الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
البيت اهل
المواضيع الأخيرة
» المحكم في اصول الفقه ج3
الصحيفه السجاديه كامله Emptyاليوم في 7:41 من طرف الشيخ شوقي البديري

» المحكم في أصول الفقه [ ج4
الصحيفه السجاديه كامله Emptyاليوم في 6:55 من طرف الشيخ شوقي البديري

» الصحيفه السجاديه كامله
الصحيفه السجاديه كامله Emptyأمس في 20:49 من طرف الشيخ شوقي البديري

» القول الرّشيد في الإجتهاد والتقليد [ ج ١ ]
الصحيفه السجاديه كامله Emptyأمس في 14:11 من طرف الشيخ شوقي البديري

»  مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه
الصحيفه السجاديه كامله Emptyأمس في 13:36 من طرف الشيخ شوقي البديري

» قاعدة لا ضرر ولا ضرار
الصحيفه السجاديه كامله Emptyأمس في 7:51 من طرف الشيخ شوقي البديري

» القول المبين
الصحيفه السجاديه كامله Emptyالثلاثاء 19 نوفمبر 2024 - 15:46 من طرف الشيخ شوقي البديري

» ------التقيه
الصحيفه السجاديه كامله Emptyالثلاثاء 19 نوفمبر 2024 - 15:37 من طرف الشيخ شوقي البديري

»  فقه الحضارة
الصحيفه السجاديه كامله Emptyالثلاثاء 19 نوفمبر 2024 - 15:25 من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     الصحيفه السجاديه كامله

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الصحيفه السجاديه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: الصحيفه السجاديه كامله   الصحيفه السجاديه كامله Emptyأمس في 20:05

    قال السجاد عليه السلام
    يا ابا خالد انّ اهل زمان غيبته القائلون بامامته والمنتظرون لظهوره
    افضل اهل كلّ زمان فان الله تبارك تعالى ذكره اعطاهم من العقول
    والافهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المجاهدين
    بين يدي رسول ا ... بالسّيف اولئك المخلصون حقّاً وشيعتنا صدقاً
    والدعاة الى دين ا ... عز وجل سراً وجهراً
    وقال عليه السلام
    انتظار الفرج من اعظم الفرج
    بحار الانوار جلد 52 صفحة 122

    بسمه تعالى
    يهدى ثواب نشر هذا الاثر القيّم المسمّى بالصحيفة المكرّمة
    السجادية لمولانا الامام زين العابدين (عليه السلام) الى روح المرحومة
    المغفورة خادمة الزهراء سلام ا ... عليها
    الحاجية شاه بى بى الانصاري رحمة ا ... عليها
    متعلّقة خادم الشريعة والولاية
    خير الحاج الشيخ عبد الحسين الانصاري زيد عزّه وتوفيقه
    الناشر


    المقدّمة الاُولى
    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ
    الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة على محمّد وآله الطاهرين المعصومين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الآن إلى يوم الدّين.
    قال عليه السلام : مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء. وذلك لما أنهّم أتبعوا نفوسهم الشريفة وجاهدوا في الله جهاداً عظيماً لحفظ أحكام الإسلام وشرائعه ، وأنّهم بتدريسهم وتآليفهم الأنيقة أحيوا أحكام الإسلام ، وبيّنوا حلاله وحرامه من القرآن والسنّة ، وبمواعظهم ساقوا الاُمّة إلى التقوى والفضيلة ، فجزاهم الله عن الإسلام وأهله خير جزاء المحسنين.
    وممّن زهى وبرز منهم جدّى العالم العامل والعارف الكامل ، والفيلسوف الجامع ، آية الحقّ السيّد محمّد باقر الاسترآبادي ، المعروف بـ«الداماد» الذي خدم الإسلام بتآليفه القيّمة ومواعظه وإرشاداته في زمانه ، وبتدريسه الذي برز من مجلس درسه رجال أبرار ، كملّا صدرا وأمثالهما.
    ونحن نقصد ـ بعون الله تعالى ـ أن ننشر آثاره القيّمة ، المخطوطة جلّها ، المهجورة بعضها ، والملتمس من موالينا وأصحاب المكتبات العامّة والخاصّة ، حيثما عثروا على أثر لم يطبع إلى الآن من المؤلّفات والرشحات العلميّة والأدبيّة للمؤلّف وسليله أن يمنّوا علينا

    بإرسال نسخة مخطوطة أو مصوّرة منه ، حتّى نطبعها وننشرها ليسهل تناولها ويعمّ النفع بها.
    وفي الختام أنّي لأتقدّم بوافر الشكر للأخ العلّامة السيّد مهدي الرجائي دام مجده ، حيث تصدّى لتحقيق هذه الدرّة الثمينة ، ولقد سبق منه تحقيق عدّة كتب من مخطوطات السيّد ، فجزاه الله خير الجزاء.
    السيّد محمود بحر العلوم الميردامادي
    18 ذيحجة الحرام 1405 هـ ق


    المقدّمة الثانية
    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ
    نذكر في هذه المقدّمة عدة مطالب :
    الأوّل : الآيات القرآنية والسنن النبوية صلى الله عليه وآله يدعو جميع البشر إلى الدعاء والإستمداد من الله تعالى والله تعالى هو مالك الملك يعطي الملك من يشاء ويزّ من يشاء ويذلّ من يشاء بيده الملك وهو على كلّ شيء قدير ، ولا بدّ لنا من تعلّم كيفيّة الدعاء والمناجات مع الله تبارك وتعالى ، وذلك من خواصّ طريق الأولياء ، والمسلّم أنّا لا نعلم كيفيّة الدعاء والمناجاة ، إلّا ما ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وآله والأئمّة المعصومين عليهم السلام الممحّضين في طريق العبوديّة ، وهم الاُسوة في ذلك ، ولا بدّ لنا أنّ نتعلّم منهم كيفيّة الدعاء والمناجاة ، كما لا بدّ لنا أن نتعلّم منهم التوحيد والمعارف الحقّة ، وذلك أنّهم عليهم السلام متابعون للقوانين الإلهيّة وهم الهداة المهديّون لهذه الاُمّة ، فهم يهدون هذه الاُمّة إلى كيفية الطلب والدعاء وطريق المناجاة ، وهم عليهم السلام مصاديق (مَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) و (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) فهم يهدون البشر إلى مسير الحقّ ، ولا بدّ لنا في جميع أطواع الحياة من هاد لنا ، ونأخذ عنهم جميع معالم الدين والهداية من الدعاء ومراحل السير والسلوك لا عن غيرهم ، وعلى هذا فأدعية رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام سيّما الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام والإمام زين العابدين عليه السلام تكون للموحّدين اسوة وملجأ إلهي وحصن حصين ربّانيّ ، فالموحّدون بقراءتهم هذه الأدعية والمناجات وفهمها يسلكون مراتب العبوديّة ويصلون

    إلى أعلى درجات الكمال والفضيلة.
    الثاني : أن الصحيفة السجاديّة مكتبة الدعاء والتضرّع وهي أثر خالد من الإمام زين العابدين عليه السلام ولا بدّ من نشرها بين جميع المسلمين في أنحاء العالم من أهل السنّة والشيعة ، ولا محيص لجميع الموحّدين من هذا الكتاب الشريف.
    الثالث : لا بدّ من التدبّر التامّ في معاني هذه الأدعية الواردة في الصحيفة ، والدعاء لنصرة جميع المسلمين.
    الرابع : أنّ الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وعترته الطاهرين عليهم السلام فريضة من الله تعالى ، وإليها ذهب جميع الفرق الإسلاميّة ، وقد جاء في هذه الصحيفة المكرّمة حوالي مائتين مرّة ، وهذا يبيّن عظمة الصلاة على النبي وآله ، كما قال الشافعي :
    يا آل بيت رسول الله حبّكم
    فرض من الله في القرآن أنزله

    يكفيكم من عظيم الفخر أنّكم
    من لم يصلّ عليكم لا صلاة له

    الخامس : التعليقات الموجودة في هذا الكتاب هي لجدّي المحقّق الكبير المرحوم السيّد محمّد باقر ، المشتهر بـ«الداماد قدّس الله سرّه ، وهي مختصّة للمحقّقين والباحثين في المراكز العلميّة والجامعات في أنحاء العالم ، ولا محيص لهم لفهم هذه الأدعية والمناجاة من المراجعة إلى هذا الكتاب الشريف.
    وفي الختام نسأل الله التوفيق والسعادة لجميع الداعين والمبتهلين ، والنصرة لجميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لا سيما خدمة العلم والفضيلة والناصرين لصاحب الولاية عجّل الله تعالى فرجه الشريف في المدرسة والمكتبة الخاصّة لولي العصر عجّل الله تعالى فرجه الشريف ، والحمد لله ربّ العالمين والسلام علينا وعلى عباده الصالحين ورحمة الله وبركاته.
    ايران ـ اصفهان
    السيّد محمود بحر العلوم الميردامادي
    25 / محرّم الحرام / 1422 هـ ق


    مقدمة المحقّق
    في طريق التحقيق
    قوبل هذا الكتاب على ثلاث نسخ :
    1 ـ نسخة مخطوطة كاملة من أولها الى آخرها بخط النسخ ، وهي تقع في (166) صحيفة كل صفحة (20) سطراً ، كاتبها حسن الحسيني الجيلاني ، تاريخ كتابتها سنة (1052) قال في آخر النسخة : تم في چمن أسد آباد وكان مخيماً للعساكر المنصورة الصفوية ـ الخ ، والنسخة محفوظة في مكتبة (مجلس الشورى) وجعلت رمز النسخة «س».
    2 ـ نسخة مخطوطة كاملة من أولها الى آخرها بخط النستعليق ، وهي تقع في (94) صحيفة ، كل صفحة (15) سطر ، طول كتابتها 5 / 22 ، وعرضها 13 سانتي متراً ، كاتبها محمد باقر بن ولي الاسترابادي ، تاريخ كتابتها في رجب سنة (1106) والنسخة محفوظة في مكتبة آية الله العظمى السيد شهاب الدين المرعشي النجفي دام ظله الوارف ، وجعلت رمز النسخة «ن».
    3 ـ نسخة مطبوعة كاملة من أولها الى آخرها على هامش كتاب نور الأنوار للسيد نعمة الله الجزائري المطبوع سنة (1316) وجعلت رمز النسخة «ط».

    وقد بذلت الوسع في تصحيح الكتاب وعرضه على الأصول المنقولة عنها أو المصادر المأخوذة منها ، الا مالم أعثر عليه ، ولم آل جهداً في تنميقه وتحقيقه حق التحقيق.
    لفت نظر :
    أردو من العلماء الأفاضل الذين يراجعون الكتاب أن يتفضلوا علينا بما لديهم من النقد وتصحيح مالعلنا وقعنا فيه من الاخطاء والاشتباهات والزلات.
    والحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله ، ونستغفره مما وقع من خلل وحصل من زلل ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وزلات أقدامنا وعثرات أقلامنا ، فهو الهادي الى الرشاد ، والموفق للصواب والسداد ، والسلام على من اتبع الهدى.
    السيد مهدي الرجائي
    12 / 1 / 1406 ـ قم المشرفة






    ترجمة المؤلّف
    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ
    هو السيّد محمّد باقر ابن السيّد الفاضل المير شمس الدين محمّد الحسيني الاسترابادي الأصل ـ الشهير بـ«داماد» ، وكان والده المبرور ختن شيخنا المحقّق علي بن عبد العالي الكركي رحمه الله ، فخرجت هذه الدرّة اليتيمة من صدف تلك الحرّة الكريمة ، وطلعت هذه الطلعة الرشيدة من اُفق تلك النجمة السعيدة.
    وكان سبب هذه المواصلة أنّ الشيخ الأجلّ علي بن عبد العالي رأى في المنام أمير المؤمنين عليه السلام وأنّه يقول له : زوّج بنتك من مير شمس الدين ، يخرج منها ولد يكون وارثاً لعلوم الأنبياء والأوصياء ، فزوّج الشيخ بنته منه ، وتوفّيت بعد مدّة قبل أن تلد ولداً ، فتحيّر الشيخ من ذلك وأنّه لم يظهر لمنامه أثر ، فرأى أمير المؤمنين عليه السلام مرّة اُخرى في المنام وهو عليه السلام يقول له : ما أردنا هذه الصبيّة بل البنت الفلانيّة فزوجّها إيّاه ، فولدت السيّد المحقّق المذكور.
    وجه تلقّبه بالداماد :
    لقّب والده الشريف للتعظيم هذه المواصلة بـ«الداماد» الذي هو بمعنى الختن بالفارسيّة ، ثمّ غلب عليه وعلى ولده من بعده ذلك اللقب الشريف ، ولقّب هو نفسه بذلك كما في بعض المواضع بهذه الصورة : «وكتب بيمناه الداثرة أحوج الخلق إلى الله الحميد الغني محمّد بن


    محمّد يدعى باقر بن داماد الحسيني ختم الله له بالحسنى حامداً مصلّياً».
    قال المتتبّع الخبير الميرزا عبد الله الأفندي في الرياض في أحوال الشيخ عبد العالي بن الشيخ نور الدين علي بن الحسين بن عبد العالي العاملي الكركي : ثمّ هذا الشيخ خال السيّد الداماد المذكور ، فإنّ إحدى بنتي الشيخ علي الكركي كانت تحت الأميرزا السيّد حسن والد الأمير السيّد حسين المجتهد ، والاُخرى تحت والد السيّد الداماد هذا ، وقد حصل منها السيّد الداماد.
    ولذلك يعرف الأمير باقر المذكور بالداماد ، لا بمعنى أنّه صهر ، ولا بمعنى أنّه هو بنفسه داماد الشيخ علي ، أعني صهره كما قد يظنّ ، بل والده.
    فالسيّد الأمير محمّد باقر الداماد من باب الاضافة لا التوصيف ، ولذلك ترى السيّد الداماد حين يحكي عن الشيخ علي الكركي المذكور يعبّر عنه بالجدّ القمقام يعني جدّه الاُمّي. وبما أوضحنا ظهر بطلان حسبان كون المراد بالداماد هو صهر السلطان ، وكذلك ظنّ كون نفسه صهراً. (1)
    الثناء عليه :
    يوجد ثناء العلماء عليه في كثير من معاجم التراجم ، وكتب الرجال مشفوعة بالإكبار والتبجيل والإطراء :
    قال السيّد علي خان في سلافة العصر : طراز العصابة ، وجواز الفضل سهم الإصابة ، الرافع بأحاسن الصفات أعلامه ، فسيّد وسند وعلم وعلّامة ، إكليل جبين الشرف وقلادة جيده ، الناطقة ألسن الدهور بتعظيمه وتمجيده.
    باقر العلم ونحريره ، الشاهد بفضله تقريره وتحريره ، ووالله إنّ الزمان بمثله لعقيم ، وإنّ مكارمه لا يتّسع لبثها صدر رقيم ، وأنا بريء من المبالغة في هذا المقال ، وبرّ قسمي يشهد به كلّ وامق وقال ، شعر :
    __________________
    1. رياض العلماء : 3 / 132.


    وإذا خفيت على الغنى فعاذر
    أن لا تراني مقلة عمياء

    إن عدت الفنون فهو منارها الذي يهتدى به ، أو الآداب فهو مؤمّلها الذي يتعلّق بأهدابه ، أو الكرم فهو بحره المستعذب النهل والعلل ، أو النسيم فهو حميدها الذي يدبّ منه نسيم البرء في العلل ، أو السياسة فهو أمبرها الذي تجمّ منه الاُسود في الأجم ، أو الرياسة فهو كبيرها الذي هاب تسلّطه سلطان العجم.
    وكان الشاه عبّاس أضمر له السوء مراراً وأمر له حبل غيلته امراراً ، خوفاً من خروجه عليه ، وفرقاً من توجّه قلوب الناس إليه ، فحال دونه ذو القوّة والحول ، وأبى إلّا أن يتمّ عليه المنّة والطول ، ولم يزل موفور العزّ والجاه ، مالكاً سبيل الفوز والنجاة حتّى استأثر ذو المنّة ، وتلا بـ(أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ). (1)
    وقال تلميذه العارف قطب الدين الاشكوري في محبوب القلوب : السيد السند المحقّق في المعقول ، والمحقّق في المنقول ، سمّى خامس أجداده المعصومين مير محمّد باقر الداماد ، لا زال سعيه في كشف معضلات المسائل مشكوراً ، واسمه في صدر جريدة أهل الفضل مسطوراً :
    علم عروس همه استاد شد
    فطرت او بود كه داماد شد

    ثمّ ذكر وجه التسمية : وقال : كان شكر الله سعيه ورفع درجته يصرّح النجابة بذكره ، ويخطب المعارف بشكره ، ولم يزل يطالع كتب الأوائل متفهّماً ، ويلقي الشيوخ متعلّماً ، حتّى يفوق في أقصر مدّة في كلّ من فنون العلم على كلّ أوحديّ أخصّ ، وصار في كلّ مآثره كالواسطة في النصّ :
    عقليش از قياس عقل برون
    نقليش از اساس نقل فزون

    يخبر عن معضلات المسائل فيصيب ، ويضرب في كلّ ما ينتحله من التعليم بأوفى نصيب ، توحّد بإبداع دقائق العلوم والعرفان ، وتفرّد بفرائد أبكار لم يكشف قناع الإجمال عن جمال حقائقها إلى الآن ، فلقد صدق ما أنشد بعض الشعراء في شأنه :
    __________________
    1. سلافة العصر : 477 ـ 478.


    به تخميرش يد الله چون فروشد
    نم فيض آنچه بد در كار او شد

    وقال تلميذه أيضاً صدر المتألّهين في شرح الاُصول الكافي : سيّدي وسندي واُستادي ، واستنادي في المعالم الدينيّة ، والعلوم الإلهيّة ، والمعارف الحقيقيّة ، والاُصول اليقينيّة ، السيّد الأجلّ الأنور ، العالم المقدّس الأطهر ، الحكيم الإلهي ، والفقيه الربّاني ، سيّد عصره ، وصفوة دهره ، الأمير الكبير ، والبدر المنير ، علّامة الزمان ، اُعجوبة الدوران ، المسمّى بـ«محمّد» ، الملقّب بـ«باقر الداماد الحسيني» قدّس الله عقله بالنور الربّاني. (1)
    وقال الشيخ الحرّ العاملي في أمل الآمل : عالم فاضل ، جليل القدر ، حكيم ، متكلّم ، ماهر في العقليّات ، معاصر لشيخنا البهائي ، وكان شاعراً بالفارسيّة والعربيّة ، مجيداً. (2)
    وقال الشيخ أسد الله الكاظمي في مقابس الأنوار : السيّد الهمام ، وملاذ الأنام ، عين الأماثل ، عديم المماثل ، عمدة الأفاضل ، منار الفضائل ، بحر العلم ، الذي لا يدرك ساحله ، وبرّ الفضل الذي لا تطوى مراحله ، المقتبس من أنواره أنواع الفنون ، والمستفاد من آثاره أحكام الدين المصون ، الفقيه المحدّث الأديب ، الحكيم الاصبهاني ، المتكلّم العارف الخائض في أسرار السبع المثاني ، الأمير الكبير. (3)
    وقال السيّد الخوانساري في روضات الجنّات : كان رحمه الله تبارك وتعالى عليه من أجلّاء علماء المعقول والمشروع ، وأذكياء نبلاء الاُصول والفروع ، متقدّماً بشعلة ذهنه الوقّاد ، وفهمه المتوقّد النقّاد ، على كلّ متبحّر اُستاد ، ومتفنّن مرتاد ، صاحب منزلة وجلال ، وعظمة وإقبال ، عظيم الهيبة ، فخيم الهيئة ، رفيع الهمّة ، سريع الجمّة ، جليل المنزلة والمقدار ، جزيل الموهبة والإيثار.
    قاطناً بدار السلطنة إصبهان ، مقدّماً على فضلائها الأعيان ، مقرّباً عند السلاطين الصفويّة ، بل مؤدّبهم بجميل الآداب الدينيّة ، مواظباً للجمعة والجماعات ، مطاعاً لقاطبة
    __________________
    1. شرح الاُصول الكافي : 16.
    2. أمل الآمل : 2 / 249.
    3. مقابس الأنوار : 16.

    أرباب المناعات ، إماماً في فنون الحكمة والأدب ، مطّلعاً على أسارير كلمات العرب ، خطيباً قلّ ما يوجد مثله في فصاحة البيان وطلاقة اللسان ، أديباً لبيباً فقيهاً نبيهاً عارفاً ألمعيّاً ، كأنّما هو إنسان العين وعين الإنسان. (1)
    وقال الشيخ يوسف البحراني في لؤلؤة البحرين : فاضل ، جليل ، متكلّم ، حكيم ماهر في النقليّات ، شاعر بالعربيّة والفارسيّة. (2)
    وقال الشيخ المحدّث النوري في خاتمة المستدرك : العالم المحقّق ، النحرير السيّد السند ، النقّاد الخبير. (3)
    وقال الميرزا محمّد التنكابني في قصص العلماء ما هذا لفظه : «واين سيّد امام أنام ، وفاضل همام ، وعالم قمقام ، عين أماثل ، أكامل أفاضل ، ومعدوم المماثل ، ومنار فضائل وفواضل ، ودرياي بي ساحل ، علّامه فهامه است. ودر علم لغت گوي از ميدان صاحب قاموس وصحاح ربوده.
    در علوم عربيّت حياظت علوم أرباب أدب نموده ، ودر فصاحت وبلاغت وانشاء وانشاد ونظم ونثر سرآمد أهل زمان ، ودر منطق وحكمت وكلام مسلّم علماء أعلام ، ودر حديث وفقه فائق بر همگان ، ودر علم رجال از أكامل رجال ، ودر علم رياضي به جميع أقسام متفرّد ووحيد در مقال ، ودر اُصول حلّال عويصات وأعضال ، ودر علم تفسير قرآن اُعجوبه زمان. (4)
    وقال الميرزا محمّد علي الكشميري في نجوم السماء ما هذا لفظه : مجمع شرافت وحذاقت ، ومرجع كلام وحكمت ، حامي دين وملّت. وحاوي فقه وشريعت بود. كافّه عقلاي ذوي الأفهام از خاصّ وعام معترف علوم وكمالات ودقائق وافادات اُويند ، تصانيف او مشتمل بر تحقيقات دقيقه وتدقيقات أنيقه مشهور ومعروف است. (5)
    __________________
    1. روضات الجنّات : 2 / 62.
    2. لؤلؤة البحرين : 132.
    3. مستدرك الوسائل : 3 / 424.
    4. قصص العلماء : 333.
    5. نجوم السماء في تراجم العلماء : 46.

    وغيرهم ممّا لا مجال لذكرهم.
    ورعه وعبادته :
    كان (رحمه الله تعالى) متعبّداً في الغاية ، مكثاراً من تلاوة كتاب الله المجيد ، بحيث ذكره بعض الثقات أنّه كان يقرأ كلّ ليلة خمسة عشر جزءاً من القرآن ، مواظباً على أداء النوافل ، لم يفته شيء منها منذ أن بلغ سنّ التكليف حتّى مات. مجدّاً ساعياً في تزكية نفسه النفيسة ، وتصفية باطنه الشريف ، حتّى اشتهر أنّه لم يضع جنبه على فراشه بالليل في مدّة أربعين سنة.
    مكاشفاته :
    ذكر قدّس سرّه في بعض المواضع أنّه كثيراً ما يودع جسده الشريف ويخرج إلى سير معارج الملكوت ، ثمّ يرجع إليه مكرهاً ، والله أعلم بحقيقة مراده ، وخبيئة فؤاده.
    قال قدّس الله سرّه : كنت ذات يوم من أيّام شهرنا هذا ، وقد كان يوم الجمعة سادس عشر شهر رسول الله صلى الله عليه وآله شعبان المكرّم لعام ثلاث وعشرين وألف من هجرته المقدّسه ، في بعض خلواتي أذكر ربّي في تضاعيف أذكاري وأورادي باسمه الغني فاُكرّر «يا غنيّ يا مغني» مشدوهاً بذلك عن كلّ شيء إلّا عن التوغّل في حريم سرّه والإمحاء في شعاء نوره ، فكان خاطفة قدسيّة قد ابتدرت إليّ فاجتذبتني من الوكر الجسدانيّ ، ففللت (1) حلق شبكة الحسّ ، وحللت عقد حبالة الطبيعة.
    وأخذت أطير بجناح الورع في جوّ ملكوت الحقيقة ، فكأنّي قد خلعت بدني ، ورفضت عدني ، ومقوت خلدي ونضوت جسدي ، وطويت إقليم الزمان ، وصرت إلى عالم الدهر.
    فإذا أنا في مصر الوجود بجماجم اُمم النظام الجملي من الإبداعيّات والتكوينيّات والإلهيّات والطبيعيّات والقدسيّات والهيولانيّات والدهريّات والزمنيّات ، وأقوام الكفر والإيمان وأرهاط الجاهليّة والإسلام من الدارجين والدارجات والغابرين والغابرات والسالفين والسالفات ، والعاقبات في الأزل والآباد.
    __________________
    1. في البحار : ففككت.

    وبالجملة آحاد مجامع الإمكان وذوات عوالم الإمكان ، بقضّهام وقضيضها وصغيرها وكبيرها ثابتاتها وبايداتها حاليّاتها وأنياتها.
    وإذا الجميع زقّة زقّة وزمرة زمرة ، بحشدهم (1) قاطبة معاً ، مولون وجوه مهيّاتهم شطر بابه سبحانه ، شاخصون بأبصار أنياتهم تلقاء جنابه جلّ سلطانه من حيث هم لا يعلمون ، وهم جميعاً بألسنة فقر ذواتهم الفاقرة وألسن فاقة هويّاتهم الهالكة في ضجيج الضراعة وصراخ الإبتهال ذاكروه وداعوه ومستصرخوه ومنادوه بـ«يا غني يا مغني» من حيث لا يشعرون.
    فطفقت في تينك الضجّة العقليّة والصرخة الغيبيّة أخرّ مغشيّاً عليّ ، وكدت من شدّة الوله والدهش أنسى جوهر ذاتي العاقلة ، وأغيب عن بصر نفسي المجرّدة ، واُهاجر ساهرة أرض الكون ، وأخرج عن صقع قطر الوجود رأساً ، إذ قد ودعتني تلك الخلسة شيقاً حنوناً إليها ، وخلفتني تلك الخطفة الخاطفة تائقاً لهوفاً عليها ، فرجعت إلى أرض التبار ، كورة البوار ، وبقعة الزور ، وقرية الغرور تارة اُخرى. (2)
    وقال نوّر الله مرقده : ومن لطائف ما اختطفته من الفيوض الربّانيّة بمنّه سبحانه ، وفضله جلّ سلطانه ، حيث كنت بمدينة الإيمان حرم أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله ، قم المحروسة ، صينت عن دواهي الدهر ونوائبها ، في بعض أيّام شهر الله الأعظم لعام الحادي عشر بعد الألف من الهجرة المباركة المقدّسة النبويّة ، أنّه قد غشيني ذات يوم سنة شبه خلسة وأنا جالس في تعقيب صلاة العصر تاجه تجاه القبلة.
    فأريت في سنتي نوراً شعشعانيّاً على أبهة صوانيّة في شبح هيكل إنساني مضطجع على يمينه ، وآخر كذلك على هيأة عظيمة ، ومهابة كبيرة في بهاء ضوء لامع ، وجلاء نور ساطع جالساً من وراء ظهر المضطجع ، وكأنّي أنا دار من نفسي أو أدراني أحد غيري أنّ المضطجع
    __________________
    1. في البحار : بحزبهم.
    2. البحار : 109 / 125 وهو رسالته المعروف بالخلعيّة.

    مولانا أمير المؤمنين صلوات الله وتسليماته عليه ، والجالس من وراء ظهره سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وآله.
    وأنا جاثّ على ركبتي وجاه المضطجع قبالته وبين يديه وحذاء صدره ، فأراه صلوات الله عليه وآله متبسّماً في وجهي ، ممرّاً يده المباركة على جبهتي وخدّي ولحيتي ، كأنّه متبشّر مستبشر لي منفّس عني كربتي ، جابر انكسار قلبي مستنفض بذلك عن نفسي حزني وكآبتي ، وإذا أنا عارض عليه ذلك الحرز على ما هو مأخوذ سماعي ومحفوظ جناني فيقول لي هكذا إقرأ واقرأ هكذا : محمّد رسول الله صلى الله عليه وآله أمامي وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فوق رأسي ، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب وصيّ رسول الله صلى الله عليه وآله عن يميني ، والحسن والحسين وعلي ومحمّد وجعفر وموسى وعلي ومحمّد وعلي والحسن والحجّة المنتظر أئمّتي صلوات الله وسلامه عليهم عن شمالي ، وأبوذرّ وسلمان والمقداد وحذيفة وعمّار وأصحاب رسول الله صلّى اله عليه وآله من ورائي ، والملائكة عليهم السلام حولي ، والله ربّي تعالى شأنه وتقدّست أسماؤه محيط بي وحافظي وحفيظي ، والله من ورائهم محيط بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ ، فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين.
    وإذ قد بلغ بي التمام فقال سلام الله عليه : كرّر ، فقرأ وقرأت عليه بقراءته صلوات الله عليه ، ثمّ قال : أبلغ ، وأعاد عليّ ، وهكذا كلّما بلغت منه النهاية يعيده عليّ بقراءته صلوات الله عليه ، ثمّ قال : أبلغ وأعاد عليّ ، وهكذا كلّما بلغت منه النهاية يعيده عليّ إلى حيث حفظته ، فانتبهت من سنتي متلهّفاً عليها إلى يوم القيامة. (1)
    كلماته القصار :
    لد قدّس سرّه القدّوسيّ كلمات قصار في النصائح والمواعظ ، وهي : قال : أخلص معاشك لمعادك ، واجعل مسيرك في مصيرك ، وتزوّد ممّا تؤتاه زادك ، ولا تفسد بمتاع الغرور فؤادك ، ولا تهتمّ برزقك ، ولا تغتمّ في طسقك ، فالذي يبقيك يرزقك ، ونصيبك
    __________________
    1. دار السلام للمحدّث النوري : 2 / 52 ـ 53.

    يصيبك.
    وقال أيضاً : الموعظة إذا خرجت من صميم القلب ولجت في حريم القلب ، وإذا خرجت من ناحية اللسان لم يتجاوز أصمخة الآذان.
    وبعبارة اُخرى : العظة الناصحة تخرج من القلب السليم ، فتلج في القلب الصميم. فإذا نطق ذو سرّ سقيم كان كمن يقعقع حلقة من عظم رميم.
    وقال أيضاً : المواعظ إذا خرجت من حريم القلب السليم ولجت في وتين القلب الصميم ، وإذا كان مخرجها تقعقع أطراف اللسان ، فكأنّما قد حلفت بمغلظات الايمان أن لا تتجاوز أصمخة الآذان ، ولا تنفذ في منافذ الايمان ، ولا تدخل مشاعر الإيقان.
    وقال أيضاً : اللسان مفتاح باب ذكر الله العظيم ، فلا تحرّكوه بالفحش (باللغو) وإلّا هجر ، والقلب بيت الله الحرام فعظّموه بإخلاص النيّة فيه لله ، ولا تدنّسوه قذار الهواجس الرديّة والنيّات المدخولة ، والسرّ حرم نور الله وحريم بيته المحرّم ، فلا تلحدوا فيه بالنكوب عن حاقّ الحقّ الذي هو صراط الله المستقيم.
    وقال أيضاً : إذا كان ملاك الأمر حسن الخاتمه فراقب وقتك ، واجعل خير أيّامك يومك الذي أنت فيه ، فلعلّه هو الخاتمة ، اذ لا غائب أقرب من الموت ، ولا باغت أبغت فلتة وأفلت بغتة من الأجل ما غبر ، ليس في يدك منه شيء ، وما يأتي في الغيب عنك ما خطبه ، فما ميقات الاستدراك ووقت الاستصلاح إلا حينك الحاضر ، إن كان ما قد مضى وذهب عنك لك صالحاً فلا تفسدنّه عليك بما تكسبه الآن ، وإن كان فاسداً فعليك الآن بدرك فساده والخروج عن عهدته. (1)
    صداقته مع الشيخ البهائي :
    كان بينه وبين الشيخ البهائي العاملي من التآخي والخلطة والصداقة ما يندر وجود مثله بين عالمين متعاصرين ، وجدا في مكان واحد.
    __________________
    1. هذه الكلمات نقلته عن خطّه الشريف.

    ويدلّ على ذلك ما كتبه قدّس سرّه إلى الشيخ البهائي مراجعاً : ولقد هبت ريح الاًنس من سمت القدس ، فأتتني بصحيفة منيفة كأنّها بفيوضها بروق العقل بوموضها ، وكأنّها بمطاويها أطباق الملك والملكوت بنظامها ، وكأنّ ألفاظها برطوباتها ، أنهار العلوم بعذوباتها ، وكأنّ معانيها بأفواجها بحار الحقّ بأمواجها ، وأيم الله إنّ طباعها من تنعيم ، وإنّ مزاجها من تسنيم ، وإنّ نسيمها لمن جنان الرمضوت ، وإنّ رحيقها لمن دفاق الملكوت.
    فاستقبلتها القوى الروحيّة ، وبرزت إليها القوّة العقليّة ، ومدّت إليها فطنة صوامع السرّ أعناقها ، من كوى الحواسّ وروزاة المدارك وشبابيك المشاعر ، وكادت حمامة النفس تطير من وكرها شغفاً واهتزازاً ، وتستطار إلى عالمها شوقاً وهزازاً ، ولعمري لقد تروّيت ، ولكنّي لفرط ظمائي ما ارتويت :
    شربت الحبّ كأساً بعد كأس
    فما نفد الشراب ولا رويت

    فلا زالت مراحمكم الجليّة ، مدركة للطّالبين ، بأضواء الأعطاف العليّة ، ومرويّة للظامئين بجرع الألطاف الخفيّة والجليّة.
    ثمّ إنّ صورة مراتب الشوق والاخلاص التي هي وراء ما يتناهى بما لا يتناهي أظنّها هي لمنطبعة كما هي عليها في خاطركم الأقدس الأنور الذي هو لأسرار عوالم الوجود كمرآة مجلوّة ، ولغوامض أفانين العلوم ومعضلاتها كمصفاة مصحوّة.
    وإنّكم لأنتم بمزيد فضلكم المؤمّلون لامرار المخلص على حواشي الضمير المقدّس المستنير ، عند صوالح الدعوات السانحات في منيّة الاستجابة ومظنّة الاجابة بسط الله ظلالكم وخلّد مجدكم وجلالكم ، والسلام على جنابكم الأرفع الأبهى ، وعلى من يلوذ ببابكم الأسمى ، ويعكف بفنائكم الأوسع الأسنى ، ورحمة الله وبركاته أبداً سرمداً. (1)
    وقد كانا معاً موضع تقدير الشاه عبّاس واحترامه ، يسود بينهما الصفاء والودّ ، وقد ذكروا في كتب التراجم بعض القصص التي تمثّل هذا الصفاء الذي كان يسود بينهما.
    __________________
    1. سلافة العصر : 478.

    منها : ما نقل أنّ السلطان شاه عبّاس الماضي ركب يوماً إلى بعض تنزّهاته ، وكان الشيخان المذكوران أيضاً في موكبه ، لأنّه كان لا يفارقهما غالباً ، وكان سيّدنا المبرور متبدّناً عظيم الجثّة ، بخلاف الشيخ البهائي فإنّه كان نحيف البدن في غاية الهزال ، فأراد السلطان أن يختبر صفاء الخواطر فيما بينهما ، فجاء إلى سيّدنا المبرور وهو راكب فرسه في مؤخّر الجمع ، وقد ظهر من وجناته الأعياء والتعب لغاية ثقل جثّته ، وكان جواد الشيخ في القدام يركض ويرقص كأنّما لم يحمل عليه شيء.
    فقال : يا سيّدنا ألا تنظر إلى هذا الشيخ القدّام كيف يلعب بجواده ولا يمشي على وقار بين هذا الخلق مثل جنابك المتأدّب المتين؟ فقال السيّد : أيّها الملك إنّ جواد شيخنا لا يستطيع أن يتأنّى في جريه من شعف ما حمّل عليه ، ألا تعلم من ذا الذي ركبه.
    ثمّ أخفى الأمر إلى أن ردف شيخنا البهائي في مجال الركض ، فقال : يا شيخنا ألا تنظر إلى ما خلفك كيف أتعب جثمان هذا السيّد المركب ، وأورده من غاية سمنه في العيّ والنصب ، والعالم المطاع لابدّ أن يكون مثلك مرتاضاً خفيف المؤونة. فقال : لا أيّها الملك ، بل العيّ الظاهر في وجه الفرس من عجزه عن تحمّل حمل العلم الذي يعجز عن حمله الجبال الرواسي على صلابتها.
    فلمّا رأى السلطان المذكور تلك الاُلفة التامّة والمودّة الخالصة بين عالمي عصره ، نزل من ظهر دابّته بين الجمع وسجد لله تعالى وعفّر وجهه في التراب شكراً على هذه النعمة العظيمة.
    وحكايات سائر ما وقع أيضاً بينهما من المصادقة والمصافاة وتأييدهما الدين المبين بخالص النيّات كثيرة جدّاً ، يخرجنا تفصيلها عن وضع هذه العجالة.
    على أنّ ذلك لم يذهب بروح التنافس بينهما ، شأن كلّ عالمين متعاصرين عادة. فقد ورد أنّ الشيخ البهائي حين صنّف كتابه الأربعين أتى به بعض الطلبة إلى السيّد الداماد ، فلمّا نظر فيه قال : إنّ هذا العربيّ رجل فاضل لكنّه لمّا جاء في عصرنا لم يشتهر ولم يعد عالماً.
    مسلكه في الفلسفة :

    يغلب على تفكير السيّد الروح الاشراقيّة ، يتحرّك في تيار الروح العرفانيّة ، وقد أثّر باتّجاهه الاشراقي هذا على تفكير تلميذيه صدر المتألّهين وملّا محسن الفيض ، وترك على أفكارهما ملامح كثيرة واضحة ، ولعلّ أسماء كثير من كتب السيّد توحي لنا بهذه الروح الاشراقيّة.
    ويدلّ على ذلك اختتام كتابه القبسات بدعاء النور ، وهو : «اللّهمّ اهدني بنورك لنورك ، وجلّلني من نورك بنورك ، يا نور السماوات والأرض ، يا نور النور ، يا جاعل الظلمات والنور ، يا نوراً فوق كلّ نور ، ويا نوراً يعبده كلّ نور ، ويا نوراً يخضع لسلطان نوره كلّ نور ، ويا نوراً يذلّ لعزّ شعاعه كلّ نور».
    وكثيراً ما يعبّر عن ابن سينا بـ«شريكنا السالف في رياسة الفلسفة الإسلاميّة» ، وعن الفارابي بـ«شريكنا التعليمي» وغيره.
    شعره :
    له ديوان شعر جيّد نقتبس منه بعض أشعاره العربيّة والفارسيّة.
    فمن مناشداته عند زيارة مولانا الرضا عليه السلام :
    طارت المهجة شوقاً بجناح الطرب
    لثمت سدّة مولى بشفاه الأدب

    نحو أوج لسماء قصد القلب هوى
    ولقد ساعدني الدهر فيا من عجب

    اُفق الوصل بدى إذ ومض البرق وقد
    رفض القلب سوى ميتة تلك القلب

    لا تسل عن نصل الهجر فكم في كبدي
    من ثغور فيه وكم من ثقب

    كنت لا أعرف هاتين أعيناي هما
    أم كؤوس ملئت من دم بنت العنب

    بكرة الوصل أتتني فقصصنا قصصاً
    من هموم بقيت لي بليال كرب

    قيل لي قلبك لم يؤثر من نار هوى
    قلت دعني أنا ما دمت بهذا الوصب

    أصدقائي أنا هذا وحبيبي داري
    روضة الوصل ولم أغش غوامش الحجب

    أنا في مشهد مولاي بطوس أنا ذا
    ساكب الدمع بعين وربت كالسحب

    وله أيضاً ينشد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام :
    عينان عينان لم يكتبها قلم
    في كلّ عين من العينين عينان

    نونان نونان لم يكتبها رقم
    في كلّ نون من النونين نونان

    قيل : العينان عين الابداع وعين الاختراع ، والقلم قلم العقل الفعّال ، وفي عين الابداع عالم العقل وعالم النفس ، وفي عين الاختراع عالم الموادّ وعالم الصور. والنونان نون ال تكوين ونون التدوين ، وفي نون التكوين الامكان الذاتي والامكان الاستعدادي ، وفي نون التدوين أحكام الدين وقوانين الشرع المبين.
    وله أيضاً بالفارسيّة :
    أي ختم رسل دو كون پيرايه تست
    أفلاك يكى منبر نه پايه تست

    گر شخص ترا سايه نيفتد چه عجب
    تو نوري وآفتاب خود سايه تست

    وله أيضاً :
    گويند كه نيست قادر از عين كمال
    بر خلقت شبه خويش حق متعال

    نزديك شد اينكه رنگ امكان گيرد
    در ذات علي صورت اين أمر محال

    وله أيضاً :
    اي علم ملّت ونفس رسول
    خلقه كش علم تو گوش عقول

    اي بتو مختوم كتاب وجود
    وي به تو مرجوع حساب وجود

    داغ كش ناقه تو مشك ناب
    جزيه ده سايه تو آفتاب

    خازن سبحاني تنزيل وحي
    عالم ربّاني تأويل وحي

    آدم از اقبال تو موجود شد
    چون تو خلف داشت كه مسجود شد

    تا كه شده كنيت تو بو تراب
    نه فلك از جوي زمين خورده آب

    راه حق وحادي هر گمرهي
    ما ظلماتيم وتو نور اللهي

    آنكه گذشت از تو وغيري گزيد
    نور بداد ابله وظلمت خريد

    وله أيضاً :


    در كعبه قل تعالوا از مام كه زاد
    از بازوى باب حطّه خيبر كه گشاد

    بر ناقه لا يؤدّي إلّا كه نشست
    بر دوش شرف پاي كراسي كه نهاد

    وله أيضاً :
    در مرحله علي نه چون است ونه چند
    در خانه حق زاده به جانش سوگند

    بي فرزندي كه خانه زادي دارد
    شك نيست كه باشدش به جاي فرزند

    وله أيضاً :
    تعجيل من اى عزيز آسان نبود
    بى از شبهات

    محكم تر از ايمان من ايمان نبود
    بعد از حضرات

    مجموع علوم ابن سينا دانم
    با فقه وحديث

    وينها همه ظاهر است وپنهان نبود
    جز بر جهلات

    وله أيضاً :
    چشمى دارم چو حسن شيرين همه آب
    بختى دارم چو چشم خسرو همه خواب

    جانى دارم چو جسم مجنون همه درد
    جسمى دارم چو زلف ليلى همه تاب

    وله أيضاً :
    از خوان فلك قرص جوى بيش مخور
    انگشت عسل مخواه وصد نيش مخور

    از نعمت ألوان شهان دست بدار
    خون دل صد هزار درويش مخور

    مشايخه ومن روى عنهم :
    1 ـ السيّد حسين بن السيّد حيدر الحسيني الكركي العاملي ثمّ الإصفهاني (1)
    2 ـ الشيخ عبد العالي بن الشيخ نور الدين علي بن الحسين بن عبد العالي العاملي الكركي 2
    3 ـ الشيخ عبد علي بن محمود الخادم الجابلقي خال الشيخ محمّد بن علي ابن خاتون
    __________________
    1. رياض العلماء : 2 / 88.
    2. أمل الآمل : 1 / 110.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الصحيفه السجاديه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الصحيفه السجاديه كامله   الصحيفه السجاديه كامله Emptyأمس في 20:07

    العاملي (1)
    4 ـ السيّد علي بن أبي الحسن الموسوي العاملي. قال في الرياض : ويروي عنه السيّد الداماد ، وقد اتّصل به في المشهد المقدّس الرضويّ ، قال قدّس سرّه في سند بعض الأحراز المرويّة عن الأئمّة عليهم السلام هكذا : ومن طريق آخر رويته عن السيّد الثقة الثبت المركون إليه في فقهه ، المأمون في حديثه ، علي بن أبي حسن العاملي رحمه الله تعالى قراءة وسماعاً وإجازة سنة ثمان وثمانين وتسعمائة من الهجرة المباركة النبويّة في مشهد سيّدنا ومولانا أبي الحسن الرضا صلوات الله وتسليماته عليه بسناباد طوس.
    ثمّ قال : والظاهر عندي أنّه بعينه والد السيّد محمّد صاحب المدارك وصهر الشهيد الثاني ، وإن لم يصرّح به الشيخ المعاصر أيّده الله. ولا استبعاد في ملاقاته لاتّحاد العصر ، مع أنّ السيّد الداماد رواه عنه في أوائل عمره ، كما يظهر من بض المواضع أنّ وروده قدّس سرّه بمشهد الرضا عليه السلام كان في أوان بلوغه ، وقد صرّح نفسه في بعض كتبه أيضاً.
    ثمّ قال : وقال السيّد الداماد في سند بعض الأدعية : رويته عن السيّد الثقة الثبت المركون إليه في فقهه ، المأمون في حديثه ، علي بن أبي الحسن العاملي (رحمه الله تعالى) في مشهد مولانا الرضا عليه السلام عن الشهيد. الخ. (2)
    5 ـ السيّد أبو الحسن الموسوي العاملي.
    قال المحدّث العاملي في أمل الآمل في ترجمته : وعنه يروي السيّد الداماد. (3)
    وقال في الرياض بعد ذكر عبارة أمل الآمل : وظنّي أنّه سهو ؛ إذ السيّد الداماد يروي عن السيّد علي بن أبي الحسن الموسوي العاملي ، لا عن والده أبي الحسن ، ثمّ ذكر سنده في سند حرز من أحراز الأدعية المتقدّمة.
    ثمّ قال : وقد عدّه الشيخ المعاصر على حدة ، فلعلّ السيّد الداماد روى عن والد هذا
    __________________
    1. أمل الآمل : 2 / 155.
    2. رياض العلماء : 3 / 330 ـ 331.
    3. أمل الآمل 1 : 192.

    السيّد أيضاً ، ويكون والده أيضاً من تلامذة الشهيد الثاني ، فلا اشكال فلاحظ. (1)
    6 ـ السيّد نور الدين علي بن السيّد الزاهد الحسين بن أبي الحسن الحسيني الموسوي العاملي الجبعي والد صاحب المدارك.
    قال في الرياض : وكان من مشايخ السيّد الداماد ، ولاقاه في مشهد الرضا عليه السلام (2).
    وقال : والظاهر عندي اتّحاد السيّد علي بن أبي الحسن الموسوي العاملي الجبعي مع السيّد نور الدين علي بن الحسين بن أبي الحسن الموسوي العاملي الجبعي ؛ للاتّحاد في أكثر المذكورات ، واتّحاد العصر ، والنسبة إلى الجدّ الشايع ، والشيخ المعاصر اعتقد تععدّدهما وعقد لهما ترجمتين (3).
    وقال : فظنّ التعدّد وإيرادهما في ترجمتين ، كما فعله الشيخ المعاصر في أمل الآمل (4) ، غير مستقيم.
    ثمّ قال : وأمّا الاشكال في أنّ ملاقاة السيّد الداماد لوالد صاحب المدارك وخاصّة في مشهد الرضا عليه السلام ممّا لم ينقل ، ولا سمع مجيء والد صاحب المدارك إلى بلاد العجم أصلاً ، فكيف بمشهد الرضا عليه السلام ، فهو وهم ، وقد كان ملاقاته له في أوائل عمر السيّد الداماد (5).
    7 ـ الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي ، روى عنه إجازة.
    تلامذته والروون عنه :
    قد تخرّج على يديه جملة من الأكابر ، منهم :
    1 ـ السيّد أحمد بن السيّد زين العابدين الحسيني العاملي ، وكان صهر السيّد الداماد ، قال في الرياض : وقد أجاز له إجازة أثنى عليه فيها ، وذكر أنّه قرأ عنده بعض الشفا وغيره (6)
    __________________
    1. رياض العلماء 5 : 452.
    2. رياض العلماء 3 : 417.
    3. رياض العلماء 3 : 331.
    4. أمل الآمل 1 : 119.
    5. رياض العلماء 3 : 417.
    6. رياض العلماء 1 : 39.

    2 ـ المولى عبد الله بن الحاج حسين بابا السمناني (1).
    3 ـ المولى الكبير الجليل مولانا خليل بن الغازي القزويني (2).
    4 ـ المولى عبد الغفّار بن محمّد بن يحيى الرشتي الجيلاني ، قال في الرياض : وله حاشية على كتاب التقديسات لاُستاده السيّد الداماد ، وحاشية على كتاب الايقاضات لاُستاده المذكور أيضاً ، وحاشية على كتاب اُفق المبين لاُستاده أيضاً ، ورسالة في المشاجرات التي وقعت بين المولى مراد التفريشي وبين بعض فضلاء العصر ولعلّه السيّد الداماد في طائفة من المسائل الحكميّة والفقهيّة والمحاكمة بينهما وتحقيق الحقّ فيها. (3)
    5 ـ المولى محمود بن الأميرزا علي الاصفهاني. (4)
    6 ـ السيّد محمّد تقي بن أبي الحسن الحسيني الاسترابادي. (5)
    7 ـ المولى صدر الدين محمّد الشيرازي صاحب الأسفار. (6)
    8 ـ الفيلسوف عبد الرزّاق اللاهيجي.
    9 ـ الحكيم ملّا محسن الفيض الكاشاني.
    10 ـ سلطان العلماء
    11 ـ الشيخ شمس الدين الاشكوري صاحب محبوب القلوب.
    12 ـ مير فضل الله الاسترابادي.
    13 ـ السيّد الأمير منصور بن محمّد. (7)
    إجازته لسلطان العلماء :
    __________________
    1. رياض العلماء : 2 / 240 و 3 / 207 و 210 و 4 / 276.
    2. رياض العلماء : 2 / 261.
    3. رياض العلماء : 3 / 157 و 158 و 5 / 401.
    4 ـ رياض العلماء : 4 / 306.
    5 ـ رياض العلماء : 5 / 46.
    6 ـ شرح اُصول الكافي ص : 16 ، وروضات الجنّات : 2 / 65.
    7 ـ رياض العلماء : 5 / 43.

    له قدّس سرّه إجازة لبعض أفاضل عصره ولعلّه سلطان العلماء ، قال : بسم الله الرحمن الرحيم ، والاعتصام بالعزيز العليم ، صدر كتاب الوجود ، حمد سلسلتي البدء والعود ، لمدبّر عوالم الصنع والابداع ، وصدرة نظام الكون صلاة العقل ، والنفس في قوّتي النظم والعمل على سفرة صقع النور ، وخزنة سرّ الوحي وحملة سنة الدين وهداة سبيل القدس بمعالم الشرع والايزاع.
    وبعد : فإنّ التي احتوتها صدور هذه الأوراق ، وبطون هذه الأطباق ، عضة من صحفي ومصنّفاتي وزبري ومرصّفاتي ، فيها عضون من جذوات قبساتي وخلسات خلساتي ، يتمض (1) بها المستريض المتبصّر ، ويلتمظ منها المستفيض المتمصّر ، قد اصطادتها شركة الانتساخ ، واقتنصها شبكة الاستنساخ ، اختداماً لخزنة كتب نوّاب الصدر الأعظم ، المخدوم المعظّم ، سلطان أعاظم الصدور والاُمراء ، برهان أكارم العلماء والفقهاء ، الفهّامة المقدام ، والعلّامة المكرام ، ملاذ الإسلام والمسلمين ، ملاك الإيمان والمؤمنين.
    لا زالت مطالع سيادته وصدارته وسماه وهداه ، كمجالي اسمه السامي ، ولقبه الطامي ، على قصوى مدار الحمد والرضا ، وقصيا معارج المجد والعلى ، ولا عدمت الأيّام أضواء ثواقب حضرته ، ولا فقدت الأدوار أنوار كواكب دولته ، رجاء أن يشرح صدر غوامض مباحثها بلحظ بصره القدسي ، ويرفع قدر مغامض مداحضها بلحاظ نظرة القدّوسي.
    وإنّي قد أجزت له خلّد الله ظلاله أن يرويها كما شاء وكيف شاء ، وأن يفيض على المستفيضين بسط أنوارها ، وكشط أسطارها ، وحلّ مستشكهاتها ، وكشف مستبهماتها ، وهداية التائقين إلى حمل عرش حملها ، وإرواء الظامئين في مهامه فقهها ودرايتها.
    وكتب بيمينه الجانية الفانية المستديم لظلال جلاله ، وشروق عزّه وإقباله ، أحوج المربوبين ، وأفقر المفتاقين ، إلى رحمة ربّه الرحمن ، الحميد الغني محمّد بن محمّد يدعى باقر
    __________________
    1. يتمض افتعال من الوموض ، المستريض استفعال من الروضة «منه».

    الداماد الحسيني ، ختم الله له في نشأتيه الحسنى ، وسقاه في المصير إليه من كأس المقرّبين ممّن لديه الزلفى ، وجعل خير يوميه غده ، ولا أوهن من الاعتصام بحبل فضله العظيم يده ، في هزيع من سابع ذي القعدة الحرام لعام 1024 من أعوام الهجرة المباركة المقدّسة النبويّة حامداً مصلّياً مسلّماً. (1)
    تآليفه القيّمة :
    كتب المترجم مؤلّفات ورسائل كثيرة ، قد تجاوزت جهود الفرد الواحد ، تمثّل إضطلاعه بجوانب المعرفة الشاملة ، ومن بينها مؤلّفات مشهورة قيّمة ، لا تزال معيناً للعلماء إلى اليوم ، وقد يعجب المرأ من وفرة تآليفه ، ذات المواضيع المختلفة والمعارف المتعدّدة.
    ولا ريب أنّ ذكاءه المفرط وذاكرتهت العجيبة ووعيه الشامل ، كان ذلك من الأسباب الرئيسيّة في تغلّبه على تلك العقبات التي تحول دون تأليفه وتصنيفه ، وهي :
    1 ـ إثبات سيادة المنتسب بالاُمّ إلى هاشم. (2)
    2 ـ الإعضالات العويصات في فنون العلوم والصناعات. (3) طبع مع السبع الشداد له سنة 1317.
    3 ـ الاُفق المبين في الحكمة الإلهيّة ، (4) غير مطبوع.
    4 ـ أمانت إلهي فارسي في تفسير آية الأمانة ، كتبه للنوّاب (قوچي باشي) الهمداني الصفوي النسب أوان كونه في موكب السلطان في شيراز. (5)
    5 ـ اُنموذج العلوم : عدّه في الذريعة : 2 / 404 كتاباً مستقلاً ، مع أنّه نفس كتاب الاعضالات العويصات المتقدّم.
    6 ـ الأيّام والليالي الأربعة وأعمالها بالفارسيّة ، الرياض 5 / 41.
    7 ـ الإيقاضات في خلق الأعمال وأفعال العباد مبسوط مشتمل على الأدلّة العقليّة و
    __________________
    1. نقلته عن خطّه الشريف في بعض مكتوباته بقلمه المنيف.
    2. لؤلؤؤة البحرين : 134.
    3. الذريعة 2 / 238.
    4. الذريعة 2 / 261.
    5. الذريعة : 2 / 345.

    الآيات والروايات. الذريعة : 2 / 507 والرياض 5 / 41 طبع على هامش القبسات له في طهران سنة 1315.
    8 ـ الإيماضات والتشريفات في مسألة الحدوث والقدم ، كتبه بعد الاُفق المبين والصراط المستقيم ، الذريعة : 2 / 509 طبع مع القبسات سنة 1315.
    9 ـ تأويل المقطّعات في أوائل السور القرآنيّة. الذريعة : 3 / 307.
    10 ـ تشريق الحقّ في المنطق. نسبه إلى نفسه في السبع الشداد. الرياض : 5 / 42.
    11 ـ تصحيح برهان المناسبة على تناهي الأبعاد. الرياض : 5 / 42.
    12 ـ التصحيحات والتقويمات شرح على المختصر الموسوم بتقويم الإيمان. الذريعة : 4 / 195. وأشار إليه في التعليقة على الكافي ص 342.
    13 ـ التصحيفات ، وهو مختصر في بيان بعض التصحيفات مثل تصحيف تايعت في زيارة عاشوراء بالباء الموحّدة ، وتصحيف محلّئين في الزيارة الرجبيّة بالخاء المعجمة ، وغير ذلك ممّا ذكرها في الرواشح (ص 133 ـ 157) الذريعة : 4 / 196.
    14 ـ تعليقات وبراهين على المجسطي : قال في الرياض : 5 / 42 : رأيتها بخطّه في بلدة لاهيجان.
    15 ـ تعليقات على الهيئة فارسي : رآه صاحب الرياض بخطّه في بلدة لاهيجان ، الرياض : 5 / 42.
    16 ـ التعليقة على الاستبصار ، مطبوع في الاثني عشر رسالة له.
    17 ـ التعليقة على اُصول الكافي طبع سنة (1403) بتصحيحنا وتحقيقنا وتعاليقنا عليها.
    18 ـ التعليقة على إلهيّات الشفاء ، الرياض : 5 / 44.
    19 ـ التعليقة على أوائل القواعد الشهيديّة. الرياض : 2 / 203. رآه بخطّه الشريف.
    20 ـ التعليقة على تهذيب الأحكام. أشار إليه في التعليقة على رجال الكشي.
    21 ـ التعليقة على حاشيّة الخفري. الرياض : 5 / 44.

    22 ـ التعليقة على حاشيّة السيّد. الرياض : 5 / 42.
    23 ـ التعليقة على الخلاصة للعلّامة.
    24 ـ التعليقة على الدروس للشهيد الأوّل.
    25 ـ التعليقة على رجال ابن داود.
    26 ـ التعليقة على رجال الشيخ الطوسي. الرياض : 5 / 43.
    27 ـ التعليقة على رجال الكشي ، طبع بتحقيقنا.
    28 ـ التعليقة على رجال النجاشي.
    29 ـ التعليقة على شرح مختصر العضدي. الرياض : 5 / 42.
    30 ـ التعليقة على الصحيفة المكرّمة السجّاديّة ، صرّح به في أكثر كتبه وهو هذا الكتاب بين يديك.
    31 ـ التعليقة على طبيعيّات الشفاء. الرياض : 5 / 44 رآه بخطّه.
    32 ـ التعليقة على قواعد العلّامة. طبع في الرسالة الاثني عشر.
    33 ـ التعليقة على مختلف الأحكام للعلّامة ، طبع في الرسالة الاثني عشر له بالاوفست على النسخة المخطوطة.
    34 ـ التعليقة على من لا يحضره الفقيه ، صرّح به في هذا الكتاب.
    35 ـ التعليقة على نفليّة الشهيد ، طبع في الاثني عشر رسالة.
    36 ـ التعليقة على نهج الدعوات ، صرّح به في هذا الكتاب.
    37 ـ تفسير سورة الاخلاص. المطبوع في الاثني عشر رسالة للمؤلّف.
    38 ـ تقدمة تقويم الإيمان. الذريعة : 4 / 364.
    39 ـ التقديسات في الحكمة الإلهيّة : الذريعة : 4 / 364.
    40 ـ تقويم الايمان. الذريعة : 4 / 396.
    41 ـ الجذوات في الحكمة وخواصّ الحروف ، ألّفها بالفارسيّة بأمر السلطان شاه عبّاس بسفارة مولانا مظفّر المنجّم في شرح كلام بعض أفاضل الهند في حكمة إحراق الجبل حين

    تكلّم موسى مع الله تعالى مع عدم إحراقه. طبع سنة 1302 في بمبئي.
    42 ـ الجمع والالتوفيق بين رأيي الحكيمين في حدوث العالم. الذريعة : 5 / 134.
    43 ـ الجنّة الواقية في الدعاء. قال في الرياض : 5 / 44 : وقد تنسب إليه رسالة الجنّة الواقية في الدعاء وهي مشهورة ، وقد رأيت على خلف نسخة منها أنّها تأليف هذا السيّد ، والظنّ أنّه سهو.
    وقال في الذريعة : 5 / 162 : لا أرى وجهاً لنسبة المختصر إلى الميرداماد كما في بعض المواضع ، غير أنّ الميرداماد لمّا استحسن المختصر كتب بخطّه نسخة منه ولم ينسبه إلى أحد. وكتب إمضاؤه في آخر مكتوبه ، فلمّا وجدت النسخة بخطّه وتوقيعه من غير نسبة إلى أحد نسبوه إليه إلى آخر ما قال. والظاهر أنّ الكتاب للكفعمي والله أعلم.
    44 ـ جواب استفتاءات كثيرة. الرياض : 5 / 42.
    45 ـ جواب سؤال تلميذه السيّد الأمير منصور بن محمّد في حدوث العالم.
    46 ـ جواب السؤال عن اختلاف الزوجين قبل الدخول في قدر المهر مختصرة. الرياض : 5 / 41.
    47 ـ جيب الزاوية. الذريعة : 5 / 303.
    48 ـ الحبل المتين في الحكمة. الذريعة : 6 / 239.
    49 ـ حدوث العالم ذاتاً وقدمه زماناً انتصر فيه لأرسطو على أفلاطون وانتقد على الفارابي لجمعه بين الرأيين. الذريعة : 6 / 292. وهو كتابه الجمع والتوفيق المتقدّم.
    50 ـ الحكمة اليمانيّة. الرياض : 5 / 41.
    51 ـ خطب جمّة لصلاة الجمعة ، وقد طبع مع الاثني عشر رسالة له.
    52 ـ خلسة الملكوت ، صرّح به في التعليقة على اُصول الكافي ص 185 و 310 ، وطبع أخيراً مع القبسات ويسمّى أيضاً بصحيفة القدس.
    53 ـ ديوان شعره بالعربي والفارسي ، قال في الرياض : وقد جمع أشعاره العربيّة والفارسيّة صهره السيّد أمير سيد أحمد بن زين العابدين العلوي في ديوان بأمر السلطان شاه

    صفي وكان يتلخّص بـ«إشراق» وقد رأيت هذا الديوان ببلدة ساري. طبع.
    54 ـ رسالة الخلعيّة ، ذكرناها في مكاشفاته.
    55 ـ رسالة في ابطال الزمان الموهوم. الذريعة : 11 / 6.
    56 ـ رسالة في أغلاط الشيخ البهائي وتصحيفاته. الرياض : 5 / 44 رآها في بلدة رشت.
    57 ـ رسالة في أنّ اليوم الشرعي من طلوع الشمس لا طلوع الفجر. الرياض : 5 / 42.
    58 ـ رسالة في تحقيق حقيقة القياسات المنطقيّة وكيفيّة انتاجها ، لم تتمّ على الظاهر. الرياض : 5 / 42.
    59 ـ رسالة في حقيقة القدرة والإرادة والداعي. سئل عنها في بيت المقدس. الرياض : 5 / 44.
    60 ـ رسالة في طهارة الماء مع ملاقاة النجاسة إذا لم تتعدّ. الرياض : 5 / 44.
    61 ـ رسالة في مسألة علم الواجب تعالى مختصرة. الرياض : 5 / 44.
    62 ـ رسالة في وجوب صلاة الجمعة ، طبع مع الاثني عشر رسالة له.
    63 ـ الرواشح السماويّة في شرح الأحاديث الإماميّة ، طبع سنة 1311.
    64 ـ السبع الشداد ، طبع سنة 1317.
    65 ـ سدرة المنتهى في تفسير سورة الحمد والجمعة والمنافقين. الرياض : 5 / 44 رآها في بلدة رشت ، وقال : ولعلّها لم تتمّ.
    66 ـ شارع النجاة ، خرج منه كتاب الطهارة ، ألّفه بالتماس محمّد رضا جلبي التبريزي الاسطنبولي الاصفهاني بالفارسيّة ، حسنة الفوائد ، طبع في الاثني عشر رسالة للمؤلّف.
    67 ـ شرح الاستبصار ، الذريعة : 13 / 83 ولعلّه متّحد مع تعليقته عليه.
    68 ـ شرح خطبة البيان : الرياض : 5 / 42.
    69 ـ شرح تقدمة تقويم الإيمان. الذريعة : 13 / 151.

    70 ـ شرح تقويم الإيمان. الذريعة : 13 / 151 وهو نفس كتاب التصحيحات والتقويمات.
    71 ـ شرح النيروزيّة ابن سينا ، صرّح به في هذا الكتاب.
    72 ـ شرعة التسميّة في النهي عن تسمية صاحب الزمان صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وعجّل الله فرج ، الذريعة : 14 / 178.
    73 ـ الصراط المستقيم في ربط الحادث بالقديم ، مبسوط جدّاً ، مشتمل على مسائل حكميّة كثيرة جدّاً ، لم يتمّ ألّفه بالفارسيّة ، حسنة الفوائد ، صرّح به في أكثر كتبه وبالخصوص التعليقة على الكافي ص 197 و 315.
    74 ـ ضوابط الرضاع ، طبع في مجموعة كلمات المحقّقين ، سنة 1315.
    75 ـ عيون المسائل في العبادات ، طبع في الاثني عشر رسالة له سنة 1397.
    76 ـ القبسات الحقّ اليقين في الحكمة ، طبع أخيراً على أحسن حال.
    77 ـ كلمات القصار في المواعظ والنصايح ، طبع في الاثني عشر رسالة للمؤلّف.
    78 ـ محجّة الاستقامة في الإمامة ، مشتمل على أخبار العامّة والخاصّة والأدلّة العقليّة والنقليّة ، الرياض : 5 / 42.
    79 ـ مشرق الأنوار ، مثنويّ تتبّع فيه «مخزن الأسرار» للنظامي ، طبع مع ديوانه بإيران في 1350 ، راجع الذريعة : 19 / 296.
    80 ـ نبراس الضياء في معنى البداء. الذريعة : 24 / 28.
    81 ـ نفي الجبر والتفويض. الذريعة : 24 / 268.
    وغيرها من الرسائل والكلمات ، وله على كلّ واحد من تصانيفه حواشي كثيرة جدّاً ، حتّى أنّ في بعضها صارت الحواشي بقدر الأصل أو أزيد.
    وكذا له على أكثر الكتب في فنون شتّى تعليقات كثيرة غير مدوّنة ، وله فوائد كثيرة متفرّقة في علوم عديدة.
    ولادته ووفاته :

    لم يذكر في التراجم تاريخ ولادته ، والذي يستبين لي من التتبّع في تاريخ إجازاته أنّ ولادته كان حوالي سنة (960).
    وأمّا وفاته ، فإنّه قد سافر من إصفهان سنة (1041) بصحبة الشاه صفي الدين الصفوي إلى زيارة العتبات المقدّسة ، وذلك في أواخر عمره ، ففاجأته المنية قرب قرية ذي الكفل بين الحلّة والنجف في السنة المذكورة.
    وفي الرياض : ومات في الخان الذي بين كربلاء والنجف في برّ مجنون. انتهى.
    وكان قد سبقه الشاه صفي الدين إلى النجف الأشرف ، فحمل جثمانه إلى مثواه الأخير النجف الأشرف ، واستقبله الشاه وحاشيته وأهل البلد بكلّ تجلّة واحترام ، ودفن فيها رحمه الله ، وكان يوم وفاته يوماً مشهوداً.
    ورثاه الشعراء بقصائد بليغة ، وما قيل في مادّة تاريخ وفاته :
    «عروس علم را مرد داماد».
    وما قيل أيضاً :
    والسيّد الداماد سبط الكركي
    مقبضه الراضي عجيب المسلك

    حول الكتاب :
    الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين وسيّد الساجدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، رابع أئمّة الشيعة ، الذي اتّفق مؤرّخوا الإسلام على أنّه من أشهر رجال التّقوى والزهد والعبادة ، وقد ذكر معظمهم أدعيته التي كان يناجي بها ربّه ، وهي التي ضمّنها هذه المجموعة وتبلغ (54) دعاءً ، وهي على جانب عظيم من الأهميّة ، ومن يتصفّحها ويتأمّل معانيها يعرف شيئاً عن مكانة الإمام عليه السلام ، ويعني بها شيعة أهل البيت عناية بالغة.
    فقد سمّاها العلّامة ابن شهر آشوب في معالم العلماء عند ترجمته للمتوكل بن عمير بـ «زبور آل محمّد» وعند ترجمته ليحيى بن علي بن محمّد الحسيني بـ «انجيل أهل البيت».
    وقد خصّها الأصحاب بالذكر في إجازاتهم ، واهتمّوا بروايتها منذ القديم ، وتوارث

    ذلك الخلف عن السلف وطبقة عن طبقة ، وتنتهي روايتها إلى الإمام الباقر عليه السلام وزيد الشهيد كما ذكر ذلك في المقدّمة.
    وبالنظر لعظمة مكانة الإمام ومزيد أهميّة هذه الأدعية ألّفت الشروح الكثيرة لهذه الصحيفة ، كما ألّفت صحائف اُخرى جمعت بقيّة أدعيته عليه السلام ممّا لم يذكر في هذه الصحيفة. (1)
    ومن أمتن الشروح وأخصرها ما كتبه السيّد الداماد على الصحيفة المكرّمة السجّاديّة ، حيث يشتمل هذا الشرح على بحوث فلسفيّة ورجاليّة ، وكذلك يتضمّن دراسة لغويّة معمّقة حول لغة الأدعية وألفاظها ، وكذلك يتضمّن دراسة مفصّلة في الهيئة ، وقد كتب السيّد الداماد كلّ ذلك باُسلوبه المتميّز الذي يتّسم بالعذوبة والروعة ، كما يلاحظ القارىء ذلك في سائر كتبه الاُخرى.
    وبما أنّنا لم نعثر على نسخة الصحيفة السجّاديّة التي كانت لدى السيّد الداماد والتي علّق عليها هذه التعليقة ، ولذلك اضطررنا أن نجعل نسخة المطبوعة متناً لهذا الشرح.
    في طريق التحقيق :
    قوبل هذا الكتاب على ثلاث نسخ :
    1 ـ نسخة مخطوطة كاملة من أوّلها إلى آخرها بخطّ النسخ ، وهي تقع في (166) صحيفة كلّ صفحة (20) سطراً ، كاتبها حسن الحسيني الجيلاني ، تاريخ كتابتها سنة (1052) قال في آخر النسخة : تمّ في چمن أسد آباد وكان مخيّماً للعساكر المنصورة الصفويّة ـ الخ ، والنسخة محفوظة في مكتبة (مجلس الشورى) وجعلت رمز النسخة «س».
    2 ـ نسخة مخطوطة كاملة من أوّلها إلى آخرها بخطّ النستعليق ، وهي تقع في (94) صحيفة كلّ صفحة (15) سطراً ، طول كتابتها 5/22 ، وعرضها 13 سانتيمتراً ، كاتبها محمّد باقر بن ولي الاسترابادي ، تاريخ كتابتها في رجب سنة (1106) ، والنسخة محفوظة
    __________________
    1. اقتباس من الذريعة.

    في مكتبة آية الله العظمى السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي قدّس الله سرّه وجعلت رمز النسخة «ن».
    3 ـ نسخة مطبوعة كاملة من أوّلها إلى آخرها على هامش كتاب نور الأنوار للسيّد نعمة الله الجزائري المطبوع سنة (1316) وجعلت رمز النسخة «ط».
    وقد بذلت الوسع في تصحيح الكتاب ، وعرضه على الاُصول المنقولة عنها ، والمصادر المأخوذة منها ، إلّا ما لم أعثر عليه ، ولم آل جهداً في تنميقه وتحقيقه حقّ التحقيق.
    لفت نظر :
    أرجو من العلماء الأفاضل الذين يراجعون الكتاب أن يتفضّلوا علينا بما لديهم من النقد وتصحيح ما لعلّنا وقعنا فيه من الأخطاء والاشتباهات والزلّات.
    والحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا الله ، ونستغفره ممّا وقع من خلل ، وحصل من زلل ، ونعوذ به من شرور أنفسنا ، وسيّئات أعمالنا ، وزلّات أقدامنا ، وعثرات أقلامنا ، فهو الهادي إلى الرشاد ، والموفّق للصواب والسداد ، والسلام على من اتّبع الهدى.
    السيّد مهدي الرجائي
    18 / ذي الحجّة / 1421
    ثم المشرّفة ـ ص ب : 37185 ـ 753



    مقدّمة الصحيفة السجادية


    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ
    حَدَّثَنَا السَيِّدُ الْأَجَلُّ ، (1) نَجْمُ الدّينِ ، بَهاءُ الشَّرَفِ ، اَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ اَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَرِ بْنِ يَحْيَى الَعَلَوِيُّ الْحُسَيْنِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : قالَ اَخْبَرَنَا الشَّيْخُ السَّعيدُ ، اَبُو عَبْدِ اللهِ ، مُحَمَّدُ بْنُ اَحْمَدَبْنِ شَهْرِيارِ ، (2) اَلْخازِنُ لِخِزانَةِ مَوْلانا اَميرِ الْمُؤمِنينَ عَلِيِّ بْنِ اَبي طالِبٍ عليه السلام في شَهْرِ رَبيعِ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ عَشَرَةَ وَخَمْسَ مِائَةٍ قِرائَةً عَلَيْهِ ، وَاَنَا اَسْمَعُ.
    قالَ سَمِعْتُها (3) عَلَى الشَّيْخِ الصَّدُوقِ اَبي مَنْصُور ، مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ اَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزيزِ الْعُكْبَرِيِّ (4) الْمُعَدَّلِ رَحِمَهُ اللهُ عَنْ اَبِي الْمُفَضَّلِ ، (5) مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُطَّلِبِ الشَّيْبانِيِّ ، قالَ : حَدَّثَنَا الشَّريفُ اَبُو عَبْدِ اللهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ جَعْفَرِ

    بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ خَطَّابٍ الزَّيَّاتُ ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي خَالِي عَلِيُّ بْنُ النُّعْمَانِ الْأَعْلَمُ ، (6) قَالَ : حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ مُتَوَكِّلٍ الثَّقَفِيُّ الْبَلْخِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ مُتَوَكِّلِ بْنِ هَارُونَ ، (7) قَالَ : لَقِيتُ يَحْيَى بْنَ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى خُرَاسَانَ بَعْدَ قَتْلِ أَبِيهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ لِي : مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟
    قُلْتُ مِنَ الْحَجِّ. فَسَأَلَنِي عَنْ أَهْلِهِ وَبَنِي عَمِّهِ بِالْمَدِينَةِ ، وَأَحْفَى السُّؤَالَ (Cool عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأخْبَرْتُهُ بِخَبَرِهِ وَخَبَرِهِمْ وَحُزْنِهِمْ عَلَى أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ لِي : قَدْ كَانَ عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَشَارَ عَلَى أَبِي بِتَرْكِ الْخُرُوجِ وَعَرَّفَهُ إِنْ هُوَ خَرَجَ وَفَارَقَ الْمَدِينَةَ مَا يَكُونُ إِلَيْهِ مَصيرُ أَمْرِهِ فَهَلْ لَقِيتَ ابْنَ عَمِّي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ؟ قُلْتُ : نَعَمْ. قَالَ : فَهَلْ سَمِعْتَهُ يَذْكُرُ شَيْئاً مِنْ أَمْرِي؟ قُلْتُ : نَعَمْ. قَالَ : بِمَ ذَكَرَنِي؟ خَبِّرْنِي. قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ (9) مَا أُحِبُّ أَنْ أَسْتَقْبِلَكَ بِمَا سَمِعْتُهُ مِنْهُ ، فَقَالَ : أَبِالْمَوْتِ تُخَوِّفُنِي؟! هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ. فَقُلْتُ سَمِعْتُهُ يَقُولُ : إِنَّكَ تُقْتَلُ وَتُصْلَبُ كَمَا قُتِلَ أَبُوكَ وَصُلِبَ. فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ وَقَالَ : (يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (10) يَا مُتَوَكِّلُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَيَّدَ هَذَا الْأَمْرَ بِنَا (11) وَ

    جَعَلَ لَنَا الْعِلْمَ وَالسَّيْفَ ، فَجُمِعَا لَنَا وَخُصَّ بَنُو عَمِّنَا بِالْعِلْمِ وَحْدَهُ. فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاءَكَ إِنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ إِلَى ابْنِ عَمِّكَ جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمْيَلَ مِنْهُمْ إِلَيْكَ وَإِلَى أَبِيكَ؟ فَقَالَ : إِنَّ عَمِّي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وَابْنَهُ جَعْفَراً عَلَيْهِمَا السَّلَامُ دَعَوَا النَّاسَ إِلَى الْحَيوةِ وَنَحْنُ دَعَوْنَاهُمْ إِلَى الْمَوْتِ.
    فَقُلْتُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَهُمْ أَعْلَمُ أَمْ أَنْتُمْ؟
    فَأَطْرَقَ إِلَى الْأَرْضِ مَلِيّاً (12) ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ : كُلُّنَا لَهُ عِلْمٌ غَيْرَ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ كُلَّمَا نَعْلَمُ ، وَلا نَعْلَمُ كُلَّمَا يَعْلَمُونَ ، ثُمَّ قَالَ لِي : أَكَتَبْتَ مِنِ ابْنِ عَمِّي (13) شَيْئاً؟ قُلْتُ : نَعَمْ قَالَ : أَرِنِيهِ. فَأَخْرَجْتُ إِلَيْهِ وُجُوهاً مِنَ الْعِلْمِ وَأَخْرَجْتُ لَهُ دُعَاءً (14) أَمْلَاهُ عَلَيَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحَدَّثَنِي أَنَّ أَبَاهُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَمْلَاهُ عَلَيْهِ (15) وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ مِنْ دُعَاءِ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ مِنْ دُعَاءِ الصَّحِيفَةِ الْكَامِلَةِ ، فَنَظَرَ فِيهِ يَحْيَى حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهِ وَقَالَ لِي أَتَأْذَنُ فِي نَسْخِهِ؟
    فَقُلْتُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَتَسْتَأْذِنُ فِيمَا هُوَ عَنْكُمْ؟
    فَقَالَ : أَمَا لَأُخْرِجَنَّ إِلَيْكَ صَحِيفَةً مِنَ الدُّعَاءِ الْكَامِلِ (16) مِمَّا حَفِظَهُ أَبِي عَنْ أَبِيهِ وَإِنَّ أَبِي أَوْصَانِي (17) بِصَوْنِهَا وَمَنْعِهَا غَيْرَ أَهْلِهَا.

    قَالَ عُمَيْرٌ : قَالَ أَبِي : فَقُمْتُ إِلَيْهِ ، فَقَبَّلْتُ رَأْسَهُ وَقُلْتُ لَهُ : وَاللَّهِ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنِّي لَأَدِينُ اللَّهَ بِحُبِّكُمْ (18) وَطَاعَتِكُمْ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يُسْعِدَنِي فِي حَيَاتِي وَمَمَاتِي بِوَلَايَتِكُمْ. (19) فَرَمَى صَحِيفَتِيَ الَّتِي دَفَعْتُهَا إِلَيْهِ إِلَى غُلَامٍ كَانَ مَعَهُ وَقَالَ : اكْتُبْ هَذَا الدُّعَاءَ بِخَطٍّ بَيِّنٍ حَسَنٍ وَاعْرِضْهُ عَلَيَّ لَعَلِّي أَحْفَظُهُ ، فَإِنِّي كُنْتُ أَطْلُبُهُ مِنْ جَعْفَرٍ حَفِظَهُ اللَّهُ فَيَمْنَعُنِيهِ.
    قَالَ مُتَوَكِّلٌ : فَنَدِمْتُ عَلَى مَا فَعَلْتُ وَلَمْ أَدْرِ مَا أَصْنَعُ وَلَمْ يَكُنْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَقَدَّمَ إِلَيَّ أَلَّا أَدْفَعَهُ إِلَى أَحَدٍ ثُمَّ دَعَا بِعَيْبَةٍ (20) فَاسْتَخْرَجَ مِنْهَا صَحِيفَةً مُقْفَلَةً مَخْتُومَةً فَنَظَرَ إِلَى الْخَاتَمِ وَقَبَّلَهُ وَبَكَى ثُمَّ فَضَّهُ وَفَتَحَ الْقُفْلَ ثُمَّ نَشَرَ الصَّحِيفَةَ وَوَضَعَهَا عَلَى عَيْنِهِ وَأَمَرَّهَا عَلَى وَجْهِهِ وَقَالَ : وَاللَّهِ يَا مُتَوَكِّلُ لَوْ لَا مَا ذَكَرْتَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَمِّي إِنَّنِي أُقْتَلُ وَأُصْلَبُ لَمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ وَلَكُنْتُ بِهَا ضَنِيناً ، وَلَكِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ حَقٌّ أَخَذَهُ عَنْ آبَائِهِ وَأَنَّهُ سَيَصِحُّ ، فَخِفْتُ أَنْ يَقَعَ مِثْلُ هَذَا الْعِلْمِ إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ فَيَكْتُمُوهُ وَيَدَّخِرُوهُ (21) فِي خَزَائِنِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ (22) فَاقْبِضْهَا وَاكْفِنِيهَا وَتَرَبَّصْ بِهَا فَإِذَا قَضَى اللَّهُ مِنْ أَمْرِي وَأَمْرِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ مَا هُوَ قَاضٍ فَهِيَ أَمَانَةٌ لِي عِنْدَكَ حَتَّى تُوصِلَهَا إِلَى ابْنَيْ عَمِّي : مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فَإِنَّهُمَا الْقَائِمَانِ

    فِي هَذَا الْأَمْرِ بَعْدِي. (23)
    قَالَ الْمُتَوَكِّلُ : فَقَبَضْتُ الصَّحِيفَةَ فَلَمَّا قُتِلَ يَحْيَى بْنُ زَيْدٍ صِرْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَقِيتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَحَدَّثْتُهُ الْحَدِيثَ عَنْ يَحْيَى ، فَبَكَى وَاشْتَدَّ وَجْدُهُ بِهِ ، وَقَالَ : رَحِمَ اللَّهُ ابْنَ عَمِّي وَأَلْحَقَهُ بِآبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ وَاللَّهِ يَا مُتَوَكِّلُ مَا مَنَعَنِي مِنْ دَفْعِ الدُّعَاءِ إِلَيْهِ إِلَّا الَّذِي خَافَهُ عَلَى صَحِيفَةِ أَبِيهِ وَأَيْنَ الصَّحِيفَةُ؟
    فَقُلْتُ : هَا هِيَ فَفَتَحَهَا وَقَالَ : هَذَا وَاللَّهِ خَطُّ عَمِّي زَيْدٍ ، وَدُعَاءُ جَدِّي عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ثُمَّ قَالَ لِابْنِهِ : قُمْ يَا إِسْمَاعِيلُ فَأْتِنِي بِالدُّعَاءِ الَّذِي أَمَرْتُكَ بِحِفْظِهِ وَصَوْنِهِ.
    فَقَامَ إِسْمَاعِيلُ فَأَخْرَجَ صَحِيفَةً كَأَنَّهَا الصَّحِيفَةُ الَّتِي دَفَعَهَا إلَيَّ يَحْيَى بْنُ زَيْدٍ ، فَقَبَّلَهَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَوَضَعَهَا عَلَى عَيْنِهِ وَقَالَ : هَذَا خَطُّ أَبِي وَإِمْلَاءُ جَدِّي عَلَيْهِمَا السَّلَامُ بِمَشْهَدٍ مِنِّي.
    فَقُلْتُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، إِنْ رَأَيْتَ أَنْ أَعْرِضَهَا مَعَ صَحِيفَةِ زَيْدٍ وَيَحْيَى؟
    فَأَذِنَ لِي فِي ذَلِكَ وَقَالَ : قَدْ رَأَيْتُكَ لِذَلِكَ أَهْلًا فَنَظَرْتُ وَإِذَا هُمَا أَمْرٌ وَاحِدٌ وَلَمْ أَجِدْ حَرْفاً مِنْها يُخَالِفُ مَا فِي الصَّحِيفَةِ الْأُخْرَى. ثُمَّ اسْتَأْذَنْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي دَفْعِ الصَّحِيفَةِ إِلَى ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

    الْحَسَنِ، فَقَالَ : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) نَعَمْ فَادْفَعْهَا إِلَيْهِمَا ، فَلَمَّا نَهَضْتُ لِلِقَائِهِمَا ، قَالَ لِي مَكَانَكَ : ثُمَّ وَجَّهَ إِلَى مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ فَجَاءَا فَقَالَ هَذَا مِيرَاثُ ابْنِ عَمِّكُمَا يَحْيَى مِنْ أَبِيهِ ، قَدْ خَصَّكُمْا بِهِ دُونَ إِخْوَتِهِ وَنَحْنُ مُشْتَرِطُونَ عَلَيْكُمَا فِيهِ شَرْطاً ، فَقَالَا رَحِمَكَ اللَّهُ قُلْ فَقَوْلُكَ الْمَقْبُولُ. فَقَالَ : لا تَخْرُجَا بِهَذِهِ الصَّحِيفَةِ مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَا وَلِمَ ذَاكَ؟ قَالَ : إِنَّ ابْنَ عَمِّكُمَا خَافَ عَلَيْهَا أَمْراً أَخَافُهُ أَنَا عَلَيْكُمَا. قَالَا إِنَّمَا خَافَ عَلَيْهَا حِينَ عَلِمَ أَنَّهُ يُقْتَلُ. فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَنْتُمَا فَلَا تَأْمَنَّا ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكُمَا سَتَخْرُجَانِ كَمَا خَرَجَ وَسَتُقْتَلَانِ كَمَا قُتِلَ. فَقَامَا وَهُمَا يَقُولَانِ : «لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ» فَلَمَّا خَرَجَا قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : يَا مُتَوَكِّلُ كَيْفَ قَالَ لَكَ يَحْيَى إِنَّ عَمِّي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وَابْنَهُ جَعْفَراً دَعَوَا النَّاسَ إِلَى الْحَيَاةِ وَدَعَوْنَاهُمْ إِلَى الْمَوْتِ؟ قُلْتُ نَعَمْ أَصْلَحَكَ اللَّهُ قَدْ قَالَ لِيَ ابْنُ عَمِّكَ يَحْيَى ذَلِكَ. فَقَالَ يَرْحَمُ اللَّهُ يَحْيَى إِنَّ أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَخَذَتْهُ نَعْسَةٌ وَهُوَ عَلَى مِنْبَرِهِ ، فَرَأَى فِي مَنَامِهِ رِجَالًا يَنْزُونَ عَلَى مِنْبَرِهِ نَزْوَ الْقِرَدَةِ يَرُدُّونَ النَّاسَ عَلَى أَعْقَابِهِمُ الْقَهْقَرَى (24) فَاسْتَوَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ جَالِساً وَالْحُزْنُ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ فَأَتَاهُ

    جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذِهِ الْآيَةِ (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) يَعْنِي بَنِي أُمَيَّةَ. (25) قَالَ : يَا جِبْرِيلُ أَعَلَى عَهْدِي يَكُونُونَ وَفِي زَمَنِي؟ قَالَ : لَا وَلَكِنْ تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ (26) مِنْ مُهَاجَرِكَ ، (27) فَتَلْبَثُ بِذَلِكَ عَشْراً ، ثُمَّ تَدُورُ رَحَى الْإِسْلامِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ مِنْ مُهَاجَرِكَ فَتَلْبَثُ بِذَلِكَ خَمْساً ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ رَحَى ضَلَالَةٍ هِيَ قَائِمَةٌ عَلَى قُطْبِهَا ثُمَّ مُلْكُ الْفَرَاعِنَةِ قَالَ : وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) تَمْلِكُهَا بَنُو أُمَيَّةَ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ قَالَ : فَأَطْلَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ بَنِي أُمَيَّةَ تَمْلِكُ سُلْطَانَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَمُلْكَهَا طُولَ هَذِهِ الْمُدَّةِ فَلَوْ طَاوَلَتْهُمُ الْجِبَالُ لَطَالُوا عَلَيْهَا حَتَّى يَأْذَنَ اللَّهُ تَعَالَى بِزَوَالِ مُلْكِهِمْ وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَسْتَشْعِرُونَ عَدَاوَتَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَبُغْضَنَا أَخْبَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ بِمَا يَلْقَى أَهْلُ بَيْتِ مُحَمَّدٍ وَأَهْلُ مَوَدَّتِهِمْ وَشِيعَتُهُمْ مِنْهُمْ فِي أَيَّامِهِمْ وَمُلْكِهِمْ قَالَ : وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ) وَنِعْمَةُ اللَّهِ مُحَمَّدٌ وَأَهْلُ بَيْتِهِ ، حُبُّهُمْ إِيمَانٌ يُدْخِلُ الْجَنَّةَ وَبُغْضُهُمْ كُفْرٌ وَنِفَاقٌ يُدْخِلُ النَّارَ. فَأَسَرَّ رَسُولُ اللَّهِ

    صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ذَلِكَ إِلَى عَلِيٍّ وَأَهْلِ بَيْتِهِ قَالَ : ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا خَرَجَ وَلَا يَخْرُجُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ إِلَى قِيَامِ قَائِمِنَا أَحَدٌ لِيَدْفَعَ ظُلْماً أَوْ يَنْعَشَ حَقّاً إلَّا اصْطَلَمَتْهُ الْبَلِيَّةُ وَكَانَ قِيَامُهُ زِيَادَةً فِي مَكْرُوهِنَا وَشِيعَتِنَا. قَالَ الْمُتَوَكِّلُ بْنُ هَارُونَ ثُمَّ أَمْلَى عَلَيَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْأَدْعِيَةَ وَهِيَ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ بَاباً سَقَطَ عَنِّي مِنْهَا أَحَدَ عَشَرَ بَاباً وَحَفِظْتُ مِنْهَا نَيِّفاً (28) وَسِتِّينَ بَاباً. وَحَدَّثَنَا أَبُو الْمُفَضَّلِ قَالَ : وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ رُوزْبِهَ ، (29) أَبُو بَكْرٍ الْمَدَائِنِيُّ الْكَاتِبُ نَزِيلُ الرَّحْبَةِ (30) فِي دَارِهِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُسْلِمٍ الْمُطَهَّرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عُمَيْرِ بْنِ مُتَوَكِّلٍ الْبَلْخِيِّ عَنْ أَبِيهِ الْمُتَوَكِّلِ بْنِ هَارُونَ ، قَالَ : لَقِيتُ يَحْيَى بْنَ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ إِلَى رُؤْيَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ الَّتِي ذَكَرَهَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وَفِي رِوَايَةِ الْمُطَهَّرِيِّ ذِكْرُ الْأَبْوَابِ وَهِيَ :
    التَّحْمِيدُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
    الصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ
    الصَّلَاةُ عَلَى حَمَلَةِ الْعَرْشِ
    الصَّلَاةُ عَلَى مُصَدِّقِي الرُّسُلِ

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الصحيفه السجاديه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الصحيفه السجاديه كامله   الصحيفه السجاديه كامله Emptyأمس في 20:08

    دُعَاؤُهُ لِنَفْسِهِ وَخَاصَّتِهِ
    دُعَاؤُهُ عِنْدَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ
    دُعَاؤُهُ فِي الْمُهِمَّاتِ
    دُعَاؤُهُ فِي الِاسْتِعَاذَةِ
    دُعَاؤُهُ فِي الِاشْتِيَاقِ
    دُعَاؤُهُ فِي اللَّجَإِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى
    دُعَاؤُهُ بِخَوَاتِمِ الْخَيْرِ
    دُعَاؤُهُ فِي الِاعْتِرَافِ
    دُعَاؤُهُ فِي طَلَبِ الْحَوَائِجِ
    دُعَاؤُهُ فِي الظُّلَامَاتِ
    دُعَاؤُهُ عِنْدَ الْمَرَضِ
    دُعَاؤُهُ فِي الِاسْتِقَالَةِ
    دُعَاؤُهُ عَلَى الشَّيْطَانِ
    دُعَاؤُهُ فِي الْمَحْذُورَاتِ
    دُعَاؤُهُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ
    دُعَاؤُهُ فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ
    دُعَاؤُهُ إِذَا حَزَنَهُ أَمْرٌ

    دُعَاؤُهُ عِنْدَ الشِّدَّةِ
    دُعَاؤُهُ بِالْعَافِيَةِ
    دُعَاؤُهُ لِأَبَوَيْهِ
    دُعَاؤُهُ لِوُلْدِهِ
    دُعَاؤُهُ لِجِيرَانِهِ وَأَوْلِيَائِهِ
    دُعَاؤُهُ لِأَهْلِ الثُّغُورِ
    دُعَاؤُهُ فِي التَّفَزُّعِ
    دُعَاؤُهُ إِذَا قُتِّرَ عَلَيْهِ الرِّزْقُ
    دُعَاؤُهُ فِي الْمَعُونَةِ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ
    دُعَاؤُهُ بِالتَّوْبَةِ
    دُعَاؤُهُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ
    دُعَاؤُهُ فِي الِاسْتِخَارَةِ
    دُعَاؤُهُ إِذَا ابْتُلِيَ أَوْ رَأَى مُبْتَلًى بِفَضِيحَةٍ بِذَنْبٍ
    دُعَاؤُهُ فِي الرِّضَا بِالْقَضَاءِ
    دُعَاؤُهُ عِنْدَ سَمَاعِ الرَّعْدِ
    دُعَاؤُهُ فِي الشُّكْرِ
    دُعَاؤُهُ فِي الِاعْتِذَارِ

    دُعَاؤُهُ فِي طَلَبِ الْعَفْوِ
    دُعَاؤُهُ عِنْدَ ذِكْرِ الْمَوْتِ
    دُعَاؤُهُ فِي طَلَبِ السَّتْرِ وَالْوِقَايَةِ
    دُعَاؤُهُ عِنْدَ خَتْمِهِ الْقُرْآنَ
    دُعَاؤُهُ إِذَا نَظَرَ إِلَى الْهِلَالِ
    دُعَاؤُهُ لِدُخُوْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ
    دُعَاؤُهُ لِوَدَاعِ شَهْرِ رَمَضَانَ
    دُعَاؤُهُ فِي عِيدِ الْفِطْرِ وَالْجُمُعَةِ
    دُعَاؤُهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ
    دُعَاؤُهُ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى وَالْجُمُعَةِ
    دُعَاؤُهُ فِي دَفْعِ كَيْدِ الْأَعْدَاءِ
    دُعَاؤُهُ فِي الرَّهْبَةِ
    دُعَاؤُهُ فِي التَّضَرُّعِ وَالِاسْتِكَانَةِ
    دُعَاؤُهُ فِي الْإِلْحَاحِ
    دُعَاؤُهُ فِي التَّذَلُّلِ
    دُعَاؤُهُ فِي اسْتِكْشَافِ الْهُمُومِ
    وَبَاقِي الْأَبْوَابِ بِلَفْظِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، حَدَّثَنَا أَبُو

    عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَسَنِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ خَطَّابٍ الزَّيَّاتُ ، قَالَ : حَدَّثَنِي خَالِي عَلِيُّ بْنُ النُّعْمَانِ الْأَعْلَمُ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ مُتَوَكِّلٍ الثَّقَفِيُّ الْبَلْخِيُّ عَنْ أَبِيهِ مُتَوَكِّلِ بْنِ هَارُونَ ، قَالَ : أَمْلَى عَلَيَّ سَيِّدِي الصَّادِقُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : أَمْلَى جَدِّي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَلَى أَبِي ، مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ السَّلَامُ بِمَشْهَدٍ مِنِّي.

    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ
    الحمد لله الذي جعل لوح الأمر والخلق صحيفة لكتبه وكلماته ، ورقيماً لسوره وآياته ، بمداد قضائه وقدره ، وقلم إبداعه وتكوينه.
    وعلى العترة الصفوة الطاهرة ، والحامّة الروقة الناخلة ، الاثني عشر الخلّص البررة ، المقرّبين المكرّمين ، الأوصياء الصدّيقين ، والأصفياء السبّيقين ، والاُمناء المعصومين ، والخلفاء المفطومين ، خزنة سرّ الله ، وحملة كتاب الله ، وأعمدة دين الله ، وحفظة حدود الله ، ونصيبة خاصّة الله ، وبقيّة خيرة الله ، وتريكة رسول الله صلّى الله عليه وعليهم وسلّم ، أوجس أبد الآبدين ، وسجيس دهر الداهرين.
    وبعد : فأفقر الخلق إلى غنيّ الأغنياء ، عبده الضئيل (1) الذليل ، محمّد بن محمّد ، يدعى باقر بن داماد الحسيني ، ختم له في نشأتيه بالحسنى ، يقول : إنّ في إنجيل أهل البيت ، وزبور آل محمّد عليهم السلام ، رموزاً سماويّة وألفاظاً إلهيّة ، وأساليب وحيانيّة ، وأفانين فرقانيّة.
    وإنّي بفضل الله العظيم ، قد تلوت على أسماع الأسلّاء المعنويّة ، وألقيت على أرواع الأخلّاء الروعانيّة ، أضعاف القراءة عليّ ، والسماع من فيّ ، والرواية عنّي والأخذ من لدنّي ، تارات تترى ، ومرّات شتّى ، قسطاً وفيراً ، وطسقاً غريزاً ، وفوغاً 2 فائحاً ، وشطراً صالحاً ، ممّا اُوتيته من الخبر بمسالكها ومبانيها ، والعلم بحقائقها ومعانيها ، فليكن
    __________________
    1. أي الضعيف النحيف.
    2. فاغ فوغاً الطيب : فاح ، الفوغة من الطيب : فوحته. الفائغة : الرائحة الشديدة المخشمة.

    المصيخون (1) بحقائق ما يقرع أسماعهم واعين (2) ولحقوقها راعين. (3)
    قال : من روّينا عنه ، وتحمّل لنا رواية الصحيفة المكرّمة (4) في أشهر الطرق وأعرف الأسانيد.
    (1) حدّثنا السيّد الأجلّ ..
    الصحيفة الكريمة السجّاديّة ، المسمّاة «انجيل أهل البيت» و «زبور آل الرسول عليهم السلام» متواترة ، كما سائر الكتب في نسبتها إلى مصنّفيها ، وذكر الأسناد لبيان طريق حمل الرواية ، وإجازة تحمّل النقل ، وذلك سنن المشايخ في الاجازات.
    فنقول : أسانيد طرق المشيخة ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ في روايتهم للصحيفة الكاملة المكرّمة متواترة ، وتحمّلهم لنقلها مختلفة.
    ولفظة «حدّثنا» في هذا الطريق ، لعميد الدين وعمود المذهب عميد الرؤساء ، من أئمّة علماء الأدب ، ومن أفاخم أصحابنا ـ رضي الله تعالى عنهم ـ فهو الذي روى الصحيفة الكريمة ، عن السيّد الأجلّ بهاء الشرف (5).
    __________________
    1. أصاخ له ، أي : أصغى إليه «منه».
    2. وعى يعي وعياً الشيء : جمعه وحواه ، والحديث : قبله وتدبّره وحفظه.
    3. من راعى رعاية الأمير رعيته : ساسها وتدبّر شؤونها ، وعليه حرمته : حفظها والأمر : حفظه ، راعى مراعاة الأمر : حفظه.
    4. المتكرّمة «س».
    5. قد اختلف المتأخّرون في تحقيق القائل بقول «حدّثنا» هنا ، فقال الشيخ البهائي : إنّه الشيخ ابن السكون ، وأصرّ على ذلك ، وأنكر كونه من مقول السيّد عميد الرؤساء غاية الانكار ، وزعم السيّد الداماد هنا وجمع من الشرّاح إلى أنّه هو عميد الدين وعمود المذهب عميد الرؤساء.
    وقال الأفندي في كتابه : الحقّ عندي أنّ القائل به كلاهما ؛ لأنّهما في درجة واحدة ، ولأنّ كليهما من تلامذة ابن العصّار اللغوي.
    ثمّ اعلم أنّ عميد الدين الذي قال السيّد الداماد به ليس هو بعميد الرؤساء.
    قال في الرياض : وجه ذلك أمّا أوّلاً : فلتقدّم درجة عميد الرؤساء ؛ لأنّ من تلامذته السيّد فخّار

    وهذه صورة خطّ شيخنا المحقّق الشهيد ـ قدّس الله تعالى لطيفه ـ على نسخته التي عورضت بنسخة ابن السكون ، وعليها ـ أي النسخة التي بخطّ ابن السكون ـ خطّ عميد الدين عميد الرؤساء رحمه الله قراءة قرأها على السيّد الأجلّ ، النقيب الأوحد ، العالم جلال الدين عماد الإسلام أبو جعفر القاسم بن الحسن بن محمّد بن ال حسن بن معيّة ـ أدام الله تعالى علوّه ـ قراءة صحيحة مهذّبة ، ورويتها له عن السيّد بهاء الشرف أبي الحسن محمّد بن الحسن بن أحمد ، عن رجاله المسمّين في باطن هذه الورقة ، وأبحته روايتها عنّي حسبما وقفته عليه وحدّدته له. وكتب هبة الله بن حامد بن أحمد بن أيّوب بن علي بن أيّوب ، في شهر ربيع الآخر من سنة ثلاث وستّمائة ، والحمد لله الرحمن الرحيم ، وصلاته وتسليمه على رسوله سيّدنا محمّد المصطفى ، وتسليمه على آله الغرّ اللهاميم (1) ، إلى هنا حكاية خطّ الشهيد رحمة الله تعالى.
    فأمّا النسخة التي بخطّ علي بن السكون رحمه الله ، فطريق الاسناد فيها على هذه الصورة : أخبرنا أبو علي الحسن بن محمّد بن إسماعيل بن أشباس البزّاز ، قراءة عليه فأقرّ به (2) ، قال : أخبرنا أبو المفضّل محمّد بن عبد الله بن المطلب الشيباني ، إلى آخر ما في الكتاب.
    وهناك نسخة اُخرى طريقها على هذه الصورة : حدّثنا الشيخ الأجلّ السيّد الإمام السعيد أبو علي الحسن بن محمّد بن الحسن الطوسي إلى ساقة الأسناد المكتوب في هذه النسخة على الهامش.
    __________________
    بن معدّ الموسوي المتقدّم على السيّد عميد الدين ابن اُخت العلّامة هذا بدرجات.
    وأمّا ثانياً : فلاختلاف اللقبين ، كما لا يخفى.
    وأمّا ثالثاً : فلأنّ اسم عميد الرؤساء هبة الله بن حامد بن أحمد بن أيّوب اللغوي المشهور ، وصاحب القول في المسائل ومؤلّف الكتاب في معنى الكعب.
    ولمزيد التوضيح راجع : رياض العلماء : 3 : 259 و 4 : 243 و 5 : 309 و 375.
    1. لهاميم الناس : أسخياؤهم ، أشياخهم.
    2. في هامش «س» : فأقرأنيه ـ خ ل.

    (2) قوله : أخبرنا الشيخ
    السعيد أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن شهريار
    ذكره الشيخ منتجب الدين موفّق الإسلام أبو الحسن علي بن عبد الله ابن الحاسن بن الحسين بن بابويه ـ قدّس الله روحه وأرواح أسلافه ـ في كتابه الفهرست ، لذكر من تأخّر عن شيخ الطائفة ، ومدحه بالفقه والصلاح (1) ولم يذكر غيره من الأصحاب رضوان الله تعالى عليهم.
    (3) قوله : قال : سمعتها
    ضمير المفعول المؤنّث للصحيفة ، ودعاء الصحيفة المكرّمة السجّاديّة يلقّب بـ«زبور آل محمّد عليهم السلام» ذكر ذلك محمّد بن شهر آشوب ـ رحمه الله تعالى ـ في معالم العلماء (2).
    (4) قوله : عبد العزيز العكبري
    العكبر : بفتح الباء ، ممدودة وتقصّر ، قرية ، والنسبة إليها عكبراوي وعكبري.
    (5) قوله : عن أبي المفضّل
    ذكره العلّامة في الخلاصة في قسم الضعفاء (3).
    والشيخ الحسن بن داود في قسمي الممدوحين والمجروحين من كتابه كليهما ، لكنّه ذكر في قسم المؤثّقين : محمّد بن عبد الله بن المطلب الشيباني يكنّى أبا المفضّل (4). ولم يردفه بمدح أو جرح ، وفي المجروحين : محمّد بن عبد الله بن المطلّب (5) الشيباني يكنّى أبا المفضّل (6). ونقل
    __________________
    1. فهرست الشيخ منتجب الدين ص 172.
    2. معالم العلماء ص 125.
    3. الخلاصة ص 252.
    4. رجال ابن داود ص 321 طبع جامعة طهران.
    5. في النسخ : عبد المطلّب.
    6. رجال ابن داود ص 506.

    الأقوال فيه ، وليس ذلك لظنّه الاثنينيّة ، بل لاختلاف الأصحاب فيه.
    وذكر الشيخ في الفهرست : أنّه كثير الرواية ، حسن الحفظ ، إلّا أنّه ضعّفه جماعة من أصحابنا (1).
    والنجاشي قال في ترجمته : كان سافر في طلب الحديث عمره ، أصله كوفيّ ، وكان في أوّل أمره ثبتاً ثمّ خلط ، ورأيت جلّ أصحابنا يغمزونه ويضعّفونه (2).
    هذا كلام النجاشي ، ولكنّه كثيراً ما يذكره في ترجمة غيره ويوقّره ، ويقرن ذكره بالرحملة والرضيلة ، ويستند إلى إجازاته ، ويعتمد على الاسناد عنه ، ويعوّل في الجرح والتعديل على أقاويله ، وذلك كلّه أمارات التوثيق.
    (6) قوله : علي بن النعمان الأعلم
    الأعلم : المشقوق الشفة العليا ، والمرأة علماء ، وإذا كان الشقّ في الشفة السفلى فالرجل أفلح ، والمرأة فلحاء بالحاء المهملة.
    (7) قوله : عن أبيه متوكّل
    لرئيس الطائفة شيخ شيوخنا أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي ـ نوّر سرّه القدّوسي ـ إليه في روايته أدعية الصحيفة الشريفة ، طريقان ، ذكرهما في الفهرست :
    أوّلهما : جماعة ، عن التلعكبري ، وهو أبو محمّد هارون بن موسى بن أحمد بن سعيد ، من بني شيبان ، العظيم المنزلة ، العديم النظير الواسع الرواية ، راوي جميع الاُصول والمصنّفات.
    عن المعروف بابن أخي طاهر ، وهو أبو محمّد الحسن بن محمّد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله (3) بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام.
    __________________
    1. الفهرست ص 166 طبع النجف الأشرف.
    2. رجال النجاشي ص 309 طبع طهران.
    3. في «س» : عبد الله.

    عن محمّد بن مطهّر ، عن المتوكّل بن عمير بن المتوكّل ، عن أبيه عمير بن المتوكّل عن أبيه المتوكّل.
    وثانيهما : ابن عبدون ، وهو أبو عبد الله أحمد بن عبد الواحد بن أحمد البزّاز ، شيخ شيوخنا ، المعروف بـ«ابن عبدون» ويعرف بـ«ابن الحاشر» أيضاً ، عن أبي بكر الدوري ، عن ابن أخي طاهر ، عن محمّد بن مطهّر ، عن المتوكّل بن عمير بن المتوكّل ، عن عمير بن المتوكّل ، عن المتوكّل (1).
    وفي بعض نسخ الصحيفة الكريمة ، طريق الشيخ في روايتها إلى المتوكّل أبي عبد الله الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم الغضائري ، شيخ الشيوخ ، عن أبي المفضّل محمّد بن عبد الله الشيباني ، عن رجاله المسمّين في كتابه إلى المتوكّل. (2)
    والنجاشي طريقه إليه بروايته لها ، كما ذكره رئيس المحدّثين في جامعه الكافي (3) ، وهو وإن طعن (4) فيه ابن الغضائري ، لكن المنساق إلى البيان من كلام النجاشي ، هو أنّ الأصحاب يضعّفونه لروايته عن المجاهيل والأحاديث (5) المنكرة.
    ولذلك استثنى ابن الغضائري أخيراً ، فقال : ما تطيب الأنفس من روايته ، إلّا فيما يرويه من كتب جدّه التي رواها عنه ، وعن غيره علي بن أحمد بن علي العقيقي من كتبه المصنّفة المشهورة.
    __________________
    1. الفهرست ص 199 ، والطريقة الاُولى تغاير ما في الفهرست المطبوع ، وتوافق ما نقله عن النجاشي عن شيخه ، حيث قال : أخبرنا بذلك جماعة ، عن التلعكبري ، عن أبي محمّد الحسن يعرف بابن أخي طاهر ، عن محمّد بن مطهّر ، عن أبيه ، عن عمر ـ عمير خ ل ـ بن المتوكّل ، عن أبيه.
    2. رجال النجاشي ص 333.
    3. هو الحسن بن محمّد بن يحيى أبو محمّد العلوي.
    4. في «س» : طغى.
    5. في «س» : وللأحاديث.

    وبالجملة لا يعتمد على ما يختصّ بروايته ، دون ما تظافرت به الطرق كمقامنا هذا.
    ثمّ المتوكّل لا نصّ عليه من الأصحاب بالتوثيق ، إلّا أنّ الشيخ تقي الدين الحسن بن داود ، ذكره في قسم الموثّقين من كتابه (1) ، ويلوح من ظاهر كلامه أنّ الذي روى دعاء الصحيفة عن يحيى بن زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام ، هو المتوكّل بن عمير بن المتوكّل ، وليس كذلك ، بل إنّما يرويه عن أبيه ، عن أبيه ، عن يحيى بن زيد على ما عرفت.
    وفي النسخ الواقعة إلينا من الفهرست : المتوكّل بن عمير بن المتوكّل (2) تصغير عمر.
    وقد ضبط الشيخ ابن داود «المتوكّل بن عمر بن المتوكّل» مكّبراً ، وهو الموجود في كتاب الرجال للنجاشي بخطّ من نوثق به ، والله سبحانه أعلم.
    قال : متوكّل بن عمر بن المتوكّل ، روى عن يحيى بن زيد دعاء الصحيفة ، أخبرنا الحسين بن عبيد الله ، عن ابن أخي طاهر ، عن محمّد بن مطهّر ، عن أبيه ، عن عمر بن المتوكّل ، عن أبيه المتوكّل ، عن يحيى بن زيد بالدعاء (3).
    (Cool قوله : وأحفى السؤال
    الحفيّ المستقصي في السؤال ، وأحفى فلان في المسألة إذا أكثر وبالغ وألحّ.
    (9) قوله : جعلت فداءك
    بالمدّ إذا كسرت الفاء ، وبالقصر إذا فتحتها ، على ما قد ثبت السماع ، وبهما قرء في التنزيل الكريم (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً) (4)
    قال في مجمل اللغة : فديت الرجل أفديه وهو فداؤك ، إذا كسرت مددت وإذا فتحت تقول : هو فداك.
    وقال الجوهري في الصحاح : الفداء إذا كسرت أوّله يمدّ ويقصر ، وإذا فتح فهو مقصور ، يقال فدى لك أبي ، ومن العرب من يكسّر فداءً للتنوين إذا جاور لام الجرّ خاصّة : تقول :
    __________________
    1. رجال ابن داود ص 283.
    2. وفي المطبوع من الفهرست ص 199 طبع النجف : عمر مكبّراً.
    3. رجال النجاشي ص 333.
    4. سورة محمّد «ص» : 4.

    فداءً لك ، لأنّه نكرة ، يريدون به معنى الدعاء. انتهى كلام الصحاح (1).
    والتعويل هناك على قول المجمل ، كما هو مسلك الكشّاف والفائق.
    (10) قوله : يمحو الله ما يشاء
    فكتاب المحو والاثبات بعض مراتب القدر ، وبه يتعلّق البداء ، وفيه يتصحّح تبديل الأحكام التكوينيّة. وأمّا اُمّ الكتاب فهو لوح القضاء ، ولا يتطرّق إليه البداء ، ولا يتصوّر فيه التبديل.
    (11) قوله : أيّد هذا الأمر بنا
    أي : معرفة الأئمّة عليهم السلام والمذاهب الحقّة.
    (12) قوله : فأطرق إلى الأرض مليّاً
    لفظة «مليّاً» ليست من الأصل ، بل هي في رواية «س».
    قال في الكشّاف : مليّاً زماناً طويلاً ، من الملاوة مثلّثة. (2)
    وقال في المغرب : المليّ من النهار الساعة الطويلة ، عن الغوري ، وعن أبي علي الفارسي : المليّ المتّسع ، يقال : انتظرته مليّاً من الدهر ، أي : متّسعاً منه ، قال : وهو صفة استعملت استعمال الأسماء.
    وقيل في قوله تعالى : (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) (3) أي : دهراً طويلاً ، عن الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير ، والتركيب دالّ على السعة والطول ، منه الملاء المتّسع من الأرض ، والجمع أملاء.
    ويقال : أمليت للبعير في قيده وسّعت له ، ومنه (فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ) أي : أمهلتهم ، و
    __________________
    1. صحاح اللغة 6 : 2453.
    2. الكشّاف : 2 / 511.
    3. سورة مريم : 46.

    عن ابن الأنباري أنّه من الملاءة والملوءة ، وهما المدّة من الزمان ، وفي اُولاهما الحركات الثلاث ، وتملّ حبيبك عش معه ملاوة. انتهى.
    قلت : ويقال أيضاً : فلان مليء بكذا ، إذا كان مطيقاً له ، قادراً عليه ، مضطلعاً به ، قاله في الكشّاف (1) أيضاً.
    (13) قوله : من ابن عمّي
    معاً ، أي : بفتح النون على مذهب من يحرّك الساكن (2) بالفتح مطلقاً ، لملاحظة الخفّة ، وبكسرها عند من يذهب إلى تحريكه بالكسر ، لمراعاة المناسبة.
    (14) قوله : وأخرجت له دعاء
    يعني الصحيفة المكرّمة السجّاديّة ، وهي متواترة معلومة بالنقل المتواتر عن سيّد الساجدين عليه السلام.
    ولكلّ من أشياخ الطائفة طريق في روايتها ونقلها عن مشيختهم ، بأسناد متّصل عنهم من صدر العصور الخالية إلى زمننا هذا ، كما في رواية سائر المتواترات.
    فذلك هو الغرض من ذكر الأسانيد في المتواترات ، لا إثباتها من تلك الطرق ، كما في المظنونات الثابتة من طريق أخبار (3) الآحاد.
    قال ابن شهر آشوب ـ رحمه الله تعالى ـ في معالم العلماء : قال الغزالي : أوّل كتاب صنّف في الإسلام ، كتاب صنّفه أبو جريج في الآثار ، وحروف التفاسير عن مجاهد وعطاء بمكّة ، ثمّ كتاب معمّر بن راشد الصنعاني باليمن ، ثمّ كتاب الموطّأ بالمدينة لمالك بن أنس ، ثمّ جامع سفيان الثورى.
    __________________
    1. الكشّاف : 2 / 511.
    2. وفي «س» يحرّك به الساكن.
    3. في «ط» من طرق الأخبار.

    بل الصحيح أنّ أوّل من صنّف فيه أمير المؤمنين عليه السلام ، جمع كتاب الله جلّ جلاله ، ثمّ سلمان الفارسي رضي الله عنه ، ثمّ أبو ذرّ الغفاري رحمة الله عليه ، ثمّ أصبغ بن نباتة ، ثمّ عبد الله بن أبي رافع ، ثمّ الصحيفة الكاملة عن زين العابدين عليه السلام. (1)
    (15) قوله : أملاه عليه
    الإملاء على الكاتب ، وتصاريفه في أملا عليّ (2) وأمليت عليه مثلاً ، أصله إملال ، وأملّ وأمللت من المضاعف ، فقلبت اللام للأخيرة ياءاً ، كما في التظنّي والتقصّي وتصاريفهما ، وهذا القلب في لغة العرب شايع ، وعلى الأصل في التنزيل الحكيم ، (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ) (3). فأمّا الإملاء بمعنى الإمهال في : (فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ) (4) أي : أمهلتهم ، و (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (5) أي : أمهلهم.
    والإملاء بمعنى التوسعة في أمليت للبعير في قيده ، أي : وسّعت له ، فليس الأمر فيهما على هذا السبيل ، فإنّهما من الناقص لا من المضاعف ، فالأوّل من الملاوة والملوءة ، وهما المدّة والزمان ، والثاني من الملاء وهو المتّسع من الأرض.
    على ما قد تلونا عليك فخذ ما آتيناك بفضل الله ، واستقم وتحفّظ ، ولا تكن من الغافلين.
    (16) قوله : صحيفة من الدعاء الكامل
    دعاء الصحيفة المكرّمة السجّاديّة ، يلقّب بـ«زبور آل محمّد عليهم السلام» ذكر لك محمّد بن شهر آشوب ـ رحمه الله ـ في معالم العلماء ، في ترجمة المتوكّل بن عمر بن المتوكّل ، يروي عن يحيى بن زيد بن علي دعاء الصحيفة ، ويلقّب بـ«زبور آل محمّد عليهم السلام».
    وقال في ترجمة يحيى بن علي بن محمّد الحسيني الرقّ : يروي عن الصادق عليه السلام الدعاء
    __________________
    1. معالم العلماء : 2.
    2. في «ط» وأملى عليّ.
    3. سورة البقرة : 282.
    4. سورة الحجّ : 44.
    5. سورة الأعراف : 183 ، وسورة القلم : 45.

    المعروف بـ «إنجيل أهل البيت عليهم السلام». (1)
    (17) قوله رضي الله عنه : وإنّ أبي أوصاني ...
    بكسر الهمزة ، والواو للاستئناف أو للحال ، وبفتحها عطفاً على حفظه ، أي : من جملة ما أوصاني أبي بصونها.
    (18) قوله : إنّي لأدين الله بحبّكم
    بفتح الهمزة للمتكلّم وحده وكسر الدال ، أي : أجعل حبّكم وطاعتكم ديناً لي أعبد الله عزّ وجلّ به ، والدين : الطريقة والسنّة.
    وفي الصحاح : الدين الطاعة ، ودان له ، أي : أطاعه ، ومنه الدين ، والجمع الأديان ، يقال : دان بكذا ديانة وتديّن به ، وهو دين ومتديّن. (2)
    (19) قوله : بولايتكم
    بفتح الواو بمعنى النصرة والمحبّة والوداد والانقياد ، والموالاة المحابّة والمتابعة ، والإضافة إلى ضمير خطاب الجمع ، إذن إضافة إلى المفعول.
    وبكسرها بمعنى تولّي الاُمور وتدبيرها ، ومالكيّة التّصرّف فيها ، ووليّ اليتيم ووالي البلد مالك أمرهما ، والإضافة على هذا الفاعل.
    وكذلك الولاء ـ بالفتح ـ للمعتق بالفتح ، والولاء ـ بالكسر ـ للمعتق بالكسر ، وميراث الولاء بالكسر لا بالفتح ، إذ ملاك الإرث هناك سلطان المعتق لاتباعة المعتق.
    وحسبان بعض شهداء المتأخّرين في شرح اللمعة : أنّه بفتح الواو وأصله القرب والدنوّ (3) لا أصل له يركن إليه.
    __________________
    1. معالم العلماء : 125 و 131 والصحيح تقديم هذه التعليقة على قبلها ليوافق المتن.
    2. الصحاح : 5 / 2118.
    3. شرح اللمعة : 8 / 181 ط النجف.

    قال ابن الأثير في النهاية : تختلف مصادر هذه الأسماء ، فالولاية ـ بالفتح ـ في النسب والنصرة والمعتق ، والولاية ـ بالكسر ـ في الأمر (1) ، والولاء في المعتق ، والموالاة من والي القوم.
    ومنه الحديث «من كنت مولاه فعلي مولاه» قال الشافعي : يعني بذلك ولاء الإسلام ، كقوله تعالى : (ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ).
    وقول عمر لعلي عليه السلام : أصبحت مولى كلّ مؤمن ، أي : وليّ كلّ مؤمن. وقيل : سبب ذلك أنّ اُسامة قال لعلي عليه السلام : لست مولاي إنّما مولاي رسول الله صلّى الله عليه وآله وبارك وسلّم ، فقال عليه السلام : من كنت مولاه فعلي مولاه (2). انتهى كلام النهاية.
    (20) قوله : ثمّ دعا بعيبة
    العيبة ـ بالعين المهملة ـ : وعاء يجعل فيه الثياب ، وقيل : يجعل في لامة الحرب ، وبالجملة ما يوعي فيه شيء.
    (21) قوله : فيكتمونه ويدّخرونه
    بكسر التاء في رواية «س» من باب صيغة الازدواج والمشاكلة بالإضافة إلى «ويدّخرونه» (3) كما في أخذني ما حدّث وقدّم ، بضمّ الدال فيهما للمشاكلة.
    (22) قوله رضي الله تعالى عنه : في خزائنهم لأنفسهم
    بالهمزة بعد الألف ، فإنّ الياء أو الواو بعد الألف في أوزان فعائل ومفاعل إذا كانت
    __________________
    1. وفي المصدر : الإمارة.
    2. نهاية ابن الأثير 5 : 228.
    3. في «ط» : ما يدّخرونه.

    زائدة ، كما في وصائل وصحائف وعجائز وخزائن ، فإنّها تقلّب همزة على خلاف الأمر فيما يكون أصليّة ، فرقاً بين الزائدة والأصليّة ، إذ القياس القانوني في الأصليّة إبقاؤهما على الأصل ، كما في مقاول ومعايش غير مقلوبتين همزة.
    وإذا اجتمعت الأصليّة والزائدة ، فالزائة ، أحرى بالتغيير ، والأصليّة أحقّ بالاحتفاظ ، إلّا إذا ما كانت حروف العلّة قد اكتنفت الألف من حاشيتها ، كما في أوائل وعوائق وتوائع وحرائر (1) ، فإنّ هنالك تقلب التي من بعد الألف همزة وإن كانت أصليّة.
    والأمر في الحوائج على هذا السبيل على الضابط القياسي ، لكنّها تستعمل لا بالهمزة على خلاف الأصل والقياس ، وهناك كلام آخر سيتلى عليك.
    والأمر في المصايب على العكس من ذلك ، وسيأتيك التنبيه عليه إن شاء الله العزيز.
    (23) قوله رضي الله عنه : فإنّهما قائمان في هذا الأمر
    بالهمزة لا غير قياساً واستعمالاً. وضابط مناط إبدال العين همزة في بناء اسم الفاعل من الأجوف الثلاثي المجرّد ، صورةً ومعنىً من الأفعال على التحقيق مجموع أمرين :
    أحدهما : أن يكون أنّها كانت قد أعلت في الفعل الماضي ، فإنّه الأصل المتفرّع عليه في الإعلال.
    والآخر : أن يكون الإعلال ملزوم اجتماع العين ، وذلك في نحو قام فهو قائم ، وقال فهو قائل ، وسار فهو سائر ، وباع فهو بائع بالهمزة في الجميع ، فأمّا إذا فتحت الواو أو الياء في الفعل الماضي ، فإنّها تفتح في اسم الفاعل أيضاً ، كما في نحو عو فهو عاور ، وصيد فهو صابد ، وأيس فهو آيس ، جميعاً غير مهموز.
    قال أبو يعقوب السكّاكي في القسم الأوّل من كتاب المفتاح في فصل هيئات المجرّد من الأفعال : وهذا ـ أعني التفرّع على الفعل الثابت القدم في الإعلال ـ هو الأصل عندي في
    __________________
    1. في «ط» : جبائر.

    دفع ماله مدخل في المنع عنه ، كسكون ما قبل المتعلّ من يخاف وأخواته ، إلّا إذا كان المانع امتناع ما قبل المعتلّ من التحريك به ، كالألف في قاول وبايع وتقاولوا وتبايعوا ، فإنّه يحتاج في دفعه إلى تقوية الدافع ، كنحو ما وجدت في باب قاول وبايع اسمي فاعلين من قال وباع ، حتّى أعلا فلزم اجتماع ألفين فعدل إلى الهمزة ، وهي تحصيل الفرق بينهما وبين عاور وصايد مثلاً اسمي فاعلين من عور وصيد ، وهذا المعنى قد يلتبس بمعنى التفرّع ، فيعدّان شيئاً واحداً ، فليتأمّل.
    أو كان المانع تحصّل ما قبل المعتلّ بالإدغام عن التحريك ، كنحو ما في جوز وأيّد وتجوّز وتأيّد وقوّال وبيّاع أيضاً ، فلا مدفع له ، وكذا إذا كان المانع المحافظة على الصورة الالحاقية ، كجدول وفروع.
    أو التنبيه على الأصل ، كما في بابي ما أقوله وهو أقول منه ، ونحو أغيلت المرأة واستحوذ عليه الشيطان ، وهذا فصل كلام أصحابنا فيه مبسوط وسيحمد الماهر في هذا الفنّ ما أوردت ، وبالله الحول وللمتقدّم الفضل. انتهى قوله بألفاظه. (1)
    (24) قوله عليه السلام : يردون الناس على أعقابهم القهقري
    أي : يجعلونهم مرتدّين في دينهم ، على ما ذكره بن الأثير في النهاية ، ناقلاً إيّاه عن الأزهري. (2)
    (25) قوله عليه السلام : يعني بني اُميّة
    وروى أيضاً رئيس المحدّثين أبو جعفر الكليني ـ رضي الله عنه ـ في كتاب الروضة من جامعه الكافي بسنده عن جميل بن درّاج ، عن زرارة ، عن أحدهما عليهما السلام ، قال : أصبح رسول
    __________________
    1. مفتاح العلوم : 20.
    2. نهاية ابن الأثير : 4 / 129 ، قال فيه : قال الأزهري : معناه الارتداد عمّا كانوا عليه.

    الله صلى الله عليه وآله يوماً كئيباً حزيناً ، فقال له علي عليه السلام : ما لي أراك يا رسول الله كئيباً حزيناً؟
    فقال : وكيف لا أكون كذلك؟! وقد رأيت في ليلتي هذه أنّ بني تيم وبني عدي وبني اُميّة يصعدون منبري هذا ، يردون الناس عن الاسلام القهقهرى.
    فقلت : يا ربّ في حياتي أو بعد موتي؟ فقال : بعد موتك. (1)
    قلت : وقد تظافرت الروايات البالغة حدّ التواتر من طرق العامّة والخاصّة أنّه صلى الله عليه وآله ، بعد هذه الرؤيا أسرّ إلى أبي بكر وعمر أمر بني اُميّة ، واستكتمهما عليه ذلك ، فأفشى عمر عليه صلى الله عليه وآله سرّه وحكاه للحكم بن أبي العاص ، وأسرّ إلى حفصة أمر أبي بكر وعمر ، وقال لها : إنّ أباك وأبا بكر يملكان أمر اُمّتي ، فاكتمي عليّ هذا ، فأفشت عليه صلى الله عليه وآله ، ونبّأت به عائشة ، فجاءت بذلك الوحي ونزلت فيه سورة التحريم ، ولذلك بسط يضيق عنه درع المقام ، فليطلب ممّا أخرجناه في مظانّه.
    (26) قوله : ولكن تدور رحى الإسلام
    الذي يستبين لي في تفسيره ويحصل معناه ، ولست أظنّ أنّ ذا دربة (2) ما في أساليب الكلام ، وأفانين البيان يتعدّاه (3) ، وهو أنّ من منتهى العشر إلى مبدأ الخامسة والثلاثين من مهاجره صلى الله عليه وآله ، لم يكن رحى الإسلام تدور دورانها ، ولا تعمل عملها ، بل يكون منقطعة عن الدور معطّلة عن العمل.
    ثمّ إنّه إنّما تستأنف دورها وتستعيد عملها على رأس خمسة وثلاثين من الهجرة المقدّسة المباركة ، وذلك بتداء أوان انصراف الأمر إلى منصرفه ، وابان (4) رجاع الحقّ إلى أهله.
    وقد كان حيث إذ تمكن أمير المؤمنين عليه السلام ، من أن يجلس مجلسه من الخلافة والإمامة ، ويتصرّف في منصبه من الوصاية والولاية.
    __________________
    1. روضة الكافي : 345. ورواه العامة بطرق مختلفة راجع كتاب الطرائف المطبوع بتصحيحنا وتحقيقنا : 376 ـ 378.
    2. الدربة : الحذاقة بصناعة.
    3. في «س» : الكلام لبيان يتعدّاه.
    4. في «س» : وأمال.

    وأمّا الوسط ـ أعني ما بين ذينك الطرفين ـ فزمان فترة الدور وزمن انقطاع العمل ، وذلك الخمسة والعشرون سنة التي كانت هي مدّة حكومة لصوص الخلافة وأمارة مقمّصيها (1).
    فأمّا العشر التي كانت هي مدّة اللبث في الدوران أوّلاً ، فهي زمانه صلّى الله عليه وآله وسلّم في طيبة المباركة التي هي دار هجرته ، ومستقرّ شوكة الإسلام ، وقوّته من بعد ضعفه وتأنأته (2) ، ومن لم يستطع إلى ما تلوناه عليك سبيلاً ، تحامل محملاً وعراً وطريقاً سحيقاً بعيداً. (3)
    (27) قوله عليه السلام : من مهاجرك
    بفتح الجيم على هيئة المفعول بمعنى اسم المكان ، ومعناه وقت المهاجرة.
    (28) قوله : نيفاً
    النيف فتح النون واسكان الياء المثنّاة من تحت ، تخفيف النيّف بتشديد الياء المكسورة ، كما في سائر النظائر ، ومنها ما في الحديث : «المؤمنون هيّنون ليّنون» والنيّف ما بين العقدين من عقود العشرات في مراتب العدد فوق العقد الأوّل إلى البلوغ على العقد الثاني.
    وأصله نيوف على فعيل من النوف ، كما الخير من الخور ، والسيّد من السود ، والصيّب من الصوب ، والصيّت من الصوت ، والنيّر من النور ، والديّر من الدور. لا فعل من النيّف ، كما الخير من الخيّر ، والأيد من الأيّد ، والسير من السيّر ، والدير من الديّر.
    قال في المغرب : النيّف بالتشديد كلّ ما كان من عقدين ، وقد يخفّف وأصله من الواو ، وعن المبرّد النيّف من واحد إلى ثلاثة ، وفي الحديث أنّه عليه السلام ساق مائة بدنة ، نحر منها نيّفاً وستّين ، وأعطى عليّاً عليه السلام الباقي ، وفي شرح الآثار : ثلاثاً وستّين ، ونحر علي عليه السلام سبعاً وثلاثين. انتهى كلام المغرب.
    __________________
    1. في «ط» مبغضيها.
    2. من الأنين والتأوّه.
    3. إشارة إلى ما ذكره ابن الأثير في جامع الاُصول : 12 / 389 فراجع.

    (29) قوله : وحدّثني محمّد بن الحسن بن روزبه
    ليس في نسخة الشهيد هذه ، بل على الحاشية «روزبه» وكتب على رأسه «س».
    قال في القاموس : في دور الدور ـ بالضمّ ـ قريتان بين سرّ من رآى وتكريت عليا وسفلى ، ومنها محمّد بن الفرخان بن روزبه ، وناحية من دجيل ، ومحلّة ببغداد قرب (1) أبي حنيفة ، منها محمّد بن مخلد بن حفص ، ومحلّة بنيسابور منها أبو عبد الله الدوري (2). انتهى.
    ونسخ القاموس مختلفة في روزبه : بالراء المضمومة قبل الواو الساكنة والزاء بعد الواو ، وقبل الموحّدة المكسورة. وبالزاء من حاشيتي الواو قبل وبعد. والصحيح هو الأوّل.
    وقال الشيخ ـ رحمه الله ـ في كتاب الرجال في باب لم : محمّد بن الحسن البراني ، يكنّى ، أبا بكر كاتب له رواية (3).
    قلت : والذي يقوى به الظنّ من أبواب الطبقات أنّ أبا بكر المدايني الكاتب محمّد بن الحسن بن روزبه ، هذا هو الذي ذكره الشيخ ، وليس يصادم ذلك ما (4) في القاموس : أنّ البرانيّة قرية ببخارا ، والنسبة إليها براني. (5)
    فلعلّ جدّه روزبه قد انتقل منها إلى المداين. والله سبحانه أعلم.
    (30) قوله : نزيل الرحبة
    الرحبة : بفتح الراء قبل المهملة الساكنة ، وبعدها الموحّدة المفتوحة. والمعنى بها هاهنا المحلّة المعروفة بالكوفة.
    قال في القاموس : الرحبة ـ بالفتح ـ قرية بدمشق ، ومحلّة بالكوفة ، وموضع ببغداد ، وموضع بالبادية ، وقرية باليمامة ، وصحراء بها أيضاً مياه وقرى ، والنسبة إلى الرحبة رحبيّ محرّكة. (6)
    __________________
    1. في المصدر : قرب مشهد.
    2. القاموس : 2 / 32.
    3. رجال الشيخ : 497.
    4. في «س» : لما.
    5. القاموس : 1 / 371.
    6. القاموس : 1 / 72 ـ 73.

    وكان من دعائه عليه السلام
    إذا ابتدء بالدعاء بدء بالتحميد لله عز وجل والثناء عليه فقال :
    أَلْحَمْدُ للهِ (1) الاوَّلِ (2) بِلا أَوَّل (3) كَانَ قَبْلَهُ وَالاخِر بِلاَ آخِر (4) يَكُونُ بَعْدَهُ ، الَّذِي قَصُرَتْ عَنْ رُؤْيَتِهِ أَبْصَارُ النَّاظِرِينَ ، وَعَجَزَتْ عَنْ نَعْتِهِ أَوهامُ اَلْوَاصِفِينَ ، ابْتَدَعَ بِقُدْرَتِهِ الْخَلْقَ اَبتِدَاعَاً وَاخْتَرَعَهُمْ عَلَى مَشِيَّتِهِ اخترَاعاً ، ثُمَّ سَلَكَ بِهِمْ طَرِيقَ إرَادَتِهِ ، وَبَعَثَهُمْ فِي سَبِيلِ مَحَبَّتِهِ ، لا
    يَمْلِكُونَ تَأخِيراً عَمَا قَدَّمَهُمْ إليْهِ وَلا يَسْتَطِيعُونَ تَقَدُّماً إلَى مَا أَخَّرَهُمْ عَنْهُ ، وَجَعَلَ لِكُلِّ رُوْح (5) مِنْهُمْ قُوتَاً مَعْلُوماً مَقْسُوماً مِنْ رِزْقِهِ ، لاَ يَنْقُصُ مَنْ زادَهُ نَاقِصٌ (6) وَلاَ يَزِيدُ مَنْ نَقَصَ منْهُمْ زَائِدٌ ثُمَّ ضَرَبَ لَهُ فِي الْحَيَاةِ أَجَلاً مَوْقُوتاً وَنَصَبَ لَهُ أَمَداً مَحْدُوداً يَتَخَطَّأُ إلَيهِ بِأَيَّامِ عُمُرِهِ ، (7) وَيَرْهَقُهُ (Cool بِأَعْوَامِ دَهْرِهِ ، حَتَّى إذَا بَلَغَ أَقْصَى أَثَرِهِ ، (9) وَاسْتَوْعَبَ حِسابَ عُمُرِهِ ، قَبَضهُ إلَى ما نَدَبَهُ (10) إلَيْهِ

    مِنْ مَوْفُورِ ثَوَابِهِ ، أَوْ مَحْذُورِ عِقَابِهِ ، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِىَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى عَدْلاً مِنْهُ ، تَقَدَّسَتْ أَسْمَآؤُهُ ، وَتَظَاهَرَتْ ألاؤُهُ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ، وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَوْ حَبَسَ عَنْ عِبَادِهِ مَعْرِفَةَ حَمْدِهِ عَلَى مَا أَبْلاَهُمْ (11) مِنْ مِنَنِهِ الْمُتَتَابِعَةِ وَأَسْبَغَ عَلَيْهِمْ مِنْ نِعَمِهِ الْمُتَظَاهِرَةِ لَتَصرَّفُوا فِي مِنَنِهِ فَلَمْ يَحْمَدُوهُ ، وَتَوَسَّعُوا فِي رِزْقِهِ فَلَمْ يَشْكُرُوهُ ، وَلَوْ كَانُوا كَذلِكَ لَخَرَجُوا مِنْ حُدُودِ الانْسَانِيَّةِ إلَى حَدِّ الْبَهِيمِيَّةِ ، فَكَانُوا كَمَا وَصَفَ فِي مُحْكَم كِتَابِهِ (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) وَالْحَمْدُ لله عَلَى مَا عَرَّفَنا مِنْ نَفْسِهِ ، وَأَلْهَمَنَا مِنْ شُكْرِهِ ، وَفَتَحَ لَنَا من أبوَابِ الْعِلْمِ بِرُبُوبِيّته ، وَدَلَّنَا عَلَيْهِ مِنَ الاِخْلاَصِ لَهُ فِي تَوْحِيدِهِ ، وَجَنَّبَنا مِنَ الالْحَادِ وَالشَّكِّ فِي أَمْرِهِ ، حَمْداً نُعَمَّرُ (12) بِهِ فِيمَنْ حَمِدَهُ مِنْ خَلْقِهِ ، وَنَسْبِقُ بِـهِ مَنْ سَبَقَ إلَى رِضَاهُ وَعَفْوِهِ ، حَمْداً يُضِيءُ لَنَا بِهِ ظُلُمَاتِ الْبَرْزَخِ ، (13) وَيُسَهِّلُ عَلَيْنَا بِهِ سَبِيلَ الْمَبْعَثِ ، وَيُشَرِّفُ بِهِ مَنَازِلَنَا عِنْدَ مَوَاقِفِ الاشْهَادِ يَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ) ، حَمْداً يَرْتَفِعُ (14) مِنَّا إلَى أَعْلَى عِلِّيِّينَ فِي كِتَاب مَرْقُوم يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ، حَمْداً تَقَرُّ بِهِ (15) عُيُونُنَا إذَا بَرِقَت الابْصَارُ ، (16) وَتَبْيَضُّ بِهِ وُجُوهُنَا إذَا اسْوَدَّتِ الابْشَارُ ، (17)

    حَمْداً نُعْتَقُ بِهِ مِنْ أَلِيمِ نَارِ اللهِ إلَى كَرِيمِ جِوَارِ اللهِ ، حَمْداً نُزَاحِمُ بِهِ (18) مَلاَئِكَتَهُ الْمُقَرَّبِينَ ، وَنُضَامُّ (19) بِـهِ أَنْبِيآءَهُ الْمُـرْسَلِيْنَ فِي دَارِ الْمُقَامَةِ (20) الَّتِي لا تَزُولُ ، وَمَحَلِّ كَرَامَتِهِ الَّتِي لاَ تَحُولُ ، وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي اخْتَارَ لَنَا (21) مَحَاسِنَ الْخَلْقِ ، وَأَجرى عَلَيْنَا طَيِّبَاتِ الرِّزْقِ ، وَجَعَلَ لَنَا الفَضِيلَةَ بِالْمَلَكَةِ (22) عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ ، فَكُلُّ خَلِيقَتِهِ مُنْقَادَةٌ لَنَا بِقُدْرَتِهِ ، وَصَآئِرَةٌ إلَى طَاعَتِنَا بِعِزَّتِهِ ، وَالْحَمْدُ لله الَّذِي أَغْلَقَ عَنَّا بَابَ الْحَّاجَةِ (23) إلاّ إلَيْهِ ، فَكَيْفَ نُطِيقُ حَمْدَهُ؟ أَمْ مَتَى نُؤَدِّي شُكْرَهُ؟ لا ، مَتى؟ (24) وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي رَكَّبَ فِينَا آلاَتِ الْبَسْطِ ، وَجَعَلَ لَنَا أدَوَاتِ الْقَبْضِ ، وَمَتَّعَنا بِاَرْواحِ الْحَياةِ ، وَأثْبَتَ فِينَا جَوَارِحَ الاعْمَال وَغَذَّانَا بِطَيِّبَاتِ الرِّزْقِ ، وَأغْنانَا بِفَضْلِهِ ، وَأقْنانَا (25) بِمَنِّهِ ، ثُمّ أَمَرَنَا لِيَخْتَبِرَ (26) طاعَتَنَا ، وَنَهَانَا لِيَبْتَلِيَ (27) شُكْرَنَا ، فَخَالَفْنَا عَنْ طَرِيْقِ أمْرِهِ ، وَرَكِبْنا مُتُونَ زَجْرهِ ، فَلَم يَبْتَدِرْنا بِعُقُوبَتِهِ ، وَلَمْ يُعَاجِلْنَا بِنِقْمَتِهِ بَلْ تَانَّانا بِرَحْمَتِهِ ، تَكَرُّماً وَانْتَظَرَ مُراجَعَتَنَا بِرَأفَتِهِ حِلْماً ، وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي دَلَّنَا عَلَى التَّوْبَةِ الَّتِي لَمْ نُفِدْهَا (28) إلاّ مِنْ فَضْلِهِ ، فَلَوْ لَمْ نَعْتَدِدْ مِنْ فَضْلِهِ إلاّ بِهَا لَقَدْ حَسُنَ بَلاؤُهُ عِنْدَنَا ، وَجَلَّ إحْسَانُهُ إلَيْنَا ، وَجَسُمَ فَضْلُهُ عَلَيْنَا ، فَمَا هكذا كَانَتْ سُنَّتُهُ فِي التَّوْبَةِ لِمَنْ كَانَ قَبْلَنَا ، لَقَدْ وَضَعَ عَنَّا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ، وَلَمْ يُكَلِّفْنَا إلاّ وُسْعاً ، وَلَمْ يُجَشِّمْنَا إلاّ
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الصحيفه السجاديه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الصحيفه السجاديه كامله   الصحيفه السجاديه كامله Emptyأمس في 20:10

    يُسْراً ، وَلَمْ يَدَعْ لاَحَـد مِنَّا حُجَّةً وَلاَ عُذْراً ، فَالْهَالِكُ مِنَّا مَنْ هَلَكَ عَلَيْهِ (29) وَالسَّعِيدُ مِنَّا مَنْ رَغِبَ إلَيْهِ ، وَالْحَمْد للهِ بِكُلِّ مَا حَمِدَهُ بِهِ أدْنَى مَلائِكَتِهِ إلَيْهِ وَأَكْرَمُ خَلِيقَتِهِ عَلَيْهِ ، وَأرْضَى حَامِدِيْهِ لَدَيْهِ ، حَمْداً يَفْضُلُ سَآئِرَ الْحَمْدِ كَفَضْلِ رَبِّنا عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ ، ثُمَّ لَهُ الْحَمْدُ مَكَانَ كُلِّ نِعْمَة لَهُ عَلَيْنَا وَعَلى جَمِيعِ عِبَادِهِ (30) الْمَاضِينَ وَالْبَاقِينَ ، عَدَدَ مَا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ مِنْ جَمِيعِ الاشْيَآءِ ، وَمَكَانَ كُلِّ وَاحِدَة مِنْهَا عَدَدُهَا أَضْعافَاً مُضَاعَفَةً أَبَداً سَرْمَداً إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، حَمْداً لاَ مُنْتَهَى لِحَدِّهِ وَلا حِسَابَ لِعَدَدِهِ وَلاَ مَبْلَغَ لِغَايَتِهِ وَلا انْقِطَاعَ لاَمَدِهِ ، حَمْدَاً يَكُونُ وُصْلَةً إلَى طَاعَتِهِ وَعَفْوِهِ ، وَسَبَباً إلَى رِضْوَانِهِ وَذَرِيعَةً إلَى مَغْفِرَتِهِ وَطَرِيقاً إلَى جَنَّتِهِ ، وَخَفِيْراً مِنْ نَقِمَتِهِ ، (31) وَأَمْناً مِنْ غَضَبِهِ ، وَظَهِيْراً عَلَى طَاعَتِهِ ، وَحَاجِزاً عَنْ مَعْصِيَتِهِ ، وَعَوْناً عَلَى تَأدِيَةِ حَقِّهِ وَوَظائِفِهِ ، حَمْداً نَسْعَدُ بِهِ فِي السُّعَدَاءِ (32) مِنْ أَوْلِيَآئِهِ ، وَنَصِيرُ بِهِ فِي نَظْمِ الشُّهَدَآءِ (33) بِسُيُوفِ أَعْدَائِهِ ، إنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيدٌ.

    (1) قوله عليه السلام : الحمد لله
    أي : جنس الحمد وكلّ حمد ودميع المحامد لله سبحانه بالحقيقة ، إذ ما من خير بالذات أخر خير بالعرض في نظام الوجود طولاً أو عرضاً (1) إلّا وهو مستند إليه سبحانه بوسط أو لا بوسط. فقد جعل اختصاص الجنس دليلاً على اختصاص جميع الأفراد ، سلوكاً لطريقة البرهان ، وذلك باب من فنّ البلاغة.
    إذ معناه : ذات كلّ متقرّر ووجود كلّ موجو لله ، كما قال جلّ سلطانه (لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) (2) إذ حقيقة الحمد هو الوصف بالجميل ، وكلّ تقرّر ووجود ينطق بلسان طباع الإمكان أن مفيضه ومبدعه هو [الحيّ] (3) القيّوم الحقّ المتقرّر بنفسه الموجود بذاته.
    فتكوّن هويّة كلّ ذي هويّة حمداً له سبحانه (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ). (4)
    أو المراد به عالم الحمد ، أعني : عالم الأمر ، ويقال له : عالم التسبيح والتحميد ، وهو عالم المجرّدات. إذ كلّ موجود بلسان ماله من الكمالات المطلقة يصف جاعله الحقّ بذلك الكمال ، ويشهد أنّه هناك على أقصى ما يتصوّر من التمام والبهاء وعالم الخلق لا خلاق له من الكمالات المطلقة إلّا الوجود ، فيكون عالم الأمر كلّه هو حقيقة الحمد كلّه. وبسط القول هناك على ذمّة سدرة المنتهى.
    __________________
    1. في «ن» بطولاً وعرضاً.
    2. سورة البقرة : 255.
    3. الزيادة من «ن».
    4. سورة الاسراء : 44.

    (2) قوله عليه السلام : الأوّل بلا أوّل
    الأوّل ضدّ الآخر. وأوّل أصله أوءل على أفعل مهموز الوسط ، كما ذهب إليه الجوهري (1). والعلماء المراجيح في فنون علم الأدب لا ووءل على فوعل كما زعمه بعض الأدبيّين.
    فقوله : عليه السّلام «بلا أوّل» : إمّا بفتح اللام على النصب ، كما في رواية «س» على أنّه أفعل التفضيل ، أو أفعل الصفة على اعتبار الوصفيّة. وإمّا بالتنوين على الجرِّ ، كما في أصل الرواية على أنّه أفعل الصفة ، منسلخاً عن معنى الوصفيّة.
    وضابط القول على ضرب من التفصيل : أنّك إذا أخذته أفعل التفضيل لم يسعك أن تصرفه بوجه من الوجوه ؛ إذ لا يتصوّر أن ينسلخ حينئذ عن كونه وصفاً لموصوف أصلاً ، وليس يسوغ استعماله إذن الّا بتقدير «من» واعتبار المفضّل عليه في جهة القول ، أو في طيّ الطيّة.
    وأمّا إذا أخذته أفعل الصفة ، فإن اعتبرت فيه معنى الوصفيّة وجعلته وصفاً امتنع أن ينصرف ، تقول : حججت عاماً أوّل وفي عام أوّل بالنصب فيهما ، وهذا عامّ أوّل بالرفع.
    وإن سلخته عن الوصفيّة واستعملته على أنّه ظرف ، كان مبنيّاً على الضمّ أبداً ، كما [في] سائر الظروف المقطوعة بالإضافة ، فتقول : إن أتيتني أوّل فلك كذا.
    وإذا استعملته بمعنى البداءة والابتداء صرفته وأعربته ، تقول : ليس له أوّل وآخر على تنوين الرفع ، أي : ليس لوجوده بداءة وابتداء ، ولا نهاية وانتهاء.
    وتقول في محلّ النصب : أثبت له أوّلاً وآخر ، أي ابتداءاً وانتهاءاً ومبدءاً ومنتهىً. وفي مقام الجرّ : الدائرة خطّ مستدير من غير أوّل وآخر ، أي : من غير بداية ونهاية ومبدأ ومنتهى بحسب الوضع.
    فإذن قولك : قلت لك أوّلاً وآخراً ، معناه ابتداءاً وانتهاءاً ، والنصب على التمييز ، أو على
    __________________
    1. في الصحاح : 5 / 1838.

    أنّه منزوع الخافض ، لا على الظرف كما يتوهّم.
    قال في مجمل اللغة : الأوّل ابتداء الشيء. (1) وربّما يستعمل بمعنى آخر وينصرف أيضاً ، كما تقول : أنعمت عليّ أوّلاً وآخراً. أي : قديماً وحديثاً ، وكذلك أفعل الصفة إذ جرّد عن الوصفيّة ، وجعل علماً شخصيّاً مثلاً ، كان ممتنع الصرف.
    ثمّ إذا نكّر وانسلخ عن العلميّة انصرف ، ونوّن على النصب أو الرفع أو الجرّ ، تقول : رأيت أحمداً من الأحمدين ، وجاءني أحمد من الأحمدين ومررت بأحمد من الأحمدين.
    وإذا تحقّقت ما تلوناه عليك استبان لك مغزى قول المغرب : فعلت هذا عاماً أوّل على الوصف. وعام الأوّل على الإضافة. وأيّ رجل دخل أوّل فله كذا ، مبنيّ على الضّمّ ، كما في من قبل ومن بعد ، ومعناه دخل أوّل كلّ أحد ، وقبل كلّ أحد ، وموضعه باب الواو. انتهى.
    وكذلك قول المفردات والفائق وغيرهما : ويستعمل أوّل ظرفاً فيبنى على الضمّ ، نحو جئتك أوّل ، ويقول : بمعنى قديم نحو جئتك أوّلاً وآخراً ، أي : قديماً وحديثاً. انتهى. (2)
    وفي أساس البلاغة : جمل أوّل وناقة أوّلة إذا تقدّما الإبل. (3)
    وفي الصحاح : إذا جعلته صفة لم تصرفه ، تقول : لقيته عاماً أوّل. وإذا لم تجعله صفة صرفته ، تقول : لقيته عاماً أوّلاً. قال ابن السكّيت : ولا تقل عام الأوّل ، وتقول : ما رأيته مذ عام أوّل ، فمن رفع الأوّل جعله صفة لعام ، كأنّه قال : أوّل من عامنا. ومن نصبه جعله كالظرف ، كأنّه قال : مذ عام قبل عامنا ، وإذا ضممته على الغاية ، كقولك فعلته قبل. وإن أظهرت المحذوف نصبت فقلت : أبدأ به فعلك ، كما تقول قبل فعلك. انتهى. (4)
    وفي القاموس أيضاً مثله. (5)
    ثمّ فاضل تفتازان مشى في هذا الممشى ، وبنى على هذا الأساس في كتاب التلويح وفي حاشية الكشّاف ، لكنّه غبّب في الفحص تغبيباً ، وفرّط في التأويل تفريطاً ، إذ نقل قول
    __________________
    1. مجمل اللغة : 1 / 107.
    2. مفردات الراغب : 31.
    3. أساس البلاغة : 25.
    4. الصحاح : 5 / 1838.
    5. القاموس : 4 / 62.

    الجوهري فحسب أنّ أوّلاً عنده محمول على الظرف ، وذلك إن هو إلّا حسبان سخيف.
    فمن المنصرح في كلام النحوي أنّه حيث يكون أوّلاً مستعملاً على الظرف مع انقطاع الاضافة ، إنّما يصحّ فيه البناء على الضمّ لا غير.
    فإذا قلت : فعلت كذا أوّلا لم يتصحّح حمله على الصفة ولا على الظرف.
    إذ على الأوّل يتعيّن أوّل بالنصب من جهة منع الصرف ، وعلى الثاني أوّل بالرفع للبناء على الضمّ ، ولا يسوغ أوّلاً بالتنوين على الظرف أصلاً ، كما هو المتّضح من قول الجوهري وغيره ، ونحن قد أوضحناه فلا تكوننّ من الغافلين.
    (3) قوله عليه السلام : بلا أوّل
    بلا أوّل في الأصل منوّناً على الجرّ ، بجعله أفعل الصفة لا أفعل التفضيل ، وفي رواية «س» بالفتح من غير تنوين ، لاعتباره أفعل التفضيل.
    (4) قوله عليه السلام : بلا آخر
    بتنوين الجرّ وكسر الخاء المعجمة ، أي : من غير آخر يكون بعده ، وفي رواية «س» فتح الراء ، وأمّا مع فتح المعجمة على أفعل التفضيل ، أو كسرها على اعتبار لا لنفي الجنس ، ثمّ إدخال حرف الجرّ على الجملة ، كما سياقة الأمر في إيجاب سلب المحمول من لحاظ التفضيل ، دون الإيجاب العدولي على اللحاظ الإجمالي ، فليتعرّف.
    (5) قوله عليه السلام : لكلّ روح
    في رواية «س» لكلّ روح وزوج معاً. أي : على رواية «س» يقرأ لكلّ. روح تارة ، ولكلّ زوج اُخرى ، والزوج يطلق ويراد به الشكل. والمراد بالزوج هنا الصنف أو النوع لا المتزاوجان.
    فالمعنى : لكلّ نوع وصنف ، ومنه في التنزيل الحكيم : (وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا) (1) أي : أنواعاً وأصنافاً.
    __________________
    1. سورة النبأ : 8.

    قال ابن الأثير : الأصل في الزوج الصنف ، أو النوع لكلّ شيء. (1)
    وفي رواية من عدا «س» روح ، بالراء المضمومة والحاء المهملة مكان زوج ، والمعنى : جعل لكلّ روح ، أو لكلّ صنف من أصناف المخلوقات.
    وربّما يسبق إلى بعض الأذهان على رواية «س» جواز إرادة الزوج بالمعنى المشهور ، بناءاً على أنّ كلّ ما خلقه الباري تعالى جعله زوجين اثنين ، كما قد نطق به تنزيل القرآن الحكيم (2) ، ولقد اقترّ في مقرّه في علم ما فوق الطبيعة أنّ كلّ ممكن زوج تركيبيّ.
    (6) قوله عليه السلام : لا ينقص من زاده ناقص
    على صيغة المعلوم من نقصه ينقصه فهو منقوص وهذا ناقص إيّاه ، أي : من زاده الله سبحانه منهم لا ينقصه ناقص أصلاً ، ومن نقصه عزّ وجلّ لا يزيده زائد أبداً.
    أو من نقص ينقص فهو ناقص ، أي : من زاده الله لا ينقص ، ومن نقصه لا يزداد أبداً.
    وفي رواية «س» ينقص على صيغة المجهول ، والمعنى كما ذكر.
    (7) قوله عليه السلام : يتخطّأ إليه بأيّام عمره
    يتخطّأ بالهمز ، وفيه وجهان :
    الأوّل : ليس هو من المعتلّ بألف لينة منقلبة عن الواو تفعّلاً من الخطوة يقال : تخطّاه يتخطّاه وتخطّيته واتّخطّاه تخطّياً ، أي : تجاوزه وتعدّاه وتعدّيته وأتعدّاه وتعدّياً. بل هو من المهموز تفعّلاً من الخطأ بالهمز ، ولكن على تضمين الخطوة والتخطّي.
    والمعنى : يمضى بقوّة وعدد ، ويذهب في إسراع واستعجال ، متّخذاً في إسراعه واستعجاله من أيّام عمره خطوات ، ومن أعوام دهره أقداماً ، فيتخطّأ متخطّياً إليه بأيّامه وأعوامه ، فيسرع في ذهابه بخطواته وخطاه التي هي أيّام عمره ، وأقدامه التي هي أعوام دهره ، فيخلف كلّ ما قبله وأمامه وراء ظهره.
    وإنّما كان بناء التفعّل من الخطأ بمعنى الاستعجال ومجاوزة الحدّ ، لما أنّه قلّما يخلو السرعة
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 2 / 317.
    2. وهو قوله تعالى (وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا).

    والعجلة من الخطّ والغلط والتعدّي والشطط.
    قال العلّامة الزمخشري في أساس البلاغة : تخطّأت بالمسألة وفي المسألة أي : تصدّيت له طالباً لخطئه. وتخاطأته النبل : تجاوزته. وناقتك هذه من المتخطّئات [الجيف] ، أي : تمضي لقوّتها وتخلف وراءها التي سقطت من الحسري. وخطأت القدر بزبدها عند الغليان : قذفت به. (1)
    وفي القاموس : وخطأت القدر بزبدها كمنع رمت تخطأه. (2)
    وتخطّاه وأخطأه : أي : تجاوزه ، ومنه في الحديث : «ما أصابك لم يكن ليتخطّاك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك».
    قال الراغب في المفردات : وجملة الأمر أنّ من أراد شيئاً واتّفق منه غيره يقال : أخطأ ، وإن وقع منه كما أراده يقال : أصاب ، ولمن فعل فعلاً لا يحسن أو أراد إرادة لا تجمل يقال : أخطأ. ولهذا يقال : أصاب الخطأ وأخطأ الصواب. وأصاب الصواب وأخطأ الخطأ. وهذه اللفظة مشتركة كما ترى متردّدة بين معاني يجب لمن يتحرّى الحقائق أن يتأمّلها. انتهى. (3)
    الثاني : أصله من المعتلّ لا من المهموز ، فالهمزة منقلبة عن حرف العلّة لا أصليّة ، وثمرتها التنبيه على تضمين معنى الخطأ. والمعنى : يتخطّأ إليه بأيّام عمره متخطّياً ، أي : من غير تعمّد وقصد.
    وقول الجوهري في الصحاح : خطي عنك السوء ، أي : دفع واُميط ، وخطوت واختطيت بمعنى ، واختطيت غيري إذا حملته على أن يخطو ، وتخطّيته إذا تجاوزته ، يقال : تخطّيت رقاب الناس وتخطّيت إلى كذا ، ولا تقل تخطّأت بالهمز. (4)
    معناه : إذا بنيت التفعّل من الخطوة ، وهي ما بين القدمين ، فاعتبره في الأصل من المعتلّ ولا تعتبره من المهموز ، فالهمزة فيه ليس يصحّ بحسب الأصل ، بل إنّما هو من حيث الابدال
    __________________
    1. أساس البلاغة : 167.
    2. القاموس : 1 / 14.
    3. مفردات الراغب : 151.
    4. الصحاح : 6 / 2328.

    والقلب ، كما في سائر النظائر.
    ثمّ من المحتمل على الوجهين إعتبار تضمين الخطيطة والتخطّط.
    قال في المغرب : في حديث ابن عبّاس : «خطّأ الله نوءها ألّا طلقت نفسها» أي : جعله مخطّئاً لا يصيبها مطره ، وهو دعاء عليها إنكاراً لفعلها. ويقال : لمن طلب حاجة فلم ينجح : أخطأ نوءك. ويروى خطى بالألف الليّنة من الخطيطة ، وهي الأرض ايت لم تمطر بين أرضين ممطورتين ، وأصله خطط فقلّب الطاء الثالثة ياءاً ، كما في التظنّي وأمليت الكتاب. (1) انتهى قوله ، فأحسن التدبّر ولا تكن من المتخطّين.
    (Cool قوله عليه السلام ويرهقه
    الرهق : محرّكة العجلة ، ومنه الحديث : «إنّ في سيف خالد رهقاً» أي : عجلة ، وأرهقني أن ألبس ثوبي ، أي : أعجلني ، كذا قاله الهروي.
    وقال الجوهري : يقال : طلبت فلاناً حتّى رهقته رهقاً ، أي : حتّى دنوت منه فربّما أخذه وربّما لم يأخذه. (2)
    وفي القاموس : رهقه كفرح غشيه ولحقه ، أو دنا منه ، سواء أخذه أو لم يأخذه. (3)
    (9) قوله عليه السلام : أثره
    الأثر : هنا بمعنى الأجل ، أي : غاية الأمل (4) المضروب.
    (10) قوله عليه السلام : إلى ما ندبه
    أي : إلى ما دعاه إليه.
    (11) قوله عليه السلام : ما أبلاهم
    الإبلاء : الإنعام والإحسان ، يقال : بلوت الرجل وأبليت عنده بلاءاً حسناً ، كذا قاله ابن الأثير. (5) ومنه ما في التنزيل الكريم : (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا) (6).
    __________________
    1. المغرب : 1 / 160.
    2. الصحاح : 4 / 1487.
    3. القاموس : 3 / 239.
    4. في «ن» : الأجل.
    5. نهاية ابن الأثير : 1 / 155.
    6. سورة الأنفال : 17.

    (12) قوله عليه السلام : نعمر
    عمر الرجل من باب فهم ، وعمر أيضاً ، أي : عاش زماناً طويلاً.
    (13) قوله عليه السلام : ظلمات البرزخ
    البرزخ : الحاجز بين الشيئين ، والدائر على ألسنة الأصحاب إطلاقه على ما بين الدنيا والآخرة من وقت الموت إلى البعث ، فمن مات دخل البرزخ. وذكر بعض الأصحاب أنّ البرزخ القبر ، لأنّه بين الدنيا والآخرة وكلّ شيء بين شيئين فهو برزخ.
    (14) قوله عليه السلام : حمداً يرتفع منّا
    وفي رواية «س» بنا ، يعني وجد بخطّ ابن إدريس بنا ومنّا معاً.
    (15) قوله عليه السلام : تقرّبه
    وفي نسخة : «تنير» على البناء للمفعول ، من أنار بمعنى أضاء ، أي : صار ذا ضوء.
    (16) قوله عليه السلام : إذا برقت الأبصار
    برق البصر أي : شخص عند معاينة ملك الموت ، فلا يطرف من شدّة الفزع.
    وفي النهاية الأثيريّة : في حديث الدعاء «إذا برقت الأبصار» يجوز كسر الراء وفتحها ، فالكسر بمعنى الحيرة ، والفتح من البريق بمعنى الدموع. (1)
    والمأخوذ من أشياخنا في الصحيفة المكرّمة بالكسر لا غير.
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 1 / 120.

    (17) قوله عليه السلام : إذا اسودّت الأبشار
    البشرة والبشر ظاهر جلد الإنسان ، وبشرة الأرض ما ظهر من نباتها ، والجمع البشر. والابشار جمع الجمع ، كذا في القاموس والنهاية. (1)
    (18) قوله عليه السلام : حمداً نزاحم به
    أي : ننسلخ به من عالم الملك ، وتنخرط في سلك عالم الملكوت ، وأفاضل بذلك ملائكة المقرّبون ، فنزاحمهم به ، وإنّما يتيسّر ذلك باستكمال القوّتين العاقلة والعاملة في نصاب الكمال على قصيا المدى وأقصى الأمد ، والتخلّق بأخلاق الله على أبلغ الضروب وأسبغ الوجوه ليستتمّ حقيقة الحمد على أحقّ المراتب.
    ألحقنا الله تعالى في تلك المسابقة بهم ، وسقانا ذلك الرحيق في كأسهم ، صلوات الله وتسليماته عليهم.
    (19) قوله عليه السلام : نضامّ
    من ضاممتهم إذا طفقت تنظمّ إليهم.
    قال ابن الأثير في النهاية : في حديث الرؤية «لا تضامّون في رؤيته» يروى بالتشديد والتخفيف ، فالتشديد معناه لا ينضمّ بعضكم إلى بض ، وتزدحمون وقت النظر إليه ، ويجوز ضمّ التاء وفتحها على تفاعلون وتتفاعلون. انتهى كلامه. (2)
    وعلى هذا فالمعنى تنضمّ به إلى أنبيائه المرسلين. ونزدهمعلى نزع الخافظ ، وما نحن قلناه وفاقاً لما ذكره علّامة زمخشر في الأساس (3) أحكم وأقوم.
    وبالجملة الصيغة من المفاعلة. ويجوز نتضامم من التفاعل بهذا المعنى أيضاً.
    __________________
    1. القاموس : 1 / 372 ، النهاية : 1 / 129.
    2. نهاية ابن الأثير : 3 / 101.
    3. أساس البلاغة : 379.

    (20) قوله عليه السلام : في دار المقامة
    بالضمّ مصدر لحقته التاء.
    (21) قوله عليه السلام : اختار لنا
    يعني بالضمير نوع الإنسان.
    (22) قوله عليه السلام : وجعل لنا الفضيلة بالملكة
    يقال : فلان حسن الملكة ، أي : حسن الصنيع إلى مماليكه. وفي الحديث : لا يدخل الجنّة سيّء الملكة.
    (23) قوله عليه السلام : أغلق عنّا باب الحاجة إلّا إليه
    لما قد استبان في العلم الذي فوق الطبيعة أنّ المعلول الصدوري إنّما يحتاج بالذات إلى العلّة الفاعلة ، وأمّا ما سوى الفاعل من سائر العلل فإنّما الافتقار إليه في تصحيح الاستناد (1) إلى الفاعل ، والتهيّؤ لقبول الفيض عنه.
    ثمّ النظر الأدقّ عرف وحقّق وأفاد وأعطى أنّ طباع الإمكان علّة في الحقيقة ، للحاجة إلى الواجب بالذات ، فالعلّة الفاعلة التي تكون المعلول حائجاً إليها بالذات في حصوله وصدوره عنها ، يجب (2) أن يكون هي الفاعل الحيّ القيّوم الواجب بالذات جلّ ذكره. فأمّا ما عداه من الفواعل والأسباب فمصحّحات الصدور عنه ، ومهيّئات الإستناد إليه لا غير.
    فقوله عليه السلام «أغلق عنّا باب الحاجة إلّا إليه» معناه ومغزاه : علمنا إنغلاق باب الحاجة إلّا إليه ، وألهمنا صدق التوكّل في كلّ الاُمور إليه ، وأوزعنا شخوص النظر في جميع الأبواب إلى جنابه.
    (24) قوله عليه السلام : لا متى
    __________________
    1. في «س» : في صحيح الأسناد.
    2. في «س» : يجوز.

    الوقف وقطع النفس على «متى» حسن ، وعلى «لا» ثمّ على «متى» أحسن.
    (25) قوله عليه السلام : وأقنانا
    أي : أعطانا القنية : ما يتأثّل من الأموال ، وإفرادها بالذكر كما في التنزيل الكريم : (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ) (1) لأنّها أشفّ وأربح وأنمى وأبقى.
    والمراد بها (2) العلوم الحقيقيّة والمعارف الربوبيّة ، وهي التي تقتنيها النفس القدسيّة للحياة الأبديّة. أو معناه : وأرضانا بمنّه وتحقيقه ، وجعل الرضا لنا قنية.
    حاشية اُخرى : يقال قنوت المال وقنيت أيضاً قنية وقنية أيضاً بالضمّ والكسر ، إذا أقنيته لنفسك لا للتجارة. واقتناء (3) المال وغيره اتّخاذه. وأقناه الله أي : أعطاه ما يقتني به ، من القنية بمعنى الذخر. وأقناه أيضاً أي : رضّاه من القنى بالقصر بمعنى الرضا. وقناه الله وأقناه ، أي : أرضاه ، والقنية أصل المال ورأسه. وكلّ من المعاني يصحّ أن يراد هنا. وربّما قيل : الأوّل أولى وأنسب.
    (26) قوله عليه السلام : ليختبر
    أي : ليجرّبها ، والمعنى أن يعاملنا معاملة المجرّبين.
    (27) قوله عليه السلام : ليبتلي
    أي : ليمتحنه ، والمراد ليعاملنا في شكرنا معاملة الممتحنين.
    (28) قوله عليه السلام : لم نفدها
    من الإفادة بمعنى الإغتناء ، يقال : أفاده أي : اغتناه ، لا من الإفادة بمعنى إعطاء الفائدة.
    قال المطرّزي في المغرب : أفادني مالاً : أعطاني ، وأفاده بمعنى استفاده ، ومنه بعد ما أفدت الفرس ، أي : وجدته وحصلته ، وهو أفصح من استفدت.
    __________________
    1. سورة النجم : 48.
    2. في «ن» : به.
    3. في «س» : وأقناه.

    قلت : وهي بالمعنى الثاني يستعمل بـ«من» ، كما في قوله عليه السلام «من فضله».
    قال ابن فارس في مجمل اللغة : يقال : أفدت غيري أي : علمته ، وأفدت من غيري أي : تعلّمت منه. وقال : الفائدة : استحداث المال والخبر ، وقد فادت له فائدة إذا حدث له مال. يقال : أفدت إذا استفدت ، وأفدت إذا أفدت غيرك. ويقال : أفدت غيري وأفدت من غيري. (1) انتهى قوله.
    وقال علّامة زمخشر في أساس البلاغة : أفدت منه خيراً استفدته منه ، وفادت له من عندنا فائدة أي : حصلت. (2) انتهى كلامه.
    وكلام الجوهري في الصحاح (3) أيضاً مفاده ذلك ، ولكن يلتبس مغزاه على غير المحصّل.
    وبالجملة قوله عليه السلام : «لم نفدها» بضمّ النون وكسر الفاء واسكان الدال ، على ما هو المتواتر المضبوط في جميع النسخ على صيغة المعلوم المجزوم بـ«لم» ، من باب الإفعال ، بمعنى الإستفادة لمكان الإستعمال بـ«من» أي : لم نستفدها إلّا من فضله ، على ما قد أفدناه وأوضحناه مبيّناً مفصّلاً.
    وربّما يرى في بعض النسخ على الهامش «لم نفدها» مضبوط الإعراب بضمّ النون وإسكان الفاء وفتح الدال ، مرقوماً عليه رقم (خ). ولم يبلغنا ذلك فيما روّينا وروينا عن المشيخة ، ولا هو وارد فيما رويناه من مشايخنا أصلاً.
    وإذا صحّت النسخة ، فالصيغة على البناء للمجهول من الفداء والفدية. على الحذف والإيصال. أي : على التوبة التي لم نفد بها من عذاب الله إلّا من فضله ، ولم تكن فدية لنا من المعاصي والآثام ، وفداءً لأنفسنا وأرواحنا من الهلاك في دار الحياة الأبديّة إلّا من رحمته.
    ثمّ إنّ ختالة الجاهلين (أخزاهم الله تعالى) حيث لا يستطيعون إلى المعرفة سبيلاً يحرّفون الصيغة ، ويغيّرون إعرابها ، ويبدّلون بناءها ، فيضمّون النون ويفتحون الفاء ، على
    __________________
    1. مجمل اللغة : 3 / 708 ـ 709.
    2. أساس البلاغة : 486.
    3. الصحاح : 1 / 518.

    البناء للمجهول من الإفادة ، ويرجع اللفظ حينئذ إلى لم نستفدها إلا من فضله ، على صيغة المجهول.
    وإن هذا إلّا خزي كبير في الدنيا ، وعذاب مقيم في النشأة الآخرة ، أعاذكم الله تعالى معشر المسترشدين من نكال الجهل والشقاوة ووبال الجهالة والغواية ، والحمد لله ربّ العالمين.
    29 قوله عليه السلام : من هلك عليه
    أي : هلك حين وروده عليه ، والمال من ورد عليه هالكاً.
    30 قوله عليه السلام : وعلى جميع عباده
    فجميع ما سبق في السلسلة الطوليّة في نظام الوجود بالقياس إلى كلّ أحد نعمة في حقّه ؛ لكون جميع (1) أسباب وجوده ومباديه ، وهي المعبّر عنها بالنعم السابقة على الوجود ، وكذلك ما في السلسلة العرضيّة ، على ما قد استبان في مظانّه.
    31 قوله عليه السلام : وخفيراً من نقمته
    قال ابن الأثير في النهاية : خفرت الرجل أجرته وحفظته ، وخفرته إذا كنت له خفير ، أي : حامياً وكفيلاً. وتخفّرت به إذا استجرت به. والخفارة بالكسر والظمّ الذمام بمعنى العهد. (2)
    32 قوله عليه السلام : نسعد به في السعداء
    فإنّا لا نكون من الحامدين على الحقيقة إلّا إذا انتظمنا في عالم الحمد استكمال القوّتين ، واستتمام نصاب الكمال في البهجة الحقّة ، والسعادة المطلقة في النشأتين ، فتصير نفس الذات وسنخ الهويّة ، حمداً لباريها الحقّ بالحقيقة.
    33 قوله عليه السلام : في نظم الشهداء
    من حيث كونهم أحياء عند ربّهم ، مرزوقين برزقه ، فرحين بلقائه ، مبتهجين ببهائه.
    __________________
    1. في «س» : يكون الجميع.
    2. نهاية ابن الأثير : 2 / 52.

    2
    وكان من دعائه عليه السلام
    بعد هذا التحميد في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله
    وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِمُحَمَّد نَبِيِّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ (1) دُونَ الاُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَالْقُـرُونِ السَّالِفَةِ بِقُدْرَتِهِ الَّتِي لاَ تَعْجِزُ عَنْ شَيْء وَإنْ عَظُمَ ، وَلا يَفُوتُهَا شَيءٌ وَإنْ لَطُفَ ، فَخَتَمَ بِنَا عَلَى جَمِيع مَنْ ذَرَءَ ، (2) وَجَعَلَنَا شُهَدَاءَ عَلَى مَنْ جَحَدَ ، وَكَثَّرَنا بِمَنِّهِ عَلَى مَنْ قَلَّ. (3) اللّهمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد أَمِينِكَ عَلَى وَحْيِكَ ، وَنَجِيبِكَ مِنْ خَلْقِكَ وَصَفِيِّكَ مِنْ عِبَادِكَ ، إمَامِ الرَّحْمَةِ ، وَقَائِدِ الْخَيْرِ ، وَمِفْتَاحِ الْبَرَكَةِ ، كَمَا نَصَبَ لِاَمْرِكَ نَفْسَهُ ، (4) وَعَرَّضَ فِيْكَ لِلْمَكْرُوهِ بَدَنَهُ ، وَكَاشَفَ فِي الدُّعَآءِ إلَيْكَ حَامَّتَهُ ، (5) وَحَارَبَ فِي رِضَاكَ أسْرَتَهُ ، وَقَطَعَ فِىْ إحْياءِ دِينِكَ رَحِمَهُ ، وَاقصَى الادْنَيْنَ (6) عَلَى جُحُـودِهِمْ ، وَقَرَّبَ الاقْصَيْنَ عَلَى اسْتِجَابَتِهِمْ لَكَ ، وَوالَى فِيكَ الابْعَدِينَ ، وَعَادى فِيكَ الاقْرَبِينَ ، (7) وَأدْأبَ نَفْسَهُ فِي تَبْلِيغِ رِسَالَتِكَ ، وَأَتْعَبَهَا

    بِالدُّعآءِ إلَى مِلَّتِكَ ، وَشَغَلَهَا بِالنُّصْحِ لِاَهْلِ دَعْوَتِكَ ، وَهَاجَرَ إلَى بِلاَدِ الْغُرْبَةِ ، وَمحَلِّ النَّأيِ عَنْ مَوْطِنِ رَحْلِهِ ، وَمَوْضِـعِ رِجْلِهِ ، وَمَسْقَطِ رَأسِهِ ، وَمَأنَسِ نَفْسِهِ ، إرَادَةً مِنْهُ لاعْزَازِ دِيْنِكَ ، واسْتِنْصَاراً عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ بِكَ ، حَتّى اسْتَتَبَّ لَهُ مَا حَاوَلَ فِي أَعْدَائِكَ ، وَاسْتَتَمَّ لَهُ مَا دَبَّرَ فِي أوْلِيآئِكَ ، فَنَهَدَ إلَيْهِمْ مُسْتَفْتِحاً بِعَوْنِكَ ، وَمُتَقَوِّياً عَلَى ضَعْفِهِ بِنَصْرِكَ ، فَغَزَاهُمْ فِي عُقْرِ دِيَارِهِمْ ، وَهَجَمَ عَلَيْهِمْ فِي بُحْبُوحَةِ قَرَارِهِمْ ، حَتّى ظَهَر أَمْرُكَ ، وَعَلَتْ كَلِمَتُكَ ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ. اللَهُمَّ فَارْفَعْهُ بِمَا كَدَحَ فِيكَ إلَى الدَّرَجَةِ الْعُلْيَا مِنْ جَنَّتِكَ ، حَتَّى لاَ يُسَاوَى فِي مَنْزِلَة ، وَلا يُكَاْفَأَ فِي مَرْتَبَة ، وَلاَ يُوَازِيَهُ لَدَيْكَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، وَلا نبيٌّ مُرْسَلٌ ، وَعَرِّفْهُ فِي أهْلِهِ (Cool الطّاهِرِينَ ، وَاُمَّتِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ حُسْنِ الشَّفَاعَةِ أجَلَّ مَا وَعَدْتَهُ ، يَا نَافِذَ الْعِدَةِ ، (9) يَا وَافِىَ الْقَوْلِ ، يَا مُبَدِّلَ السّيِّئات بِأضْعَافِهَا مِنَ الْحَسَنَاتِ ، إنَّكَ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. (10)

    1 قوله عليه السلام : صلّى الله عليه وآله
    بالجرّ على ما قد بلغنا بالضبط في النسخ المعوّل على صحّتها ، ورويناه بالنقل المتواتر في سائر العصور إلى عصرنا هذا ، وإسقاط إعادة الجارّ مع العطف على الضمير المجرور ، عن حريم اللهجة لا عن ساحة الطيّة ، للتنبيه على شدّة ارتباطهم واتّصالهم به ، وكمال دنوّهم وقربهم منه صلّى الله عليه وآله ، بحيث لا يصحّ أن يتخلّل هناك فاصل أصلاً ، كما في التنزيل الكريم في قوله سبحانه (تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ) (1) على الجرّ في قراءة حمزة ، وفي قول الشاعر على ما نقله في الكشّاف : (2)
    فاذهب فما بك والأيّام من عجب
    وأمّا الرواية المشهورة في ذلك فيما يدور على الألسن ، فقد سمعناها مذاكرة من الشيوخ ولم يبلغنا بها أسناد معتبر في شيء من اُصول أصحابنا ومصنّفاتهم ، وما في حواشي جنّة الأمان للشيخ الكفعمي عن شيخنا الكراجكي (قدّس سرّه) في الجزء الثاني (3) من كتابه كنز الفوائد : إنّي رأيت جماعة ينكرون على من يفرّق بين اسمّ النبيّ وآله عليه وعليهم السلام بـ«على» ويزعمون أنّهم يأثرون في النهي عن ذلك خبراً ، ولم أسمع خبراً يجب التعويل في هذا المعنى.
    والصحيح عندي في ذلك هو ما دلّت عليه العربيّة من أنّ الإسم المضمر إذا كان مجروراً لم يحسن أن يعطف عليه إلّا بإعادة الجارّ ، تقول : مررت بك وبزيد ، ونزلت عليك وعلى
    __________________
    1. سورة النساء : 1.
    2. الكشّاف : 1 / 493.
    3. في «ن» : الثالث.

    عمرو ؛ لأنّ ترك ذلك لحن.
    فالصواب أن يقال : صلّى الله عليه وعلى آله ، إلّا على تقدير أن يكون الآل منصوباً بالعطف على موضع الهاء من «عليه» ؛ لأنّ موضعها نصب بوقوع الفعل. وإن كانت مجرورة بـ«على» فليس من طوار الصحّة بمولج فإنّ الكوفيّين يسوّغون الترك في حالتي الضرورة والسعة من غير تمحّل أصلاً.
    وأمّا البصريّون ، فإنّهم يخصّون التسويغ بحالة الضرورة ، مراعاة لحقّ البلاغة ، وتنبيهاً على ما في المقام من الفائدة ، كما قد تلوناه عليك أيضاً.
    إنّما كلام الفريقين في المحذوف لا في المنويّ المسقط من اللفظ لا عن النيّة ، فلا تكوننّ من الغافلين.
    (2) قوله عليه السلام : على جميع من ذرأ
    ذرأ الله الخلق أي : خلقهم ، وأمّا ذرأ إلى فلان بمعنى ارتفع وقصد ، فمن الناقص لا من المهموز.
    قاب ابن الأثير : وكأنّ الذر مختصّ بخلق الذرّيّة. وقال : الذرّيّة اسم يجمع نسل الإنسان من ذكر واُنثى ، وأصلها الهمز ، لكنّهم حذفوه ، فلم يستعملوها إلا غير مهموز ، وتجمع على ذرّيّات وذراري مشدّداً ، وقيل : أصلها من الذرّ بمعنى التفوّق ؛ لأنّ الله تعالى ذرّهم في الأرض. (1)
    (3) قوله عليه السلام : وكثّرنا بمنّه على من قلّ
    فيه وجهان :
    الأوّل : أن يكون من الكثرة بمعنى العزّة والغلبة ، والقلّة بمعنى الذلّة والمغلوبيّة ، و «على» للصلة ، أي : هو سبحانه بمنّه ونصرته ونعمته أعزّنا ، وجعلنا من الأعزّة الغالبين ، على من ذلّ لنا ، وصار لشوكتنا ورفعتنا من الأذلّة المغلوبين.
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 2 / 156 ـ 157.

    قال في المفردات : ويكنّى بالقلّة تارة عن الذلّة ، اعتباراً بما قال الشاعر :
    وإنّما العزّة للكاثر
    وعلى ذلك قوله تعالى (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ) (1).
    يكنّى بها تارة عن العزّة ، اعتباراً بقوله تعالى : (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (2) (وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ) (3) وذلك أنّ كلّ ما يعزّ يقلّ وجوده. (4)
    ثمّ قال : تقدّم أنّ الكثرة والقلّة تستعملان في الكمّيّة المنفصلة كالأعداد ، وليس (5) الكثرة إشارة إلى العدد فقط ، بل إلى الفضل ، يقال : عدد كاثر ، ورجل كاثر إذا كان كثير المال ، قال الشاعر :
    ولست بالأكثر منه حصى
    وإنّما العزّة للكاثر

    والمكاثرة والتكاثر التباري في كثرة المال والعزّ ، قال الله تعالى : (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) وفلان مكثور ، أي : مغلوب في الكثرة. انتهى كلام المفردات. (6)
    وقال في الكشّاف في قوله تعالى (وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ) : «إذ» مفعول به غير ظرف ، أي : واذكروا على جهة الشكر وقت كونكم قليلاً عددكم ، فكثّركم الله ووفّر عددكم.
    قيل : إنّ مدين بن إبراهيم تزوّج بنت لوط فولدت ، فرمى الله في نسلها بالبركة والنماء فكقروا وفشوا. ويجوز إذ كنتم مقلّين فقرأ فكثّركم فجعلكم مكثرين موسرين إذ (7) كنتم أذلّة فأعزّكم بكثرة العدد والعُدد. انتهى قول الكشّاف. (Cool
    وقال في أساس البلاغة : رجل مكثور مغلوب في الكثرة. (9)
    __________________
    1. سورة الأعراف : 86.
    2. سورة السبأ : 13.
    3. سورة ص : 24.
    4. مفردات الراغب : 410.
    5. في المصدر : وليست.
    6. مفردات الراغب : ص 426.
    7. في المصدر : أو.
    8. الكشّاف : 2 / 94.
    9. أساس البلاغة : ص 536.

    وقال في القاموس : كاثروهم فكثروهم غالبوهم في الكثرة فغلبوهم. (1)
    وقال ابن الأثير الجزري في النهاية : وفي الحديث : «إنّكم لمع خليفتين ما كانتا مع شيء إلا كثّرناه». أي : غلبناه بالكثرة وكانتا أكثر منه. يقال : كاثرته فكثرته إذا غلبته وكنت أكثر منه. ومنه حديث مقتل الحسين عليه السلام : «ما رأينا مكثوراً أجرأ مقدّماً منه». المكثور : المغلوب ، وهو الذي تكاثر عليه الناس فقهروه. أي : ما رأينا مقهوراً أجرأ إقداماً منه. انتهى كلام النهاية. (2)
    الثاني : أن يكون من الكثرة والقلّة بالكمّيّة الإنفصاليّة في العدد ، أو الزيادة والنقصان بالتوفّر في العدد ، على أن يكون «على من قلّ» في موضع الحال من ضمير المفعول ، أو «على» بمعنى مع ، أي : كثّرنا بمنّه عَدداً وعُدداً ، والحال أنّا نحن من قلّ حيث كنّا قليلين مقلّين ، أو مع من قلّ ، أي : مع قليل من الأعوان والأنصار بالعدد على سياق ما في التنزيل الحكيم : (وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (3) ولكن ما هناك بالقياس إلى ضمير الفاعل دون ضمير المفعول.
    قال في الكشّاف : الضمير في (اخْتَرْنَاهُمْ) لبني إسرائيل ، و (عَلَىٰ عِلْمٍ) في موضع الحال ، أي : عالمين بمكان الخيرة ، أو بأنّهم أحقّاً بأن يختاروا.
    ويجوز أن يكون المعنى مع علم منّا بأنّهم يزيغون ويفرط منهم الفرطات في بعض الأحوال (عَلَى الْعَالَمِينَ) على عالمي زمانهم. (4) انتهى. فليتضبّط ثمّ ليثبّت.
    (4) قوله عليه السلام : كما نصب لأمرك نفسه
    نصب الشيء إذا أقمته ، والنصب ـ بالتحريك ـ التعب. والمراد إذا قام نفسه مقام المشقّة لإنفاذ أمرك.
    قال ابن الأثير في النهاية : النصب إقامة الشيء ورفعه ، وفيه ـ أي : وفي الحديث ـ
    __________________
    1. القاموس : 2 / 124.
    2. نهاية ابن الأثير : 4 / 152 ـ 153.
    3. سورة الدخان : 32.
    4. الكشّاف : 3 / 504.

    «فاطمة بضعة منّي ينصبني ما أنصبها» أي : يتعبني ما أتعبها ، وقد نصب ينصب غيره وأنصبه. (1)
    (5) قوله عليه السلام : وكاشف في الدعاء إليك
    أي : في الدعوة إلى دينك.
    قال في الصحاح : كاشفه بالعداوة ، أي : بادأه بها (2) من البدو بمعنى الظهور.
    وحامّته (صلّى الله عليه وآله) هنا خاصّته وأقاربه وعشيرته الأقربون.
    وأمّا في حديث الكساء : «اللّهمّ هؤلاء حامّتي وأهل بيتي» فهم عترته صلوات الله عليهم ، أعني : عليّاً وفاطمة والسبطين ، فقد روته العامّة والخاصّة ، وذكره ابن الأثير في النهاية. (3)
    (6) قوله عليه السلام : وأقصى الأدنين
    الأدنين والأقصين : بفتح النون والصاد ؛ لأنّ حكم هذا الجمع أن يفتح ما قبل علامة الجمع ؛ لأنّه مقصورة ليدلّ على الألف المحذوفة ، كما قال الله تعالى في جمع الأعلى (وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ) (4) وفي جمع المصطفى : (لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ) (5) بفتح اللام ، ليدّل على الألف المحذوفة كما بيّن في النحو.
    (7) قوله عليه السلام وعادى فيك
    أي : ظاهرهم وتظاهر عليهم بالعداوة فيك ، إذ دعاهم إليك فاستنكفوا وولّوا مستدبرين.
    (Cool قوله عليه السلام : وعرّفه في أهله
    أي : اذقه أجلّ ما وعدته فيهم ، ولقد تكرّر في حديث الدعاء : «عرّفني حلاوة
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 5 / 61 ـ 62.
    2. الصحاح : 4 / 1421.
    3. نهاية ابن الأثير : 1 / 466 ، ورواه عن جماعة من أعلام القوم في إحقاق الحقّ 9 / 10.
    4. سورة آل عمران : 139.
    5. سورة ص : 47.

    الاجابة».
    (9) قوله عليه السلام : يا نافذ العدة
    العدة : بالتخفيف الوعد ، والوعد والوعيد يستعملان في الخير والشرّ ، قالووا : في الخير الوعد والعدة ، وفي الشرّ الإيعاد والوعيد ، جمع العدة : عدات.
    ونفذ السهم من الرمية بإعجام الذال ، ونفذ الكتاب إلى فلان نفاذاً ونفوذاً ، ورجل نافذ في أمره ، أي : ماضٍ ، وأمره نافذ أي : مطاع. ونفد في بصره بالدال المهملة أي : بلغني وجاوزني ، ومنه في الحديث عن ابن مسعود : «إنّكم مجموعون في صعيد واحد ينفدكم البصر».
    قال أبو حاتم : أصحاب الحديث يروونه بالذال المعجمة ، وإنّما هو بالدال المهملة. أي : تبلغ أوّلهم وآخرهم حتّى يراهم الله كلّهم ويستوعبهم ، من نفد الشيء وأنفدته أنا ، ويقال : استنفد وسعه ، أي : استفرغه.
    قيل : المراد ينفدهم بصر الرحمن حتّى يأتي عليهم كلّهم.
    وقيل : أراد ينفدهم بصر الناظر لاستواء الصعيد.
    قال ابن الأثير في النهاية : وحمل الحديث على بصر المبصر أولى من حمله على بصر الرحمن ؛ لأنّ الله تعالى يجمع الناس يوم القيامة في أرض يشهد جميع الخلائق فيها محاسبة العبد الواحد على انفراده ويرون ما يصير إليه. (1)
    وبالجملة الذي يناسب العدة هو بالدال المهملة على ما في بعض النسخ ، وإن كان ما بالذال المعجمة ـ كما في أصل النسخة ـ له وجه وجيه أيضاً.
    (10) قوله عليه السلام : إنّك ذو الفضل العظيم
    العظيم في الأصل مرفوع ، وفي رواية «س» مجرور.
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 5 / 91.

    ذكر عليه السلام في هذا الدعاء أنواع الملائكة وأصنافها ، مجرّداتها الأمريّة المفارقة بطبقاتها المختلفة بالنوع من العقول القاهرة الفعّالة القدسيّة ، والنفوس العاقلة المدبّرة الملكوتيّة ، والعقول القوّامة العمّالة ، التي هي أرباب الأنواع العلويّة والسفليّة والأثيريّة والعنصريّة.
    وهم جميعاً أنوار عقليّة إلهيّة ، طعامهم التسبيح ، وشرابهم التقديس ، وجسمانيّاتها الموكّلة على التدبير والتقديم والإمساك والتحريك من النفوس المنطبعة ، والقوى النوريّة الروحانيّة ، والطبائع الجوهريّة الحافظة المحرّكة (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) (1).
    __________________
    1. سورة المدّثّر : 31.

    وكان من دعائه عليه السلام
    في الصلوة على حملة العرش وكل ملك مقرب
    اللَّهُمَّ وَحَمَلَةُ عَرْشِكَ الَّذِينَ لا يَفْتُرُونَ مِنْ تَسْبِيحِكَ ، وَلا يَسْـأَمُـونَ مِنْ تَقْـدِيْسِكَ ، وَلا يَسْتَحسِرُونَ مِنْ عِبَادَتِكَ ، وَلاَ يُؤْثِرُونَ التَّقْصِيرَ عَلَى الْجِدِّ فِي أَمْرِكَ ، وَلا يَغْفُلُونَ عَنِ الْوَلَهِ إلَيْكَ ، (1) وَإسْرافِيْلُ صَاحِبُ الصُّوْرِ الشَّاخِصُ الَّذِي يَنْتَظِرُ مِنْكَ الاذْنَ ، وَحُلُولَ الامْرِ ، فَيُنَبِّهُ بِالنَّفْخَةِ صَرْعى (2) رَهَائِنِ الْقُبُورِ ، وَمِيكَآئِيلُ ذُو الْجَاهِ عِنْدَكَ ، وَالْمَكَانِ الرَّفِيعِ مِنْ طَاعَتِكَ ، وَجِبْريلُ الامِينُ عَلَى وَحْيِكَ ، الْمُطَاعُ فِي أَهْلِ سَمَاوَاتِكَ ، الْمَكِينُ لَدَيْكَ ، الْمُقَرَّبُ عِنْدَكَ ، وَالرُّوحُ الَّذِي هُوَ عَلَى مَلائِكَةِ الْحُجُبِ ، وَالرُّوحُ (3) الَّذِي هُوَ مِنْ أَمْرِكَ ، فَصَلِّ عليهم وَعَلَى الْمَلاَئِكَـةِ الَّـذِينَ مِنْ دُونِهِمْ مِنْ سُكَّـانِ سَمَاوَاتِكَ ، وَأَهْلِ الامَانَةِ عَلَى رِسَالاَتِكَ ، وَالَّذِينَ لا تَدْخُلُهُمْ سَأْمَةٌ مِنْ دؤُوب ، وَلاَ إعْيَاءٌ مِنْ لُغُوب وَلاَ فُتُورٌ ، وَلاَ تَشْغَلُهُمْ عَنْ تَسْبِيحِكَ الشَّهَوَاتُ ، وَلا يَقْطَعُهُمْ عَنْ تَعْظِيمِكَ سَهْوُ الْغَفَـلاَتِ ، الْخُشَّعُ الابْصارِ فلا يَرُومُونَ النَّظَرَ إلَيْكَ ، النَّواكِسُ الاذْقانِ ، الَّذِينَ قَدْ طَالَتْ رَغْبَتُهُمْ فِيمَا لَدَيْكَ ، الْمُسْتَهْتِرُونَ (4) بِذِكْرِ آلائِكَ ، وَالْمُتَوَاضِعُونَ دُونَ عَظَمَتِكَ وَجَلاَلِ كِبْرِيآئِكَ ، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ إذَا نَظَرُوا إلَى جَهَنَّمَ تَزْفِرُ (5) عَلَى أَهْلِ مَعْصِيَتِكَ : سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَـادَتِكَ ، فَصَـلِّ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الرَّوْحَانِيِّينَ (6) مِنْ مَلائِكَتِكَ وَأهْلِ الزُّلْفَةِ عِنْدَكَ ، وَحُمَّالِ الْغَيْبِ إلى رُسُلِكَ ، وَالْمُؤْتَمَنِينَ على وَحْيِكَ وَقَبائِلِ الْمَلائِكَةِ الَّذِينَ اخْتَصَصْتَهُمْ لِنَفْسِكَ وَأَغْنَيْتَهُمْ

    عَنِ الطَّعَامِ والشَّرَابِ بِتَقْدِيْسِكَ ، وَأسْكَنْتَهُمْ بُطُونَ أطْبَـاقِ سَمَاوَاتِكَ ، وَالّذينَ عَلَى أرْجَآئِهَا (7) إذَا نَزَلَ الامْرُ بِتَمَامِ وَعْدِكَ ، وَخزّانِ الْمَطَرِ ، وَزَوَاجِرِ السَّحَابِ ، وَالّذِي بِصَوْتِ زَجْرِهِ يُسْمَعُ زَجَلُ ألرُّعُوْدِ ، وَإذَا سَبَحَتْ بِهِ حَفِيفَةُ السّحَـابِ (Cool الْتَمَعَتْ صَوَاعِقُ الْبُرُوقِ ، وَمُشَيِّعِيْ الْثَلْجِ وَالْبَرَدِ ، وَالْهَابِطِينَ مَعَ قَطْرِ الْمَطَر إَذَا نَزَلَ ، وَالْقُوَّامِ عَلَى خَزَائِنِ الرّيَاحِ وَالمُوَكَّلِينَ بِالجِبَالِ فَلا تَزُولُ ، وَالَّذِينَ عَرَّفْتَهُمْ مَثَاقِيلَ الْمِياهِ ، (9) وَكَيْلَ مَا تَحْوِيهِ لَوَاعِجُ الامْطَارِ (10) وَعَوَالِجُهَا ، وَرُسُلِكَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إلَى أهْلِ الارْضِ بِمَكْرُوهِ مَا يَنْزِلُ مِنَ الْبَلاءِ وَمَحْبُوبِ الرَّخَآءِ ، والسَّفَرَةِ الْكِرَامِ اَلبَرَرَةِ ، وَالْحَفَظَةِ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ ، وَمَلَكِ (11) الْمَوْتِ وَأعْوَانِهِ ، وَمُنْكَر وَنَكِير ، وَرُومَانَ فَتَّانِ الْقُبُورِ ، (12) وَالطَّائِفِينَ بِالبَيْتِ الْمَعْمُورِ ، وَمَالِك ، وَالْخَزَنَةِ وَرُضْوَانَ ، وَسَدَنَةِ الْجِنَانِ ، وَالَّذِيْنَ لاَ يَعْصُوْنَ اللّهَ مَا أمَرَهُمْ ، وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ «سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الـدّارِ» والزّبانيةُ (13) الذّينَ إذَا قِيْـلَ لَهُمْ «خُذُوهُ فَغُلُّوْهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوْهُ» ، ابْتَدَرُوهُ سِرَاعاً وَلَمْ يُنْظِرُوهُ ، وَمَنْ أوْهَمْنَا (14) ذِكْرَهُ ، وَلَمْ نَعْلَمْ مَكَانَهُ مِنْكَ ، وَبأيِّ أمْر وَكَّلْتَهُ ، وَسُكّانُ الْهَوَآءِ وَالارْضِ وَالمآءِ وَمَنْ مِنْهُمْ عَلَى الْخَلْقِ ، (15) فَصَلِّ عَلَيْهِمْ يَوْمَ تَأْتي كُلُّ نَفْس مَعَهَا سَائِقٌ (16) وَشَهِيدٌ ، وَصَلّ عَلَيْهِمْ صَلوةً تَزِيدُهُمْ كَرَامَةً عَلى كَرَامَتِهِمْ ، وَطَهَارَةً عَلَى طَهَارَتِهِمْ. اللّهُمَّ وَإذَا صَلَّيْتَ عَلَى مَلاَئِكَتِكَ وَرُسُلِكَ ، وَبَلَّغْتَهُمْ صَلاَتَنَا عَلَيْهِمْ ، فَصَلِّ عَلَيْهِمْ بِمَا فَتَحْتَ لَنَا مِنْ حُسْنِ الْقَوْلِ فِيْهِمْ ، إنَّكَ جَوَاْدٌ كَرِيمٌ.

    (1) قوله عليه السلام : عن الوله إليك
    الوله ـ بالتحريك ـ كمال التحيّر في بهاء نور المعشوق الحقّ ، وذهاب مسكة العقل من اشتداد الشوق وشدّة الوجد.
    (2) قوله عليه السلام : صرعى
    مضافة إلى رهائن المضافة إلى القبور.
    (3) قوله عليه السلام : الحجب والروح
    إمّا المعنى بهم موالينا الطاهرون صلوات الله عليهم ، وبالملائكة الملائكة الموكّلون عليهم ولهم ، وإمّا صفة للملائكة المضافة إليها ، أو على طريقة إضافة البيان. والأوّل أولى ؛ لما في الأحاديث عنهم عليهم لسلام إن الحجج صلوات الله عليهم يتجلّون لمن يعرف هذا الأمر حين موته ، فيحجبون بينه وبين ما يسوؤه ، من أهوال الموقف.
    (4) قوله عليه السلام : المستهترون
    بفتح التاء وكسرها على صيغة الفاعل أو المفعول ، أي : الذين أولعوا به. يقال : استهتر فلان بكذا ، أي : أولع به.
    (5) قوله عليه اسلام : تزفر
    الزفير أوّل نهق الحمار وشبهه ، والشهيق من آخره ، والزفير من الصدر ، والشهيق من الحلق ، كذا في الغريبين للهروي.
    (6) قوله عليه السلام : وعلى الروحانيّين
    إنّما المأخوذ والمضبوط في هذا الموضع من الصحيفة المكرّمة بفتح الراء ، وفي العبارة لغتان : رَوحانيّ ورُوحانيّ بالضمّ من الروح ، والفتح من الرَّوح.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الصحيفه السجاديه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الصحيفه السجاديه كامله   الصحيفه السجاديه كامله Emptyأمس في 20:12

    قال ابن الأثير في النهاية : المراد بالروح الذي يقوم به الجسد وتكون به الحياة ، ومنه الحديث : «الملائكة الروحانيّون» ، ويروى بضمّ الراء وفتحها ، كأنّه نسب إلى الروح أو الروح ، وهو نسيم الريح ، والألف والنون من زيادات النسب. (1)
    وقال الشهرستاني في كتاب الملل والنحل : رُوحاني بالرفع من الروح ، ورَوحاني بالنصب من الروح ، والروح والروح متقاربان ، وكأنّ الروح جوهر والروح حالته الخاصّة به. انتهى. (2)
    وأمّا الأشبه عندي في ذلك ، فهو أنّ الروح ـ بالفتح ـ نسبة إلى الروح ـ بالضمّ ـ نسبة الروح إلى الجسد. وبالجملة المراد بالملائكة الروحانيّين الجواهر المجرّدة العقليّة والنفسيّة.
    (7) قوله عليه السلام : على أرجائها
    الرجا مقصورة ناحية البئر وناحية الموضع ، وتثنيته رجوان كعصى وعصوان ، وجمعه أرجاء. والرجوان حافّتا البئر وكلّ ناحية رجاء ، يقال : رمى به الرجوان ، ويراد به أنّه طرح في المهالك ، وفي التنزيل الكريم : (وَالْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَائِهَا) (3) أي : نواحيها وأطرافها.
    (Cool قوله عليه السلام : حفيفة السحاب
    الحفيف دويّ جرس الفرس وجناح الطائر. وفي رواية «س» و «ع» الخفيفة بالخاء المعجمة والفاء ثمّ الياء ثمّ القاف. حفيف الريح بالحاء المهملة وفائين بينهما ، أي : دويّ جريها ، وخوافق السماء الجهات التي تهب منها الرياح الأربع.
    (9) قوله عليه السلام : مثاقيل المياه
    المثاقيل جمع المثقال ، والمراد بها الأوزان والأقدار.
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 2 / 271 ـ 272.
    2. الملل والنحل : 2 / 6.
    3. سورة الحاقّة : 17.

    قال في الصحاح : مثقال الشيء ميزانه من مثله. (1)
    والمياه : إمّا جمع الماه ، فيكون المعنى بها البلاد والبقاع والأقاليم والأصقاع.
    وفي الصحاح : ما موضع يذكّر ويؤنّث. (2)
    وفي القاموس : الماه قصبة البلد ، والماهان الدينور ونهاوند ، إحداهما ماه الكوفة ، والاُخرى ماه البصرة ، وماه دينار بلدان ، وماهان إسم ، وهو إما من هوم أو هيم ، فوزنه لعفان أو وهم فلعفان ، أو ومه فعفلان ، أو نهم فلا عافا ، أو من لفظ المهيمن ففاعالا (3) ، أو من منه ففالاعا ، أن من نمه فعالافا. (4)
    وفي المغرب : والماه قصية البلد ، عن الأزهري قولهم : ضرب هذا الدرهم بماه البصرة أو بماه فارس. قال : وكأنّه معرّب. وماه دينار حصن قديم بين خيبر وبين مدينة.
    وفي النهاية الأثيريّة : في الحديث الحسن : «كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وبارك وسلّم يشترون السمن المائي» وهو منسوب إلى مواضيع يسمّى ماه يعمل بها. ومنه قولهم : ماه البصرة وماه الكوفة ، وهو إسم للأماكن المضافة إلى كلّ واحدة منهما ، فقبلت الهاء في النسب همزة أو ياءاً. انتهى كلام النهاية. (5)
    وإذ كشفنا لك ذلك دريت مغزى ما أورده الصدوق عروة الإسلام أبو جعفر محمّد بن علي بن بابويه (رضوان الله تعالى عليه) في عيون أخبار الرضا عليه السلام : أنّ عبد الله بن مطرف بن ماهان شيخ شيخ البخاري صاحب صحيح العامّة دخل على المأمون يوماً ، وعنده علي بن موسى الرضا عليه السلام ، فقال له المأمون : ما تقول في أهل البيت؟ فقال عبد الله : ما أقول في طينة عجنت بماء الرسالة ، وشجرة غرست بماه (6) هل ينضح منها إلّا مسك الهدى وعنبر التقى؟ فدعى المأمون بحقّه فيها لؤلؤ فحشى فاه. (7)
    والقاصرون من أهل البصرة حائرون في قوله بماه الوحي ، وحاسبون أنّ الصحيح فيه
    __________________
    1. الصحاح : 4 / 1647.
    2. الصحاح : 6 / 2251.
    3. في المصدر : فعافال.
    4. القاموس : 4 / 293.
    5. نهاية ابن الأثير : 4 / 374 وقال في آخره : وليست اللفظة عربيّة.
    6. وفي المصدر : بماء الوحي هل ينفخ ...
    7. عيون أخبار الرضا : 2 / 144 باب 40.

    الهمزة مكان الهاء.
    ثمّ إنّي في كتاب نبراس الضياء قلت : وهذه إن هي اُخت الحكاية المعروفة للخليل بن أحمد ال أديب النحوي العروضي ، إذ قيل له : ما تقول في علي بن أبي طالب عليه السلام؟
    فقال : ما أقول في حقّ امرىء كتمت مناقبه أولياؤه خوفاً وأعداؤه حسداً ، ثمّ ظهر من بين ال كتمين ما ملأ الحافقين. (1) فأناله السلطان نائلة جليلة ، ووصله صلة ثقيلة ، مع شدّة عتوّه وتبالغه في عناده فليدرك.
    (10) قوله عليه السلام : لواعج الأمطار
    هي جمع لاعج بل لاعجة ، أي : مشتدّاتها القويّة الاشتداد ، يقال : لاعجه الأمر إذا اشتدّ عليه. والتعج من لاعج الشوق. ولواعجه ارتمض واحترق وضرب لاعج أي : شديد ، يلعج الجلد أي : يحرقه ، وكذلك عوالجها جمع عالج ، يعني متلاطماتها ومتراكماتها.
    وفي الحديث : إنّ الدعاء ليلقي البلاء فيعتلجان إلى يوم القيامة. (2) يعني الدعاء في صعوده يلقي والبلاء في نزوله فيعتلجان.
    قال في الفائق ، أي : يضطرعان ويتدافعان. (3)
    وفي أساس البلاغة : اعتلج القوم اصطرعوا واقتتلوا ، ومن المستعار اعتلجت الأمواج. (4)
    وفي النهاية الأثيريّة : اعتلجت الأمواج إذا التطمت ، واعتلجت الأرض إذا طال نباتها ، وفي حديث الدعاء : «وما تحويه عوالج جمع عالج وهو ما تراكم من الرمل ودخل بعضه في بعض الرمال» هي. انتهى. (5)
    __________________
    1. نبراس الضياء : 31.
    2. وفي البحار عن فلاح السائل عن الكاظم عليه السّلام قال : إنّ الدعاء يستقبل البلاء ، فيتوافقان إلى يوم القيامة. البحار : 93 / 300.
    3. الفائق : 3 / 23.
    4. أساس البلاغة : ص 423.
    5. نهاية ابن الأثير : 3 / 286 ـ 287.

    (11) قوله عليه السلام : وملك
    اسم المكان ، ولا يخفينّ عليك أنّ الميم فيه وفيما هو الأصل فيه غير أصليّة بل زائدة ، فالأصل فيه ملاءك ، ولذلك يجمع على الملائك والملائكة ، نقلت حركة الهمزة إلى اللام ، ثمّ حذفت لكثرة الاستعمال فقيل : ملك.
    وقال بعضهم : بل أصله مألك بتقديم الهمزة من الألوك الرسالة ، فقلبت الهمزة مكان اللام ، ثمّ حذفت في كثرة الإستعمال للتخفيف فقيل : ملك ، وجمع على الملائكة. وقد يحذف الهاء فيقال : الملائك.
    (12) قوله عليه السلام : ورومان فتّان القبور
    رومان بضمّ الراء ، اسم ملك من ملائكة القبور ، وهو فعلان من الروم ، يقال : رامه يرومه روماً ، أي : قصده وطلبه ، وهو (1) روم له غير نوم عنه وما كان يروم أن يفعل كذا ، فرومته أنا أي : جعله يرومه ، ورايماً له وقاصداً إيّاه.
    وفتّان : إمّا من الفت بمعنى الكسر والدقّ والرضّ ، والألف والنون مزيدتان ، يقال : ألمّ بي كذا ، أو سمعت ما ألمّ بفلان فأوجع قلبي وفتّ كبدي ورضّ عظامي ، وإمّا من الفتنة بمعني الإمتحان والإختبار ، على صيغة فعّال من أبنية المبالغة.
    والنصب في رواية «س» على المدح ، أو بإضمار الفعل لإفادة الإختصاص ، أي : أعني.
    __________________
    1. في «ط» : وهم.

    قال الفيروزآبادي في القاموس : الفتّانان الدرهم والدينار ومنكر ونكير. (1)
    وقال ابن الأثير في النهاية : وفي حديث الكسوف : «وإنّكم تقتنون في القبور» ، يريد مسائلة منكر ونكير ، من الفتنة : الإمتحان والإختبار.
    وفتّان بالكسر على ما في الأصل صفة رومان.
    (13) قوله عليه السلام : الزبانية
    الزبانية مأخوذ من الزبن وهو الدفع ، وهم تسعة عشر ملكاً يدفعون أهل النار إليها ، وفي التنزيل الكريم : (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ). (2)
    (14) قوله عليه السلام : أوهمنا
    أي : تركنا ، وأوهمت الشيء : تركته ، وأوهم من الحساب مائة ، أي : أسقطها منه ، ومنه الحديث : أّنّه صلّى الله عليه وآله صلّى فأوهم في صلاته. أي : أسقط منها شيئاً ، ويقال : أوهمت في الكلام والكتاب إذا أسقطت منه شيئاً.
    قال الجوهري وغيره : أوهمت الشيء أي : تركته كلّه وتخلّعت منه جميعه. (3)
    (15) قوله عليه السلام : ومن منهم على الخلق
    لا يبعد أن يكون مراده صلوات الله وسلامه عليه من «من منهم على الخلق» الملائكة الذين هم من المجرّدات المحضة والمفارقات الصرفة.
    __________________
    1. القاموس : 4 / 255.
    2. سورة المدثّر : 30.
    3. الصحاح : 5 / 2054.

    والمعنى : أنّهم في عالم الأمر مشرفون على عالم الخلق ، فإنّ الملائكة حسب ما حقّق عند علماء الشريعة القويمة ضروب متخالفة وأنواع متباينة ، منها الجسمانيّات ، ومنها المفارقات الصرفة ، ومنها المجرّدات المتعلّقة بالجسمانيّات.
    وقد ذكر عليه السلام المجرّدات المتعلّقة بالجسمانيّات من قبل بالتوكيل على الأمطار والجبال وغيرها وبالسكون في الهواء والأرض والماء ، فذكر هنا المفارقات الصرفة.
    (16) قوله عليه السلام : كلّ نفس معها سائق
    نسخة الشهيد : «قائم» في الأصل ، وسائق في «س» وهو الموافق للتنزيل الكريم. (1)
    __________________
    1. سورة ق : 21.

    وكان من دعائه عليه السلام
    في الصلوة على اتباع الرسل ومصدّقيهم
    اَللَّهُمَّ وَأَتْبَاعُ الرُّسُلِ وَمُصَدِّقُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الاَرْضِ بِالْغَيْبِ عِنْدَ مُعَارَضَةِ الْمُعَـانِدينَ لَهُمْ بِالتَّكْذِيبِ وَالاشْتِيَاقِ إلَى الْمُرْسَلِينَ بِحَقائِقِ الايْمَانِ ، فِي كُلِّ دَهْر وَزَمَان أَرْسَلْتَ فِيْهِ رَسُولاً ، وَأَقَمْتَ لاهْلِهِ دَلِيلاً مِنْ لَدُنْ آدَمَ إلَى مُحَمَّد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِـهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُـدَى ، وَقَادَةِ أَهْـلِ التُّقَى عَلَى جَمِيعِهِمُ السَّلاَمُ ، فَاذْكُرْهُمْ مِنْكَ بِمَغْفِرَة وَرِضْوَان. اَللَّهُمَّ وَأَصْحَابُ مُحَمَّد خَاصَّةً الَّـذِينَ أَحْسَنُوا الصَّحَابَةَ ، وَالَّذِينَ أَبْلَوْا الْبَلاَءَ الْحَسَنَ فِي نَصْرِهِ ، وَكَانَفُوهُ ، وَأَسْرَعُوا إلَى وِفَادَتِهِ ، وَسَابَقُوا إلَى دَعْوَتِهِ ، واسْتَجَابُوا لَهُ حَيْثُ أَسْمَعَهُمْ حجَّةَ رِسَالاَتِهِ ، وَفَارَقُوا الازْوَاجَ وَالاوْلادَ فِي إظْهَارِ كَلِمَتِهِ ، وَقَاتَلُوا الاباءَ وَالابناءَ فِي تَثْبِيتِ نبُوَّتِهِ وَانْتَصَرُوا بهِ ، وَمَنْ كَانُوا مُنْطَوِينَ عَلَى مَحبَّتِهِ يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ فِي مَوَدَّتِهِ ، وَالّذينَ هَجَرَتْهُمُ العَشَائِرُ إذْ تَعَلَّقُوا

    بِعُرْوَتِهِ ، وَانْتَفَتْ مِنْهُمُ الْقَرَاباتُ إذْ سَكَنُوا فِي ظلِّ قَرَابَتِهِ ، فَلاَ تَنْسَ (1) لَهُمُ الّهُمَّ مَا تَرَكُوا لَكَ وَفِيكَ ، وَأَرْضِهِمْ مِنْ رِضْوَانِكَ ، وَبِمَا حَاشُوا الْخَلْقَ عَلَيْكَ ، (2) وَكَانُوا مَعَ رَسُولِكَ دُعَاةً لَكَ إلَيْكَ ، وَاشكُرْهُمْ عَلَى هَجْرِهِمْ فِيْكَ دِيَارَ قَوْمِهِمْ ، وَخُرُوجِهِمْ مِنْ سَعَةِ الْمَعَاشِ إلَى ضِيْقِهِ ، وَمَنْ كَثَّرْتَ فِي إعْزَازِ دِيْنِـكَ مِنْ مَظْلُومِهِمْ. (3) ألّهُمَّ وَأوْصِلْ إلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإحْسَان ، الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلاخْوَانِنَا الَّذِيْنَ سَبَقُونَا بِالاِيمَانِ خَيْرَ جَزَائِكَ ، الَّذِينَ قَصَدُوا سَمْتَهُمْ ، وَتَحَرَّوْا وِجْهَتَهُمْ ، وَمَضَوْا عَلى شاكِلَتِهِمْ ، لَمْ يَثْنِهِمْ (4) رَيْبٌ فِي بَصِيْرَتِهِمْ ، وَلَمْ يَخْتَلِجْهُمْ شَكٌّ فِي قَفْوِ آثَارِهِمْ ، وَالاِئْتِمَامِ بِهِدَايَةِ مَنَارِهِمْ ، مُكَانِفِينَ وَمُوَازِرِيْنَ لَهُمْ ، يَدِيْنُونَ بِدِيْنِهِمْ ، وَيَهْتَدُونَ بِهَدْيِهِمْ ، (5) يَتَّفِقُونَ عَلَيْهِمْ ، (6) وَلاَ يَتَّهِمُونَهُمْ فِيمَا أدَّوْا إلَيْهِمْ. ألَّلهُمَّ وَصَلِّ عَلَى التّابِعِيْنَ مِنْ يَوْمِنَا هَذا إلى يَوْم الدِّينِ ، وَعَلَى أزْوَاجِهِمْ، وَعَلَى ذُرِّيَّاتِهِمْ ، وَعَلَى مَنْ أَطَاعَكَ مِنْهُمْ صَلاْةً تَعْصِمُهُمْ بِهَا مِنْ مَعْصِيَتِكَ ، وَتَفْسَحُ لَهُمْ فِي رِيَاضِ جَنَّتِكَ ، وَتَمْنَعُهُمْ بِهَا مِنْ كَيْدِ الشَيْطَانِ ، وَتُعِينُهُمْ بِهَا عَلَى مَا اسْتَعَانُوكَ عَلَيْهِ مِنْ بِرٍّ ، وَتَقِيهِمْ طَوَارِقَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، إلاّ طَارِقاً يَطْرُقُ بِخَيْر وَتَبْعَثُهُمْ بِهَا عَلَى اعْتِقَادِ حُسْنِ الرَّجَـاءِ لَكَ ، وَالطَّمَعِ فِيمَا عِنْدَكَ ، وَتَرْكِ النُّهَمَةِ فِيمَا

    تَحْويهِ أيْدِي الْعِبَادِ ، لِتَرُدَّهُمْ إلَى الرَّغْبَةِ إلَيْكَ ، وَالرَّهْبَةِ مِنْكَ ، وَتُزَهِّدُهُمْ فِي سَعَةِ العَاجِلِ ، وَتُحَبِّبُ إلَيْهِمُ الْعَمَلَ لِلآجِلِ ، وَالاسْتِعْدَادَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، (7) وَتُهَوِّنَ عَلَيْهِمْ كُلَّ كَرْب يَحُلُّ بِهِمْ يَوْمَ خُـرُوجِ الانْفُسِ مِنْ أَبْدَانِهَا ، (Cool وَتُعَافِيَهُمْ مِمَّا تَقَعُ بِهِ الْفِتْنَةُ مِنْ مَحْذُورَاتِهَا ، وَكَبَّةِ النَّارِ (9) وَطُولِ الْخُلُودِ فِيهَا ، وَتُصَيِّرَهُمْ إلَى أَمْن (10) مِنْ مَقِيلِ الْمُتَّقِينَ. (11)

    هذا الدعاء [الدعاء الرابع] زائد في النسخ المعتبرة بأسرها ، وليس في نسخة الشهيد.
    (1) قوله عليه السلام : فلا تنس لهم
    النسيان بكسر النون خلاف الذكر والحفظ ، ورجل نسيان بفتح النون أي : كثير النسيان. والنسيان بالكسر أيضاً الترك ، ومنه قوله تعالى في التنزيل الكريم : (وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) (1).
    فإذا ريم بالنسيان هنا هذا المعنى الأخير فالأمر جليّ ، وإن اُريد به المعنى الأوّل ارتكب البناء على صيغة المشاكلة. أي : لا تعاملهم معاملة الناسين ولهم فيما تركوا لك وفيك.
    (2) قوله عليه السلام : حاشوا
    أي : جمعوا وضمّوا ، والحشى ما ضمّت عليه الضلوع ، قاله الجوهري (2) وغيره.
    (3) قوله عليه السلام : ومن كثرت في إعزاز دينك
    يجوز عطفه على ضمير الجمع وأشكرهم. أي : وشكر من كثرت في إعزاز دينك من مظلومهم ، على أن يكون مظلومهم متعلّقاً بالتكثير في كثرت.
    والمعنى : من كثرت مظلومهم في إعزاز دينك. ويحتمل أيضاً حينئذ أن يكون «من» بيانيّة لتبيين «من». والتقدير من كثرتهم من مظلومي الدعاة إليك مع رسولك في إعزاز دينك ، والحاصل تكثير إصابة الظلم إيّاهم في سبيل دينك.
    __________________
    1. سورة البقرة : 237.
    2. الصحاح : 6 / 2313.

    وأن يكون ابتدائيّة متعلّقة بالإعزاز ، والضمير المجرور عائد إلى «من» أي : من كثرتهم في إعزاز دينك ، الناشىء من قبل مظلومهم. ويختصّ ذلك على هذا التقدير بالمهاجرين.
    ويجوز أن يعطف على ضيقة ، ويراد بـ«من كثرت» على هذا الأنصار ، ويكون معناه واشكر خروجهم إلى من كثرتهم في إعزاز دينك. و «من» في هذه الصورة أيضاً يحتمل التبيين ، أي : خروج الدعاة المظلومين المهاجرين إلى من كثرتهم لإعزاز الدين وهم الأنصار. والإبتدائيّة على أن يكون المظلوم بمعنى البلد الذي لا رعي ولا مرعى فيه للدواب ، أو الأرض التي لم يعاهد للزرع فقط ، أعني : مكّة زادها الله تعالى شرفاً وتعظيماً.
    (4) قوله عليه السلام : لم يثنهم
    أي : لم يعطفهم ولم يزعجهم.
    (5) قوله عليه السلام : بهديهم
    بفتح الهاء واسكان الدال ، أي : بسيرتهم. يقال : هدى هدي فلان ، أي : سار سيرته ، وكذلك الهدي بكسر الهاء وتسكيل الدال ، يقال : خذ في هديتك بالكسر ، أي : فيما كتب فيه من الحديث أو العمل ولا تعدل عنه. ويقال أيضاً : نظر فلان هدية أمره ، جهة أمره. وفي الحديث «واهدوا هدي عمّار». (1) أي : سيروا بسيرته ، يروى بالفتح والكسر.
    (6) قوله عليه السلام : يتّفقون عليهم
    يتّفقون بإسكان التاء قبل الفاء المكسورة ، على ما في بعض نسخ الأصل : إمّا مخفّف يتّفقون على رواية «س» وهو مطاوع يوفقون.
    والإتّفاق افتعال من وفق يوفق ، والأصل الاوتفاق ، كالاتّعاد من الوعد والإتّقاد من الوقود ، قلبت الواو تاءاً ثمّ اُدغمت ، ثمّ كثرة الإستعمال أوهمت أنّ التاء أصليّة ، فبني منه تفق يتفق ، كسمع يسمع ، وذلك على ما ذهبت إليه الكوفيّون.
    __________________
    1. راجع نهاية ابن الأثير : 5 / 253.

    واختاره الجوهري في الإتّخاذ ، حيث ذكر أنّه افتعال من الأخذ ، إلّا أنّه أدغم بعد تبيين الهمزة وابداء التاء ، ثمّ لمّا كثر استعماله على لفظ الإفتعال توهّموا أنّ التاء أصليّة ، فبنوا منه فعل يفعل ، قالوا : تخذ يتّخذ. (1)
    ولذلك قرىء في قوله تعالى حكاية عمّا جرى بين موسى والخضر على نبيّنا وعليهم السلام (لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا) (2) وقراءة ابن كثير والبصريّان : (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا) كذا قرأه الباقون. فالتاء حينئذ في يتّفقون زائدة.
    وأمّا البصريّون وعلّامة زمخشر صاحب الكشّاف (3) وابن الأثير (4) ، فقد ذهبوا إلى أنّ اتّخذ افتعال من تخذ يتّخذ ، واُدغمت إحدى التائين في الاُخرى ، وليس من أخذ في شيء ، تمسّكاً بأنّ الإفتعال من أخذ يتّخذ ، لأنّ فاءها همزة ، والهمزة لا تدغم يفق.
    قلت : وليس يعجبني إلّا ما ذهب إليه الجوهري فمستنده غير حاف ، وضعف مستمسكهم عليه غير خفيّ. فإنّ الهمزة إنّما يمتنع إدغامها في التاء ما دامت همزة ، والجوهري وأصحابه لا يدغمونها إلّا بعد الإبدال كما ذكر.
    ثمّ الصواب في كسر الفاعل هذا أن يقال : لما جيئت التاء الأصليّة ، قيل : اتفق يتفق بفتح التاء فيهما مخفّفة ، وكسر الفاء في المضارع وفتحها في الماضي.
    وحيث أنّه ليس في لغة العرب ما يصحّ إلحاق ذلك به اعتبر بناء تفق يتفق منه مثل ضرب يضرب ، كما ذكر في اتّقي يتّقي أنّه لمّا كثر استعماله توهّموا التاء من جوهر الحرف ، فقالوا : اتقى يتقي بتخفيف التاء المفتوحة فيهما.
    وإذا لم يجدوا في كلامهم مثلاً ونظيراً يلحقونه به فلم يستصحّوه فحادوا عنه. قالوا : تقى
    __________________
    1. الصحاح : 2 / 561.
    2. سورة الكهف : 77.
    3. الكشّاف : 2 / 495.
    4. نهاية ابن الأثير : 1 / 183.

    يتقي مثل رمى يرمي وقضى يقضي ، ولذلك جعلوا بناء الإسم منه التقوى ، وبنوا فعل الأمر منه تق على التخفيف ، فاعتبروا التاء أصليّة واستغنوا عن الهمزة بحركة الحرف الثاني في المستقبل ، هذا على هذه الرواية.
    وأمّا يتقفون بتقديم القاف على الفاء ، كما يضبط في كثير من النسخ برواية «ش» فهو مطاوع يقفون ، والإتّقاف : افتعال من وقف يقف. وعلى رواية «ع» وفي نسخة علي بن السكون رحمهما الله تعالى «يقفون».
    (7) قوله عليه السلام : لما بعد الموت
    كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : وليكن همّك فيما بعد الموت. (1)
    ونظائر ذلك عنهم (2) نصوص في تجرّد النفس الإنسانيّة الباقية الحيّة بعد الموت البدني ، فإنّ المستعدّ يجب أن يبقي مع المستعدّ له لا محالة.
    (Cool قوله عليه السلام : يوم خروج الأنفس من أبدانها
    أي : من تدبير الأبدان وكلاءتها ، ومن اعتلاق الأجساد ورعايتها.
    (9) قوله عليه السلام : وكبّة النار
    إمّا بمعنى شدّة لهبها وأليم عذابها ، على إضافة الصفة إلى الموصوف.
    وإمّا المعنى بها الاكباب والانكباب على النار ، أو على الوجه فيها ، والإضافة تلبّسيّة. أو بتقدير «في» كما في سكنى الدار ودخول البلد.
    قال ابن الأثير في النهاية : الكبّة بالفتح ، شدّة الشيء ومعظمه ، وكبة النار : صدمتها. (3)
    وقال الجوهري في الصحاح : كبّه [الله] لوجهه ، أي : صرعه ، فأكبّ هو على وجهه. وهذا من النوادر أن يقال : أفعلت أنا وفعلت غيري. يقال : كبّ الله عدوّ المسلمين : ولا يقال : أكبّ. وكبكبه أي : كبّه ، ومنه قوله تعالى : (فَكُبْكِبُوا فِيهَا) (4).
    __________________
    1. نهج البلاغة : 378 في رسالته عليه السلام إلى عبد الله بن عبّاس.
    2. في «ن» منهم.
    3. نهاية ابن الأثير : 4 / 138.
    4. سورة الشعراء : 94.

    وأكبّ فلان على الأمر يفعله ، وانكبّ بمعنى [والكبّة بالضمّ جماعة من الخيل ، وكذلك الكبكبة] (1) والكبّة بالفتح : الدفعة في القتال والجري ، وكذلك كبّة الشتاء : شدّته ودفعته ، والكبّة أيضاً الزحام. (2)
    وفي النهاية الأثيريّة : فأكبّوا رواحلهم على الطريق. هكذا الرواية ، قيل : والصواب كبّوا ، أي : ألزموها الطريق. يقال : كببته فأكبّ ، وأكبّ الرجل يكبّ على عمل عمله إذا لزمه.
    وقيل : هو من باب حذف الجار وإيصال الفعل. المعنى جعلوها مكبّة على قطع الطريق ، أي : لازمة له غير عادلة عنه. وتكابّوا عليها ، أي : ازدحموا وهي تفاعلوا من الكبّة بالضمّ ، وهي الجماعة من الناس وغيرهم. هذا كلام النهاية. (3)
    قلت : أكبّه الله لمنخره وعلى منخره ولوجهه وعلى وجهه على التعدية ، متكرّر الورود جدّاً في أحاديث الخاصّة والعامّة. وعندي أنّ ما في الصحاح والنهاية لا زنة له في ميزان الصحّة ، ولا وزن له في كفّه الإستقامة.
    وحقّ التحقيق هناك ما في الكشّاف ، قال في تفسير قوله سبحانه : (أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ) (4) : يجعل أكبّ مطاوع كبّه ، ويقال : كببته فأكبّ من الغرائب والشواذ ونحوه قشعت الريح السحاب فأقشع ، وما هو كذلك. ولا شيء من بناء أفعل مطاوعاً ، ولا يتقن نحو هذا إلّا حملة كتاب سيبويه.
    وإنّما أكبّ من باب أنفض أو ألام ، معناه دخل في الكبّ وصار ذا كبّ ، وكذلك أقشع السحاب دخل في القشع ، ومطاوع كبّ وقشع انكبّ وانقشع. انتهى كلامه. (5)
    فإذن الهمزة في أكبّ يصحّ أن تكون همزة الصيرورة ، أو همزة الدخول. وحينئذ يكون لازماً من غير أن يكون مطاوع كبّه. ويصحّ أن يكون للتعدية ، وحينئذ يكون كبّه وأكبّه
    __________________
    1. هذه الزيادة لم توجد في المصدر.
    2. الصحاح : 1 / 207 ـ 208.
    3. نهاية ابن الأثير : 4 / 138.
    4. سورة الملك : 22.
    5. الكشّاف : 4 / 139.

    بمعنى.
    وعلى هذا يستقيم كلام القاموس : كبّه قلبه وصرعه ، كأكبّه وكبكبه وهو لازم متعدّ ، وأكبّ عليه أقبل ولزم فانكبّ. (1)
    ومثل ذلك في الإستقامة قول مجمل اللغة : كببته لوجهه كبّاً ، وأكبّ فلان على الشيء يعمله. (2)
    وقال الراغب في المفردات : الكبّ إسقاط الشيء على وجهه ، قال تعالى : (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) (3) والاكباب جعل وجهه مكبوباً على العمل ، فقال : (أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ) (4) والكبكبة تدهور الشيء في هوّة ، قال الله تعالى : (فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ) (5) انتهى قوله. (6)
    قلت : معنى مكبّاً على التحقيق أنّه يدخل في الكبّ ويعثر كلّ ساعة ويخرّ على وجهه ، لوعورة الطريق واختلاف أحواله ، فليعلم.
    (10) قوله عليه السلام : إلى أمنٍ
    المراد بالأمن العلم بزوال ما كان المتّقون يخافونه.
    (11) قوله عليه السلام : من مقيل المتّقين
    القايلة الظهيرة ، وقد يكون بمعنى القيلولة أيضاً ، وهي النوم في الظهيرة. يقال : قال يقيل قيلولة وقيلاً ومقيلاً فهو قايل ، والقيلولة الإستراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم. والمقيل أيضاً موضع القايلة ، وهو المراد هاهنا. (7)
    __________________
    1. القاموس : 1 / 121.
    2. مجمل اللغة : 3 / 766.
    3. سورة النمل : 90.
    4. سورة الملك : 22.
    5. سورة الشعراء : 94.
    6. مفردات الراغب : 420.
    7. في «ن» : وهو المعنى بها.

    5
    وكان من دعائه عليه السلام لنفسه ولاهل ولايته
    يا مَنْ لا تَنْقَضِي عَجَائِبُ عَظَمَتِهِ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاحْجُبْنَا عَنِ الالْحَادِ فِي عَظَمَتِكَ ، وَيَا مَنْ لاَ تَنْتَهِي مُدَّةُ مُلْكِهِ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِـهِ ، وَأَعْتِقْ رِقَابَنَا مِنْ نَقِمَتِك ، وَيَا مَنْ لا تَفْنَى خَزَائِنُ رَحْمَتِهِ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاجْعَلْ لَنا نَصِيباً فِي رَحْمَتِكَ ، وَيَا مَنْ تَنْقَطِعُ دُونَ رُؤْيَتِهِ الابْصَارُ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَأَدْنِنَا إلَى قُرْبِكَ ، وَيَا مَنْ تَصْغُرُ عِنْدَ خَطَرِهِ الاخْطَارُ ، (1) صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَكَرِّمْنَا عَلَيْكَ ، وَيَا مَنْ تَظْهَرُ عِنْدَهُ بَوَاطِنُ الاخْبَارِ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَالِهِ وَلاَ تَفْضَحْنَا لَدَيْكَ. اللَّهُمَّ أَغْنِنَا عَنْ هِبَةِ الْوَهَابِيْنَ بِهِبَتِكَ ، (2) وَاكْفِنَا وَحْشَةَ الْقَاطِعِين بِصِلَتِكَ ، حَتّى لا نَرْغَبَ إلَى أحَد مَعَ بَذْلِكَ ، وَلاَ نَسْتَوْحِشَ مِنْ أحَد مَعَ فَضْلِكَ. اللهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَكِدْ لَنَا وَلا تَكِدْ عَلَيْنَا ، وَامْكُرْ لَنَا وَلاَ تَمْكُرْ بنَا ، (3) وَأدِلْ لَنَا وَلاَ تُدِلْ مِنّا. (4) اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَ

    قِنَا مِنْكَ ، وَاحْفَظْنَا بِكَ ، وَاهْدِنَا إلَيْكَ ، وَلاَ تُبَاعِدْنَا عَنْكَ إنّ مَنْ تَقِهِ يَسْلَمْ ، وَمَنْ تَهْدِهِ يَعْلَمْ ، وَمَنْ تُقَرِّبُهُ إلَيْكَ يَغْنَمْ. الّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاكْفِنَا حَدَّ نَوائِبِ الزَّمَانِ ، وَشَرَّ مَصَائِدِ الشّيطانِ ، وَمَرَارَةَ صَوْلَةِ السُّلْطَانِ. اللّهُمَّ إنَّما يَكْتَفِي الْمُكْتَفُونَ بِفَضْـل قُوَّتِكَ ، فَصَلِّ عَلَى محَمَّد وَآلِهِ وَاكْفِنَا وَإنَّمَا يُعْطِي الْمُعْطُونَ مِنْ فَضْلِ جِدَتِكَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأعْطِنَا ، وَإنمَا يَهْتَدِي الْمُهْتَدُونَ بِنُورِ وَجْهِكَ ، فَصَلِّ عَلَى محمّد وَآلِهِ وَاهْدِنَا. اللّهُمَّ إنّكَ مَنْ وَالَيْتَ لَمْ يَضْرُرْهُ خِذْلانُ الْخَاذِلِينَ ، وَمَنْ أعْطَيْتَ لَمْ يَنْقُصْهُ مَنْـعُ الْمَانِعِينَ ، وَمَنْ هَدَيْتَ لَمْ يُغْوِهِ إضْلاَلُ المُضِلِّيْنَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَامْنَعْنَا بِعِزَّكَ مِنْ عِبَادِكَ ، وَأغْنِنَا عَنْ غَيْرِكَ بِإرْفَادِكَ ، وَاسْلُكْ بِنَا سَبِيلَ الْحَقِّ بِـإرْشَادِكَ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِـهِ وَاجْعَلْ سَلاَمَةَ قُلُوبِنَا فِي ذِكْرِ عَظَمَتِكَ وَفَرَاغَ أبْدَانِنَا فِي شُكْرِ نِعْمَتِكَ ، وَانْطِلاَقَ أَلْسِنَتِنَا فِي وَصْفِ مِنَّتِكَ. أللَهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاجْعَلْنَا مِنْ دُعَاتِكَ الدّاعِينَ إلَيْكَ ، وَهُدَاتِكَ الدَّالّينَ عَلَيْكَ وَمِنْ خَاصَّتِكَ الْخَاصِّينَ لَدَيْكَ ، يَا أرْحَمَ ألرَّاحِمِينَ.

    (1) قوله عليه السلام : عند خطرة الأخطار
    خطر الرجل قدره ومنزلته ، والخطر أيضاً الخوف والإشراف على الهلاك ، والمعنيان محتملان في قوله هذا عليه السلام.
    قال الجوهري : الخطر الإشراف على الهلاك ، والخطر السبق الذي يتراهن عليه ، وخاطره على كذا ، وخطر الرجل أيضاً قدره ومنزلته. (1)
    وذكر ابن الأثير الخطر بمعنى العوض والمثل ، وبمعنى الحظّ والنصيب أيضاً. (2)
    فإن اُريد هاهنا الخطر بمعنى القدر كان إضافته إلى الضمير المجرور العائد إلى الله سبحانه إضافة معنويّة حقيقيّة بتقدير اللام. وإن اُريد إحدى المعاني الاُخر كانت الإضافة تبينيّة وبتقدير «من» الإبتدائيّة.
    أي : الذي تصغر المخاطر المهلكة ، أو النعم والحظوط والقسوط التي من قبل غيره تعالى عند المخاطر المهلكات ، أو النعم والحظوط والقسوط التي من عنده جلّ سلطانه ومن لدنه سبحانه.
    (2) قوله عليه السلام : أغننا عن هبة الوهّابين
    ربما يقال : هبو الواهبين أشمل ؛ لكون الوهّابينّ أقل منهم لما يؤخذ في صيغة المبالغة من زيادة المواهب.
    والحقّ أنّ الاستغناء عن هبة الوهّابين أشمل لأفراد الغنى ، فإنّ الوهّاب يكون أكثر
    __________________
    1. الصحاح : 2 / 648.
    2. نهاية ابن الأثير : 2 / 46.

    مواهب من الواهب ، فقلّ ما يستغنى عنه من استغنى عن الواهب ، فطلب الغنى من الوهّابين أبلغ وأشمل لأفراد (1) الغنى. كما لا يخفى.
    (3) قوله عليه السلام : وامكر لنا ولا تمكر بنا
    أي : عامل أعداءنا الماكرين بنا معاملة المماكرين.
    (4) قوله عليه السلام : وأدل لنا ولا تدل منّا
    الدولة بالضمّ ما يتداول من المال ، يقال : صار الفيء دولة بينهم يتداولونه ، يكون مرّة لهذا ومرّة لهذا ، فالدولة بالضمّ أيضاً إسم الشيء الذي يتداول بعينه. والدولة ـ بالفتح ـ الفعل ، وقيل : الدولة والدولة لغتان بمعنى.
    وقيل : الدولة بالضمّ المال ، والدولة بالفتح في الحرب ، وهي أن تدل إحدى الفئتين على الاُخرى ، يقال : كان لنا عليهم الدولة. والجمع الدول بكسر الدال وفتح الواو. والأدالة الغلبة ، ودالت عليه الأيّام أي : دارت. والله يداولها بين الناس.
    وربّما يقال : الدولة ـ بالفتح ـ الإنتقال من حال الشدّة إلى حال الرخاء ، والجمع الدول بالكسر. والدول ـ بالضم ـ ما تداولته الأيدي ، والجمع الدول بضمّ الدال وفتح الواو. والمراد إجعل لنا الدولة ، ولا تنقلها منّا إلى غيرنا.
    __________________
    1. في «س» : أفراد.

    6
    وكان من دعائه عليه السلام عند الصباح والمساء
    أَلْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ بِقُوَّتِهِ ، وَمَيَّزَ بَيْنَهُمَا بِقُدْرَتِهِ ، وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا حَدّاً مَحْدُوداً ، وَأَمَداً مَمْدُوداً ، يُولِجُ كُلَّ وَاحِد مِنْهُمَا فِي صَاحِبِهِ ، وَيُولِجُ صَاحِبَهُ فِيهِ (1) بِتَقْدِير مِنْهُ لِلْعِبَادِ فِيمَا يَغْـذُوهُمْ بِـهِ ، وَيُنْشئُهُمْ عَلَيْـهِ فَخَلَقَ لَهُمُ اللَّيْـلَ لِيَسْكُنُوا فِيْهِ مِنْ حَرَكَاتِ التَّعَبِ ، وَنَهَضَاتِ (2) النَّصَبِ ، وَجَعَلَهُ لِبَاساً لِيَلْبَسُوا مِنْ رَاحَتِهِ وَمَنَامِهِ ، فَيَكُونَ ذَلِكَ جَمَاماً (3) وَقُوَّةً ، وَلِيَنَالُوا بِهِ لَذَّةً وَشَهْوَةً ، وَخَلَقَ لَهُمُ النَّهارَ مُبْصِراً لِيَبْتَغُوا فِيهِ مِنْ فَضْلِهِ وَلِيَتَسَبَّبُوا إلَى رِزْقِهِ ، وَيَسْرَحُوا فِي أَرْضِهِ ، طَلَباً لِمَا فِيـهِ نَيْلُ الْعَاجِلِ مِنْ دُنْيَاهُمْ ، وَدَرَكُ الاجِلِ فِيْ اُخْريهُمْ بِكُلِّ ذلِكَ يُصْلِحُ شَأنَهُمْ ، وَيَبْلُو أَخْبَارَهُمْ ، (4) وَيَنْظُرُ كَيْفَ هُمْ فِي أَوْقَاتِ طَاعَتِـهِ ، وَمَنَازِلِ فُـرُوضِهِ ، وَمَوَاقِعِ أَحْكَامِهِ ، (5) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى. اللَّهُمَّ فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا فَلَقْتَ لَنَا مِنَ الإصْبَاحِ ،

    وَمَتَّعْتَنَا بِهِ مِنْ ضَوْءِ النَّهَارِ ، وَبَصَّرْتَنَا مِنْ مَطَالِبِ الاقْوَاتِ ، وَوَقَيْتَنَا فِيهِ مِنْ طَوارِقِ الآفاتِ ، أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَتِ الاَشْياءُ كُلُّهَا بِجُمْلَتِهَا لَكَ : سَمَاؤُها وَأَرْضُهَا ، وَمَا بَثَثْتَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، سَاكِنُهُ وَمُتَحَرِّكُهُ ، وَمُقِيمُهُ وَشَاخِصُهُ ، وَمَا عَلا فِي الْهَواءِ ، وَمَا كَنَّ تَحْتَ الثَّرى. أَصْبَحْنَا فِي قَبْضَتِكَ يَحْوِينَا مُلْكُكَ وَسُلْطَانُكَ ، وَتَضُمُّنَا مَشِيَّتُكَ ، وَنَتَصَرَّفُ عَنْ أَمْرِكَ ، وَنَتَقَلَّبُ فِيْ تَدْبِيرِكَ ، لَيْسَ لَنَا مِنَ الامْرِ إلاّ مَا قَضَيْتَ ، وَلا مِنَ الْخَيْـرِ إلا مَـا أَعْطَيْتَ ، وَهَذَا يَوْمٌ حَادِثٌ جَدِيدٌ ، وَهُوَ عَلَيْنَا شَاهِدٌ عَتِيدٌ ، إنْ أحْسَنَّا وَدَّعَنَا بِحَمْد ، وَإِنْ أسَأنا فارَقَنا بِذَمّ. اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى مُحَمَد وَآلِـهِ ، وَارْزُقْنَـا حُسْنَ مُصَاحَبَتِهِ ، وَاعْصِمْنَا مِنْ سُوْءِ مُفَارَقَتِهِ بِارْتِكَابِ جَرِيرَة ، أَوِ اقْتِرَافِ صَغِيرَة أوْ كَبِيرَة ، وَأجْزِلْ لَنَا فِيهِ مِنَ الْحَسَناتِ ، وَأَخْلِنَا فِيهِ مِنَ السَّيِّئاتِ ، وَامْلا لَنَا مَا بَيْنَ طَرَفَيْهِ حَمْداً وَشُكْراً وَأجْراً وَذُخْراً وَفَضْلاً وَإحْسَاناً. اللَّهُمَّ يسِّرْ عَلَى الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ مَؤُونَتَنَا ، وَامْلا لَنَا مِنْ حَسَنَاتِنَا صَحَائِفَنَا ، (6) وَلاَ تُخْزِنَا عِنْدَهُمْ بِسُوءِ أَعْمَالِنَا. اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَنَا فِي كُلِّ سَاعَة مِنْ سَاعَاتِهِ حَظّاً مِنْ عِبَادِكَ ، وَنَصِيباً مِنْ شُكْرِكَ ، وَشَاهِدَ صِدْق مِنْ مَلائِكَتِكَ. أللَّهَّمَ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاحْفَظْنَا مِنْ بَيْنِ أيْدِينَا وَمِنْ خَلْفِنَا ، وَعَنْ أيْمَانِنَا وَعَنْ شَمَائِلِنَا ، وَ

    مِنْ جَمِيْعِ نَوَاحِيْنَا ، حِفْظاً عَاصِماً مِنْ مَعْصِيَتِكَ ، هَادِياً إلَى طَاعَتِكَ ، مُسْتَعْمِلاً لِمَحَبَّتِكَ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَوَفِّقْنَا فِي يَوْمِنَا هذا ولَيْلَتِنَا هذِهِ ، وَفِي جَمِيعِ أيّامِنَا لاسْتِعْمَالِ الْخَيْرِ ، وَهِجْـرَانِ الشَرِّ ، وَشُكْـرِ ألنِّعَمِ ، وَاتّبَـاعِ السُّنَنِ ، وَمُجَانَبَةِ البِدَعِ ، وَالأمْرِ بِـالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَحِياطَةِ الإسْلاَمِ (7) وَانْتِقَاصِ الْبَاطِلِ وَإذْلالِهِ ، وَنُصْرَةِ الْحَقِّ وَإعْزَازِهِ ، وَإرْشَادِ الضَّالِّ ، وَمُعَاوَنَةِ الضَّعِيفِ ، وَإدْرَاكِ اللَّهِيْفِ. (Cool اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاجْعَلْهُ أيْمَنَ يَوْم عَهِدْنَاهُ ، وَأَفْضَلَ صَاحِب صَحِبْنَاهُ ، وَخَيْرَ وَقْت ظَلِلْنَا فِيْهِ ، (9) وَاجْعَلْنَا مِنْ أرْضَى مَنْ مَرَّ عَلَيْهِ اللَّيْـلُ وَالنَّهَارُ مِنْ جُمْلَةِ خَلْقِكَ ، وأَشْكَـرَهُمْ لِمَا أوْلَيْتَ مِنْ نِعَمِكَ ، وَأقْوَمَهُمْ بِمَـا شَرَعْتَ مِنْ شَرَائِعِكَ ، وَأَوْقَفَهُمْ عَمَّا حَذَّرْتَ مِنْ نَهْيِكَ. اللَهُمَّ إنِّي اشْهِدُكَ وَكَفَى بِكَ شَهِيداً ، وَاُشْهِدُ سَمَاءكَ وَأَرْضَكَ وَمَنْ أَسْكَنْتَهُما مِنْ مَلائِكَتِـكَ وَسَائِرِ خَلْقِكَ فِي يَوْمِي هَذَا وَسَاعَتِي هَذِهِ وَلَيْلَتِي هَذِهِ وَمُسْتَقَرِّي هَذَا ، أنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أنْتَ اللهُ الِذَّي (10) لاَ إلهَ إلاّ أَنْتَ ، قَائِمٌ بِـالْقِسْطِ ، عَدْلٌ فِي الْحُكْم ، رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ، مَالِكُ المُلْكِ ، رَحِيمٌ بِالْخَلْقِ ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ ، وَخِيرَتُكَ مِنْ خَلْقِكَ ، حَمَّلْتَهُ رِسَالَتَكَ فَأدَّاهَا وَأَمَرْتَهُ بالنُّصْحِ لِاُمَّتِهِ ، فَنَصَحَ لَهَا. اللَّهُمَّ

    فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، أكْثَرَ مَا صَلَّيْتَ عَلَى أَحَد مِنْ خَلْقِكَ ، وَآتِهِ عَنَّا أَفْضَلَ مَا آتَيْتَ أَحَداً مِنْ عِبَادِكَ ، وَاجْزِهِ عَنَّا أَفْضَلَ وَأكْرَمَ مَا جَزَيْتَ أَحَداً مِنْ أَنْبِيائِـكَ عَنْ أمَّتِهِ ، إنَّـكَ أَنْتَ الْمَنَّانُ بِالْجَسِيمِ ، الْغَـافِر لِلْعَظِيمِ ، (11) وَأَنْتَ أَرْحَمُ مِنْ كُلِّ رَحِيم فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ الأَخْيَارِ الانْجَبِينَ.

    (1) قوله عليه السلام : يولج كلّ واحد منهما في صاحبه
    وذلك في كلّ اُفق بعينه من الآفاق المايلة ، ولكن في الأوقات المختلفة المنتاظرة السنويّة من جهة اختلاف القسيّ النهاريّة والقسيّ الليليّة ، بحسب اختلافات النهار والليالي في المدارات الجنوبيّة والشماليّة.
    وأمّا إيلاج صاحبه أيضاً فيه حين ما يولجه في صاحبه ، فذلك أيضاً :
    إمّا في وقت واحد بعينه وفي اُفق واحد بعينه ، ولكن بالقياس إلى بلدين متقاطرين متّفقي العرض مختلفي الجهة من البلاد المتقاطرة المختلفة بالشماليّة والجنوبيّة. إذ البلدان المتقاطران متّحدان في اُفق واحد بعينه على اختلاف الجهة.
    وإمّا في وقت واحد ، لكن لا بحسب اُفق واحد بل بالقياس إلى الآفاق المختلفة العرض. وفي الأوّل زيادة تعميم ولطافة تدقيق فليفقه.
    ولعلّ في قوله عليه السلام إشارة قدسيّة إلى أنّ المعنيّ بقول الله العزيز العليم في تنزيله الحكيم الكريم : (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ) (1) سبيل هذه الحكمة الدقيقة المتينة المتكرّرة من الجنبتين على شاكلة واحدة. والله سبحانه أعلم برموز وحيه وبطون كتابه ، فليتبصّر.
    (2) قوله عليه السلام : نهضات
    نهضه الأمر : غلبه وبلغ به المشقّة.
    __________________
    1. سورة الحجّ : 61.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الصحيفه السجاديه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الصحيفه السجاديه كامله   الصحيفه السجاديه كامله Emptyأمس في 20:16

    3 قوله عليه السلام : جماماً
    الجمام ـ بفتح الجيم ـ الراحة ، يقال : جمّ الفرس جمّاً وجماماً إذا ذهب أعباؤه.
    4 قوله عليه السلام : ويبلوا أخبارهم
    وفي خ «لش» ويبلو بالنصب ، نصبه للإتقباس من القرآن الكريم (1) على سبيل الحكاية ، وإثبات الألف بعد الواو على رسم الخطّ.
    5 قوله عليه السلام : ومنازل فروضه ومواقع أحكامه
    بفتح اللام وكسرها ، وكذلك بفتح العين وكسرها ، والفتح أولى في الموضعين.
    6 قوله عليه السلام : وأملأ لنا من حسناتنا صحائفنا
    والرواية : واملأ لنا صحائفنا من حسناتنا.
    7 قوله عليه السلام : وحياطة الإسلام
    حفظه من جميع جوانبه.
    8 قوله عليه السلام : إدراك اللهيف
    أي : المضطرّ ، والملهوف المظلوم ، واللهاف المتحسّر ، ولهف بالكسر حزن وتحسّر. قاله الجوهري. (2)
    __________________
    1. وهو سورة محمّد : 31.
    2. الصحاح : 4 / 1428.

    (9) قوله عليه السلام : وخير وقت ظللنا فيه
    قال الجوهري : ظللت أعمل كذا بالكسر ظلولاً : إذا عملته بالنهار دون الليل. (1) والذي أحفظه ظللت أعمل كذا ، أي : لا زلت أعمله. وكذلك في قوله عزّ من قائل : (فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ). (2)
    (10) قوله عليه السلام : إنّك أنت الله الذي ...
    لفظ «الذي» ليست في نسخة «كف» ، والذي بخطّ «كف» : أنت الله لا إله إلّا أنت ، قائماً بالقسط ، عادلاً بالحكم ، (3) رؤوفاً بالعباد ، مالكاً للملك ، رحيماً بالخلق.
    (11) قوله عليه السلام : أنت المنّان بالجسيم الغافر للعظيم
    في رواية «س» : الغافر بالنصب ، نصبه على المدح.
    الإلمام النزول ، يقال : ألمّ بي كذا ، أي : نزل عليّ واحتفّ بي.
    __________________
    1. الصحاح : 5 / 1756.
    2. سورة الشعراء : 4.
    3. في «س» في الحكم.

    7
    وكان من دعائه عليه السلام
    إذا عرضت له مهمة اَوْ نزلت به ملمّة وعند الكرب
    يَا مَنْ تُحَلُّ بِهِ عُقَدُ الْمَكَارِهِ ، وَيَا مَنْ يُفْثَأُ بِهِ حَدُّ الشَّدَائِدِ ، وَيَا مَنْ يُلْتَمَسُ مِنْهُ الْمَخْرَجُ إلَى رَوْحِ الْفَرَجِ ، ذَلَّتْ لِقُدْرَتِـكَ الصِّعَابُ وَتَسَبَّبَتْ بِلُطْفِكَ الاسْبَابُ ، وَجَرى بِقُدْرَتِكَ الْقَضَاءُ ، وَمَضَتْ عَلَى إرَادَتِكَ الاشْياءُ ، فَهْيَ بِمَشِيَّتِكَ دُونَ قَوْلِكَ مُؤْتَمِرَةٌ ، وَبِإرَادَتِكَ دُونَ نَهْيِكَ مُنْزَجِرَةٌ ، أَنْتَ الْمَدْعُوُّ لِلْمُهِمَّاتِ ، وَأَنْتَ الْمَفزَعُ فِي الْمُلِمَّاتِ ، لاَيَنْدَفِعُ مِنْهَا إلاّ مَا دَفَعْتَ ، وَلا يَنْكَشِفُ مِنْهَا إلاّ مَا كَشَفْتَ ، وَقَدْ نَزَلَ بِي يا رَبِّ (1) مَا قَدْ تَكَأدَنيَّ (2) ثِقْلُهُ ، وَأَلَمَّ بِي مَا قَدْ بَهَظَنِي (3) حَمْلُهُ ، وَبِقُدْرَتِكَ أَوْرَدْتَهُ عَلَيَّ ، وَبِسُلْطَانِكَ وَجَّهْتَهُ إليَّ ، فَلاَ مُصْدِرَ لِمَا أوْرَدْتَ وَلاَ صَارِفَ لِمَا وَجَّهْتَ ، وَلاَ فَاتِحَ لِمَا أغْلَقْتَ ، وَلاَ مُغْلِقَ لِمَا فَتَحْتَ ، وَلاَ مُيَسِّرَ لِمَا عَسَّرْتَ ، وَلاَ نَاصِرَ لِمَنْ خَذَلْتَ ، فَصَلَّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَافْتَحْ لِي يَا رَبِّ بَابَ الْفَرَجِ بِطَوْلِكَ ، وَاكْسِرْ

    عَنِّيْ سُلْطَانَ الْهَمِّ بِحَوْلِكَ ، وَأَنِلْيني حُسْنَ ألنَّظَرِ فِيمَا شَكَوْتُ ، وَأذِقْنِي حَلاَوَةَ الصُّنْعِ فِيمَا سَاَلْتُ ، وَهَبْ لي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَفَرَجاً هَنِيئاً ، وَاجْعَلْ لِي مِنْ عِنْدِكَ مَخْرَجاً وَحِيّاً ، (4) وَلا تَشْغَلْنِي بالاهْتِمَامِ (5) عَنْ تَعَاهُدِ فُرُوضِكَ ، وَاسْتِعْمَالِ سُنَّتِكَ ، فَقَدْ ضِقْتُ (6) لِمَا نَزَلَ بِي يَا رَبِّ ذَرْعاً ، (7) وَامْتَلاتُ بِحَمْلِ مَا حَـدَثَ عَلَيَّ هَمّاً ، وَأنْتَ الْقَادِرُ عَلَى كَشْفِ مَا مُنِيتُ بِهِ ، وَدَفْعِ مَا وَقَعْتُ فِيهِ ، فَافْعَلْ بِي ذلِـكَ ، وَإنْ لَمْ أَسْتَوْجِبْهُ مِنْكَ ، يَا ذَا العَرْشِ الْعَظِيمَ. (Cool [وَذَا الْمَنِّ الْكَريمِ ، فَاَنْتَ قادِرٌ يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ ، آمينَ رَبَّ الْعالَمينَ.]

    (1) قوله عليه السلام : يا ربّ
    يجوز ذلك في النداء على خمسة أوجه في كلّ دعاء : يا ربّ بكسر الباء الموحّدة وإسقاط المضاف إليه ، وهو الياء المثنّاة من تحت للمتكلّم. يا ربّي بإسكان ياء المتكلّم. يا ربّاه بالهاء الساكنة للسكت وقفاً ووصلاً. يا ربّي بفتح الياء للمتكلّم. يا ربّ برفع الموحّدة للمناداة المفرد المعرفة.
    (2) قوله عليه السلام : تكأدني
    معاً ، أي : بفتح الهمزة المشدّدة بعد الكاف على التفعّل ، أو بتخفيف الهمزة المفتوحة بعد الألف الممدودة بين الكاف والدال على التفاعل من الكؤودة ، وهي الصعوبة والشدّة والمشقّة.
    وكذلك الكؤونة بالنون ، والكآبة بالباء الموحّدة جميعاً بالهمزة بعد الكاف بمعنى الشدّة ، والكؤود بفتح الكاف على صيغة فعول ، العقبة الصعبة المصعد.
    قال علّامة زمخشر في الفائق : روى أبو الدرداء أنّ بين أيدينا عقبة كؤوداً لا يجوزها إلّا المخفّ. الكؤود مثل الصعود وهي الصعبة ، ومنها تكأده الأمر وتصعّده ، إذا شقّ عليه وصعب ، وكأد وكأب وكأنّ ثلاثتها في معنى الشدّة والصعوبة ، يقال : كأبت إذا اشتدّت ، عن أبي عبيد والكآبة شدة الحزن.
    أخفّ الرجل إذا خفّت حاله ورقّت ، وكان قليل الثقل في سفره وحضره.
    وعن مالك بن دينار أنّه وقع الحريق في دار كان فيها ، فاشتغل الناس بالأمتعة وأخذ مالك عصاه وجراباً كان له ووثب فجاوز الحريق وقال : فاز المخفّون. ويقال : أقبل فلان

    مخفّاً. (1)
    وقال ابن الأثير في النهاية : في حديث الدعاء «ولا يتكأدك عفو عن مذنب» أي : يصعب عليك ويشقّ ، ومنه العقبة الكؤود ، أي : الشاقّة. ومنه حديث أبي الدرداء «أنّ بين أيدينا عقبة كؤوداً لا يجوزها إلّا الرجل المخفّ».
    ومنه حديث علي عليه السلام : «وتكأدنا ضيق المضجع». أي : صعب علينا وثقل وشقّ. (2)
    وفي صحاح الجوهري : عقبة كؤود : شاقّة المصعد وتكأدني [الشيء] وتكاءدني ، أي : شقّ عليّ تفعّل وتفاعل بمعنى. انتهى. (3)
    وأمّا تكادّني بتشديد الدال بعد الألف على إدغام الهمزة في الدال ، أو على التفاعل من الكدّ ، وهو الجهد والشدّة في العمل ، فتصحيف واسناده إلى خ «لش» إختلاق ، ونسخته بخطّه (قدّس الله تعالى لطيفه) عندي ، وهو صفر عرو عن ذلك أصلاً وهامشاً.
    (3) قوله عليه السلام : بهظني
    بالظاء في الأصل ، وبالضاد «كف». وكلاهما بمعنى واحد ، وما في الأصل أشهر.
    قال في القاموس : بهضني الأمر كمنع وأبهضني ، أي : فدحني وبالظاء أكثر. (4)
    (4) قوله عليه السلام : وحيّاً
    على فعيل ، أي : سريعاً قريباً من الوحى والوحاء بالمدّ ، بمعنى السرعة والإسراع.
    قال في المغرب : الإيحاء والوحي إعلام من خفاء ، وعن الزجّاج الإيماء يسمّى وحياً ، يقال : أوحى الله إليه ووحى بمعنى أومأ ، والوحى بالقصر والمدّ السرعة. ومنه موت
    __________________
    1. الفائق : 3 / 241.
    2. نهايو ابن الأثير : 4 / 137.
    3. الصحاح : 1 / 526.
    4. القاموس : 2 / 325.

    وحي وزكاة وحيّة سريعة ، والقتل بالسيف أوحى ، أي : أسرع ، وقولهم : السم يقتل إلّا أنّه لا يوحى صوابه بحيّ ، من وحى الذبيحة إذا ذبحها ذبحاً وحياً ، ولا يقال : أوحى. انتهى كلامه.
    ويقال : استوحاه استيحاءاً إذا استلهمه واستفهمه ، وكذلك إذا حرّكه واستسرعه وهيّجه وعجّله ، ووحاه توحية ، إذا عجّله وعجّل فيه تعجيلاً.
    وفي مجمل اللغة : الوحى بالقصر أيضاً الصوت ، ويقال : استوحيناهم ، أي : استصرخناهم. (1)
    (5) قوله عليه السلام : ولا تشغلني بالإهتمام
    افتعال من الهمّ بمعنى الحزن والغمّ ، لا من همّ بالأمر بمعنى قصده ، ولا من الهميم بمعنى الذبيب.
    قال في المغرب : همّ الشحم فانهمّ ، أي : أذابه فذاب. وقوله في الطلاق : كلّ من همّه أمر استوى جالساً فاستوفر الصواب أهمّه ، يقال : أهمّه الأمر إذا أقلقه وأحزنه ، ومنه قولهم : همّك ما أهمّك ، أي : أذابك ما أحزنك. ومنه قيل للمحزون المغموم : مهموم.
    والهمّ بالكسر : الشيخ الفاني من الهمّ الأذابة ، أو من الهميم الذبيب.
    وهمّ بالأمر قصده ، والهمّ واحد الهموم ، وهو ما يشغل القلب من أمر يهمّ. ومنه اتّقوا الدين فإنّ أوّله همّ وآخره حرب ، هكذا حكاه الأزهري عن ابن شميل.
    والحرب : بفتحتين أن يؤخذ ماله كلّه. وروي حزن ، وهو غمّ يصيب الإنسان من فوات المحبوب. والهميم الذبيب ، ومنه الهامة من الدوابّ ، ما يقتل من ذوات السموم ، كالعقارب والحيّات ، انتهى كلامه.
    والمعنى : ولا تشغلني بالهمّ والغمّ عن المحافظة على وظائف الفرائض واسباغها على
    __________________
    1. مجمل اللغة : 3 / 919.

    الوجه الأتمّ الأكمل ، وعن النهوض بمراعاة النوافل والاتيان بالسنن والآداب.
    قل شيخنا الشهيد في الذكرى : قد تترك النافلة لعذر ، ومنه الهمّ والغمّ ؛ لرواية علي بن أسباط عن عدّة منّا أنّ الكاظم عليه السلام إذا اهتمّ ترك النافلة.
    وعن معمّر بن خلّاد ، عن الرضا عليه السلام مثله ، إذا اغتمّ ، والفرق بينهما أنّ الغمّ لما مضى والهمّ لما يأتي.
    وفي الصحاح : الإهتمام الإغتمام. انتهى. (1)
    قلت : وقد ورد عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام : أنّ للقلوب إقبالاً وإدباراً. فإذا ما أدبرت فلا تضيّقوا عليها بالنوافل. (2)
    (6) قوله عليه السلام : ضقت
    ضقت بالأمر ذرعاً ، أي : إذا لم تقو عليه.
    (7) قوله عليه السلام : لما نزل بي يا ربّ ذرعاً
    ضاق بالأمر ذرعاً وذراعاً ، وضاق بالأمر ذرعه وذراعه ، وضاق به الأمر ذرعاً : ضعفت عنه طاقته ولم يجد من مضيق المكروه فيه مخرجاً ، قاله في القاموس. (3)
    وقال في الصحاح : يقال ضقت بالأمر ذرعاً إذا لم تطقه ولم تقو عليه وأصل الذرع إنّما هو بسط اليد ، (4) فكأنّك تريد مددت إليه يدي فلم تنله ، وربّما قالوا : ضقت به ذراعاً. انتهى قوله. (5)
    واستعمال اللام مكان الباء شايع ذايع.
    ويقال : فلان رحب الذراع ، أي : واسع القوّة والقدرة والبطش. والذرع الوسع و
    __________________
    1. الذكرى : 116 ، الصحاح : 5 / 2061.
    2. نهج البلاغة : 530.
    3. القاموس : 3 / 23.
    4. في «ن» : بسطاً ليد.
    5. الصحاح : 3 / 1210.

    الطاقة. قاله ابن الأثير في النهاية.
    وقال : ومنه الحديث : «فكبّر في ذرعي» أي : عظم وقعه وجلّ عندي.
    والحديث الآخر : «فكسر ذلك من روعي» أي : تبّطني عمّا أردته. ومنه حديث إبراهيم عليه الصلاة والسلام : «أوحى الله إليه أن ابن لي بيتاً ، فضاق بذلك ذرعاً» ومعنى ضيق الذراع والذرع : قصرهما ، كما أنّ معنى سعتها وبسطها طولها.
    ووجه التمثيل : أنّ القصير الذراع لا ينال ما يناله الطويل الذراع ، ولا يطيق طاقته ، فضرب مثلاً للذي سقطت قوّته دون بلوغ الأمر والاقتدار عليه. (1)
    (Cool قوله عليه السلام : يا ذا العرش العظيم
    هناك زيادة برواية ابن طاووس ، وهي : فأنت قادر يا أرحم الراحمين ، آمين يا ربّ العالمين.
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 2 / 158.

    8
    وكان من دعائه عليه السلام
    في الاستعاذة من المكاره وسيّء الاخلاق ومذامّ الافعال
    أَللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ هَيَجَـانِ الْحِرْصِ ، وَسَوْرَةِ الغَضَبِ ، وَغَلَبَةِ الْحَسَدِ ، وضَعْفِ الصَّبْرِ ، وَقِلَّةِ الْقَنَاعَةِ وَشَكَاسَةِ الْخُلُقِ ، وَإلْحَاحِ الشَّهْوَةِ وَمَلَكَةِ الْحَمِيَّةِ ، وَمُتَابَعَةِ الْهَوَى ، وَمُخَالَفَةِ الْهُدَى ، وَسِنَةِ الْغَفْلَةِ ، وَتَعَاطِي الْكُلْفَةِ ، وَإيْثَارِ الْبَاطِلِ عَلَى الْحَقِّ وَالإصْرَارِ عَلَى الْمَأثَمِ ، وَاسْتِصْغَـارِ الْمَعْصِيَـةِ ، وَاسْتِكْثَارِ الطَّاعَةِ ، وَمُبَاهَاةِ الْمُكْثِرِينَ ، وَالإزْرآءِ بِالْمُقِلِّينَ ، وَسُوءِ الْوِلاَيَةِ لِمَنْ تَحْتَ أَيْدِينَا ، وَتَرْكِ الشُّكْرِ لِمَنِ اصْطَنَعَ الْعَارِفَةَ عِنْدَنَا ، أَوْ أَنْ نَعْضُدَ ظَالِماً ، أَوْ نَخْذُلَ مَلْهُوفاً ، أَوْ نَرُومَ مَا لَيْسَ لَنَا بِحَقٍّ ، أَوْ نَقُولَ فِي الْعِلْمِ بِغَيْرِ عِلْم ، وَنَعُـوذُ بِـكَ أَنْ نَنْطَوِيَ عَلَى غِشِّ أَحَد ، وَأَنْ نُعْجَبَ بِأَعْمَالِنَا ، (1) وَنَمُدَّ فِي آمَالِنَا ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ سُوءِ السَّرِيرَةِ ، وَاحْتِقَارِ الصَّغِيرَةِ ، وَأَنْ يَسْتَحْوِذَ عَلَيْنَا (2) الشَّيْطَانُ ، أَوْ يَنْكُبَنَـا الزَّمَانُ ، أَوْ يَتَهَضَّمَنَا السُّلْطَانُ ،

    وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ تَنَاوُلِ الإسْرَافِ ، وَمِنْ فِقْدَانِ الْكَفَـافِ ، وَنَعُوذُ بِـكَ (3) مِنْ شَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ ، وَمِنَ الْفَقْرِ إلَى الاَكْفَاءِ ، (4) وَمِنْ مَعِيشَة فِي شِدَّة ، وَمَيْتَة عَلَى غَيْـرِ عُدَّة ، (5) وَنَعُـوذُ بِكَ مِنَ الْحَسْرَةِ الْعُظْمى ، وَالْمُصِيبَةِ الْكُبْرَى ، وَأَشْقَى الشَّقَآءِ ، وَسُوءِ المآبِ ، وَحِرْمَانِ الثَّوَابِ ، وَحُلُولِ الْعِقَابِ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَأَعِذْنِي مِنْ كُلِّ ذَلِكَ بِرَحْمَتِكَ ، وَجَمِيـعَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

    (1) قوله عليه السلام : وأن نعجب بأعمالنا
    وفي رواية «كف» : إمّا أن نعجب بأعمالنا. نعجب بضمّ النون وفتح الجيم على صيغة المجهول من باب الإفعال : يقال : أعجبني هذا الشيء لحسنه وقد أعجب فلان بنفسه ، على ما لم يسمّ فاعله ، فهو معجب برأيه وبنفسه ، على صيغة المفعول ، والاسم العجب بالضمّ كذا في الصحاح. (1)
    وفي مجمل اللغة فلان عجب فلانة بكسر العين وإسكان الجيم ، كما يقال : حبّها بالكسر أيضاً ، أي : أنّه الذي تعجّب هي به على البناء للمفعول. وتعجّبت من الشيء واستعجبت وأعجبني هذا الشيء لحسنه ، وقد أعجب بنفسه. (2)
    وفي القاموس : أعجبه كذا حمله على العجب منه ، وأعجب هو به ، والرجل يعجبه القعود مع النساء ، أو تعجب النساء به ، والعجب بالضمّ الكبر ، وإنكار ما يرد عليك ، ويثلّث ، والتعاجيب العجائب ، وهي جمع عجيب ، ولا أحد لها من لفظها ، والاعجاب جمع عجيب بالتحريك. (3)
    والأصحّ في المشهور أنّ العجب بالتحريك لا يجمع ، وقولهم عجب عاجب للتأكيد ، كقولك ليل لايل ، ودهر داهر ، وفي التنزيل الكريم في سورة التوبة : (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) (4) من العجب بالضمّ. وفي سورة الأحزاب (وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ) (5) من العجب محرّكة.
    __________________
    1. الصحاح : 1 / 177.
    2. مجمل اللغة : 3 / 650.
    3. القاموس : 1 / 101.
    4. سورة التوبة : 25.
    5. سورة الأحزاب 52.

    وبالجملة إعجاب المرء بالشيء هو كون الشيء معجباً إيّاه ، بالكسر على اسم الفاعل. وهو معجباً بالفتح على سم المفعول ، فليعلم.
    (2) قوله عليه السلام : وأن يستحوذ علينا
    أي : يغلبنا ويستولي علينا.
    قال ابن الأثير : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ) : أي : استولى عليهم وحواهم إليه ، وهذه اللفظة أحد ما جاء به على الأصل من غير إعلال خارجة عن أخواتها نحو استقال واستقام. (1)
    (3) قوله عليه السلام : ونعوذ بك
    من نعوذ بك الاولى إلى الكفاف ، زائد على نسخة الشهيد رحمه الله ، وموافق لنسخة له اُخرى.
    (4) قوله عليه السلام : ومن الفقر إلى الأكفاء
    الأكفاء على وزن الأمثال : على ما في الأصل جمع كفو ، وهو الترب والمثل والنظير ، والأكفّاء بالتشديد على ما في نسخة جمع كافّ بالتشديد من الكفّ ، بمعنى من يكفّ عن أحد.
    (5) قوله عليه السلام : على غير عدة
    أي : على غير اقتناء ما يدّخر لحياة ما بعد الموت.
    وفي رواية «س» عزّ وجلّ مكان جلّ جلاله.
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 1 / 457.

    9
    وكان من دعائه عليه السلام
    في الإشتياق إلى طلب المغفرة من الله جلّ جلاله
    أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَصَيِّرْنَـا إلَى مَحْبُوبِكَ مِنَ التَّوْبَةِ ، وَأَزِلْنَا عَنْ مَكْرُوهِكَ مِنَ الإصْرَارِ. أللَّهُمَّ وَمَتَى وَقَفْنَا بَيْنَ نَقْصَيْنِ فِي دِين أَوْ دُنْيَا ، (1) فَأَوْقِعِ النَّقْصَ بِأَسْرَعِهِمَا فَنَاءً ، وَاجْعَلِ التّوْبَةَ فِي أَطْوَلِهِمَا بَقَاءً ، وَإذَا هَمَمْنَا بِهَمَّيْنِ يُرْضِيكَ أَحَدُهُمَا عَنَّا ، وَيُسْخِطُكَ الآخَرُ عَلَيْنَا فَمِلْ بِنَا إلَى مَا يُرْضِيْكَ عَنَّا ، وَأَوْهِنْ قُوَّتَنَا عَمَّا يُسْخِطُكَ عَلَيْنَا ، وَلاَ تُخَلِّ (2) فِي ذلِكَ بَيْنَ نُفُوسِنَا وَاخْتِيَارِهَا فَإنَّهَا مُخْتَارَةٌ لِلْبَاطِلِ إلاَّ مَا وَفَّقْتَ ، أَمَّارَةٌ بالسُّوءِ إلاّ مَا رَحِمْتَ. اللَّهمَّ وَإنَّكَ مِنَ الضَّعْفِ خَلَقْتَنَا ، وَعَلَى الْوَهْنِ بَنَيْتَنَا ، وَمِنْ ماءٍ مَهِين ابْتَدَأتَنَا ، فَلاَ حَوْلَ لَنَا إلاّ بِقُوَّتِكَ ، ولا قُوَّةَ لنا إلاّ بِعَوْنِكَ ، فَأيِّدْنَا بِتَوْفِيقِكَ ، وَسَدِّدْنَا بِتَسْدِيدِكَ ، وَأعْمِ أَبْصَارَ قُلُوبِنَا عَمَّا خَالَفَ مَحَبَّتَكَ ، وَلا تَجْعَلْ لِشَيْء مِنْ جَوَارِحِنَا نُفُوذاً فِي مَعْصِيَتِكَ. (3)

    اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَد وَآلِهِ ، وَاجْعَلْ هَمَسَاتِ قُلُوبِنَا ، (4) وَحَرَكَاتِ أَعْضَائِنَا ، وَلَمَحَاتِ أَعْيُنِنَا ، وَلَهَجَاتِ ألسِنَتِنَا فِيْ مُوجِبَاتِ ثَوَابِكَ ، حَتَّى لاَ تَفُوتَنَا حَسَنَةٌ نَسْتَحِقُّ بِهَا جَزَآءَكَ ، وَلا تَبْقَى لَنَا سَيِّئـةٌ نَسْتَوْجِبُ بِهَا عِقَابَكَ.

    (1) قوله عليه السلام : أو دنياً
    الصحيح أو دنيا من غير تنوين ، وإن كانت في بعض النسخ منوّنة ؛ لأنّها صفة لموصوف لها مقدّر ، كنشأة أو حياة ، وهي بمنزلة أفعل التفضيل وفي حكمه في عدم الصرف.
    (2) قوله عليه السلام : ولا تخل
    بضمّ التاء وكسر اللام المشدّدة من باب التفعيل ، يقال : خليت فلاناً وصاحبه ، وخليت بينهما.
    وفي رواية «س» : ولا تخل. مكسورة اللام المشدّدة مفتوحة الخاء والتاء من باب التفعّل بإسقاط إحدى التائين ، لا من تخلّيت لكذا بمعنى تفرّغت له ، بل من تخليته فلاناً وتخلّيت بينهما ، أي : خليت. فالتفعّل ربّما يكون للتعدية ، وإن كان اللزوم فيه أكثر وأشيع ، وكسر اللام للدلالة على الياء المحذوفة. وفي خ «ش» بالمهملة «س».
    (3) قوله عليه السلام : ولا تجعل لشيء من جوارحنا نفوذاً في معصيتك
    من باب القلب لا من الإلباس ، أي : لا تجعل لمعصيتك نفوذاً في شيء من جوارحنا ، ومنه في التنزيل الكريم : (إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ حَقِيقٌ عَلَىٰ أَن لَّا أَقُولَ عَلَى اللَّـهِ إِلَّا الْحَقَّ) (1) على القراءة لا بالتشديد لتؤول القراءتان على مآلي واحد.
    وفي قول الشاعر :
    __________________
    1. سورة الأعراف : 105.

    وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر
    أي : وتشقى بالرماح الضياطرة وهم (1) اللئام. وأمّا أن نفوذ الشيء في صاحبه مساوق نفوذ صاحبه أيضاً فيه ؛ لأنّ ما لزمك فقد لزمته على سيااق ما قاله المفسّرون هناك ، فغير مستقيم هاهنا ، فليتدبّر.
    (4) قوله عليه السلام : واجعل همسات قلوبنا
    همسات القلوب وهي النفوس الناطقة الإنسانيّة هي دقائق أفكارها ، ولحظات أنظارها ، وانبعاثات ميولها ، واهتزازات إراداتها ، بحسب قوّتيه النظريّة والعلميّة.
    والهمس : في اللغة الصوت الخفيّ ، وهمس الأقدام أخفى ما يكون من صوت القدم ، ومنه سمّي الأسد «هموساً» لأنّ مشيته خفيفة خفيّة ، فلا يسمع دويّ وطئه.
    وفي رواية «كف» عزّ وجل مكان سبحانه وتعالى. واللجأ محرّكة واللجاء بالمدّ بمعنى.
    __________________
    1. في «ن» : وهو.

    10
    وكان من دعائه عليه السلام في اللجا إلى الله تعالى
    اللّهُمَّ إن تَشَأْ تعفُ عَنّا فَبِفضْلِكَ ، وَانْ تَشَأْ تُعَذِّبْنا فَبَعدْلِكَ ، فَسَهِّلْ لَنَا عَفْوَكَ بِمنِّكَ ، وَأَجِرْنَا
    مِنْ عَذَابِكَ بِتَجاوُزكَ ، فَإنَّهُ لاَ طاقَةَ لَنَا بَعدلِكَ ، وَلاَ نجاةَ لأحَد دُوْنَ عَفْوِكَ ، يا غَنِيَّ الأغْنياء ، هَا ، نَحَنُ عِبادُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ وَأَنَا أَفْقَراء إليْكَ ، فَأجْبُرْ فاقَتَنا بِوُسْعِكَ ، ولا تَقْطَعَ رَجَاءنا بِمَنْعِكَ ، فَتَكُوْنَ قد أَشْقَيْتَ مَنِ اسْتَسْعَدَ بِكَ وَجَرَمْتَ مَنِ اسْتَرْفَدَ فَضْلَكَ ، فَإلى مَنْ حيْنئذ مُنْقَلَبُنَا عَنْكَ ، وإلى أيْنَ مَذهَبُنَا عن بَابِكَ ، سُبْحَنَكَ نَحْنُ المضْطُّرون الذّينَ أَوْجَبْتَ إجابَتَهُمْ ، وَأهْلُ السُّوْء الذّيْنَ وَعَدْتَ الْكَشْفَ عَنْهُمْ ، وَأَشْبَـهُ الأَشْياءِ بِمَشِيَّتِـكَ ، وَأَوْلَى الأمُورِ بِكَ فِيْ عَظَمَتِكَ ، رَحْمَةُ مَنِ اسْتَرْحَمَكَ ، وَغَوْثُ مَنِ اسْتَغَاثَ بِكَ ، فَارْحَمْ تَضَرُّعَنَا إلَيْكَ ، وَأَغْنِنَا إذْ طَرَحْنَـا أَنْفُسَنَا بَيْنَ يَـدَيْكَ. أللَّهُمَّ إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ شمِتَ بِنَا إذْ شَايَعْنَاهُ عَلَى مَعْصِيَتِكَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَلا تُشْمِتْهُ بِنَا بَعْدَ تَرْكِنَا إيَّاهُ لَكَ ، وَرَغْبَتِنَا عَنْهُ إلَيْكَ. (1)

    (1) قوله عليه السلام في آخر الدعاء بعد قوله :
    ورغبتنا عنه إليك : يا أرحم الراحمين
    في خ «ش» و «ع» برحمتك يا أرحم الراحمين. خ «ش» و «كف». (1)
    في الأصل بخواتم ، وفي رواية «ش» و «كف» بخواتيم.
    __________________
    1. أي : في نسخة الشهيد والكفعمي قدّس الله أسرارهما.

    11
    وكان من دعائه عليه السلام بخواتم الخير
    يا مَنْ ذِكْرُهُ شَرَفٌ لِلذَّاكِرِينَ ، وَيَا مَنْ شُكْرُهُ فَوْزٌ لِلشَّاكِرِينَ ، وَيَا مَنْ طَاعَتُهُ نَجَاةٌ لِلْمُطِيعِينَ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَاشْغَلْ قُلُوبَنَا بِذِكْرِكَ عَنْ كُلِّ ذِكْر ، وَأَلْسِنَتَنَا بِشُكْرِكَ عَنْ كُلِّ شُكْر ، وَجَوَارِحَنَا بِطَاعَتِكَ عَنْ كُلِّ طَاعَة ، فَإنْ قَدَّرْتَ لَنَا فَرَاغاً مِنْ شُغُل فَاجْعَلْهُ فَرَاغَ سَلاَمَة لا تُدْرِكُنَا فِيهِ تَبِعَةٌ ، (1) وَلاَ تَلْحَقُنَا فِيهِ سَئَمَةٌ ، حَتَّى يَنْصَرِفَ عَنَّا كُتَّابُ السَّيِّئَاتِ بِصَحِيفَة خَالِيَة مِنْ ذِكْرِ سَيِّئاتِنَا ، وَيَتَوَلّى كُتَّابُ الْحَسَنَاتِ عَنَّا مَسْرُورِينَ بِمَا كَتَبُوا مِنْ حَسَنَاتِنَا ، وَإذَا انْقَضَتْ أَيَّامُ حَيَاتِنَـا ، وَتَصَرَّمَتْ مُـدَدُ أَعْمَارِنَـا ، وَاسْتَحْضَرَتْنَا دَعْوَتُكَ الَّتِي لاَ بُدَّ مِنْهَا ، وَمِنْ إجَابَتِهَا ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاجْعَلْ خِتَامَ مَا تُحْصِي عَلَيْنَا كَتَبَةُ أَعْمَالِنَا تَوْبَةً مَقْبُولَةً لا تُوقِفُنَا بَعْدَهَا

    عَلَى ذَنْب اجْتَرَحْنَاهُ ، وَلاَ مَعْصِيَة اقْتَرَفْنَاهَا ، وَلاَ تَكْشِفْ عَنَّا سِتْراً سَتَرْتَهُ عَلَى رُؤُوسِ الأشْهَادِ ، يَوْمَ تَبْلُو أَخْبَارَ عِبَادِكَ ، إنَّكَ رَحِيمٌ بِمَنْ دَعَاكَ ، وَمُسْتَجيبٌ لِمَنْ نَادَاكَ.

    (1) قوله عليه السلام : لا تدركنا فيه تبعة
    والتبعة بكسر التاء المثنّاة من فوق وكسر الموحّدة : ما يتبع الشيء من النوائب.
    قال ابن الأثير في النهاية : وفي حديث قيس بن عاصم : يا رسول الله ما المال؟ قال : الذي ليس فيه تبعة من طالب ولا ضيق. يريد بالتبعة ما يتبع المال من نوائب الحقوق ، وهو من تبعت الرجل بحقّي. (1)
    وفي رواية «كف» إلى الله عزّ وجلّ.
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 1 / 179.

    12
    وكان من دعائه عليه السلام
    في الاعتراف وطلب التوبة إلى الله تعالى
    أَللَّهُمَّ إنَّهُ يَحْجُبُنِي عَنْ مَسْأَلَتِكَ خِلاَلٌ ثَلاثٌ ، وَتَحْدُونِي عَلَيْهَا خَلَّةٌ وَاحِدَةٌ ، يَحْجُبُنِي أَمْرٌ أَمَرْتَ بِهِ فَأَبْطَأتُ عَنْهُ ، وَنَهْيٌ نَهَيْتَنِي عَنْهُ فَأَسْرَعْتُ إلَيْهِ ، وَنِعْمَةٌ أَنْعَمْتَ بِهَا عَلَيَّ ، فَقَصَّرْتُ فِي شُكْرِهَـا ، وَيَحْدُونِي عَلَى مَسْأَلَتِكَ تَفَضُّلُكَ عَلَى مَنْ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ إلَيْكَ ، وَوَفَدَ بِحُسْنِ ظَنِّـهِ إلَيْكَ ، إذْ جَمِيعُ إحْسَانِكَ تَفَضُّلٌ ، وَإذْ كُلُّ نِعَمِكَ ابْتِدَاءٌ ، (1) فَهَا أَنَا ذَا يَا إلهِيْ وَاقِفٌ بِبَابِ عِزِّكَ وُقُوفَ المُسْتَسْلِمِ الذَّلِيْل ، وَسَائِلُكَ عَلَى الْحَيَاءِ مِنّي سُؤَالَ الْبَائِسِ الْمُعِيْلِ ، مُقـرٌّ لَكَ بأَنّي لَمْ أَسْتَسْلِمْ وَقْتَ إحْسَانِـكَ إلاَّ بِالاِقْلاَعِ عَنْ عِصْيَانِكَ ، وَلَمْ أَخْلُ فِي الْحَالاتِ كُلِّهَا مِنِ امْتِنَانِكَ ، فَهَلْ يَنْفَعُنِي يَا إلهِي إقْرَارِي عِنْدَكَ بِسُوءِ مَا اكْتَسَبْتُ ، وَهَلْ يُنْجِيْنِي مِنْكَ اعْتِرَافِي لَكَ بِقَبِيْحِ مَا ارْتَكَبْتُ؟ أَمْ أَوْجَبْتَ لِي فِي مَقَامِي هَذَا سُخْطَكَ؟ أَمْ لَزِمَنِي فِي وَقْتِ

    دُعَائِي مَقْتُكَ؟ سُبْحَانَكَ ، لاَ أَيْأَسُ مِنْكَ وَقَدْ فَتَحْتَ لِيَ بَابَ التَّوْبَةِ إلَيْكَ ، بَلْ أَقُولُ مَقَالَ الْعَبْدِ الذَّلِيلِ الظَّالِمِ لِنَفْسِهِ ، الْمُسْتَخِفِّ بِحُرْمَةِ رَبِّهِ ، الَّذِي عَظُمَتْ ذُنُوبُهُ فَجَلَّتْ ، وَأَدْبَرَتْ أَيّامُهُ فَوَلَّتْ حَتَّى إذَا رَأى مُدَّةَ الْعَمَلِ قَدِ انْقَضَتْ ، وَغَايَةَ الْعُمُرِ قَدِ انْتَهَتْ ، وَأَيْقَنَ أَنَّهُ لا مَحيصَ لَهُ مِنْكَ ، وَلاَ مَهْرَبَ لَهُ عَنْكَ ، تَلَقَّاكَ بِالإنَابَةِ ، وَأَخْلَصَ لَكَ التَّوْبَةَ ، فَقَامَ إلَيْكَ بِقَلْبِ طَاهِر نَقِيٍّ ، ثُمَّ دَعَاكَ بِصَوْت حَائِل خَفِيٍّ ، قَدْ تَطَأطَأَ لَكَ فَانْحَنى ، وَنَكَّسَ رَأسَهُ فَانْثَنَى ، قَدْ أَرْعَشَتْ خَشْيَتُهُ رِجْلَيْهِ ، وَغَرَّقَتْ دُمُوعُهُ خَدَّيْهِ ، يَدْعُوكَ بِيَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، وَيَا أَرْحَمَ مَنِ انْتَابَهُ الْمُسْتَرْحِمُونَ ، (2) وَيَا أَعْطَفَ مَنْ أَطَافَ بِهِ الْمُسْتَغْفِرُونَ ، وَيَا مَنْ عَفْوُهُ أكْثَرُ مِنْ نِقْمَتِهِ ، وَيَا مَنْ رِضَاهُ أَوْفَرُ مِنْ سَخَطِهِ ، وَيَا مَنْ تَحَمَّدَ إلَى خَلْقِهِ بِحُسْنِ التَّجاوُزِ ، وَيَا مَنْ عَوَّدَ عِبادَهُ قَبُولَ الإنَابَةِ ، وَيَا مَنِ اسْتَصْلَحَ فَاسِدَهُمْ بِالتَّوْبَةِ ، وَيَا مَنْ رَضِيَ مِنْ فِعْلِهِمْ بِالْيَسيرِ ، وَيَا مَنْ كَافى قَلِيْلَهُمْ بِالْكَثِيرِ ، وَيَا مَنْ ضَمِنَ لَهُمْ إجَابَةَ الدُّعاءِ ، وَيَا مَنْ وَعَدَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ بِتَفَضُّلِهِ حُسْنَ الْجَزاءِ ، مَا أَنَا بِأَعْصَى مَنْ عَصَاكَ فَغَفَرْتَ لَهُ ، وَمَا أَنَا بِأَلْوَمِ مَنِ اعْتَذَرَ إلَيْكَ فَقَبِلْتَ مِنْهُ ، وَمَا أَنَا بِأَظْلَمِ مَنْ تَابَ إلَيْكَ فَعُدْتَ عَلَيْهِ ، (3) أَتُوبُ إلَيْكَ فِي مَقَامِي هَذَا تَوْبَةَ نَادِم عَلَى مَا فَرَطَ مِنْهُ ،

    مُشْفِق مِمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ ، خَالِصِ الْحَيَاءِ مِمَّا وَقَعَ فِيْهِ ، عَالِم بِأَنَّ الْعَفْوَ عَنِ الذَّنْبِ الْعَظِيمِ لاَ يَتَعـاظَمُكَ ، وَأَنَّ التَّجَـاوُزَ عَنِ الإثْمِ الْجَلِيْلِ لا يَسْتَصْعِبُكَ ، وَأَنَّ احْتِمَالَ الْجنَايَاتِ الْفَـاحِشَةِ لا يَتَكَأَّدُكَ ، وَأَنَّ أَحَبَّ عِبَادِكَ إلَيْكَ مَنْ تَرَكَ الاسْتِكْبَارَ عَلَيْكَ ، وَجَانَبَ الإِصْرَارَ ، وَلَزِمَ الاسْتِغْفَارَ ، وَأَنَا أَبْرَأُ إلَيْكَ مِنْ أَنْ أَسْتَكْبِرَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أصِـرَّ وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا قَصَّرْتُ فِيهِ ، وَأَسْتَعِينُ بِكَ عَلَى مَا عَجَزْتُ عَنْهُ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَهَبْ لِي مَا يَجبُ عَلَيَّ لَكَ ، وَعَافِنِي مِمَّا أَسْتَوْجِبُهُ مِنْكَ، وَأجِرْنِي مِمَّا يَخَافُهُ أَهْلُ الإساءَةِ ، فَإنَّكَ مَلِيءٌ بِالْعَفْوِ ، (4) مَرْجُوٌّ لِلْمَغْفِرَةِ ، مَعْرُوفٌ بِالتَّجَاوُزِ ، لَيْسَ لِحَاجَتِي مَطْلَبٌ سِوَاكَ ، وَلا لِذَنْبِي غَافِرٌ غَيْرُكَ ، حَاشَاكَ ، (5) وَلاَ أَخَافُ عَلَى نَفْسِي إلاّ إيَّاكَ ، إنَّكَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد ، وَاقْض حَاجَتِي وَأَنْجِحْ طَلِبَتِي ، وَاغْفِرْ ذَنْبِي ، وَآمِنْ خَوْفَ نَفْسِيْ ، إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ وَذلِكَ عَلَيْكَ يَسِيرٌ ، آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ.

    (1) قوله عليه السلام : وإذ كلّ نعمك ابتداء
    إذ قاطبة ما سواك مستندة إليك بالذات أبد الآباد مرّة واحدة دهريّة خارجة عن إدراك الأوهام ، لا على شاكلة المرّات الزمانيّة المألوفة للقرائح الوهمانيّة ، فطابع الإمكان الذاتي ملاك الإفتقار إلى جدتك ، ومناط الإستناد إلى هبتك.
    فكما أنّ النعم والمواهب فيوض جودك ورحمتك ، فكذلك الإستحقاقات والإستعدادات المترتّبة في سلسلة الأسباب والمسبّبات ، مستندة جميعاً إليك ، فائضة بأسرها من تلقاء فيّاضيّتك.
    (2) قوله عليه السلام : من انتابه المسترحمون
    انتاب الرجل كذا أتاه مرّة بعد مرّة على التناوب ، وهو افتعال من النوبة بالنون قبل الواو ، أي : أتوه على التناوب مرّة بعد اُخرى.
    قال الجوهري في الصحاح : ناب عنّي فلان ينوب مناباً ، أي : قام مقامي. وانتاب فلان القوم انتياباً ، أي :أتاهم مرّة بعد اُخرى ، وهو افتعال من النوبة.
    ومنه قول الهذلي : لا يرد الماء إلّا انتياباً ويروى «ائتياباً» وهو إفتعال من آب يؤوب ، إذ أتى ليلاً. وأناب إلى الله ، أي : أقبل وتاب. (1)
    وفي القاموس : النوبة الفرصة والدولة والجماعة من الناس ، وواحده النؤروب ، وناب عنه نوباً ومناباً قام مقامه ، وانتبه عنه وناب إلى الله تاب ، كأناب ، وناوبه عاقبه ، وناب لزم الطاعة ، وانتابهم انتياباً أتاهم مرّة بعد اُخرى ، وسمّوا مناباً. (2)
    ومن أعاجيب الأغلاط ما وقع هنا لغير واحد من الطغام القاصرين ، وهو حسبان ذلك انفعال من التوبة الرجوع من الذنب والندم عليها ، ثمّ استناد هذا الحسبان إلى الصحاح
    __________________
    1. الصحاح : 1 / 228 ـ 229.
    2. القاموس : 1 / 134 ـ 135.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الصحيفه السجاديه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الصحيفه السجاديه كامله   الصحيفه السجاديه كامله Emptyأمس في 20:19


    أفيكة (1) واختلاقاً ، فاستقم كما اُمرت ولا تكن من الجاهلين.
    (3) قوله عليه السلام : فعدت عليه
    لا من العود ، بل من العائدة ، وهي الصلة والفضل والمعروف والعطف والإحسان.
    (4) قوله عليه السلام : فإنّك مليء
    بالهمزة بعد الياء على صيغة فعيل. وفي نسخة برواية «كف» مليّ مشدّدة الياء بالقلب والإدغام من ملأ الإناء يملاءه ومالأه فلاناً ، أي : عاونه ، وتمالأوا تعاونوا.
    قال المطرّزي : وأصل ذلك العون الملاء ثمّ عمّ ، والملي الغنيّ المقتدر ، وقد ملوء ملاءة وهو أملاء منه على أفعل التفضيل ، ومنه قول شريح : اختر أملاهم أي : أقدرهم.
    وقال الزمخشري في الأساس : هو مليء بكذا أي : مضطلع ، وقد ملؤه به ملاءة وهم مليؤون به. (2)
    وقال العزيزي في غريب القرآن : ملاء من بني إسرائيل يعني أشرافهم ووجوههم ، ومنه قول النبيّ صلّى الله عليه وآله : «اُولئك الملأ من قريش» واشتقاقه من ملأت الشيء ، وفلان مليء إذا كان مكثراً ، فمعنى الملاء : الذين يملؤون العين والقلب وما أشبه ذلك.
    وقال ابن الأثير في النهاية : وفي حديث الدين : «إذا اتّبع أحدكم على مليء فليتبع» المليء بالهمزة الثقة الغني ، وقد ملؤ فهو مليء بين الملا والملاء بالمدّ. وقد أولع الناس فيه بترك الهمز وتشديد الياء. (3)
    قلت : فقد استبان أنّ مليّاً بهذا المعنى أصله بالهمز على خلاف ملي في قوله سبحانه (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) (4) أي : زماناً طويلاً من الملاوة ، على ما قد أسلفنا لك تحقيقه ، فلا تكن من المتخبّطين. (5)
    (5) قوله عليه السلام : حاشاك
    __________________
    1. في «ن» : أفكية.
    2. أساس البلاغة : ص 601.
    3. نهاية ابن الأثير : 4 / 352.
    4. سورة مريم : 46.
    5. هذا ردّ على السيّد نجم الدين «منه».

    بالوقف ، ليتعلّق بـ«غافر غيرك». وبالوصل ، ليتعلّقّ بـ«ولا أخاف على نفسي إلّا إيّاك». والأحبّ عندي على الأخير الوقف على غيرك ثمّ الإبتداء بـ«حاشاك».
    وهو على الأوّل : إمّا بمعنى سبحانك ، أو بمعنى إلّا أنت ، تأكيداً للمعنى الذي أفاده غيرك ، أو للتنزيه والتقديس عن إمكان أن يتصوّر للذنوب غافر غيره.
    وعلى الأخير للتنزيه والتقديس عن أن يكون سبحانه ، بحيث لا يخاف عنده على نفسه إلّا إيّاه.
    فأمّا كيف يتصحّح ذلك ، وأنّ من درجات العرفان أن لا يخشى العارف إلّا ربّه فمن سبل ثلاثة :
    الأوّل : أنّه جلّ سلطانه إنّما انتقامه من تمام الحكمة ، وعقابه من سعة الرحمة ، كما قال عليه السلام في دعائه إذا استقال من ذنوبه : أنت الذي تسعى رحمته أمام غضبه». فالعقوبات الإلهيّة كتأدبيات يتولّاها المؤدّب الرؤوف الرحيم ، وإيلامات يأمر بها المعالج العطوف الحكيم. وإنّما الأسماء الحسنى القهريّة للرحمن سبحانه وتعالى ، كالقابض والخافض والمذلّ والضارّ من حيث أسماؤه الحسنى اللطيفة ، كالباسط والرافع والمعزّ والنافع.
    وإلى هذا نظر من قال من أهل التحصيل والتحقيق أنّه لا يسوغ للذاكرين الله سبحانه أن يفردوا شيئاً من أسمائه القهريّة عن مقابلة أسمائه الرحمة دون العكس.
    الثاني : أنّه لمّا كانت غاية شدّة الكمال مستوجبة تعانق الأسماء المتقابلة الكماليّة على الوجه الأتمّ الأكمل ، كان كلّ من الأسماء الحسنى المتقابلة الإلهيّة ، مقتضاه في شدّة الكمال أن يكون بحيث كأنّه لا يستصحّ إطلاق مقابلة أصلاً.
    فملاحظة الغفور الرحيم في مقام طلب المغفرة والرحمة ، كأنّها تصدّ العبد بحسب ما يستوجبه شدّة كماليّة الإسم عن استشعار ما يقابله من الأسماء المقدّسة ، وهو شديد العقاب. وقد لاحظ من ذهب من الأصحاب إلى أنّه لا يسوغ للذاكرين افراد شيء من الإسمين المتقابلين عن مقابلة ، بل تحقيق بحسن الأدب القران بين كلّ متقابلين من الأسماء المقدّسة.

    الثالث : أنّ درجة العارف في مقام الرجاء بحسب أن تصدّه عن استشعار الخوف رأساً ، كما يجب أن تصدّه درجته في مقام الخوف عن احتمال الرجاء أصلاً ، ولذلك قد وجب أن يكون درجات الرجاء والخوف على التكافؤ والتقاوم أبداً إلى حين الموت.
    روى شيخنا الأقدم أبو جعفر الكليني (رحمه الله تعالى) في كتابه الكافي عن الحارث بن المغيرة أو عن أبيه ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما كان في وصيّة لقمان لابنه؟ قال كان فيها الأعاجيب ، وكان أعجب ما كان فيها ، أن قال لإبنه : خف الله عزّ وجلّ خيفة لو جئته ببرّ الثقلين لعذّبك ، وارجو الله رجاءاً لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك ، ثمّ قال أبو عبد الله عليه السلام : كان أبي يقول : إنّه ليس من عبد مؤمن إلّا وفي قلبه نوران : نور خيفة ، ونور رجاء ، لو وزن هذا لم يزد على هذا ، ولو وزن هذا لم يزد على هذا. انتهى ما في الكافي. (1)
    والذي يستبين لي : أنّه لعلّ في تأخيره عليه السلام الرجاء عن الخوف إيماءاً لطيفاً إلى أنّه ينبغي أن يكون خاتمة الحياة على مقام الرجاء ورجحان درجته. والله أعلم بأسرار أوصياء رسوله عليه وعليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
    وفي رواية «ع» و «كف» عزّ وجلّ مكان تعالى.
    __________________
    1. اُصول الكافي : 2 / 55.

    13
    وكان من دعائه عليه السلام في طلب الحوائج إلى الله تعالى
    أللَّهُمَّ يَا مُنْتَهَى مَطْلَبِ الْحَاجَاتِ ، وَيَا مَنْ عِنْدَه نَيْلُ الطَّلِبَاتِ ، وَيَا مَنْ لا يَبِيْعُ نِعَمَهُ بالأثْمَانِ ، وَيَا مَنْ لا يُكَدِّرُ عَطَايَاهُ بِالامْتِنَانِ ، وَيَا مَنْ يُسْتَغْنَى بِهِ ، وَلاَ يُسْتَغْنَى عَنْهُ ، وَيَا مَنْ يُرْغَبُ إلَيْهِ وَلا يُرْغَبُ عَنْهُ ، وَيَا مَنْ لا تُفنى خَزَآئِنَهُ الْمَسَائِلُ ، وَيَا مَنْ لاَ تُبَدِّلُ حِكْمَتَهُ الْوَسَائِلُ ، وَيَا مَنْ لاَ تَنْقَطِعُ عَنْهُ حَوَائِجُ الْمُحْتَاجِينَ ، وَيَا مَنْ لاَ يُعَنِّيهِ دُعَاءُ الدَّاعِينَ ، (1) تَمَدَّحْتَ بِالْغَنَاءِ عَنْ خَلْقِكَ ، وَأَنْتَ أَهْلُ الْغِنَى عَنْهُمْ ، وَنَسَبْتَهُمْ إلَى الفَقْرِ وَهُمْ أَهْلُ الْفَقْرِ إلَيْكَ ، فَمَنْ حَاوَلَ سَدَّ خَلَّتِهِ مِنْ عِنْدِكَ ، وَرَامَ صَرْفَ الْفَقْر عَنْ نَفْسِهِ بِكَ ، فَقَدْ طَلَبَ حَاجَتَهُ فِي مَظَانِّها ، وَأَتَى طَلِبَتَهُ مِنْ وَجْهِهَا ، وَمَنْ تَوَجَّهَ بِحَاجَتِهِ إلَى أَحَد مِنْ خَلْقِكَ أَوْ جَعَلَهُ سَبَبَ نُجْحِهَا دُونَكَ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلْحِرْمَانِ ، وَاسْتَحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَوْتَ الاِحْسَانِ. أللَّهُمَّ وَلِي إلَيْكَ حَاجَةٌ قَـدْ قَصَّرَ عَنْهَـا جُهْدِي ، وَتَقَطَّعَتْ دُونَهَا حِيَلِي ، وَسَوَّلَتْ لِيْ نَفْسِي رَفْعَهَا

    إلَى مَنْ يَرْفَعُ حَوَائِجَهُ إلَيْكَ ، وَلاَ يَسْتَغْنِي فِي طَلِبَاتِهِ عَنْكَ ، وَهِيَ زَلَّةٌ مِنْ زَلَلِ الْخَاطِئِينَ ، وَعَثْرَةٌ مِنْ عَثَراتِ الْمُذْنِبِينَ ، ثُمَّ انْتَبَهْتُ بِتَذْكِيرِكَ لِي مِنْ غَفْلَتِي وَنَهَضْتُ بِتَوْفِيقِكَ مِنْ زَلَّتِي ، وَنَكَصْتُ بِتَسْـدِيدِكَ عَنْ عَثْـرَتِي ، وَقُلْتُ سُبْحَانَ رَبّي كَيْفَ يَسْأَلُ مُحْتَاجٌ مُحْتَاجـاً ، (2) وَأَنَّى يَرْغَبُ مُعْدِمٌ إلَى مُعْدِم؟ (3) فَقَصَدْتُكَ يا إلهِي بِالرَّغْبَةِ ، وَأَوْفَدْتُ عَلَيْكَ رَجَائِي بِالثِّقَةِ بِكَ ، وَعَلِمْتُ أَنَّ كَثِيرَ مَا أَسْأَلُكَ يَسِيرٌ فِي وُجْدِكَ ، وَأَنَّ خَطِيرَ مَا أَسْتَوْهِبُكَ حَقِيرٌ فِيْ وُسْعِكَ ، وَأَنَّ كَرَمَكَ لاَ يَضِيقُ عَنْ سُؤَال أحَد ، وَأَنَّ يَدَكَ بِالْعَطايا أَعْلَى مِنْ كُلِّ يَد. أللَهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاحْمِلْنِي بِكَرَمِكَ عَلَى التَّفَضُّلِ ، وَلاَ تَحْمِلْنِي بِعَدْلِكَ عَلَى الاسْتِحْقَاقِ ، فَما أَنَا بِأَوَّلِ رَاغِبِ رَغِبَ إلَيْكَ فَأَعْطَيْتَهُ وَهُوَ يَسْتَحِقُّ الْمَنْعَ ، وَلاَ بِأَوَّلِ سَائِل سَأَلَكَ فَأَفْضَلْتَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَسْتَوْجِبُ الْحِرْمَانَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَكُنْ لِدُعَائِي مُجِيباً ، وَمِنْ نِدائِي قَرِيباً ، وَلِتَضَرُّعِي رَاحِماً ، وَلِصَوْتِي سَامِعاً ، وَلاَ تَقْطَعْ رَجَائِي عَنْكَ ، وَلا تَبُتَّ سَبَبِي مِنْكَ ، وَلاَ تُوَجِّهْنِي فِي حَاجَتيْ هَذِهِ وَغَيْرِهَا إلى سِوَاكَ ، وَتَوَلَّنِي بِنُجْحِ طَلِبَتِي ، وَقَضاءِ حَاجَتِي ، وَنَيْلِ سُؤْلِي قَبْلَ زَوَالِي عَنْ مَوْقِفِي هَذَا بِتَيسِيرِكَ لِيَ الْعَسِيْرَ ، وَحُسْنِ تَقْدِيرِكَ لِي فِي جَمِيعِ الأُمُورِ ، وَ

    صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ صَلاَةً دَائِمَةً نَامِيَةً ، لاَ انْقِطَاعَ لأِبَدِهَا ، وَلا مُنْتَهَى لأِمَدِهَا ، وَاجْعَلْ ذَلِكَ عَوْناً لِيْ ، وَسَبَباً لِنَجَاحِ طَلِبَتِي ، إنَّكَ وَاسِعٌ كَرِيْمٌ ، وَمِنْ حَاجَتِي يَا رَبِّ كَذَا وَكَذَا.
    وتذكر حاجتك ثم تسجد وتقول في سجودك
    فَضْلُكَ آنَسَنِي ، وَإحْسَانُكَ دَلَّنِي ، فَأَسْأَلُكَ بِكَ ، وَبِمُحَمَّـد وَآلِهِ صَلَواتُكَ عَلَيْهمْ أَنْ لاَ تَرُدَّنِي خَائِباً. (4)

    1 قوله عليه السلام : ويا من لا يعينه دعاء الداعين
    بفتح المثنّاة من تحت وبالمهملة الساكنة وبالنون المكسورة ، أي : لا يتّهمه ولا يشغله ، ومنه الحديث : «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه». (1)
    وبضمّها وتسكين المهملة قبل النون المكسورة ، أي : لا يوقعه في تعب ونصب.
    وبرواية «س» بضمّ المثنّاة ، وبفتح المهملة وبالنون المشدّدة ، على أنّه من باب التفعيل بمعنى التتعيب والتنصيب. وبرواية «ع» و «ش» بالمهملة الساكنة بين المثنّاتين من تحت المضمومة من قبل والمكسورة من بعد ، أي : لا يعجزه ولا يتبعه ، من الاعياء بمعنى الاتعاب والاعجاز.
    2 قوله عليه السلام : كيف يسأل محتاج محتاجاً
    وقد قال في ذلك بعض أهل التحقيق : استغاثة المخلوق بالمخلوق ، كاستغاثة المسجون بالمسجون.
    3 قوله عليه السلام : معدم
    مفعل على اسم الفاعل من باب الإفعال من العدم بالضمّ والتسكين بمعنى الفقر ، لا من العدم بالفتحتين نقيض الوجود ، وهو من باب الإفعال اللازم ، أي : ذو فقر الى ذي فقر.
    4 قوله عليه السلام : في آخر الدعاء : أن لا تردّني خائباً
    وبخطّ «كف» زيادة ، وهي : إنّك سميع الدعاء قريب مجيب على كلّ شيء قريب. وفي نسخة له : رقيب مكان قريب.
    __________________
    (1) نهاية ابن الأثير : 3 / 314.

    14
    وكان من دعائه عليه السلام
    إذا اعتدى عليه اَوْ رأى من الظالمين ما لا يحبّ
    يَا مَنْ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ أَنْبَآءُ الْمُتَظَلِّمِينَ ، (1) وَيَا مَنْ لاَ يَحْتَاجُ فِي قِصَصِهِمْ إلَى شَهَادَاتِ الشَّاهِدِينَ ، وَيَا مَنْ قَرُبَتْ نُصْرَتُهُ مِنَ الْمَظْلُومِينَ ، وَيَا مَنْ بَعُدَ عَوْنُهُ عَنِ الظَّالِمِينَ ، قَدْ عَلِمْتَ يَا إلهِي مَا نالَنِي مِنْ فُلاَنِ بْنِ فُلاَن ، مِمَّا حَظَرْتَ ، وَانْتَهَكَهُ مِنّي مِمَّا حَجَزْتَ عَلَيْهِ ، بَطَراً فِي نِعْمَتِكَ عِنْدَهُ ، وَاغْتِرَاراً (2) بِنَكِيرِكَ عَلَيْهِ. اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَخُذْ ظَالِمِي وَعَدُوِّي عَنْ ظُلْمِي بِقُوَّتِكَ ، وَافْلُلْ حَدَّهُ عَنِّي بِقُدْرَتِكَ ، وَاجْعَلْ لَهُ شُغْلاً فِيَما يَلِيهِ ، وَعَجْزاً عَمَّا يُناوِيْهِ. (3) أللَّهُمَّ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَلاَ تُسَوِّغْ لَهُ ظُلْمِي وَأَحْسِنْ عَلَيْـهِ عَوْنِي ، وَاعْصِمْنِي مِنْ مِثْـلِ أَفْعَالِهِ ، وَلا تَجْعَلْنِي فِي مِثْلِ

    حَالِهِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَعِدْنِي عَلَيْهِ عَدْوى (4) حَاضِرَةً ، تَكُونُ مِنْ غَيْظِي بِهِ شِفَاءً ، وَمِنْ حَنَقِي (5) عَلَيْهِ وَفَاءً. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَعَوِّضْنِي مِنْ ظُلْمِهِ لِي عَفْوَكَ ، وَأَبْدِلْنِي بِسُوْءِ صنِيعِهِ بِيْ رَحْمَتَكَ ، فَكُلُّ مَكْرُوه جَلَلٌ (6) دُونَ سَخَطِكَ ، وَكُلُّ مُرْزِئَةٍ (7) سَوَاءٌ (Cool مَعَ مَوْجِدَتِكَ. (9) أللَّهُمَّ فَكَمَا كَـرَّهْتَ إلَيَّ أَنْ أَظْلِمَ (10) فَقِنِي مِنْ أَنْ أُظْلَمَ. أللَّهُمَّ لاَ أَشْكُو (11) إلَى أَحَد سِوَاكَ ، وَلاَ أَسْتَعِينُ بِحَاكِم غَيْرِكَ ، حَاشَاكَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَصِلْ دُعَائِي بِالإِجَابَةِ ، وَأَقْرِنْ شِكَايَتِي (12) بِالتَّغْيِيرِ. أَللَّهُمَّ لا تَفْتِنِّي بِالْقُنُوطِ مِنْ إنْصَافِكَ ، وَلاَ تَفْتِنْـهُ بِالأَمْنِ مِنْ إنْكَارِكَ ، فَيُصِرَّ عَلَى ظُلْمِي ، وَيُحَاضِرَنِي (13) بِحَقِّيْ ، وَعَرِّفْهُ عَمَّا قَلِيْل مَا أَوْعَدْتَ الظَّالِمِينَ ، وَعَرِّفْنِي مَا وَعَدْتَ مِنْ إجَابَةِ الْمُضْطَرِّينَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَوَفِّقْنِي لِقَبُولِ مَا قَضَيْتَ لِيْ وَعَليَّ ، وَرَضِّنِيْ بِمَا أَخَذْتَ (14) لي وَمِنِّي ، وَاهْـدِنِي لِلَّتِيْ هِي أَقْوَمُ ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِمَا هُوَ أَسْلَمُ. أللَّهُمَّ وَإنْ كَانَتِ الْخِيَرَةُ لِيْ عِنْدَكَ فِي تَأْخِيرِ الأَخْذِ لِي ، وَتَرْكِ الانْتِقَامِ مِمَّنْ ظَلَمَنِيْ إلَى يَوْمِ الْفَصْلِ ، وَمَجْمَعِ الْخَصْمِ فَصَلِّ عَلَى

    مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَيِّدْنِي مِنْكَ بِنِيَّة صَادِقَة ، وَصَبْر دَائِمٍ ، وَأَعِذْنِي مِنْ سُوءِ الرَّغْبَةِ ، وَهَلَعِ أَهْلِ الْحِرْصِ ، وَصَوِّرْ فِي قَلْبِي مِثَالَ مَا ادَّخَـرْتَ لِي مِنْ ثَوَابِـكَ ، وَأَعْدَدْتَ لِخَصْمِي مِنْ جَزَائِكَ وَعِقَابِكَ ، وَاجْعَلْ ذَلِكَ سَبَباً لِقَنَاعَتِي بِمَا قَضَيْتَ ، وَثِقَتِي بِمَا تَخَيَّرْتَ ، آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ، إنَّكَ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ، (15) وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ.

    (1) قوله عليه السلام : المتظلّمين
    التظلّم شكوى المظلوم عند من ينصف له من ظالمه.
    (2) قوله عليه السلام : واغتراراً
    إمّا إفتعال من الغرّة بالكسر بمعنى الغفلة ، ومنها أتاهم الجيش وهم غارّون أي : غافلون ، وأغرّ ما كانوا على أفعل التفضيل ، أي : أغفل ، والتغرّة من التغرير ، كالتعلّة من التعليل ، والياء على هذا بمعنى «عن».
    وعلى هذا حمل بعضهم قوله عزّ من قائل (مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) (1) وإمّا معناه الإجتراء والتجاسر ، والباء بمعنى «على» كما اختاره علّامة زمخشر في الأساس ، حيث قال : وما غرّك به أي : كيف اجترأت عليه ، ومنه (مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ). (2)
    (3) قوله عليه السلام : عمّا يناويه
    أي : يعاديه ، يقال : ناواه ، أي : ناهضه وعاداه. وأصله الهمز ؛ لأنّه من النوء بمعنى النهوض.
    (4) قوله عليه السلام : وأعدني عليه عدوى
    يقال : اسعدى فلان الأمير على من ظلمه ، أي : استعان به فأعداه (3) الأمير عليه ، أي :
    __________________
    1. سورة الإنفظار : 6.
    2. أساس البلاغة : ص 447.
    3. في «س» فأعدى.

    أعانه ونصره ، ومنه فمن رجل يعديني. والعدى اسم تارة من الإستعداد ، واُخرى من الإعداء ، فعلى الأوّل طلب المعونة والإنتقام ، وعلى الثاني المعونة نفسها كما هنا في قوله عليه السلام «عدوى حاضرة». ومنه قولهم ادّعى فلان عند القاضي وأراد منه عدوى ، أي : نصرة ومعونة على إحضار الخصم ، فهو يعديه أي : يسمع كلامه ويأمر بإحضار خصمه له.
    قال في المغرب : وكذا ما روي أنّ امرأة وليد (1) بن عقبة استعدت ، فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وآله هديّة من ثوبه كهيئة العدوى. أي : كما يعطي القاضي الخاتم أو الطينة ، ليكون علامة في إحضار المطلوب.
    حاشيّة اُخرى : قوله عليه السلام عدوى : العدوى في المخاصمة طلبك إلى والٍ ليعديك ، أي : ينتقم منه (2) من خصمك ، من استعديت على فلان الأمير فأعداني ، أي : استعنت به فأعانني عليه.
    (5) قوله عليه السلام : ومن حنقي
    الحنق ـ بالتحريك ـ الغيظ والحقد.
    (6) قوله عليه السلام : جلل
    الجلل هنا بمعنى الحقير الهيّن ، والجلل أيضاً الأمر العظيم ، فهو من الأضداد.
    (7) قوله عليه السلام : وكلّ مرزئة
    بضمّ الميم وكسر الزاء والهمزة من باب الإفعال من الرزء بالضمّ بمعنى النقص.
    وفي نسخة «ش» رحمه الله بفتح الميم وكسر الزاء بمعنى المصيبة.
    __________________
    1. في «س» : الوليد.
    2. في «س» : لك.

    (Cool قوله عليه السلام : شوى
    في رواية «س» الشوى : الهيّن اليسير ، والشوي بالواو المكسورة بعد الشين المفتوحة وقبل الياء المشدّدة كالعيي التعبان العاجز.
    (9) قوله عليه السلام : الموجدة
    بالفتح والكسر : الغضب والسخط.
    (10) قوله عليه السلام : فكما كرهت إليّ أن أظلم
    في خ «ش» من أن أظلم ، على أن يكون «من» للتبيين ، تبيّن ما في «فكما» وهو مفعول كرهت على هذه الرواية.
    (11) قوله عليه السلام : لا أشكو
    أي : إنّما أشكو إليك ، وإثبات الألف بعد الواو بحسب رسم الخطّ في نظائر ذلك في القرآن الكريم وفي الصحيفة المكرّمة من حيث التشبيه بواو الجمع ، تنبيهاً على اعتبار تكرير أشكو مثلاً ، وتكثيره على سياق ما قاله المفسّرون في علامة الجمع في (رَبِّ ارْجِعُونِ) (1) وفي (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) (2) فليفقه.
    (12) قوله عليه السلام : شكايتي
    وفي «خ» شكاتي ، الشكاة الأنين.
    __________________
    1. سورة المؤمنون : 99.
    2. سورة النون : 1 ـ 2.

    (13) قوله عليه السلام : ويحاصروني
    بالمهملة والمعجمة مع المعجمة أو المهملة ، يعني بالمهملتين من حاشيتي الألف. أي : يضايقني في حقّي ويمانعني عليه ، من حصره يحصره حصراً ضيّق عليه. وبالمهملة من قبل والمعجمة من بعد ، إمّا من حاضرته محاضرة أي : جاثيته عند السلطان ، أو من حاضرته حضاراً أي : عدوت معه.
    وبالمعجمتين من الحاشيتين ، أي : يذهب بحقّي مجّاناً ولا يدعه يبلغ نصاب الكمال ، من المخاضرة وهي بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها وهي خضر بعد. وبالمعجمة قبل الألف والمهملة بعدها مفاعلة من الخاصرة ، أي : يأخذ بخاصرتي ويضيق عليّ أمري ، والخاصرة هي ما فوق الطفطفة والشراسيف. (1)
    (14) قوله عليه السلام : ورضّني بما أخذت
    تفعيل من الرضا.
    (15) قوله عليه السلام : إنّك ذو الفضل العظيم
    مجرور في الأصل ومرفوع في رواية «س».
    __________________
    1. الطفطفة : اللحمة الرخصة بين الأضلاع. الشراسيف ، رؤوس الأضلاع وواحده الشرسف. «منه».

    15
    وكان من دعائه عليه السلام إذا مرض او نزل به كرب او بلية
    أللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا لَمْ أَزَلْ أَتَصَرَّفُ فِيهِ (1) مِنْ سَلاَمَةِ بَدَنِي ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَحْدَثْتَ بِيْ مِنْ عِلَّة فِي جَسَـدِي ، فَمَا أَدْرِي يَـا إلهِي ، أَيُّ الْحَالَيْنِ أَحَقُّ بِالشُّكْرِ لَكَ؟ وَأَيُّ الْوَقْتَيْنِ أوْلَى بِالْحَمْدِ لَكَ ، أَوَقْتُ الصِّحَةِ الَّتِي هَنَّـأْتَنِي فِيهَا طَيِّبَاتِ رِزْقِكَ ، وَنَشَّطْتَنِي بِهَا لابْتِغاءِ مَرْضَاتِكَ وَفَضْلِكَ ، وَقَوَّيْتَنِي مَعَهَا عَلَى مَـا وَفَّقْتَنِي لَهُ مِنْ طَـاعَتِـكَ ، أَمْ وَقْتُ الْعِلَّةِ الَّتِي مَحَّصْتَنِي بِهَا ، (2) وَالنِّعَمِ الَّتِي أَتْحَفْتَنِي بِهَا تَخْفِيفاً لِمَا ثَقُلَ بِهِ عَلَى ظَهري مِنَ الْخَطِيئاتِ ، وَتَطْهيراً لِمَا انْغَمَسْتُ فيهِ مِنَ السَّيِّئاتِ ، وَتَنْبِيهاً لِتَنَاوُلِ التَّوْبَةِ ، وَتَذْكِيراً لِمَحْوِ الْحَوْبَةِ بِقَدِيمِ النِّعْمَةِ ، وَفِي خِلاَلِ ذَلِكَ (3) مَا كَتَبَ لِيَ الْكَاتِبَانِ مِنْ زَكِيِّ الأعْمَالِ مَا لا قَلْبٌ فَكَّرَ فِيهِ ، (4) وَلا لِسَانٌ نَطَقَ بِهِ ، وَلاَ جَارِحَةٌ تَكَلَّفَتْهُ ، بَلْ إفْضَالاً مِنْكَ عَلَيَّ ، وَإحْسَاناً مِنْ صَنِيعِـكَ إلَيَّ. (5) أللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّـد وَآلِـهِ ، وَحَبِّبْ إلَيّ مَـا رَضِيتَ لِي وَيَسِّرْ لِي مَا أَحْلَلْتَ

    بِيْ ، وَطَهِّرْنِي مِنْ دَنَسِ مَا أَسْلَفْتُ ، وَامْحُ عَنِّي شَرَّ مَا قَـدَّمْتُ ، وَأَوْجِدْنِي حَلاَوَةَ الْعَافِيَةِ ، وَأَذِقْنِي بَرْدَ السَّلاَمَةِ ، وَاجْعَلْ مَخْرَجِي عَنْ عِلَّتِي إلَى عَفْوِكَ ، وَمُتَحَوَّلِي عَنْ صَرْعَتِي إلَى تَجَاوُزِكَ ، وَخَلاصِي مِنْ كَرْبِي إلَى رَوْحِكَ ، وَسَلاَمَتِي مِنْ هَذِهِ الشِّدَّةِ إلَى فَرَجِكَ ، إنَّكَ الْمُتَفَضِّلُ بِالإِحْسَانِ ، الْمُتَطَوِّلُ بِالامْتِنَانِ ، الْوَهَّابُ الْكَرِيمُ ، ذُو الْجَلاَلِ وَالإكْرَامِ. (6)

    (1) قوله عليه السلام : اللّهمّ لك الحمد على ما لم أزل أتصرّف فيه
    العائد راجع إلى «ما» و «من» تبيين له ، وصلة التصرّف محذوفة.
    وتقدير الكلام : على ما لم أزل فيه أتصرّف في اُموري ، أي : حالة لم أزل فيها التصرّف في الاُمور ، وتلك الحالة هي سلامة بدني.
    (2) قوله عليه السلام : التي محصتني بها
    في الأصل بالتشديد للتفعيل ، وفي «خ» بالتخفيف.
    قال في الصحاح : محصت الذهب بالنار : إذا خلصته ممّا يشوبه. والتمحيص : الإبتلاء والإختبار. (1)
    (3) قوله عليه السلام : وفي خلال ذلك
    بكسر الخاء المعجمة. في الصحاح : الخلل الفرجة بين الشيئين ، والجمع الخلال بالكسر. (2)
    (4) قوله عليه السلام : ما لا قلب فكّر فيه
    وقد تكرّر ما في معناه في أحاديثهم صلوات الله وتسليماته عليهم.
    فمن ذلك ما رواه رئيس المحدّثين أبو جعفر الكليني (رضي الله عنه) في جامعه الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله رفع رأسه إلى السماء فتبسّم ، فقيل له : يا رسول الله رأيناك رفعت رأسك إلى السماء فتبسّمت؟
    __________________
    1. الصحاح : 3 / 1056.
    2. الصحاح : 4 / 1687.

    قال : نعم عجبت لملكين هبطا من السماء إلى الأرض ، يلتمسان عبداً صالحاً مؤمناً في مصلّى كان يصلّي فيه ، ليكتبا له عمله في يومه وليلته ، فلم يجداه في مصلّاه ، فعرجا إلى السماء ، فقالا : ربّنا عبدك فلان المؤمن التمسناه في مصلّاه لنكتب له عمله ليومه وليلته ، فلم نصب فوجدناه في حبالك ، فقال الله عزّ وجلّ : اُكتبا لعبدي مثل ما كان يعمله في صحّته من الخير في يومه وليلته ما دام في حبالي ، فإنّ عليّ أن أكتب له أجر ما كان يعمله ، إذا حسبته عنه. (1)
    وفي الصحيح أيضاً : عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : يقول الله عزّ وجلّ للملك الموكّل بالمؤمن إذا مرض : اكتب له ما كنت تكتب له في صحّته ، فإنّي أنا الذي صيّرته في حبالي. (2)
    وباسناده العالي ، عن ابن محبوب ، عن عبد الحميد ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا صعد ملكا العبد المريض إلى السماء عند كلّ مساء ، يقول الربّ تبارك وتعالى : ماذا كتبتما لعبدي في مرضه؟ فيقولان : الشكاية ، فيقول : ما أنصفت عبدي أن حبسته في حبس من حبسي ثمّ أمنعه الشكاية ، اكتبا لعبدي مثل ما كنتما تكتبان له من الخير وفي صحّته ، ولا تكتبا عليه سيّئة حتّى أطلقه من حبسي ، فإنّه في حبسي من حبسي. (3)
    وباسناده عن جابر ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : قال النبي صلّى الله عليه وآله : إنّ المسلم إذا غلبه ضعف الكبر أمر الله عزّ وجلّ الملك أن يكتب له في حالة تلك مثل ما كان يعمل وهو شابّ نشيط صحيح ، ومثل ذلك إذا مرض وكّل الله به ملكاً يكتب له في سقمه ما كان يعمل من الخير في صحّته يرفعه الله ويقبضه ، وكذلك الكافر إذا اشتغل بسقم في جسده كتب الله له ما كان يعمله من شرّ في صحّته. (4)
    قلت : وفي معناها من طرق الخاصّة ومن طرق العامّة أخبار كثيرة ، ولعلّ السرّ أنّ النيّة
    __________________
    1. فروع الكافي : 3 / 113 ح 1.
    2. فروع الكافي : 3 / 113 ح 2.
    3. فروع الكافي : 3 / 114 ح 5.
    4. فروع الكافي : 3 / 113 ح 2.

    تنوب عن ذلك وتقوم مقام العمل ، ونيّة المؤمن خير من عمله ، ونيّة الكافر شرّ من عمله. ولقد ورد هذا المعنى عن الصادق عليه السلام في سبب استحقاق الخلود للمؤمن في الجنّة وللكافر في النار. (1)
    ونحن قد أشبعنا المقام بكلام مشبع في كتاب السبع الشداد (2) ، والحمد لله ربّ العالمين على صنيع إفضاله.
    (5) قوله عليه السلام : من صنيعك إليّ
    وفي خ «كف» من حسن صنيعك إليّ ، على ما في الأصل ، أي : من عايدتك ومعروفك ، و «من» مبعّضة أو مبيّنة. وما في نسخة «كف» من حسن صنيعك بمعنى صنعك.
    والجار بمجروره أعني «إليّ» يحتمل التعلّق بصنعك ، ويحتمل أن يكون صلة إحساناً.
    (6) قوله عليه السلام في آخر الدعاء : الوهّاب الكريم ذو الجلال والإكرام
    وفي «خ» : الوهّاب الكريم التوّاب العلّام ، ذو الجلال والإكرام.
    وفي رواية «كف» في طلب الستر لعيوبه.
    __________________
    1. رواه الكليني في اُصول الكافي : 2 / 69.
    2. السبع الشداد : ص 100. ط الحجري 1317.

    16 وكان من دعائه عليه السلام
    إذا استقال من ذنوبه أو تضرّع في طلب العفو عن عيوبه
    أللَّهُمَّ يَا مَنْ بِرَحْمَتِهِ يَسْتَغِيثُ الْمُذْنِبُونَ ، وَيَا مَنْ إلَى ذِكْرِ إحْسَانِهِ يَفْزَعُ الْمُضْطَرُّونَ ، وَيَا مَنْ لِخِيفَتِهِ يَنْتَحِبُ الْخَاطِئُونَ ، (1) يَا اُنْسَ كُلِّ مُسْتَوْحِش غَرِيبِ ، وَيَا فَرَجَ كُلِّ مَكْرُوب كَئِيب ، (2) وَيَا غَوْثَ كُلِّ مَخْذُوَل فَرِيد ، وَيَا عَضُدَ كُلِّ مُحْتَاج طَرِيد ، أَنْتَ الَّذِي وَسِعْتَ كُلَّ شَيْء رَحْمَةً وَعِلْماً ، وَأَنْتَ الَّذِي جَعَلْتَ لِكُلِّ مَخْلُوق فِي نِعَمِكَ سَهْماً ، وَأَنْتَ الَّذِيْ عَفْوُهُ أَعْلَى مِنْ عِقَابِهِ ، وَأَنْتَ الَّذِي تَسْعَى رَحْمَتُهُ أَمَامَ غَضَبِهِ ، (3) وَأَنْتَ الَّذِي عَطَآؤُهُ أكْثَرُ مِنْ مَنْعِهِ ، وَأَنْتَ الَّذِيْ اتَّسَعَ الْخَلاَئِقُ (4) كُلُّهُمْ فِي وُسْعِهِ ، وَأَنْتَ الَّذِي لا يَرْغَبُ فِي جَزَاءِ (5) مَنْ أَعْطَاهُ ، وَأَنْتَ الَّذِي لا يُفْرِطُ (6) فِي عِقَابِ مَنْ عَصَاهُ ، (7) وَأَنَا يَا إلهِي عَبْدُكَ الَّذِي أَمَرْتَهُ بِالدُّعاءِ فَقَالَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ ، (Cool هَا أَنَا ذَا ، يَا رَبِّ مَطْرُوحٌ بَيْنَ يَدَيْكَ ، أَنَا الَّذِي أَوْقَرَتِ الْخَطَايَا ظَهْرَهُ ، وَأَنا

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الصحيفه السجاديه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الصحيفه السجاديه كامله   الصحيفه السجاديه كامله Emptyأمس في 20:22

    الَّذِي أَفْنَتِ الذُّنُوبُ عُمْرَهُ ، (9) وَأَنَا الَّذِي بِجَهْلِهِ عَصاكَ ، وَلَمْ تَكُنْ أَهْلاً مِنْهُ لِذَاكَ ، هَلْ أَنْتَ يَا إلهِي ، رَاحِمٌ مَنْ دَعَاكَ فَأُبْلِغَ فِي الدُّعَاءِ؟ أَمْ أَنْتَ غَافِرٌ لِمَنْ بَكَاكَ فَأُسْرِعَ فِي الْبُكَاءِ؟ (10) أَمْ أَنْتَ مُتَجَاوِزٌ عَمَّنْ عَفَّرَ لَكَ وَجْهَهُ تَذَلُّلاً؟ أَم أَنْتَ مُغْن مَنْ شَكَا إلَيْكَ فَقْرَهُ تَوَكُّلاً؟ إلهِي لاَ تُخيِّبْ مَنْ لا يَجدُ مُعْطِياً غَيْرَكَ ، وَلاَ تَخْذُلْ (11) مَنْ لا يَسْتَغْنِي عَنْكَ بِأَحَد دُونَكَ ، إلهِي فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَلاَ تُعْرِضْ عَنِّي وَقَدْ أَقْبَلْتُ عَلَيْكَ ، وَلا تَحْرِمْنِي وَقَـدْ رَغِبْتُ إلَيْكَ ، وَلا تَجْبَهْنِي بِالرَّدِّ وَقَدْ انْتَصَبْتُ بَيْنَ يَدَيْكَ ، أَنْتَ الَّذِي وَصَفْتَ نَفْسَكَ بِالرَّحْمَةِ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَارْحَمْنِي ، وَأَنْتَ الَّذِي سَمَّيْتَ نَفْسَكَ بِالعَفْوِ فَاعْفُ عَنِّي ، قَـدْ تَرَى يَـا إلهِي فَيْضَ دَمْعِي مِنْ خِيفَتِكَ ، وَوَجِيبَ قَلْبِي مِنْ خَشْيَتِكَ ، وَانْتِفَاضَ جَوَارِحِي (12) مِنْ هَيْبَتِكَ ، كُلُّ ذَلِكَ حَياءً مِنِّكَ لِسُوءِ عَمَلِي ، وَلِذَاكَ خَمَدَ صَوْتِي عَنِ الْجَارِ إلَيْكَ ، (13) وَكَلَّ لِسَانِي عَنْ مُنَاجَاتِكَ ، يَا إلهِي فَلَكَ الْحَمْدُ فَكَم مِنْ غَائِبَة (14) سَتَرْتَهَا عَلَيَّ فَلَم تَفْضَحْنِي ، وَكَمْ مِنْ ذنْبِ غَطَّيْتَهُ عَلَيَّ فَلَمْ تَشْهَرْنِي ، وَكَمْ مِنْ شَائِبَة (15) أَلْمَمْتُ بِهَا فَلَمْ تَهْتِكْ عَنِّي سِتْرَهَا ، وَلَمْ تُقَلِّدْنِي مَكْرُوهَ شَنَارِهَا ، وَلَمْ تُبْدِ سَوْأَتَهَا لِمَنْ يَلْتَمِسُ مَعَايِبِي مِنْ جِيْرَتِي وَحَسَدَةِ نِعْمَتِكَ عِنْدِي ، ثُمَّ لَمْ يَنْهَنِي

    ذَلِكَ عَنْ أَنْ جَرَيْتُ إلَى سُوءِ مَا عَهِدْتَ مِنّي ، فَمَنْ أَجْهَلُ مِنِّي يَا إلهِيْ بِرُشْدِهِ؟ وَمَنْ أَغْفَلُ مِنِّي عَنْ حَظِّهِ؟ وَمَنْ أَبْعَدُ مِنِّي مِنِ اسْتِصْلاَحِ نَفْسِهِ حِيْنَ اُنْفِقُ مَا أَجْرَيْتَ عَلَيَّ مِنْ رِزْقِكَ فِيمَا نَهَيْتَنِي عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَتِكَ ، وَمَنْ أَبْعَدُ غَوْراً (16) فِي الْبَاطِلِ ، وَأَشَدُّ إقْدَاماً عَلَى السُّوءِ مِنّي حِينَ أَقِفُ بَيْنَ دَعْوَتِكَ وَدَعْوَةِ الشَّيْطَانِ فَـأتَّبعُ دَعْوَتَهُ عَلَى غَيْرِ عَمىً مِنّي فِيْ مَعْرِفَة بِهِ وَلا نِسْيَان مِنْ حِفْظِي لَهُ؟ وَأَنَا حِينَئِذ مُوقِنٌ بِأَنَّ مُنْتَهَى دَعْوَتِكَ إلَى الْجَنَّةِ ، وَمُنْتَهَى دَعْوَتِهِ إلَى النَّارِ. سُبْحَانَكَ مَا أَعْجَبَ مَا أَشْهَدُ بِهِ عَلَى نَفْسِي ، وَاُعَدِّدُهُ مِنْ مَكْتُوْمِ أَمْرِي ، وَأَعْجَبُ مِنْ ذلِكَ أَنَاتُكَ (17) عَنِّي ، وَإبْطآؤُكَ عَنْ مُعَاجَلَتِي ، وَلَيْسَ ذلِكَ مِنْ كَرَمِي عَلَيْكَ ، بَلْ تَأَنِّياً مِنْكَ لِي ، وَتَفَضُّلاً مِنْكَ عَلَيَّ ، لانْ أَرْتَـدِعَ عَنْ مَعْصِيَتِكَ الْمُسْخِطَةِ ، وَاُقْلِعَ عَنْ سَيِّئَـاتِي الْمُخْلِقَةِ ، (18) وَلِاَنَّ عَفْوَكَ عَنّي أَحَبُّ إلَيْكَ مِنْ عُقُوبَتِي ، بَلْ أَنَا يَا إلهِي أكْثَرُ ذُنُوباً ، وَأَقْبَحُ آثاراً ، وَأَشْنَعُ أَفْعَالاً ، وَأَشَدُّ فِي الْباطِلِ تَهَوُّراً ، وَأَضْعَفُ عِنْدَ طَاعَتِكَ تَيَقُّظاً ، وَأَقَلُّ لِوَعِيْدِكَ انْتِبَاهاً وَارْتِقَاباً مِنْ أَنْ أُحْصِيَ لَكَ عُيُوبِي ، أَوْ أَقْدِرَ عَلَى ذِكْرِ ذُنُوبِي ، وَإنَّمَا أُوبِّخُ بِهَذا نَفْسِي طَمَعَـاً فِي رَأْفَتِكَ الَّتِي بِهَـا صَلاَحُ أَمْرِ الْمُذْنِبِينَ ، وَرَجَاءً لِرَحْمَتِكَ الَّتِي بِهَا فَكَاكُ رِقَابِ الْخَاطِئِينَ. اللَّهُمَّ وَهَذِهِ رَقَبَتِي قَدْ أَرَقَّتْهَا الذُّنُوبُ ،

    فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَعْتِقْهَا بِعَفْوِكَ ، وَهَذَا ظَهْرِي قَدْ أَثْقَلَتْهُ الْخَطَايَـا ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَخَفِّفْ عَنْهُ بِمَنِّكَ ، يَا إلهِي لَوْ بَكَيْتُ إلَيْكَ حَتَّى تَسْقُطَ أَشْفَارُ عَيْنَيَّ ، (19) وَانْتَحَبْتُ حَتَّى يَنْقَطِعَ صَوْتِي ، وَقُمْتُ لَكَ حَتَّى تَتَنَشَّرَ (20) قَدَمَايَ ، وَرَكَعْتُ لَكَ حَتَّى يَنْخَلِعَ صُلْبِي ، وَسَجَدْتُ لَكَ حَتَّى تَتَفَقَّأَ حَدَقَتَايَ ، وَأكَلْتُ تُرَابَ الأرْضِ طُولَ عُمْرِي ، وَشَرِبْتُ مَاءَ الرَّمَادِ آخِرَ دَهْرِي ، وَذَكَرْتُكَ فِي خِلاَلِ ذَلِكَ حَتَّى يَكِلَّ لِسَانِي ، ثُمَّ لَمْ أَرْفَعْ طَرْفِي إلَى آفَاقِ السَّمَاءِ اسْتِحْيَاءً مِنْكَ ، (21) مَا اسْتَوْجَبْتُ بِذَلِكَ مَحْوَ سَيِّئَة (22) وَاحِـدَة مِنْ سَيِّئـاتِي ، وَإنْ كُنْتَ تَغْفِـرُ لِي حِيْنَ أَسْتَوْجِبُ مَغْفِرَتَكَ ، وَتَعْفُو عَنِّي حِينَ أَسْتَحِقُّ عَفْوَكَ فَإنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِب لِيْ بِاسْتِحْقَاق ، وَلا أَنَا أَهْلٌ لَهُ بِـاسْتِيجَاب ، إذْ كَـانَ جَزَائِي مِنْكَ فِي أَوَّلِ مَا عَصَيْتُكَ النَّارَ ، فَإنْ تُعَذِّبْنِي فَأَنْتَ غَيْرُ ظَالِم لِيْ. إلهِي فَـإذْ قَـدْ تَغَمَّـدْتَنِي بِسِتْـرِكَ فَلَمْ تَفْضَحْنِي ، وَتَـأَنَّيْتَنِي بِكَـرَمِـكَ فَلَمْ تُعَـاجِلْنِي ، وَحَلُمْتَ عَنِّي بِتَفَضُّلِكَ فَلَمْ تُغَيِّـرْ نِعْمَتَـكَ عَلَيَّ ، وَلَمْ تُكَـدِّرْ مَعْرُوفَكَ عِنْدِي ، فَارْحَمْ طُولَ تَضَرُّعِيْ ، وَشِـدَّةَ مَسْكَنَتِي ، وَسُوءَ مَوْقِفِيْ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَقِنِي مِنَ الْمَعَاصِي ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِالطَّاعَةِ ، وَارْزُقْنِي حُسْنَ الإِنابَةِ ، (23) وَطَهِّرْنِي بِالتَّـوْبَةِ ، وَأَيِّـدْنِي بِالْعِصْمَةِ ، وَاسْتَصْلِحْنِي

    بِالْعَافِيَةِ ، وَأَذِقْنِي حَلاَوَةَ الْمَغْفِـرَةِ ، وَاجْعَلْنِي طَلِيقَ عَفْـوِكَ ، وَعَتِيقَ رَحْمَتِكَ ، وَاكْتُبْ لِي أَمَاناً مِنْ سَخَطِكَ ، وَبَشِّرْنِي بِذلِكَ فِي الْعَاجِلِ دُونَ الآجِلِ ، بُشْرى أَعْرِفُهَا ، وَعَرِّفْنِي فِيهِ عَلاَمَةً أَتَبَيَّنُهَا ، إنَّ ذلِكَ لاَ يَضيقُ عَلَيْكَ فِي وُسْعِكَ ، وَلا يَتَكَأَّدُكَ فِي قُدْرَتِكَ ، وَلا يَتَصَعَّدُكَ فِي أناتِكَ ، وَلا يَؤودُك فِي جَزِيلِ هِباتِكَ الَّتِي دَلَّتْ عَلَيْهَا آيَاتُكَ ، إنَّكَ تَفْعَلُ مَا تَشَاءُ وَتَحكُمُ مَا تُرِيدُ ، إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ.

    (1) قوله عليه السلام : ينتحب الخاطئون
    وفي «خ» وبخطّ «ع» الخطاؤن. والنحب بالحاء المهملة البكاء ، والنحيب رفع الصوت بالبكاء والانتحاب البكاء بصوت طويل ومدّ ، والانتحاب أيضاً مطاوعة نحبه ينحبه بمعنى فزعه يفزعه ، والمناحبة المخاطبة والمراهبة.
    (2) قوله عليه السلام : كئيب
    الكأبة بالتحريك ، والكآبة بالمدّ سوء الحال من الحزن وانكسار البال ، وماء متكئّب ورماد متكئّب اللون ، إذا ضرب إلى السواد ، كما يكون وجه الكئيب ، قاله الجوهري. (1)
    (3) قوله عليه السلام : أمام غضبه
    فإنّ غضبه جلّ سلطانه من حيث رحمته الواسعة. وقد بسطنا تبيان الأمر في ذلك في كتبنا الحكميّة. وأيضاً رحمته الواسعة تسبق غضبه وتتعقّبه أيضاً ، فإنّما غضبه سبحانه بين رحمتين من رحماته سابقة وعاقبة.
    على سياق ما في التنزيل الكريم من قوله عزّ من قائل : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) (2) إذ تعريف العسر وتنكير يسراً يعطي أنّ طبيعة العسر ، بل كلّ فرد من أفرادها بين يسرين سابق وعاقب ، فاللام الاُولى لتعريف الجنس وإفادة الإستغراق ، والثانية لإفادة العهد.
    (4) قوله عليه السلام : وأنت الذي اتّسع الخلائق
    اتّسع مطاوعة وسعه الشيء بالكسر يسعه سعة فاتّسع هو فيه ، وقد يكون أيضاً افتعالاً لذلك الشيء الذي يسعه في سعته إيّاه.
    __________________
    1. الصحاح : 1 / 207.
    2. سورة الشرح : 5.

    (5) قوله عليه السلام : وأنت الذي لا يرغب في جزاء
    إذ أسماء الداعي والغاية الأخيرة التي هي غاية الغايات ومبدأ المبادي في فعله تعالى وتقدّس مجرّد علمه سبحانه بنظام الخير ، وما هو إلّا نفس مرتبة ذاته الحقّة من كلّ جهة لا غير.
    (6) قوله عليه السلام : وأنت الذي لا يفرط
    لا يفرط بضمّ الياء وكسر الراء من الإفراط ، وهو الشطط ومجاوزة الحدّ. وعلى رواية «ع» برواية «ش» لا يفرط بفتح الياء وضمّ الراء ، إمّا من فرط عليه يفرط ، أي : عجّل وعدا ، ومنه ما في التنزيل الكريم : (إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا) (1) أي : يعدو ويعجل.
    وإمّا من فرط في الأمر يفرط فرطاً ، أي : قصّر فيه وضيّعه حتّى فات ، وكذلك التفريط فيه ، ومنه لا يفرط على رواية «س» بضمّ الياء وكسر الراء المشدّدة.
    (7) قوله عليه السلام : في عقاب من عصاه
    أي : لا يجاوز الحدّ في عقابه ، فإنّ عقابه جلّ سلطانه وإن كان هو الأليم الشديد الذي لا يطاق ، إلّا أنّه دون الحدّ جدّاً بالقياس إلى استحقاق من عصاه.
    وفي رواية «س» : لا يفرط ، إنّما معناه سبحانه لا يعاجل من عصاه بالأخذ ، ولا يقصر في تأخير عقابه إمهالاً له للإنابة.
    (Cool قوله عليه السلام : لبّيك وسعديك
    أي : لبّيت تلبية بعد تلبية ، وساعدت على طاعتك يا ربّ مساعدة بعد مساعدة.
    (9) قوله عليه السلام : أقنت الذنوب عمره
    وفي ما بخطّي سابقاً عمره بضمّتين وفتحة الراء.
    10 قوله عليه السلام : في البكاء
    وفي «خ» البكا مقصوراً. والبكاء بالمدّ الصوت الذي يكون مع البكاء ، وبالقصر
    __________________
    1. سورة طه : 45.

    الدموع وخروجها.
    (11) قوله عليه السلام : ولا تخذل
    بإعجام الخاء والذال من الخذلان ، إمّا على صيغة المجهول ، وإمّا على جزم اللام للنهي. وفي «خ» لا تخذل باهمال الحاء إمّا على صيغة المعلوم. وحذل يحذل من باب علم يعلم ، يقال : حذلت عينه ، أي : سقط هدبها من بثرة تكون في أشفارها. وإمّا على صيغة المجهول من باب الإفعال ، يقال : أحذل البكاء العين ، قاله في القاموس. (1)
    (12) قوله عليه السلام : وانتفاض جوارحي
    الإنتفاض بالفاء والضاد المعجمة ، وكذلك فيما بخطّي سالفاً ، من نفضت الثوب والشجر : إذا حرّكته لينتفض. والنفض بالتحريك ما سقط من الورق والثمر.
    وفي بعض نسخ الأصل بالقاف والضاد المعجمة ، إمّا من تنفّضت الأرض عن الكمأة أي : تفطّرت ، وإمّا بمعنى النقض بالكسر بمعنى الصوت ، يقال : أنقضت العقاب أي : صوّتت ، وكذلك الدجاجة ، والإنقاض : أصوات صغار الإبل ، وإمّا من أنقض الحمل ظهره ، أي : أثقله ، وأصله الصوت ، والنقيض صوت المحامل والرحال.
    (13) قوله عليه السلام : عن الجأر إليك
    بفتح الجيم وإسكان الهمزة. وفي خ «ش» الجؤار. والجؤار بالضمّ وبالهمز رفع الصوت والإستغاثة ، كذلك الجأر بالفتح وسكون الهمزة ، ومنه (فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) (2) أي : ترفعون أصواتكم بالدعاء.
    قال في الصحاح : الجؤار مثل الخوار. يقال جأر الثور يجأر أي : صاح ، وقرأ بعضهم (عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ) (3) بالجيم ، حكاه الأخفش. وجأر الرجل إلى الله عزّ وجلّ ، أي تضرّع بالدعاء. (4)
    __________________
    1. القاموس : 3 / 356.
    2. سورة النحل : 53.
    3. سورة طه : 88.
    4. الصحااح : 2 / 607.

    (14) قوله عليه السلام : فكم من عايبة
    بالياء لا بالهمزة ، وكذلك فيما بخطّي فيما سلف. وفي أكثر النسخ «عائبة» بالهمزة ، و «من» في نظائر هذه المقامات مزيدة ، للاستغراق والإستيعاب والتكثير والتعميم ، كما في التنزيل الكريم : (أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ) (1) من الاُولى للاستغراق ، والثانية للابتداء.
    (15) قوله عليه السلام : وكم من شائبة
    الشائبة واحدة الشوائب ، وهي الأقذار والأدناس. وفي «خ» شائنة بالنون بعد الهمزة ، وهي متّجهة بحسب المعنى لا بحسب الرواية.
    (16) قوله عليه السلام : ومن أبعد غوراً
    أي : ذهاباً إلى غور الباطل وتوغّلاً فيه ، من غار يغور ، إذا أتى الغور فهو غائر ، وغور كلّ شيء قعره ، أو غوراً بمعنى غائراً ، كما في التنزيل الكريم : (مَاؤُهَا غَوْرًا) (2).
    قال الجوهري في الصحاح : ماء غور أي : غائر. (3)
    (17) قوله عليه السلام : أناتك
    أي : حلمك عنّي وتأخيرك في عقابي.
    (18) قوله عليه السلام : عن سيّئاتي المخلّقة
    أي : الجاعلة إيّاي كالثوب الخلق بالتحريك وهو البالي.
    قال في الصحاح : ثوب خلق أي : بال يستوي فيه المذكّر والمؤنّث. لأنّه في الأصل مصدر الأخلق وهو الأملس ، والجمع خلقان. (4)
    (19) قوله عليه السلام : حتّى تسقط أشفار عيني
    الأشفار حروف العين التي ينبت عليها الشعر.
    __________________
    1. سورة البقرة : 105.
    2. سورة الكهف : 41.
    3. الصحاح : 2 / 773.
    4. الصحاح : 4 / 1472.

    قال المطرّزي : شفر العين بالضّم منبت الأهداب.
    وقال الجوهري : الشفر حرف العين. (1)
    (20) قوله عليه السلام : تنشر
    في الأصل : «تتنشّر» من باب التفّعل ، وفي رواية «س» تنتشر من الإنتشار ، وهو الانتفاخ في عصب الدابة ، ويكون ذلك من التعب.
    (21) قوله عليه السلام : استحياءاً منك
    لطفاف التعبّد ونقصان الطاعة بالنظر إلى ما أنت تستحقّه بجلال عزّك العظيم وبهاء وجهك الكريم.
    (22) قوله عليه السلام : ما استوجبت ذلك محو سيّئة
    يعني نظراً إلى جبروت عزّك وجلالك ، فإنّ سلطان علوّ مجده سبحانه وتعالى جناب كبريائه جلّ سلطانه يستحقّ أن يكون مطلق عصيانه بما هو عصيان له سيّئة كبيرة مخزية موبقة غير ممكنة الإنجبار بتكاثر سوابغ الطاعات ، وتضاعف بوالغ الحسنات بوجه من الوجوه أصلاً.
    فضروب المعاصي جميعاً سواءاً سيّئة في ذلك بحسب كبرياء جناب المعصى وإن كانت هي بحسب خصوصيّات أنفسها ، وبحسب لحاظات خصوصيّات درجات العاصين مختلفة في استحقاق العفو والصفح ، وقابلة للإنمحاء والإنجبار بالتوبات والمكفّرات إذا عزل النظر عن تعاظم سلطان من حقّه أن يكون المطاع ، ولم يلحظ من المعصى.
    وهذا ما رامه أمير المؤمنين صلوات الله وتسليماته عليه ، حيث قال : «لا تنظر إلى ما عصيت انظر إلى من عصيت» ، فليتبصّر.
    (23) قوله عليه السلام : وارزقني حسن الإنابة
    الإنابة هي الإقبال على الطاعة ، يقال : أناب إلى الله أي : أقبل ، قاله الجوهري. (2)
    __________________
    1. الصحاح : 2 / 701.
    2. الصحاح : 1 / 229.

    والإنابة أيضاً التوبة والرجوع عن منكر ، يقال : أناب تاب ورجع ، وإليه منابي أي : مرجعي ، قاله السجستاني في غريب القرآن والزمخشري في الأساس. (1)
    __________________
    1. أساس البلاغة : ص 656 وغريب القرآن : ص 208.

    17
    وكان من دعائه عليه السلام
    إذا ذكر الشيطان فاستعاذ منه وَمن عداوته وَكيده
    أَللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ نَزَغَـاتِ الشَّيْطَانِ (1) الرَّجِيمِ ، وَكَيْدِهِ وَمَكَائِدِهِ ، وَمِنَ الثِّقَةِ بِأَمَـانِيِّهِ (2) وَمَوَاعِيدِهِ ، وَغُرُورِهِ وَمَصَائِدِهِ ، وَأَنْ يُطْمِعَ نَفْسَهُ فِي إضْلاَلِنَا عَنْ طَاعَتِكَ ، وَامْتِهَانِنَا (3) بِمَعْصِيَتِكَ ، أَوْ أَنْ يَحْسُنَ عِنْدَنَا مَا حَسَّنَ لَنَا ، أَوْ أَنْ يَثْقُلَ عَلَيْنَا مَا كَرَّهَ إلَيْنَا. أللَّهُمَّ اخْسَأْهُ عَنَّا بِعِبَادَتِكَ ، وَاكْبِتْهُ بِدُؤوبِنَا (4) فِي مَحَبَّتِكَ ، وَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِتْراً لاَ يَهْتِكُهُ ، وَرَدْماً (5) مُصْمِتاً لا يَفْتُقُهُ. أللَّهُمَّ صَـلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِـهِ ، وَاشْغَلْهُ عَنَّا بِبَعْضِ أَعْدَائِكَ ، وَاعْصِمْنَا مِنْهُ بِحُسْنِ رِعَايَتِكَ ، وَاكْفِنَا (6) خَتْرَهُ ، وَوَلِّنَا ظَهْرَهُ ، وَاقْطَعْ عَنَّا إثْرَهُ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَمْتِعْنَا مِنَ الْهُدَى بِمِثْلِ ضَلاَلَتِهِ ، وَزَوِّدْنَا مِنَ التَّقْوَى ضِدَّ غَوَايَتِهِ ، وَاسْلُكْ بِنَـا مِنَ التُّقى خِـلافَ سَبِيلِهِ مِنَ الـرَّدى. أللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ لَهُ فِي قُلُوبِنَا مَدْخَلاً ، (7) وَلاَ تُوطِنَنَّ لَهُ فِيمَا لَدَيْنَا

    مَنْزِلاً. (Cool اللَّهُمَّ وَمَا سَوَّلَ لَنَا مِنْ بَاطِل فَعَرِّفْنَاهُ ، وَإذَا عَرَّفْتَنَاهُ فَقِنَاهُ ، وَبَصِّرْنَا مَا نُكَايِدُهُ (9) بِهِ ، وَأَلْهِمْنَا مَا نُعِدُّهُ لَهُ ، وَأَيْقِظْنَا عَنْ سِنَةِ الْغَفْلَةِ بِالرُّكُونِ إلَيْهِ وَأَحْسِنْ بِتَوْفِيقِكَ عَوْنَنَا عَلَيْهِ. اللَّهُمَّ وَأَشْرِبْ قُلُوبَنَـا (10) إنْكَارَ عَمَلِهِ ، وَالْـطُفْ لَنَا (11) فِي نَقضِ حِيَلِهِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَحَوِّلْ سُلْطَانَهُ عَنَّا ، وَاقْطَعْ رَجَاءَهُ مِنَّا ، وادْرَأْه عَنِ الْوُلُوعِ بِنَا. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاجْعَلْ آباءَنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَأَوْلاَدَنَا وَأَهَالِينَا وَذَوِي أَرْحَامِنَا وَقَرَابَاتِنَا وَجِيْرَانَنَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ مِنْهُ فِي حِرْز حَـارِز ، وَحِصْنٍ حَافِظٍ ، وَكَهْف مَانِعٍ ، وَألْبِسْهُمْ مِنْهُ جُنَناً وَاقِيَةً ، وَأَعْطِهِمْ عَلَيْهِ أَسْلِحَةً مَاضِيَةً. أللَّهُمَّ وَاعْمُمْ بِذلِكَ مَنْ شَهِدَ لَكَ بِالرُّبُوبِيَّةِ ، وَأَخْلَصَ لَكَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ ، وَعَادَاهُ لَكَ بِحَقِيقَةِ الْعُبُودِيَّة ، وَاسْتَظْهَرَ بِكَ عَلَيْهِ فِي مَعْرِفَةِ الْعُلُومِ الرَّبَّانِيَّةِ. اللَّهُمَّ احْلُلْ مَا عَقَدَ ، وَافْتقْ مَا رَتَقَ ، وَافسَخ مَا دَبَّرَ ، وَثَبِّطْهُ (12) إذَا عَزَمَ ، وَانْقُضْ مَا أَبْرَمَ. اللَّهُمَّ وَاهْزِمْ جُنْدَهُ ، وَأَبْطِلْ كَيْدَهُ ، وَاهْدِمْ كَهْفَهُ ، وَأَرْغِمْ أَنْفَهُ. (13) اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا فِي نَظْم أَعْدَآئِهِ ، وَاعْزِلْنَا عَنْ عِدَادِ أَوْلِيَائِهِ ، لا نُطِيعُ لَهُ إذَا اسْتَهْوَانَا ، (14) وَلا نَسْتَجِيبُ لَهُ إذَا دَعَانَا ، نَأْمُرُ بِمُنَاوَاتِهِ (15) مَنْ أَطَاعَ أَمْرَنَا ، وَنَعِظُ عَنْ مُتَابَعَتِهِ مَنِ اتَّبَعَ زَجْرَنَا. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد ، خَاتَمِ النَّبِيِّينَ ، (16) وَسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ

    وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ الطَّيِّبِينَ الـطَّاهِرِينَ ، وَأَعِذْنَا وَأَهَـالِينَا وَإخْـوَانَنَا وَجَمِيـعَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ مِمَّا اسْتَعَذْنَا مِنْهُ ، وَأَجِرْنَا مِمَّا اسْتَجَرْنَا بِكَ مِنْ خَوْفِهِ ، وَاسْمَعْ لَنَا (17) مَا دَعَوْنَا بِهِ ، وَأَعْطِنَا مَا أَغْفَلْنَاهُ ، وَاحْفَظْ لَنَا مَا نَسِيْنَاهُ ، وَصَيِّرْنَا بِذَلِكَ فِي دَرَجَاتِ الصَّالِحِينَ ، وَمَـرَاتِبِ الْمُؤْمِنِينَ ، آمينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ.

    (1) قوله عليه السلام : من نزغات الشيطان
    أي : مفاسده ، ومنه قوله تعالى (أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) (1) أي : أفسده ، قاله في غريب القرآن.
    (2) قوله عليه السلام : بأمانيه (2)
    إنّما الأماني بالياء المشدّدة معناها في هذا الموضع الأحاديث المفتعلة والأكاذيب المختلقة ، من تمنّاه أي : اختلقه. ومنه أهذا شيء رويته أم تمنّيته؟
    والأصل في ذلك : إمّا الإشتقاق من مني إذا قدر كما المتمنّي يقدر ويحرز في نفسه ما يتمنّاه ، كذلك المختلق يقدر في نفسه كلمة بعد كلمة. وإمّا الأخذ من يتمنّى الأحاديث مقلوب تمنّيها أي : يفتعلها ، اشتقاقاً من مقلوب المين ، وهو الكذب.
    فأمّا في قوله سبحانه في التنزيل الكريم : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ) (3) فإمّا الأمر على هذا السبيل بعينه ، وإمّا الأماني جمع الاُمنية على أنّ الإستثناء منقطع.
    (3) قوله عليه السلام : وامتهاننا بمعصيتك
    أي : ابتذالنا في اتّباعه بمعصيتك ، من قولهم : «امتهنوني» أي : ابتذلوني في خدمتهم ، افتعال من المهنة. بمعنى الخدمة.
    (4) قوله عليه السلام : أخسأه عنّا بعبادتك وأكبته بدؤبنا ...
    __________________
    1. سورة يوسف : 100.
    2. في هذه الحاشية استدراك على الزمخشري وتغليط على البيضاوي «منه».
    3. سورة البقرة : 78.

    خسأت الكلب خسئاً طردته. والكبت : الصرف والاذلال ، وكبته بوجهه أي : صرعه. والدؤوب : العادة والشوق الشديد ، دأب فلان في عمله : أي : جدّ وتعب. ن
    (5) قوله عليه السلام : وردماً
    أي : سدّاً ، من ردمت الثلمة ردماً ، أي : سددتها.
    (6) قوله عليه السلام : واكفنا من
    واكفنا إلى ومنّعنا من رواية «س» لا من الأصل ، وفي رواية «س» خطره مكان ختره نسخة.
    (7) قوله عليه السلام : مدخلاً
    المدخل بفتح الميم والخاء ، إمّا على المصدر بمعنى النزول ، وإمّا على اسم المكان أي : موضع النزول. والمدخل بضمّ الميم وفتح الخاء على المصدر بمعنى الإدخال.
    وفي نسخة «ش» قدس الله نفسه بكسر الخاء على اسم الفاعل من باب الافعال.
    (Cool قوله عليه السلام : فيما لدينا منزلاً
    بفتح الميم وكسر الزاء على اسم المكان بمعنى موضع النزول.
    ومنزلاً بفتح الميم والزاء على المصدر الميمي للمجرّد بمعنى النزول. ومنزلاً بضمّ الميم وفتح الزاء على المصدر للمزيد بمعنى الإنزال.
    وفي نسخة الشهيد (قدّس الله روحه) منزلاً بكسر الزاء على اسم الفاعل من باب الإفعال ، ويكون في حيّز المفعول لموصوفه المحذوف. وتقدير الكلام : لا توطننّ فيما لدينا من (1) قلوبنا وجوارحنا وضمايرنا ونيّاتنا شيئاً منزلاً للشيطان في أفئدتنا.
    (9) قوله عليه السلام : ما تكايده
    باياء لا بالهمزة أصحّ.
    __________________
    1. في «ن» : في.

    (10) قوله عليه السلام : وأشرب قلوبنا
    على صيغة الأمر من باب الإفعال : إمّا من الشراب والشرب ، أو من الإشراب وهو لون. أي : خالطه قلوبنا واجعله يتداخلها ويسري فيها ويستوعب دخلتها ، وأحله في مداخلته ومخالطته إيّاها محلّ الشراب في تداخله أعماق البدن ، أو محلّ الصبغ في مخالطته شراشر الثوب. وعلى هذا السبيل قوله عزّ من قائل : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) (1) أي : خولطوا حبّه وتداخلهم الحرص على عبادته ، كما يتداخل الشراب الجوف ، أو كما يخالط الصبغ الثوب ، فأمّا (فِي قُلُوبِهِمُ) فبيان لمكان الإشراب ، كما في قوله سبحانه : (إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا) (2) وليس الأمر على ما ربّما يحسب.
    ويدلّ عليه كلام الجوهري في الصحاح (3) أن معناه خولطت قلوبهم حبّه وأنّ معنى قولهم : اشرب في قلب فلان حبّ كذا مخالطة الحبّ القلب.
    (11) قوله عليه السلام : وألطف لنا
    وفي بعض النسخ «بنا» في أصل نسخة شيخنا رحمه الله تعالى ، وقد أصلحه باللام ، والباء على وفاق القرآن الكريم ، وعلى طباق ما رواه شيخنا الخادم (4) أيضاً رحمه الله تعالى.
    (12) قوله عليه السلام : وثبّطه
    أي : حبّسه. وعوّقه «ش» برواية «ن». رحمهما الله تعالى على الأصل.
    (13) قوله عليه السلام : وأرغم أنفه
    في الأصل بهمزة القطع للإفعال ، وفي رواية «س» وارغم بهمزة الوصل. أرغم أنفه ورغمه أي : أذلّه ، يقال : رغم أنفي لله أي : ذلّ وخضع وانقاد ، من الرغم بالضمّ بمعنى الذلّ والخضوع ، أو معناه ألصق أنفه بالرغام ـ وهو التراب ـ إذلالاً وإهانة.
    __________________
    1. سورة البقرة : 93.
    2. سورة النساء : 10.
    3. الصحااح : 1 / 154.
    4. في النسخ في الحواشي : هو الشيخ عبد العالي.

    (14) قوله عليه السلام : إذا استهوانا
    أي : إذا استمالنا واختدعنا بما نهواه ليضلّنا ، أو أنّه استفعال من هوى يهوي أي : طمع فينا ، وأهوى إلينا بحباله ليذهب بنا إلى مهواة الغواية وهاوية الضلالة ، ومنه ما في التنزيل الكريم :. (1)
    (15) قوله عليه السلام : بمناواته
    لا بالهمز على غلبة الإستعمال ، وبالهمز على الأصل ، وفي رواية «س» معاً. والنوء : النهوض ، والمناواة مفاعلة منه ، لأنّ كلّاً من المتعاديين ينوء إلى صاحبه ، أي : ينهض.
    (16) قوله عليه السلام : خاتم النبيّين
    بكسر التاء على صيغة اسم الفاعل أو بفتحها ، بمعنى ما يختم به ، كالطابع بفتح الموحّدة لما يطبع به الاشيء ، أو بمعنى زينة النبيّين ؛ لأنّ الخاتم زينة ، والتختّم بالخاتم تزيّن ، أو بمعنى كرامتهم وقدرهم ، من قولهم : كرم الكتاب ختمه.
    (17) قوله عليه السلام : واسمع لنا
    في الأصل واسمع بهمزة الوصل ، أجب دعوتنا. وفي رواية «س» بقطع الهمزة ، أي : اجعل لنا ما دعونا به مسموعاً مستحقّاً للإجابة.
    __________________
    1. سورة الأنعام : 71.

    18
    وكان من دعائه عليه السلام
    إذا دفع عنه ما يحذر او عجل له مطلبه
    أَللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى حُسْنِ قَضَائِكَ ، وَبِمَا صَرَفْتَ (1) عَنِّي مِنْ بَلائِكَ ، فَلاَ تَجْعَـلْ حَظِّي مِنْ رَحْمَتِكَ مَا عَجَّلْتَ لِي مِنْ عَافِيَتِكَ ، فَأكُونَ قَدْ شَقِيتُ بِمَا أَحْبَبْتُ ، وَسَعِدَ غَيْرِي بِمَا كَرِهْتُ ، وَإنْ يَكُنْ مَا ظَلِلْتُ فِيهِ أَوْ بِتُّ فِيهِ (2) مِنْ هَذِهِ الْعَافِيَةِ بَيْنَ يَدَيْ بَلاء لاَ يَنْقَطِعُ وَوِزْر لاَ يَرْتَفِعُ فَقَدِّمْ لِي مَا أَخَّرْتَ ، وَأَخِّرْ عَنّي مَا قَدَّمْتَ فَغَيْرُ كَثِير مَا عَاقِبَتُهُ الْفَنَاءُ ، وَغَيْرُ قَلِيل مَا عَاقِبَتُهُ الْبَقَاءُ ، وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ.
    (1) قوله عليه السلام : وبما صرفت
    الباء ليست للصلة ، فيكون ما بعدها المحمو به. بل إمّا بمعنى أو للسببيّة ، فمدخولها المحمود عليه.
    (2) قوله عليه السلام : ما ظللت فيه أو بتّ فيه
    أي : ما فعلته نهاراً أو فعلته ليلاً ، ويقال : ظلّ فلان يفعل كذا ، إذا فعله (1) نهاراً ، وبات يفعل كذا إذا فعله ليلاً.
    __________________
    1. في «ن» : إذا فعل.

    19
    وكان من دعائه عليه السلام عند الاستسقاء بعد الجدب
    أللَّهُمَّ اسْقِنَـا الْغَيْثَ ، (1) وَانْشُرْ عَلَيْنَا رَحْمَتَـكَ بِغَيْثِكَ الْمُغْدِقِ (2) مِنَ الْسَّحَابِ الْمُنْسَـاقِ لِنَبَاتِ أَرْضِكَ الْمُونِقِ (3) فِي جَمِيـعِ الآفَاقِ ، وَامْنُنْ عَلَى عِبَادِكَ بِإينَاعِ الثَّمَرَةِ ، (4) وأَحْيِ بِلاَدَكَ بِبُلُوغِ الزَّهَرَةِ ، (5) وَأَشْهِدْ مَلائِكَتَكَ الْكِرَامَ السَّفَرَةَ (6) بِسَقْي مِنْكَ نَافِع ، دَائِم غُزْرُهُ ، وَاسِعٌ دِرَرُهُ ، (7) وَابِل سَرِيع عَاجِل ، تُحْيِي بِهِ مَا قَدْ مَات ، وَتَرُدُّ بهِ مَا قَدْ فَاتَ ، وَتُخْرِجُ بِهِ مَا هُوَ آت ، وَتُوَسِّعُ بِهِ فِي الأَقْوَاتِ ، سَحَاباً مُتَرَاكِماً هَنِيئاً مَرِيئاً (Cool طَبَقاً (9) مُجَلْجَلاً ، (10) غَيْرَ مُلِثٍّ (11) وَدْقُهُ ، وَلاَ خُلَّب (12) بَرْقُهُ. أللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثاً مَغيثَاً (13) مَرِيعاً مُمْرِعاً (14) عَرِيْضَاً (15) وَاسِعاً غَزِيراً ، تَرُدُّ بِهِ النَّهِيضَ ، (16) وَتَجْبُرُ بِهِ الْمَهِيضَ. (17) أللَّهُمَّ اسْقِنَا سَقْياً تُسِيلُ مِنْهُ الظِّرابَ ، (18) وَتَمْلا مِنْهُ الْجِبَابَ ، (19) وَتُفَجِّرُ بِهِ الأنْهَارَ ، وَتُنْبِتُ بِهِ الأشْجَارَ ، وَتُرْخِصُ بِهِ الأسْعَارَ فِي جَمِيع الأمْصَارِ ، وَتَنْعَشُ بِهِ (20)0 البَهَائِمَ وَالْخَلْقَ ، وَتُكْمِلُ لَنَا بِهِ

    طَيِّبَاتِ الرِّزْقِ ، وَتُنْبِتُ لَنَا بِهِ الزَّرْعَ ، وَتُدِرُّ بِهِ الضَّرْعَ ، وَتَزِيدُنَا بِهِ قُوَّةً إلَى قُوَّتِنَا. أللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ ظِلَّهُ عَلَيْنَا سَمُوماً ، وَلاَ تَجْعَلْ بَرْدَهُ عَلَيْنَا حُسُوماً ، (21) وَلاَ تَجْعَلْ صَوْبَهُ عَلَيْنَا رُجُوماً ، (22) وَلا تَجْعَلْ مَائَهُ عَلَيْنَا أُجَاجـاً. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد ، وَارْزُقْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ، إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ.

    (1) قوله عليه السلام : اسقنا الغيث
    الغيث المطر ، وقد غاث المطر الأرض أي : أصابها ، (1) وربّما سمّي السحاب والنبات (2) بذلك. ويقال أيضاً : السحاب الواقع في أيّامه غيث ، وفي غير أيّامه مطر.
    (2) قوله عليه السلام : المغدق
    على ما في الصحاح والقاموس : الغدق محرّكة الماء الكثير ، القطر. (3)
    وعلى ما في النهاية الأثيريّة : الغدق بفتح الدال المطر الكبار القطر ، والمغدق مفعل منه تأكيداً لمعناه. (4) وهذا هو الذي عناه عليه السلام.
    (3) قوله عليه السلام : المونق
    إمّا معناه سبب الأنق بالتحريك بمعنى الكلأ ، أو بمعنى الفرح والسرور. وإمّا معناه الأنيق وهو الحسن المعجب ، من آنقني كذا أي : أعجبني.
    (4) قوله عليه السلام : بإيناع الثمرة
    ايناع الثمرة وينعها تمام نصابها في النضج ، وبلوغها وقت القطاف. (5)
    (5) قوله عليه السلام : الزهرة
    الزهرة بالتحريك نور النبات ، وكذلك الزهرة بالفتح والتسكين ، وزهرة الأرض
    __________________
    1. القاموس : 4 / 10.
    2. في «ط» : والنباتات.
    3. الصحاح : 4 / 1536 والقاموس : 3 / 271.
    4. نهاية ابن الأثير : 3 / 345 وفيه أكّده به مكان تأكيداً لمعناه.
    5. في «ن» : في البلوغ والنضيج وقت القطاف.

    نضارتها وغضارتها وحسنها وبهجتها وكثرة خيرها. والزهرة بضمّ الزاء وإسكان الهاء البياض النيّر ، وهو أحسن الألوان. وزهرة أيضاً حيّ من قريش.
    وأمّا النجم فالزهرة بضمّ الراء وفتح الهاء ، والتسكين فيها غلط عاميّ.
    (6) قوله عليه السلام : وأشهد ملائكتك الكرام السفرة
    أي :أحضرهم. والسفرة : هاهنا بمعنى الكتبة جمع سافر وهو الكاتب ، والسفر بالكسر الكتاب.
    (7) قوله عليه السلام : درره
    بكسر الدال وفتح الراء. وفي بعض النسخ المضبوطة بفتح الدال أيضاً ، والدرر بالكسر جمع الدرّة بالكسر ، ودرّة السحاب صبّه واندفاقه ، ودرّة اللبن كثرته وسيلانه ، ودرّة الساق استدارته للجري ، ودرّة السوق نفاقه. والدرّة بالفتح بمعنى القصد ، يقال : هما على درر واحد أي : على قصد واحد.
    وفي نسخة «درّة» بالدال المفتوحة والراء المشدّدة بمعنى اللبن ، وقد استعير لمطره وقطرة مطره.
    (Cool قوله عليه السلام : هنيئاً مريئاً
    الهنيء من الطعام الطيّب اللذيذ الطعم ، والمريء منه المحمود العاقبة. وقال الهروي الهنيء ما لا تعب ولا إثم فيه ، والمريء ما لا داء فيه.
    (9) قوله عليه السلام : طبقاً
    بالتحريك أي : غيثاً شاملاً يملأ الأرض ويغشّيها ويغطّيها ويطبقها.
    (10) قوله عليه السلام : مجلجلاً
    المجلجل السحاب الذي يسمع منه صوت الرعد.
    (11) قوله عليه السلام : غير ملثّ
    على صيغة إسم الفاعل من باب الإفعال من اللثّ وهو دوام المطر.
    (12) قوله عليه السلام : ولا خلّب

    الخلّب بضمّ الخاء المعجمة وتشديد اللام المفتوحة : السحاب الذي لا مطر فيه ، والبرق الخلّب : المطمع المخلف.
    (13) قوله عليه السلام : مغيثاً
    المغيث هاهنا مفعل من الغيث بمعنى الكلاء والنبات ، وغيثاً مغيثاً أي : مطراً موجباً للغيث والنبات.
    (14) قوله عليه السلام : مريعاً ممرعاً
    مريعاً بفتح الميم على صيغة فعيل. وممرعاً بضمّ الميم على صيغة الفاعل من باب الإفعال ، من مرع الوادي بضمّ الراء وأمرع أيضاً بقطع الهمزة ، أي : أكلأ وصار ذا كلاء وعشب.
    وفي خ «كف» مريعاً بضمّ الميم على مفعل صيغة الفاعل من باب الافعال من الريع بمعنى النماء والزيادة.
    (15) قوله عليه السلام : عريضاً
    بإهمال الأوّل وإعجام الآخر ، كما في التنزيل الكريم : (فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ) (1) وفي قوله صلّى الله عليه وآله لعثمان في انهزامه يوم اُحد : لقد ذهبت عريضاً يا عثمان. أو غريضاً بإعجامها من غرض الشيء فهو غريض ، أي : طري ، يقال : لحم غريض ، ويقال : لماء المطر : غريض ومغروض.
    (16) قوله عليه السلام : النهيض
    النهيض هو النبات ، ويقال : النبات المستوي ، من قولهم نهض النبت أي : استوى.
    (17) قوله عليه السلام : المهيض
    المهيض العظم المكسور ، يقال : هاض العظم كسره بعد الجبر فهو مهيض.
    __________________
    1. سورة فصّلت : 51.

    (18) قوله عليه السلام : الظراب
    بالظاء المعجمة الروابي الصغار ، والضراب بالضاد المعجمة جمع ضرب ككتف ، وهو ما نتا من الحجارة وحدّ طرفه ، ويقال : هو الجبل المنبسط.
    وفي رواية «كف» فتح تاء تسيل ، ورفع الظراب ، وضمّ تاء تملأ على البناء للمجهول ، ورفع الجباب ، وعلى هذا القياس فيما بعد.
    (19) قوله عليه السلام : الجباب
    جمع الجبّ وهو البئر.
    (20) قوله عليه السلام : تنعش به
    نعشه وأنعشه بمعنى ، وكذلك نعّشه بالتشديد أي : رفعه ، أو جبر فقره وفاقته ، أو ذكره ذكراً حسناً. والمراد هنا المعنى (1) الثاني.
    (21) قوله عليه السلام : حسوماً
    أي : نحوساً ، وربّما يقال : أي : متتابعة.
    (22) قوله عليه السلام : رجوماً
    الرجم : الطرد ، واسم ما يرجم به ، وجمع الأخير رجوم.
    __________________
    (1) في «ن» : بمعنى.

    20
    وكان من دعائه عليه السلام
    في مكارم الاخلاق وَمرضي الافعال
    أَللَّهمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَبَلِّغْ بِإيْمَانِي (1) أكْمَلَ الإِيْمَانِ ، وَاجْعَلْ يَقِينِي أَفْضَلَ الْيَقِينِ ، وَانْتَهِ بِنِيَّتِي إلَى أَحْسَنِ النِّيَّـاتِ ، وَبِعَمَلِي إلى أَحْسَنِ الأعْمَالِ. أللَّهُمَّ وَفِّرْ بِلُطْفِكَ نِيَّتِي ، وَصَحِّحْ بِمَـا عِنْدَكَ يَقِينِي ، وَاسْتَصْلِحْ بِقُدْرَتِكَ مَا فَسَدَ مِنِّي. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاكْفِنِي مَا يَشْغَلُنِي الاهْتِمَامُ بِهِ ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِمَا تَسْأَلُنِي غَداً عَنْهُ ، وَاسْتَفْرِغْ أَيَّامِي فِيمَا خَلَقْتَنِي لَهُ ، وَأَغْنِنِي وَأَوْسِعْ عَلَىَّ فِي رِزْقِكَ ، وَلاَ تَفْتِنِّي بِالنَّظَرِ ، وَأَعِزَّنِي وَلا تَبْتَلِيَنِّي (2) بِالْكِبْرِ ، وَعَبِّدْنِي (3) لَكَ ، وَلاَ تُفْسِدْ عِبَادَتِي بِالْعُجْبِ ، وَأَجْرِ لِلنَّاسِ عَلَى يَدَيَّ الْخَيْرَ ، وَلا تَمْحَقْهُ بِالْمَنِّ ، وَهَبْ لِي مَعَالِيَ الأَخْلاَقِ ، وَاعْصِمْنِي مِنَ الْفَخْرِ. اللَّهُمَّ صَـلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَلا تَـرْفَعْنِي فِيْ النَّاسِ دَرَجَـةً إلاّ حَطَطْتَنِي عِنْدَ نَفْسِي مِثْلَهَا ، وَلا تُحْدِثْ لِي عِزّاً ظَاهِرَاً إلاّ

    أَحْدَثْتَ لِي ذِلَّةً بَاطِنَةً عِنْدَ نَفْسِي بِقَدَرِهَا. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد ، وَمَتِّعْنِي بِهُدىً صَالِح لا أَسْتَبْدِلُ بِهِ ، وَطَرِيقَةِ حَقٍّ لا أَزِيْغُ عَنْهَا ، وَنِيَّةِ رُشْد لاَ أَشُكُّ فِيْهَا ، وَعَمِّرْنِي مَا كَانَ عُمْرِيْ بِذْلَةً (4) فِي طَاعَتِكَ ، فَإذَا كَانَ عُمْرِي مَرْتَعَاً (5) لِلشَّيْطَانِ فَـاقْبِضْنِي إلَيْـكَ قَبْـلَ أَنْ يَسْبِقَ مَقْتُـكَ إلَيَّ ، أَوْ يَسْتَحْكِمَ غَضَبُكَ (6) عَلَيَّ. أللَّهُمَّ لا تَدَعْ خَصْلَةً تُعَابُ مِنِّي إلاّ أَصْلَحْتَهَا ، (7) وَلا عَآئِبَةً (Cool أُؤَنَّبُ بِهَا (9) إلاّ حَسَّنْتَهَا ، وَلاَ أُكْرُومَـةً فِيَّ نَاقِصَةً (10) إلاّ أَتْمَمْتَهَا. (11) أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد ، وَأَبْدِلْنِي مِنْ بِغْضَةِ أَهْلِ الشَّنَئانِ (12) الْمَحَبَّةَ ، وَمِنْ حَسَدِ أَهْلِ الْبَغْيِ الْمَوَدَّةَ ، وَمِنْ ظِنَّةِ أَهْلِ الصَّلاَحِ الثِّقَةَ ، (13) وَمِنْ عَدَاوَةِ الأَدْنَيْنَ الْوَلايَةَ ، (14) وَمِنْ عُقُوقِ ذَوِي الأَرْحَامِ الْمَبَرَّةَ ، ومِنْ خِـذْلانِ الأَقْرَبِينَ النُّصْـرَةَ ، وَمِنْ حُبِّ الْمُدَارِينَ (15) تَصْحيحَ الْمِقَةِ ، وَمِنْ رَدِّ الْمُلاَبِسِينَ كَرَمَ الْعِشْرَةِ ، وَمِنْ مَرَارَةِ خَوْفِ الظَّالِمِينَ حَلاَوَةَ الأَمَنَةِ. (16) أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَاجْعَلْ لِيْ يَداً عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي ، وَلِسَـاناً عَلَى مَنْ خَـاصَمَنِي ، وَظَفَراً بِمَنْ عَانَدَنِي ، وَهَبْ لِي مَكْراً عَلَى مَنْ كَايَدَنِي ، وَقُدْرَةً عَلَى مَنِ اضْطَهَدَنِي ، وَتَكْذِيباً لِمَنْ قَصَبَنِي ، (17) وَسَلاَمَةً مِمَّنْ تَوَعِّدَنِي ، وَوَفِّقْنِي لِطَاعَةِ مَنْ سَدَّدَنِي ، وَمُتَابَعَةِ مَنْ أَرْشَدَنِي. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَسَدِّدْنِي لِاَنْ

    أعَـارِضَ مَنْ غَشَّنِي بِالنُّصْـحِ ، وَأَجْـزِيَ مَنْ هَجَرَنِي بِالْبِرِّ وَأُثِيبَ مَنْ حَرَمَنِي بِالْبَذْلِ ، وَأُكَافِيَ مَنْ قَطَعَنِي بِالصِّلَةِ ، وأُخَـالِفَ مَنِ اغْتَابَنِي إلَى حُسْنِ الذِّكْرِ ، وَأَنْ أَشْكرَ الْحَسَنَةَ ، وَاُغْضِيَ عَنِ السَّيِّئَـةِ. (18) أللَّهُمَّ صَـلِّ عَلَى مُحَمَّـد وَآلِـهِ ، وَحَلِّنِي بِحِلْيَـةِ الصَّالِحِينَ ، وَأَلْبِسْنِي زِينَةَ المُتَّقِينَ فِيْ بَسْطِ الْعَدْلِ ، وَكَظْمِ الْغَيْظِ ، وَإطْفَاءِ النَّائِرَةِ ، (19) وَضَمِّ أَهْلِ الْفُرْقَةِ ، وَإصْلاَحِ ذَاتِ الْبَيْنِ ، وَإفْشَاءِ الْعَارِفَةِ ، وَسَتْرِ الْعَائِبَةِ ، وَلِينِ الْعَرِيكَةِ ، وَخَفْضِ الْجَنَـاحِ ، وَحُسْنِ السِّيرَةِ ، وَسُكُونِ الرِّيـحِ ، (20) وَطِيْبِ الْمُخَالَقَـةِ ، (21) وَالسَّبْقِ إلَى الْفَضِيلَةِ ، وإيْثَارِ التَّفَضُّلِ ، وَتَرْكِ التَّعْبِيرِ ، (22) وَالإفْضَالِ (23) عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ ، وَالـقَوْلِ بِالْحَقِّ ، وَإنْ عَـزَّ ، وَاسْتِقْلاَلِ الخَيْـرِ ، وَإنْ كَثُـرَ مِنْ قَـوْلِي ، وَفِعْلِي ، وَاسْتِكْثَارِ الشَّرِّ ، وَإنْ قَلَّ مِنْ قَوْلِي وَفِعْلِي ، وَأكْمِلْ ذَلِكَ لِي بِدَوَامِ الطَّاعَةِ ، وَلُزُومِ الْجَمَاعَةِ ، وَرَفْضِ أَهْلِ الْبِدَعِ ، وَمُسْتَعْمِلِ الرَّأي الْمُخْتَرَعِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاجْعَلْ أَوْسَعَ رِزْقِكَ عَلَيَّ إذَا كَبُرتُ ، وَأَقْوَى قُوَّتِكَ فِيَّ إذَا نَصِبْتُ ، (24) وَلاَ تَبْتَلِيَنّي بِالكَسَلِ عَنْ عِبَادَتِكَ ، وَلا الْعَمَى عَنْ سَبِيلِكَ ، وَلاَ بِالتَّعَرُّضِ لِخِلاَفِ مَحَبَّتِكَ ، وَلاَ مُجَامَعَةِ مَنْ تَفَرَّقَ عَنْكَ ، وَلا مُفَارَقَةِ مَنِ اجْتَمَعَ إلَيْكَ. أللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أصُوْلُ بِكَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، وَأَسْأَلُكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ ، وَ

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الصحيفه السجاديه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الصحيفه السجاديه كامله   الصحيفه السجاديه كامله Emptyأمس في 20:24

    أَتَضَرَّعُ إلَيْكَ عِنْدَ الْمَسْكَنَةِ ، وَلا تَفْتِنّي بِالاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِكَ إذَا اضْطُرِرْتُ ، وَلا بِالْخُضُوعِ لِسُؤالِ غَيْرِكَ إذَا افْتَقَـرْتُ ، وَلاَ بِـالتَّضَـرُّعِ إلَى مَنْ دُونَـكَ إذَا رَهِبْتُ ، (25) فَأَسْتَحِقَّ بِذلِكَ خِذْلانَكَ وَمَنْعَكَ وَإعْرَاضَكَ ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. أللَّهُمَّ اجْعَلْ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِي رَوْعِي (26) مِنَ التَّمَنِّي وَالتَّظَنِّي (27) وَالْحَسَـدِ ذِكْـراً لِعَظَمَتِكَ ، وَتَفَكُّراً فِي قُدْرَتِكَ ، وَتَدْبِيراً عَلَى عَدُوِّكَ ، وَمَا أَجْرَى عَلَى لِسَانِي مِنْ لَفْظَةِ فُحْش أَوْ هُجْر أَوْ شَتْمِ عِرْض أَوْ شَهَادَةِ بَاطِل أو اغْتِيَابِ مُؤْمِن غَائِبِ أَوْ سَبِّ حَاضِر ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ نُطْقاً بِالْحَمْدِ لَكَ ، وَإغْرَاقاً فِي الثَّنَاءِ عَلَيْكَ ، وَذَهَاباً فِي تَمْجيدِكَ ، وَشُكْراً لِنِعْمَتِكَ ، وَاعْتِرَافاً بِإحْسَانِكَ ، وَإحْصَاءً لِمِنَنِكَ. أللّهُمَّ صَـلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِـهِ ، وَلاَ اُظْلَمَنَّ وَأَنْتَ مُطِيقٌ لِلدَّفْعِ عَنِّي ، وَلا أَظْلِمَنَّ وَأَنْتَ القَادِرُ عَلَى الْقَبْضِ مِنِّي ، وَلاَ أَضِلَّنَّ وَقَدْ أَمْكَنَتْكَ هِدَايَتِي ، وَلاَ أَفْتَقِرَنَّ (28) وَمِنْ عِنْدِكَ وُسْعِي ، وَلا أَطْغَيَنَّ (29) وَمِنْ عِنْدِكَ وُجْدِي. أللَّهُمَّ إلَى مَغْفِرَتِكَ وَفَدْتُ ، وَإلَى عَفْوِكَ قَصَـدْتُ ، وَإلَى تَجَـاوُزِكَ اشْتَقْتُ ، وَبِفَضْلِكَ وَثِقْتُ ، وَلَيْسَ عِنْدِي مَا يُوجِبُ لِي مَغْفِرَتَكَ ، وَلاَ فِي عَمَلِي مَا أَسْتَحِقُّ بِهِ عَفْوَكَ ، وَمَا لِي بَعْدَ أَنْ حَكَمْتُ عَلَى نَفْسِي إلاَّ فَضْلُكَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَتَفَضَّلْ عَلَيَّ. أللَّهُمَّ وَأَنْطِقْنِي

    بِالْهُدى ، وَأَلْهِمْنِي ألتَّقْـوَى ، وَوَفِّقْنِي لِلَّتِيْ هِيَ أَزْكَى ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِمَا هُوَ أَرْضَى. أللَّهُمَّ اسْلُكْ بِيَ الطَّرِيقَـةَ الْمُثْلَى ، (30) وَاجْعَلْنِي عَلَى مِلَّتِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَى. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَمَتِّعْنِي بِالاقْتِصَادِ ، (31) وَاجْعَلْنِي مِنْ أَهْلِ السَّدَادِ ، وَمِنْ أَدِلَّةِ الرَّشَادِ وَمِنْ صَالِحِي الْعِبَادِ ، وَارْزُقْنِي فَوْزَ الْمَعَادِ ، وَسَلاَمَةَ الْمِرْصَادِ. أللَّهُمَّ خُذْ لِنَفْسِكَ مِنْ نَفْسِي مَـا يُخَلِّصُهَا ، وَأَبْق لِنَفْسِي مِنْ نَفْسِي مَـا يُصْلِحُهَا فَإنَّ نَفْسِي هَالِكَةٌ أَوْ تَعْصِمَهَا. أَللَّهُمَّ أَنْتَ عُدَّتِي (32) إنْ حَزَنْتُ ، (33) وَأَنْتَ مُنْتَجَعِي (34) إنْ حُرِمْتُ ، وَبِكَ استِغَاثَتِي إنْ كَرِثْتُ ، (35) وَعِنْدَكَ مِمَّا فَاتَ خَلَفٌ ، وَلِمَا فَسَدَ صَلاَحٌ ، وَفِيمَا أنْكَرْتَ تَغْييرٌ ، فَامْنُنْ عَلَيَّ قَبْلَ الْبَلاءِ بِالْعَافِيَةِ ، وَقَبْلَ الطَّلَبِ بِالْجِدةِ ، وَقَبْلَ الضَّلاَلِ بِالرَّشَادِ ، وَاكْفِنِي مَؤُونَةَ مَعَرَّةِ الْعِبَادِ ، (36) وَهَبْ لِيْ أَمْنَ يَوْمِ الْمَعَادِ ، وَامْنَحنِي حُسْنَ الارْشَادِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّـد وَآلِـهِ ، وَادْرَأ عَنّي بِلُطْفِـكَ ، وَاغْـذُنِي بِنِعْمَتِكَ ، وَأَصْلِحْنِي بِكَرَمِـكَ ، وَدَاوِنِي بصُنْعِـكَ ، وَأَظِلَّنِيْ فِي ذَرَاكَ وجَلِّلْنِي رِضَـاكَ ، وَوَفِّقنِي إذَا اشْتَكَلَتْ عَلَيَّ الأمُـورُ لأِهْدَاهَـا ، وَإذَا تَشَابَهَتِ الأعْمَالُ لأزْكَاهَا ، وَإذَا تَنَاقَضَتِ الْمِلَلُ لأِرْضَاهَا. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَتَوِّجْنِي بِالْكِفَايَةِ وَسُمْنِي حُسْنَ الْوِلايَةِ ، (37) وَهَبْ لِيْ صِدْقَ الْهِدَايَةِ ، وَلا تَفْتِنِّي بِالسَّعَةِ وَامْنَحْنِي حُسْنَ

    الدَّعَةِ ، (38) وَلا تَجْعَلْ عَيْشِي كَدّاً كَدّاً ، وَلاَ تَرُدَّ دُعَائِي عَلَيَّ رَدّاً ، فَإنِّي لا أَجْعَلُ لَكَ ضِدّاً ، وَلا أَدْعُو مَعَكَ نِدّاً. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّـد وَآلِـهِ ، وَامْنَعْنِي مِنَ السَّرَفِ ، (39) وَحَصِّنْ رِزْقِي مِنَ التَّلَفِ ، وَوَفِّرْ مَلَكَتِي بِالْبَرَكَةِ فِيهِ ، وَأَصِبْ بِي سَبِيلَ الْهِدَايَةِ لِلْبِرِّ فِيمَا اُنْفِقُ (40) مِنْهُ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاكْفِنِي مَؤُونَةَ الاكْتِسَابِ ، وَارْزُقْنِي مِنْ غَيْرِ احْتِسَاب ، فَلاَ أَشْتَغِلَ عَنْ عِبَادَتِكَ بِالطَّلَبِ ، وَلا أَحْتَمِلَ إصْرَ تَبِعَاتِ الْمَكْسَبِ. أللَّهُمَّ فَأَطْلِبْنِي (41) بِقُدْرَتِكَ مَا أَطْلُبُ ، وَأَجِرْنِي بِعِزَّتِكَ مِمَّا أَرْهَبُ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَصُنْ وَجْهِي بِالْيَسَارِ ، وَلاَ تَبْتَذِلْ جَاهِي بِالإقْتارِ ، فَأَسْتَرْزِقَ أَهْلَ رِزْقِكَ ، وَأَسْتَعْطِيَ شِرَارَ خَلْقِكَ ، فَأفْتَتِنَ بِحَمْدِ مَنْ أَعْطَانِي ، وَاُبْتَلَى بِـذَمِّ مَنْ مَنَعَنِي ، وَأَنْتَ مِنْ دُونِهِمْ وَلِيُّ الإعْطَاءِ وَالْمَنْعِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِـةِ ، وَارْزُقْنِي صِحَّةً فِيْ عِبَادَة ، وَفَراغاً فِي زَهَادَة ، وَعِلْماً فِي اسْتِعمَـال ، وَوَرَعـاً فِي إجْمَال. أللَّهُمَّ اخْتِمْ بِعَفْوِكَ أَجَلي ، وَحَقِّقْ فِي رَجَاءِ رَحْمَتِكَ أَمَلِي ، وَسَهِّلْ إلَى بُلُوغِ رِضَاكَ سُبُلِي ، وَحَسِّن فِي جَمِيعِ أَحْوَالِيْ عَمَلِي. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَنَبِّهْنِي لِذِكْرِكَ فِي أَوْقَاتِ الْغَفْلَةِ ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِطَاعَتِـكَ فِي أَيَّامِ الْمُهْلَةِ ، وَانْهَجْ لِي إلى مَحَبَّتِكَ سَبيلاً سَهْلَةً ، أكْمِلْ لِي بِهَا خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِـرَةِ. أللَّهُمَّ وَ

    صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، كَأَفْضَلِ مَـا صَلَّيْتَ عَلَى أَحَد مِنْ خَلْقِكَ قَبْلَهُ ، وَأَنْتَ مُصَلٍّ عَلَى أَحَد بَعْدَهُ ، وَآتِنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنِي بِرَحْمَتِكَ عَذَابَ النَّارِ. (42)

    (1) قوله عليه السلام : وبلّغ بايماني
    الباء زائدة : إذ المعنى بمالي من إيماني أكمل الإيمان.
    (2) قوله عليه السلام : ولا تبتليني
    الواو للحال ، فيكون «لا» للنفي.
    (3) قوله عليه السلام : وعبّدني
    أي : وذلّلني واستعملني في العبادة لك.
    (4) قوله عليه السلام : بذلة
    البذلة بكسر الموحّدة وتسكين المعجمة من الثياب ما يمتهن ، أي : يلبس في الخدمة. واستعارتها للعمر حسنة لطيفة ما أحسنها وألطفها. والمعنى : (1) ما كان عمري كلباس الخدمة مستعملاً في طاعتك.
    (5) قوله عليه السلام : مرتعاً
    ما أحسن هذه الإستعارة وأبلغها من وجوه.
    (6) قوله عليه السلام : أو يستحكم غضبك
    أي : يقوم ويحقّ ويثبت ويلزم. يقال : أحكمته فاستحكم أي : صار محكوماً (2) مدعوماً قويّاً ثابتاً رصين الأعضاء متين الأركان ، فهو مستحكم بالكسر على اسم الفاعل ، وبفتح الكاف فيه على البناء للمفعول خطأ صريح من أهوام العوام ، وغلط فضيح من أغلاط العامّة ، شاع في مخاطباتهم وفشا في محاوراتهم ، لا عن منشأ في لغة العرب ، ولا عن مأخذ
    __________________
    1. في «س» : بمعنى.
    2. في «ن» : محكماً.

    في كتب الأدب.
    قال المطرّزي في كتابيه المعرف والمغرب : أحكم الشيء فاستحكم وهو مستحكم بالكسر لا غير ، ومنه النوم في الركوع لا يستحكم. (1)
    وأطبق الأدبيّون على مثل قوله. فاستقم وثبّت ولا تكن من الجاهلين.
    (7) قوله عليه السلام : لا تدع خصلة تعاب منّي إلا أصلحتها
    «منّي» متعلّقة بخصلة ، أو بـ«لا تدع». والتقدير لا تدع خصلة منّي تعاب ، أو لا تدع منّي خصلة تعاب إلّا أصلحتها ، والأخير أعذب وأصواب لا يتعاب ، فإن عابها منّي غير صحيح في اللغة ، ولا بشايع في الإستعمال ، بل الصحيح السائغ الشائع عابني بها أو عليها. وعاب في اللغة متعدّ بنفسه ، ياقل : عابه يعيبه فهو معيب ، وقد يجىء لازماً ، فيقال : عاب أي : صار ذا عيب وعيب فهو معيوب أي : به عيب ، كما يقال : عيه فهو معيوه أي : به عاهة ، وجنّ فهو مجنون أي : به جنون.
    (Cool قوله عليه السلام : ولا عايبة
    بالياء لا بالهمز أصحّ رواية لا دراية.
    (9) قوله عليه السلام : اُونّب بها
    إنّما المضبوط والمأخوذ عن الأشياخ هاهنا بالواو ، والأصل فيه الهمز من أنبه يؤنبه تأنيباً ، لامه ووبّخه وعنّفه.
    قال ابن الأثير : التأنيب المبالغة في التعنيف والتوبيخ. (2) وهو خلاف المشهور عند جماهير الأدبيّين.
    (10) قوله عليه السلام : ولا اُكرومة في ناقصة
    اُكرومة اُفعولة من الكرم ، أي : ولا اُكرومة من كرائم الأخلاق في ناقصة أي : في درجة ناقصة. من نقص الشيء نقصاً ونقصاناً فهو ناقص.
    __________________
    1. المغرب : 1 / 133.
    2. نهاية ابن الأثير : 1 / 73.

    أو أي : في ملابسة شائبة من شوائب الرذائل تشينها وتنقصها وتحطّها عن درجة الكمال ومرتبة التمام ، من نقصت الشيء نقصاً فهو منقوص ، ومنه في التنزيل الكريم : (نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ). (1)
    (11) قوله عليه السلام : إلّا أتممتها
    أي : إلّا أخرجتها عن درجة النقصان ، وأكملت درجتها في التمام والكمال ، أو أي : إلّا نزّهتها عن ملابسة تلك الرذيلة التي تشينها وتنقصها وتحطّ درجتها ومرتبتها.
    هذا إذا حملنا «ناقصة» على اسم الفاعل. وأمّا إذا حملناها على المصدر ـ إذ فاعله من أوزان المصدر كما الفاتحة والعاقبة والكاذبة ـ فاملعنى ولا اُكرومة في نقصان إلّا أزحت نقصانها وأتممت كمالها.
    ومن القاصرين في عصرنا من لم يكن ليستطيع إلى إدراك الغامضات والفصية عن مضائق المعضلات سبيلاً ، فحرّفها إلى «فيّ ناقصة» بإضافة «في» إلى ياء المتكلّم والتشديد للإدغام ، ونصب «ناقصة» على أنّ هي صفة «اُكرومة» المنصوبة على المفعوليّة ، ففشا ذلك التحريف في النسخ الحديثة المستنسخة ، ولم يفطن لما فيه من الفساد من وجهين :
    الأوّل : أنّ قضيّة العطف على خصلة في الجملة الاُولى مقتضاها أنّ تقدير الكلام : ولا تدع منّي اُكرومة فيّ ناقصة ، فيجتمع منّي وفيّ ، فيرجع إلى هجنة وخيمة.
    الثاني : أنّ الفصل بين الموصوف والصفة بالجارّة ومجرورها ـ أعني «فيّ» ـ ممّا يعدّ هجيناً ، فلا تكن من القاصرين.
    (12) قوله عليه السلام : أهل الشئنآن
    شنأه شناءة وشنآناً بالتحريك وشناناً بالتسكين أبغضه ، وقرىء بهما قوله تعالى (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ). (2)
    قال الجوهري : وهما شاذّان ، فالتحريك شاذّ في المعنى ؛ لأنّ فعلان إنّما هو من بناء ما كان
    __________________
    1. سورة هود : 109.
    2. سورة المائدة : 2.

    معناه الحركة والإضطراب والتسكين شاذّ في اللفظ ، لأنّه لم يجىء شيء من المصادر عليه. وقال أبو عبيدة : الشنآن بغير همز مثل الشنئان بالهمز والمدّ. (1)
    (13) قوله عليه السلام : ظنّة أهل الصلاح الثقة
    أي : من تهمتهم وسوء الظنّ بهم الثقة لصلاحهم وأمانتهم.
    (14) قوله عليه السلام : الولاية
    بفتح الواو هاهنا لا غير.
    (15) قوله عليه السلام : ومن حبّ المدارين
    بضمّ الحاء المهملة ، والإضافة : إمّا إضافة إلى الفاعل ، أو إضافة إلى المفعول ، سواء كان المدارين على صيغة الفاعل ، أو على صيغة المفعول.
    أي : حبّهم إيّاي ، أو حبّي إيّاهم. ويحتمل أن يكون المعنى من الحبّ الذي هو شأن الذين يدارون ، أو شأن الذين يدارون.
    وكذلك القول : في «خب» بالخاء المعجمة المكسورة ، على ما في بعض نسخ الأصل. وأمّا الضبط بضمّ المعجمة فمن أغاليط القاصرين.
    والخب بالكسر لا غير مصدر خبّه أي : خدعه ، وأمّا الخبّ بالفتح فهو الرجل الخداع.
    (16) قوله عليه السلام : حلاوة الامنة
    الامنة بالتحريك الأمن ، ومنه في التنزيل الكريم : (أَمَنَةً نُّعَاسًا). (2)
    (17) قوله عليه السلام : لمن قصبني
    أي : عابني ، قصبه يقصبه ، أي : عابه يعييه ، وأصله القطع ، كأنّ من عاب أحداً فقد قطعه ، أو أنّه قطعه عن كماله ، أو أنّه قطع كمالاً من كمالاته عنه.
    وفي «خ» قصمني بالميم مكان الباء : والقصم : الكسر مع الإنفصال على الفصم بالفاء ،
    __________________
    1. الصحاح : 1 / 57.
    2. سورة آل عمران : 154.

    فإنّه كسر من دون الإنفصال.
    (18) قوله عليه السلام : واُغضي عن السيّئة
    أي : أحلم وأعفو ، من قولهم : أغضي الليل أي : ستر وأظلم.
    (19) قوله عليه السلام : واطفاء النائرة
    النائرة بين القوم العداوة والشحناء ، وقيل : إطفاء النائرة عبارة عن تسكين الفتنة.
    (20) قوله عليه السلام : وسكون الريح
    كناية عن الحلم والوقار.
    (21) قوله عليه السلام : وطيب المخالقة
    بإعجام الخاء والقاف بعد اللام. وفي بعض نسخ الأصل : «المحالفة» بإهمال الحاء والفاء بعد اللام ، وطيب المحالفة بالحاء المهملة والفاء حسن المؤاخاة ، وفي الحديث : حالف رسول الله صلّى الله عليه وآله بين المهاجرين والأنصار. (1) أي : آخى بينهم. وطيب المخالقة بالخاء المعجمة والقاف : حسن التخلّق في المعاشرة.
    (22) قوله عليه السلام : وترك التعيير
    التعيير تفعيل من العار ، وهو كلّ شيء لزم به عيب. وتعاير القوم تعايبوا. وعيّر بعضهم بعضاً ، أي : أنبه ووبّخه. وعاره إذا عابه ، والمعاير المعايب. والصواب عيّره كذا ، والعامّة تقول : عيّره بكذا. وذلك خطأ.
    قال في الصحاح : وعايرت المكاييل والموازين عياراً وعاورت بمعنى. يقال : عايروا بين مكاييلكم وموازينكم ، وهو فاعلوا من العيار ، ولا تقل : عيّروا. (2)
    وأصل النسخة بخطّ «ع» ورواية «ش» التقتير بالقاف بين تائين مثنّاتين من فوق والياء المثنّاة من تحت ، وهو المناسب لما في حاشيته ، فليعلم.
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 1 / 424.
    2. الصحاح : 2 / 764.

    (23) قوله عليه السلام : والإفضال
    عطف على التعيير أو التقتير ، على اختلاف النسخ.
    (24) قوله عليه السلام : إذا نصبت
    بكسر الصاد من باب علم يعلم ، أي : إذا تعبت ، من النصب بالتحريك بمعنى التعب.
    وفي نسخة «إذا قنيت» بالكسر كرضيت أي : إذا لزمت العبادة ولازمتها ، أو بالفتح كرميت ، أي : إذا طال دوامي في الطاعة ، يقال : قنيت الحياء أي : لزمته ، ويقال : قني له الشيء وقانى له أي : دام.
    (25) قوله عليه السلام : إذا رهبت
    رهب : بالكسر من باب علم أي : خاف. وفي رواية «س» بالدال مكان الراء على صيغة المجهول ، ودواهي الدهر ما نصبت الناس من فجائع نؤبه. يقال : دهته داهية ودهياء ودهواء أيضاً.
    (26) قوله عليه السلام : في روعي
    الروع بالضمّ القلب والعقل ، يقال : وقع ذلك في روعي ، أي : في خلدي وبالي ، ومنه الحديث : «إنّ روح الأمين نفث في روعي». وفي بعض الطرق : «نفث روح القدس في روعي». (1)
    (27) قوله عليه السلام : والتظنّي
    تفعّل من الظنّ بقلب نون الأخيرة ياءاً ، وعني عليه السلام به إعمال الظنّ وإرخاء عنانه.
    قوله عليه السلام : هُجر
    الهُجر بالضمّ الفحش والهذيان.
    (28) قوله عليه السلام : ولا أفتقرنّ
    على الإفتعال من الفقر ، وفي «خ» و «كف» اقترن على ضمّ الهمزة للمتكلّم من باب
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 2 / 277.

    الإفعال ، يقال : اقترّ الرجل أي : افتقر ، والهمزة للصيرورة (1) أو للدخول.
    (29) قوله عليه السلام : ولا أطغينّ
    بفتح الهمزة وإسكان الطاء المهملة قبل الغين المعجمة المفتوحة ، أي : لا اُجاوز الحدّ ، يقال : طغى يطغي ويطغو طغياناً ، أي : جاوز الحدّ ، واطّغاه المال جعله طاغياً.
    وفي «خ» «لش» (2) أضيقنّ معاً ، أي : بفتح الهمزة. والمعنى لا أنجلنّ ، من ضاق الرجل أي : نجل. وبضمّها أي : لا أذهبنّ مالي من أضاق ، أي : ذهب ماله.
    (30) قوله عليه السلام : الطريقة المثلى
    المثلى تأنيث الأمثل ، يقال : فلان أمثل بني فلان ، أي : أفضلهم وأدناهم إلى الخير. وأماثل القوم خيارهم ، والطريقة المثلى السبيل الأقوم.
    (31) قوله عليه السلام : بالإقتصاد
    هو التوسّط بين طرفي الإفراط والتفريط ، والمعبّر عنه بالعدل.
    (32) قوله عليه السلام : اللهمّ أنت عدتي
    العدة ما أعددته لحوادث الدهر من المال والسلاح ، أي :أنت ذخري الذي أعددته لأيّام الحزن أو الحزونة ، ولأوقات الشدائد ، أو لأوان الفاقة والإفتقار.
    (33) قوله عليه السلام : إن حزنت
    بفتح الحاء المهملة من الحزونة ضدّ السهولة ، وبضمّها من الحزن خلاف السرور ، يقال : حزنه يحزنه كذا فهو محزون. وحزن بالكسر يحزن بالفتح فهو حزن وحزين.
    وفي رواية «ع» و «س» حربت بإهمال الحاء وإسكان الباء الموحّدة بعد الراء المكسورة على صيغة المجهول ، يقال : رحبه يحربه إذا أخذ ماله وتركه بلا شيء ، وقد حرب على صيغة المجهول ماله على النصب أي : سلبه ، قاله في الصحاح. (3)
    __________________
    1. في «س» : للضرورة.
    2. في «ن» وفي نسخة الشهيد.
    3. الصحاح : 1 / 108.

    (34) قوله عليه السلام : وأنت منتجعي
    على اسم المفعول ، أي : أنت من أرجو فضله واُؤمّل رفده ، من انتجع فلان فلاناً ، أي : طلب معروفه.
    وأمّا على نسخة «وإليك فمنتجعي» على اسم المكان ، فمعناه وإليك محلّ انتجاعي وموضع طلبتي.
    (35) قوله عليه السلام : كرثت
    أي :إن اشتدّت بي الهموم وثقلت عليّ المكاره ، يقال : كرثه الغمّ ، أي : أثقله واشتدّ عليه وبلغ منه المشقّة.
    وفي «خ» «ش» و «كف» كرثت على صيغة المجهول.
    (36) قوله عليه السلام : معرّة العباد
    المعرّة : الإثم والأمر القبيح المكروه ، وهي مفعلة من العرّ.
    (37) قوله عليه السلام : وسمني حسن الولاية
    وفي رواية «كف» بحسن الولاية. أشهر الروايتين فيه ضمّ السين من سامه يسومه سوماً إذا أولاه إيّاه ، أو عرضه وأورده عليه ، أو طلبه وأراده منه ، أو كلّفه وألزمه به ، أو من السومة والسمة والسيماء بمعنى العلامة (1) والأثر.
    قال الراغب في المفردات : السوم أصله الذهاب في ابتغاء الشيء ، فهو لفظ مفرد لمعنى مركّب من الذهاب والابتغاء ، فاُجري مجرى الذهاب في قولهم سامت الابل فهي سائمة ، ومجرى الإبتغاء في قولهم سمته كذا ، قال الله تعالى (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ). (2)
    ومنه قيل : فلان سيم الخسف فهو يسام الخسف ، ومنه السوم في البيع فقيل : صاحب السلعة أحقّ بالسوم ، ويقال : سمت الإبل في المرعى وأسمتها وسومتها ، قال عزّ وجلّ (وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ
    __________________
    1. في «ن» : الولاية.
    2. سورة البقرة : 49.

    مِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ) (1) والسيما بالقصر والسيماء والسمياء بالمدّ فيهما العلامة ، قال الشاعر :
    له سيمياء لا تشقّ على البصر.
    وقال الله تعالى : (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ). (2)
    وقال العزيزي في غريب القرآن : يسومونكم يولّونكم ، ويقال : يريدونه منكم ويطلبونه.
    وقال ابن الأثير في النهاية : سامني هو من السوم : التكليف. وقيل معناه عرض عليّ ، من السوم وهو طلب الشراء. وسيم الخسف أي : كلّف وألزم ، وأصله الواو فقلبت ضمّة السين كسرة ، فانقلبت الواو ياءاً. (3)
    وقولهم : سمتك بعيرك سيمة حسنة ، وإنّه لغالي السيمة من السوم في البيع والمبايعة. ويروى أيضاً سمني بكسر السين من وسمه يسمه وسماً وسمة إذا أثرت فيه بسمة وعلامة وكي ، ومنه الميسم للمكواة.
    وفي الحديث : علي عليه السلام صاحب الميسم أو هو الميسم ، أي : به يسم الله عزّ وجلّ خلّص عباده المخلصين ، وقوله سبحانه في التنزيل الكريم : (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) (4) معناه سنجعل له سمة (5) أهل النار.
    وكذلك القول في قوله عليه السلام : «ولا تسمنا» في دعاء الإستخارة ، وقوله عليه السلام : «ولا تسمني» في دعاء عرفة بضمّ السين وكسرها. وكذلك الولاية بفتح الواو وكسرها.
    وفي خ «كف» وأدلني بحسن الولاية. إمّا بهمزة الوصل وضمّ اللام من دلوت الرجل إذا رفقت به رفقاً ، وأرفقته إرفاقاً ورافقته مرافقة وداريته مدارة ، وكذلك داليته مدالاة ،
    __________________
    1. سورة النحل : 10.
    2. مفردات الراغب ، ص 250 ، والآية سورة الفتح : 29.
    3. نهاية ابن الأثير : 2 / 426.
    4. سورة القلم : 16.
    5. في «ن» : سيمة.

    قاله الجوهري (1) وغيره.
    أو بقطع الهمزة المفتوحة واللام المكسورة ، من أدلاه يدليه من باب الإفعال ، بمعنى الإرسال ، ويستعار للمواصلة والمقاربة والتواصل (2) إلى الشيء.
    يقال : أدليت الدلو : أي : أرسلتها في البئر ، بخلاف دلوتها ، فإنّ معناه نزعتها. والدالي بمعنى المدلي. وأدلى بحجّته أي : احتجّ بها ، وأدلى بماله إلى الحاكم أي : رفعه إليه.
    قال ابن الأثير : يقال : أدليت الدلو ودلّيتها إذا أرسلتها في البئر. (3)
    والتدليّ من الشجرة التقرّب إليها والتعلّق بها ، وقوله تعالى : (دَنَا فَتَدَلَّىٰ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ) (4) إن كانت الضمائر لجبرئيل عليه السلام كان المعنى دنى جبرئيل عليه السلام من النبيّ صلى الله عليه وآله فتدلّى أي : تعلّق به صلّى الله عليه وآله ، وهو تمثيل لعروجه بالرسول صلّى الله عليه وآله.
    وقيل : أي : تدلّى من الاُفق الأعلى فدنى من الرسول صلّى الله عليه وآله ، ليكون إشعاراً بأنّه عرج به غير منفصل عن محلّه ، فكان جبرئيل عليه السلام قاب قوسين [أو أدنى] من النبيّ صلّى الله عليه وآله ، أي : مقدارهما. كقولك هو منّي معقد (5) الإزار ، أو كان البعد والمسافة بينهما مقدار قوسين أو أدنى ، والمقصود الكناية عن شدّة الاتّصال بينهما.
    وإن كانت الضمائر لله تعالى كان المراد بدنوّه منه رفع مكانته وبتدلّيه جذبه بشراشره إلى جناب القدس.
    ثمّ مشرب التحقيق أن يراد بالقوسين قوسا الوجوب والإمكان ، تنبيهاً على أنّ الفارق بين النبيّ صلّى الله عليه وآله وبين الله تعالى حين وصل إلى آخر منازل السير في الله ، وهو عزل النظر عن غيره تعالى مطلقاً ، حتّى عن عدم ملااحظة غيره أيضاً ، وقصر البشر بشراشره على رفض لحاظ ما سواه ليس إلّا وجوب المبدأ وإمكان عبده الصائر إليه السائر
    __________________
    1. الصحاح : 6 / 2239.
    2. في «ن» : والتوصل.
    3. نهاية ابن الأثير : 2 / 131.
    4. سورة النجم : 8.
    5. في «ن» : بمقعد.

    فيه.
    وقد حقّقنا كيفيّة القرار في هذه الدرجة العالية المعبّر عنها في ألسنة أرباب التحقيق بالفناء في الله في كتابنا المسمّى بـ«الصراط المستقيم» على وجه رواء العطش الظمآن ، ودواء لأمراض القلوب وأسقام الأذهان ، فليراجع إليه.
    38 قوله عليه السلام : وامنحني حسن الدعة
    بهمزة الوصل وفتح النون وإسكان الحاء المهملة. وفي رواية «س» وامنحني بكسر النون. وفي خ «ش» و «كف» وسسني بالدعة بضمّ اُولي المهملتين وإسكان الثانية ، أي : تولّ أمري ، يقال : ساسهم يسوسهم أي : تولّي اُمورهم ، كما يفعل الولاة والاُمراء بالرعيّة.
    39 قوله عليه السلام : من السرف
    سنحقّق الأمر في دعائه عليه السلام في المعونة على قضاء الدين إن شاء الله العزيز.
    40 قوله عليه السلام : اُنفق
    فيما أنفق وفي رواية «س» أنفق معاً ، أي : بفتح الهمزة من النفاق بمعنى الرواج ، وبضمّها من الإنفاق من النفقة.
    41 قوله عليه السلام : فأطلبني
    بفتح الهمزة للأمر من باب الإفعال.
    في صحاح الجوهري : أطلبه أي : أسعفه بما طلب ، وأطلبه ، أي : أحوجه إلى الطلب ، وهو من الأضداد. (1)
    وفي النهاية الأثيريّة : الطلبة الحاجة ، والإطلاب : إنجازها وقضاؤها. يقال : طلب إليّ فأطلبته ، أي : أسعفته بما طلب. (2)
    42 قوله عليه السلام في آخر الدعاء : وقني برحمتك عذاب النار
    زيادة في نسخة الشيخ تقي الدين أبي الصلاح الحلبي ، وفي نسخة «كف» آمين آمين إنك
    __________________
    1. الصحاح : 1 / 172.
    2. نهاية ابن الأثير : 3 / 131.

    على كلّ شيء قدير ، وهو عليك سهل يسير ، يا أوسع الواهبين ، وأكرم الأجودين ، فصلّ على محمّد وآله الطاهرين ، وعلى جميع المرسلين وعبادك المؤمنين ، إنّك ذو رحمة قريبة من المحسنين.

    21
    وكان من دعائه عليه السلام إذا حزنه امر وَاهمته الخطايا
    أَللَّهُمَّ يَا كَافِيَ الْفَرْدِ الضَعِيْفِ ، وَوَاقِيَ اأامْرِ الْمَخُوْفِ ، (1) أَفْرَدَتْنِي الْخَـطَايَا; فَـلاَ صَاحِبَ مَعِي ، وَضَعُفْتُ عَنْ غَضَبِكَ فَلاَ مُؤَيِّدَ لِي ، وَأَشْرَفْتُ عَلَى خَوْفِ لِقَائِكَ (2) فَلاَ مُسَكِّنَ لِرَوْعَتِي وَمَنْ يُؤْمِنُنِي مِنْكَ ، وَأَنْتَ أَخَفْتَنِي ، وَمَن يساعِدُنِي وَأَنْتَ أَفْرَدْتَنِي ، وَمَنْ يُقَوِّيْنِي وَأَنْتَ أَضْعَفْتَنِي ، لاَ يُجيرُ (3) يا إلهي ، إلاّ رَبٌّ عَلَى مَرْبُوب وَلاَ يُؤْمِنُ إلاّ غالِبٌ عَلَى مَغْلُوب (4) وَلاَ يُعِينُ إِلاّ طالِبٌ عَلَى مَطْلُوب ، (5) وَبِيَـدِكَ يَـاَ إلهِي جَمِيعُ ذلِكَ السَّبَبِ ، وَإلَيْكَ الْمَفَرُّ وَالْمَهْربُ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَجِرْ هَرَبِي ، وَأَنْجِحْ مَطْلَبِي. أللَّهُمَّ إنَّكَ إنْ صَرَفْتَ (6) عَنِّي وَجْهَكَ الْكَرِيْمَ ، أَوْ مَنَعْتَنِي فَضْلَكَ الْجَسِيمَ ، أَوْ حَظَرْتَ عَلَيَّ رِزْقَكَ ، (7) أَوْ قَطَعْتَ عَنِّي سَبَبَـكَ ، لَمْ أَجِدِ السَّبِيـلَ إلَى شَيْء مِنْ أَمَلِي غَيْرَكَ ، وَلَمْ أَقْدِرْ عَلَى مَا عِنْدَكَ بِمَعُونَةِ سِوَاكَ ، (Cool فَإنِّي عَبْدُكَ وَفِي قَبْضَتِكَ ، نَاصِيَتِي (9) بِيَدِكَ ، لاَ أَمْرَ لِي مَعَ أَمْرِكَ ، مَاض فِيَّ

    حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ، وَلاَ قُوَّةَ لِي عَلَى الْخُـرُوجِ مِنْ سُلْطَانِـكَ ، وَلاَ أَسْتَطِيـعُ مُجَاوَزَةَ قُدْرَتِكَ ، وَلاَ أَسْتَـمِيلُ هَوَاكَ ، وَلاَ أبْلُغُ رِضَاكَ ، وَلاَ أَنَالُ مَا عِنْدَكَ إلاَّ بِطَاعَتِكَ ، وَبِفَضْل رَحْمَتِكَ ، إلهِي أَصْبَحْتُ وَأَمْسَيْتُ عَبْداً دَاخِراً (10) لَكَ ، لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إلاَّ بِكَ ، أَشْهَدُ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِي ، وَأَعْتَـرِفُ بِضَعْفِ قُـوَّتِي ، وَقِلَّةِ حِيْلَتِي ، فَأَنْجزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي ، وَتَمِّمْ لِي مَا آتَيْتَنِي ، فَإنِّي عَبْـدُكَ الْمِسْكِينُ الْمُسْتكِينُ الضَّعِيفُ الضَّـرِيـرُ الذَّلِيلُ الْحَقِيرُ الْمَهِينُ الْفَقِيرُ الْخَائِفُ الْمُسْتَجِيرُ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَلاَ تَجْعَلْنِي نَاسِيَاً لِذِكْرِكَ فِيمَا أَوْلَيْتَنِي ، وَلاَ غافِلاً لإحْسَانِكَ فِيمَا أَبْلَيْتَنِي ، وَلا آيسَاً مِنْ إجَابَتِكَ لِي ، وَإنْ أَبْطَأتَ عَنِّي فِي سَرَّاءَ (11) كُنْتُ أَوْ ضَرَّاءَ أَوْ شِدَّة أَوْ رَخَاء ، أَوْ عَافِيَة أَوْ بَلاء ، أَوْ بُؤْس أَوْ نَعْمَاءَ ، أَوْ جِدَة أَوْ لأوَاءَ ، أَوْ فَقْر أَوْ غِنىً. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاجْعَلْ ثَنائِي عَلَيْكَ ، وَمَدْحِي إيَّاكَ ، وَحَمْدِي لَكَ فِي كُلِّ حَالاَتِي ، حَتَّى لاَ أَفْرَحَ بِمَا آتَيْتَنِي مِنَ الدُّنْيَا ، وَلاَ أَحْـزَنَ عَلَى مَا مَنَعْتَنِي فِيهَا ، وَأَشْعِرْ قَلْبِي تَقْوَاكَ ، (12) وَاسْتَعْمِلْ بَدَنِي فِيْمَا تَقْبَلُهُ مِنِّي ، وَاشْغَلْ بِطَاعَتِكَ نَفْسِي عَنْ كُلِّ مَايَرِدُ عَلَىَّ ، حَتَّى لاَ اُحِبَّ شَيْئَاً مِنْ سُخْطِكَ ، وَلا أَسْخَطَ شَيْئـاً مِنْ رِضَـاكَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَفَرِّغْ قَلْبِي لِمَحَبَّتِكَ ، وَاشْغَلْهُ

    بِذِكْرِكَ ، وَانْعَشْهُ بِخَوْفِكَ وَبِالْوَجَلِ مِنْكَ ، وَقَوِّهِ بِالرَّغْبَةِ إلَيْكَ ، وَأَمِلْهُ إلَى طَاعَتِكَ ، وَأَجْرِ بِهِ فِي أَحَبِّ السُّبُلِ إلَيْكَ ، وَذَلِّلْهُ بِالرَّغْبَةِ فِيمَا عِنْدَكَ أَيَّامَ حَيَاتِي كُلِّهَا ، وَاجْعَلْ تَقْوَاكَ مِنَ الدُّنْيَا زَادِي ، (13) وَإلَى رَحْمَتِكَ رِحْلَتِي ، وَفِي مَرْضَاتِكَ مَدْخَلِي ، وَاجْعَلْ فِي جَنَّتِكَ مَثْوَايَ ، وَهَبْ لِي قُوَّةً أَحْتَمِلُ بِهَا جَمِيعَ مَرْضَاتِكَ ، وَاجْعَلْ فِرَارِي إلَيْكَ ، وَرَغْبَتِي فِيمَا عِنْدَكَ ، وَأَلْبِسْ قَلْبِي الْوَحْشَةَ مِنْ شِرارِ خَلْقِكَ ، وَهَبْ لِي الأُنْسَ بِكَ وَبِأَوْلِيَـآئِكَ وَأَهْلِ طَاعَتِكَ ، وَلاَ تَجْعَلْ لِـفَاجِـر وَلا كَافِر عَلَيَّ مِنَّةً ، وَلاَ لَـهُ عِنْدِي يَداً ، وَلا بِي إلَيْهِمْ حَاجَةً ، بَل اجْعَـلْ سُكُـونَ قَلْبِي ، وَاُنْسَ نَفْسِي وَاسْتِغْنَـائِي وَكِفَايَتِي بِكَ وَبِخِيَـارِ خَلْقِكَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاجْعَلْنِي لَهُمْ قَـرِيناً ، وَاجْعَلْنِي لَهُمْ نَصِيْراً ، وَامْنُنْ عَلَيَّ بِشَوْق إلَيْكَ ، وَبِالْعَمَلِ لَكَ بِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى ، إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ ، وَذَلِكَ عَلَيْكَ يَسِيرٌ.

    في رواية «س» إذا حزبه بالباء الموحّدة بعد الزاء وحزنه بالنون جميعاً. وفي الأصل إذا حزنه بالنون فقط ، يقال ، حزبه الأمر بالباء الموحّدة ، أي : أصابه وألم به.
    (1) قوله عليه السلام : وواقى الأمر المخوف
    إمّا إضافة بتقدير معنى «عن» أي : ويا واقياً عن الأمر المخوف ، من وقيته إذا صنته عن الأذى. وإمّا إضافة إلى أحد مفعولي الفعل ، من وقيته الشرّ أي : كفيته إيّاه.
    (2) قوله عليه السلام : وأشرفت على خوف لقائك
    أي : أشرفت من شؤومات الذنوب على أن أخاف لقاءك ، مع أنّ لقاءك أعظم لذّة مبغاة أبتغيها ، وأبهج سعادة متوخّاة أتوخّاها.
    (3) قوله عليه السلام : لا يجير
    أي : لا يمضي ولا ينفذ إلّا خفاره ربّ وأمانه وجواره على مربوب ، فإذا أجار ربّ أحد أو خفره ، فلا يكون لمربوب من مربوبيه أن ينقض عليه خفارته وأمانه.
    ومنه الحديث «ويجير عليهم أدناهم» أي : إذا أجار واحد من المسلمين حرّ أو عبد أو امرأة واحداً أو جماعة من الكفّار وخفرهم وآمنهم جاز ذلك على جميع المسلمين لا ينقض عليه جواره وأمانه (1).
    (4) قوله عليه السلام : ولا يؤمن إلّا غالب على مغلوب
    أي : لا ينفذ إلّا أمان الغالب على المغلوب ، فإذا آمن غالب أحداً ، فلا يكون لأحد من
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير 1 : 313.

    مغلوبيه أن ينقض ويردّ عليه أمانه.
    (5) قوله عليه السلام : ولا يعين إلّا طالب على مطلوب
    من أعانه على كذا أي سلّطه عليه ، وفي حديث الدعاء : ربّ أعنّي ولا تعن عليّ وملخّص المعنى : أنّ الطلب سبب التسلّط على المطلوب ؛ لأنّ الدعاء من أسباب حصول البغية ونيلها.
    (6) قوله عليه السلام : اللهمّ إنّك إن صرفت عنّي
    وفي نسخة الشهيد : أن صرفت بفتح الهمزة ، أي : من حيث أن صرفت عنّي وجهك الكريم ، إلى آخر قوله عليه السلام : لم أجد السبيل. ومن خفي علي ذلك قال توجيه هذه النسخة غير ظاهر.
    (7) قوله عليه السلام : أو خطرت عليّ رزقك
    المحفوظ المضبوط بالخاء المعجمة والطاء المهملة ، ولكن الذي تساعده اللغة حظرت بالحاء المهملة والظاء المعجمة ، بمعنى المنع لا بمعنى التحريم.
    قال في النهاية : لا يحظر عليكم النبات ، أي : لا تمنعون من الزراعة حيث شئتم ، والحظر بالتسكين المنع ، ومنه في التنزيل الكريم (وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا) (1) وأمّا الحظر بمعنى التحريم ضدّ الاباحة فبالتحريك.
    (Cool قوله عليه السلام : سواك
    معاً بل جميعاً ، أي : مثلّثة السين.
    (9) قوله عليه السلام : ناصيتي
    الناصية قصاص الشعر ، وهو منتهى منبته من مقدّم الرأس وحواليه.
    قال المطرّزي في المغرب : قال الأزهري الناصية عند العرب منبت الشعر في مقدّم الرأس لا الشعر ، وإنما تسمّيه العامّة باسم منبته.
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير 1 : 405.

    وكأنّه عليه السلام قد كني عمّا هو ملاك الذات ، وقوام الهويّة بالنصية وعن شدّة المتهوريّة والمبهوريّة في سلطوات قوّة الله تعالى وقدرته ، يكون الناصية بيده.
    وبالجملة الأخذ بالنواصي كناية عن سلطان قدرته وقوّته سبحانه على غرائز الأشياء وطبايعها وماهيّاتها وهويّاتها.
    (10) قوله عليه السلام : عبداً داخراً
    الدخور : الصغار والذّل. قال ابن الأثير في النهاية : الداخر الذليل المهان. (1)
    وفي صحاح الجوهري : الدخور الطرد والإبعاد. (2) وهو غير معنيّ هاهنا.
    (11) قوله عليه السلام : في سرّاء
    السرّاء والضرّاء والبأساء صيغ تأنيث لا مذكّر لها ، فتارات تجعل السرّاء نقيض الضرّاء والبأساء ، فهي بمعنى السعة والرخاء ، وهما بمعنى الضيق والشدّة. وتارات تجعل الصيغ الثلاث متشاركة في معنى الشدّة ، ويفترق بأخذ الضرّاء بدنيّة دون الباقيتين.
    فالبأساء والسرّاء هما البؤس والفقر والضيق والذلّ ، والضرّاء هي الداهات (3) البدنيّة كالعمى والزمانة.
    وأئمّة العلوم اللسانيّة فريق منهم على المذهب الأوّل ، وفريق منهم على المذب الثاني ، وفي التنزيل الكريم كثيراً ما جرى الأمر فيهما على السبيلين.
    (12) قوله عليه السلام : وأشعر قلبي تقواك
    من الشعار وهو ما يلي من الثياب ، والدثار ما كان فوق الشعار ، يقال : أشعرته وأدثرته إذا ألبسته الشعار وألبسته الدثار.
    أي : والبس قلبي تقواك ، واجعل لباس تقواك من قلبي مكان الشعار من الجسد.
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 2 / 107.
    2. الصحاح : 2 / 655 والموجود فيه : الدخور ـ بالخاء المعجمة ـ : الصغار والذلّ. وقال : الدحور ـ بالحاء المهملة ـ الطرد والإبعاد. فخلط السيّد بينهما فتفطّن.
    3. في «س» : أي : العاهات. وفي «ط» : هي العايات.

    (13) قوله عليه السلام : من الدنيا زادي
    أي : في سفري إلى النشأة الآخرة ، كما في قوله سبحانه :. وأمّا ما تجشّم (1) فقيل : أي : اجعل جزاء تقواك ، ومنه : (2) أي : جزاء اتّقائهم ، فسخيف فاسد.
    __________________
    1. جشمت الأمر بالكسر جشماً وتجشّمته : إذا تكلّفته على مشقّة.
    2. سورة محمّد : 17.

    22
    وكان من دعائه عليه السلام
    عند الشدة وَالجهد وَتعسر الامور
    أَللَّهُمَّ إنَّكَ كَلَّفْتَنِي مِنْ نَفْسِي مَا أَنْتَ أَمْلَكُ بِهِ مِنِّي ، وَقُدْرَتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَيَّ أَغْلَبُ مِنْ قُدْرَتِي ، فَأَعْطِنِي مِنْ نَفْسِي مَا يُرْضِيْكَ عَنِّي ، وَخُذْ لِنَفْسِكَ رِضَاهَا مِنْ نَفْسِي فِي عَافِيَة. أللَّهُمَّ لاَ طَاقَةَ لِي بِالجَهْدِ (1) وَلاَ صَبْرَ لِي عَلَى البَلاَءِ ، وَلاَ قُوَّةَ لِي عَلَى الْفَقْرِ ، فَلاَ تَحْظُرْ عَلَيَّ رِزْقِي ، وَلاَ تَكِلْنِيْ إلَى خَلْقِكَ ، (2) بَلْ تَفَرَّدْ بِحَاجَتِي ، وَتَولَّ كِفَايَتِي ، وَانْظُرْ إلَيَّ وَانْظُرْ لِي فِي جَمِيْعِ اُمُورِي ، فَإنَّكَ إنْ وَكَلْتَنِي إلَى نَفْسِي عَجَزْتُ عَنْهَا وَلَمْ اُقِمْ مَا فِيهِ مَصْلَحَتُهَا ، وَإنْ وَكَلْتَنِي إلَى خَلْقِكَ تَجَهَّمُونِي ، (3) وَإنْ أَلْجَأتَنِيْ إلَى قَرَابَتِي حَرَمُونِي وَإنْ أَعْطَوْا (4) أَعْطَوْا قَلِيْلاً نَكِداً ، وَمَنُّوا عَلَيَّ طَوِيلاً ، وَذَمُّوا كَثِيراً ،

    فَبِفَضْلِكَ أللَّهُمَّ فَأَغْنِنِي ، وَبِعَظَمَتِكَ فَانْعَشنِي ، (5) وَبِسَعَتِكَ فَابْسُطْ يَدِي ، وَبِمَا عِنْدَكَ فَاكْفِنِي. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَخَلِّصْنِي مِنَ الْحَسَدِ ، وَاحْصُرْنِي عَن الذُّنُوبِ ، وَوَرِّعْنِي عَنِ الْمَحَارِمِ ، وَلا تُجَرِّئْنِي عَلَى الْمَعَاصِي وَاجْعَلْ هَوايَ عِنْدَكَ ، وَرِضَايَ فِيمَا يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكَ ، وَبَارِكْ لِي فِيْمَا رَزَقْتَنِي ، وَفِيمَا خَوَّلْتَنِي ، (6) وَفِيمَا أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيَّ ، وَاجْعَلْنِي فِي كُلِّ حَالاَتِي مَحْفُوظَاً مَكْلُوءاً مَسْتُوراً مَمْنُوعاً مُعَاذاً مُجَاراً. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاقْضِ عَنِّي كُلَّمَا أَلْزَمْتَنِيهِ ، وَفَرَضْتَهُ عَلَيَّ لَكَ فِي وَجْه مِنْ وُجُوهِ طَاعَتِكَ ، أَوْ لِخَلْق مِنْ خَلْقِكَ ، وَإنْ ضَعُفَ عَنْ ذَلِكَ بَدَنِي ، وَوَهَنَتْ عَنْهُ قُـوَّتِي ، (7) وَلَمْ تَنَلْهُ مَقْدِرَتِي ، (Cool وَلَمْ يَسَعْهُ مَالِي وَلاَ ذَاتُ يَدِي ، ذَكَرْتُهُ أَوْ نَسِيتُهُ ، هُوَ يَا رَبِّ مِمَّا قَدْ أَحْصَيْتَهُ عَلَيَّ وَأَغْفَلْتُهُ أَنَا مِنْ نَفْسِي ، فَأَدِّهِ عَنِّي مِنْ جَزِيْلِ عَطِيَّتِكَ وَكَثِيرِ مَا عِنْدَكَ ، فَإنَّكَ وَاسِعٌ كَرِيمٌ ، حَتَّى لاَ يَبْقَى عَلَيَّ شَيْءٌ مِنْهُ تُرِيدُ أَنْ تُقَاصَّنِي بِهِ مِنْ حَسَنَاتِي ، أَوْ تُضَاعِفَ بِهِ مِنْ سَيِّئاتِي يَوْمَ أَلْقَاكَ يَا رَبِّ. أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَارْزُقْنِي الرَّغْبَةَ فِي الْعَمَـلِ لَكَ لآخِـرَتِي ، حَتَّى أَعْرِفَ صِدْقَ ذلِكَ مِنْ قَلْبِي ، وَحَتَّى يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَيَّ الزُّهْدُ فِي دُنْيَايَ ، وَحَتَّى أَعْمَلَ الْحَسَنَاتِ

    شَوْقاً ، وَآمَنَ مِنَ السَّيِّئاتِ فَرَقاً ، (9) وَخَوْفاً ، وَهَبْ لِي نُوراً (10) أَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ، وَأَهْتَدِي بِهِ فِي الظُّلُماتِ ، وَأَسْتَضِيءُ بِهِ مِنَ الشَّكِّ وَالشُّبُهَـاتِ. اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَارْزُقْنِي خَوْفَ غَمِّ الْوَعِيْـدِ ، وَشَوْقَ ثَوَابِ الْمَوْعُودِ (11) حَتَّى أَجِدَ لَذَّةَ مَا أَدْعُوكَ لَهُ ، وَكَأْبَةَ (12) مَا أَسْتَجِيرُ بِكَ مِنْهُ. أللَّهُمَّ قَـدْ تَعْلَمُ مَا يُصْلِحُنِي مِنْ أَمْرِ دُنْيَايَ وَآخِـرَتِي فَكُنْ بِحَوَائِجِيْ (13) حَفِيّاً. (14) أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد ، وَارْزُقْنِي الْحَقَّ عِنْدَ تَقْصِيرِي فِي الشُّكْرِ لَكَ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فِي اليُسـرِ وَالْعُسْرِ وَالصِّحَّـةِ وَالسَّقَمِ ، حَتَّى أَتَعَرَّفَ مِنْ نَفْسِي رَوْحَ الرِّضَا ، وَطُمَأنِينَةَ النَّفْسِ (15) مِنِّي بِمَا يَحْدُثُ لَكَ فِيمَا يَحْدُثُ فِي حَالِ الْخَوْفِ وَالاَمْنِ وَالرِّضَا وَالسُّخْطِ وَالضَّرِّ وَالنَّفْعِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَارْزُقْنِي سَلاَمَةَ الصَّدْرِ مِنَ الْحَسَدِ ، حَتَّى لاَ أَحْسُدَ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ عَلَى شَيْء مِنْ فَضْلِكَ ، وَحَتَّى لاَ أَرى نِعْمَـةً مِنْ نِعَمِـكَ عَلَى أَحَد مِنْ خَلْقِكَ فِي دِيْن أَوْ دُنْيا (16) أَوْ عَافِيَة أَوْ تَقْوَى أَوْ سَعَة أَوْ رَخاء ، إلاّ رَجَوْتُ لِنَفْسِي أَفْضَلَ ذلِكَ بِكَ وَمِنْكَ وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّـد وَآلِـهِ ، وَارْزُقْنِي التَّحَفُّظَ مِن الْخَطَايَا ، وَالاحْتِرَاسَ مِنَ الزَّلَلِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فِي حَالِ الرِّضَا وَ

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الصحيفه السجاديه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الصحيفه السجاديه كامله   الصحيفه السجاديه كامله Emptyأمس في 20:25

    الْغَضَبِ ، حَتَّى أكُونَ بِمَا يَرِدُ عَلَيَّ مِنْهُمَا (17) بِمَنْزِلَة سَوَاء ، عَامِلاً بِطَاعَتِكَ ، مُؤْثِراً لِرِضَاكَ عَلَى مَا سِوَاهُمَا فِي الأَوْلِياءِ وَالأعْدَاءِ ، (18) حَتّى يَأْمَنَ عَدُوِّي مِنْ ظُلْمِي وَجَوْرِي ، وَيَيْأَسَ وَلِيِّي مِنْ مَيْلِي وَانْحِطَاطِ هَوَايَ ، وَاجْعَلنِي مِمَّنْ يَدْعُوكَ مُخْلِصاً في الرَّخَاءِ (19) دُعَـاءَ الْمُخْلِصِينَ الْمُضْطَرِّينَ لَـكَ فِي الدُّعَاءِ ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجيدٌ.

    (1) قوله عليه السلام : بالجهد
    الجهد بالفتح المشقّة ، وأمّا الذي بمعنى الوسع والطاقة فبالضمّ ، يقال : جهد الرجل فهو مجهود إذا وجد مشقّة ، وجهد الناس فهم مجهودون إذا أجدبوا.
    فأمّا أجهد فهو مجهد بالكسر ، فمعناه ذو جهد ومشقّة ، أو هو من أجهد دابّته إذا حمل عليها في السير فوق طاقتها ، ورجل مجهد إذا كان ذا دابّة ضعيفة من التعب ، وأجهد فهو مجهد بالفتح ، أي : أنّه وقع في الجهد والمشقّة ، قاله ابن الأثير في النهاية. (1)
    وقال المطرّزي في مغربه : جهده حمله فوق طاقته من باب منه ، ويجهد نفسه ، أي : يكلّفها مشقّة في حمل السلاح. وأجهد لغة قليلة ، والجهد والجهود المشقّة ، ورجل مجهود ذو جهد. والجهاد مصدر جاهدت العدوّ إذا قابلته في تحمّل الجهد ـ بالفتح ـ أي : المشقّة ، أو بذل كلّ منهما جهده بالضمّ ، أي : طاقته في دفع صاحبه. (2)
    (2) قوله عليه السلام : إن وكلتني إلى خلقك
    في الأصل بالتخفيف ، وفي رواية «ش» وكّلتني بالتشديد ، والنقل إلى باب التفعيل على هذه النسخة للمبالغة في أصل المعنى ، وهو الكلة إلى الخلق ، لا للتعدية.
    (3) قوله عليه السلام : تجهّموني
    تجهّمه أي : استقبله كلاحاً ، وتلقّاه بكلوح وغلظة ووجه كريه.
    وفي المغرب : رجل جهم الوجه ، أي : عبوس.
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 1 / 320.
    2. المغرب : 1 / 101.

    وبه سمّي جهم بن صفوان المنسوب إليه الجهميّة ، وهي فرقة شايعة على مذهبه ، وهو القول بأنّ الجنّة والنار تفنيان ، وأنّ الإيمان هو المعرفة فقط دون الإقرار ودون سائر الطاعات ، وأنّه لا فعل لأحد على الحقيقة إلّا لله ، وأنّ العباد فيما ينسب إليهم من الأفعال كالشجرة تحرّكها الريح ، فإنّ الإنسان عنده لا يقدر على شيء ، إنّما هو مجبر في أفعاله لا قدرة له ولا إرادة ولا اختيار ، وإنّما يخلق الله الأفعال فيه على ما يخلق في الجمادات ، وتنسب إليه مجازاً كما تنسب إليها. (1)
    (4) قوله عليه السلام : وإن أعطوا
    رواية «ش» بإسقاط الواو وفتح الهمزة وعدم تكرار (2) أعطوا.
    (5) قوله عليه السلام : فأنعشني
    أي : ارفع قدري ودرجتي.
    (6) قوله عليه السلام : فيما خوّلتني
    التخويل التمليك ، وقيل : من الرعاية وقيل : من التعهّد وحسن الرعاية وخوّله الله شيئاً ، يحتمل الجميع.
    (7) قوله عليه السلام : ووهنت عنه قوّتي
    من الوهن الضعيف ، يتعدّي ولا يتعدّى ، يقال ، وهن إذا ضعف ، ووهنه غيره وأوهنه أيضاً ، أي : أضعفه من الوهن ، ومنه في التنزيل الكريم : (وَلَا تَهِنُوا) (3) أي : لا تضعفوا : (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ) (4).
    والفرق بينه وبين الوهي : أنّ الوهي ضعف تهيّأ به الشيء للسقوط ، أو للتخرّق والانشقاق ، يقال : وهي الحائط إذا ضعف وهمّ بالسقوط ، ووهى السقاء يهي وهيّأ إذا تخرّق وانشقّ ، ومنه : (وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ). (5)
    __________________
    1. المغرب : 1 / 101 ـ 102.
    2. في «ن» : تكرير.
    3. سورة آل عمران : 139 ، وسورة النساء : 104.
    4. سورة العنكبوت : 41.
    5. سورة الحاقّة : 16.

    (Cool قوله عليه السلام : ولم تنله مقدرتي
    المقدرة ـ بفتح الميم وبتثليث الدال ـ مصدر قدر عليه يقدر قدرة ومقدرة ، ومنه قولهم : المقدرة تذهب الحفيظة. وبالفتح والكسر بمعنى اليسار ، يقال : رجل ذو مقدرة ، أي : ذو يسار. وأمّا من القضاء والقدر فالمقدرة بالفتح لا غير.
    وقيل : (1) الميم مضمومة في عدّة نسخ ، والمستفاد من اللغة أنّها مفتوحة وهذا شيء لم تبلغني روايته عن أحد من المشايخ ، (2) ولا أيضاً صادفته فيما وقعت إليّ من النسخ المضبوطة المعوّل عليها.
    (9) قوله عليه السلام : فرقاً
    الفرق بالتحريك : الخوف والفزع ، والفعل منه باب طلب ، وربّما يقال : وقد يكون من باب علم أيضاً.
    (10) قوله عليه السلام : وهب لي نوراً
    أي : نوراً عقليّاً هو العلم «أمشي به في الناس» أي : في ممشاهم القدسي ، في سفرهم الإستكمالي الملكوتي إلى جناب بارئهم ذي الملك والملكوت ، أو أمشي به في عرضهم وفي جملتهم دليلاً لهم وهادياً إيّاهم إلى دار إقامتهم وموطن بقائهم وأرض حياتهم ، وإلى منتهى منازلهم في سيرهم إلى الله وعودهم إليه ، واقترارهم في مقرّهم عنده.
    جعلنا الله سبحانه ممّن يسلك في زمرته عليه السلام ذلك المسلك ، ويهتدي بهداه لذلك السبيل ، ويرتع من بركاته في ذلك المرتع ، إنّه سميع الدعاء لطيف لما يشاء.
    (11) قوله عليه السلام : وشوق ثواب الموعود
    الإضافة : إمّا بتقدير «من» ، أو بيانيّة.
    (12) قوله عليه السلام : وكأبة
    الكأبة بالفتحات على ما في الأصل : سوء الحال وتغيّر النفس والإنكسار من الحزن ، و
    __________________
    1. وهو السيّد نجم الدين «منه».
    2. في «س» و «ط» : من الأشياخ.

    كذلك الكآبة بالمدّ على ما في رواية «ش».
    وفي الصحاح وفي مجمل اللغة : إنّ الكأبة بإسكان الهمزة والكآبة بالمدّ مثل الرأفة والرآفة. (1)
    (13) قوله عليه السلام : بحوائجي
    الأصل في هذه اللفظة ، وكذلك المعروف من استعمال أئمّة الفنون الأدبيّة الموثوق بهم إيّاها الهمز ، فإنّها كالحاجات والحوج جمع الحاجة ، والألف في الحاجة منقلبة عن الواو اتّفاقاً.
    وفي القاموس : الحاجة معروفة ، والجمع حاجّ وحاجّات وحوج وحوائج غير قياسيّ ، أو مولدة ، أو كأنّهم جمعوا حائجة. انتهى. (2)
    قلت : وعلى هذا تكون على الأخير غير مهموزة.
    (14) قوله عليه السلام : حفيّاً
    أي : مستقصياً مبالغاً في قضائها ، من أحفى شاربه إذا بالغ في جزّه وقصّه ، وأحفاه في مسألة إذا استقصى عليه في السؤال عنها ، أو بارّاً لطيفاً معتنياً ، من أحفى فلان بصاحبه وحفي به حفاوة وتحفّى به فهو حفّي ، إذا أشفق عليه وبالغ في إكرامه والعناية في أمره وإلطافه بالمعروف.
    وعلى الأخير فإمّا أنّ تعليق الحفاوة بحوائجي من باب التجوّز العقلي من حيث تحقّق العلاقة المصحّحة للمجاز في الاسناد.
    وإمّا أنّ مدخول الباء التعليقيّة حقيقة هو المضاف إليه ، وتوسيط المضاف لتعيين ما فيه الحفاوة. أي : كن بي حفيّاً من جهة الحوائج.
    وإمّا أنّ الباء للظرفيّة لا للتعليق والتعدية ، والمعنى : كن في حوائجي حفيّاً بي.
    __________________
    1. الصحاح : 1 / 207 ، ومجمل اللغة : 3 / 775.
    2. القاموس : 1 / 184.

    (15) قوله عليه السلام : وطمأنينة النفس
    من باب الإضافة إلى الموصوف والمحلّ. وفي رواية «كف» : وطمأنينة اليقين ، من باب الإضافة إلى السبب ، كما في روح الرضا.
    (16) قوله عليه السلام : أو دنيا
    هي فعلى من الدنوّ ، وإنّما جعلت الدنيا إسماً لهذه الحياة لدنوّها ولبعد الأخرة عنها.
    وروي الصدوق عن أمير المؤمنين عليه السلام : سمّيت الدنيا دنيا ؛ لأنّها أدنى من كلّ شيء وسمّيت الآخرة أخرة لتأخّرها. (1)
    والجمع دني ، وأصله دنوّ. ودنيا لا تنوّن ؛ لأنّها لا تنصرف.
    قال ابن الجوزي في تقويمه : والعامّة تقول : دنياً منوّنة.
    وفي القاموس : الدنيا نقيض الآخرة ، وقد تنوّن ، والجمع دني. (2) ولعلّه عني بذلك استعمال العامّة لها بالتنوين.
    (17) قوله عليه السلام : حتّى أكون بما يرد عليّ منهما
    الباء بمعني «في» أو «من». وضمير التثنية للدنيا وللآخرة في حالين ، أي : أكون فيما أو ممّا يرد عليّ من الدنيا والآخرة في حال الرضا والغضب بمنزلة سواء ، ويحتمل إرجاع الضمير إلى الرضا والغضب.
    (18) قوله عليه السلام : على ما سواهما في الأولياء والأعداء
    ضمير التثية المجرور في «سواهما» للدنيا والآخرة من جهة رضاه عزّ وجلّ ، فالمؤثّر رضاه جلّ سلطانه في الدنيا والآخرة ، والمؤثّر عليه الدنيا والآخرة من غير جهة رضاه سبحانه.
    والمعنى مؤثّراً لرضاك في الدنيا والآخرة على ما سوى الدنيا والآخرة من جهة رضاك ،
    __________________
    1. رواه في علل الشرايع : ص 2 ، وفيه : وسمّيت الآخرة آخرة لأنّ فيها الجزاء والثواب.
    2. القاموس : 4 / 329.

    أي : على الدنيا والآخرة من غير سبيل رضاك في الأولياء وموالاتهم وفي الأعداء ومعاداتهم ، مقصوراً ذلك كلّه على ابتغاء وجهك وسلوك سبيلك وتحرّي رضاك.
    (19) قوله عليه السلام : مخلصاً في الرخاء
    بإعجام الخاء في الأصل. وفي رواية «كف» في الرجاء بالجيم ، من الأمل ممدوداً ، أو الرجا مقصوراً ناحية البئر وحافّتاها ، وكلّ ناحية رجا بالتحريك على فعل الماضي.
    وفي «خ» شكرها بضمّ الشين وإسكان الكاف على المصدر.

    23
    وكان من دعائه عليه السلام
    إذا سئل الله العافية وَشكرها
    أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَلْبِسْنِي عَافِيَتَكَ ، وَجَلِّلْنِي (1) عَـافِيَتَكَ ، وَحَصِّنِّي بِعَـافِيَتِـكَ ، وَأكْـرِمْنِي بِعَافِيَتِكَ ، وَأغْنِنِي بِعَافِيَتِكَ ، وَتَصَدَّقْ عَلَيَّ بِعَافِيَتِكَ ، وَهَبْ لِي عَافِيَتَكَ ، وَأَفْرِشْنِي (2) عَافِيَتَكَ ، وَأَصْلِحْ لِي عَافِيَتَكَ ، وَلا تُفَرِّقْ بَيْنِي وَبَيْنَ عَافِيَتِكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَعَافِنِي عَافِيَةً كَافِيَةً شَافِيَةً عَالِيَةً نَامِيةً ، عَافِيَةً تُوَلِّدُ فِي بَدَنِي الْعَافِيَةَ ، عَافِيَةَ الدُّنْيَا والآخِرَةِ ، وَامْنُنْ عَلَيَّ بِالصِّحَّةِ وَالأمْنِ ، وَالسَّلاَمَةِ فِي دِيْنِي وَبَـدَنِي ، وَالْبَصِيرَةِ فِي قَلْبِي ، وَالنَّفَاذِ فِي أمُورِيْ ، وَالْخَشْيَةِ لَكَ ، وَالْخَوْفِ مِنْكَ ، وَالْقُوَّةِ عَلَى مَا أَمَرْتَنِي بِهِ مِنْ طَاعَتِكَ ، وَالاجْتِنَابِ لِمَـا نَهَيْتَنِي عَنْهُ (3) مِنْ مَعْصِيَتِـكَ. أللَّهُمَّ وَامْنُنْ عَلَيَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، وَزِيَارَةِ قَبْرِ رَسُولِكَ ، صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَرَحْمَتُكَ وَبَرَكَاتُكَ عَلَيْهِ (4) وَعَلَى آلِهِ ، وَآلِ رَسُولِكَ (5) عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ أَبَداً مَا

    أَبْقَيْتَنِي ، فِي عَامِي هَذَا وَفِي كُلِّ عَام ، وَاجْعَلْ ذَلِكَ مَقْبُولاً مَشْكُوراً مَذْكُوراً لَدَيْكَ ، مَذْخُوراً عِنْدَكَ ، وَأَنْطِقْ بِحَمْدِكَ وَشُكْرِكَ وَذِكْرِكَ ، وَحُسْنِ الثَّناءِ عَلَيْكَ لِسَانِي ، وَاشْرَحْ لِمَرَاشِدِ دِينِكَ قَلْبِي ، وَأَعِذْنِي وَذُرِّيَّتِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم ، (6) وَمِنْ شَرِّ السَّامَّةِ (7) وَالْهَامَّةِ (Cool وَالْعَامَّةِ ، وَاللاَّمَّةِ (9) وَمِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْطَان مَرِيد ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ سُلْطَان عَنِيد ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ مُتْرَف حَفِيد ، (10) وَمِنْ شَرِّ كُلِّ ضَعِيفٍ وَشَدِيدٍ ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ شَرِيفٍ وَوَضِيعٍ ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِير ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ قَرِيْبٍ وَبَعِيدٍ ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ مَنْ نَصَبَ لِرَسُولِكَ وَلأهْلِ بَيْتِهِ حَرْبَـاً مِنَ الْجِنِّ (11) وَالإنْسِ ، (12) وَمِنْ شَرّ كُلِّ دَابَّة أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ، إنَّكَ عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وآلِهِ ، وَمَنْ أَرَادَنِي بِسُوء فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَادْحَرْ عَنِّي مَكْرَهُ ، وَادْرَأ عَنِّي شَرَّهُ ، وَرُدَّ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ ، وَاجْعَلْ بَيْنَ يَدَيْهِ سَدّاً ، حَتَّى تُعْمِيَ عَنِّي بَصَرَهُ ، وَتُصِمَّ عَنْ ذِكْري سَمْعَهُ ، وَتُقْفِلَ دُونَ إخْطَارِي قَلْبَهُ ، (13) وَتُخْرِسَ عَنَي لِسَانَهُ ، وَتَقْمَعَ رَأسَهُ ، (14) وَتُذِلَّ عِزَّهُ ، وَتَكْسِرَ جَبَرُوتَهُ ، وَتُذِلَّ رَقَبَتَهُ ، وَتَفْسَخَ كِبْرَهُ ، وَتُؤْمِنَنِي مِنْ جَمِيْعِ ضَرِّهِ وَشَرِّهِ وَغَمْزِهِ وَهَمْزِهِ وَلَمْزِهِ وَحَسَدِهِ وَعَدَاوَتِهِ وَحَبَائِلِهِ وَمَصَائِدِهِ ، وَرَجْلِهِ وَخَيْلِهِ ، إنَّكَ عَزِيز قَدِيرٌ. (15)

    (1) قوله عليه السلام : وجلّلني
    من جلّله بكذا إذا غطّه وعمّه به وألبسه إيّاه ، كما يتجلّل الرجل بالثوب.
    قال في الصحاح : جلّل الشيء تجليلاً ، أي : عمّ. والمجلّل : السحاب الذي يجلّل الأرض بالمطر ، أي : يعمّ. وتجليل الفرس ، أن تلبسه الجلّ. (1)
    وفي النهاية : جلّله أي : غطّاه ، ومنه في حديث الاستسقاء : والبلاً مجلّلاً على البناء للفاعل ، أي : يجلّل الأرض بمائه أو بنباته ، ويروى بفتح اللام على المفعول. (2) كما في دعاء رؤية الهلال : «والعافية المجلّلة».
    (2) قوله عليه السلام : وافرشني
    في نسخة شيخنا الشهيد وبخطّه «معاً» يعني الهمزة إمّا للقطع أو للوصل ، من أفرش فلان فلاناً أمره إذا أوسعه إيّاه ، وكذلك فرشه أمره ، أو من أفرش فلان فلاناً بساطاً ، أي : بسط له ، وكذلك فرشه إيّاه فرشاً وفرّشه إيّاه تفريشاً أيضاً.
    (3) قوله عليه السلام : لما نهيتني عنه
    هذه اللام : إمّا بمعنى «عن» كما في قوله سبحانه : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ) (3) أي : عن الذين آمنوا. أو بمعنى «من» كما في سمعت له صراخاً ، أي : منه. أو من التي تزاد لدعم المعنى ، فإنّ الاجتناب يتعدّى بنفسه لا بالحرف ، يقال : عرضه كذا ، ثمّ تزاد اللام الداعمة ، فيقال : عرضه له.
    __________________
    1. الصحاح : 4 / 1660.
    2. نهاية ابن الأثير : 1 / 289.
    3. الأحقاف : 11.

    (4) قوله عليه السلام : صلواتك عليه ـ إلى قوله ـ وبركاتك عليه
    ليس في نسخة ابن إدريس إلّا «عليه» الأخيرة ، كذا بخطّ الشهيد.
    (5) قوله عليه السلام : وآل رسولك
    بالعطف على رسولك ، أي : وزيارة قبر آل رسولك.
    (6) قوله عليه السلام : من الشيطان الرجيم
    فعيل بمعنى المفعول ، وهو المرجوم ، أي : المطرود من صقع الله تعالى ، والمبعد من جنابه ومن باب رحمته سبحانه ، أو المرحوم بالكواكب ، لما في التنزيل الكريم : «وجعلناها رجوماً للشياطين». (1)
    وأصل الرجم الرمي بالحجارة ، قالوا : ومعنى كونه رجوماً للشياطين أنّ الشهب التي تنقض في الليل وترجم بها الشياطين منفصلة من نار الكواكب ونورها ، (2) وهي مسبّبة عنها ، لا أنّهم يرجمون بالكواكب أنفسها.
    وقال رهط : الرجوم هي الظنون التي تحرز وتظنّ ، ومنه قوله سبحانه : (3). وهي ما للمنجّمين من الظنون والأحكام على اتّصالات الكواكب وانفصالاتها ، وإيّاهم عني بالشياطين ، فإنّهم شياطين الإنس.
    وذكر المفسّرون في : (إِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (4) أي : اُجيرها وذرّيّتها بحفظك. أنّه عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : ما من مولود يولد إلّا والشيطان يمسّه حين يولد ، فيستهلّ من مسّه إلّا مريم وابنها.
    ومعناه إنّ الشيطان يطمع في إغواء كلّ مولود بحيث يتأثّر منه إلّا مريم وابنها ، فإنّ الله تعالى عصمها ببركة هذه الإستعاذة. وكذلك الأمر في قول الإمام عليه السلام : وأعذني وذرّيّتي
    __________________
    1. سورة الملك : 5.
    2. في «ن» : ووقودها.
    3. سورة الكهف : 22.
    4. سورة آل عمران : 36.

    من الشيطان الرجيم.
    (7) قوله عليه السلام : ومن شرّ السامة
    أي : من شرّ الخاصّة ، من سمت النعمة إذا خصّت ، ويقال : أصله السمة الخاصّة والأقارب. أو من شرّ ذات السمّ. أو من شرّ الذين يتّبعون العورات ويتحسّسون المعائب ، من فلان يسمّ ذلك الأمر ، أي : يسبره وينظر ما غوره.
    (Cool قوله عليه السلام : والهامّة
    الهامّة واحدة الهوام. قال الجوهري : ولا يقع هذا الإسم إلّا على المخوف من الأجناس. (1)
    وقال المطرّزي الهميم الدبيب ، ومنه الهامّة من الدوابّ ما يقتل من ذوات السموم كالعقارب والحيّات. وأمّا حديث ابن عجرة : «أتؤذيك هوامّ رأسك» فالمراد بها القمّل على الإستعارة.
    وكأنّ ابن الأثير أيضاً عني ذلك ، حيث قال : الهامّة كلّ ذات سمّ يقتل ، والجمع الهوامّ ، فأمّا ما يسمّ ولا يقتل فهو السامّة كالعقرب والزنبور ، وقد يقع الهوامّ على ما يقع (2) من الحيوان وإن لم يقتل ، ومنه حديث كعب بن عجرة : «أتؤذيك هوامّ رأسك» أراد القمّل. (3)
    (9) قوله عليه السلام : واللامّة
    إمّا المراد بها الأجنّة التي تصيب الإنسان بسوء ، من قولهم أصاب فلاناً من الجنّ لمّة ، أي : مسّ وشيء قليل ، أو كلّ نازلة شديدة من اللمّة الشدّة ، والملمّة النازلة من نوازل الدنيا ، أو كلّ عين يصيب الإنسان بسوء.
    وعن رسول الله صلّى الله عليه وآله : أعوذ بكلمات الله التامّة من شرّ كلّ سامّة ومن كلّ عين لامّة. أي : ذات لمم. قال ابن الأثير : لم يقل : «ملمّة» وأصلها من الممت بالشيء ليزاوج قوله : من شرّ كلّ سامّة. (4)
    __________________
    1. الصحاح : 5 / 2062.
    2. في المصدر : ما يدبّ.
    3. نهاية ابن الأثير : 5 / 275.
    4. نهاية ابن الأثير : 4 / 272.

    (10) قوله عليه السلام : ومن شرّ كلّ مترف حفيد
    أي : كلّ من أطغته النعمة ، وهو سريع مسارع إلى الشرّ والقطع ، من الحفد السرعة ، وسيف محتفد أي : سريع القطع ، أو كلّ مترف هو محفود ، وهو الذي يخدمه أصحابه ويعظّمونه ويسرعون في طاعته. على أن يكون فعيلاً بمعنى المفعول.
    وفي نسخة «س» حقيد بالقاف ، ومعناه : كلّ مترف ذي حقد. والقاصرون قد اُشكل عليهم الأمر في هذا المقام.
    و «مترف» على صيفة المفعول ، أي : كلّ متنعّم ذي مال ، على ما في التنزيل الكريم : (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) (1) أي : أمرنا متولّيها ومتنعّميها بالطاعة والإحسان والمعروف وايتاء الزكاة.
    أو كلّ طاغ بطر ، من قولهم : أترفته النعمة وسعة العيش ، أي : أطغته وأبطرته. وقد يراد بالمترف المنهمك في ملاذ الدنيا وشهواتها ، ومنه قوله عزّ من قائل : (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُتْرَفِينَ) (2).
    حاشية اُخرى : و «حفيد» بالفاء بعد المهملة فعيل : إمّا بمعنى مفعول ، أي : محفود ، وهو الذي يخدمه أصحابه ويعظّمونه ويسرعون في طاعته ، أو الذي هو ذو حفدة ، أي : ذو خدم وأعوان ، أو الذي له حفدة ، أي : بنون وأولاد الأولاد وأقارب أحمّاء.
    وإمّا بمعنى فاعل ، أي : حافد ، والمراد به كلّ من يسارع إلى الشرّ ويسرع في [الخطيئة و] القطيعة. وأصل الحفد السرعة ، وسيف محتفد أي : سريع القطع ، ومنه في الدعاء : إليك نسعى ونحفد. أي : نسرع في العمل والطاعة.
    وفي نسخة «س» حقيد بالقاف أي : حاقد ، ومعناه : كلّ مترف طاغ بطر ذي حقد أو حقود ، على أن يكون الفعيل من أبنيته المبالغة. وبخطّ «كف» حقود مكان «حقيد» ، والقاصرون قد اُشكل عليهم الأمر في هذا المقام.
    __________________
    1. سورة الاسراء : 16.
    2. سورة الواقعة : 45.

    (11) قوله عليه السلام : ولأهل بيته حزباً من الجنّ
    كنّا قد أسلفنا في الحواشي أنّ الجنّ ليست جمعه الأجنّة ، لأنّ أفعلة إنّما يكون جمع فاعل ، كالوادي والأودية ، وجمع فعال كضماد وأضمدة ، وجمع فعال كفؤاد وأفئدة ، وجمع فعال كلواء وألوية ، وجمع فعيل كعزيز وأعزّة وحبيب وأحبّة ، وجمع فعول كعمود وأعمدة ، ولا يكون جمع فعل.
    والجنّ ليس هو اسم ؛ لعدم صحّة إطلاقه على الواحد بل اسم الجمع والواحد جنّي ، والجنّة إسم طائفة الجنّ ، وإطلاق الأجنّة على الجنّ كما هو الذائع الشائع الدائر على الألسن بصحيحة من سبيلين :
    الأوّل : أنّها جمع الجنين ، والجنين هو المستور والمستتر ، فعيلاً بمعنى المفعول ، أو بمعنى الفاعل ، ومنه سمّي ما في الرحم جنيناً لاستتاره وكلّ جنّي فهو مستور مستتر ، فيكون كلّ جنّي جنيناً والجنّ أجنّة.
    قال ابن الأثير في النهاية : جنّه جنّاً إذا ستره ، ومنه الحديث «جنّ عليه الليل» أي : ستره ، وبه سمّي الجنّ لاستتارهم واختفائهم عن الأبصار ، ومنه سمّي الجنين لاستتاره في بطن اُمّه. (1) انتهى.
    وهذا سبيل علّامة زمخشر في أساس البلاغة ، إذ قال : جنّه ستره فاجتنّ واستجنّ بجنّة استقر بها ، واجتنّ الولد في البطن وأجنّته الحامل ، وتقول : كأنّهم الجانّ. (2)
    وكذلك ابن فارس قال في مجمل اللغة : وسمّي الجنّ لأنّها تتّقى ولا ترى. (3)
    وكذلك الفيروزآبادي قال في القاموس : وأجنّ عنه واستجنّ استتر ، والجنين الولد في البطن ، جمع أجنّة ، واجنن كلّ مستور. (4) انتهى كلامه.
    الثاني : أنّها جمع الجانّ ؛ لأنّ فاعلاً يجمع على أفعلة. والجانّ الشيطان على ما في النهاية
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 1 / 307.
    2. أساس البلاغة : 102.
    3. مجمل اللغة : 1 / 175.
    4. القاموس : 4 / 210.

    الأثيريّة. (1) أو هو أيضاً إسم الجمع كالجنّ على ما عليه الأكثر وقيل : هو الوهم.
    قال المطرّزي في المغرب : والجانّ أيضاً حيّة بيضاء صغيرة. (2) أو واحدة الحيّات التي تكون في البيوت.
    وفي النهاية : هو الدقيق الخفيف من الحيّات. (3)
    وقال العزيزي في غريب القرآن : جان جنس الحيات ، وجانّ واحد الجنّ أيضاً. (4)
    ثمّ إنّ هنالك ضرباً من التفصيل قد تلوناه عليك فيما قد سلف.
    (12) قوله عليه السلام : والإنس
    الإنس لفظ جمع والواحد إني ، فالإنسان جنس للبشر ، ريمت النسبة إليه فقيل : إنسيّ ، ثمّ جعل الإنس جمعاً له يطرح بالنسبة. هذا أحقّ ما قالته العلماء الأدبيّون. وربّما يقال : الاُناسي أيضاً جمع الإنسي مثل كرسي وكُراسي.
    قال العزيزي في غريب القرآن : ويجوز أن يكون اُناسي جمع إنسان ، وتكون الياء بدلاً من النون ؛ لأنّ الأصل اناسين بالنون ، مثل سراحين جمع سرحان وهو الذئب. (5)
    (13) قوله عليه السلام : دون إخطاري قلبه
    دون هنا إمّا بمعنى نقيض فوق ، والقصور عن حدّ وغاية ، أو بمعنى وراء ، أي : اجعل (6) قلبه مقفّلاً تحت ما وراء اخطاري بباله قاصراً عن استطاعة الوصول إليه.
    أو بمعنى «عند» أي : اجعله مقفّلاً عند محاولة إخطاري بالبال فلا يسطيع إليه سبيلاً ، أو مقفّلاً عن الكيد والمكر عنه ما يخطرني بباله ، فلا يكون له ذلك سبيلاً أصلاً.
    (14) قوله عليه السلام : وتقمع رأسه
    من قمعه كمنعه ، إذا ضربه بالمقمعة بإسكان القاف بعد الميم المكسورة وقبل الميم
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 1 / 308.
    2. المغرب : 1 / 97.
    3. نفس المصدر : 1 / 308.
    4. غريب القرآن : 326.
    5. غريب القرآن : 304.
    6. في «س» : جلعه.

    المفتوحة ، واحدة المقامع ، وهي المعود من حديد ، أو شيء كالمحجن يضرب بها رأس الفيل ، أو خشبة يضرب بها الإنسان على رأسه.
    (15) قوله عليه السلام في آخر الدعاء : إنّك عزيز قدير
    وفي «خ» بعد ذلك : يا أرحم الراحمين.

    24
    وكان من دعائه عليه السلام لأبويه عليهما السلام
    أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد عَبْـدِكَ وَرَسُولِـكَ ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ ، وَاخْصُصْهُمْ بِأَفْضَلِ صَلَوَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَبَرَكَاتِكَ وَسَلاَمِكَ ، وَاخْصُصِ اللَّهُمَّ وَالِدَيَّ بِالْكَرَامَةِ لَدَيْكَ ، وَالصَّلاَةِ مِنْكَ ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَلْهِمْنِي عِلْمَ مَا يَجبُ لَهُمَا عَلَىَّ إلْهَاماً ، وَاجْمَعْ لِي عِلْمَ ذلِكَ كُلِّهِ تَمَامـاً ، ثُمَّ اسْتَعْمِلْنِي بِمَا تُلْهِمُنِي مِنْـهُ ، (1) وَوَفِّقْنِي لِلنُّفُوذِ فِيمَا تُبَصِّـرُنِيْ مِنْ عِلْمِهِ ، حَتَّى لاَ يَفُوتَنِي اسْتِعْمَالُ شَيْء عَلَّمْتَنِيْهِ ، وَلاَ تَثْقُلَ أَرْكَانِي عَنِ الْحُفُوفِ (2) فِيمَا أَلْهَمْتَنِيهِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، كَمَا شَرَّفْتَنَا بِهِ ، وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، كَمَا أَوْجَبْتَ لَنَا الْحَقَّ عَلَى الْخَلْقِ بِسَبَبِهِ. أللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَهَابُهُمَا هَيْبَةَ السُّلْطَانِ الْعَسُوفِ ، وَأَبَرُّهُمَا بِرَّ الأُمِّ الرَّؤُوفِ ، وَاجْعَلْ طَاعَتِي لِوَالِدَيَّ وَبِرِّيْ بِهِمَا أَقَرَّ لِعَيْنِي (3) مِنْ رَقْدَةِ الْوَسْنَانِ ، (4) وَأَثْلَجَ لِصَدْرِي مِنْ شَرْبَةِ الظَّمْآنِ حَتَّى أوثِرَ عَلَى هَوَايَ هَوَاهُمَا ، وَ

    أُقَدِّمَ عَلَى رِضَاىَ رِضَاهُمَا ، وَأَسْتَكْثِرَ بِرَّهُمَا بِي وَإنْ قَلَّ ، وَأَسْتَقِلَّ بِرِّي بِهِمَا وَإنْ كَثُرَ. أللَّهُمَّ خَفِّضْ لَهُمَا صَوْتِي ، وَأَطِبْ لَهُمَا كَلاَمِي ، وَأَلِنْ لَهُمَا عَرِيْكَتِي ، وَاعْطِفْ عَلَيْهِمَا قَلْبِي ، وَصَيِّرْنِي بِهِمَا رَفِيقاً ، وَعَلَيْهِمَا شَفِيقاً. أللَّهُمَّ اشْكُرْ لَهُمَا 5 تَرْبِيَتِي ، وَأَثِبْهُمَا عَلَى تَكْرِمَتِي ، وَاحْفَظْ لَهُمَا مَا حَفِظَاهُ مِنِّي فِي صِغَرِي. (6) اللَّهُمَّ وَمَا مَسَّهُمَا مِنِّي مِنْ أَذَىً ، أَوْ خَلَصَ إلَيْهِمَا عَنِّي مِنْ مَكْرُوه ، أَوْ ضَاعَ قِبَلِي لَهُمَا مِنْ حَقٍّ ، فَاجْعَلْهُ حِطَّةً (7) لِذُنُوبِهِمَا ، وَعُلُوّاً فِي دَرَجَاتِهِمَا ، وَزِيَادَةً فِي حَسَنَاتِهِمَا ، يَا مُبَدِّلَ السَّيِّئاتِ بِأَضْعَافِهَا مِنَ الْحَسَنَاتِ. أللَّهُمَّ وَمَا تَعَدَّيَا عَلَيَّ فِيهِ مِنْ قَوْل أَوْ أَسْرَفَا عَلَىَّ فِيْهِ مِنْ فِعْل ، أَوْ ضَيَّعَاهُ لِي مِنْ حَقٍّ ، أَوْ قَصَّرا بِي عَنْهُ مِنْ وَاجِب ، فَقَدْ وَهَبْتُهُ لَهُما ، وَجُدْتُ بِهِ عَلَيْهِمَا ، وَرَغِبْتُ إلَيْكَ فِي وَضْعِ تَبِعَتِهِ (Cool عَنْهُمَا ، فَإنِّي لا أَتَّهِمُهُمَا عَلَى نَفْسِي ، وَلاَ أَسْتَبْطِئُهُمَا فِي بِرِّي ، (9) وَلا أكْرَهُ مَا تَوَلَّياهُ مِنْ أَمْرِي. يَا رَبِّ فَهُمَا أَوْجَبُ حَقّاً عَلَيَّ ، وَأَقْدَمُ إحْسَانـاً إلَيَّ ، وَأَعْظَمُ مِنَّةً لَـدَيَّ مِنْ أَنْ أقَاصَّهُمَا بِعَدْلٍ ، أَوْ أُجَازِيَهُمَا عَلَى مِثْل. أَيْنَ إذاً يَا إلهِيْ طُولُ شُغْلِهِمَا بِتَرْبِيَتِي؟ وَأَيْنَ شِدَّةُ تَعَبِهِمَا فِي حِرَاسَتِيْ؟ وَأَيْنَ إقْتَارُهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا لِلتَّوْسِعَةِ عَلَيَّ؟ هَيْهَاتَ مَا يَسْتَوْفِيَانِ مِنِّي حَقَّهُمَا ، وَلاَ اُدْرِكُ مَا يَجِبُ عَلَيَّ لَهُمَا ، وَلا أَنَا بِقَاض وَظِيفَةَ خِدْمَتِهِمَا ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَ

    أَعِنِّي يَا خَيْرَ مَنِ اسْتُعِينَ بِهِ ، وَوَفِّقْنِي يَا أَهْدَى مَنْ رُغِبَ إلَيْهِ، وَلاَ تَجْعَلْنِي فِي أَهْلِ الْعُقُوقِ لِلآباءِ وَالأُمَّهاتِ ، يَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَيُظْلَمُونَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِـهِ وَذُرِّيَّتِهِ ، وَاخْصُصْ أَبَوَيَّ بِأَفْضَلِ مَا خَصَصْتَ بِهِ آبَاءَ عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَاُمَّهَاتِهِمْ ، يَا أَرْحَمَ الـرَّاحِمِينَ. أللَّهُمَّ لاَ تُنْسِنِي ذِكْرَهُمَا فِي أَدْبَارِ صَلَوَاتِي ، وَفِي أَناً مِنْ آناءِ لَيْلِي ، وَفِي كُلِّ سَاعَة مِنْ سَاعَاتِ نَهَارِي. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاغْفِرْ لِي بِدُعَائِي لَهُمَا ، وَاغْفِرْ لَهُمَـا بِبِرِّهِمَـا بِي مَغْفِرَةً حَتْمـاً ، وَارْضَ عَنْهُمَا بِشَفَاعَتِي لَهُمَا رِضَىً عَزْماً ، وَبَلِّغْهُمَا بِالْكَرَامَةِ مَوَاطِنَ السَّلاَمَةِ. أللَّهُمَّ وَإنْ سَبَقَتْ مَغْفِرَتُكَ لَهُمَا ، فَشَفِّعْهُمَا فِيَّ ، وَإنْ سَبَقَتْ مَغْفِرَتُـكَ لِي ، فَشَفِّعْنِي فِيْهِمَا ، حَتّى نَجْتَمِعَ بِرَأفَتِكَ فِي دَارِ كَرَامَتِكَ وَمَحَلِّ مَغْفِرَتِكَ وَرَحْمَتِكَ ، إنَّكَ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ، وَالْمَنِّ الْقَدِيْمِ ، وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

    (1) قوله عليه السلام : استعملني بما تلهمني منه
    يحتمل عود العائد إلى ما في قوله عليه السلام : «ما يجب لهما» أو إلى علم المضاف إلى «ما».
    (2) قوله عليه السلام : عن الحفوف
    إمّا من حفّت الأرض إذا يبس نباتها ، أي : وحتّى لا تثقل أركاني من التقصير والتفريط في أداء ما ألهمتنيه من حقّهما.
    أو وحتّى لا تثقل أركان من حبل الوزر المسبّب عن التقصير فيما ألهمتنيه ، كما في قولهم : ما رؤي عليه حفف ولا ضعف. أي : أثر الحفف والضعف ، وأمّا قولهم : حفّوه وحفّوا حوله ، أي : طافوا به واستداروا حوله.
    والمعنى : وحتّى لا تثقل ولا تثبط أركاني عن الحفوف بالواجب فيما ألهمتنيه من حقّهما.
    وفي نسخة «س» عن الخوف والخفوف : إمّا من قولهم : خفّ القوم خفوفاً أي : قلّوا ، وإمّا من قولهم : خفّ خفوفاً ، أي : ذهب بعجلة وسرعة ، وتقرير المعنى على قياس ما ذكر.
    وفي «كف» عن الحقوق بإهمال الحاء وقافين من حاشيتي الواو.
    (3) قوله عليه السلام : أقرّ لعيني
    أي : أسرّ لها وأحبّ إليها من القرّ البرد ، يقال للمدعوّ له : أقرّ الله عينك ، وللمدعوّ عليه ، أسخن الله عينك. وحقيقته أبرد الله دمعك ، وأسخن دمعك ، لأنّ دمعة السرور والفرح باردة ، ودمعة الوجد والحزن سخينة.
    وقد يؤخذ ذلك من القرار ، ويقال : معنى أقرّ الله عينك بلغك اُمنيتك حتّى ترضى و

    تسكن عينيك ، ولا تستشرف (1) إلى غيرها. فعلى هذا أسخن الله عينك معناه أدار الله مستشرفه في انتظار مبتغاتها.
    (4) قوله عليه السلام : من رقدة الوسنان
    الوسنان والظمآن في اللغة الناعس والعطشان ، والمراد بهما هاهنا شديد النعاس وشديد العطش.
    (5) قوله عليه السلام : اللهمّ اشكر لهما
    نسبة الشكر إليه سبحانه كما نسبة الرحمة ومضاهياتها إليه باعتبار ترتّب الغايات التي هي الأفعال دون حصول المبادي التي هي الإنفعالات ، فشكر الله سبحانه لعباده مغفرته لهم ومعاملته إيّاهم بالإحسان والإنعام والإلطاف والإكرام ، والشكور في أسماء الله تعالى هو الذي يزكو وينمو عنده القليل من أعمال العباد ، فيضاعف لهم الجزاء ، فيجازي بيسير الطاعات كثير الدرجات ويعطي بعمل حقير طفيف في أيّام معدودة نعماً جساماً عظاماً في الآخرة غير محدودة ولا معدودة. (2)
    ويقال من جازى الحسنة بأضعافها : قد شكر على الحقيقة ، ومن أثنى على المحسن فيقال أيضاً : إنّه شكر.
    (6) قوله عليه السلام : في صغري
    بكسر الصاد ضدّ الكبر بكسر الكاف. وربّما يقال : (3) الصغر في اللغة بكسر الصاد وفتحها. ونسخ الصحيحة متغايرة بهما.
    ولم يثبت عندي شيء من ذلك عن أحد من الثقات المعوّل على قولهم ، بل الثابت إنّ الصغر بفتح الصاد بمعنى الصغار والهوان.
    والجوهري قال في الصحاح : والصغار بالفتح الذلّ والضيم ، وكذلك الصغر بالضمّ ، و
    __________________
    1. في «ن» : ولا تطرف ، وكذا مستطرفة مكان مستشرفة.
    2. في «س» : غير مجذوذة ولا محدودة.
    3. القائل السيّد نجم الدين «منه».

    المصدر الصغر بالتحريك. (1)
    (7) قوله عليه السلام : فاجعله حطّة
    الحطّة بكسر الحاء وتشديد الطاء المهملتين هي كلمة وطاعة إذا ما أتى بها ، أو ملمّة وأذيّة إذا ما صبر عليها وشكر عندها حطّت الأوزار.
    (Cool قوله عليه السلام : تبعته
    التبعة ـ بكسر الباء الموحّدة بين المفتوحتين ـ ما يتبع الآثام من الوبال والنكال.
    (9) قوله عليه السلام : ولا استبطئهما في برّي
    أي : لا أحسبهما ولا أعدهما من المبطئين في برّي.
    __________________
    (1)الصحاح : 2 ، 713.

    25
    وكان من دعائه عليه السلام لولده
    أللَّهُمَّ وَمُنَّ عَلَيَّ بِبَقَاءِ وُلْدِي ، (1) وَبِإصْلاَحِهِمْ لِي ، وَبِإمْتَاعِي بِهِمْ. (2) إلهِي أمْدُدْ لِي فِي أَعْمَارِهِمْ ، وَزِدْ لِي فِي آجَالِهِمْ ، وَرَبِّ لِي صَغِيرَهُمْ ، وَقَوِّ لِي ضَعِيْفَهُمْ ، وَأَصِحَّ لِي أَبْدَانَهُمْ وَأَدْيَانَهُمْ وَأَخْلاَقَهُمْ ، وَعَافِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ ، وَفِي جَوَارِحِهِمْ ، وَفِي كُلِّ مَا عُنِيْتُ بِهِ (3) مِنْ أَمْرِهِمْ وَأَدْرِرْ (4) لِي وَعَلَى يَدِي أَرْزَاقَهُمْ ، وَاجْعَلْهُمْ أَبْرَاراً أَتْقِيَاءَ بُصَراءَ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ لَكَ ، وَلأوْلِيَائِكَ مُحِبِّينَ مُنَاصِحِينَ ، وَلِجَمِيْعِ أَعْدَآئِكَ مُعَانِدِينَ وَمُبْغِضِينَ ، آمِينَ. أللَّهُمَّ اشْدُدْ بِهِمْ عَضُدِي ، وَأَقِمْ بِهِمْ أَوَدِيْ ، (5) وَكَثِّرْ بِهِمْ عَدَدِي ، وَزَيِّنْ بِهِمْ مَحْضَرِي ، وَأَحْييِ بِهِمْ ذِكْرِي ، وَاكْفِنِي بِهِمْ فِي غَيْبَتِي ، وَأَعِنِّي بِهِمْ عَلَى حَاجَتِي ، وَاجْعَلْهُمْ لِي مُحِبِّينَ ، وَعَلَيَّ حَدِبِينَ مُقْبِلِينَ مُسْتَقِيمِينَ لِيْ مُطِيعِينَ غَيْرَ عَاصِينَ وَلاَ عَاقِّينَ وَلا مُخَالِفِينَ وَلاَ خاطِئِينَ ، وَأَعِنِّي عَلَى تَرْبِيَتِهِمْ وَتَأدِيْبِهِمْ وَبِرِّهِمْ ، وَهَبْ لِيْ مِنْ لَدُنْكَ مَعَهُمْ

    أَوْلاداً ذُكُوراً ، وَاجْعَلْ ذَلِكَ خَيْراً لي ، وَاجْعَلْهُمْ لِي عَوناً عَلَى مَا سَأَلْتُكَ ، وَأَعِذْنِي وَذُرِّيَّتِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، فَإنَّكَ خَلَقْتَنَا وَأَمَرْتَنَا وَنَهَيْتَنَا وَرَغّبْتَنَا فِي ثَوَابِ ما أَمَرْتَنَا ، وَرَهَّبْتَنَا عِقَابَهُ ، وَجَعَلْتَ لَنَا عَدُوّاً يَكِيدُنَا ، سَلَّطْتَهُ مِنَّا عَلَى مَا لَمْ تُسَلِّطْنَا عَلَيْهِ مِنْهُ ، أَسْكَنْتَهُ صُدُورَنَا ، وَأَجْرَيْتَهُ مَجَارِيَ دِمَائِنَا ، لاَ يَغْفُلُ إنْ غَفَلْنَا ، وَلاَ يَنْسَى إنْ نَسِينَا ، يُؤْمِنُنَا عِقَابَكَ ، وَيَخَوِّفُنَا بِغَيْرِكَ ، إنْ هَمَمْنَا بِفَاحِشَة شَجَّعَنَا عَلَيْهَا ، وَإنْ هَمَمْنَا بِعَمَل صَالِح ثَبَّطَنَا عَنْهُ ، يَتَعَرَّضُ لَنَا بِالشَّهَوَاتِ ، وَيَنْصِبُ لَنَا بِالشَّبُهَاتِ ، إنْ وَعَدَنَا كَذَبَنَا ، وَإنْ مَنَّانا (6) أَخْلَفَنَا ، وَإلاّ تَصْرِفْ عَنَّا كَيْدَهُ يُضِلَّنَا ، وَإلاّ تَقِنَا خَبالَهُ (7) يَسْتَزِلَّنَا. (Cool أللَّهُمَّ فَاقْهَرْ سُلْطَانَهُ عَنَّا بِسُلْطَانِكَ ، حَتَّى تَحْبِسَهُ عَنَّا بِكَثْرَةِ الدُّعَاءِ لَكَ ، فَنُصْبحَ مِنْ كَيْدِهِ فِي الْمَعْصُومِينَ بِكَ. أللَّهُمَّ أَعْطِنِي كُلَّ سُؤْلِي ، وَاقْضِ لِي حَوَائِجِي وَلاَ تَمْنَعْنِي الإجَابَةَ ، وَقَدْ ضَمِنْتَهَا لِي ، وَلا تَحْجُبْ دُعَائِي عَنْكَ ، وَقَدْ أَمَرْتَنِي بِهِ ، وَامْنُنْ عَلَيَّ بِكُلِّ مَا يُصْلِحُنِيْ فِيْ دُنْيَايَ وَآخِرَتِي مَا ذَكَرْتُ مِنْهُ وَمَا نَسِيتُ ، أَوْ أَظْهَرتُ أَوْ أَخْفَيْتُ ، أَوْ أَعْلَنْتُ أَوْ أَسْرَرْتُ ، وَاجْعَلْنِي فِي جَمِيعِ ذلِكَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ بِسُؤَالِي إيَّـاكَ ، الْمُنْجِحِينَ بِالـطَّلَبِ إلَيْـكَ ، غَيْـرِ الْمَمْنُوعِينَ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْكَ ، (9) الْمُعَوَّدِينَ بِالتَّعَوُّذِ بِكَ ، الرَّابِحِينَ فِي

    التِّجَارَةِ عَلَيْـكَ ، الْمُجَارِيْنَ (10) بِعِـزِّكَ ، الْمُـوَسَّـعِ عَلَيْهِمُ الـرِّزْقُ الْحَـلاَلُ مِنْ فَضْلِكَ ، الْوَاسِعِ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ ، الْمُعَزِّينَ مِنَ الذُّلِّ بِكَ ، وَالْمُجَارِينَ مِن الظُّلْمِ (11) بِعَدْلِكَ ، وَالْمُعَافَيْنَ مِنَ الْبَلاءِ بِرَحْمَتِكَ ، وَالْمُغْنَيْنَ مِنَ الْفَقْرِ بِغِنَاكَ ، وَالْمَعْصومِينَ مِنَ الذُّنُوبِ وَالزَّلَلِ وَالْخَطَأِ بِتَقْوَاكَ ، وَالْمُوَفَّقِينَ لِلْخَيْرِ وَالرُّشْدِ وَالصَّوَابِ بِطَاعَتِكَ ، وَالْمُحَالِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الذُّنُوبِ بِقُدْرَتِكَ ، التَّـارِكِينَ لِكُلِّ مَعْصِيَتِكَ ، السَّاكِنِينَ فِي جِوَارِكَ. أللَّهُمَّ أَعْطِنَا جَمِيعَ ذلِكَ بِتَوْفِيقِكَ وَرَحْمَتِكَ ، وَأَعِذْنَا مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ ، وَأَعْطِ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَـاتِ ، وَالْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ، مِثْلَ الَّذِي سَأَلْتُكَ لِنَفْسِي ، وَلِوُلْدِي فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا وَآجِلِ الآخِرَةِ ، إنَّكَ قَرِيبٌ مُجِيبٌ ، سَمِيعٌ عَلِيمٌ ، عَفُوٌّ غَفُـورٌ (12) رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ، وَآتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

    (1) قوله عليه السلام : ومنّ عليّ ببقاء ولدي جميعاً
    بخطّ الشهيد : «وعنّي بجميعاً ولدي» بالتحريك ، وولدي بضمّ الواو وتسكين اللام ، وولدي بكسر الواو وتسكين اللام.
    في الصحاح : الولد قد يكون واحداً وجمعاً ، وكذلك الولد بالضمّ ، وقد يكون الولد جمع الولد ، والولد بالكسر لغة في الولد. (1)
    (2) قوله عليه السلام : وبإمتاعي بهم
    من أمتعت بالشيء ، أي : تمتّعت به ، والمتاع كلّ ما ينتفع به ، على ما هو المستفيض عند أئمّة اللغة.
    وحكى المطرّزي في المغرب عن بعضهم جعل الإمتاع متعدّياً ، والمتاع مصدر ، أو أنّه مصدر أمتعه إمتاعاً ومتاعاً. ثمّ قال : قلت : والظاهر أنّه اسم من متع ، كالسلام من سلم.
    ثمّ لا يبعد على أخذ الإمتاع متعدّياً جعله هاهنا بمعنى التعمير من العمر ، والباء في «بهم» بمعنى «مع» أي : وبتعميري معهم كما التمتيع.
    وقد يكون معناه التعمير ، على ما قاله الهروي وغيره ، ومنه في التنزيل الكريم (يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا) (2) أي : يعمّركم ويعيشكم في أمن ودعة في عيشة واسعة راضية إلى أجل مسمّىً ، وكذلك في قوله سبحانه : (قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا) (3) أي : لا تعمرون ولا تبقون في الدنيا إلّا إلى آجالكم.
    __________________
    1. الصحاح : 1 / 550.
    2. سورة هود : 3.
    3. سورة الأحزاب : 16.

    (3) قوله عليه السلام : في كلّ ما عنيت به
    على البناء المجهول ، وبضمّ التاء للمتكلّم ، من قولهم : هذا الأمر لا يعنيني. أي : لا يشغلني ولا يهمّني ، ومنه الحديث : من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. (1) أي : ما لا يهمّه ، يقال : عنيت بحاجتك أعني بها فأنا بها معنيّ ، أي : اهتممت بها واشتغلت ، وكذلك عنيت بها فأنا بها عان ، ولكن الأوّل أكثر.
    وفي رواية «س» التاء مفتوحة للخطاب.
    (4) قوله عليه السلام : وأدرر
    بالقطع على أنّه من باب الإفعال من الدرّ بالفتح أو الدرّ بالكسر ، وبالوصل على أنّه من قولهم الريح تدرّ السحاب وتستدرّه ، أي : تستحلبه.
    () قوله عليه السلام : قالين
    أي : مبغضين تأكيداً للأوّل ، يقال : قلاه يقليه قلى وقلاءاً إذا أبغضه.
    وقال الجوهري : إذا فتحت مددت ، ويقلاه لغة طيّ. (2)
    أو تاركين تأسيساً ، وذلك أولى ، وهو من قولهم : جرّب الناس فإنك إذا جرّبتهم قليتهم ، أي : تركتهم ، لفظ أمر معناه الخبر ، أي : من جرّبهم وظهر له بواطن أسرارهم تركهم.
    ومنه الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال لعلي عليه السّلام : يا علي يهلك فيك اثنان : محبّ غال ، ومبغض قال. (3) أي : تارك فيكون من تركه عليه السلام في حكم من قد أبغضه ، ولا أحبّه إلّا من قد تمسّك به.
    (5) قوله عليه السلام : وأقم به أودي
    في نسختي «ش» و «كف» بهم. في الأصل وبه «س».
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 3 / 314.
    2. الصحاح : 6 / 2467.
    3. نهج البلاغة : 558.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الصحيفه السجاديه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الصحيفه السجاديه كامله   الصحيفه السجاديه كامله Emptyأمس في 20:28

    و «أودي» بالتحريك أي : أقم لي بهم أودي ، يعني ما أعوج من أمري وقامة المعوج تثقيفه ، أي : تقويمه وتسويته.
    والأود بالتحريك الإعوجاج ، يقال : أود الشيء كفرح أي : أعوج والضمير المفرد لشدّ العضد في «اُشدد بهم عضدي».
    (6) قوله عليه السلام : وإنّ منّانا
    الاُمنية واحدة الأماني ، ومنها يقال : تمنّيت الشيء تمنّياً ، ومنيت غيري إيّاه ، أي : شهيته إيّاه وجعلته يرجوه ويشتهيه ويتمنّاه ويترقّبه.
    (7) قوله عليه السلام : يضلّنا ويستزلنّا
    بالنصب على الجزم لجواب الشرط ، أو بالرفع على أن يكون الجملة مفسّرة للجواب المحذوف المدلول عليه بالكلام ، وهذا أبلغ فإنّ في الحذف فخامة وذهاباً للوهم كلّ مذهب ، ويعلم منه أنّه يفعل بهم ، إذ ذاك ما لا يدخل تحت الوصف.
    فمغزى القوم وتقديره : وإلّا تصرف عنّا كيده تصبنا داهية كبيرة ، وهي أنّه تضلّنا على عامّة انتقادير وجميع الأحوال ، ولا يكون لنا عن ذلك محيص أصلاً.
    وهذه القاعدة أعني حذف الجواب لدلالة الكلام عليه طريقة مسلوكة للبلاغة في التنزيل الكريم ، متكرّرة جدّاً ، منها (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ) (1) ومنها (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لَّا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (2).
    (Cool قوله عليه السلام : وإلّا تقنا خباله
    الخبال بفتح المعجمة قبل الموحّدة : الفساد في العقل ، والخبل والخبل بالإسكان والتحريك الجنون ، والإضافة إلى الضمير العائد الى الشيطان إضافة بتقدير «من»
    __________________
    1. سورة الفتح : 25.
    2. سورة الواقعة : 83 ـ 87.

    الإبتدائيّة.
    ومن طريق مصباح المتهجّد ومنهاج الصلاح في مثل هذا الدعاء : إن وعدني كذبني ، وإن منّاني قنطني ، وإلّا تصرف عنّي كيده يستنزلّني وإلّا تفلتني (1) من حبائله لصدّني ، وإلّا تعصمني منه يفتني.
    وفي الصحيفة الكريمة حبائله مكان خبله «خ» و «كف» وهي بإهمال الحاء جمع حبالة (2) الصائد.
    (9) قوله عليه السلام : غير الممنوعين بالتوكّل عليك
    الباء فيه إمّا بمعنى «من» فقد تكون بمعناها على ما نصّ عليه الجوهري وغيره ، ومنه قوله سبحانه في التنزيل الكريم (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّـهِ) (3) أي : منها.
    وإمّا بمعنى «فى». وإمّا للتسبيب كما في قرينتيها السابقتين ، أي : غير الممنوعين عن اُمنياتهم ومبتغياتهم في توكّلهم عليك ، أو بسبب توكّلهم عليك.
    (10) قوله عليه السلام : المجارين
    معاً ، أي : على جمع صيغة المفعول ، إمّا بكسر الراء من أجاره يجيره فهذا مجير وذاك مجار ، إذا خفره وآمنه وأدخله في جواره وأمانه وخفارته.
    وبفتحها من جاراه مجاراة فهذا مجار وذاك مجاري ، إذا جرى معه وماشاه مماشاة عناية به وكلاءة له ومداحاة ومداراة لضعفه ، وترفّقاً وتلطّفاً وتعطّفاً ، وقولهم : الدين والرهن يتجاريان مجاراة المبيع والثمن ، أي : مجراهما مجراهما وسبيلهما سبيلهما.
    والجري بوزن الوصي الوكيل والرسول ؛ لأنّه يجري في اُمور موكّله أو يجري مجرى الموكّل ، والجمع أجرياء ، واستجراه في خدمته استعمله في طريقتها ، ومنه سمّيت الجارية ؛
    __________________
    1. في «ن» : وإلا تعنني.
    2. في «ن» : حبائل.
    3. سورة الإنسان : 6.

    لأنّها تستجري في الخدمة ، استجريته وجريته : جعلته جرياً أي : وكيلاً أو رسولاً.
    وفي الحديث : لا يستجرينّكم الشيطان. (1) جعله بعضهم استفعالاً من الجري بمعنى الوكيل والرسول ، يعني : لا تتولّوا وكالة الشيطان ورسالته.
    قال في أساس البلاغة : أي : لا يستتبعنّكم حتّى تكونوا منه بمنزلة الوكلاء مع الموكّل. (2)
    وحمله آخرون على معنى الأصل ، أي : لا يحملنّكم أن تجروا في إيتماره وطاعته.
    (11) قوله عليه السلام : والمجارين من الظلم
    في الأصل بالراء المكسورة من الإجارة ، وفي نسخة «س» بالزاء مفتوحة من المجازاة. وبخطّ «ش» قدّس الله لطيفه بالزاء معاً ، على صيغتي المفعول والفاعل. أي : الذين يجازيهم على ما أصابهم من الظلم ، وينتصف بهم من ظالمهم (3) عدلك ، أو الذين لا يجازون من اعتدى عليهم وظلمهم إلّا بعدلك.
    (12) قوله عليه السلام : عفوّ غفور
    هما من أبنية المبالغة من العفو والمغفرة ، ففريق من اُولي العلم يعتبرون أصل المعنى ، فيجعلون العفو أبلغ ، إذ أصل العفو المحو والطمس. والغفر والغفران الستر والتغطئة ، فالغفور هو الذي يستر ذنوب المذنبين بستره ، ويغطّيها بحلمه. والعفوّ هو الذي يطمس المعصي برأفته ويمحو السيّئات برحمته.
    وفريق يقولون : العفوّ التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه ، والغفران تغطئة المعصية بإسبال ستر الرحمة عليها ، ثمّ التفضّل على من اقترنها بالبرّ والمثوبة. فالغفور لا محالة أبلغ ، ولذلك خصّت المغفرة بالله سبحانه ، فلا يقال : غفر السلطان لفلان ، ويقال : عفى عنه ، ويقال : استغفر الله ول ايقال : استغفر السلطان.
    فالله سبحانه عفوّ يتجاوز عن الذنوب بصفحه ، ويترك عقاب المذنبين بعفوه ، وغفور
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 1 / 264.
    2. أساس البلاغة : 91.
    3. في «ن» : مطالمهم.

    يستر الآثام ، ويعامل الآثمين بالرحمة ، كأنّهم لم يقاربوا خطيئة ولم يلمّوا لمماً.
    فممّا أوجبته غفوريّته أنّه قد أظهر الجميل وستر القبيح ، والمعاصي والآثام من جملة المعائب والمقابح التي أسبل ستره عليها في الدنيا والآخرة ، فجعل المسخبثات الجسديّة والمستقبحات البدنيّة مستورة عن أعين الناظرين ، مغطّاة بجمال الظاهر ، وأكنّ الخواطر المذمومة ، والوساوس الملوم عليها في سرّ القلب وفي كنانة الضمير.
    ثمّ إنّه يغفر في النشأة الآخرة لمن مات وهو مؤمن من ذنوبه التي يستحقّ بها الفضيحة على ملأ الخلق والعقوبة على رؤوس الأشهاد ، ويبدّل بفضله سيّئاته حسنات.

    26
    وكان من دعائه عليه السلام
    لجيرانه وَاوليائه إذا ذكرهم
    أللَّهُمَّ صَـلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِـهِ وَتَـوَلَّنِي فِي جيرَانِي وَمَوَالِيَّ ، الْعَارِفِينَ بحَقِّنَا ، وَالْمُنَابِذِينَ لأِعْدَائِنَا بِأَفْضَلِ وَلاَيَتِكَ ، وَوَفِّقْهُمْ لإقَامَةِ سُنَّتِكَ ، وَالأَخْذِ بِمَحَاسِنِ أَدَبِكَ فِي إرْفَاقِ ضَعِيفِهِمْ ، (1) وَسَدِّ خَلَّتِهِمْ ، (2) وَعِيَادَةِ مَرِيضِهِمْ ، وَهِدَايَةِ مُسْتَرْشِدِهِمْ ، وَمُنَاصَحَةِ مُسْتَشِيرِهِمْ ، وَتَعَهُّدِ قَادِمِهِمْ ، وَكِتْمَانِ أَسْرَارِهِمْ ، وَسَتْرِ عَوْرَاتِهِمْ ، وَنُصْرَةِ مَظْلُومِهِمْ ، وَحُسْنِ مُوَاسَاتِهِمْ بِالْمَاعُونِ ، (3) وَالْعَوْدِ عَلَيْهِمْ بِـالْجِـدَةِ وَالإِفْضَـالِ ، وَإعْطَآءِ مَـا يَجِبُ لَهُمْ قَبْلَ السُّؤالِ ، واجْعَلْنِي اللَّهُمَّ أَجْزِي بِالإحْسَانِ مُسِيْئَهُمْ ، وَاعْرِضُ بِالتَّجَاوُزِ عَنْ ظَالِمِهِمْ ، وَأَسْتَعْمِلْ حُسْنَ الظّنِّ فِي كَافَّتِهِمْ ، وَأَتَوَلَّى بِالْبِرِّ عَامَّتَهُمْ ، وَأَغُضُّ بَصَرِي عَنْهُمْ عِفَّةً ، وَألِينُ جَانِبِيْ لَهُمْ تَوَاضُعاً ، وَأَرِقُّ عَلَى أَهْلِ الْبَلاءِ مِنْهُمْ رَحْمَةً ، وَأسِرُّ لَهُمْ بِالْغَيْبِ (4) مَوَدَّةً ، وَأُحِبُّ بَقَاءَ النِّعْمَةِ

    عِنْدَهُمْ نُصْحاً ، وَاُوجِبُ لَهُمْ مَا اُوجِبُ لِحَامَّتِي ، وَأَرْعَى لَهُمْ مَا أَرْعَى لِخَاصَّتِي. أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمِّد وَآلِهِ ، وَارْزُقْنِي مِثْلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ ، وَاجْعَلْ لِي أَوْفَى الْحُظُوظِ فِيمَا عِنْدَهُمْ ، وَزِدْهُمْ بَصِيْرَةً فِي حَقِّي ، وَمَعْرِفَةً بِفَضْلِي ، حَتَّى يَسْعَدُوا بِي ، وَأَسْعَدَ بِهِمْ ، آمِينَ (5) رَبَّ الْعَالَمِينَ.

    وفي رواية «كف» إذا ذكّرهم نسخة.
    (1) قوله عليه السلام : في إرفاق ...
    ما في الأصل أضبط رواية ، وهو جمع الرفق ـ بالكسر ـ لين الجانب خلاف العنف ، ومنه الحديث : ما كان الرفق في شيء إلّا زانه ، أي : اللطف.
    وما في النسخة أخصف دراية ، وهو إفعال من الرفق وهو اللطف ، يقال : رفقت به وتؤفّقت به وأرفقته وكلّها بمعنى ، أي : تلطّفت به ونفعته.
    وقد أورد ابن الأثير في نهايته هذه الرواية ، حيث قال : ومنه الحديث «في إرفاق ضعيفهم وسدّ خلّتهم» أي : إيصال الرفق بهم. (1)
    (2) قوله عليه السلام : وسدّ خلّتهم
    الخلّة بفتح الخاء المعجمة ، وهي والعيلة والعسرة والفاقة والحاجة والعدم والفقر متضاهيات وإن لم تكن مترادفات.
    () قوله عليه السلام : وتفقّد غائبهم (2)
    في رواية «خ» و «ش» و «كف» يدخله أيضاً في الأصل مؤخّراً.
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 2 / 246.
    2. هذه العبارة غير موجودة في النسخ المطبوعة من الصحيفة المكرّمة.

    (3) قوله عليه السلام : وحسن مواساتهم بالماعون
    في النهاية الأثيريّة : في الحديث : «وحسن مواساتهم بالماعون» وهو إسم جامع لمنافع البيت ، كالقدر والفاس وغيرهما ممّا جرت العادة بعاريته. (1)
    وفي صحاح الجوهري : ويسمّى الماء أيضاً ماعوناً ، وتسمّى الطاعة والانقياد أيضاً ماعوناً ، ويقال : الماعون في الجاهليّة كلّ منفعة وعطيّة ، وفي الاسلام الطاعة والزكاة ، ومنه قوله تعالى (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ).
    وقيل الماعون القرض والمعروف. وقيل : هو كالعارية ونحوها.
    وقيل : هو مطلق الإعانة على أيّ نحو كان ، وأصله المعونة ، والألف عوض من الهاء. (2)
    (4) قوله عليه السلام : وأسرّ لهم بالغيب
    أي : أظهر لهم في الغيب مودّة.
    وقال الجوهري : أسررت له الشيء كتمته وأعلنته ، وهو من الأضداد. (3)
    قلت : لا يبعد أن يكون الإسرار بمعنى الإعلان على اعتبار الهمزة فيه للسلب.
    (5) قوله عليه السلام : آمين
    بالمدّ والقصر ، وتشديد الميم خطأ عاميّ ، إسم لفعل الأمر من يستجيب وهو استجب ، وفي الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله : علّمني جبرئيل عليه السلام آمين وقال : إنّه كالختم على الكتاب.
    وعن أمير المؤمنين عليه السلام : آمين خاتم ربّ العالمين. (4)
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 4 / 344.
    2. الصحاح : 6 / 2205.
    3. الصحاح : 2 / 683.
    4. نهاية ابن الأثير : 1 / 72.

    ختم به دعاء عبده. معناه آمين طابع الله على عباده ، وعلى دعائهم ، به يدفع عنهم الآفات ويصونهم ، ودعاؤهم عمّا يوجب الإفساد والإهدار. كما الكتاب بالخاتم. والختم يصان ويدفع عنه الهوان ، ولذلك كان كرم الكتاب ختمه ، وبه يحرس ما فيه عن أبصار الناظرين.
    وربّما يقال : إنّه إسم من أسماء الله تعالى ، ولم يثبت ، وفي الحديث : آمين درجة في الجنّة. (1) قيل : معناه أنّه كلمة يكتسب بها قائلها درجة من الدرجات في الجنّة.
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 1 / 72.

    27
    وكان من دعائه عليه السلام لاهل الثغور
    أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَحَصِّنْ ثُغُورَ الْمُسْلِمِينَ بِعِزَّتِكَ ، وَأَيِّدْ حُمَاتَهَا بِقُوَّتِكَ ، وَأَسْبغَ عَطَايَاهُمْ مِنْ جِدَتِكَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَكَثِّرْ عِدَّتَهُمْ ، وَاشْحَذْ أَسْلِحَتَهُمْ ، وَاحْرُسْ حَوْزَتَهُمْ ، (1) وَامْنَعْ حَوْمَتَهُمْ ، وَأَلِّفْ جَمْعَهُمْ ، وَدَبِّرْ أَمْرَهُمْ ، وَوَاتِرْ بَيْنَ مِيَرِهِمْ ، (2) وَتَوَحَّدْ بِكِفَايَةِ مَؤَنِهِمْ ، وَاعْضُدْهُمْ بِالنَّصْرِ ، وَأَعْنِهُمْ بِالصَّبْرِ ، وَالْطُفْ لَهُمْ فِي الْمَكْرِ. أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَعَرِّفْهُمْ مَا يَجْهَلُونَ وَعَلِّمْهُمْ مَا لاَ يَعْلَمُونَ ، وَبَصِّرْهُمْ (3) مَا لاَ يُبْصِرُونَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَنْسِهِمْ عِنْدَ لِقَآئِهِمُ الْعَدُوَّ ذِكْرَ دُنْيَاهُمُ الْخَدَّاعَةِ الْغَرُورِ ، وَامْحُ عَنْ قُلُوبِهِمْ خَطَرَاتِ الْمَالِ الْفَتُونِ ، (4) وَاجْعَلِ الْجَنَّةَ نَصْبَ أَعْيُنِهِمْ ، وَلَوِّحْ مِنْهَا لأِبْصَارِهِمْ مَا أَعْدَدْتَ فِيهَا مِنْ مَسَاكِنِ الْخُلْدِ ، وَمَنَازِلِ الْكَرَامَةِ ، وَالْحُورِ الْحِسَانِ ، (5) وَالأَنْهَارِ الْمُطَّرِدَةِ (6) بِأَنْوَاعِ الأَشْرِبَـةِ وَالأَشْجَارِ الْمُتَدَلِّيَةِ

    بِصُنُوفِ الثَّمَرِ ، حَتَّى لاَ يَهُمَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالأدْبَارِ ، وَلا يُحَدِّثَ نَفْسَهُ عَنْ قِرْنِهِ بِفِرَار. أللَّهُمَّ افْلُلْ بِذَلِـكَ عَدُوَّهُمْ ، وَاقْلِمْ عَنْهُمْ أَظْفَارَهُمْ ، (7) وَفَرِّقْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَسْلِحَتِهِمْ ، وَاخْلَعْ وَثَائِقَ أَفْئِدَتِهِمْ ، وَبَاعِدْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَزْوِدَتِهِمْ ، وَحَيِّرْهُمْ فِي سُبُلِهِمْ ، وَضَلِّلْهُمْ عَنْ وَجْهِهِمْ ، وَاقْـطَعْ عَنْهُمُ الْمَدَدَ ، وَانْقُصْ مِنْهُمُ الْعَدَدَ ، وَامْلاْ أَفْئِدَتَهُمُ الرُّعْبَ ، وَاقْبِضْ أَيْـدِيَهُمْ عَنِ البَسْطِ ، وَاخْـزِمْ أَلْسِنَتَهُمْ عَنِ النُّطْقِ ، وَشَرِّدْ بهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ ، وَنَكِّلْ بِهِمْ مَنْ وَرَائَهُمْ ، وَاقْـطَعْ بِخِزْيِهِمْ أَطْمَـاعَ مَنْ بَعْدَهُمْ. أللَّهُمَّ عَقِّمْ أَرْحَامَ نِسَائِهِمْ ، وَيَبِّسْ أَصْلاَبَ رِجَالِهِمْ ، وَاقْطَعْ نَسْلَ دَوَابِّهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ ، لاَ تَأذَنْ لِسَمَائِهِمْ فِي قَطْر وَلاَ لارْضِهِمْ فِي نَبَات. أللَّهُمَّ وَقَوِّ بِذَلِكَ مِحَالَّ أَهْلِ الإسْلاَمِ ، (Cool وَحَصِّنْ بِهِ دِيَارَهُمْ ، وَثَمِّرْ بِـهِ أَمْوَالَهُمْ ، وَفَرِّغْهُمْ عَنْ مُحَارَبَتِهِمْ لِعِبَادَتِكَ ، وَعَنْ مُنَابَذَتِهِمْ (9) للْخَلْوَةِ بِكَ حَتَّى لا يُعْبَدَ فِي بِقَاعِ الارْضِ غَيْرُكَ ، وَلاَ تُعَفَّرَ لِاَحَد مِنْهُمْ جَبْهَةٌ دُونَكَ. أللَّهُمَّ اغزُ بِكُلِّ نَـاحِيَـة مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْ بِـإزَائِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، وَأَمْدِدْهُمْ بِمَلائِكَة مِنْ عِنْدِكَ مُرْدِفِينَ ، حَتَّى يَكْشِفُـوهُمْ إلَى مُنْقَطَعِ التُّـرابِ قَتْـلاً فِي أَرْضِكَ وَأَسْراً ، أَوْ يُقِرُّوا بِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ الَّذِي لاَ إلهَ إلاَّ أَنْتَ وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ. أللَّهُمَّ وَاعْمُمْ بِذَلِكَ أَعْدَاءَكَ فِي أَقْطَارِ الْبِلاَدِ مِنَ الْهِنْدِ وَالرُّومِ (10) وَالتُّـرْكِ وَ

    الْخَزَرِ (11) وَالْحَبَشِ وَالنُّـوبَةِ وَالـزِّنْج والسَّقَالِبَةِ (12) وَالدَّيَالِمَةِ وَسَائِرِ (13) أُمَمِ الشِّرْكِ ، الَّذِي تَخْفَى أَسْمَاؤُهُمْ وَصِفاتُهُمْ ، وَقَدْ أَحْصَيْتَهُمْ بِمَعْرِفَتِكَ ، وَأَشْرَفْتَ عَلَيْهِمْ بِقُدْرَتِكَ. أللَّهُمَّ اشْغَلِ الْمُشْرِكِينَ بِالمُشْرِكِينَ عَنْ تَنَاوُلِ أَطْرَافِ الْمُسْلِمِينَ ، وَخُذْهُمْ بِـالنَّقْصِ (14) عَنْ تَنَقُّصِهِمْ ، وَثَبِّطْهُمْ بِـالْفُـرْقَـةِ عَنِ الاحْتِشَادِ عَلَيْهِمْ. أللَّهُمَّ أَخْلِ قُلُوبَهُمْ مِنَ الأَمَنَـةِ ، وَأَبْدَانَهُمْ مِنَ الْقُوَّةِ ، وَأَذْهِلْ قُلُوبَهُمْ عَنِ الاحْتِيَالِ ، وَأَوْهِنْ أَرْكَانَهُمْ عَنْ مُنَازَلَةِ الرِّجَالِ ، وَجَبِّنْهُمْ عَنْ مُقَارَعَةِ الأَبْطَالِ ، (15) وَابْعَثْ عَلَيْهِمْ جُنْداً مِنْ مَلاَئِكَتِكَ بِبَأس مِنْ بَأْسِكَ كَفِعْلِكَ يَوْمَ بَدْر ، تَقْطَعُ بِهِ دَابِرَهُمْ ، (16) وَتَحْصُدُ بِهِ شَوْكَتَهُمْ ، وَتُفَرِّقُ بهِ عَدَدَهُمْ. اللَّهُمَّ وَامْزُجْ مِيَاهَهُمْ بِالْوَبَاءِ ، وَأطْعِمَتَهُمْ بِالأَدْوَاءِ ، وَارْمِ بِلاَدَهُمْ بِالْخُسُوفِ ، وَأَلِـحَّ عَلَيْهَا (17) بِـالْقُذُوفِ ، وَافْـرَعْهَا بِالْمُحُولِ ، وَاجْعَلْ مِيَرَهُمْ فِي أَحَصِّ أَرْضِكَ ، (18) وَأَبْعَـدِهَا عَنْهُمْ ، وَامْنَـعْ حُصُونَهَا مِنْهُمْ ، أَصِبْهُمْ بِالْجُوعِ الْمُقِيمِ وَالسُّقْمِ الالِيمِ. أللَّهُمَّ وَأَيُّمَا غَاز غَزَاهُمْ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِكَ ، أَوْ مُجَاهِد جَاهَدَهُمْ مِنْ أَتْبَاعِ سُنَّتِكَ ، لِيَكُونَ دِينُكَ الاعْلَى وَحِزْبُكَ الأقوَى وَحَظُّكَ الأوْفَى فَلَقِّهِ الْيُسْرَ وَهَيِّئْ لَهُ الأمْرَ ، وَتَوَلَّهُ بِالنُّجْحِ ، وَتَخَيَّرْ لَهُ الأصْحَابَ ، وَاسْتَقْوِ لَهُ الظَّهْرَ ، وَأَسْبِغْ عَلَيْهِ فِي النَّفَقَةِ ، وَمَتِّعْهُ

    بِالنَّشَاطِ ، وَأَطْفِ عَنْهُ (19) حَرَارَةَ الشَّوْقِ ، وَأَجِرْهُ مِنْ غَمِّ الْوَحْشَةِ ، وَأَنْسِهِ ذِكْرَ الاهْلِ وَالْوَلَدِ ، وَأَثُرْ لَهُ حُسْنَ النِّيَّةِ ، وَتَوَلَّه بِالْعَافِيَةِ ، وَأَصْحِبْهُ السَّلاَمَةَ ، وَأَعْفِهِ مِنَ الْجُبْنِ ، وَأَلْهِمْهُ الْجُرْأَةَ ، وَارْزُقْهُ الشِّدَّةَ ، وَأَيِّدْهُ بِالنُّصْرَةِ ، وَعَلِّمْهُ السِّيَرَ وَالسُّنَنَ ، وَسَدِّدْهُ فِي الْحُكْمِ ، وَاعْزِلْ عَنْهُ الرِّياءَ ، وخَلِّصْهُ مِنَ السُّمْعَةِ ، وَاجْعَلْ فِكْرَهُ وَذِكْرَهُ وَظَعْنَهُ وَإقَامَتَهُ فِيْكَ وَلَكَ ، فَإذا صَافَّ عَدُوَّكَ وَعَدُوَّهُ فَقَلِّلْهُمْ فِي عَيْنِهِ ، وَصَغِّرْ شَأنَهُمْ فِي قَلْبِهِ ، وَأَدِلْ لَهُ مِنْهُـمْ وَلاَ تُدِلْهُمْ مِنْهُ ، فَإنْ خَتَمْتَ لَهُ بِالسَّعَادَةِ ، وَقَضَيْتَ لَهُ بِالشَّهَادَةِ ، فَبَعْدَ أَنْ يَجْتَاحَ (20) عَدُوَّكَ بِالْقَتْلِ ، وَبَعْدَ أنْ يَجْهَدَ بِهِمُ الأسْرُ ، (21) وَبَعْدَ أن تَأمَنَ أطرَافُ المُسْلِمِينَ ، وَبَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ عَدُوُّكَ مُدْبِرِينَ. أللَّهُمَّ وَأَيُّمَا مُسْلِم خَلَفَ غَازِياً ، أَوْ مُرَابِطاً فِي دَارِهِ ، أَوْ تَعَهَّدَ خَالِفِيْهِ فِيْ غَيْبَتِهِ ، أَوْ أَعَانَهُ بِطَائِفَة مِنْ مَالِهِ ، أَوْ أَمَدَّهُ بِعِتَاد ، (22) أَوْ شَحَذَهُ عَلَى جِهَاد ، أَوْ أَتْبَعَهُ فِي وَجْهِهِ دَعْوَةً ، أَوْ رَعَى لَهُ مِنْ وَرَآئِهِ حُرْمَةً ، فَأَجْرِ لَهُ مِثْلَ أَجْرِهِ وَزْناً بِوَزْن ، وَمِثْلاً بِمِثْل ، وَعَوِّضْهُ مِنْ فِعْلِهِ عِوَضاً حَاضِراً يَتَعَجَّلُ بِهِ نَفْعَ مَا قَدَّمَ ، وَسُرُورَ مَا أَتَى به ، إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ بِهِ الْوَقْتُ إلَى مَا أَجْرَيْتَ لَـهُ مِنْ فَضْلِكَ ، وَأَعْدَدْتَ لَهُ مِنْ كَرَامَتِكَ. أللَّهُمَّ أَيُّمَا مُسْلِم أَهَمَّهُ أَمْرُ الإِسْلاَمِ ، وَأَحْزَنَهُ تَحَزُّبُ أَهْلِ ألشِّرْكِ عَلَيْهِمْ فَنَوَى غَزْواً ، أَوْ هَمَّ

    بِجهَـاد فَقَعَدَ بِـهِ ضَعْفٌ ، أَوْ أَبطَأَتْ بِهِ فَاقَةٌ ، أَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُ حَادِثٌ ، أَوْ عَرَضَ لَهُ دُونَ إرَادَتِهِ مَانِعٌ فَاكْتُبِ اسْمَـهُ فِي الْعَابِدِينَ ، وَأوْجبْ لَهُ ثَوَابَ الْمُجَاهِدِينَ ، وَاجْعَلْهُ فِي نِظَامِ الشُّهَدَاءِ ، وَالصَّالِحِينَ. أللَّهُمَّ صَـلِّ عَلَى مُحَمَّد عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَآلِ مُحَمَّد ، صَلاَةً عَالِيَةً عَلَى الصَّلَوَاتِ ، مُشْرِفَةً فَوْقَ التَّحِيَّاتِ ، صَلاَةً لاَ يَنْتَهِي أَمَدُهَا ، وَلا يَنْقَطِعُ عَدَدُهَا ، كَأَتَمِّ مَـا مَضَى مِنْ صَلَوَاتِكَ عَلَى أَحَد مِنْ أَوْلِيـائِكَ ، إنَّـكَ الْمَنَّانُ الْحَمِيدُ الْمُبْدِئُ الْمُعِيدُ الفَعَّالُ لِمَا تُرِيْدُ. (23)

    (1) قوله عليه السلام : واحرس حوزتهم
    الحوز الجمع والضمّ ، والحيّز فعيل منه ، وكذلك المتحيّز متفيعل لا متفعّل ، وهو ما انضمّ إلى الدار من مرافقها ، وكلّ ناحية حيّز ، والحوزة فعلة منه سمّيت بها الناحية ، وحوزة الملك بيضته.
    ومعناه : حراسة حوزتهم حماية حدودهم ونواحيهم ، أو حماية حوزة ملكه التي هي بيضة الإسلام. وأمّا تفسير حوزتهم بمعظمهم فرجم ليس له أصل ، نعم ذاك في حومتهم ليس قولاً مرجوماً ، بل هو مأخوذ من قولهم : «حومة القتال معظمه» لكنّه غير مصيب لمحز المغزى ومغزى المعنى ، فإنّ المراد (1) بحومتهم حوزتهم التي يحام حولها ، من حام الطائر وغيره حول الشيء يحوم حوماً وحوماً ، أي : دار. كما الحوزة والحيّز من حاز الشيء بحوزه حوزاً وحيازه ، أي : جمعه وضمّه إلى نفسه.
    (2) قوله عليه السلام : وواتر بين ميرهم
    بالتاء المثنّاة من فوق من المواترة المتتابعة (2) الغير المنصرفة ، يقال : تواترت الكتب ، أي : جاء بعضها في إثر بعض وتراً وتراً من غير أن ينقطع ، نصّ عليه الجوهري (3) وغيره.
    و «المير» بكسر الميم وفتح الياء المثنّاة من تحت جمع الميرة ، ما يمتاره الإنسان من الطعام لا جلب الطعام وامتيار الميرة كما قد يظنّ.
    وفي بعض نسخ الأصل وفي أصل نسخة «كف» : وواتر. بالثاء المثلّثة أي : وكاثر بين
    __________________
    1. في «ن» : المفاد.
    2. في «ن» المتابعة.
    3. الصحاح : 2 / 843.

    ميرهم ، من قولهم : «استوثرت من الشيء» أي : استكثرت منه.
    (3) قوله عليه السلام : وبصّرهم
    من التبصير بمعنى التعريف والإيضاح.
    (4) قوله عليه السلام : المال الفتون
    فعول من الفتنة على المبالغة في معنى الفاتن ، وهو المضلّ عن الحقّ.
    ومنه الحديث : المسلم أخو المسلم يتعاونان عن الفتان. (1)
    إمّا بضمّ الفاء جمع فاتن ، أي : يعاون أحدهما الآخر على الذين يضلّون الناس عن الحقّ ويفتنونهم. وإمّا بفتحها على أنّه للمبالغة في الفتنة والإفتتان ويعني به الشيطان ، لأنّه يفتن (2) الناس عن الدين ، والله سبحانه أعلم.
    (5) قوله عليه السلام : والحور الحسان
    الحور جمع الحوراء ، وهي البنية ، الحور والحور شدّة بياض العين في شدّة سوادها ، وربّما يروى الجؤر ، ويقال : الظاهر أنّه جمع جأر بفتح الجيم وإسكان الهمزة ، بمعنى الكثير.
    والفضّ أي : الفضيض المنتشر من البنت ، ولم يستبن لي سبيله.
    (6) قوله عليه السلام : والأنهار المطردة
    من تطرّد الأنهار أي : تجري ، لا بمعنى المتتابعة من اطّرد الشيء أي : تبع بعضه بعضاً على ما يحسب.
    (7) قوله عليه السلام : واقلم عنهم أظفارهم
    أي : قصّر عنهم أيدي قدرة أعدائهم ، وابتر عنهم سيوف قوّتهم وأقلام حكمهم ، وهو من أحسن الكنايات.
    (Cool قوله عليه السلام : وقوّ بذلك محالّ أهل الإسلام
    المحالّ بالكسر والتخفيف القوّة والشدّة. وقيل : الكيد والمكر. (اللَّـهِ وَهُوَ شَدِيدُ
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 3 / 410.
    2. في «س» : لأنّه يفتتن ويفتنهم.

    الْمِحَالِ) (1) أي : ذو قوّة شديدة ، أو ذو مكر قويّ وعقاب شديد.
    وبالفتح والتشديد على رواية «س» جمع محلّ.
    (9) قوله عليه السلام : وعن منابذتهم
    من نابذه على الحرب كاشفه ، لا من نبذت الشيء أنبذه إذا ألقيته من يدك.
    (10) قوله عليه السلام : والروم
    هم الجيل المعروف من الناس ، وهو لفظة جمع والواحد رومي بالياء المشدّدة ، للنسبة إلى الروم بن عيصو ، ثمّ الجمع مبنيّ منه بإسقاط ياء النسبة ، فالروم الذي هو جمع الروميّ غير الروم الذي ينسب إليه الرومي. فقد سقط احتجاج نجم أئمّة المتأخّرين من النحاة على كون الروم اسم جنس بأنّه لو كان جمعاً لزم النسبة إلى الجمع. وذلك غير صحيح ولا مسموع إلّا فيما شذّ كالأفاقي ، ولزم أيضاً تقدّم الجمع على المعرفة ، وهو فاسد.
    وكذلك القول في الإنس والإنسي والجنّ والجنّي.
    قال العزيزي في غريب القرآن : الإنس جمع إنسيّ بطرح ياء النسبة مثل رومي ج روم. (2)
    وفي صحاح الجوهري : الروم هم من ولد روم بن عيصو ، يقال : روميّ وروم مثل زنجي وزنج ، فليس بين الواحد والجمع إلّا الياء المشدّدة ، كما قالوا : تمرة وتمر ، ولم يكن بين الواحد والجمع إلّا الهاء. (3) انتهى كلامه.
    قلت : الصواب في التمر إنّه إسم الجنس لا جمع تمرة ، والتّاء (4) في التمرة هي تاء الوحدة ، فليعلم.
    (11) قوله عليه السلام : والخزر
    الخزر بالتحريك ضيق العين وصغرها ، ويقال : هو أن يكون الإنسانا كأنّه ينظر بمؤخّر العين. (5) والخزر أيضاً بالتحريك وبالضمّ والإسكان كما في «س» اسم جيل من الناس
    __________________
    1. سورة الرعد : 13. والآية هكذا : وهو شديد المحال.
    2. القاموس : 4 / 123.
    3. الصحاح : 5 / 1939.
    4. في «س» والهاء.
    5. في «ن» : العينين.

    كأنّهم قوم من الترك.
    (12) قولهم عليه السلام : والسقالبة
    الصقالبة بالصاد كما في رواية «كف» وبالصاد وبالسين كما في الأصل : جيل من الناس حمر الألوان يتأخّمون الخزر ، ويقال يلاصقون بلداً في المغرب.
    (13) قوله عليه السلام : وسائر
    بالجرّ عطفاً على مدخول «من» وبالنصب عطفاً على أعدائك.
    (14) قوله عليه السلام : وخذهم بالنقص
    أي : خذهم بالنقص في أبدانهم وأديانهم وأموالهم وفي عددهم وعددهم شاغلاً إيّاهم بذلك عن تنقّصهم أولياءك ، من المنقصة بمعنى النقص ، أي : عن أن يستنقصوهم ويتّهموا لهم بمنقصتهم.
    أو من النقيصة بمعنى العيب ، أي : عن الوقوع فيهم ومصارحتهم بما يسوؤهم ، يقال : فلان ينتقص فلاناً ، أي : يقع فيه ويثلبه ، وتنقّصه أي : ثلبه وصرحه بالعيب.
    (15) قوله عليه السلام : وجبّنهم من مقارعة الأبطال
    يقال : جبّنه تجبيناً ، أي : نسبه إلى الاجبن. والمعنى هاهنا : واجعلهم بحيث يكونون عند الخلائق منسوبين إلى الجبن عن مقارعة الأبطال. ومقارعة الأبطال : قرع بععضهم بعضاً بأيّة آلة كانت.
    (16) قوله عليه السلام : وتقطع به دابرهم
    أي : عقبهم وآخرهم ومن بقي منهم.
    (17) قوله عليه السلام : وألحّ عليها
    أي : ضيّق عليها ، من قولهم مكان لاح أي : ضيّق. وفي رواية «س» وألحح من غير إدغام على الأصل.
    (18) قوله عليه السلام : في أحص أرضك
    أي : في أجردها من العشب والنبات ، وأخلاها من الخير والخصب ، من قولهم رجل

    أحصّ بين الحصيص ، أي : قليل شعر الرأس بل لا شعر على رأسه. وسنة حصاء أي : جرداء لا خير فيها ، وضمير حصونها للأرض في أرضك.
    (19) قوله عليه السلام : واطف عنه ...
    أي اجعله لم ترسب حرارة الشوق في فؤاده ، من طفى الشيء فوق ال ماء ، أي : لم يرسب فيه ، أو اجعله بحيث تكون حرارة الشوق خفيفة عليه شديدة العدو في الذهاب عنه ، من مرّ الطبي يطفو على الأرض ، إذا خفّف على الأرض واشتدّ عدوه.
    أو اجعله لا يصيبه من حرارة الشوق إلّا طفاوة منها ، أي : شيء يسير منها ، من قولهم : أصبناً طفاوة من الربيع ، أي : شيئاً منه. أو هو تخفيف أطفى بياء مهموزة ، والتخفيف في ألفاظ الفصحاء باب واسع.
    ومن لم يتنبّه من القاصرين بشيء من ذلك تجسّر في إساءة الأدب ، فقال المكتوب في عدّة نسخ «اطف» بغير ياء ، والقاعدة أن تكتب «أطفىء» بياء هي الهمزة ؛ لأنّها من تطفىء بهمز الآخر.
    (20) قوله عليه السلام : فبعد أن يحتاج
    أي : يهلكه ويستأصله ، والإجتياح من الجائحة ، وهي الآفة تهلك الثمار والأموال ، وكلّ مصيبة عظيمة وفتنة مبيرة جائحة ، والجمع الجوائح ، وجاحهم يجوحهم جوحاً ، إذا غشيهم بالجوايح وأهلكهم ، ومنه الحديث «أعاذكم الله من جوح الدهر وضغم الفقر». (1)
    قال في الفائق : الجوح : الإحتياج ، والضغم القصّ.
    (21) قوله عليه السلام : وبعد أن يجهد بهم الأسر
    في نسخة «كف» بعد أن يدوخهم بالأسر. وفي «خ» يدوّخهم بتشديد الواو من باب التفعيل. وفي رواية «س» يدبخهم بضمّ ياء المضارعة من باب الافعال ، أي : يذلّهم ، من داخ لنا فلان أي : ذلّ وخضع ، وأدخنّاهم ودوّخناهم فداخلوا.
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 1 / 312.

    ويدوخهم على رواية «كف» أي : يقهرهم ، من داخ البلاد يدوخها قهرها واستولى على أهلها ، وكذلك دوّخها تدويخاً فداخت له.
    (22) قوله عليه السلام : أو أمده بعتاد
    معاً أي : بالضمّ والفتح. والعتاد بالضمّ العدة ، وعتاد المرء اهبّته وآلته لغرضه. والعتاد بالفتح القدح الضخم ، وفي حديث صفته صلّى الله عليه وآله : «لكلّ حال عنده عتاد» أي : ما يصلح لكلّ ما يقع من الاُمور. (1)
    (23) قوله عليه السلام في آخر الدعاء : الفعّال لما تريد
    وفي «خ» زيادة وهي : وأنت على كلّ شيء قدير.
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 3 / 177.

    28
    وكان من دعائه عليه السلام متفزعا إلى الله عز وجل
    اللَهُمَّ إنِّي أَخْلَصْتُ بِانْقِطَاعِي إلَيْكَ ، وَأَقْبَلْتُ بِكُلِّي عَلَيْـكَ ، وَصَـرَفْتُ وَجْهِي عَمَّنْ يَحْتَاجُ إلَى رِفْدِكَ ، وَقَلَبْتُ مَسْأَلَتِي عَمَّنْ لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ فَضْلِكَ ، وَرَأَيْتُ أَنَّ طَلَبَ الْمُحْتَاجِ إلَى الْمُحْتَاجِ سَفَهٌ مِنْ رَأيِهِ ، وَضَلَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ ، فَكَمْ قَدْ رَأَيْتُ يَـا إلهِيْ مِنْ أُناس طَلَبُوا الْعِزَّ بِغَيْرِكَ فَذَلُّوا ، وَرَامُوا الثَّرْوَةَ مِنْ سِوَاكَ ، فَافْتَقَرُوا ، وَحَاوَلُوا الارْتِفَاعَ فَاتَّضَعُوا ، فَصحَّ بِمُعَايَنَةِ أَمْثَالِهِمْ حَازِمٌ وَفَّقَهُ اعْتِبَارُهُ ، وَأَرْشَدَهُ إلَى طَرِيقِ صَوَابِهِ بِاخْتِبَارِهِ ، فَأَنْتَ يَا مَوْلايَ دُونَ كُلِّ مَسْؤُول مَوْضِعُ مَسْأَلَتِي ، وَدُونَ كُلِّ مَطْلُوب إلَيْهِ وَلِيُّ حَاجَتِي ، أَنْتَ الْمَخْصُوصُ قَبْلَ كُلِّ مَدْعُوٍّ بِدَعْوَتِي ، لاَ يَشْرَكُكَ أَحَدٌ فِي رَجَائِي ، وَلاَ يَتَّفِقُ (1) أَحَدٌ مَعَكَ فِي دُعَائِي ، وَلاَ يَنْظِمُهُ وَإيَّاكَ نِدَائِي ، لَكَ يَا إلهِي وَحْدَانِيَّةُ الْعَدَدِ ، (2) وَمَلَكَةُ الْقُدْرَةِ الصَّمَدِ ، وَفَضِيلَةُ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ ، وَدَرَجَةُ الْعُلُوِّ وَالرِّفْعَةِ ، وَمَنْ سِوَاكَ مَرْحُومٌ فِي عُمْرِهِ ،

    مَغْلُوبٌ عَلَى أَمْرِهِ ، مَقْهُورٌ عَلَى شَأنِهِ ، مُخْتَلِفُ الْحَالاَتِ ، مُتَنَقِّلٌ فِي الصِّفَاتِ ، فَتَعَالَيْتَ عَنِ الأشْبَاهِ وَالاضْـدَادِ وَتَكَبَّـرْتَ عَنِ الأمْثَـالِ وَالأنْدَادِ ، فَسُبْحَانَكَ لاَ إلهَ إلاَّ أَنْتَ. (3)

    (1) قوله عليه السلام : ولا يفق أحد
    من الوفق بمعنى الموافقة بين الشيئين.
    قال صاحب الكشّاف في أساس البلاغة : وفق الأمر يفق كان صواباً موافقاً للمراد ، ووفقت أمرك صادفته موافقاً لإرادتك. (1)
    وقال الفيروزآبادي في القاموس : وفقت أمرك تفق كرشدت صادفته موافقاً. (2)
    (2) قوله عليه السلام : لك يا إلهي وحدانيّة العدد
    إمّا معناه إثبات الوحدة العدديّة لذات (3) القيّوميّة الواحدة الحقّة في الحقيقة الوجوبيّة وبحسبها ، أي : لا قيّوم واجب الذات إلّا أنت ، لا بالقياس إلى أعداد الوجود وآحاد الموجودات ، حتّى يلزم استصحاح أن يطلق على وحدته الحقّة وأحديّته المحضة جلّ سلطانه الوحدة العدديّة ، فيقال : إنه سبحانه واحد ، إمّا من آحاد نظام الوجود إثنان ، وأنّه اثنين من اثانين الموجودات ثلاثة ، وأنّه وثلاثة ما أربعة إلى غير ذلك.
    وأمّا مغزاه إفادة أنّ الوحدة العدديّة ، ظلّ لوحدته الحقّة الصرفة القيّوميّة ومجعولة لجاعليّته المطلقة وفعّاليّته الإبداعيّة ، فسبيل اللام في قوله عليه السلام «لك» سبيلها في قوله عزّ كبرياؤه : (لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) (5).
    وبالجملة قوله عليه السلام : «لك يا إلهي وحدانيّة العدد» ليس على موافقة 5 ما قد تواتر وتكرّر في أحاديثهم صلوات الله عليهم ، واستبان بالبرهان في علم ما فوق الطبيعة من تنزيه أحديّته الحقّة الوجوبيّة تقدّست أسماؤه عن الوحدة العدديّة التي تكرّرها حقيقة
    __________________
    1. أساس البلاغة : 684.
    2. القاموس : 3 / 290.
    3. في «س» : لذاته.
    4. سورة البقرة : 255.
    5. في «س» و «ط» : مدافعة.

    العدد ومعروضها هويّات آحاد عالم الإمكان.
    وقد اقترّ في مقارّه أنّ شيئاً ممّا في عوالم الإمكان لا يصحّ أن يوصف بالوحدة الحقيقيّة ، بل إنّما الممكن بالذات قصاراة الوحدة العدديّة التي هل ظلّ الوحدة الحقيقيّة ، ومرجعها في الحقيقة إلى اتّحاد مّا وتأحّد مّا.
    ومن تشوّق إلى بسط الكلام هناك ، فليراجع تقويم الإيمان والرواشح السماويّة.
    (3) قوله عليه السلام في آخر الدعاء : فسبحانك لا اله إلّا أنت
    وفي «خ» زيادة وهي : تعاليت علوّاً كبيراً وأنت أرحم الراحمين.

    29
    وكان من دعائه عليه السلام إذا قتر عليه الرزق
    أَللَّهُمَّ إنَّكَ ابْتَلَيْتَنَا فِي أَرْزَاقِنَا بِسُوءِ الظَّنِّ ، وَفِي آجَالِنَا بِطُولِ الأمَلِ ، حَتَّى الْتَمَسْنَا أَرْزَاقَكَ مِنْ عِنْدِ الْمَرْزُوقِينَ ، وَطَمِعْنَا بِآمَالِنَا فِي أَعْمَارِ الْمُعَمَّرِينَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَهَبْ لَنَا يَقِيناً صَادِقاً تَكْفِينا بِهِ مِنْ مَؤونَةِ الطَّلَبِ ، وَأَلْهِمْنَا ثِقَةً خَالِصَةً تُعْفِينَا بِهَا مِنْ شِدَّةِ النَّصَبِ ، وَاجْعَلْ مَا صَرَّحتَ بِهِ مِنْ عِدَتِكَ فِي وَحْيِكَ ، وَأَتْبَعْتَهُ مِنْ قِسَمِكَ فِي كِتَابِكَ ، قَاطِعاً لاهْتِمَامِنَا بِالرِّزْقِ الَّـذِيْ تَكَفَّلْتَ بِهِ ، وَحَسْمَاً لِلاشْتِغَالِ بِمَا ضَمِنْتَ الْكِفَايَةَ لَهُ ، فَقُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ الاصْـدَقُ ، وَأَقْسَمْتَ وَقَسَمُكَ الأَبَرُّ الأَوْفى (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) ثُمَّ قُلْتَ (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ).
    قوله : إذا قتر
    بالتخفيف على البناء للمجهول ، وفي رواية «س» قتّر بالتشديد من باب التفعيل على البناء للمجهول. وفي نسخة «كف» اقترّ بضمّ الهمزة على البناء للمجهول من باب الإفعال.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الصحيفه السجاديه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الصحيفه السجاديه كامله   الصحيفه السجاديه كامله Emptyأمس في 20:29

    وكان من دعائه عليه السلام في المعونة على قضاء الدين
    أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَهَبْ لِيَ الْعَافِيَةَ مِنْ دَيْن تُخْلِقُ بِهِ وَجْهِي ، وَيَحَارُ فِيهِ ذِهْنِي ، وَيَتَشَعَّبُ لَهُ فِكْرِي ، وَيَطُولُ بِمُمَارَسَتِهِ شُغْلِي ، وَأَعُوذُ بِكَ يَا رَبِّ مِنْ هَمِّ الدَّيْنِ وَفِكْرِهِ ، وَشُغْلِ الدَّيْنِ وَسَهَرِهِ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَعِذْنِي مِنْهُ ، وَأَسْتَجيرُ بِكَ يَا رَبِّ مِنْ ذِلَّتِهِ فِي الْحَيَاةِ ، (1) وَمِنْ تَبِعَتِهِ بَعْدَ الْوَفَاةِ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَجِرْنِي مِنْهُ بِوُسْع فاضِل ، أَوْ كَفَاف وَاصِل. أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِـهِ ، وَاحْجُبْنِي عَنِ السَّرَفِ وَالازْدِيَادِ ، وَقَوِّمْنِي بِالْبَذْلِ وَالاقْتِصَـادِ ، وَعَلِّمْنِي حُسْنَ التَّقْدِيرِ ، وَاقْبِضْنِي بِلُطْفِكَ عَنِ التَّبْذِيرِ ، وَأَجْرِ مِنْ أَسْبَابِ الْحَلاَلِ أَرْزَاقِي، وَوَجِّهْ فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ إنْفَاقِي ، وَازْوِ عَنِّي مِنَ الْمَالِ مَا يُحْدِثُ لِي مَخْيَلَةً أَوْ تَأَدِّياً إلَى بَغْي أَوْ مَا أَتَعَقَّبُ مِنْهُ طُغْيَـاناً. أللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيَّ صُحْبَـةَ الْفُقَرَاءِ ، وَأَعِنِّي عَلَى صُحْبَتِهِمْ بِحُسْنِ الْصَّبْرِ ، وَمَـا زَوَيْتَ عَنِّي مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ فَاذْخَرْهُ لِيْ فِي

    خَزَائِنِكَ البَاقِيَةِ ، وَاجْعَلْ مَا خَوَّلْتَنِي مِنْ حُطَامِهَا ، وَعَجَّلْتَ لِي مِنْ مَتَاعِهَا بُلْغَةً إلَى جِوَارِكَ ، وَوُصْلَةً إلَى قُرْبِكَ ، وَذَرِيعَةً إلَى جَنَّتِكَ ، إنَّكَ ذو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ، وَأَنْتَ الْجَوَادُ الْكَرِيْمُ.
    (1) قوله عليه السلام : وأستجير بك يا ربّ من ذلّته في الحياة
    الظاهر في رواية «س» بالفتح زلّته بالزاء.

    31
    وكان من دعائه عليه السلام في ذكر التوبة وطلبها
    أَللَّهُمَّ يَا مَنْ لا يَصِفُهُ نَعْتُ الْوَاصِفِينَ ، وَيَا مَنْ لاَ يُجَاوِزُهُ رَجَاءُ الرَّاجِينَ ، وَيَا مَنْ لاَ يَضِيعُ لَدَيْهِ أَجْرُ الْمُحْسِنِينَ ، وَيَا مَنْ هُوَ مُنْتَهَى خَوْفِ الْعَابِدِيْنَ ، وَيَا مَنْ هُوَ غَايَةُ خَشْيَةِ الْمُتَّقِينَ ، هَذا مَقَامُ مَنْ تَدَاوَلَتْهُ أَيْدِي الذُّنُوبِ ، وَقَادَتْهُ أَزِمَّةُ الْخَطَايَا ، وَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ ، فَقَصَّرَ عَمَّا أَمَرْتَ بِهِ تَفْرِيطَاً ، وَتَعَاطى مَا نَهَيْتَ عَنْهُ تَعْزِيراً ، كَالْجاهِلِ بِقُدْرَتِكَ عَلَيْهِ ، أَوْ كَالْمُنْكِرِ فَضْلَ إحْسَانِكَ إلَيْهِ ، حَتَّى إذَا انْفَتَحَ لَهُ بَصَرُ الْهُدَى ، وَتَقَشَّعَتْ عَنْهُ سَحَائِبُ الْعَمَى ، أَحْصَى مَا ظَلَمَ بِهِ نَفْسَهُ ، وَفَكَّرَ فِيمَا خَالَفَ بِهِ رَبَّهُ ، فَرَأى كَبِيْرَ عِصْيَانِهِ كَبِيْراً ، وَجَلِيل مُخالفَتِهِ جَلِيْلاً ، فَأَقْبَلَ نَحْوَكَ مُؤَمِّلاً لَكَ ، مُسْتَحْيِيَاً مِنْكَ ، وَوَجَّهَ رَغْبَتَهُ إلَيْكَ ثِقَةً بِكَ ، فَأَمَّكَ بِطَمَعِهِ يَقِيناً ، وَقَصَدَكَ بِخَوْفِهِ إخْلاَصَاً ، قَدْ خَلاَ طَمَعُهُ مِنْ كُلِّ مَطْمُوع فِيهِ غَيْرِكَ ، وَأَفْرَخَ رَوْعُهُ مِنْ كُلِّ مَحْذُور مِنْهُ سِوَاكَ ، فَمَثَّلَ بَيْنَ يَدَيْـكَ

    مُتَضَرِّعـاً ، وَغَمَّضَ بَصَرَهُ إلَى الأرْضِ مُتَخَشِّعَاً ، وَطَأطَأَ رَأسَهُ لِعِزَّتِكَ مُتَذَلِّلاً ، وَأَبَثَّكَ مِنْ سِرِّهِ مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُ خَضُوعاً ، وَعَدَّدَ مِنْ ذُنُوبِهِ مَا أَنْتَ أَحْصَى لَهَا خُشُوعاً ، وَاسْتَغَاثَ بِكَ مِنْ عَظِيمِ مَا وَقَعَ بِهِ فِي عِلْمِكَ ، وَقَبِيحِ مَا فَضَحَهُ فِي حُكْمِكَ : مِنْ ذُنُوب أدْبَرَتْ لَذَّاتُهَا فَذَهَبَتْ ، وَأَقَامَتْ تَبِعَاتُهَا فَلَزِمَتْ ، لا يُنْكِرُ يَا إلهِي عَدْلَكَ إنْ عَاقَبْتَهُ ، وَلا يَسْتَعْظِمُ عَفْوَكَ إنْ عَفَوْتَ عَنْهُ وَرَحِمْتَهُ ، لأِنَّكَ الرَّبُّ الْكَرِيمُ الَّذِي لا يَتَعَاظَمُهُ غُفْرَانُ الذَّنْبِ الْعَظِيم. أَللَّهُمَّ فَهَا أَنَا ذَا ، قَدْ جئْتُكَ مُطِيعاً لاِمْرِكَ فِيمَا أَمَرْتَ بِهِ مِنَ الدُّعَاءِ مَتَنَجِّزاً وَعْدَكَ فِيمَا وَعَدْتَ بِهِ مِنَ الإجَابَةِ ، إذْ تَقُولُ : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (1) أللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَالْقَنِي بِمَغْفِـرَتِكَ كَمَا لَقِيتُكَ بِإقْرَارِي ، وَارْفَعْنِي عَنْ مَصَارعِ الذُّنُوبِ كَمَا وَضَعْتُ لَكَ نَفْسِي ، وَاسْتُرْنِي بِسِتْرِكَ كَمَا تَأَنَّيْتَنِي عَنِ الانْتِقَامِ مِنِّي. أللَّهُمَّ وَثَبِّتْ فِي طَاعَتِكَ نِيَّتِيْ ، وَأَحْكِمْ فِي عِبَادَتِكَ بَصِيـرَتِي ، وَوَفِّقْنِي مِنَ الأَعْمَالِ لِمَا تَغْسِلُ بِهِ دَنَسَ الخَطَايَا عَنِّي ، وَتَوَفَّنِي عَلَى مِلَّتِكَ وَمِلَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّـلامُ إذَا تَوَفَّيْتَنِي. أللَّهُمَّ إنِّي أَتُوبُ إلَيْـكَ فِي مَقَامِي هَذَا مِنْ كَبَائِرِ ذُنُوبِي وَصَغَائِرِهَا ، وَبَوَاطِنِ سَيِّئآتِي وَظَوَاهِرِهَا ، وَسَوالِفِ زَلاَّتِي وَحَوَادِثِهَا ، تَوْبَةَ مَنْ لا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِمَعْصِيَة وَلاَ يُضْمِرُ أَنْ يَعُودَ فِي خَطِيئَة ، وَقَدْ قُلْتَ يَا إلهِي فِي مُحْكَمِ كِتابِكَ : إنَّكَ

    تَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِكَ ، وَتَعْفُو عَنِ السَّيِّئاتِ ، وَتُحِبُّ التَّوَّابِينَ ، فَاقْبَلْ تَوْبَتِي كَمَا وَعَدْتَ ، وَأعْفُ عَنْ سَيِّئاتِي كَمَا ضَمِنْتَ ، وَأَوْجِبْ لِي مَحَبَّتَكَ كَمَا شَـرَطْتَ ، وَلَـكَ يَـا رَبِّ شَـرْطِي أَلاّ أَعُودَ فِي مَكْرُوهِكَ ، وَضَمَانِي أَلاّ أَرْجِعَ فِي مَذْمُومِكَ ، وَعَهْدِي أَنْ أَهْجُرَ جَمِيعَ مَعَاصِيكَ. أللَّهُمَّ إنَّكَ أَعْلَمُ بِمَا عَمِلْتُ ، فَاغْفِرْ لِي مَا عَلِمْتَ ، وَاصْرِفْنِي بِقُدْرَتِكَ إلَى مَا أَحْبَبْتَ. أللَّهُمَّ وَعَلَيَّ تَبِعَاتٌ قَدْ حَفِظْتُهُنَّ ، وَتَبِعَاتٌ قَدْ نَسيتُهُنَّ ، وَكُلُّهُنَّ بِعَيْنِكَ الَّتِي لاَ تَنَـامُ وَعِلْمِكَ الَّذِي لا يَنْسَى فَعَوِّضْ مِنْهَا أَهْلَهَا وَاحْطُطْ عَنّي وِزْرَهَا وَخَفِّفْ عَنِّي ثِقْلَهَا ، وَاعْصِمْنِي مِنْ أَنْ اُقَارِفَ مِثْلَهَا. أللَّهُمَّ وَإنَّهُ لاَ وَفَاءَ لِي بِالتَّوْبَةِ إلاَّ بِعِصْمَتِكَ وَلا اسْتِمْسَاكَ بِي عَنِ الْخَطَايَا إلاَّ عَنْ قُوَّتِكَ فَقَوِّنِي بِقُوَّة كَافِيَة ، وَتَوَلَّنِي بِعِصْمَة مَانِعَة. أللَّهُمَّ أَيُّما عَبْد تَابَ إلَيْكَ وَهُوَ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ فَاسِخٌ لِتَوْبَتِهِ ، وَعَائِدٌ فِي ذَنْبِهِ وَخَطِيئَتِهِ ، فَإنِّي أَعُوذُ بِكَ أنْ أَكُوْنَ كَذلِكَ ، فَاجْعَلْ تَوْبَتِي هَذِهِ تَوْبَةً لا أَحْتَاجُ بَعْدَهَا إلَى تَوْبَة ، تَوْبَةً مُوجِبَةً لِمَحْوِ مَا سَلَفَ وَالسَّلاَمَةِ فِيمَـا بَقِيَ. أللَّهُمَّ إنِّي أَعْتَـذِرُ إلَيْـكَ مِنْ جَهْلِي ، وَأَسْتَـوْهِبُـكَ سُوْءَ فِعْلِي فَـاضْمُمْنِي إلَى كَنَفِ رَحْمَتِكَ تَطَوُّلاً ، وَاسْتُرْنِي بِسِتْرِ عَافِيَتِكَ تَفَضُّلاً. أللَّهُمَّ وَإنِّي أَتُوبُ إلَيْكَ مِنْ كُلِّ مَا خَالَفَ إرَادَتَكَ ، أَوْ زَالَ عَنْ مَحَبَّتِـكَ مِنْ خَـطَرَاتِ قَلْبِي ، وَلَحَـظَاتِ عَيْنِي ، وَحِكَايَاتِ لِسَانِي ، تَوْبَةً تَسْلَمُ بِهَا كُلُّ

    جَارِحَة عَلَى حِيَالِهَا مِنْ تَبِعَاتِكَ ، وَتَأْمَنُ مِمَّا يَخَافُ الْمُعْتَدُونَ مِنْ أَلِيْمِ سَطَوَاتِكَ. أَللَّهُمَّ فَارْحَمْ وَحْدَتِي بَيْنَ يَدَيْكَ ، وَوَجِيبَ قَلْبِي مِنْ خَشْيَتِكَ ، وَاضْطِرَابَ أَرْكَانِي مِنْ هَيْبَتِكَ ، فَقَدْ أَقَامَتْنِي يَا رَبِّ ذُنُوبِي مَقَامَ الْخِزْيِ بِفِنَائِكَ ، فَإنْ سَكَتُّ لَمْ يَنْطِقْ عَنِّي أَحَدٌ ، وَإنْ شَفَعْتُ فَلَسْتُ بِأَهْلِ الشَّفَاعَةِ. أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَشَفِّعْ فِي خَطَايَـايَ كَرَمَكَ ، وَعُدْ عَلَى سَيِّئاتِي بِعَفْوِكَ ، وَلاَ تَجْزِنِي جَزَآئِي مِنْ عُقُوبَتِكَ ، وَابْسُطْ عَلَيَّ طَوْلَكَ ، وَجَلِّلْنِي بِسِتْرِكَ ، وَافْعَلْ بِي فِعْلَ عَزِيز تَضَرَّع إلَيْهِ عَبْدٌ ذَلِيلٌ فَرَحِمَهُ ، أَوْ غَنِيٍّ تَعَرَّضَ لَهُ عَبْدٌ فَقِيرٌ فَنَعَشَهُ. أللَّهُمَّ لاَ خَفِيرَ لِي مِنْكَ فَلْيَخْفُرْنِيْ عِزُّكَ ، وَلا شَفِيعَ لِيْ إلَيْكَ فَلْيَشْفَعْ لِي فَضْلُكَ ، وَقَدْ أَوْجَلَتْنِي خَطَايَايَ فَلْيُؤْمِنِّي عَفْوُكَ ، فَمَا كُلُّ مَا نَطَقْتُ بِهِ عَنْ جَهْل مِنِّي بِسُوْءِ أَثَرِي ، وَلاَ نِسيَان لِمَا سَبَقَ مِنْ ذَمِيمِ فِعْلِي ، وَلكِنْ لِتَسْمَعَ سَمَاؤُكَ وَمَنْ فِيْهَـا وَأَرْضُكَ وَمَنْ عَلَيْهَا ، مَا أَظْهَرْتُ لَكَ مِنَ النَّدَمِ ، وَلَجَـأتُ إلَيْكَ فِيـهِ مِنَ التَّوْبَـةِ ، فَلَعَـلَّ بَعْضَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَرْحَمُنِي لِسُوءِ مَوْقِفِي ، أَوْ تُدْرِكُهُ الرِّقَّةُ عَلَىَّ لِسُوءِ حَالِي فَيَنَالَنِي مِنْهُ بِدَعْوَة أَسْمَعُ لَدَيْكَ مِنْ دُعَائِي ، أَوْ شَفَاعَـة أَوْكَدُ عِنْدَكَ مِنْ شَفَاعَتِي تَكُونُ بِهَا نَجَاتِي مِنْ غَضَبِكَ وَفَوْزَتِي بِرضَاكَ. أللَّهُمَّ إنْ يَكُنِ النَّدَمُ تَوْبَةً إلَيْكَ فَأَنَا أَنْدَمُ اْلنَّادِمِينَ ، وَإنْ يَكُنِ التَّرْكُ لِمَعْصِيَتِكَ إنَابَةً فَأَنَا أَوَّلُ الْمُنِيبينَ ، وَإنْ يَكُنِ

    الاسْتِغْفَارُ حِطَّةً لِلذُّنُوبِ فَإنَي لَكَ مِنَ الْمُسْتَغْفِرِينَ. اللَّهُمَّ فَكَمَا أَمَرْتَ بِالتَّوْبَةِ ، وَضَمِنْتَ الْقَبُولَ ، وَحَثَثْتَ عَلَى الدُّعَـاءِ وَوَعَدْتَ الإجَابَةَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدِ وَآلِهِ وَاقْبَلْ تَوْبَتِي ، وَلاَ تَرْجِعْني مَرجَعَ الغَيبَةِ منْ رَحْمَتِك ، إنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ عَلَى الْمُذْنِبِينَ ، وَالرَّحِيمُ لِلْخَاطِئِينَ الْمُنِيبِينَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، كَمَا هَدَيْتَنَا بِهِ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ كَمَا اسْتَنْقَذْتَنَا بِهِ ، وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، صَلاَةً تَشْفَعُ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَيَوْمَ الْفَاقَةِ إلَيْكَ ، إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ وَهُوَ عَلَيْكَ يَسِيرٌ.
    (1) قوله عليه السلام : إذ تقول : اُدعوني استجب لكم
    ينبغي في نظائر هذه المقامات مراعاة جادّة سنن الآداب ، إمّا الوقف على تقول ثمّ البدأة يقول عزّ من قائل : (ادْعُونِي) (1) وإمّا الوصل مع إظهار همزة الأمر المضمومة على سبيل الحكاية من غير إسقاطها في الدرج ، وإن لم يكن هي همزة قطع ، لينفصل كلام الخالق عن كلام المخلوق ، ولا يتّصل تنزيله الكريم بعبارة البشر وألفاظ الآدميّين.
    __________________
    1. سورة غافر : 60.

    32
    وكان من دعائه عليه السلام
    بعد الفراغ من صلوة الليل لنفسه في الاعتراف بالذنب
    أَللَّهُمَّ يَا ذَا الْمُلْكِ الْمُتأبِّدِ (1) بِالْخُلُودِ ، وَالْسُلْطَانِ الْمُمْتَنِعِ (2) بِغَيْرِ جُنُود وَلاَ أَعْوَان ، وَالْعِزِّ الْبَاقِي عَلَى مَرِّ الدُّهُورِ وَخَوَالِي الأَعْوَامِ، وَمَوَاضِي الأَزْمَانِ وَالأيَّامِ ، عَزَّ سُلْطَانُكَ عِزّاً لا حَدَّ لَهُ بِأَوَّلِيَّة ، وَلاَ مُنْتَهَى لَهُ بِآخِرِيَّة وَاسْتَعْلَى مُلْكُكَ عُلُوّاً سَقَطَتِ الأشْيَاءُ دُونَ بُلُوغِ أَمَدِهِ ، وَلاَ يَبْلُغُ أَدْنَى مَا اسْتَأثَرْتَ بِـهِ مِنْ ذَلِكَ أَقْصَى نَعْتِ النَّـاعِتِينَ ، ضَلَّتْ فِيْـكَ الصِّفَاتُ ، وَتَفَسْخَتْ دُونَكَ النُّعُوتُ ، وَحَارَتْ فِي كِبْرِيِائِكَ لَطَائِفُ الأوْهَامِ ، كَذلِكَ أَنْتَ اللهُ الأَوَّلُ فِي أَوَّلِيَّتِكَ ، وَعَلَى ذَلِكَ أَنْتَ دَائِمٌ لا تَزُولُ ، وَأَنَا الْعَبْدُ الضَّعِيْفُ عَمَلاً ، الجَسِيْمُ أَمَلاً ، خَرَجَتْ مِنْ يَدِي أَسْبَابُ الْوُصُلاَت إلاّ مَا وَصَلَهُ رَحْمَتُكَ ، وَتَقَطَّعَتْ عَنِّي عِصَمُ الآمَالِ إلاّ مَا أَنَا مُعْتَصِمٌ بِهِ مِنْ عَفْوِكَ ، قَلَّ عِنْدِي مَا أَعْتَدُّ بِهِ مِنْ طَاعَتِكَ ، وَكَثُرَ عَلَيَّ مَا أَبُوءُ بِهِ مِنْ مَعْصِيَتِكَ ، وَلَنْ

    يَضِيْقَ عَلَيْكَ عَفْوٌ عَنْ عَبْدِكَ ، وَإنْ أَسَاءَ فَاعْفُ عَنِّي. أللَّهًمَّ وَقَدْ أَشْرَفَ عَلَى خَفَايَا الأَعْمَالِ عِلْمُكَ ، وَانْكَشَفَ كُلُّ مَسْتُور دُونَ خُبْرِكَ ، وَلاَ تَنْطَوِي عَنْكَ دَقَائِقُ الأُمُورِ ، وَلاَ تَعْزُبُ عَنْكَ غَيِّبَاتُ (3) السَّرَائِرِ ، وَقَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيَّ عَدُوُّكَ (4) الَّذِي اسْتَنْظَرَكَ لِغِوَايتِي ، فَأَنْظَرْتَهُ ، وَاسْتَمْهَلَكَ إلَى يَوْمِ الدِّيْنِ لاِضْلاَلِي فَأَمْهَلْتَهُ فَأوْقَعَنِيْ ، وَقَدْ هَرَبْتُ إلَيْكَ مِنْ صَغَائِرِ ذُنُوب مُوبِقَة ، وَكَبَائِرِ أَعْمَال مُرْدِيَـة ، حَتَّى إذَا قَارَفْتُ مَعْصِيَتَـكَ ، وَاسْتَوْجَبْتُ بِسُوءِ سَعْيِي سَخْطَتَكَ ، فَتَلَ (5) عَنِّي عِذَارَ غَدْرِهِ ، وَتَلَقَّانِي بكَلِمَةِ كُفْرهِ ، وَتَوَلَّى الْبَراءَةَ مِنِّي ، وَأَدْبَرَ مُوَلِّيَاً عَنِّي ، فَأَصْحَرنِي لِغَضَبِكَ فَرِيداً ، وَأَخْرَجَني إلى فِنَاءِ نَقِمَتِكَ طَرِيداً ، لاَ شَفِيعٌ يَشْفَعُ لِيْ إلَيْـكَ ، وَلاَ خَفِيـرٌ يُؤْمِنُنِي عَلَيْـكَ ، وَلاَ حِصْنٌ يَحْجُبُنِي عَنْكَ ، وَلاَ مَلاَذٌ أَلْجَأُ إلَيْهِ مِنْكَ ، فَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ ، وَمَحَلُّ الْمُعْتَرِفِ لَكَ ، فَلاَ يَضِيقَنَّ عَنِّي فَضْلُكَ ، وَلا يَقْصُـرَنَّ دونِي عَفْوُكَ ، وَلا أكُنْ أَخْيَبَ عِبَادِكَ التَّائِبِينَ ، وَلاَ أَقْنَطَ وفُودِكَ الآمِلِينَ ، وَاغْفِرْ لِي إنَّكَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ. أللَّهُمَّ إنَّكَ أَمَرْتَنِي فَتَرَكْتُ ، وَنَهَيْتَنِي فَرَكِبْتُ ، وَسَوَّلَ لِيَ الْخَطَأَ خَاطِرُ السُّوءِ فَفَرَّطْتُ ، وَلا أَسْتَشْهِدُ عَلَى صِيَامِي نَهَـاراً ، وَلاَ أَسْتَجِيرُ بِتَهَجُّدِي لَيْلاً ، (6) وَلاَ تُثْنِي عَلَيَّ بِإحْيَائِهَا سُنَّةٌ ، (7) حَـاشَى

    فُرُوضِـكَ (Cool الَّتِي مَنْ ضَيَّعَها هَلَكَ ، وَلَسْتُ أَتَوَسَّلُ إلَيْكَ بِفَضْلِ نَافِلَة مَعَ كَثِيرِ مَا أَغْفَلْتُ مِنْ وَظَائِفِ فُرُوضِكَ ، وَتَعَدَّيْتُ عَنْ مَقَامَاتِ حُدُودِكَ إلَى حُرُمَات انْتَهَكْتُهَا ، وَكَبَائِرِ ذُنُوب اجْتَرَحْتُهَا ، كَانَتْ عَافِيَتُكَ لِي مِنْ فَضَائِحِهَا سِتْراً ، وَهَذَا مَقَامُ مَنِ اسْتَحْيَى لِنَفْسِهِ مِنْكَ ، وَسَخِطَ عَلَيْهَا وَرَضِيَ عَنْكَ ، فَتَلَقَّاكَ بِنَفْس خَاشِعَة ، وَرَقَبَة خَاضِعَة ، وَظَهْر مُثْقَل مِنَ الْخَطَايَا ، وَاقِفاً بَيْنَ الرَّغْبَةِ إلَيْكَ ، وَالرَّهْبَةِ مِنْكَ ، وَأَنْتَ أَوْلَى مَنْ رَجَـاهُ ، وَأَحَقُّ مَنْ خَشِيَـهُ ، وَاتّقـاهُ ، فَاعْطِنِي يَا رَبِّ مَا رَجَوْتُ وَأمِنِّي مَا حَذِرْتُ ، وَعُدْ عَلَيَّ بِعَائِدَةِ رَحْمَتِكَ ، إنَّكَ أكْرَمُ الْمَسْؤُولِينَ. أللَّهُمَّ وَإذْ سَتَـرْتَنِي بِعَفْوِكَ وَتَغَمَّـدْتَنِي بِفَضْلِكَ فِي دَارِ الْفَنَاءِ بِحَضرَةِ الأكْفَاءِ ، فَأَجِرْنِي مِنْ فَضِيحَاتِ دَارِ الْبَقَاءِ عِنْدَ مَوَاقِفِ الأشْهَادِ مِنَ المَلائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ ، وَالرُّسُلِ الْمُكَرَّمِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ، مِنْ جَار كُنْتُ أُكَاتِمُهُ سَيِّئاتِي ، وَمِنْ ذِي رَحِم كُنْتُ أَحْتَشِمُ مِنْهُ فِي سَرِيرَاتِي ، لَمْ أَثِقْ بِهِمْ رَبِّ فِي السِّتْرِ عَلَيَّ ، وَوَثِقْتُ بِكَ رَبِّ فِي الْمَغفِرَةِ لِيْ ، وَأَنْتَ أوْلَى مَنْ وُثِقَ بِهِ ، وَأَعْطَف مَنْ رُغِبَ إلَيْهِ ، وَأَرْأَفُ مَنِ اسْتُرْحِمَ ، فَارْحَمْنِي. أللهُمَّ وَأنتَ حَدَرْتَنِي مَاءً مَهِيناً مِنْ صُلب مُتَضَائِقِ الْعِظَامِ ، حَرِجِ الْمَسَالِكِ إلَى رَحِم ضَيِّقَة سَتَرْتَهَا بِالْحُجُبِ ، تُصَرِّفُنِي حَالاً عَنْ حَالٍ ، حَتَّى انْتَهَيْتَ

    بِيْ إلَى تَمَامِ الصُّورَةِ ، وَأَثْبَتَّ فِيَّ الْجَوَارحَ كَمَا نَعَتَّ فِي كِتَابِكَ : نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً ، ثُمَّ مُضْغَةً ثُمَّ عِظَاماً ثُمَّ كَسَوْتَ الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأتَنِي خَلْقَاً آخَرَ كَمَا شِئْتَ حَتَّى إذَا احْتَجْتُ إلَى رِزْقِكَ ، وَلَمْ أَسْتَغْنِ عَنْ غِيَـاثِ فَضْلِكَ ، جَعَلْتَ لِي قُـوتـاً مِنْ فَضْلِ طَعَام وَشَرَاب أَجْرَيْتَهُ لاِمَتِكَ الَّتِيْ أَسْكَنْتَنِي جَوْفَهَا ، وَأَوْدَعْتَنِي قَرَارَ رَحِمِهَا ، وَلَوْ تَكِلُنِي يَا رَبِّ فِي تِلْكَ الْحَـالاتِ إلَى حَوْلِي أَوْ تَضْطَرُّنِي إلَى قُوّتي لَكَانَ الْحَوْلُ عَنِّي مُعْتَزِلاً ، وَلَكَانَتِ الْقُوَّةُ مِنِّي بَعِيدَةً ، فَغَذَوْتَنِي بِفَضْلِكَ غِذَاءَ البَرِّ اللَّطِيفِ ، تَفْعَلُ ذَلِكَ بِي تَطَوُّلاً عَلَيَّ إلَى غَايَتِي هَذِهِ ، لاَ أَعْدَمُ بِرَّكَ ، وَلاَ يُبْطِئُ بِي حُسْنُ صَنِيعِكَ ، وَلاَ تَتَأكَّدُ مَعَ ذَلِكَ ثِقَتِي فَأَتَفَرَّغَ لِمَا هُوَ أَحْظَى لِيْ عِنْدَكَ ، قَدْ مَلَكَ الشَّيْطَانُ عِنَانِي فِي سُوءِ الظَّنِّ ، وَضَعْفِ الْيَقِينِ ، فَأَنَا أَشْكُو سُوْءَ مُجَاوَرَتِهِ لِي ، وَطَـاعَةَ نَفْسِي لَـهُ ، وَأَسْتَعْصِمُـكَ مِنْ مَلَكَتِهِ ، وَأَتَضَـرَّعُ إلَيْكَ فِي صَرْفِ كَيْدِهِ عَنّي ، وَاَسْئَلُكَ في أَنْ تُسَهِّلَ إلَى رِزْقِي سَبِيلاً ، فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى ابْتِدَائِكَ بِالنِّعَمِ الْجِسَامِ ، وَإلْهَامِكَ الشُّكْرَ عَلَى الإحْسَانِ وَالإِنْعَامِ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَسَهِّلْ عَلَيَّ رِزْقِي ، وَأَنْ تُقَنِّعَنِي بِتَقْدِيرِكَ لِيْ ، وَأَنْ تُرْضِيَنِي بِحِصَّتِيْ فِيمَا قَسَمْتَ لِيْ ، وَأَنْ تَجْعَـلَ مَـا ذَهَبَ مِنْ جِسْمِيْ وَعُمُرِيْ فِي سَبِيْلِ طَاعَتِكَ ، إنَّكَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ. أللَهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ

    مَنْ نَار تَغَلَّظْتَ بِهَا عَلَى مَنْ عَصَاكَ ، وَتَوَعَّدْتَ بِهَا مَنْ صَدَفَ عَنْ رِضَاكَ ، وَمِنْ نَار نورُهَا ظُلْمَةٌ ، وَهَيِّنُهَا أَلِيمٌ ، وَبَعِيدُهَا قَرِيبٌ ، وَمِنْ نَار يَأْكُلُ بَعْضَهَا بَعْضٌ ، وَيَصُولُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْض ، وَمِنْ نَار تَذَرُ الْعِظَامَ رَمِيماً ، وَتَسْقِي أَهْلَهَا حَمِيماً ، وَمِنْ نَار لاَ تُبْقِي عَلَى مَنْ تَضَرَّعَ إلَيْهَا ، وَلاَ تَرْحَمُ مَنِ اسْتَعْطَفَهَا ، وَلاَ تَقْدِرُ عَلَى التَّخْفِيفِ عَمَّنْ خَشَعَ لَهَا وَاسْتَسْلَمَ إلَيْهَا ، تَلْقَى سُكَّانَهَا بِأَحَرِّ مَا لَدَيْهَا مِنْ أَلِيْمِ النَّكَالِ وَشَدِيدِ الْوَبَالِ ، وَأَعُوذُ بكَ مِنْ عَقَارِبِهَا ، الْفَاغِرَةِ أَفْوَاهَهَا ، وَحَيّاتِهَا الصَّالِقَةِ بِأَنْيَابِهَا ، وَشَرَابِهَا الَّذِي يُقَطِّعُ أَمْعَاءَ وَأَفْئِدَةَ سُكَّانِهَا ، وَيَنْزِعُ قُلُوبَهُمْ ، وَأَسْتَهْدِيْكَ لِمَا باعَدَ مِنْهَا ، وَأَخَّرَ عَنْهَا. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِـهِ ، وَأَجِرْنِي مِنْهَا بِفَضْل رَحْمَتِكَ ، وَأَقِلْنِي عَثَرَاتِي بِحُسْنِ إقَالَتِكَ ، وَلاَ تَخْذُلْنِي يَا خَيْرَ الْمُجيرِينَ. اَللّهُمَّ إنَّكَ تَقِي الْكَرِيهَةَ وَتُعْطِي الْحَسَنَةَ وَتَفْعَلُ مَا ، تُرِيـدُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، إذَا ذُكِرَ الأبْرَارُ ، وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ، صَلاَةً لاَ يَنْقَطِعُ مَدَدُهَا ، وَلاَ يُحْصَى عَدَدُهَا ، صَلاَةً تَشْحَنُ الْهَوَاء وَتَمْلاُ الأرْضَ وَالسَّماءَ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَرْضَى ، وَصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، بَعْدَ الرِّضَا صَلاَةً لا حَدَّ لَها وَلاَ مُنْتَهَى ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.

    (1) قوله عليه السلام : اللهمّ يا ذا الملك المتابّد
    بكسر الباء الموحّدة المشدّدة تفعّلاً من الأبد على اسم الفاعل.
    قال الراغب في المفردات : تأبّد الشيء بقي أبداً. (1)
    وفي رواية بالفتح على اسم المكان من باب التفعّل على صيغة المفعول ، أي : موضع التأبّد والأبديّة وموضع الدوام والسرمديّة. وأيّاً ما كان فإمّا بالجرّ على صفة الملك ، أو بالنصب على صفة المنادي المضاف ، أعني : ذا الملك.
    (2) قوله عليه السلام : والسلطان الممتنع
    إفتعال من المنعة بمعنى العزّة والغلبة ، أي : المتعزّز العزيز الغالب بغير جنود ولا أعوان.
    قال في مجمل اللغة : فلان ذو منعة أي : عزيز ممتنع على من يريده. (2)
    (3) قوله عليه السلام : غيّبات
    بتشديد الياء المثنّاة من تحت المكسورة. وفي رواية «غينات» بالنون المفتوحة مكان الباء. والغنب بالفتح الغنيمة الكثيرة.
    (4) قوله عليه السلام : وقد استحوذ على عدوّك
    استحوذ عليه الشيطان غلب عليه واستولى ، وهو ممّا اُجري على الأصل ولم يعل ، ومثله استروح واستنوق الجمل واستصوبت رأيه ، قاله في غريب القرآن. (3)
    (5) قوله عليه السلام : فتل
    وفي بعض النسخ «فشل» أي : جبن وذهب قوّته ، وعزم على كذا ثمّ فشل عنه ، أي :
    __________________
    1. مفردات الراغب : 8.
    2. مجمل اللغة : 3 / 817.
    3. غريب القرآن : ص 624.

    نكل عنه ولم يمضه. قاله الزمخشري في الأساس. (1)
    (6) قوله عليه السلام :
    ولا استشهد على صيامي نهاراً ولا أستجير بتهجّدي ليلاً
    نهاراً : إمّا مفعول استشهد ، وإمّا متعلّق بصيامي والمفعول مقدّر ، والتقدير : ولا سمت نهاراً صياماً مبروراً فاستشهد النهار أو الملائكة أو الله تعالى على ذلك.
    والتهجّد تفعّل من الهجود وهو النوم ، بمعنى ترك الهجود ، ورفض النوم ، وإحياء الليل بالتنفّل والتعبّد ، ونظير ذلك التحرّج والتأثّم في معنى الخروج من الحرج والتخيّب (2) عن الإثم.
    قال في المغرب : تحرّج من كذا تأثّم ، وحقيقته جانب الحرج. (3)
    وقال في الفائق : النبيّ صلى الله عليه وآله كان إذا قام للتهجّد يشوص فاه بالسواك (4) هو ترك الهجود للصلاة بالليل. أي : ينقي أسنانه ويغسلها يقال : شصته ومصته. (5)
    وقال شارح صحيح مسلم : التحنّث التعبّد ، يقال : تحنّث الرجل إذا فعل فعلاً خرج به عن الحنث ، والحنث الذنب. وكذلك تأثّم إذا ألقى الإثم عن نفسه ، ومثله تحرّج وتحوّب إذا فعل فعلاً يخرجه من الحرج والحوب ، وفلان يتهجّد إذا كان يخرج من الهجود ، ويتنجّس إذا فعل فعلاً يخرج به عن النجاسة. انتهى.
    (7) قوله عليه السلام : ولا تثني عليّ بإحيائها سنّة
    سنّة مرفوعة على الفاعليّة ، والمعنى : ولا أحييت سنّة فيثني هي عليّ بإحياي إيّاها.
    (Cool قوله عليه السلام : حاشا فروضك
    وبرواية «س» فروضك ، وفروضك أي : فروضك بكسر الضاد المعجمة لا غير هي الأصل ، وبكسرها وفتحها معهاً «ع» ، والرواية المشهورة إنّهما بهما معاً هي الأصل.
    __________________
    1. أساس البلاغة : ص 474.
    2. في «ط» : التجنّب.
    3. المغرب : 1 / 115.
    4. نهاية ابن الأثير : 2 / 509.
    5. الفائق : 2 / 269.

    33
    وكان من دعائه عليه السلام في الاستخارة
    أَللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاقْضِ لِيْ بِالْخِيْرَةِ ، وَأَلْهِمْنَا مَعْرِفَةَ الاخْتِيَارِ ، وَاجْعَلْ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى الرِّضَا بِمَا قَضَيْتَ لَنَا ، وَالتَّسْلِيْمِ لِمَا حَكَمْتَ ، (1) فَأزِحْ عَنَّا رَيْبَ الارْتِيَابِ ، وَأَيِّدْنَا بِيَقِينِ الْمُخْلِصِينَ ، وَلاَ تَسُمْنَا عَجْزَ الْمَعْرِفَةِ عَمَّا تَخَيَّرْتَ ، فَنَغْمِطَ قَدْرَكَ ، (2) وَنَكْرَهَ مَوْضِعَ رِضَاكَ ، وَنَجْنَحَ إلَى الَّتِي هِيَ أَبْعَدُ مِنْ حُسْنِ الْعَاقِبَةِ ، وَأَقْرَبُ إلَى ضِدِّ الْعَافِيَةِ ، حَبِّبْ إلَيْنَا مَا نَكْرَهُ مِنْ قَضَائِكَ ، وَسَهِّلْ عَلَيْنَا مَا نَسْتَصْعِبُ مِنْ حُكْمِكَ ، وَأَلْهِمْنَـا الانْقِيَـادَ لِمَا أَوْرَدْتَ عَلَيْنَـا مِنْ مَشِيَّتِكَ ، حَتَّى لاَ نُحِبَّ تَأخِيْرَ مَا عَجَّلْتَ وَلاَ تَعْجيْلَ مَا أَخَّرْتَ ، وَلا نَكْرَهَ مَا أَحْبَبْتَ ، وَلا نَتَخَيَّرَ مَا كَرِهْتَ ، وَاخْتِمْ لَنَا بِالَّتِي هِيَ أَحْمَدُ عَاقِبةً ، وَأكْرَمُ مَصِيراً ، إنَّكَ تُفِيدُ الْكَرِيمَةَ ، وَتُعْطِي الْجَسِيمَةَ ، وَتَفْعَلُ مَا تُرِيدُ ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ.

    وفي رواية «كف» : في الاستخارة لله عزّ وجلّ.
    (1) قوله عليه السلام : والتسليم لما حكمت
    في الأصل بالجرّ عطفاً على الرضا ، وفي رواية «ع» على النصب : إمّا على أخذ الواو بمعنى «مع» ، وإمّا على العطف على ذريعة.
    (2) قوله عليه السلام : فنغمط قدرك
    بكسر الميم وفتحها من بابي ضرب يضرب وسمع يسمع ، معناه : على قدرك بالتحريك فلا نشكره ولا نرضاه. وعلى قدرك بالإسكان فنستحقره ونحتقره ولا نوفيه حقّ جلاله وتعظيمه.

    34
    وكان من دعائه عليه السلام
    إذا ابتلى اَوْ راى مبتلى بفضيحة بذنب (1)
    أَللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سِتْرِكَ بَعْدَ عِلْمِكَ ، وَمُعَافَاتِكَ بَعْدَ خُبْرِكَ ، فَكُلُّنَا قَدِ اقْتَرَفَ الْعَائِبَةَ فَلَمْ تَشْهَرْهُ ، وَارْتَكَبَ الْفَاحِشَةَ فَلَم تَفْضَحْهُ ، وَتَسَتَّـرَ بِالْمَسَاوِي فَلَمْ تَدْلُلْ عَلَيْهِ ، كَمْ نهْي لَكَ قَدْ أَتَيْنَاهُ ، وَأَمْر قَدْ وَقَفْتَنَا عَلَيْهِ فَتَعَدَّيْنَاهُ ، وَسَيِّئَة اكْتَسَبْنَاهَا ، وَخَطِيئَة ارْتَكَبْنَـاهَا ، كُنْتَ الْمُطَّلِعَ عَلَيْهَا دُونَ النَّاظِرِينَ ، وَالْقَادِرَ عَلَى إعْلاَنِهَا فَوْقَ الْقَادِرِينَ ، كَانَتْ عَافِيَتُكَ لَنَا حِجَاباً دُونَ أَبْصَارِهِمْ ، وَرَدْماً دُونَ أَسْمَاعِهِمْ ، فَاجْعَلْ مَا ستَرْتَ مِنَ الْعَوْرَةِ ، وَأَخْفَيْتَ مِنَ الدَّخِيلَةِ ، (2) وَاعِظاً لَنَا ، وَزَاجِراً عَنْ سُوْءِ الْخُلْقِ ، وَاقْتِرَافِ الخَطِيئَـةِ ، (3) وَسَعْياً إلَى التَّوْبَةِ الْمَاحِيَةِ ، وَالطَّرِيْقِ الْمَحْمُودَةِ ، وقَرِّبِ الْوَقْتَ فِيهِ ، وَلاَ تَسُمْنَا الْغَفْلَةَ عَنْكَ ، إنَّا إلَيْكَ رَاغِبُونَ ، وَمِنَ الذُّنُوبِ تَائِبُونَ ، وَصَلِّ عَلَى خِيَرَتِكَ اللَّهُمَّ مِنْ خَلْقِكَ ، مُحَمَّد وَعِتْرَتِهِ ، الصِّفْـوَةِ مِنْ بَرِيَّتِـكَ الطَّاهِرِينَ ، وَاجْعَلْنَا لَهُمْ سَامِعِينَ وَمُطِيعِينَ كَمَا أَمَرْتَ.

    (1) بفضيحة بذنب
    وفي نسخة «كف» بفضيحة ذنب من دون الباء. وفي رواية «ش» قدّس الله لطيفه «أو» مكان الواو.
    (2) قوله عليه السلام : من الدخيلة
    في «خ» و «كف» : من دخلته ، دخله الأمر بالضمّ باطنه.
    (3) قوله عليه السلام : واقتراف الخطيئة
    في رواية «كف» : وانتباه الخطيئة على الإفتعال ، من ناهت الهامة إذا رفعت رأسها.

    35
    وكان من دعائه عليه السلام
    في الرّضا (1) إذا نظر إلى أصحاب الدنيا
    الْحَمْدُ للهِ رِضىً بِحُكْمِ اللهِ ، شَهِدْتُ أَنَّ اللهَ قَسَمَ مَعَايِشَ عِبَادِهِ بِالْعَدْلِ ، وَأَخَذَ عَلَى جَمِيْعِ خَلْقِهِ بِالْفَضْلِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَلاَ تَفْتِنِّي بِمَا أَعْطَيْتَهُمْ ، وَلا تَفْتِنْهُمْ بِمَا مَنَعْتَنِي ، فَأحْسُدَ خَلْقَكَ ، وَأَغْمِطَ حُكْمَكَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِـهِ ، وَطَيِّبْ بِقَضَائِـكَ نَفْسِي وَوَسِّعْ بِمَـواقِعِ حُكْمِكَ صَدْرِي ، وَهَبْ لِي الثِّقَةَ لأُقِرَّ مَعَهَا بِأَنَّ قَضَاءَكَ لَمْ يَجْرِ إلاَّ بِالْخِيَرَةِ ، وَاجْعَلْ شُكْرِي لَكَ عَلَى مَا زَوَيْتَ عَنّي ، (2) أَوْفَرَ مِنْ شُكْرِي إيَّاكَ عَلَى مَا خَوَّلْتَنِي ، (3) وَاعْصِمْنِي مِن أنْ أظُنَّ بِذِي عَدْم خَسَاسَةً ، أَوْ أَظُنَّ بِصَاحِبِ ثَرْوَة فَضْلاً ، فَإنَّ الشَّرِيفَ مَنْ شَرَّفَتْهُ طَاعَتُكَ ، وَالْعَزِيزَ مَنْ أَعَزَّتْهُ عِبَادَتُكَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَمَتِّعْنَا بِثَرْوَة لاَ تَنْفَدُ ، وَأَيِّدْنَا بِعِزٍّ لاَ يُفْقَدُ ، وَأَسْرِحْنَا فِيْ مُلْكِ الأَبَدِ ، إنَّكَ الْوَاحِدُ الأَحَدُ الصَّمَدُ ، الَّذِي لَمْ تَلِدْ وَلَمْ تُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَكَ كُفُواً أَحَدٌ.

    (1) قوله عليه السلام : في الرضا
    وفي رواية «كف» : في الرضا بالقضاء إذا نظر إلى أصحاب الدنيا.
    (2) قوله عليه السلام : على ما زويت عنّي
    في النهاية الأثيريّة : في حديث الدعاء «وما زويت عنّي ممّا اُحبّ» أي : صرفته عنّي وقبضته. وأمّا زويت لي كذا وكذا فبمعنى جمعت ، ومنه في الحديث : «زويت لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها» أي : جمعت. (1)
    (3) قوله عليه السلام : على ما خوّلتني
    بالتشديد من باب التفعيل ، والتخويل التمليك ، وقيل : هو الرعاية.
    قال ابن الأثير في النهاية : ومنه الحديث «اذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين (2) اتخذوا عباد الله خولاً» أي : خدعاً وعبيداً. يعني أنّهم يستخدمونهم ويستعبدونهم. (3)
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 2 / 320.
    2. في المصدر : كان.
    3. نهاية ابن الأثير : 2 / 88.

    36
    وكان من دعائه عليه السلام إذا نظر إلى السحاب
    وَالبرق وسمع صوت الرعد (1)
    أَللَّهُمَّ إنَّ هذَيْن آيَتَانِ (2) مِنْ آياتِكَ ، وَهذَين عَوْنَانِ مِنْ أَعْوَانِكَ ، يَبْتَدِرَانِ طَاعَتَكَ بِرَحْمَة نَافِعَة أَوْ نَقِمَة ضَارَّة ، فَلاَ تُمْطِرْنَا بِهِمَا مَطَرَ السَّوْءِ ، (3) وَلا تُلْبِسْنَـا بِهِمَا لِبَاسَ الْبَلاَءِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا نَفْعَ هَذِهِ السَّحَائِبِ وَبَرَكَتَهَا ، وَاصْرِفْ عَنَّا أَذَاهَا وَمَضَرَّتَهَا ، وَلا تُصِبْنَا فِيْهَا بآفَة ، وَلا تُرْسِلْ عَلَى مَعَايِشِنَا عَاهَةً. أللَّهُمَّ وَإنْ كُنْتَ بَعَثْتَهَا نَقِمَةً ، وَأَرْسَلْتَهَا سَخْطَةً ، فَإنَّا نَسْتَجِيْرُكَ مِنْ غَضَبِكَ ، وَنَبْتَهِلُ إلَيْكَ فِي سُؤَالِ عَفْوِكَ ، فَمِلْ بِالْغَضَبِ إلَى الْمُشْـركِينَ ، وَأَدِرْ رَحَى نَقِمَتِـكَ عَلَى الْمُلْحِـدينَ. أللَّهُمَّ أَذْهِبْ مَحْلَ بِلاَدِنَا بِسُقْيَاكَ ، وَأَخْرِجْ وَحَرَ صُدُورِنَا بِرِزْقِكَ ، وَلاَ تَشْغَلْنَا عَنْكَ بِغَيْرِكَ ، وَلاَ تَقْطَعْ عَنْ كَافَّتِنَا مَادَّةَ بِرِّكَ ، فَإنَّ الغَنِيَّ مَنْ أَغْنَيْتَ ، وَإنَّ السَّالِمَ مَنْ وَقَيْتَ، مَا عِنْدَ أَحَد دُونَكَ دِفَـاعٌ ، وَلاَ

    بِأَحَد عَنْ سَطْوَتِكَ امْتِنَاعٌ ، تَحْكُمُ بِمَا شِئْتَ عَلَى مَنْ شِئْتَ وَتَقْضِي بِمَـا أَرَدْتَ فِيمَنْ أَرَدْتَ فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا وَقَيْتَنَا مِنَ الْبَلاءِ ، وَلَكَ الشُّكْرُ عَلَى مَا خَوَّلْتَنَا مِنَ النّعْمَاءِ ، حَمْداً يُخَلِّفُ حَمْدَ الْحَامِدِينَ وَرَاءَهُ ، حَمْداً يَمْلاُ أَرْضَهُ وَسَمَائَهُ ، إنَّـكَ الْمَنَّانُ بِجَسِيمِ الْمِنَنِ ، الْوَهَّابُ لِعَظِيمِ النِّعَمِ ، القَابِلُ يَسِيْرَ الْحَمْدِ ، الشَّاكِرُ قَلِيْلَ الشُّكْرِ ، الْمُحْسِنُ الْمُجْمِلُ ، ذُو الطَّوْلِ لا إلهَ إلاّ أَنْتَ ، إلَيْكَ الْمَصِيرُ.

    (1) إذا نظر الى السحاب
    وفي رواية «كف» : إذا نظر إلى السحاب وسمع صوت الرعد باسقاط «والبرق» من البين.
    (2) قوله عليه السلام : آيتين
    بالنصب وفي رواية «ع» وبخطّ «كف» على الحاليّة ، وخبر «إنّ» يبتدران.
    (3) قوله عليه السلام : فلا تمطرنا بهما مطر السوء
    يقال لمطر السخط والعذاب ، أمطرت. بهمزة الإفعال المزيدة للتعدية ولمطر الفضل والرحمة : مطرت. من دون الهمزة من باب المجرّد ، ذكر ذلك العزيزي السجستاني في غريبه ، (1) وابن الأثير في نهايته. (2)
    وكثيراً ما يعدّى الأوّل بـ«على» بخلاف الثاني.
    __________________
    1. غريب القرآن : 132.
    2. غير موجود في «مطر» منه.

    37
    وكان من دعائه عليه السلام
    إذا اعترف بالتقصير عن تادية الشكر (1)
    أللَّهُمَّ إنَّ أَحَداً لاَ يَبْلُغُ مِنْ شُكْرِكَ غَايَةً إلاّ حَصَلَ عَلَيْهِ مِنْ إحْسَانِكَ مَا يُلْزِمُهُ شُكْرَاً ، (2) وَلا يَبْلُغُ مَبْلَغاً مِنْ طَاعَتِكَ وَإن اجْتَهَدَ إلاَّ كَانَ مُقَصِّراً دُونَ اسْتِحْقَاقِكَ بِفَضْلِكَ فَأَشْكَرُ عِبَادِكَ (3) عَاجِزٌ عَنْ شُكْرِكَ ، وَأَعْبَدُهُمْ مُقَصِّرٌ عَنْ طَاعَتِكَ ، لا يَجبُ لأِحَد أَنْ تَغْفِرَ لَهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ ، وَلا أَنْ تَرْضَى عَنْهُ بِاسْتِيجَابِهِ ، فَمَنْ غَفَرْتَ لَهُ فَبِطَولِكَ ، وَمَنْ رَضِيْتَ عَنْهُ فَبِفَضْلِكَ ، تَشْكُرُ يَسِيرَ مَا شُكِرْتَهُ ، وَتُثِيبُ عَلَى قَلِيلِ مَا تُطَاعُ فِيهِ ، حَتَّى كَأَنَّ شُكْـرَ عِبَادِكَ الَّذِيْ أَوْجَبْتَ عَلَيْهِ ثَوَابَهُمْ ، وَأَعْظَمْتَ عَنْهُ جَزَاءَهُمْ ، أَمْرٌ مَلَكُوا اسْتِطَاعَةَ الامْتِنَاعِ مِنْهُ دُونَكَ ، فَكَافَيْتَهُمْ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ سَبَبُهُ بِيَدِكَ (4) فَجَازَيْتَهُمْ ، بَـلْ مَلَكْتَ يَا إلهِي أَمْرَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكُوا عِبَادَتَكَ ، وَأَعْدَدْتَ ثَوَابَهُمْ قَبْلَ أَنْ يُفِيضُوا فِي طَاعَتِكَ ، وَذَلِكَ أَنَّ سُنَّتَكَ الأِفْضَالُ ، وَعَادَتَكَ

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الصحيفه السجاديه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الصحيفه السجاديه كامله   الصحيفه السجاديه كامله Emptyأمس في 20:35

    الإحْسَانُ ، وَسَبِيلَكَ الْعَفْوُ ، فَكُلُّ الْبَرِيِّةِ مًعْتَرِفَةٌ بِأَنَّكَ غَيْرُ ظَالِم لِمَنْ عَاقَبْتَ ، وَشَاهِدَةٌ بِأَنَّكَ مُتَفَضِّلٌ (5) عَلَى مَنْ عَافَيْتَ ، وَكُلٌّ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ بِالتَّقْصِيْرِ عَمَّا اسْتَوْجَبْتَ ، فَلَوْلا أَنَّ الشَّيْطَانَ يَخْتَدِعُهُمْ عَنْ طَاعَتِكَ مَا عَصَاكَ عَاص ، وَلَوْ لا أَنَّهُ صَوَّرَ لَهُمُ البَاطِلَ فِي مِثَالِ الْحَقِّ مَا ضَلَّ عَنْ طَرِيْقِكَ ضَالٌّ ، فَسُبْحَانَكَ مَا أَبْيَنَ كَرَمَكَ فِي مُعَامَلَةِ مَنْ أَطَاعَكَ ، أَوْ عَصَاكَ : تَشْكُرُ للْمُطِيْعِ مَا أَنْتَ تَوَلَّيْتَهُ لَهُ ، وَتُمْلِي لِلْعَاصِي فِيْمَا تَمْلِكُ مُعَاجَلَتَهُ فِيْهِ ، أَعْطَيْتَ كُلاًّ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَجِبْ لَهُ ، وَتَفَضَّلْتَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا يَقْصُرُ عَمَلُهُ عَنْهُ ، (6) وَلَوْ كَافَأْتَ الْمُطِيعَ عَلَى مَا أَنْتَ تَوَلَّيْتَهُ لاوْشَكَ أَنْ يَفْقِدَ ثَوَابَكَ ، وَأَنْ تَزُولَ عَنْهُ نِعْمَتُكَ ، وَلكِنَّكَ بِكَرَمِكَ جَازَيْتَهُ عَلَى الْمُدَّةِ الْقَصِيرَةِ الفَانِيَةِ بِالْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ الْخَالِدَةِ ، وَعَلَى الْغَايَةِ الْقَرِيبَةِ الزَّائِلَةِ بِالْغايَةِ الْمَدِيدَةِ الْبَاقِيَةِ ، ثُمَّ لَمْ تَسُمْهُ الْقِصَاصَ (7) فِيمَا أَكَلَ مِنْ رِزْقِكَ الَّذِي يَقْوَى بِهِ عَلَى طَاعَتِكَ ، وَلَـمْ تَحْمِلْهُ عَلَى الْمُنَاقَشَاتِ فِي الالاتِ الَّتِي تَسَبَّبَ بِاسْتِعْمَالِهَا إلَى مَغْفِـرَتِكَ ، وَلَـوْ فَعَلْتَ ذلِكَ بِهِ لَذَهَبَ بِجَمِيْعِ مَا كَدَحَ لَهُ ، وَجُمْلَةِ مَا سَعَى فِيهِ، جَزَاءً لِلصُّغْرى مِنْ أَيادِيْكَ وَمِنَنِكَ ، وَلَبقِيَ رَهيناً بَيْنَ يَدَيْكَ بِسَائِرِ نِعَمِكَ ، فَمَتَى كَانَ يَسْتَحِقُّ شَيْئاً مِنْ ثَوَابِكَ؟ لا! مَتَى (Cool هَذَا يا إلهِي حَالُ مَنْ أَطَاعَكَ ، وَسَبِيلُ مَنْ

    تَعَبَّدَ لَكَ ، فَأَمَّا الْعَاصِيْ أَمْرَكَ ، وَالْمُوَاقِـعُ نَهْيَكَ فَلَمْ تُعَاجِلْهُ بِنَقِمَتِكَ ، لِكَيْ يَسْتَبْدِلَ بِحَالِهِ فِي مَعْصِيَتِكَ حَالَ الاِنَابَـةِ إلَى طَـاعَتِـكَ ، وَلَقَـدْ كَـانَ يَسْتَحِقُّ فِي أَوَّلِ مَـا هَمَّ بِعِصْيَانِكَ كُلَّ مَا أَعْدَدْتَ لِجَمِيعِ خَلْقِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ ، فَجَمِيعُ مَا أَخَّرْتَ عَنْهُ مِنْ وَقْتِ الْعَذَابِ ، وَأَبْطَأتَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ سَطَوَاتِ النَّقِمَةِ وَالْعِقَابِ تَرْكٌ مِنْ حَقِّكَ ، وَرِضىً بِدُونِ وَاجِبِكَ ، فَمَنْ أكْرَمُ مِنْكَ يَا إلهِي مِنْكَ ، وَمَنْ أَشْقَى مِمَّنْ هَلَكَ عَلَيْـكَ؟ (9) لا! مَنْ؟ (10) فَتَبَارَكْتَ أَنْ تُوصَفَ إلاّ بِالإحْسَانِ ، وَكَـرُمْتَ أَنْ يُخَافَ مِنْكَ إلاّ الْعَدْلُ ، لا يُخْشَى جَوْرُكَ عَلَى مَنْ عَصَاكَ ، وَلاَ يُخَافُ إغْفَالُكَ ثَوَابَ مَنْ أَرْضَاكَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَهَبْ لِيْ أَمَلِي ، وَزِدْنِي مِنْ هُدَاكَ مَا أَصِلُ بِهِ إلَى التَّوْفِيقِ فِي عَمَلِي ، إنَّكَ مَنَّانٌ كَرِيمٌ.

    (1) عن تأدية الشكر
    وفي رواية «كف» : «في» مكان «عن».
    (2) قوله عليه السلام : من إحسانك ما يلزمه شكراً
    وهو أنواع : الشكر والتوفيق والتيسير له ، و «من» ابتدائيّة لتعيين المبدأ والمنشأ ، أي : من تلقاء إحسانك ، و «ما» عبارة عن تلك الغاية المبلوغ إليها من الشكر التي هي نعمة اُخرى موجبة لشكر آخر.
    هذا على ما في الأصل : أعني : يلزمه بضمّ المثنّاة من تحت وكسر الزاء من باب الإفعال ، وشكراً على هذا مفعول ثان له.
    وأمّا على رواية يلزمه بفتح الياء والزاء فـ«ما» عبارة عن حقّ لازم يلزم أداؤه من حمد وثناء وطاعة وعبادة. وشكراً إمّا تمييز ، وإمّا مفعول له ، فليفقه.
    (3) قوله عليه السلام : حتّى كان شكر عبادك
    حتّى في نسخة «ش» قدّس الله لطيفه مضروب عليها ومنسوبة إلى «خ».
    (4) قوله عليه السلام : أو لم تكن سببه بيدك
    المثنّاة من فوق فيما أسنده «ش» قدّس الله لطيفه إلى رواية «ع» للخطاب ، والجملة و

    هي «سببه بيدك» في موقع الخبر. أي : لم تكن على هذه الصفة ، أي : يكون (1) سبب ذلك الأمر ـ وهو شكر عبادك إيّاك ـ بيدك فجازيتهم.
    وأمّا على ياء الغيبة ـ كما في الأصل بالسواد ـ فاسم لم يكن والخبر بيدك.
    (5) قوله عليه السلام : وشاهدة بأنّك متفضّل
    بخطّ «كف» : شاهدة من دون واو ، والواو مكتوبة بالحمرة.
    (6) قوله عليه السلام : بما يقصّر عمله
    يقصّر بالتخفيف من باب طلب ، و «عمله» على الفاعليّة أصل الكتاب وبالتشديد رواية «ع» برواية «ش» قدّس الله لطيفه.
    وعلى هذا فاذا قرىء عمله بالرفع على أن يكون هو الفاعل كان «عنه» بمعنى فيه. وإذا قرىء منصوباً على المفعول ، كان معنى «تقصيره» جعله قاصراً عنه.
    فأمّا يقصّر بكسر الصاد والتخفيف ونصب عمله بالمفعوليّة على ما ربّما ينسب إلى «س» فليس على قانون اللغة ؛ إذ جميع تصاريف هذه الصيغة لازمها ومتعدّيها يبنى المضارع فيها على ضمّ العين أيّاً ما كان ماضيها ، فليتبصّر.
    (7) قوله عليه السلام : ثمّ لم تسمه القصاص
    بفتح تاء الخطاب للمضارعة وضمّ السين ، أي : لم تكلّفه القصاص وتلزمه إيّاه ، وقد فصّلنا القول في تفسيره في دعاء الأخلاق. والقصاص العوض المساوىء للشيء ، والمراد هنا مطلق العوض ، وأصله من القصّ بمعنى القطع.
    قال في المغرب : القصاص هو مقاصّة ولي المقتول القاتل والمجروح الجارح ، وهي
    __________________
    1. في «ن» : وهي كون.

    مساواته إيّاه في قتل أو جرح ، ثمّ عمّ في كلّ مساواة ، ومنه تقاصّوا : إذا قاصّ كلّ منهم صاحبه في الحساب ، فحبس عنه مثل ما كان له عليه.
    (Cool قوله عليه السلام : من ثوابك لا ، متى؟
    الوقف على كلّ من ثوابك ولا متى موؤوث السماع مأثور الرواية ، على المأخوذ عن المشيخة ، وهو مكتوب العلّامة بخطّ «كف».
    (9) قوله عليه السلام : ومن أشقى ممّن هلك عليك
    «عليك» في موقع الحال و «على» ظرفيّة ، أو يعبّر في «هلك» تضمين ما يوصل بـ«على». ومعنى العبارة ومغزاها : ومن أشقى ممّن هلك على بابك وهو دخيل عليك لائذ بحرمك وحماك ، وملتجىء إلى طوارك وفنائك.
    أو ممّن هلك عند وفوده ووروده عليك بعد الموت الذي حقيقته رفض إقليم الغرور ونضو جلباب الباطل.
    أو «على» بمعنى «مع» كما في قوله علا من قائل (وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَىٰ عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (1) وقوله عزّ قائلاً (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّـهُ عَلَىٰ عِلْمٍ) (2) أي : ومن أشقى ممّن هلك معك ومع أنت عليه من العناية البالغة ، والرأفة السابغة ، والفضل العظيم ، والرحمة الواسعة.
    ومن هذا السبيل وعلى هذه السياقة ما في كلام أمير المؤمنين عليه السّلام : إيّاك وأن ترى جنّة عرضها السماوات والأرض ، وليس لك منها موضع قدم.
    ويحتمل أن يكون «على» بمعنى «في» أي : ومن أشقى ممّن هلك في معرفتك ، وظنّ أنّه قد يخيب منك آمل ، ويرد عن بابك سائل ، وأنّ في عظائم السّيئات والجهالات ما لا يسعه
    __________________
    1. سورة الدخان : 32.
    2. سورة الجاثية : 23.

    عفوك وغفرانك وحلمك وصفحك ، وفي الطلبات الجسيمة والمبتغيات العظيمة ما يقصر عنه جدتك وهبتك وجودك وكرمك.
    ومن المحتمل أيضاً أن يكون «عليك» بمعنى «منك» كما في التنزيل الكريم (إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) (1) أي : من الناس ، فيكون «هلك» في معنى خاب ، أي : ممّن خاب منك وردّ عن بابك خائباً.
    (10) قوله عليه السلام : لا! من؟
    الوقف على «عليك» و «لا» و «من» على قياس ما قد سبق ، وهذا يسمّى في علم البديع «صنعة الإكتفاء» أي لا يكون أحد أشقى ممّن هلك عليك ومن الذي يكون أشقى منه ، وقيل : معناه لا يهلك أحد عليك ومن الذي يهلك عليك. وليس بشيء ؛ إذ ليس فيه تأكيد ، وهو المقصود هنا.
    وصنعة الإكتفاء في التنزيل الكريم متكرّر الوقوع جدّاً ، ومنه في قوله عزّ من قائل : (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) (2) وفي قوله سبحانه : (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ) (3) من حذف جواب «لو» ومن ذلك قولهم ليس لا بعد له ، وقولهم وهذا دليل على أنّه.
    __________________
    1. سورة المطفّفين : 2.
    2. سورة التكاثر : 5.
    3. سورة التوبة : 59.

    38
    وكان من دعائه عليه السلام في الاعتذار من تبعات العباد
    ومن التقصير في حقوقهم وَفي فكاك رقبته من النار
    أَللَّهُمَّ إنِّي أَعْتَـذِرُ إلَيْـكَ مِنْ مَـظْلُوم ظُلِمَ بِحَضْرَتِي فَلَمْ أَنْصُرْهُ ، وَمِنْ مَعْرُوف أُسْدِيَ إلَيَّ (1) فَلَمْ أَشْكُرْهُ ، وَمِنْ مُسِيء أعْتَذَرَ إلَيَّ فَلَمْ أَعْذِرْهُ ، وَمِنْ ذِيْ فَاقَة سَأَلَنِي فَلَمْ اُوثِرْهُ ، وَمِنْ حَقِّ ذي حَقٍّ لَزِمَنِي (2) لِمُؤْمِن فَلَمْ أوَفِّـرْهُ ، (3) وَمِنْ عَيْبِ مُؤْمِن ظَهَر لِي فَلَمْ أَسْتُرْهُ ، وَمِنْ كُلِّ إثْم عَرَضَ لِيْ فَلَمْ أَهْجُرْهُ ، أَعْتَذِرُ إلَيْكَ يَا إلهِي مِنْهُنَّ وَمِنْ نَظَائِرِهِنَّ اعْتِذَارَ نَدَامَة يَكُونُ وَاعِظاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ أَشْبَاهِهِنَّ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاجْعَلْ نَدَامَتِي عَلَى مَا وَقَعْتُ فِيهِ مِنَ الـزَّلاّتِ ، وَعَزْمِي عَلَى تَـرْكِ مَا يَعْـرِضُ لِيْ مِنَ السَّيِّئـاتِ ، تَوبَةً تُوجِبُ لِيْ مَحَبَّتَـكَ يا مُحِبَّ التَّوَّابِيْنَ.

    (1) قوله عليه السلام : ومن معروف اُسدي إليّ
    وفي «خ» و «ش» أزلّ. وفي خ «كف زلل ، أزلّ بضمّ الهمزة وكسر الزاء وتشديد اللام على صيغة المجهول من باب الإفعال بمعنى أسدي.
    وفي الحديث «من أزلّت إليه نعمة فليسشكرها» (1) أي : اُسديت إليه واُعطيها يقال : أزلّ فلان إليّ نعمة أو معروفاً ، أي : أسداها إليّ ، وأزلّ إليّ شيئاً من حقّي ، أي : أعطاني إيّاه. ومنه الزلّة بالفتح وهي ما يؤخذ من مائدة ويحمل إلى صديق.
    قال صاحب القاموس : عراقيّة أو عاميّة. (2) والحقّ أنها حجازيّة وعربيّة صراح ، وأصل ذلك من الزليل.
    قال ابن الأثير : هو انتقام الجسم من مكان إلى مكان ، فاستعير لانتقال النعمة من المنعم إلى المنعم عليه ، يقال : زلّت منه إلى فلان نعمة وأزلّها إليه. (3)
    (2) قوله عليه السلام : ومن حقّ ذي حقّ لزمني
    الحقّ يطلق على ما هو الثابت في نفسه المتحقّق في حقيقته بحسب نفس الأمر ، وعلى ما يستحقّه ذو حقّ من الحقوق الشرعيّة ، أو العقليّة الثابتة لذويها شرعاً أو عقلاً ، فأضافه عليه السلام إلى ذي حقّ لينماز وينفصل المعنى الأخير الذي هو المروم هاهنا عن المعنى الأوّل.
    قوله عليه السلام هذا معناه ، ومن حقّ من حقوق الناس لزمني لمؤمن ، وعلى هذا فلا يلزمنا أن
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 2 / 310.
    2. القاموس : 3 / 389.
    3. نهاية ابن الأثير : 2 / 310.

    نتجشّم فنجعل لمؤمن بدلاً عن ذي حقّ أو بياناً له.
    وفي رواية «كف» لزمني فلم اُوفره بدون لمؤمن.
    (3) قوله عليه السلام : فلم اُوفّره
    العائد للحقّ ، والمقام مقام الظرف السادّ مسدّ ثاني مفعولي الفعل المحذوف بل المنوي. (1) والمعنى : من حقّ ذي حقّ لزمني لمؤمن فلم اُوفّره عليه. أي : ما وفيته حقّه وما أعطيته إيّاه.
    قال المطرّزي في المغرب : وفّرت على فلان حقّه فاستوفره نحو وفيته فاستوفاه.
    وكذلك الزمخشري قال في أساس البلاغة : وفّرت عليه حقّه فاستوفره نحو وفيته إيّاه فاستوفاه. (2)
    ومن لاحظ ذلك لم يلتبس عليه ما رامه الجوهري ، حيث قال في الصحاح : وفّر عليه حقّه توفيراً واستوفره أي : استوفاه. (3)
    فإنّه يعني وفّر على ذي الحقّ حقّه توفيراً ، أي : وفّاه حقّه وأعطاه إيّاه. واستوفره صاحب الحقّ أي : استوفاه منه ، فلا غبار على كلامه أصلاً.
    والفيروزآبادي صاحب القاموس لم يتفطّن لمغزاه ، فسار مسير الغالطين ، وبنى على أود غلطه وسوء فهمه ، فقال : استوفر عليه حقّه استوفاه كوفّر. (4)
    فليتبصّر وليثبّت ، فإنّ من لم يؤث قسطاً من الفحص والتحصيل من المقلّدة القاصرين يتبع ظاهر القول ولا يكتنه حقيقة الأمر ، فيتوهّم أنّ قوله عليه السلام «فلم اُوفّره» غير متلئّب على كلام أئمّة اللغة ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
    __________________
    1. في «س» : منوى.
    2. أساس البلاغة : ص 683.
    3. الصحاح : 2 / 847.
    4. القاموس : 2 / 155.

    39
    وكان من دعائه عليه السلام في طلب العفو وَالرحمة
    أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاكْسِرْ شَهْوَتِي عَنْ كُـلِّ مَحْرَم ، (1) وَازْوِ حِـرْصِي عَنْ كُلِّ مَأثَم ، وَامْنَعْنِي عَنْ أَذَى كُـلِّ مُؤْمِن وَمُؤْمِنَـة ، وَمُسْلِم وَمُسْلِمَة. أللَّهُمَّ وَأَيُّمَا عَبْد نالَ مِنِّي مَا حَظَرْتَ عَلَيْهِ وَانْتَهَكَ مِنِّي مَا حَجَرْتَ عَلَيْهِ فَمَضَى بِظُلاَمَتِي مَيِّتاً ، (2) أَوْ حَصَلْتَ لِيْ قِبَلَهُ حَيّاً فَاغْفِرْ لَهُ مَا أَلَمَّ بِهِ مِنِّي ، وَاعْفُ لَهُ عَمَّا أَدْبَرَ بِهِ عَنِّي ، وَلاَ تَقِفْـهُ عَلَى مَا ارْتَكَبَ فِيَّ ، وَلاَ تَكْشِفْهُ عَمَّا اكْتَسَبَ بِيْ ، وَاجْعَلْ مَا سَمَحْتُ بِهِ مِنَ الْعَفْـوِ عَنْهُمْ ، وَتَبَرَّعْتُ بِـهِ مِنَ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ أَزْكَى صَدَقَاتِ الْمُتَصَدِّقِينَ ، وَأَعْلَى صِلاَتِ الْمُتَقَرِّبِينَ ، وَعَوِّضْنِي مِنْ عَفْوِي عَنْهُمْ عَفْوَكَ ، وَمِنْ دُعَائِي لَهُمْ رَحْمَتَكَ ، حَتَّى يَسْعَدَ كُلُّ وَاحِد مِنَّا بِفَضْلِكَ ، وَيَنْجُوَ كُلٌّ مِنَّا بِمَنِّكَ. أللَّهُمَّ وَأَيُّما عَبْد مِنْ عَبِيْدِكَ أَدْرَكَهُ مِنِّي دَرَكٌ أَوْ مَسَّهُ مِنْ نَاحِيَتِي أَذَىً ، أَوْ لَحِقَـهُ بِي أَوْ بِسَبَبي ظُلْمٌ فَفُتُّهُ بِحَقِّـهِ ، أَوْسَبَقْتُهُ بِمَظْلَمَتِهِ ، (3) فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَرْضِهِ عَنِّي مِنْ

    وُجْدِكَ ، وَأَوْفِهِ حَقَّهُ مِنْ عِنْدِكَ ، ثُمَّ قِنيْ مَا يُوجِبُ لَهُ حُكْمُكَ ، وَخَلِّصْنِي مِمَّا يَحْكُمُ بِهِ عَدْلُكَ ، فَإنَّ قُوَّتِي لا تَسْتَقِلُّ بِنَقِمَتِكَ ، (4) وَإنَّ طَاقتِي لا تَنْهَضُ بِسُخْطِكَ ، فَإنَّكَ إنْ تُكَـافِنِي بِالْحَقِّ تُهْلِكْنِي ، وَإلاّ تَغَمَّـدْنِي بِرَحْمَتِكَ تُوبِقْنِي. أللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَوْهِبُكَ يَا إلهِي مَا لا يَنْقُصُكَ بَذْلُهُ وَأَسْتَحْمِلُكَ مَا لا يَبْهَظُكَ حَمْلُهُ ، أَسْتَوْهِبُكَ يَا إلهِي نَفْسِيَ الَّتِيْ لَمْ تَخْلُقْهَا لِتَمْتَنِعَ بِهَا مِنْ سُوء ، أَوْ لِتَطَرَّقَ (5) بِهَا إلى نَفْعٍ ، وَلكِنْ أَنْشَأتَهَا إثْبَاتاً لِقُدْرَتِكَ عَلَى مِثْلِهَا ، وَاحْتِجَاجاً بِهَا عَلَى شَكْلِهَا ، وَأَسْتَحْمِلُكَ مِنْ ذُنُوبِي مَا قَدْ بَهَظَنِي حَمْلُهُ ، وَأَسْتَعِينُ بِكَ عَلَى مَا قَدْ فَدَحَنِي ثِقْلُهُ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَهَبْ لِنَفْسِي عَلَى ظُلْمِهَا نَفْسِيْ ، وَوَكِّلْ رَحْمَتَكَ بِاحْتِمَالِ إصْرِي ، فَكَمْ قَدْ لَحِقَتْ رَحْمَتُكَ بِالْمُسِيئِينَ ، وَكَمْ قَدْ شَمِلَ عَفْوُكَ الظَّالِمِينَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاجْعَلْنِي أُسْوَةَ مَنْ قَدْ أَنْهَضْتَهُ بِتَجَاوُزِكَ عَنْ مَصَارِعِ الْخَاطِئِينَ ، وَخَلَّصْتَهُ بِتَوْفِيقِكَ مِنْ وَرَطَاتِ الْمُجْرِمِينَ ، فَأَصْبَحَ طَلِيقَ عَفْوِكَ مِنْ إسَارِ سُخْطِكَ ، وَعَتِيقَ صُنْعِكَ مِنْ وَثَاقِ عَدْلِكَ ، إنَّكَ إنْ تَفْعَلْ ذَلِكَ يَا إلهِي تَفْعَلْهُ بِمَنْ لاَ يَجْحَدُ اسْتِحْقَاقَ عُقُوبَتِكَ ، وَلاَ يُبَرِّئُ نَفْسَهُ مِنِ اسْتِيجَابِ نَقِمَتِكَ ، تَفْعَلُ ذلِكَ يَا إلهِي بِمَنْ خَوْفُهُ مِنْكَ أَكْثَرُ مِنْ طَمَعِهِ فِيكَ ، (6) وَبِمَنْ يَأْسُهُ مِنَ النَّجَاةِ أَوْكَدُ مِنْ رَجَائِهِ

    لِلْخَلاَصِ ، لاَ أَنْ يَكُونَ يَأْسُهُ قُنُوطَاً ، أَوْ أَنْ يَكُونَ طَمَعُهُ اغْتِرَاراً ، بَلْ لِقِلَّةِ حَسَنَاتِهِ بَيْنَ سَيِّئاتِهِ ، وَضَعْفِ حُجَجِهِ فِي جَمِيعِ تَبِعَاتِهِ ، فَأَمَّا أَنْتَ يَا إلهِي فَأَهْلٌ أَنْ لاَ يَغْتَرَّ بِكَ الصِّدِّيقُونَ ، وَلاَ يَيْأَسَ مِنْكَ الْمُجْرِمُونَ ، لِاَنَّكَ ألرَّبُّ الْعَظِيمُ الَّذِيْ لاَ يَمْنَعُ أَحَداً فَضْلَهُ ، وَلاَ يَسْتَقْصِي مِنْ أَحَد حَقَّـهُ ، تَعَالى ذِكْرُكَ عَنِ الْمَذْكُورِينَ ، وَتَقَدَّست أَسْمَاؤُكَ عَنِ الْمَنْسُوبِينَ ، وَفَشَتْ نِعْمَتُكَ فِيْ جَمِيْعِ الْمَخْلُوقِينَ ، فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

    (1) قوله عليه السلام : عن كلّ محرم
    وهو بفتح الميم والراء على هيئة اسم المكان بمعنى الحرام وجمعه المحارم ، أو بضمّ الميم وفتح الراء المشدّدة على اسم المفعول من التحريم.
    قال في المغرب : المحرّم الحرام والحرمة أيضاً ، وحقيقته موضع الحرمة ، ومنه هي محرّم وهو لها محرّم وفلان محرّم من فلانة ، وذو رحم محرّم بالجرّ صفة للرحم وبالرفع لذو. (1)
    (2) قوله عليه السلام : فمضى بظلامتي ميتاً
    ظلامتي بالضمّ ، أي : حقّي الذي أخذ منّي ظلماً ، وكذلك المظلمة بكسر اللام اسم للحقّ المأخوذ من المظلوم ظلماً. قاله في المغرب.
    وفي مجمل اللغة : الظلامة ـ بالضمّ ـ مظلمتك بالكسر التي تطلبها عند الظالم. (2)
    (3) قوله عليه السلام : ففتّه بحقّه أو سبقته بمظلمته
    فتّه بضمّ التاء المشدّدة على صيغة المتكلّم ، من فاته كذا يفوته فوتاً وفواتاً أي : ذهب عنه ، وأفاته غيره إيّاه أفاتته أذهبه عنه ، وكذلك فوّته عنه أو عليه تفويتاً.
    فالباء في «بحقّه» إمّا للتعدية أي : أفتّه أذهبته عنه ، أو للملابسة أي : ذهبت عنه متلبّساً بحقّه ، أو بمعنى «مع» أي : مع حقّه.
    __________________
    1. المغرب : 1 / 119.
    2. مجمل اللغة : 2 / 602.

    قال في أساس البلاغة : فاتني بكذا سبقني به وذهب به عنّي. (1)
    وكذلك في سبقته بمظلمته بكسر اللام أي : بظلامته بضمّ الظاء. وأراد عليه السلام بمظلمته العين المأخوذة ، و «بحقّه» ما في الذمّة من حقوق الناس مطلقاً ، أو يكون مظلمته هي حقّه [أي :] المأخوذ منه ظلماً.
    و «أو» العناديّة باعتبار أنّ المراد بقوله «فتّه بحقّه» تفويت حقّه عليه وأن لم أكن أنا الآخذ إيّاه منه ، وسبقته بمظلمته ، أي : بظلامته التي له عندي وأنا أخذتها منه ظلماً ، فليعلم.
    (4) قوله عليه السلام : فإنّ قوّتي لا تستقلّ بنقمتك
    من الإستقلال بمعنى الإقلال ، أي : الحمل. يعني قوّتي التي لا تحمل نقمتك ولا تستطيع حملها. فالباء زائدة.
    (5) قوله عليه السلام : أو لتطرّق
    في الأصل بتخفيف الطاء المفتوحة وفتح الراء المشدّدة على التفعّل بإسقاط إحدى التائين.
    وفي رواية «ش» قدّس الله لطيفه بفتح الطاء وتخفيف الراء المكسورة على الإفتعال.
    (6) قوله عليه السلام : بمن خوفه منك أكثر من طمعه فيك
    أي : نظراً إلى تبعات زلله وسيّئات عمله ، وإن كان طمعه فيك أكثر من خوفه منك ، نظراً إلى جدة عفوك وسعة رحمتك.
    __________________
    1. أساس البلاغة : 483.

    40
    وكان من دعائه عليه السلام
    إذا نعى إليه ميّت (1) أو ذكر الموت (2)
    أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاكْفِنَا طُـولَ الأمَـلِ وَقَصِّرْهُ عَنَّا (3) بِصِدْقِ الْعَمَلِ ، حَتَّى لا نُأَمِّلَ اسْتِتْمَامَ سَاعَةٍ بَعْدَ سَاعَةٍ ، وَلاَ اسْتِيفَاءَ يَوْمٍ بَعْدَ يَوْمٍ ، وَلاَ اتِّصَالَ نَفَسٍ بِنَفَسٍ ، وَلا لُحُـوقَ قَدَمٍ بِقَـدَمٍ ، (4) وَسَلِّمْنَا مِنْ غُرُورِهِ ، وَآمِنَّا مِنْ شُـرُوْرِهِ ، وَانْصِبِ المَوْتَ بَيْنَ أَيْدِينَا نَصْباً ، وَلاَ تَجْعَلْ ذِكْرَنَا لَهُ غِبّاً ، وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ صَالِحِ الأعْمَـالِ عَمَلاً نَسْتَبْطِئُ مَعَهُ الْمَصِيرَ إلَيْكَ ، وَنحْـرِصُ لَهُ عَلَى وَشْكِ اللِّحَاقِ بِكَ ، (5) حَتَّى يَكُونَ الْمَوْتُ مَأنَسَنَا الَّذِي نَأنَسُ بِهِ ، (6) وَمَألَفَنَا الَّذِي نَشْتَاقُ إلَيْهِ ، وَحَامَّتَنَا الَّتِي نُحِبُّ الدُّنُوَّ مِنْهَا ، (7) فَإذَا أَوْرَدْتَهُ عَلَيْنَا وَأَنْزَلْتَهُ بِنَا فَأسْعِدْنَا بِهِ زَائِراً ، وَآنِسْنَا بِهِ قَادِماً ، وَلاَ تُشْقِنَا بِضِيافَتِهِ ، وَلا تُخْزِنَا بِزِيارَتِهِ ، وَاجْعَلْهُ بَاباً مِنْ أَبْوَابِ مَغْفِرَتِكَ ، وَمِفْتَاحاً مِنْ مَفَاتِيحِ رَحْمَتِكَ ، أَمِتْنَا مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ ،

    طائِعِينَ غَيْرَ مُسْتَكْرِهِينَ ، تَائِبينَ غَيْرَ عاصِينَ ، وَلا مُصِرِّينَ ، يَا ضَامِنَ جَزَاءِ الْمُحْسِنِينَ ، وَمُسْتَصْلِحَ عَمَلِ الْمُفْسِدِينَ.

    (1) قوله عليه السلام : ميّت
    الميت بالإسكان مخفّف الميّت بالتشديد ، وقد جمعها الشاعر في بيت واحد :
    ليس من مات فاستراح بميت
    إنّما الميت ميّت الأحياء

    الأوّلتان على التخفيف والثالثة على التشديد ، والأصل ميوت على فيعل من الموت ، كما صيت صيوت من الصوت ، وصيب صيوب من الصوب ، وحيز حيوز من الحوز ، وقيم من القوم والقيام إلى غير ذلك من النظائر ، نقلت كسرة الواو إلى الياء الساكنة فقلبت ياءاً ، ثمّ اُدغمت الياء في الياء ، فقيل ميّت بالتشديد ، ثمّ خفّفت الياء المشدّدة فقيل ميت بالتخفيف ، قاله الجوهري (1) وغيره من علماء الأدب.
    وإذ قد استبان أنّه فيعل لا فعل قد استوى فيه التذكير والتأنيت ، فصحّ أن يجعل صفة للمؤنّث ، كما يجعل صفة للمذكّر ، من ثمّ قال عزّ من قائل في التنزيل الكريم الحكيم : (فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا) (2).
    والفاضل البيضاوي ذهل عن ذلك في تفسيره تذكيره ؛ لأنّ البلدة البلد والمكان. ثمّ يرد عليه أيضاً أنّ المراد من البلد هاهنا البلدة بمعنى الأرض واحدة الأراضي لا البلد واحد البلدان ، نصّ عليه الأدبيّون عن آخرهم الجوهري (3) وغيره.
    وقوله «إذا نعي إليه ميّت» على ما لم يسمّ فاعله ، يعني : إذا نعي ميت عنده ورفع إليه خبر موته.
    __________________
    1. الصحاح : 1 / 267.
    2. سورة الزخرف : 11.
    3. الصحاح : 1 / 446.

    قال في المغرب : نعي الناعي الميت نعياً أخبر بموته وهو منعيّ ، ومنه الحديث : «إذا لبست اُمّتي السواد فانعوا الإسم» وإنّما قال ذلك تعريضاً بملك بني العبّاس ، وفي تصحيفه إلى فانعوا حكاية مستطرفة تركتها لشهرتها. انتهى قوله.
    وقال صاحب الكشّاف في الفائق : وقد ذكر حديث النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : يا نعايا العرب إنّ أخوف ما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفيّة. وروي يا نعيان العرب ، وقال الأصمعي : إنّما هو يا نعاء العرب. في نعايا ثلاثة أوجه :
    أحدها : أن يكون جمع نعي ، وهو المصدر ، يقال : نعي الميت نعياً نحو صأى الفرخ صأياً ، ونظيره في جمع فعيل من غير المؤنّث على فعائل ما ذكره سيبويه من قولهم في جمع أفيل ولفيف أفائل ولفائف.
    والثاني : أن يكون اسم جمع ، كما جاء أخايا في جمع أخيّة ، وأحاديث في جمع حديث.
    والثالث : أن يكون جمع نعاء التي هي اسم الفعل ، وهو فعال مؤنّث ، وأخواتها وهنّ فجار وقطام وفساق مؤنّثات ، كما جمع شمال على شمائل.
    والمعنى يا نعايا العرب جئن فهذا وفتكنّ وزمانكنّ ، يريد أنّ العرب قد هلكت. والنعيان مصدر بمعنى النعي ، وأمّا نعاء العرب فمعناه أنع العرب والمنادى محذوف.
    الشهوة الخفيّة قيل : هي كلّ شيء من المعاصي يضمره صاحبه ويصرّ عليه. وقيل : أن يرى جارية حسناء فيغضّ طرفه ، ثمّ ينظر بقلبه ويمثّلها لنفسه فيفتنها. انتهى كلامه. (1)
    قلت : وعلى رواية نعيان بالضمّ يصحّ أيضاً أن يكون جمع ناع مثل راع ورعيان وباغ وبغيان ، كما قاله في أساس البلاغة ، (2) وذكره ابن الأثير في النهاية. (3)
    (2) أو ذكر الموت
    أي : زوال الحياة الكاذبة الجسدانيّة ، والخروج عن ديار الطبيعة الفاسقة الجسمانيّة.
    __________________
    1. الفائق : 3 / 109.
    2. أساس البلاغة : ص 644.
    3. نهاية ابن الأثير : 5 / 85.

    قال الراغب في المفردات ، أنواع الموت بحسب أنواع الحياة.
    الأوّل : ما هو بإزاء القوّة النامية الموجودة في الإنسان والحيوانات والنباتات ، نحو قوله تعالى (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) (1) وقوله تعالى (وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا). (2)
    الثاني : زوال القوّة الحسّاسة ، (3) قال عزّ وجلّ (يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا) (4) و (وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا). (5)
    الثالث : زوال القول العاقلة وهي الجهالة ، نحو (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ) (6) وإيّاه قصد بقوله تعالى : (فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ). (7)
    الرابع : الحزن المكدّر للحياة ، وإيّاه قصد بقوله تعالى : (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ). (Cool
    الخامس : المنام ، فقد قيل : النوم موت خفيف والموت نوم ثقيل ، وعلى هذا النحو سمّاها الله تعالى توفّياً ، فقال تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ) (9) وقوله (اللَّـهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا) (10) وقوله تعالى : (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ) (11).
    فقد قيل نفي الموت عنهم هو عن أرواحهم ، فإنّه نبّه عن تنعّمهم. وقيل نفى عنهم الحزن المذكور في قوله تعالى (يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ) (12). وقوله تعالى
    __________________
    1. سورة الحديد : 17.
    2. سورة ق : 11.
    3. في المصدر : الحاسّة.
    4. سورة مريم : 23.
    5. سورة مريم : 50.
    6. سورة الأنعام : 122.
    7. سورة الروم : 50.
    8. سورة إبراهيم : 17.
    9. سورة الأنعام : 60.
    10. سورة الزمر : 42.
    11. سورة آل عمران : 169.
    12. سورة إبراهيم : 17.

    (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) (1) فعبارة عن زوال القوّة الحيوانيّة وإبانة الروح عن الجسد.
    وقوله تعالى : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ) (2) فقد قيل معناه ستموت تنبيهاً أنّه لا بدّ لكلّ أحد من الموت ، كما قيل :
    * والموت حتم في رقاب العباد *
    وقيل : بل الميت هاهنا ليس بإشارة إلى إبانة الروح عن الجسد ، بل هو إشارة إلى ما يعتري الإنسان في كلّ حال من التحلّل والنقص ، فإنّ البشر ما دام في الدنيا يموت جزءاً فجزءاً.
    وقد عبّر قوم عن هذا المعنى بالمائت ، وفصّلوا بين الميت والمائت ، فقالوا : المائت هو المتحلّل.
    قال القاضي عبد العزيز : (3) ليس في لغتنا مائت على حسب ما قالوه ، وإنّما يقال : موت مائت كقولنا شعر شاعر وسيل سائل ، والميت مخفّف عن الميّت يقال : بلد ميت وميّت ، قال تعالى : (فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ) (4) وقال تعالى (بَلْدَةً مَّيْتًا) (5) والميتة من الحيوان ما زال روحه بغير تذكية ، قال (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) (6) وقال تعالى (إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً) (7). والموتان بالتحريك بإزاء الحيوان ، وهو الأرض التي لم تحيي لزرع وأرض موات. ووقع في الإبل موتان كثير بالضمّ. والمستميت المتعرّض للموت. والموتة شبه الجنون ، كأنّه من موت العلم والعقل ، ومنه رجل موتان القلب وامرأة موتانة. انتهى كلام المفردات. (Cool
    قلت : بل الحقّ أنّ المائت في لغة العرب مسموع موضوع لمعنى ، وأنّ معناه القابل للموت
    __________________
    1. سورة الأنبياء 35.
    2. سورة الزمر : 30.
    3. وفي المصدر : القاضي علي بن عبد العزيز.
    4. سورة فاطر : 9.
    5. سورة الفرقان : 49.
    6. سورة المائة : 3.
    7. سورة الأنعام : 145.
    8. مفردات الراغب : ص 476 ـ 477.

    ما لم يمت ، فإذا مات فلا يقال له : مائت بل إنّما يقال له ميّت. وقد نقل عن قدماء حكماء الإسلام في تحديد حقيقة الإنسان أنّه هو الحيّ الناطق المائت ، وأنّ الموت متمّم حقيقة الإنسان.
    قال الجوهري في الصحاح : قال الغرّاء لمن لم يمت أنّه مائت عن قليل وميت ، ولا يقولون لمن مات هذا مائت. (1)
    وفي أساس البلاغة : فلان مائت من الغمّ ويموت من الحسد. (2)
    نعم يقال : أيضاً موت مائت أي : شديد ، كما يقال : ليل لائل. وسيف سائف ، فليعلم.
    (3) قوله عليه السلام : واكفنا طول الأمد وقصّره عنّا
    إن قلت : قد تكرّر جدّاً في الكتاب الكريم ، وفي السنّة الشريفة ، وفي أحاديث آل بيت الوحي والعصمة حثّ المؤمن على استكراه الحياة الدنيا والإعراض عنها ، والإشتياق إلى الموت وتمنّيه ، واستحقار دار النضرة البائدة ، واستعظام دار البهجة الخالدة. وقد ورد أيضاً في أحاديثهم (صلوات الله عليهم) النهي عن طلب قطع الحياة يوشك الممات ، وفي أدعيتهم المأثورة تأميل العمر وتأخير الأجل ، فما وجه التوفيق بين ذا وذا؟
    قلت : وجه التوفيق وسبيل التحقيق أنّ لهذه الحياة الدنيا إعتبارين :
    إعتباراً لها بما هي هي ، وبما أنّها تقلب في أرض الطبيعة الفاسقة المظلم ليلتها ، وإقامة في قرية الهيولى السافلة الظالم أهلها ، فهي بهذا الإعتبار هي المحثوث على مقتها ، وعلى انصراف القلب عن الركون إليها ، وإلى نضرتها الذاهبة ولذّاتها الكاذبة وتعتها اللازبة ، والمحقوقة بتوقان النفس إلى رفضها والإشتياق إلى الموت الذي هو سبيل أرض الحياة القارّة الحقيقيّة وطريق دار البهجة الحقّة الإلهيّة.
    __________________
    1. الصحاح : 1 / 267.
    2. أساس البلاغة : ص 607. وفيه : مات من الغمّ ...

    واعتباراً بحسب ما أنّها مزرع المزاد للنفس في سبيل الإستكمال ومتجر الإسترباح للعقل في طريق الكمال ، منها يتزوّد أولياء الله ، وفيها يتأهّب حزب الحقّ للقاء الله. وهي بهذا الإعتبار ولهذا الإمتياز لحاة دار القرار يستحبّ استبقاؤها ويطلب طول البقاء فيها ، وإليه الإشارة في حديث أمير المؤمنين عليه السلام : بقيّة عمر المؤمن لا ثمن لها يدرك بها ما فات ويحيي بها ما مات.
    وفي الحديث عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنّه عاد جابر (رضي الله تعالى عنه) في مرضه ، فسأله عن حاله؟ فقال : حالي أنّ الموت أحبّ إليّ من الحياة ، والمرض من الصحّة ، والفقر من الغنى.
    فقال عليه السلام : ولكن حالنا أهل البيت على خلاف ذلك.
    قال : وكيف ذاك؟ فقال عليه السلام : إن أراد الله لنا الموت كان أحبّ إلينا ، وإن أراد لنا الحياة كان أحبّ إلينا ، وإن أراد لنا المرض كان أحبّ إلينا ، وإن أراد لنا الغنى كان أحبّ إلينا.
    فقبّل جابر رأسه أو يده ، وقال : صدق رسول الله صلى الله عليه وآله إنّك باقر تبقر العلم بقراً.
    (4) قوله عليه السلام : حتّى لا نؤمّل استتمام ساعة ،
    إلى قوله : ولا لحوق قدم بقدم.
    إن قلت : أليس سبيل البلاغة التدرّج من الأضعف في إفادة المعنى المروم إلى الأقوى في ذلك؟ فكان الأحقّ أن يقال : حتّى لا نؤمّل استيفاء يوم بعد يوم ، ولا استتمام ساعة بعد ساعة ، ولا لحوق قدم بقدم ، ولا اتّصال نفس بنفس.
    قلت : وفيه وجهان :
    الأوّل : أن مغزى الكلام قطع طول الأمل في اليقضة وعند النوم ، وفي حالة القعود وفي حالة المشي. وبالجملة في الحالات كلّها على الإستيعاب ، فلا نؤمّل في اليقظة استتمام ساعة

    بعد ساعة ، ولا عند النوم استيفاء يوم مّا بعد النوم بعد يوم مّا قبل النوم (1) ، ولا حالة القعود اتّصال نفس بنفس ، ولا حالة ال مشي لحوق قدم بقدم.
    الثاني : أن يكون المقصود مطابقة نظم الكلام لحال الواقع ، كما ربّما يقال في قوله سبحانه وتعالى : (لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ) (2) أنّ السنة لمّا كانت قبل النوم جعلت في البيان أيضاً قبلاً ، فحيث أنّ استتمام الساعة قبل استيفاء اليوم ، وتتالي الأنفاس قبل تتابع الأقدام في الواقع ، روعي تطابق الترتيب الذكري والترتيب الوجودي ، فليعلم.
    (5) قوله عليه السلام : ونحرص على وشك اللحاق بك
    أي : لكونه السبب الباعث على وشك اللحاق بك ، بفتح الواو وضمّها وإسكان المعجمة ، يقال : عجبت من وشك هذا الأمر بالفتح ، ومن وشكه أيضاً بالضمّ ، ومن وشكاته بالفتح ، ومن وشكاته أيضاً بالضمّ. أي : من سرعته ، وخرج وشيكاً أي : سريعاً ، وواشك فلان يواشك وشاكاً فهو مواشك ، وكذلك أوشك يوشك فهو موشك. أي : استعجل وسارع وأسرع ، فهو مستعجل مسرع مسارع.
    و «اللحاق» بالفتح مصدر لحقته ألحقه لحاقاً ، أي : أدركته. وكذلك ألحقته ألحقه إلحاقاً ، ومنه في حديث الدعاء : «ونخشى عذابك بالكفّار ملحق» على أحد الأقوال.
    قال في المغرب : ألحق بمعنى لحق ، ومنه إنّ عذابك بالكفّار ملحق.
    أي : لاحق عن الكساء. وقيل المراد ملحق بالكفّار غيرهم ، وهذا أوجه للاستئناف الذي معناه التعليل.
    وفي النهاية الأثيريّة : انّ عذابك بالكفّار ملحق. الرواية بكسر الحاء ، أي : من نزل به عذابك ألحقه بالكفّار. وقيل هو بمعنى لا حق في لحق ، يقال : لحقته وألحقه بمعنى تبعته و
    __________________
    1. في «ط» : يوم بعد اليوم بعد يوم قبل اليوم.
    2. سورة البقرة : 286.

    أتبعته. ويروى بفتح الحاء على المفعول ، أي : انّ عذابك ملحق بالكفّار ويصابون به. انتهى كلام النهاية. (1)
    (6) قوله عليه السلام : حتّى يكون الموت مأنسنا الذي نأنس به
    وذلك لأنّ الموت حقيقته الإنتقال عن مضيق الزمان إلى عالم الدهر ، والإنصراف عن دار الغربة العارضة إلى الوطن الطبيعي المألوف ، والمهاجرة من ديار الوحشة والسفالة إلى دار البهجة والكرامة. فيا أيّها المفتون بالحياة الكاذبة الجسدانيّة عن الحياة الحقيقيّة العقلانيّة ، لا تخافنّ من الموت ، فإنّ مرارته في خوفه ، ولا تستحلينّ علاقة البدن ، فإنّ حلاوته في رفضه.
    (7) قوله عليه السلام : وحامّتنا التي نحبّ الدنوّ منها
    بالتشديد ، أي : خاصّتنا وخيرتنا التي نستحقّها بالإختيار ، أو من الحامّة بمعنى خاصّة أخلّاء المرء وروقة أحبّائه وأقربائه. وإطلاق ذلك على الموت لأنّه سبب الإتّصال بهم ، كما قال عمّار بن ياسر (رضي الله تعالى عنه) حين الشهادة يوم صفّين : الآن ألقى الأحبّة محمّداً وحزبه. (2)
    قال ابن الأثير في النهاية : وفيه ـ أي : في حديثه صلّى الله عليه وآله في أصحاب الكساء علي وفاطمة والحسن والحسين عليهما السلام ـ «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وحامّتي ، أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً» حامّة الإنسان : خاصّته ومن يقرب منه ، وهو الحميم أيضاً. ومنه الحديث : انصرف كلّ رجل من وفد ثقيف إلى حامّته. (3)
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 4 / 238.
    2. رجال الكشي : ص 30.
    3. نهاية ابن الأثير : 1 / 446.

    41
    وكان من دعائه عليه السلام في طلب الستر وَالوقاية
    أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَفْرِشْنِي (1) مِهَادَ كَـرَامَتِـكَ ، (2) وَأَوْرِدْنِي مَشَارِعَ رَحْمَتِـكَ ، وَأَحْلِلْنِي بُحْبُوحَةَ جَنَّتِكَ ، وَلاَ تَسُمْنِي بِالرَّدِّ عَنْكَ ، (3) وَلا تَحْرِمْنِي بِـالْخَيْبَةِ مِنْـكَ ، وَلاَ تُقَاصَّنِي بِمَـا اجْتَرَحْتُ ، (4) وَلاَ تُنَاقِشْنِي بِمَا اكْتَسَبْتُ ، وَلا تُـبْرِزْ مَكْتُوْمِي ، (5) وَلاَ تَكْشِفْ مَسْتُورِي ، وَلاَ تَحْمِلْ عَلَى مِيزانِ الأنْصَافِ عَمَلِي ، (6) وَلاَ تُعْلِنْ عَلَى عُيُونِ الْمَلاَ (7) خَبَـرِي ، أَخْفِ عَنْهُمْ مَا يَكُونُ نَشْرُهُ عَلَيَّ عَاراً ، وَاطْوِ عَنْهُمْ مَا يُلْحِقُنِي عِنْدَكَ شَنَاراً ، (Cool شَرِّفْ دَرَجَتِي بِرِضْوَانِكَ ، وَأكْمِلْ كَرَامَتِي بِغُفْرَانِكَ ، وَانْظِمْنِي فِي أَصْحَابِ الْيَمِينِ ، (9) وَوَجِّهْنِي فِي مَسَالِكِ الآمِنِينَ ، وَاجْعَلْنِي فِي فَوْجِ الْفَائِزِينَ ، وَاعْمُرْ بِي مَجَالِسَ الصَّالِحِينَ ، آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ.

    قوله : في طلب الستر
    الستر هاهنا ـ بالفتح ـ على المصدر ، لا بالكسر على اسم ما يستر به.
    (1) قوله عليه السلام : وافرشني
    معاً ، أي : بهمزة الوصل من المجرّد ، أو بهمزة القطع من باب الإفعال ، كما قد سلف في دعاء العافية.
    قال في القاموس : أفرش فلاناً بساطاً بسطه له ، كفرشه فرشاً ، وفرشه تفريشاً وفرشه أمراً : أوسعه إيّاه. (1)
    (2) قوله عليه السلام : على مهاد كرامتك
    وعلى رواية «كف» : مهاد رحمتك ومشارع كرامتك ، ولا تعارضني بما اجترحت ، ولا تناقشني فيما اكتسبت.
    (3) قوله عليه السلام : ولا تسمني
    بضمّ السين وكسرها ، على ما قد مضى غير مرّة.
    (4) قوله عليه السلام : بما اجترحت
    __________________
    1. القاموس : 2 / 282.

    الإجتراح الإكتساب.
    (5) قوله عليه السلام : ولا تبرز مكتومي
    من الإبراز بمعنى الإظهار.
    (6) قوله عليه السلام : ولا تحمل على ميزان الانصاف عملي
    أي : احمل عملي على ميزان التفضّل والإفضال ، ولا تحمله على ميزان العدل والإنصاف.
    (7) قوله عليه السلام : على عيون الملأ
    الملأ ـ بالتحريك ـ الجماعة يجتمعون على أمر فيملأون عيون الناظرين.
    (Cool قوله عليه السلام : ما يلحقني عندك شناراً
    الشنار ـ بالفتح ـ أقبح العيب وأفضح العار والأمر المشهور بالشنعة.
    وشنّر عليك تنشراً عابه وسمع به وفضحه. والشنّير بالكسر والتشديد كسكّيت : السيّء الخلق والكثير الشرّ والشهير بالعيوب.
    ولعل المراد أخفّ عنهم ما يكون نشره عاراً عليّ في الدنيا ، واطو عنهم ما يلحقني شناراً عندك في الآخرة ، ويلحقني على الحذف والإيصال أي : يلحق بي.
    (9) قوله عليه السلام : وانظمني في أصحاب اليمين
    بهمزة الوصل ، يقال : نظمت اللؤلؤ نظماً ونظمته تنظيماً أيضاً.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الصحيفه السجاديه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الصحيفه السجاديه كامله   الصحيفه السجاديه كامله Emptyأمس في 20:39

    وكان من دعائه عليه السلام عند ختم القرآن
    أَللَّهُمَّ إنَّكَ أَعَنْتَنِي عَلَى خَتْمِ كِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَهُ نُوراً وَجَعَلْتَهُ مُهَيْمِناً عَلَى كُلِّ كِتَاب أَنْزَلْتَهُ ، (1) وَفَضَّلْتَهُ عَلَى كُلِّ حَدِيث قَصَصْتَهُ ، وَفُرْقاناً فَرَقْتَ بِهِ بَيْنَ حَلالِكَ وَحَرَامِكَ ، وَقُرْآناً أَعْرَبْتَ بِهِ عَنْ شَرَائِعِ أَحْكَامِكَ ، وَكِتَاباً فَصَّلْتَهُ لِعِبَادِكَ تَفْصِيلاً وَوَحْياً أَنْزَلْتَهُ عَلَى نَبِيِّكَ مُحَمَّد صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ تَنْزِيلاً ، وَجَعَلْتَهُ نُوراً نَهْتَدِي مِنْ ظُلَمِ الضَّلاَلَةِ وَالْجَهَـالَةِ بِـاتِّبَاعِـهِ ، وَشِفَـاءً لِمَنْ أَنْصَتَ بِفَهْم التَّصْدِيقِ إلَى اسْتِمَاعِهِ ، وَمِيزَانَ قِسْط لاَ يَحِيْفُ عَنِ الْحَقِّ لِسَانُهُ ، وَنُورَ هُدىً لاَ يُطْفَأُ عَنِ الشَّاهِدِينَ بُرْهَانُهُ ، وَعَلَمَ نَجَاة لاَ يَضِلُّ مَنْ أَمَّ قَصْدَ سُنَّتِهِ ، (2) وَلاَ تَنَالُ أَيْدِي الْهَلَكَاتِ مَنْ تَعَلَّقَ بِعُرْوَةِ عِصْمَتِهِ. أَللَّهُمَّ فَإذْ أَفَدْتَنَا الْمعُونَةَ عَلَى تِلاَوَتِهِ وَسَهَّلْتَ جَوَاسِيَ أَلْسِنَتِنَا بِحُسْنِ عِبَارَتِهِ ، فَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَرْعَاهُ حَقَّ رِعَايَتِهِ ، وَيَدِينُ لَكَ بِاعْتِقَادِ التَّسْلِيْمِ لِمُحْكَمِ آياتِهِ ، وَيَفْزَعُ إلى الإِقْرَارِ بِمُتَشَابِهِهِ ، وَمُوضَحَاتِ

    بَيِّناتِهِ. أللَّهُمَّ إنَّكَ أَنْزَلْتَهُ عَلَى نَبِيِّكَ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مُجْمَلاً ، (3) وَأَلْهَمْتَهُ عِلْمَ عَجَائِبِهِ مُكَمَّلاً ، وَوَرَّثْتَنَا عِلْمَهُ مُفَسَّراً ، (4) وَفَضَّلْتَنَا عَلَى مَنْ جَهِلَ عِلْمَهُ ، وَقَوَّيْتَنَا عَلَيْهِ لِتَرْفَعَنَا فَوْقَ مَنْ لَمْ يُطِقْ حَمْلَهُ. أللَّهُمَّ فَكَمَا جَعَلْتَ قُلُوبَنَا لَهُ حَمَلَةً ، وَعَرَّفْتَنَا بِرَحْمَتِكَ شَرَفَهُ وَفَضْلَهُ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد الْخَطِيْبِ بِهِ ، وَعَلَى آلِهِ الْخُزّانِ لَهُ ، وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَعْتَرِفُ بِأَنـَّهُ مِنْ عِنْدِكَ ، حَتَّى لاَ يُعَارِضَنَا الشَّكُّ فِي تَصْدِيقِهِ ، وَلاَ يَخْتَلِجَنَا الزَّيْغُ عَنْ قَصْدِ طَرِيقِهِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِـهِ ، وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَعْتَصِمُ بِحَبْلِهِ ، وَيَـأْوِي مِنَ الْمُتَشَـابِهَاتِ إلَى حِرْزِ مَعْقِلِهِ ، وَيَسْكُنُ فِي ظِـلِّ جَنَاحِهِ ، وَيَهْتَدِي بِضَوْءِ صَاحِبِهِ ، وَيَقْتَدِي بِتَبَلُّج إسْفَارِهِ ، وَيَسْتَصْبحُ بِمِصْباحِهِ ، وَلا يَلْتَمِسُ ألْهُدَى فِي غَيْرِهِ. أللَّهُمَّ وَكَمَا نَصَبْتَ بِهِ مُحَمَّداً عَلَماً لِلدَّلالَةِ عَلَيْكَ ، وَأَنْهَجْتَ بِآلِهِ سُبُلَ الرِّضَا إلَيْكَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاجْعَلِ القُرْآنَ وَسِيلَةً لَنَا إلَى أَشْرَفِ مَنَازِلِ الْكَرَامَةِ ، وَسُلَّماً نَعْرُجُ فِيهِ إلَى مَحَلِّ السَّلامَةِ ، وَسَبَباً نُجْزَى بِهِ النَّجاةَ فِي عَرْصَةِ الْقِيَامَةِ ، وَذَرِيعَةً نُقْدِمُ بِهَا عَلَى نَعِيْمِ دَارِ الْمُقَامَةِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاحْطُطْ بالْقُرْآنِ عَنَّا ثِقْلَ الأوْزَارِ ، وَهَبْ لَنَا حُسْنَ شَمَائِلِ الأَبْرَارِ ، وَاقْفُ بِنَا آثَارَ الَّذِينَ قَامُوا لَكَ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ ، حَتَّى تُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ دَنَس بِتَطْهِيرِهِ ، وَ

    تَقْفُوَ بِنَا آثَارَ الَّذِينَ اسْتَضَـآءُوْا بِنُورِهِ ، وَلَمْ يُلْهِهِمُ الأَمَلُ عَنِ الْعَمَـل فَيَقْطَعَهُمْ بِخُدَعِ غُرُورِهِ. أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، واجْعَلِ القُرْآنَ لنا فِي ظُلَمِ اللَّيالِي مُونِساً ، وَمِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ وَخَطَرَاتِ الْوَسَاوِسِ حَارِساً ، وَلأقْدَامِنَا عَنْ نَقْلِهَا إلَى الْمَعَاصِيْ حَابِساً ، وَلأِلْسِنَتِنَا عَنِ الْخَوْضِ فِي الباطِلِ مِنْ غَيْرِ مَا آفَة مُخْرِساً ، (5) وَلِجَوَارِحِنَا عَنِ اقْتِرَافِ الآثامِ زَاجِراً ، وَلِمَا طَوَتِ الغَفْلَةُ عَنَّا مِنْ تَصَفُّحِ الاعْتِبَارِ نَاشِراً ، حَتَّى تُوصِلَ إلَى قُلُوبِنَا فَهْمَ عَجَائِبِهِ ، وَزَوَاجِرَ أَمْثَـالِهِ الَّتِي ضَعُفَتِ الْجِبَالُ الرَّوَاسِي عَلَى صَلاَبَتِهَا عَنِ احْتِمَالِهِ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَدِمْ بِالْقُرْانِ صَلاَحَ ظاهِرِنا ، وَاحْجُبْ بِهِ خَطَراتِ الْوَسَاوِسِ عَنْ صِحَّةِ ضَمَائِرِنَا ، وَاغْسِلْ بِهِ دَرَنَ قُلُوبِنَا ، وَعَلاَئِقَ أَوْزَارِنَا ، وَاجْمَعْ بِهِ مُنْتَشَرَ أُمُورِنَا ، وَأَرْوِ بِهِ فِي مَـوْقِفِ الْعَرْضِ عَلَيْكَ ظَمَأ هَوَاجِرِنَا ، وَاكْسُنَا بِهِ حُلَلَ الأَمَانِ يَوْمَ الْفَزَعِ الأكْبَرِ فِي نشُورِنَا. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاجْبُرْ بِالْقُرْآنِ خَلَّتَنَا مِنْ عَدَمِ الإمْلاَقِ وَسُقْ إلَيْنَا بِهِ رَغَدَ الْعَيْشِ ، وَخِصْبَ سَعَةِ الأرْزَاقِ ، وَجَنِّبْنَا بِهِ الضَّرَائِبَ الْمَذْمُومَةَ ، وَمَدَانِيَ الأخْلاَقِ ، وَاعْصِمْنَا بِهِ مِنْ هُوَّةِ الكُفْرِ ، (6) وَدَوَاعِـي النِّفَاقِ حَتَّى يَكُوْنَ لَنَا فِي الْقِيَامَةِ إلَى رِضْوَانِكَ وَجِنَانِكَ قَائِداً ، وَلَنَا فِي الدُّنْيا عَنْ سَخَطِكَ وَ

    تَعَدِّي حُدُودِكَ ذَائِداً ، وَلِمَا عِنْدَكَ بِتَحْلِيلِ حَلاَلِهِ ، وَتَحْرِيم حَرَامِهِ شَاهِداً. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَهَوِّنْ بِالْقُرْآنِ عِنْدَ الْمَوْتِ عَلَى أَنْفُسِنَا كَرْبَ السِّيَاقِ ، وَجَهْدَ الأنِينِ ، وَتَرادُفَ الْحَشَارِجِ إذَا بَلَغَتِ ألنُّفُوسُ التَّراقِيَ ، وَقِيلَ مَنْ رَاق؟ وَتَجَلَّى مَلَكُ الْمَوْتِ لِقَبْضِهَا مِنْ حُجُبِ الْغُيُوبِ ، وَرَمَاهَا عَنْ قَوْسِ الْمَنَايَا بِأَسْهُمِ وَحْشَةِ الْفِرَاقِ ، وَدَافَ لَهَا مِنْ دُعَافِ الْمَوْتِ كَأْساً مَسْمُومَةَ الْمَذَاقِ ، وَدَنا مِنَّا إلَى الآخِرَةِ رَحِيلٌ وَانْطِلاَقٌ ، وَصَارَتِ الأعْمَالُ قَلاَئِـدَ فِي الأَعْنَاقِ وَكَانَتِ الْقُبُورُ هِيَ الْمَأوَى إلَى مِيقَاتِ يَوْمِ التَّلاَقِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَبَارِكْ لَنَا فِي حُلُولِ دَارِ البِلَى ، وَطُولِ الْمُقَامَـةِ بَيْنَ أَطْبَـاقِ الثَّـرى وَاجْعَلِ القبُورَ بَعْدَ فِرَاقِ الدُّنْيَا خَيْرَ مَنَازِلِنَا ، وَافْسَحْ لَنَا بِرَحْمَتِكَ فِي ضِيقِ مَلاَحِدِنَا ، وَلا تَفْضَحْنَا فِي حَاضِرِي الْقِيَامَةِ بِمُوبِقَاتِ آثامِنَا ، وَارْحَمْ بِالْقُرْانِ فِيْ مَوْقِفِ الْعَرْضِ عَلَيْكَ ذُلَّ مَقَامِنَا ، وَثَبِّتْ بِهِ عِنْدَ اضْطِرَابِ جِسْرِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْمَجَازِ عَلَيْهَـا زَلَلَ أَقْدَامِنَا ، وَنَوِّرْ بِهِ قَبْلَ الْبَعْثِ سُدَفَ قُبُورنا ، وَنَجِّنَا بِهِ مِنْ كُلِّ كَرْب يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَشَدَائِدِ أَهْوَالِ يَوْمِ الطَّامَّةِ ، وَبَيِّضْ وُجُوهَنَا يَوْمَ تَسْوَدُّ وُجُوهُ الظَّلَمَةِ فِي يَوْمِ الْحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ ، وَاجْعَلْ لَنَا فِي صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ وُدّاً ، وَلاَ تَجْعَلِ الْحَيَاةَ عَلَيْنَا نَكَداً. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ

    عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ كَمَا بَلَّغَ رِسَالَتَكَ ، وَصَدَعَ بِأَمْرِكَ ، وَنَصَحَ لِعِبَادِكَ. أللَّهُمَّ اجْعَلْ نَبِيَّنا صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَقْرَبَ النِّبِيِّينَ مِنْكَ مَجْلِساً ، وَأَمْكَنَهُمْ مِنْكَ شَفَاعَةً ، وَأَجَلَّهُمْ عِنْدَكَ قَدْراً ، وَأَوْجَهَهُمْ عِنْدَكَ جَاهَاً. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد ، وَشَرِّفْ بُنْيَانَهُ ، وَعَظِّمْ بُرْهَانَهُ ، وَثَقِّلْ مِيزَانَهُ ، وَتَقَبَّلْ شَفَاعَتَهُ ، وَقَرِّبْ وَسِيلَتَهُ ، وَبَيِّضْ وَجْهَهُ وَأَتِمَّ نُورَهُ ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ ، وَأَحْيِنَا عَلَى سُنَّتِهِ ، وَتَوَفَّنَا عَلَى مِلَّتِهِ ، وَخُذْ بِنَـا مِنْهَاجَـهُ ، وَاسْلُكْ بِنَا سَبِيلَهُ ، وَاجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ ، وَأَوْرِدْنَا حَوْضَهُ ، وَاسْقِنَا بِكَأسِهِ ، أللَّهُمَّ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، صَلاةً تُبَلِّغُهُ بِهَا أَفْضَلَ مَا يَأْمُلُ مِنْ خَيْرِكَ ، وَفَضْلِكَ وَكَرَامَتِكَ ، إنَّكَ ذُوْ رَحْمَة وَاسِعَة وَفَضْل كَرِيم. أللَّهُمَّ اجْزِهِ بِمَا بَلَّغَ مِنْ رِسَالاتِكَ ، وَأَدَّى مِنْ آيَاتِكَ ، وَنَصَحَ لِعِبَادِكَ ، وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِكَ ، أَفْضَلَ مَا جَزَيْتَ أَحَداً مِنْ مَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبِينَ ، وَأَنْبِيَائِكَ الْمُرْسَلِينَ الْمُصْطَفَيْنَ ، وَالسَّلاَمُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ، وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ.

    قوله : عند ختم القرآن
    أي : بعد ختمه إيّاه ، وفي «خ» عند ختم القرآن المجيد على الإضافة من دون الضمير.
    (1) قوله عليه السلام : وجعلته مهيمناً على كلّ كتاب أنزلته
    قال في غريب القرآن : مهيمناً مؤتمناً ، وقيل : شاهداً ، وقيل : رقيباً ، وقيل : قفاناً ، يقال : فلان قفان على فلان إذا كان يتحفّظ باُموره ، فقيل للقرآن : فقان على الكتب ؛ لأنّه شاهد بصحّة الصحيح منها وسقم السقيم. والمهيمن في أسماء الله : القائم على خلقه بأعمالهم وآجالهم وأرزاقهم.
    وقال النحويّون : أصل المهيمن : مؤيمن مفيعل من أمين ، كما قالوا بيطر ومبيطر من البيطار ، فقلبت الهمزة هاءً لقرب مخرجهما ، كما قالوا أرقت الماء وهرقت ، وايهات وهيهات ، وإيّاك وهيّاك ، وأبرته وهبرته للجزّار الذي يكون في الرأس. (1) انتهى كلامه.
    وفي الفائق : إنّي متكلّم بكلمات مهيمنوا عليهنّ ، أي : أشهدوا عليهنّ من قوله تعالى : (وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) (2) وقيل : راعوهنّ وحافظوا عليهنّ من هيمن الطائر إذا رفرف على فراخه. وقيل أراد آمنوا فقلبت الهمزة هاءاً والميم المدغمة ياءاً ، كقولهم أيما في «أمّا».
    وعن عكرمة : وكان علي عليه السلام أعلم بالمهيمنات : أي : بالقضايا ، من الهيمنة وهي القيام على الشيء ، جعل الفعل لها وهو لأربابها القوّامين بالاُمور ، وقيل : إنّما هي المهيمنات أي : المسائل الدقيقة التي تهيم أي : تحير. (3)
    وفي النهاية الأثيريّة : في باب الهاء مع الميم ، في أسماء الله تعالى : «المهيمن» قيل : هو الرقيب ، وقيل : الشاهد ، وقيل : المؤتمن ، وقيل : القائم باُمور الخلق ، وقيل : أصله مؤيمن
    __________________
    1. غريب القرآن : 95.
    2. سورة المائدة : 48.
    3. الفائق : 4 / 113.

    فاُبدلت الهاء من الهمزة وهو مفيعل من الأمانة.
    وفي حديث عكرمة : «كان علي عليه السلام أعلم بالمهيمنات» أي : القضايا ، من الهيمنة ، وهي القيام على الشيء ، جعل الفعل لها ، وهو لأربابها القوّامين بالاُمور.
    ثمّ في باب الهاء مع الياء ، قال : وفي حديث عكرمة «كان علي عليه السلام أعلم بالمهيمات» كذا جاء في رواية ، يريد دقائق المسائل التي تهيم الإنسان وتحيّره ، يقال : هام في الأمر يهيم إذا تحيّر فيه ، ويروى «بالمهيمنات» وقد تقدّم. (1) انتهى كلام النهاية.
    ومن المقترّ في مقارّه أنّ المهيمن في أسمائه تعالى بجميع معاني هذه الثلاثة من الأسماء الحسنى : الرقيب العزيز العليم. وقيل : الحفيظ العزيز العليم.
    وفي قواعد شيخنا الشهيد (قدّس الله لطيفه) : المهيمن : القائم على خلقه بأعمالهم وأرزاقهم. (2) كما نقلناه عن غريب القرآن.
    (2) قوله عليه السلام : لا يضلّ من أمّ قصد سنّته
    «من أمّ» أي : من قصد سننه بالفتح ، أي : طريقة منهجه ، أو سننه بالضمّ أي : طريقته وشريعته. أو سميه بإسكان الميم بعد السين المفتوحة ، أي : شطره ووجهته.
    (3) قوله عليه السلام : إنّك أنزلته على نبيّك محمّد
    صلّى الله عليه وآله مجملاً ...
    أي : أنزلته عليه صلّى الله عليه وآله مجملاً من حيث النبوّة ، وألهمته علم عجائبه مفصّلاً من حيث الولاية ، فإنّ درجة النبوّة تبليغ التنزيل وإدماج الحقائق. (3) ودرجة الولاية حمل التأويل وكشف الأسرار ، لذلك كان ولاية النبيّ أفضل من نبوّته ، على ما قد اقترّ في مقامه.
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 5 / 275 و 289.
    2. قواعد الشهيد : ص 265.
    3. في «ط» : الخلائق.

    ولقد صحّ عنه صلّى الله عليه وآله من طرق العامّة ومن طريق الخاصّة أنّه قال : صلّى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام : يا علي إنّك تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت أنا على تنزيله. (1)
    (4) قوله عليه السلام : وورّثنا علمه ...
    يعني جعلتنا خزنة لتنزيله وحملة لتأويله ، وجعلتنا ورثة علمه إجمالاً وتفصيلاً وتفسيراً وتأويلاً. يقال : أورثه أبواه ايراثاً وورّثه أيضاً توريثاً ، أي : اجعله من ورثته.
    والنسخ في أورثتنا ورّثتنا في الأصل. وفي رواية «س» مختلفة.
    (5) قوله عليه السلام : من غير ما آفة
    «ما» هنا زائدة على سبيل «ما» في قوله عزّ من قائل : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ) (2) وفي «خ» من غير آفة.
    (6) قوله عليه السلام : من هوّة الكفر
    الهوّة بضمّ الهاء وتشديد الواو المفتوحة : الوهدة الغائرة والحفرة العميقة ، قاله في الصحاح والمجمل والأساس والمغرب. (3)
    وجمعها الهوى بالواو المفتوحة بعد الهاء المضمومة ، كما القوّة والقوى والكوّة والكوى. والأهوية على افعولة أيضاً بمعنى الهوّة. وأمّا المهواة والهاوية فبمعنى ما بين الجبلين إلى عمق الأرض الغائرة.
    __________________
    1. رواه جمع من أعلام العامّة منهم أحمد بن حنبل في مسنده : 3 / 33 والنسائل في الخصائص : ص 40 والحاكم في المستدرك : 3 / 122 وأبو نعيم في حلية الأولياء : 1 / 67 والخوارزمي في المناقب : ص 175 والسيوطي في تاريخ الخلفاء : ص 173 وابن المغازلي في مناقبه : ص 438 والقندوزي في ينابيع المودّة : ص 209.
    2. سورة آل عمران : 159.
    3. الصحاح : 6 / 2537 ، وأساس البلاغة : ص 708.

    43
    وكان من دعائه عليه السلام إذا نظر إلى الهلال (1)
    أيُّهَا الْخَلْقُ الْمُطِيعُ ، (2) الدَّائِبُ السَّرِيعُ ، (3) الْمُتَرَدِّدُ فِي مَنَازِلِ التَّقْدِيْرِ ، (4) الْمُتَصَرِّفُ فِي فَلَكِ التَّدْبِيرِ ، (5) آمَنْتُ بِمَنْ نَوَّرَ بِكَ الظُّلَمَ ، (6) وَأَوْضَحَ بِـكَ الْبُهَمَ ، (7) وَجَعَلَكَ آيَةً مِنْ آياتِ مُلْكِهِ ، (Cool وَعَلاَمَةً مِنْ عَلاَمَاتِ سُلْطَانِهِ ، وَامْتَهَنَكَ بِالزِّيادَةِ وَالنُّقْصَانِ ، (9) وَالطُّلُوعِ وَالأُفُولِ ، (10) وَالإِنارَةِ وَالْكُسُوفِ ، (11) فِي كُلِّ ذلِكَ أَنْتَ لَهُ مُطِيعٌ ، وَإلى إرَادَتِهِ سَرِيعٌ ، سُبْحَانَهُ مَا أَعْجَبَ مَا دَبَّرَ فِيْ أَمْرِكَ ، وَأَلْطَفَ مَا صَنعَ فِي شَأْنِكَ ، جَعَلَكَ مِفْتَاحَ شَهْر حَادِثٍ لأِمْر حادِثٍ ، فَأَسْأَلُ اللهَ رَبِّي وَرَبَّكَ ، وَخَالِقِي وَخَالِقَكَ ، وَمُقَدِّرِي وَمُقَدِّرَكَ ، وَمُصَوِّرِي وَمُصَوِّرَكَ ، أَنْ يُصَلِّي عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَنْ يَجْعَلَكَ هِلاَلَ بَرَكَة لاَ تَمْحَقُهَا الأيَّامُ ، وَطَهَارَة لاَ تُدَنِّسُهَا الآثامُ ، هِلاَلَ أَمْن مِنَ الآفاتِ ، وَسَلاَمَة مِنَ السَّيِّئاتِ ، هِلاَلَ سَعْد لاَ نَحْسَ فِيْهِ ، وَيُمْن لاَ نَكَدَ مَعَهُ ، وَيُسْر لاَ يُمَازِجُهُ عُسْرٌ ، وَخَيْرٍ لاَ

    يَشُوبُهُ شَرٌّ ، هِلاَلَ أَمْن وَإيمَان وَنِعْمَة وَإحْسَان وَسَلاَمَة وَإسْلاَم. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاجْعَلْنَا مِنْ أَرْضَى مَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ ، وَأَزْكَى مَنْ نَظَرَ إليْهِ ، وَأَسْعَدَ مَنْ تَعَبَّدَ لَكَ فِيهِ ، وَوَفِّقْنَا فِيهِ لِلتَّوْبَةِ ، وَاعْصِمْنَـا فِيْهِ مِنَ الْحَـوْبَةِ ، وَاحْفَظْنَا فِيهِ مِنْ مُبَاشَرَةِ مَعْصِيَتِكَ ، وَأَوْزِعْنَا فِيهِ شُكْرَ نِعْمَتِكَ ، وَأَلْبِسْنَا فِيهِ جُنَنَ الْعَافِيَةِ ، وَأَتْمِمْ عَلَيْنَا بِاسْتِكْمَالِ طَاعَتِكَ فِيهِ الْمِنَّةَ ، إنَّكَ الْمَنَّانُ الْحَمِيدُ ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ.

    (1) إذا نظر إلى الهلال
    الهلال واحد الأهلّة ، وهو في اللغة ما يرى من جرم القمر في أوّل الشهر والسنان الذي له شعبتان يصاد به الوحش ، والماء القليل في أسفل الركي ، وضرب من الحيات ، وطرف الرحى إذا انكسر ، فيقال لكلّ واحد من هذه هلال. والإهلال والإستهلال إفعال واستهلال من هلال الشهر.
    في فائق الزمخشري : أهلّ الصبيّ واستهلّ ـ على البناء للفاعل ـ صاح عند الولادة ، وأهلّ الهلال على صيغة المجهول ، وكذا استهلّ صيح عند رؤيته. وانهلّت السماء بالقطر ، واستهلّت ابتدأت به فسمع صوته. (1)
    وفي النهاية الأثيريّة : أهلّ المحرم بالحجّ يهلّ إهلالاً ، إذا لبّى ورفع صوته بالتلبية. والمهلّ ، بضمّ الميم : موضع الإهلال : وهو الميقات الذي يحرمون منه ، ويقع على الزمان والمصدر. ومنه «إهلال الهلال واستهلاله» إذا رفع الصوت بالتكبير عند رؤيته. وإهلال الصبيّ : (2) تصويته عند ولادته وإهلال الهلال إذا طلع ، وأهلّ واستهلّ إذا أبصر ، وأهللته إذا أبصرته. (3)
    وقال في المغرب : أهلّوا الهلال واستهلّوه رفعوا أصواتهم عند رؤيته. ثمّ قيل : أهلّ الهلال واستهلّ ـ مبنيّاً للمفعول فيهما ـ إذا أبصر. واستهلال الصبيّ أن يرفع صوته بالبكاء عند ولادته. ومنه الحديث : «إذا استهلّ الصبيّ ورث» وقول من قال هو أن يقع حيّاً تدريس.
    __________________
    1. الفائق : 4 / 109.
    2. في المصدر : واستهلال الصبيّ وكذا واستهلال الهلال.
    3. نهاية ابن الأثير : 5 / 271.

    ويقال الإهلال رفع الصوت بـ«لا إله الّا الله» ومنه قوله تعالى (وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّـهِ) (1) وأهلّ المحرم بالحجّ رفع صوته بالتلبية.
    وقال الراغب في المفردات : أهلّ الهلا رؤي ، واستهلّ طلب رؤيته. ثمّ قد يعبّر عن الهلال بالإستهلال نحو الإجابة والإستجابة ، والإهلال رفع الصوت عند رؤية الهلال ، ثمّ استعمل لكلّ صوت ، ومنه (2) إهلال الصبيّ ، قال تعالى (وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّـهِ) أي : ما ذكر عليه غير اسم الله ، وهو ما كان يذبح لأجل الأصنام.
    وقيل : الإهلال والتهلّل أن يقول : لا إله إلّا الله. ومن هذه الجملة ركّبت هذه اللفظة ، كقولهم التبسمل والبسملة والتحولق والحوقلة إذا قال : بسم الله الرحمن الرحيم ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله. ومنه الإهلال بالحجّ وتهلّل السحاب ببرقه تلألأ ، ويشبه ذلك بالهلال. (3)
    ثمّ إنّه قد اختلفت أقوال علماء الأدب ، وكذلك أقوال الفقهاء في ما يصحّ إطلاق الهلال عليه ولا يتجاوزه ، هي يختصّ بغرّة الشهر في الليلة الاُولى؟ أو بليلتين؟ أو بثلاث ليال بل إنّما يقال له : القمر ، أو ويطلق أيضاً على ما يرى في سرار الشهر هلال.
    قال في المفردات : الهلال : القمر في أوّل ليلة والثانية ، ثمّ يقال له : القمر ولا يقال له : هلال ، وجمعه أهلّة. (4)
    وقال السجستاني في غريب القرآن : أهلّة جمع هلال ، يقال للهلال في أوّل ليلة إلى الثالثة : هلال ، ثمّ يقال : القمر إلى آخر الشهر. (5)
    وكذلك قال في الصحاح : الهلال أوّل ليلة والثانية والثالثة ثمّ هو قمر (6).
    وفي القاموس : الهلال غرّة القمر أو لليلتين أو إلى ثلاث أو إلى سبع ولليلتين من آخر
    __________________
    1. سورة البقرة : 173.
    2. في المصدر : وبه شبّه.
    3. مفردات الراغب : ص 544.
    4. مفردات الراغب : ص 544.
    5. غريب القرآن : 26.
    6. الصحاح : 5 / 1851.

    الشهر ستّ وعشرين وسبع وعشرين وفي غير ذلك قمر. (1)
    وفي الفائق : قال النبيّ صلى الله عليه وآله لرجل : هل صمت من سرار هذا الشهر شيئاً؟ قال : لا. قال : فإذا أفطرت من شهر رمضان فصم يومين. السرار ـ بالفتح والكسر ـ حين يستسّر الهلال في آخر الشهر. أراد سرار شعبان ، قالوا : كان على هذا الرجل نذر فلمّا فاته أمره بقضائه. انتهى قول الفائق. (2)
    وقال أمين الإسلام أبو علي الطبرسي (نوّر الله تعالى مرقده) في مجمع البيان : اختلفوا في أنّه إلى كم يسمّى هلالاً؟ (3) ومتى يسمّى قمراً؟
    فقال بعضهم : يسمّى هلالاً لليلتين من الشهر ، ثمّ لا يسمّى هلالاً إلى أن يعود في الشهر الثاني. وقال آخرون : يسمّى هلالاً ثلاث ليال ثمّ يسمّى قمراً.
    وقال آخرون : حتّى يحتجر وتحجيره أن يستدير بخطّة دقيقة ، وهذا قول الأصمعي. وقال بعضهم : يسمّى هلالاً حتّى يبهر ضوؤه سواد الليل ، ثمّ يقال : قمر ، وهذا يكون في الليلة السابعة. (4) انتهى.
    تفريع فقهي :
    لو نذر ناذر الإستهلال ، أي : الدعاء عند الإهلال ، فالأصحّ عندي وفاقاً لما ذهب إليه جدّي المحقّق (أعلى الله تعالى مقامه) أنّه ما أتى بذلك في شيء من الليالي السبع ، كان آتياً بموجب النذر ولم يكن حانثاً ، وإن كان الإتيان به إلى الثالثة أحوط ، وفي الاولى الاولى. ثمّ إنّ منطوق متن الرواية من طريق التهذيب والفقيه والكافي مقتضاه أن يأتي بالدعاء حين الإهلال قبل أن يبرح من مكانه ، وألّا يشير إلى الهلال بشيء من جوارحه وأعضائه.
    __________________
    1. القاموس : 4 / 70.
    2. الفائق : 2 / 171.
    3. في المصدر : وقد اختلف في تسميته هلالاً لم يسمّى ...
    4. مجمع البيان : 1 / 283.

    (2) قوله عليه السلام : أيّها الخلق المطيع
    قال في المغرب : خلقه الله خلقاً أوجده ، وانخلق في مطاوعته غير مسموع. (1)
    والمصدر هنا بمعنى المفعول ، أي : أيّها المخلوق المجعول في ماهيّته وإنّيّته ، والمصنوع المعلول في ذاته ووجوده.
    ويحتمل أن يكون من الخلق بمعنى التقدير ، وهو أصل معناه في اللغة ، أي : أيّها المقدّر بتقدير الله تعالى في حركاته وأوضاعه وكرّاته وأفلاكه ، المطيع له سبحانه في كلّ ما أراده منك ودبّره في أمرك.
    قال ابن الأثير في النهاية : في أسماء الله تعالى : «الخالق» وهو الذي أوجد الأشياء جميعها بعد أن لم تكن موجودة. وأصل الخلق بتقدير ، فهو باعتبار تقدير ما منه وجودها ، وباعتبار الإيجاد على وفق التقدير خالق. (2)
    وهذا الخطاب منه عليه السلام لجرم الكواكب الذي يقال له : تارة القمر ، وتارة الهلال ، وتارة البدر ، بحسب اختلاف التشكّلات والأوضاع.
    ثمّ إنّ مخاطبته عليه السلام إيّاه ونسبة الطاعة لله عزّ وجلّ ، والإطاعة لله سلطانه في تقديره وتدبيره إليه ، تنصيص على إثبات الحياة للسماويّات جميعاً ، كما قال شريكنا السالف في رياسة حكماء الإسلام ، الشيخ الرئيس أبو علي ابن سينا في الشفاء والنجاة : السماء حيوان مطيع لله عزّ وجلّ. وهو الحقّ الذي أعطته الاُصول الحكميّة ، وأفادته البراهين العقليّة ، فإنّ لكلّ من الكرّات السماويّة عقلاً مفارقاً ، ونفساً مجرّدة ، ونفساً منطبعة ، ولا تتلئّب الحركة الوضعيّة المستديرة إلّا بذلك كلّه ، على ما قد أصّلناه في كتبنا وصحفنا وفصّلناه مبسوطاً في كتاب القبسات.
    قال في إلهيّات الشفاء : وبالجملة لا بدّ لكلّ متحرّك من السماويّات ، لغرض عقليّ من
    __________________
    1. المغرب : 1 / 167.
    2. نهاية ابن الأثير : 2 / 70.

    مبدأ عقلي يعقل الخير الأوّل ، ويكون ذاته مفارقة. فقد علمت أنّ كلّ ما يعقل مفارق بالذات ومن مبدأ الحركة جسمانيّ ، فقد علمت أنّ الحركة السماويّة نفسانيّة ، تصدر عن نفس مختارة متجدّدة الإختيارات على الإتّصال ، فيكون عدد العقول المفارقة بعد المبدأ الأوّل بعدد الحركات ، فإن كانت الأفلاك للكواكب المتحيّرة إنّما المبدأ في حركات كرّات كلّ كوكب ، منها قوّة تفيض من الكواكب.
    ثمّ يبعد أن يكون المفارقات بعدد الكواكب لها لا بعدد الكرّات ، وكان عددها عشرة بعد المبدأ الأوّل تعالى ، أوّلها العقل المحرّك الذي لا يتحرّك وتحريكه لكرة الجسم الأقصى ، ثمّ الذي هو مثله لكرة الثوابت ، ثمّ الذي هو مثله لكرة زحل ، وكذلك حتّى ينتهي إلى العقل المفيض على أنفسنا ، وهو عقل العالم الأرضي ، (1) ونسمّيه نحن «العقل الفعّال» وإن لم يكن كذلك ، بل كان كلّ كرة متحرّكة لها حكم في حركة نفسها ، ولكن لكلّ كوكب كانت هذه المفارقات أكثر عدداً ، وكان على مذهب المعلّم الأوّل قريباً من خمسين فما فوقه ، وآخرها العقل الفعّال ، وقد علمت من كلامنا في الرياضيّات مبلغ ما ظفرنا به من عددها. انتهى كلامه
    قلت : التحقيق أنّه ما من كرة سماويّة إلّا وهي متحرّكة حركة وضعيّة استدارته بالذات ، وإن كانت هي متحرّكة بالعرض أيضاً حركة وضعيّة مستديرة ، حتّى أجرام الكواكب ، فإنّ كلّاً منها يتحرّك في مكانه الذي هو مركوز فيها حركة وضعيّة مستديرة على نفسه ؛ إذ السكون من حيّز الموت الجسماني ، ولا يحدر (2) بالأجرام العلويّة الأثيريّة.
    وبعد حلّ الإشكالات العويصة المستصعبة المشهوريّة ، يستبين أنّ عدد الأفلاك الكلّيّة والجزئيّة التي بها تنضبط الحركات المرصودة ، يرتقى إلى نيّف وثمانين ، فإذاً ينصرح (3) أنّ العقول المفارقة والنفوس المجرّدة السماويّة هي بعدد الكرّات الكلّيّة والجزئيّة ، والكواكب
    __________________
    1. في «ط» : الأخير.
    2. في «س» : يجدر.
    3. في «ط» : يتصرّح.

    الثابتة والسيّارة جميعاً ، والعقل الكلّي والنفس الكلّي بإزاء الفلك الكلّي. ثمّ العقول الجزئيّة والنفوس الجزئيّة في إزاء الكرات الجزئيّة وأجرام الكواكب الثابتة والسيّارة بأسرها.
    وأعني بالفلك الكلّي ما تستند إليه إحدى الحركات التسع المرصودة بادي النظر في أوّل الأمر ، فالنفس المجرّدة الكلّيّة السماويّة لكلّ من الأفلاك الكلّيّة للسيّارات ، متعلّقها الأوّل جرم الكواكب الذي هو بمنزلة القلب في البدن الفلكي والنفس المنطبعة فيه ، كما النفس الناطقة البشريّة متعلّقها الأوّل هو القلب والروح البخاري المتولّد فيه في الجسد الإنساني ، فليعلم.
    (3) قوله عليه السلام : الدائب السريع
    كأنّك دريت بما أدريناك أنّه كما الإنسان بحسب سنخيّة (1) الجسداني والروحاني من عالمي الجسمانيّات والمجرّدات ، ويقال لهما : عالما الخلق والأمر ، ألا له الخلق والأمر ، وعالما الملك والملكوت ، سبحان ذي الملك والملكوت ، وعالما الغيب والشهادة ، هو الرحمن الرحيم ، وعالما الظالمات والنور [وجعل الظلمات والنور] فكذلك كلّ فلك وكلّ كوكب ، فإنّه بحسب جرم بدنه السماوي من عالم الخلق ، وبحسب جوهر نفسه المجرّدة ، وعقله المفارق من عالم الأمر ، وله بحسب ما هو من عالم الخلق الحركة في الأوضاع الجرميّة ، والتخيّلات الحقيقيّة ، وبحسب ما هو من عالم الأمر الحركة في الإرادات الشوقيّة والأشواق العقليّة والإشراقات الإلهيّة.
    وقوله عليه السلام «الدائب» اقتباس من التنزيل الحكيم : إذ قال عزّ قائلاً : (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ) (2) يدأبان في سيرهما بالذات وبالعرض وتقلّبهما في الأوضاع والجهات ، وإنارتها وتنويرهما ما يقبل الإستضاءة والإستنارة في الطبقات ، وإصلاحهما ما يصلحانه من المكونات ، وإعدادهما ما يعدّانه لنظام الكائنات.
    __________________
    1. في «س» : سجيّة.
    2. سورة إبراهيم : 33.

    يقال : دأب فلان في علمه دأباً ودؤوباً : إذا جدّ فيه وأدام واستدام مواظبته عليه وإقامته إيّاه.
    ووصفه القمر بالسريع الأظهر أنّه بحسب الحركة الذاتيّة الكلّيّة المركّبة الغربيّة على توالي البروج ، إحدى الحركات التسع المرصودة ، وموضوعها الفلك الكلّي للقمر ، أي : مجموع أفلاك الجزئيّة التي هي على الهيئة المشهوريّة أربعة : فلك الجواهر ، وهو الممثّل ، ومركزه مركز العالم ، والمائل الموافق المركز ، والحامل الخارج المركز ، والتدوير المركوز في ثخن الحامل.
    فهذه الحركة أسرع الحركات الغربيّة ، يتمّ لها في كلّ ثمانية وعشرين يوماً بليلته تقريباً دورة واحدة تامّة ، وللشمس في كلّ سنة واحدة دورة تامّة.
    ولكلّ من الزهرة وعطارد في قريب من سنة ، وللمرّيخ في قريب من سنتين وعشرة أشهر ونصف ، وللمشتري في اثنتي عشرة سنة. ولزحل في ثلاثين سنة.
    وللثوابت في ثلاثين ألف سنة على رصد القدماء ، وفي أربعة وعشرين ألف سنة على إرصاد المتأخّرين. وربّما يقال : يصحّ ذلك بحسب حركة المائل ، أو بحسب حركة الحامل ، أو بحسب الحركة الخاصّة التدويريّة.
    وأمّا أن يكون ذلك بحسب حركة جرم القمر على نفسه في موضعه الذي هو مركوز فيه ، فاحتمال بعيد جدّاً ؛ إذ تلك الحركة لا تحسّ بالرصد ، ولا تدخل في الحساب.
    ويحتمل أن يعتبر وصف السرعة من جهة الحركة الشرقيّة والغربيّة المركّبة على التوالي بالذات ، ومن جهة الحركة الشرقيّة بحركة الفلك الأقصى على خلاف التوالي بالعرض جميعاً ، فإنّ التحرّك بالحركة الاُولى الشرقيّة السريعة الظاهرة التي بحسبها الطلوع والغروب في الآفاق يعمّ العلويّات بأسرها ، فهي لفلك الأفلاك بالذات ، ولسائر السماويّات بالعرض.
    والإتّصاف بالسرعة بحسب تينك الحركتين جميعاً مختصّ بالقمر ، وإنّما جعلنا الحركة الغربيّة المركّبة للقمر بالذات ، مع أنّها لجرم القمر بالعرض ولفلك الكلّي ، أي : لمجموع أفلاك الجزئيّة بالذات ، لما قد تعرّفت أنّ المتعلّق الأوّل للنفس المجرّدة الكلّيّة التي إليها تستند هذه

    الحركة الاراديّة النفسانيّة هو جرم القمر الذي منزلته في فلكه الكلّي منزلة القلب في الإنسان.
    فإنّ الحركة الاُولى الشرقيّة اليوميّة التي هي بالذات للفلك الأقصى ، وبالعرض للقمر والشمس ، ولجملة السماويّات بأسرها أسرع الحركات ، فلأنّ لها في يوم واحد بليلة دورة تامّة ، وبمقدار ما يقول قائل من البشر «واحد» بإسكان الدال ، تقطع المتحرّك بهذه الحركة من مقعر الفلك الأقصى ـ على الأشهر عند أصحاب الرصد والحساب ـ ألف فرصخ وسبعمائة واثنين وثلاثين فرسخاً ، ونحن قد برهنا على إثبات ذلك في قبسات حقّ اليقين.
    فإن اشتهيت أن نتلوه عليك في مقامنا هذا فاعلمنّ : أنّه قد استبان بالإرصاد والبراهين في أبواب الأبعاد والأجرام من علم الهيئة ، أنّ أبعد بعد زحل (19963) أعني تسعة عشر ألفاً وتسعمائة وثلاثة وستّين بما به نصف قطر الأرض وحد ، وهو المعبّر عنه في اصطلاحهم بالمقياس. وإنّ قطر أعظم كواكب القدر الأوّل من أقدار الثوابت السنة (98) وسدس ، أعني ثمانية وتسعين وسدساً بما به المقياس واحد.
    فإذا زيد قطر أعظم الثوابت على أبعد بعد زحل حصل بعد محدّب فلك الثوابت عن مركز الأرض ـ وهو بعينه بعد مقعر الفلك الأقصى عن مركز الأرض ـ فهو (20053) وسدس ، أعني عشرين ألفاً وثلاثة وخمسين وسدساً بما به المقياس ، أعني نصف قطر الأرض واحد.
    فإذا ضوعف هذا البعد حصل بعد محدّب فلك الثوابت ، أعني : قطر مقعّر الفلك الأقصى ، فهو (40106) وثلث ، أعني أربعين ألفاً ومائة وستة وثلثاً بما به المقياس واحد. فإذا ضربنا هذا القطر ـ أي : قطر مقعّر الفلك الأقصى ـ في ثلاثة وسبع ، وقسّمنا الحاصل على ثلاثمائة وستّين خرج مقدار درجة واحدة من مقعّر الفلك الأقصى.
    وعند غير واحد من مراجيع الحسّاب الحذّاق المحقّقين بعد محدّب كرة الثوابت بالمقياس (70073) ل ، أعني سبعين ألفاً وثلاثة وسبعين

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الصحيفه السجاديه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الصحيفه السجاديه كامله   الصحيفه السجاديه كامله Emptyأمس في 20:40

    مثلاً للمقياس.
    وقطر كرة الثوابت وهو قطر مقعّر الفلك الأقصى بالمقياس (140147) تقريباً ، أعني

    مائة وأربعين ألفاً ومائة وسبعة وأربعين مثلاً للمقياس ، فإذا ضرب هذا القطر في ثلاثة وسبع وقسّم الحاصل على ثلاثمائة وستّين ، خرج مقدار درجة واحدة من مقعّر الفلك الأقصى بالمقياس (1223) ل تقريباً وأمثالها (9343093) أعني تسعة آلاف ألف وثلاثمائة وثلاثة وأربعين ألفاً وثلاثة وتسعين ، وهي بالفراسخ (3114364) وثلث ، أي : ثلاثة آلاف ألف ومائة وأربعة عشر ألفاً وثلاثمائة وأربعة وستّين فرسخاً وثلث فرسخ.
    فإذن حركة الفلك الأقصى في أربعة وعشرين ساعة دورة تامّة كاملة ، فلا محالة يكون كلّ ساعة مستوية مقدار طلوع خمسة عشر جزءاً من محيط منطقته ، فيكون في ثلاث خمس ساعة واحدة مستوية ، أي : في أربعة دقائق من ساعة واحدة يقطع بحركته درجة واحدة من مقعّره ، وفي دقيقة واحدة أي : في مقدار من الزمان يقطع فيه دقيقة واحدة من مقعّره ، وهو جزء واحد من تسعمائة جزء من ساعة واحدة مستوية ، يكون ما يقطعه من مقعّره (155718) وسدساً ، أي : مائة وخمسة وخمسين ألفاً وسبعمائة وثمانية عشر ميلاً وسدس ميل.
    وحيث أنه من المقرّر المعلوم بالإختبار والإمتحان ، أنّ من حين ظهور محيط جرم الشمس من الاُفق إلى حين طلوع جرمها بتمامه مقدار ما يعدّ أحد من واحد إلى ثلاثمائة ، فلا محالة يكون مقدار ما يعدّ أحد من واحد إلى ثلاثين ، أي : في جزء واحد من تسعمائة جزء من ساعة واحدة يقطع الفلك الأقصى دقيقة واحدة من مقعّره ، أعني : مائة وخمسة وخمسين ألفاً وسبعمائة وثمانية عشر ميلاً وسدس ميل.
    فإذن يكون في جزء من ثلاثين جزءاً من هذا المقدار ، أي : بمقدار ما يقول أحد : «واحد» بإسكان الدال يتحرّك متحرّك مقعّر الفلك الأقصى خمسة آلاف ومائة وستّة وتسعين ميلاً ، أي : ألفاً وسبعمائة واثنين وثلاثين فرسخاً.
    قفد تمّ ميقات البرهان على ما ادّعيناه ، ولم يكن يبلغ إلى زمننا هذا النصاب من البيان.
    وعلى ما استخرجه بعض الحسّاب من الراصدين يتحرّك في هذا الوقت ألفين وأربعمائة فرسخ من مقعّره ، فعلى ما نحن أوردناه يتحرّك من مقعّره في ساعة مستوية ستّة وثلاثين

    ألف ألف فرسخ وثلاثمائة فرسخ واثنين وسبعين ألف فرسخ ، وعلى ذلك الحساب خمسين ألف ألف فرسخ وأربعمائة ألف فرسخ.
    والله سبحانه أعلم بما يتحرّك محدبه حينئذ ، إذ ثخن الفلك الأقصى وبعد محدب سطحيه من مركز الأرض ممّا لا سبيل للبشر إلى تعرّفه واستخراجه ، ولا يعلمه إلّا صانعه العزيز العليم.
    ولعلّ في قول سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين (عليه صلوات الله وتسليماته) : سلوني عمّا دون العرش. (1) إشارة إلى ذلك. فكأنّه عليه السلام يقول : زنة العرش ومقدار ثخنه ممّا قد استأثر بعلمه الخلّاق العلّام العليم ، فسلوني عمّا دونه.
    4 قوله عليه السلام : المتردّد في منازل التقدير
    إقتباس من القرآن الحكيم : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (2) والمراد المنازل الثمانية والعشرون التي قدّر الله العزيز العليم تردّد القمر فيها ، وإتمام كلّ دورة من دورانه بقطعها والنشر فيها ، وارتباط طائفة بخصوصها من اُمور عالم الكون والفساد بنزوله كلّ منزل بخصوصه منها ، وهذا الععدد هو ثاني الأعداد التامّة ، والعدد التامّ الأوّل هو في الآحاد وهو الستّة.
    وأسماء المنازل عند العرب : الشرطان بضمّ المعجمة وإسكان الراء. وفي القاموس بالتحريك. (3) والبطين بضمّ الموحّدة وفتح المهملة على هيئة التصغير. والثريّا ، والدبران ، والهقعة ، والهنعة والذراع ، والنثرة والطرف ، والجبهة ، والزبرة ، والصرفة ، والعوّاء بالتشديد وبالمدّ وبالقصر أيضاً ، والسماك الأعزل ، والغفر بالمعجمة المفتوحة وإسكان الفاء ، والزباني والإكليل ، والقلب ، والشولة ، والنعايم ، والبلدة ، وسعد الذابح ، وسعد
    __________________
    1. رواه في الإحقاق عن البدخشي في مفتاح النجا : 7 / 617 والحنفي في علم الكتاب : ص 266 والنبهاني في الشرف المؤبّد : ص 112.
    2. سورة يس : 39.
    3. القاموس : 2 / 368.

    بلع بضم الموحّدة وفتح اللام ، وسعد السعود ، وسعد الأخبية ، والفرغ المقدّم ، والفرغ المؤخّر باعجام الغين ، والرشا وهو بطن الحوت.
    وهذه المنازل هي الحضيض الفلكيّة الحاصلة من قسمة دور الفلك على أيّام ما بين أوّل ظهور الهلال وآخره في أوّل الشهر وآخره ، فكان كلّ منها اثنتي عشرة درجة وإحدى وخمسون دقيقة على التقريب ، وفي كلّ برج من البروج الإثني عشر منها منزلان وثلث منزل ، والتسمية بتلك الأسماء باعتبار وقوع الكواكب الثابتة القريبة من المنطقة فيها.
    فبهذه المنازل يستتمّ الشهر الهلالي ، ويتحصّل القمريّة بحسب مسير القمر ونزوله وتردّده ، وينضبط السنة الشمسيّة بحسب قطع الشمس إيّاها ، على ما سنتلوه عليك ان شاء الله العزيز.
    قال الفاضل البيضاوي في تفسيره : ينزل القمر كلّ ليلة في واحدة من هذه المنازل ، لا يتخطّاه ولا يتقاصر عنه ، فإذا كان في آخر منازله ـ وهو الذي يكون فيه قبل الإجتماع ـ دقّ.
    ومثله في المدارك فإنّ منزل القمر كلّ ليلة في واحد منها لا يتخطّاه ولا يتقاصر عنه على تقدير مستوٍ تسير فيها من ليلة المستهلّ إلى الثامنة والعشرين ، ثمّ يستتر ليلتين أو ليلة إذا نقص الشهر.
    وكذلك أيضاً في الكشّاف. (1)
    وهو غلط غير خفيّ الفساد ، أليس القمر يختلف سيره بالإسراع والإبطاء؟ على سرعته. ربّما كان يتخطّى منزلاً في الوسط ، فينزل منزلتين في يوم واحد ، وفي بطوئه ربّما كان يتقاصر عنه ، فلا يقطع منزلاً واحداً في يوم واحد ، وربّما يبقى ليلتين في منزل واحد يكون أوّلهما في أوّله وآخره في آخره ، وربّما يكون في ليلة واحدة لا يسير منزلاً واحداً ، فيقع بين منزلين أكثر من ليلة واحدة ، لكنّه على جميع التقادير يستوي في المنازل الثمانية و
    __________________
    1. الكشّاف : 3 / 323.

    العشرين في ثمانية وعشرين يوماً ، فليتثبّت.
    (5) قوله عليه السلام : المتصرّف في ذلك التدبير
    لعلّ المراد بفلك التدبير للقمر فلكه الكلّيّ الذي هو موضوع حركته الكلّيّة المركّبة المنحلّة بالأنظار الدقيقة إلى حركات أفلاكه الجزئيّة ، والتدبير أحواله المختلفة ، كالإسراع في الحركة والإبطاء فيها ، وزيادة مقدار الجرم ونقصانه ، والإظلام والإنارة ، وازدياد النور وانتقاصه ، والإستتار بحسب شعاع الشمس وقت المحاق ، والبروز من شعاعها للإهلال أوّل الشهر.
    واختلاف التشكّلات الهلاليّة والبدريّة ، واختلاف البعد من مركز الأرض ، والإزدياد والإنتقاص ، والإنخساف بعضاً أو كلّاً وعدمه أصلاً في الإستقبالات ، وكسفه للشمس بعضاً أو كلّاً ، وعدم كسفه إيّاها أصلاً في الإجتماعات ، والوقوع في سطع منطقة البروج والعروض عنها جنوباً وشمالاً.
    واختلاف المنظر محسوباً وحسوساً في الطول والعرض ، واختلاف مقادير اختلافات المنظر الطوليّة والعرضيّة في الحساب والحسّ وأصلاً.
    واختلاف مقادير أزمنة الخسوفات والكسوفات في الإستقبالات والإجتماعات في اُفق واحد بعينه.
    إلى غير ذلك من بدائع التدابير الإلهيّة المعلومة للنفوس المقدّسة المطهّرة عن رجس الجهل والخطأ بالوحي والإلهام.
    أو التدبير تدبير اُمور العالم السفلي المنوطة المربوطة بأوضاع العالم العلوي المنبعثة عن تحريكات الأشواق العقليّة والإشراقات الإلهيّة.
    فقد اقترّ في مقارّه واستبان في مظانّه : أنّ حركة النفوس المجرّدة السماويّة في التشويقات والإستشراقات ، وحركة نفوسها المنطبعة في التخيّلات الحقيقيّة ، وحركة أجرامها الأثيريّة في الأوضاع الجزئيّة ، وحركة هيولى عالم الاُسطقسّات العنصريّة في الكيفيّات

    الاستعداديّة ، حركات متطابقة الإتّصال مترتّبة الإنبعاث على التنازل الطولي ، قد استعملها مدبّرها الخلّاق الحكيم ، ومقدّرها العزيز العليم ، على انتظام سلسلة الكون والفساد ، فعلى اتّصال تلك الحركات تدور رحى أمر الحدوث والتجدّد في الحوادث الزمّانية والمتجدّدات الكيانيّة بإذن الله سبحانه.
    ولقد أوفينا حقّ بيان هذه الغواض في خلسة الملكوت ، وفي قبسات حقّ اليقين.
    هذا على ما في الأصل على الرواية المشهورة ، وفي «خ» وخ «لش» وفي الأصل على رواية «كف» التدوير مكان التدبير ، فيكون عليه السلام قد أورد بفلك التدبير ما في اصطلاح علم الهيئة الذي كان معجزة لإدريس (على نبيّنا وآله وعليه السلام) واُصوله متلقّاه عن الوحي السماوي ، مستفادة من البراهين اليقينيّة بالإلهامات الإلهيّة ، وهو فلك صغير في ثخن الحامل غير شامل للأرض مركوز فيه الكواكب.
    وتدوير القمر حركته الخاصّة في أعلى نصفيه ، أي : في جانب الذروة على خلاف التوالي ، وفي أسفلها أي : في جانب الحضيض على التوالي على خلاف الأمر في تداوير الخمسة المتحيّرة ، ومقدارها كلّ يوم ثلاث عشر درجة وأربع دقائق.
    ولكون نسبة هذه الحركة المسمّاة بـ«الحركة الخاصّة» إلى حركة الوسط للقمر أصفر من نسبة الخطّ الواصل بين مركز العالم وحضيض التدوير إلى نصف قطر التدوير ، لا يكون للقمر رجوع ولا وقوف ، بل إنّما تصير حركته بطيئة في نصف الذروة ، وسريعة في نصف الحضيض ، ويكون له في الإجتماع والإستقبال والتربيعين بطوء مع زيادة بعد ، وذلك إذا كان في ذروة التدوير سرعة مع نقصان البعد ، وذلك إذا كان في حضيض التدوير.
    وإنّما خصّ عليه السلام فلك التدوير من بين أفلاك القمر بالذكر ، إشارة إلى أنّ خارج المركز وحده لا يقوم بدل هذا التدوير ؛ لأنّ مواضع البطوء والسرعة غير متخصّصة بأجزاء بأعيانها من فلك البروج ، بل منتقلة مبتذلة والعود إلى اختلاف بعينه من السرعة والبطوء بعد العود إلى جزء بعينه من فلك البروج ، ولغير ذلك من الاُمور المعلومة بالرصد.
    وأيضاً حركة مركز تدوير القمر منطقه الحامل هي البعد المضعف. أي : بعد مركز

    التدوير من الشمس مضعفاً ، فالشمس بعد مفارقة مركز التداوير الأوج متوسّطة دائماً بين الأوج والمركز أن يقابل الأوج المركز عند تربيعها ويلاقيه مرّة اُخرى عند استقبالها ، ويقابله في التربيع الاُخر ، ويعود إلى الإجتماع مع الأوج ، وهذا من المستغربات.
    وهذه الحركة متشابهة حول مركز العالم ، لا حول مركز الحامل ، وهذا من الإشكالات العويصة الستّة عشر المشهورة. ومحاذاة قطر منطقة التدوير المارّ بالذروة والحضيض ليست هي بالنسبة إلى مركز العالم الذي تشابه حركة المركز حوله ، ولا بالنسبة إلى مركز الحامل الذي تساوي أبعاد مركز التدوير بالنسبة إليه ، بل بالنسبة إلى نقطة اُخرى تحت ذينك المركزين ، يقال لهما : نقطة المحاذاة ، وهذا أيضاً من تلك الإشكالات وهو أصعبها حلّاً ، فلذلك كلّه خصّه عليه السلام بالذكر من بين سائر أفلاك القمر ، والله أعلم بأساليب كلام أوليائه.
    (6) قوله عليه السلام : بمن نوّر بك الظلم
    هي بضمّ المعجمة وفتح اللام جمع الظلمة ، كالظلمات بضمّتين ، والظلمة تقابل النور مقابلة العدم والملكة ، لا مقابلة السلب والإيجاب ، فهي عدم النور لا مطلقاً بل عمّا من شأنه أن يكون مستنيراً ، فما لا يكون له استعداد الإستنارة كصرف الهواء اللطيف الصافي خارج عن الطرفين لا يعرضه الور ولا يعتريه الظلمة.
    وقد استبان في مظانّ بيانه : أنّ غاية ما تنتهي إليه الأبخرة والأدخنة المرتفعة ، والهيئات المتصاعدة بتبخّر أشعّة الشمس وغيرها من الكواكب ، وتصعيدها إيّاها في طبقات الهواء ، هي بعده من سطح الأرض في جميع بقاع المعمورة ونواحيها أحد وخمسون ميلاً وثلثا ميل ، أي : سبعة عشر فرسخاً وتسعاً فرسخ تقريباً ، فهذه هي كرة البخار وكرة الليل والنهار ، وما فوقها فلا ليل فيه ولا نهار ، ولا صبح ولا شفق ، ولا بياض ولا سواد ، ولا نور ولا ظلمة. فمراده عليه السلام من الظلم في هذا المقام ما يقبل الإستنارة والإستضاءة في هذه الطبقة.

    (7) قوله عليه السلام : وأوضح بك البهم
    البهم هي بالموحّدة المضمومة والهاء المفتوحة جمع بهمة بضمّ الموحّدة وإسكان الهاء ، وهي في المحسوسات أو في المعقولات ما يصعب إدراكه على القوّة الحاسّة ، أو على القوّة العاقلة. وبالجملة فهي مشكلات الاُمور.
    وأبهت الباب ، أي : أغلقته إغلاقاً شديداً لا يهتدى لفتحه. والبهمة الحجر الصلب ، وقيل للشجاع : بهمة تشبيهاً به. قاله الراغب في المفردات. (1)
    قلت : وأمّا البهم بالباء المضمومة والهاء الساكنة ، فجمع بهيم وهو الأسود وكلّ ما هو على لون واحد لا يخالط لونه لون سواه ، يقال : ليل بهيم فعيل بمعنى مفعل على اسم المفعول ، أي : أبهم أمره للظلمة. أو في معنى مفعل على اسم الفاعل ، أي : يبهم ما يعن فيه فلا يدرك ، وفرس بهيم إذا كان على لون واحد لا يكاد تميّزه العين غاية التمييز ، ومنه استعير في الحديث : «يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة بهماً» قيل : أي معرون ممّا يتوسّمون به في الدنيا ويتزيّنون به ، كذا في المفردات. (2)
    وقال ابن الأثير في النهاية : يعني ليس فيهم شيء من العاهات والأعراض التي تكون في الدنيا ، كالعمى والعور والعرج وغير ذلك ، وإنّما هي أجساد مصحّحة لخلود الأبد في الجنّة أو النار. وقال بعضهم : روي في تمام الحديث : «قيل : وما البهم؟ قال : ليس معهم شيء» يعني من أعراض الدنيا ، وهذا يخالف الأوّل من حيث المعنى.
    وفي حديث علي عليه السلام : «كان إذا نزل به إحدى المبهمات كشفها» يريد مسألة معضلة مشكلة ، سمّيت مبهمة لأنّها اُبهمت عن البيان فلم يجعل عليها دليل. (3)
    وفي المغرب : كلام مبهم لا يعرف له وجه ، وأمر مبهم لا مأتي له ، وقوله صلى الله عليه وآله : أربع
    __________________
    1. مفردات الراغب : ص 64.
    2. مفردات الراغب : ص 64.
    3. نهاية ابن الأثير : 1 / 167 ـ 168.

    مبهمات : النذر والنكاح والطلاق والعتاق.
    تفسير الرواية الاُخرى وهي الصحيحة : أربع مقفلات. والمعنى أنّه لا مخرج منهنّ كأنّها أبواب مبهمة عليها أقفال.
    وفي حديث ابن عبّاس أبهموا ما أبهم الله ، ذكر في موضعين : أمّا في الصوم فمعناه أنّ قوله تعالى (فعدّة من أيّام) (1) مطلق في قضاء الصوم ليس فيه تعيين أن يقضي متفرّقاً أو متتابعاً ، فلا تلزموا أنتم أحد الأمرين على البتّ والقطع.
    وأمّا في النكاح ، فمعناه أنّ النساء في قوله تعالى (واُمّهات نسائكم) (2) مبهمة غير مشروط فيهنّ الدخول بهنّ ، وإنّما ذلك في اُمّهات الربائب ، يعني قوله تعالى صفة للنساء الأخيرة فتخصّصت بها ، فلمّا كان كذلك تخصّصت الربائب لأنّها منها ، بخلاف النساء الاُولى فإنّها لم تدخل تحت هذه الصفة فكانت مبهمة. (3)
    8 قوله عليه السلام : وجعلك آية من آيات ملكه
    إشارة إلى ما في التنزيل الكريم : (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة) (4) فإنّ إتيان (5) القمر والشمس وذكر الليل والنهار على المجاز العقلي والتجوّز في الإسناد ، أو على حذف المضاف.
    وتقدير الكلام : وجعلنا نيّري الليل والنهار آيتين ، أو وجعلنا الليل والنهار ذوي آيتين ، ومحو آية الليل التي هي القمر جعلها مظلمة في نفسها ، مطموساً جرمها في الظلمة ، مستفاداً نورها من الشمس. أو نقص نورها المستفاد من الشمس في أبصار من على ساهرة الأرض شيئاً فشيئاً إلى أن ينمحي رأساً في المحاقً ، وجعل آية من النهار التي هي الشمس مبصرة ، وجعلها ذات شعاع يبصر الأشياء بضوئها ويستنير القمر من نورها.
    __________________
    1. سورة البقرة : 184.
    2. سورة النساء : 23.
    3. المغرب : 1 / 51.
    4. سورة الاسراء : 12.
    5. في «س» : فالاتيان.

    والآية العلامة الظاهرة ، وحقيقته لكلّ شيء ظاهر حسّيّ أو عقليّ هو دليل على شيء آخر يظهر للحسّ أو العقل لظهوره. واشتقاقها : إمّا من أيّ لأنّها تبيّن أيّاً من أيّ ، أو من قولهم : أوي إليه.
    قال في المفردات : وفي بناء آية ثلاثة أقوال : قيل : هي فعلة وحقّ مثلها أن يكون لامه معتلّاً دون عينه نحو حياة ونواة ، لكن صحّح لامه لوقوع الياء قبلها نحو راية. وقيل : هي فعلة إلّا أنّها قلّبت كراهة ال تضعيف نحو طائي في طيء. وقيل : هي فاعلة وأصلها آيية فخفّفت فصار آية ، وذلك ضعيف لقولهم في تصغيرها اُيّية ، ولو كانت فاعلة لقيل : اُويّة. (1)
    وقال ابن الأثير في النهاية : أصل آية أوية بفتح الواو ، وموضع العين واو ، والنسبة إليه أووي ، وقيل : أصلها فاعلة فذهبت منها اللام أو العين تخفيفاً ، ولو جاءت تامّة لكانت آيية. (2)
    (9) قوله عليه السلام : وامتهنك بالزيادة والنقصان
    الإمتهان إفتعال من المهنة بمعنى الاستعمال فيها ، وهي بالفتح والكسر الخدمة ، والماهن الخادم. أي : استخدمك واستعملك في الخدمة.
    وفي «خ» امتحنك بالحاء المهملة.
    والمعنى بالزيادة والنقصان : إمّا اختلاف مقادير جرم القمر بحسب الحسّ والرصد في الخسوفات والكسوفات بالزيادة إذا كان في البعد الأقرب ، والنقصان إذا كان في البعد الأبعد.
    وإمّا ازدياد النور وانتقاصه في الرؤية بحسب اختلاف مقدار ما يظهر للحسّ من المستنير بنور الشمس من جرمه في الأشكال المختلفة الهلاليّة والبدريّة ، فإنّ الأرض تسعة وثلاثون مثلاً وربع مثل للقمر ، والشمس مائة وستّة وستّون مثلاً وربع وثمن مثل
    __________________
    1. مفردات الراغب : ص 33 ـ 34.
    2. نهاية ابن الأثير : 1 / 88.

    للأرض ، وستّة آلاف وستّمائة وأربعة وأربعون مثلاً للقمر.
    وقد برهن أرسطرخس في الشكل الثاني من مقالته في جرمي النيّرين : أنّه إذا استضاءت كرة صغرى من كرة عظمى كان المضيء من الصغرى أعظم من نصفها ، فإذن يكون المنير من جرم القمر بنور الشمس أعظم من نصفه ، والمظلم منه أصغر من نصفه أبداً.
    وكذلك الأرض يستضيء من ضوء الشمس أكثر من نصفها ، فيكون للأرض ظلِّ مخروطيّ مستدير صغير ، يطيف به مخروط شعاع الشمس العظيم المحيط بالشمس والأرض ، أعني : مخروط النور المؤلّف من خطوط شعاعيّة من الشمس إلى محيط هذه القطعة الصغيرة من جرم الأرض ، ومن خطوط ظلّته من محيطها إلى رأس المخروط.
    فهذه القطعة هي مخروط ظلّ الأرض ، قاعدته دائرة صغيرة هي الفصل المشترك بين سطحي الأرض ومخروط النور العظيم ، ومركزه مركز قاعدته ، ويكون في سطح منطقة البروج لكون مركز الشمس دائماً عليها ، ومركزها مركز الأرض ، وسهم المخروط العظيم المارّ بمركزي الشمس والأرض يمرّ به أوّلاً ، ثمّ ينتهي إلى رأس المخروط.
    وهذان المخروطان يدوران دائماً حول الأرض بحسب الحركة الاُولى على التعاكس في الجهة ، فإذا كان مخروط الظلّ فوق الأرض ومخروط النور تحتها ، فهو زمان الليل ، وإذا كان بالعكس فهو زمان النهار ويصل مخروط الظلّ إلى فلك الزهرة ، وينتهي رأسه في أفلاكها إذا كانت الشمس في الأوج لكونه حينئذ أطول ، ولا يصل إليه إذا كانت هي في الحضيض ؛ لكونه أقصر حينئذ.
    وكذلك للقمر مخروط ظلّ هو أصغر من مخروط ظلّ الأرض جدّاً ، فإذا توهّمنا سطحاً كرياً على مركز هو بعينه مركز منطقة البروج ـ أعني : مركز العالم ـ يمرّ بمركز القمر وبمخروط ظلّ الأرض الذي هو مخروط الصغير ، حدثت منه على جرم القمر دائرة تسمّى «صفحة القمر» وعلى سطح المخروط الصغير دائرة موازية لقاعدته تسمّى «دائرة الظلّ» ويكون مركزها على المنطقة ، وهما تختلفان بحسب الأبعاد. وقد قيس بينهما فوجد قطر دائرة الظلّ مثلي قطر صفحة القمر وثلاثة أخماس في كلّ بعد.

    وإذ قد استبان لك أنّه يفصل بين المظلم والمنير من جرم القمر دائرة على جرمه هي عظيمة بحسب الحسّ ، وقريبة من العظيمة بحسب الحقيقة.
    وقد بيّن اقليدس في كتاب المناظر : أن ما بين العينين إذا كان أصغر قطر الكرة ، كان المرئيّ من الكرة أصغر من نصفها. فإذن يكون الواقع من القمر في مخروط شعاع البصر أصغر من نصفها. ويفصل بين المبصر منه عند الناظرين ، وبين ما لا يصل إليه نور البصر على جرمه ، هي أيضاً بحسب الحسّ ، وقريبة من العظيمة بحسب الحقيقة ، فالدائرتان تتطابقان تحقيقاً أو تقريباً في الإجتماع ، ويكون المبصر من القمر إذن النصف المظلم ، وتلك الحالة هي المحاقّ ، فيكون وجه قطعته الكبيرة المنيرة إلى الشمس ، ووجه قطعته الصغيرة المظلمة إلينا وفي الإستقبال أيضاً تتطابقان ، ويكون المبصر منه النصف ، وهذا هو البدر.
    فيكون إذن وجه قطعته الكبرى المنيرة إلينا وإلى الشمس جميعاً ووجه قطعته الصغرى المظلمة إلى خلاف هذه الجهة ، وفي سائر الأوضاع يتقاطعان ، أمّا في التربيعين فعلى زوايا قوائم تقريباً ، ويكون الربع الذي يلي الشمس من النصف الذي يلينا مضيئاً ، وفي غيرهما على زوايا حوادّ ومنفررجات.
    والذي يلي الشمس في الربعين الأوّل والأخير ، أي : قبل التربيع الأوّل وبعد التربيع الثاني ، هو القسم الذي يلي الزواية الحادّة ، فيكون هلالي الشكل ، وفي الربعين الأخيرين هو القسم الذي يلي الزاوية المنفرجة ، فيكون اهليلجي الشكل فيهما ، ذلك تقدير العزيز العليم ، فليتدبّر.
    (10) قوله عليه السلام : والطلوع والاُفول
    الأظهر أن يعني بالاُفول والطلوع هنا استتار المضيء من جرم القمر عن أبصار الناظرين تحت شعاع الشمس في المحاقّ ، وخروجه من تحت الشعاع يسيراً للإهلال إلى التربيع ، ثمّ إلى الاستقبال ، ثمّ الأخذ في الانتقاص بالاستتار شيئاً فشيئاً إلى التربيع الثاني ، ثمّ إلى الإجتماع في المحاقّ على ما قد عرفت ، فيكون أحد نصفي الشهر زمان الطلوع ،
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الصحيفه السجاديه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الصحيفه السجاديه كامله   الصحيفه السجاديه كامله Emptyأمس في 20:43

    والنصف الآخر زمان الاُفول على التدريج.
    ويحتمل أن يراد بهما الغروب في اُفق الغرب ، والطلوع من اُفق الشرق في كلّ يوم بليلته بالحركة الاُولى اليوميّة ، كما لسائر الأجرام والكواكب. وإنّما جعل ذلك من أحوال القمر مع شموله الكواكب بأسرها ، لكون التخلّف فيه عن تمام دورة معدّل النهار في كلّ يوم ، والإنتقال من المدار الطلوعي من المدارات اليوميّة إلى المدار الآخر الغروبي منها ، المختلفين إختلافاً بيّناً في القمر أمراً ظاهراً للحسّ غاية الظهور ، على خلاف الأمر في سائر الكواكب.
    إذ حركته الخاصّة الذاتيّة الغربيّة على التوالي من الطولع إلى الطلوع ، لها مقدار صالح مستبين للحسّ لسرعتها ، ولا كذلك الحركات الذاتيّة الغربيّة لغيره من الكواكب عند الحسّ لبطوئها.
    وهناك إحتمال آخر ثالث ولا يخلو من بعد ، وهو أن يجعل الإمتهان بالطلوع والاُفول وصفاً للقمر بحسب حال المتعلّق ، أعني منازله الثمانية والعشرين ، فإنّ كلّاً من تلك المنازل مستنير بضياء الشمس وشعاعها ثلاثة عشر يوماً بالتقريب.
    ثمّ يبرز من تحت ضيائها فيظهر للأبصار ، ويكون اختفاؤه في البداءة أيضاً بضياء الشفق في العشيّات ، وظهوره للبصر في النهاية بالبروز من ضياء الفجر بالغدوّات ، فهذا الإستتار والإختفاء في ضياء الشفق يسمّى «اُفولاً وغروباً» والبروز والخروج من ضياء الفجر «ظهوراً وطلوعاً».
    ويثبت لهذا الطلوع في التقاويم رقم «ع» في حاشية الصفحة اليمنى ولذلك في علم أحكام النجو أحكام مختلفة بحسب اختلاف أحوال المنازل وأوضاعها.
    (11) قوله عليه السلام : والإنارة والكسوف
    الإنارة في اللغة يتعدّى ، فيكون بمعنى إعطاء النور وإفادة الضوء للغير ، ولا يتعدّى فيكون بمعنى الإستنارة والإستضاءة ، أي : كونه ذا نور وضياء.
    والكسوف أيضاً يكون مصدراً للمتعدّي بمعنى الكسف والحجب ، يقال : كسفه كسفاً و

    كسوفاً أي : حجبه وقطعه. وللازم بمعنى الإنكساف والإحتجاب والإنخساف ، يقال : كسف يكسف كسوفاً ، أي : انكسف واحتجب وانخسف.
    قال في القاموس : كسف الشمس والقمر كسوفاً احتجبا كانكسفا ، والله تعالى إيّاهما حجبهما ، والأحسن في القمر خسف وفي الشمس كسفت. (1)
    وقال ابن الأثير في النهاية : في الحديث : «إنّ الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته» يقال : خسف القمر بوزن ضرب ، إذا كان الفعل له ، وخسف القمر على ما لم يسمّ فاعله.
    وقد ورد الخسوف في الحديث كثيراً للشمس ، والمعروف لها في اللغة الكسوف لا الخسوف ، فأمّا إطلاقه في مثل هذا الحديث فتغليباً للقمر لتذكيره على تأنيث الشمس ، فجمع بينهما فيما يخصّ القمر ، وللمعارضة أيضاً ، فإنّه قد جاء في رواية اُخرى : «إنّ الشمس والقمر لا ينكسفان» ، وأمّا إطلاق الخسوف على الشمس منفردة ، فلإشتراك الخسوف والكسوف في معنى ذهاب نورهما وإظلامهما ، والإنخساف مطاوع خسفته فانخسف. (2) انتهى كلام النهاية.
    وفي مفردات الراغب : الخسوف للقمر ، والكسوف للشمس ، وقال (3) بعضهم : الكسوف فيهما إذا زال بعض ضوئهما ، والخسوف إذا ذهب كلّه ويقال : خسفه الله وخسف هو ، قال تعالى (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ) (4) وقال تعالى : (لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّـهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا) (5) وفي الحديث : «إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته». (6) انتهى قول المفردات.
    وإذن فنقول : كلامه عليه السلام يحتمل حمل الإنارة والكسوف على المعنى اللازم ، فيكونان للقمر بحسب حال الإستقبال ، وعلى المعنى المتعدّي فيكونان له بحسب حال الإجتماع ، فهنا
    __________________
    1. القاموس : 3 / 190.
    2. نهاية ابن الأثير : 2 / 31.
    3. في المصدر : وقيل.
    4. سورة القصص : 81.
    5. سورة القصص : 82.
    6. مفردات الراغب : ص 148.

    مقامان :
    المقام الأوّل : في إنارة القمر ، أي : كونه ذا نور وضياء ، وكسوفه ، أي : انخساف نوره وانكساف جرمه حالة الاستقبال.
    الخسوف : هو عدم إضاءة النيّر الأصغر وهو القمر ما يلينا من كرة البخار في الوقت الذي من شأنه أن يضيء فيه ، لوقعه في مخروط ظلّ الأرض وحيلولتها بينه وبين النيّر الأعظم ، لمقاطرتها النيّرين ، أعني وقوعها معهما على قطر من أقطار العالم تحقيقاً أو تقريباً ، وكون جرمها جسماً كثيفاً حاجباً لنور الشمس عن القمر ، فلا يقع عليه أصلاً ، أو على بعضه شيء من شعاعها وقوعاً أوّلياً ، فيظلم كلّه أو بعضه حينئذ ، لكونه غير مشيء من ذاته ، فهذا حقيقة خسوف القمر كلّيّاً أو جزئيّاً.
    وهو يرى إذا كان يقع ليلاً ، فيدركه حسّ البصر ، على خلاف شاكلة الأمر في المحاقّ ، وإن كان بالليل لما سيتلى عليك إن شاء الله العزيز العليم.
    وكلّما كان القمر أكثر بعداً من الأرض كان خسوفه أقلّ مكثاً ، ولأنّ غاية عرض القمر وهي خمسة أجزاء أعظم من نصفي قطري صفحة القمر ، ودائر الظلّ لم يعرض له الإنخساف في كلّ استقبال ، ولم يكن كلّ استقبال خسوفيّاً.
    فإن كان عرض القمر ـ أي : بعد مركزه مركز دائرة الظلّ وقت الإستقبال ـ أكثر من نصفي قطر صفحته وقطر دائرة الظلّ لم يقع له خسوف أصلاً ؛ إذ ليس يلاقي دائرة الظلّ بل إنّه يمرّ بقربها ، وإن كان مساوياً لهما ماسّ القمر محيط دائرة الظلّ من خارج على نقطة في جهة عرضه ولم ينخسف شيء منه ، وإن كان أقلّ منهما وكان مساوياً لنصف قطر دائرة الظلّ مرّت دائرة الظلّ بمركز صفحة القمر ، فانخسف حينئذ نصف قطره.
    وإن كان هذا الأقلّ أكثر من نصف قطر الظلّ ، كان المنخسف أقلّ من نصفه. وإن كان العرض مساوياً لفضل نصف قطر الظلّ على نصف قطر صفحة القمر انخسف جرم القمر كلّه ، وماسّ سطحه محيط دائرة الظلّ من داخل الدائرة ، فلم يكن له مكث في الخسوف ، وإن أقلّ من ذلك كان كلّه منخسفاً وماكثاً فيه بحسب ما يقع في الظلّ ، فإن انطبق مركز القمر

    على مركز الظلّ كان المكث في الغاية ومركز القمر على العقدة مع مركز الظلّ.
    وإنّما قدر حدّ الخسوف بإثني عشر جزءاً من بعد القمر عن إحدى العقدتين ؛ لأنّ عرضه إذا جاور هذا الحدّ زاد على نصفي القطرين فلا ينخسف ، ولمّا كان الخسوف على بعد أقلّ من اثني عشر درجة من إحدى العقدتين ممكناً ، فإن كان الإستقبال بعد التجاوز عن العقدة ووقع الخسوف على طرف الحدّ ، ثمّ وقع استقبال بعد خمسة أشهر قبل الانتهاء إلى العقدة الاُخرى على طرف حدّ الخسوف ، أمكن أن ينخسف القمر مرّة ثانية ، وذلك لحركة العقدة الثانية إلى خلاف التوالي واستقبالها لموضع الخسوف ، وهذا أقلّي الوقوع.
    وإن كان الإستقبال الخسوفي قبل الوصول إلى العقدة الاُولى على طرف الحدّ والإستقبال الآخر بعد التجاوز عن العقدة الثانية بعد سبعة أشهر ، لم يكن أن يقع في حدّ الخسوف ، لمجاوزة العقدة بحركتها إلى خلاف التوالي عن المقدار المقتضي للخسوف ، فلا يكون خسوفان بينهما سبعة أشهر. وأمّا بعد ستّة أشهر فأكثري الوقوع ، لانتقال الشمس في هذه المدّة من قرب إحدى العقدتين إلى قرب الاُخرى.
    وليعلم أنّ في الخسوف الجزئي ينخسف من القمر بعضه ، ويقع المنخسف منه في خلاف جهة عرضه ، ويكون أحواله ثلاثة : بدء الخسوف ، ووسط الخسوف وهو بعينه تمامه ، وبدء انجلائه وتمام الإنجلاء.
    وفي الخسوف الكلّي ينخسف كلّه ، فإن لم يكن له مكث فكذلك أحواله ثلاثة ؛ لاتّحاد تمام الخسوف ووسطه وبدء انجلائه ، وإن كان له مكث فتكون له أحوال خمسة : بدء الخسوف ، وتمام الخسوف وهو بعينه بدء المكث ، ووسط المكث وهو حقيقة الإستقبال ، المسمّى بـ«وسط الخسوف» وبدء الإنجلاء وهو آخر المكث ، وتمام الإنجلاء.
    ولكون القمر هو الداخل بحركته في الظلّ ، يكون ابتداء الإنخساف من شرقيّة ، وكذلك يكون المنجلى أوّلاً شرقيّة أبداً ، فبدء الظلام وبدء الإنجلاء من ناحية الشرق ، والجنوب إن كان العرضي شماليّاً منها ، والشمال إن كان جنوبيّاً. وإن لم يكن له عرضي فيحاذي درجة الطالع والمظلم منه أبداً ذو جهتين.

    فالشيء في خلاف جهة العرض هي من القمر ، والاُخرى من دائرة الظلّ ، والمستنير منه هلالي محدبه منه ومقعّره منها ، ويشبه أن يكون ابتداء الخسوف أثراً دخانيّاً يظهر في شرقيّة ، ثمّ بدخوله وتوغّله في الظلّ يزداد تراكماً في الإظلام ، ويكثر ويسود إلى أن ينخسف قريب من ثلثه ، فيظهر فيه نحاسيّة بخضرة إن قلّ عرضه ، ولاجورديّة السماء إن كان عديم العرض ، ولا سيما إذا كان في الذروة ؛ وخفي عن كثير من الناس وقت توسّط الخسوف.
    ثمّ ينعكس الأمر في اختلاف أقواله إلى تمام الإنجلاء ، فيبتدىء من اللاجورديّة منتقلاً إلى النحاسيّة. وعند المتأخّرين متى كان عرضه أقلّ من عشر دقائق كان أسود حالكاً ، وإلى عشرين فبأسود بخضرة ، وإلى ثلاثين فبحمرة ، وإلى أربعين فبصفرة ، وإلى خمسين فبأغبر ، وإلى ستّين فبأشهب ، ومن هذا التشكيل يتصوّر الخسوف على تسطّح المجسم.
    المقام الثاني في كسوف القمر للشمس ، أي : كسفه إيّاها وحجبه ضوءها وإنارته ، بمعنى عدم كسفه لها وعدم حجبه نورها وضياءها عن أبصار الناظرين حالة الإجتماع.
    إعلمنّ أنّ الإجتماع وهو كون موضعي النيّرين نقطة من البروج ؛ إمّا حقيقيّ يمرّ بهما خطّ خارج من مركز العالم ، أو مرئيّ يمرّ بهما خطّ خارج عن منظر الأبصار ، والإجتماع الكسوفي والكسوف هو عدم إضاءة الشمس كلّاً أو بعضاً ما يلينا من كرة البخار في الوقت الذي من شأنها أن تضيء فيه ، لتوسّط القمر بينها وبين البصر ، لوقوعه على الخطّ الخارج من البصر إليها.
    وحجبه نورها عن الأبصار لكثافته وقطعه السماوات المستقيمة التي بين البصر والشمس ، فيرى عديمة النور كلّها أو بعضها ، وذلك يكون في الإجتماع المرئيّ الواقع فيها نهاراً ، حقيقيّاً كان أم لا في الإجتماعي الحقيقيّ فقط.
    وساعات الحقيقيّ أقرب إلى نصف النهار من ساعات المرئيّ ؛ لأنّ حركة القمر على التوالي من المغرب ، والقمر المرئيّ أقرب إلى الاُفق من القمر الحقيقيّ : نصف ال نهار يصل القمر المرئيّ إلى الشمس ثمّ الحقيقي وبعده بالعكس. ولأنّ الكسوف من عوارض

    الإجتماع المرئيّ يعتبر اختلاف المنظر في الكسوفات دون الخسوفات.
    ويمكن أن يقع الكسوف بالقياس إلى قوم دون قوم ، والشمس فوق اُفق كلّ منهما ، بخلاف الخسوف ، وهي بحسب اُفق كلّ منهما ، فإنّه إن انخسف عند أحدهما انخسف عند الآخرون ، وإن اختلف ساعات الإبتداء والتوسّط والإنجلاء ، فيكون في بلد على مضيء ساعة من الليل. وفي آخر على أقلّ أو أكثر أو يطلع منخسفاً. والفارق أن الخسوف أمر عارضيّ لجرم القمر في ذاته ، وهو صيرورته مظلماً فمن يراه يراه كذلك.
    وليس الكسوف أمراً عارضاً للشمس في ذاتها ، فإنّها على ما هي عليه وإنّما الإنكساف بالقياس إلى بعض الأبصار ، لتوسّط القمر بينها وبين البصر. ويجوز اختلاف وضع المتوسّط باختلاف المساكن ، وكذلك قد يختلف كسوف واحد عند أهل بلدين قدراً أو جهة وزماناً ، ويمتنع اختلاف خسوف واحد عند أهلهما في شيء من ذلك.
    وينبغي أن يكون العرض المرئيّ للقمر ، أعني : المعدّل باختلاف المنظر في العرض وقت الإجتماع المرئيّ ، أعني المعدّل باختلاف المنظر في الطول أقلّ من نصفي قطري صفحتي النيّرين حتّى يقع كسوف ، فإنّه إن ساواهما تماسّا ولم يقع للشمس انكساف ، وأن كان أكثر منهما فبالأولى أن لا تنكسف ، وإن كان أقلّ منهما يقع الكسوف بقدر ذلك الأقلّ.
    والضابط أنّه حينئذ أي : حين كون العرض المرئي للقمر أقلّ من نصفي قطري صفحتي النيّرين ، إن وقع المركزان ـ أعني مركزي النيّرين على الخطّ الخارج من البصر إلى الشمس ، وكان القطران للنيّرين متساويين ، بأن يكون رأس مخروط ظلّ القمر على البصر ـ انكسف الشمس كلّها ولم يكن هناك.
    وإن كان قطر الشمس أكثر ، بأن تكون الشمس في بعد أقرب والقمر في بعد أبعد ، ويكون رأس المخروط أعلى من الأبصار ، بقيت منها حلقة نورانيّة ، ويسمّى هذا الكسوف «حلقة النور».
    وإن كان أصغر بأن تكون الشمس في بعد أبعد والقمر في بعد أقرب ، ويكون رأس المخروط أسفل من سطح الأرض ، كان للكسوف مكث قليل بقدر الفصل بين القطرين ، و

    ذلك لأنّ القمر أيضاً لكونه كثيفاً مظلماً غير منير من جوهر جرمه له مخروط ظلّ يكون رأسه عند الأبصار إلى جانب الأرض في بعد يقتضي تساوي القطرين ، وأعلى من الأبصار من بعد حلقة النور ، ويقع الأبصار في دائرة من الظلّ قاطعة للمخروط في بعد يقتضي المكث ، بأن يكون قطر القمر أعظم من قطر الشمس.
    ولإعتبار حدود الكسوفات ليستبين على أيّ حدّ يمكن الكسوف وفي أيّ حدّ لا يكون ممكناً إذا اعتبر العرض الحقيقي للقمر.
    وكان اختلاف العرض أي : اختلاف المنظر في العرض تارة يزاد على العرض الحقيقي ، وذلك إذا ما كان العرض جنوبيّاً ، ومنطقة البروج والقمر في جانب واحد ومن سمت الرأس ، وتارة ينقص منه ، وذلك إذا ما كان العرض شماليّاً ليصير مرئيّاً ، لزم أن يكون الحدود عن جانبي العقدتين مختلفة بحسب اختلاف البقاع ، بخلاف الأمر في حدود الخسوفات ؛ لأنّ المعتبر هناك العرض الحقيقي وهو لا يختلف ، وهاهنا العرض المرئيّ وهو مختلف.
    ففي الإقليم الرابع يكون الكسوف على بعد غايته بعد عقدة الرأس ، أو قبل عقدة الذنب إلى ثماني عشر درجة ، أو على بعد غايته قبل عقدة الرأس ، أو بعد عقدة الذنب إلى سبع درجات ممكناً ، فكذلك يمكن أن يقع كسوفان على طرفي خمسة أشهر ، أحدهما بعد الرأس والآخر قبل الذنب ، أو على سبعة أشهر أحدهما قبل الذنب والآخر بعد الرأس.
    وأمّا على طرفي ستّة أشهر فلا اشتباه في إمكانه ، ولا في وقوع خسوف وكسوف في استقبال واجتماع متواليين ، وأكثر ما يكون بينهما من المدّة خمسة عشر يوماً. وليس يمكن خسوفان بينهما شهر في شيء من البقاع أصلاً.
    وكذلك لا يكون كسوفان بينهما شهر إلّا في بقعتين مختلفي جهة الأرض : إحداهما شماليّة والاُخرى جنوبيّة ؛ لكون القمر هو الكاسف للشمس ، والتوالي من المغرب يكون بدؤ الظلام.
    والإنجلاء في الكسوف أبداً من الجانب الغربي ، فالمنكسف أوّلاً غربيّ الشمس ، وكذلك المنجلي أوّلاً غربها ، وهذه صورة الكسوف على تسطيح المجسّم.

    44
    وكان من دعائه عليه السلام إذا دخل شهر رمضان
    الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِحَمْدِهِ ، وَجَعَلَنَا مِنْ أَهْلِهِ، لِنَكُونَ لإحْسَانِهِ مِنَ الشَّاكِرِينَ ، وَلِيَجْزِيَنَا عَلَى ذلِكَ جَزَآءَ الْمُحْسِنِينَ ، وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي حَبَانَا بِدِينِهِ ، وَاخْتَصَّنَا بِمِلَّتِهِ ، وَسَبَّلَنَا فِي سُبُلِ إحْسَانِهِ لِنَسْلُكَهَا بِمَنِّهِ إلَى رِضْوَانِهِ ، حَمْدَاً يَتَقَبَّلُهُ مِنَّا ، وَيَرْضَى بِهِ عَنَّا ، وَالْحَمْدُ لِلّه الَّذِي جَعَلَ مِنْ تِلْكَ السُّبُلِ شَهْرَهُ شَهْرَ رَمَضَانَ ، شَهْرَ الصِّيَامِ وَشَهْرَ الإِسْلاَم ، وَشَهْرَ الطَّهُورِ (1) وَشَهْرَ التَّمْحِيْصِ ، وَشَهْرَ الْقِيَامِ ، الَّذِي أُنْزِلَ فِيْهِ الْقُرْآنُ ، هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَات مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقَانِ ، فَأَبَانَ فَضِيْلَتَهُ عَلَى سَائِرِ الشُّهُورِ بِمَا جَعَلَ لَهُ مِنَ الْحُرُمَاتِ الْمَوْفُورَةِ ، وَالْفَضَائِلِ الْمَشْهُورَةِ ، فَحَرَّمَ فِيْهِ ما أَحَلَّ فِي غَيْرِهِ إعْظَاماً ، وَحَجَرَ فِيْهِ الْمَطَاعِمَ وَالْمَشَارِبَ إكْرَاماً ، وَجَعَلَ لَهُ وَقْتاً بَيِّناً لاَ يُجِيزُ جَلَّ وَعَزَّ أَنْ يُقَدَّمَ قَبْلَهُ ، وَلا يَقْبَـلُ أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْهُ ، ثُمَّ فَضَّلَ لَيْلَةً وَاحِدَةً مِنْ لَيَالِيهِ عَلَى لَيَالِي أَلْفِ شَهْر ، وَسَمَّاهَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ ، تَنَزَّلُ

    الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْر ، سَلاَمٌ دَائِمُ الْبَرَكَةِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ (2) بِمَا أَحْكَمَ مِنْ قَضَائِهِ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَلْهِمْنَا مَعْرِفَةَ فَضْلِهِ وَإِجْلاَلَ حُرْمَتِهِ ، وَالتَّحَفُّظَ مِمَّا حَظَرْتَ فِيهِ ، وَأَعِنَّـا عَلَى صِيَامِـهِ بِكَفِّ الْجَـوَارِحِ عَنْ مَعَاصِيْكَ ، وَاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ بِمَا يُرْضِيْكَ ، حَتَّى لاَ نُصْغِي بِأَسْمَاعِنَا إلَى لَغْوٍ ، وَلا نُسْرِعُ بِأَبْصَارِنَا إلَى لَهْوٍ ، وَحَتَّى لاَ نَبْسُطَ أَيْدِيَنَا إلَى مَحْظُورٍ ، وَلاَ نَخْطُوَ بِأَقْدَامِنَا إلَى مَحْجُورٍ ، وَحَتَّى لاَ تَعِيَ بُطُونُنَا إلاَّ مَا أَحْلَلْتَ ، وَلا تَنْطِقَ أَلْسِنَتُنَا إلاَّ بِمَا مَثَّلْتَ ، وَلا نَتَكَلَّفَ إلاَّ ما يُدْنِي مِنْ ثَوَابِكَ ، وَلاَ نَتَعَاطَى (3) إلاّ الَّذِي يَقِيْ مِنْ عِقَابِكَ ، ثُمَّ خَلِّصْ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ رِئآءِ الْمُرَائِينَ ، وَسُمْعَةِ الْمُسْمِعِينَ ، لاَ نَشْرِكُ فِيهِ أَحَداً دُونَكَ ، وَلا نَبْتَغِيْ فِيهِ مُرَاداً سِوَاكَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَقِفْنَـا فِيْـهِ عَلَى مَـوَاقِيْتِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْس بِحُدُودِهَا الَّتِي حَدَّدْتَ ، وَفُرُوضِهَا الَّتِي فَرَضْتَ ، وَوَظَائِفِهَا الَّتِي وَظَّفْتَ ، وَأَوْقَاتِهَا الَّتِي وَقَّتَّ ، وَأَنْزِلْنَا فِيهَا مَنْزِلَةَ الْمُصِيْبينَ لِمَنَازِلِهَا الْحَافِظِينَ لاِرْكَانِهَا ، الْمُؤَدِّينَ لَهَـا فِي أَوْقَاتِهَـا عَلَى مَا سَنَّـهُ عَبْدُكَ وَرَسُـولُكَ صَلَوَاتُـكَ عَلَيْهِ وَآلِـهِ فِي رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا ، وَجَمِيْعِ فَوَاضِلِهَا ، عَلَى أَتَمِّ الطَّهُورِ وَأَسْبَغِهِ وَأَبْيَنِ الْخُشُوعِ وَأَبْلَغِهِ ، وَوَفِّقْنَا فِيهِ لاِنْ نَصِلَ أَرْحَامَنَا بِالبِرِّ وَالصِّلَةِ ،

    وَأَنْ نَتَعَاهَدَ جِيرَانَنَا بِالاِفْضَالِ وَالْعَطِيَّةِ ، وَأَنْ نُخَلِّصَ أَمْوَالَنَا مِنَ التَّبِعَاتِ ، وَأَنْ نُطَهِّرَهَا بِإخْرَاجِ الزَّكَوَاتِ ، وَأَنْ نُرَاجِعَ مَنْ هَاجَرَنَـا ، وَأَنْ نُنْصِفَ مَنْ ظَلَمَنَا ، وَأَنْ نُسَـالِمَ مَنْ عَادَانَا حَاشَا مَنْ عُودِيَ فِيْكَ وَلَكَ ، فَإنَّهُ الْعَدُوُّ الَّذِي لاَ نُوالِيهِ ، وَالحِزْبُ الَّذِي لاَ نُصَافِيهِ ، وَأَنْ نَتَقَرَّبَ إلَيْكَ فِيْهِ مِنَ الأَعْمَالِ الزَّاكِيَةِ ، بِمَا تُطَهِّرُنا بِهِ مِنَ الذُّنُوبِ ، وَتَعْصِمُنَا فِيهِ مِمَّا نَسْتَأنِفُ مِنَ الْعُيُوبِ ، حَتَّى لا يُورِدَ عَلَيْكَ أَحَدٌ مِنْ مَلاَئِكَتِكَ إلاّ دُونَ مَا نُورِدُ مِنْ أَبْوابِ الطَّاعَةِ لَكَ ، وَأَنْوَاعِ القُرْبَةِ إلَيْكَ. أللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذَا الشَّهْرِ ، وَبِحَقِّ مَنْ تَعَبَّدَ لَكَ فِيهِ مِنِ ابْتِدَائِهِ إلَى وَقْتِ فَنَائِهِ ، مِنْ مَلَك قَرَّبْتَهُ ، أَوْ نَبِيٍّ أَرْسَلْتَهُ ، أَوْ عَبْد صَالِح اخْتَصَصْتَهُ ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَهِّلْنَا فِيهِ لِمَا وَعَدْتَ أَوْلِياءَكَ مِنْ كَرَامَتِكَ ، وَأَوْجِبْ لَنَا فِيهِ مَا أَوْجَبْتَ لأِهْلِ الْمُبَالَغَةِ فِي طَاعَتِكَ ، وَاجْعَلْنَا فِي نَظْمِ مَنِ اسْتَحَقَّ الرَّفِيْعَ الأعْلَى بِرَحْمَتِكَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَجَنِّبْنَا الإلْحَادَ فِي تَوْحِيدِكَ ، وَالتَّقْصِيرَ فِي تَمْجِيدِكَ وَالشَّكَّ فِي دِينِـكَ ، وَالْعَمَى عَنْ سَبِيْلِكَ ، وَالاغْفَالَ لِحُرْمَتِكَ ، وَالانْخِدَاعَ لِعَدُوِّكَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَإذَا كَانَ لَكَ فِيْ كُلِّ لَيْلَة مِنْ لَيَالِيْ شَهْرِنَا هَذَا رِقَابٌ يُعْتِقُهَا عَفْوُكَ أَوْ يَهَبُهَا صَفْحُكَ ، فَاجْعَلْ رِقَابَنَا

    مِنْ تِلْكَ الرِّقَابِ ، وَاجْعَلْنَا لِشَهْرِنَا مِنْ خَيْرِ أَهْل وَأَصْحَاب. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَامْحَقْ ذُنُوبَنَا مَعَ امِّحاقِ هِلاَلِهِ ، (4) وَاسْلَخْ عَنَّا تَبِعَاتِنَا مَعَ انْسِلاَخِ أَيَّامِهِ حَتَّى يَنْقَضِي عَنَّا وَقَدْ صَفَّيْتَنَا فِيهِ مِنَ الْخَطِيئاتِ وَأَخْلَصْتَنَا فِيهِ مِنَ السَّيِّئاتِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَإنْ مِلْنَا فِيهِ فَعَدِّلْنا وَإنْ زِغْنَا فِيهِ فَقَوِّمْنَا وَإنِ اشْتَمَلَ عَلَيْنَا عَدُوُّكَ الشَّيْطَانُ فَاسْتَنْقِذْنَا مِنْهُ. أللَهُمَّ اشْحَنْهُ بِعِبَادَتِنَا إيَّاكَ ، وَزَيِّنْ أَوْقَاتَهُ بِطَاعَتِنَا لَكَ ، وَأَعِنَّا فِي نَهَـارِهِ عَلَى صِيَـامِـهِ ، وَفِي لَيْلِهِ عَلَى الصَّـلاَةِ وَالتَّضَرُّعِ إلَيْكَ ، وَالخُشُوعِ لَكَ ، وَالذِّلَّةِ بَيْنَ يَدَيْكَ ، حَتَّى لا يَشْهَدَ نَهَارُهُ عَلَيْنَا بِغَفْلَة وَلا لَيْلُهُ بِتَفْرِيط. أللَّهُمَّ وَاجْعَلْنَا فِي سَائِرِ الشُّهُورِ وَالأَيَّامِ كَذَلِكَ مَا عَمَّرْتَنَا ، وَاجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ. الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ، وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ، أَنَّهُمْ إلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُـونَ ، وَمِنَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، فِي كُلِّ وَقْت وَكُلِّ أَوَان وَعَلَى كُـلِّ حَال عَـدَدَ مَا صَلَّيْتَ عَلَى مَنْ صَلَّيْتَ عَلَيْهِ ، وَأَضْعَافَ ذَلِكَ كُلِّهِ بِالاضْعافِ الَّتِي لا يُحْصِيهَا غَيْرُكَ ، إنَّكَ فَعَّالٌ لِمَا تُرِيدُ.

    (1) قوله عليه السلام : وشهر الطهور
    الطهور بالضمّ على المصدر ، وإضافة الشهر إليه إضافة الظرف إلى المظروف ، وإضافة السبب إلى المسبّب ، كما في شهر الصيام. وبالفتح على فعول : إمّا للمبالغة ، أو بمعنى ما به الطهور من أقذار الذنوب وأدناس السّيئات بالضمّ ، كما الوضوء بالفتح للوضوء بالضمّ ، والإضافة إذن بيانيّة.
    (2) قوله عليه السلام : على من يشاء من عباده
    إمّا صلة لسلام ، ورفعه على الخبر ، والمبتدأ ضمير التأنيث المنفصل المرفوع من بعد ، والتقدّم لإفادة الحصر أو للإهتمام به.
    و «من كلّ أمر» متعلّق بالخبر ومتقدّم عليه ، للتتابع في التعميم.
    فالمعنى : هذه الليلة من كلّ أمر سلام دائم البركة إلى طلوع الفجر على من يشاء من عباده. أو (مِّن كُلِّ أَمْرٍ) متعلّق بـ(تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم) والتقدير من أجل كلّ أمر. وإمّا صلة لتنزّل ، أي : إنّما تنزّلهم باذن ربّهم على من يشاء من عباده.
    فأمّا قوله عليه السلام «بما أحكم من قضائه» فمتعلّق بتنزّل لهم باذن ربّهم لا غير على كلّ حال. فليعرف.
    (3) قوله عليه السلام : ولا نتعاطى
    عطو الشيء يعاطيه أخذه وتناوله ، والمعاطاة المناولة ، والإعطاء الإنالة. ومنه يقال : أعطى البعير أي : انقاد لصاحبه ، وأصله أن يعطي رأسه للزمام فلا يتأبّى ، وضبي عطوّ وعاط : رفع رأسه لتناول الأوراق.

    (4) قوله عليه السلام : إمحاق
    الهمزة فيه همزة الإنفعال ، أو باب الإفتعال ، لا همزة الإفعال ، وهي التي إنّما احتيج إليها من جهة الإدغام في فاء الفعل ، فهو انفعال أو افتعال على مطاوع محقه يمحقه محاقاً (1) فانمحق وامتحق ، فاُبدلت النون أو التاء ميماً واُدغمت إحدى الميمين في الاُخرى كالإمحاء انفعال أو افتعال على مطاوع محاه يمحوه محواً فانمحى أو امتحى.
    وليس شيء منهما افعالاً ؛ لأنّ الإفعال لا يبدّل معنى الأصل لمجرّد أصلاً ، بل يؤكّده ويخفّفه ويجعله متأكّداً متبالغاً ، وإنّما التشديد فيه للمبالغة والإخفاء في الأمر ، لا للنقل إلى باب يفيد تبدّلاً وتغيّراً في المعنى في الإفعال ليس يجعل المتعدّي لازماً ، ولا اللازم متعدّياً.
    فإذن الإفعال من محقه ومحاه فهو ممحوق وممحوّ ، أمحقه وأمحاه فهو ممحق وممحى بالفتح على صيغة المفعول ، لا أمحق وأمحى فهو ممحق وممحق على صيغ الفاعل ، على شاكلة اللزوم دون التعدية.
    ومن هذا الباب عندهم الإدفان ، فإنّه أيضاً : إمّا إفتعال ، أو إنفعال من الدفن لا إفعال منه للتبالغ في معناه ؛ (2) لأنّ متعدّياً يقال : دفنه فهو مدفون ، فالإفعال فيه أدفنه فهو مدفن بالفتح ، لا أدفن فهو مدفن بالكسر. فليعلم وليتحقّق.
    وللفقهاء أبحاث في أنّ الإدفان هل هو عيب كالاباق أو لا؟
    قال المطرّزي في كتابيه المعرب والمغرب : شريح كان لا يرد العبد من الإدفان ويرد من الاباق البات ، وهو افتعال من الدفن لا إفعال ، وذلك أن يروغ (3) من مواليه اليوم واليومين (4) ولا يغيب عن المصر كأنّه يدفن نفسه في أبيات المصر خوفاً من عقوبة ذنب فعله ، وبعد دفون عادته ذلك. انتهى كلامه. (5)
    قلت : الصواب ما قلناه إنّ الإدفان يحتمل الإنفعال والإفتعال ، كالامحاء والإمحاق ، نعم ليس هو إفعالاً كما قاله ، فليعرف.
    __________________
    1. في «س» : محقّاً.
    2. في «س» : للتتابع.
    3. في «س» نروع.
    4. في المصدر : يوماً ويومين.
    5. المغرب : 1 / 181 ـ 182.

    45
    وكان من دعائه عليه السلام في وداع شهر رمضان
    أللَّهُمَّ يَا مَنْ لا يَرْغَبُ فِي الْجَزَاءِ ، وَلاَ يَنْدَمُ عَلَى الْعَطَآءِ ، وَيَا مَنْ لاَ يُكَافِئُ عَبْدَهُ عَلَى السَّواءِ ، مِنَّتُكَ ابْتِدَاءٌ ، وَعَفْوُكَ تَفَضُّلٌ ، وَعُقُوبَتُكَ عَـدْلٌ ، وَقَضَاؤُكَ خِيَرَةٌ ، إنْ أَعْطَيْتَ لَمْ تَشُبْ عَطَآءَكَ بِمَنٍّ ، وَإنْ مَنَعْتَ لَمْ يَكُنْ مَنْعُكَ تَعَدِّياً ، تَشْكُرُ مَنْ شَكَرَكَ وَأَنْتَ أَلْهَمْتَهُ شُكْرَكَ ، وَتُكَافِئُ مَنْ حَمِدَكَ ، وَأَنْتَ عَلَّمْتَهُ حَمْدَكَ ، تَسْتُرُ عَلَى مَنْ لَوْ شِئْتَ فَضَحْتَهُ ، وَتَجُودُ عَلَى مَنْ لَوْ شِئْتَ مَنَعْتَهُ ، وَكِلاَهُمَا أَهْلٌ مِنْكَ لِلْفَضِيحَةِ وَالْمَنْعِ غَيْرَ أَنَّكَ بَنَيْتَ أَفْعَالَكَ عَلَى التَّفَضُّلِ ، وَأَجْرَيْتَ قُدْرَتَكَ عَلَى التَّجَاوُزِ ، وَتَلَقَّيْتَ مَنْ عَصَاكَ بِالحِلْمِ ، وَأمْهَلْتَ مَنْ قَصَدَ لِنَفْسِهِ بِالظُّلْمِ ، تَسْتَنْظِرُهُمْ بِأناتِكَ إلى الإنَابَةِ ، وَتَتْرُكُ مُعَاجَلَتَهُمْ إلَى التَّوْبَةِ لِكَيْلاَ يَهْلِكَ عَلَيْكَ هَالِكُهُمْ ، وَلا يَشْقَى بِنِعْمَتِكَ شَقِيُّهُمْ ، إلاَّ عَنْ طُولِ الإِعْذَارِ إلَيْهِ ، وَبَعْدَ تَرَادُفِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ كَرَماً مِنْ عَفْوِكَ يَا كَرِيْمُ ، وَعَائِدَةً مِنْ عَطْفِكَ يَا حَلِيمُ ، أَنْتَ

    الَّذِيْ فَتَحْتَ لِعِبَادِكَ بَاباً إلَى عَفْوِكَ وَسَمَّيْتَهُ التَّوْبَـةَ ، وَجَعَلْتَ عَلَى ذلِكَ البَابِ دَلِيلاً مِنْ وَحْيِكَ لِئَلاَّ يَضِلُّوا عَنْهُ ، فَقُلْتَ تَبَارَكَ اسْمُكَ : (تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّـهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فَمَا عُذْرُ مَنْ أَغْفَلَ دُخُولَ ذلِكَ الْمَنْزِلِ بَعْدَ فَتْحِ الْبَابِ ، وَإقَامَةِ الدَّلِيْلِ ، وَأَنْتَ الَّذِي زِدْتَ فِي السَّوْمِ عَلَى نَفْسِكَ لِعِبَادِكَ ، تُرِيدُ رِبْحَهُمْ فِي مُتَاجَرَتِهِمْ لَكَ ، وَفَوْزَهُمْ بِالْوِفَادَةِ عَلَيْكَ ، وَالزِّيادَةِ مِنْكَ ، فَقُلْتَ تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَيْتَ : (مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا) ، وَقُلْتَ (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّـهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ) وَقُلْتَ (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) وَمَا أَنْزَلْتَ مِنْ نَظَائِرِهِنَّ فِي الْقُرْآنِ مِنْ تَضَاعِيفِ الْحَسَنَاتِ ، وَأَنْتَ الَّذِي دَلَلْتَهُمْ بِقَوْلِكَ مِنْ غَيْبِكَ وَتَرْغِيْبِكَ ، الَّذِي فِيهِ حَظُّهُمْ عَلَى مَا لَوْ سَتَرْتَهُ عَنْهُمْ لَمْ تُدْرِكْهُ أَبْصَارُهُمْ وَلَمْ تَعِـهِ أَسْمَاعُهُمْ ، وَلَمْ تَلْحَقْـهُ أَوْهَامُهُمْ ، فَقُلْتَ

    (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ (1) وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) وقُلْتَ (لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) وَقُلْتَ (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) فَسَمَّيْتَ دُعَاءَكَ عِبَادَةً ، وَتَرْكَهُ اسْتِكْبَاراً ، وَتَوَعَّدْتَ عَلَى تَرْكِهِ دُخُولَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ، فَذَكَرُوكَ بِمَنِّكَ ، وَشَكَرُوكَ بِفَضْلِكَ ، وَدَعَوْكَ بِأَمْرِكَ ، وَتَصَدَّقُوا لَكَ طَلَباً لِمَزِيدِكَ ، وَفِيهَا كَانَتْ نَجَاتُهُمْ مِنْ غَضَبِكَ ، وَفَوْزُهُمْ بِرِضَاكَ ، وَلَوْ دَلَّ مَخْلُوقٌ مَخْلُوقاً مِنْ نَفْسِهِ عَلَى مِثْلِ الَّذِيْ دَلَلْتَ عَلَيْهِ عِبَادَكَ مِنْكَ ، كَانَ مَوْصُوْفَاً بالإحْسَان ، وَمَنْعُوتاً بِالامْتِثَال ، ومحمُوداً بكلِّ لِسَان ، فَلَكَ الْحَمْدُ مَا وُجِدَ فِي حَمْدِكَ مَذْهَبٌ ، وَمَا بَقِيَ لِلْحَمْدِ لَفْظ تُحْمَدُ بِهِ ، وَمَعْنىً يَنْصَرفُ إلَيْهِ ، يَـا مَنْ تَحَمَّدَ إلَى عِبَـادِهِ بِالإِحْسَـانِ وَالْفَضْل ، وَغَمَرَهُمْ بِالْمَنِّ وَالطَّوْلِ ، مَا أَفْشَى فِيْنَا نِعْمَتَكَ ، وَأَسْبَغَ عَلَيْنَا مِنَّتَكَ ،
    وَأَخَصَّنَا بِبِرِّكَ ، هَدْيَتَنَا لِدِيْنِكَ الَّـذِي اصْطَفَيْتَ ، وَمِلَّتِـكَ الَّتِي ارْتَضَيْتَ ، وَسَبِيلِكَ الَّذِي سَهَّلْتَ ، وَبَصَّرْتَنَا الزُّلْفَةَ لَدَيْكَ ، وَالوُصُولَ إلَى كَـرَامَتِكَ. أللَّهُمَّ وَأَنْتَ جَعَلْتَ مِنْ صَفَـايَـا تِلْكَ الْوَظَائِفِ ، وَخَصَائِصِ تِلْكَ الْفُرُوضِ شَهْرَ رَمَضَانَ الَّذِي اخْتَصَصْتَهُ

    مِنْ سَائِرِ الشُّهُورِ ، وَتَخَيَّرْتَهُ مِن جَمِيعِ الأزْمِنَةِ وَالدُّهُورِ ، وَآثَرْتَهُ عَلَى كُلِّ أَوْقَاتِ السَّنَةِ بِمَا أَنْزَلْتَ فِيهِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالنُّورِ ، وَضَاعَفْتَ فِيهِ مِنَ الإيْمَانِ ، وَفَرَضْتَ فِيْهِ مِنَ الصِّيَامِ ، وَرَغَّبْتَ فِيهِ مِنَ القِيَامِ ، وَأَجْلَلْتَ فِيهِ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر ، ثُمَّ آثَرْتَنَا بِهِ عَلَى سَائِرِ الأُمَمِ ، وَاصْطَفَيْتَنَا بِفَضْلِهِ دُوْنَ أَهْلِ الْمِلَلِ ، فَصُمْنَا بِأَمْرِكَ نَهَارَهُ ، وَقُمْنَا بِعَوْنِكَ لَيْلَهُ ، مُتَعَرِّضِينَ بِصِيَامِهِ وَقِيَامِهِ لِمَا عَرَّضْتَنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِكَ ، وَتَسَبَّبْنَا إلَيْـهِ مِنْ مَثُوبَتِكَ ، وَأَنْتَ الْمَليءُ بِمَا رُغِبَ فِيهِ إلَيْكَ ، الْجَوَادُ بِمـا سُئِلْتَ مِنْ فَضْلِكَ ، الْقَـرِيبُ إلَى مَنْ حَـاوَلَ قُرْبَكَ ، وَقَدْ أَقَامَ فِينَا هَذَا الشَّهْرُ مَقَامَ حَمْدٍ ، وَصَحِبَنَا صُحْبَةَ مَبْرُورٍ ، وَأَرْبَحَنَا أَفْضَلَ أَرْبَاحِ الْعَالَمِينَ ، ثُمَّ قَدْ فَارَقَنَا عِنْدَ تَمَامِ وَقْتِهِ وَانْقِطَاعِ مُدَّتِهِ ، وَوَفَاءِ عَدَدِهِ ، فَنَحْنُ مُوَدِّعُوهُ وِدَاعَ مَنْ عَزَّ فِرَاقُهُ عَلَيْنَا ، وَغَمَّنَا وَأَوْحَشَنَا انْصِرَافُهُ عَنَّا ، وَلَزِمَنَا لَهُ الذِّمَامُ الْمَحْفُوظُ ، وَالْحُرْمَةُ الْمَرْعِيَّةُ ، وَالْحَقُّ الْمَقْضِيُّ فَنَحْنُ قَائِلُونَ : السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ اللهِ الأكْبَرَ ، وَيَا عِيْدَ أَوْلِيَائِهِ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَـا أكْرَمَ مَصْحُـوب مِنَ الأوْقَاتِ ، وَيَا خَيْرَ شَهْر فِي الأيَّامِ وَالسَّاعَاتِ. السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْر قَرُبَتْ فِيهِ الآمالُ ، وَنُشِرَتْ فِيهِ الأَعْمَالُ. السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ قَرِينٍ جَلَّ قَدْرُهُ مَوْجُوداً ، وَأَفْجَعَ فَقْدُهُ مَفْقُوداً ، وَمَرْجُوٍّ آلَمَ فِرَاقُهُ ،

    السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ أَلِيف آنَسَ مُقْبِلاً فَسَرَّ ، (2) وَأَوْحَشَ مُنْقَضِياً فَمَضَّ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ مُجَاوِر رَقَّتْ فِيهِ الْقُلُوبُ ، وَقَلَّتْ فِيهِ الذُّنُوبُ ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ نَاصِر أَعَانَ عَلَى الشَّيْطَانِ ، وَصَاحِبٍ سَهَّلَ سُبُلَ الإحْسَانِ ، أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مَا أكْثَرَ عُتَقَاءَ اللهِ فِيكَ ، وَمَا أَسْعَدَ مَنْ رَعَى حُرْمَتَكَ بكَ ، أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مَا كَانَ أَمْحَاكَ لِلذُّنُوبِ ، وَأَسْتَرَكَ لِأَنْوَاعِ الْعُيُوبِ ، أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مَا كَانَ أَطْوَلَكَ عَلَى الْمُجْرِمِينَ ، وَأَهْيَبَكَ فِي صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ ، أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْر لا تُنَافِسُهُ الأيَّامُ ، أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْر هُوَ مِنْ كُلِّ أَمْر سَلاَمٌ ، أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ غَيْرَ كَرِيهِ الْمُصَاحَبَةِ ، وَلاَ ذَمِيمِ الْمُلاَبَسَةِ ، أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ كَمَا وَفَدْتَ عَلَيْنَا بِالْبَرَكَاتِ ، وَغَسَلْتَ عَنَّا دَنَسَ الْخَطِيئاتِ ، أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ غَيْرَ مُوَدَّعٍ بَرَماً ، وَلاَ مَتْرُوك صِيَامُهُ سَأَماً ، أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ مَطْلُوبِ قَبْلَ وَقْتِهِ ، وَمَحْزُونٍ عَلَيْهِ قَبْلَ فَوْتِهِ ، أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ كَمْ مِنْ سُوء صُرِفَ بِكَ عَنَّا ، وَكَمْ مِنْ خَيْرٍ أُفِيضَ بِكَ عَلَيْنَا ، أَلسَّلاَمُ عَلَيْـكَ وَعَلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، أَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ ما كَانَ أَحْرَصَنَا بِالأمْسِ عَلَيْكَ ، وَأَشَدَّ شَوْقَنَا غَدَاً إلَيْكَ ، أَلسَلاَمُ عَلَيْكَ وَعَلَى فَضْلِكَ الَّذِي حُرِمْنَاهُ ، وَعَلَى مَاض مِنْ بَرَكَاتِكَ سُلِبْنَاهُ. أَللَّهُمَّ إنَّا أَهْلُ هَذَا الشَّهْرِ الِّذِي شَرَّفْتَنَا بِهِ ، وَ

    وَفّقتَنَا بِمَنِّكَ لَهُ ، حِينَ جَهِلَ الاَشْقِيَاءُ وَقْتَهُ ، وَحُرِمُوا لِشَقَائِهِم فَضْلَهُ ، أَنْتَ وَلِيُّ مَا اثَرْتَنَا بِهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ ، وَهَدَيْتَنَا مِنْ سُنَّتِهِ ، وَقَدْ تَوَلَّيْنَا بِتَوْفِيقِكَ صِيَامَهُ وَقِيَامَهُ عَلى تَقْصِيرٍ ، وَأَدَّيْنَا فِيهِ قَلِيلاً مِنْ كَثِيـر. اللَّهُمَّ فَلَكَ الْحمدُ إقْـرَاراً بِـالإسَاءَةَ ، وَاعْتِرَافاً بِالإضَاعَةِ ، وَلَك مِنْ قُلُوبِنَا عَقْدُ النَّدَمِ ، وَمِنْ أَلْسِنَتِنَا صِدْقُ الاعْتِذَارِ ، فَأَجِرْنَا عَلَى مَا أَصَابَنَا فِيهِ مِنَ التَّفْرِيطِ أَجْرَاً نَسْتَدْركُ بِهِ الْفَضْلَ الْمَرْغُوبَ فِيهِ ، وَنَعْتَاضُ بِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الذُّخْرِ الْمَحْرُوصِ (3) عَلَيْهِ ، وَأَوْجِبْ لَنَا عُذْرَكَ عَلَى مَا قَصَّرْنَا فِيهِ مِنْ حَقِّكَ ، وَابْلُغْ بِأَعْمَارِنَا مَا بَيْنَ أَيْديْنَا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُقْبِلِ ، فَإذَا بَلَّغْتَنَاهُ فَأَعِنَّا عَلَى تَنَاوُلِ مَا أَنْتَ أَهْلُهُ مِنَ الْعِبَادَةِ ، وَأَدِّنَا إلَى الْقِيَامِ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الطَّاعَةِ ، وَأجْرِ لنا مِنْ صَالِحِ العَمَلِ مَا يَكون دَرَكاً لِحَقِّكَ فِي الشَّهْرَيْنِ مِنْ شُهُورِ الدَّهْرِ. أللَّهُمَّ وَمَا أَلْمَمْنَا بِهِ فِي شَهْرِنَا هَذَا مِنْ لَمَم أَوْ إثْم ، أَوْ وَاقَعْنَا فِيهِ مِنْ ذَنْبِ ، وَاكْتَسَبْنَا فِيهِ مِنْ خَطِيئَة عَلَى تَعَمُّد مِنَّا أَوِ عَلى نِسْيانٍ ظَلَمْنا فيهِ اَنْفُسَنا ، اَوِ انْتَهَكْنَا بِهِ حُرْمَةً مِنْ غَيْرِنَا ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاسْتُرْنَا بِسِتْرِكَ ، وَاعْفُ عَنَّا بِعَفْوِكَ ، وَلاَ تَنْصِبْنَا فِيهِ لاِعْيُنِ الشَّامِتِينَ ، وَلاَ تَبْسُطْ عَلَيْنَا فِيهِ أَلْسُنَ الطَّاغِينَ ، وَاسْتَعْمِلْنَا بِمَا يَكُونُ حِطَّةً وَكَفَّارَةً لِمَا أَنْكَرْتَ مِنَّا فِيهِ بِرَأْفَتِكَ الَّتِي لاَ تَنْفَدُ ، وَ

    فَضْلِكَ الَّذِي لا يَنْقُصُ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَاجْبُرْ مُصِيبَتنَا بِشَهْرِنَا ، وَبَارِكْ لَنا فِي يَوْمِ عِيْدِنَا وَفِطْرِنَا ، وَاجْعَلْهُ مِنْ خَيْرِ يَوْم مَرَّ عَلَيْنَا أَجْلَبِهِ لِعَفْوٍ ، وَأَمْحَاهُ لِذَنْبِ ، وَاغْفِرْ لَنا ما خَفِيَ مِنْ ذُنُوبِنَا وَمَا عَلَنَ. أللَّهُمَّ اسلَخْنَا بِانْسِلاَخِ هَذَا الشَّهْرِ مِنْ خَطَايَانَا ، وَأَخْرِجْنَا بُخُرُوجِهِ مِنْ سَيِّئاتِنَا ، وَاجْعَلْنَا مِنْ أَسْعَدِ أَهْلِهِ بِهِ ، وَأَجْزَلِهِمْ قِسَمَاً فِيـهِ ، وَأَوْفَـرِهِمْ حَظّاً مِنْـهُ. أللّهُمَّ وَمَنْ رَعَى حَقّ هَذَا الشَّهْرِ حَقَّ رِعَايَتِهِ ، (4) وَحَفِظَ حُرْمَتَهُ حَقَّ حِفْظِهَا ، وَقَامَ بِحُدُودِهِ حَقَّ قِيَامِهَا ، وَأتَّقَى ذُنُوبَهُ حَقَّ تُقَاتِهَا ، أَوْ تَقَرَّبَ إلَيْكَ بِقُرْبَة أَوْجَبَتْ رِضَاكَ لَهُ ، وَعَطَفَتْ رَحْمَتَكَ عَلَيْهِ ، فَهَبْ لَنَا مِثْلَهُ مِنْ وُجْدِكَ ، وَأَعْطِنَا أَضْعَافَهُ مِنْ فَضْلِكَ ، فَإنَّ فَضْلَكَ لا يَغِيْضُ ، وَإنَّ خَـزَائِنَكَ لا تَنْقُصُ. بَـلْ تَفِيضُ وَإنَّ مَعَـادِنَ إحْسَانِكَ لا تَفْنَى ، وَإنَّ عَطَاءَكَ لَلْعَطَآءُ الْمُهَنَّا ، أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَاكْتُبْ لَنَا مِثْلَ أجُورِ مَنْ صَامَهُ ، أَوْ تَعَبَّدَ لَكَ فِيْهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. أللَّهُمَّ إنَّا نَتُوبُ إلَيْكَ فِي يَوْمِ فِطْرِنَا الّذِي جَعَلْتَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ عِيداً وَسُـرُوراً وَلأِهْلِ مِلَّتِكَ مَجْمَعاً وَمُحْتشداً مِنْ كُلِّ ذَنْب أَذْنَبْنَاهُ ، أَوْ سُوْء أَسْلَفْنَاهُ ، أَوْ خَاطِرِ شَرٍّ أَضْمَرْنَاهُ ، تَوْبَةَ مَنْ لاَ يَنْطَوِيْ عَلَى رُجُوعٍ إلَى ذَنْبٍ ، وَلا يَعُودُ بَعْدَهَا فِي خَطِيئَة ، تَوْبَةً نَصوحاً خَلَصَتْ مِنَ الشَّكِّ وَالارْتِيَابِ ، فَتَقَبَّلْهَا مِنَّا ، وَارْضَ عَنَّا ،

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الصحيفه السجاديه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الصحيفه السجاديه كامله   الصحيفه السجاديه كامله Emptyأمس في 20:45

    وَثَبِّتنَا عَلَيْهَا. أللَّهُمَّ ارْزُقْنَا خَوْفَ عِقَابِ الْوَعِيدِ ، وَشَوْقَ ثَوَابِ الْمَوْعُودِ ، حَتّى نَجِدَ لَذَّةَ مَا نَدْعُوكَ بِهِ ، وكَأْبَةَ مَا نَسْتَجِيْرُكَ مِنْهُ ، وَاجْعَلْنَا عِنْدَكَ مِنَ التَّوَّابِيْنَ ، الَّذِينَ أَوْجَبْتَ لَهُمْ مَحَبَّتَكَ ، وَقَبِلْتَ مِنْهُمْ مُرَاجَعَةَ طَاعَتِكَ ، يَا أَعْدَلَ الْعَادِلِينَ. أللَّهُمَّ تَجَاوَزْ عَنْ آبآئِنَا وَأُمَّهَاتِنَا ، وَأَهْلِ دِيْنِنَا جَمِيعاً مَنْ سَلَفَ مِنْهُمْ وَمَنْ غَبَرَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد نَبِيِّنَا وَآلِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى مَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبِينَ ، وَصَلِّ عَلَيْهِ وَآلِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى أَنْبِيَائِكَ الْمُرْسَلِينَ ، وَصَلِّ عَلَيْهِ وَآلِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ، وَأَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ ، صَلاَةً تَبْلُغُنَا بَرَكَتُهَا ، وَيَنَالُنَا نَفْعُهَا ، وَيُسْتَجَابُ لَنَا دُعَاؤُنَا ، إنَّكَ أكْرَمُ مَنْ رُغِبَ إلَيْهِ ، وَأكْفَى مَنْ تُوُكِّلَ عَلَيْهِ ، وَأَعْطَى مَنْ سُئِلَ مِنْ فَضْلِهِ ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ.

    (1) قوله عليه السلام : فقلت اذكروني أذكركم
    يجب هاهنا إظهار همزة اُذكروني المضمومة وصلاً ووقفاً ، وكذلك همزة «اُدعوني» المضمومة في وقلت : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ولا يجوز إسقاطها في الوصل ، مع أنّها همزة الوصل دون القطع ؛ لكونهما أوّل المعمول المحكيّ عن التنزيل الكريم ، وكذلك في مثل قلناه : «والله أعلم» للذات المقدّسة يجب إظهار همزة «الله» ولا يجوز إسقاطها كما هو المستبين ، فليعلم.
    (2) قوله عليه السلام : مقبلاً
    بضمّ الميم وكسر الباء الموحّدة بعد القاف الساكنة ، على اسم الفاعل من الإقبال نقيض الإدبار. أو بفتح الموحّدة من أقبل مقبلاً ، على نحو قوله سبحانه (أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ) (1) أي : أقبل إقبالاً مونساً ، كما هناك أدخلني إدخال صدق وآنس بإقباله علينا ، كما تقول : سرنا إكراماً ، أي : بإكرامه إيّانا.
    (3) قوله عليه السلام : الذخر المخروص
    بالخاء المعجمة والصاد المهملة من الخرص بمعنى الحرز والتخمين ، وتنبيهاً على أنّ ما توهّمه من الذخر المعتاض به إنّما هو على سبيل تقدير وتخمين ، كما هو شاكلة الآملين و
    __________________
    1. الاسراء : 80.

    المؤمّلين ، لا من جهة استحقاق واستيجاب منّا يوجب ذلك.
    وفي خ «لش» المحروض بالحاء المهملة والضاد المعجمة. وفي بعض نسخ الكتاب ونسخة «كف» المحروص عليه بالمهملتين.
    (4) قوله عليه السلام : حقّ رعايته
    يعود إلى الشهر على ما في أصل الكتاب ، وإلى الحقّ المضاف إلى هذا الشهر على رواية ابن إدريس.

    46
    وكان من دعائه عليه السلام
    في يوم الفطر إذا انصرف من صلوته
    قام قائما ثم استقبل القبلة وَفي يوم الجمعة فقال
    يَا مَنْ يَرْحَمُ مَنْ لا يَرْحَمُهُ الْعِبَادُ ، وَيَا مَنْ يَقْبَلُ مَنْ لا تَقْبَلُهُ الْبِلاَدُ ، وَيَا مَن لاَ يَحْتَقِرُ أَهْلَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ، وَيَا مَنْ لا يُخَيِّبُ الملِحِّيْنَ عَلَيْـهِ ، وَيَا مَنْ لاَ يَجْبَهُ بِالرَّدِّ أَهْلَ الدَّالَّةِ عَليهِ ، وَيَا مَنْ يَجْتَبِي صَغِيرَ مَايُتْحَفُ بِهِ ، (1) وَيَشْكُرُ يَسِيرَ مَا يُعْمَلُ لَهُ ، وَيَامَنْ يَشْكُرُ عَلَى الْقَلِيْلِ وَيُجَازيْ بِالْجَلِيلِ ، وَيَا مَنْ يَدْنُو إلَى مَنْ دَنا مِنْهُ ، وَيَا مَنْ يَدعُو إلَى نَفْسِهِ مَنْ أَدْبَرَ عَنْهُ ، وَيَا مَنْ لا يُغَيِّرُ النِّعْمَةَ ، وَلا يُبَادِرُ بِالنَّقِمَةِ ، وَيَا مَنْ يُثْمِرُ الْحَسَنَةَ حَتَّى يُنْمِيَهَا ، وَيَتَجَاوَزُ عَنِ السَّيِّئَةِ حَتَّى يُعَفِّيَهَا ، انْصَرَفَتِ الآمَالُ دُونَ مَدى كَرَمِكَ بِالحَاجَاتِ ، وَامْتَلاَتْ بِفَيْضِ جُودِكَ أَوْعِيَةُ الطَّلِبات ، وَتَفَسَّخَتْ دُونَ بُلُوغِ نَعْتِـكَ الصِّفَاتُ ، فَلَكَ الْعُلُوُّ الأعْلَى فَوْقَ كُلِّ عَالٍ ، وَالْجَلاَلُ الأمْجَدُ فَوْقَ

    كُلِّ جَلاَلٍ ، كُلُّ جَلِيْل عِنْدَكَ صَغِيرٌ وَكُلُّ شَرِيف فِي جَنْبِ شَرَفِكَ حَقِيرٌ ، خَابَ الْوَافِدُونَ عَلَى غَيْرِكَ ، وَخَسِرَ الْمُتَعَرِّضُونَ إلاَّ لَكَ ، وَضَاعَ الْمُلِمُّونَ إلاّ بِكَ ، وَأَجْدَبَ الْمُنْتَجِعُـونَ إلاَّ مَنِ انْتَجَعَ فَضْلَكَ ، بَابُكَ مَفْتُوحٌ لِلرَّاغِبِينَ ، وَجُودُكَ مُبَاحٌ لِلسَّائِلِينَ ، وَإغاثَتُكَ قَرِيبَةٌ مِنَ الْمُسْتَغِيْثِينَ ، لاَ يَخِيبُ مِنْـكَ الآمِلُونَ وَلاَ يَيْأَسُ مِنْ عَطَائِكَ الْمُتَعَرِّضُونَ ، وَلا يَشْقَى بِنَقْمَتِكَ الْمُسْتَغْفِرُونَ ، رِزْقُكَ مَبْسُوطٌ لِمَنْ عَصَاكَ ، وَحِلْمُكَ مُعْتَـرِضٌ لِمَنْ نَاوَاكَ ، عَادَتُكَ الإحْسَـانُ إلَى الْمُسِيئينَ ، وَسُنَّتُـكَ الإبْقَاءُ عَلَى الْمُعْتَدِينَ ، حَتَّى لَقَدْ غَرَّتْهُمْ أَنَاتُكَ عَنِ الرُّجُوعِ ، وَصَدَّهُمْ إمْهَالُكَ عَن النُّزُوعِ ، وَإنَّمَا تَأَنَّيْتَ بهمْ لِيَفِيئُوا إلَى أَمْرِكَ ، وَأَمْهَلْتَهُمْ ثِقَةً بِدَوَامِ مُلْكِكَ ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ خَتَمْتَ لَهُ بِهَا ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ خَذَلْتَهُ لَهَا ، كُلُّهُمْ صَائِرُونَ إلَى حُكْمِكَ وَأُمُورُهُمْ آئِلَة إلَى أَمْـرِكَ ، لَمْ يَهِنْ عَلَى طُـولِ مُـدَّتِهِمْ سُلْطَانُـكَ ، وَلَمْ يَـدْحَضْ لِتَـرْكِ مُعَاجَلَتِهِمْ بُرْهَانُكَ ، حُجَّتُكَ قَائِمَةٌ لاَ تُدْحَضُ ، وَسُلْطَانُكَ ثَابِتٌ لا يَزُولُ ، فَالْوَيْلُ الدَّائِمُ لِمَنْ جَنَحَ عَنْكَ ، وَالْخَيْبَةُ الْخَاذِلَةُ لِمَنْ خَابَ مِنْكَ ، وَالشَّقاءُ الاشْقَى لِمَنِ اغْتَرَّ بِكَ ، مَا أكْثَرَ تَصَرُّفَهُ فِي عَذَابِكَ ، وَمَا أَطْوَلَ تَرَدُّدَهُ فِيْ عِقَابِكَ ، وَمَا أَبْعَدَ غَايَتَهُ مِنَ الْفَرَجِ ، وَمَا أَقْنَطَهُ مِنْ سُهُولَةِ الْمَخْرَجِ ،

    عَدْلاً مِنْ قَضَائِكَ لاَ تَجُورُ فِيهِ ، وَإنْصَافاً مِنْ حُكْمِكَ ، لاَ تَحِيفُ عَلَيْهِ ، فَقَدْ ظَاهَرْتَ الْحُجَجَ ، وَأَبْلَيْتَ الاعْذَارَ وَقَـدْ تَقَدَّمْتَ بِـالْوَعِيْـدِ ، وَتَلَطَّفْتَ فِي التَّرْغِيْبِ ، وَضَرَبْتَ الامْثَالَ ، وَأَطَلْتَ الاِمْهَالَ ، وَأَخَّرْتَ وَأَنْتَ مُسْتَطِيعٌ لِلْمُعَاجَلَةِ ، وَتَأَنَّيْتَ وَأَنْتَ مَليءٌ بِالْمُبَادَرَةِ ، لَمْ تَكُنْ أَنَاتُكَ عَجْزاً ، وَلا إمْهَالُكَ وَهْناً ، وَلاَ إمْسَاكُكَ غَفْلَةً ، وَلاَ انْتِظَارُكَ مُدَارَاةً ، بَلْ لِتَكُونَ حُجَّتُكَ أَبْلَغَ ، وَكَرَمُكَ أكمَلَ ، وَإحْسَانُكَ أَوْفَى ، وَنِعْمَتُكَ أَتَمَّ ، كُلُّ ذلِكَ كَانَ وَلَمْ تَزَلْ ، وَهُوَ كائِنٌ ، وَلاَ تَزَالُ حُجَّتُكَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ توصَفَ بِكُلِّهَا ، وَمَجْدُكَ أَرْفَـعُ مِنْ أَنْ يُحَدَّ بِكُنْهِهِ ، وَنِعْمَتُكَ أكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى بِأَسْرِهَا ، وَإحْسَانُكَ أكْثَرُ مِنْ أَنْ تُشْكَرَ عَلَى أَقَلِّهِ ، وَقَدْ قَصَّرَ بِيَ السُّكُوتُ عَنْ تَحْمِيدِكَ ، وَفَهَّهَنِي الإمْسَاكُ عَنْ تَمْجيدِكَ ، وَقُصَارَايَ الإقْرَارُ بِالْحُسُورِ لاَ رَغْبَةً يا إلهِي ، بَلْ عَجْزاً ، فَهَا أَنَا ذَا أَؤُمُّكَ بِالْوِفَادَةِ ، وَأَسأَلُكَ حُسْنَ الرِّفَادَةِ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِـهِ ، وَاسْمَعْ نَجْوَايَ ، وَاسْتَجِبْ دُعَائِي ، وَلاَ تَخْتِمْ يَوْمِيَ بِخَيْبَتِي ، وَلاَ تَجْبَهْنِي بِالرَّدِّ فِي مَسْأَلَتِي ، وَأكْرِمْ مِنْ عِنْدِكَ مُنْصَرَفِي ، وَإلَيْكَ مُنْقَلَبِي ، إنَّكَ غَيْرُ ضَائِق بِمَا تُرِيْدُ ، وَلاَ عَاجِز عَمَّا تُسْأَلُ ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيْرٌ ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاَّ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

    (1) قوله عليه السلام : ويا من يجتبي صغير ما يتحف به
    افتعال من الجباية بمعنى يختاره ويصطفيه ، وإنّما كان سبحانه يصطفي صغير ما يتحف به من الأعمال والحسنات ؛ لأنّ جميع طاعات وعبادات الطائعين كبيرها وصغيرها في إزاء عزّ جلاله حقير بالقياس إلى ما يسحقّه كبرياء جنابه تعالى شأنه وتعاظم سلطانه.
    وفي «خ» لا يجتبي بكلمة النفي.
    وتحقيق مغزاه من وجوه عديدة :
    الأوّل : أنّه جلّ مجده من باب الفضل والرحمة لا يجتبيه صغيراً بل يأخذه كبيراً عظيماً ، وإن كان هو في حدّ نفسه وبحسب قياسه إلى جناب الكبرياء صغيراً حقيراً جدّاً ، كما في «لا يسمع الدعاء الملحّون» على أحد التفسيرين ، أي : لا يسمع ملحوناً ، بل مهما يكن دعاء اللاحن عن نيّة خالصة وطيّة نقيّة. وأن كان مدخولاً في ألفاظه وملحوناً في إعرابه يجعل الله قسطه من الإستجابة موفوراً ، ويتقبّله مسموعاً مبروراً ، كأنّه لم يكن مدخولاً ولا ملحوناً تطوّلاً وامتناناً وتفضّلاً وإحساناً.
    الثاني : أنّ الصغير الغير المجتبى ولا المتقبّل من أعمال العاملين هو ما يكون عند العامل صغير يستصغره ويستحقره ويستخفّ به ، ولا يحتسب بذلك ذخراً عند الله وأجراً.
    فإن قلت : أليس استقلال الطاعة وإن كانت عظيمة كبيرة ، واستكبار المعصية وإن كانت لمماً صغيرة من أرفع درجات العبوديّة ، وأنفعها في قبول جناب الربوبيّة.
    قلت : ذاك هو أن يستصغر الطائع المتعبّد طاعته ويستحقرها بما هي صادرة عنه ، وبحسب ما الله له أهل بكرم وجهه وعزّ جلاله من الطاعة والعبادة لا من حيث هي طاعة

    الله سبحانه وعبادته ، وبما لها شرف الإنتساب إلى جناب مجده ، وعزّ الإختضاع (1) لسلطان ربوبيّته ، فإنّه في مذهب العبوديّة ومن جهة كبرياء الربوبيّة استعظام أقلّ الطاعات ، واستكبار أصغر العبادات (2) من تلك الحيثيّة غاية الإستعظام والإستكبار والإعتداد بها على قصيا الغايات ، والإحتساب بذلك عند الله سبحانه كبير الأجر وعظيم الذخر.
    ومن هذا الباب أنّ من وظائف الدعاء أن يكون الداعي مستيقناً للإجابة. وفي الحديث : من أتى الجمعة إيماناً واحتساباً استأنف العمل ، ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً وجب له الجنّة. وقد تكرّر في الحديث النهي عن استصغار شيء من الطاعات والمعاصي ، ومنه أنّ الله عزّ وجلّ أخفى مرضاته في طاعته ، فلا تتركنّ شيئاً من طاعته فلعلّ فيها مرضاته ، وأخفى سخطه في معاصيه فلا يقربنّ شيئاً من معصيته فلعلّ فيها سخطه.
    الثالث : أنّ المعنى بالصغير الذي لا يجتبي ولا يتقبّل من الأعمال ، عمل الجوارح البدنيّة والأعضاء الأدويّة والآلات الجسديّة ، منسلخاً عن اقتران نخوع (3) النفس المجرّدة واختضاع القلب الملكوتي ، وذلك مخّ الطاعة ومخّ العبادة وروح العمل ، والأعمال من دون ذلك كأجساد الموتى. وإنّما عدّت أعمال الجسد صغيرة ؛ لأنّ البدن صغير خسيس بالقياس إلى النفس المجرّدة وعالم الأجسام (4) ، أعني جملة عالم الخلق وهو عالم الشهادة ، حقير صغير جدّاً بالنسبة إلى عالم الأرواح ، أعني جملة عالم الأمر ، وهو عالم الغيب وعالم التسبيح.
    قال أرسطو طاليس في أثولوجيا : النفس ليست في البدن ، بل البدن في النفس ؛ لأنّها أوسع منه ، ومن أراد أن ينظر إلى صورة نفسه المجرّدة فليجعل من الحكمة مرآة.
    ومن هناك يستبين سرّ ما في الحديث عن سيّد الورى وصفو البرايا صلّى الله عليه وآله : نيّة المؤمن خير من عمله. وقد استقصينا وجوه شرحه وحقايق تفسيره في السبع
    __________________
    1. في «ن» : الإختصاص.
    2. في «س» : العنايات.
    3. في «ن» : تجزع وفي «س» : نجوع.
    4. في «ن» : الأجساد.

    الشداد. (1)
    وعنه صلى الله عليه وآله : لا يتقبّل الله إلّا نخائل القلوب.
    وفي قدسي الحديث : ما وسعني أرضي وسمائي ، ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن. (2)
    وفي التنزيل الكريم : (لَن يَنَالَ اللَّـهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ) (3) (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ). (4)
    وقد ذكر رؤساء الحكاء ومعلّموهم : أنّ منزلة الجسد الإنساني ، بل أعظم الأجساد الحيوانيّة ، بالنسبة إلى هيكل نظام العالم الأكبر المعبّر عنه بالأنسان الكبير ، منزلة حصاة صغيرة متكوّنة في المثانة بالإضافة إلى هياكل أبدان أنواع الإنسان المعبّر عنه بالعالم الأصغر ، وإنّما ذلك على سبيل التقريب والتفاضل بين النسبتين على التحقيق أعظم ممّا بين السماء والأرض ، يستبين ذلك من مقدّمتين بالاُصول الرصديّة والبراهين الهندسيّة.
    الاُولى : أنّه لا مقدار لجرم كرة الأرض في الحسّ بالنسبة إلى كرة فلك الشمس فما فوقها من كرات سائر الأفلاك ، بل إنّها بالنسبة إليها عديمة القدر ، كنقطة المركز بالنسبة إلى محيط المركز ومحيط الدائرة ، فسطح بسيط الأرض ومركز جرمها هناك بمنزلة واحدة ، ولذلك كان للشمس اختلاف المنظر محسوساً ، ولم يكن لشيء من الكواكب الثابتة والسيّارة العلويّة فوق الشمس اختلاف منظر أصلاً لا محسوباً ولا محسوساً.
    ثمّ إنّ كرة تدوير المرّيخ أعظم من ممثّل الشمس وما في جوفها ، ومن ثمّ كانت الشمس عن المرّيخ حين المقارنة أبعد منها عنه عبد المقابلة ؛ لكون قطر تدوير المرّيخ ـ وهو مقدار البعد بينهما حين المقارنة ـ أعظم من قطر ممثّل (5) الشمس ، وهو مقدار البعد بينهما عند المقابلة.
    __________________
    1. السبع الشداد : ص 100.
    2. عوالي اللئالي : 4 / 7.
    3. سورة الحجّ : 37.
    4. سورة الحجّ : 32.
    5. في «س» : مميل.

    ثمّ مقدار ثخن الفلك الأقصى المحدّدة لجهات العالم وهو العرش العظيم ، ممّا استأثر بعلمه الخلّاق العظيم لا يعلمه إلّا هو ، وليس لأصحاب الإرصاد والمسيرين لاستخراج مقادير الأبعاد والأجرام إلى معرفة مقدار حركته في محدب سطحيه من سبيل أصلاً ، إنّما يسرّهم الله سبحانه لاستعلام مقدار حركته في سطحه المقعّر.
    فاستبان لهم على ما نحن قد بيّنّاه بفضل الله وإكرامه وحسن توفيقه وإلهامه في كتبنا وصحيفتنا البرهانيّة : أنّه يقطع بحركته من مقعّر سطحه بمقدار ما يقول أحد «واحد» بإسكان الدال خمسة آلاف ومائة وستّة وتسعين ميلاً ، وتلك ألف وسبعمائة واثنان وثلاثون فرسخاً ، ذلك تقدير العزيز العليم.
    وسبيل الثانية : أنّ ارتفاع أعظم الجبال وهو فرسخان وثلث فرسخ على قوانين الرصد والحساب نصف سبع ثمن تسع قطر الأرض ، وهو ألفان وخمسمائة وخمسة وأربعون فرسخاً تقريباً قريباً من التحقيق ، فإنّه على التحقيق أقلّ من ذلك بشيء نزر غير معبوء به ، إذ فرسخان وثلث فرسخ نصف سبع خمسة وثلاثين فرسخاً وربع فرسخ على التقريب ، وأقلّ من ذلك شيء يسير على التحقيق. وخمسة وثلاثون وربع فرسخ ثمن مائتين واثنين وثمانين فرسخاً على التحقيق ، ومائتان واثنان وثمانين فرسخاً تسع ألفين وخمسمائة وثمانية وثلاثين فرسخاً على التحقيق أيضاً ، وذلك أقلّ من قطر الأرض بسبعة فراسخ.
    فهذه النسبة التقريبيّة لارتفاع أعظم الجبال إلى قطر الأرض هي النسبة التحقيقيّة للواحد إلى ألف وثمانية ، إذ الواحد نصف سبع أربعة عشر ، وأربعة عشر ثمن مائة واثنى عشر ، مائة واثنى عشر تسع ألف وثمانية.
    فإذا اعتبرنا شعيرات الذراع وهي مائة وأربعة وأربعون شعيرة اسباعاً ، كان ارتفاع أعظم الجبال نسبة إلى قطر الأرض نسبة نصف سدس خمس تلك الأسباع ، وهي ألف وثمانية إليها على تقريب لا يزيد عليه التحقيق إلّا شيء نزر غير معبوء به ، إذ تلك الإرتفاع نصف سدس تسعة وعشرين على تقريب قريب من التحقيق ، وتسعة وعشرون و

    خمسمائة وخمسة وأربعين على التحقيق وخمس عدد شعيرات الذراع أعني مائة وأربعة وأربعون على القريب أعني على التقريب. وأربعة وأربعون سبع عدد الأسباع أعني ألفاً وثمانية تحقيقاً.
    وإنّما تستقيم لو كان قطر الأرض ألفين وخمسمائة وعشرين فرسخاً ، فيؤخذ عرض كلّ شعيرة من شعيرات الذراع سبعة عشر جزء ونصف جزء ، فتصحيح النسبة على ما يقال تقريباً ، ويكون التقريب فيها من حيث أخذ ارتفاع أعظم الجبال فرسخين ونصفاً.
    هذا ما نحن أوردناه في مقام هو حيّز بيان هذه المسألة.
    فأمّا ما يدور على الألسن أنّ نسبة ارتفاع أعظم الجبال إلى قطر الأرض نسبة خمس سبع عرض شعيرة إلى ذراع ، وربّما يقال : إنّ نسبة سبع عرض شعيرة إلى ذراع ، فإنّ فيها ضرباً من التقريب بعيداً عن حاقّ التحقيق ، وإنّما تستقيم لو كان قطر الأرض ألفين وخمسمائة وعشرين فرسخاً ، فيؤخذ عرض كلّ شعيرة من شعيرات الذراع سبعة عشر جزءاً ونصف جزء فتصحيح النسبة على ما يقال تقريباً ، ويكون التقريب فيها من أخذ ارتفاع أعظم الجبال فرسخين.
    ثمّ إذا فرضنا بعضاً من الجبال ارتفاعه قطرها ، استبان بما بيّنه اقليدس في خامس عشر ثانية عشر الاُصول ، من نسبة الكرة إلى الكرة ، كنسبة القطر إلى القطر مثلّثة بالتكرير. وبما بيّنه في ثاني عشر ثانية الاُصول ، من أنّ نسبة مكعّب عدد إلى مكعّب آخر ، كنسبة العدد إلى العدد الثاني مثلّثة ، أنّ نسبة جرم تلك الكرة إلى جرم كرة الأرض ، كنسبة الواحد إلى ألف ألف ألف وأربعة وعشرين ألف ألف ومائة واثنين وتسعين ألفاً وخمسة واثني عشر.
    فإذن فلينظر ماذا هيكل البدن الإنساني بالنسبة إلى جرم كرة الأرض ، ثمّ بالنسبة إلى كرات أجرام الأفلاك ، ثمّ بالنسبة إلى كبرياء جناب العالم الربوبيّة. فليتدبّر.
    وسبيل سياقة التبيان هنالك : أنّه قد استبان بالإرصاد والبراهين في أبواب الأبعاد والأجرام ، أنّ بعد زحل (19963) أعني تسعة عشر ألفاً وتسعمائة وثلاثة وستّين ، بما به

    نصف قطر الأرض واحد ، وهو المعبّر عنه في اصطلاحهم بالمقياس. وأنّ قطر أعظم كواكب القدر الأوّل من أقطار أقدار ثوابت السنة (98) وسدس ، أعني ثمانية وتسعين وسدساً بما به المقياس واحد.
    فاذا زيد قطر أعظم الثوابت على أبعد بعد زحل ، حصل بعد محدّب فلك الثوابت عن مركز الأرض فهو (20053) وسدس ، أعني عشرين ألفاً وثلاثة وخمسين وسدس بما به المقياس ، أعني نصف قطر الأرض واحد.
    فإذا ضوعف هذا البعد حصل قطر محدّب فلك الثوابت ، أعني قطر مقعّر فلك الأقصى في ثلاثة وسبع ، وقسّمنا الحاصل على ثلاثمائة وستّين ، خرج مقدار درجة واحدة من مقعّر فلك الأقصى ، فهو (40106) وثلث ، أعني : أربعين ألفاً ومائة وستّة وثلث بما به المقياس واحد.
    فإذا ضربنا هذا القطر ـ أي : مقعّر فلك الأقصى في ثلاث وسبع ـ وقسّمنا الحاصل على ثلاثمائة وستّين ، خرج مقدار درجة واحدة من مقعّر فلك الأقصى.
    وعند غير واحد من أفاخم الحسّاب المحقّقين بعد محدّب كرة الثوابت بالمقياس (70073) ل ، أعني سبعين ألفاً وثلاثة وسبعين مثلاً للمقياس. وقطر كرة الثوابت هو قطر كرة مقعّر فلك الأقصى (140147) بالمقياس تقريباً ، أعني مائة وأربعين ألفاً ومائة وسبعة وأربعين مثلاً للمقياس.
    فإذا ضرب هذا القطر في ثلاثة وسبعة وقسّم الحاصل على ثلاثمائة وستّين خرج مقدار درجة تامّة بالمقياس (12123) ل تقريباً ، وأمثالها (934093) أعني تسعة آلاف ألف وثلاثمائة وأربعين ألفاً وثلاثة وتسعين ، وهي بالفراسخ (3114364) وثلث ، أعني : ثلاثة آلاف ألف ومائة وأربعة عشر ألفاً وثلاثمائة وأربعة وستّون فرسخاً وثلث فرسخ.
    وإذا حرّكه فلكه الأقصى في أربعة وعشرين ساعة دورة تامّة كاملة ، فلا محالة تكون كلّ ساعة مستوية مقدار طلوع خمسة عشر جزء من محيط منطقته ، فيكون في ثلث خمس

    ساعة واحدة مستوية ، أي : في أربع دقائق من ساعة واحدة ، يقطع بحركته درجة واحدة ، أعني : في مقدار من الزمان يقطع فيه دقيقة واحدة من مقعّره ، وهو جزء واحد من تسعمائة جزء من ساعة واحدة مستوية يكون ما يقطعه من مقعّر (155718) وسدساً ، أعني عدد مائة وخمسة وخمسين ألفاً وسبعمائة وثمانية عشر ميلاً وسدس ميل.
    وحيث أنّ من المعلوم الممتحن المختبر أنّ من حين ظهور محيط جرم الشمس من الاُفق إلى حين طلوع جرمها بتمامه مقدار ما يعدّ أحد واحد إلى ثلاثين جزء واحد من تسعمائة جزء من ساعة واحدة ، يقطع الفلك الأقصى دقيقة واحدة من مقعّره ، أعني : مائة وخمسة وخمسين ألفاً وسبعمائة وثمانية عشر ميلاً وسدس ميل ، فإذن في جزء من ثلاثين جزءاً من هذا المقدار ، أي : مقدار ما يقول أحد «واحد» بإسكان الدال يتحرّك مقعّر فلك الأقصى خمسة آلاف ومائة وستّة وتسعين ميلاً ، أي : ألفاً وسبعمائة واثنين وثلاثين فرسخاً.
    فقد استبان برهان ممّا ادّعيناه ، ولم يكن يستبين إلى زمننا على هذا النصاب. الحمد لله ربّ العالمين حقّ حمده.

    47
    وكان من دعائه عليه السلام في يوم عرفة
    الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. أللَّهُمَّ لَـكَ الْحَمْدُ بَدِيْعَ السَّموَاتِ وَالأَرْضِ ، ذَا الْجَلاَلِ وَالإكْرَامِ ، رَبَّ الاَرْبَابِ ، وَإلهَ كُلِّ مَألُوه ، وَخَالِقَ كُلِّ مَخْلُوقٍ ، وَوَارِثَ كُلِّ شَيْءٍ ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَـيْءٌ ، وَلا يَعْزُبُ عَنْهُ عِلْمُ شَيْء ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْء مُحِيطٌ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْء رَقِيبٌ. أَنْتَ الله لاَ إلهَ إلاَّ أَنْتَ ، الاَحَـدُ الْمُتَوَحِّدُ الْفَرْدُ الْمُتَفَرِّدُ ، وَأَنْتَ اللهُ لاَ إلهَ إلاَّ أَنْتَ الْكَرِيمُ الْمُتَكَرِّمُ الْعَظِيمُ الْمُتَعَظِّمُ ، الْكَبِيرُ الْمُتَكَبِّرُ ، وَأَنْتَ اللهُ لاَ إلهَ إلاَّ أَنْتَ العَلِيُّ الْمُتَعَالِ ، الْشَدِيْدُ الْمِحَـالِ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ الـرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ، الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاّ أَنْتَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، الْقَدِيمُ الْخَبِيرُ ، وَأَنْتَ اللهُ لاَ إلهَ إلاّ أَنْتَ الْكَرِيمُ الاَكْرَمُ الدَّائِمُ الادْوَمُ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاّ أَنْتَ الاوَّلُ قَبْلَ كُلِّ أَحَدٍ ، وَالاخِرُ بَعْدَ كُلِّ عَدَدٍ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاّ أَنْتَ الدَّانِي فِي عُلُوِّهِ ، وَالْعَالِي فِي دُنُوِّهِ ، وَأَنْتَ اللهُ لاَ إلهَ إلاَّ أَنْتَ ذُو الْبَهَاءِ وَالْمَجْدِ ، وَ

    الْكِبْرِيَاءِ وَالْحَمْدِ ، وَأَنْتَ اللهُ لاَ إلهَ إلاّ أَنْتَ الَّذِي أَنْشَأْتَ الاشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ سِنْخ ، وَصَوَّرْتَ مَا صَوَّرْتَ مِنْ غَيْرِ مِثالٍ ، وَابْتَدَعْتَ الْمُبْتَدَعَاتِ بِلاَ احْتِذَآءٍ ، أَنْتَ الَّذِي قَدَّرْتَ كُلَّ شَيْء تَقْدِيراً ، وَيَسَّرْتَ كُلَّ شَيْء تَيْسِيراً ، وَدَبَّرْتَ مَا دُونَكَ تَدْبِيْراً ، وَأَنْتَ الَّذِي لَمْ يُعِنْكَ عَلَى خَلْقِكَ شَرِيكٌ ، وَلَمْ يُؤازِرْكَ فِي أَمْرِكَ وَزِيرٌ ، وَلَمْ يَكُنْ لَكَ مُشَاهِدٌ ، وَلا نَظِيرٌ ، أَنْتَ الَّذِي أَرَدْتَ فَكَانَ حَتْماً مَا أَرَدْتَ ، وَقَضَيْتَ فَكَانَ عَدْلاً مَا قَضَيْتَ ، وَحَكَمْتَ فَكَانَ نِصْفاً مَا حَكَمْتَ ، أَنْتَ الَّـذِي لا يَحْوِيْـكَ مَكَانٌ ، وَلَمْ يَقُمْ لِسُلْطَانِكَ سُلْطَانٌ ، وَلَمْ يُعْيِكَ بُرْهَانٌ وَلا بَيَانٌ ، أَنْتَ الَّذِي أَحْصَيْتَ كُلَّ شَيْء عَدَدَاً ، وَجَعَلْتَ لِكُلِّ شَيْء أَمَداً ، وَقَدَّرْتَ كُلَّ شَيْء تَقْدِيْراً ، أَنْتَ الَّذِي قَصُرَتِ الاوْهَامُ عَنْ ذَاتِيَّتِكَ ، وَعَجَزَتِ الافْهَامُ عَنْ كَيْفِيَّتِكَ ، وَلَمْ تُدْرِكِ الابْصَارُ مَوْضِعَ أَيْنِيَّتِكَ ، أَنْتَ الَّذِي لا تُحَدُّ فَتَكُونَ مَحْدُوداً ، وَلَمْ تُمَثَّلْ فَتَكُونَ مَوْجُوداً ، وَلَمْ تَلِدْ فَتَكُونَ مَوْلُوداً ، أَنْتَ الَّذِي لا ضِدَّ مَعَكَ فَيُعَانِدَكَ ، وَلا عِدْلَ فَيُكَاثِرَكَ ، وَلاَ نِدَّ لَكَ فَيُعَارِضَكَ ، أَنْتَ الَّـذِي ابْتَدَأ وَاخْتَـرَعَ ، وَاسْتَحْدَثَ وَابْتَـدَعَ ، وَأَحْسَنَ صُنْعَ مَا صَنَعَ ، سُبْحانَكَ ، مَا أَجَلَّ شَأنَكَ ، وَأَسْنَى فِي الامَاكِنِ مَكَانَكَ ، وَأَصْدَعَ بِالْحَقِّ فُرقَانَكَ ، سُبْحَانَكَ مِنْ لَطِيف مَا أَلْطَفَكَ ، وَرَؤُوفٍ مَا

    أَرْأَفَكَ ، وَحَكِيم مَا أَعْرَفَكَ ، سُبْحَانَكَ مِنْ مَلِيْك مَا أَمْنَعَكَ ، وَجَوَادٍ مَا أَوْسَعَكَ ، وَرَفِيعِ مَا أَرْفَعَكَ ، ذُو الْبَهاءِ وَالْمَجْدِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْحَمْدِ ، سُبْحَانَكَ بَسَطْتَ بِالْخَيْرَاتِ يَدَكَ ، وَعُرِفَتِ الْهِدَايَةُ مِنْ عِنْدِكَ ، فَمَنِ الْتَمَسَكَ لِدِين أَوْ دُنْيا وَجَدَكَ ، سُبْحَانَكَ خَضَعَ لَكَ مَنْ جَرى فِي عِلْمِكَ ، وَخَشَعَ لِعَظَمَتِكَ مَا دُونَ عَرْشِكَ ، وَانْقَادَ لِلتَّسْلِيْمِ لَكَ كُلُّ خَلْقِكَ ، سُبْحَانَكَ لاَ تُجَسُّ وَلاَ تُحَسُّ ، وَلاَ تُمَسُّ ، وَلاَ تُكَادُ وَلاَ تُمَاطُ ، وَلاَ تُنَازَعُ وَلاَ تُجَارى ، وَلاَ تُمارى وَلاَ تُخَادَعُ ، وَلاَ تُمَاكَرُ ، سُبْحَانَكَ سَبِيلُكَ جَدَدٌ ، وَأَمْرُكَ رَشَدٌ ، وَأَنْتَ حَيٌّ صَمَدٌ ، سُبْحَانَكَ قَوْلُكَ حُكْمٌ وَقَضَآؤُكَ حَتْمٌ وَإرَادَتُكَ عَزْمٌ ، سُبْحَانَكَ لاَ رَادَّ لِمَشِيَّتِكَ ، وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِكَ ، سُبْحَانَكَ بَاهِرَ الايآتِ ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ ، بَارِئ، النَّسَماتِ ، لَكَ الْحَمْدُ حَمْدَاً يَدُومُ بِدَوامِكَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً خَالِداً بِنِعْمَتِكَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً يُوَازِي صُنْعَكَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً يَزِيدُ عَلَى رِضَاكَ ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً مَعَ حَمْدِ كُلِّ حَامِد ، وَشُكْراً يَقْصُرُ عَنْهُ شُكْرُ كُلِّ شَاكِر ، حَمْداً لاَ يَنْبَغِي إلاَّ لَكَ ، وَلاَ يُتَقَرَّبُ بِهِ إلاَّ إلَيْكَ ، حَمْداً يُسْتَدَامُ بِهِ الاَوَّلُ ، وَيُسْتَدْعَى بِهِ دَوَامُ الاخِرِ ، حَمْداً يَتَضَاعَفُ عَلَى كُرُورِ الاَزْمِنَةِ ، وَيَتَزَايَدُ أَضْعَافَاً مُتَرَادِفَةً ، حَمْداً يَعْجِزُ عَنْ إحْصَآئِهِ الْحَفَظَةُ ، وَيَزِيدُ

    عَلَى مَا أَحْصَتْهُ فِي كِتابِكَ الْكَتَبَةُ ، حَمْداً يُوازِنُ عَرْشَكَ المَجِيْدَ ، وَيُعَادِلُ كُرْسِيَّكَ الرَّفِيعَ ، حَمْداً يَكْمُلُ لَدَيْكَ ثَوَابُهُ ، وَيَسْتَغْرِقُ كُلَّ جَزَآء جَزَآؤُهُ ، حَمْداً ظَاهِرُهُ وَفْقٌ لِبَاطِنِهِ ، وَبَاطِنُهُ وَفْقٌ لِصِدْقِ النِّيَّةِ ، حَمْداً لَمْ يَحْمَدْكَ خَلْقٌ مِثْلَهُ ، وَلاَ يَعْرِفُ أَحَدٌ سِوَاكَ فَضْلَهُ ، حَمْداً يُعَانُ مَنِ اجْتَهَدَ فِي تَعْدِيْدِهِ ، وَيُؤَيَّدُ مَنْ أَغْرَقَ نَزْعَاً فِي تَوْفِيَتِهِ ، حَمْداً يَجْمَعُ مَا خَلَقْتَ مِنَ الْحَمْدِ ، وَيَنْتَظِمُ مَا أَنْتَ خَالِقُهُ مِنْ بَعْدُ ، حَمْداً لاَ حَمْدَ أَقْرَبُ إلَى قَوْلِكَ مِنْهُ ، وَلاَ أَحْمَدَ مِمَّنْ يَحْمَدُكَ بِهِ ، حَمْداً يُوجِبُ بِكَرَمِكَ الْمَزِيدَ بِوُفُورِهِ ، وَتَصِلُهُ بِمَزِيْد بَعْدَ مَزِيْدٍ طَوْلاً مِنْكَ ، حَمْداً يَجِبُ لِكَرَمِ وَجْهِكَ ، وَيُقَابِلُ عِزَّ جَلاَلِكَ ، رَبِّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد الْمُنْتَجَبِ الْمُصْطَفَى ، الْمُكَرَّمِ الْمُقَرَّبِ ، أَفْضَلَ صَلَوَاتِكَ ، وَبارِكْ عَلَيْهِ أَتَمَّ بَرَكاتِكَ ، وَتَرَحَّمْ عَلَيْهِ أَمْتَعَ رَحَمَاتِكَ ، رَبِّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، صَلاَةً زَاكِيَةً لاَ تَكُونُ صَلاَةٌ أَزْكَى مِنْهَا ، وَصَلِّ عَلَيْهِ ، صَلاَةً نَامِيَةً لاَ تَكُونُ صَلاةٌ أَنْمَى مِنْهَا ، وَصَلِّ عَلَيْهِ صَلاةً رَاضِيَةً لاَ تَكُونُ صَلاةٌ فَوْقَهَا ، رَبِّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، صَلاَةً تُرْضِيهِ وَتَزِيدُ عَلَى رِضَاهُ ، وَصَلِّ عَلَيْهِ صَلاَةً تُرْضِيكَ وَتَزِيدُ عَلَى رِضَاكَ لَهُ ، وَصَلِّ عَلَيْهِ صَلاَةً لاَ تَرْضَى لَهُ إلاَّ بِهَا ، وَلاَ تَرى غَيْرَهُ لَهَا أَهْلاً ، رَبِّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، صَلاَةً تُجَاوِزُ رِضْوَانَكَ ، وَيَتَّصِلُ اتِّصَالُهَا

    بِبَقَآئِكَ ، وَلاَ يَنْفَدُ كَمَا لاَ تَنْفَدُ كَلِماتُكَ ، رَبِّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، صَلاَةً تَنْتَظِمُ صَلَوَاتِ مَلائِكَتِكَ وَأَنْبِيآئِكَ وَرُسُلِكَ وَأَهْلِ طَاعَتِكَ ، وَتَشْتَمِلُ عَلَى صَلَوَاتِ عِبَادِكَ مِنْ جِنّكَ وَإنْسِكَ ، وَأَهْلِ إجَابَتِكَ ، وَتَجْتَمِعُ عَلَى صَلاَةِ كُلِّ مَنْ ذَرَأْتَ وَبَرَأْتَ مِنْ أَصْنَافِ خَلْقِكَ ، رَبِّ صَلِّ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، صَلاَةً تُحِيطُ بِكُلِّ صَلاَة سَالِفَة وَمُسْتَأْنَفَة ، وَصَلِّ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ ، صَلاَةً مَرْضِيَّةً لَكَ وَلِمَنْ دُونَكَ ، وَتُنْشِئُ مَعَ ذَلِكَ صَلَوَات تُضَاعِفُ مَعَهَا تِلْكَ الصَّلَوَاتِ عِنْدَهَا ، وَتَزِيدُهَا عَلَى كُرُورِ الاَيَّامِ زِيَادَةً فِي تَضَاعِيفَ لاَ يَعُدُّهَا غَيْرُكَ ، رَبِّ صَلِّ عَلَى أَطَائِبِ أَهْلِ بَيْتِهِ الَّذِينَ اخْتَرْتَهُمْ لِاَمْرِكَ ، وَجَعَلْتَهُمْ خَزَنَةَ عِلْمِكَ ، وَحَفَظَةَ دِيْنِكَ ، وَخُلَفَآءَكَ فِي أَرْضِكَ ، وَحُجَجَكَ عَلَى عِبَادِكَ ، وَطَهَّرْتَهُمْ مِنَ الرِّجْسِ وَالدَّنَسِ تَطْهِيراً بِإرَادَتِكَ ، وَجَعَلْتَهُمْ الْوَسِيْلَةَ إلَيْكَ ، وَالْمَسْلَكَ إلَى جَنَّتِكَ ، رَبِّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، صَلاةً تُجْزِلُ لَهُمْ بِهَا مِنْ تُحَفِكَ وَكَرَامَتِكَ ، وَتُكْمِلُ لَهُمُ الاَشْيَآءَ مِنْ عَطَاياكَ وَنَوَافِلِكَ ، وَتُوَفِّرُ عَلَيْهِمُ الْحَظَّ مِنْ عَوَائِدِكَ ، وَفَوائِدِكَ ، رَبِّ صَلِّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ ، صَلاَةً لاَ أَمَدَ فِي أَوَّلِهَا ، وَلاَ غَايَةَ لِاَمَدِهَا وَلاَ نِهَايَةَ لاِخِرِهَا ، رَبِّ صَلِّ عَلَيْهِمْ زِنَةَ عَرْشِكَ وَمَا دُونَهُ ، وَمِلءَ سَموَاتِكَ وَمَا فَوْقَهُنَّ ، وَعَدَدَ أَرَضِيْكَ وَ

    مَا تَحْتَهُنَّ وَمَا بَيْنَهُنَّ صَلاَةً تُقَرِّبُهُمْ مِنْكَ زُلْفى ، وَتَكُونُ لَكَ وَلَهُمْ رِضَىً ، وَمُتَّصِلَةٌ بِنَظَائِرِهِنَّ أَبَداً. أللَّهُمَّ إنَّكَ أَيَّدْتَ دِينَكَ فِي كُلِّ أَوَان بِإمَام أَقَمْتَهُ عَلَماً لِعِبَادِكَ ، وَّمَنارَاً فِي بِلاَدِكَ بَعْدَ أَنْ وَصَلْتَ حَبْلَهُ بِحَبْلِكَ ، وَجَعَلْتَهُ الذَّرِيعَةَ إلَى رِضْوَانِكَ ، وَافْتَرَضْتَ طَاعَتَهُ ، وَحَذَّرْتَ مَعْصِيَتَهُ ، وَأَمَرْتَ بِامْتِثَالِ أوَاِمِرِه ، وَالانْتِهَآءِ عِنْدَ نَهْيِهِ ، وَأَلاَّ يَتَقَدَّمَهُ مُتَقَدِّمٌ وَلاَ يَتَأَخَّرَ عَنْهُ مُتَأَخِّرٌ ، فَهُوَ عِصْمَةُ اللاَّئِذِينَ ، وَكَهْفُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَعُرْوَةُ الْمُتَمَسِّكِينَ ، وَبَهَآءُ الْعَالَمِينَ. أللَّهُمَّ فَأَوْزِعْ لِوَلِيِّكَ شُكْرَ مَا أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيْهِ ، وَأَوْزِعْنَا مِثْلَهُ فِيهِ ، وَآتِهِ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً ، وَافْتَحْ لَهُ فَتْحاً يَسِيراً ، وَأَعِنْهُ بِرُكْنِكَ الاعَزِّ ، وَاشْدُدْ أَزْرَهُ ، وَقَوِّ عَضُدَهُ ، وَرَاعِهِ بِعَيْنِكَ وَاحْمِهِ بِحِفْظِكَ ، وَانْصُرْهُ بِمَلائِكَتِكَ وَامْدُدْهُ بِجُنْدِكَ الاَغْلَبِ ، وَأَقِمْ بِهِ كِتَابَكَ وَحُدُودَكَ وَشَرَائِعَكَ وَسُنَنَ رَسُولِكَ. صَلَوَاتُكَ اللَّهُمَّ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، وَأَحْيِ بِهِ مَا أَمَاتَهُ الظَّالِمُونَ مِنْ مَعَالِمِ دِينِكَ ، وَاجْلُ بِهِ صَدَأَ الْجَوْرِ عَنْ طَرِيقَتِكَ ، وَأَبِنْ بِهِ الضَّرَّآءَ مِنْ سَبِيلِكَ ، وَأَزِلْ بِهِ النَّاكِبِينَ عَنْ صِرَاطِكَ ، وَامْحَقْ بِهِ بُغَاةَ قَصْدِكَ عِوَجاً ، وَأَلِنْ جَانِبَهُ لِاَوْلِيَآئِكَ ، وَابْسُطْ يَدَهُ عَلَى أَعْدَائِكَ ، وَهَبْ لَنا رَأْفَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَتَعَطُّفَهُ ، وَتَحَنُّنَهُ ، وَاجْعَلْنَا لَهُ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ وَفِي رِضَاهُ سَاعِينَ ، وَإلَى

    نُصْرَتِهِ وَالْمُدَافَعَةِ عَنْهُ مُكْنِفِينَ ، وَإلَيْكَ وَإلَى رَسُولِكَ صَلَواتُكَ اللَّهُمَّ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِذَلِكَ مُتَقَرِّبِينَ. أللَّهُمَّ وَصَلِّ عَلَى أَوْلِيآئِهِمُ الْمُعْتَرِفِينَ بِمَقَامِهِمْ ، الْمُتَّبِعِينَ مَنْهَجَهُمْ ، الْمُقْتَفِيْنَ آثَارَهُمْ ، الْمُسْتَمْسِكِينَ بِعُرْوَتِهِمْ ، الْمُتَمَسِّكِينَ بِوَلاَيَتِهِمْ ، الْمُؤْتَمِّينَ بِإمَامَتِهِمْ ، الْمُسَلِّمِينَ لِاَمْرِهِمْ ، الْمُجْتَهِدِيْنَ فِي طاعَتِهِمْ ، الْمُنْتَظِرِيْنَ أَيَّامَهُمْ ، الْمَادِّينَ إلَيْهِمْ أَعْيُنَهُمْ ، الصَّلَوَاتِ الْمُبَارَكَاتِ الزَّاكِيَاتِ النَّامِيَاتِ الغَادِيَاتِ الرَّائِحاتِ ، وَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَرْوَاحِهِمْ وَاجْمَعْ عَلَى التَّقْوَى أَمْرَهُمْ ، وَأَصْلِحْ لَهُمْ شُؤُونَهُمْ ، وَتُبْ عَلَيْهِمْ ، إنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ، وَخَيْرُ الْغَافِرِينَ ، وَاجْعَلْنَا مَعَهُمْ فِي دَارِ السَّلاَمِ ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. أللَّهُمَّ هَذَا يَوْمُ عَرَفَةَ ، يَوْمٌ شَرَّفْتَهُ وَكَرَّمْتَهُ وَعَظَّمْتَهُ ، نَشَرْتَ فِيهِ رَحْمَتَكَ ، وَمَنَنْتَ فِيهِ بِعَفْوِكَ ، وَأَجْزَلْتَ فِيهِ عَطِيَّتَكَ ، وَتَفَضَّلْتَ بِهِ عَلَى عِبَادِكَ. أللَّهُمَّ وَأَنَا عَبْدُكَ الَّذِي أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ قَبْلَ خَلْقِكَ لَهُ ، وَبَعْدَ خَلْقِكَ إيَّاهُ ، فَجَعَلْتَهُ مِمَّنْ هَدَيْتَهُ لِدِينِكَ ، وَوَفَّقْتَهُ لِحَقِّكَ ، وَعَصَمْتَهُ بِحَبْلِكَ ، وَأَدْخَلْتَهُ فِيْ حِزْبِكَ ، وَأَرْشَدْتَهُ لِمُوَالاَةِ أَوْليآئِكَ وَمُعَادَاةِ أَعْدَائِكَ ، ثُمَّ أَمَرْتَهُ فَلَمْ يَأْتَمِرْ ، وَزَجَرْتَهُ فَلَمْ يَنْزَجِرْ ، وَنَهَيْتَهُ عَنْ مَعْصِيَتِكَ فَخَالَفَ أَمْرَكَ إلَى نَهْيِكَ ، لاَ مُعَانَدَةً لَكَ وَلاَ اسْتِكْبَاراً عَلَيْكَ ، بَلْ دَعَاهُ هَوَاهُ إلَى مَا زَيَّلْتَهُ ، وَإلَى مَا حَذَّرْتَهُ ، وَأَعَانَهُ عَلَى

    ذالِكَ عَدُوُّكَ وَعَدُوُّهُ ، فَأَقْدَمَ عَلَيْهِ عَارِفاً بِوَعِيْدِكَ ، رَاجِياً لِعَفْوِكَ ، وَاثِقاً بِتَجَاوُزِكَ ، وَكَانَ أَحَقَّ عِبَادِكَ مَعَ مَا مَنَنْتَ عَلَيْهِ أَلاَّ يَفْعَلَ ، وَهَا أَنَا ذَا بَيْنَ يَدَيْكَ صَاغِراً ذَلِيلاً خَاضِعَاً خَاشِعاً خَائِفَاً مُعْتَرِفاً بِعَظِيم مِنَ الذُّنُوبِ تَحَمَّلْتُهُ ، وَجَلِيْل مِنَ الْخَطَايَا اجْتَرَمْتُهُ ، مُسْتَجِيراً بِصَفْحِكَ ، لائِذاً بِرَحْمَتِكَ ، مُوقِناً أَنَّهُ لاَ يُجِيرُنِي مِنْكَ مُجِيرٌ ، وَلاَ يَمْنَعُنِي مِنْكَ مَانِعٌ ، فَعُدْ عَلَيَّ بِمَا تَعُودُ بِهِ عَلَى مَنِ اقْتَرَفَ مِنْ تَغَمُّدِكَ ، وَجُدْ عَلَيَّ بِمَا تَجُودُ بِهِ عَلَى مَنْ أَلْقَى بِيَدِهِ إلَيْكَ مِنْ عَفْوِكَ ، وَامْنُنْ عَلَيَّ بِمَا لاَ يَتَعَاظَمُكَ أَنْ تَمُنَّ بِهِ عَلَى مَنْ أَمَّلَكَ مِنْ غُفْرَانِكَ ، وَاجْعَلْ لِي فِي هَذَا الْيَوْمِ نَصِيباً أَنَالُ بِهِ حَظّاً مِنْ رِضْوَانِكَ ، وَلاَ تَرُدَّنِي صِفْراً مِمَّا يَنْقَلِبُ بِهِ الْمُتَعَبِّدُونَ لَكَ مِنْ عِبَادِكَ ، وَإنِّي وَإنْ لَمْ أُقَدِّمْ مَا قَدَّمُوهُ مِنَ الصَّالِحَاتِ فَقَد قَدَّمْتُ تَوْحِيدَكَ وَنَفْيَ الاَضْدَادِ وَالاَنْدَادِ وَالاشْبَاهِ عَنْكَ ، وَأَتَيْتُكَ مِنَ الاَبْوَابِ الَّتِي أَمَرْتَ أَنْ تُؤْتى مِنْها ، وَتَقَرَّبْتُ إلَيْكَ بِمَا لاَ يَقْرُبُ بِهِ ، أَحَدٌ مِنْكَ إلاَّ بِالتَّقَرُّبِ بِهِ ثُمَّ أَتْبَعْتُ ذلِكَ بِالاِنابَةِ إلَيْكَ ، وَالتَّذَلُّلِ وَالاسْتِكَانَةِ لَكَ ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِكَ ، وَالثِّقَةِ بِمَا عِنْدَكَ ، وَشَفَعْتُهُ بِرَجآئِكَ الَّذِي قَلَّ مَا يَخِيبُ عَلَيْهِ رَاجِيْكَ ، وَسَأَلْتُكَ مَسْأَلَةَ الْحَقِيرِ الذّلِيلِ الْبَائِسِ الْفَقِيْرِ الْخَائِفِ الْمُسْتَجِيرِ ، وَمَعَ ذَلِكَ خِيفَةً وَتَضَرُّعاً وَتَعَوُّذاً وَتَلَوُّذاً لاَ

    مُسْتَطِيلاً بِتَكبُّرِ الْمُتَكَبِّرِينَ ، وَلاَ مُتَعَالِياً بِدالَّةِ الْمُطِيعِينَ ، وَلاَ مُسْتَطِيلاً بِشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ ، وَأَنَا بَعْدُ أَقَلُّ الاَقَلِّيْنَ ، وَأَذَلُّ الاَذَلِّينَ ، وَمِثْلُ الذَّرَّةِ (1) أَوْ دُونَهَا ، فَيَا مَنْ لَمْ يَعَاجِلِ الْمُسِيئِينَ وَلاَ يَنْدَهُ الْمُتْرَفِينَ ، وَيَا مَنْ يَمُنُّ بِإقَالَةِ الْعَاثِرِينَ ، وَيَتَفَضَّلُ بإنْظَارِ الْخَاطِئِينَ ، أَنَا الْمُسِيءُ الْمُعْتَرِفُ الْخَاطِئُ الْعَاثِرُ، أَنَا الَّذِيْ أَقْدَمَ عَلَيْكَ مُجْتَرِئاً ، أَنَا الَّذِي عَصَاكَ مُتَعَمِّداً ، أَنَا الَّذِي اسْتَخْفى مِنْ عِبَادِكَ وَبَارَزَكَ ، أَنَا الَّذِي هَابَ عِبَادَكَ وَأَمِنَكَ ، أَنَا الَّذِي لَمْ يَرْهَبْ سَطْوَتَكَ ، وَلَمْ يَخَفْ بَأْسَكَ ، أَنَا الْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ ، أَنَا الْمُرْتَهَنُ بِبَلِيَّتِهِ ، أَنَا الْقَلِيلُ الْحَيَاءِ ، أَنَا الطَّوِيلُ الْعَنآءِ بِحَقِّ مَنِ انْتَجَبْتَ مِنْ خَلْقِكَ ، وَبِمَنِ اصْطَفَيْتَهُ لِنَفْسِكَ، بِحَقِّ مَنِ اخْتَرْتَ مِنْ بَريَّتِكَ ، وَمَنِ اجْتَبَيْتَ لِشَأْنِكَ بِحَقِّ مَنْ وَصَلْتَ طَاعَتَهُ بِطَاعَتِكَ ، وَمَنْ جَعَلْتَ مَعْصِيَتَهُ كَمَعْصِيَتِكَ ، بِحَقِّ مَنْ قَرَنْتَ مُوَالاَتَهُ بِمُوالاتِكَ ، وَمَنْ نُطْتَ مُعَادَاتَهُ بِمُعَادَاتِكَ ، تَغَمَّدْنِي فِي يَوْمِيَ هَذَا بِمَا تَتَغَمَّدُ بِهِ مَنْ جَارَ إلَيْكَ مُتَنَصِّلاً ، وَعَاذَ بِاسْتِغْفَارِكَ تَائِباً ، وَتَوَلَّنِي بِمَا تَتَوَلَّى بِهِ أَهْلَ طَاعَتِكَ وَالزُّلْفَى لَدَيْكَ ، وَالْمَكَانَةِ مِنْكَ ، وَتَوَحَّدْنِي بِمَا تَتَوَحَّدُ بِهِ مَنْ وَفى بِعَهْدِكَ ، وَأَتْعَبَ نَفْسَهُ فِيْ ذَاتِكَ ، وَأَجْهَدَهَا فِي مَرْضَاتِكَ ، وَلاَ تُؤَاخِذْنِي بِتَفْرِيطِيْ فِي جَنْبِكَ ، وَتَعَدِّي (2) طَوْرِيْ فِي حُدودِكَ ، وَمُجَاوَزَةِ أَحْكَامِكَ ، وَلاَ

    تَسْتَدْرِجْنِي بِإمْلائِكَ لِي اسْتِدْرَاجَ مَنْ مَنَعَنِي خَيْرَ مَا عِنْدَهُ ، وَلَمْ يَشْرَكْكَ فِي حُلُولِ نِعْمَتِهِ بِي ، وَنَبِّهْنِي مِنْ رَقْدَةِ الْغَافِلِينَ ، وَسِنَةِ الْمُسْرِفِينَ ، وَنَعْسَةِ الْمَخْذُولِينَ ، وَخُذْ بِقَلْبِي إلَى مَا اسْتَعْمَلْتَ بِهِ القَانِتِيْنَ ، وَاسْتَعْبَدْتَ بِهِ الْمُتَعَبِّدِينَ ، وَاسْتَنْقَذْتَ بِهِ الْمُتَهَاوِنِينَ ، وَأَعِذْنِي مِمَّا يُبَاعِدُنِي عَنْكَ ، وَيَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ حَظِّي مِنْكَ ، وَيَصُدُّنِي عَمَّا أُحَاوِلُ لَدَيْكَ ، وَسَهِّلْ لِي مَسْلَكَ الْخَيْرَاتِ إلَيْكَ ، وَالْمُسَابَقَةِ إلَيْهَا مِنْ حَيْثُ أَمَرْتَ ، وَالْمُشَاحَّةَ فِيهَا عَلَى مَا أَرَدْتَ ، وَلاَ تَمْحَقْنِي فِيمَنْ تَمْحَقُ مِنَ الْمُسْتَخِفِّينَ بِمَا أَوْعَدْتَ ، وَلاَ تُهْلِكْنِي مَعَ مَنْ تُهْلِكُ مِنَ الْمُتَعَرِّضِينَ لِمَقْتِكَ وَلاَ تُتَبِّرْني فِيمَنْ تُتَبِّرُ مِنَ الْمُنْحَرِفِينَ عَنْ سُبُلِكَ ، وَنَجِّنِيْ مِنْ غَمَرَاتِ الْفِتْنَةِ ، وَخَلِّصْنِي مِنْ لَهَوَاتِ الْبَلْوى ، وَأَجِرْنِي مِنْ أَخْذِ الاِمْلاءِ ، وَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ عَدُوٍّ يُضِلُّنِي ، وَهَوىً يُوبِقُنِي ، وَمَنْقَصَة تَرْهَقُنِي ، وَلاَ تُعْرِضْ عَنِّي إعْرَاضَ مَنْ لاَ تَرْضَى عَنْهُ بَعْدَ غَضَبِكَ ، وَلاَ تُؤْيِسْنِي مِنَ الامَلِ فِيكَ ، فَيَغْلِبَ عَلَيَّ الْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَتِكَ ، وَلاَ تَمْنَحْنِي بِمَا لاَ طَاقَةَ لِيْ بِهِ فَتَبْهَظَنِي مِمَّا تُحَمِّلُنِيهِ مِنْ فَضْلِ مَحَبَّتِكَ ، وَلاَ تُرْسِلْنِي مِنْ يَدِكَ إرْسَالَ مَنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ ، وَلاَ حَاجَةَ بِكَ إلَيْهِ ، وَلاَ إنابَةَ لَهُ ، وَلاَ تَرْمِ بِيَ رَمْيَ مَنْ سَقَطَ مِنْ عَيْنِ رِعَايَتِكَ ، وَمَنِ اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْخِزْيُ مِنْ عِنْدِكَ ، بَلْ خُذْ

    بِيَدِيْ مِنْ سَقْطَةِ الْمُتَرَدِّدِينَ ، وَوَهْلَةِ الْمُتَعَسِّفِيْنَ ، وَزَلّةِ الْمَغْرُورِينَ ، وَوَرْطَةِ الْهَالِكِينَ ، وَعَافِنِي مِمَّا ابْتَلَيْتَ بِهِ طَبَقَاتِ عَبِيدِكَ ، وَإمآئِكَ ، وَبَلِّغْنِي مَبَالِغَ مَنْ عُنِيتَ بِهِ ، وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ، وَرَضِيتَ عَنْهُ ، فَأَعَشْتَهُ حَمِيداً ، وَتَوَفَّيْتَهُ سَعِيداً ، وَطَوِّقْنِي طَوْقَ الاِقْلاَعِ عَمَّا يُحْبِطُ الْحَسَنَاتِ ، وَيَذْهَبُ بِالْبَرَكَاتِ ، وَأَشْعِرْ قَلْبِيَ الازْدِجَارَ عَنْ قَبَائِحِ السَّيِّئاتِ ، وَفَوَاضِحِ الْحَوْبَاتِ ، وَلاَ تَشْغَلْنِي بِمَا لاَ أُدْرِكُهُ إلاَّ بِكَ عَمَّا لا َ يُرْضِيْكَ عَنِّي غَيْرُهُ ، وَانْزَعْ مِنْ قَلْبِي حُبَّ دُنْيَا دَنِيَّة تَنْهى عَمَّا عِنْدَكَ ، وَتَصُدُّ عَنِ ابْتِغَآءِ الْوَسِيلَةِ إلَيْكَ ، وَتُذْهِلُ عَنِ التَّقَرُبِ مِنْكَ ، وَزَيِّنَ لِيَ التَّفَرُّدَ بِمُنَاجَاتِكَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَهَبْ لِي عِصْمَةً تُدْنِينِي مِنْ خَشْيَتِكَ ، وَتَقْطَعُنِي عَنْ رُكُوبِ مَحَارِمكَ ، وَتَفُكُّنِي مِنْ أَسْرِ الْعَظَائِمِ ، وَهَبْ لِي التَّطْهِيرَ مِنْ دَنَسِ الْعِصْيَانِ ، وَأَذْهِبْ عَنِّي دَرَنَ الْخَطَايَا ، وَسَرْبِلْنِي بِسِرْبالِ عَافِيَتِكَ ، وَرَدِّنِي رِدَآءَ مُعَافاتِكَ ، وَجَلِّلْنِي سَوابِغَ نَعْمَائِكَ ، وَظَاهِرْ لَدَيَّ فَضْلَكَ وَطَوْلَكَ ، وَأَيْدْنِي بِتَوْفِيقِكَ وَتَسْدِيْدِكَ ، وَأَعِنِّي عَلَى صالِحِ النِّيَّةِ وَمَرْضِيِّ الْقَوْلِ ، وَمُسْتَحْسَنِ الْعَمَلِ ، وَلاَ تَكِلْنِي إلَى حَوْلِي وَقُوَّتِي دُونَ حَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ ، وَلاَ تَخْزِنِي يَوْمَ تَبْعَثُنِي لِلِقائِكَ وَلاَ تَفْضَحْنِي بَيْنَ يَدَيْ أَوْلِياِئكَ ، وَلاَ تُنْسِنِي ذِكْرَكَ وَلاَ تُذْهِبْ عَنِّي شُكْرَكَ ، بَلْ أَلْزِمْنِيهِ

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الصحيفه السجاديه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الصحيفه السجاديه كامله   الصحيفه السجاديه كامله Emptyأمس في 20:47

    فِي أَحْوَالِ السَّهْوِ عِنْدَ غَفَلاَتِ الْجَاهِلِينَ لاِلائِكَ ، وَأَوْزِعْنِي أَنْ أُثْنِيَ بِمَا أَوْلَيْتَنِيهِ ، وَأَعْتَرِفِ بِمَا أَسْدَيْتَهُ إلَيَّ ، وَاجْعَلْ رَغْبَتِي إلَيْكَ فَوْقَ رَغْبَةِ الْرَّاغِبِينَ ، وَحَمْدِي إيَّاكَ فَوْقَ حَمْدِ الْحَامِدِيْنَ ، وَلاَ تَخْذُلْنِي عِنْدَ فاقَتِي إلَيْكَ ، وَلاَ تُهْلِكْنِي بِمَا أَسْدَيْتُهُ إلَيْكَ ، وَلاَ تَجْبَهْنِي بِمَا جَبَهْتَ بِهِ لْمَعَانِدِينَ لَكَ ، فَإنِّي لَكَ مُسَلِّمٌ أَعْلَمُ أَنَّ الْحُجَّةَ لَكَ ، وَأَنَّكَ أَوْلَى بِالْفَضْلِ ، وَأَعْوَدُ بِالاحْسَانِ ، وَأَهْلُ التَّقْوَى ، وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ، وَأَنَّكَ بِأَنْ تَعْفُوَ أَوْلَى مِنْكَ بِأَنْ تُعَاقِبَ ، وَأَنَّكَ بِأَنْ تَسْتُرَ أَقْرَبُ مِنْكَ إلَى أنْ تَشْهَرَ ، فَأَحْيِنِي حَياةً طَيِّبَةً تَنْتَظِمُ بِما أُرِيدُ ، وَتَبْلُغُ مَا أُحِبُّ مِنْ حَيْثُ لاَ آتِي مَا تَكْرَهُ ، وَلاَ أَرْتَكِبُ مَا نَهَيْتَ عَنْهُ ، وَأَمِتْنِي مِيْتَةَ مَنْ يَسْعَى نُورُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَعَنْ يِمِيِنهِ وَذَلِّلْنِي بَيْنَ يَدَيْكَ ، وَأَعِزَّنِيْ عِنْدَ خَلْقِكَ ، وَضَعْنِي إذَا خَلَوْتُ بِكَ ، وَارْفَعْنِي بَيْنَ عِبادِكَ ، وَأَغْنِنِي عَمَّنْ هُوَ غَنِيٌّ عَنِّي ، وَزِدْنِي إلَيْكَ فَاقَةً وَفَقْراً ، وَأَعِذْنِي مِنْ شَمَاتَةِ الاَعْدَاءِ ، وَمِنْ حُلُولِ الْبَلاءِ ، وَمِنَ الذُّلِّ وَالْعَنَآءِ ، تَغَمَّدْنِي فِيمَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنِّي ، بِمَا يَتَغَمَّدُ بِهِ الْقَادِرُ عَلَى الْبَطْشِ لَوْلاَ حِلْمُهُ ، وَالاخِذُ عَلَى الْجَرِيرَةِ لَوْلاَ أَناتُهُ ، وَإذَا أَرَدْتَ بِقَوْم فِتْنَةً أَوْ سُوءً فَنَجِّنِي مِنْهَا لِواذاً بِكَ ، وَإذْ لَمْ تُقِمْنِي مَقَامَ فَضِيحَة فِي دُنْيَاكَ فَلاَ تُقِمْنِي مِثْلَهُ فِيْ آخِرَتِكَ ، وَاشْفَعْ لِي أَوَائِلَ مِنَنِكَ بِأَوَاخِرِهَا ، وَ

    قَدِيمَ فَوَائِدِكَ بِحَوَادِثِهَا ، وَلاَ تَمْدُدْ لِيَ مَدّاً يَقْسُو مَعَهُ قَلْبِي ، وَلاَ تَقْرَعْنِي قَارِعَةً يَذْهَبُ لَها بَهَآئِي ، وَلاَ تَسُمْنِي خَسِيْسَةً يَصْغُرُ لَهَا قَدْرِي ، وَلاَ نَقِيصَةً يُجْهَلُ (3) مِنْ أَجْلِهَا مَكَانِي ، وَلاَ تَرُعْنِي رَوْعَةً أُبْلِسُ بِهَا ، وَلاَ خِيْفةً أوجِسُ دُونَهَا ، اجْعَلْ هَيْبَتِي في وَعِيدِكَ وَحَذَرِي مِنْ إعْذارِكَ وَإنْذَارِكَ ، وَرَهْبَتِي عِنْدَ تِلاَوَةِ آياتِكَ ، وَاعْمُرْ لَيْلِي بِإيقَاظِي فِيهِ لِعِبَادَتِكَ ، وَتَفَرُّدِي بِالتَّهَجُّدِ لَكَ ، وَتَجَرُّدِي بِسُكُونِي إلَيْكَ ، وَإنْزَالِ حَوَائِجِي بِكَ ، وَمُنَازَلَتِي إيَّاكَ فِي فَكَاكِ رَقَبَتِي مِنْ نَارِكَ وَإجَارَتِي مِمَّا فِيهِ أَهْلُهَا مِنْ عَذَابِكَ ، وَلاَ تَذَرْنِي فِي طُغْيَانِي عَامِهاً ، وَلاَ فِي غَمْرَتِي سَاهِياً حَتَّى حِين ، وَلاَ تَجْعَلْنِي عِظَةً لِمَنِ اتَّعَظَ ، وَلاَ نَكَالاً لِمَنِ اعْتَبَرَ ، وَلاَ فِتْنَةً لِمَن نَظَرَ ، وَلاَ تَمْكُرْ بِيَ فِيمَنْ تَمْكُرُ بِهِ ، وَلاَ تَسْتَبْدِلْ بِيَ غَيْرِي ، وَلاَ تُغَيِّرْ لِيْ إسْماً ، وَلاَ تُبدِّلْ لِي جِسْماً ، وَلاَ تَتَّخِذْنِي هُزُوَاً لِخَلْقِكَ ، وَلاَ سُخْرِيّاً لَكَ ، وَلاَ تَبَعاً إلاَّ لِمَرْضَاتِكَ ، وَلاَ مُمْتَهَناً إلاَّ بِالانْتِقَامِ لَكَ ، وَأَوْجِدْنِي بَرْدَ عَفْوِكَ ، وحَلاَوَةَ رَحْمَتِكَ وَرَوْحِكَ وَرَيْحَانِكَ ، وَجَنَّةِ نَعِيْمِكَ ، وَأَذِقْنِي طَعْمَ الْفَرَاغِ لِمَا تُحِبُّ بِسَعَة مِنْ سَعَتِكَ ، وَالاجْتِهَادِ فِيمَا يُزْلِفُ لَدَيْكَ وَعِنْدَك ، وَأَتْحِفْنِي بِتُحْفَة (4) مِنْ تُحَفَاتِكَ ، (5) وَاجْعَلْ تِجَارَتِي رَابِحَةً ، وَكَرَّتِي غَيْرَ خَاسِرَة ، وَأَخِفْنِي مَقَامَكَ ، وَشَوِّقْنِي

    لِقاءَكَ ، وَتُبْ عَلَيَّ تَوْبَةً نَصُوحاً ، لاَ تُبْقِ مَعَهَا ذُنُوباً صِغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً ، وَلاَ تَذَرْ مَعَهَا عَلاَنِيَةً وَلاَ سَرِيرَةً ، وَانْزَعِ الْغِلَّ مِنْ صَدْرِي لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَاعْطِفْ بِقَلْبِي عَلَى الْخَاشِعِيْنَ ، وَكُنْ لِي كَمَا تَكُونُ لِلصَّالِحِينَ ، وَحَلِّنِي حِلْيَةَ الْمُتَّقِينَ ، وَاجْعَلْ لِيَ لِسَانَ صِدْق فِي الْغَابِرِيْنَ ، وَذِكْراً نامِياً فِي الاخِرِينَ ، وَوَافِ بِيَ عَرْصَةَ الاَوَّلِينَ ، وَتَمِّمْ سُبُوغَ نِعْمَتِكَ عَلَيَّ ، وَظَاهِرْ كَرَامَاتِهَا لَدَيَّ ، امْلاْ مِنْ فَوَائِدِكَ يَدَيَّ ، وَسُقْ كَرَائِمَ مَوَاهِبِكَ إلَيَّ ، وَجَاوِرْ بِيَ الاَطْيَبِينَ مِنْ أَوْلِيَآئِكَ فِي الْجِنَاْنِ الَّتِي زَيَّنْتَهَا لِاَصْفِيآئِكَ ، وَجَلِّلْنِي شَرَآئِفَ نِحَلِكَ فِي الْمَقَامَاتِ الْمُعَدَّةِ لِاَحِبَّائِكَ ، وَاجْعَلْ لِيَ عِنْدَكَ مَقِيْلاً آوِي إلَيْهِ مُطْمَئِنّاً ، وَمَثابَةً أَتَبَوَّأُهَا ، وَأَقَرُّ عَيْناً ، وَلاَ تُقَايِسْنِي بِعَظِيمَاتِ الْجَرَائِرِ ، وَلاَ تُهْلِكْنِي يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ، وَأَزِلْ عَنِّي كُلَّ شَكٍّ وَشُبْهَة ، وَاجْعَلْ لِي فِي الْحَقِّ طَرِيقاً مِنْ كُلِّ رَحْمَة ، وأَجْزِلْ لِي قِسَمَ الْمَواهِبِ مِنْ نَوَالِكَ ، وَوَفِّرْ عَلَيَّ حُظُوظَ الاِحْسَانِ مِنْ إفْضَالِكَ ، وَاجْعَلْ قَلْبِي وَاثِقاً بِمَا عِنْدَكَ ، وَهَمِّيَ مُسْتَفْرَغاً لِمَا هُوَ لَكَ ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِما تَسْتَعْمِلُ بِهِ خَالِصَتَكَ ، وَأَشْرِبْ قَلْبِي عِنْدَ ذُهُولِ العُقُولِ طَاعَتَكَ ، وَاجْمَعْ لِي الْغِنى وَالْعَفَافَ وَالدَّعَةَ وَالْمُعَافَاةَ ، وَالصِّحَّةَ وَالسَّعَةَ وَالطُّمَأْنِيْنَةَ وَالْعَافِيَةَ ، وَلاَ تُحْبِطْ حَسَنَاتِي بِمَا

    يَشُوبُهَا مِنْ مَعْصِيَتِكَ ، وَلاَ خَلَواتِي بِمَا يَعْرِضُ (6) لِيَ مِنْ نَزَغَاتِ فِتْنَتِكَ ، وَصُنْ وَجْهِي عَنِ الطَّلَبِ إلَى أَحَد مِنَ الْعَالَمِينَ وَذُبَّنِي (7) عَنِ التِماسِ مَا عِنْدَ الفَاسِقِينَ ، وَلاَ تَجْعَلْنِي لِلظَّالِمِينَ ظَهِيراً ، وَلاَ لَهُمْ عَلى مَحْوِ كِتَابِكَ يَداً وَنَصِيراً ، وَحُطْنِي مِنْ حَيْثُ لاَ أَعْلَمُ حِيَاطَةً تَقِيْنِي بِهَا ، وَافْتَحْ لِيَ أَبْوَابَ تَوْبَتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَرَأْفَتِكَ ، وَرِزْقِكَ الواسِعِ ، إنِّي إلَيْكَ مِنَ الرَّاغِبِينَ ، وَأَتْمِمْ لِي إنْعَامَكَ ، إنَّكَ خَيْرُ الْمُنْعِمِيْنَ ، وَاجْعَلْ باقِيَ عُمْرِيْ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ابْتِغَآءَ وَجْهِكَ ، يَاربَّ الْعَالَمِينَ ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ، وَالسَّلاَمُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَبَدَ الابِدِينَ.

    (1) قوله عليه السلام : ومثل الذرّة
    «مثل» بدون العاطف نسخة للشهيد.
    (2) قوله عليه السلام : وتعدّى
    وبرواية «س» وعن تعدّي. وفي نسخة «ش» «ع» مكان «س».
    (3) قوله عليه السلام : ولا نقيصه يجهل
    وفي نسخة ابن إدريس : «ولا تقضب بجهل» وفي آخر «ولا تعتضب» الظاهر على هذه الرواية إهمال العين ، من عضبه إذا قطعه ، وكذلك لا تقتضب بالقاف من الإقتضاب ، وهو افتعال من القضب بمعنى القضب بمعنى القطع ، واقتضاب الكلام ارتجاله.
    (4) قوله عليه السلام : تحقة
    معتلّة الفاء ، وأصلها وحفّه فاُبدلت الواو تاءاً ، قاله الأزهري وابن الأثير (1) وصاحب القاموس. (2)
    (5) قوله عليه السلام : من تحفاتك
    الصحيح فيها ضمّ التاء والحاء جميعاً ، وفتح التاء على ما في طائفة من النسخ غلط ، فإنّ
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 1 / 182.
    2. القاموس : 3 / 120.

    فعلة بالضمّ كقربة وشبهة وظلمة ووصلة وتحفة إنّما يجمع على فعل بضمّ الفاء وفتح العين ، وفعلات بضمّتين.
    (6) قوله عليه السلام : ما يعرض
    وفي بعض النسخ «يعرض» الظاهر على هذه النسخة البناء للمجهول ثمّ الأظهر تشديد الراء.
    (7) قوله عليه السلام : وديني
    بكسر الدال المهملة عطفاً على وجهي ، أي : وصن ديني عن التماس ما عند الفاسقين. وفي الحديث ما تضعضع امرؤ لآخر يريد عرض الدنيا إلّا ذهب ثلثا دينه. (1)
    وأمّا على رواية «وذبّني» من الذبّ بمعنى الدفع والمنع.
    وكذلك «وذوّدني» من الذود وهو المنع ، فالجملة معطوفة على الجملة أو الواو للإستناف.
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 3 / 88.

    48
    وكان من دعائه عليه السلام يوم الاضحى ويوم الجمعة
    أللَّهُمَّ هَذَا يَوْمٌ مُبَارَكٌ مَيْمُونٌ ، وَالمُسْلِمُونَ فِيْهِ مُجْتَمِعُونَ فِي أَقْطَارِ أَرْضِكَ ، يَشْهَدُ السَّائِلُ (1) مِنْهُمْ وَالطَّالِبُ وَالرَّاغِبُ وَالرَّاهِبُ ، وَأَنْتَ النَّاظِرُ (2) فِي حَوَائِجِهِمْ ، فَأَسْأَلُكَ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ وَهَوَانِ مَا سَأَلْتُكَ عَلَيْكَ ، أَنْ تُصَلِّىَ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا بِأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ وَلَكَ الْحَمْدَ ، لاَ إلهَ إلاَّ أَنْتَ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ الْحَنَّانُ الْمَنَّانُ ، ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ، بَدِيْعُ السَّمواتِ وَالأَرْضِ ، مَهْمَا قَسَمْتَ بَيْنَ عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ ، مِنْ خَيْر أَوْ عَافِيَة أَوْ بَرَكَة أَوْ هُدىً أَوْ عَمَل بِطَاعَتِكَ ، أَوْ خَيْر تَمُنُّ بِهِ عَلَيْهِمْ تَهْدِيهِمْ بِهِ إلَيْكَ ، أَوْ تَرْفَعُ لَهُمْ عِنْدَكَ دَرَجَةً أَوْ تُعْطِيْهِمْ بِهِ خَيْراً مِنْ خَيْر الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ اَنْ تُوَفِّرَ حَظّي وَنَصيبي مِنْهُ ، وَأَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ بِأَنَّ لَكَ الْمُلْكً وَالْحَمْدَ ، لاَ إلهَ إلاَّ أَنْتَ ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ ، وَحَبِيبِكَ وَصَفْوَتِكَ ، وَخِيَاراتِكَ مِنْ خَلْقِكَ ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ الأَبْرَارِ ، الطَّاهِرِينَ الأَخْيَارِ ،

    صَلاَةً لاَ يَقْوَى عَلَى إحْصَائِهَا إلاَّ أَنْتَ ، وَأَنْ تُشْرِكَنَا فِي صَالِحِ مَنْ دَعَاكَ فِي هَذَا اليَوْمِ مِنْ عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ ، يَارَبَّ الْعَالَمِينَ ، وَأَنْ تَغْفِرَ لَنَا وَلَهُمْ ، إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ. أللَّهُمَّ إلَيْكَ تَعَمَّدْتُ بِحَاجَتِي وَبِكَ أَنْزَلْتُ اليَوْمَ فَقْرِي وَفاقَتِي وَمَسْكَنَتِي ، وَإنِّي بِمَغْفِرَتِكَ وَرَحْمَتِكَ أَوْثَقُ مِنِّيَ بِعَمَلِي ، وَلَمَغْفِرَتُكَ وَرَحْمَتُكَ أَوْسَعُ مِنْ ذُنُوبِي ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَتَوَلَّ قَضَآءَ كُلِّ حَاجَة هِيَ لِيَ بِقُدْرَتِكَ عَلَيْهَا ، وَتَيْسِيرِ ذالِكَ عَلَيْكَ ، وَبِفَقْرِي إلَيْكَ ، وَغِنَاكَ عَنِّي ، فَإنِّي لَمْ أُصِبْ خَيْراً قَطُّ إلاّ مِنْكَ ، وَلَمْ يَصْرِفْ عَنِّي سُوءاً قَطُّ أَحَدٌ غَيْرُكَ ، وَلاَ أَرْجُو لِأَمْرِ آخِرَتِي وَدُنْيَايَ سِوَاكَ. أللَّهُمَّ مَنْ تَهَيَّأَ وَتَعَبَّأ وَأَعَدَّ وَاسْتَعَدَّ لِوَفادَة إلَى مَخْلُوق رَجاءَ رِفْدِهِ وَنَوَافِلِهِ ، وَطَلَبِ نَيْلِهِ وَجَائِزَتِهِ ، فَإلَيْكَ يَا مَوْلاَيَ كَانَتِ الْيَومَ تَهْيِئَتِي وَتَعْبِئَتِي ، وَإعْدَادِي وَاسْتِعْدَادِي رَجآءَ عَفْوِكَ وَرِفْدِكَ وَطَلَبِ نَيْلِكَ وَجَائِزَتِكَ. أللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد وَلاَ تُخَيِّبِ الْيَوْمَ ذلِكَ مِنْ رَجَائِي ، يَا مَنْ لاَ يُحْفِيهِ (3) سَائِلٌ وَلاَ يَنْقُصُهُ نائِلٌ فَإنِّي لَمْ آتِكَ ثِقَةً مِنِّي بِعَمَل صَالِح قَدَّمْتُهُ ، وَلاَ شَفَاعَةِ مَخْلُوق رَجَوْتُهُ إلاَّ شَفَاعَةَ مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ ، عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ سَلامُكَ ، أَتَيْتُكَ مُقِرّاً بِالْجُرْمِ وَالإِسَاءَةِ إلَى نَفْسِي ، أَتَيْتُكَ أَرْجُو عَظِيمَ عَفْوِكَ الَّذِيْ عَفَوْتَ بِهِ عَنِ

    الْخَاطِئِينَ ، ثُمَّ لَمْ يَمْنَعْكَ طُولُ عُكُوفِهِمْ عَلَى عَظِيمِ الْجُرْمِ أَنْ عُدْتَ عَلَيْهِمْ بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ ، فَيَا مَنْ رَحْمَتُهُ وَاسِعَةٌ ، وَعَفْوُهُ عَظِيمٌ يَا عَظِيمُ يَا عَظِيمُ ، يَا كَرِيْمُ يَا كَرِيمُ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَعُدْ عَلَيَّ بِرَحْمَتِكَ ، وَتَعَطَّفْ عَلَيَّ بِفَضْلِكَ ، وَتَوَسَّعْ عَلَيَّ بِمَغْفِرَتِكَ. أللَّهُمَّ إنَّ هَذَا الْمَقَامَ لِخُلَفَائِكَ وَأَصْفِيَآئِكَ ، وَمَوَاضِعَ (4) أُمَنائِكَ ، فِي الدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ الَّتِي اخْتَصَصْتَهُمْ بِهَا قَدِ ابْتَزُّوهَا ، (5) وَأَنْتَ الْمُقَدِّرُ لِذَلِكَ ، لاَ يُغَالَبُ أَمْرُكَ ، وَلاَ يُجَاوَزُ الْمَحْتُومُ مِنْ تَدْبِيرِكَ ، كَيْفَ شِئْتَ وَأَنَّى شِئْتَ ، وَلِمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ ، غَيْرُ مُتَّهَم عَلَى خَلْقِكَ ، وَلا لارَادَتِكَ ، حَتَّى عَادَ صَفْوَتُكَ وَخُلَفَاؤُكَ مَغْلُوبِينَ مَقْهُورِينَ مُبْتَزِّيْنَ ، يَرَوْنَ حُكْمَكَ مُبَدَّلاً ، وَكِتابَكَ مَنْبُوذاً ، وَفَرَائِضَكَ مُحَرَّفَةً عَنْ جِهَاتِ أشْرَاعِكَ ، وَسُنَنَ نَبِيِّكَ مَتْرُوكَةً ، أللَّهُمَّ الْعَنْ أَعْدَآءَهُمْ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ ، وَمَنْ رَضِيَ بِفِعَالِهِمْ وَأَشْيَاعَهُمْ وَأَتْبَاعَهُمْ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيْدٌ ، كَصَلَوَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ وَتَحِيَّاتِكَ عَلَى أَصْفِيآئِكَ إبْراهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ ، وَعَجِّلِ الْفَرَجَ وَالرَّوْحَ وَالنُّصْرَةَ وَالتَّمْكِينَ وَالتَّأْيِيدَ لَهُمْ. أللَّهُمَّ وَاجْعَلْنِي مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَالايْمَانِ بِكَ ، وَالتَّصْدِيقِ بِرَسُولِكَ وَالِاَئِمَّةِ الَّذِينَ حَتَمْتَ طَاعَتَهُمْ مِمَّنْ يَجْرِي ذَلِكَ بِهِ ، وَعَلَى يَدَيْهِ ، آمِينَ رَبَّ

    الْعَالَمِينَ. أللَّهُمَّ لَيْسَ يَرُدُّ غَضَبَكَ إلاَّ حِلْمُكَ ، وَلاَ يَرُدُّ سَخَطَكَ إلاَّ عَفْوُكَ ، وَلاَ يُجِيرُ مِنْ عِقَابِكَ إلاَّ رَحْمَتُكَ ، وَلاَ يُنْجِيْنِي مِنْكَ إلاَّ التَّضَرُعُ إلَيْكَ وَبَيْنَ يَدَيْكَ ، فصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَهَبْ لَنا يَا إلهِيْ مِنْ لَدُنْكَ فَرَجاً بِالْقُدْرَةِ الَّتِي بِهَا تُحْيِيْ أَمْوَاتَ الْعِبادِ ، وَبِهَا تَنْشُرُ مَيْتَ الْبِلاَدِ ، وَلاَ تُهْلِكْنِي يَا إلهِي غَمّاً حَتَّى تَسْتَجِيْبَ لِيْ ، وَتُعَرِّفَنِي الإِجابَةَ فِيْ دُعَآئِي ، وَأَذِقْنِي طَعْمَ الْعَافِيَةِ إلى مُنْتَهى أَجَلِي ، وَلاَ تُشْمِتْ بِي عَدُوِّي ، وَلاَ تُمَكِّنْهُ مِنْ عُنُقِي ، وَلاَ تُسَلِّطْهُ عَلَيَّ ، إلهِي إنْ رَفَعْتَنِي فَمَنْ ذَا الَّذِي يَضَعُنِيْ وَإنْ وَضَعْتَنِي فَمَنْ ذَا الَّذِي يَرْفَعُنِي ، وَإنْ أَكْرَمْتَنِي فَمَنْ ذَا الَّذِي يُهِينُنِي ، وَإنْ أَهَنْتَنِي فَمَنْ ذَا الَّذِي يُكْرِمُنِي ، وَإنْ عَذَّبْتَنِي فَمَنْ ذَا الَّذِي يَرْحَمُنِي ، وَإنْ أَهْلَكْتَنِي فَمَنْ ذَا الَّذِي يَعْرِضُ لَكَ فِي عَبْدِكَ ، أَوْ يَسْأَلُكَ عَنْ أَمْرِهِ ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي حُكْمِكَ ظُلْمٌ ، وَلاَ فِي نِقْمَتِكَ عَجَلَةٌ ، وَإنَّمَا يَعْجَلُ مَنْ يَخَافُ الْفَوْتَ ، وَإنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الظُّلْمِ الضَّعِيفُ ، وَقَدْ تَعَالَيْتَ يَا إلهِي عَنْ ذالِكَ عُلُوّاً كَبِيراً. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَلاَ تَجْعَلْنِي لِلْبَلاَءِ غَرَضاً ، (6) وَلاَ لِنِقْمَتِكَ نَصَباً ، وَمَهِّلْنِي وَنَفِّسْنِي وَأَقِلْنِي عَثْرَتِي ، وَلاَ تَبْتَلِيَنِّي بِبَلاَء عَلَى أَثَرِ بَلاَءٍ ، فَقَدْ تَرى ضَعْفِي وَقِلَّةَ حِيْلَتِي وَتْضَرُّعِي إلَيْكَ ، أَعُوذُ بِكَ اللَّهُمَّ اليَوْمَ مِنْ غَضَبِكَ ، فصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ

    وَآلِهِ ، وَأَعِذْنِي وَأَسْتَجِيرُ بِكَ الْيَوْمَ مِنْ سَخَطِكَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَأَجِرْنِي ، وَأَسْأَلُكَ أَمْناً مِنْ عَذَابِكَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ ، وَآمِنِّي وَأَسْتَهْدِيْكَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَاهْدِنِي وَأَسْتَنْصِرُكَ ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَانْصُرْنِي ، وَأَسْتَرْحِمُكَ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَارْحَمْنِي ، وَأَسْتَكْفِيكَ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاكْفِنِي ، وَأَسْتَرْزِقُكَ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَارْزُقْنِي ، وَأَسْتَعِينُكَ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَعِنِّي ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِي فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاغْفِرْ لِيْ ، وَأَسْتَعْصِمُكَ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاعْصِمْنِي ، فَإنِّي لَنْ أَعُودَ لِشَيْء كَرِهْتَهُ مِنّيْ ، إنْ شِئْتَ ذلِكَ يَارَبِّ يَارَبِّ ، يَا حَنَّانُ يَا مَنَّانُ ، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإكْرَامِ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَاسْتَجِبْ لِي جَمِيعَ مَا سَأَلْتُكَ وَطَلَبْتُ إلَيْكَ ، وَرَغِبْتُ فِيهِ إلَيْكَ ، وَأَرِدْهُ وَقَدِّرْهُ وَاقْضِهِ وَأَمْضِهِ ، وَخِرْ لِي فِيمَا تَقْضِي مِنْهُ ، وَبَارِكْ لِي فِي ذلِكَ ، وَتَفَضَّلْ عَلَيَّ بِهِ ، وَأَسْعِدْنِي بِمَا تُعْطِينِي مِنْهُ ، وَزِدْنِي مِنْ فَضْلِكَ وَسَعَةِ مَا عِنْدَكَ ، (7) فَإنَّكَ وَاسِعٌ كَرِيمٌ ، وَصِلْ ذَلِكَ بِخَيْرِ الاخِرَةِ وَنَعِيْمِهَا ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ،
    ثُمَّ تَدْعُو بِمَا بَدا لَكَ وَتُصَلِّي عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ
    أَلْفَ مَرَّة (Cool هَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ عَلَيْهِ السَّلاَم (9)

    (1) قوله عليه السلام : يشهد السائل
    في نسخة عميد الرؤساء : «تشهد» على صيغة الخطاب ، وما بعدها بالنصب معمولات لها.
    (2) قوله عليه السلام : وأنت الناظر
    أنت والواو مضروب عليهما بخطّ «ع» وكذا رواه «ش».
    (3) قوله عليه السلام : يحفيه
    من الحفاوة بمعنى المبالغة والاستقصاء في الشيء ، أي : لا تحملك سؤالات السائلين وآمال المؤمّلين على حفاوة واستقصاء في الجود وتكلّف وتجشّم في العطاء ؛ إذ كلّ عظيم في مذهب جودك حقير ، وكلّ عسير على منّة قدرتك سهل يسير.
    وفي الحديث : سألوا النبي صلّى الله عليه وآله حتّى أحفوه. قال ابن الأثير : أي : استقصوا في السؤال. (1)
    وفي نسخة الشهيد «يحفيه» من أحافه يحيفه : إذا حمله على الحيف والجور والميل ، كما أزاره يزيره إذا حمله على ال زيارة. أي : لا يوقعك سائل يستصرخ ويستغيث إليك في الحيف على أحد إذا استعداك عليه ، بل إنّما تصرخ المسصرخين وتغيث المستغيثين و
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 1 / 410.

    تأخذ المتظلّمين من الظالمين بالقسط والعدل.
    (4) قوله عليه السلام : ومواضع
    بالنصب على أنّها اسم إنّ ، والخبر «قد ابتزّوها». وفي الدرجة أي : الجارّة بمجرورها وما يتعلّق بذلك متعلّق بـ«مواضع» ، وأمّا على رواية الرفع فهي الخبر.
    (5) قوله عليه السلام : قد ابتزّوها
    العائد للدرجة ، أو للمواضع ، أو للمقام باعتبار اكتساب تأنيث الدرجة.
    وعلى رواية «قد ابتزّوه» بإفراد الضمير عائد إلى المقام.
    وعلى روواية «س» قد ابتزّوها بالبناء للمجهول ، و «ها» على هذه الرواية كلمة تنبيه أو كلمة دعوة لا ضمير للتأنيث. ثمّ المفعول المقام مقام الفاعل على رواية الإفراد المقام ، وعلى رواية الجمع الخلفاء والأصفياء (1) والاُمناء.
    (6) قوله عليه السلام : غرضاً
    في نسخة الشهيد : «عرضاً» ، وابن السكون ضبط اللفظ بإهمال العين وإعجامها وفتح الراء ، وكتب عليها معاً ، وروى عنه ذلك الشهيد.
    (7) قوله عليه السلام : وسعة ما عندك
    بفتح السين ، كدعة الوسع والغنى والطاقة ، وبكسرها كزنة والوساعة والاتّساع.
    __________________
    1. في «ن» : والأوصياء.

    (Cool قوله عليه السلام : وتصلّي على محمّد وآل محمّد ألف مرّة
    وإن ضاق وقتك عن ذلك فقل عشر : اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد مكان ألف مرّة ، كما ورد في «لا إله إلّا الله» ألف مرّة.
    (9) قوله : وتصلّي ركعتين
    لم يوجد شيء من ذلك أصلاً بخطّ عميد الرؤساء ، بل كان الإختتام على «ثمّ تدعو بما بدا لك».

    49
    وكان من دعائه عليه السلام في دفاع كيد الأعداء وَردّ بأسهم
    إلهِي هَدَيْتَنِي فَلَهَوْتُ ، وَوَعَظْتَ فَقَسَوْتُ ، وَأَبْلَيْتَ الْجَمِيلَ فَعَصَيْتُ ، ثُمَّ عَرَفْتُ مَا أَصْدَرْتَ ، إذْ عَرَّفْتَنِيهِ فَاسْتَغْفَرْتُ فَأَقَلْتَ ، فَعُدتُ فَسَتَرْتَ ، فَلَكَ إلهِي الْحَمْدُ ، تَقَحَّمْتُ أَوْدِيَةَ الْهَلاَكِ ، وَحَلَلْتُ شِعَابَ تَلَفٍ ، تَعَرَّضْتُ فِيهَا لِسَطَوَاتِكَ وَبِحُلُولِهَا عُقُوبَاتِكَ ، وَوَسِيلَتِي إلَيْكَ التَّوْحِيدُ ، وَذَرِيْعَتِي أَنِّي لَمْ أُشْرِكْ بِكَ شَيْئاً ، وَلَمْ أَتَّخِذْ مَعَكَ إلهاً ، وَقَدْ فَرَرْتُ إلَيْكَ بِنَفْسِي ، وَإلَيْكَ مَفَرُّ الْمُسِيءِ ، وَمَفْزَعُ الْمُضَيِّعِ لِحَظِّ نَفْسِهِ الْمُلْتَجِئِ ، فَكَمْ مِنْ عَدُوٍّ انْتَضى عَلَيَّ سَيْفَ عَدَاوَتِهِ ، وَشَحَذَ لِيْ ظُبَةَ مُدْيَتِهِ ، وَأَرْهَفَ لِي شَبَا حَدِّهِ ، وَدَافَ لِيْ قَوَاتِلَ سُمُومِهِ ، وَسَدَّدَ نَحْوِي صَوَائِبَ سِهَامِهِ ، وَلَمْ تَنَمْ عَنِّي عَيْنُ حِرَاسَتِهِ ، وَأَضْمَرَ أَنْ يَسُومَنِي الْمَكْرُوهَ ، وَيُجَرِّ عَنِّي زُعَافَ مَرَارَتِهِ ، فَنَظَرْتَ يا إلهِيْ إلَى ضَعْفِي عَنِ احْتِمَـالِ الْفَـوَادِحِ ، وَعَجْزِي عَنِ الانْتِصَارِ مِمَّنْ قَصَدَنِيْ بِمُحَارَبَتِهِ ، وَوَحْدَتِي فِي كَثِيرِ عَدَدِ مَنْ نَاوَانِيْ ، وَأَرْصَدَ لِيْ بِالْبَلاءِ فِيمَا لَمْ أُعْمِلْ فِيهِ فِكْرِي فَابْتَدَأْتَنِي بِنَصْرِكَ ، وَ

    شَدَدْتَ أَزْرِي بِقُوَّتِكَ ، ثُمَّ فَلَلْتَ لِيَ حَدَّهُ وَصَيَّرْتَهُ مِنْ بَعْدِ جَمْع عَدِيْدٍ وَحْدَهُ ، وَأَعْلَيْتَ كَعْبِي عَلَيْهِ ، وَجَعَلْتَ مَا سَدَّدَهُ مَرْدُوداً عَلَيْهِ ، فَرَدَدْتَهُ لَمْ يَشْفِ غَيْظَهُ وَلَمْ يَسْكُنْ غَلِيلُهُ ، قَدْ عَضَّ عَلَى شَوَاهُ ، (1) وَأَدْبَرَ مُوَلِّياً قَدْ أَخْلَفَتَ سَرَاياهُ ، وَكَمْ مِنْ باغ بَغانِيْ بِمَكَائِدِهِ ، وَنَصَبَ لِيْ شَرَكَ مَصَائِدِهِ ، وَوَكَّلَ بِيْ تَفَقُّدَ رِعَايَتِهِ ، وَأَظْبَأَ إلَيَّ إظْبَآءَ السَّبُعِ لِطَرِيْدَتِهِ انْتِظَـاراً لانْتِهَازِ الْفُرْصَةِ لِفَرِيسَتِهِ ، وَهُوَ يُظْهِرُ لِيْ بَشَاشَةَ المَلَقِ ، وَيَنْظُـرُنِي (2) عَلَى شِدَّةِ الْحَنَقِ ، فَلَمَّا رَأَيْتَ يَا إلهِي تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ دَغَلْ سَرِيرَتِهِ ، وَقُبْحَ مَا انْطَوى عَلَيْهِ ، أَرْكَسْتَهُ لِاُمِّ رَأْسِهِ فِي زُبْيَتِهِ ، وَرَدَدْتَهُ فِي مَهْوى حُفْرَتِهِ ، فَانْقَمَعَ بَعْدَ اسْتِطَالَتِهِ ذَلِيلاً فِي رِبَقِ حِبالتِهِ الَّتِي كَانَ يُقَدِّرُ أَنْ يَرَانِي فِيهَا ، وَقَدْ كَادَ أَنْ يَحُلَّ بِيْ لَوْلاَ رَحْمَتُكَ مَا حَلَّ بِسَاحَتِهِ ، وَكَمْ مِنْ حَاسِدٍ (3) قَدْ شَرِقَ بِي بِغُصَّتِهِ ، (4) وَشَجِيَ مِنِّي (5) بِغَيْظِهِ ، وَسَلَقَنِي بِحَدِّ لِسَانِهِ ، وَوَحَرَنِي بِقَرْفِ عُيُوبِهِ ، وَجَعَلَ عِرْضِيْ غَرَضاً لِمَرَامِيهِ ، وَقَلَّدَنِي خِلاَلاً لَمْ تَزَلْ فِيهِ ، وَوَحَرنِي بِكَيْدِهِ ، وَقَصَدَنِي بِمَكِيدَتِهِ ، فَنَادَيْتُكَ يَا إلهِي مُسْتَغِيْثاً بِكَ وَاثِقاً بِسُرْعَةِ إجَابَتِكَ ، عَالِماً أَنَّهُ لاَ يُضْطَهَدُ مَنْ آوى إلَى ظِلِّ كَنَفِكَ ، وَلاَ يَفْزَعُ مَنْ لَجَأَ إلَى مَعْقِل انْتِصَارِكَ ، فَحَصَّنْتَنِي مِنْ بَأْسِهِ بِقُدْرَتِكَ ، وَكَمْ مِنْ سَحَائِبِ مَكْرُوه جَلَّيْتَهَا عَنِّي ، وَسَحَائِبِ نِعَم أَمْطَرْتَهَا عَلَيَّ ، وَجَدَاوِلِ رَحْمَةٍ نَشَرْتَهَا ، وَ

    عَافِيَة أَلْبَسْتَهَا ، وَأَعْيُنِ أَحدَاث طَمَسْتَهَا ، وَغَواشي كُرُبَات كَشَفْتَهَا ، وَكَمْ مِنْ ظَنٍّ حَسَن حَقَّقْتَ ، وَعَدَم جَبَرْتَ ، وَصَرْعَة أَنْعَشْتَ ، وَمَسْكَنَة حَوَّلْتَ ، كُلُّ ذَلِكَ إنْعَامَاً وَتَطَوُّلاً مِنْكَ ، وَفِي جَمِيعِهِ انْهِمَاكاً مِنِّي عَلَى مَعَاصِيْكَ ، لَمْ تَمْنَعْكَ إساءَتِي عَنْ إتْمَامِ إحْسَانِكَ ، وَلاَ حَجَرَنِي ذالِكَ عَنِ ارْتِكَابِ مَسَاخِطِكَ ، لاَ تُسْأَلُ عَمَّا تَفْعَلُ ، وَلَقَدْ سُئِلْتَ فَأَعْطَيْتَ ، وَلَمْ تُسْأَلْ فابْتَدَأْتَ ، وَاسْتُمِيحَ فَضْلُكَ فَمَا أَكْدَيْتَ ، أَبَيْتَ يَا مَوْلاَيَ إلاَّ إحْسَانَـاً وَامْتِنَاناً وَتَطوُّلاً وَإنْعَامـاً ، وَأَبَيْتُ إلاَّ تَقَحُّماً لِحُرُماتِكَ ، وَتَعَدِّياً لِحُدُودِكَ ، وَغَفْلَةً عَنْ وَعِيدِكَ ، فَلَكَ الْحَمْدُ إلهِي مِنْ مُقْتَدِر لاَ يُغْلَبُ ، وَذِي أَناة لاَ يَعْجَلُ ، هَذَا مَقَامُ مَنِ اعْتَرَفَ بِسبوغِ النِّعَمِ وَقَابَلَهَا بِالتَّقْصِيرِ ، وَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالتَّضْيِيْعِ. أللَّهُمَّ فَإنِّي أَتَقَرَّبُ إلَيْكَ بِالْمُحَمَّدِيَّةِ الرَّفِيعَةِ ، وَالْعَلَوِيَّةِ الْبَيْضَآءِ ، وَأَتَـوَجَّهُ إلَيْكَ بِهِمَا أَنْ تُعِيذَنِيْ مِنْ شَرِّ كَذَا وَكَذَا ، فَإنَّ ذَالِكَ لا يَضِيْقُ عَلَيْكَ فِي وُجْدِكَ ، وَلاَ يَتَكَأدُّكَ فِي قُدْرَتِكَ ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، فَهَبْ لِي يا إلهِي مِنْ رَحْمَتِكَ وَدَوَامِ تَوْفِيقِكَ ، مَا أَتَّخِذُهُ سُلَّماً أَعْرُجُ بِهِ إلى رِضْوَانِكَ ، وَآمَنُ بِهِ مِنْ عِقَابِكَ. يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

    (1) قوله عليه السلام : شواه
    شوى الآدمي أطراف بدنه كاليدين والرجلين وجلد الرأس وما ليس بمقتل ، والشوى في الأصل : الأمر الهيّن وردّ المال.
    (2) قوله عليه السلام : ينظرني
    كينصرني من نظره بمعنى تنظّره وانتظره إذا ارتقبه وتأنّى عليه.
    وفي النهاية الأثيريّة : في حديث أنس : نظرنا النبي صلّى الله عليه وآله ذات ليلة حتّى كان شطر الليل. يقال : نظرته وأنظرته إذا ارتقبت حضوره. (1)
    وينظرني على رواية «س» بضمّ حرف المضارعة من باب الإفعال ، من الإنظار بمعنى الإمهال والتأخير. والنظرة بكسر الظاء التأخير والإرجاء في الأمر. وفي التنزيل الكريم : (فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ). (2)
    (3) قوله عليه السلام : وكم من حاسد
    بخطّ «ع» وبرواية «ش» وكم من حاسد وقد خزني بكيده ، بإسقاط ما بين ذلك.
    (4) قوله عليه السلام : قد شرق بي بغضته
    الشرق بالشين المعجمة والراء المحرّكة : الغصّة. والسرق بالتحريك والإهمال : مصدر سرق والإسم السرقة بكسر الراء بعد المهملة المفتوحة.
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 5 / 78.
    2. البقرة : 280.

    (5) قوله عليه السلام : وشجي منّي
    بالكسر لا من الشجو بمعنى الحزن ، يقال : شجاه كذا أو أشجاه ، أي : حزنه ، فهو مشجوّ ومشجّي به ، أي : محزون ، وهو من الأضداد ، فربّما كان معناه طربه ونشطه.
    بل من الشجى وهو ما نشب واعترض في الحق من عظم ونحوه ، يقال : فلان شجى بعضّة أو همّ أو غيظ أو حسد بالكسر. يشجى بالفتح من باب رضي ، فهو به شجيّ بتشديد الياء على فعيل. أي : نشب فيه ذلك وصعب عليه فصار هو ممتواً بتشويه فيه وصعوبة عليه ، ومفازة شجواء : صعبة المسالك معترضة الصعوبة منتشبة البليّة.
    وقال الجوهري في الصحاح : الشجو : الهمّ والحزن. ويقال : شجاه يشجوه شجواً ، إذا أحزنه. وأشجاه يشجيه إشجاءاً ، إذا أغصّه. تقول منهما جميعاً : شجى بالكسر يشجي شجى. والشجا : ما ينشب في الحلق من عظم وغيره. ورجل شجّ ، أي : حزين. وامرأة شجيّة على فعلة. ويقال : «ويل للشجي من الخليّ».
    قال المبرّد : ياء الخليّ مشدّدة وياء الشجي مخفّفة. قال : وقد شدّد في الشعر. فإن جعلت الشجي فعليلاً من شجاه الحزن فهو مشجو وشجي ، فهو بالتشديد لا غير. (1) انتهى كلامه.
    والحقّ ما حقّقناه.
    __________________
    1. الصحاح : 6 / 2389.

    50
    وكان من دعائه عليه السلام في الرهبة
    أَللَّهُمَّ إنَّكَ خَلَقْتَنِي سَوِيّاً ، وَرَبَّيْتَنِي صَغِيراً ، وَرَزَقْتَنِي مَكْفِيّاً. أَللَّهُمَّ إنِّي وَجَدْتُ فِيمَا أَنْزَلْتَ مِنْ كِتَابِكَ وَبَشَّرْتَ بِهِ عِبَادِكَ أَنْ قُلْتَ : (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنِّي مَا قَدْ عَلِمْتَ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي ، فَيَا سَوْأَتا مِمَّا أَحْصَاهُ عَلَيَّ كِتَابُكَ ، فَلَوْلاَ الْمَوَاقِفُ الَّتِي أُؤَمِّلُ مِنْ عَفْوِكَ الَّذِي شَمِلَ كُلَّ شَيْء لاَلْقَيْتُ بِيَدِي ، وَلَوْ أَنَّ أَحَداً اسْتَطاعَ الْهَرَبَ مِنْ رَبِّهِ لَكُنْتُ أَنَا أَحَقُّ بِالهَرَبِ مِنْكَ ، وَأَنْتَ لاَ تَخْفَى عَلَيْكَ خَافِيَةٌ فِي الاَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَآءِ إلاَّ أَتَيْتَ بِهَا ، وَكَفى بِكَ جَازِياً ، وَكَفى بِكَ حَسِيباً. أللَّهُمَّ إنَّكَ طَالِبِي إنْ أَنَا هَرَبْتُ ، وَمُدْرِكِي إنْ أَنَا فَرَرْتُ فَهَا أَنَا ذَا بَيْنَ يَدَيْكَ خَاضِعٌ ذَلِيلٌ رَاغِمٌ ، إنْ تُعَذِّبْنِي فَإنّي لِذلِكَ أَهْلٌ ، وَهُوَ يَارَبِّ مِنْكَ عَدْلٌ ، وَإنْ تَعْفُ عَنِّي فَقَدِيماً شَمَلَنِي عَفْوُكَ ، وَأَلبَسْتَنِي عَافِيَتَكَ. فَأَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ بِالْمَخْزونِ

    مِنْ أَسْمائِكَ ، وَبِمَا وَارتْهُ الْحُجُبُ مِنْ بَهَائِكَ إلاَّ رَحِمْتَ هذِهِ النَّفْسَ الْجَزُوعَةَ ، وَهَذِهِ الرِّمَّةَ الْهَلُوعَةَ الَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ حَرَّ شَمْسِكَ ، فَكَيْفَ تَسْتَطِيعُ حَرَّ نارِكَ ، وَالَّتِي لاَ تَسْتَطِيعُ صَوْتَ رَعْدِكَ ، فَكَيْفَ تَسْتَطِيعُ صَوْتَ غَضَبِكَ ، فَارْحَمْنِي اللَّهُمَّ فَإنِّي امْرُؤٌ حَقِيرٌ وَخَطَرِي يَسِيرٌ ، وَلَيْسَ عَذَابِي مِمَّا يَزِيدُ فِي مُلْكِكَ مِثْقَالَ ذَرَّة ، وَلَوْ أَنَّ عَذَابِي مِمَّا يَزِيدُ فِي مُلْكِكَ لَسَأَلْتُكَ الصَّبْرَ عَلَيْهِ ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ ذلِكَ لَكَ ، وَلكِنْ سُلْطَانُكَ اللَّهُمَّ أَعْظَمُ ، وَمُلْكُكَ أَدْوَمُ مِنْ أَنْ تَزِيـدَ فِيْهِ طَاعَةُ الْمُطِيعِينَ ، أَوْ تُنْقِصَ مِنْهُ مَعْصِيَةُ الْمُذْنِبِينَ ، فَارْحَمْنِي يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، وَتَجاوَزْ عَنِّي يا ذَا الْجَلاَلِ وَالإكْرَامِ ، وَتُبْ عَلَيَّ ، إنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.

    51
    وكان من دعائه عليه السلام في التضرع وَالاستكانة
    إلهِي أَحْمَـدُكَ وَأَنْتَ لِلْحَمْدِ أَهْلٌ ، عَلَى حُسْنِ صَنِيعِكَ إلَيَّ ، وَسُبُـوغِ نَعْمَآئِكَ عَلَيَّ وَجَزِيْلِ عَطَآئِكَ عِنْدِي ، وَعَلَى ما فَضَّلْتَنِي مِنْ رَحْمَتِكَ ، وَأَسْبَغْتَ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَتِكَ ، فَقَدِ اصْطَنَعْتَ عِنْدِي ما يَعْجِزُ عَنُهُ شُكْرِي ، وَلَوْ لاَ إحْسَانُكَ إلَيَّ وَسُبُوغُ نَعْمَآئِـكَ عَلَيَّ ، مَا بَلَغْتُ إحْرازَ حَظِّي ، وَلاَ إصْلاَحَ نَفْسِي ، وَلكِنَّكَ ابْتَدَأْتَنِي بِالإحْسَانِ ، وَرَزَقْتَنِي فِي أُمُورِي كُلِّهَا الْكِفَايَةَ ، وَصَرَفْتَ عَنِّي جَهْدَ الْبَلاءِ ، وَمَنَعْتَ مِنِّي مَحْذُورَ الْقَضَآءِ. إلهِي فَكَمْ مِنْ بَلاءٍ جَاهِدٍ قَدْ صَرَفْتَ عَنِّي ، وَكَمْ مِنْ نِعْمَة سَابِغَة أَقْرَرْتَ بِهَا عَيْنِي ، وَكَمْ مِنْ صَنِيعَةٍ كَرِيمَةٍ لَكَ عِنْدِي ، أَنْتَ الَّذِي أَجَبْتَ عِنْدَ الاضْطِرَارِ دَعْوَتِي ، وَأَقَلْتَ عِنْدَ الْعِثَارِ زَلَّتِي ، وَأَخَذْتَ لِي مِنَ الاَعْدَآءِ بِظُلاَمَتِي ، إلهِي مَا وَجَدْتُكَ بَخِيلاً ، حِينَ سَأَلْتُكَ ، وَلاَ مُنْقَبِضاً حِينَ أَرَدْتُكَ ، بل وَجَدْتُكَ لِدُعَآئِي سَامِعاً ، وَلِمَطَالِبِي مُعْطِياً ، وَوَجَدْتُ نُعْمَاكَ عَلَيَّ سَابِغَةً فِي كُلِّ شَأْن مِنْ شَأْنِي ، وَكُلِّ زَمَان مِنْ زَمَانِي ، فَأَنْتَ عِنْدِي

    مَحْمُودٌ ، وَصَنِيعُكَ لَدَيَّ مَبْرُورٌ ، تَحْمَدُكَ نَفْسِي وَلِسَانِيْ وَعَقْلِي ، حَمْداً يَبْلُغُ الوَفَآءَ وَحَقِيقَةَ الشُّكْرِ ، حَمْداً يَكُونُ مَبْلَغَ رِضَاكَ عَنِّي ، فَنَجِّنِي مِنْ سَخَطِكَ يَا كَهْفِي حِينَ تُعْيينِي الْمَذَاهِبُ ، (1) وَيَا مُقيلِي عَثْرَتِي فَلَوْ لاَ سَتْرُكَ عَوْرَتِي ، لَكُنْتُ مِنَ الْمَفْضُوحِينَ ، وَيَا مُؤَيِّدِي بِالنَّصْرِ ، فَلَوْلاَ نَصْرُكَ إيَّايَ لَكُنْتُ مِنَ الْمَغْلُوبِينَ ، وَيَا مَنْ وَضَعَتْ لَهُ الْمُلُوكُ نِيرَ الْمَذَلَّةِ عَلى أَعْنَاقِهَا ، فَهُمْ مِنْ سَطَواتِهِ خَائِفُونَ ، وَيَا أَهْلَ التَّقْوَى ، وَيَا مَنْ لَهُ الأَسْمَآءُ الْحُسْنى ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَعْفُوَ عَنِّي ، وَتَغْفِرَ لِي ، فَلَسْتُ بَرِيئاً فَأَعْتَذِرَ ، وَلاَ بِذِي قُوَّة فَأَنْتَصِرَ ، وَلاَ مَفَرَّ لِي فَأَفِرَّ ، وَأَسْتَقِيْلُكَ عَثَراتِي ، وَأَتَنَصَّلُ إلَيْكَ مِنْ ذُنُوبِي الَّتِي قَدْ أَوْبَقَتْنِي ، وَأَحَاطَتْ بِي فَأَهْلَكَتْنِي ، مِنْهَا فَرَرْتُ إلَيْكَ رَبِّ تَائِباً ، فَتُبْ عَلَيَّ مُتَعَوِّذاً فَأَعِذْنِي مُسْتَجِيراً ، فَلاَ تَخْذُلْنِي سَآئِلاً ، فَلاَ تَحْرِمْنِي مُعْتَصِماً ، فَلاَ تُسْلِمْنِي دَاعِياً ، فَلاَ تَرُدَّنِي خَائِباً ، دَعوْتُكَ يَارَبِّ مِسْكِيناً مُسْتَكِيناً مُشْفِقاً خَائِفاً وَجِلاً فَقِيراً مُضْطَرّاً إلَيْكَ ، أَشْكُو إلَيْكَ يَا إلهِي ضَعْفَ نَفْسِي عَنِ الْمُسَارَعَةِ فِيمَا وَعَدْتَهُ أَوْلِيَآءَكَ ، وَالْمُجَانَبَةِ عَمَّا حَذَّرْتَهُ أَعْدَآءَكَ ، وَكَثْرَةَ هُمُومِي ، وَوَسْوَسَةَ نَفْسِي. إلهِي لَمْ تَفْضَحْنِي بِسَرِيرَتِي ، وَلَمْ تُهْلِكْنِي بِجَرِيرَتِي ، أَدْعُوكَ فَتُجِيبُنِي ، وَإنْ كُنْتُ بَطِيئاً حِيْنَ تَدْعُونِي ، وَأَسْأَلُكَ كُلَّمَا شِئْتُ مِنْ حَوَائِجِي ، وَ

    حَيْثُ مَا كُنْتُ وَضَعْتُ عِنْدَكَ سِرِّي ، فَلاَ أَدْعُو سِوَاكَ وَلاَ أَرْجُو غَيْرَكَ. لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ ، تَسْمَعُ مَنْ شَكَا إلَيْكَ ، وَتَلْقى مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْكَ ، وَتُخَلِّصُ مَنِ اعْتَصَمَ بِكَ ، وَتُفَرِّجُ عَمَّنْ لاذَ بِكَ. إلهِي فَلاَ تَحْرِمْنِي خَيْرَ الآخِرَةِ وَالأُولى ، لِقِلَّةِ شُكْرِي ، وَاغْفِرْ لِي مَا تَعْلَمُ مِنْ ذُنُوبِي ، إنْ تُعَذِّبْ فَأَنَا الظَّالِمُ الْمُفَرِّطُ الْمُضَيِّعُ الاثِمُ الْمُقَصِّرُ الْمُضْجِعُ ، الُمُغْفِلُ حَظَّ نَفْسِي ، وَإنْ تَغْفِرْ فَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

    (1) قوله عليه السلام : تعييني المذاهب
    أعياه الأمر وأعيا عليه : إذا عجز عن تدبيره ولم يهتد لوجهه ، يتعدّي ولا يتعدّى.
    قال الزمخشري في أساس البلاغة : عيّ بالأمر وتعيّأ به وتعايا ، وأعياه الأمر إذا لم يضبطه. وعايا صاحب معاياة ، إذا ألقى عليه كلاماً أو عملاً لا يهتدي لوجهه. وتقول : إيّاك ومسائل المعاياة فإنّها صعبة المعاناة. (1)
    قال الجوهري في الصحاح : أعيا الرجل في المشي وأعياه الله ، كلاهما بالألف ، وأعيا عليه الأمر وتعيّا وتعايا بمعنى. (2)
    قلت : ومن هناك ما جعل العيّ إسماً للجهل. وفي الحديث : شفاء العيّ السؤال.
    قال ابن الأثير في النهاية : العيّ الجهل ، وقد عيي به يعيا عيّاً. وعيّ بالإدغام والتشديد مثل غيّ. (3) ومنه حديث الهدي «فأزحفت عليه بالطريق فعيّ بشأنها» أي : عجز عنها وأشكل عليه أمرها. ومنه حديث عليّ عليه السلام «فعلهم الداء العياء» هو الذي أعيا الأطبّاء ولم ينجع فيه الدواء. (4)
    وقال المطرّزي في المغرب : الاعياء التعب. والأصل فيه ما أوردناه ، فقد قال : العيّ العجز من باب ليس ، ثمّ قال : والاعياء التعب ، فمن توهّم أنه معنى فقد أخطأ ، وكان منشأ وهمه ما يحكى عن الكسائي أنّ سبب تعلّمه النحو أنّه جاء إلى قوم وقد أعيا ، فقال : قد عيّيت بالتشديد ، فقالوا : إن كنت أردت من انقطاع الحيلة فقد عييت بالتخفيف ، وإن كنت
    __________________
    1. أساس البلاغة : ص 443.
    2. الصحاح : 6 / 3443.
    3. في المصدر : عيي.
    4. نهاية ابن الأثير : 3 / 334.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    الصحيفه السجاديه كامله Empty
    مُساهمةموضوع: رد: الصحيفه السجاديه كامله   الصحيفه السجاديه كامله Emptyأمس في 20:49

    أردت من التعب فقد أعييت.
    وبالجملة التعب وانقطاع الحيلة والتحيّر في الأمر وعدم الإهتداء لوجهه كلّها من أصل واحد.
    نعم قال في المغرب : ومنه فيعتمد إذا أعيا ويقعد إذا عجز. وقوله الرجل يصلّي تطوّعاً وقد افتتح قائماً ثمّ يعيي ، الصواب أعيا أو يعيي.
    ومغزاه الذي رامه أنّه لو استعمل متعدّياً فالصواب أعيا أو يعيي ، ولو عدّي بالحرف فالصواب يعيي به ، فقوله يعيي متعدّياً لا بحرف خطأ ، فتثبّت ولا تتخبّط.

    52
    وكان من دعائه عليه السلام في الالحاح على الله تعالى
    يَا أَللهُ الَّذِي لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَآءِ ، وَكَيْفَ يَخْفى عَلَيْكَ يَا إلهِي مَا أَنْتَ خَلَقْتَهُ ، وَكَيْفَ لاَ تُحْصِي مَا أَنْتَ صَنَعْتَهُ ، أَوْ كَيْفَ يَغِيبُ عَنْكَ مَا أَنْتَ تُدَبِّرُهُ ، أَوْ كَيْفَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَهْرُبَ مِنْكَ مَنْ لاَ حَياةَ لَهُ إلاَّ بِرِزْقِكَ ، أَوْ كَيْفَ يَنْجُو مِنْكَ مَنْ لاَ مَذْهَبَ لَهُ فِي غَيْرِ مُلْكِكَ ، سُبْحَانَكَ ، أَخْشى خَلْقِكَ لَكَ أَعْلَمُهُمْ بِكَ ، وَأَخْضَعُهُمْ لَكَ أَعْمَلُهُمْ بِطَاعَتِكَ ، وَأَهْوَنُهُمْ عَلَيْكَ مَنْ أَنْتَ تَرْزُقُهُ ، وَهُوَ يَعْبُدُ غَيْرَكَ ، سُبْحَانَكَ ، لاَ يُنْقِصُ سُلْطَانَكَ مَنْ أَشْرَكَ بِكَ ، وَكَذَّبَ رُسُلَكَ ، وَلَيْسَ يَسْتَطِيعُ مَنْ كَرِهَ قَضَآءَكَ أَنْ يَرُدَّ أَمْرَكَ ، وَلاَ يَمْتَنِعُ مِنْكَ مَنْ كَذَّبَ بِقُدْرَتِكَ ، وَلاَ يَفُوتُكَ مَنْ عَبَدَ غَيْرَكَ ، وَلاَ يُعَمَّرُ فِي الدُّنْيَا مَنْ كَرِهَ لِقَآءَكَ ، سُبْحَانَكَ ، مَا أَعْظَمَ شَأْنَكَ ، وَأَقْهَرَ سُلْطَانَكَ ، وَأَشَدَّ قُوَّتَكَ ، وَأَنْفَذَ أَمْرَكَ ، سُبْحَانَكَ ، قَضَيْتَ عَلَى

    جَمِيعِ خَلْقِكَ الْمَوْتَ ، مَنْ وَحَّدَكَ وَمَنْ كَفَرَ بِكَ ، وَكُلٌّ ذَائِقُ المَوْتِ ، وَكُلٌّ صَائِرٌ إلَيْكَ ، فَتَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ ، لاَ إلهَ إلاَّ أَنْتَ ، وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ ، آمَنْتُ بِكَ ، وَصَدَّقْتُ رُسُلَكَ ، وَقَبِلْتُ كِتَابَكَ ، وَكَفَرْتُ بِكُلِّ مَعْبُود غَيْرِكَ ، وَبَرِئْتُ مِمَّنْ عَبَدَ سِوَاكَ. أللَّهُمَّ إنِّي أُصْبحُ وَأُمْسِي مُسْتَقِلاًّ لِعَمَلِي ، مُعْتَرِفاً بِذَنْبِي ، مُقِرَّاً بِخَطَايَايَ ، أَنَا بِإسْرَافِي عَلَى نَفْسِي ذَلِيلٌ ، عَمَلِي أَهْلَكَنِي ، وَهَوَايَ أَرْدَانِي ، (1) وَشَهَوَاتِي حَرَمَتْنِي ، فَأَسْأَلُكَ يَا مَوْلاَيَ سُؤالَ مَنْ نَفْسُهُ لاَهِيَةٌ لِطُولِ أَمَلِهِ ، وَبَدَنُهُ غَافِلٌ لِسُكُونِ عُرُوقِهِ ، وَقَلْبُهُ مَفْتُونٌ بِكَثْرَةِ النِّعَمِ عَلَيْهِ ، وَفِكْرُهُ قَلِيلٌ لِمَا هُوَ صَائِرٌ إلَيْهِ سُؤَالَ مَنْ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الاَمَلُ ، وَفَتَنَهُ الْهَوى ، وَاسْتَمْكَنَتْ مِنْهُ الدُّنْيَا ، وَأَظَلَّهُ الاَجَلُ ، (2) سُؤَالَ مَنِ اسْتَكْثَرَ ذُنُوبَهُ ، وَاعْتَرَفَ بِخَطِيئَتِهِ ، سُؤَالَ مَنْ لاَ رَبَّ لَهُ غَيْرُكَ ، وَلاَ وَلِيَّ لَهُ دُونَكَ ، وَلاَ مُنْقِذَ لَهُ مِنْكَ وَلاَ مَلْجَأَ لَهُ مِنْكَ إلاَّ إلَيْكَ ، إلهِي أسْأَلُكَ بِحَقِّكَ الْـوَاجِبِ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِكَ ، وَبِاسْمِكَ الْعَظِيْمِ الَّذِي أَمَرْتَ رَسُولَكَ أَنْ يُسَبِّحَكَ بِهِ ، وَبِجَلاَلِ وَجْهِكَ الْكَرِيمِ الذِي لاَ يَبْلى وَلاَ يَتَغَيَّرُ ، وَلاَ يَحُولُ وَلاَ يَفْنى ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تُغْنِيَنِي عَنْ كُلِّ شَيْء

    بِعِبادَتِكَ ، وَأَنْ تُسَلِّيَ نَفْسِيْ عَنِ الدُّنْيَا بِمَخَافَتِكَ ، وَأَنْ تُثْنِيَنِي بِالْكَثِيْرِ مِنْ كَرَامَتِكَ بِرَحْمَتِكَ ، فَإلَيْكَ أَفِرُّ ، ومِنْكَ أَخَافُ ، وَبِكَ أَسْتَغِيثُ ، وَإيَّاكَ أَرْجُو ، وَلَكَ أَدْعُو ، وَإلَيْكَ أَلْجَأُ ، وَبِكَ أَثِقُ ، وَإيَّاكَ أَسْتَعِينُ ، وَبِكَ أُؤمِنُ ، وَعَلَيْكَ أَتَوَكَّلُ ، وَعَلَى جُودِكَ وَكَرَمِكَ أَتَّكِلُ.

    (1) قوله عليه السلام : أرداني
    أي : أهلكني من الردى بمعنى الهلاك ، يقال : ردي بالكسر يردى بالفتح ردي ، أي : هلك وأرداه غيره. أو هوّدني وأسقطني في بئر. أو تهوّر من جبل ، أو رماني من أرديت عنهم إذا رميت بالحجارة مناضلة عنهم.
    (2) قوله عليه السلام : وأظلّه الأجل
    يقال : أظنّك فلان إذا دنى منك كأن ألقى عليك ظلّة ، ثمّ قيل : أظلّك أمر كذا وأظلّك شهر كذا ، أي : دني منك ، وأظلّه وقرب منه وأجمّ وأحمّ وآن له وحان ورهق وخطر نظائر.

    53
    وكان من دعائه عليه السلام في التذلل لله عز وجل
    رَبِّ أَفْحَمَتْنِيْ ذُنُوبِي ، وَانْقَطَعَتْ مَقَالَتِي ، فَلاَ حُجَّةَ لِي فَأَنَا الأَسِيـرُ ، بِبَلِيَّتِي ، الْمُـرْتَهَنُ بِعَمَلِي ، الْمُتَرَدِّدُ فِي خَطِيئَتِي ، الْمُتَحَيِّرُ عَنْ قَصْدِي، الْمُنْقَطَعُ بِي ، (1) قَدْ أَوْقَفْتُ نَفْسِي مَوْقِفَ الأَذِلاَّءِ الْمُذْنِبِينَ ، مَوْقِفَ الأَشْقِيآءِ الْمُتَجَرِّينَ عَلَيْكَ ، الْمُسْتَخِفِّينَ بِوَعْدِكَ ، سُبْحَانَكَ ، أَيَّ جُرْأَةٍ اجْتَرَأْتُ عَلَيْكَ ، وَأَيَّ تَغْرِير غَرَّرْتُ بِنَفْسِي ، مَوْلاَيَ ، إرْحَمْ كَبْوَتِيْ لِحُرِّ وَجْهِي وَزَلَّةَ قَدَمِي ، وَعُدْ بِحِلْمِكَ عَلَى جَهْلِي ، وَبِإحْسَانِكَ عَلَى إسَآءَتِي ، فَأَنَا الْمُقِرُّ بِذَنْبِي ، الْمُعْتَرِفُ بِخَطِيئَتِي ، وَهَذِهِ يَدِيْ وَنَاصِيَتِي ، أَسْتَكِينُ بِالْقَـوْدِ مِنْ نَفْسِي ، إرْحَمْ شَيْبَتِي ، وَنَفَادَ أَيَّامِي ، وَاقْتِرَابَ أَجَلِي وَضَعْفِي وَمَسْكَنَتِي وَقِلَّةَ حِيلَتِي ، مَوْلاَيَ وَارْحَمْنِي إذَا انْقَطَعَ مِنَ الدُّنْيَا أَثَرِي ، وَامَّحى مِنَ الْمَخْلُوقِينَ ذِكْرِي ، وَكُنْتُ فِي الْمَنْسِيِّينَ ، كَمَنْ قَدْ نُسِيَ ، مَوْلاَيَ وَارْحَمْنِي عِنْدَ تَغَيُّرِ صُورَتِي ، وَحَالِي إذَا بَلِيَ جِسْمِي ، وَتَفَرَّقَتْ أَعْضَائِي ، وَتَقَطَّعَتْ

    أَوْصَالِيْ ، يا غَفْلَتِي عَمَّا يُرَادُ بِيَ ، مَوْلاَيَ وَارْحَمْنِي فِي حَشْرِي وَنَشْرِي ، وَاجْعَل فِي ذَلِكَ الْيَومِ مَعَ أَوْلِيَآئِكَ مَوْقِفِي ، وَفِي أَحِبَّائِكَ مَصْدَرِي ، وَفِي جِوَارِكَ مَسْكَنِي ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

    (1) قوله عليه السلام : عن قصدي المنقطع
    يقال : قطع بفلان فهو مقطوع به ، وكذلك انقطع به على البناء للمفعول ، فهو منقطع به بالفتح ، إذا انقطع سفره فصار منقطعاً به بالكسر دون طيّه ، كما إذا نفد زاده وعطبت دابّته ، أو نابته نائبة لا يقدر أن يتحرّك من جهتها.
    ومنقطع كلّ شيء ـ بالفتح ـ أخره ، وأنا المرتهن بعملي وأنا المنقطع بي وأنا المبغى عليّ مثلاً ، من باب الميل إلى جانب المعنى ، كما في أنا الذي سمّتني اُمّي حيدرة. وذلك مستبين في علم البلاغة ، أعني المعاني والبيان ، ولولا ذلك كان المساق : أنا المرتهن بعمله ، أنا المنقطع به ، وأنا الذي سمّته اُمّه حيدرة.

    54
    وكان من دعائه عليه السلام في استكشاف الهموم
    يَا فَارِجَ الْهَمِّ وَكَاشِفَ الغَمِّ ، يَا رَحْمنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَافْرُجْ هَمِّيَ ، وَاكْشِفْ غَمِّيَ ، يَا وَاحِدُ يَا أَحَدُ يَا صَمَدُ ، يَا مَنْ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ، اعْصِمْنِي وَطَهِّرْنِي ، وَاْذهِبْ بِبَلِيَّتِي.
    وَاقرا آية الكرسي وَالمعوذتين وَقل هو الله احد وقل :
    أَللَّهُمَّ إنِّيْ أَسْأَلُكَ سُؤَالَ مَنِ اشْتَدَّتْ فَاقَتُهُ ، وَضَعُفَتْ قُوَّتُهُ ، وَكَثُرَتْ ذُنُوبُهُ ، سُؤَالَ مَنْ لاَ يَجِدُ لِفَاقَتِهِ مُغِيْثاً ، وَلاَ لِضَعْفِهِ مُقَوِّياً ، وَلاَ لِذَنْبِهِ غَافِراً غَيْرَكَ ، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإكْرَامِ ، أَسْأَلُكَ عَمَلاً تُحِبُّ بِهِ مَنْ عَمِلَ بِهِ ، وَيَقِيناً تَنْفَعُ بِهِ مَنِ اسْتَيْقَنَ بِهِ حَقَّ الْيَقِينِ فِيْ نَفَاذِ أَمْرِكَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاقْبِضَ عَلَى الصِّدْقِ نَفْسِي وَاقْطَعْ مِنَ الدُّنْيَا حَاجَتِي ، وَاجْعَلْ فِيمَا عِنْدَكَ رَغْبَتِي شَوْقاً

    إلَى لِقَائِكَ ، وَهَبْ لِي صِدْقَ التَّوَكُّلِ عَلَيْكَ. أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ كِتَاب قَدْ خَلاَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كِتَاب قَدْ خَلاَ. أَسْأَلُكَ خَوْفَ الْعَابِدِينَ لَكَ وَعِبَادَةَ الْخَاشِعِينَ لَكَ ، وَيَقِيْنَ الْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْكَ ، وَتَوَكُّلَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْكَ. أَللَّهُمَّ اجْعَلْ رَغْبَتِي فِي مَسْأَلَتِي مِثْلَ رَغْبَةِ أَوْلِيَآئِكَ فِي مَسَائِلِهِمْ ، وَرَهْبَتِيْ مِثْلَ رَهْبَةِ أَوْلِيَآئِكَ ، وَاسْتَعْمِلْنِي فِي مَرْضَاتِكَ عَمَلاً لاَ أَتْرُكُ مَعَهُ شَيْئاً ، مِنْ دِيْنِكَ مَخَافَةَ أَحْد مِنْ خَلْقِكَ. أللَّهُمَّ هَذِهِ حَاجَتِي فَأَعْظِمْ فِيهَا رَغْبَتِي وَأَظْهِرْ فِيهَا عُذْرِي وَلَقِّنِي فِيهَا حُجَّتِي (1) وَعَافِ فِيْهَا جَسَدِيْ. أللَّهُمَّ مَنْ أَصْبَحَ لَهُ ثِقَةٌ أَوْ رَجَآءٌ غَيْرُكَ ، فَقَدْ أَصْبَحْتُ وَأَنْتَ ثِقَتِي وَرَجَآئِي فِي الأُمُورِ كُلِّهَا ، فَاقْضِ لِيْ بِخَيْرِهَا عَاقِبَةً ، وَنَجِّنِيْ مِنْ مُضِلاَّتِ الْفِتَنِ ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّد رُسُولِ اللهِ المُصْطَفَى ، وَعَلَى آلِهِ الطَّاهِرِينَ.

    (1) قوله عليه السلام : ولقّني حجّتي
    هناك بحسب اختلاف الرواية قراءتان :
    الاُولى : تشديد القاف فقط من التلقية ومطاوعها لتلقّي وتفعّلاً من اللقاء ، وفيها وجهان :
    الأوّل : أن يكون بمعنى الإلقاء والتفهيم والإملاء والتعليم ، يقال : لقّاه [الله] الكتاب والحكمة والأمر والقول مثلاً ، أي : علّمه إيّاه ونبّهه عليه ، وألقى إليه وحيه وأملى عليه ذكره وتلقّاه هو ، أي : تعلّمه وأخذه وتلقّفه وتعاطاه.
    وعلى هذا فالحجّة بمعناها ، ولقّني حجّتي معناه : علّمني ما أحتجّ عليه وأعتذر به لذيك حن المثول (1) بين يديك ، ونبّهني عليه وألق في قلبي علمه وفهمه ، وأجر على لساني بيانه وذكره. ولقد تكرّر الإطلاق على هذا السبيل في التنزيل الكريم : (لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) (2) أي : لتعلم لفظه ، ومعناه : ويلقى إليك وحيه وعلمه. وفي الكشّاف : أي : تؤتاه وتلقّنه. (3)
    (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) (4) (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (5) أي : ما يعلمها. وينبّه عليها إلّا الصابرون. (فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ) (6) أي : تعلّمها وتلقّفها واستقبلها بالأخذ والقبول والعمل بها حين علمها ، قاله في الكشّاف. (7)
    وقال في أساس البلاغة : تلقّاه استقبله وتلقّيته ومنه تلقّنته. (Cool
    __________________
    1. في «ن» : أقوم.
    2. سورة النمل : 6.
    3. الكشّاف : 3 / 137.
    4. سورة فصّلت : 35.
    5. سورة فصّلت : 35.
    6. سورة البقرة : 37.
    7. الكشّاف : 1 / 274.
    8. أساس البلاغة : ص 571.

    قال ابن الأثير في النهاية : وفي حديث اشراط الساعة : «ويلقّى الشحّ». قال الحميدي : لم تضبط الرواة هذا الحرف ، ويحتمل أن يكون «يلقّى» بمعنى يتلقّى ويتعلّم ويتواصى به ويدعى إليه ، من قوله تعالى : (وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ) أي : ما يعلمها وينبّه عليها ، وقوله تعالى : (فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ).
    ولو قيل : «يلقى» مخفّفة القاف لكان أبعد ؛ لأنّه لو اُلقي لترك ولم يكن موجوداً وكاد يكون مدحاً ، والحديث مبنيّ على الذمّ. ولو قيل يلفى بالفاء بمعنى يوجد لم يستقم ، لأنّ الشحّ ما زال موجوداً. (1) انتهى كلام النهاية.
    الثاني : أن يكون من التلقية بمعنى إفادة المضامّة والإتّصال بين الشيئين ، أي : جعل الشيء منضمّاً إلى شيء ومتّصلاً به ملاقياً إيّاه ، قال عزّ من قائل (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا).
    وفي الكشّاف : أي : أعظاهم بدل عبوس الفجّار وحزنهم نضرة في الوجوه وسروراً في القلوب. (2)
    وقال سبحانه : (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا) (3) يقال : لقاه الشيء ألقاه إليه ، ويلقاه كذا لقيه واستقبله بالبشر والكرامة. ومنه قوله عزّ وجلّ (تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ). (4)
    وفي الكشّاف : يلقون تحيّة وسلاماً يعني أنّ الملائكة يحيّونهم ويسلّمون عليهم ، أو يحيي بعضهم بعضاً ويسلّم عليهم ، أو يعطون التبقية والتخليد مع السلامة من كلّ آفة. (5)
    والحجّة على هذا يرام بها المقتاس (6) المقتدى به في سلوك المصير إلى الله تعالى. فالمعنى : اجعلني مع إمامي متّصلاً به ملاقياً إيّاه يوم أصير إليك وألقاك وعند الوقوف بين يديك للحساب.
    الثانية : تشديد القاف والنون جميعاً من التلقين ، إدغاماً لنون جوهر الكلمة في نون الضمير. والمرام بالحجّة حينئذ معناها الحقيقي الشائع لا غير ، أعني ما به الإحتجاج و
    __________________
    1. نهاية ابن الأثير : 4 / 267 ـ 268.
    2. الكشّاف : 4 / 197.
    3. سورة الفرقان : 75.
    4. سورة الأنبياء : 103.
    5. الكشّاف : 3 / 102.
    6. في «س» : المقياس.

    الإعتذار.
    والتلقين تفعيل من لقن الكلام من فلان ، من باب علم. وتلقّنه منه أخذه من لفظه وفهمه ، فهو يجري مجرى الإلقاء والإملاء والإيحاء والإلهام والتعليم والتفهيم ، ومطاوعه يجري مجرى الإلقاء والتعلّم والأخذ والضبط والتحفّظ والإحتفاظ. والأمر في دعاء المضمضة للوضوء : «اللّهمّ لقّني حجّتي يوم ألقاك» أيضاً على هذا السبيل. وكذلك حيث ما ورد هذا اللفظ في سائر الموارد.
    والقاصرون من أصحاب العصر عن نظائر هذه الدقائق والأسرار من الغافلين ، فاستقتم كما اُمرت ولا تكن من القاصرين.
    إلى هنا تمّت التعليقة على الصحيفة المكرّمة السجّاديّة ، وبها تمّ الكتاب.
    وقال في آخر نسخة «س» : تمّ بحرب في چمن أسد آباد وكان مخيّماً للعساكر المنصورة الصفويّة ، لا زالت غالبة على أهل الفساد والعناد ، بمحمّد وآله الأمجاد ، ونسخت أكثرها من خطّه الشريف ، ورقم قلمه المنيف خلّد الله تعالى ظلال جلاله العالي على مسند السؤدد والسيادة والإفادة والإفاضة والكرامة والهداية والعلم والحكمة والإرشاد والإجتهاد إلى يوم الدين.
    قد تمّ شرح الصحيفة الكاملة الملقّب بـ«زبور آل محمّد» في شهر جمادي الآخرة سنة اثنتا عشر ألف من الهجرة النبويّة على يد العبد حسن الحسيني الجيلاني.
    وقال في آخر نسخة «ن» : حرّره العبد الأقلّ محمّد باقر بن ملّا ولي الاسترابادي في تمّمه في شهر رجب ، والله غافره وأبويه والمستعان بتصحيحه في سنة 1106 الهجري النبوي صلوات الله عليه وآله.
    تمّ تحقيق الكتاب وتصحيحه والتعليق عليه في اليوم الثامن والعشرين من جمادي الاُولى سنة ألف وأربعمائة وأربع من الهجرة النبويّة على يد المفتاق إلى عناية ربّه العبد السيّد مهدي الرجائي.
    وتمّ المراجعة الثانية للكتاب في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجّة الحرام سنة 1421 هـ ق على يد العبد الفقير السيّد مهدي الرجائي عفي عنه.

    الفهرس
    المقدمة الاُولى 7
    المقدمة الثانية 9
    مقدّمة المحقّق 11
    مقدّمة الصحيفة السجاديّة 41
    شرح مقدّمة الصحيفة 45
    1 دعائه عليه السلام في التحميد لله عزّ وجلّ 72
    2 دعائه عليه السلام في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله 89
    3 دعائه عليه السلام في الصلوة على حملة العرش وكلّ ملك مقرّب 98
    4 دعائه عليه السالم في الصلوة على أتباع الرسل ومصدّقيهم 107
    5 دعائه عليه السلام لنفسه ولأهل ولايته 116
    6 دعائه عليه السلام عند الصباح والمساء 120
    7 دعائه عليه السلام إذا عرضت له مهمّة أو نزلت به ملمّة وعند الكرب 127
    8 دعائه عليه السلام في الإستعاذة من المكاره وسيّء الأخلاق ومذامّ الافعال 134
    9 دعائه عليه السلام في الإشتياق إلى طلب المغفرة من الله جلّ جلاله 138
    10 دعائه عليه السلام في اللجا إلى الله تعالى 142

    11 دعائه عليه السلام بخواتم الخير 144
    12 دعائه عليه السلام في الإعتراف وطلب التوبة إلى الله تعالى 147
    13 دعائه عليه السلام في طلب الحوائج إلى الله تعالى 154
    14 دعائه عليه السلام إذا اعتدى عليه أو رأى من الظالمين ما لا يحبّ 158
    15 دعائه عليه السلام إذا مرض أو نزل به كرب او بليّة 165
    16 دعائه عليه السلام إذا استقال من ذنوبه أو تضرّع في طلب العفو عن عيوبه 170
    17 دعائه عليه السلام إذا ذكر الشيطان فاستعاذ منه ومن عداوته وكيده 181
    18 دعائه عليه السلام إذا دفع عنه ما يحذر أو عجل له مطلبه 188
    19 دعائه عليه السلام عند الإستسقاء بعد الجدب 189
    20 دعائه عليه السلام في مكارم الأخلاق ومرضيّ الأفعال 195
    21 دعائه عليه السلام إذا حزنه أمر وأهمّته الخطايا 214
    22 دعائه عليه السلام عند الشدّة والجهد وتعسّر الاُمور 221
    23 دعائه عليه السلام إذا سئل الله العافية وشكرها 231
    24 دعائه عليه السلام لأبويه عليهما السلام 240
    25 دعائه عليه السلام لولده 246
    26 دعائه عليه السلام لجيرانه وأوليائه إذا ذكرهم 255
    27 دعائه عليه السلام لأهل الثغور 260
    28 دعائه عليه السلام متفزّعاً إلى الله عزّ وجلّ 271
    29 دعائه عليه السلام إذا قتر عليه الرزق 275
    30 دعائه عليه السلام في المعونة على قضاء الدين 276
    31 دعائه عليه السلام في ذكر التوبة وطلبها 278
    32 دعائه عليه السلام بعد الفراغ من صلوة الليل 283

    33 دعائه عليه السلام في الإستخارة 290
    34 دعائه عليه السلام إذا ابتلى او رأى مبتلى بفضيحة بذنب 292
    35 دعائه عليه السلام في الرّضا إذا نظر إلى أصحاب الدنيا 294
    36 دعائه عليه السلام إذا نظر إلى السحاب والبرق وسمع صوت الرعد 296
    37 دعائه عليه السلام إذا اعترف بالتقصير عن تأدية الشكر 299
    38 دعائه عليه السلام في الإعتذار من تبعات العباد و ... 306
    39 دعائه عليه السلام في طلب العفو والرحمة 309
    40 دعائه عليه السلام إذا نعى إليه ميّت او ذكر الموت 314
    41 دعائه عليه السلام في طلب الستر والوقاية 324
    42 دعائه عليه السلام عند ختم القرآن 327
    43 دعائه عليه السلام إذا نظر إلى الهلال 335
    44 دعائه عليه السلام إذا دخل شهر رمضان 363
    45 دعائه عليه السلام في وداع شهر رمضان 369
    46 دعائه عليه السلام في يوم الفطر إذا انصرف من صلوته 379
    47 دعائه عليه السلام في يوم عرفة 389
    48 دعائه عليه السلام يوم الأضحى ويوم الجمعة 406
    49 دعائه عليه السلام في دفاع كيد الأعداء وردّ بأسهم 414
    50 دعائه عليه اسلام في الرهبة 419
    51 دعائه عليه السلام في التضرع والإستكانة 421
    52 دعائه عليه السلام في الإلحاح على الله تعالى 426
    53 دعائه عليه السلام في التذلل لله عزّ وجلّ 430
    54 دعائه عليه السلام في استكشاف الهموم 433
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
     
    الصحيفه السجاديه كامله
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: 42-منتدى الزيارات-
    انتقل الى: