حقوق الإنسان في حضارات العراق القديمة
يعدّ العراق مهد الحضارات البشرية وأبرزها اهتماما بحقوق الإنسان ،إذ يذكر المختصون بتاريخ العراق القديم بأن أولى القوانين المكتوبة قي تاريخ الإنسانية قد ظهرت هناك على اثر الأعراف والتقاليد التي من أبرزها هو وجود مجلس للشيوخ ،من ابرز اختصاصاته هو القيام بتأليف القوانين بناءا على الموروث العرفي الذي درج عليه الناس في إدارة شؤونهم ، ووصفت هذه القوانين بالتطور الذاتي على صعيد نظرية حقوق الإنسان. فيظهر مقدار الرقي الذي وصلت إليه هذه الحضارة،حيث أشارت النقوش الأثرية لألواح القوانين ان حقوق الإنسان لم تكن مجهولة في الفكر القانوني والعرفي ،فالحرية والعدالة والمساواة ووضع التشريعات الكفيلة بحمايتها كانت من الأفكار الأساسية التي جسدتها القوانين المكتوبة، ويذكر انه أقدم وثيقة لحقوق الإنسان كانت سومرية .
وان القانون والعدالة والحرية من أساسيات الفكر العراقي القديم ، وان كلمة حرية (أماركي) قد وردت في نص سومري لأقدم وثيقة عرفها العالم القديم تشير صراحة إلى أهمية حقوق الإنسان .( وتأكيدها على حريته وبرفضها كل ما يناقض ذلك وحظيت حقوق الأفراد في المجتمع السومري بمساحة واسعة وإسهامات عديدة ومهمة تدعم الأساس القانوني والدستوري لحقوق الإنسان،وفي اعتقاد العراقيون القدامى إن إقرار العدل والنظام من أهم واجبات الملك لأن الآلهة تحب العدل وتمقت الظلم ، كما يعتقدون إن: (الملك اذا لم ينشر العدل فان رعيته ستثور عليه ومملكته ستتهاوى ومصيره سينقلب والبلية تلاحقه) .
وفيما يتعلق بالحقوق السياسية فأن الوثائق التاريخية تؤكد على أن نظام الحكم في العراق القديم لم يكن مطلقا ،إذ كانت هناك مجالس عامة تشارك الحكام في ممارسة السلطة ،فالبرلمان العراقي القديم كان مكون من مجلسين هما مجلس الشيوخ ومجلس المحاربين .وقد ظهر عمل إصلاحي وأربعة قوانين مدونة في الحضارات العراقية القديمة ،تتضح فيها بعض ملامح حقوق الإنسان، والجدير بالذكر ان هذه المدونات أو القوانين قد سميت بأسماء الملوك الذين وضعوها وهي:
اصلاحات اوركاجينا:
عمل إصلاحي يكاد يكون قانونا لولا خلوّه من المقدمة والخاتمة، وهي الإصلاحات المنسوبة إلى العاهل السومري (اوركاجينا) (حاكم لكش في القرن الرابع والعشرين ق.م)، والتي تعد أقدم وثيقة تاريخية تشير صراحة إلى أهمية حقوق الإنسان، والتأكيد على حريته ،فقد عثر في مدينة الشطرة جنوب العراق على لوح سومري يضم هذه الإصلاحات والتي تدعو للقضاء على التمايز الاجتماعي بين الفقراء والأغنياء،.والى وضع القوانين التي توفر للشعب الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة ،ومنع الأغنياء والكهنة والمرابون من استغلال الناس الفقراء ووضع حدا لاستحواذ طبقة الحكام على أملاك المعابد ، وتحديد سلطات الطبقة الحاكمة ، والعمل على معالجة الجرائم ، والاهتمام بالأحوال الشخصية وغير ذلك .
۱- قانون اورنمو :اورنمو هو مؤسس سلالة أور الثالثة (2113-2095ق.م) وعالج قانونه المكون من 31 مادة عدد من حقوق المرأة المتزوجة و المطلقة و مسالة الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وارث ومعالجات لأحوال العبيد و حالة هروبهم و عتقهم وانه وطد أمر العدالة و رفع الظلم و البغضاء .ولقد لقب ب (منظم العدالة)في سومر و اكد ,و ابنه العاهل اوشكي لقب بملك العدالة الذي قدم نفسه باعتباره الذي جعل العدالة تسود طبقا للقوانين .
۲- قانون لبت عشتار. هو خامس ملوك سلالة أيسن الأمورية حكم في بداية العهد البابلي القديم ، وقد دون قانونه القديم عام (1934-1924ق .م) وتضمن المقدمة والخاتمة وسبع وثلاثين مادة ، . وان هذا الملك قد وطدّ العدالة ونشر القانون المكتوب ،ومنع الظلم وأنصف الفقير وأعان الضعيف ونظمَّ حقوق الناس ،وشؤون العبيد ،ونظمَّ الضرائب وشؤون المرأة والزوجة وحقوق الأولاد والإرث ،والقضاء على الأوضاع المتردية وسوء الإدارة وفساد الموظفين .
۳- قانون مملكة اشنونا. وهذا القانون من أقدم القوانين المكتوبة باللغة الأكدية ،يسبق قانون حمو رابي ب ( ٥۰ سنة) وضعه الملك (بلالاما) عام ( ۱۹۹۲ ق.م) ،وهو احد ملوك اشنونا البارزين. تصل مواد هذا القانون إلى ۷۰ مادة قانونية تضمنت عدد من القوانيين مثل ،قانون الأسرة ،وحقوق الزوجة والزوج ،وحق الزوج العائد من الحرب باستعادة زوجته وان كانت قد تزوجت وأنجبت ،وحقوق الأسير ومصير أمواله ،وتنظيم العقود القانونية والأحوال الشخصية.
٤- قانون حمو رابي.
وضع هذا القانون الملك الشهير حمو رابي أشهر ملوك بابل، وهو مؤسس سلالة بابل ۱٥۹٤ ق.م وتعدّ شريعة حمو رابي وثيقة قانونية مهمة في حقوق الإنسان والحريات الأساسية، لأنها مثلت أول مدونة وضعية للقانون الجنائي، حددت قواعد العدل والإنصاف ، وتضمنت ما يرفع الحيف والظلم عن الأفراد بشكل عام والمرأة بشكل خاص .وفي عهد حمو رابي تحسن وضع العبيد ، فأصبحت لهم ذمة مالية مستقلة عن السيد، ولهم حق التقاضي أمام القضاء كمدعي أو كمدعى عليه . وقد تم حصر المواد القانونية لشريعة حمو رابي بخمسة أبواب رئيسة تحاكي تبويب احدث القوانين والتشريعات ،مثل أحكام التجارة ،وأحكام الزواج ،وأحكام الأراضي والبيوت، وأحكام ذوي المهن ،والزراعة والري ،وأحكام أجور العمل وبدل الإيجار وأحكام الرقيق. وقد مثلت هذه القوانين قمة ما وصلت إليه وحدة البلاد السياسية والحضارية، وقد أصدرها في أواخر حكمه وعهده،ووصفت بأنها أفضل ما وصلت إليه القوانين العراقية القديمة من حيث النضج والصياغة القانونية.
ورغم أن بعض الحضارات الشرقية القديمة أوجدت قواعد قانونية تنظم المجتمع بشكل راقٍ جداً، وتحفظ أمن المجتمع في إطار من العدل، إلا أنها مع ذلك لم تتخلص من مسحة القسوة لدى تطبيق تلك القواعد، كما هو الحال في شريعة حمورابي. حيث كانت الكثير من الأحكام غير متناسبة – في المعايير السائدة حالياً – مع الحالات والوقائع التي تنطبق تلك القواعد بشأنها، رغم أن السمة العامة لذلك النظام القانوني تؤكد احترام حقوق الإنسان المقررة في التشريع بشكل فعال .