يُسْراً ، وَلَمْ يَدَعْ لاَحَـد مِنَّا حُجَّةً وَلاَ عُذْراً ، فَالْهَالِكُ مِنَّا مَنْ هَلَكَ عَلَيْهِ (29) وَالسَّعِيدُ مِنَّا مَنْ رَغِبَ إلَيْهِ ، وَالْحَمْد للهِ بِكُلِّ مَا حَمِدَهُ بِهِ أدْنَى مَلائِكَتِهِ إلَيْهِ وَأَكْرَمُ خَلِيقَتِهِ عَلَيْهِ ، وَأرْضَى حَامِدِيْهِ لَدَيْهِ ، حَمْداً يَفْضُلُ سَآئِرَ الْحَمْدِ كَفَضْلِ رَبِّنا عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ ، ثُمَّ لَهُ الْحَمْدُ مَكَانَ كُلِّ نِعْمَة لَهُ عَلَيْنَا وَعَلى جَمِيعِ عِبَادِهِ (30) الْمَاضِينَ وَالْبَاقِينَ ، عَدَدَ مَا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ مِنْ جَمِيعِ الاشْيَآءِ ، وَمَكَانَ كُلِّ وَاحِدَة مِنْهَا عَدَدُهَا أَضْعافَاً مُضَاعَفَةً أَبَداً سَرْمَداً إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، حَمْداً لاَ مُنْتَهَى لِحَدِّهِ وَلا حِسَابَ لِعَدَدِهِ وَلاَ مَبْلَغَ لِغَايَتِهِ وَلا انْقِطَاعَ لاَمَدِهِ ، حَمْدَاً يَكُونُ وُصْلَةً إلَى طَاعَتِهِ وَعَفْوِهِ ، وَسَبَباً إلَى رِضْوَانِهِ وَذَرِيعَةً إلَى مَغْفِرَتِهِ وَطَرِيقاً إلَى جَنَّتِهِ ، وَخَفِيْراً مِنْ نَقِمَتِهِ ، (31) وَأَمْناً مِنْ غَضَبِهِ ، وَظَهِيْراً عَلَى طَاعَتِهِ ، وَحَاجِزاً عَنْ مَعْصِيَتِهِ ، وَعَوْناً عَلَى تَأدِيَةِ حَقِّهِ وَوَظائِفِهِ ، حَمْداً نَسْعَدُ بِهِ فِي السُّعَدَاءِ (32) مِنْ أَوْلِيَآئِهِ ، وَنَصِيرُ بِهِ فِي نَظْمِ الشُّهَدَآءِ (33) بِسُيُوفِ أَعْدَائِهِ ، إنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيدٌ.
(1) قوله عليه السلام : الحمد لله
أي : جنس الحمد وكلّ حمد ودميع المحامد لله سبحانه بالحقيقة ، إذ ما من خير بالذات أخر خير بالعرض في نظام الوجود طولاً أو عرضاً (1) إلّا وهو مستند إليه سبحانه بوسط أو لا بوسط. فقد جعل اختصاص الجنس دليلاً على اختصاص جميع الأفراد ، سلوكاً لطريقة البرهان ، وذلك باب من فنّ البلاغة.
إذ معناه : ذات كلّ متقرّر ووجود كلّ موجو لله ، كما قال جلّ سلطانه (لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) (2) إذ حقيقة الحمد هو الوصف بالجميل ، وكلّ تقرّر ووجود ينطق بلسان طباع الإمكان أن مفيضه ومبدعه هو [الحيّ] (3) القيّوم الحقّ المتقرّر بنفسه الموجود بذاته.
فتكوّن هويّة كلّ ذي هويّة حمداً له سبحانه (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ). (4)
أو المراد به عالم الحمد ، أعني : عالم الأمر ، ويقال له : عالم التسبيح والتحميد ، وهو عالم المجرّدات. إذ كلّ موجود بلسان ماله من الكمالات المطلقة يصف جاعله الحقّ بذلك الكمال ، ويشهد أنّه هناك على أقصى ما يتصوّر من التمام والبهاء وعالم الخلق لا خلاق له من الكمالات المطلقة إلّا الوجود ، فيكون عالم الأمر كلّه هو حقيقة الحمد كلّه. وبسط القول هناك على ذمّة سدرة المنتهى.
__________________
1. في «ن» بطولاً وعرضاً.
2. سورة البقرة : 255.
3. الزيادة من «ن».
4. سورة الاسراء : 44.
(2) قوله عليه السلام : الأوّل بلا أوّل
الأوّل ضدّ الآخر. وأوّل أصله أوءل على أفعل مهموز الوسط ، كما ذهب إليه الجوهري (1). والعلماء المراجيح في فنون علم الأدب لا ووءل على فوعل كما زعمه بعض الأدبيّين.
فقوله : عليه السّلام «بلا أوّل» : إمّا بفتح اللام على النصب ، كما في رواية «س» على أنّه أفعل التفضيل ، أو أفعل الصفة على اعتبار الوصفيّة. وإمّا بالتنوين على الجرِّ ، كما في أصل الرواية على أنّه أفعل الصفة ، منسلخاً عن معنى الوصفيّة.
وضابط القول على ضرب من التفصيل : أنّك إذا أخذته أفعل التفضيل لم يسعك أن تصرفه بوجه من الوجوه ؛ إذ لا يتصوّر أن ينسلخ حينئذ عن كونه وصفاً لموصوف أصلاً ، وليس يسوغ استعماله إذن الّا بتقدير «من» واعتبار المفضّل عليه في جهة القول ، أو في طيّ الطيّة.
وأمّا إذا أخذته أفعل الصفة ، فإن اعتبرت فيه معنى الوصفيّة وجعلته وصفاً امتنع أن ينصرف ، تقول : حججت عاماً أوّل وفي عام أوّل بالنصب فيهما ، وهذا عامّ أوّل بالرفع.
وإن سلخته عن الوصفيّة واستعملته على أنّه ظرف ، كان مبنيّاً على الضمّ أبداً ، كما [في] سائر الظروف المقطوعة بالإضافة ، فتقول : إن أتيتني أوّل فلك كذا.
وإذا استعملته بمعنى البداءة والابتداء صرفته وأعربته ، تقول : ليس له أوّل وآخر على تنوين الرفع ، أي : ليس لوجوده بداءة وابتداء ، ولا نهاية وانتهاء.
وتقول في محلّ النصب : أثبت له أوّلاً وآخر ، أي ابتداءاً وانتهاءاً ومبدءاً ومنتهىً. وفي مقام الجرّ : الدائرة خطّ مستدير من غير أوّل وآخر ، أي : من غير بداية ونهاية ومبدأ ومنتهى بحسب الوضع.
فإذن قولك : قلت لك أوّلاً وآخراً ، معناه ابتداءاً وانتهاءاً ، والنصب على التمييز ، أو على
__________________
1. في الصحاح : 5 / 1838.
أنّه منزوع الخافض ، لا على الظرف كما يتوهّم.
قال في مجمل اللغة : الأوّل ابتداء الشيء. (1) وربّما يستعمل بمعنى آخر وينصرف أيضاً ، كما تقول : أنعمت عليّ أوّلاً وآخراً. أي : قديماً وحديثاً ، وكذلك أفعل الصفة إذ جرّد عن الوصفيّة ، وجعل علماً شخصيّاً مثلاً ، كان ممتنع الصرف.
ثمّ إذا نكّر وانسلخ عن العلميّة انصرف ، ونوّن على النصب أو الرفع أو الجرّ ، تقول : رأيت أحمداً من الأحمدين ، وجاءني أحمد من الأحمدين ومررت بأحمد من الأحمدين.
وإذا تحقّقت ما تلوناه عليك استبان لك مغزى قول المغرب : فعلت هذا عاماً أوّل على الوصف. وعام الأوّل على الإضافة. وأيّ رجل دخل أوّل فله كذا ، مبنيّ على الضّمّ ، كما في من قبل ومن بعد ، ومعناه دخل أوّل كلّ أحد ، وقبل كلّ أحد ، وموضعه باب الواو. انتهى.
وكذلك قول المفردات والفائق وغيرهما : ويستعمل أوّل ظرفاً فيبنى على الضمّ ، نحو جئتك أوّل ، ويقول : بمعنى قديم نحو جئتك أوّلاً وآخراً ، أي : قديماً وحديثاً. انتهى. (2)
وفي أساس البلاغة : جمل أوّل وناقة أوّلة إذا تقدّما الإبل. (3)
وفي الصحاح : إذا جعلته صفة لم تصرفه ، تقول : لقيته عاماً أوّل. وإذا لم تجعله صفة صرفته ، تقول : لقيته عاماً أوّلاً. قال ابن السكّيت : ولا تقل عام الأوّل ، وتقول : ما رأيته مذ عام أوّل ، فمن رفع الأوّل جعله صفة لعام ، كأنّه قال : أوّل من عامنا. ومن نصبه جعله كالظرف ، كأنّه قال : مذ عام قبل عامنا ، وإذا ضممته على الغاية ، كقولك فعلته قبل. وإن أظهرت المحذوف نصبت فقلت : أبدأ به فعلك ، كما تقول قبل فعلك. انتهى. (4)
وفي القاموس أيضاً مثله. (5)
ثمّ فاضل تفتازان مشى في هذا الممشى ، وبنى على هذا الأساس في كتاب التلويح وفي حاشية الكشّاف ، لكنّه غبّب في الفحص تغبيباً ، وفرّط في التأويل تفريطاً ، إذ نقل قول
__________________
1. مجمل اللغة : 1 / 107.
2. مفردات الراغب : 31.
3. أساس البلاغة : 25.
4. الصحاح : 5 / 1838.
5. القاموس : 4 / 62.
الجوهري فحسب أنّ أوّلاً عنده محمول على الظرف ، وذلك إن هو إلّا حسبان سخيف.
فمن المنصرح في كلام النحوي أنّه حيث يكون أوّلاً مستعملاً على الظرف مع انقطاع الاضافة ، إنّما يصحّ فيه البناء على الضمّ لا غير.
فإذا قلت : فعلت كذا أوّلا لم يتصحّح حمله على الصفة ولا على الظرف.
إذ على الأوّل يتعيّن أوّل بالنصب من جهة منع الصرف ، وعلى الثاني أوّل بالرفع للبناء على الضمّ ، ولا يسوغ أوّلاً بالتنوين على الظرف أصلاً ، كما هو المتّضح من قول الجوهري وغيره ، ونحن قد أوضحناه فلا تكوننّ من الغافلين.
(3) قوله عليه السلام : بلا أوّل
بلا أوّل في الأصل منوّناً على الجرّ ، بجعله أفعل الصفة لا أفعل التفضيل ، وفي رواية «س» بالفتح من غير تنوين ، لاعتباره أفعل التفضيل.
(4) قوله عليه السلام : بلا آخر
بتنوين الجرّ وكسر الخاء المعجمة ، أي : من غير آخر يكون بعده ، وفي رواية «س» فتح الراء ، وأمّا مع فتح المعجمة على أفعل التفضيل ، أو كسرها على اعتبار لا لنفي الجنس ، ثمّ إدخال حرف الجرّ على الجملة ، كما سياقة الأمر في إيجاب سلب المحمول من لحاظ التفضيل ، دون الإيجاب العدولي على اللحاظ الإجمالي ، فليتعرّف.
(5) قوله عليه السلام : لكلّ روح
في رواية «س» لكلّ روح وزوج معاً. أي : على رواية «س» يقرأ لكلّ. روح تارة ، ولكلّ زوج اُخرى ، والزوج يطلق ويراد به الشكل. والمراد بالزوج هنا الصنف أو النوع لا المتزاوجان.
فالمعنى : لكلّ نوع وصنف ، ومنه في التنزيل الحكيم : (وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا) (1) أي : أنواعاً وأصنافاً.
__________________
1. سورة النبأ : 8.
قال ابن الأثير : الأصل في الزوج الصنف ، أو النوع لكلّ شيء. (1)
وفي رواية من عدا «س» روح ، بالراء المضمومة والحاء المهملة مكان زوج ، والمعنى : جعل لكلّ روح ، أو لكلّ صنف من أصناف المخلوقات.
وربّما يسبق إلى بعض الأذهان على رواية «س» جواز إرادة الزوج بالمعنى المشهور ، بناءاً على أنّ كلّ ما خلقه الباري تعالى جعله زوجين اثنين ، كما قد نطق به تنزيل القرآن الحكيم (2) ، ولقد اقترّ في مقرّه في علم ما فوق الطبيعة أنّ كلّ ممكن زوج تركيبيّ.
(6) قوله عليه السلام : لا ينقص من زاده ناقص
على صيغة المعلوم من نقصه ينقصه فهو منقوص وهذا ناقص إيّاه ، أي : من زاده الله سبحانه منهم لا ينقصه ناقص أصلاً ، ومن نقصه عزّ وجلّ لا يزيده زائد أبداً.
أو من نقص ينقص فهو ناقص ، أي : من زاده الله لا ينقص ، ومن نقصه لا يزداد أبداً.
وفي رواية «س» ينقص على صيغة المجهول ، والمعنى كما ذكر.
(7) قوله عليه السلام : يتخطّأ إليه بأيّام عمره
يتخطّأ بالهمز ، وفيه وجهان :
الأوّل : ليس هو من المعتلّ بألف لينة منقلبة عن الواو تفعّلاً من الخطوة يقال : تخطّاه يتخطّاه وتخطّيته واتّخطّاه تخطّياً ، أي : تجاوزه وتعدّاه وتعدّيته وأتعدّاه وتعدّياً. بل هو من المهموز تفعّلاً من الخطأ بالهمز ، ولكن على تضمين الخطوة والتخطّي.
والمعنى : يمضى بقوّة وعدد ، ويذهب في إسراع واستعجال ، متّخذاً في إسراعه واستعجاله من أيّام عمره خطوات ، ومن أعوام دهره أقداماً ، فيتخطّأ متخطّياً إليه بأيّامه وأعوامه ، فيسرع في ذهابه بخطواته وخطاه التي هي أيّام عمره ، وأقدامه التي هي أعوام دهره ، فيخلف كلّ ما قبله وأمامه وراء ظهره.
وإنّما كان بناء التفعّل من الخطأ بمعنى الاستعجال ومجاوزة الحدّ ، لما أنّه قلّما يخلو السرعة
__________________
1. نهاية ابن الأثير : 2 / 317.
2. وهو قوله تعالى (وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا).
والعجلة من الخطّ والغلط والتعدّي والشطط.
قال العلّامة الزمخشري في أساس البلاغة : تخطّأت بالمسألة وفي المسألة أي : تصدّيت له طالباً لخطئه. وتخاطأته النبل : تجاوزته. وناقتك هذه من المتخطّئات [الجيف] ، أي : تمضي لقوّتها وتخلف وراءها التي سقطت من الحسري. وخطأت القدر بزبدها عند الغليان : قذفت به. (1)
وفي القاموس : وخطأت القدر بزبدها كمنع رمت تخطأه. (2)
وتخطّاه وأخطأه : أي : تجاوزه ، ومنه في الحديث : «ما أصابك لم يكن ليتخطّاك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك».
قال الراغب في المفردات : وجملة الأمر أنّ من أراد شيئاً واتّفق منه غيره يقال : أخطأ ، وإن وقع منه كما أراده يقال : أصاب ، ولمن فعل فعلاً لا يحسن أو أراد إرادة لا تجمل يقال : أخطأ. ولهذا يقال : أصاب الخطأ وأخطأ الصواب. وأصاب الصواب وأخطأ الخطأ. وهذه اللفظة مشتركة كما ترى متردّدة بين معاني يجب لمن يتحرّى الحقائق أن يتأمّلها. انتهى. (3)
الثاني : أصله من المعتلّ لا من المهموز ، فالهمزة منقلبة عن حرف العلّة لا أصليّة ، وثمرتها التنبيه على تضمين معنى الخطأ. والمعنى : يتخطّأ إليه بأيّام عمره متخطّياً ، أي : من غير تعمّد وقصد.
وقول الجوهري في الصحاح : خطي عنك السوء ، أي : دفع واُميط ، وخطوت واختطيت بمعنى ، واختطيت غيري إذا حملته على أن يخطو ، وتخطّيته إذا تجاوزته ، يقال : تخطّيت رقاب الناس وتخطّيت إلى كذا ، ولا تقل تخطّأت بالهمز. (4)
معناه : إذا بنيت التفعّل من الخطوة ، وهي ما بين القدمين ، فاعتبره في الأصل من المعتلّ ولا تعتبره من المهموز ، فالهمزة فيه ليس يصحّ بحسب الأصل ، بل إنّما هو من حيث الابدال
__________________
1. أساس البلاغة : 167.
2. القاموس : 1 / 14.
3. مفردات الراغب : 151.
4. الصحاح : 6 / 2328.
والقلب ، كما في سائر النظائر.
ثمّ من المحتمل على الوجهين إعتبار تضمين الخطيطة والتخطّط.
قال في المغرب : في حديث ابن عبّاس : «خطّأ الله نوءها ألّا طلقت نفسها» أي : جعله مخطّئاً لا يصيبها مطره ، وهو دعاء عليها إنكاراً لفعلها. ويقال : لمن طلب حاجة فلم ينجح : أخطأ نوءك. ويروى خطى بالألف الليّنة من الخطيطة ، وهي الأرض ايت لم تمطر بين أرضين ممطورتين ، وأصله خطط فقلّب الطاء الثالثة ياءاً ، كما في التظنّي وأمليت الكتاب. (1) انتهى قوله ، فأحسن التدبّر ولا تكن من المتخطّين.
(
قوله عليه السلام ويرهقه
الرهق : محرّكة العجلة ، ومنه الحديث : «إنّ في سيف خالد رهقاً» أي : عجلة ، وأرهقني أن ألبس ثوبي ، أي : أعجلني ، كذا قاله الهروي.
وقال الجوهري : يقال : طلبت فلاناً حتّى رهقته رهقاً ، أي : حتّى دنوت منه فربّما أخذه وربّما لم يأخذه. (2)
وفي القاموس : رهقه كفرح غشيه ولحقه ، أو دنا منه ، سواء أخذه أو لم يأخذه. (3)
(9) قوله عليه السلام : أثره
الأثر : هنا بمعنى الأجل ، أي : غاية الأمل (4) المضروب.
(10) قوله عليه السلام : إلى ما ندبه
أي : إلى ما دعاه إليه.
(11) قوله عليه السلام : ما أبلاهم
الإبلاء : الإنعام والإحسان ، يقال : بلوت الرجل وأبليت عنده بلاءاً حسناً ، كذا قاله ابن الأثير. (5) ومنه ما في التنزيل الكريم : (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا) (6).
__________________
1. المغرب : 1 / 160.
2. الصحاح : 4 / 1487.
3. القاموس : 3 / 239.
4. في «ن» : الأجل.
5. نهاية ابن الأثير : 1 / 155.
6. سورة الأنفال : 17.
(12) قوله عليه السلام : نعمر
عمر الرجل من باب فهم ، وعمر أيضاً ، أي : عاش زماناً طويلاً.
(13) قوله عليه السلام : ظلمات البرزخ
البرزخ : الحاجز بين الشيئين ، والدائر على ألسنة الأصحاب إطلاقه على ما بين الدنيا والآخرة من وقت الموت إلى البعث ، فمن مات دخل البرزخ. وذكر بعض الأصحاب أنّ البرزخ القبر ، لأنّه بين الدنيا والآخرة وكلّ شيء بين شيئين فهو برزخ.
(14) قوله عليه السلام : حمداً يرتفع منّا
وفي رواية «س» بنا ، يعني وجد بخطّ ابن إدريس بنا ومنّا معاً.
(15) قوله عليه السلام : تقرّبه
وفي نسخة : «تنير» على البناء للمفعول ، من أنار بمعنى أضاء ، أي : صار ذا ضوء.
(16) قوله عليه السلام : إذا برقت الأبصار
برق البصر أي : شخص عند معاينة ملك الموت ، فلا يطرف من شدّة الفزع.
وفي النهاية الأثيريّة : في حديث الدعاء «إذا برقت الأبصار» يجوز كسر الراء وفتحها ، فالكسر بمعنى الحيرة ، والفتح من البريق بمعنى الدموع. (1)
والمأخوذ من أشياخنا في الصحيفة المكرّمة بالكسر لا غير.
__________________
1. نهاية ابن الأثير : 1 / 120.
(17) قوله عليه السلام : إذا اسودّت الأبشار
البشرة والبشر ظاهر جلد الإنسان ، وبشرة الأرض ما ظهر من نباتها ، والجمع البشر. والابشار جمع الجمع ، كذا في القاموس والنهاية. (1)
(18) قوله عليه السلام : حمداً نزاحم به
أي : ننسلخ به من عالم الملك ، وتنخرط في سلك عالم الملكوت ، وأفاضل بذلك ملائكة المقرّبون ، فنزاحمهم به ، وإنّما يتيسّر ذلك باستكمال القوّتين العاقلة والعاملة في نصاب الكمال على قصيا المدى وأقصى الأمد ، والتخلّق بأخلاق الله على أبلغ الضروب وأسبغ الوجوه ليستتمّ حقيقة الحمد على أحقّ المراتب.
ألحقنا الله تعالى في تلك المسابقة بهم ، وسقانا ذلك الرحيق في كأسهم ، صلوات الله وتسليماته عليهم.
(19) قوله عليه السلام : نضامّ
من ضاممتهم إذا طفقت تنظمّ إليهم.
قال ابن الأثير في النهاية : في حديث الرؤية «لا تضامّون في رؤيته» يروى بالتشديد والتخفيف ، فالتشديد معناه لا ينضمّ بعضكم إلى بض ، وتزدحمون وقت النظر إليه ، ويجوز ضمّ التاء وفتحها على تفاعلون وتتفاعلون. انتهى كلامه. (2)
وعلى هذا فالمعنى تنضمّ به إلى أنبيائه المرسلين. ونزدهمعلى نزع الخافظ ، وما نحن قلناه وفاقاً لما ذكره علّامة زمخشر في الأساس (3) أحكم وأقوم.
وبالجملة الصيغة من المفاعلة. ويجوز نتضامم من التفاعل بهذا المعنى أيضاً.
__________________
1. القاموس : 1 / 372 ، النهاية : 1 / 129.
2. نهاية ابن الأثير : 3 / 101.
3. أساس البلاغة : 379.
(20) قوله عليه السلام : في دار المقامة
بالضمّ مصدر لحقته التاء.
(21) قوله عليه السلام : اختار لنا
يعني بالضمير نوع الإنسان.
(22) قوله عليه السلام : وجعل لنا الفضيلة بالملكة
يقال : فلان حسن الملكة ، أي : حسن الصنيع إلى مماليكه. وفي الحديث : لا يدخل الجنّة سيّء الملكة.
(23) قوله عليه السلام : أغلق عنّا باب الحاجة إلّا إليه
لما قد استبان في العلم الذي فوق الطبيعة أنّ المعلول الصدوري إنّما يحتاج بالذات إلى العلّة الفاعلة ، وأمّا ما سوى الفاعل من سائر العلل فإنّما الافتقار إليه في تصحيح الاستناد (1) إلى الفاعل ، والتهيّؤ لقبول الفيض عنه.
ثمّ النظر الأدقّ عرف وحقّق وأفاد وأعطى أنّ طباع الإمكان علّة في الحقيقة ، للحاجة إلى الواجب بالذات ، فالعلّة الفاعلة التي تكون المعلول حائجاً إليها بالذات في حصوله وصدوره عنها ، يجب (2) أن يكون هي الفاعل الحيّ القيّوم الواجب بالذات جلّ ذكره. فأمّا ما عداه من الفواعل والأسباب فمصحّحات الصدور عنه ، ومهيّئات الإستناد إليه لا غير.
فقوله عليه السلام «أغلق عنّا باب الحاجة إلّا إليه» معناه ومغزاه : علمنا إنغلاق باب الحاجة إلّا إليه ، وألهمنا صدق التوكّل في كلّ الاُمور إليه ، وأوزعنا شخوص النظر في جميع الأبواب إلى جنابه.
(24) قوله عليه السلام : لا متى
__________________
1. في «س» : في صحيح الأسناد.
2. في «س» : يجوز.
الوقف وقطع النفس على «متى» حسن ، وعلى «لا» ثمّ على «متى» أحسن.
(25) قوله عليه السلام : وأقنانا
أي : أعطانا القنية : ما يتأثّل من الأموال ، وإفرادها بالذكر كما في التنزيل الكريم : (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ) (1) لأنّها أشفّ وأربح وأنمى وأبقى.
والمراد بها (2) العلوم الحقيقيّة والمعارف الربوبيّة ، وهي التي تقتنيها النفس القدسيّة للحياة الأبديّة. أو معناه : وأرضانا بمنّه وتحقيقه ، وجعل الرضا لنا قنية.
حاشية اُخرى : يقال قنوت المال وقنيت أيضاً قنية وقنية أيضاً بالضمّ والكسر ، إذا أقنيته لنفسك لا للتجارة. واقتناء (3) المال وغيره اتّخاذه. وأقناه الله أي : أعطاه ما يقتني به ، من القنية بمعنى الذخر. وأقناه أيضاً أي : رضّاه من القنى بالقصر بمعنى الرضا. وقناه الله وأقناه ، أي : أرضاه ، والقنية أصل المال ورأسه. وكلّ من المعاني يصحّ أن يراد هنا. وربّما قيل : الأوّل أولى وأنسب.
(26) قوله عليه السلام : ليختبر
أي : ليجرّبها ، والمعنى أن يعاملنا معاملة المجرّبين.
(27) قوله عليه السلام : ليبتلي
أي : ليمتحنه ، والمراد ليعاملنا في شكرنا معاملة الممتحنين.
(28) قوله عليه السلام : لم نفدها
من الإفادة بمعنى الإغتناء ، يقال : أفاده أي : اغتناه ، لا من الإفادة بمعنى إعطاء الفائدة.
قال المطرّزي في المغرب : أفادني مالاً : أعطاني ، وأفاده بمعنى استفاده ، ومنه بعد ما أفدت الفرس ، أي : وجدته وحصلته ، وهو أفصح من استفدت.
__________________
1. سورة النجم : 48.
2. في «ن» : به.
3. في «س» : وأقناه.
قلت : وهي بالمعنى الثاني يستعمل بـ«من» ، كما في قوله عليه السلام «من فضله».
قال ابن فارس في مجمل اللغة : يقال : أفدت غيري أي : علمته ، وأفدت من غيري أي : تعلّمت منه. وقال : الفائدة : استحداث المال والخبر ، وقد فادت له فائدة إذا حدث له مال. يقال : أفدت إذا استفدت ، وأفدت إذا أفدت غيرك. ويقال : أفدت غيري وأفدت من غيري. (1) انتهى قوله.
وقال علّامة زمخشر في أساس البلاغة : أفدت منه خيراً استفدته منه ، وفادت له من عندنا فائدة أي : حصلت. (2) انتهى كلامه.
وكلام الجوهري في الصحاح (3) أيضاً مفاده ذلك ، ولكن يلتبس مغزاه على غير المحصّل.
وبالجملة قوله عليه السلام : «لم نفدها» بضمّ النون وكسر الفاء واسكان الدال ، على ما هو المتواتر المضبوط في جميع النسخ على صيغة المعلوم المجزوم بـ«لم» ، من باب الإفعال ، بمعنى الإستفادة لمكان الإستعمال بـ«من» أي : لم نستفدها إلّا من فضله ، على ما قد أفدناه وأوضحناه مبيّناً مفصّلاً.
وربّما يرى في بعض النسخ على الهامش «لم نفدها» مضبوط الإعراب بضمّ النون وإسكان الفاء وفتح الدال ، مرقوماً عليه رقم (خ). ولم يبلغنا ذلك فيما روّينا وروينا عن المشيخة ، ولا هو وارد فيما رويناه من مشايخنا أصلاً.
وإذا صحّت النسخة ، فالصيغة على البناء للمجهول من الفداء والفدية. على الحذف والإيصال. أي : على التوبة التي لم نفد بها من عذاب الله إلّا من فضله ، ولم تكن فدية لنا من المعاصي والآثام ، وفداءً لأنفسنا وأرواحنا من الهلاك في دار الحياة الأبديّة إلّا من رحمته.
ثمّ إنّ ختالة الجاهلين (أخزاهم الله تعالى) حيث لا يستطيعون إلى المعرفة سبيلاً يحرّفون الصيغة ، ويغيّرون إعرابها ، ويبدّلون بناءها ، فيضمّون النون ويفتحون الفاء ، على
__________________
1. مجمل اللغة : 3 / 708 ـ 709.
2. أساس البلاغة : 486.
3. الصحاح : 1 / 518.
البناء للمجهول من الإفادة ، ويرجع اللفظ حينئذ إلى لم نستفدها إلا من فضله ، على صيغة المجهول.
وإن هذا إلّا خزي كبير في الدنيا ، وعذاب مقيم في النشأة الآخرة ، أعاذكم الله تعالى معشر المسترشدين من نكال الجهل والشقاوة ووبال الجهالة والغواية ، والحمد لله ربّ العالمين.
29 قوله عليه السلام : من هلك عليه
أي : هلك حين وروده عليه ، والمال من ورد عليه هالكاً.
30 قوله عليه السلام : وعلى جميع عباده
فجميع ما سبق في السلسلة الطوليّة في نظام الوجود بالقياس إلى كلّ أحد نعمة في حقّه ؛ لكون جميع (1) أسباب وجوده ومباديه ، وهي المعبّر عنها بالنعم السابقة على الوجود ، وكذلك ما في السلسلة العرضيّة ، على ما قد استبان في مظانّه.
31 قوله عليه السلام : وخفيراً من نقمته
قال ابن الأثير في النهاية : خفرت الرجل أجرته وحفظته ، وخفرته إذا كنت له خفير ، أي : حامياً وكفيلاً. وتخفّرت به إذا استجرت به. والخفارة بالكسر والظمّ الذمام بمعنى العهد. (2)
32 قوله عليه السلام : نسعد به في السعداء
فإنّا لا نكون من الحامدين على الحقيقة إلّا إذا انتظمنا في عالم الحمد استكمال القوّتين ، واستتمام نصاب الكمال في البهجة الحقّة ، والسعادة المطلقة في النشأتين ، فتصير نفس الذات وسنخ الهويّة ، حمداً لباريها الحقّ بالحقيقة.
33 قوله عليه السلام : في نظم الشهداء
من حيث كونهم أحياء عند ربّهم ، مرزوقين برزقه ، فرحين بلقائه ، مبتهجين ببهائه.
__________________
1. في «س» : يكون الجميع.
2. نهاية ابن الأثير : 2 / 52.
2
وكان من دعائه عليه السلام
بعد هذا التحميد في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله
وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِمُحَمَّد نَبِيِّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ (1) دُونَ الاُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَالْقُـرُونِ السَّالِفَةِ بِقُدْرَتِهِ الَّتِي لاَ تَعْجِزُ عَنْ شَيْء وَإنْ عَظُمَ ، وَلا يَفُوتُهَا شَيءٌ وَإنْ لَطُفَ ، فَخَتَمَ بِنَا عَلَى جَمِيع مَنْ ذَرَءَ ، (2) وَجَعَلَنَا شُهَدَاءَ عَلَى مَنْ جَحَدَ ، وَكَثَّرَنا بِمَنِّهِ عَلَى مَنْ قَلَّ. (3) اللّهمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد أَمِينِكَ عَلَى وَحْيِكَ ، وَنَجِيبِكَ مِنْ خَلْقِكَ وَصَفِيِّكَ مِنْ عِبَادِكَ ، إمَامِ الرَّحْمَةِ ، وَقَائِدِ الْخَيْرِ ، وَمِفْتَاحِ الْبَرَكَةِ ، كَمَا نَصَبَ لِاَمْرِكَ نَفْسَهُ ، (4) وَعَرَّضَ فِيْكَ لِلْمَكْرُوهِ بَدَنَهُ ، وَكَاشَفَ فِي الدُّعَآءِ إلَيْكَ حَامَّتَهُ ، (5) وَحَارَبَ فِي رِضَاكَ أسْرَتَهُ ، وَقَطَعَ فِىْ إحْياءِ دِينِكَ رَحِمَهُ ، وَاقصَى الادْنَيْنَ (6) عَلَى جُحُـودِهِمْ ، وَقَرَّبَ الاقْصَيْنَ عَلَى اسْتِجَابَتِهِمْ لَكَ ، وَوالَى فِيكَ الابْعَدِينَ ، وَعَادى فِيكَ الاقْرَبِينَ ، (7) وَأدْأبَ نَفْسَهُ فِي تَبْلِيغِ رِسَالَتِكَ ، وَأَتْعَبَهَا
بِالدُّعآءِ إلَى مِلَّتِكَ ، وَشَغَلَهَا بِالنُّصْحِ لِاَهْلِ دَعْوَتِكَ ، وَهَاجَرَ إلَى بِلاَدِ الْغُرْبَةِ ، وَمحَلِّ النَّأيِ عَنْ مَوْطِنِ رَحْلِهِ ، وَمَوْضِـعِ رِجْلِهِ ، وَمَسْقَطِ رَأسِهِ ، وَمَأنَسِ نَفْسِهِ ، إرَادَةً مِنْهُ لاعْزَازِ دِيْنِكَ ، واسْتِنْصَاراً عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ بِكَ ، حَتّى اسْتَتَبَّ لَهُ مَا حَاوَلَ فِي أَعْدَائِكَ ، وَاسْتَتَمَّ لَهُ مَا دَبَّرَ فِي أوْلِيآئِكَ ، فَنَهَدَ إلَيْهِمْ مُسْتَفْتِحاً بِعَوْنِكَ ، وَمُتَقَوِّياً عَلَى ضَعْفِهِ بِنَصْرِكَ ، فَغَزَاهُمْ فِي عُقْرِ دِيَارِهِمْ ، وَهَجَمَ عَلَيْهِمْ فِي بُحْبُوحَةِ قَرَارِهِمْ ، حَتّى ظَهَر أَمْرُكَ ، وَعَلَتْ كَلِمَتُكَ ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ. اللَهُمَّ فَارْفَعْهُ بِمَا كَدَحَ فِيكَ إلَى الدَّرَجَةِ الْعُلْيَا مِنْ جَنَّتِكَ ، حَتَّى لاَ يُسَاوَى فِي مَنْزِلَة ، وَلا يُكَاْفَأَ فِي مَرْتَبَة ، وَلاَ يُوَازِيَهُ لَدَيْكَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، وَلا نبيٌّ مُرْسَلٌ ، وَعَرِّفْهُ فِي أهْلِهِ (
الطّاهِرِينَ ، وَاُمَّتِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ حُسْنِ الشَّفَاعَةِ أجَلَّ مَا وَعَدْتَهُ ، يَا نَافِذَ الْعِدَةِ ، (9) يَا وَافِىَ الْقَوْلِ ، يَا مُبَدِّلَ السّيِّئات بِأضْعَافِهَا مِنَ الْحَسَنَاتِ ، إنَّكَ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. (10)
1 قوله عليه السلام : صلّى الله عليه وآله
بالجرّ على ما قد بلغنا بالضبط في النسخ المعوّل على صحّتها ، ورويناه بالنقل المتواتر في سائر العصور إلى عصرنا هذا ، وإسقاط إعادة الجارّ مع العطف على الضمير المجرور ، عن حريم اللهجة لا عن ساحة الطيّة ، للتنبيه على شدّة ارتباطهم واتّصالهم به ، وكمال دنوّهم وقربهم منه صلّى الله عليه وآله ، بحيث لا يصحّ أن يتخلّل هناك فاصل أصلاً ، كما في التنزيل الكريم في قوله سبحانه (تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ) (1) على الجرّ في قراءة حمزة ، وفي قول الشاعر على ما نقله في الكشّاف : (2)
فاذهب فما بك والأيّام من عجب
وأمّا الرواية المشهورة في ذلك فيما يدور على الألسن ، فقد سمعناها مذاكرة من الشيوخ ولم يبلغنا بها أسناد معتبر في شيء من اُصول أصحابنا ومصنّفاتهم ، وما في حواشي جنّة الأمان للشيخ الكفعمي عن شيخنا الكراجكي (قدّس سرّه) في الجزء الثاني (3) من كتابه كنز الفوائد : إنّي رأيت جماعة ينكرون على من يفرّق بين اسمّ النبيّ وآله عليه وعليهم السلام بـ«على» ويزعمون أنّهم يأثرون في النهي عن ذلك خبراً ، ولم أسمع خبراً يجب التعويل في هذا المعنى.
والصحيح عندي في ذلك هو ما دلّت عليه العربيّة من أنّ الإسم المضمر إذا كان مجروراً لم يحسن أن يعطف عليه إلّا بإعادة الجارّ ، تقول : مررت بك وبزيد ، ونزلت عليك وعلى
__________________
1. سورة النساء : 1.
2. الكشّاف : 1 / 493.
3. في «ن» : الثالث.
عمرو ؛ لأنّ ترك ذلك لحن.
فالصواب أن يقال : صلّى الله عليه وعلى آله ، إلّا على تقدير أن يكون الآل منصوباً بالعطف على موضع الهاء من «عليه» ؛ لأنّ موضعها نصب بوقوع الفعل. وإن كانت مجرورة بـ«على» فليس من طوار الصحّة بمولج فإنّ الكوفيّين يسوّغون الترك في حالتي الضرورة والسعة من غير تمحّل أصلاً.
وأمّا البصريّون ، فإنّهم يخصّون التسويغ بحالة الضرورة ، مراعاة لحقّ البلاغة ، وتنبيهاً على ما في المقام من الفائدة ، كما قد تلوناه عليك أيضاً.
إنّما كلام الفريقين في المحذوف لا في المنويّ المسقط من اللفظ لا عن النيّة ، فلا تكوننّ من الغافلين.
(2) قوله عليه السلام : على جميع من ذرأ
ذرأ الله الخلق أي : خلقهم ، وأمّا ذرأ إلى فلان بمعنى ارتفع وقصد ، فمن الناقص لا من المهموز.
قاب ابن الأثير : وكأنّ الذر مختصّ بخلق الذرّيّة. وقال : الذرّيّة اسم يجمع نسل الإنسان من ذكر واُنثى ، وأصلها الهمز ، لكنّهم حذفوه ، فلم يستعملوها إلا غير مهموز ، وتجمع على ذرّيّات وذراري مشدّداً ، وقيل : أصلها من الذرّ بمعنى التفوّق ؛ لأنّ الله تعالى ذرّهم في الأرض. (1)
(3) قوله عليه السلام : وكثّرنا بمنّه على من قلّ
فيه وجهان :
الأوّل : أن يكون من الكثرة بمعنى العزّة والغلبة ، والقلّة بمعنى الذلّة والمغلوبيّة ، و «على» للصلة ، أي : هو سبحانه بمنّه ونصرته ونعمته أعزّنا ، وجعلنا من الأعزّة الغالبين ، على من ذلّ لنا ، وصار لشوكتنا ورفعتنا من الأذلّة المغلوبين.
__________________
1. نهاية ابن الأثير : 2 / 156 ـ 157.
قال في المفردات : ويكنّى بالقلّة تارة عن الذلّة ، اعتباراً بما قال الشاعر :
وإنّما العزّة للكاثر
وعلى ذلك قوله تعالى (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ) (1).
يكنّى بها تارة عن العزّة ، اعتباراً بقوله تعالى : (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (2) (وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ) (3) وذلك أنّ كلّ ما يعزّ يقلّ وجوده. (4)
ثمّ قال : تقدّم أنّ الكثرة والقلّة تستعملان في الكمّيّة المنفصلة كالأعداد ، وليس (5) الكثرة إشارة إلى العدد فقط ، بل إلى الفضل ، يقال : عدد كاثر ، ورجل كاثر إذا كان كثير المال ، قال الشاعر :
ولست بالأكثر منه حصى
وإنّما العزّة للكاثر
والمكاثرة والتكاثر التباري في كثرة المال والعزّ ، قال الله تعالى : (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) وفلان مكثور ، أي : مغلوب في الكثرة. انتهى كلام المفردات. (6)
وقال في الكشّاف في قوله تعالى (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ) : «إذ» مفعول به غير ظرف ، أي : واذكروا على جهة الشكر وقت كونكم قليلاً عددكم ، فكثّركم الله ووفّر عددكم.
قيل : إنّ مدين بن إبراهيم تزوّج بنت لوط فولدت ، فرمى الله في نسلها بالبركة والنماء فكقروا وفشوا. ويجوز إذ كنتم مقلّين فقرأ فكثّركم فجعلكم مكثرين موسرين إذ (7) كنتم أذلّة فأعزّكم بكثرة العدد والعُدد. انتهى قول الكشّاف. (
وقال في أساس البلاغة : رجل مكثور مغلوب في الكثرة. (9)
__________________
1. سورة الأعراف : 86.
2. سورة السبأ : 13.
3. سورة ص : 24.
4. مفردات الراغب : 410.
5. في المصدر : وليست.
6. مفردات الراغب : ص 426.
7. في المصدر : أو.
8. الكشّاف : 2 / 94.
9. أساس البلاغة : ص 536.
وقال في القاموس : كاثروهم فكثروهم غالبوهم في الكثرة فغلبوهم. (1)
وقال ابن الأثير الجزري في النهاية : وفي الحديث : «إنّكم لمع خليفتين ما كانتا مع شيء إلا كثّرناه». أي : غلبناه بالكثرة وكانتا أكثر منه. يقال : كاثرته فكثرته إذا غلبته وكنت أكثر منه. ومنه حديث مقتل الحسين عليه السلام : «ما رأينا مكثوراً أجرأ مقدّماً منه». المكثور : المغلوب ، وهو الذي تكاثر عليه الناس فقهروه. أي : ما رأينا مقهوراً أجرأ إقداماً منه. انتهى كلام النهاية. (2)
الثاني : أن يكون من الكثرة والقلّة بالكمّيّة الإنفصاليّة في العدد ، أو الزيادة والنقصان بالتوفّر في العدد ، على أن يكون «على من قلّ» في موضع الحال من ضمير المفعول ، أو «على» بمعنى مع ، أي : كثّرنا بمنّه عَدداً وعُدداً ، والحال أنّا نحن من قلّ حيث كنّا قليلين مقلّين ، أو مع من قلّ ، أي : مع قليل من الأعوان والأنصار بالعدد على سياق ما في التنزيل الحكيم : (وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (3) ولكن ما هناك بالقياس إلى ضمير الفاعل دون ضمير المفعول.
قال في الكشّاف : الضمير في (اخْتَرْنَاهُمْ) لبني إسرائيل ، و (عَلَىٰ عِلْمٍ) في موضع الحال ، أي : عالمين بمكان الخيرة ، أو بأنّهم أحقّاً بأن يختاروا.
ويجوز أن يكون المعنى مع علم منّا بأنّهم يزيغون ويفرط منهم الفرطات في بعض الأحوال (عَلَى الْعَالَمِينَ) على عالمي زمانهم. (4) انتهى. فليتضبّط ثمّ ليثبّت.
(4) قوله عليه السلام : كما نصب لأمرك نفسه
نصب الشيء إذا أقمته ، والنصب ـ بالتحريك ـ التعب. والمراد إذا قام نفسه مقام المشقّة لإنفاذ أمرك.
قال ابن الأثير في النهاية : النصب إقامة الشيء ورفعه ، وفيه ـ أي : وفي الحديث ـ
__________________
1. القاموس : 2 / 124.
2. نهاية ابن الأثير : 4 / 152 ـ 153.
3. سورة الدخان : 32.
4. الكشّاف : 3 / 504.
«فاطمة بضعة منّي ينصبني ما أنصبها» أي : يتعبني ما أتعبها ، وقد نصب ينصب غيره وأنصبه. (1)
(5) قوله عليه السلام : وكاشف في الدعاء إليك
أي : في الدعوة إلى دينك.
قال في الصحاح : كاشفه بالعداوة ، أي : بادأه بها (2) من البدو بمعنى الظهور.
وحامّته (صلّى الله عليه وآله) هنا خاصّته وأقاربه وعشيرته الأقربون.
وأمّا في حديث الكساء : «اللّهمّ هؤلاء حامّتي وأهل بيتي» فهم عترته صلوات الله عليهم ، أعني : عليّاً وفاطمة والسبطين ، فقد روته العامّة والخاصّة ، وذكره ابن الأثير في النهاية. (3)
(6) قوله عليه السلام : وأقصى الأدنين
الأدنين والأقصين : بفتح النون والصاد ؛ لأنّ حكم هذا الجمع أن يفتح ما قبل علامة الجمع ؛ لأنّه مقصورة ليدلّ على الألف المحذوفة ، كما قال الله تعالى في جمع الأعلى (وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ) (4) وفي جمع المصطفى : (لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ) (5) بفتح اللام ، ليدّل على الألف المحذوفة كما بيّن في النحو.
(7) قوله عليه السلام وعادى فيك
أي : ظاهرهم وتظاهر عليهم بالعداوة فيك ، إذ دعاهم إليك فاستنكفوا وولّوا مستدبرين.
(
قوله عليه السلام : وعرّفه في أهله
أي : اذقه أجلّ ما وعدته فيهم ، ولقد تكرّر في حديث الدعاء : «عرّفني حلاوة
__________________
1. نهاية ابن الأثير : 5 / 61 ـ 62.
2. الصحاح : 4 / 1421.
3. نهاية ابن الأثير : 1 / 466 ، ورواه عن جماعة من أعلام القوم في إحقاق الحقّ 9 / 10.
4. سورة آل عمران : 139.
5. سورة ص : 47.
الاجابة».
(9) قوله عليه السلام : يا نافذ العدة
العدة : بالتخفيف الوعد ، والوعد والوعيد يستعملان في الخير والشرّ ، قالووا : في الخير الوعد والعدة ، وفي الشرّ الإيعاد والوعيد ، جمع العدة : عدات.
ونفذ السهم من الرمية بإعجام الذال ، ونفذ الكتاب إلى فلان نفاذاً ونفوذاً ، ورجل نافذ في أمره ، أي : ماضٍ ، وأمره نافذ أي : مطاع. ونفد في بصره بالدال المهملة أي : بلغني وجاوزني ، ومنه في الحديث عن ابن مسعود : «إنّكم مجموعون في صعيد واحد ينفدكم البصر».
قال أبو حاتم : أصحاب الحديث يروونه بالذال المعجمة ، وإنّما هو بالدال المهملة. أي : تبلغ أوّلهم وآخرهم حتّى يراهم الله كلّهم ويستوعبهم ، من نفد الشيء وأنفدته أنا ، ويقال : استنفد وسعه ، أي : استفرغه.
قيل : المراد ينفدهم بصر الرحمن حتّى يأتي عليهم كلّهم.
وقيل : أراد ينفدهم بصر الناظر لاستواء الصعيد.
قال ابن الأثير في النهاية : وحمل الحديث على بصر المبصر أولى من حمله على بصر الرحمن ؛ لأنّ الله تعالى يجمع الناس يوم القيامة في أرض يشهد جميع الخلائق فيها محاسبة العبد الواحد على انفراده ويرون ما يصير إليه. (1)
وبالجملة الذي يناسب العدة هو بالدال المهملة على ما في بعض النسخ ، وإن كان ما بالذال المعجمة ـ كما في أصل النسخة ـ له وجه وجيه أيضاً.
(10) قوله عليه السلام : إنّك ذو الفضل العظيم
العظيم في الأصل مرفوع ، وفي رواية «س» مجرور.
__________________
1. نهاية ابن الأثير : 5 / 91.
ذكر عليه السلام في هذا الدعاء أنواع الملائكة وأصنافها ، مجرّداتها الأمريّة المفارقة بطبقاتها المختلفة بالنوع من العقول القاهرة الفعّالة القدسيّة ، والنفوس العاقلة المدبّرة الملكوتيّة ، والعقول القوّامة العمّالة ، التي هي أرباب الأنواع العلويّة والسفليّة والأثيريّة والعنصريّة.
وهم جميعاً أنوار عقليّة إلهيّة ، طعامهم التسبيح ، وشرابهم التقديس ، وجسمانيّاتها الموكّلة على التدبير والتقديم والإمساك والتحريك من النفوس المنطبعة ، والقوى النوريّة الروحانيّة ، والطبائع الجوهريّة الحافظة المحرّكة (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) (1).
__________________
1. سورة المدّثّر : 31.
وكان من دعائه عليه السلام
في الصلوة على حملة العرش وكل ملك مقرب
اللَّهُمَّ وَحَمَلَةُ عَرْشِكَ الَّذِينَ لا يَفْتُرُونَ مِنْ تَسْبِيحِكَ ، وَلا يَسْـأَمُـونَ مِنْ تَقْـدِيْسِكَ ، وَلا يَسْتَحسِرُونَ مِنْ عِبَادَتِكَ ، وَلاَ يُؤْثِرُونَ التَّقْصِيرَ عَلَى الْجِدِّ فِي أَمْرِكَ ، وَلا يَغْفُلُونَ عَنِ الْوَلَهِ إلَيْكَ ، (1) وَإسْرافِيْلُ صَاحِبُ الصُّوْرِ الشَّاخِصُ الَّذِي يَنْتَظِرُ مِنْكَ الاذْنَ ، وَحُلُولَ الامْرِ ، فَيُنَبِّهُ بِالنَّفْخَةِ صَرْعى (2) رَهَائِنِ الْقُبُورِ ، وَمِيكَآئِيلُ ذُو الْجَاهِ عِنْدَكَ ، وَالْمَكَانِ الرَّفِيعِ مِنْ طَاعَتِكَ ، وَجِبْريلُ الامِينُ عَلَى وَحْيِكَ ، الْمُطَاعُ فِي أَهْلِ سَمَاوَاتِكَ ، الْمَكِينُ لَدَيْكَ ، الْمُقَرَّبُ عِنْدَكَ ، وَالرُّوحُ الَّذِي هُوَ عَلَى مَلائِكَةِ الْحُجُبِ ، وَالرُّوحُ (3) الَّذِي هُوَ مِنْ أَمْرِكَ ، فَصَلِّ عليهم وَعَلَى الْمَلاَئِكَـةِ الَّـذِينَ مِنْ دُونِهِمْ مِنْ سُكَّـانِ سَمَاوَاتِكَ ، وَأَهْلِ الامَانَةِ عَلَى رِسَالاَتِكَ ، وَالَّذِينَ لا تَدْخُلُهُمْ سَأْمَةٌ مِنْ دؤُوب ، وَلاَ إعْيَاءٌ مِنْ لُغُوب وَلاَ فُتُورٌ ، وَلاَ تَشْغَلُهُمْ عَنْ تَسْبِيحِكَ الشَّهَوَاتُ ، وَلا يَقْطَعُهُمْ عَنْ تَعْظِيمِكَ سَهْوُ الْغَفَـلاَتِ ، الْخُشَّعُ الابْصارِ فلا يَرُومُونَ النَّظَرَ إلَيْكَ ، النَّواكِسُ الاذْقانِ ، الَّذِينَ قَدْ طَالَتْ رَغْبَتُهُمْ فِيمَا لَدَيْكَ ، الْمُسْتَهْتِرُونَ (4) بِذِكْرِ آلائِكَ ، وَالْمُتَوَاضِعُونَ دُونَ عَظَمَتِكَ وَجَلاَلِ كِبْرِيآئِكَ ، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ إذَا نَظَرُوا إلَى جَهَنَّمَ تَزْفِرُ (5) عَلَى أَهْلِ مَعْصِيَتِكَ : سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَـادَتِكَ ، فَصَـلِّ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الرَّوْحَانِيِّينَ (6) مِنْ مَلائِكَتِكَ وَأهْلِ الزُّلْفَةِ عِنْدَكَ ، وَحُمَّالِ الْغَيْبِ إلى رُسُلِكَ ، وَالْمُؤْتَمَنِينَ على وَحْيِكَ وَقَبائِلِ الْمَلائِكَةِ الَّذِينَ اخْتَصَصْتَهُمْ لِنَفْسِكَ وَأَغْنَيْتَهُمْ
عَنِ الطَّعَامِ والشَّرَابِ بِتَقْدِيْسِكَ ، وَأسْكَنْتَهُمْ بُطُونَ أطْبَـاقِ سَمَاوَاتِكَ ، وَالّذينَ عَلَى أرْجَآئِهَا (7) إذَا نَزَلَ الامْرُ بِتَمَامِ وَعْدِكَ ، وَخزّانِ الْمَطَرِ ، وَزَوَاجِرِ السَّحَابِ ، وَالّذِي بِصَوْتِ زَجْرِهِ يُسْمَعُ زَجَلُ ألرُّعُوْدِ ، وَإذَا سَبَحَتْ بِهِ حَفِيفَةُ السّحَـابِ (
الْتَمَعَتْ صَوَاعِقُ الْبُرُوقِ ، وَمُشَيِّعِيْ الْثَلْجِ وَالْبَرَدِ ، وَالْهَابِطِينَ مَعَ قَطْرِ الْمَطَر إَذَا نَزَلَ ، وَالْقُوَّامِ عَلَى خَزَائِنِ الرّيَاحِ وَالمُوَكَّلِينَ بِالجِبَالِ فَلا تَزُولُ ، وَالَّذِينَ عَرَّفْتَهُمْ مَثَاقِيلَ الْمِياهِ ، (9) وَكَيْلَ مَا تَحْوِيهِ لَوَاعِجُ الامْطَارِ (10) وَعَوَالِجُهَا ، وَرُسُلِكَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إلَى أهْلِ الارْضِ بِمَكْرُوهِ مَا يَنْزِلُ مِنَ الْبَلاءِ وَمَحْبُوبِ الرَّخَآءِ ، والسَّفَرَةِ الْكِرَامِ اَلبَرَرَةِ ، وَالْحَفَظَةِ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ ، وَمَلَكِ (11) الْمَوْتِ وَأعْوَانِهِ ، وَمُنْكَر وَنَكِير ، وَرُومَانَ فَتَّانِ الْقُبُورِ ، (12) وَالطَّائِفِينَ بِالبَيْتِ الْمَعْمُورِ ، وَمَالِك ، وَالْخَزَنَةِ وَرُضْوَانَ ، وَسَدَنَةِ الْجِنَانِ ، وَالَّذِيْنَ لاَ يَعْصُوْنَ اللّهَ مَا أمَرَهُمْ ، وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ «سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الـدّارِ» والزّبانيةُ (13) الذّينَ إذَا قِيْـلَ لَهُمْ «خُذُوهُ فَغُلُّوْهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوْهُ» ، ابْتَدَرُوهُ سِرَاعاً وَلَمْ يُنْظِرُوهُ ، وَمَنْ أوْهَمْنَا (14) ذِكْرَهُ ، وَلَمْ نَعْلَمْ مَكَانَهُ مِنْكَ ، وَبأيِّ أمْر وَكَّلْتَهُ ، وَسُكّانُ الْهَوَآءِ وَالارْضِ وَالمآءِ وَمَنْ مِنْهُمْ عَلَى الْخَلْقِ ، (15) فَصَلِّ عَلَيْهِمْ يَوْمَ تَأْتي كُلُّ نَفْس مَعَهَا سَائِقٌ (16) وَشَهِيدٌ ، وَصَلّ عَلَيْهِمْ صَلوةً تَزِيدُهُمْ كَرَامَةً عَلى كَرَامَتِهِمْ ، وَطَهَارَةً عَلَى طَهَارَتِهِمْ. اللّهُمَّ وَإذَا صَلَّيْتَ عَلَى مَلاَئِكَتِكَ وَرُسُلِكَ ، وَبَلَّغْتَهُمْ صَلاَتَنَا عَلَيْهِمْ ، فَصَلِّ عَلَيْهِمْ بِمَا فَتَحْتَ لَنَا مِنْ حُسْنِ الْقَوْلِ فِيْهِمْ ، إنَّكَ جَوَاْدٌ كَرِيمٌ.
(1) قوله عليه السلام : عن الوله إليك
الوله ـ بالتحريك ـ كمال التحيّر في بهاء نور المعشوق الحقّ ، وذهاب مسكة العقل من اشتداد الشوق وشدّة الوجد.
(2) قوله عليه السلام : صرعى
مضافة إلى رهائن المضافة إلى القبور.
(3) قوله عليه السلام : الحجب والروح
إمّا المعنى بهم موالينا الطاهرون صلوات الله عليهم ، وبالملائكة الملائكة الموكّلون عليهم ولهم ، وإمّا صفة للملائكة المضافة إليها ، أو على طريقة إضافة البيان. والأوّل أولى ؛ لما في الأحاديث عنهم عليهم لسلام إن الحجج صلوات الله عليهم يتجلّون لمن يعرف هذا الأمر حين موته ، فيحجبون بينه وبين ما يسوؤه ، من أهوال الموقف.
(4) قوله عليه السلام : المستهترون
بفتح التاء وكسرها على صيغة الفاعل أو المفعول ، أي : الذين أولعوا به. يقال : استهتر فلان بكذا ، أي : أولع به.
(5) قوله عليه اسلام : تزفر
الزفير أوّل نهق الحمار وشبهه ، والشهيق من آخره ، والزفير من الصدر ، والشهيق من الحلق ، كذا في الغريبين للهروي.
(6) قوله عليه السلام : وعلى الروحانيّين
إنّما المأخوذ والمضبوط في هذا الموضع من الصحيفة المكرّمة بفتح الراء ، وفي العبارة لغتان : رَوحانيّ ورُوحانيّ بالضمّ من الروح ، والفتح من الرَّوح.