كلمة المؤسسة
بسم الله الرحمن الرحيم
بعض الناس يقذف الشيعة بالنفاق ، لانهم يستعملون التقية!!!
ولا يعلم أن التقية : إيمان في القلب وإظهار خلافه في الخارج لاسباب ، كالخوف و ...
والنفاق : كفر في القلب وإظهار الايمان في الخارج لا يتجاوز اللسان.
فهل يا ترى التقية والنفاق متساويان؟!!
هدى الله هؤلاء ، لعدم تعمقهم في المطالب وعدم وجود الدقة عندهم.
فإنهم يقذفون فرقة إسلامية كبيرة ذات اصول واسس تسير عليها ، ولها أدلة متينة وقاطعة على صحة ما تعتقد به.
إنها الفرقة الجعفرية ، التي تأخذ معالمها عن أئمتها المعصومين أبناء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن جبرئيل عن الله تعالى.
فهل من الانصاف أن ينظر إلى مثل هذه الفرقة بالنظرة العابرة ، ولا تلحظ مطالبها بعين منصفة وإمعان نظر؟!
فنخاطب هؤلاء ونقول لهم :
ندعوكم إلى مراجعة كتب هذه الفرقة ـ قبل الحكم عليها بشيء ـ بتمعن ودقة ، والوقوف على آرائها ومعتقداتها والتأمل فيها ، وترك التعصب الاعمى ، وترك تقليد الآباء والاجداد حتى لا تكونوا كالذين قالوا : (إنا وجدنا آباءنا على امة وإنا على آثارهم مقتدون).
ثم بعد هذا يمكن للمنصف أن يحكم.
هذا ، وتفتخر مؤسسة قائم آل محمد عجل الله فرجه أن تقدم هذه الرسالة إلى قرائها الاعزاء من تأليف شيخ الشيعة ومفخرها الشيخ الاعظ مرتضى الانصاري تغمده الله برحمته وأسكنه الفسيح من جنته ، حيث أجاد وأفاد حول هذه المسألة المهمة وبحثها من جميع نواحيها بعمق.
وتتقدم المؤسسة بالشكر الجزيل والتقدير إلى المحقق الفاضل الشيخ فارس الحسون النجفي حيث أخذ على عاتقه مهمة تحقيق هذه الرسالة وإخراجها إلى الوجود بهذه الحلة الجميلة ، فجزاه الله خيرا وكثر من أمثاله.
مؤسسة قائم آل محمد عج الله فرجه
الاهداء
إلى أول من استعمل التقية واتقى.
إلى الطيب ابن الطيب الذي تشتاق إليه الجنة.
إلى من عاداه فقد عادى الله ومن أبغضه فقد أبغض الله.
إلى من لم يرتد عن دينه ولم يغير ولم يبدل بعد نبيه.
إلى من قتلته الفئة الباغية وقال : ادفنوني في ثيابي فإني مخاصم.
إلى الشهيد الذى كان يقاتل في الصف الاول ...
فلما أن رأى الحرب لا تزداد إلا شدة والقتل لا يزداد إلا كثرة ترك الصف وجاء إلى أمير المؤمنين.
فقال : يا أمير المؤمنين هو هو؟
قال : ارجع إلى صفك.
فقال له ذلك ثلاث مرات كل ذلك يقول له : ارجع إلى صفك ، فلما كان الثالثة قال له : نعم.
فرجع إلى صفه وهو يقول : اليوم ألقى الاحبة محمدا وحزبه.
فإليك يا أبا يقظان ، يا عمار بن ياسر ، أهدي إليك هذا الجهد المتواضع ... راجيا منك القبول ومن روحك الطاهرة الدعاء.
فارس
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمد الله ونسبحه عن كل نقص ، ونسأله أن يصلي على محمد الصادق الامين وعلى آله الغر الميامين.
وبعد فإن شيخنا الانصاري ـ نور الله ضريحه ـ لم يشك أحد في علو شأنه وسمو مرتبته ، وأنه هو المجدد للقرن الثالث عشر ، وهو الذي أعطى للاصول هذا الثوب الجميل ، وإليه يرجع الفخر في توسعة الاستدلال هذا الشكل الدقيق ، فحقيق أن يقال له : استاذ المجتهدين والفقهاء المحققين.
لذا صممنا ـ خدمة منا للعلم والعلماء ـ أن نحقق هذه الرسالة حول مسألة التقية ، وإخراجها بحلة قشيبة ، خالية من الاغلاط ، وإنما اخترنا تحقيق هذه الرسالة دون غيرها لما فيها من الاهمية الحيوية الماسة في حياة الفرد والمجتمع ، بالاخص وأنها من تأليف الشيخ الانصاري ، هذا الشيخ العظيم الذي يشبع البحث من كل الجهات حين الدخول فيه ، ولا يضع شيئا يعتب عليه.
ترجمة الشيخ الانصاري
اسمه ونسبه :
هو الشيخ مرتضى بن الشيخ محمد أمين بن الشيخ مرتضى بن الشيخ شمس الدين بن الشيخ محمد شريف بن الشيخ أحمد بن الشيخ جمال الدين بن الشيخ حسن بن الشيخ يوسف بن الشيخ عبيد الله بن الشيخ قطب الدين محمد بن زيد بن أبي طالب المعروف بجابر الصغير بن عبد الرزاق بن جميل بن جليل بن نذير بن جابر بن عبد الله الانصاري.
ولاجل كون انتهاء نسبه إلى الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الانصاري رضوان الله عليه كانت تسميته بالانصاري.
ونسب الشيخ هذا فيه اختلاف بين العلماء ، ونحن أثبتناه من كتاب « شخصيت شيخ انصاري » لحفيد أخي المترجم.
مولده :
ولد شيخنا الاعظم في أعظم عيد للشيعة ، ألا وهو عيد الغدير الاغر ، سنة 1214 ه ، في مدينة دزفول.
اُسرته :
أما أبوه محمد أمين فكان من العلماء العاملين والمروجين للدين المبين ، وكان من وجهاء مدينة دزفول ، وله ثلاث أولاد : المترجم ، والشيخ منصور ، وكان أديبا فقيها اصوليا حافظا للقرآن ، والشيخ محمد صادق ، وكان عالما جليل القدر فاضلا زاهدا ، وكانت الفاصلة بين واحد وآخر عشر سنين ، وكان الشيخ المترجم أكثر محبة وعطوفة عند والده من أخويه ، وتوفي الشيخ محمد أمين سنة 1248 ه في ذزفول.
وأما امه فهي بنت الشيخ يعقوب بن الشيخ أحمد الانصاري ، وكانت من النساء الصالحات العابدات في زمانها ، بحيث لم تترك نوافل الليل إلى آخر عمرها ،
وكان ولدها المترجم يعتني بها كثيرا ، بحيث كانت من عادته أن يذهب إليها بعد انتهائه من التدريس ويتحدث معها ويلاطفها ويمازحها ويدخل السرور على قلبها ، وكان يهئ لها كل ما تحتاجه حتى إسخان الماء في الشتاء لوضوئها ، ولما فقدت بصرها كان يأخذها إلى مصلاها للعبادة ويهيء لها مقدمات العبادة ، إلى أن توفيت سنة 1279 ه في النجف الاشرف.
وأما جده وهو الشيخ مرتضى فكان من العلماء الاتقياء ، وكانت له في الفقه وغيره مؤلفات قيمة ، وخلف بعده ثلاثة أولاد : الشيخ محمد أمين أبي المترجم ، والشيخ محمود ، والشيخ أحمد.
ولشيخنا الانصاري نور الله ضريحه ثلاث زوجات :
الاولى : بنت الشيخ حسين الانصاري أول أساتذته ، وكانت عالمة فاضلة متعبدة ، ولها بنت واحدة زوجها الشيخ لابن أخيه الشيخ محمد حسن ، وكان عالما متبحرا في العلوم ورعا ، وله أعقاب كثيرون.
والثانية : بنت الميرزا مرتضى المطيعي الدزفولي ، ولها بنت واحدة زوجها الشيخ للسيد محمد طاهر الدزفولي ، وكان أيضا عالما زاهدا تقيا ، وله أعقاب.
الثالثة : كانت من أهالي رشت أو اصفهان.
أسفاره :
كان الشيخ قدس الله روحه كثير السفر لاجل الاطلاع على العلماء في كل مكان والاستفادة منهم ، ومن بركة أسفاره أنه التقى بأكثر من خمسين مجتهدا واستفاد من علومهم في شتى العلوم ، وهذا مما لم يحصل لاحد من العلماء.
فأول سفر قام به الشيخ كان سنة 1232 ه ، حيث سافر من دزفول مع والده إلى العراق لاجل التشرف بزيارة الاعتاب المقدسة.
فبقي أربع سنوات في كربلاء المقدسة ، ثم رجع إلى مدينته دزفول مع جمع من أهالي دزفول ، وذلك بعد محاصرة والي بغداد كربلاء المشرفة ، فهاجر منها هو وأكثر
أهل العلم.
وبعد بقاء الشيخ ما يقارب سنة في دزفول رجع إلى كربلاء مرة اخرى.
فبقي في كربلاء سنة أو أكثر ، ثم ذهب إلى النجف الاشرف.
وبعد بقائه في النجف الاشرف سنة أو أكثر رجع مرة ثانية إلى وطنه دزفول.
فبقي في دزفول إلى سنة 1240 ه حيث عزم فيها الذهاب إلى زيارة مرقد الامام الرضا عليه السلام ، وكان في صحبته أخوه الشيخ منصور.
فلما وصل الشيخ ـ في سفره إلى زيارة الامام الرضا عليه السلام ـ إلى بروجرد بقي فيها شهرا.
ثم ذهب منها إلى إصفهان ، وهل ذهب إلى قم؟ لا يوجد مدرك نستطيع أن نستدل به على ذهابه إلى قم.
وبعد توقف الشيخ عدة أيام في إصفهان ذهب إلى كاشان ، فتوقف في كاشان أربع سنوات ، ثم ذهب إلى مشهد المقدسة مقصده الاساسي من هذا السفر.
وبعد زيارته لمرقد الامام عليه السلام رجع هو وأخوه إلى وطنه دزفول.
وكان أهالي دزفول يترقبون مجيء الشيخ وينتظرونه ، فلما سمعوا بقدومه خرجوا باستقباله على بعد أربع فراسخ من مدينة دزفول ، وحين وصل الشيخ استقبلهم برحابة صدر وحنان أبوي ودعا لهم.
وبقي الشيخ في دزفول عدة سنوات ، ثم ذهب إلى شوشتر ليسافر إلى النجف الاشرف ، وكان ذلك سنة 1249 ه.
ولما وصل إلى النجف لم يخرج منها إلا إلى الحج ، وتوقف في طريقه إلى الحج في العنيزة مدة شهرين لاسباب أمنية ، ثم واصل سفره وذهب إلى الحجاز ، وبعد أداء الحج رجع إلى النجف حيث كان مثواه النهائي فيها.
وكان الشيخ يدرك أغلب الزيارات المخصوصة للامام الحسين عليه السلام ، فكان يسافر في هذه الاوقات إلى كربلاء ويبقى فيها مدة.
دراسته ومكانته العلميّة :
قرأ شيخنا دروسه الاولى في دزفول على الشيخ حسين الدزفولي الذي كان أحد العلماء البارزين فيها.
ولما سافر مع والده لزيارة المراقد المشرفة ، ذهب هو وأبوه لزيارة السيد محمد المجاهد أحد رؤساء الحوزة العلمية في كربلاء ، فسأل السيد المجاهد والده عن الشيخ حسين الانصاري وعن إقامته لصلاة الجمعة ، فاغتنم الشيخ الفرصة للبحث مع السيد وقال : وهل يوجد شك وترديد في وجوب إقامة صلاة الجمعة ، ثم شرع في ذكر الادلة الدالة على وجوب إقامة صلاة الجمعة ، ثم شرع الشيخ بالجواب عن نفس الادلة التي ذكرها ، فتعجب السيد والحضار من ذكاء الشيخ ، ولم يكن السيد يعرف المترجم حتى سأل عنه فعرفه والده ، فطلب السيد من والده أن يبقي الشيخ في كربلاء فوافق ، وبقي الشيخ في كربلاء ، وتعهد السيد بجميع ما يحتاجه الشيخ ، فكان الشيخ مدة بقائه في كربلاء يتردد كثيرا على السيد ويدرس عنده وعند شريف العلماء.
ولما رجع الشيخ إلى كربلاء بعد ذهابه إلى دزفول حضر مرة اخرى درس شريف العلماء واستفاد منه.
وعندما صمم الشيخ أن يرحل إلى النجف الاشرف وبقي فيها سنة أو أكثر حضر درس المحقق الفقيه موسى كاشف الغطاء واستفاد من أبحاثه الثمينة.
وكان الشيخ مواظبا على تحصيل العلوم الدينية والتدريس حتى في سفره ، فنراه عندما سافر إلى مشهد درس أخاه المعالم في الطريق ، فلما وصل إلى بروجرد طلب عالمها من الشيخ البقاء فيها ليتكفل بتدريس أولاده ، ولم يكن الشيخ أسد الله البروجردي ـ عالم بروجرد ـ يعرف الشيخ ، فقال الشيخ لاخيه : ناول الشيخ ما قررته من درس المعالم ، فلما اطلع الشيخ أسد الله عليها عرف أن الشيخ صاحب فضل وعلم كثير ، فأخذه إلى بيته وأكرمه وأبقاه شهرا عنده.
ومما يدل على مقام الشيخ الشامخ وعلمه الغزير ، أن الشيخ عندما وصل ـ في
سفره إلى مشهد ـ إلى إصفهان ، كان عالمها آنذاك حجة الاسلام الرشتي ، فأراد الشيخ أن يعرف المقام العلمي لحجة الاسلام الرشتي ، فذهب إلى مجلس درسه ، وفي الدرس ألقى حجة الاسلام الرشتي إشكالا على تلاميذه وطلب منهم الجواب ، فلما سمع الشيخ الاشكال لقن الجواب لبعض من كان بجنبه ، فذهب هذا الشخص وذكر الجواب لاستاذه ، فبادر الاستاذ قائلا : هذا الجواب ليس لك ، وقائل هذا الجواب صاحب مراتب عالية من العلوم ، ثم قال : صاحب هذا الجواب إما الحجة ابن الحسن عجل الله فرجه أو الشيخ مرتضى النجفي ، فقال التلميذ : إنه للشيخ مرتضى النجفي ، فأرسل حجة الاسلام الرشتي بسرعة أشخاص ليعثروا على مكان الشيخ الانصاري ، فلما وجدوه في بعض الاماكن المعدة للزوار وأخبروه بأن الرشتي قادم لزيارته خرج هو أيضا لزيارته ، فالتقيا في الطريق ...
وفي سفر الشيخ أيضا إلى مشهد لما وصل إلى كاشان وبقي فيها أربع سنوات ليستفيد من الملا أحمد النراقي ، قال الشيخ النراقي عندما أراد الشيخ مفارقته : استفادتي من هذا الشاب ـ أي : الشيخ الانصاري ـ أكثر من إفادتي له.
وبعد الاسفار الطويلة التي كانت للشيخ أستقر في النجف ليستفيد من علمائها ، فحضر درس الشيخ علي بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، ودرس الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر ، والشيخ علي كاشف الغطاء هو آخر استاذ درس عنده الشيخ الانصاري ، ومن بعده لم يدرس على أحد ، بل كانت له حوزة مستقلة عامرة يدرس فيها.
ولما توفي الشيخ علي كاشف الغطاء كانت زعامة الشيعة بيد الشيخ حسن كاشف الغطاء أخي الشيخ علي ، والشيخ محمد حسن صاحب الجواهر.
وبعد وفاة الشيخ حسن كاشف الغطاء عام 1262 ه اختصت المرجعية بالشيخ محمد حسن صاحب الجواهر.
وفي سنة 1266 ه مرض صاحب الجواهر ، فأمر بتشكيل مجلس يحوي جميع العلماء ، فلما حضر جميع العلماء عنده قال صاحب الجواهر : أين الشيخ مرتضى ، ثم أمر
بإحضاره ، فلما بحثوا عنه وجدوه في حرم أمير المؤمنين عليه السلام يدعو لصاحب الجواهر بالشفاء ، وعند انتهائه من الدعاء حضر عند صاحب الجواهر ، فأجسله على فراشه وأخذ بيده ووضعها على قلبه وقال : الآن طاب لي الموت ، ثم قال للحاضرين : هذا مرجعكم من بعدي ، ثم قال للشيخ : قلل من احتياطاتك ، فإن الشريعة سمحة سهلة.
وهذا العمل من صاحب الجواهر ليس إلا لتعريف شخصية الشيخ الانصاري وأعلميته ، وإلا فالمرجعية غير قابلة للوصية.
فاستلم شيخنا الانصاري قدس الله نفسه الزكية زعامة الشيعة ومرجعيتها من سنة 1266 إلى سنة 1281.
ولو رجعنا إلى زمن زعامة الشيخ للشيعة لوجدناه مزدهرا بالعلماء الفحول ما لم يوجد في زمان غيره ، ومع هذا نرى نور الشيخ الانصاري طغى على الجميع وعلمه وصل إلى أعلى حد ، بحيث اتفقت الشيعة بأجمعها على مرجعيته واقتدى به جميع العلماء واستفادوا من نمير علمه.
مشايخه في القراءة والرواية :
شيخنا الانصاري لم يكن تلميذا كبقية التلاميذ ، بل كان يغتنم الفرص عند دراسته لاجل فتح المباحثات العميقة مع أساتذته ، حتى قال أستاذه النراقي : استفادتي من هذا الشاب أكثر من افادتي له ، كما مر.
فقرأ شيخنا وروى عن :
(1) السيد صدر الدين العاملي ، المتوفى سنة 1264 ه.
(2) الشيخ محمد سعيد الدينوري ، المتوفى سنة 1250 ه.
(3) الشيخ حسين الانصاري الدزفولي ، المتوفى سنة 1253 ه.
(4) الملا محمد بن حسن المازندراني المعروف بشريف العلماء ، المتوفى سنة 1245 ه.
(5) الشيخ موسى بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، المتوفى سنة 1241 ه.
(6) الشيخ علي بن الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، المتوفى سنة 1254 ه.
(7) الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر ، المتوفى سنة 1266 ه.
(
السيد محمد المجاهد ، المتوفى سنة 1242 ه.
(9) الملا أحمد النراقي ، المتوفى سنة 1245 ه.
تلامذته :
لو تفحصنا في الفترة ما بين أواسط القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر لوجدنا أكثر ـ إن لم نقل كل ـ المجتهدين والعلماء المحققين من تلامذته ، وهذه البرهة من الزمن هي وقت رواج العلم ووصوله إلى أوجه ، ولا نبالغ إن قلنا : إن عدد تلاميذه البارزين يبلغ المئات.
فمن أهم تلاميذه :
(1) السيد أحمد التفريشي ، المتوفى في حدود سنة 1309 ه.
(2) الشيخ جعفر الشوشتري ، المتوفى سنة 1303 ه.
(3) السيد جعفر القزويني ، المتوفى سنة 1316 ه.
(4) الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، المتوفى سنة 1290 ه.
(5) السيد جمال الدين أسد آبادي ، المتوفى سنة 1314 ه.
(6) الشيخ محمد جواد الحولاوي بن الشيخ مشكور ، المتوفى سنة 1272 ه.
(7) الميرزا حبيب الله الرشتي ، المتوفى سنة 1312 ه.
(
الميرزا حسن الاشتياني ، المتوفى سنة 1319 ه.
(9) الشيخ محمد حسن آل محبوبة ، المتوفى سنة 1306 ه.
(10) المجدد الشيرازي محمد حسن ، المتوفى سنة 1312 ه.
(11) الشيخ محمد حسن المامقاني ، المتوفى سنة 1323 ه.
(12) السيد حسين الكوه كمري ، المتوفى سنة 1291 ه.
(13) الميزرا حسين النوري ، المتوفى سنة 1320 ه.
(14) الشيخ محمد طه نجف ، المتوفى سنة 1323 ه.
مؤلفاته :
ألف شيخنا الاعظم كتبا كثيرة مشتهرة عليها مدار التدريس في الحوزات العلمية ، ووصلت شهرة كتبه درجة بحيث لم يكد يجهل بها أحد ، وذلك لما تحويه مؤلفاته من دقة وإمعان نظر وتحقيقات جديدة ، بحيث انه لما يدخل في بحث ما لا يترك صغيرة وكبيرة إلا ويذكرها.
وهذه المؤلفات الكثيرة الدقيقة من شيخنا ـ مع ضعف بصره وتسلمه لامور الشيعة وزعامته للحوزة وتدريسه وغيرها من مشاغل المرجعية ـ ليست هي إلا فضل الله أعطاها لهذا العبد الصالح.
فمن مؤلفاته :
(1) رسالة في إجازة الشيخ الانصاري.
وهي إجازة مبسوطة من الشيخ الانصاري لتلميذه الميرزا أحمد بن الميرزا محسن الفيض الكاشاني.
(2) الاجتهاد والتقليد.
(3) إثبات التسامح في أدلة السنن.
(4) الارث.
(5) أصول الفقه.
(6) رسالة في التحريم من جهة المصاهرة.
(7) تقليد الميت والاعلم.
(
التقية ، وهي هذه الرسالة الماثلة بين يديك عزيزي القارئ.
(9) التيمم.
(10) الحاشية على الحاشية على بغية الطالب.
وبغية الطالب للشيخ جعفر كاشف الغطاء ، والحاشية على بغية الطالب لولده الشيخ موسى.
(11) الحاشية على عوائد النراقي.
(12) الحاشية على قوانين الاصول.
(13) الحاشية على نجاة العباد.
(14) رسالة في الخلل.
(15) الخمس.
(16) رجال الشيخ.
(17) رسالة في رد القائلين بأن الاخبار قطعية الصدور.
(18) الرسائل.
هو فرائد الاصول ، محتو على خمسة رسائل في القطع والظن والبراءة والاستصحاب والتعادل ، وهو من الكتب الدرسية في الحوزات العلمية.
(19) الرضاعية.
(20) الزكاة.
(21) الصلاة.
(22) صلاة الجماعة.
(23) الصوم.
(24) الطهارة.
(25) العدالة.
(26) الغصب.
(27) الفوائد الاصولية.
(28) رسالة في القرعة.
(29) القضاء عن الميت.
(30) القضاء والشهادات.
(31) قاعدة لا ضرر.
(32) المتعة.
(33) رسالة في المشتق.
(34) المكاسب.
وهو نفسه المتاجر ، وهو من الكتب الدرسية في الحوزات العلمية.
(35) مناسك الحج.
(36) منجزات المريض.
(37) قاعدة من ملك شيئا ملك الاقرار به.
(38) المواسعة والمضايقة.
(39) النكاح.
(40) الوصية وأحكامها.
واستنسخ الشيخ قرآنا بخطه المبارك ، والوافية للفاضل التوني ، وحواشي المحقق القمي على كتابه القوانين.
أقوال العلماء في حقه :
مدح شيخنا الانصاري كثير من العلماء الربانيين ، منهم :
اُستاذه الملاّ أحمد النراقي ـ في إجازته له ـ قال : ... وكان ممن جد في الطلب ، وبذل الجهد في هذا المطلب ، وفاز بالحظ الاوفر الاسنى ، وحظي بالنصيب المتكاثر الاهنى ، من ذهن ثاقب وفهم صائب ، وتدقيق وتحقيق ودرك عائر رشيق ، والورع والتقوى والتمسك بتلك العروى الوثقى ، العالم النبيل والمهذب الاصيل ، الفاضل الكامل والعالم العامل ، حاوي المكارم والمناقب والفائز بأسنى المواهب ، الالمعي المؤيد والسالك من طرق الكمال للاسد ، ذو الفضل والنهى والعلم والحجى ... أيده الله بتأييداته وجعله من كمل عبيده ، وزاد الله في علمه وتقاه وحباه بما يرضيه ويرضاه ...
الميرزا محمد حسين الآشتياني ، قال : ... فان ما ذكرنا من التحقيق رشحة من
رشحات تحقيقاته وذرة من ذرات فيوضاته ، أدام الله إفضاله وإضلاله ، فلا تحسبنه غير خبير بهذه المطالب الواضحة ، كيف وهو مبتكر في الفن بما لم يسبقه فيه سابق ...
وقال أيضا : ... مع ما هو عليه من التفرد في دقة النظر واستقامة الرأي ، والاطلاع على فتاوى الفقهاء ـ رضوان الله عليهم ـ في عصره ، فجزاه الله عن الاسلام خيرا ، وحشره في حظيرة قدسه مع نبيه وآله الطيبين سلام الله عليهم أجمعين.
الميزرا حبييب الله الرشتي ، قال : ... هو تال العصمة علما وعملا ... مع أنه في جودة النظر يأتي بما يقرب من شق القمر ...
والي العراق ، قال ـ عندما سأله السلطان العثماني عنه ـ : هو والله الفاروق الاعظم.
النائب السياسي لبريطانيا ، قال ـ عندما رآه في الصحراء قاصدا زيارة سلمان ـ : اقسم بالله هو عيسى بن مريم أو نائبه الخاص.
المحدث النوري ، قال : ... ومن آثار إخلاص إيمانه وعلائم صدق ولائه ـ أي جابر بن عبد الله الانصاري ـ أن تفضل الله تعالى عليه وأخرج من صلبه من نصر الملة والدين ، بالعلم والتحقيق ، والدقة والزهد ، والورع والعبادة والكياسة ، بما لم يبلغه من تقدم عليه ، ولا يحوم حوله من تأخر عنه ، وقد عكف على كتبه ومؤلفاته وتحقيقاته كل من نشأ بعده من العماء الاعلام والفقهاء الكرام ، وصرفوا هممهم وبذلوا مجهودهم ، وحبسوا أفكارهم وأنظارهم فيها وعليها ، وهم بعد ذلك معترفون بالعجز عن بلوغ مرامه فضلا عن الوصول إلى مقامه ، جزاه الله تعالى عن الاسلام والمسلمين خير جزاء المحسنين.
الخوانساري ، قال : ... ومن جملة أعاظم تلاميذه ـ أي : تلاميذ الملا أحمد النراقي ـ الذي انتهت إليه رئاسة الامامية في زمانه ، وصار مسلما للكل في كمال فضله ، وجلالة شأنه ، ورشاقة جميع ما كتبه في الفقه والاصول ، وخصوصا ما يتعلق من أصوله بأدلة العقول ...
وقال أيضا : ... وكلي المرتضى العالم من غير سلسلة السادات والاكارم منحصر
في فرد شيخنا وعمادنا ، الفقيه الماهر المائر ، قدوة المحققين والمتصرفين ، واسوة المدققين والمتطرفين ...
الشيخ محمد حرز الدين ، قال : ... كان فقيها أصوليا متبحرا في الاصول ، لم يسمح الدهر بمثله ، صار رئيس الشيعة الامامية ، وكان يضرب به المثل أهل زمانه في زهده وتقواه وعبادته وقداسته ، وقد أدركت زمانه وشاهدت طلعته ونظرت إلى مجلس بحثه ، ورأيته يوما ورجل يمشي إلى جنبه ، وأتذكر أنه أبيض اللون نحيف الجسم خضب كريمته بالحناء ، يلبس لباس الفقراء وعليه عباءة صوف غليظة كدرة ، وكان مدرسا بارعا تتلمذ عليه عيون العلماء والاساتذة ، وحدثوا أنه كان متقنا للنحو والصرف والمنطق والمعاني والبيان ، وسمع أنه استطرق كتاب المطول للتفتازاني أربعين مرة ما بين بحث ودرس وتدريس ، وله في التدريس طريق خاص وأسلوب فقده معاصروه ، من طلاقة في القول ، وفصاحة في المنطق ، وحسن تقريب آراء المحققين ، وبيان رأي المحتكر من المبتكر ، وإبراز المآرب ، والاستدلال عليها بأحسن بيان وأقطع برهان ... وقد جمع بين الحفظ ، وسرعة الانتقال ، واستقامة الذهن ، وقوة الغلبة على من يحاوره ... وكان عالي الهمة أبيا ، ومن علو همته أنه كان يعيش عيشة الفقراء ، ويبسط البذل على الفقراء والمحتاجين سرا.
الشيخ الطهراني ، قال : حتى اجتمع ـ أي : الميرزا الشيرازي ـ مع الشيخ المرتضى الانصاري ، فرآه من أهل الانظار العالية ، والتحقيقات الجيدة ، فعزم على المقام في النجف لاجله ، وعدل عن الرجوع إلى إصفهان ، وأخذ بالخوض في مطالب الشيخ بغاية جهده وكده ، والغوص فيها بقاطع ضرسه ، حتى اغتنم كنوزها ، وحقق حقائقها ...
السيد الامين ، قال : الاستاذ الامام المؤسس ، شيخ مشايخ الامامية ... وضع أساس علم الاصول الحديث عند الشيعة وطريقته الشهيرة المعروفة ، إلى أن انتهت إليه رئاسة الامامية العامة في شرق الارض وغربها ... وصار على كتبه ودراستها معول أهل العلم ، لم يبق أحد لم يستفد منها ، وإليها يعود الفضل في تكوين النهضة العلمية
الاخيرة في النجف الاشرف ، وكان يملي دروسه في الفقه والاصول صباح كل يوم وأصيله في الجامع الهندي ، حيث يغص فضاؤه بما ينيف على الاربعمائة من العلماء الطلاب ، وقد تخرج به أكثر الفحول من بعده ... وانتشرت تلاميذه ، وذاعت آثاره في الآفاق ، وكان من الحفاظ ، جمع بين قوة الذاكرة وقوة الفكر والذهن وجودة الرأي ، حاضر الجواب ، لا يعييه حل مشكلة ولا جواب مسألة ، وعاش مع ذلك عيشة الفقراء المعدمين ، متهالكا في إنفاق كل ما يجلب إليه على المحاويج من الامامية في السر خصوصا ، غير مريد للظهور والمباهاة بجميع ذلك ، حتى لم يبق لوارثه ما له ذكر قط.
وفي نظم الآل ، قال : انتهت إليه رئاسة الامامية بعد مشايخنا الماضين ، وهو بها حقيق ، إذ لا يباريه أحد في التقى وكثرة الصلاة والصلات والعلم أصولا وفروعا والعمل وحسن الاخلاق ، له كتب في الاصول والفقه لا يسع الواقف عليها وعلى ما فيها من الدقائق العجيبة والتحقيقات الغريبة ، مع لزوم الجادة المستقيمة والسليقة المعتدلة ، لا الالتزام لما يرى بالموافقة والتسليم حتى يرى المجتهد الناظر في ذلك نفسه كالمقلد ، وذلك أقل شيء يقال في حقه ، فقد اشتهر أمره في الآفاق وذكره على المنابر على وضع لم يتفق قبله لغيره ، وكان مرجعا للشيعة قاطبة في دينهم ودنياهم.
الميرزا نصر الله الدزفولي ، قال : استاذ الاساتيذ ، مفخر العلماء الزاهدين ، الاستاذ المفخم ... كان في الاخلاق الاوحد في العالم ، وفي العلم والزهد والتقوى لا يوجد له نظير ، وكان كثير التعظيم والتوقير للعلماء عند ذكر أساميهم.
الزركلي ، قال : فقيه ورع إمامي ...
الشيخ مرتضى ـ حفيد الشيخ منصور أخي المترجم ـ قال : كان رأس العلماء الامامية وأكمل فقهاء الشيعة ، وكان نابغة من بين كبار العلماء ، اشتهر صيته ومكانه الشامخ ومرتبته العلمية بين جميع أهل العلم والفضل ، حتى سماه بعض الفقهاء : خاتمة الفقهاء والمجتهدين.
الشيخ محمد جعفر ـ حفيد الشيخ منصور أخي المترجم ـ قال : المولى القمقام ، وقدوة الانام ، فحل الاعلام ، وفريدة الايام ، الخائض في أسرار المدارك ، والغائص في
بحار المسالك ، ممهد القواعد ، وجامع المقاصد ، كاشف رموز الدلائل ، نخبة الاواخر والاوائل ، مهذب القوانين المحكمة ، ومحرر الاشارات المبهمة ، فاتح صحيفة السداد والرشاد ، وخاتم رقيمة الفقاهة والاجتهاد ، شمس الفقهاء والمجتهدين ، مرتضى المصطفى ، ومصطفى المرتضى ، كهف الحاج ، شيخنا الاعظم ، وأستاذنا الاعلم ، آية الله في الورى ...
الشيخ عباس القمي ، قال : الشيخ الاجل الاعظم ، الاعلم العالم الزاهد ، وواحد هذا الدهر وأي واحد ، خاتم الفقهاء والمجتهدين ، وأكمل الربانيين من العلماء الراسخين ، المتحلي من درر أفكاره مدلهمات غياهب الظلم من ليالي الجهالة ، والمستضئ من ضياء شموس أنظاره خفايا زوايا طرق الرشد والدلالة ، المنتهي إليه رئاسة الامامية في العلم والورع والاجتهاد والتقى ، العالم الرباني ، والمحقق بلا ثاني ، شيخ الطائفة ...
وقال أيضا : ... وقد يطلق الشيخ في عصرنا هذا وقبيله على الشيخ الاجل الاعظم الاعلم ، خاتم الفقهاء العظام ، ومعلم علماء الاسلام ، رئيس الشيعة من عصره إلى يومنا هذا بلا مدافع ، والمنتهي إليه رئاسة الامامية في العلم والعمل والورع والاجتهاد بغير منازع ، مالك أزمة التحرير والتأسيس ، ومربي أكابر أهل التصنيف والتدريس ، المضروب بزهده الامثال ، والمضروب إلى علمه اباط الامال ، الخاضع لديه كل شريف ، واللائذ إلى ظله كل عالم عريف ، آية الله الباري ... الذي عكف على كتبه ومصنفاته وتحقيقاته كل من نشأ بعده من العلماء الاعلام والفقهاء الكرام.
الشيخ محمد جواد مغنية ، قال : ـ في ختام كتابه علم الاصول في ثوبه الجديد ـ ... وختاما فإن الغرض الاول من هذه الصفحات أن تكون تبصرة للمبتدي وتذكرة للمنتهي ، فان بلغت هذه الغاية فمن توفيق الله وفضله ، وإلا فهي جهد العاجز ، فقد بذلت أقصى ما أملك من جهد بخاصة من أجل تفهم أقوال الشيخ الانصاري وتفهيمها بأوضح عبارة ، وبصورة أخص الاصول العملية ، فقد قضيت مع هذا الشيخ العظيم السنوات ، وانتفعت بعلمه كما انتفع بها الكبار والصغار على مدى الاجيال ...
وقال أيضا : وكان الانصاري في نفسي وما زال عملاق الاقطاب ومصباحهم ، ولكن الصورة التي انعكست عنه في ذهني قد ربت وعلت ـ وأنا منصرف بكل كياني إلى أقواله أتتبعها وامعن فيها الفكر والنظر كمصدر لكتابي هذا ـ وهي أن هذا العملاق المتواضع لو أتى بأعجب العجب لا يراه وافيا بما يبحثه ويحلله ويغربله! وهكذا الكبير كلما اتسعت آفاقه صغرت في نفسه أشياؤه وآلاؤه ...
وقال أيضا : وأيضا يظهر لي جليا من الاستقراء والاستيفاء أن كل من كتب في الاصول اللفظية من الاقطاب بعد صاحب الحاشية الكبرى على المعالم فهو عيال عليه ، وأن كل من كتب في الاصول العملية منهم بعد الشيخ الانصاري فقد اغترف من بحره الزاخر ...
أقول : وأجمل وصف نستطيع أن نصف به شيخنا الانصاري : أنه من شيعة الامام جعفر الصادق عليه السلام الذين وصفهم بأنهم : أهل الورع والاجتهاد ، وأهل الوفاء والامانة ، وأهل الزهد والعبادة ، أصحاب إحدى وخمسين ركعة في اليوم والليلة ، القائمون بالليل ، الصائمون بالنهار ، يزكون أموالهم ، ويحجون البيت ، ويجتنبون كل محرم.
تقواه وزهده وتواضعه :
كان الشيخ الاعظم مصداقا لجميع مكارم الاخلاق ، اقتداء منه بنبيه الاكرم محمد وأئمته الاطهار سلام الله عليهم أجمعين.
فلما توفي صاحب الجواهر بعد أن ذكر للعلماء أن أعلم الناس بعده هو الشيخ الانصاري ، امتنع الشيخ من الفتوى وأرسل رسالة إلى سعيد العلماء المازندراني وقال له : بأنا لما كنا في كربلاء وكنا نحضر درس شريف العلماء كانت استفادك وفهمك اكثر مني ، فالآن الاولى لك أن تأتي إلى النجف وتستلم هذا الامر المهم.
فأجابه سعيد العلماء : بأن قولك صحيح ، لكنك كنت في هذه المدة مشغولا بالدرس والتدريس والمباحثة ، وأنا تسلمت أمور الناس ، فأنت أولى مني.
فلما وصلت رسالة سعيد العلماء إليه ذهب إلى حرم أمير المؤمنين عليه السلام وطلب منه أن يعينه على هذا الامر الخطير ، وأن يحفظه من الوقوع في الخطأ والزلل.
ولما عرضت عليه فلوس الهند المعروفة أبى أن يقبلها ، وذلك أن هذه الاموال موضوعة في أحد بنوك بريطانيا ، أصلها من مال أمرأة هندية أوصت أن تصرف في كربلاء والنجف برأي المجتهدين ، فطلب قنصل بريطانيا من الشيخ أن يأخذ منها شيئا ويعطيه وصولا بالتمام ، فأبى ، فسلمت لغيره ممن قبل ذلك.
وقال له بعض أصحابه : إنك مبالغ في إيصال الحقوق إلى أهلها ، فأجابه : ليس لي بذلك فخر ولا كرامة ، إذ من شأن كل عامي وسوقه أن يؤدي الامانات إلى أهلها ، وهذه حقوق الفقراء أمانة عندي.
فكان رضوان الله عليه يرى مساعدة الفقراء والمحتاجين من وظائفه الواجبة ، وكان هذا ديدنه من حين صغره ، فلما عرف أن في ناحية من مدينته عاجزا فقيرا شرع باعطاء عشائه كل ليلة إلى الفقير وهو ينام بدون عشاء أو يكتفي بشيء يسير من الطعام.
وكان كثير من الفقراء لهم راتب خاص من الشيخ.
وكانت للشيخ اسوة بسيده أمير المؤمنين عليه السلام ، فكان يذهب إلى أبواب بيوت الفقراء سرا ويوصل إليهم ما يحتاجونه من دون أن يعرفهم نفسه ، وعرفوه بعد ما فارقت روحه الطيبة الحياة.
وكان رحمه الله كلما وصلت إليه هدايا ثمينة يعطيها لملا رحمة الله ليبيعها ، ثم يوزع الاموال على الفقراء.
وكان مع وصول جميع حقوق الشيعة إليه ، مع هذا كان يعيش عيشة الفقراء ، ويكتفي من قوته بما يسد رمقه.
ولما سعي بالشيخ بأنه يخفي الاسلحة في بيته أرسل والي النجف إلى بيت الشيخ عسكرا ليفتشوا البيت ، فلما ذهبوا لم يجدوا سلاحا وتعجبوا من زهد الشيخ بحيث لم يجدوا بيته مفروشا.
وكان شيخنا الاعظم إذا سافر يعاد له في المحمل خادمه الشيخ رحمة الله وتحت كل منهما بطانة من الكرباس الاخضر بلا ظهارة.
والشيخ مع عظمته العالية كان يصغي إلى كل من يتكلم أو يسأل في مجلس درسه وإن كان من أصاغر طلبته.
وفي مدة تدريسه حدث أن بعض الايام كان الشيخ يتأخر عن موعده للوصول إلى الدرس ، فلما سئل عن سببه قال : إن أحد السادات حصلت له رغبة في تحصيل العلوم الدينية ، فطلبت من عدة أشخاص أن يلتزموا بتدريسه المقدمات فلم يوافقوا ، لذا شرعت بتدريسه المقدمات.
وكانت عادة الشيخ في كل ليلة جمعة أن يقيم مجلس العزاء ، ثم يطعم بعض الفقراء.
وعن الشيخ محمد حسن المامقاني : أن الشيخ الانصاري قضى صلاة عمره ثلاث مراة.
وقال الشيخ علي الكني : إني عاصرت الشيخ المرتضى الانصاري قدس سره عشرين سنة في كربلاء ، ولم يكن للشيخ الانصاري مما يملك من الاثاث إلا عمامة يفرشها ليلا فراشا له في الصيف ويعتم بها إذا خرج لحوائجه.
هذا شيء قليل من الحكايات الدالة على زهده وورعه وتواضعه نكتفي به ، وإلا فالكتب الكبيرة لا تسع ذكر الحكايات الدالة على كراماته وخلقه السامي وتشرفه بلقاء مولانا الحجة ابن الحسن عجل الله فرجه.
وفاته ومدفنه :
توفي شيخنا في النجف الاشرف بداره في محلة الحويش ، وغسل على ساحل بحر النجف غربي البلد ، نصبت له خيمة هناك ، وهي أول خيمة نصبت في هذا الشأن.
وكانت وفاته بعد مضي ست ساعات من ليلة السبت الثامن عشر من جمادى الثانية سنة 1281 ه على عمر 67 سنة.
وغسله بحسب وصيته تلميذاه العالمان الحاج مولى علي محمد الخوئي والاخوند المولى علي محمد الطالقاني.
ولما سمع الناس بوفاة الشيخ هاجوا بجميع طبقاتهم من كل جانب ومكان لتشييع جثمانه ، حتى اتصل السواد من سور النجف إلى ساحل البحر ، ولم يكن له قدس سره قرابة وجيه في البلد سوى تقاه وعلمه الجم الذي كان يضيء.
وصلى عليه بوصية منه الحاج السيد علي الشوشتري.
ودفن في صحن أمير المؤمنين عليه السلام في الحجرة المتصلة بباب القبلة في جوار عديله في الصلاح والزهد الشيخ حسين نجف ، وقبره معروف لحد الآن وعليه شباك.
ولما توفي الشيخ كان عنده سبعة عشر تومان إيراني ، وبهذا المقدار كان مقروضا بحيث لم يستطع أقرباؤه أن يقيموا العزاء عليه ، فقام بنفقة عياله ومصرف فاتحته ستة أيام رجل نجفي من أهل المجد.
وأرخ وفاته بعض العلماء حيث قال :
رعاك الهدى أيها المرتضى
وقل بأني أقول رعاك
أقمت على باب صنو النبي
وجبريل قد خط فيه ثراك
فأصبحت بابا لعلم الوصي
وهل باب علم الوصي سواك
كأنك موسى على طوره
تناجى به الله لما دعاك
وليس كطورك طور الكليم
ووادي طوى منه وادي طواك
طوى الشرع من تاريخه
« حوى الدين قبرك إذ قد حواك »
فسلام عليه يوم ولد ويوم توفي ويوم يبعث حيا.
عملنا في الرسالة :
أول شيء عملناه في هذه الرسالة هو إخراج نصها بصورة صحيحة ، فاعتمدنا
في تحقيقنا لها :
على الرسالة المطبوعة آخر كتاب الطهارة للمؤلف المطبوعة سنة 1298 ه ، ورمزنا لها بحرف (ط).
وعلى الرسالة المطبوعة آخر كتاب المكاسب للمؤلف المطبوعة سنة 1375 ه بخط طاهر خوش نويس ، ورمزنا لها بحرف (ك).
ثم شرعنا بتخريج أقوال الكتاب ورواياته من مصادرها الرئيسية.
فضبطنا نص الكتاب بمقابلته على النسختين ومصادره ، وأثبتنا الاختلافات التي لها معنى.
ثم ترجمنا الاعلام الواردين في الرسالة ، وعرفنا الكتب الورادة فيها.
سائلين الله سبحانه وتعالى القبول والتوفيق والسداد.
قم المشرفة
17 ـ ربيع الاول ـ 1410 ه
ذكرى ميلاد الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم
فارس محمد رضا الحسون
مصادر المقدّمة :
(1) الأعلام ، لخير الدين الزركلي ، طبع دارالعلم لملايين ن بيروت.
ج 7 ص 201.
(2) أعيان الشيعة ، للسيّد محسن الأميني ، طبع دارالتعارف للمطبوعات ، بيروت.
ج 10 ص 107 ـ 119.
(3) بحر الفوائد ، للميرزا محمّد حسن الآشتياني ، طبع منشورات المكتبة العامة لآية الله المرعشي ، قم.
ج 1 ص 52 و 284.
(4) بدائع الأفكار ، للميرزا حبيب الله الرشتي ، طبع مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، قم.
ص 457.
(5) ترجمة الشيخ الأنصاري في مجلة النبراس ، لحسن الموسوي طبع مؤسسة الفكر الاسلامي ، بيروت.
(6) ترجمة الشيخ الأنصاري في مقدّمة فرائد الأصول ، لعبد الله النوراني ، طبع مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين ، قم.
(7) خاتمة المستدرك ، للميرزا حسين النوري ، طبع المكتبة الإسلامية ، طهران. ص 382 و 383.
(
الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، للشيخ الطهراني ، طبع دار الأضواء ، بيروت. ج 1 ص 87 و 272 و 449 ، وج 2 ص 210 ، وج 4 ص 393 و 405 و 518 ، وج 6 ص 59 و 179 و 227 و 275 و 279، وج 7 ص 256 ، وج 10 ص 150، وج 11 ص 26 و 194 ، وج 12 ص 44 ، وج 13 ص 80 ، وج 15 ص 60 و 62 و 100 ، وج 16 ص 323 ، وج 17 ص 11 و 12 و 57 و 139 ، وج 19 ص 12 ، وج 21 ص 42 ، وج 22 ص 273 ، وج 23 ص 19 و 223 ، وج 24 ص 300 ، وج 25 ص 109.
(9) روضات الجنات ، للميرزا محمّد باقر الخوانساري طبع مكتبة إسماعيليان ، قم.
ج 1 ص 98 ، وج 7 ص 167.
(10) ريحانة الأدب ، لمحمّد علي التبريزي ، طبع مطبعة شركت سهامي.
ج 1 ص 117.
(11) شخصيت شيخ أنصاري « حياة الشيخ الأنصاري » ، للشيخ مرتضى الأنصاري حفيد أخي الشيخ الأنصاري ، طبع مطبعة الاتحاد.
(12) علم الاصول الفقه في ثوبه الجديد ، لمحمّد جواد مغنية ، طبع انتشارات ذوالفقار ، قم.
ص : 488 و 449.
(13) الفوائد الرضوية ، للشيخ عبّاس القمّي. ص 644.
(14) الكنى والألقاب ، للشيخ عبّاس القمّي ، طبع انتشارات بيدار ، قم. ج 2 ص 359.
(15) معارف الرجال ، للشيخ محمّد حرز الدين ، طبع مطبعة الآداب ن النجف.
ج 2 ص 112 و 399 ـ 404.
(16) هدية الرازي ، للشيخ الطهراني ، طبع مطبعة الآداب ، النجف.
ص 36.