كلمة المؤسّسة :
بسم الله الرحمٰن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّىٰ الله علىٰ محمّد وعلى أهل بيته
الطيّبين الطاهرين .
وبعد :
فقد بقيت مسألة الخلاف الفقهي المبتني على طبيعة فهم وإدراك
حقيقة المراد بالنصّ القرآني والسيرة النبوية الشريفة ، في واحد من أركان
الوضوء الرئيسية ، وهو مسح أو غسل الرجلين ، من المسائل الخلافية
البارزة بين العامّة والخاصّة ، حيث شغلت مساحة كبيرة من البحوث
والمساجلات الكلامية المختلفة فيما بينهما ، والمبتنية على مقارعة الحجّة
بالحجّة والدليل بالدليل .
ولعلّ من يتأمّل ـ وإنْ كان بعجالة عابرة ـ في مجمل النصوص التي
يتذرّع بها كلُّ طرف في إثبات مدّعاه ـ العامّة بالقول بالغسل ، والخاصّة
بالقول بالمسح ـ يجد ـ وبلا محاباة ـ متانة ورصانة ما ذهب إليه الشيعة
الإمامية من القول بأنّ ما جاء به الشرع المقدّس هو المسح دون الغسل ،
وبوضوح جليٍّ لا يستلزم ـ كما عمد إلىٰ ذلك العامّة ـ أيّ حمل وقسر
للنصوص علىٰ غير وجهها الظاهر والمراد من المسلمين التعبُّد به ، والالتزام
بفحواه ، ولمّا كان في ذلك ـ الحمل أو القسر ـ الكثير من المجافاة
للبديهية والمنطق ، لِما عُرف من وضوح الشريعة ، وسهولة مناهجها ، وهو
ما لا خلاف فيه ولا جدال .
وإذا كان للعامّة مدّعياتهم وﭐستدلالاتهم المختلفة في التمسُّك بما
ذهبوا إليه من القول بالغسل دون المسح ، فإنّ علماء الشيعة الإمامية
ومفكِّريها قد تعرَّضوا لإبطال تلك الآراء والاستدلالات من خلال البحث
والنقاش والمحاجّة في متون الكثير من الكتب والرسائل التي لم تترك
شاردة ولا واردة إلّا وأخضعتها للدليل والبرهان المرتكزين علىٰ الأُصول
الثابتة والسليمة التي يتّفق عليها الطرفان ، ويسلِّمان بصوابها ، وبشكل
لا يسع المرء معه إلّا الإذعان والتسليم بصواب وصحّة ما قالته الإمامية من
وجوب المسح ، ودون شكّ أو تردّد .
ولعلّ الرسالة الماثلة بين يدي القارئ الكريم هي نموذج من تلك
المساجلات القيِّمة والتي أبدع في تسطيرها يراع علم من أعلام الطائفة ،
وهو الشيخ أبو الفتح محمّد بن علي الكراجكي رحمهالله ، المتوفّىٰ عام 449 هـ .
وسبق لهذه الرسالة أن نُشرت محقَّقة على صفحات مجلّة « تراثنا »
في عددها التاسع عشر ، الصادر في شهر ربيع الآخر عام 1410 هـ ، بتحقيق
المحقِّق الفاضل الأخ علي موسىٰ الكعبي ، وقد ارتأت مؤسّسة آل
البيت عليهمالسلام لإحياء التراث نشرها مستقلّة ضمن سلسلة مستلّات تراثنا ،
خدمة لتراث أهل البيت عليهمالسلام وترويجاً له .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّىٰ الله علىٰ محمّد
وعلىٰ أهل بيته الطيّبين الطاهرين .
مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث
المقدّمة :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين ، باریء السماوات والأرضين ، باعث الأنبياء والمرسلين ،
وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على خير الخلق محمّد الأمين ، وعلى آله الهداة الميامين ،
وصحبهم المتّقين ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
عزيزي القارئ :
الرسالة التي بين يديك تعدّ واحدة من كنوز التراث النفيسة والقيّمة ، ونظرة
واحدة ـ ولو سريعة ـ كافية للدلالة على سعة اطّلاع مصنّفها الفقيه الجليل أبي الفتح
محمّد بن علي بن عثمان الكراجكيّ رضوان الله تعالى عليه ، وبلوغه الغاية القصوى
في التدقيق والتحقيق ، مع دقّة متناهية في انتقاء اللفظ العذب ، وحسن أداء ، ورشاقة
اُسلوب ، تنمّ عن براعة في الأدب واللّغة والكلام ، ولا شكّ أنّ كثرة مؤلفاته في العلوم
والآداب والفنون المختلفة خير شاهد ودليل على ما قلناه .
ورسالة « القول المبين عن وجوب مسح الرجلين » مقتطعة من كتاب « كنز
الفوائد » الذي عمله المصنّف رحمه الله لابن عمّه ، وقد أدرج فيه جملة من مؤلفاته ،
عدّها بعض المترجمين له كتباً مستقلّة (1) ، وهذا الكتاب هو من أحسن مصنّفاته الباقية
إلى هذا الزمان (2) ، ويحتوي على نفائس من العلوم والفنون ، وتفاسير لآيات كثيرة ،
ومختصرات متنوّعة (3) .
ترجمة المؤلف :
هو القاضي أبو الفتح محمّد بن علي بن عثمان الكراجكي ، وصفه بعض من
ترجم له من العامّة بأنّه رأس الشيعة وصاحب التصانيف الجليلة ، أو بأنّه كان باحثاً
من كبار أصحاب الشريف المرتضى رضوان الله تعالى عليه ، وتارة مشفوعاً بالقول :
« إنّه كان فقيهاً محدِّثاً متكلّماً نحوياً طبيباً عالماً بالنجوم » (4) .
قال السيد بحر العلوم قدّس سرّه : « الشيخ الفقيه القاضي أبو الفتح » (5) .
وفي فهرست منتجب الدين رحمه الله : « الشيخ العالم الثقة أبو الفتح محمّد بن
علي الكراجكيّ فقيه الأصحاب » (6) .
وفي الكنى والألقاب : « الشيخ الفقيه الجليل الذي يعبّر عنه الشهيد كثيراً في
كتبه بالعلّامة مع تعبيره عن العلّامة الحلّي بالفاضل » (7) .
وفي أمل الآمل : « الشيخ أبو الفتح محمّد بن علي بن عثمان الكراجكي عالم
فاضل ، متكلّم فقيه ، محدّث ثقة ، جليل القدر » (
.
_______________________________
(1) كالبغدادي في هديّة العارفين 2 : 70 .
(2) روضات الجنّات 6 : 209 / 579 .
(3) لمزيد من الاطلاع ، انظر : مستدرك الوسائل 3 : 497 ، أعيان الشيعة 9 : 400 ، الذريعة 18 : 161 / 1195 .
(4) انظر : سير أعلام النبلاء 18 : 121 / 61 ، مرآة الجنان 3 : 70 ، لسان الميزان 5 : 300 / 1016 ، شذرات الذَهب
3 : 283 ، العبر 2 : 492 ، الأعلام ـ للزركلي ـ 6 : 276 .
(5) رجال السيّد بحر العلوم 3 : 302 .
(6) فهرست منتجب الدين : 154 / 355 .
(7) الكنى والألقاب 3 : 88 .
(
أمل الآمل 2 : 287 / 857 .
ولعلّ هذا وغيره ممّا لا يبلغه الحصر خير شهادة ودليل على فضله وجلالة قدره
وعلمه ، فقد أسند إليه جلّ أرباب الإِجازات ، وجعله خاتمة المحدّثين رحمه الله على رأس
جملة من المشايخ الذين تنتهي السلسلة في الإِجازات إليهم (9) .
وهو من تلامذة الشيخ المفيد والشريف المرتضى علم الهدى رضوان الله عليهما ،
روى عنهما وعن آخرين من أعلام الشيعة والسُنّة في مكّة والرملة وبغداد وحلب
والقاهرة .
نسبته :
قال السيد محسن الأمين العاملي رحمه الله : والكراجكيّ ـ بفتح الكاف وإهمال
الراء وكسر الجيم ـ نسبة إلى ( الكراجك ) عمل الخيم ، ولهذا وصفه بعض مترجميه
بالخيميّ ، وضبطه بعضهم بضمّ الجيم نسبة إلى ( الكراجُك ) قرية على باب
واسط . . . ولكنّ هذا ليس بصحيح (10) .
وقال ابن حجر : محمّد بن علي الكراجكيّ ـ بفتح الكاف وتخفيف الراء وكسر
الجيم ثم كاف ـ نسبة إلى عمل الجسم ، وهي ( الكراجك ) (11) .
والظاهر أنّ قوله : عمل الجسم ، تصحيف : عمل الخيم .
ولا نستبعد نسبته إلى ( كراجُك ) بضم الجيم من عدّة وجوه :
1 ـ اشتهر الكراجكيّ بكثرة تجواله ، وسياحته في طلب العلم ، وكان من بين
الّذين روى عنهم العالم الفقيه المعروف أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله بن علي
الواسطيّ ، ممّا يدلّ على أنّه سكن واسط أو أحد قراها .
2 ـ قرية ( كراجك ) هي من بين القرى الواقعة في باب واسط ، ذكرها
______________________________
(9) مستدرك الوسائل 3 : 497 .
(10) أعيان الشيعة 9 : 400 .
(11) لسان الميزان 5 : 300 / 1016 .
ياقوت (12) والسمعاني (13) ونسب إليها أحمد بن عيسى الكراجكي ، وأخاه علي بن
عيسى الكراجكيّ .
3 ـ نسبه إلى ( كراجُك ) بضمّ الجيم بعض من ترجم له من أجلّة العلماء (14) .
4 ـ لا يؤيّد كونه منسوب إلى ( الكراجك ) بكسر الجيم ، إلّا دليل واح ، هو أنّ
البعض عنونه بالخيميّ (15) ، ولعلّ هذه النسبة لحقته من بعض الديار التي وطنها خلال
تجواله .
دليلنا على ذلك قول صاحب الروضات : « ويظهر من طرق رواياته المذكورة
في كنز الفوائد وغيره أنّه كان سائحاً في البلاد ، وغالباً في طلب الفقه والحديث والآدب
وغيرها ، إلّا أنّ معظم نزوله وتوطّنه كان بالديار المصريّة . . . ـ إلى أن قال : ـ وكان الخيم
أو ذو الخيم أو ذات الخيم الواقع إليها النسبة من المواضع الواقعة في تلك الديار » . . . (16)
والله أعلم ، وهو المسدّد للصواب .
وفاته :
تكاد المصادر التي ترجمت له تجمع على أنّ وفاته كانت بصور ، في ثاني ربيع
الآخر ـ سنة ( 449 ) هـ . ق ـ (17) رضوان الله تعالى عليه .
______________________________
(12) معجم البلدان 4 : 443 .
(13) الأنساب 10 : 372 ، إلّا أنّه ضبطها بفتح الجيم .
(14) انظر : الكنى والألقاب 3 : 88 ، طبقات أعلام الشيعة ـ القرن الخامس ـ : 177 .
(15) العبر 2 : 294 ، مرآة الجنان 3 : 70 ، معجم المؤلفين 11 : 27 و 8 : 49 .
(16) روضات الجنّات 6 : 209 / 579 .
(17) سير أعلام النبلاء 18 : 121 / 61 ، شذرات الذهب 3 : 283 ، العبر 2 : 294 ، لسان الميزان 5 : 300 / 1016 ،
هدية العارفين 2 : 70 ، الأعلام ـ للزركلي ـ 6 : 276 ، أعيان الشيعة 9 : 400 .
مشايخه :
كان يروي عن جملة من المشايخ الأجلّة ، كما يظهر من مؤلّفاته ، نذكر منهم :
1 ـ اُستاذه الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه .
2 ـ السيد المرتضى علم الهدى قدّس الله روحه .
3 ـ أبا يعلى سلّار بن عبد العزيز الديلميّ .
4 ـ أبا عبد الله الحسين بن عبيد الله بن علي الواسطيّ .
5 ـ أبا الحسن محمّد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان القميّ .
6 ـ أبا المرجّا محمّد بن علي بن طالب البلديّ .
7 ـ أبا عبد الله محمّد بن عبيد الله بن الحسين بن طاهر الحسينيّ .
8 ـ أبا الحسن طاهر بن موسى بن جعفر الحسيني .
9 ـ أبا الحسن أسد بن إبراهيم بن كلب السلميّ الحرّاني .
10 ـ أبا منصور أحمد بن حمزة العريضيّ .
11 ـ أبا العبّاس إسماعيل بن غسّان .
كما روى عن جملة من علماء العامّة (18) .
مصنّفاته :
صنّف في علوم وفنون مختلفة ، كالفقه والإِمامة والأنساب والأدب والنجوم
والفلك والحكمة وغيرها ، ويدلّ على كثرة ما صنّف وألّف واختصر قول المحدّث النوري
قدّس سرّه في خاتمة المستدرك : « ولم أرَ من المترجمين من استوفى مؤلّفاته » (19) .
______________________________
(18) انظر : مستدرك الوسائل 3 : 497 ، روضات الجنّات 6 : 209 / 579 ، رجال السيّد بحر العلوم 3 : 302 ، طبقات
أعلام الشيعة ـ القرن الخامس ـ : 177 .
(19) مستدرك الوسائل 3 : 497 .
وقال السيّد محسن الأمين العاملي رحمه الله : « له مؤلّفات كثيرة بلغت
السبعين حسب عدّ بعض معاصريه » (20) .
ومن جملة مؤلّفاته :
1 ـ الإبانة عن المماثلة ـ في الاستدلال بين طريق النبوّة والإِمامة .
2 ـ الاستطراف في ذكر ما ورد من الفقه في الإِنصاف .
3 ـ الاستبصار في النصّ على الأئمّة الأطهار عليهم السلام .
4 ـ التلقين لأولاد المؤمنين .
5 ـ تهذيب المسترشدين .
6 ـ روضة العابدين ونزهة الزاهدين ، في الصلاة : الفرائض ، والسنن ، والتطوع ،
عمله لولده موسى .
7 ـ النوادر .
8 ـ كنز الفوائد .
9 ـ البستان في الفقه ، وهو معنى لم يطرق ، وسبيل لم يسلك ، قسّم فيه أبوابأ من
الفقه ، وفرّع كلّ فنّ منه ، حتّى حصل من كلّ باب شجرة كاملة ، ويكون نيّفاً وثلاثين
شجرة .
10 ـ التعجّب من أغلاط العامة ـ في الإِمامة .
11 ـ معارضة الأضداد باتّفاق الأعداد ـ في الإِمامة .
12 ـ معدن الجواهر ورياضة الخواطر .
13 ـ معونة الفارض في استخراج سهام الفرائض .
14 ـ المنهاج إلى معرفة مناسك الحاجّ .
15 ـ مختصر كتاب الدعائم للنعمان .
16 ـ الاختيار من الأخبار ـ مختصر كتاب الأخبار للنعمان .
______________________________
(20) أعيان الشيعة 9 : 400 .
17 ـ ردع الجاهل وتنبيه الغافل .
18 ـ الكافي الاستدلال بصحّة القول برؤية الهلال .
19 ـ غاية الإِنصاف في مسائل الخلاف ـ في علم الكلام .
20 ـ حجّة العالِم في هيئة العالَم ـ يتضمّن الدلالة على أنّ شكل السماوات
والأرضين كمثل الكرة .
21 ـ ذكر الأسباب الصادّة عن معرفة الصواب .
22 ـ الرسالة الدامغة للنصارى ـ تتضمن نقضاً لكلام أبي الهيثم النصرانيّ .
23 ـ الغاية في الاُصول ـ وفي جزء منه : القول في حدوث العالم وإثبات محدثه .
24 ـ جواب رسالة الأخوين ـ يتضمّن ردّاً على الأشعريّة .
25 ـ عدّة البصير في حجّ يوم الغدير ـ في الإِمامة .
26 ـ مختصر كتاب التنزيه ـ للسيد المرتضى رحمه الله .
27 ـ مزيل اللبس ومكمّل الاُنس ـ في علم النجوم .
28 ـ نظم الدرر في مبنى الكواكب والدرر .
29 ـ الحساب الهندي ـ يتضمّن أبواب الحساب الهندي وعمل الجذور
والمكعّبات المفتوحة والصمّ .
30 ـ رياض الحكم ـ في الأدب .
31 ـ موعظة العقل للنفس .
32 ـ نصيحة الإِخوان .
33 ـ التحفة في الخواتيم .
34 ـ الجليس ـ وهو كالروضة ، فيه سير ملوك وشعر .
35 ـ انتفاع المؤمنين بما في أيدي السلاطين .
36 ـ الأنيس ـ في فنون مختلفة .
37 ـ التأديب .
38 ـ الاُصول في مذهب آل الرسول صلوات الله عليهم .
39 ـ مختصر البيان عن دلالة شهر رمضان .
40 ـ المدهش .
41 ـ رسالة التنبيه على أغلاط أبي الحسن البصري .
42 ـ رسالة التعريف بحقوق الوالدين ـ وهي وصيّته إلى ولده موسى .
هذه هي جملة من مؤلفاته ، وقد أعرضنا عن ذكر كثير منها ، تجدها في مظانّها (21) .
النسخ المعتمدة :
1 ـ النسخة الخطيّة المحفوظة في المكتبة الرضوية بمشهد المقدّسة ، برقم ( 226 ) ،
مسطرتها ( 19 ) سطراً ، سنة النسخ ( 677 هـ . ق ) وهي المعبّر عنها بنسخة الأصل .
2 ـ الكتاب المطبوع على الحجر ـ من منشورات مكتبة المصطفوي ـ قم
المشرّفة ، ولم نعتمد على هذا الكتاب إِلّا في موارد نادرة .
ومما يجدر ذكره أنّ كتاب كنز الفوائد قد تم تحقيقه من قبل الشيخ الفاضل
عبد الله نعمه ، وطبع في دار الأضواء ـ بيروت ، طبعة حديثة بذل فيها المحقق جهداً
يستحقّ لأجله الثناء والتقدير .
وقد كانت هذه الرسالة من ضمن الرسائل التي يحتويها الكتاب ، وقد اعتمد
المحقق في التحقيق على النسخة المطبوعة سنة 1322 فقط ، وهي نسخة سقيمة جداً
وكثير من الكلمات فيها غير واضح كما وصفها محقق الكتاب . . . . وبالنظر لتوفر النسخة
الخطية التي يرجع تاريخ نسخها إِلى ( 677 هـ ) فقد ارتأينا إِعادة تحقيق هذه الرسالة
اعتماداً على هذه النسخة كما تمّ مقابلتها مع النسخة المطبوعة على الحجر .
وخرّجنا الأحايث والنقول التي ذكرها المؤلف من مظانها الأصلية ، ودعمنا
أقواله بمصادر الخاصّة والعامّة ، كما ذكرنا تراجم الرواة والعلماء الذين وردت أسماؤهم
______________________________
(21) انظر : أمل الآمل 2 : 287 / 857 ، معالم العلماء : 118 / 788 ، روضات الجنّات 6 : 209 / 579 ، أعيان الشيعة
9 : 400 ، هديّة العارفين 2 : 70 ، الأعلام ـ للزركلي ـ 6 : 276 .
في متن الرسالة ونبّهنا على مصادرها تتميماً للفائدة .
وآخر دعوانا أن الحمدلله ربّ العالمين
علي موسى الكعبي
رسالة كتبتها إلىٰ أحد الإخوان ، وسمّيتها بـ :
القول المبين
عن وجوب مسح الرِّجلَين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلواته على سيّدنا محمّد ورسوله خاتم النبيّين وآله الطاهرين .
سألتَ ـ أيّدك الله تعالى ـ في أن اُورد لك من القول في مسح الرجلين ، ما
يتبيّن لك به وجوبه وصحّة مذهبنا فيه وصوابه ، وأنا اُجيبك إِلى ما سألت ، واُورد مختصراً
نطلب به ما طلبت ، بعون الله وتوفيقه .
اعلم أنّ فرض الرجلين عندنا في الوضوء هو المسح دون الغسل ، ومن غسل
فلم يؤدِّ الفرض ، وقد وافَقَنا على ذلك جماعة من الصحابة والتابعين ، كابن عبّاس (1)
______________________________
(1) عبد الله بن عبّاس بن عبد المطّلب القرشي الهاشميّ ، ولد بمكّة ونشأ في بدء عصر النبوّة ، فلازم الرسول الأَكرم
صلّی الله عليه وآله وروى عنه الأَحاديث الصحيحة ، وشهد مع الإمام علي عليه السلام الجمل وصفّين ، توفّي
مكفوف البصر بالطائف في سنة 68 هـ .
الإِصابة 2 : 330 ، طبقات الفقهاء : 48 ، اُسد الغابة 3 : 192 ، حلية الأولياء 1 : 314 ، صفوة الصفوة 1 : 746 ،
سير أعلام النبلاء 3 : 331 .
رحمة الله عليه ، وعكرمة (2) ، وأنس (3) ، وأبي العالية (4) ، والشعبيّ (5) ، وغيرهم (6) .
ودليلنا على أنّ فرضهما المسح : قول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ
إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ
إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) (7) فتضمّنت الآية جملتين ، وصرّح فيهما بحكمين :
______________________________
(2) عكرمة بن عبد الله البربريّ المدنيّ ، مولى عبد الله بن عبّاس ، كان عالماً بالتفسير والمغازي ، روى عنه زهاء ( 300 )
رجل ، توفّي بالمدينة في سنة 105 هـ .
ميزان الاعتدال 3 : 93 ، تهذيب التهذيب 7 : 234 ، حلية الأَولياء 3 : 326 ، وفيات الأَعيان 3 : 265 ، طبقات
الفقهاء : 70 .
(3) أنس بن مالك بن النضر البخاري الخزرجي الأَنصاري ، صاحب رسول الله صلّی الله عليه وآله ، روى عنه رجال
الحديث زهاء 2286 حديثاً ، ولد بالمدينة ومات بالبصرة في سنة 93 هـ .
صفوة الصفوة 1 : 710 ، اُسد الغابة 1 : 127 ، تهذيب الأَسماء واللغات 1 : 127 ، تهذيب التهذيب 1 : 329 ،
سير أعلام النبلاء 5 : 33 .
(4) رفيع بن مهران الرياحيّ البصريّ ، أبو العالية ، مولى امرأة من بني رياح من تميم ، أدرك الجاهلية وأسلم بعد رحلة
الرسول الأَكرم صلّی الله عليه وآله بسنتين ، توفي في سنة 106 هـ ، وقيل في 93 هـ .
طبقات الفقهاء 88 ، تهذيب الأَسماء واللغات 2 : 251 ، حلية الأَولياء 2 : 217 ، تهذيب التهذيب 3 : 246 ،
سير أعلام النبلاء 4 : 207 .
(5) عامر بن شراحيل بن عبد ذي الكبار الشعبيّ الحميريّ ، راوية من التابعين يضرب المثل بحفظه ، وهو من رجال
الحديث ، ولد ونشأ ومات فجأة بالكوفة في سنة 103 هـ .
تهذيب التهذيب 5 : 57 ، وفيات الأَعيان 3 : 12 ، حلية الأَولياء 4 : 310 ، تاريخ بغداد 12 : 227 .
(6) وإِضافة إلى ما ذكره المصنف قدّس سرّه ، فقد حكي مسح القدمين عن قتادة ، وعلقمة ، وابن عمر ، ومجاهد
والأَعمش ، والضحّاك ، وابن كثير ، وحمزة ، وأبي عمرو .
هذا فضلاً عمّن قال بالتخيير بين مسح القدمين وغسلهما كالحسن البصريّ وأبي علي الجبّائيّ ، ومن قال
بوجوب الجمع بين المسح والغسل كناصر الحقّ من أئمّة الزيديّة وداود الأَصفهانيّ ، ومن قال بالتخيير والجمع أولى
كابن العربي .
اُنظر : المبسوط ـ للسرخسيّ ـ 2 : 452 ، المجموع 1 : 417 ، البحر الزخّار 2 : 67 ، المغني 1 : 150 ، الفتوحات
المكّيّة 1 : 343 ، مصنف ابن أبي شيبة 1 : 19 ، تفسير الطبريّ 6 : 83 ، التفسير الكبير للفخر الرازيّ 11 : 161 ،
أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ 2 : 345 ، الجامع لأَحكام القرآن ـ للقرطبي ـ 6 : 91 ، تفسير القرآن العظيم ـ لابن
كثير ـ 2 : 27 .
واُنظر : الخلاف 1 : 90 ، المعتبر 1 : 148 ، التبيان ـ للطوسي ـ 2 : 452 ، مجمع البيان ـ للطبرسي ـ 2 : 164 .
(7) المائدة 5 : 6 .
بدأ في الجملة الاُولى بغسل الوجوه ، ثمّ عُطفت الأيدي عليها ، فوجب لها من
الحكم بحقيقة العطف مثل حكمها .
ثمّ بدأ في الجملة الثانية بمسح الرؤوس ، ثمّ عُطفت الأرجل عليها ، فوجب أن
يكون لها من الحكم بحقيقة العطف مثل حكمها ، حسبما اقتضاه العطف في الجملة التي
قبلها (
.
ولو جاز أن يخالف في الجملة الثانية بين حكم الرؤوس والأرجل المعطوفة
عليها ، لجاز أن يخالف في الجملة الاُولى بين حكم الوجوه والأيدي المعطوفة عليها ، فلمّا
كان هذا غير جائز ، كان الآخر مثله .
فعلم وجوب حمل كلّ عضو معطوف في جملة على ما قبله ، وفيه كفاية لمن تأمّله .
______________________________
(
عطف النسق بالواو يقتضي التشريك في الحكم مطلقاً .
رصف المباني : 473 ، الجنى الداني في حروف المعاني : 158 .
فإِن قال قائل : إِنّا نجد أكثر القرّاء يقرؤون الآية بنصب الأرجل ، فتكون
الأرجل في قراءتهم معطوفة على الايدي ، وذلك موجب للغسل .
قيل له : أمّا الّذين قرؤوا بالنصب من السبعة فليسوا بأكثر من الّذين قرؤوا
بالجرّ ، بل هم مساوون لهم في العدد .
وذلك أنّ ابن كثير (9) وأبا عمرو (10) وأبا بكر (11) وحمزة (12) عن عاصم (13) قرؤوا
(وأرجلِكم) بالجرّ (14) .
______________________________
(9) أبو معبد عبد الله بن كثير الداريّ المكّيّ ، أحد القرّاء السبعة ، ولد وتوفّي بمكّة في سنة 120 هـ .
سير أعلام النبلاء 5 : 318 ، وفيات الأَعيان 3 : 41 ، تهذيب التهذيب 5 : 321 ، تهذيب الكمال 15 : 468 ، النشر
في القراءات العشر 1 : 120 .
(10) زبّان بن عمّار التميميّ المازنيّ البصريّ ، أبو عمرو بن العلاء ، من أئمّة اللغة والأَدب ، وأحد القرّاء السبعة ، ولد
بمكّة ونشأ بالبصرة ومات بالكوفة في سنة 154 هـ .
سير أعلام النبلاء 6 : 407 ، النشر في القراءات العشر 1 : 134 ، تهذيب التهذيب 12 : 197 ، وفيات الأَعيان
3 : 466 .
(11) شعبة بن عيّاش بن سالم الأَزديّ الكوفيّ ، أبو بكر ، أحد مشاهير القرّاء ، وكان عالماً فقيهاً ، توفّي بالكوفة في سنة
193 هـ .
سير أعلام النبلاء 8 : 495 ، حلية الأَولياء 8 : 303 ، ميزان الاعتدال 4 : 499 ، تهذيب التهذيب 12 : 37 ،
النشر في القراءات العشر 1 : 156 .
(12) حمزة بن حبيب بن عمارة بن إِسماعيل التميميّ ، أحد القرّاء السبعة ، توفّي في سنة 56 هـ .
سير أعلام النبلاء 7 : 90 ، تهذيب التهذيب 3 : 24 ، النشر في القراءات العشر 1 : 165 ، وفيات الأعيان 2 : 216 .
(13) عاصم بن أبي النجود بهدلة الكوفيّ الأَسديّ بالولاء ، أحد القرّاء السبعة ، توفّي بالكوفة في سنة 127 ه .
سير أعلام النبلاء 5 : 256 ، النشر في القراءات العشر 1 : 155 ، تهذيب التهذيب 1 : 35 ، وفيات الأَعيان 3 : 9 .
(14) الحجّة للقرّاء السبعة 3 : 214 ، الكشف عن وجوه القراءات 1 : 406 ، السبعة في القراءات : 242 ، حجّة
القراءات : 223 .
ونافعاً (15) وابن عامر (16) والكسائيّ (17) وحفصاً (18) عن عاصم قرؤوا ( وأرجلَكم )
بالنصب (19) .
وقد ذكر العلماء بالعربيّة أنّ العطف من حقّه ان يكون على أقرب مذكور دون
أبعده (20) ، هذا هو الأصل ، وما سواه عندهم تعسّف وانصراف عن حقيقة الكلام إِلى
______________________________
(15) نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم اللّيثيّ بالولاء المدني ، أحد القرّاء السبعة المشهورين ، انتهت إليه رئاسة
القراءة في المدينة ، وتوفّي بها في سنة 169 هـ .
النشر في القراءات العشر 1 : 112 ، وفيات الأَعيان 5 : 368 ، سير أعلام النبلاء 7 : 336 ، الكامل ـ لابن
عديّ ـ 7 : 2515 .
(16) عبد الله بن عامر بن يزيد اليحصبيّ الشاميّ ، أحد القرّاء السبعة ، ومقریء الشاميّين ، توفّي بدمشق في سنة
118 هـ .
سير أعلام النبلاء 5 : 292 ، النشر في القراءات العشر 1 : 144 ، تهذيب التهذيب 2 : 156 ، الجرح والتعديل
5 : 122 .
(17) أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله الأَسديّ بالولاء الكوفّي ، إِمام اللّغة والنحو والقراءة ، ولد في إحدى قرى
الكوفة وتوفّي بالري في سنة 189 هـ .
سير أعلام النبلاء 9 : 131 ، النشر في القراءات العشر 1 : 172 ، الجرح والتعديل 6 : 182 ، تأريخ بغداد
11 : 403 ، وفيات الأَعيان 3 : 295 .
(18) حفص بن سليمان بن المغيرة الأَسديّ بالولاء ، قاریء أهل الكوفة ، وأعلم الناس بقراءة عاصم ، وهو ربيبه :
ابن امرأته ، توفّي في سنة 180 هـ .
النشر في القراءات العشر 1 : 156 ، ميزان الاعتدال 1 : 558 ، تهذيب التهذيب .
(19) الحجّة للقرّاء السبعة 3 : 214 ، السبعة في القراءات : 242 ، الكشف عن وجوه القراءات 1 : 406 ، حجّة
القراءات : 221 .
(20) الأكثر في كلام العرب حمل العطف على الأَقرب من حروف العطف ومن العاملين ، وإعمال أقرب العوامل في
المعمول ، والأمثلة على ذلك كثيرة لا يبلغها الإِحصاء سيما في باب التنازع ، كقوله تعالى من سورة الجنّ
( 72 : 7 ) : ( وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا ) حيث أعمل ( ظننتم ) في ( أن ) لقربه منه ، ولو أعمل
( ظنّوا ) في ( أن ) لوجب أن يقال : ( كما ظننتموه ) ومثله قوله تعالى : ( آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ) الكهف ( 18 : 96 )
وقوله تعالى : ( هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ) الحاقّة ( 69 : 19 ) .
كما أنّ عطف الأرجل على الأيدي يترتّب عليه الفصل بين العامل والمعمول بأجنبيّ بلا ضرورة ، ويترتّب
عليه أيضاً إِعمال البعيد دون القريب مع صحّة حمله عليه ، وهما خلاف الأَصل .
اُنظر : الإِنصاف في مسائل الخلاف 1 : 92 ، شرح الكافية 1 : 79 ، كتاب سيبويه 1 : 73 ، الحجّة للقرّاء السبعة
3 : 214 ، الكشف عن وجوه القراءات 1 : 406 .