الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
اهل البيت
المواضيع الأخيرة
» المحكم في اصول الفقه ج3
 مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه  Emptyاليوم في 8:41 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» المحكم في أصول الفقه [ ج4
 مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه  Emptyاليوم في 7:55 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» الصحيفه السجاديه كامله
 مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه  Emptyأمس في 9:49 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» القول الرّشيد في الإجتهاد والتقليد [ ج ١ ]
 مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه  Emptyأمس في 3:11 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه
 مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه  Emptyأمس في 2:36 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» قاعدة لا ضرر ولا ضرار
 مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه  Emptyأمس في 8:51 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» القول المبين
 مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه  Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:46 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» ------التقيه
 مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه  Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:37 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  فقه الحضارة
 مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه  Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:25 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

      مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

     مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه  Empty
    مُساهمةموضوع: مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه     مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه  Emptyأمس في 2:22 pm


    بسم الله الرحمن الرحيم
    المسألة 1 : يجب على كلّ مكلّف في عباداته ومعاملاته أن يكون مجتهدا أو مقلّدا أو محتاطا.

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريّته سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد وأهل بيته الطيّبين الطّاهرين سيّما بقيّة الله في الأرضين ، واللعن على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدّين.
    هذه أول مسألة من المسائل الفقهيّة المدوّنة في الرسائل العمليّة وهي متكفّلة لبيان وظائف المكلّفين بالنسبة إلى أحكام الله الواقعيّة المنجّزة عليهم بسبب علمهم بها إجمالا ، وهي تتلخّص في أحد امور ثلاثة :
    الاجتهاد والتقليد والاحتياط
    وجوب الامور المذكورة فطري وعقلي.
    وأمّا كونه فطريّا فمن جهة ان مقتضى فطرة كلّ ذي حياة هو الفرار والتحرّز عن الضرر ، والإنسان أيضا من جهة كونه واجدا لأعلى درجة من الحياة يحترز من الضرر ، وحيث انّ أحكام الله تعالى الواقعية قد تنجّزت عليه بسبب علمه بها ـ كما قلنا ـ فلذا يرى التعرّض لها والخروج عن عهدتها لازما عليه دفعا للعقاب المحتمل ، وهو لا يحصل إلّا بأحد الامور الثلاثة المتقدّمة.
    وأمّا كونه عقليّا فمن أجل لزوم شكر المنعم عقلا ، فإن الإنسان من


    جهة كونه عاقلا ومن جهة ايمانه بخالقه وصفات جلاله وجماله وانه تعالى بلطفه ومنّه «قد بعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبيائه ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكّروهم منسيّ نعمته ، ويحتجّوا عليهم بالتبليغ ، ويثيروا لهم دفائن العقول ويروهم الآيات المقدّرة من سقف فوقهم مرفوع ، ومهاد تحتهم موضوع ، ومعايش تحييهم ، وآجال تفنيهم ، وأوصاب تهرمهم ، وأحداث تتابع عليهم ، ولم يخل سبحانه خلقه من نبيّ مرسل أو كتاب منزل أو حجّة لازمة أو محجّة قائمة». (1)
    يحكم عقله حكما قاطعا بأنه يلزمه الشكر لنعمه المتوافرة ، وهو لا يحصل إلّا بالعمل بأحكامه تعالى اجتهادا أو تقليدا أو احتياطا.
    الاجتهاد هو الأصل الوحيد
    وليعلم انّ الاجتهاد وهو التصدّي لتحصيل العلم بالحجّة للاستناد إليها في مقام العمل هو الأصل الوحيد والركن السديد من بين الامور الثلاثة المتقدّمة «الاجتهاد والتقليد والعمل بالاحتياط».
    وأما التقليد : وهو العمل برأي من قامت عنده الحجّة على الحكم الشرعي ، ويقتضيه ارتكاز العامي وفطرته الحاكمة برجوع الجاهل إلى العالم ، وعليه أيضا جرى بناء العقلاء في حياتهم الاجتماعية ، فهو انّما تصل إليه النّوبة بعد العجز عن الاجتهاد ، وفي ظرف عدم القدرة عليه ، فهو في طول الاجتهاد بحسب المرتبة لا في عرضه.
    __________________
    (1) نهج البلاغة : الخطبة الاولى.

    وقد ظهر ممّا ذكرنا ان أصل لزوم التقليد عقلي ، ولا يمكن أن يكون تعبّديا وتقليديّا لاستلزامه حينئذ الدّور أو التسلسل ، لأنّ وجوب الرجوع إلى زيد «المجتهد مثلا» لو كان بتقليد عمرو «المجتهد» ننقل الكلام إلى قول عمرو ، فبأيّ دليل صار حجّة ، فإن كان بسبب قول بكر وهكذا يلزم التسلسل (والمراد من التسلسل في أمثال المقام هو عدم انتهائه إلى حدّ يقف فيه لا التسلسل الفلسفي) وإن رجع حجّية قول عمرو إلى قول زيد مثلا يلزم الدور ، وسيأتي البحث في بعض الجوانب الأخر من التقليد.
    وأمّا العمل بالاحتياط فهو : أوّلا : مما لا يمكن في جميع الموارد لاستلزامه اختلال النظام لكثرة المحتملات وكذا في أغلب الموارد لاستلزامه العسر والحرج «ولذلك لم نر من يعمل به من بين المسلمين».
    وثانيا : انه لا يتمشّى فيما إذا دار الأمر بين الوجوب والحرمة ، وفيما إذا كان محتمل الوجوب عبادة واحتمل المكلّف عدم جواز الامتثال الإجمالي في العبادات عند التمكّن من امتثالها تفصيلا اجتهادا أو تقليدا ، وكذا إذا احتمل دخالة قصد الوجه والتمييز ولو بالاجتهاد أو التقليد ، فيلزم عليه حينئذ الاجتهاد ولو لم يمكن فالتقليد ، فانقدح ان العمل بالاحتياط ليس في عرض الأوّلين بحسب المرتبة ، بل في طولهما ، فالاجتهاد هو الأصل الوحيد والركن السديد كما ذكرنا.
    الاجتهاد
    وأخصر ما قيل في تعريفه انه : تحصيل الحجّة على الحكم عن ملكة.

    ويتوقّف الاجتهاد على امور :
    1 ـ معرفة اللغة العربية وقواعدها ، فإن الكتاب المجيد والأخبار الصادرة عن النبيّ الأقدس صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام قد وردت باللغة العربية ، فالاستفادة منهما واستيعاب مفاهيمهما بدون الاطّلاع على اللغة العربية غير ممكن.
    2 ـ معرفة الكتاب العزيز بالمراجعة إلى التفاسير خصوصا التفاسير المتكفّلة لتفسير الآيات بالأخبار الواردة عن المعصومين عليهم‌السلام كتفسير البرهان ونور الثقلين والصافي.
    3 ـ علم الاصول ، ومسيس الحاجة إليه في الاجتهاد ممّا لا يخفى ، فإن القواعد التي قد تكفّل هذا العلم لتشييدها وتنقيحها سواء أكانت من المسائل المرتبطة بالألفاظ وهيآتها أم من القواعد العقلية المحضة ، أم من القواعد المتعلقة بحجية الاصول ومجاريها وأحكام تعارضها وغيرها ، أم من القواعد المبيّنة لكيفيّة الجمع بين المتعارضين من الأخبار العلاجية وغيرها ممّا لا يستغني عنه أيّ مجتهد.
    فما ذهب إليه الأخباريّون من أصحابنا من إنكار شأن علم الاصول فممّا لا ريب في بطلانه ، فهل يسوغ للأخباري أن يستغني عن مثل هذه المسائل مع ان أكثر مداركها مأخوذ من الكتاب العزيز والأخبار الصادرة عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، وهذا صاحب الحدائق وقد عدّ من رؤساء الأخباريين ، هل كان يمكن له أن يستنبط الأحكام من الكتاب العزيز وأخبار الأئمّة الأطهار مع قطع النظر عن هذه القواعد؟ وإن شئت فارجع إلى الحدائق تجد صحّة ما ذكرنا.

    4 ـ التتبّع التامّ في الأخبار الصادرة عن أهل البيت عليهم‌السلام والانس والإحاطة بها ، إذ بها دارت رحى الاستنباط عند فقهاء الإماميّة في عامّة الأدوار والأعصار وبالممارسة فيها تحصل القوّة القدسيّة التي بها يكون الفقيه فقيها.
    قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا». (1)
    وقال عليه‌السلام أيضا : «ممّن روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا. (2)
    5 ـ علم الرجال والدراية ، وذلك لأنّ غالب الأحكام الشرعية يستفاد من الأخبار المأثورة عن أهل البيت عليهم‌السلام وليس كل خبر حجّة ، لأنهم عليهم‌السلام قد قالوا إنّا لا نخلو عن كذّاب يكذب علينا ، فلا بدّ من تمييز الغثّ عن السمين ، ولا يحصل ذلك إلّا بالبحث والتنقيب عن أحوال الرواة الواقعين في سلسلة السند واحدا بعد واحد.
    6 ـ الاطلاع على فتاوى الأصحاب خصوصا قدمائهم الذين كان دأبهم الفتوى على أساس متون الروايات ، وكذا الاطلاع على فتاوى العامّة الدارجة في أعصار الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام وذلك لأنه يظهر من كثير من الأخبار ان الأئمة الأطهار عليهم‌السلام كانوا ناظرين إلى ما في أيدي العامة وفقهائهم من الروايات والفتاوى في تلك العصور المظلمة ، وعليه فتمييز ما هو الصادر منهم عليهم‌السلام تقية أو ردّا على ما هو الدارج في أيديهم يحتاج إلى الاطّلاع على فتاويهم ورواياتهم في تلك الأزمنة.
    __________________
    (1) الوسائل الباب 9 من أبواب صفات القاضي ح 27 ج 18
    (2) الوسائل الباب 9 من أبواب صفات القاضي ح 1 ج 18

    معنى التقليد
    واللّازم في المقام هو البحث عن أمرين :
    1 ـ ما هو التقليد؟
    2 ـ ما هو الباعث للعامي على التقليد؟
    أما الأول : فنقول :
    التقليد لغة : من القلادة ، وهي الّتي تجعل في العنق ، في عنق نفسه أو في عنق غيره ، ومناسبة معناه لبحث الاجتهاد والتقليد واضحة ، لأنّها إمّا باعتبار ان العامي يجعل دينه وتبعات أعماله المرتبطة بدينه في عنق مفتيه ، فمعنى تقليده للفقيه جعل دينه الّذي نزّل منزلة القلادة في عنق الفقيه ، وإمّا باعتبار انه يجعل فتاوى الفقيه التي قد شبّهت بالقلادة في عنق نفسه ، بمعنى انه يلتزم بها ولا يتحرّك ولا يسكن إلّا معها وباستنادها ، فإطلاق لفظ التقليد في المقام مشتمل على تشبيه وتنزيل من باب تشبيه المعقول بالمحسوس.
    ويشهد على صحّة الإطلاق بالاعتبار الأوّل ما رواه أبو بصير قال : دخلت أمّ خالد العبديّة على أبي عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده فقالت : جعلت فداك يعتريني قراقر في بطني وقد وصف لي اجناد العراق النّبيذ بالسويق؟ فقال عليه‌السلام : ما يمنعك من شربه؟ فقالت : قد قلّدتك ديني ، فقال عليه‌السلام : فلا تذوقي منه قطرة لا والله لا آذن لك في قطرة منه ، فإنّما تندمين إذا بلغت نفسك هاهنا ، وأومأ بيده إلى حنجرته ـ يقولها ثلاثا ـ أفهمت؟ فقالت : نعم ، ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما يبلّ الميل ينجس حبّا من ماء يقولها

    ثلاثا. (1)
    وشهادة العرف على صحّة الإطلاق بالاعتبار الثاني أيضا واضحة.
    فالمكلّف العامي في مقام الامتثال لأحكام الله الواقعيّة التي قد صارت منجّزة عليه بسبب علمه بها اجمالا لا بدّ من أن يستند إلى الحجّة ، وليست هي ـ بعد عدم العمل بالاحتياط ـ إلّا قول المفتي ـ على ما سيجيء ـ وحينئذ لا طريق له في الخروج عن عهدتها إلّا التقليد بالمعنى الّذي ذكرناه.
    هذا بحسب معناه اللّغوي وأمّا المراد منه في عرف الفقهاء والاصوليّين وكلماتهم ، فقد اختلفوا فيه على أقوال شتّى ، وفرّعوا على الخلاف فيه بعض المسائل الفقهيّة ـ كما سنذكره ـ والأقوال كما يلي :
    الأول : انّه الالتزام بقول الغير كما في تعريف السيّد الفقيه الطباطبائي في العروة.
    الثاني : انّه قبول قول الغير من غير دليل كما عن الفخر.
    الثالث : انّه الأخذ بقول الغير.
    الرابع : انّه تعلّم الأحكام عن الغير.
    الخامس : انّه نفس العمل بقول الغير كما عن النهاية والمعالم وشرح المختصر. (2)
    ومن جملة المسائل الّتي فرّعوها على الخلاف في المراد من التقليد بعض المسائل المرتبطة بالعدول عن مجتهد إلى آخر ومسألة البقاء على تقليد الميّت.
    فمن الثاني : ما في رسالة الاجتهاد والتقليد لشيخنا الأعظم الأنصاري
    __________________
    (1) الوسائل ج 17 ص 275 الحديث 2 من الباب 20 من أبواب الأشربة المحرّمة.
    (2) وسيظهر لك ممّا نذكره انّ القول الخامس هو الأوجه.

    فإنه ربّما يتوهّم منه انه لو قلنا بأن التقليد هو الالتزام لجاز البقاء على تقليد الميّت فيما إذا مات المجتهد بعد الالتزام بالعمل على فتواه وإن لم يعمل بها وإن قلنا بأنه العمل لم يجز البقاء ما لم يعمل به. (1)
    كما انه من الأوّل ما في كلمات بعضهم في مسألة العدول عن الحيّ إلى الحيّ المساوي فإنه لا يجوز العدول إلى الثاني بعد الالتزام وإن لم يعمل لو قلنا بأن التقليد هو الالتزام وهذا بخلاف ما لو قلنا انه هو العمل بقول الغير فإنه يجوز العدول إلى الحيّ حينئذ وإن حصل التعلّم والالتزام لعدم تحقّق التقليد على الفرض ما لم يعمل.
    وفساد هذا التوهّم وأمثاله ممّا لا يخفى لأنّ حرمة العدول في الفرض وجواز البقاء على تقليد الميّت وعدمه لا تدور مدار انّ التقليد هو الالتزام أو التعلّم لا العمل بل المتّبع في ذلك هو ما تقتضيه القواعد ، واطلاقات أدلّة حجّية الفتوى من الآيات والأخبار والسيرة وسيأتي ذكرها ، إذ ليس عنوان البقاء على تقليد الميّت وكذا عنوان العدول عن التقليد بمالهما من المعنى واردين في لسان الدليل كي يلحظ تحقّق مفهوم البقاء على التقليد أو العدول عن التقليد في مورد وعدم تحقّقهما فيه.
    والقائلون بكون التقليد عبارة عن الالتزام انّما قالوا به فرارا عن محذور سبق الشيء على نفسه كما في الكفاية للمحقّق الخراساني فإنه بعد تعريفه بأنه أخذ قول الغير ورأيه للعمل به في الفرعيات قال : ولا يخفى انّه لا وجه لتفسيره بنفس العمل ضرورة سبقه عليه ، وإلّا كان بلا تقليد ، انتهى.
    ومراده «رحمه‌الله» ان العمل مسبوق بالتقليد ومتوقّف عليه ، وحينئذ
    __________________
    (1) رسالة الاجتهاد والتقليد للشيخ الأعظم الأنصاري ص 46

    فلو كان العمل محقّقا للتقليد كان التقليد مسبوقا بالعمل فيلزم سبق الشيء على نفسه.
    وفيه ما لا يخفى من عدم صحّة المقدّمة الثانية ، فإن التقليد حينئذ نفس العمل الكذائي لا انه مسبوق به ومتوقّف عليه ، وتوضيحه : انّ العمل يكون على نحوين :
    1 ـ العمل المستقلّ.
    2 ـ العمل التابع للغير.
    والثاني هو التقليد ، فالتقليد هو نفس العمل الكذائي ـ أي العمل الصادر عن الشخص تبعا للغير ـ لا انه متوقّف عليه ومتأخّر عنه.
    والتحقيق ـ كما ظهر ممّا ذكرنا آنفا ـ : انّه لا فائدة في البحث عن مفهوم التقليد لأنّه لا يثمر شيئا ، إذ ليس في الأدلّة الدائرة في المقام شيء مترتّب على لفظ «التقليد» حتّى يلزم علينا البحث عن معناه ، فالمهمّ بيان ما هو وظيفة الجاهل في مقام الخروج عن عهدة التكاليف الشرعيّة.
    ولا ريب ان وظيفته هي العمل على طبق فتوى المجتهد ، كما انّ وظيفة المجتهد هي العمل على طبق ما استنبطه ، كما ان المهم في بحث جواز البقاء على تقليد الميّت وعدمه ـ كما سيجيء إن شاء الله تعالى ـ هو البحث عن انّ الأدلّة التي اقيمت على لزوم رجوع الجاهل إلى العالم تأسيسا أو امضاء هل تشمل الميّت أيضا ابتداء أو بقاء أم لا؟ وعلى تقدير الشمول هل المانع عنه موجود أم لا؟
    والمهم في بحث جواز العدول عن المجتهد إلى المساوي هو البحث في ان التخيير المستفاد من الأدلّة هل له اطلاق يشمل جميع الأحوال حتى بعد

    العمل على رأي المجتهد الأوّل أو هو بدويّ لا يشمل شيئا من ذلك.
    وعليه ففي كلّ مورد من الموارد المذكورة وأمثالها لا بدّ أن يلاحظ الدليل الخاص في ذلك المورد ويعمل على مقتضاه ، ولا يرتبط البحث والثمرة بمفهوم لفظ التقليد حتّى يبحث فيه.
    هذه خلاصة الكلام في المقام الأوّل.
    ما يدعو العامي إلى التقليد
    وأمّا المقام الثاني فهو : توضيح ما هو الباعث للعامي على التقليد ، وهو يستدعى التنبيه على أمرين :
    الأمر الأول : انّ العامي بعد ايمانه بالله تعالى وانّه تعالى لم يتركه سدى ومهملا وأرسل لهدايته الرسل وأنزل الكتب وشرّع الشريعة يذعن بأن عدم التعرّض لامتثال أوامره ونواهيه المندرجة في الكتاب والسنّة خروج عن زيّ الرقّية ورسم العبودية وكفران لنعمه تعالى وموجب لاستحقاق الذم والعقاب من قبل المولى.
    الأمر الثاني : انّ كيفيّة امتثال التكاليف لا تتحقّق إلّا بأحد أمرين :
    إمّا بتحصيل العلم بها باستخراجها من مظانّها من الكتاب والسنّة وتحصيل الحجّة عليها منهما ، وهو المسمّى ب «الاجتهاد».
    وإمّا بإتيان جميع المحتملات الموجب للقطع بامتثالها ، وهو المسمّى ب «العمل بالاحتياط» ، ومع عدم التمكّن من تحصيل الحجّة على التكاليف لكونه عاميّا وعدم التمكّن من الاحتياط لمكان العسر والحرج أو عدم معرفة

    طريق الاحتياط يذعن العقل بنصب طريق آخر ، وهو التقليد والاستناد إلى من له الحجّة على الأحكام.
    وهذا الذي نعبّر عنه ب «التقليد» ورجوع الجاهل إلى العالم ليس إلّا حكم العقل ، وعليه جرى أيضا بناء العقلاء في حياتهم.
    قال المحقّق الخراساني في الكفاية : ان جواز التقليد ورجوع الجاهل إلى العالم في الجملة (1) يكون بديهيّا جبليّا فطريّا ، وإلّا لزم سدّ باب العلم به (2) على العامي مطلقا (3) غالبا لعجزه عن معرفة ما دل عليه كتابا وسنّة ، ولا يجوز التقليد فيه أيضا ، وإلّا لدار (4) أو تسلسل.
    وناقش فيه المحقّق الاصفهاني في حاشيته على الكفاية في المقام بمنع كون جواز التقليد بديهيّا جبليا فطريّا وذلك لوجهين :
    الأوّل : ان المقصود بالفطري إمّا أن يكون القضية الفطرية المعدودة في كتاب البرهان من القضايا الستّ البديهية ، وإما أن يكون الفطري بمعنى الجبلّة والطبع ، وعلى كل من المعنيين لا يكون جواز التقليد فطريّا.
    أمّا على الأول : فلأن القضية الفطريّة هي التي تكون قياساتها معها ،
    __________________
    (1) والمراد بقوله في الجملة : اثبات فطرية جواز رجوع الجاهل إلى العالم في ظرف اجتماع الشرائط في المجتهد فلا يكون الرجوع إلى الفاسق أو المتجزّي أو الصبي فطريا بديهيا.
    (2) أي بجواز التقليد.
    (3) أي سواء أكان العامي اميا لا حظّ له من العلم أصلا أم كان له نصيب من العلم لكن لم تكن له ملكة الاستنباط.
    (4) إذ لو كان جواز التقليد بتقليد آخر فإن كان ذلك التقليد الآخر بهذا التقليد لزم الدور ، وإن كان بتقليد آخر أيضا وهلم جرا لزم التسلسل.

    كقولهم : الأربعة زوج ، فإنها قضية فطرية لاستغنائها كسائر البديهيات عن الاستدلال ، بل العقل يذعن بزوجيّة الأربعة بمجرد التفاته إلى انقسامها بمتساويين ، ومن المعلوم ان الفطري بهذا المعنى هو كون العلم نورا وكمالا للعاقلة ، لا لزوم التقليد عند الشارع أو عند العقلاء.
    وأمّا على الثاني : فلأن الفطري الجبلّي لكل انسان هو شوق النفس إلى رفع نقص الجهل وكمال ذاتها أو قواها لا لزوم التقليد شرعا أو عند العقلاء.
    الثاني : أن الجمع بين البداهة والفطرة والجبلّة لإثبات جواز التقليد لا يخلو عن شيء ، إذ الظاهر من كون الشيء بديهيّا انه من البديهيات مثل : «النقيضان لا يجتمعان».
    ومن المعلوم ان جواز التقليد ليس كذلك لابتنائه على مقدمات كما ذكرنا (1)
    ولكن يمكن أن يقال : ان مراد المصنف من الفطري ليس معناه المصطلح عند أهل الميزان ، بل المراد انه من الفطرية الارتكازيّة ، ومقصوده من قوله بديهيّا انه واضح بحيث لا يحتاج إلى اقامة برهان ، وذلك من جهة رسوخ مسألة لزوم رجوع الجاهل إلى العالم في النفوس بحيث لا يحتاج إلى امعان النظر ، ولعلّه لأجل هذا الحكم الفطري الارتكازي أهمل المحقّق الخراساني هنا الاستدلال ببناء العقلاء على جواز التقليد مع انه جعله من جملة الأدلة على جواز تقليد المتجزّي.
    وبالجملة : فالمستفاد من كلمات الاصوليّين والفقهاء اقامة الدليلين
    __________________
    (1) نهاية الدراية ج 6 ص 399

    على جواز التقليد :
    أحدهما : حكم العقل المستقل ، وهو الذي عبّر عنه صاحب القوانين ب «بديهة العقل».
    ثانيها : بناء العقلاء ، إذ الرجوع إلى العارف والخبير من الارتكازيّات المغروسة في نفوسهم ، وعليه جروا في حياتهم الاجتماعية.
    ولو قطع النظر عن الوجه الأول أمكن الاعتماد على السيرة العقلائية بضميمة تقرير الشارع لها ، فإنه بما هو عاقل بل رئيس العقلاء متحد المسلك معهم في كيفية ايصال أحكامه إلى المكلّفين وعدم ابداع طريقة اخرى لذلك.
    فرجوع العوام من المسلمين إلى المجتهدين المستنبطين لأحكام الله تعالى من منابعها الناظرين في حلال الأئمّة عليهم‌السلام وحرامهم والعارفين لأحكامهم ممّا جرت عليه سيرة المسلمين من الصدر الأوّل وهي من جهة كونها بمرأى ومسمع من الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام مع عدم ردعهم عليهم‌السلام عنها كانت مرضيّة عندهم ومجازة لديهم.
    شبهة الأخباريّين
    وانّ الاجتهاد بدعة والتقليد حرام
    لكنه قد وقع ريب وشبهة من أصحابنا الأخباريّين في باب الاجتهاد والتقليد وهي ان بناء العقلاء على أمر انما يصير حجّة إذا أمضاه الشارع الأقدس ، وامضاء الشارع وعدم ردعه عن شيء لا يستكشف إلّا في عمل يكون بمرأى ومنظر من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام كبنائهم على اصالة الصحّة

    والعمل بقول الثقة وأمثالهما ممّا كان رائجا في عصر المعصومين عليهم‌السلام.
    وأما إذا كان بنائهم على عمل مستحدث لم يتّصل بزمانهم عليهم‌السلام فلا يمكن استكشاف امضاء الشارع لمثله ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، فإنّه وإن ورد لفظ «التفقّه في الدين» في الكتاب العزيز ، وألفاظ «الفقه» و «الفقيه» و «الفقهاء» و «الأفقه» وأمثالها في الروايات الصادرة عن الأئمّة عليهم‌السلام ، ولكنه وردت أيضا ألفاظ «رواية الحديث» و «راوي الحديث» و «رواة الحديث والأحاديث» في موارد كثيرة منهم عليهم‌السلام ، وعليه فلم لا يكون المراد من لفظ «الفقه» و «الفقهاء» رواية الحديث ورواة الحديث؟
    وقالوا : انّ الفقه لم يكن في عصر الأئمّة عليهم‌السلام إلّا من العلوم الساذجة البسيطة ، وكان عبارة عن نقل روايات من الأئمّة عليهم‌السلام مع الإسناد أو مع حذف الأسناد كالمقنع والهداية لرئيس المحدّثين الصدوق «رضوان الله عليه» ورسالة أبيه عليّ بن بابويه «رحمة الله عليه».
    وبالجملة : لم يكن إلّا روايات سمعوا من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو من الأئمّة عليهم‌السلام في الجواب عن أسئلتهم المختلفة التي كانت ترد على حسب الوقائع المختلفة أو روايات صدرت منهم عليهم‌السلام ابتداء من غير سبق سؤال على حسب القضايا والموارد المتفاوتة ، ولم يكن التفقّه في تلك الأعصار إلّا تعلّم تلك الأحاديث وحفظها ونشرها ، كما انّه لم يكن الرجوع إلى الفقيه في تلك العصور إلّا لاستماع ما سمعوا من النبيّ الأقدس صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة المعصومين عليهم‌السلام من الروايات.
    ولكنّ «الفقه» قد تطوّر واتّسع وأصبح في أمثال عصرنا من العلوم النظريّة الوسيعة كالعلوم الفلسفية والرياضية ، وأصبح التفقّه معرفة الروايات

    الصادرة عن أهل البيت عليهم‌السلام مع معرفة القواعد الكثيرة ، ومعرفة مجاري الاصول في الشبهات الحكميّة والموضوعية واعمال الظنون والأنظار في استنباط الأحكام ، وصار الرجوع إلى الفقيه رجوعا إلى من عرف هذه الامور واستخرج الأحكام بالظنّ الاجتهادي أو بالرجوع إلى الاصول العمليّة.
    وعليه فما جرى عليه الأمر من زمن الشيخ المفيد بل قبله من زمن القديمين الحسن بن أبي عقيل العمّاني وأحمد بن الجنيد الاسكافي إلى زماننا من الفقه والتفقّه والرجوع إلى الفقيه هو أمر مستحدث لا يمتدّ إلى زمان المعصومين عليهم‌السلام.
    ومجرّد ارتكاز رجوع الجاهل في كلّ صنعة أو حرفة إلى أصحاب الصنائع والحرف والبناء عليه إذا لم يكن متصلا بزمن المعصومين عليهم‌السلام حتى يستكشف منه الإمضاء منهم عليهم‌السلام لا يجدي شيئا ، فانقدح انّ ما هو المتداول في أمثال زماننا لا يتّصل إلى زمن الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام وما كان هو المتداول في زمانهم عليهم‌السلام ليس معمولا في عصرنا.
    قالوا : فشأن الفقهاء والعلماء لا بدّ أن يكون مقصورا بنقل الرواية عن المعصوم عليه‌السلام كما لم يكن شأن أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام أيضا إلّا ذلك ، فالاجتهاد والإفتاء مثل استعمال القياس حرام ورجوع العوام إليهم في ذلك وتقليدهم لهم من الامور المستحدثة فهو أيضا بدعة وحرام.
    والفرق بين الرواية والفتوى ممّا لا يخفى فالأوّل ليس إلّا حكاية ما سمعه من المعصوم عليه‌السلام بلا واسطة أو بواسطة بلفظه أو بلفظ آخر ، وليس فيه اعمال النظر من نفسه بالنسبة إلى حكم الله تعالى.

    وأمّا الثاني : فهي عبارة عن الإخبار بأحكام الله تعالى بحسب اعتقاد المفتي ونظره.
    فالمفتي على أساس الظنون الاجتهاديّة في الأحاديث الواصلة عنهم عليهم‌السلام وحمل بعضها على بعض وترجيح بعضها على بعض بحسب نظره يتّخذ رأيا ويظهر رأيه ونظره بسبب الفتوى ، ثم إن لم يكن في البين بخصوصه حديث عنهم عليهم‌السلام يرجع إلى الاصول ولكنّ تعيين مجاري الاصول وتقدم بعضها على بعض على أساس فنّ الاصول وضوابطها ينتهي إلى نظره واجتهاده أيضا.
    قال الشيخ الأعظم الأنصاري : ان ما سوى نقل الحديث باللفظ أو بالمعنى فلا يجوّزه الأخباريّون ويلحقونه بالقول بالقياس والاستحسان ويعتقدون انّ أرباب الفتاوى خرجوا بذلك عمّا هو المأخوذ عن الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام وزعموا انهم في ذلك تبعوا العامّة في العمل بالرأي والاجتهاد المنهى والاستحسان (1)
    وبالجملة : انّ الأخباريين ينادون بأعلى أصواتهم : ان الاجتهاد واستنباط الأحكام استنادا إلى فنّ اصول الفقه وسائر القواعد التي قد صارت معمولة ورائجة من زمن القديمين قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل في أعصار مثل الشيخ المفيد والسيّد المرتضى والشيخ الطوسي والمحقّق الحلّي والعلّامة وفخر المحقّقين والشهيدين والمحقّق الثاني وشيخنا البهائي واستاذ الكل في الكل المحقّق الخوانساري والاستاذ الأكبر الوحيد البهبهاني والشيخ الكبير الشيخ جعفر الخضري والمحقّق النراقي والفقيه الأكبر صاحب الجواهر والشيخ
    __________________
    (1) مطارح الأنظار ص 256

    الأعظم الأنصاري والمحقّق النائيني والآية العلّامة السيد حسين الطباطبائي البروجردي وصاحب الثورة الإسلامية الإمام الخميني «قدس الله أسرارهم» كلها أمر منكر شرعا وبدعة وحرام ، ووجّهوا إلى الفقهاء والمجتهدين أنواع اللوم والذمّ وعيّروا أساطين الفقه وحفاظ شريعة سيد المرسلين لذلك.
    وقد ذكر في روضات الجنّات في ترجمة محمد أمين الاسترآبادي المتوفّى 1033 تسعة وعشرين فرقا بين جماعة المجتهدين والأخباريّين ونحن نذكر بعضا منها :
    منها : ان المجتهدين يوجبون الاجتهاد عينا أو تخييرا والأخباريون يحرّمونه ويوجبون الأخذ بالرواية عن المعصوم عليه‌السلام.
    منها : انهم يقولون ان الأدلّة عندنا أربعة : الكتاب والسنّة والإجماع ودليل العقل ، والأخباريّون لا يقولون إلّا بالأوّلين بل بعضهم يقتصر على الثاني.
    منها : انّ أغلبهم لا يجوّزون تقليد الميّت ، ولكن الأخباريّين يجوّزونه.
    منها : انهم يعملون بأصالة الإباحة أو البراءة فيما لا نص فيه ، والأخباريّون يأخذون بطريقة الاحتياط.
    منها : انهم يقولون بوجوب اطاعة المجتهد مثل الإمام ، والأخباريّون لا يوجبونها.
    منها : انهم يحصرون الرعيّة في صنفين : مجتهد ومقلّد ، والأخباريّون يقولون : الرعيّة كلّها مقلّدة للمعصوم. (1)
    __________________
    (1) روضات الجنّات ج 1 ص 120 ـ 126

    وقد ورد في كلمات الأخباريّين التّشنيع الشديد والافتراء الواضح على الجمّ الغفير من علمائنا امناء الدين وورثة الأنبياء والمرسلين ، ومن أراد الاطّلاع على شطر من ذلك فليراجع الجواهر فإنّه «قدّس سره» قد أظهر تألّمه وتأسّفه البالغين من هذه المأساة المشجية في بحث صلاة الجمعة حيث انه بعد تزييفه لما في الرسالة التي ألّفها الشهيد الثاني لوجوب صلاة الجمعة تعيينا قال :
    ولقد وقفت على جملة من الرسائل المصنفة في المسألة (1) نسجوا فيها على منوال هذه الرسالة ، وقد أكثروا فيها من السبّ والشتم خصوصا رسالة الكاشاني التي سمّاها بالشهاب الثاقب ورجوم الشياطين ولو لا انه آية في كتاب الله (2) لقابلناه بمثله ولكن لا يبعد أن تكون هذه الرسالة وما شابهها من كتب الضلال يجب اتلافها إلّا أن يرجح بقائها انّها أشنع شيء على مصنّفها لما فيها من مخالفة الواقع في النقل وغيره ، بل فيها ما يدلّ على انّهم ليسوا من أهل العلم كي يعتدّ بكلامهم ويعتنى بشأنهم ... (3)
    وفي روضات الجنّات : ان بعضا من الأخباريّين قد ألّف كتابا لتقوية طريقة الأخباريّين وتضعيف طريقة المجتهدين وخاطب في أوّل الكتاب ابنه وقال : (يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ)(4)!!!
    __________________
    (1) مراده من الرسائل المصنّفة في المسألة هي الرسائل الّتي صنّفت من قبل الأخباريّين لإثبات وجوب صلاة الجمعة تعيينا.
    (2) الآية 127 من سورة النحل.
    (3) الجواهر ج 11 ص 177
    (4) روضات الجنّات ج 1 ص 126

    الجواب عن شبهة الأخباريين
    والّذي يظهر من المراجعة إلى أخبار أهل البيت عليهم‌السلام وآثارهم انّ الاجتهاد بالمعنى المتعارف في أعصارنا قد كان متعارفا في أعصار الأئمّة عليهم‌السلام أيضا وانّهم عليهم‌السلام مضافا إلى عدم ردعهم عن الاجتهادات التي كانت تقع على أساس كتاب الله تعالى وأخبارهم عليهم‌السلام بمرأى ومسمع منهم عليهم‌السلام كانوا يعلّمونهم طريق الاجتهاد ويرشدون إليه ويأمرون أصحابهم به وقد نشأ في تلك الأعصار ببركة تربيتهم وتعليمهم وارشادهم عليهم‌السلام مجتهدون من الرواة والمحدّثين.
    والروايات التي يستفاد منها هذا الأمر وفيها الصحاح والموثقات كثيرة.
    فطائفة منها : تدل على أمرهم عليهم‌السلام بالتفريع على الاصول المسموعة منهم عليهم‌السلام وعلى أمرهم بالإفتاء.
    واخرى منها : تدلّ على ان الإفتاء كان شائعا في زمانهم عليهم‌السلام بمنظر ومسمع منهم وكان ممضى من جانبهم عليهم‌السلام.
    وطائفة ثالثة : تدل على تعليمهم عليهم‌السلام لأصحابهم كيفيّة الاستنباط من الألفاظ ولزوم حمل المجمل على المبيّن والظّاهر على الأظهر والأظهر على النص.
    وطائفة رابعة : وردت في ارجاع الشيعة إلى فقهائهم في القضاء والإفتاء ، وفي لزوم أخذ معالم الدين من أصحابهم عليهم‌السلام.
    وخامسة منها : تدل على تعليمهم كيفية الجمع بين المتعارضين من

    الأخبار ، وقلّما يتّفق باب من أبواب الفقه يكون خاليا من تعارض الأخبار.
    وسادسة منها : تدل على النهي عن الإفتاء بغير علم.
    وأمّا الطائفة الأولى : وهي ما تدلّ على أمرهم عليهم‌السلام بالتفريع على الاصول المسموعة منهم وعلى أمرهم بالإفتاء فمنها ما يلي :
    محمد بن ادريس في آخر السرائر نقلا عن كتاب هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «انّما علينا أن نلقي اليكم الاصول وعليكم أن تفرّعوا». (1)
    وعن كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه‌السلام قال : «علينا القاء الأصول وعليكم التفريع». (2)
    ولا ريب ان عمدة الاجتهاد هي تفريع الفروع على الاصول وردّ الفروع إلى الاصول ، وقد قال في الفصول في تعريف الاجتهاد بأنّه : «ردّ الفروع إلى الأصول».
    مثلا قوله عليه‌السلام : «لا تنقض اليقين بالشك» أصل ، والقاعدة التي يستنبط المجتهدون منه هي التفريع فيقول الشيخ الأعظم الأنصاري «ره» : «قد اريد من اليقين في هذا الحديث «المتيقّن» وهو باعتبار اسناد النقض إليه لا بد أن يكون شيئا قابلا للاستمرار في حدّ ذاته ، فالحديث حينئذ لا يشمل الشك في المقتضى ولكن يشمل الشك في وجود الرفع أو رافعيّة الموجود ، وكذا الشك في وجود المانع أو مانعية الموجود ، فالاستصحاب في الشك في المقتضى ليس بحجة».
    ولكن المحقق الخراساني «ره» يقول : «ان اليقين في الحديث قد استعمل
    __________________
    (1 و 2) الحديث 51 و 52 من الباب 6 من أبواب صفات القاضي ص 40 ـ 41 ج 18 الوسائل.

    في معناه عرفا واسند إليه النقض كما يسند إلى العهد والغزل ، فحينئذ يشمل الحديث كل ما تعلق به اليقين والشك سواء أكان الشك في المقتضى أم الشك في الرافع فالاستصحاب في كليهما حجّة».
    والفرق بين تفريع الفروع على الأصول الذي هو الاجتهاد وبين استخراج الحكم من الأشباه والنظائر ممّا لا يخفى.
    فالأوّل هو : استخراج المصاديق والمتفرّعات من الكبريات الكليّة.
    وأما الثاني : فهو ممّا يبتنى عليه فقه العامة وإليه يرجع القياس والاستحسان وفقهاؤنا بريئون منه.
    وقد قال الشيخ الطوسي «رحمه‌الله» في أول كتاب المبسوط : «أما بعد فإني لا أزال أسمع معاشر مخالفينا من المتفقّهة والمنسوبين إلى علم الفروع يستحقرون فقه أصحابنا الإماميّة ويستنزرونه وينسبونهم إلى قلّة الفروع وقلّة المسائل ويقولون انهم أهل حشو ومناقضة ، وانّ من ينفي القياس والاجتهاد لا طريق له إلى كثرة المسائل ولا التفريع على الأصول ، لأنّ جلّ ذلك وجمهوره مأخوذ من هذين الطريقين. وهذا جهل منهم بمذاهبنا وقلّة تأمّل لاصولنا ، ولو نظروا في أخبارنا وفقهنا لعلموا انّ جلّ ما ذكروه من المسائل موجود في أخبارنا ومنصوص عليه تلويحا عن أئمّتنا عليهم‌السلام الذين قولهم في الحجة يجري مجرى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إمّا خصوصا أو عموما أو تصريحا أو تلويحا. (1)
    وعليه فكما ان قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(2) و (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(3)
    __________________
    (1) المبسوط ج 1 ص 2.
    (2) سورة المائدة ، الآية 1.
    (3) سورة البقرة ، الآية 275.

    و (حَرَّمَ الرِّبا)(1) اصول يتفرّع عليها فروع كثيرة.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

     مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه     مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه  Emptyأمس في 2:24 pm

    و (حَرَّمَ الرِّبا)(1) اصول يتفرّع عليها فروع كثيرة.
    وقول النبيّ الأقدس صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «انما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان» (2) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «البيّنة على من ادّعى واليمين على من ادّعى عليه» (3) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «والصلح جائز بين المسلمين إلّا صلحا أحلّ حراما أو حرّم حلالا» (4)
    وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «المسلمون اخوة تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمّتهم أدناهم ، هم يد على من سواهم» (5) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه» (6) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا ضرر ولا ضرار» (7) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «المغرور يرجع إلى من غرّه» (Cool وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الإسلام يجبّ ما قبله» (9) اصول يستخرج منها فروع كثيرة في أبواب السياسات والمعاملات وغيرها.
    فكذلك أقوال الأئمّة الهداة عليهم‌السلام من قبيل قول أبي جعفر عليه‌السلام : «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع والسجود.» (10)
    وقوله عليه‌السلام : «كلّ شيء شكّ فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض
    __________________
    (1) سورة البقرة ، الآية : 275.
    (2) الحديث 1 من الباب 2 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدواعي ج 18 الوسائل ص 169.
    (3) الحديث 1 من الباب 3 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدواعي ج 18 الوسائل ص 170.
    (4) الحديث 5 من الباب 3 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدواعي ج 18 الوسائل ص 171.
    (5) الحديث 1 من الباب 31 من أبواب القصاص في النفس ج 20 من الوسائل ص 55.
    (6) المستدرك كتاب الغصب الباب 1 من أبواب الغصب.
    (7) القواعد الفقهية للعلّامة البجنوردي ج 1 ص 176.
    (Cool المصدر السابق : ص 226.
    (9) القواعد الفقهية للعلّامة البجنوردي ج 1 ص 371
    (10) الحديث 1 من الباب 9 من أبواب القبلة ج 3 الوسائل ص 227.

    عليه.» (1)
    وقول الصادق عليه‌السلام في الميتة : «لا تصلّ في شيء منه ولا في شسع.» (2)
    وقوله عليه‌السلام : «لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة ان الصوف ليس فيه روح.» (3)
    وقوله عليه‌السلام : «كل شيء يضرّ بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه.» (4)
    وقوله عليه‌السلام : «أيّما رجل فزع رجلا من الجدار أو نفر به عن دابّة فخرّ فمات ضامن لديته ، وإن انكسر فهو ضامن لدية ما ينكسر منه.» (5)
    وقوله عليه‌السلام : «كل ما كان في الإنسان اثنان ففيهما الدية ، وفي أحدهما نصف الدية ، وما كان فيه واحد ففيه الدية.» (6) اصول يستخرج منها فروع كثيرة.
    والأئمّة عليهم‌السلام قد كانوا يأمرون أصحابهم بالإفتاء وقد كتب أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى قثم بن العبّاس : «واجلس لهم العصرين فأفت المستفتي وعلّم الجاهل وذاكر العالم.» (7)
    وقال الصادق عليه‌السلام لأبان بن تغلب : «اجلس في مسجد المدينة وافت
    __________________
    (1) القواعد الفقهية للعلّامة البجنوردي ج 1 ص 275.
    (2) الحديث 2 من الباب 1 من أبواب لباس المصلّي ج 3 الوسائل ص 249.
    (3) الحديث 1 من الباب 56 من أبواب لباس المصلّي ج 3 الوسائل ص 333.
    (4) الحديث 1 من الباب 9 من أبواب موجبات الضمان ج 19 الوسائل ص 181.
    (5) الحديث 2 من الباب 15 من أبواب موجبات الضمان ج 19 الوسائل ص 188.
    (6) الحديث 12 من الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء ج 19 الوسائل ص 217.
    (7) نهج البلاغة : الكتاب 67 ، ونقله في المستدرك في الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث 15.

    الناس فإنّي احبّ أن يرى في شيعتي مثلك.» (1)
    ومما ينبغي أن يعلم ان تفريع الفروع واستنباط المصاديق من الاصول والكليات وإن لم يكن في ذلك الزمان بهذه الكثرة التي بلغت إليها اليوم ، ولكنه ممّا لا يضرّ فيما هو المهمّ ، فإن العلوم من شأنها أن تتكامل وتتّسع تدريجا ، فإن الفقه أيضا كسائر العلوم مرّ على مراحل وتطوّر خلالها واتّسع :
    المرحلة الاولى
    كان يتمثّل الفقه في هذه المرحلة في ذكر الفتاوى والفروع الفقهية غالبا في قالب الروايات وبالاختصار ، وكتب ك : «المقنع» و «الهداية» للصدوق و «النهاية» للشيخ الطوسي تمثّل هذه المرحلة.
    المرحلة الثانية
    دور تفريع الفروع ك : «الشرائع» و «التحرير» و «السرائر» وهذا الدور قد اتّسع شيئا فشيئا حتّى بلغ مثل «جامع المقاصد» و «مجمع الفائدة» و «المستند» و «الجواهر».
    المرحلة الثالثة
    مرحلة الفقه المقارن ، وهذه المرحلة تزامنت مع المرحلتين تاريخيّا ، حيث ان تاريخه يرجع إلى عهد القدماء ، والكتب المعنية بهذا الاسلوب
    __________________
    (1) فهرست النجاشي : ص 7.

    كثيرة ، منها : «الخلاف» و «التذكرة» و «المنتهى» و «المعتبر» فيذكر فيها المختارات من الفروع في المذاهب ، ثم يستدلّ عليها على أساس مباني المذاهب ، ويذكر في ضمنها مزيّة مباني مذهب الإماميّة من جهة الإتقان والاستحكام ، وقد سلك هذا المسلك فطاحل من فقهائنا العظام كشيخ الطائفة والعلّامة والمحقّق «شكر الله مساعيهم وجزاهم خيرا».
    شيوع الإفتاء والاستفتاء في زمانهم عليهم‌السلام
    ومما يدلّ على ان الإفتاء والاستفتاء كانا شائعين في زمن الأئمّة عليهم‌السلام ما يلي :
    عن علي بن أسباط قال قلت للرضا عليه‌السلام يحدث الأمر لا أجد بدّا من معرفته وليس في البلد الذي أنا فيه احد أستفتيه من مواليك قال فقال : «ائت فقيه البلد فاستفته من امرك فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإن الحق فيه» (1)
    ودلالته على إن الإفتاء كان شايعا في مواليه ومحبّيه في ذلك الزمان ظاهرة اذ يدل على وجود الفقهاء في تلك الأعصار وكان بناء العوام على الرجوع اليهم وعدم ردعه عليه‌السلام يكشف عن رضاه بما ارتكز في اذهانهم من المراجعة إلى الفقهاء.
    وعن حسين بن معاذ عن ابيه معاذ بن مسلم النحوي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «بلغني انّك تقعد في الجامع فتفتي الناس؟»
    قلت : نعم وأردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج إني اقعد في
    __________________
    (1) الحديث 23 من الباب 9 من أبواب صفات القاضي ص 82 ج 18 الوسائل.

    المسجد فيجيء الرجل فيسألني عن الشيء فإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يفعلون ويجيء الرجل أعرفه بمودتكم وحبكم فأخبره بما جاء عنكم ويجيء الرجل لا أعرفه ولا أدري من هو فأقول جاء عن فلان كذا وجاء عن فلان كذا فأدخل قولكم فيما بين ذلك. فقال لي : اصنع كذا فإني كذا أصنع. (1)
    وعن حمران بن أعين قال : قالت امرأة محمد بن مسلم وكانت ولودا أقرئ أبا جعفر عليه‌السلام السلام وقل له إني كنت اقعد في نفاسي أربعين يوما وإن أصحابنا ضيّقوا عليّ فجعلوها ثمانية عشر يوما. فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «من أفتاها بثمانية عشر يوما؟» قال قلت : الرواية التي رووها في اسماء بنت عميس إنها نفست بمحمد بن أبي بكر بذي الحليفة فقالت : يا رسول الله كيف اصنع؟ فقال لها : «اغتسلي واحتشي واهلّي بالحج فاغتسلت واحتشت ودخلت مكة ولم تطف ولم تسع حتى تقضى الحج فرجعت الى مكة فاتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت يا رسول الله احرمت ولم اطف ولم اسع فقال لها رسول الله : «وكم لك اليوم؟» فقالت ثمانية عشر يوما فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اما الآن فاخرجي الساعة فاغتسلي واحتشي وطوفي واسعي فاغتسلت وطافت وسعت واحلّت. فقال ابو جعفر عليه‌السلام : «إنها لو سألت رسول الله قبل ذلك وأخبرته لأمرها بما أمرها به قلت : فما حدّ النفساء؟ قال عليه‌السلام : «تقعد أيامها التي كانت تطمث فيهن أيام قرئها فان هي طهرت والّا استطهرت بيومين او ثلاثة أيام ثم اغتسلت واحتشت فان كان انقطع الدم فقد طهرت وان لم ينقطع الدم فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل لكل صلاتين وتصلي. (2)
    ودلالتها على ان الاستفتاء من اصحاب الأئمة عليهم‌السلام وافتائهم على
    __________________
    (1) الحديث 36 من الباب 11 من أبواب صفات القاضي ص 108 ج 18 الوسائل.
    (2) الحديث 11 من الباب 3 من أبواب القاضي ص 614 من ج 2 الوسائل.

    اساس الروايات الواردة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليه‌السلام كانت رائجة مما لا يخفى وكذا دلالتها على عدم الردع.
    ويستفاد من سؤال الحسين بن روح عن ابي محمد الحسن بن علي عليهما‌السلام ومما أجاب به انه كانت لأصحاب الأئمة عليهم‌السلام آراء وفتاوي في المسائل المختلفة كما إنه كانت لهم روايات حيث إنه عليه‌السلام سئل عن كتب بني فضّال فقال عليه‌السلام خذوا بما رووا وذروا ما رأوا (1) ولعلّ منعه عليه‌السلام عن الأخذ بآراء بني فضال من جهة انه يعتبر ان يكون المفتي على مذهب الحق.
    وما يدل على تعليمهم عليهم‌السلام لأصحابهم كيفية استنباط الحكم ولزوم حمل المجمل على المبيّن والظاهر على الاظهر والنص ما يلي :
    روى الصدوق باسناده الى زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ألا تخبرني من اين علمت وقلت ان المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين؟ فضحك وقال : «يا زرارة قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونزل به الكتاب من الله عزوجل قال فاغسلوا وجوهكم فعرفنا ان الوجه كلّه ينبغي ان يغسل ثم قال وايديكم الى المرافق فوصل اليدين الى المرفقين بالوجه ، فعرفنا انه ينبغي ان يغسلا الى المرفقين ثم فصل بين الكلام وقال وامسحوا برءوسكم فعرفنا حين قال برءوسكم ان المسح ببعض الرأس لمكان الباء ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال وارجلكم إلى الكعبين فعرفنا حين وصلها بالرأس ان المسح على بعضهما ثم فسّر ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضيّعوه الحديث.
    ورواه الكليني عن علي بن ابراهيم عن ابيه وعن محمد بن اسماعيل
    __________________
    (1) الحديث 79 من الباب 8 من أبواب صفات القاضي ص 74 ج 18 الوسائل.

    عن الفضل بن شاذان جميعا عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة.
    ورواه الشيخ باسناده عن محمد بن يعقوب مثله. (1)
    وروى الشيخ باسناده عن ابن محبوب عن علي بن الحسن بن رباط عن عبد الأعلى مولى آل سام (2) قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف اصنع بالوضوء؟ قال : «يعرف هذا واشباهه من كتاب الله عزوجل قال الله تعالى : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(3) امسح عليه. (4)
    تعليمهم عليه‌السلام اصحابهم كيفية الاستنباط
    وعن ابى حيون مولى الرضا عليه‌السلام قال : «من ردّ متشابه القرآن الى محكمه فقد هدي إلى صراط مستقيم ثم قال عليه‌السلام ان في اخبارنا محكما كمحكم القرآن ومتشابها كمتشابه القرآن فردّوا متشابهها إلى محكمها ولا تتّبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا (5).
    وعن داود بن فرقد قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «انتم افقه الناس
    __________________
    (1) الحديث من الباب 23 من أبواب الوضوء ص 291 ج 1 الوسائل. والظاهر ان مراده عليه‌السلام ان تعدية المسح بالباء يدلّ على التبعيض ، وليس المراد ان الباء للتبعيض وإن نقل في مجمع البحرين عن عدة من النحويين مجيء الباء للتبعيض أيضا فإنكار سيبويه مجيء الباء للتبعيض لا مورد له ، ونقل المحقق الشيخ عباس القمي في هدية الأحباب عن البحار ان المجلسي عبّر عن سيبويه المعاند للحق وأهله وانه أنكر ذلك عليه عليه‌السلام.
    (2) في معجم رجال الحديث ج 9 ص 258 والمتحصّل ان الرجل لم يثبت وثاقته ولا حسنه.
    (3) سورة الحج ، الآية : 78.
    (4) الحديث 5 من الباب 39 من أبواب الوضوء ص 327 ج 1 الوسائل.
    (5) الحديث 22 من الباب 9 من أبواب صفات القاضي ص 82 ج 18 الوسائل.

    اذا عرفتم معاني كلامنا ان الكلمة لتنصرف على وجوه فلو شاء انسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب (1).
    ارجاعهم عليهم‌السلام الشيعة الى فقهائهم
    وأما الطائفة الدّالة على ارجاع الشيعة إلى فقهائهم في القضاء والإفتاء وفي لزوم اخذ معالم الدين من أصحابهم فمنها مقبولة عمر بن حنظلة عن ابي عبد الله عليه‌السلام فإنّه قال عليه‌السلام بعد النهي الشديد عن المراجعة إلى فقهاء العامة : ينظر ان من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا فليرضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما (2) فإنها تدل على ارجاعه عليه‌السلام الشيعة إلى فقهائهم في القضاء والقضاء كما يكون في الشبهة الموضوعية يكون في الشبهة الحكمية ايضا مثل تقدم بيّنة الداخل على بيّنة الخارج او العكس فجعل الفقيه مرجعا ونصبه للحكم على نحو يكون اعمّ من الشبهات الحكمية والموضوعية يلازم اعتبار فتواه ايضا.
    ومثلها ما عن ابي خديجة في المشهورة قال بعثني ابو عبد الله عليه‌السلام إلى اصحابنا فقال قل لهم اياكم اذا وقعت بينكم خصومة او تدارى في شيء من الأخذ والعطاء أن تحاكموا إلى احد من هؤلاء الفسّاق اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا وحرامنا فإني قد جعلته عليكم قاضيا واياكم أن يخاصم بعضكم بعضا إلى السلطان الجائر. (3)
    __________________
    (1) الحديث 25 من الباب 9 من أبواب صفات القاضي ص 82 ج 18 الوسائل.
    (2) الحديث 1 من الباب 11 من أبواب صفات القاضي ص 99 ج 18 الوسائل.
    (3) الحديث 6 من الباب 11 من أبواب صفات القاضي ص 100 ج 18 الوسائل.

    وأمّا ما يدل على ارجاع الشيعة لأخذ معالم الدين من اصحابهم فكثيرة والظاهران المراد فيها اخذ الفتاوي عنهم فان التعبير الوارد في الإرجاع إلى اصحابهم قد وقع تارة بعنوان اخذ الحديث والرواية كما في الخبر 4 و 5 و 8 و 19 من الباب 11 من أبواب صفات القاضي (1) واخرى بعنوان اخذ معالم الدين كما في الخبر 15 و 27 و 33 و 34 و 35 و 42 و 45 من الباب المذكور والطائفة الثانية ظاهرة في اخذ الفتاوي كما ذكرنا.
    وامّا دلالة الأخبار العلاجية الصادرة من الأئمة عليهم‌السلام على تعليمهم وتصويبهم الاجتهاد بالمعنى المتعارف فمما لا يخفى فان عرض الأخبار المتعارضة على الكتاب وتعيين ما هو الموافق عما هو المخالف والأخذ بالأوّل وطرح الثاني وكذا تعيين ما هو الموافق للشهرة عما هو المخالف لها.
    والنظر الى الأخبار الموافقة للعامة والأخبار المخالفة لهم والأخذ بالثانية وطرح الأول وغير ذلك من الامور المذكورة في الأخبار العلاجية من أوضح مصاديق الاجتهاد وقلّما يتفق باب من ابواب الأخبار يكون خاليا من التعارض.
    ومن هذه الأخبار مقبولة عمر بن حنظلة وخبر السكوني وعبد الرحمن ابن ابي عبد الله والحسين بن السري ومحمد بن عبد الله والحسن بن الجهم (الحديث 1 و 10 و 29 و 30 و 34 و 40 من الباب 9 من ابواب صفات القاضي).
    __________________
    (1) ص 106 ـ 110 من ج 18 من الوسائل.

    النهي عن الإفتاء بغير علم
    وأما الطائفة السادسة وهي الأخبار التي تدل على النهي عن الإفتاء بغير علم فهي على كثرتها (1) تدل على ان المنهي عندهم عليهم‌السلام هو الإفتاء بغير علم لا مطلق الإفتاء.
    فعن أبي عبيدة قال قال ابو جعفر عليه‌السلام : «من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه». (2)
    وقريب منه الخبر 2 و 3 و 29 و 31 و 32 و 33 من الباب 4 من ابواب صفات القاضي والمستفاد منها ان مرادهم عليهم‌السلام من النهي عن الإفتاء بغير علم ليس الّا الاستبداد بالافتاء بدون الاستفادة من علومهم الإلهيّة كما هو دأب مخالفيهم كما يوضح ذلك الأخبار الكثيرة منها ما عن حمزة بن حمران قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول «من استأكل بعلمه افتقر» قلت : ان في شيعتك قوما يتحمّلون علومكم ويبثّونها في شيعتكم فلا يعدمون منهم البرّ والصلة والإكرام. فقال : «ليس اولئك بمستأكلين انّما ذاك الذي يفتي بغير علم ولا
    __________________
    (1) وقد عقد في الوسائل لها بابا على حدة وهو الباب 4 من أبواب صفات القاضي ج 18 ص 9 وفي هذا الباب ثلاثة عشر حديثا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين والصادق عليهما‌السلام بمضمون طلب العلم فريضة وفي بعضها زيادة على كل مسلم وفي اثنين منها زيادة إلا وان الله يحب بغاة العلم ومضمون الخبر المتمّم للعشرين منها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اطلبوا العلم ولو بالصين ، فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم ، وفي الخبر 24 عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «طلب العلم فريضة في كلّ حال».
    (2) الخبر 1 من الباب المذكور.

    هدى من الله ليبطل به الحقوق طمعا في حطام الدنيا. (1)
    وعليه فالإفتاء اذا كان بهداية الهداة المهديّين عليهم‌السلام التي هدايتهم هدى من الله لا يكون مشمولا لتلك الأخبار ومردوعا عنهم عليهم‌السلام بل يكون مجازا ومرضيّا عندهم عليهم‌السلام وحيث ان العلم الصحيح ليس الّا ما عندهم فالإفتاء الذي لم يكن مقتبسا من ضياء علومهم عليه‌السلام كان افتاء بغير علم وقد قال ابو جعفر عليه‌السلام لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة ـ وهما من فقهاء العامة ـ شرّقا وغرّبا فلا تجدان علما صحيحا الّا شيئا خرج من عندنا اهل البيت (2).
    المراد مما نهي عنه في الأخبار من الإفتاء بالرأي
    وقد ورد في كثير من الروايات الصادرة عن اهل البيت عليهم‌السلام النهي عن الإفتاء بالرأي واتّباع الرأي والقول بالرأي وامثال ذلك من التعبيرات ولكنه بالتأمّل فيها وضم البعض منها الى البعض الآخر يظهر ان المراد منها اتخاذ الرأي وإبداؤه في قبال الأحاديث الواردة عنهم عليهم‌السلام والاستبداد والاجتهاد في قبالهم عليهم‌السلام.
    لأن الاستبداد في قبال اهل البيت عليهم‌السلام في ذلك الزمان وترك الاستضاءة من انوار علومهم والمخالفة معهم استنادا إلى آرائهم وظنونهم واستعمال القياس والاستحسان في احكام الدين قد كان دأبهم وشنشنتهم وعلى ذلك دبّوا ودرجوا في طوال القرون والأعصار «شنشنة اعرفها من
    __________________
    (1) الحديث 12 من الباب 11 من أبواب صفات القاضي ص 102 ج 18 الوسائل.
    (2) الحديث 16 من الباب 6 من أبواب صفات القاضي ص 26 ج 18 الوسائل.

    اخزم». (1)
    ففي تفسير العياشي عن اسحاق بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : «يظن هؤلاء الذين يدّعون إنهم فقهاء علماء ، انهم قد اثبتوا جميع الفقه والدين مما تحتاج اليه الامة وليس كل علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علموه ، ولا صار اليهم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا عرفوه وذلك ان الشيء من الحلال والحرام والأحكام يرد عليهم فيسألون عنه ولا يكون عندهم فيه اثر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويستحيون ان ينسبهم الناس الى الجهل ويكرهون ان يسألوا فلا يجيبون فيطلب الناس العلم من معدنه فلذلك استعملوا الرأي والقياس في دين الله وتركوا الآثار ودانوا بالبدع وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كل بدعة ضلالة فلو انهم اذا سألوا عن شيء من دين الله فلم يكن عندهم فيه اثر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ردّوه الى الله والى الرسول وإلى اولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. (2)
    وكان زعيمهم في اتخاذ هذا الطريق أبا حنيفة النعمان بن ثابت المتوفي 50 ه‍ وكان يتبعه كثيرون مثل ابن أبي ليلى وابن شبرمة.
    فعن سماعة بن مهران عن ابي الحسن موسى عليه‌السلام في حديث قال مالكم وللقياس انّما هلك من هلك من قبلكم بالقياس ثم قال اذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به وإذا جاءكم ما لا تعلمون فها ـ واومى بيده الى فيه ـ ثم قال لعن الله أبا حنيفة كان يقول قال علي عليه‌السلام وقلت أنا .. وقالت الصحابة وقلت أنا! قال أكنت تجلس إليه؟
    __________________
    (1) وإن شئت مزيد التوضيح ومعرفة بداية المأساة راجع كتاب النص والاجتهاد للعلّامة السيد شرف الدين «ره».
    (2) الحديث 49 من الباب 6 من أبواب صفات القاضي ص 40 ج 18 الوسائل.

    قلت : لا ولكن هذا كلامه فقلت اصلحك الله اتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس بما يكتفون به في عهده؟ قال نعم وما يحتاجون إليه إلى يوم القيامة فقلت : ضاع من ذلك شيء؟ فقال لا هو عند اهله (1).
    وقد كان لأبي عبد الله عليه‌السلام مناظرات واحتجاجات مع ابي حنيفة في نهيه عليه‌السلام ايّاه عن القياس ولكنه «من لم يجعل الله له نورا فماله من نور» وقد قال لأبي حنيفة انت فقيه اهل العراق؟ قال نعم ، قال فبم تفتيهم؟ قال : بكتاب الله وسنة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته؟ وتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال : نعم.
    قال : يا أبا حنيفة لقد ادّعيت علما ويلك ، ما جعل الله ذلك الا عند اهل الكتاب الذين انزل عليهم ويلك ولا هو الّا عند الخاص من ذرية نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما ورثك الله من كتابه حرفا ـ وذكر الاحتجاج عليه ـ إلى ان قال يا أبا حنيفة اذا ورد عليك شيء ليس في كتاب الله ولم تأت به الآثار والسنة كيف تصنع؟ فقال اصلحك الله اقيس واعمل فيه برأيي. فقال يا أبا حنيفة إن اول من قاس ابليس الملعون قاس على ربنا تبارك وتعالى فقال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. قال : فسكت ابو حنيفة فقال : يا أبا حنيفة أيّهما أرجس؟ البول؟ أو الجنابة؟ فقال البول. فقال. فما بال الناس يغتسلون من الجنابة؟ ولا يغتسلون من البول؟ فسكت. فقال : يا أبا حنيفة ايّهما افضل : الصلاة أو الصوم؟ قال الصلاة ، فقال : فما بال الحائض تقضي صومها ولا تقضي صلاتها فسكت. (2)
    __________________
    (1) الحديث 3 من الباب 6 من أبواب صفات القاضي ص 23 ج 18 الوسائل.
    (2) الحديث 27 من الباب 6 من أبواب صفات القاضي ص 30 ج 18 الوسائل.

    وعن علي عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ستفترق امتي على ثلاث وسبعين فرقة فرقة منها ناجية والباقون هالكون ، والناجون الذي يتمسكون بولايتكم ويقتبسون من علمكم ولا يعملون برأيهم فأولئك ما عليهم من سبيل». (1)
    وعن ابي الحسن موسى عليه‌السلام قال : «يا يونس لا تكونن مبتدعا من نظر برأيه هلك ومن ترك اهل بيت نبيّه ضلّ» (2).
    ويشهد لما ذكرنا من كون المراد من النهي عن الإفتاء بالرأي هو اتخاذ الرأي على خلاف الأئمة الهداة عليهم‌السلام وفي قبالهم هذه الأخبار من الأخبار الواردة في الباب 6 من أبواب صفات القاضي (3) : 2 و 3 و 7 و 21 و 25 و 26 و 27 و 28 و 31 و 32 و 33 و 34 و 38 و 39.
    ومع الأسف انه قد مضي على جمع من المسلمين قرون تركوا فيها العمل بحديث الثقلين وأعرضوا عن الأخذ عن اهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ولم يدخلوا بيوتا أدن الله أن ترفع واستبدّوا بآرائهم وقد نشأ في هذه القرون ابو حنيفة وابن ابي ليلى وابن شبرمة وربيعة الرّأي نعم يظهر من الآثار انهم كانوا قد يراجعون اليهم عليهم‌السلام أو إلى أصحابهم احيانا ونحن نذكر هنا ثلاثة موارد منها.
    مراجعة فقهاء العامة الى الأئمة عليهم‌السلام أو أصحابهم عليهم‌السلام
    1 ـ ان رجلا أوصى لرجل من اهل خراسان بمائة الف درهم وامره ان
    __________________
    (1) الخبر 30 من الباب 6 من أبواب صفات القاضي ص 31 ج 18 الوسائل.
    (2) الخبر 7 من الباب 6 من أبواب صفات القاضي ص 34 ج 18 الوسائل.
    (3) الوسائل ج 18 ص 22 ـ 40.

    يعطي أبا حنيفة منها جزء فلم يعلم كم الجزء منها فسأل أبا حنيفة وغيره عن ذلك فقالوا هو الربع فأمره ابو حنيفة ان يرجع لذلك الى الصادق عليه‌السلام فقال الصادق عليه‌السلام لهم : «لم قلتم هو الربع» قالوا : لقول الله تعالى : (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ)(1) قال : قد علمت الطّير أربعة فكم كانت الجبال؟ إنما الاجزاء للجبال ليس للطير. فقالوا : ظننّا انها أربعة فقال عليه‌السلام : «ولكن الجبال عشرة (2).
    2 ـ محمد بن يعقوب عن الحسين بن محمد عن السيّاري قال روي عن ابن ابي ليلى انه قدم اليه رجل خصما له فقال : انّ هذا باعني هذه الجارية فلم اجد على ركبها حين كشفتها شعرا وزعمت انه لم يكن لها قطّ قال : فقال له ابن أبي ليلى : ان الناس يحتالون لهذا بالحيل حتى يذهبوا به فما الذي كرهت؟ قال : أيها القاضي ان كان عيبا فاقض لي به قال اصبر حتى اخرج اليك فإني أجد أذى في بطني ثم دخل وخرج من باب آخر فأتى محمد بن مسلم الثقفي فقال له : أي شيء تروون عن أبي جعفر عليه‌السلام في المرأة لا يكون على ركبها شعر؟ أيكون ذلك عيبا؟ فقال محمد بن مسلم : أما هذا نصّا فلا أعرفه ولكن حدثني أبو جعفر عليه‌السلام عن ابيه عن آبائه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنه قال كل ما كان في اصل الخلقة فزاد ونقص فهو عيب. فقال له ابن أبي ليلى حسبك ثم رجع إلى القوم فقضى لهم بالعيب ورواه الشيخ باسناده عن محمد بن يعقوب. (3)
    3 ـ حدثني حمدويه قال حدثنا محمد بن عيسى عن ابن فضّال عن
    __________________
    (1) سورة البقرة ، الآية : 260.
    (2) سفينة البحار ج 1 ص 348.
    (3) الوسائل ج 12 الحديث 1 من الباب 1 من أبواب أحكام العيوب ص 410.

    ابن بكير عن محمد بن مسلم قال : إني لنائم ذات ليلة على السطح إذ طرق طارق فقلت من هذا؟ فقال شريك رحمك الله. فأشرفت فاذا هي امرأة فقالت لي بنت عروس ضربها الطّلق فما زالت تطلق حتى ماتت والولد يتحرك في بطنها ويذهب ويجيء فما أصنع؟ فقلت يا أمة الله سئل محمد ابن علي بن الحسين الباقر عليه‌السلام عن مثل ذلك فقال : «يشق بطن الميّت ويستخرج الولد يا أمة الله افعلي مثل ذلك؟ أنا يا أمة الله رجل في ستر من وجّهك؟ الى ان قال : قالت لي : رحمك الله جئت الى أبي حنيفة صاحب الرأي فقال لي ما عندي في هذا شيء ولكن عليك بمحمد بن مسلم الثقفي فانه يخبر فما أفتاك به من شيء فعودي إليّ فاعلمينيه. فقلت لها امض بسلام فما كان الغد خرجت الى المسجد وابو حنيفة يسأل عن اصحابه فتنحنحت فقال : اللهم غفرا دعنا نعيش. (1)
    فما في الوسائل من عنوان الباب 6 من ابواب صفات القاضي بقوله
    __________________
    (1) معجم رجال الحديث ج 17 ص 249 نقل ذلك عن الكشي في ترجمة محمد بن مسلم ونقل عن الكشي أيضا حدّثني حمدويه بن نصير قال : حدثنا محمد بن عيسى عن ياسين الضرير البصري عن حريز عن محمد بن مسلم قال : ما شجر في رأيي شيء قط إلّا سألت عنه أبا جعفر عليه‌السلام حتى سألته عن ثلاثين ألف حديث ، وسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ستّة عشر ألف حديث.
    قال أبو النصر : سألت عبد الله بن محمد بن خالد ، عن محمد بن مسلم فقال : كان رجلا شريفا موسرا فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : تواضع يا محمد فلما انصرف إلى الكوفة أخذ قوصرة من تمر مع الميزان وجلس على باب مسجد الجامع وصار «جعل» ينادى عليه فأتاه قومه فقالوا : فضحتنا فقال : ان مولاي أمرني بأمر فلن اخالفه ولن أبرح حتى أفرغ من بيع ما في هذه القوصرة فقال له قومه : إذا أبيت ألّا أن تشتغل ببيع وشراء فاقعد في الطحانين فهيّأ رحى وجملا وجعل يطحن ، وقيل : انه كان من العباد في زمانه ، معجم رجال الحديث ج 17 ص 252.

    باب عدم جواز القضاء والحكم بالرأي والاجتهاد والمقاييس ونحوها من الاستنباطات الظنية في نفس الأحكام الشرعية غير صحيح لأن القضاء والحكم بالرأي والاجتهاد اذا كان على اساس ما ذكرنا من الروايات الواردة عنهم عليه‌السلام لا منع منه بل هو واقع على الطريق الذي صدر منهم نعم لا يجوز العمل بالقياس فذكر القضاء والحكم بالرأي في سياق القياس في غير محلّه.
    وكذا ما ذكره في الباب 10 ص 89 من قوله (باب عدم جواز تقليد غير المعصوم عليه‌السلام فيما يقول برأيه) فإن القول بالرأي اذا كان على الموازين المأخوذة منهم عليه‌السلام لا مانع منه ويجوز التقليد حينئذ.
    مشروعية الاجتهاد الموجود
    فلو فرضنا وسلّمنا ان هذه السيرة (أي السيرة الجارية على رجوع العوام الى المجتهدين والمفتين واخذ فتاويهم والعمل بها) مستحدثة ولم يكن في زمن الأئمة عليهم‌السلام موجودة لأن الشيعة قد كانت في تلك الأزمنة قادرة على الوصول الى الأئمة عليهم‌السلام أو على أصحابهم وتلاميذهم والاستفسار في كل واقعة عن حكمها عنهم عليهم‌السلام ولم يكن شأن أصحاب الأئمة عليهم‌السلام وتلاميذهم الّا الرواية ونقل ما سمعوا من المعصوم عليه‌السلام بلا واسطة أو بواسطة دون الإفتاء والتقليد لكنه لنا أن نقول :
    1 ـ إنّهم عليهم‌السلام كانوا عالمين بوقوع الغيبة الطويلة الموجبة لحرمان الشيعة عن الوصول الى إمامهم والاستضاءة من انوار علومه ومعارفه ـ كما أخبروا عليهم‌السلام بها وبوقوع الفتن والحوادث المؤلمة في هذا الزمن الطويل المقرح

    وتأسّفوا عليه أيّ تأسف.
    2 ـ إنّهم عليهم‌السلام كانوا عالمين بأن الشيعة بارتكازهم يرجعون في تلك العصور المظلمة إلى فقهائهم ويأخذون منهم معالم دينهم ويعملون بما أخذوا عنهم منتظرين للفرج.
    3 ـ إنّهم عليهم‌السلام كانوا يعلمون بان الفقهاء في هذه العصور ما كان لهم محيص في استخراج الأحكام الشرعية الّا المراجعة الى الكتب والجوامع التي كان الأئمة عليهم‌السلام يأمرون بجمعها وتأليفها ويؤكّدون على حفظها ويقولون اكتبوا فإنه سيأتي زمان هرج لا يأنسون الّا بكتبهم وكانوا احيانا يأخذون تلك الكتب ويطالعونها ويدعون لمؤلفها بقولهم عليهم‌السلام اعطاه الله بكل حرف نورا يوم القيامة. (1)
    ومن المعلوم انه ليس شأن الفقهاء في المراجعة إلى تلك الكتب والجوامع الّا تفريع الفروع على الاصول الواصلة اليهم من ائمتهم والجمع بين اخبارهم المتعارضة بحسب انظارهم على مستوى العلاج الذي ارشدوهم اليه في الأخبار العلاجيّة وما هذا الّا الاجتهاد واتخاذ الرأي والنظر.
    فلو لم يكن الطريق المزبور المعمول من الفقهاء مرضيّا عند الأئمة عليهم‌السلام كان عليهم الردع وارشاد الفقهاء الى ترك هذا الطريق وارشاد الناس الى ترك الأخذ لفتاويهم وترك العمل بها والحال انهم عليهم‌السلام مضافا إلى انهم لم يردعوا عنه قد عظّموا شأن الفقهاء العاملين بهذا الطريق وعظّموا شأنهم وقدرهم واخبروا عن اهميّة عملهم وعن عظيم ثوابهم وجزائهم وانبئوا عن مكانتهم وفضائلهم وقالوا بأنهم هم الكافلون لأيتام آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمرشدون لهم والمدبّرون لامورهم والمرابطون بالثّغر الذي يلي ابليس وعفاريته ولا ريب
    __________________
    (1) الوسائل ج 18 ص 72 الحديث 80 من الباب 8 من أبواب صفات القاضي.

    انهم جزاهم الله عن الإسلام خيرا حفّاظ الشريعة في الغيبة الكبرى واركان الملة فهذا رئيس المحدثين صدوقهم ولد بدعاء صاحب الأمر صلوات الله عليه وارواحنا فداه ونال بذلك عظيم الفضل والفخر ووصفه الإمام عليه‌السلام في التوقيع الخارج من ناحيته المقدسة بانه فقيه خيّر مبارك ينفع الله به (1).
    وهذا مفيدهم الذي ورد عليه توقيعات من ولي العصر وصاحب الأمر عليه‌السلام وقال له فيها للأخ السديد والوليّ الرشيد الشيخ المفيد (2) وكان يوم ارتحاله على آل الرسول سلام الله عليهم عظيما ووجد مكتوبا على قبره :
    لا صوّت النّاعي بفقدك انه
    يوم على آل الرّسول عظيم

    ان كان قد غيّبت في جدث الثرى
    فالعدل والتّوحيد فيك مقيم

    والقائم المهدي يفرح كلما
    تليت عليك من الدروس علوم (3)

    وانه الذي رأى في المنام فاطمة الزهراء عليها‌السلام ومعها الحسن والحسين عليهما‌السلام وهي تقول يا شيخي علّم ولديّ هذين الفقه ثم جاءت في صبيحة يومه فاطمة ام المرتضى والرضى مستصحبة معها ولديها قائلة يا شيخ علّمهما الفقه (4) وهذا السيّد المرتضى علم الهدى الذي قد قال العلامة في حقّه في
    __________________
    (1) سفينة البحار ج 2 ص 22.
    (2) البحار ج 53 ص 174 والاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 324.
    (3) تنقيح المقال ج 3 ص 180 ريحانة الأدب ج 4 ص 60 الكنى والألقاب ج 3 ص 172 الفوائد الرضوية ص 633.
    (4) روضات الجنّات ج 6 ص 153.

    الخلاصة : بكتبه استفاد العلماء من زمانه إلى زماننا وهو يقرب من ثلاثمائة سنة.
    وهذا شيخ الطائفة المحقة في تضلّعه في جميع الفنون الإسلاميّة المبتكر في تأليف مبسوطه لإراءة طريق الاجتهاد في الاستخراج الوسيع وتفريع الفروع من احاديث اهل البيت عليهم‌السلام وهؤلاء هم المحقق والعلامة والشهيد الأول والثاني والشيخ البهائي والمجلسيّان والوحيد البهبهاني وبحر العلوم والشيخ جعفر الكبير والنراقيّان وصاحب الجواهر والشيخ الاعظم الانصاري والسيد العظيم اليزدي والعلامة الحائري اليزدي واستاذنا العلامة البروجردي الذي قد اوجد تطورا في بحث الفقه في الحوزة العلميّة في بلدة قم المقدسة واستاذنا الإمام الخميني قد ابلغ بنهضته المباركة صدى الإسلام الى اقصى نقاط العالم وجدّد حياة الإسلام بعد ان اراد المستكبرون والجبابرة الطّواغيت اطفائه (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ).
    والأحاديث الصّادرة عنهم عليهم‌السلام في فضل الفقهاء والعلماء الدالّة على عظم منزلتهم ومكانتهم عند الله وفضل ثوابهم ـ حشرنا الله معهم ـ ان لم يكن صادرة في حقهم وصادقة عليهم ففي حق من صدر؟ وعلى من يصدق؟
    فعن ابي محمد العسكري عن ابيه عن آبائه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اشدّ من يتم اليتيم الذي انقطع عن ابيه يتم يتيم انقطع عن امامه ... الا فمن هداه وارشده وعلّمه شريعتنا كان معنا في الرفيق الأعلى.
    وقال عليّ بن ابي طالب عليه‌السلام : «من كان من شيعتنا عالما بشريعتنا

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

     مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه     مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه  Emptyأمس في 2:25 pm

    فأخرج ضعفاء شريعتنا من ظلمة جهلهم ... حاء يوم القيامة وعلى رأسه تاج».
    وعن الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها‌السلام قالت سمعت أبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «ان علماء شيعتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم وجدّهم في ارشاد عباد الله.
    وقال الحسن بن علي عليهما‌السلام : «فضل كافل يتيم آل محمد المنقطع عن مواليه كفضل الشمس على السهى».
    وقال الحسين بن علي عليهما‌السلام : «من كفّل لنا يتيما قطعته عنا محبتنا باستتارنا .. ينادي مناد من عند الله اجعلوا له يا ملائكتي في الجنان بعدد كل حرف علّمه الف الف قصر.
    وقال علي بن الحسين عليهما‌السلام : «فابشروا علماء شيعتنا بالثواب الاعظم والجزاء الأوفر».
    وقال محمد بن علي الباقر عليه‌السلام : «العالم كمن معه شمعة تضيء للناس فكل من أضاءت له فخرج بها من حيرة او نجا بها من جهل فهو من عتقائه من النار والله يعوضه عن ذلك بكل شعرة لمن اعتقه».
    وقال جعفر بن محمد عليهما‌السلام : «علماء شيعتنا مرابطون بالثغر الذي يلي ابليس وعفاريته يمنعونهم من الخروج على ضعفاء شيعتنا الا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان افضل ممّن جاهد الرّوم والترك والخزر الف الف مرة لأنه يدفع عن اديان محبينا وذلك يدفع عن ابدانهم»
    وقال موسى بن جعفر عليهما‌السلام : «فقيه واحد ينقذ يتيما من ايتامنا من المنقطعين عنا وعن مشاهدتنا بتعليم ما هو محتاج اليه اشد على ابليس من

    الف عابد لأن العابد همّه ذات نفسه فقط وهذا همّه مع ذات نفسه ذات عباد الله وإمائه لينقذهم من يد إبليس ومردته فذلك هو افضل عند الله من الف الف عابد والف الف عابدة.»
    وقال علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام : «يقال للعابد في القيامة نعم الرجل كنت همّتك ذات نفسك وكفيت الناس مئونتك فادخل الجنة إلّا ان الفقيه من افاض على الناس خيره وانقذهم من اعدائهم ويقال للفقيه : أيّها الكافل لأيتام آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قف حتى تشفع لمن اخذ عنك أو تعلم منك فيقف فيدخل الجنة معه فئاما وفئاما وفئاما (1) حتى قال عشرا».
    وقال محمد بن علي الجواد عليهما‌السلام : «من تكفل بايتام آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنقطعين عن امامهم المتحيرين في جهلهم الاسراء في ايدي شياطينهم وفي ايدي النواصب من أعدائنا فاستنقذهم منهم وأخرجهم من حيرتهم ليفضلون عند الله تعالى على العباد بافضل المواقع باكثر من فضل السماء على الأرض».
    وقال علي بن محمد الهادي عليهما‌السلام : «لو لا من يبقى بعد غيبة قائمنا من العلماء الداعين اليه والدّالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد الّا ارتدّ عن دين الله ولكنهم الذين يمسكون أزمّة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها هم الافضلون عند الله عزوجل».
    وقال ابو محمد الحسن العسكري عليه‌السلام : «ان من محبّي محمد وآل محمد «صلوات الله عليهم» مساكين مواساتهم افضل من مواساة مساكين
    __________________
    (1) الفئام الجماعة من الناس.

    الفقراء وهم الذين سكنت جوارحهم وضعفت قواهم عن مقابلة اعداء الله الذين يعيّرونهم بدينهم ويسفهون احلامهم الا فمن قوّاهم بفقهه وعلمه حتى ازال مسكنتهم ثم سلّطهم على الأعداء الظاهرين النواصب وعلى الأعداء الباطنين إبليس ومردته ... حوّل الله تعالى تلك المسكنة الى شياطينهم فاعجزهم عن اضلالهم قضى الله تعالى بذلك قضاء حق على لسان رسول الله. (1)
    فثبت ممّا ذكرنا ان مسلك الصّحيح هو مسلك المجتهدين وما قالوا وعملوا به هو الحقّ المبين.
    __________________
    (1) بحار الأنوار ج 2 من الطبع الجديد ص 1 ـ 7.

    المسألة 12 : يجب تقليد الأعلم مع الإمكان على الأحوط (1).

    هل يجب تقليد الاعلم؟
    إذا كان هناك مجتهدان احدهما أعلم من الأخر فهل يتعيّن عليه تقليد الأعلم أو يتخير في تقليد أيّهما شاء؟ ويعتبر في موضوع المسألة أمران :
    احدهما : علم المقلد باختلافهما في الفقاهة
    الثاني : علمه باختلافهما في الفتوى.
    إذ مع التساوي في الفقاهة والاختلاف في الفتوى يتخير العامي في تقليد ايّهما شاء ومع اتفاقهم في الفتوى تكون فتاويهما المتوافقة كالروايات المتطابقة على حكم من الأحكام في كون الدليل هو الجامع بينهما وعدم وجوب الاستناد الى واحدة منهما بالخصوص. وأما صور الشك في الاختلاف في الفقاهة وعدمه مع العلم بالاختلاف في الفتوى والشك في الاختلاف في الفتوى وعدمه مع العلم باختلافهما في الفقاهة فنتعرض لبيان احكامها في مسألة وجوب الفحص ان شاء الله تعالى.
    وعمدة الأقوال في المسألة اربعة
    __________________
    (1) العروة فصل الاجتهاد والتقليد.

    الأول : الوجوب مطلقا وهو المشهور بين اصحابنا كما عن المعارج والإرشاد ونهاية الاصول والتهذيب والدروس والقواعد والذكرى وجامع المقاصد وتمهيد القواعد والمعالم والزبدة وحاشية المعالم للفاضل مولى صالح والرياض بل في المعالم هو قول الاصحاب الذين وصل الينا كلامهم وصرّح بدعوى الإجماع المحقق الثاني. (1)
    وقال السيّد في الذريعة الى اصول الشيعة : وان كان بعضهم عنده اعلم من بعض واورع أو أدين فقد اختلفوا فمنهم من جعله مخيرا ومنهم من أوجب ان يستفتي المقدم في العلم والدّين وهو اولى لانّ الثقة منها اقرب واوكد والاصول بذلك كلها شاهدة. (2)
    وقال المحقق في المعارج وان كان احدهم ارجح في العلم والعدالة وجب العمل بفتواه وان اتفق اثنان احدهما اعلم والآخر اكثر عدالة وورعا قدّم الأعلم لأن الفتوى تستفاد من العلم لا من الورع والقدر الذي عنده من الورع بحجزه عن الفتوى بما لا يعلم فلا اعتبار برجحان ورع الآخر (3).
    وقال صاحب المعالم وان كان بعضهم ارجح في العلم والعدالة من بعض تعين عليه تقليده وهو قول اصحابنا الذين وصل الينا كلامهم وحجتهم عليه ان الثقة بقول الأعلم اقرب وأوكد (4).
    القول الثاني : عدم الوجوب مطلقا ذهب اليه جملة من متأخري اصحابنا ممن تأخر عن الشهيد الثاني وفي رسالة الاجتهاد والتقليد للشيخ
    __________________
    (1) مطارح الأنظار ص 276.
    (2) الذريعة ص 801 وسيأتي ما ذكره صاحب الجواهر وغيره من ان كلام السيّد هذا في مسألة الإمامة العظمى والخلافة الكبرى.
    (3) المعارج ص 201.
    (4) المعالم ص 241.

    الأعظم الانصاري بعد ان حكى تعيّن العمل بقول الأعلم عن المشهور قال بل لم يحك الخلاف فيه عن معروف (1).
    ولكن الظاهر عدم استقامة ما قاله فان الذاهب الى القول الثاني على ما وجدنا كلماتهم هو جمع من الفحول فمنهم استاذاه صاحب الجواهر والنراقي في المستند ومنهم صاحب القوانين وصاحب الفصول وذهب اليه العلامة الكني ايضا في كتاب قضائه وكلام الشهيد الثاني في المسالك في كتاب القضاء صريح في التردّد (2) والحق في المقام ما عبّر به في مطارح الأنظار ان هذا القول اي القول بعدم وجوب تقليد الأعلم صار في هذا الزمان قولا معتدا به.
    الثالث : التفصيل فيجب تقليد الأعلم اذا لم يكن قول غير الأعلم مطابقا للأعلم من الأموات.
    الرابع : ايضا التفصيل فيجب تقليد الأعلم اذا لم يكن قول غير الأعلم مطابقا للاحتياط.
    والمسألة بين العامة ايضا ذات قولين فمذهب احمد بن حنبل واصحاب الشافعي وجماعة من الأصوليّين منهم والغزالي وجوب تقليد الأعلم وذهب القاضي ابو بكر وجماعة من الأصوليّين والفقهاء منهم الى التخيير والسؤال لمن شاء من العلماء سواء تساووا أو تفاضلوا. (3)
    والأنسب في المقام نقل كلمات القائلين بجواز تقليد غير الأعلم حتّى يتضح مقالتهم ودلائلهم ثم تعقيبها بمقالة القائلين بوجوب تقليد الأعلم
    __________________
    (1) رسالة الاجتهاد والتقليد ص 71.
    (2) واختار في الشرائع جواز قضاء المفضول مع وجود الأفضل وعلى القول بالملازمة بين القضاء والإفتاء فالمحقّق أيضا من القائلين بهذا القول.
    (3) المستصفى ج 2 ص 125 والآمدي في أحكام الأحكام ج 3 ص 173.

    ودلائلهم ثم تحقيق ما هو الحق الحقيق بالقبول بعون الله تعالى وتوفيقه.
    قال الشهيد الثاني في المسالك في كتاب القضاء. اذا وجد الإمام اثنين صالحين للقضاء لكن احدهما اعلم من الآخر فلا اشكال في رجحان تقليد الأعلم لكن هل يتعين ذلك ام يجوز توليته المفضول فيه قولان مرتّبان على ان المقلد هل يجب عليه تقليد اعلم المجتهدين ام يتخير في تقليد من شاء منهم؟ قولان للأصوليين والفقهاء.
    احدهما : الجواز لاشتراك الجميع في الأهليّة ولما اشتهر من ان الصحابة كانوا يفتون مع اشتهارهم بالاختلاف في الأفضلية ومع تكرر الإفتاء ولم ينكر عليهم احد من الصحابة فيكون اجماعا منهم على جواز تقليد المفضول مع وجود الأفضل ...
    والثاني : وهو الأشهر بين الأصحاب المنع لان النظر بقول الأعلم اقوى منه بقول المفضول واتباع الاقوى اولى ورواية عمر بن حنظلة عن الصادق عليه‌السلام صريحة في هذا وهذه الرواية هي مستند القائل بذلك من الأصحاب لشهرة مضمونها بينهم وتلقّيهم لها بالقبول ...
    ثم قال وفي كل واحد من الأدلة من الجانبين نظر ... ولمنع كون الظن بقول الأعلم اقوى والرواية نص في المطلوب لكن قد عرفت ما في طريقها فان تم الاستدلال بها لانجبار ضعفها بالشهرة فهي العمدة والّا فلا (1) ... انتهى.
    وممن قال بعدم وجوب تقليد الأعلم هو المحقق القمي حيث انه قال في ضمن البحث في المسألة : وان كان بعضهم اعلم واورع من غيره فالمعروف من مذهب اصحابنا بل ذكر بعضهم انه لا خلاف فيه عندنا انه يقدم على
    __________________
    (1) المسالك ج 2 ص 439.

    غيره لانه اقوى وارجح واتّباعه اولى واحق وانه بمنزلة الأمارتين على المجتهد واختلف فيه العامة فمنهم من وافقنا على ذلك والأكثرون سوّوا بين الأفضل وغيره لاشتراك الجميع في الاجتهاد والعدالة المصحّحين للتقليد ولان المفضولين من الصحابة وغيرهم كانوا يفتون من غير نكير اقول ان ثبت الإجماع على مختار الاصحاب فهو وانّى لهم باثباته في امثال هذه المسائل والّا فالاعتماد على هذا الظهور والرجحان مشكل وتشبيهه بامارة المجتهد قياس مع الفارق ... (الى ان قال) وعلى هذا (اي بناء على عدم الدليل على تقديم الأعلم) فلا بد ان يقال بالتخيير بين الأعلم وغيره ... وساق الكلام الى ان قال : لا يقال : ان الاصل حرمة العمل بالظن خرج الاقوى بالإجماع ولا دليل على العمل بالأضعف لأنا نقول : قد بيّنا سابقا انه لا اصل لهذا الاصل فلا نعيد واشتغال الذمة ايضا لم يثبت الّا بالقدر المشترك المتحقق في ضمن الأدون والأصل عدم لزوم الزيادة». (1)
    والعلّامة النراقي في المستند بعد ان نقل عن بعض الإجماع على وجوب تقليد الأعلم قال : وقال المحقّق الأردبيلي : انه قد ادعى الإجماع عليه ونقل منع الإجماع أيضا ويشعر بعدم الإجماع كلام الفاضل في نهاية الأصول وفي المسالك اجماع الصحابة على جواز تقليد المفضول مع وجود الأفضل واختاره المحقق وظاهر الأردبيلي الميل إليه كما ان ظاهر المسالك التردّد.
    والحق هو الجواز وخيار الرعيّة مطلقا للأصل والإطلاقات ، ويؤيّده افتاء الصحابة مع اشتهارهم بالاختلاف في الأفضلية وعدم الإنكار عليهم .. ثم قال : احتج القائلون بوجوب تقليد الأعلم بأن الظن بقوله
    __________________
    (1) القوانين ج 2 ص 240 ـ 243.

    أقوى والأقوى أحرى بالاتّباع ولما بنى عليه اصول مذهبنا من قبح تقديم المفضول على الأفضل وللأخبار منها المقبولة (1) وخبر داود بن الحصين (2) وخبر النميري. (3)
    وأجاب عن الأول : بأنّ حجيّة التقليد تعبّدية وليست منوطة بالظن فلا يقدح قوّة الظن في فتوى الأفضل ...
    وعن الثاني : بأنه قياس للقضاء والفتوى على الإمامة فإن قبح تقديم المفضول في اصول مذهبنا في الأخير والقياس باطل مع انه مع الفارق كما صرّح به المحقق الأردبيلي قال : لأنّ الإمامة كالنبوّة في الاتّباع المحض له والتفويض إليه بالكلية ، ويحكم بالعلم البديهي ويحتاج إلى علم الهي في جميع الامور ومنشأ الفتوى والحكم النصّ المستفاد عن بعض القرائن ، وقد يفرض وصول مفضول الى الحق دون الفاضل ولا محذور فيه ولا يمكن ذلك في أصل الإمامة والنبوّة ، فإن المدار هنا على العلم الحق ، ولهذا جوّز إمامة المفضول للفاضل في الصلاة وجوّز للإمام نصب القاضي من غير اشتراط تعذّر الوصول إليه ...
    ثم قال : وظهر ممّا ذكرنا ان الحق اختصاص ترجيح الأعلم بمورد النصوص وهو ما إذا اختلف المترافعان أوّلا في الاختيار كما في المقبولة أو اتّفقا على رجلين فاختلفا كما في الروايتين كما هو ظاهر الفاضل في التحرير ، وان اللّازم ترجيحه حينئذ أيضا هو الأعلم والأعدل معا ، فلو
    __________________
    (1) الخبر 1 من الباب 9 من أبواب صفات القاضي ج 18 الوسائل ص 75 وذكره أيضا في الباب 11 ص 98.
    (2) الخبر 20 من الباب 9 من أبواب صفات القاضي ج 18 الوسائل ص 80.
    (3) الخبر 45 من الباب 9 من أبواب صفات القاضي ج 18 الوسائل ص 88.

    فضل أحدهما في أحدهما وتساويا في الآخر أو رجح الآخر في الآخر فلا يجب الترجيح (1) انتهى كلام العلّامة النراقي بتلخيص منّا.
    وقال في الفصول : يعتبر في انعقاد التقليد شرائط يرجع بعضها إلى المستفتي وبعضها إلى المفتي وبعضها إلى الحكم المفتى به.
    وأمّا الشرائط المعتبرة في المفتي فمنها : الإسلام والإيمان ... ومنها :
    العدالة .. ومنها : أن يكون ضابطا ..
    ومنها : أن يكون حيّا ...
    ومنها : أن لا يكون مجتهد آخر أفضل منه في الفقه والورع ، فلا يجوز تقليد المفضول في ذلك مع امكان الرجوع إلى الأفضل ، وقد نسب بعضهم إلى الأصحاب مدّعيا عليه الإجماع ، ويدلّ عليه بعد الأصل ظاهر مقبولة عمر بن حنظلة الآتية في اختلاف الحاكمين ، فإنّ فيها : الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما حكم به الآخر ، فإن ظاهرها عدم الإعتداد بحكم الآخر مطلقا ، فيدل على عدم جواز التعويل على فتواه إمّا لأنها داخلة في اطلاق الحكم ، أو لعدم ثبوت قائل بالفرق بين الحكم والفتوى فيتم المنع فيها بالإجماع المركّب ، وان العدول عن الأفضل إلى المفضول عدول عن أقوى الإمارتين إلى أضعفهما وهو غير جائز وان من أدلّة جواز التقليد الإجماع والضرورة وهما لا ينهضان إلّا على جواز تقليد الأفضل.
    ويشكل بمنع الإجماع لا سيّما بعد تصريح جماعة بالجواز.
    والأصل مدفوع بعموم آيات المقام ورواياته فإن المستفاد منها عدم
    __________________
    (1) المستند ج 2 ص 521.

    تعيين الأفضل فيتخيّر بين تقليده وتقليد المفضول.
    والرواية المذكورة بعد تسليم سندها واردة في صورة التعارض في الحكم ، فلا تدل على عدم الإعتداد بحكم المفضول عند عدم المعارضة فضلا عن دلالته على عدم الإعتداد بفتواه مطلقا ، فإن الحكم المذكور في الرواية غير الفتوى كما يشهد به سياقها والإجماع المدّعى على عدم الفرق ممنوع.
    وحجيّة التقليد تعبّدية وليست منوطة بالظن ، فلا يقدح قوّة الظن في فتوى الأفضل مع انها على اطلاقها ممنوعة ، فإنّ المقلّد قد يقف على مدارك الفريقين فيترجّح في نظره فتوى المفضول.
    والحجّة على جواز التقليد لا ينحصر في الإجماع والضرورة فلا يثبت المنع بمجرّد عدم قيامهما على جواز تقليد المفضول مع قيام غيرهما عليه كما عرفت.
    على ان الظاهر من المانعين عدم جواز الرجوع إلى المفضول مع امكان الرجوع إلى الأفضل ولو بالرجوع إلى من يروي عنه الفتوى وهذا يؤدّي إلى عدم جواز التعويل على فتوى أحد في زمن المعصوم وما قاربه مع امكان الرجوع إلى الرواية عنه بطريق الأولويّة فيجب على المفتي حينئذ العدول عن ذكر الفتوى إلى نقل الرواية عند حاجة المستفتي ولا قائل به ظاهرا ، ورواية أبان بن تغلب السابقة كالصريح في نفي ذلك (1) والسيرة المستمرّة شاهدة على بطلانه.
    مع ما في تعيين الأفضل من الضيق القريب من الحرج ، وبهذه الوجوه يمكن القدح في كون الشهرة المدّعاة في المقام قادحة في عموم الأدلّة فالقول
    __________________
    (1) مراده ما روي من ان الصادق عليه‌السلام قال لأبان بن تغلب : «اجلس في مسجد المدينة وافت الناس فإنّي احب أن يرى في شيعتي مثلك» «رجال النّجاشي ص 7».

    بالجواز اذن أوجه وإن كان المنع أحوط ، انتهى كلام الفصول مع تلخيص منّا.
    وقال صاحب الجواهر «رضوان الله عليه» في كتاب القضاء في شرح عبارة الشرائع : «إذا وجد اثنان متفاوتان في الفضيلة مع استكمال الشرائط المعتبرة في القاضي» فيهما «فإن قلّد» الإمام «الأفضل جاز قطعا» وإن كان المفضول أورع لأنّ ما عند الأفضل من العدالة يكفي في منعه من التهاجم على المحارم ، ويبقى فضله خاليا عن المعارض.
    نعم مع تساويهما في العلم يقدّم الأعدل لكونه أرجح حينئذ ، فيكون الحاصل حينئذ ترجيح أعلم الورعين وأورع العالمين لقاعدة قبح ترجيح المرجوع على الراجح.
    «وهل يجوز العدول إلى المفضول مع وجود الأفضل ..؟ فيه تردّد» من الاشتراك في الأهلية ولما هو المعلوم من افتاء الصحابة مع اختلافهم في الفضيلة وعدم النكير عليهم فيكون ذلك اجماعا منهم ولما في تكليف العامي بذلك من العسر والحرج لعدم تأهّله لمعرفة الأفضل من غيره.
    ومن ان الظنّ بقول الأعلم أقوى فيجب اتّباعه إذ أقوال المفتين بالنسبة إلى المقلّد كالأدلّة بالنسبة إلى المجتهد في وجوب اتباع الراجح.
    ولخبر عمر بن حنظلة سابقا (1) المنجبر اسنادها بالتعاضد وتلقّي الأصحاب لها بالقبول وفعل الصحابة بعد اعراضهم عن الإمام عليه‌السلام ليس حجّة عندنا وتعرّف الأفضل ممكن بشهادة أهل الخبرة كتعرّف أصل الأهليّة.
    ولكن مع ذلك كلّه «فالوجه» عند المصنف «الجواز لأن خلله» إن كان
    __________________
    (1) الخبر 1 من الباب 11 من أبواب صفات القاضي ج 18 الوسائل.

    «ينجبر بنظر الإمام عليه‌السلام» الذي نصّبه.
    وفيه انما يتمّ مع قربه منه واطّلاعه على أحكامه لا مع بعده عنه على وجه لا يعلم شيئا من وقائعه وفرض المسألة أعم من الأوّل على ان أصل فرضها فيما ذكر خال من الثمرة ضرورة كونه أعلم بما يفعل مع حضوره.
    انّما الكلام في نوّاب الغيبة بالنسبة إلى المرافعة إلى المفضول منهم وتقليده مع العلم بالخلاف وعدمه.
    والظاهر الجواز لإطلاق أدلّة النصب المقتضي حجيّة الجميع على جميع الناس وللسيرة المستمرّة في الإفتاء والاستفتاء منهم مع تفاوتهم في الفضيلة.
    ودعوى الرجحان بظن الأفضل يدفعها مع امكان منعها في كثير من الأفراد المنجبر نظر المفضول فيها في زمانه بالموافقة للأفضل في الأزمنة السابقة وبغيرها. انه لا دليل عقلا ونقلا في العمل بهذا الرجحان في خصوص المسألة ، إذ لعلّ الرجحان في أصل شرعية الرجوع إلى المفضول وإن كان الظن في خصوص المسألة بفتوى الفاضل أقوى نحو شهادة العدلين.
    ومع فرض عدم المانع عقلا فإطلاق أدلّة النصب بحاله ونفوذ حكمه في خصوص الواقعة يستلزم حجّية ظنه في كليهما وانه من الحق والقسط والعدل وما أنزل الله فيجوز الرجوع إليه تقليدا أيضا والنصوص السابقة (1) انما هي في المتنازعين في حق وقد حكّما في أمرهما رجلين دفعة فحكم كل واحد منهما لكل واحد منهما ولا وجه للتخيير هنا كما في أصل المرافعة
    __________________
    (1) الخبر 1 من الباب 9 من أبواب صفات القاضي ج 18 من الوسائل ص 75 والخبر 20 من الباب المذكور.

    والتقليد ضرورة تحقّق فصل الدعوى بقول أحدهما لاتفاق النصوص (1) على ذلك وانه لا يبطل حكم كل منهما بحكم الآخر فليس حينئذ إلّا الترجيح للحكم في كلّي الواقعة بالمرجّحات التي ذكرها الإمام عليه‌السلام وقال : انه مع فرض فقدها أجمع تقف حتى تلقى الإمام عليه‌السلام.
    وهذا غير أصل التخيير في الترافع والتقليد المستفاد بين اطلاق أدلّة النصب المعتضد بالعمل في جميع الأعصار والأمصار ، بل لعلّ أصل تأهّل المفضول وكونه منصوبا يجري قبضه وولايته مجرى قبض الأفضل من القطعيّات التي لا ينبغي الوسوسة فيها خصوصا بعد ملاحظة نصوص النصب (2) الظاهرة في نصب الجميع الموصوفين بالوصف المزبور لا الأفضل منهم وإلّا لوجب القول انظروا إلى الأفضل منكم لا رجل منكم كما هو واضح بأدنى تأمّل.
    ومن ذلك يعلم ان نصوص الترجيح (3) أجنبيّة عمّا نحن فيه من المرافعة ابتداء أو التقليد كذلك مع العلم بالخلاف وعدمه.
    ومن الغريب اعتماد الأصحاب عليها في اثبات هذا المطلب (4) حتى انّ بعضا منهم جعل مقتضاها ذلك مع العلم بالخلاف الذي عن جماعة من الأول دعوى الإجماع على تقديمه حينئذ لا مطلقا فجنح إلى التفصيل في المسألة بذلك.
    __________________
    (1) الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث 1 وغيره.
    (2) الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث 1 و 6 وغيرهما.
    (3) الخبر 1 و 2 من الباب 9 من أبواب صفات القاضي.
    (4) أي : في اثبات وجوب الرجوع في القضاء والإفتاء إلى الأفقه مع انها واردة في المتنازعين اللذين قد حكّما في أمرهما رجلين دفعة وحصل الاختلاف بينهما في الحكم ، كما تقدّم.

    وأغرب من ذلك الاستناد إلى الإجماع المحكىّ عن المرتضى في ظاهر الذريعة والمحقّق الثاني في صريح حواشي الجهاد من الشرائع على وجوب الترافع ابتداء إلى الأفضل وتقليده ، بل ربما ظهر من بعضهم ان المفضول لا ولاية له أصلا مع وجود الأفضل ضرورة عدم اجماع نافع في هذه المسائل ، بل لعلّه بالعكس ، فإن الأئمّة عليهم‌السلام مع وجودهم كانوا يأمرون الناس بالرّجوع إلى أصحابهم من زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وغيرهم ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يولّي القضاء بعض أصحابه مع حضور أمير المؤمنين عليه‌السلام الذي هو أقضاهم.
    قال في الدروس : لو حضر الإمام في بقعة وتحوكم إليه فله ردّ الحكم إلى غيره اجماعا على انه لم يتحقّق الإجماع عن المحقّق الثاني ، واجماع المرتضى مبنيّ على مسألة تقليد المفضول الإمامة العظمى مع وجود الأفضل وهو غير ما نحن فيه ضرورة ابتنائها على قبح ترجيح المرجوح على على الراجح فلا نصب من الله شأنه لها مع وجود الأفضل ولا مدخليّة لهذه المسألة فيما نحن فيه قطعا وظنّي ، والله أعلم ، اشتباه كثير من الناس في هذه المسألة بذلك انتهى كلام الجواهر. (1)
    وقال العلّامة الكني في كتاب قضائه في بحث جواز الرجوع إلى المفضول في باب القضاء والفتوى مع وجود الأفضل انه قال قوم بعدم الجواز ولكنه هنا أقوال أخر :
    أحدها : عدم اشتراط ذلك (أي عدم اشتراط جواز الرجوع إلى المفضول بعدم وجود الأفضل) مطلقا بل يجوز الرجوع إلى المفضول وينفذ حكمه ويصحّ تقليده والعمل بفتواه مطلقا اختاره جملة من متأخّري
    __________________
    (1) الجواهر ج 40 كتاب القضاء ص 42 ـ 46.

    المتأخّرين بل الظاهر انه مذهب أكثرهم بل الظاهر انعقاد الشهرة المتأخّرة عليه فذهب إليه في المجمع والمفتاح والجواهر من كتب الفقه وفي القوانين والمناهج والفصول من كتب الأول وغير ذلك من كتب العلمين وفي الدروس حكايته عن قوم والظاهر انهم منّا إذ ليس بنائه فيها على نقل قول من خالفنا.
    وثانيها : التفصيل بين زمان الحضور والغيبة.
    وثالثها : هو القول بأنه إذا علم بالاختلاف يجب الرجوع إلى الأعلم حكاه الجواهر عن بعضهم والظاهر انه استاذه في كشف الغطاء واختار ولده الاستاذ حاكيا عن والده أيضا.
    وذكر في الاستدلال للقول بوجوب الرجوع إلى الأعلم وجوها :
    الأوّل : الأصل ، وهو حرمة العمل بالظن وقد خرج عنه قول الأعلم.
    الثاني : اصالة الاشتغال. (1)
    الثالث : الإجماع.
    الرابع : قوله تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ). (2)
    ثمّ أورد على الاستدلال بالأصلين المذكورين والإجماع والآية بقوله : ان الأصل مسلّم ولكن المخرج عنه لا يختص بما ذكر لكفاية اطلاق وعموم أدلّة القضاء والفتوى مع كثرتها في ذلك ... مضافا إلى آيات الإنذار والسؤال عن أهل الذكر والنّبأ وغيرها وقوله عليه‌السلام لأبان بن تغلب : «اجلس
    __________________
    (1) مراده ان الاشتغال بأحكام الله الواقعيّة حاصل وهو يستدعي الفراغ اليقيني ولا يحصل إلّا بالعمل بقول الأعلم.
    (2) الآية 9 من سورة الزّمر.

    في مسجد الكوفة وافت للناس» وكقوله : «من أفتى الناس بغير علم ...» إلى غير ذلك من الأخبار المستفيضة واجماع المرتضى في مسألة الإمامة.
    ولو كان الرجوع إلى الأعلم واجبا لوجب أن يقول الإمام عليه‌السلام من أول الأمر ارجعوا إلى أعلم علمائكم مطلقا أو من يمكنكم الوصول إليه مطلقا أو مع فرض كونهم في بلدكم إلّا مع الموافقة ، فالتخيير لا أن يقول انظروا إلى رجل منكم.
    ثمّ قال بعد اختياره القول بعدم وجوب تقليد الأعلم : والغرض بيان فساد الاستناد إليها (أي إلى الروايات) في هذا الحكم العظيم الموجب للعسر والحرج المنافي للسيرة المستمرّة إلى زمن الأئمّة عليهم‌السلام فالمسألة حريّة بأن لا يشكّك في حكمها كما قال الجواهر ونعم ما قال : لعلّ أصل تأهّل المفضول وكونه منصوبا يجري قبضه وولايته مجرى قبض الأفضل من القطعيات لا ينبغي الوسوسة فيها إلى أن قال : ومن ذلك يعلم ان نصوص الترجيح أجنبيّة عمّا نحن فيه من المرافعة ابتداء أو التقليد كذلك مع العلم بالخلاف وعدمه.
    وقال بالنسبة إلى ما في عهده عليه‌السلام للأشتر : واختر للحكم بين الناس أفضل رعيّتك في نفسك ممّن لا تضيق به الامور : انه لعدم صحّة السند مع عدم جابر صالح مع ظهور امارات الاستحباب كما لا يخفى على من لاحظه لم يمكن الاستناد إليه في اثبات هذا الأمر العظيم ...
    ثم قال : وذكر الوشّاء انه أدرك تسعمائة شيخ بالكوفة كلّ يقول حدّثني جعفر بن محمّد قال في المفتاح : أترى ان أهل الكوفة على كثرتهم كانوا إذا

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

     مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه     مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه  Emptyأمس في 2:27 pm

    أرادوا الاستفتاء أو تنازع اثنان يعمدون إلى أفقه الفقهاء وأكثرهم جمعا للأخبار.
    قلت : فكان هذا اجماعا منهم على جواز الأمرين وانه لا تعيّن في البين.
    وبالجملة لا ريب في اجماع أصحاب الرسول والأئمّة عليهم‌السلام على ما ذكر (أي على جواز الرجوع إلى غير الأعلم) ومثله حجّة بلا إشكال.
    ... ثم قال : ثالثها تقرير الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام لأصحابهم ولغيرهم من العوام القريبين منهم والبعيدين عنهم على المراجعة في الفتيا إلى غير الأعلم.
    ورابعها : لو فرض تساوي أصحابهم في المرتبة فلا ريب ان الخليفة أعلم.
    مضافا إلى السيرة الكاشفة المستمرة إلى زمن الأئمّة عليهم‌السلام على رجوع غير العالم إلى العلماء وإلى إطلاق جملة من الأخبار من قبيل : «فللعوام أن يقلّدوه» ، «اعمدا في دينكما على كل مسنّ في حبّنا» ، «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا» انتهى بتلخيص منّا. (1)
    وإذا تبيّن مقالة القائلين بجواز تقليد غير الأعلم ومستندهم فاللازم تحقيق الكلام في مقامين :
    الأوّل : فيما يقتضيه الأصل كي يرجع إليه لو لم يكن اطلاق حاكم عليه.
    والثاني : فيما تقتضيه الأدلّة العقليّة والنقلية.
    __________________
    (1) كتاب القضاء للعلّامة الكني ص 30 ـ 35.

    وتقريب جريان الأصل فيما نحن فيه حيث ان الأمر دائر بين التخيير والتعيين يتّضح بذكر امور :
    الأوّل : ان التخيير على أقسام :
    القسم الأول : التخيير العقلي الثابت في تعلق الوجوب بطبيعة ذات أفراد فإن التخيير بين أفرادها انما يكون بحكم العقل ، فإذا قال اعتق رقبة يحكم العقل بتساوي أفرادها في تعلق الحكم بها فالإتيان بأيّ فرد منها يوجب الامتثال وسقوط الأمر.
    القسم الثاني : التخيير الشرعي الذي يتكفّله الخطاب كخصال الكفّارة من عتق رقبة وصيام شهرين واطعام ستّين مسكينا ، فالتخيير بينها شرعي.
    والقسم الثالث : التخيير العقلي الثابت في باب التزاحم فإذا قال انقذ الغريق ولكن المكلّف لم يكن قادرا إلّا على انقاذ واحد من الغريقين فالعقل يحكم بالتخيير بينهما مع تساوي ملاكيهما وبتعيّن انقاذ أحدهما مع أهميّة ملاكه من ملاك الآخر ، وكذا مع احتمال أهمّية ملاكه فالتخيير حينئذ عقليّ ناش من التزاحم في مقام الامتثال وليس بينهما تزاحم في مقام الجعل (والتزاحم في مقام الجعل المسمّى بتزاحم الملاكات باب آخر وهو غير ما نحن فيه).
    القسم الرابع : التخيير بين فعل شيء وتركه لدوران حكمه بين الوجوب والحرمة مع عدم مرجّح لأحدهما والتخيير فيه قهري وتكوينيّ ، فإن التخيير في دوران الأمر بين المحذورين ليس شرعيّا ولا عقليا ، أمّا عدم كونه شرعيا فواضح ، لأنّ حكم الفعل واقعا واحد معيّن امّا الوجوب

    أو الحرمة ، وامّا عدم كونه عقليا فلعدم الملاك في كل من الفعل والترك كما في الواجبين المتزاحمين فالتخيير في هذا القسم تكوينيّ حيث ان المكلف بحسب طبعه إمّا فاعل وإمّا تارك.
    الأمر الثاني : انّ التخيير قد يكون في المسألة الفرعية وقد يكون في المسألة الاصولية ومناط الفرق بينهما ان التخيير إذا كان مرتبطا بفعل المكلّف وحكمه كما في الأقسام الأربعة المتقدّمة يكون التخيير في المسألة الفرعية ، وأمّا إذا كان مرتبطا بالحجّة كما في باب تعارض الأمارتين المتكافئتين فالتخيير حينئذ بين الحجّتين والمكلف مخيّر في الأخذ بأيّهما شاء والإفتاء على طبق ما أخذ وعليه فالتخيير فيها تخيير في المسألة الاصوليّة.
    الأمر الثالث : انه قد يتردّد الأمر بين التخيير والتعيين وهو قد يكون في المسألة الفرعية ، وقد يكون في المسألة الاصولية ففي بعض أقسام دوران الأمر بين التخيير والتعيين في المسألة الفرعية يمكن القول بالبراءة وعدم لزوم اتيان ما يحتمل تعيّنه ، ففي القسم الأوّل من أقسام التخيير المذكورة إذا شككنا مثلا في ان الواجب هل هو عتق مطلق الرقبة أو الرقبة المؤمنة؟ يمكن أن يقال : ان الزام الشارع بالرقبة المؤمنة ممّا لا يعلم فيجرى فيه حديث الرفع ، وحيث انه ضيق على المكلّف يجري فيه حديث السعة وتجري فيه البراءة العقلية أيضا ، وكذا في القسم الثاني منه فجريان البراءة عقلا ونقلا فيهما ممّا لا بأس به ، ولازمه البراءة من لزوم اتيان ما يحتمل تعيّنه وجريان أصالة التخيير فيهما ولكنه في القسم الثالث من أقسام التخيير حيث كان حكم العقل بالتخيير قائما بملاك التساوي ، فإذا انتفى التساوي احتمالا أو محتملا لا يحكم العقل بالتخيير ، ويجب الأخذ بما يحتمل تعيّنه وفي القسم الرابع

    منها أيضا يختص التخيير التكويني بصورة التساوي من جميع الجهات.
    هذه هي صور الدوران بين التخيير والتعيين في المسألة الفرعية وأمّا في دوران الأمر بين التخيير والتعيين في المسألة الاصوليّة بأن كان هناك امارتان وكانت حجّية إحداهما ثابتة ومسلّمة ولكن يشكّ في حجية الاخرى فلا تجري فيه إلّا أصالة التعيينيّة من غير فرق بين الموارد ، وذلك لرجوع الشك في مثله إلى الشكّ في الحجّية ومقتضى أصالة عدم الحجّية في كلّ ما يشك في حجّيته عدم كونه حجّة وفتوى الأعلم فيما نحن فيه ممّا علم بحجّيتها فهي خارجة عن تحت أدلة حرمة العمل بالظن الثابتة كتابا وسنّة وإجماعا وعقلا (المعبّر عنها بأصالة عدم الحجية).
    وأمّا فتوى غير الأعلم فيشك في حجّيتها فهي باقية تحت هذه الأدلّة فأصالة التعيينية في دوران الأمر بين التخيير والتعيين في باب الحجج هي الحاكمة بوجوب الأخذ بما يحتمل تعينه ، وهذا الأصل بهذا التقريب كما يجري في مسألة تقليد الأعلم التي هي محلّ البحث فعلا يجري أيضا في باب اشتراط الحياة في المفتي وتقليد الميّت ابتداء واستدامة ، ومسألة جواز تقليد المتجزّي وغيرها ، وبالجملة انه يجري في كل مورد دار الأمر بين التخيير والتعيين وكان الباب باب الحجج ولازمه الأخذ بما يحتمل تعيّنه ما لم يقم الدليل الاجتهادي على خلافه.
    هذا هو التقريب الأوّل للأصل في المقام ويظهر من بعضهم (1) تقريب آخر وهو ان المكلف قد تنجّز عليه الأحكام الواقعيّة بسبب علمه بها اجمالا والاشتغال اليقيني مقتض للفراغ اليقيني ، والعمل بفتوى الأعلم موجب
    __________________
    (1) منهم السيّد المجاهد في مفاتيح الاصول ص 626 وجمع منهم كصاحب الفصول قد ذكر الأصل في عداد أدلّة وجوب تقليد الأعلم ولم يبيّن المراد منه.

    للفراغ يقينا ، وأمّا العمل بفتوى غير الأعلم فيشك معه في الفراغ ، وحيث انه يجب عليه تحصيل الفراغ فلا مناص إلّا من العمل بفتوى الأعلم ، وهذا التقريب إن لم يرجع إلى التقريب الأوّل فهو تقرير لقاعدة الاشتغال ، ومن المعلوم انه مع التقريب الأول الذي أوضحناه لا تصل النوبة إليه لتقدّم الدليل الاجتهادي على الدليل الفقاهتي حكومة أو ورودا مطابقا أو مخالفا.
    ثم ان الظاهر ان ما ذكرنا من كون الأصل في دوران الأمر بين التخيير والتعيين في باب الحجج هو أصالة التعيينيّة ولزوم الأخذ بما يحتمل تعيينه (وهو فتوى الأعلم فيما نحن فيه) وانه يفترق عن باب دوران الأمر بين التخيير والتعيين في باب الأحكام لجريان أصالة التخيير في الثاني دون الأوّل أمر لا ترديد فيه ولا غبار عليه ، ولكنّه يظهر من كلام الإمام في رسالته في الاجتهاد والتقليد التردّد فيه ، بل اختياره التساوي بين البابين في جريان أصالة التخيير فيهما حيث قال ـ بعد مناقشته في (1) الأدلة التي اقيمت على وجوب تقليد الأعلم ـ : «فالإنصاف انه لا دليل على ترجيح قول الأعلم إلّا الأصل بعد ثبوت كون الاحتياط مرغوبا عنه وثبوت حجية قول الفقهاء في الجملة ، كما ان الأمر كذلك ، وفي الأصل أيضا إشكال ، لأنّ فتوى غير الأعلم إذا طابق الأعلم من الأموات أو في المثالين المتقدّمين (إذا طابق فتوى غير الأعلم الأعلم من الأحياء إذا لم يجز تقليدهم لجهة أو إذا طابق فتوى غير الأعلم الاحتياط) يصير المقام من دوران الأمر بين التخيير والتعيين لا تعين الأعلم والأصل فيه التخيير». (2)
    __________________
    (1) وسيجيء ما في مناقشته «قده».
    (2) رسالة الاجتهاد والتقليد للإمام الخميني «قدس الله نفسه» ص 147.

    وفيه ما مرّ من الفرق بين البابين وان الثاني يكون من دوران الأمر بين التخيير والتعيين في باب الأحكام وتجري البراءة فيه فيما يحتمل تعيّنه ومقتضاه الحكم بالتخيير ، وهذا بخلاف الأوّل ، فإن الأدلة الدالة على عدم حجية ما يشك في حجّيته تقتضي عدم حجيته قطعا ، فلا يمكن اجراء أصالة التخيير فيه ، فاعتبار أصالة التعيينيّة فيما نحن فيه ممّا لا ترديد فيه.
    وهذا الأصل أي اصالة التعيينية في دوران الأمر بين التخيير والتعيين في باب الحجج ـ على ما ذكرنا ـ كما يمكن أن يكون مستندا للمفتي في مقام افتائه في مسألة تقليد الأعلم يكون مستندا للعامي أيضا بملاحظة ما يستقل به عقله ، فإنه بعد الالتفات إلى أمرين أحدهما تنجّز الأحكام الشرعية عليه بعلمه الإجمالي بها والثاني انه لا طريق له إلى امتثالها إلّا فتوى المجتهدين بملاحظة فطرته وارتكازه المقتضي للزوم رجوع الجاهل إلى العالم وبمقتضى بناء العقلاء على الرجوع إلى أهل الخبرة يستقل عقله بلزوم تقليد الأعلم لدوران الأمر بين التخيير والتعيين في الحجية والعقل يستقل بمقتضى ما ذكرناه بلزوم ترجيح محتمل التعيين.
    التحقيق في أدلّة الطرفين
    وإذ فرغنا من تأسيس الأصل في المسألة ليكون مرجعا عند عدم تماميّة أدلّة الطرفين فاللازم هو التحقيق في أدلّة المانعين عن تقليد غير الأعلم وأدلّة المجوّزين له ليتّضح ما هو الحق فيها فنقول : استدلّ القائلون بلزوم تقليد الأعلم بوجوه :

    أحدها : الإجماع ، وقد نقله الشيخ الأعظم الأنصاري «ره» عن جمع منهم المحقّق الثاني ثم قال : وهو الحجّة في مثل المقام ولا وجه للوسوسة بعدم حجّية الإجماع المنقول. (1)
    وفي المستمسك وجوب تقليد الأعلم هو المشهور بين الأصحاب بل عن المحقّق الثاني الإجماع عليه ، وعن ظاهر السيّد في الذريعة كونه من المسلّمات عند الشيعة. (2)
    ويرد عليه أولا : ان دعوى الإجماع في المسألة مع عدم كونها معنونة في كلمات المتقدّمين إذ لم نجد التعرّض لها قبل المحقّق في المعارج مع ذهاب جمع من الفحول كالنراقي في المستند (3) وصاحب الجواهر (4) والمحقّق القمي (5) وصاحب الفصول (6) والعلّامة الكني (7) في كتاب قضائه إلى جواز تقليد غير الأعلم الأعلم ، وتردّد الشهيد الثاني في المسالك غير سديد.
    وثانيا : ان ظاهر الجواهر انكار دلالة كلام المحقّق الثاني على كون المسألة اجماعية ، وقال : ان كلام السيّد في الذريعة غير مرتبط بمسألة التقليد وكلامه في مسألة الإمامة العظمى والخلافة الإسلاميّة وهي التي يقبح فيها ترجيح المرجوح على الراجح فلا نصب من الله تعالى شأنه لها مع وجود
    __________________
    (1) مطارح الأنظار ص 280.
    (2) المستمسك ج 1 ص 26.
    (3) المستند ج 2 ص 521 كتاب القضاء.
    (4) الجواهر ج 40 ص 46.
    (5) القوانين ج 2 ص 240.
    (6) الفصول ص 419.
    (7) كتاب القضاء للعلّامة الكني ص 30 ـ 35.

    الأفضل (1) وعليه فنقل الإجماع من السيّد أيضا في المسألة في غير محله.
    وثالثا : انه اجماع مدركيّ كما يفصح عنه استدلال المجمعين ببعض الوجوه التي سيأتي التعرّض لها ، ومن المعلوم ان مثله لا يكون اجماعا تعبّديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه‌السلام.
    ثانيها : الأخبار الدالّة بظاهرها على تقدّم قول الأفقه والأعلم على قول غيره.
    فمنها : خبر عمر بن حنظلة ـ وقد رواه المشايخ الثلاثة ـ وروى في الوسائل صدره في الباب 11 من أبواب صفات القاضي (2) وذيله في الباب 9 (3) من الأبواب المذكورة والسند ومجموع المتن هكذا : محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن عيسى ، عن صفوان ، عن داود بن الحصين ، عن عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحلّ ذلك؟ قال : من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت ، وما يحكم له فإنّما يأخذ سحتا ، وإن كان حقّا ثابتا له ، لأنّه أخذه بحكم الطاغوت ، وما أمر الله أن يكفر به ، قال الله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ)(4) قلت : كيف يصنعان؟ قال : ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما ، فإنّي قد
    __________________
    (1) الجواهر ج 40 ص 42 ـ 46.
    (2) ص 98.
    (3) ص 75.
    (4) سورة النساء ، الآية : 60.

    جعلته عليكم حاكما ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه ، فإنّما استخف بحكم الله وعلينا ردّ ، والرادّ علينا الراد على الله وهو على حدّ الشرك بالله ، قال : فإن كان كل واحد اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما واختلف فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم؟ [حديثنا : خ ل] فقال عليه‌السلام : الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر ، قال : فقلت : فإنّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا لا يفضل [ليس يتفاضل : خ ل] واحد منهما على صاحبه؟ قال : فقال : ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فإن المجمع عليه لا ريب فيه ودع الشاذّ النادر ... ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب ، عن محمد ابن عيسى نحوه ، ورواه الصدوق بإسناده عن داود بن الحصين. (1)
    __________________
    (1) الباب 11 من أبواب صفات القاضي ص 98 ج 18 الوسائل كتاب القضاء.
    باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى إلى رواة الحديث من الشيعة فيما رووه عن الأئمّة عليهم‌السلام من أحكام الشريعة لا فيما يقولونه برأيهم (ورواه أيضا في الباب 9 ص 75).
    1 ـ محمد بن يعقوب (الكليني من الطبقة 9) عن محمد بن يحيى (أبي جعفر العطّار الأشعري شيخ أصحابنا في زمانه ثقة عين كثير الحديث جش من الطبقة Cool عن محمد بن الحسين (وهو محمد بن الحسين بن أبي الخطاب زيد أبو جعفر الزيّات الهمداني جليل من أصحابنا عظيم القدر كثير الرواية ثقة عين له تصانيف جش ج دى رى مات 262 من الطبقة السابعة).
    عن محمد بن عيسى (وهو محمد بن عيسى بن عبيد بن يقطين مولى بني أسد بن خزيمة أبو جعفر العبيدي اليقطيني ثقة عين على ما في جش ص 235 أبو جعفر جليل في أصحابنا ثقة عين كثير الرواية حسن التصانيف روى عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام مكاتبة ومشافهة

    __________________
    ـ وفي ص 115 من معجم رجال الحديث ج 17 ان وثاقة وجلالة الرجل ممّا تسالم عليه أصحابنا ، قال : ولا يعارض ذلك تضعيف الشيخ إيّاه في غير مورد وأجاب عن تضعيفه.
    وقال : وطريق الصدوق إليه كطريق الشيخ إليه صحيح.
    عن صفوان بن يحيى بيّاع السابري ثقة ثقة عين روى أبوه عن الصادق عليه‌السلام وروى هو عن أربعين رجلا من أصحاب الصادق عليه‌السلام وله ثلاثون كتابا ، وكانت له عند الرضا عليه‌السلام منزلة شريفة ، وقد توكل له ولأبي جعفر عليه‌السلام وكان من الورع والعبادة على ما لم يكن عليه أحد من طبقته جش أوثق أهل زمانه وأعبدهم عند أهل الحديث.
    جخ ست جش كش وهو من الطبقة السادسة.
    وكان شريكا لعبد الله بن جندب وعلي بن النعمان وروي انهم تعاقدوا في بيت الله الحرام إلى آخر ما ذكره في تنقيح المقال ص 100 ج 2.
    عن داود بن الحصين (في تنقيح المقال انه بالحاء المهملة المضمومة والصاد المهملة المفتوحة والياء الساكنة من الرجال الأسدي مولاهم كوفي ثقة روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام جش ص 115 من الطبقة الخامسة) «جاء في معجم رجال الحديث ص 98 ج 7».
    وقال الشيخ في رجاله : انه واقفي ، ونسب العلّامة في القسم الثاني من الخلاصة 1 من الباب 1 من فصل الدال إلى ابن عقدة أيضا القول بوقفه ولأجل ذلك توقّف في العمل بروايته.
    وعن السيد الداماد انه قال : ولم يثبت عندي وقفه ، بل الراجح جلالته عن كل غمز وشائبة.
    أقول : يكفي في ثبوت وقفه شهادة الشيخ المؤيّدة بما حكاه العلّامة عن ابن عقدة إلّا انه مع ذلك يعتمد على رواياته لأنه ثقة بشهادة النجاشي وطريق الشيخ إليه كطريق الصدوق صحيح ، انتهى ما في معجم رجال الحديث.
    عن عمر بن حنظلة : (وثقه الشهيد في شرح الدراية كما في نقد الرجال ص 253 وفي ص 27 ج 13 من معجم رجال الحديث ان الرجل (أي عمر بن حنظلة) لم ينص على توثيقه ومع ذلك ذهب جماعة منهم الشهيد الثاني إلى وثاقته.
    واستدلّ على ذلك بوجوه (وذكر وجوها ستّة وناقش جميعها)
    ونقل في جامع الرواة أيضا وثاقته عن الشهيد ولم يوثّقه نفسه.
    وفي تنقيح المقال ج 2 ص 343 بعد ذكر الوجوه الدالّة على وثاقته على زعمه : فتلخّص من ذلك كله ان الأقوى وثاقة الرجل.

    وقد استدل به الشيخ في مطارح الأنظار على وجوب تقليد الأعلم وقال : والتقريب ان الإمام عليه‌السلام قدّم قول الأفقه والأعلم على غيره عند العلم بالمعارضة والمخالفة وهو المطلوب.
    ثم قال :
    لا يقال : ان ظاهر المقبولة هو اختصاصها بالقضاء فلا يستقيم الاستدلال بها في الفتوى.
    لأنّا نقول : يتم المطلوب بالإجماع المركّب .. (1) وفي رسالة العلامة ميرزا حبيب الله الرشتي : تمسّك بهذه الرواية غير واحد من الأعاظم على تعيين الأعلم مثل الفاضل الهندي والفاضل المازندراني على ما حكي عنهما. (2)
    وقال بعض : ان الترجيح بالأفقهيّة بمناط تقديم الفتوى لأنّ حكم الحاكم في الشبهات الحكميّة ليس إلّا انشاء الفتوى المستنبطة من الأدلّة فالحكم والفتوى مشتركان في المدرك مختلفان في الموضوع ، فتكون الفتوى هو الإخبار عن ثبوت الحكم الكلّي للموضوع الكلّي ، والحكم هو انشاء تلك الفتوى في الموضوع الشخصي المترافع فيه فحجيّة كل حكم مستلزمة لحجيّة الفتوى خصوصا بملاحظة ان المورد شبهة حكميّة ، ولذا اختلف الحكمان مستندين إلى حديثين مختلفين وذلك مثل أن تقع عين خارجيّة موردا للتنازع وكان أحد المتداعيين بالنسبة إليها داخل اليد والآخر خارج اليد ، وحكم أحد الحاكمين بتقديم الداخل والآخر بتقديم الخارج وكان
    __________________
    (1) مطارح الأنظار ص 280.
    (2) رسالة تقليد الأعلم للعلّامة ميرزا حبيب الرشتي ص 36.

    اختلافهما من جهة الاستناد إلى الأحاديث المختلفة الواردة في القضاء التي تدل طائفة منها على تقديم الداخل وطائفة اخرى منها على تقديم الخارج ، أو كانت العين الخارجية في يد شخص وادّعى الآخر مالكيّتها لنفسه ولم تكن للمدعي بيّنة وامتنع المنكر من الحلف ، وحينئذ ففي المسألة قولان : أحدهما القضاء بالنكول للمدّعي ، والآخر : لزوم ردّ الحلف إلى المدّعي وعدم القضاء له إن لم يحلف.
    ولا بدّ لاستيفاء البحث فيها من التعرّض لجهات ثلاث :
    الأولى : في سندها.
    الثانية : في مضمونها فيما يتعلّق بشئون القضاء.
    الثالثة : بالنسبة إلى دلالتها على اعتبار الأعلمية في باب التقليد.
    أمّا الجهة الأولى : فلا بحث في اعتبار من تأخّر عن عمر بن حنظلة في السند ووثاقتهم كما أشرنا إليه في الهامش فيما ذكرناه في الذّيل ، وأمّا عمر بن حنظلة فلم يرد في حقّه توثيق إلّا ما عن الشهيد الثاني في شرح الدراية من قوله : ان عمر بن حنظلة وإن لم ينصّ الأصحاب فيه بجرح ولا تعديل ، ولكن أمره عندي سهل ، لأنّي حقّقت توثيقه من محل آخر وإن كانوا قد أهملوه. (1)
    وثبوت الوثاقة بقول الشهيد وحده في قبال سائر مهرة فنّ الرجال من الكشي والنجاشي والشيخ الطوسي والعلّامة «قدس الله أسرارهم» مشكل ، فهي وإن سمّيت بالمقبولة واشتهر ان الأصحاب تلقّوها بالقبول ، ولكنه لم يثبت ، ولعلّه من قبيل ربّ شهرة لا أصل لها ، وورود الروايات في مدحه ووثاقته مع وقوع نفسه في سند بعضها ووقوع يزيد بن خليفة ومحمد بن
    __________________
    (1) تنقيح المقال ج 2 ص 342.

    مروان العجلي ـ وهما غير موثقين ـ في سند بعضها الآخر لا يجدي في وثاقته شيئا. (1)
    كما ان رواية الأجلّاء كزرارة وعبد الله بن مسكان وصفوان بن يحيى وأضرابهم عنه لا تدلّ على وثاقته ، فما في تنقيح المقال من تقوية وثاقة الرجل لما ذكر (2) غير سديد.
    وأمّا الجهة الثانية ففيها وجوه من البحث :
    أمّا أوّلا : فلدلالتها على جواز الترافع في الواقعة الواحدة إلى الحكّام المتعدّدين ولازمه جواز فصل الخصومة بالحكم الصادر من المتعدّدين من الحكّام ، وهو ممّا يظهر من الأصحاب خلافه كما صرح به العلّامة الحكيم «رحمة الله عليه» حيث قال : يظهر من الأصحاب عدم جواز العمل بها (أي بالمقبولة) لاعتبار الوحدة في القاضي عندهم ظاهرا. (3)
    وأمّا ثانيا : فإنها تدل على نفوذ الحكم الثاني بعد صدور الحكم من الحاكم الأول ، وهو ممّا تسالم الأصحاب على عدم صحّته وحمل المقبولة على صدور الحكمين من الحاكمين دفعة واحدة حمل على الفرد النادر ويأباه ظاهر العبارة.
    وأمّا ثالثا : فلدلالتها على اعتبار اجتماع الصفات الأربع من الأفقهية والأعدليّة والأصدقيّة والأورعيّة في تقديم حكم أحد الحاكمين على الآخر والظاهر من الأصحاب الاكتفاء بالأعلميّة فقط.
    وأمّا رابعا : فلدلالتها على لزوم نظر المترافعين إلى مدرك الحكمين من
    __________________
    (1) معجم رجال الحدث ج 13 ص 27 ـ 29.
    (2) تنقيح المقال ج 2 ص 343.
    (3) المستمسك ج 1 ص 29

    الروايات من جهة كونها موافقة للمشهور أو مخالفة له مع ان شأن المترافعين ومهمّتهما ليس هو النظر في مدرك الحكمين والاجتهاد في ترجيح أحدهما على الآخر إجماعا على ما صرّح به العلّامة الرشتي في رسالته في تقليد الأعلم. (1)
    وأمّا الجهة الثالثة من الكلام فيها أي من جهة دلالتها على اعتبار الأعلميّة في باب التقليد أيضا ففيها أيضا وجوه من البحث.
    أمّا أوّلا : فلعدم ثبوت الملازمة بين باب القضاء وباب الفتوى والتقليد ، بل ثبت خلافه ، ولذا يجوز ترافع المجتهدين إلى ثالث ، ولا يجوز تقليد المجتهد لغيره كما انه يجوز الإفتاء بالخلاف على فتوى الآخر ، ولا يجوز الحكم بالخلاف على حكم الآخر ، ودعوى اتحاد المناط في البابين أيضا مجازفة فإن المناط في باب الخصومة فصل الخصومة ، ولا يحصل ذلك مع اختلاف الحاكمين والحكم بالتخيير فلا بد من الترجيح بخلاف باب الفتوى فإن المناط فيه تحصيل الحجّة فيمكن أن يحكم الشارع بحجيّة فتوى كلا المجتهدين في حق المقلّد (من غير اعتبار التساوي في العلم والفضيلة) فيكون المقلّد مخيّرا في الأخذ بأيّ من الفتويين.
    وحينئذ فحيث يكون سلب المركّب أو ما بحكمه (2) بسلب أحد أجزائه فحكم الشارع بعدم نفوذ حكم المفضول في باب القضاء (إذا حصل الاختلاف بينه وبين الأفضل في الحكم على ما هو المفروض في المقبولة) ليس من جهة عدم صلاحيته للحجية ، بل لعدم كونه فاصلا ، كما ان فتوى
    __________________
    (1) رسالة تقليد الأعلم للعلّامة الميرزا حبيب الله الرشتي ص 35.
    (2) والمراد من المركّب أو ما بحكمه في المقام هو كون المقام مقام القضاء وحكم المفضول في قبال الأفضل علما وصدقا في الحديث وعدلا وورعا.

    الأعلم وحدها أيضا ليست فاصلة ، بل لا بدّ أن ينضمّ إليها كونه أعدل وأصدق في الحديث وأورع ، وحينئذ فالقاء الخصوصية عرفا أو دعوى القطع باتحاد المناط في البابين ممّا لا وجه لهما بعد وضوح الفرق بين البابين مع ان ما هو المفيد في مثل المقام القول بعدم الفصل لا عدم القول بالفصل.
    وقال الإمام «رضوان الله عليه» في رسالة الاجتهاد والتقليد في المقام : لعلّ الشارع لاحظ جانب الاحتياط في حقوق الناس فجعل حكم الأعلم فاصلا لأقربيته إلى الواقع بنظره ولم يلاحظ في أحكامه ذلك توسعة على الناس فدعوى القاء الخصوصية مجازفة ودعوى القطع أشدّ مجازفة. (1)
    وأمّا ثانيا : فلدلالتها على الترجيح بالأوصاف الأربعة معا بحكم واو الجمع (أحدها الأعلميّة) مع ان القطع حاصل بأنه لا مدخليّة للأصدقيّة والأورعيّة في تقديم إحدى الفتويين المتعارضتين فالأوصاف الواردة في الرواية راجعة إلى باب القضاء وأجنبيّة من باب الفتوى.
    وأمّا ثالثا : فلأن الأعلميّة المبحوث عنها في باب التقليد انما هي الأعلميّة المطلقة ، ولكن الأعلميّة المذكورة في الرواية هي الأعلميّة النسبية والإضافيّة لقوله عليه‌السلام : الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما ومعناه ان كون أحد الحاكمين أفقه من غيره يكون مرجّحا في باب القضاء ولا يعتبر عند الاختلاف المفروض في الرواية الأعلمية المطلقة وأين هذا من الأعلمية المبحوث عنها في باب التقليد لبداهة اعتبار الأعلمية المطلقة فيه على القول باعتبارها فلا دلالة للمقبولة على لزوم الترافع عند الأفضل بالنحو المطلق حتى يتعدّى منه إلى باب التقليد.
    __________________
    (1) رسالة الاجتهاد والتقليد ص 144.

    هذا وذهب العلّامة الرشتي في رسالته في تقديم الأعلم (في مقام الاستدلال بالمقبولة على لزوم تقليد الأعلم) ان المراد بالحكم في الرواية ليس ما هو المصطلح عليه عند الفقهاء اعني القضاء بل الظاهر ان المراد به معناه اللغوي المتناول للفتوى مثل قوله تعالى في غير موضع : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) الآية يدل على ذلك زيادة على عدم ثبوت الحقيقة الشرعية في لفظ الحكم قول الراوي وكلاهما اختلفا في حديثكم فان المتبادر كونه بيانا لاختلاف الحكم ومن الواضح ان الاختلاف في نفس القضاء ليس اختلافا في الحديث نعم الاختلاف في فتوى رواة عصر الإمام اختلاف في الحديث نظرا الى اشتراك الفتاوي ورواياتهم في الاستناد الى السماع عن الامام عليه‌السلام عموما او خصوصا فيكون الاختلاف في الفتوى اختلافا في الحديث وكذا يدل عليه قول الإمام عليه‌السلام الحكم ما حكم به اصدقهما في الحديث فان صدق الحديث انما يناسب ترجيح الفتوى التي هي بمنزلة الحديث دون القضاء.
    ولا دلالة في منازعة المتحاكمين على كون المراد به القضاء لأن المتنازعين ربما ينشأ نزاعهما من جهة الاشتباه في الحكم الشرعي فيرجعان الى من يحكم بينهما بالفتوى دون القضاء والظاهر ان نزاع الرجلين كان من هذه الجهة لا من جهة الاختلاف في الموضوع ومرجعه الى الادّعاء والإنكار والّا لما كان لاختيار كل منهما حكما وجه فإن فصل الخصومة حينئذ يحصل من حكم واحد.
    ... وايضا قوله عليه‌السلام : ينظر الى ما كان من رواياتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند اصحابك الخ لا يلائم تعارض الحكم المصطلح من وجهين :

    احدهما : ان شغل المترافعين ليس النظر في مدرك الحكمين والاجتهاد في ترجيح احدهما على الآخر اجماعا والثاني انه اذا تعارض الحكمان ولم يكن في احد الحاكمين مزية على الآخر في شيء من الأوصاف المزبورة فالمرجع حينئذ هو اسبق الحكمين بل لا يبقى بعد صدور الحكم من احد من الحكام محل لحكم الآخر ولو حمل الرواية على ما اذا كان الحكمان قد صدرا دفعة واحدة فمع بعده وامكان القطع بعدمه عادة يدفعه ان الحكمين يتساقطان حينئذ فلا وجه للأخذ بالمرجحات ... ولذا تمسك بهذه الرواية غير واحد من الاعاظم مثل الفاضل الهندي والفاضل المازندراني على ما حكي عنهما. (1)
    ويرد عليه اولا : ان ظاهر صدر الرواية التعرض لباب القضاء والحكم دون باب الفتوى.
    وثانيا : ان الظاهر منها كون مجموع الأوصاف الاربعة مرجحا واحدا لا خصوص الافقهية وهو لا ينطبق على مدّعاه من كون المزية مجرد الافقهية والأعلمية.
    وثالثا : ان المزية المفروضة في المقبولة الأعلمية والافقهية الاضافية «لقوله افقههما» لا الأعلمية المطلقة التي هي مورد البحث في باب التقليد ومدّعاه اثبات الثاني بها لا الأول.
    ومنها : خبر داود بن الحصين :
    محمد بن علي بن الحسين باسناده عن داود بن الحصين عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجلين اتفقا على عدلين جعلاهما بينهم في حكم وقع
    __________________
    (1) رسالة العلّامة الرشتي في تقليد الأعلم ص 32 ـ 36.

    بينهما فيه خلاف فرضيا بالعدلين فاختلف العدلان بينهما عن قول ايهما يمضي الحكم؟ قال : «ينظر الى افقههما وأعلمهما بأحاديثنا واورعهما فينفذ حكمه ولا يلتفت الى الآخر».
    ورواه الشيخ باسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن الحسن بن موسى الخشاب عن احمد بن محمد بن أبي نصر عن داود بن الحصين مثله. (1)
    وقد ظهر الجوب عنه بما ذكرناه في الجواب عن الاستدلال بالمقبولة من عدم الملازمة بين باب القضاء والإفتاء والتقليد اوّلا ودلالة الخبر على اعتبار الافضلية الاضافية بين الحاكمين مع كون المدّعي اعتبار الأعلمية المطلقة ثانيا.
    ومنها : خبر موسى بن اكيل النميري :
    باسناده (اي الشيخ) عن محمد بن علي بن محبوب (وهو شيخ القميين في زمانه ثقة عين فقيه صحيح المذهب جش صه وهو من الطبقة السابعة واسناد الشيخ اليه صحيح).
    عن محمد بن الحسين (وهو محمد بن علي بن الحسين بن ابي الخطاب زيد أبو جعفر الزيّات الهمداني جليل من اصحابنا عظيم القدر كثير الرواية ثقة عين له تصانيف جش صه وهو ايضا من الطبقة السابعة).
    __________________
    (1) الوسائل ج 18 ص 80 الحديث 20 من الباب 9 من أبواب صفات القاضي ، وقد تقدّم ترجمة داود بن لحصين في البحث عن سند مقبولة عمر بن حنظلة ، وفي معجم رجال الحديث ص 98 ج 7 في ترجمة داود بن الحصين طريق الشيخ كطريق الصدوق إليه صحيح فالخبر موثّق.

    عن ذبيان بن حكيم (1) عن موسى بن اكيل (2) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سئل عن رجل يكون بينه وبين اخ له منازعة في حق فيتفقان على رجلين يكونان بينهما فحكما فاختلفا فيما حكما. قال : وكيف يختلفان؟ قال : حكم كل واحد منهما للذي اختاره الخصمان فقال ينظر الى اعدلهما وأفقههما في دين الله فيمضي حكمه». (3)
    وفيه ما ذكرنا في سابقه من عدم الملازمة بين باب القضاء والإفتاء ودلالته على الافضلية الإضافية مع كون المدّعي الافضلية المطلقة.
    ومنها : ما عن امير المؤمنين عليه‌السلام في عهده الى مالك الأشتر في المختار الواحد والخمسين من كتبه ورسائله في نهج البلاغة «ثم اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك» بتقريب انه يدل على اعتبار الافضلية في القاضي وبالملازمة بين باب القضاء والإفتاء يستفاد منه اعتبار الأعلمية في المفتى ايضا.
    واجاب عنه المحقق الخراساني في الكفاية بعد ذكره في عداد مقبولة عمر بن حنظلة المتقدمة وغيرها بان الترجيح في مقام الحكومة لاجل رفع الخصومة التي لا يكاد ترتفع الّا به لا يستلزم الترجيح في مقام الفتوى كما انه اجاب عنه في التنقيح بأنه انما يدل على اعتبار الأفضلية الإضافية في باب
    __________________
    (1) ذبيان بالذال المعجمة المضمومة والباء المنقّطة الموحّدة تحتها نقطة ، والياء المنقّطة تحتها نقطتين والنون بعد الألف (ايضاح الاشتباه) والرجل مهمل في كتب الرجال ، تنقيح المقال ج 1 ص 42.
    (2) موسى بن أكيل النميري كوفي ثقة ، روى عن أبي عبد الله عليه‌السلام صه جش وهو من الطبقة الخامسة ، والنمير على وزن زبير.
    (3) الوسائل ج 18 ص 88 الحديث 45 من الباب 9 من أبواب صفات القاضي.

    القضاء وان القاضي يعتبر ان يكون افضل بالإضافة الى رعية الوالي المعيّن له ولا يعتبر فيه الأفضلية المطلقة ولا يأتي ذلك في باب الإفتاء لأن المعتبر فيه هو الأعلمية المطلقة على ما اتضح مما بيّناه في الجواب عن المقبولة. (1)
    ويرد عليهما انهما «قدس الله اسرارهما» لم يلاحظا ما وقع في كلامه عليه‌السلام بعد ذكر الأفضلية بيانا لها فإن مقتضاه كما سنذكره اختصاص هذه الصفات بالقاضي ومن المعلوم عدم مناسبتها مع غيره وعليه فلا ربط للأفضلية بهذا المعنى بالمفتي اصلا ولا وجه لذكره في عداد الروايات المناسبة للبحث عن اعتبار الأعلمية في باب الفتوى وتمام كلامه عليه‌السلام في القاضي مع ذكر الصفات له ما يلي : ثم اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك.
    ثمّ فسّر عليه‌السلام الأفضل بمن : تتوفّر فيه الصّفات التالية :
    1 ـ «ممّن لا تضيق به الامور» لقلّة الإحاطة بوجوه تدبيرها وعدم قوّة التحليل والتجزئة للقضايا الواردة عليه فيحار فيها.
    2 ـ «ولا تمحكه الخصوم» أي : لا تغلبه الخصوم باللّجاج ولا يطمع الخصوم في جعله محكا يمتحنونه هل يقبل الرشوة أم لا؟ وهل يؤثّر فيه التطميع والتهديد أم لا؟
    3 ـ «ولا يتمادى في الزلّة» حيث ان القاضي في معرض الوقوع في الاشتباه دائما من جهة تحيّل المترافعين فيعرض له رأي ثم يكشف له انه خلاف الحق ، وهذا إذا كان نادرا لا يضرّ القاضي ، وأمّا إذا كان كثيرا وتمادى فيه فيضرّه.
    4 ـ «لا يحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفه» أي : لا يأبى الرجوع إلى
    __________________
    (1) التنقيح ج 1 ص 145.


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

     مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه     مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه  Emptyأمس في 2:29 pm

    الحق إذا كشف له حفظا لجاهه وخوفا من الشناءة كما يفعله قضاة السوء.
    5 ـ «ولا تشرف نفسه على طمع» اي لا يحدّث نفسه بالطمع في الاستفادة من المترافعين فيتوجه الى الأوفر منهم ثروة او جاها ليستفيد من ماله أو جاهه.
    6 ـ «ولا يكتفي بأدنى فهم دون اقصاه» بأن يكون دقيقا في كشف القضية المعروضة عليه ولا يكتفي بالنظر السطحي في فهم صدق المتداعين وكذبهم بل يكتنه القضية عن طرق كشف الجريمة وعن طرق كشف الحقيقة.
    ثم انه عليه‌السلام لم يكتف بهذه الصفات حتى اكملها بستة اخرى فقال :
    1 ـ «واوقفهم في الشبهات» اي لا يأخذ باحد طرفي الشبهة حتى يفحص ويتبين له الحق بدليل علمي يوجب الاطمينان.
    2 ـ «آخذهم بالحجج» فلا يقصّر في جمع الدلائل والأمارات على فهم الحقيقة من اي طريق كان.
    3 ـ «واقلّهم تبرّما بمراجعة الخصم» اي اقل الناس تضجّرا وقلقا من مراجعة الخصوم وقال ابن ابي الحديد في شرحه في المقام : وهذه الخصلة من محاسن ما شرطه عليه‌السلام فان القلق والضجر والتبرم قبيح واقبح ما يكون من القاضي.
    4 ـ «واصبرهم على تكشّف الامور» اي يكون اصبر الناس على كشف حقيقة الامور بالبحث وجمع الدلائل.
    5 ـ «واصدقهم عند اتضاح الحكم» بان يحكم عند وضوح الحق صريحا وقاطعا ولا يؤخر صدور الحكم.
    6 ـ «ممّن لا يزدهيه اطراء ولا يستميله اغراء» أن لا يؤثر فيه المدح والثناء

    من المتداعيين او غيرهما فينقدح في نفسه العجب ويظهر الكبر ولا يؤثر فيه تحريض الغير فيجلب نظره الى أحد الخصمين. «واولئك قليل» فأعلن عليه‌السلام بعد بيان هذه الأوصاف بأنّ الواجدين لها قليل.
    ثم ان اللازم حملها على الاستحباب في باب القضاء والقول بأنها بمجموعها شرط الكمال في القاضي لا شرط الصحة وذلك لأن لزوم مراعاة جميع هذه الصفات في نصب القاضي مع ان الواجد لها قليل كما صرّح به عليه‌السلام مع احتياج المجتمعات في كل قرية وقطر إلى القاضي يوجب اختلال النظام في أمر القضاء لبقاء كثير من الأقطار بلا قاض.
    ثم ان من العجيب ما قاله العلامة الكني في المقام جوابا عن المستدلّين بهذا الكلام عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام على اعتبار الأعلمية في المفتي : انّه لعدم صحة السند مع عدم جابر صالح مع ظهور امارات الاستحباب كما لا يخفى على من لاحظه لم يمكن الاستناد اليه في اثبات هذا الأمر العظيم (1) (أي اثبات اعتبار الأعلمية في المفتي).
    فإن صحة انتساب نهج البلاغة الذي ألّفه العالم المتضلّع الكبير السيد الرضي المتوفي 406 بين علماء الإسلام الذين تلقّوه بالقبول وعكفوا على دراسته وكتبوا عليه مآت من الشروح والتفاسير جيلا بعد جيل كالنار على
    __________________
    (1) كتاب القضاء للعلّامة الكنى ص 30 ـ 35 ، وقد صدر مثل هذا الكلام عن الآية الخوئي أيضا فإنه في بحث اعتبار الأعلمية في القاضي وعدمه واستشهاد بعضهم لاعتبار الأعلمية بهذه الجملة من عهده عليه‌السلام للأشتر قال : ان العهد غير ثابت السند بدليل قابل للاستدلال به في الأحكام الفقهية وإن كانت عباراته ظاهرة الصدور عنه عليه‌السلام إلّا ان مثل هذا الظهور غير صالح للاعتماد عليه في الفتاوى الفقهية أبدا «التنقيح ج 1 ص 430».

    المنار وكالشمس في رابعة النهار وصدور هذه الخطب والرسائل وكلماته القصار من معدن الحكمة وباب مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان بمثابة من الاشتهار والوضوح في ذلك الزمان ان السيّد الرضي «قدّس الله نفسه» ما كان يرى في زمانه لذكر الأسناد لها حاجة فهذا القبيل من المراسيل كالمسانيد المعتبرة في الاعتبار.
    وقد الّفت في عصرنا مصادر متعدّدة لنهج البلاغة وفي جميعها ذكر هذا العهد لأمير المؤمنين «عليه آلاف التحية والسلام» مع ذكر سنده.
    هذا مضافا الى ان الفصاحة والبلاغة والمتانة الموجودة فيه أصدق شاهد على انها منه عليه‌السلام خصوصا بعض خطبه وكتبه التي هي فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق ومنه هذا الكتاب الذي يكون اطول عهده واجمع كتبه للمحاسن.
    كلام عليّ كلام عليّ
    وما قاله المرتضى مرتضي

    ومنها : ما رواه في البحار عن كتاب الاختصاص قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من تعلّم علما ليماري به السفهاء أو ليباهي به العلماء أو يصرف به الناس الى نفسه يقول : أنا رئيسكم فليتبوّأ مقعده من النار انّ الرئاسة لا تصلح الّا لأهلها فمن دعى الناس إلى نفسه وفيهم من هو أعلم منه لم ينظر الله إليه يوم القيامة». (1)
    وهذه الرواية لو لم نناقش في دلالتها بأنها راجعة إلى الخلافة والإمامة فهي من الأحاديث المرسلة والمراسيل لا تصلح للاعتماد عليها والاستناد إليها أبدا.
    __________________
    (1) البحار ج 2 ص 110 من الطبع الحديث.

    ومنها : ما رواه أيضا في البحار عن الإمام الجواد عليه‌السلام قال مخاطبا عمّه : «يا عمّ إنه عظيم عند الله أن تقف غدا بين يديه فيقول لك : لم تفتي عبادي بما لم تعلم وفي الامة من هو أعلم منك؟» (1) وهي أيضا وإن كانت تامّة من حيث الدلالة ولكنها ضعيفة سندا لإرسالها.
    ومنها : ما في نهج البلاغة في قصار الحكم : «أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا به». (2)
    وقال العلامة المتضلّع الطهراني في كتابه القيّم «الذريعة إلى تصانيف الشيعة» : يستفاد من ذلك تعيّن تقليد الأعلم (3).
    وأنت خبير بأن كونه أعلم بما جاءوا به لا يستلزم كونه أقوى ملكة في مقام الاستنباط كما ان كونه أولى الناس بالأنبياء لا يستلزم تعيّنه للإفتاء والتقليد ولعلّ النظر في كونه أولى الناس بالأنبياء كونه أولى بمنصب الحكومة والزعامة وهو غير منصب الإفتاء والتقليد الذي هو محل البحث.
    وقد تبيّن مما ذكرنا انّ الاستدلال بالروايات لاعتبار الأعلمية في جواز التقليد ـ كالاستدلال بالإجماع ـ مخدوش.
    ثالثها : السيرة العقلائية ـ فإنّها قد جرت على الرجوع إلى الأعلم والأخبر فى الامور المهمة في جميع الحرف والمهن والعلوم وان شئت فاختبر ذلك في الأمراض المهمّة التي تهدّد حياة الأشخاص فانّهم لا يتردّدون في لزوم الرجوع للمعالجة إلى مهرة الأطبّاء ويرون المتسامح في ذلك مستحقا للتوبيخ والذمّ.
    __________________
    (1) البحار ج 50 ص 100 من الطبع الحديث.
    (2) قصار الحكم : 96.
    (3) الذريعة ج 4 ص 390.

    وما يرى من الرجوع إلى أيّ من الأطبّاء في البلد من غير تحقيق وتفحّص مع علمهم باختلافهم في المهارة فهو في الأمراض غير المهمّة ، وأمّا في المهمّة منها فيراجعون إلى من هو أبصر وأخبر ، ومن المعلوم كون الامور الدينية والمسائل الشرعيّة من الامور المهمّة وتلك السيرة على حسب ما جرت عليها العقلاء والمتشرّعة ممتدّة إلى زمان الأئمّة عليهم‌السلام وهذا الوجه أمتن الوجوه وأقواها عندنا في الدلالة على اعتبار الأعلميّة في محلّ الكلام.
    نعم قد نراهم انهم يراجعون إلى غير الأعلم فيما إذا كانت فتواه موافقة للاحتياط وكانت فتوى الأعلم مخالفة له ، ولكنه ذلك لا لأنّ فتوى غير الأعلم حجّة عندهم ، بل لأنه عمل بالاحتياط ، فيأتون بما أفتى به برجاء إدراك الواقع ، فلا يمكن حينئذ اسناد ما أفتى به غير الأعلم إلى الله والإتيان به بقصد أمر الشارع.
    والسيرة العقلائية المذكورة مع امتدادها إلى زمان المعصومين عليهم‌السلام ـ كما قلنا ـ هى أقوى الحجج وأتمّها على اعتبار الأعلميّة في التقليد وأنّها بنحو اللّزوم ولكنّه يظهر من الإمام الخميني «قدس الله نفسه» في رسالته الاجتهاد والتقليد الترديد في ذلك حيث قال تحت عنوان : هل ترجيح قول الأفضل لزومي أم لا؟
    «نعم يبقى في المقام أمر ، هو انه هل بناء العقلاء على ترجيح قول الأفضل لدى العلم بمخالفته مع غيره اجمالا أو تفصيلا يكون بنحو الإلزام أو من باب حسن الاحتياط وليس بنحو اللزوم؟ لا يبعد الاحتمال الثاني لوجود تمام الملاك في كليهما واحتمال اقربية قول الأعلم على فرض صحّته لم يكن بمثابة يرى العقلاء ترجيحه عليه لزوميا ولذا تراهم يرجعون الى

    المفضول بمجرّد اعذار غير وجيهة كبعد الطريق وكثرة المراجعين ومشقة الرجوع اليه ولو كانت قليلة وامثال ذلك ممّا يعلم انه لو حكم العقل الزاما بالترجيح لما تكون تلك الأعذار وجيهة لدى العقل هذا مع علمهم اجمالا بمخالفة أصحاب الفن في الرأي في الجملة فليس ترجيح الأفضل الّا ترجيحا غير ملزم واحتياطا حسنا». (1)
    وفيه ان الناظر في سيرة العقلاء وسلوكهم الاجتماعي لا يكاد يشك في انهم في الامور المهمة في حياتهم اذا علموا باختلاف المتخصصين والمهرة في انظارهم وافكارهم يرون الرجوع الى الأعلم والأفضل منهم ـ في صورة الإمكان ـ أمرا لازما بحيث يرون المخالف في ذلك مستحقا للتوبيخ والمؤاخذة وما ذكره «قدس سرّه» من المراجعة الى المفضول معتذرا بأعذار غير وجيهة كبعد الطريق وكثرة المراجعين ومشقة الرجوع الى الافضل ولو كانت قليلة انّما يكون في الامور غير المهمة كرجوعهم الى أيّ طبيب من الأطباء في الأمراض غير المهمة وامّا في الامور المهمة الحياتية فيرون المراجعة الى الأبصر والأحذق امرا لازما والمتخلف للتوبيخ مستحقا ـ كما ذكرنا ـ فتكون دلالة السيرة على مراجعة الأعلم بنحو اللزوم.
    الرابع : من الأدلة التي اقاموها على تقديم فتوى الأعلم ان قول الأعلم اقرب الى الواقع فهذا الدليل مركّب من صغرى وكبرى امّا الصغرى فهي ان فتوى الفقيه انّما اعتبرت من جهة كونها طريقا إلى الأحكام الواقعية وفتوى الأعلم لسعة احاطته ووفور اطلاعه على ما لا يطلع عليه غيره من المزايا الدخيلة في جودة استنباطه اقرب الى الواقع.
    __________________
    (1) رسالة الاجتهاد والتقليد ص 133.

    وامّا الكبرى فهي استقلال العقل بتقديم اقرب الطرق الى الواقع عند المعارضة لأن المفروض حجية الأمارات التي ـ منها فتوى الفقيه ـ على الطريقية دون السببية.
    ونتيجة المقدمتين ليست الّا لزوم تقليد الأعلم.
    وهذا الوجه قد ارتضاه الشيخ الأعظم ايضا في التقريرات حيث قال : «ان الظنّ الحاصل من قول الأعلم اقوى من قول غيره فيجب العمل به عينا لأن العدول من أقوى الأمارتين الى اضعفهما غير جائز. (1)
    وقد أجاب عنه جمع من المحقّقين من الفقهاء والاصوليّين كصاحب الجواهر والنراقي والقمي وصاحبي الفصول ومفاتيح الاصول والشهيد الثاني والمحقق الخراساني في الكفاية بمنع الصغرى وانه ربما يكون فتوى المفضول موافقة لرأي الميت الذي هو افضل الأحياء أو موافقة لفتوى المشهور من الفقهاء. (2)
    واجيب بمنع الكبرى ايضا بانه لا دليل على ان الملاك في التقليد ووجوبه هو الأقربية الى الواقع اذ العناوين المأخوذة في لسان الأدلة الدالة على رجوع الجاهل الى الفقيه كعنواني العالم والفقيه وغيرهما صادقة على كل من الأعلم وغير الأعلم وهذا يكفي في الحكم بجواز تقليد أي منهما.
    وكما ان الأقربية ليست مرجّحة في الروايتين المتعارضتين ومن هنا تعارض الموثقة مع الصحيحة ولا في البينتين المتنافيتين لوضوح ان إحداهما لا تتقدم على الاخرى في مقام التعارض من جهة مجرّد كونها اقرب
    __________________
    (1) مطارح الأنظار ص 280.
    (2) الجواهر ج 40 ص 42 ـ 46 والمستند للنراقي ج 2 ص 521 والقوانين ج 2 ص 240 243 والفصول ص 419 ومفاتيح الاصول ص 630 والمسالك ج 2 ص 439.

    الى الواقع. كما اذا كات اوثق من الاخرى مع ان حجية الطرق والأمارات من باب الطريقية الى الواقع فكذلك الحال في الفتويين المتعارضتين.
    وبالجملة توضيح منع الكبرى وعدم تماميتها يحتاج الى مقدمات :
    الأولى : انّ لامتثال الاحكام الواقعية بعد تنجزها علينا مراتب اربع لا تصل النوبة الى المرتبة اللاحقة الّا بعد تعذّر المرتبة السابقة منها شرعا أو عقلا الّا في الموارد الخاصة :
    1 ـ الامتثال العلمي التفصيلي
    2 ـ الامتثال العلمي الإجمالي
    3 ـ الامتثال الظنّي التفصيلي
    4 ـ الامتثال الاحتمالي
    ومن المعلوم عدم امكان الامتثال التفصيلي في المقام لعدم علمنا بجميع الأحكام الواقعية تفصيلا كما ان من المعلوم عدم وجوب الامتثال العلمي الإجمالي ايضا وذلك امّا لاستلزامه اختلال النظام أو العسر والحرج أو من أجل ان الشارع المقدس لم يرد ذلك قطعا ولو من أجل تسهيل الأمر على المكلفين ولازمه صرف النظر من جانب الشارع الأقدس وعدم ارادته امتثال جميع الأحكام الواقعية تسهيلا علينا فتصل النوبة الى الامتثال الظنّي وادراك الواقع ظنّا.
    الثانية : ان الشارع المقدس لم يرد الامتثال الظني للواقع من أي طريق أمكن وبأي وسيلة حصل فلم يرد ذلك عن طريق القياس مثلا ونهى عنه ولم يرد ذلك عن طريق التقليد من الفقهاء الأموات ولو كانوا أعلم من الأحياء بمراتب وانه قد جعل في هذا السبيل ـ أي سبيل امتثال الواقع ـ بعض الظنون

    حجة من باب الظن الخاص ومن باب الطريقية دون البعض الآخر منها فجعل لبعض الأمارات القائمة على الأحكام مرجّحا على البعض الآخر بالمرجّحات الخاصة على ما يشهد به الأخبار العلاجية دون كل ما هو الموجب للقرب الى الواقع ولم يلاحظ في الأمارات القائمة على الموضوعات ايضا مجرّد الأقربية إلى الواقع واعتبر في باب الزنا شهادة اربعة عدول وفي باب القتل وكثير من الموضوعات شهادة عدلين واكتفى في البعض الآخر بشهادة عدل واحد مع انضمام الحلف وفي البعض الآخر بانضمام امرأتين واكتفى في بعض الموارد بشهادة اربع نساء وهكذا.
    فيستفاد من هذه الامور وامثالها ان الواقع بما هو واقع ليس تمام الملاك في نظر الشارع الأقدس بل نظره إلى الواقع الذي تؤدي اليه الأمارة الخاصة ويحصل الوصول اليه من طريق خاص وإذا لم يكن الواقع بما هو تمام الملاك لا يكون الأقربية اليه ايضا ـ بما هو الأقرب ـ ملاكا في الامتثال.
    الثالثة : ان الواجب علينا بعد ثبوت المقدمتين المذكورتين التأمّل والتتبّع لتحصيل ما جعله الشارع حجة وطريقا الى الواقع الذي اراده ولا سبيل إلى تحصيل ما جعله الشارع حجة وطريقا إلى الواقع إلّا الرجوع إلى الأدلة فعلينا ان ننظر فيها ليتبيّن انه هل الحجية والطريقية لقول الفقيه والراوي لحديثهم الناظر في حلالهم وحرامهم العارف باحكامهم مطلقا ـ أي سواء أكان فاضلا أو مفضولا ـ فيتخير المكلف العامي في اخذ الفتاوى من أي منهما شاء او جعل الحجّية لقول الأعلم والأفقه فيتعين عليه حينئذ اخذ الفتوى من الأعلم فقط والمتكفل لتعيين أي من الطريقين ليس الّا الأدلة الدالة على لزوم تقليد العامي للفقيه فلا بد من الرجوع اليها والتأمل في مفادها وعليه فما ذكر في

    المقام دليلا للزوم الرجوع إلى الأعلم (وهي الكبرى المذكورة في الدليل الرابع) لا يمكن عدّه دليلا مستقلا هذا مضافا الى ان فتاوي الفقيه التي يأخذها المقلد ويعمل بها ليس كلها حجة بلحاظ كونها طريقا إلى الواقع فان جملة كثيرة من فتاوي الفقيه ناشئة من اجراء الأصول كالاستصحاب والبراءة والاشتغال واصالة الحلية والطهارة أو من الرجوع الى القواعد كقاعدة لا ضرر ولا حرج وامثالهما.
    فهذا الدليل (أي الدليل الرابع) مع عدم تماميته اخصّ من المدعى لعدم دلالته الّا فيما يفتى به الأعلم استنادا الى الطرق والأمارات دون ما يرجع فيه إلى الأصول والقواعد.
    خامسها : ما عن كشف اللثام وشرح الزبدة للفاضل الصالح من ان تقليد المفضول مع وجود الفاضل يستلزم ترجيح المرجوح على الراجح وهو قبيح عقلا فيتعين تقليد الفاضل.
    وفيه ان المراد من الراجح والمرجوح ان كان نفس الأعلم وغير الأعلم فهو خارج عن البحث اذ البحث من هذه الجهة أي جهة الكمالات النفسانية الموجبة لأفضلية شخص من جميع الجهات على الشخص الآخر يناسب بحث الإمامة الكبرى والخلافة العظمى كما هو احد الأدلة المقتضية لخلافة امير المؤمنين عليه‌السلام للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكونه عليه‌السلام افضل وان كان المراد منه قول الأعلم وقول غير الأعلم فلا بدّ حينئذ من البحث في وجه رجحان قول الأعلم فان كان وجه رجحانه هو اقربيته الى الواقع يرجع الى الدليل الرابع الذي اسلفنا البحث فيه وان كان من جهة اقتضاء الدليل ذلك اثباتا يرجع الى الدليل الثاني المتقدم وبالجملة لا يكون ما ذكر بعنوان خامس الأدلة دليلا على حدة.

    هذه هي ادلة القائلين بوجوب تقليد الأعلم وقد عرفت انها كلّها مخدوشة الّا الثالث منها وهي السيرة بتوضيح تقدم وعرفت ان مقتضى الأصل ايضا ذلك والحريّ حينئذ هو البحث عن ادلة القائلين بالتخيير بين الأعلم وغيره. (1)
    والكلام فيها أيضا يقع في مقامين :
    المقام الأوّل : في الأصل العملي.
    والثاني : فيما تقتضيه الأدلة الاجتهادية.
    أمّا الأصل فتقريبه بوجهين :
    الأوّل : الاستصحاب.
    وهو استصحاب التخيير الثابت فيما إذا كانا متساويين في العلم ثم صار أحدهما أعلم من الآخر ويتم في غير هذا المورد بالإجماع المركب.
    وفيه ان التخيير الثابت في المقام لم يكن الا حكم العقل بجواز رجوع العامي إلى أيّ منهما شاء من جهة كونهما متساويين في الفقاهة ، فإذا صار احدهما اعلم وانتفى التساوي الذي هو ملاك حكمه وموضوعه لا يكون الموضوع باقيا حتى يستصحب فينتفي الحكم بانتفاء موضوعه.
    الثاني : اصالة البراءة عن وجوب تقليد الأعلم المقتضية للتخيير بين الأعلم وغيره وذلك من جهة ان ايجاب العمل بفتوى خصوص الأعلم يوجب الضيق على المكلف العامي فينفي باصالة البراءة نظير الشك في ان الواجب عتق مطلق الرقبة او خصوص المؤمنة مع عدم اطلاق دليل ينفي
    __________________
    (1) فيتحقّق المنجزية التخييرية والمعذرية التخييرية في قبال التعيينيّة فالمنجّزية التخييرية بمعنى استحقاق العقاب على مخالفة الواقع في صورة ترك موافقتهما والمعذرية التخييرية بمعنى حصول البراءة عن الواقع وعدم استحقاق العقاب بموافقة إحداهما.

    اعتبار هذه الخصوصية كما اذا كان لبيا او مجملا لفظيا فيكون المقام من صغريات دوران الأمر بين التخيير والتعيين التي تجري فيها البراءة. (1)
    وفيه منع صغروية المقام لكبرى التعيين والتخيير التي تجري فيها البراءة وذلك لأن الدوران بين التخيير والتعيين قد يكون في الشك في التكليف وفي المسألة الفرعية كالمثال المتقدم وفي مثله يمكن القول باجراء البراءة والمصير الى التخيير وقد يكون في المسألة الأصوليّة والشك في المكلف به في مقام الخروج عن عهدة التكليف الثابت في الذمة فيرجع الباب فيه الى باب الحجج فيشك في الحجية والحاكم حينئذ هو اصالة حرمة العمل بالظن واصالة عدم الحجّية. (2)
    والمقام من قبيل الثاني للشك حينئذ في حجية قول غير الأعلم وقد أوضحنا ذلك في اوائل ذكر ادلة القائلين بوجوب تقليد الأعلم.
    وبالجملة ان الأصل بكلا تقريبيه غير جار في المقام.
    والمقام الثاني فيما استدل به القائلون بجواز تقليد غير الأعلم وهو وجوه :
    اولها وعمدتها على ما في كلمات صاحب الجواهر (3) والمحقق
    __________________
    (1) الأصل بهذا التقريب يستفاد من كلام الإمام الخميني «قدس الله نفسه» في رسالته في الاجتهاد والتقليد ص 147. وهو محتمل كلام النراقي في المستند ج 2 ص 521 أيضا حيث تمسّك بالأصل لجواز تقليد غير الأعلم ولم يبيّن المراد.
    (2) وما في كلام المحقّق القمي في القوانين ج 2 ص 240 ـ 243 من انه لا أصل لهذا الأصل فضعفه ظاهر.
    (3) الجواهر ج 40 ص 40 ـ 46 من كتاب القضاء.

    النراقي (1) وصاحب الفصول (2) والعلامة الكني (3) الإطلاقات والعمومات الواردة في الآيات والأخبار الدالة على الرجوع الى اهل الذكر والعالم والفقيه وغيرها فإنها بالإطلاق والعموم يشمل الفاضل والمفضول.
    امّا الآيات فإحداها آية السؤال قوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(4) وهو كما يدل على حجية خبر الواحد كذلك يدل على حجية فتوى الفقيه بل دلالته على الثاني من جهة لفظ اهل الذكر اجلى ، وتفسير الآية بالأئمة عليهم‌السلام من باب الجري على اجلى المصاديق فلا يختص المفاد بهم بل المراد منه الإرشاد إلى الأمر العقلائي وهو رجوع الجاهل إلى العالم وإذا كان السؤال على حسب ظاهر الأمر الواقع في الآية واجبا يكون القبول ايضا واجبا والّا لغى وجوب السؤال.
    وثانيتها : آية النفر فإن قوله تعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(5) يدل على وجوب الحذر بعد انذار المتفقه في الدين ومقتضى
    __________________
    (1) المستند ج 2 ص 521 كتاب القضاء.
    (2) الفصول ص 419.
    (3) كتاب القضاء للعلّامة الكني ص 30 ـ 35.
    (4) الآية 43 من سورة النحل والآية 7 من سورة الأنبياء.
    (5) الآية 122 من سورة التوبة وفي الخبر 10 من الباب 11 من أبواب صفات القاضي ج 18 الوسائل ص 98 عن عبد المؤمن قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : انّ قوما يروون ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : اختلاف امّتي رحمة ، فقال : صدقوا ، فقلت : إن كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب؟! قال : ليس حيث تذهب وذهبوا ، انما أراد قول الله عزوجل :
    (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ
    الإطلاق عدم الفرق بين كون المنذرين متساويين فى العلم والفضل ام مختلفين.
    وفيه اولا : ان هذه العبارة أي (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) قد وقعت في موردين وهما الآية 43 من سورة النحل والآية 7 من سورة الأنبياء والعبارة التي قبلها في كلا الموردين هي قوله تعالى (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) فالآية واردة في اصول الدين وموضوع النبوة جوابا لاعتراضهم (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) زعما بأن اللازم ان يكون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ملكا ومن غير جنس البشر.
    وثانيا : انه قد ورد في تفسيرها روايات وقد فسّر الذكر في بعضها بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يشمل الآية غير أئمة أهل البيت عليهم‌السلام وقد اورد في تفسير البرهان 25 حديثا في تفسيرها (1) ففي الرواية 1 و 2 و 10 و 14 تفسير الذكر بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي الخبر 3 و 4 و 5 و 12 و 13 عن الرضا وعن أبي جعفر عليهما‌السلام : «نحن اهل الذّكر» وفي الخبر 8 و 11 و 15 و 16 و 18 و 21 و 24 عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «الكتاب الذّكر واهله آل محمد عليهم‌السلام» وفي الخبر 5 و 14 و 21 الردّ على من قال انهم اليهود والنصارى وعليه فالآية بحسب هذه الروايات التي يشهد بعضها لبعض لا يشمل غير اهل البيت عليهم‌السلام.
    __________________
    لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) فأمرهم أن ينفروا إلى رسول الله فيتعلّموا ثم يرجعوا إلى قومهم فيعلّموهم انما أراد اختلافهم في البلدان لا اختلافا في دين الله انما الدين واحد ، انما الدين واحد.
    (1) تفسير البرهان ج 2 ص 369.

    وثالثا : ان الآية لا اطلاق لها من هذه الجهة اي من جهة الاختلاف والتساوي في المسئولين ومخالفة نظر الفاضل والمفضول لأن الأخذ بالاطلاق في كل كلام انما يتوقف على كون المتكلم في مقام البيان من هذه الجهة التي يراد الأخذ باطلاقه والآية في مقام بيان اصل الرجوع إلى اهل الذكر وامّا جريان وقوع اختلاف النظر بين اهل الذكر فلا نظر في الآية اليه وليس في مقام البيان من هذه الجهة.
    وبمثله يجاب عن آية النفر ايضا فإنها في مقام البيان في اصل وجوب التفقه واصل وجوب الإبلاغ واما لو وقع اختلاف النظر بين المنذرين فالآية غير ناظرة اليه فلا اطلاق لها من هذه الجهة.
    وامّا الأخبار فهي كثيرة وفيها الصحاح والموثقات.
    منها : ما في مقبولة عمر بن حنظلة : عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا فليرضوا به حكما فإني قد جعلته حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا ردّ والراد علينا. الرادّ على الله وهو على حد الشرك بالله (1).
    ومنها : ما عن أبي خديجة قال : بعثني أبو عبد الله عليه‌السلام إلى اصحابنا فقال : قل لهم إيّاكم اذا وقعت بينكم خصومة او تداري في شيء من الأخذ والعطاء ان تحاكموا إلى احد من هؤلاء الفسّاق اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا وحرامنا فإني قد جعلته عليكم قاضيا وايّاكم ان
    __________________
    (1) الحديث 1 من الباب 11 من أبواب صفات القاضي ج 18 الوسائل ص 98.

    يخاصم بعضكم بعضا إلى السلطان الجائر» (1) ودلالتهما على حجية الإفتاء ايضا قد تقدمت في ادلة القول بوجوب تقليد الأعلم.
    ومنها : ما عن علي بن المسيب الهمداني قال : قلت للرضا عليه‌السلام : شقتي بعيدة ولست اصل اليك في كل وقت فممن اخذ معالم ديني؟ قال زكريا بن آدم القمي المأمون على الدّين والدّنيا. قال علي بن المسيب : فلما انصرفت قدمت على زكريا بن آدم فسألت عمّا احتجت إليه (2).
    ومنها : ما عن عبد العزيز بن المهتدي والحسن بن علي بن يقطين جميعا عن الرضا عليه‌السلام قال : قلت : لا أكاد اصل اليك اسألك عن كل ما احتاج اليه من معالم ديني ا فيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما احتاج اليه من معالم ديني؟ فقال : نعم. (3)
    ومنها : ما عن علي بن سويد السابي قال كتب اليّ ابو الحسن عليه‌السلام وهو في السجن : «وأما ما ذكرت يا عليّ ممن تأخذ معالم دينك لا تأخذن معالم دينك من غير شيعتنا. (4)
    ومنها : ما في التوقيع الشريف بخط مولانا صاحب الزمان «ارواحنا فداه» وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجّة الله (5).
    ومنها : ما عن احمد بن حاتم بن ماهويه قال : كتبت اليه يعني
    __________________
    (1) الحديث 6 من الباب 11 من أبواب صفات القاضي ج 18 الوسائل ص 100.
    (2) الحديث 27 من الباب 11 من أبواب صفات القاضي ج 18 الوسائل ص 106.
    (3) الحديث 33 من الباب 11 من أبواب صفات القاضي ج 18 الوسائل ص 107.
    (4) الحديث 42 من الباب 11 من أبواب صفات القاضي ج 18 الوسائل ص 109.
    (5) الحديث 9 من الباب 11 من أبواب صفات القاضي ج 18 الوسائل ص 101.

    أبا الحسن الثالث عليه‌السلام أسأله عمن آخذ معالم ديني وكتب أخوه ايضا بذلك فكتب عليه‌السلام اليهما : فهمت ما ذكرتما فاصمدا في دينكما على كل مسنّ في حبّنا وكل كثير القدم في أمرنا فإنهما كافوكما إن شاء الله تعالى. (1)
    ومنها : ما عن أبي محمد العسكري عليه‌السلام ... : «فأمّا من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه». (2)
    ومنها : قول الصادق عليه‌السلام لأبان بن تغلب : اجلس في مسجد المدينة وافت الناس فإني احب ان يرى في شيعتي مثلك. (3)
    ومنها : ما عن معاذ بن مسلم النحوي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : بلغني إنك تقعد في الجامع فتفتي الناس؟ قلت : نعم واردت ان أسألك عن ذلك قبل ان اخرج اني اقعد في المسجد فيجيء الرجل فيسألني عن الشيء فإذا عرفته بالخلاف لكم اخبرته بما يفعلون ويجيء الرجل واعرفه بمودتكم وحبكم فأخبره بما جاء عنكم ويجيء الرجل لا أعرفه ولا أدري من هو فأقول جاء عن فلان كذا وجاء عن فلان كذا فادخل قولكم فيما بين ذلك فقال لي : اصنع كذا فإني كذا أصنع. (4)
    ومنها : الأخبار الواردة في ارجاع الأئمة عليهم‌السلام شيعتهم الى اصحابهم من قبيل زرارة ومحمد بن مسلم الثقفي وأبي بصير وبريد بن معاوية العجلي وامثالهم ومن المعلوم انهم لم يكونوا متساوين في العلم
    __________________
    (1) الحديث 45 من الباب 11 من أبواب صفات القاضي ج 18 الوسائل ص 110.
    (2) الحديث 20 من الباب 10 من أبواب صفات القاضي ج 18 الوسائل ص 95.
    (3) رجال النجاشي ص 7.
    (4) الحديث 36 من الباب 11 من أبواب صفات القاضي ج 18 الوسائل ص 108.

    والفقاهة وقال العلّامة الكني في كتاب قضائه بعد ذكر شطر من الأخبار التي ذكرنا بعضها : ولو كان تقليد الأعلم واجبا لوجب ان يقول الامام عليه‌السلام من اول الأمر ارجعوا الى اعلم علمائكم مطلقا او من يمكنكم الوصول اليهم مطلقا أو مع فرض كونهم في بلدكم الّا مع الموافقة فالتخيير لا ان يقول انظروا الى رجل منكم. (1)
    وخلاصة مقالتهم ان المستفاد من الآيات والروايات هو جواز الرجوع الى كل مفت وفقيه وراو لحديثهم الناظر في حلالهم وحرامهم العارف باحكامهم وعالم مسنّ في حبهم كثير القدم في امرهم من غير فرق بين الأعلم وغيره علمت مخالفتهما في الفتوى ام لم تعلم بل حمل مثل آيتي النفر والسؤال على صورة تساوي المنذرين والمسئولين في الفضلية حمل على فرد نادر.
    بل ربما يقال ان الغالب بين اصحابهم عليهم‌السلام الذين ارجعوا الناس الى السؤال عنهم في الأخبار المتقدمة هو المخالفة في الفتوى لندرة التوافق بين جمع كثير مع العلم العادي باختلافهم ايضا في العلم والفقاهة لعدم احتمال تساوي الجمع في الفقاهة وهذه قرينة قطعية على ان الأدلة المتقدمة باطلاقها تدل على ان فتوى غير الأعلم كفتوى الأعلم في الحجية والاعتبار وان كانت بينهم مخالفة.
    فبالنتيجة يتخير العامي في تقليد ايّ من المجتهدين المختلفين في الفقاهة فيتحقق في المقام المنجزية والمعذرية التخييريتين ومعناها ان كل واحدة من الفتويين منجزة للواقع على تقدير الإصابة وكل واحدة منهما
    __________________
    (1) كتاب القضاء للعلّامة الكني ص 30 ـ 35 ونظره في الجملة الأخيرة في كلامه إلى مضمون مقبولة عمر بن حنظلة.

    معذّرة على تقدير الخطأ إذا حصل الاستناد اليها فتتضيّق دائرة المنجزية وتتسع دائرة المعذّرية.
    والجواب عنها ان التأمل الصادق في هذه الأخبار يشهد شهادة قاطعة بأن النظر فيها الى الاستبداد الحاكم على مخالفي اهل البيت عليهم‌السلام حيث انهم تركوا الاستضاءة من انوار علومهم الرّبانيّة ونشأ في تلك العصور المظلمة فقهاء قد تدرّبوا على اساس الإعراض عن اهل بيت الوحي والعصمة وعلى مبنى الاستناد الى آرائهم وظنونهم الفاسدة واستحسانهم وأقيستهم الباطلة وكانت القضاء والإفتاء كلها في أيديهم وكانوا يقضون ويفتون على خلاف ما عند الأئمة عليهم‌السلام من احكام الله تعالى وفي حقهم يقول ابو عبد الله عليه‌السلام : «يظن هؤلاء الذين يدّعون انهم فقهاء علماء انهم قد أثبتوا جميع الفقه والدين مما يحتاج اليه الامة وليس كل علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علموه ولا صار اليهم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا عرفوه وذلك ان الشيء من الحلال والحرام والأحكام يرد عليهم فيسألون عنه ولا يكون عندهم فيه اثر عن رسول الله ويستحيون ان ينسبهم الناس الى الجهل ويكرهون ان يسألوا فلا يجيبون فيطلب الناس العلم من معدنه فلذلك استعملوا الرأي والقياس في دين الله وتركوا الآثار ودانوا بالبدع وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كلّ بدعة ضلالة» فلو انهم اذ سألوا عن شيء من دين الله فلم يكن عندهم اثر عن رسول الله ردّوه الى الله والى الرسول وإلى اولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطون من آل محمد صلوات الله عليهم. (1)
    __________________
    (1) الحديث 49 من الباب 6 من أبواب صفات القاضي ج 18 الوسائل ص 40.

    ويقول ابو الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام : «لعن الله أبا حنيفة كان يقول : قال علي عليه‌السلام وقلت أنا (1) وكانت فتاواهم المخالفة عند اهل البيت عليهم‌السلام رائجة في تلك الأعصار والأمصار وكان ابناء الزمان الذين هم اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح يتبعونهم ويراجعون اليهم ويأخذون فتاواهم ويعظّمون منزلتهم فمفاد هذه الأخبار الدالة على الإرجاع الى فقهاء الشيعة هو التشديد والمنع الشديد لشيعتهم عن المراجعة الى فقهاء العامة والأخذ منهم.
    ففي مقبولة عمر بن حنظلة بعد السؤال عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن رجلين من اصحابنا بينهما منازعة في دين او ميراث فتحاكما الى السلطان والى القضاة أيحل ذلك؟ قال : «من تحاكم اليهم في حق أو باطل فانما تحاكم الى الطاغوت وما يحكم له فانما يأخذ سحتا وان كان حقا ثابتا له لأنه اخذه بحكم الطاغوت وما امر الله ان يكفر به قال الله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ)(2) قلت : فكيف يصنعان؟ قال : ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما ...» (3) فالنظر في هذا الحديث الى المنع الشديد عن الرجوع الى فقهاء العامة والتأكيد البليغ الى لزوم الرجوع الى فقهاء الشيعة المتصفين بالأوصاف المذكورة فيه فلا نظر فيها اصلا الى صورة اختلاف فقهاء الشيعة من حيث العلم والفقاهة واختلاف فتاواهم فلا يكون له الاطلاق الأحوالي اذ ليس في مقام البيان
    __________________
    (1) الحديث 3 من الباب 6 من أبواب صفات القاضي ج 18 الوسائل ص 23.
    (2) الآية 60 من سورة النساء.
    (3) الحديث 1 من الباب 11 من أبواب صفات القاضي ج 18 الوسائل ص 98.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

     مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه     مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه  Emptyأمس في 2:32 pm

    من هذه الجهة.
    ومثله يقال في خبر أبي خديجة المتقدم قال بعثني أبو عبد الله عليه‌السلام الى اصحابنا فقال : «قل لهم اياكم اذا وقعت بينكم خصومة أو تدارى في شيء من الأخذ والعطاء ان تحاكموا الى احد من هؤلاء الفساق اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا وحرامنا فاني قد جعلته عليكم قاضيا واياكم ان يخاصم بعضكم بعضا الى السلطان الجائر». (1)
    فالنظر فيه ايضا الى المنع الشديد عن الرجوع الى قضاة العامة ولزوم الرجوع الى فقهاء الشيعة وامّا لو وقع الاختلاف في فتاوي فقهاء الشيعة فكيف يكون التكليف فلا نظر اليه حتى يكون له اطلاق يؤخذ به ومثله الأخبار الدالة على الإرجاع الى زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وأبان ابن تغلب وبريد بن معاوية وزكريا ابن آدم ويونس بن عبد الرحمن وامثالهم فان النظر في ارجاعهم عليهم‌السلام اليهم عنايتهم عليهم‌السلام بأن لا يأخذ الشيعة معالم دينهم من غير رواتهم وشيعتهم ويدل عليه ايضا قول أبي عبد الله عليه‌السلام : «لا تأخذن معالم دينك من غير شيعتنا فانك ان تعديتهم اخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا اماناتهم انهم ائتمنوا على كتاب الله فحرفوه وبدّلوه (2) والنظر فيما عن ابي محمد العسكري عليه‌السلام : «فأمّا من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه» (3) مع الغضّ عن
    __________________
    (1) الحديث 6 من الباب 11 من أبواب صفات القاضي ج 18 الوسائل ص 98.
    (2) الحديث 42 من الباب 11 من أبواب صفات القاضي ج 18 الوسائل ص 109.
    (3) الحديث 20 من الباب 10 من أبواب صفات القاضي ج 18 الوسائل ص 95.

    سنده أيضا الى أصل لزوم الرجوع الى الفقهاء من الشيعة المتّصفين بهذه الأوصاف لأن العبارة التي قبلها هكذا ... فان عوام اليهود كانوا قد عرفوا علمائهم بالكذب الصراح وأكل الحرام والرشا وتغيير الأحكام ... وكذلك عوامنا اذا عرفوا من علمائهم الفسق الظاهر والعصبية الشديدة والتكالب على الدنيا وحرامها فمن قلّد مثل هؤلاء فهو مثل اليهود الذين ذمّهم الله بالتقليد لفسقة علمائهم فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه الخ. ثم قال عليه‌السلام : في آخره وذلك لا يكون الّا بعض فقهاء الشيعة.
    فظهور الخبر في انه في مقام النهي عن الرجوع الى الفساق ولزوم الرجوع الى الفقهاء العدول من الشيعة مما لا يخفى.
    وبالجملة الظاهر من الأخبار انها تدل على اصل لزوم الرجوع الى فقهاء الشيعة ولا نظر فيها الى ازيد من ذلك حتى يكون لها اطلاق احوالي بالنّسبة الى كون بعضهم اعلم من بعض.
    الثاني : من الأدلة التي استدلّوا بها على جواز تقليد غير الأعلم سيرة المتشرّعة وقالوا بأنها جرت على رجوعهم في المسائل التي يبتلون بها إلى أيّ فقيه يمكن لهم الرجوع اليه من غير ان يفحصوا عن الأعلم أو حتى مع العلم بوجود الأعلم فيما بين الفقهاء الموجودين في عصرهم فلو كان تقليد الأعلم واجبا لزم عليهم الفحص عن وجوده والرجوع اليه فقط.
    وقد استدل بهذا الدليل النّراقي في المستند وصاحب الفصول

    والعلّامة الكني في كتاب قضائه. (1)
    وقال في الجواهر (2) في عداد الوجوه المستدل بها على جواز تقليد غير الأعلم : وللسيرة المستمرة في الإفتاء والاستفتاء منهم مع تفاوتهم في الفضيلة.
    وفيه ان المتيقن من السّيرة ـ حيث انه دليل لبّي ـ صورة العلم بعدم المخالفة وامّا في صورة العلم بالمخالفة بينهما فلم يثبت السّيرة بالرجوع الى غير الأعلم بل الأمر بالعكس ففي هذه الصّورة يرجعون الى الأعلم كما هو المشاهد منهم في غير الأحكام فتريهم اذا عيّن الطبيب دواء لعلاج المريض وخالفه في ذلك من هو أعلم منه لم يعتمدوا برأيه في العلاج بوجه خصوصا اذا كان نظره مخالفا للاحتياط وانّما يتّبعون رأي الأعلم.
    الثالث : انه لا ريب ان الأئمة عليهم‌السلام مع وجودهم بين الناس كانوا يرجعون الناس الى اشخاص معيّنين من اصحابهم كزرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير ويونس بن عبد الرحمن وغيرهم فاذا كانت فتاوي هؤلاء حجّة معتبرة مع وجود نفس الإمام عليه‌السلام كانت فتاوي الفقهاء المفضولين عند وجود الأعلم والأفضل بطريق اولى فان الأعلم لا يزيد عن نفس الإمام عليه‌السلام.
    قال في الجواهر : فان الأئمة عليهم‌السلام مع وجودهم كانوا يأمرون الناس بالرجوع الى اصحابهم من زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وغيرهم ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يولّي القضاء بعض اصحابه مع حضور
    __________________
    (1) المستند ج 2 ص 521 والفصول ص 419 وكتاب القضاء للعلّامة الكني ص 30 ـ 36.
    (2) الجواهر ج 40 ص 42 ـ 46.

    امير المؤمنين عليه‌السلام الذي هو اقضاهم قال في الدروس : لو حضر الإمام في بقعة وتحوكم اليه فله ردّ الحكم الى غيره اجماعا انتهى. (1)
    وفيه ان ارجاع الأئمة عليهم‌السلام الناس الى امثال هؤلاء الاشخاص من اصحابهم وامثالهم قد كان ممّا لا محيص عنه لانه لا يمكن لهم بأنفسهم الجواب لكل من المراجعين والمستفتين الذين كان يبلغ عددهم آلاف الوف وكانوا يزيدون شيئا فشيئا سيّما مع كونهم في الأقطار المختلفة المتباعدة.
    فعن علي بن المسيّب الهمداني قال : قلت للرضا عليه‌السلام : «شقّتي بعيدة ولست أصل إليك في كل وقت فممّن آخذ معالم ديني؟ قال : «من زكريا بن آدم فسألته عمّا احتجت اليه». (2)
    وعن عبد العزيز بن المهتدي والحسن بن علي بن يقطين جميعا عن الرضا عليه‌السلام قال : قلت : لا أكاد أصل إليك أسألك عن كل ما أحتاج اليه من معالم ديني أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج اليه من معالم ديني؟ فقال : نعم. (3)
    هذا مع انهم عليهم‌السلام كانوا غالبا محصورين وممنوعين عن الوصول اليهم في شدة التقيّة والابتلاء فعن علي بن سويد السّائي قال : كتب اليّ ابو الحسن عليه‌السلام وهو في السجن : «وأمّا ما ذكرت يا علي ممن تأخذ معالم دينك؟ لا تأخذن معالم دينك من غير شيعتنا». (4)
    فحينئذ يمكن ان يكون مقصودهم عليهم‌السلام من ارجاع الناس الى امثال
    __________________
    (1) الجواهر ج 40 ص 46.
    (2) الحديث 27 من الباب 11 من أبواب صفات القاضي ج 18 الوسائل ص 106.
    (3) الحديث 33 من الباب 11 من أبواب صفات القاضي ج 18 الوسائل ص 107.
    (4) الحديث 42 من الباب 11 من أبواب صفات القاضي ج 18 الوسائل ص 109.

    هؤلاء مضافا الى امكان اخذ الجواب وسهولة تعلم المسائل الشرعية هو ابلاغ جواز الاجتهاد والإفتاء والاستفتاء من غير المعصوم في زمانهم وبمرأى ومنظرهم عليهم‌السلام ليأتلفوا ذلك ولئلّا يتوهّم ان الإفتاء في زمن المعصوم لا يجوز لغيره وقد قال الصادق عليه‌السلام لأبان بن تغلب اجلس في مسجد المدينة وافت الناس فإني احب ان يرى في شيعتي مثلك. (1)
    وعليه فلا يستفاد من الأخبار الواردة في ارجاعهم عليهم‌السلام الناس الى امثال اصحابهم انه يجوز الرجوع اليهم واخذ فتاويهم حتى في صورة العلم بمخالفة فتواهم مع الإمام عليه‌السلام ليستدل به على ما نحن فيه بالأولوية فان البحث بين القائلين بوجوب تقليد الأعلم والقائلين بعدمه انما هو في صورة مخالفة فتوى غير الأعلم مع فتوى الأعلم لا في جواز افتاء غير الأعلم في مقابل الأعلم اذ لا شكّ في جواز افتائه وكون فتواه حجّة له بنفسه وحرمة تقليده غيره وجواز تقليد الغير له ما لم يخالف فتوى الأعلم لفتواه.
    الرّابع : ان وجوب تقليد الأعلم عسر على المكلفين والعسر والحرج مرفوع في الشريعة المقدّسة وأما كونه عسرا فمن جهات :
    1 ـ من جهة تعيين مفهوم الأعلم وقد وقع الكلام فيما هو اللازم في تحقّق الأعلمية من أنواع العلوم ومقدر الحاجة منها.
    2 ـ من جهة تمييز مصداقه فان العامي كيف يمكن له تمييز مصاديقه مع كون الفقهاء منتشرين في البلاد والأقطار.
    3 ـ من جهة تعلّم فتاواه وآرائه مع امكان كونه بالنسبة الى هذا
    __________________
    (1) فهرست النجاشي ص 7.

    العامي في اقصى نقاط العالم والاستدلال بهذا الدليل قد صدر من الجواهر (1) وصاحب الفصول (2) والعلّامة الكني في كتاب قضائه (3) وفيه انه لا عسر في ايّ من الجهات المذكورة امّا من جهة تعيين المفهوم فلوضوح ان المراد به من كان أقوى استنباطا للأحكام وأجود استنتاجا لها من أدلّتها وهذا يتوقف على معرفته بالقواعد والكبريات واتقانه لها واستقامة ذهنه وحسن ذوقه في تطبيقها على صغرياته وردّ الفروع والصغريات على كبرياتها.
    وأمّا من جهة تمييز المصاديق فهو كما في بقية الصنائع والعلوم كالهندسة والطب وغيرهما يكون من شأن اهل الفن فهم كما يميزون الأعلم في الطّب والهندسة وغيرهما كذلك اهل الفن والمتخصّصون في فن الفقه يميّزون الأعلم من غيره فالأعلمية نظير غيرها من الامور تثبت بالعلم الوجداني وبالشياع المفيد له وبالبيّنة ولا يمسّه أيّ حرج.
    وامّا من جهة تحصيل فتاواه وتعلمها فلأنه يتيسّر بأخذ رسالته مثلا ونشر الرسالة وطبعها قد اصبح في زماننا هذا ومنذ زمن بعيد امرا سهلا وليست فيه شائبة حرج ، مع انه لا يكون حرجا على كل احد والملاك في باب الحرج الرافع للتكليف هو العسر والحرج الشخصي وعليه فيختص عدم الوجوب بمن عليه الحرج والحال ان المدّعى عام وقال المحقق الخراساني في الكفاية مع ان قضية نفي العسر الاقتصار على موضع العسر فيجب فيما لا يلزم منه عسر.
    __________________
    (1) الجواهر ج 40 ص 42 ـ 46.
    (2) الفصول ص 419.
    (3) كتاب القضاء للعلّامة الكني ص 30 ـ 35.

    هذا تمام الكلام في الوجوه المستدل بها على جواز تقليد غير الأعلم وقد عرفت ضعفها وعدم تماميته شيء منها وامّا الوجوه التي استدل بها على لزوم تقليد الأعلم فقد عرفت قوة الثالث منها وتماميته عندنا هذا مضافا الى انه ان لم يتم شيء من أدلّة الطرفين فلا مناص من الرجوع الى الاصل وقد ذكرنا في مستهلّ البحث ان الاصل الوحيد الذي يكون مرجعا عند عدم تمامية الأدلة الاجتهادية في المقام هو أصالة عدم الحجية ومقتضاه عدم حجية قول غير الأعلم في مقابل قول الأعلم.

    المسألة 47 (1) : إذا كان مجتهدان احدهما أعلم في أحكام العبادات والآخر اعلم في المعاملات فالأحوط تبعيض التقليد وكذا اذا كان احدهما اعلم في بعض العبادات مثلا والآخر في البعض الآخر.

    أقول : يتضح ما ذكره قدس‌سره بذكر امور :
    1 ـ انّ سعة علم الفقه وتفنّن أبوابه وتكثّر انشعاباته وفصوله مما لا يخفى على أحد فإنّه من حيث تكفّله لجميع شئون الحياة وبيانه للمعارف والقواعد الكثيرة للامور العبادية والسياسيّة والاقتصادية ونظام الأسرة وسائر الارتباطات البشرية وسيع ومنبسط جدا ومرتبط مع عشرات الآلاف من الأحاديث الواردة عن أهل بيت العصمة سلام الله عليهم أجمعين.
    2 ـ اختلاف الاستعدادات والمواهب في الأشخاص الذين يقتحمون هذا المجال الواسع بحسب الخلقة الإلهيّة كثير جدّا.
    فيكون أحدهم أكثر اطّلاعا بالمصادر والأخبار المرتبطة بالعبادات
    __________________
    (1) من العروة.

    واكثر تضلّعا في الفروع العباديّة وبعضهم اقدر على الاطّلاع بالضوابط والجهات الاقتصادية ويكون جمع منهم أكثر احاطة بالقواعد الاصولية والكبريات العامّة والجمع الآخر منهم أقدر على الجمع بين متعارضات الرّوايات.
    ويكون بعضهم اكثر احاطة على مقتضيات الأزمنة والعصور وبعضهم اعرف بمقتضى الأمكنة المختلفة والمناطق المتشتّتة.
    ويكون جمع منهم اوفر اطّلاعا على الجهات السياسيّة في المستوى العالمي او مستوى المناطق الخاصة والجمع الآخر منهم أكثر اطلاعا على اقوال فقهاء العامة في عصر صدور الأخبار من الأئمة المعصومين عليهم‌السلام وعلى سير كل مسألة من المسائل الفقهية في مسيرها التاريخي في الأدوار والأعصار الماضية.
    ويكون بعضهم أخبر بالمسائل المستحدثة والبعض الآخر اعرف بأحوال الرواة وعلم الدراية وهكذا ولجميع ذلك تأثير في كيفيّة الاستنباط ولكل منها مراتب متفاوتة وقد تجتمع المرتبة العليا من كل منها في فرد منهم ـ وان كان قلّ ما يتفق ـ وقد يكون بعضهم أعلم في بعض منها والبعض الآخر منهم في البعض الآخر منها.
    3 ـ مقتضى ما ذكرنا من اصالة التعيينيّة عند الدوران في التخيير والتعيين في باب الحجج والسّيرة العقلائية القائمة على الرجوع إلى الأعلم والأخبر في كل فنّ وباب هو الرجوع إلى الأعلم في كل باب من ابواب الفقه واتّباع الأعلم فيما هو أعلم.
    فما في المتن من ان الأحوط التبعيض في التقليد حينئذ إنما يصح

    على مبناه «قدس‌سره» وامّا على ما ذكرنا فالأقوى ذلك كما لا يخفى.
    لزوم الفحص عن الاعلم في كل باب
    ثم ان ما سنذكره من وجوب الفحص عن الأعلم في مسألة وجوب تقليد الأعلم يأتي هنا ايضا فيجب عليه الفحص لتشخيص الأعلم في احكام العبادات والأعلم في احكام المعاملات والأعلم في الاحكام السياسية وهكذا فان ميزه بعينه في كل مورد من الموارد يجب تقليده بلا كلام والّا فما نذكره هناك من الصّور في الموارد المشتبهة بجميعها يأتي هنا ايضا. والصور هي كما يلي :
    1 ـ العلم بالتفاضل مع العلم بالاختلاف بينهما في الفتوى.
    2 ـ الجهل بالتفاضل مع العلم بالاختلاف بينهما في الفتوى.
    3 ـ العلم بالتفاضل مع الجهل بالاختلاف في الفتوى.
    4 ـ الجهل بهما معا.
    فعلى ما ذكره الشيخ الأعظم الأنصاري (1) وصاحب المفاتيح (2) والعلّامة الحكيم (3) والآية الخوئي «قدّس الله أسرارهم» (4) في مسألة وجوب الفحص وسيأتي ان شاء الله تعالى انما يجب الفحص في الصورتين فقط وهما صورتا العلم بمخالفة فتوى احدهما مع الآخر وامّا
    __________________
    (1) رسالة الاجتهاد والتقليد للشيخ الأنصاري ص 80 ـ 81.
    (2) رسالة تقليد الأعلم للعلّامة الميرزا حبيب الله الرشتي ص 65.
    (3) المستمسك ج 1 ص 30.
    (4) التنقيح ج 1 ص 159 ـ 160.

    مع عدم العلم بالمخالفة فيجوز التقليد من أيّ واحد منهما من دون فحص وامّا على ما سيأتي منّا في تلك المسألة فيجب الفحص في جميع الصّور الأربع المذكورة.
    وحيث انجرّ الكلام الى التّبعيض في التقليد ينبغي التّنبيه على أمر وهو انّ التبعيض في التقليد في الامور المستقلة ـ سواء أكانت في المسائل السياسيّة أو الاقتصادية أو العبادية أو الاجتماعية مما لا بحث فيه ولا كلام فيقلد في بعض المسائل منها مجتهدا وفي البعض الآخر منها مجتهدا آخر وامّا اذا كان العمل عملا واحدا مركّبا ذا اجزاء مرتبطة بعضها مع بعض فهل يصح ايضا التبعيض ففيه خلاف.
    قال في العروة في المسألة 65 من مسائل الاجتهاد والتقليد في صورة تساوي المجتهدين يتخيّر بين تقليد ايّهما شاء كما يجوز له التبعيض حتى في احكام العمل الواحد حتى إنّه لو كان مثلا فتوى احدهما وجوب جلسة الاستراحة واستحباب التثليث في التسبيحات الأربع وفتوى الآخر بالعكس يجوز ان يقلّد الأوّل في استحباب التثليث والثاني في استحباب الجلسة.
    والتحقيق ان اللازم في المقام هو الرجوع الى الأدلة الدالة على جواز التقليد للعامي وانها بعد دلالتها على الجواز في التبعيض في الأعمال المستقلة هل تدلّ على جواز التبعيض في التقليد في اجزاء العمل الواحد وفي شرائطه كالصلاة مثلا؟ بان يقلّد في حكم بعض اجزائها كجلسة الاستراحة عن بعض وفي البعض الآخر منها كتعداد التسبيحات الأربع في الركعة الثالثة والرابعة عن بعض آخر أو في بعض الأجزاء عن

    بعض وفي حكم بعض الشرائط كحكم اللباس المشكوك عن آخر.
    وعلى تقدير دلالتها على جواز التّبعيض في التقليد في العمل الواحد هل يلزم عليه مراعاة عدم أدائه الى بطلان العمل على كلا القولين أو الأقوال ام لا؟
    فلو كان هناك مجتهدان احدهما يقول بعدم جواز الصلاة في اللباس المشكوك والآخر يقول بالجواز فيه فقلد الأول في جميع مسائل الصلاة الّا مسألة اللّباس المشكوك وفيها فقط قلّد الثاني وصلّى في اللباس المشكوك فلا اشكال حينئذ في البين لان صلاته على قول المجتهد الثاني صحيحة ولكنّه لو كان احدهما قائلا بجواز ترك جلسة الاستراحة والآخر قائلا بجواز الاكتفاء بتسبيحة واحدة في الركعة الثالثة والرابعة (ولكن الأول قائل بوجوب التسبيحات ثلاثا والثاني قائل بوجوب جلسة الاستراحة) فقلّد الأول في مسألة جلسة الاستراحة والثاني في مسألة التّسبيحات الأربع فاتي بصلاة مع ترك جلسة الاستراحة ومع التسبيحات الأربع مرّة واحدة فكل من المجتهدين المذكورين يرى ان هذه الصلاة باطلة امّا الأول فلترك التسبيحات ثلاثا ، وامّا الثاني فلترك جلسة الاستراحة.
    وقد وقع الخلاف بين الأعلام من الفقهاء المعاصرين كالسيد الفقيه الجليل صاحب العروة واكثر محشيها في المسألة الخامسة والستين من مسائل الاجتهاد والتقليد المذكورة فعلى قول صاحب العروة وجمع من محشّيها لا يلزم مراعاة عدم الأداء الى بطلان العمل على كلا القولين وانه يجوز التبعيض في التقليد مطلقا وجمع آخر منهم كالإمام الخميني والآيات الخوئي والگلبايگاني والميلاني والخوانساري

    «نوّر الله مضاجعهم» ذهبوا الى لزوم مراعاة ذلك.
    وعن تقريرات درس الآية الخوئى «قدس‌سره» : والوجه في ذلك ان صحة كل جزء من الأجزاء الارتباطيّة مقيّدة بما اذا أتى بالجزء الآخر صحيحا فمع بطلان جزء من الأجزاء الارتباطيّة تبطل الأجزاء بأسرها وان شئت قلت ان صحة الأجزاء الارتباطيّة ارتباطيّة فاذا أتى بالصلاة فاقدة للسّورة (المفروض في كلامه افتاء احد المجتهدين بجواز ترك السورة والآخر بالاكتفاء بالمرّة الواحدة في التسبيحات الأربع) مع الاكتفاء بالمرّة الواحدة في التسبيحات الأربع واحتمل بعد ذلك بطلان ما أتى به لعلمه بانه خالف أحد المجتهدين في عدم اتيانه بالسورة كما خالف احدهما الأخر في اكتفائه بالمرّة الواحدة في التسبيحات الأربع فلا محالة يشك في صحة صلاته وفسادها فلا مناص من ان يحرز صحتها ويستند في عدم اعادتها الى الحجة المعتبرة لأن مقتضى قاعدة الاشتغال لزوم الإعادة وبقاء ذمّته مشتغلة بالمأمور به لبطلانها عند كليهما وان كانا مختلفين في مستند الحكم بالبطلان لاستناده عند احدهما الى ترك السورة متعمدا ويراه الآخر مستندا الى تركه التسبيحات الأربع ثلاثا ومع بطلانها عند كلا المجتهدين وعدم افتائهما بصحة الصلاة لا بد للمكلف من اعادتها وهو معنى بطلانها. (1)
    واللازم في المقام كما ذكرناه هو البحث في المبنى ومقتضاه الرجوع الى الأدلة الدالة على جواز تقليد العامي للفقيه والعمدة فيه على ما تقدّم السيرة القائمة على لزوم رجوع الجاهل الى العالم والظاهر انها كما تدل
    __________________
    (1) التنقيح ج 1 ص 305 ـ 307.

    على جواز التبعيض في التقليد في الأعمال المستقلة كذلك تدل على جواز التبعيض في التقليد في الأعمال المركّبة فكما يجوز للعامي ان يقلّد في مسائل الصلاة عن زيد وفي مسائل الزكاة عن عمرو كذلك يجوز له التقليد في بعض اجزاء الصلاة عن زيد وفي بعضها الآخر عن عمرو وبعد قيام الحجّة على جواز التّبعيض في التقليد يكون العمل الواحد المركّب كالأعمال المتعددة المستقلة في الاستناد في كل مسألة الى الحجة المعتبرة وهي قول المجتهد وبعد الاستناد الى الحجة في ترك جلسة الاستراحة وفي الإتيان بالتسبيحات الأربع مرّة واحدة فلا مورد لإجراء قاعدة الاشتغال والحكم ببقاء ذمته مشغولة بالمأمور به ، إذ لا مقتضى لاعتبار ان يكون كل جزء منه صحيحا في نظر المجتهد الواحد وبالجملة بعد البناء على جواز التبعيض في التقليد وشمول الدليل للتبعيض في الأعمال المستقلة والمركبة لا وجه لاعتبار عدم أداء التبعيض إلى بطلان العمل على كلا القولين أو جميع الأقوال والارتباط الذي ذكره في كلامه لا دليل على اعتباره نعم لا ريب ان الارتباط بين الأجزاء في مثل الصلاة بمعنى اعتبار كل واحد من الأجزاء في صحة الأجزاء الأخر لازم والمفروض ان الصحة في كل جزء بحسب استناده الى الحجة المعتبرة حاصلة.
    نعم إذا كان التبعيض في التقليد موجبا لحصول العلم التفصيلي بالبطلان لا يجوز.
    وذلك فيما اذا كانت الملازمة الواقعيّة بين المسألتين موجودة فاذا كان احد المجتهدين اعلم في مسائل الصلاة والآخر اعلم في مسائل الصوم وقلّد كلا منهما فيما هو اعلم به وكانت فتوى احدهما قصر الصلاة

    والصوم فيما لو سافر اربعة فراسخ ولم يرجع ليومه وكانت فتوى الآخر اتمام الصلاة وصحة الصوم في الفرض المذكور ولازم التقليد بهذا النحو قصر الصلاة واتمام الصيام في السفر المذكور وهو مخالف لما دل على الملازمة بين تقصير الصلاة وافطار الصّيام ففي صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «هذا واحد إذا قصّرت افطرت وإذا افطرت قصّرت (1) وفي حديث آخر عنه عليه‌السلام : «وليس يفترق التقصير والإفطار فمن قصّر فليفطر» (2) ويحصل حينئذ العلم التفصيلي بالبطلان من ناحية التبعيض في التقليد فاللازم في مثله هو العمل بالاحتياط وان لم يمكن فالتخيير.
    __________________
    (1 و 2) الوسائل ج 7 ص 130 الحديث 1 و 2 من الباب 4 من أبواب من يصحّ منه الصوم.

    ويجب الفحص عنه (1)
    وهل يجب الفحص عن الأعلم؟
    ثم انه إذا ميّز الأعلم فلا كلام وامّا إذا لم يميّزه بعينه ففي المسألة صور :
    الاولى : العلم بالتّفاضل مع العلم بمخالفة فتوى البعض لبعض آخر.
    الثانية : العلم بالتفاضل مع الجهل بالاختلاف بينهما في الفتوى.
    الثالثة : الجهل بالتفاضل مع العلم بالاختلاف بينهما في الفتوى.
    الرابعة : الجهل بهما جميعا.
    وامّا الصورة الأولى فان اراد المكلّف الاحتياط في الجمع بين الفتويين وكان الاحتياط ايضا ممكنا كأن كان مسافرا لأربعة فراسخ ولم يرد الرجوع ليومه فافتى احدهما بوجوب القصر والآخر بوجوب الإتمام وهو يريد الجمع بين القصر والإتمام لا يجب عليه حينئذ الفحص عن اعلمهما لأنّه عامل بالاحتياط ولا يجب التقليد في المسألة وامّا اذا لم يرد
    __________________
    (1) العروة فصل الاجتهاد والتقليد.

    الاحتياط وجب عليه الفحص عن الأعلم فلو عمل بفتوى احدهما من غير فحص عن اعلميّته لم يحصل له القطع بفراغ ذمّته لاحتمال ان يكون الأعلم غيره فمقتضى حكم العقل بلزوم تحصيل الفراغ اليقيني بعد الاشتغال اليقيني دفعا للضرر المحتمل هو لزوم الفحص عن الأعلم ليستند في عمله الى الحجة.
    وما يرى في بعض العبارات (1) من عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية بحيث يرسلونه ارسال المسلمات فالظاهر عدم جريانه فيما نحن فيه لأن القول بعدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية انما يصح اذا كان المورد من باب الشك في التكليف وامّا فيما نحن فيه حيث كان المفروض اشتغال ذمّته بالواقع فيجب في مقام الخروج عن العهدة الاستناد الى الحجة ليحصل له الفراغ اليقيني ولا يحصل هذا الّا بالعمل بفتوى الأعلم فيجب الفحص عن الأعلم وجوبا عقليّا ارشاديّا الى عدم وقوع المكلف في معرض احتمال المخالفة والعقاب.
    ثم اذا فحص عن الأعلم وميّزه بشخصه يأخذ فتواه ويعمل بها وامّا اذا فحص بقدر الإمكان ولم يحصل له التمييز فان كان الاحتياط في المسألة ممكنا وجب عليه العمل به لتنجّز الأحكام الواقعية عليه وانحصار طريق امتثالها ـ ان لم يرد العمل بالاحتياط ـ بفتوى الأعلم والمفروض انه مردّد بين اثنين أو أكثر فيجب عليه الاحتياط تحصيلا للعلم بالموافقة ـ على ما هو الحال في موارد العلم الإجمالي واشتباه الحجة بلا حجّة.
    وامّا اذا لم يمكن الاحتياط كأن افتى احدهما بوجوب شيء والآخر
    __________________
    (1) منها في التنقيح ج 1 ص 161

    بحرمته فيتخيّر بينهما للعلم بوجوب تقليد الأعلم وهو مردّد بين شخصين أو اشخاص من غير ترجيح لبعضهم على بعض.
    ومما ذكرنا ظهر حكم الصورة الثالثة ـ اذ هي تشترك مع الاولى في العلم بالاختلاف بينهما في الفتوى ـ وحيث يحتمل فيها أعلمية احدهما يلزمه الفحص لانه لو كان احدهما اعلم من الآخر واقعا كان قوله هو الحجة عليه دون قول الآخر وقد قلنا ان الشك في مثل المقام لا يكون شكا في أصل التكليف ، لأن التكليف بالأحكام الواقعية قد ثبت عليه وتنجز بسبب علمه الإجمالي وعليه الامتثال واليقين بالفراغ وهو لا يحصل الّا بالعمل استنادا الى الحجة وحينئذ فان تفحّص وثبت له انهما متساويان في الفقاهة يتخيّر في الأخذ بقول ايّهما شاء وان ثبت اعلمية احدهما بعينه يأخذ بفتواه دون فتوى الآخر وان ثبت أعلمية احدهما لا بعينه فعليه الأخذ باحوط القولين ان كان والّا فالعمل بالاحتياط وان لم يمكن فالتخيير.
    وامّا الصورة الثانية وهي صورة العلم بالتفاضل مع الجهل بمخالفة فتوى احدهما لفتوى الآخر فهل يجب فيه الفحص لتمييز الأعلم بينهما لتقليده ام لا يجب عليه الفحص وله تقليد اي منهما شاء؟ وجهان بل قولان :
    فيظهر من الشيخ الأعظم الأنصاري في رسالته المعمولة في الاجتهاد والتقليد والعلّامة الحكيم في المستمسك والآية الخوئى على ما في تقريرات درسه الشريف الذهاب الى الأوّل وعدم وجوب الفحص وذهب صاحب الفصول الى الثاني قال الشيخ الأعظم الأنصاري : (هذا

    كلّه مع العلم بالاختلاف «يعني ان وجوب الفحص انما يجب مع العلم بالاختلاف في الفتوى» وان لم يعلم مخالفة الأعلم لغيره فالأصح جواز تقليد غيره وان كان ظاهر جماعة تعين الأعلم في هذه الصورة ايضا لكن استدلال كثير منهم بقوة الظن في جانب الأعلم يدل على اختصاصه بصورة المخالفة والظاهر اختصاص الإجماع المدّعى بهذه الصورة «اي بصورة العلم بمخالفة فتوى الأعلم لفتوى غير الأعلم» وأوضح من ذلك كله اختصاص المقبولة واخواتها بذلك «خبر داود بن الحصين وموسى بن اكيل النميري الحديث 20 و 45 من الباب 9 من أبواب صفات القاضي اي اختصاصها بصورة العلم بالمخالفة» بل ظاهر جواز الرجوع الى مطلق العالم بالأحكام كمشهورة أبي خديجة.
    وبالجملة فالظاهر ان فتوى الفقيه حجة بالنسبة الى المقلد فإن عارضتها حجة اخرى يلزم اعمال المرجح وان لم يعلم له مرجح جاز له العمل به لقيام المقتضى وعدم ثبوت المانع والفحص عن المعارض غير لازم كما يلزم على المجتهد في العمل بالروايات للعلم الإجمالي فيها بغلبة المعارض بل قلّما يوجد خبر سليم عن معارض من خبر أو غيره عام أو خاص أو مساو فيلزم من عدم الفحص عن المخصص الهرج والمرج ولا يلزم مثله في فتاوي المجتهدين لتوافق المجتهدين الموجودين في عصر في اغلب المسائل وان كان الخلاف ايضا كثيرا لكن لا اعتبار به ما لم يصر من قبيل الشبهة المحصورة بالنسبة الى المقلد الواحد فيما يريد تقليد المجتهد فيها من المسائل والّا فمجرد العلم الإجمالي بتخالف المجتهدين في بعض المسائل لا يقدح في الرجوع الى اصالة عدم المعارض ولا يوجب الفحص

    عن المعارض على المقلد.
    نعم ربّما يدعى انه لا دليل على ان قول المجتهد في نفسه حجة مطلقا ليكون اللازم التعارض في فتوى الأعلم وغيره لم لا يكون الحجة هي فتوى اعلم الناس في كل زمان من دون ان يكون فتوى غيره حجة وحينئذ فيجب الفحص عن فتوى الأعلم التي هي الحجة لا غير لكن الظاهر انه خلاف الظاهر المستفاد من الأدلة انتهى. (1)
    وظاهره كما ترى عدم وجوب الفحص عن المعارض (وهو فتوى الأعلم المخالفة لفتوى غير الأعلم) وجواز تقليد غير الأعلم في صورة العلم بأعلمية بعض الفقهاء من بعض استنادا الى ظواهر الأدلة الدالة على جواز الرجوع الى العالم بالأحكام والى اصالة عدم المعارض وظاهر أواخر كلامه ابتناء البحث في وجوب الفحص وعدمه على انه لو كان مفاد الأدلة هو حجية فتوى اعلم الناس في كل زمان وان غيرها لا يكون حجة يجب الفحص عن فتوى الأعلم التي هي الحجة لأنه يكون حينئذ من باب اشتباه الحجة باللاحجة ولو كان مفادها حجية كلتيهما ذاتا وان فتوى الأعلم اذا كانت مخالفة لفتوى غير الأعلم لا يجب الفحص ويؤخذ بفتوى أيّ فقيه في صورة الجهل بالمخالفة لأصالة عدم المعارض وقال : ان الظاهر انّ المستفاد من الأدلة هو الثاني.
    وقال العلّامة الحكيم في المستمسك : ان مقتضى اطلاق ادلة الحجية حجية كل واحدة من الفتويين واحتمال الاختلاف بين الفتويين الموجب لسقوط الإطلاق عن الحجية لا يعتني به في رفع اليد عن الإطلاق كما في
    __________________
    (1) رسالة الاجتهاد والتقليد للشيخ الأنصاري ص 80 ـ 81.

    سائر موارد التخصيص اللّبي واذا ثبتت حجية كل منهما جاز الاعتماد عليها قبل الفحص. (1)
    وفي تقريرات درس الآية الخوئي «رضوان الله عليه» الاستدلال على جواز الرجوع الى فتوى غير الأعلم في صورة عدم العلم بالمخالفة بينه وبين الأعلم باطلاقات الأدلة القائمة على حجّية فتوى الفقيه من الآيات والأخبار المتقدمتين قال : وقد خرجنا عنها في صورة العلم بالمخالفة وبقيت صورة العلم بالموافقة بينهما وكذا صورة الشك في المخالفة مشمولة لإطلاقها حيث دلّت على جواز تقليد الفقيه من غير تقييده بما إذا كان اعلم.
    والمناقشة بأنه قد خرج عن تحت هذه الأدلة فتوى غير الأعلم إذا كانت مخالفة لفتوى الأعلم ومع الشك في الموافقة والمخالفة لا مجال للتمسّك بإطلاقها لأنه من التمسّك بالعموم والإطلاق في الشبهات المصداقية ، وذلك لاحتمال مخالفتهما في الفتوى واقعا.
    مدفوعة لأن المناقشة غير واردة في نفسها ، وذلك لأن الشبهة وإن كانت مصداقية إلا انّ هناك أصلا موضوعيا يحرز به ان المورد المشتبه من الأفراد الباقية تحت العموم ، وذلك لأن إحراز فردية الفرد قد يكون وجدانيا ، وقد يكون بالتعبّد.
    ومن هنا قلنا في محله : ان المرأة المشكوكة قرشيتها ببركة أصالة عدم القرشية داخلة تحت الأدلة الدالة على ان المرأة تحيض إلى خمسين.
    وفي المقام أيضا نقول : ان المخالفة بين المجتهدين أمر حادث مسبوق
    __________________
    (1) المستمسك ج 1 ص 30.

    بالعدم ، ومع الشك في تحقّقها يبنى على عدمها بمقتضى استصحاب العدم الأزلي. (1)
    ويرد عليهم بأجمعهم : انّ مقتضى ما ذكرناه من الدّليل في الصّورة الاولى هو وجوب الفحص في هذه الصّورة أيضا ، لأنّه إذا لم يرد العمل بالاحتياط ـ كما هو المفروض ـ فلا بدّ أن يكون عمله موجبا للقطع بفراغ ذمّته عمّا اشتغلت به من الأحكام الواقعيّة المنجّزة عليه بسبب علمه بها إجمالا دفعا للضّرر المحتمل ، وهو لا يحصل إلّا بالاستناد في عمله إلى الحجّة وهو لا يكون إلّا بالاستناد إلى فتوى الأعلم لو كان ، فيجب الفحص ليحصل له العلم إمّا بكونهما متساويين أو بكون زيد أعلم من عمرو ، وإن لم يحصل له العلم ولم يحرز ذلك فعليه الاحتياط لو أمكن ، وإلّا فالتّخيير.
    وما ذكره الشيخ الأعظم الأنصاري من انّ مقتضى ظواهر الأدلّة الدالّة على جواز الرّجوع إلى العالم بالأحكام عدم لزوم الفحص في المقام مدفوع بما ذكرناه في بحث تقليد الأعلم من انّ هذه الأدلّة ليس لها إطلاق أحواليّ بحيث يشمل مثل المقام.
    كما انّ ما ذكره من الرجوع إلى أصالة عدم المعارض أيضا ممنوع ، فإن أصالة الاشتغال المقتضية لوجوب الفحص لتحصيل الحجّة تمنع عن جريانها في أمثال المقام.
    ويرد على العلّامة الحكيم «قده» ما قرّر في محلّه من انّه لا فرق في عدم جواز التمسّك بالعموم في الشبهة المصداقيّة بين أن يكون المخصّص
    __________________
    (1) التنقيح ج 1 ص 160

    لفظيا أو لبّيا ، كما انّه يردّ ما ذكره الآية الخوئي «قده» مضافا إلى ما ذكرنا بأنّ اجراء أصالة عدم المخالفة بالعدم الأزلي ـ نظير استصحاب عدم القرشيّة ـ خلاف ظاهر أدلّة الاستصحاب ، لأنّ الظاهر أن يكون السّلب في الاستصحابات العدميّة بنحو السلب بانتفاء المحمول.
    وقد ظهر ممّا ذكرنا حكم الصورة الرابعة ، إذ هي مشتركة مع الصورة الثانية في الجهل باختلاف فتوى الأعلم مع فتوى غير الأعلم.
    وخلاصة الكلام : انه بعد قيام الدليل على عدم حجية فتوى غير الأعلم في قبال فتوى الأعلم ـ على ما أوضحناه ـ يكون اللازم على المقلّد الذي قد تنجز عليه الواقع بواسطة علمه الإجمالي ويكون بصدد افراغ ذمّته وتحصيل الفراغ اليقيني هو التفحّص عن الأعلم لتحصيل الحجّة على الواقع لئلا يتحقق منه المخالفة لفتوى الأعلم من غير فرق بين الصور الأربع المتقدمة ، قال في الفصول في المقام ونعم ما قال :
    ثم على تقدير المنع (أي المنع من الرجوع إلى غير الأعلم) فهل يمنع من الرجوع إلى المفضول مطلقا فيلزم المقلّد بالتفتيش والاستعلام أو يخصّه بما لو علم بأفضلية البعض؟ وجهان ، ظاهر الأدلة يقتضي الأول ، ثم على تقدير العلم بأفضلية البعض فهل يمنعه من الرجوع إلى المفضول مطلقا أو يخصه بما لو علم بمخالفة الأفضل له في الفتوى؟ وجهان أيضا ، وظاهر بعض الأدلة المذكورة يقتضي الأول. (1)
    ثم انه لو فحص ولم يظفر بشيء أو لم يتمكّن من الفحص وجب عليه العمل بالاحتياط وإن لم يمكن فالتخيير على ما تقدّم.
    __________________
    (1) الفصول ص 419

    المسألة 13 : إذا كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة يتخيّر بينهما الّا اذا كان احداهما اورع فيختار الأورع. (1)

    أقول : قال الشيخ الأعظم الأنصاري : ولو تساوى المجتهدان بالعلم واختلفا في الورع فالظاهر ان المشهور تقديم الأورع بل حكى عليه المحقق الثاني الإجماع ... وهو الظاهر من المقبولة ، ويؤيده ما ورد في انه لا يحلّ الفتيا الّا لمن كان اتبع اهل زمانه برسول الله هذا كله مضافا الى الأصل السليم عن معارضة الإطلاقات كما عرفت في تقليد الأعلم فالقول به لا يخلو عن قوة.
    ولو دار الأمر بين الأعلم والأورع ففي ترجيح ايّهما والتخيير اقوال وتقديم الأعلم لا يخلو عن قوة وكأنه المشهور بل لم نجد القول بالأورع لعلمائنا نعم عن المنية انه حكاه عن قوم.
    ولا ينافي ما ذكرنا تقديم الأورع في تعارض الروايات لانّ المعيار هناك برجحان الصدق وهنا برجحان الاستنباط (2) انتهى وقال في الجواهر : مع تساويهما في العلم يقدم الأعدل لكونه ارجح حينئذ فيكون الحاصل حينئذ ترجيح اعلم الورعين واورع العالمين لقاعدة قبح ترجيح المرجوح على
    __________________
    (1) العروة فصل الاجتهاد والتقليد.
    (2) رسالة الاجتهاد والتقليد للشيخ ص 83.

    الراجح انتهى (1).
    وفي العروة في المسألة 13 من مسائل الاجتهاد والتقليد :
    اذا كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة يتخير بينهما الّا اذا كان احدهما اورع فيختار الأورع.
    واختار في المستمسك ايضا تقديم الأورع في الفرض المذكور بعد ان نقل ذلك عن النهاية والتهذيب والذكرى والدروس والجعفرية والمقاصد العلية والمسالك وغيرها. قال : ولقضية اصالة التعيين الجارية عند الدوران بينه وبين التخيير ولا يظهر على خلافها دليل إذ الإطلاقات الدالة على الحجية لو تمت لا تشمل صورة الاختلاف اللهم الّا ان يكون بناء العقلاء على التخيير بين المتساويين في الفضل وان كان احدهما اورع فيتبع اتباعه في حجية رأى العالم لكن هذا البناء غير ظاهر مع الاختلاف ... (2)
    وقال العلامة ميرزا حبيب الله الرشتى في رسالته في تقليد الأعلم : الثامن اذا تساويا في ملكة الفقاهة والاجتهاد وتفاضلا في الدين والورع فالظاهر وجوب تقليد الأدين والأورع وبه قال العلامة والشهيدان والمحققون على ما حكي عنهم ولعله المشهور واستدلوا عليه بالأصل وقبح ترجيح المرجوح على الراجح وان الظن الحاصل من قول الأورع اقوى وينبغي ان يعلم ان المراد باقوائية ظنه اقوائيته بالنسبة الى الأخبار عن الحكم الظاهري اعني معتقده ورأيه لا بالنسبة الى الحكم الواقعي فإن اعدلية المفتي لا مدخلية لها في تقريب قوله من الواقع بعد المساواة في ملكة الاجتهاد اللهم الّا ان
    __________________
    (1) الجواهر ج 40 ص 42.
    (2) المستمسك ج 1 ص 32.

    يدعى اقتضاء اورعيته الفحص وبذل الجهد زيادة عما يصدر من العادل فيكون قوله اوثق من حيث الاستكشاف عن الحكم الواقعي وهو حق واضح كوضوح اصل تعيين العمل بقوله.
    ويدل عليه مضافا الى ما ذكر مقبولة عمر بن حنظلة وغيرها من الأخبار المزبورة وبما ذكرنا في بيان كون قوله اقوى ظنا يسقط ما عن النهاية وشرح الزبدة من احتمال التخيير نظرا الى ان مناط التقليد وهو العلم والورع موجود في المفضول ولا ترجح فيما يتعلق بالاجتهاد الذي هو العلم (1) انتهى.
    وليعلم ان الاورعية في المفتى تتصور على وجهين احدهما في العمل بان يكون احدهما مجتنبا عن المشتبهات دون الآخر ثانيهما : في الاستنباط اما بمعنى فحص احدهما عن الدليل في استنباطاته اكثر من المقدار المعتبر في الفحص عنه واما بمعنى عدم افتاء احدهما في المسائل الخلافية واحتياطه فيها دون الآخر وبالجملة ان مقتضى كلام الماتن ان الاورعية مرجحة فيما اذا كانا متساويين في العلم والظاهر منه صورة العلم بالمخالفة بينهما في الفتوى.
    والذي يمكن ان يستدل به على ان الأورعية مرجّحة وجوه :
    1 ـ مقبولة عمر بن حنظلة : حيث قال ابو عبد الله عليه‌السلام في الجواب عن قوله فان كان كل واحد اختار رجلا من اصحابنا فرضيا ان يكونا الناظرين في حقهما واختلف فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم؟
    «الحكم ما حكم به اعدلهما وافقههما واصدقهما في الحديث واورعهما ولا يلتفت الى ما حكم به الآخر» (2)
    __________________
    (1) رسالة تقليد الاعلم للعلامة الرشتي ص 81.
    (2) الخبر 1 من الباب 9 من ابواب صفات القاضي ج 18 الوسائل 75.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

     مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه     مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه  Emptyأمس في 2:34 pm

    2 ـ موثقة داود بن الحصين حيث قال ابو عبد الله عليه‌السلام في الجواب عن قوله فرضيا بالعدلين فاختلف العدلان بينهما عن قول ايهما يمضي الحكم قال : «ينظر الى افقههما واعلمهما باحاديثنا واورعهما فينفذ حكمه ولا يلتفت الى الآخر (1)
    والجواب : انهما واردتان في باب القضاء وقد قلنا سابقا انه لا ملازمة بين باب القضاء وباب الافتاء فلا يكون ما هو المرجح في الأول مرجحا في الثاني ايضا والسرّ فيه ظاهر حيث ان الخصومة لا بدّ من فصلها ولا سبيل الى التخيير في القضاء والمرافعات واما باب التقليد والفتوى فللتخيير فيه مجال.
    3 ـ اصالة التّعيينيّة فيما اذا دار الأمر بين التخيير والتعيين فان فتوى كل منهما اما حجة تخييرية او ان فتوى الاورع حجة تعيينية ومقتضى القاعدة هو الأخذ بما يحتمل تعيّنه للقطع بكونه حجة وامّا ما يشك في حجيته فالأصل عدم حجيته.
    وفيه ان الرجوع الى الأصل انّما يصح فيما اذا لم يكن في البين دليل اجتهادي والسيرة القائمة من العرف والعقلاء الحاكمة بالتخيير بين المتساويين في الخبرويّة الممضاة من جانب الشارع الأقدس حاكمة على هذا الأصل ومقتضاها عدم كون الأورعية من المرجحات في التقليد وبعبارة اخرى بعد قيام السّيرة بالتخيير بين المتساويين في العلم والفقاهة وهما الملاك في الاجتهاد والاستنباط لا يبقى شك حتى يرجع الى الأصل لانا نقطع بعدم كون الأورعيّة كالأسنّيّة والهاشميّة مثلا دخيلة في التقليد.
    ويظهر من حواشي العروة للآيات الخميني والخوئي والخوانساري
    __________________
    (1) الخبر 2 من الباب 9 من أبواب صفات القاضي ج 18 الوسائل ص 80.

    والگلبايگاني ايضا عدم كون الأورعية من المرجحات.
    واما ما ذكره صاحب الجواهر والعلّامة الرشتي من الاستدلال على لزوم تقديم الأورع بقاعدة قبح ترجيح المرجوح على الراجح ففيه منع الصغرى في المقام للقطع بعدم كون الأورعية من المرجحات في باب التقليد.

    لا يعتبر الأعلمية فيما امره راجع إلى المجتهد الّا في التقليد واما الولاية على الايتام والمجانين والأوقاف التي لا متولّي لها والوصايا التي لا وصيّ لها ونحو ذلك فلا يعتبر فيها الأعلمية. (1)
    اقول بعد الفراغ عن بحث اعتبار الأعلمية في مرجع التقليد فالمناسب في المقام الإشارة الى شئون الفقيه اجمالا.
    فالمستفاد من اخبار اهل البيت عليهم‌السلام وآثارهم ان للفقيه شئونا مختلفة :
    1 ـ كونه مرجعا للتقليد والفتيا.
    2 ـ كونه مرجعا للقضاء وفصل الخصومات.
    3 ـ كونه واليا وزعيما للمسلمين.
    امّا الشأن الأول فقد تقدم البحث فيه مبسوطا.
    وامّا ثبوت منصب القضاء له فيدل عليه بعد ضرورة الفقه مقبولة عمر ابن حنظلة ومعتبرة داود بن الحصين وخبر موسى بن اكيل النميري المتقدمة
    __________________
    (1) العروة المسألة الثامنة والستّون من مسائل الاجتهاد والتقليد.

    في ضمن البحث لاعتبار الأعلمية في مرجع التقليد وغيرها.
    وأما مسألة ولاية الفقيه فنقول مقدمة لها :
    لا ريب في ان الأصل عدم السلطنة والولاية لأحد على احد إلّا الله تعالى فانه تعالى لكونه رب الناس وملكهم وإلههم له الخلق والأمر وله السلطة والتصرف في ملكه باي نحو شاء بالاستحقاق الذاتي وسلطنة غيره ونفوذ حكمه وقضائه يحتاج الى جعله تعالى.
    ولا ريب انه تعالى وسبحانه قد جعل ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)(1) وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ). (2)
    فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام بهذا الأمر وكان بيده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امر السياسة والقضاء والاقتصاد والجهاد وتدبير امور المسلمين وادارتها بجميع جهاتها.
    ولا شك ايضا انه قد جعل من جانب الله تعالى للائمة عليهم‌السلام واحدا بعد واحد ولاية وحكومة على العباد وذلك بمقتضى الروايات المعتبرة الواردة في تفسير اولي الأمر وغيرها وهو مما يقتضيه اصول المذهب.
    وقد قام امير المؤمنين عليه‌السلام في زمان بسط يده وارتفاع الموانع بهذا الامر وكان بيده عليه‌السلام ازمّة امور الامة من السياسة والقضاء والثقافة والاقتصاد ونصب الولاة وبكلمة واحدة ـ ادارة امور المسلمين من كل الجهات ـ.
    انّما الكلام في المقام في ان الفقيه هل تثبت له الولاية المطلقة في زمن الغيبة ام لا؟ ويتضح ذلك بذكر امور :
    __________________
    (1) الآية 6 من سورة الاحزاب.
    (2) الآية 59 من سورة النساء.

    الأول : انه من المعلوم ان من أهمّ ما يحتاج اليه البشر في حياته وجود سائس ووال يدير امور حياتهم فيما يتعلق بشئون السياسة والثقافة والاقتصاد والتّربية وغيرها ولذلك لم توجد في مستوى حياة المجتمع البشري جماعة فوضى لا مدير لهم ولا مدبر لأمورهم ، وقد قال مولانا امير المؤمنين عليه‌السلام : «لا بدّ للناس من أمير». (1)
    الثاني : ان دين الإسلام من جهة كونه اكمل الأديان وأتمّها وخاتمها لم يهمل شيئا مما يحتاج اليه البشر في أيّ جهة من شئون الحياة ولا ريب في انّ من جملة ما يحتاج اليه البشر نصب الوالي والسائس وتبيينه وبيان أوصافه وشرائطه.
    فلو اهمل الإسلام هذا الامر المهم كان تشريعه ناقصا ـ وقد ذكرنا انه اكمل الأديان ـ وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع معاشر الناس ما من شيء يقرّبكم إلى الله ويبعّدكم عن النار الّا وقد امرتكم به وما من شيء يبعدكم من الله ويقربكم الى النار الّا وقد نهيتكم عنه.
    وقد بين الله جميع الأحكام حتى ارش الخدش.
    وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في زمان حياته يتولّى امر السياسة والثقافة والقضاء وكل شيء تحتاج اليه الامة من جهة التدبير وادارة الامور ونصب عليّا امير المؤمنين وبقية الأئمة الأطهار عليهم‌السلام للامامة وسياسة الامور بوحي من الله تعالى وفيه نزل : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً).
    الثالث : انه قد وردت روايات كثيرة عن اهل بيت الوحي والعصمة
    __________________
    (1) نهج البلاغة الخطبة 40.

    سلام الله عليهم تفصح عن لزوم وجود الوالي في الامة بأوصافه المعتبرة وتعلن ان عزّ الدين وبقاء الإسلام والمسلمين وانقطاع مطامع الأعداء وابطال كيدهم لا تحصل الّا بالولاية.
    وقد قال مولانا امير المؤمنين عليه‌السلام في خطبته التي خطبها في صفين : «ثم جعل سبحانه من حقوقه حقوقا افترضها لبعض الناس على بعض فجعلها تتكافأ في وجوهها ويوجب بعضها بعضا ولا يستوجب بعضها الّا ببعض واعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية وحق الرعية على الوالي فريضة فرضها الله سبحانه لكلّ على كلّ فجعلها نظاما لالفتهم وعزّا لدينهم فليست تصلح الرعية الّا بصلاح الولاة ولا يصلح الولاة الّا باستقامة الرعية فاذا ادّت الرعية الى الوالي حقه وأدّى الوالي اليها حقها عزّ الحق بينهم وقامت مناهج الدين واعتدلت معالم العدل وجرت على اذلالها السنن فصلح بذلك الزمان وطمع في بقاء الدولة ويئست مطامع الأعداء.
    وإذا غلبت الرعية واليها او اجحف الوالي برعيته اختلفت هنالك الكلمة وظهرت معالم الجور وكثر الأدغال في الدين وتركت محاجّ السنن فعمل بالهوى وعطّلت الأحكام وكثرت علل النفوس فلا يستوحش لعظيم حق عطّل ولا لعظيم باطل فعل فهنالك تذلّ الأبرار وتعزّ الأشرار وتعظم تبعات الله عند العباد. (1)
    والمستفاد منها امور :
    1 ـ لزوم وجود الوالي للمجتمع.
    2 ـ لزوم مراعاة الحقوق المقررة للوالي على الرعيّة وللرعية على الوالي
    __________________
    (1) نهج البلاغة الخطبة 207.

    وذكر عليه‌السلام محاسنها.
    3 ـ ذكر عواقب التخلف عنها.
    [الاستدلال على ولاية الفقيه المطلقة]
    ومن المعلوم ان عزّ الحق وقيام مناهج الدين واعتدال معالم العدل وجريان السنن وصلاح الزمان وبقاء الدولة الإسلامية وانقطاع مطامع الأعداء كلها مطلوبة ومحبوبة للشارع الأقدس في كل زمان ولا يختص ذلك بزمن امير المؤمنين عليه‌السلام لأنه مقتضى طبيعة الخلقة ومن النواميس الإلهية ومما بنى الإسلام عليها ولا يتحقق ذلك الّا في ظل ولاية الوالي المتصف بصفات العلم والعدل والتدبير ورعاية حقه ومراعاته لحقوق الرعية.
    وايضا من المعلوم ان اختلاف الكلمة بين المسلمين وظهور معالم الجور وكثرة الأدغال في الدين وترك محاجّ السنن وتعطيل الأحكام الإسلامية وعدم الاستيحاش لعظيم حق عطل وعظيم باطل فعل وذلّ الأبرار وعزّ الاشرار مبغوض عند الشارع الأقدس من غير اختصاصه بزمان دون زمان ولا يحصل ذلك الّا عند عدم رعاية حقوق الوالي أو حقوق الرعية فضلا عن عدم وجود الوالي اصلا وقال عليه‌السلام ايضا :
    وقد علمتم انه لا ينبغي ان يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل فتكون في اموالهم نهمته ولا الجاهل فيضلّهم بجهله ولا الجافي فيقطعهم بجفائه ولا الخائف للدول فيتخذ قوما دون قوم ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع ولا المعطّل للسنة فيهلك الامة (1) ويستفاد منه ايضا بوضوح ان فروج المسلمين ودمائهم واموالهم واحكامهم وزعامتهم تحتاج إلى الوالي واللازم ان لا
    __________________
    (1) نهج البلاغة الخطبة 131.

    يكون الوالي متصفا بالبخل والجهل والجفاء والخوف والارتشاء والتعطيل للسنّة الإسلامية ومن المعلوم ان لزوم حفظ فروج المسلمين ودمائهم واموالهم واحكامهم ممّا لا يختص بزمان دون زمان وهو لا يحصل الّا بوجود الوالي المتصف بالسخاء والعلم واللين والشجاعة والتقوى والقيام باحياء السنة الإسلامية واجرائها».
    وقال عليه‌السلام ايضا في ضمن عهده للاشتر حين ولّاه مصر جباية خراجها وجهاد عدوّها واستصلاح اهلها وعمارة بلادها :
    «واعلم ان الرعية طبقات لا يصلح بعضها الّا ببعض ولا غنى ببعضها عن بعض فمنها جنود الله ومنها كتّاب العامة والخاصة ومنها قضاة العدل ومنها عمّال الإنصاف والرفق ومنها اهل الجزية والخراج من اهل الذمة ومسلمة الناس ومنها التجار واهل الصناعات ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة وكل قد سمّى الله له سهمه ووضع على حدّه وفريضته في كتابه او سنّة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عهدا منه عندنا محفوظا فالجنود باذن الله حصون الرعية وزين الولاة وعزّ الدين وسبل الأمن وليس تقوم الرعية الّا بهم ثم لا قوام للجنود الّا بما يخرج الله لهم من الخراج الذي يقوون به على جهاد عدوّهم ويعتمدون عليه فيما يصلحهم ويكون من وراء حاجتهم ثم لا قوام لهذين الصنفين الّا بالصنف الثالث من القضاة والعمّال والكتّاب لما يحكمون من المعاقد ويجمعون من المنافع ويؤتمنون عليه من خواص الامور وعوامّها ولا قوام لهم جميعا الّا بالتجار وذوي الصناعات فيما يجتمعون عليه من مرافقهم ويقيمون من اسواقهم ويكفونهم من الترفق بأيديهم مما لا يبلغه رفق غيرهم ثم الطبقة السفلى من اهل الحاجة والمسكنة الذين يحق رفدهم

    ومعونتهم وفي الله لكل سعة ولكل على الوالي حق بقدر ما يصلحه وليس يخرج الوالي من حقيقة ما الزمه الله من ذلك الّا بالاهتمام والاستعانة بالله وتوطين نفسه على لزوم الحق والصبر عليه فيما خف أو ثقل». (1)
    ودلالته على انقسام افراد المجتمع على طبقات والحاجة في تنظيم امور الطبقات وتنسيقها الى الوالي وان قوام الناس وعزّ الدين لا يحصل الّا بقيام الوالي بما ذكره عليه‌السلام من الامور مما لا يخفى ومن المعلوم عدم اختصاص ذلك بزمان خاص.
    وبالجملة ان احتياج المسلمين الى وال يدبّر امورهم ويديرها ويحفظ شئونهم وثقافتهم ويقوم بتربيتهم وتدريبهم ويتكفل لاجراء الاحكام والحدود ويسعى لاعلاء كلمة الإسلام وعزّ المسلمين وتأمين حوائجهم المادية والمعنوية وفي قطع مطامع اعداء الإسلام والمسلمين ودفع كيدهم ومكرهم واصلاح العباد وعمارة البلاد وفي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر امر مفروغ عنه وما دلّت عليه الروايات من التأكيد لهذا الأمر وللأوصاف والشرائط المعتبرة في الوالي مما لا ريب فيه.
    وقد طالعت في سالف الزمان بتوفيق الله تعالى الكتاب القيّم وسائل الشيعة الحاوي ما ينوف على خمسة وثلاثين الف حديث واستخرجت موارد استعمال الفاظ «الامام والسلطان والوالي» من بين الأخبار الواردة عن النبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واهل بيته الاطهار عليهم‌السلام فرأيت عشرات من هذه الالفاظ في خلال الابواب مثل باب الحج والزكاة والخمس والأنفال والجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وابواب البيع والدين والمضاربة وامثالها والنكاح والطلاق
    __________________
    (1) نهج البلاغة باب المختار من كتب مولانا امير المؤمنين عليه‌السلام الكتاب 53.

    المتضمنين لنظام الاسرة واحياء الموات والقضاء والشهادات والقصاص والحدود والديات التي تدل على ان المحافظة على كيان الإسلام واجراء الاحكام الالهية قد بنيت على وجود الوالي وانه لا ينتظم ولا ينسجم الّا به ولا يسع المجال فعلا لتوضيحه ولكنه نشير اليه اجمالا :
    فممّا جاء في باب الحج ولزوم نصب الوالي اميرا للحجّاج لتدبير امورهم وفي وجوب الزكاة ان للإمام مطالبة الزكوات ونصب العمّال لجمعها وله توزيعها والقيام بتأسيس المدارس والمستشفيات والقناطر واحداث الطرق وامثال ذلك بها وفي باب الخمس : ان مطالبة الخمس واخذه للامام ويكون سهم الامام عليه‌السلام له بل في كون سهم السادات ايضا له وكون السادات الكرام مصرفا له وجه قوي قال صاحب الجواهر : وهذا القول اي كون جميع الخمس للامام عليه‌السلام لا يخلو من قوة وفي باب الأنفال ان الأنفال كلها للامام وهي الاراضي الموات وكل ارض لا رب لها والمعادن والآجام والبحار ورءوس الجبال وبطون الاودية وبالجملة كل منبع من منابع الثروة وكل مال ليس له مالك معين فالتصرف فيها بالاحياء والاستخراج والاستفادة منها منوط باذنه وعلى هذا المنوال جميع ابواب الفقه على ما تدل عليه الروايات المشار اليها وكتبت رسالة على اساس جميع هذه الروايات وتنظيمها على ابواب الفقه ومع الاسف لا تحضرني الآن.
    الرابع : ان المتيقن من مدلول الالفاظ والعبارات المذكورة المرتبطة بالولاية والوالي والأوصاف المعتبرة فيه هو الفقيه الجامع للشرائط فالولاية بمفهومها الشامل الذي استفدنا من الأخبار والآثار وقلنا انها اساس فقه الشيعة وعليها بني كيان الامة الإسلامية ثابتة للفقيه العادل شرعا.

    هذا مضافا الى انه لا شك ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة الاطهار عليهم‌السلام كانوا يعلمون بأن الإمام الثاني عشر صاحب الولاية الإلهيّة ارواحنا لتراب مقدمه الفداء يغيب عن الناس وتطول غيبته مئات من السنين والمقطوع من شأنهم عدم اهمال امر الولاية التي قد قلنا انها من اهم ما يدور عليه حياة الامة من جهة السياسة والثقافة والاقتصاد وغيرها وتعيين الوالي والسائس لزمان غيبته عليه‌السلام والمتيقن منه ليس الّا الفقيه الجامع للشرائط.
    وقد ظهر مما ذكرنا ان ما ذكره الآية الخوئي ـ على ما في تقريرات درسه ـ «من عدم ثبوت الولاية المطلقة للفقيه وانه لا ولاية له الّا في الفتوى والقضاء والامور الحسبيّة وامّا ولايته في سائر الموارد فلم تدلنا عليها رواية تامة الدلالة والسند وقد ذكرنا في الكلام على ولاية الفقيه من كتاب المكاسب ان الأخبار المستدل بها على الولاية المطلقة قاصرة السند او الدلالة» (1) منظور فيه جدا.
    وليس استنادنا في اثبات الولاية المطلقة للفقيه ـ كما اتضح مما ذكرناه ـ الى الروايات الواردة في حق العلماء من كونهم حصون الإسلام (2) وامناءه (3) وورثة الانبياء (4) وخلفاء رسول الله (5) وامناء
    __________________
    (1) التنقيح ج 1 ص 419 ـ 420.
    (2) عوائد النراقي وهو مروي في الكافي.
    (3) عوائد النراقي.
    (4) الوسائل ج 18 الباب 8 من ابواب صفات القاضي الحديث 2 والمستدرك الحديث 45 من الباب المذكور.
    (5) الوسائل ج 18 الباب 8 من ابواب صفات القاضي الحديث 2 والمستدرك الحديث 45 من الباب المذكور.

    الرسل (1) «واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم» (2) وانهم كسائر الانبياء (3) ومنزلتهم منزلة الانبياء في بني اسرائيل (4) وانهم خير خلق الله بعد الأئمة اذا صلحوا (5) وان فضلهم على الناس كفضل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ادناهم (6) وانهم حكّام على الملوك (7) وانهم كفلاء ايتام اهل البيت عليهم‌السلام (Cool وان مجاري الامور والأحكام على ايدي العلماء بالله الامناء على حلاله وحرامه (9) فإنها قابلة للمناقشة من حيث السند او الدلالة ولكن الطريق الذي سلكناه لاثبات الولاية المطلقة للفقيه سليم عن المناقشة نعم تكون هذه الروايات مؤيدة لما قلناه.
    __________________
    (1) الوسائل ج 18 الباب 11 من ابواب صفات القاضي الحديث 2 والمستدرك الحديث 29 من الباب المذكور.
    (2) الوسائل ج 18 الباب 11 من ابواب صفات القاضي الحديث 2 والمستدرك الحديث 9 من الباب المذكور.
    (3) عن جامع الاخبار واورده المحقق النراقي في عوائده.
    (4) وهو ما عن الفقه الرضوي اورده المحقق النراقي في عوائده.
    (5) عن الاحتجاج للطبرسي اورده المحقق النراقي في عوائده.
    (6) عن المجمع عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اورده المحقق النراقي في عوائده.
    (7) عن أبي الفتح الكراجكي في كنز الفوائد عن امير المؤمنين عليه‌السلام المستدرك كتاب القضاء الباب 11 من ابواب صفات القاضي الحديث 17.
    (Cool المستدرك كتاب القضاء الباب 11 من ابواب صفات القاضي الحديث 22 ـ 23 ـ 24 ـ 26 ـ 27 ـ 28.
    (9) عن الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول من كلام الحسين بن علي عليهما‌السلام راجع المصدر المذكور آنفا الحديث 16 وقد استدل استاذنا الخميني ايضا في رسالته في الاجتهاد والتقليد ص 104 ـ 103 بهذه الروايات على الولاية المطلقة للفقيه وقال بعد ذكرها ان الخدشة في كل واحد منها سند أو دلالة ممكنة لكن مجموعها يجعل الفقيه العادل القدر المتيقن.

    وبالجملة الظاهر عندنا ان الولاية المطلقة للفقيه مع الالتفات الى ما بيّناه من معارف الإسلام ومبانيه واخباره وآثاره قضية قياسها معها.
    وما يظهر من عبارة العروة في المسألة 68 التي هي مورد البحث من قصر ولاية الفقيه على الأيتام والمجانين والأوقاف التي لا متولى لها والوصايا التي لا وصيّ لها ونحو ذلك وبالجملة على الامور الحسبية التي هي الولاية الجزئية فهو ايضا غير سديد على ما ذكرناه.
    وممّا يجب التنبيه عليه في المقام ان الولاية المطلقة وان كانت ثابتة للفقيه بمقتضى الأدلة التي قدمناها فهو وال للامة الإسلامية من جهة الامور السياسية والثقافية والاقتصادية والتربية والتعليم والتدريب والجهات الاخرى وعليه ادارة الامور وتدبيرها على اساس العدل واعلاء كلمة الإسلام وحفظ المسلمين عن الفتور ولكن الفقيه حيث انه ليس بمعصوم لا بد له في ادارة الامور من المشاورة مع الخبراء الأتقياء والاستناد بآرائهم وانظارهم وتجاربهم وعليه ان يحترز من متابعة الهوى وبادرة الغضب والحرص وحب الجاه وحب النفس وامثالها وان يخلص نفسه لله ويتضرع اليه لسلوك هذا السبيل وان احسّ من نفسه ان لا يطيق ذلك ولا يليق بها وان غيره اليق قدّمه على نفسه وكذلك كان دأب الفقهاء الصالحين الكاملين (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).
    ثم انه بعد ما عرفت ثبوت الولاية المطلقة للفقيه لا بد من التكلم في ان الولاية بهذا المعنى هل يشترط فيها الأعلمية او انها ثابتة لمطلق الفقيه؟
    والظاهر هو الثاني وذلك لان الوجوه التي اقيمت على اعتبار الأعلمية في باب التقليد من الاصل والأدلة ـ وقد تقدّمت ـ لا تأتي هنا.

    فان اصالة عدم حجية قول غير الأعلم فيما اذا دار الامر بين التخيير والتعيين في باب الحجج المقتضية لاعتبار الأعلمية انما تختص بباب الفتوى والتقليد وكذلك السيرة العقلائية التي اعتمدنا عليها للزوم الرجوع الى الأعلم في باب التقليد انما يختص بباب رجوع الجاهل الى العالم المرتبط بالتقليد هذا من جهة ومن جهة اخرى ان الأدلة القائمة على ولاية الفقيه ـ حسب ما قدّمناها ـ ليس في شيء منها الدلالة بل ادنى الاشارة الى اعتبار الأعلمية في الولاية ولذلك لم يلتزم به الاصحاب ايضا. (1)
    وقال صاحب الجواهر رحمه‌الله تعالى في كتاب القضاء : بعد ذهابه الى عدم لزوم تقليد الأعلم والاستدلال عليه (وقد مرّ في بابه) بل لعل اصل تأهل المفضول وكونه منصوبا يجري قبضه وولايته مجرى قبض الافضل من القطعيات التي لا ينبغي الوسوسة فيها خصوصا بعد ملاحظة نصوص النصب الظاهرة في نصب جميع الموصوفين بالوصف المزبور لا الافضل منهم. (2)
    وقال الشيخ الانصاري «ره» : سائر مناصب الحاكم كالتصرف في زمان الامام وتولّي امر الأيتام والغيّب يثبت للمفضول فان الأعلمية لا تكون مرجحا في مقام المنصب وانما هو مع الاختلاف في الفتوى. (3)
    وقال السيد المجاهد اعلى الله تعالى مقامه في مفاتيح الاصول في بحث تقليد الأعلم : التاسع هل حكم غير الاستفتاء والترافع من سائر ما يشترط
    __________________
    (1) نعم قد وقع بينهم الخلاف في باب القضاء ايضا واعتبر جمع منهم الاعلمية فيه واختار المحقق في الشرائع عدمه وهو الاظهر.
    (2) الجواهر ج 40 ص 44.
    (3) رسالة الاجتهاد والتقليد ص 81.

    في مباشرته الاجتهاد حكمها فيجب اعتبار الأعلم اولا؟ لم اجد نصّا في هذا الباب لأحد من الاصحاب ولكن ظاهر اطلاق كلامهم في بعض المقامات عدم اشتراط ذلك. (1)
    ويظهر من كلام العلامة الرشتي في رسالته في تقليد الأعلم ايضا ثبوت هذه المناصب للمفضول حيث قال :
    الثالث عشر : هل يثبت للمفضول مع وجود الافضل سائر الولايات فيتصرف في مال المجنون ويكون له القيمومة للايتام والغائب ويتصرف في مال الامام عليه‌السلام والزكوات والاوقاف العامة ونحوها من الوجوهات الراجعة الى المجتهد ام لا؟ قال في المفاتيح : لم اجد نصا فى هذا الباب لاحد من الاصحاب لكن ظاهر اطلاق كلامهم في بعض المقامات عدم الاشتراط. انتهى.
    ويمكن المناقشة فيه لو لم يكن في ادلتها اطلاق بأن الاقتصار في القدر الخارج عن تحت الاصول على المتيقن يقتضي الاشتراط لكن يمكن دفعها بعد الغضّ عن الاطلاق بان الغرض الواضح والمناط اللائح في جعل هذه الولايات ما يتعلق بامر المعاش كرفع الضرر وحفظ النظام عن التشويش وايصال الحقوق الى اربابها ونحو ذلك مما يناسب كل مقام منها فلذا لا يعتبر في مباشرتها سوى الأمانة والدّيانة واما زيادة العلم ونقصانه فمما لا عبرة بهما ولا فائدة في اشتراطها فيها بل لو لا الإجماع لأمكن المناقشة في اعتبار اصل العلم فيجوز لكل عدل مباشرة هذه الامور كما ورد به بعض الروايات في خصوص التصرف في مال اليتيم في مثل قوله ان كان مثلك ومثل
    __________________
    (1) ص 632.

    عبد الحميد فلا بأس.
    نعم لا يبعد اختصاص الولاية بالافضل اذا كان المصرف من الخلافيات بين الاصحاب كمصرف مال الامام عليه‌السلام فان فيه شائبة الفتوى والتقليد كما لا يخفى هذا مع احتمال اختصاصها به مطلقا نظرا الى كون الافضل واعلم العصر هو اللائق بهذه المناصب الجليلة من قبل الامام عليه‌السلام الّا ان الأول اقوى ولكن الاحتياط مرعى على كل حال انتهى. (1)
    ثم ان الآية الخوئي قدس الله رمسه بعد اختياره عدم الولاية المطلقة للفقيه وان ليس له الّا الولاية في الامور الحسبيّة ـ وقد تقدم ضعفه على ما بيّناه ـ افتتح البحث في ان ولاية الفقيه بالمعنى المتقدم هل يشترط فيها الأعلمية او انها ثابتة لمطلق الفقيه؟ وقال :
    فنقول : امّا الأعلمية المطلقة التي هي المعتبرة في باب التقليد فلا يحتمل اعتبارها في المقام فان لازم ذلك ان تكون الولاية على مجهول المالك ومال الغيب والقصر من المجانين والايتام والاوقاف التي لا متولّي لها والوصايا التي لا وصي لها وغيرها من الامور الحسبية في ارجاء العالم كله راجعة الى شخص واحد.
    ومن المستحيل ـ عادة ـ قيام شخص واحد عادي للتصدي بجميع تلك الامور ـ على كثرتها ـ في الأماكن المختلفة من الربع المسكون فان الولاية كالخلافة فلا بد فيها من الرجوع الى الأعلم من جميع النقاط والقيام بها امر خارج عن طوقه كما ان المراجعة من ارجاء العالم في الامور الحسبية الى شخص واحد في مكان معين من البلدان غير ميسورة للجميع.
    __________________
    (1) رسالة تقليد الأعلم للعلامة الرشتي ص 103 ـ 104.

    على ان الأعلمية المطلقة لو كانت معتبرة في الولاية ـ بالمعنى المتقدم ـ لكان من اللازم ان يشار الى اعتبارها في الأخبار الواردة عنهم عليه‌السلام ويوصل الينا يدا بيد واشتهر وذاع ولم يرد ادنى اشارة الى اعتبارها في الروايات ولم يلتزم به الاصحاب فاعتبار الأعلمية المطلقة غير محتمل بتاتا.
    واما الأعلمية الاضافية كاعلم البلد وما حوله من النقاط التي يمكن الرجوع منها الى ذلك البلد في تلك الامور فالمشهور بين الأعلام ايضا عدم اعتبارها في الولاية بل ادعى ظهور الإجماع عليه في بعض الكلمات.
    الّا ان الصحيح هو القول بالاعتبار وذلك لعين ما قدمناه في اشتراط اذن الفقيه في التصدي للامور الحسبية وحاصل ما ذكرنا في وجهه ان مقتضى القاعدة عدم نفوذ تصرف احد في حق غيره للاستصحاب او اصالة الاشتغال كما مرّ الّا ان الامور المذكورة لمّا لم يكن بدّ من تحققها في الخارج وكان من الضروري ان يتصرف فيها متصرف لا محالة دار الامر بين ان يكون المتصرف النافذ تصرفه فيها اعلم البلد وان يكون غيره من الفقهاء ، والأعلم الاضافي هو القدر المتيقن ممن يحتمل جواز تصرفه في تلك الامور.
    وكذلك الحال في التصرف في سهم الإمام عليه‌السلام لانه وان كان معلوم المالك وهو الامام عليه‌السلام الّا انه من جهة عدم التمكن من الوصول اليه ملحق بمجهول المالك نظير سائر الأموال المعلوم مالكها فيما اذا لم يمكن الوصول اليه وقد تقدم ان القدر المتيقن ممن يجوز تصرفاته في تلك الموارد هو الأعلم اما مطلقا كما في سهم الامام عليه‌السلام وغيره مما لا مانع من الرجوع فيه الى الأعلم مطلقا واما بالإضافة الى البلد كما في الولاية لعدم التمكن فيها من الرجوع الى الأعلم المطلق كما مرّ.

    فعلى ما بيّناه اعتبار الأعلمية الاضافية لو لم يكن اقوى فلا ريب انه احوط (1) وفي كلامه مواقع للنظر.
    اما اولا : فلأن الوجه الذي ذكره لعدم اعتبار الأعلمية المطلقة في الولاية على الامور الحسبيّة وهو الاستلزام للمحال حيث قال : «ومن المستحيل عادة قيام شخص واحد عادي للتصدي بجميع تلك الامور ـ على كثرتها في الأماكن المختلفة من الربع المسكون» جار في الولاية المطلقة للفقيه بنحو اشدّ وآكد لكون الأول محصورا في الامور المعدودة الجزئية كالتصرف في اموال الغيب والقصر وامّا الثاني اي الولاية المطلقة فهي وسيعة جدا بحيث تشمل جميع الامور السياسية والثقافية والاقتصادية والتربوية وغيرها لجميع المسلمين في ارجاء العالم وعدم امكان التصدي لشخص واحد لجميع تلك الامور واضح فهي مستحيلة بنسبة اكثر وحينئذ لا معنى لأن يكون الشيء المستحيل موردا للبحث والاختلاف بين الفقهاء فيذهب طائفة الى ثبوت الولاية المطلقة للفقيه وطائفة الى عدمه.
    وعليه فما ذكره دليلا لعدم اعتبار الأعلميّة المطلقة في الولاية على الامور الحسبية غير تام والسر في ذلك انه ليس مقتضى الولاية على الشيء التصدي بنفسه لذلك الشيء بل يكفي كون ادارة ذلك الشيء بنظره مع نصب النائب والوكيل واستيجار الاجير لادارته كما هو المعمول به في الامور فالنبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع كونه واليا على جميع امور الامة لم يكن مباشرا بنفسه كل الامور ولا يتصدى لها بنفسه وكان ينصب الاشخاص للقضاء وامر الجهاد واخذ الزكوات وتوزيعها وغير ذلك وهكذا امير المؤمنين عليه‌السلام في زمن
    __________________
    (1) التنقيح ج 1 ص 425 ـ 427.

    حكومته.
    ومن العجيب انه جعل في كلامه التصرف في سهم الامام عليه‌السلام لأعلم من في الارض مطلقا ـ لا الأعلم بالاضافة الى البلد ـ وحينئذ يسأل عنه هل يمكن للشخص الواحد التصرف في سهم امام جميع العالم بنفسه والتصدي له بنفسه؟ وما يجيب هو الجواب عما ذكره واما ثانيا : فلان مقتضى اطلاق الأدلة الدالة على ولاية الفقيه ـ على ما تقدم ـ ثبوتها للفقيه بما هو فقيه واحتمال اعتبار الأعلمية ولو الاضافية مما يدفعه الاطلاق المذكور.
    وثالثا : ان ما ذكره في نفي اعتبار الأعلمية المطلقة في الولاية من انها لو كانت معتبرة لكان من اللازم ان يشار الى اعتبارها في الأخبار الواردة عنهم ولوصل الينا يدا بيد واشتهر وذاع ولم يرد ادنى اشارة الى آخر ما ذكره يأتي في الأعلمية الاضافية ايضا فإنها ايضا لو كانت معتبرة لكان من اللازم أن يشار الى اعتبارها في الأخبار الواردة عنهم عليهم‌السلام مع انه لم يرد أيّ اشارة الى ذلك فاعتبار الأعلمية الاضافية ايضا غير محتمل قطعا فما ذهب اليه قدس‌سره من اعتبار الأعلمية الاضافية غير تامّ.
    فظهر مما ذكرنا ان ولاية الفقيه لا يختص بالامور الحسبيّة وان الولاية المطلقة ثابتة من دون اعتبار الأعلمية المطلقة او الاضافية فمنصب الولاية على المسلمين ـ على شمولها ـ من الامور السياسية والثقافية والتربوية والاقتصادية وغيرها من مرافق الحياة التي يحتاج مجتمع المسلمين اليها وفي ظلها يحصل لهم العزة والتكامل ثابتة للفقيه ومنصب القضاء ايضا كذلك على الاظهر وامّا منصب الافتاء للتقليد يختص بالأعلم من الفقهاء كما بيّناه واليك شطرا من مواردها مضافا الى ما ذكر :

    1 ـ له التصرف في الأنفال وتصرفات غير الفقيه ـ ايّ تصرف كان ـ منوطة بنظره.
    2 ـ له اجراء الحدود.
    3 ـ له اقامة الجمعة على القول باشتراط انعقادها بنظر الفقيه.
    4 ـ له التصدي لبعض مراتب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يحتاج الى نظر الفقيه.
    5 ـ له الحكم على ثبوت هلال رمضان وشوال وعيد الأضحى وغيرها.
    6 ـ له نصب امير للحجاج في كل سنة يتولى تنظيم شئون الحجاج.
    7 ـ له تطليق زوجة المفقود بعد الفحص عنه اربع سنين وهكذا.
    فكل هذه الامور من شئون الفقيه ومن المعلوم عدم انحصارها فيها ايضا ولكن اللازم على الفقهاء العظام اعلى الله كلمتهم السعي البليغ في وحدة الكلمة والمشاورة في سبيل تنظيم برنامج على اساس جامع وكامل لئلا تصطدم الأنظار والآراء فيحصل الخلل والفتور في امور الاجتماع فكما ان المرجعية للتقليد ثابتة للفقهاء الصّائنين لأنفسهم الحافظين لدينهم المخالفين على هواهم المطيعين لأمر مولاهم كذلك الولاية تكون ثابتة للفقهاء المتصفين بهذه الأوصاف.

    الأقوى جواز البقاء على تقليد الميّت ولا يجوز تقليد الميّت ابتداء (1) وهل يجوز تقليد الميّت؟
    والكلام فيه يقع في مقامين :
    الأول : في التقليد الابتدائي.
    الثاني : في البقاء على تقليده.
    وامّا الكلام في المقام الأول فالأقوال فيه ثلاثة.
    القول الأول : عدم الجواز مطلقا.
    ذهب اليه العلامة في الإرشاد والتهذيب والقواعد والنهاية والشهيد في الذكرى والشهيد الثاني في المسالك (2).
    وفي تقريرات درس الشيخ الأعظم الأنصاري : القول بعدم الجواز هو المعروف عند الإماميّة وهو الذي دعت جماعة من أجلّاء الأصحاب إلى نفي
    __________________
    (1) العروة المسألة 9 من فصل الاجتهاد والتقليد.
    (2) مفاتيح الاصول ص 618.

    الخلاف أو دعوى الإجماع عليه فعن شرح الألفيّة للمحقق الثاني لا يجوز الأخذ عن الميّت مع وجود المجتهد الحيّ بلا خلاف بين علماء الإمامية وعن المسالك قد صرّح الأصحاب في كتبهم المختصرة والمطوّلة وفي غيرهما باشتراط حياة المجتهد في جواز العمل بقوله ولم يتحقق إلى الآن في ذلك خلاف ممن يعتدّ بقوله من اصحابنا (1) وبالجملة لا يخفى على المتتبّع ان كلمات الأوائل والأواسط متفقة في منع العمل بقول الميت وان القول به من خصائص العامّة وان الشيعة قد امتازت بالقول بتوقف حفظ نظام الأحكام عن الاندراس في عصر الغيبة واجرائها على مقتضيات الأزمنة والعصور على وجود فقهاء احياء امناء على الحلال والحرام عرفاء بزمانهم ليكونوا مرجعا للشيعة وملاذا لهم وحفّاظا على الشريعة وكفلاء لأيتام آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنقطعين عن إمامهم وملاذهم فهذا من خصائصهم وامتيازاتهم بحيث يعدّ من مفاخرهم وقال الشيخ الأعظم الأنصاري في ضمن كلامه في المقام : واعتراف بعض الأعاظم بأنه بعد الفحص الأكيد لم يطلع على الخلاف بين الأصحاب المجتهدين في الأوائل والأواسط يفيد القطع بوجود دليل عند القدماء متفق عليه بينهم في الحجية ... فهذه الإجماعات من الحجج في المسألة. (2)
    القول الثاني : الجواز مطلقا ذهبت إليه العامة ومن ثمّ قلّدوا اشخاصا معينين في طيّ القرون والأعصار وتشعّبوا الى الحنفيّة والمالكيّة والشافعيّة والحنبليّة ولهذا يعدّ جواز تقليد الميّت من خصائصهم.
    ونسب هذا القول إلى الأخباريين من اصحابنا أيضا ومنهم امينهم
    __________________
    (1) مطارح الأنظار ص 256.
    (2) مطارح الأنظار ص 284 وسيأتي البحث في الإجماع في المسألة.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

     مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه     مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه  Emptyأمس في 2:35 pm

    المحدّث الأسترآبادي والمحدّث الكاشاني في محكي السفينة وفي مفاتيحه ظاهرا والسيد الجزائري ووافقهم المحقق القمي من المجتهدين في جامع الشتات وسنبيّن ان مخالفة الأخباريين والمحقق القمي في المسألة ليست مخالفة في اصل المسألة (عدم جواز تقليد الميّت) بل هي مبتنية على مسلكهما الخاصّ.
    القول الثالث : التفصيل بين وجود المجتهد الحيّ وعدمه ففي الثاني يجوز تقليد الميت نقله فخر المحققين عن والده وهو المحكى عن الأردبيلي والشيخ سليمان البحراني والشيخ علي بن هلال ولعله ليس تفصيلا في المقام فان الكلام انما هو في الجواز عند التمكن من استعلام الواقعة من الحي (1)
    ولنذكر ادلة الطرفين حتى يتضح الحق الحقيق بالقبول.
    فنقول : وقد استدل القائلون بعدم الجواز على وجوه.
    الأول : الإجماع ، وقد نقلنا شطرا من كلماتهم الدالة على كون المسألة اجماعيّة في ضمن نقل القول الأول في المسألة وبالجملة لا ترديد في ثبوت الإجماع في محل البحث وقد قال الشهيد الثاني في المسالك ولم يتحقق الى الآن خلاف ممّن يعتد بقوله من اصحابنا ، فالفقهاء من معاشر الامامية قد توافقوا في طول الأعصار والقرون على المنع من تقليد الميت ابتداء ومخالفة الأخباريين والمحقق القمّي الحادثة في الأزمنة المتأخرة لابتنائها على مسلكهما الخاص لا تعد مخالفة في المسألة وامّا الأخباريون فترخيصهم في العمل بقول الميت انما يبتني على مسلكهم من انكار مشروعية التقليد وان رجوع العامي الى المجتهد انما هو من باب الرجوع إلى رواة الأحاديث وليس شأن المجتهد عندهم الّا نقل الحديث ومن المعلوم ان حجّية الرّواية لا تتوقف على
    __________________
    (1) مطارح الأنظار ص 256.

    حياة الراوي.
    وامّا المحقق القمّي فمذهبه انسداد باب العلم والعلمي بالأحكام والاحتياط متعذر على المكلفين والعقل يتنزّل مع تعذر العمل بالاحتياط الى العمل بالظن والظنّ لا يفرّق فيه بين حصوله من فتاوي العلماء الأحياء ومن فتاوي امواتهم ، وعليه فمخالفته في المسألة مبتنية على هذا المبنى الغير السديد.
    ثم ان المحقق القمّي قد ناقش في الإجماع في المسألة وقال في القوانين :
    ان دعوى الإجماع في المسألة الاصوليّة سيّما مثل هذه المسألة في غاية البعد لعدم تداولها بين اصحاب الأئمة عليهم‌السلام وانما هي من المسائل الحادثة ويشبه ان يكون منشأ حدوث التكلم فيه هو اجماع العامة على متابعة الأئمة الأربعة. (1)
    واليه نظر الشيخ الأعظم الأنصاري حيث إنه بعد نقل الإجماعات من الفقهاء في مسألة عدم جواز تقليد الميّت ابتداء قال : فهذه الإجماعات تعدّ من الحجج في المسألة ثم قال كل ذلك مع الاعتراف بكون مسألتنا هذه اعني وجوب تقليد الحي عينا من المسائل الاصوليّة والحق إنها مسألة فرعية لأنها ممّا ينتفع به المقلد على تقدير كونها من القطعيات ولا ينتفع بها في الاجتهاد اصلا ورأسا وقد تقرر في غير موضع انّه المعيار في تمييز مسائل الاصول عن الفروع فلا عذر لمن أنكر حجّية هذه الإجماعات مع كونه ممّن يقول بحجيتها (2) انتهى.
    __________________
    (1) قوانين الأصول ج 2 ص 263.
    (2) مطارح الأنظار ص 284.

    ويمكن الإيراد على كلام الشيخ الأعظم بأن وجوب التقليد ـ بهذه العبارة ـ وان كان من المسائل الفرعية ولكنه يرجع إلى المسألة الأصوليّة وهي حجيّة قول الميّت وعدمها ولا ريب ان البحث عن الحجج من خواص المسألة الأصوليّة فالمسألة المبحوث عنها مسألة اصولية ذاتا.
    ويرد على المحقق القمي ان كون المسألة اصوليّة لا يمنع عن تحقق الإجماع فيها وذلك كمسألة حجية الخبر الواحد ومسألة حجية ظاهر الكتاب فانه من الأدلة التي اقاموها على حجيتهما هي الإجماع والإجماع اعمّ من القولي والعملي فكما ان المسألة إذا كانت فرعية ومرتبطة بعمل المكلف يمكن تحقق الإجماع فيها كذلك إذا كانت المسألة مرتبطة بالطرق والحجج يمكن فيها تحقق الإجماع الكاشف عن رأي المعصوم عليه‌السلام وقد قلنا سابقا : إن الإفتاء والاستفتاء والتقليد كان متداولا في زمن الأئمة عليه‌السلام أيضا فمسألة الإفتاء والتّقليد ليست من المسائل الحادثة.
    وبالجملة ان هذه المسألة اي مسألة جواز تقليد الميّت ابتداء وعدمه ليست كمسألة جواز تقليد غير الأعلم وعدمه لأن الاختلاف فى الثانية ـ كما ذكرنا سابقا ـ موجود بين فقهائنا والاصوليّين وقد ذهب صاحب الجواهر وصاحب المفاتيح والنراقي وصاحب الفصول والعلامة الكني إلى جواز تقليد غير الأعلم وامّا المسألة الأولى فلا خلاف فيها بيننا كما قلنا والإجماع فيها بمكانة من الاعتبار ولذا كانت عمدة المستند لعدم جواز تقليد الميت ابتداء هو الإجماع.
    قال المحقّق الشيخ ضياء الدّين العراقي بعد نقل الإجماعات : ففي هذه الإجماعات كفاية في حكم المسألة وسقوط ما يتصور في المقام من

    الاستصحابات الجارية أو المتوهم جريانها بتقريبات مختلفة من استصحاب حجية الفتوى (اي فتوى الميّت) تارة ووجوب العمل على طبقها اخرى واستصحاب الأحكام الظاهرية من نحو وجوب السورة في الصلاة وحرمة العصير العنبي ووجوب القصر في الثمانية الملفّقة من الذهاب والإياب وغيرها بنحو التنجيز أو التعليق على وجود المكلف أو الأخذ أو البلوغ ونحوها من انحاء التعليق فإن العمدة في سقوط هذه الأصول إنما هو هذا الإجماع والّا فلا قصور في جريانها ولو ببعض تقريباتها كما نشير اليها في المسألة الآتية ولا ينتهي النوبة مع جريانها إلى اصالة عدم الحجية لأن جريانها موقوف على عدم جريان هذه الأصول الشرعية والّا كان هي المعول عليها دونها بل لو لا هذا الإجماع يشكل تعين مرجعية المجتهد الحي مطلقا حتى في فرض كون الميت اعلم فضلا عمّا لو كان فتواه موافقة للمشهور أو الاحتياط فان في مثله يمكن دعوى حكم العقل بتعيّن الأخذ بفتوى الميت لأقربيّتها الى الواقع ولكن اطلاق معاقد اجماعاتهم على عدم جواز تقليد الميّت ابتداء يمنع عن ذلك كله فإذا العمدة في المسألة هو الإجماع ، وبه كفاية والله العالم (1).
    ولكن ناقش في الإجماع الآية الخوئي ـ على ما في تقريرات درسه ـ بقوله : وفيه ان الإجماع المدّعى على تقدير تحققه ليس اجماعا تعبديّا قابلا لاستكشاف قول المعصوم عليه‌السلام به كما إذا وصل اليهم الحكم يدا بيد عنهم عليهم‌السلام لاحتمال ان يستندوا في ذلك إلى أصالة الاشتغال أو إلى ظهور الأدلة في اشتراط الحياة فيمن يجوز تقليده أو غير ذلك من الوجوه ومعه لا يمكن
    __________________
    (1) نهاية الأفكار القسم الثاني من الجزء الرابع ص 259.

    الاعتماد على إجماعهم لوضوح ان الاتفاق بما هو كذلك لا اعتبار به وانما نعتبره اذا استكشف به قول المعصوم عليه‌السلام (1).
    وفيه ان الظاهر من كلماتهم جيلا بعد جيل كون هذا الاتفاق في قبال المخالفين المستمر عملهم على تقليد الأموات بحيث يقطع بانتهاء الأمر في ذلك اليهم من رئيسهم المعصوم ولذلك صار من خصائص الشيعة وامتيازاتهم فلو كان منشأ الإجماع ما ذكره من الاستناد إلى اصالة الاشتغال أو إلى ظهور الأدلة في اشتراط الحياة لكان اللازم انعقاد الإجماع على القول بلزوم تقليد الأعلم أيضا لوجود اصالة الاشتغال ومثلها من الأدلة الأخرى فى مسألة تقليد الأعلم واحتمال دخالة الأعلمية في حجية الفتوى ليس باقلّ من احتمال اعتبار الحياة مع ان جمعا من فحول الفقهاء والاصوليين كصاحب الجواهر وصاحب الفصول والنراقي وصاحب المفاتيح والعلامة الكني قد ذهبوا إلى جواز تقليد غير الأعلم كما ذكرنا ويدل على صحة ما ذكرناه إنه «قده» قد اعترف بكون الإجماع دليلا في الجواب عن استصحاب جواز تقليد الميّت الذي هو احد ادلة القائلين بجواز تقليده في بحث اصوله حيث قال : إن الاستصحاب انّما يجري عند عدم الدليل وقد دل الدليل على اشتراط الحياة في المفتي وهو امران.
    الأوّل : الإجماع المدعي في كلمات جماعة من الأكابر كالشهيد وامثاله ولا يخفى انه لا تضرّ بدعوى الإجماع في المقام مخالفة المحقق القمي والأخباريين ...
    الثاني ان الآيات والروايات الدالة على حجية فتوى المجتهد ظاهرة
    __________________
    (1) التنقيح ج 1 ص 104.

    فى اعتبار الحياة في المفتي (1)
    الثاني : من الأدلة التي أقاموها على عدم جواز تقليد الميّت هو الأصل.
    والمستفاد من كلماتهم في تقريبه وجهان :
    أحدهما : ان الأمر في المقام دائر بين التّعيين والتّخيير بان المقلد امّا يتعين عليه تقليد الحي أو يتخير بينه وبين تقليد الميّت وإذا دار الأمر بينهما في باب الحجّية يكون المرجع اصالة التّعيينيّة لأن الأصل عدم حجية ما يشكّ في حجيته وحينئذ فقول الحي مسلّم الحجية لخروجه عن تحت اصالة حرمة العمل بالظن. وامّا قول الميّت فيشك في حجيته ويبقى تحت الأصل المذكور والأصل بهذا التقريب يستفاد من كلام الشيخ الأنصاري في مطارح الأنظار ورسالته في الاجتهاد والتقليد (2) وكلام صاحب الفصول (3) والمحقّق الخراساني في الكفاية (4) والإمام الخميني في رسالته في الاجتهاد والتقليد (5).
    وثانيهما : أصالة الاشتغال بتقريب ان الذمة قد اشتغلت باحكام الله تعالى الواقعية للعلم الحاصل بها الموجب لتنجّزها ولا يحصل الخروج عن عهدتها يقينا الّا بتقليد الحي لأن تقليد الميت موضع خلاف بينهم واستند
    __________________
    (1) مصباح الاصول ج 3 ص 461.
    (2) مطارح الأنظار 285 ورسالة الشيخ في الاجتهاد والتقليد ص 59 وفي الاول هذا احد التقريرين للاصل والتقريب الآخر هو اصل الاشتغال ولكنه في الثاني اقتصر على هذا التقريب فقط.
    (3) الفصول ص 415.
    (4) الكفاية ج 2 ص 441.
    (5) رسالة الإمام ص 150.

    الى هذا التقريب للأصل المحقق الأصفهاني حيث قال :
    «هذا من غير فرق بين كون الميت اعلم من الحي لانّا لم نحكم بالاقتصار على الحي من جهة اقربية قوله الى الواقع بل من جهة عدم اليقين ببراءة الذمة بتقليد الميت» (1)
    وهذا التقريب للأصل قد وقع في كلام الشيخ الأعظم الأنصاري وصاحب الفصول ايضا مضافا إلى التقريب الأول.
    وفي الجمع بين التقريبين مما لا يخفى من الاشكال لأنه مع جريان الأصل بالتقريب الأول لا تصل النوبة اليه بالتقريب الثاني لحكومة الاستصحاب على اصل الاشتغال ـ وان كانا متوافقين ـ وورود أصالة حرمة العمل بالظن عليه.
    وينبغي ان يعلم ان الأصل المذكور بكلا تقريبيه انما يتم لو لم يجر استصحاب جواز تقليد الميّت من حال حياته إلى بعد مماته تنجيزا أو تعليقا كما هو احد الأدلة عند القائلين بجواز تقليد الميت وسيأتي والّا فيقدم الاستصحاب المذكور على هذا الأصل حكومة لارتفاع موضوعه بجريان الاستصحاب فان الموضوع في جريان الأصل بالتقريب الأول هو الشك في الحجية وبجريان الاستصحاب المذكور يرتفع الشك تعبّدا.
    والتقريب الثاني لجريان اصالة الاشتغال وحكومة الاستصحاب عليها أيضا واضحة وقد قال الشيخ في تقريراته في المقام ولا وارد على هذه الأصول من الأدلة سوى الاستصحاب (2) وظواهر الأخبار والآيات التي قد
    __________________
    (1) رسالته في الاجتهاد والتقليد ص 15.
    (2) لعل تعبيره بالورود من أجل ورود الاستصحاب عليها عنده.

    يتمسّك بها في جواز اثبات التقليد (1) وستعرف فساد الاستدلال بها (2)
    الثالث : إن الأدلة الدالة على حجية الفتوى من الآيات والروايات ظاهرة في كون المرجع والمفتى حيّا وذلك كآيتي السؤال والنّفر فان لفظ اهل الذكر ظاهر في كون المسئول عنه حيّا وكذا كلمة المنذر ظاهرة في ارادة انذار المنذر الحيّ.
    وما في الروايات من تعبير : الفقهاء ورواة الحديث والعارف بأحكامهم والناظر في حلالهم وحرامهم : ظاهر في المتصفين بهذه الأوصاف فعلا بحسب نظر العرف والعرف يراه ظاهرا في الأحياء.
    وظهور الأخبار الآمرة بالرجوع إلى اشخاص معينين أيضا في ارادة الأحياء مما لا خدشة فيه اذ لا معنى للإرجاع إلى الميت.
    ويرد عليه ان ظهور هذا القبيل من الألفاظ في الرجوع إلى المتصفين بهذه الأوصاف فعلا ـ وهم الأحياء من المجتهدين عرفا ـ مما لا ينكر الّا إنه لا يستفاد منها حصر الحجية في فتوى الحي من المجتهدين وعدم حجية فتوى امواتهم والذي ينفع المستدل هو الثاني (أي حصر الحجية في فتوى المجتهد الحي).
    وعليه فالفرق بين هذا الدليل والدليل الأول والثاني لهذا القول واضح إذ مقتضى الإجماع والأصل المذكورين هو عدم حجية فتوى الميت ومقتضى هذا الدليل هو حجية الحي لا عدم حجية فتوى الميت الذي هو المدّعى والمطلوب.
    واستدل للقول بجواز تقليد الميّت بوجهين :
    __________________
    (1) أي تقليد الميت.
    (2) مطارح الأنظار ص 285.

    الأول : الاستصحاب وتقريره من وجوه.
    1 ـ تقريره بالنسبة الى المفتي فيقال : إن حجية رأيه حال حياته كانت قطعية فتستصحب إلى ما بعد مماته.
    2 ـ تقريره بالنسبة إلى المستفتي فيقال كان يجوز تقليده والأخذ برأيه حال حياته فيستصحب إلى ما بعد مماته.
    3 ـ تقريره بالنسبة إلى حكم الواقعة المستفتى فيها فيقال كان العصير العنبي مثلا حلالا أو كان قصر الصلاة فيما إذا سافر أربعة فراسخ ولم يرجع ليومه واجبا في حال حياته فيستصحب إلى ما بعد مماته وكل من هذه الثلاثة يكون تنجيزيّا تارة وتعليقيّا اخرى فان كان الجاهل مدركا للمجتهد الميت مع كونه مكلفا كان استصحاب جواز تقليده تنجيزيا وان كان الجاهل المدرك له صبيّا في زمان حياته أو مجنونا مثلا وحتّى معدوما ، كان الاستصحاب المذكور تعليقيا.
    وقد اورد عليه المحقّق الخراساني في الكفاية بأنه لا مجال له لعدم بقاء موضوعه عرفا لعدم بقاء الرأي معه فانه متقوّم بالحياة بنظر العرف وان لم يكن كذلك واقعا حيث ان الموت عند اهله موجب لانعدام الميت ورأيه ولا ينافي ذلك صحة استصحاب بعض احكام حال حياته كطهارته ونجاسته وجواز نظر زوجته اليه فان ذلك انما يكون فيما لا يتقوّم بحياته عرفا بحسبان بقائه ببدنه الباقي بعد موته وان احتمل ان يكون للحياة دخل في عروضه واقعا وبقاء الرأي لا بدّ منه في جواز التقليد قطعا ولذا لا يجوز التقليد فيما إذا تبدّل الرأي أو ارتفع لمرض أو هرم إجماعا.
    وبالجملة يكون انتفاء الرأي بالموت بنظر العرف بانعدام موضوعه

    ويكون حشره في القيامة انّما هو من باب اعادة المعدوم وان لم يكن كذلك حقيقة لبقاء موضوعه وهو النفس الناطقة الباقية حال الموت لتجرّده وقد عرفت في باب الاستصحاب ان المدار في بقاء الموضوع وعدمه هو العرف فلا يجدي بقاء النفس عقلا في صحة الاستصحاب مع عدم مساعدة العرف عليه وحسبان اهله انها غير باقية وانّما تعاد يوم القيامة بعد انعدامها فتأمل جيدا.
    لا يقال : نعم الاعتقاد والرأي وان كان يزول بالموت لانعدام موضوعه الّا ان حدوثه في حال حياته كاف في جواز تقليده في حال موته كما هو الحال فى الرواية.
    فإنه يقال : لا شبهة في انه لا بدّ في جوازه من بقاء الرأي والاعتقاد ولذا لو زال بجنون وتبدل ونحوهما لما جاز قطعا كما اشير اليه آنفا انتهى. (1)
    ويظهر هذا الإشكال على الاستصحاب من مطارح الأنظار ايضا (2) وزاد عليه في الفصول بان اكثر معتقدات المجتهد ظنيّة وبعد الموت ينكشف له الواقع فلا يبقى له ظن لانه يحصل له العلم بعد الموت بحقيقة الحال امّا مطابقا لما ظنّه في حال حياته أو مخالفا له (3) ويظهر مما ذكره العلامة الشيخ محمد حسين الأصفهاني في رسالته في الاجتهاد والتقليد ارتضائه بهذا الإشكال حيث قال : لا مانع عقلا من استصحاب جواز التقليد نعم ، الحي
    __________________
    (1) الكفاية ج 2 ص 241 ـ 243 وحاصل كلامه ان الملاك في موضوع الاستصحاب هو العرف لا العقل وبين اللحاظين عموم من وجه والمقام من قبيل ما كان الموضوع باقيا عقلا ومنتفيا عرفا.
    (2) مطارح الأنظار ص 290.
    (3) الفصول ص 415.

    والميّت بنظر العرف متباينان والحشر في نظر العرف من باب اعادة المعدوم فالموضوع غير باق جزما (1) ويظهر الارتضاء بهذا الإشكال من الآية الخوئي ايضا. (2) ويرد عليهم باجمعهم بأن مرادهم من العرف ان كان عرف المتشرعة التي يهتمّون بالتقليد ويرونه لازما عليهم فهم لا يرون الموت انعداما فان رؤية الموت انعداما لا تجتمع مع الاعتقاد بالإسلام لانّ هذا الدّين الحنيف في سبيل سوق الإنسان إلى مراحل كماله قد أوجد تحوّلا في ادراك الإنسان واعتقاده ومعرفة الإنسان بنفسه ومنزلته ومقامه ثم في معرفته للموت وأمّا التحوّل بالإضافة إلى شخص الإنسان فبيّن له وبرهن عليه في مئات من آيات كتاب الله العزيز وأحاديث نبيّه الأقدس واهل بيته الأطهار عليهم‌السلام بان حقيقة الإنسان وأصله ليس الّا روحه وان البدن بجميع جوارحه وأعضائه ليس الّا الأدوات والآلات فالإنسان يتكلم بلحم وينظر بشحم ويسمع بعظم ويتنفّس من خرم ولكن اللّحم والشحم والعظم والخرم كلها كسائر الأجهزة والأعضاء ليست إلّا الآلات والمتكلم والمدرك والمريد والسامع والعالم والفقيه هو الإنسان بروحه ونفسه.
    وبان الموت ليس انعداما وفناء وانما هو الانتقال من نشأة إلى نشأة اخرى وقد اشير الى ذلك في القرآن بتعابير مختلفة : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها)(3)
    (وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ
    __________________
    (1) رسالة المحقق الاصفهاني في الاجتهاد والتقليد ص 16.
    (2) التنقيح ج 1 ص 102 ومصباح الاصول ج 3 ص 458.
    (3) سورة الزمر الآية 42.

    الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ)(1)
    (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ)(2)
    (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ)(3)
    (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)(4)
    والمستفاد من الروايات ان الموت يوجب قوّة ادراكه وحدّة بصره وزوال غفلته وجهالته قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا» وقد تكلّم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع المشركين من قتلى بدر بقوله : «إنّي قد وجدت ما وعدني ربّي حقا فهل وجدتم ما وعدكم ربّكم حقّا؟» ، فقالوا له إنّك تكلّم الموتى! فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «هم اسمع منكم» كما انه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد دفن فاطمة بنت اسد قد نفض يده من تراب القبر ثم قال : «والذي نفس محمد بيده لقد سمعت فاطمة تصفيق يميني على شمالي».
    وبالجملة الروايات المعتبرة الدالة على بقاء الإنسان وشعوره وادراكه بعد موته كثيرة جدا تبلغ حدّ التواتر وقد عقد في الوافي لشطر منها ابوابا واورد فيها أخبارا منها باب انّ الميّت يزور اهله وباب بعنوان انّ الميّت يفرح بزيارة اهله له وباب بعنوان انّه تبلغه الهديّة والثواب إذا أتى بالعمل الصالح بقصده وباب بعنوان انه يبلغه مثوبة الأعمال الحسنة التي أتى بها في حال حياته وبقى آثاره كمن حفر بئرا وغرس نخلا وكتب مصحفا وربّى ولدا
    __________________
    (1) سورة السجدة الآية 11.
    (2) سورة النحل الآية 32.
    (3) سورة النحل الآية 28
    (4) سورة المؤمنون الآية 99 و 100

    صالحا واجرى صدقة وسنّ سنّة حسنة.
    وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام وقد رجع من صفين فاشرف على القبور بظاهر الكوفة : «يا أهل الدّيار الموحشة والمحالّ المقفرة ... أنتم لنا فرط سابق ونحن لكم تبع لا حق امّا الدور ، فقد سكنت ، وامّا الأزواج ، فقد نكحت ، وامّا الأموال ، فقد قسمت. هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم؟» ثم ألتفت إلى أصحابه فقال : «أما لو اذن لهم في الكلام لأخبروكم ان خير الزاد التقوى». (1)
    فالمسلمون في جميع انحاء العالم طبقا لهذا الاعتقاد والإيمان الجازم يوجّهون من أشرف على الموت ووقع في حالة الاحتضار إلى القبلة ويغسلونه ويكفّنونه ويدفنونه إلى القبلة ويلقّنونه اركان الإسلام والإيمان اعتقادا بانه يسمع ذلك كلّه ولم يتغير بالموت شيء من أوصافه وملكاته الرّوحية وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يحشر المرء الّا على ما مات عليه ولا يموت الّا على ما عاش عليه» ولهذا الاعتقاد تأثير عميق في اعمال الإنسان من جهة العمل بتكاليفه ومن جهة انتهائه عن المنكرات وسيّما من جهة اشتياقه إلى الجهاد الذي هو عزّ للاسلام وذروة سنامه وما تسمع في التواريخ الإسلامية في اصطبار الزوجة والأمّ على قتل زوجها وولدها في معركة الجهاد وتشويقهما الزوج والولد اليه وكذلك في اشتياق المجاهدين إلى الجهاد واستقبالهم للسيوف والرماح وامثال ذلك ما كان سببه الّا هذا الاعتقاد.
    فبعد رجوع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غزوة احد بادرت إليه امرأة قتل زوجها وولدها واخوها في القتال مع المشركين فسألته الأخبار عنهم فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :
    __________________
    (1) نهج البلاغة الكلمات القصار 125.

    «ابشري إنهم قد ترافقوا في الجنة جميعا» فسرّت به وما كانت مقالة الشهداء عند اقتراب الشهادة إلّا قولهم : يا حبّذا الجنّة واقترابها طيّبة وبارد شرابها. ويقول عمار ابن ياسر عند اقتراب شهادته بصفين : «اليوم القي الأحبة محمّدا وحزبه».
    وعليه فالقول بان العرف يرى الموت انعداما فلا يبقى رأي بعد الموت لانعدام محله وهو النفس الناطقة ممّا لا يمكن التزام عرف المتشرعة به بل يكون اعتقاد عرف سائر الأديان الإلهية ايضا ذلك فان بقاء الإنسان بعد موته وعدم فنائه به من اركان كل الأديان الالهيّة وإن ارادوا من العرف غير اهل الأديان فهو ليس ميزانا في امثال المقام.
    ويرد على المحقّق الخراساني مضافا إلى ما ذكرنا إن ما ذكره في آخر كلامه من انه لا بد في جواز التقليد من بقاء الرّأي والإمامة ولذا لو زال بجنون وتبدّل ونحوهما لما جاز قطعا ، ايضا غير سديد لأن حدوث الرّأي كاف في حجّيّته حدوثا وبقاء بمعنى ان حجية رأي المجتهد لا تدور مدار بقائه فان الفتوى مثل الرواية والشهادة فكما ان حجية الرواية والشهادة لا تدور مدار بقاء الراوي والشاهد بمعنى عدم عروض الموت لهما فكذلك الفتوى.
    توضيح ذلك ان الشيء قد يكون بحدوثه موضوعا لحكم من الأحكام بان يكون حدوثه في زمان كافيا في ثبوت الحكم وبقائه كما في حكم الشارع مثلا بعدم جواز الصلاة خلف المحدود فان وقوع الحد على أحد في زمان كاف في عدم جواز الايتمام به الى الأبد وقد لا يكون حدوثه كافيا في بقاء الحكم بل يحتاج بقائه إلى بقاء ذلك الشيء فيدور الحكم مداره حدوثا وبقاء كعدم جواز الصلاة خلف الفاسق فإنه يدور مدار فسقه ولا مانع من ان يكون

    فتوى المجتهد من قبيل الأول وان شئت قلت : ان جزم الفقيه واظهاره الفتوى على سبيل الجزم واسطة في حدوث جواز العمل بقوله وعليه فيمكن التمسك باستصحاب حجية رأيه بعد موته ولا اشكال فيه من هذه الجهة وما ذكره من القطع بعدم جواز تقليد من زال عنه الرّأي بالتبدّل أو بعروض الجنون أو الهرم وهو دليل على ان الحجية دائرة مدار بقاء الرأي غير تام.
    وامّا في تبدّل الرأي فلاختصاص حجية الرأي بما إذا لم يظهر بطلانه وبعد تبدل الرأي يظهر خطأه فكيف يكون حجة والأمر في باب الرواية أيضا كذلك فان الراوي لو اعترف بخطئه في الرواية تسقط الرواية عن الحجية بلا اشكال وذلك كرجوع الشاهد عن شهادته.
    وامّا ارتفاع حجية الفتوى بزوال الرأي لهرم أو جنون فلحصول القطع من الخارج بعدم جواز تقليد من طرأ عليه الجنون فانه لا يليق بمنصب الفتوى الذي هو فرع من فروع منصب الإمامة وكذا من التحق بالصبيان للهرم أو النسيان فان الشارع لا يرضى بزعامته وكذلك اذا عرض له الفسق هذا بخلاف الموت فانه ارتقاء للإنسان وارتحال من عالم الى عالم ارقى وأشرف ولذا اتصف به الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام الذين هم اكمل الناس فالمجنون والفاسق والهرم والناسي لفتاواه لا يليقون بزعامة المسلمين لسقوطهم عن الأنظار بطرو هذه الحالات لا لاجل زوال رأيهم هذا مضافا الى الإجماع القطعي على عدم جواز تقليدهم في هذه الحالات وان كان يظهر من الجواهر خلافه بالنسبة إلى الفاسق والمجنون.
    حيث قال في كتاب القضاء : ان الحاكم لو فسق بعد صدور الحكم واخذ الحق ممن عليه ودفع لمستحقه وتمت آثاره فان الفسق اللاحق لا يبطل

    الحكم.
    ويستفاد من خبر الحسين بن روح المروي في كتاب الغيبة للشيخ أبي محمد الحسن بن علي عليهما‌السلام إنه سئل عن كتب بني فضال فقال : خذوا بما رووا وذروا ما رأوا بناء على ارادة الفتوى من الرأي فيه لا الوقف ان الفتوى المعمول بها يبطل العمل بها من حين الفسق وما تأخر عنه في الزمان المستقبل دون ما تقدمها من ذلك المبنيّ على اصل الصحة والبراءة وغيرهما من قاعدة الاجزاء ونحوها بل ليس هو مصداقا لقوله عليه‌السلام ذروا.
    هذا كله في الفسق امّا غيره من العوارض كالجنون والموت ونحوهما فالأصل يقتضي بقاء حكمه على الصحة المقتضى لتنفيذه بالمعنيين بل قد يستفاد من ذلك حكم فتواه ايضا الذي قلّد ببعض افرادها ضرورة تضمن الحكم للفتوى المفروض عدم انتقاضها ايضا بذلك ولو للاصل المزبور الذي لم يدل دليل على اشتراط اضدادها (اي اضداد الجنون والموت) حين العمل بما يتجدد من افراد الفتوى السابقة التي فرض التقليد فيها نعم الظاهر الإجماع على عدم جواز العمل ابتداء بفتاوي الأموات امّا غير ذلك فلم يثبت. بل يتجه حينئذ جواز العمل بفتوى من عرض له الجنون مثلا ابتداء مع عدم الإجماع فضلا عن الاستدامة ضرورة كون المستفاد من الأدلة اعتبار هذه الشرائط في حصول الفتوى بمعنى صدورها حال كونه عاقلا مثلا لا انه يعتبر حال العمل بها كونه كذلك ... انتهى. (1)
    وامّا الجواب عن الاستدلال بالاستصحاب على جواز تقليد الميّت بجميع تقريراته المتقدمة فبالإشكال في اصل جريانه من جهة الشك في
    __________________
    (1) الجواهر ج 40 ص 319 ـ 320.

    حجية رأيه لمن لم يرجع اليه ولم يقلده في زمن حياته فاستشكلنا على الاستدلال بالاستصحاب ليس من جهة ان الموت يوجب انعدام الرأي كما عليه الآيات الشيخ الأعظم الأنصاري وصاحب الفصول والمحقق الخراساني والشيخ محمد حسين الأصفهاني قدس الله أرواحهم واجبنا عنه بل من جهة احتمال ضيق دائرة جعل الحجية من الأول لان المحتمل عندنا ان تكون حجية فتواه مختصة بمن عاصره ورجع إليه وقلّده وامّا من وجد بعده فى الأزمنة المتأخرة أو عاصره ولم يقلده فلا يمكن ان يقال كانت هذه حجة في زمان حياته والآن ايضا حجة لأحتمال اختصاص الحجية بمن رجع إليه وقلّده حال حياته ، فلم يكن فتواه حجة على كل احد من أوّل الأمر ، ومع هذا الاحتمال يكون الشك شكا في حدوث الحجية لمن لم يرجع إليه لا الشك في البقاء فله التمسك باستصحاب عدم جعل الحجية له لاستقامة اركانه له ولعله لذا قال الشيخ الأعظم الأنصاري في رسالته في الاجتهاد والتقليد : بأن الاستصحاب لا يجري فيما يحتمل مدخلية وصف عنوان في الحكم كالحياة فيما نحن فيه مع انه يجب رفع اليد عنه على تقدير الجريان للحكايات المتقدمة للإجماع والاتفاق المعتضدة بالشهرة العظيمة. (1)
    الثاني : من الأدلة التي اقاموها على عدم اشتراط الحياة في المفتي هو السيرة بتقريب ان العقلاء قد جرت سيرتهم في باب رجوع الجاهل إلى العالم على الرجوع إلى اهل الخبرة من غير فرق في ذلك بين العالم الحي والميّت ومن هنا لو مرض احدهم وشخّص مرضه لرجعوا في علاجه إلى القانون وغيره من مؤلفات اطبّاء الأموات من غير نكير.
    __________________
    (1) رسالة الاجتهاد والتقليد للشيخ الانصاري ص 61.

    والجواب ان جريان السيرة على رجوع الجاهل إلى العالم مطلقا وان كان غير قابل للمناقشة إلّا ان حجيتها مشروطة بعدم ردع الشارع عنها واجماع فقهاء الشيعة القولي والعملي فى جميع الأعصار بحيث لم ير مخالف لهم وحكمهم بعدم جواز تقليد الميت ابتداء الكاشف عن رأي المعصوم عليه‌السلام كاف في الردع عنها وعليه فدليل العمدة لعدم جواز تقليد الميّت ابتداء هو الإجماع.
    واما الكلام في المقام الثاني وهو البقاء على تقليد الميت فقد اصبحت المسألة عند متأخري المتأخرين ذات اقوال وتفاصيل ولم نجد معنونة بهذا العنوان في كلام من تقدمهم وان قال في المستمسك : القول بجواز تقليد الميت استدامة محكي عن جماعة من الأكابر.
    الأول : عدم الجواز مطلقا وهو المشهور على ما في تقريرات شيخنا الأعظم الأنصاري وكان هو مختار استاذنا الآية البروجردي اعلى الله مقامه قبل مهاجرته الى قم المقدسة ولكنه بعد البحث والنقاش مع استاذنا الآية السيّد علىّ اليثربيّ الكاشانيّ «قدس الله رمسه» عدل الى القول بالجواز.
    الثاني : جواز البقاء مطلقا اي في جميع المسائل لا في خصوص المسائل التي عمل بها فانه بعد تحقق التقليد بسبب العمل بفتوى المجتهد الحي في بعض المسائل يجوز للعامي البقاء على تقليده بعد وفاته في جميع المسائل وان لم يعمل بها في زمان حياته (وهو مبتن على كون التقليد هو العمل) كما في تحرير الوسيلة لسيدنا الأستاذ الإمام الخميني «قدس الله نفسه» في المسألة 13 من مسائل التقليد.
    واطلاق كلامه يشمل صورتي اعلمية الميت من الأحياء وأعلمية

    الأحياء من الميت وصورة التساوي في العلم.
    الثالث : التفصيل بين المسائل التي عمل بها وما لم يعمل به من المسائل فيجوز في القسم الأول ولا يجوز في القسم الثاني وهو ما في وسيلة السيد الفقيه الآية أبي الحسن الأصفهاني حيث قال : نعم يجوز البقاء على تقليده في المسائل التي عمل بها في زمان حياته أو الرجوع إلى الحي الأعلم والرجوع احوط.
    الرابع : التفصيل بين اعلمية الميت من الحي وعدمها.
    وهو ما افاده الآية السيد الحكيم في رسالة المنهاج حيث قال :
    إذا قلد مجتهدا فمات فان كان اعلم من الحي وجب البقاء على تقليده فيما عمل به من المسائل وفيما لم يعلم وان كان الحي اعلم وجب العدول إليه وان تساويا في العلم تخير بين العدول والبقاء ...
    الخامس : التفصيل بين تذكر فتاوي الميت وعدمه.
    وهو ما يظهر عن الآية السيد الخوئي «أعلى الله تعالى مقامه» في المسألة 14 من مسائله المنتخبة.
    فقد استدل على جواز البقاء على تقليد الميت بوجهين :
    الأول : الاستصحاب بتقريباته الثلاثة المتقدمة : من استصحاب بقاء حجية رأي المجتهد الذي قلده قبل موته ومن استصحاب جواز الأخذ بفتواه قبل موته ومن استصحاب حكم الواقعة المستفتى فيها فالتقريب الأول يرجع إلى المفتي والثاني إلى المستفتي والثالث إلى الواقعة المستفتى فيها والتقريبات الثلاثة كلها تنجيزية. (1)
    __________________
    (1) اقسام الاستصحاب فى مسألة التقليد الابتدائي كانت ستة ثلاثة منها تنجيزية وثلاثة منها تعليقية وقد تقدمت.

    وأورد عليه المحقق الخراساني في الكفاية بعين الإيراد الذي اورده في التقليد الابتدائي من ان الموضوع وهو رأي الميت غير باق فان قوام الرأي بالحياة فاذا مات انتفى الرأي في نظر العرف بانعدام موضوعه وانه يعتبر في جواز التقليد حدوثا وبقاء تحقق الرأي حدوثا وبقاء فكما انه لا يجوز البقاء على التقليد بعد زوال الرأي بسبب الهرم والمرض اجماعا لا يجوز بعد الموت بنحو اولى.
    ويردّه ما اوردنا عليه فى بحث التقليد الابتدائي ولكن الاستصحاب المذكور غير جار للاشكال الذى ذكرناه في ذلك البحث.
    هذا مضافا إلى ان قضية حجية فتوى المجتهد ليست الّا تنجز الواقع اذا اصابت والعذر فيما اخطأت لا انشاء حكم شرعي على طبق مؤدياتها فلا مجال حينئذ لاستصحاب ما قلده من الاحكام كما هو مقتضى التقريب الثالث من التقريبات الثلاثة المتقدمة.
    وبالجملة لا يمكن الاستناد على الاستصحاب في مسألة البقاء على تقليد الميت بما ذكرنا.
    الثاني : وهو العمدة في المقام هي السيرة العقلائية الجارية على رجوع الجاهل إلى أهل الخبرة اذ لا اشكال في بنائهم على العمل بما اخذوا من الحي وان مات قبل العمل فهم اذا اخذوا دستورا من الطّبيب مثلا لعلاج المرض ثم مات الطبيب قبل العمل بالدستور يرون العمل بالدستور المذكور صحيحا ولا يرون موته مانعا من العمل.
    وبالجملة لا فرق في جريان السيرة العقلائية على رجوع الجاهل إلى العالم وحجيتها عندهم بين كون العالم حيّا أو ميّتا ولكن قيام الإجماع

    القطعي على عدم جواز تقليد الميت ابتداء صار موجبا لرفع اليد عن السيرة في التقليد الابتدائي اذ الإجماع حيث انه دليل لبّي يكون القدر المتيقن منه هو التقليد الابتدائي فلا يشمل المقام كي يكون رادعا عن السيرة بل يمكن اثبات كون هذه السيرة ممضاة من جانب الشارع الاقدس بالروايات كرواية علي بن المسيب المتقدمة فان ارجاع الرضا عليه‌السلام اياه الى زكريا بن آدم لما ذكر من كون شقته بعيدة (1) من غير ذكر حال حياته وان ما يأخذه منه في حال الحياة لا يجوز العمل به بعد موته مع ان في ارتكازه وارتكاز كل عاقل عدم الفرق بين بقائه حيّا أو موته في الأثناء بعد الرجوع إليه دليل على جواز العمل بما اخذ. ومثلها مكاتبة احمد بن حاتم واخيه (2) وبالجملة ارجاع الأئمة عليهم‌السلام في الروايات الكثيرة شيعتهم الى العلماء عموما وإلى اشخاص معيّنين خصوصا مع خلوّها عن اشتراط الحياة مع ان في ارتكازهم عدم الفرق كاشف عن ارتضائهم عليهم‌السلام بذلك.
    قال السيد المجاهد في مفاتيح الأصول بعد البحث واثبات عدم جواز تقليد الميت بالإجماع وغيره :
    لا يقال : الفرق بين ابتداء التقليد واستدامته مما لم يظهر به قائل من السلف بل ظاهر قولهم المدعى عليه الإجماع لا يجوز تقليد الميت ينفي الفرق.
    لأنا نقول : عدم ظهور القائل من السلف لا يكون بنفسه حجة ودعوى شمول اطلاق قولهم المشار اليه لمحل البحث ممنوع لانصرافه الى ابتداء التقليد
    __________________
    (1) الخبر 27 من الباب 11 من ابواب صفات القاضي ج 18 من الوسائل ص 106.
    (2) الخبر 45 من الباب 11 من ابواب صفات القاضي ج 6 من الوسائل ص 110.

    لا غير بل قد يقال لا يمكن شموله لمحل البحث الّا مجازا لان البقاء على التقليد ليس تقليدا بالمعنى المصدري فتأمل ، انتهى. (1)
    بقي في المقام شيء يلزم التعرّض له وهو انه قد ذكر الآية الخوئى «قدس الله سره» : انه ذكر بعضهم انه يعتبر في جواز البقاء على تقليد الميت العمل بفتواه حال حياته فلو لم يعمل به في حياته لم يجز البقاء على تقليده بعد موته ومنشأ هذا الاعتبار هو تعريف التقليد بالعمل باعتبار انه لا يصدق البقاء على تقليده مع عدم العمل لعدم تحقق التقليد بدونه فيكون العمل على فتواه بعد موته تقليدا ابتدائيا ولا يخفى ما فيه اذ لم يرد عنوان البقاء على تقليد الميت في لسان دليل لفظي حتى نتكلم في مفهومه وان البقاء هل يصدق مع عدم العمل في حال حياة المفتي ام لا يصدق بل حكم جواز البقاء من حيث اعتبار العمل وعدمه تابع للمدرك.
    فنقول : ان كان مدركه الاستصحاب فهو على تقدير جريانه يقتضي حجية فتوى الميت مطلقا عمل المكلف بها حال حياته ام لم يعمل لان حجية فتواه على العامي حال حياته لا تتوقف على العمل بها فتستصحب.
    واما ان كان المدرك هي السيرة العقلائية القائمة على رجوع الجاهل إلى العالم فعدم اشتراط العمل فى جواز البقاء اظهر فان السيرة جرت على رجوع الجاهل الى العالم حيا كان أو ميتا عمل الجاهل بفتواه أم لم يعمل ولم يردع عنها الشارع الّا في خصوص التقليد الابتدائي عن الميت حيث منع عنه بمقتضى الأدلة السابقة الدالة على اعتبار الحياة في المفتي على ما تقدم.
    وكذا الحال فيما إذا اعتمدنا في جواز البقاء على الاطلاقات الدالة على حجية فتوى العالم فإنها تدل على اعتبار كونه حيا حال السؤال والرجوع إليه
    __________________
    (1) مفاتيح الاصول ص 624.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

     مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه     مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه  Emptyأمس في 2:36 pm

    لا حال العمل واطلاقها ينفي اعتبار العمل بفتواه قبل موته في جواز العمل بها بعد موته مع كون التعلم والاخذ في حياته.
    فتحصّل ان جواز البقاء على تقليد الميت غير متوقف على العمل وان قلنا بكون التقليد عبارة عن العمل. (1)
    لكنه يرد عليه انه وان لم يرد لفظ البقاء على تقليد الميت كي يبحث عن معنى التقليد ولكنه لا بدّ في الخروج عن مخالفة الإجماع القائم على عدم جواز التقليد للميت ، وقد ذكرنا ان المتيقّن منه هو التقليد الابتدائي من تحصيل معنى البقاء على تقليد الميت وقد فسر نفسه «قدس الله سره» في التنقيح (2) التقليد بالعمل (3) فاللازم حينئذ تحقيق معنى التقليد ليحصل الاحتراز عن التقليد الابتدائي للميت وهو على ما ذكره يحتاج إلى العمل في حال حياته ليكون العمل بعد مماته بقاء على تقليده.
    نعم القدر المتيقن من الإجماع المذكور من لم يعمل في حال حياة المجتهد اصلا ورأسا ولكنه من عمل في حال حياته ولو بمسألة واحدة فله أن يعمل في جميع المسائل على فتوى الميت لشمول السيرة القائمة على رجوع الجاهل الى العالم من غير فرق بين الحي والميت التي هي عمدة المدرك للبقاء للمقام والإجماع المذكور لا يخالفه على ما ذكرنا من كون القدر المتيقن منه هو التقليد الابتدائي في جميع المسائل.
    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
    __________________
    (1) مصباح الاصول ج 3 ص 464
    (2) التنقيح ج 1 ص 78.
    (3) ونحن أيضا قد اخترنا كون التقليد عبارة عن العمل ، كما سلف.

    بسمه تعالى
    سماحة آية الله الحاج الشّيخ حسين النّورى الهمدانى «دامت بركاته»
    تحيّة وإخلاصا
    بالنّظر إلى ما كان يولّيه الإمام الرّاحل «قدّس الله نفسه الزكيّة» وما يولّيه مقام القيادة سماحة آية الله الخامنه اى «مدّ ظله» من التّطوير والحركة في الحوزات العلميّة وبالنظر إلى انّ حوزة اصفهان العلميّة تمتدّ جذورها إلى عهد بعيد وطالما كانت ولا زالت لها المركزيّة في العلوم الإسلاميّة كما كانت لها سابقة فضل إعداد وتخريج العديد من الفقهاء والمفكّرين وأساطين العلم والعمل وفي الوقت الحاضر أيضا تعدّ من أقوى وأغنى المراكز العلميّة بعد حوزة قم المقدّسة.
    ومن المؤكّد انّ إحدى الوسائل التي تكون مؤثّرة في دعم هذه الحوزة المقدّسة وتطوير معالمها هو تواجد الشخصيّات العلميّة أمثال سماحتكم فيها ولو موقّتا في فترة الصّيف.
    ومن هنا ندعوكم لقضاء فترة الصّيف في اصفهان ومساندتكم ودعمكم لنا في هذا الأمل المنشود من خلال حلقات التّدريس وإلقاء محاضرات علميّة وتوجيهيّة.
    ونرجو أن تكون تلبيتكم لهذه الدّعوة خطوة مباركة تترتّب عليها آثار ونتائج قيّمة في سبيل رفع كيان حوزة اصفهان العلميّة المقدّسة.
    الحاج السيّد اسماعيل الهاشمي تجمّع أئمّة الجماعات في اصفهان السيّد كمال الدّين فقيه ايماني
    __________________
    تلبية لدعوة كريمة تمّت من قبل أصحاب السّماحة والفضيلة والأفاضل الأماثل حجج الإسلام والمسلمين أدام الله عزّهم. سافرت إلى مدينة اصفهان وقضيت فترة الصّيف في ذلك البلد الكريم وقمت بتوفيق الله تعالى وبالتوجّه من مولانا صاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء بتدريس بعض المسائل الفقهية وشرح مقتطفات من خطب وكلمات إمام البلاغة أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام على ضوء كتاب نهج البلاغة في حوزته العلميّة المقدّسة.
    وتقدّر ظروف ومناخات هذه الحوزة العلميّة المقدّسة حيث أن طلّابها والعلماء العظماء المقيمين بها عاكفة على الدّراسة وتوّاقة إلى العلم وفنون الثقافة الإسلامية.
    والرّغبة الملحّة إلى العلوم الإسلاميّة في هذه الحوزة المباركة تجدّد الذكريّات العطرة من عهد العلامة المجلسى والشيخ البهائي والسيد الداماد والمولى الخوانساري استاد الكلّ في الكلّ وأمثالهم من الفطاحل نوّر الله مضاجعهم.
    ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها.
    وأنا بدوري أن اقدّم شكري الجزيل للعلماء العظام الأعلام لما استقبلوني بترحاب وحفاوة بالغين ويسرّني أن أبدي عن اعجابي وتقديري لهذه الدّعوة المقدّسة.
    1 / جمادي الثانيّة / 1415
    قم المقدسة ـ الحوزة العلمية
    حسين النّوري الهمداني


    الفهرس
    وجوب الاجتهاد والتقليد والاحتياط فطريّ وعقليّ 3
    الاجتهاد هو الاصل الوحيد 4
    يتوقّف الاجتهاد على امور 6
    التقليد 8
    معنى التقليد 9
    ما يدعو العامي إلى التقليد 12
    شبهة الأخباريّين ومقالتهم بأن الاجتهاد بدعة والتقليد حرام 15
    موارد الاختلاف بين المجتهدين والأخباريّين 19
    الجواب عن شبهة الأخباريّين 21
    أمرهم عليهم‌السلام بالتّفريع على الاصول المسموعة منهم وأمرهم عليهم‌السلام بالإفتاء 22
    تطوّر الفقه ومروره على مراحل 26
    شيوع الإفتاء والاستفتاء في زمانهم عليهم‌السلام 27
    تعلّمهم عليهم‌السلام أصحابهم كيفيّة الاستنباط 29
    ارجاعهم عليهم‌السلام الشّيعة إلى أصحابهم 31
    دلالة الأخبار العلاجيّة على تعليمهم عليهم‌السلام الاجتهاد بالمعنى المتعارف 32

    النهي عن الإفتاء بغير علم 33
    المراد ممّا نهي عنه في الأخبار من الإفتاء بالرّأي 35
    المراد مما نهي عن الإفتاء بغير علم 37
    مراجعة فقهاء العامّة إلى الأئمّة عليهم‌السلام أو أصحابهم عليهم‌السلام 38
    مشروعيّة الاجتهاد الموجود 40
    الاستدلال على مشروعيّة الاجتهاد الموجود 41
    نبذة ممّا يدلّ على فضل العلماء والفقهاء 43
    تقليد الأعلم 48
    هل يجب تقليد الأعلم؟ 49
    كلام الشهيد الثاني في تقليد الأعلم 50
    كلام المحقّق النراقي والمحقّق القمي في القول بجواز تقليد غير الأعلم 51
    كلمات صاحب الفصول في القول بجواز تقليد غير الأعلم 53
    كلمات صاحب الجواهر في القول بجواز تقليد غير الأعلم 55
    كلمات المحقّق الكني في القول بجواز تقليد غير الأعلم 58
    الكلام فيما يقتضيه الأصل 61
    أدلّة وجوب تقليد الأعلم 67
    حول مقبولة عمر بن حنظلة 73
    كلام العلّامة الرشتي في تقليد الأعلم 76
    مناقشة العلّامة الرشتي في استدلاله بالمقبولة 77
    مناقشة الاستدلال بالرّوايات الواردة في باب القضاء على وجوب تقليد الأعلم 79
    حول عهد الأشتر وعدم دلالته على وجوب تقليد الأعلم 81
    الاستدلال بالسيرة على لزوم تقليد الأعلم 84

    كلام الإمام الخميني «ره» في السّيرة 86
    حول وجوب تقليد الأعلم 89
    أدلّة القائلين بجواز تقليد غير الأعلم 91
    الجواب عن الروايات المستدلّ بها على جواز تقليد غير الأعلم 95
    الروايات المستدلّ بها على جواز تقليد غير الأعلم 96
    مناقشة الأخبار المستدلّ بها على جواز تقليد غير الأعلم 101
    مناقشة أدلّة القائلين بجواز تقليد غير الأعلم 105
    حول التبعيض في التقليد 109
    حول التبعيض في التقليد في العمل الواحد 113
    هل يجب الفحص عن الأعلم؟ 117
    صور وجوب الفحص عن الأعلم 118
    هل الأورعيّة من المرجّحات؟ 125
    مسألة ولاية الفقيه 130
    ولاية الفقيه المطلقة 131
    الاستدلال على ولاية الفقيه المطلقة 133
    مناقشة منكري ولاية الفقيه المطلقة 137
    الولاية المطلقة للفقيه 138
    حول الولاية المطلقة للفقيه 140
    مناقشة اعتبار الأعلميّة في غير التقليد من شئون الفقيه 143
    هل تعتبر الأعلميّة في غير التقليد من شئون الفقيه؟ 144
    هل يجوز تقليد الميّت؟ 148
    حول الإجماع المدّعى على عدم جواز تقليد الميّت 151

    في الأدلّة الّتي أقاموها على عدم جواز تقليد الميّت 154
    الاستدلال على عدم جواز تقليد الميّت 156
    أدلّة القائلين بجواز تقليد الميّت 157
    حقيقة الموت من وجهة نظر المتشرّعة 160
    حول الاستصحاب المستدلّ به على جواز تقليد الميّت 163
    الجواب عن الاستصحاب المستدلّ به على جواز تقليد الميّت 165
    الاستدلال على عدم اشتراط الحياة في المفتي والجواب عنه 166
    الأقوال في مسألة البقاء على تقليد الميّت 167
    الاستدلال لجواز البقاء على تقليد الميّت 168
    الاستدلال بالسيرة على جواز البقاء 169
    هل يعتبر في جواز البقاء على تقليد الميّت العمل بفتواه؟ 170
    اعتبار العمل في جواز البقاء 171
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
     
    مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    » كتاب من لايحضره الفقيه ج2
    »  كتاب من لايحضره الفقيه ج4
    » كتاب من لايحضره الفقيه ج3
    » كتاب من لايحظره الفقيه ج1

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: 48- منتدى الفقه-
    انتقل الى: