الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
البيت اهل
المواضيع الأخيرة
» المحكم في أصول الفقه [ ج2
اصل الشيعه واصولها Emptyاليوم في 9:39 من طرف الشيخ شوقي البديري

» المحكم في اصول الفقه ج3
اصل الشيعه واصولها Emptyاليوم في 7:41 من طرف الشيخ شوقي البديري

» المحكم في أصول الفقه [ ج4
اصل الشيعه واصولها Emptyاليوم في 6:55 من طرف الشيخ شوقي البديري

» الصحيفه السجاديه كامله
اصل الشيعه واصولها Emptyأمس في 20:49 من طرف الشيخ شوقي البديري

» القول الرّشيد في الإجتهاد والتقليد [ ج ١ ]
اصل الشيعه واصولها Emptyأمس في 14:11 من طرف الشيخ شوقي البديري

»  مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه
اصل الشيعه واصولها Emptyأمس في 13:36 من طرف الشيخ شوقي البديري

» قاعدة لا ضرر ولا ضرار
اصل الشيعه واصولها Emptyأمس في 7:51 من طرف الشيخ شوقي البديري

» القول المبين
اصل الشيعه واصولها Emptyالثلاثاء 19 نوفمبر 2024 - 15:46 من طرف الشيخ شوقي البديري

» ------التقيه
اصل الشيعه واصولها Emptyالثلاثاء 19 نوفمبر 2024 - 15:37 من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     اصل الشيعه واصولها

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اصل الشيعه واصولها Empty
    مُساهمةموضوع: اصل الشيعه واصولها   اصل الشيعه واصولها Emptyالأربعاء 16 أكتوبر 2024 - 5:21

    الاهداء :
    يا سيِّدي يا رسول الله :
    أوَ يسعني أنْ أتطاول مع ضآلتي وقلة شأني لأخطو ـ متجاوزاً قدري ـ في فناء قدسك ، وباحة عظمتك لأحط بازوادي ـ التي أوشك أنْ يدركها النفاد ـ بين أفياء جلالك النضرة مقدماً بين يديك الكريمتين هذه البضاعة القليلة المزجاة التي تمخَّضت بها أيام غربتنا المتطارلة التي ما انفكت تنائ بنا بعيداً عن الأهل والأوطان.
    نعم يا سيِّد الكونين ، ويا أيُّها الرحمة المهداة الى العالمين ، فانِّي وإنْ كنتُ حتى دون أنْ أجد لنفسي موطأ قدم قبال تلك الطلعة البهية ، إلا أنِّي أتشبَّث بما عُرف عنك من خلق عظيم ، فأتجرَّأ لأمد يدَيَ اليك سائلاً لا مُعطياً ، متوسِّلاً لا مطالِباً ، راجياً من الله تبارك وتعالى الذي اصطفاك وانتجاك أنْ يرزقني شفاعتك يوم تُعرض فيه الأعمال ، إنَّه سميع مجيب.
    علاء آل جعفر





    مقدّمة التحقيق :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    أبتدأ بحمد الله تعالى والثناء عليه ، رب الأرباب ، وخالق العباد ، الرؤوف الرحيم الذي خلقنا وكان سبحانه عن خلقنا وعبادتنا له غنياً ، وأسبغ علينا من النعم ما لا حد له ولا احصاء ، تبارك وتعالى الله ربُّ العالمين.
    واُصلي على رسوله الكريم ، ورحمته المهداة الى العالمين ، النبيّ المصطفى الذي انتشل من ابتغى النجاة من تيه الضلال الى نور الهدى ، خاتم الانبياء والمرسَلين ، محمَّد بن عبدالله ، وعلى أهل بيته المعصومين ، ورثة علمه ، والقادة من بعده ، سفن النجاة الفارهة ، ومنائر الهدى السامقة ، عليه وعليهم آلاف التحية والتسليم.
    وبعد :
    فلربما يعتقد البعض بتصوُّر يبتني على الفهم السطحي والمظهري لطبيعة المساجلات الكلامية ، والمحاورات الفكرية التي كانت وما زالت تتمظَّهر بها بعض المراكز المحددة العناوين ، في سعيها الدائب والمتواصل من أجل توسيع الهوَّة الوهمية المفتعلة بين الادراك الحقيقي والسليم لعقائد


    الشِّيعة الامامية من قِبل اخواننا في الدين من أتباع الفرق الاسلامية المختلفة ، وبين حالة التفسير السلبي وغير العلمي ، بل والمتغرِّب عن أرضية الواقع الحقيقية ـ التي ينبغي أنْ تكون هي المحك الأساس في تقدير مصداقية وأحقانية كلُّ طرف ـ والذي تحاول هذه الاطراف جاهدة من أجل أنْ تجعل منه الصورة التي تريد لها أنْ ترتسم في مخيلة هؤلاء المسلمين عن حقيقة التشيُّع وعقائده.
    نعم ربما يعتقد هذا البعض بحسن نية ـ لا تتوافق حتماً وواقع الحال المعاش ـ أنَّ المرتكز الحقيقي الذي تبتني عليه هذه المنازعات الفكرية هو ما يمثِّل الجانب الايجابي المثمر الذي يُفترض أنْ يقود الباحثين الى التوصُّل نحو الخلاصة الايجابية المبتغاة من حلقات البحث ، والذي هو طلبة كلُّ عاقل منصف باحث عن الحقيقة في هذا الزمن العسر الشاق الذي يشهد بوضوح جلي تبلور صورة الصراع الخفي والعلني الذي تتوجه حرابه نحو العقيدة الاسلامية المباركة كاطروحة سماوية قادرة على ملء الفراغ العقائدي الذي خلَّفه الانهيار المتلاحق للكثير من الاطروحات المادية وغيرها ، من التي جهد دعاتها وأنصارها ومريدوها في تأكيد قدرتها المزعومة على السمو با البشرية وحل مشكلات العصر التي ـ على زعمهم الباهت ـ تعجز قبالتها العقائد الدينية ، ارتكازاً في تشكيل هذا المعتقد على وضوح الانحراف العقائدي للكنيسة ، وبروز حالة التبعثر والتشرذم بين عموم الفرق الاسلامية ، رغم بروز وظهور الكثير من حالات الالتقاء والتقارب.
    أقول : إنَّ وضوح حالة التشتت بين الأخوة الفرقاء لم تقعد بالمفكرين الغربيين والماديين والمصطفين معهم عن التفكير الجاد في اذكاء وتأجيج هذه الحالة السلبية من خلال الترويج ـ بمكر وخبث ـ عن عدم قدرة الاسلام في الوقت الحاضر لأنْ يشكِّل منهاجاً يمكن اعتماده في بناء الحضارة

    البشرية ، وحل العقد المستعصية المزمنة التي تغلب على حياة هذه الأُمم ، وذلك لادراك اولئك المفكرين بوضوح وجلاء ـ خير من ادارك الكثيرين من رجال هذه الأُمَّة ـ حقيقة العقائد الاسلامية وعظمها ، وما يمكن أنْ يشكِّله الادراك والفهم الحقيقي لها ، لاسيما من قِبل الشعوب التي عاشت وتعيش حالة التغرُّب المقصود عن عقائد السماء العظيمة ، بعد انفصال الكثيرين منهم ورفضهم لحالة الانحراف والتردي التي تتمثَّل بالعقائد الفاسدة التي يرددها بسماجة رجال الكنيسة وقساوستها ، والتي يتأرجح اكثرها على ترانيم أفكار اليهود وأحبارهم بشكل لايخفى إلاّ على السذج والمغفَّلين.
    نعم إنَّ المرء ليدرك بوضوح حالة التوجُّس الكبيرة التي يعاني منها المفكرون الغربيون ، ودعاة امتطاء ركب الحضارة الغربية ـ باعتبارها على زعمهم المريض البديل الفكري الوحيد الذي لا يسع البشرية الاستعاضة عنه ، لاسيما بعد الانهيار المتلاحق للافكار المادية التي حكمت الكثير من بلدان اوربا الشرقية ، تبعاً لتمزُّق أشلاء اُمِّهم التي ولدتهم سفاحاً ـ من قدرة الاسلام على حل كلُّ مشكلات العصر التي عجزوا هم عن مجرد تقديم تفسير مقنع لها ، بل وقدرته على أنْ يكون هو البديل الوحيد عن كلُّ الاطروحات الفاسدة التي استطاعت أنْ تجد لها موطأ قدم بعد التغييب القسري للفكر الاسلامي عن أرض الواقع ـ ولسنين طوال مرة ـ وهو ما لا يعسر على أحد ادراكه من خلال استقراء الأحداث المتلاحقة في هذه المعمورة الدالة بوضوح على ما يمكن أن يؤدي اليه الادراك الحقيقي للاسلام ـ ولا احدد هذا بغير المسلمين فحسب ـ من انهيار حتمي لكلِّ النظريات المادية الأُخرى ، والى هذه الحقيقة تشير تلك الاحداث التي أشرنا اليها ، والتي أبصرها حتى مكفوفي الأبصار ...
    ثم لعلَّ تفشي حالة التوجُّه نحو العقائد الاسلامية في ذهنية العديد من

    الأُوربيين ، ونبذهم للأفكار الغربية ، وتصريح البعض منهم دون مواربة اعتناقه الاسلام (1) وحث الآخرين نحو فهم سليم وواقعي للدين الاسلامي ، بدأ يشكِّل الحلقة الأكثر خطراً في حسابات الماديين والالحاديين ودعاة التغريب ، فكان ذلك حافزاً مؤكداً لهم للتسرب من خلال الخلل التي اوجدتها حالة التعصب المقيت المثارة من قبل المتسربلين بجلباب الاسلام وردائه الفضفاض ، ليُطعن الدين بمدى أهله ، ويقف اعداؤهم في خانة المتفرجين لا يخفون شماتة ولا يكتمون سروراً ، وتلك هي والله اُم الفواقر.
    بلى ، فمن هذا التشخيص الدقيق ـ الذي يدركه العقلاء ـ المنبعث عن رؤية صادقّة ومستجلية للغرض السيء الذي يراد العزف على أوتاره من خلال بعثرة الصف الاسلامي الواحد ، ترانا نستثير بالمسلم ضرورة البحث الجدي والرصين المبني على قواعد علمية سليمة يستطيع من خلالها تكوين صورة صادقة عن الأمر محل البحث ـ وحديثنا هنا عن عقائد الشيعة ـ تمكنه من الحكم الصحيح لا اطلاقه جزافاً ، لأن ليس بذلك من عمل المحصلين الواعين ، وخلاف البحث الاكاديمي العلمي ، فكيف إذا اختص ذلك بطائفة كبيرة من طوائف المسلمين لها آثارها البارزة في بناء الحضارة الاسلامية ورقيها؟.
    إنَّ السجال العلمي الهادف يُعد بلا شك طلبة كلُّ المسلمين الواعين المدركين بدقة أنَّ سر محنتهم وطوال قرون الانتكاسات المرة المتلاحقة ـ التي توِّجت بسقوط عاصمة الدولة الاسلامية بأيدي المغول عام (656 هـ
    __________________
    (1) المراجعة البسيطة للاحصائيات الميدانية في اوربا حول عدد الاوربيين الذين اعتنقوا الدين الاسلامي تبيِّن بوضوح حدة ارتفاع الخط البياني بشكل ملفت للانظار ، وخصوصاً في السنوات الاخيرة التي تعتبر بحق سنوات الصحوة الاسلامية التي بدات تجتاح العالم ، حتى أني قرأت وقبل فترة احصائية لعدد معتنقي الاسلام في فرنسا فقط يذكر فيها أن عددهم بلغ في حدود 250000 فرنسي ، وكذا هو حال باقي بلدان اوربا وبشكل متفاوت ، فراجع.

    1258 م ) مستتبعة باخفاقات وترديات متكررة لتكتمل في انهيارها أمام الغزو الاستعماري المقيت المبتدأة اولى مراحله أبان القرن التاسع عشر الميلادي ، والذي استكملت حلقاته مع نهاية الحرب العالمية الاولى ـ يكمن في استسلامهم الممجوج لحالة التناحر المدسوسة من قبل أعدائهم ـ الاجانب منهم أو المتسربلين بلباس الاسلام ـ وبُعدهم البين عن الفهم السليم للكثير من عقائدهم الاساسية ـ وهنا يكمن أصل الداء ـ والتي أدار لها الكثير منهم عارضيه ، واستسلم بجهل لا يُغتفر لما يُلَقّن به من تفسيرات وتأويلات غريبة ومردودة لتلك العقائد ، دون أي تامُّل وتبصُّر ...
    ثم إنَّ الاستقراء العلمي والدقيق للكثير منِ تلك المساجلات يبين بجلاء أنَّها عين ـ أو انعكاسات ـ التقوُّلات التي تفتَّقت عنها مخيلة اللاهثين خلف سراب المتع الرخيصة والزائفة ابان امتطاء الأمويين سدة الحكومة الاسلامية ، ممَّن أجهدوا أنفسهم في البحث عن مسوغ ما يبرر توليهم لحكومة كانوا هم أكثر الناس كَلَبأً عليها ، وعداءً لها ، فطرقوا أسواق النخاسة التي تصطف فيها الضمائر المعروضة للبيع ، والمتبارية في الكذب على الله تعالى ورسوله ، كما تتبارى الجواري في عرض محاسنهن أمام رواد هذه الاسواق ـ ولكن شتان ما بين هذه وتلك ـ فوجدوا بغيتهم في بعض الصحابة والتابعين ، ممن حفظ لنا التاريخ تحلُّقهم حول موائد الأمويين الذين طالما حذِّر رسول الله 9 من حكومتهم وما يجرونه فيها على الاُمَّة من عظائم الأُمور المنبعثة عن فسادهم وبُعدهم البين عن الاسلام.
    لقد كان الامويون أوَّل من سن بشكل بيِّن قواعد بعثرة أبناء الدين الواحد متوسِّلين في تحقيق بغيتهم هذه بكل ما تطاولت اليه أيديهم التي أطلقها في بيت مال المسلمين امتطاؤهم لسدة الخلافة الاسلامية التي كانوا اكثر من الَّب عليها ، ولم يدخروا وسعاً في احتوائها والقضاء عليها ، بل ولم ينل

    رسول الله 9 في حياته ـ بل وحتى وبعد وفاته ـ أذى من أحد قدر ما ناله من الأمويين ، حتى نبذهم المجتمع الاسلامي ودفعهم إلى الظل ، فانكفؤا في جحورهم كالسعالى يترقبون أنْ تدور على هذا الدين وأهله الدوائر ، أو يأتيهم الزمان بما عجزوا هم عن ادراكه ، وهو ما حدث حين تولى عثمان بن عفان سدة الخلافة الاسلامية ، حيث قفز الأُمويون الى قمة الهرم الاداري في الدولة الاسلامية ، وأطلقوا لأحلامهم الفاسدة العنان ، وعاثوا في الأرض فساداً ، والفضل في ذلك عليهم لعثمان وحده حيث فتح الباب ـ ألذي أوصده رسول الله 9 في وجوههم ـ على مصراعيه أمام طموحهم المنحرف ، واغراضهم الخبيثة ، ولاغرو في ذلك فعثمان يعلن بصراحة على الملأ : أنْ لو كانت بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتها بني اُمية!! (1) وكان صادقاً في قوله وفياً لتعهده (2) حتى ضج المسلمون
    __________________
    (1) روى أحمد بن حنبل في مسنده (1 : 62) عن عثمان بن عفان : أنَّه دعا جماعة من أصحاب رسول الله 9 ـ وفيهمِ عمّار بن ياسر ـ وقال لهم : إنَّي سائلكم وإنِّي أُحب أنْ تصدقوني ، نشدتكم الله أتعلمون أنَ رسول الله 9 كان يؤثر قريشاً على سائر الناس ، ويؤثر بني هاشم على سائر قريش؟
    فسكت القوم ، فقال عثمان : لو أنَّ بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتها بني أُميَّة حتى يدخلوا من عند آخرهم!!
    (2) بلى فقد كانت أيادي عثمان بن عفان في بني أُمية لا حدود لها ، ممّا أثار ذلك عليه نقمة المسلمين ، لاسيّما وأنَّ هناك الكثير من صحابة رسول الله 9 الذين أدركوا وعاينوا الموقف العدائي لهذه الاسرة من الاسلام واهله ، بل ومن رسوله الكريم 9 الذي ما زالت كلماته وعباراته المحذِّرة للمسلمين من فساد هذه العائلة وانحرافها ، وجهدها الدؤوب قي تمزيق هذا الدين ، تتردد في آذانهم ، وتتجاوب معها نفوسهم ، ولذا فقد كان موقف الخليفة المخالف بشكل حاد لتلك الوصايا مصدر نقمة وغضب بدأت تعتمل في نفوس اولئك الصحابة ، ياججها اسراف الأمويين وتجاوزهم على حقوق المسلمين وتلاعبهم بها.
    ولقد استعرض المؤرخون في كتبهم جوانب متفرقة من تلك الامور ، إلّا أنَّ أوسعها


    ـ وفيهم الكثير من صحابة رسول الله 9 ـ بفساد الأُمويين وتهتكهم ، فانقضوا على بيت الخليفة وقتلوه.
    نعم لقد كانت هذه العصابة المشخصة النوايا ـ والتي أخذ بخطامها
    __________________
    تفصيلاً ما أورده ابن ابي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة (1 : 198) حيث ذكر : أنَّ عثمان أوطأ بني اُميَّة رقابَ الناس ، وولاّهم الولايات ، وأقطعهم القطائع.
    فلما افتُتِحَتْ افريقيّة في أيامه أخذ الخُمس كلَّه ووهبه لمروان بن الحكم طريد رسول الله 9.
    وطلب منه عبدالله بن خالد بن أسيد صِلَة ، فأعطاه أربعمائة ألف درهم.
    وأعاد الحكَم بن أبي العاص [ عدوَ رسول الله صلى الله عليه وآله ، ومن أكثر الناس ايذاء له ] بعد أن كان رسول الله صلى الله عليه وآله قد سَيَّره ثم لم يردَّه أبو بكر ولا عمر ، وأعطاه مائة ألف درهم!!.
    وتصدَّق رسول الله 9 بموضع سوق بالمدينة يُعرف بمهزور على المسلمين ، فاقطعه عثمان الحارثَ بن الحكم أخا مروان بن الحكم.
    وأقطعٍ مروان فَدَك ، وقد كانت فاطمةُ عليها السَّلام أطلبتْها بعد وفاة أبيها صلوات الله عليه ، تارةً بالميراث ، وتارة بالنِّحْلة فدُفِعت عنها.
    وحَمى المراعى حولَ المدينة كلَّها من مواشي المسلمين كلِّهم إلا عن بني اُميَّة.
    وأعطى عبدَالله بن أبي سَرْح جميع ما أفاء الله عليه من فتح إفريقيّة بالمغرب ـ وهي من طرابلس الغرب إلى طَنْجة ـ من غير أنْ يَشْرَكه فيه أحد من المسلمين.
    وأعطى أبا سفيان بن حرب مائتي ألف من بيت المال ، في اليوم الذي أمر فيه لمروان بن الحكم بمائة ألف من بيت المال ، وقد كان زوَّجه ابنته اُم أبان ، فجاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيحِ فوضعها بين يدي عثمان وبكى ، فقال عثمان : أتبكي أن وَصَلْتُ رَحمِي! قال : لا ، ولكن أبكي لأنّي أظنك أنَك أخذتَ هذا المال عِوضاً عما كنتَ أنفقتَه في سبيل الله في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله ، والله لو أعطيتَ مروان مائة درهم لكان كثيراً ، فقال : ألقِ المفاتيح يابن أرقم ، فإنّا سنجد غيرك.
    وأتاه أبو موسى باموال من العراق جليلة ، فقسَّمها كلَها في بني اميّة. وأنكح الحارث بن الحكم ابنته عائشة ، فاعطاه مائة ألف من بيت المال أيضاً بعد صَرْفه زيد بن أرقم عن خزنه.
    وانضمَّ إلى هذه الأمور اُمور اُخرى نقمها عليه المسلمون : كتسيير أبي ذرّ رحمه الله تعالى إلى الرّبَذة ، وضرب عبدالله بن مسعود حتى كسرت أضلاعه ... وختم ذلك ما وجدوه من كتابه إلى معاوية يأمره فيه بقتل قوم من المسلمين ...

    معاوية بن ابي سفيان ، وحاله لا يخفى على أحد ، وبغضه لبيت رسول الله 9 لا يحتاج الى توضيح ـ هي أوَّل من تصدى لتمزيق اشلاء المجتمع الاسلامي الواحد ، ثم اقتفى الخلف من بعد اثار السلف ، وامتطى العباسيون قفى الأحداث ، مثيرين النقع قبالة الحقائق الثابتة بأحقانية أهل البيت : ، مرددين عين الترهات التي ما انفك الأُمويون عن ترديدها والتلاعب بمفرداتها ، ومستثمرين حالات الصراع الفكري الذي بدأت تتبلور أبعاده في نشوء المدارس الكلامية المتعددة ، تزامناً مع توسع الرقعة الجغرافية للدولة الاسلامية ، وتأثر الكثير من تلك المدارس بالاطروحات الفلسفية والفكرية لتلك الشعوب الحديثة الاسلام ، والتي تمتلك بلا شك جملة خاصة من الافكار البعيدة الغور ، والواسعة المدى ، فحدثت ـ وذلك أمر متوقع ـ العديد من حالات التأثر الفكري والعقائدي عند بعض المدارس الكلامية الاسلامية التي افرزتها تلك الظروف الغريبة عن حياة المسلمين ، فاستثمرتها السياسة الحاكمة ترويجاً لموقفها المعاند لمدرسة أهل البيت : ، واقحاماً لمتكلِّمي الشِّيعة في مخاضات الجدل والمناظرة والتي سجل لنا التاريخ امتلاك هؤلاء المتكلِّمين ـ المتخرجين من تلك المدرسة المباركة التي تستقي علومها من دوحة النبوة المعطاءة ـ لزمام المحاجة والمجادلة ، فلم يمتلك اولئك المنكسرين ما يرد لكبريائهم الممرَّغ في وحل العجز بعض معالمه إلّا اجترار ما ازدرته نفوس المسلمين العقلاء من الكذب الرخيص والافتراء الباهت.
    نعم لا شيء جديد يمكن للمرء أنْ يعده محفلاً للبحث والتباري الفكري والعقائدي ، بل هو ـ وكما ذكرنا ـ اجترار مقيت ، وتكرار ممل ، لانْ تكلَّف البعض أنْ يُضفي عليه طابعاً عصرياً مموِّها لبضاعة السابقين ، ولكن الأصل اجلى من ان يخفيه أي تزويق ، وأي تمويه. والانكى من ذلك أنْ

    تجد التراث الشيعي للكثير من علماء الشِّيعة ومتكلِّميها ، وطوال حقب متلاحقة ، تزدان به ما لا يحصى من المؤلَّفات والأسفار القيِّمة التي تبيِّن بوضوح لا خفاء فيه عقائد الشِّيعة ، وأدلتهم الشرعية التي يرتكزون عليها في صياغة احكامهم التي يتعبدون من خلالها ... وهذا التراث ـ بكلِّ ما فيه ـ لا يعسر على احد قراءته ومطالعته ، وادراك حقيقته ، وذاك اجدى لمن ابتغى الحقيقة لا سواها ، لأن السماع أو الركون لتقولات الآخرين ـ كما هو حال العديد من الباحثين في عصرنا الحاضر ، وهو ظاهرة سلبية مردودة ـ قد يؤدي إلى ايقاع الظلم بالآخرين دون حجة أو دليل يعتذر به ، لتعمُّد البعض قلب الحقائق وتزييفها لأغراض ومآرب غير خافية على أحد (1).
    __________________
    (1) الغريب أن تبلغ السذاجة أو الصلافة بالانسان حداً يتجاوز فيه كلُّ الحدود الشرعية والاخلاقية ، وتحشره مجرداً في زاوية حرجة ، وفي موقع مفضوح تجعل المرء معها يتساءل عن مدى الفائدة التي يجنيها هذا البعض من هذه التصرفات والمواقف الشاذة والمنحرفة المرتكزة على التقوُّلات والافتراءات الباهتة التي لابُدَّ وأنْ يظهر زيفها مع الأيام وعند الاستقصاء ، وعندها لا أدري بماذا يعتذر فنالك المبطلون ، سواء أكان ذلك في الدنيا أو يوم يقوم الحساب.
    نعم هناك الكثير من هذه الموارد الدالَّة على انحراف أصحابها عن جادة الصواب ومنطق الحقِّ ـ من الذين لاتُفسَّر مواقفهم هذه إلا بأنَّها محاولات مسمومة لبعثرة الصف الاسلامي الواحد ـ أشار اليها بعض الباحثين والمتتبعين في بحوثهم ومؤلَّفاتهم ، كما أشرنا الى بعض منها في مقدمتنا التحقيقية لكتاب مكارم الاخلاق ، فراجع.
    وأمّا ما نريد الاشارة اليه هنا فهو عينة صادقة عن خبايا تلك النفوس التي لا ترعوي أمام كلمة الحق ، ولا تخشى المساءلة يوم الحساب ، وبشكل تمجه النفوس ، وتزدريه العقول.
    فقد عمد أحد الكتّاب المصطفين في خانة حاملي معاول تمزيق هذه الأمَّة باسم الدفاع عن حريمها زوراً وبهتاناً ، ويُدعى محمد مال الله في كتابه الموسوم بـ (موقف الشِّيعة من أهل السنًة) في الاصدار الأوَّل ممّا يسمى بدراسات في الفكر الشيعي الى التلاعب باحدى العبارات التي نقلها عن كتابنا هذا بصلافة عجيبة ، ووقاحة غريبة.
    فقد ذكرِفي الصفحة 28 من كتابه المذكور ، ما هذا نصّه : والبداء عند الشِّيعة : « أنْ يظهر ويبدو لله عزَ شانه أمر لم يكن عالماً به »!! انتهى.


    إنَّ المسلمين الذي دكَّت سنابك خيولهم أقاصي المعمورة ، واذعن لسلطانهم العظيم الأكاسرة والقياصرة ، وأخذت أصوات مآذنهم تنادي بالتكبير والتوحيد في أراضي الصليب المتكسِّر ـ الذي ما انفكَّ المتاجرون به من حمله على أكتافهم ليُخفوا تحت أخشابه المتهرئة جشعهم وفسادهم وانحرافهم عن أبسط المفاهيم السماوية المقدسة ـ اولئك المسلمين كانوا بأمسِّ الحاجة من غيرهم إلى وقفة تامُّل لا بُدّ منها لادراك الخلل أو العلة الرئيسية التي أودت بكلِّ أمجادهم ومفاخرهم ، وبدأت وأمام أعينهم تتهاوى
    __________________
    واشار في الهامش الخامس الى كتابنا هذا : (5) أصل الشِّيعة وأصولها / محمَّد الحسين آل كاشف الغطاء : 231.
    وياليته اكتفى بموقفه المخزي هذا ، لَكُنّا تلمّسنا له عذراً ، ولكنه يصر على خداع القرّاء ، ويواصل كذبه وافتراءه دون أي حياء ، فقد أعاد كتابة عين تقوُّلاته هذه في كتابه الآخر (الشَيعة وتحريف القرآن )!! في طبعته الثانية الصادرة عن شركة الشرق الأوسط للطباعة في عمان عام (1405 هـ ) ، وفي الصفحة 12 منه ، فراجع.
    نعم هكذا تصرَّف هذا المؤَلِّف بهذه العبارة ليسيء الى طائفة باكبرها ويتهمها بالكفر والانحراف ، متوهماً أنْ لا أحد سيكشف كذبته هذه ، وأنَّها ستمر على القرّاء مرور الكرام ، ويقال : انظروا ماذا تقول الشِّيعة على لسان واحد من كبار علمائها ، هل هذا إلا هو الكفر المحض!!
    ونص العبارة التي تصرَّف بها هذا المؤَلِّف موجودة في خاتمة كتابنا هذا ضمن حديث الشَّيخ رحمه الله تعالى عن المفتريات التي تتهمِ ظلماً بها الشِّيعة ، حيث قال : ممَّا يُشنِّع به الناس على الشَيعة ، ويزدرى به عليهم أيضاً أمران : الأوّل : قولهم بالبداء ، تخيلاً من المشنِّعين أنَّ البداء الذي تقول به الشِّيعة هو عبارة عن أنْ يظهر ويبدو لله عزَّ شأنه أمر لم يكن عالمآَ به!! وهل هذا إلا الجهل الشنيع ، والكفر الفضيع ، لاستلزامه الجهل على الله تعالى ، وأنَّه محل للحوادث والتغييرات ، فيخرج من حظيرة الوجوب الى مكانة الامكان!! وحاشا الامامية « بل وسائر فرق الاسلام من هذه المقالة التي هي عين الجهالة » بل الضلالة ... الخ.
    أقول : أترك للقارئ الكريم مسألة التعليق على هذا الأمر ، والحكم بما يراه موافقاً للعقل والمنطق والصواب

    شيئاً فشيئاً ، دون أنْ يمتلكوا أمامها حيلة ولا سبيلاً.
    حقاً ـ وهذا ممّا لا ريب به ـ إنَّ ذلك الخلل كان قد استشرى كثيراً في جسد هذه الأُمة التي تمتلك ـ وذلك ما تغص به الأفواه ـ كلُّ مقوِّمات الرقي والسمو ، بل وتُعد رسالتها هي المنهج العقائدي الوحيد القادر على انقاذ البشرية وانتشالها من وهدة الضياع والتغرُّب والانسلاخ عن رسالتها العظيمة التي خلقها الله تبارك وتعالى من أجلها.
    بلى إنَّ ذلك الخلل الرهيب ـ بأبعاده المختلفة ـ كان يسري في جسد هذه الأُمَّة مترافقاً مع جوانب إلخير والعطاء التي أفاضتها شرِيعة السماء بأشكالها المتعددة ، فكان كالعلة التي لا يعيرها البعض اهتماماً حتى تودي به على حين غرة. فتقادم العصور والدهور ، واذكاء حالة الاستسلام أمام واقع الحال دون أي ردة فعل أو انكار ، بل والوقوف السلبي في بعض الأحيان ـ أو الحيادي في أحيان اُخرى ـ أمام دعوات التصحيح المخلصة ، كلُّ ذلك كان يشكِّل العنصر الداعم والمتسامح تجاه حالة السقوط هذه.
    نعم ، ولعلَّ الكتاب الماثل بين يدي القارئ الكريم يمثِّل عينة واضحة مفردة تعكس ابتلاء الشِّيعة ـ وطوال قرون ودهور في ايضاح ورد الشبهات السقيمة والواهية التي ما انفك البعض كالببغاء لا يمل من تكرارها في كلُّ مناسبة وعلى كلُّ منبر ، اصراراً على المعاندة والمكابرة ، أو جهلاً ممجوجاً لا عذر فيه ، فكانت مواقفهم المردودة هذه تمثِّل وبوضوح رؤوس الفتنة الملعونة المبتغية زعزعة وخلخلة البنيان الاسلامي ، من خلال التمويه المقصود على الحقائق الواضحة التي لا يُعفى أحد من وجوب التعرُّف عليها وادراك مصداقيتها.
    وأقول بعيداً عن المغالاة والتطرُّف : إنَّ الأمر الذي لا مراء فيه هو إنَّ التفاوت المنظور بين فرق المسلمين لا يشكِّل حالة مهولة تدفع العقلاء الى

    اليأس والقاء ما في أيديهم وترك الحبال على غاربها ، لأ
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اصل الشيعه واصولها Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اصل الشيعه واصولها   اصل الشيعه واصولها Emptyالأربعاء 16 أكتوبر 2024 - 5:24

    اليأس والقاء ما في أيديهم وترك الحبال على غاربها ، لأنَّ ـ وذلك منتهى الصدق والحق ـ ما يتفق عليه الاخوة الفرقاء هو أكثر ممّا يختلفون فيه ، وفي ذلك ما يشحذ في المصلحين الهمم ، ويدفعهم إلى مواصلة الجهد الدؤوب نحو التقريب والالتقاء.
    بيد إنَّ المحاولات المعدودة ـ ومع اقتران اكثرها بصدق النية وصفاء السريرة ـ تبقى قاصرة ودون الاحاطة الشاملة لأبعاد هذا الامر الجسيم ، لانها تبقى دائرة في الذيول ـ دون الأصل ـ مرات كثيرة ويُتعاطى معها بين الأخذ والرد.
    ولا غرو في ذلك إذ إنَّ العلاج الأنجع لأي علة لا بُدّ فيه من البحث عن الأسباب الرئيسية والأساسية في بروزها ، لا معالجة نتائجها ، وهذا ما عجز الكثيرون عن ادراكه ، أو الاشارة اليه صراحة ودون مواربة ... فتعاقبت الانتكاسات ، وتوالت الاخفاقات ، وستبقى طالما ما زلنا نجد من لا يتورع عن تزييف الحقائق ، وقلب المسميات بصلافة عجيبة ، ووقاحة لا تصدق.
    وحقاً أقول : أنَ الحديث عن هذا الأمر يستثير في خواطر المرء الكثير من الشجون التي لا بُدّ لها من تترجم للجميع دون مواربة ومخاتلة ، وتتطلَّب صدقاً واخلاص نية تتجاوز حدود الأهواء والنزعات النفسية ، وتصبح معياراً وسبيلاًَ لادراك الحق والحقيقة ، لا شيء غير ذلك ...
    المسلمون في هذه المعمورة تشعَّبت بهم المذاهب ، ونأت ببعضهم عن بعض ، بمسافات تتباعد وتتقارب تبعاً لمدى الوعي الفكري ، والفهم العقائدي ، وتتوسَّط بين الاثنين جماعة لا تجيد غير لغة التكفير البغيضة ، واثارة النقع قبالة الحقائق الناصعة والثابتة.
    فالثقل الأكبر ـ وكما يعلم الجميع ـ لعدد المسلمين يتمثَّل بأهل السنَّة

    والجماعة (1) والذين يتعبَّدون بفتاوى أئمة المذاهب الاربعة : أبو حنيفة ، مالك ، الشافعي ، وأحمد بن حنبل. فهناك الحنفي ، والشافعي ، والمالكي ، والحنبلي ، وجميع هذه المذاهب تلتقي وتفترق في جملة واسعة من المسائل ، وذلك أمر لا مناص منه.
    وأمّا الثقل الأكبر الثاني فيتمثَّل بالشِّيعة ، وأعني بهم الشِّيعة الامامية الاثني عشرية ، وهم ينقادون في فهم عباداتهم ومعاملاتهم لأهل بيت النبوة : ، الذين توارثوا علومهم عن رسول الله 9 ، فما افترق حكم اللاحق عن السابق ، بل كان مؤتمناً مؤدياً.
    بلى إنَّ الشِّيعة ترجع في أحكام دينها إلى هذه العترة الطاهرة التي يجب على المسلمين بنص القران الكريم اتباعهم وموالاتهم ومودتهم ، ينضاف الى ذلك جملة واسعة من الأدلة الثابتة والصحيحة التي لا غبار عليها ، وهذا ما لا يحاول البعض ـ تعنُّتاً ومجافاة للحق ـ ادراكه وتفهُّمه ، فيضع نفسه في المضيق دون أيِ مرتكز يعول عليه ، بل والاغرب من ذلك أنْ تجد من يتوسَّل تبريراً لموقفه المستهجن ـ وذلك ما ليس بخاف على أحد ـ بما تمليه عليه حالته النفسية القلقة ، لا المرتكزات العقائدية والفكرية التي ينبغي ان تسود هذه المباحث.
    __________________
    (1) لعلَّه لا يخفى على أحد الأثر العظيمِ الذي خلَّفته الدهور المرة القاسية التي أحاطت بالشِّيعة ـ وأعملت أنيابها فيهم تمزيقاً وتقطيعاً وبشكل متناوب متلاحق ـ وساهمت بشكل مباشر في تحديد أعدادهم ، والحد من تكاثرهم بشكل جلي واضح للعيان ، وهذا ما سبق أنْ تقدَّم منّا الحديث عنه سالفاً.
    يضاف إلى ذلك ما لجأت اليه الحكومات الجائرةِ المتلاحقة من ترويجها واسنادها للمذاهب الاسلامية الأُخرى ، تنكيلاً بالتشيَّع ، وتحجيماً له ، لا حباً وايماناً بتلك المذاهب في أغلب الأحيان ، وإنْ كان ذلك الأمر يتشكل في بعض الأحيان بصبغة التعصُّب الطائفي المقيت الخارج عن أي مفهوم شرعي.

    نعم لا خلاف بأنَّ المسلمين كانوا يشكّلون ـ ظاهراً ـ في زمن رسول الله 9 اُمَّة واحدة يحكمها وجود قائد ميداني ، تنقاد لمشيئته المنبعثة عن ارادة السماء جموع المسلمين ، فلا وجه لاي مخالفة انذاك غير الخروج عن اطار الاسلام ، والكفر الصريح. ومن هنا فلم تكن هناك شبهات عقائدية تعتري أحد ، لأنَّه يجد الجواب الشافي والحاسم لدى صاحب الرسالة 9. بيد أنَّ اللحظات الأًولى لرحليه 9 شهدت بذر شجرة الخلاف التي تطاولت مع الأيام وتفرَّعت ، وضربت جذورها بعيدة في أعماق العقيدة الاسلامية المباركة ، وأثمرت معِ الأيام ثمراً مراً لا يُستساغ ، أقسر البعض نفسه على تجرُّعه غصصاً ، عناداَ للحقِّ ، أو استسلاماً للواقع المعاش.
    فقد توفِّي رسول الله 9 والدولة الاسلامية الغضة الفتية تعيش في أدق ظروفها السياسية وأحرجها ، وحيث تحوطها وتعيش بين جنبيها الكثير من المخاطر المشخَّصة العناوين : كالمنافقين ، ومدعي النبوة وحلفائهم من المشركين ، واليهود ، بالاضافة الى الخطر الذي تشكِّله عليهم كلُّ من الدولتين الرومانية والفارسية ، وغير ذلك.
    وابان تلك الظروف الحساسة والخطرة اُبتليت الأُمَّة بأول وأخطر انقسام أصابها في الصميم ، وكان العلة الأساسية لكلِّ أمراضها وويلاتها المتلاحقة ، ونقطة الاختلاف التي تشعَّبت عنها كلُّ موارد التفرُّق المتفاوتة ، ولن تجد تفسيراً منطقياً وعلمياً يمكنه الاعراض عن التصريح بهذه الحقيقة الثابتة.
    نعم إنَّ الاختلاف الذي مُنيت به الأُمَّة في مسألة خلافة رسول الله 9 ـ وما استتبعه بعد ذلك من نتائج متوقعة ـ كان هو سر الداء الذي سرى في جسد هذه الأُمَّة ، وتصيَّده أعداؤها فطفقوا ـ باساليب

    محكمة ومدروسة ـ يأجِّجوا نار الاختلاف ، ويوسِّعوا الهوَّة بين الأُخوة الاشقاء ، بل ولم يتورَّعوا عن الكذب والافتراء ، والتحريف والتشويه ، وقلب الحقائق وتزييفها كما اسلفنا.
    لقد كانت حقيقة هذا الاختلاف تتلخَّص في تشبُّث طرف واصراره على أنَّ رسول الله 9 قد نصَّ على خلافة علي 7 من بعده ، وتعضدهم في مقولتهم هذه جملة قوية من الأدلَّة النقلية والعقلية الثابتة ، وهم الشيعة ، حين يصر الطرف الاخر على نفي هذا الأمر ، ويذهب الى القول بأنَّ رسول الله 9 ترك الأُمَّة دون أنْ ينصِّب عليها خليفة له من بعده ، وكان على هذه الأُمَّة أنْ تتولى بنفسها تدبير اُمورها ، وتنصيب خليفة عليها ـ رغم ما يحيطها من ظروف عسرة وشديدة التعقيد ـ وهو مذهب أبناء العامَّة من الفرق الاسلامية غير الشِّيعة ، فكأنَّه 9 ـ وبناء على هذا التصوُّر ـ قد ترك هذه الأمَّة الغضة الأطراف دون راع يقودها في هذا التيه العظيم ، والبحر اللجي المتلاطم الامواج!! وذلك ما كانت ولا زالت تعارضهم فيه الشِّيعة أشد المعارضة.
    نعم لقد كان هذا هو الأمر الذي انسحبت ظلاله على مسيرة هذه الأُمة ابتداء من تلك اللحظات الحساسة ـ التي شهدت انعقاد مؤتمر السقيفة ـ وحتى يومنا هذا ، وكانت من نتائجه المرة ما ترتبت عليه من تفسيرات متباينة لجملة العقائد التي يؤمن بها الجميع ـ والتي ينبغي ان لا يختلف الطرفان فيها ـ نتيجة تعدُّد المدارس الكلامية التي تحاول كلُّ واحدة منها جاهدة انْ تدلي بدلوها في هذا المعترك العقائدي المهم ، بعيداً ـ عن منهله العذب المنبعث عن بيت العصمة ومهبط الوحي.
    فاذا كان الطرفان لا يختلفان قطعاً في عقائدهم الاساسية وهي : الايمان بالله تبارك وتعالى ، وكتبه المنزلة ، وجميع انبيائه ورسله عليهم

    السَّلام ، ويؤمنون بأنَّ الجنة والنار حق لا ريب فيهما ، وأنَّ الله تعالى سوف يبعث الموتى من قبورهم للحساب والجزاء ، فإنَّ الاعتقاد المتفاوت في ماهية الأمامة بين الطرفين شكَّل بالتالي نشوء ما نراه من التأويلات والتفسيرات المتفاوتة بتفاوت المدارس المختلفة ، والتي يخالف البعض منها الاخر ، بل ويستسلم البعض منها لآراء هجينة مردودة ، لا تتوافق وحقيقة الاعتقاد التي ينبغي التسليم بها (1).
    __________________
    (1) لعلّ من الأمور التي تثير الاستغراب في نفوس الباحثين وجود جملة من أصحاب السنن والصحاح ـ ومن استقى من منابعهم موارد بحثه دون تأمُّل أو تدبُّر ـ قد وقع أسير جملة مردودة من الأخبار والروايات الموضوعة التي يُشخَّص الكثير منها بانتمائه إلى الاسرائيليات التي جهدت أصابع أعداء الدين في رصفها مع جملة العقائد الاسلامية المباركة والمتوافقة مع العقل والمنطق والفطرة.
    بل والأنكى من ذلك أنْ تجد مَنْ يتعبَّد بتلك النصوص الموضوعة ، ويسلِّم بصحتها ، ويؤمن بمضامينها ، وذلك ممّا تنفطر تأسفاً عليه القلوب ، رغم إيمان ذلك البعض بالجوانب السليمة من تلك العقيدة المتنافية بشكل حاد مع تلك الآراء والمعتقدات الدخيلة ، والذي يشكِّل دعوة صريحة وواضحة لمناقشة تلك الآراء مناقشة علمية رصينَة ، بعيدة عن التعصُّب والتشنُّج.
    نعم إنَ تسرُّب هذه الاسرائيليات الموضوعة يشكِّل الطرف الأوضح في ظاهرة الفهم للخاطىء والتفسير السلبي لبعض النصوص القرآنية المباركة التي أصبحت محل الاختلاف في تفسير ورسم المفهوم الخاص لتلك المدارس في بعض العقائد التي يؤمن بها الجميع ، وزادها تعقيداً تشبث تلك المدارس في الدفاع عنها ، ورد الاعتراضات الموجهة اليها ، واتهام المخالفين الفين لها بالانحراف والسقوط ، رغم ان العقلاء من المسلمين يتسالمون على ما تشكله ظاهرة التحاور العلمي المبتني على اُسس التشريع الاسلامي من مرتكز واضح المباني في التوصل إلى نتيجتين ايجابيتين ، وهما التصحيح والتشذيب للمظاهر الدخيلة على العقائد الاسلامية ، أو التسليم بصواب المنهج الآخر والاقرار بصحته ، وذلك هو بغية كلُّ المخلصين.
    وإذا كانت هناك بعض المشخَّصات التي تعزى الى ظاهرة التسرُّب جانب مهم في تبلورها وبنائها ، فإنَّ ما عرفه المسلمون ممّا يسمى بالتشبيه والتجسيم واحد من تلك الجوانب المشخصة الغريبة عن البنيان العقائدي للشريعة الاسلامية القائمة على التنزيه


    .......................................................
    __________________
    والتوحيد.
    ولعلَّ الأقرب للصواب في تحديد العلة الأساسية في تحليل ظاهرة التسرُّب يتأتى في دراسة الظروف المادية والنفسية التي رافقت نشوء هذه الظاهرة ، وهذه العملية بلا شك تتطلّب دراسة مستفيضة ومتخصصة لا يسعنا هنا الخوض في غمارها ، إلّا أنَّ ما ذكره ابن خلدون في مقدمته يلقي شيئاً من التوضيح على هذا الأمر ، حيث قال : أنَّ العلة الأساسية تكمن في كون العرب آنذاك لم يكونوا أهل كتاب ، ولا علم ، وأنَّما غلبت عليهم البداوة والأُمَيّة ، وإذا تشوَفوا إلى معرفة شيء مما تتشوَّف اليه النفوس البشرية في أسباب المكنونات ، وبدء الخليقة ، وأسرار الوجود ، فانما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم ، ويستفيدونه منهم ، وهم أهل التوراة من اليهود ومن تبع دينهم من النصارى مثل؟ كعب الأحبار ، ووهب بن منبه ، وعبدالله بن سلام.
    بلى لقد كان ذلك الأمر ما يمكن اعتبار الطرف الأوّل في تلك الظاهرة محل البحث ، وأمّا الطرف الأخر منها فيكمن بالجمود على الفهم السطحي المبتور لجملة تلك الآيات القرآنية أو الأخبار المختلفة ، والتي تختلف بشكل بيِّن مع الأُصول العقائدية الاسلامية التي تحاول جاهدة الانتماء اليها ، كما في حالة تفسير قوله تعالى : ( وجُوهٌ يَومَئذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبِّها ناظرَة ) ، وقوله تعالى : ( كلُّ مَنْ عَلَيها فانٌ وَيَبقى وَجهُ رَبِّكَ ذو الجَلالِ وَالاكرامِ ) ، وقوله جلَّ اسمه : ( وَقالَتِ اليَهودُ يَدُ الله مغلُولَة غُلَّتْ أيديهِم وَلُعِنوا بِما قالُوا بَل يَداهُ مَبسَوطَتانِ ) وغيرها.
    أقول : ثم إنَّ ما تولَّد من ذلك الفهم السلبي واُسمي بالتشبيه والتجسيم لا يمكن اعتباره بانَّه يشكَّل ظاهرة جديدة طفحت على الساحة العقائدية لأتباع بعض المدارس الاسلامية ، بل يبدو من الواضح للعيان تشكِّل جوانب منها لدى الأُمم السالفة ، كما في تشبيه النصارى المسيح 7 بالله تبارك وتعالى ، وإنْ كان الشهرستاني يقول في ملله (1 : 93) : بأنَّ التشبيه كان صرفاً خالصاً في اليهود ـ لا في كلِّهم بل في القرّائين منهم ـ إذ وجد في التوراة الفاظاً كثيرة تدل على ذلك ...
    وأضاف في موضع آخر (1 : 06 1) عند حديثه عن بعض أخبار التشبيه التي تداولها جماعة من أهل الحديث ( وهو ما أردنا الاشارة اليه ) : وزادوا في الأخبار أكاذيب وضعوها ونسبوها الى النبي 9 ، وأكثرها مقتبسة من اليهود ، فإنَّ التشبيه فيهم طباع ، حتى قالوا : اشتكت عيناه فعادته الملائكة!! وبكى على طوفان نوح حتى رمدت عيناه!! وأنَّ العرش ليئط من تحته كأطيط الرحل الحديد!! انتهى.
    وأخيراً فإنَّ استعراض ومناقشة جملة تلك الأخبار والروايات المختلفة التي أشرنا اليها يدل


    أقول : إنَ اعتبار الشِّيعة كون ألامامة أصل من اصول الدين ، ومنصب الهي يمنُّ به الله تبارك وتعالى على من يشاء من عباده الذين يمتازون عن غيرهم بمواصفات خاصة تجعلهم اهلاً لهذا التكليف العظيم ، ليس هو نتاج افكارهم الخاصة ـ كما يحلو للبعض اطلاق ذلك دون دليل أو حجة ـ بل
    __________________
    بصراحة على صحة وصواب ما ذهبنا اليه ، هذا إذا اعتمد الباحث والدارس في الحكم عليها الأُسس والقواعد المعروفة لدى علماء الأصول والجرح والتعديل.
    فمن ذلك : الأخبار والروايات التي تزعم بأنَّ الله تعالى خلق آدم عليه السلام على صورته ، أو أنَّ له سبحانه جوارح مشخصة كالأصابع والساق والقدم ، وأنَّ في ساقه ـ سبحانه ـ علامة يُعرف بها!!.
    بل وأنَّه تعالى يضع قدمه يوم القيامة في نار جهنم ليكف نهمها فتقول : قط قط!!.
    كما أنَّه جل اسمه يهبط في آخر الليل إلى السماء الدنيا!! ويقول : من يسألني فأستجيب له ، من يسالني فأعطيه ، من يستغفرني فاغفر له.
    يضاف إلى ذلك ما يروى من إمكان رؤيته تعالى حقيقة لا مجازاً ، حتى أنَّ تلك الأخبار لا تكتفي بحصر رؤية الله تعالى برسوله الأكرم صلى الله عليه وآله ـ حيث تذكر بأنَّه يرى الله سبحانه فيقع ساجداً له ـ بل يتعداه ذلك الأمر إلى الجميع ، حيث تورد بأنََّه جلَّ وعلا يهبط يوم القيامة إلى العباد ليقضي بينهم!! وذلك مصداق ما نُسب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله من قوله : أنَّكم سترون ربَكم عياناً ، وأنّ المسلمين يرون ربَّهم يوم القيامة كما يرون القمر لا يضامون في رويته!!.
    والأغرب من ذلك كلِّه ما يُروى من أنَ الله تبارك وتعالى يأتي هذه الأُمة يوم القيامة على هيئة غير هيئته التي يعرفونه بها ، فينكرون ذلك عليه!! حتى يأتيهم بالصورة التي يعرفونه بها فيتبعونه!!
    وغير ذلك. راجع : صحيح البخاري 8 : 62 ( كتاب الاستئذان ) 9 : 156 ( كتاب التوحيد ، باب قول الله تعالى : لما خلقت بيدي ، وباب قوله تعالى : وجوه يومئذ ناضرة ) و 2 : 66 ( كتاب التهجد ، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل ) ، صحيح مسلم 4 : 2183|2841 و : 2017|115 و 2147|19 ، 20 ، 21 ، 22 ، و : 2186|35 ، 36 ، 37 ، 38 ، 1 : 439|211 ، 212 ، 963|299 ، 300 ، 302 ، سنن ابن ماجة 1 : 64|182 و : 435|1366 و 444|1388 ، 1390 ، سنن الترمذي 4 : 691|2557 و 2 : 307|446 و 4 : 591|2382 و 4 : 687|2551 ، 2552 ، مسند أحمد 2 : 264 ، 267 ، 282 ، 487 ، 504 ، 3 : 34 ، 4 : 16 ، موطأ مالك 1 : 214|30.

    على العكس من ذلك ، فقد ابتنت عليه جملة كبيرة من افكارهم ومعتقداتهم ، لأنَّهم يمتلكون على اثبات هذا الأمر جملة واسعة من الأدلة النقلية والعقلية التي يتفق عليها الفريقان ، رغم مخالفة الطرف الآخر لهم في اعتقاده بأنَّ اختيار الامام من حقِّ الأُمة ، وليس هو شأن خارج عن ارادتها ومتعلِّق بارادة السماء ـ كما يعتقده الشِّيعة ـ وإنْ كانوا يذهبون إلى القول بوجوبها لقيادة الأُمة. وبهذا فهم قد خالفوا الشِّيعة فيما ذهبوا اليه من تنصيب علي 7 من قِبل الله تعالى ، خليفة لرسوله الكريم 9 ، وحصر الامامة في ابنائه :.
    وممّا لا ريب فيه أنَّ اطلاق الأقوال جزافاً ليس هو بعمل المحصَّلين ، ولا يسع المرء ـ بل لا ينبغي له ـ الركون إلى صدقه اذا لم يعضده الدليل السليم ، والحجة المقنعة ، وهذا ما نراه من أنَّ الشِّيعة أكثر ما يطالبون به مخالفيهم والرادين عليهم ، مع تطوعهم ( اي الشِّيعة ) لاثبات دعاواهم من خلال طرحها ومناقشة حجيتها.
    وخلاصة المقال : فإنَّ الاختلاف الحاصل في مسألة الامامة والخلافة بين الفريقين ، وإنْ تشعَّبت فيه الآراء ، إلا أنَّه لا يخرج عن هذه التصوُّرات الثلاث :
    أوَّلها : أنَّ رسول الله 9 قد ترك اُمَّته هملاً من بعده ، وعليها هي وحدها أنْ تتولّى مسؤولية تدبير اُمورها وفق ماترتأيه ، ومما تتوصل اليه. وهذا الأمر كما هو واضح وجلي ينسحب بالتالي الى ارادة الباري عزَّ وجلَّ ، حيث أنَّ الرسول مبلِّغ ، وما لم يُبلَّغ به لا يُطالَب به.
    ثانيها : إنَّ الله تعالى ورسوله 9 قد رسما للأُمَّة سبيل ومواصفات واسلوب اختيار الخليفة والإمام بعد رسول الله 9.

    ثالثها : أنَّ رسول الله 9 قد نصَّ بالاسم على خليفة له من بعده بأمر من الله تبارك وتعالى ، وعلى الأُمة أنْ تستجيب لهذه المشيئة لأنَّها حكم سماوي لا تأويل ولا اجتهاد ولا رد عليه إلّا من العاصين الخارجين عن تلك الارادة المقدسة.
    ولعلَّ الذهاب في مناقشة وبحث هذه الآراء الممثِّلة لجملة المدارس الفكرية المنبعثة عنها يستلزم الكثير من المساحة التي لا يسعنا قطعاً تحميل هذا الكتاب بها ، إلاّ ان ذلك لا يحول دون اللمحة او الاشارة المتعجِّلة اليها.
    فأقول مستعيناً بالله تعالى : إنَّ وجود الوصي ضرورة حتمية يحكم بوجوبها العقل وحاجة المجتمع الاسلامي لقائد يسوسه ويدبِّر شؤونه ، ويتولّى مواصلة النهج الذي اختطه الرسول الاكرم 9 بكفاءه تتناسب ـ حتماً ـ وعظم هذه الرسالة واهميتها والظروف المحيطة بها.
    ولا يعتري أي عاقل شك في وجوب ذلك ، فإنَّ ما تآلف عليه الناس منذ ظهور التجمعات البشرية ، وتبلور أبسط النظم الحياتية ، وجود إمام أو رئيس يفوضون اليه اُمورهم ، ويفزعون اليه في تدبير شؤونهم ، لأنَّهم يدركون بوضوح أنَّ خلو أي مجتمع من قائد أو إمام يفتح الباب على مصراعيه امام ذوي المآرب الفاسدة والظلمة والمنحرفين ، فتضطرب أحوالهم ، وتختل موازين حياتهم ، ويفشو فيهم الظلم والفساد وفعل القبيح ، بل وتنهار النظم التي كانت تحكم حياتهم ابان وجود الحاكم السابق ، حتى يستقر الحال على أمر ما.
    ومن هنا فإنَّ من اُولى المسلَّمات في سياسات الحكّام والملوك والأُمراء ـ بل وحتى ذوي المسؤوليات المتواضعة ـ تنصيب نائب ( أي خليفة ) تُناط به مسؤولية تولِّي شؤون ذلك الحاكم عند تغيُّبه أو وفاته ، لأنَّ ترك هذا

    الأمر خلاف العقل والمنطق ، ولا يذهب اليه أحد ، فتأمَّل واستقرء ما غبر من الدهور ، بل وما نعاينه في أيامنا هذه ، فهل تجد إلّا ما قلناه؟.
    ثم اذا كان ذلك في شؤون الامارات والممالك والدول ، فكيف لو تعلَّق الأمر بالأديان السماوية ، بل وبآخرها وأعظمها ، وباوسعها نظاماً وتشريعاً؟! وحيث يتعلَّق الأمر بالخالق تبارك وتعالى ، وبرسوله الكريم 9 ، الذي ما اُرسل إلا رحمة للعالمين ... فهل يريد من يخالف ذلك أنْ ينسب التفريط بهذا الأمر الذي لم يفرِّط به ملوك الدنيا وحكامها إلى الله تبارك وتعالى ، وذلك لا يذهب اليه أحد إلّا من كان أعمى القلب معدوم البصيرة ، أو الى رسوله الكريم 9 ، وذلك ليس بمعهود منه ، حيث تحدِّثنا جميع المراجع التاريخية المختلفة أنَّه لم يغادر المدينة يوماً إلا واستناب فيها من يخلفه (1) يلحق بذلك ايضاً وصاياه
    __________________
    (1) بلى إنَّ المراجعة البسيطة لسيرة رسول الله 9 في استخلاف مَنْ ينوب عنه حين تركه لعاصمة الدولة الاسلامية ، حتى ولو قصر مدى السفر وقلت أيامه ـ كما فيِ غزوة اُحد التي لم تبعد عن المدينة إلّا ميلاً واحداً ، ولم يستغرق بعده عنها إلّا يوماً واحداً فقط ، بل وفي غزوة الخندق التي كانت في المدينة عينها ـ تدل دلالة واضحة على استحالة وقوع التفريط منه في ترك هذه الأُمَّة دون راعي أو خليفة ينوب عنه ، لاسيما ونحن نعلم أنَّ رسول الله 9 لم يفاجأ بموته كما معروف لدى الجميع ، وأنه 9 يدرك بوضوح ما يحيط اُمّته من المخاطر الجسيمة التي تتحين بها الفرص والغفلات؟!
    نعم ، فإنّا عندما نتأمّل ذلك نجد أنَّ افتراض عدم الاستخلاف من قِبَل رسول الله 9 خلاف ما عُهد من سيرته المباركة ـ مضافاً إلى خلافه الصريح مع المنطق والعقل ـ وذلك ما يتبيّن عند المراجعة البسيطة لكتب السيرة والتاريخ المختلفة :
    1 ـ فعندما اُذن له 9 بقتال المشركين في السنة الثانية من الهجرة ، وخرج مع جماعة من المسلمين للتعرض لعير قريش ، استخلف على المدينة سعد بن عبادة خليفة عنه.
    2 ـ وفي تلك السنة ايضاً ، وعند خروجه 9 في غزوة بواط ، استخلف عنه سعد بن معاذ.


    .......................................................
    __________________
    3 ـ واستخلف زيد بن حارثة عند خروجه 9 في طلب كرز بن جابر الفهري الذيَ اغار على المدينة.
    4 ـ ثم استخلف 9 أبا سلمة المخزومي عندما خرج في غزوة العشير.
    5 ـ وفي غزوة بدر الكبرى كان ابن اُم مكتوم خليفة عنه صلى الله عليه وآله في المدينة.
    6 ـ وعندما خرج 9 في غزوة بني القينقاع استخلف أبا لبابة الأنصاري.
    7 ـ وأعاد 9 استخلاف أبي لبابة عند خروجه في غزوة السويق.
    8 ـ وأما عندما خرج 9 الى سليم وغطفان في السنة الثالثة من الهجرة ، فإنًه استخلف عنه ابن اُم مكتوم.
    9 ـ وفي غزوة بفران كان خليفته 9 في المدينة ابن اُم مكتوم ايضاً.
    10 ـ وأمّا عثمان بن عفان فقد استخلفه 9 عند خروجه في غزوة ذيَ أمر.
    11 ـ واستخلف 9 ابن اُم مكتوم عند خروجه الى أحد.
    12 ـ وأعاد 9 استخلاف ابن اُم مكتوم عندما خرج الى غزوة حمراء الأسد.
    13 ـ واستخلفه أيضاً عند خروجه 9 في غزوة بني النضير.
    14 ـ وعند خروجه 9 الى غزوة بدر الثالثة كان خليفته في المدينة عبدالله بن رواحة الأنصاري.
    15 ـ وفي غزوة ذات الرقاع استخلف 9 عثمان بن عفان في المدينة.
    16 ـ وأمّا في غزوة دومة الجندل فقد استخلف صلى الله عليه وآله ابن أم مكتوم في المدينة.
    17 ـ وفي غزوة بني المصطلق كان زيد بن حارثة خليفة عنه صلى الله عليه وآله في المدينة.
    18 ـ وعندما قاتل 9 الاحزاب ، وفي المدينة عينها ، استخلف ابن أم مكتوم أيضاً خليفة عنه.
    19 ـ وكان أبو رهم الغفاري خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة بني قريضة.
    20 ـ وفي غزوة بني لحيان كان ابن اُم مكتوم خليفة عنه 9.
    21 ـ واعاد 9 استخلاف ابن اُم مكتوم عند خروجه في غزوة ذي قَرَد.
    22 ـ وكان ابن اُم مكتوم ايضاً خليفة عن رسول الله صلى الله عليه وآله عند خروجه في غزوة الحديبية.


    المتكررة 9 بوجوب الوصية على المسلم والتشديد على المفرِّط فيها. هذا اذا أدركنا أنَّ المنية لم تعاجل رسول الله 9 بل امتد به مرض الموت اياماً. فما معنى هذا التناقض بين الحالتين!!
    ثم ألا يثير في النفس الاستهجان مما يقوله الذاهبون الى عدم وجوب الوصية ما يرويه مسلم في صحيحه بسنده عن ابن عمر ، من إنه قال : دخلت على حفصة فقالت : أعلمت أنّ أباك غير مستخلف؟
    قال : قلت : ما كان ليفعل.
    قالت : انه فاعل.
    قال ابن عمر : فحلفت اني اكلمه في ذلك. فسكتُّ ، حتى غدوت. ولم اكلمه.
    قال : فكنت كأنما احمل بيميني جبلاً. حتى رجعت فدخلت عليه ، فقلت له : إني سمعت الناس يقولون مقالةً فآليت ان اقولها لك ، زعموا أنَّك غير مستخلف ، وانَّه لو كان لك راعي إبل ، أو راعي غنم ثم جاءك وتركها رأيت أن قد ضيَّع ، فرعاية الناس اشد (1).
    بل وما يروى عن عائشة ايضاً في هذا المنحى من ارسالها إلى عمر عندما طُعن : لا تدع اُمَّة محمّد بلا راع ، استخلف عليهم ، ولا تدعهم بعدك
    __________________
    23 ـ وفي غزوة خيبر استخلف 9 عنه في المدينة سباع بن عرفطة.
    24 ـ وأعاد 9 استخلافه عند خروجه في عمرة القضاء.
    25 ـ وأمّا عند خروجه 9 في فتح مكة فإنَه استخلف أبا رهم الغفاري في المدينة.
    26 ـ ولمّا خرج 9 في غزوة حنين كان أبو رهم خليفته في المدينة أيضاً.
    27 ـ وأمّا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقد خلفه عنه صلى الله عليه وآله في المدينة عند خروجه الى تبوك.
    (1) صحيح مسلم 3 : 1823 (كتاب الامارة ، باب الاستخلاف وتركه ).

    هملاًَ ، فإنِّي أخشى عليهم الفتنة (1).
    ألا تجد في ذلك الموقف ـ الذي نسبه ذلك البعض من اهمال رسول الله 9 لامَّته حيرى مضطربة لا تاوي إلى مكان تستظل فيه ، ولا تجد مرفأ أمان تأوي اليه ـ تناقض صريح مع قول الله تبارك وتعالى في حق رسوله الكريم : ( لَقَدْ جاءَكُم رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُم عَزيزٌ عَلَيهِ مَا عَنِتُّم حَريصٌ عَلَيكُم بالمؤمنينَ رَؤُوفِّ رَحِيمٌ ) (2).
    نعم ، ألا يُعد الذهاب إلى هذا القول اساءة وتوهيناً لشخص الرسول الكريم 9 حتى يقال أنَّ عائشة وعبدالله بن عمر كانا أفقه منه واكثر ادراكاً لخطورة الأمر المترتِّب على ترك الأُمّة دون خليفة أو وصي!!.
    بل وياليت هذا الامر انتهى عند هذين حتى يلتفت اليه ابن خلدون ليقول في مقدمته : فاستحال بقاؤهم فوضى دون حاكم يزع بعضهم عن بعض (3).
    فهل خفي كلُّ هذا عن رسول الله 9؟! ثم الا يُعد هذا خطلاًَ من القول وسفهاً؟
    هذا اذا تجاهلنا أنَّ رسول الله 9 مبلِّغ عن الله تبارك وتعالى في هذه الرسالة العظيمة ، وأنَّ المرسِل جل وعلا أولى برعاية رسالته من الضياع والسقوط ، لعلمه المطلق بما يترتب عليه هذا الترك من تخبط واضطراب عظيمين ، فهل نرتضي لانفسنا نسبة هذا التفريط الى الباري عز وجل؟! انها بحاجة الى وقفة تأمل.
    __________________
    (1) الامامة والسياسة : 23.
    (2) التوبة 9 : 128.
    (3) مقدمة ابن خلدون : 187.

    ولذا فان هذا الافتراض باطل لا يؤبه به لمخالفته الصريحة مع مفهوم العقيدة الاسلامية ، والسيرة الثابتة لرسول الله 9 ، وضرورة العقل لإفتراضه تركه الأُمَّة الاسلامية الفتية نهبة للاختلافات والمشاحنات والافتراضات المتضاربة ، وغرضاً لطلاب الدنيا والسلطة ، واللاهثين خلف متعها الرخيصة الفانية ، مضافاً الى ما ثبت من عدم الوصول الى قاعدة موحَّدة يمكن التسليم بصحتها.
    بيد أنَّ خروج هذا التصوُّر عن افتراض العقلاء لم يغن عن اعتقاد البعض بوقوعه ، بل والتصريح به ، كما افترض ذلك الدكتور أحمد أمين في كتابه الموسوم بفجر الاسلام ، حيث قال : توفي رسول الله 9 ولم يعين من يخلفه ، ولم يبين كيف يكون اختياره ، فواجه المسلمون أشق مسألة واخطرها ... (1)!!.
    كذا نجد من تذهب به المزاعم هذا المذهب الخطير من نسبة الاهمال والتقصير إلى رسول الله 9 ، رغم القطع الثابت بأهمية الوصية وحساسيتها في استمرارية وديمومة الشريعة الاسلامية واتباعها من المسلمين ، بل وانتظام أمرهم حفظاً لهم من التشتُّت والتبعثر.
    قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 : مكان القيِّم بالأمر مكان النظام من الخرز ، يجمعه ويضمه ، فإنْ انقطع النظام تفرَّق وذهب ، ثم لم يجتمع بحذافيره أبداً (2).
    ثم اذا افترضنا أنْ الشارع الاسلامي قد حدد للأُمَّة سبيل ومنهج اختيار الوصي والخليفة ، فإنَّ من حقِّ المرء أنْ يتساءل : أي منهج وضع للمسلمين هو ذلك الذي اعتمده الصحابة في اقرار هذا الأمر؟
    __________________
    (1) فجر الاسلام : 225.
    (2) نهج البلاغة 2 : 316.

    فسقيفة بني ساعدة كانت كميدان تناطحت فيه آراء متضاربة كلُّ منها يدعي أولويته في التصدي لمسؤولية خلافة رسول الله 9 ، وأحقانيته في هذا الأمر دون غيره ، حتى بادر المهاجرون ، وكانوا ثلاثة نفر ، إلى مصادرة هذا الأمر رغماً عن الانصار وغيرهم.
    نعم لم يكن بحاضر في سقيفة بني ساعدة من وجوه المهاجرين سوى ثلاثة من المهاجرين : أبي بكر ، وعمر بن الخطاب ، وابي عبيدة الجرّاح ، وليس في هذا تمثيل قانوني لجموع المهاجرين ، وعلى رأسهم أهل البيت : ، وهم الأولى بهذا الأمر استرسالاً مع حجتهم الذاهبة ـ في التشبُث بتقدُّمهم على الأنصار ـ إلى أن القرابة هي الحاكمة في هذا التنصيب.
    فهل كان هناك منهجان اختطهما رسول الله 9 ، أم أنَّ كلاً منهما كان يجر النار إلى قرصه ، أم ماذا!؟
    ثم إذا سلَّمنا بصحة مدعى المهاجرين ، فهل يمكننا أنْ نعتبر دعواهم هي المقياس الذي ينبغي أنْ لا يتجاوزه المسلمون من بعد ، على اعتبار أنَّ فعلهم هو المعيار الشرعي في اختيار الخليفة النائب عن رسول الله 9 ـ طالما سلَّمنا بوجود المنهج الذي رسمه المشرع الاسلامي في اختيار الوصي أو الإمام وأناطه بالأُمَّة ـ فَلِمَ لم يُتخذ منهجاً يسير عليه اللاحقون ، وتجري في مدارجه خطاهم ، بل تراها خضعت لحسابات متفاوتة حتى امتطى سدة الخلافة ومنبر رسول الله 9 أمثال معاوية وولده يزيد ومروان ومن لف لفهم.
    بلى إذا كان ابو بكر قد تولّى خلافة رسول الله 9 ـ كما يقال ـ بالانتخاب أو التصويت ـ وان كان عمر بن الخطاب يقول : أنَّها

    فلتة ( أو فتنة ) وقى الله المسلمين شرها (1) ـ فلم اختار من بعده عمر ، بل ولِمَ جعلها عمر في ستة؟
    إنَّ في ذلك نفي قاطع لوجود منهج مرسوم من قبل رسول الله 9 في اختيار خليفته ، وإلا لكان الجميع مخالفين قطعاً له كما هو معلوم.
    واما ما يذهب اليه البعض من أنَّ تعيين الأمام أو الوصي يتم بواسطة مبدأ الشورى الذي يشير اليها قوله تعالىِ : ( وَأمرهم شُورى بَينهم ) (2) وقوله تبارك وتعالى ( وَشاوِرهُم بِالأمْر ) (3) فإن قولهم هذا لا ينهض كحجة شرعية يُعتد بها في نفي النص واعتماد الشورى ، لأنَّ المشاورة هنا لا يُراد بها قطعاً مسألة الخلافة ، حيث يُعد ضرباً من المحال اتفاق آراء الأُمَّة على فرد معيَّن ، وفيها الجاهل والمنافق والمناوئ وغيرهمِ.
    كما لا عبرة بما يُقال من حصر الاُمَّة بثلة محددة تتشاور في هذا الأمر ، لأنَّ هذا الحصر ينفي استقراء جميع آراء هذه الأمة ، مع ما فيه من المداخلات التي قد تخرج بالأمر عن مساره السليم.
    نعم فهل فاتك كيف رست سفينة الشورى التي أمر بها الخليفة عمر ابن الخطاب بعد أنْ طُعن ، وفيها كما يعرف الجميع وجوه الصحابة وأعيانهم ، فدارت دوران الرحى على عثمان ، بعد أنْ فقدت أي مصداقية شرعية لها في القطع بصحة الاختيار لخضوع البعض منهم لهوى النفس ، ومحاباة ذلك
    __________________
    (1) صحيح البخاري 8 : 208 ( كتاب المحاربين ، باب رجم الحبلى من الزنا اذا احصنت ) ، تاريخ الطبري 3 : 205 ، الكامل في التاريخ 2 : 327 ، تاريخ الخلفاء : 51 ، الرياض النضرة 1 : 237 ، الصواعق المحرقة : 18 ، النهاية لابن الأثير 3 : 467 ، البداية والنهاية 5 : 245.
    (2) الشورى 42 : 38.
    (3) آل عمران 3 : 159.

    الهوى على حساب الحق ، حتى قال أمير المؤمنين علي 7 عنها : فصغا رجل منهم لضغنه ، ومال الآخر لصهره ، مع هن وهن (1).
    بلى لم يكونوا إلّا ستة نفر ، والحق أمامهم أجلى من أنْ يواريه السحاب ، واحتجاج علي 7 عليهم بأحقانيته من غيره في هذا الأمر حجة عليهم في اناطة الحق باهله ، بيد أنَّ تلك الجماعة المعدودة لم تصدق الأمانة ، فمال البعض منهم لضغنه ، والآخر لصهره ، فضاع الحق بين هذه الجماعة القليلة ، وظُلم علي 7 وهو صاحب الحق ... فكيف بالأمَّة أجمع وفيها من فيها كما ذكرنا؟! بل ورأينا صحابي من كبار هؤلاء الصحابة ، وهوعبد الرحمن بن عوف يأكله الندم على ميله لعثمان وتقليده اياه خلافة المسلمين ، فيعرض عنه وينافره بعد ان اضطربت الدولة الاسلامية من اقصاها الى ادناها بفساد الامويين وتهتكهم تحت مظلة خليفة المسلمين ، فماذا بعد ذلك؟ وهل يُعقل أنْ يرتضي الله تبارك وتعالى لرسالته هذا الضياع والتلاعب ، والفوضى والاضطراب؟! إنَّه مجرد تساؤل.
    إذن ـ وبعيداً عن المعاندة للحق ـ لم يبق سوى الافتراض الثالث من أنَّ رسول الله 9 قد أوصى لأحد المسلمين بأنْ يكون خليفته فيهم ، ووصيه عليهم ، وعلى الأُمَّة أنْ تسمع له وتطيع ، لأنَّه الامتداد الحقيقي لصاحب الرسالة ، عدا كونه غير نبي.
    ثم لا يخفى عليك أنَ عظم الأهمية المترتِّبة على هذا المنصب تظهر بوضوح تعلِّق صدوره عن الله تبارك وتعالى ، لاسيما والقرآن الكريم يحدِّثنا أنِّ هذا الرسول الكريم 9 مرهونة كلُّ أقواله وأفعاله بالمشيئة
    __________________
    (1) يشير 7 إلى اغراض كره التصريح بها.
    (2) نهج البلاغة 1 : 88 ( ضمن ما يُعرف بالخطبة الشقشقية ).

    الالهية ، لأنَّه ( مَا يَنطِقُ عَنِ الهَوى * إنْ هُوَ إلا وَحيٌ يُوحى ) (1).
    نعم فهل يمكن حصر تلك الشخصية العظيمة التي شاءت ارادة الباري عزَّ وجلَّ أنْ تنيط بها هذه المسؤولية الجسيمة والخطيرة ، والتي ينبغي أنْ تكون مشخَّصة للجميع ، ومعلومة عندهم ، ومتميِّزة من بينهم ، تُعرف دون عناء قد يضيع البعض في سلوك الدرب اليه ، أو يقع في جملة المتشابهات المتعددة.
    أقول ـ ويوافقني في ذلك كلُّ العقلاء ـ : إنَّ من المنطقيِ الذي ينبغي أنْ تتسالم عليه اراء ومعتقدات الجميع كون معرفة تلك الشخصية الوارثة لهذا الأمر أيسر من أنْ تاخذ من المسلم مأخذاً كبيراً ، وجهداً مضنياً ، لأنَّ الله تبارك وتعالى ما أرسل الأنبياء والمُرسَلين : إلا رحمة منه ولطفاً يفيضه على عباده ، وجعل صراط الحق الذي يدعو اولئك المُرسَلين اليه بيِّناً واضحاً لا لبس فيه ولا شبهة ، يسلكه من ابتغى النجاة ، ويعرض عنه من أبى ، وليس للثاني حجة يحتج بها يوم القيامة ، وتلك هي العدالة السماوية ، وإلّا لانتفى ذلك المفهوم عندما يعجز البعض عن ادراك الحق لقصور المشرِّع في تحديد مسالكه ، وذلك ما يستحيل افتراضه ، وإنْ افترضه البعض معاندة للحق فليس هو إلّا محض افتراء وتجنِّي على المُرسِل والرسول ، ومجافاة صريحة للعقل والمنطق ، وهذا ما يستدل به في وجوب تشخيص الوصي والنائب عن رسول الله 9 ، لأنَّه ليس من المنطقي أنْ يجعل الله تبارك وتعالى وصي رسوله لغزاً مخفياً ، وسراً مموَّهاً ، لما في ذلك من التعارض البين مع الرحمة الالهية أوّلاً ، ومع حكمة نصب هذا الإمام ثانياً ، وكذا هو حال الرسول 9.
    إذن فماذا يجيبنا الاستقراء العلمي والبعيد عن الهوى والتعصُّب
    __________________
    (1) النجم 53 : 3 ـ 4.

    المقيت؟ بل وأين تنتهي بنا سلسلة الأدلة المتوافرة في تحديد شخصية هذا الامام والوصي والخليفة؟
    ولعل التسليم لمنطق الحق والصواب يقود الباحث عن الحقيقة إلى الاقرار الذي لا ريب فيه بانحصار الوصاية والخلافة بعلي بن أبي طالب 7 دون غيره ، وذلك جلي واضح لم يثبت قطعاً لغيره ، ولا حجة لمن ينيطها بغيره إلا مكابرة للحق ومعاندة له ، وهو مطالب بالدليل والبرهان على مدعاه هذا ، من الآخرين لا منّا ، لأنّا ندرك ذلك بوضوح ، وذلك الادراك الواضح هو الذي كان ولا يزال يدفع بالبعض ـ واقولها بمرارة ـ إلى التجنِّي والافتراء والتقوُّل على الشِّيعة ، بصحائف صفراء باهتة ومتغرِّبة عن الحق ، لا سمة علمية تتسم بها ، ولا حجة حقيقية تحتج بها ، فصرفوا أذهان البعض عن تلمُّس الحقيقة وادراكها بتلاحقهم في اثارة النقع وتكثيفه حول الأدلة والبراهين التي تحتج بها الشِّيعة منذ تلك الدهور التي بالغ فيها الامويون والعباسيون في بطشهم الرهيب ، وتنكليهم القاسي برجال الشَيعة ومفكريها ، حتى ضجت الأرض بمقابر من حضى منهم بقبر ، ناهيك عمَّن لا أثر له ولا ذكر (1).
    __________________
    (1) لقد بلغ تنكيل الحكّام بشيعة أهل البيت : حداً يعجز عن تصويره القلم ، وفي وصفه اللسان ، لا لشيء يُتهمون به إلا ولائهم لبيت النبوة الطاهر ، ودفاعهم عن حريمه ... فاخذوهم على التهمة والظنة ، وتقصوهم تحت كلُّ حجر ومدر ، وشرَّدوهم في الاصقاع النائية بعد أنْ سملوا أعين العديد منهم ، وهتكوا اعراضهم ، وقتلوا الكثيرين منهم ، فملئوا حياة الباقين منهم رعباً وخوفاً ، ولوعة وحزناً ، وصبغوا حياتهم بالسواد دون رحمة أو شفقة.
    نعم ذلك هو مصداق تعامل الكثير من اولئك الحكّام مع الشِّيعة ، لا مبالغة فيه ولا تهويل ، وأنا أدعو القارئ الكريم إلى استقراء ذلك من خلال مراجعته لكتب التاريخ المختلفة ، وأدعوه بالخصوص لمطالعة كتاب ( الشيعة والحاكمون ) للشيخ محمد جواد مغنية رحمه الله تعالى برحمته الواسعة ، فقد تناول الكثير من دقائق هذه الأحداث بشكل علمي رصين.

    أقول : لم يحتج القوم باختيار المشرِّع لوصي وخليفة لرسول الله 9 بشكل قطعي ، إلّا ما ادعاه البعض لأبي بكر ، وهو أحتجاج وقول لا يؤبه به ، لأنَّه لم يثبت قطعاً ، ولم يدعيه هو لنفسه ، بل نقل عنه قوله على منبر رسول الله 9 : اقيلوني ، فكيف يطلب مَنْ نصبه الله ورسوله وصياً على الأُمَّة منها أنْ تقيله؟! إنْ ذلك محض خيال لا صلة له بالواقع قطعاً.
    كما إنَّه يتناقض مع قوله الشهير : إنْ بيعتي كانت فلتة وقى الله شرها ، وخشيت الفتنة (1) ويؤكِّدها في ذلك قول عمر بن الخطاب من بعد ، وقد تقدم منّا ذكره.
    بلى قد يحتج البعض بأنَّ الأُمَّة قد اجمعت على بيعة أبي بكر ، وأنَّ هذه الأمَّة لا تجتمع على خطأ أو على ضلال كما يروى عن رسول الله 9 ، إلا أنَّه يُرد عليه وكما قال سيِّدنا الامام المرحوم عبدالحسين شرف الدين : بأنَّ المراد من قوله 9 لا تجتمع على الخطأ ، ولا تجتمع على الضلال : إنَّما هو نفي الخطأ والضلال عن الأمر الذي اشتورت فيه الأُمّة فقرَّرته باختيارها ، واتفاق آرائها ، وهذا هو المتبادر من السنن لا غير ، أمّا الأمر الذي يراه نفر من الأُمّة فينهضون به [ يشير الى ما جرى في سقيفة بني ساعدة ] ثم يتسنّى لهم اكراه أهل الحل والعقد عليه ، فلا دليل على صوابه. وبيعة السقيفة لم تكن عن مشورة ، وإنَّما قام بها الخليفة الثاني ، وابو عبيدة ، ونفر معهما ، ثم فاجأوا بها أهل الحل والعقد ، وساعدتهم تلك الظروف على ما أرادوا (2).
    نعم وإنْ كان يبدو ايراد هذا القول لسيِّدنا الامام شرف الدين رحمه الله
    __________________
    (1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي 6 : 47 ، أنساب الأشراف 1 : 590.
    (2) المراجعات : 579 ، المراجعة 80.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اصل الشيعه واصولها Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اصل الشيعه واصولها   اصل الشيعه واصولها Emptyالأربعاء 16 أكتوبر 2024 - 5:26

    تعالى برحمته الواسعة خلاف استرسالنا في بحث هذا الموضوع إلّا أنْ ايراده لازم لاستكمال الأمر مدار البحث ، لأنَّ ابن خلدون وجماعة ممَّن وافقه في مشربه ذهبوا إلى أنَّ رسول الله 9 قد عَيّن أبا بكر خليفة من بعده قياساً ـ ولا نوافقهم في القياس ـ على ما يروونه من تعيينه إماماً للمسلمين في صلاتهم حين مرضه.
    إنّا لا نبتغي هنا مناقشة صحة وفساد هذا الحديث ، ولا رد القياس الذي لا يمكن الركون اليه في هذا الأمر ، لأنَّ ذلك يرده عدم تصريح أبي بكر بذلك ، لأنَّه أولى من غيره في تدعيم خلافته لرسول الله 9 ، فهل يعقل أنْ يعرض عن هذا الدليل مع اهميته العظيمة هذه؟! كلا وألف كلا.
    أقول : لم يتبق لدى الفريقين مَنْ تُحصر فيه الأمامة والخلافة غير علي ابن أبي طالب 7 ، وهو قول الشِّيعة وعليه دارت رحى عقائدهم ، وكان العلة الحقيقية التي اضطهدت هذه الطائفة بسببها من قِبل الحكومات الجائرة كالامويين والعبّاسيين وغيرهم ، كما اسلفنا.
    ولعلَّ من حق المسلمين التساؤل عن أدلَّة الشِّيعة في دعواهم هذه لكي يمكن التسليم بصحتها أو الاعتقاد بها ، أو ردها إنْ ثبت بطلانها.
    فمّما تقدَّم من الحديث واسترساله أشرنا إلى حتمية نصب الامام والوصي من قِبل الله تبارك وتعالى ورسوله الكريم 9 ، بل ووجوب تحديده ، وانتفاء هذا التحديد عن غير الامام علي بن أبي طالب 7 ، وذاك لا يسلَّم بصحته دون الدليل الواضح والبيِّن ، والشيعة مطالبون به ، وهو ما سنشير اليه دون الاستفاضة في مناقشته محيلين القارئ الكريم إلى المراجع المختصة بذلك.
    فمما يحتج به الشيعة على وجود النص على خلافة علي 7

    لرسول الله 9 ، وحصرها بأهل بيته : ما تناقله الفريقان من الأخبار الصحيحة الجمة الموافقة للاستدلال العقلي السائد بوضوح في مجرى هذه المباحث ، والتي منها :
    1 ـ نص حديث الدار :
    روى الفريقان وبأسانيد متعددة واقعة الدار التي ترتبت بعد نزول الأمر الالهي من السماء بوجوب انذار رسول الله 9 لعشيرته بأمر الدعوة بنص قوله تعالى : ( وَأنْذِرْ عَشيرَتَكَ الأقرَبينَ ) (1) فخاطبهم 9 بقوله : يا بني عبدالمطلب ، إنِّي والله ما أعلم شاباً من العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به ، جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أنْ يكون أخي ، ووصي ، وخليفتي فيكم؟
    فأحجم القوم عن ذلك إلا علي 7 ، وكان احدثهم سنَّاً ، إذ استجاب لرسول الله 9 قائلاً : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه.
    فأخذ النبي 9 برقبة علي 7 وقال : هذا أخي ، ووصي ، وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا.
    فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أنْ تسمع لابنك وتطيع (2).
    2 ـ حديث المنزلة :
    وأمّا حديث المنزاسة فدلالته على أمر خلافة علي 7 لرسول
    __________________
    (1) الشعراء 26 : 214.
    (2) تأريخ الطبري 2 : 217 ، الكامل في التاريخ 2 : 62 ، تأريخ أبي الفداء 1 : 116 ، شرح الشفا 3 : 37 ، معالم التنزيل 4 : 278 ، شواهد التنزيل 1 : 372 ، ترجمة الامام علي 7 من تأريخ دمشق 1 : 103|139 و 140 ، تفسير الخازن 3 : 371.

    الله 9 قطعية لا تقبل الشك ، وصحته سلَّم بها أئمة الحديث عند العامَّة ، ورووه بطرق كثيرة جداً ، وأخرجوه في صحاحهم ومسانيدهم ، وبشكل يصعب حصره واستقصاؤه.
    وخلاصة هذا الحديث الذي رواه جمع كبير من الصحابة تتحدد في قول رسول الله 9 لعلي 7 : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنَّه لا نبي بعدي (1).
    فتخصيص رسول الله 9 علي 7 منه بمنزلة هارون من موسى 8 دون منزلة النبوة اشارة إلى مشاركته له في كلُّ شيء دونها ، والتي من أهمها خلافته في قومه ، والى ذلك يشير بوضوح تسلسل الوقائع التي يرويها لنا القرآن الكريم من قوله تعالى عن لسان موسى 7 بعد تكليفه بالرسالة ، وانفاذه إلى فرعون طاغية عصره ( قالَ رَبِّ اشرح لي صَدري * وَيَسِّرْ لي أمري * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِساني * يَفْقَهُوا قَولي * واجْعَلْ لي وَزيراً مِنْ أهلي * هارونَ أخي * اشدُدْ بهِ أزري * وَأشْرِكه في أمرِي ) (2) فاستجاب له الله تبارك وتعالى توسله هذا بقوَله : ( قَدْ اُوتيتَ سُؤلَكَ يا مُوسى ) (3) وأكَّد ذلك سبحانه أيضاً في موضع آخر من الكتاب العزيز حيث قال : ( وَلَقَدْ آتَينا مُوسى الكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أخاهُ هارونَ وَزيراً ) (4).
    وأمّا تلك الوزارة فيوضحها قوله جلَّ اسمه : ( وَقالَ مُوسى لأخِيهِ هارونَ
    __________________
    (1) صحيح البخاري 5 : 89 / 202 ، صحيح مسلم 4 : 187 / 2404 ، سنن الترمذي 5 : ، 3730 ، مسند احمد 1 : 173 ، 175 ، 182 ، 184 ، مستدرك الحاكم 2 : 337 ، الرياض النضرة 2 : 157 ، مصابيح السنَّة 4 : 170 / 4762 ، تأريخ بغداد 4 : 204 ، تأريخ الخلفاء : 65 ، الصواعق المحرقة : 187.
    (2) طه 20 : 25 ـ 32.
    (3) طه 20 : 36.
    (4) الفرقان 25 : 35.

    اخلُفني في قَومي وَأصْلحْ وَلا تَتَّبِع سَبيلَ المُفسِدينَ ) (1).
    نعم تلك هي خلاصة البعد الأوضح في استخلاف موسى لهارون بإذن الله سبحانه ، وهي عين ما ترتَّب بين رسول الله 9 وعلي 7 ، لم يستثن منه إلا منصب النبوة ، كما يشير الى ذلك هذا الاستثناء الوحيد ...
    والملفت للنظر أنَّ رسول الله 9 كان كثيراً ما ينبِّه الأُمة إلى التشابه بين علي وهارون 8 في أكثر من مناسبة ، ومن ذلك ما رواه الهيثمي في موارده من قوله 9 في ايضاح علة تسميته للحسن والحسين والمحسن أبناء علي بن ابي طالب : بهذه الأسماء : انَّما سميتهم باسماء ولد هارون : شبر وشبير ومشبر (2).
    3 ـ حديث الثقلين :
    ثم لا يخفى على باحث عن الحقيقة دلالة حديث الثقلين الذي نص فيه رسول الله 9 على وجوب اتباع أهل بيته لأنهم عدول للقرآن ، تُسئل الأُمَّة عن طاعتها وانقيادها لهم ، كما تسئل في ذلك عن القران.
    فقد روت المصادر المختلفة قول رسول الله 9 المبيِّن لأُمَّته على طول التأريخ سبيل نجاتها ، والحبل الذي يعصمها من الضلال والانحراف ، حيث قال 9 : ألا أيها الناس إنَّما أنا بشر يوشك أنْ يأتي رسول ربي فاُجيب ، وأنا تارك فيكم الثقلين : أوَّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، وأهل بيتي. ، اذكركم الله في أهل بيتي.
    __________________
    (1) الأعراف 7 : 142.
    (2) موارد الظمآن : 551|2227.

    وفي لفظ اخر : إنِّي تارك فيكم ما أنْ تمسكتم به لن تضلوا (1) بعدي : كتاب الله عزَّ وجلَّ حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما (2).
    4 ـ غدير خم :
    لا اُغالي بشيء إذا جزمت بأنَّ في التعرُّض لايراد واقعة غدير خم وشجونها ضمن هذه الاسطر المتواضعة ، ومع هذه العجالة التي تحاول أنْ تنأى بهذا الكتاب عن الاسهاب والاسترسال ، فيه الكثير من البخس الذي ترددت كثيراً أنْ لا أتحمله ولا أخوض غماره ، محيلاً القارئ الكريم إلى ما استفاض فيه العديد من علمائنا ومفكرينا ، وناقشوا من خلال كتبهم البعيدة الغور والمدى أبعاد ودقائق هذه الواقعة الشهيرة التي تجاوز عدد رواتها من الصحابة المائة صحابي ، وقريب من ذلك مَنْ رواها مِنَ التابعين.
    بلى انْ فهم واقعة الغدير ، والقطعية الحاصلة فيها بثبوت الأمر الالهي بتنصيب علي 7 خليفة لرسول اللهّ 9 تتطلَب من الباحثين عن الحقيقة جهداً حيادياً منصفاً ، بعيداً عن التفسيرات الجاهزة
    __________________
    (1) ينبغي للمسلم التأمُّل بروية في عبارة رسول الله 9 هذه لادراك حقيقة ما يعنيه 9 من قرانه بين اتّباع أهلِ هذا البيت الطاهر : ، وبين الهداية التي لا ضلال يُخاف معها ، وإعتبار اتّباعهم سلوكاً للسبيل والصراط القديم المؤدي إلى رضا الله تعالى.
    نعم يجب التأمُّل والتدبر في ذلك ، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله لا يلقي الكلام جزافاً ولا على عواهنه ، بل هو الرسول الكريم المبلِّغ عن الله تبارك وتعالى ، والذي لا ينطق قطعاً عن الهوى بنصّ القرآن ألكريم.
    (2) سنن الترمذي 5 : 662 و 663 صحيح مسلم 4 : 1873|2408 مسند أحمد 3 : 17 و 5 : 181 ، مستدرك الحاكم 3 : 109 ، أُسد الغابة 2 : 12 ، السيرة الحلبية 3 : 336 ، مجمع الزوائد 9 : 163 الصواعق المحرقة : 230

    للبعض الذي جهد في أنْ يحتوي البحر بكفه ، معاندة للحق ، وتجنِّيا على الآخرين.
    فقد استفاضت المصادر التأريخية والحديثة وغيرها ، ومن الفريقين ، في ذكر هذه الواقعة الشهيرة الحادثة بعد صدور رسول الله 9 من حجة الوداع ، وحيث تذكر تلك المصادر انه 9 قد استرسل مع الركب العظيم الزاحف في صحراء الجزيرة وجوِّها اللاهب ، وحيث كان الجميع ـ كما هو مألوف عند جميع الحجاج في كلُّ زمان بعد انتهاء مناسك حجهم ـ يستعجل الخطا نحو منزله لما بلغ به من الانهاك والاعياء ، والشوق للقاء الأهل بعد هذا السفر الطويل والشاق ... عشرات الآلاف من حجّاج بيت اللهّ الحرام يستحث آخرهم أوَّلهم لاجتياز ما تبقى من المسافة الطويلة الممتدة نحو الافق البعيد ... وعلى حين غرة والركب العظيم يجتاز وادي خم (1) إذا بمنادي رسول الله 9 يدعو الناس اليه للاجتماع ، في هذا الجو القائض ، وعلى هذه الأرض الملتهبة ، حتى روي أنَّ المسلمين كان يضعون ثيابهم تحت أرجلهم من شدة سخونة رمل الصحراء.
    يقول الراوون من الصحابة : أنَّه 9 أمر بدوحات فقممن ، ثم خاطب المسلمين ـ المتسائلين عن الأمر الخطير الذي حبسهم من أجله رسول الله 9 ـ بقوله : ... أليس تشهدون أنْ لا إله إلا الله ، وأنَّ محمَّداً عبده ورسوله؟ وأنَّ جنَّته حق وناره حق؟ وأنَّ الموت حق ، وأنَّ البعث حق بعد الموت ، وأنَّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنَّ الله يبعث من في القبور؟
    __________________
    (1) واد بين مكة والمدينة عند الجحفة به غدير ، عنده خطب رسول الله 9. معجم البلدان 2 : 389.

    قالوا : بلى نشهد بذلك.
    فقال : اللهم اشهد ، ثم قال : ايُّها الناس إنَّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم. ثم أخذ بيد علي 7 وقال : فمن كنت مولاه فهذا مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ... (1)
    يقول البرّاء بن عازب وغيره من الصحابة : أنَّ عمر بن الخطّاب لقي علياً بعد ذلك فقال له : هنيئاً لك يابن أبي طالب فقد أصبحت وأمسيت مولى كلُّ مؤمن ومؤمنة (2).
    نعم كذا تناقلته المراجع المختلفة وإنْ حصل بعض التباين في كيفية السرد ، إلّا أنَّ ما أوردنا كان القاسم المشترك بين جميع تلك الروايات ، فراجع.
    والغريب الذي تمجه النفوس المنصفة أنَّ من لم يرقه وضوح هذا الأمر في استخلاف علي 7 أخذ يتخبَّط ويتوسَّل بما يتصوَّره حلاً لارضاء هواه وهوى أسياده في نفي هذا الدليل القطعي المؤيد لما تذهب اليه الشِّيعة وتؤمن به ، فأخذ يتأوَّل بعيداً عن الحق في تفسير هذه الأقوال الواضحة ، فأوقع نفسه في الحرج الشديد.
    __________________
    (1) يعد استعراض المصادر التي أوردت واقعة الغدير ، وبأسانيدها وطرقها الكثيرة هنا امراً مستعسراً ، كما ان ايراد البعض دون الباقي بخساً لا ينبغي أنْ لا نتحمله ، ولذا فإنًي اُحيل القارئ الكريم إلى الكتب المختصة التي تناولت بالتفصيل والاسهاب ما استطاعت حصره واثباته من تلك الطرق والوسائط ، والتي يُعد كتاب الغدير للشيخ عبدالحسين أحمد الأميني (ت 1390 هـ ) من أوسعها وأشملها ، فراجع.
    (2) انظر : مسند احمد 4 : 281 ترجمة الامام علي 7 من تأريخ دمشق 2 : 50|548 و 549 و 550 ، البداية والنهاية 5 : 210 الفصول المهمة : 41 ، الحاوي للفتاوى 1 122 ، ينابيع المودة : 30 31 ، تذكرة الخواص : 29 الرياض النضرة 3 : 127 ، الخطط للمقريزي : 223 ، كفاية الطالب : 62.

    ثم أقول بتجرًّد كامل : هل يمتلك ذلك البعض المعاند تفسيراً مقنعاً عن علَّة جمع رسول الله 9 لعشرات الآلاف من المسلمين الذين أنهكتهم مراسم الحج ، ووعثاء السفر ، والشوق العارم للاهل والاولاد غير أمر الخلافة والوصاية؟ بل هل ترتضي العقول بتفسير سطحي ساذج لا معنى له لتبرير هذه المعاندة للحق ، والمخالفة له؟ إنَّه مجرد تساؤل.
    5 ـ تبليغ سورة براءة :
    لكثر ما تساءلت تارة في نفسي واُخرى مع أحد محادثي عن سر غفلة البعض في ادراك مغزى هذه الواقعة التي لم يختلف اثنان في تفاصيلها ودقائق منقولاتها ، رغم اتفاقهم على نتائجها وما ترتَّب عليها ، وذلك ما ينبغي أنْ يلتفت اليه الجميع.
    ولعل الحق المستوحى من استقراء أطراف القضية يشير بوضوح إلى أنَّ هناك من يسلِّم بها ككل متكامل باعتبارها من الأدلة المثبتة لاستخلاف علي 7 ، دون التأمًّل في مفرداتها ودقائقها ، حين يتجاهل الطرف الآخر حتى مجرد التأمُّل في شكلها الخارجي المظهري ، وهنا يكمن السر في هذه الغفلة محل التساؤل.
    ولنشرع أوَّلاً في استعراض تفاصيل هذه الواقعة كما اتفق الجميع على نقلها :
    فبعد نزول الأمر الالهي القاطع بحجب المشركين عن بيت الله الحرام ، حيث يجب أنْ لا يدخله بعد إلّا مسلم ، وأنْ لا يطوف بعد ذلك في البيت عريان ... الخ كما هو في سورة براءة ، أرسل رسول الله 9 أبا بكر بهذه السورة ، وأمره أنْ يبلغها الناس في مكة.
    تقول المصادر المختلفة : إن ابا بكر سار بها ثلاثاً ، ولم يحدث شيء ، حتى نزل الأمر الالهي لرسول الله 9 بأنْ يلحق علي عليه

    السَّلام أبا بكر ويأخذ منه السورة ويتولى هو تبيلغها نيابة عن رسول الله 9 ... فكان كما أراد الله تعالى ، وعاد أبو بكر ـ متوجِّساً باكياً ـ إلى رسول الله 9 ، وقال له : يا رسول الله ، أحدث فيَّ شيء؟
    فاجابه 9 : لا ، ولكن اُمرتُ أنْ لا يُبلِّغ عني إلّا أنا أو رجل منِّي (1).
    كذا تتفق المصادر المتعددة في ايرادها تفاصيل هذه الواقعة الشهيرة ، وهي بلا شك دليل واضح على أنْ لا مُبلِّغ عن رسول الله 9 غير علي 7 ، باستقراء الأدلة السالفة ، بيد أنَّ في هذه الواقعة محطات كثيرة للتوقف والتأمُّل والمراجعة ...
    فقول رسول الله 9 لأبي بكر ( اُمرتُ ) يدل دلالة قطعية على أنَّ مصدر هذا الأمر هو الله تبارك وتعالى ، وذلك لا خلاف فيه ، حيث كان أمر التنحية والتنصيب أمراً الهياً محضاً أراد منه الله جل اسمه أنْ يبيِّن فيه للأمَّة مَنْ يُبلِّغ عن رسوله أحكام السماء وشرائعها ، وأنَّه هو الممثِّل الحق لرسوله 9 دون غيره من الصحابة والمسلمين ، وكذا هي مشيئة السماء.
    ثم لِمَ تُرك أبو بكر هذه الأيام الثلاثة بطولها قاطعاً الفيافي والوديان ، متحمِّلاً وعثاء السفر ومشقة الطريق ، طالما أنَّ مشيئة السماء أنْ لا يُبلِّغ عن رسول الله 9 إلا علي 7 ، هل كان الأمر يتطلَّب تفكيراً وتدبراً من السماء ، أم أنَّ هناك تأخيراً في التبليغ والابلاغ؟ كلا وألف
    __________________
    (1) سنن الترمذي 5 : 636|3719 ، مستدرك الحاكم 3 : 132 ، مسند أحمد 1 : 3 ، 331 ، 3 : 212 ، 283 و 4 : 164 ، 165 ، مجمع الزوائد 9 : 119 ، تفسير الطبري 10 : 46 ، البداية والنهاية 7 : 350 ، الخصائص للنسائي : 8 ، الفصول المهمة : 40 ، الصواعق المحرقة : 188.

    كلا لأن في ذاك خلاف محض مع عقيدة كلُّ المسلمين ، فلا يقول به أحد ... إذن فلماذا؟
    6 ـ نصوص اخرى :
    ثم وقسراً للنفس على تجنب الاسهاب في الحديث عن النصوص التي تزخر بها اُمهات الكتب وراجع الحديث ، استعرض ايجازاً نتفاً من تلك النصوص ، محيلاً القارئ الكريم إلى مصادرها ، إنْ ابتغى الاستزادة :
    أ ـ روى ابن حجر في صواعقه عن أبي سعيد الخدري : أنَّ رسول الله 9 قال في تفسير قوله تعالى ( وَقفُوهُمْ إنَّهُم مَسؤولونَ ) (1) : عن ولاية علي بن أبي طالب (2).
    ب ـ وروت المصادر المختلفة عن رسول الله 9 قوله : لكلِّ نبي وصي وارث ، وإنَّ وصيي ووارثي علي بن أبي طالب (3).
    ج ـ وقال 9 : أوصي مَنْ آمن بي وصدَّقني بولاية علي ابن أبي طالب ، فمن تولاه فقد تولاني (4).
    د ـ وقال أيضاً 9 : من أحب أنْ يحيا حياتي ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن غرسها ربي فليتولَّ علي بن أبي طالب ، فإنَّه لن يخرجكم من هدى ، ولن يدخلكم في ضلالة (5).
    __________________
    (1) الصافات 37 : 24.
    (2 ) الصواعق المحرقة : 229.
    (3) انظر : ترجمة الامام علي 7 من تأريخ دمشق 3 : 5 ، ميزان الاعتدال 2 : 273 ، الرياض النضرة 2 : 234 ، ينابيع المودة : 79 ، كفاية الطالب : 620 ، المناقب للمغازلي : 200
    (4) ترجمة الامام علي 7 من تأريخ دمشق 2 : 597 ، مجمع الزوائد 9 : 159 ، المناقب للمغازلي : 230.
    (5) المستدرك على الصحيحين 3 : 128 ، لسان الميزان 2 : 34 ، حلية الأولياء 4 : 349 ،


    هـ ـ وقال 9 لعلي 7 : أنت أخي ووارثي.
    قال : وما أرث منك؟
    قال 9 : ما ورَّث الأنبياء من قبلي (1).
    و ـ وروى أنس بن مالك : أنَّ رسول الله 9 قال له :
    يا أنس ، أوَّل من يدخل عليك من هذا الباب إمام المتقين ، وسيد المسلمين ، ويعسوب الدين ، وخاتم الوصيين ، وقائد الغر المحجَّلين.
    قال أنس : فجاء علي فقام اليه رسول الله 9 مستبشراً فاعتنقه وقال له : أنت تؤدي عني ، وتسمعهم صوتي ، وتبيِّن لهم ما اختلفوا فيه من بعدي (2).
    ز ـ وروى عمران بن الحصين عن رسول الله 9 أنّه قال : إنَّ علياً مني وأنا منه ، وهو ولي كلُّ مؤمن بعدي (3).
    وغير ذلك ، فإنَّ للمستزيد مزيد ، فمن ابتغى الكثير فإنَّ عليه استقراء ما كُتب عن هذا المبحث المهم ، ولن يعسر عليه ذلك طالما تجرَّد البعض عن الفهم المسبق الخاطئ ، وتدارس الأمر بحيادية علمية لا تبتغي غير الحق ، والحقيقة فحسب.
    __________________
    مجمع الزوائد 9 : 108 ، ترجمة إلامام علي 7 من تأريخ دمشق 2 : 98 ، 6031 ، 604 ، 605.
    (1) ترجمة الامام علي 7 من تأريخ دمشق 1 : 108 ، الرياض النضرة 2 : 234 ، تذ كرة الخواص : 23 ، ينابيع المودة : 56 ، فرائد السمطين 1 : 115 ـ 121.
    (2) ميزان الاعتدال 1 : 64 ، حلية الاولياء 1 : 63 ، ترجمة الامام علي 7 من تاريخ دمشق 2 : 487 ، كفاية الطالب : 212 ، مطالب السؤول : 21.
    (3) سنن الترمذي 5 : 632 / 3712 ، مسند أحمد 4 : 438 ، مستدرك الحاكم 4 : 438 ، الخصائص للنسائي : 23 ، أُسد الغابة 4 : 27 ، الرياض النضرة 3 : 129 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي 9 : 171.

    وقفة مع رزية الخميس :
    لم يسعني وأنا أطوي هذه الأسطر الأخيرة من حديثي هذا إلّا أنْ اُشير إلى حدث بقي حتى يومنا هذا محل تساؤل بين عموم المسلمين ، يتفاوت التصريح به بين الهمس المتواري خجلاً ، ، وبين عبارات الاستهجان المندفعة كالبركان المتفجِّر ، أو كالسيل الهادر ، وللاثنين ما يعتذر به ، فالأوَّل يجد بشاعة الحدث تلقي غمامة سوداء على مُثُلٍ بقي طوال عمره مؤمناً بها ، ومدافعاً عنها ، والثاني يحمِّل أصحاب هذا الأمر الكثير ممّا أصاب هذه الأُمة من التبعثر والتشتُّت والتمزُّق ، وهي حقيقة لا يسع منصف الاعراض عنها ما جهد في تبريرها. وهنا يكمن أصل الداء.
    لقد اتفق المسلمون مع اختلاف مشاربهم وتشتُّت مذاهبهم على جملة اُمور اعتبروها من مسلَّمات الدين التي لا مناص لمسلم من الاعتقاد بها والتعبُّد بمضامينها ، ومن ذلك الاستجابة المطلقة وغير المترددة ولا المجتهدة قبالة النص الثابت الصدور عن رسول الله 9 ، وحيث تتأكَّد وجوبية الالتزام والتنفيذ ، وحرمة المخالفة والمعارضة حين الحضور المقدَّس لصاحب الرسالة 9 ( مَا كانَ لِمُؤمِنٍ وَلا مُؤمِنَةٍ إذا قَضى الله وَرَسُولُهُ أمراً أنْ يَكُونَ لهمُ الخِيَرَةُ مِنْ أمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْص اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاًَ مُبين ) (1).
    وممّا لا ريب فيه أنَّ العلة في هذا التحريم واضحة بيِّنة تتمثَّل أوضح أبعادها في رد حكم الله تبارك وتعالى وإرادته ، لأنَّ الرسول "9 ليس إلا ممثِّلا لارادة السماء ، مجسِّدا لمشيئتها ، مبلِّغا لأوامرها. ومن
    __________________
    (1) الأحزا ب 33 : 36.

    هنا يُشدَّد النكير على المخالفين ، بل وحتى على المجتهدين قبالته.
    ونحن هنا لسنا بمعرض تقليب الشجون ، ومحاكمة المتخلِّفين والمخالفين ، قدر ما توخينا منه اماطة القذى عن بعض العيون في تحاملها على الشِّيعة نتيجة تُبنّيها للنصوص المتواترة باستخلاف علي 7.
    وتجُّنباً للاسهاب لنتأمَّل ما أورده أصحاب الصحاح في متون كتبهم المختلفة حول هذه الواقعة ، ولنشرع أوّلاً برواية البخاري عن ابن عبّاس ، قال : لما حضر رسول الله 9 ، وفي البيت عمر بن الخطاب ، قال النبي 9 : هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده ، فقال عمر : إنَّ النبي قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله!!.
    قال : فاختلف أهل البيت فاختصموا ، منهم من يقول : قرَّبوا يكتب لكم النبي كتاباً لا تضلوا بعده ، ومنهم من يقول ما قاله عمر ، فلمّا كثر اللغو والاختلاف عند النبي 9 قال لهم : قوموا عني. فكان ابن عبّاس يقول : إنَّ الرزية كلُّ الرزية ما حال بين رسول الله 9 وبين أنْ يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم (1).
    وفي صحيح مسلم وغيره برواية سعيد بن جبير : قال : قال رسول الله 9 : ائتوني أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعدي. فتنازعوا ، وما ينبغي عن نبي التنازع ، وقالوا : ما شأنه؟ أهجر!! استفهموه؟
    فقال 9 : دعوني ، فالذي أنا فيه خير (2).
    وامّا أحمد بن حنبل فقد روى في مسنده عن جابر قوله : أنَّ النبي صلى
    __________________
    (1) صحيح البخاري 7 : 219|30 ، وانظر كذلك : صحيح مسلم 3 : 159|22 ، مسند أحمد1 : 324 ، البداية والنهاية 5 : 200.
    (2) صحيح مسلم 3 : 1257|1637 ، وانظر كذلك : مسند أبي يعلى 4 : 298 ، مسند أحمد 1 : 222 ، البداية والنهاية 5 : 200 ، تاريخ الطبري 3 : 193.

    الله عليه وآله دعا عن موته بصحيفة ليكتب فيها كتاباً لا يضلون بعده ، فخالف عمر بن الخطاب حتى رفضها (1).
    أقول : لنتجنَّب ما أمكننا الخوض في غمار الشجون والتأسُّف جهدنا ، ولنتسائل لعل في التساؤل والبحث عن الجواب تتحقق غاية مبتغي المعرفة ، وهو ما يريده المنصفون خلاصة لجهدهم :
    1 ـ ما كان ذلك الكتاب الذي أغاض رسول الله 9 اعراض بعض أصحابه عنه ، وجهدهم في منعه عن كتابته ، رغم ما صرَّح به من أنَّ الأمَّة لن تضل بعده أبداً؟ هل كان أحكاماً شرعية ، وقد ثبت أنَّ الرسول 9 لم يدخر جهداً في توضيح كلُّ تلك الأحكام للمسلمين طيلة حياته ، ثم ما كان يمكن لتلك الصحيفة المحدودة أنْ تحويه من أحكام ، وفي تلك الساعات الأخيرة من حياة رسول الله 9!! وكيف غفل هو 9 عنها ـ طالما هي من الأهمية بهذا الشكل ـ طيلة حياته ليتذكرها في هذه اللحظات الأخيرة؟
    2 ـ لِمَ انبرى بعض الصحابة وعلى رأ سهم عمر بن الخطاب ـ كما تذكر ذلك المراجع المختلفة ـ إلى اتهام رسول الله 9 بالهجر والهذيان مباشرة بعد مطالبته 9 بتلك الصحيفة؟ أما كان يجب عليهم أنْ يستجيبوا للرسول الذي أمرهم الله تعالى بوجوب الانقياد إلى أوامره دون مراجعة ومعارضة ، أو على أدنى الاستجابة مسائلته بماهية ذلك الكتاب أمام الملأ الحاضرين؟
    3 ـ هل تأمَّل البعض مبلغ التوهين الذي مُنيَ به رسول الله 9 من قِبل اولئك الصحابة ، حيث نبذوه ـ وهو المبلِّغ عن الله تعالى ،
    __________________
    (1) مسند أحمد 3 : 346.

    ومن لا ينطق عن الهوى ـ بالهجر وأمام الحاضرين المفجوعين به ، حتى سرت مقولتهم سريان النار في الهشيم ، وتلقَّفها اليهود والمنافقون وغيرهم من أعداء الدين فطفقوا يطبِّلوا لها ويزمِّروا؟
    4 ـ وأخيراً ، أما يحق لنا ان نتساءل ويتساءل معنا الجميعِ : لِمَ لم ينبس أحدٌ من اولئك الصحابة ببنتَ شفة رداً على ابي بكر ، واعتراضاً عليه ، واتهاماً اياه بالهجر ، رغم انه اوصى بعمر خليفة من بعده حين غلبه الوجع وانشبت المنية فيه اظفارها؟! بل هلّل ذلك البعض وكبرَّ خلاف ما بدا عليه حين اراد رسول الله 9 كتابة عهده باستخلاف علي 7.
    فاي الاثنين أملك لعقله دون الآخر ، بل وايهما رسول لله تعالى دون الثاني؟! انه مجرد تساؤل لا غير.
    نعم وأقول بوضوح كما هو ينبغي أنْ لا يخفى على الجميع : إنِّها الوصاية بعلي 7 لا غير ، وكان المتصدِّين لمنع اثباتها أدرى بها من غيرهم ، وذلك ليس بخاف على المتتبعين المتفِّحصين لأبعاد هذه الواقعة وما تلاها.

    الوقفة الأخيرة :
    وأخيراً ونحن نحط رحالنا وأزوادنا في فناء محطتنا الأخيرة ، بعد هذا الاستطراق المتعجِّل والمتلاحق الخطا في تبيان جملة من الشوارد السانحة في مفهوم الأمامة الذي لا يزال البعض يصمه ضجيج مكاء وتصدية مبتغي بعثرة وحدة المسلمين عن ادراك حقيقتها بالشكل الذي تقول به الشِّيعة ، فانحاز عن عدم تدبُّر في خانة من كانوا ولا زالوا يعملون حرابهم في جسد وبنيان هذا الدين الواحد ، والمجتمع الواحد.
    بلى وما أقوله ينبعث من صميم القلب لا شغافه ، وصدقاً ، لا رياءً ومخاتلة وخداعاً : إنَّ الرباط المقدَّس الذي يجمعنا كمسلمين أعظم وأقوى من أنْ يعتريه الذبول أو يتخلله الوهن ، وذلك ما ينبغي أنْ لا يغرب عن الجميع ، أو يتناساه أحد. فرباط الأُخوَّة الاسلامية الذي أمرنا الله تعالى أنْ نعتصم به ـ إذ قال جلَّ اسمه : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَميعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذكُروا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم إذْ كننتُمْ أعداءً فَألَّفَ بَينَ قُلُوبكًمْ فَأصبَحتُمْ بنِعْمَتِهِ إخواناً وَكُنتُمْ على شَفَا حُفرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأنْقَذَكُمْ مِنها كَذَلِكَ يبَيِّنُ اللهُ لَكُم آياتِهِ لَعَلَّكمْ تَهتَدونَ ) (1) ـ حتم لا يسع مسلم الاعراض عنه قطعاً ، ولا تجاهله في آن ما ، لأنّا ندرك جميعاً أنَّ علة ما نعاينه من مصائب أحاطت بالمسلمين في بقاع شتى من هذه المعمورة يكمن في استرخائهم أمام حالة التبعثر والتمزُّق والتكفير التي تعمل على تأجيجها سرائر بغيضة تتبرقَّع بشعارات ممجوجة تحاول جاهدة التمويه على بصماتها المشخَّصة البادية على جسد هذه الأُمَّة النازفة من طعناتهم المتلاحقة المعاندة.
    __________________
    (1) آل عمران 3 : 104.

    إنَّ دعواتنا المتواصلة بوجوب فهم عقائد الشِّيعة بشكل سليم ـ دون التقوقع في الحدود المصطنعة التي رسم ويرسم أبعادها الاخرون ممَّن تدفعهم الى ذلك اغراض ومآرب خاصة ، أو ممَّن يعتمدون في ترتيب أحكامهم على الفهم السطحي والساذج لتلك العقائد ـ هي أنجع المسالك في طريق السعي نحو التقريب الذي كان ولا زال يدعو اليه المخلصون من رجال هذا الأُمَّة ، شيعة وسنة ، عسى الله تعالى أنْ يلم شتات هذه الأُمَّة لتكون مصداق قوله سبحانه : ( خيرَ اُمَّةٍ اُخرِجَتْ لِلنَّاس تَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُومِنونَ بالله ) (1).
    واذا كان البعض ممن لا يروقه التصريح ويتعمَّد المواربة والمخاتلة في الاشارة الى مواطن الداء التي أبتليت بها الاُمَّة ، تصوُّراً منه أنَّ ذلك أنجع الطرق المؤدية نحو التقريب والتقارب ، والوحدة والتآلف ، فانَّ ذلك وهمٌ تصوًّره حالة الانخداع بالاختلاف المضخَّم والمبالغ فيه من قبل مُروِّجي هذا الاختلاف والمزمِّرين له ، فيضطر المصلحون الى تجاوز هذه العثرات دون تأمُّل ونظر باعتقاد كبر حجمها ، وتعاظم قدرها ، ويسير على منوالهم الاخرون وهم يكتنزون في مخيلتهم اعتبار سعة الهوة ، وبعد المسافة بين الفريقين ، وذلك هو أس الداء ، وأصل العلة.
    نعم ، إنَّ ما يلتقي به الجميع هو اكبر واعظم من أنْ نتجاوزه لنفترض استحالة الالتقاء والتقارب ، والاشارة المشخِّصة لموطن الاختلاف ايسر سبيل لادراك ماهية ذلك الاختلاف ، وكيف يمكن أن نتجاوزه وصولاً الى تلث الأمنية الغالية على قلوب المخلصين من هذه الأُمَّة المنهكة القوى ، والمستلبة العز والكرامة التي منحها اياه هذا الدين العظيم ، فتخاذلت عنه ،
    __________________
    (1) آل عمران 3 : 110.

    واعرضت عن سبيله ، فكان ما نراه اليوم من نكوص عظيم لا تصدقه العقول ، ولا تحتمله القلوب.
    كنّا ولا زلنا اخوة الدين الواحد الذي جاء به ذلك الرسول الاُمّي 9 الى تلك الشعوب الغارقة في وحل الانحراف والرذيلة ، فجعلها اُمَّة من خير الأُمم ، تحمل النور والهداية الى اصقاع الأرض ونواحي المعمورة ، وما كان ذلك إلّا بصدق النية ، وقوه العزيمة ، فلم لا نكون من المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، ولننفض عن كاهلنا وهم التنافر والاختلاف المقيت؟ انها دعوة صادقة لانفسنا كما هي للآخرين.
    والله الموفِّق للسداد ، انَّه نعم المولى ونعم النصير ، والحمد لله أولاً وآخراً.

    ترجمة المؤلف :
    هو الشَّيخ محمَّد بن الحسين ابن الشَّيخ علي بن محمَّد رضا بن موسى ابن الشَّيخ الأكبر جعفر ـ صاحب كشف الغطاء ـ ابن الشَّيخ جعفر بن يحيى ابن سيف الدين المالكي الجناجي النجفي.
    يعود رحمه الله تعالى برحمته الواسعة بنسبه إلى احدى قبائل العراق المعروفة ، وهي قبيلة بني مالك ، التي تنتهي إلى أحدى خواص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 ، وهو مالك بن الحارث الأشتر رحمه الله تعالى.
    كان الكثيرون من هذه القبيلة المعروفة يستوطنون نواحي مدينة الحلِّة وأطرافها ، وخصوصاً بلدة جناجه المعروفة سابقاً باسم قناقية ، وحيث كان أجداد المترجم يُعدون من وجهاء تلك البلدة وأعيانها ، حتى هاجر جدُّه الاعلى الشَّيخ خضر بن يحيى منذ ما يقارب من مائتين وتسعين عاماً إلى مدينة النجف الأشرف المزدهرة بحوزتها العلمية وعلمائها الأفذاذ ، فاشتغل بالدرس والتحصيل وتلقي العلوم الدينية بجد ومثابرة أهَّلته لأنْ يتفوق على الكثيرين من أقرانه ويتقدم عليهم بشكل ملحوظ أقرَّ به أساتذته وزملاؤه في الدرس ، مما مهد له السبيل للتخطي نحو مصاف الاساتذة والمدرسين الذين يشار لهم بالبنان ، ويحظون بالثناء والتقدير.
    وكان رحمه الله تعالى مشهوراً بالتقوى والصلاح ، والزهد والورع ، شاع صيته في الأفاق فتوافد الجميع عليه مقرِّين بفضله ، ومعترفين بمكانته ، فاستطاع أنْ يضع حجر الأساس لاسرة شريفة سمت بها منازل العلم والتقوى لأنْ تتسنَّم بحق زعامة المرجعية الدينية الشِّيعية لسنين طوال.

    نعم ، فاذا كانت مدينة النجف الأشرف ، وبالأخص حوزتها العلمية قد عرفت بالشيخ خضر عالماً فاضلاًَ ، وتقياً مصلحاً أخذ العلم على يد كبار أساتذتها ، وابتز اقرانه بجده واجتهاده ، فانَّها قد شهدت من بعده وعلى يد أبنائه وأحفاده الكثير من العطاء الذي طوَّقت أفضاله رقاب عموم الشَّيعة خاصة وباقي المسلمين عامة.
    وهكذا فقد كانت هجرة الشَّيخ خضر رحمه الله تعالى إلى النجف الأشرف قبل ما يقارب من المائتين والتسعين عاماً انعطافاً كبيراً في حياة هذه الأسرة الشَّريفة ، ورفداً عظيماً لمسار الحوزة العلمية ودورها في قيادة عموم الطائفة الشِّيعية في جميع العالم.
    وكان الشَّيخ خضر قد خلَّف أربعة من الأبناء ، أشهرهم العلامة ، الشَّيخ الأكبر جعفر كاشف الغطاء ، وحاله وسمو منزلته لا تخفى على أحد ، بل هو كالشمس في رابعة النهار ، تُشد اليه الرحال ، وتقصده أفاضل الرجال ، وتتزود من علمه أكثر جموع الطلبة والدارسين والباحثين.
    واذا كان والده الشَّيخ خضر قد وضع أساس هذه الأسرة الشَّريفة في جنبات مدينة العلم ، وقبلة الدارسين والباحثين عن صفو علوم أهل بيت العصمة : ، فانَّ الشَّيخ جعفر رحمه الله تعالى قد أشاد لعائلته صرحاً شامخاً ، وشرفاً منيفاً ، ومكانة عالية ، واسماً ميموناً ، حتى طغى اسم أشهر مؤلَّفاته ، وهو كشف الغطاء ، على اُسرته وأحفاده ، فاُسموا بآل كاشف الغطاء ، منذ ذلك اليوم ، وحتى يومنا هذا ، بل وأمسوا لا يُعرفون بغيره ، ولا يرتضون سواه ، فكان خير إرث تركه لهم ، إرث عظيم لا تُقاس به الكنوز ولا القطائع.
    ومن ثم فانَّ البنيان الشامخ لهذه الأسرة الطيبة المباركة كان لابدَّ له من

    أنْ يرثه ويتبوأ عرش سيادته بعد رحيل سيِّده الأكبر الشَّيخ جعفر الذي تُعد خلافته من مشاق الأُمور التي تستدعي بوريثه جهداً مضاعفاً ، وسعياً متواصلاً لينال تلك الحبوة الرفيعة التي امتطى ناصيتها ذلك الجد الأكبر.
    والحق يقال : إنَّ الأنظار بقيت شاخصة متفحصة مع تقادم السنين بحثاً عن ذلك الوريث المبارك الذي تسمو به همته ، وجده واجتهاده نحو ذلك المكان المنيف الشامخ ، حتى أتت الأيام بذلك الموعود المبارك من قِبل أحد أحفاده النجباء وهو الشِّيخ محمَّد بن الحسين رحمه الله تعالى ـ صاحب الترجمة ـ فاستطاع أنْ يرتقي هذا المرتقى الصعب ، بجدارة وقدرة ، وسعي واجتهاد ، بل وأنْ تثنى له الوسادة من قِبل الجميع ، ويقرُّ بفضله القاصي والداني ، وأنْ يملأ الدنيا باقواله ومواقفه ، وبحوثه ومؤلفاته ، وسعيه ومثابرته ، بل وأنْ يخلِّف الكثير الكثير من الآثار الخالدة الدالة على عظيم ما كان عليه ، علماً وفضلاً ، ايماناً وتقوى ، فرحمه الله تعالى برحمته الواسعة ، وأسكنه فسيح جنانه.

    ولادته ونشاته :
    ولد رحمه الله تعالى عام ( 1294 هـ ـ 1877 م ) في مدينة النجف الأشرف ، وقد أرَّخ الشاعر موسى الطالقاني رحمه الله تعالى ولادته بقوله :
    سُرورٌ بهِ خُصَّ أهلُ الغري
    فَعَمً المَشارِقَ وَالمَغربينِ

    بِمولَدِ مَنْ فِيهِ تَمَّ الهَنا
    وَقَرتْ بِرُؤيتَهِ كلُّ عَينِ

    وَقَد ْبُشِّرَ الشَرْعُ مذْ أرَّخُوا
    سَتُثنى وَسائِدُهُ لِلحُسينِ (1)

    فنشأ في بيت تفوح من جنباته عبقات العلم والسؤدد والشرف ، بيت يطفح بالعلماء والفضلاء ، والأساتذة النجباء ، فاشتد عوده واستقام ، وامتدت عروقه بعيدة في تلك الأرض الخصبة المعطاءة ، فكان بحق خير خلف لخير سلف ، ونعم الابن لتلك الأُسرة الطاهرة.
    لم يتجاوز أعتاب عامه العاشر حتى كان ينهل من علوم العربية وفنونها كالبلاغة والمعاني والبيان ، فوجد فيه أساتذته ميلاً واستعداداً كبيراً للاستزادة من هذه العلوم الرائعة والفنون العظيمة ، فتولوه بالاهتمام والرعاية حتى استطاع تجاوز جميع تلك المراحل دون أي تردد أو تلكؤ ، بل وأنْ يكون مع الأيام أديباً بارعاً لا يدانيه أحد ، واُستاذاً ماهراً يُشار له بالبنان.
    ولم تقعد به توجهاته نحو دراسة اللغة العربية وتخصصاتها المتعددة عن دراسة غيرها من العلوم كعلم الرياضيات المتشابك ، فاندفع في طلب معرفته ، وفهم بعض أبعاده بما تيسر له الظرف والامكان بتلهُّف وشغف ، إلّا
    __________________
    (1) ديوان الشاعر : 260.

    أنَّ النظام الدراسي المتبَّع في نشأته واعداده كان ينأى به بعيداً عن التخصص بهذا العلم البعيد الغور ، والواسع الأبعاد.
    ومن هنا فإنَّ شيخنا المرحوم كاشف الغطاء ما أنْ أتم دروسه الأولية في علوم العربية وآدابها ـ والتي أظهر فيه تفوقاً ملحوظاً ، وبراعة متميِّزة دون باقي أقرانه كما أسلفنا ـ حتى شرع بدراسة الفقه والأُصول وفق الاسلوب المتبع في الحوزة العلمية ، فأتَمَّ دراسة السطوح وهو في باكورة شبابه ، مما أهَّله لمواصلة دراسته المتقدمة والعالية عند كبار أساتذة الحوزة انذاك مع أخيه الشَّيخ أحمد كاشف الغطاء رحمه الله تعالى ، فاستشف فيه أساتذته تلك العبقرية الفذة ، والذكاء الوقاد ، والعزيمة الراسخة التي تؤهِّل صاحبها لامتطاء ذرى المجد ، وناصية الرقي ، فتتبعوه بالتوجيه والرعاية ، والصقل والتهذيب ، وأسبغوا عليه الكثير من الاهتمام والاعتناء ، حتى وفقوا ـ بفضل الله تعالى ـ في ذلك غاية التوفيق ، وخرَّجوا من مدراس بحثهم رجلاً عالماً فاضلاُ ، بارعاً حكيماً ، مظهراً لعظمة المذهب ، مدافعاً عن حرمه ، فكان كما قال الشَّيخ محمَّد جواد مغنية رحمه الله تعالى برحمته الواسعة : من العلماء الذين هم أندر من الكبريت الأحمر ، من اُولئك العلماء المتميِّزين الذين لم يتحددوا في علائقهم مع مقلِّيديهم وأتباعهم فحسب ، بل التقوا بالعالم ، ونقلت عنهم فئات شتى في الشرق والغرب ، وعرف بهم البعيد أنَّ في الشِّيعة معجزات من العبقرية ، وأنَّ مذهب التشيُّع يقوم على اقوى وأمتن أساس (1).
    __________________
    (1) مجلة العرفان | المجلد 47 | الجزء العاشر | صفحة 938.

    مشايخه وأساتذته :
    أخذ الشَّيخ كاشف الغطاء رحمه الله تعالى على جملة من علماء وأساتذة وفضلاء عصره ، كلُّ وفق منهجه في التدريس ، ومنهم :
    1 ـ الشَّيخ محمَّد كاظم الهروي الخراساني رحمه الله تعالى ، صاحب كتاب الكفاية في اُصول الفقه ، حضر عنده بحث الخارج في درس الكفاية ست دورات.
    2 ـ السيِّد محمَّد كاظم الطباطبائي اليزدي رحمه الله تعالى ، حضر عنده مجلس درسه منذ عام (1312 ـ 1337 هـ) حيث وافت السيِّد فيها المنية.
    3 ـ الشَّيخ محمد رضا الهمداني رحمه الله تعالى ، صاحب كتاب مصباح الفقيه ، كان من حضّار درسه لمدة عشر سنوات.
    4 ـ الميرزا محمَّد تقي الشِّيرازي رحمه الله تعالى ، درس عنده لمدة سنتين.
    5 ـ الشَّيخ محمَّد باقر الأصطهباناتي رحمه الله تعالى ، وكان الشَّيخ رحمه الله تعالى قد حضر عنده دروس الحكمة والكلام.
    6 ـ الشَّيخ أحمد الشِّيرازي رحمه الله تعالى.
    7 ـ الشَّيخ محمَد رضا النجفي آبادي رحمه الله تعالى.

    الشَّيخ كاشف الغطاء والمرجعية
    لقد استطاع الشَّيخ كاشف الغطاء بما عُرف عنه من تضلُّع مشهود بعلوم الفقه والأصول ، والحكمة والفلسفة ، والالهيات وغيرها أنْ يلقي بظلاله على أطناب الحوزة العلمية العامرة في مدينة النجف الاشرف آنذاك ، رغم وجود العديد من الأساتذة الكبار والعلماء الفضلاء أمثال استاذه اليزدي رحمه الله تعالى وغيره ممَّن تقدم ذكره.
    بل وذُكر أنَّه رحمه الله تعالى أنجز وفي حياة اُستاذه اليزدي شرحه على كتاب العروة الوثقى الذي كان يحاضر به مع تلامذته في دروسه المختلفة التي كان يلقيها تارة في المسجد الهندي ، واُخرى في جانب الباب الطوسي أو مقبرة الامام الشِّيرازي رحمه الله تعالى بجوار ضريح الامام علي بن أبي طالب 7.
    ولقد شهد له معاصروه من العلماء الكبار ، وتلامذته الذين صاحبوه في تلك الحقبة السالفة من حياته المباركة بأنَّه كان فقيهاً بارعاً ، قوي الحجة والبرهان ، بل ومجتهداً في مبانيه ، حراً في آرائه ونظرياته ، حيث كان كثيراً ما ينتزع العديد من الفروع التي تعسر على البعض ـ وذلك لا غرابة فيه ـ لما امتاز به رحمه الله تعالى من ذوق عربي سليم يؤهِّله لفهم وادراك حقيقة النصوص المعتمدة في بناء جملة واسعة من الأحكام ، حتى أنَّه رحمه الله تعالى قد روي عنه اتيانه ببعض المسائل الفقهية النادرة التي ليس لها عنوان محدد في الكتب الفقهية الاستدلالية ، فيفتي بها مع تقديمه الحجة والدليل على ذلك ، تاركاً للآخرين مسألة المذاكرة حول ذلك الأمر وأبعاده.
    نعم ، إنَّ من المسلَّم به كون مسألة التوسُّع في التفريعات الفقهية تتطلب مهارة فائقة ، واحاطة واسعة بهذا العلم الذي يعسر على الكثيرين

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اصل الشيعه واصولها Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اصل الشيعه واصولها   اصل الشيعه واصولها Emptyالأربعاء 16 أكتوبر 2024 - 5:27

    الخوض في غماره ، واجتياز عبابه ، وهذا الأمر ما كان يمتلكه الشَّيخ كاشف الغطاء ، فوفِّق في ذلك أيَّما توفيق.
    والحق يقال : إنَّ امتلاك هذه القدرات الواسعة في جملة تلك العلوم قد مهَّدت السبيل أمام شيخنا المترجَم للتربُّع على عرش المرجعية العامَّة للشِّيعة ، والتي تُعد بحق شرفاً عظيماً ، ومنزلة رفيعة ، لا ينالها إلّا القلَّة من ذوي الجد والاجتهاد ، والتقوى والايمان.
    ففي عام (1337 هـ ) وبعد وفاة السيِّد اليزدي رحمه الله تعالى ـ والذي كان يُعد مرجعاً كبيراً من مراجع التقليد ـ اتجهت الأبصار نحو الشَّيخ كاشف الغطاء ، فتوافد على درسه الفضلاء والعلماء ، وتطلَعوا عن كثب مدى ما يُنسب اليه من كبير الفضل ، وعظيم المنزلة ، فوجدوا الوصف عن الموصوف ، والحقيقة تقصر عنها الحكاية ، فأقرّ الجميع بعلميته ، وثُنيت له الوسادة ، وشاع في الأصقاع ما عليه من تلك السمات المؤهِّلة لتسنُّم المرجعية الشِّيعية ، فتعاظم عدد مقلديه في أنحاء العالم المختلفة ، ممّا دفعه ذلك بعد نشره لرسائله العملية إلى اعادة طبعها مراراً وتكراراً ، لزيادة الطلب عليها ، وتكاثر أعداد مقلديه.
    وهكذا فقد توطَّدت مرجعية الشَّيخ كاشف الغطاء رحمه الله تعالى ، وكان ذاك ايذاناً لتحمُّله عبء أعظم المسؤوليات المناطة بمراجع الأُمَّة ، لا سيِّما وقد كان العالم الاسلامي ابان تلك الحقبة يشهد جملة واسعة من التغيرات والتطورات والانتكاسات التي تستلزم معالجة واقعية حاسمة ، ومواقفاً شجاعة ثابتة لدرء حالات النكوص والانهزام والتبعثُّر التي أصبحت سمة غالبة مشخَّصة لواقع المجتمع الاسلامي آنذاك.

    الشَّيخ كاشف الغطاء وبصماته الخالدة على صفحات التاريخ :
    كثيرون هم من تطويهم عجلات الزمن وصفحاته المتلاحقة دون أنْ يتركوا لهم آثاراً ـ وإنْ دقت ـ تدلُّ على عبورهم من خلال بوابة الحياة المشرعة ، ومنافذها الواسعة ، فرحلوا كأنْ لم يكونوا إلّا أسماء ما أسرع ان يعفو عليها ويخفيها غبار الأيام.
    نعم ، إنَّ الله تعالى ما خلق الانسان إلّا وجعله مقترناً بأمر كبير ، وموسوماً بصفة عظيمة ، ألا وهي خلافته في أرضه ، إذ قال جلَّ اسمه مخاطباً ملائكته : ( إنِّي جاعِلٌ في الأرضِ خَليفةً ) (1) بل وجعل سبحانه مقياس الوفاء باداء الرسالة هو العمل ، فمن خلاله تُمنح المنازل والدرجات ، ويُنال الرضا في المحيا وعند الممات ، وذلك ممّا هو أجلى من الشَّمس في رابعة النهار.
    وحقاً قد تتفاوت الأعمال شكلاً وكيفاً ، بيد أنَّ اعتماد المنهج الشرعي السليم الواضح في ادائها هو المقياس الحقيقي الذي تقَّيم به تلك الأعمال ، ويمكن للمرء أنْ يشير لها بالبنان بفخر واعتزاز ، وما أقل ما هي.
    ولا نغالي بشيء إذا قلنا بانَّ حياة الشَّيخ كاشف الغطاء رحمه الله تعالى كانت ميداناً خصباً للكثير من الأعمال المباركة التي اتشحت بها سنوات عمره القصير ، وأبرزت من خلالها دقائق توجهاته ، وحقائق معتقداته ، فكانت فعلاً وممارسة لا اُطروحة وتنظيراً ، وذلك هو اسمى ما يُوسم به المؤمنون.
    ولا أقول إِني ساستقرىء من خلال صفحات مقدمتي هذه أبعاد تلك المواقف قدر ما أردت منها مجرد اللمحة والاشارة ـ وذلك لعسر المخاض ،
    __________________
    (1) البقرة 2 : 30.

    ومشقة الاستقصاء ، ومحدودية المدى المتاح ـ تاركاً عبء ترجمة هذا الطموح للدراسات الخاصة بهذا الأمر ، لأنَّي وجدت عند البحث قصور التراجم المحدودة للشَّيخ كاشف الغطاء عن احتواء الكثير من الأبعاد الخاصة به ـ مع اقراري بجدَّة البحوث ، وصدق النوايا ، ومبلغ الجهود المبذولة ـ رغمِ كون الفاصلة الزمنية بيننا وبين عصر المترجَم رحمه الله تعالى لا تمثل بوناً شاسعاً تتثاقل الخطا عن تجاوزه ، وتتوه النفوس عن تلمُّسه ، بل هو أيسر الان من أنْ يُترك فتتقادم عليه السنون ، وتُسدل عليه ستائر النسيان ، فتضطرب في التحدُّث عنه الروايات كما يتلمَّسه الباحثون عن سيرة الكثير من رجال هذه الأُمَّة وعظمائها.
    ومن ثم فساحاول من خلال هذه الصفحات الاشارة العابرة ، واللمحة الخاطفة عن بعض مواقف الشَّيخ رحمه الله تعالى ، بايجاز واختصار :
    1 ـ الجهاد ضد الاستعمار البريطاني :
    حين امتدت ذراع الاخطبوط البريطاني المستعمر نحو الأراضي العراقية ـ في سعيه المحموم لابتلاع وازدراد خيرات تلك المنطقة ، بدعوى منازلة الدولة العثمانية التي قادتها تخبُّطاتها الرعناء نحو جملة خطرة من المزالق والمهالك المتكررة ـ كانت مخيلة الساسة البريطانيين قد صوَّرت لهم حتمية اصطفاف الشِّيعة يتقدَّمهم علماؤهم إلى جانب تلك القوات الغازية ، لادراكهم ( أي البريطانيون ) عظم المحنة التي اُبتلي بها الشِّيعة من رجال تلك الدولة وقادتها الذين انشبوا أظفارهم بحمق في جسد هذه الطائفة المستضعفة دون رحمة أو شفقة ، وباصرار عجيب ، وتعنت غريب ، كان أعظمه في افتاء شيخهم انذاك بحلِّية دم الشِّيعي (1)!!
    __________________
    (1) نعم لقد ذُكر بأنّ الشَّيخ نوح الحنفي هو الذي أفتى ـ على ما هو مثَّبت في باب الردة والتعزير


    بيد أنَّ حساباتهم كانت خاسرة ، وتصوُّراتهم كانت باطلة ، إذ أتتهم الرياح بما لا يشتهون لسفنهم ، ودارت عليهم الدوائر ، وخرج الشِّيعة لمحاربتهم بشكل اقشعرت له أبدانهم ، وأهتزت لمنظره أفئدتهم.
    نعم لقد اصطف الشِّيعة آنذاك ، يتقدمهم علماؤهم الأبرار مع بقايا الجيش العثماني المهلهل المنهزم ، لادراكهم بوضوح ما يشكِّله الاستعمار البريطاني من مخاطر وخيمة لا تستهدف خيرات الشعوب المسلمة فحسب قدر ما يمثِّله من خطر جدي على عموم العقيدة الاسلامية المباركة بكل أبعادها ، خلاف الدولة العثمانية التي رغم كلُّ انحرافاتها ومساوئها فانَّها يحتويها معهم رباط الاسلام المقدس ، وهذا ما اثبتت صوابه الأيام.
    وهكذا فقد بدأت قوافل العلماء المجاهدين بالتوجه إلى ساحات النزال والمجالدة الشرعية ، مرتدين أكفان الشهادة بعزيمة واصرار راسخين ... مسجِّلين مآثر ازدانت بها صفحات التأريخ ، وتفاخر بها الأبناء ومن بعدهم الأحفاد ، وستبقى خالدة مدى الدهر لأسماء طُرِّزت بماء الذهب
    __________________
    من الفتاوى الحامدية وتنقيحها ، والممضاة من قبله ـ بكفر الشِّيعة!! ووجوب قتلهم!! بما نصه : اعلم أن هؤلاء [ أي الشَيعة ] الكفرة البغاة الفجرة!! جمعوا بين أصناف الكفر والبغي والعناد!! وأنواع الفسق والزندقة والالحاد!! ومَنْ توقَّف في كفرهم والحادهم ، ووجوب قتالهم ، وجواز قتلهم فهو كافر مثلهم!! .... إلى آخر تخريفاته وسخافاته الدالَّة على انحرافه وسقوطه.
    ولا ادري بم يعتذر به يوم القيامة بين يدي الله عزّ وجلّ ، وحيث قُتل نتيجة فتواه هذه ـ التي جاءت استجابة لرغبة سلطان السؤ سليم الأؤّل ، الذي دفعه عداؤه المستحكم للشاه اسماعيل الحاكم انذاك في ايران ، والذي نصَّب نفسه حامياً للمذهِب الشَيعي ـ عشرات الالوف من رجال الشيعة ونسائها ، دون أي ذنب وأي جريرة ، إلا لأنَهم شيعة فحسب.
    فقد ذُكر أنَّ السلطان سليم قتل في الأناضول وحدها أربعين ـ وقيل : تسعين ـ ألفاً من الشِّيعة ، بل وذكر أنَّ مدينة حلب ـ التي كانت عاصمة الدولة الحمدانية ، ومن مراكز تجمع الشَيّعة ـ لم يبق فيها شيعي واحد!! فتأمَّل.

    من أفاضل علماء الشِّيعة الذين كان الشَّيخ كاشف الغطاء رحمه الله تعالى برحمته الواسعة واحداً منهم ، وحيث كان من المرابطين في مدينة الكوت عام (1334 هـ ـ 1916 م ) للتصدي لتقدم القوات الانكليزية الغازية ـ المدججة بأحدث الأسلحة ، وأشدها فتكاً ـ رغم ضآلة الامكانيات ، وبساطة المعدات ، فكانوا مع عموم المجاهدين سيفاً قاطعاً ، وموتاً زؤاماً أحاط بالقوات النازية واجتاحها كالطوفان لا يلوي على شيء ، بل وأوشك أنْ يوردها الحمام لولا تخاذل الجيش العثماني ، وقلة العِدد ، والتاريخ خير شاهد على ذلك.
    2 ـ موقفه من مؤتمر بحمدون :
    يحاول المستعمرون ـ وكما يعرف ذلك الجميع ـ خدمة أغراضهم السياسية ، وطموحاتهم غير الشرعية بشتى الوسائل التي تتفتَّق عنها مخيِّلتهم النهمة ، متسترين ـ وصولاً إلى ذلك ـ بأشكال مختلفة من الشعارات والعناوين الجذابة ، مستدرجين من تنطلي عليه أكاذيبهم وأحابيلهم التي لا تغرب حقيقتها عن ذوي الألباب.
    نعم ، وصورة تلك الحال كانت واضحة في المؤتمر الذي دعت له جمعية أصدقاء الشرق الأوسط في الولايات المتحدة الامريكية للانعقاد بتأريخ 22 نيسان عام (1954 م ) في لبنان ، وبالتحديد في مدينة بحمدون ، وحينها تلقى الشَّيخ كاشف الغطاء دعوة رسمية موجهة من قبل كارلند ايفانز هوبنكز نائب رئيس تلك الجمعية لحضور هذا المؤتمر الذي ينحصر ـ على حد زعمهم ـ بعلماء المسلمين والمسيحيين ، وأنْ تتحدَّد أعمال هذا المؤتمر بمناقشة ودراسة المواضيع التالية :
    1 ـ دراسة القيم الروحية للديانتين الاسلامية والمسيحية.

    2 ـ تحديد موقف الديانتين من الأفكار الشيوعية الالحادية.
    3 ـ وضع البرامج الكفيلة بنقل القيَّم الروحية التي تؤمن بها الديانتان إلى الجيل الحديث.
    وكان غير خافٍ على أحد أنَّ الغرض المتوخى من اقامة هذا المؤتمر ـ الذي كانت تروِّج له الادارة الامريكية انذاك ـ هو تسخير المسلمين وعلمائهم كاتباع منفذين للسياسة الغربية التي هالها وأقلقها التوُّرم المظهري الكاذب لسريان الأفكار الشيوعية في أنحاء مختلفة من العالم ابان تلك الحقبة الغابرة التي شهدت انخداع العديد من تلك الشعوب بتلك الأفكار الالحادية التي ساهم في انتشارها حينذاك حدة التفاوت الطبقي بين أفراد المجتمع الواحد ـ وهو مرض الرأسمالية العضال ـ تزامناً مع ما اُسمي بالثورة الصناعية ، واستثمار اصحاب رؤوس الأموال لحالة التفاوت الحاد بين عنصري العرض والطلب بعد الهجرة المكثفة التي شهدتها المدن الصناعية الكبرى من القرى والأرياف ، فانتهز دعاة هذه الأفكار المنحرفة حالة البؤس المزري التي احاطت بالأيدي العاملة هناك من خلال خداعهم بحالة الفردوس المزعوم التي ستحققها لهم عند تصديها لقيادتهم ، ولكن الزمن اتى على كلُّ أكاذيبهم ففضحها ، وكلِّ حيلهم فابطلها ، وسقطوا في مزبلة التأريخ بلا أسف عليهم.
    نعم لقد كانت حالة الاضطراب التي بدأت تعم دوائر صناعة القرار في أوربا لمواجهة طغيان المد الشيوعي آنذاك هي التي دفعت اُولئك المفكِّرين الى اللجوء الى الدين كأنجع سلاح لا تمتلك أمامه تلك القيم الالحادية للنظرية الشيوعية شيئاً ، بل وتبدو قباله عاجزة تافهة ، وهو ما كان ولا زال يخشاه حملة تلك الافكار ، والمروِّجين لها ، حمقاً بعد افلاسهم.
    وحقاً ، فقد كان ذلك قراراً صائباً موفَّقاً لو انبعث من نوايا صادقة هدفها

    اسعاد البشرية ، ورفع الحيف عنها ، بيد انَّها اطروحة تفتَّقت عنها مخيَّلة جهة كانت ولا زالت مصدر محنة وبلاء ، بل وعاصفة سوداء اُبتليت بها الانسانية عامَّة ، والشعوب الاسلامية خاصة ، وعلى امتداد التاريخ المعاصر ، وحتى يومنا هذا ، فكانوا بحق أسوأ بكثير ممَّن يستثيرون بالمسلمين والمسيحيين الههم لمواجهتهم.
    ومن هنا فقد كان موقف الشَّيخ كاشف الغطاء رحمه الله تعالى حاداً وصريحاً في رفضه لحضور هذا المؤتمر من خلال ما أرسله إلى المؤتمرين من جواب طويل أسماه ( المُثل العليا في الاسلام لا في بحمدون ) والذي أوضح فيه ـ بصراحة جلية ـ رأيه في مواضيع هذا المؤتمر وبحوثه ، مبيِّناً ما توقعه السياسة الامريكية وحليفتها الانكليزية من ظلم وتجنِّي على شعوب العالم المستضعفة المغلوبة ، مع اشارته الواضحة إلى بُعد دعاة هذه السياسة ومباينتهم للقيم الروحية التي تدعو لها الأديان السماوية المختلفة ، وإنَّ من يُنادي بتلك القيم يجب عليه أنْ يكون من أوَّل العاملين بها ، والمؤمنين بحقيقتها ، وذلك ما لا ينطبق على الدعاة لعقد هذا المؤتمر ، والراعين له.
    3 ـ اخماد فتنة الحصان :
    لعلَّه أمسى من بديهيات الأمور التي كادت لا تخفى على أحد ما راهن عليه البعض من المتسربلين زوراً بجلباب الاسلام والتقوى والصلاح من توظيف بعض المواقف السلبية والمتغرِّبة عن الواقع في طرح ومناقشة أفكار وعقائد الشِّيعة ، والجوانب الأُخرى المتعلِّقة بهم ، كوسيلة فعالة ماكرة لبعثرة الصف الاسلامي الواحد ، واشاعة ظاهرة التمزُّق والتشرذم والتنافر بين اُخوة الدين الواحد ، وبالتالي توسيع الهوَّة الوهمية المفتعلة بين أفراد هذه الطائفة

    والطوائف الاسلامية الأخرى.
    هذا مع ما يتوخاه البعض من المتصيِّدين للسوانح الشاردة لطعن المسلمين من خلال امتطاء موجة الانفعالات التي قد تنفلت بديهياً وبأشكال مختلفة ومن جهات معينة في اشاعة الاضطراب والفوضى والغوغائية ـ المتسرِّبة من خلال ذلك ـ في جوانب المجتمع الشِّيعي المستدرج ـ بخبث وسوء طوية ـ نحو هذا الفخ القاتل ، وذلك ما لم يعد خافياً على أحد.
    نعم ، ولعلَّ ما أحدثه كتاب ( العروبة في الميزان ) لعبدالرزاق الحصان (1) الذي نُشر عام (1351 هـ ـ 1933 م ) من فتنة ـ حيكت أطرافها من قِبل بعض الأيادي المراهنة على تمزيق وحدة الصف الاسلامي ـ كانت عظيمة عمدت إلى استدراج عوام الناس ودفعهم إلى اشاعة الفوضى والاضطراب في عموم المدن العراقية آنذاك ، من خلال اثارة واستفزاز مشاعر عموم الشِّيعة هناك بسبب ما سُطِّر في هذا الكتاب السقيم من تفاهات وترهات باطلة ترتكز على جملة افتراضات متهرِّئة منها الطعن بانتماء الشِّيعة في العراق ، والذهاب الى القول بانَّهم أجانب عن هذا البلد ودخلاء فيه ينبغي التصدي لاقصائهم عنه ، حين تراه يشيد بدور الامويين الوسخ ، وأياديهم الملطَّخة بدماء المؤمنين.
    إنَّ هذا الموقف المستهجن والممجوج من قِبل مُسطِّر هذه الوريقات الصفراء الباهتة كان لابدَّ له من أنْ يثيرشجون وأحاسيس عموم الشِّيعة الذين اُتيح لهم قراءة هذا الكتاب ، أو طرق سمعهم شيءٌ من عباراته السقيمة هذه ،
    __________________
    (1) قال الزركلي في أعلامه (3 : 352) : عبدالرزاق بنِ رشيد بن حميد الحصان ، البغدادي الكرخي ، مؤرِّخ للقومية العربية ، أثار بعض كتبه نقداَ شديداً في بغداد.
    من كتبه العروبة في الميزان ، قامت بسببه تظاهرات احتجاج ، وسُجن مؤلفه أربعة أشهر.
    رحل إلى الكويت والى السعودية ، وتوفي غريباً في فندق بالكويت.

    فاعلنوا الاضراب العام في العديد من مدن العراق الكبرى كبغداد والمحلة والديوانية والناصرية ، وكان أشده في مدينة النجف الاشرف ، لما لها من قدسية متميِّزة في قلوب الشِّيعة ، فتعطَّلت الأسواق ، وساد الهيجان فيها ، لا سيَّما وقد تسرَّب اليها العديد من القبائل الهائجة المحيطة بها.
    بيد أنَّ الأمور لم تجري على منوالها الطبيعي ، حيث انظم في صفوف الملتاعين من سماجة وصفاقة هذا الكتيب التافه العديد من ذوي المآرب الفاسدة والمنحرفة ، من الذين امتطوا موجة الأحداث لاشاعة الفوضى والاضطراب ، والتعدي على حرمات الناس وممتلكاتهم.
    فضجَّ العقلاء من رجال الشِّيعة وعلمائها بالصبغة الغريبة التي كانت تؤججها وتروج لها أيادي أجنبية ماكرة ، يقابلها ضعف السلطة عن مواجهة هذه الظاهرة المحتدمة والمتفجِّرة ، وكان انذاك السيِّد جعفر حمندي حاكماً ادارياً في النجف ، فحاول جاهداً الحد من تفاقم هذا الأمر دون جدوى ، فاضطر به الحال أنْ يتصل بالعديد من كبار العلماء وفضلاء الحوزة وأعيان النجف الذين توجهوا نحو المرقد الطاهر للامام علي بن أبي طالب 7 في محاولة يائسة منهم لانهاء هذا الاضطراب ، وهذه الفوضى المستحدثة ، إلّا أنَّهم أخفقوا في تدارك هذه الأحداث الوخيمة ، والحد من توسعها ، ولم يجدوا من عموم الجماهير المضطربة آذاناً صاغية ، ونفوساً مستجيبة ، فلم يجد الجميع بداً من التوجه إلى الشِّيخ كاشف الغطاء رحمه الله تعالى ، لما يدركونه من عظيم منزلته في قلوب الناس ، بل وما يمتلكه من قدرة عجيبة في التحكُّم بمشاعرهم واحاسيسهم ، وتلك والله نعمة كبيرة ، وفضل من الله جسيم يمن به على من يشاء من عباده المتقين.
    وهكذا ، فلم يكد يحطه زوّاره من رجال الحكومة ، وفضلاء الحوزة ، وأعيان المدينة بتفاصيل الأمر ـ رغم تحذيرهم له من خطورة الموقف ، وشدة

    تأزُّمه ـ حتى نهض من فوره بطلعته المهيبة ، وخطواته المتسارعة الرصينة نحو المرقد المطهر للامام علي 7 ، وكان ذلك وقت الزوال ، فاشرف على الناس طالباً منهم حفظ الهدوء وترك الفوضى ريثما يعود للتحدُّث معهم بعد فترة لشرح ملابسات هذه القضية ومداخلاتها.
    والحق يقال : إِنَّ حضّار هذا الحدث الكبير ـ الذي عسر على الجميع التحكُّم باندفاعاته الرهيبة ، وتعقّداته المتشابكة ـ لتنتابهم الحيرة في تفسير علَّة تحكُّم هذا الرجل بعواطف الناس ، وقدرته الفائقة في توجيه مشاعرهم ، وبهذا الشكل الغريب ، حيث يذكرون أنَّه رحمه الله تعالى ارتقى المنبر عصراً بتان وروية ، ثم أرسل نظراته الثاقبة تجوس في الجموع المحيطة به ، والتي ران عليها الصمت والسكون وهي تحدق بمرجعها الكبير الذي لم يلبث أنْ شرع بحديثه معهم ، مطلقاً عباراته الدقيقة الحساسة ، والمنحدرة كالسيل الهادر من أعالي الجبال ، مبرهناً على خطأ وفساد هذه التصرُّفات الضارة التي أخذت تصطبغ بها ظاهرة الاحتجاج هذه ، وما يمكن أنْ تشكِّله من آثار سيئة مخالفة للموقف الواجب اتخاذه أمام هذه الاساءات المقصودة.
    نعم ، ذكر المعاصرون الذين شاهدوا بأعينهم تفاصيل هذه الواقعة : بانَّ الشَّيخ كاشف الغطاء ما أنْ انفلت عن المنبر حتى عادت الحياة إلى مجراها الطبيعي ، وأُعيد فتح الأسواق ، واُزيلت مظاهر الاضطراب والفوضى من عموم المدينة وما جاورها ، وكانَّ شيئاً لم يكن ، وباءت تجارة المراهنين على تمزيق هذه الاُمَّة وبعثرتها بالكساد والخسران.
    4 ـ موقفه من العادات المنحرفة :
    لا تخلو جميع المجتمعات البشرية من وجود جملة متفاوتة من العادات الغريبة الشاذة والدخيلة التي يتشبَّث بها العوام ومعدومي الثقافة من

    أفراد تلك المجتمعات ، والتي قد تتحوَّل بمرور الأزمنة في أذهانهم إلى طقوس عبادية لا ينفك البعض منهم عن التعبُّد بها ، والذب عن حماها ، بما يمتلكه من قدرات وامكانيات ، وذلك أمر طالما كنّا ولا زلنا نعاينه في نقاط وبقاع مختلفة من هذه المعمورة.
    وإذا كانت بعض تلك العادات لا تشكِّل بمجموعها أثراً سلبياً وضاراً بتلك المجتمعات المذكورة ، أو الاساءة إلى معتقداتها ، والتوهين بها ، فإنَّه لا غضاضة في غض النظر عن وجودها واستمرارية العمل بها ، بيد أنَّ الأمر إذا تحوَّل في حقيقته إلى ممارسات شاذة وسلبية ، وكثيرة الضرر بتلك المجتمعات وعقائدها ، فإنَّ في التسامح عنها جفاءً للعقل والمنطق والفطرة ، واستسلاماً مردوداً قبال استشراء الجهل والتخلُّف.
    هذا عند الحديث عن عموم المجتمعات البشرية ، والتي قد لا تحكم بعضها مُثُلٌ سماوية ، وعقائد الهية ، فكيف إذا تعلَّق الأمر بالمجتمعات الاسلامية التي يعمل الدين الاسلامي على تشذيب وتهذيب سلوكيات أفرادها ، واعدادهم لأنْ يكونوا عناصر خير وعطاء في هذه الأرض.
    نعم ، إنَّ العقيدة الاسلامية المباركة التي استطاعت أنْ تخلق من المجتمع البدوي الجاهل في أرض الحجاز اُمَّة تخمل الخير والعطاء لكلِّ الشعوب الغارقة في الجهل والتخلَّف والانحراف ، تحمل في طيّاتها التنافر الصريح والحاد مع تلك العادات التي أشرنا اليها ، وهذا ما لا خلاف فيه ، إلّا من المعاندين والمغالطين.
    ثم فإنّا إذا أشرنا لما تصنَّف في خانته بعض تلك العادات الشاذة والدخيلة ، فإنَّ البعض من المتعبِّدين بها جهلاً وعمداً يجرهم العناد والمكابرة إلى مواقف حادة سلبية من دعاة الاصلاح والتشذيب ، متوسِّلين بحجج واهية ساذجة قد تنطلي على بعض العوام الذين ربما يشتط بهم

    جهلهم إلى الاساءة والتوهين باولئك المصلحين من العلماء والمفكِّرين ، وهذا ما يدفع البعض إلى ان يناى بنفسه عنه رغم ما يعترم فيها من سخط وغيض.
    ومن هنا فإنَّ من الجلي الواضح أنَّ في التصدي لتلك العادات المتأصلة في تلك النفوس عملية تستلزم وقفة شجاعة وصريحة لا يمتلكها الكثيرون لما ذكرناه من نتائج متوقعة بما يمكن ان تشكِّله ردود الفعل من مخاطر المعارضة والتكفير والتسقيط التي لا بُدّ وأنْ تلجأ إليها تلك الفصائل التي انجرفت في ذلك التيار بحسن نية أو سوء قصد ، إلّا انها ـ أي تلك الوقفة ـ ورغم كلُّ شيء فإنَّها ـ وحقاً وصدقاً أقول ـ تورث صاحبها شرفاً عظيماً ، وفخراً كبيراً ، مع ما فيها من الأجر والمثوبة التي يدخرها الله تعالى له إلى يوم الحساب.
    ولعلَّ من نِعَمِ الله تعالى على الشِّيعة أنْ لا يخلو علماؤهم من اُولئك الرجال الأفذاذ المتمسِّكين بالمنهج الحقيقي لأهل بيت العصمة عليهم الآف التحايا والسَّلام.
    والحق يُقال : أنَّ الشَّيخ كاشف الغطاء رحمه الله تعالى كان نموذجاً واضحاً من أصحاب تلك المواقف العقائدية الشجاعة التي خلِّفت له الثناء والاطراء أبد الدهر.
    فمن العادات السيئة والشاذة التي تفتَّقت عنها أذهان الجهلة ، وروَّجت لها العقول والنفوس الفاسدة ، وزمَّر لها أعداء الشِّيعة ، ونسبوها ظلماً اليها ، ما اعتاد بعض العوام على فعله آنذاك ، وبالتحديد في الأيام العشرة الأُولى من شهر ربيع الأول من القيام بالكثير من التصرُّفات المنكرة المؤذية للناس ، والمشينة للدين ، وبشكل بغيض ممقوت متواصل تطبَّعت نفوسهم عليه ، وتشرَّبت به لتكرره طوال عشرات أو مئات السنين ، وكان الكثيرون من علماء

    الدين المخالفين والمعارضين لهذا المنهج المنحرف ـ في أثناء اقامة تلك الاحتفالات والمناسبات المختلفة ـ يتحاشون التصدي لمنع اُولئك الجهلة عن منكراتهم هذه للاسباب التي ذكرناها سالفاً ، رغم استيائهم البالغ ممّا تَشكِّله من اساءة بالغة للتشيُّع وأئمته ، فانبرى الشَّيخ كاشف الغطاء بشجاعة قلَّ نظيرها لمنع تكرر ايقاعها ـ رغم تحذير الكثيرين له من مغبة التصدي لها ـ وتحريم الاتيان بها ، وايضاح ضررها على التشيُّعِ ، وتوهينها بالمذهب بشكل صريح سافر يتصيَّده أعداؤهم ومبغضيهم ، فوفَّقه الله تعالى في مسعاه أيّما توفيق ، وانقاد الجميع لارادته ، وقُبِر الكثير من تلك العادات السيئة التي كانت كالبقعهّ السوداء في ثوب التشيُّع الأبيض الذي هو بريٌ منها ، ومتنزِّه عنها.
    5 ـ لقاؤه مع الدكتور أحمد أمين :
    لعلَّ من المحن الكبرى التي اُبتليت بها الشِّيعة وطوال حقب مترادفة من القرون ما انفكت تواجهه وتُنبز به من تهم وتقوُّلات بعيدة عن الصحة ، ومتغرّبة عن أرض الواقع ، اعتماداً من قِبل متقوِّليها على آراء جاهزة ، أو فهم سطحي لا يُعتد به ، أو غير ذلك من الأسباب والحجج التي لا تبرئ قائليها من تصنيفهم في خانة العاملين على تمزيق هذه الاُمَّة وبعثرة صفوفها ، وبأساليب ومناهج مختلفة ، باطلة الدعوى ، سقيمة الحجة ، وذاك ما لا يخفى على الباحثين والمتتبعين ، وهذه كتب الشِّيعة لا يعسر على أحد مطالعتها وادراك حقيقة ما ذكرناه.
    ولقد كان الدكتور أحمد أمين (1) ـ رغم مكانته العلمية التي عرف بها ـ
    __________________
    (1) راجع ترجمتنا له في الملاحق الخاصة بالتراجم.

    عينة صادقة من تلك الحالات السلبية التي اُبتليت بها الشِّيعة ، وتصدَّت لابطالها.
    فالدكتور المذكور ـ وذلك ممّا يؤسف له ـ قد تعرَّض وبشكل سافر غريب طعناً واساءة لعموم الشِّيعة وعقائدهم دون دليل علمي يرتكز عليه ، أو حجة واقعية يستند اليها ، فوقع نتيجة ذلك في المضيق ، وحمَّل نفسه ما لا تطيق ، وهذا ما تجده واضحاً عند مراجعتك لمقدمة كتابنا هذا.
    وعموماً فانَّ هذا الدكتور ـ وبعد أنْ أطلق تقوُّلاته المذكورة ـ كان قد شدَّ الرحال نحو مدينة النجف الاشرف مع البعثة المصرية المؤلَّفة من بعض الأساتذة والباحثين ، وحيث ألقوا رحالهم فيها ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك عام ( 1349 هـ ) واطَّلعوا عن كثب على المناهج العلمية الرصينة التي تدرَّس في حوزتها ، والمكانة الرائعة والمهيبة لعلمائها وأساتذتها ، واستقرءوا عياناً الكثير من آراء الشِّيعة ومعتقداتهم ، بعد أنْ أمضوا ردحاً من الزمن وهم يتلقونها عن الوسطاء والغرباء ، من المستشرقين والمخالفين للشِّيعة ، ويسلّموا بصحتها دون مراجعة أو تفحُّص.
    ومن ثمَّ فإنَّ تلك البعثة كان لا بُدَّ لها من أنْ تتشرَّف بلقاء الامام كاشف الغطاء رحمه الله تعالى ، وزيارة مدرسته العلمية ، ومكتبته الفخمة ، فكان لذلك عظيم الأثر في نفوسهم ، وحيث بوغتوا بما لم يتوقعوه ـ وذلك قصور فيهم لا في الآخرين ـ معلنين ذلك بصراحة لا مواربة فيها.
    ولقد كان لقاء الدكتور أحمد أمين بالامام كاشف الغطاء رحمه الله تعالى برحمته الواسعة مليء بالجوانب العلمية الصريحة التي أفاضها في حديثه شيخنا المرحوم ، والتي دلَّت على عظم مكانته العلمية ، وقوة استحضاره ، وذكائه المفرط.
    وقد أوردت مجلِّة العرفان في مجلدها الحادي والعشرين ، وفي

    الصفحة الثامنة بعد الثلاثمائة من جزئها الثالث منه جانباً من تلك المحاورة العلمية ، نوردها تاكيداً لمّا تقدَّم منّا ذكره :
    قال سماحته ـ بعد ترحيبه بالوفد المصري ـ مخاطباً الدكتور أحمد أمين :
    من العسير أنْ يلم بأحوال النجف وأوضاعها ـ وهي تلك المدينة العلمية المهمة ـ شخص لا يلبث فيها أكثر من سواد ليلة واحدة ، فإنَّي قد دخلت مصركم قبل عشرين سنة ، ومكثت فيها مدة ثلاثة أشهر متجوِّلاً في بلدانها ، باحثاً ومنقباً ، ثم فارقتها وأنا لا أعرف من أوضاعها شيئاً ، اللَّهم إلّا قليل ضمَّنته أبياتاً أتذكَّر منها :
    تَبزغ ُ شَمسُ العُلى وَلكنْ
    مِنْ اُفقِها ذلك البزوغُ

    وَمثلما تَنبغُ البَرايا
    كذا لبلدانها نُبوغُ

    أكثرُ شيء يَروجُ فيها
    اللَّهو والزَّهو وَالنزوغُ

    فضحكوا من كلمة (النزوغ ) وقال الاستاذ أحمد أمين ـ مخاطباً الشَّيخ ـ : قلتم هذا قبل عشرين سنة؟!
    قال : نعم ، وقبل أنْ ينبغ ـ طه حسين ، ويبزغ سلامة موسى ، ويبزغ فجر الاسلام ، وقد ضمَّنتَه ـ مخاطباً أحمد أمين ـ من التلفيقات عن مذهب الشِّيعة ما لا يحسن بالباحث المؤرِّخ اتباعه.
    فاجاب أحمد أمين : ولكنه ذنب الشِّيعة أنفسهم ، إذ لم يتصدوا إلى نشر حقيقة مذهبهم في الكتب والصحف ليطلع العالم عليه!!.
    فقال الشَّيخ : هذا كسابقه ، فإنَّ كتب الشَّيعة مطبوعة ومبذولة أكثر من كتب أي مذهب اخر ، وبينها ما هو مطبوع في مصر ، وما هو مطبوع في سوريا ، عدا ما هو مطبوع في الهند ، وفارس ، والعراق ، وغيرها ، هذا فضلاً

    عما يلزم للمؤرِّخ من طلب الأشياء من مصادرها.
    فقال أحمد أمين : حسناً ، سنجهد في أنْ نتدارك ما فات في الجزء الثاني!!.
    ثم واصل أحمد أمين قوله مخاطباً سماحة الشيخ كاشف الغطاء : هل يسمح لنا العلاّمة في بيان العلوم التي تقرأوها؟
    فاجاب الشَّيخ : هي علوم النحو ، والصرف ، والمعاني ، والبيان ، والمنطق ، والحكمة ، والكلام ، وأُصول الفقه ، وغيرها.
    فقال أحمد أمين : ما هي كيفية التدريس عندكم؟
    فأجاب الشَّيخ : التدريس عندنا على قسمين :
    1 ـ سطحي ، وهو أنْ يفتح التلميذ كتاباً من كتب العلوم المتقدِّمة بين يدي اُستاذه ، فيقرأ له هذا عبارة الكتاب ، ويفهمها التلميذ ، وقد يعلِّق عليها ويورد ويعترض ، ويشكل ويحل ، وغير ذلك ممّا يتعلَّق بها.
    2 ـ خارج ، وذلك أنْ يحضر عدة تلاميذ بين يدي الاستاذ ، فيلقي عليهم الاستاذ محاضرة تخص العلم الذي اجتمعوا ليدرسوه ، ويكون هذا غالباً في علوم الفقه والاصول والحكمة والكلام ، مع ملاحظة أنَّ التلميذ بكلا القسمين يكون ذا حرية في ابداء آرائه واعتراضاته وغيرها.
    فقال أحمد أمين : إنَّ البعثة تودُّ أنْ تسمع لبحثكم ، فهل أنتم فاعلون؟
    عندها لم يبد الشَّيخ اعتراضاً ، بل أجاب برحابة صدر طلب البعثة ، وارتقى المنبر ، فاجتمع حوله من حضر الجلسة من تلاميذه ، مشاركين الوفد في الاستماع لكلامه.
    ولمّا كان الشَّيخ على غير سابقة عهد بالأمر ، وعلى غير تهيئة وتمهيد لنوع العلم الذي سيبحث فيه ، لذا تركوا له الحرية في اختيار العلم ، ومن أجل هذا يرى القارئ الكريم أنَّ البحث الاتي ذا فصلين : فقه وأصول ،

    وعقائد. وهو موافق لرغبة الوفد.
    ومن ثم فقد ابتدأ سماحته خطبته مرتجلاً فقال :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    قال تعالى : ( وَلا تَقْرَبُوا مَالَ اليَتيمِ إلّا بِالَّتي هيَ أحْسَنُ ) (1).
    تشتمل هذه الآية على عقدين : عقد سلب ، وعقد ايجاب ، أمّا عقد السلب ( وَلا تَقْرَبُوا مَالَ اليَتيمِ ) فهو من الأساليب القرآنية التي اخترعها وارتجلها في الاستعمالات العربية ، ولم تكن معروفة من ذي قبل.
    وقد تكررت هذه الجملة في الكتاب الكريم ، فهي تارة : تتعلَّق بالأفعال مثل قوله تعالى : ( وَلا تَقْرَبوا الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَ ) (2) وقوله تعالى : ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنا إنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبيلاً ) (3) وقوله تعالى : ( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأنتمْ سُكارى ) (4) ويكون المراد منها حينئذٍ على سبيل الاستعارة بالكناية : المبالغة في التحذير عن ارتكاب ذلك الفعل ـ الزنا ـ والصلاة مع السكر ، أو غير ذلك ... وشبَّه اسم المعنى باسم العين فحذَّر من قربه ، فكيف بملاصقته أو الدخول فيه!!.
    واُخرى : تتعلَّق بالأعيان ، مثل قوله تعالى : ( وَلا تَقْرَبا هذهِ الشَّجَرَةَ ) (5) وقوله تعالى : ( انَّما المُشْرِكونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ
    __________________
    (1) الانعام 6 : 152.
    (2) الانعام 6 : 151.
    (3) الاسراء 17 : 32.
    (4) النساء 4 : 43.
    (5) البقرة 2 : 35.

    الحَرامَ ) (1).
    ومن هذا القبيل آية العنوان التي هي من براعة الصنعة وابداع البيان بمكان ، وحيث أنَّ النهي لا يتعلَّق بالأعيان رأساً ، بل لا بُدَّ من توسيط فعل مقدَّر في البين يناسب تلك العين ، فإذا قيل : حرمت أُمهاتكم عليكم ، يعني : العقد عليهن ، وإذا قيل : حرِّمت الخمر ، يعني : شربها ، واذا قيل : حرِّم الميسر والقمار ، يعني : اللعب بهما ، وهكذا يُقدَر في كلُّ مكان ما يناسبه ، بل أظهر ما يتعلّق به من الأفعال التي تُطلب من تلك العين ، وممّا هي معدة له ، فلا يراد من قول (حرِّمت الخمر) حرمة كلُّ الأفعال التي يمكن أنْ تتعلَّق بها ، فيحرم لمسها أو النظر اليها أو التداوي بها وهكذا ... كلا ، بل ليس المراد إلّا حرمة شربها.
    وعليه فيكون المراد والمعنى بالآية التي في العنوان : لا تتصرَّفوا في مال اليتيم التصرُفات المطلوبة عند العقلاء من مال التجارة في بيع ، أو شراء ، أو صلح ، أو رهن ، أو ادانة ، أو غير ذلك.
    والغرض أيضاً بهذا النحو من البيان شدة التحذير ، والنهي عن التصرُّف في مال اليتيم ، وأنَّ قربه لا يجوز ، فكيف الوقوع فيه؟!
    وليس المراد النهي بوجه عام عن التقرُّب لمال اليتيم ، بحيث يكون المعنى والمقصود النهي عن المعاملة بمال اليتيم بوجه مطلق من رفع أو وضع أو فعل أو ترك إلّا بالتي هي أحسن ، أمّا حيث لا تريدون التصرُّف فلا شيء عليكم ، وإنْ كان التصرف أحسن بخلافه على الوجه الثاني فانَّ مفاده لزوم التصرُّف بالأحسن يؤِّيد الحكم الضروري من حرمة التصرف بمال الغير مطلقاً صغيراً أو كبيراً بغير اذنه ، وليس هو المقصود أصالة بالبيان بالضرورة ،
    __________________
    (1) التوبة 9 : 28.

    وانَّما المقصود عقد الايجاب ، وهو اعطاء الرخصة بالتصرُّف في مال اليتيم إذا كان في التصرُّف مصلحة ، فيكون مخصصاً لما دلَّ على عموم حرمة التصرُّف في مال الغير ، انَّما الكلام في مقدار تلك الرخصة وحدودها حسبما يستفاد من الآية ، فإنَّ محور البحث والنظر يدور من هذه الجهة على تشخيص المراد من لفظ ( الاحسن ) وهل هو من أفعال التفضيل نظير : الصلاة خير من النوم؟ أو صفة مشبَّهة نظير : النوم خير من الله؟!
    وعلى الأوَّل ، فهل المراد الأحسن بقول مطلق؟ أي ما لا أحسن منه ، أو الأحسن نسبياً أي الأحسن من تركه وإنْ كان غيره أحسن منه؟
    وعلى الثاني ، فهل المراد منه ما اشتمل على مصلحة؟ أو يكفي خلوِّه عن المفسدة ، بناءً على أنَّ كلُّ ما ليس بحرام فهو حسن؟
    ثم لما انتهى الكلام إلى هذا المقام طلب بعض الحضور تغيير الموضوع ونقل البحث إلى مسألة من المسائل الاعتقادية وأساسيات أُصول الدين ، فاوصل سماحته الكلام اقتضاباً من غير روية ولا تمهل ، ونقل البحث إلى مسألة الحاجة إلى الانبياء وضرورة البعثة فقال :
    إنَّ النظر في عامة أحوال البشر يدل على أنَّ أوضح صفاته ، وألصقها فيه ، وأقدمها عهداً به ، هي الخلال الثلاث التي لا يجد عنه محيصاً ، ولا منها مناصاً ، مهما كان ، ألا وهي : الجهل ، والعجز ، والحاجة ، وهذه الصفات هي منبع شقائه ، وأصل بلائه ، وكلما توغَّل الانسان في العلم والمعرفة تطامن للاعتراف بما توصَّل اليه من العلم بعظيم جهله ، وأنَّ نسبة معلوماته إلى مجهولاته نسبة القطرة إلى المحيط ، وكان أكبر علمه جهله البسيط.
    وقد سئل أفلاطون حين أشرف على الرحلة الأبدية عن الدنيا فقال : ما أقول في دار جئتها مضطراً ، وها أنا أخرج منها مكرهاً ، وقد عشت فيها

    متحيِّراً ، ولم استفد فيها من علمي سوى أنني لا أعلم.
    وقال سولون الحكيم : ليس من فضيلة العلم سوى علمي بانِّي لا أعلم.
    ومن استقصى كلمات حكماء اليونان وغيرهم وجد لكلِّ واحد منهم مثل هذه الكلمات. والتشبُّع بهذه الروح السارية إلى متضلع في الفضيلة ، متشبِّع بروح الفضيلة ، من علماء الاسلام وحكمائهم ، حتى قال الشافعي :
    وَإذا ما ازدَدتُ عِلماً
    زادَني عِلماً بِجَهلي

    والرازي يقول :
    نهايةُ إدراكِ العُقولِ عتالُ
    وَغايَة سَعي العالَمينَ ضلالُ

    وَلَمْ نَستَفدْ مِنْ بَحثِنا طولَ عُمرِنا
    سوى أن جَمعنا فيهِ قيلَ وقالوا

    حين أنَّ علماء الغرب وكبار المخترعين الذين حورَّوا الدنيا إلى هذا الشكل العجيب يعترفون بعدم وصولهم إلى حقائق الأشياء ، فهم وإنْ اخترعوا الكهرباء لا يعرفون حقيقتها ، هذا فضلاً عن الروح والنفس والحياة ، وهذا مجال لا يأتى عليه الحصر.
    فالانسان عريق بالجهل ، لصيق بالعجز والحاجة ، ولا شقاء ولا بلية إلا وهي منبعثة اليه من ذلك ، وعقول البشر بالضرورة غير كافية لرأب هذا الصدع ، ونأي هذا الثلم ، وسد هذا العوز ، فالعناية الأزلية التي أوجدت هذه الخليقة لو تركتها على هذه الصفة تكون قد أساءت اليها بايجادها ، وما احسنت الصنيع بنعمة الوجود عليها ، ولكان الاحرى لو تركتها في طوامر العدم ، وأطمار الفناء ، ويكون ذلك نقضاً للحكمة ، وافساداً للنعمة.

    اذاً فلا بُدَّ من ايجاد رجال كاملين في أنفسهم ، مكمِّلين لغيرهم ، يكونون كحلقة الاتصال بين الخالق والمخلوق ، وهمزة الوصل بين العبد والربِّ ـ فإنَ السعادة منه واليه ـ وأولئك هم السفراء والأنبياء الذين بهم تتم الحجة ، وتستبين المحجة ، وحينئذٍ تكون سعادة كلُّ انسان وشقاؤه باختياره ، قال تعالى : ( وَهَدَيناهُ النَّجدَينِ ) (1) وقال : ( انّا هَدَيناهُ السَّبيلَ إمّا شاكِراً وَإمّا كَفُوراً ) (2) وتكون حينئذٍ لله على الناس الحجة البالغة.
    نعم ، وكلّ هذا موقوف على اثبات الصانع الحكيم ، المنزَّه عن العبث والظلم ، فضلاً عن الجهل والعجز.
    وهناك أدلى الشَّيخ بالحجة ، وأملى اُصول البرهنة على وجود الاله تعالى الحق بعدة قواعد لا يساعدنا ضيق المجال لسردها وعدها تفصيلاً ، ولكن نكتفي بالاشارة اليها على وجه الاجمال :
    1 ـ قاعدة : أنَّ ما بالعرض لا بدَ وأنْ ينتهي إلى ما بالذات.
    2 ـ أنَّ معطي الشيء لا يكون فاقده.
    3 ـ أنَّ الصدفة في النواميس الدائمة الكلِّية والأشياء المتكرِّرة مستحيلة.
    4 ـ امكان الأشرف.
    5 ـ قاعدة اللطف.
    وأمثال ذلك من أُمهات قواعد الحكمة وأُصول الفلسفة الحقة.
    ثم ارتأى في هذا المقام أنْ يختم البحث لضيق الوقت ، وهكذا كان.
    وعندما نزل الشَّيخ من المنبر دارت بينه وبين أحمد أمين الأحاديث
    __________________
    (1) البلد 90 : 10.
    (2) الانسان 76 : 3.

    الآتية :
    سأله أحمد أمين : هل الاجتهاد عند الشِّيعة مطلق أو مقيَّد؟
    فاجابه الشيخ : الاجتهاد عندنا مطلق ، يستنبط كلُّ مجتهد الأحكام الشرعية من نفس الكتاب والسنَّة ، غير مقيَّد بكلام مجتهد آخر مهما كان ، ولكن على أُصول وقواعد مقررة عند الجميع ، وهي القواعد التي يتكفَّل بها علم أُصول الفقه ، وهذه القواعد بعضها متفق عليه عند الجميع ، وبعضه أيضاً موضع نظر واختلاف ، فتكون اجتهادية أيضاً ، ولكلِّ مجتهد فيها رأيه الخاص الذي يبرهن ويبني عليه طريقة الاستنباط.
    فقال أحمد أمين : ما هي الأدَّلة التي يبتني عليها الاجتهاد عندكم؟
    فرد عليه الشَّيخ : هي الكتاب ، والسنَّة ، ونعني بالسنَّة الأخبار الواردة عن المعصومين.
    فقال أحمد أمين : هل هناك شيء يعارضها ويتقدَّم عليها؟
    فقال الشَّيخ : كلا لا يعارضها شيء ، ولا نرفع اليد عن الخبر الصحيح المعتبر إلاّ إذا كان مصادماً لضرورة العقل الفطري ، كما لو ورد خبر بجواز شهادة مؤمن لأخيه المؤمن في دعوى يدَّعيها على الغير مع عدم علم الشاهد بتلك الدعوى ، وإنْ كان عالماً بان ذلك المدعي لا يدعي باطلاً ، فإنَّ مثل ذلك الخبر لا نعمل به مهما كان.
    فقال أحمد أمين : هل يوجد تعارض في أخبار الأئمة؟
    فاجاب سماحة الشيخ : نعم.
    فقال أحمد أمين : كيف يتناقض كلامهم مع أنَّكم تشترطون فيهم العصمة؟
    فاجابه الشَّيخ : لا تناقض في الجوهر ، وإنَّما التناقض في الأخبار الواردة عنهم ، أو في ظواهر كلماتهم ، أمّا في الحقيقة لا تعارض ولا تناقض ،

    وإنَّما هو اختلاف في ظاهر الكلام ، كالاختلاف الذي يوجد في ظاهر الكتاب الشريف وهو القرآن العزيز ، قال تعالى : ( فَيَومَئذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ وَلا جَانٌ ) (1) وقال عزَّ ُّشانه : ( وَقِفُوهُمْ إنَّهُمْ مَسؤولونَ ) (2) ولكل وجهة خاصة.
    وعلى الجملة : فحال السنَّة والأخبار كحال الكتاب الكريم ، فيه النص والظاهر ، والمجمل والمبيّن ، والمطلق والمقيد ، والعام والخاص ، والحكم الواقعي والحكم الظاهري ، والأحكام المؤقَّتة التي تقتضيها الأوقات والظروف والأحوال والحوادث الزمنيَّة ، وتقابلها الأحكام المؤبَّدة التي لا تتغير بتغير الأحوال وتبدل الزمان.
    ووظيفة المجتهد الفقيه ـ البالغ تلك المرتبة السامية ، والملكة الراسخة ـ هي تمييز بعضها عن بعض ، والجمع بين متعارضاتها ، ورد بعضها إلى بعض ، واستخراج العلل والأسباب التي أوجبت ذلك التعارض ، واستنباط الحكم الصحيح حسب القواعد من مجموعها. أمّا التعارض والتناقض الواقعي حسب الحقيقة والجوهر فهو مستحيل عندنا بعد البناء على عصمة الأئمة.
    فقال أحمد أمين : ما الدليل على عصمة الأئمة؟
    فرد الشِّيخ : حكم العقل الضروري.
    فهش واستبشر ، وكان طلب من الشَّيخ البيان والايضاح ، فقال سماحته : إنَّه بسيط جداً ، وأنا سائلك : ما الحكمة والغاية من ارسال الرسل ، وانزال الكتب؟
    __________________
    (1) الرحمن 55 : 39.
    (2) الصافات 37 : 24.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اصل الشيعه واصولها Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اصل الشيعه واصولها   اصل الشيعه واصولها Emptyالأربعاء 16 أكتوبر 2024 - 5:29

    فقال أحمد أمين : الهداية والارشاد والتهذيب.
    فقال له الشَّيخ : اذن فهل يحصل الارشاد من شخص يقول : لا تكذب وهو يكذب؟ ولا تشرب الخمر وهو يشرب الخمر؟ ولا تزن وهو يرتكب الزنا؟
    وهل يحصل الغرض ، وتتم الفائدة من الهداية من شخص يجوز عليه الغلط ، والغفلة ، والنسيان ، والاشتباه؟! لا شك في أنَّ الجواب بالسلب.
    واذا كان ارسال الرسل ، وبعث الانبياء واجباً بالحكمة حسب العناية الأزلية ، فالعصمة أشد لزوماً ، وأقوى وجوباً ، وإلّا بطل الغرض ، وماتت الفائدة ، وانتقضت الحكمة.
    فسأله أحمد أمين : ما الدليل على انفتاح باب الاجتهاد عندكم؟
    فاجابه الشِّيخ : وما الدليل على انسداده؟! وأيَّة آية أو خبر تدل بالحجر على العقول ، والضغط علن الأفكار ، وسلب هذه الحرية الفكرية التي منحها الله تعالى لعباده ، وكانت من أفضل نعمه على خلقه؟!.
    غاية ما هناك أنَّ الله سبحانه وتعالى رأفة بالعباد ، ورفعاً لمشقة الاجتهاد ، ورعاية لحفظ نظام الهيئة الاجتماعية ، ووجوب قيام كلُّ طائفة لشأن من الشؤون الضروَرية ، فتتوزع الأعمال ، وتتبادل المنافع ، لذلك كلِّه رفع وجوب الاجتهاد عن كلُّ فرد من المكلَّفين ، وأطلق لهم السراح في ذلك ، فجعل وجوبه كفائياً ، وأجاز رجوع العامَّة إلى المجتهدين وتقليدهم في اُمور الدين. أمّا من أنفت نفسه ، وسمت همته عن حطة التقليد وخطة الاتِّباع ، وأراد أنْ يأخذ الحكم من دليله على قواعد الفن والصناعة ، فأيّ دليل على منعه وحجر ذلك عليه؟! وهل نجد عاقلاً في الدنيا يمنع عن العلم ويأمر بالجهل؟ وإنَّ مذهباً يكون هذا الحكم من دعائمه وقواعده أحرى بأن يسمى مذهب الجهالة والتضليل ، ومن آراء العصور المظلمة ، وبقايا أديان الجاهلية والاستبداد ، هذا أمّا دين الاسلام فهو أرفع وأنصع من ذلك ، ولو لم يكن دليل

    على شرف مذهب الشِّيعة ، وصحة قواعده وأُصوله الا هذا لكفى.
    6 ـ دوره في المؤتمر الاسلامي العالمي في القدس :
    لقد كان ما اتسم به الشَّيخ كاشف الغطاء رحمه الله تعالى من دور متميِّز بارز في الذود عن حياض الاسلام ، والدفاع عن حريمه ، سمة مشخَّصة لدى علماء المسلمين وزعمائهم ، حتى اصبح طوداً شامخاً في هذا المضمار ، وشخصت نحوه أبصار الجميع ، مع اختلاف مذاهبهم ومشاربهم ، وتشكِّل أمزجتهم وميولهم.
    ومن هنا فما أنْ تجسَّدت فكرة (1) عقد مؤتمر اسلامي عام في مدينة القدس الشريفة على أرض الواقع ، حتى بادرت لجنة المؤتمر إلى توجيه دعوة ملحة للشَّيخ رحمه الله تعالى للمشاركة في هذا المؤتمر الهام الذي تقرَّر أنْ تعقد جلساته الموزَّعة على أيامه العشرة ابتداءً من ليلة المعراج في 27 رجب عام 0 35 1 هـ ( 7 كانون الاول 1932 م ) وأنْ يكون هدف هذا اللقاء ـ كما ذكر ذلك الحاج أمين الحسيني لصحيفة السياسة القاهرية آنذاك ـ هو : البحث في نشر أساليب التعاون الاسلامي ، ونشر الثقافة الاسلامية ، والدفاع عن البقاع المشرَّفة الاسلامية ، والعمل لوقاية الدين الاسلامي وصيانة عقائده من شوائب الالحاد ، وتأسيس جامعة اسلامية في بيت المقدس ، والنظر في قضية الخط الحديدي الحجازي.
    وكان من الطبيعي أنْ يستجيب الشَّيخ لهذه الدعوة الملحة ، رغم ايمانه بأنْ ترجمة آمال المسلمين تكمن في صدق النوايا
    __________________
    (1) قيل انّ أول دعوة صدرت لعقد هذا المؤتمر كانت من الزعيم الهندي الاسلامي شوكت علي في 4|12|1931.

    المقترنة بالأعمال الجادة العاملة على توحيد صفوفهم ، ونبذ خلافاتهم ، وتشخيص علَّة تفرُّقهم لمعالجتها ، لأنَّها هي الوسيلة الأنجع ، والسبيل الأقوم للنهوض بهذه الأُمة المبتلاة بهذا الداء الوبيل الذي بدأنا نرى ثماره واضحة وجلية في أيامنا هذه من التسابق المحموم من قِبل الكثير من الساسة المسلمين للصلح مع الكيان الصهيوني اللقيط ، ومد جسور العلاقة معه.
    نعم ، لقد استجاب الشَّيخ كاشف الغطاء رحمه الله تعالى لطلب مشاركته في ذلك المؤتمر ، فشد الرحال نحو مدينة القدس الشريفة ـ التي كانت ولا زالت تحتل في ضمائر وقلوب المسلمين الكثير من الحب والتقديس ـ في ليلة الأوَّل من شهر رجب ، حيث استقبل من قبل جميع العلماء المشاركين في ذلك المؤتمر ، يتقدمهم مفتي القدس الشِّيخ الحسيني ، وكذا أعيان ووجهاء فلسطين آنذاك.
    والحق يقال : أنَّ تواجد الشِّيخ كاشف الغطاء في ذلك التجمع العظيم كان حافلاً ، ومؤثراً ، بل واستقطب أنظار الجميع بعلمه وبلاغته وغيرته على هذا الدين الحنيف ، فطلب منه في احدى الليالي المفتي الحسيني ، ومفتي نابلس الشيخ محمَّد تفاحة ـ وكان من أكبرعلماء فلسطين سنّاً ـ ومراقب المسجد الاقصى ، أنْ يرتقي المنبر بعد صلاة المغرب لالقاء خطبة في الحاضرين الذين بلغ عددهم سبعين الفاً امتدت صفوفهم حتى خارج المسجد الاقصى.
    ولعلنا لا نجافي الحقيقة إذا جزمنا بانَّ هيبة هذا المؤتمر ، وحساسية ظروفه ، لا بُدَّ أنْ تدفع بالكثيرين إلى الاعتذار والتنصُّل عن القيام بهذا الأمر اذا فوجئوا به على حين غرة ودون استعداد ، كما فوجئ بذلك الشيخ رحمه الله تعالى ، وبوغت به ، وكان بديهياً أنْ يعتذر عن ذلك لما يمكن أن يشكِّله من حرج يقدح بشخصيته ومكانته ، كما سجَّل لنا التأريخ في

    صفحاته المطوية عن مواقف مشابهة للعديد من الشخصيات المعروفة التي حصرت فوق المنابر فلم تنبس بشفة ، أو لم تتمكَّن من تركيب جملة مفيدة واحدة.
    نعم لقد فوجئ الشَّيخ رحمه الله تعالى بهذا الطلب المتعجِّل ، بيد أنَّه وأمام الحاح مضيفيه لم يجد بداً من الامتثال لرجائهم ، والاستجابة لرغبتهم بما عُرف عنه من أخلاق رفيعة وأدب جم ، فارتقى المنبر ـ أمام أعين الحاضرين التي شخصت نحوه ، وتعلَّقت به ، وأصاخت لكلماته بسمعها ـ بسكينة ووقار ، وافتتح خطبته بقوله تعالى ( سُبحان الَّذي أسرى بعَبْدِهِ لَيلاً مِنَ المَسْجِدِ الحَرام إلى المَسْجِدِ الأقصى الذي باركنا حَوَلهُ ) (1) واسترسل في الحديث حول تلكَ البركة وأنواعها بشرح وافٍ ، بيان ساحر ، مشيراً إلى أنَّ انعقاد مثل هذا المؤتمر هو شكل من أشكال تلك البركة بقوله : ومنها هذا الاجتماع الخطير من الجم الغفير ، من مختلف الأقطار النائية ، والذي لم يخطر على البال ، ولم يقع في التصوُّر ، واستوفى ما هو الغرض منه ، وما الهدف الذي يرمي اليه ، والآثار المترتِّبة عليه ... إلى آخره.
    وبعد أنْ أنهى خطبته ـ التي سحرت المستمعين بحلاوة ألفاظها ، وسلاسة عباراتها ، وجزالة كلماتها ـ طلبت منه لجنة المؤتمر وأكابر الموجودين أنْ يأتموا به في صلاة العشاء حيث صوِّب ذلك بالأكثرية ، فاستجاب لهم ، واقتدت به الالوف من الصفوف في حدث عظيم قلَّ نظيره.
    كما أنَّ للشِّيخ كاشف الغطاء في أيام انعقاد المؤتمر مشاركات واسعة ، وخطب بليغة ، ولقاءات متعددة تركت في أذهان الجميع ذكريات
    __________________
    (1) الاسراء 17 : 1.

    شجية عن شخصية فذة عاصروها من علماء الشِّيعة الكبار.
    7 ـ موقفه من نوادي التبشير :
    إنَّ استقراء ودراسة الدور الذي لعبته وتلعبه نواديَ التبشير المبثوثة في نقاط مختلفة من الأراضي الاسلامية يبيِّن بوضوح البعد التخريبي والخبيث الذي تلجأ اليه هذه النوادي في سعيها المحموم من أجل نشر وترويج أفكارها وعقائدها المنحرفة والمردودة عقلاً.
    نعم إنَّ الحوار العلمي يشكِّل قاعدة سليمة يمكن من خلالها الرسو على مبدأ صحيح يسلَّم بصوابه واحقانيته العقلاء ، بيد أنَّ ما تلجأ اليه هذه النوادي ـ التي تحرِّكها أصابع ونوايا معلومة للجميع ـ لا يمكن أنْ نصنِّفه ضمن هذه الاعتبارات الصحيحة ، لاعتمادها على أساليب الكذب والافتراء والخداع ، وهذا ما حاول ويحاول مفكرو المسلمين ايضاحه وكشف أبعاده.
    ولعل الثابت المتفق اليه ترادف انشاء تلك النوادي مع الغزو الاستعماري الذي تقوم به الجيوش الأجنبية ـ المنتسبة لها تلك النوادي ـ لتلك الدول المبتلاة بها ، من خلال انتهازها لظروف التخلُّف والفقر القاهرة ، والتي نجدها عياناً في كثير من الدول الآسيوية والافريقية النامية.
    واعتماداً على صحة هذا التصوُّر ، فقد كانت العديد من الدول العربية المسلمة ـ ابان خضوعها للاحتلال الاوربي المقيت ـ أرضاً مشرعة الأبواب أمام تلك النوادي التي ألقت فيها رحالها واستقرت.
    بيد أنَّ هذا الظرف المؤقت لم يكن مواتياً تماماً لرواد هذه الدعوات التبشيرية ، حيث كان يتصدى لدعاواهم هذه ـ رغم ما تتمتع به هذه النوادي من حصانات واسعة المدى ـ جملة من العلماء والمفكِّرين الذين أغاضتهم حالات الدجل والافتراء التي تعتمدها وسائل تلك النوادي في تسريب

    أفكارها ، بعيداً عن المنطق والحجة الصحيحة.
    ولعلَّ شيخنا كاشف الغطاء رحمه الله تعالى كان واحداً من اولئك الأعلام الذين تنبهوا لمدى انحراف دعوات مروجي تلك الافكار ، وخطرها على المجتمعات الاسلامية.
    ولمّا كانت مصر ـ تلك الدولة المسلمة التي تحتل في قلوب المسلمين مكانة متميِّزة ـ مرتعاً خصباً لتلك النوادي ابان تلك الحقبة السالفة ، وذلك ما كان يغيض قلوب المصلحين من علماء ومفكري المسلمين ، فكان الشَّيخ كاشف الغطاء يستغل تواجده في هذا البلد ليتعرض بالرد ، وتفنيد دعاوى خطباء تلك النوادي.
    ولقد كان يروى عنه رحمه الله تعالى أنَه كان ينحدر صوب أكبر تلك النوادي بجرأة وشجاعة ويتصدى لمقاطعة الخطيب الذي لا ينفك عن الكذب والافتراء والطعن بعقائد المسلمين دون دليل أو حجة.
    حتى أنَّه في احدى المرات لم يدع لذلك الخطيب (1) فرصة لمواصلة تقولاته وافتراءاته دون أنْ يجبهه برد يربكه ويلعثمه ، فلم يجد قسيسهم الأكبر مناصاً من التوسُّل به للتوقف عن ذلك مقابل السماح له بالتحدُّث بعد من على منصة الخطابة ، فرضي بذلك رحمه الله تعالى ، ووجدها فرصة سانحة لابداء الحق أمام هذا الملأ ، وإعلاء كلمته.
    وبعد انتهاء خطيبهم من هذره الممجوج تقدَّم الشَّيخ رحمه الله تعالى نحو منصة الخطابة ، وشرع في خطبة رائعة مؤيَّدة بالأدلة العلمية المتينة ، مثبتاً من خلالها بطلان دعاوى هذا الخطيب ، وكذب ما افتراه على القرآن وعلى رسول الله 9 وعلى الاسلام ، ومتعرِّضاً من خلالها
    __________________
    (1) قيل هو منصور القبطي.

    الى تفنيد العقيدة التي يدعو لها لابتنائها على أمرين : أحدهما مستحيل عقلاً ، وهو التثليث ، وثانيهما مخالفته للعقل والمنطق من خلال التسليم لخرافة لا تستسيغها أبسط العقول ، وهي الاعتقاد بأنَّ الاله قد سلَّط عباده الأشقياء على نفسه فصلبوه ليكفِّر خطيئة أبيهم آدم! وخطيئة بني آدم! وليصير بعد ذلك ملعوناً لأنَّه قال : ملعون كلُّ من يُصلب على الخشبة ، كما هو منصوص في أناجيلهم!!
    ثم استفاض رحمه الله تعالى في ذكر تناقضات الأناجيل ، وما فيها من الخرافات والمهازل ، والتي أشار إلى بعض منها في كتاب التوضيح في ما هو الانجيل ، ومن هو المسيح 7.
    ولمّا وجد اولئك المبشِّرون أنَّ الشيخ رحمه الله تعالى قد اتى على كلُّ دعاواهم فأبطلها ، وكلِّ تقوُّلاتهم ففنَّدها ، أصابهم الارتباك ، وانتابهم هوس واضطراب ، وهم يتأمَّلون بحنق وغيظ استرسال هذا الشَّيخ الجريء في حلِّ عرى أكاذيبهم واحدة بعد الأُخرى بمهارة وتمرُّس عجيبين ، مستلباً حواس وعقول الجالسين الذين تعلَّقت أنظارهم به ، وشخصت نحوه ، فلم يجدوا بداً من الاشارة اليه بالتوقف عن خطبته وترك المنصة ، فلم يعرهم رحمه الله تعالى اهتماماً ، وواصل خطبته ، والجموع اليه مصيخة مذعنة.
    عندها انفلت الشر من عقاله في تلك النفوس الفاسدة ، وتآمروا على المكيدة بالشًيخ رحمه الله تعالى وقتله ، فبادروا إلى اطفاء الأنوار ، وإثارة الفوضى في المجلس بعد أنْ اندفع جماعة منهم نحو منصة الخطابة لتصفية الشِّيخ وتدارك الأمر قبل استفحاله ، إلّا أنَّ ارادة البارئ جلَّ اسمه كانت فوق كيدهم ، فانسل الشِّيخ بهدوء مندفعاً نحو الخارج تاركاً اياهم في اضطرابهم يتخبطون.
    نعم ، لقد بقىِ هذا الموقف الشجاع للشِّيخ كاشف الغطاء وسام شرف

    يحق لجميع المسلمين التفاخر به ، بجميع مذاهبهم ومشاربهم ، لأنَّه يمثل الغيرة الصادقة على هذا الدين الذي يحاول أعداؤه متشبثين تمزيق أوصاله ، وبعثرة أشلائه ، بجد واجتهاد ، حين يقف البعض متفرِّجاً دون أنْ يبدي أي رد فعل أو اعتراض ، ناهيك بمن أمسوا على هذا الدين وأهله أشد كَلَباً من أعدائه ومبغضيه.
    8 ـ الشَّيخ كاشف الغطاء والتقريب :
    لعلَّه لم يعد خافياً علن أحد أنَّ سر محنة هذه الأُمّة ، ومصدر كلُّ بلائها يكمن في تكريس حالة التشتت والتمزِّق التي تُفرض عليها من قِبل المراهنين على جراحها وآلامها ، والتي تطفح في أحيان عديدة على جسدها أوراماً تنزف دماً وقيحاً تقشعر له جلود المخلصين من هذه الاُمَّة ومحبيها.
    نعم إنَّ ما نعاينه من اختلاف يعمد البعض في قواميسه إلى وسمه بأنَّه حالة اختلاف وتباين حادة ، لا يمكن بأي حال من الأحوال التسليم قطعاً بصحته ، ولا الاقرار بصوابه ، رغم تهويله والمبالغة به من قِبل ذلك البعض ، لأنَّه يحمل في طياته جذور المخالفة القطعية للمنطق والصواب ، والجفاء الحاد عن الحقيقة التي لا يعسر على الباحثين اداركها وتلمسها.
    إنَّ حالات الالتقاء والتقارب الثابتة بين المذاهب الاسلامية المختلفة ، والتي اشرنا اليها سابقاً هي من الحد الذي يجد المرء قباله تلاشي الفواصل الوهمية التي ما تنفك بعض الجهات الفاسدة والمنحرفة من العمل الدؤوب سعياً وراء توسيعها وتضخيمها ، بحجج وذرائع مختلفة.
    وحقاً أقول : إنَّ ادراك حقيقة هذا الأمر ببعديه الايجابي والسلبي اللذين ذكرناهما هو ما يستحث بالمخلصين من علماء ومفكري هذه الأُمَّة السعي الجاد لرأب ذلك الصدع ، ولَم ذلك الشتات ، رغم صعوبة

    المخاض ، وعسر الخطب ، كنتيجة منطقية لتقادم السنين ، وترسُب العديد من الاعتقادات النفسية السلبية الظن بالاخرين ، والبعيدة كلُّ البعد عن أرض الواقع ، وحقيقة العقائد التي تحاول الانتساب اليها.
    ولقد شهدت الشعوب الاسلامية ـ وطوال حقب مترادفة ـ نماذج صادقة من تلك الجهود والنوايا الصادقة ، التي تشكل اُمنية عظيمة سامية تتعلَّق بها قلوب جميعِ المخلصين من رجال الأُمّة ، لعلماء ومفكرين وباحثين أنفقوا شطراً كبيراَ من حياتهم سعياً وجهداً دائبين في هذا الميدان المقدس والعظيم.
    والحق يقال : إنَّ شيخنا كاشف الغطاء رحمه الله تعالى برحمته الواسعة كان من كبار رواد هذا الميدان المبارك من خلال سعيه الدؤوب المتواصل في التقريب بين المذاهب الاسلامية ، من خلال مؤلَّفاته ، وخطبه ، ومذكراته ، ومواقفه المتكررة الموشية ، بحالة القلق والتوجس المرير الذي ينتابه من استمرار حالة الاُمَّة على ما هي عليه من الاختلاف والتنافر والتقاطع رغم شدة التقارب ووضوحه بين مذاهبها (1)؟
    __________________
    (1) فمن نداء له رحمه الله تعالى كتبه أيام مرضه الذي أودى بحياته ـ وكان حينها راقداً في مستشفى الكرخ ـ ووجَّهه إلى الطوائف الاسلامية في البحرين ـ نشرته جريدة اليقظة بتأريخ 4| 7 | 1954 ـ يقول فيه :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    ( يا أيها الَذينِ آمَنُوا اتَقُوا اللهَ حق تقاتهِ وَلا تَموتُنَّ إلّا وَأنْتُمْ مُسلِمُونَ * واعتَصِمُوا بِحَبل اللهِ جَميعاً وَلا تَفرَقُوا وَاذكرُوا نِعْمَة اللهِ عَلَيكُمْ إذ كُنتُم أعداءً فَالَّفُ بَينَ قُلُوبِكُم فَاصبَحتُم بنِعْمَتِهِ إخواناً ) [ آل عمران 3 : 102 ـ 103 ].
    كلَّ ذي حس وشعور يعلم أنَّ المسلمين اليوم بأشد الحاجة إلى الاتفاق والتآلف ، وجمع الكلمة وتوحيد الصفوف ، وأنْ ينضم بعضهم الى بعض كالبنيان المرصوص ، ولا يدعوا مجالاً لأيَّ شيء يثير الشحناء والبغضاء ، والتقاطع والعداء ، فانَّ كلُّ ما يقع من هذا القبيل بين المسلمين في الوطن الواحد ، أو في أوطان متباعدة هو أعظم سلاح


    ولا اُغالي إذا ذهبت إلى القول بانَّ حياة الامام كاشف الغطاء كانت موقوفة في اقامة صرح الوحدة الاسلامية المباركة ، ونبذ الاختلاف ، والالتفات إلى ما يحيط بهذه الاُمَّة من أخطار جسيمة ، وما يدبره لها اعداؤها من مكائد ودسائس ومؤامرات ، وبأشكال ومسارب مختلفة ، يصطبغ بعضها بألوان باهتة يراد منها خداع السطحيين والساذجين من رجال هذه الأُمَّة ، وجرهم إلى المزيد من المواجهة والاقتتال في ميادين وسخة غير نزيهة ، حين ينخر اعداؤهم ذلك البنيان العظيم الذي وضع لبناته الأُولى نبي الرحمة محمَّد بن عبدالله 9 ، وشاد صرحه الصادقون من رجال هذا الدين والذين يتقدمهم أهل بيت العصمة :.
    بيد ان البعض ـ وذلك غير خاف على أحد ـ لم يكن تروقه تلك الدعوات الصادقة الصادرة من القلب ، والمرتكزة على قواعد الاسلام الحنيف ، حيث كان يعمل بمعاول الهدم في ذلك البنيان المقدس ، وباسم الدفاع عن الاسلام! والذود عن حريمه! وما ذلك إلّا عين النفاق ومرآة الانحراف (1).
    __________________
    للمستعمرين ، بل هو قرة عين لهم. وما نشبت مخالب الأجانب في الممالك الاسلامية والبلاد العربية إلّا بإلقاح الفتن بينهم ، واثارة النعرات الطائفية والاقليمية فيهم ، يضرب بعضهم ببعض ، ويذيق بعضهم بأس بعض ، وتكون للمستعمر الغنيمة الباردة ، والربح والفائدة والخسران والوبال علينا.
    (1) الغريب أنْ تجد ـ ورغم كلُّ ما بادر ويُبادر اليه العديد من أعلام الطائفة ومفكريها من خطوات جادة ، ودعوات صادقة للتقريب والتقارب بين المذاهب الاسلامية ـ جملة من النفوس السوداوية المشخَّصة الارتكاز ـ التي لا ترعوي أمام كلمة الحقِّ ، ولا تصيخ له سمعاً ـ تعمد جاهدة لقلب الحقائق أمام ناظري المسلمين بصلافة وسماجة يصاحبهما اصرار عجيب على تلك المواقف الخاطئة والمنحرفة ، والتي لقت الاُمة الاسلامية منها الكثير من المصائب والويلات.

    نعم ، ورغم كلُّ ذلك فإنَّ استقراء السيرة الذاتية لشيخنا رحمه الله تعالى يبين بوضوح جده واجتهاده في مواصلة هذا المسير المقدس والشاق
    __________________
    وأقول بصدق : إنَّ القلم قد يشتط بصاحبه بعيداً إذا أطلق له العنان في هذا المرتكض الواسع والكبير ، والمليء بالحسرة بالألم ، بيد أنْ لا بدَّ له من أنْ يكبح جماحه ما استطاع ذلك ، نئياً عن الوقوع في المزالق التي يريد ذلك البعض دفع الآخرين اليها بمكر وخبث.
    ومن هنا فقد جهدت في أنْ اكتفي بمجرد الاشارة العابرة إلى شيء من تلك المواقف المشينة للبعض من المتاجرين زوراً باسم الاسلام ، وعقائده العظيمة ، من التي لا يجد المرء لها إلا تفسيراً واحداً وهو العمل على تمزيق وحدة المسلمين ، وتكريس حالة التنافر المصطنعة الخبيثة بينهم ، من التي أمكن لأعداء هذا الدين التسلُّل من خللها ومنافذها الواسعة وضربه في أكثر نقاطه حساسية وخطورة.
    نعم ، فانَّ من يتامَّل ـ مثلاً ـ صفحات كتاب الجبهان الموسوم بـ ( تبديد الظلام ) يجد عين هذه الحقيقة ماثلة للعيان ، بل ولا بد له ان ينتابه الذهول وهو يتنقل بين اسطره وصفحاته التي سوَّدها بالكثير من العبارات المليئة بالسباب والفحش من القول ، ومن الذي قد يتنزه بعض السوقة عن التلفظ به أمام جمع من الناس ، ناهيك عن كتاب يدعو فيه صاحبه ظلماً وبهتاناً الى حماية الدين والذود عن حرماته.
    ولعل الفصل الخاص الذي افرده الجبهان لمناقشة كتابنا هذا كان من السقم والتلاعب بالألفاظ حداً لا يعسر على اي طالب مبتدئ في العلوم الحوزية ان يتصدى لمناقشته وتفنيد دعاواه ، والقامه حجراً يخرسه ويوقفه عن هذره الممجوج ، بيد ان اي شخص اخر لا يستطيع ان يجاري الجبهان في ما استهدف به شخص الشيخ كاشف الغطاء من السباب والكلام البذيء والعبارات الفاحشة ، التي نتزه عن حتى مجرد الاشارة اليها
    بلى لقد كان جزاء الامام كاشف الغطاء رحمه الله تعالى من الجبهان ومن لف لفه ـ من الساعين في اذكاء الفتن وتأجيجها بين المذاهب الاسلامية المختلفة ، وبأسم الدين ـ هذا الجزاء ، معرضين بصلافة عن سيرة هذا الرجل الذي أوقف حياته في العمل على التقريب بين المسلمين ، والذود عن حرماتهم ، والدفاع عن مقدساتهم ، بل وجاب البلاد الاسلامية طولاً وعرضاً ، داعياً الى نبذ الخلاف ، وتوحيد الكلمة ، وأنْ يحب المسلم أخاه المسلم كحبه لنفسه ، لا فرق بين مذهب واخر ، ولا بين طائفة واُخرى.
    نعم لقد كان جزاؤه من الجبهان فحش القول ، وبذيء الكلام ... فهل تجد أصدق مقوله تعبّر عن هذه الحالة إلا قول القائل : وكلُّ اناء بالذي فيه ينضح؟.

    رغم ما كان يلقاه من صدود ولا مبالاة من قِبل الكثيرين ، ذلك ما كان يؤلمه أشد الايلام ، حتى لقد قال في احدى كلماته : ولا لوم على مثلي لو تشائم واستولى عليه اليأس والقنوط بعد تلك الخطب الفياضة الملتهبة التي ألقيتها على الجماهير المكتظة في عواصم الاسلام : كالقدس ، وبيروت ، ودمشق ، وجامع البصرة ، ومسجد الكوفة ، وبغداد ، والتي طبع غير واحد منها ، كخطبة القدس التاريخية ، وخطبة الاتحاد والاقتصاد ، والخطب الاربع ، وغير ذلك.
    ألقينا كلُّ هذه وأضعافها شعلة ملتهبة في حث المسلمين والعرب على الوحدة والاخلاص ، وما يلزم عليهم لجمع شتاتهم ، واستعادة مجدهم ، وقلنا كلمتنا المشهورة : إنَّ الاسلام يرتكز على دعامتين : كلمة التوحيد ، وتوحيد الكلمة ، وذكرنا كيف ينبغي أنْ يتحد المسلمون في مقدمة رسالتنا ( أصل الشيعة ) وأنَّ كلُّ ذلك ذهب مع الريح ، فكأنَّ الحوار كان مع جدار ، أو كأنَّما كنّا نخطب على أصنام وأحجار ، وإلّا فأين الآثار (1) ...؟!
    ومن ثم فإنَّ المرء عندما يتأمَّل في هذه العبارات الملتاعة يدرك مدى تمكُّن حرص صاحبها على وحدة المسلمين في قلبه ، وسريانه في شرايينه وأوردته ... ولا غرابة في ذلك فلقد عهد منه المسلمون المعاصرون له تلك الرغبة المخلصة والصادقة في سلوكه وقوله ، وقد تقدَّم منّا الحديث عن بعض ذلك ، فراجع.
    وللحقيقة أقول : إنَّ دراسة دور الشَّيخ كاشف الغطاء في عملية التقريب بين المذاهب الاسلامية تستلزم الكثير من الاستقراء العلمي الرصين والمتأنِّي لجملة مؤلَّفاته ، وكلماته ، وخطبه ، ورحلاته ، وغير ذلك ، وذلك ما لا يسعنا خوض غماره في هذه العجالة ، ومن خلال هذا المدى
    __________________
    (1) راجع كتاب في السياسة والحكمة : 109.

    المحدود.
    فالتاريخ المعاصر قد سجَّل لنا الكثير من الاشارات ذات الدلالات الواضحة في سعيه نحو التقريب ، والتي تتطلَّب من العاملين في هذا الميدان المقدس دراستها بشكل علمي رصين ، وعرضها كاطروحة متقدِّمة تبين للاجيال القادمة حرص العديد من علماء الشِّيعة على توحيد الكلمة ، ورص الصفوف.
    ولعلَّ من المواقف الملفتة للنظر في هذا المنحى العظيم ما لجأ اليه الشَّيخ كاشف الغطاء رحمه الله تعالى برحمته الواسعه أثناء احدى سفراته التي القى فيها رحاله في أرض مصر المسلمة ، حيث واظب على حضور مجلس درس شيخ الجامع الأزهر آنذاك وهو الشَّيخ سليم البشري (1) رحمه الله تعالى لمدة ثلاثة اشهر ، وكذا مفتي الحقانية الشيخ محمَّد بخيت المطيعي ، الذي يقول عنه سماحته : لم أجد في مصر عالماً محقِّقاً مثله ، يباحث اُصول الفقه عصراً في جامع رأس سيدنا الحسين 7 ، والتفسير بين المغرب والعشاء في الأزهر ، وله مؤلَّفات كثيرة طُبع أكثرها.
    __________________
    (1) صاحب المراسلات المشهورة مع الامام عبدالحسين شرف الدين رحمه الله تعالى (ت 1377 هـ ) والمسطَّرة في كتاب المراجعات ذائع الصيت.
    ولد في محلة تبشر بمحافظة البحيرة المصرية عام (1248 هـ ـ 1832 م ).
    درس في الجامع الأزهر وتخرَّج منه وُعد من أساتذته الكبار.
    تولى مشيخة الأزهر مرتين ، امتدت الاولى منذ عام ( 1317 هـ ـ 1900 م ) إلى عام (1320 هـ ـ 1904 م ) حين امتدت الثانية منذ عام ( 1327 هـ ـ 1909 م ) إلى عام ( 1335 هـ ـ 1916 م ).
    له جملة مؤلَّفات منها : حاشية تحفة الطلّاب لشرح رسالة الآداب ، وكتاب الاستئناس في بيان الاعلام وأسماء الأجناس.
    توفي عام ( 1335 هـ ـ 1916 م ).

    نعم ، وفي الجانب الآخر فقد كان الشَّيخ يرى وهو يباحث للكثير من طلبة الأزهر وغيرهم في الفقه الشِّيعي مرة ، وفي الفصاحة والبلاغة مرة أُخرى ، بشكل استقطب أنظار الجميع ، وحاز اعجابهم واحترامهم.
    وأخيراً اكرر وأقول : إن دور الشِّيخ كاشف الغطاء في التقريب هو أوسع من أنْ تحتويه وريقات محدودة ، أو تستوفيه دراسة متعجِّلة ، ونحن لم نتعرض لها هنا بوضوح قدر ما أردنا منها اشارة عابرة ، ولمحة خاطفة ، سائلين المولى جلَّ اسمه أنْ يوفِّقنا لاستيفاء حق هذا الأمر في دراسة مستقلة وافية ، إنَّه الموفِّق لكلِّ خير.

    مؤلَّفاته :
    لا نغالي بشيء إذا قلنا بأنَّ للعديد من علماء هذه الطائفة باعاً كبيراً ، ويداً طولى في البحث والتأليف ، والتجديد والابداع ، متخطِّين الحدود التقليدية التي بقي البعض يدور في خللها ، ويقتات من فتاتها ، فيبتدأ وينتهي حيث ما ابتدأ منه.
    وإذا حفظت لنا صفحات التأريخ اسماء العديد من اولئك الأعلام البارعين المبدعين امثال الشَّيخ المفيد والشَّيخ الصدوق والشَّيخ الطوسي والعلاّمة الحلي رحمهم الله برحمته الواسعة ، وكذا غيرهم من العلماء الأفذاذ ، فإنَّ من حقِّ ذلك التأريخ أنْ يُزين صفحاته تلك بذكر سيرة ومؤلَّفات عالم فذ شهد قرننا الحالي ابداعاته ونتاجاته المتعددة المشارب والأشكال.
    نعم لقد أبدع يراع الامام كاشف الغطاء رحمه الله تعالى في اغناء المكتبة الاسلامية بالجم الكثير من المؤلَّفات القيَّمة ، والبحوث الرائعة في شتى العلوم والمعارف الاسلامية المختلفة ، بشكل قلَّ نظيره ، وتضاءل مثاله.
    وسنحاول من خلال هذه الأسطر استعراض ما أمكننا حصره من مؤلَّفاته تلك ، بأبوابها وعلومها المختلفة ، المطبوعة منها والمخطوطة ، دون اسهاب أو تفصيل.
    1 ـ في الحكمة والكلام :
    أ ـ الدين والاسلام : ( أربعة أجزاء ، طُبع منها جزءان ).
    ب ـ المراجعات الريحانية ( جزءان ).

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اصل الشيعه واصولها Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اصل الشيعه واصولها   اصل الشيعه واصولها Emptyالأربعاء 16 أكتوبر 2024 - 5:31

    ت ـ أصل الشِّيعة واُصولها ( وهو الكتاب الماثل بين يدي القارئ الكريم ).
    ث ـ الفردوس الأعلى.
    ج ـ الآيات البينات.
    ح ـ جنَّة الماوى.
    خ ـ التوضيح ( جزءان ، وقد تقدَّمت الاشارة اليه ).
    د ـ مبادئ الايمان في الدروس الدينية.
    ذ ـ نبذة من السِّياسة الحسينية.
    ر ـ حاشية على كتاب الأسفار لملا صدر الدين رحمه الله تعالى ( مخطوط ).
    ز ـ حاشية على العرشية ورسالة الوجود لملا صدر الدين رحمه الله تعالى أيضاً ( مخطوط ).
    ص ـ حاشية على رسالة الوجود لصدر المتالّهين رحمه الله تعالى أيضاً ( مخطوط ).
    2 ـ في السياسة والموعظة :
    أ ـ المُثل العليا في الاسلام لا في بحمدون ( اشرنا اليه سابقاً ، فراجع ).
    ب ـ المحاورة بين سفيرين.
    ت ـ الميثاق العربي الوطني.
    ث ـ خطبة الاتحاد والاقتصاد في الكوفة.
    ج ـ الخطبة التاريخية في القدس.
    ح ـ الخطب الأربع.

    خ ـ خطبته في باكستان.
    3 ـ في الفقه وأصوله :
    أ ـ حاشية على كتاب التبصرة للعلاّمة الحلّي رحمه الله تعالى.
    ب ـ المسائل القندهارية ( فارسي تُرجم إلى العربية وأُلحق بكتاب الفردوس الاعلى ).
    ت ـ سؤال وجواب.
    ث ـ وجيزة الأحكام.
    ج ـ زاد المقلِّدين ( فارسي ).
    ح ـ الأرض والتربة الحسينية.
    خ ـ حاشية على سفينة النجاة لأخيه الشِّيخ الفقيه أحمد كاشف الغطاء رحمه الله تعالى.
    د ـ حاشية على كتاب العروة الوثقى للسيِّد محمَّد كاظم اليزدي رحمه اللهّ تعالى.
    ذ ـ مناسك الحج ( عربي وفارسي ).
    س ـ تحرير المجلة ( خمسة أجزاء ، فقه مقارن ).
    ش ـ حاشية على مجمع الرسائل ( فارسي مطبوع مع حواشي السيِّد البروجردي رحمه الله تعالى ).
    ر ـ شرح العروة الوثقى ( خمسة مجلدات ، مخطوط ).
    ز ـ تنقيح الأصول ( مخطوط ).
    س ـ رسالة في الجمع بين الأحكام الظاهرية والواقعية ( مخطوط ).
    ش ـ حاشية على مكاسب الشَّيخ مرتضى ـ الأنصاري رحمه الله تعالى ( مخطوط ).

    ص ـ حاشية على القوانين ( مخطوط ).
    ض ـ مجموعة الفتاوى ( مخطوط ).
    ط ـ حاشية على الكفاية للآخوند الخراساني رحمه تعالى ( مخطوط ).
    ظ ـ رسالة في الاجتهاد والتقليد ( مخطوط ).
    ع ـ حاشية على رسائل الشَّيخ الأنصاري رحمه الله تعالى ( مخطوط ).
    4 ـ في الأدب والتفسير وغيرهما ( وأكثرها لا زال مخطوطاً ) :
    أ ـ مغني الغواني عن الأغاني ( مختصر كتاب الأغاني ).
    ب ـ نزهة السمر ونهزة السفر ( عن رحلته الأُولى إلى سوريا ومصر ).
    ت ـ ديوان شعره الذي أسماه : الشعر الحسن من شعر الحسين.
    ث ـ تعليقات على أمالي السيِّد المرتضى رحمه الله تعالى.
    ج ـ تعليقات على كتاب أدب الكاتب لابن قتيبة.
    ح ـ مجموعتان من المنتخبات الشِّعرية.
    خ ـ منتخبات من الشعر القديم.
    د ـ عقود حياتي ( ترجمة حياة المؤلِّف بقلمه ).
    ذ ـ صحائف الأبرار في وظائف الأسحار.
    ر ـ جنَّة الماوى.
    ز ـ رسالة عن الاجتهاد عند الشِّيعة.
    س ـ تعليقات على كتاب الوجيز في تفسير القرآن العزيز.
    ش ـ تعليقات على نهج البلاغة ، ونقود على بعض شروحات الشَّيخ محمَّد عبده له.
    ص ـ تعليق على كتاب الفتنة الكبرى للدكتور طه حسين.
    ض ـ تعريب كتاب فارسي هيئة.

    ط ـ تعريب كتاب حجة الشَّهادة.
    ظ ـ تعريب وتلخيص رحلة ناصر خسرو المشهورة.
    ع ـ كتاب في استشهاد الامام الحسين 7.
    غ ـ العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية ، في تأريخ عائلة ال كاشف الغطاء ، وعلماء النجف ، وتاريخها الحديث.
    هذا عدا ما كان ينشره في الصحف والمجلات من المقالات والمباحث المختلفة التي يصعب حصرها.

    وفاته :
    اُصيب الشَّيخ كاشف الغطاء رحمه الله تعالى في أواخر سني عمره الشَّريف بمرض عجز انذاك الأطباء عن ايجاد العلاج له ، وخصوصاً في عمره الذي تجاوز السبعين عاماً ، وهو التهاب المجاري البولية ، فانتقل إلى مدينة بغداد للمعالجة في مستشفى الكرخ الذي يشرف فيه على علاجه حذّاق الأطباء ، وكبار المتخصِّصين ، بيد أنَّ ادنى تحسُّن لم يطرأ على حالته الصحية التي بدت وكأنَّها تسوء يوماً بعد يوم.
    وبعد اقامة قاربت من الشهر الواحد في تلك المستشفى ، شد الشَّيخ رحاله للاستجمام في قرية كرندا الجبلية الواقعة في الأراضي الايرانية الحدودية ، بين خانقين وكرمانشاه ـ وكان رحمه الله تعالى قد حلَّ فيها مصطافاً في صيف عام (1366 هـ ) ـ ولكن المنية عاجلته فيها ، فتوفي بعد صلاة الفجر من يوم الاثنين الثامن عشر من شهر ذي القعدة عام (1373 هـ) الموافق لليوم التاسع عشر من شهر تموز عام (1954 م ).
    وكان يوم وفاته رحمه الله تعالى يوماً مشهوداً ، حيثما ما أنْ اُشيع خبر وفاته ـ الذي تناقلته محطات الاذاعة في معظم انحاء العالم ـ حتى انهالت جموع الناس المفجوعين من انحاء ايران نحو تلك القرية الصغيرة التي غصت بجموع المعزِّين الوافدين اليها على حين غرة.
    ولم يلبث الجثمان الطاهر للشَّيخ كاشف الغطاء أنْ حُمل صوب الأراض العراقية عبر حدودها التي تقاطر عليها الكثير من الناس بشتى طبقاتهم ، يتقدمهم العديد من كبار رجال الدولة آنذاك.
    فحُمل جثمانه رحمه الله تعالى نحو مدينة بغداد ، ومنها إلى مدينة الكاظمية المقدسة ، فمدينة كربلاء المقدسة ، لينتهى به في مدينة النجف

    الأشرف ، وبالتحديد في بقعة وادي السلام ، حيث مقبرته الخاصة التي أعدها بنفسه لأن تكون محطته الأخيرة في هذه الدنيا الفانية ... رحمه الله تعالى برحمته الواسعة ، وأسكنه فسيح جنّاته ، وجزاه عن جميع المسلمين أفضل وأحسن الجزاء ، انَّه نعم المولى ونعم النصير (1).
    __________________
    (1) اعتمدنا في اعداد هذه الترجمة الخاصة بحياة الشِّيخ كاشف الغطاء على جملة من المراجع أهمها : مقدمة جامع ومرتَّب كتاب ( جنّة المأوى ) للشيخ كاشف الغطاء ، وهو السيّد محمّد علي الطباطبائي. مقدمة جامع وناشر كتاب الشِّيخ الموسوم بـ ( في السياسة والحكمة ) وهو ولده عبدالحليم آل كاشف الغطاء. مقدمة الطبعة الثامنة لكتابنا ـ نشر المطبعة الحيدرية في النجف الاشرف ( 1389 هـ ـ 1969 م ) ـ بقلم كاظم المظفر. كتاب ( محاورة مع السفيرين البريطاني والأمريكي ) نشر المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف (1373 هـ ـ 1954 م).

    عملنا في هذا الكتاب :
    لم تكن تجاربي السّابقة في الكتابة والتحقيق ـ رغم بساطتها وقلَّة شأنها ـ لتمنحني ذلك الشعور باللذة والتفاعل والاندفاع والحرص على تقديم الأفضل ـ شغفاً بالكتاب ، واعتزازاً وتقديراً له ولمؤلِّفه ، لا بحثاً عن الاشادة والتقدير ـ قدر ما كان يرافقني ذلك طيلة الأشهر المتواصلة التي امتد على طولها عملي في تحقيق هذا الكتاب.
    وحقاً أقول : إنَّ المرء لتنتابه الغبطة العارمة ، والسعادة البالغة وهو يجد عياناً جهوده التي أنفقها في انجاز عمل ما تتجسَّد بشكل واضح على أرض الواقع والحقيقة ، بعد فترة طويلة من الترقُّب والانتظار ، والمتابعة والسعي ، وهو سمة ثابتة يتفق في تحسسها جميع المؤلِّفين والمحققين في كلُّ مكان وزمان ، بيد أنَّ تلك الغبطة والمسرة تكون أشد وأكثر حدة وتصاعداً في الأعمال التي يتفاعل معها المرء تفاعلاً روحياً ، وينشد اليها انشداداً نفسياً ، فتبدو في ناظره أمنية عزيزة ، ورغبة غالية ، وذلك هو عين تعاملي مع هذا السفر الجليل الماثل بين يدي القارئ الكريم.
    نعم ، فعندما شرعت بتحقيق هذا الكتاب حاولت قدر الامكان ـ بعد التّوكُّل على الله تعالى والاستعانة به ـ اخراج هذا الكتاب بالحلَّة التي ينبغي أنْ يتشح بها ، والتي ينبغي أنْ تتناسب وأهميته ، وشهرته التي طبق صيتها الآفاق ، لادراكي بأنَّ هذا الكتاب لا يصنَّف قطعاً ضمن المؤلَّفات التي تُقتنى لتزيَّن بها المكتبات من قِبل البعض فحسب ، بل إنَّ له وجوداً يفرض على الجميع مطالعته وقراءته ، من شيعي مستزيد وهبه الله تعالى حرصاً على البحث والمطالعة ، الى آخر لا يدري ما التشيُّع وما الشِّيعة ، وبين الاثنين تندرج جماعات متفاوتة المذاهب والمشارب.

    ولا اُخفي على القارئ الكريم بأنَّ النسخ المطبوعة المتداولة لهذا الكتاب ، والتي بلغت طبعاتها العشرات ـ وأخص منها العربية التي أمكنني مطالعتها ، ونتيجة سعي الكثير من دور النشر للحصول على الربح المادي دون الاعتناء بمادة الكتاب ، وذلك أمر شائع ومعروف ـ وجدتها مليئة بالأخطاء والتصحيفات والسقوطات المخلَّة بشكل بيَّن بمادة الكتاب ، وبأهميته ، والتي كان يزيدها سوءاً اعتماد بعض الدور في اعادة طبعها لهذا الكتاب على تلك النسخ المغلوطة ، فتتكرر الأخطاء وتتضاعف ، وتتعاظم الحاجة وتتأكَّد في وجوب تحقيق هذا الكتاب وضبط متنه.
    ومن هنا فقد كان همي الأوَّل اخراج متن صحيح وسالم لهذا الكتاب ، وأنْ يكون قدر الأمكان قريب من النموذج الأصلي الذي كتبه مؤلِّفه رحمه الله تعالى ، فكان لا بُدَّ لي من الحصول على جملة من النسخ المطبوعة التي تبدو أقرب من غيرها الى ، الصحة ، ولأماكن مختلفة ، فوفَّقني الله تبارك وتعالى في الحصول ثلاثة نسخ مطبوعة في العراق وإيران ولبنان ، ولدور نشر متفرقة ، تبين لي بعد المطالعة والاستقراء أنَّ أصحهنَّ هي نسخة المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف ، والمطبوعة في عام ( 1389 هـ ـ 1969 م ) فاعتبرتها النسخة الأُم ، رغم عدم خلوها من الأخطاء المطبعية التي لا تخفى المطالع المتفحِّص ، والقارئ المتمرِّس ، وذلك أمر يكاد لا يخلو منه أي كتاب.
    ومن هنا فانِّي بعد مقابلتي لتلك النسخة الأُم مع النسختين الأُخريتين اللتين اعتمدتهما كمساعدتين لتلك النسخة ـ والتي طبعت احداهما في ايران ، وهي طبعة دار القرآن الكريم ( الطبعة الثالثة ، عام 1410 هـ ) والأُخرى في بيروت ، وهي طبعة دار الأعلمي ( الطبعة الرابعة ، عام 1402 هـ ) ـ عمدت إلى ضبط النص قدر الامكان ، باعتماد النسخ المذكورة ، أو باجتهاد مني عند قناعتي بعدم صحة ما جاء في تلك النسخ ، مع اشارتي إلى

    ذلك في الهامش ، أو وضع ما ارتأيت اضافته في المتن لتصحيح السياق بين معقوفين.
    ثم انِّي وبعد انتهائي من تصحيح النص وضبطه شرعت بانجاز الأعمال الأخرى المكمِّلة للتحقيق ، كالتخريج ، والتعليق ، والشرح وغيرها ، وبالقدر الذي مكنني الله تعالى عليه ، ووجدت أنَّه من ضروريات التحقيق.
    كما انَي وأثناء عملي في هذا الكتاب وجدت أنَّ الشَّيخ رحمه الله تعالى قد أورد جملة واسعة من الأعلام ، لعلَّ العديد منهم غير معروفين لدى الكثير من القرّاء ، رغم كونهم كانوا يُعدون من فضلاء العلماء ، وفطاحل الشُعراء ، وكبار الأدباء ، وعظماء رجال السياسة والدولة في تلك الأزمنة الغابرة والمطوية ، فابتغيت تقديم خدمة اضافية للقرّاء الكرام من خلال ترجمتي المختصرة المعرِّفة بشكل ما لاولئك الأعلام ، والذين أورد الشيخ اكثرهم على اعتبارهم من رجال الشِّيعة ووجهائهم ، وألحقت ذلك في آخر الكتاب.
    ثم لم أجد بُداً من أن أُلحق الكتاب بجملة من الفهارس الفنية التي أصبحت في وقتنا الحاضر من الضروريات التي لا ينبغي ان تخلو منها الكتب المحققة ، وبشتى تصانيفها ، واختلاف أبوابها.
    وأخيراً أقول : لقد حرصت في عملي هذا على أنْ اُقدم للمكتبة الاسلامية كتاباً محققاً صحيحاً لأحد أعلام الطائفة الكبار ، وبذلت في سبيل ذلك جهداً كبيراً ، وزمناً طويلاً ـ مبتغياً الأجر من الله تعالى والمثوبة على عمل قصدت فيه خدمة هذا الدين المبارك العظيم الذي جاء به نبينا الكريم ، ورحمة الله تعالى المهداة إلى العالمين ، الرسول المصطفى محمَّد بن عبدالله 6 ـ ولكن ذلك لا يحول دون سهو القلم ، وشطحات الأفكار ، ولذا فانِّي أستميح سادتي العلماء ، وأساتذتي الكرام ،

    وزملائي المحققين العذر عند الكبوات والعثرات ، والأخطاء والزلات ، عسى البارئ جلَّ اسمه أنْ يوفِّقنا لتقديم ما هوأكمل وأصح ، إنَّه الموفِّق لكلِّ خير.
    شكر وتقدير :
    لم يسعني وأنا أُقدِّم هذا الكتاب النفيس بين يدي القارئ الكريم إلّا أنْ اُشيد بمن مد لي يد العون وبأي شكل ما في اخراجه بهذه الحلَّة الجديدة القشيبة.
    نعم ، فإذا كان الفضل أوَّلاً وآخراً لله تبارك وتعالى ، فإنَّه جلَّ اسمه يوفِّق البعض من عباده إلى مد يد العون والمساعدة للآخرين ، فتطوَّق أفضالهم تلك الأعناق بالجميل والمنة التي لا يسع أحد إلّا الاشادة بها وشكرها ، ولعلَّ لمؤسسة آل البيت : لاحياء التراث اليد الطولى ، والفضل الأكبر في انجازي لهذا العمل ، وأخص بالذات عميدها سماحة السيِّد جواد الشهرستاني حفظه اللهّ تعالى ، الذي أتاح لي بكرمه المعهود الاستفادة من الخدمات المتيسرة في مؤسسته العامرة التي أتشرَّف بالانتساب اليها.
    كما واخص بجزيل الشكر والامتنان مؤسسة الامام علي 7 لتفضلها بنشر هذا الكتاب الذي جعلته باكورة أعمالها المباركة في هذا المضمار المقدس.
    ثم لا يسعني أخيراً تجاوز الاشارة إلى مدى الفضل الكبير والمتواصل لزوجتي الطيبة الوفية التي كانت نعم العون لي في انجاز جميع أعمالي ، ومنها هذا العمل.

    وفَّقنا الله تعالى وإياهم لما فيه رضاه ، انه نعم المولى ونعم النصير ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين ، وصلّى الله على محمَّد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
    علاء آل جعفر
    ربيع الأوّل 1415 هـ








    « مقدمة الطبعة الثانية »
    بقلم المؤلِّف
    كيف يتحد المسلمون؟
    أو كلمة في الاصلاح لا بد منها
    بسم الله الرحمن الرّحيم
    ( وَاعْتَصمُوا بِحَبْلِ الله جَميعاً وَلا تَفَرَقُوا ) (1)
    لم يبق ذو حس وشعور في شرق الارض وغربها ، إلّا وقد احسَّ وشعر بضرورة الاتحاد والاتفاق ، ومضرَّة الفرقة والاختلاف ، حتى أصبح هذا الحس والشعور أمراً وجدانياً محسوساً يحسُّ به كلُّ فرد من المسلمين ، كما يحسُّ بعوارضه الشخصية مِنْ صحته وسقمه ، وجوعه وعطشه ، وذلك بفضل الجهود التي قام بها جملة من أفذاذ الرجال المصلحين في هذه العصور الأَخيرة ، الذين أهابوا بالمجتمع الاسلامي ، وصرخوا فيه صرخة المعلِّم الماهر ، وتمثَّلوا للمسلمين بمثال الطبيب النطاسي (2) الذي شخص الداء وحصر الدواء ، واصاب الهدف بما عيَّن ووصف ، وبعث النفوس بعثاً
    __________________
    (1) آل عمران 3 : 103.
    (2) النطاس : للعالم الحاذق بالطب والخبير به.
    اُنظر : القامرس المحيط 2 : 254.


    حثيثاً ، وشوَّقها إلى استعمال الدواء لقطع مادة ذلك الداء الخبيث ، والعلل والأَمراض المهلكة ، قبل أنْ تقضي على هذا الجسد الحي ، فيدخل في خبر كان ، ويعود كأمس الدابر.
    صرخ المصلحون فسمع المسلمون كلّهم عظيم صرخاتهم بأنَّ داء المسلمين تفرُّقهم وتضارب بعضهم ببعض ، ودواؤهم ـ الذي لا يصلح آخرهم إلا به كما لا يصلح إلا عليه أولهم ـ ألا وهو الاتفاق والوحدة ، ومؤازرة بعضهم لبعض ، ونبذ التشاحن ، وطرح بواعث البغضاء والأَحن والاحقاد تحت اقدامهم ، ولم يزل السعي لهذا المقصد السامي ، والغرض الشريف إلى اليوم دأب رجالات أنار الله بصائرهم ، وشحذ عزائمهم ، وأشعل جذوة الاخلاص لصالح هذه الاُمَّة من وراء شغاف افئدتهم ، فما انفكُّوا يدعون إلى تلك الوحدة المقدسة « وحدة أبناء التوحيد » وانضمام جميع المسلمين تحت راية « لا إله إلا الله محمَّد رسول الله » من غير فرق بين عناصرهم ، ولا بين مذاهبهم.
    يدعون إلى هذه الجامعة السامية ، والعروة الوثقى ، والسبب المتين الذي أمر الله تعالى بالاعتصام به ، والحبل القوي الذي امر الله عزَّ وجلَّ به أنْ يُوصل ، يدعون اليها لأنَّها هي الحياة ، وبها النجاة للامَّة الاسلامية ، وإلا فالهلاك المؤبَّد ، والموت المخلَّد.
    اُولئك دعاة الوحدة ، وحملة مشعل التوحيد ، اُولئك دعاة الحقِّ ، وأنبياء الحقيقة ، ورسل الله إلى عباده في هذا العصر ، يجدِّدون من معالم الاسلام ما درس ، ويرفعون من منار المحمَّدية ما طمس ، وكان بفضل تلك المساعي الدائبة ، والجهود المستمرة من اُولئك الرجال ( وقليلٌ ما هم ) قد بدت بشائر الخير ، وظهرت طلائع النجاح ، ودبَّت وتسرَّبت في نفوس المسلمين تلك الروح الطاهرة ، وصار يتقارب بعضهم من بعض ، ويتعرَّض

    فريق لفريق ، وكان أوَّل بزوغ تلك الحقيقة ، ونمو لبذر تلك الفكرة ، ما حدث بين المسلمين قبل بضعة أعوام في المؤتمر الاسلامي العام في القدس الشريف (1) ، من اجتماع ثلَّة من كبار المسلمين ، وتداولهم في الشؤون الاسلامية ، وتبادل الثقة والاخاء فيما بينهم ، على اختلافهم في المذاهب والقومية ، وتباعد اقطارهم وديارهم ، ذلك الاجتماع الذي هو الأوَّل من نوعه والوحيد في بابه ، الذي علَّق عليه سائر المسلمين الأمال الجسام ، فكان قرَّة عين المسلمين ، كما كان قذى عيون المستعمرين ، والذي حسبوا له الف حساب ، واوصدوا دونه ـ حسب امكانهم ـ كلُّ باب ....
    ولكن على رغم كلُّ ما اقام به اُولئك الاعلام من التمهيدات لتلك الغاية ، وما بذلوه من التضحيات والمفادات في غرس تلك البذرة ، وتعاهدها بالعناية والرعاية ، حتى تثمر الثمر الجني ، وتأخذ حظَّها من الرسوخ والقوة ،
    __________________
    (1) كان ذلك في عام 1350 هـ ، وللقارئ الكريم أنْ يرى الحالة التي آلت اليها أوضاع المسلمين في أيامنا هذه ، وكيف أمسى ما كان يخجل البعض أو يخشى حتى من مجرد الهمس به في أضيق الحدود قضية تتناقلها العديد من وسائل الاعلام الاسلامية ، وتطبِّل لها دون أي خجل أوحياء ، بل وتجدها عبارات فضفاضة تتردد على شفاه العديد من الرموز التي طالما تبجّحت بصلف ، وادعت زوراً بأنّها أولى من غيرها في التصدي لرفع راية الجهاد والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني المظلوم ، وأن هذا الحق المنصوب لا بد وأنْ يُستعاد يوماً وبايديهم وبنادقهم ، هم لا أحد سواهم ، وأنَّ القدس لا بد وأنْ تعود للمسلمين كما كانت ، طاهرة مطهرة ، لا وصاية لليهود عليها ، ولا تدوس أرضها الطيبة أقدامهم القذرة النجسة ... فاين هذه العبارات القاطعة والحدية ممّا نراه ونسمعه هذه الأيام من مظاهر الذلة والاستكانة والخضوع ، والتسابق المحموم في مد جسور العلاقة مع الصهاينة المغتصبين الذين لم تجف أيديهم بعد من دماء المسلمين ، ولم ولن تنتهي أحلامهم المريضة ببناء دولتهم المزعومة من النيل الى الفرات ...!! فلا يعدو هذا الجريان نحو السَّلام الموعود قبال الأرض إلّا وهم محض ، واسترخاء كاذب ، واستسلام عجيب أمام استشراء داء السرطان الخبيث في جسد هذه الاُمَّة المبتلاة بالعديد من الرموز الخائنة ، ورحم الله تعالى شيخنا كاشف الغطاء ، فما تراه قائلاً لو سمع ما نسمع ، ورأى ما نرى؟

    لا نزال نحن ـ معاشر المسلمين ـ بالنظر العام نتعلَّق بحبال الامال ، ونكتفي بالأقوال عن الاعمال ، وندور على دوائر الظواهر والمظاهر ، دون الحقائق والجواهر ، ندور على القشور ولا نعرف كيف نصل إلى اللب ، على العكس مما كان عليه أسلافنا ، أهل الجدِّ والنشاط ، أهل الصدق في العمل قبل القول ، وفي العزائم قبل الحديث ، تلك السجايا الجبارةِ التي اخذها عنهم الاغيار فسبقونا ، وكان السبق لنا ، وكانت لنا الدائرة عليهم فأصبحت علينا تلك ( سُنَّةَ الله في الَّذينَ خَلَوا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً ) (1).
    نحن نحسب أنَّنا إذا قلنا : قد اتحدنا وَاتفقنا ، وملأَنا بتلك الكلمات لهواتنا وأشداقنا ، وشحنا بها صحفنا وأوراقنا ، نحسب بهذا ومثله يحصل الغرض المهم من الاتحاد ، ونكون كاُمة من الأُمم الحيَّة التي نالت بوحدتها عزَّها وشرفها ، وأخذت المستوى الذي يحقُّ لها. ولذلك تجدنا لا نزداد إلّا هبوطاً ، ولا تنال مساعينا إلّا إخفاقأً وحبوطاً ، لا تجد لأَقوالنا واعمالنا اثراً ، إلّا اننا نأنس بها ساعة سماعنا لها وما هي بعد ذلك إلا ( كَسَراب بَقيعَةٍ يَحْسَبهُ الظَمآنُ ماءً حتى إذا جَاءَ ه لَمْ يَجدْه شَيْئاً ) (2). ويستحيل لو بقي المسلمَون على هذا الحال أنْ تقوم لهم قائمة ، أو تجتمع لهم كلمة ، أو تثبت لهم في المجتمع البشري دعامة ، ولو ملئوا الصحف والطوامير ، وشحنوا أرجاء الارض وآفاق السماء بألفاظ الاتحاد والوحدة ، وكلّ ما يُشتق منها ويرادفها ، بل ولو صاغوا سبائك الخطب منها باساليب البلاغة ، ونظموا فيها عقود جواهر الابداع والبراعة ، كلُّ ذلك لا يجدي إذا لم يندفعوا إلى العمل الجدي ، والحركة الجوهرية ، ويحرِّروا
    __________________
    (1) الاحزاب 33 : 62.
    (2) النور 24 : 39.

    أخلاقهم وملكاتهم ، ويكبحوا جماح أهوائهم ونفوسهم ، بارسان (1) العقل والروية ، والحنكة والحكمة ، فيجد كلُّ مسلم أنَّ مصلحة أخيه المسلم هي مصلحة نفسه ، فيسعى لها كما يسعى لمصالح ذاته ، ذلك حيث ينزع الغلَّ من صدره ، والحقد من قلبه ، وينظر كلُّ من المسلمين الى الآخر ـ مهما كان ـ نظر الاخاء لا نظر العداء ، وبعين الرضا لا بعين السخط ، وبلحاظ الرحمة لا الغضب والنقمة.
    ذاك حيث يحس بوجدانه ، ويجد بضرورة حسه ، أنَّ عزَّه بعزِّ اخوانه ، وقوَّته بقوَّة أعوانه ، وأنَّ كلُّ واحد منهم عون للآخر .. فهل يتقاعس عن تقوية عونه ، وتعزيز عزِّه وصونه ..؟
    كلا ، ثم إذا كان التخلُّق بهذا الخلق الشريف عسيراً لا يُنال ، وشأواً متعالياً لا يُدرك ، ولا يستطيع المسلم أنْ يُواسي أخاه ألمسلم ، وأنْ يُحب لأَخيه المسلم ما يُحب لنفسه ، وأنْ يجد أنَّ صلاحه بصلاح اُمَّته ، وعزَّه بعزَّة قومه ، فلا أقل من التناصف والتعادل ، والمشاطرة والتوازن ، فلا يجحد المسلم لأخيه حقَّاً ، ولا يبخسه كيلاً ، ولا يطفِّف له وزناً ... والاصل والملاك في كلُّ ذلك : اقتلاع رذيلة الحرص ، والجشع ، والغلبة ، والاستئثار ، والحسد ، والتنافس. فإنَّ هذه الرذائل سلسلة شقاء ، وحلقات بلاء ، يتصل بعضها ببعض ، ويجر بعضها إلى بعض ، حتى تنتهي إلى هلاك الاُمَّة التي تتغلغل فيها ، ثم تهوي بها إلى أحط مهاوي الشقاء والتعاسة.
    والبذرة الأُولى لكلٍ من تلك الثمار الموبوءة هو : حب الاثرة. وقد قيل : الاستئثار يُوجب الحسد ، والحسد يُوجب البغضاء ، والبغضاء تُوجب
    __________________
    (1) مفردها الرسن ، وهو الحبل.
    أنظر : الصحاح ـ رسن ـ 5 : 2123.

    الاختلاف ، والاختلاف يُوجب الفرقة ، والفرقة تُوجب الضعف ، والضعف يُوجب الذل ، والذلُّ يوجب زوال الدولة ، وزاول النعمة ، وهلاك الاُمَّة ... والتأريخ يحدِّثنا ، والعيان والوجدان يشهدان لنا شهادة حقٍ : أنَّه حيث تكون تلك السخائم والمآثم ، فهناك : فناء الأُمم ، وموت الهمم ، وفشل العزائم ، وتلاشي العناصر. هناك : الاستعباد والاستعمار ، والهلكة والبوار ، وتغلُّب الاجانب ، وسيطرة العدو ...
    أمّا حيث تكون الآراء مجتمعة ، والاهواء مؤتلفة ، والقلوب متآلفة ، والايدي مترادفة ، والبصائر متناصرة ، والعزائم متوازرة ، فلا القلوب متضاغنة ، ولا الصدور متشاحنة ، ولا النفوس متدابرة ، ولا الأَيدي متخاذلة ، فهناك : العزُّ والبقاء ، والعافية والنعماء ، والقهر والقوة ، والملك والثروة ، والكرامة والسطوة ، هناك يجعل الله لهم من مضائق البلاء فرجاً ، ومن حلقات السوء مخرجاً ، ويبدلهم العزَّ مكان الذلِّ ، والأمن مكان الخوف. فيصبحوا ملوكاً حكّاماً ، وأئمة أعلاماً.
    وليعتبر المسلمون اليوم بحال آبائهم بالامس ، كيف كانوا قبل الاسلام إخوان وبر ودبر ، وأبناء حل وترحال ، أذل الأُمم داراً ، واشقاهم قراراً ، لا جناح دعوة يأوون إلى كنفها ، ولا ظل وحدة يستظلّون بفيئها ، في أطواق بلاء ، وإطباق جهل ، من نيران حرب مشبوبة ، وغارات مشنونة ، إلى بنات موؤدة ، وأصنام معبودة ، وأرحام مقطوعة ، ودماء مهدورة (1).
    __________________
    (1) لعلَّ أبلغ الوصف وأروعه في رسم الصورة الحياتية التي كان عليها العرب قبل مبعث رسول الله 9 ، ما نُقل عن سيِّد البلغاء والمتكَلّمين علي بن أبي طالب 7 ، حيث قال : إنَّ الله تعالى بعثَ محمَّداً 9 نذيراً َللعالمين ، وأميناً على التنزيل ، وأنتم معشرَ العرب على شرِّ دين ، وفي شرِّ دارٍ ، مُنيخونَ بين حجارةً خُشنِ ، وحياتٍ صُمٍّ ، تشربونَ الكَدِرَ ، وتأكلونَ الجشبَ ، وتسفكونَ دماءكم ، وتقطعون أرحامَكم. الاصنامُ فيكم منصوبة ، والأثام بكم معصوبة ... الخ ( الخطبة 26 ).

    ثم كيف أصبحوا بعد أنْ جمع الله بالإسلام كلمتهم ، وعقد بدين التوحيد وحدتهم ، ونشر على دعوة الحقِّ رايتهم. هنالك نشرت الرحمة عليهم جناح كرامتها ، وأسالت لهم جداول نعيمها ، حتى تربَّعت الايام بهم في ظل سلطان قاهر ، وآوتهم الوحدة إلى كنف عزِّ غالب ، وتعطَّفت الاُمور عليهم في ذرى ملك ثابت. فما عتموا أنْ أصبحوا ـ بعد ذلك الذلِّ وتلك الهنّات ـ حكاماً على العالمين ، وملوكاً في أطراف الارضين ، يملكون الأُمور على من كان يملكها عليهم ، ويُمضون الاحكام فيمن كان يُمضيها فيهم. لا تُغمز لهم قناة ، ولا تُقرع لهم صفات ... ذاك يوم كان للمسلمين وحدة جامعة ، واُخوة صادقة. يوم كانوا متحدين بحقيقة الوحدة وصحيح الاخاء. يوم كانت مصالح المسلمين مشتركة ، ومنافعهم متبادلة ، وعزائمهم متكافلة ، ولا يجد المسلم من أخيه فيما يهمه إلا كلُّ نصر ومعونة ، ورعاية وكفاية.
    ثم دارت الدوائر ، ودالت الايام والايام دول ، وأصبح المسلم لا يجد من أخيه القريب ـ فضلاً عن البعيد ـ إلا القطيعة ـ بل الوقيعة ـ ولا يرتقب منه إلّا المخاوف ـ بل المتالف ـ ولا يحذر من عدوه الكافر أكثر من حذره من أخيه المسلم ، فكيف يُرجى ـ وحال المسلمين هذه ـ أنْ تقوم لهم قائمة ، أو تُشاد لهم دعامة.
    وهيهات أنْ يسعدوا ما لم يتحدوا ، وهيهات أنْ يتحدوا ما لم يتساعدوا ... فيا أيُّها المسلمون لا تبلغون الاتحاد الذي بلغ به اباؤكم ما بلغوا بتزويق الالفاظ ، وتنميق العبارات ، أو نشر الخطب والمقالات ، وضجيج الصحف وعجيج الاقلام ... ليس الاتحاد الفاظاً فارغة ، واقوالاً بليغة وحِكَماً بالغة مهما بلغت من أوج البلاغة ، وشأو الفصاحة ... ملاك الاتحاد ، وحقيقة التوحيد هنا : صفاء نية ، واخلاص طوية ، واعمال جد ونشاط.

    الاتحاد سجايا وصفات ، وأعمال وملكات ، ملكات راسخة ، وأخلاق فاضلة ، وحقائق راهنة ، ونفوس متضامنة ، وسجايا شريفة ، وعواطف كريمة. الاتحاد أنْ يتبادل المسلمون المنافع ، ويشتركوا في الفوائد ، ويأخذوا بموازين القسط ، وقوانين العدل ، ونواميس النصف. فإذا كان في قطر من الاقطار كسوريا والعراق طائفتان من المسلمين أو أكثر فالواجب أنْ يفترضوا جميعاً أنفسهم كأخوين شقيقين قد ورثا من أبيهما داراً أو عقاراً فهم يقتسمونه عدلاً ، ويوزعونه قسطاً ، ولا يستأثر فريق على آخر فيستبد عليه بحظه ، ويشح عليه بحقه ( وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأولئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ) (1) فتكون المنافع عامَّة ، والمصالح في الكلَ مشاعة ، والاعمال على الجميع موزَّعة.
    وليس معنى الوحدة في الاُمَّة أنْ يهضم أحد الفريقين حقوق الاخر فيصمت ، ويتغلَّب عليه فيسكت. ولا من العدل أنْ يُقال للمهضوم إذا طالب بحقِ ، أو دعا إلى عدلٍ : انَّك مُفرِّق أو مشاغب ، بل ينظر الاخرون إلى طلبه ، فإنْ كان حقاً نصروه ، وإنْ كان حيفاً ارشدوه وأقنعوه ، وإلا جادلوه بالتي هي أحسن ، مجادلة الحميم لحميمه ، والشقيق لشقيقه ، لا بالشتائمِ والسباب ، والمنابزة بالأَلقاب ، فتحتدم نار البغضاء بينهما حتى يكونا لها معاً حطباً ويصبحا معاً للأجنبي لقمة سائغة ، وغنيمة باردة.
    وقد عرف اليوم حتى الأَبكم والاصم من المسلمين أنَّ لكلِّ قطر من الاقطار الاسلامية حوتاً من حيتان الغرب ، وأفعى من أفاعي الاستعمار فاغراً فاه لالتهام ذلك القطر وما فيه ... أفلا يكفي هذا جامعاً للمسلمين ، ومؤجِّجاً لنار الغيرة والحماس في عزائمهم ، أفلا تكون شدة تلك الآلام وآلام تلك الشدة باعثة لهم على الاتحاد وإماتة ما بينهم من الاضغان والاحقاد ،
    __________________
    (1) الحشر 59 : 9 ، والتغابن 64 : 16.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اصل الشيعه واصولها Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اصل الشيعه واصولها   اصل الشيعه واصولها Emptyالأربعاء 16 أكتوبر 2024 - 5:33

    وقد قيل « عند الشدائد تذهب الاحقاد »؟
    وكيف يطمع المسلم أنْ يكتسح أخاه المسلم أو يستعبده ، وهو شريكه في البلاد من اقدم العهود وأبعد الاجداد؟ أفلا تسوقهم المحن والمصائب التي انصبت عليهم صب الصواعق من الأجانب ، إلى إقامة موازين العدل والتناصف فيما بينهم ، ويحتفظ أهل كلُّ قطر على التعادل الانتفاعي ، والتوازن الاجتماعي؟
    ونحن وإنْ أوشكنا أنْ نكون آيسين من حصول هذه الثمرة اليانعة ، والجامعة النافعة ، لما نرى من عدم التأثير والتقدير لكلمات المصلحين والناصحين من رجال المسلمين ... ومن نظر فيما نُشر وطُبع من جمهرة خطبنا ، وما فيها من بليغ الدعوة إِلى الوحدة بفنون الاساليب ، ويرى حالة المسلمين اليوم ، وأنَّهم لا يزدادون إلاّ تقاطعاً وتباعداً ، فكانَّنا ندعوهم إلى التنابذ والجفاء ، ونقدِّم النار إلى الحلفاء.
    نعم ، من ينظر إلى ما نشره « النشاشيبي » في الكتاب الذي سمَّاه ـ وما اكثر ما تكذب الاسماء ـ : بـ « الاسلام الصحيح »!! وكانت نتيجة ذلك الكتاب وفذلكته ـ يعني صحة الاسلام عنده ـ هو الطعن والغمز ، واللمز والتوهين باهل بيت النبوَّة : علي وفاطمة والحسنين سلام الله عليهم ، وإنكار كلُّ فضيلة أو منقبة لهم وردت في آية أو رواية ، فآية التطهير مثلاً : ( إنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُم الرِّجْسَ أهْلَ البَيتْ ) (1) مختصَّة بزوجات النبي 9 ، وبالأَخص عائشة!! بل هي لا غيرها أهل البيت!! أمّا فاطمة بضعة رسول الله 9 فخارجة بالقطع واليقين عنده (2).
    __________________
    (1) الاحزاب33 : 33.
    (2) لعل المثير للأسى أنْ تجد وبعد كلُّ ما كتب وقيل واُثبت من أنّ آية التطهير قد نزلت في


    اُنظر ما أحلى هذا الفهم ، وأجمل هذا الذوق والانصاف ، وهكذا آية المباهلة (1) ، وآية القربى (2) فضلاً عن الروايات الواردة في حقَهم ، فكلها
    __________________
    أصحاب الكساء الذين ضمَّهم اليه رسول الله 9 دون سواهم ، وهم علي وفاطمة والحسن والحسين : ، تجد أنَّ البعض لا زال مصراً وبعناد عجيب على قلب الحقائق ، وتزييف الوقائع ، معرضاً بجانبه عن نتائج ما تشكِّله دعاواه الباطلة من آثار سلبية تلتصق به فقط دون غيره ، لأنَّ من يطالع تقوّلاته الهشة هذه وغير المستندة على أي أساس علمي ، لا بد وأنْ يحمله هذا الأمر بالتالي على الاستخفاف بكلِّ مقالاته وإنْ كان البعض منها لا يخلو من مظاهر الصحة والصدق ، بل وربما يحمل البعض منهم اسباب هذه التقوّلات على انطواء ذات ذلك البعض على التعصُّب الطائفي المقيت الضار بالاسلام وأهله ، والداعي الى الفرقة والتناحر ، لا الوحدة والتآخي ، وهو ما كنّا ندعو له ولا زلنا ، وسنبقى كذلك إنْ شاء الله تعالى.
    نعم ، هذا بعض ما نريد أنْ نقوله ، وقد كررناه دائماً ، دون ملل ويأس ، وإذا كنّا وعلى صفحات هذا الكتاب لسنا بمعرض الرد على هذه الترهات الباهتة والساقطة ، لأنَّ ذلك ما يستغرق الكثير من المساحة التي ليست هي بمتاحة لنا ، وكذا لتعرُض ، العديد من علماء الطائفة ومفكريها ـ وطوال حقب متلاحقة وحتى يومنا هذا ـ لمناقشة هذا الموضوع ، وتوضيح أبعاده وحدوده ، إلا أنَ ذلك لا يمنعنا من الاشارة الى بعض الروايات المذكورة في كتب القوم ، والمحددة لنزول هذه الآية بحق هؤلاء الخمسة دون غيرهم ، فراجع :
    صحيح مسلم 4 : 1883 / 2424 ، سنن الترمذي 5 : 663|3787 و 699|3871 ، مسند أحمد 4 : 107 و 6 : 292 ، سنن البيهقي 2 : 5149 : 152 ، تاريخ بغداد 10 : 278 ، تفسير الطبري 22 : 5 و 6 و 7 ، الرياض النضرة 3 : 152 ، اُسد الغابة 1 : 490 و 3 : 543 و 607 ، مستدرك الحاكم 2 : 416 و 3 : 147 ، مجمع الزوائد 9 : 121 و 167 ، الفصول المهمة : 5 2 ، ذخائر العقبى : 21 ، فرائد السمطين 1 : 25 ، الدر المنثور 5 : 198 ، كفاية الطالب : 371 ، الصواعق المحرقة : 187 و 238.
    (1) أُنظر نزول هذه الآية المباركة بحق رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام في : مسند أحمد 1 : 185 ، سنن البيهقي 7 : 63 ، مستدرك الحاكم 3 : 150 ، تفسير الطبري 3 : 212 ، الدر المنثور 2 : 38 ، الرياض النضرة 3 : 152 ، اُسد الغابة1 : 601 ذخائر العقبى : 20 ، كفاية الطالب : 141 ، الفصول المهمة : 24 ، جامع احكام القرآن 4 : 105.
    (2) اُنظر نزولها في حق أصحاب الكساء : دون غيرهم : التفسير الكبير 27 :

    عنده كذب وباطل ، حتى المروية في صحاحهم!!
    ومثله ما سبقه اليه أمثاله من النصولي ، والحصان ، وأضرابهم ، أفترجو مع هذا أنْ تصلح حالة المسلمين ويلموا شعثهم؟ أفلا تراني على حق لو يئست وتشاءمت؟ أفلا يعلم النشاشيبي واخوانه ممَّن يغمزون بالشًّيعة وأئمتهم أنَّ ذلك باعث على أنْ يقوم أحد كَتَبَة الشِّيعة فيقابله بالمثل ، وينال من كرامة الخلفاء الراشدين ، ويتحامل عليهم وعلى السنَّة قائلاً : « إنَّ بني عمَّك فيهم رماح » وهكذا دواليك ينشر كلُّ فريق مطاعن الآخر.
    فلينظر عقلاء الفريقين إلى أين ينتهي حال المسلمين من هذه الهوة السحيقة ، وما الثمرة والفائدة من كلُّ ذلك؟ وما ذنب الشِّيعة سوى موالاة أهل بيت نبيِّهم 9؟!.
    ولكن مع كلُّ ذلك لا يأس من روح الله ورحمته ، ولا قنوط من خفي الطافة بدينه وشريعته ، فعسى أنْ يرشد الله الغيارى على الاسلام من عقلاء الفريقين فيضربوا على الايدي التي تنشر تلك النشرات الخبيثة ـ منّا ومنهم ـ تلك النشرات التي هي السم المزهق لروح الاسلام. وهذا البصيص من الأمل هو الذي دعانا إلى الأذَن في إعادة طبع هذه الرسالة ثانياً ، ونشر ما يضاهيها من ارشاداتنا وتعاليمنا في الحث على قيام كلُّ مسلم بهذه الفريضة اللازمة ، والقضية الضرورية ، كلُّ بحسبه ، وبمقدار وسعه ، ألا وهي إعادة صميم الاخاء والوحدة بين عموم فرق المسلمين ... وأوَّل شرط ذلك : سد
    __________________
    165 ، الكاشف 3 : 467 ، تفسير البحر المحيط 7 : 516 ، زاد المسير 7 : 285 ، الدر المنثور 6 : 7 ، مجمع الزوائد 9 : 168 ، الفصول المهمة : 29 ، كفاية الطالب : 31 ، فرائد السمطين1 : 35 ، ذخائر العقبى : 25 ، الصواعق المحرقة : 258 ، نور الابصار 112 ، الاتحاف بحب الاشراف : 239 ، احياء الميت بفضائل أهل البيت : : 26.

    باب المجادلات المذهبية وإغلاقها تماماً ، فإنْ أراد أحد التنويه عن مذهبه فعلى شرط أنْ لا يمس مذهب غيره بسوء ولا غميزة.
    والشرط الثاني ـ بل هو الأَوَّل في الأَهمية ـ : أنْ يعقد المسلم قلبه على الاخاء الصحيح لأخيه المسلم ، وأنْ يحب لأَخيه ما يحب لنفسه ، ويبرأ من كلُّ حقد وحسد عليه ، جِداً وحقيقة ، لا لقلقة في القول ، ومخادعة في اللسان ، ومنافسة على المصالح الفردية والمنافع الذاتية ، كما هو الحال السائدة اليوم عند الجميع.
    إنَّما الوحدة الحقَّة ، والاخاء الصحيح الذي جاء به الاسلام ، بل جاء بالاسلام ، وتمشَّت عليه وضيعة الأُمم الراقية ، وبلغت أوج العزِّ والقوِّة : أنْ يرى كلُّ فرد من الامَّة أنَّ المصلحة النوعية هي عين المصلحة الفردية ، بل هي فوقها ، وهذه الصفة خفيفة في اللسان ، ثقيلة في الميزان ، بعيدة في الامكان ، يكاد أنْ يكون تحقُّقها عندنا معشر المسلمين من المستحيلات ، لا سيَّما من كلُّ طائفة بالنظر إلى الاخرى التي تنظر كلُّ منهما إلى الأُخرى نظر العدو الأَلد ، والمخاصم المزاحم ، وإذا جامله في القول ، أو أظهر له الولاء ، فلن يجامله إلاّ ليخاذله ، ولن يصانعه إلاّ ليخادعه ، أمّا ملقاً أو تزلُّفاً لغاية واهنة ، أو توسُّلاً إلى أنْ يبتز ماله ، أو يسلبه حقَّه ، أو تكون له السلطة عليه والاستعباد له ، وكلُّهم جارون على غلوائهم في هذه السخائم التي صارت لهم ضربة لازم ، لا تصدهم عنها صرخة ناصح ، ولا صيحة زاجر ، ولا عظة بليغ.
    ينسى الكلُّ أو يتناسى عدوهم الصميم الذي هو لهم بالمرصاد ، والذي يريد سحق الكلِّ ، ومحو الجميع ، ويبث بذور الشقاق بينهم ليضرب بعضهم ببعض ، وينصب أشراك المكر لصيد الجميع. ولا يسلم المسلمون من هذه الاشراك المبثوثة لهم في كلُّ سبيل حتى يتحدوا عملاً لا قولاً ، وجِداً

    لا هزلاً ، وأقرب وسيلة إلى تنمية تلك البذرة ، وتقوية تلك الفكرة ـ فكرة الاتحاد الجدي ـ هو : عقد المؤتمرات في كلُّ عام أو عامين ، يجتمع فيها عقلاء المسلمين وعلماؤهم من الأَقطار النائية ، ليتعارفوا أوَّلاً ، ويتداولوا في شؤون الاسلام ثانياً.
    بل وأوجب من هذا : عقد المؤتمرات والمعاهدات بين حكّام المسلمين « لو كان للمسلمين حكام حق » فيكونون يداً واحدة ، بل كيَدين لجسد واحد ، يدفعان عنه الاخطار المحدقة به من كلُّ جانب ، وقد أملت عليهم الحوادث بعد الحرب العامَّة دروساً بليغة ، وعبراً محسوسة لو كانوا يعتبرون.
    وفي ابتلاع الطليان مملكة الحبشة العريقة في القِدم ببضعة أشهر ما يستوجب أنْ يقض مضاجعهم ، ويُسهر عيونهم ، وينظروا إلى مستقبلهم بكلِّ خيفة وحذر ، وإلاّ فهم أعرف بالعاقبة وكيف يكون المصير (1).
    وحسبنا بهذا القدر بلاغاً ودعوةً ، وإنذاراً وإيقاظاً ، ونحن تكميلاً للفائدة قد اكملنا في هذه الطبعة بعض نواقص هذه الرسالة ، واستوفينا ما فات في بعض مباحثها ممّا له دخل أو فضل فىِ توسعة البحث ، وتوفية الموضوع حقَّه ، مع الحرص الشديد على الايجاز والايصال إلى الغرض
    __________________
    (1) كانت أول محاولة لغزو الحبشة من قبل الايطاليين في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي ، إلا أنّهم منوا بهزيمة نكراء في عام ( 1896 م ) وتحمّلوا خسائر فادحة من قبل جيش الحبشة المتواضع.
    بيد أنَّهم ( أي الايطاليين ) أعادوا الكرة في عهد موسوليني ، وذلك في عام ( 1935 م ) ، حيث زحفت جيوشهم نحو أراضي الحبشة لتحتلها هذه المرة في عام ( 1936 م ) وتضمها الى مستعمراتها اُسوة بشركائهم من المستعمرين آنذاك كالبريطانيين والفرنسيين والبرتغاليين ، ولتبقى الحبشة تحت الاستعمار الايطالي حتى عام ( 1941 م ) عندما طردتهم القوات الانكليزية منها.


    المهم من أقرب الطرق اليه ليسهل تناوله ومطالعته لعامَّة الطبقات.
    فالعصر الذي ألف أهلوه طي المراحل الشاسعة إلى البلاد النازحة ببضع ساعات ـ وكانت لا تُطوى إلاّ بالأيامُ أو الشهور ـ لا تناسبه الاطالة والاطناب ، حتى في الرسالة والكتاب. بيد أنِّي لا أدعي الاحاطة ، ولا اُبرىء نفسي من القصور ، ويكفيني حسن النية والقيام بالواجب حسب الوسع ، مع ابتكار الموضوع ، وابتداع الاسلوب.
    وللأفاضل في عصرنا وما بعده أنْ يتوسَّعوا إذا شاءوا ، فقد فتحنا لهم الباب ، ونهجنا لهم السبيل الذي لا أمَت فيه ولا عثار ، والذي هو أقرب إلى ما يتطلَّبه الوقت الحاضر ، والعلم الحديث ، وألصق بالحقيقة الناصة ، والطريقة النافعة ، من دون خدشة لمذهب ، أو مس لكرامة ، مع الاشارة الخفية أو الخفيين لبعض الأَدلَّة والبراهين ، والمساند والمصادر في الجملة.
    « وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكَّلت واليه أُنيب »
    حرَّره منتصف ربيع الآخر سنة 1355 هـ.
    محمد الحسين
    آل كاشف الغطاء



    « مقدمة الطبعة السابعة »
    بقلم المؤلِّف
    بسم الله الرّحمن الرّحيم
    ( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْري * يَسسِّرْ لِي أمْري * وَاحللْ عُقْدَةً مِنْ لِساني * يَفْقَهُوا قَولِي ) (1).
    من الواضح الغني عن البيان ما وصلت اليه حالة المسلمين ، ولا سيَّما في هذه القرون الأخيرة ، من الضعف والسقوط والذلَّة ، وتحكُّم الأَجانب بهم وإستعبادهم ، واستملاك أراضيهم وديارهم ، وجعلهم خولاً وعبيداً ، يستعملونهم كاستعمال البهائم في مصالحهم ، وليستغلُّونهم بوضع الاغلال في أعناقهم ، إلى ما فوق ذلك من الهوان والخسران ، ممّا لا يحيط به وصف واصف ، ولا تستطيع تصويره ريشة مصوِّر ، كلُّ ذلك جلي واضح كوضوح أسباب ذلك ، وانَّ السبب الوحيد هو : تفرُّق كلمة المسلمين ، وتباغضهم وتعاديهم ، وسعي كلُّ طائفة منهم لتكفير الآخرين ، فإذا اعتقدوا كفرهم لا محالة يسعون في هلاكهم وإبادتهم!! وما هو إلاّ الجهل المطبق ، والعصبية العمياء. فالجهل يمدهم ويطغيهم ، ومكائد الاجنبي المستعبِّد
    __________________
    (1) طه 20 : 25 ـ 28.


    تشدهم وتغريهم.
    وقد أفاضت أقلام الاعلام والخطباء ، وطفحت الصحف والمؤلَّفات في هذا الموضوع ، حتى أوشك أنْ يكون من الاحاديث التي صار يمجها الطبع ، وينبو عنها السمع ، لأنَّ الطبع موكل بمعاداة المعادات ، وكراهة المكررات. على إنَّك تجده بأوفى بيان في الكلمة الآتية التي كنّا جعلناها كمقدمة للطبعة الثانية وعنوانها : « كيف يتحد المسلمون » أو « كلمة لا بُد منها في الاصلاح ».
    وإنَّما المقصود بالبيان في هذه الكلمة إنَّنا لمّا وجدنا قبل هذا أنَّ المسلمين بالحال التي وصفنا ـ وليس المسلمون اليوم في رقعة هذه الكرة سوى طائفتين : السنَّة والشِّيعة ، وكلُّ المذاهب والطوائف المختلفة في الاسلام لابُدَّ وأنْ ترجع وتندمج في الأُولى أو الثانية ، حيث يصح إطلاق إسم الاسلام عليها ـ ووجدت أنَّ الشِّيعة ـ وأخص علمائهم ـ يعرفون مذاهب اخوانهم السنِّيين كمعرفتهم بمذاهبهم ، حتى ألَّفوا الكتب الكثيرة بذلك : كالانتصار للسيِّد المرتضى ، والخلاف للشَّيخ الطوسي ، والتذكرة للعلّامة الحلِّي ، واضعافها لغيرهم ، أمّا السنَّة فلا يعرف حتى علماؤهم ـ فضلا عن عوامهم ـ شيئاً من حقيقة الشِّيعة وواقع أمرهم ، بل لم على العكس يرون أنَّهم خارجون عن حظيرة هذا الدِّين ، وأنَّهم جمعية هدّامة!! وينسبون كلُّ فضيعة اليهم ، فإذا وجد الشِّيعة ذلك في كتب القوم يدفعهم الحقد والغضب ، فيقابلونهم بمثل ذلك ، أو بما هو اسوأ منه ... وهكذا تمزَّقت الوحدة ، وتفرَّقت الكلمة ، وصار ذلك قرَّة عين المستعمر ، وبلغ بهذا أقصى أمانيه.
    فرأيت يومئذٍ أنَّ الحاجة ماسة ، والضرورة ملحة ، والواجب يُحتم تأليف رسالة وجيزة توضِّح للمسلمين : اُصول عقائد الشِّيعة وفروعها ، ومبدأ تكوِّنها ، وغارس بذرتها ، وأسباب نموِّها وسموِّها. بصورة موجزة ، وعبارة

    دارجة ، فألَّفت رسالة « أصل الشِّيعة واُصولها » وجريت فيها على عفو الخاطر ، وجري القلم. أمليتها إملاءاً ، من غير تجديد مراجعة ، أوتزويد مطالعة ، إذ لم يكن الغرض فيها الجدل والاحتجاج ، وإقامة الادلَّة والبراهين ، بل مجرُّد ذكر رؤوس المسائل ، ومتن اُصول المذهب وفروعه ، ليعرف الناس مكانته في الاسلام ، وشدَّة علاقته بالدِّين ، وقواعده الاساسية.
    وما كنّا نحسب أنْ تحظى تلك الرسالة بهذا الرواج ، ويحصل لها هذا الاقبال الواسع ، حيث تُرجمت إلى عدَّة لغات ، وطُبعت أربع بل خمس مرَّات ، ولكن ... ومن الاسف المضني أنَّ الحال لا يزال على ذلك المنوال ، ولم يُخفِّف انتشار الكتاب شيئاً من غلواء القوم ، ولم يكسر من شدة سورتهم ، ولم تبرح أقلام الاساتذة المصريين في كلُّ مناسبة تطعن بالشِّيعة ، وتنسب اليهم الاضاليل والاباطيل التي كانت تُنسب اليهم في العصور المظلمة والقرون الوسطى ، عصر ابن خلدون ، وابن حجر ، واضرابهما ، مع أنَّ الكتاب « أصل الشِّيعة » قد طُبع في القاهرة « الطبعة الثالثة » ووزِّعت كلُّ نسخه هناك ...
    أفما كان من الجدير ـ أو الواجب ـ أنْ يُغيِّر اللهجة ، ويخفف الوطأة؟! كلا ، بل الشِّيعة لا تزال هي تلك الطائفة أهل البدع والاهواء ، والسحنة السوداء!! وقد سرى بغضهم والطعن فيهم إلى الخلفاء الفاطميين ... لماذا؟ لأَنَّهم شيعة ، ولأنَّهم روافض فهم أدعياء في النسب ، قرامطة في المذهب ، ينتهي نسبهم إلى يهودي في قول بعض ، وعقائدهم إلى ملحد!! هذا مع ما للفاطميين من الخدمات الكبرى للاسلام عموماً ولمصر خصوصاً ، فقد نشروا العلم والثقافة في مصر ، ورفعوا منار المعارف ، وشيَّدوا الجوامع والمساجد ، وأنشأوا الأَساطيل والمدافع لدفاع المهاجمين عن بلاد الاسلام ... ألا يستفزك العجب من حملات المصريين على الفاطميين

    وانت وهم يعلمون أنَّ درة تاج مفاخر مصر ، وغرَّة جبين مآثرها هو : « الجامع الازهر » (1) وهو من مآثرهم ومنشآتهم. ذلك العهد الجليل ، الميمون النقيبة ،
    __________________
    (1) يُعد الجامع الأزهر ـ وذلك مما لا خلاف فيه ـ من المآثر الاسلامية الخالدة التي استطاعت ـ ورغم تقادم الدهور والعصورـ أنْ تبقى شاخصة ثابتة تحكي للاجيال مآثر الحقب والسنين التي شهدت اشراقة شمس الاسلام على بعض الدول والمدن رغم ما أحاط بهذا الدين العظيم من الكيد والمحاربة.
    والجامع الازهر كان ثمرة واحدة من تلك الثمار المباركة والطيبة ، حيث اُنشأ في زمن الدولة الفاطمية ، واُسمي بالأزهر تبرُّكاً باسم سيِّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها آلاف التحية والسلام.
    بنى هذا المسجد جوهر الصقلي ، قائد جند أبي تميم معد بعد عام من فتح الفاطميين لمصر واقامتهم لدولتهم فيها عام ( 359 هـ ) ، وحيث تم بناؤه وأُقيمت أوّل صلاة جمعة رسمية فيه في يوم الجمعة سابع شهر رمضان عام ( 361 هـ ـ 972 م ) ، وكانت تُقام قبل ذلك تارة في جامع عمرو ، وتارة في اًخرى في الجامع الطولوني.
    بقي المسجد آنذاك محطة للمصلِّين وطلبة للمحصِّلين ، وحيث عُقدت بعد تأسيسه ببضع سنين أوَّل حلقة للدرس من قبل قاضي القضاة أبو الحسن علي بن النعمان القيرواني ، حيث قرأ آنذاك مختصر أبيه في فقه آل البيت عليهم السلام ، وكان ذلك في صفر عام ( 365 هـ ـ 975 م ).
    بقي هذا المسجد يتلقى الرعايا والعناية من قِبل الحكّام الفاطميين ، وحيث زاد في بنائه المستنصر والحاكم ووسَّعا فيه ، وكان يقابلهم كثرة توافد الطلبة والدارسين على طلب العلم في اروقته ، والتزود من أساتذته ، وبقي هذا الحال ردحاً من الزمن ، حتى انقضت دولة الفاطميين وجاء صلاح الدين الأيوبي ، فشهر سيفه ـ وذلك ممّا يؤسف له ـ لمحاربة الشِّيعة وقتلهم تحت كلُّ حجر ومدر ، وطمس اثارهم ومآثرهم ، وكان نصيب الازهر من ذلك منع الخطبة فيه ، وقطع الكثير ممّا أوقفه عليه الحاكم ، واستمر ذلك ما يقارب القرن من الزمان حتى أمر الملك الظاهر بيبرس باعادة الخطبة فيه ، وشجع على التعليم في أروقته ، بل وزاد بعض الشيء في بنائه.
    وهكذا فقد شهد الأزهر وطوال الحقب الماضية أشكالاً مختلفة من المد والجزر ، تأثراً بالأحداث المختلفة التي أحاطت به وبالعالم الاسلامي ، ولكنًه بقي أثراً خالداً شاهداً على تلك الحقبة الماضية التي تولى فيها الفاطميون حكم مصر وادارة شؤونها.

    المبارك اللقب ، الاغر الطلعة ، الذي تخرَّج منه المئات من كبار العلماء والسّاسة ، أمثال : الشيخ محمَّد عبده ، وسعد زغلول ، ونظائرهما ممَّن كبرت وكثرت خدماتهم لمصر وللإِسلام. وإنَّ بقاء هذه المؤسسة الدينية اكثر من ألف سنة ، وما نالته وتناله كلُّ سنة من الحظ والتوفيق للإتساع والرقي ، لأقوى شاهد على إخلاص بانيه ، وروحانية مؤسسيه ، وأنَه ممدود بالعناية ، ومحفوف بالالطاف الألهية. ولكن الاسف المؤلم أنَّ الفاطميين مع ذلك كلِّه عند المصريين أدعياء في النسب ، قرامطة المذهب ، ملاحدة في الدين ، لانَّهم روافض ، ولانَّهم شيعة ، ومن الشّيعة أخذوا عقيدة الوصية لعلي بن أبي طالب 7 ، وقد أنكرها هو ولم يرضها في حياته كما لم يرض غيرها من الالقاب التي وضعها الشِّيعة له ...!!
    والشِّيعة هم الذين يقفون بعد صلاة المغرب كلُّ ليلة على باب السرداب فى سامراء ويهتفون بإمامهم المنتظر : اُخرج اُخرج ...!! إلى آخر ما ذكره الاسّتاذ الفاضل في كتاب : « الحركة الفكرية » الذي طبع قريباً (1).
    والمدهش الغريب أنَّ سامراء بلدة سنِّية ، وجامع الغيبة الذي فيه السرداب ـ ولا يزال ـ في تصرُّف السنّيين ، يقيمون تحت قبته جمعتهم وجماعتهم في الاوقات الخمسة ، ولا نصيب منه للشِّيعة ، إلا الاستطراق والدخول فيه للزيارة والصلاة والدعاء ، لأن ثلاثة من أئمتهم كانوا يتهجّدون فيه بالاسحار ، ويتفرَّغون فيه لعبادة الحقِّ آناء الليل وأطراف النهار. كان عيشهم : للزهادة ، وليلهم للتهجُّد والعبادة ، ونهارهم للتعليم والافادة. نعم ، كانوا يُحيون الليل بالتهجُّد والعبادة في تلك البلدة ، وفي عين الوقت الذي كان فيه المتوكِّل ، خليفة المسلمين ، وأمير المؤمنين يحيي
    __________________
    (1) الكتاب من تأليف الدكتور عبداللطيف حمزة.

    الليالي الطوال في الخمر والشراب مع المغنِّيات والراقصات ، وأهل المجون والخلاعة ، كعبادة المخنَّث وغيره ، إلى أنْ هجم عليه الاتراك وقطَّعوه هو ووزيره الفتح بن خاقان بسيوفهم وهم سكارى لم يفيقوا إلاّ بحَرِّ السيوف ، حتى اختلط لحم الخليفة بلحم الوزير ، ولم يتميَّز أحدهما منَ الاخر (1) ، وإلى هذا أشار ملك الشُّعراء وأشعر الملوك ، البطل الفارس أبو فراس ، يخاطب بني العبّاس في شافيته المعروفة :
    مِنكُم عَليةَ أمْ منهُمْ وَكانَ لَكُم
    شَيخُ المُغَنِّينَ إبراهيمَ أمْ لَهُمُ

    تَبدو التلاوَةُ مِنْ أبياتِهِمْ سَحراً
    وَمِنْ بُيُوتكُمُ الاوتار وَالنَّغَمُ

    فهل يُلام الشِّيعة على تقديس منازل أئمتهم وبيوتهم التي أذن الله تعالى أنْ ترفع ويُذكر فيها اسمه؟
    ولنتراجع إلى المقصود بالبيان ، وهو إنَّنا كنّا نأمل بنشر ذلك الكتاب الوجيز أنْ نرى أثره المحسوس ، ومفعوله الملموس ، في تعديل الخطة ، وتلطيف اللهجة ، وتقارب الفريقين ، فلم نجد إلا ما يوجب اليأس ، ويحطِّم الامل ، وعرفنا أنَّ تلك العقائد والآراء صارت طبيعة موروثة للقوم ، لا يستطيعون نزعها والنزوع عنها « وتأبى الطباع على الناقل ».
    ولا لوم على عوام الفريقين في سوء الظن ، كلُّ فريق بالآخر ، وعداوته لأخيه ، إنَّما اللائمة على العلماء والعقلاء الذين يؤججون نار العداوة والبغضاء وقد جعلهم الله إخواناً وجعل دينهم دين التوحيد والوحدة.
    ومع هذا الاسف المؤلم ، واليأس البليغ ، طلب مني جماعة ـ اخص بالذكر من بينهم ولدي محمَّد كاظم الكتبي ـ الاذن بطبعته السابعة ، وأنْ
    __________________
    (1) اُنظر : مروج الذهب 5 : 37 ، الكامل في التأريخ 7 : 95 ، تأريخ الطبري 9 : 226.

    نضيف اليه بعض الاضافات والاصطلاحات ، وأنْ نتوسَّع بعض التوسُّع فيه ، فأجزنا إعادة طبعه ، على يأس من الفائدة المتوخاة ، وأضفنا في بعض أبوابه الشيء اليسير الذي لا يخرجه عن الايجاز ، لأننا نجد إنَّ الايجاز في هذه العصور أقرب إلى القبول.
    ( رَبَّنا عَلَيكَ تَوَكَّلْنا وَإليكَ أنَبنا وَإليكَ المَصيرُ ) (1).
    __________________
    (1) الممتحنة 60 : 4.



    بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
    ومنه أستمد وبه أستعين ، بعد حمد الله وسلام على عباده الذين اصطفى ...
    يكتب سطور هذه الطروس محمَّد الحسين آل كاشف الغطاء في النَّجف الأشرف ، أوليات جمادي الاولى سنة الخمسين بعد الألف والثلاثمائة هجرية.
    والسبب الباعث على كتابتها :
    إنَّه منذ سنتين كتب إليَّ شاب عراقي من البعثة العلمية التىِ أرسلتها الحكومة العراقية للتحصيل في ( دار العلوم العليا ) بمصر كتاباً مطوّلاً ، ومما يذكر فيه ما خلاصته :
    إنَه كان يختلف إلى كبار علماء القاهرة في الأزهر وغيره ، وربما جرى الحديث بينهم ـ والحديث شجون ـ على ذكر ( النَجف ) وعلمائها ، وطريقة التحصيل فيها ، والهجرة إليها ، وكانوا يكيلون لهم الكيل الوافي من الثناء والإعجاب بسموِّ مداركهم ، وعلوّ معارفهم ، ولكن يردفون ذلك بقولهم : ولكن يا للأسف أنَهم شيعة!!


    يقول ذلك الشاب : فكنتُ أستغرب ذلك وأقول لهم : وما الشِّيعة؟ وهل هي إلاّ مذهب من مذاهب الاسلام ، وطائفة من طوائف المسلمين؟
    فيقول قائلهم في الجواب ما حاصله : كلا ليست الشِّيعة من المسلمين! ولا التشيُّع من مذاهب الاسلام! بل ولا يحق أنْ يكون أو يُعدَّ مذهباً أو ديناً! وإنَّما هي طريقة ابتدعها الفرس! وقضية سياسية لقلب الدولة الأموية إلى العبّاسية! ولا مساس لها بالأديان الإلهية أصلاً!!
    ثم يكتب ذلك الشّاب تلو هذا : وأنا ـ يا سيِّدي ـ شاب مترعرع ، لا علم لي بمبادئ الأديان ، وتشعُّب المذاهب وفلسفة نشأها وارتقائها ، وكيف انتشرت ، ومن أين ظهرت ، وقد دخلني من اُولئك الفخام الجسام ـ المعدودين من الأعلام ـ شك من أمر تلك الطائفة ، وصرت على شفا ريبة من إسلامهم ، فضلاً عن سلامتهم.
    ثم أخذ يتوسَّل إليَّ بالوسائل المحرجة أنْ أكشف له عن صميم الحقيقة ، ولباب الواقع ، كي يستريح من حرارة الشك إلى برد اليقين وروح الطمأنينة. يقول : وإذا لم تنقذني من تلك المتاهة فالمسؤولية عليك إنْ زللتُ أو ضللتُ.
    فكتبتُ إليه ما اتسع له ظرف المراسلة ، واحتمله كاهل البريد ، وما يلائم عقلية ذلك الشاب ، وما رجوتُ أنْ يزيح عن فؤاده كابوس الشك والإرتياب ، ولكنِّي حملت على شواعري من الاستغراب أضعاف ما كان يحمل هو من الإرتياب ، وطفقتْ تتعارض على خواطري أسرابُ الشكوك من صحة تلك الواقعة ، وإنَّه كيف يمكن أن يبلغ الجهل والعناد بعلماء بلاد هي في طليعة المدن العلمية الاسلامية ، ومطمح أنظار العرب ، بل كافة المسلمين في تمحيص الحقائق ، وتمزيق جلابيب الأكاذيب ، المنبعثة ـ على الأكثر ـ عن الأغراض والأهواء ، أو الاسترسال إلى مفتريات السَّفلة

    والجهالة؟!
    وما كدتُ أركن إلى صدق ما نقله ذلك الشّاب حتى وقع في يدي ـ في تلك الآونة ـ كتاب الكاتب الشهير ( أحمد أمين ) الذي أسماه ( فجر الاسلام ) فسبرتُه حتى بلغتُ منه إلى ذكر ( الشيعة ) فوجدتُه يكتب عنهم كخابطِ عشواء (1) أو حاطب ليل ، ولو أنَّ رجلاً في أقاصي الصين كتب عنهم في هذا العصر تلك الكتَابة لم ينفسخ له العذر ، ولم ترتفع عنه اللائمة ، ولكن وقفتُ على قدم ثابتة من صحة ما كتبه ذلك الشّاب ، وقلتُ : إذا كان مثل هذا الرجل وهو يكتب كتاباً يريد نشره في الأُمَّة الواحدة التي جعلها الله إخواناً بنصِّ فرقانه المجيد ، واستطلاع أحوالهم ، والوقوف على حقيقة أمرهم على كثب منه أيسر شيء عليه ، ومع ذلك يسترسل ذلك الاسترسال ، ويتقوَّل على تلك الطائفة تلك الأَقاويل ، إذن فما حال السواد والرعاع من عامة المسلمين! وقد عرف كلُّ ذي حسٍ مسيسَ الحاجة ، وقيام الضرورة الحافزة إلى شدَّ عقد الوحدة ، وإبرام امراسها ، وإحكام أساسها ، وإنَّه لا حياة للمسلمين اليوم إلاّ بالتمسُّك بعروتها ، والمحافظة عليها ، وإلاّ فلا حياة عزيزة ، ولا ميتة شريفة.
    ولو عرف المسلمون حقيقة مذهب الشِّيعة ، وأنصفوا أنفسهم وإخوانهم ، لأماتوا روح تلك النشرات الخبيثة التي تثير الحفيظة ، وتزرع الضغينة ، وتكون قرة عين وأكبر سلاح للمستعمرين ولملاحدة العصر ، الَّذين هم أعداء كلُّ دين.
    __________________
    (1) هي الناقة التي في بصرها ضعف ، حيث تخبط إذا مشت ولا تتوقى شيئاً.
    ومراده من قوله هذا رحمه الله : انَّ هذا الكاتب لم يكن يتلمَّس موضع خطاه ، فاخذ يتخبَّط في أقواله وآرائه دون بصيرة ودون هدى.

    أفلا يثير الحفيظة ، ويؤجج نار الشَّحناء في صدور عامة الشِّيعة ما يقوله في ( فجر الاسلام ) صفحة 33 : « أنَّ التشيُّع كان مأوى يلجأ اليه كلُّ من أراد هدم الاسلام » إلى آخر ما قال .. يكتب هذا وهو يعلم أنَّ النقد من ورائه ، والتمحيص على أثره ، يجرح عاطفة أًمَّة تُعدًّ بالملايين ، وتتكوَّن منها الطائفة العظمى من المسلمين.
    ومن غريب الاتفاق أنَّ ( أحمد أمين ) في العام الماضي ( 1349 هجري ) ـ بعد انتشار كتابه ، ووقوف عدّةٌ من علماء النجف عليه ـ زار ( مدينة العلم ) وحظي بالتشرُّف بأعتاب ( باب تلك المدينة ) في الوفد المصري المؤلَّف من زهاء ثلاثين بين مدرِّس وتلميذ ، وزارنا بجماعته ، ومكثوا هزيعاً (1) من ليلة من ليالي شهر رمضان في نادينا في محفل حاشد ، فعاتبناه على تلك الهفوات عتاباً خفيفاً ، وصفحنا عنه صفحاً جميلاً ، وأردنا أن نمرَّ عليه كراماً ونقول له سلاماً.
    وكان أقصى ما عنده من الاعتذار « عدم الاطلاع وقلة المصادر »؟! فقلنا : وهذا أيضاً غير سديد ، فإنَّ من يريد أنْ يكتب عن موضوع يلزم عليه أولاً أن يستحضر العدة الكافية ، ويستقصي الاستقصاء التام ، وإلاّ فلا يجوز له الخوض فيه والتعرّض له ، وكيف أصبحت مكتبات الشيعة ومنها مكتبتنا المشتملة على ما يناهز خمسة آلاف مجلد أكثرها من كتب علماء السنّة ، وهي في بلدة كالنجف فقيرة من كلُّ شيء إلاّ من العلم والصلاح إنْ شاء الله ، ومكتبات القاهرة ـ ذات العظمة والشأن ـ خالية من كتب الشيعة إلاّ شيئاً لا يذكر.
    __________________
    (1) هزيعاً من الليل : أي طائفة منه ، وهو نحو من ثلثه أو ربعه.
    الصحاح ـ هزع ـ 3 : 1306.

    نعم ، القوم لا علم لهم من الشيعة بشيء وهم يكتبون عنهم كلُّ شيء!! ، وأشدّ من هذا غرابة وأبعد شذوذاً أنَّ جماعة من أبناء السُنَّة في العراق لا يعرفون من أحوال الشيعة شيئاً مع دنوِّ الدار وعصمة الجوار.
    كتب إليَّ قبل بضعة أشهر شاب مهذَّب عريق بالسيادة من شيعة بغداد : أنَّه سافر إلى لواء الدليم ( وهو اللواء المتصل ببغداد ) (1) وأكثر أهاليه من السُنَّة ، فكان يحضر نواديهم فيروق لهم حديثه وأدبه ، ولمّا علموا أنَّه من الشِّيعة صاروا يعجبون ويقولون : ما كنّا بحسب أنَّ في هذه الفرقة أدباً وتهذيباً فضلاً عن أن يكونوا ممَّن له علم أو دين!! وما كنّا نظنّهم إلاّ من وحوش القفر وشذاذ الفلوات!!
    وكان هذا الشاب يستثير حميتي بقوارص الملام ، ويحثّني بالطلب المتتابع على أنْ أكتب عن الشِّيعة رسالة موجزة تُنشر بين الأُمم الجاهلة ، وتعرِّفهم ـ ولو النزر اليسير ـ من أحوال هذه الطائفة ومعتقداتها ودياناتها.
    ثم بعد برهة سافر هذا الشّاب إلى سوريا للاصطياف ، وعرج منها إلى مصر ، فكتب إليَّ : يا سيدي الحال عن الشِّيعة عند أهالي مصر هي الحال التي أنبأتُك عنها في لواء الدليم ، والصورة تلك الصورة. ثم يقول لي : أفما آن لك أنْ تفي بوعدك ، وتقوم بواجبك؟ فإن الشِّيعة مصوَّرة عند القوم بأبشع صورة يتصوّرها انسان ... إلى آخر ما كتب ، وحقاً ما كتب وإنْ طال وأطنب.
    فمن هذا كلّه ، وأضعاف مثله ممّا نجده في الصحف المصرية والسّورية وغيرها ، وما تنشره مقالاتهم آونة بعد اُخرى من قذف تلك الطائفة بكلِّ عظيمة (2) ، ونبزهم بكلِّ عظيمة ، هم منها براء براءة يوسف الصدِّيق
    __________________
    (1) وهو الآن يدعى بـ : محافظة الأنبار.
    (2) العَضَة والعِضَة والعضيهة : الكذب والبهتان.
    القاموس المحيط 4 : 288.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اصل الشيعه واصولها Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اصل الشيعه واصولها   اصل الشيعه واصولها Emptyالأربعاء 16 أكتوبر 2024 - 5:34

    وأخيه من السَّرقة ، ولكن داء الجهل والعصبية هو الداء العياء الذي قد أعيى الأطباء.
    نعم من كلُّ ذلك رأيتُ من الظلم الفاحش السّكوت والتغاضي عن هذه الكارثة ، لا أعني أنَّه من الظلم على الشِّيعة ، ولا أُريد أن أدفع الظلم عنهم ، والمفتريات عليهم ، كلا ، ولكن أعظم الغرض ، وأشرف الغاية ، رفع أغشية الجهل عن المسلمين من عامة فرق الاسلام ، كي يعتدل المصنف ، وتتم الحجة على المعاند ، وترتفع اللائمة ووصمة التقصير عن علماء هذه الطائفة.
    وأعلى من ذلك رجاء حصول الوئام ، ورفع الشّحناء والخصام بين فرق الاسلام الذي قد عم كلُّ ذي شعورـ ولا سيما في هذه العصور ـ انَه من ألزم الاُمور ، عسى أن لا يعود كاتب ( فجر الاسلام ) الذي تكاثفت عليه غواشي الظلم والظلام ، فيقول في تلك الصفحة التي أوعزنا إليها ما نصه : « والحقُّ أنَّ التشيّع ماوى يلجأ إليه كلُّ من أراد هدم الإسلام لعداوة أو حقد ، ومن يُريد إدخال تعاليم ابائه من يهودية ونصرانية وزرادشتية ـ إلى قوله ـ فاليهودية ظهرت في التشيُّع بالقول بالرجعة ، وقالت الشِّيعة : إنَّ النّار محرَّمة على الشّيعي إلاّ قليلاً ، وقال اليهود : لن تمسّنا النّار إلاّ أياماً معدودة. والنصرانية ظهرت في التشيُّع في قول بعضهم : إنَّ نسبة الإمام إلى الله كنسبة المسيح اليه ، وقالوا : إنَّ اللاهوت اتحد بالناسوت (1) في الامام ، وإنَّ النبوة والرسالة
    __________________
    (1) اللاهوت والناسوت : علم اللاهوت : علم يبحث عن العقائد. وفي الكليات : اللاهوت الخالق والناسوت المخلوق.
    وربما يُطلق الأوَّل على الروح ، والثاني على البدن. بل وربما يطلق الاوَّل أيضاً على العالَم العلوي ، والثاني على العالَم السفلي ، وعلى السبب والمسبَّب ، وعلى الجن والإنس.

    لا تنقطع أبداً ، فمن اتحد به اللاهوت فهو نبي. وتحت التشيُّع ظهر القول بتناسخ الأَرواح ، وتجسيم الله ، والحلول ، ونحو ذلك من الأَقوال التي كانت معروفة عند البراهمة والفلاسفة والمجوس قبل الاسلام ... » إلى آخر ما قال.
    ونحن لولا محافظتنا على مياه الصفاء أن لا تتعكَّر ، ونيران البغضاء أن لا تتسعَّر ، وأن تنطبق علينا حكمة القائل :
    لا تنه عن خلق وتأتي مثله (1) ..
    لعرَّفناه ، من الَّذي يُريد هدم قواعد الاسلام بمعاول الإلحاد والزندقة ، ومن الَّذي يسعى لتمزيق وحدة المسلمين بعوامل التقطيع والتفرقة.
    ولكنّا نريد أنْ نسأل من ذلك الكاتب : أي طبقات الشِّيعة أراد هدم الاسلام؟ الطبقة الأُولى وهم أعيان صحابة النَّبي 9 وأبرارهم : كسلمان المحمَّدي ـ أو الفارسي ـ وأبي ذر ، والمقداد ، وعمّار ، وخُزيمة ذي الشَّهادتين ، وأبي التيهان ، وحذيفة [ بن ] اليمان ، والزُّبير ، والفضل بن العبَّاس ، وأخيه الحبر عبدالله ، وهاشم بن عتبة المرقال ، وأبي أيوب الأَنصاري ، وأبان ، وأخيه خالد ابني سعيد العاص الأمويين ، وأُبي بن كعب سيِّد ألقرّاء ، وأنس بن الحرث بن نبيه الَّذي سمع النَّبي 9 يقول : « إنَّ ابني الحسين يُقتل في أرض يُقال لها كربلاء ، فمن شهد ذلك منكم فلينصره » فخرج أنس وقُتل مع الحسين 7.
    راجع ( الإصابة ) و ( الاستيعاب ) (2) وهما مِنْ أوثق ما ألَّف علماء السنَّة
    __________________
    وعلم اللاهوت يبحث في وجود الله تعالى وصفاته وعلائقه بالعالم والانسان. ويُراد منه علم التوحيد ، وعلم الكلام ، وعلم الربوبية .....
    انظر : المعجم الفلسفي 2 : 277.
    (1) بيت شعرٍ مشهور ، عجزه : عار عَلَيكَ إذا فَعلتَ عَظيمُ.
    وهو يُنسب تارة إلى المتوكل اللَّيثي ، واُخرى إلى أبي الأسود الدؤلي.
    (2) الأصابة 1 : 68 ، الاستيعاب بهامش الإصابة 1 : 74.


    في تراجم الصحابة.
    ولو أردتُ أنْ أعدَ عليك الشِّيعة من الصحابة ، وإثبات تشيّعهم من نفس كتب السنَّة لأحوجني ذلك الى إفراد كتاب ضخم ، وقد كفاني مؤونة ذلك علماء الشِّيعة.
    راجع ( الدرجات الرفيعة في طبقات الشِّيعة ) (1) للسيِّد علي خان صاحب ( السُّلافة ) (2) وغيرها من الكتب الجليلة ( كطراز اللغة ) (3) الِّذي هو من أنفس ما كُتب في اللّغة. على أنَّه ـ رحمه الله ـ لم يذكر في الطبقات إلاّ مشاهير الصحابة بعد بني هاشم ـ كحمزة ، وجعفر ، وعقيل ونظائرهم ـ وذكر من غيرهم أكثر مَنْ قدمنا ذكرهم بزيادة عثمان بن حنيف ، وسهل بن حنيف ، وأبي سعيد الخدري ، وقيس بن سعد بن عبادة رئيس الأنصار ، وبريدة ،
    __________________
    (1) الدرجات الرفيعة في طبقات الشِّيعة : ضمَّنه مؤلّفه رحمه الله مجموعة واسعة من تراجم واخبار أعلام رجال الشِّيعة منذ الصدر الاول للدولة الاسلامية المباركة ، مرتَّب على اثنتي عشرة طبقة ، على ما ذكره المؤلِّف رحمه الله في مقدمة كتابه ، تبتدأ بالصحابة وتنتهي باعلام إلنساء ، إلاّ أنَّ الكتاب الذي بيدي لم يتضمَّن إلاّ الطبقة الاولى وشيئاً يسيراً من الطبقة الرابعة والحادية عشرة فحسب ، فراجع.
    (2) سلافة العصر في محاسن الشعراء بكلِّ مصر : رتَّب المصنِّف رحمه الله تعالى هذا الكتاب بعد تطواف طويل في العديد من البلدان والامصار ، حيث جمع فيه جملة واسعة من تراجمٍ أعيان شعراء عصره ، وفصحاء دهره ، مستعرضاً فيه نُتفاً من قصائدهم وفصول كلامهم ، ذاكراً لجانب من سيرتِهم ومؤلَّفاتهم وسنة وفاتهم.
    كما أنَّ المؤلِّف رحمه الله رتَّب كتابه وفقاً لمسلك الثعالبي في « يتيمة الدهر » والباخرزي قي « دمية القصر ».
    (3) الطراز الاوَّل والكناز لما عليه من لغة العرب المعوَّل : قال عنه الشيخ الطهراني رحمه الله تعالى في الذريعة ( 15 : 157|1035 ) : من أحسن ما كُتب في اللغة ، لكنِّه لم يتجاوز النصف من حرف الصاد المهملة ، وانتهى إلى كلمة « قمص ».
    تكلَّم المؤلِّف رحمه الله تعالى في كلُّ صيغة بكلِّ ما لها من المعاني بكلِّ اصطلاح ، وذكر جميع استعمالاتها الحقيقية والمجازية في الكتاب والسنِّة والمثل وغيرها.

    والبراء بن مالك ، وخبّاب بن الأرت ، ورفاعة بن مالك الأنصاري ، وأبي الطفيل عامر بن واثلة ، وهند بن أبي هالة ، وجعدة بن هبيرة المخزومي ، واُمّه اُمّ هاني بنت أبي طالب ، وبلال بن رباح المؤذن.
    هؤلاء جلَّ من ذكرهم أوأكثرهم ، ولكن يخطرعلى بالي انّي جمعتُ ما وجدتُه في كتب تراجم الصحابة ( كالإصابة ) و ( أُسد الغابة ) و ( الاستيعاب ) ونظائرها من الصحابة الشِّيعة زهاء ثلاثمائة رجل من عظماء أصحاب النَّبي 9 كلّهم من شيعة علي 7 ، ولعل المتتبع يعثر على أكثر من ذلك.
    ولكن ما أدري أهؤلاء الَّذين أرادوا هدم الاسلام؟ أم إمام الشِّيعة علي ابن أبي طالب 7 الَّذي يشهد الثقلان أنّه لولا سيفه ، ومواقفه في بدر ، وأُحد ، وحنين ، والأحزاب ، ونظائرها لما اخضرَّ للاسلام عود ، ولما قام له عمود ، حتى قيل في ذلك :
    بُنيَ الدِّينُ فَاستقامَ وَلولا
    ضربُ ماضيهِ ما استقامَ البناءُ

    وغالى المعتزلي عبدالحميد وأساء التعبير حيث قال :
    ألا إنَّما الإسلامُ لَولا حسامهُ
    ......................................

    نعم ، لولا حسامه ، ومواقفه ـ بعد الهجرة وقبلها ـ وحماية أبيه أبي طالب قبل الهجرة ـ هذا في مكة وذاك فيها وفي المدينة ـ لقضت قريش وذئبان العرب على الإسلام في مهده ، وخنقته وهو في حجر اُمِّه.
    ولكن جزاء أبي طالب من المسلمين أنْ يحكموا بانَّه مات كافراً (1)!! أمّا
    __________________
    (1) قد يعتقد البعض بتصؤُّر عقلائي ومنطقي يبتني على استقراء جملة المناقشات الواسعة والمتعاقبة التي اضطلعِ بها علماء ومفكرو الشِّيعة وطوال حقب مترادفة ومتلاحقة ـ في مجالسهم وندواتهم ومؤلَّفاتهم ـ أنَّ مسألة ايمان أبي طالب رحمه الله تعالى قد حُسمت واُقرَّت بشكل نهائي لا رجعة فيه ، ولا مجال لتكراره ، بل ويعدو من فضول الحديث وهذره


    ...................................................
    __________________
    اجترار الاحاديث السالفة المعروفة والمفنِّدة لاطروحات السابقين ـ الواضحة الاغراض والمباني ـ الذاهبة بشكل عجيب ومستهجن الى القطع بوفاة هذا الرجل دون نطقه للشهادتين ، واصراره على الموت مشركاً!! رغم تناقض ذلك الصريح مع السيرة الشخصية له ، والادلة العقلية والنقلية الثابتة لدى الفريقين.
    نعم ، قد يعتقد البعض ذلك ، ولكن حقيقة الامر تتعارض وبشكل فعلي مع هذا التصوُّر العقلائي والسليم ، فلا زلت تسمع ورغم كلُّ ذلك جملة من التقولات السقيمة الخارجة عن اطار الدراسة العلمية والمنطقية وهي تجتر اقوالاً سقيمة عفا عليها الدهر واعتراها الصدأ لرموز مشخصّة ومعروفة من اتباع السلاطين وطلّاب الدنيا.
    بلى إنَ اولئك الماضين من المحدّثين والكتّاب ووعّاظ السلاطين ـ من الذين تضطرب أنفاسهم ، ويسيل لعابهم أمام بريق الثروة والجاه والسلطان ـ كانوا ولا زالوا طلبة كلّش ذي غرض مشبوه وحاجة مريبة ، حيث لا تجدهم يترددون لحظة عن التقوِّل على الدين وأهله ، والافتراء عليهما ولو بأبخس الاثمان.
    نعم ، إنً تلك الضمائر المعروضة دوماً في سوق النخاسة هي مصدر المحن والفتن التي نخرت الكثير من جوانب هذا المجتمع الاسلامي الكبير ، وشوَّهت وحرًفت الكثير من الحقائق الناصعة والثابتة ، والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بجملة حساسة ومهمة من عقائد المسلمين ، فأحدثت بلا شك ارتباكاً واضحاً لا يسهل التغاضي عنه ولا ردمه ، ويستلزم لتجاوزه الكثير من التعقُّل والتقوى ، وكنّا ولا زلنا ننادي به.
    والحق يُقال : إنَّ أوَّل من سنُّوا هذه السنًة السيئة ، وجهدوا في شراء الضمائر اللاهثة خلف بريق الذهب والفضة ، هم رموز الدولة الاموية وحكّامها ، والتأريخ وسجلاته خير شاهد على ذلك ، بل إنَّ هذه حقيقة واضحة لا نحتاج معها الى برهان.
    ولعل مسألة الطعن في أيمان أبي طالب رحمه الله تعالى من تلك المسائل الحساسة التي ، جهدت السلطة الاموية وأزلامها في محاولة تركيزها في أذهان المسلمين بشتى الصور والاساليب لانَّها ترتكز على جملة شواهد لا يسع الامويون غض النظر عنها :
    أوَّلها : عدائهم التقليدي والثابت للرسالة الاسلامية التي مرَّغت بالوحل كبرياءهم وسلطانهم الذي أقاموه على أرض الجزيرة من خلال سطوتهم وظلمهم وثروتهم ، حيث بدت أحلامهم بالسيطرة على أرض الجزيرة تتهاوى كأوراق الشجر في مواسم الخريف أمام تيار الدعوة الاسلامية المباركة ، والتي كان لابي طالب رحمه الله تعالى الفضل الكبير في ثباتها وبقائها ، فلا غرو أنْ تجد قلوب الامويين طافحة حقداً وبغضاً وعداءً لهذا الرجل.


    ...................................................
    __________________
    ثانيها : ولعل هذا الامر هو القطب الاكبر الذي أجَّج هذا العداء لهذا الرجل في قلوب الامويين ، وهو كونه أباً لعلي عليه السَّلام لا أكثر ، وللامانة أقول : إن أبا طالب لو كان أباً لرجل من عامَّة المسلمين ، حتى ولو كان من فسّاقهم ، وكانت له عُشر هذه الخدمات الجليلة للاسلام لاقاموا له الدنيا مدحاً ولم يقعدوها ، ولترحّموا عليه في جميع مجالسهم وندواتهم ومحافلهم ، ولاطنبوا في مدحه حتى تمل الآذان ... ولكنه ـ وتلك هي اُس القضية ـ أب علي الذي عجزت نفوس أجدادهم ورجولاتهم عن مواجهته في ميدان الفروسية والمنازلة ، فانكفوا في جحورهم كالسحالى يتلوَّنون بالف لون ولون ، ويتسترون باكثر من ستار ، ويشترون الضمائر المعروضة للبيع في سوق إلنخاسة بأزهد الاثمان ، تلك الضائر التي لا تعدمها في كلُّ عصر ومكان ، فاغدقوا عليهم المال الوفير للكيد به ، والاساءة اليه ، فأكثر اولئك التافهين من الكذب والافتراء ، والطعن والبهتان ، متخمِّرين ما تصوّروا أن له أشد التأثير بشخص علي عليه السلام ، والطعن بامامته ، فتوافق ذلك مع حقدهم على أبي طالب رحمه الله تعالى نتيجة وقوفه إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وآله ، فتلقفوها تلقف الكرة ...
    وهكذا فقد أصبح هذا الرجل ضحية مؤامرة محبوكة من مؤامرات الامويين ومكائدهم الجمة بالدين واهله ، وسرت تلك الروايات الكاذبة في الكثير من المصادر التأريخية وغيرها سريان السم الزعاق في بدن العليل ، دون أنْ يكلِّف البعض نفسه مؤونة التحقيق والمراجعة لصحة ما يقوم بنقله ، فتوارث الخلف آثام السلف ، واتبعوهم كالاعمى لا فحص ولا تمحيص ، وتلك هي والله اُم الفواقر ، وثالثة الاثافي.
    والحق يُقال : إنَّ مجرد الاستقراء المتعجِّل لجملة الحقائق التي يغفل عنها البعض تُظهر بوضوح مظلومية هذا الرجل ، وجفاء العديد من مفكري الاُمَّة وباحثيها له من العامَّة بشكل لا يُصدق ، رغم ما قرأته من بعض المباحث القيمة التي خرجت من حالة التقليد الاعمى التي سار عليها الكثيرون سابقاً ولا زالوا ... وأنا وإنْ كنت في موضع لا يتسع لايراد جملة تلك الشواهد والادلة والحقائق إلاّ انِّي أُحيل القارئ الكريم الى قراءة ودراسة ما كُتب من قِبل علماء الشِّيعة ومفكريها حول هذا الموضوع ، وخلال ما مضى من القرون وفي هذه الايام ، ثم أدعوه للحكم على صحة ما ذهبا اليه دون تحزُّب أو تحيُّز إلاّ الى الحقِّ ، ومن ذلك :
    1 ـ ايمان أبي طالب : للشَّيخ المفيد محمَّد بن محمَّد بن إلنعمان البغدادي.
    2 ـ ايمان أبي طالب : للسيد أحمد بن موسى بن طاووس الحلِّي.
    3 ـ ايمان أبي طالب : المعروف بكتاب الحجة على الذاهب الى تكفير أبي طالب :


    أبو سفيان الَّذي ما قامت راية حرب على إلنبيّ الّا وهو سائقها وقائدها وناعقها ، والَّذي أظهر الإسلام كرهاً وما زال يعلن بكفره وعدائه للاسلام ، وهو الَّذي يقول لما صارت الخلافة الى بني أُميَّة : تلقَّفوها يا بني اُميَّة تلقُّف الكرة ، فوالَّذي يحلف به أبو سفيان (1) ما من جنَّة ولا نار (2)!!
    نعم ، هذا بحكم المسلمين مات مسلماً (3) ، وأبو طالب حامية الاسلام
    __________________
    للسيِّد أبي علي فخار بن سعد الموسوي.
    4 ـ شيخ الابطح ، أو أبو طالب : للسيِّد محمَّد علي آل شرف الدين الموسوي.
    5 ـ الشهاب الثاقب لرجم مكفِّر أبي طالب : للشيخ ميرزا محمّد الطهراني.
    6 ـ ضياء العالمين في فضائل الائمة المصطفين : للشيخ أبي الحسن الفتوني النجفي.
    7 ـ مواهب الواهب في فضائل أبي طالب : للشَّيخ جعفر إلنقدي.
    8 ـ أبو طالب مؤمن قريش : للشيخ عبدالله الخنيزي.
    (1) أي باللات والعزى.
    (2) انظر : الاستيعاب 4 : 87 ، مروج الذهب 3 : 86.
    (3) وذلك والله من عجب العجاب ، فأنَّى تظل العقول مسترسلة في غيها وغفوتها ، وحتى مَ يبقى هذا الحجاب من الغفلة والجهل يطوي مكامن العقول ولباب الحقائق ، بل ومتى يتوقَّف البعض ولو قليلاً ليدرك عمق ما يتقوَّله دون حجة ولادليل ، ولا سلطان مبين ... فمَنْ هو أبي سفيان ، وما هو تأريخه ، بل وهل هو خافٍ على أحد ليأتي مَنْ يأتي في آخر الزمان ، مُردداً ارهاصات وتخرُّصات الامويين السقيمة لتجميل وجه شيخهم الكالح البغيض ، وهو ما نقرأه بين الأونة والأُخرى في كراسات وقصاصات صفراء متغضنة ، وإلاّ فهل خفي على أحد أنَّ هذا الرجل كان مِنْ أكثر المؤلِّبين على رسول الله 9 ، وقائد الاحزاب ، والمتعبِّد باللات والعزّى ؛ والذي انفق جلّ أمواله في محاربة الله ورسوله حتى نزل فيه ـ على ما يروي الرازي في تفسيره ـ قوله تعالى ( إنَّ الَّذينَ كَفَرُوا لَنْ تغني عَنهم أموالُهُم وَلا أولادُهُمٍ مِنَ اللهِ شَيئَا ) والذي ما نطق شهادتين إلا مُكرهاً ، مُسراً للعداوة ، مُبطناً للكفر ، مُتحيناً للفرص السانحة ، كيداً بالاسلام وأهله ، حتى لقد روت عنه الكثير من المصادر التاريخية المختلفة ، وكتب التراجم والسير العديد من الاخبار التي تطعن في صحة اسلامه ، وتشكك فيه ، ومن ذلك قوله لعثمان حين صارت الخلافة اليه : قد صارت اليك بعد تيم عدي ، فادرها كالكرة ، واجعل أوتادها بني اُمية ، فانَّما هو المُلك ، ولا أدري ما جنَّة ولا نار!!. انظر : الاستيعاب بهامش الاصابة 4 : 87.


    مات كافراً!! ، معِ أنَ أقلَّ كلماته :
    وَلَقدْ عَلِمتُ بِأن ديِنَ مُحَمّدٍ
    مِنْ خَيرِ أديانِ البَريَةِ دِينا (1)

    وأبو طالب ليس بذلك الرجل الضعيف ، وذي الرأي السَّخيف الَذي يعلم بأنَّ دين مُحَمَّدٍ من خير الأديان ولا يتبعه ولا يتديَّن به خوفاً من إلناس ، وهو سيُد البطحاء! فدع عنك هذا وعد الى حديث من أراد هدم الإسلام!!
    أهم هؤلاء الَّذين ذكرناهم؟ أو الطبقة التي بعدهم ـ طبقة التابعين ـ كالأحنف بن قيس ، وسويد بن غفلة ، وعطية العوفي ، والحكم بن عتيبة ، وسالم بن أبي الجعد ، وعلي بن الجعد ، والحسن بن صالح ، وسعيد بن
    __________________
    بل وما رواه ابن الزبير عنه يوم اليرموك حيث كان ( أي ابو سفيان ) إذا راى أنَّ الروم ظهروا على المسلمين قال : ايه بني الاصفر! واذا كشفهم المسلمون قال :
    وَبَنوا الأصفرِالمُلوكِ مُلوك الرُّ
    وم لم يَبقَ مِنهم مَذكور

    بل وفي حنين كانت الازلام في كنانته يستقسم بها ، ولما راى انهزام المسلمين سر بذلك وقال : لا تنتهي هزيمتهم دون البحر ، لقد غلبت هوازن!! فقال له صفوان ـ وكان يستمع اليه ـ : بفيك الكثكث ( أي الحجارة والتراب ). انظر : النزاع التخاصم : 52.
    واليك كتب التأريخ وغيرها تأمَّل بها فانَّها خير شاهد على ذلك ، رغم ما تسرب إلى العديد منها من الدس والافتراء ، والكذب الرخيص ، من الذين وان قيل باختلاف مشاربهم ولكنهم يتفقون بلا شك على عدواة أهل بيت إلنبوة عليهم السلام وبغضهم ، خلافاً لوصية الله تعالى بهم ورسوله صلى الله عليه وآله.
    (1) أحد جملة ابيات مشهورة نقلتها المصادر المختلفة ، واتفقت على نسبتها إلى أبي طالب رحمه الله تعالى ، منها :
    وَاللهِ لَنْ يَصِلُوا إليكَ بجمعِهِم
    حَتى اُوسَّد َفي التُّرابِ كَفينا

    فَاصدَعْ بِامرِكَ مَا عَلَيكَ غَضاضَةً
    وَابشِرْ بِذاكَ وَقَرَّ مِنكَ عُيُونا

    وَدَعَوتَني وَعَلِمتُ أنَّكَ ناصِحي
    وَلَقد دَعَوتَ وَكُنتَ ثم امِينا

    وَلَقَد عَلِمتُ بِأنَّ دينَ مُحمًدٍ
    مِنْ خَيرِ أديانِ البَريَةِ دِينا



    جبير ، وسعيد بن المسيَّب ، والأصبغ بن نباتة ، وسليمان بن مهران الأعمش ، ويحيى بنى يعمر العدواني صاحب الحجّاج (1) ، وأمثال هؤلاء ممَّن يطول
    __________________
    (1) لعل المتبادر إلى أذهان البعض أنَّ لهذا الرجل صحبة مع الحجّاج لعنه الله تعالى ، إلّا أنّ لذلك واقعة مشهورة بين الاثنين عُرف ابن يعمر بها ، ومن ذلك فان الشيخ كاشف الغطاء رحمه الله تعالى أشار إلى ذلك الأمر مجرد اشارة لوضوحه.
    وتلك الواقعة يرويها الشيخ الكراجكي ( المتوفّى سنة 449 هـ ) في كتابه الشهير كنز الفوائد ( 1 : 357 ) :
    قال : قال الشعبي : كنتُ بواسط ، وكان يوم أضحى ، فحضرت العيد مع الحجّاج فخطب خطبة بليغة ، فلمّا انصرف جاءني رسوله ، فاتيته فوجدته جالساً مستوفزاً ، فقال : يا شعبي ، هذا يوم اضحى ، وقد أردت أن اًضحّي برجل من أهل العراق!! واحببت أنْ تسمع قوله فتعلم أنِّي قد أصبت الرأي فيما أفعل به!!.
    فقلت : أيُّها الأمير ، لوترى أنْ تتسنَّن بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وتضحّي بما أمر أنْ يُضحّى به ، وتفعل مثل فعله ، وتدع ما اردت أنْ تفعله به في هذا اليوم العظيم إلى غيره.
    فقال : يا شعبي ، إنَّك اذا سمعت ما يقوله صوَّبتَ رأيي فيه ، لكذبه على الله وعلى رسوله ، لى إدخاله الشبهة في الاسلام!!
    قلت : أفيرى الامير أنْ يعفني من ذلك؟
    قال : لا بدَّ منه.
    ثم أمر بنطع فبُسط ، وبالسيّاف فاُحضر ، وقال : احضروا الشيخ.
    فاتوه به ، فاذا هو يحيى بن يعمر ، فاغتممت غمّاً شديداً ، وقلت في نفسي : وأي شيء يقوله يحيى مّما يوجب قتله.
    فقال له الحجّاج : أنت تزعم أنك زعيم أهل العراق؟.
    قال يحيى : أنا فقيه من فقهاء أهل العراق.
    قال : فمن أي فقهك زعمت أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله؟
    قال : ما أنا زاعم ذلك ، بل قائل بحق.
    قال : وبأي حق قلت؟
    قال : بكتاب الله عزوجل.
    فنظر الي الحجاج وقال : اسمع ما يقول ، فان هذا ممّا لم أكن سمعته عنه ، أتعرف انت في كتاب الله عزوجل أن الحسن والحسين من ذرية محمد رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ]؟


    ...................................................
    __________________
    فجعلتُ أفكر في ذلك ، فلم أجد في القرآن شيئاً يدل على ذلك.
    وفكَّر الحجّاج ملياً ثم قال ليحيى : لعلك تريد قول الله عزَّوجلّ :
    ( فمَنْ حاجكَ منْ بَعدْ مَا جاءَكَ مِنَ العِلم فَقُلْ تَعالَوا نَدْعُ أبْناءنا وَأبناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكمْ وَأنْفُسَنا وأنْفُسَكُمْ ثم نبتهل فَنَجْعلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلى الكاذِبينَ ) [ ال عمران 3 : 61 ].
    وأن رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] خرج للمباهلة ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين [: ]؟
    قال الشعبي : فكأنّما أهدى لقلبي سروراً ، وقلتُ في نفسي : قد خلص يحيى. وكان الحجّاج حافظاً للقرآن!!
    فقال يحيى : والله إنَّها لحجة في ذلك بليغة ، ولكن ليس منها أحتج لما قلتُ. فاصفر وجه الحجاج وأطرق ملياً ، ثم رفع رأسه إلى يحيى وقال : إنْ جئتَ من كتاب الله بغيرها في ذلك فلك عشرة الأف درهم ، وإنْ لم تاتِ بها فانا في حلٍ من دمك.
    قال : نعم.
    قال الشعبي : فغمني قوله وقلت [ في نفسي ] : أما كان في الذي نزع به الحجّاج ما يحتج به يحيى ويرضيه بأنّه قد عرفه وسبقه إليه ، ويتخلَّص منه حتى رد عليه وأفحمه ، فانْ جاءه بعد هذا بشيء لم آمن أنْ يدخل عليه فيه من القول ما يبطل حجته لئلا يدعي أنَّه قد علم ما جهله هو.
    فقال يحيى : قول الله عزّوجلّ : ( وَمِنْ ذُرّيَتِهِ دَاوُدَ وَسلَيمانَ ) [ الانعام : 84 ] مَنْ عنى بذلك؟
    قال الحجّاج : ابراهيم.
    قال : فداود وسليمان مِنْ ذريته؟
    قال : نعم.
    قال يحيى : ومَنْ نصَّ الله تعالى عليه بعد هذا أنه مِنْ ذريته؟
    فقرأ الحجّاج : ( وَأيوبَ وَيُوسُفَ ومُوسَى وهَارُونَ وكَذلكَ نَجْزي المُحْسِنينَ ).
    قال يحيى : وَمَنْ؟
    قال : ( وَزكَرِيَّا ويحيى وَعيسى ).
    قال يحيى : ومِنْ أين كان عيسى من ذرَية ابراهيم ولا أب له؟!
    قال : من قِبَلَ اُمِّه مريم.
    قال يحيى : فَمَنْ أقرب ، مريم مِنْ ابراهيم أم فاطمة مِنْ محمَد 9؟


    تعدادهم وذكر أدلة تشيّعهم؟
    أهؤلاء الَّذين أرداوا هدم الاسلام؟ أم الطبقة الأُخرى من التابعين وتابعيهم ، وهم مؤسسو علوم الإسلام؟ كأبي الاسود الدؤلي مؤسس علم النَّحو ، والخليل بن أحمد الفراهيدي مؤسس علم اللغة والعروض ، أم أبو مسلم معاذ بن مسلم الهرّاء مؤسس علم الصرف الَّذي نصَ السِيوطي في الجزء الثاني من المزهر وغيره أنَّه كان شيعياً (1) ، ويعقوب بن إسحاق السكيت إمام العربية؟
    أم مؤسسو علم التفسير؟ وأوّلهم الحبر عبدالله بن عبّاس وتشيّعه كنارٍ على عَلَم ، وجابر بن عبدالله الأنصاري ، وأُبي بن كعب ، وسعيد بن جبير ، وسعيد بن المسيَّب ، وأوَّل مفسِّر جمع علوم القرآن وهو محمَّد بن عمر الواقدي الَّذي ذكره ابن إلنديم وغيره ونصَّ على تشيّعه واسم تفسيره ( الرغيب ) (2)؟
    أم مؤسس علم الحديث؟ وهو أبو رافع ، مولى رسول الله 9 ، صاحب كتاب ( الأحكام والسنن والقضايا ) وهو من المختصين بامير المؤمنين 7 وصاحب بيت ماله بالكوفة ، ثم تلاه ولده علي بن أبي رافع (3) ، كاتب أمير المؤمنين 7 ، وهو أوَّل من صنَّف في الفقه
    __________________
    وعيسى مِنْ ابراهيم أم الحسن والحسين : مِنْ رسول الله 9؟
    قال الشعبي : فكأنما القمه حجراً.
    فقال : اطلقوه قبحه الله ، وادفعوا اليه عشرة الاف درهم ، لا بارك الله له فيها .....
    (1) المزهر 2 : 400.
    (2) فهرست ابن النديم : 194.
    (3) انظر : تأسيس الشِّيعة : 283 ، و 298 ، رجال النجاشي : 216 ، رجال ابن داود : 134|1011 ، تنقيح المقال 2 : 263 ، الكنى والالقاب 1 : 74 ، الخلاصة : 102|68 ، أعيان الشِّيعة 8|151.

    بعد أبيه. ثمَّ أخوه عبيدالله بن أبي رافع ، وهو أوَّل من ألَّف من المسلمين في التاريخ وضبط الحوادث والآثار (1).
    أم مؤسسو علم الكلام؟ وأوَّل من تكلَّم في علم الكلام أبو هاشم بن محمَّد بن الحنفية ، وألَّف فيه كتباً جليلة ، ثم عيسى بن روضة التابعي الَّذي بقي إلى أيام أبي جعفر ، وهما أسبق من واصل بن عطاء وأبي حنيفة الَّذي زعم السيوطي أنَّهما أوَّل من صنَّف في الكلام.
    ثم تلاهما من أعلام الشيعة في علم الكلام قيس الماصر ، ومحمَّد ابن علي الأحول ـ المعروف عندنا بمؤمن الطاق وعند غيرنا بشيطان الطاق ـ وآل نوبخت (2) وهم عائلة علم جليلة استمرت سلسلتهم أكثر من مائة سنة ، ولهم مؤلفات عالية كـ ( فصِّ الياقوت ) وغيره ، وهشام بن الحكم ، والأحول والماصر ، وتلاميذهم كأبي جعفر البغدادي السكّاك ، وأبي مالك الضحّاك الحضرمي ، وهشام بن سالم ، ويونس بن يعقوب ، ونظرائهم.
    هؤلاء هم الَّذين دوَّخوا علماء المذاهب من المسلمين وغيرهم من الملاحدة وغيرهم في الجدل والاحتجاج حتى أوقعوهم في المضيق ، وسدُّوا عليهم الطريق في التوحيد والإِمامة وغيرهما ، ولو أنَّ أحداً يتصدى لجمع
    __________________
    (1) انظر : تأسيس الشَيعة : 232 و 281 ، تنقيح المقال 2 : 237 ، فهرست الطوسي : 107|466 ، الخلاصة : 112|2 ، رجال الطوسي : 47|17 ، الكنى والالقاب 1 : 74 ، تهذيب الهذيب 7 : 11.
    (2) اُسرة جليلة وعريقة في العِلم والمعرفة ، أصلهم من الفُرس ، كان أوّل مَنْ أسلم منهم جدهم نوبخت الذي ينتسبون إليه ، وكان مُقرَّباً مِنْ أبي جعفر المنصور.
    ونوبخت لفظ فارسي مركب من كلمتين ( نو ) أي جديد ، و ( بخت ) اي حظ ، ومعناه : الحظ الجديد.
    برز منها الكثير من العلماء والفلاسفة والمؤرخين والكتّاب والادباء والشعراء والوزراء.
    راجع أعيان الشيعة للسيد محسن الامين 2 : 93.

    مناظرات كلُّ واحد منهم المنتشرة في متفرقات مؤلَّفات أصحابنا ، لجاء لكلِّ واحد كتاب مفرد ، على الأخص هشام بن الحكم ، كما أنَّنا لو أردنا أنْ نُحصي فلاسفة الشِّيعة وحكماءها ومتكلميها لاستوعب ذلك عدة مجلدات.
    قُل لنا يا صاحب ( فجر الاسلام ) : أهؤلاء الَّذين أرادوا هدم الاسلام ، أم الَّذين أسسوا عِلمَ السِّيَر والآثار ، ودوَّنوا سيرة النبيّ 9 ومعجزاته وغزواته وكرم أخلاقه ، وأوَّل من صنَّف ذلك من علماء الاسلام أبان ابن عثمان الأَحمر التابعي المتوفى سنة ( 140 هـ ) من أصحاب الصَّادق 7 ، ثم هشام بن محمَّد بن السائب الكلبي ، ومحمَّد بن اسحاق المطلبي ، وأبو مخنف الازدي ، وكلُّ مَنْ كتب في هذا الفن فهو عيال عليهم. والجميع من أعلام الشيعة بالاتفاق.
    ثم تلاهم أعاظم المؤرِّخين وأثباتهم ، وكلُّهم من الشِّيعة ، كأحمد بن محمد بن خالد البرقي صاحب كتاب ( المحاسن ) ، ونصر بن مزاحم المنقري ، وإبراهيم بن محمَّد بن سعيد الثقفي ، وعبدالعزيز الجلودي البصري الامامي ، واليعقوبي أحمد بن يعقوب المطبوع تاريخه في اوروبا وفي النَّجف ، ومحمَّد بن زكريا ، وأبي عبداللهّ الحاكم المعروف بابن البيع ، والمسعودي صاحب ( مروج الذهب ) ، ومحمَّد بن علي بن طباطبا صاحب ( الآداب السُّلطانية ) (1) ، وكثير من أمثالهم ممَّن يضيق التعداد عن حصرهم.
    ثمَّ اعطف نظرك على أشهر شعراء الاسلام ، وذوي الرايات والأعلام
    __________________
    (1) الاداب السلطانية والدول الاسلامية ، ويعرف باسم ( الفخري في الآداب ).
    قال عنه الطهراني رحمه الله في الذريعة ( 16 : 125 ) : هو في تاريخ الخلافة الاسلامية إلى انقراض بني العبّاس وتسلّط هولاكو على بغداد في ( 656 هـ ).
    ألفه في مدة أوّلها جمادى الآخرة سنة ( 701 هـ ) وآخرها خامس شوال من السنة المذكورة في الموصل الحدباء باسم واليها فخر الدِّين عيسى بن ابراهيم.

    منهم ، فهل تجدهم إلاّ من الشِّيعة ، وهم على طبقات :
    الأُولى : طبقة الصَّحابيين : وأعاظم شعراء هذه الطبقة كلّهم من الشِّيعة ، أوَّلهم النّابغة الجعدي ، شهد مع أمير المؤمنين 7 صفين ، وله فيها أراجيز مشهورة (1) ، وعروة بن زيد الخيل ، وكان معه بصفين أيضاً ( راجع الاغاني ) (2) ، ولبيد بن ربيعة العامري نصَّ جماعة على تشيِّعه (3) ، وأبو الطفيل عامر بن واثلة المشهور ، وابو الأسود الدؤلي ، وكعب بن زهير صاحب ( بانت سعاد ) ، وكثير من نظرائهم.
    الطبقة الثانية : المعاصرة لطبقة التابعين : كالفرزدق ، والكميت ، وكثير عزَّة ، والسيِّد الحميري ، وقيس بن ذريح وأقرانهم.
    الطبقة الثالثة : من بعدهم من أهل القرن الثاني : كدعبل الخزاعي ، وأبي نؤاس ، وأبي تمّام ، والبحتري ، وديك الجن عبدالسلام ، وأبي
    __________________
    (1) روى نصر بن مزاحم في وقعة صفِّين ( صفحة355 ) للنابغة الجعدي جملة من الابيات الشعرية ألقاها في أيام تلك الواقعة ، منها :.
    لَيتَ شِعري إذا مَضى ما قَد مَضى
    وَتَجَلّى الامرُ للهِ الاجَل

    ما يُظنن بناسٍ قَتلوا
    أهلَ صفينٍ وَأصحابَ الجمل

    أيَنامُونَ إذا ما ظَلَموا
    أم يَبيتُون بخَوفٍ وَوَجَل

    (2) قال ابو الفرج الاصبهاني في الاغاني (17 : 258) : كان لزيد الخيلَ ابن يقال له عروة ، وكان فارساً شاعر ، شهد القادسية فحسن بلاؤه فيها ، وشهد مع علي بن أبي طالب 7 صفِّين ، وعاش إلى إمارة معاوية ، فأراده على البراءة من علي 7 ، فامتنع عليه ، وقال :
    يُحاوِلُني معاويةُ بنُ حَربٍ
    وَليسَ إلى الذي يَهوى سَبيلُ

    على جَحدي أبا حسنٍ عَليّا
    وَحَظي مِنْ أبا حَسنٍ جَليلُ

    قال : وله اشعار كثيرة.
    (3) راجع ترجمتنا له في الملحقات الخاصة بالتراجم.

    الشيص ، والحسين بن الضحّاك ، وابن الرومي ، ومنصور النّمري ، والأَشجع الأسلمي ، ومحمَّد بن وهيب ، وصريع الغواني.
    وبالجملة : فجلّ شعراء الدولة العبّاسية في هذا القرن والَّذي بعده كانوا من الشِّيعة ، عدا مروان بن أبي حفصة وأولاده.
    وكذلك الطبقة الرابعة أهل القرن الرابع من الثلاثمائة فما بعد : مثل متنبي الغرب ابن هاني الأندلسي ، وابن التعاويذي ، والحسين بن الحجّاج صاحب المجون ، والمهيار الديلمي ، وأمير الشعراء الَّذي قيل فيه : بُدئ الشِعر بملِك وخُتِم بملِك ، وهو أبو فراس الحمداني. وكشاجم ، والناشئ الصغير ، والناشئ الكبير ، وأبو بكر الخوارزمي ، والبديع الهمداني ، والطغرائي ، وجعفر شمس الخلافة ، والسري الرفاء ، وعمارة اليمني ، والوداعي ، والخبز أرزي ، والزاهي ، وابن بسّام البغدادي ، والسّبط ابن التعاويذي ، والسَّلامي ، والنامي.
    وبالجملة : فأكثر شعراء ( يتيمة الثعالبي ) ـ وهي أربع مجلدات ـ من الشِّيعة ، حتى اشتهر وشاع من يقول : ( وهَلْ تَرى مِنْ أديبِ غيرَ شيعي ).
    وإذا أرادوا أنْ يُبالغوا في رقة شعر الرجل وحسنه قَالوا : يَتَرفَّض في شعره.
    وقد يُعدّ المتنبي وأبو العلاء أيضاً من الشِّيعة ، وربما تشهد بعض أشعارهم بذلك ، راجع الجزء الثاني من ( المراجعات الريحانية ) (1) وافهم
    __________________
    (1) من مؤلَّفات الشًيخ رحمه الله تعالى برحمته الواسعة ، يُعرف أيضاً باسم ( النقود والردود ) ، و ( المطالعات والمراجعات ).
    يقع في جزءين ، الجزء الأول منه طُبع أوّل مرة في بيروت عام ( 1331 هـ ) ، وفيه مراجعة مع أمين بن فارس البجاني ، المعروف بالريحاني ( ت 1359 هـ ) حول نقده لكتاب المؤلف رحمه الله المسمّى بـ ( الدّين والاسلام ) ، وهو يقع في جزءين أيضاً ، أوَّلهما في فلسفة الدَين


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اصل الشيعه واصولها Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اصل الشيعه واصولها   اصل الشيعه واصولها Emptyالأربعاء 16 أكتوبر 2024 - 5:36

    هذا وتدبَّر.
    هذا سوى شعراء الشِّيعة من قريش خاصة ، مثل : الفضل بن العبَّاس ابن عتبة بن أبي لهب ، المُتَرجَم في الأغاني وغيره ، وكأبي دهبل الجمحي وهب بن ربيعة.
    أو من العلويين خاصة. كالشريفين الرَّضي والمرتضى ، والشريف أبي الحسن علي الحِمّاني بن الشَّريف الشّاعرِ محمَّد بن جعفر بن محمَّد الشَّريف بن زيد بن علي بن الحسين : وكلّهم شعراء ، وكان الحِمّاني يقول : أنا شاعر وأبي شاعر وجدي شاعر. ومحمَّد بن صالح العلوي الَّذي ترجمه في الأغاني وذكر له نفائس الشعر (1) ، والشَّريف ابن الشجري ... الى كثير من أمثالهم من شعراء الشَّيعة العلويين.
    راجع كتاب ( نَسمة السَّحر فيمن تَشيَّع وشعر ) (2) للشريف اليماني تجد نبذة صالحة منهم.
    بل ومن شعراء الأمويين الشَّيعة : كعبد الرحمن بن الحكم أخي مروان
    __________________
    الاسلامي ، واثبات الصانع ، والتوحيد ، والعدل ، وما يتعلَّق بهما ، والثاني في اثبات النبوة.
    وأمّا الجز الثاني من المطالعات فقد طُبع أوَّل مرة في صيدا عام ( 1331 هـ ) أيضاً ، وفيه بعض المراجعات الريحانية ، والنقد لتأريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان.
    وفي آخره ( عين الميزان ) الذي هو نقد لكتاب ( ميزان الجرح والتعدديل ) للقاسمي.
    راجع. الذريعة 4 : 295 و 8 : 293 ، معجم المؤلِّفين 3 : 10.
    (1) الاغاني 16 : 0 36 ـ 372.
    (2) قال الشيخ الطهراني رحمه الله تعالى في الذريعة ( 24 : 154 ) : ( نسَّمة السحر بذكر من تشيَّع وشعر ) : فهرس لبعض شعراء الشيعة ، لضياء الدِّين يوسف بن يحيى الصنعاني اليماني ( 1078 ـ 121 هـ ) فرغ من الكتاب في 13 رجب عام ( 1111 هـ ) ثم ضم إليه ملحقاته إلى حين الوفاة.
    وهو في مجلًدين يشمل الأوَّْل على ( 85 ) ترجمة ، الّا أنَّه لم يذكر الّا المشهورين من الشعراء ، فان المثل السائر حتى القرن الرابع كان يقول : هل رأيت أديباً غير شيعي.

    ابن الحكم (1) ، وخالد بن سعيد بن العاص ، ومروان بن محمَّد السروجي أموي شيعي ، هكذا ذكره الزمخشري في ( ربيع الأبرار ) على ما يخطر ببالي وأنشد له :
    يَا بَني هاشِمَ بن عبد مُنافٍ
    انَّني (مِنكًم) (2) بكُلِ مَكانِ

    أنتمُ صَفوةُ الإلهِ وَمِنكُم
    جعفرٌ ذُو الجَناَحِ وَالطَّيرانِ

    وعليٌ وحمزةُ أسدُ اللهِ
    وبنت النبيِّ وَالحسنانِ

    ولئِنْ كنتُ مِنْ اُميّة اني
    لَبَريءٌ مِنهُم الى الرَّحمنِ (3)

    وكأبي الفرج الأصبهاني صاحب ( الأغاني ) و ( مقاتل الطالبيين ) ، وكالأبِيوَرْدي الأموي الشّاعر المشهور صاحب ( النجديات ) و ( العراقيات ) ، وغيرهم ممَّن لا تحضرني السّاعة أسماؤهم ، وكنت [ قد ] وقفتُ على جماعة من الشَّيعة الأمويين ، ولكنِّي اكتب هذا الكتاب على جري القلم ، وترسّل الطبع ، وما هو العتيد الحاضر في الخاطر ، من دون تجديد مراجعة كتاب أو مطالعة باب.
    __________________
    (1) روى أبو الفرج الأصبهاني في الاغاني ( 13 : 263 ) : أن عبدالرحمن بن الحكم بن أبي العاصي كان عند يزيد بن معاوية ، وقد بعث إليه عبيدالله بن زياد برأس الحسين بن علي 8 ، فلمّا وضع بين يدي يزيد في الطشت بكى عبدالرحمن ثم قال :
    أبْلغ أميرَ المُؤمنينَ فَلا تَكُنْ
    كَمُوترِ أقواسٍ وَليسَ لَها نَبْلُ

    لَهامٌ بجَنبِ الطفِّ أدْنَى قَرابَةً
    مِنِ ابنِ زيادِ الوَغدِ ذي الحَسَبِ الرَّذل

    سُمَيةُ أَمسى نسْلُها عدَدَ الحَصى
    وبنتُ رَسُولِ اللهِ ليس َلها نَسلُ

    (2) كذا في ربيع الابرار ، وفي معجم الشعراء (321) : معكم ، ولعلها أنسب.
    (3) نعم ، ذكره الزمخشري في ربيع الابرار 1 : 492 ، ومثله المرزباني في معجم الشعراء : 321 ، حيث قال : مروان بن محمَّد السروجي ، من بني اُميَّة ، من أهل سروج بديار مضر ، كان شيعياً ، وهو القائل ... وذكر الابيات أعلاه.

    ثمَّ اعطف نظرك على أعاظم الملوك والامراء والكتّاب والوزراء من الشَّيعة كالدولة الفاطمية ، والبويهية ، والحمدانيين ، وبني مزيد بن صدقة ، وبني دُبيس ، وعمران بن شاهين أمير البطائح ، والمقلّد بن المسيَّب العقيلي ، وقرواش بن المسيَّب.
    بل وأعاظم الخلفاء العبّاسيين : كألمأمون ، والمنتصر ، والمعتضد أحمد بن الموفق ، والناصر أحمد بن المستضيء ، وهو أشهرهم في التظاهر بالتشيُّع وأشعاره ومراجعته مع الملك الأفضل علي بن يوسف صلاح الدين الأيوبي الصريحة في غلوِّهما بالتشيُّع مشهورة (1) والمستنصر ، وذي القرنين التغلبي وجيه الدولة أبي مطاع ، وتميم بن المعز بن باديس ملك أفريقيا والمغرب ، وكثير من أمثالهم مما لا مجال لتعداد أسمائهم فضلاً عن ترجمة أحوالهم وأنبائهم.
    ثم اسبر أكابر الوزراء في الاسلام ، فهل تجدهم إلاّ من الشَّيعة ، كاسحاق الكاتب ، ولعلَّه أوَّل من سُمي وزيراً في الاسلام ، قبل الدولة العباسية ، وأبي سلمة الخلال حفص بن سليمان الهمداني الكوفي ، أوَّل وزير لأول خليفة عباسي ، استوزره السفّاح وفوَّض جميع الامور اليه لفضله وكفاءته ، ولُقبّ ( وزير آل محمَّد ) ثمَّ قتله السفّاح حين أحسَّ منه بالتشيُّع لآل علي :.
    وكأبي عبداللهّ يعقوب بن داود ، وزير المهدي الَّذي تولّى تدبير جميع الأُمور حتى قيل فيه :
    بَني اُميّة هُبُّوا طالَ نَومَكُمُ
    إنَّ الخليفةَ يَعقوبُ بنُ داودِ (2)

    __________________
    (1) أورد هذه المراجعة السيِّد حسن الامين رحمه الله في أعيانه 2 : 507 ، والقمَي رحمه الله في كُناه 3 : 195 ، فلتراجع.
    (2) قيل : إنَّ قائل هذين البيتين الشعريين هو بشار بن برد ، الشاعر الاعمى المعروف ، الذي لم


    وحبسه المهدي أخيراً في المطبق (1) لتشيُّعه أيضاً إلى أن أخرجه الرشيد.
    ومن بيوتات الوزارة من الشَّيعة : بنو نوبخت ، وبنو سهل وزراء المأمون كالفضل بن سهل ، والحسن بن سهل.
    وبنو الفرات (2) : أبو الحسن علي بن محمّد ، تولى الوزارة للمقتدر ثلاث مرات ، وأبو الفضل جعفر ، وأبو الفتح الفضل بن جعفر.
    وبنو العميد محمَّد بن الحسين بن العميد ، وابنه ذو الكفايتين أبو الفتح علي بن محمَّد ، وزراء ركن الدولة.
    وبنو طاهر الخزاعي وزراء المأمون ومَنْ بعده ، والوزير المهلُّبي الحسن ابن هارون ، وأبو دلف العجلي ، والصاحب بن عبّاد ، وداهية السياسة أبو القاسم الوزير المغربي ، ومؤسس الدولة الفاطمية رجل الدولة والسِّياسة أبو عبدالله الحسين بن زكريا المعروف بـ ( الشِّيعي ) ، وإبراهيم بن العبّاس
    __________________
    يلبث بعد ذلك أنْ هجا المهدي بجملة من الابيات التي نعرض عن ذكرها ، فتحيَّن به المهدي الفرص حتى قتله.
    أنظر : أمالي السيَّد المرتضى 1 : 141 ، الاغاني 3 : 2 34 ، سير أعلام إلنبلاء 8 : 347 ، ديوان الشاعر 3 : 94.
    (1) سجن مظلم تحت الارض يُوضع فيه من لا يوافق هوى الحكام العبّاسيين ، وهي سياسة ثابتة يتفق عليها كلُّ الطواغيت في جميع الامصار وعلى طول الدهور ، وإنْ خضعت ـ مع مرور الازمنة ـ للمؤثرات التقنية لتواكب التقدم العلمي بالشكل الذي يتناسب وأمزجة الحكّام وحبهم لسفك الدماء. فلا غرابة فيما نقرأه من أشكال هذه السجون ، ووحشة ترتيبها في عصر العبّاسيين والامويين آنذاك ، لانّها في أيامنا هذه لم تُعد الّا كلعب الاطفال قياساً بما نراه ونسمعه من أشكال ونظم السجون والمعتقلات التي تزخر بها الكثير من الدول المبتلاة بالانظمة الجائرة ، والحكومات الفاسدة.
    (2) اُسرة شيعية ، أصلهم من صديقين من أعمال الدجيل ، وكانوا من العوائل المشهورة المعروفة بالفضل والكرم والنبل.

    الصولي الكاتب الشهير في دولة المتوكل ، وطلائع بن رزيك أحد وزراء الفاطمية المشاهير ، والأفضل أمير الجيوش في مصر وأولاده ، وأبو الحسن جعفر بن محمَّد بن فطير ، وأبو المعالي هبة الله بن محمَّد بن المطلب وزير المستظهر ، ومؤيد الدِّين محمَّد بن عبدالكريم القمِّي من ذرية المقداد ، تولى الوزارة للناصر ثم للظاهر ثم للمستنصر.
    والحسن بن سليمان ، أحد كتّاب البرامكة ويعرف بـ ( الشيعي ) أيضاً كما في كتاب ( الأوراق ) للصولي (1).
    ويحيى بن سلامة الحصكفي ، وابن النديم صاحب ( الفهرست ) ، وأبو جعفر أحمد بن يوسف وأخوه أبو محمَّد القاسم ـ انظر في كتاب الأوراق للصولي قصائده البديعة في مديح أهل البيت ومراثيهم ـ وكانا من أعيان الكتّاب والمتقدمين في عصر المأمون ومَنْ بعده ، وكذلك إبراهيم بن يوسف ، وأولادهم.
    والإِمام في علوم العربية والنوادر : أبو عبدالله محمَّد بن عمران المرزباني ، صاحب المعجم الذي نصَّ السَّمعاني (2) وغيره على تشيُّعه واعتزاله (3). إلى كثير يضيق [ عنهم ] الاحصاء.
    __________________
    (1) الاوراق ...
    (2) الانساب للسمعاني : 521.
    (3) في هامش نسخنا : التشيُّع بالمعنى الخاص ينافي الاعتزال ، ويكفي في تحقيق المباينة أنَّ الشِّيعة تقول بالنص والمعتزلة لاتقول به ، ولكنَّ كثيراً من الشِّيعة كانوا يتظاهرون بالاعتزال ، لمصلحة كانت يقتضيها ذلك الوقت ، ومنهم يحيى بن زيد العلوي ، الذي ينقل عنه ابن أبي الحديد جملة من التحقيقات العالية ، فليفهم هذا .. انتهى.
    أقول : نعم ، إنَّ ما ذهب اليه السَّمعاني من الخلط في النسبة بين عقيدتين تستقل كلُّ واحدة منهما عن الاخرى بعقائدها الخاصة بها ، والتي يجد الباحث عند استقراء هذه العقائد وضوح وجلاء هذا الاختلاف الذي قد يصل في أحيان عديدة إلى حالة تنافر لا يمكن معها


    ...................................................
    __________________
    الاغضاء أبداً عن ذلك الواقع الثابت مهما يلجأ اليه البعض من الخلط والتأويل والاقحام ... نعمٍ ، ليس ذلك بالامر الذي تفرَّد هو به ، بل تجد هذا الخلط الممجوج والمستهجن طافحاً على سطح العديد من المؤلَّفات القديمة والحديثة ، حتى إنّي وقبل فترة قصيرة عندما كنت مشاركاً بجهد متواضع في المؤتمر العالمي الخاص بالذكرى الالفية لوفاة الشيخ المفيد رحمه الله تعالى برحمته الواسعة ( 1413 هـ ) أثار تعجبي ترديد هذه العبارة الباهتة من قبل بعض الاساتذة والباحثين ، بشكل لا يجد المرء أمامه إلّا التسليم بسريان حالة الفهم السطحي وغير العلمي لخصائص كلُّ عقيدة من هاتين العقيدتين باعتماد اُفق ضيق في دراسة كلُّ منهما ـ كما وجدته في عمل المستشرق آدم متز أثناء حديثه عن الحضارة الاسلامية في القرن الرابع ، الهجري باعتماده على كتاب علل الشرائع للشِّيخ الصدوق فحسب لتقييم الصلة بين الشِّيعة والمعتزلة!! ـ والترديد الحرفي وغير العلمي لما ورد في كتابات اُولئك المستشرقين ـ كما يتبين ذلك في كتاب فجر الاسلام للدكتور أحمد أمين ـ أو بعض السابقين ممَّن جهدوا في تجريد الشَّيعة الامامية من كلُّ خصائصهم وعقائدهم ، استجابة لارادات الحكّام آنذاك من الذين دفعهم التعصُّب البغيض والتحزُّب الاعمى لمذاهبهم ، وعدائهم الواضح لاهل البيت : ، إلى اتخاذ هذا الموقف الملتوي والمفضوح من عقائد الشِّيعة الامامية وأفكارها ، يضاف إلى ذلك ـ وهو الاهم ـ دأب اولئك الحكّام على ايقاد نار الخلاف والتناحر الفكري والعقائدي بين فرق المسلمين المختلفة وتأجيجها في محاولة منهم لصرف أذهان الناس عن تلمُّس الوضع المزري التي تعيشه شعوبهم المغلوبة على أمرها ، كنتيجة منطقية لتسلُّط جملة مشخَّصة من الافّاقين والفاسدين على رقاب الأُمَّة ، وانغماسهم في اللهو واصطياد المتع الرخيصة ومنادمة الجواري والغلمان ، واشراعهم أبواب بيوت مال المسلمين أمام المغنين والراقصين والماجنين وغيرهم ، حين يُحرم من ذلك المال أصحابه الشرعيين ، ومن ينبغي أنْ تُصرف تلك الاموال فيهم ... فكان ايقاد ذلك الخلاف والاختلاف بين الفرق الاسلامية المختلفة خير وسيله لصرف أذهان زعماء تلك المذاهب والفرق واتباعهم عن الالتفات الجدي إلى ذلك الامر ، لانَّ ساحة المنازلة القسرية تكون في محاولة الدفاع عن وجودهم الفكري والعقائدي قبالة التحديات الفكرية المطروحة أمامهم ، وهذا ما سعى له الحكّام آنذاك وأتباعهم ، فكان ورغم ما نتج عنه من نتاجات واسعة شكَّلت بالتالي البنيان الاساسي لجملة من عقائد الفرق المختلفة ، وتأكيد الهوية المستقلة للمذاهب المتعددة ، إلاّ أنَّها وفي مواضع كثيرة ـ وذلك ممّا يثير الاسى والاسف ـ كانت أشبه بساحة قتال غير عقلائية ، انشغل فيها المسلمون من أتباع تلك


    ...................................................
    __________________
    الفرق المختلفة باتهامهم البعض للآخر ، والطعن فيه وتكفيره ، بل واشتداد حدة هذا الخلاف بينهم حتى تصل في أحيان عدة الى وقوع صراعات دموية مؤسفة أُريقت فيها الدماء ، واستبيحت فيها الاموال والاعراض!!
    بلى إنَّ ذلك كان ممّا يروق لاؤلئك الحكّام ويثلج صدورهم ، بل ومداعاة لاطالة أمد حكمهم ، وتلك حقيقة لا يعسر على أحد تلمُّسها وادراكها. من خلال مراجعة الفترة الزمنية التي شهدت ولادة العديد من تلك الفرق ابان القرن الهجري الثاني وما بعده ، وانضواء الكثيرين واتَّباعهم لزعماء تلك المذاهب ومفكريها ، وبالتالي توظيف امكاناتهم المختلفة في الدفاع عن هذه عقائد ورد عقائد الاخرين وتوهينها.
    هذا في الوقت الذي كان فيه الائمة من أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم يواصلون جهدهم الرصين في خدمة هذا الدين الحنيف ، حيث كانت تعج مدارسهم ومجالسهم ـ في الكوفة والبصرة وبغداد ـ بالألاف من الطلبة والدارسين ، ويتزايد عدد شيعتهم ومريديهم بشكل بيِّن أقلق المراكز الفاسدة وأعوانها ، بل وحتىِ رموز بعض المذاهب الاسلامية المختلفة مع الاسف الكثير ، فكانوا في أحيان كثيرة عوناً مع السلطة الظالمة على اخوانهم في الدين ، فتأمَّل.
    ثم إنَّ الملفت للنظر كون حدة ذلك الصراع الفكري آنذاك كانت على أشدها بين مدرستين كبيرتين هما : الاشاعرة ، والمعتزلة ، وحيث تتلخص قضية ذلك الخلاف في جمود المحدِّثين والفقهاء على النصِّ ، وعزلهم العقل عن الدين ، بل وتجريده عن جميع صلاحياته الثابتة والتي نادت بها جميع الاديان ، حين كان يقابلهم ـ على الضد ـ موقف المعتزلة المفرط في تحكيم العقل ، وبالشكل الذي أثار الطرف الآخر ، فحدثت بينهما هذه الفجوة الرهيبة.
    هذا والحكّام يجدون في ذلك الامر تدعيماً لاركان حكمهم ، وتثبيتاً لملكهم ، فوقفوا إلى جانب الاشاعرة ـ بعد أنْ كانوا ميّالين إلى المعتزلة ومقرِّبين لهم ـ وتبنوا آرائهم ، وطعنوا في آراء الاخرين بعد أنْ أقرُّوا أربعة من المذاهب الفقهية الاسلامية وأعرضوا عن غيرها.
    إنَّ هذا الموقف المتعجرف دفع إلى الظل بالكثير من الآراء والعقائد الأُخرى ، وبالتالي تهيئة المجال لخدم السلطة والمتحجرين من أتباع المذهب الذي تؤمن به السلطة إلى الطعن بعقائد الآخرين ، وتزييف الكثير من الحقائق والثوابت ، وتركيز جملة مشوشة وهجينة من الاطروحات الباهتة ، ومن ضمنها هذا الخلط الواضح بين عقائد الشِّيعة الامامية وبين عقائد المعتزلة.


    ...................................................
    __________________
    ونحن وإنْ لم نكن في معرض اثبات بطلان الشبهات القائلة بأنَّ الامامية عيال على المعتزلة في أُصول عقائدهم ، أو أنَهم مقلِّدون لهم ، أو غير ذلك من التفاهات المردودة ، والتي تصدَّى لاثبات بطلانها وردها الكثير من علماء الطائفة ومفكريها بشكل واضح وجلي لا جدوى من الاستفاضة في التعرُّض له ، مع ادراكنا الواضح بأنَّ المجال هنا لا يتسع لها ، إلاّ إنّا سنحاول من خلال هذه الاسطر المحدودة الاشارة المختصرة إلى الاختلافات الجوهرية بين هاتين العقيدتين الاسلاميتين.
    فالأُصول الخمسة التي تشكَل أساس مذهب الاعتزال ـ والتي هي : التوحيد ، والعدل ، والوعد والوعيد ، والمنزلة بين المنزلتين ، والامر بالمعروف والنهي عن المنكرـ تترتَّب عليها دون شك جملة مفاهيم وتصورات تشكِّل القاعدة العقائدية للمعتزلة ، والتي تبدو عند مقارنة الكثير منها بآراء الامامية شديدة التباين ، واسعة الاختلاف ، وَلعلَّ من جملة تلك الآراء المنبعثة عن تلك الأُصول ، والتي خالفهم بها الامامية ، وتعرَّضوا لهم فيها بالمناقشة والابطال : قولهم بأنِّ الاشياء كانت قبل حدوثها أشياء ، والجواهر أيضاً كانت في حال عدمها جواهر ، وكذا هو حال الاعراض والالوان والحركات.
    ومن ذلك أيضاً : قولهم بان الانسان هو الذي يصنع أفعاله بنفسه ، متوافقين في ذلك مع القدرية ، وذاهبين فيه إلى التفويض.
    ومن ذلك ايضاً : ما ذهبوا اليه من أنَّ الوفاء بالوعيد واجب على الله تبارك وتعالى ، خلاف الامامية الذين يذهبون إلى عدم وجوبه.
    ومن ذلك ايضاً : قولهم بأنَّ مرتكب الكبيرة بين الايمان والكفر ، وأنَّه يُخلَّد في النار ، حين إنَّ الامامية يذهبون إلى اعتباره مؤمناً فاسقاً مستحقاً للعقاب على قدر ما أجرم.
    يضاف إلى ذلك جملة واسعة من الاختلافات الجوهرية في مسائل الصفات ، والحسن والقبح العقليين ، ووجوب اللطف ، والشَّفاعة ، والتي شغلت في مؤلَّفات أصحابنا رحمهم الله تعالى مساحات واسعة ، وجوانب مهمة ، بل إنَّ العديد من أعلام الطائفة أفردوا العديد من مؤلَّفاتهم للرد على عقائد المعتزلة ابان تلك الحقب السالفة والتي شهدت فترة الاحتدام ، والصراع الفكري والعقائدي بين عقائد الفرق الاسلامية المختلفة ، أمثال شيخنا المفيد رحمه الله تعالى ( ت 413 هـ ) حيث ألَّف كتاباً في الرد على الجاحظ المعتزلي ، وآخر في نقض فضائل المعتزلة ، وكذا كتابه الشهير ( الفصول المختارة ) وكتاب ( الوعيد ) وغيرها ، وحيث تعرَّض رحمه الله تعالى برحمته الواسعة إلى إيراد جملة ارائهم التي خالفوا بها الشِّيعة في مطاوي كتابه الشهير المعروف بـ ( أوائل المقالات ) والتي كان من أوضحها : انكارهم


    ولو أردنا ضبط جميع سلاطين الشِّيعة ، ومَنْ تقلَّد الوزارة والإمارة والمناصب العالية ـ بعلمهم ، وكتابتهم ، وعظيم خدماتهم للاسلام ـ لما وسعتهم المجلدات الضخمة والأسفار العديدة.
    وقد تصدى والدنا العلّامة ـ أعلى الله مقامه ـ الى تراجم طبقات الشِّيعة ، من علماء ، وحكماء ، وسلاطين ، ووزراء ، ومنجِّمين ، وأطباء ـ وهكذا ـ الى ثلاثين طبقة ، كلُّ طبقة مرتبَّة على حروف المعجم ، وسمّاه ( الحصون المنيعة في طبقات الشِّيعة ) فكتب عشرة مجلدات ضخام لم تخرج الى المبيضَّة ، ومع ذلك لم يأت [ إلاّ ] على القليل منهم.
    ولكنّا نريد ـ أنْ نقول لصاحب ( فجر الإسلام ) : إنْ كان هؤلاء الَّذين ذكرناهم ، وأضعاف أمثالهم مِن رجال الشِّيعة ، الَّذين أسسوا علوم الإسلام ،
    __________________
    نص النبي 9 على علي 7 ، مع انكارهم أيضاً وجود نص بإمامة الحسن والحسين 8 ، وكذا هو حال الامام علي بن الحسين 7 ، حيث أنكروا باجمعهم أنْ يكون إماماً للأمَّة بما يوجب به الامامة لاحد من أئمة المسلمين ، بل إنهم أنكروا ما تعتقد به الشِّيعة الامامية من أنَّ الائمة بعد رسول الله 9 اثنا عشر إماماً ، مع مخالفتهم لهم في مسالة عصمة الامام ، حيث جؤَّزوا أنْ يكون الائمة عصاة في الباطن ، وأنْ يكونوا أيضاً ممَّن يُقارف الذنوب ، ثمَّ إنَّهم أجازوا الامامة في مَنْ لا معجزة له ، ولا نصَّ عليه ، ولا توقيف ، مع تجويزهم لانْ تكون الامامة في غير بني هاشم ، بل وتجويزهم خلو الازمان الكثيرة من إمام موجود ، فراجع.
    وكذا هو حال سيدنا المرتضىِ رحمه الله تعالى ( ت 436 هـ ) والذي كان أبرز ما كتبه في ذلك كتابه الشهير ( الشافي ) رداَ على كتاب المغني لعبد الجبار المعتزلي. وغير ذلك ، فتأمَّل.
    راجع : أوائل المقالات : 45 ، كشف المراد : 261 ، الشِّيعة بين الاشاعرة والمعتزلة : 239 ، مقالات الاسلاميين 1 : 330 ، شرح المقاصد 2 : 230 ، تأريخ المذاهب الاسلامية : 138 ، الملل والنحل 1 : 43 ، مذاهب الاسلاميين : 40 ، شرح الاصول الخمسة : 625 وما بعدها ، الملل والنحل من كتاب البحر الزخّار : 12 ، الحور العين : 204 ..


    وشادوا دعائمه ، وأحكموا قوائمه ، إنْ كانوا هم الَّذين يريدون هدم الاسلام ، وأنت واستاذك الدكتور وزملاؤكم هم الَّذين شيَّدوا الاسلام وأيّدوه!! إذاً فعلى الدنيا العفا ، وعلى الاسلام السَّلام ، ورحم الله فيلسوف المعرَّة حيث يقول :
    إذا وصِفَ الطائيِ بِالبُخلِ ما دَر
    إلى قوله : فَيا مَوت زُرْ إنَّ الحَياةَ ذَمِيمَةٌ ... (1).
    وما كان شيء من كلُّ هذا من أصل قصدي ، وصميم غرضي ، ولكن جرى القلم به عفواً ، وتمطّى على القول فيه قهراً ، فعسى أن يعلم الكاتب من أبناء العصر ومن بعدهم ـ بعد ذا كيف يكتب ، ويتصوَّر ماذا يقول ، فقد قال أمير المؤمنين 7 ـ وما أشرف مَنْ قال ـ :
    « لسانُ العاقلِ مِنْ وراءِ قَلبهِ ، وَقَلبُ الجاهِلِ مِنْ وَراءِ لِسانِهِ» (2).
    __________________
    (1) من قصيدة طويلة شهيرة كانت في زمنها محل جدل ونقاش ، لكون المعري قد نسب إلى نفسه في هذه القصيدة أمراً عظيماً من العسير أنْ ينسبه أحد إلى نفسه ، مطلعها :
    ألا في سَبيلِ المَجدِ مَا أنا فاعِل
    عَفاف وإقدام وَحَزم ونائِلُ

    وَحيث يقول في بعض أبياتها :
    تًعدُّ ذُنُوبي عِندَ قَومٍ كَثيرَةً
    وَلاذَنبَ لي إلاّ العُلى وَالفَواضِلُ

    وَقَد سارَ ذكري في البِلاد ِفَمَنْ لَهُم
    بِإخفاءِ شَمسٍ ضَوؤها مُتكامِلً

    يُهم اللَيالي بَعضُ ما أنا مُضمِرٌ
    وَيُثقِل رَضوى دونَ ما أنا حامل

    وَإني وإنْ كنت الأخيرَ زمانُهُ
    لآتٍ بما لم تستطعِهُ الاوائِل

    والبيتان اللذان ذكرهما الشَّيخ رحمه الله تعالى أعلاه هما :
    إذا وصفَ الطّائي بِالبُخلِ مادِر
    وعيرَ قًسّا بالفَقاهَةِ باقلُ

    فَيا مَوتُ زُرْ إنَّ الحَياةَ ذَميمَة
    وَيا نَفسُ جِدّي إنَّ دَهرَكِ هازِلُ

    اُنظر : ديوان الشاعر المسمَّى بـ ( سقط الزند ) : 193.
    (2) نهج البلاغة للشَّيخ محمَّد عبده 4 : 667|40.


    أمَّا قوله : « إنّ اليهودية ظهرت في التشيُّع بالقول بالرجعة »!! فليت شعري هل القول بالرجعة أصل من اُصول الشيعة وركن من أركان مذهبها حتى يكون نبزاً عليها ، ويقول القائل ظهرت اليهودية فيها!!
    ومَنْ يكون هذا مبلغ علمه عن طائفة أليس كان الأحرى به السُّكوت وعدم التعرُّض لها. إذا لم تستطع أمراً فدعه.
    وليس التديُّن بالرجعة في مذهب التشيُّع بلازم ، ولا إنكارها بضار ، وإنْ كانت ضرورية عندهم ، ولكن لا يُناط التشيُّع بها وجوداً وعدماً ، وليست هي إلاّ كبعض أنباء الغيب ، وحوادث المستقبل ، إشراط السّاعة مثل : نزول عيسى من السَّماء ، وظهور الدجّال ، وخروج السًّفياني ، وأمثالها من القضايا الشائعة عند المسلمين وما هي من الاسلام في شيء ، ليس إنكارها خروجاً منه ، ولا الاعتراف بها بذاته دخولاً فيه ، وكذا حال الرجعة عند الشَيعة.
    وعلى فرض أنَّها أصل من اُصولهم ، فهل اتفاقهم مع اليهود بهذا يوجب كون اليهودية ظهرت في التشيِّع ، وهل يصح أن يقال إنّ اليهودية ظهرت في الاسلام لأَنَّ اليهود يقولون بعبادة إله واحد والمسلمون به قائلون؟! وهل هذا إلاّ قول زائف ، واستنباط سخيف؟!
    ثم هل ترى المتهوّسين على الشِّيعة بحديث الرجعة ـ قديماً وحديثاً ـ عرفوا معنى الرجعة ، والمراد بها عند مَنْ يقول بها من الشِّيعة ، وأي غرابة واستحالة في العقول أنّ سيُحيي الله سبحانه جماعة من النّاس بعد موتهم ،
    __________________
    وقال السيِّد الرَّضي رحمه الله تعالى تعليقاً على هذا القول : وهذا من المعاني العجيبة الشريفة ، المراد به : أنَّ العاقل لايطلق لسانه إلاّ بعد مشاورة الروية ، ومؤامرة الفكرة ، والاحمق تسبق حذفات لسانه ، وفلتات كلامه ، مراجعة فكره ، ومماحضة رأيه. ، فكأنَّ لي ان العاقل تابع لقلبه ، وكان قلب الاحمق تابع للسانه.


    وأي نكر في هذا بعد أنْ وقع مثله بنصِّ الكتاب الكريم ، ألم يسمع المتهوّسون قصة ابن العجوز الَّتي قصّها اللهّ سبحانه بقوله تعالى : ( ألَمْ تَرَ إلى الَّذينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهمْ أُلوُفٌ حَذَرَ المَوتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أحياهُم ... ) (1).
    ألم تمرّ عليهم كريمة قوله تعالى : ( وَيَومَ نَحْشُرُ مِنْ كلُّ أُمَّةٍ فَوجاً ) (2) ، مع أنَّ يوم القيامة تُحشر فيه جميع الأُمم لا من كلُّ أُمة فوجاً.
    وحديث الطعن بالرجعة كان هجيري علماء السنَّة من العصر الأول إلى هذه العصور ، فكان علماء الجرح والتعديل منهم اذا ذكروا بعض العظماء من رواة الشِّيعة ومحدِّثيهم ، ولم يجدوا مجالاً للطعن فيه ـ لو ثاقته وورعه وأمانته ـ نبذوه بانَّه يقول بالرجعة ، فكأنهم يقولون يعبد صنماً أو يجعل لله شريكاً!! ونادرة مؤمن الطاق مع أبي حنيفة معروفة (3).
    وأنا لا اريد أن أُثبت في مقامي هذا ـ ولا غيره ـ صحة القول بالرجعة ، وليس لها عندي من الاهتمام قدر قُلامة ظفر ، ولكنّي أردتُ أنْ أدلّ ( فجر الاسلام )! على موضع غلطه وسوء تحامله.
    يقول : الشِّيعة تقول : « إنَّ النّار مُحرَّمة على الشِّيعي إلاّ قليلاً »!! وما أدري في أي كتاب من كتب الشيعة وجد هذا ، وهل يليق برجل تربَّع على دست النقد والتمحيص للمذاهب والأديان أنْ يقذف طائفة من المسلمين بشناعة لا يأتي عليها منهم بشاهد ولا برهان ، كيف وهذه كتب الشِّيعة كادت أن تًسمع حتى الأصم والأبكم.
    __________________
    (1) البقرة 2 : 243.
    (2) النحل 27 : 83.
    (3) راجع ذلك في ترجمتنا لمؤمن الطاق آخر الكتاب.

    إنَّ الله سبحانه خلق الجنَّة لمن أطاعه ولوكان عبداً حبشياً ، وخلق النّار لمن عصاه ولو كان سيِّداً قرشياً ، ويروون عن أئمتهم : من أمثال ذلك ما يفوت حد الاحصاء (1).
    __________________
    (1) الغريب أنْ تجد من تبلغ به الغفلة أو السذاجة هذا الحد من الاسفاف والتطاول الاجوف على طائفة كبيرة من طوائف المسلمين ، لها اُصولها وعقائدها المعلنة والصريحة ، والتي ليست هي في محاجر مكهربة ، أو في أقبية سرية لا يطالها أحد ولا يستطيع الوصول إلى قراءة مضامينها باحث ، بل هي بحمد الله تعالى تكتض بها المكتبات العامَّة والخاصة ، وهي بمتناول الجميع دون استثناء ، ناهيك بمن أراد التعرُّف عليها بصدق وحرص ، فكيف بالله عليك تجد رجلاً مثل أحمد أمين وهو الكاتب المعروف يتخبط هذا التخبُّط المخزي وهو يتحدَّث عن عقائد الشِّيعة ، فتبلغ به الغفلة هذا الحد وهذا المستوى من الطعن الرخيص والباهت .. فمن أين له اثبات مُدعاه هذا ، والذي يستثير حتى عوام الناس لا مثقفيهم فحسب ، والذي يتناقض تناقضاً صريحاً مع مفهوم الشريعة الاسلامية التي ترتكز عليها العقائد الشِّيعية ، بل وتنبعث منها. فمن لا يعلم أنَّ الايمان والعمل مقترنان كلُّ واحد منها بالاخر ، لان العمل هو الترجمة الواقعية للايمان ، والتجسيد الفعلي له ، بل ومن لا يعلم أنً لا نجاة يؤمئذ إلاّ بعمل وتقوى؟! ... نحن نعتقد أنَّ من لا يقول بذلك غير عاقل ، فكيف بالشِّيعة وهم يستقون علومهم من دوحة النبوة وشجرتها الوارفة ، أي أهل البيت : ، الذين هم ورثة رسول الله 9 ، وعدول القرآن ، واُمناء الرسالة!!
    كما أنَّه ليس في الشيعة ـ من أدناها إلى أقصاها ـ من لا يعلم بذلك ، وها أنت ترى الملتزمين منهم يصلّون ، ويصومون ، ويحجُّون ، ويسارعون في الخيرات ، ويجتنبون المحارم والموبقات.
    بل وهذه كتب الامامية ـ التي لا عد لها ولا حصر ـ تنادي بتقوى الله تعالى واتباع أوامره. آلاف الاحاديث وآلاف الاخبارالمنقولة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام كلّها تنحو هذا المنحى الثابت الذي أشرنا إليه.
    ثم ـ ولعل هذا الامر هوما فات صاحب فجر الاسلام وقد يفوت غيره إن اردنا أنْ نمنحهم العذر في ذلك ـ لعله قد طرق سمع الدكتور أحمد أمين ، او قرأ بعض الاخبار المنقولة في جملة من المصادر الحديثية المنوِّهة بفضل الشِّيعة ، والاشادة بمنزلتهم ، فتصوّر أنَّ الامر هذا يقع على كلُّ من تسمى باسم الشِّيعة ، أي سريانه على كلُّ من يعده العرف شيعياً اسماً لا واقعاً ... فاذا كان كذلك تصوره فانَّ هذا هو الداء العياء ، والخلط العظيم.



    ...................................................
    __________________
    إنَّ التشيع لاهل البيت عليهم السلام لا يقترن إلّا بالعمل الصّالح واتباع أوامر الله تعالى ، والانتهاء عن نواهيه ، ودون ذلك فلامعنن للتشيّع واقعاً إلاّ تسمية ، وهذه التسمية المجردة لا تغني عن الحق شيئاً ، ولاتعدو كونها انتحال من غير اتصاف.
    نعم إنَّ ائمة أهل البيت : قد بينوا ذلك بوضوح في أكثر من مناسبة ومكان ، من خلال العديد من الاخبار والروايات الصحيحة ، والتي سنحاول أنْ نورد البعض منها ليطلع عليها من انخدع ببريق كلمات هؤلاء الكتّاب دون الرجوع للتثبت من صحة ذلك الى كتب الشِّيعة نفسهم ، لا بالواسطة :
    فقد روى الكليني في الكافي ( 2 : 73 ) بسنده عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قوله لاصحابه : « لا تذهب بكم المذاهب ، فو الله ما شيعتنا إلاّ مَنْ اطاع الله عزَّ وجلَّ ».
    وروى في موضع آخر ( 2 : 74 ) : بسنده عن جابر ، عن الامام محمَّد بن علي الباقر 7 قوله لجابر : « يا جابر ، أيكتفي من ينتحل التشيُّع أنْ يقول بحبنا أهل البيت؟! فو الله ما شيعتنا إلّا من اتقى الله وأطاعه ، وما كانوا يُعرفون ـ يا جابر ـ إلاّ : بالتواضع ، والتخشُع ، والأمانة ، وكثرة ذكر الله ، والصَوم ، والصَّلاة ، والبر بالوالدين ، والتعهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام ، وصدق الحديث ، وتلاوة القران ، وكف الالسن عن الناس ، إلا من خير ....
    يا جابر ، فوالله ما يُتقرَّب إلى الله تبارك وتعالى إلّا بالطاعة ، وما معنا براءة من النار ، ولا على الله لأحد من حجة ، من كان الله مطيعأ فهو لنا ولي ، ومن كان الله عاصياً فهو لنا عدو ، ولا تنال ولاياتنا إلاّ بالعمل والورع».
    وقوله 7 ( الكافي 2 : 75 ) : « ولله ما معنا من الله براءة ، ولا بيننا وبين الله قرابة ، ولا لنا على الله حجة ، ولا يُتقرب إلى الله إلاّ بالطاعة ، فمن كان منكم مطيعاً لله تنفعه ولاياتنا ».
    أقول : هؤلاء ائمتنا وسادتنا وقادتنا ، بهم نهتدي ، وبنور علمهم نقتدي ، وهذا هو دينهم الذي ندين به ، وهو الاسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله ، بل وهذه هي أخلاقهم ليست بخافية على أحد ، فهل لاحد أنْ يقول ما يخالف ذلك إلاّ ان يكون مغرراً أو كاذباً. فاذا كنّا كشيعة نتلمَس خطا ائمة أهل البيت عليهم السلام ، ونتبع هداهم ، فانَّ ذلك الامر يعني بالتالي اتباع الخط الالهي الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله من قِبَل الله تعالى باتباع الدليل الذي أمرنا به هو صلى الله عليه وآله باتباعه ، وحثنا على التمسُّك به دون تسمية غيره ، أو مجرد الاشارة اليه ، وإلى ذلك يشير بوضوح قوله صلى الله عليه وآله : « إنِّي تارك


    نعم باب الشَّفاعة من النَّبي والأئمة : لبعض المذنبين باب آخر ، ولعل القول بالشَّفاعة في الجملة من ضروريات مذهب السلام (1).
    وأيضاً نُعيد ما قلناه قريباً ، وإنِّه لو تنازلنا وأفترضنا أنَّ الشِّيعة تقول ذلك ، فهل يصح بهذا أنْ يقال [ بأنَّ ] التشيُّع أخذ من اليهودية أو [ أنَّ ] اليهودية ظهرت في التشيُّع؟.
    وهل يحسن بعاقل أنْ يقول : أنّ أبا حنيفة أخذ فقهه من المجوس لأنَّه وافقهم في بعض الفروع في باب النكاح أو غيره (2) ، ويعضد ذلك أنَّه فارسي
    __________________
    فيكم ما أنْ تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السَّماء إلى الارض ، وعترتي أهل بيتي ، ولنْ يتفرَّقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ». انظر : سنن الترمذي 5 : 662|3786 و 663|3788 ، مسند أحمد 3 : 17 و 5 : 181 ، مستدرك الحاكم 3 : 109 و 148 ، اُسد الغابة 2 : 12.
    واذا كان الشِّيعي من المتمسكين بهذا الحبل المتين ، ومن الاخذين بجنبة أهل هذا البيت الطاهر ، ومن المتمثِّلين لاوامرهم التي هي بالتالي عين أوامر رسول الله 9 ، المتلقاة من قبل الله تعالى ( وإنَّ هذا صِراطِي مُستَقيماً فَاتَّبِعُوه ولا تَتَّبِعُوا السُّْبلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَكُمْ تَتَّقُونَ ) فلماذا نشكلَ عليه هذَا الفضل ، وهذه الكرامة التي وعد بها.
    (1) أُنظر : صحيح البخاري 1 : 90 ( كتاب التيمم ) و 8 : 82 ( كتاب الدعوات ) ، صحيح مسلم 1 : 188 ( كتاب الايمان ، باب قول النبيّ 9 : أنا أوَّل الناس يشفع في الجنة ، وباب اختباء النبي 9 دعوة الشَّفاعة لأُمَّته ) و 4 : 1782 ( باب تفضيل نبينا على جميع الخلائق ) ، سنن ابن ماجة 2 : 1440 ( كتاب الزهد ، باب ذكر الشَّفاعة ) ، موطأ مالك 1 : 212 ( كتاب القرآن ، باب ما جاء في الدعاء ) ، مسند أحمد 2 : 275 ، 313 ، 396 ، 409 ، 426 ، 430 ، 486 ، و 2 : 3 ، 134 ، 208 ، 218 ، 258 ، 276 ، 292 ، 384 ، 396 ، و 5 : 148.
    (2) راجع كتاب المبادئ العامة للفقه الجعفري صفحة 317 وما بعدها.


    الأصل؟ أليس يعدّ هذا من سفه القول ، وخطل الآراء الّتي لا فائدة فيها سوى إيقاد نار الشَّحناء والبغضاء بين المسلمين؟
    ثمَّ يقول : « والنَّصرانية ظهرت في التشيُّع في قول بعضهم أنَّ نسبة الامام الى اللهّ كنسبة المسيح الى الله » ...!!
    إنَّ من حقِّ الأمانة على ابن الأمين أنْ يُعيِّن الهدف ، ولا يرسل في غير سدد وبغير سداد ، كان يجب عليه أن يذكر مَنْ هو القائل بهذا القول من الشِّيعة.
    فهل مراده ما يسمُّونهم غلاة الشِّيعة كالخطّابية (1) والغرابية (2)
    __________________
    (1) اتباع أبي الخطّاب محمد بن أبي زينب الاجدع الاسدي الذي كان يدَعي بأنً الامام الصّادق 7 جعله قيمه ووصيه من بعده ، وعلَمه اسم الله الاعظم ، ثم ادعى بعد ذلك أنَّه نبي مُرسَل! وأنَّه من الملائكة! وغير ذلك من الخرافات والادعاءات الدالَة على انحرافه وكفره.
    وقيل : إنَّ الاجدع وأصحابه ادعوا بأنَّ الائمة الهة! وأنَ أولاد الحسن والحسين 8 أنبياء الله واحبائه! وأحلوا المحارم ، وتركوا الصلاة والصِّيام والحج ، وغير ذلك.
    ولمّا بلغ الامام الصادق 7 مقالته ومقالة اصحابه لعنه ولعن اصحابه ، وتبرأ منه ومنهم ، بل وأباح دمه وأمواله هو وجماعة اُخرى من المشعوذين ، واصحاب البدع والكفريات.
    راجع : فرق الشِّيعة : 42 ، التبصير : 111 ، الملل والنحل 1 : 179 ، الشِّيعة بين الاشاعرة والمعتزلة : 54 ، مروج الذهب 3 : 220 ، مقالات الاسلاميين 1 : 133.
    (2) يذهب أصحِاب هذه الفرقة الضالة إلى أن الله تبارك وتعالى قد أرسل جبرئيل لعلي 7 ، إلاّ أنَه توهم في ذلك وقصد محمَداً 9 بالرسالة لأنّه يشبهه كما يشبه الغراب الغراب!!
    ومنهم من يدَّعي بأنَّ الله تعالى قد فوَض أمر تدبير الخلق لرسول الله صلى الله عليه وآله وأنًه فوَّض ذلك الامر لعلي عليه السلام!!
    بل وتُنسب اليهم الكثير من الضلالات المخرجة لهم عن دين الاسلام بغير نقاش.
    أنظر : الشِّيعة بين الاشاعرة والمعتزلة : 54 ، تأريخ المذاهب الاسلامية : 40 / 53 ، الحور العين : 155 ، البحر الزخّار : 25 ..

    والعلياوية (1) والمخمّسة (2) ، والبزيعية (3) وأشباههم من الفرق الهالكة المنقرضة التي نسبتها الى الشِّيعة من الظلم الفاحش ، وما هي إلاّ من الملاحدة كالقرامطة (4) ونظائرهم ، أمّا الشِّيعة الإِمامية وأئمتهم : فيبرأون من
    __________________
    (1) وقيل العليائية أو العلباوية ، والظاهر أنَّ الاخير هو الاصح ، وهو الموافق لما ذكره الشهرستاني في ملله وقال : بأنَهم من أتباع العلباء بن دراع الدوسي أو الاسديَ.
    ويذهب أصحاب هذه الفرقة الضالة ـ على ماذُكرـ إلى أنَّ علي بن أبي طالب عليه السلام ربٌّ ـ استغفر الله العظيم ـ وأنَّه ظهر بالعلوية الهاشمية ، وأظهر أنَّه عبده ، وأظهر وليَّه من عنده ورسوله بالمحمدية ، فوافقوا أصحاب أبي الخطّاب ـ لعنه الله ـ في اربعة اشخاص : علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وأن مضي الاشخاص الثلاثة ـ فاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ـ تلبيس ، والحقيقة شخص محمد صلى الله عليه وآله ، لانَه أوَّل هذه الاشخاص في الامامة ، وأنكروا ايضاً شخص محمد صلى الله عليه وآله وزعموا أنَّه عبد لعلي عليه السلام!! ... الى اخر سخافاتهم وكفرياتهم.
    راجع : رجال الكشي : 399 ، مقباس الهداية 2 : 362 ، الملل والنحل 1 : 175.
    (2) من فرق الغلاة المنحرفة ، والملعونة على السنة أئمة أهل البيت : وشيعتهم.
    يذهب أصحاب هذه الفرقة الضالة الى أن سلمان الفارسي ، وأبا ذر الغفاري ، والمقداد أبن الاسود ، وعمّار بن ياسر ، وعمرو بن أمية الضمري هم النبيين والموكِّلين بمصالح العالم من قِبل الرب ، وأنّ الربّ في قولهم ـ قبَّحهم الله تعالى ـ هو علي 7.
    اُنظر : مقباس الهداية 2 : 361.
    (3) أتباع بزيع بن موسى الحائك الذين يذهبون إلى أنَّه ـ لعنه الله ـ نبي مُرسَل كأبي الخطّاب المتقذَم الذكر ، وأنَّ الامام الصّادق 7 هو الذي أرسله بذلك!! فلمّا سمع خبره الامام 7 لعنه هو وجماعة من الغلاة والمنحرفين بقوله : لعنهم الله ، فإنّا لا نخلوِ من كذّاب يكذب علينا ، أو عاجز الرأي ، كفانا الله تعالى مؤنة كلُّ كذّاب ، وأذاقهم الله حر الحديد.
    أنظر : فرق الشِّيعة : 43 ، رجال الكشي 2 : 593|549 ، مقالات الاسلاميين : 12 ..
    (4) يذهب النوبختي في فرقه إلى أنً تسمية القرامطة بهذا الاسم تعود إلى رئيس لهم من أهل السواد كان يُلقَّب بـ ( قرمطويه ) وكانوا في الاصل يقولون بمقالة المباركية ـ الذين يزعمون بأنَّ الامامة بعد الامام جعفر بن محمًد الصادق 7 في محمَّد بن اسمِاعيل بن جعفر بعد أنْ كانت لابيه في حياة الامام الصادق 7 ، واُسموا بذلك لانَّ رئيسهم يُدعى


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اصل الشيعه واصولها Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اصل الشيعه واصولها   اصل الشيعه واصولها Emptyالأربعاء 16 أكتوبر 2024 - 5:37

    ...................................................
    __________________
    المبارك ـ ثم خالفوهم ، حيث قالوا بأنَّ الامامة بعد رسول الله 9 لا تكون إلاّ في سبعة أئمة هم : علي بن أبي طالب ، وهو إمام رسول ، والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمَّد بن علي وجعفر بن محمّد بن اسماعيل ، وهو عندهم الامام القائم المهدي ، وهو رسول.
    وزعم اولئك ـ على قول النوبختي وغيره ـ أنَّ رسالة النبي صلى الله عليه وآله قد انقطعت يوم غدير خم ، وانتقلت إلى علي عليه السلام!! وكذا حال اللاحقين عند وفاة السابقين لهم.
    ثم أنَّ أصحاب هذه الفرقة يذهبون ـ على ما قيل عنهم ـ الى أنَّ الفرائض رموز واشارات ، وأمر بالاعتصام بالغائب المفقود ، وأباحوا جميع الملذات والمنكرات ، واستحلُّوا استعراض الناس بالسيف ، وغير ذلك مما ينسب اليهم من الضلالات ..
    واما ابن الجوزي فقد ذكر في كتابه المعروف بـ ( تلبيس ابليس ) : أنَّ للمؤرِّخين في سبب تسميتهم بهذا قولان : أحدهما : أنَّ رجلاً من ناحية خوزستان قدم سواد الكوفة فاظهر الزهد ودعا الى إمام من أهل بيت الرسول صلوات الله عليه وعليهم ، ونزل على رجل يُقال له ( كرميتة ) لقِّب بهذه عينيه ، وهو بالنبطية حاد العين ، فاخذه أمير تلك الناحية فحبسه وترك مفتاح البيت تحت رأسه ونام ، فرقَّت له جارية فاخذت المفتاح ففتحت البيت وأخرجته وردت المفتاح إلى مكانه ، فلمّا طُلب ولم يوجد شاع الخبر وزاد افتتان الناس به ، فتوجه من هناك إلى الشام.
    وأمّا وجه تسميته بذلك : فأنََّه أُسمي أوَّل الامر بـ ( كرميتة ) أي اسم الرجل الذي كان نازلاً عنده ، ثم خُفَف فقيل ( قرمط ) ثم توارث مكانه أهله وأولاده.
    وقيل : أنّما عُرف حمدان هذا بقرمط من أجل قصر قامته وقصر رجليه وتقارب خطوه ، وكان يقال له : صاحب الخال ، والمدثر ، والمطوق.
    وكان ابتداء أمره في سنة ( 264 هـ ) وحيث كان ظهوره بسواد الكوفة ، واشتهر مذهبه بالعراق.
    وللمؤرِّخين وكتّاب الفرق اراء اُخرى في نشأتهم وتسمية روّادهم الاوائل لا يسعنا هناك التعرًّض لها ، محيلين القارئ الكريم في ذلك إلى المصادر المختصة بهذا الباب.
    راجع : فرق الشيعة : 72 ، الفصول المختارة : 251 ، الشِّيعة بين الاشاعرة والمعتزلة : 84 ، الفرق بين الفرق : 22 ، الملل والنحل 1 : 167 و 191 ، تأريخ الطبري 10 : 23 ، الكامل في التاريخ 7 : 444 ، تلبيس ابليس : 110.

    تلك الفرق براءة التحريم (1).
    __________________
    (1) لقد كان موقف الائمة من أهل البيت : حاداً وقطعياً في رد وتكفير الغلاة ، بل والبراءة منهم ، ونفي وجود أي صلة لهم بهم.
    فهذا هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 يقول : « بُني الكفر على أربعة دعائم : الفسق ، والغلو ، والشك ، والشبهة ».
    وأمّا الامام جعفر بن محمَّد الصادق عليه السلام فقد قال : « أدنى ما يخرج به الرجل من الايمان أنْ يجلس إلى غال فيستمع إلى حديثه ويصدقه على قوله ، إنَّ أبي حدَّثني عن أبيه عن جدِّه عليهم السلام : أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال : صنفان من أُمتي لا نصيب لهما في الاسلام : الغلاة ، والقدرية ».
    وقال 7 مخاطباً أحد أصحابه : « أيا مرازم ، قُل لهم ( أي للغالية ) توبوا إلى الله تعالى ، فانًكم فسّاق ، كفّار ، مشركون ».
    وقال عليه السلام مشيراً إلى نفي صلة اولئك الغلاة باهل البيت عليهم السَّلام : « لعن الله المغيرة بن سعيد ، ولعن الله يهودية كان يختلف اليها يتعلَّم منها السحر والشعبذة والمخاريق ، إنَّ المغيرة كذب على أبي فسلبه الله الايمان ، وإنَّ قوماً كذبوا عليَّ ، ما لهم أذاقهم الله حرَّ الحديد ... أبرأ الله مما قال في الاجدع البرّاد عبد بني أسد أبو الخطّاب لعنه الله ... أُشهدكم : إني امروٌ ولدني رسول الله صلى الله عليه وآله ، وما معي براءة من الله ، وإنْ أطعته رحمني ، وانْ عصيته عذبني ».
    وقال مخاطباً أحد إلى الغلاة ( وهو بشار الشعيري ) : « أخرج عنِّي لعنك الله ».
    وأمّا الامام الرضا 7 فقد قال عنهم : « كان بيان بن سمعان يكذب على علي بن الحسين 7 ، فاذاقه الله تعالى حرَّ الحديد ، وكان اَلمغيرة بن سعيد يكذب على أبي جعفر 7 ، فاذاقه الله تعالى حر الحديد ، وكان محمَّد بن بشير يكذب على أبي الحسن موسى 7 فأذاقه الله تعالى حرَّ الحديد ، وكان أبو الخطّاب يكذب على أبي عبدالله 7 فم ذاقه الله تعالى حرَّ الحديد ».
    بل وترى الائمة عليهم السلام يحذِّرون شيعتهم من أحاديث كان ينتحلها اولئك الغلاة على ألسِنة الائمة عليهم السلام ، في محاولة منهم ـ لعنهم الله تعالى ـ لكسب الانصار والمؤيدين لهم ، فقد روي عن الامام الصادق عليه السلام قوله محذّراً الشِّيعة من الوقوع في حبائلهم : « لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق القرآن والسنَّة ، أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدِّمة ، فانّ المغيرة بن سعيد ـ لعنه الله ـ دسَّ في كتب اصحاب أبي أحاديث لم يُحدِّث بها أبي ، فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربِّنا تعالى وسنَّة نبينا محمَّد صلى الله عليه



    على أنّ تلك الفرق لا تقول بمقالة النصارى ، بل خلاصة مقالتهم ـ بل صلالتهم ـ : أنَّ الامام هو اللهّ سبحانه ظهوراً أو اتحاداً أو حلولاً ، أو نحو ذلك مما يقول به كثير من متصوِّفة الاسلام ومشاهير مشايخ الطرق ، وقد ينقل عن الحلاّج بل والكيلاني والرفاعي والبدوي وأمثالهم من الكلمات ـ وان شئت فسمِّها كما يقولون شطحات ـ ما يدل بظاهره على أنَّ لهم منزلة فوق الربوبية ، وأنَّ لهم مقاماً زائداً عن الالوهية ( لو كان ثمََّة موضع لمزيد ) وقريب من ذلك ما يقول به أرباب وحدة الوجود أو الموجود.
    __________________
    وآله ».
    وقال 7 ايضاً : « كان المغيرة بن سعيد يتعمد الكذب على أبي ويأخذ كتب أصحابه ، وكان أصحابه المتسترون باصحاب أبي يأخذون الكتب من أصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة ، فكان يدس فيها الكفر والزندقة ، ويسندها إلى أبي ، ثم يدفعها إلى اصحابه فيأمرهم أنْ يُثبتوها في الشِّيعة ، فكلما كان في كتب أصحاب أبي من الغلو فذلك مما دسه المغيرة بن سعيد في كتبهم ».
    واذا كان ذلك ديدن أئمتنا عليهم التحية والسَّلام ، فانَّ ذلك بلا شك منهج أتباعهم وشيعتهم ، وتجد ذلك واضحاً في مؤلفات أصحابنا رحمهم الله تعالى برحمته الواسعة ، المتخصصة بهذا الموضوع ، فهم يحكمون عليهم بلا ترديد بالضلال والكفر ، ومن ذلك قول شيخنا المفيد رحمه الله تعالى عنهم : وهم ضلّال كفّار ، حَكَمَ فيهم أمير المؤمنين عليه السلام بالقتل والتحريق بالنار ، وقضت عليهم الائمة عليهم السَّلام بالاكفار والخروج عن الاسلام.
    وامّا النوبختي فقد قال عنهم بعد أنْ استعرض فرقهم : فهذه فرق أهل الغلو ممّن انتحل التشيُّع ، والى الخرميدنية ، والمزدكية ، والزنديقية ، والدهرية مرجعهم جميعاً ، لعنهم الله تعالى.
    وغير ذلك مما يجده القارئ الكريم عند البحث والمراجعة فراجع : فرق الشِّيعة : 41 ، أوائل المقالات : 238 ، الكافي 2 : 288|1 ( باب دعائم الكفر وشعبه ) ، الخصال 1 : 72|109 ، رجال الكشي : 224 و 225 و 302 و 398 ، الشِّيعة بين الاشاعرة والمعتزلة : 51 وما بعدها.

    أمّا الشِّيعة الامامية ـ وأعني بهم جمهرة العراق وإيران وملايين من مسلمي الهند ومئات الالوف في سوريا والأفغان ـ فإنّ جميع تلك الطائفة ـ من حيث كونها شيعة ـ يبرأون من تلك المقالات ، ويعدُّونها من أشنع [ أشكال ] الكفر والضلالات ، وليس دينهم إلاّ التوحيد المحض ، وتنزيه الخالق عن كلُّ مشابهة للمخلوق ، أو ملابسة لهم في صفة من صفات النقص والامكان ، والتغيّر والحدوث ، وما ينافي وجوب الوجود والقدم والأزلية ، إلى غير ذلك من التنزيه والتقديس المشحونة به مؤلفاتهم في الكلام ، من مختصرة ( كالتجريد ) أو مطولة ( كالأسفار ) وغيرهما ممّا يتجاوز الالوف ، وأكثرها مطبوع منتشر ، وجلّها يشتمل على إقامة البراهين الدامغة على بطلان التناسخ والاتحاد والحلول والتجسيم.
    ولو راجعِ المنصف ـ الذي يمشي وراء الحقائق وفوق العصبية والأغراض ـ شيئاً منها لعرف قيمة قول هذه الناشئة المترعرعة التي قذفتنا بهم أعاصير هذا العصر وتطوّرات هذا الزمن ، نعم يعرف قيمة قذف الشِّيعة بالتناسخ والحلول والتجسيم.
    والقصارى : إنّه إنْ أراد بالشِّيعة هم تلك الفرق البائدة ، والمذاهب الملحدة ـ التي لا أحسب أنَّ في رقعة الأرض منهم اليوم نافخ ضرمة ـ فنحن لا نضايقه في ذلك ، ولكن نسبتهم إلى الشِّيعة ظلم فاحش ، وخطأ واضح ، وقد أساء التعبير ، وما أحسنَ البيانَ ، ولم يعط الحقيقة حقَّها.
    وانْ أراد بالشِّيعة الطائفة المعروفة اليوم بهذا الاسم [ و ] التي تعدُّ بالملايين من المسلمين ، فنحن نطالبه بإثبات ذلك من مصنَّفات أحد علمائهم من حاضر أو غابر.
    وعلى أي حال ، فقد استبان ـ ممَّا ذكرناه ـ أنَّ جميع ما ذكره [ صاحب ] ( فجر الاسلام ) عن الشِّيعة ـ في هذا المقام وغيره ـ تهويل بلا تحصيل ،


    ودعاو بغير دليل.
    ونحن لا نريد في مقامنا هذا أنْ نتعقَب كتاب ( فجر الاسلام ) بالنقد ، وندلُّ على جميع خطيئاته ، ومبهرج آرائه واجتهاداته ، وإنَّما ذكرنا هذه النبذة استطراداً في القول ، وشاهداً على صورة حال الشِّيعة عند كتَبَةِ العصر ، ومَنْ ينظمونه في سلك العلماء وأهل الأقلام ، فما ظنّك اذن بالسّواد والعوام؟!
    ومنبع البلية أنَّ القوم الَّذين يكتبون عن الشِّيعة يأخذون في الغالب مذهب الشِّيعة وأحوالهم عن ابن خلدون البربري ، الَّذي يكتب وهو في افريقيا وأقصى المغرب عن الشِّيعة في العراق وأقصى المشرق ، أو عن أحمد ابن عبد ربه الأندلسي وأمثالهم.
    فإذا أراد كتَبَةُ العصر أنْ يتضلَّعوا ويتوسَعوا في معرفة الشِّيعة رجعوا إلى كتب الغربيين وكتبة الأجانب كالأستاذ ( ولهوسن ) أو الاستاذ ( دوزي ) وأمثالهم ، وهناك الحجة القاطعة ، والقول الفصل!! أمّا الرجوع إلى كتب الشِّيعة وعلمائهم فذاك ممّا لا يخطر على بال أحدهم.
    ولكنَّ الشِّيعي ـ الَّذي هو على بيِّنة من أمره وحقيقة مذهبه ـ إذا نظر إلى ما يكتبه حملة الأقلام ـ في هذه الأيام ـ عن الشِّيعة وعقائدها وجدها من نمط النادرة التي يحدِّثنا بها الراغب الاصفهاني في كتابه المعروف بـ ( المحاضرات ) قال ـ على ما يخطر ببالي ـ : سُئل رجل كان يشهد على آخر بالكفر عند جعفر بن سليمان فقال : إنَّه خارجي ، معتزلي ، ناصبي ، حروري ، جبري ، رافضي ، يشتم علي بن الخطّاب ، وعمر بن أبي قحافة ، وعثمان بن أبي طالب ، وأبا بكر بن عفّان ، ويشتم الحجّاج الَّذي هدم الكوفة على أبي سفيان ، وحارب الحسين بن معاوية يوم القطايف. أي يوم الطف أو يوم الطائف!!
    فقال له جعفر بن سليمان : قاتلك الله ، ما أدري على أي شيء

    أحسدك ، أعلى علمك بالأنساب أم بالأديان أم بالمقالات؟ (1).
    أمّا ( عبدالله بن سبأ ) (2) الَّذي يلصقونه بالشِّيعة أو يلصقون الشِّيعة به ،
    __________________
    (1) محاضرات الاُدباء 4 : 418.
    (2) يبدو بوضوح للمتأمِّل في قصة عبدالله بن سبأ ، ودوره في الاحداث التي جرت ابان حكم الخليفة الثالث أو ما بعده ـ على قول البعض الآخر ـ إنَّه أمام وقائع وأحداث نُسجت بكثير من المبالغة والتهويل لشخصية عادية مغمورة ، لا دور واقعي لها يذكر في صياغة أي حدث أو أمر ، وإنْ ذهب البعض حتى الى التشكيك في صحة وجودها وأنَها خرافة حبكت بقدر كبير من الخبث والحقد للطعن بالشِّيعة ومعتقداتها.
    نعم ، إنَّ استقراء السيرة الذاتية لهذه الشخصية في كتب العامة ـ لا كتبنا لانَّها عندنا واضحة جلية أجلى من الشمس في رابعة النهار ـ يكشف للمرء الكثير من هذه الاخبار المليئة بالمبالغة والكذب والتناقض بشكل لا يخفى على أدنى متأمَّل ، رغم وضوح حال هذا الرجل ، ومحدودية أمره في كتب الشيعة ورواياتهم التي لا تذهب إلّا إلى أنّه غال ملعون غالى بعلي 7 فحكم فيه حكم الاسلام الخاص بامثاله من الغلاة ، لا أكثر ولا أقل ، فهو ضمن هذا المقياس شخصية عادية كحالها من الشخصيات المنحرفة التي تعج بها جميع الكتب لا كتبنا فقط.
    والحق يقال : إنَّ هذه المبالغة المفرطة في حياكة دور مهول لهذا الرجل في صياغة الكثير من الاحداث الجسام دفع بالعديد من المؤرخين والباحثين الى التشكيك صراحة في وجود مثل هذا الشخص في أرض الواقع ، وتلك حالة رد فعل طبيعية لها بعض التبرير أمام أُمور خرافية وغير عقلائية تزدريها الالباب ، فحدث نتيجة ذلك ما نراه في تلك الكتب من الارتباك والتنافر وعدم الوضوح ، حين نرى أنَّ البعض الآخر يذهب إلى أنَّ ابن سبأ ليس إلّا عمّار بن ياسر رحمه الله تعالى والذي حاولت قريش الطعن فيه فاخترعت له هذه التسمية كما كانت تسميه بابن السوداء ، وذلك لما يروونه عنه من تزعمه لقادة الثورة التي أودت بحياة الخليفة عثمان بن عفان ، وتفانيه في خدمة علي بن ابي طالب 7 ، وتشيعه الصريح له.
    ثم لا يخفى عليك أخي القارئ الكريم أنَّ أوَّل الحائكين لهذه الاسطورة الخرافية حول هذا الرجل ـ والذي قفى بعد ذلك أثره المؤرخون ـ هو الطبري في تاريخه ، وكان مصدره فيها سيف بن عمر البرجمي ( ت 170 هـ ) الذي يطعن به معظم أصحاب التراجم والسير بشكل صريح وواضح ، حتى لقد قال عنه مرة : فليس خير منه ، وقال عنه أبو حاتم : متروك الحديث ، وقال عنه أبو داود : ليس بشيء ، وأمّا النسائي والدارقطني وابن معين فقد قالوا عنه : ضعيف الحديث ... فراجع وتأمَّل.


    ...................................................
    __________________
    وللحقِّ أقول : إنِّ مجرد التأمُّل البسيط في الظروف المحيطة بظهور هذه الرواية ، وما يمكن أنْ تترتب عليها من نتائج اذا ذهب البعض إلى التسليم بصحتها ، رغم تناقضاتها الصريحة والواضحة ، بل وما تحاول ابرازه إلى سطح الواقع من شواهد محددة ومعروفة لدىَ الجميع ، يشير بدون لبس إلى غرض المؤامرة التي تبدو فيها أصابع الامويين وبصماتهم واضحة جلية ، وذلك من خلال استقراء الاحداث المروية في المراجع والتي قيل أنِّ هذا الرجل قام بتدبيرها بين البصرة ، والكوفة ، والشام ، ومصر ، وخلال فترة زمنية محدودة ، وما ترتب عليها بعد ذلك من نتائج واسعة وخطيره لا يمكن لاحد التسليم بصحتها ، والجزم بوقوعها إلاّ اذا جافى الحقيقة والمنطق ، وأعرض عن حكم العقل وحجته ، بل ولا بُدَّ ـ وكما ذكرت سابقا ـ من أنْ تتأكَّد لديه هذه الحقيقة وهذا الدور المفضوح لتلك الشجرة الملعونة في القرآن في صياغة واشاعة هذه الاسطورة المضحكة والمهلهلة ، وهو ما اثار الكثير من الباحثين والدارسين حتى دفعهم صراحة إلى القول بأن أعداء الشّيعة ادخروا هذه الاسطورة وتفننوا في حياكتها للطعن بهم ، فجاء الخلمف من بعد فتلقّف ما قال الاوَّلون وسلّموا بصحته دون أدنى دراسة وتأمُّل فوقعوا في الشراك وشاركوا من سبقهم في ظلم الشِّيعة والافتراء عليهم ، وذلك مما تتفطَّر له القلوب أسى وتأسفاً ...
    ولعل الملفت للنظر أنَّ الاسطورة المنسوجة حول دور عبدالله بن سبأ في صناعة الاحداث التي عصفت بالدولة الاسلامية خلال حكم الخليفة عثمان بن عفان ، ودوره في خداع الشعوب ـ كما تجده مسطوراً في الكتب اللاحقة بكتاب الطبري ـ وحشدها لتنفيذ خطته للاطاحة بالخليفة ، وغفلتها ( اي تلك الشعوب ) المثيرة للتعجب والاستغراب ، تجدها متصاغرة متواضعة ، وذليلة عاجزة أمام طاعة أهل الشام ـ شام معاوية آنذاك ـ للدولة الاسلامية وحكّامها ، وأنَّهم هم الذين لم يُغيروا ولم يُبدلوا ، بل إنَّ ابن سبأ لم يجد له فيها أذناً صاغية لدعوته ، حين وجد في أهل مصر ضالته ، هذا اذا علمنا بأنَّ لمصر الدور الاكبر في الثورة على عثمان بن عفان حينها ... اذن فلا متمسِّك بدين الاسلام في هذه الاسطورة إلاّ الشام ، ويا حسرة على ما سواها من الشعوب المنحرفة اللاهثة وراء الفتنة وأصحابها!! فتأمَّل.
    والخلاصة : إنَّ قصة ابن سبأ ـ إنْ سلِّمنا بوجود شخص بهذا الاسم ، لانّ هناك أقوال وتصريحات قائمة على دراسات علمية رصينة تذهب الى نفي وجود هذهِ الشخصية ، كما ذهب الى ذلك العلامة السيَّد مرتضى العسكري في كتابه المعروف عبدالله بن سبأ وأساطير اُخرى ـ اسطورة نُسجت حول شخصية تافهة منحرفة ، وبولغ فيها أشد المبالغة حتى أمست أقرب منها إلى حكايات العجائز في ليال الشتاء الباردة ، بل ومثيرة للاستخفاف والاستهجان ،


    فهذه كتب الشِّيعة بأجمعها تعلن بلعنه والبراءة منه ، وأخف كلمة تقولها كتب رجال الشِّيعة في حقِّه ويكتفون بها عن ترجمة حاله عند ذكره في حرف العين هكذا : ( عبدالله بن سبأ ، العن مِنْ أنْ يُذكر ).
    انظر رجال أبي علي وغيره (1).
    على أنَّه ليس من البعيد رأي القائل : أنَّ عبدالله بن سبأ ، ومجنون بني عامر ، وأبي هلال ، وأمثال هؤلاء الرجال أو الأبطال كلّها أحاديث خرافة وضعها القصّاصون وأرباب السَّمر والمجون ، فانَّ الترف والنعيم قد بلغ أقصاه في أواسط الدولتين الأموية والعبّاسية ، وكلّما اتسع العيش وتوفَّرت دواعي اللهو ، اتسّع المجال للوضع ، وراج سوق الخيال ، وجعل القصص والأمثال ، كي تأنس بها ربّات الحجال ، وأبناء الترف والنعمة المنغمرين في
    __________________
    وإلا فأنَّ موقف الشيعة وعلمائها من هذا الامر أوضح من أنْ يحتاج معه إلى بيان ، فراجع ما شئت من كتبهم ترى حقيقة الامر بجلاء ووضوح.
    ولعل الامر الواضح والجلي في سر صناعة هذه الاسطورة يكمن في أمر موالاة الشيعة لعلي 7 وأهل بيته الاطهار ، امتثالاً لامر الله تعالى ورسوله ، وهذا ما أثار حفيظة الامويين وحقدهم الاسود عليهم والذي لا يقف عند أي حد ، فاختلقوا ما زيَّنته لهم نفوسهم المريضة ، ووجدها أعداء الشِّيعة لقمة سائغة فازدورها وطفقوا بجهل يتبجحون بها كالحمقى والمغفلين ، من دون أدنى مراجعة ودراسة ، وأنا أترك للقارئ الكريم مسألة الحكم حول هذا الموضوع بعد دراسته المجردة للوقائع التاريخية الممتدة خلال فترة ظهور هذا الرجل ، أو ما كتب عنه من قبل الباحثين والدارسين المختلفين ، وحتى يدرك بالتالي تفاهة وسقامة الربط الساذج بين عقيدة تمتد جذورها إلى اليوم الاول لقيام الدعوة الاسلامية ، وبين رجل أبسط ما قيل في حقَّه أنَّه مشرك وكافر ، فراجع.
    (1) بلى إنَّ جميع مصادر الشيعة اتفقت على لعنه وتكفيره ، وأنه غال زعم أن أمير المؤمنين 7 إله أو نبي مرسل من قِبَل الله على الاقل.
    فراجع : رجال أبو علي : 302 ، رجال الكشي 9 : 323 ، رجال الطوسي : 51|76 ، نقد الرجال : 199|131 ، الخلاصة ( القسم الثاني ) : 237|19 ، تنقيح المقال 2 : 183 وغيرها.


    بُلَهْنية (1) العيش.
    وأنَّ سمادير (2) الأهازيج الَّتي أصبح يتغنّى بها لنا عن القرآن والاسلام ( الدكتور طه حسين ) وزملاؤه ، والدور الَّذي جاءوا يلعبون فيه للمسلمين بالحراب والدرق ، فهو أشبه أنْ يكون من أدوار تلك العصور الخالية ، لا من أدوار هذه العصور التي تتطلب تمحيص الحقائق بحصافة وأمانة ، ورصانة ومتانة.
    ومهما كان الأمر أو يكن ، فكلّ ذلك ليس من صميم غرضنا في شيء ، وما كان ذكره إلاّ من باب التوطئة والتمهيد للقصد ، وإنَّما جلّ الغرض أنَّه بعد توفُّر تلك الأسباب والدواعي ، والشؤون والشجون ، والوقوف على تلك الطعنات الطائشة على الشِّيعة المتتابعة من كتَبَةِ العصر في مصر وغيرها ، رأشا من الفرض علينا ـ الَّذي لا ندحة عنه ـ أنْ نكتب موجزاً من القول عن معتقدات الشِّيعة واُصول مذهبها ، وأُمهات مسائل فروعها التي عليها إجماع علمائها ، والَّذي يصح أنْ يقال أنَّه مذهب الشِّيعة على إطلاقها ، أمّا ما عداه فهو رأي الفرد أو الأفراد منها ، ومثله لا يصح أنْ يُعد مذهباً لها ، ومعلوم أنَّ باب الاجتهاد لم يزل مفتوحاً عند الشَيعة ، ولكلّ رأيه ما لم يخالف الإجماع أو نص الكتاب والسنَّة أو ضرورة العقول ، فإن خالف شيئاً من ذلك كان زائغاً
    __________________
    (1) البُلَهْنية : السعة والرفاهية في العيش.
    انظر : القاموس المحيط 4 : 203.
    (2) السمادير : ضعف البصر ، وقيل : هو الشيء الذي يتراءى للانسان من ضعف بصره عند السكر من الشراب وغَشْي النعاس والدوّار.
    قال الكميت :
    وَلَما رايتُ المقرباتِ مُذالةً
    وَأنكرتُ إلاّ بِالسًماديرِ ألها

    لسان العرب 4 : 380.

    عن الطريق ، ومارقاً عن تلك الطائفة ، على أصول مقرَّرة ، وقواعد محرَّرة ، لا يتسع المقام لمجملاتها فضلاً عن مفصَّلاتها ، وإنَّما المقصود هنا بيان ذات المسائل التي يدور عليها محور التشيُّع ، ويعتقده عوام الشِّيعة وخواصها ، وعليها عملهم ، ولا خلاف فيها بينهم ، من دون تعرُّض للأدلة والحجج ، فانَّها موكولة ألى الكتب المطوَّلة ، وهو خارج عن الغرض المهم من تعريف كافة فرق المسلمين ، وافراد كلُّ طائفة من علمائها وعوامها عن عقائد الشِّيعة ، حتى يعرفوا أنَّهم مسلمون مثلهم ، فلا يضلموا أنفسهم ويتورطوا في نسبة ألأضاليل والأباطيل إلى اخوانهم في الدِّين ، ولا يتمثَّلوهم كالسعالى وأنياب الأغوال ورؤوس الشياطين ، أو كوحوش صحارى أفريقيا وأكلة لحوم البشر ، بل هم ـ بحمد اللهّ ـ ممَّن تأدّب بآداب الاسلام ، وتمسَّك بتعاليم القران ، وأخذ بحظ وافر من الايمان ومكارم الأخلاق ، ولا يعتمدون إلاّ على الكتاب والسنَّة وضرورة العقل ، فعسى أنْ ينتبه الغافل ، ويعلم الجاهل ، ويرتدع المهوّس الطائش عن غلوائه ، ويكسر المتعصِّب عن سورته ، ويتقارب من إخوانه ، لعل الله يجمع شملهم ، ويجعلهم يداً واحدة على أعدائهم ، وما ذلك على الله بعزيز.
    ولابدَّ أولاً من بيان مبدأ التشيُّع ، وأسباب نشوئه ونموه ، ثم بيان أُصوله ومعتقداته.


    إذاً فالغرض يحصل في مقصدين :
    [ المقصد ] الأول :
    في أنَّ التشيُّع من أين نشأ؟ ومتى تكوَّن؟ وَمَنْ هو غارس بذرته الأُولى ، وواضع حجره الأَوّل ، وكيف أفرعت دوحته حتى سما واستطال ، وأزهر وأثمر ، واستدام واستمر حتى تديَّنت به جملة من أعاظم ملوك الاسلام ، بل وجملة من خلفاء بني العبّاس : كالمأمون ، والناصر لدين الله ، وكبار وزراء الدولة العبّاسية وغيرها.
    فنقول وبالله المستعان :
    إنَّ أول مَنْ وضع بذرة التشيُّع في حقل الاسلام هو نفس صاحب الشَّريعة الاسلامية ، يعني أنَّ بذرة التشيَّع وضعت مع بذرة الاسلام ، جنباً الى جنب ، وسواء بسواء ، ولم يزل غارسها يتعاهدها بالسقي والعناية حتى نمت وأزهرت في حياته ، ثم أثمرت بعد وفاته.
    وشاهدي على ذلك نفس أحاديثه الشَّريفة ، لا من طرق الشِّيعة ورواة الامامية ، حتى يُقال : أنَّهم ساقطون لأنهم يقولون ( بالرجعة ) أو أنَّ راويهم ( يجر الى قرصه ) بل من نفس أحاديث علماء السنَّة وأعلامهم ، ومن طرقهم الوثيقة التي لا يظن ذو مسكة فيها الكذب والوضع ، وأنا أذكر جملة ممّا علق بذهني من المراجعات الغابرة ، والتي عثرت عليها عفواً من غير قصد ولا عناية.
    فمنها : ما رواه السيوطي في كتاب ( الدر المنثور في تفسير كتاب الله بالمأثور ) في تفسير قوله تعالى : ( أُولئِكَ هُمْ خَيرُ البريّةِ ).
    قال : أخرج ابن عساكر : عن جابربن عبدالله قال : كنّا عند النَّبي 9 فاقبل عليٌ 7 فقال النَّبي : « والَّذي نفسي بيده إنَ

    هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ».
    ونزلت : ( إنَّ الِّذينَ آمَنُوا وَعَملُوا الصّالِحاتِ اُولئِكَ هُمْ خَيرُ البَريّةِ ).
    وأخرج ابن عدي : عن ابن عبّاس قال : لما نزلت : ( إنَّ الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ ) قال رسول الله [ 9 ] لعلي [ 7 ] : « هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ».
    وأخرج ابن مردويه : عن علي 7 قال : « قال لي رسول اللهّ 9 : الم تسمع قول الله : ( إنَّ الّذينَ امَنُوا وَعَمِلوا الصّالِحاتِ اُولئِكَ هُمْ خَيرُ البَريّةِ ) أنتَ وشيعتك ، وموعدي وموعدكم الحوض ، إذا جاءت الامم للحساب تُدعون غرّاً محجَّلين ». انتهى حديث السيوطي (1).
    وروى بعض هذه الأحاديث ابن حجر في ( صواعقه ) عن الدارقطني ، وحدّث أيضاً عن أُمِّ سلمة أنَّ النَّبي 9 قال : « يا علي أنت وأصحابك في الجنَّة » (2).
    وفي ( نهاية ابن الأثير ما نصَّه في مادة ( قمح ) : وفي حديث علي 7 قال له النَّبي 9 : « ستقدم على الله أنتَ وشيعتك راضين مرضيين ، ويقدم عليه عدوك غضاباً مقمَّحين » ، ثم جمع يده إلى عنقه ليريهم كيف الاقماح (3). انتهى.
    وببالي أنَّ هذا الحديث أيضاً رواه ابن حجر في ( صواعقه ) وجماعة
    __________________
    (1) الدر المنثور في التفسير بالمأثور 6 : 379.
    (2) الصواعق المحرقة : 96.
    (3) النهاية 4 : 106.

    آخرون من طرق اُخرى تدل على شهرته عند أرباب الحديث (1).
    والزمخشري في ( ربيع الأبرار ) يروي عن رسول الله [ 9 ] أنَّه قال : « يا علي ، إذا كان يوم القيامة أخذتُ بحجزة الله تعالى ، وأخذتُ أنت بحجزتي ، وأخذ وُلْدِكَ بحجزتك ، واخذ شيعة ولْدِكَ بحجزتهم ، فترى أين يؤمر بنا » (2).
    ولو أراد المتتبع [ لـ ] كتب الحديث ، مثل : مسند الامام أحمد بن حنبل ، وخصائص النسائي ، وأمثالهما أنْ يجمع أضعاف هذا القدر لكان سهلاً عليه.
    وإذا كان نفس صاحب الشريعة الاسلامية 9 يُكرر ذكر شيعة علي 7 ويُنَوِّه عنهم بأنَّهم هُمُ الآمنون يوم القيامة ، وهم الفائزون والراضون المرضيون ، ولا شك أنَّ كلُّ معتقد بنبوته يصدقه فيما يقول ، وأنَّه لا ينطق عن الهوى إنْ هو إلّا وحي يوحى (3) ، فإذا لم يصر كلُّ أصحاب النبي 9 شيعة لعلي 7 فبالطبع والضرورة تلفت تلك الكلمات نظر جماعة منهم أن يكونوا ممَّن ينطبق عليه ذلك الوصف بحقيقة معناه ، لا بضرب من التوسّع والتأويل.
    نعم ، وهكذا كان الأمر ، فإنَّ عدداً ليس بالقليل اختصوا في حياة النبي 9 بعلي 7 ولازموه ، وجعلوه إماما كمبلِّغٍ عن
    __________________
    (1) راجع : كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة للسيد مرتضى الحسيني ، وكتاب إحقاق الحقِّ وإزهاق الباطل للسيِّد التستري ، وغيرهما من المصادر المختصة بايراد هذه الاحاديث الواردة في كتب العامة ، حيث تجد الكثير الكثير من هذه الروايات وبطرقها المختلفة.
    (2) ربيع الابرار 1 : 808.
    (3) إشارة إلى قوله تعالى في حق رسوله الكريم مُحَمَدٍ 9 في سورة النجم ( 53 : 3 ـ 4 ) : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى * إنْ هُوَ إلأ وَحي يُوحى ).

    الرسول ، وشارح ومفسِّرٍ لتعاليمه ، وأسرار حِكَمِه وأحكامه ، وصاروا يُعرفون بأنّهم شيعة علي 7 كعَلَمٍ خاص بهم كما نصًّ على ذلك أهل اللغة. راجع النهاية (1) ولسان العرب (2) وغيرهما (3) تجدهم ينصّون على أنَّ هذا الاسم غلب على أتباع علي 7 وولده ومن يواليهم ، حتى صار اسماً خاصاً بهم.
    ومن الغني عن البيان أنَه لو كان مراد صاحب الرسالة من شيعة علي 7 مَنْ يحبه أو لا يبغضه ـ بحيث ينطبق على أكثر المسلمين ، كما تخيَّله بعض القاصرين ـ لم يستقم التعبير بلفظ ( شيعة ) ، فانَّ صرف محبة شخص لآخر أو عدم بغضه لا يكفي في كونه شيعة له ، بل لا بدَّ هناك من خصوصية زائدة ، وهي الاقتداء والمتابعة له ، بل ومع الالتزام بالمتابعة أيضاً ، وهذا يعرفه كلُّ من له أدنى ذوق في مجاري استعمال الألفاظ العربية ، وإذا استعمل في غيره فهو مجاز مدلول عليه بقرينة حال أو مقال.
    والقصارى إنِّي لا أحسب أنَّ المنصف يستطيع أنْ ينكر ظهور تلك الأحاديث وأمثالها في إرادة جماعة خاصة من المسلمين ، ولهم نسبة خاصة بعلي 7 ، يمتازون بها عن سائر المسلمين الَّذين لم يكن فيهم ذلك اليوم من لا يحب علياً ، فضلاً عن وجود من يبغضه.
    ولا أقول : إنَّ الاخرين من الصحابة ـ وهم الأكثر الَّذين لم يتسموا بتلك السمة ـ قد خالفوا النبي 9 ولم يأخذوا بارشاده ، كلّا ومعاذ الله أنْ يُظن فيهم ذلك ، وهم خيرة مَنْ على وجه الأرض يومئذٍ ، ولكن
    __________________
    (1) النهاية 2 : 519.
    (2) لسان العرب 8 : 189.
    (3) القاموس المحيط 3 : 47 ، أقرب الموارد 1 : 627 ، مجمع البحرين 4 : 356 ، تاج العروس 5 : 405.

    لعلَّ تلك الكلمات لم يسمعها كلَّهم ، ومن سمع بعضها لم يلتفت إلى المقصود منها ، وصحابة النبي الكرام أسمى من أن تُحلِّق إلى أوج مقامهم بغاث الأوهام (1).
    __________________
    (1) بلى إنَّ صحابة رسول الله 9 لهم من الفضل والدرجة العظيمة التي ليست بخافية على أحد ، بل وكانوا ولازالوا موضع إحترام وتقدير وتبجيل من قبل المسلمين ، والشِّيعة في أوائلهم. ولاغرو في ذلك ، فانّ كتاب الله عزَّ وجل يحذَثنا في أكثر من موضع عن تلك المنزلة السامقة لاؤلئك المؤمنين المجاهدين الذين شادوا مع رسول الله 9 وأهل بيته الكرام صرح الاسلام ، وأقاموا أركانه.
    قال الله تعالىِ في أواخر سورة الفتح المباركة : ( مُحَمَّد رَسُولُ الله وَالَّذينَ مَعَهُ أشِدَاءُ عَلى الكُفَّارِ رُحَماءُ بَينهُمْ تَراهُمْ ركعاً سجداً يَبْتغُونَ فضلاًَ مِنَ الله ِ وَرِضواناً ...).
    وكذا ترى ذلك بوضوح عند مراجعتك لاقوال رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته المعصومين عليهم السلام ، وذلك ما لا ندعيه ولا نتقوّله ... إلّا إنّا لا نتفق مع مَنْ يذهب إلى سريان هذا الامر على جميع صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله ، دون فحص وتمييز ، وكذا يوافقنا في ذلك كلُّ عاقل منصف مدرك للحقيقة.
    فالقرآن الكريم ، والسنَّة النبوية المطهَّرة ، والوقائع التاريخية الثابتة تؤكد صواب ما نذهب اليه ، وبطلان ما ذهب اليه الاخرون ، سواء كانوا من الذين اظفوا هذه الصفة على الجميع ، أو من طعنوا في الجميع دون دليل أو حجة أو برهان سليم ، وإنْ كانت الجماعة الاولى هي الاكثر ، وهي صاحبة الرأي السائد عند اخواننا من أبناء العامَّة ، وهم يُشكلون الطرف الاكثر والاوسع في عموم المسلمين ، قِبال الشِّيعة التي تشكِّل الثقل الاكبر الثاني في المذاهب الاسلامية المختلفة.
    واذا كنّا لا نتفق معهم في نسبة العدالة إلى جميع الصحابة دون استثناء ، ودون مناقشة تذكر في صحة نسبة تلك العدالة إلى بعض الجماعات التي ثبت تاريخياً انحرافها عن مفهوم العدالة الاسلامية ، فإن هذا لا يعني أبداً الاتفاق مع الجماعة الاخرى الذاهبة الى الطعن في جميع الصحابة ، لانه رأي تافه وسقيم ولايستحق النقاش ، ولذا فان حديثنا سيكون مع الجماعة الاولى ، والتي تلقي باللوم على الشِّيعة لاعتمادهم اسلوب تقييم الصحابة وفق المنهج السماوي والمقياس الشرعي الذي جاءت به الشريعة الاسلامية المتكاملة والواضحة ، من دون تحزُّب أعمى ، أو تعصُّب مقيت ، وحيث تعضدنا في ذلك المبادئ السليمة التي اعتمدناها في هذا تبني هذا المنهج السليم. فلنتوقف قليلاً ولنتأمَّل فيما نقول.
    أقول : ولنبتدأ أوَّلاً بما تقدم منّا من ذكر الاية المباركة السالفة والمثنية على صحابة رسول


    ...................................................
    __________________
    الله 9.
    فهذه الآية القرآنية المباركة تحمل في طياتها الدليل الواضح على صحة هذا الاستثناء الذي نقول به ، والمؤيدة له ، حيث جاء في آخرها ( وَعَدَ الله الَذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالِحاتِ مِنْهُم مَغفِرةً وَأجراً عَظيماً ) فكلمة ( منهم ) المبعِّضة تدل بوضوح على التمييز بين فئتين أو طائفتين ، احداهما مؤمنة عاملة ، والاخرى لابد أنْ تكون مخالفة لها. بلِ وفي قوله تعالى في نفس السورة ( الآية 10 ) ( إن الذينَ يُبايعُونَكَ إنما يُبايعُونَ الله َ يَدُ اللهِ فوقَ أيدِيهِم فَمَنْ نَكَثَ فَانما يَنكتُ عَلى نَفسِهِ وَمَنْ أوفى بمَا عاهَدَ عَلَيهَِ اللهَ فَسَيُؤتيهِ أجْراً عَظِيماً ) عين الدلالة ، وذات المعيار ، وغيرها وغيرها.
    ثم أوَ ليس قد تواتر في كتب القوم المعروفة بالصحاح وغيرها الكثير من الاخبار الثابتة عن رسول الله 9 الدالة بوضوح على انحراف جماعة معلومة ومبجلة من الصحابة معررفة بأعيانها ، ومن ذلك قوله 9 المروي في البخاري ( 8 : 148 ) : « انا فرطكم على الحوض ، وليُرفعنَّ رجالاً منكم ثم ليختلجنَّ دوني ، فأقول : ياربِّ أصحابي!
    فيقال : إنَّك لاتدري ما أحدثوا بعدك ».
    ومثله روى ذلك مسلم في صحيحه ( 4 : 1796 ) وأحمد في مسنده ( 3 : 140 و 281 و 5 : 48 ، 50 ، 388 ، 400 ).
    وأمّا الحاكم النيسابوري فقد روى في مستدركه ( 4 : 74 ) : « إنِّي ـ أيُّها الناس ـ فرطكم على الحوض ، فاذا جئتُ قام رجل ، فقال هذا : يا رسول الله أنا فلان ، وقال هذا : يا رسول الله أنا فلان. فاقول : قد عرفتكم ، ولكنَّكم أحدثتم بعدي ورجعتم القهقرى ».
    بل إنَّ ابن ماجة في سننه أضاف أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في حقِّ أصحابه أؤلئك « سُحقاً سُحقاً ».
    ثم ألَم يمرعلينا حديث رسول الله صلى الله عليه وآله مع أبي بكر ـ وهو من كبار الصحابة وأعيانهم ـ عندما قال صلى الله عليه وآله عن شهداء اُحد : « هؤلاء أشهد عليهم » فقال له أبو بكر : ألَسنا ـ يا رسول الله ـ باخوانهم ، أسلمنا كما أسلموا ، وجاهدنا كما جاهدوا؟
    فقال له رسول الله 9 : « بلى ، ولكن لا أدري ما تُحدثون بعدي ». انظر : موطأ مالك 2 : 461|32.
    فانظر وتأمَّل في دلالة هذا الحديث ، ومَنْ هو المخاطَب ، لتدرك بوضوح أنَّ لا أحد مُستثنى من هذه الموازين الشرعية ، فمن خالف أوامر رسول الله صلى الله عليه وآله واتبع


    ...................................................
    __________________
    هواه وهوى الشيطان فانَّ الشَّريعة الاسلامية هي التي تنبذه لا نحن ، وتلك بديهية لا أعتقد أنَّها تحتاج الى برهان.
    فهل نأتي نحن المسلمين في آخر الزمان ضاربين عرض الحائط باقوال رسول الله صلى الله عليه وآله بحقَ هذه الطائفة ممّن أحدثوا وبدَّلوا وغيَّروا وانحرفوا لنترحَّم عليهم ، ونبجِّلهم ونقدِّمهم ، دون وعي أو تدبُّر أو دليل؟! إنَّ ذلك لا يقول به عاقل أبداً.
    ثم أعود فأسال : مَنْ كان أصحاب الافك الذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وآله ، واتهموه في عرضه ، والذين توعدهم اللهّ تعالى بالعقاب الاليم والعذاب الشديد ، هل كانوا إلاّ جماعة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله ، أم ماذا؟
    بل ومَنْ اولئك الذين ارادوا الكيد برسول الله صلى الله عليه وآله وقتله عند عودته من تبوك ، هل كانوا ايضاً إلاّ من صحابته صلى الله عليه وآله ( راجع : مسند أحمد5 : 453 ، مغازي الواقدي 3 : 1042 ، دلائل النبوة للبيهقي 5 : 256 ، وغيرها ).
    ثم ماذا يعني هذا التكرار الواضح في آيات القرآن الكريم المحذِّرة من كيد المنافقين الذين أظهروا الايمان وأسرّوا الكفر والمعاداة ، حتى لقد بلغ عدد المرَّات التي وردت فيها كلمة المنافقين والمنافقات في القرآن الكريم ( 32 ) مرة.
    وأخيراً أعود فأسال العقلاء : كيف تستسيغ العقول أنْ تضفي مسالة العدالة والنزاهة على جميع الصحابة دون استثناء أو تأمُّل في سيرة ذلك الصحابي وعرض أفعاله على المقياس الشرعي الذي أقرَّته الشريعة الاسلامية الخالدة لا لشيء إلاّ لانَّه رأى رسول الله صلى الله عليه وآله أوصحبه ، وكأنَّ في تلك الصحبة تنزيهاً أو عصمة من الادانة والمحاسبة ، وجوازاً للفوز بالرضا الالهي ، مهما فعل هذا الصحابي وأسرف وخالف ، رغم مخالفة ذلك التصوُّر السقيم لابسط المفاهيم الاسلامية المعروفة لدى جميع المسلمين؟! إنَّ ذلك والله لمن عجائب الامور. كيف وأنَّ الله تبارك وتعالى قد هدد زوجات الرسول صلى الله عليه وآله ـ وهنِّ أقرب اليه صلى الله عليه وآله ، واشد تماسَّاً به من جميع الصحابة ـ بمضاعفة العذاب إذا ارتكبنَّ ما يُخالف الشريعة الاسلامية ، دون نظر منه تبارك وتعالى إلى شدة هذا التماس هذا القرب ، إذ قال جلَّ اسمه في سورة الاحزاب ( الآية 30 ) : ( يا نساء النبي منْ يَأتِ منكُنَّ بفاحِشَةٍ مُبَيِّنَتةٍ يُضاعَف لَها العَذابُ ضِعْفَينِ وَكانَ ذلك على اللهِ يَسيراً ) فاذا كان الامر وفق هذَا المفهوم فانَّ من يُخالف من الصحابة يجب أنْ يًضاعف عليه النكير ، لانَّه أساء إلى شرف الصحبة وكرامتها.
    نعم إنَّ لدينا ألف دليل ودليل على صحة ما نذهب إليه ، ولا أريد هنا استعراض جملة


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اصل الشيعه واصولها Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اصل الشيعه واصولها   اصل الشيعه واصولها Emptyالأربعاء 16 أكتوبر 2024 - 5:39

    ثم إنَّ صاحب الشريعة لم يزل يتعاهد تلك البذرة ، ويسقيها بالماء النمير العذب من كلماته وإشاراته ، في أحاديث مشهورة عند أئمة الحديث من علماء السنَّة ، فضلاً عن الشِّيعة ، وأكثرها مروي في الصحيحين ، مثل : قوله 9 : « عليٌ مني بمنزلة هارون من موسى » (1).
    ومثل : « لا يحبك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق » (2).
    وفي حديث الطائر : « اللّهم ائتني بأحب خلقك إليك » (3).
    __________________
    معروفة ممَن يُسمَّون بالصحابة هم والله أشد ضرراً وكلَباً على الاسلام وأهله من النصارى واليهود ، فليس هذا المكان المحدود بمحل مستساغ لهذا المبحث المهم ، إلاّ إنِّي أعتقد بأنَّ القول بعدالة جميع الصحابة ـ والذي كان أوَّل من دعا اليه أهل الحديث ثم أصبح بعد ذلك عقيدة ثابتة من العقائد التي مُنحت على أساسها تلك الجماعات سهماً في التشريع الاسلامي ، بل وأنْ تكون لهم سنن كسنن رسول الله 9 ، بل وأنْ تكون آرائهم حجة على الناس الى يوم القيامة ـ كان من بدع الفئات المنحرفة عن أهل البيت : ، والمناصرة لفساد معاوية بن أبي سفيان ، وبسر بن ارطاة ، وسمرة من جندب ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومعاوية بن حديج وغيرهم ممَّن لاعذر لهم في كثير من أفعالهم الفاسدة ، ولا يستطيع أحد تقديم العذر لهم فيها ، إلاّ طريق نسبة العدالة اليهم ، وكذا نسبَّة حق الاجتهاد لهم حتى ولو كان ذلك قِبالة النصً ، فعمدوا إلى ذلك ، وتشبَّثوا به ، فصار هذا الخليط الممجوج الهجين سنَّة سارت عليها الجماعات اللاحقة بهم دون أدنى وقفة أو مراجعة لمدى صواب ذلك المنهج الخاطئ والمردود.
    (1) انظر : صحيح البخاري 5 : 24 ، سنن ابن ماجة 1 : 52|114 ، صحيح مسلم 4 : 2404 ، سنن الترمذي 5 : 638|3724 و 640|3731 ، اُسد الغابة5 : 8 ، الرياض النضرة 3 : 117 ، تاريخ بغداد 4 : 204 ، حلية الاولياء 7 : 194 ، ترجمة الامام علي 7 من تاريخ دمشق 1 : 124. (2) أنظر : صحيح البخاري 5 : 86|131 ، صحيح الترمذي 5 : 635|3717 ، سنن ابن ماجة 1 : 42 / 114 ، تأريخ بغداد 2 : 255 ، و 8 : 417 و 14 : 426 ، حلية الاولياء 4 : 185 ، الرياض النضرة 3 : 189.
    (3) انظر : سنن الترمذي 5 : 636|3721 ، اُسد الغابة 4 : 30 ، مستدرك الحاكم 3 : 130 ، الرياض النضرة 3 : 114 ، حلية الاولياء 6 : 339 ، ترجمة الامام علي 7 من


    ومثل : « لأعطين الراية غداَ رجلاً يُحب اللهَ ورسولَهُ ويُحبه الله ورسولُهُ » (1).
    ومثل : « إنِّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللهّ ، وعترتي أهل بيتي » (2).
    و « عليٌّ مع الحقِّ والحقُّ مع علي » (3).
    إلى كثير من أمثالها ممَّا لسنا في صدد إحصائه وإثبات أسانيده ، وقد كفانا ذلك موسوعات كتب الامامية ، فقد ألَّف العالم الحبر السيِّد حامد حسين اللكناهوري كتاباً أسماه ( عبقات الأنوار ) يزيد على عشرة مجلَّدات ، كلُّ مجلَّد بقدر صحيح البخاري تقريباً ، أثبت فيها أسانيد تلك الأحاديت من الطرق المعتبرة عند القوم ومداليلها ، وهذا واحد من اُلوف ممَّن سبقه ولحقه.
    ثمَّ لمّا ارتحل الرسول 9 من هذه الدار إلى دار القرار ، ورأى جمع من الصحابة أنْ لا تكون الخلافة لعلي 7 : إمّا لصغر سنِّه!! أو لأنَّ قريشاً كرهت أنْ تجتمع النبوة والخلافة لبني هاشم ، زعماً منهم أنَّ النبوة والخلافة إليهم يضعونها حيث شاؤوا!! أو لاُمور اُخرى لسنا بصدد البحث عنها ، ولكنَّه باتفاق الفريقين امتنع أوَّلاً عن البيعة ، بل في صحيح البخاري ـ في باب غزوة خيبر : أنَّه لم يُبايع إلاّ بعد ستة أشهر (4).
    __________________
    تاريخ دمشق 2 : 105 ـ 151 ، تذكز الخواص : 44.
    (1) انظر : صحيح البخاري 4 : 65 و 73 ، سنن الترمذي 5 : 638|3724 ، سنن ابن ماجة 1 : 45|121 ، مسند أحمد 4 : 52 ، سنن البيهقي 9 : 131 ، التاريخ الكبير للبخاري 7 : 263 ، المصنّف لعبد الرزاق 5 : 287|9637.
    (2) اُنظر : سنن الترمذي 5 : 662|3786 و 663|3788 ، مسند أحمد 3 : 17 و 5 : 181 ، مستدرك الحاكم 3 : 109 و 148 ، اُسد الغابة 2 : 2 1.
    (3) اُنظر : تاريخ بغداد 14 : 321 ، مستدرك الحاكم 3 : 124 ، ترجمة الامام علي 7 من تاريخ دمشق 3 : 117|1159.
    (4) صحيح البخاري 5 : 177 ، وانظر كذلك : صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير 5 : 152 ،

    وتبعه على ذلك جماعة من عيون الصحابة ، كالزبير وعمّار والمقداد وآخرين (1).
    ثمَّ لمّا رأى تخلّفه يوجب فتقاً في الاسلام لا يُرتق ، وكسراً لا يُجبر ، وكلُّ أحد يعلم أنَّ علياً ما كان يطلب الخلافة رغبة في الامرة ، ولا حرصاً على المُلك والغلبة والاثَرة ، وحديثه مع ابن عبّاس بذي قار مشهور (2) ، وإنَّما يريد تقوية الاسلام ، وتوسيع نطاقه ، ومد رواقه ، وإقامة الحقِّ ، وإماتة الباطل.
    وحين رأى أنَّ المتخلّفين (3) ـ أعني الخليفة الأول والثاني ـ بذلا أقصى الجهد في نشركلمة التوحيد ، وتجهيز الجنود ، وتوسيع الفتوح ، ولم يستأثروا ولم يستبدوا ، بايع وسالم ، وأغضى عما يراه حقّاً له ، محافظة على الاسلام أن تتصدّع وحدته ، وتتفرَّق كلمته ، ويعود الناس الى جاهليتهم الأُولى.
    __________________
    الامامة والسياسة 1 : 11 ، مروج الذهب 2 : 302 ، تاريخ الطبري 3 : 208 ، الكامل في التاريخ 2 : 327 ، الصواعق المحرقة : 13.
    (1) منهم : أبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، والمقداد بن عمرو ، وعمار بن ياسر ، وفروة بن عمرو ، وخالد بن سعيد بن العاص ، واُبي بن كعب ، والبراء بن عازب ، وقيس بن سعد بن عبادة ، وخزيمة بن ثابت ، وغيرهم.
    راجع : مروج الذهب 2 : 301 ، العقد الفريد 4 : 259 ، تاريخ الطبري 3 : 208 ، الكامل في التأريخ 2 : 325 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 103 ، تاريخ ابي الفداء 2 : 63.
    (2) قال عبدالله بن عبّاس : دخلتُ على أمير المؤمنين 7 بذي قار وهو يخصف نعله ، فقال رحمه الله لي : ما قيمة هذهِ النعل؟ فقلت : لا قيمة لها.
    فقال 7 : « والله لهي أحب إلى من امرتكم إلاّ أنْ اُقيم حقَّاً ، أو أدفع باطلا » ....
    انظر : شرح نهج البلاغة للشيخ محمد عبده 1 : 76|32.
    (3) صوابها ( المختلّف ) لأنَّ الامر برمته كان في عهد أبي بكر ، ومثل ذلك في المفردات اللاحقة ، فلاحظ.

    وبقي شيعته منضوين تحت جناحه ، ومستنيرين بمصباحه (1) ، ولم
    __________________
    (1) إنَّ إدراك حقيقة الموقف الذي اتخذه أمير المؤمنين علي 7 بالتسليم الظاهري لواقع الحال الذي ترتَّب عليه وضع الدولة الاسلامية بعد وفاة رسول الله 9 ، لا يتأتى إلاّ من خلال التأمل الدقيق لمفردات الواقع الذي عايشته تلك الدولة الفتية والغضة أبان تلك الفترة الحسَّاسة والدقيقة من حياتها ووجودها المقدس.
    اقول : إنَّ من الثابت الذي سجله معظم المؤرِّخين لتلك الحقبة الغابرة من التأريخ الاسلامي أن أبا بكر وعمر وجماعة من الصحابة حاولوا قسراً وتهديداً اجبار الامام علي 7 على البيعة لابي بكر أوَّل الامر ، والتنازل عن موقفه المبتني على حقِّه الشرعي في خلافة رسول الله 9 ، حتى بلغ الامر بهم إلى التهديد الصريح باحراق بيته 7 ، وحيث كانت فيه بضعة الرسول 9 وثلة من الصحابة الذين أعلنوا رفضهم لما ترتِّب عليه الامر في سقيفة بني ساعدة أثناء غَيبة أهل البيت : وانشغالهم بأمر تغسيل وتكفين رسول الله 9 ، بالشكل الذي ينبغي ان يكون عليه ، لما يمثله من الوداع الاخير لنبي الرحمة 9 ... وإلى حقيقة هذه المحاولة الخطيرة التي لجأ اليها هؤلاء الصحابة أشارت بوضوح الكثير الكثير من المصادر والمراجع التاريخية المختلفة المثبتة لوقائع الايام الاولى لما بعد وفاة رسول الله 9 ( راجع : تاريخ الطبري ، الامامة والسياسة لابن قتيبهّ ، أنساب الاشراف للبلاذري ، تاريخ ابن شحنة ، تاريخ ابي الفداء ، شرح النهج لابن أبي الحديد المعتزلي ، كتاب الملل والنحل للشهرستاني ، مروج الذهب ، العقد الفريد ، كتاب أعلام النساء لابن طيفور ، وغيرها ).
    وتحضرني اللحظة جملة أبيات شعرية قرأتُها للشاعر حافظ ابراهيم ، تشير بوضوح الى هذا الامر ، يقول فيها :
    وقَولَةٍ لِعَليٍ قالها عُمَرُ
    أكْرِمْ بِسامِعِها أعْظِمْ بِمُلْقِيها

    حَرقْتُ داركً لا اُبقي عَليكَ بِها
    إنْ لَم تُبايع ، وَبنتُ المُصطفى فيها!!

    ماكانَ غيرُ أبي حَفصٍ بِقاثِلِها
    أمامَ فارِسِ عَدنانٍ وَحامِيها!!!.

    بيد أن هذه المحاولة الرهيبة ـ والتي تشكّل سابقة خطيرة في التاريخ الاسلامي ، وغيرها من المحاولات السقيمة ـ لم تكن لتؤدي بالنتيجة المرجوة من قِبَل الحكومة الاسلامية آنذاك لولا الحس العميق ، والادراك الدقيق لجملة النتاثج المترتبة على الوقوف المعارض المعلن أمام ذلك الطرف المستهجن في مسيرة الدولة الاسلامية ـ وما سيتلاقى به مع واقع الحال


    ...................................................
    __________________
    الذي يحيط بالدولة الفتية من كلُّ جانب ـ لدى الامام علي 7 ، وإلى ذلك تشير خطبه وكلماته المليئة بالشكوى والتظلّم.
    نعم ، لقد كانت المدينة المنوَّرة وما يحيط بها حلقة حساسة وخطيرة لقربها من مركز الدولة الاسلامية وعاصمتها ، في حين كان يعتاش بين جدرانها والى جوارها من يريد الكيد بها ، والانقضاض عليها ، ومن هؤلاء :
    اوّلاً : المنافقون الذين كانوا يشكَلون شريحة لا يستهان بها ، بل وكان خطرهم أكبر واعظم من أنْ يُغض الطرف عنه.
    قال تعالى في سورة التوبة الآية 101 : ( وَممَنْ حَولَكُمْ مِنَ الاعراب مُنافِقونَ وَمِنْ أهلِ المَدينةِ مَرَدُوا على النفاقِ لاتعْلَمَهُمْ نَحن نعْلَمَهْمْ سَنُعَذِّبَهُمْ مرتَينْ ثُم يُردُونُ إلى عَذابٍ عَظيم ).
    ثانياً : اليهود ، وهم أشد الناس عداوة للاسلام واهله.
    ثالثاً : الدول والامبراطوريات التي كَانت ترى في السلام خطراً أكيداً عليها ، كالرومان والاكاسرة والقياصرة.
    رابعاً : المراكز المنحرفة والفاسدة التي حتاولت عبثاً ان تجد لها موطأ قدم في أرض الواقع ، يضافي إليها مدعي النبوة ممن وجدوا اعداداً لايستهان بها من الحمقى والمغفلين يؤيدونهم في ترهاتهم ومفاسدهم أمثال : مسيلمة الكذاب ، وطليحة بن خويلد ، وسجاج بنت الحرث.
    وغير ذلك من الاسباب الاُخرى ، والتي أدرك إلامام علي عليه السلام مدى خطرها على الدولة الاسلامية المباركة التي كاد لجهاده وسيفه الفضل الاكبر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله في اقامتها وتثبيتها.
    وإليك أخي القارئ الكريم شيئاً من كلماته عليه السّلام الموضحة لواقع الحال الذي عايشه عليه السلام ، والذي دفعه لغض النظر عن حقِّه الشرعي ، ومكانه الحقيقي :
    قال 7 فيما يعرف بالخطبة الشقشقيهّ : « أما والله لقد تقمصها فلان [ وفي بعض المصادر : ابن أبي قحافة ، ولا خلاف في ذلك ، فانَ الحديث لواضح ، والتلميح يغني عن التصريح هنا ] وإنَّه ليعلم أنَّ محلي منها محل القطب من الرحى ، ينحدر عني السيل ، ولا يرقى إليَّ الطير ، فسدلتُ دونها ثوباً ، وطويتُ عنها كشحاً ، وطفقتُ أرتئي بين أنْ أصول بيد جذاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى به ، فرأيتُ أنَ الصبر على هاتا أحجى.
    فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجاً ، أرى تُراثي نهباً » .....



    يكن للشِّيعة والتشيُع يومئذٍ مجال للظهور ، لأنَّ الاسلام كان يجري على مناهجه القويمة ، حتى إذا تميَّز الحقًّ من الباطل ، وتبيَّن الرشد من الغي ، وامتنع معاوية عن البيعة لعلي 7 وحاربه في ( صفِّين ) انضم بقية الصحابة إلى علي 7 حتى قتل أكثرهم تحت رايته (1) ، وكان معه من عظماء أصحاب النبي ثمانون رجلاً ، كلّهم بدريَ عقبي : كعمّار بن ياسر ، وخزيمة ذي الشَّهادتين ، وأبي أيوب الأنصاري ، ونظرائهم.
    ثمَّ لما قُتل علي 7 واستتب الأمر لمعاوية ، وانقضى دور
    __________________
    وفي احدى خطبه 7 يقول : « .... فنظرتُ فإذا ليس لي معين إلاّ أهل بيتي ، فظننتُ بهم على الموت ، وأغضيت على القذى ، وشربت على الشجى ، وصبرتُ على أخذ الكظم ، وعلى أمَر من طعم العلقم ».
    وفى كتابه 7 إلى أهل مصر يقول : « ... فما راعني إلاّ انثيال الناس على فلان ليبايعوّنه ، فامسكتُ يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الاسلام ، يدعون إلى محق دين محمَّد 9 ، فخشيتُ إنْ لم أنصر الاسلام وأهله أنْ أرى فيه ثلماً أو هدماً ، تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايَتِكُم ».
    وقوله 7 عند فتنة الجمل : « فوالله ما زلتُ مدفوعاً عن حقِّي ، مُستاثَراً عليَّ منذ قبض الله تعالى نبيه 9 حتى يوم الناس هذا ».
    ويروي هو 7 حديثاً له مع بعض الصحابة : « وقد قال قائل : إنََّك على هذا الامر يا بن أبي طالب ـ لحريص!
    فقلتُ : بل أنتم والله أحرص وأبعد ، وأنا أخص وأقرب ، وإنَّما طلبتُ حقَّاً لي وأنتم تحولون بيني وبينه ، وتضربون وجهي دونه.
    فلمّا قرعته بالحجة في الملأ الحاضرين هبَّ كأنَّه بُهِتَ لا يدري ما يجيبني به ».
    واخيراً اليك أخي القارئ الكريم دعاء أمير المؤمنين عليه السلام وتظلمه ممَّا وقع عليه من قِبَلِ قريش ، فتأمَّل فيه بروية وامعان : « اللَّهَمَّ إنَي أستعديك على قريشِ ، ومن أعانهم ، فإنَّهم قطعوا رحمي ، وصغَّروا عظيم منزلتي ، وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي ».
    (1) منهم : عمّار بن ياسر ، خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، أبو عمرة الانصاري ، ثابت بن عبيد الانصاري ، عبدالله بن بديل الخزاعي ، أبو الهيثم مالك بن التيهان ، هاشم المرقال ، عبدالرحمن بن بديل الخزاعي ، جندب بن زهير الازدي ، سعد بن الحارث الانصاري.

    الخلفاء الراشدين ، سار معاوية بسيرة الجبابرة في المسلمين ، واستبد واستأثر عليهم ، وفعل في شريعة الاسلام ما لا مجال لتعداده في هذا المقام ، ولكن باتفاق المسلمين سار بضد سيرة مَنْ تقدمه من الخلفاء ، وتغلَب على الأُمَّة قهراً عليها ، وكانت أحوال أمير المؤمنين 7 وأطواره في جميع شؤونه جارية على نواميس الزهد والورع ، وخشونة العيش ، وعدم المخادعة والمداهنة في شيء من أقواله وأفعاله ، وأطوار معاوية كلّها على الضد من ذلك تماماً.
    وقضية إعطائه مصر لابن العاص على الغدر والخيانة مشهورة (1) ، وقهر
    __________________
    (1) روت المصادر التأريخية المختلفة : أنَّ معاوية بن هند لما عزم على الخروج على علي ابن ابي طالب 7 ، أرسل الى عمرو بن العاص طالباً منه القدوم إليه من مصر ، فشد إليه الرحال حتى قدم عليه في الشام ، فتذاكرا أمر الخروج على علي 7 وقتاله ، فترادا في القول حتى قال معاوية له : ولكنّا نقاتله على ما في أيدينا ، ونُلزمه قتل عثمان.
    فقال عمرو : واسوأتاه ، إنَ احقَّ الناس ألاّ يذكر عثمان لا أنا ولا أنت!!
    فقال معاوية : ولِمَ ويحك؟
    فقال : أما انت فخذلته ـ ومعك أهل الشام ـ حتى استغاث بيزيد بن أسد البجلي ، واما أنا فتركته عياناً وهربت إلى فلسطين!!
    فقال معاوية : دعني من هذا ، مُدَّ يدك فبايعني.
    قال : لا لعمر الله ، لا اُعطيك ديني حتى آخذ من دنياك!!
    فقال معاوية بن هند : لك مصر طعمة.
    وهكذا اتفق الفريقان حيث تم لمعاوية ما اراد من شراء دين ابن العاص قبال ثمن زهيد ومتاع قليل ، لم يلبث أنْ خلَّفه من وراءه ليقف أمام محكمة السماء مثقلاً بذنوبه ومعاصيه ، حتى قيل أنه تذكَر ذلك على فراش الموت ـ على ما ترويه كتب التأريخ ـ فقال : ياليتني متُّ قبل هذا اليوم بثلاثين سنة ، أصلحت لمعاوية دنياه وأفسدت ديني ، أثرت دنياي وتركت آخرتي ، عُمِّي عليّ رشدي حتى حضرني أجلي.
    أنظر : وقعة صفين : 34 ، تأريخ اليعقوبي 2 : 184 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي 2|61 ، سير أعلام النبلاء 3 : 72 ، مختصر تأريخ دمشق 19 : 244 ، العقد الفريد 4 : 97 و 5 : 92 ، عيون الاخبار 1 : 438.

    الأُمَّة على بيعة يزيد (1) ، واستلحاق زياد أشهر (2) ، وتوسّعه بالموائد وألوان المطاعم الأنيقة معلوم ، وكلُّ ذلك من أموال الأُمَّة ، وفيء المسلمين الذي كان يصرفه
    __________________
    (1) وتلك والله وحدها موبقة عظيمة كفيلة بايراد معاوية في أسفل درك الجحيم ، حيث ملَّك رقاب الاُمَّة رجلاً تجمَّعت فيه كلُّ صفات الرذيلة والانحطاط بشكل جلي ، بل وكان من أوضح الناس عداءً لله ولرسوله ، وبغضاً لاهل بيت النبوة : ، حتى فعل ما فعل ابان حكمه القصير من الفجائع والنكبات ما ترتعش من هولها السموات والارضين ، كان أعظمها قتل ابن بنت رسول الله 9 ، وريحانته ، وسيِّد شباب أهل الجنة ، الامام السبط الحسين بن علي بن أبي طالب 8 مع اخوانه وأهل بيته وأصحابه ، بل وسبي عياله والطواف بهم في البلدان بشكل تتفطَّر له القلوب ، وتتصدع له الجبال .... فما فعل معاوية بهذه الأُمة وما جنى عليها .... بل وبمن تتعلَّق هذه الجناية العظيمة ، والرزية المهولة؟
    ثم هل ينجو معاوية من واقعة الحرة التي فجع فيها ولده اللعين مدينة رسول الله 9 ، واستباح فيها الاموال والدماء والاعراض ، وغير ذلك مما لا تحتمله القلوب ولا تصدقه العقول ، بل ووضع سيفه في رقاب المسلمين حتى قتل يومئذ من المهاجرين والانصار وغيرهم من المسلمين أكثر من عشرة آلاف رجل كما تذكر ذلك الكثير من المراجع والمصادر المختلفة ، حتى لقد قيل بانه لم يبق في المدينة بدري بعدها ، ناهيك عمن قُتل من النساء ايضاً والصبيان ... ، بل وروي ايضاً بأنَّ جنده وأزلامه افتضوا في هذه الواقعة ألف عذراء من بنات المهاجرين والانصار ، وأمروا المسلمين بالبيعة لاميرهم اللعين يزيد على أنهم عبيد وخول ، إنْ شاء استرق وإنْ شاء أعتق!!.
    نعم ، هذه وغيرها من الموبقات العظيمة التي لا عد لها ولا حصر ، والتي لا تصدر إلاّ عن كافر ، خبيث السريرة ، نتن الطوية ، لعين المرتع.
    وأخيراً اقول : ماذا فعل معاوية بهذه الاُمَّة ، وانّى له التنصُّل من تبعات هذه الافعال الثقال التي لحقت بافعاله هو والتي لاتقل عنها فساداً ولا انحرافاً.
    (2) نعم الحقه بدعوى أنَّ ابا سفيان زنى بسمية ـ وكانت من ذوات الرايات ـ وهي على فراش عبيد ، فحملت بزياد ، وذلكُ بشهادة أبي مريم ، المتاجر بالخمور والقيادة ، فهنيئاً للاُمَّة الاسلامية بكذا زعماء لايزال البعض يكنّون لهم الاحترام والتقدير والتقديس ، بعد أنْ حرَّفوا الَّذين ، وضيَّعوا حدوده ، وأباحوا حرماته ، وسفكوا دماء أهله ، وما تركوا شيئاً منكراً إلاّ وفعلوه.
    اُنظر : تاريخ الطبري 5 : 214 ، الكامل في التأريخ 3 : 441 ، مروج الذهب 3 : 193 ، العقد الفريد 5 : 267 و 6 : 144 ، سير أعلام النبلاء 3 : 495 ، الاصابة 3 : 43.

    الخليفتان (1) في الكراع والسلاح والجند.
    ويحدثنا الوزير أبو سعيد منصور بن الحسين اللآبي المتوفى سنة (422) في كتابه ( نثر الدرر ) ما نصَّه :.
    قال أحنف بن قيس : دخلتُ على معاوية فقدَّم لي من الحار والبارد ، والحلو والحامض ، ما كثر تعجبي منه ، ثم قدَّم لوناً لم أعرف ما هو : فقلتُ : ما هذا؟
    فقال : هذا مصارين البط محشوَّة بالمخ ، قد قلي بدهن الفستق ، وذُرَّ عليه بالطبرزد.
    فبكيتُ ، فقال : ما يُبكيك؟
    قلت : ذكرتُ علياً ، بينا أنا عنده وحضر وقت الطعام وإفطاره ـ وسألني المقام ـ فجيء له بجراب مختوم ، قلتُ : ما في الجراب؟
    قال : سويق شعير.
    قلتُ : خفتَ عليه أنْ يُؤخذ أو بخلتَ به؟
    قال : لا ولا أحدهما ، ولكن خفتُ أنْ يلته الحسن والحسين بسمن أو زيت.
    فقلتُ : محرَّم هو يا أمير المؤمنين؟
    فتهال : لا ، ولكن يجب على أئمة الحقِّ أنْ يعتدُوا أنفسهم من ضعفة الناس لئلا يُطغيَ الفقيرَ فقرُهُ.
    فقال معاوية : ذكرتَ مَنْ لا يُنكر فضله (2).
    __________________
    (1) لعله رحمه الله تعالى يقصد بهما أبا بكر وعمر ، ولكن لم ادرك وجه تخصيصهما بذلك ، فتأمَّل.
    (2) نثر الدر 1 : 305.

    وتجد في ( ربيع الأبرار ) للزمخشري ونظائره لهذه النادرة نظائر كثيرة (1).
    هذا كلّه والناس قريبو عهد بالنبي والخلفاء ، وما كانوا عليه من التجافي عن زخارف الدنيا وشهواتها ، ثم انتهى الأمر به إلى أنْ دسَّ السّم إلى الحسن 7 فقتله (2) ، بعد أنْ نقض كلُّ عهد وشرط عاهد الله عليه له (3) ، ثم أخذ البيعة لولده يزيد قهراً ، وحاله معلوم عند الأُمَّة يومئذٍ أكثر ممَّا هو معلوم عندنا
    __________________
    (1) اُنظر : ربيع الابرار 1 : 90 ، 92 ، 807 ، 835 و 2 : 693 ، 720 و 3 : 77 ، 80 و 4 : 239 و 242.
    (2) مقاتل الطالبيين : 73 ، شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد المعتزلي 16 : 49 ، الاستيعاب بهامش الاصابة 1 : 375 ، مروج الذهب 3 : 182|1760.
    (3) قد يكتفي البعض بمقولة معاوية بن هند في مسجد الكوفة من أنَّ كلُّ العهود والمواثيق ـ التي أبرمها وتعهَّد للامام الحسن 7 بالوفاء بها ، وأشهد على نفسه في ذلك الشهود ـ تحت قدميه لا يفي منها بشيء ، إلاّ أن استقراء سيرة معاوية وافعاله بعد ذلك الصلح خير شاهد على هذا النقض والتنصل عما عاهد الله تعالى عليه لأن يفي به.
    بلى ، فقد عاهد الامام الحسن عليه السلام بأن تكون الخلافة له بعد موته ، واذا توفي الامام الحسن عليه السلام قبله فإنَ الخلافة تكون للامام الحسين عليه السلام بعد هلاك معاوية ، بيد أنَّه ( أي معاوية ) جهد على استحصال البيعة لولده يزيد الفاجر بشتى الوسائل والذرائع بعد وفاة الامام الحسن عليه السلام ، حين كان قد تحايل في التمهيد لاذاعة هذا الامر في حياة الامام الحسن عليه السلام على ما تذكره المراجع المختلفة.
    ثم إنَّ معاوية تعهَّد للامام الحسن 7 بالكف عن مطاردة شيعته وحقن دمائهم ، لكنه لم يترك وجهاً من أصحاب الامام 7 وشيعته إلاّ ونكلَّ به أو قتله.
    بل ونقض ما تعهَّد به من رفع السنَّة السيئة التي ابتدعها بسب الامام علي ابن ابي طالب 7 على المنابر ، ولكنًه هلك وهلك الذين بعده وهم على هذه الفعلة النكرة دائمون ، حتى نهى عنها عمر بن عبدالعزيز من بعد.
    واخيراً فقد تعهَّد بأن يحكم بما في القرآن وما جاء عن الرسول صلى الله عليه وآله ، ولكنَّه ... وكما قيل شتان بين مشرق ومغرب.
    راجع ما شئت من كتب التأريخ التي تحدَّثت عن هذه الواقعة ، واحكم بما يمليه عليك دينك وعقلك.

    اليوم.
    فَمِنْ هذا وأضعاف أمثاله استمكن البغض له والكراهة في قلوب المسلمين ، وعرفوا أنَّه رجل دنيا لا علاقة له بالدِّين ، وما أصدق ما قال عن نفسه فيما حدَّثنا الزمخشري في ( ربيعه ) قال : قال معاوية : أمَّا أبو بكر فقد سلم من الدنيا وسلمتْ منه ، وأمَّا عمر فقد عالجها وعالجته ، وأمَّا عثمان فقد نال منها ونالت منه ، وأمَّا أنا فقد تضجعتُها ظهراً لبطن ، وانقطعتُ إليها وانقطعتْ إليَّ (1).
    ومن ذلك اليوم ـ أعني يوم خلافة معاوية ويزيد ـ انفصلت السُّلطة المدنية عن الدينية ، وكانت مجتمعة في الخلفاء الأولين ، فكان الخليفة يقبض على احداهما باليمين وعلى الأًخرى بالشمال ، ولكن من عهد معاوية عرفوا أنَّه ليس من الدِّين على شيء ، وأنَّ الدِّين له أئمة ومراجع هم أهله وأحقّ به ، ولم يجدوا مَنْ توفَّرت فيه شروط الإمامة ـ من : العلم ، والزهد ، والشجاعة ، وشرف الحسب والنسب ـ غير علي 7 ووِلْدِهِ.
    ضُمَّ إلى ذلك ما يرويه الصحابة للناس من كلمات النبي في حقِّهم ، والايعاز إلى أحقيتهم ، فلم يزل التشيُّعٍ لعلي 7 وأولاده ـ بهذا وأمثاله ـ ينمو ويسري في جميع الأُمَّة الاسلامية سريان البُرء في جسد العليل ، خفياً وظاهراً ، ومستوراً وبارزاً.
    ثم تلاه شهادة الحسين 7 ، وما جرى عليه يوم الطف ، ممَّا أوجب أنكسار القلوب والجروح الدامية له في النفوس ، وهو ابن رسول اللهّ وريحانته ، وبقايا الصحابة : كزيد بن أرقم ، وجابر بن عبدالله الأنصاري ، وسهل بن سعد الساعدي ، وأنس بن مالك ، الَّذين شاهدوا حفاوة رسول الله
    __________________
    (1) ربيع الابرار 1 : 90.

    9 به وبأخيه ، وكيف كان يحملهما ويقول : « نِعْمَ المطية مطيتكما ، ونِعْمَ الراكبان أنتما. وأنَّهما سيِّدا شباب أهل الجنَة (1) ، وكثير من أمثال ذلك ، لم يزالوا بين ظهراني الأُمَّة يبثون تلك الأحاديث ، وينشرون تلك الفضائل ، وبنو اُميَّة يَلِغُون في دمائهم ، ويتعقبونهم قتلاً وسماً وأسراً.
    كلُّ ذلك كان بطبيعة الحال ممَّا يزيد التشيع شيوعاً وانتشاراً ، ويجعل لعلي 7 وأولاده المكانة العظمى في النفوس. وغرس المحبة في القلوب ، والمظلومية ـ كما يعلم كلُّ أحد ـ لها أعظم المدخلية.
    فكان بنو اُميَّة كلّما ظلموا واستبدوا ، واستأثروا وتقاتلوا على المُلك كان ذلك كخدمة منهم لأهل البيت : وترويجاً لأمرهم ، وعطفاً للقلوب عليهم ، وكلّما شدَّدوا بالضغط على شيعتهم ومواليهم ، وأعلنوا على منابرهم سبَّ علي 7 وكتمان فضائله ، وتحويرها إلى مثالب ، انعكس الأمر وصار ( ردّ فعل ) عليهم.
    أما سمعتَ ما يقول الشّعبي لِوَلَدِهِ : يا بُني ، ما بنى الدِّين شيئاً فهدمته الدنيا ، وما بنت الدنيا شيئاً إلاّ وهدمه الدِّين ، اُنظر الى علي [ 7 ] وأولاده ، فانَّ بني أُميَّة لم يزالوا يجهدون في كتم فضائلهم ، وإخفاء أمرهم ، وكأنَّما يأخذون بضبعهم إلى السَّماء. وما زالوا يبذلون مساعيهم في نشر فضائل أسلافهم ، وكأنَّما ينشرون منهم جيفة.
    هذا مع أنَّ الشّعبي كان ممَّن يُتهم ببغض علي 7 (2).
    __________________
    (1) تراجع كتب الفضائل المختلفة ، فقد استفاضت بايراد الكثير من الروايات الصحيحة الدالة على عظيم منزلة الحسنين 8.
    (2) راجع كتاب البيان في تفسير القرآن للسيد ابي القاسم الخوئي رحمه الله : 500 ، فقد أورد فيه مبحثاً شافياً حول هذا الموضوع ، موثِّقاً بالادلة الواضحة والصريحة.

    ولكنَّ الزمخشري يحدّثنا عنه في ( ربيعه ) : أنَّه كان يقول : ما لقينا من علي [ 7 ] إنْ أحببناه قُتِلْنا وإنْ أبغضناه هَلَكْنا (1).
    إلى أن تصرَّمت الدولة السفيانية وخلفتها الدولة المروانية (2) ، وعلى رأسها عبدالملك ، وما أدراك ما عبدالملك ، نصب الحجّاج المجانيق على الكعبة بأمره حتى هدمها وأحرقها ، ثم قتل أهاليها ، وذبح عبدالله بن الزبير في المسجد الحرام بين الكعبة والمقام ، وانتهك حرمة الحرم الذي كانت الجاهلية تعظَّمه ولا تستبيح دماء الوحش فيه فضلاً عن البشر ، وأعطى عهد الله وميثاقه لابن عمِّه عمرو بن سعيد الأشدق ثم قتله غدراً وغيلة حتى قال فيه عبدالرحمن بن الحكم من أبيات :
    غَدرتُم بعمرو يابني خيط باطِلٍ
    وَمثلكُمْ يبني العُهودَ على الغَدرِ (3)

    __________________
    (1) ربيع الابرار 1 : 494.
    (2) ينقسم الامويون إلى بطنين كبيرين ، هما : العنابسة ، والاعياص. فالعنابسة يعودون بنسبهم إلى عنبسة عم أبي سفيان بن حرب ، ومنه كلُّ سرت تسميته عليهم ، فأُسموا بالسفيانيين.
    وأمّا الاعياص فيعودون بنسبهم إلى رجل يُقال له : العيص ، أو العويص ، أو العاص ، أو أبا العاص ، والذي من أبنائه الحكم ، طريد رسول الله 9 ، هو وابنه مروان سيء الذكر.
    فالسفيانيون كانوا هم الذين امتطوا اول ألامر ناصية الدولة الاسلامية في عهد معاوية بن أبي سفيان عام ( 41 هـ ) وحيث امتدت دولتهم حتى نهاية حكم معاوية الثاني وتسلُّم مراون ابن الحكم زمام الامور عام ( 64 هـ ) ليُقيم بعد ذلك ما أُسمي بالدولة المروانية ، خلفاً للسفيانيين ، فشابه الخلف السلف.
    (3) روت المصادر التأريخية : أنَّه بعد أنْ خالف عمرو بن سعيد عبدالملك وغلبه على دمشق في سنة تسع وستين هجرية ، حصل بين الاثنين قتال استمر أياماً ، ثم عقدا بينهما صلحاً ، وكتبا بذلك كتاباً ، وآمن عبدالملك عمرواً وأعطاه على ذلك العهود ، إلاّ أنَّ عبدالملك لم يلبث أنْ نقض عهده ، وضرب عرض الحائط بوعوده ، وخان ـ وليست الخيانة الاّ خصلة متواضعة من خصالهم ـ بعمرو ، حيث أرسل اليه بعد اربعة أيام من دخوله دمشق مستضيفاً إياه ، ومرحبأ به اشد الترحيب ، فوثق به عمرو ، واطمأن اليه ، إلاّ أن عبدالملك لم ان يلبث



    فهل هذه الأعمال تسِّيغ أن يكون صاحبها مسلماً ، فضلاً عن أن يكون خليفة المسلمين ، وأمير المؤمنين؟!
    ثم سارت المروانية كلّها على هذه السيرة ، وما هو أشقّ وأشقى منها ، عدا ما كان من العبد الصّالح عمر بن عبدالعزيز.
    ثم خلفتها الدولة العبّاسية ، فزادت ـ كما يُقال ـ في الطنبور نغمات ، حتى قال أحد مخضرمي الدولتين :
    يا لَيتَ جَور بَني مَروانَ دامَ لنا
    وَلَيتَ عَدل بني العَبّاسِ في النّار

    وتتبعوالذراري العلوية من بني عمِّهم ، فقتلوهم تحت كلُّ حجر ومدر ، وخرَّبوا ديارهم ، وهدموا اثارهم ، حتى قال الشُّعراء في عصر المتوكل :
    تَاللهِ ان كانت اُميَّةُ قَد أتت
    قَتَل ابنَ بنت نبيّها مَظلُوما

    فلَقَد أتَتهُ بَنُو أبيهِ بمثلِهِ
    هذا لَعمرُكَ قَبرهُ مَهدوما

    أسفوا على أن لايَكونُوا شارَ
    كُوا في قَتلِه فَتَتَبعُوهُ رَميما (1)

    ضع في قبال ذلك سيرة بني علي 7 وانسبها الى سيرة المروانيين والعبّاسيينَ ، هناك تنجلي لك الحقيقة في أسباب انتشار التشيُّع ،
    __________________
    أن قتله قتلة بشعة ، بعد أن احتال عليه بحيل ماكرة.
    انظر : تاريخ الطبري 6 : 140 ، الكامل في التاريخ 4 : 297 ، مروج الذهب 3 : 304 ، العقد الفريد 155 : 5.
    (1) ذكر السيوطي في تاريخ الخلفاء ( صفحة 277 ) وغيره : أن في سنة ست وثلاثين هجرية أمر المتوكِّل لعنه الله تعالى بهدم قبر الامام الحسين 7 ، وهدم ما حوله من الدور ، وأن يعمل مزارع. ومنع الناس من زيارته ، وخرب وبقي صحراء.
    وكان المتوكِّل معروفاً بالتعصُّب ، فتألمَّ المسلمون من ذلك ، وكتب أهل بغداد شتمه على الحيطان والمساجد ، وهجاه الشعراء ، فممَّا قيل في ذلك ... وأورد الابيات المذكورة.

    وتعرف سخافة المهوّسين أنَّها نزعة فارسية أو سبائية أو غير ذلك ، هناك تعرف أنَّها اسلامية محمَّدية لا غير.
    انظر في تلك العصور الى بني علي 7 وفي أي شأن كانوا ، انظرهم وعلى رأسهم الامام زين العابدين 7 ، فأنَّه بعد شهادة أبيه انقطع عن الدنيا وأهلها ، وتخلّص للعبادة ، وتربية الأخلاق ، وتهذيب النفس ، والزهد في حطام الدنيا ، وهو الذي فتح هذا الطريق لجماعة من التابعين : كالحسن البصري ، وطاووس اليماني ، وابن سيرين ، وعمرو بن عبيد ، ونظائرهم من الزهاد والعرفاء ، بعد أن أوشك الناس ان تزول معرفة الحق من قلوبهم ، ولا يبقى لذكر الله أثراً إلا بأفواههم ، ثم انتهى الامر الى ولده محمَّد الباقر 7 وحفيده جعفر الصادق 7. فشادوا ذلك البناء.
    وجاءت الفترة بين دولتي بني اُمية وبني العبّاس ، فاتسع المجال للصّادق 7 ، وارتفع كابوس الظلم وحجاب التقية ، فتوسَّع في بثِّ الأحكام الإلهية ، ونشر الأحاديث النبوية التي استقاها من عين صافية من أبيه ، عن جده ، عن أمير المؤمنين ، عن رسول الله 9 ، وظهرت الشيعة ذلك العصر ظهوراً لم يسبق له نظير فيما غبر من أيام آبائه ، وتولَّعوا في تحمُّل الحديث عنه ، وبلغوا من الكثرة ما يفوت حد الاحصاء ، حتى أنَّ أبا الحسن الوشّاء قال لبعض أهل الكوفة : أدركت في هذا الجامع ـ يعني مسجد الكوفة ـ أربعة الاف شيخ من أهل الورع والِّدين كلُّ يقول : حدثني جعفر بن محمد (1).
    ولا نطيل بذكر الشواهد على هذا فنخرج عن الغرض ؛ مع أنَّ الأمر
    __________________
    (1) راجع رجال النجاشي : 40|80.

    أجلى من ضاحية الصيف.
    ولا يرتاب متدبِّر أن اشتغال بني امية وبني العبّاس في تقوية سلطانهم ، ومحاربة أضدادهم ، وانهماكهم في نعيم الدنيا ، وتجاهرهم بالملاهي والمطربات ، وانقطاع بني علي 7 إلى العلم والعبادة ، والورع والتجافي عن الدنيا وشهواتها ، وعدم تدخلهم في شأن من شؤون السِّياسة ـ وهل السِّياسة إلا الكذب والمكر والخداع ـ كلُّ ذلك هو الذي أوجب انتشار مذهب التشيُّع ، وإقبال الجم الغفير عليه.
    ومن الواضح الضروري أنَّ الناس وإن تمكن حب الدنيا والطموح الى المال في نفوسهم ، وتملك على أهوائهم ، ولكن مع ذلك فإنَّ للعلم والدين في نفوسهم المكان المكين ، والمنزلة السّامية ، لا سيما وعهد النبوة شريب ، وصدر الاسلام رحيب لا يمنع عن طلب الدنيا من طرقها المشروعة ، لا سيما وهم يجدون عياناً أنَّ دين الاسلام هو الذي درَّ عليهم بضروع الخيرات ، وصبَّ عليهم شآبيب البركات ، وأذلَّ لهم ملك الأكاسرة والقياصرة ، ووضع في أيديهم مفاتيح خزائن الشرق والغرب ، وبعض هذا فضلاً عن كله لم تكن العرب لتحلم به في المنام ، فضلاً عن أن تأتي بتحقيقه الأيام ، وكلُّ هذا ممّا يبعث لهم أشد الرغبات في الدين ، وتعلُّم أحكامه ، والسير ولو في الجملة على مناهجه ، ولو في النظام الاجتماعي ، وتدبير العائلة ، وطهارة الأنساب ، وأمثال ذلك ، لا جرم أنَّهم يطلبون تلك الشرائع والأحكام أشد الطلب ، ولكم لم يجدوها عند اولئك المتخلّفين ، والمتسمي كلُّ واحد منهم بأمير المؤمنين وخليفة المسلمين!!.
    نعم وجدوا أكمله وأصحه وأوفاه عند أهل بيته ، فدنوا لهم ، واعتقدوا بإمامتهم ، وأنَّهم خلفاء رسول الله 9 حقاً ، وسدنة شريعته ، ومبلِّغو أحكامه الى امته. وكانت هذه العقيدة الإيمانية ، والعاطفة الإلهية ،

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اصل الشيعه واصولها Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اصل الشيعه واصولها   اصل الشيعه واصولها Emptyالأربعاء 16 أكتوبر 2024 - 5:40

    كشعلة نار في نفوس بعض الشِّيعة ، تدفعهم الى ركوب الأخطار ، وإلقاء أنفسهم على المشانق ، وتقديم أعناقهم أضاحي للحقِّ ، وقرابين للدِّين.
    اعطف بنظرك في هذا المقام إلى حجر بن عدي الكندي ، وعمرو بن الحمق الخزاعي ، ورشيد الهجري ، وميثم التّمار ، وعبدالله بن عفيف الازدي ، إلى عشرات المئات من أمثالهم ، اُنظر كيف نطحوا صخرة الضلال والجور وما كسرت رؤوسهم حتى كسروها وفضخوها ، وأعلنوا للملأ بمخازيها ، فهل تلك الإقدامات والتضحية من اولئك الليوث كانت لطمع مال ، أو جاه عند أهل البيت : ، أو خوفاً منهم وهم يومئذ الخائفون المشرَّدون؟! كلا ، بل عقيدة حقّ ، وغريزة إيمان ، وصخرة يقين.
    ثم اُنظر إلى فطاحل الشُّعراء في القرن الأول والثاني ، مع شدة أطماعهم عند ملوك زمانهم ، وخوفهم منهم ، ومع ذلك كلّه لم يمنعهم عظيم الطمع والخوف ـ والشاعر ماديٌّ على الغالب ، والسلطة مِن خلفهم ، والسيوف مشهورة على رؤوسهم ـ أن جهروا بالحقِّ ونصروه ، وجاهدوا الباطل وفضحوه.
    خُذ من الفرزدق ، إلى الكُميت ، الى السيِّد الحميري ، إلى دعبل ، إلى ديك الجنِّ ، الى أبي تمّام ، إلى البُحتري ، إلى الأمير أبي فراس الحمداني صاحب الشافية :
    الدِّينُ مختُرمٌ والحَقُّ مُهتَضَمُ
    وَفَيءُ آل رسُولِ اللهِ مُقتَسَمُ

    إلى آخر القصيدة ، راجعها واُنظر ما يقول فيها (1).
    __________________
    (1) تعد هذه القصيدة من روائع هذا الشاعر المبدع المتوفى سنة (357 هـ) ، ومنها :
    الحَقّ مهتضمِ والدِّينُ مُختَرمُ
    وَفَيء رَسولِ اللهِ مُقتَسَمُ

    وَالناسُ عندك لاناسٌ فيَحفظَهُم
    سَومُ الرُّعاة ولاشاءٌ ولا نعِمُ



    بل لكلّ واحد من نوابغ شعراء تلك العصور القصائد الرنّانة ، والمقاطيع العبقرية في مدح أئمَّة الحقِّ ، والتشنيع على ملوك زمانهم بالظلم والجور ، وإظهار الولاء لاولئك والبراءة من هؤلاء.
    فلقد كان دعبل يقول : إني أحمل خشبتي على ظهري منذ أربعين سنة ، فلم أجد من يصلبني عليها. وكان قد هجا الرشيد والأمين والمأمون والمعتصم ، ومدح الصادق والكاظم والرضا ، وأشعاره بذلك مشهورة ، وفي كتب الأدب والتاريخ مسطورة (1).
    هذا كله في أيام قوة بني اُميَّة وبني العباس ، وشدة بأسهم وسطوتهم ، فانظر ماذا يصنع الحقُّ واليقين بنفوس المسلمين ، واعرف هنالك حقَّ الشجاعة والبسالة ، والمفاداة والتضحية ، وهذا بحث طويل الذيل ينصب ـ لو أردنا استيفاءه ـ انصباب السيل ، وليس هو المقصود الان بالبيان ، وإنَّما المقصود بيان مبدأ [ شجرة ] التشيع وغارسها في حديقة الإسلام ، وشرح أسباب نشوئها ونموِّها ، وسموِّها وعلوِّها. وما تكلّمتُ عن عاطفة ، بل كباحث
    __________________
    إنِّي أبيتُ قَليلُ النَّوم أرَّقَنِي
    قَلبٌ تَصارعَ فيهِ الهَمَّ والهِمَم

    يا لِلرجالِ أما لله مُنتَصِرٌ
    مِن الطُّغاةِ؟ أما لله منتقم؟

    بَنُو عليٍ رعايا في ديارِهمُ
    والامرَ تَملكُهُ النسوانُ والخَدمُ

    محلَّئونَ فاصفى شربَهُمُ وَشَل
    عندَ الورُود وَأوفى ودَهُم لممُ

    أتَفخَرون عليهم لا أباً لكُم
    حتَّى كأنَّ رسولُ اللهِ جَدَّكُم!

    ولا تَوازنَ فيما بينكم شَرَفٌ
    ولا تَساوَت لكم في موطِن قَدَمُ

    بِئسَ الجَزاءُ جَزَيتُم في بَني حَسَن
    أباهُم العَلَمُ الهادي وأُمَّهُم

    يا باعَةَ الخَمر كُفُّوا عن مَفاخِرِكُم
    لِمَعشَر بَيعهُم يَومَ الهِياج دَمُ

    الركنُ وَالبيتُ والاستارُ مَنزلَهُم
    وَزَمزَمُ والصَّفا والحجِرُ والحَرَمُ

    (1) راجع ترجمتنا له في التراجم الملحقة بالكتاب.

    عن حقيقة ، يمشي على ضوء أمور راهنة ، وعلل وأسباب معلومة ، وأحسبني بتوفيقه تعالى قد أصحرت بذلك وأعطيته من البحث حقَّه ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
    ثم لا يذهبنَّ عنك أنَّه ليس معنى هذا أنا نريد أن ننكر ما لاولئك الخلفاء من الحسنات ، وبعض الخدمات للاسلام ، التي لا يجحدها إلا مكابر ، ولسنا بحمد الله من المكابرين ، ولا سبّابين ولا شتّامين ، بل ممَّن يشكر الحسنة ويغضي عن السيئة ، ونقول : تلك أُمَّة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ، وحسابهم على الله ، فإن عفا فبفضله ، وإن عاقب فبعدله ، وما كنَّا نسمح لصل القلم أن ينفث بتلك النفثات لولا أن بعض كتاب العصر بتحاملهم الشنيع على الشيعة أحرجونا فاحوجونا الى بثها ( نفثة مصدور ) وما كان صميم الغرض إلّا الدلالة على غارس بذرة التشيُّع ، وقد عرفت أنَّه هو النبي الأمين ، وأن أسباب شيوعها وانتشارها سلسلة أمور مرتبطة بعضها ببعض ، وهي علل ضرورية تقتضي ذلك الأثر بطبيعة الحال.
    ولنكتف بهذا القدر من « المقصد الأول » ونستأنف الكلام في :


    ( المقصد الثاني )
    وهو بيان عقائد الشيعة ( اصولاً وفروعاً ) ونحن نورد اُمَّهات القضايا ، ورؤوس المسائل ، على الشرط الذي أشرنا إليه آنفاً من الاقتصار على المجتمع عليه ، الذي يصح أن يقال : أنه مذهب الشِّيعة ، دون ما هو رأي الفرد والأفراد منهم.
    فنقول : إنَّ الَّدين ينحصر في قضايا خمس :
    1 ـ معرفة الخالق.
    2 ـ معرفة المبلِّغ.
    3 ـ معرفة ما تَعَبَّد به ، والعمل به.
    4 ـ الأخذ بالفضيلة ورفض الرذيلة.
    5 ـ الاعتقاد بالمعاد والدينونة.
    فالدين علمٌ وعملٌ ( وأنَّ الدِّينَ عند الله الإسلامَ ) (1) والإسلام والإيمان مترادفان ، ويُطلقان على معنى أعم يعتمد على ثلاثة أركان :
    التوحيد ، والنبوّة ، والمعاد ..
    فلو أنكر الرجل واحدا منها فليس بمسلم ولا مؤمن ، وإذا دان بتوحيد الله ، ونبوّة سيِّد الانبياء محمد 9 ، واعتقد بيوم الجزاء ـ من آمن بالله ورسوله واليوم الآخر ـ فهو مسلم حقاً ، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم ، دمه وماله وعرضه حرام.
    ويطلقان أيضاً على معنى أخص يعتمد على تلك الأركان الثلاثة وركن رابع وهو العمل بالدعائم التي بني الإسلام عليها وهي خمس :
    __________________
    (1) آل عمران 3 : 52.

    الصلاة ، والصوم ، والزكاة ، والحج ، والجهاد.
    وبالنظر إلى هذا قالوا : الإيمان إعتقاد بالجنان ، وإقرار باللسان ، وعمل بالإركان (1) ، ( من آمن بالله ورسوله وعمل صالحا ).
    فكل مورد في القرآن اقتصر على ذكر الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر ، يراد به الإسلام والإيمان بالمعنى الأول ، وكل مورد اضيف إليه ذكر العمل الصالح يراد به المعنى الثاني.
    والأصل في هذا التقسيم قوله تعالى : ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ) (2).
    وزاده تعالى إيضاحاً بقوله بعدها : ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا باموالهم وأنفسهم في سبيل الله اولئك هم الصادقون ) (3) يعني : أن الايمان قول ويقين وعمل.
    فهذه الأركان الأربعة هي اصول الإسلام والإيمان بالمعنى الأخص عند جمهور المسلمين.
    ولكن الشيعة الإمامية زادوا ( ركناً خامساً ) وهو : الإعتقاد بالإمامة. يعني أن يعتقد : أن الإمامة منصب إلهي كالنبوة ، فكما أن الله سبحانه يختار من يشاء من عباده للنبوة والرسالة ، ويؤيده بالمعجزة التي هي كنص من الله عليه ( وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة ) (4) فكذلك يختار
    __________________
    (1) انظر : نهج البلاغة 3 : 203|227 ، عيون أخبار الرضا 7 1 : 226| 1 و 2 ، أمالي الشجري 1 : 24 ، جامع الأخبار : 103|172 ، سنن ابن ماجة 1 : 25| 651 ، الفردوس بمأثور الخطاب 1 : 110|371.
    (2) الحجرات 49 : 14.
    (3) الحجرات 49 : 15.
    (4) القصص 28 : 68.

    للإمامة مَن يشاء ، ويأمر نبيِّه بالنص عليه ، وأن ينصبه إماماً للنّاس من بعده للقيام بالوضائف التي كان على النبي أن يقوم بها ، سوى أنَّ الإمام لا يُوحى إليه كالنبي وإنَّما يتلقى الأحكام منه مع تسديد إلهي. فالنبي مبلِّغ عن الله والإمام مبلِّغ عن النبي.
    والإمامة متسلسلة في اثني عشر ، كلُّ سابق ينصُّ على اللاحق.
    ويشترطون أن يكون معصوماً كالنبي عن الخطأ والخطيئة ، والإ لزالت الثقة به ، وكريمة قوله تعالى : ( إني جاعِلُكَ لِلنّاسِ إماماً قال ومن ذُريَّتي قالَ لا يَنالُ عَهديَ الظالمين ) (1) (2) صريحة في لزوم العصمة في الإمام لمن تدَّبرها جيداً.
    وأن يكون أفضل أهل زمانه في كلُّ فضيلة ، وأعلمهم بكلِّ عِلمٍ ، لأنِّ الغرض منه تكميل البشر ، وتزكية النفوس وتهذيبها بالعلم والعمل الصالح
    __________________
    (1) البقرة 2 : 124.
    (2) قال شيخنا الطوسي رحمه الله تعالى في كتابه الموسوم بالتبيان في تفسير القرآن ( 1 : 449 ) تعليقاً على هذه الآية الكريمة : استدل أصحابنا بهذه الآية على أنِّ الامام لايكون إلّا معصوماً من القبائح ، لان الله تعالى نفى أن ينال عهده ـ الذي هو الإمامة ـ ظالمٌ ، ومن ليس بمعصوم فهو ظالم ، إمّا لنفسه ، أو لغيره.
    فإن قيل : إنما نفى أن يناله ظالم في حال كونه كذلك ، فأمّا إذا تاب وأناب فلا يسمى ظالما ، فلا يمتنع أن ينال.
    قلنا : إذا تاب لا يخرج من أن تكون الآية تناولته ـ في حال كونه ظالماً ـ فإذا نفى أن يناله فقد حكم عليه بأنه لا ينالها ، ولم يفد أنَّه لا ينالها في هذه الحال دون غيرها ، فيجب أن تُحمل الآية على عموم الاوقات في ذلك ، ولا ينالها وإن تاب فيما بعد.
    واستدلوا بها ايضاً على أنَّ منزلة الامامة منفصلة عن النبوة ، لأنَّ الله تعالى خاطب ابراهيم 7 وهو نبي ، فقال له : انَّه سيجعله إماماً جزاء له على اتمامه ما ابتلاه الله به من الكلمات ، ولو كان إماماً في الحال لما كان للكلام معنى. فدل ذلك على أنَّ الامامة منفصلة من النبوة ، وانَّما اراد الله تبارك وتعالى ان يجعلها لإبراهيم 7 ....

    ( هُوَ الَّذي بعث في الاُمييِّنَ رَسُولاً مِنهُم يَتلُوا عَلَيهِم آياتِهِ ويُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمَهُمُ الكِتابَ والحِكمَةَ ) (1) والناقص لا يكون مكمِّلاً ، والفاقد لا يكون مُعطياً.
    فالإمام في الكمالات دون النبي وفوق البشر.
    فمن اعتقد بالإمامة بالمعنى الذي ذكرناه فهو عندهم مؤمن بالمعنى الأَخص ، وإذا اقتصر على تلك الأَركان الأَربعة فهو مسلم ومؤمن بالمعنى الأَعم ، تترتَّب عليه جميع أحكام الإسلام ، من حرمة دمِّه ، وماله ، وعرضه ، ووجوب حفظه ، وحرمة غيبته ، وغير ذلك ، لا أنه بعدم الإعتقاد بالإمامة يخرج عن كونه مسلماً ( معاذ الله ).
    نعم يظهر أثر التديُّن بالإمامة في منازل القرب والكرامة يوم القيامة ، أمّا في الدنيا فالمسلمون بأجمعهم سواء ، وبعضهم لبعض أكفّاء ، وأمّا في الآخرة فلاشك أن تتفاوت درجاتهم ومنازلهم حسب نياتهم وأعمالهم ، وأمر ذلك وعلمه إلى الله سبحانه ، ولا مساغ للبت به لأَحد من الخلق.
    والغرض : إنَّ أهم ما امتازت به الشِّيعة عن سائر فرق المسلمين هو : القول بإمامة الأَئمة الأثنَي عشر ، وبه سُمِيّت هذه الطائفة ( إمامية ) إذ ليس كلُّ الشِّيعة تقول بذلك ، كيف واسم الشِّيعة يجري على الزيدية (2) ،
    __________________
    (1) الجمعة 62 : 2.
    (2) نشأت هذه الفرقة ابان الظروف القاسية التي أحاطت بالشِّيعة في العراق أثناء حكم الامويين المعروف بعدائه الشديد ، وبغضه المشهور للشِّيعة وأئمتهم : ، وكردة فعل للاحوال المزرية المحيطة بهم.
    فقد كان العراق آنذاك تحت ولاية يوسف بن عمر الثقفي الجندي المطيع ، والكلب الوفي ، والعميل المخلص المتفاني في تحقيق أهداف الامويين ، بل ويدهم الضاربة التي لا تتردد في البطش بكلِّ من يفكر في الاعتراض على سياستهم الخرقاء الفاسدة ، وظلمهم الذي لا يقف عند أي حد. ومن الثابت أنَّ هذا الرجل كان من أشد المبغضين للشِّيعة حتى قبل تسنمه لمنصب ولاية


    ...................................................
    __________________
    العراق ، لأنه عمل جهده قبل ذلك على اقصاء خالد القسري عن هذه الولاية لانتهاجه سياسة الرفق واللين مع عموم الناس في العراق ، وحيث يمثل الشِّيعة الاكثرية منهم ، فالقى في روع الامويين ما يمكن أن تشكّله سياسة خالد المتساهلة مع الشِّيعة من عوامل لعلَّها تؤدي إلى تقوية شوكتهم ، وتنامي قوتهم ، فعزلُ خالد ووليّ يوسف الثقفي محله ، فكان أوّل ما افتتح به ولايته أن شدد الخناق على الشِّيعة ، وضيّق عليهم ما استطاع الى ذلك سبيلا ، ونكل بهم ، وشرَّدهم ، وأعمل السيف في رقابهم ، فعاش الشِّيعة ظروفاً قاسية ومرة شملت الصغير منهم والكبير ، والنساء منهم والرجال ، فلم يسلم منهم أحد ، ولا سيما وجوههم وأعيانهم ، حيث كان الامر عليهم شديداً ، والبلاء حولهم مضيِّقاً ، ومنهم أخ الامام الباقر 7 زيد بن علي رحمه الله تعالى برحمته الواسعة ، فناله ما نالهم ، وتعرَّض لمثل ما تعرَّضوا له من الظلم والتعدي ، بل ووشى به يوسف إلى أسياده ، فاستدُعي ( أي زيد ) إلى مقر الحكم الاموي في الشام ، وحيث كان انذاك هشام بن عبدالملك ، فتعمد توجيه الاهانات اللاذعة والجارحة لزيد رحمه الله تعالى ، فثار بوجهه ، ورد عليه حتى الجمه ولم يحر أمامه جواباً.
    ثم خرج بعد ذلك زيد من الشام حانقاً على هشام ، ثائراً على سياسته ، وتوجه إلى الكوفة ، ثم أراد أن يقصد المدينة إلّا أنَّ أهل الكوفة استغاثوا به وطلبوا منه الخروج على الامويين ، واعطوه على مناصرته العهود والمواثيق ، وبايعه على ذلك أربعون ألفاً ـ وفي خبر : أنهم بلغوا ثمانين الفاً ـ فخرج بهم.
    لقد كان زيد رحمه الله تعالى مشهوراً بالصلاح والورع والتقوى ، وكان صاحب فضل وعلم مشهود ، وكان أيضاً من أكثر الداعين إلى الرضا من آل محمَّد عليهم السلام ، ولم يدع الامامة لنفسه قطعاً ـ كما يدعي البعض ذلك ـ لادراكه قبل غيره موضع الحقِّ وأهله ، ولكن وبعد النهاية المفجعة لثورته العارمة تلك ، وبالتحديد بعد ما يُقارب من نصف قرن من الزمان وقع الخلاف من بعض الشِّيعة ـ والذي يعد من أوضح أسبابه شدة ضيقهم وبغضهم للامويين وسياستهم الظالمة الخرقاء ، وقساوتهم وشدة تنكليهم بالشِّيعة ـ حيث توهموا وادعوا بان الامامة لكل فاطمي دعا إلى نفسه وهو على ظاهر العدالة ، وكان من أهل العلم والشجاعة ، وكانت بيعته تجريد السيف للجهاد.
    ومن هنا ونتيجة لرأي دعاة هذه الفرقة فانَّ الامامة بعد مقتل زيد قد انتقلت إلى ولده يحيى الذي خرج بعد ذلك على الامويين ايضاً ، وحاربهم حتى قتلوه بعد فترة في الجوزجان ، وهكذا.


    والإسماعيلية (1) ،
    __________________
    ومن هنا فإنّ هذه الطائفة من الشِّيعة قد كوّنت لها آراء مستقلة وخاصة بها ، تختلف مع العقائد الشِّيعية الاساسية في العديد من الموارد المعروفة ، والتي توسَّعت مع الإيام نتيجة لانقساماتهم وتفرُّقهم ... وحيث يذهب المؤرِّخون الى أنهم انقسِّموا إلى ثلائة فرق : جارودية ، وسليمانية ، وبترية ، حين يضيف البعض الآخر اليهم فرقاً أكثر؟ وإن كان النوبختي يذهب الى أن فرق الزيدية تشعبت من الجارودية.
    وأتباع هذه الفرقة ـ أو الفرق ـ يشكِّلون اولى الفرق الاسلامية من سكان اليمن في عصرنا الحاضر.
    راجع : فرق الشِّيعة : 21 و 55 ، أوائل المقالات : 46 ، الفصول العشرة في الغيبة : 273 ، الملل والنحل 1 : 154 ، الامام زيد : 5 ، تأريخ المذاهب الاسلامية : 44 ، الفرق بين الفرق : 2.
    (1) تفترق هذه الجماعة عن الشّيعة الإمامية بقولهم أن الإمامة بعد الامام جعفر بن محمَّد الصّادق 7 تنتقل لولده الأكبر اسماعيل ، لذهابهم إلى القول بنصِّ الإمام عليه دون ولده ، ولذا فهم بين من يقول بوفاته الثابتة في حياة أبيه إلاّ أنه يُرجع الامامة إلى ولده وأوَّلهم محمَّد بن اسماعيل؟ وبين من يقول ببقائه حيا إلى ما بعد وفاة أبيه ، وأنَّ أباه 7 أظهر موته خوفاً عليه من العبّاسيين.
    وهكذا فانَّ هؤلاء ينقسمون إلى قسمين اثنين : القسم الاوّل منهم يقف على محمَّد بن اسماعيل ولا يتجاوزه إلى غيره ، والقسم الثاني يتعداه ويجعل الامامة في سبعة سبعة ، بين ظاهر ومستور ، أوّلهم محمّد بن اسماعيل ، ثم ولده جعفر المصدق ، ثم ولده محمد الحبيب ، وبعده عبدالله المهدي الذي ظهر في شمالي افريقيا والذي من ولدِه تكوّنت الدولة الفاطمية.
    ومن ثم فانَّ هذه الجماعة وبمرور الزمن بدأت تأخذ لنفسها جملة مستقلة من الآراء والمعتقدات الخاصة به كنتيجة منطقية لتشعُّبهم وتفرُّقهم ، ولعل من أوضح ذلك قول جماعة منهم ـ وهم السبعية ـ بأنَّ الامامة تدور على سبعة سبعة ، كأيام الاسبوع والسموات والأرضين والافلاك ، وأنَّ السبعة الأُوَل أوَّلهم علي عليه السَّلام وآخرهم اسماعيل بن جعفر ، وهم يمثلون الدور الأول والذي يبتدأ الثاني منه بمحمَّد بن اسماعيل ومن يليه من الأئمة المستورين السائرين في البلاد سراً ، وأن الامام السابع ينسخ شرائع من تقدمه ... وهكذا.
    اُنظر : فرق الشِّيعة : 67 ، الفصول المختارة من العيون والمحاسن : 308 ، الشِّيعة بين الاشاعرة والمعتزلة : 78 ، تأريخ المذأهب الاسلامية : 54 ، الملل والنحل 1 : 167.

    والواقفية (1) ،
    __________________
    (1) تطلق هذه التسمية على الأفراد والجماعات المنحرفة من الذين وقفوا على إمام من أئمة أهل البيت : ولم يذهبوا إلى القول بوجوب امتداد الامامة إلى مَن بعده من الأئمة كما هو ثابت ومنصوص عليه ، رغم أن هذه التسمية ، ولكثرة ما اشتهر من الذين وقفوا على الامام موسى بن جعفر الكاظم 7 ، أخذت تنصرف إلى هذه الجماعة عند الاطلاق.
    والحق يقال : أنَّ هذه الظاهرة المنحرفة كانت تشكَّل حالة مرضية لايمكن الاعراض عنها واهمالها لما تمثله من تفكير فاسد ومنحرف وضع لبناته جملة مشخصة من الجماعات لاغراض ومآرب واضحة ومعروفة ، ولذا فقد تصدى لابطال شبهات ودعاوى هذه الجماعات أئمة أهل البيت : وكبار رجالات الطائفة وأعيانها ، ودعوا الناس إلى نبذهم وادراك اغراضهم من هذا الطرح الباهت والباطل.
    ولعل المرور المتعجل على الاسباب التي نشأت من خلالها هذه الاطروحة الساقطة يبيِّن بوضوح أنَّ أُولى تلك الاسباب كان الجشع والطمع والضعف قبال الثروات الهائلة التي أؤتمن عليها اؤلئك الرواد الأوائل لهذه الجماعات المنحرفة ، والتي كان ينبغي أن تخضع لوصاية الامام التالي للامام المتوفى ، والتي كانت أوضح صورها بعد استشهاد الامام موسى بن جعفر 7 ، بعد غيبته التي امتدت لسنين طويلة في سجن الرشيد ، فكان وجود هذه الثروات الضخمة والطائلة بأيدي ذلك البعض ابان الظروف العسرة والشاقة التي احاطت بالشيعة ـ ولا سيما وامامهم مغيِّب في قعر السجون ، وهم دائماً تحت طائلة العقاب ، من سجن ونفي وتشريد وقتل ، بأيدي ازلام السلطة ، والعديد من عشاق المال والثروة ، وطلاب الجاة والشهرة ـ غنيمة باردة صوَّرتها لهم نفوسهم المريضة ، وأفكارهم المضطربة أمام بريق هذا المال ووهجه البراق ، فكان أن وقع ما هو ليس بمستغرب ، بل وكثير ما نشاهده ونسمعه في كلُّ زمان ومكان ، من انهيار البعض وسقوطه في هذا الامتحان الكبير ... فلم يجد اولئك المفتونين ـ بعد قدح زناد الفكرـ حيلة ـ كما صوَّرتها لهم أفكارهم الفاسدة ـ انسب من ادعاء عدم وفاة الامام الذي كان هو المصرِّف الاول لشؤون هذه الاُمّة ، ومن له الحق المطلق في كيفية أنفاق هذه الاموال ، والقول بأنّه حي يرزق ، وأنّه سيعود لتصريف هذه الشؤون ولو بعد حين. واذن فلا ولي لهذه الاموال في غيبة الامام ـ كنتيجة لقولهم هذا ـ إلّا هم ، وهم أسياد في التصرُّف بما لا رقيب عليه. فطبّلوا لدعواهم الباهتة هذه وزمّروا ، وتشبثوا بها تشبثاً مستميتاً.
    وكان من نتيجة ذلك ألموقف أن ردوا امامة ولده علي بن موسى الرضا عليه السلام ، وبقيت أديهم حرة في التلاعب بتلك الاموال الطائلة.


    والفطحية (1) ، وغيرهم ، هذا إذا اقتصرنا على الداخلين في حظيرة الإسلام منهم ، أمّا لو توسَّعنا في الإطلاق والتسمية حتى للملاحدة ـ الخارجين عن الحدود ـ كالخطّابية وأضرابهم (2) فقد تتجاوز طوائف الشيعة المائة أو أكثر ، ببعض الاعتبارات والفوارق ، ولكن يختص اسم الشِّيعة اليوم ـ على إطلاقه ـ بالإمامية التي تَمثّل أكبر طائفة في المسلمين بعد طائفة السنَّة.
    والقول بالاثني عشر ليس بغريب عن اصول الإسلام وصحاح كتب المسلمين ، فقد روى البخاري ـ وغيره ـ في صحيحه حديث الاثني عشر
    __________________
    نعم ، هذا الجانب كان يشكِّل الطرف الأهم في بروز ونشوء هذه الحالة المنحرفة لدى تلك الجماعات المنبوذة والمردودة ، وإن كانت هناك جملة اُخرى من الاسباب الباهتة التي سوَّغت لهم هذا الموقف المشين والمخزي ، ومن ضمنها حالة الغرور والتكبّر والتفرعن التي أصابت رواد تلك المدرسة المنحرفة مع تقادم السنين وتكدس الثروات بايدهم ، واحترام وتكريم الناس لهم ، فلم يكن هذا ليتوافق ـ في مخيلتهم المريضة ـ مع اذعانهم لامام يصغرهم سناً ، والانقياد لاوامره ... مضافاً إلى غير ذلك من الشبهات والارتباكات الفكرية التي تفاعلت مع غيرها من الاسباب في صناعة هذه الفتنة الفاسدة والتي ليست هنا بمحل بحثنا.
    راجع : فرق الشيعة : 54 ، 81 ، الفصول المختارة : 313 ، فوائد الوحيد البهبهاني : 40 ، معراج أهل الكمال في معرفة الرجال ( مخطوط ) ، الواقفية 1 : 18 وما بعدها ، الملل والنحل 1 : 167.
    (1) ذهبت هذه الجماعة إلى أنَّ الامامة بعد الامام الصادق 7 إلى ولده عبدالله المعروف بالافطح ، لشبهات دخلت عليهم ، إلّا أنَّهم لايخالفون الامامية في الاعتراف ببقية الأئمة المنصوص عليهم باستثناء اضافتهم عبدالله الافطح اليهم ، حيث يقولون بامامة ثلاثة عشر ، وإن كان حياة عبدالله لم تمتد بعد أبيه الصادق 7 إلّا سبعين يوماً لا غير.
    راجع : فرق الشيعة : 78 ، روضة المتقين 14 : 395 ، تنقيح المقال 1 : 194 ، الشيعة بين الاشاعرة والمعتزلة : 77 ، الملل والنحل 1 : 167.
    (2) تقدم الحديث عن ذلك ، فراجع.


    خليفة بطرق متعددة :
    منها : بسنده عن النبي 9 : « إنَّ هذا الأَمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة ».
    قال [ الراوي ] : ثم تكلَّم بكلام خفي عليَّ فقلت لأَبي : ما قال؟.
    قال : كلّهم من قريش.
    وروى أيضاً : « لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم أثنا عشر رجلاً ».
    وروى أيضاً : « لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة » (1).
    وما أدري مَن هؤلاء الاثنا عشر؟ والقوم يروون عنه 9 : الخلافة بعدي ثلاثون ثم تعود ملكاً عضوضاً (2).
    دع عنك ذا فلسنا بصدد إقامة الدليل والحجة على إمامة الاثني عشر ، فهناك مؤلَّفات لهذا الشأن تنوف على الأَلوف ، ولكن القصد أن نذكر اصول عقائد الشِّيعة ورؤوس أحكامها المجمع عليها عندهم ، والعهدة في إثباتها على موسوعات مؤلِّفاتهم.
    وهنا نعود فنقول : الدين عِلم وعمل ، وظائف للعقل ووظائف للجسد ، فهاهنا منهجان :
    الأوَّل : في وظائف العقل.
    __________________
    (1) هذه الاحاديث وغيرها من التي تنحو عين منحاها ، روتها كتب العامَّة بكثرة وبأسانيد متعددة يصعب حصرها ، ولكن اُنظر على سبيل المثال لا الحصر : صحيح البخاري ( كتاب الاحكام ) صحيح مسلم ( كتاب الامارة ) ، سنن الترمذي ( كتاب الفتن ) ، مسند أحمد 1 : 398 ، 406 ، و 5 : 86 ، 90 ، 93 ، 98 ، 99 ، 101 ، 106 ، 107 ، المعجم الكبير للطبراني 2 : 412.
    (2) انظر : فتح الباري 8 : 77 ، الجامع لاحكام القرآن للقرطبي 12 : 297 ، البداية والنهاية 319 : 3.

    التوحيد :
    يجب على العاقل ـ بحكم عقله عند الإمامية ـ تحصيل العلم والمعرفة بصانعه ، والإعتقاد بوحدانيته في الالوهية ، وعدم شريك له في الربوبية ، واليقين بأنَّه هو المستقل بالخلق والرزق والموت والحياة والإيجاد والإعدام ، بل لا مؤثر في الوجود عندهم إلا الله ، فمن اعتقد أنَّ شيئاً من الرزق أو الخلق أو الموت أو الحياة لغير الله فهو كافر مشرك خارج عن ربقة الاسلام.
    وكذا يجب عندهم إخلاص الطاعة والعبادة لله ، فمن عبد شيئاً معه ، أو شيئاً دونه ، أو ليقرِّبه زلفى إلى الله فهو كافر عندهم أيضاً.
    ولا تجوز العبادة إلا لله وحده لا شريك له ، ولا تجوز الطاعة إلّا له ، وطاعة الأَنبياء والأَئمة : فيما يبلِّغون عن الله طاعة الله ، ولكن لا يجوز عبادتهم بدعوى أنَّها عبادة الله ، فانَّها خدعة شيطانية ، وتلبيسات إبليسية.
    نعم ، التبرُّك بهم ، والتوسُّل إلى الله بكرامتهم ومنزلتهم عند الله ، والصلاة عند مراقدهم لله ، كلّه جائز ، وليس من العبادة لهم بل العبادة لله ، وفرق واضح بين الصلاة لهم والصلاة لله عند قبورهم ( في بُيُوتٍ أذِنَ اللهُ أن تُرفَعَ ويُذكَرَ فيها اسمُهُ ) (1).
    هذه عقيدة الإمامية في التوحيد ـ المُجمع عليها عندهم ـ على اختصار وإيجاز ، ولعل الأَمر في التوحيد أشدّ عندهم ممّا ذكرناه ، وله مراتب ودرجات ، كتوحيد الذات ، وتوحيد الصفات ، وتوحيد الأَفعال ، وغير ذلك ممَّا لا يناسب المقام ذكرها وبسط القول فيها.
    __________________
    (1) النور 24 : 36.


    النبوة :
    يعتقد الشِّيعة الإمامية : أنَّ جميع الأَنبياء الذين نص عليهم القرآن الكريم رسل من الله ، وعباد مكرمون ، بُعثوا لدعوة الخلق الى الحقِّ ، وأنَّ محمداً 9 خاتم الأَنبياء ، وسيِّد الرسل ، وأنَّه معصوم من الخطأ والخطيئة ، وأنَّه ما ارتكب المعصية مدة عمره ، وما فعل إلّا ما يُوافق رضا الله سبحانه حتى قبضه الله إليه.
    وأنَّ الله سبحانه أسرى به من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى ، ثمَّ عرج من هناك بجسده الشريف الى ما فوق العرش والكرسي وما وراء الحجب والسرادقات ، حتى صار من ربِّه قاب قوسين أو أدنى.
    وأنَّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه للإعجاز والتحدي ، ولتعليم الأَحكام ، وتمييز الحلال من الحرام ، وأنّه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة ، وعلى هذا إجماعهم ، ومن ذهب منهم ـ أو من غيرهم من فرق المسلمين ـ الى وجود نقص فيه أو تحريف فهو مخطىء يرده نص الكتاب العظيم ( إنّا نَحنُ نَزّلنا الذِّكرَ وإنّا لَهُ لَحافِظُونَ ) (1).
    والأخبار الواردة من طرقنا أو طرقهم الظاهرة في نقصه أو تحريفه ضعيفة شاذة ، وأخبار آحاد لا تفيد علماً ولا عملاً ، فإما أن تأول بنحو من الاعتبار ، أو يُضرب بها الجدار.
    ويعتقد الإمامية أنَّ كلُّ من اعتقد أو ادعى نبوة بعد مُحَمَّد 9 ، أو نزول وحي أو كتاب فهو كافر يجب قتله.
    __________________
    (1) الحجر 15 : 9.

    الامامة :
    قد أنباناك أنَّ هذا هو الأَصل الذي امتازت به الإمامية وافترقت عن سائر فرق المسلمين ، وهو فرق جوهري أصلي ، وما عداه من الفروق فرعية عرضية كالفروق التي تقع بين أئمة الاجتهاد عندهم كالحنفي والشافعي وغيرهما.
    وعرفتَ أنَّ مرادهم بالإمامة : كونها منصباً إلهياً يختاره الله بسابق علمه بعباده ، كما يختار النبي ، ويأمر النبي بان يدل الأُمَّة عليه ، ويأمرهم باتباعه.
    ويعتقدون : أنَّ الله سبحانه أمر نبيه بأن ينص على عليٍّ 7 وينصبه علماً للناس من بعده ، وكان النبي يعلم أن ذلك سوف يثقل على الناس ، وقد يحملونه على المحاباة والمحبة لابن عمه وصهره ، ومن المعلوم أن الناس ذلك اليوم ، وإلى اليوم ، ليسوا في مستوى واحد من الإيمان واليقين بنزاهة النبي وعصمته عن الهوى والغرض ، ولكن الله سبحانه لم يعذره في ذلك فاوحى اليه : ( يا أيُّها الرَّسولُ بلّغ ما أُنزِلَ إليكَ مِن ربِّكَ وإن لَم تَفعَلَ فَما بَلَّغتَ رِسالَتَه ) (1) ، فلم يجد بُداً من الإمتثال بعد هذا الإنذار الشديد ، فخطب الناس عند منصرفه من حجة الوداع في غدير خم ، فنادى ـ وجلّهم يسمعون ـ : « ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم »؟.
    فقالوا : اللّهمَّ نعم.
    فقال : « مَن كُنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه » ... الى آخر ما قال (2).
    __________________
    (1) المائدة 5 : 67.
    (2) روت معظم المصادر الحديثية وغيرها واقعة الغدير ، ونصَّ الرسول 9 فيها بالولاية لعلي 7 ، بأسانيد متعددة يصعب حصرها هنا ، ولكن راجع :
    سنن ابن ماجة 1 : 43|116 و 45|121 ، سنن الترمذي 5 : 633 / 3763، خصائص


    ثم أكَّد ذلك في مواطن اُخرى تلويحاً وتصريحاً ، إشارة ونصاً ، حتى أدى الوظيفة ، وبلغ عند الله المعذرة.
    ولكنَّ كبار المسلمين بعد النبي 9 تأولوا تلك النصوص ، نظراً منهم لصالح الإسلام ـ حسب اجتهادهم ـ فقدَّموا وأخَّروا ، وقالوا : الامر يحدث بعده الأَمر.
    وامتنع عليٌّ وجماعة من عظماء الصحابة عن البيعة أوَّلاً ، ثم رأى [ أنَّ ] امتناعه من الموافقة والمسالمة ضرر كبير على الإسلام ، بل ربما ينهار عن أساسه ، وهو بعد في أوَّل نشوئه وترعرعه ، وأنت تعلم أنَّ للاسلام عند أمير المؤمنين 7 من العزة والكرامة ، والحرص عليه والغيرة ، بالمقام الذي يُضحي له بنفسه وأنفس مالديه ، وكم قذف بنفسه في لهوات المنايا تضحية للاسلام. وزد على ذلك أنه رأى الرجل الذي تخلف على المسلمين قد نصح للاسلام ، وصار يبذل جهده في قوَّته وإعزازه ، وبسط رايته على البسيطة ، وهذا أقصى ما يتوخاه أمير المؤمنين من الخلافة والإمرة ، فمن ذلك كلّه تابع وبايع (1) ، حيث رأى أنَّ بذلك مصلحة الإسلام ، وهو على منصبه الإلهي من الإمامة ، وان سلم لغيره التصرف والرئاسة العامة ، فإنّ ذلك المقام ممّا يمتنع التنازل عنه بحال من الأَحوال.
    أما حين انتهى الأَمر إلى معاوية ، وعَلِم أن موافقته ومسالمته وإبقائه والياً
    __________________
    الامام علي 7 للنسائي : 96/ 79 و 99/ 83 ، مسند أحمد 1 : 84 ، 88 و 4 : 368 ، 372 و 5 : 366 ، 419 ، تاريخ بغداد 7 : 377 و 8 : 290 و 12 : 343 ، اسد الغابة 2 : 233 و 3 : 3 9 ، الإصابة 1 : 304 ، مستدرك الحاكم 3 : 109 ، 110 ، 116 ، كفاية الطالب : 64 ، ترجمة الامام علي 7 من تاريخ دمشق 2 : 5|501 ـ 531 ، الرياض النضرة 2 : 175 ، المناقب للمغازلي : 6 1 ـ 26 ، مصنف ابن أبي شيبة 12 : 59 / 12121 ، وغيرها كثير.
    (1) تقدم منا الحديث عن ذلك ، فراجع.

    ـ فضلاً عن الإمرة ـ ضرر كبير ، وفتق واسع على الاسلام ـ لا يمكن بعد ذلك رتقه ـ لم يجد بُداً من حربه ومنابذته.
    والخلاصة : أنَّ الإمامية يقولون : نحن شيعة علي وتابعوه ، نُسالم مَن سالمه ، ونُحارب من حاربه ، ونُعادي مَن عاداه ، ونُوالي من والاه ، إجابة وامتثالاً لدعوة النبي 9 : « اللّهُمّ والِ مَن والاهُ ، وَعادِ من عاداهُ ».
    وحبنا وموالاتنا لعلي 7 وولده إنَّما هي محبة وموالاة للنبي 9 وإطاعه له.
    تَاللهِ ما جَهلَ الأقوامُ مَوضِعَها
    لَكنَّهم سَتَروا وَجهَ الَّذي عَلِمُوا

    وهذا كلُّه أيضاً خارج عن القصد ، فلنعد إلى ما كنّا فيه من إتمام حديث الإمامية ، فنقول : إنَّ الإمامية تعتقد أنَّ الله سبحانه لا يخلي الأرض من حجة على العباد ، من نبي أو وصي ، ظاهر مشهور ، أو غائب مستور ، وقد نصَّ النبي 9 وأوصى إلى علي ، وأوصى علي ولده الحسن ، وأوصى الحسن أخاه الحسين ، وهكذا إلى الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر : وهذه سنَّة الله سبحانه في جميع الأَنبياء ، من آدمهم إلى خاتمهم.
    وقد ألَّف جم غفير من أعاظم علماء الدِّين مؤلفات عديدة في إثبات الوصية ، وها أنا اورد لك أسماء المؤلِّفين في الوصية ، من القرون الأُولى والصدر الأَول قبل القرن الرابع :
    ( كتاب الوصية ) لهشام بن الحكم المشهور.
    ( الوصية ) للحسين بن سعيد.
    ( الوصية ) للحكم بن مسكين.

    ( الوصية ) لعلي بن المغيرة.
    ( الوصية ) لعلي بن الحسين بن الفضل.
    ( كتاب الوصية ) لمحمَّد بن علي بن الفضل.
    ( كتاب الوصية ) لابراهيم بن محمَّد بن سعيد بن هلال.
    ( الوصية ) لأحمد بن محمَّد بن خالد البرقي ، صاحب المحاسن.
    ( الوصية ) للمؤرِّخ الجليل عبدالعزيز بن يحيى الجلودي.
    وأكثر هؤلاء من أهل القرن الأول والثاني ، أمّا أهل القرن الثالث فهم جماعة كثيرة أيضاً :
    ( الوصية ) لعلي بن رئاب.
    ( الوصية ) لعيسى (1) بن المستفاد.
    ( الوصية ) لمحمَّد بن أحمد الصابوني.
    ( الوصية ) لمحمد بن الحسن بن فروخ.
    ( كتاب الوصية والإمامة ) للمؤرِّخ الثبت الجليل علي بن الحسين المسعودي ، صاحب مروج الذهب.
    ( الوصية ) لشيخ الطائفة محمَّد بن الحسن الطوسي.
    ( الوصية ) لمحمد بن علي الشلمغاني المشهور.
    ( الوصية ) لموسى بن الحسن بن عامر.
    أما ما ألف بعد القرن الرابع فشيء لا يُستطاع حصره.
    وذكر المسعودي في كتابه المعروف بـ ( إثبات الوصية ) لكلِّ نبي اثني
    __________________
    (1) الطبعات متضاربة في ذلك ، ففي نسختي النجف وايران : يحيى ، وفي نسخة بيروت : محمَّد ، وجميعها مصحف ، والصواب : عيسى كما أثبتناه. وهو : أبو موسى البجلي الضرير ، روى عن أبي جعفر الثاني 7 ، ذكره النجاشي في رجاله ( 297|809 ) وقال : له كتاب الوصية ، وكذا الطهراني في الذريعة ( 25 : 103|565 ) ..

    عشر وصياً ، ذكرهم باسمائهم ، ومختصر من تراجمهم ، وبَسَطَ الكلام بعض البسط في الأئمة الاثني عشر. وقد طبع في إيران طبعة غير جيدة (1).
    هذا ما ألَّفه العلماء في الإمامة ، لاقامة الأَدلة العقلية والنقلية عليها ، ولسنا بصدد شيء من ذلك ، نعم في قضية المهدي 7 قد تعلو نبرات الاستهتار والاستنكار من سائر فرق المسلمين ـ بل ومن غيرهم ـ على الإمامية في الإعتقاد بوجود إمام غائب عن الأَبصار ليس له أثر من الآثار ، زاعمين أنَّه رأي فائل ، وعقيدة سخيفة. والمعقول من إنكارهم يرجع إلى أمرين :
    الأَوَّل : استبعاد بقائه طول هذه المدة التي تتجاوز الأَلف سنة ، وكأنَّهم ينسون أو يتناسون حديث عُمر نوح الذي لبث في قومه بنَّص الكتاب ألف سنة إلّا خمسين عاماً (2) ، وأقل ما قيل في عمره : ألف وستمائة سنة ، وقيل أكثر إلى ثلاثة آلاف (3).
    وقد روى علماء الحديث من السنة لغير نوح ما هو أكثر من ذلك ، هذا النووي ـ وهو من كبار محدثيهم ـ يُحَدِّث في كتابه ( تهذيب الأسماء ) ما نصَّه : اختلفوا في حياة الخضر ونبوَّته ، فقال الأكثرون من العلماء : هو حي موجود بين أظهرنا ، وذلك متفق عليه عند الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة ، وحكاياتهم في رؤيته ، والاجتماع به ، والأَخذ عنه ، وسؤاله وجوابه ، ووجوده في المواضع الشريفة ومواطن الخير أكثر من أن تُحصى ، وأشهر من أن
    __________________
    (1) اُعيد طبعه في النَّجف الاشرف وايران مع بعض التصحيحات المهمة.
    (2) إشارة إلى قوله تعالى في الاية ( 14) من سورة العنكبوت ( وَلَقد أَرسَلنا نُوحاً إلى قَومِهِ فَلَبِثَ فيهِم ألفَ سَنَةٍ إلّا خمَسينَ عاماً ).
    (3) انظر : تفسير الكشَّاف للزمخشري 3 : 200 ، تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3 : 418 ، زاد المسير لابن الجوزي 6 : 261.

    تذكر.
    قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في فتاويه : هو حي عند جماهير العلماء والصالحين والعامة معهم ، وإنَّما شذَّ بانكاره بعض المحدِّثين. انتهى (1).
    ويخطر لي أنَّه قال هو في موضع اخر ، والزمخشري في ( ربيع الأبرار ) : إنَّ المسلمين متفقون على حياة أربعة من الأَنبياء ، إثنان منهم في السَّماء وهما : إدريس وعيسى ، واثنان في الأرض : الياس والخضر ، وأنّ ولادة الخضر في زمن إبراهيم أبي الأنبياء (2).
    والمعمِّرون الذين تجاوزوا العمر الطبيعي إلى مئات السنين كثيرون ، وقد ذكر السِّيد المرتضى في أماليه (3) جملة منهم ، وذكر غيره كالصَّدوق في ( إكمال الدّين ) (4) أكثر ممّا ذكر الشريف.
    وكم رأينا في هذه الأعصار من تناهت بهم الأَعمار إلى المائة والعشرين وما قاربها ، أو زاد عليها.
    على أنَّ الحقَّ في نظر الاعتبار أنَّ من يقدر على حفظ الحياة يوماً واحداً يقدر على حفظها آلافاً من السنين ، ولم يبق إلّا أنَّه خارق العادة ، وهل خرق العادة والشذوذ عن نواميس الطبيعة في شؤون الأَنبياء والاولياء بشيء عجيب أو أمر نادر؟!
    راجع مجلَّدات ( المقتطف ) السابقة ، تجد فيها المقالات الكثيرة ، والبراهين الجلية العقلية لأكابر فلاسفة الغرب في إثبات إمكان الخلود في
    __________________
    (1) تهذيب الاسماء واللغات 1 : 176.
    (2) تهذيب الاسماء واللغات 1 : 177 ، ربيع الابرار 1 : 397.
    (3) أمالي المرتضى 1 : 232 ـ 72.
    (4) اكمال الدين : 555 ـ 575.

    الدنيا للانسان. وقال بعض كبار علماء ، اُوروبا : لولا سيف ابن ملجم لكان علي بن أبي طالب من الخالدين في الدنيا ، لأنّه قد جمع جميع صفات الكمال والاعتدال. وعندنا هنا تحقيق بحث واسع لا مجال لبيانه.
    الثاني : السؤال عن الحكمة والمصلحة في بقائه مع غيبته ، وهل وجوده مع عدم الإنتفاع به إلّا كعدمه؟.
    ولكن ليت شعري هل يريد اُولئك القوم أن يصلوا إلى جميع الحِكَمِ الربّانية ، والمصالح الإلهية ، وأسرار التكوين والتشريع ، ولا تزال جملة أحكام إلى اليوم مجهولة الحكمة ، كتقبيل الحجر الأَسود ، مع أنَّه حجر لا يضر ولا ينفع ، وفرض صلاة المغرب ثلاثاً ، والعشاء أربعاً ، والصبح اثنتين ، وهكذا إلى كثيرمن أمثالها ، وقد استأثر الله سبحانه بعلم جملة أشياء لم يُطلع عليها مَلَكاً مُقرَّباً ، ولا نبياً مرسلاً ، كعلم الساعة وأخواته ( إنَّ اللهَ عندَهُ عِلمُ السّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيث ) (1).
    وأخفى جملة أُمور لم يُعلَم على التحقيق وجه الحكمة في إخفائها ، كالاسم الأَعظم ، وليلة القدر ، وساعة الإستجابة.
    والغاية : أنَّه لا غرابة في أن يفعل سبحانه فعلا أو يحكم حكماً مجهولي الحكمة لنا ، إنَّما الكلام في وقوع ذلك وتحقيقه ، فإذا صح إخبار النبي وأوصيائه المعصومين : لم يكن بد من التسليم والإذعان ، ولا يلزمنا البحث عن حكمته وسببه ، وقد أخذنا على أنفسنا في هذا الكتاب الوجيز أن لا نتعرض لشيء من الأَدلة ، بل هي موكولة إلى مواضعها ، والأَخبار في ( المهدي ) عن النبي 9 من الفريقين مستفيضة ، ونحن وإن اعترفنا بجهل الحكمة ، وعدم الوصول إلى حاقّ
    __________________
    (1) لقمان 31 : 34.


    المصلحة ، ولكن كان قد سألنا نفس هذا السؤال بعض عوام الشِّيعة ، فذكرنا عدة وجوه تصلح للتعليل ، ولكن لا على البت ، فإنَّ المقام أدق وأغمض من ذلك ، ولعل هناك اموراً تسعها الصدور ، ولا تسعها السطور ، وتقوم بها المعرفة ، ولا تأتي عليه الصفة.
    والقول الفصل : إنّه إذا قامت البراهين في مباحث الإمامة على وجوب وجود الإمام في كلُّ عصر ، وأن الأَرض لا تخلو من حجة ، وأنّ وجوده لطف ، وتصرُّفه لطف آخر ، فالسؤال عن الحكمة ساقط ، والأدلة في محالّها على ذلك متوفِّرة ، وفي هذا القدر من الإشارة كفاية إنَّ شاء الله.

    العدل :
    ويُراد به : الاعتقاد بان الله سبحانه لا يظلم أحداً ، ولا يفعل ما يستقبحه العقل السليم. وليس هذا في الحقيقة أصلاً مستقلاً ، بل هو مندرج في نعوت الحقِّ ووجوب وجوده المستلزم لجامعيته لصفات الجمال والكمال ، فهو شأن من شؤون التوحيد ، ولكنَّ الأشاعرة لما خالفوا العدلية ، وهم المعتزلة والإمامية ، فأنكروا الحسن والقبح العقليين ، وقالوا : ليس الحسن إلا ما حسَّنه الشرع ، وليس القبح إلّا ما قبحه الشرع ، وأنَّه تعالى لو خلَّد المطيع في جهنم ، والعاصي في الجنة ، لم يكن قبيحا ، لأنه يتصرف في ملكه ( لا يُسئَلُ عمّا يَفعَلُ وَهُم يَسئَلُون ) (1).
    حتى أنَّهم أثبتوا وجوب معرفة الصانع ، ووجوب النظر في المعجزة لمعرفة النبي من طريق السمع والشرع لا من طريق العقل ، لأنه ساقط عن منصة الحكم ، فوقعوا في الاستحالة والدور الواضح.
    أمّا العدلية فقالوا : إنّ الحاكم في تلك النظريات هو العقل مستقلاً ، ولا سبيل لحكم الشرع فيها إلّا تأكيداً وإرشاداً ، والعقل يستقل بحسن بعض الأَفعال وقبح البعض الآخر ، ويحكم بأنَّ القبيح محال على الله تعالى لانَّه حكيم ، وفعل القبيح مناف للحكمة ، وتعذيب المطيع ظلم ، والظلم قبيح ، وهو لا يقع منه تعالى.
    وبهذا أثبتوا لله صفة العدل ، وأفردوها بالذكر دون سائر الصفات إشارة إلى خلاف الأَشاعرة ، مع أنَّ الأشاعرة في الحقيقة لا ينكرون كونه تعالى عادلاً ، غايته : أنَّ العدل عندهم هوما يفعله ، وكلّ ما يفعله فهو حسن ، نعم
    __________________
    (1) الانبياء 21 : 23.

    أنكروا ما أثبته المعتزلة والإمامية من حكومة العقل ، وإدراكه للحسن والقبح على الحق جل شأنه ، زاعمين أنَّه ليس للعقل وظيفة الحكم بأنَّ هذا حسن من الله وهذا قبيح منه.
    والعدلية بقاعدة الحسن والقُبح العقليين ـ المُبَرهَن عليها عندهم ـ أثبتوا جملة من القواعد الكلامية : كقاعدة اللُّطف ، ووجوب شكر المنعم ، ووجوب النظر في المعجزة. وعليها بنوا أيضاً مسألة الجبر والاختيار ، وهي من معضلات المسائل التي أخذت دوراً مهماً في الخلاف ، حيث قال الأَشاعرة بالجبر أو بما يُؤدي اليه ، وقال المعتزلة : بأنَّ الإنسان حر مختار له حرية الإرادة والمشيئة في أفعاله.
    غايته : أنَّ ملكة الاختيار وصفته كنفس وجوده من الله سبحانه ، فهو خَلَقَ العبد وأوجده مختاراً ، فكلي صفة الاختيار من الله ، والاختيار الجزئي في الوقائع الشخصية للعبد ومن العبد ، والله جل شأنه لم يجبره على فعل ولا ترك ، بل العبد اختار ما شاء منهما مستقلاً ، ولذا يصح عند العقل والعقلاء ملامته وعقوبته على فعل الشر ، ومدحه ومثوبته على فعل الخير ، وإلّا لبطل الثواب والعقاب ، ولم تكن فائدة في بعثة الأَنبياء وإنزال الكتب والوعد والوعيد.
    ولا مجال هنا لأكثر من هذا ، وقد بسطنا بعض الكلام في هذه المباحث في آخر الجزء الأَول من كتاب ( الدين والاسلام ) (1) وقد أوضحناها
    __________________
    (1) يقع الكتاب في جزءين ، ضمَّن مؤلَّفه رحمه الله تعالى الجزء الأول منه ثلاثة فصول تمهَّد لها خمسة سوانح يتعرض فيها إلى الأخطار المحيطة بالاسلام ، ومكائد الغربيين له ، وتأثر البعض من المسلمين بالآراء والمعتقدات الغربية. ثم ينفذ من ذلك إلى تبيان دور العلم والعمل في رقي الاديان وثبات اُصولهما ، مع شرح موجز لماهية الشرف والسعادة ، ودور


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اصل الشيعه واصولها Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اصل الشيعه واصولها   اصل الشيعه واصولها Emptyالأربعاء 16 أكتوبر 2024 - 5:41

    بوجه يسهل تناوله وتعقّله للأواسط ، فضلاً عن الأَفاضل ، وإنّما الغرض هنا : أن من عقائد الامامية واُصولهم أن الله عادل ، وأنَّ الانسان حر مختار.
    __________________
    الاخلاق في رقي الشعوب ، ونبذ من أقوال الحكماء ومؤلَّفاتهم ، والاشارة من خلالها إلى القصور الذي يحيط البعض في كيفية الدعوة الى الأسلام وتبيان عقائده وافكاره ، وغير ذلك.
    والمؤلِّف رحمه الله تعالى يتعرَّض في الفصل الأولَّ منه إلى مسالة اثبات الصانع جلَّ اسمه بشكل علمي رصين ، حين يتعرَّض في فصله الثاني إلى اثبات وحدة الصانع تبارك وتعالى ، ونفي الشريك عنه ، ثم يتناول بالشرح في الفصل الثالث منه ماهية العدل وكيفية القيام به ، بشكل مفصل ومسهب.
    وأمَّا الجزء الثاني من الكتاب فقد تعرض المؤلِّف رحمه الله تعالى فيه إلى ايضاح كلي للنبوِّة ووجوبها والحاجة إليه ، منطلقاً من خلال ذلك إلى كثير من الجوانب الأُخرى المتعلِّقة بها وصولاً إلى تبيان الاعجاز القراني الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وما يتعلَّق به.


    المعاد :
    يعتقد الامامية ـ كما يعتقد سائر المسلمين ـ : أنَّ الله سبحانه يُعيد الخلائق ويحييهم بعد موتهم يوم القيامة للحساب والجزاء ، والمُعاد هو الشخص بعينه ـ وبجسده وروحه ـ بحيث لو رآه الرائي لقال : هذا فلان.
    ولا يجب أن تعرف كيف تكون الاعادة ، وهل هي من قبيل إعادة المعدوم ، أو ظهور الموجود ، أو غير ذلك.
    ويؤمنون بجميع ما في القرآن والسنَّة القطعية من الجنَّة والنّار ، ونعيم البرزخ وعذابه ، والميزان ، والصراط ، والأَعراف ، والكتاب الذي لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها ، وأن الناس مجزيون باعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر ( فَمَن يَعمَل مِثقالَ ذَرَّةٍ خيراً يَرَهُ * وَمَن يَعمَل مِثقالَ ذَرَّةٍ شراً يَرَهُ ) (1). إلى غير ذلك من التفاصيل المذكورة في محلِّها من كلُّ ما صدع به الوحي المبين ، وأخبر به الصّادق الأَمين.
    هذا تمام الكلام في الشَّطر الأَول من شطري الايمان بالمعنى الأَخص ، وهو ما يرجع إلى وظيفة العقل والقلب ، ومرحلة العلم والاعتقاد ، ونستأنف الكلام فيما هو من وظيفة القلب والجسد ، أعني مرحلة العمل بأركان الإيمان من أفعال الجوارح.
    __________________
    (1) الزلزلة 99 : 7 ـ 8.

    تمهيد وتوطئة :
    يعتقد الإمامية : أنَّ لله ـ بحسب الشريعة الاسلامية ـ في كلُّ واقعة حكماً حتى أرش الخدش ، وما من عمل من أعمال المكلَّفين ـ من حركة أو سكون ـ إلّا ولله فيه حكم من الأحكام الخمسة : الوجوب ، والحرمة ، والندب ، والكراهة ، والإباحة.
    وما من معاملة على مال ، أوعقد نكاح ، ونحوهما إلّا وللشرع فيه حكم صحة أو فساد.
    وقد أودع الله سبحانه جميع تلك الأَحكام عند نبيه خاتم الأَنبياء 9 ، وعرفها النبي بالوحي من الله تعالى أو الالهام ، ثم انَّه سلام الله عليه ـ حسب وقوع الحوادث ، أو حدوث الوقائع ، أو حصول الابتلاء ، وتجدّد الآثار والأَطوار ـ بيَّن كثيراً منها للناس ، وبالأَخص لأَصحابه الحافيِّن به ، الطائفين كلُّ يوم بعرش حضوره ، ليكونوا هم المبلِّغين لسائر المسلمين في الآفاق ( لِتَكُونُوا شُهَداء عَلى النّاس وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيكُم شَهيداً ) (1).
    وبقيت أحكام كثيرة لم تحصل الدواعي والبواعث لبيانها ، أمّا لعدم الابتلاء بها في عصر النبوَّة ، أو لعدم اقتضاء المصلحة لنشرها.
    والحاصل : إنَّ حكمة التدريج اقتضت بيان جملة من الأَحكام وكتمان جملة ، ولكنَّه سلام الله عليه أودعها عند أوصيائه ، كلُّ وصي يعهد بها إلى ألاخر لينشرها في الوقت المناسب لها حسب الحكمة ، من عام مخصص ، أو مطلق مقيِّد ، أو مجمل مبيَّن ، إلى أمثال ذلك.
    فقد يذكر النبيّ عامَّاً ، ويذكر مخصصه بعد برهة من حياته ، وقد لا
    __________________
    (1) البقرة 2 : 143.


    يذكره أصلاً ، بل يودعه عند وصيِّه إلى وقته.
    ثم أنَّ الأحاديث التي نشرها النبي 9 في حياته قد يختلف الصحابة في فهم معانيها على حسب أختلاف مراتب أفهامهم وقرائحهم ( أنزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَساَلت أودِيَةٌ بِقَدَرِها ) (1).
    وَلَكن تَأخُذُ الأذهانُ مِنهُ
    على قَدَرِ القرائحِ والفُهومِ

    ثم إنَّ الصحابي قد يسمع من النبيّ في واقعة حكماً ، ويسمع الآخر في مثلها خلافه ، وتكون هناك خصوصية في أحدهما اقتضت تغاير الحُكمين ، غفل أحدهما عن الخصوصية أو التفت إليها وغفل عن نقلها مع الحديث ، فيحصل التعارض في الأحاديث ظاهراً ، ولا تنافي واقعاً.
    ومن هذه الأَسباب وأضعاف أمثالها احتاج حتى نفس الصحابة ـ الَّذين فازوا بشرف الحضور في معرفة الأَحكام إلى الاجتهاد والنظر في الحديث ، وضم بعضه إلى بعض ، والإلتفات على القرائن الحالية ، فقد يكون للكلام ظاهر ومراد النبي خلافه ، اعتماداً على قرينة كانت في المقام ، والحديث نُقِل والقرينة لم تُنقَل. وكل واحد من الصحابة ممَّن كان من أهل الرأي والرواية ... ـ إذ ليس كلهم كذلك بالضرورة ـ تارة يروي نفس الفاظ الحديث للسامع من بعيد أو قريب ، فهو في الحال راوٍ ومحدِّث ، وتارة يذكر الحكم الذي استفاده من الرواية أو الروايات بحسب نظره واجتهاده ، فهو في هذا الحال مفتٍ وصاحب رأي ، وأهل هذه المَلَكَة مجتهدون ، وسائر المسلمين ـ الَّذين لم يبلغوا إلى تلك المرتبة ـ إذا أخذوا برأيه مقلِّدون.
    وكان كلُّ ذلك قد جرى في زمن صاحب الرسالة ، وبمرأى منه
    __________________
    (1) الرعد 13 : 17.

    ومسمع ، بل وربما رجع بعضهم إلى بعض ، على أنَّ الناس من هذا بازاء أمر واقع لا محالة.
    وإذا أمعنت النظر فيما ذكرناه ، اتضح لديك أنَّ باب الاجتهاد كان مفتوحاً في زمن النبوَّة وبين الصحابة ، فضلا عن غيرهم ، وفضلاً عن سائر الأزمنة التي بعده ، نعم غايته : أن الاجتهاد يومئذٍ كان خفيف المؤنة جداً لقرب العهد ، وتوفُّر القرائن ، وإمكان السؤال المفيد للعلم القاطع.
    ثم كلّما بعد العهد من زمن الرسالة ، وتكثَّرت الاراء ، واختلطت الأعارب بالأَعاجم ، وتغيَّر اللحن ، وصعب الفهم للكلام العربي على حاق معناه ، وتكثَّرت الأَحاديث والروايات ، وربما دخل فيها الدس والوضع ، وتوافرت دواعي الكذب على النبي 9 ، أخذ الاجتهاد ومعرفة الحكم الشرعي يصعب ويحتاج إلى مزيد مؤنة ، واستفراغ وسع ، للجمع بين الأَحاديث ، وتمييز الصحيح منها من السقيم ، وترجيح بعضها على البعض ، وكلّما بَعُد العهدُ ، وانتشر الاسلام ، وتكثَّرت العلماء والرواة ، ازداد الأَمر صعوبة.
    ولكن مهما يكن الحال ، فباب الاجتهاد كان في زمن النبي 9 مفتوحاً ، بل كان أمراً ضرورياً عند من يتدبر ، ثم لم يزل مفتوحاً عند الإمامية إلى اليوم ، والناس بضرورة الحال لا يزالون بين عالم وجاهل. وبسنَّة الفطرة ، وقضاء الضرورة أنَّ الجاهل يرجع إلى العالم.
    فالناس إذاً في الأَحكام الشرعية بين عالم مجتهد ، وجاهل مقلِّد يجب عليه الرجوع في تعيين تكاليفه إلى أحد المجتهدين.
    والمسلمون متفقون أنّ أدلة الأحكام الشرعية منحصرة في الكتاب والسنَّة ، ثم العقل والإجماع. ولا فرق في هذا بين الإمامية وغيرهم من فرق المسلمين.

    نعم يفترق الإمامية عن غيرهم هنا في اُمور :
    منها : إنَّ الإمامية لا تعمل بالقياس ، وقد تواتر عن أئمتهم : : ( أنّ الشَّريعة إذا قيست مُحِقَ الدِّينُ ) (1).
    والكشف عن فساد العمل بالقياس يحتاج إلى فضل بيان لا يتسع له المقام.
    ومنها : أنَّهم لا يعتبرون من السنَّة ـ أعني الأَحاديث النبوية ـ إلّا ما صح لهم من طرق أهل البيت : عن جدهم 9 ، يعني : ما رواه الصّادق ، عن أبيه الباقر ، عن أبيه زين العابدين ، عن الحسين السّبط ، عن أبيه أمير المؤمنين ، عن رسول الله سلام لله عليهم جميعاً.
    أمّا ما يرويه مثل : أبي هريرة ، وسمرة بن جندب ، ومروان بن الحكم ، وعمران بن حطّان الخارجي ، وعمرو بن العاص ، ونظائرهم ، فليس لهم عند الإمامية من الاعتبار مقدار بعوضة ، وأمرهم أشهر من أن يُذكر ، كيف وقد صرح كثير من علماء السنّة بمطاعنهم ، ودل على جائفة جروحهم (2).
    ومنها : أنَّ باب الاجتهاد ـ كما عرفتَ ـ لا يزال مفتوحاً عند الإِمامية ، بخلاف جمهور المسلمين ، فإنَّهم قد سُدّ عندهم هذا الباب ، وأُقفل على ذوي الألباب ، وما أدري في أي زمان ، وبأي دليل ، وبأي نحو كان ذلك الانسداد ، ولم أجد من وفى هذا الموضوع حقه من علماء القوم ، وتلك أسئلة لا أعرف من جواباتها شيئاً ، والعهدة في إيضاحها عليهم.
    وما عدا تلك الأُمور فالإمامية وسائر المسلمين فيها سواء ، لا يختلفون
    __________________
    (1) اُنظر : الكافي 1 : كتاب فضل العلم ، باب البدع والرأي والمقائس.
    (2) تقدم مِنّا الحديث عن ذلك ، فراجع.

    إلّا في الفروع ، كاختلاف علماء الإمامية أوعلماء السنَّة فيما بينهم من حيث الفهم والاستنباط.
    والمراد بالمجتهد : من زاول الأَدلة ومارسها ، واستفرغ وسعه فيها حتى حصلت له مَلَكَةٌ وقوة يقدر بها على استنباط الحكم الشرعي من تلك الأَدلة.
    وهذا أيضاً لا يكفي في جواز تقليده ، بل هنا شروط اُخرى ، أهمها العدالة ، وهي : مَلَكَةٌ يستطيع معها المرء الكف عن المعاصي ، والقيام بالواجب ، كما يستطيع من له مَلَكَة الشجاعة اقتحام الحرب بسهولة ، بخلاف الجبان.
    وقصاراها : إنَّها حالة من خوف الله ومراقبته تلازم الانسان في جميع أحواله ، وهي ذات مراتب ، أعلاها العصمة التي هي شرط في الامام.
    ثم أنَّه لا تقليد ولا اجتهاد في الضروريات ، كوجوب الصَّلاة والصَّوم وأمثالها ، مما هو مقطوع به لكل مُكلَّف ، ومنكره منكر لضروري من ضروريات الدِّين.
    كما لا تقليد في اُصول العقائد : كالتوحيد ، والنبوّة ، والمعاد ، ونحوها ممّا يلزم تحصيل العلم به من الدليل على كلُّ مكلَّف ولو إجمالاً ، فإنَّها تكاليف علمية ، وواجبات اعتقادية ، لا يكفي الظن والاعتماد فيها على رأي الغير ( فاعلم أنَّه لا إله إلّا هو ).
    وما عداها من الفروع فهو موضع الاجتهاد والتقليد.
    وأعمال المكلَّفين ـ التي هي موضوع لأَحكام الشرع ، يلزم معرفتها اجتهاداً أو تقليداً ، وبُعاقب من ترك تعلّمها بأحد الطريقين ـ لا تخلو إمّا أن يكون القصد منها المعاملة بين العبد وربِّه ، فهي العبادات الموقوف صحتها على قصد التقرُّب بها إلى الله ، [ وهي أمّا ] بدنية : كالصَّوم ، والصَّلاة ، والحج. أو مالية : كالخمس ، والزَّكاة ، والكفّارات.


    أو المعاملة بينه وبين الناس ، وهي أمّا أن تتوقف على طرفين : كعقود المعاوضات والمناكحات ، أو تحصل من طرف واحد : كالطلاق والعتق ونحوهما.
    أو المعاملة مع خاصة نفسه ، ومن حيث ذاته : كأكله ، وشربه ، ولباسه ، وأمثال ذلك.
    والفقه يبحث عن أحكام جميع تلك الأعمال في أبواب أربعة :
    [1] العبادات.
    [2] المعاملات.
    [3] الايقاعات.
    [4] الأحكام.
    واُمَّهات العبادات ست :
    اثنتان بدنية محضة ، وهما : الصَّلاة والصَّوم.
    واثنتان مالية محضة وهما : الزَّكاة ، والخمس.
    واثنتان مشتركة على المال والبدن وهما : الحج والجهاد ( جاهِدُوا بأموالِكُم وأنفسِكُم ) (1).
    أما الكفّارات فعقوبات خاصَّة على جرائم مخصوصة.
    __________________
    (1) التوبة 9 : 41.

    الصلاة
    هي عند الإمامية ـ بل عند عامة المسلمين ـ : عمود الدِّين ، والصِّلة بين العبد والربِّ ، ومعراج الوصول إليه.
    فإذا ترك الصَّلاة فقد انقطعت الصلة والرابطة بينه وبين ربه ، ولذا ورد في أخبار أهل البيت : : أنه ليس بين المسلم وبين الكفر بالله العظيم إلا ترك فريضة أو فريضتين (1).
    وعلى أيٍّ : فإنَّ للصَّلاة ـ بحسب الشَّريعة الإسلامية ـ مقاماً من الأَهمية لا يوازيه شيء من العبادات ، وإجماع الإمامية على أنَّ تارك الصلاة فاسق لا حرمة له قد انقطعت من الإسلام عصمته ، وذهبت أمانته ، وحلَّت غيبته ، وأمرها عندهم مبني على الشِّدة جداً.
    والواجب منها بحسب أصل الشَّرع خمسة أنواع : الفرائض اليومية ، صلاة الجمعة ، صلاة العيدين ، صلاة الآيات ، وصلاة الطواف. وقد يوجبها المكلّف على نفسه بسبب من نذر أو يمين أو استئجار ، وما عدا ذلك فنوافل.
    وأهمّ النَّوافل عندنا : الرواتب ، يعني رواتب اليوم والليلة ، وهي ضعف الفرائض التي هي سبع عشرة ركعة ، فمجموع الفرائض والنَّوافل في اليوم والليلة عند الشِّيعة إحدى وخمسون.
    وخطر على بالي هنا ذكر ظريفة أوردها الراغب الاصفهاني في كتاب ( المحاضرات ) وهو من الكتب القيمة الممتعة :
    قال : كان بأصبهان رجل يُقال له الكناني ، في أيام أحمد بن
    __________________
    (1) راجع كتاب الوسائل للحر العاملي رحمه الله تعالى ، الجزء الرابع ، باب ثبوت الكفر والارتداد بترك الصلاة الواجبة جحوداً لها واستخفافاً.

    عبدالعزيز ، وكان يتعلَّم أحمد منه الإمامة ، فاتفق أن تطَّلعت عليه اُمُّ أحمد يوماً فقالت : يا فاعل ، جعلت ابني رافضياً.
    فقال الكناني : يا ضعيفة العقل! الرافضة تُصلِّي كلُّ يوم إحدى وخمسين ركعة ، وابنك لا يصلي في كلُّ أحد وخمسين يوماً ركعة واحدة ، فأين هو من الرافضة (1)؟!
    ويليها في الفضل أو الأَهمية : نوافل شهر رمضان ، وهي ألف ركعة زيادة عن النَّوافل اليومية ، وهي كما عند إخواننا من أهل السنَّة ، سوى أنَّ الشِّيعة لا يرون مشروعية الجماعة فيها ( إذ لا جماعة إلّا في فرض ) والسنَّة يصلونها جماعة ، وهي المعروفة عندهم بالتراويح.
    وباقي الفرائض : كالجمعة ، والعيدين ، والآيات ، وغيرها ، كبقية النَّوافل قد استوفت كتب الإمامية بيانها على غاية البسط ، وتزيد المؤلَّفات فيها على عشرات الالوف. ولها أوراد وأدعية وآداب وأذكار مخصوصة قد أفردت بالتأليف ، ولا يأتي عليها الحصر والعد.
    ولكن تتحصَّل ماهية الصَّلاة الصحيحة عندنا شرعاً من أُمور ثلاثة :
    الأوَّل : الشروط : وهي أوصاف تقارنها ، واعتبارات تُنتزع من أمور خارجة عنها ، وأركان الشروط التي تبطل بدونها مطلقاً ستة : الطهارة ، الوقت ، القبلة ، الساتر ، النية.
    أمّا المكان فليس من الأَركان وإن كان ضرورياً ، ويشترط إباحته وطهارة موضع السجود.
    الثاني : أجزاؤها الوجودية التي تتركب الصلاة منها : وهي نوعان :
    ركن تبطل بدونه مطلقاً ، وهو أربعة : تكبيرة الإِحرام ، والقيام ،
    __________________
    (1) محاضرات الاُدباء 4 : 448 ـ 449.

    والركوع ، والسجود.
    وغير ركن ، وهي : القراءة ، والذكر ، والتشهّد ، والتسليم.
    والطمأنينة معتبرة في الجميع ، والأذان والإقامة مستحبان مؤكدان ، بل الأَخير وجوبه قوي مع السعة.
    الثالث : الموانع : وهي أُمور بوجودها تبطل الصلاة ، وهي أيضاً نوعان :
    ركن تبطل به مطلقاً ، وهو : الحدث ، والاستدبار ، والعمل الكثير الماحي لصورتها.
    وغير ركن تبطل بوجوده عمداً فقط ، وهو : الكلام ، والضحك ـ بصوت ـ والبكاء كذلك ، والإلتفات يميناً وشمالاً ، والأكل والشرب.
    والطهارة : وضوء وغسل ، ولكل منهما أسباب توجبهما ، وإذا لم يتمكَّن منهما ـ إمّا لعدم وجود الماء ، ، أو لعدم التمكن من استعماله لمرض أو برد شديد أو ضيق وقت ـ فبدلهما التيمم ( فَتَيَمَموا صَعيداً طيباً ) (1).
    واختلف الفقهاء واللغويون في معنى الصعيد ، فقيل : خصوص التراب ، وقيل : مطلق وجه الأرض ، فيشمل الحصى والرمل والصخور والمعادن قبل الإحراق ، ويجوز السجود عليها ، وهذا هو الأصح.
    وهذا موجز من الكلام في الصلاة ، وفيها أبحاث جليلة وطويلة تستوعب الملجِّدات الضخمة.
    __________________
    (1) النساء 4 : 43 ، والماثدة5 : 6.


    الصوم :
    هو عند الإمامية ركن من أركان الشريعة الإسلامية ، وينقسم من حيث الحكم إلى ثلاثة أقسام :
    واجب ، وهو قسمان : واجب بأصل الشرع ، وهو صوم شهر رمضان. وواجب بسبب كصوم الكفّارة ، وبدل الهدي ، والنيابة ، والنذر ، ونحوها.
    ومستحب : كصوم رجب وشعبان ونحوهما ، وهو كثير.
    وحرام : كصوم العيدين وأيام التشريق.
    قيل : ومكروه : كصوم يوم عرفة ، وعاشوراء ، وهو نسبي.
    وللصوم شروط وموانع واداب وأذكار مذكورة في محلِّها ، وقد ألَّفت الإمامية فيه ألوف المؤلَّفات.
    والتزام الشِّيعة بصيام شهر رمضان قد تجاوز الحد ، حتى أنَّ الكثير منهم يشرف على الموت من مرض أو عطش وهو لا يترك الصيام ، فالصَّلاة والصَّوم هما العبادة البدنية المحضة.

    الزكاة :
    هي عند الشِّيعة تالية الصَّلاة ، بل في بعض الأَخبار عن أئمة الهدى ما مضمونه : إنَّ من لا زكاة له لا صلاة له (1).
    وتجب عندهم ـ كما عند عامَّة المسلمين ـ في تسعة أشياء :
    الأَنعام الثلاثة : الإِبل ، البقر ، الغنم.
    وفي الغلات الأَربع : الحنطة ، الشعير ، التمر ، الزبيب.
    وفي النقدين الذهب والفضة.
    وتَستحب في مال التجارة ، وفي الخيل ، وفي كلُّ ما تُنبته الأَرض من الحبوب : كالعدس ، والفول ، وأمثالها.
    ولكلٍ من الوجوب والإستحباب شروط وقيود مفصِّلة في محالّها ، ولا شيء منها إلّا وهو موافق لمذهب من المذاهب المعروفة : الحنفي ، الشَّافعي ، المالكي ، الحنبلي.
    ومصرفها ما ذكره جلَّ شأنه في آية : ( إنَّما الصَّدَقاتُ للفُقراءِ والمَساكينِ ) (2) إلى آخرها.
    __________________
    (1) انظر : الكافي 3 : 479|2 و 5 ، الفقيه 2 : 8|26.
    (2) التوبة 9 : 60.


    زكاة الفطرة :
    وهي تجب على كلُّ إنسان بالغ عاقل غني ، عن نفسه وعمَّن يعول به من صغير أو كبير ، حر أو مملوك. وقدرها عن كلُّ إنسان صاع من حنطة أو شعير ، أو تمر ، أو نحوهما ممّا يحصل به القوت.
    ومذهب الشِّيعة هنا لا يخالف مذاهب السنَّة في شيء.

    الخمس :
    ويجب عندنا في سبعة أشياء : غنائم دار الحرب ، الغوص ، الكنز ، المعدن ، أرباح المكاسب ، الحلال المختلط بالحرام ، الأَرض المنتقلة من المسلم إلى الذمِّي.
    والأصل فيه : قوله تعالى ( وأعلَمُوا أنَّ ما غنمتم مِن شيءٍ فأنَّ لله خُمُسَهُ وللرَّسولِ وَلذِي القربى ) (1) ... إلى آخرها.
    والخُمس عندنا حق فرضه الله تعالى لآلِ محمّدٍ صلوات الله عليه وعليهم ، عوض الصَّدقة التي حرمها عليهم من زكاة الأَموال والأَبدان.
    ويقسم ستة سهام؟ ثلاثة لله ولرسوله ولذي القربى.
    وهذه السّهام يجب دفعها إلى الإمام إن كان ظاهراً ، وإلى نائبه وهو ( المجتهد العادل ) إن كان غائباً ، يدفع إلى نائبه في حفظ الشَّريعة ، وسدانة الملة ، ويصرفه على مهمّات الدِّين ، ومساعدة الضعفاء والمساكين ، لا كما قال محمود الآلوسي في تفسيره مستهزئاً : ينبغي أن توضع هذه السّهام في مثل هذه الأَيام في السرداب (2)!!
    مشيراً إلى ما يرمون به الشِّيعة من أنَّ الإمام غاب فيه!! وقد أوضحنا غير مرَّة أنَّ من الأغلاط الشّائعة عند القوم ـ من سلفهم إلى خلفهم وإلى اليوم ـ زعمهم أنَّ الشِّيعة يعتقدون غيبة الإمام في السرداب ، مع أنَّ السرداب لا علاقة له بغيبة الإمام أصلاً ، وإنَّما تزوره الشِّيعة وتُؤدي بعض المراسم العبادية فيه لأنّه موضع تهجُّد الإمام وآبائه العسكريَين ، ومحل قيامهم في
    __________________
    (1) الانفال 8 : 41.
    (2) روح المعاني 10 : 5.


    الأسحار لعبادة الحقِّ جلَّ شأنه.
    أمّا الثلاثة الأُخرى : فهو حقُّ المحاويج والفقراء من بني هاشم ، عوض ماحرِّم عليهم من الزكاة.
    هذا حكم الخمس عند الإمامية من زمن النبيّ إلى اليوم ، ولكن القوم بعد رسول الله 9 منعوا الخمس عن بني هاشم ، وأضافوه إلى بيت إلمال ، وبقي بنو هاشم لا خمس لهم ولا زكاة ، ولعلَّ إلى هذا أشار الإمام الشّافعي ; حيث يقول في كتاب ( الام ) صفحة 69 : فأمّا آل مُحَمَّدٍ الذين جُعِل لهم الخمس عوضاً من الصَّدقة ، فلا يُعطون من الصدقات المفروضات شيئاً ـ قل أو كثر ـ ولا يحل لهم أن يأخذوها ، ولا يجزي عمَّن يعطيهموها إذا عرفهم ـ إلى أن قال ـ وليس منعهم حقهم في الخمس يجل لهم ما حرِّم عليهم من الصَّدقة. انتهى.
    ومن جهة سقوطه عندهم لا تجد له عنواناً وباباً في كتب فقهائهم ، حتى الشّافعي في كتابه بخلاف الإمامية ، فإنَّه ما من كتاب فقه لهم صغير أو كبير إلّا وللخمس فيه عنوان مستقل كالزكاة وغيرها (1). فالزكاة والخمس هما العبادة المالية المحضة ، وأمّا المشتركة بينهما فالحج والجهاد.
    __________________
    (1) نعم ، ذكر الحافظ الثبت أبو عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة ( 224 هـ ) في كتابه ( كتاب الأموال ) الذي هو من أهم الكتب ونفائس الاثار ، ذكر كتاب الخمس مفصّلاً ، والأصناف التي يجب الخمس فيها ، ومصرفه ، وسائر أحكامه. وأكثر ما ذكره موافق لما هو المشهور عند الإمامية ، فليراجع من شاء من صفحة 303 إلى 349. « منه 1 ».

    الحج :
    من أعاظم دعائم الإسلام عند الشِّيعة ، وأهم أركانه ، ويخيِّر تاركه بين أن يموت يهودياً أو نصرانياً. وتركه على حدّ الكفر بالله كما يشير إليه قوله تعالى : ( ومَن كَفَرَ فإنَّ الله غَنيٌ عَنِ العالمَين ).
    وهو نوع من الجهاد بالمال والبدن حقيقة ، بل الحج جهاد معنوي ، والجهاد حج حقيقي ، وبإمعان النظر فيهما يُعلم وجه الوحدة بينهما.
    وبعد توفّر الشرائط العامة في الإنسان : كالبلوغ ، والعقل ، والحرية. وخاصة : كالإستطاعة بوجدان الزاد والراحلة ، وصحة البدن ، وأمن الطريق ، يجب الحج في العمر مرَّة واحدة فوراً.
    وهو ثلاثة أنواع :
    إفراد : وهو المُشار إليه بقوله تعالى : ( ولله على الناس حجُّ البَيتِ ) (1).
    وقران : وهو المُراد بقوله تعالى : ( وأُتِمُّوا الحَجَّ والعُمَرة لِلّه ) (2).
    وتمتُّع : وهو المعنى بقوله جلَّ وعلا ( فَمَن تمتُّع بالعُمرَةِ إلى الحَجِّ ) (3).
    ولكلِّ واحدٍ منها مباحث وفيرة ، وأحكام كثيرة ، موكولة إلى محالِّها من الكتب المطوَّلة.
    وقد سبرتُ عدَّة مؤلَّفات في الحج لعلماء السنَّة فوجدتها موافقة في
    __________________
    (1) آل عمران 3 : 97.
    (2) البقرة 2 : 196.
    (3) البقرة 2 : 196


    الغالب لأكثر ما في كتب الإمامية ، لا تختلف عنها إلّا في الشاذ النادر.
    والتزام الشِّيعة بالحج لا يزال في غاية الشِّدة ، وكان يحج منهم كلُّ سنة مئات الالوف ، مع ما كانوا يلاقونه من المهالك والأَخطار من اُناس يستحلّون أموالهم ودماءهم وأعراضهم ، ولم يكن شيء من ذلك يقعد بهم عن القيام بذلك الواجب ، والمبادرة إليه ، وبذل المال والنفس في سبيله ، وهم مع ذلك كله « ويا للأَسف » يريدون هدم الإِسلام؟!

    الجهاد :
    وهو حجر الزاوية من بناء هيكل الإِسلام ، وعموده الذي قامت عليه سرادقه ، واتَّسعت مناطقه ، وامتدت طرائقه ، ولولا الجهاد لما كان الإسلام رحمة للعالمين ، وبركة على الخلق أجمعين.
    والجهاد هو : مكافحة العدو ، ومقاومة الظلم والفساد في الأَرض ، بالنفوس والأموال ، والتضحية والمفاداة للحق.
    والجهاد عندنا على قسمين :
    الجهاد الأَكبر : بمقاومة العدو الداخلي وهو ( النفس ) ومكافحة صفاتها الذميمة ، وأخلاقها الرَّذيلة ، من الجهل ، والجبن ، والجور ، والظلم ، والكبر ، والغرور ، والحسد ، والشح ، إلى آخر ما هناك من نظائرها ( أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك ).
    والجهاد الأَصغر : هو مقاومة العدو الخارجي ، عدو الحقِّ ، عدو العدل ، عدو الصلاح ، عدو الفضيلة ، عدو الدِّين.
    ولصعوبة معالجة النفس ، وانتزاع صفاتها الذميمة ، وغرائزها المستحكمة فيها ، والمطبوعة عليها ، سمَّى النبي 9 هذا النوع في بعض كلماته ( بالجهاد الأكبر ) ولم يزل هو وأصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ طوال حياته وحياتهم مشغولين بالجهادين حتى بلغ الإسلام إلى أسمى مبالغ العز والمجد.
    ولو أردنا أن نُطلق عنان البيان للقلم فى تصوير ما كان عليه الجهاد بالأَمس عند المسلمين ، وما صار اليوم ، لتفجَّرت العيون دماً ، ولتمزَّقت القلوب أسفاً وندماً ، ولتسابقت العبرات والعبارات ، والكلوم والكلمات ، ولكن! أتراك فطنت لما حبس قلمي ، ولوى عناني ، وأجج لوعتي ، وأهاج


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اصل الشيعه واصولها Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اصل الشيعه واصولها   اصل الشيعه واصولها Emptyالأربعاء 16 أكتوبر 2024 - 5:43

    أحزاني ، وسلبني حتى حرِّية القول ، وبثة المصدور ، وبثة المجمور :
    فَدَع عَنكَ نَهباً صِيحَ في حَجَراتِهِ
    وَلكن حديثاً ما حَدِيثُ الرَّواحِلِ (1)

    __________________
    (1) بيت شعري لامرئ القيس ذهب صدره مثلاً ، والبيت من قصيدة له قالها في حادثة وقعت له حين نزل على خالد بن سدوس بن أصمع النبهاني ، حيث أغار عليه باعث بن حويص وذهب بإبله ، فقال له خالد : اعطني صنانعك ورواحلك حتى أطلب عليها مالك ، ففعل ، فذهب بها. وقيل إنَّه لحق بالقوم فاخذوا منه الرواحل وتركوه ، فهجاه امرؤ القيس بهذه القصيدة.
    وصدر البيت يضرب مثلاً لمن ذهب من ماله شيء ثم ذهب بعده ما هو أجل منه.
    ومن أبيات القصيدة :
    دَع عَنكَ نَهباً صيحَ في حَجَراتِهِ ولَكِن
    حَديثاً ماحَديثُ الرواحل

    كأنَّ دثاراً حَلَّقَت بِلبونِه
    عُقابُ تنُوفي لاعُقابُ القواعل

    تَلَعَّبَ باعِثٌ بذِمةِ خالدٍ
    وأودى عصامٌ في الخطوبِ الاوائِلِ

    انظر : ديوان الشاعر : 146 ، مجمع الامثال 1 : 470 / 1402.

    حديث
    الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
    الذي هو من أهم الواجبات شرعاً وعقلاً ، وهو أساس من أُسس دين الإسلام ، وهو من أفضل العبادات ، وأنبل الطاعات ، وهو باب من أبواب الجهاد ، والدعوة إلى الحقِّ ، والدعاية إلى الهدى ، ومقاومة الضلال والباطل ، والذي ما تركه قوم إلّا وضربهم الله بالذلِّ ، وألبسهم لباس البؤس ، وجعلهم فريسة لكلِّ غاشم ، وطعمة كلُّ ظالم.
    وقد ورد من صاحب الشَّريعة الإسلامية ، وأئمتنا المعصومين صلوات الله عليهم ، في الحثِّ عليه ، والتحذير من تركه ، وبيان المفاسد والمضار في إهماله ما يقصم الظهور ، ويقطع الأَعناق. والمحاذير التي أنذرونا بها عند التواكل والتخاذل في شأن هذا الواجب قد أصبحنا نراها عياناً ، ولا نحتاج عليها دليلاً ولا برهاناً.
    وياليت الامر وقف عند ترك الأَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا يتجاوزه إلى أن يصير المنكر معروفاً والمعروف منكراً ، ويصير الآمر بالمعروف تاركاً له ، والناهي عن المنكر عاملاً به ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ( ظَهَرَ الفَسادُ في البَرِّ والبَحرِ ) فلا منكر مغيِّر ، ولا زاجر مزدجِر. لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له ، الناهين عن المنكر العاملين به (1).
    __________________
    (1) الروم 35 : 41.
    (2) ولله دين الإسلام ما أوسعه وأجمعه لقوانين السياسة الدينية والمدنية ، واُمّهات أسباب الرقي والسعادة. فلما جعل الشارع الأحكام ، ووضع الحدود والقيود للبشر ، والأوامر والنواهي بمنزلة القوة التشريعية ، احتاج ذلك إلى قوِّة تنفيذية ، فجعل التنفيذ على المسلمين جميعا ،



    هذه أمهات العبادات عند الإمامية طبق الشَّريعة الإسلامية ، إكتفينا منها بالإشارة والعنوان ، وتفاصيلها على عهدة مولَّفات أصحابنا من الصدر الأول إلى اليوم ، الموجود منها في هذا العصر فضلاً عن المفقود ـ ينوف على مئات الالوف.
    أما المعاملات : وهي ما يتوقَّف على طرفين : موجِب وقابل ، فتارة : يكون المقصد المهم منها المال ، وهي عقود المعاوضات ، وهي على قسمين :
    العقود اللازمة : كالبيع ، والإجارة ، والصلح ، والرهن ، والهبة المعوضة ، وما إلى ذلك من نظائرها ، وهي عقود المغابنات.
    والعقود الجائزة : كالقرض ، والهبة غير المعوضة ، والجعالة ،
    __________________
    حيث أوجب على كلُّ مسلم ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) ليكون كلُّ واحد قوة تنفيذية لتلك الأَحكام ، فكلكم راع وكلكم مسؤول [ عن رعيته ] ، والجميع مسيطر على الجميع. فإذا لم تنجح هذه القوة ، ولم يحصل الغرض منها بحمل الناس على الخير ، وكفِّهم عن الشر ، فهناك ولاية ولي الأَمر ، والراعي العام ، والمسؤول المطلق ، وهو الامام أو السلطان المنصوب لاقامة الحدود على المجرمين ، وحفظ ثغور المسلمين.
    وفي وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والعمل به من الفوائد والثمرات ، وعظيم الآثار ، ما يضيق عنه نطاق البيان في هذا المقام ، ولكن هل تجد مثل هذه السياسة في دين من الأَديان؟ وهل تجد أعظم وأدق من هذه الفلسفة أن يكون كلُّ إنسان رقيباً على الآخر ، ومهيمناً عليه؟
    وعلى كلُّ واحد واجبات ثلاثة : أن يتعلَّم ويعمل ، وأن يُعلِّم ، وأن يبعث غيره على العلم والعمل؟
    فتأمل واعجب بعظمة هذا الدِّين ، وأعظم من ذلك واعجب من حالة أهليه اليوم ، فلا حول ولا قوَّة إلا بالله. « منه 1 ».

    وأضرابها.
    والكل مشروح في كتب الفقه ، في متونها وشروحها ، وأُصولها وفروعها ، وقواعدها وأدلتها ، من مطوَّلات ومختصرات.
    ولكنّ أصحابنا ـ رضوان الله عليهم ـ لا يحيدون قيد شعرة في شيء من أحكام تلك المعاملات ـ كما لا يحيدون في العبادات أيضاً ـ عن الكتاب والسنَّة ، والقواعد المستفادة منها من استصحاب وغيره.
    ولا يحل عندنا اكتساب المال إلّا من طرقه المشروعة ، بتجارة أو إجارة ، أو صناعة أو زراعة ، أو نحو ذلك. ولا يحل بالغصب ، ولا بالربا ، ولا بالخيانة ، ولا بالغش ، ولا التدليس ، ولا تحل عندنا الخديعة للكافر فضلاً عن المسلم. كما يجب أداء الأَمانة ، ولا تحل خيانة الكافر فيها فضلاً عن المسلم.
    وتارة : يكون الغرض المهم ليس هو المال ، وإن تضمَّن المال ، وذلك كعقود الزواج الذي يقصد منه النسل ونظام العائلة وبقاء النوع ، وهو عندنا قسمان :
    عقد الدوام : وهو الزواج المطلق.
    والعقد المرسل ( وانكِحُوا الأيامى مِنكُم والصّالحِين مِن عِبادِكُم ) (1).
    وعقد الانقطاع : وهو الزواج المقيد والنكاح الموقَّت.
    والأوَّل هو الذي اتفقت عليه عامَّة المسلمين.
    وأمّا الثاني ويعرف ( بنكاح المتعة ) المصرَّح به في الكتاب الكريم بقوله تعالى : ( فَما استَمتَعتُم بِهِ مِنهُنَّ فآتُوهُن أُجُرَهُنَّ ) (2) فهو الذي انفردت به
    __________________
    (1) النور 24 : 32.
    (2) النساء 4 : 24.

    الإمامية من بين سائر فرق المسلمين بالقول بجوازه وبقاء مشروعيته إلى الأَبد ، ولا يزال النزاع محتدماً فيه بين الفريقين ، من زمن الصحابة وإلى اليوم. وحيث إنَّ المسألة لها مقام من الاهتمام ، فجدير أن نعطيها ولو بعض ما تستحق من البحث ، إنارة للحقيقة ، وطلبا للصواب.
    فنقول : إنَّ من ضروريات مذهب الإسلام ـ التي لا ينكرها من له أدنى إلمام بشرائع هذا الدِّين الحنيف ـ أنَّ المتعة ـ بمعنى العقد إلى أجل مسمى ـ قد شرَّعها رسول الله 9 ، وأباحها ، وعمل بها جماعة من الصحابة في حياته ، بل وبعد وفاته ، وقد اتفق المفسرون : أنَّ جماعة من عظماء الصحابة كعبدالله بن عباس ، وجابر بن عبدالله الأَنصاري ، وعمران بن الحصين ، وأبن مسعود ، وأُبي بن كعب ، وغيرهم كانوا يفتون بإباحتها ، ويقرأون الآية المتقدمة هكذا : ( فما استمتعتم به منهنَّ إلى أجل مسمّى ) (1).
    وممّا ينبغي القطع به أنَّ ليس مرادهم التحريف في كتابه جلَّ شأنه ، والنقص منه ( معاذ الله ) بل المراد بيان معنى الآية على نحو التفسير الذي أخذوه من الصادع بالوحي ، ومن اُنزل عليه ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه.
    والروايات التي أوردها ابن جرير في تفسيره الكبير وان كانت ظاهرة في أنّها من صلب القران المنزَّل حيث يقول أبو نصيرة : قرأت هذه الآية على ابن عباس فقال : إلى أجل مسمى. فقلت : ما أقرأها كذلك ، قال : والله لأنزلها الله كذلك ( ثلاث مرات ) (2). ولكن يجل مقام حبر الاُمَّة عن هذه
    __________________
    (1) انظر : جامع البيان للطبري 5 : 9 ، التفسير العظيم لابن كثير 1 : 474 ، تفسير الكشّاف للزمخشري 1 : 519 ، الجامع لاحكام القرآن للقرطبي 2 : 147 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 : 205.
    (2) جامع البيان للطبري 5 : 9.

    الوصمة ، فلا بُدّ أن يكون مراده ـ إن صحَّت الرواية ـ أنَّ الله أنزل تفسيرها كذلك.
    وعلى أيٍ ، فالإجماع ، بل الضرورة في الإسلام قائمة على ثبوت مشروعيتها ، وتحقُّق العمل بها ، غاية ما هناك أنَّ المانعين يدَّعون أنَّها نُسخت وحُرِّمت بعد ما أُبيحت ، وحصل هنا الاضطراب في النقل والإِختلاف الذي لا يفيد ظناً فضلاً عن القطع ، ومعلوم ـ حسب قواعد الفن ـ ان الحكم القطعي لا ينسخه إلّا دليل قطعي.
    فتارة : يزعمون أنّها نُسخت بالسنَّة ، وأن النبي حرَّمها ، بعد ما أباحها (1) ، وأُخرى : يزعمون أنَّها قد نسخت بالكتاب ، وهنا وقع الخلاف والإختلاف أيضاً ، فبين قائل : أنّها نُسخت بآية الطلاق ( إذا طَلَّقتُم النِّساءَ فَطَلّقوهُنَّ لِعِدَّتِهِّنِ ) (2) (3) وآخر يقول : نَسَخَتها آية مواريث الأزواج ( لَكُم نِصفُ ما تَرَكَ أزواجُكُم ) (4) (5) وأجدني في غنى عن بيان هذه الاوهام وسخافتها ، وأنَّه لا تنافي ولا تدافع بين هذه الآيات وتلك الاية حتى يكون بعضها ناسخاً
    __________________
    (1) أقوال القوم هنا متضاربة ومتعارضة أشد التعارض ، فمنهم من يذهب إلى أنّها اُبيحت ثم نُهي عنها يوم خيبر ، وآخر أنّها كانت مباحة وحرِّمت عام الفتح ، وثالث أنها ابيحت وحرمت في حجة الوداع ، ورابع أنَّها أبيحت عام أوطاس ثم حرِّمت ... وهكذا ، فراجع.
    انظر : صحيح مسلم باب نكاح المتعة ، مجمع الزوائد 4 : 264 ، سنن ابي داود 2 : 227 ، طبقات ابن سعد 4 : 348 ، سنن البيهقي 4 : 348 ، مصنف ابن أبي شيبة 4 : 292 ، فتح الباري 11 : 73 ، سنن الدارمي 2 : 140 ، سنن ابن ماجة حديث 1962.
    (2) الطلاق 65 : 1.
    (3) انظر : الجامع لاحكام القرآن للقرطبي 5 : 130 ، التفسير الكبير للرازي 10 : 49 ، سنن البيهقي 207 : 7.
    (4) النساء 4 : 12.
    (5) اُنظر الجامع لاحكام القرآن للقرطبي 5 : 130 ، التفسير الكبير للرازي 10 : 50.

    لبعض.
    وسيأتي له مزيد توضيح في بيان أنَّها زوجة حقيقية ولها جميع أحكامها.
    نعم ، يقول الأَكثر منهم : أنها منسوخة بآية ( إلّا على أزواجِهِم أو ما مَلَكَت أيمانُهُم ) (1) (2) حيث حصرت الاية أسباب حلِّية الوطء بأمرين : الزوجية ، وملك اليمين.
    قال الآلوسي في تفسيره : ليس للشيعة أنّ يقولوا أن المتمتع بها مملوكة ، لبداهة بطلانه ، أو زوجة ، لانتفاء لوازم الزوجية : كالميراث ، والعدة ، والطلاق ، والنفقة (3)؟! انتهى.
    وما أدحضها من حجة ، أمّا أوَّلاً : فإن أراد لزومها غالباً فهو مسلَّم ولا يجديه ، وإن أراد لزومها دائماً ، وأنَّها لا تنفك عن الزوجية ، فهو ممنوع أشدّ المنع ، ففي الشَّرع مواضع كثيرة لا ترث فيها الزوجة : كالزوجة الكافرة ، والقائلة ، والمعقود عليها في المرض إذا مات زوجها فيه قبل الدخول.
    كما أنَّها قد ترث حق الزوجة مع خروجها عن الزوجية ، كما لو طلَّق زوجته في المرض ومات فيه بعد خروجها عن العدَّة قبل انقضاء الحول.
    إذاً فالإرث لا يلازم الزوجية طرداً ولا عكساً.
    وأمّا ثانياً : فلو سلمنا الملازمة ، ولكن عدم إرث المتمتَّع بها ممنوع. فقيل : بأنَّها ترث مطلقاً. وقيل : ترث مع الشرط. وقيل : ترث إلّامع شرط
    __________________
    (1) المؤمنون 23 : 6 ، والمعارج 0 7 : 30.
    (2) اُنظر : سنن الترمذي 50 : 5 ، سنن البيهقي 7 : 206 ، الجامع لاحكام القرآن للقرطبي 5 : 130 ، التفسير الكبير للرازي 10 : 50 ، المبسوط للسرخسي 5 : 152.
    (3) روح المعاني 5 : 7.

    العدم.
    والتحقيق حسب قواعد صناعة الإستنباط ، ومقتضى الجمع بين الآيتين إنَّ المتمتَّع بها زوجة ، تترتَّب عليها آثار الزوجية إلّا ما خرج بالدليل القاطع.
    أمّا العدَّة ، فهي ثابتة لها بإجماع الإمامية قولاً واحداً ، بل وعند كلُّ من قال بمشروعيتها.
    أما النفقة ، فليست من لوازم الزوجية ، فإنّ الناشز زوجة ولا تجب نفقتها إجماعاً.
    أمّا الطلاق ، فهبة المدَّة تغني عنه ، ولا حاجة إليه.
    وأمّا ثالثاً : فنسخ آية المتعة بآية الأزواج مستحيل ، لأنَّ آية المتعة في سورة النساء وهي مدنية (1) ، وآية الأَزواج في سورة المؤمنين والمعارج ، وكلاهما مكيَّتان (2) ، ويستحيل تقدم الناسخ على المنسوخ.
    وأمّا رابعاً : فقد روى جماعة من أكابر علماء السُنَّة : أنَّ اية المتعة غير منسوخة ، منهم الزمخشري في ( الكشّاف ) حيث نقل عن ابن عبّاس : أن آية المتعة من المحكمات (3).
    ونقل غيره : أنَّ الحكم بن عيينة سئل : إنَّ آية المتعة هل هي منسوخة؟
    فقال : لا (4).
    __________________
    (1) أنظر : الكشف عن وجوه القراءآت السبع 1 : 375 ، الجامع لاحكام القرآن للقرطبي 5 : 1 ، الكشّاف للزمخشري 1 : 492.
    (2) انظر : الكشف عن وجوه القراءات السبع 2 : 125 و 334 ، الجامع لاحكام القرآن للقرطبي 12 : 102 و 18 : 278 ، الكشّاف للزمخشري 3 : 24 و 4 : 456.
    (3) الكشّاف 1 : 519.
    (4) الدر المنثور للسيوطي 2 : 140.

    والخلاصة : إنَّ القوم يعد اعترافهم قاطبة بالمشروعية ادّعوا أنّها منسوخة ، فزعموا تارة نسخ آية بآية وقد عرفت حاله ، واُخرى نسخ آية بحديث ، واستشهدوا على ذلك بما رواه البخاري ومسلم من أنَّ النبي 9 ، نهى عنها وعن الحمر الأَهلية في فتح مكه أو فتح خيبر أو غزوة أوطاس (1).
    وهنا اضطربت القضية اضطراباً غريباً ، وتلَّونت ألواناً ، وتنوَّعت أنواعاً ، وجاء الخلف والاختلاف ، الواسع الاكناف ، فقد حُكي عن القاضي عيّاض : أنَّ بعضهم قال : إنَّ هذا مما تداوله التحريم والإباحة والنسخ مرتين (2)!!
    ولكن من توسَّع في تصفُّح أسفارهم ، ومأثور أحاديثهم وأخبارهم ، يجد القضية أوسع بكثير ، ففي بعضها : أنَّ النسخ كان في حجة الوداع [ السنّة ] العاشرة من الهجرة (3).
    وأُخرى : أنه في غزوة تبوك [ السنّة ] التاسعة من الهجرة (4).
    وقيل : في غزوة أوطاس ، أو غزوة حنين ، وهما في [ السنّة ] الثامنة في [ شهر ] شوال (5).
    وقيل : يوم فتح مكة ، وهو في شهر رمضان من [ السنّة ] الثامنة أيضاً (6).
    __________________
    (1) صحيح البخاري 7 : 16 ، صحيح مسلم 2 : 1023|18 و 1027|29 ، 30. وتقدَّمت الأشارة إلى ذلك ، فراجع ..
    (2) شرح صحيح مسلم للنووي 9 : 181 ، التفسير العظيم لابن كثير 1 : 474.
    (3) سنن ابي داود 2 : 227 ، سنن البيهقي 4 : 348 ، طبقات ابن سعد 4 : 348.
    (4) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5 : 130 ، سنن البيهقي 7 : 207 ، مجمع الزوائد 4 : 264 ، فتح الباري 11 : 73.
    (5) صحيح مسلم 2 : 1023.
    (6) صحيح مسلم 2 : 1025 ، سنن البيهقي 7 : 202 ، سنن الدارمي 2 : 140 ، مجمع


    وقالوا : إنَّه أباحها في فتح مكة ثم حرَّمها هناك بعد أيام (1).
    والشّائع ـ وعليه الأَكثر ـ : أنّه نسخها في غزوة خيبر [ في السّنة ] السّابعة من الهجرة ، أو في عمرة القضاء ، وهي في ذي الحجة من تلك السنّة (2).
    ومن كلُّ هذه المزاعم يلزم أن تكون قد اُبيحت ونُسخت خمس أو ست مرات لا مرتين أو ثلاث كما ذكره النووي وغيره في ( شرح مسلم ) (3)!!
    فما هذا التلاعب بالدِّين يا علماء المسلمين؟ وبعد هذا كله ، فهل يبقى قدر جناح بعوضة من الثقة في وقوع النسخ بمثل هذه الأَساطير المدحوضة باضطرابها أوَّلاً ، وبأنَّ الكتاب لا يُنسخ بأخبار الآحاد ثانياً ، وبأنَّها معارضة باخبار كثيرة من طرقهم صريحة في عدم نسخها ثالثاً.
    ففي صحيح البخاري : حدَّثنا أبو رجاء ، عن عمران بن حصين 2 قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلى الله
    __________________
    الزوائد 4 : 264 ، مصنف ابن أبي شيبة 4 : 292.
    (1) صحيح مسلم 2 : 1025 ، سنن البيهقي 7 : 202.
    (2) سنن ابن ماجة 1 : 630|1961 ، صحيح مسلم 2 : 1027.
    والغريب أن القوم عند محاولتهم لايراد الادلة التي يحتجون بها لاثبات مدعاهم بتحريم نكاح المتعة لم يلتفتوا إلى كثير من مواضع الخلل البينة في استدلالاتهم ومحاجاتهم ، بل والى مواضع التهافت البينة فيها ، ومن ذلك قولهم بتحريمها في غزوة خيبر ، حيث يظهر بطلان ذلك من عدة وجوه ، لعل أوضحها ما ذكره ابن القيم في زاد المعاد ( 2 : 158 و 204 ) في معرض رده لهذا الرأي السقيم ، حيث قال ـ : وقصة خيبر لم يكن الصحابة يتمتعون باليهوديات ، ولا استأذنوا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولا نقله أحد قط في هذه الغزوة ، ولا كان للمتعة فيها ذكر البتة ، لا فعلاً ولا تحريماً ... فان خيبر لم يكن فيها مسلمات وإنّما كنَّ يهوديات ، واباحة نساء أهل الكتاب لم يكن ثبت بعد ، إنّما اُبحن بعد ... فتأمَّل.
    (3) شرح صحيح مسلم للنووي 9 : 180.

    عليه وآله ولم ينزل قران بحرمتها ، ولم ينه عنها رسول الله حتى مات ، قال رجل برأيه ما شاء. محمّد : يقال : أنَّه عمر. انتهى نص البخاري (1).
    وفي صحيح مسلم : بسنده عن عطاء قال : قدم جابر بن عبدالله الأَنصاري معتمراً ، فجئناه في منزله ، فسأله القوم عن أشياء ، ثم ذكروا المتعة فقال : نعم ، استمتعنا على عهد رسول الله 9 ، وعلى عهد أبي بكر وعمر (2).
    وفيه : عن جابر أيضاً حيث يقول : كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق لأَيام على عهد رسول الله 9 ، وأبي بكر ، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث (3).
    وفيه : عن أبي نضرة قال : كنت عند جابر بن عبدالله فأتاه آت فقال : ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين ، فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله 9 ، ثم نهانا عنهما عمر ، فلم نعد لهما (4).
    أقول : وإنَّما لم يعودوا لها لأن عمر كان يرجم من يثبت عنده أنَّه قد تمتَّع.
    ومن يراجع هذا الباب من صحيح مسلم بإمعان يرى العجائب فيما أورده فيه من الأحاديث المثبتة والنافية ، والنسخ وعدم النسخ ، والجهني يقول : أمرنا رسول الله 9 بالمتعة عام الفتح حين دخلنا
    __________________
    (1) صحيح البخاري 6 : 33 ، وانظر كذلك : صحيح مسلم 2 : 900|172 ، التفسير الكبير للرازي 10 : 49 ، تفسير البحر المحيط لابن حيّان 3 : 218 ، السنن الكبرى للبيهقي 5 : 20.
    (2) صحيح مسلم 2 : 1023/ 15.
    (3) صحيح مسلم 2 : 1023|16.
    (4) صحيح مسلم 2 : 1023|17.

    مكة ، ثم لم نخرج حتى نهانا عنها (1).
    والنسخ تارة ينسب إلى رسول الله 9 ، واُخرى إلى عمر ، وأنَّها كانت ثابتة في عهد النبي وعهد أبي بكر ، وأنَّ علي بن أبي طالب 7 نهى ابن عباس عن القول بالمتعة في مواطن فرجع عن القول بها (2) ، مع إنَّه روي أن ابن الزبير قام بمكة فقال : إنَّ اناساً أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم ( يعني ابن عبّاس ) يفتون بالمتعة
    فناداه ( أي ابن عبّاس ) : إنَّك لجلف جاف ، فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين ... الى آخر الحديث (3).
    وهذا يدل على بقائه على فتواه الى اخر عمره في خلافة ابن الزبير.
    وأعجب من الجميع نسبة النهي عنها إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 ، مع أنَّ حلِّية المتعة قد صار شعاراً لأهل البيت وشارة لهم ، وعلي 7 بالخصوص قد تظافر النقل عنه بانكار حرمة المتعة ، ومن كلماته المأثورة التي جرت مجرى الأَمثال قوله : « لولا نهي عمر عن المتعة ما زنى إلّا شفا أو شقي ».
    ففي تفسير الطبري الكبير : روي عن علي بن أبي طالب أنَّه قال : « لولا أن عمر نهى الناس عن المتعة ما زنى إلّا شقي ـ أو شفا (4) ـ » (5).
    __________________
    (1) صحيح مسلم 2 : 1025/ 22.
    (2) المصنف لعبدالرزاق 7 : 501 ، الكشاف للزمخشري 1 : 519.
    (3) صحيح مسلم 2 : 1026|27 ، سنن البيهقي 7 : 5 0 2.
    (4) أي قليل من الناس ، وقيل : الّا خطيئة قليلة من الناس لا يجدون ما يستحلّون به الفروج.
    اُنظر : الصحاح 6 : 2393 ، لسان العرب 14 : 437.
    (5) جامع البيان للطبري 5 : 9 ، وانظر كذلك : التفسير الكبير للرازي 10 : 50 ، تفسير البحر المحيط لابن حيّان 3 : 218 ، الدر المنثور 2 : 140.

    ومن طرقنا الوثيقة عن جعفر الصّادق 7 أنَّه كان يقول : « ثلاث لا أتقي فيهن أحداً : متعة الحج ، ومتعة النساء ، والمسح على الخفَّين » (1).
    وكيف كان : فلا ريب حسب قواعد الفن ، والأُصول المقررة في ( علم أُصول الفقه ) أنَّه اذا تعارضت الأَخبار وتكافأت سقطت عن الحجة والاعتماد ، وصارت من المتشابهات ، ولا بُدّ مِن رفضها والعمل بالمحكمات. وبعد ثبوت المشروعية والإباحة باتفاق المسلمين ، واستصحاب بقائها ، واصالة عدم النسخ عند الشك ، يتعيِّن القول بجوازها وحلّيَتها إلى اليوم.
    __________________
    (1) راجع كتاب وسائل الشيعة للحر العاملي رحمه الله تعالى ( 21 : 5 ـ 80 ) فقد أورد الكثير من الاحاديث المبيِّنة لاحكام هذا النوع من النكاح وشروطه ، وأما الحديث المذكور أعلاه فقد وجدتُه مروياً بصيغة مختلفة ، ولعلَّ ذلك مرجعه السهو أو التصحيف. راجع الفقيه 1 : 48|95.

    التمحيص وحل العقدة :
    وإذا أردنا أن نسير على ضوء الحقائق ، ونعطي المسألة حقَّها من التمحيص والبحث عن سر ذلك الارتباك وبذرته الأُولى ـ التي نمت وتأثَّلت ـ لا نجد حلاً لتلك العقدة إلّا : أنَّ الخليفة عمر قد اجتهد برأيه لمصلحة راها بنظره للمسلمين في زمانه وأيامه ، اقتضت أن يمنع من استعمال المتعة منعاً مدنياً لا دينياً ، لمصلحة زمنية ، ومنفعة وقتية ، ولذا تواتر النقل عنه أنَّه قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا اُحرِّمهما واُعاقب عليهما (1). ولم يقل أنَّ رسول الله 9 حرمهما أو نسخهما ، بل نسب التحريم إلى نفسه ، وجعل العقاب عليهما منه لا من الله سبحانه.
    وحيث أنَّ أبا حفص الحريص على نواميس الدِّين ، الخشن على إقامة شرائع الله ، أجل مقاماً ، وأسمى إسلاماً ، من أن يحرِّم ما أحل الله ، أو يُدخل في الدِّين ما ليس من الدِّين ، وهو يعلم أنَّ حلال محمَّد حلال الى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة ، والله سبحانه يقول في حقِّ نبيه الكريم : ( وَلَو تَقَوَّلَ علينا بَعضَ الأَقاويلِ * لأَخَذنا مِنهُ باليَمين * ثُمَّ لَقَطَعنا مِنهُ الوَتين * فَما مِنكُم مِن أحَدٍ عَنهُ حاجزِينَ ) (2) فلا بُدّ من أن يكون مراده المنع الزمني ، والتحريم المدني ، لا الديني ، ولكن بعض معاصريه ، ومن بعده من المحدِّثين البسطاء ، لما غفلوا عن تلك النكتة الدقيقة ، واستكبروا من ذلك الزعيم العظيم ـ القائم على حراسة الدِّين ـ أن يحرِّم ما
    __________________
    (1) اُنظر : السنن الكبرى للبيهقي 7 : 206 ، زاد المعاد لابن قيم الجوزي 3 : 463 ، المبسوط للسرخسي 4 : 27.
    (2) الحاقة 69 : 44 ـ 47.

    أحلّ الله ، ويجترئ على حرمات الله ، اضطروا إلى استخراج مصحح ، فلم يجدوا إلّا دعوى النسخ من النبي بعد الإباحة ، فارتبكوا ذلك الارتباك ، واضطربت كلماتهم ذلك الاضطراب ، ولو أنَّهم صحَّحوا عمل الخليفة بما ذكرناه لأغناهم عن ذلك التكلُّف والارتباك.
    ويشهد لما ذكرناه ما سبق من رواية مسلم عن جابر : كنّا نتمتَّع بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول الله 9 ، وأبي بكر ، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث (1) الحديث.
    فانَّه يدل دلالة واضحة أنَّ عمر نهى عن المتعة من اجل قضية في واقعة استنكر الخليفة منها ، فرأى من الصّالح للاُمَّة النهي عنها ، وإن كنّا لم نعثر على شيء من شأن القضية ، ولكنَّ أبا حفص كان معلوماً حاله في الشدة والتنمر ، والغلظة والخشونة في عامَّة اموره ، فربما يكون قد استنكر شيئاً في واقعة خاصة أوجب تأثُّره وتهيّجه الشديد الذي بعثه على المنع المطلق خوف وقوع أمثاله ، اجتهاداً منه ورأياً تمكن في ذهنه ، وإلّا فأمر المتعة وحلِّيتها بعد : نصِّ القران ، وعمل النبي ، والصحابة طول زمن النبيّ ، ومدة خلافة أبي بكر ، وبرهة من خلافة عمر ، أوضح من أن يحتاج إلى شيء من تلك المباحث والهنابث (2) ، وتلك المداولات العريضة الطويلة.
    __________________
    (1) في شرح مسلم المسمّى باكمال المعلّم للوشتاني الآبي قوله في شأن عمرو بن حريث : قيل : كان نهيه عن ذلك في آخر خلافته ، وقيل : في أثنائها. وقال [ أي عمر بن الخطّاب ] : لا يؤتى برجل تمتع وهو محصن إلا رجمته ، ولا برجل تمتع وهو غير محصن إلّا جلدتُه.
    وقضية عمرو بن حريث : أنَّه تمتَّع على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ودام ذلك حتى لخلافة عمر ، فبلغه ذلك فدعاها فسألها فقالت : نعم ، قال : من شهد؟ قال عطاء : فأراها قالت أمها وأباها ، قال : فهلّا غيرهما. فنهى عن ذلك. إنتهى « منه قُدِّس سرُّه ».
    (2) الهنابث : جمع هنبثة ، وهي الامر الشديد.
    الصحاح 1 : 296.

    كيف والذي يظهر من فلي نواصي التاريخ ، والاستطلاع في ثنايا القضايا ، أنَّ عقد المتعة كان مستعملاً في زمن الرسالة ، حتى عند أشراف الصحابة ورجالات قريش ، ونتجت منه الذراري والأَولاد الأَمجاد.
    فهذا الراغب الأَصفهاني ـ من عظماء علماء السنَّة ـ يحدثنا ـ وهو الثقة الثبت ـ في كتابه السّابق الذكر ما نصّه : أنَّ عبدالله بن الزبير عيَّر ابن عبّاس بتحليله المتعة ، فقال له ابن عبّاس : سل اُمّكَ كيف سطعت المجامر بينها وبين أبيك.
    فسألها فقالت : والله ما ولدتُك إلّا بالمتعة (1).
    وأنت تعلم من هي اُم عبدالله بن الزبير ، هي أسماء ذات النطاقين ، بنت أبي بكر الصدِّيق ، اُخت عائشة اُمّ المؤمنين ، وزوجها الزبير من حواري رسول الله ، وقد تزوجها بالمتعة ، فما تقول بعد هذا أيها المكابر المجادل؟!
    ثم أنَّ الراغب ذكر عقيب هذه الحكاية رواية اُخرى فقال : سأل يحيى ابن أكثم شيخاً من أهل البصرة فقال له : بمن اقتديت في جواز المتعة؟
    فقال : بعمر بن الخطاب.
    فقال له : كيف وعمر كان من أشد الناس فيها؟!
    قال : نعم ، صح الحديث عنه أنَّه صعد المنبر فقال : يا أيُّها الناس ، متعتان أحلَّهما الله ورسوله لكم وأنا اُحرِّمها عليكم واُعاقب عليهما ، فقبلنا شهادته ولم نقبل تحريمه. انتهى (2).
    وقريب منها ما ينقل عن عبدالله بن عمر (3).
    __________________
    (1) محاضرات الادباء 3 : 214.
    (2) محاضرات الادباء 3 : 214.
    (3) سنن الترمذي 3 : 185|824.

    ولكن في عبارة شيخ أهل البصرة من الشطح والتجاوز ما لا يرتضيه كلُّ مسلم ، والعبارة الشائعة عن أبي حفص أخف وألطف من ذلك ، وهي قوله : متعتان كانتا على عهد رسول الله 9 وأنا احرِّمهما. وإذا كان مراده ما أوعزنا اليه ، وكشفنا حجابه ، وحللنا عقدته ، يهون الأَمر ، وتخف الوطأة.
    وبعد ما انتهينا في الكتابة إلى هنا ، وقفنا على كلام لبعض الأَعاظم من علمائنا المتقدِّمين ، وهو المحقِّق محمَّد بن إدريس الحلِّي ، من أهل القرن السّادس ، وجدناه يتفق مع كثير ممّا قدَّمناه ، فأحببنا نقله هنا ليتأكد البيان ، وتتجلّى الحجة.
    قال في كتابه ( السَّرائر ـ الذي هو من جلائل كتب الفقه والحديث ـ ما نصه : النكاح المؤجَّل مباح في شريعة الاسلام ، مأذون فيه ، مشروع في الكتاب والسنَّة المتواترة بإجماع المسلمين ، إلّا أنَّ بعضهم ادعى نسخه ، فيحتاج في دعواه الى تصحيحها ، ودون ذلك خرط القتاد. وأيضاً فقد ثبت بالأَدلة الصحيحة : أنَّ كلُّ منفعة لا ضرر فيها في عاجل ولا في آجل مباحة بضرورة العقل ، وهذه صفة نكاح المتعة ، فيجب إباحته بأصل العقل.
    فإن قيل : من أين لكم نفي المضرَّة عن هذا النكاح في الآجل ، والخلاف في ذلك؟
    قلنا : من ادعى ضرراً في الاجل فعليه الدليل.
    وأيضاً فقد قلنا : إنَّه لا خلاف في إباحتها من حيث أنَّه قد ثبت بإجماع المسلمين : أنّه لا خلاف في إباحة هذا النكاح في عهد النبيّ 9 بغير شبهة ، ثم اُدّعي تحريمها من بعد ونسخها ، ولم يثبت النسخ ، وقد ثبتت الإباحة بالإجماع ، فعلى من ادعى الحظر والنسخ الدلالة.
    فإن ذكروا الأخبار التي رووها في أنَّ النبي 9 حرَّمها

    ونهى عنها.
    فالجواب عن ذلك : إنَّ جميع ما يروونه من هذه الأخبار ـ إذا سلمت من المطاعن والضعف ـ أخبارآحاد ، وقد ثبت أنَّها لا تُوجب علماً ولا عملاً في الشَّريعة ، ولا يرجع بمثلها عمّا عُلِم وقُطِع عليه.
    وأيضاً قوله تعالى بعد ذكر المحرمات من النساء : ( وَأُحِلَ لَكُم ما وراءَ ذلكُم أن تَبتَغُوا بأموالِكُم مُحصنينَ غَيرَ مُسافِحينَ فَما استَمتَعتُم به مِنهُنَّ فَآتُوهنَّ اُجورَهُنَّ فريضَةً ولا جُناحَ عَليكُم فيما تراضَيتُم بِهِ مِن بَعدِ الفَريضَةِ ) (1).
    ولفظة ( استمتعتم ) لا تعدو وجهين : إمّا أن يُراد بهما الانتفاع أو الالتذاذ الذي هو أصل موضوع اللفظة ، أو العقد المؤجَّل المخصوص الذي اقتضاه عرف الشَّرع.
    ولا يجوز أن يكون المراد هو الوجه الأَول لأمرين :
    أحدهما : إنَّه لا خلاف بين محصِّلي من تكلَّم في اصول الفقه في أنَّ لفظ القرآن إذا ورد وهو محتمل الأَمرين : أحدهما : وضع اللغة ، والاخر : عرف الشريعة ، فإنَّه يجب حمله على عرف الشَّريعة ، ولهذا حملوا كلُّهم لفظ : صلاة ، وزكاة ، وصيام ، وحج ، على العرف الشَّرعي دون الوضع اللغوي ...
    وأيضاً فقد سبق إلى القول بإباحة ذلك جماعة معروفة الأَقوال من الصحابة والتابعين : كأمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 ، وابن عبّاس ، ومناظراته لابن الزبير معروفة رواها الناس كلّهم ، ونظم الشعراء فيها الأَشعار فقال بعضهم :
    __________________
    (1) النساء 4 : 24.


    أقُولُ للشَّيخِ لمَا طالَ مَجلِسُهُ
    ياصاحُ هَل لَكَ في فَتوى ابن عَبّاسٍ

    وعبدالله بن مسعود ، ومجاهد ، وعطاء ، وجابر بن عبدالله الأَنصاري ، وسلمة بن الأَكوع ، وأبي سعيد الخدري ، والمغيرة بن شعبة ، وسعيد بن جبير ، وابن جريح ، وأنّهم كانوا يفتون بها. فادعاء الخصم الاتفاق على حضر النكاح المؤجَّل باطل. انتهى كلامه (1).
    وكلُّ ذي بصيرة يعرف ما فيه من المتانة والرَّصانة ، وقوة الحجة والمعارضة.
    هذا كلّه في البحث عن المسألة من وجهتها الدينية والتاريخية ، والنظر اليها من حيث الدليل حسب القواعد الأُصولية ، والطرق الشّرعية ....
    أمّا النظر فيها من الوجهة الأَخلاقية والاجتماعية :
    فأقول : أليس دين الإسلام هو الصوت الإلهي ، والنغمة الربوبية الشَّجية التي هبت على البشر بنسائم الرَّحمة ، وعطرت مشام الوجود بلطائف السعود ، وجاءت لسعادة الانسان لا لشقائه ، ولنعمته لا لبلائه ، هو الدِّين الذي يتمشَّى مع الزمان في كلُّ أطواره ، ويدور مع الدهر في جميع أدواره ، ويسد حاجات البشر في نظم معاشهم ومعادهم ، وجلب صلاحهم ، ودرء فسادهم. ما جاء دين الاسلام ليشق على البشر ، ويلقيهم في حظيرة المشقة ، وعصارة البلاء والمحنة ، وكلفة الشَّقاء والتعاسة ، كلا! بل جاء رحمة للعالمين ، وبركة على الخلق أجمعين ، ممهِّداً سبل الهناء والراحة ، ووسائل الرخاء والنعمة ، ولذا كان أكمل الأَديان ، وخاتمة الشَّرائع ، إذ لم يدع نقصاً في نواميس سعادة البشر يأتي دين بعده فيكمله ، أو ثلمة في ناحية من نواحي الحياة فتأتي شريعة اُخرى فتسدها.
    __________________
    (1) السرائر 2 : 618 ـ 620.

    ثم أَوليس من ضرورات البشر ، منذ عرف الانسان نفسه ، وأدرك حسه ، ومن المهن التي لا ينفك عن مزاولتها ، والإندفاع اليها بدواع شتى وأغراض مختلفة هو السَّفر والتغرُّب عن الأَوطان ، بداعي التجارة والكسب ، في طلب علم أو مال ، أو سياحة أو ملاحة ، أو غير ذلك من جهاد وحروب وغزوات ونحوها؟
    ثم أَوليس الغالب في اولئك المسافرين لتلك الأَغراض هم الشبّان ، وما يقاربهم من أصحاء الأبدان ، وأقوياء الأَجساد ، الراتعين بنعيم الصحة والعافية؟
    ثم أليس الصانع الحكيم ـ بباهر حكمته ، وقاهر قدرته ـ قد أودع في هذا الهيكل الانساني غريزة الشَّهوة ، وشدة الشَّوق والشَّبق إلى الأَزواج ، لحكمة سامية ، وغاية شريفة ، وهي بقاء النسل ، وحفض النوع ، ولو خلي من تلك الغريزة ، وبلت أو ضعفت فيه تلك الجبلة لم يبق للبشر على مَرّ الأحقاب عين ولا أثر.
    ومن المعلوم أنَّ حالة المسافرين المقوين لا تساعد على القران الباقي ، والزواج الدائم ، لما له غالباً من التبعات واللوازم ، التي لا تتمشّى مع حالة المسافر ، فاذا امتنع هذا النحو من الزواج حسب مجاري العادات ، وعلى الغالب والمتعارف من أمر الناس ، وملك اليمين ، والتسري بالاماء والجواري المملوكة بأحد الأسباب ، قد بطل اليوم بتاتاً ، وكان متعذراً أو متعسراً من ذي قبل ، فالمسافر لا سيَّما من تطول أسفارهم في طلب علم أو تجارة ، أو جهاد أو مرابطة ثغر ، وهم في ميعة الشباب وريعان العمر ، وتأجج سعير الشهوة ، لا يخلو حالهم من أمرين : إمّا الصبر ومجاهدة النفس الموجب للمشقة التي تنجُّر إلى الوقوع في أمراض مزمنة ، وعلل مهلكة ، مضافاً الى ما فيه من قطع النسل ، وتضييع ذراري الحياة المودعة فيهم ، وفي

    هذا نقض للحكمة ، وتفويت للغرض ، وإلقاء في العسر والحرج وعظيم المشقة التي تأباه شَّريعة الاسلام ، الشريعة السَّمحة السَّهلة ( يُريدُ اللهُ بِكُم اليُسر وَلا يُريدُ بِكُمُ العُسرَ ) (1) ( ما جَعَل عليكم في الدِّين مِن حَرَج ) (2)
    وأمّا الوقوع في الزنا والعهار ، الذي ملأَ الممالك والأَقطار ، بالمفاسد والمضار.
    ولعمر الله ، وقسماً بشرف الحقِّ ، لو أنَّ المسلمين أخذوا بقواعد الاسلام ، ورجعوا إلى نواميس دينهم الحنيف ، وشرائعه الصحيحة ( لَفَتَحنا عَلَيهِم بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ والأرض ) (3) ولعاد إليهم عزهم الداثر ، ومجدهم الغابر.
    ومن تلك الشرائع : مشروعية المتعة ، فلوأنَّ المسلمين عملوا بها على اصولها الصحيحة من : العقد ، والعدَّة ، والضبط ، وحفظ النسل منها ، لانسدَّت بيوت المواخير ، وأُوصدت أبواب الزنا والعهار ، ولارتفعت ـ أو قلَّت ـ ويلات هذا الشَّر على البشر ، ولأَصبح الكثير من تلك المومسات المتهتّكات مصونات محصنات ، ولتضاعف النسل ، وكثرت المواليد الطاهرة ، واستراح الناس من اللقيط والنبيذ ، وانتشرت صيانة الأَخلاق ، وطهارة الأعراق ، إلى كثير من الفوائد والمنافع التي لا تُعد ولا تُحصى.
    ولله در عالم بني هاشم ، وحبر الأمَّة عبدالله بن عبَّاس (رض) في كلمته الخالدة الشَّهيرة التي رواها ابن الأَثير في ( النهاية ) والزمخشري في ( الفائق ) وغيرهما حيث قال : ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها اُمّة محمَّد
    __________________
    (1) البقرة 2 : 185.
    (2) الحج 2 : 78.
    (3) الاعراف 7 : 96.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اصل الشيعه واصولها Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اصل الشيعه واصولها   اصل الشيعه واصولها Emptyالأربعاء 16 أكتوبر 2024 - 5:45

    9 ، ولولا نهيه عنها ما زنى إلّا شفا (1). وقد أخذها من عين صافية ، من استاذه ومعلِّمه ومربيه أمير المؤمنين 7.
    وفي الحقِّ إنَّها رحمة واسعة ، وبركة عظيمة ، ولكن المسلمون فوَّتوها على أنفسهم ، وحُرموا من ثمراتها وخيراتها ، ووقع الكثير في حماة الخنا والفساد ، والعار والنار ، والخزي والبوار ( أَتستَبدِلُون الذي هُوَ أدنى بالّذي هُوَ خَيرٌ ) (2) فلا حول ولا قوة إلّا بالله.
    ولكن مع هذا كله ألا تعجب حين ترى ما نُشر في ( الاعتدال ) أيضاً (161) من المجلِّد الأوَّل بعنوان : ( لم يبق إلا أن نتخذ من القلم إبرة تطعيم ، ونجعل المعاني مصلاً ).
    وذكر صورة كتاب ورد إليه من بغداد بتوقيع ( خادم العلماء )!! على الجواب الذي تقدَّم في مبادئ هذه النسخة ، بتوقيع ( ابن ماء السَّماء ) يُعيد فيه اشكال اختلاط الأَنساب ، وضياع النسل ، وعقد عابر الطريق والمجهول ، ويقول : إنَّ ابن ماء السَّماء لم يتعرَّض للمجهول الذي هو محل النظر ـ إلى أن قال : ـ فما يقول في تحليل المتعة الدورية التي يتناوبها ويتعاقبها ثلاثة أو أربعة بل وعشرة بحسب الساعات!! فما يقول في الولد إذا جاء من هذه الجهة ، فمن يتبع ، وبمن يلحق.
    نعم ، من المعلوم حلِّية المتعة بجميع طرقها عند الشيعة ، ولكن تراهم يتحاشون ويتحاشى أشرافهم وسراتهم من تعاطيها بينهم ، فلم يسمع من يقول : حضرنا تمتُّع السِّيد الفلاني أو الفاضل الفلاني بالآنسة بنت السيِّد الفلاني ، كما يقال : حضرنا عقد نكاح الفاضل الفلاني بآنسة الفاضل ، بل
    __________________
    (1) النهاية 2 : 488 ، الفائق 2 : 255.
    (2) البقرة 2 : 61.

    أكثر جريانها وتعاطيها في السَّاقطات والسَّافلات!! فهل ذلك إلّا لقضاء الوطر وإن حصل منه النسل قهراً. وجدير من العلّامة كاشف الغطاء ـ الذي قام بتهذيب أصل الشِّيعة وأُصولها ـ أن يُهذِّب أخلاق أهلها!! وينهض بهم إلى مراتب النزاهة!! وفَّقه الله لذلك.
    بغداد : خادم العلماء

    ونُشر في جواب هذا الكتاب ما نصَّه :
    ورد على إدارة مجلة الإعتدال كتاب من بغداد ، من كاتب مجهول يقول : إنَّه قرأ في العدد الثالث من المجلة جواباً لابن ماء السماء ، فوجده لا يناسب السؤال ، ولا يلائم المقال ، ثم أعاد الكاتب ما ذكره السيِّد الراوي من إختلاط الأَنساب ، وضياع النسل ، الذي دفعه ابن ماء السَّماء بأقوى حجة ، وأجلى بيان ، وقد أوضح له : أنَّ حكمة تشريع العدَّة هو حفظ النسل ، ومنع اختلاط المياه ، وهي كما أنها لازمة في الدائم ، كذلك تلزم في المنقطع ، فلا يجوز لأحد أن يتمتَّع بإمرأة تمتَّع بها غيره حتى تخرج من عدَّة ذلك الغير ، وإلا كان زانياً ، ومع اعتبار العدة ، فأين يكون إختلاط الأنساب وضياع النسل؟!
    ثم قال الكاتب : ولم يتعرض ابن ماء السَّماء للمجهول الذي هو محل النظر ، فما حال الولد إذا تمتع بها عابر الطريق والمجهول وأتت بعد فراقه بالولد؟ فقول ابن ماء السماء ( والولد يتبع والده ) فليت شعري أين يجده وهو مجهول. انتهى.
    وما أدري أنَّ هذا الخادم لم ينظر إلى تمام كلام ابن ماء السَّماء ، أو نظر فيه ولم يفهمه ، وإلا فأي بيان أوضح في دفع هذا الاشكال من قوله ( صفحه 112 ) : ويجب على الزوج أن يتعرف حالها ، ويعرفها بنفسه ، حتى

    إذا ولدت ولداً ألحق به ، كي لا تضيع الأَنساب ، كذلك المتمتَّع بها إذا انتهى أجلها يجب عليها أن تعتد وأن يتعرَّف حالها وتعرف حاله ونسبه كي تُلحق الولد به بعد فصاله أينما كان.
    فأين المجهول الذي لم يتعرَّض له ابن ماء السَّماء أيُّها الكاتب المجهول؟!
    وإذا كنت لا تفهم هذا البيان ـ مع هذا الوضوح والجلاء ـ فلم يبق إلّا أن نتخذ من القلم إبرة تطعيم ، ونجعل المعاني مصلاً نحقن بها دماغك ، عساك تحس بها وتفهمها.
    وأمّا قولك : فما قولكم في المتعة الدورية التي يتناوبها ويتعاقبها الثلاثة والأربعة بل والعشرة بحسب الساعات!! فمن يتبع الولد وبمن يلحق؟
    فاللازم ( أوّلاً ) أن تدلنا على كتاب جاهل من الشِّيعة ذكر فيه تحليل هذا النحو من المتعة ، فضلاً عن عالم من علمائهم ، وإذا لم تدلنا على كتابة منهم أو كتاب ، فاللازم أن تُحَّد حد المفتري الكذّاب ... كيف وإجماع الإمامية على لزوم العدَّة في المتعة ، وهي على الأَقل خمسة وأربعون يوماً ، فأين التناوب والتعاقب عليها حسب الساعات؟!
    وإن كنت تريد أن بعض العوام والجهلاء ، الذين لا يبالون بمقارفة المعاصي ، وانتهاك الحرمات ، قد يقع منهم ذلك ، فهذا مع أنَّه لا يختص بعوام الشِّيعة ، بل لعلّه في غيرهم أكثر ، ولكن لا يصح أن يُسمّى هذا تحليلاً ، إذ التحليل ما يستند إلى فتوى علماء المذهب ، لا ما يرتكبه عصاتهم وقساتهم ، وهذا النحومن المتعة عند علماء الشِّيعة من الزنا المحض الذي يجب فيه الحد ، ولا يلحق الولد بواحد ، كيف وقد قال سيِّد

    البشر : « الولد للفراش وللعاهر الحجر » (1).
    أمّا تحاشي أشراف الشِّيعة وسراتهم من تعاطيها فهو عفَّة وترفُّع ، واستغناء واكتفاء بما أحلَّ الله من تعدُّد الزوجات الدائمة مثنى وثلاث ورباع ، فإن أرادوا الزيادة على ذلك جاز لهم التمتُّع باكثر من ذلك ، كما يفعله بعض أهل الثروة والبذخ من رؤساء القبائل وغيرهم.
    وعلى كلُّ فإنَّ تحاشي الأشراف والسراة لا يدلُّ على الكراهة الشَّرعية ، فضلاً عن عدم المشروعية ، ألا ترى أن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم كانوا كثيراً ما يتسرون بالإماء ، ويتمتَّعون بملك اليمين ، ويلدنَّ لهم الأولاد الأفاضل ...؟ أمّا اليوم فالأَشراف والسراة يأنفون من ذلك ، مع أنَّه حلال بنصِّ القرآن العزيز.
    كما أنَّ تحاشي الأَشراف والسراة من الطلاق ، بحيث لم نسمع أنَّ شريفاً طلق زوجة له ، لا يدلُّ على عدم مشروعية الطلاق.
    أمّا قولك : وجدير من العلّامة كاشف الغطاء ـ الذي قام بتهذيب أصل الشِّيعة واُصولها ـ أن يهذِّب أخلاق أهلها وينهض بهم الى مراتب النزاهة.
    فهو حقٌّ ، وما في الحقِّ مغضبة ، وهو ـ دامت بركاته ـ لا يزال قائماً بوظيفته من التهذيب والإرشاد ، ليس للشيعة فقط ، بل لعامَّة المسلمين ، والجميع في نظره على حد سواء. ولكن لا تختص هذه الوظيفة به ـ أيَّده الله ـ بل تعم سائر علماء المسلمين ، ولعلَّ وجوبها على علماء العواصم التي تكثر فيها المنكرات ، ويُجاهَر فيها بالكبائر أشد وأأكد ، والمسؤولية عليهم ألزم وأعظم.
    ولولا أنَّنا لا نريد أن نحيد عن خطة هذه الصحيفة ( الاعتدال ) لسردنا
    __________________
    (1) صحيح البخاري 5 : 192 ، سنن ابي داود 2 : 282|2273 ، سنن ابن ماجة 2 : 647| 2006 و 2007 ، سنن الترمذي 3 : 463|1157.

    من أحوال سائر الطوائف ما يتجلّى لكل أحد أنَّ عوام الشيعة الإمامية ـ فضلاً عن خواصِّهم ـ أعفُّ وأنزه ، وأتقى وأبرُّ ، بيد أنَّنا ـ حسب تعاليم استاذنا العلامة الأكبر كاشف الغطاء ـ نتباعد عن كلُّ ما يُشمّ منه رائحة النعرات الطائفية ، والنزعات المذهبية ، ونسعى ـ حسب إرشاده ـ الى توحيد الكلمة ، ورفض الفواصل والفوارق بين الأُمم الاسلامية.
    ولا يزال يعلِّمنا ـ وهو العلامة المصلح ـ أنَّ دين الاسلام دين التوحيد لا دين التفريق ، وشريعته شريعة الوصل لا التمزيق ، وأنَّ صالح المسلمين أجمعين قلع شجرة التشاجر والخلاف فيما بينهم من أصلها.
    ولا يزال يوصينا ويقول : أيّها المسلمون ، نزِّهوا قلوبكم عن نية السوء ، وألسنتكم عن بذيء القول والهمز واللمز ، وأقلامكم عن طعن بعضكم في بعض .. إذاً تسعدون وتعيشون كمسلمين حقاً ، وكما كان آباؤكم من قبل ، رجال صدق في القول ، وإخلاص في العمل.
    هذه هي ( مراتب النزاهة ) يا خادم العلماء ، لا ما جئتنا به منذ اليوم ، وكنا نظن أنّ هذه المباراة والمناظرات في قضية المتعة قد انتهى دورانها ، وغُسلت أدرانها ، باجوبة ابن ماء السَّماء ، ولكن المسمَّي نفسه بـ ( خادم العلماء ) قد شاء ـ أو شاءت له الجهالة ـ أن يثير غبارها ، ويعيد شرارها ، ويستدل على الحقيقة أستارها ، والحقيقة نور تمزِّق الحجب والستور ، وتأبى إلّا الجلاء والظهور ، حتى من معلِّم ( الجهلاء ). انتهى.

    الفذلكة :
    وفذلكة تلك الأبحاث : أنَّ الزواج ـ الذي هو علقة بين المرء والمرأة ، وربط خاص له آثار خاصة ـ يحدث بالعقد الخاص من الإيجاب والقبول بشرائط معلومة.
    فان وقع العقد مرسلاً مطلقاً ، غيرمقيد بمدة ، حدثت الزوجية بطبيعتها المرسلة المطلقة الدائمة المؤبدة ، التي لا ترتفع إلّا برافع من طلاق ونحوه.
    وإن قُيِّد العقد بأجل معيَّن ، من يوم أو شهر أو نحوهما ، حدثت الزوجية الخاصَّة المحدودة ، وطبيعة الزوجية فيهما سواء ، لا يختلفان إلا في الضيق والسعة ، والطول والقصر ، ويشتركان في كثير من الاثار ، ويمتاز كلُّ منهما عن الآخر في بعضها. وليس الاختلاف من اختلاف الحقيقة ، بل من اختلاف النوع أو التشخُّص ، كاختلاف الزنجي والرومي في كثير من اللوازم مع وحدة الحقيقة.
    ونظير الزوجية المطلقة والمقيِّدة في الشرع : الملكية التي تحدث بعقد البيع ، وهي عبارة عن علقة تحدث بين الإنسان وعين ذات مالية من الأَعيان ، فإن أطلق العقد حدثت الملكية المطلقة اللازمة الدائمة المؤبدة ، التي لا ترتفع إلّا برافع اختياري كبيع أو هبة ، أو صلح أو اضطراري ، كفلس أو موت.
    وإن قُيِّدت بخيار فسخ أو الإنفساخ حدثت الملكية المقيِّدة الجائزة المحدودة إلى زمن الفسخ أو الإنفساخ ، وكلّ هذه المعاني والاعتبارات اُمور يتطابق عليها العقل والشرع ، والعرف والإعتبار.
    فما هذا النكير والنفير ، والنبز والتعبير على الشِّيعة في أمر المتعة يا علماء الاسلام ، ويا حملة الأَقلام!

    لَبِّث قليلاً يَلحَقُ الهيجا حَمَل (1).
    أفهل في هذا مقنع مع اختصاره لكم في كف الخصام ، وحصول الوئام ، والإنقياد للحق والاستسلام.
    فوعزة الحق ، وشرف الحقيقة ، إنّي لم أتعصب فيما كتبت إلّا للحق ، ولم أتحامل إلا على الباطل ، وحسبنا الله عليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير.
    ولنكتف من مباحث عقود النكاح وأحكامه بهذا القدر. أما نكاح الإماء ، وأحكام الأَولاد ، وا لنفقات ، والعدد ، والنشوز ، وأمثالها من المباحث العريضة الطويلة ، فهي موكولة إلى محالِّها من كتب الإمامية التي برعوا وأبدعوا فيها ، بين مختصر حوى تمام الفقه من الطهارة إلى الحدود والديّات في خمسين ورقة بقطع الربع ، وبين مطوِّل ( كالجواهر ) و ( الحدائق ) الذي جمع الفقه في عشرين مجلداً مثل ( البخاري ) و ( صحيح مسلم ). وبين الطرفين أوساط ومتوسطات لا تُعد ولا تُحصى.
    __________________
    (1) صدر بيت شعري ذهب مثلاً ، وهو :
    لَبِّث قَليلاً يَلحَق الهَيجا حَمَل
    ما أحسن المَوَت إذا حانَ الأجَل

    ويُضرب مثلاً لمن ناصره مِن ورائه.
    والهيجاء : الحرب. وحمل : اسم رجل شجاع كان يُستظهر به في الحرب ، ولعله ـ كما قيل ـ حمل بن بدر ، صاحب الغبراء.
    اُنظر المستقصى في أمثال العرب 2 : 278 / 969 ، جمهرة الأمثال 2 : 206|1546.


    الطلاق :
    لقد استجليت من كلماتنا التي مرَّت عليك قريباً : أنَّ حقيقة الزواج هي عبارة عن علقة وربط خاص يحدث بين الرجل والمرأة ، يصير ما هو فرد من كلُّ منهما ـ بِلحاظ نفسه ـ زوجاً بلحاظ انضمام الأخر اليه ، وارتباطه به ، وملابسته معه ملابسة صيرَّت كلاً منهما قريناً للآخر ، وعدلاً له ، ومتكافئاً معه ، مثل اقتران العينين واليدين ، بل السمعين والبصرين. وبعد أن كان كلُّ منهما مبايناً للآخر ومنفصلاً عنه ، أحدث العقد الخاص ذلك الربط ، وتلك الملابسة التي لا ملابسة فوقها ، ولا يعقل ـ بل لا يمكن ـ أن تُوجد عبارة تشير الى حقيقة ذلك الربط وعميق آثاره أعلى من قوله تعالى : ( هُنَّ لِباسٌ لَكُم وأنتُم لِباسٌ لَهُنَّ ) (1) وهي من آيات الإعجاز والبلاغة ، وفوائد القرآن ومخترعاته ، ولا يتسع المقام لتعداد ما تضمنته من دقائق المعاني ، وأسرار البيان ، وعجيب الصنعة.
    وعرفت أنَّ من شأن ذلك الربط وطبيعته ـ مع إرسال العقد وإطلاقه ـ أن يبقى ويدوم إلى الموت ، بل وما بعد الموت ، إلّا أن يحصل له رافع يرفعه ، وعامل يزيله ، ولمّا كانت الحاجة والضرورة ، والظروف والأَحوال قد تستوجب حلَّ ذلك الربط ، وفكَّ تلك العقدة ، ويكون من صالح الطرفين أو أحدهما ذلك ، لذلك جعل الشّارع الحكيم أسباباً رافعة ، وعوامل قاطعة ، تقطع ذلك الحبل ، وتفصل ذلك الوصل.
    فإن كانت النفرة والكراهة من الزوج ، فالطلاق بيده ، وإن كانت من الزوجة فالخلع بيدها ، وإن كان منهما فالمباراة بيدهما. ولكلِّ واحد منها
    __________________
    (1) البقرة 2 : 187.

    أحكام وشروط ، ومواقع خاصة لا تتعداها ، ولا يقوم سواها مقامها.
    ولكن لما كان دين الاسلام ديناً اجتماعياً ، وأساسه التوحيد والوحدة ، وأهم مقاصده الاتفاق والإلفة ، وأبغض الأَشياء اليه التقاطع والفرقة ، لذلك ورد في كثير من الأَحاديث ما يدلُّ على كراهة الطلاق والردع عنه ، ففي بعض الأخبار ( ما من حلال أبغض إلى الله من الطلاق ) (1).
    فكانت الحاجة والسعة على العباد ، وجعلهم في فسحة من الأَمر تقتضي بتشريعه ، والرحمة والحكمة ، وإرشاد العباد إلى مواضع جهلهم بالعاقبة ( فَعَسى أن تَكرَهُوا شيئاً ويَجعَلَ اللهُ فيهِ خيراً كَثيراً ) (2) كلُّ ذلك يقتضي التحذير منه ، والردع عنه ، والأمر بالتروي والتبصر فيه.
    ونظراً لهذه الغاية ، جعل الشّارع الحكيم للطلاق قيوداً كثيرة ، وشرط فيه شروطاً عديدة ، حرصاً على تقليله وندرته ( والشيء إذا كثرت قيوده ، عزّ وجوده ).
    فكان من أهم شرائطه ـ عند الإمامية ـ : حضور شاهدين عدلين ( وأشهِدُوا ذَوي عَدلٍ مِنكُم ) (3) فلو وقع الطلاق بدون حضورهما كان باطلاً ، وفي هذا أبدع ذريعة ، وأنفع وسيلة ، إلى تحصيل الوئام ، وقطع مواد الخصام بين الزوجين ، فإنَّ للعدول وأهل الصلاح مكانة وتاثيراً في النفوس ، كما أنَّ من واجبهم الإصلاح والموعظة ، وإعادة مياه صفاء الزوجين المتخاصمين إلى مجاريها ، فاذا لم تنجع نصائحهم ومساعيهم في كلُّ حادثة ، فلا أقل من التخفيف والتلطيف ، والتأثير في عدد كثير.
    __________________
    (1) أُنظر : الكافي 6 : 54|2 و 3.
    (2) النساء 4 : 19.
    (3) الطلاق 65 : 2.

    وقد ضاعت هذه الفلسفة الشّرعية على إخواننا من علماء السنَّة ، فلم يشترطوا حضور العدلين ، فاتسعت دائرة الطلاق عندهم ، وعظمت المصيبة فيه ، وقد غفل الكثير منّا ومنهم عن تلك الحكم العالية ، والمقاصد السّامية ، في أحكام الشَّريعة الإسلإمية ، والأَسرار الإجتماعية ، التي لو عمل المسلمون بها لأَخذوا بالسّعادة من جميع أطرافها ، ولما وقعوا في هذا الشَّقاء التعيس ، والعيش الخسيس ، واختلال النظام العائلي في أكثر البيوت.
    ومن أهم شرائط الطلاق أيضاً : أن لا يكون الزوج مُكرهاً ومُتهيِّجاً ، أو في حال غضب وانزعاج ، وأن تكون الزوجة طاهرة من الحيض ، وفي طهر لم يواقعها فيه.
    وقد اتفقت الإمامية أيضاً على أنَّ طلاق الثلاث واحدة ، فلو طلَّقها ثلاثاً لم تحرم عليه ، ويجوز له مراجعتها ، ولاتحتاج إلى محلِّل. نعم ، لو راجعها ثم طلَّقها وهكذا ثلاثاً حرمت عليه في الطلاق الثالث ، ولا تحلُّ له حتى تنكح زوجاً غيره ، ولو طلقها ثم راجعها تسع مرات مع تخلل المحلِّل حرمت عليه في التاسعة حرمة مؤبدة.
    وقد خالف في طلاق الثلاث الأكثر من علماء السنَّة ، فجعلوا قول الزوج لزوجته : أنت طالق ( ثلاثاً ) يوجب تحريمها ، ولا تحلُّ إلّا بالمحلِّل ، مع أنَّه قد ورد في الصحاح عندهم ما هو صريح في أنَّ الثلاث واحدة ، مثل ما في البخاري بسنده عن ابن عبّاس قال : كان الطلاق على عهد رسول الله وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر : إنَّ الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم. فأمضاه عليهم (1).
    __________________
    (1) لم أجده في صحيح البخاري ، بل في صحيح مسلم 2 : 1099 / 15 ، وفي مسند أحمد 1 : 314.

    والكتاب الكريم أيضاً صريح في ذلك لمن تأمَّله ( الطَّلاقُ مَرَّتان فَإمساكٌ بِمعرُوفٍ أو تَسريحٌ بإحسان ) إلى أن قال جلَّ شأنه : ( فَإن طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعدُ حَتّى تَنكَحَ زَوجاً غَيرَهُ ) (1) وفي هذا كفاية.
    هذا مجمل من أسباب الفراق ، والتفصيل موكول إلى محلِّه.
    وهناك أسباب اُخرى للفرقة : كالعيوب الموجبة للفسخ في الزوج مثل : العنن ، والجنون ، والجذام ، ونحوها. وفي الزوجة : كالرتق ، والقرن ، ونحوهما ، وكالظهار ، والإيلاء ، ممّا تجده مستوفى في كتب الفقه ، كما تجد فيها تفاصيل العدد وأقسامها ، من عدَّة الوفاة ، وعدَّة الطلاق ، ووطء الشبهة ، وملك اليمين.
    والعدَّة تجب على الزوجة في وفاة الزوج مطلقاً ، حتى اليائسة والصغيرة وغير المدخول بها.
    أمّا في الطلاق ، فتجب على ما عدا هذه الثلاث ، فموت الزوج مطلقا ، والوطء الغير المحرَّم مطلقاً يوجبان العدة مطلقاً ، إلا في اليائسة والصغيرة.
    أما الوطء المحرم ـ كالزنا ـ فلا عدَّة فيه ، لأنَّ الزاني لا حرمة لمائه.
    وعدَّة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت حائلاً ، وفي الحامل أبعد الأَجلين.
    وعدَّة الطلاق ثلاثة قروء ، أو ثلاثة أشهر ، وفي الحامل وضع الحمل ، وللأمة نصف الحرة.
    والطلاق إذا لم يكن ثلاثاً ولا خلعياً فللزوج أن يرجع بها مادامت في العدَّة ، فاذا خرجت من العدَّة فقد ملكت أمرها ، ولا سبيل له عليها إلا بعقد
    __________________
    (1) البقرة 2 : 9 2 2 ـ 230.

    جديد.
    ولا يعتبر عندنا في الرجعة حضور الشاهدين كما يعتبران في الطلاق ، وأن اُستحب ذلك (1). ولا يُعتبر فيها لفظ مخصوص ، بل يكفي كلُّ ما دل عليها حتى الاشارة ، وتعود زوجته له كما كانت.
    __________________
    (1) أهدى الينا هذا العام العلّامة المتبحر الاستاذ أحمد محمَّد شاكر ، القاضي الشرعي بمصر ـ أيَّده الله ـ مؤلَّفه الجليل : ( نظام الطلَّاق في الاسلام ) فراقني وأعجبني ، ووجدتهُ من أنفس ما أخرجه هذا العصر من المؤلفات ، فكتبت اليه كتاباً نشره هو ـ حفظه الله ـ في مجلة ( الرسالة ) الغراء ( عدد 157 ) بعد تمهيد مقدمة قال فيها :
    ومن أشرف ما وصل إليّ وأعلاه ، كتاب كريم من صديقي الكبير ، واستاذي الجليل ، شيخ الشَّريعة ، وإمام مجتهدي الشِّيعة بالنجف الأَشرف ، العلّامة الشّيخ محمَّد حسين ال كاشف الغطاء ، فقد تفضَّل ـ حفظه الله ـ بمناقشة رأيي في مسألة من مسائل الكتاب ، وهي ( مسألة اشتراط الشهود في صحة مراجعة الرجل مطلَّقته ) فإننّي ذهبت إلى : اشتراط حضور شاهدين حين الطلاق ، وأنَّه اذا حصل الطلاق في غير حضرة الشاهدين لم يكن طلاقاً ، ولم يُعتد به. وهذا القول وإن كان مخالفاً للمذاهب الأَربعة المعروفة ، إلّا أنَّه يؤيده الدليل ، ويوافق مذهب الأئمة من أهل البيت والشِّيعة الامامية.
    وذهبت أيضاً إلى اشتراط حضور شاهدين حين المراجعة ، وهو يوافق أحد قولين للامام الشافعي يخالف مذهب أهل البيت والشِّيعة ، واستغربت من قولهم أن يفرِّقوا بينهما ، والدليل واحد فيهما ، فرأى الاستاذ ـ بارك الله فيه ـ أن يشرح لي وجهة نظرهم في التفريق بينهما فقال :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    وله الحمد والمجد
    من النجف الأشرَف ( 8 صفر 1355 ) الى مصر.
    لفضيلة الاستاذ العلّامة ، المتبحر النبيل ، الشِّيخ أحمد محمد شاكر المحترم أيَّده الله.
    سلامة لك وسلام عليك.
    وصلتني هديتك الثمينة ( رسالة نظام الطلاق في الاسلام ) فامعنت النظر فيها مرة ، بل مرتين ، إعجاباً وتقديراً لما حوته من غور النظر ، ودقة البحث ، وحريَّة الفكر ، وإصابة هدف الحق والصواب ، وقد استخرجت لباب الأحاديث الشريفة ، وأزحت عن محيا الشريعة الوضاء أغشية الأَوهام ، وحطمت قيود التقليد الذميمة ، وهياكل الجمود بالأدلة القاطعة ،

    ...................................................
    __________________
    والبراهين الدامغة ، فحيّاك الله ، وحيّا ذهنك الوقاد ، وفضلك الجم.
    واُمهات مباحث الرسالة ثلاث :
    (1) طلاق الثلاث.
    (2) الحلف بالطلاق والعتاق.
    (3) الاشهاد على الطلاق.
    وكلّ واحدة من هذه المسائل قد وفَّيتها حقَّها من البحث ، وفتحت فيها باب الاجتهاد الصحيح على قواعد الفن ، ومدارك الاستنباط القويم ، من الكتاب السنَّة ، فانتهى بك السير على تلك المناهج القويمة إلى مصاف الصواب ، وروح الحقيقة ، وجوهر الحكم الإلهي ، وفرض الشريعة الاسلامية ، وقد وافقت آراؤك السديدة في تلك المسائل ما اتفقت عليه الامامية من صدر الاسلام الى اليوم ، ولم يختلف منهم اثنان ، حتى أصبحت عندهم من الضروريات.
    كما اتفقوا على عدم وجوب الاشهاد على الرجعة ، مع اتفاقهم على لزومه في الطلاق ، بل الطلاق باطل عندهم بدونه.
    وقد ترجَّح عندك قول من يقول بوجوب الاشهاد فيهما معاً ، فقلت ( في صفحة 120 ) : وذهبت الشِّيعة الى وجوب الاشهاد في الطلاق ، وأنَّه ركن من أركانه كما في كتاب ( شرائع الاسلام ) ولم يوجبوه في الرجعة ، والتفريق بينهما غريب ولا دليل عليه ، انتهى.
    وفي كلامك هذا ـ أيَّدك الله ـ نظر ، أستمحيك السَّماح في بيانه ، وهو : إنَّ من الغريب ـ حسب قواعد الفن ـ مطالبة النافي بالدليل والأصل معه ، وإنّما يحتاج المُثبت الى الدليل ، ولعلّك ـ ثبَّتك الله ـ تقول : قد قام الدليل عليه ، وهو ظاهر الآية على ما ذكرته في صفحة (118) حيث تقول : والظاهر من سياق الآية إنَّ قوله تعالى ( وَأشهِدُوا ) راجع إلى الطلاق وإلى الرجعة معاً ... إلى آخر ما ذكرت.
    وكأنّك ـ أنار الله برهانك ـ لم تمعن النظر هنا في الآيات الكريمة كما هي عادتك من الامعان في غير هذا المقام ، وإلّا لما كان يخفى عليك أنَّ السّورة الشّريفة مسوقة لبيان خصوص الطلاق وأحكامه ، حتى أنّها قد سُميّت بسورة الطلاق ، وابتدأ الكلام في صدرها بقوله تعالى : ( إذا طَلَّقتُمُ النِّساءَ ) ثم ذكر لزوم وقوع الطلاق في صدر العدة ، أي لا يكون في طهر المواقعة ولا في الحيض ، ولزوم احصاء العدة ، وعدم اخراجهن من البيوت ، ثم استطرد إلى ذكر الرجعة من خلال بيان أحكام الطلاق ، حيث قال عز شأنه : ( فَاذا بَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فَأمسِكُوهُنَّ بِمَعرُوفٍ ) أي اذا أشرفنَّ على الخروج من العدَّة فلكم امساكهنَّ بالرجعة


    ...................................................
    __________________
    أو تركهنَّ على المفارقة ، ثم عاد إلى تتمة أحكام الطلاق ، فقال : ( وَأشهِدُوا ذَوي عَدْلٍ مِنْكُم ) أي في الطلاق الذي سبق الكلام لبيان أحكامه.
    ويستهجن عوده إلى الرجعة التي لم تُذكر إلا تبعاً واستطراداً ، ألا ترى لو قال القائل : اذا جاءك العالم وجب عليك احترامه وإكرامه ، وأن تستقبله سواء جاء وحده أو مع خادمه أو رفيقه ، ويجب [ عليك ] المشايعة وحسن الموادعة ، فإنَّك لا تفهم من هذا الكلام إلّا وجوب المشايعة والموادعة للعالم لا له ولخادمه ورفيقه ، وإن تأخرا عنه. وهذا لعمري ـ حسب القواعد العربية والذوق السليم ـ جلي واضح ، لم يكن ليخفى عليك ـ وأنت خرِّيت العربية ـ لولا الغفلة ، والغفلات تعرض للأريب.
    هذا من حيث لفظ الدليل وسياق الاية الكريمة ، وهنالك ما هو أدق وأحقُّ بالاعتبار ، من حيث الحكمة الشرعية ، والفلسفة الاسلامية ، وشموخ مقامها ، وبُعد نظرها في أحكامها ، وهو : أنَّ من المعلوم أنه ما من حلال أبغض إلى الله سبحانه من الطلاق ، ودين الاسلام كما تعلمون جمعي اجتماعي ، لا يرغب في أي نوع من أنواع الفرقة ، ولا سيَّما في العائلة والاُسرة ، وعلى الأخص في الزوجية بعد ما أفضى كلُّ منهما إلى اللآخر بما أفضى. فالشارع ـ بحكمته العالية ـ يريد تقليل وقوع الطلاق والفرقة ، فكثّر قيوده وشروطه على القاعدة المعروفة من أن الشيء اذا كثرت قيوده عزّ ، أو قلّ وجوده ، فاعتبر الشاهدَين العدلضين للضبط أولاً ، وللتأخير والاناءة ثانياً ، وعسى إلى أن يحضر الشاهدان أو يحضر الزوجان أو أحدهما عندها يحصل الندم ، ويعودان إلى الالفة كما اشير اليه بقوله تعالى : ( لا تَدْري لَعَلَّ اللهَ يُحدِثُ بَعدَ ذلِكَ أمْراً ) وهذه حكمة عميقة في اعتبار الشاهدين لا شك أنها ملحوظة للشارع الحكيم ، مضافاً إلى الفوائد الآخر :
    وهذا كله بعكس قضية الرجوع فانَّ الشارع يريد التعجيل به ، ولعل للتأخير آفات ، فلم يوجب في الرجعة أي شرط من الشروط تصح عندنا معشر الامامية بكل ما دل عليه من قول أو فعل أو اشارة.
    ولا يُشترط فيها صيغة خاصة كما يشترط في الطلاق ، كلُّ ذلك تسهيلاً لوقوع هذا الأمر المحبوب للشارع الرحيم بعباده ، والرغبة الأكيدة في إلفتهم وعدم تفرُّقهم. وكيف لا يكفي في الرجعة حتى الاشارة ولمسها ووضع يده عليها بقصد الرجوع ، وهي ـ أي المطلقة الرجعية ـ عندنا معشر الإمامية لا تزال زوجة إلى أنّ تخرج من العدة ، ولذا ترثه ويرثها ، وتغسله ويغسِّلها ، وتجب عليه نفقتها ، ولا يجوز أن يتزوج باختها وبالخامسة؟ إلى غير ذلك من أحكام الزوجية.


    ...................................................
    __________________
    فهل في هذه كلِّها مقنع لك في صحة ما ذهبت اليه الإمامية من عدم وجوب الاشهاد في الرجعة بخلاف الطلاق؟ فإن استصوبته حمدنا الله وشكرناك ، وإلّا فانا مستعد للنظر في ملاحظاتك وتلقيها بكل ارتياح ، وما الغرض إلّا إصابة الحقيقة ، واتِّباع الحق أينما كان ، ونبذ التقليد الأجوف والعصبية العمياء ، أعاذنا الله وإياكم منها ، وسدَّد خطواتنا عن الخطأ والخطيئات إن شاء الله ، ونسأله تعالى أن يوَّفقكم لأمثال هذه الآثار الخالدة ، والأثريات اللامعة ، والمآثر الناصة ، ( وَالباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيرٌ أمَلاً ) ولكم في الختام أسنى تحية وسلام من :
    محمَّد الحسين آل كاشف الغطاء

    ملاحظة : ومن جملة المسائل التي أجدت فيها البحث والنظر : بطلان طلاق الحائض ، وقد غربلتُ حديث ابن عمر بغربال الدقيق ، وهذه الفتوى أيضاً مما اتفقت عليه الامامية ، وهي : بطلان طلاق الحائض إلّا في موارد استثنائية معدودة.
    هذا هو نصُّ كتاب الاستاذ شيخ الشَّريعة ، لم أحذف منه شيئاً إلا كلمة خاصة لا علاقة لها بالموضوع ، وإنَّما هي عن تفضُّله باهداء بعض كتبه اليَّ ، وساحاول أن اُبين وجهة نظري ، وأناقش استاذي فيما رآه وأختاره بما يصل اليه جهدي في عدد قادم إن شاء الله.
    أحمد محمَّد شاكر القاضي الشرعي
    هذا تمام ما نشره فضيلة القاضي في ذلك العدد ، ثم تعقبه في عدد ( 159 ) وعدد ( 160 ) بمقالين أسهب فيهما بعض الاسهاب ، ممّا دلَّ على طول باع ، وسعة اطلاع ، واستفراغ وسع ، في تأييد نظريته ، وتقوية حجته ، وكتبنا الجواب عنهما ، وأعرضنا عن ذكر تلك المساجلات هنا ، خوف الاطالة والخروج عن وضع هذه الرسالة التي أخذنا على أنفسنا فيها بالايجاز ، فمن أراد الوقوف عليها فليراجع أعداد مجلة ( الرسالة ) الغراء يجد في مجموعات تلك المراجعات فوائد جمة ، وقواعد لعلها في الفقه مهمة. وإنَّ الحقيقة منتهى القصد. « منه 1 ».

    الخلع والمباراة
    لا ينبعث الزوجان إلى قطع علاقة الزوجية بينهما إلّا عن كراهة أحدهما للآخر ، أو كراهة كلُّ منهما للآخر ، وهذا هو سبب الفرقة غالباً.
    فإن كانت الكراهة من الزوج فقط فالطلاق بيده ، يتخلَّص به منها إذا أراد ، وإن كانت الكراهة منها خاصة كان لها أن تبذل لزوجها من المال ما تفتدي به نفسها ، سواء كان بمقدار ما دفع لها أو أكثر ، فيطلِّقها على ما بذلت ، وهذا هو الخلع ، فيقول : فلانة طالق على ما بذلت ، فهي مختلعة.
    ويُشترط فيه جميع شرائط الطلاق ، وإضافة كون الكراهة منها ، وكونها كراهة شديدة كما يشير اليه قوله تعالى : ( فَإنْ خِفْتُمْ ألّا يُقيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيهِما فيما افْتَدَتْ بِهِ تِلكَ حُدودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها ) (1).
    وتفسيره في أخبار أهل البيت : أن تقول لزوجها : لا أبر لك قسماً ، ولا اقيم حدود الله فيك ، ولا أغتسل لك من جنابة ، ولاوطئنَّ فراشك ، وأدخلنَّ بيتك من تكره (2).
    ومعلوم أنَّ المراد بهذا ظهور الكراهة الشَّديدة ، وعدم إمكان الالتئام ، لا خصوص تلك الألفاظ.
    وإن كانت الكراهة منهما معاً فهي المباراة ، ويُعتبر فيها أيضاً جميع شرائط الطلاق ، ولا يحلُّ له أن يأخذ أكثر ممّا أعطاها ، فيقول لها : بارأِتك على كذا فأنت طالق.
    __________________
    (1) البقرة 2 : 229.
    (2) انظر : تفسير العياشي 1 : 117|367 ، تفسير القمّي 1 : 75 ، مجمع البيان في تفسير القران 1 : 329.

    والطلاق في الخلع والمباراة بائن لا رجوع للزوج فيه ، نعم لها أن ترجع في البذل ، فيجوز له الرجوع حينئذ ما دامت في العدَّة.
    الظهار والايلاء واللعان :
    هي من أسباب تحريم الزوجة أيضاً في الجملة ، وبشرائط مخصوصة مذكورة في كتب الفقه ، لم نذكرها لندرة وقوعها.


    الفرائض والمواريث :
    الإرث : عبارة عن انتقال مال أو حق من مالكه عند موته إلى آخر ، لعلاقة بينهما من نسب أو سبب. فالحي ، القريب وارث ، والميت موروث ، والاستحقاق إرث ، والنسب هو تولّد شخص من اخر أو تولّدهما من ثالث.
    والوارث إن عَيَّن الله سبحانه حقَّه في كتابه الكريم باحد الكسور التسعة المعروفة فهو ممَّن يرث بالفرض ، وإلّا فيرث بالقرابة.
    والفروض المنصوصة بالكتاب الكريم ستة : نصف ، وهو للزوج مع عدم الولد ، وللبنت مع عدمه ، وللأخت كذلك.
    ونصفه ، وهو الربع للزوج مع الولد ، وللزوجة مع عدمه.
    ونصفه ، وهو الثُمن للزوجة مع الولد.
    والثلث ، وهو للأُم مع عدم الولد ، وللمتعدد من كلالتها.
    وضعفه ، الثلثان للبنتين ، فما زاد مع عدم الذكر المساوي ، وللاختين كذلك للأب أو الأَبوين.
    ونصفه ، وهو السدس لكلِّ واحد من الأَبوين مع الولد ، وللأُم مع الحاجب وهم الاخوة ، وللواحد من كلالتها ذكرا كان أو انثى.
    وما عدا هؤلاء فيرثون بالقرابة ( لِلذَكَرِمِثلُ حَظِّ الْأُنثَيين ) (1) في جميع طبقات الورثة وهي ثلاث : الأَبوان والأبناء وإن نزلوا ، ثم الأجداد وإن علوا والاخوة وإن نزلوا ، ثم الأَعمام والأَخوال وهم اولو الأَرحام ، وليس فيهم ذو فرض أصلاً.
    ثم إنَّ أرباب الفروض إمّا أن تساوي فرائضهم المال كأبوين وبنتين
    __________________
    (1) النساء 4 : 11.

    « ثلث وثلثين » أو تزيد كأبوين وبنتين وزوج ، فتعول الفريضة ، أي زادت على التركة بربع أو نقصت عنها بربع ، أو تنقص كاخت وزوجة ، ففضل من التركة بعد الفريضة ربع. فالأُولى مسألة العول ، والثانية مسألة التعصيب.
    وليس في جميع مسائل الارث خلاف يعتد به بين الإمامية وجمهور علماء السنَّة ، إلّا في هاتين المسألتين ، فقد تواتر عند الشِّيعة عن أئمة أهل البيت سلام الله عليهم أنَّه : لا عول ولا تعصيب (1).
    وهو أيضاً مذهب جماعة من كبراء الصحابة ، وقد اشتهر عن ابن عباس 2 : أنَّ الذي أحصى رمل عالج ليعلم أنَّ الفريضة لا تعول (2).
    وأنَّ الزائد يرد لذوي الفروض على نسبة سهامهم ، والعصبة بفيها التراب ، فلو اجتمع بنت وأبوان من الأولى ، وأخ وعم من الثانية والثالثة ، فللبنت النصف ، ولكل من الأبوين السدس ، ويفضل السدس من المال ، يرد عندنا على البنت والأبوين بنسبة سهامهم ، وغيرنا من فقهاء المسلمين يورثونه الأخ والعم ، وهم العصبة.
    نعم ، لا رد عندنا على زوج أو زوجة ، كم لا نقص عليهما ، أمّا اذا عالت الفريضة وزادت على المال ـ كالمثال المتقدم ـ فالنقص يدخل على البنت أو البنات ، والاخت والأخوات ، دون الزوج والزوجة وغيرهما.
    والضابطة : إنّ كلُّ ما أنزله الله من فرض إلى فرض فلا يدخله النقص ، ومن لم يكن له إلّا فرض واحد كان عليه النقص ، وله الرد. أمّا الأَب ففي دخول النقص عليه وعدمه خلاف ، أمّا جمهور فقهاء المسلمين فيدخلون النقص على الجميع.
    __________________
    (1) اُنظر : علل الشرائع : 568|2 ، عيون أخبار الامام الرضا 7 2 : 5 2 1.
    (2) علل الشرائع : 568|3.


    وللامامية على نفي العول والتعصيب أدلة كثيرة من الكتاب والسنَّة مدوّنة في مواضعها من الكتب المبسوطة.
    ومما انفردوا به من أحكام المواريث : الحبوة للولد الأَكبر ، فإنَّهم يخصُّونه بثياب أبيه ، وملابسه ، ومصحفه ، وخاتمه ، زائداً على حصته من الميراث ، على تفاصيل وشروط مذكورة في بابها.
    وانفردوا أيضاً بحرمان الزوجة من العقار ، ورقبة الأَرض عيناً وقيمة ، ومن الأشجار والأَبنية عيناً لا قيمة. فتُعطى الثمن أو الربع من قيمة تلك الأَعيان. كلُّ ذلك لأخبار وردت عن أئمتهم سلام الله عليهم ، والأئمة يروونها عن جدهم رسول الله 9.
    هذه مهمات المسائل الخلافية في الارث ، وما عدا ذلك فالخلاف على قلَّته في بعض المسائل هو كالخلاف بين فقهاء الجمهور أنفسهم ، وكاختلاف فقهاء الإمامية فيما بينهم.

    الوقوف والهبات والصدقات :
    المال الذي هو ملك لك وتريد أن تُخرجه عن ملكيتك ، فإمّا أن يكون إخراجه ليس عن ملكك فقط بل عن مطلق الملكية ، بمعنى أنَّك تجعله غير صالح للملكية أصلاً ، فيكون تحريراً ، وذلك كالعبد تعتقه فيكون حراً ، وكالدار أو الأرض تفكّها من الملكية فتجعلها معبداً أو مشهداً. وهذا القسم لا يصلح أن يعود الى الملكية أبداً ، مهما عرضت العوارض ، واختلفت الطوارئ.
    وإمّا أن يكون إخراجه لا عن مطلق الملكية بل عن ملكك إلى ملك غيرك فقط ، وحينئذ فامّا أن يكون ذلك بعوض مع التراضي في عقد لفظي ، أو ما يقوم مقامه ، فتلك عقود المعاوضات كالبيع ، والبيع الوفائي ، والصلح وأمثالها.
    وإمّا أن يكون بغير عوض مالي ، فإن كان بقصد الأَجر والمثوبة ولوجه الله فهو الصدقة بالمعنى الأَعم ، فإن كان المال ممّا يبقى مدة معتداً بها ، وقصد المتصدِّق بقاء عينه ، فحبس العين وأطلق المنفعة ، فهذا هو (الوقف).
    وإن كان المال مما لا يبقى ، أو لم يشترط المتصدّق بقاءه فهو ( الصدقة ) بالمعنى الأخص.
    وإن كان التمليك لا بقصد الأَجر والمثوبة ، بل تمليك مجاني محض ، فهو ( الهبة ) فإن اشترط فيها مقابلتها بهبة في ( الهبة المعوضة ) كما لو قال : وهبتك الثوب بشرط أن تهبني الكتاب ، فقال : قبلت. وهي لازمة ، لا يجوز لأحدهما الرجوع بهبته إلّا إذا تراضيا على التفاسخ والتقايل ، وإلّا فهي ( الهبة الجائزة ).

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اصل الشيعه واصولها Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اصل الشيعه واصولها   اصل الشيعه واصولها Emptyالأربعاء 16 أكتوبر 2024 - 5:46

    ولا يصح شيء من أنواع الهبات إلّا بالقبض ، ويجوز الرجوع في الهبات الجائزة حتى بعد القبض ، إلّا إذا كانت لذي رحم ، وزوج أو زوجة ، أو بعد التلف.
    أمّا الصدقات ، فلا يجوز الرجوع في شيء منها بعد القبض ، ولا تصح أيضاً إلا بالقبض.
    وإذا أجرى الواقف صيغة الوقف ، وهي قوله : وقفتُ هذه الدار ـ مثلاً ـ قربة إلى الله تعالى ، ثم أقبضه المتولِّي أو الموقوف عليهم ، أو قبضه هو بنية الوقف ، إذا كان قد جعل التولية لنفسه فحينئذٍ لا يجوز الرجوع فيه أصلاً ، ولا بيعه ، ولا قسمته ، سواء كان وقف ذرية وهو ( الوقف الخاص ) أو وقف جهة وهو ( الوقف العام ) كالوقف على الفقراء ، والغرباء ، والمدارس ، وأمثالها.
    نعم ، قد يصح البيع في موارد استثنائية تُلجئ إليها الضرورة المُحرِجة ، يجمعها خراب الوقف خراباً لا يُنتفع به منفعة معتداً بها ، أو خوف أن يبلغ خرابه إلى تلك المرتبة ، أو وقوع الخلاف بين أربابه بحيث يُخشى أن يؤدي إلى تلف الأَموال أو النفوس أو هتك الأَعراض.
    ومع ذلك كلِّه لا يجوز بيع الوقف بحال من الأَحوال ، ولا قسمته إلّا بعد عرض المورد الشخصي على الحاكم الشرعي ، وإحاطته بالموضوع من جميع جهاته ، وصدور حكمه بالبيع أو القسمة لحصول المسوِّغ الشرعي ، وبدون ذلك لا يجوز.
    وقد تساهل الناس في أمر الوقف ، وتوسَّعوا في بيعه وإخراجه عن الوقفية توسُّعاً أخرجهم عن الموازين الشرعية ، والقوانين المرعية ، والله من وراء القصد ، وهو اللطيف الخبير.
    هذا كلّه على طريقة المشهور ، ولنا تحقيق ونظر آخر في الوقف لا مجال له هنا.

    القضاء والحكم :
    لولاية القضاء ونفوذ الحكم في فصل الحكومات بين الناس منزلة رفيعة ، ومقام منيع ، وهي عند الإمامية شجن من دوحة النبوة والإمامة ، ومرتبة من الرئاسة العامة ، وخلافة الله في الأرضين ( يا داودُ إنّا جَعَلْناكَ خَليفةً في الأَرضِ فَاحْكُم بَينَ النّاسِ بالعَدلِ ) (1) ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَينهُمْ ثمُّ لا يَجِدُوا في أنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْليماً ) (2).
    كيف لا ، والقضاة والحكام أُمناء الله على النواميس الثلاثة : النفوس ، والأَعراض ، والأَموال. ولذا كان خطره عظيماً ، وعثرته لا تُقال ، وفي الأَحاديث من تهويل أمره ما تخف عنده الجبال ، مثل قوله 7 : القاضي على شفير جهنم ، ولسان القاضي بين جمرتين من نار» (3).
    « يا شريح قد جلستَ مجلساً لا يجلسه إلّا نبيّ ، أو وصي نبيّ ، أو شقي » (4).
    وفي الحديث النبوي : « من جُعل قاضياً فقد ذبح بغير سكين » (5).
    إلى كثير من نظائرها.
    والحكم الذي يستخرجه الفقيه ويستنبطه من الأدلة إن كان على
    __________________
    (1) سورة ص 38 : 26.
    (2) النساء 4 : 65.
    (3) التهذيب 6 : 292|808.
    (4) الكافي 7 : 456|2 ، الفقيه 3 : 15 3223 ، المقنع : 132.
    (5) المقنعة : 721 ، سنن ابي داود 3 : 298|3571 ، سنن الترمذي3 : 614|1325 ، سنن ابن ماجة 2 : 774|2308 ، مسند أحمد 2 : 230.


    موضوع كلّي فهو ( الفتوى ) مثل : إنَّ مال الغير لا يجوز التصرُّف فيه إلّا بإذن مالكه ، وإن وطء الزوجة حلال ووطء الأَجنبية حرام ...
    وإن كان على موضوع جزئي فهو ( القضاء والحكومة ) مثل : إنَّ هذه زوجة ، وتلك أجنبية ، وهذا مال زيد.
    وكلٌّ منهما من وظائف المجتهد العادل ، الحائز [ على ] منصب النيابة العامَّة عن الإمام ، سوى أنَّ القضاء ـ الذي هو في الحقيقة عبارة عن تشخيص الموضوعات مع المرافعة والخصومة أو بدونها ، كالحكم بالهلال ، والوقف ، والنسب ، ونحوها ـ يحتاج إلى لطف قريحة ، وقوة حدس ، وعبقرية ذكاء ، وحدة ذهن ، أكثر مما تحتاجه الفتوى واستنباط الأحكام الكلِّية بكثير ، ولو تصدى له غير الحائز لتلك الصفات كان ضرره أكبر من نفعه ، وخطأه أكثر من صوابه.
    أما تصدّي غير المجتهد العادل ـ الذي له أهلية الفتوى ـ فهو عندنا معشر الإمامية من أعظم المحرَّمات ، وأفظع الكبائر ، بل هو على حدِّ الكفر بالله العظيم ، بل رأينا أعاظم علماء الإمامية من أساتيذنا الأَعلام يتورَّعون من الحكم ، ويفصلون الحكومات غالباً بالصلح ، ونحن لا نزال غالباً على هذه الوتيرة اقتداء بسلفنا الصالح.
    ثم أنَّ امهات أسباب الحكم والخصومات والحقوق ثلاثة : الاقرار ، البيَّنة ، اليمين. والبيَّنة هي الشاهدان العادلان ، وإذا تعارضت البيِّنتان ـ أو البيِّنات ـ فخلاف عظيم في تقديم بينة الداخل والخارج ، أو الرجوع إلى المرجحات.
    وقد أفرد الكثير من فقهائنا للقضاء مؤلَّفات مستقلة في غاية البسط والإحاطة ، سوى ما دوَّنوه في الكتب المشتملة على تمام أبواب الفقه ، ولا يسعنا بأن نأتي بأقلَّ قليل منه ، فضلاً عن الكثير ، وقد ذكرنا جملة صالحة من

    هذه المباحث في الجزء الرابع من ( تحرير المجلة ) فليرجع إليه من شاء.
    وإذا حكم الحاكم الجامع للشرائط المتقدمة فالراد عليه ، والمتخلِّف عن اتِّباع حكمه راد على الله تعالى ، ولا يجوز لغيره بعد حكمه أن ينظر في تلك الدعوى. نعم له أن يُعيد النظر فيها بنفسه ، فاذا تبينّ له الخلل نقض حكمه بالضرورة.


    الصيد والذباحة :
    الأَصل في الحيوان مطلقاً عند الإمامية حرمة أكله ونجاسته بالموت إذا كانت له عروق يشخب دمها عند القطع ، وهو المعبَّر عنه عند الفقهاء بذي النفس السائلة.
    ثم إنَّ الحيوان قسمان : نجس العين ذاتاً ، وهو ما لا يمكن أن يطهر أبداً ، كالكلب والخنزير ، وطاهر العين ، وهو ما عدا ذلك.
    والأوَّل لا تفارقه النجاسة ، وحرمة الأَكل حياً وميتاً ، مذكى أو غير مذكى. والثاني إذا مات بغير الذكاة الشرعية فهو نجس العين ، حرام الأكل مطلقاً ، طيراً كان أو غيره ، وحشياً أو أهلياً ، ذا نفس أو غير ذي نفس ، أما إذا مات بالتذكية فهو طاهر العين مطلقاً كما كان في حياته.
    ثم إن كان من السباع أو الوحوش فهو حرام الأَكل ، وإن كان طاهراً ، وإلّا فهو حلال الأكل أيضاً.
    وتذكية ذي النفس تحصل شرعاً بأمرين :
    الأوَّل : الصيد ، ولا يحلُّ منه إلا ما كان بأحد أمرين : الكلب المعلّم الذي ينزجر إذا زجر ، ويأتمر إذا أُمر ، ولا يعتاد أكل صيده ، ويكون الرامي مسلماً ويُسمِّي عند إرساله ، ولا يغيب عن عين مُرسله.
    أو السهم ، ويدخل فيه : السيف ، والرمح ، والمعراض إذا خرق ، وكلُّ نصلٍ من حديد ، بل حتى البندقية إذا خرقت ـ من حديد كانت أو غيره ـ.
    ويلزم أن يكون الرامي مسلماً ، وأن يُسمِّي. فلو قتل الكلب أو السهم صيداً ومات حل أكله ، ولو أدركه حياً ذكّاه ، ولا يحل بباقي آلات الصيد كالفهود والحبالة وغيرهما ، نعم لو أدركه حياً ذكّاه.
    الثاني من أسباب التذكية : الذباحة الشرعية ، ويشترط عندنا في

    الذابح الاسلام أو ما بحكمه ، كولده أو لقيطه ، وأن يكون الذبح بالحديد مع القدرة ، ومع الضرورة بكلِّ ما يفري الأوداج ، وأن يُسمِّي ويستقبل ، وأن يفري الأَوداج الأَربعة : المري ، والودجين ، والحلقوم. ويكفي في الإبل نحرها عوض الذبح ، ولوتعذَّر ذبح الحيوان ونحره ـ كالمتردي والمستعصي ـ يجوز أخذه بالسيف ونحوه مما يقتل ، فإن مات حل وإلّا ذكّاه.
    أمّا ما لا نفس له فلا يحل شيء منه ، إذ حيوان البحرلا يحل إلّا ما كان له فلس كالسمك.


    ظريفة :
    قال محمَّد بن النعمان الأَحول مؤمن الطاق : دخلت على أبي حنيفة فوجدت لديه كتباً كثيرة حالت بيني وبينه ، فقال لي : أترى هذه الكتب؟ قلت : نعم ، قال : كلُّ هذه الكتب في أحكام الطلاق.
    فقلت له : قد أغنانا الله سبحانه عن جميع كتبك هذه بآية واحدة في كتابه : ( يا أيُّها النَّبيُ إذا طَلَّقتُمُ النِّساءَ فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحصُوا العِدَّةَ ) (1).
    فقال لي : هل سألت صاحبك جعفر بن محمَّد عن بقرة خرجت من البحر هل يحل أكلها؟
    فقلت : نعم ، قال لي : كلُّ ما له فلس فكُله جملاً كان أو بقرة ، وكل ما لا فلس له لا يحل أكله ، وذكاة السمك عندنا موته خارج الماء (2)
    __________________
    (1) الطلاق 65 : 1.
    (2) الاختصاص : 206 ، رجال الكشي 2 : 681|781. وفيهما عن حريز بدلاً من مؤمن الطاق.

    الأطعمة والاشربة والمحلّل والمحرم منهما :
    أنواع الحيوان ثلاثة : حيوان الأَرض ، حيوان الماء ، حيوان الهواء. وقد عرفت أنَّه لا يحلُّ من حيوان البحر إلّا السمك ، وبيضه تابع له.
    ولا يحلُّ من حيوان الأَرض إلا الغنم الأهلية ، وبقر الوحش ، وكبش الجبل ، والحمير ، والغزلان ، واليحامير.
    ويحل الخيل ، والبغال ، والحمير على كراهة ، ويحرم الجلّال منها ، وهو ما يتغذى بالعذرة ، ويطهر بالاستبراء.
    ويحرم كلُّ ذي ناب ، كالسباع ، والذئاب.
    وتحرم الأرانب ، والثعالب ، والضبّ ، واليربوع ، وأمثالها من الوحوش.
    وتحرم الحشرات مطلقاً ، كالخنافس ، والديدان ، والحيّات ، ونحوها.
    أمّا حيوان الهواء ـ وهي الطيور ـ فيحرم منها سباع الطير ، كالصقر والبازي ونحوهما مطلقاً.
    أما ما عداها فقد جعل الشارع لما يحل أكله منها ثلاث علامات في ثلاث حالات : فإن كان طائراً في الجو فما كان رفيفه أكثر من صفيفه فهو حلال ، وإلّا فلا. وإن كان على الأَرض فإن كان له صيصية ـ وهي ما يكون كالاصبع الزائد ـ فهو حلال ، وإلّا فلا. وإن كان مذبوحاً ، فإن كانت له حوصلة أو قانصة فهو حلال ، وإلاّ فلا.
    فالخفاش والطاووس والزنابير والنحل ونحوها كلّها محرَّمة ، أما الغراب فما يأكل الجيف محرَّم ، وما يأكل النبات حلال.
    أمّا المحرَّم من المشروب والمأكول غير الحيوان فيمكن ضبطه ضمن قواعد كلية :


    1 ـ كلُّ مغصوب حرام.
    2 ـ كلُّ نجس حرام.
    3 ـ كلُّ مضر حرام.
    4 ـ كلُّ خبيث حرام.
    وأعظم المحرَّمات من المائعات البول ، وأعظم منه الخمر وأخواتها من النبيذ ، والفقاع ، والعصير إذا غلا ، ولم يذهب ثلثاه.
    ولحرمة الخمر ونجاستها عند الإمامية من الغلظه والشدة ما ليس عند فرقة من المسلمين ، فقد ورد في التحذير منها عن أئمتهم سلام الله عليهم أحاديث هائلة ، وزواجر دامغة ، تشيب لها النواصي ، ويرتجف منها أجرأ الناس على المعاصي ، وتكررت منهم لعنة الله على عاصرها ، وجابيها ، وبائعها ، وشاربها ، وتُعرف في شرعنا بأُمّ الخبائث (1).
    وفي بعض أحاديث أهل البيت : ما يظهر منه حرمة الجلوس على مائدة وضع فيها قدح خمر (2) ، ولعلَّ السر شدة الحذر والتحرُّز من أن يتطاير بخار منها يمس الطعام فيفسده ، أو يدخل في جوف الآكل ذرّة من جراثيمها الخبيثة وموادها الهالكة ولو بعد حين ، وقد اهتدى العلم الحديث بعد الجد والجهد في تحليلها الكيماوي ، وتمحيصها الطبي ، إلى مضارِّها التي أنبأ عنها الاسلام قبل ثلاثة عشر قرناً بدون كلفة ولا عناء ، فحرموا على أنفسهم ما يحرِّمه دينهم ، وتمنعه شريعتهم ، فلله شريعة الاسلام ما أشرفها ، وأنبلها ، وأدقها ، وأجلَّها ، وأفضلها ، وأكملها ، وخسرت صفقة المسلمين الذين أضاعوها فضاعوا ، واستهانوا بها فهانوا ، وعسى أن يُحدث
    __________________
    (1) راجع كتاب الوسائل 25 : 296 ( باب تحريم شرب الخمر والابواب التي بعده ) فقد أورد الحر العاملي رحمه الله تعالى فيها جملة واسعة من الروايات الخاصة بهذا الباب.
    (2) انظر : الكافي 6 : 429|2 ، الفقيه 4 : 41|132 ، التهذيب 9 : 116|501.

    الله بعد ذلك امراً.
    هذا مجمل القول في اُمَّهات الحلال والحرام من المأكول والمشروب ، وهناك بنات فروع كثيرة لا يتسع لشرحها صدر هذه الرسالة الوجيزة.



    الحدود :
    عقوبات عاجلة على جنايات خاصِّة ، الغرض منها حفظ نظام الاجتماع ، وقطع دابر الشرِّ عن البشر.
    حد الزنا
    كلُّ بالغ عاقل وطأ امرأة لا يحلُّ له وطؤها شرعاً ، عالماً عامداً وجب على ولي الأَمر أن يحدَّهُ بمائة جلدة ، ثم بالرجم بالحجارة إن كان محصناً ، أي عنده من الحلال ما يسدُّ حاجته ، وإن لم يكن محصناً فبالجلد وحده ، ويحلق رأسه ، وينفى عن البلد سنة.
    ثم إن كانت هي راضية حُدَّت أيضاً بهما إن كانت محصنة ، وإلّا فبالجلد وحده.
    وإذا زنى باحدى محارمه النسبية أو الرضاعية ، أو بامرأة أبيه ، أو بمسلمة وهو ذمي ، أو أكره امرأة على الزنا كان حدُّه القتل.
    ويثبت الزنا باقراره أربع مرات ، أو بأربعة شهود عدول ، أو ثلاثة رجال وامرأتين.
    ولو شهد رجلان وأربع نسوة ثبت الجلد دون الرجم ، ولا يثبت بأقل من ذلك ، ولو شهد ثلاثة أو اثنان حدَّ واحد القذف ، ويشترط اتفاق شهادتهم من كلِّ وجه ، والمشاهدة عياناً.
    ولو اقرَّ بموجب الرجم ثم انكر سقط ، ولو أقرَّ ثم تاب تخيَّر الامام ، ولو تاب بعد البينة لم يسقط ، ولو زنى ثالثا بعد الحدين قُتل.
    ولا تُجلد الحامل حتى تضع ، ولا المريض حتى يبرأ.


    حد اللواط والسحق
    لا شيء من المعاصي والكبائر أفظع حداً وأشد عقوبة من هذه الفاحشة والفعلة الخبيثة ، حتى أنَّ التعذيب بالاحراق بالنار لا يجوز بحال من الأَحوال إلا في هذا المقام.
    وحدُّ اللائط أحد امور يتخيَّر ولي الأمر فيها : القتل ، أو الرجم ، أو إلقاؤه من شاهق تتكسر عظامه ، أو إحراقه بالنار. ويقتل المفعول به أيضاً إن كان بالغاً مختاراً ، وإن كان صغيراً عزِّر.
    ويثبت اللواط بما ثبت به الزنا ، وكذا السحق ، وتجلد كلٌّ من الفاعلة والمفعولة مائة جلدة ، ولا يبعد الرجم مع الاحصان.
    ويجلد ( القوّاد ) خمسة وسبعين جلدة ، ويُحلق رأسه ، ويشهر ، وينفى. ويثبت بشاهدين وبالاقرار مرتين.
    حد القذف
    يجب أن يحدَّ المكلَّف إذا قذف المسلم البالغ العاقل الحر بما فيه حدّ ـ كالزنا واللواط أو شرب الخمر ـ بثمانين جلدة ، ويسقط ذلك بالبيِّنة المصدِّقة ، أو يصدقه المقذوف.
    ويثبت بشهادة العدلين أو الاقرار مرتين.
    ولو واجهه بما يكره : كالفاسق ، والفاجر ، والأَجذم ، والأَبرص ، وليس فيه ، كان حكمه التعزير.
    ومن ادعى النبوَّة ، أو سب النبيَّ 9 ، أو أحد الأَئمة

    سلام الله عليهم ، فحكمه القتل.
    حد المسكر
    من شرب خمراً أو فقاعاً أو عصيراً قبل ذهاب ثلثيه ، أو أي نوع من المسكرات ـ من أنواعه الحديثة أو القديمة ـ عالماً عامداً بالغاً ، وجب أن يُحدَّ ثمانين جلدة عارياً على ظهره وكتفه ، ولو تكرر الحدُّ ولم يرتدعُ قتل في الرابعة. ولو شربها مستحِلاً فهو مرتد يجب قتله.
    وبائع الخمر يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل.
    حد السّرقة
    إذا سرق الرجل البالغ العاقل من الحرز ـ وهو المصون بقفل وصندوق أو نحو ذلك ـ ما قيمته ربع مثقال من الذهب الخالص ، وجب ـ بعد المرافعة عند الحاكم ، والثبوت بالاقرار مرتين ، أو البينة ـ أن تقطُع أصابعه الأَربع من يده اليمنى ، فإن عاد بعد الحدِّ قطعت رجله اليسرى من وسط القدم ، فإن عاد ثالثاً خلِّد في السجن ، فإن سرق فيه قتل.
    ولو تكررت السَّرقة قبل الحدِّ كفى حدٌّ واحدٌّ ، والطفل والمجنون يعزّران ، والسّارق يغرم ما سرق مطلقاً ، ويُكتفى في الغرامة الإقرار مرَّة ، وشهادة العدل الواحد مع اليمين.
    والوالد لا يُقطع بسرقة مال ولده ، والولد يُقطع.

    حد المحارب
    كلُّ من شهر سلاحاً في بلد أو بر أو بحر للإخافة والسلب والنهب ، وجب على ولي الأمر حدُّه مخيراً بين : قتله ، وصلبه ، وقطعه من خلاف ـ بقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ـ أو نفيه من الأرض وفق الأية الشريفة : ( إنَّما جَزاءُ الَّذينَ يُحارِبُونَ ) (1) إلى اخرها.
    وإذا نُفي الى بلد كُتب بالمنع من مواكلته ومعاملته ومجالسته الى أن يتوب.
    واللص الذي يهجم على الدار محارب ، فإن قتل فدمه هدر.
    ومن كابر امرأة على عرضها ، أو غلاماً ، فلهما دفعه ، فإن قتلاه فدمه هدر.
    ويعزر المختلس ، والمحتال ، وشاهد الزور بما يراه الحاكم من العقوبة التي يرتدع بها هو وغيره.
    حدود مختلفة
    من وطأ بهيمة وجب تعزيره ، فإن كان بالغاً وتكرر منه ذلك قُتل في الرابعة ، ثم إن كانت مأكولة اللحم حرم لحمها ولحم نسلها بعد الوطء ، وتُذبح ، وتحرق ، ويغرم قيمتها لصاحبها ، ولو اشتبهت اُخرجت بالقرعة. ولو كانت غير معدَّة للأكل كالخيل ونحوها بيعت في بلد آخر ويتصدَّق بثمنها ،
    __________________
    (1) المائدة 5 : 33.

    ويغرم لصاحبها قيمتها إن لم تكن له. ويثبت بشهادة العدلين أو الإقرار مرتين.
    ومن زنى بميتة كمن زنى بحيَّة ، وتغلظ العقوبة هنا ، ولو كانت زوجته أو مملوكته عُزِّر. ويثبت بأربعة كالزنا بالحي ، وكذا اللواط.
    ومن استمنى بيده عُزِّر.
    وللانسان أن يدفع عن نفسه وحريمه وماله ما استطاع بالأَسهل ، فإن لم يندفع فبالأَصعب متدرجاً.
    ومن اطلع على دار قوم فزجروه فلم ينزجر فرموه بحجارة أو نحوها فقضت عليه ، فدمه هدر.



    القصاص والدّيات :
    قتل النفس المحرَّمة من أعظم الكبائر ، وهو الفساد الكبير في الأَرض ، ومن قتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها ، وكذا الجناية على طرف.
    ثم إنَّ الجناية مطلقاً على نفس أو طرف : إمّا عمد ، أو شبيه العمد ، أو خطأ محض.
    والعمد واضح ، وشبيه العمد أن يكون عامداً في القتل مخطئاً في قصده ، كمن قصد الفعل ولم يقصد القتل فقتل اتفاقاً ، فلو ضربه بما لا يقتل غالباً للتأديب فمات ، أو سقاه دواء فقضى عليه فهو من شبيه العمد.
    وأمّا الخطأ المحض فهو ما لم يقصد فيه القتل ولا الفعل ، كمن رمى طائراً فأصاب انساناً ، أو رفع بندقيته فثارت وقتلت رجلاً ، ومن أوضح انواعه فعل النائم ، أو الساهي الذي لا قصد له أصلاً ، وفعل المجنون ، والصبي غير المميز ، بل والمميِّز ، لأن عمد الصبي خطأ شرعاً.
    ولو قصد رجلاً فاصاب آخر وكلاهما محقون الدم فهو عمد محض ، أمّا لو كان القصد الى غير المحقون فأصاب المحقون فهو من شبه العمد ، ولا فرق في جميع ذلك بين المباشرة والتسبيب ، إذا أثَّر في انتساب الفعل اليه ، كما لا فرق في الإنفراد والإشتراك.
    ولا قصاص إلّا في العمد المحض ، أما الخطأ وشبيه العمد ففيه الدية. ويُشترط في القصاص بلوغ الجاني ، وعقله ، فلا يقاد الصبي وإن بلغ عشراً ، لا بصبي ، ولا ببالغ ، ولا مجنون وإن كان أدوارياً اذا جنى حال جنونه ، لا بعاقل ولا بمجنون ، فإن عمدهما خطأ فيه الدية على العاقلة.
    أما المُجنى عليه فالأقَوى اشتراط البلوغ والعقل فيه أيضاً ، فلو قتل البالغ صبياً فالدية ، وقيل : يُقاد به ، وكذا المجنون.


    ويُشترط اختياره إن كان في طرف ، أمّا في إلنفس فلا أثر للاكراه ، إذ لا تقية في الدماء ، فلو اُكره على القتل قُتل ، ويُحبس المكره حتى يموت. وأن يكون المُجنى عليه معصوم النفس ، فلو كان ممَّن أباح الشارع دمه فلا قصاص. وأن لا يكون الجاني أباً أو جداً وإن علا ، فإنَّه لا يُقاد الأَب أو الجد بالولد ، بل عليهما الديَّة لباقي الورثة.
    ولا يُقاد المسلم إلّا بالمسلم ، كما لا يقاد الحر إلا بالحر ، ويُقاد الحر بالحرة ويردُّ وليها على أهله نصف ديَّته ، لأن ديَّته ضعف ديتها ، وتُقاد الحرة بالحر ، ولا يدفع أهلها شيئاً ، لأن الجاني لا يجني بأكثر من نفسه.
    وديَّة الحر المسلم مائة من الابل ، أو مائتان من البقر ، أو ألف شاة ، أو مائتا حلة ، كلُّ حلة ثوبان ، أو ألف دينار ( خمسمائة ليرة عثمانية ) ، فإذا أرضى أولياء الدم بها سقط القصاص ، ووجب دفعها اليهم في مدة سنة.
    وفي شبه العمد تتعيَّن الديَّة ، وتستوفى مدة سنتين ، وكذلك في الخطأ ، ولكن في ثلاث سنوات ، كلُّ سنة ثلث.
    وجناية الطرف ـ كقطع يده أو رجله ، أو فقأ عينه وما أشبه ذلك ـ إن كانت عمداً فالقصاص ( العَيْنَ بالعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَ بِالسِّنِ وَالجُروحَ قِصاصٌ ) (1).
    وإن كانت خطأ أو شبهة فلكل واحد من الأعظاء أما الديَّة أو نصفها أو أقل من النصف. وكل مفرد في الانسان كالأَنف والذكر ففيه تمام الدية ، وكلُّ مثنى كالعينين واليدين والرجلين ففي واحد النصف وفي كليهما تمام الديَّة. والديَّة في شبه العمد على الجافي ، وفي الخطأ على العاقلة ، والتفاصيل موكولة إلى الموسوعات ، كما إنَّنا لم نذكر كثيراً من كتب الفقه وأبوابه كالبيوع
    __________________
    (1) المائدة 5 : 45.

    مثل : السلف ، والصرف ، وبيع الثمار ، وبيع الحيوان ، ومثل : الاجارة ، والرهن ، والعارية ، والوديعة ، والمزارعة ، والمساقاة ، والمسابقة والضمان ، والحوالة ، والكفالة ، والإقرار ، والكفّارات ، وكثير من أمثالها.
    ولم يكن الغرض هنا إلّا الإشارة واللمحة ، والنموذج والنفحة ، وما ذكرناه في هذه الوجيزة هو رؤوس عناوين من عقائد الإمامية وفقهائها ، وهو أصغر صورة مصغَّرة تحكي عن معتقداتها ومناهجها ، في فروعها واُصولها ، وقواعدها وأدلَّتها ، وثقافة عقولها ومداركها ، وسعة علومها ومعارفها.
    فيا علماء الدين ، ويا رجال المسلمين ، هل رأيتم فيما ذكرناه عن هذه الطائفة ما يوجب هدم الاسلام ، أو ما هو مأخوذ من اليهودية والنصرانية ، أو المجوسية والزرادشتية؟!
    وهل في شيء من تلك المباحث ما فيه شذوذ عن أصل قواعد الاسلام ، وخروج عن منطقة الكتاب والسنة؟! ليحكم المنصفون منكم والعارفون ، وليرتدع عن إفكهم الجاهلون.
    وعسى أن يجمع الله الشمل ، ويلم الشعث ، وتزول الوحشة ، ويتحد الاخوان تحت راية القرآن ، ويعيدوا مجدهم الغابر ، وعزَّهم الداثر ، وأنَّهم لن ينالوا ذلك ، ولن يبلغوا العزَّ والحياة ، حتى يميتوا بينهم النزعات المذهبية ، والنزعات الطائفية.
    ولا زلتُ أقول : يلزم أن تكون المذاهب عندنا محترمة ، ونحن فوق المذاهب ، نعم ، وفوق ذلك كله ما هو البذرة والنواة لحياة الأمم ، هو أن يخلص كلُّ لأَخيه المودة ، ويبادله المحبة ، ويشاركه في المنفعة ، فينفعه وينتفع به ، ولا يستبد ويستأثر عليه ، فيحب لأخيه ما يُحب لنفسه ، جداً وحقيقة ، لا مخادعة ومخاتلة.
    وتحقُّق هذه السجايا بحقائقها وإن أوشك أن يُعد ضرباً من الخيال ،


    ونوعاً من المحال ، ولكن ليس هو على الله بعزيز ، ولا يأس من روح الله ، وأن يبعث في هذه الأمة اليائسة من لدنه روحاً جديدة ، فتحيا بعد الموت ، وتبصر بعد العمى ، وتصحو بعد السكر إن شاء الله تعالى.

    الخاتمة :
    ممّا يُشنِّع به الناس على الشِّيعة ويزدرى به عليهم أيضاً أمران :
    الأوَّل : قولهم بـ ( البداء ) تخيُّلاً من المشنِّعين أنَّ البداء الذي تقول به الشِّيعة هو عبارة عن أن يظهر ويبدو لله عزَّ شأنه أمراً لم يكن عالماً به (1)!! وهل هذا إلّا الجهل الشَّنيع ، والكفر الفظيع ، لاستلزمه الجهل على الله تعالى ، وأنَّه محلٌّ للحوادث والتغيُّرات ، فيخرج من حظيرة الوجوب إلى مكانة الإمكان ، وحاشا الإمامية ـ بل وسائر فرق الإسلام ـ من هذه المقالة التي هي عين الجهالة بل الضلالة ، اللّهمَّ إلا ما يُنسب إلى بعض المجسِّمة من المقالات التي هي أشبه بالخرافات منها بالديانات ، حتى قال بعضهم فيما ينسب إليه : اعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عمّا شئتم.
    أما البداء الذي تقول به الشِّيعة ـ والذي هو من أسرار آل محمَّد 9 وغامض علومهم ، حتى ورد في أخبارهم الشريفة أنه : ما عبد الله بشيء مثل القول بالبداء ، وأنَّه : ما عرف الله حق معرفته ولم يعرفه بالبداء (2) ، الى كثير من أمثال ذلك ـ فهو : عبارة عن إظهار الله جلَّ شأنه أمراً يُرسم في ألواح المحو والإثبات ، وربما يطلع عليه بعض الملائكة المقرَّبين ، أو أحد الأنبياء والمرسلين ، فيُخبر المَلكُ به النَّبي والنبيُّ يخبر به اُمَّته ( ثم ) (3) يقع بعد ذلك خلافه ، لأنَّهُ جلَّ شأنه محاه وأوجد في الخارج
    __________________
    (1) راجع ما كتبناه في مقدَّمتنا التحقيقية حول تحريف أحد الكتَّاب لهذه العبارة بصلافة عجيبة.
    (2) اُنظر كتاب الكافي 1 : 113 ( باب البداء ).
    (3) في نسخنا : لم ، ومعها لا يستقيم السياق ، فاثبتنا ما رأيناه صواباً.


    غيره.
    وكلّ ذلك كان جلَّت عظمته يعلمه حقّ العلم ، ولكن في علمه المخزون المصون الذي لم يُطلع عليه لا ملَك مقرَّب ، ولا نبي مُرسَّل ، ولا ولي مُمتحَن ، وهذا المقام من العلم هو المعبَّر عنه في القرآن الكريم بـ ( أمِّ الكتاب ) المشار اليه وإلى المقام الأوَّل بقوله تعالى : ( يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتْ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتابِ ) (1).
    ولا يتوهم الضيف أنَّ هذا الإخفاء والإبداء يكون من قبيل الإغراء بالجهل وبيان خلاف الواقع ، فإن في ذلك حكماً ومصالح تقصر عنها العقول ، وتقف عندها الألباب.
    وبالجملة : فالبداء في عالم التكوين كالنسخ في عالم التشريع ، فكما أن لنسخ الحكم وتبديله بحكم اخر مصالح وأسرار بعضها غامض وبعضها ظاهر ، فكذلك في الإخفاء والإبداء في عالم التكوين ، على أن قسماً من البداء يكون من إطلاع النفوس المتصلة بالملأ الأعلى على الشيء وعدم اطلاعها على شرطه أو مانعه ، ( مثلاً ) اطلع عيسى 7 أن العروس يموت ليلة زفافه ولكن لم يطلع على أن ذلك مشروط بعدم صدقة أهله.
    فاتفق أن امه تصدقت عنه ، وكان عيسى 7 أخبر بموته ليلة عرسه فلم يمت ، وسئل عن ذلك فقال : لعلكم تصدقتم عنه ، والصدقة قد تدفع البلاء المبرم (2). وهكذا نظائرها.
    وقد تكون الفائدة الامتحان وتوطين النفس كما في قضية أمر إبراهيم بذبح اسماعيل.
    __________________
    (1) الرعد 13 : 39.
    (2) روى نحوها الشيخ الصدوق في أماليه : 404|13 ، فراجع.

    ولولا البداء لم يكن وجه للصدقة ، ولا للدعاء ، ولا للشفاعة ، ولا لبكاء الأَنبياء والأولياء وشدة خوفهم وحذرهم من الله ، مع أنَّهم لم يُخالفوه طرفة عين ، إنَّما خوفهم من ذلك العلم المصون المخزون الذي لم يَطَّلع عليه أحد ، ومنه يكون البداء.
    وقد بسطنا بعض الكلام في البداء وأضرابه ، من القضاء والقدر ، ولوح المحو والإثبات ، في الجزء الأول من كتابنا ( الدين والاسلام ) فراجع إذا شئت.
    الثاني : من الأُمور التي يُشنِّع بها بعض الناس على الشِّيعة ويزدرى عليهم بها قولهم ( بالتقية ) جهلاً منهم أيضاً بمعناها وبموقعها وحقيقة مغزاها ، ولو تثبَّتوا في الأَمر ، وتريثوا في الحكم ، وصبروا وتبصَّروا لعرفوا أنَّ التقية التي تقول بها الشِّيعة لا تختص بهم ، ولم ينفردوا بها ، بل هو أمر ضرورة العقول ، وعليه جبلَّة الطباع ، وغرائز البشر. وشريعة الاسلام في اُسس أحكامها ، وجوهريات مشروعيتها ، تماشي العقل والعلم جنباً إلى جنب ، وكتفاً إلى كتف ، رائدها العلم ، وقائدها العقل ، ولا تنفك عنهما قيد شعرة ، ومن ضرورة العقول وغرائز النفوس : أنَّ كلّ انسان مجبول على الدفاع عن نفسه ، والمحافظة على حياته ، وهي أعز الأَشياء عليه ، وأحبها إليه.
    نعم قد يهون بذلها في سبيل الشّرف ، وحفظ الكرامة ، وصيانة الحقِّ ، ومهانة الباطل ، أمّا في غير أمثال هذه المقاصد الشريفة ، والغايات المقدسة ، فالتغرير بها ، وإلقاؤها في مظان الهلكة ، ومواطن الخطر ، سفه وحماقة لا يرتضيه عقل ولا شرع ، وقد أجازت شريعة الاسلام المقدَّسة للمسلم في مواطن الخوف على نفسه أو عرضه إخفاء الحقِّ ، والعمل به سرَّاً ، ريثما تنتصر دولة الحقِّ وتغلب على الباطل ، كما أشار اليه جلَّ شأنه


    بقوله : ( إلّا أنْ تَتَّقُوا مِنْهُم تُقاةً ) (1) ، وقوله : ( إلّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌ بِالإِيمانِ ) (2).
    وقصة عمار وأبويه ، وتعذيب المشركين لهم ولجماعة من الصحابة ، وحملهم لهم على الشرك وإظهارهم الكفر مشهورة (3).
    والعمل بالتقية له أحكامه الثلاثة :
    فتارة : يجب ، كما إذا كان تركها يستوجب تلف النفس من غير فائدة.
    واخرى : يكون رخصة ، كما لو كان في تركها والتظاهر بالحقِّ نوع تقوية له ، فله أن يضحي بنفسه ، وله أن يُحافظ عليها.
    وثالثة : يحرم العمل بها ، كما لو كان ذلك موجباً لرواج الباطل ، وإضلال الخلق ، وإحياء الظلم والجور.
    ومن هنا تنصاع لك شمس الحقيقة ضاحية ، وتعرف أنَّ اللوم والتعيير بالتقية ـ إن كانت تستحق اللوم والتعيير ـ ليس على الشِّيعة ، بل على من سلبهم موهبة الحرية ، وألجأهم إلى العمل بالتقية.
    تغلَّب معاوية على الأُمَّة ، وابتزها الامرة عليها بغير رضا منها ، وصار يتلاعب بالشَّريعة الاسلامية حسب أهوائه ، وجعل يتتبَّع شيعة علي ، ويقتلهم تحت كلِّ حجر ، ويأخذ على الظنة والتهمة (4) ، وسارت على طريقته العوجاء ،
    __________________
    (1) آل عمران 3 : 28.
    (2) النحل 16 : 106.
    (3) راجع : التبيان في تفسير القرآن للشيخ الطوسي 6 : 428 ، مجمع البيان في تفسير القرآن للشيخ الطبرسي 3 : 387 ، جامع البيان للطبري 14 : 122 ، التفسير الكبير للرازي 19 : 120 ، الكامل في التأريخ لابن الاثير 2 : 60.
    (4) روى ابن ابي الحديد المعتزلي في شرحه لنهج البلاغة ( 11 : 44 ) عن ابي الحسن علي ابن محمَّد بن أبي سيف المدائني في كتاب الاحداث : أنَّ معاوية بن ابي سفيان كتب نسخة إلى عماله بعد عام الجماعة [ بل هو والله عام تفرق المسلمين وضياعهم ] : أن برئت الذمة


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اصل الشيعه واصولها Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اصل الشيعه واصولها   اصل الشيعه واصولها Emptyالأربعاء 16 أكتوبر 2024 - 5:48

    وسياسته الخرقاء الدولة المروانية ، ثم جاءت الدولة العبّاسية فزادت على ذلك بنغمات ، اضطرت الشِّيعة الى كتمان أمرها تارة ، والتظاهر به اُخرى ، زنة ما تقتضيه مناصرة الحقِّ ، ومكافحة الضلال ، وما يحصل به إتمام الحجة ، وكي لا تعمى سبل الحقِّ بتاتاً عن الخلق ، ولذا تجد الكثير من رجالات الشيعة وعظمائهم سحقوا التقية تحت أقدامهم ، وقدَّموا هياكلهم المقدَّسة قرابين للحقِّ على مشانق البغي ، وأضاحي في مجازر الجور والغي.
    أهل استحضرت ذاكرتك شهداء ( مرج عذراء ) ـ قرية من قرى الشام ـ
    __________________
    ممَّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته [ عليه وعليهم آلاف التحية والسَّلام ]. فقامت الخطباء في كلِّ كورة وعلى كلِّ منبر ، يلعنون علياً ويبرأون منه ، ويقعون فيه وفي أهل بيته [ اي في اهل ذلك البيت الطاهرين الذين وأذهب الله عنه الرجس وطهَّرهم تطهيراً ، اولئك الذين جعل الله تعالى أجر الرسالة والهداية مودتهم ، اولئك الذين جعلهم رسول الله 9 عدلاء القرآن ... و .. و ، ولكنك تجد من يعد معاوية من صحابة رسول الله 9 العدول ، وخليفة له ، بل ويترَّحم عليه ، وتلك والله اُم المصائب ، وعظيمة العظائم ].
    واضاف : وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة ، لكثرة من بها مِن شيعة علي عليه السَّلام ، فاستعمل عليها [ أي معاوية بن هند ] زياد بن سمية ، وضم اليه البصرة ، فكان يتبع الشيعة وهو بهم عارف ... فقتلهم تحت كلِّ حجر ومدر ، وأخافهم ، وقطع الايدي والأرجل ، وسمل العيون ، وصلبهم على جذوع النخل ، وطردهم ، وشرَّدهم عن العراق ، فلم يبق بها معروف منهم.
    وكتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق : أن لا يجيزوا لاحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة!!.
    ثم كتب إلى عمّاله نسخة واحدة إلى جميع البلدان : اُنظروا من قامت عليه البينة أنَّه يحب علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان ، واسقطوا عطائه ورزقه!!.
    وشفع ذلك بنسخة اخرى : من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم [ أي أهل بيت رسول الله 9 ] فنكِّلوا به ، واهدموا داره ....

    وهم أربعة عشر من رجال الشِّيعة ، ورئيسهم ذلك الصحابي الذي أنهكه الورع والعبادة حجر بن عدي الكندي الذي كان من القادة في فتح الشّام؟.
    قتلهم معاوية صبراً ، ثم صار يقول : ما قتلتُ أحداً إلا وأنا أعرف فيما قتلته خلا حجر ، فإنِّي لا أُعرِّف بأي ذنب قتلته (1)!!
    نعم أنا أعرف معاوية بذنب حجر ، ذنبه ترك العمل بالتقية ، وغرضه اعلان ضلال بني اُميَّة ، ومقدار علاقتهم من الدِّين.
    وهل تذكرت الصحابي الجليل عمرو بن الحمق الخزاعي ، وعبدالرحمن بن حسّان العنزي الذي دفنه زياد في ( قس الناطف ) حيَّاً (2)؟
    أتراك تذكرت ميثم التّمار ، ورشيد الهجري ، وعبدالله بن يقطر الذين شنقهم ابن زياد في كناسة الكوفة (3)؟
    __________________
    (1) راجع تاريخ الطبري 5 : 253 ، الكامل في التاريخ 3 : 472 وغيرهما تجد هذه المأثرة الخالدة من مآثر معاوية بن هند في قتله للصالحين والخيرين من رجال الأُمّة ، وهداتها ، واحكم بعد ذلك بما تشاء ..
    (2) روى الطبري في تاريخه ( 5 : 276 ) ، وابن الاثير في الكامل ( 3 : 456 ) وغيرهما ، واللفظ للاول : ثم أقبل ( أي معاوية بن هند ) على عبد الرَّحمن العنزي فقال له : ايه يا أخا ربيعة ، ما قولك في علي؟ قال : دعني ولا تسألني فإنَّه خير لك ، قال : والله لا أدعك حتى تخبرني عنه.
    قال : أشهد أنَّه كان من الذاكرين الله كثيراً ، ومن الأمرين بالحقِّ ، والقائمين بالقسط ، والعافين عن الناس.
    قال : فما قولك في عثمان؟
    قال : هو أوَّل من فتح باب الظلم وارتج أبواب الحق.
    قال : قتلت نفسك ، قال : بل اياك قتلت ...
    فبعث به معاوية إلى زياد وكتب إليه : أمّا بعد فإنَّ هذا العنزي شر من بعثتُ!! فعاقبه عقوبته التي هو أهلها ، واقتله شر قتلة!!.
    فلما قُدم به على زياد بعث به إلى قس الناطف ، فدُفن به حياً.
    (3) نعم ، إنَّ التأريخ يحدثنا بوضوح عن وحشية وقساوة الدول المتلاحقة وظلمها للشِّيعة بشكل


    هؤلاء ـ والمئات من أمثالهم ـ هانت عليهم نفوسهم العزيزة في سبيل نصرة الحقِّ ، ونطحوا صخرة الباطل وما تهشَّمت رؤوسهم حتى هشَّموها ، وما عرفوا أين زرع التقية وأين واديها ، بل وجدوا العمل بها حراماً عليهم ، ولو سكتوا وعملوا بالتقية لضاعت البقية من الحقِّ ، وأصبح دين الاسلام دين معاوية ويزيد وزياد وابن زياد ، دين المكر ، دين الغدر ، دين النفاق ، دين الخداع ، دين كلِّ رذيلة ، وأين هذا من دين الاسلام الذي هو دين كلِّ فضيلة ، اُولئك ضحايا الاسلام ، وقرابين الحقِّ.
    ولا يغيبنَّ عنك ذكر ( الحسين ) وأصحابه سلام الله عليهم ، الذين هم سادة الشُّهداء ، وقادة أهل الإباء.
    نعم ... هؤلاء وجدوا العمل بالتقية حراماً عليهم ، وقد يجد غيرهم العمل بها واجباً ، ويجد الآخرون العمل بها رخصة وجوازاً ، حسب اختلاف المقامات ، وخصوصيات الموارد.
    يخطر على بالي من بعض المرويات : أنَّ مسيلمة الكذّاب ظفر برجلين من المسلمين ، فقال لهما : إشهدا أنّي رسول الله وأن محمّداً رسول الله.
    فقال أحدهما : أشهد أنَّ محمَّد رسول الله وانَّك مسيلمة الكذّاب. فقتله ، فشهد الآخر بما أراد منه فأطلقه.
    __________________
    لا تصدقه العقول ، حتى لقد نالهم من الظلم والقتل الذريع المتلاحق الذي أجبرهم على اللجوء إلى التقية ـ التي أباحها الشارع المقدَّس عند الضرورة ـ حفاظاً على البقية الباقية منهم ، وليس لهم من دون ذلك حيلة ولا ملجأ ، وكان ينبغي أن يُلقى اللوم على من أجبرهم على اللجوء الى هذا الامر الا اليهم. وأنا أدعوك أخي القارئ الكريم إلى مطالعة كتاب « الشيعة والحاكمون » للشَّيخ محمَّد جواد مغنية رحمه الله تعالى للاطلاع عن كثب على بعض جوانب المأساة التي أحاطت بالشِّيعة ابان تلك العصور.


    ولما بلغ خبرهما إلى النبي 9 قال : أمّا الأوَّل فقد تعجَّل الرواح الى الجنة ، وأما الآخر فقد أخذ بالرخصة ، ولكل أجره (1).
    فيا أيُّها المسلمون ، لا تحوجوا إخوانكم الى العمل بالتقية وتعيِّروهم بها ، ونساله تعالى أن يختم لنا ولكم بالحسنى ، ويجمع كلمتنا على الحق والهدى إن شاء الله.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    __________________
    (1) انظر : مجمع البيان في تفسير القرآن 1 : 430 ، تفسير الحسن البصري 2 : 428.

    تراجم الأعلام



    * أبان بن عثمان :
    أبو عبدالله ، أبان بن عثمان الأحمر البجلي ، كوفي الأصل ، وكان ينتقل بين البصرة والكوفة.
    أخذ عنه أبو عبيدة معمِّر بن المثنى وغيره ، وأكثروا الحكاية عنه في كتبهم.
    كان شاعراً عارفاً باخبار الشعراء والأيام والانساب.
    روى عن أبي عبدالله وأبي الحسن 8.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 2 : 100 ، فهرست الطوسي : 18|62 ، رجال الطوسي : 152|191 ، الخلاصة : 21|3 ، تنقيح المقال 1 : 6 ، ميزان الاعتدال 1 : 10|13 ، لسان الميزان 1 : 35|20.
    * ابن هلال ، ابراهيم بن محمَّد بن سعد الثقفي الكوفي :
    من أكابر علماء القرن الثالث الهجري.
    نشأ في الكوفة وانتقل منها إلى اصفهان حيث توفي فيها سنة ثلاث وثمانين ومائتين.
    له مصنِّفات كثيرة منها : كتاب المغازي ، والسقيفة ، والردة وغيرها.
    انظر ترجمته في : رجال النجاشي : 61|19 ، الخلاصة : 5|10 ، فهرست الطوسي : 4|7 ، أعيان الشِّيعة 2 : 209 ، تنقيح المقال 1 : 31 ، معجم الأدباء 1 : 233 ، الوافي بالوفيات 6 : 220 ، لسان الميزان 1 : 102.
    * اُبي بن كعب :
    ابن قيس بن عبيد بن زيد بن النجار ، الصحابي الجليل. كان سيِّد القرّاء ، وكاتباً للوحي.
    شهد بدراً والعقبة وبايع لرسول الله 9.
    ممدوحا ومثنى عليه عند أصحابنا ، وكان رحمه الله تعالى من المخلصين الموالين لأهل البيت : ، وقيل : كان من الاثني عشر الذين أنكروا على

    أبي بكر تقدُّمه وجلوسه في مجلس رسول الله 9.
    توفي في زمن عمر أو عثمان بالمدينة المنوَّرة على ما قيل.
    انظر ترجمته في : تنقيح المقال 1 : 44 ، الخلاصة : 22 ، رجال الطوسي : 4|16 ، رجال ابن داود : 35|48 ، أعيان الشِّيعة 2 : 455 ، طبقات ابن سعد 3 : 498 ، التاريخ الكبير 2 : 39 ، تاريخ الاسلام 1 : 16 ، سير أعلام النبلاء1 : 389|82 ، العبر 1 : 17 و 20 ، دول الاسلام 1 : 16 ، تذكرة الحفّاظ 1 : 16 ، تهذيب التهذيب 1 : 164 ، طبقات القرّاء 1 : 31 ، الاصابة 1 : 26 ، شذرات الذهب 1 : 32 ، ‎اُسد الغابة 1 : 68 ، تهذيب الكمال : 70 ، طبقات الحفّاظ : 5 ، حلية الأولياء 1 : 250.
    ‎* أحمد بن أسحاق :
    ابن جعفر بن وهب بن واضح ، الأخباري ، مؤرِّخ جغرافي ، وأديب شاعر ، وكاتب شهير ، له تصانيف كثيرة ومشهورة.
    كان رحّالة يحب الاسفار ، فطاف البلدان الاسلامية شرقاً وغرباً.
    توفي في نهاية القرن الثالث الهجري.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 3 : 1 0 2 ، الكنى والالقاب 3 : 246 ، معجم الادباء5 : 153 / 34 ، الاعلام للزركلي 1 : 95.
    * أحمد بن أمين :
    كاتب ومؤلف مصري ، ولد في القاهرة عام ( 1878 م ) ، ودرس في مدارسها وتخرج منها.
    اُنتخب عضواً للمجمع اللغوي في القاهرة ودمشق ، وكذا في المجمع العلمي ببغداد.
    كان يتولَّى التدريس في كلية الاداب بالقاهرة قبل أن يتولَّى عمادتها ، كما أنَّه تولى القضاء في مصر أيضاً.
    شغل في أواخر حياته منصب مدير الادارة الثقافية بالجامعة العربية.
    توفي عام ( 1954 م ) ، وله من المؤلفات : فجر الاسلام ، ضحى الاسلام ،

    ظهر الاسلام ، فيض الخاطر ، النقد الأدبي.
    أقحم نفسه في الحديث عن عقائد المسلمين ، ومنهم الشِّيعة الإمامية ، دون دراية واضحة ودراسة مستفيضة تتناسب وأهمية الموضوع ومكانته العلمية ، فاوقع نفسه في اشتباهات وملابسات لصقت به رغم اعتذاره عنها ، وتبريره لها ...
    * أبو العبّاس ، أحمد بن أبي الحسن الرفاعي المغربي :
    مؤسِّس الطريقة الرفاعية.
    ولد في أول سنة خمسمائة هجرية ، في قرية حسن من أعمال واسط بالعراق ، وتوفي في جمادي الاولى من عام ثمان وسبعين وخمسمائة هجرية وقبره لا زال معلوماً ، وله أصحاب ومريدين أشار المؤرخون إلى جملة من أحوالهم المنحرفة والفاسدة ، وأشار إلى ذلك بوضوح الذهبي في العبر حيث قال : وقد كثر الزغل فيهم ، وتجددت لهم أحوال شيطانية منذ أخذ التتار العراق ، من دخول النيران ، وركوب السباع ، واللعب بالحيّات ... وكذا تحدث في تاريخ الاسلام ، فراجع.
    وللشيخ في كتب أصحابه كرامات عجيبة وغريبة لا يخفى على أحد ما فيها من الغلو الفاحش والخرافة المعلومة ( راجع الغدير 11 : 174 ).
    وانظر : الكامل في التاريخ 11 : 200 ، شذرات الذهب 4 : 259 ، مرآة الزمان 8 : 370 ، سير أعلام النبلاء 21 : 77|28 ، البداية والنهاية 12 : 312 ، الوافي بالوفيات 7 : 219 ، الاعلام للزركلي 174 : 1.
    * بديع الزمان ، أحمد بن الحسين الهمداني :
    شاعر وأديب مبرَّز ، قيل : أنه أول من اخترع عمل المقامات ، وبه اقتدى الحريري.
    ولد في الثالث عشر من جمادي الآخرة سنة ( 353 هـ ) أو ( 358 هـ ).
    روي عنه أنه كان قوي الحافظة بحيث تقرأ عليه القصيدة التي لم يسمع بها ـ وهي أكثر من خمسين بيتاً ـ فيحفظها بتمامها دون أي نقص.
    لم يذكره قدماؤنا رحمهم الله تعالى برحمته الواسعة في عداد الشِّيعة ، إلّا أنَّ

    الشِّيخ الحر العاملي رحمه الله تعالى عدّه في أمل الآمل من الشِّيعة الامامية ، وتبعه على ذلك الآخرون ، وللسيِّد الامين رحمه الله تعالى في أعيانه بحث رصين حول هذا الموضوع ، يراجع لمزيد من التوسع ، والاحاطة.
    توفي عام ( 398 هـ ) بهراة ، واختلف في سبب موته.
    انظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 2 : 570 ، الكنى والالقاب 2 : 66 ، أمل الآمل 2 : 13|26 ، يتيمة الدهر 4 : 256 ، الكامل في التاريخ 4 : 105 ، معجم الادباء 2 : 161 ، سير أعلام النبلاء 17 : 67|35 ، الوافي بالوفيات 6 : 355 ، البداية والنهاية 11 : 340 ، شذرات الذهب 3 : 15 ، النجوم الزاهرة 4 : 218 ، اللباب 3 : 392 ، وفيات الاعيان 1 : 127.
    * أحمد بن عبدالله بن سليمان ، ابو العلاء المعري :
    اللغوي الشاعر ، وصاحب التصانيف الشهيرة.
    ولد في سنة ثلاث وستين وثلاثمائة هجرية بمعرة النعمان من أعمال الشام.
    أصابه الجدري وله أربع سنين وشهر ، فسالت واحدة من عينيه وابيضت الاُخرى.
    سُمي برهين المحبسين لملازمته منزله وعماه.
    له مصنَّفات كثيرة ومشهورة ، مثل : رسالة الغفران ، رسالة الملائكة ، لزوم ما لا يلزم ، الطير ، وغيرها.
    توفي في يوم الجمعة الثاني من شهر ربيع الاول سنة تسع وأربعين وأربعمائة هجرية ، وهناك مواقف بين الأخذ والرد حول جملة من أشعاره ومؤلَّفاته ، تراجع في مظانها.
    اُنظر ترجمته في : روضات الجنّات 1 : 265|83 ، الكنى والالقاب 3 : 161 ، تاريخ بغداد 4 : 240 ، معجم الادباء 3 : 107 ، الانساب 3 : 90 ، الكامل في التاريخ 9 : 636 ، سير أعلام النبلاء 18 : 23|16 ، العبر 2 : 295 ، ميزان الاعتدال 1 : 112 ، اللباب 1 : 255 و 3 : 234 ، الوافي بالوفيات 7 : 94 ، وفيات الاعيان1 : 113 ، مرآة الجنان 3 : 66 ، البداية والنهاية 12 : 72 ، لسان الميزان1 : 203 ، النجوم الزاهرة

    5 : 61 ، معاهد التنصيص 1 : 136 ، كشف الظنون 1 : 46 ، شذرات الذهب 3 : 280 ، طبقات النحويين : 169 ، إنباه الرواة 1 : 46 ، عقد الجمان 1 : 20 ، المنتظم 8 : 184 ، معجم المؤلِّفين 1 : 290.
    * أحمد بن علي بن إبراهيم الحسيني ، أبو العبّاس البدوي :
    متصوف مشهور ، أصله من المغرب ، ولد عام ( 569 هـ ) وطاف الكثير من البلاد ، واستقر به المقام في مصر.
    له مصنَّفات في التصوُّف ومقالات حوله ، كما إنَّ له شهرة كبيرة في الديار المصرية.
    توفِّي عام ( 675 هـ ) ودفن في طنطا حيث تقام هناك في كلِّ عام سوق يتوافد إليها الكثير من الناس بذكرى مولده.
    اُنظر : شذرات الذهب 5 : 345 ، النجوم الزاهرة 7 : 252 ، الاعلام للزركلي 1 : 175.
    * أحمد بن محمّد بن خالد البرقي الكوفي :
    صاحب المؤلِّفات الكثيرة ، والتي أشهرها كتاب المحاسن المشهور.
    كان يوسف بن عمر قد حبس جده محمَّد بن علي بعد قتل زيد ثم قتله ، وكان خالد آنذاك صغير السن ، فاضطر إلى الهرب إلى مدينة قم في ايران مع أبيه حيث أقام بها إلى وفاته حدود عام ( 274 هـ ).
    اُنظر ترجمته في : رجال النجاشي : 76|182 ، الكنى والالقاب 2 : 69 ، الخلاصة : 14 ، فهرست الطوسي : 20 ، رجال ابن داود : 43|122 ، معالم العلماء : 11|55.
    * أبو العبّاس ، أحمد بن محمَّد الدارمي المصيصي :
    كان يعد من فحول الشعراء ومتقدميهم ، وكان فاضلاً أديباً ، بارعاً عارفاً باللغة والأدب ، له أمال أملاها بحلب.
    مدح سيف الدولة واختص به.
    وأمّا عن تشيُّعه فللسيِّد الامين رحمه الله تعالى شرح مفصل ، يراجع للاستزادة.

    اُنظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 3 : 107 ، الكنى والالقاب 3 : 197 ، وفيات الاعيان 3 : 125 ، فهرست ابن النديم : 322|11 ، شذرات الذهب 3 : 153 ، مرآة الجنان 2 : 450 ، وفيات الاعيان 1 : 125.
    * الناصر لدين الله ، أبو العباس أحمد بن المستضيء بامر الله :
    كان يُعد من أفاضل الخلفاء وأعيانهم ، ويصفونه بأنَّه كان بصيراً بالامور ، عالماً مهيباً ، مقدماً ، عارفاً ، شجاعاً ، مؤلِّفاً ، وأديباً شاعراً.
    ولد يوم الاثنين العاشر من شهر رجب عام ( 553 هـ ) وبويع له بالخلافة بعد وفاة أبيه ( سنة 575 هـ ) ، وبقي في الخلافة نحواً من 47 عاماً.
    كان يتشيَّع ويُجاهر في ذلك ، وعرف من ذلك مذهبه.
    شهدت الدولة الاسلامية في عهده عدلاً واستقراراً وأمناً ، وذل له ملوك وامراء عصره ، وانقادوا لارادته.
    كان مستقلاً باُمور العراق ، مهيمناً عليه ، فشاع في عصره العمران في العراق وانتشر ، وإليه يُنسب بناء سرداب الغيبة في سامراء ، حيث جعل فيه شباكاً من الابنوس الفاخر ـ أو الساج ـ كتب عليه اسمه وتاريخ صنعه ، ولا زال باقياً حتى يومنا هذا.
    توفي عام ( 622 هـ ).
    اُنظر : أعيان الشِّيعة 2 : 505 ، الكنى والالقاب 3 : 193 ، العقد الفريد 5 : 378 ، الكامل في التاريخ 12 : 108 ، مرآة الزمان 8 : 635 ، سير أعلام النبلاء 22 : 192|131 ، الوافي بالوفيات 6 : 310 ، فوات الوفيات 1 : 62 ، البداية والنهاية 13 : 106 ، النجوم الزاهرة 6 : 261 ، شذرات الذهب 5 : 97.
    * أبو العبّاس ، أحمد بن الموفق :
    ولد سنة اثنتين وأربعين ومائتين ، وبويع له بخلافة الدولة العبّاسية في عام تسع وسبعين ومائتين.
    امتاز عهده بانبساط الأمن والاستقرار في عموم الدولة ، ورفع الضغط والتقييد

    عن الشِّيعة ، بل وتسهيل البعض من اُمورهم.
    كما يحكى عنه أنَّه أمر بانشاء كتاب يدعو فيه إلى اتباع هدى ال محمد : ، ولعن معاوية بن هند وبني امية.
    توفِّي في بغداد شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين.
    اُنظر ترجمته وسيرته في : تاريخ الطبري 10 : 41 ، العقد الفريد 5 : 382 ، مروج الذهب 5 : 137 ، تاريخ الخلفاء : 588 ، الوافي بالوفيات 6 : 428 ، البداية والنهاية 11 : 66 ، النجوم الزاهرة 3 : 126 ، شذرات الذهب 2 : 199 ، تاريخ بغداد 4 : 403 ، المنتظم 5 : 123 ، فوات الوفيات 1 : 72 ، سير أعلام النبلاء 13 : 463|230 ، العبر 1 : 404 و 407 و 413.
    * أحمد والقاسم ابني يوسف :
    كانا من عائلة عريقة معروفة بالعلم والادب ، برز فيها الكثير من الشعراء والاُدباء والوزراء.
    فقد روى الصولي عن كناسة الأسدي قوله : خرَّجت الكوفة وسوادها جماعة من الكّتاب ، فما رأيت فيهم أجلّ ولا أبرع أدباً من بيت أبي صبيح.
    وقال ياقوت : كان أحمد وأخوه القاسم شاعرين أديبين ، وأولادهما جميعا أهل أدب يطلبون الشعر والبلاغة.
    كان أحمد المعروف بابن الداية ـ لأنَّ أباه كان ولد داية المهدي ـ كاتباً للمأمون ، ووزر له أيضاً بعد أحمد بن أبي خالد ، وله مصنَّفات ومآثر منتشرة في الكثير من الكتب.
    وكان القاسم أكبر سناً من أحمد ، وبقي بعده مدة من الزمن.
    أنظر : أعيان الشيعة 3 : 206 ، معجم الأدباء 5 : 154.
    * الأحنف بن قيس :
    أبو بحر التميمي ، الأمير الجليل ، والعالم الكبير ، وسيِّد تميم.
    اختلف في اسمه ، فقيل : الضحّاك ، وقيل : صخر. وكُني بالأحنف لحنف

    رجليه ، وهو العوج والميلان.
    كان يُضرب بحلمه وسؤدده المثل ، وكان من أعاظم أهل البصرة وساداتها.
    أدرك النبي 9 ولم يصحبه ، وامتد به العمر حتى زمن مصعب ابن الزبير ، فصحبه الى الكوفة حيث توفي هناك.
    شهد صفين مع امير المؤمنين علي بن ابي طالب 7.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشيعة 222 : 3 ، الكنى والألقاب 9 : 2 ، تنقيح المقال 1 : 103 ، طبقات ابن سعد 7 : 93 ، المعارف : 240 و 320 ، التاريخ الكبير 2 : 50 ، ‎اسد الغابة 1 : 55 ، سير اعلام النبلاء 4 : 86 / 29 ، تاريخ الاسلام 3 : 129 ، العبر 1 : 52 ، البداية والنهاية 8 : 326 ، وفيات الاعيان 2 : 499 ، النجوم الزاهرة 1 : 184.
    * أبو يعقوب ، اسحاق بن اسماعيل بن نوبخت الكاتب :
    كان متكلماً عارفاً بالكثير من العلوم ، وكان يجري مجرى الوزراء ، ومن رجال الحل والعقد.
    وكان أيضاً من مشاهير كتّاب ديوان الخلافة العبّاسية ، وله دور بارز في صياغة وترتيب الكثير من الاحداث والامور.
    قتله القاهر بوحشية وقسوة عام ( 322 هـ ) مع ابي السرايا نصر بي حمدون ، حيث أمر بالقائها في بئر وتسوية التراب عليهما!! وما هذه الا شواهد للظلم والقسوة الصادرة عن الطغيان والتفرعن.
    اُنظر : أعيان الشِّيعة 3 : 262 ، تأسيس الشيعة : 371 ، العبر 2 : 13 ، شذرات الذهب 2 : 292 ، النجوم الزاهرة 3 : 245 ، الكامل في التاريخ 8 : 295.
    * ابن عبّاد ، اسماعيل بن عباد الاصفهاني القزويني :
    الكاتب والاديب والشاعر المعروف. ولد لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر ذي القعدة عام ( 326 هـ ) باصطخر فارس ، فأقبل على طلب العلم منذ نعومة اظفاره ، ففاق أقرانه وبزهم في كثير من العلوم.

    كان يُلقِّب بالصاحب كافي الكفاة ، وإلى ذلك أشار ابن خلكان في قوله : هو أول من لُقّب بالصاحب من الوزراء ، لأنّه كان يصحب أبا الفضل بن العميد ، ثم اُطلق عليه هذا اللقب لمّا تولّى الوزارة ، وبقي علماً عليه.
    كان أبوه وجده من الوزراء ، فلذا قيل فيه :
    وَرَثَ الوزارَةَ كابراً عن كابرٍ
    مَوصُولَةُ الاسنادِ بالاسنادِ

    له قصائد رائعة كثيرة في مدح أهل البيت : ، منها :
    لو شُقَّ عَن قَلبي يُرى وَسطه
    سَطران قَد خُطا بلا كاتِبِ

    العَدلُ والتَوحِيدُ في جانبٍ
    وَحُبُ أهلِ البَيتِ في جانِبِ

    ومنها :
    إنَّ المَحَبَةَ لِلوصي فَريضَةٌ
    أعني أمير المؤمنينا عَليا

    قَد كَلَفَ اللهُ البَريَةَ كُلِّها
    واختارَهُ لِلمُؤمنين وَلِيا

    ومنها :
    أنا وَجَميعُ مَن فَوقَ التُرابِ
    فداءُ تُرابِ نعِلِ أبي تُرابِ

    ومنها :
    يا أميرَ المؤمنينَ المُرتَضى
    إنّ قَلبي عندَكُم قَد وَقِفا

    كُلّما جَدَّدتُ مَدحي فيكُم
    قالَ ذو النَّصب نسيت السَّلفا

    مَن كمولايَ علياً مفتيا
    خَضَعَ الكُلُّ لَهُ واعتَرَفا

    مَن كمولايَ علياً زاهداً
    طَلَّقَ الدُّنيا ثلاثاً وَوَفى

    مَن دُعِي للطَيرِ أن يأكله
    وَلَنا في بَعضِ هذا مُكتَفى

    كما أنّ له من التصانيف الكثيرة والرائعة ما استغرقت أكثر العلوم ، من الكلام واللغة والأدب والتاريخ وغيرها.
    توفي ليلة الجمعة الرابع والعشرين من شهر صفر سنة ( 385 هـ ) بالري على الأقوى ، ونُقل جثمانه إلى اصبهان ، ودُفن في محلة كانت تعرف آنذاك بباب دَرية ، واسمها الأن باب الطوقجي ، وقبره لا زال معروفاً.

    اُنظر ترجمته في : معالم العلماء : 148 ، اليقين للسيِّد ابن طاووس : 457 ، أمل الآمل 2 : 34|96 ، الكنى والألقاب 2 : 365 ، أعيان الشِّيعة 3 : 328 ، الغدير 4 : 40 ، تأسيس الشِّيعة : 159 ، عيون أخبار الرضا 7 1 : 3 ، يتيمة الدهر 3 : 188 ، معجم الأدباء 6 : 168 ، انباه الرواة 1 : 201 ، الامتاع والمؤانسة 1 : 53 ، فهرست ابن النديم : 194 ، الكامل في التاريخ 8 : 352 و 9 : 59 ، سير أعلام النبلاء 16 : 511|377 ، العبر 2 : 166 ، البداية والنهاية 11 : 314 ، المنتظم 7 : 1979 ، وفيات الأعيان 1 : 228 ، مرآة الجنان 2 : 421 ، لسان الميزان 1 : 413 ، معاهد التنصيص 4 : 11 ، النجوم الزاهرة 4 : 169 ، ودول الاسلام : 208.
    * السيِّد الحميري ، اسماعيل بن محمَّد بن يزيد :
    سيِّد الشعراء ، وصاحب الكلمة النافذة ، جليل القدر ، عظيم المنزلة. يُنسب إلى حمير احدى قبائل اليمن المعروفة.
    والسيِّد نسبة لغوية لا اُسرية ، حيث لم يكن فاطمياً ولا علوياً.
    كان رحمه الله تعالى من شعراء أهل البيت : المجاهرين بولائهم ، والمصرِّحين بتشيُّعهم رغم ما كان يحيط بهم من ظروف معاكسة.
    ولد بعمان سنة ( 105 هـ ) ونشأ في البصرة ، وتوفي في أيام هارون الرشيد ، وفي حدود عام ( 178 هـ ).
    انظر ترجمته في : معالم العلماء : 146 ، رجال الطوسي : 148|108 ، فهرست الطوسي : 32|82 ، الوجيزة : 8 ، الخلاصة : 10|22 ، التحرير الطاووسي : 37|20 ، رجال ابن داود : 51|196 ، أعيان الشيعة 3 : 405 ، فوات الوفيات 1 : 32 ، الأغاني 7 : 229.
    * الاشجع السلمي :
    أبو الوليد السلمي ، من كبار الشعراء وأعلامهم ، ويُعد في مرتبة أبي العتاهية وأبي نؤاس.
    ولد في اليمامة وانتقلت به اُمِّه إلى البصرة فنشأ بها وتأدَّب في مدارسها.
    برع في الشِّعر حتى طبق صيته الأفاق ، وعد من كبار الشعراء.

    انتقل بعدها الى الرقة ، وصاحب جعفر البرمكي وانقطع إليه.
    له في رثاء الإمام الرضا 7 قصيدة مطلعها :
    يا صاحبَ العيسِ تحذي في أزمتها
    اسمع وأسمع غداً يا صاحبَ العيس

    اقر السّلامَ على قبرٍ بطوس ولا
    تقري السّلامَ ولا النعمى على طوسِ

    اُنظر ترجمته في : معالم العلماء : 153 ، أمالي الطوسي 1 : 287 ، تنقيح المقال 1 : 148 ، أعيان الشِّيعة 3 : 447 ، الأغاني 18 : 211 ، الشعر والشعراء : 601.
    * الأصبغ بن نباتة :
    ابن الحارث التميمي الحنظلي المجاشعي.
    من خواص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 ، وخلّص أصحابه ، شهد معه صفين ، وكان على شرطة الخميس.
    كان رحمه الله شاعراً مفوَّهاً ، وفارساً شجاعاً ، وناسكاً عابداً.
    ضعّفه البعض من كتّاب العامَّة لا لذم يتعلَّق به ، أو ريب يُتوجَّس منه ، أو تهمة تلصق به ، بل لتشُّيعه وموالاته الكبيرة لعلي 7 ، فراجع وتأمَّل.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشيعة 3 : 464 ، الخلاصة : 24|9 ، رجال النجاشي : 8|5 ، فهرست الطوسي : 37 ، رجال الطوسي : 34|2 و : 66|2 ، رجال ابن داود : 52|204 ، معالم العلماء : 27|138 ، رجال الكشي : 320|164 ، تهذيب التهذيب 1 : 316 ، ميزان الاعتدال 1 : 271 ، التاريخ الكبير 1 : 35 ، الكامل لابن عدي 1 : 398 ، الضعفاء والمتروكين : 118 ، المجروحين 1 : 173.
    * الأفضل :
    ابن أمير الجيوش بمصر ، ومدبِّر الدولة الفاطمية ، ومن تُنسب إليه قيسرية أمير الجيوش بمصر.
    كان المستنصر قد استناب أباه على مدينتي صور وعكا ، وكان الأب يُعد من ذوي الآراء والشهامة وقوة العزم ، بحيث أن الأُمور والأوضاع لمّا اضطربت بيد المستنصر استدعاه وولّاه تدبير شؤون البلاد ، حيث وفِّق في ذلك وتم اصلاح

    الأحوال ، وكان وزيراً للسيف والقلم حتى وفاته سنة ( 487 هـ ) ، وكان هو الذي بنى الجامع بثغر الاسكندرية ، ومشهد الرأس بعسقلان.
    وبعد وفاة الأب أقام المستعلي بن المستنصر ولده الأفضل مقام أبيه ، وكان حسن التدبير ، شهماً ، صارماً ، فاستقامت الأمور بين يديه.
    إلّا أنّ الآمر بأحكام الله ـ والذي خلف والده ، وكان عمره لا يتجاوز آنذاك الست سنين ، وحيث كان الأفضل هو المدبر للأمور حتى شب وكبر ـ لم يرق له حال الأفضل ، وما عليه من الشأن الكبير والمنزلة العالية ، فدبَّر قتله عام ( 515 هـ ) وولّى بدله عبدالله بن البطائحي ولقبه المأمون ، ولكنه لم يلبث أن دبر قتله عام ( 519 هـ ).
    راجع : الكنى والألقاب 2 : 418 ، الكامل في التاريخ 10 : 235 و 589 ـ 672 ، البداية والنهاية 12 : 188 ( وما بعدها ) ، وفيات الأعيان 2 : 448 ، سير أعلام النبلاء 19 : 507|294 و 19 : 560 ، تاريخ الاسلام 4 : 218 ، دول الاسلام : 270 ، النجوم الزاهرة 8 : 64 ، مرآة الزمان 8 : 64 ، شذرات الذهب 4 : 4|47 ، دائرة معارف القرن العشرين 7 : 320.
    * الأمير أبو علي ، تميم ابن الخليفة المعز لدين الله معد بن إسماعيل الفاطمي :
    كان ملكاً لافريقيا وما والاها بعد أبيه المعز ، وكان بطلاً شجاعاً ، مهيباً وقراً ، حسن السيرة ، دمث الأخلاق كذا تعرّفه مصادر التاريخ المختلفة.
    قيل : أنَّه كان يترَّبع على عرش إمارة الشعر في عصره ، وله قصائد كثيرة في مدح أهل البيت : ورثائهم ، إلّا أنَّه ـ وتلك حشرجة تغص بها الحلوق ـ لم يتبق لنا من تراثه الشعري الفخم إلّا جملة من القصائد والأبيات المتفرِّقة ، والتي لا يخلو البعض منها من التغيير والتحريف الذي عمدت إليه أيدي الحاقدين على الفاطميين وحكمهم.
    توفي عام ( 501 هـ ) ودفن في قصره ثم نقل إلى قصر السيدة بالمنستير ، وكان

    قد ولد عام ( 422 هـ ).
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 3 : 640 ، الكامل في التاريخ 10 : 449 ، وفيات الأعيان 1 : 304 ، سير أعلام النبلاء 19 : 263|164 ، تاريخ الاسلام 4 : 164 ، العبر 2 : 381 ، شذرات الذهب 4 : 2 ، عيون التواريخ 13 : 224 ، الوافي بالوفيات 10 : 414 ، البداية والنهاية 12 : 170 ، مرآة الزمان 8 : 17 ، مرآة الجنان 3 : 169 ، النجوم الزاهرة 5 : 197.
    * جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي :
    الصحابي الجليل ، شهد مع رسول الله 9 أكثر غزواته ، ومنها غزوة بدر.
    كان رحمه الله منقطعاً إلى أهل البيت : ، ممدوحاً من قبلهم ، ويُعد من أصفيائهم.
    أثنى عليه أصحابنا وأوردوا روايات شتى في مدحه والثناء عليه.
    يُعد رحمه الله تعالى في الطبقة الاولى من المفسرين.
    كان من أوائل الزائرين لقبر الإمام الحسين 7 بعد فاجعة كربلاء المروعة.
    فقد عينيه في أواخر حياته.
    امتد به العمر طويلاً حتى أدرك الإمام الباقر 7 وأبلغه سلام رسول الله 9 عليه.
    توفي عام ( 78 هـ ) وهو ابن نيف وتسعين سنة.
    انظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 4 : 45 ، رجال ابن داود : 60|288 ، تاسيس الشِّيعة : 323 ، رجال الطوسي : 37|3 ، التاريخ الكبير 2 : 207 ، مستدرك الحاكم 3 : 4 56 ، اُسد الغابة 1 : 256 ، تاريخ الاسلام 3 : 143 ، سير أعلام النبلاء 3 : 189|38 ، العبر 1 : 65 ، تهذيب الكمال : 182 ، تذكرة الحفّاظ 1 : 40 ، تهذيب التهذيب 2 : 37 ، الاصابة 1 : 213 ، شذرات الذهمب 1 : 84.

    * ابن حنزابة ، جعفر بن الفضل بن الحسن بن الفرات :
    ولد في الاول في شهر ذي الحجة عام ( 308 هـ ) ببغداد.
    وحنزابة التي يُنسب إليها هي أم أبيه الفضل بن جعفر كما ذُكر ، إلا أن الأقرب للصواب ما ذكره الذهبي في تذكرته من أنها اُمَّه.
    قال عنه ابن خلكان ، كان وزير بني الاخشيد بمصر مدة إمارة كافور ، ثم لمّا استقل كافور بملك مصر استمر بوزارته أيضاً ، ولمّا توفي كافور استقل بالوزارة وتدبير المملكة لأحمد بن علي بن الأخشيد.
    إلّا أنّه لم يلبث أن اختلف مع الاخشيديين فهرب منهم ، فنهبت أمواله ثم اُعتقل وعُذِّب وسُجن فترة من الزمان ، حيث أُطلق سراحه بعد ذلك فرحل إلى الشام ، ليعود بعدها مرة اُخرى الى مصر.
    قيل : أنَّ له مؤلَّفات في أسماء الرجال والانساب وغير ذلك ، كما قيل أنَّه أوَّل من أنشا متحفا للهوام والحشرات.
    توفي عام ( 391 هـ ) وحمل تابوته من مصر إلى المدينة المنوَّرة ـ على مشرفها آلاف التحية والسَّلام ـ حيث كان قد اشترى فيها داراً واوصى أن يدفن فيها.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشيعة 4 : 134 ، تاريخ بغداد 7 : 234 ، البداية والنهاية 11 : 329 ، وفيات الاعيان 1 : 346 ، معجم الادباء 7 : 163 ، سير أعلام النبلاء 16 : 484|357 ، تذكرة الحفاظ 3 : 1022 ، النجوم الزاهرة 4 : 203 ، فوات الوفيات 1 : 292 ، شذرات الذهب 3 : 135 ، طبقات الحفّاظ : 405 ، النجوم الزاهرة : 203
    * أبو فراس الحمداني ، الحارث بن سعيد بن حمدان :
    الأمير الجليل ، والقائد الكبير ، والشاعر المفلق.
    ولد عام ( 320 هـ ) على الأقوى ، ومات مقتولاً عام ( 357 هـ ) ، وحاله أشهر من التعريف.

    انظر ترجمته في : معامل العلماء : 149 ، أعيان الشِّيعة 4 : 307 ، أمل الآمل 2 : 59|150 ، الكنى والألقاب 1 : 131 ، تنقيح المقال 1 : 245 ، تأسيس الشِّيعة : 208 ، يتيمة الدهر 1 : 35 ، النجوم الزاهرة 4 : 19 ، المنتظم 7 : 68 ، المختصر من أخبار البشر 2 : 108 ، سير أعلام النبلاء 16 : 196|136 ، الوافي بالوفيات 11 : 261 ، البداية والنهاية 11 : 278 ، شذرات الذهب 3 : 24 ، الأغاني 8 : 35 و 9 : 342.
    * أبو تمّام ، حبيب بن أوس بن الحارث الطائي :
    الشاعر الامامي الشهير.
    كان يُعد من شعراء الشِّيعة المبرَّزين ، وكان موصوفاً بالظرف وحسن الخلق وكرم النفس.
    حاله أشهر من أن تعرَّف أو تترجم ، حيث كان يُسمّى بشاعر العصر ، وأديب زمانه.
    كان على ما قال ابن خلكان له من المحفوظ ما لا يلحقه أحد غيره ، حيث قيل أنَّه كان يحفظ أربعة عشر ألف ارجوزة للعرب غير القصائد والمقاطيع.
    توفي عام ( 231 هـ ).
    انظر ترجمته في : الخلاصة : 61|3 ، رجال النجاشي : 141|367 ، معالم العلماء : 152 ، تنقيح المقال 1 : 251 ، رجال ابن داود : 69|376 ، الكنى والألقاب 1 : 27 ، أعيان الشيعة 2 : 310 ، الأغاني 9 : 22 و 12 : 39 و 19 : 51 ، فهرست ابن النديم : 31 ، شذرات الذهب 2 : 72 ، تاريخ الطبري 9 : 124 ، تاريخ بغداد 8 : 248 ، النجوم الزاهرة 2 : 261 ، وفيات الأعيان 2 : 11 ، سير أعلام النبلاء 11 : 63|26 ، العبر 1 : 324 ، خزانة الأدب 1 : 172 ، معاهد التنصيص1 : 141.
    * أبو عبدالله ، الحسن بن الحسن بن عطية العوفي :
    من مشاهير التابعين ، وكبار فقهاء الشيعة.
    قيل : انَّ أباه سعد بن جنادة وفد على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 أيام خلافتة وقال له : يا أمير المؤمنين ، إنَّه قد ولد لي غلام ، فسمَّه ، فقال

    7 : هذه عطية الله. فسُمي عطية ، وكانت اُمّه رومية.
    هرب من ظلم الحجاج لعنه الله ، ولجا إلى فارس ، فكتب الحجّاج إلى محمَّد ابن قاسم الثقفي : أن ادع عطية ، فإن لعن علي بن أبي طالب وإلّا فاضربه أربعمائة سوط ، واحلق رأسه ولحيته.
    فدعاه وأقرأه كتاب الحجّاج ، فابى ذلك ، فضربه أربعمائة سوط وحلق رأسه ولحيته.
    بقي في خراسان حتى ولي عمر بن هبيرة العراق فأذن له فقدم الكوفة ، وبقي فيها حتى توفي عام ( 111 هـ ).
    اُنظر ترجمته في : الكنى والألقاب 2 : 447 ، تنقيح المقال 2 : 253 ، طبقات ابن سعد 6 : 304 ، التاريخ الكبير 7 : 8 ، تهذيب التهذيب 7 : 224 ، سير أعلام النبلاء 5 : 325|159 ، تاريخ الاسلام 4 : 280 ، شذرات الذهب 1 : 144.
    * الحسن بن سهل بن عبدالله السرخسي :
    قيل : كان عارفاً خبيراً بالنجوم ، وكان صاحب رأي وتدبير. ولّاه المأمون الوزارة بعد مقتل أخيه الفضل ، وولّاه جميع البلاد التي فتحها طاهر بن الحسين.
    توفي عام ( 236 هـ ) بمدينة سرخس ـ من بلاد خراسان ـ في أيام المتوكِّل.
    انظر ترجمته في : رجال الطوسي : 374 / 39 ، أعيان الشيعة 5 : 107 ، تاريخ الطبري 9 : 184 ، تاريخ بغداد 7 : 319 ، البداية والنهاية 10 : 315 ، النجوم الزاهرة 2 : 287 ، شذرات الذهب 2 : 86 ، ، وفيات الأعيان 2 : 120 ، سيرأعلام النبلاء 11 : 171|73 ، العبر 1 : 257 و 259 و 263 و 281 و 306 و 332.
    * الحسن بن صالح بن حي :
    أبو عبدالله الهمداني الكوفي الثوري.
    كان شيعياً زيدياً ، بل ويعد من كبرائهم وعظمائهم ، وكان فقيهاً متكلِّماً.
    قيل : ولد سنة مائة هجرية ، وتوفي سنة تسع وستين ومائة على أقرب الاحتمالات.

    عاصر أربعة من الائمة المعصومين الاطهار : الباقر والصادق والكاظم والرضا :.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 5 : 119 ، الكنى والألقاب 1 : 160 ، تنقيح المقال 1 : 285 ، رجال الطوسي : 113|6 ، و 166 / 7 ، فهرست الطوسي : 50|175 ، الخلاصة : 215|17 ، رجال ابن داود : 238|121 ، طبقات ابن سعد 6 : 375 ، التاريخ 2 : 295 ، حلية الاولياء 7 : 327 ، تهذيب التهذيب 2 : 248 ، سير أعلام النبلاء 7 : 361|134 ، العبر 1 : 191 و 299 ، تذكرة الحفاظ : 92 ، شذرات الذهب 1 : 261 ، ميزان الاعتدال 1 : 496 ، مشاهير علماء الامصار : 170 ، تهذيب الكمال : 267.
    * أبو نؤاس ، الحسن بن هانئ :
    الشاعر المعروف.
    أنظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 2 : 439 ، الكنى والألقاب 1 : 11 ، تنقيح المقال 3 : 36 ( فصل الكنن ) ، معالم العلماء : 151 ، الشعر والشعراء : 538 ، تاريخ بغداد 7 : 436 ، طبقات الشعراء : 193 ، وفيات الأعيان 2 : 95 ، سير أعلام النبلاء 9 : 279|77 ، دول الاسلام 1 : 124 ، الأغاني 20 : 60 ، البداية والنهاية 10 : 227 ، شذرات الذهب 1 : 345 ، معاهد التنصيص 1 : 30 ، خزانة الأدب 1 : 168 ، فهرست ابن النديم : 304.
    * ابن الحجّاج ، الحسين بن أحمد بن محمَّد البغدادي :
    الكاتب ، المحتسب ، النيلي ، صاحب المجون ، والمشهور بابن الحجّاج.
    ينسب إلى النيل ، وهي قرية صغيرة كانت على بعد خمسة أميال من مدينة الحلِّة في العراق ، تقع على نهر حفره الحجّاج وأسماه بالنيل.
    كان يُعد من أعاظم الشعراء ومبرَّزيهم ، وكان شيعياً متصلِّباً في تشيُّعه.
    انتقل للسكن إلى بغداد فنُسب إليها أيضاً.
    كان شعره يمتاز بعذوبة الالفاظ ، وسلامته من التكلّف ، وانتظام عباراته في سلك الملاحة والبلاغة.

    شاع في شعره الهزل والمجون حتى عرف بهما ، إلّا أنَّه وكما يقول السيِّد الرضي رحمه الله تعالى : كان على علّاته يتفكَّه به الفضلاء والكبراء والادباء وتستملحه.
    تولى حسبة بغداد مدة من الزمن ، وارتفع شأنه وعلت مكانته ، حيث تهيأت له الظروف للاتصال بأكابر رجال العصر المهلبي ورجال الدولة البويهية وملوكها.
    كان يُعد من كبار شعراء الشيعة والمجاهرين في حبهم وولائهم ، وله في ذلك قصائد كثيرة معروفة.
    توفي يوم الثلاثاء السابع والعشرين من شهر جمادى الثانية سنة ( 391 هـ ) ، فحُمل تابوته إلى بغداد ودفن عند رجلي الامامين الكاظميين 8.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 5 : 427 ، الكنى والالقاب 1 : 245 ، أمل الآمل 2 : 88 / 236 ، معالم العلماء : 149 ، تنقيح المقال 1 : 318 ، تاريخ بغداد 8 : 14 ، الامتاع والمؤانسة 1 : 137 ، يتيمة الدهر 3 : 30 ، معاهد التنصيص 3 : 188 ، شذرات الذهب 3 : 136 ، وفيات الاعيان 2 : 168 ، تاريخ الاسلام 4 : 85 ، سير أعلام النبلاء 17 : 59|29 ، الوافي بالوفيات 12 : 331 ، مرآة الجنان 2 : 444 ، البداية والنهاية 111 : 329 ، النجوم الزاهرة 4 : 204 ، الأغاني 7 : 146.
    * الحسين بن أحمد بن محمد بن زكريا الصغاني :
    كان قد تحمَّل أعباء الدعوة إلى الدولة الفاطمية ، والتوطيد لحكمهم ، فالتف حوله الكثير من الناس في شمال افريقياً ، وخصوصاً من البربر ، فحارب أمير المغرب بن الاغلب ، وهزمه أكثر من مرة ، حتى وطد الامرلعبيد الله المهدي الذي كان مسجوناً في القيروان ، فتسلَّم منه الملك ، وأقام دولة الفاطميين.
    إلّا أنَّ الأُمور لم تلبث أن انقلبت على الحسين بن أحمد ، حيث تغير عليه المهدي فقتله عام ( 298 هـ ).
    أقول : لم أجد لابن زكريا المذكور ذكراً فيما توفَّر لي من كتب أصحابنا.
    اُنظر ترجمته في : الكامل في التاريخ 8 : 21 ( وما بعدها ) ، البداية والنهاية 11 :

    و 116 و 180 ، سير أعلام النبلاء 14 : 58|30 ، وفيات الاعيان 2 : 192 ، شذرات الذهب 2 : 227 ، الوافي بالوفيات 12 : 328 ، دائرة معارف القرن العشرين 7 : 315.
    * الحسين بن الضحّاك بن ياسر الباهلي :
    المعروف بالخليع أو الخالع.
    شاعر مطبوع ، رقيق الشعر منسجمه ، يكاد يسيل شعره رقة وظرفاً ، يعده الناس قريناً وشبيها بأبي نواس.
    ولد عام ( 162 هـ ) بالبصرة ، وقيل : إنَّ أصله من خراسان.
    توفي عام ( 250 هـ ).
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 6 : 41 ، الكنى والألقاب 2 : 196 ، الأغاني 7 : 146 ، طبقات الشعراء : 268 ، معجم الأدباء 10 : 5 ، تاريخ بغداد 8 : 54 ، النجوم الزاهرة 2 : 333 ، سير أعلام النبلاء 12 : 191|68 ، وفيات الأعيان : 162 ، شذرات الذهب 2 : 123.
    * مؤيِّد الدين ، الحسين بن علي الأصبهاني :
    صاحب لامية العجم المشهورة.
    ولد عام ( 453 هـ ) في قرية ( جي ) من أصبهان.
    كان علماً بارزاً في الكتابة والشعر ، وله باع طويل في علم الكيمياء ، وكان بالاضافة إلى ذلك حسن الخلق ، لطيف المعشر ، نقي السريرة ، صحيح المذهب.
    كان وزيراً للسلطان مسعود بن محمَّد السلجوقي في الموصل.
    توفي في حدود عام ( 514 هـ ).
    انظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 6 : 127 ، الكنى والالقاب 2 : 49 ، أمل الآمل 2 : 95|260 ، تنقيح المقال 1 : 336 ، معجم الادباء 10 : 56 ، وفيات الأعيان 22 : 185 ، تاريخ الاسلام 4 : 213 ، سير أعلام النبلاء 19 : 454|262 ، العبر 2 : 403 ، النجوم الزاهرة 5 : 220 ، الوافي بالوفيات 14 : 431 ، اللباب 3 : 262.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اصل الشيعه واصولها Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اصل الشيعه واصولها   اصل الشيعه واصولها Emptyالأربعاء 16 أكتوبر 2024 - 5:50

    * أبو القاسم ، الحسين بن علي بن الحسين المغربي :
    الوزير الأديب البليغ. كان صاحب رأي ودهاء ، وشهرة وجلالة ، وكان فاضلاً أديباً ، عاقلاً شجاعاً.
    قيل : أنَّه ولد عام (370) ، استظهر القرآن وعدة كتب فى النحو واللغة وغيرها ، ونظم الشعر ، وكتب في النثر ، وبلغ من الخط حداً كبيراً.
    له مصنَّفات كثيرة منها : خصائص القران ، ومختصر إصلاح المنطق ، وكتاب أدب الخواص ، وغيرها.
    كان قد قتل الحاكم أباه وعمه واُخوته ، فهرب متوارياً عنه ، فاجاره أمير العرب ـ آنذاك ـ حسن بن مفرِّج الطائي ، ثم قصد الوزير فخر الملك ، وتمكّن من أن يلي الوزارة في سنة ( 414 هـ ).
    توفي بميّا فارقين سنة ( 418 هـ ) فحُمل تابوته إلى النجف الأشرف ، حيث دُفن إلى جنب أمير المؤمنين علي 7 ، بوصية منه.
    اُنظر ترجمته في : رجال النجاشي 169|167 ، الخلاصة : 53|29 ، أمل الآمل 2 : 97|264 ، الكنى والالقاب 1 : 237 ، تنقيح المقال 1 : 338 ، أعيان الشِّيعة 6 : 111 ، معجم الأدباء 10 : 79 ، الكامل في التاريخ 9 : 321 ، سير أعلام النبلاء 17 : 394|257 ، لسان الميزان 2 : 301 ، وفيات الاعيان 2 : 172 ، البداية والنهاية 12 : 23 ، النجوم الزاهرة 4 : 266 ، شذرات الذهب 3 : 210.
    * الحلّاج ، أبو عبدالله الحسين بن منصور الفارسي البيضاوي :
    نشأ بتستر ، أو قيل بواسط.
    اسمي بالحلّاج لأنَّه ـ على ما قيل ـ بعث حلّاجاً في حاجة له فلما عاد الحلّاج وجد جميع قطنه محلوجاً ، أو قيل : أن أباه كان حلّاجا فنُسب إليه ، وقيل غير ذلك.
    قدم بغداد فصحب جماعة من كبار الصوفية أمثال الجنيد بن محمَّد وأبا الحسين النوري وعمرو بن عثمان المكي.

    نُسبت إليه الكثير من الاقوال والافعال ، واختلف الناس فيه ، وتبرأ منه الكثير من المتصوفة ونسبوه إلى الشعبذة والى الزندقة وغير ذلك.
    كان كثير الترحال والسفر فتأثَّر به الكثير من الناس ، وحاول الاتصال بجماعة من كبار أصحابنا فطروده ، بل وعدَّه الشَّيخ الطوسي رحمه الله تعالى في جماعة المذمومين الذين ادعوا البابية والسفارة كذباً وافتراء.
    حُبس بأمر المقتدر بالله سنين طويلة ، ثم قُتل بعد ذلك في عام ( 309 هـ) لسبع بقين من شهر ذي القعدة.
    راجع للاطلاع على تفاصيل حياته : الكنى والألقاب 2 : 164 ، كتاب الغيبة للطوسي : 401 ـ 405 ، مجالس المؤمنين 2 : 36 ، بين التصوف والتشيُّع : 339 ، تاريخ بغداد 8 : 122 ، الكامل في التاريخ 8 : 126 ، وفيات الأعيان 2 : 140 ، البداية والنهاية 11 : 132 ، سير أعلام النبلاء 14 : 313|205 ، ميزان الاعتدال 1 : 548 ، دول الاسلام 1 : 187 ، مراة الجنان 2 : 253 ، لسان الميزان 2 : 314 ، النجوم الزاهرة 3 : 182.
    * أبو محمَّد ، الحكم بن عتيبة الكندي :
    كان يُعد من علماء أهل الكوفة وفقهائهم. ولد في حدود ست وأربعين هجرية ، وتوفي عام خمس عشر ومائة هجرية على أصح الأقوال.
    اختلف أصحابنا في توثيقه واثبات تشيُّعه ، ففي حين يعدّه الشيخ الطوسي رحمه الله تعالى في أصحاب الأئمة السجاد والباقر والصادق : وأنه كان زيدياً ، فإنَّ العلّامة الحلي رحمه الله تعالى عده من فقهاء العامة ، وأنَّه كان بترياً مذموماً ، بل ونقل الكشي بعضاً من الروايات المضعفة له ، وكذا هو الحال في رجال أبي داود والكشي.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشيعة 6 : 209 ، رجال الطوسي : 86|6 و 114|11 و 171|102 ، رجال ابن داود : 243|163 ، الخلاصة : 218 ، تنقيح المقال 1 : 358 ، طبقات ابن سعد 6 : 331 ، تهذيب التهذيب 2 : 372 ، تهذيب الكمال : 316 ، تذكرة الحفاظ 1 : 117 ، سير أعلام النبلاء 5 : 208 ، تاريخ الاسلام 4 : 242.

    * خالد بن سعيد بن العاص بن امية بن عبد شمس :
    يعد من المسلمين الأولين السابقين في الاسلام ، ومن المتمسكين بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7.
    كان ممَّن هاجر إلى الحبشة مع جعفر بن أبي طالب ، وهو الذي تولى تزويج اُم سلمه إلى رسول الله 9 وهم في الحبشة.
    شهد غزوة الفتح والطائف وحنين ، وولّاه رسول الله 9 صدقات اليمن ، فكان هناك حتى توفي رسول الله 9 فترك اليمن وقدم المدينة ، ولزم أمير إلمؤمنين علي 7 ولم يُبايع أبا بكر ، بل كان من الأثني عشر صحابياً الذين حاجوا أبا بكر على منبره يوم الجمعة في أول خلافته.
    قيل : اُستشهد في أجنادين يوم السبت الثامن والعشرين من شهر جمادى الاول سنة ( 13 هـ ) ، وقيل في مرج الصفر محرم عام (13) أو ( 14 هـ ).
    اُنظر ترجمته في : تأسيس الشيعة : 353 ، الدرجات الرفيعة : 392 ، أعيان الشيعة 6 : 288 ، طبقات ابن سعد 4 : 1 ، التاريخ الكبير 3 : 152 ، المعارف : 168 ، سير أعلام النبلاء 1 : 259|48 ، تاريخ الاسلام 1 : 378 ، اسد الغابة 2 : 97 ، شذرات الذهب 1 : 30 ، البداية والنهاية 7 : 377.
    * الخليل بن أحمد الفراهيدي :
    الازدي البصري ، النحوي الامامي ، أشهر من أن يعرف أو يترجم له ، فقد طبق صيته الآفاق ، وتجاوز أبعد الحدود.
    انظر ترجمته في : تأسيس الشيعة : 148 ، تنقيح المقال 1 : 402 ، الكنى والألقاب 1 : 410 ، رجال ابن داود : 89|574 ، الخلاصة : 67|10 ، طبقات النحويين : 47 ، معجم الادباء 11 : 72 ، تهذيب الاسماء واللغات 1 : 177 ، التاريخ الكبير 3 : 199 ، وفيات الأعيان 2 : 244 ، سير أعلام النبلاء 7 : 429|161 ، العبر 1 : 207 و 3 : 219 ، تهذيب التهذيب 3 : 141 ، البداية والنهاية 10 : 161 ، البلغة

    في تاريخ أئمة اللغة : 79 ، طبقات القرّاء 1 : 275 ، شذرات الذهب 1 : 275 ، بغية الوعاة 1 : 557 ، إنباه الرواة 1 : 341 ، الجرح والتعديل 3 : 380 ، الكامل في التاريخ 6 : 50.
    * دبيس بن علي بن مزيد الاسدي :
    أمير العرب بالعراق ، وكان على ما تترجم له كتب التأريخ وسير الرجال فارساً شجاعاً ، وجواداً ممدوحاً ، ومن رجال الشيعة المعدودين.
    عاش ثمانين سنة ، وعند موته رثته الشعراء وأكثروا في ذلك ، وقد اُختلف في نسبة بناء الحلة إليه أو إلى حفيده سيف الدولة ، وإن كان الرأي الأخير مرجَّح عند الأكثر.
    أصل اسرته من بني أسد ، وقيل : من بني خفاجة ، وحيث يعودون بنسبهم الى الملك أبو الأعز دبيس بن سيف الدولة صدقة من منصور الاسدي.
    راجع : سير أعلام النبلاء 18 : 557|286 ، المنتظم 8 : 333 ، الكامل في التاريخ 10 : 121 ، وفيات الأعيان 2 : 491 ، دول الاسلام 2 : 6 ، تاريخ ابن خلدون 4 : 277 ، النجوم الزاهرة 5 : 114 ، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة : 207.
    * دعبل بن علي الخزاعي :
    شاعر أهل البيت ، والمجاهر بحبهم وولائهم.
    ولد سنة ( 148 هـ ) ، وكان شعره يتميز بالقوة والجزالة والفصاحة ، وحسن النظم ، ورهافة الحسن.
    كان رحمه الله ، جريئاً شجاعاً لا يتردد من الوقوف بوجه الظالمين والدفاع عن عقيدته في أحقية أهل البيت : ، رغم ما يتَّبعه الحكام المنحرفين من أساليب الارهاب والقتل ، ولقد ليم على ذلك ، وحذِّر من عاقبته فقال : أنا أحمل خشبتي منذ خمسين سنة ولست أجد أحداً يصلبني عليها.
    من أروع قصائده ما انشده الامام علي بن موسى الرضا 7 في خراسان :


    مَدارسُ آياتٍ خَلَت مِن تلاوةٍ
    ومَنزِلُ وَحيٍ مُقفَرُ العَرصاتِ

    لآلِ رسولِ الله بالخيف مِن منى
    وَبالبيتِ والتَعريفِ والحجراتِ

    مَنازلُ وحي الله يَنزلُ بينَهَا
    على أحمَد المَذكورِ في السوراتِ

    مَنازلُ قوم يُهتدي بهداهمُ
    فَتؤمَنُ مِنهم زلة العَثراتِ

    مَنازلُ كانت للصلاةِ وللتُقى
    وللصَّومِ والتطهير والحسنات

    توفي عام ( 244 هـ ) ، وقيل عام ( 246 هـ ) ، ودفن في السوس.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 6 : 400 ، معالم العلماء : 151 ، رجال النجاشي : 161|428 ، الخلاصة : 70 ، الوجيزة : 21 ، تنقيح المقال 1 : 417 ، رجال الطوسي : 375|6 ، رجال ابن داود : 98|601 ، الشعر والشعراء : 576 ، الأغاني 2 : 120 ، فهرست ابن النديم : 229 ، طبقات الشعراء : 264 ، تاريخ بغداد 8 : 382 ، ميزان الاعتدال 2 : 27 ، سير أعلام النبلاء 11 : 519|141 ، العبر 1 : 346 ، لسان الميزان 2 : 430 ، البداية والنهاية 10 : 348 ، معجم الادباء 11 : 99 ، النجوم الزاهرة 2 : 322 ، معاهد التنصيص 1 : 202.
    * أبو المطاع ، ذو القرنين بن حمدان بن ناصر الدولة :
    يلقَّب بوجيه الدولة ، وهو حفيد ناصر الدولة صاحب الموصل أخي سيف الدولة صاحب حلب.
    كان شاعراً أديباً فاضلاً ، قصائده حسنة السبك ، جميلة المنحدر.
    ولي إمرة دمشق سنة اثنتي عشرة وأربعمائة ثم عزل ، ثم وليها سنة خمس عشرة وأربعمائة الى سنة تسع عشرة وأربعمائة.
    وروي : أنَّه ورد مصر في أيام الظاهر بن الحاكم العبيدي صاحبها فقلَّده ولاية الاسكندرية في رجب سنة أربع عشرة وأربعمائة ، وأقام بها سنة ثم رجع إلى دمشق.
    توفي عام ( 428 هـ ) وكان من أبناء الثمانين.
    انظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 6 : 434 ، الكنى والألقاب 3 : 192 ، معجم

    الأدباء 11 : 119 ، سير أعلام النبلاء 17 : 516|340 ، دول الاسلام 1 : 255 ، شذرات الذهب 3 : 238 ، مرآة الجنان 3 : 51 ، النجوم الزاهرة 5 : 27 ، وفيات الأعيان 22 : 279|230.
    * سالم بن أبي الجعد الأشجعي الغطفاني :
    كان يُعد فقيهاً ثقة ، بل ومن نبلاء الموالي وعلمائهم. وكان كثير الحديث والرواية.
    توفي في حدود سنة مائة هجرية.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشيعة 7 : 172 ، تنقيح المقال 2 : 2 ، طبقات ابن سعد 6 : 291 ، التاريخ الكبير 4 : 107 ، تهذيب التهذيب 3 : 373 ، سير أعلام النبلاء 5 : 108|44 ، تاريخ الاسلام 3 : 369 ، شذرات الذهب 1 : 118 ، البداية والنهاية 9 : 189.
    * السري بن أحمد بن السري الكندي ، الرفّاء الموصلي :
    كان شاعراً شهيراً مطبوعاً ، عذب الألفاظ ، بديع النظم ، كثير الافتنان بالتشبيهات والأوصاف في شعره.
    عمل في أوَّل صباه في الرّفائين بالموصل حتى أخذ في نظم الشعر والتكسُّب به ، فذاع صيته وانتشر شعره ، فاخذ في مدح الملوك والرؤساء فانهالت عليه جوائزهم وعطاياهم ، ولاسيما ملوك بني حمدان ، ورأسهم سيف الدولة.
    له قصائد جميلة في مدح أهل البيت : ، منها :
    اُقارِع أعداءَ النَّبي وآلِهِ
    قراعاً يفَلُّ البيضُ عند قراعِهِ

    وأعلَمُ كلُّ العلِمِ انَّ وليهم
    سيجزى غُداةَ البَعَثِ صاعاً بصاعِهِ

    توفي في منتصف القرن الرابع الهجري ببغداد ، ودفن فيها.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشيعة 7 : 194 ، معالم العلماء : 152 ، هدية الاحباب : 143 ، يتيمة الدهر 2 : 117 ، تاريخ بغداد 9 : 194 ، معجم الادباء 11 : 182 ، الانساب 6 : 141 ، البداية والنهاية 11 : 270 ، النجوم الزاهرة 4 : 67 ، سير

    أعلام النبلاء 16 : 218|151 ، شذرات الذهب 3 : 73.
    * سعيد بن جبير بن هشام الكوفي :
    الحافظ المقرئ ، المفسر الشهيد ، وجهبذ العلماء.
    علم شهير ، وقمة شاهقة ، وشخصية لامعة فذة ، واسم على كلِّ لسان ، فلقد طبق صيته الآفاق ، وتجاوز كلَّ حد.
    أصله من الكوفة ، ومن خلاصة شيعتها ، وكان من المتعلِّقين بأهل البيت : ، والمجاهرين بذلك ، والمنادين بوجوب اتباعهم ، فكان ذلك سبباً في استشهاده ، رضوان الله تعالى عليه.
    قتله الحجاج بن يوسف لعنه الله تعالى في وقت ـ وكما يقول أحمد بن حنبل ـ : ما كان على الأرض أحد إلّا وهو محتاج لعلمه.
    انظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 7 : 234 ، الخلاصة : 79|2 ، رجال أبي داود : 102|687 ، تنقيح المقال 2 : 25 ، طبقات ابن سعد 6 : 256 ، التاريخ الكبير 3 : 461 ، المعارف : 253 ، حلية الأولياء 4 : 272 ، وفيات الأعيان 2 : 371 ، تهذيب الكمال : 480 ، تاريخ الاسلام 4 : 2 ، سير أعلام النبلاء 4 : 321|116 ، تذكرة الحفاظ 1 : 71 ، العبر 1 : 84 و 123 و 143 و 192 ، تهذيب التهذيب 4 : 11 ، النجوم الزاهرة 1 : 228 ، شذرات الذهب 1 : 108 ، تاريخ الطبري 4 : 23 ، الكامل في التاريخ 4 : 579.
    * سعيد بن المسيب بن حزن المخزومي :
    أختلف فيه أصحابنا ، فهم بين مشيد به ، عاد له في أصحاب الائمة : ، وبين ذام له ، طاعن حتى في مذهبه ، والله تعالى هو العالم بحقيقة الحال.
    توفي سنة أربع وتسعين هجرية.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشيعة 7 : 249 ، الخلاصة : 79|1 ، رجال الطوسي : 90|1 ، رجال الكشي 1 : 332 ، رجال أبي داود : 103|695 ، تنقيح المقال 2 : 30 ، طبقات ابن سعد 5 : 119 ، المعارف : 248 ، تذكرة الحفاّظ 1 : 51 ، سير أعلام النبلاء

    4 : 217|88 ، تاريخ الاسلام : 4 : 4 ، تهذيب التهذيب 4 : 74 ، البداية والنهاية 9 : 99 ، طبقات الحفّاظ : 17 ، النجوم الزاهرة 1 : 228 ، شذرات الذهب 1 : 102 ، مرآة الجنان 1 : 85.
    * أبو محمَّد ، سليمان بن مهران الأعمش :
    أصله من نواحي ري ، وقيل : ولد بقرية اُمِّه من أعمال طبرستان في سنة إحدى وستين هجرية ، وقدموا به الكوفة طفلاً ، وفي تاريخ بغداد : أنَّ أباه جاء به حميلاً إلى الكوفة.
    كان يعد من أصحاب الإمام الصادق 7.
    وثَّقه القوم في كتبهم وأثنوا عليه.
    توفي في ربيع الأول سنة ( 148 هـ ) على الأقرب في المدينة المنوَّرة ، وله (88) عاماً.
    انظر ترجمته في : رجال النجاشي : 193|517 ، الكنى والألقاب 2 : 39 ، تنقيح المقال 2 : 63 ، رجال الطوسي : 206|72 ، رجال ابن داود : 106|729 ، طبقات ابن سعد 6 : 342 ، حلية الأولياء 5 : 46 ، تاريخ بغداد 9 : 3 ، الكامل في التاريخ 5 : 589 ، وفيات الأعيان 2 : 400 ، تاريخ الاسلام 6 : 75 ، ميزان الاعتدال 2 : 224 ، سير أعلام النبلاء 6 : 226|110 ، تذكرة الحفاّظ 1 : 154 ، تهذيب التهذيب 4 : 195 ، تذهيب التهذيب 20 : 54 ، شذرات الذهب 1 : 220 ، الجرح والتعديل 4 : 146 ، مشاهير علماء الأمصار : 111.
    * طاهر بن الحسين الخزاعي :
    مقدَّم الجيوش ، المكنى بذي اليمينين ، لأنه وكما قيل بانَّ المامون كتب إليه : يمينك يمين أمير المؤمنين ، وشمالك يمين. بل وقيل : لأنَّه ولي العراق وخراسان ، وقيل غير ذلك.
    في عام ( 205 هـ ) ولاه المأمون على جميع بلاد خراسان والمشرق ، وكان قد ولّاه الجزيرة والشرط وجانبي بغداد قبل ذلك.
    تراجع عام ( 207 هـ) عن بيعة المأمون ، وقطع الدعاء له ، وطرح لباس السواد ،

    ولكنّه لم يلبث أن توفي بعدها بقليل.
    ولّى المأمون ابنه عبدالله على الرقة ومصر وجزيرة ، وأقرَّ ولده طلحة مكان أبيه بعد موته.
    لم اتثبَّت من تشيُّعهم فيما توفَّر لدي من المصادر ، والله تعالى هو العالم.
    راجع : تاريخ الطبري 577 : 8 ، البداية والنهاية 10 : 255 ، شذرات الذهب 2 : 16 ، الكامل في التاريخ 6 : 360 ، النجوم الزاهرة 2 : 149.
    * أبو الغارات ، طلائع بن رزيك :
    الملقَّب بالملك الصالح ، ووزير مصر.
    ولد في التاسع عشر من شهر ربيع الأول سنة ( 495 هـ ).
    كان والياً بمنية بني الخصيب من أعمال الصعيد المصري ( مديرية المنيا ) فلمّا قُتل الظافر أرسل أهله وحرمه إليه ـ أي إلى طلائع ـ كتباً ملطخة بالسواد ، فيها قد جُمع شَعرُ أهل الظافر المقصوص ، يسألونه فيها أن ياخذ الثأر من قاتلي الظافر ، عباس وولده نصر.
    فاستجاب لهم الصالح ، وتوجه إلى القاهرة بجمع عظيم من أتباعه ، فهرب عباس وولده وأتباعهم عند اقتراب الصالح وجمعه من أطراف القاهرة ، فدخلها وتولّى الوزارة أيام الفائز ، وأيام العاضد ، إلّا أنَّه لم يلبث أن قُتل في عام ( 556 هـ ) باختلاف بين المؤرِّخين حول قاتله ، فقد قيل : أنه المعتضد نفسه ، وقيل : عمة المعتضد ، وقيل غير ذلك ، والله تعالى هو العالم بحقيقة الحال.
    كانت للصالح وقائع مشهودة مع الصليبين ، كان النصر حليفه في الكثير منها.
    وكان محباً للشعراء ، مقرِّباً لهم ، وله قصائد كثيرة متناثرة في طيات الكتب ، ومن أشعاره.
    مُحَمَّدٌ خاتمُ الرُسُلِ الذي سَبَقَت
    به بشارَةُ قِس وابنِ ذي يَزنِ

    الكاملُ الوصفِ في حلم وفي كرمٍ
    والطاهِرُ الأصل مِن ذَمٍ ومِن دَرنِ

    ظِلُ الالهِ ومفتاح النَجاةِ وينبو
    عُ الحياةِ وغيثُ العارضِ الهتنِ




    فَاجعلهُ ذِخركَ في الدارَين مُعتَصِماً
    به والمرتضى الهادي أبي حَسَنِ

    وله أيضا :
    ويوم خم وقد قال النبي له
    بين الحضور وشالت عضده يده

    من كنت مولى له هذا يكون
    له مولى أتاني به أمر يؤكده

    من كان يخذله فالله يخذله
    أو كان يعضده فالله يعضده

    وله في مدح أهل البيت : :
    هُمُ السَّفينةُ ماكنّا لَنَطمَعَ أن
    نَنجُو مِن الهَول يَومَ الحَشر لَولا هي

    الخاشِعُون إذا جَنَ الظَلامُ فَما
    تَغشاهُمُ سِنَّةٌ تنفي بانباه

    وَلابَدت لَيلَةٌ إلّا وقابَلَها
    مِن التَهَجُّد مِنهُم كلُّ أوّاه

    ومن آثاره الباقية الجامع الذي هو على باب زويلة بظاهر القاهرة.
    دفن بعد وفاته بالقاهره ، ثم نقله وَلَدَه العادل من دار الوزارة التي دفن فيها في التاسع عشر من شهر صفر عام ( 577 هـ ) إلى تربته التي هي بالقرافة الكبرى.
    ومن الاتفاقات الغريبة ـ على ما قرأتُ ـ أن الصالح وَلّى الوزارة في اليوم التاسع عشر ، وقُتل في اليوم التاسع عشر ، ونُقل تابوته في اليوم التاسع عشر ، وزالت دولة الفاطميين في اليوم التاسع عشر أيضاً!!
    اُنظر ترجمته في : معالم العلماء : 149 ، أعيان الشِّيعة 7 : 396 ، الكنى والألقاب 3 : 172 ، الكامل في التاريخ 11 : 274 ، وفيات الأعيان 2 : 526 ، سير أعلام النبلاء 20 : 397|272 ، العبر 3 : 24 و 26 ، مراة الزمان 8 : 146 ، البداية والنهاية 12 : 243 ، النجوم الزاهرة 5 : 345 ، شذرات الذهب 4 : 177 ، دائرة معارف القرن العشرين 7 : 321.
    * أبو الأسود الدؤلي ، ظالم بن عمرو بن سفيان :
    في اسمه اختلاف وتضارب.
    كان علماً بارزاً ، وقمة شاهقة من أعلام الأدب الاسلامي. ولد قبل البعثة النبوية بثلاث سنوات تقريباً ، وأسلم في عهد رسول الله 9 ، وقيل أنَّه شهد بدراً.

    هاجر إلى البصرة في عهد عمر بن الخطّاب وسكن فيها ، وطال مكوثه فيها حتى أنه عد من شعرائها ، بل وأُسمي أحد طرقها الرئيسية باسمه.
    كان من المتحققين بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 ، وصحبته ، وصحبة ولدِه ، وشهد معه أكثر مشاهده.
    روى السيِّد المرتضى رحمه الله تعالى : أنَّ أبا الأسود دخل يوماً على معاوية بالنخيلة فقال له معاوية : أكنت ذُكرَت للحكومة [ أي في صفين بعد وقف الحرب بين علي 7 ومعاوية بن هند ].
    فقال : نعم.
    قال معاوية : فماذا كنت صانعا؟
    قال : كنتُ أجمع ألفاً من المهاجرين وأبنائهم ، وألفاً من الأنصار وأبنائهم ، ثم أقول : يا معشر من حضر أرجل من المهاجرين أحق أم رجل من الطلقاء؟.
    كان فقيهاً عالماً تولّى القضاء في البصرة ، واستخلفه عبدالله بن عبّاس عليها عند شخوصه إلى الحجاز.
    توفي في الطاعون الذي أصاب البصرة عام ( 69 هـ ) وهو ابن خمس وثمانين سنه.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 2 : 288 ، الكنى والألقاب 1 : 7 ، رجال ابن داود : 112|794 ، رجال الشيخ : 46 ، تنقيح المقال 3 : 3 ( باب الكنى ) ، تاسيس الشِّيعة : 318 ، طبقات ابن سعد 7 : 99 ، التاريخ الكبير 6 : 334 ، فهرست ابن النديم ، 39 ، معجم الأدباء 12 : 34 ، اُسد الغابة 3 : 69 ، أخبار النحويين البصريين : 13 ، معجم الشعراء : 67 ، طبقات النحويين : 21 ، نزة الأدباء 1 : 8 ، سير أعلام النبلاء 4 : 81|28 ، تاريخ الاسلام 3 : 9 ، العبر 1 : 57 ، تهذيب الكمال : 632 ، النجوم الزاهرة 1 : 184 ، تهذيب التهذيب 22 : 12 ، خزانة الأدب 1 : 136 ، الأغاني 7 : 248 و 12 : 296 و 20 : 364 ، بغية الوعاة 2 : 22.
    * أبو مالك ، الضحّاك الحضرمي :
    كان متكلماً بارعاً من أهل الكوفة ، ومن أصحاب الإمام الصادق 7 ،

    وله كتاب في التوحيد.
    اُنظر ترجمته في : رجال الطوسي : 221|4 ، رجال النجاشي : 205|546 ، الخلاصة : 90 ، تنقيح المقال 2 : 104.
    * عامر بن واثلة الليثي الكناني الحجازي :
    كان من مقدمي الصحابة وأجلائهم ، يقال أنَّه أدرك ثمان سنين من حياة رسول الله 9 ، وتشرف بصحبته.
    كان صادقاً ، عالماً ، شاعراً ، فارساً. صحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 وكان من شيعته ومحبيه وملازميه ، وشهد معه مشاهده جميعها ، حتى استشهاده 7 ، فلازم ابناءه المعصومين : وروى عنهم.
    قيل : أنَّه قدم يوماً على معاوية بن هند آكلة الأكباد فقال له : كيف وجدك على خليلك أبي الحسن؟
    فقال : كوجد اُم موسى ، واشكو إلى الله التقصير.
    فقال له معاوية : كنت فيمن حصر عثمان؟
    فقال : لا ، ولكني فيمن حضره.
    قال : فما منعك من نصره؟
    قال : وأنت ما منعك من نصره إذ تربصت له ريب المنون وكنت في أهل الشام كلهم تابع لك فيما تريد؟
    قال معاوبة : أوما ترى طلبي بدمه نصرة له؟
    فقال عامر : بلى ، ولكنَّك كما قال أخو بني فلان :
    لألفينَّكَ بعد الموتِ تَندبني
    وفي حياتي ما زَوَّدتني زادي

    خرج مع المختار طلباً بدم الامام الحسين 7 ، وكان معه حتى قتل المختار ، وامتد به العمر بعد ذلك حتى توفي سنة مائة هجرية.
    انظر ترجمته في : رجال الطوسي : 25|50 ، و 47|8 و 69|3 و 98|24 ، رجال ابن داود : 113|806 ، أعيان الشيعة 2 : 370 ، تأسيس الشِّيعة : 186 ، تنقيح المقال

    2 : 117 ، الكنى والألقاب 1 : 107 ، رجال البرقي : 4 ، التاريخ الكبير 6 : 446 ، المعارف : 192 ، جمهرة أنساب العرب : 183 ، تاريخ بغداد 1 : 198 ، اُسد الغابة 3 : 145 ، تهذيب التهذيب 5 : 71 ، تاريخ الاسلام 4 : 78 ، سير أعلام النبلاء 3 : 468|97 و 4 : 467|177 ، العبر 1 : 89 ، البداية والنهاية 9 : 190 ، النجوم الزاهرة 1 : 243 ، شذرات الذهب 1 : 118 ، خزانة الأدب 4 : 41.
    * الناشئ الكبير ، عبدالله بن محمد الأنباري البغدادي :
    المعروف بابن شرشير ، وشرشير اسم طائر يصل إلى الديار المصرية من البحر زمن الشتاء ، أكبر من الحمام بقليل.
    كان يعد من كبار المتكلِّمين ، وأعيان الشعراء ، ورؤوس المنطق.
    سكن مصر وبها مات عام ( 293 هـ ).
    ترجَّم له القمي في كناه ، وأورده السيد الأمين في أعيانه إلّا أنَّ له تعليقاً حول تشيعه يراجع للاستزادة.
    اُنظر ترجمته في : الكنى والألقاب 3 : 192 ، أعيان الشِّيعة 10 : 200 ، تاريخ بغداد 10 : 92 ، وفيات الأعيان 3 : 91 ، سير أعلام النبلاء 14 : 40|14 ، العبر 1 : 424 ، شذرات الذهب 2 : 214 ، النجوم الزاهرة 3 : 158 ، البداية والنهاية 11. 101.
    * أبو هاشم ، عبدالله بن محمَّد بن الحنفية :
    حفيد الامام علي بن أبي طالب 7. كان ثقة جليلاً ومن علماء التابعين ، توفي في حدود عام ( 98 هـ ) ، وعنه انتقلت البيعة إلى بني العبّاس.
    اُنظر ترجمته في : الكنى والألقاب 1 : 169 ، تنقيح المقال 2 : 212 ، طبقات ابن سعد 5 : 327 ، التاريخ الكبير 5 : 187 ، تاريخ الاسلام 4 : 20 ، سير أعلام النبلاء 4 : 129|37 ، العبر 1 : 87 ، وفيات الأعيان 4 : 187.
    * ديك الجن ، عبد السلام بن رغبان الكلبي الحمصي :
    شاعر شيعي مشهور ولد عام ( 161 هـ ) بسلمية ، فاق بشعره شعراء عصره ، وطار صيته في الآفاق حتى صار الناس يبذلون الأموال للحصول على القطعة من

    شعره.
    لم يتكسِّب بشعره حيث لم يمدح خليفة ولا غيره ، بل ولم يرحل إلى العراق رغم رواج سوق الشعر فيه في زمنه ، فبقي شعره ضمن الحدود التي عاش فيها.
    له مراث كثيرة ورائعة في الإمام الحسين 7.
    توفي عام (235) أو ( 236 هـ ) وله أربع أو خمس وسبعون سنة.
    انظر ترجمته في : معالم العلماء : 150 ، أعيان الشِّيعة 8 : 12 ، الكنى والألقاب 2 : 212 ، الأغاني 14 : 50 ، سير أعلام النبلاء 11 : 163|67 ، وفيات الأعيان 3 : 184.
    * عبد العزيز بن يحيى الجلودي :
    أبو أحمد البصري ، من أكابر الشِّيعة الامامية ، والرواة للآثار والسير ، وشيخ البصرة وأخباريها.
    يعد المؤرِّخون له قريباً من المائتين مصنَّفاً ، إلا أنَّه لم يبق لنا في هذه الأيام منها شيء.
    انظر ترجمته في : رجال النجاشي : 240|640 ، فهرست الطوسي : 119|534 ، الخلاصة : 116 ، تنقيح المقال 2 : 156 ، تاسيس الشِّيعة : 242 و 329 ، معالم العلماء : 80|547 ، رجال ابن داود : 129|962.
    * عبد القادر بن أبي صالح الكيلاني الحنبلي :
    ولد بجيلان من بلاد طبرستان في سنة احدى وسبعين وأربعمائة هجرية وتفقَّه على أبي سعد المخرمي.
    كان إماماً للحنابلة وشيخ كبير من شيوخهم ، وهو مؤسِّس الطريقة القادرية ، ويُعد من كبار المتصوِّفين ، وأصحاب الطرق.
    ينسب إليه أصحابه في كتبهم الكثير من الكرامات ، ولكنَّها وكما يقول الذهبي عند الحديث عنها بانَّها حافلة باشياء مستحيلة وغير صحيحة.
    نعم ، وقد أفرد الشيخ الأميني جملة صفحات في موسوعته الشهيرة الغدير

    (11 : 170) لمناقشة هذه الروايات الموضوعة. فراجع.
    له أقول وأفعال يردها بقوة وحزم العلماء والباحثون وتؤخذ عليه.
    توفي عام ( 561 هـ ) ودفن في بغداد ، وقبره مشهور ومعروف.
    راجع : مجالس المؤمنين 2 : 132 ، 3 : 415 ، الكامل فى التاريخ 11 : 323 ، سير أعلام النبلاء 20 : 439|286 ، دول الاسلام 2 : 75 ، شذرات الذهب 4 : 198 ، البداية والنهاية 12 : 252 ، فوات الوفيات 2 : 373 ، النجوم الزاهرة 5 : 371.
    * الزاهي ، علي بن اسحاق البغدادي :
    كان شاعراً مجيداً ، حسن الشعر في التشبيهات وغيرها ، وكان وصّافاً محسناً.
    ولد في صفر من عام ( 318 هـ ) وكان أكثر شعره في مدح أهل البيت : ، ومن ذلك :
    يا آلَ أحمد ما كانَ جُرمكُم
    فكلُ أرواحكُم بالسِّيفِ تُنتزعُ

    منكم طريدٌ ومقتولٌ على ظمأ
    ومنكم دنفٌ بالسّمِ مُنصرعُ

    توفي في حدود سنة ( 352 هـ ) ببغداد.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 8 : 163 ، الكنى والألقاب 2 : 257 ، معالم العلماء : 148 ، يتيمة الدهر 1 : 233 ، تاريخ بغداد 11 : 350 ، الأنساب 6 : 231 ، سير أعلام النبلاء 16 : 111|77 ، النجوم الزاهرة 4 : 63 ، اللباب 2 : 55 ، المنتظم 7 : 59 ، البداية والنهاية 11 : 272 ، وفيات الأعيان 3 : 371.
    * أبو الحسن البغدادي ، علي بن الجعد بن عبيد الجوهري :
    مسند بغداد ، ومولى بني هاشم.
    ولد سنة ثلاث أو أربع أو ست وثلاثين ومائة هجرية.
    كان عالماً حافظاً ، كتب عن ابن حنبل وابن معين ، وروى عنه البخاري وغيره.
    توفي سنة ( 230 هـ ) وقد استكمل ستاً وتسعين سنة.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشيعة 8 : 177 ، الكنى والألقاب 2 : 145 ، طبقات ابن سعد 7 : 338 ، التاريخ الكبير 6 : 265 ، تاريخ بغداد 11 : 360 ، تهذيب التهذيب 7 : 256 ، تهذيب الكمال 5 : 959 ، ميزان الاعتدال 3 : 116 ، سير أعلام

    النبلاء 10 : 460|152 ، طبقات الحفّاظ : 175 ، شذرات الذهب 2 : 68.
    * أبو الفرج الاصبهاني ، علي بن الحسين المرواني الأموي :
    كان خبيراً متضلِّعاً بالأخبار والآثار ، والنحو والأحاديث ، والمغازي ، وغير ذلك.
    له مصنَّفات كثيرة مشهورة ، منها كتاب الأغاني ، وكتاب مقاتل الطالبيين.
    وصفه الذهبي بأنه كان بحراً في الأدب ، بصيراً بالأنساب وأيام العرب ، وقال : والعجب أنّه أموي شيعي!!.
    ووصفه الحر العاملي رحمه الله تعالى في أمل الآمل بأنَّه أصبهاني الأصل ، بغدادي المنشأ ، شيعي المذهب.
    توفي في ذي الحجة سنة ست ( أو ثلاث ) وخمسين وثلاثمائة ، وله اثنتان وسبعون سنة.
    اُنظر ترجمته في : فهرست الطوسي : 192 ، أمل الآمل 2 : 181 ، أعيان الشِّيعة 8 : 198 ، الكنى والألقاب 1 : 132 ، تنقيح المقال 3 : 30 ( باب الكنى ) ، تاريخ بغداد 11 : 398 ، يتيمة الدهر 3 : 109 ، معجم الأدباء 13 : 94 ، إنباه الرواة 2 : 251 ، وفيات الأعيان 3 : 307 ، العبر 2 : 98 ، دول الاسلام 1 : 221 ، سير أعلام النبلاء 16 : 201|140 ، ميزان الاعتدال 3 : 123 ، لسان الميزان 4 : 221 ، البداية والنهاية 11 : 263 ، شذرات الذهب 3 : 19 ، ذكر أخبار اصبهان 2 : 22 ، فهرست ابن النديم : 226 ، النجوم الزاهرة 4 : 15.
    * أبو الحسن ، علي بن الحسين المسعودي الهذلي :
    المؤلِّف الشهير. نشأ في بغداد وطاف في الكثير من البلدان ، وخلَّف العديد من المصنَّفات أشهرها كتاب اثبات الوصية وكتاب مروج الذهب.
    كان مهتماً بدراسة أحوال الشعوب وعاداتهم وطبعائهم وتقاليدهم ، كما كان مؤرِّخاً متقدماً ، ومتكلِّماً اصولياً ، له المام بالفلسفة وعلم النجوم وغيرها.
    توفي في منتصف القرن الرابع الهجري.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشيعة 8 : 220 ، الكنى والألقاب 3 : 153 ، تأسيس الشِّيعة : 253 ، رجال النجاشي : 254|665 ، الخلاصة : 100|40 ، رجال ابن داود :

    137 / 1038 ، النجوم الزاهرة 3 : 315 ، شذرات الذهب 2 : 271 ، سير أعلام النبلاء 15 : 569|343 ، العبر 2 : 71 ، لسان الميزان 4 : 224 ، فوات الوفيات 2 : 94.
    * السيِّد المرتضى ، علي بن الحسين بن موسى :
    أجلُّ وأكبر من أن يُعرَّف ، فهو كالشمس في رابعة النهار.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشيعة 8 : 213 ، رجال ابن داود : 136|1036 ، رجال النجاشي : 270|708 ، تأسيس الشيعة : 214 و 303 ، فهرست الطوسي : 98|431 ، الدرجات الرفيعة : 458 ، الكنى والألقاب 2 : 439 ، معالم العلماء : 69 ، الخلاصة : 94|22 ، تنقيح المقال 2 : 284 ، أمل الآمل 2 : 182|549 ، منهج المقال : 331 ، منتهى المقال : 218 ، تاريخ بغداد 11 : 402 ، معجم الأدباء 13 : 146 ، البداية والنهاية 12 : 53 ، جمهرة الأنساب : 63 ، أنباه الرواة 2 : 249 ، المنتظم 8 : 120 ، سير أعلام النبلاء 17 : 588|394 ، ميزان الاعتدال 3 : 124 ، دول الاسلام 1 : 258 ، وفيات الأعيان 3 : 313 ، بغية الوعاة 2 : 162 ، لسان الميزان 4 : 223 ، مراة الجنان 3 : 55 ، شذرات الذهب 3 : 256 ، النجوم الزاهرة 5 : 39.
    * أبوالحسن علي الحِمّاني :
    كان شاعراً فاضلاً ، وأديباً بارعاً ، له قصائد مشهورة تفيض جزالة وبلاغة ، ورفعة وجمالاً.
    وتسميته بالحِمّاني نسبة إلى حِمّان ( بكسر الحاء وتشديد الميم ) وهي قبيلة بالكوفة.
    نوَّه الإمام الهادي 7 بمكانته العالية في الشعر.
    توفي عام ( 260 هـ ) كما روي.
    اُنظر ترجمته في : تاسيس الشيعة : 216 ، معالم العلماء : 150 ، أعيان الشِّيعة 8 : 316.
    * صدر الدين علي خان المدني الشيرازي :
    يعود نسبه إلى الإمام علي بن الحسين 8.
    ولد عام ( 1052 هـ ) في المدينة المنوّرة وأخذ العلم فيها فترة من الزمن حتى

    هاج إلى حيدر آباد في الهند سنة ( 1068 هـ ) حيث شرع هناك في تأليف كتابه الموسوم بسلافة العصر سنة ( 1081 هـ ).
    بقي في الهند ثمان وأربعين سنة على ما قيل.
    انتقل إلى برهان بور عند السلطان ( اُورنك زيب ) حيث نسبه رئيساً على ألف وثلاثمائة فارس وأعطاه لقب خان ، فعرف به.
    رحل إلى إيران وبقي متنقلاً في مدنها حتى استقر في مدينة شيراز متولياً التدريس في مدراسها.
    له جملة من المؤلفات القيمة أمثال : رياض السالكين ، نغمة الأغان ، سلوة الغريب واسوة الأديب ، أنوار الربيع في أنواع البديع ، موضح الرشاد في شرح الارشاد.
    توفي في شيراز عام ( 1120 هـ ) ودفن فيها.
    أنظر : مقدمة كتاب الدرجات الرفيعة بقلم السيد بحر العلوم.
    * نور الدين ، علي بن صلاح الدين الأيوبي :
    كان متأدباً حليماً ، حسن السيرة متديناً ، أخرجه عمه وأخوه من ملكه بعد موت أبيه صلاح الدين من دمشق إلى صرخد ، واستوليا على الحكم.
    كان شيعياً مجاهراً بذلك ، معروفاً به ، مذيعاً به في قصائده وأشعاره ، ومن ذلك قوله :
    أما آنَ للسعد الذي أنا طالبٌ
    لادراكه يوماً يُرى وهو طالبي

    تُرى هل يُريني الدهرُ أيدي شيَعتي
    تُمكَّن يَوماً من نواصي النواصبِ

    راجع : أعيان الشِّيعة 8 : 371 ، الكنى والألقاب 3 : 195 ، النجوم الزاهرة : 217.
    * ابن الرومي ، أبو الحسن علي بن العباس :
    يُعد من اشعر أهل زمانه ، وأجملهم وصفاً ، وأبلغهم هجاءً ، وأوسعهم احاطة وتحكماً.

    ولد عام ( 221 هـ ) في العتيقة من الجانب الغربي من مدينة السلام.
    تعلّم العربية فاتقنها وبرع فيها وحذق في علومها ، وله قصائد كثيرة وشهيرة ، ومن ذلك قوله في مدح أمير المؤمنين علي 7 :
    ترابُ أبي تراب كحلَ عيني
    إذا رَمدت جلوت بها قَذاها

    تَلذُ لي المَلامةُ في هواهُ
    لذكراهُ وأستحلي أذاها

    توفي عام ( 283 هـ ) ودفن في مقابر باب البستان في الجانب الشرقي من مدينة السلام.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 8 : 250 ، الكنن والألقاب 1 : 280 ، تاريخ بغداد 12 : 23 ، المنتظم 5 : 165 ، سير أعلام النبلاء 13 : 495|224 ، وفيات الأعيان 3 : 358 ، البداية والنهاية 11 : 74 ، شذرات الذهب 2 : 188.
    * الناشئ الصغير ، علي بن عبدالله بن وصيف البغدادي :
    كان متكلِّماً بارعاً من كبار متكلِّمي الشِّيعة ، وشاعراً مفوّهاً ومبرزاً من شعرائها.
    ولد عام ( 271 هـ ) وأخذ علم الكلام عن أبي سهل اسماعيل النوبختي.
    أسمي بالناشئ لأنَّه نشأ في فن من الشعر.
    له قصائد كثيرة جداً في أهل البيت : ، حتى أنَّه يُسمّى بشاعر أهل البيت.
    من ذلك قوله :
    بآلِ مُحَمَّد عُرفَ الصَّوابُ
    وَفي أبياتِهم نَزَلَ الكتابُ

    هُمُ الكَلماتُ والأسماءُ لاحَت
    لادمَ حينَ عَزَّ لَهُ المتَابُ

    وَهُم حُجج الالهِ على البَرايا
    بِهِم وَبجدِّهِم لا يُسترابُ

    توفي يوم الأربعاء لخمس خلون من صفر عام (365) أو ( 366 هـ ) ، ودفن في مقابر قريش ببغداد.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 8 : 282 ، الكنى والألقاب 3 : 191 ، معالم العلماء : 313 ، أمل الآمل 2 : 629 ، رجال النجاشي : 271|709 ، فهرست

    الطوسي : 89|383 ، معجم الأدباء 13 : 280 ، يتيمة الدهر 1 : 232 ، سير أعلام النبلاء 16 : 222|155 ، لسان الميزان 4 : 238.
    * ذو الكفايتين ، علي بن محمد بن العميد القمي :
    وزير ركن الدولة الديلمي بعد أبيه المتقدم ذكره.
    وذو الكفايتين لقب خلعه عليه الطائع لله لجمعه بين السيف والقلم.
    كان جليل القدر ، عظيم المنزلة ، حتى لقد قيل أنّ الصاحب بن عباد ـ مع جلالة قدره ـ كان إذا مدحه قام بين يديه إكراماً وتعظيماً.
    وكان ذكياً ، غزير الأدب ، واسع المعرفة ، ابقاه مؤيد الدولة بعد أبيه ، إلّا أنّه لم يلبث أن تغيّر عليه ، لخوفه من كثرة ميل القادة واُمراء الجيش إليه وغير ذلك كلُّ من الأسباب ، كما ذكر ذلك ياقوت في معجمه ، فاعتقل ونهبت أمواله ، وعذّب عذاباً شديداً ، حيث سملت عينه ، وجزّت لحيته ، وجدع أنفه ، ثم قتلوه ، وذلك في عام ( 66 هـ ).
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 2 : 392 ، الكنى والألقاب 1 : 129 ، معجم الأدباء 14 : 191 ، يتيمة الدهر 3 : 25 ، البداية والنهاية 11 : 285.
    * ابو الحسن ، علي بن محمَّد بن موسى :
    كان على ما روي عنه محسناً ، عادلاً ، سمحاً ، مفضالاً ، محتشماً.
    تولى أمر الدواوين في عهد المكتفي ، فلما ولي المقتدر أبقاه على ولايته ، حتى أن قتل وزير المتوكِّل العباس بن الحسن فاستوزر ابن الفرات محله.
    قتل في الثالث عشر من شهر ربيع الآخر سنة ( 312 هـ ) بعد عزله عن الوزارة بأمر المقتدر.
    انظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 5 : 214 ، الكنى والألقاب 1 : 364 ، الكامل في التاريخ 8 : 9 ، المنتظم 6 : 190 ، سير أعلام النبلاء 14 : 474|262 ، العبر 1 : 266 ، النجوم الزاهرة 3 : 213 ، وفيات الأعيان 3 : 421 ، العقد الفريد 5 : 384.
    * ابن بسام ، علي بن محمد بن نصر البغدادي :
    كان من أعيان الشعراء ، ومحاسن الظرفاء ، ومتقدمي الاُدباء.

    قال عنه المرزباني : له قصائد رثى فيها أهل البيت [ : ] وأبان عن مذهبه في التشيّع.
    وقال ابن خلكان : لما هدم المتوكل [ قبّحه الله ] قبر الحسين بن علي بن أبي طالب 8 في سنة ( 236 هـ ) قال فيه البشامي :
    تَاللهِ إن كَانت أُميةٌ قَد أتَت
    قتلَ ابنَ بِنتِ نَبيّها مَظلوما

    فَلقد أتاهُ بَنو أبيهِ بمثلها
    هذا لَعمرك قبرُه مَهدوما

    أسفُوا على أن لا يَكونوا شاركوا
    في قتله فَتتّبعُوهُ رَميما

    توفي عام ( 302 هـ ) عن نيف وسبعين سنة.
    انظر ترجمته في : الكنى والألقاب 1 : 251 ، معجم الشعراء : 154 ، مروج الذهب 2 : 504 ، معجم الأدباء 14 : 139 ، تاريخ بغداد 12 : 63 ، النجوم الزاهرة 3 : 18 ، وفيات الأعيان 3 : 363 ، سير أعلام النبلاء 14 : 112|56 ، البداية والنهاية 11 : 125 ، مرآة الجنان 2 : 238.
    * الوداعي ، علي بن المظفر بن إبراهيم الكندي :
    كان أديباً شاعراً حاملاً للواء البديع في التورية وغيرها.
    ولد عام ( 640 هـ ) في حلب ، واشتغل في كثير من العلوم المختلفة ، وقرأ الحديث وسمعه ، وكان له شعر في غاية الجودة ، تظهر فيه بوضوح المعاني المستكثرة الحسان التي لم يسبق إلى مثلها أحد.
    قيل : إنه كان شيعياً متشدداً ، مجاهراً بولائه ومعلناً له.
    توفي عام ( 716 هـ ) في دمشق.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 8 : 346 ، الكنى والألقاب 2 : 436 ، الوافي بالوفيات 12 : 203.
    * أبو محمَّد ، عمارة بن علي بن زيدان اليمني :
    ولد عام خمس عشرة وخمسمائة هجرية ، وتفقه بزبيد ، واشتغل بالفقه في بعض مدارسها أربع سنين ، وكان أديباً شاعراً.
    استوطن بعد ذلك مصر حتى قتله صلاح الدين الأيوبي في ثمانية من شهر

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اصل الشيعه واصولها Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اصل الشيعه واصولها   اصل الشيعه واصولها Emptyالأربعاء 16 أكتوبر 2024 - 5:51

    رمضان سنة تسع ، وستين وخمسمائة.
    لم أجد له ذكراً في ما استقصيته من كتب أصحابنا ، إلّا في كنى القمي.
    اُنظر ترجمته في : الكنى والألقاب 3 : 200 ، مرآة الزمان 8 : 189 ، وفيات الأعيان 3 : 431 ، سير أعلام النبلاء 20 : 592|373 ، العبر 3 : 58 ، دول الاسلام 2 : 84 ، كشف الظنون 2 : 1777 ، البداية والنهاية 12 : 276 ، النجوم الزاهرة 6 : 70 ، شذرات الذهب 4 : 234 ، المختصر 3 : 54 ، الكامل في التاريخ 11 : 396.
    * المرزباني ، عمر بن عمران بن موسى بن سعيد :
    الكاتب المشهور ، ولد سنة ست أو سبع وتسعين ومائتين هجرية.
    أصله من خراسان ، إلّا أنَّه ولد ونشأ وتوفي في بغداد.
    كان راوية من كبار الرواة ، وله معرفة واسعة به.
    له تصانيف كثيرة ، منها : أخبار الشعراء المشهورين ، الأوائل ، الزهد وأخبار الزهّاد ، معجم الشعراء.
    توفي في اليوم الثاني من شهر شوال عام ( 384 هـ ) ودفن بداره فى شارع عمر الرومي ببغداد.
    اُنظر ترجمته في : معالم العلماء : 118|768 ، أمل الأمل 2 : 875 ، أعيان الشيعة 10 : 33 ، تاسيس الشِّيعة : 168 و 249 ، الكنى والألقاب 3 : 146 ، مرآة الجنان 2 : 418 ، فهرست ابن النديم : 256 ، تاريخ بنداد 3 : 135 ، وفيات الأعيان 1 : 642 ، المنتظم 7 : 177 ، معجم الأدباء 18 : 268 ، إنباه الرواة 3 : 180 ، وفيات الأعيان : 672 ، سير أعلام النبلاء 16 : 447|331 ، العبر 2 : 165 ، ميزان الاعتدال : 672 ، اللباب 3 : 195 ، البداية والنهاية 11 : 314 ، الوافي بالوفيات 4 : 235 ، شذرات الذهب 3 : 111 ، لسان الميزان 5 : 326 ، النجوم الزاهرة 4 : 168 ، الأنساب : 575 هـ ، كشف الظنون 2 : 1106 و 1179.
    * عمران بن شاهين :
    من أهل الجامدة ، قيل : أنَّه اختلف مع السلطان وهرب منه إلى البطيحة وأقام بين القصب والآجام ، واقتصر على ما يصيده من السمك وطيور الماء قوتاً ، حتى كثرت جماعته وقوي شأنه.

    قلَّده أبو القاسم البريدي حماية الجامدة ونواحي البطائح ، وامتد سلطانه حتى غلب على النواحى المحيطة به.
    امتدت دولته أربعين سنة ، حيث توفي سنة تسع وستين وثلاثمائة ، وقام من بعده ابنه الحسن.
    لم أتثبَّت من تشيُّعه في ما امكنني البحث فيه من المصادر المتوفِّرة لديَّ ، والله تعالى هو العالم.
    اُنظر ترجمته في : الكامل في التاريخ 8 : 481 ( وما بعدها ) ، سير أعلام النبلاء 16 : 267 ، تجارب الاُمم : 6 : 119 ، المختصر في أخبار البشر 2 : 121 ، تاريخ ابن خلدون 3 : 423 و 4 : 437.
    * عيسى بن روضة التابعي :
    كان متكلِّماً بارعاً ، استمع له أبو جعفر المنصور فأعجب به ، وكان ممدوحاً عند أصحابنا.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 8 : 383 ، رجال ابن داود : 149|1169 ، رجال النجاشي : 294|796 ، تنقيح المقال 2 : 360.
    * أبو الفتح ، الفضل بن جعفر بن محمَّد :
    من وجوه بني فرات.
    كان كاتباً بارعاً ، تولى الوزارة في حكم المقتدر العباسي ، وبعد مقتل الأخير ولّاه القاهر الدواوين ، ثم أولاه الراضي الشام ، وفي عام ( 325 هـ ) قلَّده الوزارة.
    توفي سنة سبع وعشرين وثلاثمائة هجرية ، وله سبع وأربعون سنة.
    انظر ترجمته في : أعيان الشيعة 8 : 398 ، الكامل في التاريخ 8 : 327 ، سير أعلام النبلاء 14 : 479|283 ، دول الاسلام 1 : 201 ، شذرات الذهب ، الكامل في التاريخ 8 : 327.
    * الفضل بن سهل السرخسي :
    كان أوَّل أمره مجوسياً فأسلم ـ على ما روي ـ على يدي يحيى البرمكي ولازمه ، إلّا أنَّ ابن خلكان ذكر أنه أسلم على يدي المأمون سنة تسعين ومائة هجرية.

    لُقّب بذي الرئاستين لأنَّه تقلَّد الوزارة ـ في زمن المأمون ـ ورئاسة الجند. وكان منجماً مشهوراً.
    لبعض أصحابنا قول فيه لما يروى عن مواقفه من الإمام الرضا 7 ، أبان ولايته للعهد ، إلّا أنَّ البعض الآخر ينفي ذلك ، والله تعالى هو العالم.
    قيل : أن أمره ثقل على المأمون فدس إليه خاله غالباً الأسود في جماعة فقتلوه في الحمام بسرخس.
    انظر ترجمته في : الارشاد للشيخ المفيد 2 : 265 ، الكافي 1 : 408|7 ، عيون أخبار الامام الرضا 7 2 : 150 ، و 159 ، أعيان الشِّيعة 5 : 108 ، الكنى والألقاب 2 : 227 ، تاريخ الطبري 8 : 424 و 565 ، معجم الشعراء : 183 ، تاريخ بغداد 12 : 339 ، مروج الذهب 4 : 5 ، الكامل في التاريخ 6 : 346 ، شذرات الذهب 2 : 4 ، البداية والنهاية 10 : 249 ، وفيات الأعيان 4 : 41 ، النجوم الزاهرة 2 : 172 ، سير أعلام النبلاء 10 : 99|2 ، العبر 1 : 259 و 264.
    * الفضل بن العباس بن عتبة :
    كان أحد شعراء بني هاشم المذكورين ، وكان شديد الادمة ، ولذلك قال : وأنا الأخضر من يعرفني.
    كان معاصراً للخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ، وله أشعار متناثرة في بطون الكتب.
    راجع : كتاب الأغاني لأبي الفرج الاصفهاني 16 : 175 ، ومعالم العلماء : 150 ، وتأسيس الشِّيعة : 188.
    * أبو دلف العجلي ، القاسم بن عيسى بن ادريس :
    كان سيِّد أهله ، ورئيس عشيرته ، وكان شريفاً ممدوحاً ، وشاعراً أديباً ، وشجاعاً قوياً ، تضرب بقوته وشجاعته الأمثال.
    قلَّده الرشيد أعمال الجبال رغم حداثة سنَّه ، فبقي فيها حتى وفاته ، وكان قد ولَّي قبل ذلك إمرة دمشق للمعتصم.
    كان محباً لأهل البيت : ، موالياً لهم ، باراً بشيعتهم ، على الضد

    مما يروى عن ابنه المبغض لعلي 7.
    توفي عام ( 225 هـ ).
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 8 : 443 ، الكنى والألقاب 1 : 68 ، الأنساب 8 : 401 ، الكامل في التاريخ 6 : 413 ، تاريخ بغداد 12 : 416 ، أخبار اصبهان 2 : 160 ، فهرست ابن النديم : 130 ، مروج الذهب 4 : 5 ، وفيات الأعيان 4 : 73 ، تهذيب التهذيب 8 : 294 ، شذرات الذهب 2 : 57 ، سيرأعلام النبلاء 10 : 563|194 ، دول الاسلام 1 : 136 ، النجوم الزاهرة 2 : 243 ، الأغاني 4 : 82 و 8 : 92.
    * معتمد الدولة ، أبو المنيع قراوش بن المقلِّد بن المسيب :
    تولّى الحكم بعد موت أبيه سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة ، فطالت أيامه ، واتسع ملكه.
    كان على ما يُذكر أديباً شاعراً ، جواداً ممدوحاً.
    بقي في الحكم خمسين سنة.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 8 : 449 ، المنتظم 8 : 147 ، وفيات الأعيان 5 : 263 ، سير أعلام النبلاء 17 : 633|427 ، العبر 2 : 197 و 198 و 270 و 279 ، دول الاسلام 1 : 259 ، النجوم الزاهرة 5 : 49 ، فوات الوفيات 3 : 198 ، البداية والنهاية 12 : 62 ، شذرات الذهب 3 : 266.
    * قيس بن ذريح :
    من شعراء الحجاز المبرَّزين ، وكان على ما قيل أخاً للامام الحسين 7 من الرضاعة.
    يمتاز شعره بالرقة والحلاوة والجزالة.
    لم اتثبَّت من تشيُّعه فيما توفر لدي من المصادر ، والله تعالى أعلم.
    اُنظر ترجمته في : الشعر والشعراء : 417 ، الأغاني 9 : 180 ، تاريخ الاسلام 3 : 61 ، سير أعلام النبلاء 3 : 534|140 ، البداية والنهاية 8 : 313 ، الوافي بالوفيات 3 : 204 ، النجوم الزاهرة 1 : 182.

    * أبو صخر ، كثير بن عبد الرحمن بن الأسود الخزاعي المدني :
    من فحول الشعراء ومتقدِّميهم.
    يُنسب إلى عزة امراءة أحبها وشبب بها.
    مات سنة سبع ومائة هجرية ، فشيَّعه الامام الباقر 7 ، ورفع جنازته بيده الشريفة وعرقه يجري ، وكان يعد من أصحابه.
    اُنظر ترجمته في : معالم العلماء : 152 ، تأسيس الشيعة : 190 ، تنقيح المقال 2 : 36 ، الشعر والشعراء : 410 ، الأغاني 12 : 73 ، و 21 : 359 ، معجم الشعراء : 250 ، شذرات الذهب 1 : 131 ، خزانة الأدب 2 : 381 ، وفيات الأعيان 4 : 106 ، تاريخ الاسلام 4 : 186.
    * أبو عقبة ، كعب بن زهير بن أبي سلمة :
    من فحول الشعراء ومجيديهم ، كان رسول الله 9 قد أهدر دمه لقوله بعض الأبيات الشعرية عندما هاجر أخوه بجيد إلى النبي 9 ، إلّا أنَّه ندم على ذلك بعد أن بقي هارباً فترة من الزمن ، فاقبل على رسول الله 9 وأنشده قصيدته الشهيرة التي أولَّها ( بانت سعاد ) ولمّا بلغ إلى قوله :
    إنَّ الرَّسول لَسَيفٌ يُستَضاءُ بِه
    مُهَذَّبٌ مِن سُيوفِ الله مَسلُولُ

    أشار رسول الله 9 إلى أصحابه أن يستمعوا له ، ثم ألقى إليه برده فأُسميت القصيدة باسم البردة.
    وله أبيات جميلة في مدح أهل البيت : ، منها قوله في أمير المؤمنين 7 :
    صهر النبي وخير الناس كلهم
    وكل من رأسه بالفخر مفخور

    صلى الصلاة مع الامي أولهم
    قبل العباد ورب الناس مكفور

    وقال في الامام الحسن 7 :
    مَسحَ النَّبي جَبينَهُ
    فَلَهُ بياضٌ في الخُدودِ

    وَبِوَجهِهِ ديباجَةٌ
    كَرَمُ النبوَّةِ والجُدودِ


    توفي في حدود عام ( 45 هـ ).
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشيعة 9 : 29 ، معالم العلماء : 150 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 15 ، معجم الشعراء : 230 ، الأغاني 17 : 38 ، الشعر والشعراء : 104.
    * أبو المستهل ، الكميت بن زيد الأسدي الكوفي :
    من متقدمي شعراء القرن الأول الهجري ، ومن أشعر شعراء الكوفة في عصره.
    كان محباً لأهل البيت : ، مجاهراً بذلك.
    روي أنَّه دخل يوماً على الامام الصادق 7 في أيام التشريق بمنى وأنشده احدى قصائده ، فلما بلغ قوله :
    يُصيبُ بِه الرامونَ عَن قَوسِ غَيرهُم
    فَيا آخِراً أشد لَهُ الغي أوَّلُ

    رفع أبو عبدالله 7 يديه وقال : اللَّهمَّ اغفر للكميت.
    كان أيضاً عالماً بلغات العرب ، خبيراً بأيامها.
    توفي مقتولاً في خلافة مروان بن الحكم سنة ست وعشرين ومائة هجرية.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشيعة 9 : 33 ، الكنى والألقاب 1 : 149 ، تأسيس الشِّيعة : 189 ، الخلاصة : 135|3 ، رجال ابن داود : 156|1247 ، معالم العلماء : 151 ، الشعر والشعراء : 385 ، الأغاني 14 : 99 و 17 : 1 ، جمهرة أنساب العرب : 187 ، سير أعلام النبلاء 5 : 388|177 ، تاريخ الاسلام 5 : 125.
    * في لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب العامري :
    من شعراء الجاهلية المعدودين ، كان يقال لأبيه ربيع المقترين لسخائه وكرمه.
    قدم لبيد على رسول الله 9 في وفد بني كلاب فاسلم معهم.
    يصفه المؤرِّخون بانه ذو مروءة وكرم مشهودين.
    استقر به المقام في الكوفة حتى وفاته.
    قيل : أن عمر بن الخطاب كتب إلى واليه في الكوفة المغيرة أن يستنشد من بالكوفة من الشعراء بعض ما قالوه في الاسلام ، فلمّا سأل لبيداً قال له : إن شئت من أشعارالجاهلية؟

    فقال : لا.
    فذهب لبيد فكتب سورة البقرة في صحيفة وقال : أبدلني الله هذِه في الاسلام مكان الشعر.
    وكان بعد ذلك يعد لبيد من القراء.
    توفي في زمن عثمان بن عفان ، واختُلف في عمره فقيل : (157) عاماً ، وقيل : (110) سنوات ، وقيل بينهما.
    اُنظر : مقدمة ديوان الشاعر ، وكتاب الأغاني 15 : 361 ، الشعر والشعراء : 168.
    وراجع : تنقيح المقال 2 : 43 ( أبواب اللام ) ، رياض العلماء 4 : 416 ، تأسيس الشيعة : 185 ، وليس في المصادر وضوح حول تشيُّعه ، فتأمَّل.
    * أبو مخنف الازدي ، لوط بن يحيف الغامدي الكوفي :
    صاحب التصانيف والمؤرِّخ الشهير ، وشيخ أصحاب الأخبار.
    توفي عام ( 158 هـ ) في الكوفة.
    اُنظر ترجمته في : تنقيح المقال 3 : 43 ، فهرست الطوسي : 192|583 ، معالم العلماء : 93|649 ، رجالى النجاشي : 320|875 ، الخلاصة : 136 ، أعيان الشِّيعة 2 : 430 ، الكنى والألقاب 1 : 148 ، رجال ابن داود : 157|1251 ، التاريخ الكبير 7 : 252 ، معجم الأدباء 17 : 41 ، سير أعلام النبلاء 7 : 301|94 ، ميزان الاعتدال 3 : 419 ، لسان الميزان 4 : 492 ، فهرست ابن النديم : 184.
    * المأمون :
    الخليفة العباسي المعروف ، والذي قد ينسبه البعض إلى التشيّع استناداً إلى جملة من المواقف والتصريحات التي صدرت عنه أبان خلافته ، ومنها ايكاله ولاية العهد للامام علي بن موسى الرضا 7 ، ونبذه السواد ـ وهو شعار العباسيين وابداله باللون الأخضر ـ ومناداته بالبراءة ممَّن يترحم على معاوية ، ومناداته باباحة المتعة التي تقول بحلِّيتها الشِّيعة ، إلا أنَّه تراجع عن ذلك بعد.
    نعم ، ولكن مع كلَّ ذلك فانَّ الثابت عند أكثر علماء الشِّيعة ورجالاتها رد هذه المسألة ، وعدم الأخذ بها ، استناداً الى جملة من المواقف والشواهد التي تنفي عنه

    هذه النسبة ، فراجع ذلك وتأمَّل مليّاً.
    * الابيوردي ، محمد بن أحمد بن محمَّد الأموي :
    شاعر وقته ، وكانت له إحاطة كبيرة بالعربية ، والعلوم الأدبية.
    وكان نسابة قل نظيره ، وله تصانيف كثيرة ومشهورة.
    ذكر ياقوت في معجمه : أنَّ الأبيوردي رثى الامام الحسين 7 بقصيدة ـ قال إنَّه نقلها من خطه ـ قال فيها :
    فَجَدّي وَهوَ عَنبسةُ بن صخرٍ
    بَرىءٌ من يزيدَ ومن زيادِ

    توفي مسموماً في اصبهان عام ( 507 هـ ).
    انظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 2 : 454 ، الكنى والألقاب 2 : 7 ، معجم الأدباء 17 : 234|77 ، أنساب السمعاني : 535 ، سير أعلام النبلاء 19 : 283|182 ، تاريخ الاسلام 4 : 182 ، مرآة الجنان 3 : 196 ، اللباب 3 : 230 ، المنتظم 9 : 176 ، إنباه الرواة 3 : 49 ، وفيات الأعيان 4 : 444 ، الكامل في التاريخ 10 : 500 ، الوافي بالوفيات 2 : 91 ، البداية والنهاية 12 : 176 ، تذكرة الحفّاظ 4 : 1241 ، مرآة الزمان 8 : 29 ، النجوم الزاهرة 5 : 206 ، كشف الظنون 2 : 945 ، شذرات الذهب 4 : 18 ، بغية الوعاة 1 : 40 ، طبقات السبكي 6 : 81.
    * ابن النديم ، محمَّد بن إسحاق الوراق البغدادي :
    اختلفت المصادر في تحديد زمن ولادته ، وتضاربت في ذلك أيّما تضارب ، إلّا أنها قد تكون في حدود عام ( 325 هـ ).
    ويبدو من تسميته بالورّاق أنه كان يعمل في نسخ الكتب وتصحيحها وتجليدها والمتاجرة بها ، وفي ذلك الزمان كانت هذه المهنة شائعة عند العلماء والأدباء ، واشتغل فيها العديد منهم أمثال ياقوت وغيره.
    كما يظهر أنَّ مهنة الوراقة وتوثيق الأخبار ، والاشتغال بتجارة الأدب هي التي أضفت عليه صفة المنادمة.
    من أشهر ما ألَّف كتاب الفهرست المعروف ، والذي صنَّفه عام ( 377 هـ ) حيث تعرَّض فيه إلى العلوم المعروفة في عصره ، وما كُتب عنها ، فكان بحق يعد من أقدم

    كتب التراجم ومن أفضلها ، حيث لخص فيه التراث الفكري الاسلامي بشكل لم يسبقه فيه أحد ، فلا غرابة أن يحتل هذه المكانة المرموقة في المكتبة الاسلامية ، بل وأن يُترجم إلى العديد من لغات العالم المختلفة.
    عدَّه البعض من أصحابنا في رجال الشِّيعة الإمامية ووجوهها.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 2 : 273 ، الكنى والألقاب 1 : 425 ، تنقيح المقال 2 : 77 ، الوافي بالوفيات 2 : 197 ، لسان الميزان.
    * محمد بن إسحاق بن يسار :
    صاحب السيرة المشهور.
    ولد عام ( 85 هـ ) وتوفي عام ( 151 هـ ).
    اُنظر ترجمته في : تنقيح المقال 2 : 79 ، الكنى والألقاب 1 : 202 ، رجال الطوسي : 281|22 ، طبقات ابن سعد 6 : 396 ، تاريخ بغداد 1 : 214 ، تاريخ الاسلام 6 : 375 ، ميزان الاعتدال 3 : 468 ، سير أعلام النبلاء 7 : 33|15 ، العبر 1 : 165 ، تذكرة الحفّاظ 2 : 172 ، تهذيب التهذيب 9 : 34 ، عيون الأثر 1 : 10 ، وفيات الأعيان 4 : 276 ، شذرات الذهب 1 : 230 ، التاريخ الكبير 1 : 40 ، المعرفة والتاريخ 2 : 27 ، مشاهير علماء الأمصار : 139 ، الوافي بالوفيات 2 : 188.
    * أبو الفضل ، محمَّد بن الحسين بن العميد الكاتب :
    كان شاعراً أديباً ، فاضلاً عالماً ، جليل القدر ، عالي المنزلة.
    كان من تلاميذ أحمد بن خالد البرقي ، وكان متوسعاً في علوم الفلسفة والنجوم.
    استوزره ركن الدولة البوبهي ، وكان معتمداً عنده.
    كان في الكتابة مضرب الأمثال ، حتى قال عنه الثعالبي : كان يقال : بدأت الكتابة بعبد الحميد [ وكان كاتباً شامياً قل نظيره وتُضرب به الأمثال ] وخُتمت بابن العميد.
    توفي عام ( 360 هـ ) في بغداد.
    انظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 9 : 256 ، الكنى والألقاب 1 : 352 ، يتيمة

    الدهر 3 : 154 ، الامتاع والمؤانسة 1 : 66 ، سير أعلام النبلاء 16 : 137|95 ، العبر 2 : 170 ، وفيات الأعيان 5 : 103 ، الوافي بالوفيات 4 : 60.
    * السيِّد الرضي ، أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى :
    قمة شاهقة ، وشخصية لامعة ، أكبر من أن تُترجم أو تُعرَّف.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشيعة : 9 : 216 ، الدرجات الرفيعة : 466 ، منتهى المقال : 274 ، منهج المقال : 293 ، أمل الأمل 2 : 261|769 ، تأسيس الشِّيعة : 321 و 338 ، رجال النجاشي : 398|1065 ، رجال ابن داود : 170|1360 الخلاصة : 164|176 ، تنقيح المقال 3 : 108 ، الكنى والألقاب 2 : 243 ، يتيمة الدهر 3 : 131 ، تاريخ بغداد 2 : 246 ، سير أعلام النبلاء 17 : 285|174 ، شذرات الذهب 3 : 182 ، المختصر في أخبار البشر 2 : 152 ، الوافي بالوفيات 2 : 374 ، مرآة الجنان 3 : 18 ، البداية والنهاية 12 : 3 ، الكامل في التاريخ 9 : 261 ، وفيات الأعيان 4 : 414.
    * أبو جعفر ، محمَّد بن خليل السكّاكي البغدادي :
    من أصحاب هشام بن الحكم وتلاميذه ، برع في الكلام حتى عدَّ من كبار المتكلِّمين.
    له جملة من الكتب الكلامية.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 9 : 273 ، الكنى والألقاب 1 : 35 ، رجال النجاشي : 328|889 ، تنقيح المقال 3 : 115 ، الخلاصة : 144|32 ، فهرست الطوسي : 132|594 ، تاسيس الشِّيعة : 362 ، فهرست ابن النديم : 374.
    * أبو عبدالله ، محمد بن زكريا الغلّابي الجوهري البصري :
    كان وجهاً من وجوه الشيعة في البصرة ، وكان أخبارياً صنف العديد من الكتب منها :
    كتاب الجمل الكبير والمختصر ، وكتاب صفين الكبير والمختصر ، ومقتل أمير المؤمنين 7 ، ومقتل الامام الحسين 7 وغيرها.
    توفي سنة ثمان وتسعين ومائتين هجرية.

    اُنظر ترجمته في : رجال النجاشي : 346|936 ، معالم العلماء : 117|780 ، الخلاصة : 156 ، تنقيح المقال 3 : 117 ، رجال ابن داود : 172|1379 ، معالم العلماء : 117|780 ، تأسيس الشيعة : 243 و 252 ، سير أعلام النبلاء 13 : 534 ، تذكرة الحفّاظ : 2 : 639 ، العبر 1 : 418 ، شذرات الذهب 2 : 206.
    * أبو عبدالله ، محمَّد بن صالح بن عبدالله :
    يُعد من الشعراء البلغاء الذين جمعوا إلى موهبتهم الشعرية جانباً كبيراً من العلم والفضل ، والأدب والورع.
    حمله المتوكِّل مع جماعة آل أبي طالب قسراً من الحجاز سنة أربعين ومائتين هجرية ، حيث اُودع معهم السجن ثلاث سنين ، ثم اُطلق سراحه فأقام في سامراء ردحاً من الزمان ثم عاد إلى الحجاز ثانية.
    اُنظر : الأغاني 16 : 360 ، وكذا أعيان الشِّيعة 9 : 368.
    * أبو بكر الخوارزمي ، محمَّد بن العبّاس الطبري :
    كان شيخا للأدب ، وإماماً في اللغة والأنساب ، عدَّه الثعالبي في يتيمته بنابغة الدهر ، وبحر الأدب ، وعلم النظم والنثر ، وعالم الظرف والفضل ، يجمع بين الفصاحة والبلاغة ....
    أصله من طبرستان ومولده ومنشأه بخوارزم ، فلُقِّب بالطبر خرزمي ، وهو ابن اُخت الطبري المؤرِّخ الشهير.
    طاف البلاد منذ حداثة سنه والتقى بسيف الدولة وصاحبه.
    أقام مدة في الشام وحلب ، وقصد الصاحب بن عبّاد في أرجان فأوصله إلى عضد الدولة حيث نال عنده منزلة كبيرة.
    كان يُعد من شيوخ الشيعة ورجالاتها الأفذاد.
    توفي عام ( 383 هـ ) بنيشابور بعد عودته من الشام.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشيعة 9 : 377 ، الكنى والألقاب 1 : 19 ، تأسيس الشِّيعة : 89 ، تنقيح المقال 3 : 135 ، معالم العلماء : 152 ، يتيمة الدهر 4 : 194 ، وفيات الأعيان 4 : 400 ، سير أعلام النبلاء 16 : 526|387 ، الوافي بالوفيات 3 :

    191 ، شذرات الذهب 3 : 105 ، الأنساب للسمعاني 8 : 202 ، بغية الوعاة 1 : 125.
    * ابن البيع ، محمَّد بن عبدالله حمدويه الحافظ :
    صاحب كتاب المستدرك على الصحيحين المشهور. كان مقدَّماً في عصره ، ومعدوداً من أصحاب الرواية والحديث.
    ولد في ربيع الأول سنة ( 321 هـ ) وتوفي في صفر سنة ( 405 هـ ) على أصح الأقوال ، بعد أن خلَّف عدة مصنفات في العلوم المختلفة.
    نصَّ السمعاني وابن تيمية والذهبي على تشيُّعه.
    انظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 9 : 391 ، الكنى والألقاب 2 : 152 ، تأسيس الشيعة : 29 ، تاريخ بغداد 5 : 473 ، المنتظم 7 : 274 ، وفيات الأعيان 4 : 280 ، تذكرة الحفّاظ 3 : 1039 ، سير أعلام النبلاء 17 : 182|100 ، ميزان الاعتدال 3 : 608|7804 ، العبر 2 : 210 ، طبقات الحفّاظ : 409 ، كشف الظنون 2 : 1672 ، البداية والنهاية 11 : 355 ، الوافي بالوفيات 3 : 320 ، لسان الميزان 5 : 232 ، شذرات الذهب 3 : 176 ، النجوم الزاهرة 4 : 238.
    * محمَّد بن عبدالله بن رزين الخزاعي :
    ابن عم الشاعر الشهيد دعبل الخزاعي ، كان موجوداً في زمن الرشيد ، وله قصائد مبثوثة في المراجع.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشيعة 2 : 361 ، الأغاني 20 : 152 ، الشعر والشعراء : 571.
    * السَّلامي ، محمَّد بن عبدالله بن محمَّد :
    نسبته إلى مدينة السَّلام.
    كان يُعد من أشهر شعراء العراق ومتقدميهم في عصره ، ذكر الثعالبي أنَّه قال الشعر وهو ابن عشر سنين.
    نشأ في بغداد ، وخرج منها إلى الموصل حيث اتصل بعضد الدولة واختص به ، وكانت له عنده منزلة كبيرة ، حتى روي أنَّه كان يقول : إذا رأيت السلامي في مجلس حلتُ أنَّ عُطارد نزل من الفلك إليَّ.

    ذكره صاحب نسمة السحر في عداد شعراء الشِّيعة.
    توفي عام ( 287 هـ ).
    اُنظر ترجمته في : الكنى والألقاب 2 : 287 ، فهرست ابن النديم : 322|15 ، يتيمة الدهر 2 : 395 ، النجوم الزاهرة 4 : 209 ، تاريخ بغداد 2 : 335 ، الأنساب 7 : 209 ، تاريخ الاسلام 4 : 94 ، سير أعلام النبلاء 17 : 73|39 ، البداية والنهاية 11 : 333 ، الكامل في التاريخ 9 : 179 ، المنتظم 7 : 225 ، وفيات الأعيان 4 : 403 ، ايضاح المكنون 1 : 215 ، الامتاع والمؤانسة 1 : 134.
    * ابن التعاويذي ، محمَّد بن عبيدالله بن عبدالله الكاتب :
    ولد في العاشر من رجب عام ( 519 هـ ) ، وكان يعد من كبار شعراء الشِّيعة واُدبائها ، والذي سار نظمه في الافاق ، وتقدَّم على شعراء العراق.
    أصبح كاتباً في ديوان المقاطعات ببغداد.
    أصابه العمى في آخر أيامه ، وله في ذلك قصائد جميلة.
    توفي في شوال عام أربع وثمانين وخمسمائة هجرية.
    انظر ترجمته في : أعيان الشيعة 9 : 395 ، الكنى والألقاب 1 : 225 ، تأسيس الشيعة : 221 ، العبر 3 : 88 ، سير أعلام النبلاء 21 : 175|87 ، وفيات الأعيان 4 : 226 ، مختصر تاريخ أبي الفداء 3 : 80 ، شذرات الذهب 4 : 281 ، النجوم الزاهرة 6 : 105 ، مرآة الزمان 3 : 429.
    * ابن الطقطقي ، محمّد بن علي بن طباطبا العلوي :
    مؤرِّخ شهير من أهل الموصل ، خلف أباه في نقابة العلويين بالحلَّة والنجف وكربلاء.
    ولد عام ( 660 هـ ) وتوفي عام ( 709 هـ ).
    اُنظر ترجمته في : الكنى والألقاب 1 : 331 ، الأعلام للزركلي 7 : 174 ، معجم المؤلفين 11 : 51.
    * أبو جعفر ، محمد بن علي بن النعمان الكوفي الصيرفي :
    كان كثير العلم ، حسن الخاطر ، وكان له دكان في طاق المحامل بالكوفة فيرجع

    إليه في النقد فيردُّ رداً يخرج كما يقول.
    له كتاب الاحتجاج في إمامة أميرالمؤمنين علي 7 وغيره ذكر ذلك النجاشي في رجاله ( 325|886 ).
    وللطافي مناظرات كثيرة مع معاصره أبي حنيفة ذكرها الخطيب البغدادي في تاريخه ( 13 : 409 ) ، منها : قال : كان أبو حنيفة يتهم شيطان الطاق ( هكذا يسمونه في كتبهم ) بالرجعة ، وكان شيطان الطاق يتهم أبا حنيفة بالتناسخ. قال : فخرج أبو حنيفة يوماً إلى السوق فاستقبله شيطان الطاق ومعه ثوب يريد بيعه ، فقال أبو حنيفة : اتبيع هذا الثوب إلى رجوع علي [ 7 ]؟ فقال : إن اعطيتني كفيلاً أن لاتُمسخ قرداً بعتك. فبهت أبو حنيفة.
    ومنها : لما مات جعفر بن محمد [ 8 ] التقى هو وأبو حنيفة ، فقال له أبو حنيفة : أمّا إمامك فقد فات ، فقال له شيطان الطاق : أمّا إمامك فمن المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم.
    * الواقدي ، محمَّد بن عمر بن واقد الاسلمي :
    صاحب التصانيف والمغازي المشهور.
    ولد بعد العشرين ومائة ، وتوفي عشية يوم الاثنين لأحد عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة سبع ومائتين ، وله ثمان وسبعون سنة ، ودفن في مقابر الخيزران.
    قال عنه ابن النديم : كان يتشيِّع حسن المذهب ، يلزم التقية.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشيعة 15 : 30 ، تاسيس الشِّيعة : 242 ، الكنى والألقاب 3 : 230 ، تنقيح المقال 3 : 166 ، التاريخ الكبير 1 : 178 ، تاريخ ابن معين : 532 ، طبقات ابن سعد 7 : 334 ، فهرست ابن النديم : 111 ، تاريخ بغداد 3 : 3 ، الجرح والتعديل 8 : 20 ، معجم الأدباء 18 : 277 ، النجوم الزاهرة 8 : 184 ، ميزان الاعتدال 3 : 662 ، سير أعلام النبلاء 9 : 454|172 ، دول الاسلام 1 : 128 ، طبقات الحفّاظ : 144 ، شذرات الذهب 2 : 18 ، عيون الأثر 1 : 17 ، الوافي بالوفيات 4 : 238 ، الكامل في التاريخ 6 : 385 ، تهذيب التهذيب 9 : 332.

    * المنتصر بالله ، محمَّد بن المتوكِّل العبّاسي :
    كان على ما قيل وافر العقل ، راغباً في الخير ، بارّاً بالعلويين ، رافعاً للظلم الواقع عليهم من بني العبّاس.
    قال المسعودي : ازال المنتصر بالله عن الطالبيين ما كانوا فيه من الخوف والمحنة من منعهم من زيارة تربة الحسين الشهيد 7 ، ورد فدك إلى آل علي 7.
    توفي في الخامس من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين ، عن ست وعشرين سنة أو أقل بقليل ، وكانت مدة خلافته ستة أشهر وأياماً.
    اُنظر ترجمته في : تاريخ بغداد 2 : 119 ، فوات الوفيات 3 : 317 ، الوافي بالوفيات2 : 289 ، تاريخ الخلفاء : 285 ، شذرات الذهب 2 : 118 ، تاريخ بغداد 9 : 234 ( وما بعدها ).
    * محمَّد بن هانئ بن محمَّد بن سعدون الأندلسي الشيعي :
    ولد في قرية سكون من قرى اشبيلية في الأندلس ، وأخذ حظاً وافراً من العلم ودرجة عالية في الادب ، فأنشد الشعر وبرع فيه ، وكان حافظاً لأشعار العرب وأخبارهم ، ويُعد من فحول الشعراء.
    قرَّبه صاحب اشبيلية فترة من الزمن حتى رحل عنه إلى المغرب لقوله بامامة الخلفاء الفاطميين ونقمة وجوه الأندلس على ذلك.
    رحل بعد ذلك إلى مصر ثم استأذن المعز لدين الله للسفر إلى المغرب لاستصحاب أهله ، فقتل أثناء الطريق وذلك عام ( 362 هـ ) ، وأصابع الاتهام تشير إلى الأمويين.
    ومن أشعاره :
    وما نَقمُوا إلّا قَديمَ تَشَيُّعي
    فَنَجى هَزيراً شده المُتهالكُ

    نَصَحتُ الامامَ الحقِّ لَمّا عَرفتُهُ
    ومَا النصحُ إلّا أن يكونَ التَشَيُّعِ



    لِي صارِمٌ وَهُو شيعيٌ كَحامِلِه
    يَكادُ يَسبقُ كَرّاتي إلى البَطَلِ

    وله أيضاً :
    فَكُلُّ إماميٌ يجيء كَانَّما
    على خَدِهِ الشغرى وفي وَجهِهِ البَدرُ

    اُنظر ترجمته في : أعيان الشيعة 10 : 85 ، الكنى والألقاب 1 : 433 ، تأسيس الشِّيعة : 206 ، أمل الآمل : 311|948 ، معالم العلماء : 14 ، معجم الأدباء 19 : 92 ، النجوم الزاهرة 4 : 67 ، وفيات الأعيان 4 : 421 ، سير أعلام النبلاء 16 : 131|88 ، نفح الطيب 1 : 293 و 3 : 164 ، العبر 2 : 114 ، شذرات الذهب 3 : 41 ، البداية والنهاية 11 : 274.
    * أبو القاسم ، محمَّد بن رهيب الحميري :
    أديباً بارعاً من ادباء الشيعة ، ولد في البصرة ونشأ بها ، ثم انتقل للسكن في بغداد ، وكان مختصاً بالحسن بن سهل.
    توفي عام مائتين ونيف وعشرين هجرية.
    راجع : أعيان الشيعة 10 : 96 ، الأغاني 19 : 73.
    * الصولي ، محمد بن يحيى بن عبدالله بن صول تكين :
    الكاتب المعروف.
    ولد في حدود عام ( 255 هـ ) ، وكان جده صول تكين الذين ينسب إليه من ملوك جرجان.
    كان واسع الرواية ، حسن الحفظ للآداب ، عالماً ، محدثاً ، شاعراً ، أديباً ، وكان نديماً للمكتفي والراضي بالله والمقتدر العباسيين ، وله مصنَّفات كثيرة.
    كان يُعد من شعراء أهل البيت :.
    توفى عام ( 335 هـ ) بالبصرة ، وقيل : عام ( 336 هـ ).
    اُنظر ترجمته في : معالم العلماء : 152 ، أعيان الشيعة 10 : 97 ، الكنى والألقاب 2 : 392 ، تنقيح المقال 1 : 21 ، تاسيس الشيعة : 77 ، تاريخ بغداد 3 : 427 ، البداية والنهاية 11 : 219 ، الأنساب 8 : 110 ، معجم الشعراء : 431 ، معجم الأدباء 19 : 109 ، نزهة الألباء : 188 ، المنتظم 6 : 359 ، شذرات الذهب 2 : 339 ،

    لسان الميزان 5 : 427 ، سير أعلام النبلاء 15 : 302|142 ، وفيات الأعيان 4 : 356 ، النجوم الزاهرة 3 : 296.
    * أبو الفتح ، محمود بن الحسين بن السندي بن شاهك الرملي :
    ولد في قرية من قرى سجستان ، وكان أديبا شاعراً ، ومنجِّماً متكلِّماً ، ومصنِّفاً عالماً له مصنَّفات كثيرة في شتى العلوم والمعارف ، وكان يعد شاعر زمانه.
    توفي عام ( 350 هـ ) ، وله قصائد في مدح أهل البيت :.
    انظر ترجمته في : أعيان الشيعة 10 : 103 ، تاسيس الشيعة : 204 ، معالم العلماء : 149 ، مروج الذهب 4 : 266 ، شذرات الذهب 3 : 37 ، سير أعلام النبلاء 16 : 285 ، العبر 2 : 110 ، يتيمة الدهر 1 : 285 ، فهرست ابن النديم : 322|22.
    * صريع الغواني ، مسلم بن الوليد الأنصاري الكوفي :
    كان شاعراً مفوّهاً مداحاً ، يعد حاملاً للواء الشعر ، ولي في خلافة المأمون بريد جرجان ، فلم يزل هناك حتى مات.
    قيل أنّه أول من ألطف في المعاني ، ورقّق في القول.
    اُسمي بصريع الغواني لقوله :
    هل العيشُ إلا أن تروح مع الصِّبا
    وتغدو صريعَ الكأسِ والأعينِ النُّجلِ

    وقيل أنّه كان كارهاً لهذا اللقب ، غير راغب بمناداته به.
    كان في أول الأمر استاذاً لدعبل الخزاعي الذي تاثر به كثيراً.
    انظر ترجمته في : الكنى والألقاب 1 : 432 ، معالم العلماء : 152 ، الأغاني 24 : 18 ، الشعر والشعراء : 564 ، سير أعلام النبلاء 8 : 365|106 ، التاريخ الكبير 6 : 25 ، تاريخ بغداد 13 : 96.
    * الفرّاء ، معاذ بن مسلم الكوفي :
    النحوي المشهور ، واستاذ الكسائي.
    كان أوّل من رضع علم التصريف ، وشهرته بذلك واسعة ، وكان من أصحاب الصادقين 8 ، وروى الحديث عن جعفر بن محمد 7.
    أسمي الهراء لانّه كان يبيع الثياب الهروية.

    توفي سنة ( 187 هـ ) ، وقيل 190 هـ عن عمر يناهز المائة والخمسين عاماً.
    انظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 10 : 130 ، الكنى والألقاب 3 : 239 ، رجال الطوسي : 137|43 و 314|541 ، تأسيس الشِّيعة : 140 ، الخلاصة : 171|12 رجال ابن داود : 190|1574 ، الحيوان للجاحظ 7 : 51 ، طبقات النحويين واللغويين : 135 ، الكامل في التاريخ 6 : 189 ، سير أعلام النبلاء 8 : 482 ، انباه الرواة 3 : 288 ، العبر 1 : 230.
    * حسام الدولة ، المقلِّد بن المسيِّب :
    كان مشهوراً بالعقل وحسن السياسة والكفاءة ، وكان شاعراً أديباً ، مفوهاً ، بليغاً تولى إمارة الموصل بعد وفاة أخيه محمد بن المسيِّب سنة سبع وثمانين وثلاثمائة ، فاتسعت في أيامه إمارته وتوطِّد فيها حكمه.
    قُتل غيلة في صفر سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة ، فرثاه الشريف الرضي رحمه الله تعالى بقصيدة جميلة رائعة.
    اُنظر ترجمته في : الكنى والألقاب 2 : 160 ، ديوان الشريف الرضي 1 : 369 ، الكامل في التاريخ 9 : 125 ( وما بعدها ) ، وفيات الأعيان 5 : 260 ، سير أعلام النبلاء 17 : 5 ، تاريخ ابن خلدون 4 : 255 ، النجوم الزاهرة 4 : 203 ، شذرات الذهب 3 : 138 ، منية الأدباء : 46.
    * أبو الحسن ، مهيار بن مرزويه الفارسي الديلمي :
    كان مجوسياً فاسلم على يد الشريف الرضي رحمه الله تعالى ، واخذ منه العلم ، فبرع في الكثير من الميادين ، ونظم الشعر فأبدع فيه حتى أصبح مقدِّماً على أهل وقته ، واسمي بذي البلاغتين.
    كان شعره جزيلاً ، بعيد المدى ، طويل المنحدر ، وله قصائد تقارب الثلاثمائة بيت من الشعر.
    له شعر كثير في مدح أهل البيت :.
    توفي عام ( 428 هـ ).
    انظر ترجمته في : أعيان الشيعة 10 : 170 ، الكنى والألقاب 2 : 246 ، معالم

    العلماء : 148 ، أمل الآمل 2 : 329|1021 ، تأسيس الشِّيعة : 214 ، تاريخ بغداد 13 : 276 ، سير أعلام النبلاء 17 : 472|310 ، العبر 2 : 260 ، المنتظم 8 : 94 ، البداية والنهاية 12 : 41 ، النجوم الزاهرة 5 : 26 ، شذرات الذهب 3 : 242 ، الكامل في التاريخ 9 : 456 ، وفيات الأعيان 5 : 359.
    * منصور بن سلمة بن الزبرقان النمري :
    من شعراء الشِّيعة البارزين. ذكر ياقوت : أنَّه كان من أهل رأس العين ، كنيته أبو الفضل.
    ذُكر أنَّه كان يعد في الظاهر من أصحاب هارون الرشيد ، لتقريب الأخير له ، ومواصلته ، إلّا أنَّه ـ وكما يُروى ـ كان يحمل في قلبه حب أهل البيت الطيبين الأطهار : ، ومودَّتهم.
    له مراثي كثيرة في واقعة كربلاء.
    توفي في حدودعام ( 190 هـ ).
    انظر ترجمته في : معالم العلماء : 152 ، أعيان الشِّيعة : 10 : 138 ، أعلام الزركلي 7 : 299 ، الأغاني 3 : 196 و 7 : 100 و 13 : 140 و 18 : 125 و 23 : 221 ، الشعر والشعراء : 583.
    * النابغة الجعدي :
    شاعر زمانه ، وأديب عصره ، له صحبة ووفادة ورواية.
    اُختلف في اسمه ، فقيل : قيس بن عبدالله ، وقيل : عبدالله بن قيس ، وقيل : قير بن كعب ، وقيل : قيس بن سعد.
    كان من المعمِّرين حتى قيل : أنه عاش مائة وثمانين عاماً أو أكثر.
    روي : أنَّه انشد النبي 9 :
    بَلَغنا السَّماء عِزَّةً وتَكَرُما
    وإنّا لَنَرجُو فَوقَ ذلِكَ مظهَرا

    فقال له 9 : إلى أين يا بن أبي ليلى؟ قال : إلى الجنة يا رسول الله ، قال : أحسنت لا يفضض الله فاك.

    قال الراوي : فرأيته شيخاً له مائة وثلاثون سنة وأسنانه مثل ورق الاقحوان نقاءً وبياضاً ، قد هدمت جسمه الآفات.
    قيل : أنَّه كان علوي الرأي ، خرج بعد رسول الله 9 مع علي 7 الى صفين.
    اُنظر ترجمته في : أمالي المرتضى 1 : 214 ، أعيان الشِّيعة 10 : 199 ، الكنى والألقاب 3 : 189 ، معالم العلماء : 150 ، الشعر والشعراء : 177 ، الأغاني 5 : 1 ، معجم الشعراء : 195 ، اُسد الغابة 4 : 223 ، الإصابة 3 : 537 ، جمهرة أنساب العرب : 289 ، خزانة الأدب 1 : 512 ، صفين : 553.
    * الخبز أرزي ، أبو القاسم نصر بن أحمد بن نصر البصري :
    كان يخبز دقيق الأرز بمربد البصرة ، فشاعت تسميته بذلك.
    أنشد الشعر وكان اُميّاً لا يتهجى ولا يكتب ، وكان شعراً بليغاً جميلاً أعجب الناس فكانوا يتزاحمون على دكانه في البصرة لسماع أشعاره ، وكان من مستمعيه ابن لنكك الشاعر البصري الشهير ، حيث جمع أشعاره في ديوان خاص بالشاعر.
    انتقل إلى بغداد وأقام بها طويلاً حتى توفي في سنة ( 317 هـ ) ، وقد نص البعض على تشيعه.
    راجع : الكنى والألقاب 2 : 182 ، أعيان الشِّيعة 10 : 209 ، معاهد التنصيص 1 : 134 ، كشف الظنون 1 : 509 ، مرآة الزمان 2 : 275 ، معجم الأدباء 7 : 206 ، تاريخ بغداد 13 : 296 ، شذرات الذهب 2 : 276.
    * أبو الفضل ، نصر بن مزاحم بن سيار المنقري الكوفي :
    المؤرِّخ الشيعي المشهور.
    يرجِّح المؤرِّخون أنه ولد حوالي سنة ( 125 هـ ) في الكوفة ، وحيث نشأ فيها وترعرع وأخذ العلم من علمائها ، ثم انتقل بعد ذلك للسكنى في بغداد.
    كان يعمل عطّاراً في صناعة وبيع العطور وهو ما دعى البعض الى القول بوضوح تأثير عمله هذا في ما عرف عنه من دقة رواياته وأخباره ، وجمال تنسيقها وترتيبها.
    له مؤلِّفات كثيرة وشهيرة أشار المؤرِّخون الى وجودها إلّا إنّه لم يصلنا منها إلّا

    كتاب صفين الشهير.
    اُنظر ترجمته في : فهرست الطوسي : 171|771 ، تنقيح المقال 3 : 269 ، الخلاصة : 175 ، تأسيس الشِّيعة : 237 ، رجال النجاشي : 427|1148 ، رجال ابن داود : 196|1635 ، معالم العلماء : 126|851 ، تاريخ بغداد 13 : 282 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي 1 : 183 ، لسان الميزان 6 : 157 ، معجم الأدباء 19 : 225 ، فهرست ابن النديم : 185.
    * ابن الشجري ، هبة الله بن علي بن محمَّد بن حمزة :
    كان أديباً فصيحاً بليغاً ، ويُعد شيخاً للنحاة.
    له تصانيف كثيرة أشهرها كتابه الأمالي.
    توفي في اليوم السادس والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة اثنين وأربعين وخمسمائة هجرية ، ودفن بداره.
    اُنظر ترجمته في : الدرجات الرفيعة : 96 ، أمل الآمل 2 : 343|1059 ، تأسيس الشِّيعة : 123 ، سير أعلام النبلاء 20 : 194|126 ، العبر 2 : 463 ، معجم الأدباء 19 : 282 ، أنباه الرواة 3 : 356 ، نزهة الألباء : 404 ، البداية والنهاية 12 : 223 ، وفيات الأعيان 6 : 45 ، شذرات الذهب 4 : 132 ، النجوم الزاهرة 5 : 281 ، مرآة الجنان 3 : 275 ، بغية الوعاة 2 : 324 ، كشف الظنون 1 : 162.
    * أبو المعالي ، هبة الله بن محمَّد بن علي الكرماني :
    لم أعثر له على ترجمة وافية فيما استقصيته ممّا توفر لدي من المصادر ، إلّا ما ترجم له الذهبي في سير أعلامه ( 19 : 384|225 ) وفي تاريخ الاسلام ( 4|195|1 ) حيث وصفه بالوزير الكبير ، وأنَّه من كبار الأعيان ، وكان رأساً في حساب الديوان ، وأنَّه وزر للمستظهر سنتين ونصفاً ثم عزله. وقال : أنَّه توفي عام ( 509 هـ ).
    * أبو محمد ، هشام بن الحكم :
    مولى كندة. كان فقيهاً عالماً متكلماً ، ومن أكابر أصحاب الإمام جعفر بن محمَّد الصّادق 8 ، ومن بعده ولده الكاظم 7.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3302
    نقاط : 4991
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    اصل الشيعه واصولها Empty
    مُساهمةموضوع: رد: اصل الشيعه واصولها   اصل الشيعه واصولها Emptyالأربعاء 16 أكتوبر 2024 - 5:52

    كان ينزل بني شيبان في الكوفة.
    برع في الكلام حتى قلَّ نظيره ، واعترف له بذلك الجميع ، وله في ذلك مؤلَّفات كثيرة في الذب عن الإمامة والدفاع عنها ، وحاله أشهر من أن توضَّح.
    توفي سنة تسع وتسعين ومائة على ما ذُكر.
    أنظر ترجمته في : رجال النجاشي : 433|1164 ، رجال الطوسي : 329|18 ، تنقيح المقال 3 : 294 ، تأسيس الشِّيعة : 31 و 362 ، أعيان الشِّيعة 10 : 264 ، أمالي المرتضى 1 : 176 ، فهرست الشيخ الطوسي : 174 ، رجال ابن داود : 200|1674 ، الخلاصة : 178|1 ، معالم العلماء : 128|862 ، رجال الكشي 2 : 526 ، سير أعلام النبلاء 10 : 543|174 ، لسان الميزان 6 : 194 ، مروج الذهب 5 : 443 و 6 : 37 و 7 : 232 ، فهرست ابن النديم : 372.
    * هشام بن سالم الجواليقي الكوفي :
    مولى بشر بن مروان أبو الحكم ، وحيث كان من سبي الجوزجان.
    يُعد من كبار متكلمي الشِّيعة في عصره.
    عده الشيخ في رجاله تارة من أصحاب الإمام الصّادق 7 ، وأخرى من أصحاب الامام الكاظم 7.
    له جملة مناظرات مع متكلِّمي الفرق الاخرى.
    انظر ترجمته في : رجال النجاشي : 434|1165 ، أعيان الشِّيعة 10 : 266 ، تنقيح المقال 3 : 301 ، رجال الطوسي : 329|17 و 363|2 ، الخلاصة : 179 ، معالم العلماء : 129|863.
    * هشام بن محمَّد بن السائب الكلبي :
    من الحفاظ والنسابين والرواة الذين ذكرهم المؤرخون في كتبهم واسندوا إليهم رواياتهم.
    كان مشهوراً بالعلم والفضل ومعرفة الأنساب والأيام ، وكان الامام الصادق يقربه ويدنيه منه.
    قال عنه ابن خلكان : كان هشام من أعلم الناس بعلم الأنساب ، وله كتاب

    الجمهرة في النسب ... وكان من الحفاظ المشاهير ، وله من التصانيف شيء كثير قيل : أنَّها تبلغ (150) تصنيفاً.
    توفي في حدود سنة ( 205 هـ ).
    اُنظر ترجمته في : رجال النجاشي : 434|1166 ، تنقيح المقال 3 : 303 ، الخلاصة : 179 ، الكنى والألقاب 3 : 95 ، أعيان الشيعة 10 : 265 ، تاريخ بغداد 14 : 45 ، الأنساب للسمعاني 10 : 454 ، نزهة الألباء : 59 ، سير أعلام النبلاء 10 : 101|3 ، العبر 1 : 271 ، لسان الميزان 6 : 196 ، ميزان الاعتدال 4 : 304 ، معجم الأدباء 19 : 287 ، وفيات الأعيان 6 : 82.
    * الفرزدق ، أبو فراس همّام بن غالب :
    الشاعر المعروف ، والذي لُقِّب بالفرزدق لغلاضة وجهه على ما قيل.
    ولد عام ( 114 هـ ) في البصرة ، ونشأ في باديتها ، ونظم الشعر صغيراً ، فجاء به ـ كما يروى ـ أبوه إلى الإمام علي 7 وقال له : إنَّ ابني هذا من شعراء مضر فاسمع منه ، فاجابه الامام 7 : أن عَلّمه القران. فلمّا كبر تعلَّمه وهو مقيَّد لئلا يلهو.
    كان متعصباً لأهل البيت : ، شديد التشيع لهم ، مجاهراً بحبهم ، معلناً له.
    كان أوَّل من رسم النحو ، حيث تعلَّم ذلك من أمير المؤمنين 7.
    ولعلَّ من أورع ما علق في ذاكرتي منذ الطفولة قصيدته التي ألقاها في مدح الامام زين العابدين 7 أمام هشام بن عبدالملك الأموي.
    فقد روت المصادر المتعددة : أنَّه لما حج هشام بن عبدالملك في أيام أبيه عبد الملك بن مروان طاف بالبيت وجهد أن يصل إلى الحجر الأسود لاستلامه فلم يستطع ذلك لكثرة الزحام ، وحاول ذلك مراراً وتكراراً فلم يُوفق ، ولم تكترث له الجموع ، فنصب له كرسي وجلس عليه ينظر الحجاج هو ومن معه من أعيان الشام ووجوهها ، فبينما هو كذلك إذ أقبل الامام زين العابدين علي بن الحسين عليه آلاف التحية والسلام ، فطاف بالبيت فلما انتهى إلى الحجر الأسود تنحى له

    الناس ، وافسحوا له المكان حتى استلم الحجر بسهولة ويسر ، وهشام وأصحابه ينظرون والغيظ والحسد قد أخذ منهم مأخذاً عظيماً لا يعلمه إلّا الله تعالى ، فقال رجل من الشاميين لهشام : من هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة؟ فقال هشام ـ كذباً ـ : لا أعرفه. فسمع ذلك الفرزدق ـ وكان حاضراً ـ فاندفع وقال : أنا أعرفه ، ثم أنشد قصيدته الرائعة التي مطلعها :
    هذا الّذي تَعرِفُ البَطحاءُ وَطأتَهُ
    وَالبيتُ يَعرِفهُ والِحلُ والحَرَمُ

    هذا ابنُ خيرَ عبادِ اللهِ كُلَهُمُ
    هذا التَقي النقي الطاهِرُ العلم

    هذا ابنُ فاطمةَ إن كُنتَ جاهِلهُ
    بِجَدِهِ أنبياءُ الله قَد خُتِمُوا

    ولَيسَ قَولكَ : مَن هَذا؟ بِضائِرهِ
    العُربُ تَعرِفُ مَن أنكرَت وَالعَجَمُ

    انظر ترجمته في : الكنى والألقاب 3 : 17 ، معالم العلماء : 151 ، تأسيس الشِّيعة : 46 و 186 ، رجال ابن داود : 151|1190 ، رجال الطوسي : 46 / 3 ، معجم الشعراء : 465 ، الشعر والشعراء : 310 ، تاريخ الاسلام 4 : 178 ، سير أعلام النبلاء 59044|226 ، طبقات ابن سلام 1 : 299 ، وفيات الأعيان 6 : 86 ، مرآة الجنان 1 : 238 ، البداية والنهاية 9 : 265 ، النجوم الزاهرة 1 : 286 ، خزانة الأدب 1 : 217 ، شذرات الذهب 1 : 217.
    * البحتري ، الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي :
    من فحول شعراء القرن الثالث الهجري ، كان معاصراً لأبي تمام ، وكان يقال لشعره سلاسل الذهب.
    توفي عام ( 284 هـ ).
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشيعة 3 : 541 ، الكنى والألقاب 2 : 58 ، الأغاني 21 : 36 ، النجوم الزاهرة 3 : 99 ، وفيات الأعيان 6 : 21 ، سير أعلام النبلاء 13 : 486|233 ، تاريخ بغداد 21 : 39 ، البداية والنهاية 11 : 76 ، شذرات الذهب 2 : 18 ، المنتظم 6 : 11.
    * وهب بن زمعة بن أسيد الجمعي :
    كان شاعراً مجيداً ، له قصائد كثيرة في رثاء سيد الشهداء الإمام الحسين بن

    علي 8.
    خرج مع التوّابين المطالبين بدم الامام الحسين 7 مع سليمان بن صرد الخزاعي.
    اُنظر ترجمته في : معالم العلماء : 152 ، اعيان الشِّيعة 10 : 281 ، تأسيس الشيعة : 187 ، الاغاني 7 : 114.
    * معين الدين ، يحيى بن سلامة بن الحسين الحصكفي :
    كان فقيهاً نحوياً كاتباً شاعراً ، خطيباً مفوّهاً ولد في طنزة حدود عام ( 460 هـ ) ( 460 هـ ) ونشأ بحصن كيفا ، وقدم بغداد حيث انكب على طلب العلم ودراسة الأدب فترة من الزمان حتى برع في ذلك واشتهر به ، ثم عاد إلى موطنه حيث تولى هناك الخطابة والافتاء.
    له قصائد جميلة تدل على تشيُّعه وموالاته لأهل البيت : ، منها :
    وَسائِلٌ عَن حُبِ أهلِ البَيتِ هَل
    أقرُ إعلاناً به أم أجحَدُ

    هَيهاتَ مَمزوجٌ بلحمي وَدَمي
    حُبهُم وَهو الهُدى وَالرَشد

    حَيدَرَةٌ والحسنانُ بَعدهُ
    ثُمَّ عليٌ وابنهُ مُحَمّدُ

    وجَعفرُ الصّادِق وابنُ جَعفرٍ
    مُوسى وَيَتلُوهُ عَلي السَيِّدُ

    أعني الرِّضا ثُمَّ ابنه محمد
    ثُمّ عليٌ وابنَهُ المُسَدَدُ

    والحَسَنُ التالي وَيتلُوهُ
    مُحمّدُ بن الحَسن المُفتقَدُ

    فَانّهُم أئمَتي وَسادَتي
    وان لَحاني مَعشَرٌ وَفَنَّدُوا

    أئمةٌ أكرِم بهم أئمةٌ
    أسماؤهم مَسرودَةٌ تَطَردُ

    قَومٌ أتى في هَل أتى مَدَحُهمُ
    وَهَل يَشِكَ فِيهِ إلاّ مُلحِدُ

    توفي عام (553) ـ وقيل : ( 551 هـ ) ـ بميّا فراقين.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشيعة 10 : 296 ، الكنى والألقاب 2 : 162 ، الأنساب 4 : 154 ، معجم الأدباء 20 : 18 ، وفيات الأعيان 6 : 205 ، المنتظم 10 : 183 ، اللباب 1 : 396 و 2 : 286 ، مرآة الزمان 8 : 142 ، الكامل في التاربخ 11 : 239 ، البداية والنهاية 12 : 238 ، النجوم الزاهرة 5 : 328 ، شذرات الذهب 4 : 168 ،

    المختصر 3 : 34.
    * يحيى بن يعمر العدواني :
    إمام القرّاء في البصرة ، كان تابعياً عالماً بالقرآن ، وفقهياً نحوياً لغوياً.
    ولد في البصرة ونشأ في خراسان ، وعُرف بتشيُّعه لأهل البيت :.
    قرأ القرآن على أبي الأسود الدؤلي ، وكان يُعد من كبار العلماء.
    اختلف في زمن وفاته ، فقيل أنّه توفي قبل المائة وقيل بعدها.
    انظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 10 : 304 ، الكنى والألقاب 1 : 9 و 10 ، طبقات ابن سعد 7 : 368 ، التاريخ الكبير 8 : 311 ، البداية والنهاية 9 : 73 ، وفيات الأعيان 6 : 173 ، طبقات النحويين واللغويين : 27 ، فهرست ابن النديم : 47 ، معجم الأدباء 20 : 42 ، نزهة الألباء : 8 ، تهذيب الكمال : 1529 ، تاريخ الاسلام 4 : 68 ، تذكرة الحفاظ 1 : 71 ، سير أعلام النبلاء 4 : 441 / 170 ، تهذيب التهذيب 11 : 266 ، تذهيب التهذيب 4 : 171 ، النجوم الزاهرة 1 : 217 ، بغية الوعاة 2 : 345 ، طبقات الحفّاظ : 30 ، شذرات الذهب 1 : 175.
    * ابن السكيت ، يعقوب بن اسحاق الدروقي الأهوازي :
    الامامي ، النحوي واللغوي الشهير ، من عظماء الشِّيعة وكبار رجالاتها ، ويُعد من خواص الامامين التقيين 8.
    كان حاملاً للواء العربية والأدب ، وله جملة واسعة من التصانيف الشهيرة.
    قتله المتوكِّل لعنه الله في الخامس من رجب عام ( 244 هـ ) عندما كان معلِّماً لولديه المعتز والمؤيد ، حيث ساله : أيّما أحب إليك ابناي هذان ، أم الحسن والحسين!!
    فقال ابن السكيت : والله إنَّ قنبراً خادم علي بن أبي طالب 7 خير منك ومن ابنيك.
    فقال المتوكل للأتراك : سلوا لسانه من قفاه. ففعلوا فمات رحمه الله تعالى برحمته الواسعة.
    انظر ترجمته في : الكنى والألقاب 1 : 303 ، تأسيس الشِّيعة : 155 ، الخلاصة :

    186 / 5 ، رجال ابن داود : 206|1729 ، رجال النجاشي : 449|1214 ، تنقيح المقال 3 : 329 ، طبقات النحويين واللغويين : 202 / 124 ، تاريخ بغداد 14 : 273 / 7599 ، نزهة الألباء : 122 ، معجم الأدباء 20 : 50 / 26 ، وفيات الأعيان 6 : 395 ، العبر 1 : 349 ، سير أعلام النبلاء 12 : 16 / 2 ، البداية والنهاية 1 : 346 ، النجوم الزاهرة 2 : 317 ، بغية الوعاة 2 : 349 ، شذرات الذهب 2 : 106 ، نزهة الألباء : 178 ، مرآة الجنان 2 : 147 ، مراتب النحويين : 95 ، المزهر 2 : 412 ، ايضاح المكنون 1 : 94 ، الكامل في التاريخ 5 : 30 ، تاريخ ابي الفداء 2 : 40.
    * يعقوب بن داود :
    مولى عبدالله بن خازم السلمي. كان والده كاتباً للأمير نصر بن سيار ، متولِّي خراسان ، وكان ـ أي والده ـ من المناصرين ليحيى بن زيد بن علي بن الحسين 8 في دعوته.
    كان يعقوب سمحاً جواداً ، كثير البر والصدقة ، واصطناع المعروف ، وكثير التنقُّل والتجول في البلدان.
    أودعه المنصور السجن مع أخيه علي بن داود لميولهما العلوية ، وبقيا في السجن حتى أفرج عنهما المهدي ، الذي لم يلبث أن قرَّب يعقوب إليه واستوزره ، بل وأسلمه اُمور الدولة ، لما رآه من رجاحة عقله ، وحسن تدبيره ، فاصبح يعقوب هو الآمر والناهي ، حتى قال بشار بن برد ـ على ما روي لخلاف بين يعقوب وبشار ـ :
    بَني اُمَيَةَ هُبُوا طالَ نَومَكُمُ
    إنَّ الخليفةَ يعقوبُ بن داودِ

    ضاعت خِلافَتُنا يا قَومَ فَاطَّلِبوا
    خَليفةَ اللهِ بَين الدِّنِ والعُودِ

    وروي ايضاً : أنَّ المهدي طلب من يعقوب قتل أحد العلويين ، وأخذ عليه العهود ليفعله ، إلّا أن يعقوب امتنع عن ذلك وأطلق العلوي ، فوشي به إلى المهدي ، فحبسه في المطبق ، حيث بقي فيه بقية أيام المهدي ، وأيام الهادي إلى أن أطلقه الرشيد بعد ذلك.
    قيل : أنَّه توفي سنة اثنتين وثمانين ومائة هجرية.

    اُنظر ترجمته في : تاريخ اليعقوبي 2 : 352 ، تاريخ الطبري 8 : 154 ، معجم الشعراء : 495 ، تاريخ بغداد 14 : 262 ، سير أعلام النبلاء 8 : 346|93 ، العبر 1 : 189 ، البداية والنهاية 10 : 147 ، مرآة الجنان 1 : 417 ، تاريخ ابن خلدون 3 : 211 ، الكامل في التاريخ 6 : 69 ، وفيات الأعيان 7 : 19.
    * يونس بن يعقوب البجلي الدهني الكوفي :
    كان خطيباً مفوهاً ، وعالماً فقيهاً ، ومن أصحاب الأُصول المدوَّنة والمصنَّفات المشهورة.
    عدَّه الشيخ من أصحاب الامامين الصادق والكاظم 3.
    توفي بالمدينة في أيام الامام الرضا 7.
    اُنظر : رجال النجاشي : 446|1027 ، رجال الطوسي : 335|44 و 363|4 ، الخلاصة : 185 ، تنقيح المقال 3 : 334 ، فهرست الطوسي : 182|810.
    * أبو اُميَّة الكوفي :
    كان يعد من كبار التابعين وساداتهم. قيل : قدم المدينة يوم وفاة رسول الله 9 ، إلّا أنَّه كان قد أسلم في حياته. وشهد اليرموك مع المسلمين.
    يعده أصحابنا من أولياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 ، وولده الامام الحسين 7 أيضاً.
    نزل الكوفة وبقي فيها حتى وفاته عام ثمانين وله من العمر مائة وثلاثون سنة.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشيعة 7 : 325 ، الكنى والألقاب 1 : 11 ، تنقيح المقال 2 : 72 ، طبقات ابن سعد 6 : 68 ، التاريخ الكبير 4 : 142 ، المعارف : 243 ، اسد الغابة 2 : 379 ، حلية الأولياء 4 : 174 ، تاريخ الاسلام 3 : 252 ، سير أعلام النبلاء 4 : 69|18 ، العبر 1 : 68 ، تذكرة الحفاظ 1 : 50 ، تهذيب التهذيب 4 : 224 ، البداية والنهاية 9 : 37 ، النجوم الزاهرة 1 : 203 ، شذرات الذهب 1 : 90.
    * أبو را فع :
    اُختلف في اسمه ، فقيل : اسمه إبراهيم ، وقيل : أسلم ، وقيل : ثابت ، وقيل : هرمز وصالح.

    يُعد في الطبقة الاولى من الشِّيعة.
    كان قبطياً عند العباس بن عبد المطلب فوهبه لرسول الله 9 ، فلمّا بشر 9 باسلام العبّاس أعتقه.
    هاجر من مكة إلى المدينة ، وشارك مع المسلمين في غزوات رسول الله 9.
    لزم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 وشهد معه حروبه ، وبعد استشهاد الامام 7 رجع إلى المدينة مع الامام الحسن 7 ، حيث أعطاه قسماً من بيت علي 7 ، لانَّه باع داره عند خروجه مع الامام علي 7 إلى الكوفة.
    انظر ترجمته في : رجال النجاشي : 4|1 ، الكنى والالقاب 1 : 174 ، تنقيح المقال 3 : 16 ( باب الكنى ) ، تأسيس الشِّيعة : 319 و 341 ، أعيان الشِّيعة 2 : 350 ، طبقات ابن سعد 4 : 4|73 ، اُسد الغابة 1 : 52 ، تهذيب التهذيب 12 : 100 ، تذهيب التهذيب 4 : 212|2 ، الاصابة 11 : 128 ، سير أعلام النبلاء 2 : 16|3 ، الجرح والتعديل 2 : 149 ، تاريخ ابن معين : 704.
    * أبو سلمة الخلّال :
    صاحب الدعوة العباسية.
    كان أديباً عالماً ، ومحدثاً بارعاً ، ورجل سياسة وتدبير ، وكان من وجوه أهل الكوفة ورجالاتها ، ومن أكثر القائمين بالدعوة العباسية ، إلّا أنّه لم يلبث أن اُتهم بانه علوي النزعة ، وأنَّه يحاول صرف الدعوة إلى آل أبي طالب ، فقتله أبو العبّاس السفاح ، وذلك في عام ( 132 هـ ) بالهاشمية قرب الكوفة ، ودفن فيها.
    اُنظر ترجمته في : أعيان الشِّيعة 6 : 201 ، الكنى والالقاب 1 : 89 ، تاريخ الطبري 7 : 449 ، سير أعلام النبلاء 6 : 3|7 ، وفيات الأعيان 2 : 159 شذرات الذهب 1 : 191.



    الفهارس العامة :
    * الآيات القرآنية
    * الأحاديث
    * الأعلام
    * الفرق والجماعات
    * الأماكن والبقاع
    * مصادر المؤلِّف
    * مصادر التحقيق


    فهرس الآيات القرآنية
    الآية رقم الصفحة
    البقرة (2)
    أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ 61 ، 271
    إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا 124 ، 212
    لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ 143 ، 233
    يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ 185 ، 270
    هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ 187 ، 278
    وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ 196 ، 247
    الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ ... حُدُودَ اللّهِ 229 ، 281 ، 286
    أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ 243 ، 68
    آل عمران (3)
    إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً 28 ، 316
    وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ 97 ، 247
    وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ 103 ، 115




    الآية رقم الصفحة
    النساء (4)
    لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ 11 ، 288
    لَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ 12 ، 255
    فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا 19 ، 279
    وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ ... فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ ... 24 ، 253 ، 267
    فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ 65 ، 293
    المائدة (5)
    إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ 33 ، 306
    الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ 45 ، 310
    يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ 67 ، 221
    الأعراف (7)
    لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ 96 ، 270
    الأنفال (Cool
    وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ 41 ، 245
    الرعد (13)
    أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا 17 ، 234
    يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ 39 ، 314
    الحجر (15)
    إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ 9 ، 220



    الآية رقم الصفحة
    النحل (16)
    إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ 106 ، 316
    طه (20)
    رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي 20 ـ 25 ، 129
    الأنبياء (21)
    لَا يُسْئلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئلُونَ 23 ، 229
    الحج (22)
    مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ 78 ، 270
    المؤمنون (23)
    إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ 6 ، 256
    النور (24)
    وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ 32 ، 253
    فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ 36 ، 219
    كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء 39 ، 118
    النمل (27)
    وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كلُّ أُمَّةٍ فَوْجًا 83 ، 168



    الآية رقم الصفحة
    القصص (28)
    وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ 68 ، 211
    الروم (30)
    ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ 41 ، 251
    لقمان (31)
    إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ 34 ، 227
    الأحزاب (33)
    سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ 62 ، 118
    ص (38)
    يَا دَاودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ 26 ، 293
    الحشر (59)
    وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 9 ، 123
    الحجرات (49)
    قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن 14 ، 211
    إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ 15 ، 211
    الممتحنة (60)
    رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا 4 ، 135



    الآية رقم الصفحة
    الجمعة (62)
    هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ 2 ، 213
    التغابن (64)
    وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 16 ، 123
    الطلاق (65)
    يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ 1 ، 255 ، 298
    وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ 2 ، 279
    الحاقة (69)
    وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ ... حَاجِزِينَ 44 ـ 47 ، 263
    المعارج (70)
    إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ 30 ، 256
    الزلزلة (99)
    فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ 7 ـ 8 ، 232




    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
     
    اصل الشيعه واصولها
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: -27- الكتب الاسلاميه-
    انتقل الى: