الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
البيت اهل
المواضيع الأخيرة
» المحكم في اصول الفقه ج3
قاعدة لا ضرر ولا ضرار Emptyاليوم في 7:35 من طرف الشيخ شوقي البديري

» المحكم في أصول الفقه [ ج4
قاعدة لا ضرر ولا ضرار Emptyاليوم في 6:55 من طرف الشيخ شوقي البديري

» الصحيفه السجاديه كامله
قاعدة لا ضرر ولا ضرار Emptyأمس في 20:49 من طرف الشيخ شوقي البديري

» القول الرّشيد في الإجتهاد والتقليد [ ج ١ ]
قاعدة لا ضرر ولا ضرار Emptyأمس في 14:11 من طرف الشيخ شوقي البديري

»  مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه
قاعدة لا ضرر ولا ضرار Emptyأمس في 13:36 من طرف الشيخ شوقي البديري

» قاعدة لا ضرر ولا ضرار
قاعدة لا ضرر ولا ضرار Emptyأمس في 7:51 من طرف الشيخ شوقي البديري

» القول المبين
قاعدة لا ضرر ولا ضرار Emptyالثلاثاء 19 نوفمبر 2024 - 15:46 من طرف الشيخ شوقي البديري

» ------التقيه
قاعدة لا ضرر ولا ضرار Emptyالثلاثاء 19 نوفمبر 2024 - 15:37 من طرف الشيخ شوقي البديري

»  فقه الحضارة
قاعدة لا ضرر ولا ضرار Emptyالثلاثاء 19 نوفمبر 2024 - 15:25 من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     قاعدة لا ضرر ولا ضرار

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3292
    نقاط : 4979
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    قاعدة لا ضرر ولا ضرار Empty
    مُساهمةموضوع: قاعدة لا ضرر ولا ضرار   قاعدة لا ضرر ولا ضرار Emptyأمس في 7:21

    بسم الله الرحمن الرحيم
    وصلى الله علىٰ محمّد وآله الطاهرين
    بين يديك ـ أيها القارئ العزيز ـ مجموعة من محاضرات سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني دام ظله ، التي ألقاها قبل سنين في مهد العلم والمعرفة جامعة النجف الأشرف ، حول القاعدة الفقهية المعروفة ـ لا ضرر ولا ضرار ـ.
    وإننا بعد مراجعتها واستئذان سماحته في طبعها نقدمها لأرباب الفضيلة وأساتذة الحوزة العلمية منهلاً زاخراً بالعطاء الفكري علىٰ صعيد علم الفقه والأصول والحديث والرجال.
    نسال الله تعالىٰ أن يوفق الجميع للعلم والعمل الصالحين إنه جواد كريم.
    مكتب
    سماحة آية الله العظمى
    السيد السيستاني دام ظله
    ـ قم المقدّسة ـ 20 رجب
    1414ه‍


    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام علىٰ أشرف الانبياء والمرسلين محمّد وعلىٰ آله الهداة المهديين الغُر الميامين.
    وبعد :
    هذه بحوث حول قاعدة ( لا ضرر ولا ضرار ) حررتها من محاضرات سيدي الاستاذ الوالد مد ظله الوارف.
    أسال الله العلي القدير أن ينفعني بها ويوفقني لما يحب ويرضى إنّه حسبنا ونعم الوكيل.



    ( قاعدة لا ضرر ولا ضرار )
    تمهيد :
    من القواعد المعروفة بين فقهاء المسلمين قاعدة ( لا ضرر ولا ضرار ) وعلىٰ المسلك المشهور في تفسيرها من أن مفادها نفي الحكم الضرري تترتب عليها آثار مهمة في الكثير من الفروع الفقهية ، حتىٰ ادّعى بعض العامة (1) ان الفقه يدور علىٰ خمسة احاديث احدها حديث لا ضرر ولا ضرار.
    وقد أصبحت هذه القاعدة مورداً لاهتمام علمائنا لا سيّما في العصر الاخير حيث عُنيَ بها الشيخ الاعظم الانصاري 1 عناية خاصة ، وتطرّق إلىٰ البحث عنها في رسائله فانتظمت بذلك في سلك علم الأصول ، وأشبع البحث فيها لدى المتأخرين.
    وحديثنا عن هذه القاعدة يقع في ضمن فصول ثلاثة :
    الفصل الأَول : في تحقيق موارد ذكر حديث لا ضرر ولا ضرار في الروايات وتشخيص متنه.
    الفصل الثاني : في تحقيق مفاده.
    الفصل الثالث : في أُمور شاع التعرض لها بعنوان تنبيهات القاعدة ، وهي اما مكملة للبحث عنها أو متضمنة لبعض تطبيقاتها.
    ويلاحظ انا قد تركنا البحث عن سند اصل الحديث لأنّه لا اشكال في
    __________________
    (1) نقله السيوطي في تنوير الحوالك 2 / 218 عن أبي الفتوح الطائي في الأربعين عن أبي داود وفي أربعينه : 40 وفيه : يدور علىٰ أربعة ...


    وروده بطريق معتبر (1) ، عن طريق زرارة كما سيأتي.
    كما أنّ اسانيده ومصادره من كتب العامة والخاصة تظهر مما سنذكره في الفصل الاول ان شاء الله تعالى.
    __________________
    (1) حكى الشيخ الانصاري عن فخر المحققين ( قدهما ) انّه ادعى تواتر حديث نفي الضرر في باب الرهن من الايضاح ، ويظهرمن الشيخ (ره) قبوله لذلك ، ولكنه غير واضح لأنّه لم يرد هذا الحديث من طرق الخاصة مسنداً إلا عن راويين في الطبقة الأولىٰ وهما زرارة وعقبة ، وفي سائر الطبقات ربما يكون عدد الرواة ثلاثة أو أربعة ، وهذا المقدار لا يكفي في عدّ الحديث مستفيضاً فضلاً عن أن يُعدّ متواتراً ، وربما يظن ان دعوىٰ التواتر تستند إلىٰ الاطلاع علىٰ اخبار اخرى لم تصل الينا لفقد اكثر كتب الحديث في عصرنا ولكنه ضعيف ، ولعل الأَوجه ان يقال : إن نظره (قده) إلىٰ مجموع أخبار الخاصة والعامة فان العامة كما سيأتي في الفصل الاول قد رووا هذا الحديث عن جماعة من الصحابة ، فيمكن عدّ الحديث متواتراً بلحاظ ذلك وهو محل تأمل أيضاً.


    الفصل الأول
    وفيه بحثان :
    البحث الأَول : في ذكر قضايا ( لا ضرر ) وتحقيقها.
    وهي قضايا اشتملت علىٰ ذكر حديث ( لا ضرر ولا ضرار ) تطبيقاً له ـ ولو علىٰ بعض الاقوال والاحتمالات ـ علىٰ مواردها ، ولهذا البحث أهمية كبرى ، لأن ملاحظة هذه الموارد والتعرف علىٰ مبنى تطبيق الحديث عليها يسلط بعض الضوء علىٰ معنىٰ الحديث نفسه ، ويبطل بعض الوجوه التي ذكرت في تفسيره كما سيتضح ذلك إن شاء الله تعالىٰ في الفصل الثاني.
    والقضايا التي تضمنت ذكر حديث ( لا ضرر ولا ضرار ) تبلغ ثماني قضايا ، وردت في مجموع كتب الفريقين : منها ثلاث قضايا وردت في كتب الإماميّة ، وواحدة وردت في دعائم الإسلام للقاضي نعمان المصري الاسماعيلي ، واربع قضايا وردت في كتب العامة ، ونحن نبحث عن الجميع مفصلاً.
    1 ـ قضية سمرة بن جندب مع رجل من الانصار
    وهي أشهر القضايا ، ولا ينبغي الاشكال في ثبوت هذه الجملة ـ أي لا ضرر ولا ضرار ـ في موردها (1) إلا أنّه قد يبالغ فيعدّ ذلك مستفيضاً بل فوق
    __________________
    (1) لكن قد يستشكل في ثبوتها من وجهين :
    الأَول : إنّ قاعدة لا ضرر ولا ضرار لا يمكن تطبيقها علىٰ مورد قضية سمرة ، مما يثير الشكوك في اشتمالها علىٰ جملة ( لا ضرر ولا ضرار ) ، لا سيّما أنها نقلت مجردة عنها أيضاً كما سيأتي ، وهذا الوجه سوف يجيء الكلام في تقريبه ودفعه في الفصل الثالث.
    الثاني : إن هذه القضية ـ كما اشرنا ـ قد نقلت علىٰ نحوين مقرونة بهذه الجملة ومجردة عنها فيدور الأمر بين الزيادة والنقيصة ، ولا ترجيح لأَصالة عدم الغفلة في جانب الزيادة على

    حدّ الاستفاضة ، بادعاء ان هذه القضية مذكورة في كتب الفريقين بطرق متعددة (1).
    ولكن الصحيح : ان قضية سمرة وإن ذكرت في كتب الفريقين بطرق متعددة ، إلا إنها لم تذكر مقرونة بهذه الجملة في جميع طرقها ، بل ذكرت مقرونة بها تارة ومجردة عنها اخرى :
    فأمّا النحو الأَول : فلم يرد في شيء من كتب العامة واحاديثهم ، وانما ورد في كتبنا ، وقد انفرد بنقله في الطبقة الأولىٰ من السند زرارة بن أعين ناقلاً
    __________________
    اصالة عدم الغفلة في جانب النقيصة كما سيأتي تحقيقه في البحث الثاني من هذا الفصل ، فالنتيجة أنه لا يمكن اثبات اشتمال قضية سمرة علىٰ هذه الجملة.
    ويرد عليه ( اولاً ) إن الروايات التي نقلت القضية مجردة عن هذه الجملة لم تصح بطريق معتبر ، فلا معارض لمعتبرة ابن بكير المشتملة عليها.
    و ( ثانياً ) : إن مورد دوران الامر بين الزيادة والنقيصة هو ما إذا لم تكن الزيادة المحتملة جملة مستقلة بحيث لا يكون حذفها مؤثراً علىٰ معنىٰ الرواية لكنه مؤثر علىٰ عموم المعنىٰ وشموله كما في حذف العلّة وبقاء المعلل نحو لا تأكل الرمان لأنّه حامض. ـ معنىٰ الرواية ـ وإلا فما يتضمن الزيادة حجة علىٰ ثبوتها بلا معارض ، ومقامنا من هذا القبيل فان جملة ( لا ضرر ولا ضرار ) جملة مستقلة وبمثابة العلّة للحكم المذكور في القضية فلا يكون حذفها مؤثراً علىٰ معنىٰ بقية الرواية ، لكنه مؤثر علىٰ عموم المعنىٰ المعلل بها. ومما تقدّم يظهر النظر فيما افاده العلامة شيخ الشريعة قدس سره في رسالة لا ضرر : 6 : حيث بنى ثبوت الجملة المذكورة في قضية سمرة رغم خلو بعض رواياتها عنها علىٰ قاعدة الترجيح لاصالة عدم الغفلة في جانب الزيادة عند دوران الامر بين الزيادة والنقيصة ، قال قده ( ومن جهة هذه القاعدة المطردة حكم الكلّ بوجود لا ضرر ولا ضرار في قضية سمرة مع أن رواية الفقيه بسنده الذي هو صحيح أو كالصحيح عن الصيقل عن الحذاء خالية عن نقل هذين اللفظين بالمرة كما عرفت.
    ووجه النظر فيما أفاده أن ثبوت جملة ـ لا ضرر ـ في المقام ليس من باب ترجيح أصالة عدم الزيادة علىٰ أصالة عدم النقيصة ، فإننا لا نقول بها بل من باب أن ما تضمن الزيادة حجة في نفسه بلا معارض.
    (1) رسالة لا ضرر تقريرات المحقق النائيني : 193.


    ذلك عن أبي جعفر 7 ، ونقله عنه اثنان من الرواة هما : عبد الله بن بكير وعبدالله بن مسكان.
    و ( رواية ابن بكير ) عن زرارة نقلت بصورتين :
    الصورة الأولىٰ : ما نقله الكليني في باب الضرار من كتاب المعيشة عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن عبد الله ابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفر 7 ، قال : إن سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الانصار ـ وكان منزل الانصاري بباب البستان ـ وكان يمرّ به إلىٰ نخلته ولا يستأذن ، فكلّمه الانصاري أن يستأذن إذا جاء ، فأبىٰ سمرة ، فلمّا تأبّى جاء الانصاري إلىٰ رسول الله 9 فشكا إليه وخبّره الخبر ، فأرسل رسول الله 9 وخبّره بقول الانصاري وما شكا ، وقال : إن أردت الدخول فاستأذن ، فأبى. فلما أبىٰ ساومه حتىٰ بلغ به من الثمن ما شاء الله فأبىٰ أن يبيع ، فقال 9 : لك بها عذق يمد لك في الجنة فأبىٰ أن يقبل ، فقال رسول الله 9 للانصاري اذهب فاقلعها وارم بها اليه فانه لا ضرر ولا ضرار (1).
    وهذه الرواية معتبرة سنداً ، وقد اوردها الشيخ في التهذيب (2) مبتدئاً فيها باسم ( أحمد بن محمّد بن خالد ) ، والظاهر انّه قد أخذها عن الكافي ـ فلا يمكن عدّه مصدراً مستقلاً لها ـ ، وذلك لما اوضحناه في شرح مشيخة التهذيبين من أن دأب الشيخ 1 علىٰ الابتداء باسم البرقي بعنوان ( أحمد بن أبي عبد الله ) حينما ينقل الرواية عن كتاب البرقي نفسه والابتداء باسمه بعنوان ( أحمد بن محمّد بن خالد ) حينما ينقل الرواية عن الكافي دون
    __________________
    (1) الكافي 5 / 292.
    (2) التهذبب 7 / 146 ـ 147 ح 651.

    كتابه (1).
    __________________
    (1) توضيحاً لما اشار اليه مد ظله لا بأس بذكر امرين مستفادين مما ذكره دام ظله في شرح مشيخة التهذيبين :
    الأَول : انّه ربما يتصور ـ ولعلّه هو التصور السائد ـ إن جميع من يكون للشيخ طرق إليهم في المشيخة إنّما يروى الاحاديث المبدوءة باسمائهم في التهذيبين من كتبهم مباشرة ، ـ ولعل الاصل في هذا التصور هو عبارة الشيخ نفسه في مقدمة المشيخة ـ ولكن هذا غير صحيح ، بل التحقيق انّ رجال المشيخة علىٰ ثلائة اقسام :
    الأول : من أخذ الشيخ جميع ما ابتدأ فيه باسمه من كتابه مباشرة ، وهم اكثر رجال المشيخة كمحمد بن الحسن الصفار ، ومحمد بن الحسن الوليد ، وعلي بن الحسن بن فضال وغيرهم.
    الثاني : من اخذ الشيخ جميع ما ابتدأ فيه باسمه من كتابه مع الواسطة ، وهو بعض مشايخ الكليني ومشايخ مشايخه كالحسين بن محمّد الاشعري ، وسهل بن زياد ، فهؤلاء إنما ينقل الشيخ رواياتهم بواسطة الكافي.
    الثالث : من أخذ الشيخ بعض ما ابتدأ فيه باسمه من كتابه مباشرة وبعضه الآخر من كتابه مع الواسطة ، وهم جماعة منهم خمسة ذكرهم الشيخ تارة مستقلاً بصيغة ( وما ذكرته عن فلان ... ) ، وأُخرى تبعاً في ذيل ذكر اسانيده إلىٰ آخرين بصيغة ( ومن جملة ما ذكرته عن فلان ... ) وهؤلاء هم الحسن بن محبوب ، والحسين بن سعيد ، واحمد بن محمّد بن عيسى ، والفضل بن شاذان ، واحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، فإن هؤلاء وإن نقل الشيخ من كتبهم بلا واسطة ولكن نقل عنها أيضاً بتوسط غيرهم ممّن ذكرهم بعد ايراد اسانيده اليهم ، فالبرقي ـ مثلاً ـ قد ذكره الشيخ مرتين : تارة بعد ذكر اسانيده إلىٰ الكليني بقوله ( ومن جملة ما ذكرته عن احمد بن محمّد بن خالد ما رويته بهذه الاسانيد ، عن محمّد بن يعقوب ، عن عدة من اصحابنا ، عن احمد بن محمّد بن خالد ... ) وذكره مرة أُخرى مستقلاً بقوله ( وأمّا ما ذكرته عن احمد بن أبي عبد الله البرقي فقد اخبرني ... ) فهذا يقتضي أنه (قده) قد اعتمد في نقل روايات البرقي علىٰ كتابه تارة ـ واليه ينتهي سنده الاخير ـ وعلىٰ الكافي تارة اخرى ـ واليه ينتهي سنده الاول ـ.
    وعلى هذا فلا يمكن لنا بمجرد ابتداء الشيخ باسم البرقي واضرابه استكشاف ان الحديث مأخوذ من كتبهم مباشرة.
    الثاني : انّ في القسم الثالث حيث ينقل الشيخ روايات الشخص من كتبه علىٰ نحوين : مباشرة تارة ومع الواسطة أُخرى ، هل يمكن تمييز احد النحوين عن الآخر أم لا ؟ ذكر مد ظله إن ذلك ممكن في بعض هؤلاء ومنهم البرقي فإنّه متى ابتدأ به بعنوان ( احمد بن محمّد بن


    الصورة الثانية : ما نقله الصدوق في الفقيه (1) قال : روىٰ ابن بكير عن زرارة ، عن أبي جعفر 7 قال : إنّ سمرة بن جندب كان له عذق في حائط رجل من الأنصار ، وكان منزل الانصاري فيه الطريق إلىٰ الحائط فكان يأتيه فيدخل عليه ولا يستأذن ، فقال : إنك تجيء وتدخل ونحن في حال نكره أن ترانا عليه ، فإذا جئت فاستأذن حتىٰ نتحرّز ثم نـأذن لك وتدخل قال لا أفعل هو مالي أدخل عليه ولا استأذن ، فأتىٰ الانصاري رسول الله 9 فشكا إليه وأخبره فبعث إلىٰ سمرة فجاء فقال استأذن عليه فأبىٰ وقال له مثل ما قال الانصاري ، فعرض عليه رسول الله 9 أن يشتري منه بالثمن فأبىٰ عليه وجعل يزيده فيأبىٰ أن يبيع ، فلما رأىٰ رسول الله 9 قال له : لك عذق في الجنّة فأبىٰ أن يقبل ذلك فأمر رسول الله 9 الانصاري أن يقلع النخلة فيلقيها إليه وقال : لا ضرر ولا ضرار.
    __________________
    خالد ) فالحديث مأخوذ من الكافي ، ومتى ابتدأ به بعنوان احمد بن أبي عبد الله فالحديث مأخوذ من كتبه مباشرة ، وهذا مضافاً إلىٰ أنه مقتضىٰ ظاهر عبارة المشيخة حيث فرق بين القسمين في التعبير كما تقدّم فهو مقرون ببعض الشواهد الخارجية منها إنّ الملاحظ أن كل رواية في التهذيبين ابتدأ فيها الشيخ بعنوان احمد بن محمّد بن خالد موجود في الكافي ـ كما تحققته بالتتبع ـ لاحظ ج 3 ح 910 وج 6 ح 352 ، 358 ، 366 ، 369 ، 372 ، 608 ، 697 ، 850 ، 886 ، 1158. وج 7 ح 28 ، 35 ، 36 ، 44 ، 5 4 ، 56 ، 651 ، 709. وج 9 ح 383 ، 413 ، 415 ، 465 ، 467 ، 470. وج 10 ح 67 ، 115 ، 208 ، 262 ، 452 ، 803 ، 805 ، 872 ، 901 ، 903 ، 931 ، 937 ، وليس كذلك ما ابتدء فيه بعنوان احمد بن أبي عبد الله فانه قد يوجد في الكافي وقد لا يوجد فيه كما في ج 1 ح 1056 ، 1144. وج 2 ح 415. وج 3 ح 295 ، 486 ، 711. وج 6 ح 258 ، 329 ، 878 ، 1060.
    وبهذا يتجلى صحة ما ذكرناه من انّه كلما ابتدأ الشيخ بعنوان ( أحمد بن محمّد بن خالد ) فإنه يكون قد اخذ الحديث من كتاب الكافي فلا يمكن عدّه مصدراً مستقلاً في مقابله.
    (1) من لا يحضره الفقيه 3 / 147 ، 684.

    ويلاحظ أن هذه الصورة أكثر تفصيلاً من الصورة الأُولىٰ لاشتمالها علىٰ بعض الخصوصيات التي لم تذكر في تلك ، وكيف كان فهذه الرواية معتبرة أيضاً ـ لصحة طريق الصدوق إلىٰ عبد الله بن بكير في المشيخة ـ بل يمكن عدّها أقوىٰ سنداً من رواية الكليني لأن في سند الكليني محمّد بن خالد البرقي وقد قال النجاشي ( إنّه ضعيف في الحديث وإن كان المعتمد وثاقته ) (1).
    نعم يلاحظ أن مصدر الصدوق في نقل هذه الرواية غير معلوم عندنا وما قيل من انّه يبتدئ باسم من أخذ الحديث من كتابه أمرٌ لا قرينة عليه ، بل القرائن الواضحة تدل علىٰ خلافه كما ذكرناها في شرح مشيخة الفقيه.
    هذا عن رواية ابن بكير عن زرارة.
    وأمّا ( رواية ابن مسكان ) عنه فقد أوردها الكليني (2) أيضاً في باب الضرار من كتاب المعيشة عن علي بن محمّد بن بندار ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن بعض أصحابنا ، عن عبد الله بن مسكان ، عن زرارة ، عن أبي جعفر 7 قال : إن سمرة بن جندب كان له عذق ، وكان طريقه إليه في جوف منزل رجل من الانصار فكان يجيء ويدخل إلىٰ عذقه بغير إذن من الانصاري. فقال له الانصاري : يا سمرة لا تزال تفاجئنا علىٰ حال لا نحب ان تفاجئنا عليها ، فاذا دخلت فاستأذن. فقال : لا استأذن في طريقي وهو طريقي إلىٰ عذقي ، قال فشكا الانصاري إلىٰ رسول الله 9 فأرسل إليه رسول الله 9 فأتاه فقال له إن فلاناً قد شكاك وزعم انك تمر عليه وعلىٰ أهله بغير إذنه ، فاستأذن عليه إذا أردت
    __________________
    (1) رجال النجاشي : 335 / رقم 898.
    (2) الكافي 5 : 294 / 8.


    أن تدخل ، فقال : يا رسول الله استأذن في طريقي إلىٰ عذقي ؟ فقال له رسول الله 9 خلّ عنه ولك مكانه عذق في مكان كذا وكذا فقال لا ، قال : فلك اثنان ، قال لا أُريد ، فلم يزل يزيده حتىٰ بلغ عشرة أعذاق فقال لا ، قال فلك عشرة في مكان كذا وكذا فأبىٰ ، فقال خلّ عنه ولك مكانه عذق في الجنة ، قال لا أُريد ، فقال له رسول الله 9 : انك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار علىٰ مؤمن ، قال ثم أمر بها رسول الله 9 فقُلِعَت ، ثم رمىٰ بها إليه وقال له رسول الله 9 انطلق فاغرسها حيث شئت.
    وهذه الرواية ضعيفة بالارسال ، ولا سيّما ان مرسلها هو محمّد بن خالد البرقي الذي طعن عليه بالرواية عن الضعفاء كثيراً كما ذكر ذلك ابن الغضائري (1) ، وربما يناقش في سندها أيضاً بعدم ثبوت وثاقة ( علي بن محمّد بن بندار ) ولكنه في غير محله ، لأنّه ـ كما احتمل ذلك الوحيد البهبهاني (قده) (2) ـ هو علي بن محمّد بن أبي القاسم الذي وثقه النجاشي (3) ، فإن بندار لقب أبي القاسم جده كما صرح بذلك النجاشي في ترجمة محمّد بن أبي القاسم (4).
    هذا كل ما ورد في نقل قضية سمرة مقرونة بجملة ( لا ضرر ولا ضرار ).
    وأمّا النحو الثاني : في نقل قضية سمرة مجردة عن جملة ( لا ضرر ولا ضرار ) فقد ورد في جملة من كتبنا وكتب العامة.
    أمّا في ( كتبنا ) فقد ورد في الفقيه (5) قال : روى الحسن الصيقل عن
    __________________
    (1) مجمع الرجال 5 / 205.
    (2) تنقيح المقال 2 / 303.
    (3) رجال النجاشي : 268 / 700.
    (4) رجال النجاشي : 353 / 947.
    (5) من لا يحضره الفقيه 3 : 59 / 208.

    أبي عبيدة الحذاء قال قال أبو جعفر 7 : كان لسمرة بن جندب نخلة في حائط بني فلان فكان إذا جاء إلىٰ نخلته نظر إلىٰ شيء من أهل الرجل يكرهه الرجل ، قال فذهب الرجل إلىٰ رسول الله 9 فشكاه ، فقال : يا رسول الله إن سمرة يدخل عليَّ بغير إذني ، فلو أرسلت اليه فأمرته أن يستأذن حتىٰ تاخذ أهلي حذرها منه ، فأرسل اليه رسول الله 9 فدعاه فقال : يا سمرة استأذن انت إذا دخلت ، ثم قال رسول الله 9 يسرُّك أن يكون لك عذق في الجنة بنخلتك ؟ قال : لا ، قال لك ثلاثة قال : لا ، قال : ما أراك يا سمرة إلا مضاراً ، اذهب يا فلان فاقطعها واضرب بها وجهه.
    وسند الصدوق في المشيخة إلىٰ الحسن الصيقل هو : محمّد بن موسى المتوكل ، عن علي بن الحسين السعدآبادي ، عن أحمد بن ابي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن الحسن بن زياد الصيقل.
    ويمكن أن يناقش في اعتبار هذه الرواية تارة من جهة الحسن الصيقل وأُخرى من جهة سند الصدوق اليه.
    أمّا الجهة الأولىٰ : فلأن الحسن الصيقل لم يوثق وان استظهر المحدث النوري وثاقته من وجهين ذكرهما في خاتمة المستدرك (1) وفصَّلهما العلامة شيخ الشريعة (قده) في رسالته (2) وهما :
    1 ـ رواية خمسة من أصحاب الاجماع عنه وهم : عبد الله بن مسكان وحماد بن عثمان وابان بن عثمان من الستة الوسطى ، ويونس بن عبد الرحمن
    __________________
    (1) مستدرك الوسائل 3 / 588.
    (2) رسالة لا ضرر ولا ضرار : 55 ـ 56.


    وفضالة بن أيوب من الستة الأخيرة علىٰ تردد في عدّ فضالة منهم (1).
    ويرد عليه إن استكشاف وثاقة الراوي من رواية هؤلاء عنه يبتني علىٰ احد أمرين :
    الاول : ان يفسّر ما قاله الكشي في حق هؤلاء من الاجماع علىٰ تصحيح ما يصح عنهم بصحة ما رووه من الروايات ، ليكون ذلك في قوة توثيق رواتها ، ولكن هذا التفسير غير صحيح فإن المقصود بما ذكره ـ كما اوضحناه في محله ـ هو الاجماع علىٰ صحة نقل هؤلاء والثقة بهم في ذلك لا صحة الحديث الذي رووه ، مضافاً إلىٰ ان تصحيح أحاديثهم أعمّ من الحكم بوثاقة رواتها كما لا يخفى.
    الثاني : ان بناء اجلاء الاصحاب وأعاظمهم ـ كهؤلاء ـ علىٰ عدم الرواية عن الضعفاء ، ولكن هذا أيضاً لم يثبت كقاعدة كلية ، نعم ثبت علىٰ المختار في حق ثلاثة منهم وهم محمّد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى ومحمد بن أبي نصر البزنطي.
    2 ـ رواية جعفر بن بشير عنه (2) ، وقد قال النجاشي في ترجمته ( روى عن الثقات ورووا عنه ) (3) وهو يقتضي وثاقة من يروي عنهم.
    ويرد عليه انه لا وجه لاستظهار الحصر من العبارة المذكورة لان اثبات روايته عن الثقات لا ينفي روايته عن غيرهم.
    ( لا يقال ) إن الامر وإن كان كذلك إلا أن هذه العبارة لما كانت مسوقة في مقام المدح فلا محيص من ارادة الحصر منها ، لان أصل رواية الشخص عن الثقات ورواية الثقات عنه امر لا يستوجب المدح ولا تميز لجعفربن بشير
    __________________
    (1) لاحظ رجال الكشي : 556 / رقم 1050.
    (2) رسالة لا ضرر ولا ضرار : 56.
    (3) رجال النجاشي : 119 / 304.

    عن غيره في ذلك ، بل هو ثابت في حق كثير من الرواة حتىٰ الضعفاء منهم.
    ( فإنّه يقال ) المقصود بالعبارة المذكورة اكثاره الرواية عن الثقات وإكثار الثقات الرواية عنه ، ولا شك ان هذا أمر ممدوح وصفة عالية في الشخص في مقابل ما يذكر في شأن بعض الرواة كمحمد بن خالد البرقي من انّه يروي عن الضعفاء والمجاهيل ، فإنه يعد نوعاً من القدح والذم في حقه.
    وبالجملة لا يستفاد من العبارة المذكورة انحصار رواية جعفر بن بشير بما يرويه عن الثقات مضافاً إلىٰ أن هذه الاستفادة لا تخلومن غرابة في ناحية الرواة عنه فإنا لم نجد أحداً مهما بلغ من الجلالة والعظمة لا يروي عنه إلاّ الثقات حتىٰ أن الائمة المعصومين : كثيراً ما روى عنهم الوضّاعون والكذّابون.
    ويشهد لما ذكرناه ما قاله الشيخ في التهذيب فإنه بعد أن أورد روايتين لجعفر بن بشير ، الأولىٰ : عمن رواه عن أبي عبد الله والثانية عن عبد الله بن سنان أو غيره عنه 7 (1). قال بصدد النقاش في الخبر المحكي بهما ( أول ما فيه أنّه خبر مرسل منقطع الاسناد لأن جعفر بن بشير في الرواية الأولىٰ قال عمن رواه ، وهذا مجهول يجب اطراحه ، وفي الرواية الثانية قال عن عبد الله بن سنان أو غيره ، فأورده وهو شاك فيه وما يجري هذا المجرى لا يجب العمل به ). فيلاحظ انه 1 لم يبأ في إسقاط الرواية بالارسال بكون المرسل هو جعفر بن بشير ، وهذا لا وجه له لو كان جميع مشايخه ومن يروي عنهم من الثقات فتأمل (2).
    __________________
    (1) التهذيب 1 / 196 / 567 و 568.
    (2) وجهه أن الاستشهاد بكلام الشيخ 1 مدفوع نقضاً وحلاً ( أما النقض ) فإن الشيخ قد ناقش في موضع من التهذيبين في بعض مراسيل ابن أبي عمير وردها بالارسال ( التهذيب ج 8 ح 932 ) مع أننا نرى حجية مراسيله اعتماداً علىٰ كلام الشيخ نفسه في العدة من انّه لا يروى


    وأمّا الجهة الثانية : فلاشتمال السند علىٰ علي بن الحسين السعدآبادي ومحمد بن موسىٰ بن المتوكل.
    فأمّا علي بن الحسين السعدآبادي فهو ممّن لم يوثق وإن بنى جمع علىٰ وثاقته استناداً إلىٰ بعض الوجوه الضعيفة : ( منها ) كونه من مشايخ ابن قولويه في كتاب كامل الزيارات بناءاً علىٰ استفادة توثيق جميع رواة هذا الكتاب أو خصوص مشايخ مؤلفه من الكلام المذكور في مقدمته (1).
    ولكن الصحيح ان العبارة المذكورة في المقدّمة لا تدل علىٰ هذا المعنىٰ بل مفادها انه لم يورد في كتابه روايات الضعفاء والمجروحين ، لذا لم يكن قد اخرجها الرجال الثقات المشهورون بالحديث والعلم ، المعبر عنهم بنقّاد الاحاديث كمحمد بن الحسن بن الوليد وسعد بن عبد الله واضرابهما وأما لو كان قد اخرجها بعض هؤلاء سواءاً كانوا من مشايخه أو مشايخ مشايخه فهو يعتمدها ويوردها في كتابه ، فكأنّه 1 يكتفي في الاعتماد علىٰ روايات الشذاذ من الرجال ـ علىٰ حد تعبيره ـ بايرادها من قبل بعض هؤلاء الاعاظم من نقّاد الاحاديث.
    وهذا المعنىٰ مضافاً إلىٰ كونه ظاهر عبارته المشار اليها ـ كما يتبين عند التأمل ـ مقرون ببعض الشواهد الخارجية المذكورة في محلها.
    __________________
    ولا يرسل إلا عن ثقة. ( وأمّا الحل ) فإن الشيخ قد تكفل في التهذيبين لحل ظاهرة التعارض بين الاخبار وذلك ممّا الجأه احياناً إلىٰ اتباع الاسلوب الاقناعي في البحث المتمثل في حمل جملة من الروايات علىٰ بعض المحامل البعيدة ، أو المناقشة في حجيتها ببعض الوجوه التي لا تنسجم مع مبانيه الرجالية والاصولية المذكورة في سائر كتبه. وهذا ظاهر لمن تتبع طريقته 1 في الكتابين ، ولتوضيحه وذكر الشواهد عليه مجال آخر ، وعلىٰ هذا فلا يمكن الاستناد إلىٰ ما ذكره في التهذيبين خلافاً لما صرح به هو في كتاب العدة أو ذكره غيره من اعلام الرجاليين.
    (1) كامل الزيارات : 4.

    فليس مراده وثاقة جميع من وقع في أسانيد رواياته فإن منهم من لا شائبة في ضعفه وليس مراده وثاقة عامة مشايخه فإن منهم من لا تنطبق عليهم الصفة التي وصفهم بها 1 وهي كونهم مشهورين بالحديث والعلم.
    و ( منها ) كونه ـ أي السعدآبادي ـ من شيوخ الاجازات الذين لا حاجة إلىٰ التنصيص علىٰ وثاقتهم بل لا يضر ضعفهم بعد تواتر الكتاب الذي اجازوا روايته ، ويرد عليه أنّه لم يثبت اقتصار الاصحاب علىٰ الاستجازة من الثقات فقط بل ثبت خلاف ذلك ـ كما يعلم بمراجعة كتب الرجال ـ. وأيضاً لم يعرف الكتاب الذي اخرج منه الصدوق رواية الصيقل ليقال إنّه متواتر فلا يقدح عدم وثاقة السعدآبادي في جواز الاعتماد علىٰ روايته.
    و ( منها ) كونه أحد العدّة الذين يروي الكليني بواسطتهم عن البرقي وقد روى عنه أيضاً علي بن إبراهيم وعلي بن الحسين والد الصدوق وأبو غالب الزراري وغيرهم من الاجلاء ففي ذلك دلالة علىٰ وثاقته. وفيه إنّه لم يثبت اقتصار هؤلاء علىٰ الرواية عن الثقات كما سبقت الإشارة إليه.
    هذا وقد حاول العلامة شيخ الشريعة 1 تصحيح سند الصدوق إلىٰ الحسن الصيقل حتىٰ علىٰ تقدير عدم ثبوت وثاقة السعدآبادي بدعوىٰ أنّ للصدوق طريقاً آخر إلىٰ البرقي وهو صحيح بالاتفاق فإنّه يروي عنه أيضاً بتوسط أبيه ومحمد بن الحسن بن الوليد عن سعد بن عبد الله عن البرقي وهذا السند صحيح اتفاقاً (1). ويرد عليه أنّ هذا الطريق يختص بما يرويه الصدوق في الفقيه مبتدئاً باسم البرقي لا إلىٰ جميع الروايات التي وقع البرقي في طرقها وهذا واضح ، نعم يمكن تعميم الطريق المذكور لما نحن فيه ونظائره فيما إذا ثبت أمران :
    __________________
    (1) رسالة ( لا ضرر ولا ضرار ) : 54 ـ 55.


    الأول : إن الصدوق قد أخذ رواية الصيقل من كتاب البرقي بالرغم من انه لم يبتدأ باسمه.
    الثاني : إنّ السند المذكور إلىٰ البرقي في المشيخة مسند إلىٰ كتبه لا إلىٰ خصوص رواياته المبدوءة باسمه في الفقيه ، ولكن لا يمكن اثبات شيء من الأمرين ؛ أما الأول : فواضح. وأمّا الثاني ، فلما أوضحناه في محله من انّ سند الصدوق إلىٰ شخص في المشيخه إنما هو سنده إلىٰ الروايات المبدوءة باسم ذلك الشخص في الفقيه ، ولا يمكن تعميمه إلىٰ كتبه إلا بدليل يوجب ذلك كأن يصرح الصدوق نفسه بذلك كما صرح به عند ذكر طريقه إلىٰ علي بن جعفر حيث قال : ( وكذلك جميع كتاب علي بن جعفر فقد رويته بهذا الاسناد ) وكذلك صرّح به عند ذكر طريقه إلىٰ الكليني فقال : ( وكذلك جميع كتاب الكافي فقد رويته عنهم عنه عن رجاله ).
    والحاصل انّ طريق الصدوق إلىٰ الحسن الصيقل ضعيف بعلي بن الحسين السعدآبادي ولا يمكن تصحيحه بشيء من الوجوه المذكورة.
    وأمّا الخدشة فيه من ناحية محمّد بن موسى بن المتوكل ؛ الذي لم يوثق في كلمات الاعلام المتقدمين كالشيخ والنجاشي وإنما وثقه بعض المتأخرين كابن طاووس والعلامة ؛ ففي غير محلها ، إذ يرد عليها مضافاً إلىٰ ضعف التفريق بين توثيقات المتقدمين والمتأخرين أمثال ابن طاووس والعلامة ـ كما اوضحناه في محله (1) ـ إنّه قد وقع في اسناد رواية ادعى ابن طاووس في فلاح السائل الاجماع علىٰ وثاقة رواتها مما يكشف عن توثيق بعض المتقدمين له علىٰ أقل تقدير.
    فتحصل مما ذكرناه ان رواية الحسن الصيقل ضعيفة سنداً وإن حاول
    __________________
    (1) باعتبار أنه لا فرق بينهما في احتمال الحدس ولا فرق بينهما في دعوىٰ الحس.

    بعض الأعاظم تصحيحها.
    هذا ما في كتبنا من نقل قضية سمرة من دون جملة ( لا ضرر ).
    وأمّا ما في ( كتب العامة ) فقد نقلت في جملة منها ـ مع اختلاف في كيفية طرح الشكوى والمخاصمة ـ ونشير إلىٰ بعضها :
    ( منها ) ما في سنن أبي داود ، فقد روى باسناده عن واصل مولى عيينة قال سمعت أبا جعفر محمد بن علي يحدّث عن سمرة بن جندب ، انّه كانت له عضد من نخل في حائط رجل من الانصار قال ومع الرجل أهله قال فكان سمرة يدخل إلىٰ نخله فيتأذى به ويشق عليه فطلب اليه أن يناقله فأبىٰ فأتىٰ النبي 9 ، فذكر ذلك له فطلب اليه النبي 9 أن يبيعه فأبىٰ فطلب اليه أن يناقله فأبىٰ ، قال فهبه له ولك كذا وكذا ـ مراراً رغبة فيه ـ فأبىٰ فقال أنت مضار ، فقال رسول الله 6 للانصاري : اذهب فاقلع نخله (1).
    و ( منها ) ما في مصابيح السنة للبغوي (2).
    و ( منها ) ما في الفائق للزمخشري (3) ، والمروي فيهما لا يختلف عمّا في سنن أبي داود إلا يسيراً.
    و ( منها ) ما في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد قال روى واصل مولى ابن عيينة ، عن جعفر بن محمّد بن علي : ، عن آبائه قال كان لسمرة بن جندب نخل في بستان رجل من الانصار فكان يؤذيه ، فشكا الانصاري ذلك إلىٰ رسول الله 9 فبعث إلىٰ سمرة فدعاه
    __________________
    (1) سنن ابي داود 3 : 315 / 3636.
    (2) مصابيح السنة 2 / 372 / 2220.
    (3) الفائق في غريب الحديث 2 / 442.


    فقال له بع نخلك من هذا وخذ ثمنه قال : لا أفعل ، قال : فخذ نخلاً مكان نخلك قال لا أفعل. قال : فاشتر منه بستانه قال لا افعل قال فاترك لي هذا النخل ولك الجنة قال : لا افعل فقال 9 للانصاري : اذهب فاقطع نخله فإنّه لا حق له فيه (1).
    فظهر من مجموع ما تقدّم انّ قضية سمرة وإن نقلت في كتب الفريقين بطرق متعددة ، إلا انها لم تذكر مقرونة بجملة ( لا ضرر ولا ضرار ) إلا في كتبنا وبطريق واحد فقط ، فلا ينبغي الخلط بين ثبوت هذه القضية في نفسها وبين ثبوتها مقرونة بهذه الجملة ، فإنّه إن صحت دعوىٰ استفاضة أصل القضية فلا تصح دعوىٰ استفاضتها مقرونة بهذه الجملة كما يظهر من المحكي عن المحقق النائيني 1.
    هذا بعض ما يتعلق بقضية سمرة واقترانها بجملة ( لا ضرر ولا ضرار ) وللكلام في ذلك تتمة يأتي في البحث الثاني ان شاء الله تعالى.
    2 ـ حديث الشفعة.
    وقد رواه المشايخ الثلاثة :
    1 ـ رواه الكليني ، عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن عبد الله بن حلال ، عن عقبة بن خالد ، عن أبي عبد الله 7 قال : قضىٰ رسول الله 9 بالشفعة بين الشركاء في الارضين والمساكن وقال : لا ضرر ولاضرار ، وقال : إذا رفّت الارف وحُدّت الحدود فلا شفعة (2).
    __________________
    (1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4 / 78.
    (2) الكافي 5 / 280 / 4.

    2 ـ ورواه الشيخ في التهذيب (1) باسناده عن محمّد بن يحيى ، والظاهر انه أخرجه عن الكافي لما أوضحناه في شرح مشيخة التهذيبين من انه كلّما ابتدأ الشيخ باسم بعض مشايخ الكليني كمحمد بن يحيى وعلي بن إبراهيم ونظرائهما ، فإنه قد أخذ الحديث من الكافي لا من كتبهم (2) إلا مع التصريح بخلاف ذلك. وإن كان ظاهر كلامه في أول المشيخة يوهم انه لم يبتدئ ، إلا باسم من أخذ الحديث من كتابه أو اصله ، ولكن هذا وإن كان هو الغالب علىٰ أحاديث التهذيبين إلا أنّه لا كلية له كما تدل عليه القرائن الكثيرة ، وعلىٰ هذا فلا يمكن عدّ التهذيب في المقام مصدراً مستقلاً لهذا الحديث.
    3 ـ ورواه الصدوق (3) باسناده عن عقبة بن خالد كما نقله الكليني ولكنه اسند الجملة الثالثة من الحديث إلىٰ الامام الصادق 7 قال : ( وقال الصادق 7 : إذا رفت الأُرُف ) ، قال صاحب الوسائل بعد نقل الحديث عن الكافي والتهذيب : ورواه الصدوق باسناده عن عقبة بن خالد وزاد ( ولا شفعة إلا لشريك غير مقاسم ) (4) ولكن الظاهر ان هذه الجملة من كلام الصدوق نفسه وليست زيادة في الرواية علىٰ نقله ولذا لم ينقلها في الوافي (5)
    __________________
    (1) التهذيب 7 / 164 / 727.
    (2) اقام مد ظله قرائن عديدة علىٰ هذا المدعى من نفس المشيخة وخارجها ومما يختص منها بالمقام أن المراجع لرجال الشيخ وفهرسته ، يجد انّه 1 لم يذكر محمّد بن يحيى العطار في الفهرست وإنّما ذكره في الرجال قائلاً ( روى الكليني عنه قمي كثير الرواية ) ، ولكن النجاشي عنونه وقال ( له كتب منها كتاب مقتل الحسين وكتاب النوادر ) فيستظهر من ذلك انّ كتب محمّد بن يحيى لم تصل إلىٰ الشيخ 1 لينقل منها مباشرة وإلاّ فكيف لم يذكرها في الفهرست مع انّ غايته فيه الاستيفاء قدر الإمكان كما يعلم من مقدمته.
    (3) الفقيه 3 / 45 / 154.
    (4) الوسائل 25 : 400 / 32218.
    (5) الوافي مجلد 3 جزء 10 / 103.


    عن الفقيه ، ومن راحع الفقيه يجد أنّ دأب الصدوق 1 علىٰ تعقيب بعض الروايات بكلام لنفسه من دون فصل مشعر بالتغاير ـ كما ان الامر كذلك في التهذيب ـ ومن هنا قد يشتبه الامر علىٰ الناظر فيعد كلامه جزءاً من الرواية.
    وكيف كان فتحقيق الكلام في هذه الرواية يقع في ضمن جهات :
    ( الجهة الأولىٰ ) في سندها ، وهو ضعيف لأن رواية الكليني والشيخ مخدوشة ب‍ ( محمّد بن عبد الله بن هلال ) و ( عقبة بن خالد ) فإن الأَول لم يوثق بل لم يذكره القدماء من أعلام الرجاليين ، وربما يوثق : لوقوعه في اسانيد كامل الزيارات أو لأنّه من شيوخ محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب الذي هو من أجلاء الطبقة السابعة ، ولرواية جماعة أُخرى من الاجلاء عنه ولكن قد تقدّم ضعف هذه الوجوه ، وأما الثاني فهو وإن ذكره النجاشي والشيخ إلا أنهما لم يوثقاه ، نعم وثقه صاحب الوسائل (قده) لرواية الكشي مدحه ودعاء الصادق له ورواية الكليني في الجنائز مدحاً له ، ولأن له كتاباً ذكره الشيخ والنجاشي وربما يوثق لكونه من رجال الكامل وجميع ذلك ضعيف ايضاً.
    وبما تقدّم يظهر ضعف رواية الصدوق أيضاً ؛ لأنها تنتهي إلىٰ عقبة بن خالد نفسه ، مضافاً إلىٰ أنها مرسلة حيث ان الصدوق (قده) لم يذكر طريقه إلىٰ عقبة في المشيخة ، وأمّا دفع الارسال عنها بأن للشيخ (قده) طريقاً معتبراً في الفهرست إلىٰ كتاب عقبة وقد توسطه الصدوق فيعلم بذلك سنده اليه فتخرج الروايات التي ابتدأ فيها باسمه في الفقيه عن الارسال ( فمخدوش ) إذ لم يثبت ان الصدوق التزم في الفقيه أن لا يبتدئ إلا باسم من أخذ الحديث من كتابه ، بل ثبت خلافه في جملة من الموارد كما سبقت الاشارة إلىٰ ذلك ، وعلىٰ ضوء ذلك فمن أين يعلم إنّه أخذ حديث عقبة هذا من كتابه مباشرة لا من كتب مشايخه أو مشايخ مشايخه مثلاً كي يجدي استكشاف طريقه الى

    كتاب عقبة في اخراج رواياته في الفقيه عن الارسال فتأمل.
    والذي يهون الامر ان مورد الاشكال في سند الكليني والشيخ إلىٰ عقبة إنما هو محمّد بن عبد الله بن هلال ـ كما تقدّم ـ وهو مذكور أيضاً في السند المذكور في الفهرست إلىٰ كتاب عقبة ، فإن أمكن تصحيح طريق الكليني والشيخ بوجه فلا حاجة إلىٰ دفع شبهة الارسال عن رواية الصدوق بما ذكر.
    الجهة الثانية : في انجبار ضعف سندها بعمل الأَصحاب وعدمه.
    قد يقال إن رواية عقبة هذه وإن كانت ضعيفة سنداً إلا انّها منجبرة بعمل الاصحاب ، فقد أوردها المشايخ الثلاثة في كتبهم من غير ردّ ظاهر وكذا من بعدهم من المتأخرين فيستظهر من ذلك عملهم بها واعتمادهم عليها.
    وفي مقابل ذلك قد يدعى وهنها باعراض الاصحاب عنها فيلزم طرحها حتىٰ وان امكن تصحيح سندها ببعض الوجوه المتقدمة ، وتقريب دعوىٰ الاعراض أن يقال إنَّ مقتضىٰ استخدام الجمع لا المثنىٰ في قوله 7 ( قضىٰ رسول الله 9 بالشفعة بين الشركاء ) ثبوت الشفعة لازيد من شريك واحد ، وهذا خلاف المشهور ، فإنّ المشهور بينهم شهرة عظيمة كادت أن تكون اجماعاً عدم ثبوت حق الشفعة إلا مع وحدة الشريك ، فالشفعة مجعولة عندهم لازالة الشيوع في الأموال لا لتقليله ، ولم يخالف في ذلك غير ابن الجنيد حيث حكم بثبوتها للشركاء مطلقاً ، وغير الصدوق حيث قال بثبوتها للشركاء في خصوص العقار كما نقله عنهما السيد المرتضى في الانتصار (1) وردّ عليهما قائلاً : ( إن اجماع الإماميّة تقدّم الرجلين فلا اعتبار بخلافهما ) ونقل أيضاً : متن رواية عقبة هذه وعدّها من اخبار الاحاد التي لا توجب علماً وذكر وجهين في تأويلها.
    __________________
    (1) الانتصار : 217 ـ 218.


    وقال الشيخ في الخلاف (1) بعد اختيار المسلك المشهور : دليلنا علىٰ المسألة الأولىٰ إنّه إذا كان الشريك واحداً فلا خلاف في ثبوت الشفعة وإذا كانوا أكثر من ذلك فلا دليل علىٰ ثبوت الشفعة لهم ، واخبار اصحابنا التي يعتمدونها ذكرناها في الكتاب الكبير فنصرة القول الآخر اخبار رويت في هذا المعنىٰ والاقوى عندي الاول.
    هذا ولكن يمكن أن يقال إنّه لا يظهر من الرواية ما يخالف المسلك المشهور ولذا لم يعتبرها الشيخ في التهذيبين من الاخبار المخالفة في الباب ، ففي التهذيب (2) نقلها علىٰ انها من الاخبار الموافقة ولم يعلق عليها بشيء ، كما فعل ذلك بالنسبة إلىٰ بعض الاخبار الآخر ، وفي الاستبصار (3) نقل عدّة اخبار تدل علىٰ ثبوت الشفعة في اكثر من شريكين وردها ولم يذكر هذه الرواية في ضمنها رغم إنّه أوردها في التهذيب.
    والوجه في ذلك ان استخدام صيغة الجمع في الرواية إنّما هو باعتبار ذكر لفظتي ( الأرضين ) ( والمساكن ) فيها ، فهو من مقابلة الجمع بالجمع وظاهره الانحلال ، فلا دلالة في الرواية علىٰ ثبوت الشفعة للشركاء بلحاظ مورد واحد من ارض أو مسكن لتقتضي خلاف ما هو المشهور في المسألة حتىٰ يدعىٰ وهناً باعراض الاصحاب عنها. هذا بالنسبة لدعوى وهنها بإعراض الأَصحاب.
    وأما دعوىٰ انجبارها بعمل الاصحاب فهي في غير محلها أيضاً ، لأن كبرى الانجبار غير مسلمة علىٰ اطلاقها بل للانجبار مواضع خاصة ليس المقام منها وتوضيح ذلك موكول إلىٰ محله.
    الجهة الثالثة : وهي عمدة ما ركز عليه في كلماتهم : في انّه هل يظهر
    __________________
    (1) الخلاف 3 : 435 ـ 436 مسألة 11.
    (2) التهذيب 7 / 164 / 727.
    (3) الاستبصار 3 / 116 ـ 117 / 416 ـ 418.

    من الرواية ارتباط قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) ، بالحكم فيها بثبوت الشفعة للشركاء أم لا ؟ وعلىٰ التقدير الاول فهل هناك قرينة خارجيّة توجب رفع اليد عن هذا الظهور أم لا ؟
    ووجه العناية بهذا البحث : انّه لو ارتبطت جملة ( لا ضرر ولا ضرار ) بالحكم بثبوت الشفعة ، فإن ذلك يقتضي عدم إمكان تفسير هذه الجملة بما استظهره بعضهم منها من ارادة النهي التحريمي فقط ، ولذا أصر جماعة منهم علىٰ عدم الارتباط بينهما أوّلهم العلآمة شيخ الشريعة (قده) حيث قال في رسالته (1) وهو يشرح منشأ ميله النفسي إلىٰ ذلك : إن الراجح في نظري القاصر إرادة النهي التكليفي من حديث الضرر ، وكنت استظهر منه ـ عند البحث عنه في اوقات مختلفة ـ إرادة التحريم التكليفي فقط ، إلا إنّه يمنعني عن الجزم بذلك حديث الشفعة وحديث النهي عن منع فضل الماء ، حيث إن اللفظ واحد ولا مجال لارادة ما عدا الحكم الوضعي في حديث الشفعة ، ولا التحريم في منع فضل الماء بناءً علىٰ ما اشتهر عند الفريقين من حمل النهي علىٰ التنزيه ، فكنت أتشبث ببعض الأُمور في دفع الاشكال ، إلىٰ أن استرحت في هذه الاواخر وتبين عندي ان حديث الشفعة والناهي عن منع الفضل لم يكونا حال صدورهما من النبي 9 مذيّلين بحديث الضرر ، وان الجمع بينهما وبينه جمع من الراوي بين روايتين صادرتين عنه 9 في وقتين مختلفين.
    واضاف قده : وهذا المعنىٰ وإن كان دعوىٰ عظيمة وأمراً يثقل تحمله علىٰ كثيرين ويأبىٰ عن تصديقه كثير من الناظرين إلا انّه مجزوم به عندي.
    وقد وافقه في هذا الادعاء جمع منهم المحقق النائيني والاصفهاني
    __________________
    (1) رسالة لا ضرر ولا ضرار : 28.


    0 (1) وقد وافقاه في كيفية الاستدلال علىٰ ذلك أيضاً في الجملة كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
    والكلام يقع تارة في تحقيق ظهور الرواية وأُخرى في ملاحظة القرائن الخارجية فهنا بحثان :
    أمّا البحث الأَول : لا اشكال ظاهراً في ظهور سياق الحديث في الارتباط بين الحكم بثبوت الشفعة للشركاء وبين كبرى لا ضرر ولا ضرار ، وقد اعترف بذلك جمع ممّن اصروا علىٰ عدم الارتباط بينهما بحكم القرائن الخارجية كالعلامة شيخ الشريعة والمحقق النائيني 0 ، ولكن لتوضيح الامر لابد من ملاحظة نقطتين :
    النقطة الأولىٰ : في تعيين فاعل ( قال ) في الجملة الثانية أي ( وقال لا ضرر ولا ضرار ) فإن المحتمل في ذلك ابتداءً وجهان :
    1 ـ أن يكون هو النبي 9 ويكون قوله ( قال ) عطفاً علىٰ قوله ( قضىٰ رسول الله ).
    2 ـ ان يكون هو الامام الصادق 7 ويكون قوله ( قال ) عطفاً علىٰ قوله ( قال قضىٰ رسول الله ) ويكون مقصوده 7 من اضافة هذه الجملة علىٰ حكاية قضاء النبي 9 في الجملة الأولىٰ بيان حكمة تشريع الشفعة ، كما أن مقصوده 7 باضافة الجملة الثالثة توضيح معنىٰ الشركاء في الجملة الأولىٰ وبيان أن المراد به المالك للكسر المشاع كما ذهب اليه المحدّثون من العامة ، خلافاً لغيرهم ممّن ذهبوا إلىٰ ثبوت حق الشفعة للشريك المقاسم والجار ونحوهما.
    __________________
    (1) رسالة لا ضرر ولا ضرار تقريرات المحقق النائيني ص 194 ، نهاية الدراية للمحقق الاصفهاني 2 / 322.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3292
    نقاط : 4979
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    قاعدة لا ضرر ولا ضرار Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قاعدة لا ضرر ولا ضرار   قاعدة لا ضرر ولا ضرار Emptyأمس في 7:22

    والظاهر من الحديث هو الوجه الاول أمّا ( اولاً ) فلأن الظاهر من الرواية أن ( قال ) في الجملة الثانية معطوف علىٰ أقرب فعل سبقه مما يصبح أن يكون معطوفاً عليه وهو ( قضىٰ ) لا علىٰ ما قبله وهو ( قال ) في الجملة الأولىٰ ، وأما ( ثانياً ) فلمعروفية صدور هذه الجملة ( لا ضرر ولا ضرار ) عن النبي 9 لدى الفريقين ممّا يوجب انصراف القول اليه 9 ما لم يصرّح بخلافه.
    ويقوى ظهور الحديث في هذا الوجه بناءً علىٰ رواية الفقيه من اسناد الجملة الثالثة إلىٰ الصادق 7 ، فإنّه لو كان قائل الجملة الثانية هو الصادق 7 أيضاً لما كان هناك وجه لتغيير سوق الكلام في الجملة الثالثة دون الثانية بل كان العكس هو الانسب ، فالتصريح في الجملة الثالثة بعد الاضمار في الجملة الثانية يعيّن كون القائل في الجملة الثانية هو النبي 9.
    إلا انّ الشأن في اثبات وقوع التصريح بالقائل في الجملة الثالثة من هذه الرواية بمجرد نسخة الفقيه إذ لم يرد في نقل الكافي والتهذيب ، ولا يمكن ترجيح نسخة الفقيه علىٰ نسختهما إلا بناءً علىٰ تقديم اصالة عدم الغفلة في جانب الزيادة علىٰ اصالة عدم الغفلة في جانب النقيصة ولكن هذا لم يثبت بدليل واضح كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
    هذا مع ان الجملة الثالثة منقولة في كتب العامة عن النبي 9 أيضاً فيقوى احتمال ان يكون اسنادها إلىٰ الصادق 7 في نسخة الفقيه اجتهاداً من الصدوق (قده) أو بعض من تقدمه من الرواة.
    وربما يرجح الاحتمال الثاني في الرواية ـ أي كون فاعل قال في الجملة الثانية هو الصادق 7 ـ بأن الفيض الكاشاني نقل في


    الوافي (1) قوله ( قال ) من الجملة الثانية معقّباً بقوله 7 ، وهذا يناسب كون القائل هو الامام 7 لا النبي 9 وإلا لقال 9 كما هو المعهود بالنسبة إلىٰ النبي 9 في الروايات.
    ولكن يرد عليه اولاً بأنّه لم يعلم وجود هذه الجملة أي 7 في نقل عقبة بن خالد فربما كانت اضافة من النساخ أو من صاحب الوافي (قده) استظهاراً ، وثانياً إن استعمال جملة 7 بالنسبة إلىٰ النبي 9 مذكور في بعض الموارد (2) كما يظهر ذلك بالتتبع فلا ينبغي أن يعد ذلك مرجحاً للاحتمال الثاني.
    فتلخص مما ذكرناه أنَّ الرواية ظاهرة في كون قائل الجملة الثانية ـ كالأولى ـ هو النبي 9.
    النقطة الثانية : في انّه بعد ما ثبت أن الجملة الثانية كالأُولى من كلام النبي 9 فينبغي أن يبحث هل ان الجمع بينهما من قبيل الجمع في الرواية أي أنَّ النبي 9 جمع بين قضائه بثبوت الشفعة للشركاء وبين قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) ، أو انّه من قبيل الجمع في المروي فيكون من قبل الامام 7 أو الراوي ؟.
    ففي المقام ثلاثة احتمالات :
    1 ـ أن يكون الجمع من قبل النبي 9.
    2 ـ أن يكون من قبل الامام 7.
    3 ـ أن يكون من قبل الراوي عنه.
    __________________
    (1) الوافي مجلد 3 جزء 10 / 103.
    (2) الفقيه 4 / 258 وفي الوسائل 30 : 150 واعلم انّه إذا أُطلق في الرواية لفظ ( قال 7 ) فالمراد به النبي ... الخ.

    والفارق بين هذه الاحتمالات انّه علىٰ الاحتمال الأخير لا يجب فرض ترابط بين مضمون الجملتين فإنّهما ـ علىٰ هذا الاحتمال ـ روايتان مختلفتان جمع الراوي بينهما في النقل.
    وأمّا علىٰ الاحتمالين الأَولين حيث يكون الجمع من قبل النبي 9 أو الامام 7 فلا بد من فرض ترابط بينهما في المفاد كما هو واضح فإنّه إذا كان الجمع من قبل النبي 9 فلا بُدّ ان يفرض ان الجملة الثانية تتكفل لبيان حكمة تشريع الشفعة ، وكذا إذا كان الجمع من قبل الامام 7 فإنّه لا بُدّ ان يفرض ان اضافة الجملة الثانية جاءت بياناً لحكمة التشريع أو بغرض تأييد ثبوت الجملة الأولىٰ عن النبي 9 بانسجامها مع القول المعروف عنه من انّه ( لا ضرر ولا ضرار ) من باب التطبيق لقاعدة الأخذ بشواهد الكتاب والسنة في تقويم الأَحاديث كما صرحت بذلك الأحاديث المروية عن أئمة أهل البيت : (1).
    هذه هي الاحتمالات المتصورة. وأمّا الترجيح بين هذه الاحتمالات : فالظاهر ان اضعفها الاحتمال الاخير أي احتمال كون الجمع بين الجملتين من قبل الراوي ، إذ لو كان كذلك لكرّر كلمة ( قال ) مرتين عند نقله الجملة الثانية حتىٰ يقع قول النبي 9 هذا مقولاً لقول آخر من الامام 7 ، فظاهر عدم تكرار لفظة ( قال ) ان قوله 9
    __________________
    (1) وقد عقد في الكافي 1 / 55 باباً لذكر هذه الروايات كما فعل من قبله البرقي في المحاسن ، وقد بحث السيّد الاستاذ مد ظله عن مفاد هذه الاخبار في ابحاثه الاصولية في بحث حجية الخبر الواحد وتعارض الادلة الشرعيّة وانتهى إلىٰ تفسيرها بتفسير مختلف عن التفسير المتعارف لدى المتأخرين وهو انها تنيط اعتبار الحديث ـ وإن كان صحيحاً سنداً ـ بانسجام محتواه مع المبادئ الشرعيّة الثابتة بالكتاب والسنة وسيأتي لهذا توضيح في الفصل الثالث من هذا الكتاب.


    وقضاءه معاً كانا مقولين لقول واحد من الامام 7 ممّا يعني ان الجمع بينهما إنّما كان من قبله 7 إمّا ابتداءً أو تبعاً لجمع النبي 9 بينهما.
    وبعد سقوط الاحتمال المزبور يدور الأَمر بين الاحتمالين الأَولين ولعل اقربهما هو الاحتمال الأَول أي كون الجمع بين قضاء النبي 9 وقوله إنّما جاء من قبله 9 نفسه.
    البحث الثاني : في أنه بعد أن ثبت ان مقتضىٰ ظاهر الحديث هو الارتباط بين الحكم بثبوت الشفعة وبين كبرى لا ضرر ولا ضرار فهل هناك قرائن خارجيّة توجب رفع اليد عن الظهور المذكور وتثبت أن الجمع بين الجملتين إنّما كان من قبل الراوي للحديث ـ وهو عقبة بن خالد ـ أم لا ؟ قولان :
    ذهب إلىٰ الأَول العلامة شيخ الشريعة ووافقه فيه جمع ممّن تأخر عنه فقالوا ان هناك قرائن تشهد علىٰ ان الجمع بين الجملتين إنما جاء من قبل عقبة بن خالد ، وانّه لا ارتباط بين كبرى لا ضرر ولا ضرار والحكم بثبوت الشفعة للشركاء في الأرضين والمساكن.
    ولكن الصحيح عندنا هو القول الثاني لعدم تمامية تلك الشواهد المدعاة بل هناك بعض القرائن المساندة لظهور الحديث في الارتباط بين الجملتين.
    منها ان كون الجمع بينهما من قبل الراوي لا ينسجم مع تكرار ( لا ضرر ولا ضرار ) بعد حديث منع فضل الماء ـ كما سيأتي في القضية الثالثة ـ فإنّه لو كان عقبة بن خالد هو الذي اتبع ذكر قضائه 9 بالشفعة بحديث آخر عنه 9 هو حديث ( لا ضرر ولا ضرار ) فلماذا كرّر ذكر هذا الحديث مرة أُخرى بعد حديث منع فضل الماء ؟ وأي

    مبرر لهذا التكرار ما دام يفترض عدم الارتباط بينه وبين ذينك الحديثين ـ أي حديث الشفعة وحديث منع فضل الماء ـ ، فالتكرار المذكور قرينة واضحة علىٰ ان تعقيب حديث الشفعة بحديث لا ضرر إنما كان لأجل الارتباط بينهما بملاحظة الجمع بينهما من قبل النبي 9 أو الامام 7.
    وأمّا ما يمكن أن يستشهد به للقول الأول فوجوه :
    الوجه الأَول : ما ذكره العلامة شيخ الشريعة (قده) في رسالته (1) قائلاً : يظهر بعد التروي والتأمل التام في الروايات أن الحديث الجامع لأَقضية رسول الله 9 وما قضىٰ به في مواضع مختلفة وموارد متشتتة كان معروفاً ، عند الفريقين.
    أما من طرقنا فبرواية عقبة بن خالد عن الصادق 7.
    وأما من طرق أهل السنة فبرواية عبادة بن الصامت فقد روى أحمد بن حنبل في مسنده الكبير الجامع لثلاثين الف عن عبادة بن الصامت (2) قال إن من قضاء رسول الله أن المعدن جبار والبئر جبار والعجماء جرحها جبار .. وقضى في الركاز الخمس ، وقضى إن ثمر النخل لمن أبرّها إلا أن يشترط المبتاع ...
    وقد نقل 1 هذا الحديث بطوله وهو يشتمل علىٰ عشرين قضاءاً ، وجاء في السادس منها ( وقضى بالشفعة بين الشركاء في الارضين والدور ) ، وجاء في الخامس عشر منها ( وقضى أن لا ضرر ولا ضرار ) ، كما جاء في السابع عشر والثامن عشر منها ( وقضى بين أهل المدينة في النخل : لا
    __________________
    (1) رسالة لا ضرر ولا ضرار : 28 ـ 34.
    (2) روي حديث عبادة هذا في صحيح أبي عوانة والمعجم الكبير للطبراني أيضاً كما جاء في مختصر كنز العمال بهامش مسند احمد 2 / 203.


    يمنع نقع بئر وقضى بين أهل البادية إنّه لا يمنع فضل ماء ليمنع به فضل الكلأ ) (1).
    وقال ; بعد نقل الحديث ( وهذه الفقرات كلها أو جلّها مروية من طرقنا ، موزعة علىٰ الأبواب وغالبها برواية عقبة بن خالد وبعضها برواية غيره ، وجملة منها برواية السكوني ، والذي اعتقده انّها كانت مجتمعة في رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد الله 7 إلا ان أئمة الحديث فرقوها علىٰ الأبواب ).
    ثم تعرض (قده) لتخريج هذه القضايا من طرقنا إلا إنّه لم يخرّج من القضايا العشرين التي وردت في خبر عبادة سوى اثني عشر ، منها سبعة عن عقبة بن خالد ـ وهي ثلاثة موارد مضافاً إلىٰ الموارد التي ذكرناها ممّا اختلف فيه النقلان ـ وخمسة لم يذكر الراوي لها.
    ثم قال ره : قد عرفت بما نقلنا مطابقة ما روي في طرق القوم مع ما روي من طرقنا من غير زيادة ونقيصة ، بل بعنوان تلك الالفاظ غالباً إلا الحديثين الاخيرين المرويّين عندنا من غير زيادة قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) وتلك. المطابقة بين الفقرات ممّا يؤكد الوثوق بأن الاخيرين أيضاً كانا مطابقين لما رواه عبادة من عدم التذييل بحديث الضرر ، وأن غرض الراوي انّه 9 قال كذا وقال كذا ، لا انّه كان متصلاً به وفي ذيله مما يرجع إلىٰ انّه كان حديث الشفعة مذيلاً بحديث الضرر وكذلك الناهي عن منع فضل الماء واسقطهما عبادة بن الصامت في نقله وانّه روى جميع الفقرات مطابقة للواقع إلا الفقرتين من غير خصوصية فيهما ، ولا تصوّر نفع له أو ضرر عليه في النقل للذيل وتركه.
    ثم قال قده : وبعد هذا كله : فظهور كون هذا الذيل متصلاً بحديث
    __________________
    (1) مسند أحمد 5 : 326 ـ 327.

    الشفعة حال صدوره ليس ظهوراً لفظياً وضعياً لا يرفع اليد عنه إلا بداع قوي وظهور أقوىٰ ، بل هو ظهور ضعيف يرتفع بالتأمل فيما نقلناه ، سيّما مع ما علم من استقراء رواياته ـ أي روايات عبادة ـ من اتقانه وضبطه وما صرّحوا به إنّه كان من اجلاء الشيعة.
    ثم ذكر ( ره ) بعض ما يدل علىٰ جلالة عبادة وشهادته المشاهد مع النبي 9 ورجوعه بعده إلىٰ أمير المؤمنين 7.
    وملخص ما أفاده 1 انّه وإن كان ظاهر رواية عقبة ان كبرى لا ضرركانت ذيلاً لحديثي الشفعة ومنع فضل الماء في مرحلة سابقة علىٰ نقل عقبة ، إلا انّه يجب رفع اليد عن هذا الظهور الذي هو ضعيف اساساً بملاحظة ان اقضية النبي 9 قد رويت بطريق العامة عن عبادة بن الصامت ولم يذكر فيها هذه الكبرىٰ ذيلاً لحديثي الشفعة ومنع فضل الماء بل جاء ذكرها قضاءاً مستقلاً ، وحيث ان عقبة بن خالد قد روى أيضاً اقضية النبي 9 ـ كما يدل علىٰ ذلك وجود جملة منها منقولة عنه في الجوامع الحديثية الموجودة بأيدينا ـ والمظنون انّها كانت مجتمعة في روايته وإنّما فرّقها أصحاب الكتب ليلحقوا كل قضية ببابها فيستنتج من ضم هذا إلىٰ ذاك أن الجمع بين حديثي الشفعة ومنع فضل الماء وحديث لا ضرر في رواية عقبة إنما هو من قبيل الجمع في الرواية علىٰ حذو ذلك في حديث عبادة.
    هذا ملخص كلامه 1 في هذا الوجه وقد وافقه عليه جمع من المحققين (1).
    ولتحقيق ما أفاده ( ره ) لا بُدّ من البحث :
    __________________
    (1) لاحظ رسالة لا ضرر ولا ضرار تقريرات المحقق النائيني : 194 ، ونهاية الدراية للمحقق الاصفهاني 2 / 322.


    اولاً عن مدى اعتبار أصل حديث عبادة بن الصامت.
    وثانياً عمّا يقتضيه الموقف في الحكم بينه وبين حديث عقبة بن خالد فهنا جهتان :
    الجهة الأولىٰ : في اعتبار حديث عبادة وعدمه ، ويلاحظ بهذا الشأن أُمور :
    الأَول : أنّه لو ثبتت وثاقة عبادة بن الصامت ـ كما ذكره العلامة شيخ الشريعة قده ـ فلا طريق لنا لاثبات وثاقة غيره من رجال سند الحديث المذكور ، لأنهم من رجال العامة غير المذكورين في كتبنا ، فلا تجدي وثاقة عبادة وحده في إمكان الاعتماد علىٰ حديثه هذا بعد عدم نقله بطريق معتبر عندنا.
    الثاني : إن هذا الحديث لم تثبت صحته حتىٰ عند العامة الذين رووه واثبتوه في كتبهم فإنه حديث مرسل منقطع الاسناد كما تعرض لذلك جملة من علمائهم فإنّ إسحاق الراوي عن عبادة بن الصامت حديثه هذا لم يدركه ، كما نص علىٰ ذلك البخاري والترمذي وابن عدي وغيرهم (1).
    الثالث : إنّ ما ذكره 1 من معروفية أقضية النبي 9 مجتمعة عند العامة برواية عبادة بن الصامت لم يقترن بشاهد أصلاً بل ربما كانت الشواهد علىٰ خلافه ، ويظهر ذلك بملاحظة سند الحديث ومصدره.
    أمّا عن سند الحديث فلأنّه قد تفرّد بنقل هذه الاقضية مجتمعة عن
    __________________
    (1) كما في تهذيب التهذيب 1 / 224 وتحفة الأشراف 4 : 239 وابن ماجة 2 : 784 ذيل الحديث 2340.

    عبادة : إسحاق بن يحيى وتفرد بروايتها عن إسحاق موسى بن عقبة ، فليس لها حظّ من الشهرة الروائية.
    وأما عن مصدر الحديث فلأن هذا الحديث لم يوجد بطوله في مجاميعهم الحديثية المهمة كالصحاح الستة ـ بل لم ينقل في شيء من صحاحهم جملة ( لا ضرر ولا ضرار ) إلا في سنن ابن ماجة (1) ـ كما أن كثيراً من فقراتها الاخرى غير مذكورة فيها ، فكيف يدّعى مع ذلك شهرته ومعروفيته عندهم.
    نعم ورد ذكره في مسند احمد وصحيح أبي عوانة ومعجم الطبراني ولكن هذه الكتب الثلاثة ليست بتلك فسّر والاعتبار عندهم ، واشهرها مسند احمد الذي اطّلع العلامة شيخ الشريعة علىٰ تضمنه لهذا الحديث ، غير انّ المسند تدور حوله جملة من الشبهات :
    ( منها ) انّه بصورته المعروفة ليس من جمع احمد بن حنبل ولذا لم يروه عنه تلامذته من غير أهل بيته وإنّما نقله عنه أهل بيته خاصة سيّما ابنه عبد الله ، فعن شمس الدين الجزري : إن الامام احمد شرع في جمع المسند لكنه في أوراق متناثرة وفرقه في اجزاء منفردة علىٰ نحو ما تكون المسوّدة ثم توقّع حلول المنية قبل حصول الأمنية فبادر باسماعه لاولاده وأهل بيته ومات قبل تنقيحه وتهذيبه فبقي علىٰ حاله ثم جاء بعده ابنه عبد الله فألحق به ما يشاكله وضم اليه من مسموعاته ما يشابهه ويماثله (2).
    ومنها : ان المسند الموجود بايدينا ليس جميعه من رواية احمد بل لابنه
    __________________
    (1) سنن ابن ماجة 2 / 784 / 2340 و 1431.
    (2) تاربخ المذاهب الإسلامية محمود أبو زهرة 2 / 524 ـ 525.


    عبدالله فيه اضافات كثيرة قيل إنّها نحو عشرة الآف (1) ، كما قيل إن لأَحمد ابن جعفر القطيعي الراوي عن ابنه عبد الله بعض الزيادات (2). وربما كانت روايتنا هذه مما الحقه عبد الله بن احمد بمسند ابيه (3) فإنّه رواها أَوَّلاً عن غير أبيه قال حدثنا أبوكامل الجحدري ، حدثنا الفضيل بن سليمان قال : ( حدثنا موسى بن عقبة ، عن إسحاق بن يحيى بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، عن عبادة قال : إن من قضاء رسول الله 9 ... الخ ، ثم نقلها عن أبيه ، عن الصلت بن مسعود ، عن الفضيل بن سليمان ... الخ ).
    الجهة الثانية : في المقارنة بين حديث عبادة بن الصامت وحديث عقبة ابن خالد وأنه هل ينبغي توجيه الثاني بما يوافق الاول من حيث كون حديث لا ضرر ولا ضرار قضاءً مستقلاً لا ربط له بحديث الشفعة ولا بغيره ـ كما صنعه العلامة شيخ الشريعة (قده) ـ أم لا ، لعدم تمامية ما افاده بهذا الصدد ؟
    الظاهر هو الثاني لعدة ملاحظات :
    أولاها : ما تقدّم بيانه آنفاً من أن حديث لا ضرر مذكور في رواية عقبة مرتين : تارة عقيب حديث الشفعة واُخرى عقيب حديث منع فضل الماء ، ولا يمكن تخريج ذلك مع البناء علىٰ إنّه كان قضاء مستقلاً في رواية عقبة ـ كما هو كذلك في رواية عبادة ـ فإنّه لا معنىٰ لتكرار قضاء واحد في مجموعة واحدة ، فتكرر جملة لا ضرر ولا ضرار خير دليل علىٰ كونها مرتبطة بالحديثين المذكورين قبلها وذيلاً لهما ، ولو كانت قضاءً مستقلاً لاقتصر عقبة على
    __________________
    (1 و 2) علوم الحديث ومصطلحه لصبحي صالح : 395.
    (3) ومن هنا نسب جماعة من علماء العامة هذا الحديث أو بعض قطعه إلىٰ زيادات عبد الله في مسند أبيه ( منهم ) السيوطي في جمع الجوامع ـ كما جاء في كنز العمال الذي هو مرتب جمع الجوامع 4 / 61 ـ 62 ح 9519 ، و ( منهم ) ابن تيمية صاحب منتقىٰ الأخبار ، لاحظ نيل الأوطار : 5 / 385 و 388.

    ذكرها مرة واحده عقيب احدهما كما هو واضح.
    ثانيتها : إن الأنسب بمعنىٰ ( لا ضرر ولا ضرار ) وعدّه من أقضية النبي 9 أن يكون قد القي في مورد خاص ـ كما ورد في رواية عقبة ـ لا أن يكون كلاماً مستقلاً قد أُلقي ابتداءً كما تضمنه حديث عبادة ، وسيأتي لهذا توضيح في الجواب عن الوجه الثاني.
    ثالثتها : إنّه لم يثبت ما ذكره 1 من أن عقبة بن خالد قد روى اقضية النبي 9 مجتمعة ـ كما فعل عبادة ـ ليتم ما استظهره (قده) بناءً علىٰ ذلك من ان الجمع بين حديث لا ضرر وحديث الشفعة جاء نتيجة للجمع بين اقضية النبي 9 في رواية عقبة لا لكونه ذيلاً له كما يوهمه ظاهر روايته.
    فإنّ الذي ثبت روايته عن عقبة من القضايا العشرين التي رواها عبادة إنّما هي سبع قضايا فقط ، وهذا المقدار لا يدل بوجه علىٰ ما ادعاه ( ره ) من ان عقبة نقل أو تصدى لنقل اقضية النبي 9 مجتمعة.
    ومن الغريب ما افاده (قده) من معروفية الاقضية المذكورة لدى الخاصة عن طريق عقبة رغم انحصار الراوي عنه بمحمد بن عبد الله بن هلال ، وعدم ثبوت نقله لأغلبها ، وعدم رواية المنقول منها مجتمعاً في شيء من مصادر الحديث الموجودة بايدينا ..
    فدعوىٰ اشتهار اقضية النبي 9 لدى الخاصة من طريق عقبة تماثل دعوىٰ اشتهارها لدى العامة من طريق عبادة الذي تقدّم بيان ضعفه.
    رابعتها : إنّه 1 استبعد تذييل قضاء النبى 9 في موردي حديث الشفعة ومنع فضل الماء بكبرى ( لا ضرر ولا ضرار ) مع عدم رواية عبادة لها قائلاً ان لازم ذلك أنّه روى جميع فقرات الحديث


    مطابقة للواقع إلا الفقرتين من غير خصوصية فيهما ولا تصور نفع له أو ضرر عليه في النقل للذيل وتركه.
    ولكن هذا الاستبعاد في غير محله ، لأن مجرد عدم تصور نفع له في الترك أو ضرر عليه في النقل لا يقوم حجة علىٰ عدم وجود الذيل واقعاً ، إذ ترك نقل بعض الحديث قد ينشأ من عدم العناية به أو عدم التنبه له أو نسيانه ... إلىٰ غير ذلك من العوامل والاسباب ولا ينحصر بالنفع والضرر الشخصي.
    خامستها : إن احاديثنا اوثق ـ نوعاً ـ في كيفية النقل من احاديث العامة واقرب إلىٰ الصحة والاعتبار ، وذلك مما اوضحناه في مبحث ( تاريخ تدوين الحديث ) من مباحث حجية خبر الواحد من ان تدوين الاحاديث عند العامة ، قد تأخر عن عصر صاحب الرسالة 9 بما يزيد علىٰ مائة عام ، مما استتبع ذلك اتكاء رواتهم علىٰ الحفظ في نقل الروايات ، ومعلوم ان ذلك يفضي في حالات كثيرة إلىٰ إهمال خصوصيات الكلام ، لأن ذاكرة الرواة غير المعصومين لا تستوعب عادة جميع خصوصيات الرواية وملابساتها.
    وهذه العلّة لا توجد في رواياتنا بالشكل الذي يوجد في روايات العامة ، لأن رواياتنا متلقاة عن أئمة أهل البيت : وخصوصاً الصادقين 8 ، وقد تم تأليف الكثير من الأصول والكتب والمصنفات في عصرهما.
    وعلى ضوء هذا فلا يستبعد في المقام أن يكون عدم ذكر كبرى لا ضرر ولا ضرار ـ في رواية عبادة ـ في ذيل حديثي الشفعة ومنع فضل الماء ، وذكرها مستقلاً مستنداً إلىٰ توهم بعض رواة تلك الرواية كونها قضاءاً مستقلاً ، ويكون ذكرها في رواية عقبة في ذيل الحديثين استدراكاً من الامام 7 لما فات رواة العامة من الحديث ، وتكميلاً لما حدث فيه من النقص.

    فعلى هذا الاساس فرواية عقبة أحق بالاعتماد من حديث عبادة في كيفية النقل.
    هذا كله مضافاً إلىٰ أن المقام داخل في كبرى دوران الأمر بين الزيادة والنقيصة ، إذ يدور أمر حديثي الشفعة ومنع فضل الماء بين أن يكونا مشتملين علىٰ كبرى لا ضرر ولا ضرار ـ كما في رواية عقبة ـ وعدمه ـ كما في رواية عبادة ـ ، ومقتضى ما ذهب إليه العلامة شيخ الشريعة 1 من ترجيح جانب الزيادة في امثال ذلك هو ترجيح رواية عقبة لا عبادة.
    نعم ، هذا لا يتجه علىٰ المختار ـ علىٰ ما سيأتي توضيحه ـ من عدم ثبوت ترجيح جانب الزيادة عند دوران الامر بينها وبين النقيصة بل العبرة في الترجيح بتوفر القرائن والمناسبات التي تورث الاطمئنان. ولا يبعد ثبوت الزيادة إذا كانت جملة تامة الدلالة مع ورودها في خبر صحيح.
    وكيف كان فقد ظهر بما تقدّم عدم تمامية هذا الوجه الذي ذكره (قده) كقرينة خارجيّة علىٰ كون الجمع بين حديثي الشفعة ومنع فضل الماء وكبرى لا ضرر من قبل الراوي.
    الوجه الثاني : ما افاده المحقق النائيني 1 (1) من انّه لو كان ـ لا ضرر ولا ضرار ـ من تتمة قضية أُخرى في رواية عقبة لزم خلوّ رواياته الواردة في الاقضية عن هذا القضاء ، الذي هو من اشهر قضاياه 9 لأنّه لو كان تتمة لقضية أُخرى لا يصحّ عدّه من قضاياه 9 مستقلاً.
    ويرد عليه :
    اولاً : إنّه لم يثبت كون هذا القضاء من أشهر قضاياه صلّى الله عليه
    __________________
    (1) رسالة لا ضرر تقريرات المحقق النائيني : 194.


    وآله في العصر الأَول ، وقياس العصور المتأخرة بالعصر الأَول في غير محله.
    وثانياً : إن ما ذكره ( ره ) مبني علىٰ أن عقبة بن خالد قد روى جميع أقضية النبي 9 أو معظمها ، فيقال حينئذٍ إنّه إذا كان قد أورد ( لا ضرر ) في ذيل حديثي الشفعة ومنع فضل الماء ، فهذا يعني أنّه قد فاته أن ينقل قضاءاً مستقلاً من اشهر أقضية النبي 9 مع إنه نقل معظم أقضية النبي 9 وهو بعيد.
    ولكن قد ذكرنا فيما سبق إنّه لم تثبت رواية عقبة إلا للقليل من أقضية النبي 9 فلا يتجه الاستبعاد المذكور.
    وثالثاً : أن كون ( لا ضرر ) قضاءاً لا ينافي وقوعه في ضمن مورد خاص حتىٰ يرجع عدم نقله في غير ذلك المورد من قبل عقبة إلىٰ عدم نقله له كقضاء ، بل يمكن أن يقال إنّ الانسب بعدّه قضاءاً أن يكون قد أُلقي في واقعة خاصة لا ابتداءاً ، لأنّ الكلام الابتدائي لا يعبّر عنه إنّه من قضايا المتكلم بل يقال إنه من حِكمه أو من جوامع كلمه.
    ويشهد لهذا كلمات بعض متقدمي الأُصوليين كالشيخ في العدة والشهيد في تمهيد القواعد حيث ناقشا في استفادة العموم من الروايات المتضمنة لقوله ( قضىٰ رسول الله 9 ... ) علىٰ أساس أنها تحكي عن أحكام ذكرت في موارد جزئية فلا يمكن أن يستفاد منها العموم ، وأنها من جوامع كلمه 9 بل هي قضاء في مورد خاص.
    قال الشيخ في العدّة ـ بعد ما فرق بين عبارة ( قضىٰ رسول الله 9 بالشاهد واليمين ) وبين عبارة ( قضىٰ أن الخراج بالضمان وإن الشفعة للجار ) ، بأنه يفهم من الأَوّل حكاية فعل له 9 لا غير ، ولكن السابق إلىٰ الفهم من الاخير أنه 9 قال ذلك قولاً لا انّه عمل به فحسب ـ قال : إلا أنه وإن كان كذلك فهو لا يقتضي صحة



    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3292
    نقاط : 4979
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    قاعدة لا ضرر ولا ضرار Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قاعدة لا ضرر ولا ضرار   قاعدة لا ضرر ولا ضرار Emptyأمس في 7:23


    التعلق به لأنّه لا يعلم إنّه قال ذلك بلفظ يقتضي العموم ، أو بقول يقتضي الخصوص ويفيد الحكم في تلك العين ، وإذا كان كذلك صار مثل الأول في انّه ينبغي أن يلحق بالمجمل ، وإذا ثبتت هذه الجملة فيما روى إنّه قضىٰ بالشاهد واليمين وان الخراج بالضمان لما قلناه ، إلا أن يدل ـ دليل علىٰ الحاق غيره به فيحكم به (1).
    وقال الشهيد الثاني في تمهيد القواعد (2) : قول الصحابي مثلاً انّه نهى رسول الله 9 عن بيع الغرر وقضى بالشاهد واليمين ، لا يفيد العموم علىٰ تقدير دلالة المفرد المعرّف علىٰ العموم ، لأن الحجة في المحكي وهو كلام الرسول لا في الحكاية ، والمحكي قد يكون خاصاً فيتوهم عاماً ، وكذا قوله ( سمعته يقول قضيت بالشفعة للجار ) لاحتمال أن تكون ( ال ) للعهد ، كذا قال في المحصول وتبعه عليه مختصروا كلامه وغيرهم من المحققين ، إلىٰ آخر ما ذكره في ذلك.
    الوجه الثالث : ما أشار اليه المحقق النائيني (قده) واوضحه السيد الاستاذ 1 من أن حديث لا ضرر إنّما يمكن اعتباره ذيلاً لحديث الشفعة إذا كان مصححاً لجعل حق الشفعة بجسب مفاده ومحتواه ، ولكنه ليس كذلك لأن مفاده هو نفي الحكم الضرري اما ابتداءاً أو بلسان نفي الموضوع ، والضرر في مورد ثبوت حق الشفعة إنّما يأتي من قبل بيع الشريك حصته ، فلو كان ذلك مورداً لقاعدة ( لا ضرر ) لزم الحكم ببطلان البيع ، ولو كان الضرر ناشئاً من لزوم البيع لزم الحكم بثبوت الخيار بأن يكون له حق ردّ المبيع إلىٰ البائع ، وامّا جعل حق الشفعة له لجبران الضرر وتداركه بأن ينقل المبيع إلىٰ ملكه فهو انما يكون مستنداً إلىٰ قاعدة ( لا ضرر ) إذا كانت دالة
    __________________
    (1) عدة الأصول 1 / 147 مخطوط.
    (2) تمهيد القواعد ذيل القاعدة (57).


    على جعل حكم يتدارك به الضرر ولكنها لا تدل علىٰ ذلك وإنما تدل علىٰ نفي الحكم الضرري (1).
    ويلاحظ عليه :
    أولاً : إنّ ايراد هذه القاعدة بعد حديث الشفعة باعتبار تناسب الجملة الثانية منها أي قوله 9 ( لا ضرار ) مع حق الشفعة بأن تكون حكمة لجعل حق الشفعة ـ علىٰ ما سيأتي توضيحه في الجواب عن الوجه الرابع ـ وعلىٰ هذا فلا يتوقّف ارتباط القاعدة بحديث الشفعة علىٰ تفسير ( لا ضرر ) بوجه يقتضي جعل الحكم الذي يتدارك به الضرر لكي يقال إن حديث لا ضرر لا يدل علىٰ ذلك.
    وثانياً : إن مرجع الوجه المذكور إلىٰ انّه لمّا كان المختار في معنىٰ ( لا ضرر ) هو نفي الحكم الضرري دون غيره من المعاني التي سيأتي البحث عنها ، وهو لا يناسب الترابط بين الجملتين علىٰ ما هو ظاهر الكلام ، فلا بُدّ من رفع اليد عن هذا الظهور واعتبار الجمع بينهما من قبيل الجمع في الرواية ، وهذا الكلام لا يخلو عن غرابة ، لأنّه يمكن أن يقال بأنّ نفس ورود هذه الجملة في ذيل حديث الشفعة قرينة علىٰ كون معناها غير نفي الحكم الضرري ، ولا وجه لاختيار معنىٰ للجملة مسبقاً كأصل مفروض من دون ملاحظة القرائن المحتفة بها ، ثم الاعتراض علىٰ ترابط الجملة مع حديث الشفعة بعدم انسجام ذلك مع هذا المعنىٰ ، واستكشاف كون الجمع بينهما من قبيل الجمع في الرواية ، بل الأحرى أن يعكس الأمر فيجعل ظهور الكلام في ترابط الحديث مع قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) المذكورة ذيلاً له من وجوه ضعف استظهار ذلك المعنىٰ من جملة ( لا ضرر ) كما هو واضح.
    __________________
    (1) رسالة لا ضرر تقريرات المحقق النائيني : 195 ، ومصباح الأصول 2 / 521.

    وثالثا : إنّه لو فرضنا انّ قوله ( لا ضرر ) في قضية سمرة مثلاً بمعنىٰ نفي الحكم الضرري ، لا بمعنىٰ جعل الحكم الذي يتدارك به الضرر ، ولكن لا مانع من كونه في ذيل حديث الشفعة بهذا المعنىٰ الثاني إذا كان هذا الحديث بما له من الظهور السياقي لا يساعد مع المعنىٰ الأول ، فيختلف معناه بحسب اختلاف الموردين ، إذ لا موجب للالتزام بوحدة المراد منه في جميع الموارد ، حتىٰ يكون ظهوره في المعنىٰ الأول في سائر الموارد مقتضياً لارادته في ذيل حديث الشفعة أيضاً ليستلزم ذلك انفصاله عن معنىٰ هذا الحديث وسياقه فتدبر.
    الوجه الرابع : ما افاده المحقق النائيني 1 وذكر بعضه في كلام السيد الأُستاذ (قده) أيضاً (1) ، وحاصله :
    إنّ الترابط بين ( لا ضرر ) وبين جعل حق الشفعة إمّا بلحاظ كون الأول علة للثاني ، أو بلحاظ كونه حكمة لتشريعه وكلاهما باطل.
    أما الأَول : فلأن الضرر إذا كان علّة للحكم بثبوت حق الشفعة فلا بُدّ أن يدور هذا الحكم مداره وجوداً وعدماً ، لأن هذا شأن العلّة كما في قولنا ( لا تاكل الرمان لأنّه حامض ) ، مع انّ هذا غير متحقق في المقام بلا اشكال فإن الحكم بالشفعة غير محدد بترتب الضرر الشخصي للشريك من البيع ، بل بين موارد ثبوت حق الشفعة وتضرر الشريك بالبيع عموم وخصوص من وجه ، فربّما يتضرر الشريك ولا يكون له حق الشفعة ، كما إذا كان الشركاء أكثر من اثنين ، وقد يثبت حق الشفعة بلا ترتب ضرر علىٰ أحد الشريكين ببيع الآخر ، كما إذا كان الشريك البائع مؤذياً وكان المشتري ورعاً باراً محسناً إلىٰ شريكه ، وربّما يجتمعان كما هو واضح.
    اذاً لا يصح ادراج الحكم بثبوت
    __________________
    (1) رسالة لا ضرر تقريرات المحقق النائيني : 195 ، ومصباح الأصول 2 / 521.


    الشفعة تحت كبرى ( لا ضرر ).
    واما الثاني : فلأنّ وقوع الضرر علىٰ الشريك أمرٌ اتفاقي ، وعلّة التشريع وإن لم يعتبر كونها أمراً دائمياً ولكنه يعتبر أن تكون امراً غالبياً أو كثير الوقوع ، فإن الضرر الاتفاقي ليس بتلك المثابة من فسّر بحيث يجعل له حكم كلي لئلا يقع الناس فيه.
    ويلاحظ عليه أوَّلاً : إن ما ذكر من عدم علّية ترتب الضرر بأن يكون تمام الموضوع للحكم بثبوت الشفعة وإن كان تاماً إلا أن ما ذكر من عدم كونه حكمة له أيضاً في غير محله فإنّ توجه الضرر إلىٰ الشريك بانتقال حصة شريكه إلىٰ شخص آخر ليس امراً نادراً ، بحيث لا يصلح أن يكون حكمة لتشريع حق الشفعة ، بل نفس الشركة في العين بحدّ ذاتها أمر يوجب كون الشركاء في معرض الضرر ببغي بعضهم علىٰ بعض ، كما أُشير اليه في الآية الكريمة ( وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) (1) بناءاً علىٰ تفسير الخلطاء بالشركاء المختلطة أموالهم كما عن جمع من المفسرين.
    وقد ابطل في بعض القوانين الحديثة الوقف الذري معللاً بأنه يوجب ركود الملك وتقليل منافعه وصيرورته مثاراً للاختلاف والتضرر ، وقد أفتى جمع من الفقهاء بجواز بيع الوقف عند اختلاف الموقوف عليهم ، بحيث يخاف منه تلف الأموال والأنفس.
    وقد علّل في بعض الروايات عدم ارث الزوجة من العقار بأنّ ذلك احتراز من تزوجها برجل آخر فيفسد الميراث علىٰ أهله ، ففي صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله 7 قال : لا ترث النساء من عقار الدور شيئاً ولكن يقوّم البناء والطوب وتعطى ثمنها أو ربعها ، قال : وإنّما ذلك
    __________________
    (1) سورة ص 38 / 24.

    لئلا يتزوجن فيفسدن علىٰ أهل المواريث مواريثهم (1).
    والحاصل انّ دعوىٰ ندرة توجه الضرر إلىٰ الشريك من عدم جعل حق الشفعة له لا يمكن المساعدة عليها.
    ويشهد لذلك انّ كثيراً من فقهاء العامة قد علّلوا ثبوت الشفعة بدفع الضرر ، قال ابن رشد (2) ( ذهب مالك والشافعي وأهل المدينة إلىٰ انّه لا شفعة إلا للشريك ما لم يقاسم ، وقال أهل العراق الشفعة مرتبة فأولى الناس بالشفعة الشريك الذي لم يقاسم ثم الشريك المقاسم إذا بقيت في الطرق أو في الصحن شركة ، ثم الجار الملاصق ، وقال أهل المدينة لا شفعة للجار ولا للشريك المقاسم ) ، ثم قال في ذكر احتجاج أهل العراق ( ومن طريق المعنىٰ لهم أيضاً إنّه لما كان المقصود بالشفعة دفع الضرر الداخل من الشركة ، وكان هذا المعنىٰ موجوداً في الجار وجب أن يلحق به ، ولأهل المدينة أن يقولوا وجود الضرر في الشركة أعظم منه في الجوار ).
    واحتج السيد المرتضى (قده) علىٰ العامة في شمول الشفعة لغير الارضين لعموم العلّة ، وقال ( وممّا يمكن أن يعارضوا به إنّ الشفعة عندكم إنّما وجبت لازالة الضرر عن الشفيع ، وهذا المعنىٰ موجود في جميع المبيعات من الامتعة والحيوان ، فإذا قالوا حق الشفعة إنّما يجب خوفاً من الضرر علىٰ طريق الدوام ، وهذا المعنىٰ لا يثبت إلا في الارضين والعقارات دون العروض ، قلنا في الامتعة ما يبقى علىٰ وجه الدهر مثل بقاء العقارات والارضين كالياقوت وما أشبهه من الحجارة والحديث ، فيدوم الاستضرار بالشركة فيه ، وأنتم لا توجبون فيه الشفعة ، وبعد فإنّ ازالة الضرر الدائم أو
    __________________
    (1) الوسائل 26 : 208 ح 32842 باب 6.
    (2) بداية المجتهد 2 / 256 ـ 257.

    المنقطع واجبة في العقل والشرع ، وليس وجوب إزالتها مختصّة بالمستمر دون المنقطع ، فلو كان التأذي بالشركة في العروض منقطعاً علىٰ ما ادعيتم لكانت ازالته واجبة علىٰ كل حال ... ) (1).
    والحاصل انّ دفع الضرر صالح لأَن يكون حكمة لتشريع حق الشفعة ، وليس ذلك بأقلّ من تشريع الحج للتفقه في الدين وبسط أمر الولاية أو تشريع العدة لأَجل عدم اختلاط المياه ، أو تشريع غسل الجمعة لازالة ريح الآباط وغير ذلك من الامثلة المضروبة لما هو حكمة لجعل حكم شرعي.
    وثانياً : إن لحاظ دفع الضررحكمة لتشريع حق الشفعة لا يمنع من اعتبار ( لا ضرر ولا ضرار ) كبرى كلية وقاعدة مستقلة في حد نفسها ، إذ لا مانع من أن يكون أمر واحد قد لوحظ حكمة بالنسبة إلىٰ جعل حكم مع انّه بنفسه موضوع لحكم آخر ، كما اتفق ذلك بالنسبة إلىٰ ال‍ ( لا حرج ) ، فإن عدم الحرج النوعي حكمة لعدم ايجاب السؤال مثلاً ـ كما دلّ عليه النص ـ في حين انّ الحرج الشخصي موجب لرفع كل حكم يلزم منه الحرج علىٰ المكلف.
    وثالثاً : إنّ اعتبار ( لا ضرر ولا ضرار ) حكمة للحكم بثبوت الشفعة لا ينافي تفسيره بشيء من المعاني التي فسّر بها في كلمات الاعلام ، وذلك لأنّه ان فسّر بنفي الحكم الضرري أو بالنهي عن الاضرار بالغير فغاية الأمر أن هذا المعنىٰ لا يتأتى في مورد حديث الشفعة ، فلا بد أن يكون المقصود بقوله ( لا ضرر ولا ضرار ) في ذيل هذا الحديث مجرد نفي الضرر والضرار كحكمة للحكم بثبوت الشفعة ، وأمّا في غير هذا الحديث فلا مانع من تفسيره بغير ذلك فتأمل.
    وإن فسر بما هو المختار من أنّ مفاد ( لا ضرر ) هو نفي التسبيب الى
    __________________
    (1) الانتصار : 215.

    تحمل الضرر ، ومفاد ( لا ضرار ) التسبيب إلىٰ نفي الاضرار بالغير بما يشمل تحريم وتشريع ما يمنع من تحققه خارجاً وجعل الأَحكام الرافعة لموضوعه ، فعلى هذا القول يمكن تطبيق نفس هذا المعنىٰ علىٰ مورد حديث الشفعة بملاحظة الجملة الثانية أي ( لا ضرار ) باعتبار انّ الحكم بالشفعة بنفسه مثال للحكم الرافع لموضوع الاضرار بالغير كما اتضح ذلك مما تقدم.
    ثم إنّ ما ذكرناه من كون الارتباط بين قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) وبين جعل حق الشفعة للشريك إنّما هو بمناط كون ( لا ضرر ) حكمة لجعل هذا الحق ، لا مناص من الالتزام به لو كان الجمع بين حديث الشفعة ولا ضرر من قبل النبي 9 كما هو الأَقرب ، وأما علىٰ الاحتمال الآخر الذي سبق ان ذكرناه من كون الجمع بينهما من قبل الامام 7 ، فبالامكان أن يُخرّج الارتباط بينهما علىٰ وجه آخر ، وقد أشرنا اليه فيما مضى أيضاً وهو أن يكون ذكر ( لا ضرر ) بعد نقل قضاء النبي 9 بالشفعة من باب الأخذ بشواهد السنة لكون قوله 9 ( لا ضرر ولا ضرار ) كلاماً مشهوراً عنه 9 ، فأراد الامام 7 بذكره الاستشهاد لثبوت القضاء المذكور عنه 9 بتوافقه مع ذلك الكلام الثابت عنه 9 يقيناً.
    هذا وقد تحصل من جميع ما تقدّم انّ الوجوه الأربعة التي ذكرت لدعوى عدم الارتباط بين قضاء رسول الله 9 بالشفعة وبين قوله لا ضرر ولا ضرار ، خلافاً لظاهر رواية عقبة بن خالد ممّا لا يمكن المساعدة عليها.
    3 ـ حديث منع فضل الماء
    وقد رواه الكليني عن محمّد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمّد بن عبد الله بن هلال ، عن عقبة بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه


    السلام قال : قضى رسول الله 9 بين أهل المدينة في مشارب النخيل إنّه لا يمنع نقع البئر ، وقضى بين أهل البادية إنّه لا يمنع فضل ماء ليمنع به فضل كلأ ، وقال : لا ضرر ولا ضرار (1).
    والكلام في هذا الحديث من جهات :
    الجهة الأولىٰ : في سنده ، وهو ضعيف علىٰ غرار ما تقدّم في سند حديث الشفعة فإن سندهما واحد ، وقد سبق انّ كلاً من ( محمّد بن عبد الله ابن هلال ) و ( عقبة بن خالد ) لم تثبت وثاقتهما عندنا وإن وثقهما بعض لرواية الاجلاء عنهما ، أو لكونهما من رجال كامل الزيارات وشبه ذلك مما تقدّم الاشكال فيه.
    الجهة الثانية : في شرح مفادها اجمالاً ، أمّا قوله 9 في القضاء الأَول ( نقع البئر ) ففي النسخ التي رأيناها من الكافي ( نقع الشيء ) بدل ( نقع البئر ) وهو تصحيف كما نبّه عليه في الوافي (2) ويشهد له مناسبة الحكم والموضوع ، مضافاً إلىٰ انّ الرواية مذكورة في كتب العامة وفيها ( نقع البئر ) (3). قال ابن الأثير في النهاية (4) في شرح الحديث : فيه نهى أن يمنع نقع البئر ـ أي فضل مائها ـ لأنّه ينقع به العطش أي يروي ( وشرب حتىٰ نقع أي روي ) وقيل النقع الماء الناقع وهو المجتمع ، ومنه الحديث لا يباع نقع البئر ولا رهو الماء وقال ( رهو الماء مجتمعه ).
    وأما قوله 9 في القضاء الثاني ( لا يمنع فضل ماء ليمنع به فضل كلأ ) ففي المراد به وجوه :
    __________________
    (1) الكافي 5 / 293 ـ 294 ح 6.
    (2) الوافي المجلد 3 الجزء 10 / 136.
    (3) لاحظ مسند أحمد بن حنبل 5 / 327 وسنن ابن ماجة 2 / 828 وموطأ مالك 2 / 745. 24 ـ 25. 23.
    (4) النهاية 5 / 108.

    الأول : إن الأَعراب لمّا كانوا ينزلون إلىٰ الماء والكلأ كانت طاثفة منهم تأتي إلىٰ الماء لحاجتها ، وطائفة تأتي إلىٰ الكلأ لحاجتها فإذا منعت الطائفة الأولىٰ من الماء امتنعت الطائفة الأُخرىٰ من الكلأ ، فكان ذلك منعاً لهم عن الكلأ أيضاً.
    وهذا الاحتمال ذكره في الوافي (1) وهو بعيد أولاً لأنّ الحاجة إلىٰ الماء والكلأ مشتركة بين الجميع فلا وجه لفرض كونهم علىٰ طائفتين ، طائفة تحتاج إلىٰ الماء وطائفة تحتاج إلىٰ الكلأ.
    وثانياً إنّ ظاهره أن مصب النهي هو المنع من الماء بلحاظ أنّ من عواقبه غالباً ترك الكلاء مع أن ظاهر الحديث الارتباط بين الجملتين في تعلق النهي.
    الثاني : إنّ المراد أنّ أصحاب الماء لو منعوا فضل مائهم منعهم الله من الكلأ ذكره في الوافي أيضاً (2) ، وهو بعيد كسابقه لأنّ ظاهر السياق اتحاد فاعل ( يمنع ) في الجملتين ـ أي انّ مانع الماء هو مانع الكلأ ـ ، وبما انّ ظاهر الجملة الأولىٰ انّ مانع الماء هم أصحابه فلا يناسب أن يكون مانع الكلأ هو الله تعالى.
    الثالث : إنّ المراد إنّه لا يمنع قوم فضل مائهم عن الرعاة ، لأنّه مستلزم لمنعهم عن الكلأ المباح أيضاً ، فإنّ الرعاة إذا منعوا من الماء في ارض لم يأتوها للكلأ فقط ، لحاجتهم إلىٰ الماء والكلأ في وقت واحد ولا يسعهم التفكيك بينهما ، وهذا الوجه ذكره ابن حجر (3) قائلاً ( والمعنىٰ أن يكون حول البئركلأ ليس عنده ماء غيره ، ولا يمكن أصحاب المواشي رعيه إلا إذا تمكنوا من سقي بهائمهم من تلك البئر ، لئلا يتضرروا بالعطش بعد الرعي ، فيستلزم
    __________________
    (1 و 2) الوافي المجلد 3 جزء 10 / 136.
    (3) فتح الباري 5 / 24 ـ 25.


    منعهم من الماء منعهم من الكلأ ) قال ( وإلى هذا التفسير ذهب الجمهور ) وفرّع عليه إنّه لو لم يكن هناك كلأ يرعىٰ فلا نهي عن المنع لانتفاء العلّة ؛ لأَن هذا الوجه مبني علىٰ أن يكون قوله ( ليمنع به فضل كلأ ) علة للنهي عن منع فضل الماء بتقدير ( لا ) النافية فيه ، فيكون المعنىٰ ( لئلا يمنع به فضل كلأ ) وهذا هو الفارق بينه وبين الوجه الأَول ، فإنّ محصل الأَول أن مصب النهي هو المنع من الماء بلحاظ أن من عواقبه ترك الكلأ ، لا انّه علّة له ، بينما مفاد هذا الوجه أنه لا نهي عن منع الماء إلا إذا كان سبباً لمنع الكلأ ، ولذلك يكون هذا الوجه خلاف الظاهر جداً.
    الرابع : إنّ المراد انه لا يمنع قوم فضل الماء المباح عن الرعاة لأجل أن يمنعوهم عن الكلأ المباح احتفاظاً به لانفسهم فالمنع عن الكلأ ـ علىٰ هذا الوجه ـ علّة للمنع من فضل الماء نفسه ، لا علّة للنهي عن منع فضل الماء كما في الوجه السابق وقد ذكر هذا المعنىٰ في الوافي (1) قائلاً ( قيل كان بعضهم يمنع فضل الماء من مواشي المسلمين حتىٰ لا تأكل مواشيهم العشب والكلأ الذي حول مائه ، فنهى 7 عن المنع لأنّه لو منع لم ينزل حول بئره أحد فحرّموا الكلأ المباح حنيئذٍ ).
    وحكى ابن حجر هذا الوجه في موضع آخر من فتح الباري (2) عن المهلب قال : ( قال المهلب المراد رجل كان له بئر وحولها كلأ مباح ـ وهو بفتح الكاف واللام مهموز ما يرعى ـ فأراد الاختصاص به ، فيمنع فضل ماء بئره وأن ترده نِعَمُ غيره للشرب ، ولا حاجة به إلىٰ الماء الذي يمنعه وإنما حاجته إلىٰ الكلأ ، وهو لا يقدر علىٰ منعه لكونه غير مملوك له ، فيمنع الماء فيتوفر له الكلأ ، لأنّ النعم لا تستغني عن الماء بل إذا رعت الكلأ عطشت
    __________________
    (1) الوافي المجلد 3 جزء 10 / 136.
    (2) فتح الباري 12 : 296 طبعة اوفسيت لبنان علىٰ طبعة بولاق في مصر.

    ويكون ماء غير البئر بعيداً عنها ، فيرغب صاحبها عن ذلك الكلأ فيتوفر لصاحب البئر بهذه الحيلة ) ثم قال فمقتضى الحديث حينئذٍ انّه لا يمنع فضل الماء بوجه من الوجوه ، لأنّه إذا لم يمنع بسبب غيره كالمحافظة علىٰ الكلأ فأولى أن لا يمنع بسبب نفسه.
    وهذا الوجه هو المنساق من ظاهر الحديث فهو صحيح.
    الجهة الثالثة : في ارتباط النهي عن منع فضل الماء بقوله ( لا ضرر ولا ضرار ) المذكور بعده.
    والكلام في هذه الجهة يقع تارة فيما يقتضيه ظاهر الحديث في نفسه ، وأُخرى فيما تقتضيه القرائن الخارجية.
    أما ظاهر الحديث فمقتضاه الترابط بينهما علىٰ حذو ما تقدّم في حديث الشفعة لاتحادهما سياقاً ، وقد سبق انّ الظاهرمن مثل هذا السياق هو الارتباط بين الجملتين ، وكون الجمع بينهما إمّا من قبل النبي 9 أو الامام 7 دون الراوي.
    واما القرائن الخارجية فقد اختار العلاّمة شيخ الشريعة وجمع من المحققين أن مقتضاها عدم الترابط بين الجملتين وكون الجمع بينهما من قبل الراوي كما سبق ذلك في حديث الشفعة.
    ولكن يمكن لنا أن نقول ـ كما تقدّم نظيره في حديث الشفعة ـ : إنّ تكرار قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) بعد حديث الشفعة وحديث منع فضل الماء جميعاً ، قرينة واضحة علىٰ الارتباط بينه وبين كل منهما ، فإنّه لو كان المجمع من قبل الراوي لما كان لذكرحديث ( لا ضرر ولا ضرار ) مرتين مبرر اصلاً.
    بل يمتاز المقام عن حديث الشفعة في انّ قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) ورد هنا معطوفاً بالفاء في جملة من نسخ الرواية ، والعطف بالفاء لا مصحح له لولا الارتباط بين الجملتين ، فهو مرجح احتمالي لصالح القول بالارتباط ، مع أن ورود العطف بالواو في بعض النسخ الأُخرىٰ ليس مرجحاً احتمالياً


    للقول بعدم الارتباط ، بل هومنسجم مع كلا القولين كما لا يخفى.
    وربّما يقال ـ كما عن العلامة شيخ الشريعة (قده) ـ ( بأنّ ما في بعض النسخ من عطف قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) علىٰ الجملة التي قبلها بالفاء تصحيف قطعاً ، لأن النسخ الصحيحة المعتمدة في الكافي متفقة علىٰ الواو (1).
    أقول : المذكور في النسخ المطبوعة للكافي هو العطف بالواو (2) علىٰ الجملة التي قبلها ولكن المذكور في الوسائل والوافي وجملة من الكتب الناقلة لهذا الحديث ـ كالعوائد للنراقي والرسائل للشيخ الاعظم الانصاري وغيرهما ـ هو العطف بالفاء (3) ، ولا يمكن القطع بصحة الأول وكون الثاني تصحيفاً ، فإنّ النسخ الموجودة بايدينا من الكافي لا تخلو من الغلط والتصحيف كما مر مثاله قريباً وهو تحريف ( نقع البئر ) ب‍ ( نقع الشيء ) في عامة نسخه ، ومنها النسخة التي وصلت إلىٰ المحدث الكاشاني وصاحب الوسائل.
    ثم إنّ الوجوه التي ذكرت كقرائن خارجيّة علىٰ عدم الارتباط بين حديث منع فضل الماء وقوله ( لا ضرر ولا ضرار ) ، منها ما سبق بيانه في حديث الشفعة وهو وجهان :
    أولهما : ما ذكره العلاّمة شيخ الشريعة (قده) من ادعاء انّ الجمع يين الجملتين إنّما كان من قبل عقبة في سياق الجمع بين قضايا النبي 9 ، بقرينة التفكيك بينهما في حديث عبادة بن الصامت المنقول في كتب العامة.
    ثانيهما : ما أفاده المحقق النائيني (قده) من انّه لو كان ( لا ضرر ) ذيلاً
    __________________
    (1) رسالة لا ضرر : 23.
    (2) الكافي 5 / 193 ط جديد 6 / 292 ذيل الحديث 2.
    (3) الوافي المجلد 3 الجزء 10 / 136 ، الوسائل 25 : 420 ح 2. ومرآة العقول 19 : 394 ح 2. العوائد : 17 0 الرسائل 2 : 533 و 534.

    لقضية أُخرى ، لزم خلو قضاياه ـ في رواية عقبة ـ عن هذا القضاء رغم انّه من اشهر قضاياه.
    وقد تقدّم الكلام في تحقيق هذين الوجهين فلا موجب للاعادة.
    وهناك وجهان آخران قد يستدلّ بهما لهذا المدعىٰ في خصوص المقام وهما :
    الوجه الأول : إنّ حديث منع فضل الماء مذكور في بعض روايات الخاصة وكثير من روايات العامة من غير تذييل بقوله ( لا ضرر ولا ضرار ) ، وهذا يقوّي احتمال كون الجمع بينهما في رواية عقبة بن خالد من فعل الراوي من دون ارتباط بينهما في الاصل.
    أمّا في روايات الخاصة فقد ورد في الفقيه (1) مرسلاً ( قال وقضى 7 في أهل البوادي أن لا يمنعوا فضل ماء ولا يبيعوا فضل الكلأ ) هكذا في المطبوعة النجفية للفقيه ، وفي بعض النسخ ( لكي لا يمنعوا فضل الكلأ ) ولعلّه الصحيح.
    وأمّا في روايات العامة فقد ورد في صحيح البخاري وسنن أبي داود والترمذي وابن ماجة وموطأ مالك ومسند أحمد بن حنبل وغيرها (2).
    ويمكن الجواب عنه اولا : بالنقض بقضية سمرة بن جندب ، فإنّها وردت مذيّلة بقوله ( لا ضرر ولا ضرار ) في رواية زرارة ، ولكنها خالية عن هذا الذيل في روايات العامة وفي بعض رواياتنا كما تقدّم ذلك مفصلاً.
    وثانياً : بالحل ، وهو انّ رواية الصدوق مرسلة ولا اعتماد علىٰ مراسيله وإن كانت بصيغة جزمية ـ كما حقق في محله ـ ، مضافاً إلىٰ أن ( من لا يحضره الفقيه ) كتاب فقهي في الاساس يتضمن الفتوى بمتون الاحاديث ،
    __________________
    (1) من لا يحضره الفقيه 3 / 150 ح 662.
    (2) لاحظ المعجم المفهرس لالفاظ الحديث النبوي مادة ( فضل ).


    فلا يلزم في مثله مراعاة نقل الحديث بتمامه إذا كان بعض فقراته لا يرتبط بما هو مقصود المؤلف كما في المقام ، فإنّ قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) يجري مجرى التعليل الذي لا حاجة إلىٰ ذكره في مقام الافتاء بمضمون الرواية.
    وأمّا روايات العامة فقد تقدّم الكلام في مدى ما يمكن الاعتماد عليه في مقابل رواياتنا عند الحديث عن رواية عبادة بن الصامت فلاحظ.
    الوجه الثاني : إنّ مضمون حديث منع فضل الماء يأبى عن الالتزام بالترابط بينه وبين قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) وذلك من جهتين :
    الأولى : إنّ منع المالك فضل ماله عن الغير لا يعدّ ضرراً بالنسبة إلىٰ الغير ، وإنّما هو من قبيل عدم النفع ومعلوم إنّ عدم النفع لا يعد ضرراً.
    الثانية : إنّ النهي في مورد الحديث تنزيهي قطعاً ، لعدم حرمة منع فضل المال عن الغير بالضرورة فلا يندرج ذلك تحت كبرى ( لا ضرر ولا ضرار ) بأيٍّ من معانيها.
    والتحقيق انّ مرجع هاتين الجهتين إلىٰ جهة واحدة ، وهي عدم ثبوت حق للغير في الاستفادة من فضل الماء لأنّه إذا كان له حق في ذلك فإن منعه عنه يكون ضرراً عليه لأنّه تنقيص لحقه ، فلا يكون النهي عن منعه حينئذٍ نهياً تنزيهياً ، فيمكن تطبيق كبرى لا ضرر ولا ضرار علىٰ مورده ، وأمّا إذا لم يكن له حق في ذلك اتجه الاشكال في انطباق ( لا ضرر ) من الجهتين ـ موضوعاً وحكماً ـ فجهة الاشكال أساساً : انّه لا حق للغير في الاستفادة من فضل الماء.
    والصحيح عدم اتجاه هذا الاشكال وتوضيحه : انّ الآبار التي كان أهل البادية ـ وهم الأعراب الرحّل ـ يستفيدون من مائها امّا انّها كانت من المباحات الاصلية ، أو ما هي في حكمها ، ـ كالآبار الموقوفة وقفاً عاماً لاستفادة الناس منها ـ كما لا يبعد أن ذلك كان هو الغالب فيها ، لعدم كونهم

    مستقرّين حولها وحينئذٍ فلا اشكال في انّه ليس لمن سبق إلىٰ شيء منها حق منع الغير عمّا فضل من استفادته ، اذ ليس له إلا حق السبق في الاستفادة فقط.
    وإمّا انّها كانت من الاملاك الشخصية أو ما هي بحكمها ، وحينئذٍ فقد يتوهّم انّه لا اشكال في عدم استحقاق الغير الاستفادة من فضل مائها ، وانعقاد الضرورة علىٰ ذلك ، ولكن الذي يتضح بملاحظة كلمات الفريقين والمشهور بين المتقدمين ان للغير حق الشرب منها لنفسه ولماشيته ، وكون القول بعدم ثبوت هذا الحق له واستحباب البذل للمالك شاذاً بين القدماء.
    قال الشيخ في الخلاف (1) : ( إذا ملك البئر بالاحياء وخرج ماؤها فهو احق بمائها من غيره بقدر حاجته وحاجة ماشيته ، وما يفضل عن ذلك يجب عليه بذله لغيره لحاجته اليه للشرب له أو لماشيته ، ولا يجب عليه بذله لسقي زرعه بل يستحب له ذلك ، وبه قال الشافعي ، وقال أبو عبيد بن خربوز يستحب له ذلك لسقي غيره وسقي مواشيه وسقي زرعه ، ولا يجب علىٰ حال ، ومن الناس من قال يجب عليه بذله بلا عوض لشرب الماشية ولسقي الزرع ، ومنهم من قال يجب عليه بالعوض ، فأما بلا عوض فلا ، ثم ذكر في الاستدلال علىٰ مختاره ثلاث روايات جميعها من طرق العامة ، ويشبه كلامه هنا كلامه في المبسوط.
    وفي المختلف (2) بعد نقل كلام الشيخ ما لفظه ( وبه قال ابن الجنيد والوجه : الاستحباب في الجميع وبه قال ابن البراج ، إذ لا يجب علىٰ الانسان بذل ماله لغيره ) ثم ذكر ما استدل به الشيخ وناقش فيه ، بأنّ هذه احاديث لم تثبت عندنا صحتها ، ولو ثبتت حملت علىٰ الكراهة.
    __________________
    (1) الخلاف 2 / 129 ، 132.
    (2) مختلف الشيعة 2 / 15.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3292
    نقاط : 4979
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    قاعدة لا ضرر ولا ضرار Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قاعدة لا ضرر ولا ضرار   قاعدة لا ضرر ولا ضرار Emptyأمس في 7:25


    التعلق به لأنّه لا يعلم إنّه قال ذلك بلفظ يقتضي العموم ، أو بقول يقتضي الخصوص ويفيد الحكم في تلك العين ، وإذا كان كذلك صار مثل الأول في انّه ينبغي أن يلحق بالمجمل ، وإذا ثبتت هذه الجملة فيما روى إنّه قضىٰ بالشاهد واليمين وان الخراج بالضمان لما قلناه ، إلا أن يدل ـ دليل علىٰ الحاق غيره به فيحكم به (1).
    وقال الشهيد الثاني في تمهيد القواعد (2) : قول الصحابي مثلاً انّه نهى رسول الله 9 عن بيع الغرر وقضى بالشاهد واليمين ، لا يفيد العموم علىٰ تقدير دلالة المفرد المعرّف علىٰ العموم ، لأن الحجة في المحكي وهو كلام الرسول لا في الحكاية ، والمحكي قد يكون خاصاً فيتوهم عاماً ، وكذا قوله ( سمعته يقول قضيت بالشفعة للجار ) لاحتمال أن تكون ( ال ) للعهد ، كذا قال في المحصول وتبعه عليه مختصروا كلامه وغيرهم من المحققين ، إلىٰ آخر ما ذكره في ذلك.
    الوجه الثالث : ما أشار اليه المحقق النائيني (قده) واوضحه السيد الاستاذ 1 من أن حديث لا ضرر إنّما يمكن اعتباره ذيلاً لحديث الشفعة إذا كان مصححاً لجعل حق الشفعة بجسب مفاده ومحتواه ، ولكنه ليس كذلك لأن مفاده هو نفي الحكم الضرري اما ابتداءاً أو بلسان نفي الموضوع ، والضرر في مورد ثبوت حق الشفعة إنّما يأتي من قبل بيع الشريك حصته ، فلو كان ذلك مورداً لقاعدة ( لا ضرر ) لزم الحكم ببطلان البيع ، ولو كان الضرر ناشئاً من لزوم البيع لزم الحكم بثبوت الخيار بأن يكون له حق ردّ المبيع إلىٰ البائع ، وامّا جعل حق الشفعة له لجبران الضرر وتداركه بأن ينقل المبيع إلىٰ ملكه فهو انما يكون مستنداً إلىٰ قاعدة ( لا ضرر ) إذا كانت دالة
    __________________
    (1) عدة الأصول 1 / 147 مخطوط.
    (2) تمهيد القواعد ذيل القاعدة (57).


    على جعل حكم يتدارك به الضرر ولكنها لا تدل علىٰ ذلك وإنما تدل علىٰ نفي الحكم الضرري (1).
    ويلاحظ عليه :
    أولاً : إنّ ايراد هذه القاعدة بعد حديث الشفعة باعتبار تناسب الجملة الثانية منها أي قوله 9 ( لا ضرار ) مع حق الشفعة بأن تكون حكمة لجعل حق الشفعة ـ علىٰ ما سيأتي توضيحه في الجواب عن الوجه الرابع ـ وعلىٰ هذا فلا يتوقّف ارتباط القاعدة بحديث الشفعة علىٰ تفسير ( لا ضرر ) بوجه يقتضي جعل الحكم الذي يتدارك به الضرر لكي يقال إن حديث لا ضرر لا يدل علىٰ ذلك.
    وثانياً : إن مرجع الوجه المذكور إلىٰ انّه لمّا كان المختار في معنىٰ ( لا ضرر ) هو نفي الحكم الضرري دون غيره من المعاني التي سيأتي البحث عنها ، وهو لا يناسب الترابط بين الجملتين علىٰ ما هو ظاهر الكلام ، فلا بُدّ من رفع اليد عن هذا الظهور واعتبار الجمع بينهما من قبيل الجمع في الرواية ، وهذا الكلام لا يخلو عن غرابة ، لأنّه يمكن أن يقال بأنّ نفس ورود هذه الجملة في ذيل حديث الشفعة قرينة علىٰ كون معناها غير نفي الحكم الضرري ، ولا وجه لاختيار معنىٰ للجملة مسبقاً كأصل مفروض من دون ملاحظة القرائن المحتفة بها ، ثم الاعتراض علىٰ ترابط الجملة مع حديث الشفعة بعدم انسجام ذلك مع هذا المعنىٰ ، واستكشاف كون الجمع بينهما من قبيل الجمع في الرواية ، بل الأحرى أن يعكس الأمر فيجعل ظهور الكلام في ترابط الحديث مع قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) المذكورة ذيلاً له من وجوه ضعف استظهار ذلك المعنىٰ من جملة ( لا ضرر ) كما هو واضح.
    __________________
    (1) رسالة لا ضرر تقريرات المحقق النائيني : 195 ، ومصباح الأصول 2 / 521.

    وثالثا : إنّه لو فرضنا انّ قوله ( لا ضرر ) في قضية سمرة مثلاً بمعنىٰ نفي الحكم الضرري ، لا بمعنىٰ جعل الحكم الذي يتدارك به الضرر ، ولكن لا مانع من كونه في ذيل حديث الشفعة بهذا المعنىٰ الثاني إذا كان هذا الحديث بما له من الظهور السياقي لا يساعد مع المعنىٰ الأول ، فيختلف معناه بحسب اختلاف الموردين ، إذ لا موجب للالتزام بوحدة المراد منه في جميع الموارد ، حتىٰ يكون ظهوره في المعنىٰ الأول في سائر الموارد مقتضياً لارادته في ذيل حديث الشفعة أيضاً ليستلزم ذلك انفصاله عن معنىٰ هذا الحديث وسياقه فتدبر.
    الوجه الرابع : ما افاده المحقق النائيني 1 وذكر بعضه في كلام السيد الأُستاذ (قده) أيضاً (1) ، وحاصله :
    إنّ الترابط بين ( لا ضرر ) وبين جعل حق الشفعة إمّا بلحاظ كون الأول علة للثاني ، أو بلحاظ كونه حكمة لتشريعه وكلاهما باطل.
    أما الأَول : فلأن الضرر إذا كان علّة للحكم بثبوت حق الشفعة فلا بُدّ أن يدور هذا الحكم مداره وجوداً وعدماً ، لأن هذا شأن العلّة كما في قولنا ( لا تاكل الرمان لأنّه حامض ) ، مع انّ هذا غير متحقق في المقام بلا اشكال فإن الحكم بالشفعة غير محدد بترتب الضرر الشخصي للشريك من البيع ، بل بين موارد ثبوت حق الشفعة وتضرر الشريك بالبيع عموم وخصوص من وجه ، فربّما يتضرر الشريك ولا يكون له حق الشفعة ، كما إذا كان الشركاء أكثر من اثنين ، وقد يثبت حق الشفعة بلا ترتب ضرر علىٰ أحد الشريكين ببيع الآخر ، كما إذا كان الشريك البائع مؤذياً وكان المشتري ورعاً باراً محسناً إلىٰ شريكه ، وربّما يجتمعان كما هو واضح.
    اذاً لا يصح ادراج الحكم بثبوت
    __________________
    (1) رسالة لا ضرر تقريرات المحقق النائيني : 195 ، ومصباح الأصول 2 / 521.


    الشفعة تحت كبرى ( لا ضرر ).
    واما الثاني : فلأنّ وقوع الضرر علىٰ الشريك أمرٌ اتفاقي ، وعلّة التشريع وإن لم يعتبر كونها أمراً دائمياً ولكنه يعتبر أن تكون امراً غالبياً أو كثير الوقوع ، فإن الضرر الاتفاقي ليس بتلك المثابة من فسّر بحيث يجعل له حكم كلي لئلا يقع الناس فيه.
    ويلاحظ عليه أوَّلاً : إن ما ذكر من عدم علّية ترتب الضرر بأن يكون تمام الموضوع للحكم بثبوت الشفعة وإن كان تاماً إلا أن ما ذكر من عدم كونه حكمة له أيضاً في غير محله فإنّ توجه الضرر إلىٰ الشريك بانتقال حصة شريكه إلىٰ شخص آخر ليس امراً نادراً ، بحيث لا يصلح أن يكون حكمة لتشريع حق الشفعة ، بل نفس الشركة في العين بحدّ ذاتها أمر يوجب كون الشركاء في معرض الضرر ببغي بعضهم علىٰ بعض ، كما أُشير اليه في الآية الكريمة ( وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) (1) بناءاً علىٰ تفسير الخلطاء بالشركاء المختلطة أموالهم كما عن جمع من المفسرين.
    وقد ابطل في بعض القوانين الحديثة الوقف الذري معللاً بأنه يوجب ركود الملك وتقليل منافعه وصيرورته مثاراً للاختلاف والتضرر ، وقد أفتى جمع من الفقهاء بجواز بيع الوقف عند اختلاف الموقوف عليهم ، بحيث يخاف منه تلف الأموال والأنفس.
    وقد علّل في بعض الروايات عدم ارث الزوجة من العقار بأنّ ذلك احتراز من تزوجها برجل آخر فيفسد الميراث علىٰ أهله ، ففي صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله 7 قال : لا ترث النساء من عقار الدور شيئاً ولكن يقوّم البناء والطوب وتعطى ثمنها أو ربعها ، قال : وإنّما ذلك
    __________________
    (1) سورة ص 38 / 24.

    لئلا يتزوجن فيفسدن علىٰ أهل المواريث مواريثهم (1).
    والحاصل انّ دعوىٰ ندرة توجه الضرر إلىٰ الشريك من عدم جعل حق الشفعة له لا يمكن المساعدة عليها.
    ويشهد لذلك انّ كثيراً من فقهاء العامة قد علّلوا ثبوت الشفعة بدفع الضرر ، قال ابن رشد (2) ( ذهب مالك والشافعي وأهل المدينة إلىٰ انّه لا شفعة إلا للشريك ما لم يقاسم ، وقال أهل العراق الشفعة مرتبة فأولى الناس بالشفعة الشريك الذي لم يقاسم ثم الشريك المقاسم إذا بقيت في الطرق أو في الصحن شركة ، ثم الجار الملاصق ، وقال أهل المدينة لا شفعة للجار ولا للشريك المقاسم ) ، ثم قال في ذكر احتجاج أهل العراق ( ومن طريق المعنىٰ لهم أيضاً إنّه لما كان المقصود بالشفعة دفع الضرر الداخل من الشركة ، وكان هذا المعنىٰ موجوداً في الجار وجب أن يلحق به ، ولأهل المدينة أن يقولوا وجود الضرر في الشركة أعظم منه في الجوار ).
    واحتج السيد المرتضى (قده) علىٰ العامة في شمول الشفعة لغير الارضين لعموم العلّة ، وقال ( وممّا يمكن أن يعارضوا به إنّ الشفعة عندكم إنّما وجبت لازالة الضرر عن الشفيع ، وهذا المعنىٰ موجود في جميع المبيعات من الامتعة والحيوان ، فإذا قالوا حق الشفعة إنّما يجب خوفاً من الضرر علىٰ طريق الدوام ، وهذا المعنىٰ لا يثبت إلا في الارضين والعقارات دون العروض ، قلنا في الامتعة ما يبقى علىٰ وجه الدهر مثل بقاء العقارات والارضين كالياقوت وما أشبهه من الحجارة والحديث ، فيدوم الاستضرار بالشركة فيه ، وأنتم لا توجبون فيه الشفعة ، وبعد فإنّ ازالة الضرر الدائم أو
    __________________
    (1) الوسائل 26 : 208 ح 32842 باب 6.
    (2) بداية المجتهد 2 / 256 ـ 257.

    المنقطع واجبة في العقل والشرع ، وليس وجوب إزالتها مختصّة بالمستمر دون المنقطع ، فلو كان التأذي بالشركة في العروض منقطعاً علىٰ ما ادعيتم لكانت ازالته واجبة علىٰ كل حال ... ) (1).
    والحاصل انّ دفع الضرر صالح لأَن يكون حكمة لتشريع حق الشفعة ، وليس ذلك بأقلّ من تشريع الحج للتفقه في الدين وبسط أمر الولاية أو تشريع العدة لأَجل عدم اختلاط المياه ، أو تشريع غسل الجمعة لازالة ريح الآباط وغير ذلك من الامثلة المضروبة لما هو حكمة لجعل حكم شرعي.
    وثانياً : إن لحاظ دفع الضررحكمة لتشريع حق الشفعة لا يمنع من اعتبار ( لا ضرر ولا ضرار ) كبرى كلية وقاعدة مستقلة في حد نفسها ، إذ لا مانع من أن يكون أمر واحد قد لوحظ حكمة بالنسبة إلىٰ جعل حكم مع انّه بنفسه موضوع لحكم آخر ، كما اتفق ذلك بالنسبة إلىٰ ال‍ ( لا حرج ) ، فإن عدم الحرج النوعي حكمة لعدم ايجاب السؤال مثلاً ـ كما دلّ عليه النص ـ في حين انّ الحرج الشخصي موجب لرفع كل حكم يلزم منه الحرج علىٰ المكلف.
    وثالثاً : إنّ اعتبار ( لا ضرر ولا ضرار ) حكمة للحكم بثبوت الشفعة لا ينافي تفسيره بشيء من المعاني التي فسّر بها في كلمات الاعلام ، وذلك لأنّه ان فسّر بنفي الحكم الضرري أو بالنهي عن الاضرار بالغير فغاية الأمر أن هذا المعنىٰ لا يتأتى في مورد حديث الشفعة ، فلا بد أن يكون المقصود بقوله ( لا ضرر ولا ضرار ) في ذيل هذا الحديث مجرد نفي الضرر والضرار كحكمة للحكم بثبوت الشفعة ، وأمّا في غير هذا الحديث فلا مانع من تفسيره بغير ذلك فتأمل.
    وإن فسر بما هو المختار من أنّ مفاد ( لا ضرر ) هو نفي التسبيب الى
    __________________
    (1) الانتصار : 215.

    تحمل الضرر ، ومفاد ( لا ضرار ) التسبيب إلىٰ نفي الاضرار بالغير بما يشمل تحريم وتشريع ما يمنع من تحققه خارجاً وجعل الأَحكام الرافعة لموضوعه ، فعلى هذا القول يمكن تطبيق نفس هذا المعنىٰ علىٰ مورد حديث الشفعة بملاحظة الجملة الثانية أي ( لا ضرار ) باعتبار انّ الحكم بالشفعة بنفسه مثال للحكم الرافع لموضوع الاضرار بالغير كما اتضح ذلك مما تقدم.
    ثم إنّ ما ذكرناه من كون الارتباط بين قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) وبين جعل حق الشفعة للشريك إنّما هو بمناط كون ( لا ضرر ) حكمة لجعل هذا الحق ، لا مناص من الالتزام به لو كان الجمع بين حديث الشفعة ولا ضرر من قبل النبي 9 كما هو الأَقرب ، وأما علىٰ الاحتمال الآخر الذي سبق ان ذكرناه من كون الجمع بينهما من قبل الامام 7 ، فبالامكان أن يُخرّج الارتباط بينهما علىٰ وجه آخر ، وقد أشرنا اليه فيما مضى أيضاً وهو أن يكون ذكر ( لا ضرر ) بعد نقل قضاء النبي 9 بالشفعة من باب الأخذ بشواهد السنة لكون قوله 9 ( لا ضرر ولا ضرار ) كلاماً مشهوراً عنه 9 ، فأراد الامام 7 بذكره الاستشهاد لثبوت القضاء المذكور عنه 9 بتوافقه مع ذلك الكلام الثابت عنه 9 يقيناً.
    هذا وقد تحصل من جميع ما تقدّم انّ الوجوه الأربعة التي ذكرت لدعوى عدم الارتباط بين قضاء رسول الله 9 بالشفعة وبين قوله لا ضرر ولا ضرار ، خلافاً لظاهر رواية عقبة بن خالد ممّا لا يمكن المساعدة عليها.
    3 ـ حديث منع فضل الماء
    وقد رواه الكليني عن محمّد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمّد بن عبد الله بن هلال ، عن عقبة بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه


    السلام قال : قضى رسول الله 9 بين أهل المدينة في مشارب النخيل إنّه لا يمنع نقع البئر ، وقضى بين أهل البادية إنّه لا يمنع فضل ماء ليمنع به فضل كلأ ، وقال : لا ضرر ولا ضرار (1).
    والكلام في هذا الحديث من جهات :
    الجهة الأولىٰ : في سنده ، وهو ضعيف علىٰ غرار ما تقدّم في سند حديث الشفعة فإن سندهما واحد ، وقد سبق انّ كلاً من ( محمّد بن عبد الله ابن هلال ) و ( عقبة بن خالد ) لم تثبت وثاقتهما عندنا وإن وثقهما بعض لرواية الاجلاء عنهما ، أو لكونهما من رجال كامل الزيارات وشبه ذلك مما تقدّم الاشكال فيه.
    الجهة الثانية : في شرح مفادها اجمالاً ، أمّا قوله 9 في القضاء الأَول ( نقع البئر ) ففي النسخ التي رأيناها من الكافي ( نقع الشيء ) بدل ( نقع البئر ) وهو تصحيف كما نبّه عليه في الوافي (2) ويشهد له مناسبة الحكم والموضوع ، مضافاً إلىٰ انّ الرواية مذكورة في كتب العامة وفيها ( نقع البئر ) (3). قال ابن الأثير في النهاية (4) في شرح الحديث : فيه نهى أن يمنع نقع البئر ـ أي فضل مائها ـ لأنّه ينقع به العطش أي يروي ( وشرب حتىٰ نقع أي روي ) وقيل النقع الماء الناقع وهو المجتمع ، ومنه الحديث لا يباع نقع البئر ولا رهو الماء وقال ( رهو الماء مجتمعه ).
    وأما قوله 9 في القضاء الثاني ( لا يمنع فضل ماء ليمنع به فضل كلأ ) ففي المراد به وجوه :
    __________________
    (1) الكافي 5 / 293 ـ 294 ح 6.
    (2) الوافي المجلد 3 الجزء 10 / 136.
    (3) لاحظ مسند أحمد بن حنبل 5 / 327 وسنن ابن ماجة 2 / 828 وموطأ مالك 2 / 745. 24 ـ 25. 23.
    (4) النهاية 5 / 108.

    الأول : إن الأَعراب لمّا كانوا ينزلون إلىٰ الماء والكلأ كانت طاثفة منهم تأتي إلىٰ الماء لحاجتها ، وطائفة تأتي إلىٰ الكلأ لحاجتها فإذا منعت الطائفة الأولىٰ من الماء امتنعت الطائفة الأُخرىٰ من الكلأ ، فكان ذلك منعاً لهم عن الكلأ أيضاً.
    وهذا الاحتمال ذكره في الوافي (1) وهو بعيد أولاً لأنّ الحاجة إلىٰ الماء والكلأ مشتركة بين الجميع فلا وجه لفرض كونهم علىٰ طائفتين ، طائفة تحتاج إلىٰ الماء وطائفة تحتاج إلىٰ الكلأ.
    وثانياً إنّ ظاهره أن مصب النهي هو المنع من الماء بلحاظ أنّ من عواقبه غالباً ترك الكلاء مع أن ظاهر الحديث الارتباط بين الجملتين في تعلق النهي.
    الثاني : إنّ المراد أنّ أصحاب الماء لو منعوا فضل مائهم منعهم الله من الكلأ ذكره في الوافي أيضاً (2) ، وهو بعيد كسابقه لأنّ ظاهر السياق اتحاد فاعل ( يمنع ) في الجملتين ـ أي انّ مانع الماء هو مانع الكلأ ـ ، وبما انّ ظاهر الجملة الأولىٰ انّ مانع الماء هم أصحابه فلا يناسب أن يكون مانع الكلأ هو الله تعالى.
    الثالث : إنّ المراد إنّه لا يمنع قوم فضل مائهم عن الرعاة ، لأنّه مستلزم لمنعهم عن الكلأ المباح أيضاً ، فإنّ الرعاة إذا منعوا من الماء في ارض لم يأتوها للكلأ فقط ، لحاجتهم إلىٰ الماء والكلأ في وقت واحد ولا يسعهم التفكيك بينهما ، وهذا الوجه ذكره ابن حجر (3) قائلاً ( والمعنىٰ أن يكون حول البئركلأ ليس عنده ماء غيره ، ولا يمكن أصحاب المواشي رعيه إلا إذا تمكنوا من سقي بهائمهم من تلك البئر ، لئلا يتضرروا بالعطش بعد الرعي ، فيستلزم
    __________________
    (1 و 2) الوافي المجلد 3 جزء 10 / 136.
    (3) فتح الباري 5 / 24 ـ 25.


    منعهم من الماء منعهم من الكلأ ) قال ( وإلى هذا التفسير ذهب الجمهور ) وفرّع عليه إنّه لو لم يكن هناك كلأ يرعىٰ فلا نهي عن المنع لانتفاء العلّة ؛ لأَن هذا الوجه مبني علىٰ أن يكون قوله ( ليمنع به فضل كلأ ) علة للنهي عن منع فضل الماء بتقدير ( لا ) النافية فيه ، فيكون المعنىٰ ( لئلا يمنع به فضل كلأ ) وهذا هو الفارق بينه وبين الوجه الأَول ، فإنّ محصل الأَول أن مصب النهي هو المنع من الماء بلحاظ أن من عواقبه ترك الكلأ ، لا انّه علّة له ، بينما مفاد هذا الوجه أنه لا نهي عن منع الماء إلا إذا كان سبباً لمنع الكلأ ، ولذلك يكون هذا الوجه خلاف الظاهر جداً.
    الرابع : إنّ المراد انه لا يمنع قوم فضل الماء المباح عن الرعاة لأجل أن يمنعوهم عن الكلأ المباح احتفاظاً به لانفسهم فالمنع عن الكلأ ـ علىٰ هذا الوجه ـ علّة للمنع من فضل الماء نفسه ، لا علّة للنهي عن منع فضل الماء كما في الوجه السابق وقد ذكر هذا المعنىٰ في الوافي (1) قائلاً ( قيل كان بعضهم يمنع فضل الماء من مواشي المسلمين حتىٰ لا تأكل مواشيهم العشب والكلأ الذي حول مائه ، فنهى 7 عن المنع لأنّه لو منع لم ينزل حول بئره أحد فحرّموا الكلأ المباح حنيئذٍ ).
    وحكى ابن حجر هذا الوجه في موضع آخر من فتح الباري (2) عن المهلب قال : ( قال المهلب المراد رجل كان له بئر وحولها كلأ مباح ـ وهو بفتح الكاف واللام مهموز ما يرعى ـ فأراد الاختصاص به ، فيمنع فضل ماء بئره وأن ترده نِعَمُ غيره للشرب ، ولا حاجة به إلىٰ الماء الذي يمنعه وإنما حاجته إلىٰ الكلأ ، وهو لا يقدر علىٰ منعه لكونه غير مملوك له ، فيمنع الماء فيتوفر له الكلأ ، لأنّ النعم لا تستغني عن الماء بل إذا رعت الكلأ عطشت
    __________________
    (1) الوافي المجلد 3 جزء 10 / 136.
    (2) فتح الباري 12 : 296 طبعة اوفسيت لبنان علىٰ طبعة بولاق في مصر.

    ويكون ماء غير البئر بعيداً عنها ، فيرغب صاحبها عن ذلك الكلأ فيتوفر لصاحب البئر بهذه الحيلة ) ثم قال فمقتضى الحديث حينئذٍ انّه لا يمنع فضل الماء بوجه من الوجوه ، لأنّه إذا لم يمنع بسبب غيره كالمحافظة علىٰ الكلأ فأولى أن لا يمنع بسبب نفسه.
    وهذا الوجه هو المنساق من ظاهر الحديث فهو صحيح.
    الجهة الثالثة : في ارتباط النهي عن منع فضل الماء بقوله ( لا ضرر ولا ضرار ) المذكور بعده.
    والكلام في هذه الجهة يقع تارة فيما يقتضيه ظاهر الحديث في نفسه ، وأُخرى فيما تقتضيه القرائن الخارجية.
    أما ظاهر الحديث فمقتضاه الترابط بينهما علىٰ حذو ما تقدّم في حديث الشفعة لاتحادهما سياقاً ، وقد سبق انّ الظاهرمن مثل هذا السياق هو الارتباط بين الجملتين ، وكون الجمع بينهما إمّا من قبل النبي 9 أو الامام 7 دون الراوي.
    واما القرائن الخارجية فقد اختار العلاّمة شيخ الشريعة وجمع من المحققين أن مقتضاها عدم الترابط بين الجملتين وكون الجمع بينهما من قبل الراوي كما سبق ذلك في حديث الشفعة.
    ولكن يمكن لنا أن نقول ـ كما تقدّم نظيره في حديث الشفعة ـ : إنّ تكرار قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) بعد حديث الشفعة وحديث منع فضل الماء جميعاً ، قرينة واضحة علىٰ الارتباط بينه وبين كل منهما ، فإنّه لو كان المجمع من قبل الراوي لما كان لذكرحديث ( لا ضرر ولا ضرار ) مرتين مبرر اصلاً.
    بل يمتاز المقام عن حديث الشفعة في انّ قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) ورد هنا معطوفاً بالفاء في جملة من نسخ الرواية ، والعطف بالفاء لا مصحح له لولا الارتباط بين الجملتين ، فهو مرجح احتمالي لصالح القول بالارتباط ، مع أن ورود العطف بالواو في بعض النسخ الأُخرىٰ ليس مرجحاً احتمالياً


    للقول بعدم الارتباط ، بل هومنسجم مع كلا القولين كما لا يخفى.
    وربّما يقال ـ كما عن العلامة شيخ الشريعة (قده) ـ ( بأنّ ما في بعض النسخ من عطف قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) علىٰ الجملة التي قبلها بالفاء تصحيف قطعاً ، لأن النسخ الصحيحة المعتمدة في الكافي متفقة علىٰ الواو (1).
    أقول : المذكور في النسخ المطبوعة للكافي هو العطف بالواو (2) علىٰ الجملة التي قبلها ولكن المذكور في الوسائل والوافي وجملة من الكتب الناقلة لهذا الحديث ـ كالعوائد للنراقي والرسائل للشيخ الاعظم الانصاري وغيرهما ـ هو العطف بالفاء (3) ، ولا يمكن القطع بصحة الأول وكون الثاني تصحيفاً ، فإنّ النسخ الموجودة بايدينا من الكافي لا تخلو من الغلط والتصحيف كما مر مثاله قريباً وهو تحريف ( نقع البئر ) ب‍ ( نقع الشيء ) في عامة نسخه ، ومنها النسخة التي وصلت إلىٰ المحدث الكاشاني وصاحب الوسائل.
    ثم إنّ الوجوه التي ذكرت كقرائن خارجيّة علىٰ عدم الارتباط بين حديث منع فضل الماء وقوله ( لا ضرر ولا ضرار ) ، منها ما سبق بيانه في حديث الشفعة وهو وجهان :
    أولهما : ما ذكره العلاّمة شيخ الشريعة (قده) من ادعاء انّ الجمع يين الجملتين إنّما كان من قبل عقبة في سياق الجمع بين قضايا النبي 9 ، بقرينة التفكيك بينهما في حديث عبادة بن الصامت المنقول في كتب العامة.
    ثانيهما : ما أفاده المحقق النائيني (قده) من انّه لو كان ( لا ضرر ) ذيلاً
    __________________
    (1) رسالة لا ضرر : 23.
    (2) الكافي 5 / 193 ط جديد 6 / 292 ذيل الحديث 2.
    (3) الوافي المجلد 3 الجزء 10 / 136 ، الوسائل 25 : 420 ح 2. ومرآة العقول 19 : 394 ح 2. العوائد : 17 0 الرسائل 2 : 533 و 534.

    لقضية أُخرى ، لزم خلو قضاياه ـ في رواية عقبة ـ عن هذا القضاء رغم انّه من اشهر قضاياه.
    وقد تقدّم الكلام في تحقيق هذين الوجهين فلا موجب للاعادة.
    وهناك وجهان آخران قد يستدلّ بهما لهذا المدعىٰ في خصوص المقام وهما :
    الوجه الأول : إنّ حديث منع فضل الماء مذكور في بعض روايات الخاصة وكثير من روايات العامة من غير تذييل بقوله ( لا ضرر ولا ضرار ) ، وهذا يقوّي احتمال كون الجمع بينهما في رواية عقبة بن خالد من فعل الراوي من دون ارتباط بينهما في الاصل.
    أمّا في روايات الخاصة فقد ورد في الفقيه (1) مرسلاً ( قال وقضى 7 في أهل البوادي أن لا يمنعوا فضل ماء ولا يبيعوا فضل الكلأ ) هكذا في المطبوعة النجفية للفقيه ، وفي بعض النسخ ( لكي لا يمنعوا فضل الكلأ ) ولعلّه الصحيح.
    وأمّا في روايات العامة فقد ورد في صحيح البخاري وسنن أبي داود والترمذي وابن ماجة وموطأ مالك ومسند أحمد بن حنبل وغيرها (2).
    ويمكن الجواب عنه اولا : بالنقض بقضية سمرة بن جندب ، فإنّها وردت مذيّلة بقوله ( لا ضرر ولا ضرار ) في رواية زرارة ، ولكنها خالية عن هذا الذيل في روايات العامة وفي بعض رواياتنا كما تقدّم ذلك مفصلاً.
    وثانياً : بالحل ، وهو انّ رواية الصدوق مرسلة ولا اعتماد علىٰ مراسيله وإن كانت بصيغة جزمية ـ كما حقق في محله ـ ، مضافاً إلىٰ أن ( من لا يحضره الفقيه ) كتاب فقهي في الاساس يتضمن الفتوى بمتون الاحاديث ،
    __________________
    (1) من لا يحضره الفقيه 3 / 150 ح 662.
    (2) لاحظ المعجم المفهرس لالفاظ الحديث النبوي مادة ( فضل ).


    فلا يلزم في مثله مراعاة نقل الحديث بتمامه إذا كان بعض فقراته لا يرتبط بما هو مقصود المؤلف كما في المقام ، فإنّ قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) يجري مجرى التعليل الذي لا حاجة إلىٰ ذكره في مقام الافتاء بمضمون الرواية.
    وأمّا روايات العامة فقد تقدّم الكلام في مدى ما يمكن الاعتماد عليه في مقابل رواياتنا عند الحديث عن رواية عبادة بن الصامت فلاحظ.
    الوجه الثاني : إنّ مضمون حديث منع فضل الماء يأبى عن الالتزام بالترابط بينه وبين قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) وذلك من جهتين :
    الأولى : إنّ منع المالك فضل ماله عن الغير لا يعدّ ضرراً بالنسبة إلىٰ الغير ، وإنّما هو من قبيل عدم النفع ومعلوم إنّ عدم النفع لا يعد ضرراً.
    الثانية : إنّ النهي في مورد الحديث تنزيهي قطعاً ، لعدم حرمة منع فضل المال عن الغير بالضرورة فلا يندرج ذلك تحت كبرى ( لا ضرر ولا ضرار ) بأيٍّ من معانيها.
    والتحقيق انّ مرجع هاتين الجهتين إلىٰ جهة واحدة ، وهي عدم ثبوت حق للغير في الاستفادة من فضل الماء لأنّه إذا كان له حق في ذلك فإن منعه عنه يكون ضرراً عليه لأنّه تنقيص لحقه ، فلا يكون النهي عن منعه حينئذٍ نهياً تنزيهياً ، فيمكن تطبيق كبرى لا ضرر ولا ضرار علىٰ مورده ، وأمّا إذا لم يكن له حق في ذلك اتجه الاشكال في انطباق ( لا ضرر ) من الجهتين ـ موضوعاً وحكماً ـ فجهة الاشكال أساساً : انّه لا حق للغير في الاستفادة من فضل الماء.
    والصحيح عدم اتجاه هذا الاشكال وتوضيحه : انّ الآبار التي كان أهل البادية ـ وهم الأعراب الرحّل ـ يستفيدون من مائها امّا انّها كانت من المباحات الاصلية ، أو ما هي في حكمها ، ـ كالآبار الموقوفة وقفاً عاماً لاستفادة الناس منها ـ كما لا يبعد أن ذلك كان هو الغالب فيها ، لعدم كونهم

    مستقرّين حولها وحينئذٍ فلا اشكال في انّه ليس لمن سبق إلىٰ شيء منها حق منع الغير عمّا فضل من استفادته ، اذ ليس له إلا حق السبق في الاستفادة فقط.
    وإمّا انّها كانت من الاملاك الشخصية أو ما هي بحكمها ، وحينئذٍ فقد يتوهّم انّه لا اشكال في عدم استحقاق الغير الاستفادة من فضل مائها ، وانعقاد الضرورة علىٰ ذلك ، ولكن الذي يتضح بملاحظة كلمات الفريقين والمشهور بين المتقدمين ان للغير حق الشرب منها لنفسه ولماشيته ، وكون القول بعدم ثبوت هذا الحق له واستحباب البذل للمالك شاذاً بين القدماء.
    قال الشيخ في الخلاف (1) : ( إذا ملك البئر بالاحياء وخرج ماؤها فهو احق بمائها من غيره بقدر حاجته وحاجة ماشيته ، وما يفضل عن ذلك يجب عليه بذله لغيره لحاجته اليه للشرب له أو لماشيته ، ولا يجب عليه بذله لسقي زرعه بل يستحب له ذلك ، وبه قال الشافعي ، وقال أبو عبيد بن خربوز يستحب له ذلك لسقي غيره وسقي مواشيه وسقي زرعه ، ولا يجب علىٰ حال ، ومن الناس من قال يجب عليه بذله بلا عوض لشرب الماشية ولسقي الزرع ، ومنهم من قال يجب عليه بالعوض ، فأما بلا عوض فلا ، ثم ذكر في الاستدلال علىٰ مختاره ثلاث روايات جميعها من طرق العامة ، ويشبه كلامه هنا كلامه في المبسوط.
    وفي المختلف (2) بعد نقل كلام الشيخ ما لفظه ( وبه قال ابن الجنيد والوجه : الاستحباب في الجميع وبه قال ابن البراج ، إذ لا يجب علىٰ الانسان بذل ماله لغيره ) ثم ذكر ما استدل به الشيخ وناقش فيه ، بأنّ هذه احاديث لم تثبت عندنا صحتها ، ولو ثبتت حملت علىٰ الكراهة.
    __________________
    (1) الخلاف 2 / 129 ، 132.
    (2) مختلف الشيعة 2 / 15.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3292
    نقاط : 4979
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    قاعدة لا ضرر ولا ضرار Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قاعدة لا ضرر ولا ضرار   قاعدة لا ضرر ولا ضرار Emptyأمس في 7:27

    ويظهر من كلام ابن حجر في فتح الباري انّ القول بوجوب البذل هو المشهور بين العامة (1). وعليه فلا وجه لدعوى الاجماع علىٰ عدم وجوب البذل فضلاً عن دعوىٰ الضرورة عليه.
    ولعلّ عمدة ما أوجب هذه الدعوىٰ تصور أن لازم الحكم بملكية شخص لمالٍ جواز منع الآخرين عنه بمقتضى طبيعة الملكية ، فكأن استحقاق الغير التصرف فيه ينافي الحكم بكونه مملوكاً للأَول ، ولكن هذا غير صحيح ، لأنّ ثبوت الحق المذكور لا ينافي أصل الملكية ، وإنما ينافي الملكية المطلقة ، وهي غير ثابتة في امثال المقام ، بل الثابت فيها بحسب بناء العقلاء سنخ ملكية محدودة تجامع ثبوت حق الشرب والوضوء ونحوهما بالنسبة إلىٰ الآخرين.
    ومن هنا اخترنا وفاقاً لجمع من المحققين جواز الوضوء والشرب من الأنهار الكبار وان لم يعلم رضا المالكين ، بل وإن علم كراهتهم أو كان فيهم صغير أو مجنون ، ومستند ذلك هو بناء العقلاء علىٰ عدم ثبوت الملكية المطلقة للملاك في أمثال هذه الأشياء ، بحيث تنافي جواز تصرّف الآخرين فيها من غير رضاهم بمثل ما ذكر من التصرفات.
    واما التمسك لذلك بسيرة المتشرعة ـ كما في المستمسك (2) ـ فلا يخلو عن نظر ، لان مورد التمسك بها هو فيما إذا انفرد المسلمون أو الإماميّة بفعل شيء أو بتركه ، وانحازوا في ذلك عن بقية العقلاء ، حيث يستكشف بذلك حكم تأسيسي شرعي وفق ما جرت عليه سيرتهم ، واما في امثال المقام حيث يكون الكاشف بناء عموم العقلاء والمستكشف به هو الحكم الامضائي
    __________________
    (1) فتح الباري لابن حجر 5 / 24 ـ 25 ، ولاحظ نيل الأوطار للشكوكاني 6 : 48.
    (2) مستمسك العروة الوثقى 2 / 434.

    الشرعي ، فلا معنىٰ للتمسك بسيرة المتشرعة.
    ثم إنه قد يتوهّم ان مثل قوله 7 ( لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفسه ) يصلح ان يكون رادعاً عن البناء العقلائي في المتقدم فلا يمكن الاعتماد عليه بعد ثبوت الردع عنه من قبل الشارع المقدس ، ولكن هذا في غير محله ، لان قوله ( لا يحل مال امرئ ... الخ ) لا يتضمن بمنطوقه حكما تأسيسياً شرعياً ، لكي يؤخذ باطلاقه ـ لو توفرت مقدمات الحكمة ـ ، بل مفاده إمضاء ما بنى عليه العقلاء ، فيمتنع ان يكون رادعاً عن نفس هذا البناء في بعض حدوده.
    هذا ثم انه لو فرضنا انه يحق للمالك منع الآخرين من الاستفادة من فضل ماء بئره ، وان النهي عن هذا المنع ـ في رواية عقبة بن خالد ـ نهي تنزيهي لا تحريمي ، ولكن لا مانع من تعليله ب‍ ( لا ضرر ولا ضرار ) أيضاً علىٰ ان يكون ذلك في مستوىٰ الحكم الاخلاقي الاسلامي ، وهو انه ينبغي التحرز عن الاضرار بالغير المسلم كمنع فضل الماء عنه وعن مواشيه مع حاجتهم وعطشهم ، فيكون لهذا الحكم أي ( لا ضرر ) مستويان : مستوىٰ اخلاقي تمثل في حديث منع فضل الماء ، ومستوى الزامي وهو المراد به في حديث سمرة ونحوه ووحدة اللفظ لا تفرض وحدة المعنىٰ بعد قضاء القرائن خلافها.
    هذا إذا كان الجمع بين النهي عن منع فضل الماء وبين قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) قد صدر من النبي 9 ، واما ان كان ذلك صادراً من قبل الامام 7 ، فبالامكان تخريج الارتباط بينهما علىٰ وجه آخر ، وهو قاعدة الأخذ بشواهد الكتاب والسنة ، بمعنىٰ الاستشهاد بالسنة الثابتة علىٰ صدق النقل ، ولا يقدح حينئذٍ عدم افادة ( لا ضرر ) للنهي التشريعي لكفاية التوافق الروحي والمبدئي بين الامرين في مثل ذلك كما


    تقدم نظيره في حديث الشفعة.
    فتحصل من جميع ما تقدّم إنّه لا مناص من الالتزام بما هو ظاهر الحديث ، ويؤيده بعض القرائن الخارجية من الارتباط بين النهي عن منع فضل الماء وكبرى لا ضرر ولا ضرار ، لان الوجوه التي ذكرت لاثبات عدم الارتباط لا تنهض علىٰ ذلك.
    هذا تمام الكلام في القضايا الثلاث الأولىٰ التي وردت من طرق الامامية.
    4 ـ حديث هدم الحائط :
    وقد أورده القاضي نعمان المصري في دعائم الإسلام قائلاً ( روينا عن ابي عبد الله 7 انه سئل عن جدار الرجل ـ وهو سترة بينه وبين جاره ـ سقط فامتنع من بنيانه ، قال : ليس يجبر علىٰ ذلك الا ان يكون وجب ذلك لصاحب الدار الاخرى لحق أو شرط في اصل الملك ، ولكن يقال لصاحب المنزل : استر علىٰ نفسك في حقك ان شئت ، قيل له : فان كان الجدار لم يسقط ولكنه هدمه أو اراد هدمه إضراراً بجاره لغير حاجته إلىٰ هدمه ، قال : لا يترك وذلك ان رسول الله 9 قال : لا ضرر ولا ضرار ( اضرار ـ خ ل ) ، وان هدمه كلّف ان يُبنيه ) (1).
    والكلام فيه يقع في جهات :
    الجهة الأولىٰ في مصدره : وهو ـ كما ذكرنا ـ كتاب دعائم الإسلام للقاضي النعمان بن محمّد بن منصور بن حيّون التميمي المغربي المتوفى سنة 363 ، وكان من علماء الاسماعيلية ، خدم المهدي بالله مؤسس الدولة
    __________________
    (1) دعام الإسلام 2 / 504 / 1805.

    الفاطمية في السنوات التسع الاخيرة من حكمه ، ثم تولى القضاء لهم حتىٰ اصبح قاضي القضاة في الدولة ، وقد ذكر ان كتابه الدعائم هذا كان هو القانون الرسمي ودستور الدولة منذ عهد المعز ـ رابع الخلفاء الفاطميين ـ حتىٰ نهاية الدولة الفاطمية ، وربّما توهم بعضهم ان القاضي نعمان من رجال الشيعة الإماميّة استناداً إلىٰ شبهات ضعيفة اجبنا عنها في محله.
    ويلاحظ ان احاديث الكتاب كلها مراسيل ، بل لم يذكر فيه اسامي رواتها من الطبقة الأولىٰ غالباً ، وقد تداول النقل عن هذا الكتاب في كتب متأخري المتأخرين من فقهائنا كالجواهر وغيره ، وهو احد مصادر كتاب المستدرك للمحدث النوري (قده).
    واما مراجع الكتاب ومصادره : فالذي يظهر بمراجعة ما ورد فيه من الاحاديث ، ومقايسته مع مصادر الحديث عند الشيعة الإماميّة ، انه كان يرجع إلىٰ كتبهم ويعتمدها في نقل الروايات ، فان جملة مما تضمنه من الاخبار مما لا اشكال في انه اخذها من مصادرهم ، حتىٰ انه اشتبه في بعض المواضع فنقل رواية عن ابي جعفر7 ظناً منه انه الباقر 7 بينما هو الجواد 7 ، فظن المحدث النوري وآخرون انه تعمد الابهام وجعلوا ذلك من امارات كونه امامياً.
    والظاهر ان الذي دعاه إلىٰ الاعتماد علىٰ مصادر الإماميّة في تأليف كتابه هو ان الاسماعيلية منذ تكوّنهم في زمن الصادق والكاظم 8 ، لم يكن من مسلكهم نقل الاحاديث والاهتمام بضبطها وانما كانت غاية اهتمامهم بالجوانب السياسية والاجتماعية للامامة.
    ولما وفقوا لتشكيل دولتهم في المغرب واستولوا علىٰ مصر وبنوا القاهرة واسسوا الجامع الازهر ، احتاجوا إلىٰ الفقه والحضارة والقانون فاضطر عالمهم المبرز آنذاك القاضي نعمان إلىٰ تأليف كتاب الدعائم ، والاعتماد


    فيه علىٰ مصادر الآخرين ، لما لم يكن لسلفهم كتب في هذا المضمار.
    ويمكن معرفة بعض مصادره من كتب الإماميّة بمقارنته معها او مع ما نقل من رواياتها ، ومنها كتاب الجعفريات فان ما ورد فيه من الاخبار يطابق في موارد كثيرة متون الاخبار الواردة في الدعائم ـ كما تنبه لذلك المحدث النوري 1 (1) ـ وكتاب الجعفريات لاسماعيل بن موسى بن جعفر ، قال الشيخ والنجاشي ( سكن مصر وولده بها وله كتب يرويها عن ابيه عن آبائه ). وقد روى الجعفريات اسماعيل بن موسى ورواه عنه محمّد بن محمّد ابن الاشعث ـ وكان ساكناً بمصر أيضاً ـ فهذا الكتاب كان موجوداً في مصر مقر الاسماعيلية آنذاك.
    وعلى اي تقدير فالمقصود : ان روايات كتاب الدعائم منقولة غالباً عن مصادر الشيعة الإماميّة رغم ان مؤلفه ليس منهم ، ولذلك كانت اقرب إلىٰ الاعتبار من روايات العامة ، لانها نفس رواياتنا نقلت الينا بغير طريقنا فتدبر.
    الجهة الثانية : في سنده ، وهوكما علم مما سبق ضعيف من جهتين : من جهة الارسال ومن جهة عدم وثاقة مؤلف الدعائم عندنا.
    الجهة الثالثة : في مفاده ، ولا اشكال فيما تضمنه صدره من عدم وجوب اعادة بناء الجدار علىٰ صاحب الدار اذا لم يكن للجار حق فيه فانه علىٰ وفق القاعدة ، وانما الاشكال فيما تضمنه الذيل من منعه من هدم جداره وامره ببنائه لو هدمه إضراراً بجاره ، فانه قد يقال ان ذلك مخالف للقواعد والاصول المسلمة ، لان الظاهر ان مورد الحديث الجدار الذي يكون مملوكاً للشخص ملكاً طلقاً من دون ان يكون متعلقاً لحق الجار بوجه من الوجوه ، ومقتضى القاعدة في مثل ذلك ان يكون للمالك حق هدمه ، وان لا يجب
    __________________
    (1) مستدرك الوسائل 3 / 317.

    عليه اعادة بنائه علىٰ تقدير هدمه ، وان كان ذلك سبباً لوقوع الجار في الحرج والضيق من جهة فقدان الساتر لبيته ، ومجرد كون هدمه لا لحاجة عقلائية بل بداعي ايقاع الجار في الضيق لا يقتضي منعه من الهدم ، وامره بالبناء علىٰ تقدير مخالفته ، وعليه فتطبيق قاعدة ( لا ضرر ولا ضرار ) علىٰ مورد الحديث محل اشكال.
    ولكن يمكن الجواب عن ذلك بوجهين :
    الوجه الأول : انه لا غرابة في الحكم بمنع المالك من هدم جداره وامره باعادة بنائه لو فعل عقوبة علىٰ مخالفته ، اذا لم يكن له في الهدم غرض عقلائي بل كان غرضه مجرد الاضرار بجاره ، فان لهذا الحكم نظائر في الفقه الاسلامي ، ومنها ما التزم به جمع من الفقهاء منهم الشيخ في النهاية والقاضي وابن البراج ، من انه اذا اعتق احد الشركاء نصيبه من العبد قاصداً به الاضرار بشريكه ، وجب عليه فكه ان كان موسراً وبطل عتقه ان كان معسراً ، وإن قصد القربة انعتق سهمه وسعىٰ العبد في نصيب الشريك ، ولم يجب علىٰ المعتق فكه بل يستحب له ذلك ، وقد اعتبر في الجواهر هذا القول احد القولين القويين في المسألة (1).
    ويدل عليه من الاخبار صحيح الحلبي عن ابي عبد الله 7 قال : سألته عن المملوك بين الشركاء فيعتق احدهم نصيبه ؟ فقال ان ذلك فساد علىٰ اصحابه ، فلا يستطيعون بيعه ولا مؤاجرته وقال يقوم قيمته فيجعل علىٰ الذي اعتقه عقوبة ، وانما جعل ذلك مما افسده. وفي صحيحة محمّد ابن مسلم قال قلت لابي عبد الله 7 : رجل ورث غلاماً وله فيه شركاء فاعتق لوجه الله نصيبه ، فقال اذا اعتق نصيبه مضارة وهو موسر ضمن للورثة ،
    __________________
    (1) جواهر الكلام 34 / 156 ـ 157.


    واذا اعتق لوجه الله كان الغلام قد اعتق من حصة من اعتق ، ويستعملونه علىٰ قدر ما اعتق منه له ولهم ، فان كان نصفه عمل لهم يوماً وله يوماً ، وان اعتق الشريك مضاراً وهو معسر فلا عتق له ، لانه اراد ان يفسد علىٰ القوم فترجع إلىٰ القوم حصصهم (1).
    فيستفاد من هاتين الروايتين وغيرهما أن العتق لو كان مقروناً بقصد الاضرار بالشريك ، استتبع ذلك التشديد علىٰ المعتق اما بابطال عتقه راساً أو بتضمينه حصة الشريك.
    فيمكن الالتزام بنظير ذلك في المقام أيضاً ـ كما التزم به بعض فقهاء العامة ـ بان يقال : انه لا يجوز للجار ان يتصرف في ملكه بما يكون لمجرد الاضرار بجاره لا لغرض عقلائي ، ولو فعل ذلك اجبر علىٰ تدارك الضرر الحاصل عقوبة علىٰ عمله. وهذا الحكم يصح ان يكون حكماً اولياً علىٰ اساس ان من حق المسلم علىٰ المسلم أو الجار علىٰ الجار ان لا يضر به متعمداً وان كان ذلك بالتصرف في ملك نفسه ، كما يصح ان يكون حكماً ولائياً اقتضته المصلحة الملزمة التي رآها الامام 7 في امثال هذه الموارد.
    الوجه الثاني : انه يمكن ان يفترض ان مورد كلام الامام 7 في ذيل الحديث هو ما اذا كان الجدار مورداً لحق الجار ، وبذلك يتجه النهي عن الهدم والامر ببنائه علىٰ تقدير المخالفة ، كما يتجه تعليل النهي ب‍ ( لا ضرر ولا ضرار ) لان في هدم الجدار حينئذٍ إضراراً بالجار لاستلزامه سلب حقه.
    ومبرر هذا الافتراض ان السائل فرض كون الهدم إضراراً بالجار ، وهذا
    __________________
    (1) الوسائل 23 : 39 و 40 ح 29056 و 29059.

    ظاهر فيما اذا كان للجار حق بالنسبة إلىٰ الجدار ـ لكي يصدق الاضرار به عرفاً ـ ، ولا يشمل ما اذا لم يكن له حق فيه وانما كان هدمه مستلزماً لعدم انتفاعه بجدار الغير ، واما قول السائل ( لغير حاجة منه إلىٰ هدمه ) فلا يدل علىٰ عدم كون الجدار متعلقاً لحق الغير ، بل لعل المراد به اخراج صورة تعارض الضررين ، حيث يكون صاحب الجدار محتاجاً إلىٰ هدمه لكونه آئلاً للسقوط أو موجباً لضيق داره مثلاً مع كونه متعلقاً لحق الجار.
    وهذا الوجه في توجيه الرواية يظهر من كلام لصاحب الجواهر (1) في كتاب الصلح ذكره تأييداً لكلام نقله عن المحقق الكركي في جامع المقاصد.
    5 ـ حديث قسمة العين المشتركة (2) :
    رواه في كنز العمال عن جامع عبد الرزاق الصنعاني منقولاً باسناده عن الحجاج بن أرطأة ـ وهو من رجال الصادقين كما في كتاب الرجال للشيخ (قده) ـ قال أخبرني أبو جعفر : ان نخلة كانت بين رجلين فاختصما فيها إلىٰ النبي 9 ، فقال احدهما : اشققها نصفين بيني وبينه ، فقال النبي 9 لا ضرر ولا ضرار في الإسلام يتقاومان فيها (3).
    والحكم المذكور في الرواية جار علىٰ وفق قاعدة ( لا ضرر ولا ضرار ) وقد ذكره فقهاؤنا مع تعليله بهذه القاعدة ايضاً.
    __________________
    (1) جواهر الكلام 26 / 268.
    (2) هذا الحديث وما بعده من الأحاديث وإن لم ترد في كتبنا وإنّما وردت في كتب العامّة إلا إنّا آثرنا التعرض لها استيفاءً لما اطلعنا عليه من القضايا التي ذكر قاعدة لا ضرر ولا ضرار في مواردها في كتب علماء الإسلام مضافاً إلىٰ بعض الفوائد الأخرى التي ستتضح من خلال البحوث الآتية.
    (3) كنز العمال 5 : 843 ح 14534.


    وقد ورد ما يماثله في صحيح الغنوي المروي في الكافي عن ابي عبد الله 7 : في رجل شهد بعيراً مريضاً وهو يباع فاشتراه رجل بعشرة دراهم ، فجاء واشرك فيه رجلاً بدرهمين بالرأس والجلد ، فقضىٰ ان البعير برئ فبلغ ثمنه دنانير ، فقال لصاحب الدرهمين خذ خمس ما بلغ فأبىٰ قال اريد الرأس والجلد فقال 7 ليس له ذلك هذا الضرار وقد أُعطي حقه اذا أُعطي الخمس (1).
    وهذه الرواية تماثل رواية الحجاج بن أرطأة الا ان المذكور فيها مجرد تطبيق كبرى لا ضرر علىٰ موردهما من دون ذكرها صريحاً ، ولعل ذلك لمعلوميتها واشتهارها فاستغنى الامام 7 عن ذكرها.
    وقد وقعت صحيحة الغنوي موضعاً للبحث والاشكال في كلمات جمع من الفقهاء ، وافتى بمضمونها جماعة منهم كالمحقق في الشرائع والشهيد الاول في الدروس ، ولعل الاظهر في معناها ان يكون قوله ( اشرك فيه رجلاً بدرهمين بالرأس والجلد ) بمعنىٰ ان الرجل قد اشترك في البعير بنسبة الخمس واشترط ان يكون نصيبه بعد النحر في الرأس والجلد ، وكان هذا الشرط ناظراً إلىٰ صورة استمرار المرض وعدم برء البعير مما لا مناص معه من نحره فلما برئ البعير انتفى موضوع الشرط المذكور فلم يكن يستحق الا خمس البعير نفسه وذلك وجه الحكم في الرواية.
    6 ـ حديث عذق ابي لبابة :
    رواه ابو داود في المراسيل عن واسع بن حبان ، قال : كان لابي لبابة عذق في حائط رجل فكلمه ، فقال انك تطاً حائطي إلىٰ عذقك فانا اعطيك مثله في حائطي ، وأخرجه عني فأبىٰ عليه ، فكلم النبي 9
    __________________
    (1) الكافي 5 : 293 ح 4.

    فقال يا ابا لبابة خذ مثل عذقك فحزها إلىٰ مالك واكفف عن صاحبك ما يكره ، فقال ما انا بفاعل ، فقال اذهب فاخرج له مثل عذقه إلىٰ حائطه ، ثم اضرب فوق ذلك بجدار فانه لا ضرر في الإسلام ولا ضرار (1).
    وهذه القضية تشبه قضية سمرة بن جندب مع الرجل الأنصاري.
    7 ـ حديث جعل الخشبة في حائط الجار وحدّ الطريق المسلوك :
    اورده عبد الرزاق الصنعاني في المصنف ، عن معمر عن جابر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال قال رسول الله 9 : ( لا ضرر ولا ضرار ) وللرجل ان يجعل خشبة في حائط جاره والطريق سبعة اذرع (2).
    ورواه احمد بن حنبل في مسنده باسناده عن ابن عباس أيضاً ، وكذا الطبراني والبيهقي وابن ماجة (3). وفي سنن الدارقطني حكى الجمل الثلاث بطريقه عن ابن عباس ، لكن مع تأخير جملة ( لا ضرر ولا ضرار ) عن الجملتين الأُخريين (4).
    كما روى باسناده عن ابي هريرة عن النبيّ 9 ، انه قال : ( لا ضرر ولا ضرورة ولا يمنعن احدكم جاره أن يضع خشبة علىٰ حائطه ) (5).
    ولكن ظهور هذا الحديث في تعاقب الجمل الثلاث في كلام النبي 9 علىٰ نحو يكون قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) بمنزلة الكبرىٰ الكلية للحكمين المذكورين في الجملتين الاخريين غير واضح ، فان صيغة الحديث في الجمع بين الجمل الثلاث ليست صيغة واضحة في ان النبي
    __________________
    (1) المراسيل مع الاسانيد لأبي داود : 207 ح 2 باب 71 في الإضرار.
    (2) كنز العمال 4 : 61 ح 9519.
    (3 ـ 4) لاحظ مسند أحمد 1 : 313 ، وسنن ابن ماجة 2 : 784 ، وسنن الدارقطني 4 : 228.
    (5) سنن الدارقطني 4 : 822 .


    9 كان بصدد تطبيق ( لا ضرر ولا ضرار ) ، علىٰ مورد جعل الخشبة في حائط الجار وحدّ الطريق المسلوك. والفرق التعبيري بين الصيغة المستعملة في هذا الحديث والصيغة المستعملة في حديثي الشفعة ومنع فضل الماء شاسع جداً ، فان الوارد فيهما هكذا قضىٰ بكذا وكذا وقال ( لا ضرر ولا ضرار ) مما يكون ظاهراً عرفاً في الارتباط بين القضاء والقول واما في المقام فلا ظهور للحديث في الارتباط بين قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) وقوله ( ولا يمنعن أحدكم ... الخ ).
    ويظهر من مالك في الموطأ ، والشافعي في كتاب الام في مقام الردّ علىٰ اصحاب مالك انهما اعتبرا قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) رواية مستقلة ولم يعدّاه صدراً أو ذيلاً لحكمه 9 بجواز جعل الخشبة في حائط الجار ، ونهيه عن منع الجار عن ذلك. فلاحظ (1).
    8 ـ حديث مشارب النخل :
    اورده في كنز العمال عن أبي نعيم عن صفوان بن سليم ، عن ثعلبة ابن ابي مالك : ان رسول الله 9 قال ( لا ضرر ولا ضرار ) وان رسول الله 9 : قضىٰ في مشارب النخل بالسيل الاعلى علىٰ الاسفل حتىٰ يشرب الاعلى ويروي الماء إلىٰ الكفين ، ثم يسرح الماء إلىٰ الاسفل وكذلك حتىٰ تنقضي الحوائط ويغني الماء (2).
    وهذا الحديت لا ظهور له في الارتباط بين قوله 9 ( لا ضرر ولا ضرار ) وبين قضائه في مشارب النخيل ، ولا سيّما مع تكرار ذكره 9 فيه.
    __________________
    (1) موطأ مالك 2 : 745 ، والأم 7 : 230.
    (2) كنز العمال 3 : 919 ح 9167.

    وروي قضاؤه 9 في مشارب النخيل من دون تعقبه أو تقدمه ب‍ ( لا ضرر ولا ضرار ) في جملة من مصادر الخاصة والعامة.
    اما الخاصة فقد ورد في مصادرهم (1) عن ثلاثة اشخاص هم :
    1 ـ عقبة بن خالد واورد حديثه الكليني وينقله عنه الشيخ (2).
    2 ـ غياث بن ابراهيم وقد ورد حديثه بطريقين في الكافي ونقله الشيخ باسناده عن احمد بن محمّد ـ والظاهر انه اخذه من الكافي أيضاً ـ كما رواه الصدوق في الفقيه بسنده إلىٰ غياث.
    3 ـ حفص بن غياث ـ وهو عامي المذهب ـ وقد اورد حديثه الكليني باسناده اليه ورواه عنه الشيخ (قده).
    واما العامة فقد روى ذلك جمع منهم في مصادرهم عن جمع ، منهم عبادة بن الصامت (3).
    هذا تمام الكلام في البحث الأَوّل من الفصل الأَوّل في ذكر القضايا التي تضمنت تطبيق كبرى ( لا ضرر ولا ضرار ) علىٰ مواردها في كتب الخاصة والعامة ، وقد عرفت انها ثمان قضايا وعمدتها القضايا الثلاث الأولىٰ المروية في كتب الامامية.
    * * *
    البحث الثاني : في تحقيق لفظ حديث ( لا ضرر ولا ضرار ).
    ويقع الكلام فيه تارة في زيادة ( في الإسلام ) في آخره ، واخرى في زيادة ( علىٰ مؤمن ) بدلاً عنه ، وثالثة في ثبوت القسم الثاني من الحديث أي
    __________________
    (1) الوسائل 25 : 420 / 32263.
    (2) مسند أحمد 5 : 326 ، كنز العمال 3 : 903 ح 9117.
    (3) الكافي 5 : 278 ح 6 ، التهذيب 140 ح 62.


    قوله ( لا ضرار ) ، وانه علىٰ تقدير ثبوته هل هو بهذه الصيغة أو بصيغة اخرى مثل ( لا اضرار ) أو ( لا ضرورة ) ؟ فالكلام في مقامات :
    المقام الاول : في تحقيق زيادة ( في الإسلام ) في آخر الحديث.
    ويقع البحث عنه تارة من حيث وجود هذه الزيادة في المصادر الحديثية وغيرها ، واخرى في اعتبارها وعدمه فهنا امران :
    الامر الاول : في تحقيق وجود هذه الزيادة في المصادر التي تعرضت لذكر حديث ( لا ضرر ولا ضرار ).
    ادعى العلاّمة شيخ الشريعة (قده) ان هذه الزيادة غير ثابتة في شيء من كتب العامة والخاصة عدا النهاية في غريب الحديث لابن الأثير ، ولا يدرى إنّه من اين جاء بها ؟
    قال (1) 1 : ان الثابت في روايات العامة هو قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) من غير تعقيب قوله ( في الإسلام ) ، فقد تفحصت في كتبهم وتتبعت في صحاحهم ومسانيدهم وغيرها فحصاً اكيداً ، فلم اجد رواية في طرقهم الا عن ابن عباس ، وعن عبادة بن الصامت ، وكلاهما رويا من غير هذه الزيادة ، ولا ادري من اين جاء ابن الأثير في النهاية بهذه الزيادة ، وليس المقام من مصاديق القاعدة السابقة من تقدّم الزيادة علىٰ النقيصة والحكم بوجودها ، فانها فيما اذا ثبتت الزيادة بطريق معتبر لا في غيره ممالم يثبت أو ثبت خلافها أو ارسلها واحد أو اثنان ، فلا يمكن الاحتجاج بمثل هذه الزيادة التي لو لم يدع الجزم بخطئها فغاية ما فيه الارسال ممن لا يعلم حال مراسيله علىٰ حكم ديني وفرع فقهي.
    واضاف (قده) : وناهيك في المقام ان علاّمتهم المتبحر الماهر
    __________________
    (1) رسالة لا ضرر : 7.

    السيوطي الذي تجاوزت تصانيفه عن خمسمائة ، ويعدونه مجدد المائة التاسعة ، وقيل انه ما بلغ احد درجة الاجتهاد بعد الائمة الاربعة إلا السيوطي ، صنف كتابه ( جمع الجوامع ) في الحديث ، وجمع فيه جميع كتب الحديث من الصحاح وغيرها كصحيحي البخاري ومسلم ، وصحيح الترمذي ، وسنن ابن داود ، وسنن النسائي ، وصحيح ابن ماجة القزويني ، وموطأ مالك ، ومسند أحمد بن حنبل ، وصحيح ابن خزيمة ، وصحيح ابن عوانة ، ومستدرك الحاكم ، ومنتقى ابن الجارود ، وصحيح ابن حبان ، وصحيح الطبراني ، وسنن سعيد بن منصور ، وابن ابي شيبة ، وجامع عبد الرزاق ، ومسند أبي يعلى ، وسنن الدارقطني ، والصحاح المختارة للضياء المقدسي ، وشعب الايمان للبيهقي ، والكامل لابن عدي ، وغيرها من كتب كثيرة لا نطيل بنقلها ، ولم ينقل في هذا الكتاب الا قوله 9 ( لا ضرر ولا ضرار ) فقط ؛ وذكر رواية احمد في مسنده وابن ماجة في صحيحه.
    ثم قال (قده) ( وهذه كتب احاديث اهل السنة تراها خالية عن قوله ( في الإسلام ) ، فمن اين هذه الزيادة حتى نقدمها على النقيصة ، ونستشهد بها على معنى الحديث ونستعين بها في بعض المقاصد والفروع ؟ فما اشتهر في الكتب وتداولوه في الاستشهاد بها ليس على ما ينبغي.
    واعجب من الكل ما رأيته في كلام بعض المعاصرين من دعوى الاستفاضة مع هذا القيد ، واسناده إلى المحققين دعوى تواتر هذا الحديث مع هذه الزيادة ـ انتهى موضع الحاجة من كلامه ـ.
    وقد تأثر بما ذكره (قده) غير واحد ممن تأخر عنه ولا سيّما فيما ذكره من عدم وجود الزيادة المذكورة في مصادر العامة غير النهاية الاثيرية.


    ويبدو انه 1 لم يطلع علىٰ نقل الفقيه (1) لحديث ( لا ضرر ولا ضرار ) مع اضافة في الإسلام ، والا لما بالغ في نفيها.
    وقد شكك بعض الاعاظم (2) تأثراً بالنفي البالغ الذي ذكره العلامة شيخ الشريعة (قده) في اصل وجود هذه الاضافة في الفقيه : قائلاً انه لم يثبت وجودها في نقل الفقيه أيضاً علىٰ نحو يطمئن به ، لاحتمال ان تكون الزيادة من قبل الكاتب ، وذلك لأنّه قد جاء في الفقيه بعد ذكر ( لا ضرر ) ، فالاسلام يزيد المسلم خيراً ولا يزيده شراً ، فمن المحتمل ان الناسخ قد كتب كلمة ( فالاسلام ) مكرراً لغفلته عن كتابتها اولاً ، كما يقع ذلك كثيراً ، ثم تصور بعض من تأخر عنه ان ( فالاسلام ) الأولىٰ تحريف ( في الإسلام ) ، فصححه تصحيحاً قياسياً مبدلاً للفاء ب‍ ( في ) ، فتحقق بذلك ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ) ، فكان وجود هذه الزيادة في الفقيه وليد عملين : تكرار خاطئ اولاً ، وتصحيح قياسي للتكرار دون التنبه إلىٰ منشأه ثانياً.
    هذا غاية ما يمكن ان يقال في التشكيك في ثبوت زيادة ( في الإسلام ) في آخر الحديث.
    وفي مجموع ما ذكر ملاحظات :
    الملاحظة الأولىٰ : ان ما ذكره العلامة شيخ الشريعة (قده) من حصر راوي حديث ( لا ضرر ولا ضرار ) لدى العامة ، في شخصين ابن عباس ، وعبادة بن الصامت ، ليس بصحيح ، وتوضيح الحال :
    ان هذا الحديث قد ورد في كتب العامة علىٰ نحوين : مرسلاً ومسنداً.
    اما المرسل فقد ورد في موطأ مالك (3) ، عن عمرو بن يحيى المازني ،
    __________________
    (1) الفقيه 4 : 243 ح 777.
    (2) رسالة لا ضرر للإمام الخميني : 25.
    (3) الموطأ 2 : 745.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3292
    نقاط : 4979
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    قاعدة لا ضرر ولا ضرار Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قاعدة لا ضرر ولا ضرار   قاعدة لا ضرر ولا ضرار Emptyأمس في 7:28

    عن ابيه : ان رسول الله 9 قال ( لا ضرر ولا ضرار ) ، وورد أيضاً في جامع الصنعاني ـ علىٰ ما في كنز العمال (1) ـ عن ابن اليميني ، عن الحجاج بن أرطأة ، أخبرني ابو جعفر ان نخلة كانت بين رجلين فاختصما فيها إلىٰ النبي 9 فقال احدهما اشققها نصفين بيني وبينه فقال النبي 9 ( لا ضرر ) ـ وعدُّ هذا الحديث مرسلاً مبني علىٰ اصول العامة من عدّ روايات ائمتنا : عن النبي 9 من غير ذكر الوسائط من قسم المراسيل ، وان كانت عندنا من المسانيد.
    وعلى اي تقدير فقد ورد نقل ( لا ضرر ) مرسلاً في كثير من الكتب الفقهية واللغوية تارة مع الزيادة واخرى بدونها ـ كما سيأتي عرض ذلك ان شاء الله تعالى.
    وأما المسند فقد نقل عن جملة من الصحابة يبلغ عددهم ثمانية أو تسعة رواة وهم :
    1 ـ ابن عباس. وقد نقل حديثه في مصادر :
    منها : سنن ابن ماجة (2) : رواه باسناده عن جابر الجعفي عن عكرمة ، عن ابن عباس قال قال رسول الله 9 : ( لا ضرر ولا ضرار ).
    ومنها : المصنف (3) لعبد الرزاق الصنعاني رواه عن معمر ، عن جابر الجعفي كما تقدم.
    ومنها : مسند احمد (4) ، رواه عن عبد الرزاق بنفس السند المذكور ،
    __________________
    (1) كنز العمال 5 : 843 ح 14534.
    (2) سنن ابن ماجة 2 : 784 ح 341.
    (3) كما في نصب الراية 4 : 384.
    (4) مسند أحمد بن حنبل 1 / 3133.


    ولكن بلفظ ( لا ضرر ولا اضرار ).
    ومنها : سنن الدارقطني (1) رواه باسناده عن داود بن الحصين عن عكرمة ، عن ابن عباس بلفظ ( لا ضرر ولا اضرار ).
    ومنها : المعجم للطبراني ـ علىٰ ما في نصب الراية (2) ـ عن ابن ابي شيبة ، عن معاوية بن عمرو ، عن زائدة ، عن سماك عن عكرمة.
    2 ـ ابو سعيد الخدري. وقد ورد حديثه في مصادر :
    منها : المستدرك للحاكم (3) : رواه باسناده عن عمرو بن يحيى المازني ، عن ابيه ، عن ابي سعيد الخدري : أن رسول الله 9 قال ( لا ضرر ولا ضرار ـ من ضار ضاره الله ومن شاق شاق الله عليه ) ، قال الحاكم : ( هذا حديث صحيح الاسناد علىٰ شرط مسلم ولم يخرجاه ) ولم يتعقبه الذهبي في تلخيص المستدرك.
    ومنها : سنن الدارقطني (4) رواه باسناده عن المازني ، ولكن بلفظ ( لا ضرر ولا اضرار ).
    ومنها : التمهيد في شرح الموطأ لابن عبدالبر ـ علىٰ ما حكي عنه (5) ـ.
    ومنها : سنن البيهقي (6).
    3 ـ ابو لبابة. نقل حديثه ابو داود في المراسيل عن واسع بن حبان عنه ـ علىٰ ما ذكره الزيلعي في نصب الراية (7) ـ ونص الحديث قال ( واسع )
    __________________
    (1) سنن الدارقطني 4 : 28 ح 84.
    (2) نصب الراية 4 / 384.
    (3) المستدرك علىٰ الصحيحين 2 / 57.
    (4) سنن الدارقطني 4 : 228 ح 85.
    (5) لاحظ نصب الراية 4 / 285.
    (6) سنن البيهقي 6 : 157.
    (7) نصب الراية 4 / 385.

    كان لابي لبابة عذق في حائط رجل فكلمه ، فقال انك تطأ حائطي إلىٰ عذقك ، فأنا اعطيك مثله في حائطي ، واخرجه عني فأبىٰ عليه فكلم النبيّ 9 فقال يا ابا لبابة خذ مثل عذقك فحزها إلىٰ مالك ، واكفف عن صاحبك ما يكره ، فقال ما انا بفاعل فقال اذهب فأخرج له مثل عذقه إلىٰ حائطه ، ثم اضرب فوق ذلك بجدار ( فانه لا ضرر في الإسلام ولا ضرار ).
    4 ـ ابو هريرة. أورد حديثه الدارقطني في سننه (1) باسناده عن ابن عطاء ، عن ابيه ، عن ابي هريرة : أن النبيّ 9 قال ( لا ضرر ولا ضرورة ) ولا يمنعن احدكم جاره أن يضع خشبة علىٰ حائطه.
    5 ـ ثعلبة بن مالك. اورد حديئه ابونعيم ـ علىٰ ما في كنز العمال (2) ـ باسناده عن صفوان بن سليم ، عن ثعلبة : أن رسول الله 9 قال ( لا ضرر ولا ضرار ). ونقله أيضاً الطبراني في معجمه ـ علىٰ ما حكاه الزيلعي (3) ـ بسنده إلىٰ صفوان عن ثعلبة.
    6 ـ جابر بن عبدالله. روى حديثه الطبراني في معجمه الاوسط ـ علىٰ ما حكاه الزيلعي في نصب الراية (4) ، والهيثمي في مجمع الزوائد (5) ـ باسناده عن واسع بن حبان ، عن جابر بن عبد الله ، قال قال رسول الله 9 ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ).
    7 ـ عائشة. نقل حديثها الدارقطني في سننه (6) باسناده عن عمرة ،
    __________________
    (1) سنن الدارقطني 4 : 228 ح 86.
    (2) كنز العمال 3 : 919 ح 9167.
    (3) نصب الراية 4 / 386.
    (4) نصب الراية 4 / 385.
    (5) مجمع الزوائد 4 / 110.
    (6) سنن الدارقطني 4 : 227 ح 83.


    عن عائشة عن النبي 9 قال ( لا ضرر ولا ضرار ) ورواه الطبراني أيضاً في معجمه الاوسط ـ كما في نصب الراية ومجمع الزوائد (1) ـ بطريقين عن نافع بن مالك عن القاسم بن محمّد ، عن عائشة احدهما بلفظ ( لا ضرر ولا ضرار ) واما الثاني فنقله الهيثمي بهذا اللفظ أيضاً ولكن نقله الزيلعي بلفظ ( لا ضرر ولا ضرار ).
    8 ـ عبادة بن الصامت. ـ وهو أشهر رواة الحديث ـ وقد ورد حديثه في عدة مصادر :
    منها : سنن ابن ماجة بطريقه إلىٰ موسى بن عقبة بن الوليد بن عبادة ، عن جد أبيه عبادة بن الصامت : أن رسول الله 9 قضىٰ أن لا ضرر ولا ضرار (2).
    ومنها : صحيح أبي عوانة ـ علىٰ ما في كنز العمال (3) ـ.
    ومنها : المعجم الكبير للطبراني ـ علىٰ ما في كنز العمال أيضاً (4) ـ.
    ومنها : سنن البيهقي (5).
    ومنها : مسند احمد بن حنبل (6).
    واذا اعتبرنا الرواية المذكورة في جامع الصنعانى عن أبي جعفر 7 ، مروية عن الامام أمير المؤمنين 7 ـ باعتبار ان ما ينقله 7 عن النبيّ 9 فانما ينقله عن آبائه ـ فسوف تكون رواة
    __________________
    (1) نصب الراية 4 : 286 ، ومجمع الزوائد 4 : 110 ، المعجم الأوسط 2 : 23 ح 1037.
    (2) سنن ابن ماجة 2 : 784 / 2340.
    (3) كنز العمال 4 : 59 ح 9498.
    (4) كنز العمال 3 / 209 الطبعة القديمة.
    (5) سنن البيهقي 6 : 157.
    (6) مسند أحمد بن حنبل 5 : 326.

    الحديث تسعة.
    وبما ذكرنا يتضح :
    اولاً : ان نقل الحديث ليس محصوراً بالنقل المسند في كتبهم ، لكي يقال في بيان عدم وجود الحديث مع الزيادة فيها انه لم يروه الا ابن عباس وعبادة ، وروايتهما لا تتضمن الزيادة ؛ اذ يمكن ثبوت الزيادة في المنقول مرسلاً ، كما ثبت ذلك فعلاً علىٰ ما مر ، فلا بُدّ من نفي ثبوت الحديث مرسلاً ومسنداً مع الزيادة لكي يتم البيان المذكور.
    وثانياً : ان الراوي للحديث لا ينحصر بابن عباس وعبادة بل له رواة كثيرون غيرهما ، نعم هما اشهر من نقل الحديث لورود روايتهما في جملة وافرة من مصادرهم.
    وثالثاً : ان مصدر الحديث لا ينحصر بسنن ابن ماجة ومسند احمد ، بل له مصادر اخرى كالموطأ لمالك والمصنَّف لعبد الرزاق وسنن الدارقطني ، والمعجم الكبير ، والاوسط للطبراني ، والمستدرك للحاكم ، وسنن البيهقي ، وغيرها مما تقدمت الاشارة إلىٰ بعضها.
    والملاحظة الثانية : ان ما ذكره (قده) من عدم معلومية مصدر ابن الأثير في نقل هذه الزيادة في النهاية ليس في محله ، فان مصدره في ذلك واضح من نفس كتابه وهو كتاب ( غريب الحديث والقرآن ) لابي عبيد احمد بن محمّد الهروي صاحب أبي منصور الازهري اللغوي المتوفى سنة 401.
    وتوضيح ذلك :
    ان ابن الأثير ـ كما صرح في مقدمة النهاية (1) ـ قد جمع في كتابه هذا بين كتاب الهروي ، ويين كتاب أبي موسى محمّد بن ابي بكر الاصفهاني
    __________________
    (1) النهاية 3 : 81.


    المتوفى سنة 581 ، واضاف هو علىٰ ذلك ما تيسر له ، وقد جعل لما اخذه من كل منهما علامة ، فكانت علامة الأَول ( ه‍ ) وعلامة الئاني ( س ) ، وما اضافه عليهما جعله مهملاً بلا علامة ، وكلامه المتضمن لشرح حديث لا ضرر ولا ضرار في الإسلام مقرون بالعلامة الأولىٰ ، فيعلم أنه مأخوذ من كتاب أبي عبيد الهروي.
    الملاحظة الثالثة : ان حصر مصدر الزيادة بنهاية ابن الأثير ـ كما جاء في كلامه (قده) ـ حيث قال :
    ( وانما توجد في نهاية ابن الأثير ) ليس بصحيح ، لانها توجد في جملة من كتب الحديث والفقه واللغة وغيرها.
    اما في ( كتب الحديث ) فتوجد في مصادر العامة في عدة كتب علم بعضها مما سبق .. وفي ضمن ثلاث روايات :
    1 ـ رواية ابي لبابة المروية في مراسيل ابي داود.
    2 ـ رواية جابر بن عبد الله المروية في المعجم الاوسط للطبراني.
    3 ـ رواية أبي جعفر 7 المروية في المصنف لعبد الرزاق الصنعاني.
    واما في مصادرنا فيوجد الحديث مع الزيادة في كتابين :
    احدهما : الفقيه كما مر نقله عنه.
    وثانيهما : عوالي اللآلي لابن أبي جمهور الاحسائي الذي نقل الحديث عن الشهيد الأول ( ره ) في بعض مصنفاته عن أبي سعيد الخدري وهو أحد رواة العامة مما يظهر منه أنه نقل الحديث من مصادرهم ولا يبعد أن يكون الصدوق (قده) أيضاً قد أخذه من مصادرهم كما أنّه ذكر الحديث في مقام الاحتجاج علىٰ العامة ، مقروناً بعدة أحاديث اخرىٰ مروية من طرقهم.
    وأما في ( كتب الفقه ) فيوجد في جملة من كتب فقه العامة :

    منها : بدائع الصنائع (1) للكاساني الحنفي قال في كلام له ( وأمّا الذي يرجع إلىٰ المولَّى فيه فهو ان لا يكون من التصرفات الضارة بالمولَّى عليه لقوله 9 ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ).
    ومنها : المبسوط (2) للسرخسي الحنفي حيث قال في كلام له ( فاذا كان تقديم الغرباء يضر باهل المصر قدّمهم علىٰ منازلهم عملاً بقوله 9 ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ).
    ومنها : شرح الخراج (3) لبعض متأخري الحنفية حيث قال في كلام له ( والضرر حرام لقوله : لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ).
    ويوجد في بعض كتب فقه الزيدية أيضاً ككتاب البحر الزخار (4) حيث قال في كلام له ( واذا باعه الراهن فباطل لابطاله حق المرتهن وقد قال 9 ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ).
    ويوجد في جملة من كتب الإماميّة أيضاً كالخلاف للشيخ الطوسي في كتاب الشفعة (5) ، والتذكرة للعلاّمة في خيار الغبن (6).
    وأمّا في ( كتب اللغة ) : فيوجد في تهذيب اللغة للازهري (7) وغريب الحديث والقرآن لابي عبيد (Cool واساس البلاغة للزمخشري (9) وفي جملة من
    __________________
    (1) بدائع الصنائع 6 : 265.
    (2) المبسوط 16 / 81.
    (3) الرتاج 2 / 120.
    (4) البحر الزخار 5 / 119.
    (5) الخلاف 2 : 109.
    (6) تذكرة الفقهاء 1 / 522.
    (7) تهذيب اللغة 11 / 457.
    (Cool كما تقدّم عن نهاية الأثر 3 : 81.
    (9) أساس البلاغة 268.


    القواميس اللغوية المتأخرة كلسان العرب (1) وغيره.
    هذا ما اطلعنا عليه من موارد ذكر الحديث مع الاضافة في كتب الفريقين ولعل المتتبع يجد اكثر من ذلك.
    الملاحظة الرابعة : ان ما ذكره بعض الاعاظم (2) من التشكيك في وجود زيادة ( في الإسلام ) في الفقيه محل نظر من وجهين :
    الأَول : ان مجرد امكان تخريج زيادة كلمة خطأً علىٰ اساس التكرار أو غيره من مناشئ الخطأ في الكتابة لا يقوم حجة علىٰ وقوع الخطأ بالفعل ، بل لا بُدّ من قيام شاهد عليه ، ولا شاهد في المقام علىٰ ذلك بل بعض الشواهد يقتضي خلافه ، فان نسخ الكتب الاربعة كانت مقروءة علىٰ المشايخ من بدو تأليفها إلىٰ قريب هذه الاعصار وتوجد جملة من النسخ المقروءة عليهم بايدينا ، فيضعف مع ذلك ادعاء وقوع التحريف بالزيادة في مرحلة القراءة وان سلم انه يحصل في الكتابة ، مضافاً إلىٰ ان الجوامع الحديثية التي نقلت هذا الحديث عن الفقيه انّما نقلته مع تلك الزيادة كالوسائل وغيرها ولم ينقل احتمال ما ذكر من التصحيف عن احد من محشي الفقيه وشرّاحه.
    الثاني : ان مقتضىٰ كلام الصدوق (قده) في الاحتجاج بهذا الحديث وجود هذه الزيادة ، فانه ذكر هذا الحديث في سياق الاحتجاج علىٰ العامة في قولهم ان المسلم لا يرث الكافر فقال (3) : ان الله عزوجل انما حرم علىٰ الكفار الميراث عقوبة لهم بكفرهم ، كما حرم علىٰ القاتل عقوبة لقتله ، فأما المسلم فلأيّ جرم وعقوبة يحرم الميراث ؟! وكيف صار الإسلام يزيده شراً ؟! مع قول النبي 9 : الإسلام يزيد ولا ينقص ، ومع قوله عليه
    __________________
    (1) لسان العرب 4 / 482.
    (2) الإمام الخميني في الرسائل : 25.
    (3) من لا يحضره الفقيه 4 : 243 ح 776 ـ 778.

    وآله السلام : ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ) فالاسلام يزيد المسلم خيراً ولا يزيده شراً ، ومع قوله عليه وآله السلام : الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.
    فيلاحظ ان احتجاجه بحديث ( لا ضرر ولا ضرار ) مبني علىٰ ان اسلام المرء لا يوجب ضرراً عليه ، وهذا يتوقّف علىٰ ثبوت تلك الزيادة لكن مع تفسير الإسلام بالاعتقاد بالدين ، دون نفس الدين وجعل كلمة ( في ) للتعليل كما في قولهم ( قتل فلان في دينه ) فيكون مؤدى الحديث إنّه لا ضرر علىٰ المرء باسلامه فلو فرضنا خلو الحديث عن الزيادة في ذيله لم يمكن الاحتجاج به للمدعىٰ المذكور.
    فظهر بما ذكرناه ان التشكيك في وجود زيادة ( في الإسلام ) في الفقيه في غير محله.
    هذا تمام الكلام في تحقيق وجود هذه الزيادة في المصادر الحديثية وغيرها وعدمه.
    الامر الثاني : في تحقيق اعتبار هذه الزيادة وهل انها ثابتة في الخبر علىٰ وجه معتبر ام لا ؟
    وجهان بل قولان ويمكن الاستدلال للوجه الأَول من ثبوتها واعتبارها بوجوه :
    الوجه الأَول : ان حديث لا ضرر ولا ضرار مع هذه الاضافة مروي في كتب الحديث للفريقين ومشهور في السنة الفقهاء حتىٰ انه ذكر بهذا المتن في كتب اللغة وذلك مما يوجب الوثوق بثبوت الزيادة وصحتها.
    ويرد عليه :
    أوّلاً : انه لم يذكر مع الزيادة في كتب اصحابنا ـ فيما اطلعنا عليه ـ إلاّ في مقام الاحتجاج به علىٰ العامة من حيث وروده من طرقهم ، فلا يدل علىٰ نقله من طرقنا أيضاً ليقال انه مروي من طرق الفريقين فيمكن الوثوق


    بصحته.
    وثانياً : ان تكرار الخبر مع الزيادة مرسلاً من قبل الفقهاء واللغويين أو المحدثين ، مما لا يوجب الوثوق به وإنما الذي يوجب الوثوق به تعدد طرقه واختلافها ليزداد بذلك احتمال صدوره حتىٰ يصل إلىٰ مرتبة الوثوق والاطمئنان وهذا ما لم يتحقق في المقام.
    الوجه الئاني : ان هذا الحديث مع الزيادة مروي في الفقيه بصيغة جزمية اي ان الصدوق (قده) اسنده إلىٰ المعصوم 7 بصورة الجزم حيث قال : ( ومع قوله 7 لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ) وهو مما يستوجب الاعتماد عليه ، وإن كان النقل مرسلاً فانه وان لم تثبت حجية جميع مراسيله (قده) ـ كما ذهب اليه جمع ـ الا ان ما نسبه إلىٰ المعصوم 7 علىٰ سبيل الجزم حجة ومعتمد عليه.
    وهذا الوجه اعتمده السيد الاستاذ 1 في بعض دوراته الاصولية (1) ثم عدل عنه ، وردّه بان غاية ما يدل عليه هذا النحو من النقل هو صحة الخبر عند الصدوق ، وامّا صحته عندنا فلم تثبت لاختلاف المباني في حجية الخبر ، فان بعضهم قائل بحجية خصوص خبر العادل مع ما في معنىٰ العدالة من الاختلاف ، حتىٰ قال بعضهم العدالة هي اظهار الشهادتين مع عدم ظهور الفسق ، وبعضهم قائل بحجية خبر الثقة ، وبعضهم لا يرى جواز العمل الا بالخبر المتواتر أو المحفوف بالقرينة العلمية فمع وجود هذا الاختلاف في حجية الخبر ، كيف يكون اعتماد أحد علىٰ خبر مستلزماً لحجيته عند غيره (2).
    __________________
    (1) الدراسات : 322.
    (2) مصباح الأصول 2 / 520.

    ويمكن ان يناقش فيما افاده نقضاً وحلاً.
    اما ( النقض ) فبتوثيقات الرجاليين وتضعيفاتهم فانه 1 يعتمدها رغم تأتي هذا الاحتمال فيها أيضاً ولا موجب للتفريق بينها وبين ما نحن فيه ، اذ لا شاهد علىٰ انهم في مقام جرح الرواة أوتعديلهم يعتمدون علىٰ طريقة خاصة غير ما يعتمدونها في مقام نسبة القول إلىٰ المعصوم ، بل الظاهر ان اثبات المخبر به عندهم في المقامين علىٰ منهج واحد.
    وما يقال من كثرة الكتب المؤلفة في الرجال المتضمنة لاحوال الرواة مما لم يصل الينا ، فيحتمل استناد الرجاليين اليها في الجرح والتعديل ، يأتي نظيره في كتب الحديث أيضاً ، بل ان كتب الحديث المؤلفة من زمان الامام الصادق 7 إلىٰ زمن الصدوق ـ مما فقد في الاعصار المتأخرة ـ أزيد بكثير مما صنف في الجرح والتعديل.
    واما الحل فبما ذكره 1 في غير هذا المقام (1) ـ بناءً على مختاره من حجية خبر الثقة ـ وهو انه اذا لم يعلم ان منشأ الإخبار هل هو الحسّ أو الحدس ، فالقاعدة الاولية وان كانت تقتضي عدم حجية هذا الاخبار ـ نظراً إلى ان ادلة حجية خبر الثقة لا تشمل الاخبار الحدسية ، فاذا احتمل ان الخبر حدسي كانت الشبهة مصداقية ولا يصح التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، الا ان هناك أصلاً ثانوياً حاكماً على هذه القاعدة وهو اصالة الحس الثابتة ببناء العقلاء ـ فان سيرتهم قائمة على حجية خبر الثقة في الحسيات فيما لم يعلم انه نشأ من الحدس ، وعلى ضوء هذا فيقال في المقام ان مجرد عدم العلم بمعنى المخبر في اخباره لا يوجب الحكم بعدم حجية خبره بعد وجود احتمال الحسّ في حقه ، ولا ريب في أن احتمال
    __________________
    (1) لاحظ معجم الرجال 1 : 41.


    الحس في خبر الصدوق ـ ولو من جهة نقل كابر عن كابر وثقة عن ثقة ـ موجودٌ وجداناً فيلزم البناء علىٰ حجية خبره.
    هذا والصحيح في الجواب عن الوجه المذكور ما اوضحناه في مبحث حجية الخبر الواحد.
    أوّلاً : من أن التحقيق هو حجية الخبر الموثوق به دون خبر الثقة ، ، وعليه فلا بُدّ من حصول الوثوق عندنا بثبوت المخبر به ، ولا يكفي مجرد وثوق المخبر بصحة خبره في ذلك ، إذا لم يستوجب الوثوق لدينا.
    وثانيا : انه لو كان تصحيح الصدوق (قده) للخبر وجزمه به حجة علىٰ ثبوته فلا وجه لتخصيص ذلك بمراسيله التي جاءت بصيغة جزمية ، بل ينبغي القول بحجية جميع مراسيله ، بل جميع ما ابتدأ فيه باسم شخص لم يذكر طريقه اليه في المشيخة ، اذا كان هو ومن يروي عنه من الوسائط ـ ان وجدت ـ من الثقات ، والوجه في ذلك انه 1 قد شهد في مقدمة كتابه بصحة جميع ما رواه فيه ، حيث قال : ( ولم اقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه بل قصدت إلىٰ ايراد ما أُفتي به واحكم بصحته واعتقد فيه انه حجة فيما بيني وبين ربّي تقدس ذكره وتعالت قدرته ) (1). وعلى ضوء هذا فتفريقه بين الروايات في التعبير ، حيث يعبر تارة بالرواية ، واخرى بالقول ، وثالثة بالسؤال ، أو يستعمل صيغة المعلوم تارة ، وصيغة المجهول اخرى ... الخ ليس الا ضرباً من التفنن في التعبير ، حذراً من التكرار المملّ كما يشهد له اختلاف تعبيره في مورد راوٍ واحد ممّن اليه سند في المشيخة.
    وبهذا يظهر بطلان كل مبنىً يستند إلى التفريق بين هذه التعابير ، كأن يقال (2) مثلاً : ان اسانيد المشيخة لا تشمل الروايات التي وردت في الفقيه
    __________________
    (1) من لا يحضر الفقيه 1 / 3.
    (2) مستند العروة الوثقىٰ ـ كتاب الصوم 2 / 203.

    بصيغة المجهول اعني ( روي ) ، او يقال : إنها لا تشمل ما عبّر فيه بصيغة السؤال ، لان الاسانيد انما هي إلى روايات الرجال وليست إلىٰ اسئلتهم ، او غير ذلك مضافاً إلى بطلان امثال هذه التفاصيل بوجوه اخرى تعرضنا لها في محل آخر.
    وثالثاً : ان هذا الحديث ـ اي لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ـ قد اورده الصدوق كما ذكرنا سابقاً وسيأتي تفصيله ان شاء الله تعالى في مقام الاحتجاج على العامة ، وذكر الحديث في هذا السياق لا يعني الاعتراف بصحته ولو كان التعبير بظاهره جزمياً ، لأنه حينئذٍ في قوة ان يقول ( مع قول النبي 9 فيما رويتموه ... ) وعلى ذلك فلا يمكن تصحيح هذا الحديث وإن قلنا بصحة مراسيله المسندة إلىٰ المعصوم 7 بصيغة جزمية في سائر الموارد.
    وبذلك كله يظهر عدم تمامية الوجه المذكور.
    الوجه الثالث : أن يقال : ان هذا الخبر مع هذه الزيادة وان كان ضعيفاً سنداً الا أنه منجبر ضعفه بعمل الاصحاب به واعتمادهم عليه ، كالصدوق في الفقيه والشيخ في الخلاف والعلاّمة في التذكرة وغيرهم.
    ويمكن ان يناقش فيه ـ بعد تسليم الكبرى ـ.
    اولاً : بان هذا المقدار لا يكفي في جبر الخبر الضعيف ، فإن الجبر عند القائل به انما يتم في موارد عمل المشهور به لا بمجرد عمل البعض كما هو الحال في المقام.
    وثانياً : انه لم يظهر اعتماد هذا البعض أيضاً على حديث ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ) ، لأَن ما يستدلّ به علماؤنا في المسائل الخلافية من الروايات المروية بطرق العامة ، ليس من باب الاعتماد عليها وانما هو من باب الاحتجاج على الخصم بما يعترف بحجيته ، ونقل الرواية في الخلاف


    والتذكرة انما هو من هذا القبيل.
    بل الامركذلك في نقل الفقيه أيضاً لأَن هذا الكتاب وان لم يكن قد وضعه شيخنا الصدوق (قده) للمحاجة مع العامة في الفروع ، الاّ أنه قد تعرض لرد كلامهم في عدة مسائل خلافية ، وقد كان منهجه في هذه المسائل نقل اخبار العامة التي تؤيد رأي الإماميّة وتقوم حجة عليهم.
    وكانت من تلكم المسائل مسألة إرث المسلم من الكافر ، وهي التي ذكر فيها حديث ( لا ضرر ولا ضرار مع زيادة في الإسلام ) فقد ذهب اكثر العامة إلىٰ ان المسلم لا يرث الكافر ، وذهب الإماميّة إلىٰ انه يرثه ، ولكن الكافر لا يرث من المسلم وقد وافقهم في ذلك جمع من العامة أيضاً ، ونسبوا ذلك إلىٰ معاذ ، ومعاوية ، ومحمد بن الحنفية ، وعلي بن الحسين ، ومسروق ، وعبدالله بن معقل ، والشعبي ، والنخعي ، ويحيى بن معمر ، واسحاق ، وهو رواية عن عمر (1) ، وذكر الشوكاني في نيل الاوطار في شرح قوله 9 ( لا يتوارث اهل ملتين ) انه لا يرث اهل ملة كفرّية ، من اهل ملة كفريّة اخرى ، وبه قال الاوزاعي ومالك واحمد والهادوية ، وحمله الجمهور علىٰ أن احدى الملتين هي الإسلام والاخرى هي الكفر ولا يخفى بعد ذلك (2).
    ونحن ننقل فيما يلي عبارة الصدوق في هذه المسألة مع تعقيبها بشيء من الشرح لكي يتضح ما ذكرناه قال (3) (قده) : « باب ميراث اهل الملل : لا يتوارث اهل ملتين والمسلم يرث الكافر والكافر لا يرث المسلم ‍» ويلاحظ ان تعقيب الجملة الأولىٰ التي هي موضع استدلال العامة بالجملة الثانية ، بيان
    __________________
    (1) المغني 7 : 167.
    (2) نيل الأوطار 6 : 194.
    (3) الفقيه 4 : 244 / 782.

    للجواب عن هذا الاستدلال بأن المراد هو نفي التوارث من الطرفين متخذاً ذلك من بعض الاخبار التي نقلها بعد ذلك ، وهو خبر عبدالرحمن بن اعين عن ابي عبد الله 7 قال لا يتوارث اهل ملتين نحن نرثهم ولا يرثونا ؛ ونفي التوارث لا يستلزم نفي الإرث من أحد الطرفين للآخر.
    ثم قال (قده) ( وذلك ان أصل الحكم في اموال المشركين أنها فيء للمسلمين وان المسلمين احق بها من المشركين ) (1) والمقصود بهذه العبارة بيان أن رجوع أموالهم إلىٰ المسلمين أمر علىٰ وفق القاعدة ، إلا أن الذمة منعت عن استحلال اموالهم من قبل المسلمين ، وهذا نوع استحسان ذكره احتجاجاً علىٰ العامة.
    ثم قال ( ره ) ( وان الله عز وجل انما حرم علىٰ الكفار الميراث عقوبة لهم بكفرهم ، كما حرم علىٰ القاتل عقوبة لقتله ) (2) وهذا من قبيل استنباط العلّة للحكم ـ بملاحظة ما يشترك معه في ذلك ـ لمنع تعميمه لميراث المسلم من الكافر وهو من قبيل القياس.
    ثم قال (قده) ( فأما المسلم فلأَيّ جرم وعقوبة يحرم الميراث ) وهذا أيضاً مبني على استنباط ان موانع الارث انما هي من قبيل العقاب على فعل قبيح ـ لا محالة ـ كالقتل والكفر ، فلا معنى لحرمان المسلم من الميراث ، وهذا نوع من الاجتهاد بالرأي أيضاً ذكر احتجاجاً على العامة.
    ثم ذكر (قده) ( وكيف صار الإسلام يزيده شراً ) وهذا الاستبعاد إذا كان استبعاداً للموضوع في نفسه ـ كما يظهر من لحنه ـ بغض النظر عن توجيهه بملاحظة الاخبار التي نقلها بعد ذلك ـ فهو أيضاً نوع من الاجتهاد بالرأي.
    ثم قال ( ره ) مع قول النبي 9 ( الإسلام يزيد ولا ينقص ) وهذا احد إدلة من قال بقولنا من العامة وهو جزء من رواية ابي الاسود
    __________________
    (1 و 2) الفقيه 4 : 243.


    التي نقلها (قده) بعد ذلك ، وهي مروية في كثير من كتبهم كما سيجيء ، وقد اجاب عنه ابن حجر في فتح الباري بانه محمول على انه يفضل عن غيره من الاديان ولا تعلق له بالارث.
    ثم ذكر (قده) ومع قوله ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ) وقد مضى تخريج هذا الحديث بهذا اللفظ من مصادرهم. ويلاحظ أيضاً انه لم يحتج بهذا الحديث على مذهب الإماميّة في هذه المسألة السيد المرتضى في الانتصار ، والشيخ الطوسي في الخلاف ، ولعل منشؤه أن مبنى الاستدلال به هنا علىٰ حمل كلمة ( الإسلام ) على الاعتقاد بالدين ، وجعل كلمة ( في ) للتعليل ليكون المعنى ( لا ضرر ولا ضرار على المرء باسلامه ) وهذا مخالف لظاهر الحديث من كون الإسلام بمعنىٰ الدين وكون ( في ) للظرفية كما سيجيء توضيحه ان شاء الله تعالى.
    ثم ذكره ( قد ) ( فالاسلام يزيد المسلم خيراً ولا يزيده شراً ) وهذا استنتاج من الخبرين فهو من كلام الصدوق نفسه وليس في الروايات كما ظنه صاحب الوسائل ( ره ).
    ثم قال (قده) ( ومع قوله 7 الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ) ، وهذا الحديث مروي أيضاً من طرق العامة رواه البخاري في صحيحه (1) وقد استدل به في نيل الاوطار (2) على هذا القول.
    ثم ذكر ( ره ) ( والكفار بمنزلة الموتى لا يحجبون ولا يرثون ) وهذا تقريب للموضوع.
    ثم قال (قده) ( وروي عن ابي الاسود الدؤلي أن معاذ بن جبل كان باليمن فاجتمعوا اليه ، وقالوا : يهودي مات وترك اخاً مسلماً ، فقال معاذ
    __________________
    (1) صحيح البخاري 2 : 17 ( فيه عن ابن عباس وباسقاط قوله عليه عن آخره ).
    (2) نيل الأوطار 6 : 193.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3292
    نقاط : 4979
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    قاعدة لا ضرر ولا ضرار Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قاعدة لا ضرر ولا ضرار   قاعدة لا ضرر ولا ضرار Emptyأمس في 7:29

    سمعت رسول الله 9 يقول الإسلام يزيد ولا ينقص ، فورث المسلم من اخيه اليهودي ) وهذه الرواية مذكورة في مسند احمد (1) ، والمستدرك للحاكم (2) ، ونقلت عن سنن ابي داود والبيهقي (3) ، وقد أوردها السيد المرتضى في الانتصار (4) ، وقال ( علىٰ ان هذه الاخبار معارضة بما يرويه مخالفونا وقال : حدثني ابو الاسود الدؤلي : ان رجلاً حدثه ان معاذاً قال سمعت رسول الله 9 يقول ( الإسلام يزيد ولا ينقص فورث المسلم ) ، ومنه يظهر أن نقل ابي الاسود عن معاذ مرسل ، ولا اشكال في ان الصدوق (قده) إنما نقل هذا الحديث من مصادر العامة ، أو من كتب بعض قدمائنا ممّن الّف في الرد عليهم كالفضل بن شاذان وغيره.
    فظهر مما تقدّم ان الصدوق (قده) إنما نقل حديث ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ) من كتب العامة وأورده احتجاجاً به عليهم ، وذلك لقرينتين :
    الأُولى : انه نقل هذا الخبر في مقام الاحتجاج علىٰ العامة في مسألة خلافية بيننا وبينهم.
    الثانية : ان سائر الروايات التي نقلها في هذا المقطع من كلامه ، انما نقلها عن العامة ولا توجد في شيء من كتبنا ، بل ان سائر الادلة التي ذكرها انما هي من قبيل الاجتهاد بالرأي من القياس والاستحسان ونحوهما مما لا حجية له لدى الإماميّة ، وقد استعملها في مقام الالزام ، فهذا يكشف عن أن منهجه الاستدلالي في هذا الموضع ، انما كان علىٰ البحث مع العامة وفق مبادئهم واسسهم ، ولا ينفع في هذا السياق ذكر خبر مروي من طرق
    __________________
    (1) مسند أحمد بن حنبل 5 / 230.
    (2) المستدرك علىٰ الصحيحين 4 : 345.
    (3) سنن أبي داود 3 : 126 / 2913.
    (4) الانتصار : 304.


    الامامية ، كما هو واضح.
    فبهاتين القرينتين يحصل الوثوق بان الصدوق (قده) قد أورد خبر ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ) من طرق العامة وانما احتج به عليهم في مسألة خلافية ، كما فعل من بعده كالشيخ الطوسي في الخلاف والعلامة في التذكرة.
    وبذلك يظهر عدم تمامية دعوىٰ انجبار الحديث مع الزيادة بعمل الاصحاب ، فلا دليل علىٰ ثبوت هذه الزيادة واعتبارها.
    المقام الثاني : في تحقيق زيادة ( علىٰ المؤمن ) في آخر الحديث ، إن هذه الزيادة قد وردت في رواية ابن مسكان ، عن زرارة في قضية سمرة ، لكنها لم ترد في معتبرة ابن بكير ، عن زرارة ، التي نقلت نفس القضية ، كما لم ترد في سائر موارد نقل الحديث ، من طرق الخاصة والعامة ، فهل تثبت هذه الزيادة في الحديث برواية ابن مسكان ، كما ذهب اليه العلاّمة شيخ الشريعة (1) وغيره أم لا ؟ كما اختاره المحقق النائيني (2) وآخرون ؟
    والقول بثبوت هذه الزيادة يتوقّف علىٰ الالتزام بامرين :
    الأَوّل : حجية رواية ابن مسكان في نفسها.
    الثاني : تقديمها ـ بعد حجيتها ـ علىٰ ما لا يتضمن تلك الزيادة.
    أمّا الامر الأَوّل : فيشكل الالتزام به من جهة ان الرواية مرسلة ، ولا سيّما أن مرسلها البرقي الذي طعن عليه بالرواية عن الضعفاء ، ولكن مع ذلك فقد يقال بحجيتها لاحد وجهين :
    الوجه الاول : وجود الرواية في الكافي فلا يضرها الارسال بعد ذلك ، وذكر هذا المحقق النائيني 1 (3) وقد حكي عنه انه قال ( ان الخدشة
    __________________
    (1) رسالة لا ضرر 15.
    (2 و 3) رسالة لا ضرر تقريرات المحقق النائيني : 19.

    في اسناد روايات الكافي من حرفة العاجز ) (1) ، ويبدو أن العلاّمة شيخ الشريعة أيضاً اعتمد علىٰ هذا الوجه ، ولعل تأثره بالوجوه التي ذكرها المحدث النوري في خاتمة المستدرك في تصحيح احاديث الكافي.
    ولكن تلك الوجوه ضعيفة لا يمكن الاعتماد عليها كما اوضحنا ذلك في بعض ابحاثنا الرجالية.
    الوجه الثاني : ان يقال إن اصل هذه القضية التي ذكرت في رواية ابن مسكان عن زرارة قد ثبتت أيضاً برواية ابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفر 7 ، وبرواية أبي عبيدة عنه 7 أيضاً ، فمطابقة رواية ابن مسكان في اصل القضية لتلك الروايتين مما يوجب الوثوق بصدورها.
    ويرد عليه :
    أوّلاً : إنّه إذا كان مبنىٰ الاعتماد علىٰ رواية ابن مسكان توافقها في المضمون مع روايتي ابن بكير وأبي عبيدة ، فاللازم الاقتصار في ذلك علىٰ موارد الاتفاق فيما بينها ، ولا يمكن التعدي عنها إلىٰ موارد الاختلاف ، فإن قضية سمرة بنقل ابن بكير عن زرارة لم تتضمن زيادة ( على مؤمن ) وان تضمنت أصل حديث ( لا ضرر ولا ضرار ) كما أنها بنقل أبي عبيدة لم تتضمن اصل الحديث ، فكيف يمكن الالتزام باعتبار رواية ابن مسكان في مورد الاختلاف بينها وبين تلك الروايتين بسبب التوافق بينها في اصل القضية ؟!
    وثانياً : إن رواية ابن بكير غير متضمنة لهذه الزيادة ، ولا يمكن توجيه عدم تضمنها لها بأنه من باب الاختصار ـ مع أنه حذف لما يخل بالمعنى حذفه ـ لان الاختصار في مثل ذلك لا يوافق اصول الاختصار المعمولة في باب الروايات كما سيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى ، وعلى هذا فالقول
    __________________
    (1) معجم الرجال 1 : 87.


    باعتبار رواية ابن مسكان في هذا الموضع ، مع منافاتها مع مصدر اعتبارها ، وهو خبر ابن بكير ممّا لا محصل له ، لأنّ مرجعه إلىٰ انّه إذا كان هناك خبران متعارضان يشتركان في جزء من مضمونهما ، وكان احدهما حجة في نفسه دون الآخر ، فإنّ الثاني يكون حجة في جميع مضمونه بملاحظة اشتراكه مع الاول في جزء من مضمونه ، ثم يتعارضان في نقطة الاختلاف بينهما ، وربما يتقدم الثاني علىٰ الاول ـ الذي اكتسب منه الحجية ـ ببعض الوجوه والاعتبارات ، ! وهذا أمر لا ريب في بطلانه.
    فتحصل مما تقدّم ان رواية ابن مسكان لم يثبت اعتبارها في نفسها لتكون حجة علىٰ ثبوت زيادة ( علىٰ مؤمن ) في آخر الحديث.
    وأمّا الامر الثاني : وهو تقديم هذه الرواية المتضمنة للزيادة ـ علىٰ تقدير حجيتها ـ علىٰ ما لا يتضمن الزيادة وهي رواية ابن بكير ، فربما يحتج له : بأن مقتضىٰ الاصل في دوران الامربين الزيادة والنقيصة هو البناء علىٰ الزائد والاخذ به واعتبار الخلل في مورد النقص.
    وتحقيق الكلام في ذلك يستدعي البحث في مقامين :
    المقام الأَوّل : في ثبوت الاصل المذكور وهو بحث مهم جداً ، لانه يتضمن مسألة سيّالة كثيرة الدوران في الفقه.
    والمقام الثاني : فيما يقتضيه الموقف علىٰ تقدير عدم ثبوت هذا الاصل.
    أما المقام الأَوّل : فيلاحظ ان مقتضىٰ القاعدة الاولية هو اعمال قواعد المتعارضين من الترجيح أو التساقط ، لان الدليلين هنا من قبيل المتعارضين بالنسبة إلىٰ كيفية النقل فيجري فيهما القواعد العامة في باب التعارض وهي تقتضي ملاحظة المزايا في الجانبين فإن اقتضت رجحان احدهما أو أوجبت الوثوق به ـ علىٰ القولين في باب التعارض من كفاية الرجحان في الترجيح أو

    اعتبار الوثوق كما هو المختار ـ أُخذ بالجانب الراجح ـ سواءاً كان هو الزيادة أو النقيصة وإلاّ تساقط الدليلان ولم يمكن الاعتماد علىٰ أي منهما. هذا بحسب الأَصل الأَولي.
    وأمّا الأصل الثانوي المقتضي لتقديم جانب الزيادة علىٰ جانب النقيصة كقاعدة عامة في موارد دوران الامر بينهما ففي حقيقته احتمالان :
    الاحتمال الأَوّل : أن يكون صغرى وتطبيقاً للقاعدة العامة للترجيح الصدوري ـ لا أصلاً موضعياً يرجح جانب الزيادة مستقلاً عن تلك القاعدة ـ وذلك بان يكون المقصود به التعبير عن وجود مزية نوعية قائمة في طرف الزيادة دائماً أو غالباً بحيث توجب أقربية الزيادة إلىٰ الصدور من النقيصة ، في فرض عدم رجحان طرف النقيصة في القيمة الاحتمالية للصدور ، وإلاّ لم يرجح جانب الزيادة ولم يؤخذ بها.
    وبناءاً علىٰ تفسير القاعدة المذكورة بهذا الاحتمال فيمكن الاستدلال عليها بوجهين.
    الوجه الأَوّل : أن يقال إنّ احتمال الغفلة في جانب الزيادة أبعد من احتمالها في جانب النقيصة فيلزم الاخذ به ، ولعل وجه الابعدية أن الغفلة ـ بمعنىٰ الذهول ـ إنما تتناسب بحسب طبيعتها لأَن تكون سبباً لترك شيء ثابت لا لإثبات شيء غير واقع كما هو مشاهد وجداناً.
    ويرد عليه :
    أوّلاً : بأن الأَمر لا يدور بين الغفلتين ، ليرجح احتمال عدم الغفلة في جانب الزيادة علىٰ احتمال عدم الغفلة في جانب النقيصة ، فإن لكل من الزيادة والنقيصة مناشئ أُخرى غير ذلك ، فقد تتحقق الزيادة لاجل النقل بالمعنى على اساس أن الراوي يستفيد قيداً للكلام من القرائن المحتفة به حسب فهمه فيتبعه ولا يثبته غيره لأنّه لم يستفده منها ، وقد تتحقق النقيصة


    من جهة الاختصار في النقل ، أو تصور كون القيد توضيحياً لا احترازياً مثلاً ، فلا بُدّ من ملاحظة مجموع الاحتمالات ودرجة كل احتمال بحد ذاته ثم الحكم علىٰ ضوء ذلك.
    وثانياً : بانّه لو فرض دوران الامر بين الغفلتين فإن أبعدية الغفلة في جانب الزيادة لا تقتضي إلا أرجحية احتمال الغفلة في جانب النقيصة بمعنىٰ الظن بوقوعها ولكن قد حقق في محله انّه لا يكفي الرجحان بمعنىٰ الظن في تقديم أحد المتعارضين علىٰ الآخر ، لعدم الدليل علىٰ حجية الظن بالصدور لا تعبداً ولا عقلاً ، بل العبرة في ذلك بالوثوق بأحد الطرفين ، بنحو يوجب انصراف الريبة الحاصلة من العلم الاجمالي بخطأ احدهما إلىٰ الطرف الآخر دون هذا الطرف.
    الوجه الثاني : أن يقال : إنّ الزيادة ليس لها تفسير ـ علىٰ تقدير صدق الراوي ـ إلا الغفلة فينفى هذا الاحتمال بأصالة عدم الغفلة ، وأما النقيصة فيمكن تفسيرها بوجوه أُخر ، من قبيل الاختصار في النقل أو توهم تساوي وجود الزيادة وعدمها في المعنىٰ وغير ذلك ، ومن هنا يرجح احتمال وقوع النقيصة في الناقص ويبنى علىٰ ثبوت الزيادة.
    ويرد عليه :
    أوّلاً : أن سبب الزيادة ـ كما تقدّم ـ لا ينحصر بالغفلة ، بل قد تكون الزيادة من جهة النقل بالمعنى بعد فهم الزائد من لحن الكلام ومناسبات الحكم والموضوع ، أو بلحاظ ما اعتقده الراوي من القرائن المقامية المحتفة بالكلام او لغير ذلك ، فالنسبة بين مناشئ الزيادة والنقيصة ليست عموماً وخصوصاً مطلقاً بأن تكون مناشئ الزيادة مناشئ للنقيصة أيضاً ولا عكس كما ذكره بعض الاعاظم (1).
    __________________
    (1) الإمام الخميني (قده) في الرسائل 26 ـ 27 نحوه.

    وثانياً : انّه لا عبرة بمجرد زيادة المحتملات في احد الجانبين بالنسبة إلىٰ الجانب الآخر ، بل لا بُدّ من ملاحظة درجة الاحتمال في كل واحد منهما علىٰ ضوء جهات اخرى من قبيل وحدة الراوي وتعدده أو قرب الاسناد وبعده ، أو اوثقية رواة احد النقلين بالنسبة إلىٰ رواة الآخر وهكذا ، فمجرد زيادة المحتملات في جانب النقيصة لا يوجب أرجحية احتمال وقوعها في مقابل احتمال وقوع الزيادة.
    وثالثا : لو سلمنا أرجحية احتمال وقوع النقيصة من احتمال وقوع الزيادة إلا أنه لا يستوجب الاخذ به لعدم حجية الظن في هذا الباب كما تقدّم آنفاً.
    الاحتمال الثاني : في تفسير الاصل المذكور : أن يكون أصلاً موضعياً يرجح جانب الزيادة علىٰ النقيصة من جهة الصدور ـ مستقلاً عن القاعدة العامة للترجيح ـ بمعنىٰ لزوم الاخذ بالزيادة والبناء علىٰ صحتها بغض النظر عن تكافؤ الاحتمالين أو أرجحية جانب الزيادة أو أرجحية جانب النقيصة ما لم تصل إلىٰ درجة الاطمئنان والوثوق ، وإلاّ كان العمل بالخبر الموثوق به دون الآخر وإن كان متضمناً للزيادة أو النقيصة.
    وقد يستظهر هذا الاحتمال من كلام العلامة شيخ الشريعة (قده) حيث قال (1) بعد نقل اختلاف الروايات في هذه الزيادة : وبناءً على القاعدة المطردة المسلمة إنّ الزيادة إذا ثبتت في طريق قدمت على النقيصة ، وحكم بوجودها في الواقع وسقوطها عن رواية من روى بدونها ، وانّ السقوط إنما وقع نسياناً أو اختصاراً أو توهماً بأنه لا فرق بين وجودها وعدمها إلاّ التأكيد ، أو غير ذلك من وجوه ما يعتذر به للنقص في قضية شخصية ثبتت في طريق آخر مع
    __________________
    (1) رسالة لا ضرر 15.


    الزيادة ، فينتج ما ذكر أن الثابت في قضية سمرة هو قوله ( لا ضرر ولا ضرار علىٰ مؤمن ) لا هما مجردين. انتهى.
    ولكن يرد عليه ـ على تقدير تمامية الاستظهار المذكور ـ :
    أولاً : انّه لم يثبت هناك اصل عقلائي في خصوص المقام يقتضي البناء على صحة الزيادة ، وإنّما العبرة عند العقلاء بقيام القرائن الموجبة للوثوق بأحد الطرفين ، كما في سائر الموارد الأخرى ، فمتى حصل الوثوق باحدهما بعد تجميع القرائن في كل واحد منهما بنوا عليه ، سواء أكان هو ثبوت الزيادة أو عدم ثبوتها ، وإلا تساقطا معاً ، ودعوى اطراد تقديم الزيادة في تعارض الطرق ممنوعة جداً ، فهل ترى أنّ احداً إذا كان في مقام استلام الف دينار من غيره ، فأمر اثنين بعد المبلغ فعدّه احدهما ألفاً ، والآخر ألفاً وخمسة وعشرين ، فهل تراه يقدّم قول الاول بالبناء علىٰ اصالة ثبوت الزيادة ويرجع خمسة وعشرين ديناراً إلى صاحب المال ؟!
    وثانياً : انّ ما ذكره 1 من كون ذلك مسلماً عند الكل في غير محله ، بل وقع الاختلاف فيه بين العامة والخاصة ، ونقتصر على الاشارة إلى آراء بعضهم ، فالمحقق النائيني 1 مثلاً يرى أن مبنى الاصل المذكور هو ابعدية احتمال الغفلة بالنسبة إلى الزيادة عن احتمالها بالنسبة إلى النقيصة ، وهذه الأَبعدية لا تتم فيما لو كان الراوي للزائد واحداً وللناقص متعدداً (1) ، فهذا يدل على أنّه (قده) لا يرى البناء على الزيادة أصلاً برأسه ، بل يراه مبنياً على محاسبة الاحتمالات واختلاف درجتها في الجانبين.
    والزيلعي من محدثي العامة ذكر في كلام له في نصب الراية (2) ما نصّه
    __________________
    (1) لاحظ رسالة لا ضرر تقريرات المحقق النائيني : 192.
    (2) نصب الراية 1 / 336.

    ( إن قيل إن الزيادة من الثقة مقبولة ، قلنا ليس ذلك مجمعاً عليه بل فيه خلاف مشهور ، فمن الناس من يقبل زيادة الثقة مطلقاً ، ومنهم من لا يقبلها والصحيح هو التفصيل : وهو أنّها تقبل في موضع دون موضع فتقبل اذا كان الراوي الذي رواها ثقة حافظاً ثبتاً ، والذي لم يذكرها مثله أو دونه في الوثاقة وتقبل في موضع آخر بقرائن تحفّها ومن حكم حكماً عاماً فقد غلط ).
    وهكذا اتضح مما تقدّم أنه لا وجه لترجيح جانب الزيادة علىٰ جانب النقيصة علىٰ اساس قاعدة عامة تقتضي ذلك ، سواءاً كانت تطبيقاً للقاعدة العامة للترجيح الصدوري أو أصلاً مستقلاً برأسه ، وعلىٰ ضوء ذلك فلا يمكن اثبات زيادة ( علىٰ مؤمن ) في الحديث استناداً إلىٰ هذا الاصل.
    هذا تمام الكلام في المقام الأَوّل.
    وأمّا المقام الثاني : وهو فيما يقتضيه الموقف بعد عدم تمامية الاصل المذكور ، ففيه وجهان :
    الوجه الأول : أن يرجح ثبوت الزيادة في هذه الحالة أيضاً بتقريب : أن من لاحظ رواية ابن مسكان المتضمنة لزيادة ( علىٰ مؤمن ) ، وقارن بينها وبين روايتي ابن بكير وأبي عبيدة يجد انّ سياقها قائم علىٰ التفصيل وذكر خصوصيات ما دار بين الرجل الانصاري وبين سمرة ، ثم ما دار بينهما وبين رسول الله 9 ، بينما الروايتان الأخريان ليس سياقهما في ذكر تمام الخصوصيات ، فرواية ابن مسكان ليست في مستوى الروايتين اجمالاً وتفصيلاً حتىٰ يتوقع تضمنهما لما تضمنته ، ليكون عدم تضمنهما لشيء جاء فيها موجباً للتشكيك في ثبوته ، بل إنها تمثل الصورة التفصيلة للقضية بينما هما يتضمنان الصورة الاجمالية لها فعدم ذكر كلمة ( على مؤمن ) فيهما لعدم كونهما في هذا السياق.
    ويرد عليه : أنّ للاختصار اصولاً وقواعد لا تأتي في جميع الموارد ،

    فربما يصح الاختصار ويكون مناسبأ في مورد لخلو التفصيل عن أي فائدة مهمة ، ولا يكون كذلك في مورد آخر ، والمقام من هذا القبيل فإنّ الاختصار في نقل التفاصيل الدائرة في القضية مما ليس لها اثر فقهي لا يقارن بالاختصار في نقل كلام النبي 9 الذي هو في مقام القاء كبرى كلية بحذف بعض كلماته ، فالاجمال من الجهة الأولىٰ موافق لاصول الاختصار ، بخلافه من الجهة الثانية فلا يمكن قياس الثاني بالأَوّل.
    الوجه الثاني : أن يرجح عدم ثبوت الزيادة ، ويخرّج ورودها في رواية ابن مسكان علىٰ انها كانت اضافة من الراوي لفهمه من مناسبات الحكم والموضوع ـ كما ذكره المحقق النائيني (قده) ـ وذلك بتصوّر أن المنع من الاضرار بالغير يمثل رحمة بالنسبة اليه ، ولا يناسب شمول ذلك للكافر الذي امرنا بالشدة معه كما في قوله تعالىٰ ( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) (1) ، فلا محالة تختص كبرى لا ضرر ولا ضرار بالمؤمن فيزاد لفظ ( علىٰ مؤمن ).
    وهذا الوجه هو الاقرب في النظر لرجحان رواية ابن بكير ، الخالية عن الزيادة المذكورة من عدة جهات يمكن بملاحظة مجموعها ترجيح الوجه المزبور وهذه الجهات هي :
    الأولى : قرب الاسناد في رواية ابن بكير ، فإن بين الكليني وبين الامام 7 في رواية ابن بكير ، عن زرارة خمس وسائط وبينه وبين الامام في رواية ابن مسكان ست وسائط ومعلوم أنّه كلما قلّ عدد الوسائط يقلّ معه احتمال مخالفة النقل للواقع ، لأنّ احتمال المخالفة يجيء في كل واحد من الرواة فيقل بطبيعة الحال فيما كان اقرب اسناداً إلىٰ الامام 7.
    الثانية : تعدد الرواة في رواية ابن بكير دون رواية ابن مسكان ، فإن
    __________________
    (1) سورة الفتح 48 / 29.

    الرواة عن عبد الله بن بكير في كل طبقة لا تقل عن رجلين ، بملاحظة ضم طريق الصدوق في المشيخة إلىٰ طريق الكليني ، وأما في رواية إبن مسكان فالراوي في كل طبقة رجل واحد فقط.
    هذا مضافاً إلىٰ انّ كتاب ( عبد الله بن بكير ) كان كثير الرواة كما ذكر ذلك النجاشي ، وأما كتاب ( عبد الله بن مسكان ) فلم يذكر ذلك بشأنه ، فلو استظهرنا أن مصدر الكلينى أو الصدوق فيما روياه عن عبد الله بن بكير نفس كتابه ، فلا تقاس حينئذٍ روايته برواية ابن مسكان ، من حيث الاعتبار.
    ولكن لا سبيل إلىٰ هذا الاستظهار بالنسبة إلىٰ نقل الكليني كما هو واضح ، وقد يقال بثبوته بالنسبة إلىٰ نقل الصدوق لأنّه ابتدأ باسم ابن بكير وله طريق اليه في المشيخة ، فيعلم بذلك انّه اخذ رواياته من كتابه ، ولكن هذا ليس بصحيح ـ كما تقدمت الاشارة اليه ـ لأن الصدوق (قده) لم يتقيد في الفقيه بالابتداء باسم صاحب الكتاب الذي اخذ الحديث من كتابه بل يبتدأ باسم غيره كثيراً ، فمجرد الابتداء باسم شخص وإنّ كان له سند اليه في المشيخة ، أو كان كتابه مشهوراً لا يقتضي كون مصدره في النقل عنه نفس كتابه.
    الثالثة : إنّ رواة الحديث في سند الصدوق إلىٰ ابن بكير اعظم شأناً وأجل قدراً من رواته في سند الكليني إلىٰ ابن مسكان ، فمن رواة الاوّل ( الحسن بن علي بن فضال ) الذي قال عنه الشيخ : كان جليل القدر عظيم المنزلة زاهداً ورعاً ثقة في الحديث ، ومنهم ( احمد بن محمّد بن عيسى ) الذي قال عنه النجاشي : شيخ القميين ووجههم وفقيههم غير مدافع ، ومن رواة الثاني ذلك المجهول الذي روى عنه محمّد بن خالد البرقي ولم يذكر اسمه ، وقد ذكر في شأن البرقي انّه كان ضعيفاً في الحديث يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل ، ومنهم احمد بن محمّد بن خالد الذي


    قال عنه ابن الغضائري طعن عليه القميون وليس الطعن فيه وإنّما الطعن فيمن يروي عنه ، فإنّه كان لا يبالي عمّن يأخذ علىٰ طريقه اهل الاخبار ، وقال الشيخ : كان ثقة في نفسه غير انّه اكثر الرواية عن الضعفاء واعتمد المراسيل. ونحوه كلام النجاشي.
    الرابعة : إن الكليني قد فرق بين روايتي ابن بكير وابن مسكان في كيفية النقل من وجهين يقتضيان أرجحية رواية ابن بكير وهما :
    1 ـ إنّه نقل رواية ابن بكير في اوائل الباب ونقل رواية ابن مسكان في اواخره ، وفصل بينهما بجملة احاديث تختلف عنهما موضوعاً ، فهذا قد يدل علىٰ ان ذكر الثانية كان علىٰ سبيل الاستشهاد والتأييد لا علىٰ سبيل الاعتماد علىٰ ما هو دأبه ـ فيما عرفناه بالتتبع في كتابه ـ من ترتيب الروايات علىٰ حسب مراتبها عنده في الصحة والاعتبار ، وقد تنبه لهذا بعض المحققين أيضاً (1).
    2 ـ إنّه نقل رواية ابن بكير بتوسط العدة عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، ولكنه نقل رواية ابن مسكان بتوسط علي بن محمّد بن بندار عنه ، ولا يبعد أن يكون منشأ ذلك انّه قد نقل الرواية الأولىٰ عن النسخة المشهورة أو الاجزاء المشهورة من كتاب المحاسن للبرقي ، ولذا نقلها بتوسط العدة ، وأمّا الثانية فنقلها من غير كتاب المحاسن أو غير النسخة أو الاجزء المشهورة منه فلذا كان الراوي لها واحداً.
    وتوضيح ذلك انّ كتاب المحاسن للبرقي وإن عدّ من الكتب المشهورة ـ كما في مقدمة الفقيه ـ إلا أن جميعه لم يكن كذلك ، وقد ذكر الشيخ والنجاشي : انّه قد زيد في المحاسن ونقص وقد اختلفت الرواة في عدد
    __________________
    (1) روضات الجنّات 6 / 116.

    كتبه ، ومما يدل علىٰ عدم اشتهار جميعه ما في ترجمة محمّد بن عبد الله الحميري من انّه قال : كان السبب في تصنيفي هذه الكتب ـ اشارة إلىٰ بعض كتبه ـ اني تفقدت فهرست كتب الخاصة التي صنفها احمد بن ابي عبد الله البرقي ، ونسختها ورويتها عمن رواها عنه وسقطت هذه السنة عني فلم اجد لها نسخة ، فسألت إخواننا بقم وبغداد والري فلم اجدها عند أحد منهم فرجعت إلىٰ الأصول فاخرجتها والزمت كل حديث منها كتابه وبابه الذي شاكله.
    وكيف كان فلا اشكال في ان كتب المحاسن لم يكن كلها علىٰ مستوىٰ واحد من الشهرة والنقل ، فلو كانت رواية ابن بكير مروية من الكتب المشهورة دون رواية ابن مسكان ، كما يومي اليه توسط العدة في نقل الأولىٰ ، وعلي بن محمّد بن بندار فقط في نقل الثانية ، كانت الأولىٰ اوثق واقرب إلىٰ الاعتبار.
    الخامسة : إنّ زيادة ( علىٰ مؤمن ) لم ترد في سائر موارد نقل حديث ( لا ضرر ولا ضرار ) في كتب العامة والخاصة سواء ما جاء في ضمن قضية خاصة وغيره ، وهذا مما يقرّب احتمال كونها من قبل الراوي.
    فتحصل مما تقدّم انّ الاصح عدم ثبوت زيادة ( علىٰ مؤمن ) في ذيل حديث لا ضرر.
    المقام الثالث : ممّا يتعلق بمتن الحديث : في تحقيق حال القسم الثاني منه وهو لفظ « لا ضرر » وقد اختلفت فيه مصادر العامة والخاصة ، امّا باختلاف الروايات أو باختلاف النسخ ـ وهذا هو الاكثر ـ.
    أما في ( مصادر العامة ) فقد نقل الحديث فيها علىٰ انحاء :
    1 ـ ما لا يتضمن القسم الثاني أصلاً كالمروي عن جامع الصنعاني باسناده عن الحجاج بن ارطأة ، عن أبي جعفر 7 في حديث قال :


    قال النبي 9 : ( لا ضرر في الإسلام ). وهذا يحتمل فيه السقوط للجملة الثانية.
    2 ـ ما يتضمه بصيغة ( لا ضرورة ) كرواية أبي هريرة المروية في سنن الدارقطني ، اذ جاء فيها ( لا ضرر ولا ضرورة ) وكرواية عبادة بن الصامت علىٰ ما في كنز العمال نقلاً عن زيادات عبد الله بن احمد بن حنبل في مسند أبيه ، وصحيح أبي عوانه والمعجم الكبير للطبراني ، ولكن سائر مصادر رواية عبادة ـ ممّا اطلعنا عليه ـ نقلت حديثه بصيغة ( لا ضرار ) وهي الموجودة في مسند احمد بن حنبل.
    3 ـ ما يتضمنه بصيغة ( لا إضرار ) كرواية ابن عباس بنقل احمد بن حنبل ، والدارقطني ورواية أبي سعيد الخدري بنقل الدارقطني أيضاً ، ورواية عائشة بنقل الزيلعي عن معجم الطبراني.
    4 ـ ما يتضمنه بصيغة ( لا ضرار ) وهذا هو الاكثر شيوعاً في مصادرهم الحديثية والفقهية.
    وامّا ( مصادر الخاصة ) وما يلحق بها ككتاب دعائم الإسلام ، فهي مختلفة علىٰ النحوين الاخيرين : ( لا ضرار ) و ( لا إضرار ) كما يلي :
    1 ـ رواية ابن بكير عن زرارة : ورد فيها في بعض نسخ الكافي ـ وهي النسخة المطبوعة بهامش مرآة العقول ـ بصيغة ( لا إضرار ) (1) ، ولكن ورد في الطبعة القديمة والحديثة من الكافي وكذا التهذيب بطبعتيه والفقيه بطبعته النجفية والوسائل والوافي جميعاً بصيغة ( لا ضرار ) (2).
    __________________
    (1) في النسخة التي بين ايدينا من المرآة 19 / 394 ـ 395 ح 2 لا ضرار. ولكن في الطبعة الحجرية 3 / 433 فيها : لا إضرار.
    (2) الكافي ط قديم 1 / 414 ، ط حديث 5 / 292 ح 2 ، التهذيب ط قديم 2 / 158 ، ط حديث 7 / 146 ، الفقيه 3 / 147 ، ح 648 ، الوسائل 25 / 428 ـ 429 ح 32281 ، الوافي المجلد 3 الجزء 10 / 10.

    2 ـ رواية ابن مسكان عن زرارة : ورد فيها بصيغة ( لا إضرار ) في الكافي المطبوع بهامش مرآة العقول ، وكذا في الوافي (1) ولكن في الطبعتين القديمة والحديثة من الكافي وكذا في الوسائل بصيغة ( لا ضرار ) (2).
    3 ـ رواية عقبة بن خالد في الشفعة : ورد فيها بصيغة ( لا اضرار ) في الفقيه ـ الطبعة الحديثة ـ وكذا في الوافي نقلاً عن الكافي والتهذيب والفقيه (3) ، ولكن في غيرهما من المصادر ورد بصيغة ( لا ضرار ) (4).
    4 ـ رواية عقبة بن خالد في منع فضل الماء : ورد فيها في الوافي بصيغة ( لا إضرار ) (5) ولكن في غيره ورد بصيغة ( لا ضرار ) (6).
    5 ـ مرسلة الصدوق : ورد فيها بلفظ ( لا إضرار ) في المطبوعة النجفية من الفقيه (7) ، ولكن في الوسائل بصيغة ( لا ضرار ) (Cool.
    6 ـ مرسلة ابن أبي جمهور : ورد فيها بلفظ ( لا إضرار ) في النسخة المخطوطة التي اطلعنا عليها من عوالي الللآلي (9).
    7 ـ مرسلة دعائم الإسلام في حديث هدم الحائط : ورد فيها بصيغة
    __________________
    (1) الكافي ط قديم 1 / 414 ، مرآة العقول 3 / 433 ، الوافي المجلد 3 الجزء 10 / 143.
    (2) الكافي ط حديث 5 / 294 ح 8 ، الوسائل 25 / 429 ح 32282.
    (3) الفقيه 3 : 45 / 154 ، الوافي المجلد 3 الجزء 10 / 103 ، الكافي ط قديم 1 / 410.
    (4) الكافي 5 : 28 / 4 ، التهذيب 7 : 164 / 727 ، التهذيب ط قديم 2 / 162 ، الوسائل 25 : 399 ـ 400 ح 32217.
    (5) الوافي المجلد 3 الجزء 10 / 136 ، مرآة العقول 3 / 434 وط قديم 1 / 414.
    (6) الوسائل 25 : 420 / 32257 ، الكافي 5 / 293 ـ 294 ح 6 ، الكافي المطبوع في المرآة 19 : 397 ـ 398.
    (7) الفقيه 4 / 243 ح 777.
    (Cool الوسائل 26 / 14 ح 32382.
    (9) وهي من موقوفات مقبرة فقيه عصره السيد ابو الحسن الاصفهاني (قده) في النجف الأَشرف.


    ( لا إضرار ) ـ علىٰ ما في مطبوعته المصرية ، ـ ولكن في المستدرك عنه بصيغة ( لا ضرار ) مع جعل ( لا إضرار ) نسخة بدل عنها (1).
    8 ـ مرسلة دعائم الإسلام الأُخرىٰ : ورد فيها بصيغة ( لا إضرار ) في جملة من نسخها المخطوطة التي اعتمدها محقق الطبعة المصرية ، وفي واحدة منها بصيغة ( لا ضرار ) كما هو كذلك في المستدرك أيضاً (2).
    9 ـ المصادر الفقهية وغيرها كالخلاف والتذكرة والتبيان والغنية (3) ونحوها : ورد فيها بالصيغتين تارة ( لا ضرار ) وأُخرى ( لا إضرار ) والاكثر هي الاولى.
    وبعد ملاحظة اختلاف لفظ الحديث باختلاف النسخ أو الروايات فما هو الارجح من بينها ؟!
    الظاهر انّ الأمر دائر بين صيغتي ( لا ضرار ولا إضرار ) ، وأمّا ما ورد في بعض مصادر العامة من حذف القسم الثاني من الحديث رأساً أو ثبته بصيغة ( لا ضرورة ) فلا يمكن الاعتماد عليه أصلاً كما هو واضح ، والارجح في النظر من الصيغتين المذكورتين هي الأولىٰ منهما أي ( لا ضرار ) ـ كما استقربه في مجمع البحرين أيضاً ـ وذلك لوجوه.
    الأَوّل : إنّه ورد في عنوان الكافي ( باب الضرار ) (4) وهو يناسب كون الصيغة المستعملة في الحديث ( لا ضرار ) لا لفظ ( لا إضرار ) كما لا يخفى.
    الثاني : إنّه قد جاء في قضية سمرة توصيف النبي 9
    __________________
    (1) دعائم الإسلام 2 / 504 ح 1805 ، مستدرك الوسائل 17 / 118 ح 20927.
    (2) دعائم الإسلام 2 / 499 ح 1881 ، مستدرك الوسائل 17 / 118 ح 20928.
    الخلاف 3 / 42 ذيل المسألة 60 وص 81 ذيل المسألة 131 وص 83 ذيل المسألة 136.
    (3) التبيان 1 / 379 والغنية الطبعة ألحجرية غير مرقمة.
    (4) الكافي ط حديث 5 / 292.

    لسمرة بانّه رجل مضار ـ كما تضمن ذلك خبر ابن مسكان وخبر أبي عبيدة وبعض اخبار العامة ، ـ ولفظ ( مضار ) صفة من باب المفاعلة كلفظ ( ضرار ) ، فيناسب أن تكون الكبرىٰ المذكورة في القضية بصيغة المفاعلة أيضاً ليسانخ الصفة المذكورة فيه.
    الثالث : إنّ الشهيد في القواعد (1) اعتنى بضبط الكلمة وذكر انّها بكسر الضاد وحذف الهمزة.
    الرابع : إنه ورد في رواية هارون بن حمزة الغنوي المتقدمة قوله 7 ( هذا الضرار ) وهو يناسب أن تكون الكبرىٰ التي يبدو ان الامام 7 كان بصدد تطبيقها بهذا اللفظ أيضاً دون غيره.
    الخامس : إن كتب اللغة اتفقت علىٰ ضبط الكلمة بصيغة ( ضرار ) وضبطها للالفاظ اكثر اعتباراً من ضبط كتب الحديث والفقه لتركيزها علىٰ هيئة الكلمة بحسب طبعها مما يبعدها عن التحريف اكثرمن غيرها.
    فبمجموع هذه الوجوه يطمئن بأن لفظ الحديث هو ( لا ضرار ) لا لفظ ( لا إضرار ).
    فتحصل من جميع ما ذكرناه ان الصيغة الثابتة للحديث إنّما هي ( لا ضرر ولا ضرار ) كما هو المعروف دون نقص أو تغيير أو زيادة وبذلك يتم الكلام في الفصل الاول وهو البحث عن سند الحديث ومتنه.
    __________________
    (1) القواعد والفوائد 1 / 123.


    ( الفصل الثاني في تحقيق مفاد الحديث )
    وقبل الدخول في البحث لا بأس بذكر بعض كلمات اللغويين في شرح معنىٰ الحديث وتوضيح المراد به.
    قال أبو عبيد كما في النهاية : وفيه ـ أي في الحديث ـ لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ، الضرُّ ضد النفع ، ضرّه يضرّه ضرّاً وضراراً ، وأضرّ به يضر إضراراً ، فمعنى قوله ( لا ضرر ) أي لا يضر الرجل أخاه فينقصه شيئاً من حقه ، والضرار فعال من الضرّ : أي لا يجازيه علىٰ إضراره بادخال الضرر عليه. والضرر : فعل الواحد ، والضرار فعل الاثنين ، والضرر ابتداء الفعل ، والضرار : الجزاء عليه ، وقيل الضرر ما تضر به صاحبك وتنتفع به انت ، والضرار أن تضرّه من غير أن تنتفع به وقيل هما بمعنىٰ وتكرارهما للتأكيد.
    وقال الازهري : روي عن النبيّ 9 إنّه قال لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ، ولكل واحدة من اللفظتين معنىٰ غير الآخر ، فمعنى قوله ( لا ضرر ) اي لا يضر الرجل أخاه فينقص شيئاً من حقه أو مسلكه ، وهو ضد النفع ، وقوله ( لا ضرار ) أي لا يضار الرجل أخاه مجازاة فينقصه ويدخل عليه الضرر في شيء فيجازيه بمثله ، فالضرار منهما معاً والضرر فعل واحد ، ومعنى قوله ( ولا ضرار ) أي لا يدخل الضرر والنقصان علىٰ الذي ضرَّه ولكن يعفو عنه كقول الله : ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) (1).
    هذا والكلام في تحقيق معنىٰ الحديث يقع تارة في مفاد المادة اللغوية
    __________________
    (1) سورة فصّلت 41 / 34.

    للضرر والاضرار والضرار ، وأُخرى في مفاد هيئتها الافرادية ، وثالثة في مفاد الهيئة التركيبية للجملتين فهنا ثلاثة مقامات.
    المقام الأَوّل : في مفاد مادة ( ض ر ر ) وقد ذكر اللغويون لها معان كثيرة ، كالنقص والضيق وسوء الحال والزمانة والعمىٰ والمرض والهزال والحاجة والقحط والايذاء والعلة وغير ذلك.
    ولكن لا اشكال في انّ هذه المادة ليس لها هذه الكثرة من المعاني ، بل المفهوم منها بحد ذاتها ليس إلا معنىٰ واحداً أو اثنين أو ثلاثة وأما البواقي فليست معان للمادة وتوضيح ذلك :
    إنّ المعاني المذكورة تنقسم باعتبار سعتها وضيقها إلىٰ فئتين : فئة المعاني العامة ، وفئة المعاني الخاصة. أمّا فئة المعاني العامة فهي المفاهيم التي تكون ابعد عن الخصوصيات واكثر تجرداً عنها واقرب إلىٰ الشمول والسعة بالنسبة إلىٰ سائرها ، وهي ثلاثة معاني من بين المذكورات ( النقص ـ ضد النفع ـ ، والضيق ، وسوء الحال ) وأمّا فئة المعاني الخاصة فهي سائر المعاني المذكورة التي هي ذات حدود ضيقة وتعتبر مصاديق للفئة الأولىٰ كالعمى والزمانة والمرض.
    وهذه الفئة لا اشكال في انّها ليست من معاني المادة ، لأن المفهوم. من المادة بحسب طبيعة معناها إنّما هو مفهوم عام لا يدخل فيه شيء من تلك الخصوصيات ، فمفهوم الضرر ومشتقاته لا يرادف العمى والزمانه والمرض والهزال ونحوها بل هي مصاديق له جزماً ، وإنّما ذكرت في كلمات اللغويين في عداد معافي المادة بسببين أمّا خلطاً للمفهوم بالمصداق بمعنىٰ خلط المعنىٰ الوضعي المدلول عليه بنفس اللفظ بالمعنى التأليفي المستفاد من الكلام علىٰ نحو تعدد الدال والمدلول ، وأمّا بغرض بيان ما اطلق عليه اللفظ سواء أكان معنىٰ له أو مصداقاً لمعناه ، لأن ذكر المصاديق يعين علىٰ معرفة


    معنى المادة وحدوده.
    وكيف كان فلا اشكال في أن فئة المعاني الخاصة المتقدمة خارجة عما يحتمل أن يكون ، معنىٰ لمادة ( ض ر ر ) ، ولكن المعاني الثلاثة العامة وهي النقص والضيق وسوء الحال هل هي جميعاً معاني لمادة تطلق عليها بالاشتراك اللفظي أو ان للمادة معنىٰ واحداً فقط ، وان المذكورات مرشحات لتمثيل هذا المعنىٰ العام ؟!
    ربما يستظهر الوجه الاول من كلمات كثير من اللغويين ، ولكن الصحيح هو الوجه الثاني ، لأن المنساق من هذه المادة علىٰ اختلاف مشتقاتها وفى مختلف موارد استعمالها ليس إلا معنىٰ عاماً واحداً ، لا يختلف باختلاف الموارد فينبغي طرح المعاني الثلاثة المتقدمة كاقتراحات في تعيين هذا المعنىٰ العام الوحداني فههنا عدة اقتراحات :
    الأول : أن يجعل المعنىٰ الاصلي ، ( سوء الحال ) ويرجع المعنيان الآخران اليه ، وهذا هو الذي اختاره الراغب في مفرداته قال ( الضر سوء الحال امّا في نفسه كقلة العلم والفضل والفقه وامّا في بدنه لعدم جارحة ونقص ، أو في حالة ظاهرة من قلة مال وجاه ).
    والملاحظ عليه انّ سوء الحال من المفاهيم المعنوية المحضة ـ بخلاف الضيق والنقص فإنّهما من المعاني المحسوسة ، وفرض الامور المعنوية المحضة معنىٰ اصيلاً للفظ يخالف طبيعة اللغة ، فإنّ أُصول اللغة معاني محسوسة وإنما ارتبطت الالفاظ بالمفاهيم غير المحسوسة ـ متاصلة كانت أو اعتبارية ـ بالتطور في المفاهيم الاصلية المحسوسة ، ولذلك قلنا في محله في الأصول إنّ الاعتبارات المتأصلة كالاعتبارات القانوية مثل الملكية والزوجية متأخرة في حدوثها عن الاعتبارات الادبية كالاستعارات والمجازات ، كما انّ الاعتبارات الادبية متأخرة عن المعافي الحسية ، فالمعاني الحسية هي بمثابة رأس ، المال

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3292
    نقاط : 4979
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    قاعدة لا ضرر ولا ضرار Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قاعدة لا ضرر ولا ضرار   قاعدة لا ضرر ولا ضرار Emptyأمس في 7:31

    للمفاهيم اللغوية ، حتىٰ أن لفظ ( العقل ) المعبر عن القوة المفكرة للانسان اصله من ( عقال البعير ) وهو الحبل الذي يشدّ به ليمنعه عن الحركة وهو امر محسوس ، وهذا يشير إلىٰ مدى اصالة المفاهيم الحسية في تكوين اللغة ، وعليه فتفسير اللفظ بمعنىٰ حسي أو أعم من الحسي وغيره ـ بحيث يكون اصيلاً في الحسّ ثم يتطور إلىٰ معنىٰ أعم ـ هو الاقرب إلىٰ طبيعة اللغة وما يعرف من مبادئ تكوينها ، ففي المقام يكون تفسير مادة ( ض ر ر ) بالضيق أو النقص أولى واقرب من تفسيرها بمفهوم تجريدي كسوء الحال.
    والحاصل إن تفسير الضرر بسوء الحال بعيد عن المعنىٰ اللغوي والراغب الاصفهاني الذي فسره به يغلب عليه النزعة الفلسفية في تفسير المفردات اللغوية ، فهو يفسر اللغة بالمنظار الفلسفي وانتزاعه لمعنى اللفظ متأثر في حالات كثيرة ـ بهذه النظرة ، كما انّ بعضاً آخر من اللغويين ، كالفيومي في المصباح المنير متأثر بالمصطلحات الفقهية في ذكر معاني الالفاظ ، وقد اوضحنا اختلاف حال اللغويين وتأثرهم بالعوامل الدخيلة في تفسير معاني الالفاظ في البحث عن حجية قول اللغوي في الأصول فلاحظ.
    الثاني : أن يجعل المعنىٰ الاصلي ( الضيق ) سواءاً كان حسياً مكانياً أو معنوياً حالياً ، بحيث يكون استعمال الضرر في موارد النقص وسوء الحال إنما هو بلحاظ تسبيبها للضيق.
    ويرد عليه : انّ الملاحظ كثرة استعمال الضرر في موارد النقص وان لم يستوجب ضيقاً علىٰ الشخص ، مضافاً إلىٰ أن الضيق قد جعل في الآية الكريمة : ( وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ) (1) غاية للاضرار فلا ينسجم مع
    __________________
    (1) سورة الطلاق 65 / 6.


    كون الضرر بمعنىٰ الضيق إذ لا معنىٰ لجعل الشيء غاية لنفسه فتدبر.
    الثالث : أن يجعل المعنىٰ الاصلي ( النقص ) وهذا هو الصحيح لأنه. انسب للتدرّج في توسعة دائرة مفهوم اللفظ من الامور المحسوسة إلىٰ غيرها ، واقدر علىٰ استيعاب الموارد المختلفة التي استعملت فيها هذه المادة من دون عناية وتنزيل.
    والمقصود بالنقص نقص الشيء عما ينبغي أن يكون عليه سواءاً كان النقص في الكم المتصل كما في مورد ضيق المكان ، أم في الكم المنفصل كما في نقص النقود وما ماثلها من اقسام العروض ، أم في الكيف كما في سوء الحال بالمرض ، أم في العين كما في المركبات الخارجية كنقص العضو ، أم في مورد الاعتبار القانوني كعدم مراعاة حق من حقوق الآخرين كما في قضية سمرة حيث لم يراع حق الانصاري في أن يعيش حراً في بيته بدخوله عليه من غير استيذان.
    هذا وقد يفصل في المقام فيقال : إنّ معنىٰ المادة في المجرد وفي باب الافعال أي في لفظ الضرر والاضرار وتصاريفهما ، هو النقص في الاموال والانفس ـ كما هي أيضاً مورد مقابله أي النفع ـ فلا يطلق الضرر والاضرار في موارد التضييق علىٰ الشخص واحراجه بسلب حقه وايذائه ونحو ذلك كما يشهد به العرف ، وأما في باب المفاعلة كالضرار والمضارة فهو عكس ذلك ، فإنّه يستعمل في التضييق علىٰ الشخص وايقاعه في الحرج والمشقة دون النقص ، كما يظهر ذلك بملاحظة الموارد التي استعمل فيها هذا الباب في القرآن الكريم والاحاديث الشريفة ، كما في قوله تعالىٰ : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ المُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ

    مِن قَبْلُ ) (1) فإنّ الكفار كانوا يقصدون باتخاذهم هذا المسجد تضعيف المسلمين وتفريقهم وتقوية اعدائهم كما يظهر من تتمة الآية ، لا ادخال الضرر المالي والنفسي عليهم ، ومن ذلك استعمال الضرار في مورد قضية سمرة فإنّ سمرة لم يكن يضر بالانصاري مالاً أو نفساً وإنّما كان يضيق عليه حياته ويحرجه في بيته كما هو ظاهر.
    ولكن ملاحظة موارد الاستعمال تشهد ببطلان هذا التفصيل لاستعمال الضرر والاضرار في موارد التضييق والنقص معاً ، واستعمال الضرار في موارد النقص المالي أو النفسي كما يستعمل في موارد التضييق ، ومن الاول قوله تعالىٰ : ( لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى ) (2) وقوله 9 ( من اضرّ بامرأته حتىٰ تفتدي منه نفسها لم يرض الله له بعقوبة دون النار ) ومن الثاني قوله تعالىٰ : ( مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ) (3) وقوله 7 في صحيحة الغنوي ( هذا الضرار ) اشارة إلىٰ مطالبة الشريك بذبح الحيوان مع إباء الشريك الآخر عن ذلك.
    هذا فيما يتعلق بتشخيص المعنىٰ العام لمادة ( ض ر ر ).
    المقام الثاني : في مفاد الهيئة الافرادية للضرر (4) والضرار والاضرار.
    __________________
    (1) سورة التوبة 9 / 107.
    (2) سورة آل عمران 3 / 111.
    (3) سورة النساء 4 / 12.
    (4) قد يقال لا وجه للبحث حول هيئة ـ الضرر ـ فإنها إن كانت مصدراً فلا توجد هيئة نوعية موضوعة لمصدر الثلاثي المضاعف الافعل بسكرن العين لا بفتحها ، وإن كانت اسم مصدر فاسم المصدر موضوع بوضع شخصي بمادته وهيئته لمعنى خاص وليست له هيئة نوعية ذات دلالة مستقلة عن دلالة المادة ؟
    وجواب ذلك ان المراد بمفاد الهيئة مطلق الدلالة التي تكون منوطة بها ، وان كان ذلك


    أما ( الضرر ) فهو بحسب الهيئة اسم حدث واسماء الاحداث يمكن تقسيمها إلىٰ ثلاثة اقسام :
    الأَوّل : ما يدل علىٰ المعنىٰ المصدري.
    الثاني : ما يدل علىٰ المعنىٰ الاسمي.
    الثالث : ما يشترك بين المعنىٰ المصدري والمعنىٰ الاسمي والفرق بين المصدر واسمه معنىٰ ـ علىٰ ما هو المحقق في محله ـ انّ المعنىٰ المصدري يتضمن نسبة تقييدية ناقصة كالنسبة التي تحتويها الاوصاف علىٰ احد قولين ، واما المعنىٰ الاسمي فهو نفس المعنىٰ دون نسبة تقترن به ، فنسبة المصدر إلىٰ اسم المصدر نسبة الايجاد إلىٰ الوجود فهما متحدان خارجاً مختلفان بالاعتبار ، فمثلاً اذا لوحظ ( العلم ) كمعنى خاص من غير لحاظه منسوباً إلىٰ عالم أو معلوم كما في المفعول المطلق حيث يقال ( علمت علماً ) كان معناه معنىٰ اسمياً ، وإذا لوحظ منسوباً إلىٰ العالم مثلاً كما في قولنا ( علم زيد بكذا محرز ) كان معناه معنىٰ مصدرياً.
    وأما الفرق بينهما لفظاً فهو موجود في بعض اللغات كاللغة الفارسية حيث ان المصدر فيها غالباً مختوم بالنون دون اسم المصدر كما يقال ( رفتن
    __________________
    بوضع شخصي ، ولا أشكال في ان معنىٰ المصدر او اسم المصدر انما يستفاد بملاحظة الهيئة والمادة باعتبارهما جزئين من الكلمة ، إذ مادة ( ض ر ر ) لا تدل علىٰ ذلك كما هو واضح ، بل ثبوت الوضع النوعي مطلقاً حتىٰ في الهيئات العامة كالأفعال والصفات مما لم بثبت عند السيد الاستاذ (قده) كما تعرض له في مباحث الأَلفاظ من علم الأصول ، بملاحظة طبيعة تكون اللغة فإن اللغة باعتبار انطلاقها من المجتمعات البدائية ، فلا يتصور في مفرداتها الوضع النوعي ، لأَن الوضع النوعي مفاده تجريد الذهن لصورة لفظية عامة متحررة من جميع المواد ووضعها لمعنى خاص ، وهذا إبداع عقلي لا يتصور في الوضاع البدائي كما لا يخفى.

    ورفتار ، كفتن وكفتار ، كشتن وكشتار ، كردن وكردان ، كتك وزدن ، كردش ، كرديدن ... ) ولكن في اللغة العربية لا امتياز بينهما في اللفظ غالباً ، فيستعمل اللفظ الواحد في كلا المعنيين ، نعم ربما يختص احدهما بلفظ خاص.
    والظاهر انّ لفظة ( الضرر ) اسم مصدر ـ كما عدّها بعض علماء اللغة ـ لأن المعنىٰ المنساق منها لا يتضمن النسبة التقييدية فلاحظ.
    وأمّا ( الضرار ) فهو مصدر علىٰ وزن ( فعال ) لباب ( فاعل يفاعل ) والمصدر الآخر لهذا الباب هو ( المفاعلة ) يقال : ضاره يضاره مضارة وضراراً ، ويعبر عن هذا الباب بباب المفاعلة نسبة إلىٰ أشهر مصادرها ، وقد نسب إلىٰ جمع من اللغويين القول بأن باب المفاعلة موضوع للمشاركة ، بمعنىٰ انّ كلاً من الطرفين فعل بالآخر مثل ما فعله الآخر به ك‍ ( ضارب زيد عمرواً ) ، ولكن احدى النسبتين في ذلك اصلية والأخرى تبعية.
    ولكن من لاحظ موارد الاستعمالات القرانية وغيرها لا يجد تمثل معنىٰ المشاركة فيها.
    ‌كقوله‌‌ تعالىٰ : ( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) (1).
    وقوله تعالىٰ : ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ ) (2). __________________
    (1) سورة البقرة 2 : 231.
    (2) سورة البقرة 2 : 233.

    وقوله تعالىٰ : ( وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ ) (1).
    وقوله تعالىٰ : ( وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللهِ ) (2).
    وقوله تعالىٰ : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ المُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ) (3). وقوله تعالىٰ : ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ) (4) ، وقوله 9 مخاطباً لسمرة ـ كما في خبر أبي عبيدة ـ ما أراك يا سمرة إلا مضاراً ، وقوله 7 في حديث عتق بعض الشركاء حصة من العبد ( وإن اعتق الشريك مضاراً وهو معسر ) إلىٰ غير ذلك من الموارد التي لا يلاحظ في شيء منها تمثل معنىٰ المشاركة.
    ولكن ربما يحاول تأويل بعض هذه الموارد تحقيقاً لمعنى المشاركة فيها فيقال مثلاً في جملة منها : إنّ المشاركة إنّما هو بلحاظ ان الاضرار بالغير يستتبع الضرر علىٰ النفس ضرراً اجتماعياً أو أخروياً فيتحقق معنىٰ المفاعلة ، أو يقال ـ في مورد قضية سمرة ـ ان العناية الموجبة لاستعمال هذا الباب فيه هو اصرار سمرة علىٰ الاضرار بالانصاري ، فكأنّ اصراره علىٰ الاضرار صار بمنبزلة صدور الفعل بين الاثنين منه فإضراره بمنزلة إضرارين ، أو يقال فيه أيضاً : إنّ الرجل الانصاري وإن كان لم يضر سمرة حقيقة إلا أن منعه إياه عن الدخول إلىٰ نخلته كان مضراً به في نظره ، إلىٰ غير ذلك من
    __________________
    (1) سورة البقرة 2 / 282.
    (2) سورة النساء 4 / 12.
    (3) سورة التوبة 9 / 107.
    (4) سورة الطلاق 65 / 6.

    الوجوه التي ذكرت في تأويل جملة من الموارد التي لم يتضح فيها معنىٰ المشاركة.
    ويرد علىٰ هذه الوجوه ـ مضافاً إلىٰ وضوح ضعفها في انفسها ، وعدم علاجها لجميع موارد استعمال هذا الباب ـ إنّه لا مبرر للاصرار علىٰ تأويل هذه الموارد ، بعد أن ثبت مجيء باب المفاعلة لغير المشاركة ، بل كثرة مجيئها لذلك كما يظهر بالتتبع في القواميس اللغوية ، لاحظ : شاور وسافر وجادل وسارع وساور وخادع ونافق وناجى وبادر وعاند وسامح وراجع وعاين وشاهد وكابر وزاول وضارب وآجر وزارع .. إلىٰ غير ذلك ، وقد اعترف بهذا علماء اللغة في علم الصرف حيث ذكروا لباب المفاعلة عدة معان كما سيأتي ان شاء الله.
    وكيف كان فبعد وضوح عدم تمامية الاتجاه المذكور في تفسير صيغ المفاعلة ـ وهو القول بدلالتها علىٰ المشاركة دائماً ـ فهناك اتجاهان رئيسيان في هذا المجال يبتني احدهما علىٰ تعدد المعنىٰ والآخر علىٰ وحدته.
    أمّا الاتجاه الأَوّل : فهو الذي سلكه علماء الصرف حيث جعلوا لهيئة باب المفاعلة عدة معان :
    منها : التكثير كباب ( فعّل ) كضاعف الشيء وضعفته بمعنىٰ كثرت اضعافه ، وناعمه الله ونعمه بمعنىٰ إنّه اكثر نعمه عليه.
    ومنها : أن يكون بمعنىٰ المجرد كسافرت بمعنىٰ سفرت أي خرجت إلىٰ السفر ، وربما يقال إنّه في ذلك يفيد المبالغة في الإسفار.
    ومنها : جعل الشيء ذا صفة كأفعل وفعّلَ نحو راعنا سمعك وارعنا أي اجعله ذا رعاية لنا ، وصاعر خدّه وصعره ، وعافاك الله أي جعلك ذا عافية ، وعاقبت فلاناً أي جعلته ذا عقوبة.


    وممن ذهب إلى هذا الاتجاه المحقق الرضي الاسترآبادي (قده) في شرح الشافية ، وعليه يمكن القول بأن معنىٰ المضارة هنا هو معنى المجرد ـ ولو مع افادة المبالغة والتأكيد ـ فيقال ( ضره ضرراً ، وضاره ضراراً ) بمعنى واحد بلا فارق جوهري بينهما.
    ولكن هذا الاتجاه إنّما يتعين الاخذ به إذا لم يمكن الاتجاه الثاني ـ المبني على وحدة معنىٰ هذا الباب ـ من تقديم معنى عام يصلح لجمع شمل الموارد المذكورة ، وإلاّ يتعين الأخذ بالاتجاه الثاني إذ لا مبرر لدعوى تعدد المعنى حينئذٍ ، فإنها تكون كدعوى تعدد معنى المادة لغة.
    وأما الاتجاه الثاني : فيضم عدة مسالك :
    المسلك الأَول : ما اختاره جمع من المحققين من أنّ هيئة المفاعلة تقتضي السعي إلى الفعل ، فإذا قلت ( قتلت ) فقد اخبرت عن وقوع القتل وإذا قلت ( قاتلت ) فقد اخبرت عن السعي إلى القتل ، فربما يقع وربما لا يقع ، ولا تقتضي المشاركة ، نعم ربما تكون المادة في نفسها مقتضية للمشاركة ـ من غير ارتباط لها بالهيئة ـ وذلك كما في المساواة والمحاذاة والمشاركة والمقابلة ، والشاهد على عدم استفادة المشاركة من الهيئة عدة آيات.
    منها : قوله تعالىٰ : ( يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ ) (1) ، فذكر سبحانه انّ المنافقين بصدد ايجاد الخدعة لكن لا تقع خدعتهم إلا على انفسهم ، ومن ثم عبر في الجملة الأولى بهيئة المفاعلة ، لأن الله تعالى لا يكون مخدوعاً بخدعتهم لأن المخدوع ملزوم للجهل
    __________________
    (1) سورة البقرة 2 / 9.

    وتعالى الله عنه علواً كبيراً ، وعبّر في الجملة الثانية بهيئة الفعل المجرد لوقوع ضرر خدعتهم علىٰ أنفسهم لا محالة.
    ومنها : قوله تعالىٰ : ( إِنَّ اللهَ اشْتَرَىٰ مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ) (1) حيث ذكر تحقّق القتل الفعلي من الجانبين بعد ذكر تحقّق القتال معطوفاً عليه بالفاء ، ممّا يدل علىٰ المغايرة بينهما ، وأن معنىٰ القتال هو السعي إلىٰ القتل دون نفس القتل الذي فصله بعد ذلك.
    ويلاحظ عليه :
    اولاً بالنقض : فإنّ السعي إلىٰ الفعل وان كان يستفاد في بعض موارد هذا الباب كما ذكر ، إلا إنّه لا يطرد في اغلب امثلته لعدم صدقها دون تحقّق المعنىٰ فعلاً ، فلا يقال سافر أو جادل أو طالع أو سارع أو شاهد أو عاوض لمجرد محاولة السفر أو الجدل أو المطالعة أو السرعة أو الشهود أو التعويض ، وهكذا في موارد كثيرة أُخرى ، مضافاً إلىٰ انّ هناك بعض الموارد التي تقتضي معنىٰ آخر ـ غير السعي إلىٰ الفعل أوتحققه فعلاً ـ كما في باب المغالبة يقال ( كارمه فكرمه ) بمعنىٰ فاخره في الكرم فغلبه فيه و ( شاعره فشعره ) أي حاول غلبته في الشعر فغلبه ونحو ذلك.
    وثانياً بالحل وهو : إنّ استفادة السعي إلى الفعل من بعض امثلة هذا الباب لا يستند إلى الهيئة بل إلى المادة ، وليس المقصود بالمادة هنا المبدأ الجليّ ـ كالغلبة في المغالبة والخدعة في المخادعة ـ لوضوح انّه لا يستبطن معنى السعي ، وإنّما المراد بها المبدأ الخفي الذي اوضحناه فكرة وتطبيقاً في مبحث المشتق ، ونكتفي هنا بذكر امرين اختصاراً لما اوردناه هناك :
    __________________
    (1) سورة التوبة 9 / 111.


    الامر الاول : إنّ المبدأ الذي يكون احد جزءي المعنىٰ في المشتق بالمعنى الأعم المؤلف من المادة والهيئة الشامل للفعل المزيد فيه علىٰ قسمين :
    1 ـ المبدأ الجلي ، وهو المعنىٰ الفعلي للمادة دون اضافة عنصر آخر اليه كالعلم في العالم والقصد في القاصد ، فإنّ مثل هذه المشتقات لو حللّت ، يلاحظ انّ المبدأ فيها نفس المعنىٰ الفعلي للمادة دون اضافة جهة أُخرى كالمضي والقابلية ونحو ذلك.
    2 ـ المبدأ الخفي ، وهو معنىٰ المادة ملحوظاً في المشتق علىٰ نحو خاص ؟ هو علىٰ أصناف.
    منها : أن يلحظ فيه بنحو القابلية ، كما في اسم الآلة كالمفتاح والمنشار والمكنسة ، فإنّ المبدأ فيها قابلية الفتح والنشر والكنس لا فعلية هذه الأُمور.
    ومنها : أن يلحظ فيه علىٰ نحو الحرفة والمهنة كما في التاجر والنجار والزارع فإنّ المبدأ فيها حرفة التجارة والنجارة والزراعة لا فعليتها.
    ومنها : أن يلحظ فيه بنحو الاقتضاء كما في توصيف النار بأنها محرقة ، والسم بأنّه قاتل ، فإنّ المبدأ في ذلك اقتضاء هذه المعاني لا فعليتها.
    فيلاحظ أن الخصوصية المضافة إلىٰ معنىٰ المادة في هذه الحالات ، إنما هي باعتبار اشراب المادة إياها ، ثم صياغتها مقرونة بها بالصيغة الخاصة ، وليست الخصوصية مستفادة من ذات الصيغة والهيئة بل من المادة حين تطعيمها بمعنىٰ آخر.
    وعلى ضوء هذا يتجلّى لنا ما وقع من الخلط بين مفاد الهيئة ومفاد المادة في كلمات كثير من اللغويين والاصوليين ، حيث جعلوا كل خصوصية

    معنوية زائدة علىٰ اصل معنىٰ المادة ، مدلولة للهيئة ومستفادة منها مبنياً علىٰ تصور اختصاص المبدأ في المشتقات بالمبدأ الجلي ، بينما تستند كثير من الخصوصيات إلىٰ المبدأ الخفي كما ذكرنا.
    وقد انتج الخلط المذكور اخطاء كثيرة في تحقيق معنىٰ الهيئات ، حيث أن اسناد تلكم الخصوصيات إلىٰ الهيئة اوجب الحكم باشتراكها بين معاني متعددة في موارد كثيرة ، منها المقام علىٰ وفق الاتجاه الاول المبني علىٰ تعدد المعنىٰ في صيغ باب المفاعلة ، وربما جعلت احدى تلك الخصوصيات معنىٰ عاماً للصيغة ، كما في المقام علىٰ مبنى من جعل باب المفاعلة للمشاركة فقط ، ومنه أيضاً ما ذكر في مبحث المشتق حيث لاحظ كثير من الاصوليين التلبس وعدمه بالقياس إلىٰ المبدأ الجلي في الامثلة المتقدمة كالمفتاح والمنشار والتاجر والنجار فاستدلوا بها علىٰ قول من يرى أن المشتق اعم من المتلبس بالمبدأ والمنقضي عنه التلبس مع أن الصحيح ملاحظة التلبس بالنسبة إلىٰ المبدأ الخفي وهو الاقتضاء والقابلية ـ كما ذكرناه ـ ، فلا تكون في الامثلة المذكورة ونحوها شهادة علىٰ القول بوضع المشتق للأَعم.
    الامر الثاني : إنّ المبدأ الخفي بما انه لا يتجلى غالباً إلا في بعض المشتقات ، أوجب ذلك الخلط بينه وبين مفاد الهيئة في كثير من الحالات ـ كما اشرنا اليه ـ ، ولكن يمكن التمييز بينهما بملاحظة بعد المعنىٰ ـ بطبيعته ـ عن أن يكون مفاداً للهيئة لعدم التسانخ بينه وبينها بحسب الحس اللغوي للعارف باللغة ، أو بملاحظة عدم اطراده في سائر موارد الهيئة بعد استظهار وحدة معنىٰ الهيئة في جميعها ، فيتعين ان يكون منشأ استفادة المعنىٰ الخاص غيرها.
    ويمكن اختبار ذلك في بعض الامثلة كمثال التاجر ، فإنّه يستعمل


    فيمن كانت حرفته ومهنته التجارة وإن لم يشتغل بها فعلاً ـ وهو استعمال غير مقرون بالعناية ليعد استعمالاً مجازياً ـ ، فهنا يمكن تشخيص عدم نشوء المعنىٰ المذكور عن الهيئة اما بلحاظ أن مفاد صيغة ( فاعل ) حسب ما يقضي به الحس اللغوي ، إنّما هو وقوع المعنى من الذات من غير ان يتضمن دلالة على الحرفة والمهنة أصلاً ، وبذلك تكون الدلالة عليها اجنبية عن مفاد الهيئة ، أو بلحاظ أن امثلة هذه الصيغة في سائر الموارد لا تدل على المعنى المذكور ، فمع استظهار وحدة المعنى المستفاد من الهيئة في جميعها ـ كما يساعده الحس اللغوي ـ يتعين أن تكون الخصوصية المذكورة ملحوظة في المادة لتكون من قبيل المبدأ الخفي.
    إذا اتضح ما ذكرناه فنقول : إنّ معنى السعي إلى الفعل في بعض امثلة باب المفاعلة إنّما يستند إلى المبدأ الخفي لا إلىٰ هيئة هذا الباب نظير معنى الغلبة في ( شاعر ) والمفاخرة في ( كارم ) ، والدليل على ذلك مضافاً إلىٰ أنّ الأنسب بمعنى هذا الباب بحسب الحس اللغوي هو نوع معنى يكون من قبيل الامتداد ( كسافر ) أو التكرر ( كضاعف ) أو المشاركة ( كضارب ) لا من قبيل السعي ، أن هذا المعنى لو كان مفاد هيئة باب المفاعلة لوجب الالتزام بتعدد معناها بحسب اختلاف الموارد ، وهذا على خلاف تقدير هذا المسلك وسائر المسالك الآتية في هذا الاتجاه ، لما سبق من أن معنى السعي لا يتمثل في جميع موارد هذا الباب بل في القليل منها جداً.
    وعلى ضوء هذا يتضح أن السعي نحو الفعل لا يصلح أن يكون هو المعنى الموحد العام للهيئة ، ولا يمكن طرحه بديلاً عن معنى المشاركة ، كما يتضح عدم صحة النقض على استفادة المشاركة من هذه الهيئة ، بجملة من الامثلة المتقدمة ك‍ ( ضارب ) و ( قاتل ) ، لأن بناء النقض بها على تصور أن المبدأ فيها هو القتل والضرب فيقال إنه لا مشاركة فيها ، وأمّا إذا لوحظ

    المبدأ فيها بمعنى السعي إلى الفعل فإنّ معنى المشاركة متحقّق فيه بوضوح ، لأن المضاربة والمقاتلة لا يستعملان إلا في موارد اشتراك الطرفين في السعي إلىٰ الفعل ، فهذان المثالان قد يشهدان للقول بدلالة هيئة المفاعلة على المشاركة ، ولا شهادة فيهما علىٰ خلاف ذلك.
    المسلك الثاني : ما اختاره المحقق الاصفهاني 1 من انّ هيئة المفاعلة معناها تعدية المادة وإسراؤها إلى الغير ممّا لم تكن تقتضي التعدي اليه بنفسها ، وتختلف نتيجة ذلك بحسب اختلاف الموارد ، فإنّ هذه الهيئة تارة توجب اخذ الفعل مفعولاً لم يكن يأخذه مباشرة وإنّما كان يصل اليه بحرف الجر ، اما لأنّه لم يكن متعدياً أصلاً كما في ( جلس اليه ) و ( جالسه ) ، أو لأنه كان متعدياً ولكن إلىٰ أمر آخر غير ما اصبح متعدياً اليه بهذه الهيئة كما في ( كتب الحديث اليه ) و ( كاتبه الحديث ) ، فإنّ المعنىٰ في ( كتب ) لم يكن يتعدى إلىٰ الهاء بنفسه فتعدى اليه في ( كاتب ).
    و ( أُخرى ) لا توجب اخذ الفعل مفعولاً زائداً علىٰ ما كان يأخذه في المجرد كما في ( ضرب زيد عمراً ) و ( ضاربه ) ، وأثر باب المفاعلة في حصول التعدية إلىٰ الغير في الحالة الأولىٰ واضح ، وأما في الحالة الثانية فربما يستشكل في ذلك بتحقق التعدية في المجرد فيكون تحققها بهيئة المفاعلة من قبيل تحصيل الحاصل ، إلا انّه يندفع بأنّ التعدي في المجرد تعدية ذاتية بمعنىٰ أنّ إنهاء المادة وتعديتها إلى المفعول غيرملحوظ في الهيئة وإنّما هو لازم نسبة الفعل لمفعوله وأما في المزيد فالتعدية والانهاء إلىٰ المفعول ملحوظة في مفاد الهيئة فهي تعدية لحاظية.
    فالحاصل ان هيئة المفاعلة تقتضي تعدي المادة إلى ما لم تكن تقتضي هيئة المجرد تعديها اليه سواء أكانت تتعدى اليه في المجرد باعتبار كون ذلك لازم النسبة ، أم كانت تصل اليه بوسط حرف الجّر.


    وقد رتّب 1 علىٰ ذلك استفادة معنىٰ التصدي ( التعمد والتقصد ) لالحاق المعنىٰ بالغير من هيئة باب المفاعلة دون المجرد ، إما لكونه لازماً لهذا الباب مطلقاً كما يظهر من بعض كلماته (1) أو واقع فيه في الجملة كما يظهر من بعض كلماته الأُخرىٰ (2) ، وقد مثل لذلك ب‍ ( ضارب ) و ( خادع ) بالقياس إلىٰ ( ضرب ) و ( خدع ) فإنّ الاخيرين لا يقتضيان تعمد الفاعل في الفعل بخلاف الاولين ، ولكن المثال الثاني لا يخلو عن اشكال لان الخدعة في نفسها من المعاني القصدية اذ تتقوم بقصد ايهام الشخص خلاف الواقع ، فلا يكون ثمة ، فرق بين ( خدع ) و ( خادع ) من هذه الجهة ، وانّما تظهر التفرقة المذكورة حيث لا يكون المعنىٰ في المجرد عنواناً قصدياً كما في المثال الأَوّل.
    وقد نسب اليه (قده) المسلك الأَوّل (3) في بعض الكلمات ، مع انّ الفرق بين هذا المسلك والمسلك السابق واضح لأَن مفاد هذا المسلك تحقّق المعنىٰ في باب ( فاعل ) كتحققه في المجرد مثل ضرب وقتل ، إلا أن الفارق بين ـ فاعل ـ كضارب والمجرد كضرب حصول القصد في ـ فاعل ـ دون المجرد ، وإنما كان مفاد هذا المسلك هو تحقّق المعنىٰ لأن التحقق لازم تعدية المادة إلىٰ الغير ، بخلاف المسلك الاول فإنّه كان يرى أن مفاد هذا الباب هو السعي إلىٰ تحقّق الفعل سواء تحقّق الفعل أم لا فالفرق بينهما واضح.
    ولكن يلاحظ علىٰ هذا المسلك :
    أولاً : إنّ ما ذكره من الفرق بين المزيد والمجرد ـ كضارب وضرب ـ من كون التعدية في الأول لحاظية وفي الثاني ذاتية : غير واضح بل الظاهر
    __________________
    (1) نهاية الدراية 2 / 318.
    (2) تعليقة المكاسب 2 / 2.
    (3) مصباح الفقاهة في المعاملات 2 / 27 ـ 28 ، ومصباح الأصول 2 / 512.

    أن التعدية فيهما علىٰ نسق واحد بحكم الوجدان.
    ( فإن قيل ) : ان الفعل المجرد المتعدي يصح استعماله من دون نسبة إلىٰ المفعول كأن يقال : ( ضرب زيد ) ولا يصح ذلك في ( فاعل ) بأن يقال ( ضارب زيدٌ ) وهذا دليل الفرق المذكور.
    ( قيل ) : إن هذا مجرد ادعاء لا يسنده دليل لعدم ثبوت فرق بين البابين من هذه الجهة.
    وثانياً : إن المقدار الذي ذكره لا يفسّر ما يستفاد في مختلف موارد المادة من الاشتراك أو التكرار أو الامتداد أو نحو ذلك ـ بل ربما كانت استفادة التعمد احياناً بهذا الاعتبار لأنّ التكرار ونحوه يناسب التقصد والعمد كما ذكر في النظر إلىٰ الأَجنبية أن النظرة الأولىٰ تقع لا عن قصد بخلاف النظرة بعد النظرة.
    وثالثاً : إنّه لم يتضح الترابط بين اقتضاء باب المفاعلة للنسبة إلىٰ المفعول وبين اقتضائه التعمد فإنّ ملحوظية تعدي النسبة إلىٰ المفعول في هذه الهيئة لا يقتضي كون الفعل قصدياً فإنّ تلك جهة لفظية فحسب كما لا يخفى.
    نعم قد تدل الكلمة علىٰ التعمّد في بعض الموارد لدلالته علىٰ السعي نحو المادة ـ ومصدر هذه الدلالة إنّما هو المبدأ الخفي ـ كما ذكرناه آنفاً ـ دون دلالة الهيئة علىٰ التعدية ـ ولا يلزم تحقّق المادة حينئذٍ أصلاً كما في خادعه وقاتله وغالبه وما إلىٰ ذلك.
    المسلك الثالث : ما عن المحقق الطهراني من أنّ معنىٰ باب المفاعلة هو معنىٰ المجرد إلا أن المجرّد يدل علىٰ أصل حركة المادة فحسب وباب المفاعلة يدل علىٰ تلك الحركة بعينها بنحو من الطول والامتداد ـ وهو الامتداد في نسبتها بين اثنين ـ فمعنى ( هاجر ) و ( طالب ) و ( سافر ) و ( باعد )


    اطال الهجرة والطلب والسفر والبعد ـ وبذلك يفترق عن ( هجر وطلب وسفر وبعد ) التي تدل علىٰ مجرّد التلبس بهذه المعاني.
    وهذا التفسير :
    أوّلاً : يتضمن التناسب بين المبرِز والمبرَز ـ أي اللفظ والمعنىٰ ـ.
    وثانياً : إنّه لا ينفك عن جميع الموارد المختلفة التي وردت من هذا الباب فهو مطّرد فيها واطّراد المعنىٰ في جميع موارد استعمال اللفظ يؤيد كونه مفهوماً له.
    أما الأؤل : من التناسب الذاتي بين المبرِز والمبرَز ـ فلأن هيئة ( فاعل ) تتميّز عن هيئة ( فعل ) ، باضافة الف بين حركتي هيئة المجرد ـ وهي حركة الفاء والعين ـ والألف هي نحو اشباع للفتحة واطالة لها فهي تناسب الطول والامتداد بطبيعتها.
    وأما الثاني : ـ من اطّرادّ هذا المعنىٰ في موارد المادة ـ فتوضيحه :
    إنّ الامتداد في مورد هذه المادة إنّما تكون في نسبتها بين اثنين :
    أ ـ فإذا كانت المادة بذاتها مقتضية لامتداد النسبة ـ كما في المجاروة والمحاذاة ونحوهما حيث إنّها لا محالة تقتضي نسبة ممتدة بين طرفيها ـ فلا تصلح لها هيئة إلاّ هيئة المفاعلة ولذلك تصاغ بها ضماناً لاداء هذا المعنى.
    وليس لخصوص كونها بين اثنين علىٰ نحو الاشتراك مدخلية كما توهّم بعض النحاة فأدرجوا بذلك خصوصية مورد الاستعمال في أصل المعنىٰ المستعمل فيه المنطبق علىٰ هذا المورد الخاصّ. بل معناها هو الامتداد الأعم.
    ب ـ وإذا لم تكن المادة مقتضية لامتداد النسبة بطبيعتها ـ بأنّ كانت صالحة في نفسها للانتساب إلىٰ واحد واثنين كسار وساير وبعد وباعد وطلب وطالب وقبل وقابل ونحو ذلك ـ : فإنّ معنىٰ الامتداد يقتضي إضافتها إلىٰ الغير فاذا لوحظت منضافة إلىٰ الغير حدثت هناك نسبة ممتدّة بين اثنين تنحلّ

    إلى نسبتين ـ كما في القسم الأول ـ.
    ثم في هذه الحالة ( تارة ) لا يكون الغير الذي وقع طرفا لهذه النسبة الممتدة مفعولاً لأَصل المادة و ( اخرى ) يكون مفعولاً لها.
    ففي الفرض الأَول يكون مفاد الهيئة التعدية إلىٰ الواحد ان كانت المادة لازمة في المجرد ـ كجلست اليه وجالسته وبرزت اليه وبارزته ـ والى الاثنين ان كانت متعدية لواحد ـ ك‍ : ( جذبت الثوب ) و ( جاذبته الثوب ).
    وفي الفرض الثاني : لا يستفاد من الهيئة تعدية جديدة علىٰ المجرد ، ولكن يتغير نوع التعدية وسنخها ـ فالتعدي في ( ضرب زيد عمراً ) عبارة عن صدور الضرب من زيد ووقوعه علىٰ عمرو واما في ( ضارب ) فلا نظر إلىٰ جهة الوقوع علىٰ المفعول ، لأَن نوع تعديه علىٰ نسق تعدي ( جاور ) و ( حاذى ) ، وانما هو ناظر إلىٰ انهما طرفا هذه النسبة الممتدة.
    وتوضيح ذلك : ان الضرب بلحاظ صدوره من الطرفين تعتبر فيه نسبة ممتدة بينهما هي مدلول هيئة ( ضارب ) و ( قاتل ) و ( جاذب ) ، وهذه النسبة المخصوصة بحاجة إلىٰ مبدأ تصدر عنه يسمى ( فاعلاً ) ومحل تقع عليه يسمى ( مفعولاً ) ـ فيلاحظ فيها مبدأ صدور النسبة الممتدة ومحل وقوعها بالاعتبارين. وربما يصلح كل من الطرفين لكل من الاعتبارين اذا استويا في استناد الحدث اليهما كما تقول ( ضارب زيد عمرا ) و ( ضارب عمرو زيداً ) فتارة يكون زيد مبدأ صدور النسبة وعمرو محل وقوعها ـ كما في المثال الأَول ـ واخرى يكون الامر بالعكس ـ كما في الثاني ـ وليس للبادئ بأصل الفعل والسابق فيه بالشروع خصوصية.
    فالمفعول في هذا الباب من وقع طرفاً للنسبة الممتدة لا من وقع عليه اصل المادة ـ كما في المجرد ـ ولذا ينفك احد الامرين عن الآخر كما في ( جاذب زيد عمرو الثوب ) فان ما وقع عليه اصل المادة هو الثوب فهو


    المجذوب ، ومن وقعت عليه النسبة الممتدة هو ( عمرو ) واذا اجتمع الامران ـ اي كان المفعول طرفاً للنسبة الممتدة ومحلاً لوقوع اصل المادة ـ كما في ( عمرو ) في مثال ( ضارب زيد عمرا ) فانهما يختلفان بالاعتبار ، فعمرو مفعول لضارب من حيث انه مضارب لا من حيث انه مضروب كما في المجردّ.
    هذا تقرير هذا المسلك.
    ( لكن ) يلاحظ عليه ـ انه رغم قربه من جهة ضمانه التناسب بين المبرِز والمبرَز وقدرته علىٰ تفسير بعض موارد المادّة ـ الا ان ما ذكر في موارد الاشتراك من تصوير الامتداد بلحاظ نسبة منتزعة من النسبتين الموجودتين بين الشخصين اللذين وقعت المادة في كل منهما ـ رغم اختلاف النسبتين من الأَطراف ـ لا يخلو عن تكلف وبعد ظاهر.
    وعلى هذا فلا يمكن قبول كون هذا المعنىٰ هو المعنىٰ الوجداني العام للهيئة.
    واما التناسب المذكور فهو وان صحّ ـ الا ان مجرد التناسب الذاتي لا يحسم الامر في الدلالات اللغوية ، بل لا بد من تحقيق الموضوع باستقراء الامثلة والموارد وملاحظة مدى توافقها مع هذا التناسب واعتباره في مرحلة الوضع.
    المسلك الرابع : ما هو المختار. وبيانه بحاجة إلىٰ ذكر مقدمة هي :
    ان الدلالات التي تنضم إلىٰ اصل المادة في مدلول الكلمة في باب المفاعلة ليست جميعها مستندة إلىٰ هيئة هذا الباب ، كما كان هو الانطباع السائد لدى اللغويين وكثير من الاصوليين ـ بل هي علىٰ قسمين : ـ فمنها ما يستند إلىٰ الهيئة.
    ومنها : ما يستند إلىٰ المبدأ الخفي الملحوظ في بعض موارد الباب.

    وهذا الامر لا يختص بهذا الباب بل هو امر سارٍ في اكثر الهيئات ان لم نقل جميعها ، فكثيراً ما نرى ان هناك معنىٰ او معان تظهر في بعض المواد مع أنها لا تنشأ عن المادة ولا عن الهيئة وانما مصدرها المبدأ الخفي للكلمة.
    وقد سبق ان اوضحنا هذه الفكرة وبعض الأمثلة لها في ابطال المسلك الاول ، وبينّا انه كيف يتدخل المبدأ الخفي في ايجاد معان غريبة عن المادة في وصفي الفاعل والمفعول ، من الاقتضاء والحرفة والمضيّ وغيرٍ ذلك رغم وحدة مفاد الهيئة فيهما بحسب الوجدان اللغوي.
    ففي باب المفاعلة أيضاً يستند قسم من الدلالات المتفرقة إلىٰ المبدأ الخفي كالسعي إلىٰ الفعل والغلبة والفخر ونحو ذلك ، مما يظهر بالتتبع. وقد اوجبت الغفلة عن هذا المبدأ ـ بعض الاقتراحات في مفاد الهيئة كالمسلك الأَوّل.
    ( نعم ) : بعض آخر من الدلالات يستند إلىٰ الهيئة وهذا هو المقصود تحليله في هذا البحث.
    وبعد اتضاح هذه المقدّمة نقول :
    ان الظاهر بملاحظة الموارد المختلفة للهيئة ان هذه الهيئة تدلّ علىٰ نسبة مستتبعة لنسبة اخرى بالفعل أو بالقوة ، وذلك مما يختلف بحسب اختلاف الموارد ( فتارة ) تكون النسبة الاخرى ـ كالأول ـ صادرة من نفس هذا الفاعل بالنسبة إلىٰ نفس الشيء. و ( اخرى ) تكون احداهما صادرة من الفاعل والاخرى من المفعول ـ كما في ( ضارب ) فيعبّر عن المعنىٰ حينئذٍ بالمشاركة.
    وفي الحالة الأُولى : قد يكون تعدد المعنى من قبيل الكم المنفصل فيعبر عنه بالمبالغة ـ كما ذكر في كلام المحقق الرضي (قده) (1) أو يعبر عنه
    __________________
    (1) شرح الشافية ط الحجر ص 28.


    بالامتداد ـ اذا لم يكن التعدد واضحاً كما فسر لفظ المطالعة في بعض الكتب اللغوية كالمنجد ـ بادامة الاستطلاع مع انه استطلاعات متعدّدة في الحقيقة وقد يكون المعنىٰ من قبيل الكم المتصل فيكون تكرره بلحاظ انحلاله إلىٰ افراد متتالية كما في ( سافر ) ونحوه وحينئذٍ يعبر عنه بالامتداد والطول. ولازمه التعمد والقصد في بعض الموارد نحو تابع وواصل كما مرّ آنفاً.
    ولا يرد علىٰ ما ذكرنا ما اورده المحقق الاصفهاني علىٰ القول بدلالة الهيئة علىٰ المشاركة ، من انه لا يمكن ان يكون المدلول الواحد محتوياً لنسبتين (1) لان المدلول المطابقي علىٰ ما ذكرنا نسبة واحدة لكنها مقيدة بان تتبعها نسبة أخرى علىٰ نحو دخول التقيد وخروج القيد.
    وعلى ضوء ذلك يمكن القول بان الضرار يفترق عن الضرر بلحاظ انه يعني تكرر صدور المعنىٰ عن الفاعل أو استمراره. وبهذه العناية أطلق النبيّ 9 علىٰ سمرة انّه مضارّ لتكرر دخوله في دار الانصاري دون استيذان.
    وبما ذكرناه يظهر النظر فيما سبق في أول هذا الفصل عن بعض اللغويين في تفسير الضرار في الحديث ـ مقارنة بين مدلوله ومدلول الضرر ـ بعدة تفسيرات.
    احدها : ان الضرر هو فعل الواحد والضرار فعل الاثنين.
    وقد سبق عدم تمامية هذا الوجه لان ضراراً لا يدل على المشاركة.
    الوجه الثاني : ان الضرر ابتداء الفعل والضرار الجزاء عليه.
    والظاهر ان هذا التفسير لا يبتني على دعوى فهم الابتداء والجزاء من
    __________________
    (1) لاحظ نهاية الدراية 2 : 317 ـ 318.

    مادة الكلمتين أو هيئتهما ، لوضوح عدم افادة شيء منهما لذلك ، وانما هو نحو توجيه لمفاد الحديث ومع ذلك فلا قرينة علىٰ هذا التحديد لمدلول المادة في الحديث.
    الوجه الثالث : ان الضرر ما تضر به وتنتفع به أنت والضرار ان تضره من غير ان تنتفع به.
    وهذا الوجه أيضاً ليس مبنياً ظاهراً علىٰ دعوىٰ دلالة المادة أو الهيئة علىٰ هذا التحديد ، وانما يبتنى علىٰ جهة اخرى وهي قيام قرينة خارجيّة علىٰ ذلك من قبيل بعض موارد تطبيق هذه الكبرى.
    لكن لم تثبت القرينة المذكورة علىٰ هذا التحديد.
    الوجه الرابع : ان يكون الضرار بمعنىٰ الضرر بعينه وعلىٰ ذلك يبتني ما ذكر من ان ( لا ضرار ) انما هو لمجرد التاكيد.
    ووجه هذا الاعتقاد : تصوّر ان باب المفاعلة من مادة ( الضرار ) انما هو بمعنىٰ المجرد منها ـ كما ذكروا ذلك في مواد اخرى ـ بناء علىٰ مبناهم من تعدّد معنىٰ هيئة المفاعلة علىٰ ما تقدم. وقد صرّح بذلك في بعض كلماتهم ففي لسان العرب مثلاً ( ضره يضره ضراً وضرّ به وأضرّ به وضاره مضارة وضراراً ـ بمعنىٰ ) (1).
    لكن اتضح مما ذكرناه في معنىٰ الهيئة فيهما وجود الفرق بين معناهما فالضرر معنىٰ اسم مصدري ماخوذ من المجرد ، والضرار مصدر يدل علىٰ نسبة صدورية مستتبعة لنسبة أخرى ، ولذلك ذكر المحقق الرضي (قده) ، ان الصيغة تفيد معنىٰ المبالغة ، واوضحنا في المسلك المختار ان افادة معنىٰ المبالغة انما هي باعتبار الدلالة علىٰ تكرر النسبة أو استمرارها. هذا ما يتعلق
    __________________
    (1) ط بيروت 1955 ه‍ 1375 ه‍ 4 / 482.


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3292
    نقاط : 4979
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    قاعدة لا ضرر ولا ضرار Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قاعدة لا ضرر ولا ضرار   قاعدة لا ضرر ولا ضرار Emptyأمس في 7:32

    بمفاد هيئة ( ضرار ).
    واما الاضرار ـ الوارد في نسخة اخرى في الجملة الثانية للحديث بدلاً عن ( ضرار ) فقد ذكر انه بمعنىٰ المجرد. وهو أحد معاني هذا الباب في علم الصرف كقال وأقال (1) ولكن أفاد المحقق الرضي في شرح الشافية ان ذلك تسامح منهم وان المقصود افادته التأكيد والمبالغة (2) كما أن ما ذكر في علم الصرف لهذه الهيئة من المعاني الكثيرة إنما ينشأ أكثرها عن المبدأ الخفي للكلمة علىٰ نسق ما اوضحناه في باب المفاعلة.
    واما تحديد المفاد الحقيقي لنفس الهيئة ففيه وجوه واحتمالات.
    لكن لا يهمنا تحقيق الحال فيها في المقام بعد عدم ثبوت هذه الصيغة في الحديث علىٰ ما اوضحناه في الفصل الأَوّل.
    المقام الثالث : في مفاد الهيئة التركيبية.
    وهذا البحث هو اهمّ الأَبحاث في الموضوع ـ اذ هو المقصد الأَصلي ـ وقد اشترك فيه اللغويون وفقهاء الفريقين ، الا ان العمدة ما طرحه المتاخرون من فقهائنا. ويلاحظ عليهم ان المسالك المطروحة عندهم في تفسير الحديث غالباً لم تفرق بين المفاد التركيبي للجملتين ( لا ضرر ـ ولا ضرار ) ـ مع أن بينهما فرقاً واضحاً علىٰ المختار.
    ونحن نتعرض للوجه المختار في كيفية تفسير الحديث وتحقيق معناه ، ثم نتعرض لسائر المسالك التي طرحت في ذلك فهنا بحثان :
    البحث الأَول : في بيان المسلك المختار في تحقيق معنىٰ الحديث.
    والمختار في معنىٰ الحديث : ان مفاد القسم الأَوّل منه ـ وهو قوله ( لا
    __________________
    (1) لاحظ الشافية وشرحها للرضي ط الحجري ص 24 ، 26 وغيرهما.
    (2) لاحظ شرح الشافية ط الحجر ص 26.

    ضرر ) ما ذهب اليه الشيخ الانصاري من نفي التسبيب إلىٰ الضرر بجعل الحكم الضرري. واما القسم الثاني منه ـ وهو ( لا ضرار ) ـ فان معناه التسبيب إلىٰ نفي الاضرار ، وذلك يحتوي علىٰ تشريعين :
    الأَوّل : تحريم الاضرار تحريماً مولوياً تكليفياً.
    والثاني : تشريع اتخاذ الوسائل الإجرائية حماية لهذا التحريم.
    وبذلك يحتوي الحديث علىٰ مفادين :
    1 ـ الدلالة علىٰ النهي عن الاضرار.
    2 ـ والدلالة علىٰ نفي الحكم الضرري. ومضافاً لذلك دلالته بناء ( علىٰ المختار ) علىٰ تشريع وسائل اجرائية للمنع عن الاضرار خارجاً ، وهذا المفاد استفدناه من الجملة الثانية وبعض الأَعاظم استفاده من الجملة الأولىٰ بجعل النهي المستفاد منها نهياً سلطانياً وهو مناقش مبنى وبناءً كما سيتضح في موضعه ان شاء الله.
    ولتوضيح استفادة ذلك من الحديث علىٰ المنهج المختار نتعرض لبيان ذلك في ضمن وجهين اجمالي وتفصيلي :
    اما الوجه الاجمالي : فهو أن نفي تحقّق الطبيعة خارجاً في مقام التعبير عن موقف شرعي بالنسبة اليها ، يستعمل في مقامات مختلفة كإفادة التحريم المولوي أو الإرشادي أو بيان عدم الحكم المتوهّم وما إلىٰ ذلك. ولكن استفادة كل معنىٰ من هذه المعاني من الكلام رهين بنوع الموضوع ، وبمجموع الملابسات المتعلقة به.
    وملاحظة هذه الجهات تقضي في الفقرتين بالمعنى الذي ذكرناه لهما.
    أمّا الفقرة الأُولىٰ : ـ وهي ( لا ضرر ) ـ فلأن الضرر معنى اسم مصدري يعبر عن المنقصة النازلة بالمتضرر ، من دون احتواء نسبة صدورية كالاضرار


    والتنقيص ، وهذا المعنى بطبعه مرغوب عنه لدى الانسان ، ولا يتحمله أحد عادة الا بتصور تسبيب شرعي اليه ، لان من طبيعة الانسان ان يدفع الضرر عن نفسه ويتجنّبه ، فيكون نفي الطبيعة في مثل هذه الملابسات يعني نفي التسبيب اليها بجعل شرعي ولمثل ذلك كان النهي عن الشيء بعد الأَمر به أو توهّم الأَمر به دالاً على عدم الأَمر به كما كان الأَمر بالشيء بعد الحظر أو توهمه معبراً عن عدم النهي فحسب كما حقق في علم الأصول ، وعلىٰ ضوء هذا كان مفاد ( لا ضرر ) طبعاً ، نفي التسبيب إلى الضرر بجعل حكم شرعي يستوجب له.
    وامّا الفقرة الثانية : ـ وهي لا ضرر ـ فهي تختلف في نوع المنفي وسائر الملابسات عن الفقرة الأُولى لان الضرار مصدر يحتوي علىٰ النسبة الصدورية من الفاعل كالاضرار. وصدور هذا المعنى من الانسان أمر طبيعي موافق لقواه النفسية غضباً وشهوة. وبذلك كان نفيه خارجاً من قبل الشارع ظاهراً في التسبيب إلى عدمه والتصدي له ، ومقتضى ذلك.
    أوّلاً : تحريمه تكليفاً فإن التحريم التكليفي خطوة أولى في منع تحقّق الشيء خارجاً.
    وثانياً : تشريع اتخاذ وسائل إجرائية ضد تحقّق الاضرار من قبل الحاكم الشرعي ، وذلك لان مجرد التحريم القانوني ما لم يكن مدعماً بالحماية اجراءً ـ لا سيّما في مثل ( لا ضرار ) ـ لا يستوجب انتفاء الطبيعة ولا يصحح نفيها خارجاً.
    واما الوجه التفصيلي : لدلالة الحديث علىٰ ذلك فتوضيحه : ان هذا الحديث يمثل نفياً لمفهومين ( هما الضرر والضرار ) ، وهذه الصيغة ـ أعني صيغة النفي ـ رغم وحدتها صورة ووحدة المراد الاستعمالي منها تحتوي علىٰ معان مختلفة بحسب اختلاف الموارد :

    فربما : يكون محتواها التحريم المولوي كما في ( لا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الحَجِّ ) (1).
    واخرى : تكون ارشاداً إلىٰ عدم ترتب الاثر القانوني المترتب علىٰ الشيء كما في ( لا طلاق الا لمن اراد الطلاق ) (2) فانه يدل علىٰ عدم حصول الفراق القانوني بانشاء الطلاق اذا لم يكن مراداً جدياً.
    وثالثةً : تكون ارشاداً إلىٰ محدودية متعلق الأمر كما في ( لا صلاة إلا بطهور ) (3) فانه يدل علىٰ محدودية الصلاة الواجبة بالطهارة.
    ورابعة : تقتضي عدم وجود حكم يبعث علىٰ وجود شيء كما في ما لو قيل ( لا حرج في الدين ) 0 إلىٰ غير ذلك من محتوياتها.
    وعلى هذا فلا بُدّ في معرفة معنىٰ الحديث ، وتحقيقه من تحقيق ميزان اختلاف محتوى الكلام في هذه الموارد وغيرها رغم وحدة عنصره الشكلي ، ثم تحقيق معنىٰ الحديث علىٰ ضوء هذا الضابط العام فهنا مرحلتان :
    أمّا في المرحلة الأولىٰ : فلا بُدّ قبل توضيح الميزان فيها من التنبيه علىٰ نكتة عامة فيما يتعلق بتفسير الكلام سواء أكان من قبيل صيغة الأَمر أو النهي أو النفي أو الاثبات فنقول :
    ان الكلام يتألف من عنصرين عنصر شكلي يتمثل في مدلوله اللفظي ، وعنصر معنوي كامن تحت المدلول اللفظي يكون هو المحتوى الواقعي للصيغة والمصحح لاستعمالها ، وهذان العنصران لا يتحدان دائماً وان كان لا بُدّ بينهما من تسانخ وعلاقة ، ولذا تكون الصيغة الواحدة ذات
    __________________
    (1) سورة البقرة 2 : 197.
    (2) جامع الأحاديث 1 : 226 / 1887 ، الفقيه 4 : 22 / 67.
    (3) الوسائل 22 : 30 / 27941 ، الكافي 6 : 62 / 2.


    محتويات متعدّدة بحسب اختلاف الموارد كاستعمال صيغة الامر والنهي في معان كثيرة. فان هذه المعاني ليست هي المدلول الاستعمالي للكلام ، ولا هي مجرد دواعٍ واغراض لاستعماله ـ كما اوضحناه في محله من علم الأصول وانما هي محتوى الكلام وباطنه.
    واختلاف مفاد النفي علىٰ الانحاء السابقة وغيرها يرتبط بالعنصر المعنوي الكامن للكلام ـ كما هو واضح لوحدة العنصر الشكلي حسب الفرض وهو النفي ـ ومعرفة الضابط العام لتشخيص محتوى الكلام ، يتوقّف علىٰ التعرف المسبق علىٰ العوامل المختلفة التي تؤثر في تعيين محتواه وتحديده لكي يتم استخراج هذا الضابط علىٰ أساسها.
    وذلك : لأَن تفسير الكلام في حدّ نفسه عملية معقدة لا تكفي فيها معرفة الجهات اللفظية من المفردات اللغوية والهيئات العامة فحسب علىٰ ما أشرنا إليه.
    بل يمكن القول بأن العوامل اللفظية بالنسبة إلىٰ سائرالجهات المؤثرة في معنىٰ الكلام ، مثل ما يظهر من الجبل الثابت في البحر بالنسبة إلىٰ ما كان منه كامناً تحت الماء ، لان هذه العوامل لا تؤلف الا جزءً يسيراً من مجموع ما يؤثر في محتوى الكلام ، وان كانت ظاهرة اكثر من غيرها.
    وسر ذلك : ان الكلام بما انه ظاهرة حية من الظواهر النفسية او الاجتماعية فانه يتفاعل بحسب محتواه مع جميع الملابسات التي تحيط به من محيط وشائعات واعراف وغير ذلك ، فاذا ما أريد تفسيركلام ما فلا بد من ملاحظة جميع الخصوصيات التي تقترن به من الأَطار الذي القي فيه ، ومن طبيعة الموضوع الذي يتحدّث عنه ، ومن الصفات النفسية للمتكلم والمخاطب ... فربما تختلف الكلمة الواحدة من زمان إلىٰ زمان او من موضوع إلىٰ موضوع أو من متكلم إلىٰ متكلم أو من مخاطب إلىٰ مخاطب.

    فاذا لاحظنا الجهات المختلفة التي تحتضن الكلام وقدّرنا نوع التفاعل المناسب معها : أمكننا تفسير الكلام في ظل مجموع تلك الجهات.
    وقد عبرنا عن هذا المنهج في تفسير الكلام ب‍ ( منهج التفسير النفسي ) نظراً إلىٰ أن تأثير هذه الجهات في الكلام انما هو بلحاظ تأثيرها في الحالة النفسية للمتكلم أو المخاطب معها.
    وبعد اتضاح هذه المقدّمة نقول : ـ ان اختلاف محتوى صيغة النفي في الموارد المذكورة ، إنما ينشأ عن اختلاف المواضيع وملابساتها وتناسبات المورد بحسبها ، كما يوجد نظير هذا الاختلاف في سائر الصيغ التي تعبّر عن الموقف الشرعي في موضوع ما.
    ونحن نقتصر في هذا المجال علىٰ عرض جملة من هذه المواضيع بشكل عام لمختلف الصيغ كصيغة الأمر والنهي والنفي والاثبات في الجملة الخبرية مع توضيح كيفية تأثيرها في اختلاف محتوى الصيغة :
    1 ـ الموضع الأَوّل : ان يكون مصب الحكم طبيعة تكوينية ذات اثار خارجيّة يرغب المكلفون فيها أو عنها من جهة نسبتها مع القوى الشهوية والغضبية للنفس ، من دون ان يكون هذا الحكم مسبوقاً بحكم مخالف له علماً أو احتمالاً كالأَمر بعد الحظر أو بعد توهمه.
    ففي هذا الموضع يتضمن محتوى الخطاب أمرين : أحدهما : عامّ والاخر خاص بمورد صيغتي الاثبات والنفي.
    اما محتواه العامّ : فهو الوعيد علىٰ الفعل أو الترك فان كانت الصيغة بعثاً كان محتواها الوعيد علىٰ الترك فيكون الفعل واجباً تكليفاً ، وان كانت الصيغة زجراً كان محتواها الوعيد علىٰ الفعل فيكون الفعل حراماً تكليفاً ، ومجموع الصيغة والمحتوى يؤلّف الحكم المولوي الخاص من ايجاب أو تحريم.


    واحتواء الصيغة لهذا المحتوى لم يكن لمجرد خصوصية الصيغة اذ هي لا تدلّ إلا علىٰ البعث أو الزجر اللزومي ، وهذا المقدار ينحفظ في ظل محتويات اخرى من قبيل الارشاد ونحوه مما يأتي ، وانما تعيّن مدلول الوعيد بدلالة الاقتضاء بعد أن امتنع فرض محتوى اخر للصيغة لعدم وجود مبادئه في الجهات المكتنفة بها.
    وتوضيح ذلك : ان مدلول الصيغة ـ من البعث أو الزجر ـ لا معنىٰ لاعتباره بما هو هو مجرداً عن أي معنىٰ أو اعتبار آخر ، لأنّه لا يكون بذلك مثار أثر خارجاً أو عقلاءً ، فلا بُدّ له من محتوى مسانخ له كامن فيما وراء اللفظ يكون سبباً للأثر العقلائي ، وما يكون محتوى للكلام علىٰ قسمين :
    أ ـ ما يتوقّف علىٰ مبادئ مسبقة غير موجودة ولا قابلة للاعتبار في متعلق الصيغة ( ومثال ذلك ) رفع توهم الحكم السابق ـ كما يراد ذلك في الامر بعد توهم الحظر ـ فانه يتوقّف علىٰ فرض توهم خارجي للحظر. ومنه الارشاد إلىٰ عدم ترتّب الاثر المطلوب علىٰ الشيء حيث يكون للشيء اثر اعتباري بطبيعته ، وهذا يتوقّف علىٰ فرض اثر اعتباري ثابت للشيء مسبقاً ، إلىٰ غير ذلك من المحتويات الآتية.
    ب ـ ما يكون امراً اعتبارياً لا بُدّ من جعله من قبل الشارع وهو الوعيد علىٰ الترك المقوّم للوجوب أو الوعيد علىٰ الفعل المقوم للحرمة.
    وعلى هذا فحيث لم يتواجد في هذا الموضع شيء من العوامل النفسية وغيرها مما يندرج في القسم الأَوّل ليتفاعل معه المعنىٰ حسب الفرض ، فيتعين كون المحتوى هو القسم الثاني تصحيحاً لاعتبار البعث والزجر من الحكيم.
    وعلى هذا الاساس يستفاد الحكم المولوي من البعث والزجر.
    وبذلك يتضّح انه لا يتجه ما اشتهر في كلمات الأَصوليين من ان

    الاصل في الامر والنهي ان يكون مولوياً ولا يحمل علىٰ الارشاد الا بقرينة. بل الصحيح هو العكس لان حمل الأَمر والنهي علىٰ الارشاد انما يكون وفق تناسبات ثابتة بحسب طبيعة الموضوع ، فلا يحتاج كونه للارشاد إلىٰ مؤونة زائدة ، وهذا بخلاف حمله علىٰ المولوية لأنّه إنّما يكون بموجب دلالة الاقتضاء بعد فقد سائر الجهات التي ترسم للكلام محتوى إرشادياً ، فهي في طول تلك الجهات المقتضية لإرشادية الإنشاء طبعاً.
    ويلاحظ هنا : أنّه لا يفرق في استفادة الحكم المولوي من الصيغة في هذا الموضع بين ان تكون صيغة الانشاء من قبيل الامر والنهي او صيغة الاخبار من النفي والاثبات ، نعم استعمال صيغة الاخبار في هذا المجال تجوز لأنّه يخالف مفاده الاستعمالي ، وانما صحّح ذلك التناسب بين الاخبار عن وجود الشيء مع التسبيب اليه بالأَمر به ـ وكذلك التناسب بين الاخبار عن الانتفاء مع التسبيب إلىٰ ذلك بالنهي عنه ـ كما اوضحناه في البحث عن مدلول الجملة الخبرية في علم الأصول.
    فهذا هو المحتوى العام للكلام في هذا الموضع.
    ( واما محتواه الخاص ) ـ بمورد الاثبات والنفي (1) ـ فهو تشريع اتخاذ الوسائل الاجرائية علىٰ اختلاف مراتبها ـ لتحقيق مقتضىٰ الحكم ـ فيما كان المورد مقتضياً لمثل هذا التشريع وهذه الوسائل كاِعمال القدرة في المنع عن الحرام أو الاكراه علىٰ فعل الواجب ، ويدخل في ذلك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو بما يتضمن ايقاع الضرر علىٰ الفاعل نفساً أو مالاً مع
    __________________
    (1) ووجه عدم اقتضاء الامر والنهي لذلك واضح لان مفادهما بالمطابقة اعتبار طلبي أو زجري فلا دلالة لهما علىٰ اكثر من ذلك وهذا بخلاف الاثبات والنفي فان مفادهما التسبيب إلىٰ الفعل أو الترك حتىٰ كأنهما متحققان فعلاً.
    فيكون الاثبات والنفي منسجماً مع تشريع الوساثل الاجرائية أكثر من الأمر والنهي.


    ملاحظة اخف الوسائل وأنسبها.
    نعم ان الوسائل الاجرائية المتخذة لحماية الحكم لا بُدّ من ان تكون جارية علىٰ وفق القوانين المجعولة في الشريعة المقدّسة في هذه المرحلة ، من قبيل كون ايقاع الضرر بالفاعل مالاً أو نفساً باذن من ولي الأَمر أو باشراف منه ـ كما ذكرناه في محلّه ـ.
    2 ـ الموضع الثاني : ان يكون مصب الحكم ماهية اعتبارية ذات آثار وضعية عقلائية ويؤتى بها عادة بداعي ترتيب تلك الآثار التي يحترمها القانون ويمضيها ويحميها في مرحلة الإجراء ـ وذلك كالعقود والايقاعات.
    ومحتوى الصيغة في هذا الفرض هو عدم ترتب الأَثر المزبور علىٰ المتعلق في مورد النهي والنفي ك‍ ( لا بيع الا في ملك ) و ( لا طلاق إلا لمن اراد الطلاق ) أو علىٰ غير المتعلق في مورد الأَمر والاثبات ك‍ ( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) (1). ولذا يكون الحكم في ذلك حكماً ارشادياً.
    والعامل العام الموجب لتعيّن هذا المعنىٰ كمحتوى للصيغة ، هو التناسب الطبيعي بين الهدف والوسيلة ، وتوضيح ذلك : ان مثل هذه الطبيعة اذا كانت ذا مفسدة بنظر المشرّع فانه يكفي في تحقّق هدف الشارع من الانزجار عنها فصلها عن اثارها القانونية ، فيستوجب ذلك انزجار المكلف عن الطبيعة ، وتحديد الداعي الموجب لايجادها ، لان الرغبة في الطبيعة ـ بحسب الفرض في هذا الموضع ـ ليس باعتبارجهة تكوينية فيها تنسجم مع قوة نفسية للانسان مثلاً ـ كما في المورد الأَوّل ـ وانما هي بلحاظ أثرها القانوني ، فاذا فصلت عن الأَثر القانوني انزاح الداعي إلىٰ تحقيقها. فالغاء الأَثر القانوني هو الوسيلة المناسبة لتحقيق الهدف المزبور عادة.
    __________________
    (1) سورة الطلاق 65 / 1.

    ( نعم ) ربما لا يكفي مجرد الغاء الاثر ، لقوة الداعي إلىٰ ايجادها أو لعدم الاحتياج البالغ إلىٰ الحماية القانونية في المورد ـ كما في مورد النهي عن بيع الخمر أو النهي عن الربا فان مورد الربا من المنقولات مثلاً ولا تحتاج المعاملة فيها إلىٰ حماية قانونية ـ فيجعل الحرمة التكليفية زيادة علىٰ الفساد الوضعي.
    وعلى هذا : فالتناسب المذكور هو الموجب لتعيّن محتوى الكلام في الغاء الاثر القانوني.
    فهذا هو العامل الاساسي العام في هذا الموضع ، الموجّه لمحتوى الصيغة.
    وهناك عامل آخر أخصّ يتواجد في مورد تحديد الموضوع فحسب ـ دون مورد النهي عن الطبيعة مطلقاً ـ وهو تفاعل الصيغة مع العامل النفسي للمأمور ، وذلك لأن مرغوبية الطبيعة في هذا المورد إنما تكون في ضوء هدف مُسبق للمكلف ، وهو الوصول إلىٰ الأَثر المطلوب كانفصام العلقة الخاصة مثلاً ـ كما في الطلاق ـ او تحققها ـ كما في الزواج ـ.
    فإذا كان الاعتبار الصادر يحدّد تأثير الطبيعة ، فان هذا يرجع إلىٰ تحديد الوسيلة لتحقق الهدف المفروض فيكون الهدف المفروض كموضوع مفترض لهذا الاعتبار ، فاذا قيل ( لا طلاق الا بشاهدين ) فهو في قوة ان يقال ( اذا اردت انفصال العلقة الزوجية فلا تطلق الا بشاهدين ) فيكون الأَثر المطلوب كشرط مقدر بالنسبة إلىٰ الخطاب ، فيكون مفاد الخطاب طبعاً ارتباط الغاية المفروضة بالحدّ الخاصّ.
    وهذا العامل كما قلنا انما يكون في مورد تحديد الطبيعة لا في مورد الغاء اثرها مطلقاً ، لان الغاء اثرها يرجع إلىٰ اسقاط الغاية المسبقة لا تحديد وسيلتها كما هو واضح.


    ( ويلاحظ ) : ان استعمال صيغة الأمر والنهي في هذا الموضع ليس مجازاً بل هو استعمال حقيقي لان فصل العلقة بين الطبيعة وبين الأثر المرغوب منها ينسجم مع صيغة الزجر تمام الانسجام لأنّه يوجب انزجار المكلف عن ذلك بالامكان وكلما كان المحتوى المعنوي في اللفظ يحقق للعنصر الشكلي فيه التأثير المطلوب منه المسانخ اياه فإن الاستعمال يكون حينئذٍ حقيقياً بعد تمام المحتوىٰ المزبور إذ يتأتىٰ للمتكلم حينئذٍ ان يقصد المدلول الاستعمالي بالكلام جدّاً ، وفصل العلقة في المقام مستوجب لفاعلية الزجر الانشائي ، كما أن الوعيد في النهي المولوي مستوجب لفاعلية الزجر الانشائي. وهكذا في صيغة البعث في مورد الامر بالحصة ك‍ ( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) (1) يكون الاستعمال حقيقياً ، فان تحديد الوسيلة بعد تعلق الغرض مسبقاً باثرها نوع من البعث للشخص نحو الوسيلة المشروعة.
    وبذلك يظهر : انه لا يتجه ما في كلمات جماعة من الاصوليين من اعتبار الارشاد معنىٰ مجازياً للامر والنهي ، وكان منشأ ذلك عدم التنبّه لكيفيّة تفاعل الاعتبار مع الملابسات المحيطة به علىٰ ما أوضحنا ذلك.
    واما صيغة الاثبات والنفي ك‍ ( لا طلاق الا ما اريد به الطلاق ) و ( لا سبق الا في خفّ أو حافر او نصل ) و ( لا بيع الا في ملك ) ، فانه يكون من قبيل اثبات الحكم بلسان اثبات موضوعه ، أو نفيه بلسان نفيه مبالغة في ذلك ، بلحاظ ان فصل الشيء عن اثره القانوني تسبيب إلىٰ انتفائه في الخارج علىٰ ما سبق توضيحه.
    3 ـ الموضع الثالث : ان يكون مصب الحكم موضوعاً لحكم شرعي خاص من دون رغبةٍ طبيعية نحوه ـ في مورد الزجر ـ أو انزجارطبيعي عنه ـ في
    __________________
    (1) سورة الطلاق 65 / 1.

    مورد البعث اليه ـ ك‍ ( لا شك لكثير الشك ) و ( لا سهو للامام مع حفظ المأموم ) فان الشك في الصلاة موضوع لجملة من الاحكام.
    ومحتوى الصيغة في هذا الموضع ـ حيث تكون صيغة نفي ـ ليس هو التسبيب إلىٰ عدم تحقّق الموضوع إذ لا وجه لارادة ذلك ، وانما هو عدم ترتب ذلك الحكم الشرعي بالنسبة إلىٰ الحصة الخاصة ، فان ارتباط الطبيعة في ذهن المخاطب بتلك الأَحكام ، يوجب ان يكون محتوى الكلام ناظراً لهذا الارتباط بمقتضى التفاعل الطبيعي بين الكلام وبين التصورات الذهنية للمخاطب ، فيكون مؤداه تحديد هذا الارتباط وخروج المنفي عنه.
    4 ـ الموضع الرابع : أن يكون مصب الحكم حصة خاصة من ماهية مامور بها يظنّ سعتها لهذه الحصة فيكون الداعي لاتيانها تفريغ الذمة واداء الوظيفة كما في ( لا صلاة الا بفاتحة الكتاب ) و ( لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الصلاة ).
    ومحتوى الصيغة في هذا الموضع هو عدم ترتب الاثر المذكور ـ وهو ـ فراغ الذمة علىٰ الاتيان بالحصة ، فيرجع إلىٰ اشتراط المتعلق بالقيد الخاصّ ، ولذا يكون الحكم حكماً ارشادياً إلىٰ الجزئية والشرطية.
    وسرّ تعين هذا المعنىٰ كمحتوى للصيغة هنا عاملان ـ علىٰ غرار ما سبق في الموضع الثاني ـ :
    الأَوّل : التناسب الطبيعي بين الهدف والوسيلة فانه يكفي في حصول هدف الشارع ـ وهو عدم تحقّق الحصة المذكورة تحديد الأمر بالطبيعي لتخرج هي عن المتعلق ، وذلك موجب لانزجار المكلف عنها ، لان الاتيان بها إنما يكون بقصد امتثال الأمر بالطبيعة وهو ينتفي مع تحديده بحصة خاصة.
    الثاني : تفاعل الكلام مع الحالة النفسية للمخاطب ، وذلك لان باعث


    المكلف علىٰ الاتيان بهذه الحصة هوتفريغ الذمة عن الطبيعي المأمور به ، فالنفي الملقى في هذه الحالة يتفاعل حسب التناسب مع هذا الباعث النفسي ويفيد تحديد العامل فيه وهو الأمر الشرعي بحصة معينة.
    وكيفية استعمال صيغ الأمر والنهي والاثبات والنفي في هذا الموضع يماثل ما مضى في الموضع الثاني.
    5 ـ الموضع الخامس : ان يكون مصب الحكم حصة من ماهية منهي عنها يظن سعتها لهذه الحصة ، فيكون الرادع النفسي عنها هو قصد اطاعة الحكم المتعلق بالطبيعي كما في ( لا ربا بين الوالد والولد ).
    ومحتوىٰ الصيغة في هذا الموضع نفي تعلق الحكم التحريمي بالحصة ، فيرجع إلىٰ تقييد متعلق الحرمة بالقيد الخاصّ ، وذلك لنظير ما تقدّم في الموضع الثالث فان ارتباط الطبيعي في ذهن المخاطب بالحكم التحريمي يوجب ان يكون محتوى الكلام ناظراً لهذا الارتباط وتحديداً للحكم التحريمي بتحديد متعلقه.
    6 ـ الموضع السادس : ان يكون مصّب الحكم طبيعة يرغب المكلف عنها أو يرغب إليها ، اما لانسجام المتعلق مع القوى النفسية والشهوية ، أو للأثر القانوني المترتب علىٰ الشيء عادة أو لاجل تفريغ الذمة وامتثال القانون ، لكنه معرض عنها لتصوّر ثبوت حكم مخالف لجهة رغبته وهذا هو الفارق بين هذا الموضع والموضع الأَوّل كما هو واضح ، سواء كان هناك حكم كذلك بالفعل ، او كان هذا التصوّر توهماً أو احتمالاً ، وقسم من هذا الموضع هو الذي يتعرض له في علم الأصول بعنوان ( الأَمر بعد الحظر ).
    وفي هذا الموضع يتفاعل الكلام مع التصوّر الذهني المضاد ، فيكون محتواه نفي الحكم المتصور ، ، مع انه لولا التصور المذكور لافاد الحكم المولوي أو الحكم الارشادي ولا فرق في ذلك بين أن تكون صيغة الحكم

    انشاءاً أو خبراً.
    ففي الانشاء تتبدل الصيغة من اداة ايجابيّة بنَّاءة إلىٰ اداة هدم سلبيّة ـ حيث يكون محتواها سلب الحكم السابق فحسب ـ رغم ان عنصرها الشكلي يمثل معنىٰ ايجابياً من قبيل الطلب والزجر ، ولذلك يكون استعماله مجازياً يختلف فيه المراد التفهيمي عن المراد الاستعمالي.
    لكن مصحح الاستعمال المذكور هو ان هدم الاعتبار السابق أو رفع توهمه ، يتيح المجال للعامل النفسي ويرفع العائق امام فاعليته ، فيخيل بذلك أن هذا الهدم أو الرفع هو العامل الفاعل للبعث والزجر ، وذلك من قبيل الامر بالاصطياد بعد تحريمه أوّلاً في حال الاحرام في قوله تعالىٰ : ( وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ) (1) فانّ هذا الأَمر ليس محتواه الا رفع التحريم السابق ، دون بناء حكم ايجابي ـ كما هو مقتضىٰ مدلوله ـ الا انه صحّ استعمال صيغة البعث لان هدم التحريم السابق يستتبع الانبعاث نحو الاصطياد بفاعلية العامل الطبيعي عند الانسان نحو الصيد ، فيكون استعمال صيغة الأمر في ذلك بلحاظ استتباع محتواه الهادم للانبعاث نحوه حتىٰ كانه العامل لذلك.
    واما استعمال صيغة الاخبار في هذا الموضع فهو أيضاً استعمال مجازي ، لان مفاد صيغة النفي مثلاً هو مجرد الاخبار عن نفي وجود الطبيعة خارجاً ، لا سلب وجود حكم موجب لتحقّقها خارجاً لولا هذا النفي ، لكن صحّح ذلك أن سلب الحكم وان كان في الواقع مجرد عدم تسبيب إلىٰ وجود الطبيعة ، لكن حيث تكون الطبيعة مرغوباً عنها لذاتها ـ أو غير مرغوب اليها ـ الا علىٰ تقدير ثبوت هذا الحكم كان نفي الحكم في هذا السياق بمثابة التسبيب إلىٰ عدم تحقّق الطبيعة ، وبذلك صح نفيها خارجاً نفياً تنزيلياً.
    __________________
    (1) سورة المائدة 5 / 2.

    وذلك كما لو قيل ـ نفياً لمانعية بعض ما يحتمل مانعيته للصلاة ـ : ( لا اعادة للصلاة بكذا ) ، فان الاعادة لا يرغب اليها المكلّف بطبعه الا لطلب شرعي فحسب فلو دل الدليل علىٰ نفي الطلب الشرعي لزم من ذلك عدم تحققها عادة بفاعلية الرغبة الطبيعية عنها فصح نفيها تنزيلاً.
    ثم ان هذا الموضع لا يختص بما لو كان متعلق الحكم نفسه مورداً لحكم منساق او متوهم ـ كما في مثال الاصطياد والصلاة ـ بل يعم ما لو كان متعلقه امراً مسبّباً عن الحكم السابق أو المتوهم ، وذلك كأن يقال في معرض توهم جعل الشارع لتكليف مؤدّ إلىٰ الحرج : ـ ( لا حرج في الدين ) أو ( لا تحرج نفسك ) فهنا أيضاً يتفاعل الكلام مع التوهم المذكور ويكون محتواه ومفاده ـ التفهيمي نفي جعل حكم مسبب إلىٰ الحرج. ومقطع ( لا ضرر ) من الحديث من هذا القبيل علىٰ ما يتضح قريباً.
    فهذه مواضيع عامة يتغير بمقتضاها المحتوى الذي تستنبطه صيغ الحكم ومنها النفي ، وقد اتضح من خلال ذلك ان المحتويات المختلفة للنفي وغيره انما هي مرهونة بتناسبات مختلفة يتفاعل معها الكلام فترسم له علىٰ ضوئها معان مختلفة تكون محتوى له. هذا تمام الكلام عن المرحلة الأولى.
    واما المرحلة الثانية : فهي من تطبيق الضابط المذكور علىٰ الحديث أو توضيح معنىٰ الحديث علىٰ ضوء ذلك :
    اما المقطع الأَوّل : من الحديث وهو ( لا ضرر ) ، فهو يندرج في المورد السادس الذي ذكرناه فيفيد نفي جعل حكم ضرري وذلك علىٰ ضوء أمور ثلاثة :
    1 ـ الأَوّل :
    ان من الواضح جداً أن متعلق النفي في هذا المقطع ـ وهو الضرر ـ

    ليس ماهية اعتبارية ذات آثار وضعية حتىٰ يرجع نفيها إلىٰ فصلها عن آثارها ويندرج في الموضع الثاني ، ولا هو حصة من موضوع ذي حكم شرعي. او متعلق للوجوب أو للحرمة حتىٰ يراد نفي الحكم المترتب علىٰ الطبيعي فيندرج في احد المواضع المتوسطة الباقية ، فلا محالة يدور الأَمر فيه بين احتمالين :
    أ ـ ان يكون ماهية مرغوباً إليها لانسجامها مع القوى الشهوية أو الغضبية ـ من قبيل الموضع الأَوّل ـ فيكون مفاد نفيه حينئذٍ التسبيب إلىٰ عدم تحقّقه بتحريمه والمنع عن ايجاده خارجاً ، فيصح حمل النفي في الحديث حينئذٍ علىٰ النهي كما هو مؤدى بعض المسالك في المقام.
    ب ـ ان يكون ماهية مرغوباً عنها ، لكن النفي لرفع توهم تسبيب الشارع اليه بالزامه به بما يوجب الضيق والضرر للمكلف ، فيندرج في المورد السادس ويكون مفاد نفيه نفي التسبيب إلىٰ الضرر ، بجعل حكم ضرري نظير ( لا حرج ) كما نسب إلىٰ المشهور.
    2 ـ الثاني : ان هذين الاحتمالين يتفرعان علىٰ كون معنىٰ هيئة ( الضرر ) معنىٰ مصدرياً محتوياً للنسبة الصدورية إلىٰ الفاعل ـ أي الضارّ ـ كالاضرار والضرار ، أو معنىٰ اسم مصدري خالٍ عن هذه النسبة كالضيق والحرج والمنقصة.
    فعلى الأَوّل : يمثل الضرر كالاضرار طبيعة موافقة للقوى النفسية للانسان ـ كالغضب والحقد وحب الايذاء ونحوها ـ التي يلجأ اليها الانسان كثيراً ارضاءً لنفسه. وحينئذٍ يكون مفاد لا ضرر تحريمه وتشريع ما يمنعه خارجاً.
    وعلى الثاني : يكون الضرر بمعنىٰ المنقصة الواردة علىٰ المتضرّر ، وهو امر لا يتحمله الانسان بطبعه بل هو مكروه له أشد الكراهة ، وانما يتحمله


    لو ظنّ ان الشارع حمله اياه فنفي الضرر في هذا السياق النفسي يرجع إلىٰ نفي تسبيب الشارع له دفعاً لتوهم ايجابه علىٰ المكلف وتحميله عليه.
    3 ـ الثالث : ان الصحيح هو الاحتمال الثاني ، لان الحس اللغوي لمن عرف اللغة العربية يشهد بان الضرر انما يمثل المعنىٰ نازلاً بالمتضرر لا صادراً من الفاعل ، فهو معنىٰ اسم مصدري كالمضرة والمنقصة ، وليس معنىٰ مصدرياً كالاضرار ، كما تقدّم ذكر ذلك في البحث من معنىٰ الهيئة الافرادية للكلمة.
    وعلى هذا فيكون مثل هذا التركيب مثل سائر الأَمثلة المماثلة له حالاً ك‍ ( لا حرج ) ما يكون المعنىٰ المنفي عنه عملاً مرغوباً عنه للمكلف بحسب طبعه وانما يتحمله بتصور تشريع يفرضه عليه فيكون المنساق من النفي قصد نفي التشريع المتوهم أو المترقب فحسب.
    وبذلك يكون مفاد ( لا ضرر ) نفي التسبيب إلىٰ الضرر لجعل حكم ضرري كما هو مسلك المشهور.
    واما المقطع الثانى : من الحديث ـ وهو ( لا ضرار ) ـ فانه يندرج في الموضع الأَوّل من المواضع السابقة علىٰ ما اتضح بما ذكرناه في مورد ( لا ضرر ) آنفاً ـ لان الضرار هو الاضرار المتكرر أو المستمر ، وقد ذكرنا ان الاضرار بالغير عمل يمارسه الانسان بطبعه لأجل ارضاء الدواعي الشهوية والغضبيّة ، فاذا نهي عنه كما في جملة من الآيات (1) فهو ظاهر في النهي التحريمي زجراً للمكلفين عن هذا العمل كما هو واضح.
    __________________
    (1) كقوله تعالىٰ ( لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ ) البقرة 2 / 233 و ( وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ ) البقرة 2 / 282 ( وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ) الطلاق 65 / 676.

    واذا نفي كما في هذا الحديث فانه يدل علىٰ التسبيب إلىٰ عدم تحقّق هذا العمل وذلك من خلال ثلاثة امور.
    الأَمر الأَوّل : جعل الحكم التكليفي الزاجر عن العمل وهو الحرمة.
    وهذا الحكم يستبطن الوعيد علىٰ الفعل ويترتب عليه بحسب القانون الجزائي الشرعي :
    أوّلاً : العذاب الاخروي في عالم الآخرة.
    وثانياً : العقوبة الدنيوية بالتعزير ونحوه حسب رأىٰ وليّ الأَمر بالحدود المستفادة من الأدلة الشرعية.
    وثالثاً : الضمان في موارد الاتلاف وكون الشيء المتلف ذا مالية لدىٰ العقلاء.
    الأَمر الثاني : تشريع اتخاذ وسائل مانعة عن تحققه خارجاً ، وذلك من قبيل تجويز إزالة وسيلة الضرر وهدمها اذا لم يمكن منع ايقاعه إلا بذلك ، كالأمر باحراق مسجد ضرار (1) والحكم بقلع نخلة سمرة ونحو ذلك.
    وهذا التشريع يرتكز علىٰ قوانين ثلاثة :
    1 ـ قانون النهي عن المنكر فان للنهي مراتب متعذّدة ـ كما ذكر في الفقه ـ اخفّها النهي القولي وأقصاها الاضرار بالنفس ، وبينهما مراتب متوسطة ، ولا تصل النوبة إلىٰ مرحلة اشدّ الا بعد تعذر المرحلة السابقة عليها أو عدم تأثيرها في الكفّ عن المنكر.
    2 ـ قانون تحقيق العدالة الاجتماعية بين الناس. وهذا من شؤون الولاية في الأَمور العامة الثابتة للنبي 9 وائمة الهدى عليهم
    __________________
    (1) ورد ذكر في كتب التفسير في تفسير قوله تعالىٰ : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا ... ) التوبة 9 / 107 لاحظ مجمع البيان ط 3 : 72 ـ 73.


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3292
    نقاط : 4979
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    قاعدة لا ضرر ولا ضرار Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قاعدة لا ضرر ولا ضرار   قاعدة لا ضرر ولا ضرار Emptyأمس في 7:34

    السلام ، والفقهاء في عصر الغيبة إذ لا بُدّ من العدالة في حفظ النظام.
    3 ـ حماية الحكم القضائي فيما إذا كان منع الاضرار حكماً قضائياً من قبل الوالي بعد رجوع المتخاصمين اليه ـ كما في مورد قضية سمرة حيث شكا الأَنصاري دخوله في داره بلا استئذان فقضى النبيّ 9 بعدم جواز دخوله كذلك ، وحيث أبىٰ سمرة عن العمل بالحكم ، أمر 9 بقلع النخلة لتنفيذ الحكم بعدم الدخول عملاً.
    ( ويلاحظ ) : ان ولاية اتخاذ وسيلة اجرائية لمنع الاضرار ، انما هي للحاكم الشرعي دون عامة المسلمين ، أما علىٰ القانونين الاخيرين فالامر واضح لان تحقيق العدل وحماية القضاء انما هو من وظيفة الحاكم المتصدي للحكومة والقضاء وأما علىٰ القانون الاول : فلأَنَّ المختار أن ولاية النهي عن المنكر فيما كان بالاضرار بالفاعل نفساً أو مالاً تختصّ بالحاكم الشرعي خلافاً لما افتى به جمع من الفقهاء.
    ( ويلاحظ أيضاً ) أن هذا الجزء من مفاد ( لا ضرار ) هو مبنى تعليل الأَمر بقلع النخلة في قضية سمرة بهذه الكبرىٰ ، وهو أمر أشكل علىٰ جمع من الفقهاء حتىٰ استند إلىٰ ذلك بعض الاعاظم في جعل النهي في الحديث حكماً سلطانيّاً ، بتصور تبريره حينئذٍ للأَمر بالقلع وهو ضعيف. وسيأتي توضيح الموضوع في التنبيه الأَوّل من تنبيهات القاعدة.
    الأَمر الثالث : تشريع احكام رافعة لموضوع الاضرار من قبيل جعل حق الشفعة لرفع الشركة ، التي هي موضوع لإضرار الشريك ، أو عدم جعل ارث للزوجة في العقار لعدم الاضرار بالورثة ـ كما في الحديث (1).
    فاتضح مما ذكرناه مجموعاً : أن الحديث بجملة ( لا ضرر ) يدل على
    __________________
    (1) الوسائل ـ كتاب الفرائض ـ أبواب ميراث الأزواج ـ الباب 9 ج 26 : 208 / 32842.

    نفي جعل الحكم الضرري وبجملة ( لا ضرار ) يدل علىٰ تحريم الاضرار وتشريع الصد عنه خارجاً ورفعه في بعض الموارد موضوعاً.
    ( ويلاحظ ) : انه ربما يعترض علىٰ تفسير ( لا ضرر ) بنفي الحكم الضرري بعلة وجوه ذكرها العلامة شيخ الشريعة في ( رسالة لا ضرر ) ، ترجيحاً لمسلك النهي في تفسير الحديث ، وسوف يأتي استعراض تلك الوجوه ونقدها في البحث عن هذا المسلك بما يتضح به جملة من الجهات التي ترتبط بهذا التفسير.
    ونذكر هنا كلاماً للشيخ الأنصاري (قده) من ترجيح هذا التفسير وما ذكره العلاّمة شيخ الشريعة في تعقيبه ونقده مع تحقيق القول في ذلك تكميلاً للقول في هذا المبنى.
    قال الشيخ (قده) في الرسائل بعد ذكر المعاني المحتملة في الحديث : ( والاظهر بملاحظة نفس الفقرة ونظائرها وموارد ذكرها في الروايات وفهم العلماء هو المعنىٰ الأَوّل (1) يعني بذلك تفسير الحديث بنفي الحكم الضرري.
    وهذا الكلام ينحل إلىٰ دعاوٍ اربع وقعت جميعاً مورداً للانكار من قبل العلامة شيخ الشريعة فقال :
    ( والشواهد الأَربعة كلها منظورة فيها ممنوعة علىٰ مدعيها. اما نفس الفقرة فقد عرفت ظهورها في الحكم التكليفي. واما نظائرها فقد قدمنا عدم النظير لهذا المعنىٰ في هذا التركيب (2).
    __________________
    (1) المصدر ط رحمت الله ص 315 ، الرسائل 2 : 535.
    (2) قال في ص 41 من الرسالة ( ان المعنىٰ الثالث من نفي المسبّب وارادة السبب لم يعهد في مثل هذا التركيب ابداً وانما المعهود النهي أو نفي الكمال في ( لا صلاة لجار المسجد الا


    واما موارد ذكرها في الروايات ففيه : انه قد اتضح عدم ذكرها في شيء من الروايات ، الا في قضية سمرة المناسب للتحريم وجداناً ، وان حديث الشفعة والناهي عن منع الفضل لا مساغ لما فيها إلا النهي التكليفي تحريماً أو تنزيهاً ، واما فهم العلماء فهو أيضاً ممنوع ، ولم نجد للمتقدمين والمتأخرين ما يعيّن انهم فهموا هذا المعنىٰ الا عن قليل نادر لا يكفي فهمهم في تعيين المعنىٰ ، وقد ذكر في حديث الدعائم تعليلاً لحرمة الترك ) (1).
    ولتحقيق القول فيما ذكر ( ره ) لا بد من ملاحظة كل واحد من هذه الجهات :
    اما الجهة الأولىٰ ـ من ظهور نفس الفقرة ـ فقد يشكل ما ذكره الشيخ من ظهورها في نفي الحكم الضرري وما ذكره هذا القائل من ظهورها في النهي عن الاضرار جميعاً ، بتقريب : ان نفس الفقرة بملاحظة عدم ارادة المعنىٰ الاستعمالي الظاهر منها ليس لها ظهور في حدّ ذاتها في المعنىٰ المجازي المقصود بها ، وانما ذلك رهين قرينة اخرى وذلك : لأنّه لا اشكال في ان المعنىٰ الاستعمالي الظاهر من الفقرة ـ وهو الاخبار عن نفي تحقّق الضرر خارجاً ـ ليس بمقصود بها علىٰ كل حال ، سواء فسّر المراد الجدي بنفي الحكم الضرري أو بالنهي عن الاضرار لاختلاف المدلول الاستعمالي مع هذين المعنيين بوضوح ، وحينئذٍ فيدور الأَمر بين أن يراد بها نفي التسبيب إلىٰ الضرر بجعل حكم موجب له ، أو يراد التسبيب إلىٰ عدم نفي الاضرار الذي ينتج النهي عنه ، ولا معين لشيء منهما في نفس الفقرة.
    __________________
    في المسجد ) ولا علم إلا مانفع و ( لا سفر إلا برفيق ) و لا كلام إلا ما أفاد وان أمكن ارجاع الثلائة إلىٰ جهة واحدة.
    (1) رسالة ( لا ضرر ) ص 42.

    وبعبارة اخرى ان كلا المعنيين يشتركان في كون حمل الفقرة عليهما بحاجة إلىٰ تجوّز وعناية فالاول بحاجة إلىٰ التجوّز بارادة نفي السبب ـ وهو الحكم الضرري ـ من نفي المسبّب ـ وهو الضرر كما ان الثاني بحاجة إلىٰ التجوز في ارادة النهي الذي هو سنخ معنىٰ إنشائي من النفي الذي هو معنىٰ خبريّ. فليس ادعاء ظهور الفقرة بذاتها في احد الاحتمالين بأولى من ادعاء ظهوره في الآخر بل لا قضاء لذات الفقرة بعد عدم ارادة مدلولها الاستعمالي لشيء من المعنيين.
    ولكن التحقيق : عدم ورود هذا الايراد علىٰ ما ادعاه الشيخ من ظهورها في نفي الحكم الضرري لما اوضحناه من ان طبيعة معنىٰ الضرر ـ حيث انه معنىٰ اسم مصدري ـ يجعل الفقرة ظاهرة في هذا المعنىٰ ، لأنّه يمثل معنىٰ مرغوباً عنه لا يتحمله أحد الا بتوهم تسبيب شرعي ، ومفاد النفي في مثل ذلك نفي التسبيب المتوهم ، فيكون ذلك قرينة داخلية علىٰ التجوز المذكور.
    ( نعم ) هذا الايراد يرد على القول بظهور الفقرة في النهي عن الاضرار مع عدم وجود قرينة عليه منها ، بل ما ذكرناه قرينة على خلافه ، فان ارادة النهي لا يناسب مع نوع الموضوع المنفي لعدم وجود علاقة بين نفي الضرر والنهي عن الاضرار شرعاً.
    واما الجهة الثانية : وهي مدى تناسب معاني نظائر الفقرة مع ذلك التفسير ، فالبحث تارة في وجود مماثل لهذه الفقرة بنفس هذا المعنى. ( واخرى ) في وجود مماثل لها بخلاف هذا المعنى كمعنى النهي مثلاً.
    اما الأَوّل : فقد جاء في رسالة لا ضرر للشيخ تنظير ذلك بقوله ( لا


    حرج في الدين ) (1) وذكرت هذه الجملة تنظيراً في كلام السيد الأستاذ أيضاً (2) لكنا لم نطلع علىٰ مصدر لها ، والذي يوجد في القران الكريم هو قوله تعالىٰ ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (3) وقوله ( مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ ) (4) وهما ليستا بنفس سياق الحديث ، فانهما كالصريح في نفي الحكم الحرجي حيث لا يحتمل فيهما ارادة النهي عن الاحراج كما هو ظاهر.
    واما الثاني : فقد ذكر هذا القائل في كلام آخر له بعد ان ساق موارد كثيرة من استعمالات ( لا ) النافية للجنس من الكتاب والسنة : ( ان نظائر هذه الفقرة فيهما وفي استعمالات الفصحاء قد اريد بها النهي ) (5) وسيأتي نقل كلامه ونقده تفصيلاً في البحث عن مسلك النهي.
    ونقتصر هنا علىٰ القول بأن في اعتبار تركيب آخر نظيراً لهذه الفقرة ينبغي عدم الاقتصار علىٰ ملاحظة تماثله معها في تركيب ( لا ) النافية للجنس ، لأَن التماثل بهذا المقدار تماثل شكلي محض ، وعدم وجود المماثل للفقرة شكلاً وبهذا المعنىٰ لا يكون نقطة ضعف في تفسيرها بذلك ، لأن الاختلاف بينهما في المعنىٰ ينشأ حينئذٍ عن اختلاف الخصوصيات المؤثرة في ترسيم محتوى الكلام ، فلا يقاس بعضها حينئذٍ ببعض.
    بل ينبغي في مقام التنظير اعتبار توفر الخصوصيات الموجودة في هذه الفقرة فيما يدعى نظيراً لها ، بان يكون المنفي ماهية لا رغبة اليها لذاتها ،
    __________________
    (1) المكاسب للشيخ : 372.
    (2) لاحظ الدراسات ص 326 فانه قال ( كما في قضية لا حرج في الدين ).
    (3) الحج 22 / 78.
    (4) المائدة 5 / 6.
    (5) رسالة لا ضرر للعلامة شيخ الشريعة ص 37 ـ 39.

    إلا بتصور تسبيب شرعي اليه ك‍ ( لا حرج في الدين ) لأَن هذه الجهة مؤثرة في تشكيل محتوى الكلام باعتبار تفاعل الكلام مع الحالة النفسية والذهنية للمخاطب.
    فإذا اعتبر هذا المقياس في التماثل ، يعلم ان شيئاً من الموارد الكثيرة التي ذكرها هذا القائل مما يماثل هذه الفقرة ، انما تشترك معها في العنصر الشكلي فحسب حيث استخدمت في جميعها صيغة النفي.
    واما الجهة الثالثة : ـ وهي مدى تناسب مواردها في الروايات مع هذا التفسير ـ : فلا بد في تحقيقها من استعراض المهم منها :
    1 ـ أما قضية سمرة فما ذكر من مناسبتها مع التحريم وجداناً محل تأمّل ، وتوضيح ذلك : ان سمرة كان يرى دخوله في دار الانصاري عملاً سائغاً له باعتبار حقه في الاستطراق إلىٰ نخلته ، فان حق الاستطراق عرفاً يترتب عليه جواز الدخول مطلقاً ـ في كل زمان وحال ـ لا خصوص الدخول بالاستئذان ، فان اناطة الدخول بالاستئذان يناسب عدم الحقّ رأساً ، وقد احتج بذلك سمرة في حديثه مع الانصاري ومع النبيّ 9 ، ففي رواية ابن بكير بعد ذكر طلب الأَنصاري من سمرة ان يستاذن اذا جاء ( فقال : لا أفعل ، هو مالي أدخل عليه ولا استأذن ، فأتىٰ الأنصاري رسول الله 9 فشكى اليه وأخبره فبعث إلىٰ سمرة فجاء ، فقال له استأذن ، فأبىٰ وقال له مثل ما قال للأنصاري ) ، وفي رواية ابن مسكان ، بعد ذلك : ( فقال : لا استأذن في طريقي وهو طريقي إلىٰ عذقي ، فقال : فشكا الأنصاري إلىٰ رسول الله 9 فأرسل اليه رسول الله 9 فأتاه فقال : فلان قد شكاك وزعم انك تمر عليه وعلىٰ اهله بغير اذنه فاستأذن عليه اذا اردت ان تدخل فقال : يا رسول الله استأذن في طريقي إلىٰ عذقي ؟ ).


    وعلى هذا فلو كان المراد بالحديث مجرد النهي التكليفي لبقي استدلال سمرة بلا جواب ، لأنّه يتمسك بحقه في الاستطراق و ( لا ضرر ) يقول ( لا تضر بالانصاري ) ومن المعلوم ان النهي التكليفي عن ذلك ليس الا اعمال سلطة ، وليس جواباً عن وجه تفكيك الجواز المطلق عن حق الاستطراق.
    وهذا بخلاف ما لو اريد به نفي التسبيب إلىٰ الضرر بجعل حكم ضرري ، فانه يرجع إلىٰ الجواب عن هذا الاستدلال بان الإسلام لم يمض الأَحكام العرفية متى استوجبت تفويت حقّ الآخرين والاضرار بهم ، فلا يترتب علىٰ حق الاستطراق جواز الدخول مطلقاً ولا يثبت حق الاستطراق مطلقاً بل ذلك مقيد بعدم كون الدخول ضرراً علىٰ الانصاري في حقه ـ من التعيش الحرّ في داره ـ.
    وبذلك يظهر ان ( لا ضرر ) علىٰ هذا التفسير اكثر تناسباً وأوثق ارتباطاً بقضية سمرة منه علىٰ تفسيره بالنهي عن الاضرار.
    2 ـ وأما قضية الشفعة فلا شهادة فيها لأَحد المعنيين ، لا لما ذكره هذا القائل من عدم ثبوت تذييلها ب‍ ( لا ضرر ) اصلاً ، وإنما الجمع بينهما من قبل الراوي ، فانه غير تام كما سبق في الفصل الأَوّل ، وانما بملاحظة ما تقدّم هناك من أن ( لا ضرر ) فيها انما هو حكمة للتشريع فلا يرتبط بما هو مبحوث عنه من كونه بنفسه حكماً كليّاً.
    وعلى اي تقدير فلا يتم ما ذكره هذا القائل من إنّه لا مساغ فيها الا للنهي التكليفي.
    3 ـ وأما قضية منع فضل الماء فهي تناسب التفسير المذكور ، لما ذكرناه في الفصل الأَوّل من انه لا يبعد ثبوت حق الشرب من الماء للآخرين سواء كان مباحاً أو مملوكاً ، فيمكن تطبيق ( لا ضرر ) فيها بعناية نفي جواز منع

    الآخرين من الاستفادة من فضل الماء لأنّه ضرر بهم وتنقيص لحقهم وحاصله ( أن حق الحائزين علىٰ الماء ليس مطلقاً شاملاً لجواز منع الآخرين منه ).
    وربما يشكل فيها أيضاً ـ كقضية الشفعة ـ بعدم ثبوت ( لا ضرر ) ذيلاً لها وقد سبق مناقشة ذلك.
    4 ـ واما حديث هدم الحائط : فلا يتعيّن كون ( لا ضرر ولا ضرار ) فيها تعليلاً لحرمة ترك الحائط بعد هدمه ، بل يمكن أن يكون بلحاظ وجود حقّ للجار في المورد ، بحيث يكون جواز هدم الجدار حكماً ضررياً بالنسبة إلىٰ الجار بملاحظة منافاته مع حقّه فيرتفع ب‍ ( لا ضرر ).
    فظهر : ان ما ذكر من عدم تناسب ( لا ضرر ) بهذا التفسير مع موارد تطبيقه في الروايات ليس بتامّ بل هو بهذا التفسيرأنسب ببعضها منه بتفسيره بالنهي ـ كما في قضية سمرة ـ.
    واما الجهة الرابعة : ـ وهي مدى ذهاب العلماء إلىٰ هذا الرأي في تفسير الحديث ـ فالمقصود بالعلماء اما علماء اللغة أو الفقهاء.
    اما علماء اللغة : فقد ذكر هذا القائل اتفاقهم علىٰ تفسير الفقرة بالنهي ذاكراً في ذلك بعض كلماتهم وسيأتي مناقشة ذلك ، وتقييم آراء اللغويين في مثل هذا الموضوع مما يتعلق بالفقه والتشريع الإسلامي في تحقيق مسلك النهي ، حيث اعتبر هذه الجهة مؤيدة لهذا المسلك.
    واما الفقهاء : فالظاهر أن اكثر فقهاء الفريقين قد فهموا من الحديث نفي الحكم الضرري كما ذكر الشيخ.
    اما علماء العامة : فيكفي في تصديق ذلك عنهم ملاحظة ما نقله السيوطي في تنوير الحوالك في شرح موطأ مالك عن ابي داود : من انه قال

    ( ان الفقه يدور على خمسة احاديث هذا احدها ) (1) فإنه يبتني على تفسيره بهذا الوجه ، لأنّه حينئذٍ يكون محدّداً عاماً للادلة الدالة على الأَحكام الأولية في مختلف الأبواب وليس كذلك على تفسيره بالنهي ، كما أن تعبيره بأن الفقه يدور .. قد يدل على ان ذلك هو الرأي السائد لدى فقهائهم.
    ويؤكد ذلك ما ذكره السيوطي في كتاب الأَشباه والنظائر حيث قال : ( اعلم أن هذه القاعدة ينبني عليها كثير من ابواب الفقه ، ومن ذلك الردّ بالعيب وجميع انواع الخيار من اختلاف الوصف المشروط والتعزير وافلاس المشتري وغير ذلك والحجر بأنواعه والشفعة لانها شرعت لدفع ضرر القسمة والقصاص والحدود والكفارات وضمان المتلف والقسمة ونصب الأئمة والقضاة ودفع العائل وقتال المشركين والبغاة وفسخ النكاح بالعيوب أو الإعسار أو غير ذلك ).
    ثم قال : ( ويتعلق بهذه القاعدة قواعد : الاولى : الضرورات تبيح المحظورات بشرط عدم نقصانها عنها.
    ومن ثم جاز أكل الميتة عند المخمصة واساغة اللقمة بالخمر والتلفظ بكلمة الكفر للإكراه وكذا اتلاف المال ... الخ ) (2).
    فان الاستدلال بها لكثير من هذه المواضع متفرع على تفسيرها بنفي الحكم الضرري كما هو واضح.
    واما علماء الخاصة : فيكفي في معرفة موقفهم ملاحظة ما ذكره صاحب العناوين فيها في ذكر المقامات التي استندوا فيها إلى هذه القاعدة قال : ( ويندرج تحته لزوم دية الترس المقتول على المجاهدين وسقوط النهي عن المنكر واقامة الحدود مع عدم الأَمن ، وعدم الإجبار على القسمة مع عدم
    __________________
    (1) 2 / 122.
    (2) الاشباه والنظائر ط مصر دار احياء الكتب العربية ص 92 ـ 93.

    تحقّق الضرر ، وعدم لزوم اداء الشهادة كذلك وحرمة السحر والغش والتدليس ، ومشروعية التقاصّ وجواز بيع امّ الولد في مواقع التسعير على المحتكر إن أجحف ، وحرمة الاحتكار مع حاجة الناس وتفريق الأُمّ عن الولد وجواز قلع البائع زرع المشتري بعد المدة وتخير المسلم في الفسخ مع انقطاع المسلم فيه عند الحلول وتخيّر الرابح عند الكذب والخديعة ، وفي خيار التأخير وما يفسد ليومه والرؤية والغبن وعدم سقوط خيار الغبن بالخروج عن الملك وخيار العيب والتدليس ... ) (1) إلى آخر ما ذكره مما يطول نقله.
    وكثير من هذه المواضيع أيضاً يتفرع على التفسير المذكور كما هو واضح.
    البحث الثاني : في استعراض المسالك الاخرى في تفسير الحديث.
    ويلاحظ : أن هذه المسالك غالباً فسرت ( لا ضرر ) و ( لا ضرار ) بمعنى واحد ولم تفرّق بين الجملتين من حيث المعنى التركيبي ـ كما تقدّم ـ وإن كان محل العناية والأَهمية في الجملة الاولى كما ذكر الشيخ الأنصاري (قده) في رسالة ( لا ضرر ) بعد البحث في معنى الضرار : ( فالتباس الفرق بين الضرر والضرار لا يخلّ بما هو المقصود من الاستدلال بنفي الضرر في المسائل الشرعيّة ) (2).
    وهي مسالك خمسة :
    المسلك الأول : تفسير ( لا ضرر ) بنفي الحكم الضرري وذلك بتقريب ذكره المحقق النائيني ، وتبعه عليه غير واحد (3) وهو أن الضرر المنفي
    __________________
    (1) العناوين : 96.
    (2) ص 418 ( طبعت مع كتبه الفقهية سنة 1312 ه‍ ).
    (3) المكاسب ( رسالة في قاعدة نفي الضرر : 372 ).


    في الحديث عنوان ثانوي متولد من الحكم ، ونسبته اليه نسبة السبب التوليدي إلىٰ مسبّبه ، كالقتل إلىٰ قطع الرقبة والاحراق إلىٰ الإلقاء في النار والايلام إلىٰ الضرب ونحو ذلك.
    واطلاق العناوين التوليدية علىٰ اسبابها شائع متعارف لا يحتاج إلىٰ أية عناية فيكون مجازاً والمقام من هذا القبيل ، فيكون المراد من نفي الضرر نفي سببه المتحد معه وهو الحكم ، والفرق بين هذا المسلك ومسلكنا أننا نرى أن المنفي هو التسبيب للضرر ولازمه نفي الحكم الضرري بينما هذا المسلك يرى أن المنفي مباشرة هو الحكم الضرري.
    ( ان قيل ) : انه يعتبر في العنوان التوليدي عدم تخلل ارادة من فاعل مختار بينه وبين السبب كعدم تخلّلها بين الإلقاء والاحراق ، والمقام ليس من هذا القبيل في مثل ايجاد الوضوء والحج الضرريين ، لأَن الحكم فعل للشارع والضرر انما يترتب علىٰ امتثال العبد بارادته واختياره ، فكيف يحمل الضرر علىٰ الحكم.
    ( قيل ) : إن ارادة العبد في عين كونها اختيارية مقهورة لارادة الله سبحانه ، لان العبد ملزم عقلاً ومجبور شرعاً بالامتثال ، فالعلة التامة لوقوع المتوضئ أو الشريك أو الجار في الضرر هي الجعل الشرعي.
    ولكن هذا التقريب ضعيف :
    أوّلاً : لان الإشكال المطروح لا واقع له ، فان المقام ليس من قبيل الأَسباب والمسببات التوليدية ، ومجرد كون ارادة العبد مقهورة لارادة المولى لا يجعله من قبيلها موضوعاً ولا يلحقه بها حكماً ، مضافاً إلىٰ أن ذلك انما يتأتى في ارادة العبد المطيع دون العاصي كما اعترف به ومن المعلوم أن الاحكام لا تختص بالمطيعين دون العصاة.
    وثانياً : ان الضرر المترتب علىٰ العمل لا يترتب عليه دائماً مباشرة ،

    بل قد يكون العمل مجرد معدّ للضرر كما لو كان الوضوء مما يوجب استعداد المزاج لمرض ما. وحينئنذٍ لا يمكن اتصاف الحكم بانه ضرر بلحاظ توليده للعمل المضرّ.
    وثالثاً : إن العنوان التوليدي إنما ينطبق علىٰ سببه بالمعنى المصدري المتضمّن للنسبة الصدورية لا بالمعنى الاسم المصدري ونحوه مما لا يتضمن نسبة صدورية ولذا لا يقال علىٰ الالقاء انه احتراق ولكن يقال إنه احراق ، لأن الاحراق يتضمن نسبة صدورية دون الاحتراق ، وعلىٰ هذا فما ينطبق علىٰ الحكم هو عنوان الاضرار والضرار لا عنوان ( الضرر ) لأنّه معنىٰ اسم مصدري علىٰ ما سبق.
    ورابعاً : ان هذا المقدار ليس إلا تصويراً لتفسير الحديث بنفي الحكم الضرري وذلك لا يقتضي تعيّنه بعد عدم انحصار ما يحتمل معنىٰ للحديث بهذا التصوير.
    المسلك الثاني : أن يكون المراد بالحديث النهي عن الضرر والاضرار.
    وهذا المسلك هو العمدة في تفسير الحديث في مقابل تفسيره بنفي الحكم الضرري ، وقد ذهب اليه جمع من اللغويين ونقل عن بعض فقهاء العامة. وقد اختاره من المتأخرين جماعة منهم صاحب العناوين والعلامة شيخ الشريعة.
    وعلى هذا المسلك يكون مفاد ( لا ضرر ) متحداً مع مفاد ( لا ضرار ) ـ بعد الاعتراف بوحدة معنىٰ المادة فيهما علىٰ ما تقدّم تحقيقه ـ فيكون التكرار لمجرّد التأكيد كما نقل عن بعض اللغويين علىٰ ما مرّ. وربما قال جمع منهم بالتفرقة بينهما تخلّصاً عن التكرار بوجوه ضعيفة سبق التعرض لها ولنقدها.


    وينحلّ هذا المسلك في نفسه الىٰ عدة وجوه ، لأن النهي الذي يتضمنه الحديث تارة يجعل نهياً تحريمياً أولياً ، واخرىٰ يقال إنّه نهي تحريمي سلطاني وثالثة يدعى أنّه جامع بين النهي التكليفي والإرشادي.
    ونحن نتعرض لتحقيق أصل هذا المسلك وفق الوجه الاول من هذه الوجوه لأنّه اقواها وأرجحها ، ثم نتعرض للوجهين الآخرين عقيب ذلك ، وان كانت جملة من الأبحاث الآتية في هذا الصدد ممّا يتعلق بأصل هذا المسلك فتنطبق علىٰ جميع الوجوه.
    ولتحقيق هذا المسلك لا بُدّ من البحث :
    أولاً : في تصويره.
    وثانياً : فيما ذكر ترجيحاً له واثباتاً لتعيّنه.
    وثالثاً : فيما يرد علىٰ هذا المسلك أو اورد عليه.
    ورابعاً : في الوجهين الأخيرين مما قيل بناءً عليه.
    فهنا ابحاث اربعة :
    البحث الأَوّل : في تصوير هذا المبنى. وهو يتوقّف علىٰ توضيح امرين :
    الأَوّل : كيفية ارادة النهي من هذا التركيب.
    لا اشكال في ان مفاد ( لا ) في الحديث هو النفي فيكون معنىٰ الحديث استعمالاً الإخبار عن نفي الضرر والضرار علىٰ ما هو المنساق منه ، وانما اريد النهي ـ علىٰ تقديره ـ في مرحلة الإرادة تجوزاً.
    والجهة المصححة لهذا الاستعمال هي التناسب الموجود بين نفي الطبيعة وبين التسبيب إلىٰ انتفائها باعتبارها فعلاً محرماً.
    واما العناية الموجبة لهذا التجوز فهي اظهار المبالغة في الزجر عن الشيء حتىٰ كأنّ الفعل لا يوجد خارجاً أصلاً ، كما تستعمل صيغة الاثبات

    في البعث إلىٰ الشيء بمثل هذه العناية وقد ذكرفي علم المعاني أنّه قد يقع الخبر موقع الانشاء لاظهار الحرص في وقوع الفعل حتىٰ يخيّل اليه حاصلاً وقد اوضحنا القول في ذلك بتفصيل في بحث استعمال الجملة الخبرية في مقام الطلب من علم الاصول.
    الثاني : في ثبوت استعمال هذا التركيب في النهي.
    لا إشكال في ثبوت استعمال الجملة الخبرية بأقسامها في غير مورد الانشاء الطلبي والزجري سواء كانت جملة اسمية ك‍ ( هي طالق ) أو جملة فعلية بالفعل الماضي ك‍ ( بعت ) و ( اشتريت ) أو بالفعل المضارع نحو ( إني أريد أن انكحك ).
    لكن الامر ليس كذلك في مورد الإنشاء الطلبي والزجري علىٰ ما يشهد به موارد الاستعمالات فلم يثبت استعمالها في مورد إنشاء هذين المعنيين ، اذا كانت الجملة اسمية من قبيل ( زيد قائم ) أو ( زيد ليس بقائم ) بان يراد بالأَوّل بعثه إلىٰ القيام وبالثاني زجره عنه وإن كان الاستعمال صحيحاً ممكناً كأن يقول الولد لولده ( أنا مسافر غداً وأنت معي ) ومراده طلب السفر معه.
    واما في مورد الفعل الماضي فربما قيل انه لم يثبت أو لا يصح أيضاً كما عن السيد الأستاذ (قده) (1).
    لكنه ليس بواضح فانه يشيع استعماله في الدعاء ك‍ ( رحمك الله وأعزك ) كما يستعمل في معنىٰ الأمر اذا كان جزاءً ك‍ ( اذا استيقن انه زاد في صلاته ركعة اعاد صلاته ) وربما استعمل فيه ابتداءً كقوله 7 ( أجزء امرؤ قرنه آسى أخاه بنفسه ) (2).
    __________________
    (1) المحاضرات ج 2 ص 137.
    (2) نهج البلاغة ( في حث اصحابه علىٰ القتال : 180 ـ 181 ).


    واما في مورد الفعل المضارع فلا اشكال في ثبوت استعمالها في البعث والزجر كما هو شائع ك‍ ( يعيد صلاته ) أو ( لا يعيد صلاته ) علىٰ ما هو واضح.
    ( واما تركيب لا النافية ) : ـ وهو مورد البحث هنا ـ فربما يشكل ذلك كما ذكر المحقق الخراساني ( ان ارادة النهي من النفي وان كان غير عزيز الا انه لم يعهد في مثل هذا التركيب ) (1) وردّ عليه العلاّمة شيخ الشريعة بشيوع هذا المعنىٰ في التركيب وذكر جملة كثيرة من الأمثلة ادعى فيها انها تعني النهي (2).
    والحق ان القولين لا يخلوان عن افراط وتفريط ، اما الأوّل فلمعهودية ارادة النهي من النفي كما في قوله تعالىٰ ( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الحَجِّ ) (3) وغير ذلك من الاستعمالات. واما الثاني : فلأن شيوع هذا المعنىٰ في التركيب المزبور بالمستوى الذي يمثله ذكر تلك الامثلة غير ثابت فان جملة منها ليست بهذا المعنىٰ كما يأتي تفصيله في التعرض لما ذكر في ترجيح هذا المسلك.
    لكن يكفي في ما هو الغرض في المقام ( من تصوير هذا المسلك ) اصل ثبوت استعمال هذا التركيب في هذا المعنى. وعلىٰ ضوء هذا يتضح تمامية هذا المسلك تصويراً.
    البحث الثاني : في تعيين هذا المسلك وترجيحه.
    ويستفاد من كلام العلاّمة شيخ الشريعة في هذا الصدد وجوه :
    __________________
    (1) كفاية الأصول : 382.
    (2) رسالة لا ضرر له : 37 ـ 39.
    (3) البقرة 2 : 197.

    الوجه الأَوّل : ما يظهر من مجموع كلامه (1) من تعين ارادة النهي في الحديث نظراً إلىٰ شيوع ارادته من هذا التركيب في مثل هذا الموضوع دون غيره من المعاني التي يصح ان تراد بهذا التركيب.
    وهذا ينحلّ إلىٰ عقدين سلبي وايجابي.
    اما العقد السلبي : وهو عدم شيوع غيره ، فلأَن في قبال احتمال النهي وجهين :
    احدهما : نفي المسبّب وارادة نفي السبب كما هو مبنى تفسيره بنفي الحكم الضرري.
    والثاني : نفي الحكم بلسان نفي موضوعه.
    والأَوّل غير معهود في هذا التركيب أصلاً. والثاني معهود لكن فيما لا يماثل المقام موضوعاً وهو ما اذا ثبت حكم لموضوع عامّ واريد نفيه عن بعض اصنافه ك‍ ( لا سهو في سهو ) ومن الواضح ان المقام ليس من هذا القبيل ، اذ لم يجعل لنفس الضرر حكم يراد نفيه عن بعض اصنافه ، واما نفي حكم موضوع آخر عنه فارادته تحتاج إلىٰ قرينة واضحة وهي منتفية في مقامنا.
    واما العقد الإيجابي : ـ وهو شيوع ارادة النهي من هذا التركيب ـ فقد ذكر له امثلة من الكتاب والسنة وقال بعدها ( ولو ذهبنا لنستقصي ما وقع من نظائرها في الروايات واستعمالات الفصحاء ـ نظماً ونثراً ـ لطال المقال وأدى إلى الملل وفيما ذكرنا كفاية في اثبات شيوع هذا المعنى في هذا التركيب ، اعني تركيب ( لا ) التي لنفي الجنس (2).
    __________________
    (1) يظهر ذلك بملاحظة ما ذكره أوّل الفصل الثامن من شيوع ارادة النهي وما ذكره بعد ذلك ص 37 ـ 40 حول سائر الاحتمالات.
    (2) رسالة لا ضرر للعلامة شيخ الشريعة ص 37 ـ 39.


    والامثلة التي ذكرها هي كما يلي :
    1 ـ قوله تعالى : ( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الحَجِّ ) (1).
    2 ـ وقوله تعالى : ( فَإِنَّ لَكَ فِي الحَيَاةِ أَن تَقُولَ لا مِسَاسَ ) (2) في مجمع البيان : معنىٰ ( لا مساس ) أي لا يمسّ بعضنا بعضاً (3).
    3 ـ ومثل قوله 9 : ( لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام ).
    4 ـ وقوله 9 : ( لا جلب ولا جنب ولا اعتراض ).
    5 ـ وقوله 9 : ( لا خصى في الإسلام ولا بنيان كنيسة ).
    6 ـ وقوله 9 : ( لا حمى في الإسلام ولا مناجشة ).
    7 ـ وقوله 9 : ( لا حمى في الاراك ).
    8 ـ وقوله 9 : ( لا حمى الا حمى الله ورسوله ).
    9 ـ وقوله 9 : ( لا سبق إلا في خفّ أو حافر أو نصل ).
    10 ـ وقوله 9 : ( لا صمات يوم إلىٰ الليل ).
    11 ـ وقوله 9 : ( لا صرورة في الإسلام ).
    12 ـ وقوله 9 : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ).
    13 ـ وقوله 9 : ( لا هجر بين المسلمين فوق ثلاثة ايام ).
    14 ـ وقوله 9 : ( لا غش بين المسلمين ).
    __________________
    (1) البقرة 2 : 197.
    (2) طه 20 : 97.
    (2) ط جديد ج 4 ص 28.

    ويرد على هذا الوجه :
    أوّلاً : ما تقدّم من ان شيوع ارادة النهي من هذا التركيب لا يؤثّر في تقوية هذا الاحتمال وتضعيف سائر الاحتمالات بمجرّد التماثل التركيبي بين المقام وبين الموارد الاخرى ، مع اختلافها في ملابسات وخصوصيات مؤثرة في تغيير المعنى ، بل لا بد من احراز اتحادها في ذلك. وجملة ( لا ضرر ) لا تشترك مع الامثلة المضروبة في هذه الجهة لان طبيعة الموضوع المنفي فيها امر مرغوب عنه مما يجعل الانسان لا يتحمله الا بتصوّر تسبيب شرعي فالنفي الوارد في هذا السياق النفسي يهدف بالطبع إلى ابطال التصوّر المذكور ، ونفي التسبيب الشرعي إلى ذلك ، وليس شيء من هذه الأمثلة من هذا القبيل فانها بين طبائع خارجيّة مرغوبة لذاتها لانسجامها مع القوى الشهوية والغضبية ، وبين طبائع اعتبارية مرغوبة لآثارها القانونية ـ كما سيتّضح مما يأتي ـ فشيوع ارادة النهي في هذا المجال لا يحسم الموقف لصالح احتمال النهي في الحديث.
    وثانياً : ان استعمال هذا التركيب في النهي ليس بشائع بالمستوى المدعى ، إذ جملة من الأمثلة المذكورة انما هي من قبيل نفي الحكم بلسان نفي موضوعه ، اما لتعذّر ارادة النهي فيها وان افادت التحريم أو لعدم ظهورها في ذلك.
    اما القسم الأَوّل : ـ وهو ما يتعذر ارادة النهي منها ـ فهو ما اقترن بكلمة ( في الإسلام ) فان وجود هذه الكلمة يقتضي كون نفي الماهية بلحاظ عالم التشريع أي عدم وقوعه موضوعاً للحكم لا نفيها خارجاً بداعي الزجر عن ايجادها.
    ففي هذا القسم حتى لو اريد التحريم ـ كما في ( لا خصى في الإسلام ) مثلاً ـ فانما يكون ذلك على سبيل نفي الحكم ( اي الجواز ) بلسان نفي


    موضوعه لا علىٰ ارادة النهي ، وان كان نفي الجواز والنهي يرجعان إلىٰ مؤدى واحد ، إلا انه لا ينبغي الخلط بينهما في مقام التدقيق في انحاء استعماله هذا التركيب كما هو واضح.
    واما القسم الثاني : ـ وهو ما لا يكون ظاهراً في التحريم ـ فهو الموارد التي كان المنفي فيها ماهية اعتبارية ، فان نفي الماهية الاعتبارية ظاهر حسب تناسبات الحكم للموضوع في نفي صحتها ـ كما تقدّم توضيح ذلك في ذكر الضابط العام لتشخيص محتوى صيغ الحكم ـ فتكون هذه الموارد من قبيل نفي الحكم بلسان نفي موضوعه.
    سواء في ذلك ما كان النفي فيه نفياً للماهية خارجاً أو في وعاء التشريع.
    فمن الأَوّل قوله ( لا سبق إلا في خفّ أو حافر أو نصل ) فان المراد بالسبق العقد الخاص فالمقصود بالحديث بطلانه الا في الموارد المستثناة ، وثبوت حرمته بدليل آخر لا يقضي باستفادته من هذا الدليل.
    ومن الثاني : قوله ( لا شغار في الإسلام ) فان الشغار نوع خاص من النكاح كان معروفاً في الجاهلية وقوله ( لا حمى في الإسلام ) فان المراد بالحمى اعتبار مرعى ومرتع مختصاً بشخص أو قبيلة ، فيمنع الغير من الرعي فيه وهذا نوع من الحكم الوضعي الذي يندمج فيه الحكم التحريمي ومرجع نفيه إلىٰ الغائه أو اسقاط ما كان يترتب عليه من الآثار في العرف الجاهلي لا تحريمه تحريماً مولويّاً.
    ويحتمل ان يكون من هذا القبيل قوله ( لا رهبانية في الإسلام ) بناءً علىٰ انها التزام وتعهّد نفسي بترك الاشتغال بالدنيا وملاذها والعزلة من اهلها والتعمد إلىٰ مشاقها ، فيكون المراد بنفيها الغاء هذا العهد وعدم استتباعه لوجوب الوفاء فلا يكون في هذا المورد تحريم مولوي.

    وبذلك ظهر أن معنىٰ النهي لا يتجه في الأَمثلة المذكورة ، إلا فيما لم يقترن بزيادة في الإسلام وكان المتعلق ماهية خارجيّة يؤتى بها لبعض الدواعي الشهوية والغضبية ك‍ ( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الحَجِّ ) (1).
    الوجه الثاني : تبادر النهي من الحديث وانسباقه إلىٰ الذهن. قال (قده) ( في كلام له عن هذا المسلك ) : ( وهو الذي لا تسبق الأَذهان الفارغة عن الشبهات العلمية إلا اليه ) (2) وقال ( وبالجملة : فلا اشكال في ان المتبادر إلىٰ الأذهان الخالية من اهل المحاورات قبل ان ترد عليها شبهة التمسك بالحديث في نفي الحكم الوضعي ليس الا النهي التكليفي ) (3).
    ( ويلاحظ عليه ) : انه لا يتجه التمسك بالتبادر في المقام ـ كما سبق ـ وذلك لان الشك ( تارة ) يكون في تشخيص المراد الاستعمالي وضعاً أو انصرافاً و ( أخرى ) في تشخيص توافق المراد التفهيمي مع المراد الاستعمالي وعدمه. ( وثالثة ) في تشخيص المراد التفهيمي المردد بين وجوه بعد العلم بعدم توافقه مع المراد الاستعمالي. والتمسّك بالتبادر انما يتّجه في المرحلة الأولىٰ لاثبات العلقة الوضعية أو الانصراف. واما في المرحلتين الاخيرتين فلا عبرة بادعاء التبادر بل المناط في المرحلة الثانية وجود القرينة المعينة لهذا المعنىٰ او ذاك بعد وجود القرينة الصارفة عن المراد الاستعمالي. ومن المعلوم ان حمل الحديث علىٰ النهي ليس تحديداً لمدلوله الاستعمالي وانما هو اقتراح في المراد التفهيمي بعد الاعتراف بتخالفه مع المراد الاستعمالي.
    فلا بُدّ اذن من ملاحظة الجهات المحيطة بهذا الحديث لملاحظة مدى توفّر القرينة علىٰ أحد الوجوه المقترحة في تحديد المراد التفهيمي وقد
    __________________
    (1) البقرة 2 : 197.
    (2 و 3) رسالة لا ضرر : 40 ـ 41 ( الفصل الثامن ).


    عرفت مقتضاها في كل من الجملتين.
    الوجه الثالث : ما ذكره بعد ذلك بقوله ( مضافاً إلى ما عرفت من ان الثابت من صدور هذا الحديث الشريف انما هو ما كان في قضية سمرة بن جندب وأنه ثبت فيها ( لا ضرر ولا ضرار على مؤمن ) ولا شك ان اللفظ بهذه الزيادة ظاهر في النهي (1).
    ( ويلاحظ عليه ) أوّلاً : ان هذه الزيادة لم ترد الا في مرسلة ابن مسكان عن زرارة وهي ليست بحجة وعلى تقدير حجيتها فان موثقة ابن بكير ـ التي تنقل نفس القضية عن زرارة دون تلك الزيادة ـ مقدمة عليها على ما مر تحقيقه في البحث عن متن الحديث في الفصل الأَوّل.
    وثانياً : انه على تقدير ثبوت هذه الزيادة فانا لا نسلم منافاته مع ارادة نفي التسبيب إلىٰ الحكم الضرري اذ يمكن نفي ذلك بالنسبة إلى المؤمن.
    الوجه الرابع : ما ذكره بقوله ( على ان قوله 9 لسمرة انك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن ـ كما في رواية ابن مسكان عن زرارة ـ انما هو بمنزلة صغرى وكبرى ، فلو اريد التحريم كان معناه انك رجل مضار والمضارّة حرام وهو المناسب لتلك الصغرى ، لكن لو اريد غيره مما يقولون صار معناه انك رجل مضار والحكم الموجب للضرر منفي أو الحكم المجعول منفي في صورة الضرر ، ولا اظن بالاذهان المستقيمة ارتضاءه ) (2).
    ويرد عليه أوّلاً : ان القول المذكور لم يتضمنه الا رواية ابن مسكان. وقد سبق عدم اعتبارها في الفصل الأَوّل.
    __________________
    (1) نفس المصدر ص 41.
    (2) رسالة لا ضرر للعلامة شيخ الشريعة : 41 ـ 42.

    وثانياً : ان مقتضى ما ذكره استفادة التحريم من ( لا ضرار ) ـ لا من ( لا ضرر ) ولا منهما جميعاً ـ لأَنّ المستعمل في التطبيق هو وصف باب المفاعلة ـ وهو مضار ـ وعليه فلا مانع من ان يراد ب‍ ( لا ضرار ) نفي التسبيب إلى الضرر بنفي الحكم الضرري ويراد ب‍ ( لا ضرار ) الحرمة التكليفية فتتناسب الصغرى مع الكبرى.
    الوجه الخامس : اتفاق اهل اللغة على فهم معنى النهي من الحديث.
    قال (قده) ( في كلام له ) : ( ولنذكر بعض كلمات ائمة اللغة ومهرة أهل اللسان تراهم متفقين على ارادة النهي لا يرتابون فيه ولا يحتملون غيره ، ففي النهاية الاثيرية : قوله ( لا ضرر ) اي لا يضر الرجل اخاه فينقصه شيء من حقه ، والضرار فعال من الضر اي لا يجازيه على اضراره بادخال ( الضرر عليه ). وفي لسان العرب ـ وهو كتاب جليل في اللغة في عشرين مجلداً (1) ـ معنى قوله ( لا ضرر ) لا يضر الرجل أخاه فينقصه شيئاً من حقه. و ( لا ضرر ) أي لا يجازيه على اضراره بادخال ( الضرر عليه ). وفي تاج العروس مثل هذا بعينه ، وكذا الطريحي في المجمع ) (2).
    وفي هذا الوجه ملاحظتان :
    الأُولى : في مدى اصالة هذه المصادر الخمسة في ذكر هذا الرأي ومدى التزام مؤلفيها به.
    1 ـ وأمَّا النهاية لابن الأثير ( ت 606 ه‍ ) فقد تقدّم انها في جزء مهم
    __________________
    (1) قد طبع الكتاب أوّلاً في عشرين مجلداً وعليه جرى هذا القائل وقد طبع ثانياً في بيروت في خمسة وعشرين مجلداً وقد جاء قي مقدمة هذه الطبعة 1 / 6 انه ثلائون مجلداً كما جاء في مقدمة تاج العروس انه سبعة وعشرون مجلداً. منه.
    (2) لسان العرب 4 / 482 ، مجمع البحرين 3 / 373 ، تاج العروس 3 / 348 ، النهاية لابن الأثير 3 / 81 ، رسالة لا ضرر لشيخ الشريعة : 43.


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3292
    نقاط : 4979
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    قاعدة لا ضرر ولا ضرار Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قاعدة لا ضرر ولا ضرار   قاعدة لا ضرر ولا ضرار Emptyأمس في 7:36

    منها تجميع لكتاب غريبي الحديث والقرآن لابي عبيد احمد بن محمّد الهروي المتوفى سنة ( 401 ه‍ ) وكتاب الغيث في تهذيب القرآن والحديث للحافظ ابي موسى محمّد الاصفهاني ( ت 581 ه‍ ) وقد جعل لكل منهما علامة. وقد جعل هنا علامة الأَوّل مما يعني انه نقله عن كتاب الهروي وليس من كلامه هو.
    2 ـ ( واما لسان العرب لابن منظور ت 711 ه‍ ) فهو وان كان كتاباً جامعاً الا انه ليس الا تجميعاً لعددة كتب لغوية وهي تهذيب اللغة للازهري ( ت‌ 370‌ ه‍ ) ‌والصحاح للجوهري ( ت 393 ه‍ ) ونقد الصحاح لابن بري والمحكم لابن سيدة الأَندلسي والنهاية لابن الاثير.
    وقد صرح بذلك مؤلفه في مقدمة كتابه كما صرّح بانه ليس مسؤولاً عما في الكتاب (1) وقد اعتبره بعض محققي هذه الكتب كالنهاية كتاب اللسان نسخة من نسخها في مرحلة تحقيقها (2) وقد نقل في اللسان عبارتين تتضمنان تفسير
    __________________
    (1) قال في مقدمة لسان العرب 1 / 8 ط بيروت ( وليس لي في هذا الكتاب فضيلة أمتّ بها ولا وسيلة اتمسك بها سوى اني جمعت فيه ما تفرق في تلك الكتب من العلوم وبسطت القول فيه ولم اشبع باليسير وطالب العلم منهوم فمن وقف فيه علىٰ صواب أو ذيل أو صحة أو خلل فعهدته علىٰ المصنف الأَوّل وحمده وذمه لأَصله الذي عليه المعول لانني نقلت من كل أصل مضمونه ولم ابدل منه شيئاً فيقال انما اثمه علىٰ الذين يبدلون بل اديت الأَمانة في نقل الأصول بالنص وما تصرفت فيه بكلام غير ما فيه من النص فليعتد من ينقل من كتابي هذا انه ينقل عن الأصول الخمسة وليغن عن الاهتداء بنجومها فقد غابت لما طلعت شمسه ) وقد اكد ذلك في اثناء الكتاب ففي 4 / 42 ( قال عبد الله محمّد بن المكرم : شرطي في هذا الكتاب ان اذكر ما قاله مصنفو الكتب الخمسة التي عنيتها في خطبته لكن هذه نكتة لم يسعني اهمالها. قال الهيثمي ... ).
    (2) لاحظ مقدمة النهاية : 19 قال ( ولما كان ابن منظور قد افرغ النهاية في لسان العرب فقد اعتبرنا ما جاء من النهاية في اللسان نسخة وأثبتنا ما بينه وبينها من فروق ).

    الحديث بالنهي :
    احداهما : عبارة النهاية لابن الأثير وقد نسبها اليه صريحاً.
    والثانية : عبارة الأزهري في تهذيب اللغة ولم يصرح باسمه وانما عبر بقوله ( قال : وروي عن النبي 9 ... ) والكلام الذي نقله هذا القائل هو جزء من هذه العبارة. فليس ذلك قول لابن منظور نفسه.
    3 ـ واما الدر النثير للسيوطي ( ت 911 ه‍ ) فهو :
    أوّلاً : مختصر نهاية ابن الأثير واسمه الكامل ( الدر النثير تلخيص نهاية ابن الأثير ) وقد اضاف على ذلك اضافات قليلة كما ذكر في مقدمة محقق النهاية (1) وعبارته في المقام نص عبارة ابن الأثير فهو الحقيقة ليس مصدراً آخر.
    وثانياً : ان الظاهر ان السيوطي لا يلتزم بان معنى ( لا ضرر ) هو النهي ، فانه في كتبه الحديثية والفقهية جرى على ما بنى عليه اكثر فقهاء العامة من تفسير الحديث بنفي الحكم الضرري ، ففي كتابه تنوير الحوالك في شرح موطأ مالك نقل عن ابن داود قوله ( ان الفقه يدور علىٰ خمسة احاديث وهذا احدها ) (2) وفي كتابه الأَشباه والنظائر (3) ـ وهو مؤلف في القواعد الفقهية ـ قد فرَّع عليها فروعاً كثيرة لا تنسجم الا مع التفسير المذكور كما تقدّم ذكر ذلك.
    __________________
    (1) قال في ص 8 ثم رأى السيوطي ان يفرد زياداته على النهاية وسماها التذييل والتهذيب علىٰ نهاية الغريب. ( ويوجد هذا التذييل بآخر نسخة من نسخ النهاية بدار الكتب المصرية وهو في سبع ورقات ) وقد ذكر في ص 19 ـ 20 ( وقد نظرنا في الدر النثير للسيوطي وسجلنا تحقيقاته وزياداته ومعظمها عن ابن الجوزي ولعلّه اطلع على غريبه فهو يكثر النقل عنه ).
    (2) المصدر 2 / 22.
    (3) الاشباه والنظائر 84 ـ 85.


    4 ـ واما تاج العروس للزبيدي : فالظاهر انه اخذ ما ذكره من النهاية اما مباشرة أو بتوسط لسان العرب أو الدر النثير ، فانها جميعاً من مصادره كما يظهر من مقدمة كتابه ، وقد اعتمد عليه محقق النهاية في تحقيق نصها ـ كما ذكره في مقدمتها ـ وعبارته في المقام عين عبارة النهاية.
    مضافاً إلىٰ ان كلامه قد لا يدلّ علىٰ جزمه بذلك فانه لم يتضمن إلا نقل هذا التفسير حيث قال ( والاسم الضرر فعل واحد والضرار فعل الاثنين وبه فسر الحديث ( لا ضرر ولا ضرار ) ، اي لا يضر الرجل أخاه فينقصه شيئاً من حقّه ولا يجازيه علىٰ اضراره بادخال الضرر عليه ، وقيل هما بمعنىٰ وتكرارهما للتأكيد ).
    5 ـ واما مجمع البحرين : فهو أيضاً ذكر عين عبارة النهايه في المقام وقد صرح في المقدّمة بانها من مصادره.
    وبذلك يتضح :
    أوّلاً : ان ذكر هذا الرأي في كلمات هؤلاء لم يكن عن التزام به من قبلهم جميعاً ، بل كان ذكر اكثرهم لذلك علىٰ سبيل النقل ـ ولو احتمالاً ـ كما في المصادر الأَربعة الأولىٰ ، وذلك ان اكثر الكتب اللغوية شأنها تجميع الكلمات والاقوال كالجوامع الحديثية ، ولذا كانوا يذكرون الاسناد اليها في العهد الأوّل.
    وثانياً : ان اصل هذا التفسير ينتهي إلىٰ كلامين تقدّم ذكرهما في أوّل هذا الفصل احدهما للازهري في تهذيب اللغة ، والثاني للهروي في الغريبين ، وسائر المتأخرين عنهما انما ذكروا نص هذين الكلامين أو احدهما ـ ولو ملخصاً ـ من دون تصرف زائد في ذلك.
    وعلى ضوء ذلك يظهر ان ما ذكر من نسبة فهم هذا المعنىٰ إلىٰ مهرة اللغة لا يخلو عن نظر وتأمّل.

    والملاحظة الاخرى : انّ الاحتجاج بقول أهل اللغة ضعيف لعدم حجية اقوالهم في حد انفسها ـ علىٰ ما اوضحناه في علم الأصول ـ لا سيّما في مثل هذا الموضوع الذي لا يرتبط بتفسير مفرد لغوي ، وانما يرتبط بتشخيص المعنىٰ المجازي للكلمة ، وخصوصاً مع تعارضه مع فهم الفقهاء الذين هم اكثر اطلاعاً علىٰ المناسبات الدخيلة في تشخيص المراد التفهيمي ، لا سيّما في النصوص التشريعية حيت تقدّم أن اغلب فقهاء الفريقين فهموا من الحديث نفي مجعولية الحكم الضرري.
    الوجه السادس والسابع والثامن : ما نقله (قده) عن صاحب العناوين من انه قال :
    1 ـ ( والحق ان سياق الروايات يرشد إلىٰ ارادة النهي من ذلك ، وان المراد تحريم الضرر والضرار والمنع عنهما ، وذلك إمّا بحمل ( لا ) علىٰ معنىٰ النهي ، وامّا بتقديركلمة ( مشروع ومجوز ومباح ) في خبره مع بقائه علىٰ نفيه ، وعلىٰ التقديرين يفيد المنع والتحريم.
    2 ـ وهذا هو الانسب بملاحظة كون الشارع في مقام الحكم من حيث هو كذلك ، كما في مقام ما يوجد في دين وما لا يوجد ، وان كان كل من المعنيين مستلزماً للآخر إذ عدم كونه من الدين أيضاً معناه منعه فيه ومنعه فيه مستلزم لخروجه عنه.
    3 ـ مضافاً إلىٰ ان قولنا ( الضرر والضرار غير موجود في الدين ) معنىٰ يحتاج تنقيحه إلىٰ تكلفات ، فانّ الضرر مثلاً نقص المال أو ما يوجب نقصه ، وذلك ليس من الدين بديهة إذ الدين عبارة عن الاحكام لا الموضوعات ، فيحتاج حينئذٍ إلىٰ جعل المعنىٰ هكذا : ان الحكم الذي فيه ضرر أو ضرار


    ليس من الدين ، وهذا غير متبادر وإن بالغ فيه بعض المعاصرين ) (1).
    وهذه الوجوه غير تامة أيضاً.
    أما الأَوّل : فلمنع إرشاد سياق الروايات إلىٰ ارادة النهي من ( لا ضرر ) لا سيّما علىٰ المختار من دلالة ( لا ضرار ) علىٰ النهي. كما ان الوجهين المذكورين لتخريج ارادة التحريم ضعيفان وانما الصواب ما تقدّم ذكره في تصوير هذا المسلك :
    وامّا الثاني : فلأن كون الشارع في مقام الحكم والقضاء لا يقابل كونه في مقام بيان تحديد الأحكام الشرعيّة بعدم الضرر تطبيقاً لذلك في المورد كما هو واضح.
    واما علىٰ الثالث : فلان مبناه ثبوت زيادة ( في الإسلام ) ليكون المنفي وجود الضرر في وعاء التشريع ، وأمّا علىٰ تقدير عدم ثبوتها ـ كما هو الصحيح ـ فان المنفي حينئذٍ يكون وجود الضرر في الخارج ، وهو غير مراد تفهيماً علىٰ كل تقدير سواء فسر بالنهي أو بنفي الحكم الضرري ، لكن مصححه علىٰ الأَول التسبيب إلىٰ عدم الإضرار وعلىٰ الثاني عدم التسبيب إلىٰ وقوع الضرر ولا ترجيح للأَوّل علىٰ الثاني بل سبق تعين الثاني.
    الوجه التاسع : ما يمكن ان يقال علىٰ ضوء ما ذكره في موضع آخر حيث قال : ( انّ التخصيصات الكثيرة التي يدَّعون ورودها علىٰ القاعدة ليست كما يقولون ، وأنها مبتنية علىٰ ارادة المعنىٰ الذي رجَّحوه من التعميم للتكليفي والوضعي وللضرر الناشئ من اركان المعاملة وشروطها وما يترتب عليها مما هو خارج عنها (2) فلعل التسليم بورود تلك التخصيصات على
    __________________
    (1) لاحظ رسالة لا ضرر للعلامة شيخ الشريعة ـ الفصل الثامن ـ ص 40 للسيد مير فتاح ، العنوان العاشر.
    (2) رسالة ( لا ضرر ) للعلاّمة شيخ الشريعة ـ الفصل التاسع ـ ص 45.

    الحديث في تفسيره بنفي الحكم الضرري يكون قرينة علىٰ بطلان هذا الاحتمال ، فيتعين احتمال النهي ، وبعبارة أخرى لازم تفسير الحديث بنفي الحكم الضرري كثرة التخصيص بخلاف تفسيره بالنهي المولوي عن الاضرار ، فهذه قرينة عقلية علىٰ بطلان ـ تفسيره بنفي الحكم الضرري.
    لكن هذا الوجه أيضاً غير تامّ لما سيأتي في التنبيه الثاني من تنبيهات القاعدة من عدم ثبوت استلزام ارادة نفي الحكم الضرري لتخصيص الحديث كذلك.
    هذه هي الوجوه التي افادها العلاّمة شيخ الشريعة (قده) في ترجيح هذا المسلك ، وقد ظهر عدم نهوض شيء منها علىٰ ذلك. وعلىٰ هذا : فهذا المبنى ـ بعد تمامية تصويره ـ ليس له معيّن في حدّ نفسه في مقابل سائر الوجوه والمعاني التي يصح ارادتها من الحديث.
    البحث الثالث : في مناقشة هذا المسلك.
    ويظهر ذلك مما سبق في تحقيق معنىٰ الحديث علىٰ المختار.
    ففيما يتعلّق ب‍ ( لا ضرر ) قد اوضحنا ان معنىٰ الضرر بما انه معنىٰ اسم مصدري لا يتضمن النسبة الصدورية ـ فلا تناسب بينه وبين احتمال النهي لانه ماهية مرغوب عنها لا تتحمّل إلا بتصوّر التسبيب الشرعي فيكون نفيه نفياً لذلك بالطبع ، وإنما المناسب مع النهي هو الإضرار والضرار ، مع تأيّد ذلك بفهم اكثر الفقهاء وأنسبيته مع بعض موارد الحديث كقضية سمرة علىٰ ما مرّ سابقاً.
    واما فيما يرتبط ب‍ ( لا ضرار ) فان افادته للنهي صحيحة ، لكن لا يقتصر مفادها علىٰ ذلك لأَنَّ مؤداه التسبيب إلىٰ عدم الاضرار بالغير ، وهذا المعنىٰ كما يقتضي النهي عنه فانه يقتضي تشريع اتخاذ الوسائل الاجرائية لمكافحته علىٰ ما سبق ايضاً.


    وقد يعترض على هذا المسلك بوجوه اخرى :
    منها : ما تقدّم في اثناء المباحث السابقة وتقدم القول فيها.
    ومنها : ما أورده السيد الاستاذ (قده) من انه لا يمكن الالتزام باحتمال النهي في المقام ، ( امّا بناءً ) على اشتمال الحديث علىٰ جملة ( في الإسلام ) كما في رواية الفقيه ونهاية ابن الأثير فظاهر ، لانّ هذا القيد كاشف عن ان المراد هو النفي في مقام التشريع لا نفي الوجود الخارجي بداعي الزجر ، ( وامّا بناءً ) على عدم ثبوت اشتمالها عليها كما هو الصحيح ، فلان حمل النفي على النهي يتوقّف على وجود قرينة صارفة عن ظهور الجملة في كونها خبرية ، كما هي ثابتة في قوله تعالى : ( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ ) (1) فان العلم بوجود هذه الامور في الخارج مع العلم بعدم جواز الكذب علىٰ الله سبحانه وتعالى ، قرينة قطعية علىٰ ارادة النهي ، وأمّا في المقام فلا موجب لرفع اليد عن الظهور وحمل النفي على النهي ، لامكان حمل القضية على الخبرية (2).
    وفيما ذكر نظر في كلا الشقين :
    اما الشقّ الأَولّ : فيلاحظ على ما ذكر :
    أوّلاً : انه لا وجه لذكره بعد ان كان مبناه ومبنى المعترض عليه جميعاً ـ وهو العلاّمة شيخ الشريعة ـ عدم صحة هذه الزيادة فالبحث في الصيغة التي ثبت ورود الحديث بها لا غيرها.
    وثانياً : ان وجود هذه الزيادة وان كان يمنع عن جعل المقصود ب‍ ( لا ضرر ) نفس النهي عن الاضرار ، إلا انه لا يمنع من استفادة التحريم المولوي
    __________________
    (1) البقرة 2 / 197.
    (2) لاحظ مصباح الأصول 2 / 526.

    من الحديث على ان يكون من قبيل نفي الحكم بلسان نفي موضوعه استعمالاً ، ويراد به تفهيماً نفي جواز الضرر في الشريعة الاسلامية ومدعى المعترض عليه هو دلالة الحديث على الحرمة سواءاً كانت مراداً استعمالياً أم تفهيمياً ، كما يظهر من آخر كلامه في المقام (1).
    ان قيل : انه يعتبر في نفي شيء في الشريعة المقدّسة ثبوت الحكم المنفي للشيء مسبقاً كأن يثبت له في الشرائع السابقة كما في قوله 7 ( لا رهبانية في الإسلام ) فان الرهبانية كانت مشروعة في الامم السابقة فكان نفيها في الإسلام نفياً لمشروعيّتها ، والإضرار ليس كذلك ( فان حكمه السابق حيث لم يكن اباحة بل كان إمّا تحريماً أو قبيحاً على ما يستقلّ به العقل فارادة نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ينتج ضدّ المقصود وهو نفي الحرمة أو القبح الثابتين سابقاً ).
    قيل : إن هذا البيان أوّلاً : منتقض بقوله ( لا مناجشة في الإسلام ) فانه لا اشكال في ان المراد نفي مشروعيتها مع أنها أيضاً قبيحة عقلاً. وقد ذكر الشيخ الأنصاري في المكاسب المحرمة بعد ذكر النجش انه يدل علىٰ قبحه العقل ، لأنّه غش وتلبيس واضرار ... فالنجش امّا منحصر بمورد الاضرار كما يظهر من المصباح المنير (2) أو اعم من ذلك ، فكيف يوجّه نفي الحكم فيها بلسان نفي موضوعه مع أنّه قد ينتج ضد المقصود.
    وثانياً : انه يمكن حل ذلك بملاحظة مجموع جهتين :
    الأُولى : ان نفي الحكم بلسان نفي موضوعه لا يختص بما لو كان
    __________________
    (1) لاحظ مصباح الأصول 2 / 526.
    (2) المصباح المنير 2 : 594.


    الحكم ثابتاً للشيء في الشرائع السابقة ، بل يكفي ثبوته له عرفاً وعادة ـ كما اعترف به ـ فان للعرف أيضاً قانوناً وان لم يكن مدوناً ، واضافة النفي إلىٰ الإسلام يكفي في مصححه ثبوت الحكم في القانون العرفي كما هو واضح.
    الثانية : انه لا يبعد القول بان الاضرار في العرف الجاهلي كان مباحاً ومجوّزاً وذلك بملاحظة عملهم الخارجي ، فقد كان يتعارف لديهم المعاملات الضررّية كالقمار والربا وغيرهما كما كان من عاداتهم وأد البنات والإغارة والنهب ، وكانت سيرتهم علىٰ وفق قانون ( الحق للقوة ) حيث كان القوي يظلم الضعيف ويغصب حقّه ، كما كانوا يضارون النساء كثيراً ، ولذلك ورد النهي عن مضارتهنَّ في جملة من الآيات القرآنية كقوله تعالىٰ : ( وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ) (1) كما ورد التنديد بالظالم في كثير منها.
    ولا ينافي ذلك حكم العقل بقبح الاضرار فان الأَحكام الحاكمة في العرف الجاهلي كان كثير منها علىٰ خلاف ما يحكم به العقل ، كما اُشير إلىٰ ذلك في كثير من الآيات الشريفة في مقام المحاجة معهم ولا يختص ذلك بإباحة الاضرار.
    وعلى هذا فيكون المقصود بالحديث ان الجواز الثابت للاضرار في العرف الجاهلي غير ثابت له في الاسلام.
    واما الشقّ الثاني : فيرد علىٰ ما ذكر في إبطاله : ان مجرد انحفاظ كون الجملة خبرية علىٰ تقدير تفسير الحديث بنفي الحكم الضرري لا يصلح ترجيحاً لهذا التفسير ، ومبطلاً لاحتمال النهي الا اذا لم يكن التفسير المذكور مقتضياً للتجوز في أية جهة اخرى بحيث تتطابق عليه الارادة الاستعمالية والارادة التفهيمية من جميع الجهات ، وإلاّ لو كان هذا التفسير يقتضي نحو
    __________________
    (1) الطلاق 65 : 6.

    تجوّز آخر في الحديث لكان الوجهان سواءً في مخالفتهما للأَصل ، فلا بُدّ من قرينة معينة لأَحدهما بعد وجود القرينة الصارفة عن ارادة المعنىٰ الحقيقي وهو نفي الضرر خارجاً.
    وقد اتضح مما ذكرناه سابقاً : أن نفي الحكم الضرري معنىٰ مجازي للحديث لان المراد الاستعمالي به هو نفي وجود الطبيعي خارجاً ، لكنه استعمل بداعي التعبير عن عدم التسبيب التشريعي إلىٰ تحقّق الضرر ، وعليه فلا يرد الاعتراض المذكور.
    البحث الرابع : في الوجهين الآخرين في تقرير هذا المسلك.
    قد سبق ان ذكرنا ان هذا المسلك ينحل إلىٰ وجوه ثلاثة :
    اولها واقواها : ان يراد بالحديث النهي التحريمي المولوي. وهذا الوجه هو المنساق من كلام من فسّر الحديث بالنهي من غير توضيح لنوعه. وانما كان أقوىٰ من الوجهين الآخرين لأنّه لا يتجه عليه اعتراض زائد عما يرد علىٰ اصل هذا المسلك بخلاف هذين الوجهين كما سوف يتضح ذلك.
    الوجه الثاني : ان يراد بالنهي ما يعم النهي التحريمي المولوي والنهي الإِرشادي.
    وقد ذكر ذلك الشيخ الانصارى (قده) في الرسائل حيث قال بعد ذكر احتمال النهي ( ولا بد ان يراد بالنهي زائداً علىٰ التحريم الفساد وعدم المضي ، للاستدلال به في كثير من رواياته علىٰ الحكم الوضعي دون محض التكليف ، فالنهي هنا نظير الأَمر بالوفاء بالشروط والعقود. فكل اضرار بالنفس أو بالغير محرّم غير ماض علىٰ من أضرَّه ، وهذا المعنىٰ قريب من الأَوّل بل راجع اليه ) (1).
    __________________
    (1) فرائد الأصول 2 / 535 ؟ الرسائل ط رحمت الله ص 315.


    والكلام تارة في تصوير هذا الوجه واُخرى في مدى انسجامه مع ظاهر الكلام.
    امّا من الناحية الأُولى : فقد يشكل هذا الوجه من جهة اقتضائه الجمع بين ارادة الحكم المولوي والإرشادي والجمع بين الحكمين يستلزم تعدد المراد التفهيمي بالنفي اي استعمال اللفظ في أكثر من معنى مجازي وهو خلاف الظاهر على الأَقل.
    ولكن التحقيق عدم اتجاه هذا الاشكال لعدم الحاجة إلىٰ قصد معنيين بل يمكن ارادة النهي ، فإن معنى النهي بحقيقته وهو الزجر جامع بينهما ، الا أنه اذا كان محتواه الوعيد على الفعل كان نهياً مولوياً تحريمياً. واذا كان محتواه الارشاد إلى عدم ترتب الأَثر المرغوب من الشيء ـ من الأثر القانوني في موضوعات الأَحكام ، أو امتثال الحكم المتعلق بالطبيعة في متعلقاتها ـ كان ارشادياً ، ولا مانع من اجتماع الأَمرين كما في مورد تحريم الربا ، وعليه يمكن ارادة كلتا الحرمتين ، كما يمكن ارادة الحلّية التكليفية والوضعية جميعاً من الحكم بها في نحو ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (1).
    نعم ، يشكل الوجه المذكور من جهة اُخرى وهي الجمع بين ارادة متعلق الحكمين ، وذلك لان الضرر على هذا التقدير لا بُدّ ان يكون ملحوظاً باللحاظين الاستقلالي والمرآتي في حال واحد. أما اللحاظ الاستقلالي فباعتبار الحكم التكليفي ، لان النهي التحريمي المولوي انما يتعلق بالإضرار بما هو اضرار. وأما اللحاظ المرآتي فباعتبار الحكم الوضعي لانه لا معنى لفساد الإضرار بذاته وانما يتجه الحكم عليه بالفساد إذا أخذ مرآة لماهية يعقل اتصافها بالفساد.
    __________________
    (1) البقرة 2 : 275.

    والجمع بين اللحاظين وان لم يمتنع عقلاً إلا انه خلاف الظاهر جداً لأنّه يقتضي استعمال اللفظ في معنيين معاً ، نعم لو كان المنفي ماهية يمكن تعلق التحريم والفساد بها مباشرة احتمل الوجه المذكور معنىٰ للكلام.
    واما من الناحية الثانية : فيلاحظ ان هذا الوجه يخالف ظهور الجملة من جهات ، مضافاً إلى ما سبق في اصل احتمال النهي.
    منها : كون الضرر مرآة لما يكون ضرراً لكي يعقل ان يكون متعلقاً للحكم الوضعي ، ولا اشكال في مخالفة ذلك للظاهر إذ الظاهر هو تعلق النفي به نفسه.
    ومنها : الجمع بين إرادة الضرر بنفسه وجعله مرآة لما ينطبق عليه وهو مخالفة اخرى للظاهر كما تقدّم ، ويتفرع على ذلك أنه يكون اسناد التحريم إلىٰ الضرر اسناداً مجازياً بلحاظ مرآتيته لما يصدق عليه ، وحقيقياً اخرى باعتبار ملحوظيته ذاتاً.
    ومنها : تعميم الحكم للحكم الإرشادي بناءً على ان الأَصل في النواهي ان تكون مولوية كما هو المعروف بين الاُصولييّن فيكون خلاف الأَصل.
    وهكذا يتضح مدى التكلّف الذي يتضمّنه هذا التقرير.
    الوجه الثالث : ان يكون النهي نهياً سلطانياً كما ذهب اليه بعض الأعاظم (1). وأوضحه بأن للنبي 9 شؤوناً :
    أحدها : تبليغ الأَحكام الإلهية وهو ما يعبر عنه بالنبوّة أو الرسالة باعتبار إنبائه 9 عن احكامه وارساله لذلك. وامره ونهيه فيما يتعلق بهذا الشأن يكون ارشاداً إلى امر الله ونهيه ، كما أن مخالفتهما تكون
    __________________
    (1) الرسائل للامام الخميني (قده) : 50 وما بعدها.


    مخالفة لله تعالىٰ لا للرسول 9.
    وثانيها : الرئاسة العامة بين العباد لكونه وليّاً علىٰ الأُمة من قبل الله تعالىٰ وبهذا الشأن يكون له 9 حق الأَمر والنهي مستقلاً ، كتنفيذه جيش أسامة ونحوه. ويكون حكمه في ذلك حكماً سلطانياً تجب طاعته بما انه والٍ ورئيس كما تجب طاعة احكام الله تعالىٰ ، وقد قال تعالىٰ : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) (1) وجملة من الاحكام الكلية في الشريعة الاسلامية المقدّسة تستند إلىٰ هذا الشأن.
    وثالثها : مقام القضاء بين المتنازعين وذلك بتطبيق الاحكام الكلية في مورد النزاع والحكم علىٰ ضوئها ، وتجب طاعته في ذلك بما انه قاض لا بما انه والٍ ورئيس. وحديث ( لا ضرر ولا ضرار ) انما يمثل حكماً سلطانياً من جهة رئاسته العامة ، فمفاده المنع عن الضر والضرار في حدود حكومته.
    وقد استدل علىٰ ذلك بعدة أمور :
    الأَوّل : انه قد ورد حكاية هذا الحديث في بعض روايات اهل السنّة بلفظ ( وقضى 9 ان لا ضرر ولا ضرار ) كرواية عبادة بن الصامت. ولفظ القضاء ـ كالحكم ـ ظاهر في كون المقضي به من احكامه 9 ، إما بما هو قاض بين الناس أو بما انه وليّ علىٰ الأُمة لا تبليغاً عن الله تعالىٰ ، وبما أن المجعول حكم كلي لا يرتبط بمقام القضاء بين الناس فقط فينحصر ان يكون مصحّح اطلاقه هو كون ذلك حكماً سلطانياً صدر عنه من جهة ولايته العامة.
    الثاني : ان الحديث قد ورد من طرقنا في ذيل قضية ( سمرة ) وهي لا تنسجم مع كون الحكم المذكور فيها حكماً الهياً أو قضائياً اما الأَول فلأنه
    __________________
    (1) النساء 4 : 59.

    لم يكن الحكم هنا حكماً مشتبهاً في المورد لكي يخبر النبيّ 9 بأن الحكم الضرري منفي في الإسلام أو منهي عنه من قبله تعالى.
    وأما الثاني : فلانه لم يكن هناك نزاع بين الرجل الانصاري وبين سمرة في حقّ أو مال. وانما كان مورد الحديث شكاية الأَنصاري ظلم سمرة له في الدخول في داره بدون استئذان ووقوعه لذلك في الضيق والمشقة ، واستنجاده به 9 بما انه ولي علىٰ الأُمة في رفع هذا الظلم ومنع سمرة من ذلك ، فاستجاب النبي 9 لطلب الأَنصاري فأمر سمرة بالاستئذان أوّلاً ثم امر بقلع شجرته ثانياً منعاً لوقوع الضرر في حوزة حكومته ، وتحكيماً للعدل وقمعاً للظلم بين الرعية ، وهذا انما يناسب الحكم السلطاني.
    الثالث : ان الحديث قد وقع تعليلاً للأَمر بالقلع في قضية سمرة مع انه لو اريد نفي الحكم الضرري أو النهي الأوّلي عن الاضرار لم يتجه كونه تعليلاً لذلك ، اذ هذان المعنيان لا يبرران الاضرار بالغير بالقلع. لأن القلع في حد نفسه اضرارٌ كما ان الأمر به حكم ضرري ، وانما يبرر ذلك اعمال الولاية قطعاً لمادة الفساد ودفعاً للضرر والضرار ، فلا بُدّ ان يكون مفاد ( لا ضرر ) حكماً سلطانياً حتىٰ ينسجم التعليل مع الحكم المعلل.
    وهذا المعنىٰ هو اكثر ما وقع محلا للتركيز في كلامه (قده).
    ولكن هذا الوجه غير تامّ أيضاً :
    لان النهي عن الاضرار إنما يناسب ان يكون حكماً كلياً الهياً لا حكماً سلطانياً ، لان الاضرار بالغير ظلم عليه وقبح الظلم من القوانين الفطرية بل هو أوضح موارد التحسين والتقبيح العقليين ، فكيف تكون صفحة التشريع الإلهي خالية عن مثل هذا الحكم الفطري مع ان التشريعات الإلهيّة تفصيل وتوضيح للقوانين الفطرية فيكون في مستوىٰ حكم سلطاني وضعه النبي


    9. وكأنّ منشأ العدول إلىٰ هذا الرأي ملاحظة ان حكمه 9 بالقلع انما كان حكماً سلطانياً في مورد قضية سمرة وقد علل بهذه الكبرىٰ فيقتضي كونها كذلك. وهذا غير تام كما سيأتي في نقد الأَمر الثالث.
    واما الشواهد المذكورة فلا يتم شيء منها.
    اما الأَوّل : ففيه ـ مضافاً إلىٰ عدم حجية شيء من روايات العامة التي عبّرت بالقضاء بما فيها رواية عبادة ، ومضافاً إلىٰ ورود القضاء بمعان متعدّدة ـ إن المنساق من التعبير بالقضاء علىٰ ما اعترف به هو الحكومة بين المتخاصمين ، ولذلك يفرّق بينه وبين الفتوى بأنّ الفتوى هي عبارة عن بيان الحكم بنحو كلي وامّا القضاء فهو الحكم في القضايا الشخصية التي هي مورد تشاجر ونزاع. وهذا المعنىٰ قابل لأَن يراد هنا علىٰ ان يكون المقصود هو انه 9 حكم في مورد جزئي بين المتخاصمين بانّه لا ضرر ولا ضرار ، فلا ينافي ذلك كون الحكم الكلي تشريعاً الهياً عاماً ، وقد سبق ان نقلنا كلام بعض الفقهاء في اقتضاء هذا التعبير للحكم به في مورد خاص.
    يضاف إلىٰ ذلك : استبعاد الالتزام بالمعنى المذكور في جملة من موارد استخدام هذا التعبير من قبيل ( قضىٰ في الركاز الخمس ) مع أن الخمس ثابت في الغنيمة بالمعنى الأَعمّ بقوله تعالىٰ : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ ... ) (1) الشامل للركاز.
    واما الثاني : ففيه منع عدم وجود النزاع في أي حكم في مورد قضية سمرة ، فانّ الذي تمثّله هذه القضيّة تحقّق أمرين :
    __________________
    (1) الانفال 8 : 41.

    الأَوّل : وجود النزاع في شبهة حكمية حيث ان الأَنصاري كان لا يرى لسمرة حق الدخول في داره بلا استئذان ، ولكن سمرة كان يرى نفسه انه يجوز له ذلك ، لأنّه له حقّ الاستطراق إلىٰ نخلته وليس يريد الدخول في مكان لا حق له في استطراقه حتىٰ يحتاج إلىٰ الاذن من مالك الأَرض ، وقد احتج بذلك في كلامه مع الأَنصاري ومع النبيّ 9 كما تضمنت ذلك معتبرة ابن بكير وخبر ابن مسكان ، ففي معتبرة ابن بكير بعد ذكر طلب الأَنصاري من سمرة ان يستاذن اذا دخل ( فقال : لا أفعل هو مالي أدخل عليه ولا استأذن ، فأتىٰ الأنصاري رسول الله 9 فشكى اليه واخبره فبعث إلىٰ سمرة فجاء فقال له استأذن فأبىٰ ، فقال مثل ما قال للانصاري ). وفي خبر ابن مسكان بعد ذلك ( فقال : لا استأذن في طريقي وهو طريقي إلىٰ عذقي ، قال : فشكاه الانصاري إلىٰ رسول الله فأرسل اليه رسول الله فأتاه فقال له : انَّ فلاناً قد شكاك وزعم انك تمرّ عليه وعلىٰ أهله بغير اذنه فاستأذن عليه اذا أردت أن تدخل ، فقال : يا رسول الله استأذن في طريقي إلىٰ عذقي ! ).
    الثاني : طلب الأَنصاري من النبيّ 9 ان يحميه ويدفع عنه اذى سمرة ، وذلك لأنّه كان يرى موقفه في النزاع الواقع في استحقاق الدخول دون اذن وعدمه ، هو الحقّ ، وكان قد ضاق به الأَمر من تكرر صدور ذلك من سمرة واصراره علىٰ الدخول دون اذن.
    وعلى ضوء هذا : فيمكن القول بان النبيّ 9 في مورد الأَمر الأوّل ـ من النزاع الذي نشب بينهما ـ حكم علىٰ وفق القانون الإلهي العامّ وأمر سمرة بالاستئذان ، وهذا القانون هو حرمة الاضرار بالغير ، بناء علىٰ مسلك النهي ، اذ كان دخوله بلا استئذان إضراراً بالأَنصاري ، أو محدودية حق الاستطراق بعدم لزوم الضرر بالغير ـ بناء علىٰ مسلك النفي ـ أو بكلا

    الأَمرين بناء على المعنى المختار للحديث الجامع للنفي والنهي بلحاظ كلا الجملتين وهما لا ضرر ولا ضرار.
    وبعد ترجيح موقف الأَنصاري في مورد النزاع واباء سمرة عن الالتزام بموجب الحكم القضائي وصلت النوبة إلى معالجة الأَمر الثاني بتنفيذ الحكم القضائي دفعاً للضرر عن الأَنصاري ، وقد استند 9 في ذلك إلىٰ مادة قضائه المذكور ـ وهي ( لا ضرر ولا ضرار ) ـ فأمر بقلع نخلته.
    وامّا الثالث : فيرد عليه :
    أوّلاً : ان مفاد ( لا ضرار ) لا يبرر الأَمر بالقلع في حدّ ذاته سواء كان حكماً أوّلياً أو سلطانياً ، إذ لا فرق بين نوع النهي في عدم دلالته على تشريع مثل هذا الاضرار كما هو واضح. وعليه فليس في الالتزام بالوجه المذكور علاج لهذه النقطة. وكأنّه قد وقع الاشتباه فيما ذكر بين مرحلة اتخاذ الحاكم وسيلة لدفع الاضرار كقلع النخلة ، وبين الحكم بلزوم دفعه الذي يتكفّله القانون العامّ.
    وثانياً : ان ( لا ضرار ) اذا كان بدلالته على النهي لا يبرر الأَمر بالقلع فانه يمكن تبريره بدلالته على تشريع اتخاذ الوسائل الاجرائية لمكافحة الاضرار ـ على ما تقدّم ايضاحه في ذكر المسلك المختار ـ فلا يقتضي ذلك رفع اليد عن كون الحكم قانونياً الهياً ، وسيأتي زيادة ايضاح للموضوع في التنبيه الأَوّل من تنبيهات القاعدة.
    المسلك الثالث : ما ذهب اليه المحقق صاحب الكفاية من ان المراد بالحديث هو نفي الحكم بلسان نفي موضوعه ادعاءً (1) وملخص ما ذكره في
    __________________
    (1) كفاية الأصول 380 ـ 382.

    توضيح معنى الحديث يرجع إلى نقاط ثلاث :
    الأُولى : في معنى الضرر والضرار. وقد ذكر ان الضرر هو ما يقابل النفع من النقص في النفس أو الطرف أو العرض أو المال ، وقال ( ان الاظهر ان يكون الضرار جيء به تأكيداً كما يشهد به اطلاق المضار على سمرة وحكي عن النهاية ... ولم يثبت له معنى آخر غير الضرر ).
    الثانية : في المراد التفهيمي بالجملتين. وقد ذكر ان تركيب ( لا ) النافية انما هو لنفي الطبيعة اما حقيقة أو ادعاءً ، كناية عن نفي الآثار كما هو الظاهر من مثل ( لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ) و ( يا أشباه الرجال ولا رجال ). والمقام من قبيل الثاني فالمقصود هو نفي حكم الضرر ، لكن الحكم الذي أريد نفيه بنفي الضرر ـ كما صرّح به ـ هو الحكم الثابت للأفعال بعناوينها أو المتوهّم ثبوته لها كذلك في حال الضرر لا الحكم الثابت للضرر بعنوانه لوضوح ان الضرر علة لنفي الحكم ـ حسب مفاد الحديث ـ فلا معنى لأَن ينفي حكم نفسه ، بل يلزم من ذلك التناقض في مرحلة الجعل ووعاء التشريع.
    الثالثة : في وجه ترجيح هذا المعنى على غيره مما فسر به الحديث. والذي يظهر من مجموج كلامه في وجه ذلك :
    أوّلاً : إنَّ اقرب المجازات بعد عدم امكان ارادة نفي الحقيقة حقيقة هو نفيها ادعاءً تحفظاً على نوع المعنى المُفاد استعمالاً ـ لكن على نحو التنزيل والادعاء ـ فان في المسالك الاخرى عدولاً عن ذلك.
    وثانياً : ان النفي الادعائي كثيراً ما يستعمل فيه هذا التركيب حتى كان هو الغالب فيه بخلاف غيره من المعاني.
    وفي النقاط الثلاث نظر.
    اما النقطة الأُولى : فيرد عليها انه لا يصح القول بوحدة معنى الكلمتين


    تماماً على ما اتّضح من الابحاث السابقة ، فانهما يتفقان في المعنى من جهة المادّة لكن يختلفان من جهة الهيئة لان ( الضرر ) ، اسم مصدر من الثلاثي المجرد و ( الضرار ) مصدر من باب المفاعلة من الثلاثي المزيد فيه وقد تقدّم تحقيق معناهما.
    واما النقطة الثانية : فلأَن تصوير نفي الحكم بنفي موضوعه في الحديث يتوقّف على امرين :
    الأَوّل : ان يكون المقصود بالضرر والضرار العمل المضر ، اذ لو اريد به نفس معناه لم يتم هذا الوجه لانه ان كان معنى اسم مصدري ـ كما هو الصحيح في كلمة ( الضرر ) ـ فانه لا معنى لنفي حكمه ، لأنّه لا حكم له والحرمة والضمان انما هما من آثار المعنى المصدري على ما هو واضح ، وان كان معنى مصدرياً كما هو الصحيح في كلمة الضرار ، فانه وان كان له حكم كالحرمة والضمان الا ان نفيهما ليس بمقصود ولا معقول كما تنبه له هو (قده).
    والثاني : ان يكون نفي الحكم بلسان نفي موضوعه صحيحاً وان كان الموضوع متعلقاً للحكم لا موضوعاً له بالمعنى المصطلح وهو ما فرض وجوده ورتب عليه الحكم ك‍ ( المستطيع ) في قوله ( يجب الحج على المستطيع ).
    لكن لا يتم شيء من هذين الأَمرين.
    اما الأَوّل : فلأَن قصد العمل المضر من الضرر إما بنحو المرآتية أو بنحو آخر.
    فان كان بنحو المرآتية ، ففيه :
    أوّلاً : ان جعل العنوان مرآة للمعنون هو خلاف الظاهر ، لان ظاهر الكلام هو ان ما اخذ مرتبطاً بالحكم في القضية اللفظيّة بنفسه مرتبط معه في القضيّة اللبية. وبهذا يفقد هذا التفسير ما جعله ميزة له في النقطة الثالثة من

    ان فيه تحفظاً على الظاهر اللفظي من نفي الطبيعة لكن ادعاءً بخلاف تفسيره بنفي الحكم الضرري مثلاً ، فانه يقتضي ارادة نفي سبب وجود الطبيعة ـ وهو الحكم الضرري ـ لانفسها.
    وثانياً : انه لا يمكن جعل الضرر مرآة للعمل المضر ، لان مرآتية شيء لشيء ليست جزافية بل أقل ما يعتبر فيها نحو اتحاد بين المفهومين وجوداً ـ كما في العنوان والمعنون ـ وليست نسبة الضرر إلى العمل المضر كالوضوء من هذا القبيل ، بل هي من قبيل نسبة المعلول إلى العلة.
    وان كان على غير المرآتية كالسببية والمسببية فهو أبعد منها استظهاراً لأن المرآتية فيما يقال أخف مراحل المجاز.
    وأما الثاني ، ففيه :
    أوّلاً : ان الحكم ليس من قبيل لواحق وجود متعلقه خارجاً حتى ينفى بلسان نفيه بل وجود المتعلق خارجاً مسقط للحكم لا مثبت له فهو متأخر عنه رتبة لا متقدم عليه ، وهذا بخلافه بالنسبة إلى موضوعه فانه من قبيل آثار وجوده الخارجي عرفاً لأَن علاقة الموضوع بالحكم علاقة العلّة بالمعلول فهو متقدم على الحكمة رتبة ، ولذا يصحّ نفيه بلسان نفيه ك‍ ( لا طلاق إلا لمن اراد الطلاق ) كما يصح نفي الأثر التكويني بلسان نفي مؤثره ك‍ ( يا اشباه الرجال ولا رجال ).
    وثانياً : انه لو تم ذلك فانه يقتضي نفي حكم المتعلق ولو كان فعلاً تحريمياً فيما اذا كان في ارتكابه مضرة على المكلف ، ومن المعلوم انه لا يمكن الالتزام بذلك ، الا ان يتوسل في دفع ذلك بجهة اُخرى ككون الحديث في مقام الامتنان ، ودفع الحرمة عند الضرر خلاف الامتنان.
    وأما النقطة الثالثة : فيرد عليها ما تقدّم من أن هذا التفسير لا يستدعي جعل نفي الطبيعة تنزيلاً فحسب على ما ذكر ، بل يقتضي التصرف في


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3292
    نقاط : 4979
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    قاعدة لا ضرر ولا ضرار Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قاعدة لا ضرر ولا ضرار   قاعدة لا ضرر ولا ضرار Emptyأمس في 7:37

    ( الضرر ) أيضاً بجعله معبراً عن العمل المضر كما مضى في نقد النقطة الثانية ، وبذلك يظهر أن كثرة النفي الادعائي في امثلة هذا التركيب لا تجدي في ترجيح هذا الوجه بعد اختلاف هذه الأَمثلة مع المقام في مدى حاجته إلىٰ التكلف والتأملّ.
    المسلك الرابع : ـ في تفسير الحديث ـ ما نقله الشيخ الأَنصاري عن الفاضل التوني من ان مفاد الحديث نفي الضرر غير المتدارك فيرجع إلىٰ اثبات الحكم بالتدارك شرعاً (1).
    وتقريب ذلك علىٰ اساس جهتين :
    الجهة الأولىٰ : ان الضرر المنفي يمكن أن يراد به في نفسه احد معان ثلاثة :
    الأَوّل : كل نقص واقعي سواء كان متداركاً خارجاً أو محكوماً بالتدارك أم لا.
    الثاني : النقص غير المتدارك خارجاً وذلك بلحاظ ان النقص اذا كان متداركاً لا يكون مصداقاً للضرر لتداركه بحكم القانون العقلائي والشرعي ، كبذل المثل أو القيمة في تلف الأَموال أو الديات في تلف الأَنفس والاطراف ، فانه يكون منتفياً بالنظر العرفي المسامحي ـ وان لم يكن كذلك بالنظر الدقي ـ ولذا يعبّر عن اداء العوض بالتدارك فيكون مثال الضرر المتدارك مثال معاوضة شيء بما يساويه قيمة ومالية ، فكما لا يصدق الضرر في هذه فكذلك في تضرّر صاحب المال في شيء. وكذا من أصيبت سيارته وأخذ عوض ما خسره من شركة التأمين لا يقال انه أصابه ضرر عرفاً.
    الثالث : النقص غير المحكوم بلزوم تداركه قانوناً وشرعاً ، فان النقص
    __________________
    (1) فرائد الأصول 2 / 532.

    المحكوم بلزوم تداركه اذا كان للقانون قوة إجرائية تضمن تحقّق التدارك الخارجي ـ عادة ـ يمكن ان ينفى كونه ضرراً تنزيلاً وادعاءً وإن لم يتدارك خارجاً.
    فهذه معان ثلاثة وحيث انه لا يمكن ان يكون الضرر المنفي بالحديث هو المعنىٰ الأَوّل للزوم مخالفة الواقع بعد وجود الضرر خارجاً ، مع انه خلاف المفهوم العرفي للضرر أيضاً كما يتضح مما ذكر في المعنىٰ الثاني ، وكذلك لا يمكن ان يكون هو المعنىٰ الثاني لعدم تدارك كل ضرر خارجاً فيتنافى مع عموم النفي ، فلا بد ان يراد المعنىٰ الثالث فيرجع إلىٰ اثبات حكم شرعي قاض بالتدارك في مورد كل ضرر.
    الجهة الثانية : إنّه بناءً علىٰ هذا التفسير يكون مفاد ( لا ضرار ) الحكم بضمان من أضر بأحد في شيء وأما ( لا ضرر ) فهو باعتبار كون الضرر اسم مصدر لا يتضمن النسبة الصدورية ، يكون مفاده نفي لضرر مطلقاً سواء كان من قبل شخص معيّن أو كان لحادثة طبيعية أو غير ذلك ، فكلّ ضرر أصاب شخصاً في نفسه أو ماله ، فإنّه لا يذهب هدراً بل له ضامن لا محالة فإن كان بسبب شخص معيّن فيكون الضمان عليه ، وإلاّ فيكون الضمان علىٰ الإمام والدولة.
    وبذلك يستفاد من الحديث ثبوت تأمين عام في الدولة الإسلامية بالنسبة إلىٰ أفراد المجتمع الإسلامي ، وقد حدث التأمين في المجتمع البشري أولاً بداعٍ إنساني تعاوني فكان مرجعه إلىٰ تحمّل الجماعة المشتركين في أداء حقّ التأمين للخسارة الواقعة علىٰ الشخص حتىٰ لا تكون الخسارة ثقلاً عليه. وإلىٰ ذلك يرجع ما يتعارف في بعض المجتمعات من التعاون بين أفراد القبيلة عند إرادة بعض أفرادها تأسيس عائلة جديدة حيث يهدي كل منهم ما يسد بعض حاجتها ، إلا أنّه أصبح فعلاً وسيلة لاستثمار


    الآخرين.
    ويمكن تأييد هذه الفكرة بجملة من الروايات الواردة في جملة من مصاديق الموضوع.
    ففي الحديث عن أبي عبد الله 7 انّ النبيّ 9 قال : أنا أولىٰ بكلّ مؤمن من نفسه وعلي أولىٰ به من بعدي. فقيل له : ما معنىٰ ذلك ؟ فقال قول النبي 9 من ترك دَيناً أو ضياعاً فعليَّ ، ومن ترك مالاً فلورثته ، فالرجل ليست له علىٰ نفسه ولاية إذا لم يكن له مال وليس له علىٰ عياله أمر ولا نهي إذا لم يجرِ عليهم النفقة والنبي وأمير المؤمنين 7 ومن بعدهما الزمهم هذا ، فمن هناك صاروا أولىٰ بهم من أنفسهم ، وما كان سبب اسلام عامة اليهود إلا من بعد هذا القول من رسول الله 9 ( أنّهم آمنوا علىٰ أنفسهم وعلىٰ عيالاتهم ) (1).
    وفي الصحيح عن أبي عبد الله 7 قال : قضىٰ أمير المؤمنين 7 في رجل وُجِدَ مقتولاً لا يُدرىٰ من قتله قال : ( إن كان عرف له أولياء يطلبون ديته أعطوا ديته من بيت مال المسلمين ، ولا يبطل دم امرئ مسلم لأنّ ميراثه للإمام فكذلك تكون ديته علىٰ الإمام ، ويصلّون عليه ويدفنونه. قال : وقضىٰ في رجل زحمه الناس يوم الجمعة في زحام الناس فمات أن ديته من بيت مال المسلمين (2) ومثله أحاديث أُخرىٰ.
    إلى غير ذلك ممّا دلّ علىٰ انّه لا يذهب دم امرئ مسلم هدراً ومثله ماله لأن حرمة ماله كحرمة دمه ـ كما في الحديث (3).
    __________________
    (1) اصول الكافي 1 / 335 ـ 336 ح 6.
    (2) الوسائل ج 29 ص 145 ـ 146 الحديث 35346.
    (3) الرسائل ج 12 ص 297 الحديث 16349.

    هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب هذا القول وإن كان ما ذكرناه في مفاد ( لا ضرر ) مما لا يلتزم به القائل بهذا القول يقيناً ، لكنه لازم هذا الرأي بعد كون ( الضرر ) اسم مصدر شاملاً لكل ضرر يرد علىٰ الإنسان.
    ويمكن أن يناقش في ذلك بوجوه :
    الأوّل : ان ما ذكر في تعيين هذا المعنىٰ ليس بتام لأنّ نفي الضرر والضرار كما يمكن أن يكون بملاحظة جعل الحكم بالتدارك الذي يوجب انتفاءهما بقاء بنحو التنزيل ، فكذلك يمكن أن يكون بعناية التسبيب إلىٰ عدم الاضرار ـ فيكون مفاد الحديث هو النهي ـ أو بعناية عدم التسبيب الىٰ ضرر المكلفين ـ فيكون مفاده نفي الحكم الضرري ـ لأنّ هاتين الجهتين أيضاً مصححتان لنفي المعنىٰ علىٰ ما تقدّم ، فلا يتعين التفسير المذكور.
    الثاني : إنّه إذا كان المدعى في ( لا ضرر ) أن معناه كمعنى ( لا ضرار ) وهو نفي الضرر الصادر من الغير بالنسبة إلىٰ الإنسان ليختص الحكم بالتدارك بالاضرار الصادر من الغير ، فهو معنىٰ معقول في نفسه لكن إنما يناسب مع ( لا ضرر ) لو كان الضرر مصدراً محتوياً علىٰ النسبة الصدورية ، حيث يمكن القول باختصاصه حينئذٍ بالاضرار الصادر عن الغير ، وأمّا علىٰ ما هو الصحيح من انّه اسم مصدر فلا وجه لتخصيصه بذلك بل ينبغي تعميمه لكل ضرر واقع علىٰ الشخص ـ ولو من جهة عوامل طبيعيّة ـ.
    وإن كان المدعىٰ انّ معناه نفي كل ضرر واقع علىٰ الشخص من غير تدارك ـ كما أوضحناه ـ فهو ممّا لا يمكن الالتزام به لأنّه لم يثبت في الإسلام تدارك كل ضرر واقع علىٰ أي شخص مهما كان سببه ـ من العوامل الطبيعية وغيرها ـ بحيث يرجع إلىٰ تأمين عامّ من قبل الدولة كما لم يعرف مثل ذلك في عصرنا هذا عن شيء من القوانين البشرية. ( نعم ) يمكن الالتزام بضمان الدولة فيما لو قصرت فيما هو من وظائفها تجاه الناس كما لو لم تُجعل


    الحواجز اللازمة لاجتياح السيول مثلاً مع توفر الامكانات الماديّة لديها.
    الثالث : ان هذا المعنىٰ ليس بمنساق من الحديث ونحوه أصلاً بل الذي ينساق إلىٰ الذهن من نفي الماهيّة من قبل الشارع ، إمّا نفي التسبيب الشرعي إليها ـ إن كان نفيها في معرض توهّم تسبيب شرعي علىٰ ما أوضحناه في جملة ( لا ضرر ) فيرجع إلىٰ نفي الحكم الضرري. أو التسبيب إلىٰ انتفائها ـ كما هو الحال علىٰ مسلك النهي ـ ويشهد علىٰ ذلك ملاحظة موارد استعمال النفي في التعبير عن موقف شرعي كالأمثلة المتقدمة فيما سبق.
    وأما الحكم بالتدارك فهو وإن كان مصححاً لنفي الضرر لكن لا يفي به الكلام من دون قرينة زائدة تدلّ عليه.
    الرابع : ان هذا المعنىٰ لا يناسب موارد تطبيق الحديث من قبيل قضيّة سمرة ، فإنّه لم يحكم فيها بتدارك الضرر الواقع علىٰ الأنصاري لعدم كونه قابلاً للتدارك كما هو واضح.
    هذا وقد يناقش في هذا المسلك بوجوه أُخرىٰ :
    منها : ما ذكره السيد الأُستاذ (قده) من أن هذا المسلك يقتضي تقييد الضرر المنفي بغير المحكوم بتداركه والتقييد خلاف الأصل فلا يصار إليه (1). ( ويرد عليه ) انّه ليس المقصود بهذا التفسير تقييد الضرر بغير التدارك ، بل المنفي هو مطلق الضرر لكن بملاحظة الحكم بتداركه ، فالحكم بالتدارك مصحح لنفيه مدلول عليه بدلالة الاقتضاء بعد تعذّر حمل النفي علىٰ النفي الخارجي للطبيعة ، وليس عدمه قيداً لها وبين الأمرين فرق واضح ففي كل نفي تنزيلي يكون فقدان كمال ما مصححاً لنفي المعنىٰ ، وليس عدم ذلك الكمال قيداً في المنفي فنفي الطبيعي عن حصته تنزيلاً
    __________________
    (1) لاحظ مصباح الأصول 2 / 529.

    نفيٌ لوجوده في ضمنها مطلقاً ، بينما تقييده بعدمها يستبطن الاعتراف بكونها منه. والتنزيل بحاجة إلىٰ عناية دون حذف والتقييد بحاجة إلىٰ حذف دون عناية ، ونافي التنزيل هو أصالة الحقيقة أي ظهور الكلام في المعنىٰ الحقيقي ، وأما نافي التقييد فهو أصالة الاطلاق ـ أي ظهور الكلام في كون الطبيعة تمام الموضوع للنفي ـ.
    ومنها : ما ذكره الشيخ الأنصاري (قده) ووافقه جمع من أن الضرر الخارجي لا يصحّ تنزيله منزلة العدم بمجرد حكم الشارع بلزوم تداركه ، وإنّما المنزل منزلة العدم الضرر المتدارك فعلاً (1). ( ويرد عليه ) انّه إذا حكم الشارع بالتدارك وجعل لتنفيذ ذلك قوة إجرائيّة ـ كما أن لكلّ قانون من القوانين الاجتماعية بحسب التشريع قوة إجرائية طبعاً ـ فإنّه يكون التدارك حينئذٍ من نظر المقنن جارياً مجرىٰ الأمر الواقع فيصح اعتباره واقعاً تنزيلاً.
    المسلك الخامس : ما يظهر من كلام الصدوق في الفقيه من أن المقصود بهذه الجملة أن إسلام الشخص واعتقاده الدين الإسلامي لا يوجب تنقيص شيء من حقوقه ، فكلّ حقّ كان ثابتاً له لو لم يكن مُسلِماً فإنّه يثبت له في حالة إسلامه كحقّ الإرث عن المورّث الكافر ، وبهذا الاعتبار استدلّ بهذا الحديث علىٰ ما ذهبت إليه الإماميّة وجمع من الصحابة والتابعين وعلماء العامة ـ خلافاً لأكثرهم كأئمة المذاهب الأربعة ـ من أن المسلم يرث من الكافر.
    قال (قده) ( لا يتوارث أهل ملتين والمسلم يرث الكافر والكافر لا يرث المسلم ، وذلك أن أصل الحكم في أموال المشركين انّها فيء للمسلمين
    __________________
    (1) لاحظ رسالة ( لا ضرر ) للشيخ الانصاري ملحقة بمكاسبه ص 372 ، رسالة ( لا ضرر ) للعلامة شيخ الشريعة ص 41 ـ الفصل الثامن ـ ومصباح الأصول 2 / 529.


    وأن المسلمين أحقّ بها من المشركين ، وأن الله عزّ وجلّ إنّما حرّم علىٰ الكفّار الميراث عقوبة لهم بكفرهم كما حرّم علىٰ القاتل عقوبة لقتله ، فأمّا المسلم فلأيّ جرم وعقوبة يحرم الميراث ؟ وكيف صار الإسلام يزيده شراً مع قول النبي 9 : الإسلام يزيد ولا ينقص. ومع قوله 7 لا ضرورة ولا إضرار في الإسلام. فالإسلام يزيد المسلم خيراً ولا يزيده شراً. ومع قوله 7 ( الإسلام يعلو ولا يُعلىٰ عليه ) (1) فهو اعتبر مفاد هذا الحديث كمفاد قوله 7 ( الإسلام يزيد ولا ينقص ).
    ولتوضيح ذلك : لابدّ من بيان أمرين : كيفية تطبيق الحديث علىٰ هذا المعنىٰ ، وكيفيته انطباق المعنىٰ علىٰ هذا الموضوع.
    أما الأول : فيمكن تطبيق الحديث علىٰ هذا المعنىٰ بأن يحمل لفظ ( في ) في الحديث علىٰ التعليل والسببيّة كما قيل في قوله تعالىٰ : ( فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي ) (2) وقوله : ( لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ ) (3) ، وما نسب إليه 9 من ( أن امرأة دخلت النار في هرّة حبستها ) ، كما يحمل لفظ الإسلام علىٰ التدين بالدين الخاص ـ لا علىٰ نفس الدين ـ فيكون مفاد الحديث علىٰ هذا أنّه لا يدخل ضرر علىٰ المرء بإسلامه.
    وعلىٰ هذا فيماثل مفاده مفاد الرواية الأُخرىٰ التي نقلها من طرقهم واحتجّ بها جماعة من فقهاء الفريقين علىٰ ثبوت الإرث ـ وهي ( الإسلام يزيد ولا ينقص ) ـ فإنّ الضرر في هذا الحديث بمعنىٰ النقص أيضاً كما مرّ ، بل يمكن الاستمداد بهذا الحديث في تفسير ( لا ضرر ) بذلك ردّاً للمتشابه إلىٰ
    __________________
    (1) الفقيه 4 / 243 ح 778.
    (2) يوسف 12 / 32.

    المحكم لأنّ كلامهم يفسّر بعضه بعضاً.
    لكن قد يشكل تفسير ( لا ضرار ) بذلك لأنّه يقتضي أن يكون معناه أن اعتقاد الإسلام لا يسبّب الإضرار بالغير وهذا معنىٰ بعيد ، لأنّ أحداً لا يتوهّم أن اعتقاد الإسلام يوجب الإضرار بالنسبة إلىٰ الغير. لكن يمكن أن يجاب عن ذلك : بأنّ المقصود بعدم تسبيبه للإضرار انّ هذا الاعتقاد لا يخوله الإضرار بالآخرين وسلب حقوقهم ، إذا كانوا ممّن يحترم ماله كالمسلم والذمّي والمعاهد.
    وأمّا الثاني : وهو انطباق هذا المعنىٰ علىٰ المورد ، فقد يشكل من جهة أن عدم الإرث من المورث ليس ضرراً وإنّما هو من قبيل عدم النفع ، فلا مورد لتطبيق هذه الكبرى. لكن يمكن أن يجاب عن ذلك بأنّ الإرث وإن كان في حد ذاته انتفاعاً فعدمه ليس إلا عدم انتفاع لا ضرراً علىٰ الشخص ، إلا انّه باعتبار ثبوت حق الوراثة للشخص بالنسبة إلىٰ مال مورثه يمكن اعتبار الحكم بانتفاء هذا الحق من جهة اسلامه ضرراً ونقصاً ، كما يدلّ علىٰ ذلك تطبيق عنوان ( الإضرار ) و ( الضارة ) ونحوهما ك‍ ( الجور والحيف ) علىٰ وصية الميت إذا كانت تشمل أكثر أمواله ـ مثلاً ـ كما في قوله تعالىٰ : ( مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ) (1) ، وفي الحديث ( قال علي 7 ما أُبالي أضررت بولدي أو سرقتم ذلك المال ) (2) و ( قال علي 7 من أوصىٰ ولم يحف ولم يضارّ كان كمن تصدّق به في حياته ) (3) وفيه أيضاً ( من عدل في وصية كان كمن تصدق بها في حياته ومن جار في وصيته لقىٰ الله
    __________________
    (1) النساء 4 : 12.
    (2) الوسائل ج 19 كتاب الوصايا الباب 5 ح 24555 ص 264.
    (3) الوسائل ج 19 كتاب الوصايا الباب 5 ح 24556 ص 264.


    عزّوجلّ يوم القيامة وهو عنه معرض ) (1) ، وجاء أيضاً ( الحيف في الوصية من الكبائر (2) و ( إن الضرار في الوصية من الكبائر ) (3).
    هذا ولكن يلاحظ عليه ان هذا التفسير لو تم فيما يتضمن زيادة ( في الإسلام ) ، فإنّه لا يتم فيما لم يشتمل عليها وقد ثبت الحديث بدون الزيادة في روايات معتبرة علىٰ ما تقدّم ، بل لم يظهر من الصدوق تفسيره للحديث بدون الزيادة بهذا المعنىٰ لا سيما أنّه لم يعلم بثبوت الحديث مع الزيادة لديه لكي يكون معناه معها قرينة علىٰ معناه بدونها ـ إذ ذكره لهذا الحديث إنّما كان بغرض الاحتجاج علىٰ العامّة كما تقدّم توضيحه ـ.
    مضافاً إلىٰ أن حمل الحديث علىٰ المعنىٰ المذكورمخالف للظاهر جداً ، فإنّ تفسير ( في ) و ( الإسلام ) بما ذكرناه في تقريره خلاف المنساق منه. كما لا يخفىٰ.
    __________________
    (1) الوسائل ج 19 كتاب الوصايا الباب 8 ح 24562 ص 264.
    (2) الوسائل ج 19 كتاب الوصايا الباب 8 ح 24563 ص 267.
    (3) الوسائل ج 19 كتاب الوصايا الباب 8 ح 24564 و 24565 ص 268.




    ( الفصل الثالث ) : في تنبيهات القاعدة
    التنبيه الأوّل : في عدة اشكالات في قضيّة سمرة عمدتها الإشكال في كيفية انطباق القاعدة عليها.
    إن قضية سمرة ـ كما سبق ـ هي أهم قضية تضمنت حديث ( لا ضرر ولا ضرار ) ، ولكنها وقعت مورداً للإشكال من عدّة وجوه :
    الوجه الأول : انّه لماذا منع 9 سمرة من الدخول دون استئذان مع أنه كان له حق الاستطراق إلىٰ نخلته ؟ وهذا الإشكال يظهر من كلام الشيخ الصدوق (قده) في الفقيه ، وأجاب عنه بأنه لم يثبت حق الاستطراق لسمرة أصلاً فكان دخول سمرة إضراراً محضاً ، قال بعد نقل خبر أبي عبيدة الحذّاء الماضي :
    ( وليس هذا الحديث بخلاف الحديث الذي ذكرته في أول الباب من قضاء رسول الله 9 في رجل باع نخله واستثنىٰ نخلة فقضى له بالمدخل إليها والمخرج منها ، لأنّ ذلك فيمن اشترىٰ النخلة مع الطريق إليها وسمرة كانت له نخلة ولم يكن له الممر إليها ) (1) ومقصوده بالحديث الذي أشار إليه ما رواه عن إسماعيل بن مسلم عن الصادق 7 عن أبيه عن آبائه : قال : قضىٰ رسول الله 9 في رجل باع نخله واستثنىٰ نخلة فقضى له بالمدخل إليها والمخرج منها ومدى جرائدها.
    ولكن هذا الجواب غير تامّ ـ كما تنبه له العلامة المجلسي في مرآة
    __________________
    (1) الفقيه 3 / 59 بعد الحديث 208.


    العقول (1) ـ فإن الظاهر أنّه كان لسمرة أيضاً حق الاستطراق إلىٰ نخلته في الجملة. لكنه إنّما منع عن الدخول بدون استئذان لأنّ قاعدة ( لا ضرر ) حدّدت هذا الحق بما لا يوجب ضرراً بالأنصاري كما مرّ ذلك.
    الوجه الثاني : انّه ما هو توجيه أمر النبي 9 بقلع نخلة سمرة ؟ مع أنّه لا يجوز شرعاً التصرف في مال الغير بدون إذنه ، وليس في القواعد الشرعيّة ما يبرّر ذلك حتىٰ قاعدة ( لا ضرر ) لأنّ مفاد القاعدة إن كان مجرد تحريم الإضرار بالغير فهذا إنّما يقضي بحرمة دخول سمرة بدون الاستئذان ، حيث كان ذلك إضراراً بالأنصاري ولا يقتضي قلع نخلته ، وإن كان مفادها نفي جعل الحكم الضرري فإن مجردٍ حقّ سمرة في بقاء نخلته في ملك الأنصاري ليس ضرراً علىٰ الأنصاري لكي يكون مرفوعاً بهذه القاعدة فيسوغ قلعها ، وإنّما الحكم الضرري في ذلك هو في الاستطراق بدون الاستئذان من الأنصاري ، أو جواز ذلك فيكون هذا الحق أو الجواز هو المرفوع بمقتضىٰ هذه القاعدة بلا حاجة لقلع نخلته.
    ويمكن الجواب عن هذا الوجه ـ مضافاً إلىٰ ما سيأتي في نقد الوجه الثالث من بيان إمكان تبرير هذا الأمر بقاعدة ( لا ضرر ولا ضرار ) ـ إنّه يمكن أن يكون هذا الأمر حكماً ولايتياً من قبل النبي 9 بلحاظ ولايته في الأمور العامة ، لأنّ قلع وسيلة الإضرار من الأُمور العامة التي يتوقّف عليها حفظ النظام فيحقّ ذلك له بما أنّه حافظ للنظام وإن لم تكن له ولاية عامّة علىٰ الأموال والأنفس.
    وبذلك يتضج النظر في كلام المحقّق النائيني ومن وافقه (2) من تخريج
    __________________
    (1) مرآة العقول 19 / 399 ـ 400 تعليقات على الخبر 8.
    (2) لاحظ تقريرات العلامة الخونساري : 209 و 210 ومصباح الأصول 2 / 523.


    هذا الأمر علىٰ الولاية العامّة علىٰ الأموال والأنفس فإنّ مجال الولاية العامة الثابتة للنبي 9 وأئمة الهدى : إنّما هو المواضيع التي لا يتوقّف عليها حفظ النظام وهي المسماة بالولاية العامة وأمّا الولاية في ما يتوقّف عليه حفظ النظام فهي المسماة بالولاية في الأُمور العامة الثابتة للفقيه المتصدي للأمور العامة المنتخب من قبل الفقهاء.
    الوجه الثالث : ـ وهو أهم الوجوه ـ إنّه قد ورد في هذه القضية تعليل الأمر بالقلع ب‍ ( لا ضرر ولا ضرار ) ففي معتبرة عبد الله بن بكير ـ بنقل الكافي ـ ( فقال رسول الله 9 للأنصاري اذهب فاقلعها وارم بها إليه فإنّه لا ضرر ولا ضرار ) مع انّ هذه القاعدة لا تبرر الأمر بالقلع علىٰ ما سبق بيانه في الوجه الثاني ، وانما أقصى ما تقتضيه عدم ثبوت حقّ الاستطراق لسمرة دون استئذان لأنّ ذلك تسبيب إلىٰ الضرر علىٰ الأنصاري لا أنها تقتضي قلع النخلة.
    وقبل التعرّض للجواب عن هذا الوجه نبحث عن جهة هي انّ هذا الوجه علىٰ تقدير تماميته هل يؤدي فقط إلىٰ إجمال كيفية انطباق الحديث علىٰ المورد بحيث ينحفظ الظهور الدلالي للحديث ويكون حجة فيه ، أو انّه يمنع عن ظهوره في المعنىٰ الظاهر منه لولا هذا التطبيق وينتهي إلىٰ إجمال أصل الحديث.
    الظاهر من كلام الشيخ الأنصاري (قده) في رسالة ( لا ضرر ) هو الوجه الأول حيث قال : ( وفي هذه القضية إشكال من حيث حكم النبي 9 بقطع العذق مع انّ القواعد لا تقتضيه ، ونفي الضرر لا يوجب ذلك لكن ذلك لا يخلّ بالاستدلال ) (1).
    __________________
    (1) رسالة ( لا ضرر ) المطبوعة في آخر المكاسب ص 372.

    وذهب المحقّق النائيني (قده) إلىٰ الثاني واستغرب كلام الشيخ في ذلك قائلاً : ( ومن الغريب ما أفاده شيخنا الأنصاري من أن عدم انطباق التعليل علىٰ الحكم المعلّل به لا يخلّ بالاستدلال ، فإنّ ذلك يرجع إلىٰ أن خروج المورد لا يضر بالعموم فيتمسّك به في سائر الموارد ، مع أنّك خبير بأن عدم دخول المورد في العموم يكشف عن عدم إرادة ما تكون العلّة ظاهرة فيه ، وهذا مرجعه إلىٰ الاعتراف بإجمال الدليل ) (1).
    وهذا هو الصحيح وتوضيحه : ان معنىٰ الكلام إنما يستقر ويتحدد في ظلّ تفاعله الدلالي مع جميع ما يتصل به من ملابساته وشؤونه ، فلابدّ في تعيين معنىٰ كتفسير للكلام من ملاحظة مجموع هذه العوامل ، ومن المعلوم انّ التعليل والحكم المعلّل به ـ أو الكبرىٰ والتطبيق ـ ليسا معنيين مستقلّين في الكلام حتىٰ ينفصل مصيرهما الدلالي ، ويقتصر إجمال أحدهما علىٰ نفسه من دون أن يتجاوز إلىٰ الآخر ، بل هما معنيان مترابطان يعتبر كل منهما من ملابسات الآخر ، فلا يتم لأحدهما معنىٰ أو تحديد إذا لم يكن ذلك منسجماً مع الثاني. ولذا يكون عموم العلّة وخصوصها موجباً لعموم الحكم وخصوصه ، وعلىٰ هذا فإذا كان الحكم المعلّل به لا ينسجم مع تفسير التعليل علىٰ وجه ، فإنّه ينتهي إلىٰ عدم ظهور التعليل في ذلك المعنىٰ ، وإن كان ظاهراً فيه في نفسه لولا تطبيقه في المورد.
    ففي المقام إذا فرضنا الحكم في المورد حكماً مجعولاً بلحاظ المصالح والمفاسد المتغيّرة من باب الولاية في الأمور العامّة أو الولاية العامة لا من باب الحكم الكلي الالهي فإنّه يوجب كون التعليل حكمة أو علّة لمثل هذه الأحكام ولا يمكن أن يستفاد منه حكم كلي وقاعدة عامة.
    __________________
    (1) تقريرات العلامة الخونساري 209.


    وبعد اتضاح ذلك نقول : إنّه قد يُجاب عن الاشكال المذكور بوجوه :
    الوجه الأول : ما ذكره المحقّق النائيني (قده) من إنكار المقدّمة الأولىٰ للاشكال وهي ورود ( لا ضرر ) تعليلاً للأمر بالقلع ـ قال ( إنّ قوله ( لا ضرر ) ليس علّة لقطع العذق ، بل علّة لوجوب استئذان سمرة ) وهذا القول ينحلّ إلىٰ عقدين : عقد سلبي ـ هو الركن الأصلي للجواب ـ وهو عدم كون ( لا ضرر ) تعليلاً للقلع. وعقد إيجابي يتضمن اقتراحاً بديلاً عن كونه تعليلاً للقلع ـ وهو انّه تعليل لوجوب الاستئذان ـ.
    ولا بدّ في تحقيق ذلك من الرجوع إلىٰ الروايات التي تضمنت قضية سمرة مع جملة ( لا ضرر ولا ضرار ) لملاحظة مدى انسجامها مع ذلك. وهي رواية ابن مسكان ورواية ابن بكير بنقل كلٍ من الكافي والفقيه.
    أما العقد السلبي : فيختلف مقتضىٰ الروايات فيه.
    فرواية ابن بكير بنقل الكافي صريحة تقريباً في تعليل الأمر بالقلع ب‍ ( لا ضرر ) ، إذ فيها ( فقال رسول الله 9 للأنصاري اذهب فاقلعها وارمِ بها إليه فإنّه لا ضرر ولا ضرار ) فإن الفاء الداخلة علىٰ القاعدة يقتضي الارتباط بين الأمرين ، ولا معنىٰ للارتباط بين القاعدة العامة والحكم الجزئي إلاّ بكون الأولىٰ علّة للثاني.
    وأمّا روايته بنقل الفقيه فهي ظاهرة في ذلك إذ فيها ( فأمر رسول الله 9 الأنصاري أن يقلع النخلة فيلقيها إليه ) وقال : ( لا ضرر ولا ضرار ) وتعقيب الحكم بقاعدة ظاهر في تعليله بها كما هو واضح.
    ( نعم ) : رواية ابن مسكان لا ظهور لها في كون ( لا ضرر ) تعليلاً للأمر بالقلع ، لأنّه ذكر قبل الأمربالقلع فقد جاء فيها : ( فقال له رسول الله إنّك رجل مضارّ ولا ضرر ولا ضرار علىٰ مؤمن ، قال ثمّ أمر بها رسول الله فقلعت ثمّ رمىٰ بها إليه وقال له رسول الله : انطلق فاغرسها حيث شئت ) لكن لا يبعد أن

    يكون ذكر الكبرىٰ توطئة وتمهيداً لتطبيقها علىٰ المورد فيتحد مفاده مع مفاد رواية ابن بكير.
    وبذلك : يظهر عدم تمامية هذا العقد من كلامه إذ اتضح أنّ ( لا ضرر ) قد وقع تعليلاً له في الرواية المعتبرة من الروايتين ـ وهي رواية ابن بكير ـ علىٰ كلا النقلين فيها.
    وأمّا العقد الإيجابي : وهو كون ( لا ضرر ) تعليلاً لوجوب الاستئذان ، وهو غير تامّ أيضاً.
    أمّا أوّلاً : فلما عرفت من أن معتبرة ابن بكير قاضية بكونه تعليلاً للأمر بالقلع بلامورد لاقتراح بديل عن ذلك.
    وأمّا ثانياً : فلأنّ بين الأمر بالاستئذان وذكر ( لا ضرر ) في كلتا الروايتين فصلاً كثيراً ممّا يمنع عن اعتباره تعليلاً لذلك.
    ففي رواية ابن بكير بنقل الفقيه ... ويشبهه نقل الكافي ( فأتىٰ الأنصاري رسول الله 9 فشكىٰ إليه وأخبره ، فبعث إلىٰ سمرة فجاء فقال له استأذن عليه فأبىٰ وقال له مثل ما قال للأنصاري ، فعرض عليه رسول الله 9 أن يشتري منه بالثمن فأبىٰ عليه وجعل يزيده فيأبىٰ أن يبيع ، فلما رأىٰ ذلك رسول الله 9 قال لك عذق في الجّنة فأبىٰ أن يقبل ذلك فأمر رسول الله 9 الأنصاري أن يقلع النخلة فيلقيها إليه وقال : ( لا ضرر ولا ضرار ) ومثلها رواية ابن مسكان ، بل هي أكثر تفصيلاً عن شرح معاملته 9 مع سمرة المتوسطة بين أمره بالاستئذان وبين قوله ( لا ضرر ولا ضرار ).
    فظهر بما ذكرنا أن المقدّمة الأُولىٰ للاشكال تامّة ولا يمكن الجواب عن الاعتراض بالنقاش فيها.
    الوجه الثاني : النقاش في المقدّمة الثانية بدعوىٰ أن ( لا ضرار )


    مصحّح للأمر بالقلع بتقريب : انّ المراد ب‍ لفظ ( ضرار ) إنّما هو وسيلة الإضرار بالغير علىٰ سبيل إطلاق المصدر علىٰ الذات مبالغةً ك‍ ( زيد عدل ) وعليه فيكون مفاد هذه الجملة أن كل شيء اتخذ وسيلة للاضرار بحيث لا يمكن رفع الضرر إلا بإزالته فيجب التصرف فيه بالاتلاف أو النقل أو غير ذلك ممّا يخرج عن صلاحية ذلك دفعاً لذلك.
    وبناء علىٰ هذا الاحتمال يكون الارتباط بين الأمر بالقلع وبين قوله ( لا ضرر ولا ضرار ) واضحاً لأنّ بقاء نخلة سمرة في دار الأنصاري أصبح وسيلة لإضراره به ، ولم يكن بالامكان دفع الإضرار مع التحفّظ علىٰ النخلة ـ كما سوف يأتي توضيحه ـ فجاز قلع النخلة تطبيقاً ل‍ ( لاضرار ) بناء علىٰ هذا التفسير.
    وقد يؤيد هذا التفسير بقوله تعالىٰ : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ المُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ) (1).
    وشأن نزول الآية كما ذكر في التفسير (2) انّ جماعة من المنافقين بنوا مسجداً للتفريق بين المسلمين وإيقاع الاختلاف بينهم علىٰ أن يصلي جماعة منهم في هذا المسجد وجماعة أُخرى في المسجد الذي كانوا يصلون فيه قبل ذلك ثم يوقعوا الاختلاف بين الفريقين لينتهي إلىٰ ضعف المؤمنين وتشتت كلمتهم في مقابل الكفار ، فنزلت الآية الشريفة تُخبر عن نواياهم وتنهىٰ عن القيام فيه ، وقد أمر النبي 9 بعد ذلك بهدم المسجد وإحراقه لكونه وسيلة للإضرار.
    وقد ذكر في إعراب قوله ( ضراراً ) وجوه : ( منها ) : أن يكون مفعولاً
    __________________
    (1) التوبة 9 / 107.
    (2) لاحظ مجمع البيان 3 / 72 و 73 طبعة المرعشي.

    لأجله. ( ومنها ) : أن يكون مفعولاً مطلقاً من قبيل ( ضربت ضرباً ) بدعوىٰ انّ قوله ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا ) (1) في قوة ( الذين ضارّوا به ضراراً ) ( ومنها ) : أن يكون ضرار مفعولاً ثانياً ل‍ ( اتخذ ) حملاً للمصدر علىٰ الذات ، قال أبو البقاء في إعراب القرآن ( ضراراً يجوز أن يكون مفعولاً ثانياً اتخذوا ) وكذلك ما بعده وهذه المصادر كلها واقعة موضع اسم الفاعل أي مضّراً أو مفرّقاً ... (2). وقد يكون هذا الوجه أقوىٰ من الوجهين الأولين إذا كان اتخذ في اللآية من أفعال التحويل التي تأخذ مفعولين لأنّه لا حاجة إلىٰ تقدير المفعول الثاني علىٰ هذا الوجه بخلافه علىٰ الوجهين الأولين.
    وعلى هذا الوجه تكون هذه الآية مناسبة لتفسير ( ضرار ) بوسيلة الإضرار في الحديث.
    ( هذا ) ولكن هذا الوجه ضعيف لأنّ حمل ( ضرار ) علىٰ وسيلة الإضرار مخالف للظاهر فإنّه مجاز.
    الوجه الثالث : منع المقدّمة الثانية أيضاً ـ بما ذكره بعض الأعاظم (3) ـ وتقريره إنّ الإشكال إنّما يتجه إذا فسّر الحديث بنفي الحكم الضرري أو بالنهي عن الإضرار مع اعتباره حكماً أوليّاً وأمّا إذا فسّرنا الحديث بالنهي عن الإضرار مع اعتباره حكماً سلطانياً فإنّه لا يتجه الاشكال ، إذ يكون مبنى الأمر بالقلع هو النهي السلطاني المفاد ب‍ ( لا ضرر ) فيتم ذلك تعليلاً للأمر بالقلع. وعلىٰ أساس هذا جعل عدم ورود الإشكال علىٰ التفسير المذكور دليلاً علىٰ تعينه كمعنىٰ للحديث كما تقدّم.
    __________________
    (1) التوبة : 9 / 107.
    (2) املاء ما من به الرحمن 2 / 22.
    (3) الرسائل للامام الخميني (قده) ص 50 وما بعدها.


    لكن هذا الوجه غير تام أيضاً إذ يرد عليه مضافاً إلىٰ النقاش في أصل هذا التفسير علىٰ ما أتضح من الأبحاث السابقة انّه لا فرق بين كون النهي أولياً أو سلطانياً في عدم صحة وقوعه تعليلاً للأمر بالقلع ، فإن مفاد النهي علىٰ كل حال هو حرمة الإضرار بالغير ، وهي لا تنتج إمكان الإضرار بالمضرّ كما هو واضح ولو فرض أنّها تنتج ذلك لم يكن فرق بين نوع الحكم من كونه حكماً مولوياً أوّلياً أو حكماً سلطانياً.
    الوجه الرابع : ما يبتني علىٰ التفسير المختار لجملة ( لا ضرار ) من انّ مفادها التسبيب إلىٰ عدم الإضرار وهو ينحلّ إلىٰ أمرين : أحدهما : سلب مشروعية الإضرار قانوناً بجعله عملاً محرماً. والثاني : اعطاء صلاحيات إجرائية للحاكم بما أنه ولي أمر المسلمين في اتخاذ الوسيلة المناسبة ـ خفّة وتأثيراً وفق قوانين الشريعة المقدّسة ـ لمنع تحقّق الإضرار وهدم وسائله خارجاً.
    وهذا الجانب من مفاد ( لا ضرر ) يمكن أن يبرّر أمر النبي 9 بقلع النخلة. وكان 9 قد أمر سمرة قبل اتخاذ هذه الخطوة التنفيذية بالاستئذان من الأنصاري أمراً له بالمعروف فلم يُجده.
    ثم ساومه بشرائها منه بثمن أزيد وأزيد حتىٰ عرض عليه بديلها شجرة في الجنّة ـ تجنباً منه 9 عن الإضرار به ـ فلم يرتدع أيضاً. وكانت هذه المساومة منه 9 غير واجبة عليه فإنّ للحاكم أن يعمل القوة لمنع الإضرار بعد الأمر القولي بالمعروف مباشرة إذا لم يستجب المأمور لذلك ـ ولكن النبي 9 عامل سمرة بعظيم خلقه وكرمه.
    فكان من وظيفته 9 بعد ذلك أن يمنع من إضرار سمرة بالأنصاري منعاً عمليّاً. ولم يكن في هذا السبيل خيار أخفّ وأجدىٰ

    ممّا أمر به من قلع النخلة ، فمن الخيارات الأُخرىٰ مثلاً تأديب سمرة وتعزيره لكن هذا العمل :
    أولاً : قد لا يكون ناجعاً ومؤثراً لشدّة إصرار سمرة علىٰ الإضرار بالأَنصاري ، وربّما استمر سمرة علىٰ ذلك بأنّ يدخل دار الأنصاري ثم ينكر ظاهراً فيتوقف إثباته علىٰ إقامة شاهدين عدلين وهو ليس بسهل.
    وثانياً : إنّه ربّما لم يكن يكفى في ردع سمرة ضربه بما يوجب الإيلام فحسب بل كان يتوقّف علىٰ كسر عضو ونحوه ومن المعلوم أنّ ذلك أشدّ من التصرف في ماله بقلع شجرته. ومن الخيارات الأُخرىٰ : حراسة بستان الأنصاري عن دخول سمرة في جميع الأوقات التي يحتمل دخول سمرة في البستان ليلاً ونهاراً. وهذا أيضاً عمل شاقّ.
    فبهذا الوجه ينحلّ هذا الاعتراض ويتّضح وجه تعليل الأمر بالقلع ب‍ ( لا ضرر ولا ضرار ).
    التنبيه الثاني : في تحقيق مضمون الحديث علىٰ أساس شواهد الكتاب والسنة.
    قد سبق في المقصد الأول أن حديث ( لا ضرر ) قد ورد بطريق صحيح في ضمن قضيّة سمرة بن جندب ، ويؤيّده طرق أُخرى لم يثبت اعتبارها في أنفسها ، إلا أن الاعتبار السندي علىٰ المختار لا يكفي في حجية الخبر ، بل لا بُدّ في تحقيق مضمون الخبر من مقايسته بشواهد الكتاب والسنّة ونقده نقداً داخلياً وذلك من جهتين :
    الأُولىٰ : أن لا يكون مضمون الخبر مخالفاً للمعارف المسلمة في الإسلام ممّا ورد في الكتاب والسنّة كأن يكون هادماً لما بناه الإسلام أو بانياً لما هدمه الإسلام. واعتبار هذا الشرط من قبيل القضايا التي قياساتها معها كما هو واضح.


    الثانية : أن يكون مضمونه موافقاً مع الكتاب والسنة توافقاً روحيّاً بمعنىٰ أن يتسانخ مع المبادئ الثابتة من الشريعة الإسلامية من خلال نصوصها القطعية ولو في مستوىٰ التناسب والاستئناس.
    ومبنىٰ اعتبار هذا المعنىٰ في قبول الخبر دخالته في الوثوق به عقلاءً ، بناء علىٰ ما هو الصحيح من حجية الخبر الموثوق به دون خبر الثقة علىٰ ما أوضحناه في بحث حجيّة خبر الواحد من علم الأصول ، فإنّه كلما كانت هناك مجموعتان منسوبتان إلىٰ شخص أو جهة وكانت احداهما مقطوعة الانتساب والأُخرىٰ مشكوكة ، فإنّه لا بدّ في الوثوق بالمجموعة الثانية من الرجوع إلىٰ المجموعة الأولىٰ باعتبارها السند الثابت في الموضوع. وملاحظة روحها وخصائصها العامّة ، ثم عرض تلك المجموعة علىٰ تلك المبادئ المستنبطة فما وافقها قُبِل وما خالفها رُدّ.
    وربما تداول إجراء مثل هذه الطريقة في تحقيق الكتب أو الأشعار المشكوكة النسبة ونحوها فإنّها تقارن بما ثبت عن الشخص ثبوتاً قطعيّاً ، بعد درس مميزاته وخصائصه ثمّ يحكم فيها علىٰ ضوء ذلك فلو فرضنا انّ شعراً نسب إلىٰ مثل الرضي أو مهيار الديلمي أو إلىٰ حافظ أو سعدي ، وهو لا ينسجم مع ما عرف به من اسلوب ومن صفات نفسية ومميزات فكرية فإنّه لا تقبل النسبة وان كان الذي نسبه إليه رجل ثقة. وبمثل ذلك أبطل بعضهم دعوىٰ قوم أن بعض نهج البلاغة مصنوع ومختلق ، ففي شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة عن مصدق بن شبيب الواسطي انّه قال قلت لأبي محمّد عبد الله ابن احمد المعروف بابن الخشاب ـ في كلام عن الخطبة الشقشقيّة ـ : ( أتقول : إنّها منحولة ! فقال : لا والله ، وإنّي لأعلم أنها كلامه كما أعلم أنّك مصدّق. قال فقلت له : إن كثيراً من الناس يقولون إنّها من كلام الرضي (ره) فقال : أنّىٰ للرضي ولغير الرضيّ هذا النفس وهذا الأسلوب. قد وقفنا علىٰ

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3292
    نقاط : 4979
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    قاعدة لا ضرر ولا ضرار Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قاعدة لا ضرر ولا ضرار   قاعدة لا ضرر ولا ضرار Emptyأمس في 7:40

    رسائل الرضي وعرفنا طريقته وفنّه في الكلام المنثور وما يقع مع هذا الكلام في خلّ ولا خمر (1).
    وقال ابن أبي الحديد نفسه في إبطال هذه الدعوىٰ : ( إنّ من أنس بالكلام والخطابة وشدا طرفاً من علم البيان وصار له ذوق في هذا الباب لابدّ أن يفرّق بين الكلام الركيك والفصيح وبين الفصيح والأفصح وبين الأصيل والمولّد. وإذا وقف علىٰ كرّاس واحد يتضمّن كلاماً لجماعة من الخطباء أو لاثنين منهم فقط فلا بدّ أن يفرّق بين الكلامين ويميز بين الطريقتين ، ألا ترىٰ أنا مع معرفتنا بالشعر ونقده لو تصفّحنا ديوان أبي تمام فوجدناه قد كتب في أثنائه قصائد أو قصيدة واحدة لغيره لعرفنا بالذوق مباينتها لشعر أبي تمام نفسه وطريقته ومذهبه في القريض ، ألا ترىٰ انّ العلماء بهذا الشأن حذفوا من شعره قصائد كثيرة منحولة إليه لمباينتها لمذهبه في الشعر وكذلك حذفوا من شعر أبي نؤاس كثيراً لما ظهر لهم أنّه ليس من ألفاظه ولا من شعره ، وكذلك غيرهما من الشعراء ولم يعتمدوا في ذلك إلا علىٰ الذوق خاصّة ). وقال ( وأنت إذا تأملت نهج البلاغة وجدته كله ماءً واحداً ونفساً واحداً واسلوباً واحداً كالجسم البسيط الذي لا يكون بعض من أبعاضه مخالفاً لباقي الأبعاض في الماهية وكالقرآن العزيز أوّله كوسطه وأوسطه كآخره ، وكل سورة منه وكل آية مماثلة في المأخذ والمذهب والفن والطريق والنظم لباقي الآيات والسور. ولو كان بعض نهج البلاغة منحولاً وبعضه صحيحاً لم يكن ذلك كذلك فقد ظهر لك بالبرهان الواضح ضلال من زعم انّ هذا الكتاب أو بعضه منحول إلىٰ أمير المؤمنين 7 ) (2).
    __________________
    (1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 / 205.
    (2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 10 / 128 و 129.


    والسرّ في هذا المعنىٰ : أن كل مقتن أو مؤلف أو شاعر لا محالة يجمع شتات ما يصدر منه مبادئ عامة سارية في مختلف آثاره تشترك فيها وتتسانخ بحسبها.
    وقد نبّه علىٰ اعتبار هذا الشرط في حجيّة الخبر جملة من الروايات حيث اعتبرت في قبوله موافقة الكتاب والسنّة ، وأمرت بطرح ما خالفهما فإن المقصود بذلك علىٰ التفسير المختار لها ـ التوافق أو التخالف الروحي بينه وبينهما علىٰ ما تشهد به قرائن داخلية وخارجية ـ وإن كان المعروف تفسيرها بالتوافق أو التخالف في المؤدّىٰ ولنذكر بعض هذه الأخبار المستفيضة :
    منها : ما عن أبي عبد الله 7 قال : خطب النبيّ 9 بمنىٰ ، فقال : ( يا أيها الناس ما جاءكم منّي يوافق كتاب الله فأنا قلته وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله ) (1). ( ومنها ) : ما عنه 7 قال قال رسول الله 9 : ( إن علىٰ كل حق حقيقة وعلىٰ كل صواب نوراً فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه ) (2). و ( الحقيقة ) هي : الراية والمعنىٰ أن علىٰ كلّ حق راية وعلىٰ كلّ صواب وضوح وراية الحق هي الموافقة مع القرآن الكريم. ( ومنها ) معتبرة أيوب بن الحرّ قال : سمعت أبا عبد الله 7 يقول : ( كلّ حديث مردود إلىٰ الكتاب والسنّة وكل شيء لا يوافق كتاب الله فهو زخرف ) (3) وغير ذلك.
    ولو أريد بالتوافق في هذه الأخبار التوافق في المؤدىٰ علىٰ أن يكون مضمون الحديث مفاداً بإطلاق أو عموم كتابي لزم من ذلك عدم جواز الأخذ
    __________________
    (1) جامع احاديث الشيعة 1 / 259 / ح 144.
    (2) جامع احاديث الشيعة 1 : 257 / 434.
    (3) جامع أحاديث الشيعة 1 : 258 / 435.

    بالمخصّصات فهذا قرينة واضحة علىٰ أن المعنىٰ بها التوافق الروحي. وقد ورد إعمال هذا المنهج في بعض الأخبار ، وهو قرينة علىٰ إرادة التوافق الروحي في الأخبار السابقة :
    ( منها ) : ما عن أبي جعفر 7 قال : إذا حدثتكم بشيء فاسألوني من كتاب الله ، ثمّ قال في بعض حديثه إنّ رسول الله 9 نهىٰ عن القيل والقال وفساد المال وكثرة السؤال. فقيل له : يا ابن رسول الله 9 اين هذا من كتاب الله ؟ فقال : إن الله عزّوجلّ يقول ( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) (1) وقال : ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامًا ) (2) وقال : ( لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (3). (4)
    ( ومنها ) : ما في صحيحة الفضل بن العباس قال : قال أبوعبدالله 7 : ( إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله وإن مسّه جافاً فاصبب عليه الماء ، قلت : لم صار بهذه المنزلة ؟ قال : لأن النبي 9 أمر بقتلها ) (5) فإنّ السؤال سواء كان عن سبب الحكم ثبوتا أو عن دليله إثباتاً لا يكون الجواب عنه بذلك إلاّ من باب الاستئناس ، باعتبار أنّ الأمر بقتلها يدلّ علىٰ مدىٰ مبغوضيّتها شرعاً فيسانخ ذلك مع الحكم بالغسل أو الصبّ ، إلىٰ غير ذلك.
    وعلن ضوء ما ذكرنا فلابدّ في المقام من تحقيق مضمون حديث ( لا
    __________________
    (1) النساء : 4 / 144.
    (2) النساء : 4 / 5.
    (3) المائدة : 5 / 101.
    (4) الكافي ـ الأصول ـ باب الردّ إلىٰ الكتاب والسنّة ـ الحديث 5 : 48 ـ 49.
    (5) جامع الأحاديث ـ كتاب الطهارة ـ أبواب النجاسات ـ ج 2 : 105 / 1439.


    ضرر ولا ضرار ) تكميلاً للبحث عن اعتباره وحجيّته من جهتين :
    الجهة الأولىٰ : في تحقيق مخالفة الحديث للكتاب والسنّة وعدمها وذلك إنّه قد يقال بتخالفه معهما بأحد تقريبات : ( منها ) إنّه علىٰ التفسير المذكور يكون الخارج منها أكثر من الباقي ، كما أثار ذلك الشيخ الأعظم الأنصاري 1 في الرسائل فقال :
    ( إنّ الذي يوهن فيها كثرة التخصيصات فيها بحيث يكون الخارج منها أضعاف الباقي كما لا يخفىٰ علىٰ المتتبّع خصوصاً علىٰ تفسير الضرر بإدخال المكروه كما تقدّم ، بل لو بني علىٰ العمل بعموم هذه القاعدة حصل منه فقه جديد ).
    ثم طرح فرضية انجبار هذا الوهن باستقرار سيرة الفريقين علىٰ الاستدلال بها في مقابل العمومات المثبتة للأحكام ، لكنه تنظّر فيها قائلاً :
    ( إنّ لزوم تخصيص الأكثر علىٰ تقدير العموم قرينة علىٰ إرادة معنىٰ لا يلزم منه ذلك غاية الأمر تردّد الأمر بين العموم وإرادة ذلك المعنىٰ واستدلال العلماء لا يصلح معيّناً خصوصاً لهذا المعنىٰ المرجوح المنافي لمقام الامتنان وضرب القاعدة ).
    وممّا يعتبر من موارد التخصيص ـ علىٰ هذا الرأي ـ تشريع الخمس والزكاة والحج والجهاد والكفارات والديات والحدود والقصاص والاسترقاق وسلب مالية جملة من الأشياء كالخمر والخنزير وغير ذلك.
    والجهة الثانية : في تحقيق موافقة الحديث روحاً مع الكتاب والسنة وعدمها.
    أمّا الجهة الأُولىٰ : فقد يقال بمخالفة مضون الحديث للكتاب والسنة ـ بناءً علىٰ تفسيره بنفي الحكم الضرري ـ بأحد تقريبات ثلاث :
    التقريب الأول : ما ذكره بعض الاعاظم من ان مفاد ( لا ضرر ) بطبعه

    حكم امتناني فيكون آبياً عن التخصيص كقوله تعالىٰ : ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (1) ومن المعلوم انه مخصص في جملة من الموارد.
    ويرد عليه :
    أوّلاً : انه لم يتضح كون العامّ الامتناني آبياً عن التخصيص إذا كان التخصيص في سياق الامتنان أيضاً.
    وثانياً : انه علىٰ تقدير ثبوت ذلك فبالامكان ان يكون خروج ما خرج منه علىٰ سبيل الحكومة دون التخصيص بان تعتبر الزكاة مثلاً حكماً غير ضرري فيجب دفعها ، ولسان الحكومة لا يمس باللسان الآبي عن التخصيص لأن صيغتها نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ، فهو لسان مسالم للعام علىٰ خلاف لسان التخصيص ، كما يأتي توضيحه في التنبيه الثالث.
    التقريب الثاني : ما ذكره الشيخ الانصاري (قده) في كلام مرّ ذكره من ان الحديث يكون مخصّصاً في اكثر مفاده بل الخارج منه اضعاف الباقي. وبما ان تخصيص العام في اكثر مدلوله غير جائز ، والمخصص في المقام قطعي لا يسري اليه الريب فيتوجّه الوهن إلىٰ العامّ.
    والسر في عدم جواز تخصيص العام كذلك ـ علىٰ ما اوضحناه في بعض المباحث الاصولية ـ لزوم انحفاظ التناسب عقلاً بين مقامي الاثبات والثبوت ، فاذا كان الحكم بحسب المراد الجدي ومقام الثبوت مختصّاً بافراد نادرة ـ مثلاً ـ فانه لا يتناسب مع القاء خطاب عام وانما المصحح لمثل هذه الصيغة العامة ثبوت مقدار يقرب من العموم والاستيعاب حتىٰ تكون نسبة الخارج إلىٰ العموم نسبة الاستثناء إلىٰ القاعدة.
    وقد اجاب الشيخ (قده) عن هذا الاشكال بقوله ( ان الموارد الكثيرة
    __________________
    (1) الحج : 22 / 78.


    الخارجة عن العامّ انما خرجت بعنوان واحد جامع لها وان لم نعرفه علىٰ وجه التفصيل ، وقد تقرّر ان تخصيص الأكثر لا استهجان فيه اذا كان بعنوان واحد جامع لأَفراد هي اكثر من الباقي ) (1).
    وما طرحه الشيخ في قوله هذا ـ من جوازتخصيص الأكثر بعنوان واحد ـ اصبح مورد نقاش من قبل جماعة من المتأخرين ، وقد ذكر في كلماتهم في هذا الموضوع تفصيلان :
    احدهما : ما ذكره صاحب الكفاية (قده) في حاشية الرسائل (2) من التفصيل بين ما اذا كانت الآحاد التي لوحظ العموم بحسبها انواعاً أو اشخاصاً ، فان كانت انواعاً جاز تخصيص العام في اكثر الأَشخاص المندرجة تحته بعنوان واحد لعدم لزوم تخصيص العام ، فيما هو اكثر افراده في الحقيقة واما اذا كانت اشخاصاً فلا يجوز ذلك للزوم هذا المحذور.
    والثاني : ما ذهب اليه المحقق النائيني من التفصيل بين القضية الحقيقية والخارجية (3) ففي القضية الخارجية يمتنع تخصيص الاكثر ، ولو بعنوان واحد كما لو قيل اقتل من في العسكر ، ثم اخرج بني تميم من ذلك مع انه ليس فيه احد من غيرهم الا اثنان أوثلاثة ، وأما في القضية الحقيقية فلا يمتنع ذلك ، لكن الظاهر عدم الفرق بين القضيتين علىٰ ما يظهر بملاحظة الأمثلة العرفية لهما.
    الا أنه لا اثر للبحث عن ذلك في المقام بعد وضوح عدم تمامية تجويز ذلك مطلقاً في المقام علىٰ ما ذهب اليه الشيخ إذ لا يجوز هذا المعنىٰ في مورد ( لا ضرر ) علىٰ كلا التفصيلين.
    __________________
    (1) الرسائل 2 / 537.
    (2) حاشية فرائد الأصول 196.
    (3) تقريرات العلامة النائيني 211.

    اما علىٰ الأَوّل : فلأَن الملحوظ في ( لا ضرر ) نفي ضررية كل واحد من الاحكام المجعولة في الشريعة من غير لحاظها تحت مجاميع تحتوي كل مجموعة علىٰ جملة منها ، لكي يخصص مفاده في واحدة منها بملاحظة أدلّة الاحكام الواقعية كما هو واضح ..
    وأمّا علىٰ الثاني : فلاعتراف القائل به بأنّ حديث ( لا ضرر ) انما هو في مستوىٰ القضية الخارجية بملاحظة أن المنفي هو الضرر الناشئ من الاحكام المجعولة خارجاً ، وان كان قد يناقش في ذلك من جهة عدم العلم بأن النبي 9 قد قال ذلك في مورد قضية سمرة بعد انتهاء تشريع الأَحكام ليكون قضية خارجيّة بل المقصود بالحديت نفي جعل اي حكم ضرري شرعاً فهو قضية حقيقية.
    والتقريب الثالث : ان يقال : بان من المستهجن تخصيص الحديث في الموارد المذكورة حتىٰ وان لم تكن هي اكثر موارده لأَنها من اصول الأَحكام الالهية ومهماتها وتخصيص العام في مثل ذلك قبيح.
    ويلاحظ أن مثل هذا الانطباع عن أحكام الإسلام من كون اكثرها أو اصولها ضررية علىٰ ما يتمثّل في هذا التقريب والتقريب السابق مما يستحق البحث ، حتىٰ مع غض النظر عن كون ذلك موجباً لوهن هذا الحديث ، لأَنّ ذلك قد يكون ذريعة لبعض المخالفين للدين في تشويه صورة الإسلام والقدح في حقية تشريعاته ، للاقرار بان معظمها أو اصولها تشريعات ضررية.
    وفي الجواب عن هذين التقريبين طريقان :
    الطريق الأَوّل : ما هو المختار. وهو ينحل إلىٰ جزءين :
    الأَوّل : عدم صدق الضرر في كثير من هذه الموارد علىٰ ضوء التدقيق في مفهومه وفي مدى انطباقه فيها.


    الثاني : تحديد الضرر المنفي ب‍ ( لا ضرر ) بملاحظة طبيعة معناه التركيبي ـ علىٰ المختار ـ ويملاحظة اقترانه ب‍ ( لا ضرار ) بنحولا يقتضي نفي الضرر أصلاً في جملة من الموارد المذكورة.
    اما الجزء الأَوّل : فيظهر بملاحظة امرين :
    الأَمر الأَوّل : في التدقيق في مفهوم الضرر. ان الضرر في الشيء كالمال ـ مثلاً ـ ليس مطلق عروض النقص عليه بل كونه أنقص عما ينبغي ان يكون عليه من الكمية أو المالية ، كما لوعرضت علىٰ المال آفة توجب نقص ماليته ، أو نقصت كميته بضياع أو سرقة أو غصب أو بصرف المالك له فيما لا يعدّ مؤونه له ولا يعود منه فائدة عليه ، فاما لو صرف فيما يرجع إلىٰ مؤونة الشخص وشؤونه أو ينتفع منه بنحو مناسب معه فانه لا يكون ذلك ضرراً عليه ، ولذا لا يعتبر صرف المال في مؤونته ومؤونة عياله فيما يحتاجون اليه ـ من المأكل والمشرب والملبس والعلاج والوقاية والتنظيف وسائرحاجاتهم ـ إضراراً بالمال لا لغة ولا عرفاً ، وكذلك صرف المال في اداء الحقوق العرفية للغير وسائر الرغبات العقلائية كالسفر إلىٰ مكان آخر لغرض ثقافي أو اجتماعي ، وهكذا لو اشترك الشخص في مشروع عام أو جهة عامة يعم الانتفاع بها.
    وبالجملة : فصرف الشخص المال في الشؤون المتعلقة بتعيش نفسه وعياله بحسب مستواه من العرف والعادة لا يعدّ ضرراً ، لان شأن المال ان يصرف في مثل هذه الامور بل عدم صرفه في مثل الانفاق علىٰ العيال يعدّ إضراراً بهم وظلماً عليهم.
    واذا لم يكن صرف المال في ذلك إضراراً فلا ينقلب ضرراً بالالزام الشرعي ليكون الحكم الشرعي ضررياً.
    وعلى ضوء هذا البيان : يظهر عدم صدق الضرر في جملة من الموارد

    السابقة ، كما تنبّه له جمع من المحققين :
    منها : ايجاب صرف المال فيما عليه من الحقوق بحسب العرف كالانفاق علىٰ من يجب الانفاق عليه عرفاً كالزوجة والاولاد وبعض الاقرباء بل المواشي ونحوها ، وكذلك صرف المال لتفريغ ذمته عما اشتراه من غيره ، أو اشتغلت به ذمته من جهة اتلافه لمال الغير أو بدلاً عن الانتفاع به.
    ومنها : ايجاب الخمس والزكاة ـ في الجملة ـ فانها تصرف في مصارف عمدتها التحفظ علىٰ النظام والمصالح الاجتماعية العامة.
    ومنها : ايجاب صرف المال في ازالة كثير من القذارات العرفية التي يحسن الاجتناب عنها. إلىٰ غير ذلك من الموارد المختلفة.
    ويمكن ضبط الموارد الخارجة عن حدود الضرر ـ علىٰ ضوء البيان الذي ذكرناه ـ بنحو عام في حالات ثلاث :
    الأُولى : أن يكون الحكم الشرعي في مورد لا يكون صرف المال فيه ضرراً عرفاً ، فانّه لا يكون الحكم حينئذٍ ضررياً وهذه الحالة هي التي يندرج تحتها أكثر الموارد السابقة.
    الثانية : أن يكون الحكم الشرعي بملاحظة كشف الشارع عن كون المورد مصداقاً لجهة لا يعتبر صرف المال في تلك الجهة ضرراً ، فانه حينئذٍ يكون خارجاً عن الضرر تخصصاً وان لم تعرف مصداقية المورد لتلك الجهة لدى العرف ، نظير ما لو انكشفت مصداقية المورد من قبل غير الشارع كما في القذارات المستكشفة بالوسائل الحديثة فان صرف المال في ازالتها لا يعدّ ضرراً كما هو واضح رغم عدم تعرّف العرف علىٰ المصداق فيها أيضاً.
    الثالثة : ان يكون الحكم الشرعي في مورد قد اعتبر القانون حقاً من الحقوق في ذلك المورد فلا يكون صرف المال فيه ضرراً ، فإنّ الاعتبار


    الشرعي لتلك الجهة يوجب انتفاء الضرر علىٰ نحو الورود.
    الأَمر الثاني : ان قسماً من الأحكام المذكورة لا يوجب ضرراً في الحقيقة وانما يرجع إلىٰ عدم النفع أو تحديده ، وبين الضرر وعدم النفع فرق واضح ، فإن الضرر هو انتقاص الشيء الموجود ، وعدم النفع إنما هو عدم تحقّق الزيادة عليه ، فتوهم صدق الضرر في ذلك من قبيل توهّم صدقه علىٰ الحكم بعدم تملك الربا ـ وهو المقدار الزائد في المعاملة الربوية ـ.
    واظهر موارد هذا القسم تشريع الخمس والزكاة.
    1 ـ اما تشريع الخمس من الغنيمة بمعناها الاعم ـ وهو الظفر بالمال بلا عوض مادّي ـ فانه تحديد لنفع المغتنم لا اضرار به ، لان اعتبار الشارع الاغتنام سبباً للملكية يرجع إلىٰ توفير نفع للمغتنم ، فاذا فرضنا انَّ الشارع قد اعترف اولا بكون الاغتنام سبباً لملكية جميع الغنيمة كان ايجاب دفع خمسه بعد ذلك تنقيصا لماله وضرراً به. واما اذا لم يعترف منذ البدء بكون الاغتنام سبباً للملكية الا بالنسبة إلىٰ اربعة اخماس الغنيمة ـ فلا يكون ايجاب دفع الخمس إلىٰ من فرضه الشارع له ضرراً بالمغتنم لأنّه لم يملكه أصلاً.
    ولتوضيح ذلك نتعرض لبعض موارد الخمس في الغنيمة :
    منها : الغنيمة القتالية وهي التي يسيطر عليها المقاتلون المسلمون في قتال الكفّار ، فقد جعل الشارع اخذها سبباً للملكية ، إمضاءً لقانون الاغارة الذي كان قبل الإسلام علىٰ ان يقسم بين المقاتلين ومن بحكمهم ، واستثنى من ذلك الخمس علىٰ ان يكون للعناوين الخاصة ، ولو انه لم يجعل شيئاً للمغتنم ، لم يكن ذلك ضرراً عليه أصلاً فضلاً عن استثناء الخمس ، لعدم حق لهم لولا الجعل الشرعي أصلاً. وربما كان استثناء الخمس بعنوان انه حق الرئاسة كما كان هذا الحق متعارفاً في الجاهلية أيضاً حيث كان ربع الغنيمة التي يحصلون عليها بالاغارة لرئيس القبيلة أو العشيرة ويسمى

    مرباعاً (1).
    ومنها : المعادن وهي على المختار وفاقاً للمشهور من الانفال فيكون ملكاً للامام ، ومرجع جعل الخمس فيها إلىٰ الاذن في استخراجها وتمليك أربعة اخماسها للمستخرج توسعة على المؤمنين ، ويحق لوليّ الأَمر ان لا يأذن في استخراجها ، فينحصر حق استخراجها بالدولة ويصرف جميعها في سبيل مصالح المسلمين.
    ومنها : الأرباح الزائدة وهي ـ بحسب الدقة والتحليل ـ احد مصاديق الغنيمة بمعناها اللغوي ، أي الفوز بالمال بلا عوض مالي. وقد اختلف فيها المنهج الرأسمالي والاشتراكي علىٰ طرفي افراط وتفريط ، والحلّ الوسط في ذلك ما تضمّنه فقه أهل البيت : من اقرار الرابح على اربعة اخماس ، واعتبار الخمس الباقي للعناوين الخاصّة.
    ان قيل : ان هذا ضرر على الناس لان لكل انسان ان يحصل على ما يشاء من الاموال بأية وسيلة وعلى اي نهج فمنع التملك لمقدار الخمس سلب لهذا الحق.
    قيل : انه لم يثبت مثل هذا الحق بشيء من الأَدلة ، فانه ليس مدركاً بالعقل النظري ولا من قضاء الوجدان والضمير الانساني ، ولا مما بنى عليه العقلاء بناءً عاماً ، أما الاولان فواضح واما الثالث فلاختلاف القوانين في حدود قانون الملكية الفردية حسب تقييم العقلاء للمصالح الفردية والاجتماعية وتنبههم لها.
    واما تشريع الزكاة : ففيما يتعلق بالغلات الأَربع لا يمكن اعتباره حكماً ضررياً بعد ملاحظة ان شأن الزارع والفلاخ ليس الا اتخاذ بعض
    __________________
    (1) لسان العرب 8 / 101 ( ربع ).


    المعدات ، واما التنمية فانما هي بعوامل طبيعية خلقها الله تعالىٰ من الماء والمطر والشمس والجو وصلاحية التربة وغير ذلك حتى ان لبعض الطيور تأثيراً في ذلك بدفع الحشرات الضارة ، وقد اُشير إلى بعض هذه الجهات في سورة الواقعة حيث قال تعالى : ( أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ) (1) ومفاده ان عمل الانسان انما يقتصر على الحرث وهو من مقدمات الزرع من كراب الارض والقاء البذر وسقي المبذور ، واما نفس الزرع وهو الإنبات فانه من فعله تعالى بما قدّره من عوامل مختلفة ولولا فعله سبحانه لأَصبح الزرع هشيماً لا يُنتفع به.
    وكذلك لا تعتبر زكاة الأَنعام الثلاثة ضرراً بعد ملاحظة اختصاصها بالسائمة منها. وربّما لوحظ في فرض الزكاة عليها بعد حلول الحول عدم اجتماعها لدى صنف خاصّ من الناس وتيسر وقوعها في متناول من يريد اقتناءها لحوائجه الشخصية أو للتنمية.
    وهكذا فرض الزكاة في الذهب والفضة المسكوكين مع حلول الحول عليهما ، فإنه ربما كان للزجر عن تجميعها أو غرامة على ذلك بملاحظة انهما كانا في العهد السابق نقداً ، وخاصة النقد كونه ميزاناً للمالية ووسيلة سهلة للتبادل بين الأَمتعة ، ولولاه لكان التبادل بينهما أمراً صعباً ومعرضاً للضرر والغبن وتوفر النقود وتداولها من وسائل ازدهار التجارة ونموها وذلك مورد اهتمام الشارع وعنايته كما لعله احد اسباب تحريم ( ربا الفضل ) ـ كما ذكرناه في بحث الربا ـ.
    يضاف إلى ما ذكرنا ما يترتب على تشريع الخمس والزكاة من المصالح
    __________________
    (1) الواقعة 56 : 63 ـ 67.

    الاجتماعية العامة ـ كما اشرنا اليه أوّلاً ـ بل هذا التشريع مما توجبه العدالة من جهة استفادة الجميع من الجهات العامة التي توفرها الدولة كبناء القناطر وتعبيد الطرق وتحقيق الأمن وغير ذلك.
    فظهر ان التدقيق في ( الضرر ) مفهوماً وانطباقاً يوجب دفع دعوى التخصيص بالنسبة إلى جملة من الاحكام التي عدت ضررية بطبعها.
    واما الجزء الثاني من هذا الحل ـ وهو تحديد الضرر المنفي ب‍ ( لا ضرر ) ـ فهو يتضمن جهات ثلاث.
    الأَولى : ان الضرر المنفي منصرف عن كل ضرر تثبته الأَحكام الجزائية ، وذلك لأن الحكم المولوي لا بُدّ ان يدعمه قانون جزائي يثبت ضرراً على مخالفته سواء كان ضرراً دنيوياً أو اخروياً ، والاّ لم يكن حكماً مولوياً أصلاً بل كان حكماً ارشادياً ، اذ الحكم المولوي ـ على ما اوضحناه سابقاً ـ يتقوّم بما يستبطنه من الوعيد فاذا لوحظ الضرر الذي يولده الحكم الجزائي الذي يندمج في الحكم الشرعي فان الأَحكام الشرعيّة كلها ضررية ، اذ لا فرق في ذلك بين الضرر الدنيوي الذي يثبته مثل قوله سبحانه ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ) (1) وبين الضرر الاخروي الذي يثبته مثل قوله تعالىٰ : ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ) (2) وعلى هذا فنفي التسبيب إلى الضرر من المقنن إنما ينصرف إلى الضرر الابتدائي على الشخص دون ما كان جزاءاً على مخالفة القانون ، هذا ما ينبغي ملاحظته.
    كما ينبغي أن يلاحظ أيضاً ان اضرار الحاكم لا يندرج تحت عنوان
    __________________
    (1) المائدة : 5 / 38.
    (2) النساء : 4 / 10.


    ( الضرار ) أيضاً لان الضرار بحسب كونه من باب المفاعلة يقتضي ان يكون بمعنى انهاء الضرر إلى الغير المستتبع لنسبة مماثلة من نفس الفاعل أو من الغير ولو بالقوة ، فلا ينطبق ذلك في مورد اضرار الحاكم لأنّه لا يستتبع إضراراً آخر لا من الحاكم لأَنّ عمله محدود بحد قانوني ، ولا من قبل المتضرر لان الحاكم بملاحظة الحماية القانونية له ليس في معرض أن يقع عليه ضرر ممن أجرى عليه الحكم كما هو واضح.
    الجهة الثانية : ان الحديث بحسب المراد التفهيمي منه على المختار لا يشمل جملة من الاضرار فان المراد التفهيمي له هو نفي الزام المكلف بتحمل الضرر ، وعليه فلا ينفى الحكم الشرعي فيما لو أقدم المكلف بنفسه على تحمل الضرر كما اذا اشترى شيئاً مع اسقاط جميع الخيارات أو كان عالماً بالغبن أو العيب أو صالح صلحاً محاباتياً أو ألزم نفسه شيئاً بالنذر والعهد واليمين ، ففي مثل ذلك لا يعدّ إمضاء الشارع لما أنشأه المكلف تسبيباً من قبله لتحمل المكلف للضرر ، وانما الشخص هو الذي حمّل نفسه الضرر ابتداءً والشارع انما أقره على ذلك.
    ولا يقال : ان المكلف في مورد العلم بالغبن ونحوه وان كان اقدم على الضرر ابتداءً ، لكنه لم يقدم عليه بقاءً وانما الشارع الزمه به بسبب حكمه باللزوم ـ كما ذكره غير واحد من المحققين ـ.
    فانه يقال : إن اللزوم ليس حكماً تأسيسياً شرعياً وانما ينتزع من اطلاق المنشأ لما بعد الفسخ في موارد عدم الشرط ولو ارتكازاً ، وإنما الشارع أمضى ما انشأه المنشئ بحدوده.
    الجهة الثالثة : إن اقتران ( لا ضرر ) ب‍ ( لا ضرار ) يمنع عن شموله لجملة من الاضرار ، وذلك لان ( لا ضرار ) كما تقدّم بحسب معناه التفهيمي يثبت عدة انواع من الأَحكام الضررية دفعاً لوقوع الاضرار :

    منها : احكام جزائية يستتبعها الاضرار بالمجتمع من قبيل حد السرقة والمحاربة وحد القصاص والتعزير.
    ومنها : حق مكافحة الاضرار ولو بانزال الضرر على الغير كما في بعض مراتب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
    ومنها : فروض مالية مقابل الإضرار كضمان الاتلاف وأروش الجنايات والديات التي تفرض على نفس الجاني.
    ومنها : أحكام تمهيدية مانعة عن تحقيق الاضرار كحق الشفعة.
    فالضرر الذي توجبه هذه الأَحكام غير مشمول ل‍ ( لا ضرر ) لان اقترانه ب‍ ( لا ضرر ) الذي يثبت مثل هذه الأَحكام يكون قرينة متصلة على تحديد مدلوله ومانعة عن شموله لمثل ذلك.
    وهكذا يتضح بمجموع ما ذكرناه : عدم اتجاه ما ادعي من لزوم تخصيص الحديث في اكثر مدلوله بناءً على تفسيره بنفي الحكم الضرري.
    الطريق الثاني : ـ في جواب الإِشكال ـ ان يقال ان ( لا ضرر ) ليس ظاهراً الا في نفي الحكم الذي ربما يترتب على امتثاله ضرر ، دون ما كان بطبعه ضررياً من قبيل الموارد المذكورة كالخمس والزكاة والحج وغيرها ، فهي خارجة عن مصب الحديث تخصصاً ، وذلك بأحد وجوه :
    الوجه الأول : ما ذكره المحقق النائيني من ان قاعدة ( لا ضرر ) ناظرة إلى الأَحكام ومخصّصة لها بلسان الحكومة ، ولازم الحكومة ان يكون المحكوم بها حكماً لا يقتضي بطبعه ضرراً لأنّه لو اقتضى بطبعه ضرراً لوقع التعارض بينهما (1).
    وتوضيحه : ان قاعدة ( لا ضرر ) انما سيقت للحكومة على الأَدلة
    __________________
    (1) رسالة لا ضرر تقريرات المحقق النائيني ص 211.


    الواقعية ولا معنى للحكومة بالنسبة إلى الادلة التي تثبت أحكاماً ضررية بحسب طبعها ، لان النسبة بين ( لا ضرر ) وبينها هي التباين. والحكومة التضييقية ـ كالتخصيص ـ لا تعقل إلا مع كون النسبة بين الدليلين عموماً من وجه أو عموماً مطلقاً ، فإنها لا تفترق عن التخصيص الا بحسب اللسان حيث ان لسان الحكومة هو لسان مسالمة مع الدليل الآخر ، ولسان التخصيص لسان معارضة معه والا فهما يشتركان في المحتوى وهو تحديد حجية الدليل الآخر ؛ ولذلك لا تعقل الحكومة الا في مورد يعقل فيه التخصيص وبما ان التخصيص لا يعقل في مورد كون النسبة هي التباين فانه لا تعقل الحكومة معها ايضاً.
    وليس المقصود بذلك أن كل مورد لم يحكم فيه بالتخصيص لا يحكم فيه بالحكومة ، اذ في بعض موارد العامين من وجه يلتزم بحكومة أحدهما على الآخر ولا يلتزم بتخصيصه به بل يتعارض الدليلان في المجمع فيتساقطان ، وإنّما المراد أن كل ما لا يعقل فيه التخصيص لا تعقل فيه الحكومة.
    ويرد علىٰ ذلك أوّلاً : انّه لم يثبت كون ( لا ضرر ) مسوقاً للحكومة علىٰ الأدلة الأُخرىٰ ابتداءً حتىٰ يقال بموجبه انّه ناظر إلىٰ خصوص الأدلة التي تثبت بإطلاقها أو عمومها حكماً ضررياً ، لطرو عوارض خارجيّة ، ويحدّد مفاده بنفي الحكم الذي لا يكون بطبعه ضررياً ، بل الظاهر منه هو نفي التسبيب إلىٰ تحمل الضرر مطلقاً سواء كان الحكم المسبّب إلىٰ الضرر موجباً له بالذات أو بعروض عارض ، بل شموله للأول أوضح لأنّه أجلىٰ الأفراد فيكون إخراجه منه تخصيصاً في مفاده ويعود الإشكال.
    وثانيا : انّ مبناه في تقريب نفي الحديث للحكم الضرري هو جعل الضرر عنواناً للحكم فيكون مصب النفي في الحديث نفس الحكم مباشرة ، وعلىٰ هذا المبنى لا يمكن اعتبار ( لا ضرر ) حاكماً علىٰ الأدلة الأوليّة ـ علىٰ

    ما سيتضح في التنبيه الثالث ـ لأنّ لسان نفي الحكم المثبت للموضوع في الدليل الآخر لسان معارضة مع لسان ذاك الدليل ، فإنّ الدليل يثبت الحكم للموضوع و ( لا ضرر ) ينفي ذلك الحكم عن موضوعه ولا معنىٰ للحكومة في مثل ذلك.
    نعم يمكن تصوير الحكومة علىٰ المختار في مفاد الحديث من أنّه ينفي التسبيب الشرعي إلىٰ تحمل الضرر فيكون نفياً للتسبيب بالحكم الضرري بلسان نفي الضرر كناية ، لكن هذا اللسان إنما ينتج تقديم الدليل فيما أمكن الجمع الدلالي بينه وبين الدليل الآخر ليكون هذا حاكماً وذاك محكوماً به ، وذلك كما في مورد يكون ( لا ضرر ) فيه أخص من الدليل الآخر ولو في الجملة ، وأمّا إذا لم يمكن الجمع الدلالي بينهما بذلك بأن كانت النسبة بينهما هي التباين ـ كما هو الحال في مورد ( لا ضرر ) مع أدلة الأحكام الضررية بحسب طبعها ـ فلا وجه لتقدم الدليل الوارد بهذا اللسان علىٰ غيره كما هو واضح.
    الوجه الثاني : ما عن السيد الأُستاذ (قده) من أن ( لا ضرر ) إنّما هو ناظر إلىٰ العمومات والاطلاقات الدالة علىٰ التكاليف التي قد تكون ضررية وقد لا تكون ضررية فيحدّدها بما إذا لم تكن ضررية ولا يتعرض للتكاليف التي هي بطبعها ضررية ، والشاهد علىٰ ذلك ان وجوب الحج والجهاد وغيرهما من الأحكام الضررية كانت ثابتة عند صدور هذا الكلام من النبي 9 في قضيّة سمرة ، ومع ذلك لم يعترض عليه أحد من الصحابة بجعل هذه الأحكام الشرعيّة (1).
    ويرد علية : أولاً : ان الاستشهاد يبتني علىٰ تصوّر أن الصحابة جميعاً
    __________________
    (1) لاحظ الدراسات ص 332.


    فهموا مغزىٰ هذا الحديث علىٰ النحو الذي استظهرناه ، مع أن الشواهد المختلفة تدلّ علىٰ انّ أكثرهم لم يكونوا بهذه المنزلة ، وقد قال النبي 9 في خطبته التي خطبها في مسجد الخيف ـ وقد نقلها الفريقان ـ ( نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم تبلغه ، يا أيها الناس ليبلغ الشاهد الغائب ، فربّ حامل فقه ليس بفقيه ، وربّ حامل فقه إلىٰ من هو أفقه منه ) (1). وفي الحديث عن أمير المؤمنين 7 : ( وليس كل أصحاب رسول الله 9 كان يسأله الشيء فيفهم وكان منهم من يسأله ويستفهمه ، حتىٰ أنهم كانوا ليحبون أن يجيء الأعرابي والطارئ فيسأل رسول الله 9 حتىٰ يسمعوا ) (2). بل كانت معرفتهم بالقرآن كذلك وقد أوضحنا ذلك في بعض مباحث حجية ظواهر الكتاب ومقدمة بحث حجية خبر الواحد وذكرنا جملة من شواهد ذلك من روايات الفريقين.
    وثانياً : انّه علىٰ تقدير فهمهم لمعنىٰ الحديث وثبوت عدم اعتراضهم أو سؤالهم أو بدعوىٰ أنّه لو كان لَنُقِلَ ـ لِتَوّفر الدواعي علىٰ نقله ـ فمن الممكن أن يكون الوجه في ذلك تنبّه فقهاء الصحابة للطريق السابق في حل الاشكال من عدم نفي ( لا ضرر ) لكل ضرر من جهة عدم صدق الضرر في كثير من هذه الموارد علىٰ ما سبق توضيحه. وما يبقى منها ـ من موارد قليلة ـ فإنّه ربما خصّص الحديث بالنسبة إليها لأنّ الخاص حيث وجد يتقدم علىٰ العام ، وإن كان يدور بين أن يكون ناسخاً أو مخصّصاً إلا انّه يحمل علىٰ الثاني بحسب المتفاهم العرفي ، فيمكن أن يكون الوجه في عدم اعتراضهم
    __________________
    (1) جامع احاديث الشيعة 1 / 229 / ح 347.
    (2) جامع احادبث الشيعة 1 / 16 / ح 62.

    بذلك تنبههم لهذا النحو من الجمع العرفي ولا شهادة في عدم الاعتراض بنفسه علىٰ اختصاص الضرر المنفي بما كان طارئاً.
    وربما كان مقصوده بهذا الكلام ما يأتي في الوجه الثالث.
    الوجه الثالث : ما يبتني علىٰ جهتين :
    الأُولى : ان مورد هذه الكبرىٰ في قضية سمرة إنّما كان هو الضرر الطارئ لأن ملكية النخلة في ملك الغير تستتبع حق الاستطراق إليها متىٰ شاء مالكها ، كما ورد في الحديث عن النبي 9 إنّه قضىٰ في رجل باع نخله واستثنىٰ نخلة فقضىٰ له ( بالمدخل إليها والمخرج منها ومدى جرائدها ) (1) إلاّ أن عموم هذا الحق في مورد قضية سمرة للدخول بدون الاستئذان كان ضرراً علىٰ الأنصاري ، لأنّ البستان ـ الذي كانت فيه النخلة ـ كان محل سكناه وسكن أهله ، فكان الدخول بدون استئذان موجباً لهتك حرمتهم. وعلىٰ هذا : فالضرر الطارئ هو القدر المتيقن من مفاد الحديث لكونه مورداً لالقائه في جهته.
    والجهة الأُخرىٰ : انَّ الأحكام التي هي بطبعها ضررية كانت من مشهورات أحكام الإسلام وحيث ان الصحابة كانوا حديثي عهد بالإسلام فكانوا يحسّون بثقل ذلك ومشقته ، ولم ينقل عن أحد منهم تصور شمول الحديث لهذه الأحكام ، فكان ذلك قرينة متصلة للكلام علىٰ أن المنفي شرعاً إنما هو خصوص الضرر الطارئ فلا ينعقد له ظهور في العموم.
    التنبيه الثالث : في وجه تقديم ( لا ضرر ) علىٰ ادلة الأحكام الاولية.
    وقد ذكر في ذلك وجوه كثيرة الا أن المشهور بين المحققين أنّه على نحو الحكومة التضييقية وهو الصحيح ، وحيث شاع لديهم التعرض لحقيقة
    __________________
    (1) الوسائل كتاب التجارة ابواب احكام العقود 18 / 91 / ح 23219.


    الحكومة في المقام فلا بأس بالبحث عنها أوّلاً ، فيقع الكلام في مقامين :
    المقام الأَوّل : في حقيقة الحكومة التضييقية.
    ويلاحظ انَّ الحكومة تُطلق على معنيين فتارة يراد بها الخصوصية التي توجد في الدليل الحاكم التي توجب تقديمه على الدليل الآخر متى لم يكن هناك مانع من ذلك ، وبهذا المعنى تعد الحكومة من المزايا الدلالية لأحد المتعارضين. واُخرى يراد بها التحكيم وهو العلاج الخاص بين الدليلين المتعارضين حيث يكون احدهما بأسلوب الحكومة كما يراد بالتخصيص أيضاً نوع علاج خاص بين العام والخاص أو العامّين من وجه وحقيقة هذا العلاج الحكم بأوسعية مقام الاثبات عن مقام الثبوت في الدليل الآخر تقديماً للدليل المتضمن لاسلوب الحكومة ، فيقابل النسخ وغيره من وجوه التقديم. وهذا المعنى من شؤون المعنى الأَوّل وآثاره ، ونحن نبحث أوّلاً عن حقيقة الحكومة بالمعنى الأول ثم نتعرض لوجه تقديم الحاكم على المحكوم وكيفيته وشرائطه. وذلك في ضمن جهات :
    الجهة الأولى : في ذكر تقسيمات الحكومة ومحل البحث من اقسامها :
    التقسيم الأَوّل : ان محتوى الدليل ـ بحسب المراد الاستعمالي ـ يكون على أحد نوعين :
    1 ـ ان يكون محتواه اعتباراً ادبياً تنزيليّاً وذلك من قبيل اثبات الحكم بلسان اثبات موضوعه أو نفيه بلسان نفيه كأن يقال بعد الأمر باكرام العلماء مثلاً ( المتقي عالم ) و ( الفاسق ليس بعالم ) فان الأَوّل يثبت وجوب الاكرام للمتقي بلسان تحقّق موضوع الوجوب وهو العالم ، كما أن الثاني ينفي وجوب الاكرام عن العالم الفاسق بلسان نفي تحقّق موضوعه. ومن الواضح ان اندراج المتقي تحت العالم وخروج العالم الفاسق عنه اعتبار ادبي تنزيلي.

    وسيجيء توضيح هذا القسم في التقسيم الثاني.
    2 ـ ان يكون محتواه اعتباراً حقيقياً متأصلاً. وقد يمثل لذلك بحكومة الامارات على الأَحكام التي اخذ العلم أو عدمه حداً لها كالاصول العملية وذلك على القول بأن مفاد ادلة حجية الامارات ـ كخبر الثقة أو الخبر الموثوق به ـ هو تتميم كشفها باعتبارها علماً. وذلك ليس على سبيل التنزيل والاعتبار الأَدبي ليكون تقدمها على الأصول العملية ونحوها على نحو الحكومة التنزيلية ، وإنما على سبيل الاعتبار المتأصل بملاحظة أن للعلم عند العقلاء قسمين : قسما تكوينياً وقسما اعتبارياً وقد أمضى الشارع ـ بما انه رئيس العقلاء ـ العلم الاعتباري العقلائي.
    فعلى هذا الرأي اذا فسرنا عدم العلم المأخوذ في موضوع جريان الأَصل مثلاً ك‍ ( رفع ما لا يعلمون ) بعدم العلم التكويني وقامت امارة كخبر الثقة على الحرمة فان هذه الحالة تخرج عن حدود الأَصل بنحو الحكومة ، لأَن العقلاء يرون انفسهم عالمين علماً قانونياً فلا يجدون انفسهم مشمولين ك‍ ( رفع ما لا يعلمون ) رغم تفسير العلم بالعلم التكويني.
    ولا يمكن اعتبار ذلك من قبيل الورود لتوقف الورود على انتفاء الموضوع في الدليل الأَوّل وجداناً بمؤونة من التعبد ، وعدم العلم التكويني الموضوع في دليل الأَصل حسب الفرض لا ينتفي وجداناً بوجود علم اعتباري ( نعم ) لو كان موضوع الأَصل عدم العلم الجامع بين العلم التكويني والعلم الاعتباري ، لكان تقدّم الامارة عليه بنحو الورود لانتفاء الموضوع حينئذٍ حقيقة بمعونة الاعتبار.
    ويلاحظ : ان هذا النوع من الحكومة تترتب عليه آثار التضييق والتوسعة معاً فانه يوجب تضييق الدليل المحكوم بحسب المراد التفهيمي ، ان كان موضوعه كالأَصل عدم الماهية ، وتوسعته ان كان موضوعه وجود


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3292
    نقاط : 4979
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    قاعدة لا ضرر ولا ضرار Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قاعدة لا ضرر ولا ضرار   قاعدة لا ضرر ولا ضرار Emptyأمس في 7:42

    الماهية كما في جواز الاخبار عما يعلم ونحوه.
    هذا الا ان ثبوت هذا النوع من الحكومة محل تأمل.
    وعلى تقديره فهو خارج عما هو المقصود بالبحث في المقام فان ( لا ضرر ) ليس بمندرج في هذا القسم.
    وتحقيق القول في هذا القسم من الحكومة ( في وجه تقديم الامارات على الأصول ) قد تعرضنا له في محلّه من علم الاصول.
    التقسيم الثاني : ان مفاد الدليل الحاكم اما توسعة في الدليل المحكوم أو تضييق فيه ، وبهذا الاعتبار تنقسم الحكومة إلى قسمين :
    1 ـ الحكومة على نحو التوسعة. وهي في الاعتبارات الأَدبية عبارة عن تنزيل شيء منزلة شيء آخر ليترتب عليه الحكم الثابت لذلك الشيء ، اثباتاً للحكم بلسان جعل موضوعه. واختيار هذا الاسلوب من قبل المتكلم قد يكون لأَجل إثارة نفس الاهتمام الثابت للحكم الأَوّل من جهة تكراره والتأكيد عليه بالنسبة إلىٰ الحكم الثاني ، فيعدل المتكلم عن الاسلوب الصريح إلى هذا الاسلوب الذي يظهره بيان حدود موضوع الحكم الأَوّل استغلالاً للتأثير النفسي الثابت للمنزل عليه لتحقيق مثله بالنسبة إلى المنزل.
    ومثال ذلك : ما ورد من ان الفقاع خمر فان اعتبار الفقاع خمراً تنزيلاً إنما يقصد به تفهيماً كونه حراماً أيضاً كالخمر ، ولكن اختير هذا التعبير بدلاً عن أن يقال ( ان الفقاع حرام ) لكي يوجد تجاهه نفس الاحساس الموجود تجاه الخمر ، لأَنّ الخمر من جهة التشديدات المؤكدة حولها قد اكتسبت طابعاً خاصاً من المبغوضية والحرمة ، واعتبار الفقاع خمراً يثير في نفس المخاطب نفس الاحساس الموجود تجاه الخمر بالنسبة اليه.
    وما ذكرناه هو النكتة العامة في الاعتبارات الأَدبية من قبيل اعتبار زيدٍ اسداً ، فان العدول عن التصريح بشجاعته في ذلك انما هو لاثارة نفس

    المشاعر التي يثيرها عنوان الاسد عند المخاطب تجاه زيد ، وقد أوضحنا ذلك في بعض مباحث الأَلفاظ في علم الاصول.
    وهذا القسم أيضاً ليس بمقصود بالبحث فان ( لا ضرر ) ليس من هذا القبيل بالنسبة إلى ادلة الأَحكام.
    2 ـ الحكومة على نحو التضييق. وهي ان يكون مؤدى الدليل الحاكم تحديد ثبوت الحكم لموضوعه نافياً لتصورثبوته له بنحو عامّ ، وذلك كأن ينفي موضوع الحكم أو متعلقه بغرض نفي نفس الحكم على سبيل الكناية كقوله 7 : ( لا ربا بين الوالد والولد ) فان المقصود من نفي الربا هو نفي حرمته لا نفي حقيقته ولكنه تعرض لذلك بلسان نفي الموضوع على نحو الكناية دون التصريح.
    وهذا القسم هو المقصود بالبحث في المقام.
    الجهة الثانية : في أقسام الحكومة التنزيلية. ومواردها واختلاف مؤدى الدليل الحاكم بحسبها.
    ان الحكومة التنزيلية تنقسم إلىٰ قسمين :
    الأَوّل : ان يكون بلسان الاثبات ومفاده اعطاء شيء حدّ شيء اخر وتنزيله منزلته ، كما اذا قام الدليل على ان ( ولد المسلم مسلم ) فان الإسلام بما انه عبارة عن عقيدة خاصة فلا يتصف به غير المميّز ، ولكن الدليل المذكور ينزِّل ولد المسلم منزلة المسلم فيضيق دائرة الدليل الدال على ان غير المسلم نجس مثلاً.
    الثاني : ان يكون بلسان النفي ، وهو الأَكثر تداولا في الأَدلة.
    وللنفي التنزيلي ـ باعتبار مصبّه ـ موارد يختلف بحسبها نوع المراد التفهيمي من الدليل الحاكم :
    1 ـ ان يكون المنفي موضوعاً لدى العقلاء لاعتبار متأصّل كالعقود


    والايقاعات. والمراد التفهيمي بنفي الطبيعي في ذلك نفي الآثار القانونية التي ينشأ المعنى بداعي ترتيبها ، كحصول الفراق بالطلاق ، واذا كان المنفي حصة من الطبيعي الموضوع للحكم كقوله : ( لا طلاق إلا باشهاد ) كان مقتضاه اشتراط ترتب تلك الآثار بحصول الشرط المذكور.
    2 ـ ان يكون المنفي موضوعاً لأحكام شرعية ك‍ ( لا شك لكثير الشك ) و ( لا شك للامام مع حفظ المأموم ) والمراد التفهيمي بنفي الطبيعي في ذلك عدم ترتب ذلك بالنسبة إلىٰ الحصة الخاصّة.
    3 ـ ان يكون المنفي متعلقاً للحكم ك‍ ( لا صلاة الا بفاتحة الكتاب ) و ( لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الصلاة ) ، و ( لا ربا بين الوالد والولد ) والمراد التفهيمي بنفي الطبيعي في ذلك نفي ثبوت الحكم لها ايجاباً أو تحريماً ، ومرجعه إلى اشتراط المتعلّق بالشرط المذكور.
    4 ـ أن يكون المنفي نفس الحكم الشرعي كما في ( كل شيء لك حلال ) و ( رفع ما لا يعلمون ) بناء على كون ( ما ) كناية عن الحكم الواقعي ، اذ لا يراد بمثل هذه الأَلسنة التصويب ودوران الاحكام مدار علم المكلف وجهله ، ولا ثبوت حكم ظاهري في مورد الجهل بالحكم الواقعي ـ كما عليه كثير من الاصوليين ـ بل مفادها عدم ترتب اثر الحكم ، كاستحقاق العقوبة على مخالفته في ظرف الجهل بوجوده ارشاداً إلى عدم كون الحكم بحد من فسّر بحيث يكون احتمال وجوده منجزاً له. وقد أوضحنا ذلك في مبحث اصالة البراءة.
    5 ـ ان يكون المنفي انتساب المعنى إلى المكلّف ـ كما في حديث الرفع ـ اذا كانت ( ما ) كناية عن الفعل دون الحكم ، وذلك بناءً على المختار من أنه لا يعني رفع الفعل في حدّ نفسه ، ولذلك لا يرتفع الحكم فيما كان الأَثر مترتباً على نفس الفعل من دون اعتبار صدوره من الفاعل ، كما لو القى

    النجس في الماء عن اكراه ، فإنه ينجس الماء حينئذٍ لكون نجاسة الماء اثراً لنفس الملاقاة بالمعنى اسم المصدري. وانما المقصود بذلك نفي انتسابه إلى المكلف فيرتفع الأَثر المترتب على ذلك كبيع المكره وطلاقه.
    6 ـ ان يكون المنفي طبيعة توهم تسبيب الشارع إلى تحقّقها سواء كانت متعلقاً للحكم أو معلولاً له في وعاء الخارج ، من قبيل ما لو قيل : ( لا حرج في الدين ) فان الحرج ليس متعلقاً للحكم ، وانما هو امر يترتب علىٰ الحكم فيكون المقصود بنفي الطبيعة حينئذٍ نفي جعل الحكم المؤدي اليها ، ولكن عبر عن نفيه تنزيلاً بنفي تحقّق الطبيعة خارجاً.
    هذه هي موارد النفي التنزيلي وما ذكرناه انما هو خصوص ما كان منها من قبيل الحكومة ، بأن كان نظر المتكلم في نفيه التنزيلي للمعنى إلىٰ فكرة مخالفة لمؤدى الكلام ـ على ما هو معيار الحكومة على التحقيق كما يأتي ـ.
    وهناك مورد سابع لا يندرج في الحكومة وهو حيث يستفاد منه الزجر والتحريم المولوي من قبيل قوله تعالى : ( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الحَجِّ ) (1) وضابطه ـ كما يظهر مما تقدّم ـ أن يكون مصب النفي طبيعة تكوينية ذات آثار خارجيّة يرغب المكلفون فيها لانسجامها مع القوى الشهوية أو الغضبية للنفس ، من دون ان يكون هذا الخطاب مسبوقاً بحكم مخالف له ولو توهماً كالأمر بعد الحظر أو بعد توهمه.
    ووجه عدم اندراج هذا المورد في الحكومة كونه مقيداً بعدم سبق حكم مخالف له ولو توهماً ، ومع هذا القيد لا يمكن ان يتوفّر فيه الشرط السابق من نظر المتكلم إلى فكرة مخالفة ، ووجه تقييده بذلك انه لو سبق الخطاب حكم آخر ، كان مفاده هدم ذلك الحكم ونفي التسبيب إلى الطبيعة ، فيندرج حينئذٍ
    __________________
    (1) البقرة : 2 / 197.


    في المورد السادس من الموارد السابقة.
    ويلاحظ ان سرّ اختلاف المحتوى في اكثر هذه الموارد قد تقدّم ايضاحه مفصّلاً في ذكر الضابط العامّ لاختلاف محتوى صيغ الحكم عند ذكر المسلك المختار في الحديث ، ويظهر الحال في الباقي أيضاً على ضوء ذلك.
    هذا وهناك تقسيم اخر لموارد الحكومة يتردّد في كلمات المحقق النائيني ومن وافقه (1) وملخصه : ان الدليل الحاكم على قسمين :
    1 ـ ان يكون شارحاً لعقد الوضع من الدليل المحكوم ، والمراد بعقد الوضع ما يعمّ موضوع الحكم ومتعلقه كحديث ( لا ربا بين الوالد والولد ) بالنسبة إلى دليل حرمة الربا وفساده ، فان الربا متعلق للحرمة وموضوع للفساد.
    2 ـ ان يكون شارحاً لعقد الحمل منه ـ وهو الحكم ـ ومثّل له ب‍ ( لا ضرر ) بناءً علىٰ مختاره (قده) من ان الضرر عنوان ثانوي للحكم ، وقد ذكر أن هذا القسم اظهر افراد الحكومة ، لأن هدم الموضوع يرجع بالواسطة إلى التعرض للحكم.
    ولكن هذا التقسيم غير تامّ.
    اما أوّلاً : فلانّ كون القسم الثاني من قبيل الحكومة مبني على مبناه من ان مناط الحكومة هو النظر إلى دليل آخر ، وأما على المختار من ان مناطه ان يكون لسان الدليل لسان مسالمة مع العامّ فلا يكون منها لان لسان الدليل في هذا القسم لا محالة لسان معارضة ، لأنّه ينفي ما يثبته العامّ صريحاً ، مع ان التمثيل لهذا القسم بحديث ( لا ضرر ) انما يتجه على مبناه وهو غير تام
    __________________
    (1) لاحظ رسالة ( لا ضرر ) تقريرات المحقق النائيني : 213 وفوائد الأصول 4 : 592 ـ 593 مفصلاً ، وأجود التقريرات 2 : 162 ـ 163 و 505 ـ 507 ، ومصباح الأصول 2 / 541 ـ 542.

    كما مرّ ، وسيتضح القول في ذلك تفصيلاً.
    وامّا ثانياً : فلان القسمة غير حاصرة ، إذ لا يشمل مثلاً ما اذا كان الدليل الحاكم متعرضاً لنفي ما يكون معلولاً للحكم في الخارج ك‍ ( لا حرج في الدين ).
    الجهة الثالثة : في حقيقة الحكومة التضييقية مع المقارنة بينها وبين التخصيص.
    ان الصفات التي يتصف بها الدليل ـ كالحكومة والورود والتزاحم والتعارض ـ تنقسم إلى قسمين :
    ففئة منها يتصف بها الدليل بلحاظ محتواه ـ أعني مدلوله التفهيمي ـ كحالة التعارض والورود ، فانّ التعارض مثلاً ليس الاّ حالة تصادم بين المدلولين التفهيميين للدليلين ، ولذا لا يتحقق التعارض بين قولين يتحد المدلول التفهيمي لهما وان اختلف المراد الاستعمالي فيهما ك‍ ( زيد جواد ) و ( زيد كثير الرماد ) وكذلك الورود فان ورود احد الدليلين على الآخر انما هو باعتبار واقع مؤداه من غير اعتبار باسلوب الدليل.
    وهناك فئة اُخرى يتصف بها الدليل بلحاظ أسلوبه ولسانه في التعبير عن المعنى ، لا بلحاظ واقع مؤداه ومحتواه ، ولذلك يمكن ان يتصف الدليلان المتماثلان في المحتوى بوصفين متقابلين من هذه الفئة لمجرد الاختلاف في الاسلوب.
    ومن هذه الفئة على ما نراه هي الحكومة والتخصيص.
    فحقيقة الحكومة إنما هي تحديد العموم بأسلوب مسالم معه وهو اسلوب التنزيل والكناية ـ الذي هو اداء للمعنى بلسان غير مباشر ـ كنفي الملزوم استعمالاً مع ارادة نفي ما يتوهّم لازماً له. وانما كان ذلك اسلوب مسالمة لأنّ الدليل الحاكم الذي يصاغ بهذا الاسلوب لا يمثل محتواه


    المعارض للعام المحكوم ـ بلسان معارض معه ـ بأن يثبت ما نفاه العامّ أو ينفي ما أثبته ، وانما يؤدي ذلك بلسان منسجم معه حيث يمثل نفسه على انه بيان لحدود الموضوع وعدم تحققه في المورد ـ مثلاً ـ ليتمثل انتفاءً الحكم في المورد انتفاءً طبيعياً باعتبار عدم تحقّق موضوعه ، فهو يتضمن نحواً من الالتواء وعدم الصراحة في أداء المعنى.
    وحقيقة التخصيص على العكس فإنها عبارة عن تحديد العموم بأسلوب معارض معه وهو اسلوب الصراحة بأن ينفي ما يثبته العام أو يثبت ما ينفيه صريحاً ، من غير أن يلجأ إلى طريقةٍ غير مباشرة كان ينفي الموضوع لينتهي بذلك إلى نفي الحكم ، فالدليل المخصص ـ على خلاف الحاكم ـ يعكس معارضة محتواه مع العموم فيكون مفاده استعمالاً موافقاً لما يراد به تفهيماً من دون لف ودوران في عرض المعنى.
    وبذلك يظهر ان الحاكم والمخصص أسلوبان مختلفان في أداء المعنى الواحد وتفهمه فقول الشارع ( لا يجب اكرام العالم الفاسق ) وقوله ( العالم الفاسق ليس بعالم ) كلاهما يدلان على معنى تفهيمي واحد وهو عدم وجوب اكرام العالم الفاسق ، لكنهما يختلفان في المراد الاستعمالي أي في اسلوب التعبير عن نفي الحكم حيث يؤديه الأَوّل صراحة والثاني على نحو الكناية من غير تصريح ، وذلك تفنن أدبي في اساليب إبراز المعنى الواحد.
    هذا ولكن هناك اتجاه آخر في حقيقة الحكومة هو المعروف بين الاصوليين ، وهو ان قوام الحكومة بنظر أحد الدليلين إلى الدليل الآخر وسوقه قرينة شخصية لبيان المراد من ذلك الدليل سواء كان ذلك بلسان التنزيل كما في نفي الحكم بلسان نفي موضوعه أم لا كما لو جعل الحكم المضاف إلى العام منفياً عن حصّة أو فرد من الموضوع كأن يقال ( وجوب إكرام العلماء غير ثابت للفاسق أو لزيد ) لان هذا اللسان ناظر إلى اثبات الحكم للعامّ.

    ولكن هذا الاتجاه ليس بصحيح عندنا وتوضيحه : ان لكل باب مورداً متيقناً له ، يكون أساساً في تحليل ذلك الباب ومأخذاً لملاكه وتحديده ، كموارد قصور القدرة اتفاقاً بالنسبة إلى باب التزاحم مثلاً ، فكل تحليل لأي باب إنما يصح ـ بعد تمامية تصوّره في حدّ نفسه ـ اذا أمكن شموله للمورد المتيقن للباب ، ولا ضير بعد ذلك لاندراج موارد أُخرى تحت الباب وعدم اندراجها ، والاّ لم يكن تحليلاً لذلك الباب وانما يكون تحديداً لظاهرة اُخرى.
    وموارد التنزيل بالنسبة إلى الحكومة من هذا القبيل فانها هي القدر المتيقن لها فلا يصح أي تحليل للحكومة الاّ اذا تم اندراج موارد التنزيل فيه وليس بامكان احد أن ينكر تحقّق الحكومة في موارد نفي الحكم بنفي موضوعه من قبيل قوله ( العالم الفاسق ليس بعالم ) مثلاً.
    والاتجاه المذكور غير قادر على ذلك ، لان لسان التنزيل لا يقتضي نظراً إلى دليل آخر أصلاً لا بالمطابقة ـ كما هو واضح ـ ولا بالالتزام ، لأَن دلالته عليه بالالتزام انما تتم لو كانت صحة هذا اللسان لغة أو بلاغة تقتضي نظره إلى دليل آخر ، وليس الأَمر كذلك ، فان صحة هذا اللسان لغة انما تتوقف على وجود تناسب بين المعنى الاستعمالي والمراد التفهيمي ـ كما هو شأن كل اعتبار ادبي ـ ولا تعلق لذلك بالنظر إلى دليل آخر. كما ان صحته بلاغة ـ بمعنى النكتة المصححة للعدول إلى هذا اللسان من اللسان الصريح ـ انما هي الحذر من مواجهة احساسات المخاطب ضد الكلام حيث يكون ثبوت الحكم لموضوعه بنحو عامّ مرتكزاً في ذهنه ولا أهمية لوجود دليل آخر وعدمه في ذلك. وسوف يتضح هذا من خلال التعرض للمصحح اللغوي والبلاغي لهذا اللسان ، ثم سنعود إلى بيان الموضوع بعد ذلك تفصيلاً.
    الجهة الرابعة : في المصحّح اللغوي للسان التنزيل


    ان الاعتبار التنزيلي اعتبار أدبي يختلف فيه العنصر المعنوي عن العنصر الشكلي للكلام وكل اعتبار أدبي بحاجة إلى مصححين لغوي وبلاغي.
    1 ـ فالمصحح اللغوي : هو العلاقة والتناسب بين المعنى الاعتباري ( المجازي ) والمعنى الحقيقي ، وذلك انه كلما عبّر عن معنى خاص بعنصر شكلي يختلف عنه فإنه لا بُدّ من تسانخ وتناسب بين الأمرين ليصح بذلك التعبير عن المعنى المراد بالشكل الخاص ، وبدون توفر ذلك لا يصح استعمال اللفظ في التعبير عن المراد لغة بل يكون خطأ .. وقد تعرضنا لمصحّح الاستعمال المجازي وحدوده بنحو عام في مباحث الألفاظ.
    2 ـ والمصحح البلاغي : ـ وقد يعبّر عنه بالنكتة البلاغية أو وجه العدول عن التعبير الحقيقي ـ وهو الجهة التي توجب اداء المعنى بنحو الاعتبار الأَدبي دون التصريح ، وذلك لان العدول عن التعبير الحقيقي وان كان يصح لغة من دون نكتة لوجود المصحح اللغوي للاستعمال ، الاّ أن مقتضى البلاغة اختيار التعبير الصريح في اداء المعنى ما لم يوجد دافع لاستعمال التعبير المجازي.
    ويتضح الفرق بين المصححين في المثال الآتي :
    اذا عبرنا عن زيد بالأَسد ، فالمصحح اللغوي لهذا التعبير هو التشابه بينهما في صفة الشجاعة ولكن المصحح البلاغي لذلك هو قصد تحقيق نفس الإحساس الموجود تجاه الأَسد بالنسبة إلى زيد.
    والمصحح اللغوي لاسلوب التنزيل هو احدى نكتتين :
    1 ـ النكتة الأولىٰ : التناسب الكائن بين التسبيب إلى عدم تحقّق الطبيعة في الخارج وبين المفاد الاستعمالي لصيغة النفي من انتفائها خارجاً ، فحيث كان المعنى المراد مصداقاً للتسبيب إلى عدم تحقّق الطبيعة صحّ ان

    يكون محتوىً لصيغة النفي على اساس التناسب المذكور. وأوضح مصداق للتسبيب إلى ذلك هو تحريم الطبيعة تحريماً مولوياً لا سيّما اذا انضم إلى ذلك تشريع اتخاذ وسائل اجرائية للصدّ من تحققها خارجاً كما هو مفاد مقطع ( لا ضرار ) من حديث ( لا ضرر ولا ضرار ) على ما سبق توضيحه.
    ولكن لا ينحصر مصداقه بذلك ، بل يتحقق في الموارد التالية أيضاً :
    1 ـ فصل الماهية الاعتبارية عن اثارها الوضعية التي تترتب عليها عقلاءً ـ كما في المورد الأَوّل من الموارد السابقة للنفي التنزيلي ، فهذا المعنى يكون مصداقاً للتسبيب إلى عدم الماهية خارجاً باعتبار ان مطلوبية مثل هذه الماهيات كالعقود والايقاعات ليست لذاتها ، بأن تكون في حدّ انفسها مما يدعو اليها قوة نفسية للانسان ـ كالغضب والشهوة ـ وانما هي لأجل تلك الآثار التي تترتب عليها فاذا فصلت عنها كان ذلك موجباً لزوال الرغبة ومؤدياً إلى انتفاء الماهية خارجاً.
    ولأجل ذلك قلنا فيما تقدّم ان استعمال صيغة النهي في مثل هذا المورد ليس مجازاً لان فصل الطبيعة عن آثارها يوجب انزجار المكلف عنها بالامكان فيكون الزجر عنها زجراً حقيقياً طبعاً.
    2 ـ تحديد الماهية التي هي متعلق للأَمر المولوي ـ كما في المورد الثالث من الموارد السابقة للنفي التنزيلي ـ.
    وهذا المعنى أيضاً يكون مصداقاً للتسبيب إلى عدم تحقّق الماهية ، وذلك من جهة ان الرغبة إلى الماهية في هذا المورد أيضاً ليست لذاتها وانما لأَجل امتثال الأَمر وتفريغ الذمة عن المأمور به ، فاذا حدد الشارع الماهية المأمور بها وأخرج منها حصة خاصة كان ذلك موجباً لزوال الرغبة عن تلك الحصة ومؤدياً إلى انتفائها خارجاً.
    ولذلك أيضاً قلنا بان استعمال صيغة النهي في هذا المورد ليس مجازاً


    ـ نظير ما سبق في المورد السابق ـ بنفس النكتة.
    ويجمع هذين الموردين أمران :
    أوّلاً : ان كون محتوى النفي فيهما مصداقاً للتسبيب إلى عدم الماهية انما هو على أساس استلزامه لانتفاء السبب إلى تحقّق الماهية حيث كانت الرغبة اليها لا لنفسها وانما لجهة خاصة فأوجب محتوى النفي زوالها.
    وثانياً : ان التسبيب فيهما تسبيب حقيقي ولو عرفاً ـ على خلاف المورد الثالث الآتي ـ وذلك من جهة ان إعدام العلّة سبب لعدم معلولها ، ومحتوى النفي فيهما موجب لعدم العلّة في تحقّق الماهية ـ وهي الباعث عليها والمرغب فيها ـ.
    1 ـ هدم الحكم الموجب لتحقق الماهية التي هي مرغوب عنها في حدّ نفسها ، وفي قوّة الهدم بيان عدم وجود مثل هذا الحكم حيث يتوهّم أو يحتمل وجوده ، وذلك كما في المورد السادس من الموارد السابقة للنفي التنزيلي.
    وهذه الجهة أيضاً مصداق للتسبيب إلى عدم تحقّق الماهية لأَن الماهية حيث كانت مرغوبة عنها لذاتها لم يكن هناك سبب لإيجادها ، الا ثبوت حكم موجب لها وحيث ان هدم الحكم أو بيان عدم وجوده يزيل هذا السبب كان ذلك مؤدياً إلى عدم ايجاد الماهية.
    لكن هذا مصداق تنزيلي للتسبيب وليس حقيقياً ـ كما في الموردين الأَولين ـ لأَن السبب الحقيقي لعدم الماهية في هذه الحالة انما هي الرغبة الطبيعية عنها ، وانما كان وجود الحكم الموجب لها أو توهم وجوده مانعاً عن فاعلية تلك الرغبة ، وبهدم الحكم أو بيان عدمه يزول هذا العائق.
    2 ـ النكتة الثانية : تناسب واجدية حصة من الماهية لنقص أو فقدها لكمال ، فانّ ذلك يصحح نفي تحقّق الماهية بها تنزيلاً لوجودها منزلة

    عدمها ، ومن هذا القبيل نفي الانسانية عمن لم لكن له أخلاق فاضلة.
    وتنطبق هذه النكتة أيضاً في موارد :
    1 ـ اذا كان المنفي موضوعاً لحكم شرعي كما في المورد الثاني من الموارد السابقة للنفي التنزيلي ، وذلك كما لو قيل ( الفاسق ليس بعالم ) بعد ما قيل ( اكرم العالم ) فإن الفسق حيث كان صفة نقص في العالم صح نفي العالم في حالة وجوده تنزيلاً ، وهكذا قوله ( لا شك لكثير الشك ) فان كثرة الشك لما كانت توجب نقصاً في اعتبار الشك وقيمته صحّ نفي تحقّق أصل الشك معها.
    2 ـ اذا كان المنفي حصة من ماهية منهي عنها ـ كما في بعض أقسام المورد الثالث من الموارد المذكورة ـ ك‍ ( لا ربا بين الوالد والولد ) فان الحق العظيم الذي يثبت للوالد على الولد يوجب كون الزيادة ـ المسمّاة بالربا ـ كلا زيادة بالنسبة اليه.
    3 ـ اذا كان المنفي نفس الحكم الشرعي لعدم استحقاق العقوبة على مخالفته ـ كما في المورد الرابع من تلك الموارد ـ فان عدم الاستحقاق حيث انه صفة نقص في الحكم عرفاً صح نفيه تنزيلاً.
    وتتجلى هذه النكتة في الحكومة بلسان الاثبات إذا كان المعنى المثبت صفة نقص كما لو قيل إن ( ولد الكافر كافر ) فإن إثبات تلك الصفة تنزيلاً يكون على أساس نقص مناسب لتلك الصفة وهي كون الانسان ولداً للكافر الذي يعد صفة نقص فيه.
    وامّا اذا كان المعنى المثبت صفة كمال فتنطبق فيها نكتة أخرى هي عكس تلك النكتة وهي واجدية الشيء لكمال يناسب تلك الصفة كما لو قيل ان ( ولد المسلم مسلم ) فان كون الانسان ولداً لمسلم تعتبر صفة كمال فيه وهي تناسب الصفة المثبتة له من الاسلام.


    ويلاحظ ان هذه النكتة قابلة للتطبيق في بعض موارد النكتة الأُولى : فمثلاً يمكن أن يقال في ( لا صلاة الا بطهور ) ـ وهو مما يندرج في المورد الثاني منها ـ إن مصحح النفي فاقدية الصلاة في هذه الحالة لكمال وهي الاقتران بالطهارة.
    فظهر مما ذكرنا : انه لا يمكن ان يكون ادّعاء اقتضاء لسان التنزيل للنظر إلى دليل آخر مبنيّاً على اقتضاء المصحح اللغوي للتنزيل لمثل هذا المعنى ، فان المصحح للتنزيل في كل اعتبار ادبي هو التسانخ بين المراد الاستعمالي والمراد التفهيمي وليس للنظر دخلٌ في ذلك.
    الجهة الخامسة : في المصحح البلاغي للسان التنزيل.
    قد ذكرنا في الأَمر السابق ان البلاغة تقتضي اختيار المتكلم للاسلوب الصريح في مرحلة أداء المعنى ورفض الأَساليب الملتوية والمعقدة ، لأَن الاسلوب الصريح أسلوب طبيعي وواضح في الأداء والتفهيم ، ولذلك لا بُدّ ان يكون العدول عن هذا الاسلوب واختيار اسلوب التنزيل والكناية في موارد الحكومة مبنياً على مصحح بلاغي من مراعاة جهة تتوفر في هذا الاسلوب دون الاسلوب المباشر الصريح.
    وبما ان هذا الاسلوب أسلوب أدبي ، فنشير أوّلاً إلى النكتة العامة في الاعتبارات الأَدبية ثم نتعرض لتحليل النكتة في مقامنا هذا على ضوء ذلك :
    1 ـ اما النكتة العامة في الاعتبارات الأَدبية فهي التصرف بمشاعر المخاطبين وعواطفهم واحساساتهم باختيار أسهل طرق التعبير وأحسنها واوفاها ، ليصل المتكلم من خلالها إلى مقاصده بصورة لا تجرح ولا تمسّ تلك الأحاسيس والعواطف ، بل ليستفيد منها في الوصول إلى مقاصده تلك. وهذه الجهة هي فلسفة البلاغة وسرّها. ولا بدّ في ذلك من ملاحظة الحالات النفسية للمخاطبين فيما يتعلق بالموضوع بنحو عام ليتسنى التفاعل معها

    تفاعلاً مناسباً ولأجل هذا المعنى كان علم البيان في الحقيقة من العلوم النفسية.
    وقد يقتضي ما ذكرنا اختيار أساليب مختلفة حسب اختلاف المقامات ، ولذلك عرف هذا العلم بانه ( علم يعرف به أداء المعنى الواحد بطرق مختلفة في وضوح الدلالة وخفائها ) الاّ ان الصحيح ان يقال في التعريف ( بطرق مختلفة في التأثير في النفس شدّة وضعفاً ) لان سرّ الاختلاف في الاسلوب ليس اختلاف الأَساليب في مستوى الوضوح وانما منشأه اختلافها في الوقع والتأثير النفسي المطلوب حصوله في نفس المخاطب ونوعه.
    فالتعبير الحقيقي والتشبيه والاستعارة مثلاً أساليب تختلف في درجة اثارة المعنى في نفس المخاطب كما لو قيل ( زيد شجاع ) أو ( زيد كالأَسد ) أو ( جاء الاسد ) ، فإثارة الاستعارة للاحساس بشجاعة زيد أقوى من اثارة التشبيه كما ان اثارة التشبيه بدورها أقوى من إثارة التعبير الحقيقي.
    واما النكتة الموجبة لاختيار أسلوب الكناية من قبل الشارع في مقام بيان تحديد الحكم فهي ترتكز على أمرين :
    أحدهما : اختلاف هذا الاسلوب عن أسلوب التصريح في نوع إثارة المعنى. ويظهر ذلك فيما لو استخدمنا هذين الاسلوبين في مقابل فكرة عامة مخالفة لمحتواهما ، فأسلوب التصريح ـ بلحاظ انه يمثل المعنى على ما هو عليه ـ يكون جارحاً لتلك الفكرة معارضاً لها ، ولذا قلنا إن لسانه لسان المعارضة مع العامّ واذا كان المخاطب بالكلام مقتنعاً بتلك الفكرة المخالفة وكان الترابط بين الحكم والموضوع ـ مثل ـ في ذهنه ترابطاً وثيقاً ، فان مواجهته بهذا الاسلوب يثير احساسه ضد مؤدّى الكلام طبعاً فيوجب انكاره أو استنكاره له ، من جهة كون ذلك مجابهة واضحة مع ما ارتكز في ذهنه من الارتباط بينهما.


    واما اسلوب الكناية فإنه يثير المعنى بنحو لا يمسّ باعتقاد المخاطب ومشاعره واحساسه ، لان مظهره مظهر المسالمة والاعتراف بتلك الفكرة حيث إنه ينفي تحقّق الموضوع مثلاً ليترتب عليه انتفاء الحكم انتفاءً طبيعياًً ، وبذلك يخيّل المتكلم لمخاطبه بانه لا يعارض اعتقاده بثبوت الحكم للموضوع ، بنحو عامّ بل يقرّه عليه ويعترف له به حتى كانه لو كان الموضوع متحققاً في المورد لثبت الحكم.
    وبذلك يكون المعنى أوقع في نفس المخاطب وأقرب إلى قبوله واذعانه.
    وبهذا يظهر اختلاف هذين الاسلوبين في نوع التأثير الاحساسي.
    الأَمر الثاني : اختلاف المواضيع التشريعية التي يتعرض لها الدليل الحاكم أو المخصص في ارتكاز فكرة مخالفة لمؤداه في ذهن المخاطب وعدمه.
    فقد يكون المخاطب بالدليل خالي الذهن عن اية فكرة عامة مقابلة ، أو يكون له فكرة مقابلة إلا انها غير مرتكزة في ذهنه ، فتزول بمجرّد اطلاعه على الدليل ـ حتى وان كان له مستند في تلك الفكرة من عموم أو اطلاق ـ.
    ففي هذه الحالة لا مصحح بلاغي للتعبير بلسان الحكومة حتى وان كان هناك عموم أو اطلاق على خلاف مؤدى الدليل ـ بل المناسب ان يعبّر المتكلم بلسان صريح بعدم وجوب اكرام العالم الفاسق مثلاً لو كان الدليل الأول هو ( اكرم العلماء ) ، ولا موجب لأَن ينفي عنه العلم لينتج عدم وجوب اكرامه.
    وقد يكون المخاطب بالدليل ذا ارتكاز ذهني في الموضوع على خلاف مؤدى الدليل ـ والمراد بالارتكاز الفكرة الثابتة في الذهن الراسخة في عمقه بحيث يصعب رفع اليد عنه احساساً ، وان اطّلع على دليل على

    خلافه ـ.
    وفي هذه الحالة يعدل المتكلم البليغ عن النفي الصريح للحكم إلى لسان النفي غير المباشر ، تجنّباً عن إثارة مشاعر المخاطب وأحاسيسه واختياراً لأحسن طرق التعبير مع الجمهور وأسهلها ، لجلبهم إلى المقاصد المنشودة حيث يشتدّ الارتباط الاحساسي في اذهانهم ويصعب تفكيك شمول الحكم وعزله عن بعض الحصص.
    ويلاحظ أن منشأ الارتكاز الذهني لا يكون امراً ادراكيّاً محضاً كقيام عموم أو اطلاق ، لأَنّ ذلك بمجرده لا يستدعي مقاومة ذهنية للمخاطب في مقابل الدليل الحاكم ، بل يرتفع الاعتقاد الإدراكي بقيام ذلك.
    وانما يكون منشأه امراً احساسياً يستوجب ثبوت المعنى في نفس المخاطب واستقراره في ذهنه وتعلقه به ، وذلك لأَحد أمور :
    1 ـ شدة مناسبة الحكم والموضوع في الأَذهان ، كما لو اراد الشارع تحديد حكم وجوب اكرام العالم وكان المجتمع يرى انه لا يمكن ان يكون هناك عالم لا يجب اكرامه لما في نفوسهم من احساس الاحترام والتقدير بالنسبة إلى العلماء. وحينئذٍ لما كان الشارع لا يريد أن يجابه مثل هذه المرتكزات الذهنية بصورة علنية فانه يقول ( الفاسق ليس بعالم ).
    ويمكن تخريج كثير من الامثلة السابقة في الامر الثاني على هذه النكتة وذلك من قبيل ( لا طلاق الا باشهاد ) فان استعمال هذا الاسلوب في هذه الجملة ربما كان بلحاظ شدّة المناسبة بين الطلاق الانشائي والطلاق الشرعي. وكذلك نفي المتعلق في ( لا صلاة الا بفاتحة الكتاب ) ربما كان باعتبار شدة التناسب بين الصلاة وبين المطلوبية شرعاً ، وهكذا نفي الحكم في ( رفع ما لا يعلمون ) ربما كان باعتبار ما انغرس في الاذهان من أن الحكم الشرعى يوجب الموافقة له عقلاً.


    2 ـ اشتهار ثبوت الحكم للموضوع بالدعايات ووسائل النشر والاعلام ونحوها مما يوجب تلقيناً نفسياً للمجتمع. ولعل هذه الجهة هي الموجبة لاستعمال هذا الاسلوب في مواضيع كان محتوى الدليل فيها مخالفاً لما هو المشهور لدى العامة ك‍ ( لا طلاق إلا باشهاد ) فإن العامة ترى صحة الطلاق بلا اشهاد.
    3 ـ أن يكون العموم الملحوظ لدى المخاطب ذا لسان آبٍ عن التخصيص كما قد يقال في قوله تعالى : ( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا ) (1) ففي هذه الحالة لا يناسب استخدام الاسلوب الصريح وهو اسلوب التخصيص ، باعتبار منافاته مع لسان العامّ. بل لا بُدّ من اختيار أسلوب الحكومة المنسجم معه كما مرّ ذلك.
    فهذه بعض مناشئ الارتكاز الذهني بين الحكم وموضوعه.
    فمثل هذه العوامل والاسباب هي التي تقتضي أن يعبر الشارع عن مقصوده بلسان غير مباشر حتى لا يصطدم بالمشاعر والاحاسيس والمرتكزات الذهنية المحترمة لدى الجمهور.
    فهذه هي النكتة العامة لأسلوب الحكومة.
    لكن هذه النكتة إنما هي فيما كان مصبّ النفي أو الاثبات فيها نفس الحكم أو ما يرتبط به كالموارد الخمسة الأُولى من موارد السلب التنزيلي التي سبق ذكرها في الأَمر الأَوّل ، وأما حيث يكون مصب ذلك امرا خارجياً مسبباً عن الحكم كالحرج والضرر ـ وهو المورد السادس من تلك الموارد ـ فإنه لا تتأتى فيه هذه النكتة كما هو واضح. بل لا يبعد ان تكون النكتة في العدول إلى لسان التنزيل في مثل ذلك بيان عدم تناسب ثبوت الحكم المسبّب إلى
    __________________
    (1) يونس 10 / 36.

    الحرج والضرر مع المصلحة العامة.
    الجهة السادسة : في اقتضاء لسان التنزيل ( وهو لسان الحكومة ) نظر الدليل إلى ارتكاز ذهني للمخاطب على خلافه ـ لا إلى عموم أو اطلاق ـ.
    قد ظهر مما ذكرنا أن اسلوب التنزيل ـ وهو لسان الحكومة باعتبار مصححه البلاغي ـ يقتضي نظر المتكلم إلى ارتكاز ذهني مخالف للدليل ، حيث إن اختيار الاسلوب غير المباشر بالذات ، إنما هو لعدم مجابهة هذا الارتكاز وذلك جرياً على النكتة العامة للاعتبارات الأدبية من اختيار الاسلوب المناسب مع مشاعر المخاطب واحساسه.
    وبذلك يتضح بان الفكرة المخالفة التي ينظر الدليل الحاكم إلى ردِّها إنما هي الاعتقاد المرتكز في ذهن المخاطب ، وليس معنى متمثلاً في الأَدلّة بحسب مقام الاثبات من عموم أو اطلاق ، كما اشتهر لدى الاصوليين حيث قالوا ان قوام الحكومة بوجود عموم أو اطلاق يكون الدليل الحاكم ناظراً اليه ؛ اذ يرد على ذلك :
    أوّلاً : ان مصحح هذا الاسلوب كما ذكرناه في تحليل الموضوع ليس النظر إلىٰ دليل آخر ، وانما إلى ارتكاز مخالف سواء كان عليه دليل من عموم أو اطلاق أو غيرهما أم لا ؟ ومجرد وجود العموم أو الاطلاق لا يصحح اختيار هذا اللسان والعدول عن التعبير الصريح من قبل البليغ لأَن هذا الاسلوب اسلوب ادبي يتضمن اثبات الشيء أو نفيه تنزيلاً ، والاسلوب الأَدبي انما تصححه نكتة بلاغية تتعلق بكيفية التأثير في المخاطب ، ومجرد النظر إلى دليل آخر ليس كذلك كما هو واضح.
    وثانياً : انه يصح استعمال هذا اللسان بالبداهة اللغوية حتى فيما لم يكن هناك عموم أو اطلاق اذا كان هناك ارتكاز ذهني للعرف يخالف بعمومه مؤدى الدليل ، اما من جهة تصور الإجماع الحجة أو لشدة تناسب الحكم


    والموضوع أو لغير ذلك من عوامل الارتكاز الذهني.
    ومن هنا صحّ قوله 7 ( لا طلاق الا باشهاد ) مثلاً رغم ورود الأَمر بالإشهاد في الآية عقيب ذكر الطلاق مما يمنع عن تحقّق إطلاق لها في ذلك ، قال تعالىٰ ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ... ) (1) ثم قال في الآية التالية : ( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ للهِ ) (2).
    فهذا يؤكد أنّه ليس مصحح هذا الاسلوب ومقتضاه وجود عموم أو اطلاق ، بل العبرة بالارتكاز الذهني للمخاطب ولو كان على خلاف الدليل كما في الطلاق باعتبار اشتهار فتوى العامة فيه.
    وثالثاً : انه قد يكون صدور الدليل المتضمن لهذا الاسلوب على أساس عدم وجود دليل على الحكم فلا يعقل ثبوت مفاده مع وجود الدليل عليه وذلك كما في ( رفع ما لا يعلمون ) ( وكل شيء لك حلال ).
    وهكذا يتضح انه لا تتوقف صحة استعمال هذا الاسلوب على وجود عموم أو اطلاق فلا يكون صدور الحاكم لغواً لو لم يكن هناك دليل محكوم في رتبة سابقة ـ على ما هو المعروف منهم بين الاعلام ـ.
    نعم هنا نكتة أخرى هي أن ردّ الارتكاز الذهني ـ ولو بنحوغير صريح ـ يستبطن نفي ما يكون حجة على هذا الارتكاز لدى المخاطب ـ بما في ذلك العموم والاطلاق ـ فيما اذا كان المتكلم مطلعاً عليه فيكون تحديد ذلك ملحوظاً بنحو غير مباشر في لسان التنزيل ، إلا ان هذا اللحاظ غير المباشر
    __________________
    (1) الطلاق 65 / 1.
    (2) الطلاق 65 / 2.

    ليس هو المصحح لهذا الاسلوب كما هو واضح.
    الجهة السابعة : في مدى اشتراك الحكومة والتخصيص في الأحكام.
    قد ظهر بما ذكرنا ان الحكومة والتخصيص متحدان بحسب المحتوى ، وانما يختلفان في أسلوب أداء المعنى ، حيث انه اسلوب مسالم للعموم في الأَوّل ، ومعارض معه في الثاني. ويتفرع على هذه الجهة اشتراك الحاكم والمخصص في الأَوصاف والأَحكام المنوطة بمحتوى الدليل دون الأحكام المنوطة باسلوبه.
    توضيح ذلك : ان الاحكام التي تثبت للدليل المخصّص أو العامّ على قسمين :
    1 ـ القسم الأَوّل : ما يكون منوطاً بمحتوى الدليل ، وهو القسم الأَكبر منها لأن اكثر الأَحكام المذكورة للخاص في المباحث المختلفة انما تثبت له باعتبار واقعه من اخراج بعض افراد العام عن تحته وفيما يلي بعض امثلة ذلك :
    منها : اتصاف المخصص المنفصل بكونه معارضاً مع العام ، فان التعارض كما اشرنا من قبل انما هو وصف للدليل بلحاظ مدلوله التفهيمي لا باعتبار لسانه ومعناه الاستعمالي.
    ومنها : تأثير المخصص في تحديد ظهور العامّ حيث يكون متصلاً ، وفي تحديد حجيته حيث يكون منفصلاً فان هذا التأثير انما هو بلحاظ محتواه المصادم للعامّ ، لا باعتبار أسلوبه كما هو واضح. وكذلك القول في مدى اعتبار ظهور العام وحجيته مع الشك في المخصص المتصل أو المنفصل.
    ومنها : امتناع تخصيص الأحكام العقلية ، وسرّ الامتناع ان التخصيص يرجع إلى أوسعية مقام الاثبات عن مقام الثبوت في الحكم المخصّص ،


    والحكم العقلي ليس له مقامان إثبات وثبوت ، واستلزام التخصيص لذلك أيضاً بلحاظ محتواه لا بلحاظ مفاده الاستعمالي.
    ومنها : امتناع تخصيص العام في اكثر افراده من جهة لزوم التناسب بين التعبير في مقام الاثبات وبين مقام الثبوت فلا يناسب التعبير بالعموم اثباتاً ، الاّ حيث يثبت الحكم لما يناسب العموم في الواقع وتخصيص العام بهذه الكثرة ينقض التناسب المذكور.
    ومنها : كون التخصيص أهون وجوه التصرف في الظاهر ولذا يتعين حيث يدور الأَمر بينه وبين حمل الأَمر على الاستحباب في مثل ( يستحب إكرام العلماء ) و ( اكرم العالم العادل ) ووجه ذلك : استلزامه رفع اليد عن اصالة العموم واصالة العموم اضعف الظهورات المنعقدة للكلام ، بخلاف حمله على الاستحباب فإنه مستوجب لرفع اليد عن ظهور الأَمر في الوجوب وهو ظهور قوي.
    فهذا القسم من احكام المخصص يشترك معه فيها الدليل الحاكم ، لأَنها منوطة بمحتوى الدليل وهو متحد فيهما ، ولو لم تثبت تلك الأحكام للحاكم كان مرجعه إلى تأثير أسلوب الدليل في تحقّق الوصف أو الحكم المنوط بمحتواه أو في عدم تحققه وهو امر غير معقول.
    وبذلك يظهر النظر في جملة من كلمات المحقق النائيني (قده) حيث فصل بين موارد الحكومة والتخصيص في جملة من المواضيع السابقة :
    منها : تفصيله بينهما في تحقّق التعارض بين الدليلين حيث قال بتحققه في موارد التخصيص دون الحكومة ـ وسيأتي توضيح ذلك ـ.
    ومنها : ما يظهر من بعض كلماته في بحث حجية الظن (1) من انه اذا
    __________________
    (1) لاحظ أجود التقريرات 2 : 77.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3292
    نقاط : 4979
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    قاعدة لا ضرر ولا ضرار Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قاعدة لا ضرر ولا ضرار   قاعدة لا ضرر ولا ضرار Emptyأمس في 7:43

    شكّ في التخصيص أمكن الرجوع إلى العام وذلك كما لو قال ( اكرم العلماء ) وشك في انه هل قال ( لا تكرم العالم الفاسق ) أو لا. ولكن اذا شك في الحكومة لم يمكن الرجوع إلى العام كما لو شك في انه هل قال ( العالم الفاسق ليس بعالم ) أم لا ، وكأن مبنى ذلك أن التمسك بالعام في مورد الحكومة المشكوكة يكون من قبيل الشبهة المصداقية لنفس العامّ ولا يجوز التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية لنفسه اتفاقاً.
    2 ـ والقسم الثاني : ما يكون منوطاً بالاسلوب الاستعمالي للدليل ، وله أمثلة :
    منها : امتناع تخصيص العام حيث يكون لسانه بدرجة من القوة يأبى عن التخصيص كما قيل به في قوله ( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا ) (1) وقوله ( ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً ) (2) فان هذا الحكم منوط بأسلوب الدليل المخصص لأنّه من جهة كونه أسلوب معارضة مع العام ، يكون كاسرا لقوة لسانه فيكون استخدامه في تحديد العام أمراً مستهجناً.
    ومنها : إمكان كون المخصص عقليا فإن هذا الامكان باعتبار أن العقل إنما يدرك الواقع بصورته التي هو عليه كما هو شأن الدليل المخصص ـ حيث ان لسانه موافق لواقعه ـ.
    ومنها : عدم نظر المخصص إلى فكرة مخالفة من ارتكاز ذهني للمخاطب أو عموم أو اطلاق الا في حالات خاصة كان يكون المنفي هو الحكم العام نحو ( وجوب اكرام العلماء لا يثبت في حقّ زيد ).
    ووجه عدم نظره : أن الأسلوب الصريح أسلوب طبيعي لا يختص
    __________________
    (1) يونس 10 / 36.
    (2) لاحظ جامع الأحاديث ـ أبواب النجاسات ـ الباب 23 الحديث 5 : 443 ـ ج 1 : 50 ـ 51.


    بقصد نفي فكرة مخالفة كما يختص الأسلوب الكنائي بذلك من جهة مصححه البلاغي.
    وهذا القسم من أحكام المخصص لا يشترك فيها معه الدليل الحاكم لأنّه منوط بأسلوبه ، والدليل الحاكم يختلف عن المخصص في الأسلوب فان أسلوبه أسلوب كنائي غير مباشر.
    ففي المثال الأول : يجوز تحديد العامّ الآبي عن التخصيص بلسان الحكومة ، لأن لسانه لسان مسالم للعموم فلا يكسر شوكة لسان العموم حتى يكون مستهجناً. وبذلك أجبنا فيما سبق عما قيل من استهجان تخصيص ( لا ضرر ) لانه حكم امتناني ، مع أن تفسيره بنفي الحكم الضرري موجب لتخصيصه لا محالة كما سبق التعرض له.
    وفي المثال الثاني لا يجوز كون الحاكم عقلياً لأن اسلوب الحكومة تعبير عن الشيء بغير ما هو عليه لأنّه اعتبار أدبي ، والأعتبار الأدبي اما اعطاء حد شيء لشيء آخر أو سلب حد الشيء عن نفسه ، وهذا يغاير كيفية ادراك العقل.
    وربما يظهر من كلمات بعض الأَعاظم ـ في مبحث الاستصحاب ـ نفي امكان كون الحاكم عقلائياً ـ أيضاً ـ لكن قد يقال في دفع ذلك ان الفكرة الذهنية للعقلاء كما يمكن ان تكون على امر حقيقي فكذلك يمكن ان تكون على امر اعتباري كما قد يقال بذلك في اعتبار الامارات علماً.
    وفي المثال الثالث : يكون الدليل الحاكم بمقتضى مصححه البلاغي مقتضياً للنظر إلى فكرة مخالفة كما تقدّم توضيحه سابقاً.
    ويتفرع على هذا الفرق بين الحاكم والمخصص توفر الحاكم على مزية دلالية عامة ، من حيث اقتضاء اسلوبه للنظر إلى الله ليل المخالف ـ ولو

    بنحو غير مباشر ـ ولأجل ذلك يتقدم أحد العامين من وجه على الآخر اذا كان بأسلوب الحكومة من غير حاجة إلى مزية اخرى ، وهذا بخلاف المخصص فانه لا يستتبع اسلوبه المباشر أية مزية دلالية وانما يكون تقدمه رهين وجود مزايا خارجة عن مقتضاه الطبيعي توجب أظهريته على العام فيتقدم بملاك الأظهرية.
    الجهة الثامنة : في وجه تقدّم الحاكم على المحكوم.
    إن في وجه تقدّم الحاكم على المحكوم وجوها ثلاثة :
    الوجه الأوّل : ما ذكره المحقق النائيني والسيد الاستاذ 0 من أنّه لا تعارض بين الحاكم والمحكوم أصلاً وذلك بأحد تقريبين :
    الأول : ما في كلمات المحقق النائيني ومن وافقه (1) من عدم معقولية المعارضة بين الحاكم والمحكوم من جهة أن المحكوم يثبت حكماً على تقدير ، غير متعرض لثبوت ذلك التقدير ونفيه ، وأما الدليل الحاكم فهو ناظر إلى إثبات ذلك التقدير ونفيه.
    وتوضيحه : ان التعارض بين الدليلين فرع تعرّضهما لنقطة واحدة ، والحاكم والمحكوم ليسا كذلك اذ كل منهما يتعرض لما لا يتعرض له الآخر ، فان الحاكم مثلاً يتعرض لوجود الموضوع أو لنفيه وأما المحكوم فهو يتعرض لاثبات الحكم لموضوعه على نحو القضية الحقيقية ، وهذا المقدار لا تعرض فيه لوجود الموضوع في المورد وعدمه لان القضية الحقيقية في قوة القضية الشرطية ، وكما أن القضية الشرطية لا تتعرض لوجود الشرط ، وانما تفيد ثبوت التالي عند ثبوت الشرط ، فكذلك القضية الحقيقية لا تتعرض لوجود الموضوع وانما مفادها ثبوت الحكم عند تحقّق الموضوع.
    __________________
    (1) لاحظ أجود التقريرات 2 : 505 ـ 506 ، ونظيره مصباح الأصول 2 : 542 إلا أنّه خصه بالحكومة علىٰ عقد الوضع.


    ويرد عليه : إن التعارض بين الدليلين ليس بحسب المراد الاستعمالي فيهما قطعاً ، وإلاّ لم يقع التعارض بين القول المثبت لمعنى مع القول النافي له بلسان المجاز أو الكناية ، كما لو قيل ( زيد بخيل ) و ( زيد كثير الرماد ) أو ( زيد جبان ) و ( زيد أسد ) لأن كل منهما بحسب المراد الاستعمالي يتعرض لما لا يتعرض له الآخر.
    وانما العبرة في التعارض بالمراد التفهيمي من الدليلين وهو مختلف في الحاكم والمحكوم ، فإن الحاكم وان كان ينفي ما هو موضوع للمحكوم استعمالاً ـ مثلاً ـ الا ان المراد به تفهيماً نفي نفس الحكم الذي يثبته المحكوم فهما متعارضان.
    يضاف إلى ذلك انّ هذا لا يتم في قسم من قسمي الحكومة لدى هؤلاء وهو حيث يكون الحاكم متعرضاً لعقد الحمل من المحكوم ، فإنه حينئذٍ يتعرض لنفس ما يثبته المحكوم أو ينفيه كما هو واضح.
    الثاني : ما قد يظهر من بعض كلمات السيد الأستاذ (قده) من ان الدليل الحاكم شارح للمراد من المحكوم ومبين للمراد منه والشارح لا يعارض المشروح.
    ويرد عليه :
    أوّلاً : إن مبنى إدعاء الشارحية هو الاعتقاد بأن الحاكم ناظر إلى المحكوم ومسوق للتعرض له ، وقد سبق عدم تمامية هذا الرأي بل أوضحنا ان الحاكم انما ينظر إلى الارتكاز الثابت في ذهن المخاطب على الارتباط بين الحكم وموضوعه بنحو عامّ ، وهذا النظر هو مصحح لسانه التنزيلي دون النظر إلى اطلاق وعموم.
    وثانياً : ان الشارحية انما هي سمة لأسلوب الدليل الحاكم ولسانه واما واقعه ومحتواه فهو كالمخصّص واقع في المعارضة مع العام حيث إنهما جميعاً يقتضيان كون مقام الاثبات في الدليل العام اوسع من مقام الثبوت

    على خلاف المراد التفهيمي للدليل المزبور.
    وبذلك يتّضح أنّه لا يتم تقديم الحاكم على اساس عدم معارضته مع المحكوم وشرحه له.
    نعم : لو فسرنا التعارض بالتنافي في الحجية ـ كما ذهب إليه المحقق الخراساني ـ لم يكن هناك تعارض بين الحاكم والمحكوم كسائر موارد الجمع العرفي لكن حجية أحد الدليلين فيهما في طول حجية الآخر ، لكن عدم التعارض بين الدليلين بهذا المعنى لا يغني عن وجود نكتة دلالية مثلاً تفرض تقديم أحد الدليلين على الآخر ، بل هومتفرع على وجود مثل هذه النكتة.
    الوجه الثاني : أن يقال إن الحاكم مسوق لتحديد المحكوم لكونه ناظراً إليه مباشرة فهو قرينة شخصية قد نصبها المتكلم على مراده بالمحكوم.
    وهذا الوجه مبني على الرأي المعروف لدى الأصوليين من تقوم الحكومة بنظر الحاكم إلى الدليل المحكوم وقد سبق انه غير تام.
    الوجه الثالث : ما هو المختار وهو ان اسلوب الحكومة وإن لم يكن مسوقاً للنظر إلى أي دليل آخر بل هو ناظر بالاصالة إلى ارتكاز ذهني عامّ مخالف لمؤدى الدليل لكنه ناظر بنحو غير مباشر إلى نفي ما يكون حجة على هذا الارتكاز المخالف ، وبذلك يستبطن تحديد تلك الحجة متى كانت عموماً أو اطلاقاً ، وهذه مزية دلالية تستوجب تقديمه على تلك الحجة وتحديدها به.
    بقي هنا امران :
    الأَمر الأَوّل : انه قد يوحي كلمات كثير من الأصوليين ان الدليل الحاكم بموجب نظره إلى المحكوم يوجب تقدمه عليه مطلقاً بلا استثناء وشذوذ ، وهذا لا يخلو عن غلوّ وافراط ، فان هناك جملة من الحالات تطرأ على هذا الأسلوب ـ كما تطرأ على اسلوب التصريح ـ لا يجوز فيها تقديمه


    على معارضه أصلاً :
    فمنها : ما اذا كان الدليل المتضمن لهذا الأسلوب مخالفاً لحكم ثابت بالكتاب أو السنة ومثال ذلك ما روته الغلاة من ان الصلاة والزكاة والحج كلها رجل ، وان الفواحش رجل فان ذلك ناظر إلى أدلة إيجاب العبادات وتحريم الفواحش ولو بنحو غير مباشر فيكون من قبيل اسلوب الحكومة لكنه مندرج في ما دّل على لزوم طرح ما خالف الكتاب فيجب طرحه والغاؤه رأساً.
    ومنها : ما اذا كان تقديم الدليل المزبور على معارضه موجباً لالغاء موضوعية العنوان المأخوذ في ذاك الدليل ـ وذلك فيما إذا كانت النسبة بين المدلول التفهيمي للدليلين عموماً من وجه ـ فيمتنع تقديمه عليه دلالة وذلك نظير امتناع تخصيص أحد العامين من وجه بالآخر في هذه الحالة.
    ومنها : ما اذا كان تقديم الدليل المزبور موجباً لبقاء افراد قليلة تحت الدليل الآخر بما يستهجن معه القاء العموم ، فان ذلك من قبيل التخصيص المستهجن ومثال ذلك ما لو ورد ( اكرم العلماء ). وورد أيضاً ( من كان علمه كسبيّا لا بمعونة الإلهام القلبي فانه ليس بعالم ).
    فمن هذه الحالات وامثالها يؤدي التعارض بين الدليل الكائن بأسلوب الحكومة والدليل الآخر إلى الغاء هذا الدليل رأساً ، أو يؤدي إلى تاويله اذا كان صالحاً لذلك كما يحمل قوله 9 ( لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ) (1) مثلاً على نفي الكمال لمخالفة مفاده الأولى من نفي الحقيقة والصحة في غير المسجد ؛ للحكم القطعي الثابت بالكتاب والسنة لصحت صلاة جار المسجد في غير المسجد.
    وبذلك يظهر أن هذه المزية ليست الا كسائر المزايا الدلالية التي هي مزايا نوعية تقبل الاستثناء.
    __________________
    (1) الوسائل 5 : 194 ح 6310 باب 2.

    الأمر الثاني : قد يظهر من كلمات الاصوليين أيضاً ان المزية الدلالية للحاكم توجب تقديمه على المحكوم بنحو التحكيم ، من غير ان يكون هناك احتمال اخر في البين. والمراد بالتحكيم هو رفع اليد عن الشمول الأَفرادي للعامّ كالتخصيص ، ولذلك لم يطرحوا فيه احتمال النسخ الذي ذكروه في تعارض العام والخاص. وربما كان مبنى هذا الرأي تصورهم للحكومة على انها تفسير وشرح للمراد بالدليل المحكوم ولكنا اوضحنا فيما سبق ان التفسير والشرح انما هو سمة لاسلوب الحاكم ولسانه واما واقعه فهو واقع المعارضة والمنافاة كالدليل المخصص.
    والصحيح ان نفس الاحتمالات والأَبحاث الواردة بشأن الخاص والعامّ تأتي بالنسبة إلى الحاكم والمحكوم ، لانها لا ترتبط بأسلوب الخاص وانما ترتبط بمحتواه المماثل لمحتوى الحاكم. ففيما اذا ورد الحاكم متأخراً عن وقت العمل بالمحكوم ، يرد فيه احتمالات اخرى غير التحكيم.
    منها : ان يحمل على النسخ بملاحظة ورود الحاكم بعد وقت العمل بالعامّ ، والالتزام بالتحكيم يستلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة وتاخير البيان وان لم يكن ممتنعاً على كل حال لكنه بحاجة إلى مصحّح خاص.
    ومنها : ان يحمل على الحكم الولائي فيما كان الموضوع مناسباً مع ذلك.
    ومنها : ان يتصرف في ظهور الحاكم ويؤخذ بالدليل المحكوم كأن يحمل قوله ( الفاسق ليس بعالم ) على ان اكرام العالم الفاسق مرجوح في امتثال قوله ( اكرم عالماً ) فيؤخذ باطلاق هذا الدليل وان كان ظاهر الدليل الأَوّل هو عدم كفاية اكرام العالم الفاسق في الامتثال ، الا انه كتمت القرينة على ارادة المرجوحية لمصلحة مقتضية لذلك ، وقد ذكرنا في مبحث تعارض الأَدلة من علم الأصول المصالح المقتضية لكتمان القرائن كالتقية والسوق إلى الكمال والقاء الخلاف بين الشيعة وغير ذلك.


    ومنها : ان يؤخذ بالعام ويلغي الخاص رأساً حملاً له على التقية والمداراة ونحوهما.
    والالتزام بالتحكيم من بين سائر الاحتمالات غير متعين بل لا بُدّ ان يكون على أساس ضوابط النشر والكتمان التي ذكرناها في محلّه ، وهذه الضوابط كما قد تنتج التحكيم فكذلك قد تنتج غيره من الوجوه على ما أوضحناه في مبحث تعارض الادلة تفصيلاً.
    المقام الثاني : في ان ( لا ضرر ) ـ بناء على تفسيره بنفي الحكم الضرري ـ هل هو حاكم على أدلة الأَحكام الأولية أو لا ؟.
    قد اتضح مما سبق منا في البحث عن مفاد الحديث ان في توجيه تفسير الحديث بهذا المعنى مسلكين :
    المسلك الأَوّل : ما هو المختار وفاقاً للمشهور من ان المراد الاستعمالي بالحديث نفي تحقّق الضرر خارجاً لكن المراد التفهيمي به نفي جعل حكم يفضي إلى تحمل المكلف للضرر ، فيكون نفي الحكم مفاداً بلسان التنزيل والكناية حيث نفي المسبّب واريد به نفي سببه التشريعي.
    وعلى هذا المسلك يكون حكومة ( لا ضرر ) على سائر الأَدلة واضحة لكونها بلسان التنزيل والمسالمة الذي هو القدر المتيقن من موارد الحكومة ، بل هو المقوّم له على المختار في حقيقتها كما عرفت ، فهو يندرج في المورد السادس من موارد النفي التنزيلي التي سبق ذكرها في الجهة الثانية.
    المسلك الثاني : ما ذهب اليه المحقق النائيني (قده) ومن وافقه من أن الضرر المنفي عنوان توليدي للحكم الضرري فيكون المقصود بنفي الضرر نفي سببه التوليدي وهو الحكم.
    __________________
    (1) لاحظ رسالة لا ضرر تقريرات المحقق النائيني : 214 ـ 215 ، أجود التقريرات 2 : 161 ، ومصباح الأصول 2 : 541.

    وقد ذهب هؤلاء إلى حكومة ( لا ضرر ) بهذا المعنى على ادلة الاحكام وذلك لان الحكومة على قسمين :
    الأَوّل : ما يكون ناظراً إلى عقد الوضع منه ك‍ ( لا ربا بين الوالد والولد ) بالنسبة إلى دليل حرمة الربا وفساده.
    الثاني : ما يكون ناظراً إلى عقد الحمل ـ وهو الحكم ـ ك‍ ( وجوب الاكرام لا يثبت لزيد العالم ). ودليل ( لا حرج ) و ( لا ضرر ) بالنسبة إلى ادلة الاحكام المثبتة للتكاليف من قبيل القسم الثاني لانها توجب تصرفاً في الحكم وتقضي باختصاص الاحكام بغير الموارد الحرجية أو الضررية ، لكن لا بلسان ( ان المتضرر ليس بمكلف ) أو ( ان الوضوء الضرري مثلاً ليس بوضوء ) حتى يكون رفعاً لموضوع تلك الأحكام ، ولا بلسان انه لا يجب الوضوء على المتضرّر ـ حتى يرجع إلى التخصيص ـ بل بلسان ان الاحكام الثابتة في الشريعة ليست بضررية ولا حرجية.
    وهذا غير تام لان مبناه على ان معيار الحكومة هو النظر إلى دليل آخر. وقد سبق ان اوضحنا ان عنصر النظر لا يصلح مناطاً للحكومة لعدم اطراده في مواردها وعدم مقوميته لها. وانما مناطه ان يكون لسان الدليل المحدّد للعام لسان مسالمة مع العامّ بان لا ينفي ما يثبته العام أو يثبت ما ينفيه صريحاً بل يفيد ذلك بأسلوب التنزيل والكناية. وعلى هذا المبنى لا تصدق الحكومة مع تعرض الدليل المحدّد لعقد الحمل في الدليل الآخر حقيقة ـ كما في مثال ( لا ضرر ) على هذا المسلك ـ لان النفي حينئذٍ منصب على الحكم مباشرة فيكون لسانه حينئذٍ لسان المعارضة مع العام كما هو شأن التخصيص.
    نعم إذا كان نفي الحكم نفياً تنزيلياً كما في ( رفع ما لا يعلمون ) كان ذلك من قبيل الحكومة الظاهرية كما مرّ ذلك في الجهة الثانية وهو غير مراد


    هنا لأن المراد في المقام النفي الواقعي.
    التنبيه الرابع : في وجه تحديد انتفاء الحكم الضرري بحالة العلم أو الجهل في بعض الفروع الفقهيّة مع ان الضرر المنفي بالحديث غير محدّد بذلك.
    لا اشكال في ان الضرر المنفي في هذا الحديث إنما يراد به نفس هذه الماهية من دون دخالة العلم أو الجهل به ، لأن ذلك هو معناه الموضوع له كما في سائر الالفاظ حيث إنها موضوعة لذوات المعاني لا مقيدة بالعلم ولا بالجهل. وليس هناك أية قرينة خاصة تدل على هذا التحديد ، وعليه فلا فرق في نفي الحديث للحكم الضرري بين ان يكون الضرر معلوماً أو مجهولاً.
    لكن ربما يظن أن المشهور خالفوا مقتضى ذلك في بعض الفروع الفقهية فحددوا نفي الحكم الضرري تارة بصورة الجهل بالضرر كما في نفي اللزوم في موارد الغبن حيث التزموا بثبوته اذا كان الضرر معلوماً ، واخرى بصورة العلم كما في نفي الوجوب الضرري حيث حكموا ببطلان الوضوء حيث يعلم بكونه مضراً دون ما اذا كان جاهلاً.
    فلابُدّ من تحقيق الأمر في هذين الفرعين :
    الفرع الأول : تحديد خيار الغبن بالجهل بالضرر.
    ان المشهور بين فقهائنا ثبوت الغبن في المعاملة الغبنية خلافاً لأكثر فقهاء العامة كالحنفية والشافعية والحنابلة ، وخلافاً لما اشتهر في القوانين المدنية الموضوعة. قال في مصادر الحق ( الفقه الاسلامي لا يعرض للغلط في القيمة الا عن طريق الغبن ثم هو في اكثر مذاهبه لا يعتد بالغبن ولو كان فاحشا إلا اذا صحبه تغرير أو تدليس وهو في ذلك يضحّي باحترام الارادة في سبيل استقرار التعامل ، وهذا هو شأن اكثر الشرائع الغربية فقلّ ان تجد

    شريعة تعتد بالغبن إلا في حالات نادرة ) (1).
    وقد ذهب إلى عدم ثبوته بعض قدماء اصحابنا كابن الجنيد ـ كما قيل إن جمعاً منهم لم يتعرضوا له أصلاً ـ وتردّد في ثبوته بعض المتأخرين كصاحبي الكفاية والذخيرة.
    وقد استند المشهور إلى وجوه عمدتها قاعدة ( لا ضرر ) بدعوى ان اللزوم مع الغبن ضرري فيكون منفياً. وقد عد الشيخ الانصاري هذا الوجه أقوى ما استدل به لثبوت هذا الخيار ، وذكر انه يشترط في ثبوته عدم علم المغبون بالقيمة فلو علم بالقيمة فلا خيار بل لا غبن بلا خلاف ولا اشكال لانه أقدم على الضرر (2).
    وحيث إن العلم بالقيمة مساوق مع العلم بالضرر فيرجع ذلك إلى القول بعدم شمول ( لا ضرر ) لما اذا كان ترتب الضرر على اللزوم معلوماً فيتجه بذلك الاعتراض السابق من ان الضرر النفي غير مقيد بالجهل (3).
    لكن التحقيق انه لا مجال للاعتراض أصلاً لان مفاد قول المشهور بالدقة ليس هو تحديد نفي اللزوم بالعلم ، وانما يرجع إلى تحديده بالاقدام على الضرر لأَنهم وان ذكروا أولاً انه يشترط في ثبوت الخيار عدم علم المغبون بالضرر ، لكنهم عللوا ذلك بكون شرائه حينئذٍ اقداماً على الضرر ، مما يدل على أنهم يرون عدم شمول الحديث لمورد الاقدام على الضرر لا لمورد العلم به كما هو واضح.
    والاقدام على الضرر اعم من العلم به لانه كما يصدق مع علم المغبون بكون المعاملة ضررية بان يطلع على القيمة السوقية للمتاع وهي
    __________________
    (1) المصدر 2 : 132.
    (2) المكاسب المحرمة : 235.
    (3) لاحظ تقريرات المحقق النائيني : 215 ، ومصباح الأصول 2 : 543 ـ 544.


    أقلّ من الثمن الذي دفعه إلىٰ البائع ، كذلك يصدق فيما اذاكان ظاناً بالضرر أو محتملاً ، ولكن أوقع المعاملة بما يحتوي عليه مع اطلاق الملكية حتى لما بعد انشاء الفسخ وحصول الندامة ، ففي هذه الحالة أيضاً يصدق انه أقدم على البيع اللازم حتى وان كان ضررياً.
    والدواعي إلى الاقدام على الضرر لا تختص بصوره العلم بالضرر بل قد تكون آكد في صورة عدم العلم به مع الالتفات اليه والظنّ به أو احتماله ، فمن الدواعي مثلاً المزاحمة مع الغير كما قد يقع في شراء المتاع في المزاد العلني.
    ومنها : مشاكلة المبيع مع ما عنده بحيث يكون مكملاً له كما اذا كان عنده بعض اجزاء كتاب ما كالبحار والوسائل دون بعضها الآخر ولا يباع ذلك بمفرده في الأَسواق عادة فوجده عند شخص فاشتراه بقيمة يقطع او يظن انه أزيد من القيمة السوقية.
    ومنها : الحاجة الفعلية إلىٰ المتاع كما لو شرع في بحث يحتاج إلى بعض المصادر التي لا تتوفر في الأسواق فيجده عند شخص فيشتريه من غير أن يراعي عدم كون شرائه له بازيد من القيمة السوقية.
    ومنها : قصد انتفاع صاحب المتاع وخدمته لأَسباب انسانية أو دينية كما لو بيع أمتعة شخص يحبه في المزاد العلني فيزيد في الثمن غير مبال بالتساوي معه في القيمة السوقية لكي تكون امتعته مبيعة بأعلى الثمن ، إلى غير ذلك من الدواعي والأَغراض.
    وبذلك يظهر انه لا حاجة في دفع الاعتراض المزبور عن المشهور إلى تصحيح ثبوت الخيار مع الاقدام اذ لا وجه للاعتراف باشتراطهم للجهل بالضرر بعد تعليله بالاقدام ، بل ثبوت الخيار في ذلك انما يصحح اشتراطه بعدم الاقدام لا بعدم العلم كما هو ظاهر

    لكن قد يشكل كلام المشهور في هذا التحديد من جهتين :
    الأولى : ما ذكره المحقق الايرواني (قده) من منع تحقّق الإقدام على الضرر الحاصل بلزوم البيع مطلقاً وانما يكون الاقدام بالنسبة إلى أصل المعاملة وهو ليس اقداماً على الضرر الحاصل باعتبار اللزوم من قبل الشارع (1).
    والجهة الثانية : ما ذكره جمع من المحققين كالمحقق المذكور والمحقق الاصفهاني من ان تحديد القاعدة بعدم الإقدام تخصيص بلا مخصص كتحديده بعدم العلم لان جعل اللزوم ولو في حالة الاقدام جعل لحكم ضرري (2) ولكن الصحيح عدم تمامية الاعتراض على المشهور في شيء من الجهتين وفاقاً لجمع آخر من المحققين (3).
    لتوضيح الحال لابدّ من البحث عن كل من صورتي الاقدام على الضرر وعدمه ، فهنا امران :
    الأَمر الأَوّل : في صورة الاقدام والكلام فيها يقع تارة في تنقيح الصغرى من تحقّق الاقدام على الضرر في حالة العلم به ونحوها واخرى في تحقيق الكبرى من ( نفي قاعدة لا ضرر للضرر المقدم عليه ) فهنا نقطتان :
    اما النقطة الأُولى : فتوضيح القول فيها إن مبنى منع تحقّق الاقدام في ذلك هو ان الشخص في حالة الغبن انما يقدم بانشائه على أصل المعاملة ، ولكن الشارع يحكم عليها بحكمين حكم إمضائي يرتبط بأصل المعاملة وهو الصحة ، وحكم تأسيسي فيما يتعلق ببقائها وهو اللزوم وعدم حق الفسخ ،
    __________________
    (1) لاحظ تعليقة المحقق الايرواني على المكاسب 2 : 28 و 30.
    (2) لاحظ المصدر السابق وتعليقة المحقق الاصفهاني علىٰ المكاسب 2 : 31.
    (3) لاحظ حاشية السيد الطباطبائي علىٰ المكاسب 2 : 38 وتقريرات المحقق النائيني علىٰ المكاسب للعلامة الخونساري 2 : 60 وفي ( لا ضرر ) : 218.


    فاللزوم حكم ابتدائي مجعول من قبل الشارع وليس منشأ بالمعاملة حتى يكون الضرر اللازم من جهته مقدماً عليه.
    ولكن هذا ليس تاماً فإن اللزوم أيضاً يرجع إلى إنشاء المكلّف في مورد البحت حيث يكون المنشأ مطلقاً بالاطلاق اللحاظي من جهة كون ما انتقل اليه اقل مما انتقل عنه بحسب القيمة السوقية وعدم كونه كذلك ، وذلك لأن مفاد بيع المغبون وشرائه في هذه الصورة هو إنشاء قطع العلقة الثابتة بينه وبين ماله وانتقالها إلى الطرف الآخر مطلقاً بالنسبة إلى الازمنة الآتية بما فيها زمان صدور انشاء الفسخ منه الحاصل من الندامة.
    وعليه فهو بانشائه هذا المعنى على سعته قد سدّ على نفسه باب التخلص من الضرر في صورة الندامة ولم يبق لنفسه خطاً للرجوع فيكون وزان ذلك وزان البيع والصلح المحاباتيين والوقف ونحوها من المعاملات الضررية اللازمة.
    وعلى هذا : فليس حكم الشارع باللزوم الا كحكمه بالصحة حكماً امضائياً اقراراً للمكلف على جميع ما يحتوي عليه انشاؤه.
    واما الجهة الثانية : وهي نفي قاعدة ( لا ضرر ) للضرر المقدم عليه فيمكن تقريرها بأحد وجهين.
    الوجه الأَوّل : ان المفاد التفهيمي للحديث انما هو نفي تسبيب الشارع إلى تحقّق الضرر ـ كما سبق ـ دون اعمال الولاية على المكلف عليه في كل تصرف يوجب ضرراً عليه كالوقف والابراء والصلح المحاباتي والبيع في المقام ونحو ذلك. وبين الأَمرين فرق واضح.
    وعدم امضاء ما التزمه المكلف على نفسه من الضرر وسبب اليه عرفاً إنما هو من قبيل الثاني دون الأَوّل لأنّ الثاني تحديد لما يحكم به العقلاء من ان كل أحد مسلط على ماله وله ان يتنازل عنه مجاناً وبلا عوض ، فضلاً

    عن ان يتنازل عنه بعوض يعلم بانه اقل قيمة منه ـ مثلاً ـ فالحكم الامضائي في ذلك احترام لارادة المكلف وسلطنته على ماله وليس تسبيباً إلى الضرر عليه.
    ولو أن ( لا ضرر ) اقتضى نفي الاحكام الامضائية التي هي من هذا القبيل اقتضى ذلك ان ينفي صحة المعاملة الغبنية من أصلها مع ان المتسالم عليه بين فقهائنا بل جميع فقهاء المذاهب الاسلامية بل في جميع القوانين الوضعية صحة ذلك ، وهكذا في امثالها.
    الوجه الثاني : ما ذكره المحقق الاصفهاني من ان مفاد الحديث حكم امتناني ولا منة في رفع اللزوم في حالة العلم بالضرر ونحوها (1). واجيب عنه في كلمات المحقّق الايرواني بمنع ذلك بدعوى انّ المنة مقتضية لحفظ العباد عن المضار وان هم أقدموا عليه ، فلربما يندمون ويريدون الفسخ فيكون لهم مخلص عنه (2).
    وهذا الوجه وان لم يكن يخلو عن تأمل إلا ان الجواب عنه بما ذكر ضعيف لانّ صدق ( الضرر ) على مثل هذه المعاملة انما هو بلحاظ قصر النظر إلى مرحلة المعاوضة ولحاظ القيمة السوقية واما اذا لوحظ مجموع الأَغراض والدواعي فلا يصدق عليه هذا العنوان كثيراً ؛ لانّ هذه المعاملة قد تستوجب له نفعاً ازيد كما اذا كان داعيه على اشترائه بثمن ازيد من القيمة السوقية تكميل المال الناقص الموجود عنده ، فما اشتراه بلحاظ كونه مكملاً للناقص تكون قيمته له ازيد من الثس الذي اشتراه به بكثير ، وهكذا قد يكون في شرائه كذلك دفعاً لضرر اكثر كما لو اشتراه من جهة صيانة بعض اجهزته عن الشغل والوقوف الذي يترتب عليه ضرر كثير ، أو اشتراه لمعالجة نفسه مع ندرة
    __________________
    (1) لاحظ تعليقة المكاسب له 2 : 54.
    (2) تعليقة المكاسب للمحقق المذكور 2 : 30.


    وجوده في السوق أو عدم امكان تحصيله الا بالمسافرة إلى بلد آخر يحتاج إلى مؤونة كثيرة ، فبملاحظة مثل هذه الجهات لا يصدق انه جلب الضرر على نفسه الإقدام على هذه المعاملة فلا معنى للمنّة عليه برفع لزوم العقد في مثل ذلك.
    وبذلك كله يظهر صحة قول المشهورمن عدم ثبوت الخيار مع الغبن.
    الأََمر الثاني : في صورة عدم الاقدام.
    والمقصود من التعرض لهذه الصورة بيان سرّ التفريق بينها وبين صورة الاقدام حيث يقال ان حكم الشارع فيها غير منفي ب‍ ( لا ضرر ) بخلاف هذه الصورة ، وذلك لأنّه ربما يتوهّم بأن البيان الذي ذكرناه في عدم اقتضاء ( لا ضرر ) لنفي اللزوم في حالة الاقدام من كون اللزوم مدلولاً لاطلاق المنشأ ، فيكون الحكم به حكماً امضائياً و ( لا ضرر ) لا ينفي مثل ذلك وهذا البيان ينسحب إلى صورة عدم صدق الاقدام كما اذا كان المشتري غافلاً عن القيمة السوقية أو معتقداً بالتساوي أو بان قيمة ما انتقل اليه ازيد مما يبذله من الثمن أو كان مسترسلاً ومعتمداً على اخبار البائع بالقيمة السوقية ، فان اطلاق المنشأ يتحقق في هذه الصورة أيضاً ، فلا يمكن نفي اللزوم فيها لهذه القاعدة ونتيجة ذلك بطلان تمسك المشهور بهذه القاعدة لاثباتها لخيار الغبن مطلقاً.
    وتحقيق الحال في ذلك : انه لا يتحقق للمنشأ في شيء من موارد هذه الصورة اطلاق لحاظي بالنسبة إلى تساوي الثمن والمثمن في القيمة السوقية وعدمها بل هي على ثلاثة أقسام :
    القسم الأوّل : ما يكون المنشأ فيه مقيداً بالتقييد اللحاظي وذلك كما اذا كان المشتري مسترسلاً ومعتمداً على اخبار البائع بتساوي الثمن والمثمن في القيمة السوقية ، فان الشراء حينئذٍ يكون مشروطاً بشرط مقدر وهو التساوي

    في القيمة.
    وحينئذٍ يحكم بالخيار من جهة تخلّف الشرط ومرجع الشرط إلى ان التزامي مشروط بالتزامك بان المبيع تساوي قيمته هذا المقدار الخاصّ ، ولازمه تقييد التزامه بتطابق قول البائع مع الواقع ولا حاجة في ثبوت الخيار حينئذٍ إلى قاعدة ( لا ضرر ).
    القسم الثاني : ما يكون المنشأ فيه مقيداً تقيّداً ذاتيّاً كما في الغافل والجاهل المركب ونحوهما.
    والمراد بالتقييد الذاتي : ان يكون القيد غير ملحوظ حال الانشاء ولكن يكون ثابتاً في نفس المنشأ في مرحلة الارتكاز واللاشعور الذهني.
    ووجه التقييد الذاتي في الغافل ونحوه هو ان المرتكز في ذهن كل معامل بلحاظ الغرض النوعي العقلائي في المعاملات والمعاوضات التي لا تبتني على جهة المحاباة عدم كون ما انتقل اليه اقل مالية بمقدار لا يتسامح به مما انتقل عنه ، فهذا الارتكاز الذهني يوجب تضيّقاً ذاتياً للمنشأ وان كان في مرحلة اللاشعور ـ بعد محدودية الرضا الباطني بذلك ـ وحيث إن المتخلّف ليس هو الصورة النوعية ، فيحكم بالخيار. ولذا احتج العلامة لخيار الغبن بقوله تعالىٰ : ( إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ ) (1) وذكر بعض علماء القانون في الاشارة إلى موقف النافين لخيار الغبن بانهم يضحّون باحترام الارادة في سبيل استقرار التعامل (2) مما يدل على انتفاء الرضا الباطني في صورة الغبن.
    وعلى ضوء ذلك يثبت الخيار في هذه الصورة من غير حاجة إلىٰ قاعدة
    __________________
    (1) النساء 4 / 29.
    (2) مصادر الحق 2 : 133.


    ( لا ضرر ).
    وقد ذهب إلى هذا المسلك جماعة من محققي فقهائنا كالمحققين النائيني والاصفهاني والايرواني وغيرهم.
    الا ان هذا الوجه انما يصح إذا لم يكن هناك ارتكاز ثانوي ـ بملاحظة الجو والمحيط أو التأثر من فتوى الفقهاء أو القانون الوضعي ـ يوجب اضمحلال الارتكاز الأَوّل. ولذا ذكرنا في محله : أنّه لو فرض عرف خاصّ في بعض انحاء المعاملات أو مطلقاً يتضمن اشتراط حقّ استرداد ما يساوي مقدار الزيادة على تقدير عدم ثبوت الخيار ، فانه يكون هذا المرتكز الخاصّ هو المحكم والمتبع في مورده.
    القسم الثالث : ما يكون المنشأ فيه مطلقاً بالاطلاق الذاتي.
    والاطلاق الذاتي هو الشمول الذي يتحقق في الكلام في حالة عدم التقييد اللحاظي والذاتي من غير ملاحظة الخصوصية ورفضها كما هو الحال في الإطلاق اللحاظي. ويكون ذلك في موارد :
    منها : عدم مسبوقية ذهن المنشئ بانقسام الماهية إلى قسمين كما لو وقف داراً على العلماء من غير علم بانقسامهم إلى اصولي واخباري ، وهكذا لو كان مسبوقاً لكن لم يلتفت إلى هذا التقسيم حال الانشاء مع عدم تحديده بأحد الأَقسام ارتكازاً ـ اذ لو حدده كان تقييداً ذاتياً ـ وهذا كثيراً ما يتفق في جملة من المعاملات كالوقوف والنذور والوصايا ونحوها ، وفي هذه الحالة يتحير المُنشئ أيضاً في حدود انشائه لعدم ملاحظة القيد ورفضه كما في موارد الاطلاق اللحاظي ، ولذا يستفتى فيها الفقيه.
    وهذا الاطلاق لا يعتبر فعلاً للمنشأ لانه أمر قهري ولذا لا يستحسن ولا يستقبح بخلاف الاطلاق اللحاظي كما ان التقابل بينه وبين التقييد اللحاظي تقابل السلب والايجاب بينما التقابل بين الاطلاق والتقييد اللحاظيين من

    قبيل تقابل العدم والملكة.
    ثم ان الحاكم بالشمول في موارد الاطلاق الذاتي انما هو القانون فان لم يكن هناك مانع منه فيحكم القانون بالشمول والا فلا يحكم بذلك.
    وهذا الاطلاق في المقام ملغى بحكم قاعدة ( لا ضرر ) لان الحكم باللزوم من قبل الشارع حينئذٍ يكون حكماً ابتدائياً من غير صدق اقدام للمنشئ بالنسبة اليه ، فهنا يصح التمسك بالقاعدة.
    وهنا جهتان تحسن الاشارة اليهما :
    الجهة الأولىٰ : ان وجه تمسك جماعة من الفقهاء السابقين بقاعدة ( لا ضرر ) من دون اشارة إلىٰ الشرط الضمني ـ كالشيخ في الخلاف ـ أو عدم الاكتفاء ببيان محدودية التراضي ( المشير إلىٰ الشرط الضمني ) ـ كالعلامة في التذكرة ـ هو أنّ في الشرط الضمني المذكور نوع خفاء خصوصاً فيمن عاش في مجتمع لا يرى البيع الاّ نوع مغالبة متأثراً بفتاوى من لا يرى خيار الغبن ـ كاكثر فقهاء العامة ـ لا سيّما ان بعض المسلمين ربما تأثروا بالقوانين البشرية السابقة فزال بذلك ارتكازه الاول. وقد قيل ان بعض فقهاء الشام قد تأثروا بالفقه والعادات الرومية وبعض فقهاء الشرق تأثروا بالتشريع والتقاليد الايرانية ولذلك كان الأولى الاستدلال بقاعدة ( لا ضرر ) التي هي نصّ تشريعي لا بتخلف الشرط الضمني.
    الجهة الثانية : انه قد ادعى بعض الاعاظم ثبوت حكم عقلائي على ثبوت الخيار في حالة الغبن ـ بدلاً عن التمسك بالارتكاز الموجب للتقييد ـ فيكون ذلك هو الدليل على الخيار من جهة عدم الردع عنه.
    لكن الحق انه لم يثبت حكم عقلائي كذلك أصلاً.


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3292
    نقاط : 4979
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    قاعدة لا ضرر ولا ضرار Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قاعدة لا ضرر ولا ضرار   قاعدة لا ضرر ولا ضرار Emptyأمس في 7:46

    الفرع الثاني : تحديد الوضوء الضرري بالعلم بكونه ضررياً.
    نقل بعض المحققين عن الشيخ الانصاري أنّه يشترط في جريان ادلة نفي الضرر علم المكلَّف بكون الوضوء ضررياً (1) وقد ذكر السيد الاستاذ تسالم الفقهاء على صحة الوضوء في حالة الجهل (2) وحينئذٍ يتجه الاعتراض السابق من ان دليل نفي الضرر ينفي جعل الحكم الضرري مطلقاً سواء كان الضرر معلوماً أو مجهولاً. كما أن دعوى تسالم الفقهاء على ذلك غير تامة لأن المسألة غير معنونة في الكتب الفقهية للقدماء والطبقة الوسطى ، وأما المتأخرون الذين طرحت المسألة في كلماتهم فلهم فيها اقوال ثلاثة : بطلان الوضوء مطلقاً وصحته مطلقاً والتفصيل بين ما اذا كان الضرر معلوماً فيبطل الوضوء وبين ما اذا كان مجهولاً فيصح.
    ويلاحظ أن استيعاب البحث في هذه المسألة وجهاتها يوجب تفصيلاً بالغاً في الكلام وهو خارج عن حدود هذا البحث ـ وانما محله موضعها من علم الفقه ـ ولكنّا نتعرض لبعض ما يرتبط بالمقام في ضمن اُمور ثلاثة :
    احدها : انه هل هناك اطلاق يقضي بصحة الوضوء أو الغسل الضرريّين حتى نحتاج لإثبات بطلانه في حالة العلم أو مطلقاً إلى التمسك بحديث ( لا ضرر ) ليقع البحث في حدود مقتضاه ، أو انه لا اطلاق في الأَدلة أصلاً فيبطلان من هذه الجهة ؟
    ثانيها : ان ( لا ضرر ) هل يقتضي بطلانهما في حالة العلم أو مطلقاً أو لا يقتضي ذلك أصلاً ؟
    ثالثها : ان حرمة الاضرار بالنفس في مورد الضرر المحرم هل تمنع عن
    __________________
    (1) رسالة لا ضرر تقريرات المحقق النائيني : 215.
    (2) مصباح الأصول 2 : 544.

    الحكم بصحتهما مطلقاً أو في صورة العلم أم لا ؟وذلك مع فرض وجود اطلاق قاضٍ بالصحة ، فهنا أبحاث ثلاثة :
    اما البحث الأَوّل : فعمدة الادلة الواردة في الوضوء والغسل هي الآية الواردة في تشريعهما في سورة المائدة وهي قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (1).
    والظاهر انه لا اطلاق في الآية يقتضي صحة الوضوء والغسل في حالة الضرر بل الظاهر منها بطلانهما في هذه الحالة ، ولا بدّ في توضيح ذلك من تفسير الآية فانها من مشكلات آيات القرآن الكريم وقد اختلفت في تفسيرها الانظار ، ويتضح معناها على ضوء جهتين :
    الأُولى : إن الآية كما تنبه له صاحب الجواهر (قده) (2) ناظرة إلى تقسيم المكلف المحدث إلى قسمين :
    الأَوّل : من قام من النوم إلى الصلاة.
    الثاني : من صدر منه الحدث الاصغر أو الأَكبر في حالة اليقظة.
    وقد تعرض للقسم الأَوّل بقوله ( إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ) (3) فان المراد
    __________________
    (1) المائدة 5 / 6.
    (2) 1 : 51 ط النجف.
    (3) المائدة 5 / 6.


    بذلك القيام من النوم كما جاء في موثقة ابن بكير (1) فأمر تعالى بالوضوء من لم يكن جنباً بالاحتلام كما امر بالغسل من كان جنباً وانما ذكر الوضوء والتيمّم مفصلاً دون الغسل لانه كان معروفاً عندهم فإنهم كانوا يغتسلون من الجنابة وذلك بخلاف الوضوء والتيمم. ثم ذكر حالة المرض والسفر وامر فيهما بالتيمم.
    وقد تعرض للقسم الثاني بقوله : ( أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ ) (2) مشيراً إلى الحدث الأَصغر بالجملة الأولى ، فان الغائط هو المكان المنخفض ، والتعبير المذكور كناية عن التخلي حيث كان المتعارف لدى العرب ان يرتادوا المكان المنخفض عند ذلك ، والى الحدث الأَكبر بالجملة الثانية فإنه المقصود بملامسة النساء.
    وبملاحظة نظر الآية إلى هذا التقسيم يندفع التكرار الذي قد يتوهّم فيها بتصور ان الآية انما تتعرض إلى تقسيم المحدث إلى من لا عذر له في عدم استعمال الماء ومن له عذر.
    وقد تعرض للأَوّل بقوله ( إِذَا قُمْتُمْ ـ إلى قوله ـ فَاطَّهَّرُوا ) وقد اشير في هذا القسم إلى المُحْدث بالحدث الاصغر مطلقاً بقوله : ( إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ) (3) والى المحدث بالحدث الاكبر بقوله : ( وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا ) (4).
    وقد تعرض للقسم الثاني بقوله : ( وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ ) (5) وذكر ان الحكم حينئذٍ هو التيمم.
    __________________
    (1) جامع الأحادبث ـ كتاب الطهارة ـ الباب 1 ـ الحدبث 28 ـ ط 1 ج 2 : 349.
    (2) المائدة 5 / 6.
    (3) المائدة 5 / 6.
    (4) المائدة 5 / 6.
    (5) المائدة 5 / 6.

    فعلى هذا التصور يشكل :
    أوّلاً : بانه لا وجه لذكر ( على سفر ) لأَن ذكر السفر باعتبار انه حالة فقدان للماء فيغني عنه قوله : ( لَمْ تَجِدُوا مَاءً ) (1) بل مقتضى ذكر السفر في مقابل عدم وجدان الماء هو كونه موضوعاً لجواز التيمم بنفسه ولا ينبغي الشك في عدم كونه كذلك ، إلا ان يجعل ذكر السفر تمهيداً وتوطئة لذكر عدم الوجدان على ان يكون عدم الوجدان نتيجة له وهو خلاف الظاهر.
    وثانياً : انه لا وجه لذكر بعض حالات الحدث الأَصغر من التخلي وملامسة النساء في القسم الثاني من الآية لان ذلك مذكور بنحو اعم في القسم الأَوّل منها ، فان التخلي يندرج تحت ( القيام إلى الصلاة ) لانه مشير إلى الحدث الأصغر وملامسة النساء يندرج تحت ( وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا ) (2) فلا موجب لذكرهما في هذا القسم بالخصوص ، بل يكفي ذكر الاعذار التي هي نقطة تميّز بين القسمين ، فكان المناسب ان يقال في الشق الثاني ( وان كنتم مرضى أولم تجدوا ماءً فتيمموا ).
    لكن لا يتجه الاشكال في شيء من الجهتين لما اوضحناه من الآية انما تتعرض للتقسيم بنحو آخر دون النحو المذكور ، وعلى ذاك النحو لا يرد شيء من الاشكالين.
    اما الاول : فلان ( على سفر ) انما يرتبط بالقسم الأَوّل وهو من قام من النوم للصلاة وعدم وجدان الماء انما يرتبط بالقسم الثاني المذكور بقوله : ( أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم ) (3) فإن ( فَلَمْ تَجِدُوا ) (4) عطف علىٰ مدخول ( أو ) في هذه
    __________________
    (1) المائدة 5 / 6.
    (2) المائدة 5 / 6.
    (3) المائدة 5 / 6.
    (4) المائدة 5 / 6.


    الجملة لا على الجملة الشرطية الأولى في قوله : ( وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ ) (1) فلا تكرار.
    واما الثاني : فلان المراد بالقيام إلى الصلاة هو القيام من النوم ، كما ان المراد بكونهم جنباً هو الاحتلام فلا يشمل ذلك حدث التخلي أو ملامسة النساء.
    ونظير هذه الآية في تأليفها ومعناها قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ) (2).
    فان القسم الاول منها ناظر إلى النوم أيضاً لان المراد بقوله ( وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ ) (3) هو السكر من النوم كما في بعض الروايات الصحيحة (4).
    الجهة الثانية : ان مفاد الآية من القسم الأَوّل تحديد توجه الأمر بالوضوء والغسل بشرطين هما عدم التضرر من استعمال الماء ، ووجدان الماء فينتج ذلك فسادهما في حالة الضرر ، ويظهر ذلك بملاحظة اُمور :
    الأَوّل : ان ما جاء في نهاية هذا القسم منها من الأمر بالتيمم لمن كان مريضاً أو على سفر لا يقصد به موضوعية هذين العنوانين لجواز التيمم ، بان يكون مجرد المرض والسفر موضوعاً لكفاية التيمم ولو كان مرضاً لا يضره استعمال الماء أو ينفعه ذلك ، أو سفراً يتوفر فيه الماء بكثرة. بل ذكر المرض
    __________________
    (1) المائدة 5 / 6.
    (2) النساء 4 / 43.
    (3) النساء 4 / 43.
    (4) كصحيحة زرارة لاحظ تفسير البرهان 1 / 370.

    إنما هو لكونه عادة حالة تضرر باستعمال الماء فيكون كناية عن التضرر بالاستعمال. كما ان ذكر السفر انما هو باعتبار ان السفر في تلك الازمنة في مثل الجزيرة العربية كان حالة فقدان للماء عادة فهو كناية عن هذا المعنى ولا موضوعية له كما ترهم بعض المفسرين (1).
    الثاني : ان ظاهر الآية بحسب صدرها وان كان يقتضي عموم الأَمر بالوضوء والغسل لحالة التضرر باستعمال الماء ، الا انه يتحدد بمقتضى قوله في نهاية القسم الأول منها ( وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ ) (2) لان التفصيل قاطع للشركة وبذلك يكون عدم الضرر قيداً مأخوذاً في موضوع الأمر بالوضوء والغسل.
    الثالث : ان الأَمر بالوضوء والغسل في الآية ليس امراً نفسياً بل هو امر مقدمي لتحقق المأمور به الذي هو الصلاة مع الطهارة ، اما على أنهما بانفسهما طهور أو لكونهما محصلين للطهارة كما هو الاظهر على ما يشير اليه التعبير عن الغسل بقوله : ( فَاطَّهَّرُوا ) (3) وما جاء في ذيلها ( وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ) (4).
    وعلى ضوء هذا فتحديد الأَمر بالوضوء والغسل بحالة عدم الضرر يعني فسادهما في هذه الحالة لانه يقتضي عدم وفائهما بتحقق المأمور به ـ وهو الصلاة مع الطهارة ـ أو قل عدم وفائهما بتحقق شرطه وهو الطهارة.
    ويلاحظ ان الغسل المذكور في الآية وان كان هو غسل الجنابة لكن يجري ذلك في سائر الأغسال بلحاظ اتحاد هذا الغسل وغيره في الحكم ،
    __________________
    (1) كصاحب المنار في تفسير المنار 5 : 118 و 128 و 129.
    (2) النساء 4 / 43.
    (3) المائدة 5 / 6.
    (4) المائدة 5 / 6.


    ولذا ورد ان غسل الحيض والجنابة واحد.
    وهكذا يظهر أن مقتضى الآية فساد الوضوء والغسل في حالة كونهما ضرريّين.
    وهناك تقرير آخر لدلالة الآية على هذا المعنى مبناه على القول بأن المراد بعدم وجدان الماء في الآية هو ما يعم كونه مضراً أو غير ميسر فيقال : ان التعبير بعدم وجدان الماء في حالة الضرر يدل على ان وجود الماء كأن لم يكن في هذه الحالة شرعاً ، ومقتضى ذلك عدم صحة الوضوء والغسل به فيها.
    لكن المبنى المذكور ضيف لان اطلاق عام الوجدان في مورد المرض غير مناسب عرفاً فلا يقال مثلاً لمريض يضره استعمال الماء وهو على ضفة النهر انه غير واجد للماء كما هو واضح.
    هذا وقد يعترض على التقرير الذي ذكرناه بوجوه :
    الوجه الأَوّل : ان ظاهرالآية ان قوله : ( وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا ) (1) جملة واحدة مستقلة عما قبلها ، وعليه يكون مفادها اشتراط الامر بالتيمم في المريض والمسافر أيضاً بعدم وجدان الماء. فلو كان المريض واجداً للماء يجب عليه الوضوء والغسل.
    وقد ذهب إلى ذلك بعض علماء العامة ، ففي الخلاف ( المجدور والمجروح وما اشبههما ممّن به مرض مخوف يجوز له التيمم مع وجود الماء وهو قول جميع الفقهاء الاّ طاووساً ومالكاً فانهما قالا يجب عليهما استعمال
    __________________
    (1) المائدة 5 / 6.

    الماء ) (1).
    وفي بداية المجتهد لابن رشد نقل عن عطاء انه لا يتيمم المريض ولا غير المريض اذا وجد الماء (2).
    وقد ذكر في وجهه ان الضمير في ( لَمْ تَجِدُوا مَاءً ) (3) يعود إلىٰ المريض والمسافر ايضاً.
    ويؤيد ذلك عدة روايات من طرقنا تدل على تعين الغسل على المريض وان اصابه ما اصابه.
    منها : ما رواه سليمان بن خالد وأبو بصير وعبدالله بن سليمان جميعاً عن أبي عبد الله 7 ( انه سئل عن رجل كان في أرض باردة فتخوف إن هو اغتسل أن يصيبه عنت من الغسل كيف يصنع ؟ قال : يغتسل وان اصابه ما اصابه. قال : وذكر أنه كان وجعاً شديد الوجع فاصابته جنابة وهو في مكان بارد ، وكانت ليلة شديدة الريح باردة ، فدعوت الغلمة فقلت : لهم احملوني فاغسلوني ، فقالوا : نخاف عليك. فقلت ليس بدّ ، فحملوني ووضعوني على خشبات ثم صبوا عليَّ الماء فغسلوني ) (4).
    ونحوها صحيحة محمّد بن مسلم (5).
    لكن يرد على هذا الاعتراض : انه لا يمكن الالتزام بالوجه المذكور.
    اما أوّلاً : فلأَنه مخالف لاجماع المسلمين ولا يعتد بخلاف من ذكرنا ، كما هو مخالف للروايات الكثيرة التي دلت على عدم تعين الوضوء والغسل
    __________________
    (1) الخلاف 1 : 151 مسألة 100.
    (2) بداية المجتهد 1 : 66 ط 1401 ه‍.
    (3) المائدة 5 / 6.
    (4 ـ 5) لاحظ جامع الأحادبث كتاب الطهارة أبواب التيمم الباب 7 ج 3 / ح 18 / 3262 ص ـ 50 و 19 / 3263 ص 51.


    في حال المرض ، وهي مقدمة على تلك الروايات من جهتين :
    إحداهما : تواتر هذه الروايات.
    والجهة الاخرى : انه قد روى بعضها المتأخرون من رواة اصحابنا عمن بعد الصادق 7 من الأَئمة ، كما رواه أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي عن الرضا 7 في الرجل تصيبه الجنابة وبه قروح وجروح أو يكون يخاف على نفسه من البرد. قال : ( لا يغتسل يتيمم ) (1) وقد اوضحنا في بحث تعارض الادلة وغيره أن المتأخرين من رواتنا من اصحاب الكاظم والرضا 8 ممّن ألفوا جوامع حديثية كانوا ينظرون في أسئلتهم للإمام المتاخر إلى ما روي عن الامام الباقر والصادق 8 فهي حاكمة على تلك الروايات ، ومقامنا من هذا القبيل.
    وأما ثانياً : فلان هذا المعنى ليس ظاهراً من الآية أيضاً إذ لو اراد ذلك لم تكن حاجة بل لم يكن وجه لذكر المرض والسفر وما بعدهما حيث كان يكفي أن يقول ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ) (2).
    الوجه الثاني : ان الأَمر بالتيمم في حالة المرض والسفر بعد الأَمر بالوضوء والغسل أوّلاً بنحو عام ليس مفاده عرفاً الا عدم لزوم الوضوء والغسل في حصول الطهارة لا عدم كفايتهما في ذلك ، والسر فيه انه متى حدّد الحكم الالزامي بعذر من الأَعذار كالاضطرار والحرج ونحوهما ـ سواءاً كان التحديد تحديداً مباشراً أو تحديداً غير مباشر كما إذا كان بنكتة كون التفصيل قاطعاً للشركة ـ كما في المقام ـ فان المنساق عرفاً انتفاء الالزام في حالة العذر لا عدم مطلوبية الشيء في هذه الحالة ، فيقتضي عدم صحته واجزائه أصلاً ،
    __________________
    (1) المصدر السابق نفس الموضع ح 13 عن أبي عبد الله 13 / 3257 ، عن ابي الحسن الرضا 14 / 3258 ص 49.
    (2) المائدة 5 / 6.

    فلو قيل مثلاً ( احفظ خطبة من نهج البلاغة وان كان عسراً فاقرأ صحيفة من القرآن ) فانه لا يستفاد منه الا عدم الالزام بحفظ الخطبة في صورة تعسره لا عدم اجزائه كما هو واضح.
    والمقام من هذا القبيل لان المرض وعدم الوجدان اللذين اُخذا موضوعين للحكم الثاني ـ وهو الأَمر بالتيمم ـ إنّما هما من الاعذار لعدم الاتيان بمتعلق الامر الأَوّل ـ من الوضوء والغسل ـ وعليه فيستفاد من الآية اجزاء الطهارة المائية لمن يضره الماء.
    ويرد على ذلك : ان ما ذكر انما يتم فيما اذا كان موضوع الحكم الثاني عنوان الحرج والعسر ونحوهما فيستظهر من الكلام ان متعلق الأَمر الأَوّل يؤثّر أثره المطلوب في حالة العذر ، وعنوان الضرر ليس من هذا القبيل عرفاً ، ولذا لو قال الطبيب للمريض ( يجب عليك لاستعادة نشاطك ان تمشي كل يوم مقدار كيلومتر ، وان كان يضرك ذلك فاستعمل العلاج الخاص ) فانه لا يقتضي ان المشي ينفعه في استعادة نشاطه من حالة تضرره به. وكذا في المقام فمن الجائز ان يكون الأَثر النفسي المطلوب من الطهارة المائية لا يحصل بها في حالة المرض والتضرر أصلاً.
    الوجه الثالث : انه لا يبعد ان يكون ذكر المريض في الآية بملاحظة أن استعماله للماء حرج عليه لا مضرّ به ، وكذلك يكون ذكر المسافر باعتبار كون تحصيل الماء بالنسبة اليه حرجياً ، وعليه فالمقصود بذلك إخراج حالة الحرج في استعمال الماء أو في الوصول اليه.
    ويشهد لذلك تعليل الترخيص في التيمم بقوله ( مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ ) (1).
    __________________
    (1) المائدة 5 / 6.


    وعلى هذا فلا ترتبط الآية بمحلّ البحث ، مضافاً إلى أن تحديد الأَمر بالوضوء والغسل بعدم الحرج لا يعني عدم صحتهما حينئذٍ لأَن تحديد الحكم بمثلهما لا يعني الا محدودية الالزام دون عدم صحة العمل كما تقدّم.
    ويرد عليه :
    أوّلاً : ان كون المرض كناية عن الحرج في استعمال الماء خلاف المتعارف في الاستعمالات ، فان المعهود فيها ان يكنى به عن الضرر.
    وثانياً : انه لا وجه للاستشهاد على ذلك بذيل الآية ، لان ذلك مرتبط بأصل جعل الطهارات الثلاث لا بخصوص التيمم ـ كما تنبه له بعض المفسرين ـ فالمقصود به ان الله تعالى لم يأمر بها لكي يحرج عباده ويشق عليهم وانما امر بها لتطهيرهم.
    الوجه الرابع : ان يقال انه لو سلمنا انَّ الآية الشريفة تدل على عدم وجوب الوضوء والغسل في حال المرض الا انه يكفي في مشروعيتهما إطلاق ادلة استحبابهما وحينئذٍ يترتب عليهما أثرهما وهو الطهارة من الحدث (1).
    ويرد عليه :
    أوّلاً : انه لم يقم دليل على الاستحباب النفسي للوضوء والغسل فيما عدا الوضوء التجديدي والوضوء المشروع للحائض. على ما أوضحناه في علم الفقه.
    وثانياً : انه لو فرض وجود الدليل على استحبابهما النفسي فلا اطلاق له بالنسبة إلى من يضرّه الماء فان الامر الاستحبابي بهما انما هو في الحصة التي يكون واجداً فيها لشرط الوجوب لا مطلقاً.
    __________________
    (1) لاحظ مصباح الأصول 2 : 552.

    وثالثاً : ان ما ذكر انما يتم فيما لو كان المستفاد من الآية مجرد تحديد وجوبهما بعدم الضرر. واما لو كان المستفاد منها تحديدهما بما أنهما شرطان للصلاة أو محصلان لما هو شرطها ـ من الطهارة ـ فانها حينئذٍ تكون دليلاً على الفساد عند فقدان الحد المذكور.
    وبذلك ظهر انه لا اطلاق لدليل مشروعية الوضوء والغسل بالنسبة إلى من يضره الماء. فلا محل للبحث عن اجراء ( لا ضرر فيهما ) حتى يبحث عن أن المستفاد منها عام للجاهل بالضرر أو مختص بالعالم به.
    البحث الثاني : في أنّه لو فرض اطلاق أدلة مشروعية الوضوء والغسل بالنسبة إلى من كان يضره استعمال الماء فهل يقتضي ( لا ضرر ) فسادهما مطلقاً أو بالنسبة إلى العالم بكونهما ضرريين فحسب أو لا يقتضي ذلك أصلا ؟
    والصحيح هو الوجه الأخير. وتوضيح ذلك : ان الوضوء والغسل على الصحيح من موضوعات الأَحكام ، حيث إن كلا منهما جعل في مورده موضوعاً لترتب الطهارة الحدثية كما قد جعل غسل البدن بالماء موضوعاً للحكم بالطهارة الخبثية.
    وعليه فلا يمكن نفي صحتهما بقاعدة ( لا ضرر ) لان مجرد الحكم بترتب الطهارة الحدثية عليهما ليس تسبيباً إلى الضرر ، كما لم يكن الحكم بترتب الطهارة الخبثية على غسل الماء بالبدن تسبيباً إلى الضرر وان كان استعمال الماء مضراً ، فان المقامين من واد واحد. نعم بينهما فرق من جهة ان ترتب الطهارة الخبثية على استعمال الماء لا يتوقّف على قصد القربة ، وترتب الطهارة على استعماله في الوضوء والغسل مشروط بقصد القربة.
    لكن هذا الفرق ليس بفارق لان تحقّق قصد القربة بالوضوء والغسل لا يتوقّف على وجود أمر مولوي بهما ـ من الأَمر الاستحبابي أو الأَمر الغيري


    بناء على الصحيح من امكان التقرب بامتثال الأَمر الغيري خلافاً لما هو المشهور بين المتأخرين ـ حتى يكون انتفاء الأَمر النفسي بهذه القاعدة موجباً لفقدان قصد القربة. اذ قوام عبادية العمل باضافتها اضافة تذللية إلى الله تبارك وتعالى ، ويكفي في تحقّق هذا المعنى قصد التوصل بالوضوء والغسل إلى الغاية المترتبة عليهما ـ التي هي محبوبة لدى الشارع المقدس ـ وهي على المختار نفس الطهارة ، وأما بقية الغايات فهي في طولها ، كما يكفي أيضاً أن يقصد التوصل إلى تلك الغايات الطولية كإباحة الدخول في الصلاة والطواف.
    يضاف إلى ذلك ان في اقتضاء ( لا ضرر ) لسقوط الاستحباب النفسي في مورد ثبوته تأملاً.
    نعم مقتضاه انتفاء وجوبهما الغيري على نحو غير مباشر بمعنى أنه يوجب أوّلاً ارتفاع وجوب ذي المقدّمة ـ وهي الصلاة مع الطهارة المائية ـ فيما لم يكن الشخص متطهّراً وكان استعمال الماء مضراً له ، فبذلك ينتفي الوجوب المقدمي الغيري ، اذ على المشهور لا يمكن انتفاء وجوب المقدّمة مع بقاء وجوب ذيها ، ونتيجة ذلك عدم وجوب الصلاة مع الطهارة المائية ما لم يتوضأ المكلّف ولكن اذا توضأ فحيث انه قد حصلت الطهارة المائية فيجب عليه الصلاة مع الطهارة المائية ، اذ ليس ايجابها حينئذٍ تسبيباً إلى الضرر.
    وبما ذكرنا يمكن ان يوجه بعض كلمات السيد الاستاذ (قده) في المقام ـ مع غض النظر عن بعض المناقشات في عبارته ـ (1).
    __________________
    (1) لاحظ مصباح الأصول 2 : 552 ففيه ( فالوضوء الضرري وان كان وجوبه مرفوعاً بأدلة نفي الضرر إلاّ ان استحبابه باق بحاله فصحّ الاتيان بالوضوء الضرري بداعي استحبابه النفسي أو لغاية مستحبة وتحصل له الطهارة من الحدث وبعد حصولها لا مانع من الصلاة معها

    وعلى ما ذكرناه من عدم اقتضاء ( لا ضرر ) لفساد الوضوء والغسل الضرري مطلقاً لا يتجه ما قيل في توجيه قصور ( لا ضرر ) عن إثبات فسادهما في صورة الجهل كما ذكره جمع (1) من أن دليل ( لا ضرر ) وارد في مقام الامتنان على الامّة الإسلامية ، فلا يكون ( لا ضرر ) شاملاً لمورد يكون نفي الحكم فيه منافياً للامتنان ، والحكم ببطلان الطهارة المائية الضررية الصادرة حال الجهل من هذا القبيل ، فان الأَمر بالتيمم واعادة العبادات الواقعة معها مخالف للامتنان.
    اذ لا حاجة إلى ذلك إلا على سبيل التنزّل عما ذكرناه. مع امكان المناقشة في ورود الحديث في مقام الامتنان فتأمل.
    البحث الثالث : في ان حرمة الاضرار بالنفس هل توجب الحكم بفساد الوضوء والغسل المضرين في حال الجهل والعلم أو لا ؟
    ويلاحظ أوّلاً : إنّه لم تثبت حرمة الإضرار بالنفس مطلقاً وإنما الثابت حرمته فيما يكون من قبيل هلاك النفس أو ما يلحق به ـ كما أوضحنا ذلك في بحث الوضوء من شرح العروة ـ وعليه فالكلام في هذا البحث فيما اذا كان الضرر اللازم من الوضوء والغسل كذلك.
    ولتوضيح المقام لا بد من ايضاح امرين :
    الأمر الأَوّل : ان نسبة ( الاضرار المحرّم ) إلى الوضوء والغسل الضرري نسبة الأَسباب والمسببات التوليدية كالالقاء والاحراق والرمي والقتل ونحو ذلك.
    __________________
    لحصول شرطها وهي الطهارة بلا حاجة إلى الاعادة. وكذا الحال في الغسل الضرري ... الخ.
    (1) لاحظ مصباح الأصول : 545 وغيرها.


    وفي متعلق الحرمة في الأَسباب والمسببات التوليدية احتمالات ثلاثة ـ كما تعرضنا له في مبحث مقدمة الحرام ـ :
    الاحتمال الأَوّل : ان يكون مصب الحرمة إيجاد المسبّب التوليدي كالحرق والضرر. وحيث إن وجود المسبّب التوليدي مغاير مع وجود سببه كالالقاء للاحراق والوضوء للاضرار ، فيكون ايجاده أيضاً مغايراً معه لان الفرق بين الايجاد والوجود انما هو بمجرد الاعتبار. وعليه فيكون المحرم مغايراً وجوداً مع ما هوسبب له.
    لا يقال : ان الاحكام التكليفية تتعلق بافعال المكلفين والمسبب التوليدي كالاحراق والاضرار ليس بفعل للمكلف بل الاحراق أثر النار بشرط المماسة مع الجسم ، والضرر اثر الماء بشرط المماسة مع البدن.
    فانه يقال : ان هذا أمر غالبي وليس شرطاً اذ يكفي في صحة تعلّق الحكم التكليفي بأمر كونه مقدوراً للمكلف مع الواسطة.
    الاحتمال الثاني : ان يكون مصب الحرمة السبب التوليدي وانما اخذ العنوان المسبّب عنه مرآة للسبب الذي يترتب عليه ، فيكون الالقاء والوضوء بانفسمهما متعلقين للحرمة.
    الاحتمال الثالث : أن يكون مصب الحرمة العنوان الثانوي المسمى بالمسبب التوليدي مأخوذاً على نحو الموضوعية لكن مع عدّه من قبيل الاعتبارات المتأصلة ، فانّ تأصّل الامر الاعتباري كما يكون في الاحكام التكليفية والوضعية فكذلك يتحقق في جملة من الماهيات التي هي من قبيل موضوعات الأَحكام ومتعلقاتها كالغصب.
    والأَظهر من هذه الاحتمالات هو الاحتمال الأَوّل كما بيناه في محله.
    الأَمر الثاني : في حكم الوضوء والغسل حيث يترتب عليهما الضرر المحرّم.

    وذلك يختلف بحسب الاحتمالات السابقة في مصب الحرمة :
    اما على الاحتمال الأَوّل : فيكون متعلق الحرمة أمراً لا اتحاد له بوجه معهما ، فإن كان مضراً بصحتهما فانما هو من جهة الاخلال بقصد القربة المعتبرة فيهما ، وهذا الاخلال لا يتصور في صورة الجهل بكونه مضراً على نحو الجهل المركب أو الاطمئنان لعدمه أو الغفلة عنه أو نسيانه. وأما مع العلم به أو ما في حكمه ففيه جهتان : جهة ترتب امرمحبوب عليه وهو الطهارة. وجهة ترتب امر مبغوض عليه وهو الاضرار المحرم ، ولا يبعد تمشي قصد القربة اذا اتى بها بداعي التسبيب إلى الجهة الأُولى.
    واما على الاحتمال الثاني : فالمحرّم يكون نفس الوضوء والغسل فيدخل تحت عنوان النهي عن العبادة فيحكم بالفساد ـ على المشهور ـ لأَنّه لا اثر للتقرب بما هو مبغوض ذاتاً.
    واما على الاحتمال الثالث : فان قلنا بان الوضوء والغسل من قبيل موضوعات الاحكام فقط فيلحق بالاحتمال الأَوّل حكماً ، وعلى القول بانهما من قبيل متعلقات الأَحكام يدخل في بحث اجتماع الأمر والنهي ، فان قلنا بالامتناع وتغليب جانب النهي فلا بُدّ من الحكم بالفساد في صورة العلم وأما في صورة الجهل فمبني على القول باقتضاء القول بالامتناع الفساد مطلقاً ، والمختار هو عدم الامتناع ، وعلى القول به فيفصل بين صورتي العلم والجهل كما سبق في الاحتمال الأَوّل.
    التنبيه الخامس : في انّه هل يستفاد من ( لا ضرر ) جعل الحكم ، اذا كان يلزم الضرر لولا وجوده ـ كما يستفاد منه نفي الحكم اذا كان يلزم الضرر بوجوده ـ أم لا ؟. وعلى التقدير الأَوّل فهل هناك أمثلة فقهية تكون من هذا القبيل أم لا ؟


    وقد انكر المحقق النائيني (قده) الكبرى والصغرى معاً (1) واقر السيد الاستاذ (قده) بالكبرى ولكنه انكر الصغرى قائلاً : ( بأن الصغرى لهذه الكبرى غير متحقّقة فانّا لم نجد مورداً كان فيه عدم الحكم ضرراً حتى يحكم برفعه وثبوت الحكم بقاعدة لا ضرر ) (2) ويظهر من بعض الفقهاء منهم السيد الطباطبائي في ملحقات العروة الالتزام بهما معاً كما سيجيء نقل كلامه.
    والكلام تارة في الكبرى واُخرى في الصغرى ، فهنا مقامان :
    أما في المقام الأَوّل : فتقريب انكار الكبرى ان حديث ( لا ضرر ) لا ناظر إلى الأَحكام المجعولة في الشريعة المقدّسة ومقيد لها بعدم أدائها إلى الضرر على المكلّف ، وعدم الحكم ليس حكماً مجعولاً فلا يشمله الحديث. وليس المدعى انه لا يمكن جعل الحكم العدمي ـ فان الاباحة التكليفية حكم عدمي وليس عدم الحكم بحسب الدقة لانها تنشأ من قبل الشارع بعنوان إرخاء العنان بالنسبة إلى كل من الفعل والترك للمكلّف ، وكذلك الحلّية فانها بمعنى حل عقدة الحظر ومرجعها إلى هدم الحكم التحريمي المجعول ، كما انه ليس المدعى أنّه لا يمكن انشاء عدم الحكم بل هو امر ممكن كما في الحكم بعدم اشتغال الذمة ، وانما المقصود ان مجرد عدم جعل الحكم في مورد قابل لا يمكن عده حكماً حتى يكون مرفوعاً بحديث ( لا ضرر ).
    والجواب عن ذلك : ان ما ذكر من نظر الحديث إلى الاحكام المجعولة في الشريعة محل منع لان مفاد الحديث هو عدم التسبيب إلى تحمّل الضرر ـ أي نفي وجود ضرر منتسب إلى الشارع المقدس بما هو
    __________________
    (1) تقريرات المحقق النائيني : 119 وما بعده.
    (2) لاحظ جامع الأحاديث. الباب 3.

    مشرع ومقنّن ـ وهذا المعنى كما يصدق في موارد جعل الحكم الذي يلزم منه الضرر ـ سواء كان وضعياً أو تكليفياً ، وسواء كان الزامياً أو غير الزامي كالترخيص في الدخول لمن له حق الاستطراق بغير استئذان على نحو يوجب ذهاب حق التعيش الحر بالنسبة إلى صاحب الدار ، كما في قضية سمرة بن جندب ـ فكذلك يصدق في حالة عدم جعل الحكم احياناً فيعدّ نفس عدم جعل الحكم ممّن بيده التشريع تسبيباً منه إلى الضرر.
    مثلاً : اذا فرض أن الشارع منع الزوجة المعدمة من الاكتساب اذا كان على نحو ينافي حقوق زوجها وفرض عدم جعل وجوب الانفاق عليها ، فيعدّ نفس هذا تسبيباً منه إلى تضررها ، أو سلب حقّ التعيش مع الكرامة بالنسبة اليها. وكذلك لو فرض أنّه حرِّم إضرار بعض الناس ببعض تكليفاً ولم يجعل حكماً اجرائياً يخوّل للسلطة مكافحة الاضرار والمنع عنه خارجاً.
    والحاصل : ان عدم جعل الحكم المانع عن الضرر يعدّ تسبيباً منه اليه بعد فرض كمال الشريعة كما يدل عليه قوله تعالى ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (1) ويؤكده الروايات الدالة على انّه ما من واقعة الا ولها حكم (2) وقوله 9 ( يا ايها الناس ما من شيء يقربكم من الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد امرتكم به ، وما من شيء يقربكم من النار ويباعدكم من الجنة الاّ وقد نهيتكم عنه ) (3) مضافاً إلى سلب حقّ التشريع عن غير الله تعالى.
    وعليه فلا يقدح عدم صدق الحكم على مجرد عدم جعل الحكم بعد صدق التسبيب إلىٰ تحمل الضرر.
    __________________
    (1) المائدة 5 / 3.
    (2) جامع احاديث الشيعة 1 : 133 ـ 143 / 30 ـ 32.
    (3) ورد ذلك في صحيحة أبي حمزة الثمالي المذكورة في الوسائل ـ كتاب التجارة ـ أبواب مقدماتها ـ الباب 12 ج 17 : 45 / 21939.


    بل يمكن أن يقال : بان عدم الحكم في ذلك يعد حكماً كما يعدّ عدم القيام لأَحد الشخصين مع القيام للآخر مع تساويهما في الرتبة توهيناً للأَوّل ، وكذلك يعد عدم التقييد في الموضع القابل له اطلاقاً.
    ويلاحظ : أن هذه الكبرى منتجة وإن انكرنا وجود صغرى لها ، بمعنى أنّه لم يوجد هناك مورد يكون ( لا ضرر ) فيه دليلاً على ثبوت الحكم ـ وذلك لأن نتيجة كون الكبرى مثبتة للحكم هي عدم حكومتها أي ( لا ضرر ) على ادلة حرمة الاضرار بالغير إذا كان عدم الاضرار بالغير ضرراً على المالك كما اذا تصرف المالك في ملكه بما اوجب الاضرار بجاره ، لان مقتضاه على هذا التقدير نفي كل من حرمة الاضرار بالغير وجواز التصرف في الملك ـ لكون الأُولى تسبيباً للضرر بالنسبة إلى المالك والثاني تسبيباً للضرر بالنسبة إلىٰ الجار ـ فيتعارض ( لا ضرر ) فيهما ويسقط.وتصل النوبة إلى أدلة حرمة الاضرار بالغير فيحرم بمقتضاها تصرف المالك في ملكه بما يضر بجاره ، فهذا مقدار من الانتاج للكبرى المذكورة ، ولو لم تثبت هذه الكبرى لكان ( لا ضرر ) نافياً لحرمة الإضرار بالغير دون جواز التصرف في الملك فتكون حاكمة على ادلة حرمة الاضرار كما يأتي توضيح ذلك في التنبيه الآتي.
    واما في المقام الثاني : ـ وهو وجود صغرى لهذه الكبرى ـ فقد ذكر لها موردان :
    المورد الأَوّل : الحكم بضمان التالف في غير الموارد التي يكون هناك سبب للضمان فيها ، كالاتلاف واليد العادية فان دليل الضمان فيها نفس أدلته دون قاعدة ( لا ضرر ). وقد عدّ (1) من موارد انحصار الدليل للضمان
    __________________
    (1) لاحظ تقريرات المحقق النائيني : 220 و 221.

    بقاعدة ( لا ضرر ) ما اذا حبس الانسان حتى فات عمله ، أو حبسه حتى أبق عبده أو فتح شخص قفص طائر فطار ، بدعوى انه لولا الحكم بالضمان في مثل ذلك للزم الضرر على الشخص.
    وقد انكر المحقق النائيني الحكم بالضمان فيها معللاً بعدم دلالة ( لا ضرر ) عليه فان دلالته عليه تبتني على القول بان المستفاد منه نفي الضرر غير المتدارك فيدل على الحكم بتدارك الضرر الواقع إما من قبل من سبب اليه ـ ان كان هناك انسان صار سبباً لوقوع الضرر ـ أو من بيت المال ان لم يكن كذلك (1) وبظهر من السيد الاستاذ (قده) موافقته معه في ذلك (2).
    لكن الظاهر انّه لا وجه لانكار الضمان في ذلك فان ثبوته لا يبتني على مسلك الفاضل التوني في مفاد الحديث ـ من نفي الضرر غير المتدارك ـ الذي قد سبق ابطاله ـ بل يكفي فيه نفس ما دلّ على قاعدة الاتلاف لاندراجه تحتها ، فان حبس الحرّ ـ اذا كان كسوباً ـ يكون كحبس العبد والدابة ونحوهما ، تفويتاً لمنافعه المقدر وجودها لدى العقلاء فيكون ضامناً لعمله ، كما ان حبس الانسان اذا أدى إلى أن تشرد دابته أو يأبق غلامه أو يسيل الماء ـ المفتوح لجهة ـ مما يوجب خراب الدار والبستان ، أو يحترق ما في القدر أو ما في الدار بنارٍ كان قد اشعلها تحت القدر وكان قادراً عليها كل ذلك ونحوه يكون اتلافاً للمال عقلاءً.
    ولا حاجة إلى قاعدة ( لا ضرر ) في ذلك بل يفي بجعل الضمان قاعدة ( لا ضرار ) بالمعنى الوسيع الذي ذكرناه الذي هو امضاء للقاعدة العقلائية لانها تستبطن تشريع احكام رادعة عن تحقيق الإضرار بالنسبة إلى الغير ، فالحكم بالضمان على من أضر ، من اوضح اسباب الردع عن الاضرار
    __________________
    (1) لاحظ المصدر السابق.
    (2) لاحظ مصباح الأصول 2 : 560.


    الصادر من الحابس ونحوه وبذلك يتضح انه لا يرد على اثبات الضمان بقاعدة ( لا ضرر ) في المقام ما ذكره السيد الاستاذ (قده) من ان الضرر اللازم على المتضرّر ـ المقتضى لجعل الضمان ـ معارض بالضرر المترتب على الحكم بالضمان على الحابس (1) لان ( لا ضرر ) من جهة مقابلته ب‍ ( لا ضرار ) لا اطلاق لها بالنسبة إلى نفي الضرر الذي يشرعه القانون من باب مكافحة الاضرار ـ كما سبق توضيحه في التنبيه الثاني ـ.
    المورد الثاني : اثبات حق الطلاق للحاكم الشرعي بقاعدة ( لا ضرر ) و ( لا حرج ) فيما اذا صارت الزوجة محرومة عن حقوق الزوجية خارجاً ، مع مطالبتها لها وعدم طريق لاستيفائها ، بأن لم يمكن إجبار الزوج على الوفاء بها ولو بتعزيره إن تخلَّف عن أدائها ـ وذلك كما لو كان الزوج مفقوداً أو غائباً ولم يكن طريق لإجبار الزوج على طلاقها ـ.
    فيقال حينئذٍ بأن لها ان تطالب الحاكم الشرعي بان يطلقها وعلى الحاكم الاستجابة لطلبها وطلاقه نافذ. وعمدة النظر في المقام إلى خصوص حق الانفاق.
    وقد التزم بحق طلاق الحاكم في الموضوع السيد الطباطبائي في ملحقات العروة تمسكاً بقاعدتي ( لا ضرر ) و ( لا حرج ) مضافاً إلى الروايات الخاصّة. وقد ناقش المحقق النائيني في التمسك بهما فإنهما لا يثبتان حكماً وجودياً كما ناقش في الروايات التي استدل بها بانها غير معمول بها وهي معارضة بغيرها ـ وسيجيء تفصيل ذلك ـ كما استبعد كلامه جمع آخر من المتأخرين.
    ونحن نجعل محل الكلام بعض فروض المسألة وهو ما لو امتنع الزوج
    __________________
    (1) المصدر السابق : 561.

    عن اداء النفقة لزوجته ، ونبحث.
    تارة : في انه هل يمكن الحكم بثبوت حق الفسخ للزوجة بملاحظة طبيعة عقد النكاح في نفسه ؟
    واخرى : في ثبوت حق الفسخ أو الطلاق للحاكم بملاحظة ( لا ضرر ، ولا ضرار ).
    وثالثة : في ثبوت ذلك بملاحظة الأَدلة الخاصّة ، فهنا أبحاث ثلاثة :
    البحث الأَوّل : في انّه هل يثبت حق الفسخ للزوجة عند عدم انفاق الزوج عليها بمقتضى تخلف الشرط الارتكازي الضمني ـ كما ذكره جمع في وجه ثبوت خيار الغبن ـ أم لا ؟
    وتقريب ثبوته : ان ما تنشئه المرأة في عقد النكاح وان كان هو الزوجية الدائمة الا انها مقيدة بسبب الشرط الارتكازي ، بأن يبذل لها الزوج النفقة بحدودها الشرعيّة ، وليس للمنشأ اطلاق بالنسبة إلىٰ الزوجية بعد فسخها من ناحية اخلال الزوج بالنفقة. فان الزوجية المنشأة بحسب طبعها احداث علقة خاصة بين الرجل والمرأة ، حقيقتها المشاركة في الحياة على نحو خاص يشتمل على نحو قيمومة للزوج بالنسبة إلى الزوجة وتكفّل مؤونتها اللازمة ـ مضافاً إلى الاستمتاع الجنسي ـ قال الله تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ).
    وقد جاء في تفسير القرطبي (1) انه فهم العلماء من هذه الآية انه متى عجز عن نفقتها لم يكن قواماً عليها واذا لم يكن قواماً عليها كان لها فسخ العقد لزوال المقصود الذي لاجله شرع النكاح. ثم نقل قول الشافعي ومالك. بذلك ومخالفة ابي حنيفة. وقد ورد في رواية ضعيفة عن سفيان بن عيينة عن
    __________________
    (1) القرطبي 5 : 169.


    ابي عبد الله 7 في حديث انه قال ( فالرجل ليست له على نفسه ولاية اذا لم يكن له مال وليس له على عياله امر ولا نهي اذا لم يجر عليهم النفقة ) (1).
    وليس المقصود الاستدلال بالآية والرواية ، بل المقصود ان المرتكز الذهني للزوجة انشاء الزوجية الدائمة بشرطها وشروطها والنفقة منها.
    ويمكن الايراد عليه ـ مع غضّ النظر عن مخالفة الروايات الآتية لثبوت خيار الفسخ للزوجة في صورة الاخلال بالنفقة ـ بوجهين يمكن دفعهما :
    الوجه الأَوّل : ان بين البيع والنكاح فرقاً ، فان قوام البيع بالمالين وقوام النكاح بالشخصين حتى أن المهر ليس من أركانه ، ولذا لو اخلّ به يصح العقد ويثبت مهر المثل ـ ففي البيع حيث ان النظر إلى المالين فيقتضي بحسب الشرط الارتكازي العقلائي عدم نقصان ما انتقل اليه عما انتقل عنه بحسب المالية ـ فيكون منشأ لخيار الغبن ـ كما يقتضي عدم كونهما معيبين ـ فيكون منشأ لخيار العيب ـ وهكذا بالنسبة إلى سائر الشؤون الراجعة إلى المالين. ويمكن ادعاء مثل هذا الشرط الارتكازي في ما يرجع إلى الزوجين في النكاح ، بالنسبة إلى فقدان العيوب التي تختل بها الحياة الزوجية ، وقد حدّدها الشارع بعيوب خاصّة ، وكذا يأتي فيها خيار التدليس فيما يتعلّق بذلك.
    واما ما لا يرجع إلى وصف الزوجين بل كان من الاحكام الثابتة في الشريعة الاسلامية ، كوجوب إنفاق الزوج على الزوجة فلا يمكن عده من الشروط الارتكازية العقلائية.
    __________________
    (1) كتاب الكافي ـ الأصول ـ كتاب الحجة الباب 103 ( باب ما يجب من حق الإمام على الرعية ... ) 1 : 335 و 336 / 6.

    كيف وفي بعض المجتمعات البدوية يشترك الزوجان في تحصيل النفقة كما هو الغالب في اهل الريف الذين يكون شغلهم الزراعة والفلاحة وتربية المواشي ، وكذا في بعض المجتمعات المتحضرة ـ كما يقال ـ التي يكون لكلّ من الزوجين فيها شغل كالطبابة والتعليم ونحوهما. بل نقل عن بعض المجتمعات البدوية ان الزوجة هي التي تتكفل النفقة.
    وعلى هذا فلا يمكن عدّ الانفاق من الشروط الارتكازية للنكاح.
    الوجه الثاني : ان الشرط الارتكازي انما يؤثر في تحقّق الخيار عند التخلّف في صورة نفوذه عند التصريح به فان مرجع اشتراط الانفاق على النحو الذي يقتضيه هذا التقريب هو جعل الخيار عند التخلف ، ومقتضى ما عللوا به عدم صحة شرط الخيار في النكاح عدم صحة جعل الخيار ولو بتخلف الوصف أو الشرط الا ما دل عليه النصّ قال الشيخ الأنصاري ( في بحث خيار الشرط بعد ذكر عدم دخوله في النكاح اتفاقاً ) (1). ولعلّه لتوقف ارتفاعه شرعاً على الطلاق وعدم مشروعية التعامل فيه.
    وقد يحكم ببطلان اصل النكاح الذي جعل فيه شرط الخيار ، وقد علل ذلك السيد الاستاذ (قده) بانّ شرط الخيار يرجع إلى تحديد الزوجية بما قبل الفسخ لا محالة ، وهو ينافي قصد الزواج الدائم أو المؤجل إلى أجل معلوم ، وهذا بخلاف سائر الشروط الفاسدة فإنها بحسب الارتكاز العرفي لا ترجع في خصوص النكاح إلى جعل الخيار على تقدير التخلف ، وانما ترجع إلى تعليق الالتزام بترتب الآثار على وجود الشرط وفسادها لا يسري إلى العقد (2).
    __________________
    (1) لاحظ المكاسب : 233.
    (2) العروة الوثقى مع تعليقة الخوئي ( ره ) 2 : 638 مسألة 3855.


    ويمكن الجواب عن الوجه الأَوّل : بأنه لا يعتبر في تأثير الشرط الارتكازي ان يكون شرطاً ارتكازياً لدى جميع المجتمعات والملل والنحل ، ولا اشكال في أن الإنفاق كان أمراً ملحوظاً في عقد النكاح في المجتمع الإسلامي والمجتمع العربي قبل الإسلام ، بل قد اختلف فقهاء الخاصة والعامة في كون اليسار من الامور الدخيلة في الكفاءة وعدمه على قولين مشهورين (1) وسوف يظهر ارتكازية هذا الشرط مما يأتي في جواب الوجه الثاني.
    وعن الوجه الثاني : بانه لا اجماع على عدم ثبوت خيار تخلف الوصف والشرط في النكاح وانما قام الاجماع على عدم صحة اشتراط الخيار فيه ، كيف وقد التزم بثبوت خيار الفسخ للزوجة عند الاعسار أو انكشافه جمع من فقهاء الفريقين ، ولذلك لو قدّر قيام الاجماع المذكور أيضاً فلا ينبغي الشك في عدم شموله للمقام.
    اما فقهاؤنا فقال المحقق في الشرائع : لو تجدّد عجز الزوج عن النفقة هل تتسلّط الزوجة على الفسخ فيه روايتان اشهرهما انه ليس لها ذلك ، وعقبه في الجواهر (2) بقوله ( لا بنفسه ولا بالحاكم وفي المسالك انه المشهور ). ونقل العلامة في المختلف (3) في بحث اعتبار اليسار في الكفاءة عن ابن ادريس انه قال : ( والأولى ان يقال ان اليسار ليس بشرط في صحة العقد ، وانما للمرأة الخيار اذا لم يكن موسراً بنفقتها وليس العقد باطلاً بل الخيار لها ... ) ثم
    __________________
    (1) لاحظ اختلاف فقهائنا في الجواهر 30 : 103 والحدائق ط الأولىٰ 6 : 144. واختلاف فقهاء العامة في المغني لابن قدامة 7 : 376 و 377 والخلاف للشيخ الطوسي 4 : 271 و 272.
    (2) الشرائع 2 : 300 ، جواهر الكلام 30 : 105.
    (3) كتاب النكاح : 576.

    قال العلاّمة ( وهو الوجه عندي ... واما اعتبار اليسار فلو نكحت المرأة ابتداء لفقير عالمة بذلك صح نكاحها اجماعاً ولو كانت الكفاءة شرطاً لم يصح ) ـ إلى ان قال ـ ( نعم أثبتنا لها الخيار دفعاً للضرر عنها ودفعا للمشقة اللاحقة بها بسبب احتياجها مع فقره إلى مؤونة يعجز عنها ، ولا يمكنها التزوّج بغيره ، فلو لم يجعل لها الخيار كان ذلك من اعظم الضرر عليها وهو منفي اجماعاً ). وذكر في مسألة الاعسار المتأخر (1) بعد نقل قول المشهور من عدم خيار للزوجة في الفسخ ـ ( قال ابن الجنيد بالخيار لرواية عن الصادق ولاشتماله على الضرر إذ لا يمكنها الانفاق فلو لم يجعل لها الخيار لزم الحرج المنفي بالاجماع ) وقد توقف العلاّمة نفسه في هذه المسألة وقد نقل في الحدائق (2) ان السيد السند في شرح النافع مال إلى قول ابن الجنيد من ثبوت حق الفسخ كما نقل عن ظاهر المسالك التوقّف. والغرض : انه لا اجماع في المقام بين الخاصة على عدم الخيار للزوجة.
    واما العامة ففي المغني لابن قدامة (3) ( ان الرجل اذا منع امرأته النفقة لعسرته وعدم ما ينفقه فالمرأة مخيرة بين الصبر عليه وبين فراقه ، وروي نحو ذلك عن عمر وعلي وأبي هريرة وبه قال سعيد بن المسيب والحسن ، وعمر ابن عبد العزيز وربيعة وحماد ، ومالك ، ويحيى القطان ، وعبد الرحمن بن مهدي ، والشافعي ، وإسحاق ، وابو عبيد ، وابو ثور ، وذهب عطاء والزهري ، وابن شبرمة ، وابو حنيفة ، وصاحباه إلى انها لا تملك فراقه بذلك ولكن يرفع يده عنها لتكتسب ... ).
    __________________
    (1) المصدر السابق 582.
    (2) الحدائق 24 : 77 ـ 78.
    (3) المغني 9 : 244.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3292
    نقاط : 4979
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    قاعدة لا ضرر ولا ضرار Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قاعدة لا ضرر ولا ضرار   قاعدة لا ضرر ولا ضرار Emptyأمس في 7:47

    وفي نيل الاوطار (1) : ( ان الزوج اذا اعسر عن نفقة امراته واختارت فراقه فرّق بينهما واليه ذهب جمهور العلماء على ما حكاه في فتح الباري ، وحكاه صاحب البحر عن الامام عليّ 7 ، وعمر ، وابي هريرة ، والحسن البصري ، وسعيد بن المسيب ، وحماد وربيعة ، ومالك ، واحمد بن حنبل ، والشافعي ، والامام يحيى ، وحكى صاحب الفتح عن الكوفيين أنّه يلزم المرأة الصبر وحكاه في البحر عن عطاء ، والزهري ، والثوري ، والقاسمية ، وابي حنيفة واصحابه وأحد قولي الشافعي ).
    وتعرض لنقل اقوال الصحابة والتابعين وفقهاء العامة ابن حزم أيضاً في كتاب المحلى (2) ثم ان القائلين بهذا القول اختلفوا في انه هل للزوجة طلب الفسخ أو الطلاق أو هي مخيرة بينهما ؟ ففي نيل الأَوطار (3) نقل للعامة في ذلك أقوالاً ثلاثة وفي المغني (4) ( كل موضع يثبت لها الفسخ لاجل النفقة لم يجز الا بحكم الحاكم ... فاذا فرّق بينهما فهو فسخ لا رجعة له فيه وبهذا قال الشافعي وابن المنذر ، وقال مالك : هو تطليقة وهو احق بها ان أيسر في عدتها ... ).
    فظهر بذلك انه لا اجماع هناك في عدم خيار تخلف الشرط الضمني الارتكازي والصريح في عقد النكاح ، لكنه مخالف للروايات الآتية ، ومع ذلك يمكن القول بأن الشرط المرتكز هو ان يكون الخيار لها بالرجوع إلى الحاكم وفسخه ، وان لم يتيسر فبنفس الزوج ، فلا مخالفة لمفاد الروايات
    __________________
    (1) نيل الاوطار 7 : 133 ـ 134.
    (2) ج 10 / 94 ـ 95.
    (3) نيل الاوطار 7 : 135.
    (4) المغني 9 : 248 ـ 249.

    المشار اليها. وعلى تقدير منع ذلك ، فالوجه في عدم الحاق النكاح عند الإعسار بخيار الغبن في استحقاق الفسخ انما هو الروايات الواردة في الموضوع.
    البحث الثاني : في انه هل يثبت حق الفسخ للزوجة أو حق الطلاق للحاكم بقاعدة ( لا ضرر ولا ضرار ) ؟
    اما ( قاعدة لا ضرر ) ، فلإثبات ذلك بها تقريبان :
    التقريب الأَوّل : ما يماثل التقريب الذي يذكر لإثبات خيار الغبن في صورة عدم اقدام المغبون على الضرر ـ وهو ان يقال : إن حكم الشارع باستمرار الزوجية حتى بعد فسخ الزوجة لها من جهة حرمانها من حقها ـ المعبَّر عن هذا الحكم باللزوم ـ ضرر على الزوجة فهو منفي.
    وعلى هذا التقريب يكون التمسك ب‍ ( لا ضرر ) تمسكاً به لنفي الحكم لا لإثباته ، كما انه انما يتجه في فرض انكار ارتكازية الشرط أو تأثير الشرط الارتكازي ونحو ذلك ـ كما يظهر مما سبق في التنبيه السابق ـ.
    وقد يعترض على هذا التقريب بما عن شيخنا الحلِّي (قده) من ان الضرر المتوجه على الزوجة في حال عدم قيام الزوج بحقوقها ليس مسبباً توليدياً عن نفس لزوم النكاح لينتفي بالحديث المذكور اذ من المعلوم ان اختيار الزوج دخيل في البين (1).
    وهذا الاعتراض مبني على ما ذهب اليه (قده) وفاقاً لشيخه المحقق النائيني من أن الضرر المنفي عنوان توليدي لنفس الحكم الشرعي ، كالاضرار فيكون الحكم الشرعي منفياً حيث ينطبق عليه الاضرار. وقد مرت مناقشة هذا المبنى في محله وذكرنا ان الصحيح في تخريج ما ذهب اليه
    __________________
    (1) بحوث فقهية : 207.


    المشهور من تفسير الحديث بنفي الحكم الضرري هو ان مفاده نفي التسبيب الشرعي إلى تحمل ضرر من الغير.
    وعلى هذا فيمكن التمسك به في المقام حيث يفرض سقوط الحكم بالانفاق لعدم قدرة الزوج أو ثبوته في حقه مع عدم عمله على وفقه ولو إجباراً ، إذ يصدق على جعل لزوم الزوجية وبقائها أنّه تسبيب إلى الضرر من قبل الشارع فينتفي بلا ضرر.
    وبذلك يظهر ان هذا التقريب أيضاً تامّ لولا دلالة الروايات على خلافه ، حيث إنها تدل على ان ازالة الطلاق لا بُدّ ان يكون صادراً عن الولي الإجباري وهو الحاكم.
    التقريب الثاني : انه يلزم من عدم جعل سلطنة لغير الزوج على الطلاق وازالة عقد الزوجية تسبيب الشارع إلى ضرر الزوجة ، فيستكشف من ( لا ضرر ) وجود هذا الحق للحاكم.
    وعلى هذا التقريب يكون التمسك ب‍ ( لا ضرر ) استدلالاً به في اثبات وجود حكم شرعي. وعليه يبتنى تمسك السيد الطباطبائي بهذه القاعدة وب‍ ( لا حرج ) لهذا المدعى. بل على هذا الاساس يبتنى تمسك العلامة ب‍ ( لا ضرر ) في اثبات حق الفسخ للزوجة ، وكذا استدلال ابن الجنيد ب‍ ( لا حرج ) لهذا المدعى فانه ليس نظرهم إلى دفع اللزوم. بل وكذا تمسك الشيخ والعلامة وغيرهما ب‍ ( لا ضرر ) لإثبات خيار الغبن الذي هو من الحقوق القابلة للارث.
    ويلاحظ : ان بين رفع الحكم ب‍ ( لا ضرر ) واثباته به فرقاً ، فان الامر في الأوّل واضح لان المفروض تعيّن الحكم الموجب للضرر وهو ما يتوهّم بسبب عموم أو اطلاق أو غيرهما. ولكنه ليس كذلك في الثاني لأن الحكم الذي يراد استكشافه لا يكون متعيناً غالباً لامكان رفع الضرر بجعل عدة

    احكام ، كما أشار إلى ذلك الشيخ الانصاري (قده) في خيار الغبن فلا يمكن استكشاف حكم معين منها الاّ بمؤونة زائدة.
    ففي المقام يدور الامر بين ان يكون الحكم المجعول لرفع الضرر عن الزوجة هو ثبوت حق الطلاق للحاكم عند وجود الشرائط التي منها مطالبة الزوجة بالطلاق ، وبين ان يكون ثبوت هذا الحق لنفس الزوجة وبين ثبوت حق الفسخ لأحدهما. وبين الطلاق والفسخ فرق فإنه على تقدير الطلاق قد يكون الطلاق رجعياً فيكون للزوج الرجوع في اثناء العدة اذا تمكن من الانفاق وهذا بخلاف الفسخ.
    وتعيّن احد هذه الاحكام بحاجة إلى مزيد بيان.
    ويمكن تقريب ثبوت حق الطلاق بأن المستفاد من الادلة العامة هو ان وظيفة الزوج احد الأَمرين اما إمساك بالمعروف أو تسريح باحسان ، ويشهد له بالخصوص معتبرة جميل ، عن أصحابنا ، أو عن عنبسة بن مصعب ، وسورة بن كليب ، عن احدهما قال : اذا كساها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها اقامت معه والاّ طلّقها ) (1).
    واذا امتنع الزوج من الطلاق ولو بمراجعة الحاكم الشرعي يكون الحاكم هو المتصدي للطلاق لانه ولي الممتنع.
    ويشهد لذلك ما ورد في المفقود من انه يطلقها الولي ولو باجباره على ذلك ، وإن لم يكن لها ولي طلقها السلطان (2) وكذلك ما ورد في ان حق
    __________________
    (1) لاحظ الوسائل ـ كتاب النكاح. أبواب النفقات ـ الباب 1 ـ الحديث 4 ج 21 / 510 ولاحظ ان الكافي الموجود عندنا يختلف مع ما نقله الشيخ عنه في سند الرواية لكن لا يسع المقام بيان ذلك ( منه ).
    (2) لاحظ المصدر السابق. كتاب الطلاق. أبواب أقسام الطلاق وأحكامه. الباب 23 الحديث 5 ج 22 / 158.


    الطلاق لا يكون بيد الزوجة مطلقاً ولو بجعل الزوج ، ففي معتبرة محمّد بن قيس عن ابي جعفر 7 انه قضى في رجل تزوج امرأة واصدقته هي واشترطت عليه ان بيدها الجماع والطلاق. قال : خالفت السنَّة ووليت حقاً ليست بأهله ، فقضى أن عليه الصداق وبيده الجماع والطلاق وذلك السنّة (1).
    فمن ذلك وغيره يعلم ان الحكم بعدم كون الطلاق بيد الزوجة ليس من باب اللا اقتضاء ، بل من باب اقتضاء العدم. هذا ما يتعلق باثبات حق الفسخ للزوجة أو حق الطلاق للحاكم بقاعدة ( لا ضرر ).
    واما اثبات حق الطلاق للحاكم بقاعدة لاضرار فيختص بالزوج الذي يكون مضارّاً قال تعالى : ( وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ) (2) ووجه استفادته منها : ما سبق في شرح مقطع ( لا ضرار ) من انه يستفاد منه ان للحاكم الشرعي الحق في المنع عن الاضرار حدوثاً وبقاءً بانسب وأخفّ الوسائل الممكنة ، وهو في المقام بعد سلسلة من الاجراءات طلاق الزوجة ، فيكون حكم طلاق الزوجة حكم نخلة سمرة بن جندب التي امر النبيّ 9 بقلعها ، وعلى هذا فتثبت للحاكم هذه السلطة لانها من شؤون الولاية التنفيذية ، وقد أشير إلى هذا التقريب فيما عن شيخنا الحلي (قده) (3).
    البحث الثالث : في حكم المسألة على ضوء الروايات الواردة في المقام ، وهي روايات عديدة :
    فمنها : ما رواه الصدوق ، عن ربعي بن عبد الله ، والفضيل بن يسار ،
    __________________
    (1) لاحظ الوسائل كتاب النكاح. أبواب المهور. الباب 29 ـ الحديث 1 ج 21 / 289.
    (2) البقرة 2 / 231.
    (3) بحوث فقهية : 209 ـ 210.

    جميعاً ، عن ابي عبد الله 7 في قوله تعالى : ( وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ ) (1) قال : ان انفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة والاّ فرق بينهما. وللصدوق سند صحيح إلى كل منهما في المشيخة. وقد رواه الشيخ بسند فيه محمّد بن سنان ، عنهما إلا انه قال ( ما يقيم صلبها ) (2).
    ومنها : ما رواه الصدوق بسنده المعتبر عن عاصم بن حميد عن ابي بصير قال : سمعت ابا جعفر 7 يقول : ( من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقاً على الامام ان يفرّق بينهما ).
    ومنها : ما نقله في الكافي ـ بسند مخدوش ـ عن روح بن عبد الرحيم قال : قلت لابي عبد الله 7 : قوله عزّ وجلّ : ( وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ ) قال : ( اذا انفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة والا فرق بينهما ).
    والظاهر ان كلاً من الصدوق والكليني يفتون بذلك كما افتى به بعض آخر من فقهائنا ، فقد ذكر في الحدائق (3) في عداد اقوال علمائنا انه ( قيل بان الحاكم يبينها وهذا القول نقله السيد السند في شرح النافع قال : نقل المحقق الشيخ فخر الدين عن المصنف انه نقل عن بعض علمائنا قولاً بان الحاكم يبينها ).
    ويظهر من كلام المحقق النائيني المناقشة في الاستدلال بها بوجهين :
    __________________
    (1) الطلاق 65 / 7.
    (2) لاحظ الوسائل. كتاب النكاح ـ أبواب النفقات ـ الباب 10 الحديث 1 ج 21 / 509.
    (3) ج 6 ص 141 ط الحجر.


    الأَوّل : انها غير معمول بها (1) وذلك لان قدماءنا بين من قال بلزوم صبرها وبين من قال بان لها فسخ العقد كابن الجنيد. لكن قد ظهر مما ذكرنا انه لا وجه لدعوى الاعراض عنها ، بل توقف من توقف في الموضوع قد يكون لعدم الاطلاع على صحة سند ما صح منها كما اشار اليه صاحب الحدائق (2).
    الثاني : معارضتها بمثل النبوي ( تصبر امرأة المفقود حتى يأتيها يقين بموته أو طلاقه ) والعلوي ( هذه امرأة ابتليت فلتصبر ) ونحو ذلك (3).
    ولعله يشير بنحو ذلك إلى ما رواه الشيخ عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن بنان بن محمّد ، عن ابيه ، عن ابن المغيرة ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه 8 ان علياً 7 قال في المفقود : لا تتزوج امراته حتى يبلغها موته أو طلاقه أو لحوقه بأهل الشرك ) (4).
    لكن لا يمكن الاعتماد على شيء من الاخبار الثلاثة : ( اما رواية السكوني ) فلأن في سندها بنان بن محمّد وهو عبد الله بن محمّد بن عيسى
    __________________
    (1 و 2) تقريرات المحقق النائيني : 221 ، ومن الغريب ما أورده السيد الاستاذ على ذلك من ان الروايات الآمرة بالصبر واردة فيما إذا امتنع الزوج من الموافقة ( لاحظ مصباح الأصول 2 : 561 ) فان نظر المحقق النائيني إلى النبوي والعلوي الآتيين وهما واردان في المفقود ولا يرتبطان بمن امتنع عن الموافقة.
    (3) قال في ج 6 / 141 ط الحجر وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك التوقف أيضاً حيث اقتصر على نقله الأقوال وادلتها ولم يرجح شيئاً في البين إلا أن الظاهر انه لم يقف على صحة الخبرين اللذين قدمناهما دليلاً لابن الجنيد فانه إنما نقل رواية ربعي والفضيل عارية عن وصفها بالصحة والظاهر انه اخذها من التهذيب فانها فيه ضعيفة وإلاّ فهي في الفقيه صحيحة وأما صحيحة أبي بصير فلم يتعرض لها والظاهر انه لو وقف على صحة هاتين الروايتين لما عدل عنهما بناء على عادته وطريقته كما علمته من سبطه في شرح النافع.
    (4) الوسائل 22 / 157 ـ 158 / 28266.

    الأَشعري ولم تثبت وثاقته (1).
    واما الأَوّلان : فلم يتعرض لهما الا الشهيد الثاني حيث قال : ( لو تعذر البحث عنه من الحاكم اما لعدمه أو لقصور يده تعيّن عليها الصبر إلى ان يحكم بموته شرعاً ، أو يظهر حاله بوجه من الوجوه لاصالة بقاء الزوجية ، وعليه يحمل ما روي عن النبي 9 ... وعن علي 7 ... ومن العامة من أوجب ذلك مطلقاً عملاً بهاتين الروايتين ) (2) وقد ذكر السيد الطباطباثي في مقام الجواب عن هذه الروايات الثلاث انه لا عامل بها مع ان الاولين عاميان (3).
    والظاهر انه لا اعتبار لهما سنداً حتى عند العامة وان كانا موافقين لفتاوى اهل الرأي وبعض الظاهرية كما تقدم.
    اما النبوي : ففي المغني لابن قدامة (4) متعرضاً للاستدلال به ( فأما الحديث الذي رووه عن النبي 9 فلم يثبت ولم يذكره اصحاب السنن ).
    واما العلوي : ففيه أيضاً بعد ذكر نقله عن الحكم ، وحماد ، عن علي ( وما رووه عن علي فيرويه الحكم وحماد مرسلاً والمسند عنه مثل قولنا )
    __________________
    (1) نعم في موثقة سماعة قال سألته عن المفقود فقال إن علمت أنه فهي ارضٍ في منتظرة له ابداً حتىٰ يأتيها موته او يأتيها طلاق .. ( الوسائل ج 20 ص 506 حديث 26214 ) ولكن موردها خصوص المفقود الذي يعلم حياته ولا مانع من العمل بها في موردها وجعلها مخصصة لتلكم الروايات والحكم بلزوم الصبر على المرأة وإن لم يكن للمفقود مالٌ ينفق عليها منه ولا ولي ينفق عليها من مال نفسه.
    (2) لاحظ الجواهر ط الحديث 32 ص 290.
    (3) ملحقات العروة ص 270.
    (4) ج 9 ص 135.


    وغرضه بالمسند عنه ما ذكره من انه قد روى الجوزجاني وغيره باسنادهم عن علي في امرأة المفقود تعتد أربع سنين ثم يطلقها ولي زوجها ، وتعتد بعد ذلك أربعة اشهر وعشراً فان جاء زوجها المفقود بعد ذلك خيِّر بين الصداق وبين امراته.
    وقال الزيلعي (1) : ( قلت رواه عبد الرزاق في مصنفه في كتاب الطلاق : اخبرنا محمّد بن عبيد الله العرزمي عن الحكم بن عتيبة : ان علياً قال في امرأة المفقود : هي امرأة ابتليت فلتصبر حتى يأتيها موت أو طلاق انتهى. اخبرنا معمر عن ابن ابي ليلى عن الحكم : ان علياً قال مثل ما سبق. اخبرنا ابن جريح قال : بلغني ان ابن مسعود وافق علياً على انها تنتظره أبداً. انتهى.
    ونقل المحدث النوري في المستدرك (2) عن ابن شهرآشوب في المناقب ( وروي أن الصحابة اختلفوا في امرأة المفقود فذكروا ان علياً 7 حكم بانها لا تتزوج حتى يجيء موته وقال : هي امراة ابتليت فلتصبر. وقال عمر : تتربص اربع سنين ثم يطلقها ولي زوجها ثم تتربص اربعة أشهر وعشراً. ثم رجع إلى قول علي ).
    وعلى اي حال فلا حجية للنبوي ولا للعلوي.
    فظهر أن الصحيح هو الاعتماد على ما يدل على ان الحاكم يفرق بينهما ، والظاهر أنّه على نحو الطلاق ، ولا فرق بين كونه موسراً أو معسراً ، خلافاً لصاحب الحدائق حيث فصل بينهما فحمل هذه الروايات على الموسر ووافقه بعض المتأخرين.
    __________________
    (1) نصب الراية ج 3 ص 473.
    (2) المستدرك للنوري 15 : 337 / 18430.

    التنبيه السادس : في تعارض الضررين :
    ولذلك صور عديدة تعرض لها بعض الاصوليين في المقام ونحن نتعرض لتحقيقها تبعاً رغم عدم ارتباط بعضها بهذه القاعدة ، وهي ترجع إلى صور أصلية ثلاث :
    الصورة الأُولى : ما اذا دار أمر شخص بين ضررين بالنسبة اليه بحيث لا بُدّ له من الوقوع في احدهما ، ومنشأ حدوث هذه الحالة أحد عوامل ثلاثة لانه اما ان يكون بفعل نفس المتضرر او بعامل طبيعي أو بفعل شخص آخر والفروض الثلالة تختلف بعض الشيء في حكم المسألة ـ على ما سيتضح خلال تحقيقها ـ ويتصورجميعها فيما اذا وقع شخص من السطح ودار امره بين ان يقع على أحد شيئين يستوجب تلفه ، أو ادخل شخص راس بعيره في قدر ثم تعذر اخراجه الا بتلف احدهما.
    ولهذه الصور كما ذكر فروع ثلاثة :
    الفرع الأَوّل : ان يدور الامر بين ضررين مباحين.
    والحكم التكليفي في هذه الحالة واضح اذ المفروض اباحة ارتكاب كل من الضررين تكليفاً فيبقى كل منهما على اباحته بلا اشكال فنتيجة ذلك تخيّر المكلف عقلاً في ارتكاب ايهما شاء.
    واما الحكم الوضعي ـ وهو الضمان ـ فلا معنى لتحقّقه فيما كان العامل في هذا الاضطرار نفس المكلف أو جهة طبيعية واما اذا كان العامل شخصاً آخر فاذا كان الضرران متساويين ، او كانا مختلفين ولكن ارتكب المضطر اخفهما فانه لا اشكال في ضمان الغير لما ارتكبه المضطر بخصوصه لأَن وقوعه في ذلك يستند إلى الغير ، وموضوع الضمان اعم من تحقيق الضرر مباشرة أو تسبيباً.
    واما اذا كان الضرران مختلفين وارتكب المضطر أشدّهما فها هنا وجوه :


    الأَوّل : ان يضمن الضرر الأَشد نظراً إلى ان الغير قد سبب إلى الضرر ـ حسب الفرض ـ والضرر الواقع انما هو الضرر الأَشد دون الأَخف ليكون ضامناً له ، فيكون ضامناً له لما وقع لا محالة.
    الثاني : ان يضمن الجامع بين الضررين ؛ نظراً إلى انّ الغير انما سبب إلى وقوع المضطر في احدهما ، وانما كان وقوعه في الأَشد باختيار منه لا بتسبيب من الغير فيكون ضامناً ايّاه.
    الثالث : ان يقال انه اذا كان المضطر عالماً بأشدية أحد الضررين من الآخر ، أو احتمله احتمالاً معتداً به عقلاءً فانه لا يضمنه الغير أصلاً ، واما اذا كان جاهلاً بأشدية احد الضررين أو احتمله احتمالاً ضعيفاً لا يجب الاعتناء به عقلاءً ، فان حكمه حكم صورة التساوي ويكون الغير ضامناً لما ارتكبه المضطر منهما.
    وهذا الوجه هو الصحيح وذلك لان ما سبب اليه الغير أوّلاً وبالذات انما هو أحد الضررين ، ولكن هذا العنوان الانتزاعي انما ينطبق عقلاءً على خصوص الأَخف فيما اذا كان المضطر عالماً باشدية احد الضررين ، أو محتملاً لها احتمالاً معتداً به ، فلا يكون ارتكاب الأَشد مستنداً إلى تسبيب الغير في هذه الحالة لكي يكون ضامناً له ، وهذا بخلاف ما اذا كان جاهلاً بها أو محتملاً لها احتمالاً ضعيفاً فان العنوان الانتزاتي في هذه الحالة ينطبق على ما ارتكبه المضطر منهما .. كما في حالة تساوي المحتملين ـ فيكون ضامناً لذلك.
    وتوضيح هذا المعنى بحاجة إلى الرجوع إلى كيفية تطبيق الحكم بالضمان في مورد التسبيب إلى احد الضررين ، لكي يتضح تخريج هذا الوجه في ضوء ذلك فنقول : ان التسبيب إلى أحد الضررين لا يستوجب الضمان بهذا العنوان لان عنوان الأحد عنوان انتزاعي جامع بين الضررين ،

    والحكم بالضمان في كل ضرر انما يقتضي ثبوت الضمان بالنسبة إلى كل ضررٍ ضررٍ معيناً ـ لا الاصل الجامع بين ضررين أو اكثر ـ لأَن العام ينحل بحسب الافراد المعينة دون المنتزعة ، ولا سبيل إلى الالتزام بثبوت الضمان بالنسبة إلى كلا الضررين كما هو واضح ، ولا بالنسبة إلى واحد منهما معيناً لأن نسبة الأَحد اليهما على حدّ سواء ، فتعيين واحد منهما ترجيح من غير مرجّح ، وعلى ضوء هذا : يعرض الابهام في كيفية تطبيق الحكم بالضمان على ذلك.
    وكلما طرأ الابهام في متعلق الحكم أو موضوعه من ناحية التطبيق ، فانه تدعو الحاجة إلى خطاب متمم يطبق الماهية على شيء معين ليرتفع الابهام بذلك ، ونحن نعبر عن هذا الخطاب ب‍ ( متمم الجعل التطبيقي ) تمييزاً له عن سائر انحاء متمم الجعل. وانما يعرض الابهام في مرحلة الجعل في أحد موردين :
    المورد الأَوّل : الماهيات الاعتبارية بنحو عام كالصلاة والحج والزكاة ـ على المختار فيها ـ وذلك لان المعنى الاعتباري لا ينطبق على شيء خاصّ قهراً ، بل لا بُدّ في تطبيقه من توسط اعتبار آخر ، مثلاً مجرد وجود السلام والتحية في عرف اجتماعي لا يعين عملاً خاصاً ينطبق عليه قهراً ، وهكذا وجود ( الدينار ) في القانون المالي لدولة لا يعين نقداً خاصاً يتعين انطباقه عليه كما هو واضح ، بل ذلك منوط بتطبيق الماهية الاعتبارية ممّن بيده الامر ، وذلك قد يختلف من دين إلى دين أو من مجتمع إلى مجتمع ، أو من دولة إلى دولة وهكذا ... على ما هو ملحوظ في هذه الأَمثلة.
    المورد الثاني : ان تكون هناك خطابات متعددة ( بالذات أو بالانحلال من خطاب واحد ) وفعلية كل واحد أو تنجزه مشروط بشرط ـ مشترك بينها ـ


    بالنسبة إلى موضوعها ، ففي هذه الحالة تعرض الحاجة إلى متمم الجعل مع توفر شرطين :
    احدهما : ان يتحقق المعنى المجعول شرطاً بالنسبة إلى احد الموضوعات لا بالنسبة إلى كل واحد منها لكي يصير الحكم بالنسبة اليها فعلياً أو منجزاً قهراً.
    الثاني : ان لا يمكن الالتزام بعدم فعلية شيء من الحكمين أو تنجزه للعلم بتحقق ملاك الحكم بالنسبة إلى احد الموضوعين.
    لكن كيف يمكن صيرورة احد الحكمين فعلياً أو منجزاً ـ ابتداءً ـ لان كلاً منهما مشروط بتحقق الشرط بالنسبة إلى خصوص متعلقه ولم يتحقق ذلك بالنسبة إلى شيء منهما ، فلا يكون شيء منهما فعلياً أو منجزاً في هذه الحالة دون عناية زائدة.
    وحل ذلك : ان ينشأ هنا خطاب آخر يطبق الأَحد الانتزاعي على واحد بخصوصه. وحينئذ ينحلّ الاشكال ويصير الحكم الذي طبّق الأَحد على موضوعه أو موضوع تنجزه فعلياً أومنجزاً قهراً.
    وكيفية تطبيق ذلك وضابطه انه متى كان الطرفان متساويين يطبّق الأَحد على كل منهما بشرط عدم تحقّق الآخر واذا كانا مختلفين فيطبق الأَحد على ذي المزية ـ على اختلاف بين الموارد بحسب تناسباتها لها ـ.
    ولهذا المورد تطبيقات كثيرة متعددة خلال المباحث الاصولية والفقهية.
    منها : في مورد قاعدة الاضطرار وهي ما ورد في الحديث ( وكل شيء ، اضطر اليه ابن ادم فقد احله الله ) فاذا فرضنا اضطرار المكلف بالنسبة إلىٰ أحد محرمين لم يوثر الاضطرار ابتداءً في حلية شيء منهما ، إذ خطاب الحلية إلى كل محرم محرم فان الجامع بين محرمين ليس بمحرم ، لكن حيث لا

    يمكن الالتزام بعدم تأثير الاضطرار في رفع الحرمة لحجة انه قد تعلق بالأَحد الجامع ، وهو ليس بمحرم ـ لكي يصير حلالاً ، ولم يتعلق بشيء من الطرفين فتبقى حرمة كل منهما على حالها فلا بُدّ من تعيين المضطر اليه بمتمم الجعل التطبيقي ليتأتى رفع حرمته بمعونة قاعدة الاضطرار وبموجب هذا المتمم يكون المضطر اليه في مورد التساوي احتمالاً ومحتملاً ما ارتكبه المضطر بشرط عدم سبق ارتكاب الآخر او مقارنته اياه.
    وفي مورد التفاوت يكون المضطر اليه هو الأَخف محتملاً والأَضعف احتمالاً ، وعلى هذا لا يجوز اتكاب الأَشد أو الاقوى بحجة الاضطرار إلى احدهما ـ كما يظهر من كلمات الاصوليين في تنبيهات بحث الاشتغال في الكلام على الاضطرار إلى بعض غير معين من اطراف العلم الاجمالي ـ لان الأَشد ليس بمضطر اليه كما هو واضح عقلاءً وانما مثل ارتكاب الأَشد في هذه الحالة كارتكاب الحرام فيما اضطر إلى أحد شيئين احدهما محرم والآخر مكروه.
    ومنها : في باب تزاحم الخطابين من جهة قصور القدرة عن الجمع بين امتثالهما بناء على أخذ القدرة الثابتة في موضوع الحكم في مرحلة الانشاء ، فانه حيث لا تتوفر هذه القدرة بالنسبة إلى كل من المتعلقين ، فلا يمكن الحكم بعدم توجه شيء من الخطابين ـ أيضاً ـ للزوم فوت الملاكين المعلومين باطلاق المادة أو بجهة اخرى بعد كون القدرة عقلية لا شرعية دخيلة في الملاك ، فلا بُدّ من اعتبار هذه القدرة لواحد منهما معيناً ليصير احد الحكمين فعلياً ، فاذا كانا متساويين اعتبرت القدرة لكل منهما بشرط عدم الاتيان بالآخر. واذا كانا مختلفين اعتبرت القدرة قدرة على الاهم وعلى المهم أيضاً على تقدير ترك الأَهم.
    وبناء على المختار ـ في هذا الباب ـ من أخذ القدرة التامة في موضوع


    الحكم الجزائي في مرحلة تنجز الخطاب ، ففي مورد المتساويين يحكم بكون الموضوع للحكم الجزائي هو احد الأَمرين فيكون العقاب عليه أيضاً لعدم موافقة العقلاء على تعدّد العقوبة ولا حاجة إلى اعتبار القدرة لكل واحد منهما مشروطا ، واما في المختلفين فتعتبر القدرة قدرة على الأَهم ، وعلى المهم على تقدير ترك الأَهم.
    ومنها : غير ذلك مما ذكرناه في محله ـ ولا يناسب ذكره في المقام ـ.
    ومما يندرج تحت هذا المورد الثاني : مقامنا هذا حيث ان التسبيب انما هو إلى احد الضررين بينما الحكم بالضمان منصب على التسبيب إلى كل ضرر من الاضرار معيناً.
    فكيفية تخريج الحكم بالضمان على ضوء ما ذكرنا ان يعين الأَحد بمتمم الجعل التطبيقي ، فاذا كان الضرران متساويين احتمالاً ومحتملاً ـ او ما هو في حكم التساوي كما لو كان التفاوت في مستوى من القلة والضعف لا يعتنى به عقلاءً ـ فينطبق الاحد المسبّب اليه على ما ارتكبه المضطر منهما اياً كان ويكون المسبّب ضامناً له. واما اذا كانا مختلفين اختلافاً معتداً به اما احتمالاً أومحتملاً مع علم المضطر بذلك او ما في حكمه فان الاحد حينئذٍ ينطبق على الاخف والاضعف فيكون هو الذي سبب اليه الغير فان ارتكبه المضطر ضمنه الغير واذا ارتكب الأَشد فان ارتكابه اياه لا يستند إلى تسبيب الغير عقلاءً فلا يوجب ضماناً عليه.
    وبما ذكرنا يظهر النظر في الوجه الأَوّل والثاني.
    اما الأَوّل : فلأَن الغير وان كان قد سبب إلى الضرر وكان الضرر الواقع هو الأَشد ، الا ان الضرر الذي سبب اليه الغير ليس هو الأشد لينتج ضمانه اياه ، وانما هو أحد الأَمرين المنطبق بمعونة متمم الجعل التطبيقي على الأَخف ، فلا يكون الأشد مستنداً إلى الغير أصلاً ، بل ما سبب اليه الغير لم

    يقع خارجاً ، وذلك نظير ما لو اضطر المكلّف إلى ارتكاب احد محرمين كشرب النجس والخمر ، وكان احدهما اشدّ ـ كالخمر في المثال ـ فارتكب الاشد حيث لا ترتفع عقوبته عنه لعدم كونه مضطراً اليه عقلاءً وإن كان مضطراً إلى احد الامرين وهذا واضح.
    واما الثاني : فلأَنّ احد الأمرين وان كان قد سبب اليه الغير ، الا ان الضمان لا يتعلق به كما عرفت وانما يتعلق بالضرر المعيّن ، فلا بُدّ من تطبيقه على معين بمتمم الجعل لكي يتحقق موضوع الحكم بالضمان في إثر ذلك.
    الفرع الثاني : ان يدور الامر بين ضرر مباح وآخر محرم.
    وفي هذه الحالة يكون الحكم التكليفي بعد عروض الاضطرار إلى ارتكاب احد الضررين نفس الحكم المفروض قبل عروض ذلك ـ كما في الفرع الأَوّل ـ فما كان مباحاً أولاً يكون مباحاً كذلك بعد الاضطرار ، كما أن ما كان محرماً يبقى على حرمته بعد ذلك. ولا ترتفع الحرمة أو تنجزها بالاضطرار فان الاضطرار انما يؤثّر في احدى حالتين :
    الأُولى : ان يتعلق بامر محرم.
    الثانية : ان يتعلق بأحد امرين وينطبق علىٰ المحرم بمتمم الجعل التطبيقي.
    والمقام ليس من قبيل الحالة الأولى لان احد الأَمرين ـ حتى فيما كان الامران جميعاً محرمين ـ ليس بمحرم فضلاً عما اذا كان احدهما حلالاً والآخر حراماً ، ولا من قبيل الحالة الثانية ؛ لان الاضطرار وان تعلق بأحد الامرين الا انه لا ينطبق على الحرام الذي يكون طرفه حراماً اخف من الأَوّل حرمة ـ كما اتضح مما ذكرناه في الفرع الأَوّل ـ فضلاً عما اذا كان طرفه مباحاً كما في المقام ، فالمضطر اليه هنا بمقتضى متمم الجعل انما هو خصوص المباح ، ولا مبرر لارتكاب الحرام في ذلك.


    واما الحكم الوضعي : فهو واضح فانه اذا كان الغير هو السبب للوقوع في الضرر وارتكب المضطر الضرر المباح كان الغير ضامناً له لانه المضطر اليه بمتمم الجعل التطبيقي واما اذا ارتكب المضطر الضرر المحرم فلا يكون ضامناً له لانه لم يسبب اليه الغير.
    الفرع الثالث : ان يدور الأَمر بين ضررين محرمين.
    وحينئذٍ يكون المضطر اليه في حالة التساوي ونحوه كل منهما بشرط عدم ارتكاب الآخر سابقاً أو مقارناً ، وفي حالة التفاوت ما كان اخف محتملاً واضعف احتمالاً ، وذلك بمؤونة متمم الجعل التطبيقي على ما سبق شرحه في الفرع الأَوّل.
    وعليه فبالنسبة إلى الحكم التكليفي ترتفع الحرمة عن المضطر اليه ـ بناء على ان مقتضى قاعدة الاضطرار رفع حرمة المضطر اليه ـ واما ان قلنا بان مفادها رفع تنجزها على ما قربناه في محله فتبقى الحرمة ولكن لا يُستحق العقاب بمخالفتها إلا اذا كان الاضطرار بسوء الاختيار.
    واما بالنسبة إلى الحكم الوضعي : فاذا كان الضرر بتسبيب الغير فينطبق احد الأَمرين ( المسبّب اليه ) على المضطر اليه بمتمم الجعل التطبيقي فيكون الغير ضامناً له لو ارتكبه المضطر ، واما لو ارتكب غيره كان يرتكب ما هو أقوى محتملاً فلا يكون الغير ضامناً لعدم تسبيبه اليه عقلاءً كما عرفت توضيحه.
    الصورة الثانية : ان يدور امر الضررين بشخصين عكس الصورة الأولى ، ومثاله المعروف ما اذا دخل رأس دابّة شخص في قدر شخص آخر ولم يمكن تخليصها منه الا بكسر القدر او ذبح الدابة.
    ويخرج عن محل البحث ما اذا كان مال الغير نفساً محترمة كالعبد المسلم أو ما بحكمه فان الضرر حينئذٍ يكون دائراً بين اشخاص ويتعين فيه

    اتلاف المال الآخرتحفظاً على نفس العبد.
    ولهذه الصورة أيضاً فروع ثلاثة :
    الفرع الأَوّل : ما اذا كان ذلك بفعل احد المالكين.
    وقد ذكر السيد الأَستاذ (قده) ان الحكم فيه وجوب اتلاف ماله وتخليص مال الآخر مقدمة لرده على مالكه لقاعدة اليد ولا يجوز اتلاف مال الغير ودفع مثله او قيمته إلى مالكه ، لانه متى امكن ردّ العين وجب ردّها ولا تصل النوبة إلى المثل أو القيمة والانتقال إلى المثل والقيمة انما هو بعد تعذّر العين (1).
    والتحقيق أن يقال : انه اما ان يأذن له مالك المال الآخر بايقاع الضرر المادي علىٰ ماله ولو بشرط الضمان أو لا يأذن له في ذلك.
    فعلى الأَوّل : يلحق هذا الفرع من ناحية الحكم التكليفي بالصورة. الأُولى وهو ما اذا كان الضرر يدور بين مالين لشخص واحد ، فلا بُدّ من ملاحظة ان اتلاف كل من المالين هل هو في نفسه عمل مباح فيتخير ، أو ان اتلاف احدهما مباح والاخر محرم ولو من جهة صدق الاسراف ونحوه ، فيتعين اختيار المباح ، أو ان اتلاف كل منهما محرم فيجوز ارتكاب المضطر اليه منهما وهو في المتساويين ما اختاره المضطر ، وفي المختلفين ما كان اخف محتملاً واضعف احتمالاً كما سبق بيانه ؟
    وعلى الثاني حيث لا يأذن مالك المال الآخر بايقاع الضرر على ماله ويطالب بدفع النقيصة الحاصلة من الحالة الطارئة على ماله بسبب محل الآخر.
    فان كان ايقاع الضرر على مال نفسه مباحاً فلا بُدّ من ايقاع الضرر
    __________________
    (1) لاحظ مصباح الأصول 2 : 563.


    عليه دون مال الغير وذلك لا من جهة قاعدة اليد فانه ربما لا يكون تحت يده ، بل مقدمة لدفع العيب الطارئ على مال الآخر ، ولا يجوز ايقاع الضرر الذي يتوقّف عليه التخليص بمال الغير لانه تصرف في مال الغير بغير اذنه.
    واما ان كان ايقاع الضرر على مال نفسه محرماً فيندرج في باب تزاحم الحكمين ويلحقه احكام هذا الباب.
    الفرع الثاني : ان يكون بفعل شخص ثالث غير المالكين.
    وقد ذكر السيد الاستاذ (قده) ان في مثله يتخير في اتلاف مال أيهما شاء ويضمن مثله أو قيمته لمالكه اذ بعد تعذر إيصال كلا المالين لمالكهما فعليه ايصال احدهما بخصوصه ، والآخر بماليته من المثل أو القيمة ، لعدم امكان التحفظ على كلتا الخصوصيتين. الا اذا كان التصرف في احدهما اكثر عدواناً في نظر العرف فيجب عليه اتلاف الآخر (1).
    لكن الظاهر انه لا وجه للحكم بجواز ايقاع الضرر في احد المالين مخيراً في ذلك مطلقاً بحسب الوظيفة العملية ولو بحكم العقل ، بل عليه استئذان كل من المالكين في التصرف في ماله.
    فان اذن له في ذلك احدهما دون الآخر فيتعين ايقاع الضرر على ماله وان كانت اباحته مشروطة باعطاء قيمته أو مثله أو الأَرش فلا بُدّ من بذله له.
    وان اذن له كل منهما فلا مانع له من هذه الجهة في ايقاع الضرر على أيّهما شاء.
    واما ان لم يأذن له كل منهما وطالبه برفع الحالة الطارئة الموجبة لنقص ماله ، فلا محالة يقع النزاع بينهما وبين هذا الأَجنبي فيرجع في حلّ النزاع إلى الحاكم الشرعي ، والظاهر انه ليس له الامر بايقاع الضرر على مال
    __________________
    (1) لاحظ الدراسات : 346. ومثله في مصباح الأصول 2 : 563 لكن لم يذكر فيه قوله ( إلاّ اذا كان ... ).

    احدهما بلا مرجح ، بل يرجع إلى القرعة لانها مرجح عقلائي حيث لا مرجح عند تزاحم الحقوق والرغبات كما في المقام اذ المفروض ان كلا منهما يرغب في ارجاع نفس ماله اليه على ما كانت عليه من الحالة الأَولية وقد اوضحنا ذلك في رسالة القرعة.
    واما القول بثبوت الاختيار للجاني في ايقاع الضرر على مال كل منهما اراد وضمانه ، فليس له وجه يعتمد عليه وربما يكون له غرض خاص في اتلاف مال احد المالكين كما اذا كانت البقرة في المثال حلوباً وتعلق غرض شخصي منه بذبحها.
    الفرع الثالث : ان يكون الحالة الطارئة لعامل طبيعي كالزلزلة ونحوها.
    وفي هذه الحالة : ( تارة ) لا يريد احدهما تخليص ماله كما لو قال صاحب القدر اني لا احتاج إلى القدر فعلاً ولكن الآخر أراد تخليص ماله ـ وهو البقرة ـ وحينئذٍ فللأَول ان يأذن للثاني في اتلاف ماله مع الضمان فيستقر الضمان عليه ، ولو لم يأذن له في ذلك فلا يبعد ان يجوزتكليفاً لمن يريد تخليص ماله ان يوقع الضرر في مال الآخر مع بذل الغرامة له.
    واخرى : يريد كل منهما تخليص ماله عن هذه الحالة الطارئة. وحينئذٍ اذا تراضى الطرفان في طريق رفعها بايقاع الضرر على احد المالين مع بذل غرامته ـ ولو على وجه القرعة ـ فالصلح خير ، وان لم يتراضيا بذلك فيحصل بينهما تخاصم لا بد لرفعه من الرجوع إلى الحاكم. وللحاكم بماله من السلطنة والولاية ان يرفع الخصومة بينهما بايقاع الضرر على أحد المالين ، لكن في ايقاعه على واحد معين منهما لا بُدّ من مرجح طبيعي أو جعلي :
    والأَوّل : فيما اذا كان ايقاع الضرر على أحد المالين أقل ـ من حيث زوال المالية أو تنقيصها من ايقاعه على الآخر ـ فيتعين عليه في هذه الحالة اختيار أخف الضررين تقليلاً للخسارة التي يتحملها المتخاصمان ـ على ما


    سيجيء بيانه ـ كما إذا فرض انه لو أمر بذبح البقرة فان التفاوت بين البقرة الحية والمذبوحة عشرة دنانير ، ولو أمر بكسر القدر فالخسارة خمسة دنانير ، فلا بُدّ له من الأَمر بكسر القدر دون ذبح البقرة.
    والثاني : هو الرجوع إلى القرعة في صورة تساويهما من حيث المالية لأَنها مرجع عقلائي حيث لا مرجح كما أشرنا اليه سابقاً.
    ثم إن فيمن يتحمل الخسارة الحاصلة من ايقاع الضرر على أحد المالين ـ بحسب النظر البدوي ـ احتمالات ثلاثة :
    الأَوّل : أن يتحملها من رجع ماله إلى حالته الطبيعية. وربما ينسب هذا الوجه إلى المشهور.
    والوجه فيه : ان ايقاع الضرر على مال الغير ـ باتلاف عين مال الآخر أو صفته ـ انما هو فداء لماله وتخليص له فتكون الخسارة عليه.
    وهذا مخدوش لان الحالة الطارئة الناشثة من عامل طبيعي قد طرأت على كل من المالين ، فلم يبق شيء منهما على حالته الطبيعية وبذلك نقصت قيمة كل واحد منهما ، والمفروض ان كلا من المالكين يطالب بتخليص ماله ، فتوجه الخسارة الناشئة من علاج هذه الحالة الطبيعية إلى خصوص من خلص ماله بلا مشاركة للآخر فيها ليس له اي وجه.
    الثاني : انه يتحملها كل منهما على سواء بتوهم انه مقتضى قاعدة العدل والانصاف ، فانه لا يعتبر في إجرائها التساوي في جميع الجهات ، فتكون العبرة بذات المالين لا بمقدار ماليتهما ولا بما تكون الحالة الطارئة مقتضية لحصوله من الخسارة. ففي رواية النوفلي عن السكوني ـ التي تجعل مؤيدة لتلك القاعدة ـ عن الصادق عن ابيه في رجل استودع رجلاً دينارين فاستودعه اخر ديناراً فضاع دينار منها. قال يعطى صاحب الدينارين ديناراً ،

    ويقسم الآخر بينهما نصفين مع ان احتمال كون التالف من مال صاحب الدينارين واحتمال كونه من مال صاحب الدينار ليس على سواء بل الأَوّل ضعف الثاني ، ويتضح ذلك : فيما لو فرض ان رجلاً استودع تسعة وتسعين درهماً لدى رجل واستودع الآخر درهماً واحداً وتلف احدهما عند الودعي من دون تعدّ وتفريط فان احتمال كون التالف من الأَوّل بنسبة ( 99 بالمائة ) ومن الثاني بنسبة ( 1 بالمائة ).
    والجواب عن ذلك مضافاً إلى ان الرواية غير معتبرة سنداً فان النوفلي لم يوثق ولا عبرة بكونه من رواة اخباركامل الزيارات لابن قولويه : ان قاعدة العدل والانصاف انما تقتضي الحكم بالتساوي في الخسارة مع التساوي في جميع الجهات احتمالاً ومحتملاً لا مع عدم التساوي كما في مورد الرواية ، فان المناسب ان يعطى صاحب الدرهمين درهماً وثلث وصاحب الدرهم ثلثي الدرهم كما اوضحناه في محله وسيجيء ما يقتضيه قانون العدل في المقام.
    الثالث : ان يتحملها كل منهما على حدّ سواء في صورة تساري الضررين ، وفي صورة عدم التساوي يتحملها كل واحد بالنسبة. وقد اختاره السيد الاستاذ (قده) وعلل تقسيم الضرر بينهما بقاعدة العدل والانصاف الثابتة عند العقلاء وأضاف : انه يؤيدها ما ورد فيمن تلف عنده درهم مردد بين ان يكون ممّن اودع عنده درهمين ومن اودع عنده درهماً واحداً من الحكم باعطاء درهم ونصف لصاحب الدرهمين ونصف درهم لصاحب الدرهم الواحد فانه لا يستقيم إلا على ما ذكرناه من قاعدة العدل والانصاف ) (1).
    وفي هذا التقريب جهات من البحث :
    __________________
    (1) لاحظ الدراسات : 347 ( وفي مصباح الأصول 2 : 564 ) أحال إلىٰ ما تقدّم في بحث القطع.


    1 ـ الأُولى : انه لا يصحّ جعل مقتضى قاعدة العدل والانصاف في مورد تلف الدرهم في يد الودعي التنصيف ، ولم يستقر على الحكم بالتنصيف بناء من العقلاء بل مقتضى العدل عندهم اعطاء صاحب الدرهمين درهماً وثلث درهم واعطاء صاحب الدرهم ثلثي الدرهم ـ كما أشرنا اليه هنا وفصلناه في مبحث القطع ـ واما الرواية فهي على تقدير تمامية سندها ، انما تشتمل على حكم تعبدي غير موافق للقاعدة مع انه غير تام من جهة عدم ثبوت وثاقة النوفلي كما مر.
    2 ـ الثانية : ان ما ذكره هو في تقريب القاعدة ـ في مبحث القطع ـ لا يأتي في المقام فانه قال : ان هذه القاعدة مبنية على تقديم الموافقة القطعية في الجملة مع المخالفة القطعية كذلك ـ على الموافقة الاحتمالية ـ في تمام المال فانه لو أعطى تمام المال ـ في هذه الموارد ـ لاحدهما القرعة مثلاً احتمل وصول تمام المال إلى مالكه ، ويحتمل عدم وصول شيء منه اليه بخلاف التنصيف فانه يعلم وصول بعض المال إلى مالكه جزماً ولا يصل اليه بعضه الآخر كذلك ، فيكون التنصيف مقدمة لوصول بعض المال إلى مالكه ، ويكون من قبيل صرف مقدار من المال مقدمة لايصاله إلى مالكه الغائب حسبة ، الا انه من باب المقدّمة الوجودية والمقام من قبيل المقدّمة العلمية (1).
    ووجه عدم جريانه في المقام واضح ، اذ ليس ، هنا مال مردد بين الشخصين حتى يكون التقسيم بالنسبة مقدمة لايصاله إلى مالكه من باب المقدّمة العلمية بل الكلام في ان الخسارة الواقعة على احد المالين لا بُدّ وأن تقسم بينهما بالنسبة ، فهذا غير داخل في القاعدة على التقريب الذي ذكره
    __________________
    (1) لاحظ مصباح الأصول 2 : 62.

    لها.
    3 ـ الثالثة : انه بنفسه قد انكر ثبوت القاعدة في محل آخر وناقش في التقريب الذي سبق عنه حيث قال ( ان القاعدة في نفسها غير تامة اذ لم يثبت بناء ولا سيرة من العقلاء على ذلك حتى تكون ممضاة لدى الشارع اللهم الا اذا تصالحا وتراضيا على التقسيم على وجه التنصيف فانه أمر آخر ، وإلاّ فجريان السيرة على ذلك بالتعبد من العقلاء أو الشارع استناداً إلى ما يسمى بقاعدة العدل والانصاف لا أساس له ، وان كان التعبير حسناً اذ لم يقم اي دليل على جواز ايصال مقدار من المال إلى غير مالكه مقدمة للعلم بوصول المقدار الآخر إلى المالك ، نعم في المقدّمة الوجودية ثبت ذلك حسبة واما العلمية فكلا ، فقياس احدى المقدمتين بالاخرى قياس مع الفارق الظاهر كما لايحفى ) (1).
    والصحيح في تقريب المدعى ان يقال :
    ان الحالة الطارئة بسبب طبيعي على كل من المالين لما أوجبت نقصاً في مالية كل واحد منهما ، اذ ليست قيمة البقرة بعد دخول رأسها في القدر متساوية مع قيمتها بدون ذلك ولا القدر الذي فيه راس البقرة تساوي قيمته لو لم يكن كذلك وارجاع كل منهما إلى حالته الطبيعية غير ممكن وارجاع أحدهما اليها يستلزم ايقاع الضرر بالنسبة إلى الآخر والمفروض لزوم ايقاعه على ما هو اقل قيمة ، فحينئذٍ يكون النقصان الموجب لزوال ماليته أو نقصانه مسبباً عن الحالتين غير الطبيعيتين الطارئتين على كل منهما.
    فلا بُدّ من ملاحظة ان الخسارة الحاصلة باية نسبة معلولة لحصول تلك الحالة في القدر وبأية نسبة معلولة لحصولها في البقرة ، وبحكم العقلاء يكون ثلثا الخسارة على صاحب البقرة وثلثها على صاحب القدر ، على ما
    __________________
    (1) لاحظ مستند العروة ـ كتاب الخمس : 147.


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3292
    نقاط : 4979
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    قاعدة لا ضرر ولا ضرار Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قاعدة لا ضرر ولا ضرار   قاعدة لا ضرر ولا ضرار Emptyأمس في 7:49

    فرضناه سابقاً من ان التفاوت بين البقرة في حالتها الطبيعية وبين البقرة المذبوحة هو عشرة دنانير والتفاوت بين القدر على حاله الطبيعي والقدر المكسور خمسة دنانير ، فالحالة الطارئة عليهما التي تدعو إلى ايجاد ما يوجب الخسارة المالية بأدنى مستوياتها الممكنة يقتضي تقسيم الخسارة على المالين بملاحظة النسبة بين الضررين لو فرض وقوع الضرر مع كل منهما.
    ونظير المقام ما قاله بعض المحققين في مسألة ان المؤونة التي أنفقت على الغنيمة بعد حصولها بحفظ ورعي وجمع وغيرها هل تقدّم على الخمس أم لا ؟ قال بان تقديم الخمس على المؤن مخالف للعدل. وربما أورد عليه بانه لم يعلم في قواعد الفقه قاعدة تسمى بقاعدة العدل وانما ذلك يشبه الاستحسان الذي هو من مبادئ فقه الحنفية ، وقد اجيب عنه بان قاعدة العدل من اعظم قواعد الفقه وان لم تكن معنونة في ابوابه كسائر القواعد ويستدل لها من الكتاب بقوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ) (1) ولا ريب ان من العدل ان تكون مؤونة المملوك على مالكه ومن البغي ان تحمل مؤونته على غير مالكه.
    والظاهر انه لا ينبغي الاشكال في أصل القاعدة كما دلت عليه الآيات الشريفة كقوله : ( وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) (2) وقوله تعالىٰ : ( وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ) (3) الا ان البحث يقع في أساسه وضابطه الكلي وقد أوضحنا بعض القول فيه في بعض المباحث الاصولية.
    الصورة الثالثة : فيما اذا دار الامر بين تضرر شخص والاضرار بالغير
    __________________
    (1) النحل 16 / 90.
    (2) النساء 4 / 58.
    (3) الشورى 42 / 15.

    من جهة التصرف في ملكه تصرفاً يضر بجاره ـ مثلاً ـ وقد طرح المحقق النائيني البحث في هذه الصورة حول ان قاعدة السلطنة هل هي محكومة مطلقاً بقاعدة ( لا ضرر ) أو فيما لم يلزم من عدم السلطنة ضرر عليه ؟ واما اذا لزم فلا تكون محكومة لها بل تكون قاعدة السلطنة هي المرجع (1). وربما يعد منع المالك أي تصرف ضرراً عليه ولو كان مضراً بجاره كما سيأتي عن الشيخ الانصاري ، وهو غير تام.
    واياً كان فينبغي تعميم البحث لما اذا لزم من عدم تصرفه ضررٌ على المالك وما اذا لزم منه فوت مصلحة بل الاعم من ذلك ايضاً.
    والتعرض لهذه المسألة في غاية الاهمية لكثرة الابتلاء بها وسعة حدودها.
    ومنشأ تفصيل القول فيها في كلمات المتأخرين في الفقه ما ذكره الفاضل السبزواري في كتاب الكفاية ، حيث نقل عن الاصحاب جواز تصرفات المالك في ملكه مطلقاً ثم تامل فيه وصار كلامه مورداً للبحث عندهم ، قال (قده) (2) ( المعروف من مذهب الاصحاب ان ما ذكر في الحريم للبئر والعين والحائط والدار مخصوص بما اذا كان الاحياء في الموات فيختص الحريم بالموات واما الاملاك فلا يعتبر الحريم فيها لأن الاملاك متعارضة وكل واحد من الملاك مسلط على ماله له التصرف فيه كيف شاء قالوا فله أن يحفر بئراً في ملكه وان كان لجاره بئر قريب منها وان نقص ماء الأولى وان ذلك مكروه. قالوا : حتى لو حفر في ملكه بالوعة وفسد بئر الجار لم يمنع عنه ولا ضمان عليه ، ومثله ما لو أعد داره المحفوف بالمسكن حماماً أو خاناً أو
    __________________
    (1) لاحظ تقربرات متن رسالة لا ضرر : 224.
    (2) الكفاية : 241 ( تذنيب ).


    طاحونة أو حانوت حداد أو قصار لان له التصرف في ملكه كيف شاء.
    ويشكل هذا الحكم في صورة تضرر الجار تضرراً فاحشاً نظراً إلى ما تضمنته الاخبار المذكورة من نفي الضرر والاضرار وهو الحديث المعمول به من الخاصة والعامة المستفيض بينهم خصوصاً ما تضمنته الأَخبار المذكورة من نفي الاضرار الواقع في ملك المضار. وفي المسالك نعم له منع ما يضر بحائطه من البئر والشجر ولو لمرور اصلها اليه والضرر المؤدّي إلى ضرر الحائط ونحو ذلك.
    وقد تعرض لهذا الكلام صاحب الرياض (1) وناقش فيه وفصل القول فيه صاحب مفتاح الكرامة (2) وأشار إلى كلامهما الشيخ الأَنصاري (قده) في الرسائل (3).
    ونحن نقتصر على نقل كلامين في الموضوع كلاماً لصاحب الجواهر وكلاماً للشيخ الانصاري :
    قال الاول (4) ( وبالجملة فالغرض ان المسألة لم يكن فيها اجماع محقق على جهة الاطلاق. فيمكن ان يقال بمنع التصرف في ماله على وجه يترتب عليه الضرر في مال الغير ، مثلاً بتوليدية فعله ، بحيث يكون له فعل وتصرف في مال الغير واتلاف له يتولد من فعله فعل في مال الغير ، لا تلف خاصة بلا فعل منه ، وخصوصاً مع زيادته بفعله عمّا يحتاج اليه وغلبة ظنه بالسراية ، وقاعدة التسلط على المال لا تقتضي جواز ذلك ، ولا رفع الضمان الحاصل بتوليد فعله.
    __________________
    (1) الرياض 2 : 320.
    (2) مفتاح الكرامة 7 : 22 ـ 23.
    (3) الرسائل 2 : 538 ـ 539.
    (4) الجواهر ط القديم 6 : 185 وط الحديث 38 : 52.

    ( نعم ) لو كان تصرفه في ماله لا توليد فيه على الوجه المزبور وان حصل الضرر مقارناً لذلك لم يمنع منه ).
    وقال الشيخ الانصاري : ( الاوفق بالقواعد تقدّم المالك لان حجر المالك في التصرف في ماله ضرر يعارض بذلك ضرر الغير فيرجع إلى عموم قاعدة السلطنة ونفي الحرج ).
    ولتوضيح القول فيه لا بد من ذكر أمور :
    الأَمر الأَوّل : في انه هل هناك ما يدل على جواز تصرفات المالك في ملكه مطلقاً لكي نحتاج في رفع اليد عنه لما يدل على خلافه ويكون مقدماً عليه أم لا ؟
    وما يمكن ان يستدلّ به وجهان :
    الوجه الأَوّل : ما ينسب إلى النبي 9 ( الناس مسلطون على اموالهم ) وقد وصفه في مفتاح الكرامة بانه ( المعمول عليه بين المسلمين ) وقال : بل هو متواتر وأخبار الاضرار على ضعف بعضها وعدم مكافئتها لهذه الادلة يحمل على ما اذا كان لا غرض له إلا ( الاضرار ) (1) واطلاقه يدل على ان للمالك ان يتصرف في ماله بايّ تصرف ولو كان مضّراً بجاره.
    ويمكن المناقشة فيه من جهتين :
    الأُولى : انه خبر ضعيف غير مجبور بعمل الاصحاب فانه لم يرد في جوامعنا الحديثية الا في كتاب البحار (2) واما في الكتب الفقهية فقد ذكره الشيخ في الخلاف (3) وربما يوجد في بعض مصنفات العلامة ولعل صاحب
    __________________
    (1) مفتاح الكرامة : 7 / 22.
    (2) بحار الانوار 2 : 272 / 7.
    (3) الخلاف 3 : 176 ـ 177 ذيل المسألة 290.


    عوالي اللآلي قد اخذه منها ويوجد في كلام المحقق الثاني غيره التعبير بمضمونه من دون الاشارة إلى انه رواية ، واما في كتب الحديث للعامة فالظاهر انه غير موجود في كتبهم المشهورة ، كما يعلم بملاحظة المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي ومفتاح كنوز السنة ، نعم لا يبعد وجوده في بعض كتبهم الحديثية غير المعروفة ، فما وصفه به في مفتاح الكرامة لا يخلو عن المبلغة.
    الثانية : ان مفاد هذا الكلام ليس ازيد من عدم محجورية المالك في تصرفاته في امواله بحيث يحتاج إلى استئذان من غيره ، وليس في مقام بيان الجواز التكليفي والوضعي بالنسبة إلى جميع انواع التصرفات حتى في حال الاضرار بالغير ولو شك في كونه في مقام البيان من هذه الجهة مضافاً إلى الجهة الاخرى فلا ، أصل يحكم بذلك كما قرر في علم الاصول.
    الوجه الثاني : ان يقال ان اعتبار شيء مملوكاً لاحد بملكية تامة يندمج فيه جواز مطلق التصرفات فيه تكليفاً ووضعاً ، على ما هو التحقيق من ان الأَحكام الوضعية ـ كالملكية ـ مشتملة على نحو الاندماج على ما يناسبها من الأحكام التكليفية ، والمرتكز لدى العقلاء ان المندمج في الملكية مطلق جواز التصرفات كما يشير إلى ذلك ما جاء عن بعض مخالفي هود 7 من قوله تعالى : ( أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ... ) الخ (1).
    ويرد عليه : ان ما يندمج في اعتبار الملكية التامة ليس جواز مطلق التصرفات بل هو جواز التصرفات في الجملة ـ كما يؤكد ذلك ما ذكره بعض
    __________________
    (1) هود 11 / 87.

    اهل القانون (1).
    الأَمر الثاني : في انه لو فرض وجود اطلاق لدليل سلطنة المالك بالنسبة إلى التصرفات التي يصدق عليها انها اضرار بالنسبة إلى جاره ، فهل ما يدل على حرمة الاضرار بالغير يكون مقدماً على الاطلاق المفروض ؟ لاسيما فيما إذا فرض أن من عدم التصرف المفروض يلزم ضرر على المالك ؟
    __________________
    (1) ففي مصادر الحق في الفقه الاسلامي للدكتور عبد الرزاق السنهوري ( ج 1 ص 31 تحت عنوان الملك التام ) بعد أن نقل ان المادة 11 من مرشد الحيران عرفته على الوجه الآتي : ( الملك التام من شأنه أن يتصرف به المالك تصرفاً مطلقاً فيما يملكه عيناً ومنفعة واستغلالاً فينتفع بالعين المملوكة وبغلتها وثمارها ونتاجها ويتصرف في عينها بجميع التصرفات الجائزة ) واستنتج منه ان عناصر حق الملك في الفقه الاسلامي كما عن الفقه الغربي ثلاثة عددها ـ قال بعد ذلك : ( وليس حق المادة مطلقاً كما توهم عبارة مرشد الحيران ، بل هو حق مقيد بوجوب عدم الاضرار بالجار وقد ورد هذا القيد في نصوص مرشد الحيران ذاتها فنصّت المادة 57 على ان ( للمالك ان يتصرف كيف شاء في خالص ملكه الذي ليس للغير حقّ فيه فيعلي حائطه ويبني ما يريده ما لم يكن تصرفه مضرّاً بالجار ضرراً فاحشاً ) وعرفت المادة 59 الضرر الفاحش بانه ( ما يكون سبباً لوهن البناء أو هدمه أو يمنع الحوائج الأصلية أي المنافع المقصودة من البناء ، واما ما يمنع المنافع التي ليست من الحوائج الاصلية فليست بضرر فاحش ) وبيّنت المادة 60 حكم الضرر الفاحش فقالت : يزال الضرر الفاحش سواء كان قديماً أو حادثاً.
    وقال في الوسيط ( ج 8 ص 557 ) في مادة 341 تحت عنوان ( أعمال سلبية من المالك ) ، الأمثلة كثيرة على الأَعمال السلبية التي تقتضي من المالك حتى يقوم بما للملكية من وظيفة اجتماعية وذكر في عداد بعض الأَمثلة : 1 ـ يجب على المالك أن يمتنع عن استعمال ملكه بحيث يضرّ بالجار ضرراً فاحشاً واذا جاز للمالك أن يطلب من جاره ان يتحمل مضار الجوار المألوفة فليس له أن يحمله المضار غير المألوفة للجوار ، وفي هذا المعنى تقول المادّة 807 مدني ( 1 ـ على المالك إلا يغلو في استعماله حقه إلى حدّ يضرّ بملك الجار. 2 ـ وليس للجار ان يرجع على جاره في مضارّ الجوار المألوفة التي لا يمكن تجنبها وإنما له ان يطلب ازالة هذه المضارّ اذا تجاوزت الحد المألوف على أن يراعي في ذلك العرف وطبيعة العقارات وموقع كل منها بالنسبة إلى الآخر ، والغرض الذي خصّصت له ... الخ ما ذكره ).


    فيمكن أن يقال ان أدلة حرمة الاضرار كمقطع ( لا ضرار ) مقدمة على اطلاق دليل السلطنة وإن كان بينهما عموم من وجه ، لأنّ الاضرار من العناوين الثانوية وما يدل على الحرمة بالعنوان الثانوي مقدم على ما يدل على الجواز بالعنوان الأولي.
    ولكن قد يمنع من صحة التمسك به في المقام بأحد تقريرين :
    التقرير الأوّل : انه فيما اذا كان ترك الاضرار بالغير ضرراً على المالك يكون قوله ( لا ضرر ) حاكماً على دليل حرمة الاضرار ، لانه متقدم بالحكومة التضييقية على كل حكم ولو كان حكماً بالعنوان الثانوي.
    ويمكن الجواب عنه بوجهين :
    أحدهما : انه لا يعقل حكومة ( لا ضرر ) على ( لا ضرار ) من جهة ان معنى حكومته عليه حلية الاضرار وارتفاع الحرمة وحيث ان كلا من الحرمة وانتفائها ضرري ، فان في وجود الحرمة ضرراً على المالك وفي انتفائها ضرراً على الجار ، وقد سبق ان ( لا ضرر ) كما انه حاكم على الاحكام الوجودية فكذلك هو حاكم على الأحكام العدمية ، فيستحيل حكومته عليهما لانه يلزم منه ارتفاع النقيضين وحكومته على احدهما ترجيح بلا مرجح.
    وثانيهما : ان في قضية سمرة بن جندب لوحظ أوّلاً ( لا ضرر ) الدال على نفي استحقاق دخول سمرة في دار الانصاري بلا استئذان وعدم ترتب ذلك على حقّ الاستطراق ، ثم رتّب عليه حرية الاضرار بعد تحقّق صغراها ـ بملاحظة ان الدخول بغير استئذان من غير حق اضرار بحق الأنصاري ـ وعليه ف‍ ( لا ضرار ) في الرتبة المتأخرة عن ( لا ضرر ) فلا يكون حاكما عليه لكن في هذا الوجه تأمّل.
    التقرير الثاني : ما يظهر من كلام السيد الاستاذ (قده) من عدم اطلاق

    لقوله ( لا ضرر ) يشمل به مثل المقام (1) وذلك بأحد وجهين :
    احدهما : ان مقتضى الفقرة الأُولى عدم حرمة التصرف لكونه ضرراً على المالك ، ومقتضى الفقرة الثانية ـ وهي ( لا ضرار ) حرمة الاضرار بالغير على ما تقدّم بيانه ، فيقع التعارض بين الصدر والذيل فلا يمكن العمل باحدى الفقرتين.
    ويرد عليه : انه ان قلنا بان ( لا ضرر ) حاكم على الأَحكام الوجودية كحرمة الاضرار المفادة ب‍ ( لا ضرار ) فقط فلا معارضة بين الصدر والذيل لانه لا معارضة بين الدليل الحاكم والمحكوم ، ونتيجة ذلك الحكم بجواز التصرف المفروض لسقوط ( لا ضرار ) بكونه محكوماً. وان قلنا بانه حاكم على الأَحكام الوجودية والعدمية كما هو المختار فحيث انه لا يعقل حكومة ( لا ضرر ) على ( لا ضرار ) في المقام على ما تقدّم فلا مانع من التمسك بالفقرة الثانية ، وقد وافق هو على هذا المبنى ـ من حكومة لا ضرر بالنسبة إلى الاحكام العدمية ـ إلا انه ذكر انه لم يجد مثالاً يثبت فيه حكم بواسطة لا ضرر بنفي الحكم الوارد من جهة قاعدة ( لا ضرار ) وما ذكرنا لا يقتضي اثبات حكم بلا ضرر حتى يقال بان لسان ( لا ضرار ) هو لسان النفي لا لسان الإثبات بل إبقاء ( لا ضرار ) بلا حاكم عليه.
    والوجه الثاني : ان حديث ( لا ضرر ) لا يشمل المقام لا صدراً ولا ذيلاً ، لكونه وارداً مورد الامتنان على الامة الاسلامية فلا يشمل مورداً يكون شموله له منافياً للامتنان ومن المعلوم ان حرمة التصرف في الملك بما يضر بالجار مخالف للامتنان على المالك ، والترخيص فيه خلاف الامتنان على الجار ، فلا يكون شيء منهما مشمولاً لحديث ( لا ضرر ). ثم قال ( وبما ذكرناه يظهر انه لا يمكن التمسك بحديث ( لا ضرر ) فيما كان ترك التصرف
    __________________
    (1) لاحظ مصباح الأصول 2 / 566.


    موجباً لفوات المنفعة وان لم يكن ضرراً عليه. لان منع المالك عن الانتفاع بملكه أيضاً مخالف للامتنان فلا يكون مشمولاً لحديث ( لا ضرر ) فلا يمكن التمسك بحديث ( لا ضرر ) في المقام أصلاً بل لا بُدّ من الرجوع إلى غيره.
    فان كان هناك عموم أو اطلاق دل على جواز تصرف المالك في ملكه حتى في مثل المقام يؤخذ به ويحكم بجواز التصرف ، والا فيرجع إلى الأَصل العملي وهو في المقام اصالة البراءة عن الحرمة فيحكم بجواز التصرف.
    ثم قال ( وبما ذكرناه ظهر الحكم فيما اذا كان التصرف في مال الغير موجباً للضرر على الغير وتركه موجباً للضرر على المتصرف ، فيجري فيه الكلام السابق من عدم جواز الرجوع إلى حديث ( لا ضرر ) ، لكونه وارداً مورد الامتنان فيرجع إلى عموم ادلة حرمة التصرف في مال الغير كقوله 7 ( لا يحل مال امرئ الا بطيب نفسه ) وغيره من ادلة حرمة التصرف في مال الغير ويحكم بحرمة التصرف.
    ويرد عليه :
    أوّلاً : ان المسلم انما هو ملاحظة جهة الامتنان في هذا الحديث في الجملة ـ ولو على نحو الحكمة ـ لا على نحو العلّة حتى يكون مخصّصاً له بصورة الامتنان ، فانه ليس في شيء من ادلتها ما يدل على ذلك أو ما يمنع عن الأَخذ بالاطلاق. وقضية سمرة بن جندب انما تدل على ان النبي 9 كان بصدد تمييز الحقوق وايصال ذي الحق إلى حقّه بالصرامة التي تقتضيها مرحلة القضاء أو التنفيذ.
    وثانياً : ان البيان المذكور يقتضي قصور ( لا ضرر ) عن شمول كل من حرمة الاضرار وجوازه ، ونتيجة ذلك انه لا يصلح للحكومة على ، ( لا ضرار ) فيبقى ( لا ضرار ) بلا حاكم عليه كما ذكرناه أوّلاً ، ومعه لا وجه للرجوع إلى ما دل على جواز التصرف في ماله لو فرض شموله للمقام ، لان الجواز هنا

    جواز اقتضائي فلا ينافي ما دل على الحرمة ، كما لا وجه للرجوع إلى البراءة ايضاً.
    وثالثاً : انه على تقدير قصور ( لا ضرار ) فيمكن الرجوع إلى غيره من الادلة الدالة على حرمة مال الغير ، فان الاضرار بالغير اما ان يكون بالتصرف الحقيقي في ماله ولو على نحو التوليد ، كوهن الحائط بسريان الرطوبة ، واما ان يكون بالتصرف الحكمي فيه كما لو بنى معمل دباغة أو حدادة في منطقة سكنية مما يوجب عدم قابلية الدور المجاورة للسكنى ، وفي كلتا الصورتين يكون المالك بعمله هذا قد ألغى احترام مال الغير وان نوقش في صدق التصرف الذي هو بمعنى التغيير والتبديل خصوصاً في القسم الاخير ، فيأتي في المقام ما يدل على حرمة مال الغير بدون تقييده بعنوان التصرف. كما في قوله : ( لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفسه ) وقوله : ( وحرمة ماله كحرمة دمه ).
    ولا يعارضها أيضاً ما دل على جواز التصرف في ماله كما لا تجري اصالة البراءة كما تقدم.
    الأَمر الثالث : في انه هل يمكن ادعاء انه اذا لزم من ترك التصرف ضرر على المالك فترتفع حرمة الاضرار بقاعده رفع المضطر اليه أم لا ؟
    الظاهر هو الثاني لوجهين :
    الأَوّل : ان وصول مطلق الضرر على المالك لا يوجب صدق الاضطرار على الاضرار بالغير ، بل مفهوم الاضطرار يختص بما اذا وقع الشخص في الضيق ولا مهرب له إلا ارتكاب المحرم ، مثل هلاك النفس وما يلحق به ، أو قل انه يختص بمورد الضرورة التي تجوز ارتكاب المحرمات.


    فاذا وصل إلى هذا الحد فلا اشكال في الجواز التكليفي.
    الوجه الثاني : ان حديث الرفع بقرينة قوله ( عن امتي ) ظاهر في كون الرفع امتناناً على الامة فلا يصلح لرفع ما يكون في رفعه خلاف المنة بالنسبة إلى بعض الامة.
    الامر الرابع : في ان دليل الحرج هل يقتضي جواز التصرف في مال النفس بما يوجب الضرر المالي على الغير أم لا ؟
    فقد يقال : انه يقتضي ذلك لان حجر المالك عن الانتفاع بما له حرج عليه ، فيرتفع بدليل نفي الحرج.
    ويرد عليه :
    أوّلاً : ان الحرج المنفي إنما هو بمعنى المشقة التي لا تتحمل عادة لا مطلق الكلفة ، والا لاقتضى ارتفاع مطلق التكاليف. ومن المعلوم ان منع المالك عن التصرف في ماله خصوصاً اذا كان فيه إضرار فاحش بالغير لا يكون حرجياً عليه مطلقاً بل قد يكون وقد لا يكون.
    وثانياً : إن اجراء لا حرج بالنسبة اليه معارض باجرائه في ناحية الجار فان جواز التصرف للمالك في ماله على نحو يوجب الضرر الفاحش في مال الجار حرجي عليه ، كما اوضحنا ذلك في بحث التقية.
    وبما ذكرنا يظهر ان مقتضى القواعد. حرمة الاضرار بالغير وان كان التصرف في مال نفسه.
    نعم ، إذا كان عدم التصرف الخاص في ماله مولداً للضرر الذي يحرم ايقاعه على نفسه فالظاهر عدم الحرمة من جهة صدق الاضطرار لو كان ، والا تزاحمت الحرمتان فلا بُدّ من ملاحظة الأَهمّ والمهمّ.
    وفي كل مورد حكمنا بالترخيص التكليفي ، فان كان الضرر عليه مما


    يكون له ضمان فيحكم بالضمان ولا يمكن رفعه بحديث ( لا ضرر ) اما لانّه في مقام الامتنان أو لان الحكم بالضمان بطبعه ضرري و ( لا ضرر ) لا يرفع مثل ذلك. هذا تمام الكلام في قاعدة ( لا ضرر ).
    والحمد لله رب العالمين.


    فهرس الكتاب
    تمهيد : 9
    الفصل الأول ، وفيه بحثان 11
    البحث الأَوّل في ذكر قضايا ( لا ضرر ) وتحقيقها 11
    1 ـ قضية سمرة بن جندب 11
    ( رواية ابن بكير ) عن زرارة نقلت بصورتين : 13
    الصورة الأولى : ما نقله الكليني في باب الضرار 13
    الصورة الثانية :ما نقله الصدوق في الفقيه 15
    ( رواية ابن مسكان ) عنه فقد أوردها الكليني ايضاً 16
    2 ـ حديث الشفعة : رواه المشايخ الثلاثة : 25
    1 ـ رواه الكليني ، عن محمّد بن يحيىٰ 25
    2 ـ رواه الشيخ في التهذيب باسناده عن محمّد بن يحيىٰ 26
    3 ـ رواه الصدوق باسناده عن عقبة بن خالد 26
    تحقيق الكلام في هذا الرواية يقع ضمن جهات : 27
    الجهة الأولىٰ : في سندها 27
    الجهة الثانية : في التجبار ضعف سندها 28
    الجهة الثالثة : وهي عمدة ركز عليه في كلماتهم 29

    تحقيق ظهور الرواية وملاحظة القرائن الخارجية فيه بحثان : 31
    البحث الأَوّل : في الارتباط بين الحكم بثبوت الشفعة للشركاء وبين كبرى لا ضرر ولا ضرار وفيه نقطتان : 31
    النقطة الأُولى : في تعيين فاعل ( قال ) في جملة ( وقال لا ضرر ولاضرار ) 31
    النقطة الثانية : ينبغي البحث هل ان الجمع بين رواية ( لا ضرر ولاضرار ) وبين ( رواية الشفعة ) من قبيل الجمع في الرواية أو في المروي 33
    البحث الثاني : هل هناك قرائن خارجيّة توجب رفع اليد عن الظهور وفيه قولان 35
    ما يمكن أن يستشهد به للقول الأول فوجوه 36
    الوجه الأَوّل : ما ذكره العلامة شيخ الشريعة في رسالته 36
    عما يقتضيه الموقف في الحكم بين حديث عبادة بن الصامت وبين حديث عقبة بن خالـد 39
    الجهة الأُولىٰ : في اعتبار حديث عبادة وعدمه ، وفيه أمور : 39
    الأمر الأَوّل : أنه لو ثبت وثاقة عبادة بن الصامت فلا طريق لنا لاثبات وثاقة غيره 39
    الأمر الثاني : أن هذا الحديث لم تثبت صحنه حتىٰ عن العامة الذين رووه 39
    الأمر الثالث : أن ما ذكره شيخ الشريعة (قده) من معروفة أقضية النبي 9 39
    الجهة الثانية : في اللمقارنة بين حديث عبادة بن الصامت وحديث عقبة بن خالد 41
    الوجه الثاني : ما افاده المحقق النائيني (قده) من انه لو كان لا ضرر ولا ضرار من تتمة قضية أُخرى 44
    الرد على ما ذكر المحقق النائيني 1 44
    أوّلاً : انه لم يثبت كون هذا القضاء من أشهر قضاياه 9 44


    ثانياً : إن ما ذكره (ره) مبني على أن عقبة بن خالد قد روى جميع أقضية النبي 45
    وثالثاً : أن كون ( لا ضرر ) قضاءاً لا ينافي وقوعه في ضمن مورد خاص 45
    الوجه الثالث : ما أشار إليه المحقق النائنني (قده) وأوضحه السيد الاستاذ 1 46
    يلاحظ على ما أشار اليه المحقق النائيني 47
    أولاً : إن ايراد هذه القاعدة بعد حديث الشفعة باعتبار تناسب الجملة الثانية 47
    ثانياً : إن مراجع الوجه المذكور إلى انه لمّا كان المختار في معنىٰ ( لا ضرر ) هو نفي الحكم 47
    ثالثاً : انه لو فرضنا ان قوله ( لا ضرر ) في قضية سمرة مثلاً بمعنى نفي الحكم 48
    الوجه الرابع : ما أفاده المحقق النائيني 1 من أن الترابط بين لا ضرر وبين جعل حق الشفعة بلحاظين 48
    بطلان كلا اللحاظين 48
    أما الأَوّل : فلأن الضرر اذا كان علة للحكم بثبوت حق الشفعة 48
    وأما الثاني : فلأن وقوع الضرر على الشريك أمر اتفاقي 49
    ويلاحظ عليه أوّلاً : ان ما ذكر منعدم علّية ترتب الضرر بأن تمام الموضوع للحكم 49
    وثانياً :إن لحاظ دفع الضرر حكمة لتشريع حق الشفعة 51
    وثالثاً : ان اعتبار ( لا ضرر ولا ضرار ) حكمة للحكم بثبوت الشفعة 51
    3 ـ حديث منع فضل الماء : رواه الكليني عن محمّد بن يحيى 52
    الكلام في هذا الحديث في جهات 53
    الجهة الأُولى : في سنده ، وهو ضعيف على غرار ما تقدم 53
    الجهة الثانية : في شرح مفادها اجمالاً 53
    المراد من قوله 9 : ( لا يمنع فضل ماء ليمنع به

    فضل كلأ ) وجوه : 53
    الوجه الأول : إن الأَعراب لمّا كانوا ينزلون إلى الماء والكلأ كانت طائفة منهم تأتي إلى الماء لحاجتها 54
    الوجه الثاني : إن المراد أن اصحاب الماء لو منعوا فضل مائِهم منعهم الله من الكلأ 54
    الوجه الثالث : إن المراد أنه لا يمنع قوم فضل مائهم عن الرعاة 54
    الوجه الرابع : إن المراد أنه لا يمنع قوم فضل الماء المباح عن الرعاة 55
    الجهة الثالثة : في ارتباط النهي عن منع فضل الماء بقوله ( لا ضرر ولاضرار ) 56
    هناك وجهان ذكرت كقرائن خارجيّة على عدم ارتباط بين حديث منع فضل الماء وقوله ( لا ضرر ولا ضرار ) 57

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3292
    نقاط : 4979
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    قاعدة لا ضرر ولا ضرار Empty
    مُساهمةموضوع: رد: قاعدة لا ضرر ولا ضرار   قاعدة لا ضرر ولا ضرار Emptyأمس في 7:51

    أولهما : ما ذكره العلاّمة شيخ الشريعة (قده) 57
    ثانيهما : ما أفاده المحقق النائيني (قده) 57
    فهناك وجهان آخران قد يستدلّ بهما لهذا المدعى في خصوص المقام وهما : 58
    الوجه الأَوّل : ان حديث منع فضل الماء مذكور في بعض روايات الخاصة 58
    الوجه الثاني : إن مضمون حديث منع فضل الماء يأبى عن الالتزام بالترابط بينه وبين قله ( لا ضرر ولاضرار ) وذلك من جهتين 59
    الأُولى : إن منع المالك فضل ماله عن الغير لا يعدّ ضرراً 59
    الثانية : ان النهي في مورد الحديث تنزيهي قطعاً 59
    4 ـ حديث هدم الحائط : اورده القاضي نعمان المصري في دعائم الاسلام 63
    الكلام في يقع في جهات : 63
    الجهة الأُولىٰ : في مصدره : وهو ـ كما ذكرنا ـ كتاب دعائم الإسلام للقاضي

    نعمان بن محمّد بن علماء الاسماعيلية ، خدم المهدي بالله 63
    الجهة الثانية : في سنده : وهو ضعيف من جهة الارسال ومن جهة عـدم وثاقـة المؤلف 65
    الجهة الثالثة : في مفاده : لا اشكال فيما تشمنه صدره من عدم وجوب اعادة بناء الجـدار 65
    يمكن الجواب علىٰ ما ورد في الجهة الثالثة بوجهين 66
    الوجه الأول : انه لا غرابة في الحكم بمنع المالك من هدم جداره 66
    الوجه الثاني : انه يمكن ان يفترض ان مورد كلام الامام 7 هو ما اذا كان الجدار مورداً لحق الجار 67
    5 ـ حديث قسمـة العين المشتركة : رواه في كنز العمال عن جامع عبد الرزاق الصنعاني 68
    6 ـ حديث عذق ابي لبابة : رواه ابو داود في المراسيل عن واسع بن حبان 69
    7 ـ حديث جعل الخشبة في حائط الجار وحدّ الطريق المسلوك : أورده عبد الرزاق الصنعاني 70
    8 ـ حديث مشارب النخل : أورده في كنز العمال عن أبي نعيم عن صفوان بن سليـم 71
    البحث الثاني : في تحقيق لفظ الحديث ( لا ضرر ولا ضرار ) 72
    يقع الكلام فيه في مقامات 73
    المقام الأَوّل : في تحقيق زيادة ( في الإسلام ) في آخر الحديث وفيه أمران : 73
    الأمر الأَوّل : في تحقيق وجود هذه الزيادة في المصادر 73
    يرد على ما ذكر في الأمر الأول ملاحظات : 75
    الملاحظة الأُولى : ان ما ذكره العلامة شيخ الشريعة (قده) ليس بصحيح 75
    الملاحظة الثانية : ان ما ذكره (قده) من عدم معلومية مصدر ابن الأثير ليس في محله 80

    الملاحظة الثالثة : ان حصر مصدر الزيادة بنهاية ابن الأثير ليس بصحيح 81
    يوجد حديث ( لا ضرر ولاضرار ) مع زيادة ( في الإسلام ) في كتابين : 81
    احدهما : الفقيه 81
    وثانيهما : عوالي اللآلي 81
    الملاحظة الرابعة : ان ما ذكره بعض الاعاظم من التشكيك في وجود زيادة ( في الإسلام ) محل نظر من وجهين 83
    الأَوّل : ان مجرد امكان تخريج زيادة كلمة خطأ على اساس التكرار لا يقوم حجة على وقوع الخطأ 83
    الثاني : مقتضى كلا الصدوق (قده) في الاحتجاج بهذا الحديث وجود هذه الزيادة 83
    الأمر الثاني : في تحقيق اعتبار هذه الزيادة وهل انها ثابتة في الخبر على وجه معتبـر ام لا ؟ 84
    الاستدلال للوجه الأَوّل من ثبوها واعتبارها بوجوه : 84
    الوجه الأَوّل : ان حديث لا ضرر ولا ضرار مع هذه الاضافة مروي في كتب الحديث للفريقين 84
    الرد على هذا الوجه 84
    أوّلاً : انه لم يذكر مع الزيادة في كتب اصحابنا الا في مقام الاحتجاج به على العامة 84
    ثانياً : ان تكرار الخبر مع الزيادة مرسلاً من قبل الفقهاء 85
    الوجه الثاني : ان هذا الحديث مع الزيادة مروي في الفقيه بصيغة جزمية 85
    الصحيح في الجواب على الوجه الثاني 87
    أوّلاً : أن التحقيق هو حجية الخبر الموثوق به دون خبر الثقة 87
    ثانياً : انه لو كان تصحيح الصدوق (قده) للخبر وجزمه به حجة على ثبوته 87
    ثالثاً : ان هذا الحديث أي لا ضرر والضرار في الإسلام ـ أورده الصدوق 88
    الوجه الثالث : أن يقال : ان هذا الخبر مع هذه الزيادة وان كان

    ضعيفاً سنداً إلا انه منجبر ضعفه يعمل الأَصحاب به 88
    يمكن ان يناقش هذا الوجه ـ بعد تسليم الكبرى ـ : 88
    أوّلاً : بان هذا المقدار لا يكفي في جبر الخبر الضعيف 88
    ثانياً : انه لم يظهر اعتماد هذا البعض أيضاً على حديث ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ) 88
    ان الصدوق (قده) نقل حديث ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ) من كتب العامة وأورده احتجاجاً عليهم وذلك لقرينتين 92
    الأُولى : انه نقل هذا الخبر في مقام الاحتجاج على العامة 92
    الثانية : ان سائل الروايات التي نقلها في هذا المقطع من كلامه ، انما نقلها عن العامة 92
    المقام الثاني : في تحقيق زيادة ( على المؤمن ) في آخر الحديث 93
    القول بثبوت هذه الزيادة يتوقّف على الالتزام بأمرين : 93
    الأَوّل : حجية رواية ابن مسكان في نفسها 93
    الثاني : تقديمها ـ بعد حجيتها ـ علىٰ ما لا يتضمن تلك الزيادة 93
    اما الأَمر الأوّل : فيشكل الالتزام به من جهة ان الرواية مرسلة 93
    وقد يقال بحجيتها لاحد الوجهين 93
    الوجه الأَوّل : وجود الرواية في الكافي فلا يضرها الارسال بعد ذلك 93
    الوجه الثاني : ان يقال إن اصل هذه القضية التي ذكرت في رواية ابن مسكان عن زرارة قد ثبتت أيضاً برواية ابن بكير عن زرارة 94
    الرد على الوجه الثاني 94
    أولاً : انه اذا كان مبنى الاعتماد على رواية ابن مسكان توافقها في المضمون روايتا ابن بكير وأبي عبيدة 94
    وثانياً : ان رواية ابن بكير غير متضمنة لهذه الزيادة 94
    وأما الأَمر الثاني : وهو تقديم هذه الرواية المتضمنة للزيادة ـ على تقدير حجيتها ـ على ما لا يتضمن الزيادة 95
    تحقيق الكلام في هذه الامر يستدعي البحث في مقامين 95

    المقام الأَوّل : في ثبوت الاصل المذكر وهو بحث مهم جداً 95
    المقام الثاني : فيما يقتضيه الموقف على تقدير عدم ثبوت هذا الاصل 95
    أما المقام الأَوّل : فيلاحظ إن مقتضى القاعدة الاولية هو اعمال قواعد المتعارضين 95
    الاصل الثانوي المقتضي لتقديم جانب الزيادة على جانب النقيصة كقاعدة عامة فيه احتمالان 96
    الاحتمال الأَوّل : أن يكون صغرى للقاعدة العاة للترجيح الصدوري 96
    بناءً على تفسير القاعدة بهذا الاحتمال فيمكن الاستدلال عليها بوجهين 96
    الوجه الأوّل : أن يقال : ان احتمال الغفلة في جانب الزيادة أبعد من احتمالها في جانب النقيصة 96
    الرد على هذا الوجه 96
    أوّلاً : بان الأَمر لا يدور بين الغفلتين ، ليرجح احتمال عدم الغفلة في جانب الزيادة 96
    وثانياً : بأنه لو فرض دوران الأمر بين الغفلتين فإن أبعدية الغفلة في جانب الزيادة لا يقتضي إلا ارججية احتمال الغفلة جانب النقصية 97
    الوجه الثاني : ان يقال : إن الزيادة ليس لها تقسير الا الغفلة 97
    الرد على هذا الوجه : 97
    أوّلاً : ان سبب الزيادة لا تنحصر بالغفلة 97
    وثانياً : إنّه لا عبرة بمجرد زيادة المحتملات في أحد الجانبين بالنسبة إلىٰ الجانب الآخر 98
    وثالثاً : لو سلمنا أرجحية احتمال وقوع النقيصة من احتمال وقوع الزيادة إلا أنه لا يستوجب الاخذ به لعدم حجية الظن 98
    الاحتمال الثاني : في تفسير الاصل المذكور : أن يكون أصلاً موضعياً يرجح جانب الزيادة على جانب النقيصة 98
    الرد على هذا الاحتمال ـ على تقدير تمامية الاستظهار المذكور ـ : 99

    أولاً : إنه لم يثبت هناك أصل عقلائي في خصوص المقام يقتضي البناء علىٰ صحة الزيـادة 99
    وثانياً : ان ما ذكر (قده) من كون ذلك مسلماً عند الكل في غير محله 99
    وأما المقام الثاني وهو فيما يقتضيه الموقف بعد عدم تمامية الاصل المذكور ، ففيه وجهـان 100
    الوجه الأَوّل : أن يرجح ثبوت الزيادة في هذه الحالة أيضاً بتقريب : أن من لاحظ رواية ابن مسكان المتضمنة لزيادة ( على مؤمن ) وقارن بينها وبين رواية ابن مسكان 100
    الوجه الثاني : أن يرجح عدم ثبوت الزيادة ، ويخرج ورودها في رواية ابن مسكان 101
    رجحان رواية ابن بكير من عدة جهات 101
    الأُولى : قرب الاسناد في رواية ابن بكير 101
    الثانية : تعدد الرواة في رواية ابن بكير دون رواية ابن مسكان 101
    الثالثة: ان رواة الحديث في سند الصدوق إلى ابن بكير اعظم شأناً وأجل 102
    الرابعة : ان الكليني قد فرق بين روايتي ابن بكير وابن مسكان 103
    الخامسة : ان زيادة ( على مؤمن ) لم ترد في سائر موارد نقل حديث ( لا ضرر ولا ضرار ) 104
    المقام الثالث : مما يتعلق بمتن الحديث : في تحقيق حال القسم الثاني منه وهو لفظ ( لا ضرار ) 104
    الفصل الثاني في تحقيق مفاد الحديث 109
    هنا ثلاثة مقامات 110
    المقام الأَوّل : في مفاد ماد ( ض ر ر ) وقد ذكر اللغويون لها معاني كثيرة 110
    المقام الثاني : في مفاد الهيئة الافرادية للضرر والضرار والاضرار 114
    هناك اتجاهان رئيسيان يبتني أحدهما على تعدد المعنى والآخر على وحدته في تفسير صيغ المفاعلة 118

    أما الاتجاه الأَوّل : هو الذي سلكه علماء الصرف حيث جعلوا لهيئة باب المفاعلة عدة معان 118
    وأما الاتجاه الثاني : فيضم عدة مسالك : 119
    المسلك الأَوّل : ما اختاره جمع من المحققين من أن هيئة المفاعلة تقتضي السعي إلى الفعـل 119
    ويلاحظ على هذا المسلك : 120
    أوّلاً بالنقض 120
    وثانياً بالحل : وفيه أمران : 120
    الامر الأَوّل : ان المبدأ الذي يكون احد جزئي المعنى في المشتق بالمعنى الاعم على قسمين : المبدأ الجلي ، والمبدأ الخفي 121
    الامر الثاني : ان المبدأ الخفي بما أنّه لا يتجلى غالباً إلا في بعض المشتقات أوجب ذلك الخلط بينه وبين مفاد الهيئة 122
    المسلك الثاني : ما اختاره المحقق الاصفهاني 1 من أن هيئة المفاعلة معناها تعدية المادة واسراؤها إلى الغير 124
    ويلاحظ على هذا المسلك : 124
    أوّلاً : إن ما ذكره من الفرق بين المزيد والمجرد غير واضح 125
    وثانياً : ان المقدار الذي ذكره لا يفسر ما يستفاد في مختلف موارد المادة 126
    المسلك الثالث : ما عن المحقق الطهراني من أن معنى باب المفاعلة هو معنى المجرد 126
    المسلك الرابع : ما هو المختار وبيانه بحاجة إلى ذكر مقدمة وهي : ان الدلالات التي تنضم إلى اصل المادة في باب المفاعلة ليست جميعها مستندة إلى هيئة هذا الباب 129
    وتفسير الضرار في الحديث ـ مقارنة بين مدلوله ومدلول الضرر ـ عند اللغويين 131
    الوجه الأَوّل : ان الضرر هو فعل الواحد والضرار فعل الاثنين 131
    الوجه الثاني : ان الضرر ابتداء الفعل والضرار الجزاء عليه 131

    الوجه الثالث : ان الضرر ما تضر به وتنتفع به أنت والضرار أن تضره 132
    الوجه الرابع : ان يكون الضرار بمعنىٰ الضرر بعينه 132
    المقام الثالث : في مفاد الهيئة التركيبة ، وفيه بحثان : 133
    البحث الأَوّل : في بيان المسلك المختار في تحقيق معنى الحديث ، ويحتوي على تشريعيـن : 133
    الأَوّل : تحريم الاضرار تحريماً مولوياً 134
    والثاني : تشريع اتخاذ الوسائل الاجرائية حماية لهذا التحريم 134
    هناك وجهين لتوضيح ذلك 134
    الوجه الاجمالي : هو أن نفي تحقق الطبيعة خارجاً في مقام التعبير عن موقف شرعي 134
    الوجه التفصيلي : ان الحديث يمثل نفياً لمفهومين ( هما الضرر والضرار ) ، وهذه الصيغة تحتوي على معاني مختلفة بحسب اختلاف الموارد 135
    تحقيق معنى الحديث على ضوء الضابط العام ( المذكور في الوجه التفصيلي ) في مرحلتان : 136
    المرحلة الأُولى : تأثر محتوى الكلام بالعوامل المختلفة 136
    جملة من المواضيع لمختلف الصيغ كصيغة الأَمر والنهي : 138
    1 ـ الموضع الأَوّل : ان يكون مصب الحكم طبيعة تكوينية ذات آثار خارجية 138
    2 ـ الموضع الثاني : ان يكون مصب الحكم ماهية اعتبارية ذات آثار وضعية 141
    3 ـ الموضع الثالث : ان يكون مصب الحكم موضوعاً لحكم شرعي خاص 143
    4 ـ الموضع الرابع : ان مصب الحكم حصة خاصة من ماهية مامور بها 144

    5 ـ الموضع الخامس : ان يكون مصب الحكم حصة من ماهية منهي عنها 145
    6 ـ الموضع السادس : ان يكون مصب الحكم طبيعة يرغب المكلف عنها 145
    المرحلة الثانية : توضيح معنى الحديث : 147
    اما المقطع الأَوّل : من الحديث وهو ( لا ضرر ) فهو يندرج في الموضع السادس 147
    المقطع الثانى : من الحديث وهو ( لا ضرار ) فانه يندرج في الموضع الأَوّل 149
    ان النفي الوارد في الحديث يدل على التسبيب إلى عدم تحقّق هذا العمل وذلك من خلال ثلاثة امور 150
    الأَمر الأَوّل : جعل الحكم التكليفي الزاجر عن العمل وهو الحرمة 150
    الأمر الثاني : تشريع اتخاذ وسائل مانعة عن تحققه خارجاً 150
    الأمر الثالث : تشريع احكام رافعة لموضع الاضرار من قبيل جعل حق الشفعة لرفع الشركة 151
    لتحقيق القول فيما ذكر شيخ الشريعة (قده) لابد من ملاحظة عدة جهات 153
    الجهة الأولى ـ من ظهور نفس الفقرة ـ : فقد يشكل ما ذكره الشيخ من ظهورها في نفي الحكم الضرري 153
    الجهة الثانية : وهي مدى تناسب معاني نظائر الفقرة ( المبحوث عنها ) مع ذلك التفسير المذكور 154
    الجهة الثالثة : وهي مدى تناسب المسلك المختار مع موارد تطبيق ( لا ضرر ) 157
    الجهة الرابعة : وهي مدى ذهاب العلماء إلى هذا الرأي 158
    البحث الثاني في استعراض المسالك الاخرى في تفسير الحديث 160
    وهي مسالك خمسة : 160
    المسلك الأَوّل : تفسير ( لا ضرر ) ينفي الحكم الضرري وذلك

    بتقريب ذكره المحقق النائيني 160
    المسلك الثاني : ان يكون المراد بالحديث النهي عن الضرر والاضرار 162
    تفسير ـ لا ضرر ـ بالنهي المولوي فيه ابحاث : 163
    البحث الأَوّل : في تصوير هذا المبنى وهو يتوقف على توضيح أمرين : 163
    الأول : كيفية ارادة النهي من هذا التركيب 163
    الثاني : في ثبوت استعمال هذا التركيب في النهي 164
    البحث الثاني : في تعيين مسلك شيخ الشريعة وترجيحه 165
    يستفاد من كلام شيخ الشريعة وجوه 165
    الوجه الأَوّل : ما يظهر من مجموع كلامه من تعين ارادة النهي في الحديث 166
    الرد على هذا الوجه 168
    أوّلاً : ما تقدّم من ان شيوع ارادة النهي من هذا التركيب لا يؤثر في تقوية هذا الاحتمال 168
    وثانياً : ان استعمال هذا التركيب في النهي ليس بشائع بالمستوى المدعى 168
    اما القسم الأَوّل : وهو ما يتعذر ارادة النهي منها ـ فهو ما اقتـرن بكلمة ( في الإسلام ) 168
    اما القسم الثاني : وهو ما لا يكون ظاهراً في التحريم ـ فهو الموارد التي كان المنفي فيها ماهية اعتبارية 169
    الوجه الثاني : تبادر النهي من الحديث وانسباقه إلى الذهن 170
    الوجه الثالث : ما ذكره بعد ذلك بقوله ( مضافاً إلى ما عرفت الثابت من صدور هذا الحديث 171
    الرد على هذا الوجه 171
    أوّلاً : ان هذه الزيادة لم ترد إلا في مرسلة ابن مسكان 171
    وثانياً : انه على تقدير ثبوت هذه الزيـادة فانا لا نسلـم منافاته مع ارادة نفـي التسبيب 171
    الوجه الرابع : ما ذكره بقوله ( على ان قوله صلّى الله عليه

    وآله لسمرة : انك رجل مضار ) 171
    الرد على هذا الوجه 171
    أوّلاً : ان القول المذكور لم يتضمنه الا رواية ابن مسكان 171
    وثانياً : ان مقتضى ما ذكره استفادة التحريم من ( لا ضرار ) لا من ( لا ضرر ) 172
    الوجه الخامس : اتفاق اهل اللغة على فهم معنى النهي من الحديث 172
    في هذا الوجه ملاحظتان 172
    الأُولى : في مدى اصالة هذه المصادر الخمسة 172
    الثانية : ان الاحتجاج بقول اهل اللغة ضعيف لعدم حجية اقوالهم 176
    الوجه السادس والسابع والثامن : ما نقله شيخ الشريعـة (قده) عن صاحب العناويـن 176
    الوجه التاسع : ما يمكن ان يقال على ضوء ما ذكره في موضع آخر حيث قال : ( ان التخصيصات الكثيرة التي يدَّعون ورودها على القاعدة ليست كما يقولون ) 177
    البحث الثالث : في مناقشة مسلك النهي 917
    البحث الرابع : في تفسير النفي بالنهي بالأَعم ، وينحل إلى وجوه ثلاثة 182
    الوجه الأَوّل : ان يراد بالحديث النهي التحريمي المولوي 182
    الوجه الثاني : ان يراد بالنهي ما يعم النهي التحريمي المولوي والنهي الارشادي 182
    ويقع الكلام في تصوير هذا الوجه ومدى انسجاه مع ظاهر الكلام في عدة نواحي 183
    الناحية الأُولى : فقد يشكل هذا الوجه من جهة اقتضائه الجمع بين ارادة الحكم المولوي والارشادي 183
    الناحية الثانية : ان هذا الوجه ظهور الجملة من جهات 184
    الوجه الثالث : ان يكون النهي نهياً سلطانياً كما ذهب اليه بعض

    الاعاظم 184
    استدل على هذا الوجه بعدة أُمور : 185
    الأَوّل : انه قد ورد حكاية هذا الحديث في بعض روايات أهل السنة 185
    الثاني : ان الحديث قد ورد من طرقنا في ذيل قضية ( سمرة ) وهي لا تنسجم مع كون الحكم المذكور فيها حكماً إلهياً 185
    الثالث : ان الحديث قد وقع تعليلاً للأَمر بالقلع في قضية سمرة 186
    عدم تمامية الوجه الثالث 186
    المسلك الثالث : ما ذهب له المحقق صاحب الكفاية من ان المراد بالحديث هو نفي الحكم بلسان نفي موضوعه ادعاءً 189
    توضيح معنى الحديث يرجع إلى نقاط ثلاثة 190
    الأُولى : في معنى الضرر والضرار 190
    الثانية : في المراد التفهيمي بالجملتين 190
    الثالثة : في وجه ترجيح هذا المعنى على غيره مما فسر به الحديث 190
    الرد على النقاط الثلاث 190
    أما النقطة الأُولى : فيرد عليها انه لا يصح القول بوحدة معنى الكلمتين 190
    أما النقطة الثانية : فلأن تصوير نفي الحكم بنفي موضوعه في الحديث يتوقّف على أمـران 191
    الأَوّل : ان يكون المقصود بالضرر والضرار العمل المضر 191
    الثاني : ان يكون نفي الحكم بلسان نفي موضوعه 191
    أما النقطة الثالثة : فيرد عليها ما تقدّم من أن هذا التفسير لا يستدعي جعـل نفي الطبيعة 192
    المسلك الرابع : في تفسير ما نقله الشيخ الانصاري عن الفاضل التوني 193
    وتقريب هذا المسلاك على اساس جهتين : 193

    الجهة الأُولى : ان الضرر المنفي يمكن ان يراد به في نفسه احد معان ثلاثة : 193
    الأَوّل : كل نقص واقعي 193
    الثاني : النقص غير المتدارك خارجاً 193
    الثالث : النقص غير المحكوم بلزوم تدراكه قانوناً وشرعاً 193
    الجهة الثانية : انه بناءً على هذا التفسير يكون مفاد ( لا ضرار ) الحكم بضمان من أضر بأحد شيء 194
    مناقشة الفاضل التوني : 196
    الأَوّل : ان ما ذكر في تعيين هذا المعنى ليس بتام 196
    الثاني : انه اذا كان المدعى في ( لا ضرر ) ان معناه كمعنى ( لاضرار ) فهو معنى معقـول 196
    الثالث : ان هذا المعنى ليس بمنساق من الحديث 197
    الرابع : ان هذا المعنى لا يناسب موارد تطبيق الحديث 197
    المسلك الخامس : مسلك الصدوق في المقام 198
    لتوضيح هذا المسك لا بد من بيان أمرين : 199
    الأَوّل : يمكن تطبيق الحديث على هذا المعنى بأن يحمل لفظ ( في ) في الحديث على التعليل 199
    الثاني : هو انطباق هذا المعنى على المورد : 200
    الفصل الثالث : في تنبيهات القاعدة 203
    التنبيه الأَول : في عدة اشكالات في قضية سمرة 203
    الاشكالات الواردة على قضية سمرة بن جندب 203
    الوجه الأَوّل : انه لماذا منع 9 سمرة من الدخول دون استيذان 203
    الوجه الثاني : انه ما هو توجيه أمر النبيّ 9 بقلع نخلة سمرة 204
    الوجه الثالث : وهو أهم الوجوه ، انه قد ورد في هذه القضية

    تعليل الأمر بالقلع ب‍ ( لا ضرر ولا ضرار ) 205
    الرد على الاشكالات الواردة 207
    الوجه الأوّل : ما ذكره المحقق النائيني (قده) من إنكار المقدّمة الأُولى 207
    الوجه الثاني : النقـاش في المقدّمة الثانيـة بدعوى أن ( لا ضـرار ) مصحح للأَمر بالقلع 208
    الوجه الثالث : منع المقدّمة الثانية أيضاً ـ وتقريره ان الاشكال انما يتجه اذا فسر الحديث بنفي الحكم الضرري 210
    الوجه الرابع : ما يبتني على التفسيـر المختـار لجملة ( لا ضرار ) من انّ مفادها التسبيب 211
    التنبيه الثاني : في تحقيق مضمون الحديث على اساس شواهد الكتاب والسنّة 212
    تحقيق مضمون الحديث تكميلاً للبحث عن اعتباره وحجيّته من جهتين : 217
    الجهة الأُولىٰ : في تحقيق مخالفة الحديث للكتاب والسنّة وعدمها 217
    الجهة الثانية : في تحقيق موافقة الحديث روحاً مع الكتاب والسنة وعدمها 217
    أما الجهة الأولىٰ : فقد يقال بمخالفة مضمون الحديث للكتاب والسنة بأحد تقريبات ثلاث 217
    التقريب الأَوّل : ما ذكره بعض الأعاظم من أن مفـاد ( لا ضرر ) بطبعه حكـم امتناني 217
    التقريب الثاني : ما ذكره الشيخ الانصاري (قده) 218
    التقريب الثالث : ان يقال : بأن من المستهجن تخصيص الحديث 220
    وفي الجواب على التقريب الثاني والثالث طرقان : 220
    الطريق الأَوّل : ما هو المختار : وهو ينحل إلى جزءين : 220
    الأَوّل : عدم صدق الضرر في كثير من هذه الموارد على ضوء التدقيق 220
    الثاني : تحديد الضرر المنفي ب‍ ( لا ضرر ) بملاحظة طبيعة معناه 221

    أما الجهة الثانية : ان الحديث بحسب المراد التفهيمي منه على المختار لا يشمل جملة من الاضرار 227
    أما الجهة الثالثة : ان اقتران ( لا ضرر ) ب‍ ( لا ضرار ) يمنع عن شمولـه بجملة من الاضرار 227
    الطريق الثاني : في جواب الاشكال : ان يقال ان ( لا ضرر ) ليس ظاهراً إلا في نفي الحكم وفيه عدة وجوه : 228
    الوجه الأَوّل : ما ذكره المحقق النائيني من أن قاعدة ( لا ضرر ) ناظرة إلى الأَحكام 228
    الرد على ما ذكره المحقق النائيني (قده) 229
    أوّلاً : إنه لم يثبت كون ( لا ضرر ) مسوقاً للحكومة 229
    وثانياً : ان مبناه في تقريب نفي الحديث للحكم الضرري هو جعل الضرر عنواناً للحكـم 229
    الوجه الثاني : ما عن السيّـد الاستاذ 1 من أن ( لا ضرر ) انما هو ناظـر إلى العمومات 230
    الرد على ما ذكره السيد الاستاذ (قده) 230
    أوّلاً : ان الاستشهاد يبتني على تصّور أن الصحابة جميعاً فهموا مغزى هذا الحديث 230
    ثانياً : إنه على تقدير فهمهم لمعنى الحديث وثبوت عدم اعتراضهم من الممكن أن يكون تنبّه فقهاء الصحابة للطريق السابق 231
    الوجه الثالث : ما يبتني على جهتين 232
    الجهة الأُولى : ان مورد هذه الكبرى في قضية سمرة انما كان هو الضرر الطارئ 232
    والجهة الثانية : ان الحاكم التي هي بطبعها ضررية كانت من مشهورات الاحكام 232
    التنبيه الثالث : في وجه تقديم ( لا ضرر ) على ادلة الاحكام الاولية 232

    معنى الحكومة وتقسيمها 233
    المقام الأَوّل : في حقيقة الحكومة التضييقية ، ويقبع الكلام فيه ضمن جهات 233
    الجهة الأُولى : في ذكر تقسيمات الحكومة ومحل البحث من أقسامها 233
    الجهة الثانية : في أقسام الحكومة التنزيلية ومواردها 236
    الجهة الثالثة : في حقيقة الحكومة التضيقية 240
    الجهة الرابعة : في المصحّح اللغوي للسان التنزيلي 242
    الجهة الخامسة : في المصحّح البلاغي للسان التنزيل 247
    الجهة السادسة : في اقتضاء لسان التنزيل 252
    الجهة السابعة : في مدى اشتراك الحكومة والتخصيص في الاحكام وتوضيح ذلك على قسمين : 254
    1 ـ القسم الأَوّل : ما يكون منوطاً بمحتوى الدليل ، وهو القسم الأكبر منها 254
    2 ـ والقسم الثاني : ما يكون منوطاً بالاسلوب الاستعمالي للدليل 256
    الجهة الثامنة : في وجه تقدّم الحاكم على المحكوم. وفيها ثلاث وجوه : 258
    الوجه الأَوّل : ما ذكره المحقق النائيني والسيد الاستاذ 0 258
    الوجه الثاني : أن يقال إن الحاكم مسوق لتحديد المحكوم 260
    الوجه الثالث : هو أن اسلوب الحكومة ناظر بالاصالة غلى ارتكاز ذهني عامّ 260
    المقام الثاني : في أن ( لا ضرر ) هل هو حاكم على أدلة الاحكام الأَوّلية أو لا 263
    في تفسير حكومة الاضرار على الادلة الاولية مسلكان 263
    المسلك الأَوّل : هو المسلك المشهور من ان نفي المراد الاستعمالي بالحديث نفي تحقّق الضرر 263

    المسلك الثاني : ما ذهب اليه المحقق النائيني (قده) 263
    التنبيه الرابع : في وجه تحديد انتفاء الحكم الضرري بحالة العلم وفيه فرعان 265
    الفرع الأول : تحديد خيار الغبن بالجهل بالضرر 265
    الاشكال علىٰ كلام المشهور من جهتين 268
    الجهة الأولىٰ : ما ذكره المحقق الايرواني (قده) 268
    والجهة الثانية : ما ذكره جمع من المحققين 268
    هناك أمران لتوضيح كل من صورتي الاقدام علىٰ الضرر وعدمه : 268
    الأمر الأول : في صورة الإقدام والكلام فيها تارة يقع في تنقيح الصغرىٰ واخرىٰ في تحقيق الكبرىٰ 268
    الوجه الأول : ان المفاد التفهيمي للحديث انما هو نفي تسبيب الشارع 269
    الوجه الثاني : ما ذكره المحقق الاصفهاني 270
    الأمر الثاني : في صورة عدم الإقدام. وفيه ثلاثة أقسام : 271
    القسم الأول : ما يكون المنشأ فيه مقيداً بالتقييد اللحاظي 272
    القسم الثاني : ما يكون المنشأ فيه مقيداً تقيداً ذاتياً 272
    القسم الثالث : ما يكون المنشأ فيه مطلقاً بالاطلاق الذاتي 273
    جهتان تحسن الإشارة إليهما : 274
    الجهة الأولىٰ : ان وجه تمسك جماعة من الفقهاء السابقين بقاعدة ( لا ضرر ) هو أن في الشرط الضمني المذكور نوع خفاء 274
    الجهة الثانية : انه قد ادعىٰ بعض الاعاظم تبوت حكم عقلائي 274
    الفرع الثاني : تحديد الوضوء الضرري بالعلم بكونه ضررياً وفيه امور ثلاثة 275
    الأمر الأول : انه هل هناك اطلاق يقضي بصحة الوضوء أو الغسل 275
    الأمر الثاني : ان ( لا ضرر ) هل يقتضي بطلانهما في حالة العلم 275

    الأمر الثالث : ان حرمة الإضرار بالنفس في مورد الضرر المحرم هل تمنع عن الحكم بصحتهما مطلقاً وفيه ابحاث ثلاثة 275
    أما البحث الأول : فعمدة الأدلة الواردة في الوضوء والغسل. وفيه جهتان 276
    الجهة الأولىٰ : ما تنبه به صاحب الجواهر 1 276
    الجهة الثانية : ان مفاد الآية المذكورة في البحث تحدد توجه الأمر بالوضوء والغسل بشرطين 279
    الوجه الأول : ان ظهر الآية ان قوله : ( وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ ... ) إلىٰ آخره جملة واحدة مستقلة عما قبلها 281
    الوجه الثاني : ان الأمر بالتيمم في حالة المرض والسفر بعد الامر بالوضوء والغسل 283
    الوجه الثالث : انه لا يبعد ان يكون ذكر المريض في الآية بملاحظة ان استعماله للماء حرج عليه 284
    الوجه الرابع : ان يقال انه يكفي في مشروعية الوضوء والغسـل اطلاق ادلة استحبابهمـا 285
    البحث الثاني : انه لو فرض اطلاق أدلة مشروعية الوضوء والغسل بالنسبة إلىٰ من كان يضره استعمال الماء 286
    البحث الثالث : في أن حرمة الإضرار بالنفس هل توجب الحكم بفساد الوضوء والغسل ، وفيه أمران 288
    الأمر الأول : ان نسبة ( الإضرار المحرم ) إلىٰ الوضوء والغسل الضرري نسبة الاسباب والمسببات 288
    الأمر الثاني : في حكم الوضوء والغسل حيث يترتب عليهما الضرر المحرّم 289
    التنبيه الخامس : في انه هل يستفاد من ( لا ضرر ) جعل الحكم ، وفيه مقامان : 290
    أما في المقام الأول : فتقريب انكار الكبرىٰ ان حديث

    ( لا ضرر ) ناظر إلىٰ الاحكام المجعولة 291
    وأما في المقام الثاني : فقد ذكر لها موردان 293
    المورد الأول : الحكم بضمان التالف في غير الموارد التي يكون هناك سبب للضمان فيهـا 293
    المورد الثاني : اثبات حق الطلاق للحاكم الشرعـي بقاعـدة ( لا ضرر ) و ( لا حرج ) 295
    هناك ثلاث أبحاث في ثبوت حق الفسخ للزوجة بمقتضىٰ الشرط الارتكازي 296
    البحث الأول : في انه هل يثبت حق الفسخ للزوجة عند عدم الزوج عليها بمقتضىٰ تخلف الشرط الارتكازي الضمني 296
    انفاق ويردّ عليه بوجهين : 297
    الوجه الأول : ان بين البيع والنكاح فرقاً 297
    الوجه الثاني : ان شرط الارتكازي انما يؤثر في تحقّق الخيار عند التخلف 298
    البحث الثاني : في انه هل يثبت حق الفسخ للزوجة أو حق الطلاق للحاكم بقاعدة ( لا ضرر ) 302
    البحث الثالث : في حكم المسألة علىٰ ضوء الروايات الواردة في المقام 305
    التنبيه السادس : في تعارض الضررين : وفيه ثلاث صور أصلية 310
    الصورة الأولىٰ : ما إذا دار أمر شخص بين ضررين بالنسبة إليه 310
    الفرع الأول : ان يدور الأمر بين ضررين مباحين 310
    الفرع الثاني : ان يدور الأمر بين ضرر مباح وآخر محرم 316
    الفرع الثالث : ان يدور الأمر بين ضررين محرمين 317
    الصووة الثانية : ان يدور أمر الضررين بشخصين عكس

    صورة الأولىٰ 317
    ولهذه الصورة أيضاً فروع ثلاثة : 318
    الفرع الأول : ما إذا كان ذلك بفعل أحد المالكين 318
    الفرع الثاني : ان يكون بفعل شخص ثالث غير المالكين 319
    الفرع الثالث : ان تكون الحالة الطارئة لعامل طبيعي كالزلزلة ونحوها 320
    من هو الضامن للخسارة من المالكين ؟ فيه احتمالات ثلاثة 321
    الأول : ان يتحملها من رجع ماله إلىٰ حالته الطبيعية 321
    الثاني : ان يتحملها كل منهما علىٰ سواء 321
    الثالث : ان يتحملها كل منهمـا علىٰ حدٍ سواء. وفي هذا التقريب جهـات من البحث 322
    الأول : انه لا يصح جعل مقتضىٰ قاعدة العدل والانصاف في مورد تلف الدرهم في يد الودعي 323
    الثانية : مناقشة قاعدة العدل والانصاف 323
    الثالثة : انه بنفسه قد انكر ثبوت القاعدة في محل آخر 324
    قال الشيخ الانصاري (قده) ( الاوفق بالقواعد تقدّم الملك ... ) 328
    لتوضيح قول الشيخ الانصاري لا بد من ذكر أُمور 328
    الأمر الأول : في انه هل هناك ما يدل علىٰ جواز تصرفات المالك في ملكه وفيه وجهـان : 328
    الوجه الأول : ما ينسب إلىٰ النبي 9 ( الناس مسلطون علىٰ أموالهم ) 328
    الوجه الثاني : ان يقال ان اعتبار شيء مملكوكاً لأحد بملكية تامة يندمج فيـه جواز مطلق 329
    الأمر الثاني : في انه لو فرض وجود اطلاق لدليل سلطنة الملك بالنسبة إلىٰ التصرفات التي يصدق عليها 330
    الأمر الثالث : في انه هل يمكن ادعاء انه إذا لزم

    من ترك التصرف ضرر علىٰ المالك 334
    الامر الرابع : في ان دليل الحرج هل يقتضي جواز التصرف في مال النفس 335
    في مال النفس 335
    فهرس الكتاب 337
    * * *
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
     
    قاعدة لا ضرر ولا ضرار
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: 48- منتدى الفقه-
    انتقل الى: