنة 1163 ه‍ ورد الخبر بأنها تحركت من البصرة. وفي 16 ذي الحجة الخميس سار أحمد آغا من بغداد. وفي 23 منه الخميس وصل إلى العمارة ، وأن الحرم أيضا وردت شط العمارة وبقيت سبعة أيام. وفي 25 منه السبت تحركوا منها.
    __________________
    (1) تاريخ نشاطي.



    وفي 29 منه الأربعاء وردوا ناحية سلمان پاك (رض) وأن الوزير ذهب إلى هناك ، وفي غرة صفر الجمعة ساروا ويوم السبت نزلوا الميدان الجديد بخيامهم ، وفي المساء دخلوا بغداد (1).


    عدل سابقا من قبل الشيخ شوقي البديري في الجمعة أكتوبر 25, 2024 10:43 am عدل 1 مرات
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 9:11 am

    حوادث البصرة
    وكان الوزير سليمان باشا نهض من البصرة إلى أنحاء الحسكة. وفي هذه الأثناء كانت المنازعة مع محمد باشا وهذا الباشا كتب إلى قبودان باشا ، وإلى منيخر أن يضبطوا البصرة ، وبموجب أمر محمد باشا اتفق منيخر مع القبطان (القبودان) عند ما كان الوزير في الحسكة فأراد رئيس العرفاء علي آغا أن يعود بمبلغ أربعين ألف قرش من البصرة علوفة للوندات إلا أن القبودان ضبط هذه المبالغ ، وفي شهر رجب ذهب حسين آغا متسلما إلى البصرة فألقى منيخر القبض عليه وحبسه ، فذهب الأغوات إلى منيخر ، وأعطوه مقدارا من الدراهم فأطلق حسين آغا ، فصار قائممقاما في البصرة ، ثم توفي.
    وفي 4 شعبان جاء خبر الانتصار ، فدخل الشيخ موص البصرة ، فصار أحمد أفندي قائممقاما بأمر من الوزير. وفي شهر رمضان سلط القبطان الأهلين على دار الحكومة
    (السراي) ، وعلى بيوت الموظفين لينهبوا ما وجدوا ، وصار الناس يهاجمون بالبنادق والطبنجات من أول الليل إلى الصبح ، ولا تخلو الوضعية من المقاتلة فنهبت بيوت الكثيرين بالقوة ، وأن أحمد أفندي اتفق مع أعيان البلدة فكانوا يحافظون السراي. وفي 2 ذي القعدة يوم الأربعاء أرسل محمد باشا فرمانا بتعيين القبطان متسلما على البصرة ، فوصل خبر ذلك ، فتابعه بعض الأعيان ، وبواسطة نحو أربعة آلاف أو خمسة آلاف هاجموا الكتخدا وهذا بمن معه من
    __________________
    (1) كذا.

    أتباع نحو 50 من أغوات رانجة ، و 150 (بندقيا) ، وبراتليا ، ومائة تابع من أغوات ، ويبلغون نحو خمسمائة ، اتخذوا متاريس ، في 19 موقعا ، وشرع في حرب الباشا المذكور ، وعدا ذلك وضعوا مدفعا في نهر العشار لمحافظة حرم الوزير ، ومدفعا آخر مع متاريس لمحافظة الكمرك من أطرافه وهكذا وضعوا المدافع في عدة أماكن ، وحاصروا ومن المحال التي كان يصل إليها مرمى المدفع (جامع إياس) وقطعوا العشار من محلة السيمر ، وقطعوا الجسر ، فكانت المحاصرة تسعة أيام بلياليها ، فلم يظهر خبر عن الوزير سليمان باشا ، فيئس العسكر ، وفي 10 ذي القعدة رفع الناس من المتاريس ، وأن الاتباع بأجمعهم صاروا إلى السراي فتجمعوا فيه ، وأن قبطان باشا نفى عمر آغا المطرجي وآخرين إلى القرنة ، وطالب بعضهم بديون على الوزير سليمان باشا ، وأن الكتخدا السابق أحمد والمتسلم السابق عليّا وأحمد آغا موظف الكمرك حبسوا في السراي.
    وفي 29 ذي القعدة وصل إلى البصرة عثمان الجنباز فقالوا : إن كتبه مكذوبة وحاولوا قتله ، ولكن ظهر له في الينگچرية بعض المصاحبين ، فأبعد إلى القرنة.
    ثم إن عثمان آغا تفنگچي باشي (رئيس البندقيين) ورد خبره أيضا مشعرا بأن ولاية بغداد عهدت إلى الوزير سليمان باشا ، فتحققوا ذلك ، ومن ثم أطلقوا من الحبس 39 شخصا من الأغوات الذين سجنوا.
    وفي 27 ذي الحجة ركبت حرم الوزير في سفينة وأرسلت إلى بغداد ، وأن البصرة وجهت أيضا إلى الوزير ، وأن أحمد آغا الداماد صار رئيس البوابين (في الولاية) ، وأن چوقدار آغا دار السعادة علي آغا ورد في 15 صفر ، وفي 25 منه حبس في القلعة مصطفى الدفتري ، وطويق زاده بكر آغا ، وأن آغا الينگچرية أحمد آغا حبس في قلعة كركوك ، وفي 9 ربيع الأول عاد الميراخور الأول مصطفى بك إلى استنبول ، وفي 13

    منه قتل مصطفى الدفتري ، وفي 7 ربيع الآخر فر من البصرة كل من شيخ درويش والسيد رمضان.
    وفي 22 منه عين حسين آغا متسلما للبصرة ، وفي 27 منه عزل الوزير علي آغا من الكتخدائية فحبس في القلعة الداخلية. وفي 17 جمادى الأولى ورد محمد أفندي ويودة ماردين سابقا برخصة من الدولة فجاء بغداد فعين كتخدا للوزير ، وفي غرة رجب فوض لواء ببه (بابان) إلى سليم باشا ، فوجهت إليه الإمارة ، وحاربه سليمان باشا وعثمان باشا فكسر وفر إلى سنة.
    وفي 2 شعبان يوم الاثنين أرسل مع الشيخ درويش (من آل باش أعيان) والسيد رمضان جماعة السكبانجية ، وعشرة من سردنكجدي مع بيرق (رعيل خيالة) ، فذهبوا معهما إلى البصرة ، وأن عثمان آغا المطرجي سابقا أرسل معهم أيضا (1).
    وبهذا تمت الوزارة لسليمان باشا ، وانقادت له الأمور ، كما أراد ، فظهر منتصرا.
    أيام وزارته في بغداد
    نظم الوزير الأمور مراعيا حسن الإدارة في كل أحواله ، مما عزز سلطة الحكومة. كما أنه نكل بأرباب الزيغ والفساد. فصارت بغداد غبطة البلاد وتتمنى أن تكون مثلها (2)
    والحق أنه موفق في إدارته. قام بخدمات كبيرة في تأسيس النظام. وهو المؤسس لحكومة المماليك.
    __________________
    (1) تاريخ نشاطي. وانفرد بالتفصيل.
    (2) دوحة الوزراء ص 124.

    المماليك في بغداد :
    حكم هؤلاء نحو المائة سنة وسلطة العراق بأيديهم. وكان الوزير حسن باشا نشأ في البلاط الملكي وأتقن الإدارة هناك فجعل له مؤسسات شبيهة بما تتألف منه العاصمة ، واتخذ لكل من هذه دوائر خاصة للتدريب بما هو أشبه بالمدارس ، وعين لها تقاليد. كان يشتري غلمانا كثيرين يهتم بأمر تربيتهم وتدريبهم للخدمة والانتفاع منهم لوظائف الحكومة. بل زاد على ترتيب حكومته لعلمه بخطر الينگچرية فاختار هذا التدبير. للقضاء على سلطة اولئك. ولم يستعن بالأهلين.
    إن حسن باشا راعى هذه الطريقة في بغداد وبذر البذرة الأولى. درّب هؤلاء على الخدمة فتدرجوا على الرتب والمناصب ، وائتلفوا مع الأهلين وعاشوا معهم ، فكانوا أعرف بهم.
    ثم اقتفى أحمد باشا أثر والده وزاد فكان أمراء بغداد في الإدارة والجيش منهم فسيطروا على القطر. ومن جهة أخرى جلبوا الأهلين لجانبهم ، فلم يستوفوا من الضرائب أكثر من المقرر ، ولم يظلموا الرعايا فهم أشبه بأتابكة الموصل ، فخلدوا ثقافة وآثارا مشهودة تثبيتا لمكانتهم.
    أهمل الولاة التالون هذه الطريقة بل حاولوا القضاء على رجالها لما شعروا به من خطر على كيان الدولة.
    ولما ولي بغداد هذا الوزير أحيا هذه الطريقة من جديد كما أن أخلافه مشوا على نهجه واقتدوا به إلى أن انقرضت حكومتهم عام 1247 ه‍.
    نال سليمان باشا الحكومة بقوة هؤلاء المماليك الذين تأسسوا أيام أحمد باشا المؤسس الحقيقي وإن كانوا صنيع والده استكثر منهم ووسع نطاقهم وقدر أن يستخدمهم لوظائفه ويستغني بهم عن الأهلين وعن الينگچرية وعن موظفي الدولة.

    وجعلت لهم دوائر خاصة في كل منها نحو المائتين من الصبيان ، ومن اجتاز منهم درجة نقل إلى أخرى ، وبهذه الطريقة أعدوا للخدمة وصاروا تحت التمرين ثم كانوا يترفعون إلى أغوية الداخل.
    ولكل معهد من هذه المعاهد أو مدرسة من تلك المدارس على اختلاف درجاتها لالاوات (مربون) ومعلمون وأساتذة. وهؤلاء يعلمون القراءة والكتابة ، والرمي بالبنادق ، والتعود على الإصابة باتخاذ هدف. والممارسة على ركوب الخيل ، وعلى استعمال الأسلحة وأضراب هذه الأمور مما تدعو الحاجة إليه في أشغالهم حتى أنهم يعلمونهم فن السباحة في مكان يتخذ أمام دوائرهم.
    وهؤلاء كانوا يفوقون أبناء زمانهم لما يمرنون عليه فهم أشبه بالدارسين في مدارس اليوم ، بل يفضلونهم. فكانت الحكومة تستخدمه لغرض التوظيف والخدمة في مصالحها. وتلقنهم كل ما تحتاجه.
    وكانوا متآلفين متضامنين تجمعهم رابطة هذه التربية أكثر مما نشاهده في غيرهم. نراهم رفقاء سلاح وأصدقاء مدرسة ، تتزايد المفاداة بينهم وتتولد عصبية قوية متينة فأدى ذلك أن يتغلبوا ويستولوا على كافة أمور الحكومة من حل وعقد ... بل انحصرت وظائف الحكومة بهم فهم قوة على غيرهم وعصبة شديدة على مناوئيهم والمعادين لهم ، وسلطة قاهرة على الأهلين.
    لم يهدأ الأهلون من ثورات عليهم. رأوا ما لم يكونوا رأوا. لأن شدة الوطأة دعت العراق أن يتذمر منهم كالترك إلا أن وجهات النظر مختلفة وأهم ما هنالك أن هؤلاء ليسوا من الأهلين.
    تولى هؤلاء الواحد بعد الآخر فوجدوا مناصرة من الباقين.
    كانوا آبازة وگرجا وهم مماليك. وكانت الدولة في شغل شاغل فاستفاد هؤلاء من الوضع فتكونت منهم حكومة خير حارس للملك

    سيطرت عليه باسم الدولة ، ولا يخلو الأمر من إصدار فرامين وتعيين قضاة واشتراك في أفراح وما ماثل. فهم ولاة بالاسم. يعاملون كغيرهم في ولكن لا يتيسر للدولة أن تعين غيرهم للخوف من احداث غائلة هم في غنى عنها. اللهمّ إلا إذا اضطروا للتدخل أو شعروا بقوة ، أو أحسوا بخطر داهمهم. وقضايا النصب والعزل ودرجة التدخل بعينها ما سنراه من وقائع وزاراتهم في بغداد.
    خان سنة وبابان :
    ورد خان سنة مع سليمان باشا آل بابان في 24 شعبان سنة 1163 ه‍ ومعه نحو عشرة آلاف أو اثني عشر ألفا من الجند ، فهاجم كتخدا الوزير وعثمان بك وسليم بك آل بابان فانهزم آل بابان هؤلاء وثبت الكتخدا ، ففر من وجهه جيش ايران فغنم ما لديهم ، واستولى على نحو عشرين زنبركا ، وأربعة مدافع. وفي 15 ذي القعدة عاد إلى بغداد بالغنائم (1).
    حوادث سنة 1164 ه‍ ـ 1750 م
    اضطراب في البصرة :
    حاول الوزير سليمان باشا بأنواع الاستمالة أن يعيد إلى البصرة النظام فلم يفلح. وأبدى رعاية عامة لقبطان شط العرب مصطفى باشا الميرميران وكذا لمتسلم البصرة. داراه جهده ولان للأهلين فلم يجد ذلك نفعا. ففي أيام انشغال الجيش في أنحاء الكرد للقيام ببعض الأعمال انتهز القبطان الفرصة فأثار الأهلين وعصى فأشعل نيران الفتنة.
    اتفق مع عربان المنتفق ، فسلطهم على البصرة ، وتحصن هو في (المناوي) ، وساعده أهل الجزائر فنال بهؤلاء قوة ، وحاول التسلط على
    __________________
    (1) تاريخ نشاطي.

    البصرة ، وقام بوسائل الحرب. أما المتسلم والأهلون فقد كتبوا محضرا بما جرى وأعلموا الوزير ، وطلبوا أن يمدهم بجيش على جناح السرعة لئلا يفرط الأمر من اليد.
    وفي هذه الأثناء عاد الجيش المرسل إلى الكرد. وكان أكمل مهمته بنجاح فأرسل الوزير كتخداه ، وسيره إلى البصرة بعجل وفي تاريخ نشاطي أن الكتخدا ورد بغداد في 15 ذي القعدة سنة 1163 ه‍ ، وفي 20 منه أمره بالذهاب إلى البصرة فسار بعجل. وفي 24 منه نصب إبراهيم باشا قبطانا. وحينما وصل الكتخدا العرجة فر الشيخ منيخر إلى البادية وكان جمع على رأسه العربان ومن ثم أعاد المشيخة إلى الشيخ بندر ، وشرع في محاربة القبطان السابق مصطفى باشا وحتى المتسلم حسين آغا وأهالي البصرة وقطع نهر العشار إلا أن المتسلم ضبط فم العشار وأن القبطان هدم البيوت والاسواق وحرّق فيها وكاد يقضي عليها. وأن المتسلم حسين آغا أخبر الكتخدا بكل ما جرى. وعلى هذا مضى الكتخدا بسرعة فوصل إليها في 5 صفر سنة 1164 ه‍. ونصب خيامه في باب رباط (1). وكانت عشائر المنتفق سدت المنافذ والمعابر ومنعت من الوصول إلى البصرة ، وجمعت جموعا كثيرة للدفاع والتأهب للقتال. ولما ورد الجيش علموا أن لا طاقة لهم به ، واستولى الرعب عليهم فتشتتوا ، وبعضهم مال إلى الأهوار وركنوا إلى طلب الأمان والعفو.
    وعلى هذا نصب الكتخدا عليهم شيخا جديدا ، وأعاد إليهم النظام القديم فاستقرت الحالة ، فتوجه الجيش نحو البصرة ، فحاصر (المناوي). وكان القبطان قد تحصن به ، ثم ان الكتخدا نصحه ، وعذله ليدخل في الطاعة ، فلم يجسر أن يعود. وفي الوقت نفسه قطع بأن ليس له قدرة المقاومة ، فاتخذ الليل جنة فهرب وترك القلعة ومن فيها. ومنهم من
    __________________
    (1) تاريخ نشاطي.

    ركب السفن من الاسطول وفروا إلى ثغر البحر.
    أخبر الكتخدا بذلك فسارع للأمر وحاصر القلعة فاستولى عليها وعلى من بقي فيها. فانتقم منهم. وفي الثغر تعقبوا الفارين فتمكنوا من اللحاق بهم. أما القبطان فإنه هرب بزورق يقال له (كلبت) أو (جلبوت) وأخذ بعضا من رفاقه معه فذهب إلى بندر بوشهر واستولى الجيش على جميع الاسطول ورجعوا فرست السفن تجاه المناوي ، وعوقب الثائرون بما يستحقونه فاستأصل الكتخدا بذور الفساد وأعاد النظام إلى نصابه ورتب الاسطول كما كان.
    ومن ثم كان من الضروري اختيار قبطان لائق للمهمة فوقع ذلك على القبطان السابق إبراهيم باشا. وهو ميرميران أيضا ومعروف بالكفاءة والاخلاص أنهى له بذلك فوافقت الحكومة على هذا الاختيار فأودعت إليه قيادة الاسطول ، فقام بها خير قيام. وعاد الكتخدا في أوائل صفر (الظاهر أواخر صفر). ووصل إلى بغداد في 28 ربيع الأول (1).
    عزل ونصب :
    عزل أمير الخزانة عبد الله باشا ونصب مكانه سليمان بك آل يحيى. ووجه الوزير لواء بابان إلى سليمان باشا ، ولواء درنة إلى عبد الله باشا. وعزل محمد الكتخدا ونصب مكانه أحمد الكتخدا السابق في 23 رجب.
    البابان ـ سليم باشا وعثمان باشا :
    إن حوادث ايران وتشوشها العظيم مما ألفت نظر الوزير فاغتنم الفرصة للوقيعة بالبابانيين. فإن متصرف بابان سليم باشا من أيام نادر شاه كان عاصيا ولا يزال يعد نفسه تابعا لايران أو أراد أن يكون بنجوة من السلطتين. دعاه الوزير للطاعة فأبى أن يرضخ بل اتفق مع عثمان
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 130 وتاريخ نشاطي.

    باشا متصرف لواء كوى وحرير وصاروا يعيثون في أنحاء بغداد. مدوا أيديهم إلى زنگباد وأطرافها اتخذ الوزير ذلك وسيلة للوقيعة فجهز جيشه وتقدم للتنكيل بهم بنفسه. نصب خيامه في الميدان الجديد.
    مضى الوالي إلى المرادية في 21 شعبان سنة 1164 ه‍ ومنها إلى الراشدية. وفي 24 منه وصل إلى (دوخلة) (1). ومنها قطع منازل عديدة حتى وصل إلى قنطرة (دلى عباس) في 26 شعبان سنة 1164 ه‍. ومن ثم كتب امرا إلى ألوية بابان وكوى وحرير ودرنة وإربل وزنگة خاطب بها العلماء والصلحاء والأعيان والأمراء والرؤساء وشيوخ القرى وسائر الأهلين يدعوهم فيها إلى الصواب ، وأن مخالفة صاحب الأمر ، وركوب مركب الشر يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه ، فدعاهم إلى الطاعة وأن لا يشقوا عصا المسلمين. وحذرهم عاقبة أمرهم.
    وكذا كتب إلى كل من سليم باشا وعثمان باشا. وكلها تتضمن التهديد ولزوم الإخلاد للطمأنينة وأن لا يكونوا سبب إثارة الفتنة. كتب ذلك كله بقلم كاتب الديوان نشاطي.
    ثم سار إلى نهر نارين. فمضى إلى قره تپه. ومنها صار إلى (كوك دپه). فهرب الثوار من وجهه ، وتمزق شملهم ، فكتب الوزير إلى قائممقام بغداد (2) بذلك موضحا أن هؤلاء هربوا إلى كوى ليحتموا بالجبال ، فلم يسعهم الوقوف والحرب في ولاية الوالي. وأن سليم باشا فر هاربا إلى قره چولان (قلعة چوالان) فتبعثروا.
    __________________
    (1) تاريخ نشاطي. ووقف عند هذا فبقي ناقصا. والموجود منه مهم جدا. كشف عن صفحة. ولعل الأيام تظهر نسخة كاملة منه. كتبه نشاطي وهو السيد عبد الله الفخري كاتب الديوان مخطوط عندي باللغة التركية.
    (2) نائب الوزير يلقب بـ (قائممقام). وفي تشكيلات أصل الدولة كل من ينوب مناب الصدر الأعظم يلقب بهذا اللقب. ومن آل القائممقام المرحوم درويش بك. ومثل ذلك من ينوب مناب السلطان يقال له قائممقام أيضا.

    وصل الجيش في 4 شهر رمضان إلى (قره تپه) وفي الخامس منه وصل إلى (اينجه صو) القنطرة المعروفة بـ (چمن). ومنها مضوا إلى (كفري العتيقة) وهي (اسكي كفري). وفي هذا المنزل وردت الاخبار باضطراب حالة الكرد وتشتت شملهم.
    ثم سمع الجيش بتأهّب القوم ، فاستعد للقاء ، فنهض من كفري. وكان يترقب وقوع المعركة في كل لحظة ، فانتشر في الصحراء ، وذهب في طريقه حتى جاء إلى (طوز خورماتي) فنصب خيامه. وأما الأكراد فصاروا لا تحويهم البقاع ولا الجبال.
    وفي اليوم التالي عبر الجيش (چاي طاووق) ونزل قرب القرية. وجاءت الأخبار بأن الكرد استولى عليهم الرعب فتفرقوا. وأن سليم باشا وعثمان باشا شاهدا الحالة فركنا إلى الهرب ، فإن سليم باشا ذهب إلى جهة (بانة) و (سنة) ، وعثمان باشا بعث بعائلته إلى كوى بأمل أن يتحصن بها ، فلم ير الجيش لهم عينا ولا أثرا.
    ومن ثم أرسلت البشائر إلى بغداد. وأن عشائر الزنگنة مالوا إلى الجيش. وأن أمير درنة سليمان بك ذهب فارا مع سليم باشا. والباقون سلموا أنفسهم إلى الجيش فطلبوا الأمان. ومن بقي فر إلى بازيان. وأن متصرف بابان سليمان باشا صار يتعقب أثر الفارين ، وذهب إلى مركز لوائه قلعة چولان فضبطها. ولم يدع لسليم باشا فرصة. وأن متصرف درنة عبد الله باشا ذهب إليها أيضا.
    ثم إن الوزير بعد أن أتم ترتيباته وتمكن من السيطرة مال إلى كركوك فبقي فيها بضعة أيام في تعقّب فلول الهاربين وكتب إلى بغداد بالأخبار السارة ، وأمر أن تعلن في جميع الانحاء ، وفي العشائر.
    وأن سليم باشا لم يستطع البقاء فمال إلى ايران. وأن سليمان باشا ضبط لواء بابان فاستقر به. وأما عثمان باشا فإنه لم يستقر له قدم في

    كوى. وإنما صار إلى (أوه كرد) وهي قلعة حصينة بأمل أن يبقى فيها ويدافع عن نفسه. ولما علم الوزير بذلك أمر كتخداه أحمد باشا والي كركوك أن يذهب في أثره ويحاصره في قلعته.
    وأما الوزير فإنه في 15 شهر رمضان نهض من كركوك إلى (كوك تپه) ومنها إلى (آلتون كوپري) فعبر القنطرة. وفي اليوم التالي ذهب إلى (بوستان) ، ومنه صار إلى (دربند) فحط ركابه.
    ثم سار إلى إربل ، وبعث أمرا خاطب به العلماء والأعيان وسائر الأهلين طالبا منهم (قوج باشا) أخا عثمان باشا. وأضاف أنه يعطيه الأمان إذا سلّم إلا أنهم أبدوا المخالفة وفي 16 شوال هاجمهم الجيش ، وحاصرهم من جميع جوانبهم. ولم تمض إلا مدة نحو تسعة أيام حتى استولى على المدينة ، وقبض على قوج باشا وأعوانه وعلى عثمان باشا وإخوانه إبراهيم بك وسليمان بك وعلى ابنه حسن بك في القلعة المذكورة في عيد الأضحى فأمر الوزير بقتلهم ، فكانوا ضحية العيد.
    وعلى كل حال علمنا أن الوزير تمكن من هؤلاء. ونصب سليمان باشا متصرفا للواء بابان. وهو ابن عم سليم باشا. فعاد الوزير إلى كركوك ومنها إلى بغداد. وللشيخ عبد الرحمن السويدي قصيدة طويلة في هذه الوقائع. واعتمدنا على التقارير الرسمية وما في أبياتها من تاريخ.
    ولوالده الشيخ عبد الله السويدي أيضا قصيدة تحوي تاريخا. وبذلك واستفادة من انحلال أمر ايران تمكن أن يسيطر الوزير على ديار الكرد ، فصارت تحت سلطة الحكومة. استغل الوضع فنجح. ويعدّ عمله هذا فتحا جديدا لأنحاء الكرد (1).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 134 والمحررات الرسمية. عثرت عليها في مجموعة خطية عندي. وفيها من التفصيل ما ليس في الدوحة.

    حوادث سنة 1165 ه‍ ـ 1751 م
    الهدايا واستردادها :
    إن الهدايا التي أرسلتها الدولة والتي أرسلها نادر شاه سبق ذكرها.
    وبقاء هذه في بغداد لا ضرورة له. فصدر الفرمان بلزوم إعادتها. ولذا أحضرها الوزير سليمان باشا بمشاهدة جماعة من الأعيان والأكابر. فدونوها بدفتر خاص صدقوه وسلموها بيد الموكل بأخذها محمد آغا من سلحشورية الخاصة. ومن بين الهدايا المهمة ما أرسله نادر شاه وهو عرش سلطنته وكان من عمل الهند قدمه إلى السلطان ولا يزال موجودا في متحف استنبول إلا أنه نسب إلى الشاه إسماعيل الصفوي غلطا (1).
    أحوال ايران :
    كانت أحوال ايران من تاريخ وفاة نادر شاه إلى هذه الأيام في اضطراب عظيم كثر فيها دعاة السلطنة. وحاول بعض رجالها أن يستغل الوضع ، فاستعان بالدولة العثمانية إلا أن هذه لم تشأ التدخل. ومن هؤلاء سفير نادر شاه مصطفى خان. وهذا ما أدى بولاة العراق أن يلتفتوا إلى أمر اغتنام الفرصة لتنظيم شؤونهم بالقضاء على المتغلبة. وأن يتأهبوا لما يتوقع لتأمين السيطرة.
    حوادث سنة 1166 ه‍ ـ 1752 م
    اليزيدية في سنجار :
    استغل الوزير اشتغال بال ايران ، فقضى على بابان وجعلها خالصة له منقادة. وفي هذه المرة رأى أن اليزيدية في سنجار اتخذوا الجبال
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 103 و 136 والجزء الثالث والجزء الخامس من هذا الكتاب.

    معقلا لهم ، فصاروا يقطعون السبل ، ويمتنعون من دفع الضرائب.
    اعجزوا ولاة بغداد. وثاروا مرات ، فلم تنقطع غوائلهم. لذا عزم الوزير على دفع غائلتهم واستئصال شرتهم. سار عليهم من بغداد ، فوصل إلى كركوك. ومن ثم جاءه بعض رؤسائهم يطلبون الأمان فقبل هؤلاء فأسكنهم ماردين. والباقون أصروا على عنادهم. فنهض من كركوك إليهم ، فاقتحم جميع المصاعب. وكانت النتيجة أن انتصر عليهم ، وقتل أكثر رجالهم ، وأسر نساءهم ، واتخذت منارات من رؤوسهم المقطوعة وقبل أمان من أذعن. وعاد إلى بغداد منتصرا. فجاءه الفرمان والخلع السنية له ولمن معه من كرد وعرب.
    نهض الوزير من بغداد يوم الخميس 22 جمادى الآخرة سنة 1166 ه‍ وقضى على هذه الغائلة في 20 شعبان. وكتب الكتب إلى دولته وإلى أمراء المنتفق وسائر العشائر في 21 من شعبان (1).
    حوادث سنة 1167 ه‍ ـ 1753 م
    في شوال ورد الفرمان بإبقاء بغداد والبصرة بعهدة الوزير لما قام به من الأعمال الجليلة وضبط أمور المملكة مما دعا إلى رضا السلطان. فأعلن ذلك واحتفل به احتفالا باهرا وأذيع للقاصي والداني.
    حوادث سنة 1168 ه‍ ـ 1754 م
    في 28 صفر سنة 1168 ه‍ توفي السلطان محمود فخلفه السلطان عثمان. فأقر الوزير في إيالة بغداد والبصرة بفرمان فأجرى الاحتفال بذلك. وأرسل قاضي بغداد نسخا من الفرمان إلى الأنحاء العراقية (2).
    __________________
    (1) تاريخ واصف ج 1 ص 21 وكتاب تاريخ اليزيدية المعد للطبعة الجديدة وفيه نصوص منقولة من محررات رسمية.
    (2) دوحة الوزراء ص 145.

    حوادث سنة 1169 ه‍ ـ 1755 م
    قبيلة شمر :
    كان بكر الحمام رئيس زوبع من قبائل شمر عاث في الأمن وتجاوز على المارة حتى أنه انتهب بعض الإبل قرب (تربة السيدة زبيدة). وهي تعود لرجل يدعى (عبد للو) فلما سمع الوزير تعقب أثره بنفسه فأدركه في أنحاء الفرات فلم يسعه العبور والهرب ولم يتمكن إلا أن يفر بنفسه وترك أهليه. ولما وصل إليهم الجيش صار ينتهب أموالهم وكان عيال بكر الحمام قرب الوزير فاستغاثوا به فأغاثهم واسترجع الإبل وعاد.
    ولما وصل بغداد أرسل بكر الحمام أهله إليه يلتمسون العفو له. وبعد أيام وصل هو أيضا فطلب العفو فعفا عنه. ومن ذيول هذه الحادثة وقائع الدليم والجبور وغيرهما (1).
    حوادث سنة 1170 ه‍ ـ 1756 م
    في أوائل الشتاء قضى الوزير ثلاثة أشهر في أنحاء الفلوجة بعياله للاستراحة وفي السنة نفسها ورد الفرمان بإقراره في وزارته ببغداد والبصرة (2). ويتجدد الفرمان في غالب السنين.
    حوادث سنة 1171 ه‍ ـ 1757 م
    مسجد عبد الله الكتخدا :
    من المساجد القديمة. كتب على بابه بعد البسملة آية «إنما يعمر مساجد الله ...» ثم جاء :
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 146 وقصيدة الشيخ عبد الرحمن السويدي وعشائر العراق ج 1 ص 193.
    (2) دوحة الوزراء ص 147.

    «قد عمر هذا المسجد صاحب الخيرات عبد الله كتخدا والي بغداد سليمان باشا أيده الله بالنصر ، ورحم الله من دعا له بالخير آمين في رجب سنة 1171 ه‍» اه.
    عمره قبل وزارته. والتفصيل في كتاب المعاهد الخيرية.
    حوادث سنة 1173 ه‍ ـ 1759 م
    1174 ه‍ ـ 1760 م
    قدم الوزير شكوى إلى الدولة بأن آغا الينگچرية السيد خليل آغا كان من أوائل وزارته يتحرك بأوضاع غير لائقة. فطلب عزله من بغداد وإنقاذ الناس مما أوقعه من اضطراب في الجيش (1).
    حوادث سنة 1175 ه‍ ـ 1761 م
    وفاة الوزير :
    إن هذا الوزير متصف بمكارم الاخلاق ومحامد السجايا. وقد مرت بنا حوادثه.
    وعمره نحو 66 سنة اعتراه المرض في أواسط سنة 1174 ه‍ فلازمه نحو ستة أشهر وتوفي في أوائل سنة 1175 ه‍.
    هذا. وللمرحوم سليمان بك الشاوي بيان واف في مآثر هذا الوزير (2).
    أما السنون الأخيرة من سنة 1172 ه‍ إلى سنة 1174 ه‍ فإنها مضت براحة وطمأنينة ولم يحدث ما يستحق الذكر.
    __________________
    (1) مجموعة خطية فيها محررات رسمية بالتركية عندي أصلها.
    (2) دوحة الوزراء ص 148 سكب الأدب عندي مخطوطتها.

    حوادث سنة 1176 ه‍ ـ 1762 م
    وزارة علي باشا :
    إن الوزير السابق نال الوزارة على خلاف رغبة الدولة. والحادث لا يزال وقعه في النفوس فولد الأمل في المماليك فصار يطمح رجالهم في نيلها.
    فلما توفي الوزير سليمان باشا كان له سبع (كهيات) عمر ، وعبد الله ، وإسماعيل (1) ، ورستم ، ومحمود ، وعلي ، ويقال لهم (أصحاب الداعية) فكل هؤلاء كانوا في بغداد إلا علي الكهية متسلم البصرة وضابط حسكة.
    كان يضمر كل واحد من هؤلاء أن يكون ولي الأمر فلم يقع الاختيار على واحد منهم. حدثت بينهم المنافسة وبقيت بغداد بلا وال. فأوقد أرباب الزيغ نيران الفتنة ، وابتدأ الخلاف ، واستولى الخوف على السكان فتدخل العلماء والأعيان في الأمر ونصحوا القوم في تسكين الغائلة.
    اجتمعوا وكتبوا محضرا بوفاة سليمان باشا وبينوا أن كهياته سبعة. كل واحد منهم لائق أن يكون وزيرا وأمضى الجميع المحضر حتى أنهم ذكروا بصورة متأخرة متسلم البصرة وضابط حسكة (علي الكهية) والتمسوا توجيه الوزارة لأحد هؤلاء إلا أن خبر انحلال الولاية وصل إلى الدولة قبل أن يصل المحضر. ولما كانت بغداد والبصرة مجاورتين
    __________________
    (1) إسماعيل الكتخدا كان في أيام عمر باشا. ولما توفي صار ابنه أحمد آغا كتخدا.
    ومن أحفاده اليوم إسماعيل حقي وإبراهيم زهدي أولاد أحمد عزت بن سليمان بن أحمد بن إسماعيل الكتخدا. ومن هؤلاء سليمان كان قائممقاما في (مندلي). ولا يزالون يعرفون بـ (آل الكتخدا) وفي كتاب (شعراء بغداد وكتابها) جاء ذكر عبد اللطيف آغا بن أحمد آغا سابقا في هذا الجزء.

    لايران وأن المصلحة تقضي أن توجه الإيالة إلى والي الرقة الوزير سعد الدين باشا بجامع القرب والعلاقة اللسانية فلم يستقر له الأمر.
    وإنما كان ذلك ترشيحا ، وفي الأثناء ورد المحضر بوفاة الوزير سليمان باشا وترشيح أحد السبعة من الكهيات.
    ومن هؤلاء علي الكهية شهد الصدر الأسبق محمد راغب باشا بأهليته وكفاءته وكمال وقوفه على مجاري الأحوال فكانت هذه الشهادة عرّفت به وبصرت بحالته .. وأيضا وردت منه عريضة يلتمس فيها التوجيه إليه ، وأن ينال الرعاية واللطف.
    وعلى هذا وجهت إليه إيالة بغداد والبصرة برتبة الوزارة وأرسل إليه المنشور مع الطوغ و (اللواء) وكان ذلك في أول المحرم سنة 1176 ه‍ (1).
    ثم إنه بعد أن قدم ملتمسه تحرك من حسكة وجاء إلى محل قريب من الحلة. ورد (نهر الشاه) فمكث منتظرا الأمر. ولما وردت إليه البشرى استقبلوه باحتفال مهيب. وبعد قراءة الفرمان توجه نحو بغداد فوصل إليها باحتفال من الوجوه والأعيان وأرباب الديوان ففرح فريق واغتم فريق آخر.
    مدحه الشيخ عبد الرحمن السويدي بقصيدة حين نال الوزارة وبأخرى أرخ بها وزارته (2).
    وتوجيه هذه الوزارة اكتسب حالة الاعتياد ، وصار طريقة متبعة. فلا أمل للدولة في أن توجه هذا المنصب إلى وزير من غير المماليك. وهنا أوضح سليمان بك الشاوي طريقة توصل هذا الوزير إلى منصبه عند بيان قتله. والتحامل ظاهر منه إلا أننا نجده قام من محل وظيفته وجاء إلى
    __________________
    (1) مجموعة مخطوطة عندي.
    (2) دوحة الوزراء ص 151.



    نهر الشاه بعدته وعديده. وفي هذا تهديد وإرهاب (1).
    قبيلة كعب :
    إن الوزير بعد أن جلس في منصبه جاءه رؤساء القبائل يهنئونه فنالوا كل إكرام منه وكان فيه نوع استبداد. وفي أيام متسلميته البصرة كان أصناف الأهلين من غني وفقير وقاص ودان راضين عنه وشاكرين له إلا شيخ كعب سليمان العثمان. قام ببعض ما لا يليق وفي أيام وزارته لم يجسر أن يأتيه خشية أن يبطش به. فاستولى عليه الخوف فلم يأت إلى بغداد. ولذا بدرت منه بعض البوادر مما دعا الوزير أن يدخله تحت الطاعة.
    وعلى هذا قام الوزير بما يلزم فسار من بغداد على طريق الحلة بجيش جرار وعدد كاملة. فوصل الوردية ثم أخّر بعض الاثقال الزائدة في الحلة ومنها جعل وجهته مجهولة وأشيع أن الجيش أغار على بني لام فتوجه إلى شط دجلة قاصدا الكوت ومن هناك عبر الشط. ثم إنه سير الجسر منحدرا معه. وبعد أن قطعوا ما بين العمارة والكوت عبر أيضا وغرضه الايهام وأن لا يقطع بجهة في تعيين صوب عزيمته.
    وصل إلى نهر كارون وحينئذ بدت نواياه وظهرت سطوته وسمع الشيخ المذكور بخبر مجيئه. وحينئذ وجد نفسه أنه لا يطيق القتال فأرسل إلى الوالي طالبا العفو عما بدر ، وأنه لن يخرج عن الطاعة.
    أما الوزير فقد عفا عنه وأخذ هداياه. وفي طريقه قام ببعض المهام ونظم الأمور. ثم عاد إلى بغداد (2).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 151.
    (2) دوحة الوزراء ص 151 وذكرنا عشائر كعب في المجلد الرابع من عشائر العراق وهو مخطوط عندنا.

    الخزاعل :
    ذكر سليمان بك الشاوي في قصيدة له أن الخزاعل تغلبوا عليه في حربه لهم مع أننا لم نجد إشارة في دوحة الوزراء إلى هذه الواقعة.
    بابان :
    إن سليمان باشا متصرف بابان ابن عم سليم باشا. كان في حد ذاته متدينا ، شافعي المذهب يتجنب المنقصة وهو زاهد ، ذو صلاح. ولي إمارة بابان وكوى وحرير ، ولواء إربل ومقاطعات كوپري وقره حسن وزنگباد وجسّان. فحكمها من سنة 1164 ه‍ إلى سنة 1174 ه‍ بلا مزاحم ولا معارض. فعصى أيام علي باشا ولم يفد معه نصح.
    لم يبق للوزير أمل فيه فسار لمحاربته وحين سمع استعد للحرب وكانت قوة الوزير كبيرة نحو خمسة آلاف أو ستة آلاف من الخيالة ونحو سبعة آلاف أو ثمانية آلاف من المشاة وكان جيشه مجهزا بالمدافع وسائر العدد والعتاد. وتحرك سليمان باشا من (قلعة چولان) (1) فعبر قنطرة نارين لمنازلة الوزير فأقام في (جبل حمرين) (2) لمنع جيوش الوزير وبنى سناكر في جانبي عقبة الجبل المسماة (صقال طوتان) ووضع فيه عسكرا كثيرا. وبذلك سد المرور وقطع الطريق.
    ولما وصل جيش الوزير إلى دلي عباس (ناحية المنصورية) ألقى الرعب في جيش البابانيين فلم يستطيعوا البقاء بل رجعوا ومن ثم عبروا جسر نارين وعادوا من حيث أتوا.
    __________________
    (1) ويلفظها الكرد (قلاجوالان) فظن البعض أنها (قره جوالان) والصواب قلعة جولان على ما جاء في الدوحة.
    (2) سماء في الدوحة (جبل قشقة). وهو اسمه الكردي والتركي. وكذا في رحلة المنشي البغدادي ص 51.

    ثم توجه الوزير نحوهم فتقهقروا. وصلوا إلى كفرى فظنوا أنه المحل الواقي وهم في حالة اضطراب فلم يصبروا على حربه فضاق عليهم المجال وحينئذ التقى الفريقان في محل يقال له (كوشك زنگي) أي قصر زنكي بين كفرى وقرية الاثني عشر إماما. وكل منهما رتب صفوفه للنضال فكانت النتيجة أن انتصر الوزير وفر عدوه. وأن سليمان باشا لم يتمكن من إنقاذ نفسه إلا بصعوبة فاستولت الحكومة على خيامه ومدافعه ومهماته.
    وحينئذ وجهت إيالة (بابان) إلى أخيه أحمد باشا فألبس خلعة الإمارة وأذن له أن يذهب إلى مقر إمارته ورجع الوزير منتصرا ظافرا (1).
    ذكر الشيخ عبد الرحمن السويدي هذه الواقعة ، ومدح الوزير علي باشا.
    وفي هذه الأحوال تراعي الحكومة الحيطة بجلب بعض أقارب الأمراء ليشوشوا الداخل ويقوموا بما يجب من مساعدة فتم الانتصار بأن يجعل النزاع مقصورا على الأمير وأعوانه ويسلم الباقون.
    قتلة محمد خليل :
    في هذه السنة قتل محمد خليل كما جاء في المجموعة الخطية وهو آغا الينگچرية.
    المدرسة العلية :
    هذه المدرسة عمرها الوزير علي باشا. وما جاء في التعليق على تاريخ مساجد بغداد من الاشتباه فيها كان غير صواب. فإن تاريخ بنائها كان سنة 1176 ه‍. وهذه المدرسة صارت مدرسة صنائع ثم مجلس أمة.
    والتفصيل في كتاب المعاهد الخيرية.
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 152 مكررة.

    حوادث سنة 1177 ه‍ ـ 1763 م
    قتلة علي باشا :
    كان هذا الوزير سخي الطبع ، سليم الاخلاق ، مقبول الخصال ، وهو لبيب عاقل شجاع ومدبر ، كما أنه صاحب انصاف وعدل. في وزارته لم يظهر منه سوء معاملة ، وكل الأهلون راضين عنه ، يلهجون بذكره. إلا أن إرضاء جميع الناس من المحال لا سيما أرباب الاطماع.
    سبق أن الكهيات كانوا ستة ما عداه. فلما توفي الوزير سليمان باشا صار يطمح كل واحد منهم في الحصول على الوزارة دون غيره فلما توجهت إلى علي باشا يئسوا فأخفوا حقدهم عليه.
    أما الوزير فلم يقصر في ارضائهم إلا أنهم صاروا يكتمون له العداء ويتخذون الوسائل للقضاء عليه حتى أنهم حاولوا اغتياله في (الدورة) إثر عودته من حرب كعب فلم يتمكنوا من تنفيذ خطتهم.
    وفي هذه المرة أطمعوا أهل الشغب وأغووا البسطاء وأعدوا أسباب الفتنة فملأوا القلعة الداخلية بأهل الفساد ووجهوا المدافع على دار الحكومة وأوقدوا نار الحرب. ضيقوا على الوزير فأخرجوه طوعا أو كرها. فاتخذ له خياما خارج البلد في جانب الكرخ وصار يراعي الوسائل للخديعة ويعوّل على لطائف الحيل ليجري اللازم وأغرى القاصدين قتله بالأموال وأمالهم نحو جانبه فأظهروا الندم والتمسوا أن يدخل البلد.
    أما الوزير فقد عاد ودخل المدينة بعد بضعة أيام وقام بالإدارة مرة أخرى إلا أنه كان ينبغي أن يكون متأنيا فعجل في القضاء على من قام بهذا الأمر من الينگچرية الواحد بعد الآخر. أما الكهيات فقد أحسوا بالخطر فأوقدوا نيران الفتنة من جديد وبادروا بالعصيان. اجتمعوا في محل وتعاهدوا فاختاروا عمر باشا وزيرا على أن لا يتعرض لأموالهم

    وممتلكاتهم فتحالفوا جميعا على هذا بأيمان مغلظة وأبدوا حينئذ أن الوالي يريد السوء بالأهلين فأغووا أعيان المملكة وأمالوهم لجهتهم ، وفي الحال أعلنوا النفير العام وضجوا في المدينة فتجمعوا كأنهم في يوم المحشر وفتحوا باب المقارعة وطال الجدال واتخذ كل واحد ما تيسر له عمله.
    وفي هذه المرة نصحهم الوزير وحاول اقناعهم من طريق المسالمة لإطفاء لهيب الفتنة فلم ينجع فيهم تدبير فاضطر أن يخرج من دار الحكومة مرة أخرى بتبديل لباسه وأن يفر من أيدي الثوار فاختفى بدار قريبة فلم يحترم صاحبها الدخالة فأخبر أنه عنده فأخرجوه وحبسوه في القلعة وفيها قتل في أواسط سنة 1177 ه‍.
    وكان من مماليك سلفه سليمان باشا. ومما اشتهر به أيضا الإقدام والغيرة وطهارة المشرب ، والديانة ، وأنه لم يكن خائفا كما نبزه أعداؤه. فهو وزير عالي الهمة (1).
    وكان سليمان بك الشاوي تحامل عليه وهذا لا يخلو من انتصار لعمر باشا وذكر قتلته في كلام طويل. وأصل هذا التحامل التنافس على الوزارة (2).
    وفي هذه المرة وبالرغم من الاختلاف لا يزال التساند بين المماليك قويا جدا لم يطرأ عليه خلل. فهم على الخارج إلب وقوة. لذا لم تتمكن الدولة أن تستفيد من هذا الاضطراب. تحالفوا واختاروا واحدا منهم فلم يؤثر عليهم غيرهم.
    وإذا نظرنا إلى حالة العثمانيين علمنا أن المسهلات متوفرة لبقاء
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 153.
    (2) سكب الأدب على لامية العرب. عندي مخطوطة.

    الوضع. فالدولة كانت في شغل من حروب روسية والمغلوبيات المتوالية الأخرى فليس لها من الوقت ما تتمكن به أن تلتفت إلى داخليتها. لذا نرى حوادث ايران مهملة بل إن وجودها مما دعا أن لا يقع تدخل.
    وزارة عمر باشا
    إن الكهيات السابقين اتفقوا على الوقيعة بالوزير وبعد قتله اجتمع الأعيان فوافقوا على ترشيح عمر باشا وزيرا على بغداد والبصرة فكتبوا محضرا جاء فيه أن علي باشا له ميل إلى ايران. يراعيهم في أكثر الأمور. اتفق على تسليم بغداد لهم. فلم نصبر على اغماض العين المستلزم للخيانة العظمى كما أن عاقبة ذلك وخيمة. ولو أرسلنا خبرا إلى الدولة خشينا من فوات الفرصة وأن يحدث أمر أكبر بحيث لا يتيسر تدارك الخطر فلزم الإسراع فاضطررنا لاتخاذ الإجراءات الفعلية. والآن رأينا عمر الكهية صادقا للدولة وأن كل عمل من أعماله موافق لإرادتها ، وأن وزراء الخارج لا يستطيعون ضبط المملكة وحسن ادارتها ، فتتمنى أن تعهد إليه الوزارة.
    أما رجال الدولة فكانوا يعلمون أن هذه النسبة محض اختلاق ، لكن نظرا لمحضر الوجوه وترشيحهم لعمر الكهية وجهت إليه وزارة بغداد والبصرة وجاءه الفرمان بذلك. فنال أقصى أمانيه وبادر في رؤية المصالح والأمور.
    وفرمانه يتضمن أن قطر العراق يستدعي العناية أكثر ، فهو مهم جدا ، فأودع إلى لياقتك وبعد نظرك ، وتدبيرك القويم ، ولا شك أن همتك تظهر في حراسة الثغور ، ومراعاة الحدود ، والخدمات اللائقة كما هو المأمول. وهذا ما أجزم به وانتظره بفارغ الصبر. وأنا مترقب منك جليل الأعمال لاكتساب التوجهات الحسنة ومزيد التلطفات. فأودعت إليك هذه الأمانة إيالة بغداد والبصرة ، والمطلوب أن تضبط وتدار بالوجه

    المقبول ، وتحفظ من أيدي الاغيار العابثة. فالتبصر واليقظة هما شأنك ، والحكمة ديدنك (1) ...
    أرسل هذا الفرمان مع الميراخور الأول للركاب الهمايوني. أوصاه بما يجب عمله ، وحضّه على السكينة والرأفة والعدل.
    وممن مدحه حين ولي بغداد سليمان بك الشاوي بقصيدة جاء تاريخها :
    «وقمت بالعدل والإحسان يا عمر» (2)
    ومدحه الشيخ عبد الرحمن السويدي بقصيدة كل شطر منها يتضمن تاريخا.
    العيدروسي :
    توفي الشيخ أبو الفتوحات بهاء الدين با علوي السيد عبد الله العيدروسي العدني ثم البغدادي القادري البدري السهروردي الشافعي الأشعري. في 17 رمضان سنة 1177 ه‍. فصّلت عن العيدروسي وطريقته في كتاب (التكايا والطرق).
    حوادث سنة 1178 ه‍ ـ 1764 م
    الخزاعل :
    لم يعد يسمع شيخ الخزاعل حمود الحمد أوامر الحكومة فاقتضى تأديبه ولذا جهز عليه الوزير جيشا لجبا. أما هو فتأهب للمقابلة وجمع عشائره وعشائر أخرى فتقابل الجمعان ودامت الحرب بينهما إلى أن تمكن الوزير منه بحيث وصل جيش الوزير إلى متاريس الخزاعل
    __________________
    (1) الفرمان في مجموعة مخطوطة عندي.
    (2) سكب الأدب على لامية العرب.

    فحصلت المعركة وتمّ له النصر فاستولى على خيامهم واغتنم غنائم كثيرة ثم رجع إلى بغداد باحتفال باهر.
    إن هذه الوقعة انتهت في سنة 1179 ه‍ (1). يدل على ذلك القصائد التي مدح بها الوزير عند عودته .. ومنها قصيدتان لسليمان بك الشاوي.
    وفي هذه الوقعة يشير الشاوي إلى أن علي باشا تغلبت عليه الخزاعل في حربه قبل هذه الوقعة وكان رئيسهم حمود مع أننا لا نجد إشارة من المؤرخين إليها فلم يذكروا إلا الانتصار.
    حوادث سنة 1182 ه‍ ـ 1768 م
    المنتفق :
    بعد وقعة الخزاعل ذاع صيت الوزير ونفذت احكامه على القاصي والداني فدخلت العشائر في الطاعة.
    وفي هذه السنة تعرض شيخ المنتفق الشيخ عبد الله لبعض المقاطعات في البصرة وتسلط عليها وحدثت بينه وبين متسلم البصرة الحاج سليمان آغا نفرة فأرسل الوزير إليه عبد الله بك الشاوي ليعذله وليؤلف بينه وبين المتسلم.
    ولما وصل إليه تفاوض معه وجمع الطرفين في قصبة الزبير ليتداولا في مسائل الخلاف فأبدى الشيخ عبد الله الموافقة وقبل الصلح.
    ثم عاد عبد الله بك الشاوي إلا أنه بعد عودته رجع الشيخ إلى
    __________________
    (1) وقعت سنة 1178 ه‍. وذكرت في المجموعة الخطية الموجودة عندي. وفيها أن قرنوصا ومانعا قتلا في هذه السنة. والظاهر أنهما من الخزاعل ... إلا أن الشيخ عبد الرحمن السويدي ارخها في سنة 1179 ه‍. وفي دوحة الوزراء ذكرها في سنة 1178 ه‍ ص 154.

    حالته الأولى. وحينئذ استعد له الوزير ، فنهض بنفسه فلما وصل إلى قريب من العرجة
    (العرجاء) وتبعد 16 ساعة عن البصرة إلى محل يقال له (أم الحنطة) علم الشيخ بمجيء الوزير فوجد أن لا قدرة له على المقاومة فاضطر إلى ترك الديار (1).
    وفي هذه الواقعة مدح الشيخ حسين العشاري الوالي بقصيدة وبها ذم المنتفق (2).
    حوادث سنة 1183 ه‍ ـ 1769 م
    قتلة عبد الله بك الشاوي :
    أرسل الشاوي من جانب الوزير لإصلاح ذات البين وتسوية المشاكل بين متسلم البصرة والشيخ عبد الله فقال صاحب الدوحة : إنه قام بما ينافي الصدق والسداد وخان في القضية وتحرك خلاف رضا الوزير. والحال أنه لما شعر بقوته وهزم شيخ المنتفق أراد أن يقضي على أكبر متنفّذ لديه وكانت لعبد الله بك مكانة في قلوب العشائر والأهلين لا في زمنه بل في زمن أحمد باشا. ولذا بعد انهزام الشيخ قبض عليه في (أم الحنطة) وقتله ولعل المتسلم أغراه بقتله بقصد التشويش على الوالي أو أنه لم يتحمله. وبقي هناك مدة للقيام ببعض المهام.
    وفي هذه الأثناء ورد بغداد خبر قتل عبد الله الشاوي فنهض أولاده الحاج سليمان وسلطان وغيرهما وجميع أفراد قبيلة العبيد اتفقوا معهم واعتضدوا بهم واحتشدوا في الدجيل وكانوا قوة مهمة
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 156.
    (2) ديوان العشاري ص 139.

    تستخدمهم الحكومة لتأديب العشائر فشوشوا الوضع على الوزير وقطعوا الطرق وأحدثوا اضطرابا قويا.
    ولما سمع الوزير سارع للعودة إلى بغداد. وبالنظر لكثرة الجيش وأثقاله كان ينبغي أن يصل في مدة عشرين يوما فقصرها في سبعة أيام أو ثمانية. وصل بغداد بغتة ونزل في المنطقة من جانب الكرخ وركبوا خيولهم جريدة ليلا بعد العشاء فأطلقوا الأعنة فوصلوا كالبرق الخاطف ، إلى المحل المطلوب فوجدوا قبائلهم ففرقوهم شذر مذر وأخمدوا غائلتهم. وحينئذ وجد سليمان بك فرصة للفرار فانهزم ، وأما سلطان بك فألقي القبض عليه وجيء به إلى الوزير فلم يسكن غضبه عليه إلا بضربه بيده في خنجره وقتله. ثم عاد الوزير إلى بغداد (1).
    وهذا شأنهم حينما يشعرون بقوة فلا همّ لهم إلا قهر الأهلين لا سيما العناصر الفعالة ، وكلما رأوا ضعفا مالوا للتفريق واستخدام البعض على البعض.
    جاء في ديوان العشاري أنه قتل في شهر رجب سنة 1183 ه‍ ورثاه بقصيدة ، وكان مدحه بأخرى هنأه بوقعة المحمرة (2).
    في سنة 1183 قتل محمود الكهية (3).
    حوادث سنة 1184 ه‍ ـ 1770 م
    حوادث سنة 1185 ه‍ ـ 1771 م
    وفي هاتين السنتين لم يحدث ما يستحق الذكر (4).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 157.
    (2) مجموعة خطية عندي وديوان العشاري ص 148 و 200 عندي مخطوطته مقابلة على نسخة بخط المؤلف.
    (3) عن مجموعة عمر رمضان ـ (مخطوطة بخط المؤلف).
    (4) دوحة الوزراء ص 157.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 9:13 am

    في سنة 1185 حدث الطاعون (أبو خنجر) وامتد إلى السنة التي بعدها (1).
    حوادث سنة 1186 ه‍ ـ 1772 م
    الطاعون :
    حدث الطاعون فاستولى على المملكة فلم ينج منه رجل ولا امرأة. فتك فيهم فتكا ذريعا فهدم معالم وقضى على بيوت فعادت بغداد يبابا ونالها الخراب.
    دام الطاعون من أوائل شعبان إلى أواخر المحرم لسنة 1187 ه‍. دهش الناس من ألم هذه الوقعة وذهلوا ففروا بلا اختيار ولا روية إلى جهات أخرى.
    وكان الوزير اتخذ الخيام فنزلها في مقابل قصبة الإمام الأعظم وبالقرب من المدينة فمال عنه الأعوان والحشم وسائر الموظفين.
    وللعشاري قصيدة يرثي بها أوضاع بغداد لما أصابها من هذا المرض الفتاك فبدل من أحوالها (2).
    ثم انقطع المرض فتراجع الناس وعادوا إلى مواطنهم واكتست المدينة حسنا بالسكان نوعا. وهذا الطاعون فل من عزم الوزير وشوش من إدارته (3).
    وفي تحفه عالم (4) : «حدث سنة 1186 ه‍ مرض الطاعون في
    __________________
    (1) مجموعة عمر رمضان ـ مخطوطة بخط المؤلف.
    (2) ديوان العشاري ص 287.
    (3) دوحة الوزراء ص 157.
    (4) رحلة لعبد اللطيف بن أبي طالب الموسوي الشوشتري الجزائري. ولد في 9 ذي الحجة سنة 1172 ه‍ في شوشتر. وحصل العلوم الكثيرة. ثم مال إلى السياحة فكتب هذه في أواسط جمادى الأولى من سنة 1216 ه‍. ـ ثم ألحقها (بذيل التحفة) بدأ به في جمادى الأولى سنة 1216 ه‍.

    العراق جاءه من استنبول وانتشر في أنحاء العراق. هلك فيه خلق لا يحصي عددهم إلا الله. وفي مدينة بغداد مات في اليوم الأول بهذا المرض سبعون ألفا ، وفي اليوم الثاني والثالث لم يحص عدد المصابين. وأن العتبات العاليات كان فيها أفاضل العلماء. ذهبوا ضحية هذا المرض إلا نفرا معدودا فروا اتقاء منه وكان في أجلهم تأخير. وأن المؤرخ السيد محمد السيد زينا الذي هو من أدباء ذلك العصر نعت في تاريخه هذا المرض (بالطاعون العظيم).
    سرى إلى البصرة وبوشهر بحيث هلك القسم الأعظم من سكان البلاد المشهورة والقرى والبوادي (1) ...
    حوادث سنة 1187 ه‍ ـ 1773 م
    الحالة بعد الطاعون :
    بعد حادثة الطاعون رجع الأهلون كل إلى مكانه. وأن المدينة ظاهرا انتظمت أمورها لكنها لم تتكامل وبقيت في حالة تشوش. لأن الذين كان يعول عليهم في الإدارة وحسن النظام ماتوا ولم يبق من يقوم بشؤون الحكومة من أهل الكفاءة وولي الأمور من لم يكن أهلا للقيام فانحلت أمور الديوان فاضطر إلى ترغيب الاكراد والعربان سكان البوادي. ولقلة خبرتهم بالإدارة تشوشت الأمور وانحلت.
    أما العشائر العربية فكانت تنتظر وقوع أمثال هذه الأمور لإثارة الفتن (2).
    __________________
    واستمر إلى سنة 1219 ه‍. وطبعت في حيدر آباد سنة 1317 مع الذيل.
    (1) تحفة عالم ص 86.
    (2) دوحة الوزراء ص 159.

    بابان :
    في حوادث سنة 1187 ه‍ تغلب علي باشا على سليمان باشا متصرف بابان ووجه لواء بابان إلى أخيه أحمد باشا ، ووجهت ألوية كوى وحرير إلى تيمور باشا من آل عثمان باشا من أمراء كوى (1) ، وأن سليمان باشا استند إلى كريم خان الزندي فتحارب مرارا مع آزاد خان الأفشاري وانتصر عليه كما استولى على سنة اعتمادا على قوة كريم خان فوجه حكومتها إليه.
    ثم إن علي باشا الوزير عزم في السنة التالية على محاربة كعب فاستصحب معه أحمد باشا مع عسكره وأناب هذا أخاه محمود باشا في قلعة چولان وترك أخاه الآخر مصطفى باشا في عسكر قليل.
    أما سليمان باشا فإنه اغتنم الفرصة فجاء من سنة بعسكر كثير وطرد محمود باشا وأتباعه وضبط لواء بابان. ولما عاد علي باشا من سفرة كعب سمع بالوقعة في منزل (نهر عمر). وبوصوله إلى بغداد رخص أحمد باشا منصوبا على بابان وعين معه عسكرا جرارا وعند ذلك لم يقاومه سليمان باشا. وكان الموسم موسم شتاء وثلج فأخذ سليمان باشا جميع أرباب الحرف والصنائع وأهل المقدرة والقوة وساقهم قهرا معه وذهب إلى (سنة) وأقام في حكومتها معولا على كريم خان.
    وبعد عام واحد توفي علي باشا وصار عمر باشا واليا. وكان هذا الوزير مغبرا من أحمد باشا وكانت له حقوق قديمة مع سليمان باشا. لذا عزل أحمد باشا ووجه لواء بابان إلى سليمان باشا وكذا كوى وحرير وإربل وكوپري وقره حسن وزنگباد وجسّان وبدرة وأرسل إليه خلعة إلى سنة.
    __________________
    (1) من الصورانيين ولم يكونوا من بابان.

    أما أحمد باشا فإنه لم يعارض وانسحب هو وأتباعه إلى العمادية. أسكن حاشيته هناك وذهب هو إلى الموصل. بقي فيها مدة.
    وتوجه سليمان باشا إلى ديار الكرد وتمكن فيها ، وأن عمر باشا لم ير من المصلحة إبقاء أحمد باشا في الموصل. بل جلبه إلى بغداد إلا أنه لم ينل منه توجها. واستولى سليمان باشا على سنة وعلى جميع ديار الكرد وإربل والمقاطعات الأخرى بلا معارض ولا مزاحم. مضت على ذلك مدة سنة. وكان قد عاقب بعض الأشخاص هناك وهو (فقيه إبراهيم). وهذا نزل ليلا على دار (سليمان باشا) وقتله بخنجره انتقاما منه.
    إيالة بابان توجه إلى محمد باشا :
    وافى الخبر عمر باشا. وأن أحمد باشا كان في بغداد ، أما أخوه محمد باشا فقد كان هناك وهو أكبر من أحمد باشا وأصغر سنا من سليمان باشا فوجهت إيالة بابان إليه بناء على تعريف عمر آغا المطرجي له وتنويهه بذكره لحقوق قديمة كانت بينهما فأرسلت الخلعة إليه. ولعل التعريف كان مبنيا على أنه عازم على الحرب فيما إذا لم توجه إليه فتتولد فتنة جديدة.
    مضت مدة سنة فأراد الوزير عمر باشا السفر إلى الخزاعل فطلب محمد باشا للذهاب معه فجاءه بألفي جندي من خيار الجند فأدى واجب السفر ورسوم الخدمة وعند العودة إلى بغداد أقام بضعة أيام. وفي هذه الأثناء رأى من عمر باشا بعض التكاليف الشاقة .. مما لم يكن يأمله فذهب إلى مقر حكومته على أن لا يعود مرة أخرى وأضمر أن لا يرى هذا الوزير ثانية.
    ويلاحظ أن أحمد باشا في خلال هذه المدة اضطرب كثيرا ولم ينل رعاية لدرجة أنه ضجر الحياة ورجح الموت على البقاء على هذه الحالة.

    ولما علم محمد باشا بهذا أشفق على أخيه ، وكذا أراد تنفيذ نواياه فاتخذ المراسلة والعهد للترغيب فجلب أخاه إليه ، ففرح أحمد باشا بذلك فاطلع عمر باشا على الأمر والتفت حينئذ إليه وأمله بأنه سوف يوجه إليه ديار الكرد وعزم على نصبه فلم يوافق. ولذا خرج وذهب إلى أخيه وحين وصوله وجه إليه أخوه محمد باشا لواء كوى وقره طاغ. وداموا سنين على خير ألفة ووفاق.
    ثم دخل بينهما أهل النفاق. فزال الاعتماد بل تمكن الخصام. وبسبب ذلك حذر أحمد باشا فرحل من قره طاغ وذهب بمن معه إلى جهة زنگباد فوجه إليه الوزير مقاطعات بدرة وجسان ومندلي وفي هذه الأثناء حدث الطاعون ، فأراد محمد باشا تنظيم بعض المصالح اللازمة ، وتوجه من قلعة چولان إلى كويسنجق. ونظرا لحادث الطاعون زال الربط والنظام وكل واحد ذهب لشأنه.
    أما أحمد باشا فقد استفاد من هذا نظرا لما علمه من قلة العدد والقوة في أنحاء كويسنجق ، فاغتنم الفرصة فعزم على استئصال محمد باشا ، وأغار على كويسنجق ، وعند وصوله إلى قنطرة الذهب (آلتون كوپري) حدثت أمطار غزيرة فلم يتمكن من العبور. فلما سمع محمد باشا بالخبر أخذ ما لديه من الجند وتقدم نحوه فتقابل الطرفان. فكان أحمد باشا في الجانب الأيسر ومحمد باشا في الجانب الأيمن. وفي هذه المدة تناقص الماء ووصل المدد إلى محمد باشا من قبائل كويسنجق من خيالة ومشاة. فتلاحق ورودهم فصاروا يلتمسون معبرا.
    رأى محمد باشا أن قوته تكاملت فعبر وتقدم ، لكن العلماء والصلحاء والسادات والشيوخ توسطوا في البين رافعين المصاحف فأصلحوا بينهما ، وأطفأوا نيران الحرب.
    وفي هذه المرة خصص محمد باشا إلى أحمد باشا كويسنجق وقره

    طاغ. أعطاهما له وذهب هو إلى قلعة چولان وبقوا على هذه الحالة سنة واحدة. ثم زال اعتماد محمد باشا على أخيه أحمد باشا بسبب ما حدث من فتنة وشقاق حتى دعاه إليه من قره طاغ إلى قزلجه وحينما جاء حبسه. ولتأمين القبض على أخيه الأصغر محمود باشا وهو بمثابة جزء غير منفك منه أغار على قره طاغ إلا أن محمود باشا سمع بالأمر في حينه ففر هاربا إلى بغداد.
    أكرم الوزير عمر باشا مثواه وأعطاه مقاطعة قزلرباط (السعدية) فسكن فيها. ولكن الوزير ـ بسبب الطاعون ـ لم يتمكن من الإدارة. ولذا ترك محمد باشا الطاعة وكان يعتذر ببعض الاعذار من تنفيذ أوامره. وفي الوقت نفسه كان يخابر كريم خان الزندي ويبدي الانتماء إليه. فعرف الوزير ذلك فأراد ضبط ديار الكرد والسيطرة عليها وإرهاب العشائر وتأمين انقيادها فعزل محمد باشا وكان أحمد باشا لا يزال محبوسا فنصب محمود باشا وجعله متصرفا على بابان. فجهز الحاج سليمان آغا وعين برفقته باش آغا وهو أحمد آغا ابن محمد خليل مع مقدار خمسين بيرقا من اللوند وسباهية كركوك ولونداته ومقدارا من خاصته (أوجقلو).
    إن هذا القائد توجه نحو المهمة المطلوبة وتلاحق معه محمود باشا أيضا أثناء الطريق وألبسه خلعته والتحق بهم جيش كركوك فوصلوا ديار الكرد.
    أما محمد باشا فلم يستطع المقاومة لعلمه أنه لا قدرة له فاختار الذهاب إلى ديار ايران. فتمكن قرب سنة وعرض الأمر على كريم خان الزندي واستطلع رأيه. وأن القائد مع محمود باشا دخلا بلا ممانع قلعة جولان وتمكنوا بها وأنقذ أحمد باشا من السجن ، وأن محمود باشا حين وصوله ترك الأمر لأخيه أحمد باشا بطوعه وفوض إليه المتصرفية وقام هو بخدمته وأن يكون معه فيما يختاره.

    ثم إن التجاء محمد باشا إلى ايران واحتماءه بكريم خان أدى إلى أن ينتظروا هناك مدة. أما كريم خان فإنه عاضد محمد باشا وطمع في الأمر بسبب الضعف والفتور اللذين استوليا على الأهلين من جراء الطاعون ، وبما أصاب العراق من نقص في الجيوش فأقره في محله وجهز معه جيشا يبلغ نحو عشرة آلاف جندي بمعداتهم وكامل أسلحتهم ومدافعهم. فوافى الجيش الايراني تحت قيادة علي مراد خان متفقا مع محمد باشا فدخلوا حدود الكرد. وحينئذ تفرق جيش الوزير شذر مذر لكن القائد سليمان آغا مع أحمد باشا تمكنوا من جمع ثلة معهم وخرجوا من قلعة چولان وتأهبوا للنضال في سفح جبل (سر سير) فلاذوا بكهف منه وقاوموا أشد المقاومة حتى أنهم بالرغم من قلتهم انتصروا على عدوهم.
    وفي هذه المعركة استولى جيش الوزير على (علي مراد خان). قبض عليه أسيرا وكسر الايرانيين وقتل منهم نحو أربعمائة أو خمسمائة وبقوا في تعقبهم إلى ثلث الليل ونالوا غنائم كثيرة.
    وحينئذ دعا الحاج سليمان آغا (علي مراد خان) إليه ولطفه وبقي عنده بضعة أيام ثم أرسله إلى عمر باشا في بغداد. وصل خبر انكسار الجيش الايراني إلى كريم خان فحار في أمره.
    ثم تصدى لأخذ الثار وتحركت النخوة فيه. وأن عمر باشا حينما جيء إليه بعلي مراد خان أكرمه وأبدى له من الاعزاز ما يستحق. وبقي عنده بضعة أيام ثم أرسله إلى كريم خان مكرما معززا ولكن كريم خان لم يسكن غضبه بل جهز أخاه صادق خان بجيش يناهز العشرين ألفا ، وسير مع شقي خان نحو اثني عشر ألفا ، ومع نظر علي خان ما يقارب الثمانية آلاف.

    أما القائد الحاج سليمان آغا وأحمد باشا فقد صاروا في انتظار ما سيفعله كريم خان وتطلعوا إلى أخبار الايرانيين إلا أن ديار الكرد ليس في قدرتها الدوام على إدارة الجيوش لأمد طويل ولا قدرة لها على إعداد الأرزاق ولذا توجه الحاج سليمان آغا بعسكره إلى جهة كركوك.
    ثم إن الجيوش التي عينها كريم خان توجه كل منها إلى جهة ، فإن صادق خان توجه نحو البصرة فحاصرها ، وإن الفرق الأخرى ذهبت إلى أنحاء الكرد فوردت إلى محل قريب من الحدود. ولما شاع أمر ذلك استولت الواهمة على الأهلين وأصابهم الرعب على البعد حتى أنها أثرت على جيش الحاج سليمان آغا فتفرق أعوانه ولم يبق معه سوى الباش آغا (أحمد آغا ابن محمد خليل) وبضعة خيالة من أعوانه وأتباعه. فتيقن أحمد باشا أن لا طريق لإمداده كما أن عمر باشا عزل أحمد باشا تنويما للعداء بينه وبين الإيرانيين وعين محمد باشا لولاية بابان وإربل والقنطرة (آلتون كوپري) وجاء محمود باشا وسائر أتباعه إلى كركوك فأقاموا هناك وجاء معهم تمر باشا متصرف كوى. وهذه التدابير لم تكن الدواء الناجع بل قوت عزم الإيرانيين وبعثت فيهم همة ونشاطا فطمعوا في الأمر. ولذا تحرك نظر علي خان من كرمانشاه وتوجه إلى ديار الكرد فضبط درنة ، وباجلان فوصل إلى قرى (پير حياتي) ، و (جبّاري) ، و (قره حسن) وهذه مأوى العشائر الكردية وتسمى بأسماء قاطنيها فانتهبوا هذه المواطن ورجعوا.
    وأما شقي خان فإنه زحف على الكرد من جهة (سنة) وانتهب أيضا كل ما لقي من قرى ونواح فتوقف هو ومحمد باشا في موقع يقال له (دربندكي). وحينما وصل الخبر إلى كركوك تقدم أحمد باشا بقصد الانتقام منهم إلا أن الإيرانيين بعد أن عملوا ما عملوا رجعوا فلم يسعه اللحاق بهم ومحاربتهم.



    وفي هذه نرى عمر باشا حينما علم بهجوم ايران من ثلاث جهات تيقن بالخطر وأنه لا يسعه الدفاع ولا امداد هذه المواطن الثلاثة ومعاونتها فطلب المساعدة من دولته لتمده بما تستطيعه خشية أن يتفاقم الأمر. ونعلم من ناحية أخرى أن الدولة ليس في وسعها الامداد ولكنها أفرغت المسألة في قالب آخر فلم تصدق الوزير في أقواله إلا أنها علمت الحقيقة من كتاب الباليوز (المقيم البريطاني في بغداد) ولذا أرسلت لهذا الغرض وهبي أفندي بوظيفة سفير إلى ايران.
    ثم إن الإيرانيين حينما وصلوا إلى (دربندكي) مع محمد باشا مكثوا بضعة أيام ثم انسحبوا إلى الوراء أما القائد فإنه أقام في كركوك مع ثلة من الجند لمحافظة المدينة. وفي هذه الأثناء شاع خبر عزل عمر باشا ممن جاؤوا من الموصل. ولذا تفرق عسكر القائد (الحاج سليمان آغا) وبقي وحيدا ليس معه إلا بعض أتباعه. خالفه تمر باشا متصرف كوى وحرير وتصدى للذهاب إلى مقره فلم يوافقه القائد في رأيه هذا ولم يأذن له بالذهاب إلا أنه لم يصغ لقوله وحاول الخروج فألقى القائد القبض عليه وعرض الأمر على عمر باشا فعزل تمر باشا ووجه لواء كوى وحرير مع إربل إلى أحمد باشا ضميمة إلى القنطرة (آلتون كوپري) وأن أحمد باشا ومحمود باشا توجها مع القائد وضبطوا كويسنجق ولكن القائد لم يجد البقاء فيها موافقا. فعاد بعد أيام إلى كركوك.
    وفي هذه الأثناء عزل الوالي متصرف كركوك تيمور باشا ووجهت المتصرفية إلى سليمان باشا ابن أمين باشا الجليلي متصرف الموصل برتبة الوزارة فجاء وباشر إدارة الشؤون.
    وكذا ورد وهبي أفندي وذهب إلى شيراز فالتقى بكريم خان الزندي وبلغ سفارته ومن هناك توجه إلى استنبول ولم تظهر نتائج هذه المفاوضة.

    ومن ثم حاصر جيش كريم خان البصرة. أما الدولة فإنها في الظاهر أعانت عمر باشا ولكنها كانت تضمر له نوايا. فأرسلت والي ديار بكر أوزون عبد الله باشا وأتبعته بالحاج مصطفى الاسبيناقجي جاء عبد الله باشا ومعه نحو الثلاثة آلاف جندي فوصل إلى كركوك. ثم بعد استراحة بضعة أيام رافقه القائد الحاج سليمان آغا إلى بغداد ونزل في ميدان السلق.
    ثم جاء بعد أيام قلائل الحاج مصطفى والميرميران كپكي عبدي باشا ومعهما نحو ألفين وخمسمائة جندي. ونزلوا خارج الباب الأبيض ثم ورد والي كركوك سليمان باشا الجليلي ومعه نحو ألف فكان جيشا معاونا ونزل خارج البلدة (1).
    ويلاحظ أن هذه الحوادث ابتدأت من سنة 1187 ه‍ ، وانتهت بسنة 1188 ه‍.
    في سنة 1188 قتل الكارجي وإسماعيل آغا وإسحاق آغا (2).
    وفيات :
    1 ـ السيد عبد الله الفخري :
    سنة 1188 ه‍ توفي السيد عبد الله الفخري. وله (تاريخ نشاطي). وكان كاتب الديوان من أيام الوزير أحمد باشا وهو أديب وشاعر بالعربية والتركية وعندي مجموعته الخطية فيها شعره العربي وما قيل فيه وله رسالة في الهيئة عندي مخطوطتها وشرح بانت سعاد مخطوطة أيضا ورثاه الشيخ كاظم الأزري بقصيدة (3).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 166.
    (2) عن مجموعة عمر رمضان مخطوطة بخط المؤلف.
    (3) التفصيل في التاريخ الأدبي.

    حوادث سنة 1189 ه‍ ـ 1775 م
    محاصرة البصرة :
    إن صادق خان أخا كريم خان الزندي توجه نحو البصرة لمحاصرتها والاستيلاء عليها. ولما وصل إليها كان متسلمها سليمان آغا. وكان مقداما هماما. فلم يصبه تزلزل ولا بالى بالإيرانيين وإنما سكن روع الأهلين فحثهم على الدفاع وراعى لوازم الحصار.
    أما الإيرانيون فإنهم أحاطوا بها من كل صوب وشرعوا بالحرب فطالت المحاصرة. وأشكل الأمر بسبب الهجوم من جانبين فالوزير نظرا لقلة جيشه لم يستطع إرسال قسم إلى جهة أنه كان يبعث الأمل ويحرض على الدوام في القتال والمصابرة ويخبر بأن الدولة أرسلت جيشا وأنه سيوافي عن قريب. وصل إلى المحل الفلاني ويقول : ثابروا على الدفاع. إن بغداد بعثت كذا مقدارا من الجيش لمعاونتكم وإنه واصل لا محالة.
    كل هذا تقوية للقلوب وبعث الأمل في حين أنه لم يرسل إليهم ولا وصل إليهم مدد.
    ثم أرسل الوزير كتخداه عبد الله الكهية مع مقدار من الجيش فلم يتمكن أن يجتاز الخزاعل. وصل إلى جليحة لقتالها. فتغلبت عليه. فبقي الوزير في اضطراب وحيرة. وكذا الأهلون في بغداد كانوا في كدر وحزن.
    وفي تحفه عالم :
    «إن والي بغداد اتخذ سلوكا رديئا نحو سكان العراق لا سيما زوار العتبات وساكنيها من القزلباشية (1). كان يأخذ منهم الأموال الوافرة
    __________________
    (1) يراد بهم الجيش الإيراني أو الإيرانيون مطلقا.

    بحجة أن هذه تعود إلى موتى الطاعون ، فكان يصادر بعض أموالهم يداعي أنهم استولوا على متروكات الموتى فوصل خبر ذلك إلى الشاه فتأثر. فعهد بأمر دفع هذا الظلم إلى (حيدر قلي خان) أمير زنگنة. اختاره لهذا الغرض حيث إنه كان ممن عاش لدى الصفويين وكان من أمراء ايران المعروفين فهو مجرب كامل بسبب سفراته وسياحاته العديدة في الاقطار ، وكان عالما بالعلوم المتداولة. يجيد أكثر اللغات الغربية فضلا عن أنه كان مفوها ، منطيقا. أرسله إلى بغداد فأخذ ينصح الباشا ويحذره العواقب. فكان جواب الباشا يتضمن مواعيد واهية فأذن للرسول بالانصراف.
    واستمر في ظلمه وقسوته أكثر بحيث إنه قبض على جماعة من سكان الكاظمية وعذبهم بالضرب بالعصى فأدى ذلك إلى وفاة واحد منهم.
    ولما جاء هذا الخبر إلى الشاه لم يهدأ ولا قر له قرار فأرسل أخاه محمد صادق خان الزندي وأحد أبناء عمه نظر علي خان وكانت لهما اليد الطولى في قيادة الجيش وحسن إدارته ففوض إليهما أمر الاستيلاء على البصرة. فوردا إلى شوشتر ومنها ذهبا إليها.
    وكان متسلمها إذ ذاك سليمان آغا وهو ذو شجاعة ورأي سديد. قام بالواجب في حراسة المدينة وأظهر ثباتا ، وأما جيش القزلباش فإنه أحاط بها واستمر الحصار أربعة عشر شهرا فوصل حال المدينة إلى حد أنهم من شدة القحط أكلوا لحوم الحيوانات التي لم يألف الناس أكلها كلحوم الكلاب والقطط وهلك خلق كثير (1) ...» اه.
    __________________
    (1) تحفه عالم ص 87.

    عاقبة الوزير :
    في هذه الأثناء ورد الوزراء إلى بغداد متواليا وكل واحد معه بضعة آلاف فتجمع في بغداد نحو سبعة آلاف أو ثمانية آلاف جندي وبهذا زال الاضطراب عن الوزير وذهب البؤس عن الأهلين وقوي الأمل في استخلاص البصرة.
    قضوا بضعة أيام للاستراحة ثم كلفهم الوزير بالذهاب إلى مواقع الحرب فلم يصغوا واعتذر كل منهم بعذر وماطلوا في الذهاب.
    وبعد أيام أشاعوا عزله وأظهروا الفرمان. بينوا أن عمر باشا كانت معاملته سيئة مع ايران وأنه حرك الساكن ، فلو عزل سكنت الفتنة ولم يبق لها أثر. كتبوا إلى استنبول بهذه البيانات وكانت بعكس ما كان يكتبه الوزير عمر باشا فعلمت الدولة أن أقوال هؤلاء صحيحة وأن الخلاف بين الوزير وايران هو منشأ توتر العلاقات. وعلى هذا عزلته الدولة (1).
    تواتر أن أعمال هذا الوزير كانت منفّرة. فلم يرض العشائر ولا الكرد ولا الداخل. وقتل عبد الله بك الشاوي إلا أن العاقبة صارت وخيمة عليه وحصلت البغضاء منه في كل الأنحاء ، وكان المثير لحروب ايران ، فلم يحسن السياسة فالدولة لم ترض عنه ولا عن المماليك. واعتقد أن ذلك كله كان بسبب موافقته لرغبة سليمان آغا متسلم البصرة.
    أرادت الدولة أن تستفيد من هذا الوضع. وأن تتخلص من المماليك وهم أشد خطرا عليها من ايران فكانت مهمة الجيش القضاء على هذه الغائلة وترجيحها على ايران. استغلت نفرة الأهلين من هذا الوزير ومن أوضاع ايران. وأمراء الكرد فتخلصت بخير طريقة. فكان تفسير المماليك للوضع تبعيدا للمغزى السياسي.
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 167.

    صراف عمر باشا :
    هو اليهودي ميخائيل. ولهذا أخ اسمه أبراهام فلما حدثت واقعة الوالي حبس الاثنان ، وبقيا في الحبس حتى طلب بعض النساء من أهلهما إطلاق سراحهما (1) ..
    توالي الوزراء :
    وعلى هذا وجهت الدولة إيالة بغداد والبصرة إلى أمين باشا الجليلي ، ووجهت إيالة كركوك والموصل إلى ابنه سليمان باشا. ثم إن أمين باشا توفي فعهدت بإيالة بغداد إلى أحد الوزراء المبعوثين إلى بغداد وهو مصطفى باشا. وأوضح في الفرمان الوارد أن عمر باشا إذا تمرد وعصى ولم يطع الأمر فليعامل بما يستحقه. وهذا أيضا يبين نوايا الدولة نحوه وأما الايعاز الشفهي أو التحرير السري فحدث عنه ولا حرج.
    أما الوزير فإنه حينما سمع بالفرمان امتثل الأمر وسلم مقاليد الحكم إلى خلفه وعبر هو إلى جانب الكرخ وضرب خيامه في المنطقة وتأهب لما يقتضي له من اللوازم السفرية إذ لم يكن يعلم بذلك ليتأهب.
    ثم ولي مصطفى باشا الوزارة بموكب وأبهة ودخل بغداد بلا مزاحم ولا معارض وباشر أمور الإدارة إلا أن مبغضي عمر باشا استفادوا من توقفه فحملوا تأخره على محمل آخر وأغروا الوزير مصطفى باشا بقتله. فأصدر أمره لجميع الجيوش أن يهجموا عليه ليلا.
    وحينئذ أخلى عمر باشا وحاشيته المخيم واحتمى بنفسه ودافع إلى الصباح وأبدى من الجلادة ما لا يوصف. ولما انكشف الصباح ترك الحرب وتوجه منهزما ولكن الجيش عقب أثره وضيق عليه كثيرا فاضطر إلى المقاومة والدفاع ثم أرخى العنان للنجاة. وسلك طريق الموصل من
    __________________
    (1) مجموعة تركية خطية.

    جهة الإمام موسى الكاظم (رض) ولما غادر أرض المنطقة عثر به فرسه فسقط وانكسرت رقبته. ولم يعلم به أحد من أعوانه فتوفي. صادفه أحد اللوندات ممن عقبوا أثره فقطع رأسه وقدمه إلى الوزير مصطفى باشا. وهذا أرسله إلى الدولة.
    وهذا الوزير عاكسته الاقدار. ومع هذا كافح الاعداء بالرغم من أنه لم يصل إليه مدد. وإن أول وزارته عام 1177 ه‍ وقتل غدرا في أوائل سنة 1190 ه‍ ومدة وزارته بلغت 13 سنة.
    وكانت أيام حكومته مطردة إلى أيام الطاعون. ثم تشوشت ونالها خلل. وكان إسماعيل آغا كتخداه. وأما كاتب الديوان فإنه إسماعيل المكي ، وكان خطاطا معروفا. وهو ابن ولي أفندي كاتب الديوان أيام أحمد باشا. وتوفي سنة 1228 ه‍. وكان من أساتذة الخط وله معارف جمة. وأصله من كركوك. وله إخوة (1).
    إن عمر باشا في حد ذاته كان مفكرا ، صائب التدبير. شجاعا مهيبا ، وأديبا وقورا. رضيت عنه الدولة وكان مطيعا لها منقادا لاوامرها ونواهيها. مبديا لها الاخلاص ، ولم يكن له دخل في قضية ايران ، وأن الفرمان الذي صدر في حقه لم يكن قطعيا وإنما علق بحالة تمرده وعصيانه. وإنما فعل مصطفى باشا ما فعل بتسويل من ذوي الاغراض ثم ظهر للدولة إخلاصه إثر حدوث وقعته وحين وصول رأسه إلى الدولة أبدت تأسفا كثيرا. ومن أجله غضبت على مصطفى باشا (2).
    ولا أعتقد أنه عمل مأثرة للدولة أو للأهلين. وإنما أراد أن ينفع المماليك فأضرّ بهم. عادى بين الأهلين وبينهم. وأن الدولة أرادت
    __________________
    (1) تذكرة شعراء بغداد وأدبائها أيام داود باشا ص 38.
    (2) دوحة الوزراء ص 168.

    القضاء على هؤلاء اغتناما لهذه الفرصة ولكن رجالها لم يقووا على الأمر وليس فيهم من الكفاءة ما يسهل ذلك.
    وجاء في تقرير الحاج علي باشا والي طربزون وسماه (تاريخ جديد) أو (يادگار تاريخ) كتب في 13 شوال سنة 1190 ه‍ أن الدولة نشأت فيها أحوال ناجمة من قلة التدبير. فعددها. وقال : من أهمها وقائع بغداد ، كانت في حالة توتر بينها وبين إيران. وأن اعتداء كريم خان الزندي كان صريحا إلا أنه قيل إن ذلك متولد من جراء ما اتخذه عمر باشا والي بغداد من أوضاع ضد رعايا ايران. فأيد مبغضو الوزير ، وبينوا أنه لو عزل لما بقي ما يدعو للخلاف.
    ومن جهة أخرى أن الدولة أرادت أن تتخذ ذلك وسيلة ، فأرسلت إلى بغداد جملة وزراء منهم مصطفى باشا ، وعبدي باشا ، وعبد الجليل زاده ، وأوزون عبد الله باشا ، ومصطفى باشا ، ومصطفى باشا خليل باشا چراغي. ذهب هؤلاء الوزراء إلى بغداد ، وكانت مهمتهم حرب الإيرانيين ولكنهم اهتموا بأمر الوالي ، فعزلوه ، ثم قتلوه ، واختلفوا على سلبه ، صار كل واحد يميل إلى ناحية من الأهلين ، فاضطربت الحالة ، ولم يبق أمل في صيانة بغداد ، والاحتفاظ بها ، أو أن الأهلين فسروا اختلافهم بذلك ، فاحتقروا أمرهم.
    وهل يصح أن يقال : أن عمر باشا كان مقصرا في علاقات ايران ، وهل إن دعوى الإيرانيين صحيحة؟ ذلك ما لا يعقل ، فهل جاء سفير من ايران؟ أو هل صدر هذا القول من مصطفى باشا نكاية بعمر باشا؟ ذلك ما لا يعلمه سوى الدولة إلا أن الواقع بخلافه ، فإن عمر باشا عزل ، وقتل ، فهل كان ذلك سببا لانسحاب جيش كريم خان من البصرة؟ وهل من اللائق قتل وزير مثل هذا؟.
    أبدى ذلك صاحب التقرير. والحال أن رغبة الدولة كانت مصروفة

    إلى الاستيلاء على بغداد ، وانتزاعها من أيدي المماليك ، وأن تكون تابعة لها رأسا. فاتخذت هذا التدبير وسيلة إلا أنها كما جاء في هذا التقرير كانت في أسوأ الأوضاع. أصابتها الضربة من الروس سنة 1182 ه‍ وحدثت هذه الغائلة ، ولا تدري ما ستجر إليه. وبغداد لم تكن في حالة تدعو للارتياح لما فيها من فتن لا تستطيع قمعها.
    وقال : أرى أن الدولة أضاعت التدبير ، فأربكت هذه الفتن أمرها ، وكل ما نعلمه أن كريم خان مد يد البغي ، ولم يكن مضطرا لما قام به كما أعلن ، أو كما أبدى أعداء عمر باشا فالدولة لم تتثبت ، وتقف على جلية الأمر لتكون على يقين.
    وأن الموما إليه بيّن لدولته في تقريره أن قضية بغداد لم تكن الوحيدة في بابها ، بل هناك قضية القريم ، وقضية مصر. فإذا لم تتخذ الدولة تدابير ناجعة ، فإن هذه الممالك تضر بالدولة أكثر مما تنفع. لأن الغائلة تستدعي مصاريف بالغة ، فإذا تجمعت جملة غوائل كانت المصيبة أعظم.
    وخير تدبير للعراق أن يقضي على غوائله ، وأن يكون هناك جيش يستطيع محافظته ، وأن يزول سوء التفاهم بين والي بغداد عبد الله باشا وبين حسن باشا. فإن رفع ذلك من أصعب المصاعب ، إذ قتل الوالي السابق عمر باشا كان بتسويل من أعداء الدولة. وأن الأمراء من المماليك لا يخاطرون ، فإنهم يرون أنفسهم عاجزين عن مقاومة العدو ، فلا يستطيعون الاشتباك معه ، وإلا دمروا قطعا أو أنهم لو تغلبوا على عدوهم فلا شك أنهم يجزمون بهلاكهم أيضا لأن أمراء الروم متأهبون إلى ضبط مناصبهم ، فيكون ايراد المملكة خالصا لهم دون المماليك. وهكذا الأهلون يذهبون هذا المذهب. وهذا ما كان يختلج في أذهان القوم بسبب واقعة عمر باشا ، وأنه قتل بغير وجه حق.

    وللوصول إلى حل صحيح يجب أن ترفع الوحشة من أذهان الأهلين ، ويتوسل بالتدابير الناجعة ومن أهمها أن يرسل جيش قوي فيزيل غائلة ايران ، ثم ترفع النفرة بين الأمراء وبين الأهلين. وما ولدته قتلة عمر باشا من سوء تأثير. والعراق في هذه الحالة بين غوائل التسلط من ايران ، وبين عشائر العرب ، وعشائر الكرد فأخطاره متوقعة ، ويخشى من حدوثها في كل حين. فمن الضروري امداد بغداد بقوة وإلا فإن حسن باشا وعبد الله باشا لا يستقر بينهما الأمر. ولا تهدأ الحالات الأخرى. هذا مع العلم بأن التضييق على ايران من جهة بغداد من أشق الأمور وأكثرها صعوبة ، وإنما المهم أن يكون ذلك من جهة أرزن الروم.
    والأمر لا يقتصر على بغداد وحوادثها بل الضرورة تدعو إلى ترقب الأحوال الأخرى ، فيخشى من ظهور وقائع جديدة مما يدعو فيه الأمر إلى الالتفات ، ويستدعي الأخذ به للحيطة والتدابير الضرورية فلا يغفل عنها. ولا شك أنه يرمز إلى لزوم مهادنة المماليك وترك أمل القضاء عليهم ... هذه خلاصة ما في التقرير (1).
    الإمام إبراهيم :
    أمر الوزير عمر باشا بتعمير ضريح الإمام إبراهيم وهو بقرب الحيدر خانة. ومدح حسين العشاري هذا الوزير بقصيدة يثني فيها على هذا العمل المبرور (2).
    __________________
    (1) تقرير الحاج علي باشا عندي مخطوطتان منه إحداهما بخط ابنه الحافظ عبد السلام مؤرخه سنة 1191 ه‍. والأخرى بخط محمد الوصفي الخطاط المعروف مؤرخة في سنة 1226 ه‍.
    (2) ديوان العشاري ص 272 وكتاب المعاهد الخيرية.

    مصطفى باشا :
    ثم رخص مصطفى باشا بعد أن استقر في حكومته كلّا من أوزون عبد الله باشا وكپكي عبدي باشا وسليمان باشا الموصلي. أرجعهم مع عساكرهم بداعي أنه تصالح مع ايران وأنقذ البصرة وكتب لدولته. والحال أن ذلك كان خدعة من إيران. أما البصرة فكانت في حالة اضطراب وضيق. وكذا لم يعتد بموظفي عمر باشا وأتباعه ولا ائتلف معهم. وكانت الحكومة كلها منهم فلم يرغب فيهم بالرغم مما كان يراه منهم من خدمة وما يتقربون به من ألفة ظاهرية فكان ينتهز الفرصة للوقيعة بهم الواحد بعد الآخر ويبعدهم عنه. كل هذا ظهرت بوادره. ولم تحصل لهم طمأنينة منه. وهذا يفسر مخالفاتهم له.
    وأول من ظهر عليه بالمخالفة عبد الله الكهية. خرج عن طاعته فالتحق به العثمانيون في بغداد والتفوا حوله. فروا من الوزير واحتشدوا فبدأ بالخصومة. وحاول مصطفى باشا أن يقضي على أعوان الكتخدا ويفرق شملهم فلم يتمكن وبقي في ارتباك من أمره. فالحكومة تألبت عليه فلم يفلح في السيطرة على الموقف (1).
    سقوط البصرة
    إن الأهلين والمتسلم في البصرة كافحوا كفاح الأبطال وبذلوا من الحمية والهمة ما لا يوصف فلم يبد منهم تهاون ولا قصّروا في أمر من وسائل الدفاع وأن مدة الحصار دامت 14 شهرا انقطعت خلالها السوابل برا وبحرا ونفدت الأرزاق داخل المدينة ولم تبق فيها أقوات حتى اضطر الأهلون إلى أكل اللحوم المحرمة لسد الرمق بسبب ما نالهم من ضنك
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 169.

    العيش إلى أن وصلوا إلى درجة لا تطاق ولم يبق لهم صبر على مقاومة الجوع.
    وفي زمن عمر باشا استمدوا فلم يقطع أملهم وحرضهم على الصبر والدوام على الحرب إلى أن يأتيهم المدد. فوعدهم بوعود مفرحة يقوي بها قلوبهم في رسائله التي كان يبعث بها ثم استغاثوا بمصطفى باشا وطلبوا المدد فلم يرد منه ما يسرّ الخواطر أو يشجع على الدوام ثم إنه كتب إليهم بأنه لا يسعه أن يمدّهم لا سيما بعد أن رأى المماليك كلهم إلبا عليه والفتنة في بغداد مشتعلة كما أن الإيرانيين أوهموه بالصلح أو أن المماليك اختلقوا ذلك ليرفع الجيش عنهم ولذا قال : أرضوا ايران بقسم من المال ليرفعوا الحصار عنكم وإلا فخذوا منهم عهدا بأن يحافظوا على أموالكم وأعراضكم وسلموا إليهم المدينة.
    وعلى هذا شاور المتسلم سليمان آغا الأعيان بما ينبغي أن يتخذوه نظرا لما قطع به الوالي من آمالهم فلم يروا وسيلة غير التسليم. ولذا خابروا قائد ايران صادق خان أن يؤمنهم على أعراضهم وأموالهم ويسلموا المدينة فوافق.
    وفي آخر أربعاء من صفر سنة 1190 ه‍ دخل صادق خان بجيشه ، وألقى القبض على المتسلم والدفتري وصاحب الكمرك وسائر الوجوه والأعيان فاستولى على جميع أموالهم الظاهرة والخفية وأرسلهم أسرى إلى كريم خان الزندي في شيراز. ثم إنه أراد أن يأخذ الأموال الأخرى من البصرة فتعدى وتجاوز بظلم وعسف وسلب الأهلين من أعيان وأداني فلم يذر أحدا إلا غرمه وانتهبه وصار أهل الثراء لا يستطيعون الحصول على قوت يومهم وإنما كانوا يمدون يد الاستجداء إلى غيرهم وصاروا في فقر مدقع وحاجة شديدة.
    ثم إن صادق خان ترك من أمرائه محمد علي خان حاكما في

    البصرة وأبقى عنده نحو عشرة آلاف من الجند وعاد بالباقين ومعه الغنائم والأموال الوفيرة ورجع إلى شيراز (1).
    وقال صاحب تحفه عالم عن حادثة سقوط البصرة إن العثمانيين توصلوا بالأمان وجعلوا واسطة هذا الأمر (السيد نعمة الله) وكان من المحصورين أرسلوه إلى صادق خان للمفاوضة معه في الصلح وكيفية تسليم المدينة فقام بما أودع إليه وذهب إلى صادق خان فأخذ منه المواثيق أن لا يتعرض للنفوس والأعراض. فبلغ هذا الأمر إلى سليمان آغا وسائر أمراء الجيش.
    وفي اليوم التالي دخل أفواج القزلباش إلى المدينة فتنفس الصعداء كل من كان في ضيق من القحط وأخذت تتلى الخطبة الاثنا عشرية وصار يكرر على رؤوس المنابر ومآذن المساجد الأذان الجعفري وضربت النقود بأسامي الأئمة الاثني عشر وأن السردار استحصل من الناس ذهبا كثيرا وأرسل سليمان آغا وجماعة من أعيان البصرة بمن فيهم من مسلمين ويهود وأرمن بمعية ابنه علي نقي خان إلى شيراز فكتب إليّ أخي كتابا يوصيني فيه بحسن المعاملة للأسرى. وكنت آنئذ مقيما في شوشتر (تستر) فدعوت سليمان آغا مع بعض أخصائه إلى منزلي فقمت بالواجب وبما يدعو للتسلية. فوجدت سليمان آغا ذا رأي متين وعزم قوي.
    ثم توجه بعد بضعة أيام إلى شيراز ولقي من الشاه كل اعزاز واحترام. وبعد وفاة الشاه عاد سليمان آغا ثم نال منصب وزارة بغداد (2).
    وقال صاحب التحفة : إن أخي بعد حادثة البصرة قصد الذهاب إلى
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 169.
    (2) تحفه عالم ص 86.

    العتبات إلا أن افواج القزلباش كانت محيطة بتلك الأنحاء وكان أمر بغداد مجهولا ، وأن السردار امتنع من اعطاء الرخصة بالسفر. وكانت الإقامة بالنظر إليه صعبة. لأن أعمال القزلباش وأهل الأهواز كانت غير لائقة ومما لا يطاق تحملها والبقاء عليها. تلك الأعمال المنافية لرأيه والتي تأثر منها. وأعجب من ذلك أن العثمانيين يعزون هذه الحركات إليه ويعدونه منشأها. ومن جملة ذلك أن السردار أمر بهدم مرقد الزبير (1) (رض) وهو من العشرة المبشرة. وبقعته تبعد عن البصرة أربعة فراسخ فأسرع بالذهاب إلى السردار حينما علم بالأمر وبيّن له سوء هذه الفعلة وما ينجم منها من العواقب الوخيمة بالنسبة إلى رعايا ايران والقزلباش وسعى جهده حتى ثنى السردار عن عزمه ، وفي هذه الأثناء توفي كريم خان في شيراز (سنة 1193 ه‍) ودخل في فكر السردار طلب السلطنة لنفسه فترك البصرة وأسرع في الذهاب إلى شيراز وحينئذ لم ير (السيد نعمة الله) صلاحا في بقائه في البصرة ، أو ذهابه إلى العتبات إذ إنه أحس بالنفرة التي ولدها عمل السردار والقزلباش بالنسبة إلى الروم فتوجه نحو بوشهر فأقام فيها (2).
    وحكى ابن سند حادثة البصرة :
    «سنة 1188 ه‍ : فمن أعظم ما وقع فيها محاصرة الزندي للبصرة زحف إليها بزحوف وكان متسلمها ... سليمان أحد من آل إليه أمر بغداد. فإنه صابر مصابرة الضرغام. والوزير إذ ذاك عمر باشا. ولم يمد متسلم البصرة بمدد. فامتد الحصار ... وأكل للسغب الهر والكلب واستغيث ولا مغيث. فحضر ثامر بن سعدون ، وثويني بن عبد الله أول المحاصرة. فلما ضاق الخناق نجوا على النواجي إذ ملّا المصابرة.
    __________________
    (1) رحلة المنشىء البغدادي ص 93 وكتاب المعاهد الخيرية.
    (2) تحفه عالم ص 90.

    وسليمان الضرغام لا يهجع ولا ينام وعمر باشا يستمد من الدولة ولا يمد ، ويستصرخ ولا يسمع صارخه فيغيثه أحد. لأن ملك العجم شكا عليه عند السلطان. ولما تحقق صدق الوزير أمده. مع أن الوزير عمر باشا قبل قدوم الامداد. لم يزل يكاتب متسلم البصرة ويعده جيوش النصرة.
    وكان مع العساكر ثلاثة وزراء عبد الله باشا ، وعبدي باشا ومصطفى. فابتسمت من بغداد ثغور المسرات. وأظهروا مع ما سلف عزل عمر. وولي الوزارة مصطفى. فكتب إلى متسلم البصرة سليمان أن المدد لكم بعيد. فإما أن تصطلح مع العجم ، وإما أن تسلم البلدة لهم. فلما ورد على سليمان ما أرسله مصطفى وقرأه على أهل البصرة أيقنوا بالهلاك. فخرج جماعة من الأعيان طالبين من صادق خان الأمان للنفوس والاعراض. فدخل البصرة ولم يبق مآثم ومظالم إلا ارتكب منها المتون وعمل من فنون الظلم ما لا تتصوره من غيره الظنون ، وقبض على سليمان وجماعة من الأعيان. فضاق من أهلها ساحة الصبر. وهرب العلماء ومن عز انخذل وأضحى كل مسجد دارس ، وموضع العلم بلا معلم ودارس. والأكابر ترسف بالأداهم ، والأعناق مطوقة بأطواق المغارم ، وبدّل من الانبساط العصي والسياط ، كم مخدرة تنادي وا ويلاه ، وحرة تقول واطول ليلاه.
    ولامتداد يد بغيهم عليها كتب البليغ الأديب عبد الله بن محمد الكردي البيتوشي الخانخلي الآلاني كتابا إلى سليمان بن عبد الله بن شاوي الحميري العبيدي. لكونه إذ ذاك صدرا في العراق يستصرخه فيه لنصرة البصرة وتخليصها قائلا : فكيف تترك ـ البصرة ـ تحت اضراس العسف ، وتوطأ بمناسم الذل وتسام الخسف ، أفنسيتم ما لعلمائها من المناقب ، ولكرمائها من الأيادي والمواهب ... (وذكر أبياتا في مدح الشاوي).

    لكن لما وصلت المالكة سليمان ووقعت منه موقع السلسال من الغيمان رام النصرة فلم يكن له بها يدان (1).
    وجاء في مقدمة (طريقة البصائر إلى حديقة السرائر في نظم الكبائر) للبيتوشي أنه قدم البصرة سنة 1189 ه‍ وأنه لبث يسيرا بين أهليها فأقبل عليها صادق خان الزندي بعسكر جرار ، وهجم بأمر من أخيه كريم خان والي شيراز ... فحاصرها ، ومضت عليها السنة في المحاصرة ، ولم يأت امداد من بغداد ، فكتب هذا الكتاب وهو نظم (تراجم الزواجر عن اقتراف الكبائر) لابن حجر الهيتمي المتوفى سنة 974 ه‍ نظمه مع زوائد وهو في هول المحاصرة. ثم عنّ له أن يشرحه وسماه بما ذكره أعلاه. وسمى النظم (حديقة السرائر في نظم الكبائر) (2) ، وأتمّ الشرح سنة 1195 ه‍ في الأحساء. وفيه أن الحصار وقع سنة 1189 ه‍ وبهذه الواقعة أعاد الزنديون إلى الأذهان حوادث الصفويين ونادر شاه.
    عزل مصطفى باشا :
    كان خروج عبد الله الكهية على مصطفى باشا ومعه ثلة كبيرة وفي هذه المدة كتب إلى استنبول يلتمس توجيه ولاية بغداد والبصرة إليه ، وأن مصطفى باشا عجز عن مقاومته والقضاء عليه ولذا شكا الأمر إلى الدولة ، ومن الأولى أن لا يقدر على حرب دولة مناوئة مثل ايران قوية الشكيمة ، وحذرت الدولة أن يستولي الكهية على بغداد قسرا. وصارت تخشى أن يشوش الحالة أكثر ، فعزلته ووجهت إيالة بغداد والبصرة إلى الوزير عبدي باشا آل سرخوش علي باشا.
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 33 مخطوطتي.
    (2) نسخة منه في خزانة الأوقاف العامة برقم 3591 كما في الكشاف عن مخطوطات خزائن الأوقاف للأستاذ الدكتور محمد أسعد طلس. ص 143.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 9:14 am

    في سنة 1185 حدث الطاعون (أبو خنجر) وامتد إلى السنة التي بعدها (1).
    حوادث سنة 1186 ه‍ ـ 1772 م
    الطاعون :
    حدث الطاعون فاستولى على المملكة فلم ينج منه رجل ولا امرأة. فتك فيهم فتكا ذريعا فهدم معالم وقضى على بيوت فعادت بغداد يبابا ونالها الخراب.
    دام الطاعون من أوائل شعبان إلى أواخر المحرم لسنة 1187 ه‍. دهش الناس من ألم هذه الوقعة وذهلوا ففروا بلا اختيار ولا روية إلى جهات أخرى.
    وكان الوزير اتخذ الخيام فنزلها في مقابل قصبة الإمام الأعظم وبالقرب من المدينة فمال عنه الأعوان والحشم وسائر الموظفين.
    وللعشاري قصيدة يرثي بها أوضاع بغداد لما أصابها من هذا المرض الفتاك فبدل من أحوالها (2).
    ثم انقطع المرض فتراجع الناس وعادوا إلى مواطنهم واكتست المدينة حسنا بالسكان نوعا. وهذا الطاعون فل من عزم الوزير وشوش من إدارته (3).
    وفي تحفه عالم (4) : «حدث سنة 1186 ه‍ مرض الطاعون في
    __________________
    (1) مجموعة عمر رمضان ـ مخطوطة بخط المؤلف.
    (2) ديوان العشاري ص 287.
    (3) دوحة الوزراء ص 157.
    (4) رحلة لعبد اللطيف بن أبي طالب الموسوي الشوشتري الجزائري. ولد في 9 ذي الحجة سنة 1172 ه‍ في شوشتر. وحصل العلوم الكثيرة. ثم مال إلى السياحة فكتب هذه في أواسط جمادى الأولى من سنة 1216 ه‍. ـ ثم ألحقها (بذيل التحفة) بدأ به في جمادى الأولى سنة 1216 ه‍.

    العراق جاءه من استنبول وانتشر في أنحاء العراق. هلك فيه خلق لا يحصي عددهم إلا الله. وفي مدينة بغداد مات في اليوم الأول بهذا المرض سبعون ألفا ، وفي اليوم الثاني والثالث لم يحص عدد المصابين. وأن العتبات العاليات كان فيها أفاضل العلماء. ذهبوا ضحية هذا المرض إلا نفرا معدودا فروا اتقاء منه وكان في أجلهم تأخير. وأن المؤرخ السيد محمد السيد زينا الذي هو من أدباء ذلك العصر نعت في تاريخه هذا المرض (بالطاعون العظيم).
    سرى إلى البصرة وبوشهر بحيث هلك القسم الأعظم من سكان البلاد المشهورة والقرى والبوادي (1) ...
    حوادث سنة 1187 ه‍ ـ 1773 م
    الحالة بعد الطاعون :
    بعد حادثة الطاعون رجع الأهلون كل إلى مكانه. وأن المدينة ظاهرا انتظمت أمورها لكنها لم تتكامل وبقيت في حالة تشوش. لأن الذين كان يعول عليهم في الإدارة وحسن النظام ماتوا ولم يبق من يقوم بشؤون الحكومة من أهل الكفاءة وولي الأمور من لم يكن أهلا للقيام فانحلت أمور الديوان فاضطر إلى ترغيب الاكراد والعربان سكان البوادي. ولقلة خبرتهم بالإدارة تشوشت الأمور وانحلت.
    أما العشائر العربية فكانت تنتظر وقوع أمثال هذه الأمور لإثارة الفتن (2).
    __________________
    واستمر إلى سنة 1219 ه‍. وطبعت في حيدر آباد سنة 1317 مع الذيل.
    (1) تحفة عالم ص 86.
    (2) دوحة الوزراء ص 159.

    بابان :
    في حوادث سنة 1187 ه‍ تغلب علي باشا على سليمان باشا متصرف بابان ووجه لواء بابان إلى أخيه أحمد باشا ، ووجهت ألوية كوى وحرير إلى تيمور باشا من آل عثمان باشا من أمراء كوى (1) ، وأن سليمان باشا استند إلى كريم خان الزندي فتحارب مرارا مع آزاد خان الأفشاري وانتصر عليه كما استولى على سنة اعتمادا على قوة كريم خان فوجه حكومتها إليه.
    ثم إن علي باشا الوزير عزم في السنة التالية على محاربة كعب فاستصحب معه أحمد باشا مع عسكره وأناب هذا أخاه محمود باشا في قلعة چولان وترك أخاه الآخر مصطفى باشا في عسكر قليل.
    أما سليمان باشا فإنه اغتنم الفرصة فجاء من سنة بعسكر كثير وطرد محمود باشا وأتباعه وضبط لواء بابان. ولما عاد علي باشا من سفرة كعب سمع بالوقعة في منزل (نهر عمر). وبوصوله إلى بغداد رخص أحمد باشا منصوبا على بابان وعين معه عسكرا جرارا وعند ذلك لم يقاومه سليمان باشا. وكان الموسم موسم شتاء وثلج فأخذ سليمان باشا جميع أرباب الحرف والصنائع وأهل المقدرة والقوة وساقهم قهرا معه وذهب إلى (سنة) وأقام في حكومتها معولا على كريم خان.
    وبعد عام واحد توفي علي باشا وصار عمر باشا واليا. وكان هذا الوزير مغبرا من أحمد باشا وكانت له حقوق قديمة مع سليمان باشا. لذا عزل أحمد باشا ووجه لواء بابان إلى سليمان باشا وكذا كوى وحرير وإربل وكوپري وقره حسن وزنگباد وجسّان وبدرة وأرسل إليه خلعة إلى سنة.
    __________________
    (1) من الصورانيين ولم يكونوا من بابان.

    أما أحمد باشا فإنه لم يعارض وانسحب هو وأتباعه إلى العمادية. أسكن حاشيته هناك وذهب هو إلى الموصل. بقي فيها مدة.
    وتوجه سليمان باشا إلى ديار الكرد وتمكن فيها ، وأن عمر باشا لم ير من المصلحة إبقاء أحمد باشا في الموصل. بل جلبه إلى بغداد إلا أنه لم ينل منه توجها. واستولى سليمان باشا على سنة وعلى جميع ديار الكرد وإربل والمقاطعات الأخرى بلا معارض ولا مزاحم. مضت على ذلك مدة سنة. وكان قد عاقب بعض الأشخاص هناك وهو (فقيه إبراهيم). وهذا نزل ليلا على دار (سليمان باشا) وقتله بخنجره انتقاما منه.
    إيالة بابان توجه إلى محمد باشا :
    وافى الخبر عمر باشا. وأن أحمد باشا كان في بغداد ، أما أخوه محمد باشا فقد كان هناك وهو أكبر من أحمد باشا وأصغر سنا من سليمان باشا فوجهت إيالة بابان إليه بناء على تعريف عمر آغا المطرجي له وتنويهه بذكره لحقوق قديمة كانت بينهما فأرسلت الخلعة إليه. ولعل التعريف كان مبنيا على أنه عازم على الحرب فيما إذا لم توجه إليه فتتولد فتنة جديدة.
    مضت مدة سنة فأراد الوزير عمر باشا السفر إلى الخزاعل فطلب محمد باشا للذهاب معه فجاءه بألفي جندي من خيار الجند فأدى واجب السفر ورسوم الخدمة وعند العودة إلى بغداد أقام بضعة أيام. وفي هذه الأثناء رأى من عمر باشا بعض التكاليف الشاقة .. مما لم يكن يأمله فذهب إلى مقر حكومته على أن لا يعود مرة أخرى وأضمر أن لا يرى هذا الوزير ثانية.
    ويلاحظ أن أحمد باشا في خلال هذه المدة اضطرب كثيرا ولم ينل رعاية لدرجة أنه ضجر الحياة ورجح الموت على البقاء على هذه الحالة.

    ولما علم محمد باشا بهذا أشفق على أخيه ، وكذا أراد تنفيذ نواياه فاتخذ المراسلة والعهد للترغيب فجلب أخاه إليه ، ففرح أحمد باشا بذلك فاطلع عمر باشا على الأمر والتفت حينئذ إليه وأمله بأنه سوف يوجه إليه ديار الكرد وعزم على نصبه فلم يوافق. ولذا خرج وذهب إلى أخيه وحين وصوله وجه إليه أخوه محمد باشا لواء كوى وقره طاغ. وداموا سنين على خير ألفة ووفاق.
    ثم دخل بينهما أهل النفاق. فزال الاعتماد بل تمكن الخصام. وبسبب ذلك حذر أحمد باشا فرحل من قره طاغ وذهب بمن معه إلى جهة زنگباد فوجه إليه الوزير مقاطعات بدرة وجسان ومندلي وفي هذه الأثناء حدث الطاعون ، فأراد محمد باشا تنظيم بعض المصالح اللازمة ، وتوجه من قلعة چولان إلى كويسنجق. ونظرا لحادث الطاعون زال الربط والنظام وكل واحد ذهب لشأنه.
    أما أحمد باشا فقد استفاد من هذا نظرا لما علمه من قلة العدد والقوة في أنحاء كويسنجق ، فاغتنم الفرصة فعزم على استئصال محمد باشا ، وأغار على كويسنجق ، وعند وصوله إلى قنطرة الذهب (آلتون كوپري) حدثت أمطار غزيرة فلم يتمكن من العبور. فلما سمع محمد باشا بالخبر أخذ ما لديه من الجند وتقدم نحوه فتقابل الطرفان. فكان أحمد باشا في الجانب الأيسر ومحمد باشا في الجانب الأيمن. وفي هذه المدة تناقص الماء ووصل المدد إلى محمد باشا من قبائل كويسنجق من خيالة ومشاة. فتلاحق ورودهم فصاروا يلتمسون معبرا.
    رأى محمد باشا أن قوته تكاملت فعبر وتقدم ، لكن العلماء والصلحاء والسادات والشيوخ توسطوا في البين رافعين المصاحف فأصلحوا بينهما ، وأطفأوا نيران الحرب.
    وفي هذه المرة خصص محمد باشا إلى أحمد باشا كويسنجق وقره

    طاغ. أعطاهما له وذهب هو إلى قلعة چولان وبقوا على هذه الحالة سنة واحدة. ثم زال اعتماد محمد باشا على أخيه أحمد باشا بسبب ما حدث من فتنة وشقاق حتى دعاه إليه من قره طاغ إلى قزلجه وحينما جاء حبسه. ولتأمين القبض على أخيه الأصغر محمود باشا وهو بمثابة جزء غير منفك منه أغار على قره طاغ إلا أن محمود باشا سمع بالأمر في حينه ففر هاربا إلى بغداد.
    أكرم الوزير عمر باشا مثواه وأعطاه مقاطعة قزلرباط (السعدية) فسكن فيها. ولكن الوزير ـ بسبب الطاعون ـ لم يتمكن من الإدارة. ولذا ترك محمد باشا الطاعة وكان يعتذر ببعض الاعذار من تنفيذ أوامره. وفي الوقت نفسه كان يخابر كريم خان الزندي ويبدي الانتماء إليه. فعرف الوزير ذلك فأراد ضبط ديار الكرد والسيطرة عليها وإرهاب العشائر وتأمين انقيادها فعزل محمد باشا وكان أحمد باشا لا يزال محبوسا فنصب محمود باشا وجعله متصرفا على بابان. فجهز الحاج سليمان آغا وعين برفقته باش آغا وهو أحمد آغا ابن محمد خليل مع مقدار خمسين بيرقا من اللوند وسباهية كركوك ولونداته ومقدارا من خاصته (أوجقلو).
    إن هذا القائد توجه نحو المهمة المطلوبة وتلاحق معه محمود باشا أيضا أثناء الطريق وألبسه خلعته والتحق بهم جيش كركوك فوصلوا ديار الكرد.
    أما محمد باشا فلم يستطع المقاومة لعلمه أنه لا قدرة له فاختار الذهاب إلى ديار ايران. فتمكن قرب سنة وعرض الأمر على كريم خان الزندي واستطلع رأيه. وأن القائد مع محمود باشا دخلا بلا ممانع قلعة جولان وتمكنوا بها وأنقذ أحمد باشا من السجن ، وأن محمود باشا حين وصوله ترك الأمر لأخيه أحمد باشا بطوعه وفوض إليه المتصرفية وقام هو بخدمته وأن يكون معه فيما يختاره.

    ثم إن التجاء محمد باشا إلى ايران واحتماءه بكريم خان أدى إلى أن ينتظروا هناك مدة. أما كريم خان فإنه عاضد محمد باشا وطمع في الأمر بسبب الضعف والفتور اللذين استوليا على الأهلين من جراء الطاعون ، وبما أصاب العراق من نقص في الجيوش فأقره في محله وجهز معه جيشا يبلغ نحو عشرة آلاف جندي بمعداتهم وكامل أسلحتهم ومدافعهم. فوافى الجيش الايراني تحت قيادة علي مراد خان متفقا مع محمد باشا فدخلوا حدود الكرد. وحينئذ تفرق جيش الوزير شذر مذر لكن القائد سليمان آغا مع أحمد باشا تمكنوا من جمع ثلة معهم وخرجوا من قلعة چولان وتأهبوا للنضال في سفح جبل (سر سير) فلاذوا بكهف منه وقاوموا أشد المقاومة حتى أنهم بالرغم من قلتهم انتصروا على عدوهم.
    وفي هذه المعركة استولى جيش الوزير على (علي مراد خان). قبض عليه أسيرا وكسر الايرانيين وقتل منهم نحو أربعمائة أو خمسمائة وبقوا في تعقبهم إلى ثلث الليل ونالوا غنائم كثيرة.
    وحينئذ دعا الحاج سليمان آغا (علي مراد خان) إليه ولطفه وبقي عنده بضعة أيام ثم أرسله إلى عمر باشا في بغداد. وصل خبر انكسار الجيش الايراني إلى كريم خان فحار في أمره.
    ثم تصدى لأخذ الثار وتحركت النخوة فيه. وأن عمر باشا حينما جيء إليه بعلي مراد خان أكرمه وأبدى له من الاعزاز ما يستحق. وبقي عنده بضعة أيام ثم أرسله إلى كريم خان مكرما معززا ولكن كريم خان لم يسكن غضبه بل جهز أخاه صادق خان بجيش يناهز العشرين ألفا ، وسير مع شقي خان نحو اثني عشر ألفا ، ومع نظر علي خان ما يقارب الثمانية آلاف.

    أما القائد الحاج سليمان آغا وأحمد باشا فقد صاروا في انتظار ما سيفعله كريم خان وتطلعوا إلى أخبار الايرانيين إلا أن ديار الكرد ليس في قدرتها الدوام على إدارة الجيوش لأمد طويل ولا قدرة لها على إعداد الأرزاق ولذا توجه الحاج سليمان آغا بعسكره إلى جهة كركوك.
    ثم إن الجيوش التي عينها كريم خان توجه كل منها إلى جهة ، فإن صادق خان توجه نحو البصرة فحاصرها ، وإن الفرق الأخرى ذهبت إلى أنحاء الكرد فوردت إلى محل قريب من الحدود. ولما شاع أمر ذلك استولت الواهمة على الأهلين وأصابهم الرعب على البعد حتى أنها أثرت على جيش الحاج سليمان آغا فتفرق أعوانه ولم يبق معه سوى الباش آغا (أحمد آغا ابن محمد خليل) وبضعة خيالة من أعوانه وأتباعه. فتيقن أحمد باشا أن لا طريق لإمداده كما أن عمر باشا عزل أحمد باشا تنويما للعداء بينه وبين الإيرانيين وعين محمد باشا لولاية بابان وإربل والقنطرة (آلتون كوپري) وجاء محمود باشا وسائر أتباعه إلى كركوك فأقاموا هناك وجاء معهم تمر باشا متصرف كوى. وهذه التدابير لم تكن الدواء الناجع بل قوت عزم الإيرانيين وبعثت فيهم همة ونشاطا فطمعوا في الأمر. ولذا تحرك نظر علي خان من كرمانشاه وتوجه إلى ديار الكرد فضبط درنة ، وباجلان فوصل إلى قرى (پير حياتي) ، و (جبّاري) ، و (قره حسن) وهذه مأوى العشائر الكردية وتسمى بأسماء قاطنيها فانتهبوا هذه المواطن ورجعوا.
    وأما شقي خان فإنه زحف على الكرد من جهة (سنة) وانتهب أيضا كل ما لقي من قرى ونواح فتوقف هو ومحمد باشا في موقع يقال له (دربندكي). وحينما وصل الخبر إلى كركوك تقدم أحمد باشا بقصد الانتقام منهم إلا أن الإيرانيين بعد أن عملوا ما عملوا رجعوا فلم يسعه اللحاق بهم ومحاربتهم.



    وفي هذه نرى عمر باشا حينما علم بهجوم ايران من ثلاث جهات تيقن بالخطر وأنه لا يسعه الدفاع ولا امداد هذه المواطن الثلاثة ومعاونتها فطلب المساعدة من دولته لتمده بما تستطيعه خشية أن يتفاقم الأمر. ونعلم من ناحية أخرى أن الدولة ليس في وسعها الامداد ولكنها أفرغت المسألة في قالب آخر فلم تصدق الوزير في أقواله إلا أنها علمت الحقيقة من كتاب الباليوز (المقيم البريطاني في بغداد) ولذا أرسلت لهذا الغرض وهبي أفندي بوظيفة سفير إلى ايران.
    ثم إن الإيرانيين حينما وصلوا إلى (دربندكي) مع محمد باشا مكثوا بضعة أيام ثم انسحبوا إلى الوراء أما القائد فإنه أقام في كركوك مع ثلة من الجند لمحافظة المدينة. وفي هذه الأثناء شاع خبر عزل عمر باشا ممن جاؤوا من الموصل. ولذا تفرق عسكر القائد (الحاج سليمان آغا) وبقي وحيدا ليس معه إلا بعض أتباعه. خالفه تمر باشا متصرف كوى وحرير وتصدى للذهاب إلى مقره فلم يوافقه القائد في رأيه هذا ولم يأذن له بالذهاب إلا أنه لم يصغ لقوله وحاول الخروج فألقى القائد القبض عليه وعرض الأمر على عمر باشا فعزل تمر باشا ووجه لواء كوى وحرير مع إربل إلى أحمد باشا ضميمة إلى القنطرة (آلتون كوپري) وأن أحمد باشا ومحمود باشا توجها مع القائد وضبطوا كويسنجق ولكن القائد لم يجد البقاء فيها موافقا. فعاد بعد أيام إلى كركوك.
    وفي هذه الأثناء عزل الوالي متصرف كركوك تيمور باشا ووجهت المتصرفية إلى سليمان باشا ابن أمين باشا الجليلي متصرف الموصل برتبة الوزارة فجاء وباشر إدارة الشؤون.
    وكذا ورد وهبي أفندي وذهب إلى شيراز فالتقى بكريم خان الزندي وبلغ سفارته ومن هناك توجه إلى استنبول ولم تظهر نتائج هذه المفاوضة.

    ومن ثم حاصر جيش كريم خان البصرة. أما الدولة فإنها في الظاهر أعانت عمر باشا ولكنها كانت تضمر له نوايا. فأرسلت والي ديار بكر أوزون عبد الله باشا وأتبعته بالحاج مصطفى الاسبيناقجي جاء عبد الله باشا ومعه نحو الثلاثة آلاف جندي فوصل إلى كركوك. ثم بعد استراحة بضعة أيام رافقه القائد الحاج سليمان آغا إلى بغداد ونزل في ميدان السلق.
    ثم جاء بعد أيام قلائل الحاج مصطفى والميرميران كپكي عبدي باشا ومعهما نحو ألفين وخمسمائة جندي. ونزلوا خارج الباب الأبيض ثم ورد والي كركوك سليمان باشا الجليلي ومعه نحو ألف فكان جيشا معاونا ونزل خارج البلدة (1).
    ويلاحظ أن هذه الحوادث ابتدأت من سنة 1187 ه‍ ، وانتهت بسنة 1188 ه‍.
    في سنة 1188 قتل الكارجي وإسماعيل آغا وإسحاق آغا (2).
    وفيات :
    1 ـ السيد عبد الله الفخري :
    سنة 1188 ه‍ توفي السيد عبد الله الفخري. وله (تاريخ نشاطي). وكان كاتب الديوان من أيام الوزير أحمد باشا وهو أديب وشاعر بالعربية والتركية وعندي مجموعته الخطية فيها شعره العربي وما قيل فيه وله رسالة في الهيئة عندي مخطوطتها وشرح بانت سعاد مخطوطة أيضا ورثاه الشيخ كاظم الأزري بقصيدة (3).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 166.
    (2) عن مجموعة عمر رمضان مخطوطة بخط المؤلف.
    (3) التفصيل في التاريخ الأدبي.

    حوادث سنة 1189 ه‍ ـ 1775 م
    محاصرة البصرة :
    إن صادق خان أخا كريم خان الزندي توجه نحو البصرة لمحاصرتها والاستيلاء عليها. ولما وصل إليها كان متسلمها سليمان آغا. وكان مقداما هماما. فلم يصبه تزلزل ولا بالى بالإيرانيين وإنما سكن روع الأهلين فحثهم على الدفاع وراعى لوازم الحصار.
    أما الإيرانيون فإنهم أحاطوا بها من كل صوب وشرعوا بالحرب فطالت المحاصرة. وأشكل الأمر بسبب الهجوم من جانبين فالوزير نظرا لقلة جيشه لم يستطع إرسال قسم إلى جهة أنه كان يبعث الأمل ويحرض على الدوام في القتال والمصابرة ويخبر بأن الدولة أرسلت جيشا وأنه سيوافي عن قريب. وصل إلى المحل الفلاني ويقول : ثابروا على الدفاع. إن بغداد بعثت كذا مقدارا من الجيش لمعاونتكم وإنه واصل لا محالة.
    كل هذا تقوية للقلوب وبعث الأمل في حين أنه لم يرسل إليهم ولا وصل إليهم مدد.
    ثم أرسل الوزير كتخداه عبد الله الكهية مع مقدار من الجيش فلم يتمكن أن يجتاز الخزاعل. وصل إلى جليحة لقتالها. فتغلبت عليه. فبقي الوزير في اضطراب وحيرة. وكذا الأهلون في بغداد كانوا في كدر وحزن.
    وفي تحفه عالم :
    «إن والي بغداد اتخذ سلوكا رديئا نحو سكان العراق لا سيما زوار العتبات وساكنيها من القزلباشية (1). كان يأخذ منهم الأموال الوافرة
    __________________
    (1) يراد بهم الجيش الإيراني أو الإيرانيون مطلقا.

    بحجة أن هذه تعود إلى موتى الطاعون ، فكان يصادر بعض أموالهم يداعي أنهم استولوا على متروكات الموتى فوصل خبر ذلك إلى الشاه فتأثر. فعهد بأمر دفع هذا الظلم إلى (حيدر قلي خان) أمير زنگنة. اختاره لهذا الغرض حيث إنه كان ممن عاش لدى الصفويين وكان من أمراء ايران المعروفين فهو مجرب كامل بسبب سفراته وسياحاته العديدة في الاقطار ، وكان عالما بالعلوم المتداولة. يجيد أكثر اللغات الغربية فضلا عن أنه كان مفوها ، منطيقا. أرسله إلى بغداد فأخذ ينصح الباشا ويحذره العواقب. فكان جواب الباشا يتضمن مواعيد واهية فأذن للرسول بالانصراف.
    واستمر في ظلمه وقسوته أكثر بحيث إنه قبض على جماعة من سكان الكاظمية وعذبهم بالضرب بالعصى فأدى ذلك إلى وفاة واحد منهم.
    ولما جاء هذا الخبر إلى الشاه لم يهدأ ولا قر له قرار فأرسل أخاه محمد صادق خان الزندي وأحد أبناء عمه نظر علي خان وكانت لهما اليد الطولى في قيادة الجيش وحسن إدارته ففوض إليهما أمر الاستيلاء على البصرة. فوردا إلى شوشتر ومنها ذهبا إليها.
    وكان متسلمها إذ ذاك سليمان آغا وهو ذو شجاعة ورأي سديد. قام بالواجب في حراسة المدينة وأظهر ثباتا ، وأما جيش القزلباش فإنه أحاط بها واستمر الحصار أربعة عشر شهرا فوصل حال المدينة إلى حد أنهم من شدة القحط أكلوا لحوم الحيوانات التي لم يألف الناس أكلها كلحوم الكلاب والقطط وهلك خلق كثير (1) ...» اه.
    __________________
    (1) تحفه عالم ص 87.

    عاقبة الوزير :
    في هذه الأثناء ورد الوزراء إلى بغداد متواليا وكل واحد معه بضعة آلاف فتجمع في بغداد نحو سبعة آلاف أو ثمانية آلاف جندي وبهذا زال الاضطراب عن الوزير وذهب البؤس عن الأهلين وقوي الأمل في استخلاص البصرة.
    قضوا بضعة أيام للاستراحة ثم كلفهم الوزير بالذهاب إلى مواقع الحرب فلم يصغوا واعتذر كل منهم بعذر وماطلوا في الذهاب.
    وبعد أيام أشاعوا عزله وأظهروا الفرمان. بينوا أن عمر باشا كانت معاملته سيئة مع ايران وأنه حرك الساكن ، فلو عزل سكنت الفتنة ولم يبق لها أثر. كتبوا إلى استنبول بهذه البيانات وكانت بعكس ما كان يكتبه الوزير عمر باشا فعلمت الدولة أن أقوال هؤلاء صحيحة وأن الخلاف بين الوزير وايران هو منشأ توتر العلاقات. وعلى هذا عزلته الدولة (1).
    تواتر أن أعمال هذا الوزير كانت منفّرة. فلم يرض العشائر ولا الكرد ولا الداخل. وقتل عبد الله بك الشاوي إلا أن العاقبة صارت وخيمة عليه وحصلت البغضاء منه في كل الأنحاء ، وكان المثير لحروب ايران ، فلم يحسن السياسة فالدولة لم ترض عنه ولا عن المماليك. واعتقد أن ذلك كله كان بسبب موافقته لرغبة سليمان آغا متسلم البصرة.
    أرادت الدولة أن تستفيد من هذا الوضع. وأن تتخلص من المماليك وهم أشد خطرا عليها من ايران فكانت مهمة الجيش القضاء على هذه الغائلة وترجيحها على ايران. استغلت نفرة الأهلين من هذا الوزير ومن أوضاع ايران. وأمراء الكرد فتخلصت بخير طريقة. فكان تفسير المماليك للوضع تبعيدا للمغزى السياسي.
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 167.

    صراف عمر باشا :
    هو اليهودي ميخائيل. ولهذا أخ اسمه أبراهام فلما حدثت واقعة الوالي حبس الاثنان ، وبقيا في الحبس حتى طلب بعض النساء من أهلهما إطلاق سراحهما (1) ..
    توالي الوزراء :
    وعلى هذا وجهت الدولة إيالة بغداد والبصرة إلى أمين باشا الجليلي ، ووجهت إيالة كركوك والموصل إلى ابنه سليمان باشا. ثم إن أمين باشا توفي فعهدت بإيالة بغداد إلى أحد الوزراء المبعوثين إلى بغداد وهو مصطفى باشا. وأوضح في الفرمان الوارد أن عمر باشا إذا تمرد وعصى ولم يطع الأمر فليعامل بما يستحقه. وهذا أيضا يبين نوايا الدولة نحوه وأما الايعاز الشفهي أو التحرير السري فحدث عنه ولا حرج.
    أما الوزير فإنه حينما سمع بالفرمان امتثل الأمر وسلم مقاليد الحكم إلى خلفه وعبر هو إلى جانب الكرخ وضرب خيامه في المنطقة وتأهب لما يقتضي له من اللوازم السفرية إذ لم يكن يعلم بذلك ليتأهب.
    ثم ولي مصطفى باشا الوزارة بموكب وأبهة ودخل بغداد بلا مزاحم ولا معارض وباشر أمور الإدارة إلا أن مبغضي عمر باشا استفادوا من توقفه فحملوا تأخره على محمل آخر وأغروا الوزير مصطفى باشا بقتله. فأصدر أمره لجميع الجيوش أن يهجموا عليه ليلا.
    وحينئذ أخلى عمر باشا وحاشيته المخيم واحتمى بنفسه ودافع إلى الصباح وأبدى من الجلادة ما لا يوصف. ولما انكشف الصباح ترك الحرب وتوجه منهزما ولكن الجيش عقب أثره وضيق عليه كثيرا فاضطر إلى المقاومة والدفاع ثم أرخى العنان للنجاة. وسلك طريق الموصل من
    __________________
    (1) مجموعة تركية خطية.

    جهة الإمام موسى الكاظم (رض) ولما غادر أرض المنطقة عثر به فرسه فسقط وانكسرت رقبته. ولم يعلم به أحد من أعوانه فتوفي. صادفه أحد اللوندات ممن عقبوا أثره فقطع رأسه وقدمه إلى الوزير مصطفى باشا. وهذا أرسله إلى الدولة.
    وهذا الوزير عاكسته الاقدار. ومع هذا كافح الاعداء بالرغم من أنه لم يصل إليه مدد. وإن أول وزارته عام 1177 ه‍ وقتل غدرا في أوائل سنة 1190 ه‍ ومدة وزارته بلغت 13 سنة.
    وكانت أيام حكومته مطردة إلى أيام الطاعون. ثم تشوشت ونالها خلل. وكان إسماعيل آغا كتخداه. وأما كاتب الديوان فإنه إسماعيل المكي ، وكان خطاطا معروفا. وهو ابن ولي أفندي كاتب الديوان أيام أحمد باشا. وتوفي سنة 1228 ه‍. وكان من أساتذة الخط وله معارف جمة. وأصله من كركوك. وله إخوة (1).
    إن عمر باشا في حد ذاته كان مفكرا ، صائب التدبير. شجاعا مهيبا ، وأديبا وقورا. رضيت عنه الدولة وكان مطيعا لها منقادا لاوامرها ونواهيها. مبديا لها الاخلاص ، ولم يكن له دخل في قضية ايران ، وأن الفرمان الذي صدر في حقه لم يكن قطعيا وإنما علق بحالة تمرده وعصيانه. وإنما فعل مصطفى باشا ما فعل بتسويل من ذوي الاغراض ثم ظهر للدولة إخلاصه إثر حدوث وقعته وحين وصول رأسه إلى الدولة أبدت تأسفا كثيرا. ومن أجله غضبت على مصطفى باشا (2).
    ولا أعتقد أنه عمل مأثرة للدولة أو للأهلين. وإنما أراد أن ينفع المماليك فأضرّ بهم. عادى بين الأهلين وبينهم. وأن الدولة أرادت
    __________________
    (1) تذكرة شعراء بغداد وأدبائها أيام داود باشا ص 38.
    (2) دوحة الوزراء ص 168.

    القضاء على هؤلاء اغتناما لهذه الفرصة ولكن رجالها لم يقووا على الأمر وليس فيهم من الكفاءة ما يسهل ذلك.
    وجاء في تقرير الحاج علي باشا والي طربزون وسماه (تاريخ جديد) أو (يادگار تاريخ) كتب في 13 شوال سنة 1190 ه‍ أن الدولة نشأت فيها أحوال ناجمة من قلة التدبير. فعددها. وقال : من أهمها وقائع بغداد ، كانت في حالة توتر بينها وبين إيران. وأن اعتداء كريم خان الزندي كان صريحا إلا أنه قيل إن ذلك متولد من جراء ما اتخذه عمر باشا والي بغداد من أوضاع ضد رعايا ايران. فأيد مبغضو الوزير ، وبينوا أنه لو عزل لما بقي ما يدعو للخلاف.
    ومن جهة أخرى أن الدولة أرادت أن تتخذ ذلك وسيلة ، فأرسلت إلى بغداد جملة وزراء منهم مصطفى باشا ، وعبدي باشا ، وعبد الجليل زاده ، وأوزون عبد الله باشا ، ومصطفى باشا ، ومصطفى باشا خليل باشا چراغي. ذهب هؤلاء الوزراء إلى بغداد ، وكانت مهمتهم حرب الإيرانيين ولكنهم اهتموا بأمر الوالي ، فعزلوه ، ثم قتلوه ، واختلفوا على سلبه ، صار كل واحد يميل إلى ناحية من الأهلين ، فاضطربت الحالة ، ولم يبق أمل في صيانة بغداد ، والاحتفاظ بها ، أو أن الأهلين فسروا اختلافهم بذلك ، فاحتقروا أمرهم.
    وهل يصح أن يقال : أن عمر باشا كان مقصرا في علاقات ايران ، وهل إن دعوى الإيرانيين صحيحة؟ ذلك ما لا يعقل ، فهل جاء سفير من ايران؟ أو هل صدر هذا القول من مصطفى باشا نكاية بعمر باشا؟ ذلك ما لا يعلمه سوى الدولة إلا أن الواقع بخلافه ، فإن عمر باشا عزل ، وقتل ، فهل كان ذلك سببا لانسحاب جيش كريم خان من البصرة؟ وهل من اللائق قتل وزير مثل هذا؟.
    أبدى ذلك صاحب التقرير. والحال أن رغبة الدولة كانت مصروفة

    إلى الاستيلاء على بغداد ، وانتزاعها من أيدي المماليك ، وأن تكون تابعة لها رأسا. فاتخذت هذا التدبير وسيلة إلا أنها كما جاء في هذا التقرير كانت في أسوأ الأوضاع. أصابتها الضربة من الروس سنة 1182 ه‍ وحدثت هذه الغائلة ، ولا تدري ما ستجر إليه. وبغداد لم تكن في حالة تدعو للارتياح لما فيها من فتن لا تستطيع قمعها.
    وقال : أرى أن الدولة أضاعت التدبير ، فأربكت هذه الفتن أمرها ، وكل ما نعلمه أن كريم خان مد يد البغي ، ولم يكن مضطرا لما قام به كما أعلن ، أو كما أبدى أعداء عمر باشا فالدولة لم تتثبت ، وتقف على جلية الأمر لتكون على يقين.
    وأن الموما إليه بيّن لدولته في تقريره أن قضية بغداد لم تكن الوحيدة في بابها ، بل هناك قضية القريم ، وقضية مصر. فإذا لم تتخذ الدولة تدابير ناجعة ، فإن هذه الممالك تضر بالدولة أكثر مما تنفع. لأن الغائلة تستدعي مصاريف بالغة ، فإذا تجمعت جملة غوائل كانت المصيبة أعظم.
    وخير تدبير للعراق أن يقضي على غوائله ، وأن يكون هناك جيش يستطيع محافظته ، وأن يزول سوء التفاهم بين والي بغداد عبد الله باشا وبين حسن باشا. فإن رفع ذلك من أصعب المصاعب ، إذ قتل الوالي السابق عمر باشا كان بتسويل من أعداء الدولة. وأن الأمراء من المماليك لا يخاطرون ، فإنهم يرون أنفسهم عاجزين عن مقاومة العدو ، فلا يستطيعون الاشتباك معه ، وإلا دمروا قطعا أو أنهم لو تغلبوا على عدوهم فلا شك أنهم يجزمون بهلاكهم أيضا لأن أمراء الروم متأهبون إلى ضبط مناصبهم ، فيكون ايراد المملكة خالصا لهم دون المماليك. وهكذا الأهلون يذهبون هذا المذهب. وهذا ما كان يختلج في أذهان القوم بسبب واقعة عمر باشا ، وأنه قتل بغير وجه حق.

    وللوصول إلى حل صحيح يجب أن ترفع الوحشة من أذهان الأهلين ، ويتوسل بالتدابير الناجعة ومن أهمها أن يرسل جيش قوي فيزيل غائلة ايران ، ثم ترفع النفرة بين الأمراء وبين الأهلين. وما ولدته قتلة عمر باشا من سوء تأثير. والعراق في هذه الحالة بين غوائل التسلط من ايران ، وبين عشائر العرب ، وعشائر الكرد فأخطاره متوقعة ، ويخشى من حدوثها في كل حين. فمن الضروري امداد بغداد بقوة وإلا فإن حسن باشا وعبد الله باشا لا يستقر بينهما الأمر. ولا تهدأ الحالات الأخرى. هذا مع العلم بأن التضييق على ايران من جهة بغداد من أشق الأمور وأكثرها صعوبة ، وإنما المهم أن يكون ذلك من جهة أرزن الروم.
    والأمر لا يقتصر على بغداد وحوادثها بل الضرورة تدعو إلى ترقب الأحوال الأخرى ، فيخشى من ظهور وقائع جديدة مما يدعو فيه الأمر إلى الالتفات ، ويستدعي الأخذ به للحيطة والتدابير الضرورية فلا يغفل عنها. ولا شك أنه يرمز إلى لزوم مهادنة المماليك وترك أمل القضاء عليهم ... هذه خلاصة ما في التقرير (1).
    الإمام إبراهيم :
    أمر الوزير عمر باشا بتعمير ضريح الإمام إبراهيم وهو بقرب الحيدر خانة. ومدح حسين العشاري هذا الوزير بقصيدة يثني فيها على هذا العمل المبرور (2).
    __________________
    (1) تقرير الحاج علي باشا عندي مخطوطتان منه إحداهما بخط ابنه الحافظ عبد السلام مؤرخه سنة 1191 ه‍. والأخرى بخط محمد الوصفي الخطاط المعروف مؤرخة في سنة 1226 ه‍.
    (2) ديوان العشاري ص 272 وكتاب المعاهد الخيرية.

    مصطفى باشا :
    ثم رخص مصطفى باشا بعد أن استقر في حكومته كلّا من أوزون عبد الله باشا وكپكي عبدي باشا وسليمان باشا الموصلي. أرجعهم مع عساكرهم بداعي أنه تصالح مع ايران وأنقذ البصرة وكتب لدولته. والحال أن ذلك كان خدعة من إيران. أما البصرة فكانت في حالة اضطراب وضيق. وكذا لم يعتد بموظفي عمر باشا وأتباعه ولا ائتلف معهم. وكانت الحكومة كلها منهم فلم يرغب فيهم بالرغم مما كان يراه منهم من خدمة وما يتقربون به من ألفة ظاهرية فكان ينتهز الفرصة للوقيعة بهم الواحد بعد الآخر ويبعدهم عنه. كل هذا ظهرت بوادره. ولم تحصل لهم طمأنينة منه. وهذا يفسر مخالفاتهم له.
    وأول من ظهر عليه بالمخالفة عبد الله الكهية. خرج عن طاعته فالتحق به العثمانيون في بغداد والتفوا حوله. فروا من الوزير واحتشدوا فبدأ بالخصومة. وحاول مصطفى باشا أن يقضي على أعوان الكتخدا ويفرق شملهم فلم يتمكن وبقي في ارتباك من أمره. فالحكومة تألبت عليه فلم يفلح في السيطرة على الموقف (1).
    سقوط البصرة
    إن الأهلين والمتسلم في البصرة كافحوا كفاح الأبطال وبذلوا من الحمية والهمة ما لا يوصف فلم يبد منهم تهاون ولا قصّروا في أمر من وسائل الدفاع وأن مدة الحصار دامت 14 شهرا انقطعت خلالها السوابل برا وبحرا ونفدت الأرزاق داخل المدينة ولم تبق فيها أقوات حتى اضطر الأهلون إلى أكل اللحوم المحرمة لسد الرمق بسبب ما نالهم من ضنك
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 169.

    العيش إلى أن وصلوا إلى درجة لا تطاق ولم يبق لهم صبر على مقاومة الجوع.
    وفي زمن عمر باشا استمدوا فلم يقطع أملهم وحرضهم على الصبر والدوام على الحرب إلى أن يأتيهم المدد. فوعدهم بوعود مفرحة يقوي بها قلوبهم في رسائله التي كان يبعث بها ثم استغاثوا بمصطفى باشا وطلبوا المدد فلم يرد منه ما يسرّ الخواطر أو يشجع على الدوام ثم إنه كتب إليهم بأنه لا يسعه أن يمدّهم لا سيما بعد أن رأى المماليك كلهم إلبا عليه والفتنة في بغداد مشتعلة كما أن الإيرانيين أوهموه بالصلح أو أن المماليك اختلقوا ذلك ليرفع الجيش عنهم ولذا قال : أرضوا ايران بقسم من المال ليرفعوا الحصار عنكم وإلا فخذوا منهم عهدا بأن يحافظوا على أموالكم وأعراضكم وسلموا إليهم المدينة.
    وعلى هذا شاور المتسلم سليمان آغا الأعيان بما ينبغي أن يتخذوه نظرا لما قطع به الوالي من آمالهم فلم يروا وسيلة غير التسليم. ولذا خابروا قائد ايران صادق خان أن يؤمنهم على أعراضهم وأموالهم ويسلموا المدينة فوافق.
    وفي آخر أربعاء من صفر سنة 1190 ه‍ دخل صادق خان بجيشه ، وألقى القبض على المتسلم والدفتري وصاحب الكمرك وسائر الوجوه والأعيان فاستولى على جميع أموالهم الظاهرة والخفية وأرسلهم أسرى إلى كريم خان الزندي في شيراز. ثم إنه أراد أن يأخذ الأموال الأخرى من البصرة فتعدى وتجاوز بظلم وعسف وسلب الأهلين من أعيان وأداني فلم يذر أحدا إلا غرمه وانتهبه وصار أهل الثراء لا يستطيعون الحصول على قوت يومهم وإنما كانوا يمدون يد الاستجداء إلى غيرهم وصاروا في فقر مدقع وحاجة شديدة.
    ثم إن صادق خان ترك من أمرائه محمد علي خان حاكما في

    البصرة وأبقى عنده نحو عشرة آلاف من الجند وعاد بالباقين ومعه الغنائم والأموال الوفيرة ورجع إلى شيراز (1).
    وقال صاحب تحفه عالم عن حادثة سقوط البصرة إن العثمانيين توصلوا بالأمان وجعلوا واسطة هذا الأمر (السيد نعمة الله) وكان من المحصورين أرسلوه إلى صادق خان للمفاوضة معه في الصلح وكيفية تسليم المدينة فقام بما أودع إليه وذهب إلى صادق خان فأخذ منه المواثيق أن لا يتعرض للنفوس والأعراض. فبلغ هذا الأمر إلى سليمان آغا وسائر أمراء الجيش.
    وفي اليوم التالي دخل أفواج القزلباش إلى المدينة فتنفس الصعداء كل من كان في ضيق من القحط وأخذت تتلى الخطبة الاثنا عشرية وصار يكرر على رؤوس المنابر ومآذن المساجد الأذان الجعفري وضربت النقود بأسامي الأئمة الاثني عشر وأن السردار استحصل من الناس ذهبا كثيرا وأرسل سليمان آغا وجماعة من أعيان البصرة بمن فيهم من مسلمين ويهود وأرمن بمعية ابنه علي نقي خان إلى شيراز فكتب إليّ أخي كتابا يوصيني فيه بحسن المعاملة للأسرى. وكنت آنئذ مقيما في شوشتر (تستر) فدعوت سليمان آغا مع بعض أخصائه إلى منزلي فقمت بالواجب وبما يدعو للتسلية. فوجدت سليمان آغا ذا رأي متين وعزم قوي.
    ثم توجه بعد بضعة أيام إلى شيراز ولقي من الشاه كل اعزاز واحترام. وبعد وفاة الشاه عاد سليمان آغا ثم نال منصب وزارة بغداد (2).
    وقال صاحب التحفة : إن أخي بعد حادثة البصرة قصد الذهاب إلى
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 169.
    (2) تحفه عالم ص 86.

    العتبات إلا أن افواج القزلباش كانت محيطة بتلك الأنحاء وكان أمر بغداد مجهولا ، وأن السردار امتنع من اعطاء الرخصة بالسفر. وكانت الإقامة بالنظر إليه صعبة. لأن أعمال القزلباش وأهل الأهواز كانت غير لائقة ومما لا يطاق تحملها والبقاء عليها. تلك الأعمال المنافية لرأيه والتي تأثر منها. وأعجب من ذلك أن العثمانيين يعزون هذه الحركات إليه ويعدونه منشأها. ومن جملة ذلك أن السردار أمر بهدم مرقد الزبير (1) (رض) وهو من العشرة المبشرة. وبقعته تبعد عن البصرة أربعة فراسخ فأسرع بالذهاب إلى السردار حينما علم بالأمر وبيّن له سوء هذه الفعلة وما ينجم منها من العواقب الوخيمة بالنسبة إلى رعايا ايران والقزلباش وسعى جهده حتى ثنى السردار عن عزمه ، وفي هذه الأثناء توفي كريم خان في شيراز (سنة 1193 ه‍) ودخل في فكر السردار طلب السلطنة لنفسه فترك البصرة وأسرع في الذهاب إلى شيراز وحينئذ لم ير (السيد نعمة الله) صلاحا في بقائه في البصرة ، أو ذهابه إلى العتبات إذ إنه أحس بالنفرة التي ولدها عمل السردار والقزلباش بالنسبة إلى الروم فتوجه نحو بوشهر فأقام فيها (2).
    وحكى ابن سند حادثة البصرة :
    «سنة 1188 ه‍ : فمن أعظم ما وقع فيها محاصرة الزندي للبصرة زحف إليها بزحوف وكان متسلمها ... سليمان أحد من آل إليه أمر بغداد. فإنه صابر مصابرة الضرغام. والوزير إذ ذاك عمر باشا. ولم يمد متسلم البصرة بمدد. فامتد الحصار ... وأكل للسغب الهر والكلب واستغيث ولا مغيث. فحضر ثامر بن سعدون ، وثويني بن عبد الله أول المحاصرة. فلما ضاق الخناق نجوا على النواجي إذ ملّا المصابرة.
    __________________
    (1) رحلة المنشىء البغدادي ص 93 وكتاب المعاهد الخيرية.
    (2) تحفه عالم ص 90.

    وسليمان الضرغام لا يهجع ولا ينام وعمر باشا يستمد من الدولة ولا يمد ، ويستصرخ ولا يسمع صارخه فيغيثه أحد. لأن ملك العجم شكا عليه عند السلطان. ولما تحقق صدق الوزير أمده. مع أن الوزير عمر باشا قبل قدوم الامداد. لم يزل يكاتب متسلم البصرة ويعده جيوش النصرة.
    وكان مع العساكر ثلاثة وزراء عبد الله باشا ، وعبدي باشا ومصطفى. فابتسمت من بغداد ثغور المسرات. وأظهروا مع ما سلف عزل عمر. وولي الوزارة مصطفى. فكتب إلى متسلم البصرة سليمان أن المدد لكم بعيد. فإما أن تصطلح مع العجم ، وإما أن تسلم البلدة لهم. فلما ورد على سليمان ما أرسله مصطفى وقرأه على أهل البصرة أيقنوا بالهلاك. فخرج جماعة من الأعيان طالبين من صادق خان الأمان للنفوس والاعراض. فدخل البصرة ولم يبق مآثم ومظالم إلا ارتكب منها المتون وعمل من فنون الظلم ما لا تتصوره من غيره الظنون ، وقبض على سليمان وجماعة من الأعيان. فضاق من أهلها ساحة الصبر. وهرب العلماء ومن عز انخذل وأضحى كل مسجد دارس ، وموضع العلم بلا معلم ودارس. والأكابر ترسف بالأداهم ، والأعناق مطوقة بأطواق المغارم ، وبدّل من الانبساط العصي والسياط ، كم مخدرة تنادي وا ويلاه ، وحرة تقول واطول ليلاه.
    ولامتداد يد بغيهم عليها كتب البليغ الأديب عبد الله بن محمد الكردي البيتوشي الخانخلي الآلاني كتابا إلى سليمان بن عبد الله بن شاوي الحميري العبيدي. لكونه إذ ذاك صدرا في العراق يستصرخه فيه لنصرة البصرة وتخليصها قائلا : فكيف تترك ـ البصرة ـ تحت اضراس العسف ، وتوطأ بمناسم الذل وتسام الخسف ، أفنسيتم ما لعلمائها من المناقب ، ولكرمائها من الأيادي والمواهب ... (وذكر أبياتا في مدح الشاوي).

    لكن لما وصلت المالكة سليمان ووقعت منه موقع السلسال من الغيمان رام النصرة فلم يكن له بها يدان (1).
    وجاء في مقدمة (طريقة البصائر إلى حديقة السرائر في نظم الكبائر) للبيتوشي أنه قدم البصرة سنة 1189 ه‍ وأنه لبث يسيرا بين أهليها فأقبل عليها صادق خان الزندي بعسكر جرار ، وهجم بأمر من أخيه كريم خان والي شيراز ... فحاصرها ، ومضت عليها السنة في المحاصرة ، ولم يأت امداد من بغداد ، فكتب هذا الكتاب وهو نظم (تراجم الزواجر عن اقتراف الكبائر) لابن حجر الهيتمي المتوفى سنة 974 ه‍ نظمه مع زوائد وهو في هول المحاصرة. ثم عنّ له أن يشرحه وسماه بما ذكره أعلاه. وسمى النظم (حديقة السرائر في نظم الكبائر) (2) ، وأتمّ الشرح سنة 1195 ه‍ في الأحساء. وفيه أن الحصار وقع سنة 1189 ه‍ وبهذه الواقعة أعاد الزنديون إلى الأذهان حوادث الصفويين ونادر شاه.
    عزل مصطفى باشا :
    كان خروج عبد الله الكهية على مصطفى باشا ومعه ثلة كبيرة وفي هذه المدة كتب إلى استنبول يلتمس توجيه ولاية بغداد والبصرة إليه ، وأن مصطفى باشا عجز عن مقاومته والقضاء عليه ولذا شكا الأمر إلى الدولة ، ومن الأولى أن لا يقدر على حرب دولة مناوئة مثل ايران قوية الشكيمة ، وحذرت الدولة أن يستولي الكهية على بغداد قسرا. وصارت تخشى أن يشوش الحالة أكثر ، فعزلته ووجهت إيالة بغداد والبصرة إلى الوزير عبدي باشا آل سرخوش علي باشا.
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 33 مخطوطتي.
    (2) نسخة منه في خزانة الأوقاف العامة برقم 3591 كما في الكشاف عن مخطوطات خزائن الأوقاف للأستاذ الدكتور محمد أسعد طلس. ص 143.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 9:16 am

    ولاية عبدي باشا
    خرج مصطفى باشا حين ورود فرمان العزل ، وولي عبدي باشا أمور الإدارة وأن مصطفى باشا وقف في ديار بكر. وفي ذلك الحين ورد خبر أن البصرة استولى عليها الإيرانيون بسبب اهماله وتراخيه وأن مكاتيب الباليوز في بغداد الواردة إلى استنبول أيدت ذلك كما فهمت التفصيلات أيضا من معروضات مصطفى آغا الميراخور الثاني وكان أرسل بوظيفة رسمية. والظاهر أنها بعثته للاطلاع على حقائق الأمور. فأبلغها أن يد المماليك لا تزال قوية ، وأن مصطفى باشا لم يقدر على التغلب عليهم وإنما غروه في أمر الصلح مع ايران بغرض رفع الجيش وتسليم البصرة. ومن ثم قام عبد الله الكهية لعلمه أن نوايا الوزير مصروفة إلى تنفيذ رغبة الدولة في القضاء على المماليك وإعادة سلطة الدولة إليها فأرادت أن تتكتم في الأمر فأصدرت أمرا بإعدامه مبدية غضب السلطان عليه وأعلنت أنه نال العقوبة التي استحقها من جراء الغدر بعمر باشا. فاتخذ ذلك وسيلة لتبديل الوضع الإداري.
    كانت عهدت الدولة إلى مصطفى باشا بولاية بغداد في أوائل سنة 1190 ه‍ وبلغت مدة حكومته ثمانية أشهر وعلى رواية تسعة. وفي هذا الوقت ورد خبر سقوط البصرة ، وأن الوزراء الذين عينتهم الدولة بصحبة عمر باشا توجه عليهم اللوم من جراء أنهم لم يخبروا عن تفاقم الخطر (1).
    وزارة عبد الله الكهية
    وفي الوقت نفسه تحقق للدولة أن وزراء الروم لا يستطيعون ضبط العراق وأن يد المماليك قوية فلا تريد أن تزيد في الطين بلة. فأظهرت
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 170.



    أنه لا تصلح إدارة العراق المضطرب إلا لعبد الله الكهية لا سيما أنه ورد عرض منه إلى استنبول يلتمس فيه توجيه الولاية إليه ، وعرّف به سليم أفندي فوجهت إليه بغداد والبصرة كما وجهت كركوك إلى حسن باشا أحد كهيات سليمان باشا وهو ويودة ماردين برتبة وزارة بتاريخ 1191 ه‍ وسبق بيان ما أبداه أحد وزراء الدولة الحاج علي باشا من مطالعة في تقريره المسمى بـ (تاريخ جديد). وبذلك زاد شأن المماليك وأمر السلطان بلزوم إخراج الإيرانيين من البصرة.
    ولما وردت البشرى بإيالة عبد الله باشا فتح الطريق لعبدي باشا ، فخرج من بغداد. ونظرا لسجلات الحكومة أنه دامت إدارته 17 يوما وعلى قول بلغت 40 يوما ، أو 45. وعلى كل كانت في نهاية سنة 1190 ه‍ (1).
    ومن ثم اهتمت الدولة كثيرا بأمر البصرة وكتبت إلى أمراء بغداد وشهرزور تحثهم على استعادتها وعلى دفع غائلة الإيرانيين بموجب الكتب المؤرخة في 11 من شوال سنة 1190 ه‍ وفي 17 ذي القعدة سنة 1190 ه‍ وما بعدها. وكل هذه لم تجد نفعا (2).
    حسن باشا وإيران :
    إن حسن باشا تمكن من جلب متصرف كوى وحرير أحمد باشا ومتصرف بابان محمد باشا وجعل بصحبتهم نحو ألفي جندي فجهز أحمد باشا جيشه من جهة زهاو متوجها نحو كرمانشاه ، ومحمد باشا من ناحية قلعة چولان نحو سنة ، وأن يقوم بالمساعدة وما تحتاج إليه الأسفار فسلم لكل منهما أربعين ألف دينار مع مائة كدك ، وجعل بصحبة كل
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 70 والمجموعة الخطية التركية.
    (2) المجموعة الخطية التركية وفيها نصوص المحررات.

    منهما ثلة من عسكر الروم وعين بمعية محمد باشا سباهية كركوك فسار هؤلاء على ايران.
    أما أحمد باشا فقد نفر من حسن باشا من جراء ما رأى من معاملات منه لم ترق له. ولذا لم يبال بما عهد إليه. فأقام في محل يقال له (دز كره) من أعمال زهاو لمحافظة حدود تلك الأنحاء. ولكن محمد باشا توجه نحو سنة (سنندج). فقام بما أودع إليه.
    وكان كريم خان أرسل خسرو خان ومعه اثنا عشر ألفا من الجند فتوجه إلى ديار الكرد. فوقف في الحدود في (كدوك سطرنجان) ويبعد نحو نصف ساعة عن الحدود. وحينئذ التقى الجمعان وحمي وطيس الحرب فطالت المعركة واكتسبت شدة فدارت الدائرة على خسرو خان فأخبر حسن باشا بذلك وبعث إليه برؤوس كثيرين منهم إلى كركوك كما وصلت الأنباء إلى بغداد. ولذا سيّر عبد الله باشا كتخداه إسماعيل آغا لمجرد سد باب الاعتراض مع مقدار من الجيش وعهد إليه بمحافظة دشخرو (1) في مندلي.
    ولما علم كريم خان بكسرة خسرو خان جهز مرة أخرى جيشا قدره اثنا عشر ألفا بقيادة (كلب علي خان) فمشى على ديار الكرد للوقيعة بمحمد باشا وكان مع هذا الجيش أحمد باشا فأحسّ محمد باشا بعجزه فانسحب إلى كوي وأقام لدى متصرفها تمر باشا فكتب حسن باشا يستمد من عبد الله باشا أن يرسل إليه إسماعيل الكهية الذي هو في دشخرو فاعتذر.
    وحينئذ لم يجد عسكر ايران من يقاومه أو يقفه عند حده فتوغل وسحق القرى والرعايا وأسر ما لا يحصى إلا أن أحمد باشا لم يطق
    __________________
    (1) لعل أصله (دشت دوخران) فخفف فإن (دوخران) معروف. أو أن أصله (دشت حزام) فصارت دشحزو إلا أن اللفظ جاء بالراء.

    الصبر على هذه الأعمال وأبدى لكلب علي خان خشونة وشدة فعصى عليه واستولى على جميع الأسرى فأرجعهم إلى أوطانهم.
    علمت الدولة ضعفا في عبد الله باشا وأن لا فائدة منه في استخلاص البصرة وتجاه توغلات ايران فندمت على نصبه واليا. ظنت المماليك قوة كبيرة تستطيع صد ايران وغيرها من العشائر القوية فكان الواقع على خلاف ذلك. وعلى هذا لامت سليم أفندي الذي صار سببا في نصبه فأبدى أنه إذا عين فتح البصرة. وهنا لا ننسى أن فكرة القضاء على المماليك تجددت لما شعرت الدولة بضعف فيهم وليست البصرة وحدها كل الأمنية. ومن جهة أن حسن باشا لم يسكت عن التنديد بالوالي من جراء عدم إرسال المدد إليه فكان يتطلب الولاية لنفسه. ومن ثم تولد انشقاق ولذا قوي الأمل مرة أخرى في القضاء على المماليك (1).
    حوادث أخرى :
    1 ـ في سنة 1191 ه‍ قتل سلطان آل محمد الخزعلي. ومات حمد الحمود الخزعلي أيضا (2).
    سليم أفندي :
    تعهد سليم أفندي بحل هذه العقدة. فلما وصل بعث أملا في استرداد البصرة. ولكن لم يلبث أن زال. وجدوه منهمكا بالشرب ميالا إلى الأهواء النفسية. فمن حين وروده اختبره (عجم محمد) خازن عبد الله باشا فساقه إلى الملاذ وانهمك في الشرب بحيث نسي أنه أودع إليه أمر آخر وهو القضاء على المماليك.
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 172.
    (2) مجموعة عمر رمضان. عندي بخط جامعها.

    كان عجم محمد هذا في الأصل من ايران. وفي أيام سليمان باشا جاء إلى بغداد وتوظف فاشتهر أمره. ثم صحا سليم أفندي من سكرته فوجد البصرة لا تزال بيد الاعداء وأن الدولة تنتظر منه العمل في استخلاصها. وحينئذ شاور بعض رجاله في بغداد لاتخاذ تدبير ناجع فقر الرأي على ارسال محمد بك الشاوي إلى كريم خان الزندي للمفاوضة. أما عجم محمد فطمح في نيل الوزارة ودخل في ذهنه حب الرئاسة خصوصا أنه بوظيفة خازن لدى عبد الله وبيده مقاليد الحلّ والعقد. ونسي الماضي البعيد. ولذا أكرم سليم أفندي إكراما عظيما فجعله راضيا عنه لحد النهاية فاضطر لمساعدته. حتى أنه أعطاه كيسا من مجوهرات.
    أما عبد الله باشا فقد كان مصابا بالسل. ولذا لم يستطع مزاولة الشؤون. وكان الوالي الذي يتوفي أو يعزل اعتيد أن يعين كتخداه مكانه. ولم تجر العادة أن يعين الخازن واليا. وعلى هذا وبناء على التماس عجم محمد طلب سليم أفندي من عبد الله باشا عزل كتخداه إسماعيل الكهية ونصب عجم محمد مكانه ففعل (1).
    حوادث سنة 1192 ه‍ ـ 1778 م
    وفاة الوزير عبد الله باشا :
    كانت مدة حكم عبد الله باشا في بغداد سنتين. ولم يوفق لأمر مهم.
    قال صاحب عنوان الشرف :
    «عبد الله باشا كتخدا عمر باشا. ولما قتل عمر باشا ولي بغداد مصطفى باشا الاسبيناقجي ، فهرب عبد الله باشا باتباعه ، وأقام خارج
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 172.

    بغداد سنة 1189 ه‍ إلى أن دخلت سنة 1190 ه‍ فولي الوزارة ودخل بغداد ، وأرسل العساكر فملكوا جسّان (جصّان) وبدرة انتزعوها من الإيرانيين وقبض أهل مندلي على واليهم خالد باشا ابن سليمان باشا آل بابان وقتلوه وحملوا رأسه إلى بغداد. وفي سنة 1191 ه‍ عاد عسكر الروم إلى بلادهم. وفي سنة 1192 ه‍ توفي عبد الله باشا. وهو زوج عائشة خانم بنت أحمد باشا» اه (1).
    وفي المطالع ما ملخصه : إن عبد الله باشا كان سبب الاختلال في أيامه تقاعده عن نصرة البصرة وأنه ولى أموره (عجم محمد) ، ولم يكن من أوصافه ما يحمد ، ولا هو من بيوت الرئاسة ، ولا من ذوي الإيالة والسياسة ... ورد من العجم ... وشاربه ما طر ... ومعه أختاه وأمه ، ففاز قدحه ... وذلك لكونهن يرقصن عند اولئك الاكابر ، والذين هم في الحقيقة أراذل وأصاغر ، .. (وبعد أن عدد أوصافه قال) : ومع هذا تنقلت به الأحوال ، حتى نال من المراتب ما نال ، فإنه قبل عبد الله باشا صار عند عمر باشا دوادارا ، ففتح له من الظلم أبوابه ، ووشى إليه بوشايات بها إبليس شابه ، وهرب أكثر التجار من أجله ، منهم من هرب بنفسه ، ومنهم بأهله فكان أظلم من أفعى ... حتى أنه لما قتل الوزير عمر ، فرح الناس بخلاصهم من دواداره ... وعاد على عبد الله باشا شره ، وأغرقه من مكره بحره ، لتفويضه الأمور إليه ، وتأخيره بتقديمه صدوره ، فإنه صيره خازندار ، فطاف عليه بالبوار ودار ، حتى أنه لما أرسل السلطان لعبد الله باشا خزائن جمّة ، ليستعين بها على فتح البصرة الذي هو من أعظم ما أهمه ، دار ذلك الفاجر من خلفها ومن بين يديها ، احترفها لنفسه واحتوى عليها ، وأبان لوزيره أنه صرفها في أموره ، ولبلادة ذلك الوزير الذي ما يعرف قبيلا من دبير ، صدّق ما أبانه له وتحققه ... فإن عبد الله باشا أعيى من باقل ، ومن
    __________________
    (1) عنوان الشرف ص 407 مخطوطة عندي. وهو لياسين العمري.

    الحمق بحيث لا يعرف الصاعد من النازل ... وأخلد عبد الله باشا من البلادة إلى قعر مهواها ... أن السلطان ... وجه من العسكر ... لاستخلاص البصرة ... ففرقه خازنداره وهو لا يدري ... وكتب ذلك الخازندار على لسانه ، إلى الدولة أن لا حاجة إلى العسكر ... لكونه مواليا للعجم بباطنه (1).
    والحاصل أن عجم محمد تمكن من استهواء عبد الله باشا ، وكذا تسلط على سليم أفندي بما لا مزيد عليه حتى نال منصب كتخدا ليتوصل إلى الوزارة إذ هي سلمها ... وفي الحقيقة كان الوزير عجم محمد لا عبد الله باشا ولا غيره.
    اضطراب الحالة :
    وحين وفاة الوالي وقع الاختيار على سليم أفندي ليكون قائممقاما نظرا إلى أنه من أكابر رجال الدولة ، وأنه موظف مرسل من جانبها فاتفق الكل عليه. فكانت الوجهة مصروفة ظاهرا إلى أن يعهد إليه بهذا المنصب فيسد باب الفتنة فيطوي خبر المماليك. إلا أن الكتخدا السابق عجم محمد من جهة ، والكتخدا الأسبق إسماعيل الكهية من الجهة الأخرى يطالبان بمنصب الوزارة فكل منهما يدعو لنفسه ويكوّن حزبا. وأن بغداد انقسمت إلى شقين. وبترغيب من سليم أفندي وحثه صار أهل الميدان والمهدية والقراغول ومحلة محمد الفضل جميعهم ، وأكثر العثمانيين وكذا الينگچرية برئاسة محمد آغا مالوا إلى محمد الكهية (عجم محمد) لعلمهم أن سليم أفندي موظف الدولة فتابعوا رغبته ونفروا من إسماعيل الكهية. وأن الذين التزموا جانبه أبدوا أن محمد الكهية ايراني الأصل ، وأنه إذا نال غرضه رجع إلى أصله وحينئذ يخشى أن
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 56.

    يسلم بغداد إلى ايران. لذا نفروا منه ووافقوا إسماعيل الكهية. وهكذا كان قولهم في آغا الينگچرية محمد آغا. بينوا أنه ايراني الأصل ولا يبعد أن يحن إلى قومه. وهذا هو الظاهر وفي الحقيقة كانت الدعوة للمماليك ولذا ألصقوا بعجم محمد كل منقصة.
    هذه وجهات نظر الأحزاب والدولة آنئذ في غفلة ويظن أن رأيها لا يختلف عن رأي سليم أفندي المرسل من جانبها. وعلى كل دخل عجم محمد القلعة واستولى عليها وتحصن فيها ، وكذا إسماعيل الكهية استقر في داره واتخذ كل منهما متاريس ومهد وسائل النضال فاشعلوا نيران الفتنة وشرعوا في القتال.
    أما أهل الكرخ فإنهم لم يميلوا إلى جانب إلا أنهم أخيرا استمد بهم إسماعيل الكهية فظن عجم محمد أنهم مالوا إليه فوجه إليهم المدفع وضربهم. وهذا ما سهل أن يكونوا في جهة إسماعيل ضرورة. فاشتعلت الفتنة أكثر وزاد لهيبها.
    رأى سليم أفندي كل ذلك فصار يفكر في طريقة لحل هذا المشكل وحذر الاخطار التي تنجم ووخامة عاقبتها. لذا كان يرى أن عبد الله باشا حينما تعرض له بعض المصاعب يدعو سليمان بك الشاوي فيستعين برأيه ويتخذ له تدبيرا ناجعا يكشف به المعضلة. وفي الحال بعث إليه فجاءه وتذاكر معه فأرسل إلى الطرفين ونصحهما فوقف النزاع وسكنت الفتنة. والحق أنه مضت بضعة أيام لم يقع فيها بين الفريقين تشوّش (1).
    محمد بك الشاوي :
    وبينا هم كذلك إذ ورد محمد بك الشاوي من شيراز. وكذا جاء معه سفير ايران حيدر خان ورد من جانب كريم خان الزندي ويحكى أن
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 173.

    مجيئه كان للمفاوضة في أمر الصلح بين الحكومتين وأنه يحمل أمرا بخروج الجيش من البصرة إلا أن القضية مقرونة بشروط. وكان معنونا باسم الوالي عبد الله باشا ولكن لا يجسر أحد على فتحه إلا بعد أن يتحقق الوزير. ولو كان هناك أساس للصلح فالآن لا صلاحية لأحد للمداولة فيه ، وأن البصرة لا تزال بيد ايران. أرسل محمد بك الشاوي إلى كريم خان الزندي أيام عبد الله باشا. وجاء في مطالع السعود :
    «اتفق أهل العقد والحل ، دفعا لما نزل من الخطب وحل ، أن يطلبوا من كريم خان صلحه ... فاختاروا لتسهيل هذا الصعب ، وتحليل عقد هذا الخطب ، محمد بن عبد الله بن شاوي الحميري ، إذ هو لدهائه وعقله لهذا الأمر حري ، فتوجه على طرف سلهب ، طاويا لكل هوجل وسبسب (ومدحه بأبيات وقال) :
    فلما فاوض ذلك الزندي. علم بسبره ما يخفي ويبدي ، ووجد به الزندي ألمعيا ، وخريتا في سباسب الآراء ذكيا ، وضاعف لذلك بره ، ورآه في وجه عصره غره ، ولكن لما عرض له في أسرى البصرة ، أبدى الاشمئزاز ... وقال : ولكن لكرامتك لدينا ... نعدك بالاطلاق ، إذا تم مع السلطان الاتفاق ... فخرج بعد ما وادعه ... فدخل بغداد والفتنة مادة أعناقها ...» اه (1).
    عود الفتنة :
    تمكن سليمان الشاوي من تسكين الغائلة لمدة يومين أو ثلاثة. ولما كان كل واحد من الزعيمين يأمل أن يكون وزيرا فلا تركد ما لم يقض على واحد منهما. لذا تجدد الخصام واشتد القتال. وكل احتفظ بمتاريسه.
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 57.

    حاول سليم أفندي مرة أخرى تسكين هذا الاضطراب وطلب سليمان بك الشاوي أيضا لاستطلاع رأيه في طريقة للخلاص من هذه الورطة. فقر رأيه على أن هذه الفتنة نشأت من جانب هذين الشخصين إسماعيل الكهية ومحمد الكهية فينبغي أن لا يبقوا حتى يعين وال إلى بغداد ويجب أن يذهب الاثنان إلى حسن باشا والي كركوك ويقيما عنده إلى أن ينجلي هذا المبهم. فامتثل إسماعيل الأمر وكان في حدّ ذاته صاحب دين وتقوى وثبات فتطلب راحة العباد وترك مطلبه وكف عن دعوته فعبر إلى الكرخ وأن الحاج سليمان بك أركبه فرسا وأرسله إلى كركوك اطفاء لنار الفتنة.
    أما محمد الكهية فلم يوافق على هذا الحل وتوقف. وأن أعوانه وحاشيته لم يفترقوا منه. لذا لا يزال متعندا. فلما شاهد الحاج سليمان منه هذا التصلب انكشفت حيلته له وقال مخاطبا الجماعات :
    إذا كان الغرض من هذه الجماعة أن يجعل محمد الكهية واليا فهذا من العجم ، وأن الدولة لا يسعها أن توجه بغداد إلى العجم.
    فأجابه أهل الميدان : (بلسان عربي وفي لهجة واحدة).
    ليكن عجما. فإن الروم عينوا خمسة وزراء من العجم. وهذا سادس.
    فقال الحاج سليمان :
    بل عينوا سبعة وهذا ثامن ومراده الإشارة إلى الآية الكريمة : (وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ).
    هذا ، وأن كلام الحاج سليمان موجه إلى العوام وهم كالأنعام بل هم أضل فلم يفهموا مغزى كلامه. فإنه حينما رأى تصلبهم وعنادهم حاذر أن يجبروه على تدوين محضر أو أن يؤخذ منه ختم أو توقيع بذلك

    قسرا لذا عاد إلى الكرخ خوفا من حدوث شيء من هذا القبيل. وبهذه المرة أشعل هو نار الحرب. فتابعه أهل الكرخ حتى أنهم جعلوا متاريسهم إلى قرب (المولاخانة) أي (جامع الآصفية). فشوّق هؤلاء وهيجهم على محمد الكهية وضيق على خصمه تضييقا مرا.
    وأن سليم أفندي كان مقيما في الدنكجية (شارع المأمون) في دار عمر باشا فنقل مكانه إلى دار عبد الله باشا قرب الميدان خوف المضايقة وفي هذه المدة اشتد الأمر بمحمد الكهية وكاد يظهر الشاوي عليه وتبينت علائم النصر. فاضطر لمكاتبة أحمد باشا آغا (رئيس كتيبة) حسن باشا والي كركوك ثم فارقه لأمر ما. وجاء إلى عبد الله باشا بأمل أن يخمده. فضرب خيامه في أنحاء بعقوبة وكانت بينه وبين محمد الكهية صحبة قديمة. فطلب معاونته فأمده وأرسل إليه مقدارا وافرا من اللوند. نصبوا خيامهم تجاه (الشيخ عمر) فأيدوا أهل الميدان.
    وكذا الشاوي ألف بين النجادة والموصليين في الكرخ فاستخدمهم لتقوية الجهات الضعيفة. جمعهم في خان جغاله (خان جغان) وقام بكافة مصاريفهم فكثرت جماعته فاستعمل كل جانب ما لديه من قوة فطالت الفتنة خمسة أشهر فاختلت الأمور ولم يسلم من ضررها غني ولا فقير فكم من مثر أصبح فقيرا وكم من فقير صار غنيا وكم وكم .... حتى بلغ الضجر غاية لا تطاق. فصاروا يتضرعون بالدعاء ويلجأون إلى الله تعالى لتخليصهم من هذا البلاء (1).
    وزارة حسن باشا
    كان النزاع على الوزارة لا يزال قائما وكل من الكهيات طلبها لنفسه وكتب محضرا بالترشيح قدمه إلى دولته. وكذا والي كركوك حسن
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 175.

    باشا رشح نفسه لوزارة بغداد. أما عجم محمد وإسماعيل الكتخدا فقد اخفقا في مسعاهما. فوجهت الوزارة إلى حسن باشا بولاية بغداد والبصرة في أواسط سنة 1192 ه‍ فوصل إليه البشير وجاء الخبر إلى بغداد. وهنأه الشيخ حسين العشاري بقصيدة (1).
    وحينئذ سكن الاضطراب وخرج الأهلون من خطر هذه الفتنة ، وخرج اللوند إلى باش آغا ابن خليل واختفى أرباب الزيغ ومن جملتهم آغا الينگچرية والمطرجي. ذهبوا إلى دشخرو فارين وعاشوا في غربة. لكن محمد الكهية (عجم محمد) لم يترك له المجال لينهزم فبقي وبعض أعوانه في القلعة محاصرا ينتظر الوالي الجديد بكفالة من أهل الميدان على أن لا يفر إلى جانب آخر قبل أن يراه الوزير الجديد. وفي الظاهر أنهم يحرسونه ويراقبون حركاته ليلا ونهارا.
    أما الوزير الجديد فإنه مطلع على أحوال المملكة بصير بها. وكان الواجب أن يأتي بأقرب وقت إلى بغداد ولكن الحروب بين أمراء الكرد والحالة التي كانت عليها إيالته اقتضت أن يتأخر في كركوك بضعة أيام.
    تفصيل حادثة الكرد :
    بعد أن اضطر محمد باشا أن يترك (قلعة چولان) ويقيم في لواء كوى مع تمر باشا ضبط أحمد باشا لواء بابان وعاد جيش ايران إلى الوراء إلا أنه في موسم الربيع خرج محمد باشا من لواء كوى وذهب إلى مكان قريب من لواء بابان مما هو تابع للواء كوى ونصب خيامه. ولما وجهت إيالة بغداد والبصرة إلى حسن باشا علم محمد باشا أن عسكر ايران انسحب ووجد في جيش أحمد باشا قلة وضعفا ، ورأى في نفسه قدرة إذ تابعه الكثير. فهاجم أحمد باشا وتقاتل معه لاعتقاده أن
    __________________
    (1) ديوان العشاري ص 314 ودوحة الوزراء ص 175.

    حسن باشا يعضده لكن الوزير حاول منعه واقناعه بكل وسيلة فلم يفلح. ولذا لم يخالف الوزير رغبته وعيّن أن يكون تمر باشا وجيوشه معه وكذا رتب له ما في كركوك من اللوندات والطوائف الأخرى وكل ما استطاع من جند فعبر محمد باشا النهر الفاصل بين الطرفين بمن معه ومشى على أحمد باشا.
    ولما سمع أحمد باشا بالخبر تقدم هو أيضا بما لديه وكانت تقدر قوته بربع قوة محمد باشا. فتقابلوا في محل قريب من طاشليجة يقال له (جيشانة) فكانت النتيجة أن انتصر أحمد باشا وألقي القبض على كل من محمد باشا وتمر باشا (متصرف كوى) وعلى كثيرين من الأعيان والمعتبرين فقتل حالا تمر باشا وأرسل محمد باشا مكبلا إلى قلعة سروچك (سروجق) وعرض الأمر على حسن باشا وطلب العفو عما بدر منه وبسط معاذيره والتمس أن يشمله بانظاره. أما حسن باشا فإنه نظر إلى القضية بعين البصيرة فقبل معذرته ووجه لواء بابان إليه. ثم أضاف إليه لواء كوى وحرير وأرسل إليه الخلعة الفاخرة. فلم تبق غائلة هناك (1).
    الوزير في طريقه إلى بغداد :
    وحينئذ توجه إلى بغداد بمن معه إلا أن ابن خليل جمّع على نهر ديالى قوة كبيرة وكانت له آمال فتأهب للنضال. أما الوزير فقد أمده الحاج سليمان بك بخيالة من العبيد وبنحو أربعمائة من فرسان النجادة المسلحين بالبنادق وكذا بغيرهم. وعلى هذا هبط من غرور ابن خليل وصار يخشى على حياته فضلا عن المقاومة والحرب. وحينئذ حفر الخنادق وتحصن هو وجيشه فيها وأرسل وجهاء عسكره للدخالة على
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 176.

    الوزير وطلب الأمان منه. فالوزير نظرا لحلمه عفا عن زلته ونصبه أيضا باش آغا (رئيس كتيبة) وأرسل إليه خلعة فلبسها وتحرك نحو بغداد بعجل وهذا لم يكن حلما من الوزير وإنما أراد أن يقضي على سلطة محمد الكهية (عجم محمد) وقوته فربح قسما من قضيته باستمالة بعض الأعداء إليه.
    وفي 17 ربيع الآخر دخل بغداد. وفي اليوم التالي رتب الديوان وقرىء فرمانه وقام بشؤون الإدارة فأبدى الرأفة أكثر من اللازم وتجاوز بعفوه عن المفسدين. ولا شك أنه أظهر ذلك حذر أن يرتكب الغلط الذي ارتكبه في لواء بابان فاضطر قسرا لقبول معذرة أحمد باشا. وكذا تسامح في أمر محمد الكهية وأغمض عنه العين. وبهذه الصورة بقي محمد الكهية في القلعة خمسة أيام دون أن يتخذ في حقه أي قرار. لذا دعا محمد الكهية إليه أحمد آغا طيفور وهو كهية البوابين وقال له :
    ماذا يبتغي الوزير مني؟ أراه تركني داخل القلعة لا قربني ولا أبعدني وبقيت مهملا فلم يلتفت إلي. وكيف يتسنى له إدارة الوزارة دون أن يقربني؟! وقد قمت بأعمال جليلة ...!!.
    أما أحمد آغا فإنه نقل إلى الوزير كلامه. وفي هذه المرة أيضا أغمض العين عنه ولم يبال به. وفي خلال هذه المدة كانت خيالة ابن خليل تأتي إليه كل يوم تنتظره خارج السور. ولما كان له أمل في الوزير لم يشأ أن يذهب إلا أنه لم تظهر نتائج من أقوال أحمد طيفور وبقي في يأس. وفي الليلة السادسة نزل من السور فأخذه الخيالة وجاؤوا به إلى جيشهم. وحينما وصل جعلوه رئيسا واعطوه لقب (باشا) واتفق ابن خليل معه فعصى على الوزير. وجمع هؤلاء أناسا كثيرين معهم وشرعوا في ارتكاب المنكرات وأضرموا نيران الفتنة فقطعت الطرق وزالت الراحة.

    وبينا الوزير يحاول اطفاء فتنتهم والقضاء عليهم إذ انعزل عنهم سبعون بيرقا مع خالد آغا الكيكي (1) وجاؤوا إلى بغداد فاستخدمهم الوالي وجعل خالد آغا (باش آغا) رئيس كتيبة له وكسا الذين جاؤوا معه من البلوگباشية (رئيس رعيل) خلعا تشويقا لهم وترغيبا للباقين وعين خمسين بيرقا (رعيلا) من بيارقهم في الحلة وسيرهم إليها وأبقى العشرين بيرقا الأخرى في بغداد مع رئيس الكتيبة (باش آغا) إلا أنه لم يأمن شر هؤلاء ولذا لم يبعثهم إلى الخارج للتنكيل بالعصاة. فأراد تسكين الاضطراب ، أو التنكيل بالعصاة فطلب أن يأتيه أحمد باشا متصرف بابان بعساكره وسير محمد بك الشاوي لجذبه واقناعه.
    وفي هذه الأثناء اشتد العصيان فلم يبق مجال لانتظار أحمد باشا. ولذا بعث كتخداه عثمان الكهية ومعه (دلي باشي) أي رئيس أدلاء وثلة من عسكره كما أن الحاج سليمان الشاوي كتب إلى عشيرة العبيد ليكون خيالتها بمعيته. ولما علم الكتخدا أن خيالة العبيد تحركوا من مكانهم نهض هو أيضا ليلا إلا أن أكثر أهل الميدان كانوا مع العصاة فأخبروهم أن عثمان الكهية خرج عليهم بشرذمة قليلة. وحينئذ عبر محمد الكهية وابن خليل بكل ما عندهم فهاجموا عثمان فجأة ليحولوا دون أن يتصل به العبيد لا سيما أن دلي باشي قد خان فانحاز بمن معه إلى جهة الأعداء. وكذا تبعثر الباقون ولم يرجع عثمان الكهية إلا بعد أن أبلى البلاء الحسن مقبلا مدبرا في حين أنه لم يبق معه سوى خمسة عشر أو عشرين فارسا. فورد بغداد ولم تظهر عليه علائم الهزيمة.
    إن مجيئه إلى بغداد بهذه الحالة أحدث تشوشا وكانت القلعة إلى ذلك الحين في يد أهل الميدان وتحت حراستهم. ولكن لم يبق عليهم اعتماد فأخرجوا ووضع غيرهم من اللوند مكانهم. وأن عثمان الكهية قد
    __________________
    (1) نسبة إلى الكيكية عشيرة كردية (عشائر الشام ج 2 ص 320).

    حبط عمله. ونظرا لذلك كتب إلى محمد بك الشاوي في التعجيل بإحضار أحمد باشا. وعند وصوله إلى قلعة چولان بادر أحمد باشا إلى امتثال الأمر إلا أنه كان حبس أخاه محمد باشا في قلعة سروچك ففكر في الأمر. ولذا اقتضى أن يبقى بضعة أيام هناك لاتخاذ تدبير. وأن بعضهم زين له قتل أخيه إلا أنه لم يشأ ذلك واكتفى بسمل عينيه وأخذ جميع عسكره ونهض من قلعة چولان وأسرع في المجيء إلى بغداد.
    ولما وصل إلى جبل (أزمر) عرض له مرض. ولما جاء إلى قره طاغ تغلب عليه فاضطر إلى التأخر فامتد مرضه نحو ستة أيام أو سبعة فتوفي.
    وافى خبر ذلك إلى الوزير فوجهت ألوية بابان وكوى وحرير إلى بقية إخوته وأرشدهم محمود باشا وخلعت عليه خلعة فاخرة وأرسلت مع منشور بوجه السرعة وكتب إليه أن يعجل بالمجيء. أما الباشا فإنه بلا توان وحينما وصل إليه الخبر استصحب كافة الجيوش كما أن الوزير اصدر الأمر إلى عثمان الكهية وما يقدر عليه من الجيش وإلى الحاج سليمان بك مع جميع ما لديه من الخيالة من العبيد أن يتجهزوا بالمدافع والخمبرة والمهمات الأخرى فعبروا من الدجيل إلى الجانب الشرقي ليتصلوا بمحمود باشا فالتقوا به في (أم تل) ولما تلاحقوا تلاقى حرس الوالي مع طليعة تقدر بنحو ألف من خيالة الأعداء في الخالص فسلوا السيوف وأوقعوا فيهم القتل والضرب حتى أفنوا أكثرهم. والباقون منهم كسروا شر كسرة وانسحبوا إلى جهة مندلي ومن ثم لم تمهلهم الجيوش وإنما عقبتهم ومضت في أثرهم. وفي مندلي في محل (سبع رحي) التقى الجيشان ووقع القتال فدمر الأعداء وولوا الأدبار وأسر منهم أكثر من مائة.
    هرب محمد الكهية (عجم محمد) ، وأحمد آغا ابن محمد خليل

    على ظهور الخيل طلبا للنجاة وتشتت شمل جموعهم. وفي هذه الوقائع أبدت قبيلة العبيد ما لا يوصف من الشجاعة وناصرها الكرد مناصرة تذكر (1).
    عاقبة سليم أفندي :
    جال عليه الدهر بنوبة جولة ، وداس عليه بمناسمه فأذهب طوله وحوله ، فلما خرج من بغداد ووصل ديار بكر بلغ السلطان ما فعل من الفساد ، فأرسل من يأخذ ما عنده ، ويوهن بالإسار زنده ، ويجعله في قلعة هناك ويبشره بعدم الانفكاك وأمر السلطان مع ذلك بأخذ داره وما فيها من لجينه ونضاره وأعطيت لشيخ الإسلام لكونها دارا حسنة لم ير مثلها من الدور في دار السلطنة ، وأرسل هو بعد حبسه وإشفاقه على روحه ونفسه إلى الوزير حسن باشا سائلا شفاعته في درء هذه المحن وإلى أمير حمير ابن شاوي مع ما فعله من المساوي ... ثم بعد أيام جاء الخبر بقتل سليم (2).
    حوادث سنة 1193 ه‍ ـ 1779 م
    نجاة البصرة :
    مر أن صادق خان الزندي استولى على البصرة وانتهب أموال الاغنياء وأضر بالآخرين وسحقهم ، وأنه نصب علي محمد خان حاكما عليها ومعه اثنا عشر ألفا من الجنود ، ثم ذهب بباقي الجيش إلى شيراز. أما علي محمد خان فإنه تمكن في البصرة مدة سنة جار في خلالها على الأهلين وأرهقهم ذلا لدرجة لا تطاق فتذمروا منه كثيرا ، وأراد أن يمد
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 178 ومطالع السعود ص 66.
    (2) مطالع السعود ص 67.

    نفوذه على العشائر فكلف ثامرا شيخ المنتفق بالإذعان والطاعة وأن يرضخ له إلا أن تكاليفه كانت شاقة فلم يمتثلها. ولذا أبقى محمد حسين خان السيستاني في البصرة مع ألفين من جنده لمحافظتها وعزم هو بنفسه للتنكيل بثامر. أخذ باقي الجيوش معه وتقدم إلى المنتفق بنحو عشرة آلاف إلا أن شيخ المنتفق حاول التجنب عن مقاتلته وطلب المصافاة معه بصورة معقولة لأجل أن يبتعد عنه. لكنه اضطره على الحرب. فلم ير بدّا من منازلته بالرغم من قلة من معه.
    وفي الأثناء جاء إلى ثامر المدد من أطرافه وتصادموا فكانت القاضية على جيوش إيران. نزلوا عليهم كأمثال الصواعق فلم يجدوا لأنفسهم مهربا وصار قسم منهم طعما للسيوف والقسم الآخر غرقوا في شط العرب. ألقوا بأنفسهم فيه. ولم تمض مدة حتى انجلت الحرب عن انتصار العرب. وهلك في هذه الحرب علي محمد خان وأخواه وباد جيشهم سوى 35 خيالا وغنمت العشائر كافة مهماتهم ومعداتهم.
    ويحكى عن ثامر شيخ المنتفق نفسه أنه قال :
    أقسم بالله أنه حينما صال عليهم جيش العجم ذهلت العشائر وصار كل منها يفكر في نجاة أهله وأطفاله وتفرقوا مختلفين ، ولم يبق معنا سوى ثمانين فارسا. وبهؤلاء هاجمناهم ووقفنا في وجوههم وكانت حملتنا عليهم صادقة ، ولم تمض برهة من الزمن حتى رأينا القتلى مكدسة على القتلى. وبعد أن أسفرت الحرب علمنا أن قتل مثل هذا المقدار لا يكاد يستطيعه جمع كجمعنا. فتحيرنا من عملنا ، وبهرنا هذا الانتصار المهول. ولا شك أن نصرتنا هذه بتوفيق من الله تعالى وإلا فلا يقدر على القيام بهذا أمثالنا (1).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 180.



    وفي مطالع السعود تفصيل. ذكر وقعة الفضلية وفيها انتصر العرب. وفي وقعة أبي حلانة قتلوا القائد وغالب جيشه. وكان مع الإيرانيين عشيرة (الكثير) وشيخهم علوان و (كعب) وغيرهما فتم الانتصار الباهر للمنتفق وأثنى على شجاعتهم ، وبين ما ربحوه من غنائم لا تحصى ، فكانت من الوقائع الشهيرة وكانت أعظم سبب في خروج دولة إيران من البصرة. وفي سنة 1192 ه‍ (1) تمكن حسين خان السيستاني في البصرة بالقوة القليلة التي كانت معه وحينما وصل الخبر إلى كريم خان أرسل أخاه صادق خان بجيش عظيم إلى البصرة. وبقيت بأيدي الإيرانيين نحو ثلاث سنوات إلى سنة 1193 ه‍ ، وفي هذه السنة توفي كريم خان فانصرف أمل صادق خان إلى طلب السلطنة ، فتركها ذاهبا إلى
    (شيراز). ومن ثم عادت البصرة إلى العراق أيام حسن باشا فعين لها نعمان أفندي متسلما (2).
    سليمان آغا متسلم البصرة السابق :
    كان كريم خان حبس سليمان آغا مدة ثم أطلق سراحه وأبقاه تحت المراقبة في شيراز فائتلف مع الإيرانيين حتى أنه بسبب علمه الجم نال رضا (زكي خان) وهو ابن عم كريم خان. ولما أخلى صادق خان البصرة وجّه زكي خان حاكميتها إلى سليمان آغا وأرسل معه مرافقا فوصل إلى الحويزة. وحينئذ عرف أن نعمان أفندي نصب متسلما فتوقف في الحويزة فراسل الأعيان وحينئذ رغبوا في دخوله البصرة إلا أن ثامرا شيخ المنتفق كان مغبرا منه فالتزم جانب نعمان وعارض في سليمان آغا كما أن حسن باشا والي بغداد اعتذره وبقي في محله منتظرا مجاري الحوادث.
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 58.
    (2) تحفه عالم ص 90 ودوحة الوزراء ص 180.

    وفي هذه الأثناء حصلت خصومة بين الخزاعل والمنتفق فمشى ثامر على الخزاعل فقابلوه فانكسرت عشائر المنتفق وقتل منهم خلق عظيم حتى أن ثامرا قتل في تلك المعركة فخلفه ثويني في المشيخة. وهذا كانت بينه وبين سليمان آغا حقوق قديمة ، ولذا أدخله البصرة وأقره في حكومتها فألقى القبض على نعمان وحبسه وعند ما كان في الحويزة أرسل بواسطة الباليوز عرضا إلى الدولة طلب به البصرة وذكر خدماته وبعد أن تغلب عليها ومضت بضعة أيام وجهت الدولة إليه البصرة برتبة الوزارة وإثر ورود المنشور طلب من الدولة مرة أخرى أن توجه إليه إيالة بغداد ضميمة إلى إيالة البصرة (1).
    محمد الكهية وابن خليل :
    مضى القول في مغلوبية محمد الكهية وابن خليل حوالي مندلي في محل (سبع رحى) ثم إنهما استقرا في (ديار اللّر) أي (الفيلية) وأستندا إلى إسماعيل خان أميرهم فأقاما عنده. وأن زكي خان لم تطل حكومته ، وإنما قام الإيرانيون عليه وقتلوه.
    فاختلت أمور إيران مدة ثم تولى حكومتها علي مراد خان (ابن أخي كريم خان)
    وفي هذه الأثناء ذهب محمد الكهية وابن خليل إليه فأعانهما بأتباعه. وفي أيام استقلاله أيضا ساعدهما أكثر. أما حسن باشا فقد حدث في زمن حكومته تهاون وظهر المتنفذون فلم تنقطع الفتن فاستفاد المرقومان من هذه الحالة فتمكنا من جمع جيش كبير فوصلا به إلى أنحاء بعقوبة وضبطا المقاطعات المجاورة والقرى القريبة وأماكن كثيرة. فأوقدوا نيران الفتنة.
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 181. وفي تاريخ الكولات ما هو قريب منه.

    لم يتمكن حسن باشا من تجهيز قوة لأنه لم يكن معتمدا على جيشه ولا في وسعه أن يخابر أمراء بابان فيأتي بمحمود باشا ولا يقدر أن يجهز بعض العشائر الموالية لأنّه يخشى أن يقضوا عليهم فيكون الأمر أشد وخامة وأكثر خطرا لا سيما أنهم كسروا قبيلة العبيد في جهة (الشيخ سكران) فجاؤوا بهم إلى قرب الأعظمية. ولم يكتفوا بذلك بل أثروا على نفس بغداد فتفاقم ضررهم. وقطعوا الطرق ، ومنعوا سير القوافل ، وعاثوا بالأمن فضاق الأمر بالأهلين ونالهم ضنك وشدة ومل الناس من الوزير وكرهوه. وكانوا يتربصون الفرصة للوقيعة به وإثارة الفتنة.
    في 3 شوال حدث نزاع بين شخصين قرب الشيخ عمر السهروردي فلما سمع أهل الميدان اتخذوا ذلك وسيلة فأعلنوا أنهم لا يريدون حسن باشا وعلت الأصوات بذلك فعمد حسن باشا إلى الروية والتبصر في القضية ، وراعى الحيطة فجعل خازنه خالد آغا في القلعة الداخلية. وفي اليوم التالي تجمع الأهلون فاتخذوا متاريس وحاولوا أن يهجموا على السراي. فتحمل الوزير ذلك إلى المغرب. ولما أدرك الليل خرج من السراي ودخل القلعة الداخلية. وفي اليوم التالي خرج من الباب الحديد وركب زورقا فعبر إلى جانب الكرخ ونزل قرب الحديثة فنصب خيمته. وبعد أن مكث بضعة أيام ذهب إلى أنحاء ديار بكر. فأصابه مرض لازمه بضعة أيام فمات.
    بلغت مدة وزارته 17 شهرا و 28 يوما. وغاية ما يقال فيه إنه اتخذ الوسائل الكثيرة ولم يقصر في تدبير إلا أنه خانته القوة وأعوزه التوفيق. خاف من الجيش الذي هو تحت سلطته كحذره من عدوه. فهو بين نارين.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 9:17 am

    بغداد بلا وال :
    وبعد أن خرج الوزير أجمع الرأي على أن يكون إسماعيل الكهية (قائممقاما). وعرضوا الأمر على الدولة في محضر ارسلوه. وكان (باش چوخة دار) في بغداد أرسلته الدولة بوظيفة خاصة. وهذا أرسل چوخة داره إلى استنبول وسلم إليه محضر الأهلين.
    أما الدولة فقد وردها عرض من متسلم البصرة سليمان آغا يلتمس فيه توجيه بغداد إليه. وكذا وصل محضر أهل بغداد فوجهت حكومة بغداد إلى سليمان آغا بانضمام إيالة شهرزور فجاء البشير بذلك إلى بغداد في 15 شوال بواسطة الچوخة دار المذكور فولد في الأهلين فرحا وسرورا.
    محافظة بغداد :
    وأمرت الدولة سليمان باشا آل أمين باشا الجليلي والي الموصل أن يذهب إلى بغداد (محافظا) إلى أن يأتي الوزير فيدبر شؤونها ويقوم بحراستها وفي هذه الأثناء وجه منصب (قائممقام بغداد) إلى عبد الله بك آل محمد أفندي من قبل وزير البصرة فتولّى المنصب وانفصل إسماعيل الكهية. وبقي متحيرا كثيرا. ثم إنه استصحب جماعة من أعوانه وذهب لاستقبال الوزير ، وتابعه لفيف من العثمانيين. أما سليمان باشا فإنه حينما ورد إليه عين (أبا حمزة مصطفى باشا قبطان شط العرب سابقا) وكيل المتسلم وأخرج نعمان أفندي المتسلم السابق من الحبس وجعله وكيل الكتخدا ورتب أمور الوزارة. ثم تحرك من البصرة واستصحب معه شيخ المنتفق ثوينيا وجاء إلى بغداد (1).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 183.

    حوادث سنة 1194 ه‍ ـ 1780 م
    وزارة سليمان باشا :
    إن الوزير وصل إلى العرجاء. وحينئذ وافى لاستقباله إسماعيل الكهية ومن معه من العثمانيين فلطفهم وأكرمهم على مراتبهم والتفت إليهم كثيرا إلا أنه أثر ذلك أمر بإلقاء القبض على إسماعيل ومعتمديه صاري محمد آغا ، وصوفي اسماعيل آغا ، وقره يوسف ونحو ستة آخرين فأعدم إسماعيل الكهية وحبس الباقين ثم أرسلهم محفوظين إلى البصرة ونصب سليمان آغا القره ماني متسلما على البصرة وأكساه خلعتين. وأخذ معه مهرداره أحمد آغا.
    وبعدها وصل إلى كربلاء وحينئذ رخص الشيخ ثوينيا وأعاده مكرما. ثم زار مرقد الإمام الحسين وتوجه إلى بغداد فلحق به سليمان الشاوي مع خيالة العبيد قرب الحلة فأكرمه وأعزه غاية الاعزاز لما أبداه من الاخلاص من أول الأمر إلى آخره فوصل إلى (المسعودي) واتخذه منزلا فاستقبله سليمان باشا ابن أمين باشا الجليلي محافظ بغداد والقائممقام والعلماء والأشراف. أما وكيل الكتخدا نعمان أفندي فقد عبر دجلة بلا رخصة من الوزير وذهب إلى بيته. لذا غضب عليه وعزله من ساعته وحبسه في داره ونصب عبد الله بك آل محمد وكيل كتخدا فأقام الوزير يومين رتب خلالها بعض الأمور اللازمة.
    وجاء إلى بغداد من استنبول بعض الرجال في أواخر أيام حسن باشا مثل باش چوقدار. وكان الدفتري محمد بسيم أفندي انقضت مدته. وآغا الينگچرية ، وكذا سليمان باشا والي الموصل الذي لم يرق له كلامه. وأذن لهؤلاء كلهم أن يذهبوا إلى مواطنهم ، ولكنه لم يشأ أن يدخل بغداد دون أن يقضي بعض الأعمال. وفي اليوم الثالث توجه نحو بغداد فعبر هو وبعض حاشيته من ناحية المنطقة بزورق خاص وأما

    الجيش فعبر من الجسر بشوكة ومهابة. مر من وسط المدينة إلى باب الأعظمية ثم نصب خيامه في الباب الشرقي (قراكوقپو) ، وضرب الوزير سرادقاته هناك وبات ليلة فيها. وفي اليوم التالي عزم على التنكيل بالثائرين ، فنهض نحو ديالى وكذا جاء المدد من محمود باشا متصرف لواء بابان وكوى وحرير نحو خمسمائة فارس تحت قيادة ولده الأكبر عثمان بك فانضم بمن معه إلى الجيش. وحينئذ عبر الجسر إلى الجانب الآخر من ديالى وقرر استئصال أهل البغي. وهؤلاء لم يبالوا بقوة الجيش فرتب كل فريق صفوفه واشتعلت نيران الحرب بينهما. فتبين النصر في جانب الوزير على عدوه. وفي هذه المعركة قتل أحمد آغا ابن محمد خليل وغيره من عمدة رجالهم. وفرت البقية الباقية مشتتة. أما محمد الكهية فقد انهزم إلى إيران مع بعض الخيالة ممن كانوا معه وتركوا اثقالهم وسائر أموالهم فصارت غنائم.
    وفي كل هذه الحرب لم يكن مع الوزير أكثر من أربعة آلاف فارس ضمنهم أهل دائرته والعثمانيون والعشائر التي تلاحقت وفرسان الأكراد في حين أن مناوئيه كانوا يبلغون العشرة آلاف محارب. وبعد هذا الانتصار أكرم الوزير من كان معه على مراتبهم لما قاموا به من خدمات. ولما أبدوه من شجاعة شاكرا سعيهم وإخلاصهم لا سيما ما رآه من عثمان بك من الشجاعة فأنعم عليه برتبة باشا.
    ثم إن الوزير بقي في تلك الأنحاء مدة شهر نظم في خلالها القرى والنواحي ونسق مصالحها لما نالها من التخريب وما أصابها من الدمار والتشوش ووجه أنظاره إلى الإصلاح. وكذا اهتم بأمر العشائر فأخاف بعضها وأنب الأخرى وهكذا راعى مقتضيات السياسة واتخذ الإدارة القويمة في تدبير الأمور فصار الكل منقادين له (1).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 185.

    العودة إلى بغداد :
    عاد الوزير إلى بغداد في أوائل شهر رمضان بكمال الأبهة وسر به الأهلون رغبة في الراحة. وكانت البشرى وردت إليه بتوجيه إيالة بغداد يوم الخميس 15 شوال سنة 1193 ه‍ وخرج من البصرة في أول ربيع الأول ووصل المسعودي في أواخر جمادى الثانية وقضى نحو الشهر في قمع الغوائل.
    وكان من أكابر وزراء المماليك والساعين لتقوية نفوذهم ويسمى (سليمان باشا الكبير) والحق أنه مقتدر عارف بسياسة المملكة وطد الإدارة ، واكتسب الفخر. أرضى بعض الأهلين وقضى على كل من أحس منه بقدرة وماشى الدولة إلا أن الطاعة لها كانت اسمية.
    مدحه الشيخ حسين العشاري بقصيدة مهنئا له بالوزارة ، وأثنى على سليمان باشا الجليلي وعلى سليمان الشاوي ، وهي قصيدة مهمة في حوادث بغداد والفتن التي اشتعلت فيها ويشاهد عدم الاتصال بين أبياتها (1).
    حوادث سنة 1195 ه‍ ـ 1781 م
    الخزاعل :
    إن أمور العراق لم تنتظم من أيام الطاعون فالولاة لم يستقر لهم حكم بسبب الاضطرابات والعشائر لم تذعن ، والداخل في هرج ومرج ، فالوزير بعد أن قضى على أعداء المماليك وانتصر نظم أمور الجيش والإدارة فلم يترك تدبيرا ناجحا إلا فعله ، ولذا تمكن من السيطرة.
    أما العشائر فلم يذعنوا لشدة أو عنف. وإنما يفرون من وجه الحيف والقسوة ، ويعيثون بالأمن. وطريق الملاطفة تجعلهم في غرور. فلما جاء الوزير من البصرة ووصل إلى السماوة حضر إليه حمد الحمود
    __________________
    (1) ديوان العشاري ص 316 ودوحة الوزراء ص 185.

    شيخ الخزاعل وقدم له الهدايا. أما الوزير فقد أظهر حسن القبول واللطف ، ومنحه مشيخة الخزاعل وأكرمه إكراما لائقا به. أما هو فلم يبال بل خرج من الطاعة وحينئذ عزله الوزير ونصب الشيخ محسنا وعزم على التنكيل به فنهض من بغداد حتى ورد الحسكة واستقر الجيش في جانب الشامية على ساحل الفرات تجاه الديوانية مقر ضباط الحكومة ، وأن عشائر الخزاعل (الحمد) و (السلمان) اتحدوا وتبعتهم عشائر أخرى. فصاروا تحت قيادة حمد الحمود. وتحصنوا في قلاعهم ويسمونها (سيبايه). وهذه محاطة بالأهوار فلا يتيسر الوصول إليها فظهرت موانع أشكلت أمر التقرب منهم. فوجد الوزير خير تدبير أن يسد الفرات من ناحيتهم. فاشترك جميع الجيش حتى الوزير نفسه حمل التراب واشترك مع العمال تشويقا لهم في العمل نقلوا الأحطاب وقاموا بكل المقتضيات. وفي مدة شهرين تمكنوا من سده سدا محكما سنة 1196 ه‍ (1) .. وكان يظن أنه لا يتم بأقل من سنة فرأى الخزاعل أن لا مجال لهم وسوف ينقطع عنهم ماء الشرب ، وأن الأهوار سوف تنحسر مياهها ويبقون بلا ملجأ. فندم حمد الحمود على ما بدر منه وأرسل النساء والأطفال إلى الوالي يرجون العفو عنه فعفا الوزير وأعاد إليه المشيخة مرة أخرى. ومن ثم قضى الوزير بعض المهام ثم عاد.
    ويلاحظ أن الوزير ربما قام بهذا الأمر إرضاء للمنتفق لما رأى من مساعدة فلم ينجح وتساهل (2).
    في سنة 1195 قتل محمد آغا ابن محمد خليل ، وجرى سد شط الخزاعل (3).
    __________________
    (1) مجموعة خطية عندي.
    (2) دوحة الوزراء ص 187.
    (3) عن مجموعة رمضان.

    حوادث سنة 1196 ه‍ ـ 1782 م
    بابان :
    ساعد محمود باشا الوزير حينما ورد بغداد فأرسل ابنه عثمان باشا وأظهر له الطاعة ، وقام ببعض الخدمات الأخرى.
    وهذه لم ترق للوزير بل اعتبرها أمورا ظاهرية. وحاول أن يتغاضى عما يتطلبه الولاة قبله عند ما يشعرون بقوة. وجل أمله أن يغزوه سنة 1195 ه‍ ولكن رجح وقعة الخزاعل على قضية بابان.
    وبعد أن أتم أمر الخزاعل توجه نحو بابان ، وكان قبل هذا أخرج الوزير حسن باشا من بغداد فوجهت الدولة إليه إيالة ديار بكر. وبعد أيام مرض وتوفي. أما كتخداه عثمان الكهية فإنه نصب قائممقاما برضى البغداديين. وأن الوزير سليمان باشا في تلك الأثناء وجهت إليه بغداد ولذا لم يرغب أن يكون عثمان الكهية بعيدا عنه فشوقه أن يجيء إليه فلما جاء وجه إليه مقاطعة مندلي فبقي فيها مدة. ولكن إيرادها لم يكف لمصروفه فعرض الأمر على الوزير. ولذا فوض إليه متسلمية كركوك. فذهب إلى منصبه الجديد إلا أنه رغب في وظيفته الأولى كهية بغداد. ولما لم ينلها صار ينتظر الفرصة لايقاع الفتنة. وأن محمود باشا كان كارها للوزير وخائفا منه فاستولت عليه الواهمة فاغتنم المتسلم عثمان الكهية الفرصة للمفاوضة مع محمود باشا فصادف أن خابره عثمان باشا خفية في الأمر ففرح. وحينئذ حصل اتفاق وعهد بينهما.
    لذا ذهب إلى عثمان باشا في لواء كوى. وكذا قام محمود باشا من (قلعة چولان) ومضى إليهما فاجتمع الثلاثة في لواء كوى فتأهبوا في تجهيز العساكر. فتحقق للوزير أنهم يضمرون آمالا ويدبرون أمرا فرأى وجوب سفره إلى محمود باشا. ولعلهم ارتابوا منه وعلموا مقاصده فأبدى أنهم خرجوا عن الطاعة. فعزم الوزير على القتال وتوجه إلى بابان فوصل كركوك واتخذ ضواحي المدينة مضربا لخيامه.

    أما محمود باشا وعثمان الكهية وعثمان باشا فإنهم جمعوا نحو خمسة آلاف أو ستة آلاف من المشاة والخيالة وتحركوا من موطنهم ، ونصبوا خيامهم في (مضيق بازيان) فحفروا المتاريس في جوانبه. وفي هذه الأثناء كان يتحرى الوزير عمن يليق أن تعهد إليه إمارة بابان وشرع في ذلك. ولذا قام من كركوك ووجه جيوشه نحو الدربند ولما وصل إلى منزل (خان كيشه) فارق حسن بك جماعته منتهزا الفرصة والتحق بجيش الوزير بمن معه من جيوش واتباع. وهذا ابن خالد باشا المقتول آل سليمان باشا أكبر إخوة محمود باشا. وفي الحال عزل الوالي محمود باشا ووجه لواء بابان إلى حسن بك برتبة باشا ، وألوية كوى وحرير إلى محمود باشا ابن تمر باشا. ولتفريق سربهم وجه جيوشه نحوهم ، فتمكن من افساد ما بينهم.
    سمع محمود باشا خبر عزله فاضطرب وأصابه قلق عظيم. ولذا توسل بالصلح وتهالك في أمره ووسط العلماء والمشايخ وبين لهم أنه يقبل بكل شرط ما عدا العزل. ولذا قبل الوزير معاذيره ونزل عند رغبة المصلحين على أن يبعد عنه عثمان الكهية ويكف يده عن كوى وحرير ويتنازل عنهما ويقدم ثلاثمائة كيس من النقود ، وأن يسلك طريق الطاعة ، فيقدم أحد أولاده رهنا مع عياله. فأرسل إليه الحاج سليمان بك الشاوي نائبا عنه لتقرير أمر هذا الصلح.
    فتفاوض معه فقبل بكل الشروط وأن يترك كوى وحرير ويطرد عثمان الكهية ، ويقدم ابنه سليم بك مع أهله ليكونوا رهنا عنده ، ويتعهد بإرسال المبلغ دون تأخير.
    فلما رأى الوزير أن جميع مطاليبه نفذت قبل التعهد وأبقى لواء بابان في عهدته وأرسل إليه الخلعة ورخص محمود باشا ابن تمر باشا أن يذهب إلى أنحاء كوى ليحكمها. وعاد إلى بغداد.

    نقض العهد :
    إن الوزير حينما رجع من (خان كيشة) ذهب الروع عن أتباع محمود باشا وسولوا له أن يمتنع عن القيام يتعهداته كما أنه جهز جيشا على محمود باشا ابن تمر باشا بقصد الاستيلاء على لواء كوى قسرا وحاصروه وسط القلعة وضيقوا عليه. فلما سمع الوزير أرسل خازنه مصطفى آغا ، وكتخدا البوابين خالد آغا مع مقدار من العسكر لإمداد متصرف لواء كوى بوجه السرعة ، فوردوا كركوك وعند ذلك سمع محمود باشا فندم على ما فعل. ولذا رفع عسكره عن المحاصرة وعرض الأمر على الوالي فأرسل معتمده وتشبث ببعض الوسائل واستشفع بذوات من أهل المكانة ملتمسا أن تعطى له ألوية كوى وحرير بأنواع التعهدات.
    وللمصالحة وجهت إليه مرة أخرى على أن لا تعطى لابنه عثمان باشا وأن يعهد بها إلى إبراهيم بك ابن أحمد باشا وهو ابن أخيه. وجلب محمود باشا ابن تمر باشا إلى بغداد. وافق محمود باشا أن يعهد بإيالة كوى وحرير إلى إبراهيم بك دون ابنه عثمان باشا.
    حوادث سنة 1197 ه‍ ـ 1783 م
    محمود باشا في المرة الأخرى :
    كانت أعيدت إلى محمود باشا ألوية كوى وحرير على أن يثابر على الطاعة ولكنه اختبرت أحواله في خلال السنتين أو الثلاث فتبين أنه لم يقف عند عهد ولم يستقر على قول فعزم الوزير على تبديله لكنه لم يجد في أمراء الأكراد من هو مستجمع الأوصاف فصبر مدة للاستطلاع والتلوم. وفي الأثناء رأى إبراهيم بك ابن أحمد باشا فاشترط الوزير أن توجه إليه ألوية كوى وحرير فوافق محمود باشا وفي الخفاء أرسل إليه الوزير فاستماله فوجده راغبا في مفارقة محمود باشا وأيضا أن محمود باشا لم يقم بما تعهد به ولم تبد منه استقامة بل ظهر منه بعض ما لا يرضيه.

    وهذا ما دعا أن يجهز الوزير جيشا جرارا ونهض من بغداد مع أن هذه الأسباب لا تبرر الحرب. وحينئذ وصل إلى كركوك. وكان في أمل محمود باشا وابنه عثمان باشا أن يتأهبا للقراع فجمعا ووصلا إلى (مضيق بازيان) فاتخذا متاريس فيه وسدّا المضيق. وعلى هذا راسل الوزير إبراهيم بك رأسا وطلب منه أن يحضر ليقوم بمهمته. كما أن الوزير ذهب بنفسه إلى جهة المضيق. وأن إبراهيم بك وصل إليه بجميع إخوته ، وحسن خان ، وحسن بك آل شير بك وأمراء آخرين ممن لهم مكانة. جاؤوا جميعا بمن معهم فعزل محمود باشا ووجه ألوية بابان ، وكوى ، وحرير إلى إبراهيم بك برتبة (باشا) وفي الحال توجه نحو المضيق.
    أما محمود باشا فقد تفرق عنه من كان معه من جيوش وأمراء والتحقوا بإبراهيم باشا ، ولذا قوض خيامه وذهب بمن بقي معه إلى إيران. وبذلك قوي أمر إبراهيم باشا وذهب بأبهة إلى محل منصبه. ومن ثم رجع الوزير بعساكره إلى بغداد ظافرا منصورا (1).
    حوادث سنة 1198 ه‍ ـ 1783 م
    قتلة محمود باشا :
    وصل محمود باشا إلى (باين چوب) من مضافات سنة (سنندج) فأرسل ابنه عثمان باشا بهدايا إلى شاه إيران (علي مراد خان) بأصفهان. ثم ذهب إلى قصبة (باغچة) القريبة من سنة لبث فيها مدة وصار يترقب أخبار ولده. وبوصوله إلى أصفهان التجأ إلى الحكام وشوقهم على افتتاح (بلاد بابان) والتسلط عليها.
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 191.

    أما الشاه فقد رحب به كثيرا ونال حظوة عنده. ووجه بلدة (صاوق بولاق) (1) إلى والده محمود باشا وأرسل إليه (رقيما) (2) فأخذه محمود باشا وقدمه إلى الحاكم هناك وهو بداق خان إلا أن الشاه لم يكن مسلطا على جميع أنحاء إيران سيما أنه لم يستول على آذربيجان. ولذا اضطر أن يسلم إلى حاكمها مقاليد الحكم. وهذا اتفق مع أمراء مراغة وسلماس وخوى فشدوا أزره وأمدوه بنحو عشرة آلاف محارب وعاونوه فعلا ليخالف هذا الأمر.
    وفي هذه الحالة لم يكن مع محمود باشا سوى خمسمائة فارس ، فلم يرغب في الحرب إلا أن ابنه عبد الرحمن بك ألحّ عليه. ولذا فرق جيشه إلى قسمين تعهد هو قسما فكان قائده ، والقسم الآخر جعله تحت قيادة ولده عبد الرحمن بك ، وحملوا على الإيرانيين حملة صادقة ولم يبالوا بكثرتهم وأوقعوا فيهم قتلا. فكسر عبد الرحمن بك (بداق خان) ومضى في تعقيبه ، وكذا محمود باشا أراد القضاء عليهم فمضى بنحو عشرين خيالا فهاجم الطرف الآخر وحاول تمزيق شملهم أيضا. فجاءته طلقة أردته قتيلا وفر من كانوا معه وأن الإيرانيين في هذه الحالة ألقوا القبض عليه وذبحوه. وحينئذ حلوا مكانه.
    أما عبد الرحمن بك فإنه عاد من تعقب أثر عدوه وحين رجوعه شاهد الإيرانيين ضربوا خيامهم مكانه فخرق جانبا من جوانب العدو وذهب إلى سقز (ساقز) فاستراح بها وكتب إلى عثمان باشا بما وقع. وهذا عرض القضية على الشاه.
    وعلى هذا جهز الشاه جيشا لأخذ الثأر وجعل عثمان باشا قائدا له ورخصه أن يحارب (بداق خان) فجاء عثمان باشا بعسكر إيران إلى سقز
    __________________
    (1) وبعضهم يلفظها صادق بولاق وهي من مملكة اردلان.
    (2) هو الفرمان أو الأمر السلطاني.

    فخرج حاكمها عباس قولي خان لاستقبالهم. وكان فكره مصروفا إلى أن يدعوه إليه لكنه أخبر أن تجاوز بداق خان كان بتسويل منه. ولذا ألقى القبض عليه وقتله وأغار على سقز فانتهبها. ولما اعترض عليه الجيش وأمراء إيران قال لهم : إن عمله كان بأمر من الشاه. وعلموا أنه القائد من جانبه فسكتوا ولم يخالفوه وأخبروا الشاه بذلك سرّا.
    ثم إن الباشا ذهب بالعسكر على (صاوق بولاق) وحاصر بداق خان في القلعة وشرع في التضييق عليه. وفي هذه الأثناء وصل الخبر إلى الشاه فندم على ما فعل وكتب رقيما إلى أمرائه أن ينتهزوا الفرصة فيلقوا القبض عليه ويأتوا به أو يقتلوه. وكان أمره هذا خفية مع رسوله أحد الأمراء المعتبرين. وحينئذ لقيه عبد الرحمن وألقى القبض عليه وأخذ الكتاب منه ففضه واطلع على مضمونه. ولذا أخبر توّا وبلا امهال عثمان باشا بالخبر.
    ولما وقف على جلية الأمر اتخذ من لطائف الحيل ما سهل له الخروج من هذا المأزق الحرج وفارق إيران. وذلك أن عشائر بلباس جاؤوا لإمداد بداق خان فوصلوا إليه فأخبرهم بحقيقة الأمر. وحينئذ أبدى له البلباس من الحمية ما لا يوصف. رأى الإيرانيون أنهم لا يستطيعون المقاومة. ولذا عادوا. ثم إن عثمان باشا أنقذ أمتعته وأهله من سقز ومعه عسكر البلباس فتوجه نحو رواندز فأسكن أهله وحاشيته فيها وذهب إلى بلباس فأقام هناك. ومنها ذهب إلى العمادية ، فأقام فيها في (ناوكر). وحينئذ عرض على الوزير ما جرى عليه وعلى والده مفصلا وطلب أن يعفو عما بدر منه ، فعفا الوزير وأعطاه الرأي والأمان بواسطة مصطفى آغا السلحدار.
    وبوروده إلى العراق حصل للوزير أمان من الغوائل. وتوجه عثمان باشا إلى بغداد ونال لطفا وإكراما. طيب الوزير خاطره. وبعد أن بقي بضعة أيام وجه إليه مقاطعات قزلرباط وخانقين وعلي آباد.

    الخزاعل ومحسن شيخ الشامية :
    إن الشيخ محسن شيخ الشامية عصى بلا موجب ونهب فلما تحقق منه ذلك سار إليه الوزير بنفسه لقمع غائلته. أما الشيخ فقد تحصن في قلعته (السيباية) واعتمد على رصانتها وعلى أتباعه للنضال. بقي الوزير بضعة أيام يحاول نصحه فلم ينتصح ، فاضطر للهجوم عليه من كل صوب فاشتد عليه الأمر. ولما لم يجد في نفسه قدرة على المقاومة فر بمن معه وتركوا أموالهم وأمتعتهم غنائم ونجوا بأرواحهم فضبطت ديارهم.
    هذا ، وكل ما يبغيه الوزير أن يحصل على الغنائم فاتخذ التهاون منه في أداء الرسوم عصيانا. ومن ثم أبدى أن حمد الحمود كان موافقا له وأهلا للقيام بالمشيخة فأضاف إليه مشيخة الشامية ضميمة على مشيخة الجزيرة ونظم تلك النواحي ثم عاد إلى بغداد.
    حوادث سنة 1199 ه‍ ـ 1784 م
    الخزاعل وحمد الحمود :
    منح حمد الحمود مشيخة الشامية والجزيرة معا فكان ينتظر منه الوزير أن يقوم بخدمات جلى فلم يفعل فأظهر الوزير أنه عصى وسلك طريق البغي. ولذا جهز جيشا لجبا وذهب بنفسه للوقيعة به وسلك طريق الشامية ، فوصل تجاه الديوانية ونصب جسرا على شط الفرات وعبر إلى جانب الجزيرة فوصل إلى محل يقال له (لملوم) وكانت الخزاعل محتشدة قريبا منه. فأحاطت بهم الخيول من كل جانب إلا أن الانهار منعت من الزحف عليهم. ولذا حط الجيش رحاله في الجانب الآخر من الگرمات (القرمات وهي الأنهر الفرعية) ولا تزال معروفة بهذا الاسم. فحاول الجيش العبور إليهم فلم يتيسر له نظرا لعمق المياه. فبقوا بضعة أيام لدرس الوضع وليتمكنوا من مراعاة الوسائل الناجعة.

    وفي هذه الأثناء رأى العشائر أنهم سوف ينالهم ضنك وأدركوا وخامة العواقب. فكسروا الكرمات التي يعلمون أنها مضرة بالجيش فأحدثوا عليه سيلا عظيما وشوشوا الاوضاع فاضطر أن يرفع خيامه لكنهم كانوا يعيثون في جوانب الجيش فيدافع ويصدّ الهجمات فذهب الجيش وتوقف في الحسكة.
    ولما لم يتمكن الجيش منهم لأن العشائر كانت أدرى بشعابها اتخذ معهم طريقة سد الفرات من المحل الأول ، فأجهد الوزير العمال. ولم تمض مدة حتى أحكموه أكثر من الأول. وحينئذ عزم على حربهم وتأهب للوقيعة مع العلم أنها غير مثمرة فشاع أن عجم محمد الكهية دخل العراق وجاء إلى الخزاعل بعد أن تجول في بلاد الكرد وإيران فحذر منه وفكر أن الدوام على هذه الحرب لا يأتي بفائدة بل ربما ولدت نتائج مزعجة ، وحينئذ جاءت دخالة من الشيخ حمد الحمود وطلب العفو فوافق الوزير مراعاة للمصلحة فأبقى المشيخة في عهدته وألبسه خلعة الإمارة وعاد (1).
    حوادث سنة 1200 ه‍ ـ 1785 م
    سليمان بك الشاوي :
    علم الوزير بخدماته فلم يقصر في أمر تكريمه تجاه مساعيه المبرورة وأعماله المرغوب فيها فراعى جانبه أكثر من جميع الوزراء وكان مظهر الاحترام والرعاية.
    وذلك ما دعا أن يتجاوز حدود الخدمة ، ولم يبال بالرسوم المرعية
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 194. ومطالع السعود ص 57.

    وإنما كان خشنا فظ الطباع ، تتغلب عليه حدة وغضب مما توصل به حساده لإبعاده فبلغوا ما أرادوا (1).
    وزادوا أنه ناله غرور وظن أنه في استغناء فلم يعرف قدره. وفي خلال وزارة الوزير كان يدخل عليه ويتكلم بما يخدش خاطره وكان في وسعه أن يتخذ وسائل تأديبية قاسية فاكتفى بأن صرح له تارة ، ولمح أخرى أن يكف فلم ينتبه. حتى أنه وبخه فلم يبال. ومن ثم نفر منه ومع هذا لم يبدر منه ما يخالف وإنما استعمل الحلم والرفق معه.
    ومن جانب آخر أن الشاوي خاصم أحمد آغا المهردار وناصبه العداء مع علمه بخدمته للوزير وأنه ربي في أحضانه فكان يحتقره في أكثر الأحيان فيتحمل منه. فاشتدت المناوشات بينهما وتوترت العلاقات العدائية (2). قال صاحب المطالع : إن الشاوي لم يعده في عير ولا نفير.
    ويلاحظ أن الوزير جعل كل أموره في يد مهر داره واتخذه معينا له وكاتم أسراره. وفي هذه المرة أراد أن يعينه كتخدا له ففاتح الشاوي بذلك ولما كان أحمد آغا ابن خربنده (مكاري الجيش) ونظرا لحسن صوته وصورته استخدمه الوزير. ولذا قبح الشاوي أن يكون كتخداه.
    ذلك ما مكن الخصومة بينهما حتى انقلبت إلى عداء. ولما كان الاثنان ممن يودهم الوزير اجتهد أن يؤلف بينهما وسعى لإزالة ما بينهما فكان تماديه على هذه الحالة مما كرّه الوزير عليه.
    هذا هو السبب الظاهري الذي أريد إشاعته مع العلم أن الأمر بيّت ليلا فاتخذ المخالفة بين أحمد آغا والشاوي وسيلة للتنكيل بسليمان وأن يكون بعيدا عن بغداد. أراد الوزير أن تكون الإدارة خالصة للمماليك
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 58.
    (2) مرآة الزوراء.

    ووطد الوضع بالقضاء على نفوذ الينگچرية والعشائر العربية والإمارات الكردية ربى مماليك آخرين فتمكنوا من الإدارة والتسلط على الوضع (1).
    ومن هذه التدابير إقصاء الشاوي. أراد أن يقضي على كل عنصر فعال من العناصر الأهلية وهذه كانت سياسته في الخفاء فالوقائع وما قام به من الأعمال أظهرت مكنون سره فلم يطلع على فكرته سوى مهر داره (2).
    ذهب سليمان الشاوي بأتباعه وخرج من بغداد نحو هور عقرقوف فاستقر هناك قليلا والتفت حوله عشائر العبيد والعشائر الأخرى وصار يشاع أنه يحشد الجموع لايقاع الاضطراب وأنه سلك طريق البغي فصارت هذه العصبة أم البلاد. وابن البلاد يعدّ عاصيا وحينئذ عزم الوزير على دفع غائلته فجلب إبراهيم باشا متصرف ألوية بابان وكوى وحرير بجيوشه وجهز جيوشا عديدة من بغداد وجعل أحمد آغا قائدا لمحاربته ، فلما سمع بذلك رحل إلى (وشيل) في شمال تكريت.
    نهض الجيش من بغداد بسرعة ليلتحق به إلا أنه انتبه لذلك قبل أن يصلوا إليه فعلم أن لا طاقة له بهم فترك أثقاله وسارع إلى أنحاء الخابور وهذا هو المطلوب فصارت أمواله غنائم ورجعوا إلى بغداد (3).
    إخوة سليمان الشاوي :
    لما خرج سليمان من بغداد لم يتابعه إخوته حبيب بك ومحمد بك ، وعبد العزيز بك. فالكل اختاروا البقاء وأن يكونوا في خدمة الوزير. والظاهر أنهم لم يدركوا الغرض وحينئذ خوفهم بعض المغرضين
    __________________
    (1) مرآة الزوراء ودوحة الوزراء ص 196.
    (2) مرآة الزوراء.
    (3) دوحة الوزراء ص 196.


    وحينما (1). سمعوا أن سليمان بك ذهب إلى جهة الخابور التحقوا به واتفقوا معه
    نصب أحمد آغا كتخدا :
    كان أحمد آغا متحليا بحلية العلم. وله دراية كافية فهو فطن. جمع السداد والاستعداد مما دعا الوزير أن يرغب فيه منذ الصغر لما ظهر من آثار مواهبه. يضاف إليها حسن القوام والهندام (2). أذعن له الكل. لذا رغب الوزير في تقريبه قبل أن يكون متسلم البصرة فرباه عنده ، وكل ما عهد إليه قام به أحسن قيام فتوضحت له أحواله وتبين إخلاصه فأبرز من المقدرة ما لا يدع قولا لقائل. فتمكن من إبداء أكبر المواهب في الخطوب الجسام وملك الحظ الأوفى لا سيما القدرة التي أبداها في حرب سليمان الشاوي والانتصار عليه إذ عدها أم المسائل
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 196.
    (2) مرآة الزوراء.

    وأكبر الأعمال فتزايدت الرغبة فيه لذلك كله أنعم عليه بمنصب كتخدا وألبسه الخلعة (1).
    القحط في بغداد :
    وفي ربيع الثاني من سنة 1200 ه‍ لم يقع مطر ولا حصل نبت فتولد القحط فبلغت قيمة وزنة الحنطة سبعة قروش أو ثمانية. ووزنة الشعير خمسة أو ستة. لكن الضعفاء لم يتيسر لهم الشراء فنالهم عناء كبير ومات أكثرهم جوعا. ودام سنتين ونصف السنة. وفي آخرها صار الطاعون وفي هذه الحادثة وزع الوزير على الأهلين مخازن الأطعمة بأقل من السعر المقرر ولم يبق إلا ما يكفي للحاجة. ومع هذا هاجت الناس وماجت في كل أنحاء بغداد في الحلة والحسكة والأطراف الأخرى فحصل ضيق وزاد الخطر. فلا يمضي يوم إلا والغلاء في ازدياد فصار الناس يأكلون الكلأ ويمتصون الدماء ويتناولون ما هو منهي عنه لما نالهم من السغب وأصابهم من الضعف.
    شغب من سغب :
    وفي هذه المرة هاج لفيف من الناس لما نالهم من سغب فحمل ذلك على البغي والعدوان ، وعدوا هؤلاء القائمين بقية من أولئك المناوئين أيام عبد الله باشا وحسن باشا. والحال أنهم قاموا من جراء الجوع الذي أصابهم وما نالهم من ضجر ، فحملوا علم الشيخ عبد القادر الكيلاني وأشعلوا الفتنة وهجموا بغتة على دار الحكومة وقالوا :
    إن عباد الله ماتوا جوعا ، انقذونا بتدبير ناجع عاجل!!
    ولما وصلت مقدمة هذا الجمع إلى قرب سراي الكهية خرجت
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 197.

    عليهم ثلة من الخيالة في الحال وبناء على أمر الوزير صدهم آغا المطرجية فقابلوا الأهلين وحملوا عليهم. ولم تمض طرفة عين إلا وكسروهم وشتتوا شملهم وقتلوا بعضهم وألقي القبض على البعض الآخر واختفى الباقون ومن قبض عليهم صلبوا في الحال ليكونوا عبرة. وكذا قبض على باقي من كانوا فجلد بعضهم بالعصي ثم أبعدوا إلى جهة البصرة (1).
    وفيات :
    1 ـ توفي أمير الحلة عبد الكريم بك يوم الاثنين 18 جمادى الأولى. وهو من أسرة عبد الجليل بك أمير الحلة.
    حوادث سنة 1201 ه‍ ـ 1786 م
    عودة الحاج سليمان الشاوي :
    مضى الحاج سليمان بك إلى جهة الخابور في العام الماضي فأمضى أوقاته بضعة أشهر فجمع شمله والتفت حوله العبيد وجاء إلى (سحول) التابع إلى (عانة) فأقام فيه. وعلى هذا أصدر الوزير أمره وأرسل قوة بقيادة كتخدا البوابين خالد آغا فوصل إلى الفلوجة ومكث بضعة أيام لترتيب الجسور والعبور إلى صوب الشامية.
    أما الشاوي فقد سبر قوته فتحقق أن لا قدرة لها. لذا أرسل ابنه أحمد بك إلى الفلوجة ، فالتقى الجمعان فانتصر جيش أحمد بك على جيش خالد آغا وقتل في هذه المعركة بكر باشا من أهل كوى وكثيرون وألقي القبض على أسرى لا يحصون وبين هؤلاء قائد السرية خالد آغا ، ومعه محمود باشا ابن تمر باشا متصرف كوى سابقا فجاؤوا بهم إلى
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 198.

    الحاج سليمان الشاوي في (أبي قير) و (الاخيضر) من أنحاء كبيسة. وحينئذ أمر بأن يعاد إلى محمود باشا فرسه ومسلوباته وأرجعه مكرما. وأما خالد آغا فقد أخره عنده ..
    هجوم الشاوي على بغداد :
    بعد المعركة في الفلوجة بنحو شهر ورد الحاج سليمان بغتة وقت الظهر إلى شريعة الإمام موسى الكاظم ودخل جانب الكرخ بعد الغروب إثر قتال عنيف فنزل مقام الحلاج. فلما سمع الوزير بادر الدفاع ولكنه أحس بالخطر حتى ضاق خناقه ووهت منه قوى التدبير فعين مشاة لدفع الموما إليه وتبعيده فمشوا عليه من كل صوب فحاصروه وضيقوا عليه. والصحيح أن هؤلاء كانوا من عقيل حفظوا الجانب الغربي وأنقذوا الوزير من خطر هذا الحادث. ورفعوا الحصار عن بغداد فانكسر ابن الشاوي وفارقته جماعته. أما إخوانه فقد نفروا منه ولهم رغبة في الاستئمان من الوزير فوجدوا مجالا فاضطروا للانفصال فحصلوا ما أرادوا وزيادة أما سليمان بك فقد رأى انفصال إخوته عنه فلم يبق له أمل في البقاء. اشتغل جيشه بالنهب والسلب فناله من عقيل ما ناله وحينئذ تفرقت حاشيته فرجع بمن معه إلى جهة الدجيل فعبروا إلى الشامية وذهبوا إلى أبي قير ، وأبيرة من أراضي شفاثا فنزلوا فيها.
    أراد الوزير القضاء على غائلتهم تماما فأرسل أحمد الكهية للهجوم فعبر من المسيب وتوجه نحو أبيرة وهناك وقعت مقاتلة خفيفة وقبل أن يعلم الغالب من المغلوب انفصل الواحد عن الآخر ورجع أحمد الكهية بعسكره إلى بغداد وذهب الحاج سليمان إلى المنتفق (1).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 199 ومطالع السعود ص 108.

    الحاج سليمان والمنتفق والخزاعل :
    ثم إن الحاج سليمان الشاوي ذهب إلى ثويني شيخ المنتفق فناصره وكتب إلى حمد الحمود شيخ الخزاعل أن يتفق معهما فوافق. ولذا أمر ثويني أن تتجمع العشائر وتتأهب للحرب فأعدوا للأمر عدته. فتقدموا نحو البصرة وتسلطوا على مقاطعاتها وأرسل ثويني أخاه للاستيلاء عليها فضبطها وألقى القبض على متسلمها إبراهيم أفندي وأخذوا كافة أمواله ووضعوه في سفينة وساقوه إلى جهة مسقط فأقعد ثويني أخاه في البصرة فتمكن في الحكم.
    قال صاحب المطالع في متسلم البصرة إنه «كان قبل استيلاء ثويني عليه ، واحتوائه على ما في يديه ، أقام للفسوق ، نافق السوق ، وتنافس في أيامه بترقيص الأولاد ، والقينات في كل محفل وناد ، فما ترك بابا من الفسوق إلا فتحه ، ولا زندا إلا أوراه وقدحه ، فعاقبه الله على فعله ، فأبعده عن مقره وأهله ...» اه.
    أما الوزير فإنه أراد القضاء على آمال هؤلاء فاهتم للأمر وصار يجهز الجيوش وكتب إلى إبراهيم باشا متصرف بابان وكوى وحرير وإلى عبد الفتاح باشا متصرف درنة وباجلان أن يوافوه بجيوشهم وأن يحضروا بأنفسهم للحرب (1).
    عزل ونصب :
    إن الموما إليهما امتثلا الأمر إلا أنهما لم يتخذا الأهبة الكاملة من ذخائر ومهمات ولم يفكرا في بعد الشقة. فاتخذ الوزير ذلك سببا فحين ورودهما عزلهما ووجه متصرفية كوى وحرير إلى عثمان باشا ابن محمود باشا ، ومتصرفية درنة وباجلان إلى عبد القادر باشا عم عبد الفتاح باشا
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 199 ومطالع السعود ص 108.

    وكساهما الخلع. أما عثمان باشا فقد انتظر في بغداد وأذن لأخيه عبد الرحمن بك أن يأتي بالجيوش المطلوبة من ديار الكرد فيكمل جيشه وأكد له في الاستعجال والمجيء بسرعة (1)
    السفر على الخزاعل والمنتفق :
    إن عبد الرحمن بك حينما وصل إلى ديار الكرد قام بالمهمة. فجاء بالجيش على أتم عدة وانتظام ووصل إلى بغداد فأضاف جيشه إلى الموجود من عساكر عثمان باشا ، وأكثر هم مدرعون وبأيديهم الأتراس وكانوا نحو الألفين من النخبة أما الطوائف الأخرى فقد تأهبت أيضا.
    وفي هذه الأثناء ورد إلى الوزير حمود بن ثامر السعدون ومعه نحو مائة من قومه ، لذا ذهب الوزير بنفسه ومعه قوة كافية العدة والعدد وتوجه نحو الخزاعل والمنتفق ، وحينما وصلوا حسكة وجدوا الخزاعل متأهبين للنضال وفي مقدمتهم رئيسهم حمد الحمود بعشائره ، فتقدم الوزير عليهم ، فساق الكتائب وضيق عليهم الحصار في قلاعهم (سيبايه) وأحاط بهم من جميع جوانبهم فلم يطيقوا صبرا وقتل أكثرهم وتشتت شملهم وأن رئيسهم لم ينج إلا بشق الأنفس (2).
    حوادث سنة 1202 ه‍ ـ 1787 م
    حرب المنتفق :
    ثم إن الوزير سار في طريقه على المنتفق حتى وصل إلى (أم العباس) وهناك ضرب خيامه ، وأن شيخ المنتفق والحاج سليمان بك وحمد الحمود شيخ الخزاعل كل هؤلاء حشدوا جيوشا وافرة ، فكان
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 199.
    (2) دوحة الوزراء ص 200.

    جمعهم يبلغ من الخيالة والمشاة نحو العشرين ألفا. واستعدوا في (نهر عمر) فمكثوا ثلاثة أيام عبأوا الجيوش تعبئة حربية كاملة. وفي اليوم الرابع من مقام الوزير في أم العباس أي في غرة المحرم ضحى يوم الأحد ظهر جمعهم في البر كما أنهم سيروا قسما نهرا في شبارتين فأطلقوا المدافع على الجيش وشرع الوزير في القتال. فكان عثمان باشا على الميمنة ، وإبراهيم باشا على الميسرة ، وكذا نظمت المقدمة والساقة بالوجه المطلوب ، فكان الوزير في القلب بدائرته وخاصته.
    وحينئذ التقى الجمعان في (أم الحنطة). وفي هذه الحرب سلّ الوزير سيفه وأبدى من الأقدام والشجاعة ما لا يوصف كما أنه حضّ الجيش على الثبات والصبر. وفي هذه الأثناء هاجمتهم العشائر بعشرة آلاف من المشاة ومثلها من الخيالة.
    أما جيش الوزير فقد صدّ هجماتهم وأبدى دفاعا خارقا إذ لو خذل في هذه الحرب فلم يبق وزير ولا حكومة مماليك فكانت هذه الواقعة خطرا كبيرا عليه ، فكان الهول فيها عظيما حتى تبين أن جيش الوزير هو الغالب وقتل من خيالة العرب نحو ثلاثة آلاف أو أكثر ومن المشاة ما لا يحصى واستولت الجيوش على الغنائم وفر العرب ، وحينئذ فرح الوزير وناله ما لا مزيد عليه من السرور.
    انعزل قبل مدة عن ثويني بن عبد الله (الشيخ حمود بن ثامر السعدون) والتجأ إلى الوزير فكان العامل المهم في ربح الحرب فمنحه عند ما انتصر مشيخة المنتفق كما أنه وجه مشيخة الخزاعل إلى محسن الحمد وكذا وجه متسلمية البصرة إلى مصطفى آغا الكردي (خازنه) ونظم الأمور. وأبقى الباش آغا إسماعيل آغا التكه لي رأس اللاوند مع جملة بيارق خيالة في البصرة.
    وكان سفره من بغداد في 12 جمادى الأولى سنة 1201 ه‍ ورجوعه في 8 ربيع الأول سنة 1202 ه‍.

    ويلاحظ أن الوحدة انفصمت عراها بانعزال حمود الثامر ، ومحسن الحمد فلم تكن الواقعة مما يترتب عليها أمر الحياة والممات كما وصفها المؤرخون. وإنما سلط الوزير الكرد على العرب كما أنه استخدم كثيرا من العرب مما ثبّت هذه الحكومة. وكان بين حياتها وموتها نفس واحد (1).
    حدث غلاء في سنة 1202 ويقال له «خسباك» أو قحط خسباك (2).
    حوادث سنة 1203 ه‍ ـ 1788 م
    العفو عن سليمان الشاوي :
    إن حادثة المنتفق فرقت شمل المتحاربين وبقي سليمان بك ضاربا في البوادي والقفار ، فلم ير بدّا من طلب العفو ، راعى الوزير خدماته القديمة وإخلاصه فعفا عنه وسمح له بالدخول في بغداد. والصحيح أنه حذر أن يحدث أمرا أكبر من الأول أو مثله في خطره وكانت ضبطت أملاكه ، فأعيدت إليه وأن يسكن في غابة (تل أسود) (3) فأقام هناك (4)
    مصطفى الكردي :
    وجهت إيالة البصرة إلى مصطفى الكردي إلا أنه كان مغبرا من الوزير فأضمر له في الخفاء الانتقام. فلما وجهت إليه البصرة كاشف عثمان باشا آل بابان بسره وكانت بينهما مودة قديمة. قال له : إذا ربحت الإيالة أساهمك فيها وأخذ عهدا منه. ولما نال منصب البصرة رآها
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 202.
    (2) (عن مجموعة عمر رمضان).
    (3) هذا التل لا يزال موجودا ويبعد عن جسر الخر نحو ربع ساعة في السيارة وكانت بقربه غابة عرفت بهذا الاسم. والآن لا وجود لها.
    (4) دوحة الوزراء ص 202.

    محققة لنواياه فاغتنم الفرصة كما أنه أطمع رئيس الكتيبة (باش آغا) والرؤساء الآخرين ممن معه ووعدهم بوعود خلابة وكتب إلى ثويني شيخ المنتفق أن يكون معه وقربه إلى ديار المنتفق وكان حمود الثامر رئيسا جديدا لم يحصل على رضا العشائر. لذا مال القوم إلى رئيسهم القديم فمنحه المشيخة وعرض على الوزير أن حمودا لم يقدر أن يقوم بالمشيخة ففوض الرئاسة إلى ثويني.
    جاء حمود إلى بغداد. وكانت أعمال هذا المتسلم على خلاف رغبة الوزير فاضطر أن يغمض العين عنه لذا أبدى الوزير موافقته على نصب ثويني شيخا وأرسل له الخلعة. وجلب رئيس الكتيبة وبيارق الخيالة إلى بغداد. لعلمه باتفاق المتسلم مع رئيس الكتيبة. وفي هذه تغافل عنه ولم يقم بأي عمل تشم منه رائحة الارتياب ، فعينه إلى زنگباد مع رعيل الخيالة ولكن مصطفى آغا لا يزال باقيا على نواياه ، ولذا أرسل إلى عثمان باشا بالخبر وبين له أنه لا يزال باقيا على عهده. فجددوا العهد بينهما ووثقوه بالأيمان المغلظة وباشر مصطفى آغا في مهمته وصار لا يلتفت إلى أمر ، أو نهي وكذا قوّى الأواصر القديمة بينه وبين رئيس الكتيبة إسماعيل التكه لي (1) وراسله مجددا فظهرت النوايا. فعزم الوزير على تأديبه والقضاء عليه. ورأى أن غائلته لا تقل عن غائلة الشاوي. ولذا خابر سرّا رئيس قبطانية شط العرب مصطفى آغا آل حجازي أن يغتاله من جهة ، ومن أخرى أرسل محمد بك لاستمالته ونصحه ليوهم أنه مرسل للنصيحة إلا أن محمد بك إثر وروده إلى البصرة أطلعه الآغا على الأمر المتضمن اغتياله ولذا ركب في الحال وذهب إلى المناوي وقتل رئيس القبطانية وأبدى العصيان واتخذ الوسائل لتنفيذ مطلوبه.
    __________________
    (1) في الدوحة ورد (تكيه لي). وصواب تلفظها (تكه لي) وفي مجموعة خطية ورد (تكلي). والشائع على الألسنة (تكرلي). وآل التكرلي معروفون في بغداد.

    فلما علم الوزير أن قد هتك الستر أصدر أمره بالسفر عليه بنفسه وجاهره بالعداء. فأمر عثمان باشا أن يجمع الجيوش ويأتيه بها ، وإلى هذا الحين لم يطلع الوزير على المخابرة الدائرة بين عثمان باشا ومصطفى آغا وأنهما بيتا الأمر ليلا دون علم من الوزير إلا أن الحاج سليمان حينما سمع بعزم الوزير على حرب مصطفى آغا أعلمه بأن هناك خفايا يأمل أن يعفو عنه والظاهر أنه أراد الانتقام منهم ، فأرسل إليه الكهية معتمده سليمان آغا ليستطلع القضية فأخبره بأن بين مصطفى آغا وبين عثمان باشا مراسلة واتفاقا ، فسلم كتابا ورد إليه من عثمان باشا ، يتضمن دعوته لما عزم عليه فأرسله مع سلمان آغا ليقف على الحالة ... قدمه إليه تأييدا لقوله (1).
    وحينئذ علم الوزير بدخائل الأمور وحاول أن يتوسل بأسباب جلب عثمان باشا. ولذا أرسل إليه عبد الله بك أخا أحمد الكهية فحلف له الأيمان ووثقه بالمواعيد فاستصحبه وجاء به إلى بغداد وكان الموسم شتاء فأكرمه الوزير كثيرا وأظهر له اللطف والإنعام على أن يأتي بجيشه في الربيع. وعلى هذا تأخر بضعة أيام ثم رخصه ولزيادة اطمئنانه أوجد بينه وبين أحمد الكهية صهرية بأن زوج أخته من عبد الله بك.
    وعلى هذا ، استصحب جيشه في الربيع وجاء إلى بغداد فولد يأسا في مصطفى آغا ومن له ارتباط حينما رأوا مجيئه. ومن جملة هؤلاء رئيس الكتيبة استولى عليه الارتياب ، وكذا أصاب أمراء السرية رعب ففر بهم وعدتهم نحو 25 أو 30 ذهبوا إلى البصرة. وأما العساكر الباقية فقد كانت على استعداد ، فتحرك الوزير من بغداد في 11 جمادى الأولى ومعه جحافل جرارة. أما الشيخ ثويني فإنه هيأ وسائل الدفاع وأعد العدة.
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 112 ودوحة الوزراء ص 203.

    ولما وصل الوزير بجيشه إلى العرجاء اضطرب ثويني منه ومال إلى الصحارى والقفار كما أن مصطفى آغا تزلزل وضعه وتفرق جمعه فلم يستطع البقاء في البصرة وانهزم إلى الكويت (1). وعلى هذا نظم الوزير تلك الأنحاء وأزال عنها الاضطراب ورتبها وتوجه إلى البصرة فدخلها بأبهة وجعل حمود الثامر شيخا على المنتفق ونصب الأمير عيسى بك المارديني متسلما واستراح بضعة أيام ثم رجع إلى بغداد (2).
    عزل عثمان باشا :
    ولما وصل الوزير إلى المسعودي أمر أن يحدر له الجسر ليعبر جيشه فنصب ومر منه الجيش بأبهة عظيمة فبات تلك الليلة بالباب الشرقي. وفي اليوم التالي سلخ رمضان دخلت الجيوش بغداد. وحينئذ استصحب الوزير عثمان باشا. ركب زورقا وعبر ولما كان متألما كثيرا من خيانته عزله في الحال وأمر بحبسه ووجه متصرفية بابان إلى إبراهيم باشا المتصرف السابق لوثوقه منه. وكذا وجه ألوية كوى وحرير إلى محمود باشا ابن تمر باشا.
    ولما رأى جيش عثمان باشا ذلك بأعينهم أصابهم اندهاش فانفصل بعضهم من الجيش والبعض الآخر فرح بتعيين إبراهيم باشا وفي الحال توجه الفريق الساخط إلى ديار الكرد. ودام هذا السفر من 11 جمادى الأولى إلى سلخ شهر رمضان. فطال أربعة أشهر وعشرين يوما (3).
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 9:18 am

    بغداد بلا وال :
    وبعد أن خرج الوزير أجمع الرأي على أن يكون إسماعيل الكهية (قائممقاما). وعرضوا الأمر على الدولة في محضر ارسلوه. وكان (باش چوخة دار) في بغداد أرسلته الدولة بوظيفة خاصة. وهذا أرسل چوخة داره إلى استنبول وسلم إليه محضر الأهلين.
    أما الدولة فقد وردها عرض من متسلم البصرة سليمان آغا يلتمس فيه توجيه بغداد إليه. وكذا وصل محضر أهل بغداد فوجهت حكومة بغداد إلى سليمان آغا بانضمام إيالة شهرزور فجاء البشير بذلك إلى بغداد في 15 شوال بواسطة الچوخة دار المذكور فولد في الأهلين فرحا وسرورا.
    محافظة بغداد :
    وأمرت الدولة سليمان باشا آل أمين باشا الجليلي والي الموصل أن يذهب إلى بغداد (محافظا) إلى أن يأتي الوزير فيدبر شؤونها ويقوم بحراستها وفي هذه الأثناء وجه منصب (قائممقام بغداد) إلى عبد الله بك آل محمد أفندي من قبل وزير البصرة فتولّى المنصب وانفصل إسماعيل الكهية. وبقي متحيرا كثيرا. ثم إنه استصحب جماعة من أعوانه وذهب لاستقبال الوزير ، وتابعه لفيف من العثمانيين. أما سليمان باشا فإنه حينما ورد إليه عين (أبا حمزة مصطفى باشا قبطان شط العرب سابقا) وكيل المتسلم وأخرج نعمان أفندي المتسلم السابق من الحبس وجعله وكيل الكتخدا ورتب أمور الوزارة. ثم تحرك من البصرة واستصحب معه شيخ المنتفق ثوينيا وجاء إلى بغداد (1).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 183.

    حوادث سنة 1194 ه‍ ـ 1780 م
    وزارة سليمان باشا :
    إن الوزير وصل إلى العرجاء. وحينئذ وافى لاستقباله إسماعيل الكهية ومن معه من العثمانيين فلطفهم وأكرمهم على مراتبهم والتفت إليهم كثيرا إلا أنه أثر ذلك أمر بإلقاء القبض على إسماعيل ومعتمديه صاري محمد آغا ، وصوفي اسماعيل آغا ، وقره يوسف ونحو ستة آخرين فأعدم إسماعيل الكهية وحبس الباقين ثم أرسلهم محفوظين إلى البصرة ونصب سليمان آغا القره ماني متسلما على البصرة وأكساه خلعتين. وأخذ معه مهرداره أحمد آغا.
    وبعدها وصل إلى كربلاء وحينئذ رخص الشيخ ثوينيا وأعاده مكرما. ثم زار مرقد الإمام الحسين وتوجه إلى بغداد فلحق به سليمان الشاوي مع خيالة العبيد قرب الحلة فأكرمه وأعزه غاية الاعزاز لما أبداه من الاخلاص من أول الأمر إلى آخره فوصل إلى (المسعودي) واتخذه منزلا فاستقبله سليمان باشا ابن أمين باشا الجليلي محافظ بغداد والقائممقام والعلماء والأشراف. أما وكيل الكتخدا نعمان أفندي فقد عبر دجلة بلا رخصة من الوزير وذهب إلى بيته. لذا غضب عليه وعزله من ساعته وحبسه في داره ونصب عبد الله بك آل محمد وكيل كتخدا فأقام الوزير يومين رتب خلالها بعض الأمور اللازمة.
    وجاء إلى بغداد من استنبول بعض الرجال في أواخر أيام حسن باشا مثل باش چوقدار. وكان الدفتري محمد بسيم أفندي انقضت مدته. وآغا الينگچرية ، وكذا سليمان باشا والي الموصل الذي لم يرق له كلامه. وأذن لهؤلاء كلهم أن يذهبوا إلى مواطنهم ، ولكنه لم يشأ أن يدخل بغداد دون أن يقضي بعض الأعمال. وفي اليوم الثالث توجه نحو بغداد فعبر هو وبعض حاشيته من ناحية المنطقة بزورق خاص وأما

    الجيش فعبر من الجسر بشوكة ومهابة. مر من وسط المدينة إلى باب الأعظمية ثم نصب خيامه في الباب الشرقي (قراكوقپو) ، وضرب الوزير سرادقاته هناك وبات ليلة فيها. وفي اليوم التالي عزم على التنكيل بالثائرين ، فنهض نحو ديالى وكذا جاء المدد من محمود باشا متصرف لواء بابان وكوى وحرير نحو خمسمائة فارس تحت قيادة ولده الأكبر عثمان بك فانضم بمن معه إلى الجيش. وحينئذ عبر الجسر إلى الجانب الآخر من ديالى وقرر استئصال أهل البغي. وهؤلاء لم يبالوا بقوة الجيش فرتب كل فريق صفوفه واشتعلت نيران الحرب بينهما. فتبين النصر في جانب الوزير على عدوه. وفي هذه المعركة قتل أحمد آغا ابن محمد خليل وغيره من عمدة رجالهم. وفرت البقية الباقية مشتتة. أما محمد الكهية فقد انهزم إلى إيران مع بعض الخيالة ممن كانوا معه وتركوا اثقالهم وسائر أموالهم فصارت غنائم.
    وفي كل هذه الحرب لم يكن مع الوزير أكثر من أربعة آلاف فارس ضمنهم أهل دائرته والعثمانيون والعشائر التي تلاحقت وفرسان الأكراد في حين أن مناوئيه كانوا يبلغون العشرة آلاف محارب. وبعد هذا الانتصار أكرم الوزير من كان معه على مراتبهم لما قاموا به من خدمات. ولما أبدوه من شجاعة شاكرا سعيهم وإخلاصهم لا سيما ما رآه من عثمان بك من الشجاعة فأنعم عليه برتبة باشا.
    ثم إن الوزير بقي في تلك الأنحاء مدة شهر نظم في خلالها القرى والنواحي ونسق مصالحها لما نالها من التخريب وما أصابها من الدمار والتشوش ووجه أنظاره إلى الإصلاح. وكذا اهتم بأمر العشائر فأخاف بعضها وأنب الأخرى وهكذا راعى مقتضيات السياسة واتخذ الإدارة القويمة في تدبير الأمور فصار الكل منقادين له (1).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 185.

    العودة إلى بغداد :
    عاد الوزير إلى بغداد في أوائل شهر رمضان بكمال الأبهة وسر به الأهلون رغبة في الراحة. وكانت البشرى وردت إليه بتوجيه إيالة بغداد يوم الخميس 15 شوال سنة 1193 ه‍ وخرج من البصرة في أول ربيع الأول ووصل المسعودي في أواخر جمادى الثانية وقضى نحو الشهر في قمع الغوائل.
    وكان من أكابر وزراء المماليك والساعين لتقوية نفوذهم ويسمى (سليمان باشا الكبير) والحق أنه مقتدر عارف بسياسة المملكة وطد الإدارة ، واكتسب الفخر. أرضى بعض الأهلين وقضى على كل من أحس منه بقدرة وماشى الدولة إلا أن الطاعة لها كانت اسمية.
    مدحه الشيخ حسين العشاري بقصيدة مهنئا له بالوزارة ، وأثنى على سليمان باشا الجليلي وعلى سليمان الشاوي ، وهي قصيدة مهمة في حوادث بغداد والفتن التي اشتعلت فيها ويشاهد عدم الاتصال بين أبياتها (1).
    حوادث سنة 1195 ه‍ ـ 1781 م
    الخزاعل :
    إن أمور العراق لم تنتظم من أيام الطاعون فالولاة لم يستقر لهم حكم بسبب الاضطرابات والعشائر لم تذعن ، والداخل في هرج ومرج ، فالوزير بعد أن قضى على أعداء المماليك وانتصر نظم أمور الجيش والإدارة فلم يترك تدبيرا ناجحا إلا فعله ، ولذا تمكن من السيطرة.
    أما العشائر فلم يذعنوا لشدة أو عنف. وإنما يفرون من وجه الحيف والقسوة ، ويعيثون بالأمن. وطريق الملاطفة تجعلهم في غرور. فلما جاء الوزير من البصرة ووصل إلى السماوة حضر إليه حمد الحمود
    __________________
    (1) ديوان العشاري ص 316 ودوحة الوزراء ص 185.

    شيخ الخزاعل وقدم له الهدايا. أما الوزير فقد أظهر حسن القبول واللطف ، ومنحه مشيخة الخزاعل وأكرمه إكراما لائقا به. أما هو فلم يبال بل خرج من الطاعة وحينئذ عزله الوزير ونصب الشيخ محسنا وعزم على التنكيل به فنهض من بغداد حتى ورد الحسكة واستقر الجيش في جانب الشامية على ساحل الفرات تجاه الديوانية مقر ضباط الحكومة ، وأن عشائر الخزاعل (الحمد) و (السلمان) اتحدوا وتبعتهم عشائر أخرى. فصاروا تحت قيادة حمد الحمود. وتحصنوا في قلاعهم ويسمونها (سيبايه). وهذه محاطة بالأهوار فلا يتيسر الوصول إليها فظهرت موانع أشكلت أمر التقرب منهم. فوجد الوزير خير تدبير أن يسد الفرات من ناحيتهم. فاشترك جميع الجيش حتى الوزير نفسه حمل التراب واشترك مع العمال تشويقا لهم في العمل نقلوا الأحطاب وقاموا بكل المقتضيات. وفي مدة شهرين تمكنوا من سده سدا محكما سنة 1196 ه‍ (1) .. وكان يظن أنه لا يتم بأقل من سنة فرأى الخزاعل أن لا مجال لهم وسوف ينقطع عنهم ماء الشرب ، وأن الأهوار سوف تنحسر مياهها ويبقون بلا ملجأ. فندم حمد الحمود على ما بدر منه وأرسل النساء والأطفال إلى الوالي يرجون العفو عنه فعفا الوزير وأعاد إليه المشيخة مرة أخرى. ومن ثم قضى الوزير بعض المهام ثم عاد.
    ويلاحظ أن الوزير ربما قام بهذا الأمر إرضاء للمنتفق لما رأى من مساعدة فلم ينجح وتساهل (2).
    في سنة 1195 قتل محمد آغا ابن محمد خليل ، وجرى سد شط الخزاعل (3).
    __________________
    (1) مجموعة خطية عندي.
    (2) دوحة الوزراء ص 187.
    (3) عن مجموعة رمضان.

    حوادث سنة 1196 ه‍ ـ 1782 م
    بابان :
    ساعد محمود باشا الوزير حينما ورد بغداد فأرسل ابنه عثمان باشا وأظهر له الطاعة ، وقام ببعض الخدمات الأخرى.
    وهذه لم ترق للوزير بل اعتبرها أمورا ظاهرية. وحاول أن يتغاضى عما يتطلبه الولاة قبله عند ما يشعرون بقوة. وجل أمله أن يغزوه سنة 1195 ه‍ ولكن رجح وقعة الخزاعل على قضية بابان.
    وبعد أن أتم أمر الخزاعل توجه نحو بابان ، وكان قبل هذا أخرج الوزير حسن باشا من بغداد فوجهت الدولة إليه إيالة ديار بكر. وبعد أيام مرض وتوفي. أما كتخداه عثمان الكهية فإنه نصب قائممقاما برضى البغداديين. وأن الوزير سليمان باشا في تلك الأثناء وجهت إليه بغداد ولذا لم يرغب أن يكون عثمان الكهية بعيدا عنه فشوقه أن يجيء إليه فلما جاء وجه إليه مقاطعة مندلي فبقي فيها مدة. ولكن إيرادها لم يكف لمصروفه فعرض الأمر على الوزير. ولذا فوض إليه متسلمية كركوك. فذهب إلى منصبه الجديد إلا أنه رغب في وظيفته الأولى كهية بغداد. ولما لم ينلها صار ينتظر الفرصة لايقاع الفتنة. وأن محمود باشا كان كارها للوزير وخائفا منه فاستولت عليه الواهمة فاغتنم المتسلم عثمان الكهية الفرصة للمفاوضة مع محمود باشا فصادف أن خابره عثمان باشا خفية في الأمر ففرح. وحينئذ حصل اتفاق وعهد بينهما.
    لذا ذهب إلى عثمان باشا في لواء كوى. وكذا قام محمود باشا من (قلعة چولان) ومضى إليهما فاجتمع الثلاثة في لواء كوى فتأهبوا في تجهيز العساكر. فتحقق للوزير أنهم يضمرون آمالا ويدبرون أمرا فرأى وجوب سفره إلى محمود باشا. ولعلهم ارتابوا منه وعلموا مقاصده فأبدى أنهم خرجوا عن الطاعة. فعزم الوزير على القتال وتوجه إلى بابان فوصل كركوك واتخذ ضواحي المدينة مضربا لخيامه.

    أما محمود باشا وعثمان الكهية وعثمان باشا فإنهم جمعوا نحو خمسة آلاف أو ستة آلاف من المشاة والخيالة وتحركوا من موطنهم ، ونصبوا خيامهم في (مضيق بازيان) فحفروا المتاريس في جوانبه. وفي هذه الأثناء كان يتحرى الوزير عمن يليق أن تعهد إليه إمارة بابان وشرع في ذلك. ولذا قام من كركوك ووجه جيوشه نحو الدربند ولما وصل إلى منزل (خان كيشه) فارق حسن بك جماعته منتهزا الفرصة والتحق بجيش الوزير بمن معه من جيوش واتباع. وهذا ابن خالد باشا المقتول آل سليمان باشا أكبر إخوة محمود باشا. وفي الحال عزل الوالي محمود باشا ووجه لواء بابان إلى حسن بك برتبة باشا ، وألوية كوى وحرير إلى محمود باشا ابن تمر باشا. ولتفريق سربهم وجه جيوشه نحوهم ، فتمكن من افساد ما بينهم.
    سمع محمود باشا خبر عزله فاضطرب وأصابه قلق عظيم. ولذا توسل بالصلح وتهالك في أمره ووسط العلماء والمشايخ وبين لهم أنه يقبل بكل شرط ما عدا العزل. ولذا قبل الوزير معاذيره ونزل عند رغبة المصلحين على أن يبعد عنه عثمان الكهية ويكف يده عن كوى وحرير ويتنازل عنهما ويقدم ثلاثمائة كيس من النقود ، وأن يسلك طريق الطاعة ، فيقدم أحد أولاده رهنا مع عياله. فأرسل إليه الحاج سليمان بك الشاوي نائبا عنه لتقرير أمر هذا الصلح.
    فتفاوض معه فقبل بكل الشروط وأن يترك كوى وحرير ويطرد عثمان الكهية ، ويقدم ابنه سليم بك مع أهله ليكونوا رهنا عنده ، ويتعهد بإرسال المبلغ دون تأخير.
    فلما رأى الوزير أن جميع مطاليبه نفذت قبل التعهد وأبقى لواء بابان في عهدته وأرسل إليه الخلعة ورخص محمود باشا ابن تمر باشا أن يذهب إلى أنحاء كوى ليحكمها. وعاد إلى بغداد.

    نقض العهد :
    إن الوزير حينما رجع من (خان كيشة) ذهب الروع عن أتباع محمود باشا وسولوا له أن يمتنع عن القيام يتعهداته كما أنه جهز جيشا على محمود باشا ابن تمر باشا بقصد الاستيلاء على لواء كوى قسرا وحاصروه وسط القلعة وضيقوا عليه. فلما سمع الوزير أرسل خازنه مصطفى آغا ، وكتخدا البوابين خالد آغا مع مقدار من العسكر لإمداد متصرف لواء كوى بوجه السرعة ، فوردوا كركوك وعند ذلك سمع محمود باشا فندم على ما فعل. ولذا رفع عسكره عن المحاصرة وعرض الأمر على الوالي فأرسل معتمده وتشبث ببعض الوسائل واستشفع بذوات من أهل المكانة ملتمسا أن تعطى له ألوية كوى وحرير بأنواع التعهدات.
    وللمصالحة وجهت إليه مرة أخرى على أن لا تعطى لابنه عثمان باشا وأن يعهد بها إلى إبراهيم بك ابن أحمد باشا وهو ابن أخيه. وجلب محمود باشا ابن تمر باشا إلى بغداد. وافق محمود باشا أن يعهد بإيالة كوى وحرير إلى إبراهيم بك دون ابنه عثمان باشا.
    حوادث سنة 1197 ه‍ ـ 1783 م
    محمود باشا في المرة الأخرى :
    كانت أعيدت إلى محمود باشا ألوية كوى وحرير على أن يثابر على الطاعة ولكنه اختبرت أحواله في خلال السنتين أو الثلاث فتبين أنه لم يقف عند عهد ولم يستقر على قول فعزم الوزير على تبديله لكنه لم يجد في أمراء الأكراد من هو مستجمع الأوصاف فصبر مدة للاستطلاع والتلوم. وفي الأثناء رأى إبراهيم بك ابن أحمد باشا فاشترط الوزير أن توجه إليه ألوية كوى وحرير فوافق محمود باشا وفي الخفاء أرسل إليه الوزير فاستماله فوجده راغبا في مفارقة محمود باشا وأيضا أن محمود باشا لم يقم بما تعهد به ولم تبد منه استقامة بل ظهر منه بعض ما لا يرضيه.

    وهذا ما دعا أن يجهز الوزير جيشا جرارا ونهض من بغداد مع أن هذه الأسباب لا تبرر الحرب. وحينئذ وصل إلى كركوك. وكان في أمل محمود باشا وابنه عثمان باشا أن يتأهبا للقراع فجمعا ووصلا إلى (مضيق بازيان) فاتخذا متاريس فيه وسدّا المضيق. وعلى هذا راسل الوزير إبراهيم بك رأسا وطلب منه أن يحضر ليقوم بمهمته. كما أن الوزير ذهب بنفسه إلى جهة المضيق. وأن إبراهيم بك وصل إليه بجميع إخوته ، وحسن خان ، وحسن بك آل شير بك وأمراء آخرين ممن لهم مكانة. جاؤوا جميعا بمن معهم فعزل محمود باشا ووجه ألوية بابان ، وكوى ، وحرير إلى إبراهيم بك برتبة (باشا) وفي الحال توجه نحو المضيق.
    أما محمود باشا فقد تفرق عنه من كان معه من جيوش وأمراء والتحقوا بإبراهيم باشا ، ولذا قوض خيامه وذهب بمن بقي معه إلى إيران. وبذلك قوي أمر إبراهيم باشا وذهب بأبهة إلى محل منصبه. ومن ثم رجع الوزير بعساكره إلى بغداد ظافرا منصورا (1).
    حوادث سنة 1198 ه‍ ـ 1783 م
    قتلة محمود باشا :
    وصل محمود باشا إلى (باين چوب) من مضافات سنة (سنندج) فأرسل ابنه عثمان باشا بهدايا إلى شاه إيران (علي مراد خان) بأصفهان. ثم ذهب إلى قصبة (باغچة) القريبة من سنة لبث فيها مدة وصار يترقب أخبار ولده. وبوصوله إلى أصفهان التجأ إلى الحكام وشوقهم على افتتاح (بلاد بابان) والتسلط عليها.
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 191.

    أما الشاه فقد رحب به كثيرا ونال حظوة عنده. ووجه بلدة (صاوق بولاق) (1) إلى والده محمود باشا وأرسل إليه (رقيما) (2) فأخذه محمود باشا وقدمه إلى الحاكم هناك وهو بداق خان إلا أن الشاه لم يكن مسلطا على جميع أنحاء إيران سيما أنه لم يستول على آذربيجان. ولذا اضطر أن يسلم إلى حاكمها مقاليد الحكم. وهذا اتفق مع أمراء مراغة وسلماس وخوى فشدوا أزره وأمدوه بنحو عشرة آلاف محارب وعاونوه فعلا ليخالف هذا الأمر.
    وفي هذه الحالة لم يكن مع محمود باشا سوى خمسمائة فارس ، فلم يرغب في الحرب إلا أن ابنه عبد الرحمن بك ألحّ عليه. ولذا فرق جيشه إلى قسمين تعهد هو قسما فكان قائده ، والقسم الآخر جعله تحت قيادة ولده عبد الرحمن بك ، وحملوا على الإيرانيين حملة صادقة ولم يبالوا بكثرتهم وأوقعوا فيهم قتلا. فكسر عبد الرحمن بك (بداق خان) ومضى في تعقيبه ، وكذا محمود باشا أراد القضاء عليهم فمضى بنحو عشرين خيالا فهاجم الطرف الآخر وحاول تمزيق شملهم أيضا. فجاءته طلقة أردته قتيلا وفر من كانوا معه وأن الإيرانيين في هذه الحالة ألقوا القبض عليه وذبحوه. وحينئذ حلوا مكانه.
    أما عبد الرحمن بك فإنه عاد من تعقب أثر عدوه وحين رجوعه شاهد الإيرانيين ضربوا خيامهم مكانه فخرق جانبا من جوانب العدو وذهب إلى سقز (ساقز) فاستراح بها وكتب إلى عثمان باشا بما وقع. وهذا عرض القضية على الشاه.
    وعلى هذا جهز الشاه جيشا لأخذ الثأر وجعل عثمان باشا قائدا له ورخصه أن يحارب (بداق خان) فجاء عثمان باشا بعسكر إيران إلى سقز
    __________________
    (1) وبعضهم يلفظها صادق بولاق وهي من مملكة اردلان.
    (2) هو الفرمان أو الأمر السلطاني.

    فخرج حاكمها عباس قولي خان لاستقبالهم. وكان فكره مصروفا إلى أن يدعوه إليه لكنه أخبر أن تجاوز بداق خان كان بتسويل منه. ولذا ألقى القبض عليه وقتله وأغار على سقز فانتهبها. ولما اعترض عليه الجيش وأمراء إيران قال لهم : إن عمله كان بأمر من الشاه. وعلموا أنه القائد من جانبه فسكتوا ولم يخالفوه وأخبروا الشاه بذلك سرّا.
    ثم إن الباشا ذهب بالعسكر على (صاوق بولاق) وحاصر بداق خان في القلعة وشرع في التضييق عليه. وفي هذه الأثناء وصل الخبر إلى الشاه فندم على ما فعل وكتب رقيما إلى أمرائه أن ينتهزوا الفرصة فيلقوا القبض عليه ويأتوا به أو يقتلوه. وكان أمره هذا خفية مع رسوله أحد الأمراء المعتبرين. وحينئذ لقيه عبد الرحمن وألقى القبض عليه وأخذ الكتاب منه ففضه واطلع على مضمونه. ولذا أخبر توّا وبلا امهال عثمان باشا بالخبر.
    ولما وقف على جلية الأمر اتخذ من لطائف الحيل ما سهل له الخروج من هذا المأزق الحرج وفارق إيران. وذلك أن عشائر بلباس جاؤوا لإمداد بداق خان فوصلوا إليه فأخبرهم بحقيقة الأمر. وحينئذ أبدى له البلباس من الحمية ما لا يوصف. رأى الإيرانيون أنهم لا يستطيعون المقاومة. ولذا عادوا. ثم إن عثمان باشا أنقذ أمتعته وأهله من سقز ومعه عسكر البلباس فتوجه نحو رواندز فأسكن أهله وحاشيته فيها وذهب إلى بلباس فأقام هناك. ومنها ذهب إلى العمادية ، فأقام فيها في (ناوكر). وحينئذ عرض على الوزير ما جرى عليه وعلى والده مفصلا وطلب أن يعفو عما بدر منه ، فعفا الوزير وأعطاه الرأي والأمان بواسطة مصطفى آغا السلحدار.
    وبوروده إلى العراق حصل للوزير أمان من الغوائل. وتوجه عثمان باشا إلى بغداد ونال لطفا وإكراما. طيب الوزير خاطره. وبعد أن بقي بضعة أيام وجه إليه مقاطعات قزلرباط وخانقين وعلي آباد.

    الخزاعل ومحسن شيخ الشامية :
    إن الشيخ محسن شيخ الشامية عصى بلا موجب ونهب فلما تحقق منه ذلك سار إليه الوزير بنفسه لقمع غائلته. أما الشيخ فقد تحصن في قلعته (السيباية) واعتمد على رصانتها وعلى أتباعه للنضال. بقي الوزير بضعة أيام يحاول نصحه فلم ينتصح ، فاضطر للهجوم عليه من كل صوب فاشتد عليه الأمر. ولما لم يجد في نفسه قدرة على المقاومة فر بمن معه وتركوا أموالهم وأمتعتهم غنائم ونجوا بأرواحهم فضبطت ديارهم.
    هذا ، وكل ما يبغيه الوزير أن يحصل على الغنائم فاتخذ التهاون منه في أداء الرسوم عصيانا. ومن ثم أبدى أن حمد الحمود كان موافقا له وأهلا للقيام بالمشيخة فأضاف إليه مشيخة الشامية ضميمة على مشيخة الجزيرة ونظم تلك النواحي ثم عاد إلى بغداد.
    حوادث سنة 1199 ه‍ ـ 1784 م
    الخزاعل وحمد الحمود :
    منح حمد الحمود مشيخة الشامية والجزيرة معا فكان ينتظر منه الوزير أن يقوم بخدمات جلى فلم يفعل فأظهر الوزير أنه عصى وسلك طريق البغي. ولذا جهز جيشا لجبا وذهب بنفسه للوقيعة به وسلك طريق الشامية ، فوصل تجاه الديوانية ونصب جسرا على شط الفرات وعبر إلى جانب الجزيرة فوصل إلى محل يقال له (لملوم) وكانت الخزاعل محتشدة قريبا منه. فأحاطت بهم الخيول من كل جانب إلا أن الانهار منعت من الزحف عليهم. ولذا حط الجيش رحاله في الجانب الآخر من الگرمات (القرمات وهي الأنهر الفرعية) ولا تزال معروفة بهذا الاسم. فحاول الجيش العبور إليهم فلم يتيسر له نظرا لعمق المياه. فبقوا بضعة أيام لدرس الوضع وليتمكنوا من مراعاة الوسائل الناجعة.

    وفي هذه الأثناء رأى العشائر أنهم سوف ينالهم ضنك وأدركوا وخامة العواقب. فكسروا الكرمات التي يعلمون أنها مضرة بالجيش فأحدثوا عليه سيلا عظيما وشوشوا الاوضاع فاضطر أن يرفع خيامه لكنهم كانوا يعيثون في جوانب الجيش فيدافع ويصدّ الهجمات فذهب الجيش وتوقف في الحسكة.
    ولما لم يتمكن الجيش منهم لأن العشائر كانت أدرى بشعابها اتخذ معهم طريقة سد الفرات من المحل الأول ، فأجهد الوزير العمال. ولم تمض مدة حتى أحكموه أكثر من الأول. وحينئذ عزم على حربهم وتأهب للوقيعة مع العلم أنها غير مثمرة فشاع أن عجم محمد الكهية دخل العراق وجاء إلى الخزاعل بعد أن تجول في بلاد الكرد وإيران فحذر منه وفكر أن الدوام على هذه الحرب لا يأتي بفائدة بل ربما ولدت نتائج مزعجة ، وحينئذ جاءت دخالة من الشيخ حمد الحمود وطلب العفو فوافق الوزير مراعاة للمصلحة فأبقى المشيخة في عهدته وألبسه خلعة الإمارة وعاد (1).
    حوادث سنة 1200 ه‍ ـ 1785 م
    سليمان بك الشاوي :
    علم الوزير بخدماته فلم يقصر في أمر تكريمه تجاه مساعيه المبرورة وأعماله المرغوب فيها فراعى جانبه أكثر من جميع الوزراء وكان مظهر الاحترام والرعاية.
    وذلك ما دعا أن يتجاوز حدود الخدمة ، ولم يبال بالرسوم المرعية
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 194. ومطالع السعود ص 57.

    وإنما كان خشنا فظ الطباع ، تتغلب عليه حدة وغضب مما توصل به حساده لإبعاده فبلغوا ما أرادوا (1).
    وزادوا أنه ناله غرور وظن أنه في استغناء فلم يعرف قدره. وفي خلال وزارة الوزير كان يدخل عليه ويتكلم بما يخدش خاطره وكان في وسعه أن يتخذ وسائل تأديبية قاسية فاكتفى بأن صرح له تارة ، ولمح أخرى أن يكف فلم ينتبه. حتى أنه وبخه فلم يبال. ومن ثم نفر منه ومع هذا لم يبدر منه ما يخالف وإنما استعمل الحلم والرفق معه.
    ومن جانب آخر أن الشاوي خاصم أحمد آغا المهردار وناصبه العداء مع علمه بخدمته للوزير وأنه ربي في أحضانه فكان يحتقره في أكثر الأحيان فيتحمل منه. فاشتدت المناوشات بينهما وتوترت العلاقات العدائية (2). قال صاحب المطالع : إن الشاوي لم يعده في عير ولا نفير.
    ويلاحظ أن الوزير جعل كل أموره في يد مهر داره واتخذه معينا له وكاتم أسراره. وفي هذه المرة أراد أن يعينه كتخدا له ففاتح الشاوي بذلك ولما كان أحمد آغا ابن خربنده (مكاري الجيش) ونظرا لحسن صوته وصورته استخدمه الوزير. ولذا قبح الشاوي أن يكون كتخداه.
    ذلك ما مكن الخصومة بينهما حتى انقلبت إلى عداء. ولما كان الاثنان ممن يودهم الوزير اجتهد أن يؤلف بينهما وسعى لإزالة ما بينهما فكان تماديه على هذه الحالة مما كرّه الوزير عليه.
    هذا هو السبب الظاهري الذي أريد إشاعته مع العلم أن الأمر بيّت ليلا فاتخذ المخالفة بين أحمد آغا والشاوي وسيلة للتنكيل بسليمان وأن يكون بعيدا عن بغداد. أراد الوزير أن تكون الإدارة خالصة للمماليك
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 58.
    (2) مرآة الزوراء.

    ووطد الوضع بالقضاء على نفوذ الينگچرية والعشائر العربية والإمارات الكردية ربى مماليك آخرين فتمكنوا من الإدارة والتسلط على الوضع (1).
    ومن هذه التدابير إقصاء الشاوي. أراد أن يقضي على كل عنصر فعال من العناصر الأهلية وهذه كانت سياسته في الخفاء فالوقائع وما قام به من الأعمال أظهرت مكنون سره فلم يطلع على فكرته سوى مهر داره (2).
    ذهب سليمان الشاوي بأتباعه وخرج من بغداد نحو هور عقرقوف فاستقر هناك قليلا والتفت حوله عشائر العبيد والعشائر الأخرى وصار يشاع أنه يحشد الجموع لايقاع الاضطراب وأنه سلك طريق البغي فصارت هذه العصبة أم البلاد. وابن البلاد يعدّ عاصيا وحينئذ عزم الوزير على دفع غائلته فجلب إبراهيم باشا متصرف ألوية بابان وكوى وحرير بجيوشه وجهز جيوشا عديدة من بغداد وجعل أحمد آغا قائدا لمحاربته ، فلما سمع بذلك رحل إلى (وشيل) في شمال تكريت.
    نهض الجيش من بغداد بسرعة ليلتحق به إلا أنه انتبه لذلك قبل أن يصلوا إليه فعلم أن لا طاقة له بهم فترك أثقاله وسارع إلى أنحاء الخابور وهذا هو المطلوب فصارت أمواله غنائم ورجعوا إلى بغداد (3).
    إخوة سليمان الشاوي :
    لما خرج سليمان من بغداد لم يتابعه إخوته حبيب بك ومحمد بك ، وعبد العزيز بك. فالكل اختاروا البقاء وأن يكونوا في خدمة الوزير. والظاهر أنهم لم يدركوا الغرض وحينئذ خوفهم بعض المغرضين
    __________________
    (1) مرآة الزوراء ودوحة الوزراء ص 196.
    (2) مرآة الزوراء.
    (3) دوحة الوزراء ص 196.


    وحينما (1). سمعوا أن سليمان بك ذهب إلى جهة الخابور التحقوا به واتفقوا معه
    نصب أحمد آغا كتخدا :
    كان أحمد آغا متحليا بحلية العلم. وله دراية كافية فهو فطن. جمع السداد والاستعداد مما دعا الوزير أن يرغب فيه منذ الصغر لما ظهر من آثار مواهبه. يضاف إليها حسن القوام والهندام (2). أذعن له الكل. لذا رغب الوزير في تقريبه قبل أن يكون متسلم البصرة فرباه عنده ، وكل ما عهد إليه قام به أحسن قيام فتوضحت له أحواله وتبين إخلاصه فأبرز من المقدرة ما لا يدع قولا لقائل. فتمكن من إبداء أكبر المواهب في الخطوب الجسام وملك الحظ الأوفى لا سيما القدرة التي أبداها في حرب سليمان الشاوي والانتصار عليه إذ عدها أم المسائل
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 196.
    (2) مرآة الزوراء.

    وأكبر الأعمال فتزايدت الرغبة فيه لذلك كله أنعم عليه بمنصب كتخدا وألبسه الخلعة (1).
    القحط في بغداد :
    وفي ربيع الثاني من سنة 1200 ه‍ لم يقع مطر ولا حصل نبت فتولد القحط فبلغت قيمة وزنة الحنطة سبعة قروش أو ثمانية. ووزنة الشعير خمسة أو ستة. لكن الضعفاء لم يتيسر لهم الشراء فنالهم عناء كبير ومات أكثرهم جوعا. ودام سنتين ونصف السنة. وفي آخرها صار الطاعون وفي هذه الحادثة وزع الوزير على الأهلين مخازن الأطعمة بأقل من السعر المقرر ولم يبق إلا ما يكفي للحاجة. ومع هذا هاجت الناس وماجت في كل أنحاء بغداد في الحلة والحسكة والأطراف الأخرى فحصل ضيق وزاد الخطر. فلا يمضي يوم إلا والغلاء في ازدياد فصار الناس يأكلون الكلأ ويمتصون الدماء ويتناولون ما هو منهي عنه لما نالهم من السغب وأصابهم من الضعف.
    شغب من سغب :
    وفي هذه المرة هاج لفيف من الناس لما نالهم من سغب فحمل ذلك على البغي والعدوان ، وعدوا هؤلاء القائمين بقية من أولئك المناوئين أيام عبد الله باشا وحسن باشا. والحال أنهم قاموا من جراء الجوع الذي أصابهم وما نالهم من ضجر ، فحملوا علم الشيخ عبد القادر الكيلاني وأشعلوا الفتنة وهجموا بغتة على دار الحكومة وقالوا :
    إن عباد الله ماتوا جوعا ، انقذونا بتدبير ناجع عاجل!!
    ولما وصلت مقدمة هذا الجمع إلى قرب سراي الكهية خرجت
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 197.

    عليهم ثلة من الخيالة في الحال وبناء على أمر الوزير صدهم آغا المطرجية فقابلوا الأهلين وحملوا عليهم. ولم تمض طرفة عين إلا وكسروهم وشتتوا شملهم وقتلوا بعضهم وألقي القبض على البعض الآخر واختفى الباقون ومن قبض عليهم صلبوا في الحال ليكونوا عبرة. وكذا قبض على باقي من كانوا فجلد بعضهم بالعصي ثم أبعدوا إلى جهة البصرة (1).
    وفيات :
    1 ـ توفي أمير الحلة عبد الكريم بك يوم الاثنين 18 جمادى الأولى. وهو من أسرة عبد الجليل بك أمير الحلة.
    حوادث سنة 1201 ه‍ ـ 1786 م
    عودة الحاج سليمان الشاوي :
    مضى الحاج سليمان بك إلى جهة الخابور في العام الماضي فأمضى أوقاته بضعة أشهر فجمع شمله والتفت حوله العبيد وجاء إلى (سحول) التابع إلى (عانة) فأقام فيه. وعلى هذا أصدر الوزير أمره وأرسل قوة بقيادة كتخدا البوابين خالد آغا فوصل إلى الفلوجة ومكث بضعة أيام لترتيب الجسور والعبور إلى صوب الشامية.
    أما الشاوي فقد سبر قوته فتحقق أن لا قدرة لها. لذا أرسل ابنه أحمد بك إلى الفلوجة ، فالتقى الجمعان فانتصر جيش أحمد بك على جيش خالد آغا وقتل في هذه المعركة بكر باشا من أهل كوى وكثيرون وألقي القبض على أسرى لا يحصون وبين هؤلاء قائد السرية خالد آغا ، ومعه محمود باشا ابن تمر باشا متصرف كوى سابقا فجاؤوا بهم إلى
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 198.

    الحاج سليمان الشاوي في (أبي قير) و (الاخيضر) من أنحاء كبيسة. وحينئذ أمر بأن يعاد إلى محمود باشا فرسه ومسلوباته وأرجعه مكرما. وأما خالد آغا فقد أخره عنده ..
    هجوم الشاوي على بغداد :
    بعد المعركة في الفلوجة بنحو شهر ورد الحاج سليمان بغتة وقت الظهر إلى شريعة الإمام موسى الكاظم ودخل جانب الكرخ بعد الغروب إثر قتال عنيف فنزل مقام الحلاج. فلما سمع الوزير بادر الدفاع ولكنه أحس بالخطر حتى ضاق خناقه ووهت منه قوى التدبير فعين مشاة لدفع الموما إليه وتبعيده فمشوا عليه من كل صوب فحاصروه وضيقوا عليه. والصحيح أن هؤلاء كانوا من عقيل حفظوا الجانب الغربي وأنقذوا الوزير من خطر هذا الحادث. ورفعوا الحصار عن بغداد فانكسر ابن الشاوي وفارقته جماعته. أما إخوانه فقد نفروا منه ولهم رغبة في الاستئمان من الوزير فوجدوا مجالا فاضطروا للانفصال فحصلوا ما أرادوا وزيادة أما سليمان بك فقد رأى انفصال إخوته عنه فلم يبق له أمل في البقاء. اشتغل جيشه بالنهب والسلب فناله من عقيل ما ناله وحينئذ تفرقت حاشيته فرجع بمن معه إلى جهة الدجيل فعبروا إلى الشامية وذهبوا إلى أبي قير ، وأبيرة من أراضي شفاثا فنزلوا فيها.
    أراد الوزير القضاء على غائلتهم تماما فأرسل أحمد الكهية للهجوم فعبر من المسيب وتوجه نحو أبيرة وهناك وقعت مقاتلة خفيفة وقبل أن يعلم الغالب من المغلوب انفصل الواحد عن الآخر ورجع أحمد الكهية بعسكره إلى بغداد وذهب الحاج سليمان إلى المنتفق (1).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 199 ومطالع السعود ص 108.

    الحاج سليمان والمنتفق والخزاعل :
    ثم إن الحاج سليمان الشاوي ذهب إلى ثويني شيخ المنتفق فناصره وكتب إلى حمد الحمود شيخ الخزاعل أن يتفق معهما فوافق. ولذا أمر ثويني أن تتجمع العشائر وتتأهب للحرب فأعدوا للأمر عدته. فتقدموا نحو البصرة وتسلطوا على مقاطعاتها وأرسل ثويني أخاه للاستيلاء عليها فضبطها وألقى القبض على متسلمها إبراهيم أفندي وأخذوا كافة أمواله ووضعوه في سفينة وساقوه إلى جهة مسقط فأقعد ثويني أخاه في البصرة فتمكن في الحكم.
    قال صاحب المطالع في متسلم البصرة إنه «كان قبل استيلاء ثويني عليه ، واحتوائه على ما في يديه ، أقام للفسوق ، نافق السوق ، وتنافس في أيامه بترقيص الأولاد ، والقينات في كل محفل وناد ، فما ترك بابا من الفسوق إلا فتحه ، ولا زندا إلا أوراه وقدحه ، فعاقبه الله على فعله ، فأبعده عن مقره وأهله ...» اه.
    أما الوزير فإنه أراد القضاء على آمال هؤلاء فاهتم للأمر وصار يجهز الجيوش وكتب إلى إبراهيم باشا متصرف بابان وكوى وحرير وإلى عبد الفتاح باشا متصرف درنة وباجلان أن يوافوه بجيوشهم وأن يحضروا بأنفسهم للحرب (1).
    عزل ونصب :
    إن الموما إليهما امتثلا الأمر إلا أنهما لم يتخذا الأهبة الكاملة من ذخائر ومهمات ولم يفكرا في بعد الشقة. فاتخذ الوزير ذلك سببا فحين ورودهما عزلهما ووجه متصرفية كوى وحرير إلى عثمان باشا ابن محمود باشا ، ومتصرفية درنة وباجلان إلى عبد القادر باشا عم عبد الفتاح باشا
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 199 ومطالع السعود ص 108.

    وكساهما الخلع. أما عثمان باشا فقد انتظر في بغداد وأذن لأخيه عبد الرحمن بك أن يأتي بالجيوش المطلوبة من ديار الكرد فيكمل جيشه وأكد له في الاستعجال والمجيء بسرعة (1)
    السفر على الخزاعل والمنتفق :
    إن عبد الرحمن بك حينما وصل إلى ديار الكرد قام بالمهمة. فجاء بالجيش على أتم عدة وانتظام ووصل إلى بغداد فأضاف جيشه إلى الموجود من عساكر عثمان باشا ، وأكثر هم مدرعون وبأيديهم الأتراس وكانوا نحو الألفين من النخبة أما الطوائف الأخرى فقد تأهبت أيضا.
    وفي هذه الأثناء ورد إلى الوزير حمود بن ثامر السعدون ومعه نحو مائة من قومه ، لذا ذهب الوزير بنفسه ومعه قوة كافية العدة والعدد وتوجه نحو الخزاعل والمنتفق ، وحينما وصلوا حسكة وجدوا الخزاعل متأهبين للنضال وفي مقدمتهم رئيسهم حمد الحمود بعشائره ، فتقدم الوزير عليهم ، فساق الكتائب وضيق عليهم الحصار في قلاعهم (سيبايه) وأحاط بهم من جميع جوانبهم فلم يطيقوا صبرا وقتل أكثرهم وتشتت شملهم وأن رئيسهم لم ينج إلا بشق الأنفس (2).
    حوادث سنة 1202 ه‍ ـ 1787 م
    حرب المنتفق :
    ثم إن الوزير سار في طريقه على المنتفق حتى وصل إلى (أم العباس) وهناك ضرب خيامه ، وأن شيخ المنتفق والحاج سليمان بك وحمد الحمود شيخ الخزاعل كل هؤلاء حشدوا جيوشا وافرة ، فكان
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 199.
    (2) دوحة الوزراء ص 200.

    جمعهم يبلغ من الخيالة والمشاة نحو العشرين ألفا. واستعدوا في (نهر عمر) فمكثوا ثلاثة أيام عبأوا الجيوش تعبئة حربية كاملة. وفي اليوم الرابع من مقام الوزير في أم العباس أي في غرة المحرم ضحى يوم الأحد ظهر جمعهم في البر كما أنهم سيروا قسما نهرا في شبارتين فأطلقوا المدافع على الجيش وشرع الوزير في القتال. فكان عثمان باشا على الميمنة ، وإبراهيم باشا على الميسرة ، وكذا نظمت المقدمة والساقة بالوجه المطلوب ، فكان الوزير في القلب بدائرته وخاصته.
    وحينئذ التقى الجمعان في (أم الحنطة). وفي هذه الحرب سلّ الوزير سيفه وأبدى من الأقدام والشجاعة ما لا يوصف كما أنه حضّ الجيش على الثبات والصبر. وفي هذه الأثناء هاجمتهم العشائر بعشرة آلاف من المشاة ومثلها من الخيالة.
    أما جيش الوزير فقد صدّ هجماتهم وأبدى دفاعا خارقا إذ لو خذل في هذه الحرب فلم يبق وزير ولا حكومة مماليك فكانت هذه الواقعة خطرا كبيرا عليه ، فكان الهول فيها عظيما حتى تبين أن جيش الوزير هو الغالب وقتل من خيالة العرب نحو ثلاثة آلاف أو أكثر ومن المشاة ما لا يحصى واستولت الجيوش على الغنائم وفر العرب ، وحينئذ فرح الوزير وناله ما لا مزيد عليه من السرور.
    انعزل قبل مدة عن ثويني بن عبد الله (الشيخ حمود بن ثامر السعدون) والتجأ إلى الوزير فكان العامل المهم في ربح الحرب فمنحه عند ما انتصر مشيخة المنتفق كما أنه وجه مشيخة الخزاعل إلى محسن الحمد وكذا وجه متسلمية البصرة إلى مصطفى آغا الكردي (خازنه) ونظم الأمور. وأبقى الباش آغا إسماعيل آغا التكه لي رأس اللاوند مع جملة بيارق خيالة في البصرة.
    وكان سفره من بغداد في 12 جمادى الأولى سنة 1201 ه‍ ورجوعه في 8 ربيع الأول سنة 1202 ه‍.

    ويلاحظ أن الوحدة انفصمت عراها بانعزال حمود الثامر ، ومحسن الحمد فلم تكن الواقعة مما يترتب عليها أمر الحياة والممات كما وصفها المؤرخون. وإنما سلط الوزير الكرد على العرب كما أنه استخدم كثيرا من العرب مما ثبّت هذه الحكومة. وكان بين حياتها وموتها نفس واحد (1).
    حدث غلاء في سنة 1202 ويقال له «خسباك» أو قحط خسباك (2).
    حوادث سنة 1203 ه‍ ـ 1788 م
    العفو عن سليمان الشاوي :
    إن حادثة المنتفق فرقت شمل المتحاربين وبقي سليمان بك ضاربا في البوادي والقفار ، فلم ير بدّا من طلب العفو ، راعى الوزير خدماته القديمة وإخلاصه فعفا عنه وسمح له بالدخول في بغداد. والصحيح أنه حذر أن يحدث أمرا أكبر من الأول أو مثله في خطره وكانت ضبطت أملاكه ، فأعيدت إليه وأن يسكن في غابة (تل أسود) (3) فأقام هناك (4)
    مصطفى الكردي :
    وجهت إيالة البصرة إلى مصطفى الكردي إلا أنه كان مغبرا من الوزير فأضمر له في الخفاء الانتقام. فلما وجهت إليه البصرة كاشف عثمان باشا آل بابان بسره وكانت بينهما مودة قديمة. قال له : إذا ربحت الإيالة أساهمك فيها وأخذ عهدا منه. ولما نال منصب البصرة رآها
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 202.
    (2) (عن مجموعة عمر رمضان).
    (3) هذا التل لا يزال موجودا ويبعد عن جسر الخر نحو ربع ساعة في السيارة وكانت بقربه غابة عرفت بهذا الاسم. والآن لا وجود لها.
    (4) دوحة الوزراء ص 202.

    محققة لنواياه فاغتنم الفرصة كما أنه أطمع رئيس الكتيبة (باش آغا) والرؤساء الآخرين ممن معه ووعدهم بوعود خلابة وكتب إلى ثويني شيخ المنتفق أن يكون معه وقربه إلى ديار المنتفق وكان حمود الثامر رئيسا جديدا لم يحصل على رضا العشائر. لذا مال القوم إلى رئيسهم القديم فمنحه المشيخة وعرض على الوزير أن حمودا لم يقدر أن يقوم بالمشيخة ففوض الرئاسة إلى ثويني.
    جاء حمود إلى بغداد. وكانت أعمال هذا المتسلم على خلاف رغبة الوزير فاضطر أن يغمض العين عنه لذا أبدى الوزير موافقته على نصب ثويني شيخا وأرسل له الخلعة. وجلب رئيس الكتيبة وبيارق الخيالة إلى بغداد. لعلمه باتفاق المتسلم مع رئيس الكتيبة. وفي هذه تغافل عنه ولم يقم بأي عمل تشم منه رائحة الارتياب ، فعينه إلى زنگباد مع رعيل الخيالة ولكن مصطفى آغا لا يزال باقيا على نواياه ، ولذا أرسل إلى عثمان باشا بالخبر وبين له أنه لا يزال باقيا على عهده. فجددوا العهد بينهما ووثقوه بالأيمان المغلظة وباشر مصطفى آغا في مهمته وصار لا يلتفت إلى أمر ، أو نهي وكذا قوّى الأواصر القديمة بينه وبين رئيس الكتيبة إسماعيل التكه لي (1) وراسله مجددا فظهرت النوايا. فعزم الوزير على تأديبه والقضاء عليه. ورأى أن غائلته لا تقل عن غائلة الشاوي. ولذا خابر سرّا رئيس قبطانية شط العرب مصطفى آغا آل حجازي أن يغتاله من جهة ، ومن أخرى أرسل محمد بك لاستمالته ونصحه ليوهم أنه مرسل للنصيحة إلا أن محمد بك إثر وروده إلى البصرة أطلعه الآغا على الأمر المتضمن اغتياله ولذا ركب في الحال وذهب إلى المناوي وقتل رئيس القبطانية وأبدى العصيان واتخذ الوسائل لتنفيذ مطلوبه.
    __________________
    (1) في الدوحة ورد (تكيه لي). وصواب تلفظها (تكه لي) وفي مجموعة خطية ورد (تكلي). والشائع على الألسنة (تكرلي). وآل التكرلي معروفون في بغداد.

    فلما علم الوزير أن قد هتك الستر أصدر أمره بالسفر عليه بنفسه وجاهره بالعداء. فأمر عثمان باشا أن يجمع الجيوش ويأتيه بها ، وإلى هذا الحين لم يطلع الوزير على المخابرة الدائرة بين عثمان باشا ومصطفى آغا وأنهما بيتا الأمر ليلا دون علم من الوزير إلا أن الحاج سليمان حينما سمع بعزم الوزير على حرب مصطفى آغا أعلمه بأن هناك خفايا يأمل أن يعفو عنه والظاهر أنه أراد الانتقام منهم ، فأرسل إليه الكهية معتمده سليمان آغا ليستطلع القضية فأخبره بأن بين مصطفى آغا وبين عثمان باشا مراسلة واتفاقا ، فسلم كتابا ورد إليه من عثمان باشا ، يتضمن دعوته لما عزم عليه فأرسله مع سلمان آغا ليقف على الحالة ... قدمه إليه تأييدا لقوله (1).
    وحينئذ علم الوزير بدخائل الأمور وحاول أن يتوسل بأسباب جلب عثمان باشا. ولذا أرسل إليه عبد الله بك أخا أحمد الكهية فحلف له الأيمان ووثقه بالمواعيد فاستصحبه وجاء به إلى بغداد وكان الموسم شتاء فأكرمه الوزير كثيرا وأظهر له اللطف والإنعام على أن يأتي بجيشه في الربيع. وعلى هذا تأخر بضعة أيام ثم رخصه ولزيادة اطمئنانه أوجد بينه وبين أحمد الكهية صهرية بأن زوج أخته من عبد الله بك.
    وعلى هذا ، استصحب جيشه في الربيع وجاء إلى بغداد فولد يأسا في مصطفى آغا ومن له ارتباط حينما رأوا مجيئه. ومن جملة هؤلاء رئيس الكتيبة استولى عليه الارتياب ، وكذا أصاب أمراء السرية رعب ففر بهم وعدتهم نحو 25 أو 30 ذهبوا إلى البصرة. وأما العساكر الباقية فقد كانت على استعداد ، فتحرك الوزير من بغداد في 11 جمادى الأولى ومعه جحافل جرارة. أما الشيخ ثويني فإنه هيأ وسائل الدفاع وأعد العدة.
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 112 ودوحة الوزراء ص 203.

    ولما وصل الوزير بجيشه إلى العرجاء اضطرب ثويني منه ومال إلى الصحارى والقفار كما أن مصطفى آغا تزلزل وضعه وتفرق جمعه فلم يستطع البقاء في البصرة وانهزم إلى الكويت (1). وعلى هذا نظم الوزير تلك الأنحاء وأزال عنها الاضطراب ورتبها وتوجه إلى البصرة فدخلها بأبهة وجعل حمود الثامر شيخا على المنتفق ونصب الأمير عيسى بك المارديني متسلما واستراح بضعة أيام ثم رجع إلى بغداد (2).
    عزل عثمان باشا :
    ولما وصل الوزير إلى المسعودي أمر أن يحدر له الجسر ليعبر جيشه فنصب ومر منه الجيش بأبهة عظيمة فبات تلك الليلة بالباب الشرقي. وفي اليوم التالي سلخ رمضان دخلت الجيوش بغداد. وحينئذ استصحب الوزير عثمان باشا. ركب زورقا وعبر ولما كان متألما كثيرا من خيانته عزله في الحال وأمر بحبسه ووجه متصرفية بابان إلى إبراهيم باشا المتصرف السابق لوثوقه منه. وكذا وجه ألوية كوى وحرير إلى محمود باشا ابن تمر باشا.
    ولما رأى جيش عثمان باشا ذلك بأعينهم أصابهم اندهاش فانفصل بعضهم من الجيش والبعض الآخر فرح بتعيين إبراهيم باشا وفي الحال توجه الفريق الساخط إلى ديار الكرد. ودام هذا السفر من 11 جمادى الأولى إلى سلخ شهر رمضان. فطال أربعة أشهر وعشرين يوما (3).
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 9:20 am

    وفاة عثمان باشا :
    أجريت التحقيقات عليه بعد حبسه وعزله فوصلت بعض الكتب
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 113.
    (2) دوحة الوزراء ص 204.
    (3) دوحة الوزراء ص 205.

    الدالة على خيانته مما تيسر للوزير الحصول عليها. وهذا ما جعله في ارتباك عظيم فمرض بضعة أيام ونقل إلى دار الحاج محمد سعيد المصرف بجانب سراي الكهية. فعين الوزير طبيبا لمعالجته ، ولكن حالته ساءت وتدهورت صحته ولم يبق أمل من حياته على ما قاله طبيبه فتحول إلى دار والدة الحاج محمد سعيد فبقي فيها يوما أو يومين وتوفي ، فشيع جثمانه باحتفال. قال صاحب المطالع (والله أعلم بالسرائر). وفي هذه الأثناء توفي محمود باشا ابن تمر باشا. أخبر بذلك إبراهيم باشا متصرف بابان فوجهت ألوية كوى وحرير إلى إبراهيم باشا ضميمة إلى لواء بابان.
    بناء سور النجف :
    في هذه السنة كان بناء سور النجف بأمر الوزير سليمان باشا كما في المجموعة المخطوطة الموجودة عندي. ولا أدري كيف أغفل أمره صاحب الدوحة وسائر مؤرخي المماليك.
    حوادث سنة 1204 ه‍ ـ 1789 م
    حوادث بابان :
    كان عثمان باشا حينما ذهب مع الوزير جعل أخاه عبد الرحمن بك نائبا عنه. فلما سمع بما جرى استصحب أعوانه مع سائر حاشيته وعياله وذهب من طريق سنة إلى كرمانشاه وأقام في سقز (ساقز) فلما رأى الوزير أن قد خلا الجو له ذهب إلى مندلي للصيد فقضى بضعة أيام.
    وفي هذه الأثناء وردت معروضات من عبد الرحمن بك يرجو فيها العفو عنه. ومن أمد بعيد كانت تتولد المشادة بين إيران وبغداد من جراء أمثال هذا الالتجاء. لذا أصدر الوزير عفوا عنه. فأرسل بعض الوجهاء للذهاب إليه ودعوته. ثم رجع الوزير إلى بغداد. وبعد ذلك جاء عبد الرحمن بك إلى بغداد بأتباعه وأهله فرحب به الوزير كثيرا وبالغ في إكرامه.

    متصرفية بابان :
    وبعد مدة قليلة ساعد الوزير في توجيه متصرفية بابان ولصهريته لأخي أحمد الكهية ساعد في توجيه متصرفية بابان إليه وكذا كوى وحرير برتبة باشا إلى عبد الرحمن بك.
    ولما ورد خبر العزل إلى إبراهيم باشا لم يبد مخالفة وباشر في الذهاب إلى جهة أخرى ثم إن عبد الرحمن باشا وصل إلى محل قريب منه وأرسل أخاه سليم بك أمامه. فلما سمع به عيّن قوة مع أخيه عبد العزيز بك لمجرد المحافظة ، وإيصال عائلته إلى مأمنها فاتخذ طريق ذهابه قره طاغ فتلاقى مع سليم بك في (گله زرده) (1) فتقاتلا فجرح عبد العزيز بك بعض الجروح وتغلب عليه سليم بك فألقي القبض عليه وانهزم باقي عسكره.
    فلما وصل الأمر إلى هذه الدرجة لم يبق طريق لمرور أهله وأثقاله فاضطر للذهاب إلى إيران من طريق (سنة) فوصل إلى (برنة) من أعمال كرمانشاه وتوقف هناك وأرسل عبد الرحمن باشا عبد العزيز بك مجروحا إلى بغداد فكان ذهاب إبراهيم باشا إلى إيران لضرورة اقتضت لكنها على خلاف رغبة الوزير. ولذا حينما وصل عبد العزيز بك غضب الوزير عليه وسجنه (2).
    تجديد صندوق الإمام علي :
    في شوال جرى تجديد شباك ضريح الإمام علي فعمل من الفضة أرسله محمد خان ابن حسن خان القجاري ويسمى أقا محمد خان مؤسس دولة القجارية.
    __________________
    (1) كله زرده تعني التراب الأصفر. وهي قرية على قمة الجبل المعروف بهذا الاسم الكائن بين السليمانية وقره طاغ.
    (2) دوحة الوزراء ص 207.

    حوادث سنة 1205 ه‍ ـ 1790 م
    رجوع إبراهيم باشا :
    كان اغتاظ الوزير على إبراهيم باشا من جراء ذهابه إلى إيران. وحينما جاء إليه أخوه مقبوضا عليه من عبد الرحمن باشا غضب عليه وسجنه لكنه علم أن ذلك كان لضرورة فأطلق سراحه.
    فلما سمع إبراهيم باشا انبعث فيه الأمل فطلب العفو وحينئذ صدر الأمر بالرأي والأمان وسير إليه الكتاب مع محمد بك الشاوي فالوزير لا يريد إثارة عداء مع إيران ولذا وافق بعد أن انهكت الفتن قواه وكادت تقضي على وزارته. وعلى هذا جاء إبراهيم باشا إلى بغداد فأكرمه الوزير وبقي معززا ينتظر فيه الفرصة. وليس في أمله أن يدع بابان خالصة لواحد ، وأن تتوحد إدارتها بيد أمير من أمرائها. لأنه يرى ذلك مما يهدد السلام ويورث فتنة.
    وأقام أتباعه قسما في كركوك ، وقسما آخر في قزلرباط (1) وقولاي وخانقين وعلي آباد (علياوه) وقرى بشير وتازه خرماتي. وفوض إليه خاص كركوك (2).
    الشيخ ثويني :
    في هذه الأيام شاع أن الوزير اتخذ العفو وسيلة للتقريب والظاهر أنه أوعز إلى الشيخ ثويني بذلك. أراد أن لا يستقل بإدارة المنتفق أمير فكان يخشى كل قوة وإن كانت منقادة فطلب ثويني العفو فوافق الوزير وبعث إليه بكتاب الأمان فجاء إلى بغداد ونال إكراما واحتراما (3).
    __________________
    (1) تعرف قديما بجلولاء كذا في وقفية مرجان وتسمى الأراضي المتصلة ببهرز جلولاء ولعلها تنتهي بـ (قزلرباط) المعروفة اليوم بالسعدية.
    (2) دوحة الوزراء ص 207.
    (3) دوحة الوزراء ص 207.

    سليمان الشاوي ومحمد الكهية :
    كان الحاج سليمان الشاوي طلب العفو من الوزير فعفا عنه وأعيدت إليه أملاكه. وبقي مدة ساكنا في (تل أسود). وفي هذه الأيام وعلى حين غرة ورد إليه محمد الكهية (عجم محمد) ملتجئا إليه بعد أن كان في إيران ينتقل من محل إلى آخر ، لا يستقر به موطن.
    سمع الوزير بذلك فتولدت الشائعات فصارت الحكومة تخشى من وقوع فتنة. ولذا كتب الوزير إلى الشاوي أن يرسله محفوظا إلى جانبه. فأبدى المعاذير بالنظر إلى أنه دخل بيته فهو في حراسته حسب التقاليد العربية وبين أنه يطلق سراحه ويسيره إلى جهات أخرى ليبلغ مأمنه فلم يقبل. ولذا أصدر أمره إلى الكهية أن يسير إليه ، وأنه إذا قاومه فليأخذه ولينكل به ، أو يطرده من تلك الأنحاء. فخرج الكهية من بغداد فوافق الحاج سليمان أن يذهب إلى جهة أخرى مع دخيله (عجم محمد) لعلمهما أن لا طاقة لهما بالمقاومة. فوصل الخبر إلى أحمد الكهية فاقتفى أثرهما ورغم شدة الحر قطع مسافة طويلة فوصل إلى (الرحبة) فتمكن من الوصول إلى أثقالهما في (عين القير) فعلم الشاوي مع محمد كهية فنجوا بأنفسهما بصعوبة وهربا في البيد فاغتنم الكهية جميع أموالهم وعيالهم وخيامهم وما يملكون إلا أنه بالتماس من محمد الشاوي لم يتعرض بالأهل والعيال لكنهم استولوا على ما يتجاوز الأربعين ألفا من الغنم والأموال الأخرى ورجع الكتخدا إلى بغداد.
    سليمان باشا والملية :
    إن العشائر الملية (1) من أهل (اسكان) التابعة للرقة وكان رئيسها تيمور باشا (تمر باشا) الملي. وهذا عصى على الدولة سنين. وانتصر
    __________________
    (1) الملية موضحة في عشائر الشام ج 2 ص 322 وآل الملي معروفون ببغداد.

    بضع مرات. فتجمعت إليه العشائر الضعيفة واعتزت به. وبذلك تمكن من جمع أموال كثيرة وحطام زائد فناله غرور كبير. فاستولى على كثير من الألوية والقرى والضياع المجاورة.
    لم يتمكن ولاة ديار بكر والرقة من القضاء على غائلته. ولا زال عصيانه يزداد. فعهد بفرمان إلى الوزير للقيام بأمر تأديبه ولم يسبق للدولة أن استخدمت جيش العراق لتسكين الاضطرابات خارجه في غالب أحيانها. فنهض من بغداد وورد نصيبين واتخذ (قوچ حصار) مضرب خيامه.
    أما تيمور فقد جمع نحو خمسة عشر ألفا وتأهب للقتال. ولما قرع سمعه صيت الوزير وسطوته تزلزلت منه الأقدام. فترك دياره والتجأ إلى الجبال وتشتت جموعه. ولكن الوزير أراد أن يقطع دابر فساده فتوجه نحو الرها فوصل إلى (دبة حمدون) وتبعد عنها نحو 12 ساعة فأراد أن يقضي على أتباعه أو من كانت له علاقة به فانتشرت الجيوش ونكلت بهم تنكيلا مرا فعادت بغنائم وافرة.
    بقي الوزير نحو أربعين يوما أظهر فيها السطوة. فكان الماء قليلا والهواء رديئا فأحس بحدوث بعض الأمراض في الجيش فسمع باحتشاد بعضهم في أطراف (نظر بيجاق) فنهض في 24 ذي الحجة وتوجه نحو أولئك المحتشدين فوصلوا إلى أنحاء (سويركة) وبعد نصف ساعة أرسل لطف الله (رئيس الديوان) (1) ، فجعل مقدارا من الجيش تحت قيادته (2).
    __________________
    (1) يسمى ديوان أفنديسي.
    (2) دوحة الوزراء ص 209.

    حوادث سنة 1206 ه‍ ـ 1791 م
    تتمة الوقعة السالفة :
    ولما سمع المتمردون في أطراف بوجاق (نظر بيجاق) من أعوان تيمور بمجيء العساكر وتعقيبهم لهم التجأوا إلى الجبل إلا أن لطف الله لم يقصر في اقتفائهم فأحاط بأطرافهم. وفي نتيجة الحرب استولى على حصونهم وقتّل فيهم كثيرا وعاد بغنائم وافرة.
    وعلى كلّ قضى الوزير على هذه الغائلة ونظم الأمور ونصب إبراهيم المحمود أخا تيمور باشا رئيسا على (اسكان) وألبسه الخلعة وعفا عن العشائر وأدخلها في طاعته. وحينئذ عاد متوجها نحو ماردين فنصب خيامه في (حضرم) وبقي بضعة أيام للاستراحة وفي هذه الأثناء ألقي القبض على (ملكي حسين آغا) و (غورس ملكي حسن آغا) وكانا من أعوان تيمور والمتفقين معه. أزعجوا الناس بعصيانهم ، فأرسلوا إلى ماردين فصلبوا فيها (1).
    اليزيدية :
    ومن ذيول هذه الوقعة أن الوزير غزا اليزيدية وسماهم (عبدة الشيطان). رأى عصيان فرقة موسّان منهم فنزل عليها ، وطلب رجالها فلما جاؤوا إليه أمر بقتلهم وأرسلت رؤوسهم المقطوعة إلى استنبول ، وتخلص الناس من شرورهم فعد ذلك من مقتضيات المصلحة (2).
    مدرسة السليمانية :
    عمّر الوزير هذه المدرسة فكانت كأنها نشوة الظفر والانتصارات
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 210.
    (2) دوحة الوزراء ص 210 وتاريخ اليزيدية.

    الباهرة. وقفها في 2 شوال سنة 1206 ه‍. ذكرتها في كتاب المعاهد الخيرية.
    حوادث سنة 1207 ه‍ ـ 1792 م
    سليمان بك الشاوي :
    في خلال سنة 1205 ه‍ فر عجم محمد الكهية إلى مصر فمات فيها. أما الحاج سليمان الشاوي فإنه أقام في أنحاء الخابور. فتمكن من جمع حاشية له فأشاع عنه الوزير أنه سلك طريق البغي ليبرر محاربته فلم يهدأ له قرار فأمر أحمد الكهية أن يذهب إليه بعسكر وافر فعلم بالأمر وحينئذ رحل من مكانه ، وعقب الكهية أثره حتى وصل إلى كبيسة ولما لم يتيسر الظفر به عاد. فاستغرقت سفرته من 8 صفر إلى 26 منه (1).
    صيد وزيارة :
    أراد الوزير أن يبدي سطوته في أنحاء الفلوجة ويرهب عدوه فذهب للصيد هناك. تحرك من بغداد في 2 جمادى الثانية فقضى فيها بضعة أيام للنزهة.
    ثم مال عنها إلى كربلاء فزار مرقد الإمام الحسين وعاد إلى بغداد (2).
    حوادث سنة 1208 ه‍ ـ 1793 م
    وقائع الخزاعل :
    لم يؤد محسن المحمد شيخ الخزاعل الميري ولا المعينات التي
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 211.
    (2) دوحة الوزراء ص 211.



    عليه. ماطل واعتذر ، فأرسل الوزير عليه أحمد الكهية بقوة كافية فتحرك من بغداد في 11 ربيع الأول وتوجه نحو حسكة. فأقام قريبا منها واتخذ التدابير اللازمة للحصار.
    رأى شيخ الخزاعل أن لا طريق للنجاة سوى التسليم فركن للطاعة فأرسل جماعة وطلب العفو وتعهد بما هو مطلوب من الميري. فسامحهم الكتخدا وقبل دخالتهم واستوفى الرسوم عن سنة وأخذ من رئيسهم الرهائن وأبقاه في مشيخته ، وعاد في 20 جمادى الثانية.
    وكان الإذعان من شيخ الخزاعل مما سهل أن ينفر منه قسما كبيرا من أتباعه ولا سبب لذلك سوى التضييق في تنفيذ مطالب الحكومة بدرجة قاسية. فمال القوم إلى أكبر معارض له الشيخ حمد الحمود فوردت منه معروضات خلاصتها أن أكثر الشيوخ والأعيان فارقوا الشيخ محسن المحمد ومالوا إليه وأنه متعهد بكافة ما يجب من خدمة وهناك الشاوي لم تتم قضيته فكانت خير مسهل أن يأخذه لجانبه. لذا عزل محسن المحمد ووجه المشيخة إلى حمد الحمود وأرسلت إليه الخلعة مع كتاب المشيخة (1).
    حوادث سنة 1209 ه‍ ـ 1794 م
    سليمان الشاوي وقتله :
    ذهب سليمان الشاوي إلى أنحاء الخابور بعد واقعة أحمد الكهية وهناك اغتاله أحد أقاربه محمد بن يوسف الحربي وأولاده. وهؤلاء من البو شاهر من فخذ (الحربي). ورئيس البو شاهر آنئذ علي الحمد. والآن لم يبق من الحربي إلا القليل فكانت وفاته سبب ذل هذا الفخذ (2).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 211.
    (2) دوحة الوزراء ص 212.

    وسليمان الشاوي أديب ، عالم ، فاضل ، شاعر. ذو دين ومهذب من كل وجه قال فيه صاحب المطالع : كان مسعر الحرب وهامر الكف. إلا أن السياسة رمته ظلما وجورا بالعصيان وقطع الطرق وما شاكل. وأساسا أن القلم بأيديهم. ولكن وقائعه تؤذن بأنه لا يريد البادية ، ولا يرغب فيها. مال إلى السلم مرارا ولكن الحكومة لم تشأ أن يكون معها متنفذ لم يطأطىء رأسه لظلم. ولم يشأ أن يسلم (دخيله).
    وفي مطالع السعود وديوان الأزري وإرشاد المناوي ، إلى فضائل آل الشاوي وكتب أخرى كثيرة ما يبصر بوضعه.
    والحكومة متغلبة. تنزع إلى قهر كل قوة وطنية بالقضاء على نفوذ رجالها. قتلت قبل هذه أباه ثم ثنت به وهكذا لم تترك قائما يقوم من إخوته وسائر أفراد أسرته (1).
    تيمور باشا الملي :
    مضى الكلام عليه. وفي هذه المرة راسل حاكم ماردين (ويودة) صاري محمد آغا وبواسطته تشبث لدى الوزير في عرض الطاعة والاستيمان.
    قبل الوزير التجاءه ولزيادة الاطمئان جلبه إلى بغداد وأبدى له من الرعاية واللطف ما يليق به وتشفع له من السلطان فنال العفو.
    صيد وزيارة :
    وفي هذه المرة ذهب الوزير للصيد إلى أنحاء الفلوجة في 22 جمادى الأولى فمكث فيها بضعة أيام ثم ذهب إلى كربلاء للزيارة. ومنها
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 134 ودوحة الوزراء ص 212. ومجلة (لغة العرب) والتاريخ الأدبي.

    قفل راجعا إلى بغداد في 21 جمادى الثانية.
    حوادث سنة 1210 ه‍ ـ 1795 م
    الخزاعل :
    كان شيخ الخزاعل حمد الحمود أذعن بالطاعة إلا أنه اقتضى أن يرسل الوزير بالجيوش متوالية إلى تلك الأنحاء للارهاب وتأمين الطاعة فسار أحمد الكهية عليهم بعد أن استعد استعدادا كاملا. فورد حسكة في 10 ربيع الثاني. وأقام فيها ما يزيد على الشهرين ومد سطوته إلى ما جاور تلك الأنحاء ونظم الأحوال كما تقتضيه المصلحة. واستوفي الميري السنوي من الخزاعل ، وبذلك قوّى نفوذ الحكومة.
    ثم عاد في 15 رجب (1).
    صيد وزيارة ـ عشيرة بني عز :
    عند حلول موسم الربيع لم تكن للوزير مشغلة ، فاكتفى بالكهية. ليروح نفسه بالصيد والنزهة على المناظر الربيعية. وفي 1 شوال (2) خرج من بغداد متوجها نحو سامراء للزيارة ومنها مضى إلى عشيرة بني عز. قضى بضعة أيام في الصيد حتى وصل إلى ناحية افتخار من أعمال كركوك ثم عاد إلى بغداد فدخلها في 22 منه. وهذه العشيرة من عبادة. والتفصيل عنها في كتاب عشائر العراق.
    قتلة الكهية :
    كان منح الوزير منصب كهية بغداد إلى أحمد آغا ، ومضت وقائعه
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 361.
    (2) ورد في دوحة الوزراء في 21 شوال ، وليس بصواب.

    وأعماله. فالوزير وجد فيه كفاءة لتمكين سيطرة المماليك إلا أنهم كانوا يرون له معايب تعد سبب قتله. منها أنه لم ينشأ في نعيم وإنما كان من طبقة الدون وأنه كان يستخف بأصحاب المكانة وإذا رأى مواهب من أحد عاداه ولذا صار يقدم الجهال ليبقى محافظا على مكانته ، ولو شاهد أن الوزير لحظ أحدا أو جلب رضاه صار عدوه الأكبر وخصمه الألد وسعى أن يوقع به أما بنسبة خيانة إليه أو اتهام بقضية قاصمة الظهر أو داعية للنفرة منه فيكون سبب إبعاده أو القضاء عليه ... وبعض أعماله تدل على حسن التدبير والاقتصاد في النفقات. فتسامح الوزير في أمره وأغمض عينيه.
    وبين صاحب الدوحة أنه حينما أراد الوزير تزويج بنته من علي آغا خازنه لم يتمكن من عذله فأضمر له العداء ، فقام بترتيب اغتيال الوزير مع أنه أكبر منعم عليه فكان ذلك سبب قتله من خازنه علي آغا في 2 صفر بأمر الوزير وفي عنوان المجد أن ذلك كان في شهر رمضان فحاز الوزير جميع خزائنه وأمواله مما لا يحصيه العد (1).
    وفي مرآة الزوراء قص حادث سليمان بك الشاوي وأنه لم يرض أن يكون تحت إمرة المهر دار أحمد آغا نظرا لخساسة نسبه وأصله. ومن الأولى أن لا يقدم أمثاله على أهل الكمال والمعرفة من عريقي النجار ...
    وكان أحمد آغا منح منصب كتخدا ثم جعل ميرميران فأحرز رتبة (باشا) لا سيما بعد وفاة سليمان الشاوي. إلا أن القدر كان يضمر له الوقيعة. وذلك أنه بعد أن تعين كتخدا اشتغل في إدارة الأمور واستولى عليها جميعها فترك نومه وراحته وأبدى لوزيره التفادي ، واختار العناء
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 362. وفي مجموعة خطية أنه قتل في غرة صفر.

    العظيم. وهذه كانت السبب الوحيد في موفقيته ، وكان الوزير راضيا عن أعماله في كل الأحوال ، ونال مكانة في قلبه. أما المماليك ممن تقدم في الخدمة فإن الكتخدا لم يقصر في تنكيل من يرى منه خروجا عن طريقه. فكان يظن أن الجو صفا له ولم يبق من مزاحم. وفي هذا الآوان استشار الوزير كتخداه في تزويج ابنته الأولى خديجة خانم إلى أحد عتقائه خازنه علي آغا فأبدى له من المحاذير السياسية ما يمنع أن يتزوج بها فنالت تلقيناته تصديقا وتسليما.
    علم بذلك الخازن وأحس بنوايا الكتخدا نحوه فعرّف رفقاءه بالأمر. وحينئذ وللعصبية اتفقوا على قتل الكتخدا. ولما كان يخشى سوء نية الوزير اتفقوا أن يرفعوه من هذا المنصب فتعاهدوا على ذلك.
    وبعد هذا الاتفاق خرج الكتخدا في بعض الأيام من عند الوزير وحده حسب المعتاد وعند وصوله إلى رأس السلم قاصدا دائرته فاجأه رئيس البندقيين (تفكجي باشي) وهو عبد الله آغا والخازن علي آغا. سلا سيوفهما عليه. فلم يبد الكتخدا أي ارتباك. ويحكى أنه أظهر لهما اللائمة ، وبعضهما ينقل أنه رفع صوته ودعا الوزير لما ارتكباه ولكنه عاجلته المنية. ولما علم الوزير بما جرى حاول أن يسرع إلى محل الوقعة إلا أن بعض المخلصين له بيّن له بأن قضي الأمر وليس من المصلحة بقاؤك في المقام فأخذه من إبطه إلى الدائرة الداخلية.
    فالوزير حينما تحقق أن كتخداه قتل غيلة ثارت حميته فدعا الينگچرية وصنوف العساكر والضباط والعلماء ووجوه المملكة ، وأراد أن ينتقم من الخازن ومتفقيه ولكن المماليك اتفقوا على المعصية وركبوا الشر. وأن تفريق جموعهم يستدعي وقوع محذورين أحدهما أن الأمن والراحة تأسسا بهمة هؤلاء. ومحوهم يستلزم زوال الأمن ، وثانيهما أن وكلاء الدولة إذا سمعوا بالواقعة حملوها على تشوش الإدارة وانتهزوا

    الفرصة فلا يترددون من توجيه الوزارة إلى من لم يكن من المماليك.
    ومن جهة أخرى أنه لو تعرض الوزير لهذا الأمر عادت الاضطرابات في العشائر العربية والكردية فالمصلحة تقتضي أن يعلن بأنه وقع هذا الأمر بتدبير منه ، وأن ينصب الخازن كتخدا إزالة لخوفه وأن يرشح لخطبة ابنته خديجة خانم. وبذلك تحصل له الطمأنينة.
    أبدى ذلك محمد بك الشاوي فاستحسنه الحضار. وفي الحال نفذ الوزير هذه التدابير ، فأخمدت نيران الفتنة. وما جاء في الدوحة من أن إعدام الكتخدا كان بأمر من الوزير إنما كتبه كما وقع وأن الأستاذ سليمان فائق نقل ذلك عن والده وعمن يثق بهم (1)
    ومن مجرى الحوادث ومن تصريحات الأستاذ سليمان فائق بك أن الوزير أراد أن يجعل الإدارة خالصة (للمماليك) فتمكن لولا أن الخازن أحبط أعماله.
    قال صاحب مرآة الزوراء : إن الخازن لم يجسر أن يصل إلى الوزير بعد فعلته ما لم يرسل إليه مصحفا شريفا مختوما يختمه مع أمر بمنصب كتخدا للدلالة على العفو عنه.
    ولما لقيه أول مرة عاتبه قائلا :
    إني وضعت في بغداد منهاجا قويما فلم تدع بنائي على حاله بل سعيت لامحائه وستنال بنفسك مكافأة عملك. قال ذلك بتأسف وتألم. ودفن الكتخدا في مقبرة الشيخ شهاب الدين السهروردي وكلما جاء الوزير إلى زيارة الإمام تقدم لزيارة الكتخدا وقال :
    اللهمّ عاقب ببلائك من غدر بأحمد.!!
    وكانت تغرورق عيناه بالدموع.
    __________________
    (1) مرآة الزوراء.

    والحاصل أن علي آغا نصب كتخدا وتزوج بخديجة خانم ونال رتبة (باشا) ولكن لم يكن له من المقدرة ما يؤهله للقيام بأعباء هذا الأمر. فكان السبب في أن يقوم بها الوزير بنفسه أيام شيخوخته. فأتعب الوزير كما أنه فتح طريقا سيئة للمماليك فصاروا إلى حين انقراضهم لا يأمن الواحد منهم جانب الآخر (1).
    ولما كان الكتخدا المقتول حرص على إدارة الأمور واختص بفائدتها ، وجماعته يشاهدون. فإنه ذلك كان من أكبر أسباب نكبته وتلخص في كثرة أطماعه. وبعد قتلته ظهرت أمواله بالوجه الذي شاع عنه فاستغل الخطة التي اختطها الوزير (2).
    حوادث سنة 1211 ه‍ ـ 1796 م
    مشيخة ثويني على المنتفق :
    كان الشيخ ثويني في بغداد منزويا وكان لطف الوزير يشمله ولكنه لحقته حسرة على وطنه. فظهر انعام الوزير عليه. ولذا عزل الشيخ حمودا ووجه مشيخة المنتفق إليه وكساه الخلعة وعين بصحبته رئيس آغوات اللاوند وجملة بيارق من الخيالة وأذن له بالذهاب إلى محله. وفي مدة إقامته في بغداد يأمل أن يوليه الوزير مشيخة المنتفق للزحف على نجد ... فحصل على مطلوبه وجهز بجيش جرار فاستقر في المنتفق وذهب توا إلى البصرة (3).
    __________________
    (1) مرآة الزوراء.
    (2) دوحة الوزراء ص 364.
    (3) دوحة الوزراء ص 364.

    رتبة ميرميران لعلي الكهية :
    نال الكهية منصب كتخدا وصاهر الوزير كما سبق. ثم التمس أن توجه إليه رتبة ميرميران فعرض الأمر على الدولة فأجابت ملتمسه فوجهت إليه الرتبة ووصل الفرمان في 11 جمادى الثانية. ومن ثم صار يلقب بـ (باشا) (1).
    عشيرة البرشاوية :
    إن البرشاوية من عفك (2) وردوا إلى أطراف شط الكار في (أبو حمّار) وصاروا يغيرون على الأطراف ويعيثون في الأمن. فأرسل الوزير كتخداه للوقيعة بهم فأغار عليهم ولم يبال بالسموم والحر فاغتنم منهم نحو اثني عشر ألف رأس من الغنم وألفي رأس من البقر وأدبهم. وكانت هذه أول غارة له ثم عاد. وفي هذه الغارة قتل عبد الفتاح آغا من آل النقشلي الكركوكي (3).
    جامع الأحمدية : (جامع الميدان)
    هذا الجامع ينسب إلى أحمد باشا الكتخدا السابق. عمره فلم يتمه. وأن أخاه عبد الله بك أتمه ووقف له وقوفا كثيرة من تركته (4).
    حوادث 1212 ه‍ ـ 1797 م
    الخزاعل وحمد الحمود :
    إن حمد الحمود شيخ الخزاعل ما زال ينتهز الفرص لمناوأة الحكومة. فجهز الوزير عليه كتخداه بعساكر عظيمة. وفي 26 ربيع الأول
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 364.
    (2) عشائر عفك ذكرتهم في عشائر العراق.
    (3) دوحة الوزراء ص 365 وآل النقشلي أسرة معروفة ببغداد.
    (4) التفصيل في كتاب المعاهد الخيرية من تآليفنا الخطية.

    خرج من بغداد ، فورد الديوانية فرآه متحصنا بالأهوار في (عادلات) محاصرا في سيباية بجموعه ولم يبال الكتخدا وعبر إليه وضيق عليه من جوانبه ولكنه راعى الحيلة للنجاة فأرسل النساء والشيوخ للدخالة وطلب العفو ولكن الكتخدا لم يلتفت وأمر بمهاجمتهم من جميع الأطراف فاضطربوا وتفرق شمل جموعهم ، فانهزم الشيخ حمد الحمود مجروحا ولم ينج إلا بشق الأنفس فضبطت ديارهم وعاد منصورا.
    وحينئذ دعا الكتخدا شيخ الشامية محسن الغانم وشيخ الجزيرة سبتي المحسن فاحضرهما إليه وطلب من كل منهما أن يؤدي من الشلب ألف تغار عدا النقود المطلوبة فتعهد بذلك. وجعل (سبتي المحسن) شيخا على الخزاعل في الجزيرة ، ونصب محسن الغانم شيخا على خزاعل الشامية واكساهما الخلع واستوفي منهما الغلال والنقود والميري ثم قفل راجعا إلى بغداد في 26 جمادى الثانية.
    هذا وإن صاحب الدوحة كان مع الكتخدا فنظم قصيدة تركية مدح بها الوزير فنالت الجائزة. والملحوظ أن محسن المحمد شيخ الخزاعل توفي في هذه السنة (1).
    البابان ـ عزل ونصب :
    إن إبراهيم باشا امتدت عزلته. فأراد الوزير أن ينعم عليه فأمر بنصبه متصرفا على بابان فطلب عبد الرحمن باشا أولا لبغداد. وكان منحرف المزاج جيء به في تخته روان. وبعد أن وصل واستراح شفي من مرضه فعزله من لواء بابان إلا أنه أبقى في عهدته كوى وحرير. ووجه لواء بابان وحده إلى إبراهيم باشا فذهب إلى السليمانية (2).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 363 ومجموعة عمر رمضان ص 173.
    (2) دوحة الوزراء ص 366.

    الجوازر ـ السعيد وربيعة :
    إن عشيرة السعيد (من زبيد) كانت مقيمة في أنحاء (صلنية). وهناك عاثت بالأمن وكذا شيوخ ربيعة وجب عزلهم وتبديلهم بغيرهم فانتدب الوزير كتخداه علي باشا ليقوم بهذه المهمة. فنهض من بغداد في 8 ذي الحجة فأدب العصاة من السعيد وأبعدهم وانتهب منهم مواشي عظيمة.
    ثم توجه نحو الجوازر ديار ربيعة فنظم أمورها وأنهى الغوائل وحصل منهم على ستين ألف رأس من الغنم وعلى مقدار كبير من الجاموس. وبهذا أكمل مهمته من النهب والسلب وعاد إلى بغداد فدخلها في 13 صفر سنة 1213 ه‍ (1).
    حوادث سنة 1213 ه‍ ـ 1798 م
    الأحساء ـ الوهابيون :
    كانت الأحساء في تصرف أمراء بني خالد إلا أن الأمير عبد العزيز ابن محمد السعود حاربها مرارا. فكانت تذعن مرة وتنتفض أخرى. وكان آخر أمرائها من بني خالد وهو براك بن عبد المحسن يقوم بإدارتها نيابة عن الأمير عبد العزيز.
    وردت الأخبار إلى بغداد بأن الأمير عبد العزيز أرسل ابنه سعودا سنة 1211 ه‍ على الأحساء فاستولى عليها عنوة وضبط جميع مضافاتها إلى ساحل البحر حتى وصل إلى القطيف والعقير (العجير) واكتسح كافة القرى والنواحي هناك. وقتل في الأحساء نحو مائتين من علمائها ، أذيع ذلك للتشنيع عليه (2).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 367.
    (2) تاريخ جودت ج 6 ص 120 ودوحة الوزراء ص 367.

    أثر هذه الوقعة :
    وفي هذا التاريخ وصل الخبر إلى ثويني وهو في البصرة فأراد أن يذهب إلى محله إلا أنه أوعز إليه بالذهاب لاستخلاص الإحساء وكانت الدولة حرضت الوزير مرارا فلم تدخر وسعا في التدابير. ومما بعث الأمل ركون قبيلة بني خالد إلى العراق ورئيسها براك بن عبد المحسن الذي انتزعت منه الأحساء ومعه محمد بن عريعر. ولم يتخلف من هذه القبيلة سوى فرع (المهاشير) (1).
    اتخذ الوزير الوسائل لتقويته وأمر أن يلتحق به البندقيون من موظفي البصرة وهم (البلوج) وخمس قطع من المدافع وأحمد آغا الحجازي من آغوات الخارج ... وجمع هو عشائر المنتفق والزبير والبصرة ونواحيها وعشائر الظفير وبني خالد. فأخذ العدد وتوجه نحو الأحساء. قال في المطالع وكان ذلك عام 1211 ه‍ ونزل (الجهرا) الماء المعروف قرب الكويت. فأقام نحو ثلاثة أشهر وهو يجمع العشائر والعساكر والمدافع وجميع آلات الحرب من البارود والرصاص والطعام مما يفوق الحصر. وأركب قسما من عساكره في السفن من البصرة ومعهم الميرة تباريه في البحر ، وقصدوا القطيف. وكانت له قوة هائلة.
    فلما بلغ ذلك الأمير عبد العزيز أمر الأنحاء التي يحكم عليها من أهل الخرج والفرع ووادي الدواسر والافلاج والوشم وسدير والقصيم وجبل شمر فاجتمعوا واستعمل عليهم محمد بن معيقل أميرا فساروا ونزلوا (قرية الطف) الماء المعروف من ديار بني خالد ، وأمر عبد العزيز بما لديه من العشائر من مطير وسبيع والعجمان والسهول وغيرهم أن يقصدوا ديار بني خالد ويتفرقوا في أموالهم وينزلوا ويثبتوا في وجوه هؤلاء الجنود. فحشدوا واجتمعوا فيها.
    __________________
    (1) عنوان المجد ج 1 ص 109 وفيه تفصيل.

    ثم حشد سعود بأهل العارض واستلحق غزوا من البلدان ونزل (التنهات) الروضة المعروفة عند الدهناء. أقام فيها ثم رحل ونزل (الحفر) الماء المعروف بحفر العتك فأقام أكثر من شهرين.
    وأما ثويني فاجتمع عليه جنوده وبواديه كلها (بالجهرا). ثم رحل منها وقصد ناحية الأحساء فلما علمت عشائر ابن سعود برحيله ظعنوا عن قرية ثم ظعنوا عن الطف وانحاز إلى أم ربيعة لوجود المياه المعروفة في تلك الناحية واشتد عليهم الأمر وساءت الظنون ونزل ثويني بالطف.
    وكان سعود أرسل جيشا من الحصر مع حسن بن مشاري بن سعود واستعمله على من كان مع ابن معيقل وصاروا ردءا للعشائر تثبيتا لها.
    ثم إن ثويني رحل من الطف ونزل على الشباك الماء المعروف في ديرة بني خالد فلما قصد ثويني ذلك الماء كثر الخلل في عشائر الأمير ابن سعود.
    وفي هذه الأثناء حدث الرعب في قوم ابن سعود وحصل اليأس إلا أنه وقع ما لم يكن في الحسبان فإن عبدا اسمه (طعيس) من عبيد (جبور بني خالد) قتل الشيخ ثوينيا ضربه بحربة كان فيها حتفه وقتل العبد من ساعته وحمل ثويني إلى الخيمة.
    وكان بين براك وبين حسن بن مشاري مراسلة لأنه ندم على السير مع ثويني لأنه رأى وجهه وإقباله لأولاد عريعر. فعرف أنه إن استولى على الأحساء لم يؤثر عليهم أحدا. فلما قتل ثويني انهزم براك إلى حسن ابن مشاري وكذا من معه من عسكر ابن سعود فوقع التخاذل والفشل في جنود ثويني وألقى الرعب في قلوبهم فارتحلوا منهزمين فتبعهم قوم ابن سعود وعشائره وقتلوا منهم كثيرا وغنموا غنائم عظيمة واستمروا في سوقهم إلى قرب الكويت يقتلون ويغنمون وحازوا منهم أموالا عظيمة من

    الإبل والغنم والزاد والمتاع وغير ذلك. وأخذوا جميع المدافع والقنابر ووضعت في الدرعية وتفرقت تلك الجموع البرية والبحرية. كان قتل ثويني في 4 المحرم سنة 1212 ه‍ وسميت هذه الوقعة سحبة (1).
    ودفن ثويني في جزيرة العمائر (2).
    وفي الدوحة أن الضارب حينما ضرب نادى (الله أكبر!). ضرب ثوينيا بصدره حتى خرج السنان من ظهره ... وقال : اضطربت الآراء في القاتل فلم يقطع بعضهم في أنه عربي وآخرون أبدوا أن براكا ومحمدا العريعر طمعا في الانفراد بالأحساء ولما شاهد براك أن ثوينيا تقرب منها وأحس أن النية مصروفة إلى أن الأحساء سوف تعطى إلى محمد العريعر يئس من نيل مرغوبه فكان القاتل من عربه وأن الغدر كان بترتيب منه.
    إن حدوث هذه الوقعة أدى إلى رجعة الجيوش والعدول عن السفر إلى الأحساء فصارت سبب الخذلان. ولما عادوا نحو مرحلتين شاهدوا براكا يقود عساكر عظيمة
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 9:21 am

    ولذا ترك إخوة ثويني وأعيان المنتفق المدافع وعسكر البلوج واكتفوا بحماية أهليهم وعيالهم ورجعوا ، وأن عساكر الوهابية قتلوا عسكر البلوج وغنموا المدافع وأخذوها إلى الدرعية.
    وثويني هذا هو ابن عبد الله بن محمد بن مانع القرشي الهاشمي ، العلوي ، الشيبي. تولى مشيخة المنتفق كما تولاها أبوه وجده وكان أحد أجواد العرب ومن وقائعه المشهورة (يوم دبّي) مع قبيلة كعب وكانوا غزوا أخاه صقرا فأبلى في هذه الوقعة البلاء الحسن وانتصر عليهم. ومن أيامه اليوم المسمى (بضجعة) المعروفة بلفظ (جضعة) وهذه مع بني خالد
    __________________
    (1) عنوان المجد ج 1 ص 109 وفيه تفصيل.
    (2) مطالع السعود ص 139.

    حينما استنصره عبد المحسن بن سرداح على شيخ بني خالد سعدون بن عريعر ومن وقائعه (يوم التنومة) (1) بنجد حاصرها. وكان قاصدا حرب ابن سعود ولكنه بدا له أن يرجع فعاد. وحاصر البصرة فكان ما كان.
    فورد خبر هذه الوقعة في سنة 1213 ه‍.
    مشيخة المنتفق :
    وحينئذ وجهت مشيخة المنتفق إلى حمود بن ثامر بن سعدون بن محمد بن مانع الشبيبي ابن أخي ثويني لأمه وابن عم له. وهو مشهور بالأناة لحدّ أنه بلغ به درجة الوسواس. وصاحب المطالع يذم كاتبه.
    ومن وقائعه المشهورة (يوم الرضيمة) وهو يوم لسعدون بن عريعر على ثامر (2).
    ومنها (يوم أبي حلانة) على محمد علي خان الزندي. ومنها يوم سفوان علي ثويني ومصطفى آغا الكردي متسلم البصرة ، ومنها (يوم علوي) ماء قريب من البصرة القديمة. وله ذكاء وبصيرة. وعمي في أواخر أيامه. استمرت إمارته الأخيرة هذه من سنة 1212 ه‍ إلى سنة 1242 ه‍.
    وأطنب صاحب المطالع في الثناء عليه ... وبين أنه في مدة إمارته هذه أطاعه البادي والحاضر ...
    مهاجمة سعود ابن الأمير عبد العزيز :
    في شهر رمضان سنة (1212 ه‍) سار سعود بن عبد العزيز بن
    __________________
    (1) قرية مسماة باسم الشجرة التي تنبت في تلك الأرض وبها الآن عين ماء تسمى (عين ابن فهيد) لأنه السبب في اظهارها. مطالع السعود ص 144.
    (2) مطالع السعود ص 147. ودوحة الوزراء.

    محمد بن سعود بجميع نواحي نجد وعشائرها وقصد الشمال وأغار على أنحاء المنتفق
    (سوق الشيوخ) فصبح القرية المعروفة (بأم العباس) وقتل منهم كثيرا ومنهم من فر ومنهم من غرق. وكان حمود في البادية فلما بلغه الخبر جد في السير ليدركه فلم يظفر به.
    ثم سار سعود بعد أن رجع ووصل إلى أطراف نجد عطف وأغار في سنته على تلك البادية وقصد جهة السماوة وأتاه عيونه وأخبروه بعربان كثيرة مجتمعين في الأبيّض الماء المعروف قرب السماوة فوجه الجيوش وأغار عليهم. وكانت تلك العشائر كثيرة منهم شمر ورئيسهم مطلق بن محمد الجرباء الفارس ومعه عدد من قبائل الظفير وآل بعيج والزقاريط وغيرهم. فحصل بينهم قتال شديد وطراد خيل. ثم حمل عليهم قوم ابن سعود فدهموهم في منازلهم وبيوتهم فقتل عدة رجال من فرسان شمر والظفير وغيرهم ...
    وقتل ذلك اليوم مطلق بن محمد الجرباء. وكان على جواد سابق وهو يقلبها يمنة عدوه ويسرته فعثرت به فرسه في نعجة وأدركه خزيم بن لحيان رئيس السهول فقتله وغنم قوم ابن سعود أكثر محلتهم وإبلهم ومتاعهم.
    وقتل من قوم ابن سعود نحو خمسة عشر رجلا من بني خالد منهم براك بن عبد المحسن رئيس بني خالد ومحمد العلي رئيس المهاشير (1).
    هذا وإن صاحب المطالع عد الوقائع المذكورة في سنة 1212 ه‍ على أنها مما وقع عام 1213 ه‍ وفي هذا وافق صاحب عنوان المجد في تاريخ نجد وخالف صاحب الدوحة.
    __________________
    (1) عنوان المجد في تاريخ نجد ج 1 ص 112 ومطالع السعود ص 148.

    حرب الوهابية والتأهب لها من جديد :
    كان لوقعة ثويني شيخ المنتفق تأثيرها في الحكومة لا سيما وقد تلتها وقعة سوق الشيوخ ووقعة الأبيض وقتلة مطلق الجرباء ... ولذا اهتموا للأمر وعهدوا إلى الكتخدا علي باشا بالقيادة. وكان سمع الخبر في الجوازر فتألم للمصاب ورغب في الحرب. فلما رأى من الوزير عين الرغبة هيأ ما يلزم من وسائل السفر. وحينئذ فتح الوزير خزائنه وبذل ما في وسعه من الاهتمام.
    ولم تمض بضعة أشهر حتى تمكن من إعداد العدد لسفر عظيم. وعلى هذا وفي 22 من شهر ربيع الآخر سنة 1213 ه‍ تحرك الكتخدا من بغداد وتوجه نحو الوهابية. وانتظر في الدورة تسعة أيام لتتلاحق بقايا الجيوش وفي اليوم العاشر تحرك منها ، فكان يتوقف في بعض المنازل خمسة أيام أو أكثر إلى العشرة وفي بعضها يمكث يومين أو ثلاثة ثم يتحرك حتى واصل سيره ووافى البصرة ، ونزل في باب الرباط.
    وأعدت له الأرزاق في البصرة عدا ما أحضره معه من بغداد وأحضرت السفن كواسطة بحرية لنقل المؤونة كما أنه هيئت الإبل للنقل برّا. فاستكمل مقتضيات السفر وبعد أن أقام فيها نحو عشرة أيام تحرك منها متوجها نحو الزبير فنزل بالقرب منها في محل يقال له دريهمية وتقع في شرقي الزبير. وجهز من النجادة نحو خمسة آلاف بندقي استؤجروا لهذا الغرض (1) ... وسارت معه عشائر المنتفق مع رئيسهم حمود الثامر وآل بعيج والزقاريط وآل قشعم وجميع عشائر العراق ، وكذا عشائر شمر والظفير. وسار معه أهل الزبير ومن يليهم فاجتمعت جموع كثيرة حتى
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 436 مخطوطتي.

    قيل إن الخيل التي يعلق لها ثمانية عشر ألفا. فسار علي باشا الكتخدا بتلك الجموع وقصد الأحساء (1).
    نهض الجيش من هناك. وكان يجب أن يتوجه إلى الدرعية من طريق الأحساء لأنها أقرب وفيها عبد العزيز وابنه سعود إلا أن الكتخدا عول على هذه الطريق إلى جهة الآبار مورد الفيلق لا سيما أن الآبار في طريق الأحساء يبعد الواحد منها عن الآخر نحو عشرين ساعة وبينهما منزلتان وهذه لا يتيسر للجيش قطعها حتى يحصل على الماء. وأيضا أن طريق الدرعية غير صالح لأن مسافة الماء فيه ما بين المنزلتين تبعد مسيرة ثلاثة أيام بلياليها. فالجيش أثقاله كثيرة ومدافعه ضخمة ومعه ألوف مؤلفة من الجنود والعشائر والأهلين والعيال والإبل والحيوانات الأخرى فلا يستطيع الصبر والاستغناء عن الماء.
    وأيضا لو اتخذ طريق الدرعية وسلك الجيش منه لما تمكن من نقل أرزاقه وأمتعته وسائر لوازمه ، ولحرم من الاستفادة من طريق البحر. ولكان اكتفى ببعض العشائر والخيالة ومقدار قليل من الإبل في حين أن عدة الإبل ووسائل النقل كبيرة جدا وأن الإبل وحدها تبلغ نحو ثلاثين ألفا. وهذا من الصعوبة بمكان.
    فهذه القوة لا يمكن إدارتها بلا وسائط النقل المذكورة. وكذا لا يتيسر النقل من البحر إلى الدرعية فلا يطيق الجيش قطعها إلا أن يكون وحده أو العشائر بأنفسهم ...
    لذلك كله رجح قائد الجيش الرأي القائل بلزوم نقل الذخائر والأمتعة من البحر إلى الأحساء ومنها إلى الدرعية فعدل عن الذهاب إلى الدرعية رأسا فمضوا في طريق الأحساء حتى وصلوا (سفوان) ومنه وفي
    __________________
    (1) عنوان المجد ج 1 ص 118.

    اليوم التالي نهض الجيش فوصل (الروضتين). وذمها صاحب الدوحة وقال إن اسمها على خلاف مسماها. ومنها توجه إلى (الجهرة) فنزلها وكانت مياه آبارها ملحا أجاجا.
    وحينئذ وصلت السفن التي سيرت من البصرة حاملة المؤونة إلى أن جاءت إلى مكان تجاه (الجهرة) من البحر. ولكن الغربان (نوع سفن) لم تستطع الوقوف هناك ولا التقرب إلى الساحل. فاستشكل الأمر وصعب إلا أنه بواسطة شيخ الكويت استكريت بعض السفن الصغيرة. و (البتيلات) فسهل ايصالها إلى مكان قريب من الأحساء يقال له العقير (العجير) فنقلت المؤن والمهمات بواسطتها وجيء بها إلى العجير وأعطيت الأجرة إلى شيخ الكويت.
    ومضى الجيش نحو عشرة أيام حتى وصل إلى (بلبول) الواقع في ساحل البحر ومشت السفن إليه واستصحب الجيش أرزاقه ليصل إلى (بلبول) حملوها على ظهور خمسة آلاف بعير استكروها من العشائر التي معهم. فاضطروا للتوقف في الجهرة ومنها ذهبوا إلى (بلبول).
    ولما وصلوا إليها انتهت الأرزاق المصحوبة معهم. ووصلت السفن حين قربوا من بلبول. وفيه أقاموا عشرة أيام وأخذوا من السفن أرزاق شهر. حملوها على ظهور الإبل ونهضوا من هذا المنزل ساروا عشرة أيام إلى أن وصلوا إلى قرية (نطاع) من قرى الأحساء. وهناك أقاموا نحو عشرة أيام استراحوا خلالها.
    ثم قطعوا الفيافي والقفار حتى قربوا من الأحساء ، وحينئذ دعوا أهليها إلى الانقياد والطاعة إلا أن في الإحساء قلعتين إحداهما يقال لها (المبرز) والأخرى تدعى (الهفوف). وفي هاتين القلعتين حاصر قوم من الوهابية بأمر من عبد العزيز وفيهما كل من سليمان الماجد والحاج إبراهيم بن عفيصان أما سليمان بن محمد بن ماجد فهو من أهل بلد

    ثادق. وكان في قلعة المبرز. حاصر حصار الأبطال. ويسمى القصر المحصور (صاهود) وأما إبراهيم بن سليمان بن عفيصان فقد حاصر في (قصر الهفوف) وحاولوا الهجوم عليهم مرارا عديدة فلم يحصلوا على المراد.
    فهؤلاء تحصنوا وأبوا أن يسلموا ... حتى رفع الحصار عنهم. فاتخذ الجيش كل الوسائل ، فلم يفلح في اكتساح القلاع (1).
    اتخذ الجيش الوسائل العديدة للاستيلاء على القلعتين واستعمل المدافع ... فلم يتيسر له الأمر ، وقوي أمل المحصورين وغابت آمال الجيش ، وقلت المؤن ، وماتت الإبل ولم يبق منها إلا القليل. ولذا ألح الجيش في العودة. وإن الإبل لم تستطع أن تجر الأثقال والمدافع ، فاضطروا على الرجوع بلا زاد ، فانصرفوا من محلهم في 7 ذي القعدة وتركوا الأحساء وأبقوا أمتعتهم وأموالهم في محالها (2).
    وفي اليوم الرابع عشر من رحيلهم وصلوا إلى المحل الذي قتل فيه ثويني وهو المسمى (بالشباك) ولذا حاروا في أمرهم من فقد الزاد والطعام وقلته من جهتهم ومن جهة دوابهم ومواشيهم ونالهم اضطراب شديد ويئسوا من الرجوع إلى مأمنهم ولكنهم على كل حال مضوا في سبيلهم ...
    وفي هذه الأثناء ساقهم الله إلى مراع خصبة اهتدوا إليها. فما بقي لديهم من الدواب رعت بضعة أيام ورتعت في هذه المواطن فلم يحتاجوا خلالها إلى (العليق) أو العلف ليطعموا دوابهم فاضطروا إلى النزول ولكنهم أضاعوا الخيام فتحروا عنها.
    __________________
    (1) عنوان المجد ج 1 ص 118 وفيه تفصيل.
    (2) عنوان المجد ج 1 ص 118 وفيه تفصيل. ودوحة الوزراء ص 443 مخطوطتي.

    وفي الحين هبت رياح موحشة وصواعق مدهشة فأمطرت السماء بوابلها ... وكل واحد من العسكر ماسك بعنان فرسه صابر على هذا البلاء ولا يدري ما سيصيبه في ليلته. وقضوها ولم يغمض لهم جفن في حالة لا توصف فلم يبق لواحد منهم أمل في الحياة ...
    وعند الصباح حينما طلعت الشمس جاء البشير فأخبر بوجود الخيام فاستعاد الجيش حياة جديدة وانتعش بالعثور على خيامه ... ولكن الطعام نفد ولم يبق زاد يعيشون به فارتبكوا من هذه الجهة وحاذروا من الهلاك ...!
    وفي اليوم التالي من استراحتهم اخبروا أن بضعة قطع من السفن (الغربان) وصلت إلى جزيرة العماير في ساحل البحر فعينت بعض الخيالة مع مقدار من الإبل لجلبها وإيصالها إليهم. ولما وصلت ظهر أنها قسط يوم واحد فقسمت على العسكر. فمن أصابه رطل شعير فكأنما ربح كل الغنى ...
    بينا كانوا في هذه الحالة إذ داهمهم العدو تحت قيادة سعود بن عبد العزيز ومعه أهل اليمن والعارض وجبل شمر فاغتنم الفرصة من حالة الجيش وجاءهم على حين غرة. علم أن الجيش عاد عن الإحساء وأنه تفرق لقلة الأرزاق وتشتت شمله وأنه لم يبق سوى علي باشا وشرذمة قليلة معه فرجع فارا. ولذا انتهز الفرصة بناء على أخبار ابن عفيصان كتب إلى الأمير عبد العزيز وهذا أرسل ابنه سعودا.
    ولما سمع علي باشا سر كثيرا وعزم على محاربتهم. فأعد الجيش ومشى على سعود المذكور ، وهذا أيضا بناء على إغراء ابن عفيصان عجل بالموافاة وأن لا تضيع هذه الفرصة من أيديهم. وعند وصوله للمحل ومقاربته منهم رأى الجيش متأهبا للكفاح ، ولذا نزل في محل يقال له (محنات) واتخذ المتاريس فيه ، وتحصن.

    وعند ما شاهد ذلك علي باشا نزل في محل يقال له (ثاج) (1) وهو ماء في ديرة بني خالد ونصب خيامه هناك وطول نهار ذلك اليوم تطارد خيالة الطرفين في ميدان الحرب حتى المغرب فقتل بعض أشخاص معروفين من الوهابيين ومن جيش الحكومة قتل أخو حمود وهو خالد الثامر.
    وحينئذ رأى قوم ابن سعود الرعب والهلع وقلت همتهم. ولذا رغبوا (2) في الصلح فأرسلوا رقعة يسترحمون فيها رغبتهم في الصلح. وهذه صورة كتابهم :
    «من سعود العبد العزيز إلى علي ،
    أما بعد ما عرفنا سبب مجيئكم إلى الإحساء وعلى أي منوال جئتم. أما أهل الإحساء فهم أرفاض ملاعين ونحن جعلناهم مسلمين بالسيف. وهي قرية الآن ليس داخلة في حكم الروم بعيدة منكم ولا يحصل منها شيء بسوى تعبكم. ولو أن جميع الإحساء وما يليها تؤدي لكم دراهمها ما تعادل مصارفكم التي عملتموها في هذه السفرة ولا كان بيننا وبينكم من المضاغنة قبل ذلك إلا ثويني فهو كان معتدي ولقي جزاءه. فالآن مؤمولنا المصالحة فهي خير لنا ولكم والصلح سيد الأحكام.» اه.
    ومن هذا استدل صاحب الدوحة بضعف مقاومة سعود ، وأن الجيش كان راغبا في المقاومة إلا أن العليق (العلف) قد قلّ ، والمياه
    __________________
    (1) في عنوان المجد أن جيش سعود نزل الثاج. وأن علي باشا نزل الشباك الماء المعروف قرب الثاج ثم إن علي باشا لما سمع بمجيء سعود زحفت جيوشه من الشباك ونزلت ثاج ... (ص 119).
    (2) وفي عنوان المجد أن الباشا هو الذي طلب الصلح والمكافة من الطرفين (ص 119).

    الموجودة لا تكفي لسد الحاجة. ومن جهة أخرى أن الأعداء كانوا يعرفون أنواع المياه. ولذا انحازوا إلى المياه العذبة وتركوا الجيش في المياه المالحة والقليلة الموارد. وأيضا قد حفر الجيش نحو خمسمائة بئر وكلها ماؤها أجاج فلا يسيغ المرء بلعه إلا بمشقة.
    وأن أخذ الماء منهم يحتاج إلى مقاتلتهم وإزاحتهم عن مواقعهم ، وأن تستعمل المدافع ضدهم ، ولكن المدافع كانت عاطلة. لأنها دفنت لوازمها في جهة الإحساء لعدم القدرة على حملها.
    يضاف إلى ذلك أن الدوام على مقاومة هؤلاء والوقيعة بهم أو منازلتهم يؤدي إلى نفاد الذخائر والأطعمة. فالجيش ليس لديه إلا قوت يومه ويخشى أن يهلك ويضمحل بنفاد زاده ...
    وعلى كل حال فاختيار أحد الشقين وهو الاستمرار على المنازلة يؤدي إلى نتائج وخيمة وليس من المصلحة ارتكاب هذا الخطر. لذا تذاكر علي باشا مع أعيان الجيش فكتب الباشا كتابا هذا نصه :
    «من علي باشا إلى سعود العبد العزيز :
    أما بعد فقد أتانا كتابك وكلما ذكرت من أمر المصالحة صار معلومنا.
    لكن على شروط نذكرها لك فإن أنت قبلتها وعملت بها فحسن وإلا فإننا ما عاجزون عنك ولا من طوائفك بعون الله وقوته. وعندك الخبر الصحيح إذا اشتدت الهيجا ، وانشقت العصا فحسبك الضحاك والسيف المهند حيث لنا مقدار أربعة أشهر في بلادك نجوب الفلا ونستأسر أهل القرى ما قدرت تظهر من مكانك غير هذه الدفعة. وبهذه الدفعة أيضا اغتررت بقول ابن عفيصان. فأما الشرط الأول هو أن الإحساء لا تقربها بعد ذلك. والثاني الأطواب التي أخذت من ثويني أنك ترجعها ، والشرط الثالث تعطينا جميع ما صرفناه على هذا السفر ، والرابع أن لا تتعرض للحجاج التي تجيء إليك من العراق ولا تتعرض

    لأبناء السبيل وتكف عن غزوك العراق وتكون معنا كالأول فهذه الشروط التي أخبرناك بها والسلام على من اتبع الهدى.» انتهى.
    أما سعود فإنه قبل بالشروط التي تمكن على إنقاذها وكتب كتابا آخر هذه صورته
    «جاءنا كتابكم وفهمنا معناه. أما عن حال شروط المذكورة فأولا الأحساء هي قرية بعيدة إلى دياركم وخارجة عن حكم الروم وما تجازي التعب ولا فيها شيء يوجب الشقاق بيننا فهذا حالها. وأما الأطواب فهي عند والدي بالدرعية إذا صدرت إليه أعرض الحال بين يديه. والوزير سليمان باشا أيضا يكتب له فإن صحت المصالحة وارتفع الشقاق من الطرفين فهي لكم وأنا كفيل بها إلى أن أجيبها إلى البصرة. وأما مصارفكم فإني لم أملك من هذا الأمر شيئا والشور في يد والدي. والذي عندنا فهو يصلكم. وأما ما ذكرتم عن الطريق وعدم التعرض للحجاج المترددين ما لهم عندنا غير الكرامة والتسيار. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.» اه.
    كان اعتذار الموما إليه عن قبول بعض الشروط ظاهرا له مبرر. ولذا أمضيت المصالحة طبق الشروط الأخرى وقبل بها الطرفان (1). ثم إن سعود ابن الأمير عبد العزيز رجع قاصدا الإحساء فنزل عليه ورتب حصونه وثغوره وأقام فيه قرب شهرين واستعمل عليه أميرا سليمان بن محمد بن ماجد. ثم رحل إلى وطنه قافلا راجعا (2).
    وعلى هذا نهض الجيش أيضا من محله وبألف صعوبة وأنواع المضايقات من جهة الأرزاق وسائر الاحتياجات جاب الصحارى والقفار
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 447 ونصوص هذه الكتب في مطالع السعود أيضا ص 153 مخطوطتي.
    (2) عنوان المجد ج 1 ص 119.

    وقطع المهامة والفيافي حتى وصل إلى البصرة بنفسه الأخير. وحينئذ نزلوا في (باب الرباط) فأخذوا الذخائر وما يحتاجون إليه وبقوا مدة خمسة عشر يوما للاستراحة ثم نهضوا منها وتوجهوا نحو بغداد.
    فدخلوها في 4 صفر سنة 1214 ه‍.
    ودامت السفرة تسعة أشهر وخمسة وعشرين يوما.
    ويلاحظ هنا أن الجيش أصابته مخاطر جليلة في ذهابه وإيابه وضاقت عليه الأرض بما رحبت ونالته أنواع الشدائد ، فالطريق مجهولة ، والوسائط غير كافية ، والتأهبات زائدة ... وكان يتوقع اضمحلاله وهلاكه. فإن كل مشكلة أصابته كانت كافية لإفناء الجيش بتمامه ... ومع هذا نجا في آخر نفس وكاد يفارق الحياة. فالسفر من بغداد إلى الأحساء ، أو إلى الدرعية صعب المنال ولا يتيسر لكل أحد بسهولة وهذه الوقعة تبين نبذة منه وتعرف بالحالة ...
    ولذا قيل إن مثل هذه الحرب لا يستطيع وزير أن ينهض بها ويقوم بمهماتها لأنها ليس مما يدخل تحت طاقته واستطاعته. أما سليمان باشا فإنه كان قد اكتسب في خلال تسع سنوات من سنة 1194 ه‍ إلى سنة 1213 ه‍ مبالغ وفيرة. وهذه كلها صرفت على هذا السفر ولم تكمل مؤنته ولا سدت احتياجاته ...
    وليس لدينا قيود ثابتة ولا وثائق صحيحة تبين مصروفات هذه السفرة بصورة كاملة إلا أنه عرفت بعض الأقلام عن المصروفات وذلك أن النجادة مثلا كانوا من زوائد الصنوف العسكرية استكريت إبلهم فبلغت شهريتها مائة ألف غرش كما أن قيمة عليق الفرس للجيوش بلغت من حين مجيئه من إربل إلى أن وصل إلى بغداد فالبصرة ليرة عثمانية ذهبا ما أمكن تحقيقه. وليقس على ذلك سائر اللوازم والمصروفات الأخرى مما

    لم يذكر وهو أك
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 9:23 am

    لم يذكر وهو أكثر بكثير ما سبق بيانه (1) ....
    وفي مطالع السعود معارضة للدوحة ونقل منها :
    «وما ذكره المؤرخ التركي ـ صاحب الدوحة ـ من أن العسكر أصابه ضرر من قلة العلف والزاد فلا أصل له بل الذي اشرف على الهلاك عسكر سعود من قلّة الزاد وما معه. ولقد والله خدع الكتخدا في تلك المصالحة ... وأن حمود بن ثامر أبى المصالحة إلا أن يعطيه الكتخدا كتابا في أن المصالحة عن اختياره. وقد رمى في ذلك محمد بن عبد الله بن شاوي. وهو بريء. لكنه اعتمد على من سبق ذكره. ولو سأل غيره وتروى لكان قتال العدو هو الأولى لكونه على غاية من الوهن ...» اه ص 155.
    وصاحب المطالع متحامل على آل سعود فلا يؤمل أن يكون محايدا.
    الأحساء إلى هذا التاريخ :
    مر في المجلد الخامس أن آل حميد من بني خالد استولوا على الأحساء في سنة 1080 ه‍ وأولهم براك بن غرير ومعه محمد بن حسين ابن عثمان ومهنا الجبري ، وقتلوا عسكر الباشا الذي في الكوت (2) وذلك بعد أن قتلوا راشد بن مغامس رئيس آل شبيب ونهبوا عشائره وطردوهم عن ولاية الأحساء.
    وجاء تاريخ ذلك (طغى الماء) قال أحد أدباء أهل القطيف :
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 448 مخطوطتي. وفي تاريخ نجد وعلاقته بالعراق تفصيل. ومطالع السعود ص 151 مخطوطتي.
    (2) الكوت محلة في الأحساء.


    رأيت البدو آل حميد لما
    تولّوا أحدثوا في الخط ظلما

    أتى تاريخهم لما تولوا
    كفانا الله شرهم (طغى الما)

    ودامت ولايتهم إلى سنة 1208 ه‍ وكان آخرهم زيد بن عريعر ثم استولى عليها براك بن عبد المحسن في تلك السنة نائبا عن الأمير عبد العزيز بن محمد بن سعود فزالت ولاية آل حميد.
    وجاء تاريخ زوالهم (وغار). وذيّل بعض الأدباء على البيتين المذكورين بقوله :
    وتاريخ الزوال أتى طباقا
    (وغار) إذ انتهى الأجل المسمى

    ولهؤلاء وقائع مهمة ولكن حصل انشقاق فيما بينهم أدى إلى أن يميل براك إلى آل سعود ويستولي على الأحساء بالنيابة عن الأمير ابن سعود ثم ثار الأهلون عليه فاكتسح سعود ابن الأمير عبد العزيز المدينة فصارت خالصة لآل سعود سنة 1212 ه‍ (1) وأن وقائع ثويني ، وعلي باشا الكتخدا وما يليها ، كانت من جراء براك المذكور وانفصاله مؤخرا عن ابن سعود ، وكانت تأمل الدولة الاستيلاء عليها بقوة سليمان باشا الوزير. فخذل.
    حوادث سنة 1214 ه‍ ـ 1799 م
    قبائل عنزة :
    كانت مواطن عنزة سورية ، وهي من عشائرها ، ومن أمد يأتون للاكتيال ، ولما انحدروا هذه المرة نزلوا مقاطعة الطهماسية التابعة للحلة
    __________________
    (1) كانت الوقعة في ذي القعدة سنة 1211 ه‍ ودامت إلى سنة 1212 ه‍.

    وتطاولوا على عشائر العراق ، كما أنهم أغاروا على عشائر الدليم فانتهبوا منهم أموالا كثيرة وأضروا بهم. وكان أمل الحكومة أن توجه إليهم جيشا تؤدبهم به ولكن صادف أن جاء شيخهم (فاضل) إلى بغداد فأكرمه الوزير وأظهر له اللطف والاحترام وألبسه الخلعة. ثم نبهه أن يعيد خلال عشرة أيام المنهوبات من الدليم ، وأن يكفوا عن الأعمال المضرة بالأمن ، المشوشة للراحة فتعهد الرئيس بذلك وعاد لمحله.
    انقضت مدة المهل ولم تظهر نتيجة. لم يطعه قومه في أداء المنهوبات كما أن قبائله استمرت في إضرارها بالقبائل وبقيت عابثة بالأمن لذا سير الوزير الكتخدا علي باشا للتنكيل بها والقضاء على غوائلها فذهب بجيش جرار وأغار على مواطنها. وفي منتصف الليل وصل جسر الهندية فاستخبرت عنزة. ولما لم يكن لها طريق للفرار سوى المرور من ذلك الجسر التجأت إلى قبائل قشعم ، والأسلم والرفيع فأخفوهم بينهم بمقتضى الشيمة العربية. وعند طلوع الفجر استقبل شيوخهم ورؤساؤهم العسكر وأسرعوا لملاقاته فتضرعوا في العفو وقدموا أن أموالنا أموالهم وأعراضنا أعراضهم ونحن رعاياكم ، فشفعوا فيهم وقالوا ثلاثة آلاف بعير وخمسين حصانا والتمسوا قبول العفو وعلى هذا راعى الكتخدا جانب المذكورين فقبل ملتمسهم وأقام هناك نحو عشرة أيام فاستوفى تعهداتهم في خلالها وأرسلها إلى الوزير ثم أعطاهم مجالا للعبور فعبروا (1).
    التوجه إلى الحلة :
    ثم إن الكتخدا توجه إلى الحلة فشكا الأهلون من ضابطها (علي چلبي) فعرض الكتخدا الحالة على الوزير فصدر الأمر بعزله وأقام مكانه
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 156 ودوحة الوزراء ص 212 المطبوعة.

    مراد چلبي ودققت حسابات علي چلبي فاستوفيت البقايا المترتبة بذمته. وعلي چلبي من أمراء الحلة أسرة عبد الجليل بك (1).
    قشعم :
    ثم إن الكتخدا لم يكتف بما أخذه وما انتهبه بل أعاد الكرة على قشعم وأبدى أن شيخها (ناصر الحبيب) تراخى في الخدمة أثناء سفره إلى الاحساء فطلب منهم خمسمائة بعير وألفي شاة فلم يستطيعوا والتمسوا العفو فعفا عن النصف وأخذ النصف الباقي وتوجه إلى بغداد.
    فكانت مدة سفره شهرا واحدا وسبعة أيام ، وأن هذه العشيرة بعد أن عزل شيخها عبد العزيز مال فريق منها إلى عبد العزيز وآخر بقي مع أخيه شبيب الحبيب أقامت العشيرة في المحل المسمى (صخيري) وشرعت بأعمال غير لائقة ، ولذا أمر الوزير كتخداه علي باشا بالذهاب إليها وعبر جسر المسيب فعلموا بذلك فتفرقوا وتشتت شملهم واقتفى الباشا أثرهم إلى أن وصل إلى قرب شفاثا (2).
    الدليم :
    تمرد هؤلاء عن أداء الميري فاقتضى تأديبهم ، فحول وجهته نحوهم. وقبل أن يصل إليهم الباشا علموا بالأمر وفروا فذهب معقبا طريق هزيمتهم إلى أن وصل إلى جبة ، وهناك عثر على أغنامهم ومواشيهم وتبلغ نحو عشرين ألفا فانتهبها وعاد بغنيمة باردة إلى الفلوجة. وحينئذ أعطاهم الرأي والأمان وعاد إلى بغداد (3).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 212.
    (2) دوحة الوزراء ص 213 ومطالع السعود ص 156.
    (3) مطالع السعود ص 156 ودوحة الوزراء ص 213.

    الوهابية :
    وفي هذه الأثناء وردت (حدرة) من الوهابية (سايلة) ، فصادفها الخزاعل فقتلوا منها نحو ثلاثمائة رجل. جاء الخزاعل إلى النجف للزيارة فحدثت هذه الوقعة على خلاف الشروط المعطاة إلى سعود ابن الأمير عبد العزيز السعود ، ولذا لم ترق هذه الحادثة للوزير وتأسف كثيرا لوقوعها ، وكانت السبب في الوقائع الأخيرة (1).
    حوادث سنة 1215 ه‍ ـ 1800 م
    قبيلة الخزاعل :
    كان آل السلمان من الخزاعل ارتكبوا تلك الوقعة وأعمال نهب أخرى فاقتضى تأديبهم إذ لم يفد معهم اغماض العين. وعلى هذا أمر الوزير كتخداه أن يغزوهم فتحرك من بغداد في 21 جمادى الثانية. ولما وصل إلى گرمة (قرمة) ليوه اجتمع الخزاعل في قلعة السلمان معتمدين على رصانتها وتحصنوا بها.
    أما القرمة المزبورة فلم يتيسر عبورها إلا بواسطة جسر وكذا صادف الجيش قرمات أخرى فاجتازوها ولم يبالوا بالمصاعب وأعملوا السدود فاتخذوا كل الوسائل اللازمة للوصول فتقرب الجيش نحو القلعة وكانوا مستعدين للمقاومة إلا أنهم حينما رأوا الجيش استولى عليهم الخوف فلم يأمنوا البقاء في القلعة فتركوها وألقوا بأنفسهم إلى قرمة (الفريات) الواقعة بين ثلاثة شطوط بالقرب من محل يقال له (لملوم). اتخذوا هناك متاريس انضووا إليها لمناعتها.
    أما الباشا فإنه اجتاز قرمات ومجاري مياه عديدة باتخاذ السدود
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 213.

    والجسور لقطعها وعبورها حتى وصل إلى المحل الذي وصلوا إليه فأحاط به ، واستخدم المشاة كما أنه أنزل الخيالة من ظهور خيولهم وجعلهم مشاة أيضا واستخدمهم لعين الغرض ، فهاجموهم من جميع جهاتهم واقتحموا كل الموانع ، وحينما تقارب الجمعان اشتد القتال ودام إلى المغرب ثم إلى نصف الليل بلا فاصلة ولا استراحة وضيق الجيش عليهم تضييقا مرا ، فلم يبق لهم صبر ، وحينئذ حرقوا بيوتهم بأيديهم ، وفي ليلتهم اتخذوا ظلام الليل ستارا لهم وهربوا متفرقين شذر مذر ، فالتجأوا إلى الهور الذي لا يدرك غوره ولا يمكن الوصول إلى ساحله.
    وفي اليوم التالي ضبط الكتخدا ديارهم المسماة (لملوم) فاغتنم الجيش ومن معه من العشائر نحو عشرة آلاف تغار من الشلب وأموالا أخرى لا تكاد تحصى ، والشلب الذي أرسل إلى الوزير بلغ ألفين وخمسمائة تغار شحن في سفن وأرسل إلى بغداد. ولم يكتف الباشا بذلك وإنما اتخذ قطع المياه عن الهور الذي التجأوا إليه فباشر في قطع القرمة الكبيرة المسماة (قرمة عباة). وهناك أقام مدة شهر للاستراحة وبذل المجهود في أمر السدّ واهتم به كثيرا فكان سدها خارج الطاقة ومع هذا زاول الأمر واشتغل به.
    وفي هذه الأثناء حذروا من قطعها فركنوا إلى الكتخدا وطلبوا العفو منه وتعهدوا بأداء الرسوم حسب المطلوب في كل سنة. وبعد استيفاء الميري تركهم في ديارهم وتوجه من ذلك المكان. وقام ببعض الأعمال الأخرى فأظهر سطوته. عاد إلى بغداد فدخلها في 17 شوال. ودامت سفرته ثلاثة أشهر و 27 يوما.
    توجيه إيالة الرها إلى تيمور الملي :
    ثار تيمور باشا الملي على الحكومة ثم ذهب الوزير إليه ونكل بأتباعه ، ثم التجأ إليه فاستحصل له العفو من السلطان كما تقدم ذلك

    كله ، أما الوزير فإنه راقب أحواله طول إقامته في بغداد فرضي عنه ، وكان يميل إلى أن يكون واليا على الرقة ، لذا كان يصرح بذلك تارة ويلمح أخرى ويلتمس. وأن الدولة من القديم لم ترد ملتمسا لوزراء بغداد ، فالوزير طلب أن تسمح لتيمور باشا بإيالة الرقة برتبة وزارة فوافقت على ذلك.
    وحينئذ احتفل الوزير له بأبهة في باب الإمام الأعظم. ولما أن حصل على الوزارة بالغ في احترامه وزاره في محله مرتين توقيرا له فأرسله إلى منصبه مكرما مبجلا (1).
    حوادث سنة 1216 ه‍ ـ 1801 م
    العلاقة بالوهابية (2) :
    مر في حوادث سنة 1214 ه‍ واقعة الخزاعل فلما سمع الأمير عبد العزيز السعود بما جرى طلب من الحكومة العراقية دية المقتولين وإلا نقض عهده أما الوزير فأراد أن يجدد الصلح بينه وبين الأمير سعود فأرسل عبد العزيز بك الشاوي بمناسبة الذهاب إلى الحج ليصل إليه ويفاوضه في ديات من قتلهم الخزاعل وسكان النجف. فورد وتفاوض معه وألح عليه كثيرا فلم يفد معه القول. وإنما أراد أن يكون له غربي الفرات من عانة إلى البصرة وإلا نقض العهد. وتبين ذلك من كتابه الوارد إلى بغداد بواسطة الساعي.
    قال صاحب مطالع السعود : «فانقلب ابن شاوي بغير ما أمله ، ولأجله الوزير أرسله إلا أنه لما شرب من مائهم وجلس بين دعاتهم
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 215.
    (2) الوهابية نبز وعقيدتهم عقيدة السلف لا يختلفون عن المحدثين. أوضحت ذلك في كتاب تاريخ العقيدة الإسلامية في العراق.

    وعلمائهم مازجه من بدعتهم شبهة ونزعة جذب إليها شبهة من علماء وعوام ، وهلك بها خاص وعام ، وخاض في بحرها من لا يؤبه له وعام» اه (1) .. وفي عبارته هذه تحامل.
    وكذا علمت الحكومة أن الأمير سعودا توجه إلى أنحاء العراق بقصد غزوها ، فاتخذ الوزير الحيطة وأرسل كتخداه علي باشا بعسكر عظيم لجهة الهندية في 3 صفر فأقام هناك مدة ثم ذهب إلى نهر الشاه فأخبر أن ركبا عظيما جاء إلى جهة شفاثا. فسارع الباشا للأمر وأرسل محمد بك الشاوي وفارس الجرباء والعبيد والبيات والأربليين فبلغوا نحو ألفي محارب فذهبوا إلى ذلك المحل. ولما وصلوا قرب شفاثا علموا أن الركب يبعد عنهم نحو أربع ساعات فأغاروا عليه من مكانهم بسرعة. وعند ما وصلوهم وجدوهم نحو ألف بندقي ورأوهم اتخذوا إبلهم متاريس لهم وتناوخوا مع الجيش إلى وقت الظهر فلم يبدأوا بحرب ولكن الجيش العراقي أثر فيه العطش كثيرا فلم يجد فائدة من هذه (المناوخة) ورجعوا إلى شفاثا ورجع أولئك أيضا إلى مواطنهم. ولم يتعرض الواحد للآخر.
    ثم إنه بعد عودة العسكر إلى جانب الكتخدا وجدوا عبد العزيز بك عاد من الحج وبين أن الأمير عبد العزيز لم تكن له رغبة في الصلح بل له نوايا سيئة. أفاد ذلك مفصلا ثم جاء إلى الباشا وبقي عنده بضعة أيام.
    أما الباشا فقد جعل رئيس الكتيبة على جميع الخيالة وعلى مقدار من الموصليين وخيالة عقيل لمحافظة الديار وترصد الأخبار وعينه في الهندية ثم عاد بباقي الجيش ودخل بغداد في 5 جمادى الأولى. وكانت هذه السفرة ثلاثة أشهر ويومين (2).
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 161.
    (2) دوحة الوزراء ص 216 ومطالع السعود ص 162.

    جليحة وعفك :
    إن عشائر جليحة وعفك تمردت ولم تعط الرسوم الأميرية فأراد الوزير تأديبها فسير كتخداه بقوة كافية. خرج من بغداد في 25 جمادى الثانية وذهب من طريق الجزيرة. ولما وصل نهر اليوسفية جاءه شيوخهم ومتميزوهم فألبسهم الخلع وقطع الميري على الطائفتين بمبلغ مائة وخمسين ألف قرش وأمر الرؤساء باستحصال المبالغ. وعلى هذا أذن لهم الكتخدا بالعودة ولكنه بقي في أطراف اليوسفية مدة فلم يرد إليه خبر ولا ظهرت علائم عن مجيئهم فعزم أن يهاجم عفكا وصار يضيق عليهم من أجل الميري فتيقن أن الحصول عليه غير ممكن ، وأن أراضيهم من كثرة المياه والأطيان والقرمات صعبة المرور. لذا ترك هؤلاء وتوجه نحو جليحة.
    وهذه واقعة في جانب آخر من القرمات والأنهار وفيها من الموانع ما يصعب الوصول إليه وأنهم معتزون في أكبر الأهوار وأعمقها. تحصنوا بأماكن خاصة واتخذوا لهم (سيبايات) منيعة تمكنوا فيها ، فلم يلتفت الكتخدا لكل هذه المصاعب فسد بعض الأنهار واتخذ جسورا على القسم الآخر فاجتاز كل هذه الموانع وعبرها.
    ولما قرب من مكانهم صال عليهم بمن معه من كل صوب وضيق عليهم ، أما هم فتأهبوا للقتال واشتعلت نيران الحرب وطال أمدها ، والعساكر لم تبق لهم تحملا للتنقل من مكان إلى آخر ولا وجدوا صبرا على المطاردات المتوالية والهجومات العديدة. ولذا أرسلوا ساداتهم للدخالة وطلبوا الأمان وتعهدوا بأداء الميري وعرضوا الطاعة.
    وفي خلال بضعة أيام تمكنوا من جمع نصف الميري المطلوب منهم ، وأعطوا رهائن عن القسم الآخر فعفا عنهم الكتخدا وعاد الجيش. ولما وصل إلى منزل (حورية) أرسل رهائن جليحة إلى بغداد.

    ومن هناك توجه الكتخدا إلى جهة (شط الحي) فأغار على السعيد من قبائل زبيد فانتهبها. ثم قفل راجعا من طريق العمارة والكوت إلى بغداد فدخلها في 10 شهر رمضان. ومدة سفره شهران وستة عشر يوما (1).
    بابان :
    كان عبد الرحمن باشا مشمولا بألطاف الوزير ولكنه انحرف فظهرت منه بعض الأطوار التي لم ترق كما تبين من حاله وقاله ومن القرائن.
    وأيضا تحرك أخوه سليم بك بما يخالف الاستقامة المطلوبة فاغتاظ الوزير عليهما لذلك ألقى الوزير القبض على الباشا الموما إليه وحبسه وعزل أخاه من لواء كوى وحرير ووجهت إيالة بابان إلى محمد بك ابن محمود باشا آل تيمور برتبة (باشا) وخلع عليه وسير لمحل وظيفته.
    وكذا جلب سليم بك وعهد بإيالته إلى إبراهيم باشا ونفي سليم بك مع عبد الرحمن باشا إلى الحلة وحبسا فيها (2).
    الطاعون في بغداد :
    في ذي القعدة ظهرت آثار الطاعون في بغداد ، فعزم الوزير أن يقضي الربيع في أنحاء الخالص فذهب بأهله وأتباعه وحشمه فنصب خيامه في ميدان السلق. وكان من أمد بعيد معتلا (بوجع المفاصل). وفي هذه الأيام اشتد مرضه أكثر واختلت راحته لكنه مع كل هذا ذهب إلى جهة الخالص فكان مشغولا بنفسه.
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 162 ودوحة الوزراء ص 216.
    (2) دوحة الوزراء ص 217 ومطالع السعود ص 163.

    غارة الوهابية على كربلاء :
    وفي هذه الأثناء ورد الخبر من شيخ المنتفق حمود الثامر أن سعود ابن الأمير عبد العزيز توجه إلى هذه الأنحاء بجموع كثيرة العدد والعديد. ولذا وجه الوزير كتخداه علي باشا إلى جهة الهندية ونزل في منزل الدورة مع جمع قليل. وكان في انتظار بعض القبائل لتوافيه. وبينما هم في هذه الحالة إذ فاجأ سعود كربلاء وتمكن من الدخول في المدينة فاغتنم الفرصة دون حيطة من أهل البلدة. فغنم منها أموالا كثيرة وانتهب أمتعة لا تحصى (1).
    وفي عنوان المجد لابن بشر الحنبلي :
    «إن سعودا سار ـ في سنة 1216 ه‍ ـ بالجيوش ... من حاضر نجد وباديها والجنوب والحجاز وتهامة وغير ذلك وقصد أرض كربلاء ونازل أهل بلد الحسين في ذي القعدة فحشد عليها قومه ، تسوروا جدرانها ودخلوها عنوة وقتلوا غالب أهلها في الأسواق والبيوت وهدموا القبة الموضوعة بزعم من اعتقد فيها على قبر الحسين. وأخذوا ما في القبة وما حولها وأخذوا النصيبة التي وضعوها على القبر وكانت مرصوفة بالزمرد والياقوت وأخذوا جميع ما وجدوا في البلد من أنواع الأموال والسلاح واللباس والفرش والذهب والفضة والمصاحف الثمينة وغير ذلك مما يعجز عنه الحصر ، ولم يلبثوا فيها إلا ضحوة وخرجوا منها قرب الظهر بجميع تلك الأموال وقتل من أهلها نحو ألفي رجل.
    ثم إن سعودا ارتحل منها على الماء المعروف بالأبيض فجمع الغنائم وعزل أخماسها وقسم باقيها بين جيشه غنيمة للراجل سهم وللفارس سهمان. ثم ارتحل قافلا إلى وطنه» اه (2).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 217.
    (2) عنوان المجد ج 1 ص 122.

    وفي مطالع السعود : «صبّح أرض كربلاء تسوّر سور البلدة التي فيها مدفن الحسين (رض) ... فقتل عددا جمّا ، وجمع من المال جمعا لمّا ، وأجرى دم القتلى في الزقاق ... ثم ثنى عنان العود إلى نجد» اه ....
    ولما وصل خبر ذلك إلى علي باشا توجه نحوهم بقصد الانتقام ولكنهم بعد أن حصلوا على الغنائم تركوا البلد وذهبوا إلى الأخيضر. وأن الباشا لبعض المقصد توقف في الحلة بضعة أيام. وعندئذ وصل سليم بك (صهر الوزير) متسلم البصرة المعزول بصحبة (عثمان طوبال أسير) فورد المنزل المذكور وتحرك من هناك فنزل الهندية وصار يراقب جميع الأنحاء.
    ولما عرض محمد بك هذا الخبر على الوزير تأثر ، وأن الطاعون تحقق أثره وصار يتوفى كل يوم من 60 إلى 70 من المصابين وعرض القضية على الدولة كما وقعت وأخبر الشاه بما جرى. أما هو فبعد أن رتب الأمور ذهب إلى الخالص ونصب خيامه في أطراف الجديدة (ينگيچة). وأمر إبراهيم باشا متصرف بابان أن يذهب إلى علي باشا ليكون بصحبته. ومكث مدة في الخالص للاستراحة وكان الوزير يخشى من الوهابيين أن ينصرفوا إلى النجف فيقعوا فيه ما أوقعوا في كربلاء. ولذا راعى الحيطة في نقل الخزانة التي في النجف إلى الإمام موسى الكاظم (رض) وعهد بأمر ذلك إلى الحاج محمد سعيد بك الدفتري. فقام بما يجب وعاد إلى بغداد.
    ولبث علي باشا في الهندية شهرين ونصف شهر. وبناء على أمر الوزير أبقى بيارق الخيالة في ذي الكفل (ع) والعقيليين في كربلاء وأبقى في النجف عسكر الموصل مع مقدار من العقيليين وبنى لكربلاء سورا منيعا واتخذ للحلة خندقا صعب الاجتياز. أمر بحفره ولزوم إنجازه وقفل

    راجعا بمن بقي معه من الجيش إلى بغداد (1).
    حوادث سنة 1217 ه‍ ـ 1802 م
    وفاة الوزير سليمان باشا :
    كان الوزير مصابا بوجع المفاصل فلازمه نحو خمسين يوما فاشتد وانحطت قوته. ولما قارب درجة الاحتضار دعا إليه صهره الأكبر علي باشا الكتخدا وخازنه (داود آغا) وأصهاره الآخرين سليم آغا وكتخدا البوابين نصيف آغا فجعل علي باشا خلفا له ونصحه ببعض النصائح ونبه الباقين بلزوم الانقياد له ، وأن يعاضد الواحد الآخر.
    وفي 8 ربيع الآخر توفي وكان بقربه داود آغا ، وسليم بك ، ونصيف آغا. أما علي باشا فإنه خشي من تشوش الحالة فاتخذ ما يجب من الحيطة وتوقع الطوارىء فلم ير من المناسب أن يترك منصب الحكومة.
    أما هؤلاء الثلاثة فإنهم حدث بينهم اختلاف في دفنه فمنهم من رأى أن يدفن في مدرسته ، ومنهم من أبدى لزوم دفنه في جوار الإمام الأعظم وأخيرا دعوا علي باشا فقر الرأي أن يدفن في مقبرة الإمام الأعظم. فدفن فيها.
    مناقبه :
    أطرى صاحب الدوحة أخلاقه ومزاياه وشاد بفضله إلى أن قال : «عامر الديار والأقطار ، وقامع الأشرار والفجار ، وماحي الظلم والفساد ، وحامي البلاد والعباد ، منبع الخير والحسنات ، ومعدن البر
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 218 ومطالع السعود ص 163.

    والصدقات ، العدل البر بالرعايا والرؤوف بهم ، الشجيع المهيب ، ذو الهمة والرأي السديد ، الحكم الخبير ، خلاصة كرائم الأخلاق والسجايا ، جامع محاسن الأوصاف والمزايا ... (إلى أن قال) :
    إن حادثة وفاته ولدت ضجة أسى وحزن في كافة أنحاء العراق فكانت الفاجعة العظمى ، والمصاب الجلل ... فبكاه الكل وأسفوا لفقده ...» اه (1).
    وهو من عتقاء محمد بك الدفتري الربيعي (2). وأولاده الذكور : سعيد بك وصالح بك وصادق بك. وبناته إحداهن زوجة علي باشا الكتخدا والأخرى زوجة سليم بك تزوجت في حياة الوزير والاثنتان الباقيتان عقد عليهما في حياته إحداهما على داود آغا الخازن والأخرى على نصيف آغا كتخدا البوابين. وبعد وفاته تزوجا بهما.
    وهذا الوزير من حين ولي بغداد مكن السلطة وحصرها بالمماليك وأزال التغلب. ولم يدع مجالا لتحكم إيران في العراق. وكان لأدنى سبب أو لمجرد تمكين السلطة للمماليك يسفك الدماء (3).
    كان يؤدي للدولة ألف كيس (4) من النقود سنويا عدا الهدايا. ومع هذا كانت خزانة العراق مترعة من الذهب والفضة وأنواع الأمتعة والتحف والنوادر. وفي هذا العهد استولى على الدولة الضعف والفتور في أعمالها ، وصار التغلب بالغا حده. سيطر الينگچرية على المملكة
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 219 ومثله في مطالع السعود 166.
    (2) مرآة الزوراء. ورأيت إعلاما لدى المرحوم مدحت الربيعي من شهوده الأستاذ أبو الثناء الآلوسي أثبت فيه آل الربيعي أن سليمان باشا من معتقيهم ، وأن داود باشا من معتقي سليمان باشا فأثبتوا أنهم موالي عتاقته.
    (3) تاريخ الكولات ص 21.
    (4) قال الأستاذ سليمان فائق. إن الكيس المذكور يساوي عشرة أكياس بالنظر لأيامه.

    وتحكموا. ولم يكن يؤمل أن تنال بغداد راحة مع بعدها عن العاصمة. وعاد هذا الوزير مجددا للحكومة في العراق.
    وزاد صاحب المرآة أن الوزير في السنين الست الأخيرة من أيامه أخلد للراحة وركن إلى العمارة وسلك طريق الاعتدال. وجمع خزائن عظيمة ، وحصلت الطمأنينة الكاملة في جميع الجهات وعاش الأهلون برفاه ورغد عيش فبلغت الدرجة المطلوبة (1).
    ومما قام به :
    1 ـ عمّر سور بغداد الذي تضعضع بمرور الأيام وتهدم أكثره فرمم البعض وعمّر الباقي فأكمله جميعه.
    2 ـ اتخذ لجانب الكرخ سورا وخندقا.
    3 ـ بنى دار الحكومة (السراي) من جديد.
    4 ـ بنى المدرسة (السليمانية) واتخذ لها خزانة كتب.
    5 ـ عمّر جامع القبلانية. وجامع محمد الفضل واتخذ في كل منهما مدرسة.
    6 ـ عمّر جامع الخلفاء.
    7 ـ طلى رأس منارة الإمام الأعظم بالذهب.
    8 ـ اتخذ قصرا فخما باتصال بستان إيواز (العيوازية). وتسمى العيواضية أيضا.
    9 ـ بنى قناطر (دلي عباس) و (چمن) و (نارين) في سنة 1212 ه‍ و 1214 ه‍ (2).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 218 ـ 220 ومرآة الزوراء وتاريخ الكولات ص 219 ـ 21.
    (2) مجموعة السيد علي البندنيجي.

    10 ـ بنى قلعة في كوت العمارة ومخازن للغلال في أنحاء بدرة وجسّان.
    11 ـ بنى سورا لمندلي.
    12 ـ عمّر سور البصرة.
    13 ـ عمّر سور الحلّة.
    14 ـ أحدث سورا لماردين وبنى فيها أبنية عامرة محكمة.
    15 ـ بنى قلعة قرب الموصل العتيقة (أسكى موصل) لتكون ملجأ للمارين والعابرين.
    16 ـ عمّر في الصحراء من جهة ماردين في دمير قپو في المحل المسمى (چلاغة) عمارات مهمة ونافعة (1).
    إن المؤرخين قصوا ذلك إلا أن المهم معرفة الخطة التي سلكها لإدارة هذا القطر وهذه كانت قاهرة قاسية ، فقضى على العناصر المناوئة له من المتغلبة ، ومحا السلطة العشائرية العربية والكردية ، وقوّى سلطة المماليك ، وجعل الإدارة خالصة لهم. وكان من أهم ما ركن إليه نهب العشائر والإمارات وسلبها ... وأعماله الخيرية كانت من أموال السلب لإرضاء الأهلين. والعراق لم ير سلطة قاهرة مثل هذه.
    __________________
    (1) الدوحة ص 220.


    علي باشا الكتخدا
    قائممقاميته :
    لما توفي سليمان باشا أجمعت الآراء على اختيار الكتخدا علي باشا (قائممقاما). اختاره أمراء الجيش والأعيان وآغا الينگچرية أحمد آغا وسائر متميزي الصنوف العسكرية. وكتبوا محضرا بذلك أرسلوه إلى استنبول ترشيحا له وطلبوا أن يعهد إليه بالوزارة ... وقام هو أيضا بشؤون المملكة داخلا وخارجا ، وصار يرقب الأمور ويراعي الحالة. وبذل كل ما استطاع.
    شغب وتنافس :
    وبينما هو يتوقع ورود الفرمان بوزارته صباح مساء إذ سولت لآغا الينگچرية أحمد آغا (1) نفسه أن يشوش الحالة توصلا لما كان يضمره ، وعلم أيضا من بعض القرائن أن سليم بك تتوق نفسه أن يكون صاحب الأمر. فاستطلع رأيه سرّا فوجد منه موافقة.
    ولا يخلو الأمر من ركون آخرين إليهما. فالينگچرية توسلوا بفنون الحيل لإعداد ما يجب لإشعال نار الفتنة.
    __________________
    (1) هو جد بكر أفندي الكاتب والخطاط المعروف.

    وأول ما قاموا به أن حذر أحمد آغا القائممقام من النتائج الوخيمة فيما لو أهمل التدبير. فأذن له أن يتولى ذلك وكان أمينا منه ، بل رأى ذلك حسن تدبير منه. ولذا جمّع هذا جمعا كبيرا من أعوانه ورجاله من الصنوف العسكرية الذين اعتمد عليهم وشحن بهم القلعة وأحكم ضبطها وغلق أبواب السور وقطع الجسر وشاغب بجماعته في الميدان فأفشى مكنون سره وأوعز إلى جماعة أن يقوموا بما يلزم لتوليد الاضطراب فقاموا وضجوا في البلد.
    وتحقيقا لإيقاد نار الفتنة ضرب السراي بالقنابل فكان دويّ المدافع أحدث ولولة في الناس أكثر فاحتشدت الجموع في الطرق والأزقة والشوارع وصارت الحالة منذرة بالخطر ، فلا تسمع سوى نداء الناس (النفير! النفير! ، والبدار! البدار).
    ولما اطلّع الباشا على حقيقة الوقعة وأن القائم بها أحمد آغا أرسل إليه من هو بمثابة وكيل الكتخدا أعني خالد آغا فتكلم معه وسأله عن سبب قيامه بعد العهد فحاول إرجاعه عن رأيه فكان ذلك عبثا.
    وحينئذ اتخذ الباشا المتاريس للمقاومة والدفاع إذ لم ير أملا في المفاوضة وانقطع حبل رجائه. وفي كل هذا لم تظهر نوايا سليم بك. ولهذا اتخذ متاريس قرب مرقد (گنج عثمان) وقرب جامع الوزير وقرب مرقد الشيخ أبي النجيب السهروردي بواسطة أخيه أحمد آغا. وكلها حول دار الحكومة وبقرب منها ، وزاولوا مقتضيات الحصار وحصلت المناوشات من الجانبين ، فلا تسمع غير أصوات الطلقات ودويّ المدافع. دام القتال بشدة وهول من الصبح إلى وقت العصر ، فاضطرب الأهلون كثيرا وجرى سلب ونهب وكسر دكاكين وغارة على بيوت.
    كثر القتل وسفك الدماء وزاد البغي ، وحينئذ رأى الباشا أنه المقصود بالذات ، وأن الخطر سيتفاقم على الأهلين أكثر وأن الفتنة

    سوف لا ينقضي أمدها بدوام الحالة وأن كانت الهجومات المتوالية على المتاريس تصد ببسالة وشجاعة. والصحيح أنه شعر بالضعف فلم يشأ أن يستمر فكف يده وتنحى عن الأمر وقال : إذا كنت أنا المقصود فإني انفض يدي ولا لزوم للنضال ، وأرسل خبرا بذلك إلى آغا الينگچرية ليأمن على حياته. وعلى هذا بعث الآغا من جانبه حسين آغا الكوسة ومن على شاكلته من الثوار فأقسموا له وأمنوه فاعتمد على ذلك وأقام في منزله منسحبا عن الإدارة.
    ثم إن الثوار اختاروا سليم بك صهر الوزير السابق بدلا من سعيد بك ابن سليمان باشا وقرّ الرأي على هذا فأجلس على منصة الإدارة بصفة (قائممقام). وحينئذ أمر هذا بإطلاق سراح عبد الرحمن باشا متصرف بابان السابق وأخيه سليم بك من الحلة وجلبهما إلى بغداد وأشركهما في أموره فصارا عونا له.
    أما الآغا المرقوم فقد كانت له آمال خفية ولم يكن رأيه في حقيقة الأمر مصروفا إلى سليم بك الصهر وأن ينال المنصب فحسب وإنما كان عمله هذا تأمينا لغرض آخر يدور في ذهنه ، وذلك أنه حين ورود عبد الرحمن باشا مع أخيه سليم بك إلى بغداد لم يكتف أن يقيم علي باشا في داره بل تسهيلا لنواياه بيّن أن علي باشا ما دام في داره لا يستريح الخلق ولا ينالون أمنا ، وأبدى أن الأولى أن يخرج ويسكن في دار عبد الله باشا وأرسل إليه نصيف آغا وألح في الطلب. ونادى المنادون أيضا أن لا يبقى عثمانيون في دار الحكومة ومن خالف فسوف يعرض نفسه للخطر والعقوبة الصارمة.
    أما علي باشا فإنه بقي في داره إلى ما بعد المغرب ثم خرج وعبر في زورق إلى جانب الكرخ وحينئذ علم الناس طوية الآغا وما يكتمه في مكنون سره فحصل هيجان وثار الناس مع سائر الصنوف العسكرية إلى

    جانب الرصافة إلا أن الجسر قطع ومع هذا عبروا بالسفن والقفف ليلا وهاجموا الميدان.
    أما أعوان علي باشا من العثمانيين فإنهم اختفوا في منازلهم فلما رأوا الحالة أبدوا ميولهم نحو علي باشا ورجعوا إليه. وفي تلك الليلة بادروا إلى الميدان فضبطوا السراي والميدان. وحينئذ تشتت المجتمعون في القلعة حتى أنه لم يبق فيها سوى عبد الرحمن باشا وأخيه سليم بك مع بعض أعوانهم فحاصروا فيها وثبتوا إلى الصباح. وفي الفجر رموا بأنفسهم من باب الحديد إلى الخارج وذهب عبد الرحمن باشا وأخوه سليم إلى الأعظمية واختفيا وأما سليم الصهر فإنه توجه إلى الموصل وآغا الينگچرية فرّ إلى محل مجهول.
    وبهذه الصورة استولى أتباع علي باشا على القلعة الداخلية. وعندئذ أحضر علي باشا راكبا زورقا وجاء ضحى إلى منصبه ، وعين آغا للينگچرية سعد آغا الذي هو رئيس عسس وأحيل إليه أمر إلقاء القبض على من ركن إلى الآغا الفار ، وأن يتحرى عنه ، وأمر بعض رجاله أن يلقي القبض على عبد الرحمن باشا وأخيه فجيء بهما من الأعظمية.
    وكان علي باشا أمر بقتل عبد الرحمن باشا وإبقاء سليم بك ولكن أبدى كل من خالد بك وكيل الكتخدا ومحمد بك الشاوي المحاذير من قتله ، وأن بقاءه نافع أكثر. ولذا عفا عنه وأعطي لسليم بك مقاطعة تكريت وأرسل إليها. وعلى الأثر أعيد ونفي إلى البصرة وعقب ذلك أوعز أن يقتل فقتل.
    وقبض على أحمد آغا رئيس الينگچرية سابقا وعلى كل من حسين آغا الكوسة وباش أسكي إبراهيم وصالح آغا ابن القيومچي وچاوش أوسطة وأعوان القصبه جي وغيرهم. فأحضروا بذل وهوان ونالوا جزاء

    أعمالهم أي قتلوا (1). وبعد ذلك نادى المنادون بالعفو عن عامة الأهلين إزالة لآثار النفرة والوحشة وأن تسكن الحالة وتهدأ.
    وزارة علي باشا
    توجيه إيالة بغداد والبصرة وشهرزور :
    إن الدولة لم تشأ أن توجه هذا المنصب إلى أحد المماليك إلا قسرا ونظرا لظروف خاصة ، ولكنها في كل أحوالها لم تجد مجالا للتسلط على الإدارة رأسا ، وأن أحوال علي باشا لم ترض لا سيما وقد ألحق ماردين بالعراق مع أنها داخلة في ديار بكر ، وتمكن أن يجعل ولاة الموصل تابعين له ، وأكسب ولاة بغداد شكلا ثابتا ، فكانت متذمرة من سيرته مذ كان كتخدا بغداد.
    وفي عزمها أن تحول إدارة العراق إلى الشكل المرغوب فيه ولكن الحوادث لم تمهلها ، وأن روسية كانت عازمة على الاستيلاء على ممالكها فكانت تظهر تعندا بين آونة وأخرى لقهرها ولا تزال إلى أيام قائممقامية علي باشا تظهر الخصام وتفتح أبواب الجدال استفادة من سنوح الفرصة كما إن حكومة النمسة لم تخل في وقت من اكتساح قسم من الممالك العثمانية بالاتفاق مع روسية. ومما زاد الطين بلة ظهور نابليون بونابارت وقيامه بما قام به بحيث بدل خارطة أوروبا وحول في النظامات الملكية والعسكرية في الدولة.
    هذه الأحوال دعت إلى أن يطرأ في الدولة خلل فصرفت نواياها عن تطبيق فكرتها في العراق. وعلى هذا ولما توفي سليمان باشا قدم الأهلون المحضر للدولة في طلب التوجيه إلى الكتخدا السابق علي باشا
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 167. ودوحة الوزراء ص 223.

    فعزم. رجال الدولة أن يوجهوا الإيالة إلى علي باشا حذرا من وقوع ما لا تحمد عقباه ، إذ إن العراق مجاور للحدود الإيرانية ، وأنه موطن العشائر ، ففي حدوث تبدل كهذا يتخذ أرباب الشغب الوسيلة. وإثر ذلك ورد خبر الاضطراب في بغداد بالوجه المبسوط فاضطرت الدولة إلى تأخير إصدار المنشور حتى تتوضح النتائج بأن تعلم ما يصل إليه النزاع وحاذرت من التسرع فاكتفت بتوجيه (القائممقامية) إلى علي باشا فحسب.
    ولما ورد الأمر كانت تحسنت الأوضاع وعاد النظام وقويت يد علي باشا وبعد ذلك ورد أمر بالتحري عن مخلفات سليمان باشا. وبهذه الوسيلة تراخت الدولة في قضية التوجيه مدة ثلاثة أشهر أو أربعة بصورة لا تحس.
    وفي هذه الحالة تابع علي باشا أوامر الدولة وأرضى أمناءها في تنفيذ أوامر السلطان وأتباع المرسوم ، ومن ثم أسند إليه منصب الوزارة وجاءه المنشور فحصل على مرامه في 17 شهر رمضان هذه السنة وقرىء الفرمان باحتفال ، وحينئذ تمكن على سرير الوزارة وشرع في إدارة شؤونها.
    سفر الوزير إلى بلباس :
    إن عشائر بلباس من الأكراد المقيمين في شنو ولاهجان زادت شرورها وتمادى عتوها خصوصا أن قسما منها سلب راحة تلك الجهات من حدود إيران في أطراف صاوق بولاق ومراغة وأورمية ، فقطعوا السبل وأوقعوا خسارات وأضرارا كبيرة.
    ولذا كان الشاه يكاتب الحكومة متواليا يتضجر من سوء عملها. ولو بقيت هذه الحالة لأدت إلى انهدام صرح الصداقة بين إيران والعراق ، كما أن العشائر المذكورة في موسم الربيع تنزل ناحية كوى

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 9:26 am

    حوالي إربل فيصيب السكان وأبناء السبيل منها أضرار جمة فاقتضى تأديبهم من جانب الوزير بل استئصال غائلتهم فجهز عليهم جيشا عظيما ونهض من بغداد في 8 شوال وتوجه إليهم. وفي اليوم السادس من حركته وصل إلى قنطرة الذهب كما أنه أوعز إلى إبراهيم باشا أن ينكل بمن في جهته منهم. ولما سمعوا بالخبر بادروا إلى إنقاذ أنفسهم من الهلاك ففروا بأهليهم ولجأوا إلى الجبال فاستولت الحكومة على أموالهم ومواشيهم ولا يكاد يحصيها عد. وأوقع إبراهيم باشا بمن في ناحيته وعلم الوزير أنه مضى إليهم من ناحية السليمانية فاستأصلهم نهبا وقتلا وغنم منهم غنائم كثيرة جدا فساق أغنامهم ومواشيهم وجاء بجيوشه إلى الفيلق. فحصل على إكرام الوزير له.
    وفي هذه المرة غنم منهم أكثر من ستين ألف شاة وما يتجاوز ألفي رأس من البقر والفا من البغال فبيعت إلى الأهلين في كركوك وإربل وقنطرة الذهب. وبقي الجيش مدة شهر ، ثم عزم على الذهاب إلى بغداد ، وهذا ديدن الوزراء حينما يتولون الإيالة بالهجوم على بعض العشائر فأحيا تلك البدعة (1).
    حرب اليزيدية :
    كان العزم مصروفا إلى العودة إلى بغداد ولكن الوزير علم أن اليزيدية في جبل سنجار طغوا وتزايد ضررهم ، فرأى أن يزحف عليهم فتحرك من إربل إلى سنجار ، ونكل بهم (2).
    __________________
    (1) مر في المجلد الخامس مثل هذه الوقعة.
    (2) تاريخ اليزيدية ص 137 ودوحة الوزراء ص 225.

    حوادث سنة 1218 ه‍ ـ 1803 م
    العمادية والجيش :
    إن حاكم العمادية مراد خان طلب الوزير منه أن يأتي بنفسه أو يرسل جيشا كبيرا فاعتذر عن الحضور وأرسل نحو ثلاثمائة بندقي لا غير وتهاون في إرسال قوة كبيرة. لذا عزله الوزير ونصب (قباد باشا). بعد أن أتم حرب اليزيدية. ثم إن الوزير حطّ ركابه قرب تلعفر.
    قتلة محمد بك الشاوي وأخيه :
    في أوائل المحرم بعد أن رحل الوزير من سنجار غضب على محمد بك وعبد العزيز بك آل الشاوي فأمر بخنقهما فخنقا (1). قالوا : إن آغا بغداد (أحمد آغا المقتول) كان قد ارتكب مفاسد كثيرة ، وظهر للوزير أن آل الشاوي سعوا له في الخفاء واشتركوا معه ، وأنهم من أول الأمر كانوا يحركون أهل الفساد على القيام والشقاق ، فانهمكوا في الأمر. كل هذا تبين له عيانا.
    وكذا في هذه السفرة من حين حركتهم إلى اليوم قد قصروا في واجبات الخدمة ومراسيمها وارتكبوا أحوالا رديئة لا تحصى فألقى القبض عليهما في المنزل المذكور وأمر بقتلهما لساعتهما. وكان معهما ابنهم الصغير والحاج أحمد بك ابن الحاج سليمان بك الشاوي فإنهما حبسا واستصحبا مقيدين ، وعاد الوزير إلى بغداد في 22 صفر. وكانت مدة سفره أربعة أشهر واثني عشر يوما» اه (2).
    هذا ما أبدوه في تبرير فعلة الوزير.
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 132.
    (2) دوحة الوزراء ص 226.

    ترجمة الأخوين :
    قال عثمان بن سند : «كانا كندماني جذيمة فتفرقا ، وأصبح كل منهما وحيدا في لحده مع أن كلّا منهما نسيج وحده ، ولكن الحمام مورود ، والأجل محتوم معدود ، والبقاء في الدنيا مستحيل ، والعبد فيها على جناح رحيل ...
    أما محمد بك فكان في أيامه من ملوك العرب ، وأهل النجابة والبراعة منهم والأدب ، ومن الدهاء وإصابة الرأي في المكان الذي لا يجهل ، ومن الحلم والرزانة بحيث لا يسأل ، ومن لين الجانب للأصحاب والأجانب بحيث لا يوجد له مناظر ، ومن الغوص على النوادر بحيث ضرب المثل السائر ، ومن ايراد النكت واللطائف بحيث لا يدع مقالا لقائل ، ووصفا لواصف ...
    قرأ على علماء أجلاء. خدم ملوكا ووزراء وعاشر أمثالا وكبراء ، واعتمدوا عليه في الأمور الصعاب ، وشاوروه فأشار وكشف عن وجه الرأي النقاب. وأن حسن باشا اعتمد عليه في أشياء مهمة ، وأرسله إلى العجم فجلا تلك الإشكالات المدلهمة. وأما سليمان باشا فصدره صدارة ما عليها مزيد بحيث شاوره في أمر الحاضر والبادي واسترشد به في الخفي والبادي ...
    ورث الرئاسة عن أبيه وجده ، ومن أجلّ ما فيه أن جلساءه العلماء ، وندماءه الأكابر والعظماء ، وأنه كثير الصدقات الخفية خصوصا لمن تعلق بالأسباب العلمية.
    وأما أخوه عبد العزيز بك : «فمنطيق ألمعي ، غاية في التمييز ، قرأ على علماء قطره ، واستضاء من شموس عصره ، وتشبث بأسباب الديانة ، وأعرض عن كل ما يشين ، ولازم الجماعات في المساجد ، ونادم كل ناسك ، وصار لا يباشر من الأسباب الدنيوية ، إلا ما كان من الأمور الضرورية.

    وقد شاهدته في الليالي المظلمة ، يمشي إلى المساجد ، يتصدق في ممشاه ، إليها على بعض من ماشاه ، إلا أنه لما أرسله إلى الوهابية سليمان باشا الوزير عنّ له من اعتقادهم ما عنّ ، وظن أنه الحق ولبئس ما ظن ، مع أنه رحمه الله ما اعتقد منه إلا ما كان حسن الظاهر ، ولو اطلع على باطنه لكان له أعظم نافر ، والذي تحققت منه أنه لا يعتقد معتقد أولئك الأقوام ، ولكنه يستحسن أشياء منهم تقبلها في الظاهر الأفهام ، مع أنهم توصلوا بها إلى أمور مستقبحة عند الخاص والعام ، ولكن لما عرف ميله إلى هذا المذهب ناس ، أظهروه في المحافل واحتجوا لصحته بالكتاب والسنة والإجماع والقياس ، وصاروا في ذلك أشد من أهل العارض ...».
    وابن سند كان له عداء مع الوهابية ، وماشى الدولة في إظهار النفرة ، وأن عبد العزيز بك كان أول من بشر بمذهب السلف في العراق لما رآه من حسن عقيدتهم ، وتابعه في بغداد خلق كثير. وشاهدهم صاحب المطالع عيانا ورأى من صحة العقيدة منهم ما لم يره في سائر البلاد الإسلامية ... والآلوسيون تلقوها عن هؤلاء وقوّوها بكتب ابن تيميّة وأنصاره. ولنعد إلى تتمة ترجمة هذين الأخوين. قال ابن سند :
    «ولما أمر الوزير علي باشا بقتل الأخوين لأمر كل منهما برىء منه دفنا في موضع قريب من الموصل رحمهما الله وإيانا. وقد رثيتهما بمقطوعة مرتجلة قضاء لحق الصحبة ... قضيا نحبهما في أول المحرم من سنة 1218 ه‍» (1).
    وبقي الأثر السيّىء لهذه الوقعة في نفوس الأهلين وفي نفوس آل الشاوي وظهر في شعر عبد الحميد بك الشاوي.
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 172.

    الطاعون في بغداد :
    ولما أوقع الوزير بذينك السريين بقي أياما في البرية بسبب الطاعون وكان بدت آثاره في بغداد في شوال سنة 1217 ه‍ ودام إلى أوائل سنة 1218 ه‍ وبعد زواله عاد الوزير إلى بغداد في 22 صفر سنة 1218 ه‍ (1).
    الوزير في بغداد :
    «وبعد ما دخلها الوزير اشتد غضبه على أناس من الأجناد ، فصيرهم شذر مذر ، فتك بقسم ونفى آخرين ، وهرب قسم ومنهم من اختفى ونجا من العطب» اه (2).
    وفي هذا ما يشير إلى السخط منه.
    قبيلة العبيد والملية :
    كانت بين والي الرقة تمر باشا الملي وبين العبيد عداوة سابقة. فلما حدثت وقعة سنجار وقتل محمد بك الشاوي وعبد العزيز بك لم يتيسر الحصول على جاسم بك أكبر أولاد محمد بك وإنما مال إلى عشيرته.
    فاتخذ تيمور باشا ذلك وسيلة للانتقام من العبيد من أجل عدائه القديم (لا شك أن ذلك بإيعاز من علي باشا) فانتهز الفرصة وهاجم عشيرة العبيد ، وفي نتيجة المعركة كسر جيش تمر باشا شر كسرة وانهزم وتغلب جاسم بك والعبيد عليهم وغنموا ما لديه من نقود مخفية وأموال بارزة مما لا يحصى وعادوا إلى الخابور فأقاموا فيه. فكان لغلبة العبيد شأن يذكر.
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 174.
    (2) مطالع السعود ص 175.

    سمع الوزير بذلك فعزم على تأديب هذه العشيرة فتوجه إليها بنفسه ومعه قوة عظيمة. وفي 6 رجب نهض من بغداد ووصل إلى ناحية دجيل. وحينئذ علمت بوصوله فقامت من مواطنها وعبرت إلى الشامية. وحينئذ حول عزمه إلى جهة الفلوجة.
    وفي مجموعة مخطوطة عندي جاء أن (العبيد) كانت تقطن قصبة البصيرة ولها مخابرات مع الوهابية ، فعاثت بالأمن. وأن والي الموصل محمد باشا أراد التنكيل بها وبمن معها من عشائر الجبور والعقيدات والبقارة إلا أن هذه العشائر مالت إلى الدخالة ، واستولى على العبيد الرعب فتركوا أغنامهم وإبلهم ومضوا إلى الجنب الآخر من الفرات ، وأن القصبة المذكورة أذعن علماؤها وكبارها بالطاعة ، فاقتضى نصب شيخ على هؤلاء وهو شيخ الخرنينة (علي الفضلي) فنصب وكانت الدير وعانة بيد الأغيار فلم يستطع أن يصل إليها أحد. فاستولى والي الموصل عليها.
    وفي هذه الأثناء جاء (عبد الله العظم) إلى الوزير فاستشفع به لدى السلطان وكان غضب عليه ، ولذا راعى الوزير جانبه وأبدى له الاحترام اللائق وتعهد أن يستشفع له. وحينئذ عبر جسر الفلوجة وضرب خيامه في الجانب الآخر ومكث بضعة أيام ، ثم حدثت في بغداد بعض الغوائل وولد بعض المتنفذين مثل ملا خليل وأعوانه الشغب فأحدثوا اضطرابا فلما اطلع القائممقام درويش آغا اهتم للأمر ولم يمكّن أحدا من ايقاع أي خلل وألقى القبض على قسم منهم وعرض الأمر على الوزير فكتب إليه أن اقتل من يستحق وبعّد الآخرين عن ديارهم. وحينئذ قتل الملا خليل وأعوانه مثل موسى البيرقدار ، والحاج خليل البيرقدار ، والحاج حسين هبّة ، وخلف البقال ، وجواد بن حمزة ونفى آخرين.
    مكث الوزير بضعة أيام في أنحاء الفلوجة ثم عاد إلى بغداد ورحل

    إلى جهة الشامية ومنها نزل قرب المشهد (النجف). وهناك رتب جموعا من عثمانيين وكرد وعرب وجعلهم تحت قيادة فارس الجرباء وأمرهم بالذهاب إلى جبل شمر. وفي هذه الأثناء أعلم فارس الجرباء بأن جمع الوهابيين وافى إلى هذه الجهات فأغار فارس بجموعه نحوهم بقصد الظفر بهم فلم يروا أثرا لهم وقضوا ليلتهم قرب قصر الأخيضر فوق شفاثا. وبينما هم في استطلاع الأخبار إذ جاءت الأنباء بأنهم وصلوا إلى غربي المشهد إلى القطقطانة (طقطقانة) فقاموا من ساعتهم فأغاروا عليهم ولم يصلوها إلا وقت المغرب فوجدوا أثرا ولكنهم لم يعثروا عليهم وعادوا بيأس لأنهم علموا مؤخرا أن الوهابيين رجعوا إلى ديارهم. ثم عادوا إلى الجيش ووصلوا إلى الحلة وأقيم عبد الله باشا العظم في دار خاصة تليق بمكانه وأعد له ما يقتضي لإيفاء واجب الضيافة. وعاد الوزير إلى بغداد في 4 شهر رمضان من هذه السنة (1).
    غزو الأمير سعود البصرة :
    كان في بغداد رجل أفغاني الأصل يدعى ملا عثمان عزم على قتل عبد العزيز السعود فتوجه إلى الدرعية. وصل إليها بصفة درويش وأظهر التنسك والزهد ، فأكرمه عبد العزيز السعود ، وكان يضمر اغتياله ، فوثب عليه وطعنه فقضى عليه ، وجرح عبد الله أخاه فبايع القوم لسعود بن عبد العزيز. وقيل إن القاتل من أهل كربلاء ، واستبعد صاحب عنوان المجد أن يكون من أهل العمادية كما نقل ، وكان القتل في العشر الأواخر من رجب سنة 1218 ه‍ (2).
    وبعد أن تمت للأمير سعود الإمارة سار في نفس السنة إلى
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 227.
    (2) عنوان المجد : ابن بشر الحنبلي ص 130.

    العراق ، فكانت غزوة البصرة. هدم قصر الدريهمية مشرب أهل الزبير وقتل من كان فيه. وذلك أن سعودا أمير نجد سار من الدرعية وقصد ناحية الشمال حتى نزل التنومة عند القصيم فعيّد فيها عيد النحر. ثم رخص عربان الشمال من الظفير وذكر لهم أنه يريد الرجوع وكان حذرا أن يخبروا أهل البصرة والزبير ومن في جهتهم إذا رجعوا إليهم. قفل حتى يبغتهم من حيث لا يعلمون وكانت عادته إذا كان يريد جهة ورّى بغيرها.
    فلما رحل عنه عشائر الشمال من التنومة قصد الدرعية فسار نحو يوم أو يومين فوصلت العشائر وأخبرت من في ناحيتها بقفوله.
    ثم إن سعودا رجع عائدا إلى البصرة. فلما أتى قربها وافق كتيبة من خيل المنتفق رئيسهم منصور بن ثامر السعدون فأغار عليها وقتل منهم قتلى وأخذ منصورا أسيرا. أراد الأمير سعود أن يضرب عنقه ثم عفا عنه فأقام عنده في الدرعية نحو أربع سنين ثم أذن له بالرجوع إلى أهله.
    نزل الأمير سعود على الجامع المعروف قرب الزبير فنهض جيشه إلى البصرة فدهموا جنوبها ونهبوها وقتلوا من أهلها كثيرين وحصروا أهلها ، ثم رجعت تلك الجموع وحاصرت أهل الزبير وهدمت جميع القباب والمشاهد خارج سور البلد ، ولم يبقوا لها أثرا. ثم أعيدت قبة طلحة والحسن (البصري رضي الله عنهما) بعد هدم الدرعية.
    ثم إن سعودا أمر جموعه أن يحشدوا على قصر الدريهمية فهدموه وقتلوا أهله. فلما كان وقت غروب الشمس أمر سعود مناديه أن يثور كل رجل بندقيته فثوروها دفعة واحدة. قال لي رجل من أهل الزبير : لما ثارت البنادق في الأرض والجو وأظلمت السماء ورجفت الأرض بأهلها ، وانزعج أهل الزبير انزعاجا عظيما وصعد النساء في رؤوس السطوح ووقع فيهم الضجيج وأسقطت بعض الحوامل. فأقام محاصرهم

    نحو اثني عشر يوما. حصد جميع زروعهم ، ورجع قافلا» (1).
    وذكر هذه الواقعة عثمان بن سند في حوادث سنة 1219 ه‍ قال ما ملخصه :
    «حاصر سعود بن عبد العزيز البصرة وقتل ونهب وحرق وزأر وأرعد وأبرق. ومتسلم البصرة إذ ذاك إبراهيم آغا فصبر وصابر ، ورجع حمود إليها بعد ما سافر عنها وشد للمتسلم عضده.
    وكان ابتداء غزوه في آخر السنة التي قبلها وهي التي قتل فيها أبوه» اه (2) ....
    ساد الاعتقاد في نجد أن القتل جرى بإيعاز من حكومة العراق فأراد أن يشفي غليله بالانتقام لوالده.
    حوادث سنة 1219 ه‍ ـ 1804 م
    غارة الوهابية :
    علم الوزير أن الوهابيين توجهوا نحو العراق فقام من بغداد في 19 المحرم حتى وصل إلى أبي عوسجة فتبين أن الركب مضى إلى البصرة فلم ينل مرغوبه ، وكان حاصر قرية الزبير تسعة أيام وعاد جيشهم فلم يظفر ببغية ، مضوا من جهة جنوبي البصرة إلى ديارهم. ورجع الوزير في 21 صفر.
    تجهيزات على الدرعية :
    إن الحكومة العراقية لم تنل مرغوبها من سفرها السابق تحت قيادة
    __________________
    (1) عنوان المجد ج 1 ص 130.
    (2) مطالع السعود ص 136.

    علي باشا وعادت بالخيبة والدمار. ولكن الدولة ألحت في لزوم القضاء على غائلة الوهابية وعهدت بذلك إلى الوزير علي باشا في حين أن الواقعة السابقة لا زال يرن صداها في الآذان. وأن الحكومة العراقية عالمة يقينا بأنها لا تستطيع القيام بسفر مثل هذا.
    قرر الوزير السفر لمجرد طاعة الأمر السلطاني وتأهب لإعداد ما يجب القيام به. وفي 9 شعبان خرج من بغداد. وتوجه نحو الحلة وعبر جانب الشامية فوصل الجيش إلى حوالي النبي أيوب (ع). وهناك مكث نحو أربعة أشهر ونصف في خلالها نشر سطوته في تلك الأنحاء ، وأعد جمعا قويا من العساكر وأكمل معداتهم وعين عليهم ابن أخته أمير لواء إربل سليمان بك قائدا وسيره إلى جبل شمر.
    سفر الجيش :
    إن هذا القائد تجول في جبال نجد ووهادها واجتاز مصاعبها ، ونكل بكل من صادفه من جموع الوهابيين فنال غنائم وافرة من نعم وشاء وعاد. والأصح أصابه ما أصاب علي باشا قبله من العناء والعطش وأن الحرارة أثرت على الكثيرين فكف بصرهم ، ونالهم الصمم وبعضهم اعترتهم خفة العقل. ولم يصلوا إلى مواطنهم إلا بعد مدة (1).
    الخزاعل :
    في هذه الأيام انحرف شيخ الشامية عن الطاعة ، فجرد الوزير عليهم خيلا وأغار عليهم إلى هور شلال ، فسمع الشيخ بالخبر قبل الوصول إليه ففر إلا أنه خربت دياره ، وأتلفت زروعه. وحينئذ عاد الوزير وأخر خالدا الكهية ، ورئيس الكتيبة (باش آغا) ، وعبد الرحمن
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 174.

    باشا ، ومحمد باشا متصرف كوى في الحلة للمحافظة وعاد هو إلى بغداد في 22 ذي الحجة. وطالت هذه السفرة أربعة أشهر وأحد عشر يوما.
    قبيلة الظفير :
    أغار الأمير سعود على الظفير ، ولم يبق لهم من شاة ولا بعير. ورؤساؤهم (آل سويط) وهذه الواقعة دعت الظفير أن يميلوا إلى العراق ويتوطنوا فيه. وكان رأى آل سعود منهم مخالفات آووا أعداءهم وأن أناسا منهم غزوا مع أولئك الأعداء ، فخالفوا السمع والطاعة (1).
    حوادث سنة 1220 ه‍ ـ 1805 م
    جاسم بك الشاوي والعبيد ـ آل بابان :
    إن علي باشا عاد إلى بغداد وتأخر خالد الكهية ، وباش آغا ، وعبد الرحمن باشا ، ومحمد باشا في الحلة. وبعد مرور شهر ونصف طلب خالد الرجوع إلى بغداد ، وبقي رفاقه وبعد سبعة أيام أو ثمانية أمروا بالعودة فعادوا واستراحوا ثلاثة أيام أو أربعة. وفي هذه الأثناء علم الوزير أن جاسم بك الشاوي عبر بعشيرة العبيد من الشامية إلى الجزيرة وتمكّن في جهة الخابور ، فعاثوا هناك. لذا عين الوزير عبد الرحمن باشا ومحمد باشا لتبديد شملهم وأمر أن يتوقف عبد الرحمن باشا حوالي كركوك لإعداد ما يلزم من معدات وأن يذهب محمد باشا إلى لواء كوى كذلك ، ثم يتلاحق الاثنان ويذهبا إلى أنحاء الخابور لإنهاء المهمة فأطاعا الأمر وذهبا ولكن العداء القديم كان مستحكما بين الاثنين فيتربص الواحد الفرصة للوقيعة بالآخر.
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 136. والتفصيل في عنوان المجد في تاريخ نجد ج 1 ص 131 والظفير في عشائر العراق ج 1 ص 295.

    وكان عبد الرحمن باشا أثناء سفر الوزير تظهر منه بعض المعاملات خلاف ما كان عليه أسلافه من حسن الطاعة كما أنه رأى من محمد باشا أوضاعا زائدة في مراعاة جانب الوزير. ومن جراء ذلك صار عبد الرحمن باشا يترقب الفرص للوقيعة بمحمد باشا ويلتمس الوسائل للعصيان.
    وفي سفرتهما هذه وصلا إلى منزل (البط) (1) فانتهز عبد الرحمن باشا الفرصة وقتل محمد باشا وألقي القبض على جميع أتباعه ونهب معسكره وجيشه وكتب بذلك عرضا إلى الوزير أخبره به عما جرى وذهب توا إلى كركوك.
    وهذا ما لا يصح السكوت عليه إلا أنه تعهد أن يقوم بالخدمة ، ويراعي الإخلاص والصداقة. وكانت المصلحة تدعو إلى مراعاة جانبه والسكوت عنه لأجل ، لذا كتب إليه يعزره وينصحه وبالنتيجة يعفو عنه ، ولزيادة تطمينه أرسل إليه خلعة وأمرا ووجهت إليه ألوية كوى وحرير.
    ولما ورد موظف من قبله أرجع إلا أنه حينما وصل إلى داقوق عاث عسكره بالزروع والقرى ونهب وسلب. فأخبر متسلم كركوك الوزير بكل ذلك وجاءت الأخبار من أماكن أخرى تنذر بخطره فتظاهرت خيانته فلم يطق الوزير التغافل عنه.
    وكان الوزير يحسب أن خالدا الكهية متفق معه في الخفاء هو وبعض ندمائه. لذا ألقى القبض عليه وعلى الحاج عبد الله آغا متسلم البصرة سابقا وأعوانهما وسجنهما في القلعة الداخلية وفي هذه أتهم محمد الفيضي بن لطف الله كاتب الديوان وكان خطاطا معروفا (2).
    __________________
    (1) رحلة المنشىء البغدادي هامش ص 63 وفيه تفصيل. والبط هو (البت) ويراد به هنا نهر العظيم.
    (2) شعراء بغداد وكتابها ص 27 و 45.

    وعين مكانه ابن أخته سليمان بك وكيل الكهية وعزل الكهية ، ووجه إيالة بابان إلى خالد بك ابن أحمد باشا وكان أرسل قبل شهر مأمورا إلى جهة العمادية لمعاونة قباد باشا وأن يكون قوة ظهره. ومنحه الوزير رتبة باشا ووجه ألوية كوى وحرير إلى سليمان بك ابن إبراهيم باشا برتبة باشا وألبس الخلعة من بغداد وأرسلت إلى خالد باشا خلعة ليلبسها في المحل الذي هو فيه وصدر أمر العزل بحق عبد الرحمن باشا وأعطي إلى رسوله. وأمر الوزير بما يلزم للسفر وأن يقضي على هذه الغوائل.
    رأى الوزير أنه لا يأتلف بقاء خالد الكهية والحاج عبد الله آغا محبوسين حذر أن يتولد ما لا تحمد عقباه ، ولذا قتل خالدا الكهية (1) في الحال وأمر بنفي الحاج عبد الله آغا. وحينئذ نهض في 5 شهر ربيع الأول للانتقام من عبد الرحمن باشا وساق الكتائب متوجها إلى ديار الكرد.
    وفي هذا الحين قدم عبد الرحمن باشا عرضا يلتمس فيه العفو والرأفة به وتوالت العرائض منه ولكنه لم يعدل عن غيه ، وأنه لا يزال جادا في عمله. جلب لجهته ضامن المحمد شيخ العبيد ، وحمد الحسين شيخ الغرير وبقوا في كركوك بضعة أيام لا سيما أنه نصب خيامه في (قره حسن) ، وأرسل أخاه سليمان بك بنحو خمسمائة فارس فدمروا (زهاو) مقر متصرفية درنة وباجلان فهرب منها حاكمها عبد الفتاح باشا. ثم إن خالد باشا عبر إلى الجانب الآخر من الزاب فوصلت إليه الخلعة مع الأمر المتضمن التوجيه ومن ثم عاد إلى إربل ، وصار يترقب ورود الوزير فجمع جموعا من الإربليين والموصليين فأغتر بهم وجاء إلى قنطرة الذهب.
    __________________
    (1) شعراء بغداد وكتابها ص 27 وفيه تفصيل. وفي ص 45 الكلام على عبد الله آغا.

    وعلى هذا جهز عبد الرحمن باشا أكثر من ثلاثة آلاف فأغار على خالد باشا بوجه السرعة قبل أن تصله القوة ، ولما قرب من القنطرة صادف خالد باشا ومعه نحو ثلاثمائة أو أربعمائة من خيالته فخرجوا عليهم من القنطرة وتأهبوا لمكافحتهم فنصب خيامه خارج القنطرة واتخذ المتاريس فلم يمهلهم عبد الرحمن باشا وإنما هاجمهم بكافة جموعه فقابله خالد باشا مدة قليلة فرأى أنه لا يستطيع الدوام على محاربته نظرا لقلة عسكره وضعفهم فانكسر جيشه ورموا بأنفسهم في الماء ، فلم يجدوا نجاة بل غرق أكثرهم ، وانتهبوا ما لديهم من أموال وغنائم. وأن خالد باشا نجا بنفسه مع بعض أعوانه بشق الأنفس فانهزم إلى إربل موليا الأدبار ، وأما أخوه عبد العزيز بك فإنه خرق جيش عبد الرحمن باشا بنحو مائة فارس وذهب توا إلى علي باشا وأخبره بما وقع.
    هذا وأن عبد الرحمن باشا هاجمت جيوشه بلدة آلتون كوپري وانتهب أهليها ثم عاد رأسا إلى (قره حسن) وأقام فيها. وأن عبد العزيز بك ذهب بتلك الحالة من طوز خورماتي إلى ناحية البيات فوصل إلى علي باشا ، ولذا سارع الوزير لملاقاة عبد الرحمن باشا ومقارعته فتوجه إلى جهة كركوك ولكن عبد الرحمن باشا لم يعتقد أن الوزير سيتوجه إليه ولم يعلم بمجيئه نحوه.
    وبينما هو في حالة الدفاع إذ فاجأه الوزير بغتة فلم يقدر على البقاء فعاد إلى الوراء وحاصر في مضيق (بازيان). وأن شيوخ العبيد وشيوخ الغرير كانوا معه ففروا منه والتمسوا النجاة ، مالوا إلى أنحاء سنجار ومنها إلى الخابور ثم عبروا إلى الشامية.
    ولما أن علم الوزير بذلك وجه شمر ورئيسها فارس الجرباء لاقتفاء أثرهم وكذا قبيلة عقيل ليقطعوا مرورهم ويمنعوهم من العبور إلى جهة

    الشامية. وأخذ الوزير معه أمراء الكروية (1) وعساكر إربل لاستئصال المذكورين والقضاء عليهم ، ومن الغريب أنهم حينما حاولوا العبور باغتتهم القبائل وأحاطت بهم من كل صوب فقتلوا كثيرا بينهم ضامن المحمد شيخ العبيد وغنموا منهم غنائم كثيرة فجاءت البشرى إلى الوزير وهو آنئذ في كركوك.
    وأن خالد باشا جمع له جموعا أخرى قدر المستطاع ووصل إلى كركوك فتحركوا جميعا منها وضربوا خيامهم في الجانب الآخر من وادي (قزل دره) ويبعد نحو نصف ساعة عن المضيق ، أما عبد الرحمن باشا فإنه أحكم سد المضيق.
    وصار يفكر الوزير في طريق يسهل الذهاب إليه فبقي نحو أربعة أيام ، وفي هذه الأثناء كتب عبد الرحمن باشا إلى الشاه يستمده ويطلب منه إنقاذه ، ولذا التمس شاه إيران من الوزير أن يشفعه فيه في العفو عنه فجاء سفيره بكتاب منه.
    أما الوزير فألزمه الحجة بوجه معقول. وفي ضحى اليوم الخامس صف الجنود ونظم الكتائب وشرع بالحرب فهاجم المضيق وكان محكما. اتخذ فيه عبد الرحمن باشا سناكر (2) متعددة ووضع في كل واحد منها مقدار ألف بندقي من خيار جنوده ، وإخوته سليم بك وسليمان بك وخالد بك وسائر مشاهير رجاله جعلهم خارج المضيق وبقي هو مددا لهم وقت الضرورة ، وحينئذ صالت جيوش الوزير فنال جيش عبد الرحمن باشا اضطراب فانكسر البندقيون والخيالة. فروا إلى داخل المضيق فقتل منهم الكثير ، وألقي القبض على آخرين منهم. وانتهب
    __________________
    (1) الكروية من قبائل قيس.
    (2) يلفظ صنكر وجمعه صناكر وهو محل يتخذ للحصار ومعروف في العامية. ويقال له مفتول أيضا.

    الجيش جماعته وغنم أموالهم. وكانت الخسائر في النفوس فادحة والغنائم وافرة.
    وعلى هذا كسا الوزير كلّا من خالد باشا وسليمان باشا خلعة مجددا ورخصهما في الذهاب إلى مقر حكومتهما.
    ثم إن الوزير أراد أن يقضي على البقية الباقية من قبيلة العبيد فتحرك نحو الخابور وساق عليهم كتائبه. ولما وصل إلى قرية (أزناور) في سفح جبل (اشتبه) نكل بخلف آغا وأولاده الذين كانوا ألفوا نهب القوافل وقطع الطرق فأخذ منهم مؤونة عظيمة ومبالغ وافرة من النقود فأذعنوا له بالطاعة ثم توجه نحو الخابور فسمع العبيد بذلك فعبروا نهر الفرات بأنواع الكلفة والعناء وتركوا زروعهم فحل الجيش محلهم ورتعت خيوله فيها إلى أن أتلفها ، مكث بضعة أيام ثم عاد إلى بغداد فدخلها في 4 رجب. ودامت هذه السفرة أربعة أشهر وعشرين يوما.
    سليمان بك يوجه إليه منصب كهية :
    ولما دخل بغداد أنعم على سليمان بك بمنصب كهية اصالة وألبسه الخلعة لما رأى فيه من المقدرة والكفاءة (1).
    الوهابيون ـ غارتهم :
    إن الوهابيين صاروا يشنون الغارات على أنحاء العراق ، وشاع في هذه الأيام إرسالهم السرايا على العراق ، ولا تزال ركبانهم تترى ، فتأهب الوزير فخرج بنفسه من بغداد في غرة شهر رمضان وجاء إلى الحلة فنزل الوردية ، وبث العيون لاستطلاع الأخبار (2).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 228.
    (2) دوحة الوزراء ص 232.

    وقال صاحب عنوان المجد :
    «وفيها ـ سنة 1220 ه‍ ـ بعث سعود سرية جيش أميره منصور بن ثامر وغصاب العتيبي يترصدون ركبان العراق لئلا يغيروا على طوارف (قوم ابن سعود) وعشائرهم. فسار الجيش المذكور وصادف غزوا لأهل الجزيرة رئيسهم روخي بن خلاف السعدي الظفيري وراشد بن فهد بن عبد الله السليمان بن سويط ومناع الضويحي رؤساء الظفير. وأكثر هذا الغزو منهم ومن رؤسائهم. وهم في فليج في الباطن قرب الحفر فاستأصلوا جميع الغزو قتلا ولم يسلم منهم إلا الشريد قدر عشرة رجال والقتلى يزيدون على المائة.
    ورجع منصور ومن معه غانمين سالمين.
    ومنصور هذا هو الذي أخذته خيل سعود أسيرا في غزوة الدريهمية كما تقدم» اه (1).
    غزوة النجف :
    في هذه السنة سار سعود بجيوشه ، ونازل المشهد ، وفرق جيشه عليه من كل جهة وأمرهم أن يتسوروا الجدار على أهله ، فلما قربوا منه فإذا دونه خندق عريض عميق فلم يقدروا على الوصول إليه وجرى بينه وبينهم مناوشة وقتال ورمى من السور والبروج فقتل من جيش سعود عدة قتلى فرجعوا عنه.
    ثم رحل سعود فانحاز على الزملات من غزية فأخذ مواشيهم ، ثم ورد الهندية المعروفة ثم اجتاز بحلل الخزاعل وجرى بينه وبينهم مناوشة قتال وطراد خيل ، ثم سار وقصد السماوة وحاصر أهلها ونهب نواحيها ودمر أشجارها ، ووقع بينهم رمي وقتال ثم رحل منها وقصد جهة البصرة
    __________________
    (1) عنوان المجد ج 1 ص 134.

    ونازل أهل الزبير ووقع بينه وبين أهله مناوشة قتال ورمي ، ورحل منه إلى وطنه (1).
    بنو لام ـ ربيعة :
    إن شيخ بني لام عرار العبد العال تمنع عن أداء الميري ، ولا تزال بقايا أميرية لدى ربيعة لم تؤد بعد فاقتضى استيفاؤها كما أن محلا يقال له (وادي) كان مقر أهل العيث وقطاع الطريق يرتكبون فيه أنواع الأضرار والسرقات فأخبر الوزير عن هؤلاء أيضا.
    لذا أمر أن يؤدب هؤلاء ، وأن تحصل الأموال الأميرية فسير كتخداه سليمان بك إلى بني لام من بغداد ليلا واستصحب عليق خيوله معه لمدة يومين وأغار بسرعة حتى وافى ال (وادي). فلم يجد أحدا إذ أنهم علموا بالأمر ففروا قبل الهجوم عليهم. وحينئذ سلبوا نحو سبعمائة رأس من الجاموس ونزلوا من ال (شبّاب) (2) للاستراحة وهو قريب من شط دجلة إلى أن تأتي أثقالهم. ولما كان الوقت أيام الشتاء ، والهواء باردا لم يصل الثقل بسرعة ونال الجيش من جراء ذلك عناء شديد وكان في هذا المنزل فرقة من بني لام يقال لها (الرحمة) وشيخها (حاشي) ، عزل وعين مكانه (مهنّا الجساس). ومن هذه الغارة فرّ عرار شيخ بني لام فنصب مكانه عباس الفارس وكتب له أمر بالحضور فتوقف الجيش منتظرا ورود الجواب فتبين أن عباس الفارس متفق مع عرار. ولما لم تكن لأحد رغبة في المشيخة ولم يجرأ على المواجهة فالموظف المرسل لجلبه وصل إلى منزل يقال له (طيب) (3) ، بقي فيه بضعة أيام أخروه
    __________

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 9:28 am

    ________
    (1) عنوان المجد ج 1 ص 136.
    (2) يعرف اليوم بالجباب وهو مجرى ماء قوي تأتي مياهه من جبال إيران ويصب في دجلة وعليه الآن قنطرة.
    (3) نهر يتكون من مياه إيران ويمضي حتى يصل إلى قرب العمارة ويصب في دجلة.

    عندهم ليذهبوا إلى مسافة ثلاث مراحل أبعد كما تبين من كلام الرسول حين عودته.
    وحينئذ أخبر الجيش بأن هناك بعض العربان يبعدون بضع ساعات فأغار عليهم صباحا فأحاط بهم فاغتنم منهم نحو اثني عشر ألفا من الغنم ورجع إلى مخيمه الأصلي. ثم استطلعوا أخبارا عن بني لام فتبين أنهم عبروا نهر (دويريج) (1) فكانت المسافة بعيدة ، لذا ترك الجيش أثقاله في محلها وهاجم بما لديه خفافا فأصبحوا منزل (طيب) وعبروا إلى الجانب الآخر فنزلوا ببعد ساعتين عنه ، فمضوا إليهم فصبحوا نهر (دويريج). وحينما عبروا هذا النهر لم يجدوا أثرا للعربان ولكنهم عثروا بالقرب منهم على عرب المقاصيص (2) وكانوا أيضا من نوع من سبق فأخبر الجيش بذلك فذهب نحوهم فدمرهم وغنم منهم نحو اثني عشر ألف شاة فأرسلت إلى بغداد من طريق جسّان.
    في هذه الأثناء أرسل الكتخدا إلى عرار أمرا بتأمينه مع بعض الموظفين فلم يجسر أن يأتي للمواجهة ولكن بعد بضعة أيام طلب عباس الفارس الدخالة فقبلت منه ومن ثم وجهت إليه مشيخة بني لام وألبس الخلعة ثم أغار على بعض المعدان واغتنم مقدارا من الأغنام والمواشي وأخذت الرهائن من شيخ ربيعة. وعاد الكتخدا إلى بغداد (3). وهكذا كانت الغاية النهب والسلب فتحققت.
    شيخ زبيد :
    أقام الوزير مدة في الحلة خلالها رأى من الشيخ حطاب الشلال
    __________________
    (1) وهذا أيضا نهر يتكون من مياه قرب إيران ويصب في دجلة من لواء العمارة.
    (2) من ربيعة.
    (3) دوحة الوزراء ص 232.

    شيخ زبيد ما يغاير المطلوب فعزله ونصب مكانه ابن عمه حسين البندر شيخا ، وأغار الوزير على حطاب فلم يظفر به. ثم عاد إلى بغداد فدخلها في 24 من المحرم. وكانت مدة سفره أربعة أشهر وأربعة وعشرين يوما.
    حوادث سنة 1221 ه‍ ـ 1806 م
    إيران وبابان :
    كان عبد الرحمن باشا انهزم بأتباعه إلى إيران فوصل إلى (سنة) ، وبواسطة أميرها (أمان الله خان) عرضت قضيته على الشاه.
    ولما كان رجال إيران يرغبون في تنفيذ آمال أمثاله تعهدوا أن يؤازروه وخصصوا له محلا في سقز ومع هذا أرسل أمان الله خان كتابا إلى الوزير يلتمس فيه العفو عنه ، وأن يعاد إلى بلاده.
    أما الوزير فلم يرق له هذا الملتمس لوجوه عديدة اقتصر منها على بيان مساوىء عبد الرحمن باشا وكتب جوابا أرسله مع الرسول ، وعقب ذلك أرسل السيد سليمان بك الفخري ، فرجع بعد بضعة أشهر حاملا الجواب وأوصاه بوصايا شفهية مآلها أنه قبل اعتذاراته وأنه راغب في الصداقة والمصافاة ، ثم إن سليمان بك حينما كان في طهران أحضر الشاه له عبد الرحمن باشا وبيّن له أن الوالي مشغول في حروب الوهابية ، وأن كل تكليف يقع من جانب الشاه يضطر إلى قبوله فيما إذا حصل من حضرة الشاه إصرار ما.
    وأرسل الشاه سفيرا آخر يؤكد فيه لزوم توجيه إيالة الكرد إلى عبد الرحمن باشا بعد عودة سليمان الفخري بنحو شهرين.
    وفي الأثناء كان أحد التجار الإيرانيين متوطنا قصبة الكاظمية فطلب مرة مواجهة الوزير وأخبره أن شاه إيران يزيد على توجيه إيالة الكرد إلى عبد الرحمن باشا طلب مبلغ مائتين وخمسين ألف تومان

    يريدها من بغداد مع هدايا كثيرة ، وأن هذا السفير إن أعيد خاليا فسوف تضبط ديار الكرد قسرا بواسطة أمير سنة وعبد الرحمن باشا ، ولم يكتف حينئذ بهذا بل سوف يهدد بغداد فتكون عرضة للأخطار ، وقال أخبره بذلك أحد أقاربه.
    إن الاعتقاد بصحة أمثال هذه الأقوال ليس بصواب ولكن تحقيقه ضروري ، وعندئذ يتوسل بالوسائل اللازمة لدرء الأخطار. وهذا مما يحتاج إلى استطلاع رأي الدولة ولكن الوزير غضب لمعاملة إيران هذه. لذا أصدر أمره حالا بالتأهب للحرب دون أن ينظر في العواقب ، وما ينجم من أخطار ، فلم يستأذن من دولته ، وهذا منتهى الطيش»
    توتر العلاقات بين العراق وإيران :
    وفي الحال كان رئيس الكتيبة محمد أمين آغا حاضرا فأرسله مع رعيلات الخيالة لإمداد خالد باشا متصرف بابان ، وبعد أيام أكمل أسباب السفر وجمع قوته ونهض من بغداد في 7 ربيع الآخر ومعه اثنا عشر ألفا من الجنود العراقية الخالصة بين خيالة ومشاة (1)
    قال صاحب غرائب الأثر :
    «خرج من بغداد الوزير علي باشا بالعساكر وسبب خروجه أن الشاه أرسل إليه يطلب حكم السليمانية إلى عبد الرحمن باشا فامتنع وأصر على القتال فخرج من بغداد في أوائل جمادى الأولى وجمع معه العشائر وطلب من الموصل عسكرا فأرسل إليه محمد باشا الجليلي خمسمائة مقاتل وعليهم كاتب ديوانه أحمد بن بكر الموصلي ولما اجتمعت العساكر سار ...» اه (2).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 233.
    (2) غرائب الأثر ص 68.

    وحينئذ عبر ديالى وساق الكتائب نحو شهربان فوافاه خالد باشا متصرف بابان وعبد الفتاح باشا متصرف درنة وباجلان وحسن خان الفيلي فعقد معهم مجلس شورى ، وهؤلاء تحادثوا في الأمر ، وكانوا يعلمون الخطر ويتوقعون نتائجه. ولكنهم رأوا أن الوزير مصر وأن رغبته فيه قوية ، ولم يجسر أحد على معارضته فاقترحوا لزوم أخبار الدولة بما وقع فوافق ورافقوه إلى قزلرباط ، فاستراحوا بضعة أيام ، وتواصلت في هذا الحين بعض العشائر والبقايا العسكرية فتلاحق الكل فنهض الوزير واتخذ زهاو (زهاب) مضرب خيامه.
    وهناك انتظر بضعة أيام للاستراحة ولكنه في الحقيقة يترقب جواب دولته ، وكان يعتقد أنها سوف تأذن له ، ولذا تحرك من المنزل المذكور وعلى هذا ولما كان الطريق وعرا أمر بتعديله وتنظيمه ، وأرسل إلى رئيس الكتيبة أن يلتحق به مع بيارق الخيالة فوصلوا إليه وتمت تسوية الطريق وتقدمت عقيل وبأثرها المدفعية فمضت من طريق (پاي طاق) وكان الوزير متأهبا للمضي في عقبهم وجاءه الجواب من الدولة عما عرضه عليها مع التاتار (البريد السريع) وخلاصته أن السلطان لا يرضى أن تنقض المعاهدات المعقودة مع إيران ، للآن لم يشرع بالحركة فعليه أن يعدل عنها وإلا فمن المحل الذي تصل فيه هذه الأوامر ، والدولة آنئذ ليس لها من القدرة ما تحارب الثورات الناشبة عليها فضلا عن الدول المجاورة.
    ولذا أمر الوزير أن تعود العساكر والمدفعية في الحال امتثالا للأمر السلطاني (1).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 235.

    إمداد خاند باشا لسليمان الكهية :
    رجع الوزير عن القتال ولكن في خلال إقامتهم في (پاي طاق) تقدمت بعض العشائر واجتازت الطاق فتخطت الحدود وأغارت على ناحية (مايدشت) وانتهبت بعض رعايا الإيرانيين واستولى الرعب على الأهلين في كرمانشاه خوفا من سطوة الوزير وتسلطه وفر بعضهم إلى همذان ، وأن الأهلين تأهبوا للحيطة واتخذوا التدابير اللازمة.
    وهذه الأخبار توالت على الشاه ، ولذا أمر أن تحافظ الحدود وإذا كانوا اجتازوها أن يدافع عن المواطن المتباقية فأرسل ابنه محمد علي ميرزا مع مقدار وافر من الجيش لجهة كرمانشاه وبعث بفرج الله خان ليكون قائدا على أنحاء سنة وحاكمها (أمان الله خان) ويخمن الجيش بخمسة آلاف أو ستة. أما عبد الرحمن باشا فإنه خرج من سقز وتمكن في محل قريب من السليمانية وكان ينتظر أن تظهر نتيجة.
    ولما تبينت وظيفة فرج الله خان وأمان الله خان بهذه الصورة أراد عبد الرحمن باشا جذبهم إليه وتعهد لهم بأطماع وفيرة وجلبهم إلى محل قريب منه. وحينئذ علم خالد باشا بالخبر ولكنه لم يستطع أن يعمل عملا دون استشارة الوزير فعرض الأمر عليه وطلب منه أن يرسل إليه قائدا قديرا ليشاوره في الأمر ويتخذ الحيطة ، وأن يزود بقوة من الجند.
    ولا يزال الوزير في (پاي طاق). ورد إليه الخبر من الباشا فأرسل إليه سليمان باشا متصرف كوى وحرير وبعض العشائر الموجودة وصنوف كركوك العسكرية والسباهية وبعض الأفراد من أهل القرى فتجمع نحو ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف نفر وجعل هؤلاء تحت قيادة سليمان الكهية وسيره لجانب خالد باشا وعاد هو بباقي الجيوش وجاء إلى (شروانة) التابعة لقضاء كفرى فأقام فيها ، وكان يترقب الأخبار عن الجيش الذي أرسله.

    أما الكتخدا فإنه مقدام وهمام ، ذو شجاعة ولكنه لم يكن ممن زاول جسام الأمور ليقوم بعمل مثل هذا. وعلى كلّ إن الكتخدا حسب أن عبد الرحمن باشا وجيوش إيران كعشائر العرب التي حينما تسمع بجيش الحكومة تفر من وجهه فاعتقد أنها سوف تنهزم بهذه الصورة.
    ولذا تقدم بجيشه ومضى من پاي طاق فقطع الجبال الصعبة والطرق الوعرة فطوى مقدار خمسة منازل أو ستة في يومين وورد شهرزور وتحرك مع جيش خالد باشا وهذا أراد إقناعه في البقاء للاستراحة بضعة أيام لينظر نوايا إيران ويتحقق أوضاعهم ، فلم يلتفت ، ولم يتدرع بالحزم الذي هو شرط الشجاعة ولا راعى الاحتياط ، أغار على ايران ، ولم يستقر في موطن للاستراحة حتى بلغ الحدود بل تخطاها واجتاز (زير باري) في مريوان من أعمال سنة ، فصادف جيش إيران.
    وكان جيش الكتخدا رأى عناء شديدا في اجتياز هذه الجبال والوهاد ولم ير راحة أو استراحة فقطعها في ثلاثة أيام أو أربعة فلم يستطع الباقون اللحاق به ولم يجد مجالا ليرتب الجيش ويراعي تعبيته بالوجه المطلوب. وحينئذ قابل العدو فوقع القتال بين الفريقين فلم يقصر في الشجاعة والحرب ولكن رغم الجلادة التي أبداها كسر (1).
    قال في غرائب الأثر : «كان فيه هوج وحمق ... فسار إلى أن وصل معسكر عبد الرحمن باشا ومن حمقه باشر القتال والخيل والفرسان في تعب من بعد الطريق وقاتل سليمان بك بنفسه فأسر وتفرقت عساكره وقتل منهم أكثر من ألف ، ومن سلم سلبت ثيابهم وسلاحهم وملكت خيامهم وأثقالهم ...» اه (2).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 235.
    (2) غرائب الأثر ص 68.

    أحاطت بالكتخدا الجيوش من كل صوب. فألقي القبض عليه وعلى من معه فأسر وأرسل إلى الشاه في طهران.
    وصل خبر هذه الواقعة إلى الوزير وهو في شروانة ، وفي عين الوقت جاء خبرها إلى محمد علي ميرزا وكانت مهمته أن يحافظ على الحدود ولكن الميرزا مشى من زهاو بلا سبب وجاءت طلائعه إلى قزلرباط وأغارت على بعض الرعايا فانتهبها واتخذ ذلك فرصة ، وحينئذ تحول الوزير من شروانة إلى كفرى وعاد الإيرانيون إلى مواطنهم الأولى وأن الوزير لمجرد تطمين السكان وإزالة الخوف عن الرعايا بقي أياما.
    وفي هذه الأثناء أظهر عبد الرحمن باشا الطاعة وطلب أن يجاب ملتمسه فجاء رسول منه بذلك. وحينئذ وجه الوزير إليه البيورلدي والخلعة فجاء إلى بغداد في سلخ رجب. ومدة هذا السفر ثلاثة أشهر وثلاثة وعشرون يوما (1).
    وأما صاحب المطالع فإنه قال :
    «ولما وصل خبر أسره الوزير خاله ، ساءه ما دهمه وغير حاله ، فرجع القهقرى إلى أن نزل بعسكره في مأمن ، وفي ذلك المأمن نزل عليه حمود بن ثامر وصار نزوله على الوزير نعمة اقتضت من الوزير إكرامه وتعظيمه ، كيف وقد ورد عليه إبان هزيمته ولين شكيمته ، وبسالة فرسانه كالعدم ، ورجالته تقول أفلح من انهزم.
    ولما سكن بورود حمود اضطرابه ... أقام في ذلك المكان ... إلى أن صلح بسعي السفراء بين الفرقتين والتئام شمل ذات البين فدخل بغداد ... فأفاض على حمود كل نعمة ... فرجع شاكرا أنعامه ...» اه (2).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 237.
    (2) مطالع السعود ص 178 و 301. بتلخيص.

    نعمان باشا الجليلي :
    وفي 16 جمادى الأولى توفي الوزير محمد باشا الجليلي والي الموصل ودفن في جامع الشيخ محمد الزيواني فتسلم البلد ولده محمود بك ، وفي غرة شوال ثارت فرقة من الينگچرية ... ثم صالحوهم فسكنت الفتنة وفي 26 منه اعتزل الأمير أسعد بك ابن الوزير الحاج حسين باشا الجليلي وعزم على محاربة أقاربه ... ومن ثم انسحب محمود بك فتسلم الموصل نعمان بك ابن الوزير سليمان باشا الجليلي في 7 ذي القعدة ثم ظهر في 22 منه فساد من أتباع أسعد بك فطلبه نعمان بك فهرب ... وبتوسط من الجليليين خرج أسعد بك إلى إربل ... وفي المحرم سنة 1222 ه‍ ورد الفرمان بولاية نعمان باشا فسكنت الموصل (1).
    الوهابية ـ سفرة إلى الحلة :
    إن الوزير حينما عاد من سفر (پاي طاق) حدثت وقعة سليمان الكهية فشغلت فكره. وفي هذه الأثناء شاعت قضية الوهابية ... فأقام ببغداد نحو الشهرين وهو في حيرة وفي 5 شوال تحرك من بغداد بما لديه من جيش إلى الحلة وبث العيون في كل صوب حذرا من المفاجأة. وبوجوده لم يستطع الوهابية أن يتقدموا فلم تظهر لهم حادثة وأما التدابير المتخذة لخلاص سليمان الكهية فقد كانت نتائجها حسنة. بقي في طهران نحو ستة أشهر ثم رخص الشاه بانصرافه فورد بغداد فاستراح بضعة أيام ثم ذهب إلى الحلة لملاقاة الوزير. ولما لم يبق حذر من الوهابية ، عاد الوزير إلى بغداد فدخلها في 22 المحرم سنة 1222 ه‍ ومدة سفره هذه بلغت ثلاثة أشهر و 28 يوما (2).
    __________________
    (1) غرائب الأثر ص 70.
    (2) دوحة الوزراء ص 337.

    وبهذا وجه الأستاذ سليمان فائق اللوم على الوزير من جراء خرقه في سياسته بهجومه على إيران ومعاملته عبد الرحمن باشا (1).
    حوادث سنة 1222 ه‍ ـ 1807 م
    رتبة ميرميران للكهية :
    إن سليمان الكهية كانت أعماله مرضية للوزير فالتمس من دولته أن تنعم عليه برتبة ميرميران فورد الفرمان ونال لقب (باشا) (2).
    جمل الليل في بغداد :
    ورد البصرة فبغداد العالم أبو عبد الرحمن زين العابدين المشهور بجمل الليل ، وفي البصرة أخذ عنه عثمان بن سند المؤرخ المشهور. وفي بغداد روى عنه الأكابر والأصاغر طلبا لعلو الإسناد ، أما الوزير فزاد في إكرامه ولكنه فاجأه الأجل فحال دون الوفاء بما وعد من عزمه على شراء أملاك يقفها في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلّم. وأمره الوزير سليمان باشا بعد ما توفي خاله أن يقرأ البخاري ... ثم رجع من بغداد على طريق البصرة في سنته هذه ولم ينل مطلوبا. وتوفي في حدود سنة 1235 ه‍ (3).
    قتلة علي باشا :
    جاء قبل ثلاث سنوات مدد بك من أعيان باطوم إلى الوزير فأكرم مثواه ، إلا أنه كفر النعمة ، فاتفق في الخفاء مع مصطفى الأبازة وأمثاله وهم ثمانية أو تسعة تحالفوا على اغتيال الوزير وصاروا ينتهزون الفرصة.
    وفي 24 جمادى الثانية ليلة الثلاثاء كان الوزير حسب المعتاد
    __________________
    (1) مرآة الزوراء.
    (2) دوحة الوزراء 237.
    (3) مطالع السعود ص 178 و 301.

    يؤدي صلاة الصبح عند طلوع الفجر مع الجماعة ، وبينا هو في السجدة الثانية من الركعة الأولى إذ فاجأه مدد بك بضربة خنجر وآخر ضرب عباس آغا المهردار في بشتاو (بشتاوه) فأرداه. وفي الحال كسر (السراج) وأطفىء الشمع فخرجوا وذهبوا إلى دار نصيف آغا كتخدا البوابين. أما المهردار فإنه توفي في آنه ولكن الوزير بقي ساعة فمات.
    أما سليمان باشا الكهية فإنه حينما سمع بالخبر وافى إليه في حالة النزع. فعهد لبعض الأغوات بالقيام بما يلزم لتكفينه ودفنه وعاد هو إلى مكانه لضبط الإدارة ورعاية منصب الحكومة ثم دفن الوزير في مدرسته قرب السراي بإجلال وعظمة. والملحوظ أنه لم تعرف له اليوم مدرسة باسمه.
    ترجمة الوزير :
    قال صاحب الدوحة : «إن هذا الوزير عمر نحو 45 سنة. وأيام حكومته مع مدة القائممقامية خمس سنوات وثلاثة أشهر و 19 يوما. وهو من مماليك سلفه سليمان باشا ، رباه ، فحفظ القرآن الكريم ، وهو ذو دين وورع ، يحب الصلحاء ، والعلماء ... وكان خفيف الروح ، أديبا ، سخي الطبع ، شجاعا ، صعب المراس ، ذا هيبة ووقار وصاحب غضب وحدة ومناقبه كثيرة ...» اه (1).
    وقال صاحب مرآة الزوراء :
    «تولى علي باشا بعد وفاة سليمان باشا فوجد كل شيء في مصلحته. وهو جريء جسور ، لذا أخاف الناس إلا أنه سريع الغضب ولم يكن له من الدراية ما يكفي مما دعا إلى حروب ومخاصمات كان في غنى عنها ، منها ما كان قبل أوانه ، ومنها ما لم يحسن عمله. فلم
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 239.

    تتقدم الإدارة في أيامه بل انحطت وأدت إلى ضعف إلا أن ذلك كان زمن شباب
    (المماليك) فلم يشعر بالضعف في حينه ...» اه (1).
    ويعرف بـ (أبي غدارة). لأنه كان يحمل الغدارة وهي نوع سيف له حدان ، وليس فيه انحناء ، وإلى وقت قريب تستعمل الغدارة (2).
    وأوضح صاحب مرآة الزوراء أنه بعد وفاة سليمان باشا خلفه كتخداه علي باشا. وهذا كأنه حصل على الثروة بطريق الإرث فصار يهب إنعامات كبيرة لأدنى أمر فيمنح الألف ليرة وما يزيد فاشتهر بين العوام ، فأسرف حتى في الإكراميات وأمثالها. فكان إذا توفي أحد من العلماء ، أو من رجال الحكومة يمنح أسرته ما يحتاجون من أطعمة ، وما يكفيهم من حبوب ودراهم ويخصص لهم مخصصات. وهذا وإن كان من الأمور المستحسنة إلا أنه لم يوزن بمقياس صحيح. وكذا راعى أقوال بعض المغرضين فسفك الدماء أيام وزارته فأفرط» اه (3).
    وهذه الوقائع لا ننسى منها قتل آل الشاوي وغيرهم. أراد أن يمشي مشية سليمان باشا في قهره وسطوته فخاب فالخرق في أعماله ظاهر ، وأراد أن يتحكم في إمارة بابان ففشل وقتل خالدا الكهية دون تحقيق بل لمجرد الواهمة ، وجهز جيشا على الوهابية فخذل. وهذه الوقائع فضحت أمره ، والدين براء منه ، لسوء أعماله وقسوته.
    وكان المماليك عصبة لم يؤثر فيهم خرق أمير أو وزير وإلا فإن أعماله هذه كافية لهدم صرحهم. وإن صاحب الدوحة أثنى عليه إلا أنه
    __________________
    (1) مرآة الزوراء.
    (2) تقرير درويش باشا النسخة التركية ص 37 الهامش. وهذا التقرير نقل إلى اللغة العربية وطبع في مطبعة الحكومة ببغداد سنة 1953 م ص 19 النسخة العربية. ووصفت النسخة التركية في كتاب عشائر العراق ج 2 ص 8.
    (3) مرآة الزوراء. ومثله في تاريخ الكولات ص 12.

    لم يستطع أن يستر خطله. وقال : التف حوله بعض من لا خلاق له فسفك الدماء ... (1)
    سليمان باشا الكهية :
    إن الذين غدروا بالوزير غيلة ذهبوا إلى دار نصيف آغا ، ورأى في نفسه الكفاءة فجمع له جموعا وصار يدعو لنفسه ، فمضى إلى دار الحكومة ، ولكن عامة الأهلين حينما سمعوا بالأمر قالوا لا نريد غير سليمان ، أذعنوا له بالطاعة من تلقاء أنفسهم ، فاختاروه (قائممقاما) قبل أن يتحرك نصيف آغا بحركة ، ولما جاء نصيف آغا بجمعه إلى قرب السراي واطلع على ما وقع تفرق شمله وذهب إلى جانب الكرخ فاختفى.
    أما مدد بك ومصطفى آغا الإبازة وأعوانهما فقد ألقي القبض عليهم الواحد بعد الآخر فنالوا عقوبتهم وكذا من شايعهم وأجريت التحريات الشديدة على نصيف آغا فألقي القبض عليه في الكرادة. وقبل أن يصل إلى (القائممقام) صادفه أغوات الداخل في جانب الكرخ فقطعوه إربا إربا (2) ...
    وقائع :
    1 ـ إن متصرف بابان عبد الرحمن باشا وصل إليه خبر هذه الوقعة فنهض في الأثر وتوجه إلى كوى وحرير للاستيلاء عليهما ، ولكن متصرفهما سليمان باشا ثبت للمقاومة فلم ينل منه غرضا وعاد.
    2 ـ إن خالد باشا متصرف بابان سابقا كان مهجورا في كركوك.
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 238 ومرآة الزوراء ص 14.
    (2) دوحة الوزراء ص 239. وفي غرائب الأثر ص 72 مثله تقريبا.

    وحينئذ جاء إلى بغداد ونزل الميدان لمناصرة سليمان باشا وأجرى مراسم الخدمة والإخلاص له.
    3 ـ نهض عبد الرحمن باشا من جهة لواء كوى فأراد أن يولد اضطرابا في أنحاء بغداد فمر بكفرى حتى وصل إلى قريب من الخالص. وكان رئيس الكتيبة في شهربان مع بيارق الخيالة واللوندات فسير إليه عبد العزيز بك أخا خالد باشا وبعض العشائر والعقيليين وثلاثمائة من خيالة (بابان) ليكونوا قوة له فلم يجسر عبد الرحمن باشا أن يوقع أي ضرر وإنما بقي بضعة أيام ثم رجع.
    4 ـ في هذه الأثناء ظهر من كاتب الديوان (محمد أفندي بن لطف الله أفندي) (1) بعض الأوضاع منها أنه نفّر متسلم البصرة سليم آغا كما أنه حث عبد الرحمن باشا على المجيء. فلما تبينت منه هذه الأوضاع ألقي عليه القبض ونال جزاءه داخل القلعة ونصب مكانه (ولي أفندي) (2) فصار (رئيس الديوان) وهو كاتب بليغ ومنشىء قدير ، أعجوبة في البلاغة والفصاحة ، قلمه سيال ، وكتابته رائقة جميلة.
    __________________
    (1) تذكرة الشعراء ص 27 وأبوه لطف الله أفندي ص 49 منها وهذا هو ابن ولي أفندي كاتب الديوان أيام أحمد باشا ولمحمد أفندي من الأولاد عبد الحميد وعبد الله وعبد الرحمن وأسماء. فعبد الرحمن أعقب هيبت زيور. وهذا تزوج بهيبت خاتون وتوفي عن ابن اسمه أمين وهذا له ابن هو الأستاذ عبد الرحمن زيور المحامي. رأيت عنده وثائق تؤكد القربى.
    (2) تذكرة الشعراء ص 34 وتوفي سنة 1241 ه‍. وله ابن اسمه نائل عمر وتوفي بالطاعون سنة 1246 ه‍ وأعقب من الأولاد حاجي سعيد ، وولي وعبد القادر وأسماء.

    حوادث سنة 1223 ه‍ ـ 1808 م
    وزارة سليمان باشا :
    لم يرق المحضر للدولة للخيانة التي أدمجها كاتب الديوان السابق محمد أفندي ولذا وجهت الإيالة إلى يوسف باشا وبقيت في عهدته ثلاثة أشهر أو أربعة. ومن ثم شنعت الدولة على سليمان باشا لمحاولتها القضاء على المماليك.
    ثم إنه بعد أن عين ولي أفندي لرئاسة الديوان دبج عرضا ومحضرا آخر وأرسل مجددا إلى الدولة يلتمس فيه التوجيه وبوصوله ورد الفرمان بإجابة ما طلب فرفعت الوزارة من يوسف باشا ووجهت إلى سليمان باشا الكهية في المحرم بواسطة معتمد كتخدا الباب محمد أفندي (1). والسبب في هذا لم يكن كاتب الديوان وإنما هو السياسة وفيها توجيه للمعذرة وانتحال تدبير.
    وجاء في تاريخ الكولات :
    «لما علم الباب العالي بوفاة الوزير علي باشا وجهت إيالة بغداد إلى يوسف ضيا باشا الصدر السابق وكان واليا على أرضروم (أرزن الروم) مع القيادة العامة في الجبهة الشرقية. وهذا بعث فيض الله أفندي متسلما من قبله ، وكان سير إلى بغداد ، أما سليمان باشا فإنه حينما سمع بذلك جهز جيشا بقيادة أحمد بك أخيه من الرضاعة وزوده بتعليمات خاصة وبعثه إلى ماردين التي لا تزال تحت سيطرة ولاة بغداد وفي هذا الحين وبينا كان فيض الله أفندي متوجها إلى جهة بغداد إذ علم أن الجيش المذكور ورد ماردين فلم يتمكن من الذهاب إليها. ولذا عدل إلى كركوك فوصل إليها ، وحينئذ ألقي القبض عليه متسلم كركوك وتحرى عما
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 240 وغرائب الأثر.

    لديه فوجد عنده أمرا من يوسف ضيا باشا يتضمن متسلميته وعلى هذا وقفه ومنع أن يتصل بأحد.
    ومن ثم قام سليمان باشا بأعمال عدائية ، وتأهب للعصيان فيما إذا أصرت الدولة. هذا من جهة ، ومن جهة أخرى بذل لها الأموال ، وأبدى الإخلاص ، وتعهد في المحضر الأخير أنه يؤدي مخلفات سليمان باشا واستعمل اللهجة اللائقة في محضره ، وطلب أن توجه إليه إيالة بغداد وسائر ما يلحق بها من البصرة وشهرزور» اه (1).
    وفي غرائب الأثر أبدى أعماله العدائية للدولة وبذلك كله انجلى ما أبداه صاحب الدوحة من تعمية عن حقيقة الواقعة مما مر به سريعا وبإيجاز.
    لم تر الدولة بدّا من قبول ما عرض ، رأت الجيوش في إيالة ماردين ، وأن المتسلم قبض عليه ، والأموال بذلت ، ومع هذا أبدى الوزير الخضوع وأظهر الطاعة ، فلم تر الدولة مبررا يدعو لرفض الملتمس فقبلت ذلك خصوصا بعد ورود المحضر والعرض الأخيرين لما في لهجتهما ما يستدعي القبول بخلاف الأولين فقد كانا شديدي اللهجة ومما لا يرضى التفوه بهما.
    لذلك كله وجهت الإيالات وقبلت المعذرة حسب التعهدات المارة وجاء المنشور فأجريت المراسيم المعتادة ... وصلت صورة المنشور في منتصف شوال سنة 1222 ه‍ وفي ذي الحجة قدم إلى بغداد سلاحشور السلطان ومعه أصل المنشور والخلعة فتلقاهما بفرح وزال عن بغداد الهمّ وضربت طبول البشائر (2).
    __________________
    (1) تاريخ الكولات ص 13.
    (2) دوحة الوزراء ص 340 وفيها أن التوجيه جرى في 4 المحرم.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 9:30 am

    عبد الرحمن باشا متصرف بابان :
    أذعن للوزير بالطاعة جميع الأنحاء والعشائر إلا متصرف بابان. وظهرت منه بعض الأوضاع التي لم يصبر الوزير على تحملها. فجمع ما لديه من جيوش وجماعات فسار عليه في 3 ربيع الآخر. وحط رحاله في محل يبعد نصف ساعة عن مضيق بازيان.
    أما عبد الرحمن باشا فقد استعد للقراع وسدّ المضيق ببناء محكم جدا وأعد نحو أربعة أو خمسة آلاف من الجند المشاة والفرسان وبدأ الخصام ، فصار الوزير يلتمس طريقا آخر أو ممرا من يمين المضيق أو يساره. وذلك لمدة يوم أو يومين ، فعثر على ممر في يمين المضيق صالح لمرور المشاة. وفي ليلته جهز (أو جقلية) كركوك وبندقيين من إربل وبعض الكرد من المشاة جعلهم مع محمد بك آل خالد باشا وبقيادة محمد بك الآخر كهية الوزير. وأمرهم أن يجتازوا من الممر المذكور ويحتلوه.
    وأن سليمان باشا متصرف كوى ورد إلى مضيق خطيبان فأمر بالذهاب إلى الجهة اليسرى من مضيق بازيان.
    صعد هؤلاء الجبال ليلا فصاروا في أعلاها فعرف ذلك عند الصباح ، وأن الوزير هاجم أيضا من جهة نفس المضيق فكان عبد الرحمن باشا قد حوصر من فوق ومن أسفل ، فلم يستقر له قرار وتزلزلت منه الأقدام واضطرب جمعه فولى الأدبار. وأن خالد باشا وسليمان باشا تعقبوه وساروا في أثره إلى قزلجة المحادة لإيران وأن أكثر أتباعه مالوا إلى جهة خالد باشا.
    وبعد بضعة أيام عاد الموما إليهما إلى فيلق الوزير رابحين المعركة. ومن ثم وجه الوزير لواء بابان إلى سليمان باشا وعهد بلواء كوى إلى محمد بك آل خالد باشا وكان وعده الوزير بمتصرفيته ، وكساهما الخلع وسيرهما إلى مواطن حكمهم.

    أما الوزير فإنه عاد إلى بغداد منتصرا فدخلها في 28 جمادى الأولى (1).
    الوهابية ـ والوزير :
    في هذه الأيام جاءت الأخبار أن عبد الله بن سعود جمع جموعا كثيرة ، وغزا العراق ، فتأهب الوزير وتوجه نحو الحلة فتحقق أن الوهابيين لم يأتوا فعاد إلى بغداد. وكان سفره من بغداد في 11 جمادى الأولى ورجوعه إليها في 22 منه.
    متصرفية بابان :
    استند عبد الرحمن باشا إلى شاه إيران فعده ركنا ركينا له. ولذا عزم الوزير أن يسير عليه ، وجرى ما جرى.
    ومن ثم مال أتباعه إلى خالد باشا فكانت المصلحة تقضي أن يعطى لواء بابان إلى خالد باشا فلم يعطه بل لم يوجه إليه حتى منصب لواء كوى فيطيب خاطره به ولم يكتف الوزير بكل هذا وإنما نسب المغلوبية الأولى إلى تقصير منه ولم يعين له راتبا ، ليقتات به وأقعده في كركوك. وكذا سكن عبد الرحمن باشا في أراضي (سنة) فقدم عرائض إلى الشاه يطلب فيها قبول دخالته وأن يساعده.
    وفي هذه المرة أرسل رسولا ومعه كتاب يلتمس فيه من الوزير العفو عنه ويرجو أن يعينه. وبعد التوقف لبضعة أيام أرسل الوزير رئيس كتيبة الخيال (باش آغا) ومعه البيارق إلى ديار الكرد ليكونوا قوة لسليمان باشا ، ومن جهة أخرى أن خالد باشا نظرا لما ناله من اليأس لم يبق له أمل في البقاء. فراسل عبد الرحمن باشا ولكنه أبدى أنه يريد السفر إلى
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 242.

    بغداد وجمع له نحو خمسمائة أو ستمائة خيال وتحرك من كركوك. ولما وصل إلى ما بين كفرى وقره تپه أمال عنان خيله إلى ناحية زهاو (زهاب) فالتحق بعبد الرحمن باشا في محل يقال له مريوان (مهربان) فورد خبر ذلك إلى الوزير وحينئذ لم ير بدّا من توجيه لواء بابان إلى عبد الرحمن باشا وأرسل إليه خلعة وعزل سليمان باشا وجلبه إلى بغداد فخصص له ولإدارته مندلي وخانقين وعلي آباد (علياوة) المقاطعات المعروفة (1).
    إيالة الموصل :
    إن أحمد بن بكر الموصلي كان آباؤه وأجداده لدى ولاة الموصل بأنواع الوظائف ومنهم رؤساء الديوان والكهيات ، ويتولون المناصب حسب مقدرة كل منهم ويعيشون برفاه وسعة عيش ، ولهم المكانة المعتبرة (2).
    وفي غرائب الأثر :
    «في 20 المحرم ـ سنة 1224 ه‍ ـ ولي مدينة الموصل أحمد باشا ... سعى له بالحكم والي بغداد لبغضه لآل عبد الجليل ... كان جدّ أحمد باشا يونس فقير الحال وله أدب وحسن خط فاستخدمه بعض أتباع الوزير الحاج حسين باشا الجليلي ، ثم تقدم وخدم ولده أمين باشا ، ونال لديه مكانة لحسن سيرته وفرط أدبه حتى جعله كاتب ديوان الإنشاء وسافر معه إلى الجهاد ، ولما خرج أمين باشا من الأسر جعله كتخداه فكان محمود السيرة إلى أن توفي أمين باشا وكان ولده الوزير سليمان باشا قد جعل كاتب ديوان إنشائه بكر بن يونس وحظي عنده وكثرت دولتهم ونمت نعمتهم وعزت كلمتهم. ولم يزل بكر متصلا بخدمة مواليه
    __________________
    (1) دوحة الوزراء 243.
    (2) دوحة الوزراء ص 244 وتذكرة الشعراء وفيها ترجمة أحمد باشا ص 22.

    صادقا في خدمتهم وصار له أولاد فاستخدمهم سليمان باشا وقربهم إلى أن استعفى من الحكم وولي مكانه أخاه الوزير محمد باشا فجعل بكر أفندي كتخداه وولده المترجم أحمد باشا كاتب ديوان إنشائه وباقي إخوته من أجل أتباع الوزير محمد باشا. ولما مضت برهة من الزمان توفي بكر فأقام أولاده في عز وكرامة. فلما ولي الموصل نعمان باشا ابن سليمان باشا بعد وفاة محمد باشا قرب إليه أحمد وجعله كتخداه فازداد عزا ونمت دولتهم واشتهر ذكرهم إلى أن عرض لنعمان باشا مرض الفالج فحدثت أحمد نفسه بالحكم فأرسل إلى والي بغداد وتعهد له بذهاب دولة آل عبد الجليل ... لعلمه أن والي بغداد يعاديهم طمعا في ملك الموصل لنفسه ... فجعل أحمد يتراسل خفية مع والي بغداد ... ثم خاف من مواليه أن يطلعوا على أفعاله ... فعزم على المسير إلى بغداد ... فنصب أشراك الحيلة لتكون لإخراجه من الموصل وسيلة حتى يجتمع بوالي بغداد ويحرضه على الفساد فجعل يطوف على مواليه ويجتمع بواحد واحد ويحرضهم على طلب الحكم ... فباحوا له بأسرارهم ... فسار إلى بغداد واجتمع بواليها ... وجعل يقدح بمواليه حتى رفضهم والي بغداد ... ثم إن والي بغداد عرض على الدولة يطلب حكم الموصل لأحمد فأجيب إلى ما طلب ...» اه (1).
    ولنعد إلى الدوحة قال :
    وفي هذه الأيام أيضا كان كاتب الديوان لدى نعمان باشا الجليلي متصرف الموصل إلا أن ميله كان في إدارة الحكومة ورغبته مصروفة إليها بكلية زائدة ، وأنه عهد إليه لمرة أو مرتين قيادة عساكر الموصل ، وأن الموما إليه كان مع سليمان باشا في سفر دربند فهو بمعية سليمان باشا وأظهر له من الإخلاص والتفادي ما لا يوصف ، والحق أنه ذو لياقة
    __________________
    (1) غرائب الأثر ص 82.

    وكفاءة وأبدى في كل أحواله سواء في الحل والترحال والإدارة من المهارة ما استوجب الثناء العاطر ورضا الوزير التام بما أبداه من المقدرة والتعقل. فالوزير راض من كل عمل من أعماله.
    وأن نعمان باشا كان مبتلى بعلة الفالج وليس له من المقدرة ما يمكنه من القيام بأعباء الحكومة وأن الموما إليه كان قدم رقيما (قائمة) من نعمان باشا حين وروده إلى سفر دربند يوصي به الوزير أن يعينه بناء على سؤاله ، وأبدى للوزير ما في ضميره وأفشى له سره وعرضه عليه.
    لذا التزم جانبه والتمس من الدولة أن تمنحه الموصل برتبة مير ميران (باشا) ، فكانت الدولة تروّج مطالب ولاة بغداد في عزل والي الموصل ونصب غيره. وبهذه الصورة قبل رجاء الوزير ووجهت إيالة الموصل إليه برتبة مير ميران.
    ومن ثم نال أقصى ما تمنى وحصل على رتبة (باشا) وبعد بضعة أيام أذن له الوزير بالذهاب إلى وظيفته ، وعلى الأثر رشحه إلى السفر إلى جهات ماردين لتأديب بعض العشائر ، وكذا عين بمعيته أمير كوى محمد بك مع بندقيي لوائه. فورد الموصل في 20 المحرم سنة 1224 ه‍ ومن ثم تأهب لإعداد جيشه وتدارك اللوازم المقتضية له ثم سارع للجهة التي أمر بالذهاب إليها (1).
    قبيلة العبيد :
    صالح الوزير قبيلة العبيد واستخدمها كما أنه قرب قاسم (جاسم) بك الشاوي منه ونفر من آل الجرباء لما رآه منهم في وقائع الموصل (2). وتم ذلك في سنة 1224 ه‍.
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 244.
    (2) غرائب الأثر ص 79.

    حوادث سنة 1224 ه‍ ـ 1809 م
    اليزيدية ـ الظفير :
    إن عشائر الظفير كانوا في تلك الأيام يقطنون أراضي الرها (أورفة) ويسكنون الخيام ولم يحصل تجاوز منهم على أحد وكذا قبيلة الدريعي من عنزة. وكان بين فارس الجرباء وبينهم عداء قديم فأبدى للوزير أن لديهم غنائم كثيرة ومن السهل الحصول عليها فسول له أن يسير عليهم ، وكان الأولى به أن لا يلتفت إلى تنفيذ مآرب الآخرين تشفية لغليلهم ممن لهم العداء معهم ولكنه لم يدرك هذه الأمور ولم يراع المصالح الحقيقة (1).
    وأن السبب الذي بينه صاحب الدوحة لم يذكره صاحب المطالع وإنما قال لتأديب هؤلاء والظاهر أنه بسبب توجهه إلى ماردين وتلك الأنحاء سخطت عليه الدولة ، وهو يعد نفسه صاحب الحق في التسلط عليها إذ إنها بيد ولاة بغداد إلى ذلك الحين فجعل صاحب الدوحة ذلك سببا في المضي في حين أن السبب الحقيقي المحافظة على أملاك الحكومة وساحة حكمها (2) ...
    لذا تحرك برغبة الشيخ فارس الجرباء لتأديب عشيرة الظفير وقوم الدريعي من جهة والتنكيل بأشقياء سنجار من جهة أخرى ، فخرج من بغداد في 25 من المحرم متوجها إلى تلك الأنحاء.
    قال صاحب غرائب الأثر :
    «عزم والي بغداد على السفر إلى جهة ماردين وأمر العساكر بالمسير أمامه لتعديل نظام تلك الجهات فقدم والي كوى محمد بك
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 246.
    (2) مطالع السعود ص 189.

    بالعساكر إلى الموصل وسار إلى ماردين ، ثم قدم عسكر كركوك وزعماؤها ، ثم عسكر إربل ، ثم عسكر مندلي ، ثم عسكر زهاو ، ثم عسكر تكريت ، ثم عرب البو حمدان ، والبو سلمان ثم عرب طيىء الذين في شمامك ، ثم عرب العبيد (البو حمد). ولم يزالوا يتواردون أفواجا ويتوجهون إلى جهة ماردين.
    خرج الوزير سليمان باشا من بغداد بعساكر تسدّ الفضاء ... وسار إلى مدينة تكريت فجاء الخبر أن عرب الظفير والدريعي كثر بغيهم فسار من تكريت إلى جهة (الحضر) وهي خرائب ثم توجه إلى جهة جبل سنجار ونهب مدينة بلد من أعمال سنجار ثم نهب قرى المهركان وقطع أشجارهم وخرب ديارهم ، وأعمى آثارهم ، ثم نزل على جهة الشمال من سنجار وحاصرها أياما ، ثم رحل وتوجه إلى جهة الخابور فبلغ عرب الظفير والدريعي خبر قدوم العساكر فهربوا وعبروا نهر بليخ ، ونهر الفرات. وكان عرب الجرباء والملية على شاطىء الفرات محاصرين لهم. وأرسل والي بغداد لهم إمدادا اثني عشر ألفا من العساكر ، ونزل سليمان باشا بمن معه عند رأس الخابور محاصرا الظفير.
    وإن والي الموصل أحمد باشا أمر الزعماء بالسفر ، وكذا وجوه أهل الموصل من الينگچرية وخرج من الموصل في أواخر صفر وأخذ معه جماعة من بني عبد الجليل ممن كان زعيما وتوجه إلى جهة ماردين واجتمع بوالي كوى محمد بك فنزلوا على قرى ماردين ونهبوها ثم نزلوا على قرية ديرك وهي على جبل وأهلها شرفاء وحاصروهم والتحم بينهم القتال عند رأس الشعب فأظهر أهل الديرك أنهم انكسروا فتبعهم عسكر الموصل وعسكر محمد بك فرجعوا عليهم وقتلوا من عسكر الموصل سبعة عشر رجلا واحد منهم من زعماء الموصل وسلبوا منهم أربعين رجلا وقتل من عسكر العراق ستون وسلب منهم خمسون ورجع العسكران بالخيبة إلى خيامهم.

    ثم ورد الخبر إلى والي بغداد وهو برأس عين الخابور أن العرب المجمعة من عسكره وهم الجرباء والعبيد والملية والبو حمدان ، والبو سلمان أغار بعضهم على بعض من شدة الجوع ونهب القوى الضعيف وصار الكل أيدي سبا وهربوا إلى أماكنهم ولم يظهر لهم نبأ ونهبوا أموال مقدمتهم من عسكر بغداد أحد أمراء سليمان باشا ومن سلم من أتباعه قدم إلى عسكر سليمان باشا ...» اه (1)
    وهذه الحروب لم تسفر عن نتيجة مشرفة ، أصابت الجيش أخطار ومهالك من كل صوب رأوا إهانة وخذلانا ، وأورثوا في الجيش نقصا وسببوا معائب في الرأي العام ...
    وبهذه الحالة عاد الوزير إلى الموصل ونزل (باب الطوب) ، فبقي يومين ، وفي اليوم الثالث سار عنها.
    اضطراب في الموصل :
    أما آل عبد الجليل فإنهم كانوا قد اغبروا من نصب أحمد باشا متصرفا على الموصل ولكنهم تحملوه كرها ولم يبدوا معارضة سوى أنهم كانوا يترقبون الفرص للوقيعة به ... وفي هذه المرة رأوا أن الفرصة سانحة ، خصوصا أنه ظهر منه الخرق وعدم القابلية رأي العين ، وأن الوزير أيضا لم تبق له مهابة في قلوبهم فلما جاؤوا إلى الموصل اتفقوا عليهم في الخفاء فاختاروا من بينهم أسعد بك للمخاصمة وانحاز لجهتهم أكثر الأهلين فعاضدوهم.
    فالوزير لم يعلم عن ذلك شيئا فلما أمر بالرحيل سمع في هذه الأثناء صوت البنادق قد ثارت وبوشر بالحرب ... وعند ذلك حاصر أسعد بك في داره وأعلن الخصام فعاد الوزير وأمر بنصب الخيام وطلب
    __________________
    (1) غرائب الأثر ص 86 وفي الدوحة تفصيل.

    من الأمراء الالتحاق بالجيش فجاؤوا ما عدا أسعد بك الجليلي. وفي خلال ذلك اشتد الخصام والنضال.
    ولما كان جانب الجيش متصلا بالخندق قرب السور فالبنادق تأتي طلقاتها إلى الجيش وتصيب بعض أفراده خطأ أو عمدا حين القتال بين أحمد باشا من جهة وأسعد بك من أخرى فأحدث هذا تشوشا واضطرابا فاضطر الفيلق أن يرحل من مكانه لما أحس به من خطر ونزل في محل يبعد نحو ساعة من أسفل المدينة وصار ينتظر ما ستؤول إليه حال أحمد باشا ...
    إن الأمراء الجليليين الذين أحضروا إلى الجيش أخبروا أن أسعد بك نجح على خصمه أحمد باشا وأن الأهلين ساعدوه وطردوا أحمد باشا استفادة من رحلة الجيش عنهم فاضطر الوالي إلى الهزيمة مع بعض أعوانه اثنين أو ثلاثة وجاؤوا إلى الفيلق ...
    وصلت الحالة إلى هذا الحد ولم يتيسر اتخاذ إجراءات سريعة وعاجلة حتى أنه ليس من المصلحة بقاء الجيش في هذا المحل. ولذا أمر الوزير أن يقوم الجيش ويذهب إلى
    (كشاف) (1) ، وآخر أبقي مع أحمد باشا وكذا جعل معه سليمان بك آل الفخري وهو من ندماء الوزير ونهض من المحل المذكور وتوجه نحو بغداد فدخلها في 4 جمادى الثانية.
    ومدة هذا السفر خمسة أشهر ويومان. أما الأمراء الجليليون فإنهم عادوا إلى الموصل أثر قيام الوزير وعودته إلى بغداد (2) ...
    __________________
    (1) كشاف قرية على الزاب الأعلى. غرائب الأثر ص 86.
    (2) دوحة الوزراء ص 246.

    وقائع أخرى :
    1 ـ نفي عبد الله آغا الخازن السابق ، وطاهر آغا الچوقدار الداخلي السابق بناء على وشاية وردت إلى الوزير بأنهما فاها بما يخالف واجبات وظائفهما ، وأبعدا إلى البصرة. أرسلهما مقيدين وحبسا فيها.
    2 ـ إن أحمد باشا تأخر في كشاف إلى أن تتخذ التدابير لإدارة شؤونه ، ومعه سليمان الفخري وعشائر شمامك ، وظاهر الحسن المنفصل من مشيخة طيىء مع مقدار من بندقيي إربل ، وشيخ الغرير محمود الخليفة مع عشيرته.
    3 ـ بعد عودة سليمان باشا إلى بغداد عين معه عساكر العمادية. ولكنه حينما أراد المضي إلى الموصل نبه أن ينهب القرى وينكل بها ...
    4 ـ لما علم ذلك آل الجليلي أمراء الموصل اتخذوا جيشا ومشوا على أحمد باشا. وأن متصرف العمادية زبير باشا حسب الأمر نظم نحو ثلاثة آلاف من الخيالة والمشاة وأرسلهم لمعاونة أحمد باشا تحت قيادة أخيه موسى بك ولم يمض نصف ساعة حتى التقى الجيشان فدارت الدائرة على الموصليين فكسروا وألقي القبض على عثمان بك من
    (الجليليين) وبعد انتهاء الوقعة أصابت أحمد باشا رمية رصاصة فأردته قتيلا فتوفي ...
    ولما وصل خبر ذلك إلى الوزير تيقن أن عمل هؤلاء مرذول لدى الدولة وأن ذلك مما دعاه أن يضيق على الثوار داخل الموصل ويتسلط على القرى فعين أخاه من الرضاعة أحمد بك للقيام بذلك وكان ولاه حكومة البصرة وجهز معه العساكر ليحاصر الموصل فوصل إليها وأقام في إربل وبواسطة العشائر التي حاربت الموصل بأمر من الوزير قبيلة الزگاريط (الزقاريط) وكانت في ماردين وقبيلة زوبع وكانت أيضا في أنحاء ماردين وكذا أرسل الوزير إلى شمر الجرباء لينهبوا قرى الموصل

    وإلى أهل قرية شيخان يحثهم على نهب أموال الرعايا وتخريب القرى فلم يمتثل أمير الشيخان حسن بك ما أمر به وامتثل الأمر أخوه عبدي بك فأضروا كثيرا ... وهاجم أحمد بك بالزگاريط الموصل مرتين لينتقم من الثوار وانتهب قراها.
    وفي هذه الحروب أسر الحاج عثمان بك الجليلي وجيء به إلى بغداد فوبخه الوزير ... وأن قبيلة الزگاريط أسرت عثمان العمري ولم تفكه إلا بفكاك دراهم مقبوضة (1) ... فسمعت الدولة بقتل أحمد باشا من قبل أسعد بك. لذا وجهت إيالة الموصل في غرة شوال إلى محمود بك آل محمد باشا الجليلي برتبة مير ميران وأمرت بترك التضييق عن الموصل فدعي أحمد بك إلى بغداد ... وصل المنشور إلى محمود بك في ذي القعدة وعزم أسعد بك على معارضة محمود باشا فلم يطعه أحد وتوفي في 9 ذي الحجة (2).
    5 ـ وكان أحمد باشا بعد قتلته دفن قرب نهر الخازر. هذا والتحامل على أحمد باشا مبالغ فيه. وأحواله الماضية تؤيد أنه لم يصح ما توجه عليه من الذم. وهو صاحب المدرسة المعروفة في الموصل باسمه.
    وكانت مدة إقامة أحمد باشا بالموصل لما ولي الحكم أربعين يوما من وقت قدومه ثم سافر ولما عاد أقام ستة أيام فكان ما كان ...
    قاضي بغداد :
    كان قاضي بغداد فخري أفندي عرف بسوء الأحوال مما لا يليق بالقضاء. ولذا كف الوالي سليمان باشا يده ، وأناب الكاتب الأول
    __________________
    (1) غرائب الأثر ص 104.
    (2) دوحة الوزراء ص 246.

    فأقامه مقامه في الأمر ، ونقله إلى محل آخر حذر الفتنة. فعاد إلى استنبول ونفي إلى جزيرة لمنى (1). وهو المعروف بـ (مفتي زاده محمد فخر الدين). وعندي حجج شرعية في مجموعة خطية صدرت في أيامه منها بتاريخ ربيع الأول سنة 1222 ه‍ ومنها وقفية جامع الصاغة في 21 شهر رمضان سنة 1223 ه‍.
    حوادث نجد والجزيرة :
    في أواخر شعبان وردت إلى استنبول قائمة من وزير بغداد تنبىء بظهور مرض الطاعون في الجزيرة العربية ، ففتك فيها ، وأدى إلى أضرار كبيرة في النفوس ، فخلت غالب البيوت من الناس ، مما أدى إلى خلل كبير فيها. وبين أن هذه الحالة دعت إلى ضعفهم وقلتهم وأدت إلى نكبتهم (2).
    شمر الجرباء والوزير :
    قبض الوزير على أحد أمراء الجرباء في بلدة عانة وصلبه فغضب عمه فارس أمير الجرباء فرحل عن بغداد ونزل قريبا من جبل سنجار فأرسل إليه الوالي يترضاه ويأمره بمعاداة أهل الموصل فأبى. واتفق مع أمير طيىء فارس بن محمد لحقده عليهم (3).
    __________________
    (1) تاريخ شاني زاده ج 1 ص 267.
    (2) تاريخ شاني زاده ج 1 ص 267.
    (3) غرائب الأثر ص 99 والمعروف أن رئيس طيىء فارس الحمد ولعل اسم أبيه محمد.

    حوادث سنة 1225 ه‍ ـ 1810 م
    حالت محمد سعيد :
    إن الدولة العثمانية سيرت حالت محمد سعيد المعروف بالرئيس (1) إلى بغداد لبعض المطالب الظاهرية. والأسباب الخفية أظهرتها الوقائع. قال الأستاذ سليمان فائق :
    «إن حركة الوزير بفيلقه وتجاوزه حدود إيالته إلى إيالة أخرى مما أغضب عليه رجال الدولة لا سيما أنه أبدى إمهالا بل أهمالا في تأدية بدل مخلفات سليمان باشا وعلي باشا فلم يؤد شيئا من ذلك ...
    فاختير لهذه المهمة (رئيس الديوان الهمايوني) حالت ...» اه (2).
    وصل إلى بغداد في 25 جمادى الأولى. فواجه الوزير وأعطاه الأوامر وبلغه بما أرسل إليه. وحينئذ خصص له محلا للضيافة والإقامة فيه. وكان الرئيس يترقب ظهور نتيجة من مهمته فمضت أيام وليال ولم تظهر لها آثار ، وذكره بها فكان يعتذر ويدافع ، ونصحه ببعض النصائح الخيرية فلم ير لها فائدة ، وكان يلمح فيرى منه تجاهلا ، ويصرح فيجد عدم مبالاة. وألح في الطلب فلم يسمع له قول (3) ...
    تحدث الناس آنئذ بأنه جاء بعزل الوزير ... فلما استراب منه أمر بعض من يثق به أن يكون له كالأنيس ليطلع على ما في ضميره من الخبايا ويكشف عما أخفاه.
    وبينا الناس في حيرة من أمره ، وفي دهشة من توقع مكره يتيهون في موامي الاستطلاع ويستنشقون أرج الأخبار وهو لا ينطق ببنت شفة
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 191. وتاريخ شاني زاده ج 1 ص 406.
    (2) تاريخ الكولات ص 15.
    (3) دوحة الوزراء ص 247.

    ولا يبدي ما عنده من نكرة ومعرفة ... أشفق من فوات مرامه وانحلال مغار ابرامه فبادر وخرج من بغداد ... ولم يقم بأمر ما فيها ولا تمكن أحد أن يعرف نواياه حتى الوزير فصرف ذلك إلى المطالبة بما جاء من أجله ظاهرا (1) ...
    سوى أنه صرح بأن الوزير إذا لم يجر أمر السلطان فسوف يندم ، ولذا بين الوزير أنه تكلف آلافا من الخدمات المطلوبة وتعهد بمقادير جزئية واعتذر لحكومته بأعذار باردة وكتب لها بذلك وأعاد الرئيس بإكرام قليل وأرجعه إلى حكومته (2) ... إذ لم ير سامعا لأقواله ولم يجد لها تأثيرا فقفل راجعا خصوصا أنه لم يجد مجالا لبث فكرة وقد التف حوله رجال الوزير فلم يأمن من أحد ...
    أراد حالت التدخل في أمور المال فلم يتيسر له لقوة الوزير ولعدم تمكينه كما أنه لم يبح لأحد بالسلطة المخولة له إذا لم يجد التربة صالحة (3) ...
    عصيان سليم آغا متسلم البصرة :
    ظهر للوزير أن سليم آغا راسل الدولة طالبا منها أن توجه إيالة بغداد وشهرزور والبصرة إليه ، فكتب إلى حمود بن ثامر شيخ المنتفق أن يخرج سليما من البصرة فتكاسل حمود وأبدى تهاونا ليتبين له الحال لأن سليم آغا أفهمه أن الرئيس حالت أقبل من الدولة بعزل سليمان باشا وتوجيه الإيالة إليه (4).
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 191.
    (2) دوحة الوزراء ص 247.
    (3) نتائج الوقوعات ج 4 ص 80.
    (4) دوحة الوزراء ص 248.

    قال صاحب المطالع : وقد كان فيما بلغني له يد معه في ذلك ...
    فلما استبطأ حمود قدوم الرئيس إذ لم يأته خبر عنه مع ترادف رسل الوزير عليه قرب من البصرة وكان سليم آغا أعد المراكب وله عسكر في سور البصرة وأبوابه فاستنهض حمود سكان قصبة الزبير من النجديين فنهضوا وحاصروا البصرة مع برغش بن حمود فخاف بعض العسكر وفتحوا أبواب السور فندم سليم وبقي في المراكب أياما ثم سلمها وسافر بمركب إلى أبي شهر (1) ...
    عزله الوزير ونصب أحمد بك أخاه من الرضاعة متسلما مكانه وجهزه الوزير بجيش فوصل إلى كوت العمارة فتأهب سليم آغا لمقاومته. ولما كان في هذا المنزل جاءه خبر سقوط البصرة على يد شيوخ المنتفق وأن المتسلم فر في زورق إلى جهة بندر أبي شهر. وحينئذ رخص أحمد بك العساكر التي معه وذهب هو بنفسه شطا إلى البصرة فانحدر إلى هناك. فدخلها (2).
    ورود علي بن محمد السويدي :
    وفي هذه السنة ورد البصرة الشيخ علي السويدي أرسله الوزير سليمان باشا إلى حمود قبل أن تفتح البصرة ، وكان من خواصه الناصحين له. فكف الله به عن أهل البصرة ما عسى أن يتوقعوا من حاكمها أحمد بك لكونه غاية في سوء التدبير (3).
    عود حالت محمد سعيد :
    عاد حالت أفندي من بغداد خائبا فلم يحصل على مطالب الدولة ،
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 191.
    (2) دوحة الوزراء ص 248.
    (3) مطالع السعود ص 191.

    ولم يتمكن من التشويش على الوزير لأنه اتخذ له كل حيطة. ولما رأى ذلك تكتم بمطلوبه الحقيقي ووقف عند الأمر الذي جاء لأجله. ولكنه سير الإدارة من طرف خفي ... ولما جاء الموصل عرض القضية على دولته ومكث يستطلع الجواب. والإدارة في بغداد معروفة ، ويد المماليك الحديدية مسيطرة فلا تحتاج إلى بصيرة ، ونفوذ نظر زائد.
    حصلت تذمرات من هذا الوزير حين سفره إلى محاربة الظفير. فتطاول الجيش على قرى كثيرة من ديار بكر ، وأضروا بأهليها ذهابا ، وعلى قرى الموصل وأهليها إيابا فاستغاث الجميع منه ، وضيق على الموصليين أثناء قتلة أحمد باشا متصرف الموصل. فقدم العلماء والأعيان في ديار بكر والموصل ، والأمراء شكاوى تظلموا فيها من أوضاعه. عرضوها على الدولة وكذا وردت تقارير حالت أفندي ...!!
    ذلك ما دعا أن يصدر الفرمان بعزله ، وأنه إذا بدا منه ما لا يليق فيجب قتله ، وأن يعهد حالت أفندي بالقائممقامية لمن يختاره ويراه أهلا ، وأن يقوم بسائر ما يقتضي فزود بسلطة واسعة النطاق تفوق ما تقدمها.
    وعلى هذا خابر عبد الرحمن باشا متصرف بابان. وبينه وبين الوزير مشادة. ومثلها مع متصرف الموصل وجد موافقة من هؤلاء. وسار مع محمود باشا متصرف الموصل واستصحبا معهما شيخ طيىء فارس الحمد ، وأمير شمامك ورجالهما وفرسانهما فتوجها نحو بغداد. وكذا تلاحقت معهما جيوش عبد الرحمن باشا فأنضموا إلى حالت أفندي فصار الكل تحت إمرته وتجمعوا في كركوك. والتحقت بهم عشائر العبيد والغرير وقسم من البيات فتابعوهم واتفقوا معهم ...
    فلما علم سليمان باشا بذلك صار يفكر في أمر الدفاع والمقاومة فعين كتخداه فيض الله الكهية لمقاتلتهم فنزل (خرنابات) من جهة

    الخالص واستراح فاتخذ فيها متاريس وأحكم أمرها ... وكذا الجيش وافى لملاقاتهم فضربوا الخيام تجاههم فحصلت بضع مبارزات بين الفريقين ومجاولات فردية تطارد فيها بعض الفرسان ثم تأهب الفريقان للقتال ولازم كل مكانه فلم يحصل تقدم من أحد.
    أما حالت أفندي فإنه أخبر خفية الأهلين ببغداد أن الفرمان صدر بعزل الوزير فأثر ذلك ببعض الناس. وكان في مقدمة هؤلاء عبد الرحمن الموصلي. قام بالأمر وتابعه جماعة من الموصليين وبعض البغداديين فاتفقوا بغتة ومشوا على الآغوات وقتلوا آغا الينگچرية السيد إسماعيل آغا وقطعوا رأسه ، وعلى الفور مشوا إلى القلعة الداخلية وضبطوها وتابعهم الأهلون ومشوا نحو الميدان وبذلك استولوا على القلعة ولواحقها واتخذوا المتاريس وشرعوا بحرب أعوان الوزير سليمان باشا.
    وحينئذ انفصل من الوزير جميع أتباعه وعساكره ما عدا نحو المائتين من آغوات الداخل ومن يتصل بهم. فقاوم هؤلاء واتخذوا المتاريس وتحاربوا من الضحى إلى العصر. وعلى هذا تغلب أتباع الوزير وفر عبد الرحمن باشا وأعوانه إلى الجيش العثماني ومعهم آغا الينگچرية فقدموه إلى عبد الرحمن باشا آل بابان ومحمود باشا الجليلي.
    ولما شاهد الجيش العثماني ذلك انبعث فيهم الأمل. ولذا لم يبالوا بخصومهم وذهبوا إلى الجديدة.
    وذهب فيض الله الكهية بعسكره إلى بغداد وتبعهم على الأثر جيش حالت فنزلوا بمحل يبعد ساعة عن الأعظمية ، وكذا الوزير لم يبق له اعتماد على أحد فعزم على الحرب فخرج بما لديه من قوة في 10 شهر رمضان. وصادفه أعداؤه فتلاقى الجمعان فدامت الحرب واكتسبت شدة ، فلا تسمع إلا إطلاق المدافع وصوت البنادق والقتل والضرب ...
    وفي هذه المعركة قتل عبد العزيز بك بن أحمد باشا ابن عم عبد

    الرحمن باشا ، وقتل معه نحو الثمانين من أعوانه أثناء المعمعة. أما الجرحى فكانوا يبلغون نحو المائة وخمسين فانكسر عبد الرحمن باشا كسرة فاحشة جدا ولكن قرب الغروب وتلاحق الظلام حالا دون تعقيبهم واللحاق بهم. لذا ترك القتال إلى الصباح على أن يستأنف لإتمامه وذهب جيش الوزير للاستراحة.
    أما عبد الرحمن باشا فإنه لما وافاه الليل سكن جأشه وذهب روعه فثبت مكانه وتراجع جيشه رغم انكساره.
    وأدى فيلق الوزير صلاة المغرب إلا أنه اختل نظامه حينما سمع بالفرمان فانحل نصف جيشه بين المغرب والعشاء ، وفي الليل عاد إلى بغداد ، ولم يبال بانحلال جيشه بهذه الصورة وحاول أن يدخل الحرب مع عبد الرحمن باشا فتفرق عنه باقي عسكره ورجع إلى بغداد فاحتار في أمره وأسف لما ناله ولم يبق معه من اتباعه إلا نحو خمسة عشر رجلا (1) ...!!
    قتلة سليمان باشا الصغير :
    وحينئذ خرج خائفا وضرب في البادية هائما بيأس وحرمان ومضى لجهة ديالى وغرضه الذهاب إلى شيخ المنتفق حمود فعبر إلى الجانب الشرقي ووصل إلى (عشيرة الدفافعة). فرأت الفرصة سانحة للحصول على السمعة فقتلوا الوزير وقطعوا رأسه فجاؤوا به إلى عبد الرحمن باشا. ولم يفعل من العرب فعلة هذه العشيرة. ومن ثم لصق بها العار وأن القاتل علي الشعيب من فخذ البو نجاد (2). وهو جد علي بن شخناب بن إبراهيم بن حمد بن علي الشعيب.
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 248.
    (2) دوحة الوزراء ص 249 ومجموعة السيد محمود حموشي ومطالع السعود ص 192.

    وفي تاريخ زاده أن أطوار هذا الوالي كانت لا تليق بمهمة الوزارة وأن معاملاته قد خرجت عن حدود الطاعة فعهد بالأمر إلى (حالت محمد سعيد) فقام بالمهمة لإعادة النظام إلى بغداد وبسهولة ثم قتله وورد رأسه المقطوع إلى استنبول في يوم الخميس 10 شوال 1225 ه‍ فدفعت بقتله غائلة جسيمة (1).
    ثم بين أن حالت عمل بعد ذلك لإعادة النظام ، وأن عبد الله باشا نصب قائممقاما. ولما خول بأن بوجه الولاية إلى من يشاء بفرمان مفتوح وله أن يحشي اسم من أراد ، عهد بولاية بغداد إلى عبد الله باشا ، وأرشده إلى ما يجب عمله لإعادة النظام وعاد (2).
    حياة الوزير سليمان باشا القتيل :
    إن الوزراء الأخيار قليلون وأقل منهم من راعوا حقوق الأفراد ، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، وأصلحوا حالة المجتمع ... وهذا أحدهم إلا أن سلطة الحكومة لم تناصره بل لا تريد أن تساعده في مشروع يفسد عليها ادارتها ويكون قدوة مثلى ونتيجة صالحة وإنما بذلت الجهود للقضاء عليه وإحباط مساعيه لا سيما بعد أن عرفت أنه حاول إصلاح القضاء ، والسلوك الديني المرضي أتباعا للسلف الصالح ، والطريقة المثلى.
    كانت مدة وزارته بانضمام أيام القائممقامية ثلاث سنوات وشهرين وخمسة وعشرين يوما. وعمره نحو خمس وعشرين سنة جاء في الدوحة :
    «هو في حد ذاته صاحب مروءة ، وليس له ميل إلى الظلم
    __________________
    (1) تاريخ شاني زاده ج 1 ص 406.
    (2) تاريخ شاني زاده ج 2 ص 26.

    والتعدي ، وهو بشوش متواضع ، رقيق القلب ، رؤوف وحليم. وكان وقاد الذهن ذكيا ، شجيعا وجلدا ، ومقبولا من الكل» اه (1) ...
    قال عثمان بن سند :
    «ولما تولى الوزارة ... سار سيرة حسناء ، في أهل بغداد والرعناء ، وجرى على منهاج السلف في الاعتقاد ، وانحرف عن الجور وحاد ، ورغب في الفنون الحديثة ، ونكب عن الأبحاث الفلسفية ، ومنع قضاة أعماله عن أخذ العشور ورتب لهم معلوما من بيت المال بانقضاء الشهور وله أشياء حسنة ، فطابقت عليها الألسنة ، وحظي عنده شيخنا علي بن محمد السويدي العالي الإسناد ... قال : بعد أن أثنى عليه :
    وسمعته يقول إنه عباسي النسب فهو على ما قال من أشرف العرب» اه (2) ....
    وقال بعد قتله :
    «فمذ قتله ذلك الدفاعي ، وأخبر بموته الناعي ، كثر عليه الأسف ، وذرف عليه كل طرف ووكف ، وندبه الفضل والعدل ، وأشمت كل مبغض كل :
    بكى الفضل والانصاف والعلم والتقى
    عليه وزالت كل شمس عن السمت

    وأصبحت الآفاق تندب مفردا
    أحض على تقوى وأبقى على سمت

    فأغصان الفضل بموته ذوابل ، وأجفان الفضل عليه هواطل ،
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 248.
    (2) مطالع السعود ص 188 وترجمة الشيخ علي السويدي في غرائب الاغتراب. كان أحد شيوخ أبي الثناء الآلوسي وذكر اتصاله بالوزير وأنه لا يصدر عن رأيه وهو يسعى في نصحه غاية سعيه. وامتحن بعد قتله بسبب ذلك.

    وأقمار العدل إذ أفل أوافل. أدرك شمس أبهته الميل بعد الاعتدال ، وانحطت بعد غاية الارتفاع إلى الزوال ، فبكى عليه أهل بغداد والبصرة ، وتزفروا لمصابه زفرة بعد زفرة ، لكونه في مكان من الإنصاف ، وعلى سمت لا يوصم بالانحراف ، ومن مراعاة الأفاضل والجريان ، على منهاج الأماثل ، في مكان. لا يطاوله فيه مطاول ، أبطل كثيرا من عوائد ذميمة ، وأعمل فكره فيما يوجب الفضل تقديمه. فقد منع القضاة مما يوبقهم في النار ، وفطمهم عن ارتكاب ما فيه شنار.
    وقد ذكر لي محمد أمين مفتي الحلة ، من فضله الذي لا يكون إلا في أشراف الجلة ، أنه سريع الفهم للأبحاث العلمية ، خصوصا في العلوم الحديثة ، مع أنه ما قرأ إلا القليل ، فرحمه الله وأسبغ ظله الظليل» اه (1).
    وقال في تاريخ الكولات :
    «إن الوزير في حد ذاته ذو أخلاق حسنة ، وعدل ، وهو صاحب إنصاف ومروءة ، متشرع وذو دين ، حليم كريم ، وممن شعارهم العاطفة ... ألغى رسوم التحصيلية ، وخدمة المباشرية ، والمصادرات ، وضبط المخلفات وأمثال ذلك من الرسوم القديمة والحادثة ، ومنع من كافة العقوبات ما عدا الإعدام ، وفي كل أحواله وأعماله مراع أحكام الشرع الشريف ، حتى أنه عين لقضاة بغداد وللنواب والقضاة الآخرين رواتب من الخزانة بدل حاصلاتهم ومعيناتهم. ومن العجائب أن تلغى هذه الرسوم وتبطل واردات أساسية ، وترفع الغرامات والعقوبات المغايرة للشريعة المطهرة والتعذيب ، والسخر والأذيات ... ومع هذا تتزايد الأموال الأميرية فتبلغ الواردات أضعاف ما تقدمها. وكذا أزال من البين
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 193.

    السرقة ، وقطع الطرق وما شاكل من الحالات الفجيعة. وبذلك زال العناء عن الأهلين ... إلا أنه نظرا لحداثة سنه لم ينظر بعيدا في بعض الأمور يضاف إلى ذلك إلقاءات بعض قرنائه فسقط في حب دعوى التفرد فتوالت المصائب المتنوعة عليه من كل صوب لحد أن حالت أفندي المشهور الذي هو من دهاة عصره ومن يعد في مقدمتهم اتخذ معه تدابير حكيمة فأخرج بغداد من قبضته وقضى عليه ولم يبلغ حدود الثلاثين من عمره ... ثم ذكر وقعة اليزيدية والظفير وأنه رجع مخذولا في حربهما ...
    ثم قال : إن حركته هذه بفيلق عظيم ، وتجاوزه حدود إيالته إلى ايالات أخرى مما أغضب عليه وكلاء الدولة لا سيما أنه لم يقم بما تعهد به من بدل مخلفات سليمان باشا وعلي باشا فأهمل الأداء فأرسلت الدولة حالت أفندي الرئيس السابق للمطالبة فوصل إلى بغداد فلم تؤثر في الوزير أقواله فعاد إلى الموصل فمكث فيها ثم كتب إلى عبد الرحمن باشا. وهذا جاءه بجيش يتجاوز العشرة آلاف بين خيالة ومشاة وجلب معه عبد الله آغا الخازن وكان في السليمانية. وهذا من عتقاء سليمان باشا الكبير ، وله حق السبق بالنظر لأقرانه. فنصبه حالت أفندي (قائممقاما) وتوجه إلى بغداد فصار الجيش في أطرافها وحواليها ، فحدثت معركة بين جيش الوزير وجيش حالت فكانت وبيلة جدا ولم يدخر أحد منهما وسعا. وأن عبد الرحمن باشا انسحب إلى جانب وظهرت بوادر النجاح لسليمان باشا ولكن جيشه تفرق عنه بلا سبب ليلا مما ولد حيرة وعلى هذا سار ومعه نحو 15 من آغوات الداخل فعبر نهر ديالى فغدرت به عشيرة الدفافعة. ولذا استولى أسف على الكل حينما علموا بقتله ونالهم حزن عظيم» اه (1) ...
    __________________
    (1) تاريخ الكولات ص 16.

    ومما يؤثر عنه أنه لم يكتف بإلغاء عشور المحاكم بل أبطل رسم القسام ، والساليانة (الصليان). ومحا كثيرا من البدع السيئة والمظالم القبيحة ... وعوض عنها بتخصيصات من الأموال الأميرية.
    كان مشفقا على الرعية ، رؤوفا بالأهلين إلا أنه كان يتراخى في خدمات الدولة ويتساهل في شأنها أو يتناساها (1) ...
    وكل أولئك المؤرخين يعتذرون له بحداثة السن وقلة الممارسة ، وأنه لا يزال غير مطلع على الرسوم والقواعد كما هي فأدى ذلك إلى ما أدى. والحال أن الوزراء السابقين أهلكوا البلاد والعباد لتأمين سطوتهم من جهة ، ولإرضاء الدولة من أخرى. وهذا الوزير أراد أن يرفع هذه المظالم ويقوم بإصلاح مهم. فلم يرض دولته وهي لا تريد إلا تمشية أمورها ولا يهمها الأهلون كما أن أرباب الوظائف اعتادوا النهب والسلب باسم (الجباية) ، فعادوه وحرم أعوانه الفائدة. فقضى في سبيل العراق وإرادة الخير له ما قضى. فهو من أكبر رجال الإصلاح. وأثره لا ينسى في تاريخ الضرائب وتاريخ القضاء.
    ثم إنه قرب علماء بغداد وصالح آل الشاوي ولم يتصلب كأسلافه في البغض للعرب والكره للأكراد. وهكذا أبعد آل الجرباء لما تبين له من أوضاعهم آنئذ (2).
    ومن هذا كله يعرف أن من لازمه أو رماه بحداثة السن كان يماشي في ارضاء الدولة والمماليك معا ولكن أعماله تشهد بصفوته. وكل ما يقال فيه قليل. ومعاصروه لم ينكروا أعماله الجليلة. وإنما نسبوا له الخرق بلا وجه حق.
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 250.
    (2) دوحة الوزراء ص 250.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 9:32 am


    وزارة عبد الله باشا
    إن عبد الله آغا حينما عاد سليمان باشا من سفر الظفير أسند إليه بعض الأمور فنفي هو وطاهر آغا إلى البصرة. وبعد بضعة أشهر عفا عنه وأذن له بالمجيء إلى بغداد إلا أنه لم يأمن. فلما وصل إلى قرب القرنة من الجانب الشرقي ذهب مع طاهر آغا إلى (بلاد اللر) من طريق الحويزة ثم وردا إلى السليمانية فأقاما عند عبد الرحمن باشا. وكانت بينهما وبين عبد الرحمن باشا معرفة سابقة. لذا بالغ في إكرام عبد الله والتزم جانبه.
    ولما جاء حالت لقضاء مهمته أخذه معه إلى بغداد ونصبه (قائممقاما) وأمر بمتابعته ، وعند انتهاء أمر سليمان باشا جاء كتخداه فيض الله الكهية ، وندماؤه ، وآغواته وخازنه إسماعيل آغا وآغوات الداخل فناصروه إلا أن فيض الله حينما كان في البلدة رأى أن الأهلين اختاروا سعيد بك بن سليمان باشا لمنصب القائممقامية لمدة يوم أو يومين ، وأن الخازن إسماعيل آغا حينما كان الجيش في خرنابات كاتب حالت أفندي وعبد الرحمن باشا خفية وأبدى رغبته في الوزارة. وحينئذ طالبهما القائممقام بخزانة سليمان باشا وبهذه الوسيلة ألقى القبض عليهما وقتلهما.
    ثم جعل كتخداه الحاج عبد الله بك (أخا أحمد الكهية) ، وعزل الحاج محمد سعيد من الدفترية وعين بدله داود الدفتري السابق وهو صهر الوزير سليمان باشا الكبير وكان عزل منها ثم عين طاهر آغا خازنا وكان بمنصب (چوخه دار) ، ونصب للينگچرية عبد الرحمن آغا الموصلي (الأورفه لي) (1) الذي جاء برأس السيد إسماعيل آغا (رئيس الينگچرية
    __________________
    (1) وأسرة الأورفه لي في بغداد معروفة منها معالي الأستاذ جميل ، والأساتذة مكي ونوري وسامي.

    السابق). وبعد أن مكث عبد الله باشا في الخارج نحو ستة أيام أو سبعة دخل بغداد فاستقر في القائممقامية.
    مضت مدة شهر واحد على هذه الحالة (1).
    مشاغبات جديدة :
    لم يكن هم حالت الرئيس عزل وزير من المماليك لينصب آخر منهم مكانه بل كان يود القضاء عليهم وتحويل السلطة للعثمانيين ولكنه لم يستطع أن يقوم بالأمر أو أن يصارح عبد الرحمن باشا إذ رآه بعيدا عن ذلك فأراد أن يطحن بعضهم ببعض. وفي مدة بقائه في بغداد عرف كبار رجالهم واتصل بهم دون رقيب فتمكن من بث فكره على لسان غيره في أن (عبد الله آغا) إنما جرت رئاسته ونال منصبه بواسطة عبد الرحمن باشا أمير بابان. وهذا تابع إيران فلم يرض به الأهلون ، ولا العثمانيون.!
    لذا أوعز حالت إلى عبد الرحمن الموصلي آغا الينگچرية أن يحرك الأهلين في دفع عبد الرحمن باشا وعسكره ، وعزل عبد الله آغا من القائممقامية ، ونصب سعيد بك مكانه. اتفقت كلمتهم على ذلك وتوجهت رغبتهم.
    وليلا أعدوا أسباب النزاع واتخذوا المتاريس وقاموا صباحا بالشغب وثاروا إلا أن العثمانيين والطوائف الأخرى لم ترغب في متابعة الأهلين. فأكدوا رابطة اتفاقهم مع عبد الرحمن باشا وأظهروا تأييد القائممقام. فدام القتال بين الفريقين من الضحى إلى المغرب واستمر الفريقان في تصلبهم ولكن الأهلين انكسر جمعهم وتفرقوا ، وعاد عبد الرحمن الموصلي بالخيبة واختفى. ونصب للينگچرية قاسم وهو آغا
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 150.

    كركوك السابق ، وأن القائممقام أصدر أمرا بالعفو عن الجميع.
    لم يتزلزل القائممقام من مخالفة الأهلين وأن العثمانيين وسائر العسكر ناصروه ودافعوا عنه أشد الدفاع. فلما رأى ذلك حالت حذر أن يشيع عنه أنه السبب في توليد الشغب. ولما كان أودع إليه الأمر من دولته اختار (عبد الله آغا) للوزارة وكانت لديه فرامين لم يحش الاسم بها وأدرج اسمه بها بتوجيه الإيالة برتبة وزارة وقدمه إليه على أن يقرأ في الغد في الديوان المرتب للاحتفال ، وحينئذ أعلن ذلك للجميع. بتاريخ 21 ربيع الآخر سنة 1226 ه‍ (1).
    قال صاحب المطالع :
    «ولما تولى عبد الله باشا أعطى عبد الرحمن باشا الكردي من رأيه رسنه ، فوقعت بينه وبين الرئيس فتنة قتل فيها من أهل البلد من سل صارمه فيها وسنه ، ونجا من وجد للهرب سبيلا ، وأما الرئيس فقد كاد يكون قتيلا ، فرجع إلى ما رامه عبد الرحمن الكردي ووزيره إذ ضاق خناقه وذل نصيره فاستقرت الأمور لعبد الله باشا» اه (2).
    وبعد ثلاثة أيام أو أربعة من نصبه وزيرا هيأ الوزير لحالت أفندي أسباب السفر وسيره إلى استنبول مكرما معززا. خاف أن يحدث غائلة أخرى.
    متصرف الموصل :
    وبعد دخول العسكر بغداد ببضعة أيام انحرف مزاج محمود باشا متصرف الموصل فتوفي في 18 شوال ودفن في تربة بجوار قبر الوزير
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 251.
    (2) مطالع السعود ص 194.

    علي باشا كان أعدها سليمان باشا له.
    كانت مدة حكمه في الموصل سنة وبضعة أيام ، وعمره 33 سنة.
    فوجهت إيالة الموصل إلى سعد الله بك ابن الوزير الحاج حسين باشا الجليلي برتبة وزارة. وصار متسلم الموصل. حكم في منتصف ذي الحجة وجاءه البشير بذلك في 13 المحرم سنة 1226 ه‍ (1).
    غرائب الأثر :
    في هذا التاريخ انتهت وقائع غرائب الأثر لمؤلفه ياسين بن خير الله الخطيب العمري والنسخة التي بخطه موجودة في خزانة البلدية في الاسكندرية ومخطوطتي منقولة منها. وغالب حوادثه مما يتعلق بالموصل خاصة فهو مهم. فطبعه الأستاذ الدكتور السيد محمد صديق الجليلي في الموصل سنة 1359 ه‍ ـ 1940 م.
    حوادث سنة 1226 ه‍ ـ 1811 م
    قتلة سليم آغا والبصرة :
    إن الوزير سليمان باشا أبعد كلّا من عبد الله آغا وطاهر آغا إلى البصرة فسعى سليم آغا متسلم البصرة آنئذ في انقاذ حياتهما. وحينما ورد الأمر بقتلهما شفع لهما فعفا الوزير.
    قتل ظاهر الكهية
    في سنة 1226 ه‍ قتل ظاهر الكهية وسليمان آغا كتخدا البوابين (2).
    ثم أضمر سليم أن يقوم على الوزير فأعطاهما مالا جمّا وسيرهما
    __________________
    (1) غرائب الأثر ص 123 من المطبوعة.
    (2) مجموعة عمر رمضان.

    إلى ربوع الكرد فلما ملكا قياد الأمر ، وتوليا زمام بغداد سافر من الدورق وفر إلى أبي شهر ليتقاضى منهما ما أسدى إليهما من جميل فلما وصل إلى بغداد وعلما منه المطالبة بالوزارة من حالت أفندي حذرا منه ولم يذكرا الجميل فأمر الوزير بقتله فقتل (1).
    وقائع أخرى :
    جاء عبد الرحمن باشا بترغيب من حالت إلى جهة بغداد بالوجه المبسوط ، واستصحب معه عبد الفتاح باشا متصرف درنة وباجلان إلا أن هذا أبدى إهمالا وظهرت منه خيانة على ما أشيع فبعد دخول عبد الله باشا واستقلاله بالحكم عزل عبد الفتاح باشا ووجه الولاية إلى خالد باشا الباباني تنفيذا لرغبة عبد الرحمن باشا ابن عمه كما أن عبد الرحمن باشا ساعد الوزير ومكنه من الحكم وعزم أن لا يترك جانبه ما لم يأت منشور التوجيه إليه.
    وكان لسليمان باشا نوع انتماء ضمني إلى شاه ايران. لذا لم يوافق الشاه أن يقوم بسفر عليه. وبسبب وقعته المعلومة تكدر مما جرى. وعلى هذا زال المانع بوفاته ومن ثم ولما كانت سردشت المعروفة بـ (كلاس) من مضافات (صاوق بولاق) وصارت في تصرف العراق منذ ثمانين أو تسعين عاما. ودخلت في حوزة حكام بابان فقد عزم أمير صاوق بولاق وهو بوداق خان على ضبطها وسير له الشاه جيشا فاضطر عبد الرحمن باشا إلى الاستئذان من عبد الله باشا للذهاب فأذن له وفي 11 صفر عاد إلى دياره.
    وفي 21 ربيع الآخر ورد منشور الوزارة المتضمن التوجيه بواسطة
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 193.

    علي بك الخاصكي فأجريت المراسيم والاحتفال المعتاد.
    ثم إن عبد الفتاح باشا عزله عبد الرحمن باشا فالتجأ هو وابنه عبد العزيز بك وتوابعهما إلى إيران مضوا إلى كرمانشاه إلى محمد علي ميرزا. وهذا كتب إلى عبد الله باشا يرجو منه أن يعيد عبد الفتاح إلى محله. وكان عبد الرحمن باشا آنئذ في بغداد فاعتذر الوزير فلم يشأ أن يخالف عبد الرحمن باشا ...
    وبعد ذهاب عبد الرحمن أعاد الميرزا الرجاء وألح في الطلب وحينئذ كتب الوزير إلى عبد الرحمن باشا فلم يصغ وكتب الميرزا مرة أخرى فأبدى عبد الرحمن باشا اصرارا.
    وكذا أمره الوزير بمطالب أخرى فلم يصغ. لهذا كله انقلب الحب بينهما إلى بغض إذ تحقق الوزير أنه مبتن على أطماع ، ولم تمض مدة حتى تولدت البرودة وانقلبت إلى كدورة فصار كل ما يأمر به الوزير لا يصغي إليه ، وكل ما أراد تمشيته عرقله بخلاف مطالب عبد الرحمن باشا فإنها كانت تروج.
    هذا ما دعا أن يتغير عليه عبد الله باشا تغيرا تاما. ولذا عزل آغا الينگچرية قاسم آغا ونصب السيد علي آغا قبطان شط العرب سابقا آغا بغداد (1).
    وبعد أيام عزل الكتخدا الحاج عبد الله بك ونصب وكيلا مكانه الحاج محمد سعيد الدفتري السابق. وبعد شهر نصب طاهر آغا الخازن كتخدا مستقلا.
    فكانت هذه التبدلات في الإدارة تشعر بما يضمر لعبد الرحمن باشا.
    __________________
    (1) آغا بغداد ، أو الآغا ، هو آغا الينگچرية ، أو رئيس الينگچرية.

    عزل عبد الرحمن باشا :
    أصر محمد علي ميرزا أن يمكّن عبد الفتاح باشا في زهاو ولذا أصر عبد الرحمن باشا على أن لا يلتفت إلى أوامر الوزير ولا إلى محمد علي ميرزا ... حتى أنه لم يكتف بذلك بل تسلط على بعض الأماكن من سنة مما يجاور شهرزور.
    وحينئذ عزم الطرفان على تأديب عبد الرحمن باشا. فوافق الوزير أن يكون بدله خالد باشا الموجود في زهاو. وساق عليه محمد علي ميرزا نحو ستين ألف مقاتل وعلى هذا تأهب عبد الرحمن من السليمانية لمقابلته بعد أن جعل ابنه سليمان بك إلى جهة الوزير. وظن أن قوته مع قوة خالد باشا كافية لصد الإيرانيين. ثم تبين لعبد الرحمن باشا ولم يدر بالاتفاق عليه وأن تكون ديار الكرد لخالد باشا ولما وصل الميرزا إلى محل قريب من زهاو سارع خالد باشا لاستقباله بناء على ايعاز من الوزير وتابعه بعسكره فحينما سمع عبد الرحمن باشا بذلك خاب أمله ولم تبق له قدرة فعاد من المحل الذي هو فيه بأتباعه وأسرته إلى لواء كوى وهناك أعد للحصار عدته وأحكم المواطن وتأهب للنضال.
    ولما جاء خبر ذلك إلى بغداد وجهت إيالة بابان وكوى وحرير إلى خالد باشا وأرسلت إليه الخلعة مع الأمر (البيورادي) بصحبة أحد الآغوات أحمد جلبي ، وأن محمد علي ميرزا ذهب إلى كوى لمحاصرة عبد الرحمن باشا. ففهم الوزير أن الميرزا سوف يؤثر على الأهلين تأثيرا سيئا فيما إذا استولى على عبد الرحمن باشا كما أنه خاف منه على ديار الكرد لا سيما كركوك والأماكن الأخرى. لذا ندم على ما فعل فأوعز إلى العشائر هناك لمناصرة عبد الرحمن باشا بحيث لا يدع مجالا لإيران في التوغل ...! ومن ثم اطلع الميرزا على نوايا الوزير وخشي أن يقع ما لا يحمد ...

    وعلى هذا طلب المصالحة مع عبد الرحمن باشا على أن تكون له كوى وحرير ، وأن يكون لواء بابان لخالد باشا ، وأن يكتفي منه ببعض الهدايا وفي خلال الخمسة عشر يوما التي حاصر بها عبد الرحمن باشا لم يؤثر ذلك التأثير الملحوظ فقفل راجعا إلى كرمانشاه ولم يتمكن من قهر عبد الرحمن باشا. لأن رجال عبد الرحمن باشا يقدرون بسبعين أو ثمانين من البابانيين فأبدوا من البسالة والشجاعة ما لا يوصف (1).
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 9:33 am

    حوادث سنة 1227 ه‍ ـ 1812 م
    عبد الرحمن باشا :
    وجهت إلى عبد الرحمن باشا ألوية كوى وحرير ، وإلى خالد باشا لواء بابان ثم عاد الميرزا فأقام خالد باشا في السليمانية وقنع عبد الرحمن بما في يديه إلا أنه بعد ثلاثة أشهر تحرك بتسويل من بعض مقربي الميرزا فقام من لواء كوى إلى ما بين السليمانية وكوى باسم أنه يتصيد ومضى إلى أنحاء السليمانية بغتة فسمع خالد فتوهم أن ذلك كان بإذن من الميرزا كما أنه لقلة جموعه لم تكن له قدرة على الحرب. فترك السليمانية وتوجه نحو زهاو ومنها ذهب إلى مندلي وأخبر بغداد بما وقع.
    ومن ثم عزم الوزير في الحال على السفر وجهز جيوشه. أما عبد الرحمن باشا فإنه دخل (سرچنار) فمكث فيها وعرض القضية على الوزير فرأى الوزير أن السفر مخاطرة وفيه مجازفة ويخشى العاقبة فتحاشى لا سيما الموسم موسم الشتاء والبرد القارص وأن من المصلحة العدول عن الحرب ومساعدة معروضاته والسكوت عن أعماله فأبدى الرضا والقبول منه وأضاف إليه السليمانية ضميمة إلى لواء كوى وجلب خالد باشا إلى
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 253.

    بغداد وخصص له مندلي لإدارته (1).
    سفر الوزير على عبد الرحمن باشا :
    أخذ عبد الرحمن يتمادى في أعماله ويتجاوز على بعض القرى وعلى الرعايا حتى أنه حاول الاستيلاء على إربل وقراها وتطاول على قرى كركوك ، لذا عزله الوزير ووجه لواء بابان إلى خالد باشا وجعل ألوية كوى وحرير إلى سليمان باشا وتأهب للسفر عليه فنهض من بغداد في 21 جمادى الأولى وسار نحو لواء السليمانية. أما عبد الرحمن باشا فإنه أبدى تجلدا فتلاقى الفريقان في محل قريب من (كفري). رتبا صفوفهما واستعرت الحرب وضاق الأمر.
    وفي ساحة القراع بدا الانكسار في العشائر وبعض العثمانيين ولم يبق سوى جيش الوزير وأعوانه ، والمدفعية والبندقيين من عقيل وبعض البابانيين الموجودين. وفي هذه المعركة أبدى داود الدفتري من البسالة ما يفوق الوصف ، وقام يحرض القوم ويحضهم على المصابرة. ولم تمض مدة حتى ظهرت علائم الفوز في جيش الوزير فتغلب على عبد الرحمن باشا.
    وقتل في هذه الحرب خالد بك من إخوة عبد الرحمن باشا وكثيرون وتفرقت سائر الجيوش واستولت الحكومة على الخيام وسائر الأموال والمعدات.
    إن الوزير بقي هناك مدة ثلاثة أيام ثم توجه نحو كركوك. فاتهم بالخيانة كلّا من متسلم كركوك خليل آغا آل صاري مصطفى آغا ، وقاضيها عبد الفتاح ، ومحمود بك الزعيم (ميرالاي) ، وقاسم آغا وكان آغا بغداد وثلاثة من أعيان شمر وشيخهم (شاطي) وكان مد يده على
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 254.

    مؤونة الفيلق يوم المعركة. وعلم أنهم اتفقوا في الخفاء مع عبد الرحمن باشا فألقي القبض عليهم ونالوا ما يستحقون من عقوبة.
    ثم سار الجيش من كركوك إلى جهة إربل ، وإن والي الموصل سعد الله باشا كان قد أمر بفرمان أن يتابع الوزير وأن يكون بصحبته فتخلف وتحقق أنه كاتب عبد الرحمن باشا في السر. لذا عزم الوزير أن يذهب إلى الموصل من أجل ذلك فجاءه بهدايا وطلب العفو منه واجهه في (نهر الضرب) (1) وقدم معاذيره فعفا عنه ثم أعاده إلى الموصل. ورجع هو إلى بغداد.
    ولما وصل الوزير منزل كفري جاءه خالد باشا متصرف بابان بهدايا فأذن له بالعودة. أما عبد الرحمن باشا فقد فر إلى كرمانشاه.
    وفي هذه المرة التزم محمد علي الميرزا جانبه فوصل كتابه فلم يصغ إليه الوزير وأجابه بجواب موافق للحالة. ولما وصل الجديدة ورد خبر فرار سعيد بك بن سليمان باشا الكبير. خاف من الوزير على نفسه وأشاع أنه ذهب لاستقباله. وبهذه الوسيلة مال إلى المنتفق.
    وعلى كل دخل الوزير بغداد في 29 (2) رجب. ومدة هذه السفرة شهران وعشرة أيام (3).
    حركة محمد علي ميرزا :
    إن الميرزا رعى جانب عبد الرحمن باشا. ورجا مرات من عبد الله باشا أن يعاد فلم يصغ فنهض من كرمانشاه وتوجه نحو قزلرباط فانتهب بعض الأماكن وشتت الأهلين من ديارهم.
    __________________
    (1) كذا في الدوحة وهو (نهر الزاب) فجاء غلط ناسخ ص 255.
    (2) في مطالع السعود دخل بغداد في 19 رجب.
    (3) دوحة الوزراء ص 256.

    أما الوزير فقد عزم على مقارعته إلا أن سعيد بك بن سليمان باشا الكبير قد ذهب إلى المنتفق فخشي أن يكون للدولة يد في خروجه. ولذا عدل عن عزمه واضطر إلى قبول تكاليف الشهزاده وصالحه فعزل خالد باشا وسليمان باشا ووجه ألوية بابان وكوى وحرير إلى عبد الرحمن وتعهد بمقدار من المبالغ للشهزاده حتى يعود وأدى منها النصف وأعطى سندا بالباقي.
    وجاء في تاريخ ذلك كما نطق بها الشيخ علي الموسوي :
    (كل من تلقاه يشكو دهره)
    فكان سنة 1227 ه‍.
    وعلى هذا عاد الشهزاده. ومن ثم دعا خالد باشا وسليمان باشا إلى بغداد وأعطى لخالد باشا مقاطعات مندلي وخانقين وعلي آباد ولسليمان باشا مقاطعات شهربان وبلدروز (1).
    المنتفق ـ سعيد بك :
    أوضح أن سعيد (2) بك بن سليمان باشا استولى عليه الرعب من الوزير وخشي أن يصيبه منه ضرر ففر إلى المنتفق. وذلك حينما بلغ الوزير الجديدة فأقام لدى شيخ المنتفق ، ولم يكن له مطامع وإنما أراد أن يتخلص من الغائلة التي توهمها.
    أما الوزير فإنه حمل ذلك على محمل آخر فكان ذلك داعية التساهل مع ايران ... فقرر لزوم القبض عليه فنهض من بغداد بجيش
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 256.
    (2) سعيد بك جاء عنه أنه أسعد ولعل أصل اسمه أسعد ثم اشتهر بـ (سعيد). وعلى هذا صاحب الدوحة والمطالع وعلى الأول صاحب غرائب الأثر وتاريخ شاني زاده ج 2 ص 188 و 306.

    عظيم في 27 شوال. وفي مطالع السعود أنه سار في أول ذي القعدة (1).
    قال في الدوحة : ولما كانت في ذمة عشائر الدليم مبالغ وافرة من الميري ذهب لاستحصالها فبقي في الفلوجة بضعة أيام واستوفي منهم ما تمكن ثم توجه نحو الحلة ، ومنها إلى الحسكة وأن قلة الزاد والأرزاق مما أدى إلى اضطراب الجيش فمكث بضعة أيام ليتدارك الأمر فظهرت المخاطر من جهات عديدة فحاول رجال الوزير والمقربون إليه عذله عن سفره فلم يفلحوا. وإنما نهض نحو المنتفق (2).
    حوادث سنة 1228 ه‍ ـ 1813 م
    تمام الوقعة :
    ومن ثم اجتازت الجيوش البراري والقفار وقطعت الأنهار واقتحمت المخاطر حتى وصل الوزير إلى قريب من المنتفق فسمع أن حمود الثامر أيضا توجه لمقارعته ، فجمع نحوا من عشرين ألفا بين فرسان ومشاة فنهض من محله ونزل بعيدا عن سوق الشيوخ بنحو ساعتين منتظرا وصول الوزير.
    اتخذ طريق العذل والاستعفاء عن التقصير بإرسال السفراء وتلطف في رسائله فلم يلتفت الوزير. وفي غرة صفر تقدم على شيخ المنتفق وصف صفوفه فاضطر الشيخ على الدفاع ... فتقاربوا إلى محل يقال له (غليوين). وحينئذ ترامى الفريقان من الضحى إلى وقت الظهر بالمدافع والبنادق وسائر الأسلحة النارية وكل فريق تأهب للهجوم على الآخر.
    ونظرا لما أثاره الوزير من النيران الحامية تفرق شمل المنتفق ، وانتثر عقدهم ، وانهزمت جموعهم الواحد بعد الآخر ... ولم يبق إلا
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 195.
    (2) دوحة الوزراء ص 257.

    القليل ومعهم سعيد بك تجاه الوزير. وكانت طائفة من العثمانيين في خدمة والده سابقا فأرادت أن تقوم بمساعدته تجاه انعامات والده لها. فراسلته لتكون معه فمالت إليه ولحقت به. وكذا العشائر ممن كانوا مع الوزير. اغتنموا بها الفرصة فانتهبوا أثقال الجيش. وذهبوا ولم يبق مع الوزير إلا نحو مائتين من اتباعه ومعه كتخداه طاهر الكهية ، فبقي محتارا في أمره وندم على ما فعل.
    لذا عزم الوزير على العودة ولكن المنتفق انتشروا فأحاطوا به فلم يجد له مخرجا. وحينئذ ظهر أخو حمود وهو محمد السعدون مع نحو مائة فارس فصاحوا بالوزير :
    لك الرأي ، لك الرأي ...!
    أخذ الوزير مع كتخداه إلى خيامهم الحربية وبعد ليلة أتوا بهما إلى سوق الشيوخ. وبعد يوم أو يومين مات برغش بن حمود الثامر وكانت اصابته جراح في المعركة فادعوا أن سليمان (1) آغا كهية البوابين جرحه فأخذوه من سعيد بك وأرسلوه إلى سوق الشيوخ وقتلوا الثلاثة هناك. فجاؤوا برؤوسهم إلى سعيد بك (2).
    وفي مطالع السعود : كان مع الوزير في هذه الحرب الشيخ مشكور شيخ ربيعة. وهذا التقى مع صالح بن ثامر من المنتفق فقتل في المعركة.
    وكان قبل هذا عزل حمودا من إمارة المنتفق ونصب مكانه نجم ابن عبد الله بن محمد بن مانع أخا ثويني.
    ولما قتل الشيخ مشكور زحف الوزير بعسكره وكان قادة الجيش قد وجهوا همهم نحو سعيد بك ثم حمل كل منهما على الآخر وانهزم كثير
    __________________
    (1) هو جد سالم بن محمد آغا.
    (2) دوحة الوزراء ص 257 ومطالع السعود ص 197 وفيه تفصيل.

    من أتباع حمود وصدق الحملة برغش بن حمود بن ثامر فطعنه بعض الفرسان من عسكر الوزير وحمل على ابن ثامر ويقال إنه هو الذي قتل نجم بن عبد الله المنصوب من جانب الوزير شيخا على المنتفق.
    ولما كادت عشيرة حمود تولي الأدبار أدبر آل قشعم من جماعة الوزير فسقط في يد الوزير وطاهر كهية ومن معهما فطلبوا الأمان من حمود فأعطاهم ولم يف لهم بالأمان فإن عشيرته نهبت العسكر ولم تبق لواحد منهم ما يستر عورته وأسر الوزير وطاهر كهية ومعهما ثالث (سليمان آغا) وذهبوا بهم إلى سوق الشيوخ. فلما مات برغش من تلك الطعنة خنقهم راشد بن ثامر وبعد ما قبروا أخرجوا فقطعت رؤوسهم (1).
    ترجمة عبد الله باشا :
    كان من مماليك سليمان باشا الكبير اشتراه أثناء متسلميته البصرة ، وكان أميا ، بسيطا إلا أنه جواد كريم وشجاع. كان بذل جهده لإرضاء الدولة ومراعاة مصالحها (2) ...
    لامه المؤرخون على ارتباكه من فرار سعيد بك فلم يهدأ له قرار وحاذر أن يقوم عليه في حين أن حالت أفندي بذر هذه البذرة للتفرقة. وكان ذلك لغرض سياسي أهم من الوزارة فأراد أن يتناحر المماليك ليتيسر للدولة القضاء على حكومتهم بسهولة.
    قال في الدوحة :
    «إنه من مماليك سليمان باشا الكبير. وعاش بنعمته ، وأن عمره نحو الخمسين عاما ومدة وزارته مع أيام قائممقاميته سنتان وخمسة أشهر وثمانية عشر يوما.
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 153.
    (2) تاريخ الكولات ص 17.

    وهو عارف كامل وعالم فاضل وله وقار وهيبة ، كان جسورا ، لا يلحقه أحد في الجود والكرم» اه (1).
    وزارة سعيد باشا
    أيامه إلى حين وزارته :
    هو ابن سليمان باشا الكبير. ولد سنة 1205 ه‍ وعمره حين وفاة والده (12 عاما). ولم يكلفه بعمل ما نظرا لصغر سنه. ومن وفاة والده إلى أيام عبد الله باشا اختار الراحة في داره ، وإن الوزراء بناء على أنه ابن الوزير لم يقربوه لمناصب الحكومة ، ولم يطمح هو إليها.
    وبعد وفاة سليمان باشا القتيل تولى القائممقامية بترغيب من فيض الله الكهية لمدة يوم أو يومين ثم نفض يده منها وقعد في بيته كالأول. ولم يخطر بباله تعهد رئاسة ، أو رغبة في الحكومة. ولكن بعد ميل الأهلين واختيارهم له مع فيض الله توجهت الأنظار إليه فصار محل التهمة ومظنة الرغبة في الرئاسة. لذا شاهد من عبد الله باشا سوء قصد نحوه. ولمجرد انقاذ حياته وخلاصه من هذه الورطة خرج من بغداد وفر إلى المنتفق ...
    لذا قام عبد الله باشا وجهز جيشا على المنتفق فوقع ما وقع. فالتحقت الجيوش بسعيد بك ومالت نحوه فتابعه الكل فقبل الرئاسة ضرورة نزولا عند رغبة هؤلاء وصار يناضل جهده فبقي هناك إلى نهاية صفر ثم تحرك في أوائل ربيع الأول سنة 1228 ه‍ وتوجه نحو بغداد بصحبة حمود الثامر. وكان في بغداد آغا الينگچرية السيد عليوي وهو معروف بالتحريكات لا يهدأ له أمر ولكن القائممقام درويش محمد آغا كان صاحب تدبير ، لذا دبره مدة وطمأنه.
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 258 ومطالع السعود ص 152.

    قائممقاميته :
    وعند وصول سعيد بك إلى الدورة فرح الأهلون به فاستقبله العلماء والأعيان فدخل بغداد في 15 من شهر ربيع الأول بأبهة عظيمة وجلس في منصب القائممقامية.
    وحينئذ كتبت عريضة ودون محضر في ترشيحه للوزارة. ولما وصل المحضر والعرض وجهت الدولة إليه وزارة بغداد والبصرة وشهرزور رعاية للحقوق القديمة فوردت إليه البشرى مع الحاج حسين آغا التوتونچي باشي لكتخدا الباب في غرة جمادى الثانية ، وفي 15 شوال ووردت الفرامين والتشريفات مع محمد آغا معتمد حالت محمد سعيد فسر بذلك وأجرى الاحتفال المعتاد (1).
    تبديل بعض المناصب :
    إن الوزير حينما انحاز إليه الجيش في وقعة (غليوين) وتابعه أبقى كلّا من أرباب المناصب في محله وقرر أن يكون داود الدفتري وكيلا عن الكتخدا ، وعمر آغا الملي الباش آغا السابق كهية البوابين ، وعزل رستم آغا متسلم البصرة ونصب السيد سليمان الفخري مكانه.
    قال في الدوحة : إن داود حين ورد بغداد قدم استقالته لما تفرس في الوزير أنه سوف لا يتمكن من تدبير الحالة ، ولا يتصرف تصرفا قويما كما استدل من بعض القرائن فعين وكيلا بدله بعد أن دخل بغداد درويش محمد آغا آل الحاج سليمان آغا وباشر في وظيفته (2).
    وجاء في تاريخ الكولات أنه من حين تولى الإدارة عهد بالكتخدائية لزوج أخته داود وهذا قبض عليها بكليته فلما وصل إلى
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 259 وتاريخ شاني زاده ج 2 ص 188 و 306.
    (2) دوحة الوزراء ص 259.

    بغداد عزله بلا سبب ظاهري وأبعده عن الإدارة والصواب أن والدة الوزير ألحت عليه بلزوم عزله وأصرت فاضطر أن يعزله. وقالت : هؤلاء اعدائي من أيام والدك (1).
    وذكر أنه أبقى أهل المناصب كلّا من منصبه ممن كان زمن عبد الله باشا ولكنه عزل خليل آغا الخازن وعين لطف الله آغا مكانه نظرا لحقوقه القديمة حينما كان في المنتفق كما أنه عين خليل آغا متسلما لكركوك. وكان أيضا وعد السيد خضر آغا الموصلي الذي هو آغا القرنة فجعله (آغا بغداد) نظرا لإخلاصه له ولما رآه منه في وقعة (غليوين). ورأى من المصلحة عزل السيد عليوي ولكنه لم ير من المناسب عزله حين دخوله بغداد فأرجأ أمر ذلك إلى وقت آخر. أما السيد عليوي فإنه فضلا عن أعماله السابقة صار يتفوه ببعض الأقوال ويندد بالوزير وأعماله. تحقق ذلك منه فعزله حالا وأجلاه إلى البصرة وعين مكانه السيد خضر آغا الموصلي (2).
    وعندي رسالة فيها قصائد مرتبة على حروف الهجاء في مدح الوزير. جاء في مقدمتها كلام على انتصاره على أعدائه ... وسماه محمد سعيد باشا بن سليمان باشا وأن هذه الرسالة للسيد (سعدي) جد (آل السعدي) المعروفين في بغداد كما أن للأستاذ علي علاء الدين الموصلي قصيدة مدحه بها.
    وفاة عبد الرحمن باشا بابان :
    تواترت الأخبار بوفاة عبد الرحمن باشا فكان المأمول أن يعين مكانه أحد الباشوات الموجودين في بغداد من البابانيين وعقب هذه
    __________________
    (1) تاريخ الكولات ص 18 وفيه تفصيل.
    (2) دوحة الوزراء ص 259.

    الإشاعة جاء رسول خاص يخبر بوفاته وأنه في ساعة وفاته أجمع عموم البيگات والآغوات وجمهور المشايخ والسادات والعلماء والعشائر وسائر الرؤساء ومختاري القرى على اختيار ابنه محمود بك وقلدوه الرئاسة. وأنهم يلتمسون توجيه إيالة ديار الكرد إليه وعلى هذا وجهت ألوية بابان وكوى وحرير إليه برتبة (باشا) وأرسلت إليه الخلعة والأمر (البيورلدي) (1).
    الخزاعل :
    كان شيخ الخزاعل من مدة مصرا على العصيان وأن جوره بلغ حده. ولذا عزم الوزير على التنكيل به فجهز عليه الجيوش. وفي 11 ذي الحجة سار فوصل إلى الحلة ولكن المعدات لم تكن متناسبة مع حالة الخزاعل ولا قام بكل ما يجب إعداده فنصب خيامه في الحلة.
    حوادث سنة 1229 ه‍ ـ 1814 م
    الخزاعل أيضا :
    تبين للوزير نقص المعدات فتوقف في الحلة ولكن النقص لم يكن مقصورا على عدد الجيش ، أو نقص في المتاع وإنما هو نقص في حسن الإدارة. ولذا عزم على العودة وغرضه التوقف إلى أن يظهر ما يدعو فيتخذ وسيلة فأقام في الحلة.
    أما الكتخدا وسائر (أهل الحل والعقد) فقد أرادوا أن يستروا عيوب الوزارة فاتخذوا الروية وراسلوا شيخ الخزاعل. ساقوه إلى أن يتعهد بالميري وأبدوا للوزير السطوة فأظهر الطاعة وتعهد بأداء الميري ،
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 260.

    فاكتفى بهذا منه ورجع إلى بغداد فدخلها في 22 صفر. ومدة سفره شهران و 12 يوما (1).
    وقائع مختصرة :
    1 ـ إن الوزير عزل داود أفندي من الدفترية ونصب مكانه محمد سعيد الدفتري كذا في الدوحة. والصحيح ما مر في تاريخ الكولات وأما الباقون فإنهم توصلوا بطرق مختلفة إلى الوظائف.
    2 ـ إن عبد الرحمن باشا تسلط على بغداد زمن وزارة عبد الله باشا وبسبب ذلك تفرق جمع المقربين أيام علي باشا وسليمان باشا حذرا من بطش الوزير فاختاروا الجلاء عن وطنهم ... ومن جملة هؤلاء محمد آغا الكتخدا السابق. ذهب إلى بلاد الروم ، وكذا أحمد بك الأخ من الرضاعة للوزير ... فإن هؤلاء حينما سمعوا بوفاة عبد الله باشا أمنوا شره وعادوا إلى بغداد الواحد بعد الآخر إلا أنه كان الواجب على الوزير أن يبالغ في إكرام محمد آغا أكثر من أحمد بك نظرا لمقدرته وكفاءته لكنه توجهت ألطافه إلى أحمد بك دون محمد آغا إذ إنه خصص له راتبا أكثر ورعاه رعاية زائدة جدا وعين راتبا لمحمد آغا بصورة اعتيادية ...
    3 ـ كان علي باشا قد نفى متسلم البصرة سابقا الحاج عبد الله آغا ثم اغترب متوجها إلى بندر أبي شهر فبقي بضع سنوات فلما سمع بأن ابن سيده ولي الوزارة في بغداد زال عنه الخوف فاستأذن في العودة إلى بغداد فأدخله الوزير ضمن ندمائه والتفت إليه وسره.
    4 ـ ورد بغداد كل من عبد الله بك وأحمد بك وعمر بك إخوة عبد الرحمن باشا. فارقوا محمود باشا فتوجهوا بأتباعهم إلى بغداد تاركين عائلاتهم (2).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 260.
    (2) دوحة الوزراء ص 261.

    الحلة ـ الخزاعل وحسكة :
    مضى أن سعيد باشا لم يتجاوز الحلة ، وأنه لم يعد العدة ولم يقدر أن يقوم بالسفر على الخزاعل. وهذا مما أدى إلى خذلانه وقلة سطوته وعدم التأثير على العشائر الأخرى فصار عشائر الجزيرة والشامية يتعرضون بالمارة فازداد البغي والعتو من كل صوب.
    ومن هؤلاء زبيد والخزاعل وسائر العشائر ولم يؤدوا الرسوم الأميرية. وكذا عشائر (الجرباء) ، و (الظفير) ، و (الرولة) ... فعاثت بالقرى والقصبات المجاورة لها مثل
    (الحلة) وكربلاء والنجف فضج الناس من كل صوب ... لحد أن النهب والسلب وصل إلى القصبات المجاورة مثل الكاظمية وحوالي الكرخ فصار الناس في خوف على نفوسهم وأموالهم ...
    وفي هذه الأثناء اتفق أن أربعين ألف زائر من الإيرانيين كانوا في قصبة كربلاء علمت بهم العشائر فتوجهت إليهم من كل صوب وصارت تنتظر خروجهم للوقيعة بهم ، وأحاطت بالمدينة من أطرافها فلم يجد الزوار طريقا للخروج.
    بقي الزوار محصورين وكان فيهم حرم الشاه وفي صحبتها بعض الخانات وأن خدام الحضرة عرضوا الأمر مرارا على الوزير فلم يصغ ولم يتخذ أي تدبير.
    كان التهاون بأمثال هذه مما فضح سياسة الوزير وأظهر عجزه ، وولد سمعة سيئة. ولذا ألح أهل الحل والعقد على الوزير للقيام بتدبير ناجع فأحال القضية إلى داود الدفتري السابق فجعله قائدا وعين بصحبته مقدارا من الجيش وفوض إليه رفع أمر الغوائل.
    جهز داود جيشه وسار من بغداد بتاريخ 14 ذي القعدة نحو الحلة فوصل إليها. وكانت آنئذ كربلاء والنجف مزدحمة بالعشائر في كافة

    أنحائها وحواليها ... وأن كثرتها كانت تعادل أضعاف أضعاف الجيش فلم يبال بكثرتهم.
    مكث في الحلة بضعة أيام للاستراحة فذاع أمره فاستولى الرعب على العربان النازلة في تلك الجهات. لذا لم يحتج إلى المحاربة فحذرت العشائر منه وتفرقت دون أن يجرد سيفا وإنما أرسل مقدارا من الجيش لتخليص الزوار المحصورين فجاء بهم إلى الحلة ثم ذهبوا إلى النجف ومنها عادوا إلى الحلة ، ثم توجهوا إلى بغداد دون أن ينالهم خوف أو يصيبهم ضرر.
    وحينئذ نهض داود من الحلة يريد الحسكة ولكن علم أن زبيدا في أنحاء الحلة تولدت منهم أكثر المفاسد من قطع طرق ونهب وسلب ... لذا عزل شيخهم ونصب مكانه (شفلح الشلال) وتعهد بتأمين الطرق وحراستها.
    وإن عشيرة جبور الواوي سلكت عين ما سلكته زبيد فألقى القبض على شيوخها وأغار على عشائرها. وكانت متحصنة في ناحية (شكرى) بين الأنهار والغابات فعزموا على النضال سوى أنهم لم يطيقوا المثابرة فانهزموا وتقدم الجيش فانتهب أموالهم واغتنم مواشيهم وسائر ممتلكاتهم.
    وحينئذ حط داود خيامه تجاه الديوانية محل (ضابط الحسكة) وهناك أبدى سطوته (1).
    حوادث سنة 1230 ه‍ ـ 1815 م
    الخزاعل :
    أما الخزاعل فإنهم من زمن علي باشا لم يذعنوا لسلطة بسبب ما
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 262.

    أصاب الحكومة من غوائل ألهتها فصاروا ينظرون إليها بنظر الاستغراب. فلما جاءهم داود رأوا كصاعقة اصابتهم ، واضطروا إلى الانقياد والطاعة وتعهدوا بالميري وقدموا الهدايا ...
    أما القائد داود فمراعاة للمصلحة عاملهم بالحسنى ثم رجع بناء على أمر الوزير ونظم الاشغال لكنه قبل أن يتمها صدر الأمر بعودته فعجل بالرجوع حذر أن يحمل عمله على محمل آخر.
    وإن أكبر شيوخ الخزاعل محسن الغانم جاء إليه وأبدى الطاعة فراعى جانبه وأحسن إليه واستصحبه إلى بغداد وحصل على واردات جسيمة وأبدى سطوة.
    وفي سلخ صفر عاد. ومدة سفرته ثلاثة أشهر و 16 يوما (1).
    وإلى هذه الوقعة أشار الشيخ صالح التميمي بقصيدة مطلعها :
    أمدبرا قطر الممالك بعد ما
    عجزت ولاة الأمر عن تدبيرها (2)

    تبدلات في الموظفين :
    وقبل عودة داود كان قد عزل الوزير وكيل الكتخدا درويش آغا ونصب مكانه متسلم البصرة السابق الحاج عبد الله آغا وكيل الكتخدا. وهذا مما لا شك في مقدرته قام بأعباء جسيمة. أبدى فيها كفاءة فهو مجرب للأمور. ولكن الأحوال كانت مختلة. ولو نصب غيره أيضا لما أمكنه التنظيم. ولهذا اكتفى داود بالدفترية حبّا في برودة الرأس من الغوائل (3).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 263.
    (2) ديوان الشيخ صالح التميمي 31.
    (3) دوحة الوزراء ص 263.

    وقائع متفرقة :
    1 ـ إن سعيد باشا في سفره إلى الحلة في سنة 1228 ه‍ استصحب معه خيالة خالد باشا متصرف بابان سابقا فرأى تهاونا. أما عبد الله بك أخو عبد الرحمن باشا فقد ذهب بصحبة داود إلى الخزاعل. فظهر سعيه وبدت نتائج أعماله. ولذا تغير الوزير على خالد باشا وحبسه في داره وسلب منه مقاطعة مندلي وخانقين وعلي آباد وأعطى حاصلاتها إلى عبد الله بك. ثم عفا عنه إلا أنه لم يعد إليه مقاطعاته.
    2 ـ إن متصرفي الكرد من أواسط أيام علي باشا كانوا يتوصلون إلى الإدارة بواسطة الشاه إلا أن نفوذ الوزراء في الحدود بتعيين موظفين لا يزال باقيا ، وأن إيران تخشى أن تتعرض بهم ... ولذا كفت يدها من كوى وحرير ، ومن درنة وباجلان.
    3 ـ كانت يد إيران في بابان لا تزال عاملة في الخفاء ، والمصارحة وكانت ترضي الوزير بالمواعيد والآمال ...
    4 ـ بناء على بعض التعهدات وجهت كوى وحرير إلى سليمان باشا متصرف بابان سابقا.
    5 ـ إن متصرف درنة وباجلان محمد جواد باشا جاء إلى بغداد وألبس من الوزير خلعة إمارته.
    6 ـ إن وكيل الكتخدا الحاج عبد الله آغا نظم أمور وكالته مدة خمسة أشهر ولأمر طفيف عزل ، ونصب درويش محمد آغا بالوكالة.
    7 ـ لاحظ ضابط الحلة أن زرع المقاطعات ممن يعيث بالأمن ليس من المصلحة وأبدى لزوم اتخاذ تدبير لذلك ، فطلب من خالد باشا متصرف بابان سابقا مقدارا من العسكر فأرسل ابنه محمد بك ومعه نحو خمسمائة فارس إلى بغداد. ولما لم تكن بعهدته مقاطعة تقوم بمصارفه

    أعطي خمسين ألف قرش ليدبر بها أموره وأرسل إلى نهر الشاه (1) ...
    الخزاعل :
    إن الخزاعل لم يبد منهم ما يبرر القيام بمخاصمة وإنما ذهب جاسم بك الشاوي إلى الخارج أيام عبد الله باشا في بعض المصالح وفي طريقه مر بشيخ الخزاعل سلمان المحسن. ولما لم ير منه توجها وحفاوة فقد اضمر له الغيظ. وفي هذه الأثناء ورد كتاب من شيخ الخزاعل عباس الفارس ينطق بأن سلمان المحسن عاث بالأمن ، وأنه لا يزال على سوء الأحوال فكانت هذه نعم الوسيلة لتبريد غلته ، فأبدى للوزير حاله وشوقه للسفر عليه بأمل تقوية النفوذ وجلب الإيراد.
    تأهب الوزير وفي 8 شوال نهض من بغداد نحو الخزاعل. ولما وصل إلى الحسكة اضطرب شيخ الشامية مغامس الشلال فترك دياره وضرب في الصحارى ، وإن عباس الصقر جاء ليعرض اخلاصه ...
    أما سلمان المحسن فإنه ثبت وتمكن في (لملوم) ولكنه لم يطق الدوام فرحل إلى الأهوار واستقر في السيباية في محل يقال له (المدينية). فضرب الوزير اللملوم وأتلف زروعه فرعتها الخيل ووطأتها. ومن هناك ضرب خيامه بمقربة من السيباية وساق عليه الجنود فضيق لبضعة أيام ومشى على السيباية مرات حاول الاستيلاء عليها فاستعصت ولم يتمكن من الوصول إليها. فاضطرب الشيخ لحاله أن يتركها فتفرق جمعه في الأهوار الصعبة المرور ...
    ولما علم أن لا طريق لتعقيبهم مضى الوزير إلى جليحة لتحصيل الميري وجعل وجهته اليوسفية فتوقف بضعة أيام وتبين له أن لا طريق لاستحصال الميري منهم فقام بلا نتيجة ورجع. وفي طريقه زار النجف
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 264.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 9:35 am

    وكربلاء. وفي المحرم سنة 1231 ه‍ دخل بغداد. ومدة سفرته دامت شهرين و 26 يوما (1) ...
    حوادث سنة 1231 ه‍ ـ 1816 م
    شمر والخزاعل ـ المنتفق والظفير :
    إن فارس الجرباء بعشائره والزقاريط وعشائر البعيج لم يروا من سعيد باشا ما كانوا يرونه من الوزراء السابقين من عناية ورعاية لا سيما أيام الوزير علي باشا ففي أيامه كانت لفارس أبهة عظيمة وصدارة فعبر إلى غربي الفرات عند ما تولى سعيد باشا الوزارة بسبب ما بين الجرباء والعبيد من الضغائن لا سيما قاسم بك الشاوي وكان الوزير ولي أكثر أموره له فلم يستقر فارس في الجزيرة فنزل بعشيرته على الخزاعل فاتفقوا وتجمعوا. وفي هذه الأثناء كان قد نكل الوزير بشيخ الخزاعل سلمان المحسن وضيق عليه تضييقا مرا. وعلى هذا استمد سلمان المحسن بفارس الجرباء فأمده بعشائره فوصلوا وتبعوا الجيش للنكاية به وحينما جاؤوا قرب ديار الخزاعل علموا أن الوزير رجع. ولما سمع بهم تأهب عليهم. ولكنهم هابوه ولذا مالوا إلى الخزاعل ، واتفقت زبيد والعشائر الأخرى ممن في تلك الأنحاء. فصارت جموعهم خطرا. جاؤوا من الحسكة إلى الحلة فانتشر ضررهم وزال الأمن وانقطعت السبل وتسلط العشائر على القرى والمقاطيع. فتحير الوزير في أمره لما ظهر من هذه الأحوال.
    وحينئذ طلب الوزير حمود الثامر شيخ المنتفق للسفر على الخزاعل فجهز جيشا عظيما فوصل إلى أنحاء السماوة كما أن الوزير علم أن لا مجال للخلاص من الجرباء إلا بجلب الظفير ألد أعدائهم. وكذا دعا كل
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 265.

    من ينزع إلى معاكسة هذه العشائر من العشائر الأخرى من العبيد وأرسل معهم قاسم بك مع بيارق الخيالة وعقيل وباش آغا. وكذا جلبوا الدريعي من رؤساء الرولة من عنزة لجانبهم. ولي قاسم بك أكثر أمور هذا الوزير ونظرا لذلك لم يستقر آل الجرباء في الجزيرة وإنما نزلوا بعشائرهم على الخزاعل ليكتالوا من أنحائها. وكان بين فارس وبين الدريعي عداء قديم فاقتفى الدريعي أثره ونزل قريبا منه وأرسل إلى حمود بن ثامر فاستنفره فنفر بفرسان عشائره لمساعدة الدريعي وكذلك خرج عسكر الوزير مع من ذكر (1) ...
    تقابل الفريقان في لملوم واشتعلت نيران الحرب فكانت الغلبة في جهة مناصري الوزير وقتل من خصومهم خلق كثير.
    وفي هذه الواقعة قتل بنيّة بن قرينس ابن أخي فارس وكان بنية ما كرّ على جناح أو قلب إلا هزمه حتى تحامته الفرسان فأصابته طلقة اردته قتيلا وحينئذ أرسل رأسه إلى الوزير فأعلن أمره ليؤدب به الباقين (2) ...
    المنتفق في هذه الأيام :
    بعد قتلة عبد الله باشا قويت شوكة حمود وصار أمر سعيد بيده ولهذا أعطاه وإخوانه ما في جنوب البصرة من القرى. وأطاعهم الحاضر والبادي ، وسالمتهم الأعادي.
    وفي أيام الشيخ حمود امتدت يد الظلم من أتباعه. وأطنب في ذلك صاحب مطالع السعود لقصد التوصل إلى ذم ادارة سعيد باشا بل ذمها كثيرا ، وبالغ في ذم حمادي بن أبي عقلين وسائر الموظفين. وما
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 157 ودوحة الوزراء ص 266.
    (2) عشائر العراق ج 1 ص 132 ـ 147.

    ذلك إلا لأن الوزير أشرك العرب في الإدارة فنقم عليهم داود باشا فظهر ذلك على لسان مؤرخيه صاحب الدوحة وصاحب المطالع (1).
    وقائع مختصرة :
    1 ـ إن خالد باشا متصرف بابان سابقا كان قد عين ابنه محمد بك مع خمسمائة فارس لمحافظة أنحاء الحلة فخدم بإخلاص. لذا وعده الوزير أن يوجه إليه إربل لما شاهد من بسالته في حرب الخزاعل. مضت بضعة أيام فوجه إيراد إربل إلى خالد باشا وصار يستوفيه تدريجيا ويصرفه على أتباعه ... ثم ذهب ابنه محمد بك بمن معه إلى إربل.
    2 ـ شوهد تهاون من سليمان باشا متصرف كوى وحرير في أداء ما تعهد به وتساهل في الخدمة. وعلى هذا عزله ووجه هذه الالوية إلى خالد باشا ، وإلى ابنه محمد بك وكالة كوى وحرير بعنوان (باشا).
    فلما سمع سليمان باشا بهذا قوض خيامه وطوى بساط الراحة وذهب إلى سنة مع أتباعه ومنها سار إلى كرمانشاه وتابعه محمد علي ميرزا. وسارع محمد باشا ابن خالد باشا من إربل نحو لواء كوى. وكذا استأذن خالد باشا من الوزير أن يذهب إلى محله وكان في بغداد (2).
    سعيد باشا ـ حمادي ابن أبي عقلين :
    تولى سعيد باشا الوزارة وهو حديث السن ، لم يجرب الأمور. ومما حط من منزلته أنه استخدم حمادي (ابن أبي عقلين) من صنف العلواتية (بياعي الأطعمة) فنال مكانة لديه.
    وإن مؤرخي داود باشا حرموه من كل صفة مقبولة. قالوا : وهو
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 158.
    (2) دوحة الوزراء ص 267.

    كردي الأصل ، فلم يكن عاقلا ولا نصف عاقل فضلا عن أن يكون أبا عقلين. ولو كتبت أعماله لاحتاجت إلى تدوين سفر مع قصر المدة لمباشرته الأعمال وعدوا ذلك من خرق الوزير سعيد باشا وبينوا أنه لم يسمع نصحا كما أن ابن أبي عقلين زاد عتوه ، فوصلت الحالة إلى انحطاط وتدهور ليس وراءهما وهكذا كان شأن العشائر وصاروا لا يسمعون أمرا وتكاثر العصيان. ومثلهم أهل المدن (1). ومجرى الحوادث يبصر بحقيقة الوضع.
    ومما وقع في هذه الأيام :
    1 ـ في مندلي حدث اختلال فطرد أهلها ضابطهم واختاروا ضابطا غيره.
    2 ـ في كركوك حدثت فتنة عظيمة لم يسبق لها مثيل طالت ثلاث سنوات استعرت في خلالها نيران الخصام بين الأهلين.
    3 ـ أصر (حمادي بن أبي عقلين) على أن يعزل محمود باشا متصرف بابان وينصب مكانه عبد الله بك أخو عبد الرحمن باشا برتبة باشا فاضطر الوزير على ذلك وأرسله إلى كركوك ، وسير معه عبد الفتاح آغا (بلوك باشي) تقوية له وأن باش آغا مع عبد الله باشا وصلا الجانب الأعلى من (قزل دگر من) في كركوك فنصبا خيامهما وطيرا الخبر بما عهد إليهما. فلما سمع محمود باشا تأهب للقراع وعين أحد إخوته عثمان بك مع مقدار من الجيش وتحصن هو في مضيق (بازيان).
    وكانت أرسلت الدولة إلى إيران سليمان أفندي رسولا وهذا تشاور الوزير معه على عزل محمود باشا فلم يرض. ثم ذهب إلى إيران وبلغ الرسالة ولكن قبل أخذ الجواب رأى ابن أبي عقلين أن يعجل في القضية
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 267.

    فلما علمت إيران اتخذت هذه سببا لاعتذار الشاه ، وأدت إلى انفعال الرسول.
    جاء محمود باشا بجيوشه إلى المضيق وأبرز من السطوة ما جعل عبد الله باشا يتهيبه. وإن الباش آغا كانت معه شرذمة قليلة فلم يجسر أن يمضي إلى الأمام بل بقي في محله ولازال في انحطاط في القوة يوما فيوما ... وعزا انصار داود باشا إلى الوزير وإلى ابن أبي عقلين أمورا كثيرة ليبرروا نهضته. وبهذه التشنيعات وأمثالها أثروا على الدولة في أنه عاجز عن ادارة الشؤون مما أدى إلى عزله فاختلت الحالة. وعاد محمود باشا إلى محله (1).
    أحوال بغداد :
    إن أحوال بغداد انعكست إلى الدولة فتحولت عن الوزير الانظار كما أن حالت أفندي الرئيس كان قد عاد إلى استنبول فصار بمقام مشاور للدولة في مصالح العراق ومهامه لا تخرج الدولة عن رأيه ...
    وهذا كان له صراف في استنبول يقال له (حسقيل) (2) بن راحيل من يهود بغداد. وكان له أخ يدعى عزره (3) التمس من الوزير أن يعينه رئيس الصرافين.
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 269 ومثله في مطالع السعود ، ومرآة الزوراء ، وتاريخ الكولات. وتاريخ شاني زاده ج 2 ص 207 و 208.
    (2) ذريته في استنبول. وله بنت اسمها سمحة ماتت بلا عقب ، وأخرى اسمها (دينه) تزوج بنتها المحامي حسقيل ناجي فتوفي سنة 1932 م وله ابن اسمه نعمت.
    (3) يكنى بـ (أبي يوسف) وأولاده يوسف رحميم و (عبد الله) ، و (روفائيل). ولا يزال له عقب منهم عبد الله بن روفائيل كان موظفا في المصرف في البصرة. وأما يوسف فله أولاد وأولاد أولاد.

    أما رئيس (1) الصرافين الموجود فإنه ملتزم من والدة الوزير ومن ابن أبي عقلين لذا لم يروج ملتمسه فاستكبر حالت أفندي ذلك وتألم من الوزير. وصار يتربص الوسائل للوقيعة به.
    وفي تلك الأيام كانت الدولة تأذن للولاة في ضرب بعض النقود في بغداد. فأذن له بضرب النقود النحاسية وعين عزره المذكور. وهذا اغتنم الفرصة من غفلة الموظفين فكتب بدل (الطغراء) لفظ (سعيد باشا) ولما قدم إلى الوزير الانموذج تهيج كثيرا فسارع إلى تغيير هذه النقود ولكن تسرب مقدار منها إلى الدولة ولا تزال معروفة عندي نماذج منها. وعزرا هذا بعث إلى أخيه حسقيل مقدارا من هذه النقود قدمها إلى حالت أفندي مبديا له أن سعيد باشا ضرب نقودا باسمه وقدمها إليه تصديقا لقوله وعلى هذا وللأسباب المارة عزل سعيد باشا وصدر الفرمان بلزوم إقامته في حلب في محل (شيخ بكر). ولكن سعيد باشا لا يزال خالي الذهن (2).
    علم محمود باشا ذلك كله ولكنه التزم الكتمان وأمر أن لا يتزحزح من مكانه. وحينئذ فهم الوزير من الأوضاع أن نوايا الدولة متوجهة عليه فاضطر أن يدعو الجيش المرسل لمساعدة عبد الله باشا وأن محمود باشا مع جيوش إيران قاموا من المضيق فعاد كل إلى مكانه وبقي عبد الله باشا في كركوك (3).
    __________________
    (1) هو ساسون أبو روبين بن صالح داود يعقوب وله ثلاثة أولاد يوسف وروبين وداود. وأن يوسف له ابن اسمه (يهودا). أعقب حسقيل ناجي المحامي. وهارون. وهذا أعقب المحامي الأستاذ انور بن شاؤل. وأن ساسون من أولاده داود المعروف بـ (داود ساسون) التاجر المعروف وبيته اليوم مشهور في بلاد الانجليز ، ولشركته فرع في بغداد.
    (2) تاريخ الكولات ص 33.
    (3) دوحة الوزراء ص 269.

    خروج داود من بغداد :
    قال صاحب المطالع : «فلما رأى أرباب الأغراض منه ما رأوا أي من داود من وقعة الخزاعل أضمروا له ما أضمروا وسعوا فيما سعوا ... فوافقهم الوزير على ما بينوا فحاولوا قتله ، أو كادوا ... فبلغه ما عليه أضمروا ... فأشير عليه أن يخرج من بغداد ، ويخطب إيالتها فوافق ما كان أضمره ... فخرج في 12 ربيع الأول لسنة 1231 ه‍ (1).
    ومثله وبصورة أوسع في الدوحة من أنه كان مخلصا للوزير إلا أنه أبدى خرقا في الإدارة وتسلط عليه ابن أبي عقلين وأجرى تبدلات كثيرة في المناصب أغضب بها المماليك ، فاختار أكابرهم داود للأمر ، وحذرا من الوقيعة به نهض من بغداد في 12 شوال مع بعض أعوانه. ذهب إلى زنگباد ومنها مضى إلى كركوك.
    وفي طريقه وصل إليه كتاب من محمود باشا يبدي أنه ووالده لا يقصرون في الخدمة وأن الولاة كانت معاملتهم سيئة وإذا وجهت إليه الوزارة فإنهم لا يخرجون عن رأيه ولا من طاعته ولا يميلون إلى إيران أو يركنون إليها ، وأنهم متأهبون لمؤازرته فأجاب ملتمسهم وذهب إلى السليمانية فاستقبل بحفاوة بالغة الحد (2).
    أخبار سعيد باشا بعد خروج داود :
    إن هذا الوزير بعد ذهاب داود أحس بالخطر وعلم أن تبعيد المماليك أدى إلى هذا ، ومن ثم قرب الموجودين ، وأبعد ابن أبي عقلين. وحاول إرضاء جماعته ، فجعل درويش محمد آغا كتخدا أصالة ، ونصب مكان ابن أبي عقلين يحيى آغا الميراخور جعله خازنا ، وعين
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 195.
    (2) دوحة الوزراء ص 273.

    يوسف آغا الميراخور أمين الاصطبل كما كان ، وعزل عمر آغا الملي ووجه كهية الباب إلى عبد الله آغا الباش آغا السابق. وأجرى تبديلات أخرى فكان ذلك تسكينا للخواطر وهيهات أن يرضوا عنه بعد ما رأوا منه ما رأوا وصار يهرب الواحد بعد الآخر. وصار يشتبه من أوضاع العثمانيين أيضا خشية أن يهربوا. وكتب إلى شيخ المنتفق حمود الثامر أن يأتيه لإزالة ما هو فيه من الاضطراب (1).
    داود في السليمانية :
    تمكن داود في السليمانية. وناصره محمود باشا وقبل برئاسته وكان قد فر إلى كرمانشاه كل من سليمان باشا بن إبراهيم باشا متصرف كوى وحرير سابقا ، وخليل آغا متسلم كركوك. ورستم آغا متسلم البصرة سابقا ، والسيد عليوي المنفصل من آغوية بغداد فورد هؤلاء السليمانية وتابعوه ، وكذا راسله الكركوكيون وأبدوا له الطاعة ودعوه لموافاتهم. لذا استدعى عطف السلطان عليه وعنايته به بتوجيه الوزارة إليه وعرض الكيفية مع تاتار خاص وبقي في السليمانية نحو أربعين يوما ثم توجه إلى كركوك ومعه محمود باشا بعساكره وسليمان باشا.
    ثم ورد الجواب ، فأنجز السلطان ما أمله ومنح له الإيالة ، فاستقبله وجوه المملكة (2). وقبل أن يصل إلى كركوك بنحو ثلاث ساعات جاءه عمر بك دفتري بغداد ابن الحاج محمد سعيد بك مع مقدار من الاتباع ، فنال التفاته. ولما قارب كركوك استقبله متسلمها الحاج معروف آغا وقاضيها ومفتيها ونقيب إشرافها وجملة العلماء والأعيان وآغا الينگچرية وصنوف الجيش من سردنكجدية ومتميزي الاوجقلية ، فقدموا ما يجب من طاعة.
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 274.
    (2) مطالع السعود ص 212 بتلخيص.

    ثم نصب خيامه قرب (قزل دگر من) (1) فاستراح هناك وتجمعت الجيوش إليه. وحينئذ جعل أحمد بك الأخ من الرضاعة وكيل كتخدا ، ومحمد آغا كتخدا البوابين وكيل كتخذا البوابين أيضا ونصب عبد القادر آغا الحشامات وكيل الخازن ، وعمر بك الدفتري وكيل المصرف وخصص لهؤلاء بعض الكدكات المناسبة (2).
    عزل خالد باشا وخيانة أحمد بك :
    حينما وصل داود باشا إلى زنگباد كان قد كلف عبد الله باشا متصرف بابان سابقا أن يكون في جهته فأبى. ولم يقف عند هذا بل ارتكب بعض الخيانات فلما رجع من السليمانية إلى كركوك عاد عبد الله إلى بغداد مع أعوانه. وفي طريقه أغار على قرية خرنابات من قرى الأوقاف فانتهبها. وبهذه الصورة وصل إلى بغداد والتحق بسعيد باشا.
    وأيضا طلب من خالد باشا متصرف كوى وحرير أن يتابعه حينما توجه من السليمانية إلى كركوك فامتنع وخالفه. ولذا بعد أن ورد كركوك ببضعة أيام عزله ووجه الألوية المذكورة إلى محمود باشا وعين أخاه عثمان بك لضبطها وإدارتها وأرسل معه قوة كافية للاستيلاء عليها.
    ولما كانت الدولة أصدرت فرمانا بعزل سعيد باشا عزمت أن تجعل أحمد بك الأخ من الرضاعة قائممقاما فأصدرت فرمانا بقائممقامية ولكن لم يستطع إعلانه حذرا من الخذلان فكتم الأمر وصار يترقب الفرصة. ولما ذهب الجيش إلى كوى وحرير اعتقد أن قد حان الوقت ، فوافقه أهل كركوك نزولا عند الرغبة السلطانية.
    قام أحمد بك بوسائل الفتنة فتابعه بعض الآغوات وخالفه آخرون
    __________________
    (1) الطاحونة الحمراء وهي قرية تبعد عن كركوك نحو نصف ساعة.
    (2) دوحة الوزراء ص 275.

    سرا فانتظروا الفرصة ليلا وذهبوا إلى داود فعذل هؤلاء وأهل المدينة فلم يعذلوا بالرغم من الاستمالة بل هاجموا الجيش على حين غرة فقابلهم ضرورة ، فلم يثبتوا إلا مدة قصيرة فألقي القبض على قسم وقتل آخرون. ومنهم من تشتت شملهم.
    ومن ثم نهض الجيش من المحل المذكور وضرب خيامه في جنوب كركوك في قرية
    (تر كلان). وبعد ثلاثة أيام رحل الجيش إلى قرية (طقمقلو) منتظرا أجوبة ما قدمه من معروضات إلى الدولة.
    وبعد أن أتم عثمان بك مهمته في كوى وحرير عاد الجيش ونظمت الإدارة هناك (1).
    حمود الثامر ـ بعض وقائع بغداد :
    إن عبد الله باشا لم يستطع البقاء في كركوك. فلما سمع بمجيء داود باشا إليها ذهب مع خمسمائة من الخيالة إلى بغداد فنصب خيامه خارج باب الإمام الأعظم وطلب أيضا سعيد باشا من حمود الثامر أن يوافيه فجاءه بألف وخمسمائة من العساكر فوصل إلى بغداد في 23 ذي الحجة ونزل في جانب الكرخ.
    أما سعيد باشا فإنه اضطربت حالته فلم يتمكن من ضبط الأمور كما أن المصروفات اليومية بلغت عنده ما يزيد على اثني عشر ألف قرش فصار الوزير يرى كل الصعوبات في الحصول على المبلغ فلم ير بدّا من تحمل هذه المشاق وصار يبذل جهوده لتأمين الحالة.
    أما العثمانيون فقد ضجروا من هذه الحالة وجعل الوزير في الأبواب من يمنع الخروج عن البلد من الفرسان. لذا ترى الواحد
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 277.

    والاثنين بصورة متوالية يبدلون قيافتهم ويخرجون ليذهبوا إلى داود باشا حتى أن أخا الوزير صادق بك مل هذه الحالة ويئس فانتهز الفرصة وفر إلى جهة قزلرباط فأعيد إلى الوزير بعد بضعة أيام. وأن أعوان الوزير احتاروا في أمرهم ... وفي النتيجة سدت أبواب المدينة سدا محكما (1) ...
    حوادث سنة 1232 ه‍ ـ 1816 م
    وزارة داود باشا
    توجيه الوزارة إلى داود باشا :
    جاءت البشرى بتوجيه إيالة بغداد والبصرة وشهرزور إليه وهو في قرية (طقمقلو) في غرة المحرم يوم الجمعة ، وورد محمد آغا معتمد محمد سعيد التوقيعي السابق. ومحمد سعيد آغا التاتار بالمنشور يوم الأحد 3 المحرم فاحتفل بذلك.
    وهذا الوزير من أكابر وزراء العراق علما ومعرفة. وله الصيت الذائع ... ومهمته أنه أدرك مناهج من قبله. فإذا كان سليمان أبو ليلة ثبت دعائم الحكم للمماليك ، وأن سليمان الكبير حاول أن تكون الإدارة خالصة لهم وأن سليمان (المقتول) استخدم الأهلين في الإدارة ومثله سعيد باشا فإن داود باشا سعى سعيه الحثيث للقضاء على العناصر الأخرى أو تبعيدها عن الإدارة وراعى كل واسطة دون أن يبالي بما قام به من قسوة وتجددت له آمال استقلال فحال دونها ما لم يخطر ببال ، وظهر ما لم يتوقع فكانت عاقبة ذلك الخذلان. وتعين ذلك حوادثه.
    مكث نحو خمسة عشر يوما ثم توجه إلى بغداد فأقام في
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 278.

    طوز خورماتو نحو عشرة أيام في خلالها قام ببعض الأعمال ، فوجه لواء درنة وباجلان إلى سليمان باشا فذهب إلى منصبه الجديد.
    ونهض من هناك فوصل إلى الجديدة. وحينئذ أرسل نسخ الفرامين وبعض الأوامر إلى بعض أعيان بغداد واتخذ الوسائل لاستمالة الأهلين. والعثمانيون ملوا من سعيد باشا فأبدوا ذلك بتحرير ورد منهم إلى الوزير إلا أن سعيد باشا اكتسب قوة بعبد الله باشا وحمود الثامر.
    ثم علم هؤلاء بعزل سعيد باشا حينما تقرب داود من بغداد فانتبهوا من غفلتهم وكذا الصنوف العسكرية واللوند وعقيل والقليقلية (أهل القلنسوات) وسائر الزمر فمن كانت له شهرية تقاضاها في حينها بقصد الاستمالة وجمع نحو أربعة آلاف أو خمسة آلاف من المشاة ليتغلب بهم على الأهلين ، ولكن ظهر القحط في بغداد فبلغت وزنة الحنطة ثلاثين قرشا وزيادة ووزنة الشعير ستة عشر قرشا ولكنها كانت مفقودة. وكذا تضاعفت أسعار الارزاق الأخرى واستولى الضيق على الفقراء وشغلوا بأنفسهم. وكذا الأغنياء سئموا الحالة.
    وكان الأولى بالوزير أن يذعن للأمر السلطاني فأبى بتسويل من ابن أبي عقلين وأمثاله.
    وعلى هذا أراد سعيد باشا أن يشوش على محمود باشا متصرف بابان أمره وكان ورد مع داود باشا بجميع قواه فبقيت بابان خالية فعين عبد الله باشا الباباني أن يسير بجيشه ليستولي على لواء بابان فذهب من جانب الكرخ ليعبر من ناحية تكريت ويذهب إلى كركوك ومنها إلى السليمانية ففعل ، وكتب إلى خالد باشا الذي عزل من لواء كوى وذهب إلى إربل فأقام فيها بضعة أيام ثم جاء إلى كركوك فأكد له الوزير سعيد باشا في لزوم متابعة عبد الله باشا وأن يأخذ معه السباهية ممن في كركوك ويرافقه إلى السليمانية.

    ولما وصل الخبر إلى محمود باشا اضطرب. لأنه لم يترك سوى أخيه حسن بك ونحو مائة من الخيالة للمحافظة. ولكن حسن بك تمكن أن يقاوم الهاجمين فلم يتزلزل بالرغم من الجموع الوفيرة التي هاجمته. وذلك أن الموظفين حينما وصل عبد الله باشا إلى كركوك اتفقوا معه وجهزوا نحو ألفي جندي من خيالة ومشاة وتوجهوا نحو السليمانية وسعوا جهدهم للاستيلاء عليها فقاومهم حسن بك مقاومة لا مثيل لها وداموا نحو ثلاثة أيام أو أربعة فلم ينالوا بغيتهم وعادوا خائبين (1) ...
    الوزير في قره بولاق :
    تيقن الوزير أن سعيد باشا وأعوانه لم يكن عملهم مثمرا وأنه سريع الزوال ، لما علم أن القحط اشتد على بغداد وانقطعت القوافل. فلو بقي على هذه الحالة لبضعة أيام لقام الأهلون على الحكومة وهاجموا سعيد باشا. وهذا كان لديه نحو الأربعة آلاف أو الخمسة من الجنود الموظفين ومن عشائر المنتفق ومن غيرهما أما الوزير فأراد أن يزيد الاضطراب وأن ينكف عن سعيد باشا أعوانه والمتصلون به ، فانسحب وتنحى عن بغداد ولم يعجل بالأمر.
    ومن ثم دعا حمود الوزير أن يخرج معه فلم يوافقه (2) ...
    رحل الوزير من منزله وتوجه إلى ما يحاذي مقاطعة (دكة) من ديالى ونزل في
    (قره بولاق) ، فأمن ذخائر الجيوش وأطعمتهم من الكرد ومن درنة وباجلان. فصارت تجلب إليه المؤونة من هناك فتوقف مدة وترك الأمور تجري في مجراها الطبيعي (3) ...
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 280.
    (2) مطالع السعود ص 214.
    (3) دوحة الوزراء ص 280.

    سعيد باشا والوزير :
    لم يلتفت سعيد باشا إلى الأمر السلطاني وأرسل عبد الله إلى جهة كركوك ليذهب إلى السليمانية وأبقى العشائر الأخرى في بغداد. فلما رجع عبد الله باشا من السليمانية بيأس توقف في كركوك. ولكن المنتفق والعبيد والدليم بقوا للمحافظة ، وأن مصاريف المنتفق وحدهم تتجاوز العشرة آلاف قرش ونفقات الباقين على هذه النسبة فنفدت المؤونة وصارت تشترى من الأهلين بصعوبة بحيث تسعى الحكومة من الصباح إلى الغروب لسد حاجتها.
    كانت الأوضاع في حرج والعربان لا سيما المنتفق يتحكمون من أجل الارزاق بحيث صار لا يطاق أمر إرضائهم فأظهر سعيد باشا العجز ولم يبق له تدبير بل صار يتحرى الخلاص من الكلفات الناجمة.
    وفي هذه الأثناء ورد الخبر بأن الوزير عاد من الجديدة ورفع الحصار عن بغداد فكان ذلك خير وسيلة لترخيص شيخ المنتفق وإخوته وعشائره فابتهج الشيخ لهذه المنة. أبدت الحكومة استغناء عنه بداعي أن النظام جرى على محوره المطلوب فعاد (1).
    مذاكرات :
    في المطالع ما يشير إلى أن الوزير أرسل صورة الفرمان إلى حمود ابن ثامر وكان مشككا فيه وحينئذ أشار على سعيد باشا بالامتثال للأمر وأنه يبلغه مأمنه فلم يسمع قوله. وحينئذ عزم الشيخ حمود على الرجوع إلى دياره فذهب. وأن ابن سند أسهب في البحث (2).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 281.
    (2) مطالع السعود ص 175.

    حالة بغداد بعد الشيخ حمود :
    إن سعيد باشا عزل الكتخدا درويش محمد آغا ونصب مكانه أصالة الحاج عبد الله آغا وكان من الندماء وقبل ذلك كان وكيل الكتخدا فصار العزل داعية سرور الأول والنصب حزنا على الآخر. قال صاحب الدوحة : أنه اطلع على كتاب منه ورد إلى الشيخ موسى ابن الشيخ جعفر جوابا له «إنني كنت أظنك تضمر الخير لي فظهر لي أنك لم تكن كذلك. فلو كنت محبا لما تمنيت لي هذا المنصب في هذا الأوان بل كنت تعزيني به» اه ...
    وذكر أنه شاهد الكتاب بعينه. ولذا قام بهذا المنصب على كره. أما درويش محمد آغا فإنه اعتزل الوظيفة وسكن بيته فرحا إلا أنه نسب حمادي إليه بعض الأعمال فترك منزله ضرورة وأقام في دار أخرى بعيدة عن دار الحكومة. وصار يترقب الفرج.
    مضت أيام على هذه الحالة وتواردت السوابل ، وزال الضيق عن الأهلين نوعا وأن سعيد باشا اطمأن. وخرج مرة راكبا فشاهد أخاه صادق بك ومعه أتباعه وبعض آغوات الداخل يرافقونه ذاهبين إلى الوزير فلم يمنعهم أو أنه لم يقدر على ارجاعهم.
    وبعد بضعة أيام اجتمع قسم من أهل باب الشيخ وتذاكروا في أمر دفع سعيد باشا فوصل إليه خبر اجتماعهم فطلب الأشخاص الحاضرين فلم يأتوا وأصر فلم يجيبوا ووافقهم غيرهم وتجمهروا وشرعوا في الشغب.
    وكان سعيد باشا ينوي تسيير جيش عليهم. وفي الصباح سير الجيش فأشعل الفتنة متميزو العساكر ، وأغروا لفيفا من أهل باب الشيخ.
    وعلى هذا علم الباشا أن حمادي جرح فحاصر في القلعة ومن ثم ترك أعوانه وحشمه وتخلى عن المنصب من تلقاء نفسه وحاصر في

    القلعة مع حمادي. وقبل هذا وضع عسكر عقيل في القلعة.
    وحينئذ اجتمع آغوات الداخل مع الأعيان والندماء والعلماء وصنوف العسكر فاتفقوا على طاعة الوزير داود ونصبوا موسى آغا قائممقاما ثم كتبوا عرضا مع محضر دونوه من ساعتهم وأرسلوه إلى الوزير. وكان في قره بولاق ينتظر الفرج بصبر فجاءه العرض مع المحضر متضمنا دعوته وإنقاذ الأهلين مما نالهم (1).
    الوزير في بغداد :
    وعلى هذا نهض بموكب فخم إلى بغداد فوصل يوم الجمعة 5 ربيع الآخر سنة 1232 ه‍ فتوقف خارج الباب الشرقي ونصب خيامه هناك. ومن ثم استقبله الأعيان والعلماء والأركان ... فدخلها مساء بابتهاج من الأهلين. مضى من وسط المدينة فتعالت الأصوات من كل صوب بـ (خير مقدم) و (مرحبا) ...!
    وفي اليوم الثالث اجتمع العلماء والأعيان وصنوف الجيش والندماء ووجهاء البلد وعموم العثمانيين فتألف الديوان العظيم وازدحم الخلق فقرئت المناشير على الملأ وأجريت مراسيم الأفراح ...
    وعين محمد آغا كتخدا البوابين سابقا كهية. ولكتابة الديوان فضل الله (2) ولآغوية الينگچرية السيد علي آغا وأبقى كلّا من الحاج محمد سعيد الدفتري ، وموسى آغا كهية البوابين ، ويحيى آغا الخازن في مناصبهم وألبس كلّا منهم خلعة ... كما ألبس رؤساء الصنوف الأخرى.
    وحينئذ تقدم الأعيان والعلماء والأشراف والعثمانيون للتبريك (3).
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 282.
    (2) ترجمته في ص 55 من تذكرة الشعراء ، وهو أخو لطف الله كاتب الديوان.
    (3) دوحة الوزراء ص 284.

    قتلة سعيد باشا وحمادي :
    إن سعيد باشا حينما عزل وصل الأمر السلطاني إلى الأخ من الرضاعة أحمد بك فأطلع سعيد باشا على محتوياته فلم يلتفت وتمرد فكانت النتيجة أن تفرق جمعه فالتجأ مع حمادي إلى القلعة الداخلية فحاصر بها. وأنذره الوزير داود باشا مرارا بلزوم التسليم فلم يذعن. وورد الفرمان بأنه إذا خالف قتل. وفي أول الأمر أبعد عنه العقيليون وألقي القبض على حمادي وحبس في (باشا اسكي). ثم قتله محمد آغا معتمد حالت داخل القلعة يوم الأربعاء 10 من شهر ربيع الآخر (1).
    وحكى صاحب تاريخ الكولات تفصيل مأساة قتلته بشكل روائي داع للألم. وبين قسوة داود باشا ، وأن آغا الينگچرية وبعض الأعوان الآخرين قد عهد إليهم بقتله فقتلوه. أخذوه من حجر أمه .. فانتهت المأساة. وحمل ذلك على شدة حنقه وقسوته. وكان الأولى به أن يسيره إلى السلطان ويطلب العفو عنه كما فعل خلفه علي رضا باشا اللاز (2) ولم يكن قتله في القلعة كما ذكر صاحب الدوحة.
    ومن هنا نرى المؤرخين أيام الوزير لم يجسروا أن يدونوا مثل هذه الأمور كما دون الأستاذ سليمان فائق (مؤرخ الكولات) من ذم داود باشا على فعلته بابن سيده. ومهما بالغ الوزير في تبرير قتلته على لسان مؤرخيه لم يستطع لها توجيها إلا من عباد الجاه.
    ترجمة سعيد باشا :
    ذكرت أحواله على لسان مؤرخي داود باشا. وغاية ما يستفاد منها أنه حصل على الوزارة بمناصرة حمود الثامر شيخ المنتفق ونال سائر
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 294 ومطالع السعود ص 216.
    (2) تاريخ الكولات ص 36.

    العناصر توجها منه وتدخلوا في الإدارة وأقصى بعض المماليك وكانوا آنئذ قوة لا يستهان بها فعارضوه من جهة ، ونفروه من أخرى وذهبوا إلى بلاد نائية مما ولد فيهم حنقا عليه. لذا نبزوه بأنه قدم من ليس بأهل ويعنون من ليس منهم.
    وقالوا كان ذلك بتسويل من حمادي بن أبي عقلين وأنه لخرق فيه لم يلتفت إلى مصلحة المماليك.
    سكت داود ولم يتدخل في الشؤون ظاهرا لكنه كان يرقب هذه الأحوال ... فلما رأى الكيل قد طفح ، ووجد أن لدعوته تربة صالحة رتب أموره في بغداد باتفاق من رجالهم البارزين ونهض بمن نهض وأراد أن يستميل قاسم بك الشاوي وأمثاله فلما اطلع قاسم بك على دخيلة الأمر تخلف عنه ولعله أراد أن يطحنهم بعضهم ببعض فشوق على ابقاء الشيخ حمود لينهك القوى. ونتائج الحرب غير مكفولة ... وكان له الأمل ان يخذل خصمه إلا أن الأوضاع لم تساعد. ومنها خذلان عبد الله الباباني ومهما يكن فإن الحكومة لهم وبأيديهم. لذا ناصروه لما شعروا به من خشيتهم أن يصير حمادي مهردارا أو خازنا ثم كهية فوزيرا فيخرج الأمر من يدهم فكانت ثورة داود بأمل القضاء على تدخل العراقيين في الإدارة ... ولم يكن آنئذ مجال للعرب وغير العرب أن يظهروا أكثر من مناصرة بعضهم على بعض.
    أشار صاحب تاريخ الكولات أنه نحى عنه العارفين بالإدارة وقرب الجهال ...!
    مضت أعمال حمادي بن أبي عقلين فلم نر ما ينقمونه منه سوى تسمية المناصب واستشارة الوزير له وكانت مدة عمر الوزير سعيد باشا (25) عاما وبضعة أيام. ومدة حكومته بانضمام أيام ما بعد العزل أربع سنوات وبضعة أيام. قتل وقطع رأسه في 10 ربيع الآخر.

    وكان يلقب بـ (أسعد). والأبيات المنسوبة إليه لأسعد ابن النائب عن بيان حالة نفسه. وبعد بضعة أيام قتل حمادي أيضا وأرسلت رؤوسهما المقطوعة إلى استنبول.
    وكانت هذه الوقعة سبب انتصار المماليك. قبض هؤلاء بيد من حديد على الإدارة وأمنوا الغوائل ... والحوادث أيام داود باشا تعين المجرى وتميط اللثام.
    حمادي بن أبي عقلين :
    يقال إن سبب تسميته هو أن والده أو أحد أجداده عاش كثيرا حتى بلغ من العمر ما دعا أن يكنى بذلك. وبعضهم يقول إنه من أهل (بعقلين) من أنحاء الشام وشاع غلطا بابن أبي عقلين وهذا يرجح على غيره. وتروى حكايات كثيرة عن تعذيبه وقطع لحمه حيا ليطلعه على ما جمعه من أموال ، أو اخفاه من أموال الحكومة لحد أنه قال وضعت الأموال عند تاجر لا أذكر اسمه (لكثرة ما أصابه من ضرب) فأحضر التجار وكل منهم خاف أن يقول هذا أو ذاك. وحينئذ وجه خطابه إليهم وقال : اعلموا أن وزيركم صفته كذا وكذا ...!
    ولم يترك قذعا أو سبّا إلا قاله. أراد أن يعجل بقتله فلم يلتفت إلى ذلك. ويقال إنه رأى محمود باشا أمير بابان مارّا فدعاه إليه ورجا منه أن يلتمس من الوزير ليعجل بقتله قائلا له : إنه تألم كثيرا من هذا التعذيب ورجا أن يتوسط بقتله لينجو من التعذيب. وهذه قسوة أخرى. ولا تزال بقية باقية من ذريته إلى اليوم رأيت منهم الأستاذ عبد الكريم نادر من مدة طويلة. وله رسالة سماها (مختصر تاريخ العراق) طبعت سنة 1929 م في مطبعة النجاح.

    الكركوكيون ـ خالد باشا وعبد الله باشا :
    في اليوم الذي قتل فيه سعيد باشا تمهد للوزير أمره وتم له استقلاله ، فحذر منه القريب والبعيد وصاروا يهابون السطوة ، ومن جملة هؤلاء أهل كركوك. أذعنوا بالطاعة وندموا على أفعالهم ، وفتحوا الطريق لأحمد بك أخيه من الرضاعة فذهب. وأرسلوا العلماء للعفو عما وقع منهم ...
    وأيضا جاء عبد الله باشا وخالد باشا إلى بغداد للدخالة بصورة متوالية إذ إنهما ضاقت بهما الأرض بما رحبت فلم يروا نجاة إلا بالتسليم.
    واحتراما للعلم والعلماء قبل رجاءهم فعفا عن كركوك وكرم العلماء وأعطاهم
    (كتاب الأمان) ، كما أنه أغمض عينه عن هؤلاء الباشوات وعفا عن هفواتهما وخصص لكل منهما أربعة آلاف قرش شهريا.
    حبس وإعدام :
    كانت مخالفة سعيد باشا للأمر السلطاني ودوامه على هذه المعارضة لمدة إنما كان لمعاضدة من درويش محمد آغا من الكهيات السابقين ، والحاج عبد الله آغا ، والحاج محمد سعيد الدفتري ببغداد ، وعمر آغا الملي كهية البوابين سابقا ، وقاسم بك الشاوي باب العرب ، والحاج نعمان الباچه چي من التجار فصدر الفرمان بقتلهم لغضب السلطان عليهم من جراء إقدامهم على هذا العمل.
    أما قاسم بك الشاوي فقد فر إلى جزيرة العرب فلم يتمكنوا من القبض عليه ، وألقي القبض على الخمسة الباقين. منهم الحاج محمد سعيد وعمر آغا الملي فإنهما أعدما في الحال وأرسلت رؤوسهما

    المقطوعة إلى استنبول وأما درويش محمد آغا ، والحاج عبد الله آغا فإنهما وصلا حدود السبعين من عمرهما ، وإنهما كما تحقق للوزير قد أكرها على التوظف فرأفت الحكومة بشيخوختهما وكبر سنهما فعفت عنهما كما أن الحاج نعمان چلبي من التجار المعتبرين وأن قتله سيؤدي إلى تنفير التجار وتوحشهم ، ولهذه الملاحظة ومراعاة لخاطر التجار توقف الوزير عن إعدامه وعرض الأمر على الدولة فعفت ، وأن درويش محمد آغا ، والحاج عبد الله آغا قد أدخلا في عداد الندماء ونالا التفاتا وإكراما (1) ... والحاج نعمان چلبي هو صاحب مسجد العمار سبع أبكار وكان الأستاذ أبو الثناء شهاب الدين محمود الآلوسي أول مدرس فيه ، وآل الباچه چي اسرة معروفة في بغداد ، ولم يعقب الحاج نعمان الباچه ـ چي فآلت تولية المسجد إلى ابن أخيه الحاج سليم چلبي بن عبد الرحمن وذريته وإلى سعد الدين وذريته. والتفصيل في كتاب المعاهد الخيرية.
    قتل السيد عليوي آغا الينگچرية :
    لم تؤدبه الغربة. وكان يحسب الوزير أنه رجع عن غيّه وأبدل حالته. لذا حينما كان الوزير في بلاد الكرد وافى إليه الآغوات من كرمانشاه وجاء معهم فدخلوا جميعا في معية الوزير وكان المرقوم آغا بغداد سابقا وتبينت له خدمة ماضية فحين وروده بغداد جعله الوزير (آغا بغداد) كالأول. ولكنه عاد إلى حالته الماضية فلم تتغير أطواره من نفاق وفتنة كما أنه فسدت طباعه أكثر في ديار إيران وظهرت مساويه بوضوح ...
    ورد من الشهزاده محمد علي ميرزا بعض التفاصيل عن سوء أحواله خفية ، كما أنه ظهرت منه فلتات لسانية وأوضاع رديئة ... كل ذلك تبين
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 285.

    بصورة يقينية لذا رأى الوزير من الضروري أن ينال عقوبته قبل أن يقوم بعمل يخشى منه فعاقبه بالقتل. ولما كان عبد الرحمن أفندي كاتب الينگچرية موصوفا بالرشد والروية نصبه الوزير وكيل الآغا وقربه منه (1) ...
    أراد الوزير أن يقضي على كل من كان يخشى منه أو يتوسم فيه قدرة معارضة ليخلو له الجو وتصفو الإدارة خالصة ...
    بعض العشائر :
    إن أمور الحكومة وإدارتها كانت في الأيام السالفة منحلة. وهذا ما دعا أن تخرج العشائر قاطبة عن دائرة الطاعة وتلتزم العصيان والمخالفة ولكن الوزير هابته العشائر وخافت صولته فلم يقع ما يكدر الصفو ... إلا أن بني تميم والباوية من شمر ، والنجادة (البو نجاد أو النجادات) من الدفافعة ، وعشائر بني عمير وبعض العشائر في المحمودية ... عاثوا بالأمن فاقتضى تأديبهم فعين الوزير عبد الفتاح آغا (بلوك باشي) بيارق الخيالة لتأديب بني تميم ، وآغا الحشامات يوسف آغا لتأديب عشيرة الباوية من شمر ، والنجادة من الدفافعة ، والبو موسى ، وأرسل باش آغا السابق عبد الله آغا ، والسلحدار مظفر آغا لتأديب عشيرة بني عمير ، وسير عبد الله بك الشاوي باب العرب (من آل سليمان الشاوي) وخليل آغا متسلم كركوك سابقا للمتجمعين في المحمودية. فذهب كل واحد من هؤلاء للناحية التي وجه إليها فقاموا بما عهد إليهم وأدبوا المرقومين وأخذوا أموالهم ومواشيهم (2). فحصل المطلوب وهو جل القصد من التأديب ...
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 286.
    (2) دوحة الوزراء ص 286.

    راحة وطمأنينة ـ قصائد الشعراء :
    من أيام علي باشا إلى سعيد باشا تشوشت أمور العراق فالفتن والاضطرابات في كل صوب. توالت المحن ، وزال الأمن ... وفي كل هذا انتهكت الحقوق ، فوصلت الضجة إلى عنان السماء. فمنّ الله على العراق بهذا الوزير فكان نصير الفقراء والضعفاء ، وأكبر من اهتم بأمر العدل والنظام فسعى للتنكيل بالعابثين وأوقع بهم ... فدبر الملك بقوة وسياسة رشيدة فذهب البؤس وزال الخوف فتحركت الهمم ، وصار يرعى الوزير كافة الطبقات لا سيما العلماء ، والفضلاء والأدباء والشعراء فيمنح الجوائز ، والوظائف ، ويقدم له الشعراء والأدباء خير البضائع الأدبية بلغة الضاد كما أن الأدباء من الترك والفرس لم يحرموا بدائع بيانهم من نظم ونثر فيحصل كل فوق ما يأمل.
    قال صاحب الدوحة : فالقصائد العربية لا تكاد تحصى وكذا القصائد التركية والفارسية ليست بالقليلة ورجح أن ينشر قصيدتين باللغة التركية إحداهما لـ (ثاقب خضر) وهو شقيقه سماها (عيدية) ، والثانية لـ (عبد الله الإربلي) (1).
    نجتزىء بالإشارة إليهما وهما طويلتان. وقد حصل الأول على جائزة ثلاثة آلاف قرش ، والآخر كانت جائزته أن نال قضاء إربل أما المادحون من العرب فمنهم الشيخ صالح التميمي (2). وعلي علاء الدين الموصلي المدرس مدحه بقصيدة فلم ينل منه معروفا وصد عنه. ولعل السبب أنه مدح سعيد باشا ، فكرهه (3).
    ومنهم عثمان بن سند. أرسل إليه قصيدة طويلة من البصرة مع
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 288.
    (2) ديوان التميمي ص 89 مخطوطتي.
    (3) التاريخ الأدبي للعهد العثماني. (لا يزال مخطوطا).

    رسالة. ذكرهما في تاريخه في حوادث السنة الأولى من أيام وزارته وأتبعها بأبيات من رسالته (1). وغير هؤلاء من الشعراء.
    عشيرة الدليم :
    كانت هذه من العشائر المساعدة للوزير السابق. قال صاحب الدوحة : ما زالت ولا تزال تعصى على الحكومة ، وفي زمن الوزير حدث فيها اضطراب فعذلت بالترغيب تارة وبالترهيب أخرى ، فلم تنجع فيها الوسائل. لذا أمر الوزير وكيل الكتخدا (محمد آغا) للتنكيل بها فنهض من بغداد في 2 ذي الحجة وقام بما عهد إليه. أما الدليم فتأهبوا للمقاومة وتكاتفوا للدفاع.
    حوادث سنة 1233 ه‍ ـ 1817 م
    الدليم أيضا : (تتمة)
    وكانت مواطن الدليم لا تخلو من غابات ، وعوارض لا يستطيع الجيش أن يسير فيها بسهولة ولا يتمكن من اجتيازها. فلاذوا بهذه الأماكن ظانين أنها الملجأ الوحيد. أما وكيل الكتخدا فإنه كان قبل بضعة أيام قد حصل على رتبة كتخدا أصالة ويحاول أن لا يحبط عمله لدى الوزير ، وأن لا يخيب الظن في اختياره فبذل غاية جهده ليفوز بالغلبة فلم يبال بالأخطار في سبيل آماله واقتحم المصاعب فاضطرهم إلى التسليم واستشفعوا بباب العرب عبد الله بك الشاوي ، وبعبد الله آغا بلوك باشي بيارق الخيالة. وبتوسط هؤلاء اختاروا الطاعة وقدموا مبالغ وفيرة ، وهدايا عظيمة ... فقبلت دخالتهم وعفي عنهم. وعين لكل قبيلة آغا يحصل المتعهد به.
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 169 ـ 173.

    وعرضت تفاصيل ذلك للوزير فقبل بالعفو وشكر سعي القائمين بالأمر. وفي خلال بضعة أيام أكملوا التحصيلات منهم (1).
    عشائر أخرى :
    انتهب عربان الجرباء من عشيرة الحديديين بعض المواشي فضيق عليهم من جراء ذلك وأخذ منهم خمسمائة ذلول ، وأن ترسل الأموال إلى دائرة الوزير أولا فأولا.
    وبهذه الصورة حصل النظام.
    ثم عادوا من طريق الشامية إلى الحلة. وكانت عشيرة اليسار خرجت عن الطاعة فأغار عليها جيش الكتخدا فاستأصلها ، واستولى على أغنامها وأموالها ومواشيها وأدبها بالوجه المطلوب. وعاد إلى بغداد فدخلها يوم الخميس 10 صفر فأكرمه الوزير وألبسه الخلعة ومكنه في مسنده. ومدة هذه السفرة شهران وثمانية أيام (2).
    الغارة على شمر طوقة :
    إن هذه العشائر منطوية على الشر ، وإن شيخها (حمد البردي) موصوف بالغرور ، وإن قومه يقطعون الطرق فأمر الوزير كتخداه محمد بك ليسير عليهم فذهب بمقدار من الجيش ليلا عند صلاة العشاء وطال سيره ثماني عشرة ساعة حتى وصلوا ديارهم. فعلموا بالخبر فتفرقوا ، ولم يتمكن الكتخدا من استئصالهم ولكنهم تركوا بضعة آلاف رأس من الغنم ، ومقدارا من الإبل نظرا لما أصابهم من اضطراب وارتباك ثم عاد الكتخدا إلى بغداد. وكانت مدة هذه السفرة ثمانية أيام (3). وبهذه الغارات والغزوات سد الوزير عجز ماليته.
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 292 ومطالع السعود ص 223.
    (2) مطالع السعود ص 224 ودوحة الوزراء ص 293.
    (3) دوحة الوزراء ص 294.

    أحمد باشا والي الموصل :
    إن ولاة الموصل من قديم الزمان كانوا تبعا لولاة بغداد يجتنبون ما يخالف رغباتهم. أما والي الموصل أحمد باشا فإنه لم يكن كأسلافه. لم يبال بما يوافق رغبتهم ، أو يخالفها فجابه الوزير بمخالفات عديدة ولم يخل من معارضة ...
    ولو أغمض الوزير عينه عنه لأدى إلى إخلال في أمور كثيرة وتشوش في النظام. فلم يسعه التساهل للمصلحة التي كان يراها فقدم عرضا بذلك إلى الدولة وبين لها حقيقة الأمر. فالشكاوى من ولاة بغداد مسموعة وبالأخص على ولاة الموصل.
    فأجابت الدولة ملتمسه وعزلت والي الموصل على أن يذهب إلى حلب ويقيم في المحل المسمى (شيخ بكر) وصدر الفرمان بذلك ، وتوجهت إيالة الموصل إلى حسن بك بن حسين باشا الجليلي وأرسلت الفرامين بواسطة والي بغداد فأرسلها مع (درويش محمد آغا) الكتخدا السابق إلى حسن باشا ، فامتثل أحمد باشا الأمر وتوجه نحو حلب إلا أنه أثناء الطريق وعند وصوله إلى المحل المعروف بالموصل القديمة أمال عنان فرسه وجاء إلى بغداد فدخل على الوزير إذ لم ير ملجأ للعفو إلا من طريقه. وحينئذ قام الوزير بما يقتضي من ضيافته وإكرامه ، وأنه صمم أن يكتب إلى استنبول في أمره. وإثر وصول الفرمان إلى حسن باشا جلس على سرير الحكم ولكنه مرض بضعة أيام فتوفي.
    ولما ورد خبر ذلك إلى بغداد استشفع الوزير لأحمد باشا وبعد تردد واشتباه قبلت الدولة شفاعته ومنحته ولاية الموصل وورد منشور إيالته وذهب مكرما إلى الموصل وهذا هو الذي يأمله الوزير من سلطة على الموصل وولاتها (1) ...
    __________________
    (1) تاريخ شاني زاده ج 2 ص 396 ودوحة الوزراء ص 294.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 9:37 am

    محمود باشا متصرف بابان وكوى :
    إن محمود باشا تعهد أن يقطع علاقته من إيران ولكن محمد علي ميرزا حاكم كرمانشاه ضيق عليه في الخفاء وأسرّ إليه أن يخالف وهدده فلم يستطع أن يخرج عن طاعته.
    أما الوزير فإنه احتاط للأمر ، والتزم الحقوق القديمة على أن لا تمس بسياسة الدولة ومكانتها فأرسل إليه عناية الله آغا المهر دار لينصحه ، ويدعوه للخدمة الخالصة ... فنصحه فلم يصغ إليه ، وبين أنه منقاد لإيران من كل وجه ...
    وحينئذ تغير فكر الوزير عليه فنزع منه في بادىء الأمر لواء كوى وعهد إلى عناية الله آغا المهردار أن يعهد به إلى من يصلح. وأرسل معه من دائرته نحو مائة من آغوات الداخل ، وسير معه عسكر إربل وعشائر شمامك ودزدي (ديزه يي).
    أما محمود باشا فإنه عرض لأموره وهن وفتور وذلك أن أخاه حسن بك أمير (قره طاغ) كان قد أرسله إلى محمد علي ميرزا الشهزاده ليكون رهنا لديه. وفي أثناء الطريق رجع توّا ودعا إليه بقية أتباعه وحاشيته. فرغبهم في اللحاق به فوصل إلى بغداد بنحو خمسمائة فارس من النخبة فالتجأ إلى الوزير فنال إكراما منه.
    توجه عناية الله إلى إربل وفيها عثمان بك من إخوة محمود باشا. وهذا لم يستطع البقاء فترك نحو مائة خيال هناك مع محمد عيسى آغا وخرج من اللواء وأخذ بقية أتباعه ومتعلقاته وذهب إلى السليمانية. أما المهر دار فإنه ساق كتائبه إلى كوى وحينئذ فر محمد عيسى بمن معه من الخيالة من وجه المهر دار. وعلى هذا ضبط البلدة وأقام بها ثم أخبر الوزير بما جرى.
    أما الوزير فإنه راعى جانب حسن بك وأبدى له توجها والتفاتا

    زائدا ، وعلى هذا وجه إليه ألوية كوى وحرير برتبة (باشا) وألبسه الخلعة وسيره إلى مقر حكومته فتمكن.
    أما محمود باشا فإنه أخبر إيران بما وقع واستمدها. ورأت من المنفعة ما يبرر نقض العهد ويسوغ خرق الصلح فالتزمت جانب محمود باشا وجهزت جيشا يبلغ العشرة آلاف جندي بقيادة (محمد علي خان شام) البياتي ، وكذا سير خان الفيلية حسن خان ومعه عساكر اللر إلى أنحاء مندلي. وعلي خان گلهر مع (كلب علي خان) أمير كروسي وبقيادته نحو ثلاثة أو أربعة آلاف توجه إلى ناحية بدرة وجسان بأمل ضبط المقاطعات المذكورة.
    فلما علم الوزير بالأمر تأهب للدفاع وأرسل كتخدا البوابين خليل آغا مع قوة كافية إلى مندلي ، وسير عبد الفتاح الباش آغا السابق مع مقدار من الجيش إلى ناحية جسان وبدرة. وأما كتخداه محمد آغا فإنه بعثه ليقطع الصلة بالجيوش المرسلة مددا إلى محمود باشا من جانب ايران ... وجهز معه جيشا عظيما ليذهب إلى جهة كركوك.
    حوادث بغداد :
    كان صادق بك رأى رعاية وإنعاما من الوزير وكان ينظر إليه بالتفات زائد. ونظرا لحداثة سنه وقلة رشده كان يأمل أن يكون وزيرا ودخل في دماغه ميل ورغبة في الرئاسة. لذا اتخذ هذه الوقائع وهجوم إيران من كل صوب فرصة سانحة لإنفاذ مرغوبه والقيام بدعوته ... لذا فر ليلا واختلس الفرصة فوصل إلى (عشيرة زبيد) والتجأ إلى شيخ شفلح الشلال. وهذا بمقتضى عوائد العشائر قد قبل دخالته وآواه ملتزما جانبه.
    ثم وافاه قاسم بك الشاوي وكان صدر الفرمان بقتله والتجأ إلى الخزاعل وسكن معهم فعاضده واتفق معه فجمع له عشائر كثيرة فسلكوا

    طريق المناوأة ، وتجاوزوا على السفن المارة بين بغداد والبصرة وصاروا ينتهبون ما عرض لهم.
    وعلى هذا عين الكتخدا لدفع غائلته وأخر الذهاب إلى كركوك وعين مكانه عبد الله باشا. عهدت إليه القيادة وسير معه محمد باشا ابن خالد باشا وبلوك باشي بيارق الخيالة عبد الله آغا مع كافة البيارق وجمع كبير من الصنوف الأخرى ...
    وكذا كتب إلى المهر دار أن يلتحق بهم بمن معه من عشائر ذزه يي وشمامك كما علم أن الشهزاده عازم على الحركة من كرمانشاه وشاع خبر ذلك.
    ولدى التحقيق تبين أن أمل الكتخدا من هذه الإشاعة أن يذهب الوزير بنفسه فيكون مانعا من إرسال قوة كافية إلى صادق بك لتمزيق شمله والقضاء عليه ... هذا وكان من متشخصي زبيد والمطالبين بمشيختها علي البندر مع شبيب الدرويش قد جلبوا لجهة الوزير وافترقوا عن الشيخ شفلح ...!
    وحينئذ عزل شفلح ووجهت المشيخة إلى علي البندر وجعل في معيته جميع العربان فألحقوا بمن معه من عشائر وسلطوا على شفلح فتقابلوا في موقع يقال له (خشيخشة) وبتأثير من توجهات الحكومة لعلي البندر تغلب على شفلح وكسر هو وصادق بك وقاسم بك وذهب صادق بك ومن معه إلى جهة عفك. التجأوا إلى شيوخها وتحصنوا بالأهوار.
    وكانت المشاغل الأخرى تدعو إلى تركهم على هذه الحالة شهرين. وفي هذه المدة لم يدعوا الشغب. استفادوا من الفرصة وركنوا إلى التشويش وسلبوا الراحة. انتهبوا السفن وقطعوا الطرق فاضطرب حبل الأمن ...

    أحوال إيران والبابان :
    أما عبد الله باشا فقد ورد كركوك بعشائره. وكان هناك أيضا محمد باشا بن خالد باشا فاتفقا وكان المهر دار قد عين بصحبتهما آغوات الداخل وسائر خيالة العشائر فوافوا إليهم والتحقوا بهم. أقاموا في أنحاء كركوك وتكاتفوا لدفع الأعداء.
    وأما الإيرانيون الذين سيرهم الشهزاده لمعاونة محمود باشا فقد وصلوا إلى ديار الكرد لكنهم لم يروا من المصلحة استرداد لواء كوى وانتزاعه من حسن باشا وذهابهم إليه لأن الجيش العثماني كان مرابطا في كركوك ويخشى أن يقطع خط الرجعة عليهم فرأوا الأحرى أن يخرجوا من مضيق (بازيان) إلى كركوك ، فمضوا إلى (كوشك اسپان) (1) وتبعد ثلاث ساعات عن (قره حسن) وتقابلوا.
    وكذا وصل (حسن خان الفيلي) مع عسكر اللر إلى قرب مندلي كما أن (علي خان گلهر) مع (كلب علي خان كروسي) وسائر الجيوش وردوا حوالي بدرة وجسان وأبدوا آثار العداء ، ثم نهض الشهزاده من كرمانشاه بجيش عظيم وجعل (پاي طاق) مضرب خيامه.
    ورد خبر ذلك كله إلى الوزير وسمع بورود الشهزاده فعزم بنفسه وأعد المعدات إلا أن الخانات الذين وردوا مندلي وبدرة وجسان بأمل الاستيلاء عليها هاجموها عدة مرات فلم يتمكنوا منها لما رأوا من دفاع.
    وكذا الجيوش التي تبعت محمود باشا من إيران تقارعت طلائعها مرارا مع العساكر والكركوكيين فأصابهم ما أصاب أولئك فلم يفلحوا.
    __________________
    (1) كوشك اصفهان قرية تسمى بـ (كوله) عائدة إلى السيد أحمد خانقاه من رجال الطريقة (النقشبندية) أتباع الشيخ خالد من برزنجه. جاء من سركلو إلى كركوك. وتوفي قبل بضع سنوات.

    والحاصل لم تستطع طلائعهم أن تخرج عن أصل الجيش ، ولم تقم بعمل ما.
    ثم وحدوا قواهم فصار الكرد والإيرانيون جبهة واحدة وبلغوا نحو أربعة عشر ألف فارس فوصلوا إلى (قوتلو) فوقفوا على تل هناك نحو ساعة أو ساعتين ليظهروا قوتهم بقصد الارهاب وأن يشوشوا على معنوية الجيش إلا أنه عقد النية على الدفاع وناضل نضال مستميت فلم يعبأ بخصمه.
    وفي هذه الحالة هاجم منهم نحو خمسمائة على قرية (تسعين) (1) فقابلهم من العساكر نحو ثلاثين خيالا من أهل شمامك فأبلوا فيهم بلاء حسنا وغنموا منهم غنائم وافرة وتركوا المواشي التي كانوا انتهبوها. وعادوا.
    شاهد محمود باشا هذه الحالة بأم عينه وعلم أن الإيرانيين لا يستطيعون التقدم ، فندم ندما عظيما وعاد. وأن أخبار هذه الوقائع كانت ترد إلى الشهزاده فتيقن ضعف جيشه ، وأن جيوش الوزير ما زالت تتوارد ، وأنه عازم على النهوض بجيش عرمرم. فأرسل كتابا إلى الوزير يرجو فيه ترك المخاصمات وأن تبقى كوى وحرير بيد محمود باشا وأن لا يرسل عبد الله باشا إلى ديار الكرد. وأن محمود باشا ينقاد إليه. وتبقى بابان في عهدته وألح في الطلب.
    أما الوزير فقد عرض على دولته ماجريات الاحوال ، وأن الإيرانيين تقدموا على بغداد وعلى ربوع الكرد وأوضح مغازيهم ، وطلب المساعدة له. وعلى هذا صدرت الفرامين بلزوم حرب ايران ، وعين الأمراء والوزراء وسائر الرجال من أهل الكفاءة للقيام بالأمر ، وأن تجهز الجيوش اللازمة.
    __________________
    (1) من قرى داقوق. أهلها قزلباش ويقال لها (تسين) أيضا.

    وبينما هم في هذه الحالة إذ جنح الإيرانيون إلى الصلح فلم تر الحكومة بدّا أن توافق صيانة للدماء وحبّا للراحة ، وأضيف إلى الشروط لزوم ترخيص سليمان باشا بن إبراهيم باشا الذي فر زمن سعيد باشا وعبد العزيز بك بن عبد الفتاح باشا متصرف درنة السابق الذي التجأ أيام عبد الله باشا إلى إيران وأن يسير إلى هذه الأنحاء ...
    أسعف طلبه في حق محمود باشا وذهب السفراء من الطرفين لبضع مرات حتى استقر الصلح وتم الاتفاق بين الحكومتين وسحبت الجيوش الإيرانية من أنحاء مندلي وبدرة وجسان ، ونهض الشهزاده وعاد إلى كرمانشاه كما أن الوزير أمر بإعادة الجيوش وفاء بالشروط وجلب حسن باشا من لواء كوى ، وطلب من الشهزاده أن يرخص عبد العزيز بك وسليمان باشا فأرسلهم إلى بغداد.
    وحينئذ خصصت مقاطعة (زنگباد) إلى سليمان باشا ووجهت درنة وباجلان إلى عبد العزيز بك برتبة باشا وأن عبد الله باشا ائتلف مع محمود باشا فجاء معتمد الدولة ميرزا محمد اللرستاني من الشهزاده لتعطى كوى وحرير إلى عبد الله باشا فأعادها محمود باشا إليه. وكتب للوزير كتابا يبدي فيه امتنانه العظيم وشكره وقدم الهدايا ... كما أنه أرسل والدته إلى أخيه حسن باشا لترغيبه في المجيء إليه فوافق وعاد إلى أخيه محمود باشا فتم أمر بابان (1).
    صادق بك وشيخ زبيد :
    شغل الوزير بأمر إيران مدة شهرين في خلالها شاغب هؤلاء ... ولذا أرسل عليهم عبد الله آغا بلوك باشي بيارق الخيالة ، وعبد الله بك
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 295.

    الشاوي وجهز عليهم جيوشا كافية فلما وصلوا إلى قرب محلاتهم لم يتمكنوا من اجتياز الأهوار والأماكن الصعبة المرور فاتخذوا الوسائل للتضييق عليهم ، وبقوا بضعة أيام ...
    ولما ضيقوا الخناق عليهم أرسل الشيخ شفلح أنه إذا أعيدت المشيخة إليه ترك جماعته وحدهم ... وتعهد أنه يقطع علاقته من صادق بك وقاسم بك الشاوي ، وحينئذ عرضوا الأمر على الوزير فعفا عنه وأرسل إليه الخلعة مع أمر المشيخة ففارق جماعته وعاد ، فتضعضع أمرهم ...
    ونفر من صادق بك بعض أعوانه بسبب ما كان يقوم به من الأعمال كما أن شيوخ عفك كفوا أيديهم عن مؤازرته ، وكذا فارقه قاسم بك الشاوي وبعض أتباعه فبقي متحيرا في أمره. وبكل عناء ومشقة تمكن من الوصول إلى الحويزة ومنها توجه إلى كعب وبقي هناك (1).
    عشيرة الصقور (الصكور):
    هذه العشيرة من عنزة كانت في أنحاء حلب. وأحيانا تأتي من طريق الشامية إلى أطراف العراق وتتجول في جهات الحلة وحسكة ... وفي هذه السنة وردت العراق وحلت في غربي المسيب من صوب الشامية فجاء بعض شيوخها إلى الوزير وعرضوا الطاعة. فنالوا إكراما ورعاية ثم أذن لهم بالذهاب على أن لا يأتوا بما يخالف الرضا ، أو يخل بالأمن. ورجعوا إلى مواطنهم ...
    كل هذا التكريم ، وتلك الرعاية لم تؤثرا ... فصاروا يعيثون بالأمن وتوالت الشكاوى عليهم فصدر الأمر بتأديبه وسير الوزير خازنه يحيى آغا بسرية عبرت الفرات من الجسر وتوجهت نحو هذه العشيرة.
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 300.

    فلما وصلت إلى قلعة أبي صخير في غربي المسيب تقابل الخازن معهم فأبلى الجيش بلاء حسنا ، ولكن الخازن لم يكن عارفا بترتيب الصفوف ولا مطلعا على الأمور الحربية ، وبما أن (السر بالسردار) كما يقول المثل العامي أي الجيش بقائده. غلب الجيش على أمره وكسر فتفرق العسكر شذر مذر فوصلوا إلى (قلعة الدريعية). وحينئذ عرض الخازن الأمر على الوزير بما وقع فأمر أن يرجع (1).
    عشيرة شمر :
    إن العراق من قديم الأيام إنما تنشأ فيه الفتن والقلاقل في الغالب من العشائر. وهم دائما في غي وشغب ... فعرض الوهن على الإدارة ونظامها ... فمن الضروري القضاء عليها تأمينا لسلطة الحكومة على العشائر. وكان الوزير أرسل على الصقور من عنزة خازنه فلم يفلح في تأديبهم.
    عد بعض العشائر ذلك دليلا على ضعف الحكومة وعجزها عن السيطرة. ومن جملة هؤلاء شيخ شمر (مشكور الزوين). قطع السبل ... فلما علم الوزير بذلك أنذره عدة مرات فلم يجد نصحه نفعا ... وحينئذ لم ير الوزير بدا من القضاء على غائلته فاهتم للأمر وجهز جيشا تحت قيادة محمد الكهية بقصد استئصالهم والقضاء عليهم ... ليكونوا عبرة ...
    وعلى هذا سار الكتخدا ليلا في أول العشاء فأغار ليلته ونهاره إلى وقت الزوال مدة ثماني عشرة ساعة حتى وصل إلى ديارهم فعلموا بالأمر في حينه فتركوا جميع أموالهم ومواشيهم وفروا بأنفسهم وأهليهم ... وحينئذ انتهب الجيش خيامهم وكل ما يملكون من حطام وإبل وغنم ...
    صارت هذه الوقعة عبرة. وكانت الغنائم ثمانية آلاف من الضأن
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 301 ومطالع السعود ص 232.

    ومائتي ذلول ونحو خمسمائة من النوق ، فسيرت لجانب الوزير وقفل الجيش راجعا منصورا (1).
    ابن سعود والأحساء :
    سار إبراهيم باشا في هذه السنة لقتال الأمير ابن سعود فانتصر عليه في أكثر وقائعه واستولى على غالب المدن وأخذ أكابر رجالهم أسرى وفتح الدرعية وغيرها من بلاد نجد ... وتهمنا علاقة العراق بهذه الوقائع ...
    أرسل الوزير محمدا وماجدا ابني عريعر بعشائرهما بني خالد وساعدهما بعشائر المنتفق والعشائر المناوئة للأمير ابن سعود ممن قربتهم الحكومة لوقت الحاجة ... فحاصروا بلاد الأحساء قبل أن يفتح إبراهيم باشا الدرعية. فتحاها وفتحا القطيف وما حاذاها ... فأخبر الوزير الدولة. فلما انتصر إبراهيم باشا في حرب الدرعية مد يده على الأحساء ونزعها من محمد وماجد وبهذا تابع إبراهيم باشا الشيخ محمد بن عبد الله بن فيروز الحنبلي وأرسل معه عثمان الكاشف. ولكنه فاجأه الأجل بغتة فبقيت الأحساء بيد الكاشف ...
    فلما بلغ الوزير ذلك كتب إلى السلطان محمود شارحا له حال ذينك الشيخين فأجابه إلى ما أمله وكتب منشورا نازعا يد إبراهيم باشا عن الأحساء والقطيف ناصبا ذينك الشيخين فخرج الكاشف حين ورود المنشور فارتاحت عشيرة بني خالد وشكرت الوزير على صنيعه (2) ...
    ومن ثم نعلم أن الحكومة العراقية لا تزال مرتبطة بالأحساء وبوقائع الأمير ابن سعود وأنها تراعي سياسة الدولة ولذا قربت عشائر
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 233 ودوحة الوزراء ص 302.
    (2) مطالع السعود ص 230 وتاريخ شاني زاده ج 3 ص 279.

    نجد المناوئة لآل سعود تنتظر بهم مثل هذا اليوم ، فجلبت قبائل بني خالد ، والظفير ، والجرباء من شمر. وفي الوقت نفسه نرى الدولة راعت في هذه الوقعة رغبة حكومة بغداد (1).
    حوادث سنة 1234 ه‍ ـ 1818 م
    عفك ووقائع أخرى :
    طمعت قبيلة الظفير في العام المنصرم في وقعة يحيى آغا الخازن وكذا سائر العشائر في قطع الطرق وتجاوزت على زوار العتبات ... حتى أن وكيل متولي أوقاف النجف عباس الحداد تمكن من إشعال نيران الفتن بين حيين من أحياء النجف وهما الشمرت والزكرت فأدى الأمر إلى هلاك الكثيرين. وكذا في أنحاء الخزاعل امتنع شيوخ جليحة وعفك عن أداء الميري. فحاول الوزير عبثا في دعوتهم فلم يجيبوا وأصروا على عنادهم ...
    وعلى هذا أرسل من آغوات الداخل صالح آغا الكردي مع بيرق أو بيرقين من الخيالة لاتخاذ الوسائل الناجعة لإلقاء القبض على عباس الحداد أو قتله ، وإذا لم يتيسر فيجب عليه أن يراعي المصلحة بالتزام من يناوئه بإغرائهم عليه ... أو ما ماثل ...
    وأرسل محمدا الكهية بقوة عظيمة على الصقور وعلى عشائر جليحة وعفك لأجل تأديبهم فتحرك من بغداد في 2 المحرم يوم الأحد فوصل إلى الحلة وعبر الفرات من الجسر إلى الشامية وفي محل يبعد عن الكفل نحو ساعتين وجد رؤساء الصقور حمدان القعيشيش
    (الگعيشيش) ، وابن هذال وهو زيد بن الحميدي ، وابن أخيه فواز مع مشاهير رؤساء عنزة
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 300.

    وأعيانهم ويقدرون بثمانية وأبناء عمهم وأقاربهم ومجموع الكل نحو ثمانية عشر رجلا فاستقبلهم الجيش ، وأن الكتخدا استصحبهم معه إلى أن وصلوا إلى الكوفة فأمر الكتخدا بإلقاء القبض عليهم وأرسلهم إلى بغداد مقيدين ...
    وأما صالح آغا فلم يتيسر له القبض على عباس الحداد حيّا فانتهز الفرصة وقتله مع علي دبيس الشقي المشهور وأرسل برأسيهما إلى الوزير فزالت الفتنة بين الزكرت والشمرت في النجف وهدأ الأهلون وأن الباقين أذعنوا وخلدوا للسكينة. وحينئذ نصب عليهم وكيل متول محمد طاهر چلبي من أقارب السادن (الكليدار) الأسبق وزال النزاع.
    نهض الجيش من الكوفة وتوجه نحو مهمته الأصلية. وفي هذه الأثناء أخبر الكتخدا أن الحميدي ، وابن حريميس ومعهم نحو أربعة آلاف بعير وركب كبير جاؤوا للاكتيال إلى محل يقال له (الحاج عبد الله) فعين عليهم شيوخ الخزاعل والبعيج للانتقام منهم وأرسل معهم خيالة وقسما من العثمانيين العرب. ولما وصلت العساكر إلى الديوانية اشتغلت الجنود بربط الجسر وترقبوا أخبار العشائر فاختاروا الإقامة هناك والانتظار في جهة الشامية لبضعة أيام وحينئذ وصلت العشائر إلى محل أخذ الكيل فتقابل الفريقان ووقع القتال بينهما من طلوع الشمس إلى غروبها.
    وهناك نزل شيخ البعيج السابق عزيز السلطان يبعد بضع ساعات عن المحل المذكور للإفساد وأعان عنزة كما تلاحق ركبهم وتظاهر معهم وفي كل هذا كان النصر حليف الجيش وكسر أولئك شر كسرة واستولوا على مقدار كبير من الإبل فنالت العشائر المذكورة عقوبتهم ورجعت عشائر الحكومة ظافرة منصورة.
    وفي هذه الأثناء أكملت العساكر نصب الجسر فعبرت إلى جهة

    جليحة وعفك من الشامية إلى الجزيرة. فوصلوا إلى گرمة اليوسفية فاشتغلوا بسدها وأكملوها في بضعة أيام ومروا عليها ...
    وحينئذ توجه الجيش نحو الطائفتين لاستئصال الواحدة بعد الأخرى فأحدثوا رعبا. ولذا اتفق الكل واتحدوا خشية مما سينالهم ...
    ولكن العساكر هاجمتهم بصولة عظيمة ، واختل جمعهم ولم يقدروا أن يدافعوا. ومن ثم انقسمت جليحة إلى فرقتين إحداهما كان رئيسها (نهر الطعيس). وهذا طلب الأمان فقبل منه ترغيبا له وجلبا للباقين ، والأخرى تابعت مشكور الحمود. وهذه تركت أثقالها وفرت إلى هور (البدير) وولت الأدبار ...
    وأما عفك فإنها اتفقت ولكنها أصابها أيضا الخوف فتفرقت ولم تعمد إلى مناجزة العساكر بل فرت فرقة منها إلى الأهوار التي لا يمكن اجتيازها والأخرى التي كان شيخها (شخير الغانم) التجأت إلى قلعة محكمة وهي المعروفة (بقلعة شخير) فتحصنوا فيها. ومن ثم توجهت الجنود إليها ووصلت في 28 صفر وقبل الوصول إليها بنحو نصف ساعة حط الجيش ركابه وضرب خيامه تجاههم ... فدخل العشائر الذين في أطرافها إلى باطنها وباشروا في الخصام ...
    وإلقاء للحجة أنذروا بالنصيحة مرارا فلم ينتصحوا. وفي اليوم التالي نقل الفيلق منزله إلى محل (قروشوت) ، وحينئذ نظمت الكتائب والمدافع والخمبرة وأعدت المعدات فهاجمتهم الجيوش فقاوموا. وكانت القلعة محكمة رصينة كما أنها محاطة بخندق عميق جدا وهي في مناعتها مثل قلعة الأحساء في الإحكام والمتانة.
    وجد الجيش أن لا طريقة للاستيلاء عليها واكتساحها بالهجوم ... وعلى هذا التجأ إلى اتخاذ التلول الصناعية ونصب المدافع عليها ، وكذا الخمبرة وتوجيهها عليهم واتخاذ متاريس للجيش حتى لا تصل طلقات بنادقهم ، فتضر بالجيش. ودام القتال والرمي من الصباح إلى الغروب.

    واستفادة من ظلام الليل قدمت التلول والمتاريس إلى الأمام ، ومن أول السحر بوشر بضرب المدافع والطلقات وأخرجت المدفع إلى أعلى الروابي وأدخل البندقيون في متاريسهم وعين القواد لكل فرقة وصنف وأحاطت بهم الجيوش من جوانبهم الأربعة وأحكمت الإحاطة ...
    وفي الليلة التالية تستر الجند بظلمة الليل والمطر فهاجموهم لعلمهم بأن الجيوش كانت مشغولة بنفسها ومن ثم هربوا إذ رأوا أن البقاء سيؤدي إلى وبال وخطر ... فتركوا جميع أموالهم وأمتعتهم ، واكتفوا بأخذ أهليهم. اختلسوا فرصة الهزيمة والنجاة. فضبطت الجيوش آنئذ القلعة واختفى أولئك بالأهوار والأماكن الصعبة المرور فاستولى الجيش على جميع أموالهم ومتاعهم وحصلوا على ما يزيد على ألف تغار من الغلال والأطعمة غنيمة ، وخربوا قلعتهم فجعلوها قاعا صفصفا ...
    وعلى هذا نظموا تلك البقاع ونسقوا إدارتها وعرضوا على الوزير هذا الفتح بتفاصيله فنال الكتخدا مكانة أعظم وشكر الوزير سعيه وقدم إليه أمرا (بيورلدي) يتضمن تقدير صنعه ، وبين له أن البقاء أكثر لا تقتضيه المصلحة وأمره بالعودة.
    وفي هذه المدة أذعنت جليحة ، والفتلة بالطاعة وألبس شيوخهما الخلع وطلب من كل منهم خمسون ألف قرش وأحيل أمر تحصيل هذه المبالغ إلى شيخ الخزاعل تعهد باستيفائها منهم على أن لا يفتح سد اليوسفية ما لم تدفع بتمامها.
    وإن شيخ الأقرع مع عشيرته ألزموا بمحافظة (سدة أم العويل). وللقيام بذلك ليلا ونهارا ترك له مقدارا من الجيش يبلغ أربعين بيرقا من عقيل جعلوا معه ، وكذا أعاق نحو ثلاثين بيرقا في معاونة شيخ الخزاعل لاستحصال المبالغ المطلوبة من الفتلة وجليحة وجعل لكل بيرق (باش

    چاووش) للقيام بالخدمة المطلوبة تبعا لأمر الشيخ. نظمت الأمور بهذا الوجه وقفل الكتخدا راجعا بباقي الجند.
    وفي 5 ربيع الأول دخل بغداد ظافرا منصورا. ففرح الوزير وألبسه خلعة فاخرة ترغيبا له (1).
    وقائع أخرى :
    جاء في تاريخ شاني زاده أن الوزير حارب قبيلة العبيد وفي مقدمتها قاسم بك الشاوي المتفق مع اليزيدية في سنجار فنكل بها كثيرا كما أنه في أواسط ربيع الأول عاثت عنزة في الأطراف فأرسل إليها كتخداه فقضى على غائلتها وأسر منها جماعة منهم ابن هذال وابن كعيشيش فأمر الوزير بقتلهم فقتلوا وغنموا من هؤلاء غنائم كثيرة (2).
    جامع الحيدر خانة ومدرسته :
    في هذه السنة بنى الوزير الجامع الكائن في محلة الحيدر خانة واتخذ فيه مدرسة سماها (الداودية) وسجل وقفيتها ورصد لها أوقافا واشترط لنفسه التغيير والتبديل ثم إنه في غرة رجب سنة 1243 ه‍ غير الشروط وعين راتبا للمدرس والإمام والخطيب واتخذ فيها خزانة كتب وجعل راتبا لمحافظها.
    حوادث سنة 1235 ه‍ ـ 1819 م
    عشائر الدليم :
    إن عشائر الدليم بسبب عصيانهم سنة 1233 ه‍ كان قد قضى على
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 303.
    (2) تاريخ شاني ج 3 ص 21.

    غائلتهم فرضخوا وتعهدوا بأداء الميري مع حق الخدمة (1). فمضت عليهم سنة أو سنتان فنسوا ذلك ...
    ولما طلبت الحكومة حقوقها تهاونت في الأداء. أنذروا عدة مرات ونصحوا فلم يلتفتوا. وكانوا يميلون إلى الانقياد إلا أنهم بسبب غلبة الجهل رجحوا الاستمرار على غيهم. ولهذا تطاولوا وأشعلوا نيران الفتنة فسير الوزير جيشا عظيما عليهم تحت قيادة محمد الكهية فتحرك من بغداد في 27 ربيع الأول يوم الخميس.
    وعند ما قرب الجيش من شيوخهم نصحهم الكهية فلم يرجع من شيوخهم الأربعه إلا ضامن الصاروتة (السازوتة) فإنه فارق جماعته وأذعن. ولذا أمر بالرحيل وأسكن في أنحاء الزنبرانية (2).
    وباقي شيوخهم وعشائرهم التجأوا إلى الغابات والأماكن المنيعة. ومنهم من فر إلى الحويجة المسماة (سيره) المتفرعة من نهر الفرات. أرسل إليهم بعض الجواسيس للاطلاع على الحالة فعلم أنهم عازمون على الحرب ، وأن حويجتهم محاطة بغابات لا يمكن الوصول إليها لحصانتها بالأشجار الملتفة ...
    تقدمت الجيوش إلى مكان يبعد نحو ربع ساعة منها. وفي 10 ربيع الثاني عند طلوع الشمس تقدمت بكامل تعبئة وتصادم الفريقان واشتركت الخيالة والمشاة وأمطرت المدافع والبنادق بنيرانها وتضاربوا من الضحى إلى المغرب فتبينت المغلوبية في عشائر الدليم فهاجم
    __________________
    (1) بدل الكلفة. كان يأخذها أكبر موظف كما كان يأخذها الجندرمة ببغداد ويسميها الناس (الخدمة) أدركنا أواخرها. ألغيت في عهد المشروطية (الدستور) وهذه تدفع إلى الموظف باسم إكرامية. ويأخذها الجندرمة بالقوة.
    (2) مجاورة أراضي ختيمية على نهر اليوسفية. مقاطعة معروفة. والآن يسكنها قسم من عشائر الجبور.

    العسكر جموعهم فقتل أكثرهم وولوا الأدبار فلم يبق لهم مجال أن يلتفتوا إلى أولادهم وعيالهم وإنما ألقوا بأنفسهم على المعبر من الفرات فغرق أكثرهم. وحينئذ ألقي القبض على نحو خمسمائة من ذراريهم وعيالهم وخرج الباقون إلى الصحراء إذ لم يجدوا منجى لهم في الغابات فأبلى فيهم الجيش (1).
    هذا ، وإن مؤلف الدوحة قدم التفصيلات بقلمه إلى الوزير بإمضاء الكتخدا فشكره على ما أبدى وأمره يبقى بضعة أيام لتكون سطوته أكبر وأعظم.
    عشائر زوبع :
    بقي الكتخدا بضعة أيام ثم قصد عشيرة (زوبع) ، ومن بقي من عشائر البو عيسى والجميلة إذ إنهم كانوا متفقين مع الدليم إلا أنهم انحازوا إلى جانب ، ولما لم يؤدوا الميري تيقنوا بالخطر فتركوا ديارهم ونهجوا إلى الفيافي والقفار. وإن (البو عيسى) و (الجميلة) تعهدوا ببعض النقود بسبب انفصالهم وطلبوا العفو ومن ثم فوض بعض من باشر التحصيل منهم (2).
    وأيضا ندم أهل شفاثا على المخالفة وتعهدوا بأداء الميري فأغمض الكتخدا عينه عنهم وفوض عليّا موظف (المصرف السابق) ليقبض ما بذمتهم ونظم بعض المهام وطلب الإذن بالعودة فعاد بجيوشه في 28 ربيع الآخر.
    وحين عودته ألبس الخلعة وأكرم باقي موظفيه واحتفل بهذا النصر وتقدمت القصائد في مدح الوزير والكتخدا ومن جملة من مدح الوزير
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 236.
    (2) عشائر العراق الريفية ج 3 فيه تفصيل عن هذه العشائر وزوبع في المجلد الأول.

    صاحب الدوحة بقصيدة باللغة التركية (1) فأنعم عليه وزاد في مرتبته. ثم عظم شأنه أكثر بتقديم (دوحة الوزراء) إليه. وأودع هذه القصيدة تاريخه. وجعلها كخاتمة له.
    محمد باشا بن خالد باشا الباباني :
    سكن أولاد خالد باشا أمير بابان سابقا في كركوك بأتباعهم إلا أنهم كانوا يؤذون القرى فشكا منهم الأعيان للوزير فكتب إلى محمد باشا أن لا يدع مجالا لهذه الأحوال وأن يردع أعوانه ، ثم تكرر الطلب منه مرارا فلم يفد التنبيه فأصدر الوزير أمرا إلى متسلم كركوك (موسى آغا). في القبض على محمد باشا وسجنه (2).
    تمكن المتسلم من القبض عليه وسجنه. ولم تمض بضعة أيام حتى هجم أتباعه بثلاثمائة خيال أو مائتين على دار الحكومة ليلا وهربوه من السجن. وعلى هذا أمر الوزير بإلقاء القبض على والدهم خالد باشا وكان ينوي الفرار إلى إيران فسجن الاثنان في
    (باش أسكي) إلا أن محمد باشا بعد أن هرب من السجن ندم على فعلته فلم يذهب إلى جهة أخرى ، وإنما مكث في الجهة العليا من كركوك يبعد أربع ساعات أو خمس في
    (شواه) (3) وعرض أمره على الوزير طالبا العفو وقبول معاذيره ...
    وعلى هذا أصدر أمره بالعفو على أن لا يضر اتباعه بأحد فعاد إلى أنحاء كركوك. وحينئذ عفا عن والده خالد باشا. وأما سليمان باشا بن إبراهيم باشا ابن عمه فقد أخذت منه أيمان مغلظة على أن لا يخون مرة
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 312 و 317 ومطالع السعود ص 236.
    (2) موسى آغا الجد الأعلى لكامل بك وكمال بك أولاد حسن بك بن أحمد آغا بن موسى آغا من (الكولة من) أو الموالي.
    (3) الظاهر شوان.

    أخرى فاعتمد على أقواله وأطلق سراحه أيضا وعين لهما ما يعيشون به (1).
    ختان :
    وفي هذه السنة ختن الوزير ابنه طورسون يوسف بك لبلوغه سبع سنوات وكان ذلك باحتفال كبير وبهذه المناسبة أنفق الوزير على الفقراء ما لا يحصى وختن نحو ألف من الأيتام معه. وخلع على العلماء والأشراف حللا بديعة الأوصاف ، وبنى خيمة جميلة في دار الإمارة وبسطت الموائد للقاصي والداني ...
    وهنأه الشعراء بقصائد ومدائح فاكتفى صاحب الدوحة بنشر قصيدة فوزي ملا محمد أمين المنفصل من كتابة المصرف فنالت قبولا (2). وممن مدحه الشيخ صالح التميمي بقصيدة مطلعها :
    ربيع ولا سحب تسح وتنطف
    وخصب ولا نبت لسعدان يعرف

    إلى آخر ما قال (3).
    وممن هنأ الوزير بقصيدة عبد الله البصري فنقدها صاحب المطالع كما نقد شعر التميمي وأورد هو قصيدة.
    المقيم البريطاني وتجولاته :
    في آذار سنة 1820 م ـ 1235 ه‍ عزم كلاديوس جمس رچ Claudius Jamcs Rich المقيم البريطاني Resident أن يتجول في ديار
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 318 ومطالع السعود ص 237.
    (2) دوحة الوزراء ص 318.
    (3) ديوان التميمي ومطالع السعود ص 237.

    الكرد. وصل إلى بعقوبة في 28 آذار ، فذهب إلى قصر شيرين وعاد في 8 نيسان ثم إنه في نهاية نيسان سنة 1820 م ـ 1235 ه‍ اصطحب زوجته ماري وسكرتيره (بليّنو) وهو ألماني من أصل ايطالي ، وأحد الأطباء والسيد محمد المنشي البغدادي وسماه السكرتير الفارسي مع حاشية كبيرة من الخدم والحرس. وكان معه (ميناس) الأرمني. وهو جد ميناس الأرمني المتوفى سنة 1948 م وكان الترجمان الأول للمقيمية. فأصدر الوالي أمره بلزوم العناية بهم إلا أنه ندم على ما فعل ، فأوجس خيفة من هذه الرحلة وأن يجوسوا خلال الديار وفسرها بأنه يريد اثارة الفتن والقلاقل وفي 12 آذار سنة 1821 ه‍ ـ 1236 م عاد إلى بغداد. فاشتد الخلاف بين الوزير وبينه إذ منع التجار من إصدار الأموال وجلبها أو أنه أمر السفن أن لا تذهب إلى الهند ولا تأتي منها فاتخذ الوالي التضييق عليه حتى أحرجه على الخروج من بغداد. ولم يأذن له بهذا الخروج حتى تعهد بأنه ذهب باختياره ومن تلقاء نفسه. وكانت جنود الوزير محيطة بالمقيمية معلنا أنه يقصد سلامة المقيم حذر أن يناله من التجار الهائجين ضرر.
    دونت رحلة المقيم البريطاني في مجلدين وفيها تفصيل أحوال الكرد وما مر به من مواطن (1). كما أن السكرتير الفارسي السيد محمد ابن السيد أحمد الحسيني كتب رحلة بذلك أيضا وكانت مختصرة وفيها ما يزيد من بعض الوجوه على رحلة المقيم البريطاني (2).
    __________________
    (1) نقلها معالي الأستاذ بهاء الدين نوري إلى العربية وطبع المجلد الأول منها سنة 1951 م في مطبعة السكك الحديدية ببغداد.
    (2) هذه رحلة المنشي البغدادي كتبها بالفارسية ونقلتها إلى العربية. طبعت بتعليقات سنة 1367 ه‍ ـ 1948 م في مطبعة شركة التجارة والطباعة ببغداد.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 9:38 am

    حوادث سنة 1236 ه‍ ـ 1820 م
    ورود مدافع ومهمات حربية :
    وردت بغداد مدافع ومعدات حربية من استنبول مع أفراد مدفعيين وعرباتيين نظرا لما رأته من الضرورة لحراسة العراق سواء في حدوده وثغوره ، أو غيرهما. وذلك أن الدولة أرسلت خمسة عشر مدفعا سريعا مع مدفعيين وعرباتي واحد وأفراد آخرين يصلحون للعمل ومعدات كثيرة وأدوات وافرة ولوازم وافية ... جاءت بصحبة مصلح الدين أحد رجال السلطان محمود فوصلت في غرة صفر فأجري لها الاحتفال وأذيع أمرها (1).
    قصر الوزير :
    أمر الوزير باتخاذ حديقة في الفريجات من ناحية الأعظمية غرس فيها من الأشجار المتنوعة واتخذ فيها قصرا فخما جامعا للطافة والزينة على أبدع أسلوب معماري. وكتب صاحب الدوحة قصيدة في تاريخ بنائه باللغة التركية (2).
    تعمير باب السراي :
    أمر الوزير بتعمير باب السراي لأنه عاد لا يليق وجعله واسعا ، وجعل عن يساره برجا فمدح صاحب الدوحة الوزير بقصيدة تركية (3).
    عمل مضخة :
    ورد امرؤ من إيران يدعى ميرزا عبد المطلب فأبدى أنه عمل
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 320 ومطالع السعود ص 242.
    (2) دوحة الوزراء ص 321.
    (3) دوحة الوزراء ص 323.

    طلومية (مضخة) ترفع المياه وتغني عن الكرود والبكرات المعتادة فعرض القضية محمد المصرف على الوزير فأمر أن يقوم بأعمالها. ولما تم العمل أخبر الوزير فشاهدها الكل فعجبوا من هذا الصنع. وعلى هذا نال خلعة وأنعم عليه بإكرام جزيل وأن يقيم في بغداد ليتعلم سائر الناس منه وأجرى له راتبا.
    سميت هذه الطلمبة إضافة لنجل الوزير طورسون يوسف فسموها (چرخ يوسف) أي دولابه ونظم صاحب الدوحة قصيدة تبين تاريخ عملها (1).
    تعمير السراي :
    أمر الوزير بتعمير السراي مراعيا فيه النقوش والتزيينات والإتقان المعماري. فدامت التعميرات نحو ثلاثة أشهر فتم بالوجه المرغوب فيه فأجريت مراسيم الافتتاح وفرش بأنواع الفرش وجلس فيه الوزير وتقدم الشعراء في وصفه وأرخوا بناءه. وصاحب الدوحة ممن أرخه. ومن ثم صار (ناظم التواريخ) ...
    وقائع أخرى :
    1 ـ إن محمد باشا ابن خالد باشا بعد العفو عنه داخلته الوساوس فجمع أعوانه وفر إلى إيران إلى الشهزاده. ولما علم الوزير أن ذلك كان بإغراء من والده خالد باشا وأنه ينوي اللحاق به ألقى القبض عليه وحبسه.
    2 ـ سبق أن يحيى آغا الخازن خذل في حرب الصقور ولوحظ أن ذلك لم يكن نتيجة إهمال وغفلة وإنما أشيعت عنه اشاعات غير مقبولة
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 325.

    فعزل ووجهت إليه مقاطعة (تازة خورماتي) في أنحاء كركوك وأماكن متعددة في أطراف بغداد ، ونال انعامات وفيرة. وبالرغم من ذلك ارسل الشهزاده إليه من يغريه ويحضه فنزل من الطاق باسم الصيد فجاء إلى أطراف زهاو (زهاب) وباديتها وتجول فيها تنفيذا لنواياه. وكان يترقب الخازن الفرص وباح بسره لبعض محبيه فأخبر الوزير خفية فأمر بإحضاره وإلقاء القبض عليه وكان من المحتمل أن يكتفي بحبسه ولكنه حينما أخذ للحبس وكان في ساري الكتخدا سل خنجره وجرح بعض الموكلين بالمحافظة عليه فلم يجد طريقا للخلاص فزج في السجن هو ومن ساعده اثناء الحادثة فقتل. ومن أراد الوزير الوقيعة به اختلق له الأسباب.
    3 ـ أظهر الوزير الذهاب إلى قصره في الفريجات ومن هناك أبدى أنه عازم على الصيد ونصب خيامه بعد منزل واحد فأرسل أحمد بك مع ألفي جندي إلى إربل لنشر آثار سطوته هناك.
    سمع الشهزاده بالخبر وفي الحال ابدل طوره وأراد أن يخفي حاله فأبدى خلاف ما عرف عنه وأظهر أنه مخلص للوزير وأرسل بعض التحف إليه توددا وصداقة. ثم لوى عنان عزمه وعاد لمقره. وحينئذ قضى الوزير بضعة أيام في الصيد وأخفى هو أيضا نواياه ثم رجع (1) ...
    4 ـ إن سليمان باشا بن إبراهيم باشا متصرف بابان سابقا كان يرعاه الوزير والظاهر أنه كان بينه وبين يحيى آغا موافقة في الخفاء لذا حذر أن ينكشف أمره فانهزم إلى الشهزاده. أما خالد باشا فقد دققت أحواله فظهر أن لا دخل له في القضية فعفا عنه الوزير وأكرمه وأطلقه من السجن.
    وفي سنة 1234 ه‍ مرّ أن عبد الله باشا متصرف بابان سابقا كان
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 326.

    اتفق مع محمود باشا وأرسل إليه على أن يوليه كوى وحرير ولكن لم يوافق مصلحته أن يجعله بعيدا عنه. لذا لم يعطه اللواء المذكور وخصص له عائدات توازي هذا اللواء وامتزج معه لبضعة أشهر إلا أن عبد الله باشا ظهرت منه علائم الخيانة وتبين منه ميل إلى الفرار لجهة الشهزاده فاضطر محمود باشا إلى إلقاء القبض عليه وسجنه.
    وبعد أن بقي شهرين أو ثلاثة في السجن رق عليه أخوه فأطلق سراحه بعد أن أخذ منه العهود والأيمان المغلظة وخصص له بعض المحال الكافية لإدارته. ولكن لم تؤثر فيه الأيمان ولا راعى المواثيق. فحينما خرج من السجن كاتب الشهزاده فاختلس فرصة وفر بنحو مائة أو مائتين من أتباعه لجهة ايران (1).
    تجاوز إيران حدود العراق :
    مال قسم من امراء ديار الكرد إلى إيران وهم محمد باشا بن خالد باشا وسليمان باشا بن إبراهيم باشا ، وعبد الله باشا أخو عبد الرحمن باشا فاجتمع هؤلاء في كرمانشاه لدى الشهزاده فتولد فيه أمل التسلط على أنحاء مهمة من العراق. لذا سير هؤلاء ما عدا سليمان باشا إلى ناحية زهاو وتجاوزوا الحدود فأشعلوا نيران الفتنة ، وأن الشهزاده توجه نحو أبيه إلى طهران ليخفي هذا العمل فيما إذا عاتبه الوزير.
    وإن محمد باشا بعد أن وصل إلى زهاو أغار على جهة قولاي وخانقين وعلي آباد فدمر الأهلين هناك وانتهب أموالهم ومواشيهم وأضر بهم أضرارا كبيرة ثم عاد إلى جهة زهاو.
    فلما سمع الوزير بالخبر سير مقدارا من الجيش فحاول اللحاق به ولكن المسافة كانت بعيدة جدا فلم يتمكن من الوصول إليه وعاد.
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 327.

    وعلى هذا عرض الوزير الأمر على الدولة وأطلعها على ما وقع وطلب الترخيص فيما إذا تجاوزت إيران الحدود واعتدت على العراق وطلب قوة تساعده وأنه في الحال الحاضر مثابر على محافظة الثغور ... ومن جهة أخرى أمر (بلوك باشي بيارق الخيالة) عبد الفتاح آغا أن يرجع من بني لام حالا ويسير إلى جهة زنگباد مع البيارق التي معه ...
    وكان الوزير في تبصر من جهة العراق وإيران ، ويتوقع ما سيحدث ، وأنه في انتظار أمر الدولة.
    ولما وصلت عريضته إلى استنبول اهتمت الدولة للأمر إذ إنه مما لا يجوز التساهل أو التهاون فيه. ولذا صدر الفرمان بلزوم محافظة الثغور والتأهب للطوارىء ، وأن تجهز الجيوش وتعد القوى ...
    وأول ما قام به الوزير أن سير (البلوك باشي) إلى أنحاء زنگباد ومعه نحو 1500 من الخيالة ومكث في هذا المحل ...
    وعلم أن الشهزاده عاد من طهران إلى جهة كرمانشاه وحينئذ وجه إيالة ديار الكرد إلى عبد الله باشا وأنه شرع في إخراج محمود باشا من السليمانية باتخاذ ما يجب من الأعمال.
    وردت رسائل من محمود باشا ومن غيره من الأنحاء الأخرى تنبئ بذلك مما بلغ حد التواتر ... أما الوزير فقد رشح محمد الكهية لتجهيز الجيوش وجعله قائد الحملة على ايران. وحينئذ تعين أن يقيم في زنگباد ويتخابر مع محمود باشا وأن يعاضد الواحد الآخر ، ويأتي بسرعة لإمداده.
    وعلى هذا نهض الكتخدا من بغداد بمهمات كثيرة وجيش جرار في 13 رمضان فالتقى (بباش آغا) في مقاطعة (كوكس) من زنگباد. ثم تلاحقت العساكر ونصب خيامه في (شيروانه) (1) أربعين يوما.
    __________________
    (1) قلعة واقعة على ديالى معروفة بهذا الاسم والآن ناحية من نواحي كفرى.

    وفي هذه المدة اتخذ الشهزاده جميع المكائد لعزل محمود باشا ونصب عبد الله باشا وسيره إلى السليمانية وجهز معه أربعة آلاف جندي أو خمسة آلاف أما محمود باشا فإنه استمد بالكتخدا وطلب أن يوافيه. ولذا تحرك من (شيروانة) وتوجه إلى ديار الكرد فوصل إلى (بازيان) إلا أن عبد الله باشا منعه أن يعبر ديالى ويوافي (خواجايي) من أعمال گلعبر (حلبجة) الواقعة في منتهى حدود شهرزور. فتمكن من تشتيت شمل القرى كما أنه استطاع أن يجذب (أمير الجاف) كيخسرو بك إليه في حين أنه كان بمثابة قوة الظهر لمحمود باشا ، وكذا تمزق باقي أتباعه فانحل نظام جماعته.
    أما الجيش فقد بقي بعيدا عن السليمانية بمسافة ثلاث ساعات من جانبها الآخر في محل يقال له (تپه رش) (1) قرب بازيان. وبهؤلاء قوي الأمل وثبتوا. وتقدم الجيش إلى جهة السليمانية ببعد ساعة ونصف قريبا من قرية (باريكة) (2) في الجانب الآخر من وادي (تاجرود) (3). وأن محمود باشا وعد أنه يأتي بسبعة آلاف جندي أو ثمانية آلاف إلا أنه لم يحضر إلا مقدار خمسمائة من الخيالة ومائتين من المشاة. جاء بهم بعد أسبوع ونصب خيامه في الجانب الآخر من النهر تجاه الجيش.
    ثم إن عبد الله باشا لم يقف عند حده وإنما توجه نحو السليمانية إلا أنه حينما وصل إلى (خواجائي) لم يجسر أن يتقدم إلى الأمام ومكث في محل منيع هناك وأبدى عجزا. وعندئذ استغاث بالشهزاده ليمده فجهز نحو خمسة عشر ألف خيال وخمسة آلاف راجل وعلى حين غرة انحدر
    __________________
    (1) للشيخ محمود الزعيم الكردي المعروف.
    (2) قريتان بهذا الاسم إحداهما تابعة حلبجة والأخرى تابعة سرجنار. وأصلها سرجنار الغربي والشرقي. ويقال للأولى سرجنار وللأخرى تانجرو. وهما من ملحقات السليمانية.
    (3) ويلفظ تانجرو. نهر يبعد ساعة عن السليمانية.

    من پاي طاق ومضى إلى زهاو ومنها عبر إلى ديالى وانتهب (قرا الوس) (1) من زنگباد وبقي هناك بضعة أيام يتجاوز على القرى والأطراف وتفرق الأهلون. ومنهم من سار إلى جهة كركوك.
    وصل الخبر إلى بغداد. ويأمل تثبيت الأهلين في مواطنهم نهض أحمد بك أخو الوزير على وجه العجلة بمقدار من الجيش ، وعلى أثره عزم الوزير أن ينهض بنفسه ليقف الشهزاده عند حده ، وكتب إلى الكتخدا وأكد إليه أن يلتحق به في طريقه ...
    خبر موحش :
    وفي هذه الأثناء ورد أن الجيش نزل في (باريكة). وهذا حرارته شديدة في النهار وبرودته زائدة ليلا وفيه وخامة. وبعد بضعة أيام من جراء هذا التأثير وسوء الأكل والشرب استولى على الجيش مرض كأنه الوباء إذ سرى على الجميع لدرجة أن الألف لم يبق منه إلا الخمس وهؤلاء لا يستطيعون القيام والنهوض ولازموا مضاربهم ولم يقدروا على الخروج من مخيماتهم فحدثت فيهم وفيات بين خمسة عشر أو عشرين يوميا.
    وإن الاصحاء استولت عليهم الواهمة ونالتهم الحيرة والاندهاش فعادوا لا يبدون حراكا ولا يدرون ماذا يعملون ...
    وكان عبد الله باشا مع الجيوش الإيرانية في (خواجايي) وتحصن فيه وهو بعيد عن الجيش بنحو اثنتي عشرة ساعة في حدود ايران ، وأن العساكر العراقية لم تطق الصبر على هذه الحالة ولم يقر لها قرار فعزمت على الفرار فانعكس الأمر إلى عبد الله باشا فنشط وسار نحو جيش الكتخدا فوصل إلى (قره طاغ) (2) ببعد تسع ساعات وورد إلى الطريق
    __________________
    (1) عشائر العراق ج 2 ص 181 وتلفظ قرا ألوس. والآن في مندلي.
    (2) الآن ناحية وتبعد عن السليمانية سبع ساعات تقريبا ويقال لها (قره داغ).

    المسمى (كوره قلعة) (1) فورد ثغر الطريق وتمكن فيه.
    فالجيش بحالته هذه لم يستطع الحرب والمقاتلة ولم تبق فيه قدرة بسبب الأمراض الفتاكة فكان الرأي أن يميلوا إلى جانب ويتحصنوا في مكان منيع. وعدا هذا إن الشهزاده في نية التقدم إلى جهتهم كما يستفاد من الكتاب المرسل إلى الكتخدا ، فكتب الوزير إليه أن يأتيه بالعسكر سريعا.
    كتب الكتخدا جوابا للوزير يتضمن بعض المعاذير والتهاون عن المجيء ورمى بالجيش فجعلهم طعمة باردة للعدو وخاطر بهم مخاطرة عظيمة فعذله الأمراء ورؤساء الجيش فلم يتعذل وقال إني أريد أن أقهر جيش عبد الله باشا ...
    نسب صاحب الدوحة ذلك إلى خيانة منه وأنه اتخذ أمراض الجيش وسيلة لإظهار نواياه بخدمة إيران ولم ينظر إلى أن الوزير كان يرعاه خمس سنوات تقريبا ... فلم يؤثر فيه ذلك كله ...!!
    والحال أن صاحب مرآة الزوراء يطعن في الدوحة وينسب المغلوبية إلى الأمراض من جهة وإلى الموقع الحربي وأنه غير مساعد من جهة أخرى وأن الكتخدا كان متصلبا في رأيه غير مدرب للحرب الدولية ورأى من العار عليه أن يرجع دون أن يشفي غليله من عدوه فأصابه ما أصابه.
    وفي 14 ذي الحجة يوم الثلاثاء تحرك من منزل (باريكه) وتقدم بالعسكر بالرغم من أمراضهم وهم في حالة لا يرجى منها فائدة وأقام بين المنزلتين بعد أن قطع سبع ساعات وتقدم إلى مقربة من العدو. وصل إلى قرية (بيستان سوار) (2). جاءها يوم الخميس فنزل (قره گول) (3) ويبعد
    __________________
    (1) تلفظ كورة قلا بتفخيم اللام قرية من (بازيان) وكذا (زرده لي كاوه).
    (2) قرية تابعة حلبجة.
    (3) قره كول قرية تابعة تانجرو (سرجنار الشرقي).

    عن المضيق (الدربند) الذي نزله عبد الله باشا نحو ساعتين وأمر الجيش بعمل المتاريس وعزم أن يهاجم عبد الله باشا.
    وفي يوم الجمعة تقابل الجيشان وغرضه أن يقضي على جيش عبد الله باشا حتى إذا رجع لا يعيث هؤلاء بالأنحاء. ولكن يوم السبت والأحد أرسلت الرسل والرسائل من الجانبين في التدخل بمفاوضات صلح كاذبة وأشغل العسكر بها وغرض عبد الله باشا أن يوافي الشهزاده بجيوشه الجرارة ... وهذه المفاوضات كانت بتدبير من عبد الله باشا لا خيانة من الكتخدا وهو حريص على نجاحه ...
    وفي يوم الاثنين رتبوا الصفوف وتأهبوا للقتال ... فوافى جيش الشهزاده ويبلغ نحو خمسة وعشرين ألفا في حين أن جيش الكتخدا لا يبلغ أكثر من ثلاثة آلاف من الخيالة والمشاة ... وبهذه القوة الضعيفة وقفت صفوفهم تجاه الأعداء واشتبك القتال ودام إلى الضحوة الكبرى فلم يقصر الجيش في النضال والصبر على الحرب ودافع بقدر ما أوتيه من قوة فكان جيش إيران مشرفا على الهزيمة ولكن الكتخدا منع جيشه من التقدم على العدو وردعهم من الهجوم عليه فأدى ذلك إلى كسر الجيوش (1) ...
    قال صاحب الدوحة : وهذه خيانة. والحال أن الجيش الذي قوته وعدده ما ذكر لا يستطيع أن يهاجم خمسة أضعافه فالمحافظة على القوة ومداراتها تدبير ضروري ... فسلمت المهمات والمدافع والخيام وكافة معدات الجيش إلى الأعداء فاستولوا عليها ورجع جيش الكتخدا إلى كركوك مكسورا ليلة الأربعاء.
    أقام ستة أيام. وفي اليوم السابع ليلة الاثنين ذهب الكتخدا وأخوه
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 328.

    علي آغا واثنان من اتباعه خفية إلى الشهزاده ، فالتجأوا إليه. خافوا من العقوبة ففروا. ولم تقع خيانة (1).
    وجاء في ناسخ التواريخ قسم القاجارية : إن الدولة العثمانية أرسلت ألفي جندي إلى الوزير ومعهم عشرة مدافع وجلبوا محمود باشا لجهتهم فأرسل الوزير عشرة آلاف جندي بإمارة محمد الكهية فالتحق به محمود باشا قرب ماء شيروان.
    وإن محمد علي ميرزا حاكم كرمانشاه كان معه خمسة عشر ألفا من الجند المشاة والفرسان ، فتأهب في العشرة الأولى من ذي الحجة ومعه عشرة مدافع والتحق به حسن خان والي الفيلية بثلاثة آلاف جندي.
    وفي هذه الأثناء أرسل كل من حسين خان من أهالي خمسه ، ومحمد باقر خان المافي من طريق سنندج بأمر من الشهزاده (2).
    وفي 18 ذي الحجة وصلوا قرب شهرزور.
    أما محمد كهية ومحمود باشا فقد نظما متاريس في (ياسين تپه). وهذا محل يتصل من ثلاث جوانبه بالمياه ومن جهته الأخرى بالبر ورتبوا خمسة عشر مدفعا أمام متاريسهم. وفي هذا الأوان أرسل محمود باشا رسلا إلى الشهزاده فحواها أنه إن أمنه وعفا عنه فإنه غدا عند المعركة يلتحق به متظاهرا بالفرار وفي الحال يحارب محمدا الكهية متفقا مع الشهزاده جنبا لجنب. أما الشهزاده فإنه لم يثق من كلامه ولم يحمله على الإخلاص فأبدى موافقته وأجاب جوابا ملائما. وقضى الشهزاده ليلته. وفي اليوم التالي تأهب للقتال وأمر
    (مسيو دوده) المعلم الانجليزي (كذا. وهو فرنسي) مع جماعة من العسكر وهم بين مشاة وفرسان
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 328 ـ 333 ومرآة الزوراء.
    (2) ما في عشيرة كردية. (رحلة المنشىء البغدادي ص 46 و 47).

    بالتأهب وزودهم بالمدافع وبآلات نارية أخرى من زنبرك وغيره فساروا في طريقهم بين التلول وصاروا كمينا. قصدوا مفاجأة العثمانيين من خلفهم ، والشهزاده رتب الميمنة والميسرة وبعد ذلك صعد إلى تل عال وتضرع إلى الله طالبا أن يؤيده بالنصر وبكى بكاء تضرع. فظهر في وسط العسكر وابتدأ الحرب وثارت المدافع والبنادق ومن ثم اشتبك القتال بين الطرفين بحرارة فأسفرت النتيجة أن العثمانيين لم يروا مجالا للدوام على الحرب فولوا الأدبار. أما محمود باشا فأنه باتفاق مع الكهية توجها إلى أطراف كركوك بأنفسهما فتيسر للشهزاده أن يستولي على جميع معداتهم من الخيام والمدافع. ثم نزل السليمانية. فلما رأى الكهية هذه الحالة وكان يخجل أن يرجع إلى بغداد بهذه المغلوبية التجأ إلى الشهزاده حرصا على حياته.
    وفي هذه الأثناء ولى الشهزاده عبد الله باشا عم علي باشا والي ديار الكرد حكومة شهرزور. وأن الشهزاده بقي أيام المحرم في السليمانية وعرض هذه القضية إلى مسامع الشاه.
    وفي أول صفر خيم خارج السليمانية وكان يقصد زيارة العسكريين فتوجه إلى بغداد» اه (1).
    وفي هذا ما يؤيد براءة محمد الكهية من الخيانة ويوضح الوقعة أكثر ببيان قوة إيران آنئذ ... ومطامعها في العراق ولكن أمل الفتح والاستيلاء قد انقضى بوفاة نادر شاه. وفي هذه الأيام تجددت فكرة الاستيلاء على العراق وعلى أنحاء أرضروم من عباس ميرزا فكانوا على اتفاق ولم تكن غائلة محصورة في أمور بابان. وبوفاة هذا الميرزا انقطع الأمل فلجأوا إلى طريق السياسة (2).
    __________________
    (1) ناسخ التواريخ ـ قسم القجارية. وهو خال من أرقام صفحات.
    (2) رحلة المنشي البغدادي ص 9.

    الهواء الأصفر : (الهيضة):
    في أوائل هذه السنة سنة 1236 ه‍ ـ 1820 م ظهر مرض لم يسمع باسمه (قوليرا) أو الهواء الأصفر أو الهيضة يفتك في النفوس فتكا ذريعا. سماه ابن سند بالوباء وقال هو طاعون ظهر في ديار الهند وأصاب الكثير من أهل بومبي. ومنها سار إلى بلاد الهند الأخرى. وازداد شره ومشى كالسيل الطامي حتى وصل إلى البصرة ، واستمر فيها من آخر شوال إلى آخر ذي القعدة وأن شدته في أول ذي القعدة سنة 1235 ه‍ ـ 1819 م إلى الثاني عشر منه. يشتد تارة ويخف أخرى إلى 22 منه ثم خف إلى أن زال وقد مات من أهل البصرة خمسة عشر ألفا وأكثر فاضطرب منه الأهلون وابتهروا من فعله وصاروا يفرون إلى القرى والضياع في الأطراف ... وأول ما وقع في البصرة هبت الشمال العظيمة نهارا وليلا (1) ...
    ثم إنه ذهب بؤسه فصار يتعاود الأهلون ويرجعون إلى مواطنهم ولكنه توجه بعد البصرة إلى جهة سوق الشيوخ ، والعرجة ، والسماوة حتى استولى على أكثر أهل الجزيرة وبعض عشائر الشامية ثم جاء إلى الحلة وكربلاء ومكث في هذه الأماكن مددا تتراوح بين عشرة أيام وعشرين يوما.
    ثم إنه سرى إلى بغداد ولكنه كلما تصاعد وطالت مدته قل ضرره وخفت وطأته ... فبقي مدة خمسة عشر يوما وفي بعضها أصاب الواحد والاثنين ... ثم زال.
    ومنها سار حتى وصل كركوك ودام هناك نحو 20 يوما. فتوفي نحو ألف نفس ولكنه لم يتماد في سيره فاندفع بسرعة وسار إلى ديار
    __________________
    (1) دوحة الوزراء ص 333 ومطالع السعود ص 203.

    الكرد فانتقل إلى السليمانية ومن حين وصل إلى البصرة وورد خبره إلى بغداد أوقع رعبا في النفوس.
    وفي هذا المرض استشير أطباء الانجليز فكتبوا على أدوية تجلب من ديارهم فجاءت إلى الوزير ووصلت إلى وكيل متسلم البصرة. قالوا : وإن أطباء الانجليز وجدوا دواء لهذا المرض وكتبوا رسالة بلغتهم في المعالجة والتداوي. وفي هذه الرسالة أن هذا المرض ثلاثة أنواع أو أربعة ، وأنه سرى إلى البصرة في سنة 1236 ه‍. وذكر صاحب الدوحة ترجمة الرسالة من العربية. فلم نر اليوم حاجة لسردها بالنظر إلى معلومية هذا المرض وتجدد الفن وتبدل الأدوية والتدقيقات ...
    وذكر ابن سند من علامات هذا الداء القيء والإسهال المفرط ولكن صاحبه لا يبول فمن بال سلم وقد لا يسلم.
    حوادث سنة 1237 ه‍ ـ 1821 م
    مجيء الشهزاده إلى ناحية دلي عباس :
    إن الجيش رجع مغلوبا إلى كركوك. فأقام فيها بضعة أيام ثم التجأ الكتخدا إلى الشهزاده. ولكن الأهلين استمروا على المقاومة. أما الشهزاده فقرب منهم بمسافة ثلاث ساعات وأقام حواليهم بضعة أيام يرغبهم من جهة ويرهبهم من أخرى فحاول بكل وجه اقناعهم ودعوتهم إليه للتسليم فأبوا واتفق الكل على الدفاع ... ولذا رحل عن كركوك ووصل (داقوق) (1). بقي أكثر من عشرة أيام ، ومنها توجه نحو (طوز خورماتي) فنزلها وبقي فيها بضعة أيام جال في خلال جيشه في الأنحاء وعاث ونهب.
    __________________
    (1) ويقال لها طاووق والصواب (دقوقا).

    ومنها ذهب إلى (كفرى) ثم توجه إلى قره تپه (قره دپه) ومنها وصل إلى ناحية (دلي عباس).
    عرض الوزير القضية بحالها على دولته وطلب الإمداد منها إلا أنها لم يكن لها أمل في الحرب ولا كان لديها من المعدات ما يكفي والأمل مصروف إلى أن الشهزاده سوف يرجع من كركوك إلى بلاده ولكنه جاء إلى كفرى فلم يرجع حتى وافى (دلي عباس). وحينئذ أشعل نيران الفتنة في الأطراف وألقى التشويش فنزل بين خان چبق وبين قرية هبهب وعين عساكر على العشائر القاطنة هناك فانتهب منهم نحو عشرة آلاف (1) رأس من الغنم والمواشي وأوقعوا أضرارا كبيرة بالأثمار فمدوا أيديهم وخربوا الكثير من القرى.
    أما الحكومة فإنها خشيت من الذين يميلون إلى إيران فاتخذت التدابير بسد الأبواب الثلاثة وأبقت لها حرسا من الآغوات المعتبرين توقعا لما يخشى منه ووضعت المدافع ، لحراسة العاصمة والتأهب لما يخشى وقوعه وأقيم الحرس من الينگچرية وصنوف الجيش الأخرى ...
    وفي هذه الوقائع وذيوعها لم يبد الأهلون ما يخل بالأمن ، ولا ما يخالف الوضع. صبروا وانقادوا لولاة الأمر فكانوا على وفاق ، وكذا الشأن في الصنوف العسكرية وأكابر موظفيها فإنهم أدوا ما عليهم من الخدمة وبذلوا ما استطاعوا من راحة ...
    وجاءت العشائر زمرا ووافقت على ترتيبات الحكومة وسلطتهم على السرايا والهجومات المختلفة وصاروا يهاجمونهم ويصولون عليهم من كل ناحية ووقفوا لهم بالمرصاد ، وإنهم حينما رأوا محمدا الكهية وأعوانه في الجهة التي بين خان چبق وبين قرية هبهب صاروا يشنون
    __________________
    (1) في مطالع السعود ألف رأس من الغنم.

    الغارة عليه وعلى أعوانه ومعهم العثمانيون فأوقعوا بهم خسائر كبيرة فاضطر إلى العودة إلى فيلق الشهزاده ولم يتمكن من البقاء هناك ...
    وقعة صفوق :
    ثم إنه سار الكتخدا إلى دلتاوه (الخالص) مرة لتحصيل ميرة منها فلاقاه جمع كبير يتجاوز الألف مع شيخ شمر الجرباء صفوق الفارس وعشرة من بلوگباشية اللاوند قرب القرية فانتهزوا الفرصة وصالوا عليهم بهجوم عظيم وقتلوا أكثرهم وأسروا قسما وتفرق الآخرون وفروا ...
    وبعد بضعة أيام لم ير فائدة من البقاء فاضطر أن يترك هذه السفرة وكتب خفية إلى المجتهد المقلد عندهم الشيخ موسى ابن الشيخ جعفر (كاشف الغطاء) ليتدخل في أمر الصلح بين الفريقين وأرسل إليه رسولا فأبدى ميله إلى الصلح من تلقاء نفسه ورغب فيه ... وفي تواريخ إيران أن الوزير هو الذي أرسل الشيخ موسى للمفاوضة ... والصواب أن المرض الشديد دعا إلى هذا الصلح ، فأراد أن لا يرجع بلا سبب.
    وحينئذ أرسل إليهم الوزير محمد آغا ابن أبي دبس من ندمائه ومحمد أسعد ابن النائب الكركوكي من المدرسين وبعد وصولهم إلى معسكره أخبروا الوزير أن الشهزاده راغب في الصلح إلا أنه علق أمر الصلح على أن يوجه لواء بابان إلى عبد الله باشا ، وألوية كوى وحرير إلى محمد باشا بن خالد باشا ، وأن ترسل إليهم البيورلديات والخلع وأن يعفى عمن التجأ إلى إيران من الأشخاص وأن لا يسألوا ...
    ولما شاور الوزير العلماء والأعيان رجحوا جانب الموافقة على أن لا يبقى الشهزاده في محله وأن يرجع حالا إلى بلاده ولم تقبل جهة العفو عمن التجأ إلى إيران واشترط أن تعاد العشرة آلاف رأس من الغنم التي نهبت من أنحاء الخالص.

    ثم إن الشهزاده قبل أن يتحرك من دلى عباس اشتد مرضه ولذا أبدى تساهلا في الصلح بغتة وبين رغبته فيه. فتحرك حالا ورجع مسارعا في الانصراف فعبر جيشه من ديالى إلى الجانب الآخر وفارقه أكثر عسكره. وإن خان گلهر حينما رجع كان معه نحو خمسمائة من أتباعه فصادفه بعض العشائر قرب قزانية فانتهزوا الفرصة فقتلوا منهم نحو مائتين وسلبوا الباقين واغتنموا خيولهم وأسلحتهم ...
    أما الشهزاده فإنه تزايد عليه المرض واشتد كثيرا فتوفي في المحل المسمى (مرجانية) قرب قزلرباط وحينئذ ذهبوا بجنازته إلى كرمانشاه وجاء في ناسخ التواريخ أنه توفي قرب
    (طاق گران) (1) ليلة السبت 26 صفر سنة 1237 ه‍ ـ 1821 م وقت الفجر ووصل خبر وفاته إلى والده الشاه في 6 ربيع الأول ، فنصب ابنه محمد حسين ميرزا مكانه.
    ثم إن الحكومة بعد ذهاب الشهزاده مكنت الأهلين من الزراعة وراعت أحوال المنكوبين وأعفتهم من الرسوم الأميرية كما أنه انتهب بعض العشائر أموالا من جهة الدجيل وما والاها فأرسل الوزير عليهم السرايا لمرة أو لمرتين فاستعاد المنهوبات إلى أصحابها ...
    وفي هذه الأثناء ورد الفرمان إجابة لمعروضات الوزير بخصوص هجوم إيران على العراق كما إن حاكم تبريز الشهزاده عباس ميرزا هاجم البلاد العثمانية من ناحية الاناضول فتقدم نحو أرضروم بغتة فوصل خبر ذلك إلى استنبول أيضا. وحينئذ فوضت الدولة الصدر الأسبق محمد أمين رؤوف باشا أمين المعدن الهمايوني آنئذ وأضيفت إليه ولاية ديار بكر فجعل قائد جيش الجبهة الشرقية كما أنها جعلت الوزير داود باشا
    __________________
    (1) في ناسخ التواريخ طاق كرا ومثله في سياحتنامه حدود وفي تقرير درويش باشا والصواب (طاق كران) كما جاء في رحلة المنشي البغدادي ص 46 و 47 وهناك الكورانيون فسمي باسمهم. وهو الإيوان المعروف.

    قائد العسكر في جبهته وجهزت الجيوش معه وعين والي الموصل بمعيته وأرسلت الخلعة وصدر الفرمان بلزوم معاقبة الكتخدا واهتمت بأمر الحرب مع إيران وسيرت العساكر لمحاربتهم من كل صوب وكان صدور الفرمان إليه بتاريخ 2 ربيع الآخر يوم الخميس.
    قرىء الفرمان على ملأ من الناس وأعلن أمره وأطلقت المدافع واحتفل احتفالا كبيرا وأرسلت صور منه إلى الأنحاء ...
    ومن ذلك الحين استقر الأمن وسكنت الخطة العراقية واستراح الأهلون ...
    وصف دوحة الوزراء :
    إلى هنا انتهى ما جاء في دوحة الوزراء وهي من تأليف رسول حاوي. قال في خاتمة كتابه هذا : «أنه منعته الاسفار والغارات المتوالية من البحث الكافي ... ثم انتسب إلى صنعة الكتابة في ديوان الوزير فلم ير راحة أو أوقات فراغ فاستوعبت أوقاته واستنفدت قواه عدا أن أربعين ، أو خمسين سنة من الحوادث بقيت في الخفاء ولذا اقتحم المصاعب في التقاطها فكان يختلس الفرص للعثور عليها فلم يترك طريقا للوصول إلا ولجه. فذكر وقائع 99 عاما مع بيان تراجم نحو عشرين وزيرا. وأضاف تاريخ وقائع ست سنوات من أيام الوزير فكان تاريخه يبتدىء من 1132 ه‍ ويستمر إلى وقائع سنة 1237 ه‍. كتبه بأمر من الوزير ليكون ذيلا لگلشن خلفا.
    أكمله غير موسع ولا قصد أن يكون لائقا بالملوك بل بالنظر لقدرته. وأن وقائع الوزير دونت مجملة وإلا فأيامه تحتاج إلى مجلدات عديدة.
    قدمه إلى الوزير ، وسيلحقه بالمجلد الثاني الخاص به وهو جديد

    يدعو للذة. أوضح في المجلد الأول أوصاف الوزراء الاسلاف ورجا أن يكون مقبولا لدى الوزير ملحوظا بعنايته ...
    وتم في أواخر ربيع الثاني «سنة 1237» اه. ولم يظهر المجلد الثاني. ولا أشار أحد إلى مسوداته أو تتمة وقائعه.
    قال لي الأستاذ هجري دده : أن رسول حاوي من عصبته ولم يستطع أن يبين وجه القربى. وجاء ذكره وذكر أخيه في كتاب شعراء بغداد وأدبائها أيام داود باشا.
    طبع الكتاب في طباعة دار السلام في أوائل جمادى الأولى سنة 1246 من الهجرة على يد محمد باقر التفليسي. وإن نسختي الخطية منقولة من النسخة المطبوعة والملحوظ أنه ظهر نقص في أرقام الدوحة المطبوعة بسبب استلال بعض أوراقها. ومراجعة السنين سهلة. وهي الأصل في المراجعة.
    تتمة واقعة صفوق :
    «إن صفوق بن فارس الجرباء غزا ابن الشاه. عبر ديالى بفوارس من عشيرته إلى أن كان من عسكره بمرأى فركب فرسان العسكر لما رأوه وكروا عليه فاستطردهم حتى عبروا ديالى وبعدوا فعطف عليهم هو ومن معه من عشيرته ومن الروم فأدبرت فرسان العجم وقفاهم فوارس شمر وقتلوا منهم من أدركوا وأتوا بخيلهم وسلبهم ... هذه غير الأولى التي ذكرها المؤرخ التركي (صاحب الدوحة). وصفوق هذا عديم النظير في كرمه ... ولما نصر صفوق أقطعه الوزير عانة وما يتبعها من القرى ... فعادى أعداءه ووالى أولياءه (1).
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 215.

    حوادث سنة 1238 ه‍ ـ 1822 م
    وقعة الزبير :
    كانت الزبير آمنة مطمئنة وكان أهلوها يدا واحدة فحافظوا على كيانهم حتى حصل بينهم الخلاف وسببه أن محمد بن ثاقب كان يحسد ابن زهير على ماله ، واستعباده الناس بسماحته ونواله ، فانقاد له أهل البلد لما طوقهم به من رفد ...
    فادعى ابن ثاقب أن ابن زهير أمر بسمّ راشد بن ثامر وصدقه في دعواه بعض المغرضين الأوباش فسعى ابن ثاقب إلى حاكم البصرة فوافقه على ما طلب. فلما شاع أمر السم ركب ابن زهير متن الحذر وتترس بماله وتحيز لمن يغضب لغضبه ويعيش بسببه وبنشبه ...
    وحينئذ ولما لم ينجح تدبيره أمر زمرته أن تخرج بأسلحتها إلى تلك البلدة ليكونوا على ابن زهير عدة وعونا. فلما دخلوها مدوا يد بغيهم وائتمروا بأمر من أوقعهم في غيهم. وعند الظلام تقلدوا سيوفهم ونظموا صفوفهم قاصدين دار ابن زهير غير ملتفتين إلى الغير. فعلم بهم قبل أن يصلوا الباب فقابلهم خدام ابن زهير فضاربوهم فجرح من جرح وانهزم من انهزم. فتزايد الشر وحاصروا الهاجمين إلى أن ساعد جماعة ابن زهير في الإفراج عنهم فرجعوا إلى البصرة ودخلوها بأمر من له الأمر حذرا من تفاقم الفتنة ، فنزل ابن ثاقب وأتباعه قريبا من نهر معقل وأمير البصرة محمد كاظم يأمره أن يستقر في ذلك المنزل.
    وما زال ابن ثاقب في منزله حتى نزل عليه من عاداه فتقاتل الفريقان فلم يلبث إلا قليلا حتى ترك المقاتلة وكان قد قتل جماعة من الطرفين. ثم لما انهزم ابن ثاقب عبر الفرات ولم يقف عند هذا الحد بل كاتب من يساعده من الأصحاب.
    وأكبر من ساعده محمد كاظم أمير البصرة فإنه بذل في سبيل تأييده

    ما استطاعه من قدرة وحسن عند الوزير أمره ...
    ولما ورد حمود بن ثامر من البادية خدع ابن زهير في مودته. وعند ما ورد إليه وصار في قبضته منعه من الانصراف وركب معه متن الاعتساف وبقي عنده مدة حتى مرض من شدة القهر. فلما اشتد به المرض أذن له بالانصراف فدخل البصرة ومات. وكان رحمه الله ذا صدقات وافرة وأعمال بر نافعة وعفة عن الحرمات وسيرة حسنة منذ شبّ إلى أن مات (1).
    يوم بصالة :
    في هذه السنة حدث يوم بصالة. وهو لشمر على آل هذال وكبيرهم عبد الله بن هذال وكبير شمر صفوق. وكانت الغلبة لشمر واستولى الشمريون على هودج بنت ابن هذال. ونهبوا أموالهم.
    ولما عبر ابن هذال الفرات ندب قبائل عنزة لأخذ الثار وغسل العار فاجتمع العنزيون وعبروا الفرات على الجزيرة ثم ساروا قاصدين شمر وذلك في سنة 1239 ه‍ ، وبقوا في مطاردة ومطاعنة ، ثم في آخر الأيام التي التقوا فيها أدبرت شمر وصارت النصرة لعنزة عليهم. وغنم العنزيون من شمر أموالا كثيرة وقتلوا منهم فرسانا عديدين.
    ولما انكسرت شمر شد الوزير عضد كبيرهم صفوق وأفاض عليه من كرمه ما تضيق عنه ساحة عطاء الملوك ومن كرمه أنه أعطاه ثلاثين ألفا دفعة واحدة ... ولكنه أعطاها للشيخ خالد النقشبندي لقضاء ديونه.
    منصب كتخدا :
    اختير الحاج طالب كهية لمنصب كتخدا. وهذا هو والد الأستاذ
    __________________
    (1) المطالع ص 217.

    سليمان فائق بك وجدّ فخامة الأستاذ حكمت سليمان.
    حوادث سنة 1239 ه‍ ـ 1823 م
    لم يحدث من الوقائع ما يستحق الذكر سوى وقعة عنزة وشمر وهي وقعة بصالة فانتهت في هذه السنة.
    وفي هذه السنة :
    1 ـ صار أوزون موسى آغا وكيل كتخدا وبقي في الوكالة بضعة أشهر.
    2 ـ عهد إلى أحمد باشا أخي الوزير بمنصب كتخدا أصالة فتوفي بعد بضعة أشهر. ورد بغداد بعد أن بلغ الثلاثين من عمره. ودخل في الدين الإسلامي. وعين لتربيته لالاوات ومعلمين. ثم نال إمارة إربل فحصل على رتبة ميرميران وبعدها حصل على متسلمية البصرة ...
    وبعد عزل الحاج طالب الكهية صار كتخدا وبعد بضعة أشهر وافاه الأجل. ولم تكن له مقدرة على ادارة الأمور ، فكان عبد الغني آغا من المماليك بمقام (لالا) (1) لتدريبه فجعل في معيته. ويصدق عليهما المثل (أعمى يقود عميانا). ومع هذا لا مثيل له في السخاء ، بشوش وأخلاقه جيدة إلا أنه في حسن إسلامه نظر وتنقل له غباوات عديدة (2).
    نصب كتخدا البوابين ـ كربلاء :
    في أوائل هذه السنة نصب سليمان آغا كتخدا البوابين. وبعد خمسة أشهر أنفذ نقيب كربلاء هدية إليه وهنأه بمنصبه فكتب إليه جوابا في 10 شوال يخبره بوصول الهدية وشكره عليها إلا أنه ذكره بأن الوزير
    __________________
    (1) لالا ويقال (لاله) أي مربّ.
    (2) مرآة الزوراء ص 12.

    قد عفا عما سلف على أن ينهج خير المناهج ، وأن يترك ما يؤدي إلى المهالك وأن تصفو البقعة المباركة من الكدورات إلا أنه خاب المأمول بما وقع ، فحذره ممن ارتكبوا الرذائل ، وأوصى أن يخرجوهم من بينهم وإلا فالعاقبة وخيمة. والمأمول ان يراعى رضا الوزير ، وأن يمتثل أمره ...
    وفي سنة 1241 ، حدثت وقعة مع الوزير.
    وفي هذا ما يوضح أوضاع كربلاء في تلك الأيام وإن كان مجملا ، نظرا لقلة المصادر عن ادارة الألوية في الخارج. وهذا ما قاله مؤرخ (1) عراقي عن أيام داود باشا ومن تلاه :
    «إن كربلاء كانت عاصية على وزراء بغداد فسير العساكر إليها ـ نجيب باشا ـ وكان بها السيد إبراهيم الزعفراني رجل أصله عجمي وترأس على أوباشها وسفهائها وأطاعه أراذل البلد المفسدون وهم يتولون الحرب وعامتهم من أيام داود باشا كانوا عاصين إلا أنهم يؤدون شيئا قليلا عوض خراجها (نحو خمسة وثلاثين ألف قران) ، وكل من يعمل مفسدة في العراق ، أو يأكل أموال الناس يذهب إلى كربلاء ويستجير بهؤلاء الأراذل حتى اجتمع عندهم مقدار عشرة آلاف مقاتل من أجلاف الناس وعصت أيام داود باشا وعلي باشا. هم عصاة ، بغاة ، يؤذون السكان الذين في كربلاء حتى أنهم مرة أمسكوا على أحد مجتهديهم السيد إبراهيم القزويني ليلا ولم يطلقوه حتى أدى لهم أربعة آلاف قران من سكة محمد شاه فأطلقوه فهم مفسدون ذوو جرأة على أعراض الناس. وأهل البلد يؤوونهم ويخافون على أنفسهم. لأنهم متى أرادوا هجموا على بيت أحدهم ونهبوه والحاكم الذي هو من أهل البلد
    __________________
    (1) هذا المؤرخ لم يعرف اسمه وإنما عثرت على بعض أوراق من تاريخه تعين الأوضاع في أيام داود باشا ومن يليه من الوزراء.

    طوع أيديهم ولا يعارض بما يفعل هؤلاء الباغون الفجرة ...» اه.
    وهذا المؤرخ تحامل على الولاة كثيرا ولا يخلو قوله هذا من مبالغة ... وإن كان يتفق كلامه وما لخص من كتاب الكتخدا. وهنا نشير إلى أن محرر هذا الكتاب السيد عبد الفتاح الأدهمي (الواعظ) ونقل من مجموعته. كتبه للكتخدا. وللتفصيل محل آخر.
    وهذه الوقعة لم نجد لها ذكرا إلا في كتاب (نزهة الإخوان) ، وفيه جرت مع الوزير داود باشا ، فقد ضيق على البلد وحاصره سنة 1241 ه‍ ، فتوسط السادة بأداء المعين الذي أشار إليه صاحب التاريخ المجهول فكان لما كتبه كتخدا البوابين أثره.
    الخازن :
    هو عناية الله وكان في هذه السنة خازنا كما فهم من وقفية كتاب تفسير الجلالين وهو من آل الروزنامه جى ومن أحفاده عبد الله أفندي ابن عارف أفندي ابن عناية الله المذكور. وبيتهم قديم معروف (1).
    حوادث سنة 1240 ه‍ ـ 1824 م
    الحلة ـ محمد الكهية :
    في أواخر هذه السنة مضى محمد الكهية وعاضده أناس من أعداء الوزير إلى الحلة فدخلها بمن ناوأه ونازعه الرئاسة فشوشوا الحالة وأطاعهم بعض العشائر فادعى الوزارة لنفسه دخلها باستدعاء من أهليها ...
    قال لطفي في تاريخه : إنها كانت بإيعاز من دولة إيران وذكرها في
    __________________
    (1) عنوان المجد للحيدري والوقفية المذكورة رأيتها لدى الصديق الفاضل إسماعيل الجوربه جي.

    حوادث سنة 1241 ه‍. وابن سند عين أنها حدثت في أواخر هذه السنة ...
    فلما بلغ الوزير ذلك جهز جنوده وحشد عساكره بعد أن تفاقم الخطب ومنت الكهية نفسه دخول بغداد اليوم أو غدا وحينئذ جند الوزير جيشا تحت قيادة أحمد باشا الكتخدا فوصل قريبا من الحلة فقامت الحرب بين الطرفين وكرت الخيل وتساقطت الأعناق.
    وممن أبلى في هذه المعركة قبيلة عقيل وكانت في جهة الوزير. وما زالوا في كر وفر حتى أدبرت الفئة الأخرى فعبر المنهزمون الجسر ثم قطعوه ليمنعوا اللحاق بهم فعبر العقيليون النهر وعقبوهم فدخلوا الحلة وسقوا محاربيهم صاب الحتوف وانهزم منهم من انهزم.
    وفر الكتخدا إلى حمود بن ثامر فاعتذر منه. قال ابن سند : والله المطلع على الضمائر ، يشير إلى أنه كان ذلك بتدبير منه فذهب إلى الحويزة وبقي فيها فانتابته صروف الدهر. وكانت هزيمته في أوائل سنة 1241 ه‍.
    ويقال إن الذي أرسل وراء محمد الكتخدا حمود بن ثامر فقدم العراق لإثارة الفساد وأمر حمود خفية آل قشعم وآل حميد وآل رفيع ليساعدوه فأعانوه على دخول الحلة. فلما انهزم انهزموا ...
    حوادث سنة 1241 ه‍ ـ 1825 م
    المنتفق :
    1 ـ ورد إلى الوزير من رجال المنتفق محمد بن عبد العزيز بن مغامس فأكرمه بوافر الإنعام وهذا من أجواد العرب وشجعانهم ومن المثابرين على الدين. كان عند ثويني بن عبد الله بن محمد بن مانع له أبهة وصدارة ، وكذلك عند حمود بن ثامر بن سعدون بن محمد بن مانع

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 9:40 am

    أولا ثم تغير خاطره على حمود فقصد الوزير ورشح نفسه لرئاسة المنتفق فما وافقه الوزير على ما أراده لأنه كان وعدها ابن ثويني لأن أباه كان شيخا على المنتفق وكذلك جده عبد الله وجد أبيه محمد وجد جده مانع لا سيما وابن ثويني متصل بالوزير في حله ومرتحله ومعتصم به.
    2 ـ قدم حنيان بن مهنا بن فضل بن صقر أحد أكابر آل شبيب فأكرمه الوزير وأجزل عطاءه ...
    ولما اجتمع هو ومحمد بن عبد العزيز عزم الوزير على عزل حمود ونصب براك بن ثويني على بني المنتفق ثم عرضت أحوال أخرت ذلك.
    3 ـ قدم جماعة من آل صالح وهم شبيبيون لمناصرة براك بن ثويني.
    4 ـ قدم محمد بن مناع الأجودي العقيلي أحد مشايخ بني المنتفق وفرسانهم ...
    وقوي براك بن ثويني بهم وتوجهت إليه أنظار الوزير وكاد يوليه رئاسة المنتفق إلا أنه أخر أمره لمصلحة.
    حمود بن ثامر ـ ومحمد الكتخدا :
    لم يقف حمود تجاه هذه الحوادث مكتوف اليدين وإنما شاع على الألسنة أن حمودا أرسل إلى محمد الكتخدا وهو في الحويزة أن يوافيه فقدم إلى العراق لإثارة الفتنة وأمر حمود خفية آل قشعم وآل حميد وآل رفيع أن يساعدوه فدخل الحلة فلما انهزم انهزموا!
    وعلى كل إن الفتنة اشتعلت في الخفاء ولكل حزب مناصر وإن الوزير في كل هذه الأحوال لم يقدم على حرب ثويني ولكنه حاول تكثير حزبه ...

    براك ـ عفك والشاوي :
    إن الوزير أراد أن يجرب مقدرة براك فجعله يغزو بمن معه من آل شبيب عفكا وقاسم بن شاوي ومن معه فتحصنوا بالأهوار فخاضها المنتفقيون وقتل من أكابرهم وفرسانهم دويحس بن مغامس بن عبد الله بن محمد بن مانع الشبيب. وقتل أيضا ابن لثامر بن مهنا بن فضل بن صقر وهو شبيبي أيضا.
    وكان مع براك بن ثويني شيخ زبيد فلم تكن منه مساعدة ولم يخلص في الخدمة فخذلوا وقل أمل الوزير في السيطرة على الوضع ...
    القضاء على الينگچرية :
    أمر السلطان بالقضاء على الينگچرية وقتل منهم ألوفا ونسخهم من ديوان الجند وكتب إلى الارجاء أن يعزلوهم وأن يمحوا هذا الاسم ... وفي وادي العوسج بقرب صقال طوتان إلى جهة خانقين لا تزال قبورهم باقية. وهي مواطن قتلهم وللترك مؤلفات خاصة في تحبيذ إلغائهم والقضاء عليهم مثل كتاب (أس ظفر) ... وكانوا واسطة تقدم الترك ونجاحهم في بادىء أمرهم ، ويعد تجديدا في (أمر الجندية) .. فطرأ على هذا النظام ما طرأ فقدوا الطاعة والتنظيم ، وأمنوا السلطة فتحكموا بل جرّوا الويل على هذه الدولة. و (ينگچري) مخفف من (ينگى چرى) أي العسكر الجديد.
    وما أفسد الأمم أو قضى عليها إلا فساد الجندية وأنظمتها ، وعدم القدرة على الاصلاح .. وكان الغرب والشرق يخشون سطوة هذا الجيش إلا أنه بعد أن فقد مزاياه طمع فيه كل طامع ونالوا منه ما نالوا فتوالت هزائمه وكثرت مصائبه وكاد يقضي على الدولة لو لا أن تداركها السلطان بنظامه الجديد ، ملت الأمة تحكم هذه الفئة ، فلم يهدأ لها أمر حتى

    قضت عليها ، وجرت ما جرت عليه تجارب الأمم ، فعادت إلى نشاطها ، واستعادت حياتها ..
    أسست الدولة العساكر المنصورة المحمدية فثار الينگچرية فنكلوا بهم وتم تأليفهم وأصدر قانون بشأنهم وجرى العمل به فكان طبعه في آخر ذي القعدة سنة 1244 ه‍. وعندي نسخة مطبوعة منه في هذا التاريخ. وكانت محاولة السلطان سليم الثالث في الإصلاح جلبت عليه الهلاك فنجح السلطان محمود وظهرت فوائد النظام الجديد وتطور حتى اكتسب شكلا مرغوبا فيه.
    تكية البكتاشية :
    غضب السلطان على البكتاشية في العاصمة وفي سائر الأرجاء وأمر أن يطردوا من تكياتهم. ويسمون (الددوات). فلما ورد الأمر السلطاني على الوزير أخلى التكيات منهم وولى عليها خليل أفندي وهذا عين إمامه السيد طه الحديثي للقيام بإدارة التكية الكائنة في بغداد (في محلة الجعيفر) فأقام فيها يومين أو ثلاثة ثم عزله (1).
    الداسنية اليزيدية :
    وبعد ثمانية أشهر من وقعة الكتخدا في الحلة عاثت عشيرة الداسنية من عشائر ماردين التابعة إلى بغداد فأرسلت إليها قوة عسكرية فشتت شمل فسادها ، ولم يبق أحد من رؤسائها ومزق جمعهم (2).
    فتح جادة الجسر :
    شكا العلماء والأعيان إلى قاضي بغداد محمد راشد بن فخر الدين
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 226 وفيه تفصيل.
    (2) تاريخ لطفي ج 1 ص 116 و 117 وتاريخ اليزيدية.

    بأن طريق الجسر ضيق بالمارة وألحوا عليه في فتح طريق آخر متصل بالجسر من الجهة الغربية. أما الطريق القديم فهو المار من مسناة الجسر إلى قهوة زنبور (قهوة المميز) فأصدر القاضي حكمه بضرورة فتحه (1) وهو شارع المأمون.
    حوادث سنة 1242 ه‍ ـ 1826 م
    المنتفق :
    قدم بغداد الشيخ عقيل (عجيل) بن محمد بن ثامر في 12 صفر فألبسه الوزير خلعة رئاسة المنتفق في 14 منه وأعطاه الاسلحة الكافية وكتب إلى متسلم البصرة أن يعلن ذلك في أرجائه وأن يحافظ على البصرة ، فأظهر المتسلم للعشائر عزل حمود ونصب عقيل.
    فلما تبين حمود عزله أمر ابنيه (ماجدا وفيصلا) أن يقصدا البصرة فزحفا بالعشائر. فأما ماجد فنزل قريبا من نهر معقل ، وأما فيصل فنزل أبا سلال ومعه الاباضية أتباع امام مسقط وعشائر كعب ...
    فلما اشتد الأمر وكاد ينكسر المتسلم برز النجادة للمعاونة فكسروا ودخلوا البصرة ... بعد خوضهم حومات المهالك. وبعد هذه الوقعة اشتدت أعضادهم وقوي اعتمادهم ... وإن إمام مسقط ملأ بالسفن الشط ... وساعد ماجدا وفيصلا وحمل بأجناده كما حملا ومع ذلك لم يلن النجديون فبقوا في مجالدة شهرين.
    هذا ولما رأى متسلم البصرة كثرة الأعداء وضيق الحال ... صالح إمام مسقط بمقتضى رأيه فانتظم الصلح فسافر وبقي فيصل وماجد ولم يبق من قرى البصرة إلا من كان لهما مساعد. وفي أول ربيع الأول خرج عقيل من بغداد.
    __________________
    (1) ج 2 من هذا الكتاب وكتاب المعاهد الخيرية.

    وفي أثناء ارتحاله ورد سليمان المناخور فوجده محاصرا للأقرع فحشدوا عليه ومعهم ابن قشعم ومحمد الكهية ورستم وغيرهم. والذين كانوا مع سليمان زبيد القبيلة المعروفة ومن عقيل شيخهم جعفر ، ومن رجال الوزير محمد المصرف.
    ولما ظهر الأقرع بمن معهم وعاين الروم الكماة جمعهم زحفوا عليهم ... مع أنهم من الأعداء بمنزلة واحد من مائة ... فما كان إلا ريثما التقوا رد الروم على الاعقاب فندبهم سليمان فكروا ثانيا كرة أسد الغاب. فمذ ثارت أطواب العسكر كر مع الدخان من الروم كل غضنفر فأدبروا إدبار الرئال وتركوا البنادق والنصال ... وقتلوهم قتلا ذريعا ... فأخبرني من أثق بخبره أن قتلاهم يزيدون على ألف في نظره ومنهم من قال يزيدون على ألفين ولم يحضر الحرب الشيخ عقيل ولا صفوق ولكن حضرها شخير ...
    ثم إن الشيخ عقيلا أقام في أرض عفك زمانا آملا أن يأتيه أناس من أكابر قبيلته وفرسان عمارته والوزير ينهاه عن العجلة ويأمره بالأناة والتؤدة فلم يسمع نصحه ...
    وفي هذه الأثناء نصب الوزير سليمان الميراخور (المناخور) أميرا فبقي الشيخ عقيل في تلك الناحية ومعه من شيوخ أهل البادية صفوق بن فارس الشمري ومعه من بني عمه جماعة قال ابن سند : وقد ذكر لي الثقات عنه أنه صنع من الضيافات ونحر من الكوم السمان ما لا يحصره لسان.
    أحوال البصرة :
    أما البصرة فإنها في تلك الأيام قد بذل متسلمها جهده لمحافظتها وحراستها وساعده النجادة من أهل الزبير فاعتز بهم. أما فيصل فإنه نزل أبا سلال وأكثر على البصرة بالغارات في البكور والآصال. فلما سافرت

    سفن (إمام مسقط) وطال عليه المقام رحل من ذلك المنزل ونزل على أخيه في نهر معقل وأشار عليه أن يذهبا إلى والدهما ويستشيراه في مقاصدهما فلم يقبل وقال : لا أرحل حتى أملك البصرة وأجعل عاليها سافلها ...
    وعند قدوم فيصل إلى والده ورد محمد الكهية.
    ثم إن ماجدا منته نفسه ... أن يملك البصرة وتأهب للأمر فخرج عليه سكان الزبير فلما رآهم ماجد وجنده تلقاهم بخيله ورجله وترك خيامه في منزله فما كان إلا اليسير حتى ولى الدبر فخرج عسكر المتسلم على خيامه فغنموها عند ما لاحت أمارات انهزامه وأقبل النجديون إلى البصرة وأكرمهم المتسلم على هذه النصرة.
    عود إلى وقائع المنتفق :
    جاء ماجد فوجد والده قد فارق عزه وذلك أن عقيلا لما نزل البغيلة (1) ورد عليه أعمامه فبسط لهم موائد الإكرام. وأما حمود عمه فإنه لما ارتحل عنه إخوانه علم أن لا مقام له وركب خيله وفر إلى البادية. فورد عقيل إلى وطنه بعسكر الوزير فولي الرئاسة مكرما لبني عمه وعمومته خصوصا أنه أشجعهم وأرفعهم.
    ولما استقر عقيل رجع المناخور بالعسكر وانتظمت له الأمور وصار عونا للوزير في الخطوب ...
    وفي هذه المرة أيضا أحبط مسعى محمد الكهية ...
    شيخ زبيد :
    وفي 13 صفر ورد شفلح شيخ زبيد إلى بغداد طالبا من الوزير أن يعفو عنه.
    __________________
    (1) الآن تسمى النعمانية.

    قال ابن سند : إن زبيدا قبيلة معروفة في العراق وشفلح هذا من أدهى أهل البادية. وكان شيوخ هذه القبيلة من أهل السنة. وأما الآن فالظاهر أنهم روافض (1) ...
    مطالع السعود :
    إلى هنا وقف كتاب مطالع السعود لعثمان بن سند وتاريخه مسلسل الحوادث السياسية. يأخذ الكثير من الدوحة إلا أنه لا يخلو من الالتفات إلى القطر وعلاقته الأدبية والعلمية والمحادثات والمجالسات ممزوجة بمشاهداته ومروياته. ويتوسع في حوادث البصرة وأحوالها مما لا يكاد يوجد في غيره ولا يخلو من ملحوظة أدبية أو نادرة تاريخية ... عولنا عليه في السنين التالية للدوحة وفي الغالب لا نراعي سجعه ، ولا نلتفت إلى أبياته ومدحياته مما لا علاقة له بالموضوع التاريخي ...
    وقف تاريخه عند حوادث سنة 1242 ه‍ ويناقش صاحب الدوحة أحيانا بقوله : قال المؤرخ التركي ... وفي تاريخه نوادر لم توجد في الدوحة إذ لا تحلل الشخصيات العربية ولا تتوسع في وقائعها.
    والمهم فيه ذكر مشاهير العلماء المعاصرين لداود باشا أو قبله أو من لهم علاقة بنفس المؤلف أو بالبصرة أو من اشتهر في بغداد ... فكتابه نافع للتاريخ العلمي والأدبي ويعد خير وثيقة. ويتعرض لوقائع آل سعود أيضا إلا أنه يتحامل ويماشي الحكومة في رغبتها ولم يكتم ما يعلمه بل أعطى كلّا حقه.
    ويعاب :
    1 ـ من جهة أنه رسمي. يمدح الوزير ويطري كل عمل من أعماله.
    __________________
    (1) مطالع السعود ص 232.

    2 ـ من جهة السجع :
    3 ـ لم يذكر لغيره من أقوال أو أشعار إلا قليلا جدا. لم يدرك نفعها من الناحية الأدبية ، ولا يعول على النصوص التاريخية وإيرادها ... لا يزال مخطوطا ونسخته التي بخطه في خزانة السيد نعمان خير الدين الآلوسي. ومنها انتشرت نسخها وعندي مخطوطة منها. وتوفي ابن سند في بغداد. والظاهر أنه توفي في سنة تاريخ كتابه أو بعدها بقليل. ومنهم من ذكر أنه توفي في الطاعون سنة 1246 ه‍ في بغداد.
    ومختصر مطالع السعود لأمين بن حسن الحلواني المدرس بالروضة النبوية في المدينة وفيه من الحوادث ما يصل به إلى سنة 1250 ه‍. طبع في بمبي سنة 1304 ه‍ على الحجر. وطبع في مصر في المطبعة السلفية بتحقيق صديقنا الأستاذ محب الدين الخطيب سنة 1371 ه‍ وقدم له مقدمة مهمة وتوفي الحلواني على ما جاء في معجم المطبوعات سنة 1898 م. قال الأستاذ المرحوم السيد نعمان خير الدين الآلوسي : وفيه لين. قال ذلك في آخر المختصر وبين أنه في سنة 1315 ه‍ حصل له التاريخ الأصلي. فعلمنا تاريخ اقتنائه. والمختصر موجود في خزانة كتبه بخطه.
    تعليم المدفعية في بغداد :
    أرسلت الدولة أستاذا وخمس مدفعيين لتعليم عساكر بغداد المدفعية بناء على طلب الوزير. وخصص للأستاذ ألفا قرش ولكل واحد من الأفراد خمسمائة قرش لمصارف الطريق (1) ...
    عشائر العراق في سورية :
    في هذه السنة قلت الأمطار فبدت علائم الغلاء فظعن العربان إلى أنحاء الشام فأزعجوا الأهلين هناك ، وأن الميرة لم تعد تكفي الأهلين
    __________________
    (1) تاريخ لطفي ج 1 ص 204.

    فحصلت الضرورة ففسر ذلك بعجز الوالي فعزل والي الشام ولي الدين باشا لعجزه عن القيام بأعباء الولاية. ووجهت إدارة الشام إلى متصرف قيصري الصدر الأسبق مير الحاج صالح باشا (1).
    غوائل الموصل :
    نال الجوع من الأهلين مناله فظهر الاضطراب واختلت الإدارة. فلم يتخذ تدبير.
    والعداوة كانت كامنة بين (الجليليين) والأعيان الآخرين. فسرت إلى بيت الوزير يحيى باشا آل نعمان باشا والي الموصل فاضطر إلى الفرار إلى بغداد فعلمت الدولة بذلك. فكتبت إلى داود باشا ويحيى باشا بما يقتضي لإجراء التدابير اللازمة فعاد الوالي إلى الموصل وسكن الاختلال.
    ولما حدث الاضطراب انتهب من سراي يحيى باشا ومتعلقاته ما يزيد على ستة أحمال من القروش. وعلى هذا طالب يحيى باشا باستردادها وأرسل محضرا إلى استنبول مبينا فيه خدمات هذه الأسرة ورضا الأهلين عنها.
    ويقال إن المروّج لهذه الفتنة وزير بغداد فعلمت الدولة بذلك ولكن أغمضت العين مراعاة للمصلحة (2) ...
    وفيات
    1 ـ في 13 ذي القعدة سنة 1242 ه‍ ـ 1827 م توفي الشيخ خالد صاحب الطريقة النقشبندية المشهورة ... وكانت طريقته أحدثت أثرا
    __________________
    (1) تاريخ لطفي ج 1 ص 209.
    (2) تاريخ لطفي ج 1 ص 234.

    مهما ومعارضة شديدة وخافتها الدولة ونكلت بأتباعه. وسألت الوزير عن وضعها فأخبرها بأن هذا الشيخ ليس من أهل الدنيا وهو رجل صالح لا خوف منه.
    توفي بدمشق (1).
    2 ـ الشيخ أحمد الأحسائي. توفي سنة 1242 ه‍ ومنهم من قال سنة 1241 ه‍ أو سنة 1243 ه‍. وكان يعد من علماء الشيعة الأصولية إلا أنه ظهر من دعوته أنه من الغلاة وانتشرت مؤلفاته في الخفاء بين أتباعه ، فعثر عليها ومن ثم ثار عليه علماء الشيعة. وفرقة الشيخية تنسب إليه. وإن نحلته شاعت على يد أكبر الآخذين عنه وهو السيد محمد كاظم الرشتي. وفي أيامه عرفوا بالكشفية.
    ومن مشتقات الشيخية :
    1 ـ الركنية.
    2 ـ الكشفية.
    3 ـ البابية. ومن هذه تفرعت (البهائية) ، و (أتباع صبح أزل).
    ولا يزال بعض الشيخية متمسكا بآراء الأحسائي دون غيره والركنية نالت مكانة ولا يزال بعض رجالها في البصرة وايران وغالب كتبهم مطبوعة ، وأما البابية فقد غطت البهائية عليها وهي تطور في البابية.
    وانتشار الشيخية في العراق بين الشيعة كان بهمة زعيمها السيد محمد كاظم الرشتي ، وتوفي سنة 1259 ه‍ ولا يزال عقبه في كربلاء ، وكتبت في هذه النحلة (كتاب تاريخ الشيخية).
    __________________
    (1) كتاب عشائر العراق الكردية ج 2 ص 203. وفصلت أحواله وطريقته في كتاب (التكايا والطرق).

    حوادث سنة 1243 ه‍ ـ 1827 م
    إمارة أسعد باشا :
    وجهت رتبة باشا إلى أسعد على أن يبقى كما كان كتخدا الموصل وهو أخو والي الموصل يحيى باشا ثم وجهت إيالة الموصل إلى عبد الرحمن باشا آل محمود باشا من وجوه الموصل وهو المعروف بـ (رئيس الحجاب).
    وفي هذه الأثناء ورد كتاب من الوزير ينبىء أن الشهزاده في نيته التسلط على أنحاء بغداد فنبه بلزوم اتخاذ التدابير والتحكيمات ، وأن لا تؤمل المساعدة مع وجود الغوائل الحاضرة المحيقة بالدولة ...
    وذكر أن عشائر الشامية عصوا فقام بمحاربتهم وأرسل 28 رأسا مقطوعا ممن قتل منهم.
    واقعة شمر :
    جرت واقعة مع شمر في نهر عيسى ذكرها الشيخ صالح التميمي في قصيدة شطرها السيد عمر رمضان وفيها انتصار باهر للوزير.
    أوقاف الوزير :
    1 ـ وقف موقوفات كثيرة على جامع الآصفية المعروف سابقا بالمولاخانة فجعل فيه مدرسين اثنين ... وحدد رواتبهم وسجلها في غرة رجب سنة 1243 ه‍.
    2 ـ جامع الداودية : هو جامع الحيدر خانة عمره سنة 1234 ه‍ وجعل فيه مدرسة وخزانة كتب وجعل لنفسه حق التغيير في الشروط وفي هذه المرة وقفه بشروط جديدة والتفصيل عن هذين الجامعين في كتاب المعاهد الخيرية.

    3 ـ وقفيات أخرى. جعلها لنفسه ثم لمن بعده وبالنتيجة ترجع غلتها بعد الانقراض إلى جامع الحيدر خانة.
    وفي هذه الوقفيات ما يعين ممتلكاته مما وقفه ... ومنها يعرف غناه وما استولى عليه ...
    حوادث سنة 1244 ه‍ ـ 1828 م
    النقود في بغداد :
    كان قديما يجري الضرب في البلدان النائية مثل مصر والعراق وتونس تسهيلا للمعاملات. وكان يسمح لها بضرب النقود الصغيرة. وبغداد سوغ لها أن تضرب ومنعت أن تنتشر في الخارج. ومن هذا القبيل ما حدث سنة 1235 ه‍ فقد أذن لها أن تضرب بموجب فرمان كل سنة على أن لا يتجاوز مبلغ خمسين ألف قرش ومنع الضرب بعد هذه السنة منعا باتا في حين أننا رأينا ما ضرب إلى سنة 1255 ه‍.
    حوادث سنة 1245 ه‍ ـ 1829 م
    في الموصل :
    في 9 شوال سنة 1244 ه‍ ـ 1829 م قتل والي الموصل عبد الرحمن باشا الجليلي من جراء أنه تجاوز في ظلمه الحد. دبر قتله قاسم (باشا) العمري وخالد آغا ابن صالح آغا الشويخ من أغوات الينگچرية ومحمد سعيد بك (باشا) ابن إبراهيم بك آل ياسين المفتي وكان مدير تشريفات. وفي هذه الوقعة قتل محمد بك أخو الوالي.
    وعند ما عرض الأمر على داود باشا رشح محمد أمين باشا ابن الحاج عثمان بك الجليلي فوجهت الدولة ولاية الموصل إليه وأرسل للتحقيق عمن اجترأ على قتل الوالي عبد الرحمن باشا ، وأرسل شاكر

    بك من الخلفاء للقيام بضبط مخلفاته. وكانت ولاية محمد امين باشا في المحرم سنة 1245 ه‍ ، فوقعت له فتنة مع الذين قتلوا عبد الرحمن باشا فأخرجهم من الموصل ، فتوجهوا إلى تلعفر فعادوا بعد شهر بقوة (1400) من السكبان من أهل تلعفر بينهم نحو 400 من عربان البو حمد فدخلوا الموصل واشتد القتال نحو 21 يوما فكسر الباشا فتوجه بنفر قليل إلى بغداد. وفي هذه الفتنة قتل الأستاذ صالح السعدي كاتب الديوان. وتسلم البلد قاسم باشا العمري (1) ...
    حوادث سنة 1246 ه‍ ـ 1830 م
    واقعة صادق الدفتري :
    غطت هذه الحادثة على غيرها ، فأعادت للأذهان قضية حالت أفندي. وذلك أن الدولة طلبت من بغداد مبالغ للضرورة التي أصابتها إلا أن الوزير اعتذر على خلاف المأمول فحمل اعتذاره على التعند ، فأرسل إليه صادق الدفتري فعذله وبين له أن تصلبه سوف يجر إلى نتائج وخيمة.
    والصحيح أنه جاء بعزله إلا أنه لم يستعمل الحكمة ولم يراع التؤدة ولا بالى بالمكاشفات وعواقبها. لذا صارح رجال الحكومة بما جاء من أجله ، فاطلع الوزير على جلية الأمر وبأمر منه قتله (محمد المصرف) (2).
    وهذا ما دعا إلى غضب الدولة عليه وأدى إلى وقوع (حادثة بغداد). فاضطربت الآراء في تفسيرها والكل يستطلع طلعها لما أحدثت
    __________________
    (1) تاريخ لطفي ج 1 ص 147 وتذكرة الشعراء أيام داود باشا ومعلومات عن الأستاذ صديق الجليلي. وترجمة صالح السعدي في مجلة سومر ج 1 مجد 5 ص 85 مقال لي.
    (2) مجموعة الأستاذ السيد نعمان الآلوسي برقم قديم 2591 من خزانة الأوقاف العامة.

    من غائلة والتواريخ بين التفصيل والاجمال وتضارب في النصوص. ونحن نذكر ما تيسر دون إخلال.
    وكان الأستاذ محمد أمين الكهية مفتي بغداد الأسبق أبدى بيانات دونها لطفي في تاريخه وزاد عليها مصادر رسمية وبيانات أخرى وأن الأستاذ سليمان فائق تصدى للموضوع وهو بمثابة رد عليه بالنظر لما علم عن المماليك وعن الوزير. استنطق بعض رجال الدولة ورجال المماليك فكتب تاريخ الكولات ومرآة الزوراء ، فأوضح ما عنده. ومن ثم رجعنا إلى هذه وغيرها. ولخصنا ما جرى.
    إن الدولة أرادت أن تطبق ما جرى على يد حالت أفندي فقامت بأمر خطير وذلك أن داود باشا داخل ذهنه الاستقلال فاستخدم الشعراء لمدحه وإطرائه ، وقام بتعمير المدارس والجوامع وكلها مقدمات نوايا يحسب لها حسابها. وما طلب الإعانة منه إلا وسيلة للوقيعة به. وكان هذا الوزير أعرف بالأوضاع السياسية والحربية. زاد نفوذه في بغداد. فقضى على المتنفذين من الأهلين والعشائر ورجال المماليك فصفا له الجو بحيث لم يبق له مزاحم. وتدخل في شؤون الموصل فعرفت الدولة آماله. وكانت تظن أن يكون عونا لها في الملمات فيقوم بخدمات جلى فتهاون بل صار يطلب الاستقلال فعزمت على القضاء عليه.
    استغل الحوادث السياسية والحربية فكان من الصعب جدا أن تكاشفه الدولة بعزل. وإنما أعملت الفكرة ، فاتخذت الكتمان والمذاكرات الخفية لا سيما أنها كانت في غوائل حاقت بها ولكنها عدت حادث الوزير أكبر.
    أرادت أن تطرح إعانة على بغداد وقررت إرسال صادق الدفتري لهذه المهمة ولحل بعض القضايا المعلقة بين الدولة وايران ، حاولت الحصول على دراهم من بغداد تعادل ما يؤخذ من إيالة مصر ، وأن

    يتفاوض مع إيران بخصوص محمود باشا متصرف بابان الهارب إليها في تلك الأثناء. هذا ما أظهرته الدولة.
    ولا ننس أن الوزير حاول إلحاق الموصل ببغداد ، لتأمين آماله. فشكا من واليها يحيى باشا وطلب عزله ولكن حاذرت الدولة أن تودع الولاية إلى أحد الوطنيين مع علمها بأن إرسال صادق لا يقترن بنتيجة صالحة بل ارسلته لهذه الغاية وإن كانت أظهرت غير ذلك.
    قبل أن يذهب صادق الدفتري إلى بغداد أراد أن يحصل على تعليمات تخص مهمته فلم يظفر ببغية سوى أنه أوعز إليه أنه إذا وصل المحل تحرك حسب المصلحة.!
    فلما تحقق أن لا مجال لمعرفة الوضع جاء إلى (المابين الهمايوني) مع مصطفى (باشا) (كاتب السر) فأمر بالمواجهة فتلقى التعاليم الشفهية من السلطان والتنبيهات المقتضية. وهذا أغلب ما يرد إلى الخاطر ...!
    قال المؤرخ لطفي : وللتحقق عن أصل القضية ذهبت بنفسي إلى مصطفى باشا كاتب السر من قدماء وكلاء السلطنة وكان مقيما في وانى كوى (من قرى استنبول) ولما سألت منه أفادني أنه لم يواجه صادق أفندي إلا أن الصراف جاءه يوما إلى (المابين الهمايوني) وحضر عنده فأبدى أنه يطلب إعفاء صادق من هذه المهمة والتمس أن يتوسط بذلك وأتى بليرات كثيرة ، فأجابه أن الدولة عينته وأنه لا يتدخل وطرد الصراف. هذا ما بقي بخاطره.
    واستمر لطفي في الرجوع إلى أصل بحثه وقال :
    وعلى هذا سار صادق إلى بغداد في ربيع الأول وصحبه معه جناب أفندي من مقدمي قلم الديوان وأخذ مصاريف سفرية خمسين ألف قرش ، وأجور المنزل ثلاثين ألف قرش فقصد بغداد ...

    ويقال إن من جملة التعليمات التي تلقاها أن يحصل على المعلومات من يحيى باشا الموصلي وكان آنئذ والي ديار بكر فإذا التقى به استفاد منه خبرة ... ولكن الدولة إثر إرساله كانت تخشى أن يفتضح أمره فتحبط مساعيها فتعد قضيته شبيهة بقضية حالت.
    نقل لطفي في تاريخه المسموعات عن هذه القضية وهي لا تختلف كثيرا عما في تاريخ الكولات ولا عما ورد في تقويم وقائع ... ولا يهمنا أن تكرر الأقوال. وإنما نذكر الصفوة.
    ورد صادق بغداد. والدولة في ريب من أمره.
    وكان الوزير على علم بالخبر قبل أن يتحرك صادق فلما جاء إلى بغداد قابله (محمد المصرف) وأظهر له الوزير معاملات جافة لحد أنه لم يأمر له بالجلوس بحضرته وإنما أبقاه واقفا وحقره بأمثال هذه ... مع أن المعتاد أن من يأتي من جانب السلطنة صغيرا أو كبيرا يستريح في قصبة الأعظمية ويبيت فيها ليلته وفي اليوم التالي يدخل بغداد باحتفال مهيب فيلاقي الوالي وينزل ضيفا عنده. جرى ذلك المعتاد من زمن حسن باشا فاتح همذان.
    أما الموما إليه فقد وصل إلى الأعظمية يوم الجمعة وأمر أن يدخل بغداد في حينه فاحتفل بدخوله وتوجه إلى السراي وأحضر للسلام مقدار من مشاة العساكر النظامية. ومن هناك ذهب إلى داره.
    وفي اليوم التالي جاء لملاقاة الوزير فأحضر لاستقباله فوج من العسكر ولم يقصر في الاحتفال به رسميا إلا أن الوزير تثاقل في القيام له ... ولكنه رأى مقابلة بمثلها تقريبا. ولم يفاتحه بما يتعلق بمهمته حتى أنه لم يسأله عن حاله وإنما أنهى المجلس ببعض الكلمات الرسمية والعادية ... ولما خرج لم ينهض له إلا بتثاقل. وهذا صعب على مثل صادق ولم يعد إليه الزيارة مع أنه انتظره في اليوم التالي. وفي يوم الاثنين ذهب إلى الوزير وحينئذ وعند المواجهة اخبره بعزله فقال له إني

    قدمت معروضات إلى الدولة وأنا منتظر جوابها فينبغي أن تكتم ذلك. فأبدى أنه لا يغتر بمواعيد أمثال هذه وأصر عليه بلزوم تسليم المملكة إليه. وجرت معارضات بينهما فانفعل الواحد من الآخر ... ثم عاد صادق إلى محله.
    وإثر عودته دعا سليمان آغا الميراخور (المناخور) من عتقاء الوزير ففاتحه صادق في القضية وقال له إذا قتلت الوزير وجهت إليك وزارة بغداد فلم يقبل وذهب توا إلى الوزير فأخبره بما جرى.
    وفي الأثناء دخل محمد آغا كتخدا البوابين وقال للوزير إن قائممقام النقيب السيد عبد الرزاق جاء لأمر مهم يطلب المواجهة فأذن له. وحينئذ قدم إليه تذكرة مرسلة إليه من صادق الدفتري يبين له فيها عزل الوزير وصدور الفرمان بقتله وأنه يطلب معاونته ... ولما قدمها إليه كانت يده ترتجف وآثار الرعب بادية عليه. قرأها وقال : أنا سوف أتصالح مع دولتي فلا تطلع أحدا.
    مذكرات :
    بعد الملاقاة الثانية للوزير وانفعال الواحد من الآخر عاد صادق إلى داره متألما وعلى هذا وعد سليمان الميراخور بالوزارة وأخبر قائممقام النقيب ...
    وعلى هذا غرق الوزير في بحر من الأفكار. وحينئذ استوحش الوزير من سليمان آغا ، فدعاه ودعا محمدا المصرف وإسحاق الصراف وتذاكر معهم في دفع هذه الغائلة. فاتفقوا على لزوم قتل صادق إلا أن الوزير أبدى أن عاقبة ذلك وخيمة فقال الجميع : إن حياتنا مهددة ببقائه ، وإن الخطر محيق بنا ما دام هذا حيا ، وتعهد الميراخور بقتله وعند هذا أنهى الوزير القول. وهذا غفلة منه (1).
    __________________
    (1) تاريخ الكولات ص 27 وفيه تفصيل.

    ثم أرسل الوزير بعض رجاله فقتلوه وفي اليوم التالي أعلن للناس أنه أضر بالأهلين بحركات غير لائقة فحبس وأخبرت الدولة بذلك. وبعد بضعة أيام ورد التاتار بإعدام صادق فأعدم.
    قص خبر هذه الواقعة الأستاذ محمد أمين الزندي البغدادي أحد أعضاء شورى الدولة باستنبول وكان عالما معروفا. صار مفتيا ببغداد بعد أبي الثناء السيد محمود شهاب الدين الآلوسي ثم صار كهية وبعدها صار في مجلس الشورى.
    قال الأستاذ الزندي :
    «إن مسموعاتي عن قتل صادق هي أنه دبر نزاع بين الضباط لقتله فلم ينجح.
    ولما رأوا فشل التدبير أحاطت ثلة من العسكر النظامي بدار صادق وكان سليمان آغا الميراخور ومحمد المصرف في غرفة منها وأدخل كل من رمضان آغا الجوخه دار مع خالد من قواسي سليمان آغا ومعهم أتباع الوزير فهاجموا فجأة غرفة صادق فأعلموه بما جاؤوا لأجله فتكلم معهم كثيرا وطلب الأمان منهم وأن لا يقتلوه وأنه يعمل ما يريدون وطلب مواجهة الوزير مرة واحدة فلم يفد معهم حتى أنه رضي أن يعرض له الأمر فإذا أصر فليفعلوا ما شاؤوا ... فلم يجد ذلك كله نفعا وقالوا له كان الواجب أن تطلب ذلك قبل الآن. وحينئذ سل خالد القواس سيفه فقتله في الحال ...
    وذهبوا توّا لتبشير الوزير بما فعلوا وكان جالسا مع عدة أشخاص ينتظر ما يأتي من الاخبار. وحينئذ ذهب إلى دار المقتول فتبين له مماته فأظهر التأسف ، وأمر أن تدفن جنازته في محل تحت رابية الصابونية (الصابونجية) تجاه الدار التي قتل فيها.
    ثم أعلن أن صادق أفندي مريض خشية شيوع الخبر ولكن حقيقة

    الحال عرفت في تلك الليلة. وفي الصباح علمها الكل ومع هذا أخبر أنه مريض ، وأن الوزير في كل يوم يبعث بطبيب لمداواته ... وكذا يرسل بعض الأشخاص للسؤال عن خاطره ...
    وعلى كل أحدثت هذه الوقعة اضطرابا في النفوس وقلقا ، أما الوزير فقد كتب إلى الباب العالي فلم يأخذ عن درجة أثرها. لذا قام بأمر المدافعة واهتم بلوازم التأهب للطوارىء.
    استدعى الوزير إليه عجيل السعدون شيخ المنتفق وكان من أعوانه. جاءه بعشائره وعشائر أخرى غيرها وجعل قسما كبيرا من هذه بقيادة الميراخور وأن يكون في جهة ماردين وجعل العشائر الأخرى بقيادة عجيل السعدون ليسوقهم إلى أنحاء أورفه من جهة الدير.
    قرر ذلك واختط هذه الخطة.
    وفي الأثناء وتوسلا ببعض الوسائط ورد تحرير من كتخدا البوابين إلى نجيب بك (1) أنه عفي عنه وعما قريب يأتيه خبر ابقائه في منصبه من استنبول وأنه ينبغي أن يقدم لركاب السلطان عدة رؤوس من الخيل العربية وأن يحترس من القيام بأي حركة عسكرية من شأنها أن تكدر عليه أمره. جاء خبر ذلك بواسطة بعض الأشخاص بتأكيد. وعلى هذا أخر الأمر وصار ينتظر النتيجة.
    ثم علم الوزير أن علي رضا باشا نصب واليا على بغداد. وعلى هذا اتخذ التدابير اللازمة لإعداد القوة إلا أنه في هذا الحين استولى الوباء على بغداد جاءها من ايران. وفي أمد قصير انتشر فحطم من الأهلين 95 من 100 من نفوسها وفتك فتكا ذريعا وأفنى العساكر الموجودة» اه ....
    __________________
    (1) أخو حسني بك. صار ناظر الحربية (علي نجيب باشا). (تاريخ الكولات ص 47).

    صدى قتلة صادق :
    وبينما الدولة تترقب وصول خبر من صادق عما قام به إذ انبأها والي حلب علي رضا باشا أنه قتله الوزير وجاء كتاب من داود باشا يفيد أنه توفي بقضاء الله تعالى.
    وصلت هذه الكتب متعاقبة إلى الباب العالي وحينما علم الوزير أن القضية عكس صداها إلى الباب العالي ووقف على التدابير السريعة التي اتخذتها الدولة كتب إلى السلطان ووكلائه ورجال البلاط كتبا فحواها أن القضية وقعت حسب المقدر ، ونظرا لخدماته السابقة في العراق ، وصدقه وإخلاصه وديانته ... يستعفى عن جرمه وقصوره ... فأرسل هذه الكتب بواسطة المقيم البريطاني في بغداد إلى سفارة استنبول. قدمها الترجمان (شابر) مع أقوال السفير في حق الوزير تتضمن حسن حاله ...
    قال لطفي : طالعت كل هذه الوثائق ...!
    اهتمام الدولة بلزوم تأديب الوزير :
    ثم إن الصراف لداود باشا في استنبول ورد إليه كتاب من ابنه في بغداد يصدق ما جاء من نبأ علي رضا باشا والعزم مصروف إلى لزوم التنكيل بداود. فقدمت الدولة مهمتها على غيرها وجعلتها أم المسائل وقامت بتدابير عاجلة.
    وعلى هذا بينت الدولة الحالة سرا إلى علي رضا باشا والي حلب وهو من أقوى الوزراء في جوار بغداد وأقدرهم ... فأجاب أن تأديبه أمر سهل إلا أنه إذا لم يكن للدولة معلومات عما أعلمه عنه فلا تتخذ أي تدبير علني ولا تشرع بشيء من ذلك فطلبت منه المعلومات وأرسلت إليه ترجمة كتاب الصراف فورد الجواب منه ينطق بأن أكثر رؤساء العشائر في البصرة وبغداد وتجار البصرة كل هؤلاء ساخطون وأكثرهم ذو

    علاقة به. ومن المتوقع أن تلتحق به رؤساء القبائل وعساكر عظيمة من أنحاء البصرة إلى بغداد ، فيرى أن توجه إليه بغداد إلحاقا بحلب ويعلن ذلك ، وأن تودع الموصل إلى قاسم العمري برتبة باشا وأن تدفع إليه ستة آلاف كيس على أن تسترد بعد ذلك ، وأن تصل إليه المهمات وأن يلتحق المتميزون من الأهلين في الأطراف بمعيته ...
    أنهى ذلك كله فوافقت على طريقة حله ...
    ومن جهة أخرى أشعر رسميا إلى دولة إيران عما وقع من داود وأنه اقتضى تأديبه ، والشروع بما يجب عمله فإذا حاول أن يفر إلى جهتها فترجو أن لا تؤويه. وجعل بصحبة علي رضا باشا كل من يحيى باشا والي ديار بكر ، وعلي شفيق باشا والي أرضروم (أرزن الروم) سابقا وموظفين كثيرين ومتسلمين وأكابر رجال الكرد والأنحاء المجاورة.
    والملحوظ أن والي الموصل عبد الرحمن باشا توفي في هذه الأثناء ، وأن قاسم أفندي التزم مخلفات أخت المتوفى وأخيه وأمه بألف وخمسمائة كيس بسعر الموصل ، وبهذا نال إيالة الموصل.
    كما أن علي شفيق باشا من أهل بلد علي رضا باشا فصوب استخدامه معه.
    حركة علي رضا باشا إلى بغداد :
    إن علي رضا باشا هيأ لوازم السفر واستعد. وفي 8 شوال سنة 1246 ه‍ توجه من حلب إلى بغداد. وفي حركته هذه بعث أوامر (بيورلديات) تتضمن الرأي والأمان لمماليك بغداد والعثمانيين (الجيش الوطني) ولصنوف (الينگچرية) وسائر الأهلين. وبذلك أراد جلبهم إلى جهته.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 9:43 am

    وصوله إلى الموصل :
    وفي ذي القعدة وصل إلى الموصل وأبقت الدولة وزارة حلب بعهدته ووجهت رئاسة البوابين إلى متسلم حلب إبراهيم آغا ووردت الوزارة إلى محمد باشا. فصار قائممقاما في حلب. وهذا هو (البيرقدار) ووجهت رتبة مكة إلى قاضي حلب وحيد أفندي العرياني ووجه قضاء بغداد إلى قائممقام النقيب (تقي الدين القدسي) وكان أخذه معه. ثم ألحقت ديار بكر بعلي رضا باشا فخولت إدارتها إلى شفيق باشا ورفع يحيى باشا إلى رتبة الوزارة وأقيم في أماسيه ...
    ثم إن علي رضا باشا نال كل التفات ووجه إليه عنوان سر عسكر (قائد الجيش) تقوية لنفوذه. فأصدر الخط الهمايوني وجاء في فقرة منه : «تذاكر المجلس بخصوص إعطاء عنوان سر عسكر إلى الوالي تقوية لنفوذه وإعظاما للمسألة ، وبيانا لمكانته وأهمية القضية التي يعالجها» اه ...
    ثم صدرت الإرادة إلى الصدر السابق سليم محمد باشا أن يذهب إلى فيلق حلب ليكون قوة ظهر فصار قائدا للفيلق الثاني وسار بسرعة إلى أنحاء حلب.
    داود باشا ـ اجراءات الدولة :
    وقف الوزير على الأعمال المتخذة والنوايا المزمع عملها فبدرت له فكرة نقل أمواله ونفائسه ونقوده الموجودة إلى الهند بمعرفة قنصل انكلترا فإذا تضايق فحينئذ يذهب هو أيضا إلى الهند. فلما علم الباب العالي دعا ترجمان الانجليز (شابر) وبسطت له الحالة وبين له أن كل مساعدة له تنافي الصفاء والولاء بين الدولتين وأن يبين ذلك للسفير رسميا. ولما كان يعتقد بعدم التصحب أبدى أنه ينبغي محافظة حدود البصرة قبل كل شيء وختم الترجمان كلامه بذلك وذهب.

    ومن ثم كتب إلى علي رضا باشا بلزوم محافظة أنحاء البصرة ، وأن يسرع فأجرى الإيجاب.
    وبعد هذا قدم سفير الانجليز إلى الباب العالي مذكرة حاول بها أن يعفى عن داود باشا. ولكن الجواب المرسل من مقام الرئاسة كان يضمن أنه لزم القصاص الشرعي في حقه ولا يمكن العدول عنه فأجاب الترجمان أرى الأولى من صرف مبالغ طائلة أن تؤخذ منه المقادير التي سيؤديها ... ألم يكن ذلك خيرا؟
    فقال له : إن الرجل خائن ، ولا قيمة للمبالغ التي يؤديها وإن الخزائن الموجودة معدة لتصرف في مثل هذه السبيل. فلا يستثقل من مصاريف باهظة مثل هذه ...!
    فأعيد الترجمان.
    حوادث سنة 1247 ه‍ ـ 1831 م
    حادث بغداد :
    يعين هذا الحادث وضعه التاريخي وما كان من مراجعات رسمية ، وما قصه أكابر رجالنا في بغداد. وخير من عولوا على بياناته الأستاذ محمد أمين الكهية مفتي بغداد الأسبق قال ما ملخصه : إن الدولة اختارت ـ بعد أن سمعت بحادث صادق ـ علي رضا باشا للمهمة فسار من حلب بقوة عسكرية كافية ، وكان معه من المبعدين والفارين من المماليك جماعة منهم رستم آغا ، وأخو شوكت صالح آغا وصالح چلبي الزهير ، وصفوق الفارس شيخ شمر ، وسليمان الغنام من رؤساء عقيل ...
    وإن هؤلاء كاتبوا الأطراف وسعوا لجلب الأعيان وسائر من يؤمل منهم خدمة وصاروا يهتمون بمن يوافيهم فينال كل اعزاز وتكريم ...

    وبذلت الأموال الطائلة في هذه السبيل ... وكلما جاؤوا إلى موطن أعزوا أهله ، وبشوا في وجوههم وقضوا مطالبهم حتى جاؤوا إلى الموصل.
    وفي الأثناء فتك الطاعون فاستفاد القوم من هذه الغائلة. ومع هذا لم يضيعوا الحزم فبقي علي رضا باشا في الموصل مدة ونصب قاسم باشا متصرف الموصل (قائممقاما) لبغداد وعين بمعيته خليل بك الكتخدا السابق ، والحاج أبو بكر ، وشيخ شمر الجرباء صفوق ، وسليمان الغنام وأتباعهم ولواحقهم ... فأرسلهم إلى بغداد من طريق الصحراء من الجانب الغربي.
    ولما وصلوا إلى ما يبعد نحو خمس ساعات أو ست ساعات عن بغداد أرسل قاسم باشا البيورلدي إلى قاضي بغداد طاهر السيروزي خفية ، فأظهره لبعض معتبري الأهلين وأخذ منهم عهدا أن لا يخونوا دولتهم وأن يخلصوا لها.
    ولما كان الوزير في دار الحكومة صار طاهر أفندي يحث الأهلين ويدعوهم أن لا يركنوا إليه. وأن يبادروا لاستقبال القائممقام وإلا نظر إليهم نظر عصاة. فلما سمعوا منه ذلك وافقوه ، وأذعنوا بالطاعة.
    أما الوزير فقد قتل الوباء أكثر عساكره ورجال دائرته وحواشيه وسائر أعوانه ومماليكه ما عدا الأربعين أو الخمسين نفرا منهم كانوا في الخارج والداخل حتى إن سليمان آغا الميراخور توفي في خانقين مطعونا مما أدى إلى تفرق أتباعه. وفي تلك الأثناء مرض الوزير بالطاعون وتعطل عن إدارة الأمور.
    ولما زال الوباء عاد من فر وممن رجع محمد المصرف. وهذا كان منتظرا مجيء محمد باشا آل خالد باشا ومعه نحو أربعمائة فارس أو خمسمائة من الأكراد فتوقف خارج المدينة معتمدا عليه. ومن ثم عين

    الباشا محمدا المصرف مكان سليمان آغا الميراخور.
    ذهبا إلى أنحاء مندلي وخانقين من طريق بهرز ليتداركا قوة إلا أن رئيس شمر طوقة الشيخ محمد البردي كانت بينه وبين الشيخ صفوق مخابرة فأوصاه صفوق أن لا يفلت منهما أحدا إلى خارج بغداد.
    وعلى هذا أراد محمد البردي أن يبدي خدمة ، وأن يستولي على الغنائم. وبهذا الأمل خرج عليهما بقبيلته وسائر من معه من عشائر أما محمد باشا فإنه أبدى بسالة وشجاعة ولكن معداته الحربية نفدت وسقط بعيدا عن الماء وبهذا خارت قواه فانسحب بعد ذلك ولم يسلّم. وأن محمد المصرف عري وصار يقوم ويقعد حتى تمكن من الذهاب إلى ناحيته. وحينئذ استولى محمد البردي ومن معه على خزانة الوزير وما جمعه محمد المصرف. فصارت لمحمد البردي ومن معه من العربان ...
    وإن الوزير لم تكن له قدرة القيام والقعود. ومع هذا كان في كل يومين أو ثلاثة يأتي إلى دائرة العرض محتضنا بالأيدي فيجلس في محله ثم يرفع الستار فيدخل عليه البعض. نجا من مخالب الطاعون وصار يخرج متطلعا على العثمانيين المجتمعين ويجلس كجلسة خطيب ثم ينفض الحضار من حوله فيعاد إلى دائرة الحرم.
    وإن قاسم باشا جاء بفيلقه إلى محل قريب من الكاظمية فصارت تسمع أصوات المدافع من هناك. وفي بعض الأيام وافت الساعة الحادية عشرة فجاء نحو المائتين من الأهلين المسلحين من محلة الشيخ فهاجموا دار الحكومة. وأشعلوا النيران في باب السراي الداخلي ثم انسحبوا. وكان ذلك لإفهام الوزير أنهم من أعوان الدولة ، وإعلام قاسم باشا أنهم منقادون مخلصون لها.

    هرب الوزير :
    وعلى هذا علم الوزير أن الأمر خرج من يده وأنه لا يسعه أن يحتمي بالسراي فلم يدر أين يذهب؟ وفي تلك الليلة ركب فرسه واستصحب معه حبشيا يقال له فيروز وخرج من السراي والتجأ إلى بيت حبيبة خانم زوجة محمد آغا من ملتزمي الاحتساب المعروف بـ (قره بيبر).
    وفي اليوم التالي عرف مقره فوافاه العلماء والرؤساء والأعيان وأخرجوه من ذلك البيت بتعظيم واحترام ، وأبدوا أن علي رضا باشا إذا ورد فلا يستطيع أن يتعرض ولو بشعرة منه ، ولا يقدر أن يصيبه بأذى ما ، وإنما يسلم إليه دون أن يناله مكروه. وحينئذ نزل ضيفا عند صالح بك ابن سليمان باشا الكبير وتعهد له بسند مصدق من جانب الشرع يتضمن لزوم المحافظة عليه ...
    القائممقام في بغداد :
    وحينئذ عرضت الكيفية على القائممقام وطلب منه أن يعجل بالمجيء فأجاب الدعوة في الحال. وسارع أركان المدينة وأعيانها لاستقباله فجاؤوا به إلى دار الإمارة ...
    ومن حين دخل المدينة حصلت له فكرة ضبط بغداد ودفع علي رضا باشا استعانة بصفوق وسليمان الغنام. ولكنه تيقن بأن الأمر لا يتم له ما لم يقض على الوزير والمماليك وكذا على بقايا العثمانيين ... قرر ذلك في نفسه ولما قرىء البيورلدي كان أول عمل قام به أن دعا الوزير إليه. ولما لم توافق الهيئة على هذا ركب فلكة في اليوم الثالث من دخوله ليلا وقت العشاء وذهب إلى دار الحاج صالح بك الكائنة على ساحل دجلة (بيت دلة) وطلب الوزير ولكنه أقنع بالأدلة المسكتة فلم يذعن وأصر على طلبه وجرى بينه وبين صالح بك مناقشة انتهت في أنه

    تعهد أن يسلمه غدا بمحضر الهيئة والقاضي ويستعيد السند الذي أخذ منه ، فصار القائممقام ينتظر انبلاج الصباح.
    أما المعارضون فقد شعروا بالخطر من القائممقام كما أن العوام رأوا ما يكرهون من الشيخ صفوق ومن سليمان الغنام. والظاهر أنهم لم يتمكنوا من ضبط أعوانهم فعاثوا وإلا فهؤلاء لا يعرف عنهم ما عزي إليهم. وبهذا يفسر قول صاحب مرآة الزوراء وتاريخ الكولات أو كان ذلك تشنيعا من أعدائهم ...
    مؤامرة ودعوة فمقارعات :
    إن بعض الخواص (1) علم بمجيء قاسم باشا ليلا ثم أخبر بالأمر الحاج صالح بك والوزير ، وفي تلك الليلة اجتمعوا في دار صالح بك وتذاكروا فقر رأيهم أن يفتكوا بقاسم باشا لسلامة العموم.
    وعند الصباح دعا قاسم باشا للحضور من يجب حضوره لأخذ داود باشا بمحضر الهيئة وأن يعطي لصالح بك سنده فحضر من لم يكن يعلم بما بيت ليلا. وأن المطلوب حضورهم لم يأتوا فأوجس قاسم باشا خيفة من تأخرهم فعزم أن يقضي على من يتيسر له القضاء عليه إلا أن الحاضرين صاروا يتسللون الواحد بعد الآخر. وتوارد الأهلون مسلحين فقال قاسم باشا : ما هذه الجلبة؟!
    قالوا له إن هؤلاء ممن لا يعرفون وزنا لأنفسهم من الخذلة ، لنقم الآن وندفعهم فنهض بهذه الوسيلة من بقي. وحينئذ كان مع قاسم باشا نحو ثلاثة آلاف أو أكثر من عساكر عقيل فدافعوا من وراء الحيطان وسدوا الأبواب.
    __________________
    (1) في مرآة الزوراء أن صالح بك أخبر السيد محمود النقيب وتمكن من جذبه لجهته.

    بدأ القتال من وراء الحيطان ومن المتاريس والتحق العقيليون من عسكر الوزير في الكرخ بالأهلين دون أن يدعوهم أحد. وممن في الثكنة الداخلية الملا حسين رئيس الاحشامات دخل في زمرة الأهلين وأعطي مدافع ومهمات ومعدات حربية. وعدا ذلك وجه القنابل من داخل القلعة على السراي فكانت تمطر على جوانب السراي الأربعة وبهذه الصورة استولى على المحصورين اليأس.
    وكان درويش آغا القائممقام قد أعاقه قاسم باشا عنده ثم ساعد على خروجه ... فأفهم المحاصرين أن جناب أفندي الذي جاء مع صادق أفندي من الخواجگان ولا يزال في السراي ، وقد استولى عليه الخوف والهلع ... فأقنعهم بلزوم إخراجه وإخراج صادق بك الذي جاء مع علي رضا باشا فوافقوا.
    وبناء على ذلك أرسل مصطفى بك الربيعي فأخرج جناب أفندي وصادق بك من أعيان عينتاب. وفي وقت العصر سلم قاسم باشا و (ويودة) ماردين ولكن الحاج أبا بكر آغا كتخدا علي رضا باشا السابق مع سليمان الغنام امتنعوا من التسليم وبقوا إلى وقت الغروب ، وقبل أن يستولي الظلام انتهبوا الخزانة الداخلية وألقوا النار في غرفة العرض فاحترقت الأطراف ما عدا الحرم وخرجوا في وقت ذهاب الناس إلى أهليهم. ركضوا مسرعين وذهبوا من باب الإمام الأعظم حتى أنهم لم يبالوا بما سقط من أكياس الذهب والفضة. ولا بما تساقط من شقوق الأكياس (1) ...
    حبس القائممقام وقتله :
    حبس قاسم باشا مع ويودة ماردين شهرا ونصف شهر وبناء على
    __________________
    (1) تاريخ لطفي ومرآة الزوراء ص 41.

    إصرار الوزير قتلا وجاء في مجموعة الأستاذ أبي الثناء الآلوسي كان قتله في 3 المحرم سنة 1247 ه‍ أيام الفتنة قبل أن يفتح بغداد علي رضا باشا اللاز (1) ...
    وبقيت نقود كثيرة. وأواني فضية وذهبية وسيوف مرصعة وطبانجات وخناجر ومحامل مرختة ومرصعة مما يخص الوزراء ولؤلؤ وشمام وعنبر وبنادق وأسلحة نارية وصناديق وشال لاهوري وأقمشة هندية فكان من التحف الكثيرة والتفاريق التي لم تشاهد قبل ومن نوادر ونفائس فريدة وعديدة اغتالتها أيدي النهب والسلب.
    اجتماع واتفاق :
    انتهت غائلة قاسم باشا ببؤسها إلا أن الاضطراب من جراء علي رضا باشا لا يزال كبيرا ويحسب للخطر ألف حساب. ولكن انتهاب السراي أسس الاتفاق وشد الأزر. ولذا اجتمع العثمانيون والأهلون والحيطة (هايته) ومتقدمو العقيليين ... في محل واحد وقالوا لا يجوز بعد هذه الوقعة أن نأمن علي رضا باشا والأولى أن نبقي الوزير أو ننصب صالح بك ، وأن علي باشا لو جاء فإننا ندافع بأجمعنا لمقاومته ، وأن الدولة لا تهدم صرح مملكة عظيمة لأجل علي رضا باشا ...
    وجرت مذاكرات أخرى عديدة فكانت النتيجة أن قرروا إرسال محضرين قدموهما بواسطة القنصل العام الانجليزي المستر تيلر أحدهما يرسل من طريق الشام ، والآخر من طريق إيران فأرسلا وأوضح فيهما حدوث هذه الوقعة ، وأنهم سلب أمنهم. وقدموا ذلك إلى استنبول وصاروا يترقبون صدور الإرادة الملكية. وقرروا أن علي رضا باشا إذا جاءهم واضطروا لمدافعته فإنهم يناضلون بكل ما استطاعوا من قوة
    __________________
    (1) مجموعة الآلوسي رقم 2591 في خزانة الأوقاف.

    ويكونون قد بدأوا بالمخالفة فيما إذا لم يسمع منهم قول. كما كتبوا محضرا قدموه إلى علي رضا باشا مع أحد متميزي المماليك سفيان أفندي (الخطاط المعروف).
    ثم إن إقعاد الوزير في محل الحكومة يعد بمثابة عصيان على الدولة ومكاشفة لها في العداء. ولذا أقيم في دار صالح بك الذي نصب (قائممقاما).
    كان ظهور هذه الحالة من قاسم باشا مما سبب أن تسلب الأمنية فكتب الأهلون المحضر إلى الباب العالي وطلبوا العفو وعوضوا بدل هذا العفو بعشرين ألف كيس خدمة للخزانة الجليلة ، وإبلاغ سنوية بغداد إلى أربعة آلاف كيس في السنة الأولى بعد أن كانت ألفين ، ثم يضاف في كل سنة ألف كيس حتى تبلغ عشرة آلاف كيس وتؤدى المبالغ المصروفة من قبل علي رضا باشا على حدة ، وأن الإيالة بأجمعها كفيلة بذلك ويلتمس ابقاء الوزير داود باشا وإذا لم يوافق رأي الباب العالي فالمأمول أن توجه الوزارة إلى صالح بك. وهذا إذا لم يمكن فلا نكلف بمبلغ وللدولة أن تختار من شاءت. ويتخلل هذا ألفاظ رقة ومرحمة وتعابير استرحام وتمنيات ...
    أوضاع علي رضا باشا :
    أما علي رضا باشا فإنه حينما علم أن قاسم باشا دخل بغداد بسهولة سار من الموصل وحط رحاله على نهر الزاب ، وحينئذ وصل إليه سفيان أفندي فعرف دخائل الأمر ولئلا يحدث اضطراب في الجيش أمر بالرحيل. وتقدموا مرحلة إلى الامام. وفي اليوم التالي وصلوا إلى إربل ولم يتوقفوا واستمروا في السير حتى ضرب الجيش خيامه أمام قصبة الأعظمية.
    وجاء ذكر واقعة بغداد في حديقة الورود. وبين الأستاذ سليمان

    فائق أن كلّا من قاسم باشا والحاج أبي بكر وسليمان الغنام وصفوق صار يميل إلى تولي الإدارة وأن يستقل بالأمر (1).
    الطاعون والغرق في بغداد :
    إن هذا الداء كان من المصائب العظيمة على بغداد. محا البيوتات الكثيرة وقضى على الآثار بل هو البلاء على المماليك. سبّب انقراض حكومتهم. ولولاه لما أمكن الاستيلاء على بغداد.
    وجاء وصفه في حديقة الورود حدث في سنة 1246 ه‍. ابتدأ في العشر الأواخر من شهر رمضان وأوضح عن المصاب وما كان يهلك كل يوم حتى ضاع الحساب. زاد شدة في شوال فهرب الناس ومات الغالب وخف في ذي الحجة. ومن ثم صار ينقل الموتى ويطرحون في دجلة وانقطع بعد أن أضر بما لا مزيد عليه. وجاء وصفه أيضا في غرائب الاغتراب وفي مجموعة الآلوسي ومجموعة خليل ونة. وأن دجلة فاضت فدمرت غالب البيوت ... مما يطول تفصيله (2).
    محاصرة بغداد :
    وحينئذ سدت مداخل المدينة فدافع الأهلون. وكان في كل ليلة تطلق تسع قنابل بقصد الإرهاب ، فانقطع الذهاب والإياب وكانت مدافع بغداد تجيبها. وثابروا على هذه الحالة.
    وفي مرآة الزوراء :
    «إن الأهلين كانوا بانتظار الأمر العالي ولكن ورود الوزير بسرعة
    __________________
    (1) حديقة الورود ص 29 مخطوطتي. ومرآة الزوراء ص 39.
    (2) حديقة الورود ص 27 من مخطوطتي ، ومجموعة الآلوسي رقم 2591 وغرائب الاغتراب ص 21 ومجموعة خليل ونة.

    مما ولد ارتباكا في القلوب. ولذا اجتمع العلماء ووجوه البلد ورؤساء العسكر جميعا واتفقوا على أن لا يفترق الواحد عن الآخر ، وأن لا يخابروا علي باشا ولا ينفصل عن الاتفاق أحد. وتعاهدوا ، وأعدوا المدافع ولوازم المحاربة فيما إذا أقدم علي باشا على الحرب حتى أن داود باشا كان له مشاة من العساكر النظامية بقيت منهم نحو الخمسمائة مع ضباطهم فدعوا وسلموا إلى الحاج صالح بك.
    وكذا كان له من العساكر الموظفة نحو الستمائة أو السبعمائة من الخيالة ونحو الخمسمائة من عقيل وهم مشاة. هذا ما كان له من جيش. وأن سور الجانب الغربي تهدم بسبب طغيان دجلة فبقي مفتوحا. وحينئذ وظف عسكر عقيل مع سليمان آغا الخازن لمحافظة باب الكاظمية. وكذا محمد آغا المقدم النظامي عين لحراسة باب الكريمات بمن معه من العساكر النظامية.
    وكانت العساكر الموظفة في القلعة فأبقيت بيد ملا حسين الحشامات وفي الروابي وضع الوجوه من رجال المماليك لحراستها ...
    والحاصل اتخذت التدابير لمحافظة البلد من جميع جهاته ...
    أما علي باشا فإنه كان معه من القوة عبارة عن ألايين (كتيبتين) من (التيمارلو) الخيالة وفوجين من المشاة ونحو اثني عشر ألفا من سائر الخيالة والمشاة ممن لم يكونوا منظمين فمجموع ما كان لديه من العسكر عبارة عن خمسة عشر ألفا. ولم تكن معه مدافع وعتاد كافية ، وإن قلة الذخائر أو فقدانها عرقل أكثر. ولذا كان الاستيلاء على بغداد عنوة مما لا يؤمل.
    عدل الوزير عن فكرة الاستيلاء على بغداد وركن إلى مراعاة السياسة وذلك أن محمد آغا الكهية بعد عصيان الحلة أخذ يتجول بين العربان. فلما علم بالواقعة ذهب إلى حلب مستقبلا الوالي. وعلى هذا

    نصبه كتخدا ، وأن رستم آغا كان من موظفي الوزير ففر منه أيام الوباء وذهب إلى أنحاء بدرة وجسان. وهناك اتصل بالكتخدا. وكذا الأبازة سعدون آغا (البلوك باشي) التحق بفيلق علي رضا باشا في نحو ألف من اللوند الخيالة.
    ونظرا لما كان ينطق به الوزير منفردا لكل من يلاقيه فيؤمل به من أرباب المكانة ويقول إن إيالة حلب حسرة الوزراء ولكن تأييدا للخاطر الشريف وتأكيدا لعهدي الخالص له تركتها. وإلا فمثل بغداد ادارتها مشكلة ، ومنطقة حارة كيف يمكنني الإقامة فيها. وكيف يتيسر لي أن أتصرف بمنصب عارضي وأبدله بإيالة أتصرف بها على وجه الملكية. ولكن القصد الأصلي هو القبض على الوزير داود باشا ، وأن أجعل شأنا للدولة. ولما لم أر من يصلح لإدارة العراق سوى المماليك فإنني بعد موافقتي في حسن ادارتها وتسخيرها سوف أكتب منشور الوزارة حسب المأذونية باسمكم وأقرأه ثم أعود إلى محلي.
    وبهذ الصورة كان يطرح الآمال في فم كل واحد ، وينبه كل واحد أن يلتزم الأمر مكتوما ويؤكد في التنبيه. ولذا تمكن أن يشغل كل واحد ويدعه يبذل جهودا عظيمة ...
    ثم إنه فر أيام الوباء كثيرون من بغداد ولم يعودوا إليها بعد فكانوا يأتون بدخالة إلى الفيلق سواء من الأهلين أو المماليك. وكان يبدي لهؤلاء التفاتا زائدا وكان يوجه إليهم الأنهار والمقاطعات والإنعامات الوفيرة ... ولما كان الناس لا يتمكنون أن يطأوا بأقدامهم دار الوزارة في غير الأيام الرسمية والأعياد وأيام الجمعة ، والكثير منهم لا يرى وجه الوزير بعينه ، فإن علي رضا باشا صار يصاحب كل واحد ويجالسه جنبا لجنب ويأتلف مع الكل ، ويبذل إحسانا عظيما لكل وارد. رأى الناس منه ذلك فارتبط الكل به قلبا وقالبا وصاروا أسرى إحسانه وعرفوا أن

    القيام بخدمته فرض عين.
    ومن ثم صارت تجلب له الذخائر من كل صوب بعد أن كانت أعوزته الحاجة والضرورة فتزايد الرفاه في فيلقه في مدة يسيرة (1)» اه ...
    حركة خروج :
    دامت الحالة على هذا المنوال مدة. فكانت الأرزاق تأتي من الباب الشرقي ومن باب الحلة. ولكن حطت مؤخرا عساكر اللاوند مع سعدون آغا من المماليك تجاه الباب الشرقي ونزلوا بجهتها فقطعوا المواصلة مع الخارج ، وكذا سليمان الغنام مع عساكر عقيل ضربوا خيامهم تجاه باب الحلة فحالوا دون أخذ الارزاق ، وظهرت علائم القحط والغلاء ، وأن الأهلين اضطربوا من هذه الحالة.
    جاء في مرآة الزوراء :
    «بمناسبة ضيق هذه الحالة في المدينة تجمع الأهلون والعساكر والمتشخصون فجاؤوا إلى صالح بك القائممقام فباحثوه في أحوالهم الحاضرة. وطال الكلام ، فاستقر الأمر على أن يكتفي بضرب سليمان الغنام وجيشه لرفع الحصار عن بغداد. وعهدت قيادة ذلك إلى المسيو دووه ليقوم بالأمر (2).
    وحينئذ جعل الجيش النظامي تحت إمرته مع قطعتي مدافع وفوج
    __________________
    (1) مرآة الزوراء ص 45.
    (2) مرآة الزوراء ص 47. ورد اسمه (دوده) أيضا في بعض المصادر. وعن ملحق الجزء السابع : أصل اللفظ «ديفو» وحروفه الأجنبية (Deveaux) وكان ضابطا فرنسيا خدم في الجيش الايراني لدى محمد علي ميرزا ، وبعد وفاته دخل في الجيش العراقي أيام الوزير داود باشا. وظهرت له آراء عسكرية قويمة. قاله الأستاذ مير بصري. ومرت بنا حوادثه. وما ورد في بعض المصادر من أنه (روده) فغير صواب.

    مشاة يتألف من خمسمائة نفر مع ما هو موجود من عساكر عقيل ، ونحو خمسمائة من الحيطة (هايته) وضم إلى هؤلاء مقدار ألف وخمسمائة من المشاة من أهالي الكرخ فصاروا تحت قيادة ملا حسين (رئيس الحشامات) فهاجموا جبهة سليمان الغنام ولم يكن له علم بهذا. فلم يترك لهم مجال للمقابلة بسبب المفاجأة. وحينئذ قتلوا منهم ما يزيد على مائتين وأسر مثلهم وانهزم الباقون وانتهبت خيامهم وأرزاقهم. وبذلك رفعوا الحصار عن بغداد.
    حركة خروج أخرى :
    إن هزيمة سليمان الغنام مما بعث النشاط والأمل في البغداديين. ولذا تأهبوا للهجوم على فيلق الكاظمية. وكان تحت قيادة الحاج أبي بكر ، فحاولوا الهجوم عليه. وبسبب ما شوهد من مستنقعات اضطروا إلى العودة. وكانوا بقيادة الملا حسين ، ولم يحصلوا على نتيجة.
    مناوشات قرب الأعظمية :
    إن علي رضا باشا اتخذ تلّا صناعيا أمام الثكنة الداخلية قرب بستان سعيد باشا. ومنه صار يرمي القنابل ، فاشتبكت الحرب ، وصارت تسمع من روابي الثكنة أصوات المدافع كما أن علي رضا باشا اتخذ في بستان صالح بك روابي وصار يضرب بالقنابل قلعة بغداد.
    ومن جهة بودر في المضاربة من جانب بغداد من تلول الصابونية والچاووش وصار الواحد يقابل الآخر. وإن كثيرا من الأهلين تجمعوا في السور وبعضهم صار يحاول أن يهاجم التلول رأسا وسعوا أن يفتحوا باب الأعظمية.
    إن محافظي الباب مثل عبد الرزاق آغا ، ورضوان آغا وهم من متميزي المماليك عذلوا الناس وحاولوا اقناعهم فلم يفد. ولذا فتحوا

    الباب ومشوا إلى حديقة سعيد رأسا ، وأن القافلة الأولى من هؤلاء كانت نحو مائتين من المشاة وكان في رأسهم حسن آغا آل عليش آغا ... ثم تابعتهم جماعات كثيرة تقدر بألف وخمسمائة ركضوا وراءهم وتحاربوا مع عسكر الحيطة بين الأنهار والمتاريس المتخذة هناك ، وبين النخيل وكل من صادفوه كسروه وهاجموا التلال في ساحل دجلة أيضا فاقتحموها وفر من كان فيها وضبطوها مع المدافع ...
    وإن إبراهيم آغا ابن رئيس القوشجية جمع من الأهلين نحو السبعين أو الثمانين فارسا وحاول أن يهاجم الروابي الكائنة في جادة الأعظمية فلم يتمكنوا من عذله بل عاند ولكنه حين خرج أحس بالخطر ولم يتمكن من الرجوع ولا استطاع أن يخرج من دائرة الرمي الموجه إلى العدو فأخذ الخندق يمينا وذهب. فخرج عليهم الفرسان ، وتكاثروا فاضطروا أن يميلوا إلى باب الأعظمية ، قدموا بأنفسهم إلى المدينة فأغلقت في وجوههم الأبواب وهكذا شأن من كان على السور نزل عنه وانسحب إلى جانب.
    وإن العساكر التي هاجمت المشاة وقعت تحت نيران المدافع ، فلم يروا ملجأ ولذا سلوا سيوفهم وصاروا يطعنون كل من صادفهم. وكان محل خان نجيب باشا إلى داخل المدينة حتى القهاوي والدكاكين مملوءا بالناس لا يكاد المرء يجد محل وضع قدم. فصار هؤلاء مانعين من دخول الجيش والعساكر الواردة ، وإلا فليس هناك حائل أو مانع ...
    إن وقوع هذه الحالة ممن ضبطوا التلول على ساحل دجلة تزلزلت منهم الأقدام فلم يستطيعوا التقدم فوجب أن يعودوا حتى أنهم لم يجدوا وقتا ليأخذوا المدافع التي استولوا عليها .. ولذا ألقوا أحد المدافع في باب البستان وعادوا بمجموعهم إلا أن الحيطة لم يمكنوهم من الذهاب. ولذا استعانوا بالمقابر فاتخذوها متاريس لهم فأصلوا بنيران العدو من

    جهة ، وبنيران البغداديين من أخرى ... وفي هذه الأثناء كان جمع من المماليك في رابية سلطان سليم الناظرة على باب الإمام الأعظم وهؤلاء لم ينظروا إلى عدو أو صديق فضربوا بنيران بنادقهم على خيالة علي رضا باشا ولواحقهم ... وبهذه الصورة كان الخيالة بين نيران الذين التجأوا إلى المقابر كما سبق وبين نيران هؤلاء ... فاضطروا للعودة.
    واستولى على الجبهة سكون وحينئذ دخل المدينة من كان خارجها ثم سدت الأبواب وجرت مناوشات في المدفعية. وفي هذه لم يعرف عدد القتلى من الجانبين. وعلى كل إن وفيات البغداديين كانت كثيرة بسبب الزحام الحاصل.
    أوضاع علي رضا باشا :
    إن علي رضا باشا لم يفتر عزمه بل ثابر ولم يتأخر عن العمل لحظة حتى أنه قبل أن يصل إلى تجاه بغداد استصحب صالح چلبي آل زهير ، وبواسطته وبواسطة بعض البصريين هزم عزيز آغا (1) متسلم البصرة وضبطها صالح چلبي وكان معه نحو أربعة آلاف أو خمسة آلاف جندي. ثم حصر علي رضا باشا جهوده في جلب الأعيان والمعتبرين من مقدمي المماليك في بغداد ، والمكاتبة معهم ، فتمكن نفوذه في أنحاء العراق ...
    الحالة في بغداد :
    وبغداد في هذا الأوان تجاوزت الحد في الغلاء. وأصاب الناس قنوط لا مزيد عليه.
    وعلى هذا جرت مذكرات بين الأعيان ورجال الحكومة فكانت
    __________________
    (1) آل عزيز آغا معروفون في بغداد منهم الأساتذة أمين خالص رئيس التفتيش الإداري ومحمود خالص عضو محكمة التمييز.

    النتيجة مصروفة إلى لزوم مهاجمة جيش علي رضا باشا ليلا وكان الاختلاف في الرأي بلغ حده بين درويش القائممقام ، وبين الحاج صالح بك والحاج عمر الراوي ، فانفض المجلس ولم يستقر أمر. وإن درويش آغا دعا إلى لزوم انتظار المحضر المرسل إلى الدولة. وأكثر التوجيه يهدف إلى أن لا يزاد في الطين بلة حذر أن تتوتر الحالة.
    تدابير علي رضا باشا :
    أجرى علي رضا باشا نفوذه نوعا إلا أنه من حين خروجه من حلب لم يدخل خزانته فلس واحد ، وأن إنعاماته كادت تجعل هذه الخزانة فارغة والجيوش الذين في صحبته كانوا بأمل نهب بغداد ، ولكن زالت منهم فكرة الانتصار وتوالت عليهم المصاعب والمشاق ... فاستولت عليهم الهواجس فهم بين أن يهاجموا وزيرهم ، ويرجعوا إلى الأناضول ، وبين أن لا يحصلوا على شيء ...
    قوي فيهم الميل في أن جميع ما يملكه الباشا لا يفي بعشر مطلوبهم. وهذا من وسائل احجامهم ، خصوصا أن موسم الصيف انقضى وورد الشتاء وامتدت أيام المحاصرة ... فتجددت فيهم تلك الهواجس.
    عرف الباشا ذلك كله واستولى عليه الضيق لكنه لم يفتر عزمه ، فلم يترك تحري الوسائل لدخول بغداد ... وبينا هو في هذه الحالة إذ ورد إليه محضر من الباب العالي وهو الذي كتبه أهل بغداد وأعيانها. ورد إليه الأمر مع المحضر وفيه أنه إذا لم يتيسر عمل شيء فالأولى ادارة الأمور بحكمة.
    وعلى هذا دعا علي رضا باشا بعض الذوات الموثوق بهم وطير الخبر إلى داخل المدينة للمفاوضة. وحينئذ أرسل إليه ملا حسين رئيس

    الحشامات فتفاوض مع حمدي بك (1) خازن علي رضا باشا وقال حمدي بك :
    إن الباشا يسلم على الحاج صالح بك وعليكم وعلى جميع أهل بغداد ، وفي هذه المدة لم يأمر بدخول بغداد انتظارا لورود الجواب من الباب العالي. فالآن ورد المحضر وإن الدولة لم توافق على ما ذكر فيه ، أرسل إلي عينا وصدرت الإرادة بلزوم دخول بغداد. وأعددت اللوازم الحربية فيما إذا حصل تعند وسندخل قسرا بما لدينا من مدافع وقوى أخرى ... وأنتم المسؤولون عما يلحقكم ويلحق الأهلين. وليس وراء ذلك سوى المضرة. فندعوكم أن تسلموا ساعة أقدم ولا تدخلوا في خطايا العباد ... ومع هذا فالخيار لكم في الإصرار إذا كنتم في ريب. واعلموا يقينا أننا لم نضمر شرا لأحد ولا نريد سوى الخير ...
    هذا ما تفضل به الباشا وأمرني بتبليغه وأراه المحضر المرسل من جانب الدولة وقال له :
    ألم يكن هذا محضركم وفيها إمضاءات المعلومين منكم ، وإن شئتم أخذتموه معكم!. وسلمه إليهم. وهؤلاء أخذوا المحضر وسلموه إلى صالح بك خفية ونقلوا له كلماته فأصابته بهتة واستولى عليه الاضطراب لمدة. ثم أوصى أن لا يفشى هذا الأمر لأحد ، وأن يحترس في الكتمان ...
    فشا سره إلا أنه لم يباشر بعمل ولم يبق ذلك مكتوما.
    فتح أبواب بغداد وطاعة العموم :
    اتفق علي باشا بواسطة رجاله وهم كتخداه رستم وصالح أخو
    __________________
    (1) وهذا صار وزيرا في قونية وغيرها برتبة باشا. وهو ابن السيد علي باشا.

    شوكة ، وسعدون آغا (بلوك باشي اللوند) مع جماعة من المماليك في بغداد بصورة خفية ووعد كل واحد منهم بوظيفة وكتب بيورلدي (الرأي والأمان) وأرسله ، وأن السيد أحمد أفندي أيضا تمكن من جلب الكثيرين من الأهلين من محلة الشيخ فانحازوا لجهته. ولما أرسل المحضر إلى علي رضا باشا ولم يساعد فيه على مطلوب الأهلين وشاع خبره وتبين ذلك ، أكثر المماليك تبدلت أفكارهم واستفاد السيد أحمد أفندي وأعوانه ، وعلى هذا ونظرا لوقوع المخابرة بينه وبين علي رضا باشا ضبط (الباب الشرقي) وطرد محافظيه في الساعة الثانية غروبية في ليلة ربيع الآخر سنة 1247 ه‍ وسمع هؤلاء في إدخال عساكر (التيمار) إلى المدينة من ذلك الباب.
    أما داود باشا فإنه بعد صلاة الفجر ركب فرسه وأراد أن يرمي بنفسه إلى القلعة الداخلية إلا أن ملا حسين رئيس الحشامات وكاتبه اعتذرا ، فذهب إلى دار نوح بك أحد أتباعه بجوار القلعة ينتظر ما ستؤدي إليه حالته ...
    وبعد مرور بضع ساعات جاء من علي رضا باشا جماعة من الأمراء إلى داود باشا فأخرجوه بكمال الاحترام. فلما تقرب من خيمة علي رضا باشا استقبله ماشيا وسارع لذلك وبعد المعانقة دخل خيمته وسأله حاله وخاطره وتكلم معه بعض الكلمات الاعتيادية والرسمية ومن ثم قدمت إليه القهوة والجبوق فسقي من الفنجان الذي سقي به علي رضا باشا لإزالة الخوف عنه فإن علي رضا باشا أخذ فنجانه وقدم له فنجان نفسه فسكن روعه.
    فلما رأى داود باشا هذا الالتفات من علي رضا باشا تخطر ابنه الصغير حسن البالغ خمس سنوات أو ستّا وقال : لا أدري أين صار حسن!؟ وعلى سؤاله أمر علي رضا باشا أن يتحرى عنه فوجدوه وجاؤوا به إليه.

    تحادث الوزيران ساعة أو ساعتين ثم أعدت لداود باشا خيمة فأوصله علي رضا باشا إليها بنفسه وكلمه بأمور تسلي خاطره ثم عاد إلى خيمته وعين حراسا ومحافظين ورخص أن يأتي كل احد إلى داود باشا من خواص وعوام.
    وأيضا أرسل أمرا إلى الحاج صالح بك يتضمن الرأي والأمان له كما أنه نصب درويش آغا القائممقام قائممقاما أيضا وأعلن بواسطة منادين العفو العام.
    إن علي رضا باشا لم يدع داود باشا يدخل بغداد إلى أن يذهب إلى استنبول وإنما أقامه في محله وعرض الأمر على الباب العالي. والتمس العفو عنه.
    قال صاحب مرآة الزوراء :
    «وعلى ما سمعت مرارا من عثمان سيفي بك ومن حمدي بك أن داود باشا بعد أن أخرج من بغداد وجيء به إلى الفيلق اجتمع كل من رستم آغا وسعدون آغا والكتخدا السابق الحاج أبو بكر آغا الذين هم من المماليك مع سائر المتميزين لدى علي رضا باشا فكان البحث يدور حول قتل داود باشا ، أو إرساله حيا فكان رأي الكل مصروفا إلى قتله. اتفقوا على ذلك إلا أنه في أوائل سلطنة محمود خان كان عصى علي باشا المشهور والي يانيه فقتله خلفه الصدر الأسبق خورشيد باشا لكنه لم يتمكن أن يبرىء نفسه حتى الممات من التهمة الموجهة إليه من قبل الدولة وكذلك سوف لا يبرىء علي رضا باشا ساحته من الاتهام فيما إذا قتل داود باشا ولا ينجو من الشبهة حينئذ. هذا ما أورده علي رضا باشا فلم يوافق على رأيهم فنجا داود باشا.
    وأرى أن نجاة داود باشا من غضب السلطان محمود وعدم قتله ثم نيله بعض المناصب في الدولة إنما كان لتأمين محمد علي باشا والي

    مصر المشهور وأخذه تحت القيادة. فروعيت السياسة لهذا العرض. وإلا فإن قتله لصادق الدفتري المعدود من وكلاء الدولة ، ومجاهرته بالعصيان ، والاستيلاء عليه بقوة الجيش ثم إلقاء القبض ... كل هذا مما يدعو أن يسل السلطان سيفه عليه ويورده رمسه ... ولكن السياسة هي التي دعت لبقائه» اه (1) ...
    وجاء في مجموعة المرحوم الأستاذ السيد نعمان خير الدين الآلوسي رقم 2591 : «إن بغداد فتحت ليلة الخميس 8 ربيع الآخر سنة 1247 ه‍ ودخل الوزير علي رضا باشا في 17 منه ـ 1831 م» اه.
    قتلة المماليك وانقراضهم :
    أكمل داود باشا لوازم سفره وأرسل برفقته ثلة من الخيالة التيمارية وعلي ياور بك من متميزي دائرة علي رضا باشا وآخرون ، فبعث بإعزاز وأمر علي رضا باشا أن يقتل إذا حاول الفرار ؛ أو جاء أحد لإنقاذه.
    ثم علم بصورة سرية أن رئيس العبيد الشيخ سعدون وأهالي كركوك عازمون على انقاذه ، وأنهم سوف يحتركون إذا مر من جهتهم. وحينئذ بين أن هذه الحركة مضرة به ووخيمة عليه فسعى جهده لمنعها ...
    ذهب الوزير داود باشا إلى استنبول وسر أكثر المماليك بوظائف داخلية وخارجية وطيب علي رضا باشا خواطرهم. ثم إنه مراعاة للأصول القديمة عين الوقت المرغوب فيه فدخل بغداد بكمال العظمة والحشمة. ولما كانت دار الحكومة احترقت نزل في محل اتخذ دارا للحكومة. وفي اليوم الثالث من دخوله دعا من يلزم دعوته لقراءة الفرمان بوزارته وملأ الدار المتخذة منزلا للحكومة من خيار الجيش وحشدهم في كافة نواحيها. وكان من الطبيعي حضور المماليك لسماع الفرمان.
    __________________
    (1) مرآة الزوراء ص 56.

    ولما اجتمعوا ذهب إلى دائرة الحرم بوسيلة أنه يريد أن يتوضأ وأمر بإعدام المماليك طبق المنهج الذي أعده. وعلى هذا صار كل واحد بيد عدة جلادين ولم تمض إلا مدة يسيرة حتى قضى على كل الموجودين كما أن الحاج صالح بك وصل إلى الدار التي أقام فيها حكومته أيام تغلبه فأنزل من فرسه وقتل إذ لم يصل في الوقت المقرر للحضور كما قتل إخوته.
    ثم قرىء الفرمان بإعدام المماليك وسجل في سجل المحكمة الشرعية وأرسل من عهد إليهم أمر القبض على الباقين وقتلهم داخلا وخارجا فأعدم جماعة منهم ... ولم يبق إلا نحو عشرة أو اثني عشر فأرسلوا إلى استنبول.
    والحاصل أن جميع من كان عند علي رضا باشا والذين كاتبوه أيضا قد اعدم أكثرهم. ومن بقي منهم اختفوا فسلموا من القتل وبعد مدة عفي عنهم فعادوا إلى بغداد وخصص لكل منهم على قدر حاله راتب.
    وبهذه الصورة كانت مقدرات العراق مدة قرن بيد المماليك فانقرضت أسرتهم سنة 1247 ه‍ وصارت إدارة بغداد بيد الدولة رأسا كما كانت (1).
    قال لطفي في تاريخه : هذا ما حصلت عليه من المعلومات المحلية وما نقل عن الأستاذ محمد أمين الزندي وفي مجموعة الأستاذ الآلوسي «إن قتلة المماليك كانت في 22 ربيع الآخر سنة 1247 ه‍».
    حياة الوزير داود باشا :
    من أكابر وزراء بغداد أبقى ذكرا لا ينسى ولد نحو عام 1188 ه‍ ـ
    __________________
    (1) تاريخ لطفي ج 3 ص 142.

    1774 م وأنه ورد بغداد بتاريخ 1195 ه‍ ـ 1780 م فدخل تحت تملك سليمان باشا الكبير. وكان من الگرج ممن يقال لهم (أچيق باش) أي (مكشوفو الرأس).
    ونظرا لما فيه من المواهب قرأ وكتب وأتقن فن الاسلحة وفاق به أقرانه ، ونال اختصاصا لدى سيده ... ثم حصل على المفاتيح ، وبعدها استخدم في المهردارية ولا يزال في تقدم وسعد واعتبار حتى نال وظيفة (خازن) وتعد من أكبر وظائف الحكومة في ضبط الحكومة وربطها ...
    ثم صاهر الوزير فأحرز أعلى فخر امتاز به على أقرانه ...
    وإن أكثر مواهبه وقدرته ظهرت في وزارته ومرت بنا حوادثها. وأهم ما فيها أنه قضى على نفوذ الأهلين ، وعلى المماليك البارزين فصفا له الجو وتطلع إلى الاستقلال واتخذ له أسبابه. ونهض لمقارعة دولته فبدا ما لم يكن في الحسبان. حدث الطاعون فغير الوضع بل قلبه فكان ما كان ، فأخذ إلى استنبول ، فنال عفو السلطان وتقلب في مناصب الدولة منها ولاية بوسنة وليها سنة 1249 فبقي فيها ثلاث سنوات.
    وفي سنة 1254 ه‍ عهد إليه برئاسة مجلس الشورى ، وفي سنة 1255 ه‍ وجهت إليه ولاية انقرة ، وفي 1256 ه‍ عزل. وفي سنة 1262 وجهت إليه مشيخة الحرم النبوي وفي سنة 1267 ه‍ توفي ودفن بالبقيع.
    وكان يعد من أكابر الرجال ورأس العلماء فامتاز على معاصريه بمزايا فاضلة. وله اطلاع واسع على اللغات الثلاث ، ونظم ونثر ، وإن جودة قريحته لا تنكر بل هي مسلمة عند البلغاء كما أنه في الحرب يعد من شجعانها. وليس له قرين في العفة والحياء. وعلى كل لو قيس بغيره فهو وزير كامل (1) ...
    __________________
    (1) تاريخ لطفي ج 4 بتلخيص.

    وقال صاحب مرآة الزوراء :
    «ومما يؤسف له كثيرا أنه في زمن حكومته حصل منه حيف وظلم في أمور كثيرة فلم يخل من أن ينعت به ، ولم يكن كريما ، سخيا. وتجاوز الحد في جلب المال وادخاره فأفرط ولا تزال الرسوم التي طرحها على بغداد يئن من ثقلها الأهلون. فاستمر أخلافه على استيفائها مع أنها لم تكن معروفة قبله ، ولا مسموعا بها ...
    وكل هذا لم يمنع أن له مآثر لا تنكر. بنى ثلاثة جوامع كبيرة وأخرى صغيرة تقام فيها الجمع وثلاث مدارس ، وقام بعمارة مساجد وجوامع أخرى وعين لها خداما وموظفين فأحيا ذكره.
    وصار له من الأولاد نحو الأربعين من الذكور فلم يعمر منهم أحد وتجرع مرارة وفاتهم في حياته والظاهر أن الباري تعالى عاقيه بذلك من جراء عمله في قتل ابن سيده وهو سلفه سعيد باشا» اه (1).
    وفي تاريخ مجهول المؤلف جاء ما نصه :
    «وأما هذا الوزير داود فقد انقضت أيامه عند خلاص الطاعون من بغداد. وأما وقائعه فما تذكر لقبحها ولمزيد ظلمه ... وليس له مادة حسنة كي يعتني المؤرخون بذكرها حتى لو أننا نذكر من تعديه على عباد الله لأفضى إلى كفره وإنكاره. أسس أشياء من الظلم ما تخطر في قلب فرعون وكان بخيلا جدا مع زيادة أمواله ، يغصب الناس أموالهم ظلما وعدوانا والحال سير إلى اسلامبول في ربيع الثاني من هذه السنة سنة 1247 ه‍ بأمر السلطان محمود ، سيره علي باشا مهانا كما ذهب الحمار بأم عمرو ... كان يغصب أموال الناس بواسطة حاج أفندي
    __________________
    (1) مرآة الزوراء ص 59.

    الكردي (1) ...» انتهى. فجاء ذلك مؤيدا لما في مرآة الزوراء. وهناك نصوص أخرى للأستاذ أبي الثناء لا تخرج عن ذلك.
    وعلى كل حال أضر بالأهلين لإقامة دعائم حكومته فلم يفلح وصارت الدولة تتدخل في الإدارة مباشرة ومن أسباب خذلانه الطاعون. ولله تعالى إرادة لا مرد لها.
    أوضاع العراق العامة
    (في هذا العهد)
    1 ـ الإمارات والعشائر :
    من أهم ما أشغل بال الحكومة وقائع (بابان) ، و (اليزيدية) ، و (المنتفق) و (الخزاعل) ، و (زبيد) ، و (الدليم) ، و (ربيعة) ، و
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي  Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2024 9:44 am

    (بني لام) ، و (شمر) ، و (عنزة) ، و (العبيد) ، و (الظفير) ... وهذه كشفت وقائعها عن مكانتها. وكانت المعرفة بها مكينة. ومر عنها الشيء الكثير. وفي كتاب عشائر العراق ما يوضح أكثر ويبصر بحالاتها الأخرى.
    2 ـ الدولة العثمانية :
    نرى العلاقة بها مشهودة بالرغم من أن السلطة كانت بيد المماليك. وهذه قائمة سلاطينها :
    1 ـ محمود الأول ابن مصطفى الثاني إلى 27 صفر سنة 1168 ه‍ ـ 1754 م.
    2 ـ عثمان الثالث أخو سابقه إلى 16 صفر سنة 1171 ه‍ ـ 1757 م.
    __________________
    (1) هو محمد أسعد (ابن النائب) وهو أموي.

    3 ـ مصطفى الثالث بن أحمد الثالث إلى 8 ذي القعدة سنة 1187 ه‍ ـ 1774 م.
    4 ـ عبد الحميد الأول أخو سابقه إلى 12 رجب سنة 1203 ه‍ ـ 1789 م.
    5 ـ سليم الثالث بن مصطفى الثالث إلى 21 ربيع الآخر سنة 1222 ه‍ ـ 1807 م.
    6 ـ مصطفى الرابع ابن عبد الحميد الأول إلى 4 جمادى الأولى سنة 1223 ه‍ ـ 1808 م.
    7 ـ محمود الثاني أخو سابقه إلى 14 ربيع الأول سنة 1255 ه‍ ـ 1839 م.
    3 ـ إدارة العراق : (التشكيلات الإدارية)
    هذه لا تختلف عما مر في المجلدات السابقة إلا أنها اكثرت من المماليك الجنود وفي الإدارة وراعت الانتظام وحاسبت على التقصير في العمل وفي الواجب وراقبت مراقبة شديدة وبعناية. وهذا الذي سهل لها السيطرة.
    والقضاء في هذه الحكومة لم يختلف إلا أن الوزير سليمان المقتول (الصغير) قام بإصلاح كبير فيه. راقب القضاة ، وخصص لهم رواتب. وأراد أن تكون الضرائب شرعية فألغى الرسوم الجائرة. وبذا أسخط دولته ، فقضت عليه ، فعادت الحالة كما كانت.
    والجيش جرى فيه إصلاح كبير بعد إلغاء الينگچرية وجلب أساتذة من الخارج. وكان الموسيو دوده (دووه) من قواده العسكريين. وفي أيام داود باشا زادت الضرائب بقسوة بأمل تمكين القوة ولكن هذه كانت أكثر مما تتحمله البلاد فكانت قوته وزيادة بطشه مما حالا دون تزعزع موقعه

    واختلال إدارته لا سيما وأنه عمل للدعاية كثيرا في الثقافة والمؤسسات الدينية ...
    ونهج المماليك مصروف أولا إلى تثبيت الملك ، ثم مالوا إلى جعل الإدارة خالصة لهم ثم دخلت آمال استقلال ولكن حدث ما لم يخطر ببال وهو ظهور الطاعون ، فأدى الأمر إلى انقراضهم.
    4 ـ الثقافة :
    تولى المماليك الإدارة. ولم يتدخلوا في الثقافة إلا أنهم وجهوها ، وبعضهم اتخذها وسيلة لترويج السياسة إلا أن الطمأنينة ساعدت أكثر. والمدارس القديمة كافية إلا أن المماليك أسسوا مدارس جديدة. وكذا الأهلون ، ففاضت الثقافة العلمية والأدبية. وساعد على النمو ثقافة الدولة ، والاتصال بالمجاورين كما يفهم من الإجازات والرحلات والحوادث التاريخية.
    ومن علمائنا في هذا العهد :
    1 ـ آل السويدي. وأولهم الشيخ عبد الله السويدي وأولاده وأحفاده.
    2 ـ آل الحيدري. صبغة الله وأولاده وأحفاده.
    3 ـ آل الراوي. السيد عبد الله وأخوه عبد الرحمن ، وعبد الفتاح وابنه إسماعيل ، والسيد عمر (1).
    4 ـ آل الآلوسي. ومنهم السيد عبد الله والد السيد الأستاذ أبي الثناء.
    __________________
    (1) أخبرني الأستاذ السيد أحمد عبد الغني الراوي المحامي أنهم يتصلون به بجد واحد.

    5 ـ آل الواعظ. ومنهم السيد عبد الفتاح.
    6 ـ آل الشواف. ومنهم عبد العزيز الشواف أستاذ أبي الثناء الآلوسي.
    7 ـ آل المدرس.
    8 ـ أحمد الزندي.
    9 ـ علي علاء الدين الموصلي.
    وعلماء آخرون في الموصل والبصرة والنجف وكربلاء والحلة والسليمانية وكركوك وإربل ...
    وفي بغداد من الأدباء :
    حسين العشاري ، وجواد عواد ، وآل الازري ومنهم الشيخ كاظم ، والسياهپوش ، وآل الفخري ، ومحمود الدفتري. وفي الأنحاء العراقية الأخرى أدباء كثيرون. والخطاطون كثيرون منهم إسماعيل النوري ، والمكي ، وصالح السعدي من الموصل. والقراء في مقدمتهم (آل السعدي).
    ولا محل للإحاطة. ونذكرهم في التاريخ العلمي والأدبي. والثقافة كان يدير شؤونها رئيس العلماء ومن معه من العلماء. والمدارس المشهورة في هذا العهد العادلية الصغيرة والكبيرة والعلية ، والسليمانية ، ومدرسة الصاغة للباچه چية ، ومدرسة العمار سبع ابكار ورأس القرية للباچه چية ومدرسة عاتكة خاتون.
    والحروب للزندية وللقجارية ، والطواعين تعد من أكبر النكبات على الثقافة إلا أن العراق يستعيد ثقافته بعد ركود الحالة مما يدل على عظيم حبه للعلوم والآداب ، وأن داود باشا كان يضمر آمال استقلال. ولذا ركن إلى تأسيس مدارس كثيرة. أراد أن يجعل الإدارة خالصة له

    فأرضى العلماء فلهجوا بذكره. وكان كأسلافه يخشى أن يغضب العلماء فيصدر منهم ما يضر بالسياسة وقيل (رب قول أنفذ من صول).
    تمكنت المعرفة وفاضت. والمجاميع الأدبية كانت خلاصة ما يجري في المجالس العلمية والأدبية. وكان العراقيون يفضلون المماليك لحمايتهم للمعرفة على العهد التالي ولكن الأهلين لم ينتفعوا من ثقافتهم للإدارة. ولو لا حب المعرفة والميل إلى العلوم الدينية لما وجدوا فائدة في العلوم والآداب.
    العلاقات بالمجاورين
    الحوادث المذكورة تبصر بالعلاقات. ومن أشهر هذه ما يأتي بيانه :
    1 ـ الدولة الزندية :
    ظهرت بعد انحلال الدولة الافشارية وإن كانت لم تنقرض بعد. وجاءت الزندية ومؤسسها (كريم خان الزندي) وقيل إنه من فرقة الغرابية كما ذكر ذلك جودت باشا في تاريخه ، وهذه أزعجت العراق ، واستولت على البصرة ، وشوشت أمر بابان. وأصلها من عشيرة كردية. تغلبت في سنة 1163 ه‍ ـ 1750 م فاستولت على أكثر أنحاء إيران واستعصت عليه خراسان. وتوفي كريم خان سنة 1193 ه‍ ـ 1779 م. وقد مر بنا من الامراء بعده زكي خان ، وأبو الفتح خان ، وعلي مراد خان ، وصادق خان الذي استولى على البصرة فحكم من سنة 1193 ه‍ إلى سنة 1196 ه‍ 1781 م فحل محله علي مراد خان ثانية. وهذا خلفه جعفر خان بن صادق خان سنة 1199 ه‍. واستمر حكمه إلى سنة 1203 ه‍ ـ 1789 م ، فاستقر مكانه لطف علي خان بن جعفر خان. وهذا قتله القجارية سنة 1209 ه‍ ـ 1794 م بعد نضال طويل فانقرضت هذه الدولة. ومرت بنا

    حوادثها. وذكرتنا بأعمال نادر شاه. ولم تستقر الأوضاع السياسية بينها وبين العراق. وذهب إليها محمد بك الشاوي.
    2 ـ الدولة القجارية :
    وهي من عشائر التركمان. خلصت لها إيران بقتلة لطف علي خان سنة 1209 ه‍ ـ 1794 م. ويعد مؤسسها آغا محمد خان فقد أعلن سلطنته سنة 1210 ه‍ في طهران. وقتل في 21 ذي القعدة سنة 1211 ه‍ ـ 1797 م ، فخلفه (فتح علي خان) ابن أخيه حسين قلي خان. وكان يدعى (بابا خان). وإن ابنه الشهزاده محمد علي ميرزا ولي كرمانشاه سنة 1221 ه‍ ، فأزعج العراق بوقائعه. فاضطرب أمر بابان بسبب ذلك. وهدد بغداد بالاستيلاء عليها كما مرت حوادثه إلا أن مرضه عجل بالصلح ، ففارق العراق ، وتوفي في طريقه. وكان ولي عهد إيران عباس ميرزا هاجم جهة الاناضول. ولو لا حروب روسية لأزعجت هذه الدولة العراق لذا عقدت سنة 1238 ه‍ معاهدة صلح على أساس معاهدة نادر شاه ، وأيدتها واتفقت مع الدولة العثمانية ضد روسية سنة 1245 ه‍ (1). وتوفي فتح علي شاه بعد هذا العهد في 19 جمادى الآخرة سنة 1250 ه‍ ـ 1834 م.
    3 ـ إمارة آل سعود (2) :
    غالب عشائر العراق من نجد. وصلة الدم مشهودة. وكانت نجد
    __________________
    (1) تاريخ لطفي ج 3 ص 20 وص 234.
    (2) تكونت إمارة (آل سعود) أيام سعود ـ وكانت محدودة ضيقة ، وتوفي سعود سنة 1137 ه‍ ، فخلفه ابنه الأمير (محمد) وفي أيامه كانت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التميمي لمذهب السلف فناصره الأمير محمد بن سعود ، وتوسعت هذه الإمارة بتوسع الدعوة وانتشارها في أنحاء نجد وما والاها.

    متعددة الإمارات وفي اضطرابات بالغة الحد تنتابها الفتن من كل صوب. وبينا هي في هذه الحالة إذ ظهر عالم حريص على الدين والتبشير به فلم يبال بما رأى من اضطهاد. وهو الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، فوجد أذنا صاغية من كثيرين من جهة. ومعارضة قوية من أخرى. سار سيرة شيخ الإسلام ابن تيمية في الإصلاح وبدأت دعوته بعد وفاة والده سنة 1153 ه‍ ، ووصلت إلى العراق في أواسط سنة 1155 ه‍ في كتاب أرسله إلى البصرة فرد عليه أحد علماء البصرة الشيخ أحمد بن علي القباني البصري في شوال منها. وفي خلال هذه الدعوة طوح بنفسه عام 1158 ه‍ إلى الدرعية. وكان أميرها آنئذ محمد بن سعود فطلب منه نصرته. ولما رأى منه آثار النجدة والحرص على بث العقيدة وافقه ، وتعهد له.
    ومن ثم قويت دعوته ، وزادت بأتباعه قوة ابن سعود. وهذا بدء نشاط هذه الإمارة وقوتها بعد أن كانت محدودة ضيقة فاتصلت بعقيدة السلف ولازمتها ، وبذلك سيطرت على جميع أنحاء نجد. وتوفي الأمير محمد بن سعود سنة 1179 ه‍ ـ 1765 م ، وخلفه ابنه عبد العزيز. وهذا قتل في أواخر رجب سنة 1218 ه‍ ـ 1804 م. ثم صار ابنه سعود المتوفى في 11 جمادى الأولى سنة 1229 ه‍ ـ 1814 م. ثم نال الإمارة عبد الله ابن سعود المتوفى سنة 1233 ه‍ ـ 1817 م. ثم تركي ابن أخي سعود وتوفي سنة 1249 ه‍ ـ 1833 م وانتهى عهد المماليك.
    وبدأت دعوتهم أيام الوزير سليمان باشا الكبير وذلك بإرسال رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب. فأجاب عليها السيد عبد الله الراوي. وهذه رد عليها حفيد ابن عبد الوهاب. وكانت حوادث الوزير الحربية في العراق مناصرة للدولة ، فتولدت المشادة ، وذهب عبد العزيز بك الشاوي إلى نجد للمفاوضة. بقي نحو سنتين من سنة 1216 ه‍ وبسببه دخلت هذه العقيدة العراق. وكانت معلومة قبل الشيخ محمد بن عبد الوهاب وهي عقيدة السلف. وإجازات العلماء تؤيد ذلك كما أن عقيدة

    ابن خزيمة معروفة في بغداد واختصرت باسم (اتحاف الأخيار). أوضحت ذلك في
    (تاريخ العقيدة الإسلامية في العراق). والمؤلفات كثيرة في الانتصار لهم ومثلها في التحامل عليهم. والأكثر على قبولها. والمخالفون كان همهم إرضاء الدولة ، رأوا من قيامها عليهم وحربها لهم ... وأثرت في الترك وفي الأقطار العربية والإسلامية بنجاح. حتى في ايران ... وقوتها في الهند. ثم صارت في الترك. والعرب أقرب لقبولها.
    خاتمة
    (في هذا العهد)
    كانت الإدارات المتوالية في العراق لم تتدخل في الجزئيات ولم تتسلط بشدة إلا أيام المماليك سيطرت الحكومة على الأهلين كثيرا بحيث صارت عبئا ثقيلا وتحاول تقليل العلاقات بالدولة ومن ثم شعرت الدولة بوطأتهم لكنها كانت تتحاشى الغائلة وتتجنب إشعال نار الفتنة بسبب أن الغوائل انتابتها من كل صوب ...
    ومع هذا جربت تدابير مهمة للقضاء عليهم مرارا فلم تنجح ولم تقدر أن تلح حذرا من توليد غائلة خارجية والعراق مهدد بإيران. فكان سكوتها لأمر اضطراري فاختارت أهون الشرين ...
    وكان أشدهم وطأة سليمان باشا الكبير وداود باشا فالأول امتدت سطوته إلى خارج العراق ، وحاول أن تكون السلطة خالصة للمماليك وحدهم. والآخر داود باشا غلب عليه الحرص وطمح إلى الاستقلال. لذا نظم الجيوش ورتب العساكر المعلمة لا سيما بعد واقعة ايران ... وسعى جهده لتوفير الخزانة. وراعى جلب خواطر بعض الأهلين في عمارات دينية قام بها ... ليظهر أنه من أهل الصلاح والتقوى ، وليجلب

    العوام البسطاء وكان شديدا قاسيا على الباقين فصار يخشاه القوم ... كما أنه حاول التسلط على الموصل والتدخل في شؤونها.
    وترجح إدارة المماليك من جهة ايجاد النظام واستتباب الأمن في غالب الأحيان. وما إلى ذلك من مراقبة السلطة من جهة ، والمعرفة بالقطر وما فيه من عشائر وأهلين بخلاف الولاة السابقين. لم يعلموا عنه شيئا ، فكانوا يعودون كما جاؤوا في جهل أو عجز وإن المتنفذين كانوا يغلون أيديهم ولا يدعونهم يتدخلون في جميع الشؤون.
    قال الأستاذ سليمان فائق :
    «إن الخطة العراقية لم تصل إلى أيدي أصحابها من زمن العباسيين إلى اليوم. فصارت تعد من أردأ البقاع. وهذا كل ما استطيع بيانه بكمال الأسف. تمادى الجور والعسف فبدل حسنها بالسوء ، وحول أنسها ولطافتها بالوحشة والخشونة. وهذه الحالة صارت تظهر للأهلين أنها المثلى ، فصاروا يرون الجهل أمرا مقبولا ، وعادوا لا يشعرون بما لحقهم من الانحطاط ... وإن الدولة كانت ترى المخلص ذليلا ، والخائن المهين في أعلى المراتب ، وأرقى المنازل ... مما أدى إلى فتور الهمم بل موت العزائم.
    والعراقيون أكثرهم أهل بادية ... وسكان المدن عبيد القفا من أعوام كثيرة ، فالذل مسيطر ، وضارب أطنابه ، نسي هؤلاء لذة الحرية فهم البائسون حقا في حين أن من هؤلاء من يصلح للتربية ويليق أن ينال منزلة رفيعة لما وهبوا من الذكاء والفطنة إلا أن الأغراض لم تمكنهم من عمل مرض فخارت القوى وذلت النفوس دون نيل مطلوب ، والأكثر ظلوا خائبين خاسئين ... الخ» اه (1).
    __________________
    (1) مرآة الزوراء.

    هذا ، وسياسة الحكومة القضاء على من يظهر بكفاءة ومقدرة لتبقى الحالة لهم في عز وصولة دائما وفي سيطرة مستمرة. ولكن لم تدم الأحوال وإنما أصاب هؤلاء ما أصاب غيرهم. وعادت إدارة الدولة مباشرة ولم تلبث أن صارت أردأ وأتعس فكتب الشقاء على هذا القطر فلم ينفك عنه ... وللانتباه قيمته في لم الشعث ... ولله إرادات. وهو ولي الأمر.
    تمّ المجلد السادس ويتلوه المجلد السابع
    يبحث في وقائع العراق من سنة 1247 ه‍ ـ 1831 م
    إلى سنة 1335 ه‍ ـ 1917 م.
    من سياسية وثقافية وعشائرية وصلات بين الأقطار
    المجاورة وحروب ومعاهدات ...

    الفهارس العامة
    1 ـ فهرس الأعلام
    2 ـ فهرس الشعوب والقبائل والنحل
    3 ـ فهرس المدن والأماكن
    4 ـ فهرس الكتب
    5 ـ فهرس الألفاظ الدخيلة والغريبة
    6 ـ فهرس الصور
    7 ـ فهرس الموضوعات


    1 ـ فهرس الأعلام
    حرف الألف
    آزاد خان الأفشاري : 54
    إبراهام اليهودي : 66
    إبراهيم (الإمام) : 70
    إبراهيم آغا : 351
    إبراهيم أفندي : 119
    إبراهيم باش إسكي : 178
    إبراهيم باشا : 295
    إبراهيم باشا : 34 ، 107 ، 108 ، 114 ، 119 ، 121 ، 125 ، 126 ، 127 ، 128 ، 142 ، 167 ، 169 ، 181
    إبراهيم الزعفراني : 327
    إبراهيم زهدي الكتخدا : 39
    إبراهيم بن عفيصان : 151 ، 152 ، 153
    إبراهيم باشا القبطان : 30 ، 31
    إبراهيم القزويني : 327
    إبراهيم القوشجي : 365
    إبراهيم متسلم البصرة : 189
    إبراهيم المحمود : 131
    ابن تيمية (شيخ الإسلام أحمد) : 184 ، 381 ابن حجر الهيتمي : 76
    ابن حريميس : 297
    ابن خزيمة : 382
    ابن زهير : 324 ، 325
    ابن قعيشيش (كعيشيش) : 296
    ابن هذال : 296 ، 300 ، 325
    أبو بكر آغا : 353 ، 357 ، 360 ، 364 ، 370
    أبو الحسن بن محمد گلستانة : 16
    أبو عبد الرحمن زين العابدين : 207
    أبو الفتح خان : 379
    أحمد آغا : 22
    أحمد آغا الحجازي : 144
    أحمد آغا السلحشور : 21
    أحمد آغا ابن طيفور : 91
    أحمد آغا بن محمد خليل : 57 ، 59 ، 89 ، 90 ، 92 ، 93 ، 98 ، 102
    أحمد الأحسائي : 339
    أحمد أفندي : 22 ، 24 ، 369
    أحمد باشا : 44 ، 50 ، 54 ، 55 ، 56 ، 57 ، 58 ، 59 ، 61 ، 67 ، 79 ، 80 ، 88 ، 89 ، 90 ، 91 ، 92 ،


    93 ، 211 ، 217 ، 220 ، 222 ، 229 ، 326
    أحمد باشا الكهية : 25 ، 31 ، 39 ، 84 ، 118 ، 124 ، 127 ، 129 ، 132 ، 134 ، 136 ، 139 ، 141 ، 237 ، 329
    أحمد باشا والي كركوك : 34
    أحمد باشا والي الموصل : 216 ، 221 ، 223 ، 224 ، 286
    أحمد باشا الوزير : 8 ، 10 ، 18 ، 21 ، 27 ، 62
    أحمد بك : 212 ، 255 ، 269 ، 277 ، 280 ، 308 ، 312
    أحمد بك الشاوي : 117 ، 182
    أحمد بن بكر الموصلي : 201 ، 216
    أحمد جلبي : 243
    أحمد جودت باشا : 14
    أحمد خانقاه : 290
    أحمد الداماد : 25
    أحمد الزندي (العالم) : 378
    أحمد عاصم : 13 ، 14
    أحمد عبد الغني الراوي (السيد) : 377
    أحمد بن علي القاني (العالم البصري)381
    أحمد الكمركي : 25
    أحمد لطفي : 13
    أحمد المهردار: 101، 113، 114، 115 137
    أحمد واصف : 12
    أحمد الينگچري : 175 ، 176 ، 178
    الأزري : 135 إسحاق آغا : 62
    إسحاق الصراف : 346
    أسعد ابن النائب : 279
    أسعد باشا الجليلي : 206 ، 222 ، 224
    أسعد باشا : 340
    أسعد المؤرخ : 14
    أسماء لطف الله : 211
    أسماء بنت نائل عمر : 211
    إسماعيل آغا : 62 ، 230
    إسماعيل أمير الفيلية : 98
    إسماعيل التكه لي (التكرلي) : 121 ، 123
    إسماعيل الچوربه جي : 328
    إسماعيل حقي : 39
    إسماعيل الخازن : 237
    إسماعيل الراوي : 377
    إسماعيل الصفوي الشاه : 35
    إسماعيل الكهية : 39 ، 67 ، 80 ، 82 ، 85 ، 87 ، 89 ، 100 ، 101
    إسماعيل المكي : 67 ، 378
    إسماعيل النوري : 378
    الأقرع : 334
    أمان الله خان : 200 ، 203
    أمين باشا الجليلي : 66 ، 216
    أمين بن حسن الحلواني : 337
    أمين خالص (الأستاذ) : 366
    أمين بن هيبت زيور : 211
    أنور شاؤل المحامي (الأستاذ) : 266
    أوزون عبد الله باشا : 62 ، 68 ، 71
    أوزون موسى آغا : 326
    أوشار أوغلي : 21


    أيوب النبي عليه السّلام : 190
    حرف الباء
    بابا خان : 380
    باش آغا : 191
    باول هرن : 16
    البخاري : 207
    بداق خان : 109
    براك ثويني : 330 ، 331
    براك بن عبد المحسن : 143 ، 144 ، 145 ، 146 ، 148 ، 159
    براك بن غرير : 158
    برغش بن حمود : 228 ، 249 ، 250
    بكر أفندي : 217
    بكر باشا : 117
    بكر الحمام : 37
    بكر الخطاط الكاتب : 175
    بكر صوباشي : 9
    بكر بن يونس : 217
    بلينو : 305
    بندر شيخ المنتفق : 30
    بنية بن قرينس : 262
    بهاء الدين نوري (معالي الأستاذ) : 305
    بوداق خان : 241
    حرف التاء
    تركي السعود : 381
    تقي الدين القدسي : 351
    تمر باشا (تيمور) الملي : 54 ، 59 ، 61 ، 89 ، 90 ، 129 ، 130 ، 131 ، 135 ، 163 ، 164 ، 185 تيمور متصرف كركوك : 61
    تيلر المقيم البريطاني (المستر) : 358
    حرف الثاء
    ثابت بن سليمان فائق : 12
    ثاقب خضر : 283
    ثامر السعدون : 74 ، 97 ، 98 ، 147
    ثامر بن مهنا بن فضل : 331
    ثويني العبد الله : 74 ، 98 ، 100 ، 101 ، 119 ، 121 ، 123 ، 124 ، 125 ، 128 ، 140 ، 144 ، 145 ، 146 ، 147 ، 149 ، 152 ، 155 ، 159 ، 249 ، 329 ، 330
    حرف الجيم
    جاسم بك الشاوي : قاسم
    جاوش أوسطه : 178
    جبور بني خالد : 145
    جذيمة بن الأبرش : 183
    جعفر خان : 379
    جعفر العقيلي : 334
    جميل الأورفه لي : 237
    جناب أفندي : 344 ، 357
    جواد بن حمزة : 186.
    جواد عواد : 378
    جودت باشا : 379
    حرف الحاء
    حاجي سعيد بن زائل عمر : 211
    حاشي شيخ الرحمة : 198
    حالت محمد سعيد : 226 ، 227 ، 228 ،


    229 ، 230 ، 232 ، 235 ، 237 ، 238 ، 239 ، 241 ، 250 ، 252 ، 266 ، 277 ، 342 ، 343
    حبيب الشاوي : 114
    حبيبة خانم : 355
    حسن آغا آل عليش : 365
    حسن باشا : 286 ، 290 ، 345
    حسن باشا الوزير : 8 ، 10 ، 27 ، 34 ، 69 ، 79 ، 80 ، 81 ، 87 ، 88 ، 89 ، 90 ، 94 ، 97 ، 99 ، 100 ، 101 ، 105 ، 106 ، 116 ، 183
    حسن بك : 273 ، 287
    حسن بك آل شير بك : 108
    حسن بك بن أحمد آغا : 303
    حسن بك أمير الشيخان : 224
    حسن بك الجليلي : 286
    حسن خان : 108 ، 288 ، 290 ، 315
    حسن بن داود باشا : 369
    حسن الفيلي : 202
    حسن بن مشاري : 145
    حسقيل بن راحيل : 265 ، 266
    حسقيل ناجي المحامي : 265 ، 266
    حسني بك : 348
    حسين آغا الكوسة : 177 ، 178
    حسين باشا التوتونجي : 252
    حسين باشا الجليلي : 206 ، 216
    حسين البندر : 200
    حسين خان : 315
    حسين رئيس الحشامات : 357 ، 361 ، 364 ، 367 ، 369
    حسين العشاري: 50،51 70 ،89 ،103،387
    الحسين بن علي (الإمام) : 168 حسين قلي خان : 380
    حسين متسلم البصرة : 24 ، 26 ، 30
    حسين هبة : 186
    حطاب الشلال : 199 ، 200
    حكمت سليمان (فخامة الأستاذ) : 12 ، 326
    حمادي بن أبي عقلين : 262 ، 263 ، 264 ، 266 ، 267 ، 272 ، 275 ، 276 ، 277 ، 278 ، 279
    حمد البردي : 285
    حمد الحسين : 193
    حمد الحمود الخزعلي : 81 ، 103 ، 104 ، 111 ، 112 ، 119 ، 120 ، 134 ، 136 ، 141 ، 142
    حمدان القعيشيش : 296
    حمدي بك (باشا) الخازن : 368 ، 370
    حمود الثامر : 120 ، 121 ، 122 ، 123 ، 125 ، 140 ، 147 ، 148 ، 149 ، 154 ، 158 ، 168 ، 205 ، 227 ، 228 ، 231 ، 248 ، 249 ، 250 ، 251 ، 261 ، 262 ، 268 ، 270 ، 272 ، 274 ، 275 ، 277 ، 278 ، 325 ، 329 ، 330 ، 333 ، 335
    حمود الحمد : 48 ، 49
    حنيان بن مهنا : 330
    حيدر خان : 85
    حيدر قلي خان : 64
    حرف الخاء
    خالد آغا : 99 ، 117 ، 118 ، 176 ، 178
    خالد آغا ابن صالح آغا : 341


    خالد باشا : 83 ، 201 ، 202 ، 203 ، 204 ، 210 ، 211 ، 214 ، 215 ، 241 ، 243 ، 244 ، 245 ، 246 ، 247 ، 259 ، 263 ، 269 ، 272 ، 280 ، 303 ، 308
    خالد بك بن أحمد باشا : 193 ، 194 ، 195 ، 196 ، 245
    خالد الثامر : 154
    خالد القواس : 347
    خالد الكهية : 190 ، 191 ، 192 ، 209
    خالد الكيكي : 92
    خالد النقشبندي : 325 ، 338
    خان كلهر : 321
    خديجة خانم : 138 ، 139 ، 140
    خزيم بن لحيان : 148
    خسرو خان : 80
    خضر الموصلي : 253
    خلف آغا : 196
    خلف البقال : 186
    خليل آغا الخازن : 253
    خليل آغا كتخدا البوابين : 288 ، 353
    خليل (ملا) : 186
    خليل أفندي : 332
    خليل البيرقدار : 186
    خليل متسلم كركوك : 245 ، 268 ، 282
    خليل الينگچري : 38
    خورشيد باشا : 370
    حرف الدال
    داود باشا : 170 ، 171 ، 259 ، 263 ، 265 ، 267 ، 268 ، 269 ، 270 ، 271 ، 272 ، 276 ، 277 ، 278 ، 279 ، 321 ، 323 ، 327 ، 328 ، 336 ، 338 ، 341 ، 343 ، 349 ، 350 ، 351 ، 352 ، 356 ، 359 ، 361 ، 362 ، 363 ، 369 ، 370 ، 371 ، 372 ، 374 ، 376 ، 378
    داود الدفتري : 227 ، 245 ، 252 ، 255 ، 256 ، 257 ، 258
    داود بن ساسون : 266
    درويش آغا : 186 ، 258 ، 259
    درويش باش أعيان (الشيخ) : 26
    درويش باشا : 209 ، 321
    درويش القائممقام : 32 ، 251 ، 252 ، 367 ، 370
    درويش محمد آغا : 267 ، 275 ، 280 ، 281 ، 286
    الدريعي : 262
    دوده (دوه) الموسيو : 315 ، 363 ، 376
    دويحس بن مغامس : 331
    دينه بنت حسقيل : 265
    حرف الراء
    راشد بن ثامر : 250 ، 324
    راشد بن فهد : 197
    راشد بن مغامس : 158
    رستم آغا : 352 ، 362
    رستم متسلم البصرة : 252 ، 268
    رستم الكهية : 39 ، 334 ، 368 ، 370
    رسول حاوي : 323
    رضا شفق زاده (الدكتور) : 16
    رضوان آغا : 364


    رمضان (السيد) : 26
    رمضان الچوخه دار : 347
    روبين بن ساسون : 266
    روخي بن خلاف : 197
    روفايل بن عزره : 265
    حرف الزاي
    زبير باشا : 223
    زكي خان : 97 ، 98 ، 379
    زيد بن الحميدي : 296 ، 297
    زيد بن عريعر : 159
    حرف السين
    ساسون أبو روبين : 266
    سالم بن محمد آغا : 249
    سامي الأورفه لي : 237
    سبتي المحسن : 142
    سعد آغا الينگچري : 178
    سعد الدين باشا : 40
    سعد الدين جلبي : 281
    سعد الله باشا الجليلي : 240 ، 246
    سعدون (الشيخ) : 371
    سعدون آغا : 362 ، 369 ، 370
    سعدون بن عريعر : 147
    سعدي : 253
    سعود بن عبد العزيز : 143 ، 145 ، 147 ، 148 ، 150 ، 153 ، 154 ، 155 ، 156 ، 159 ، 162 ، 164 ، 165 ، 168 ، 187 ، 188 ، 189 ، 191 ، 197 ، 380 ، 381
    سعيد باشا : 251 ، 256 ، 259 ، 261 ، 262 ، 263 ، 264 ، 266 ، 267 ، 269 ، 270 ، 271 ، 272 ، 273 ، 274 ، 275 ، 277 ، 278 ، 280 ، 283 ، 292 ، 364 ، 374
    سعيد بك : 171 ، 177
    سعيد بك بن سليمان باشا : 237 ، 238 ، 246 ، 247 ، 249 ، 250 ، 252
    سعيد نفيسي (الأستاذ) : 16
    سفيان الخطاط : 359
    سلاحشور السلطان : 213
    سلطان الشاوي : 50 ، 51 ، 52
    سلطان المحمد الخزعلي : 81
    سلمان المحسن : 260 ، 261
    سليم بك : 106 ، 127 ، 167 ، 169 ، 170 ، 171 ، 176 ، 177 ، 178 ، 190 ، 195
    سليم آغا متسلم البصرة : 211 ، 227 ، 228 ، 240
    سليم أفندي : 79 ، 81 ، 82 ، 84 ، 85 ، 87 ، 88 ، 94
    سليم بابان : 26 ، 29 ، 31 ، 32 ، 33 ، 34 ، 43
    سليم جلبي : 281
    سليم الثالث (السلطان) : 12 ، 13 ، 332 ، 376
    سليم محمد باشا : 351
    سليمان آغا : 58 ، 59 ، 62 ، 63 ، 65 ، 72 ، 73 ، 74 ، 75 ، 76 ، 79 ، 97 ، 98 ، 100 ، 124
    سليمان آغا متسلم شوشتر : 64
    سليمان أفندي : 264
    سليمان باشا : 26 ، 29 ، 31 ، 33 ،


    34 ، 43 ، 44 ، 54 ، 55 ، 61 ، 156 ، 157 ، 159 ، 171 ، 175 ، 179 ، 180 ، 183 ، 196 ، 203 ، 206 ، 207 ، 208 ، 209 ، 210 ، 211 ، 212 ، 213 ، 214 ، 215 ، 216 ، 217 ، 220 ، 221 ، 223 ، 224 ، 226 ، 227 ، 228 ، 229 ، 230 ، 235 ، 237 ، 240 ، 241 ، 245 ، 247 ، 250 ، 255 ، 259 ، 271 ، 272 ، 292 ، 309
    سليمان باشا بن إبراهيم باشا : 268 ، 292 ، 303 ، 308
    سليمان باشا الأول : 13
    سليمان باشا الكبير : 16 ، 103 ، 235 ، 237 ، 250 ، 251 ، 271 ، 273 ، 381 ، 382
    سليمان باشا الموصلي : 71
    سليمان باشا الوزير : 17 ، 18 ، 19 ، 21 ، 24 ، 25 ، 27 ، 29 ، 35 ، 38 ، 39 ، 40 ، 45 ، 46 ، 82 ، 105 ، 126 ، 184 ، 232 ، 240 ، 376
    سليمان بك آل يحيى : 31
    سليمان بك وكيل الكهية : 193 ، 195 ، 198 ، 204
    سليمان بك أمير درنة : 33
    سليمان بك بن عبد الرحمن باشا : 243
    سليمان الجليلي : 61 ، 62 ، 66 ، 100 ، 101 ، 103 ، 216 ، 217
    سليمان الخازن : 361
    سليمان الشاوي : 38 ، 40 ، 43 ، 46 ، 48 ، 49 ، 51 ، 70 ، 85 ، 86 ، 87 ، 88 ، 90 ، 92 ، 93 ، 94 ، 101 ، 103 ، 106 ، 112 ، 113 ، 114 ، 115 ، 117 ، 118 ، 119 ، 120 ، 122 ، 123 ، 124 ، 129 ، 132 ، 134 ، 135 ، 137
    سليمان العثمان : 42
    سليمان عزي : 12
    سليمان الغنام : 352 ، 353 ، 355 ، 356 ، 357 ، 360 ، 363 ، 364
    سليمان فائق (الأستاذ) : 12 ، 13 ، 18 ، 139 ، 171 ، 207 ، 226 ، 277 ، 326 ، 343 ، 359 ، 383
    سليمان الفخري : 200 ، 222 ، 223 ، 252
    سليمان قائممقام مندلي : 39
    سليمان القرماني : 101
    سليمان كهية البوابين : 240 ، 249 ، 326
    سليمان الماجد : 151 ، 156
    سليمان الميراخور : 334 ، 335 ، 346 ، 347 ، 353 ، 354
    السياهبوش : 378
    سمحة بنت حسقيل : 265
    حرف الشين
    شاطي : 245
    شابر الترجمان : 349 ، 351
    شاكر بك : 341
    شاني زاده : 14
    شبيب الحبيب : 161
    شبيب الدرويش : 289
    شخير الغانم : 298 ، 334
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
     
    موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    » تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي
    » موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين العثماني للعزاوي
    » موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج2
    » موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4
    » موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: 29-منتدى -موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين العهد العثماني الثاني-
    انتقل الى: