و (حَرَّمَ الرِّبا)(1) اصول يتفرّع عليها فروع كثيرة.
وقول النبيّ الأقدس صلىاللهعليهوآلهوسلم : «انما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان» (2) وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «البيّنة على من ادّعى واليمين على من ادّعى عليه» (3) وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «والصلح جائز بين المسلمين إلّا صلحا أحلّ حراما أو حرّم حلالا» (4)
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «المسلمون اخوة تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمّتهم أدناهم ، هم يد على من سواهم» (5) وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه» (6) وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا ضرر ولا ضرار» (7) وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «المغرور يرجع إلى من غرّه» (
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الإسلام يجبّ ما قبله» (9) اصول يستخرج منها فروع كثيرة في أبواب السياسات والمعاملات وغيرها.
فكذلك أقوال الأئمّة الهداة عليهمالسلام من قبيل قول أبي جعفر عليهالسلام : «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع والسجود.» (10)
وقوله عليهالسلام : «كلّ شيء شكّ فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض
__________________
(1) سورة البقرة ، الآية : 275.
(2) الحديث 1 من الباب 2 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدواعي ج 18 الوسائل ص 169.
(3) الحديث 1 من الباب 3 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدواعي ج 18 الوسائل ص 170.
(4) الحديث 5 من الباب 3 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدواعي ج 18 الوسائل ص 171.
(5) الحديث 1 من الباب 31 من أبواب القصاص في النفس ج 20 من الوسائل ص 55.
(6) المستدرك كتاب الغصب الباب 1 من أبواب الغصب.
(7) القواعد الفقهية للعلّامة البجنوردي ج 1 ص 176.
(
المصدر السابق : ص 226.
(9) القواعد الفقهية للعلّامة البجنوردي ج 1 ص 371
(10) الحديث 1 من الباب 9 من أبواب القبلة ج 3 الوسائل ص 227.
عليه.» (1)
وقول الصادق عليهالسلام في الميتة : «لا تصلّ في شيء منه ولا في شسع.» (2)
وقوله عليهالسلام : «لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة ان الصوف ليس فيه روح.» (3)
وقوله عليهالسلام : «كل شيء يضرّ بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه.» (4)
وقوله عليهالسلام : «أيّما رجل فزع رجلا من الجدار أو نفر به عن دابّة فخرّ فمات ضامن لديته ، وإن انكسر فهو ضامن لدية ما ينكسر منه.» (5)
وقوله عليهالسلام : «كل ما كان في الإنسان اثنان ففيهما الدية ، وفي أحدهما نصف الدية ، وما كان فيه واحد ففيه الدية.» (6) اصول يستخرج منها فروع كثيرة.
والأئمّة عليهمالسلام قد كانوا يأمرون أصحابهم بالإفتاء وقد كتب أمير المؤمنين عليهالسلام إلى قثم بن العبّاس : «واجلس لهم العصرين فأفت المستفتي وعلّم الجاهل وذاكر العالم.» (7)
وقال الصادق عليهالسلام لأبان بن تغلب : «اجلس في مسجد المدينة وافت
__________________
(1) القواعد الفقهية للعلّامة البجنوردي ج 1 ص 275.
(2) الحديث 2 من الباب 1 من أبواب لباس المصلّي ج 3 الوسائل ص 249.
(3) الحديث 1 من الباب 56 من أبواب لباس المصلّي ج 3 الوسائل ص 333.
(4) الحديث 1 من الباب 9 من أبواب موجبات الضمان ج 19 الوسائل ص 181.
(5) الحديث 2 من الباب 15 من أبواب موجبات الضمان ج 19 الوسائل ص 188.
(6) الحديث 12 من الباب 1 من أبواب ديات الأعضاء ج 19 الوسائل ص 217.
(7) نهج البلاغة : الكتاب 67 ، ونقله في المستدرك في الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث 15.
الناس فإنّي احبّ أن يرى في شيعتي مثلك.» (1)
ومما ينبغي أن يعلم ان تفريع الفروع واستنباط المصاديق من الاصول والكليات وإن لم يكن في ذلك الزمان بهذه الكثرة التي بلغت إليها اليوم ، ولكنه ممّا لا يضرّ فيما هو المهمّ ، فإن العلوم من شأنها أن تتكامل وتتّسع تدريجا ، فإن الفقه أيضا كسائر العلوم مرّ على مراحل وتطوّر خلالها واتّسع :
المرحلة الاولى
كان يتمثّل الفقه في هذه المرحلة في ذكر الفتاوى والفروع الفقهية غالبا في قالب الروايات وبالاختصار ، وكتب ك : «المقنع» و «الهداية» للصدوق و «النهاية» للشيخ الطوسي تمثّل هذه المرحلة.
المرحلة الثانية
دور تفريع الفروع ك : «الشرائع» و «التحرير» و «السرائر» وهذا الدور قد اتّسع شيئا فشيئا حتّى بلغ مثل «جامع المقاصد» و «مجمع الفائدة» و «المستند» و «الجواهر».
المرحلة الثالثة
مرحلة الفقه المقارن ، وهذه المرحلة تزامنت مع المرحلتين تاريخيّا ، حيث ان تاريخه يرجع إلى عهد القدماء ، والكتب المعنية بهذا الاسلوب
__________________
(1) فهرست النجاشي : ص 7.
كثيرة ، منها : «الخلاف» و «التذكرة» و «المنتهى» و «المعتبر» فيذكر فيها المختارات من الفروع في المذاهب ، ثم يستدلّ عليها على أساس مباني المذاهب ، ويذكر في ضمنها مزيّة مباني مذهب الإماميّة من جهة الإتقان والاستحكام ، وقد سلك هذا المسلك فطاحل من فقهائنا العظام كشيخ الطائفة والعلّامة والمحقّق «شكر الله مساعيهم وجزاهم خيرا».
شيوع الإفتاء والاستفتاء في زمانهم عليهمالسلام
ومما يدلّ على ان الإفتاء والاستفتاء كانا شائعين في زمن الأئمّة عليهمالسلام ما يلي :
عن علي بن أسباط قال قلت للرضا عليهالسلام يحدث الأمر لا أجد بدّا من معرفته وليس في البلد الذي أنا فيه احد أستفتيه من مواليك قال فقال : «ائت فقيه البلد فاستفته من امرك فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإن الحق فيه» (1)
ودلالته على إن الإفتاء كان شايعا في مواليه ومحبّيه في ذلك الزمان ظاهرة اذ يدل على وجود الفقهاء في تلك الأعصار وكان بناء العوام على الرجوع اليهم وعدم ردعه عليهالسلام يكشف عن رضاه بما ارتكز في اذهانهم من المراجعة إلى الفقهاء.
وعن حسين بن معاذ عن ابيه معاذ بن مسلم النحوي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «بلغني انّك تقعد في الجامع فتفتي الناس؟»
قلت : نعم وأردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج إني اقعد في
__________________
(1) الحديث 23 من الباب 9 من أبواب صفات القاضي ص 82 ج 18 الوسائل.
المسجد فيجيء الرجل فيسألني عن الشيء فإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يفعلون ويجيء الرجل أعرفه بمودتكم وحبكم فأخبره بما جاء عنكم ويجيء الرجل لا أعرفه ولا أدري من هو فأقول جاء عن فلان كذا وجاء عن فلان كذا فأدخل قولكم فيما بين ذلك. فقال لي : اصنع كذا فإني كذا أصنع. (1)
وعن حمران بن أعين قال : قالت امرأة محمد بن مسلم وكانت ولودا أقرئ أبا جعفر عليهالسلام السلام وقل له إني كنت اقعد في نفاسي أربعين يوما وإن أصحابنا ضيّقوا عليّ فجعلوها ثمانية عشر يوما. فقال أبو جعفر عليهالسلام : «من أفتاها بثمانية عشر يوما؟» قال قلت : الرواية التي رووها في اسماء بنت عميس إنها نفست بمحمد بن أبي بكر بذي الحليفة فقالت : يا رسول الله كيف اصنع؟ فقال لها : «اغتسلي واحتشي واهلّي بالحج فاغتسلت واحتشت ودخلت مكة ولم تطف ولم تسع حتى تقضى الحج فرجعت الى مكة فاتت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالت يا رسول الله احرمت ولم اطف ولم اسع فقال لها رسول الله : «وكم لك اليوم؟» فقالت ثمانية عشر يوما فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : اما الآن فاخرجي الساعة فاغتسلي واحتشي وطوفي واسعي فاغتسلت وطافت وسعت واحلّت. فقال ابو جعفر عليهالسلام : «إنها لو سألت رسول الله قبل ذلك وأخبرته لأمرها بما أمرها به قلت : فما حدّ النفساء؟ قال عليهالسلام : «تقعد أيامها التي كانت تطمث فيهن أيام قرئها فان هي طهرت والّا استطهرت بيومين او ثلاثة أيام ثم اغتسلت واحتشت فان كان انقطع الدم فقد طهرت وان لم ينقطع الدم فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل لكل صلاتين وتصلي. (2)
ودلالتها على ان الاستفتاء من اصحاب الأئمة عليهمالسلام وافتائهم على
__________________
(1) الحديث 36 من الباب 11 من أبواب صفات القاضي ص 108 ج 18 الوسائل.
(2) الحديث 11 من الباب 3 من أبواب القاضي ص 614 من ج 2 الوسائل.
اساس الروايات الواردة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة عليهالسلام كانت رائجة مما لا يخفى وكذا دلالتها على عدم الردع.
ويستفاد من سؤال الحسين بن روح عن ابي محمد الحسن بن علي عليهماالسلام ومما أجاب به انه كانت لأصحاب الأئمة عليهمالسلام آراء وفتاوي في المسائل المختلفة كما إنه كانت لهم روايات حيث إنه عليهالسلام سئل عن كتب بني فضّال فقال عليهالسلام خذوا بما رووا وذروا ما رأوا (1) ولعلّ منعه عليهالسلام عن الأخذ بآراء بني فضال من جهة انه يعتبر ان يكون المفتي على مذهب الحق.
وما يدل على تعليمهم عليهمالسلام لأصحابهم كيفية استنباط الحكم ولزوم حمل المجمل على المبيّن والظاهر على الاظهر والنص ما يلي :
روى الصدوق باسناده الى زرارة قال قلت لأبي جعفر عليهالسلام : ألا تخبرني من اين علمت وقلت ان المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين؟ فضحك وقال : «يا زرارة قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ونزل به الكتاب من الله عزوجل قال فاغسلوا وجوهكم فعرفنا ان الوجه كلّه ينبغي ان يغسل ثم قال وايديكم الى المرافق فوصل اليدين الى المرفقين بالوجه ، فعرفنا انه ينبغي ان يغسلا الى المرفقين ثم فصل بين الكلام وقال وامسحوا برءوسكم فعرفنا حين قال برءوسكم ان المسح ببعض الرأس لمكان الباء ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال وارجلكم إلى الكعبين فعرفنا حين وصلها بالرأس ان المسح على بعضهما ثم فسّر ذلك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فضيّعوه الحديث.
ورواه الكليني عن علي بن ابراهيم عن ابيه وعن محمد بن اسماعيل
__________________
(1) الحديث 79 من الباب 8 من أبواب صفات القاضي ص 74 ج 18 الوسائل.
عن الفضل بن شاذان جميعا عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة.
ورواه الشيخ باسناده عن محمد بن يعقوب مثله. (1)
وروى الشيخ باسناده عن ابن محبوب عن علي بن الحسن بن رباط عن عبد الأعلى مولى آل سام (2) قال قلت لأبي عبد الله عليهالسلام عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف اصنع بالوضوء؟ قال : «يعرف هذا واشباهه من كتاب الله عزوجل قال الله تعالى : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(3) امسح عليه. (4)
تعليمهم عليهالسلام اصحابهم كيفية الاستنباط
وعن ابى حيون مولى الرضا عليهالسلام قال : «من ردّ متشابه القرآن الى محكمه فقد هدي إلى صراط مستقيم ثم قال عليهالسلام ان في اخبارنا محكما كمحكم القرآن ومتشابها كمتشابه القرآن فردّوا متشابهها إلى محكمها ولا تتّبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا (5).
وعن داود بن فرقد قال سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : «انتم افقه الناس
__________________
(1) الحديث من الباب 23 من أبواب الوضوء ص 291 ج 1 الوسائل. والظاهر ان مراده عليهالسلام ان تعدية المسح بالباء يدلّ على التبعيض ، وليس المراد ان الباء للتبعيض وإن نقل في مجمع البحرين عن عدة من النحويين مجيء الباء للتبعيض أيضا فإنكار سيبويه مجيء الباء للتبعيض لا مورد له ، ونقل المحقق الشيخ عباس القمي في هدية الأحباب عن البحار ان المجلسي عبّر عن سيبويه المعاند للحق وأهله وانه أنكر ذلك عليه عليهالسلام.
(2) في معجم رجال الحديث ج 9 ص 258 والمتحصّل ان الرجل لم يثبت وثاقته ولا حسنه.
(3) سورة الحج ، الآية : 78.
(4) الحديث 5 من الباب 39 من أبواب الوضوء ص 327 ج 1 الوسائل.
(5) الحديث 22 من الباب 9 من أبواب صفات القاضي ص 82 ج 18 الوسائل.
اذا عرفتم معاني كلامنا ان الكلمة لتنصرف على وجوه فلو شاء انسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب (1).
ارجاعهم عليهمالسلام الشيعة الى فقهائهم
وأما الطائفة الدّالة على ارجاع الشيعة إلى فقهائهم في القضاء والإفتاء وفي لزوم اخذ معالم الدين من أصحابهم فمنها مقبولة عمر بن حنظلة عن ابي عبد الله عليهالسلام فإنّه قال عليهالسلام بعد النهي الشديد عن المراجعة إلى فقهاء العامة : ينظر ان من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا فليرضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما (2) فإنها تدل على ارجاعه عليهالسلام الشيعة إلى فقهائهم في القضاء والقضاء كما يكون في الشبهة الموضوعية يكون في الشبهة الحكمية ايضا مثل تقدم بيّنة الداخل على بيّنة الخارج او العكس فجعل الفقيه مرجعا ونصبه للحكم على نحو يكون اعمّ من الشبهات الحكمية والموضوعية يلازم اعتبار فتواه ايضا.
ومثلها ما عن ابي خديجة في المشهورة قال بعثني ابو عبد الله عليهالسلام إلى اصحابنا فقال قل لهم اياكم اذا وقعت بينكم خصومة او تدارى في شيء من الأخذ والعطاء أن تحاكموا إلى احد من هؤلاء الفسّاق اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا وحرامنا فإني قد جعلته عليكم قاضيا واياكم أن يخاصم بعضكم بعضا إلى السلطان الجائر. (3)
__________________
(1) الحديث 25 من الباب 9 من أبواب صفات القاضي ص 82 ج 18 الوسائل.
(2) الحديث 1 من الباب 11 من أبواب صفات القاضي ص 99 ج 18 الوسائل.
(3) الحديث 6 من الباب 11 من أبواب صفات القاضي ص 100 ج 18 الوسائل.
وأمّا ما يدل على ارجاع الشيعة لأخذ معالم الدين من اصحابهم فكثيرة والظاهران المراد فيها اخذ الفتاوي عنهم فان التعبير الوارد في الإرجاع إلى اصحابهم قد وقع تارة بعنوان اخذ الحديث والرواية كما في الخبر 4 و 5 و 8 و 19 من الباب 11 من أبواب صفات القاضي (1) واخرى بعنوان اخذ معالم الدين كما في الخبر 15 و 27 و 33 و 34 و 35 و 42 و 45 من الباب المذكور والطائفة الثانية ظاهرة في اخذ الفتاوي كما ذكرنا.
وامّا دلالة الأخبار العلاجية الصادرة من الأئمة عليهمالسلام على تعليمهم وتصويبهم الاجتهاد بالمعنى المتعارف فمما لا يخفى فان عرض الأخبار المتعارضة على الكتاب وتعيين ما هو الموافق عما هو المخالف والأخذ بالأوّل وطرح الثاني وكذا تعيين ما هو الموافق للشهرة عما هو المخالف لها.
والنظر الى الأخبار الموافقة للعامة والأخبار المخالفة لهم والأخذ بالثانية وطرح الأول وغير ذلك من الامور المذكورة في الأخبار العلاجية من أوضح مصاديق الاجتهاد وقلّما يتفق باب من ابواب الأخبار يكون خاليا من التعارض.
ومن هذه الأخبار مقبولة عمر بن حنظلة وخبر السكوني وعبد الرحمن ابن ابي عبد الله والحسين بن السري ومحمد بن عبد الله والحسن بن الجهم (الحديث 1 و 10 و 29 و 30 و 34 و 40 من الباب 9 من ابواب صفات القاضي).
__________________
(1) ص 106 ـ 110 من ج 18 من الوسائل.
النهي عن الإفتاء بغير علم
وأما الطائفة السادسة وهي الأخبار التي تدل على النهي عن الإفتاء بغير علم فهي على كثرتها (1) تدل على ان المنهي عندهم عليهمالسلام هو الإفتاء بغير علم لا مطلق الإفتاء.
فعن أبي عبيدة قال قال ابو جعفر عليهالسلام : «من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه». (2)
وقريب منه الخبر 2 و 3 و 29 و 31 و 32 و 33 من الباب 4 من ابواب صفات القاضي والمستفاد منها ان مرادهم عليهمالسلام من النهي عن الإفتاء بغير علم ليس الّا الاستبداد بالافتاء بدون الاستفادة من علومهم الإلهيّة كما هو دأب مخالفيهم كما يوضح ذلك الأخبار الكثيرة منها ما عن حمزة بن حمران قال سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول «من استأكل بعلمه افتقر» قلت : ان في شيعتك قوما يتحمّلون علومكم ويبثّونها في شيعتكم فلا يعدمون منهم البرّ والصلة والإكرام. فقال : «ليس اولئك بمستأكلين انّما ذاك الذي يفتي بغير علم ولا
__________________
(1) وقد عقد في الوسائل لها بابا على حدة وهو الباب 4 من أبواب صفات القاضي ج 18 ص 9 وفي هذا الباب ثلاثة عشر حديثا عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأمير المؤمنين والصادق عليهماالسلام بمضمون طلب العلم فريضة وفي بعضها زيادة على كل مسلم وفي اثنين منها زيادة إلا وان الله يحب بغاة العلم ومضمون الخبر المتمّم للعشرين منها عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم اطلبوا العلم ولو بالصين ، فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم ، وفي الخبر 24 عن أبي عبد الله عليهالسلام : «طلب العلم فريضة في كلّ حال».
(2) الخبر 1 من الباب المذكور.
هدى من الله ليبطل به الحقوق طمعا في حطام الدنيا. (1)
وعليه فالإفتاء اذا كان بهداية الهداة المهديّين عليهمالسلام التي هدايتهم هدى من الله لا يكون مشمولا لتلك الأخبار ومردوعا عنهم عليهمالسلام بل يكون مجازا ومرضيّا عندهم عليهمالسلام وحيث ان العلم الصحيح ليس الّا ما عندهم فالإفتاء الذي لم يكن مقتبسا من ضياء علومهم عليهالسلام كان افتاء بغير علم وقد قال ابو جعفر عليهالسلام لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة ـ وهما من فقهاء العامة ـ شرّقا وغرّبا فلا تجدان علما صحيحا الّا شيئا خرج من عندنا اهل البيت (2).
المراد مما نهي عنه في الأخبار من الإفتاء بالرأي
وقد ورد في كثير من الروايات الصادرة عن اهل البيت عليهمالسلام النهي عن الإفتاء بالرأي واتّباع الرأي والقول بالرأي وامثال ذلك من التعبيرات ولكنه بالتأمّل فيها وضم البعض منها الى البعض الآخر يظهر ان المراد منها اتخاذ الرأي وإبداؤه في قبال الأحاديث الواردة عنهم عليهمالسلام والاستبداد والاجتهاد في قبالهم عليهمالسلام.
لأن الاستبداد في قبال اهل البيت عليهمالسلام في ذلك الزمان وترك الاستضاءة من انوار علومهم والمخالفة معهم استنادا إلى آرائهم وظنونهم واستعمال القياس والاستحسان في احكام الدين قد كان دأبهم وشنشنتهم وعلى ذلك دبّوا ودرجوا في طوال القرون والأعصار «شنشنة اعرفها من
__________________
(1) الحديث 12 من الباب 11 من أبواب صفات القاضي ص 102 ج 18 الوسائل.
(2) الحديث 16 من الباب 6 من أبواب صفات القاضي ص 26 ج 18 الوسائل.
اخزم». (1)
ففي تفسير العياشي عن اسحاق بن عمار عن ابي عبد الله عليهالسلام في حديث قال : «يظن هؤلاء الذين يدّعون إنهم فقهاء علماء ، انهم قد اثبتوا جميع الفقه والدين مما تحتاج اليه الامة وليس كل علم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم علموه ، ولا صار اليهم من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا عرفوه وذلك ان الشيء من الحلال والحرام والأحكام يرد عليهم فيسألون عنه ولا يكون عندهم فيه اثر عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ويستحيون ان ينسبهم الناس الى الجهل ويكرهون ان يسألوا فلا يجيبون فيطلب الناس العلم من معدنه فلذلك استعملوا الرأي والقياس في دين الله وتركوا الآثار ودانوا بالبدع وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : كل بدعة ضلالة فلو انهم اذا سألوا عن شيء من دين الله فلم يكن عندهم فيه اثر عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ردّوه الى الله والى الرسول وإلى اولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم من آل محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم. (2)
وكان زعيمهم في اتخاذ هذا الطريق أبا حنيفة النعمان بن ثابت المتوفي 50 ه وكان يتبعه كثيرون مثل ابن أبي ليلى وابن شبرمة.
فعن سماعة بن مهران عن ابي الحسن موسى عليهالسلام في حديث قال مالكم وللقياس انّما هلك من هلك من قبلكم بالقياس ثم قال اذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به وإذا جاءكم ما لا تعلمون فها ـ واومى بيده الى فيه ـ ثم قال لعن الله أبا حنيفة كان يقول قال علي عليهالسلام وقلت أنا .. وقالت الصحابة وقلت أنا! قال أكنت تجلس إليه؟
__________________
(1) وإن شئت مزيد التوضيح ومعرفة بداية المأساة راجع كتاب النص والاجتهاد للعلّامة السيد شرف الدين «ره».
(2) الحديث 49 من الباب 6 من أبواب صفات القاضي ص 40 ج 18 الوسائل.
قلت : لا ولكن هذا كلامه فقلت اصلحك الله اتى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الناس بما يكتفون به في عهده؟ قال نعم وما يحتاجون إليه إلى يوم القيامة فقلت : ضاع من ذلك شيء؟ فقال لا هو عند اهله (1).
وقد كان لأبي عبد الله عليهالسلام مناظرات واحتجاجات مع ابي حنيفة في نهيه عليهالسلام ايّاه عن القياس ولكنه «من لم يجعل الله له نورا فماله من نور» وقد قال لأبي حنيفة انت فقيه اهل العراق؟ قال نعم ، قال فبم تفتيهم؟ قال : بكتاب الله وسنة نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته؟ وتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال : نعم.
قال : يا أبا حنيفة لقد ادّعيت علما ويلك ، ما جعل الله ذلك الا عند اهل الكتاب الذين انزل عليهم ويلك ولا هو الّا عند الخاص من ذرية نبينا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وما ورثك الله من كتابه حرفا ـ وذكر الاحتجاج عليه ـ إلى ان قال يا أبا حنيفة اذا ورد عليك شيء ليس في كتاب الله ولم تأت به الآثار والسنة كيف تصنع؟ فقال اصلحك الله اقيس واعمل فيه برأيي. فقال يا أبا حنيفة إن اول من قاس ابليس الملعون قاس على ربنا تبارك وتعالى فقال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. قال : فسكت ابو حنيفة فقال : يا أبا حنيفة أيّهما أرجس؟ البول؟ أو الجنابة؟ فقال البول. فقال. فما بال الناس يغتسلون من الجنابة؟ ولا يغتسلون من البول؟ فسكت. فقال : يا أبا حنيفة ايّهما افضل : الصلاة أو الصوم؟ قال الصلاة ، فقال : فما بال الحائض تقضي صومها ولا تقضي صلاتها فسكت. (2)
__________________
(1) الحديث 3 من الباب 6 من أبواب صفات القاضي ص 23 ج 18 الوسائل.
(2) الحديث 27 من الباب 6 من أبواب صفات القاضي ص 30 ج 18 الوسائل.
وعن علي عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ستفترق امتي على ثلاث وسبعين فرقة فرقة منها ناجية والباقون هالكون ، والناجون الذي يتمسكون بولايتكم ويقتبسون من علمكم ولا يعملون برأيهم فأولئك ما عليهم من سبيل». (1)
وعن ابي الحسن موسى عليهالسلام قال : «يا يونس لا تكونن مبتدعا من نظر برأيه هلك ومن ترك اهل بيت نبيّه ضلّ» (2).
ويشهد لما ذكرنا من كون المراد من النهي عن الإفتاء بالرأي هو اتخاذ الرأي على خلاف الأئمة الهداة عليهمالسلام وفي قبالهم هذه الأخبار من الأخبار الواردة في الباب 6 من أبواب صفات القاضي (3) : 2 و 3 و 7 و 21 و 25 و 26 و 27 و 28 و 31 و 32 و 33 و 34 و 38 و 39.
ومع الأسف انه قد مضي على جمع من المسلمين قرون تركوا فيها العمل بحديث الثقلين وأعرضوا عن الأخذ عن اهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ولم يدخلوا بيوتا أدن الله أن ترفع واستبدّوا بآرائهم وقد نشأ في هذه القرون ابو حنيفة وابن ابي ليلى وابن شبرمة وربيعة الرّأي نعم يظهر من الآثار انهم كانوا قد يراجعون اليهم عليهمالسلام أو إلى أصحابهم احيانا ونحن نذكر هنا ثلاثة موارد منها.
مراجعة فقهاء العامة الى الأئمة عليهمالسلام أو أصحابهم عليهمالسلام
1 ـ ان رجلا أوصى لرجل من اهل خراسان بمائة الف درهم وامره ان
__________________
(1) الخبر 30 من الباب 6 من أبواب صفات القاضي ص 31 ج 18 الوسائل.
(2) الخبر 7 من الباب 6 من أبواب صفات القاضي ص 34 ج 18 الوسائل.
(3) الوسائل ج 18 ص 22 ـ 40.
يعطي أبا حنيفة منها جزء فلم يعلم كم الجزء منها فسأل أبا حنيفة وغيره عن ذلك فقالوا هو الربع فأمره ابو حنيفة ان يرجع لذلك الى الصادق عليهالسلام فقال الصادق عليهالسلام لهم : «لم قلتم هو الربع» قالوا : لقول الله تعالى : (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ)(1) قال : قد علمت الطّير أربعة فكم كانت الجبال؟ إنما الاجزاء للجبال ليس للطير. فقالوا : ظننّا انها أربعة فقال عليهالسلام : «ولكن الجبال عشرة (2).
2 ـ محمد بن يعقوب عن الحسين بن محمد عن السيّاري قال روي عن ابن ابي ليلى انه قدم اليه رجل خصما له فقال : انّ هذا باعني هذه الجارية فلم اجد على ركبها حين كشفتها شعرا وزعمت انه لم يكن لها قطّ قال : فقال له ابن أبي ليلى : ان الناس يحتالون لهذا بالحيل حتى يذهبوا به فما الذي كرهت؟ قال : أيها القاضي ان كان عيبا فاقض لي به قال اصبر حتى اخرج اليك فإني أجد أذى في بطني ثم دخل وخرج من باب آخر فأتى محمد بن مسلم الثقفي فقال له : أي شيء تروون عن أبي جعفر عليهالسلام في المرأة لا يكون على ركبها شعر؟ أيكون ذلك عيبا؟ فقال محمد بن مسلم : أما هذا نصّا فلا أعرفه ولكن حدثني أبو جعفر عليهالسلام عن ابيه عن آبائه عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إنه قال كل ما كان في اصل الخلقة فزاد ونقص فهو عيب. فقال له ابن أبي ليلى حسبك ثم رجع إلى القوم فقضى لهم بالعيب ورواه الشيخ باسناده عن محمد بن يعقوب. (3)
3 ـ حدثني حمدويه قال حدثنا محمد بن عيسى عن ابن فضّال عن
__________________
(1) سورة البقرة ، الآية : 260.
(2) سفينة البحار ج 1 ص 348.
(3) الوسائل ج 12 الحديث 1 من الباب 1 من أبواب أحكام العيوب ص 410.
ابن بكير عن محمد بن مسلم قال : إني لنائم ذات ليلة على السطح إذ طرق طارق فقلت من هذا؟ فقال شريك رحمك الله. فأشرفت فاذا هي امرأة فقالت لي بنت عروس ضربها الطّلق فما زالت تطلق حتى ماتت والولد يتحرك في بطنها ويذهب ويجيء فما أصنع؟ فقلت يا أمة الله سئل محمد ابن علي بن الحسين الباقر عليهالسلام عن مثل ذلك فقال : «يشق بطن الميّت ويستخرج الولد يا أمة الله افعلي مثل ذلك؟ أنا يا أمة الله رجل في ستر من وجّهك؟ الى ان قال : قالت لي : رحمك الله جئت الى أبي حنيفة صاحب الرأي فقال لي ما عندي في هذا شيء ولكن عليك بمحمد بن مسلم الثقفي فانه يخبر فما أفتاك به من شيء فعودي إليّ فاعلمينيه. فقلت لها امض بسلام فما كان الغد خرجت الى المسجد وابو حنيفة يسأل عن اصحابه فتنحنحت فقال : اللهم غفرا دعنا نعيش. (1)
فما في الوسائل من عنوان الباب 6 من ابواب صفات القاضي بقوله
__________________
(1) معجم رجال الحديث ج 17 ص 249 نقل ذلك عن الكشي في ترجمة محمد بن مسلم ونقل عن الكشي أيضا حدّثني حمدويه بن نصير قال : حدثنا محمد بن عيسى عن ياسين الضرير البصري عن حريز عن محمد بن مسلم قال : ما شجر في رأيي شيء قط إلّا سألت عنه أبا جعفر عليهالسلام حتى سألته عن ثلاثين ألف حديث ، وسألت أبا عبد الله عليهالسلام عن ستّة عشر ألف حديث.
قال أبو النصر : سألت عبد الله بن محمد بن خالد ، عن محمد بن مسلم فقال : كان رجلا شريفا موسرا فقال له أبو جعفر عليهالسلام : تواضع يا محمد فلما انصرف إلى الكوفة أخذ قوصرة من تمر مع الميزان وجلس على باب مسجد الجامع وصار «جعل» ينادى عليه فأتاه قومه فقالوا : فضحتنا فقال : ان مولاي أمرني بأمر فلن اخالفه ولن أبرح حتى أفرغ من بيع ما في هذه القوصرة فقال له قومه : إذا أبيت ألّا أن تشتغل ببيع وشراء فاقعد في الطحانين فهيّأ رحى وجملا وجعل يطحن ، وقيل : انه كان من العباد في زمانه ، معجم رجال الحديث ج 17 ص 252.
باب عدم جواز القضاء والحكم بالرأي والاجتهاد والمقاييس ونحوها من الاستنباطات الظنية في نفس الأحكام الشرعية غير صحيح لأن القضاء والحكم بالرأي والاجتهاد اذا كان على اساس ما ذكرنا من الروايات الواردة عنهم عليهالسلام لا منع منه بل هو واقع على الطريق الذي صدر منهم نعم لا يجوز العمل بالقياس فذكر القضاء والحكم بالرأي في سياق القياس في غير محلّه.
وكذا ما ذكره في الباب 10 ص 89 من قوله (باب عدم جواز تقليد غير المعصوم عليهالسلام فيما يقول برأيه) فإن القول بالرأي اذا كان على الموازين المأخوذة منهم عليهالسلام لا مانع منه ويجوز التقليد حينئذ.
مشروعية الاجتهاد الموجود
فلو فرضنا وسلّمنا ان هذه السيرة (أي السيرة الجارية على رجوع العوام الى المجتهدين والمفتين واخذ فتاويهم والعمل بها) مستحدثة ولم يكن في زمن الأئمة عليهمالسلام موجودة لأن الشيعة قد كانت في تلك الأزمنة قادرة على الوصول الى الأئمة عليهمالسلام أو على أصحابهم وتلاميذهم والاستفسار في كل واقعة عن حكمها عنهم عليهمالسلام ولم يكن شأن أصحاب الأئمة عليهمالسلام وتلاميذهم الّا الرواية ونقل ما سمعوا من المعصوم عليهالسلام بلا واسطة أو بواسطة دون الإفتاء والتقليد لكنه لنا أن نقول :
1 ـ إنّهم عليهمالسلام كانوا عالمين بوقوع الغيبة الطويلة الموجبة لحرمان الشيعة عن الوصول الى إمامهم والاستضاءة من انوار علومه ومعارفه ـ كما أخبروا عليهمالسلام بها وبوقوع الفتن والحوادث المؤلمة في هذا الزمن الطويل المقرح
وتأسّفوا عليه أيّ تأسف.
2 ـ إنّهم عليهمالسلام كانوا عالمين بأن الشيعة بارتكازهم يرجعون في تلك العصور المظلمة إلى فقهائهم ويأخذون منهم معالم دينهم ويعملون بما أخذوا عنهم منتظرين للفرج.
3 ـ إنّهم عليهمالسلام كانوا يعلمون بان الفقهاء في هذه العصور ما كان لهم محيص في استخراج الأحكام الشرعية الّا المراجعة الى الكتب والجوامع التي كان الأئمة عليهمالسلام يأمرون بجمعها وتأليفها ويؤكّدون على حفظها ويقولون اكتبوا فإنه سيأتي زمان هرج لا يأنسون الّا بكتبهم وكانوا احيانا يأخذون تلك الكتب ويطالعونها ويدعون لمؤلفها بقولهم عليهمالسلام اعطاه الله بكل حرف نورا يوم القيامة. (1)
ومن المعلوم انه ليس شأن الفقهاء في المراجعة إلى تلك الكتب والجوامع الّا تفريع الفروع على الاصول الواصلة اليهم من ائمتهم والجمع بين اخبارهم المتعارضة بحسب انظارهم على مستوى العلاج الذي ارشدوهم اليه في الأخبار العلاجيّة وما هذا الّا الاجتهاد واتخاذ الرأي والنظر.
فلو لم يكن الطريق المزبور المعمول من الفقهاء مرضيّا عند الأئمة عليهمالسلام كان عليهم الردع وارشاد الفقهاء الى ترك هذا الطريق وارشاد الناس الى ترك الأخذ لفتاويهم وترك العمل بها والحال انهم عليهمالسلام مضافا إلى انهم لم يردعوا عنه قد عظّموا شأن الفقهاء العاملين بهذا الطريق وعظّموا شأنهم وقدرهم واخبروا عن اهميّة عملهم وعن عظيم ثوابهم وجزائهم وانبئوا عن مكانتهم وفضائلهم وقالوا بأنهم هم الكافلون لأيتام آل محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم والمرشدون لهم والمدبّرون لامورهم والمرابطون بالثّغر الذي يلي ابليس وعفاريته ولا ريب
__________________
(1) الوسائل ج 18 ص 72 الحديث 80 من الباب 8 من أبواب صفات القاضي.
انهم جزاهم الله عن الإسلام خيرا حفّاظ الشريعة في الغيبة الكبرى واركان الملة فهذا رئيس المحدثين صدوقهم ولد بدعاء صاحب الأمر صلوات الله عليه وارواحنا فداه ونال بذلك عظيم الفضل والفخر ووصفه الإمام عليهالسلام في التوقيع الخارج من ناحيته المقدسة بانه فقيه خيّر مبارك ينفع الله به (1).
وهذا مفيدهم الذي ورد عليه توقيعات من ولي العصر وصاحب الأمر عليهالسلام وقال له فيها للأخ السديد والوليّ الرشيد الشيخ المفيد (2) وكان يوم ارتحاله على آل الرسول سلام الله عليهم عظيما ووجد مكتوبا على قبره :
لا صوّت النّاعي بفقدك انه
يوم على آل الرّسول عظيم
ان كان قد غيّبت في جدث الثرى
فالعدل والتّوحيد فيك مقيم
والقائم المهدي يفرح كلما
تليت عليك من الدروس علوم (3)
وانه الذي رأى في المنام فاطمة الزهراء عليهاالسلام ومعها الحسن والحسين عليهماالسلام وهي تقول يا شيخي علّم ولديّ هذين الفقه ثم جاءت في صبيحة يومه فاطمة ام المرتضى والرضى مستصحبة معها ولديها قائلة يا شيخ علّمهما الفقه (4) وهذا السيّد المرتضى علم الهدى الذي قد قال العلامة في حقّه في
__________________
(1) سفينة البحار ج 2 ص 22.
(2) البحار ج 53 ص 174 والاحتجاج للطبرسي ج 2 ص 324.
(3) تنقيح المقال ج 3 ص 180 ريحانة الأدب ج 4 ص 60 الكنى والألقاب ج 3 ص 172 الفوائد الرضوية ص 633.
(4) روضات الجنّات ج 6 ص 153.
الخلاصة : بكتبه استفاد العلماء من زمانه إلى زماننا وهو يقرب من ثلاثمائة سنة.
وهذا شيخ الطائفة المحقة في تضلّعه في جميع الفنون الإسلاميّة المبتكر في تأليف مبسوطه لإراءة طريق الاجتهاد في الاستخراج الوسيع وتفريع الفروع من احاديث اهل البيت عليهمالسلام وهؤلاء هم المحقق والعلامة والشهيد الأول والثاني والشيخ البهائي والمجلسيّان والوحيد البهبهاني وبحر العلوم والشيخ جعفر الكبير والنراقيّان وصاحب الجواهر والشيخ الاعظم الانصاري والسيد العظيم اليزدي والعلامة الحائري اليزدي واستاذنا العلامة البروجردي الذي قد اوجد تطورا في بحث الفقه في الحوزة العلميّة في بلدة قم المقدسة واستاذنا الإمام الخميني قد ابلغ بنهضته المباركة صدى الإسلام الى اقصى نقاط العالم وجدّد حياة الإسلام بعد ان اراد المستكبرون والجبابرة الطّواغيت اطفائه (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ).
والأحاديث الصّادرة عنهم عليهمالسلام في فضل الفقهاء والعلماء الدالّة على عظم منزلتهم ومكانتهم عند الله وفضل ثوابهم ـ حشرنا الله معهم ـ ان لم يكن صادرة في حقهم وصادقة عليهم ففي حق من صدر؟ وعلى من يصدق؟
فعن ابي محمد العسكري عن ابيه عن آبائه عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم اشدّ من يتم اليتيم الذي انقطع عن ابيه يتم يتيم انقطع عن امامه ... الا فمن هداه وارشده وعلّمه شريعتنا كان معنا في الرفيق الأعلى.
وقال عليّ بن ابي طالب عليهالسلام : «من كان من شيعتنا عالما بشريعتنا