بسم الله الرّحمن الرّحيم
المقدمة
كانت الاقوام ولا تزال النفرة بينها قائمة على قدم وساق من أمد بعيد ، وكذا التمايز سائرا على وتيرة ، وان شيوع الحضارة ، والتعارف العلمي ، وسهولة وسائط النقل المؤدي للاختلاط والالفة ... كل هذه لم تؤلف بين الشعوب ، ولا دعت إلى التقريب بينهم ، ولم تزل الفروق باقية ، والبغضاء سائدة فلم ترتفع الشحناء مما ولدته العصبية الباطلة ، والنعرات المذمومة بحيث صارت لا ترتكز على ارادة خير الانسانية ، والعمل لصلاحها ، أو تعاونها على هذه الحياة بتذليل صعابها ...
وهذه الفكرة يتخلل صفوفها مجموعات تدعو إلى ألفة أخرى هي الاخوة المبدئية ، والقوة الحزبية ، ونرى أساسها الاشتراك في الآراء للتعاون ، والوحدة في السلوك ، وحب التآخي ... وان اختلفت القوميات وتناءت الاقطار ... وهذه أيضا في تكاتف شديد ، واتصال مكين وان كان الموضوع لا يراد به إلا طلب الاصلاح في ناحية معينة وتعديل السلوك فيها خاصة ... ولا تزال الامم في خطر من هذا العداء ؛ والمبادئ ضعيفة ، وتقوية ناحيتها من الامور المشهودة ؛ وان الفروق والميزات مما نفّر بين الاقوام بعضها من بعض ...
والعرب لم يخرجوا من نطاق هذا بل كان فيهم ما يزيد ، ووسائل العداء فيما بينهم كثيرة ، يدعو اليها وضعهم وما هم فيه ... من غزو وإغارة
وقتال مستمر ... ينشب بينهم غالبا لأدنى حادث أو لأقل سبب ... والذي يتأهب لمثل هذه الامور يختلق ، أو يوجد ما يدعو لتنفيذ رغبته والقيام بعمليته ...
هذه الحالة هي في كافة أوضاعهم الجاهلية ، ووقائعهم معروفة في ازمانهم الغابرة وامثلتها كثيرة جدا ... بل التاريخ مليء بها ولما دخلت العقيدة الاسلامية غيرت هذه الحالة وجعلت اساسها احترام الشعوب والقبائل ، وجعلتها واسطة التعارف ، وأوقفتها عند حدودها ، ودعت إلى الاسلام والتآلف ، وحثت على الوفاء بالعهود ، ولم تبرر نقض العهد بوجه ، ومنعت المفاجآت الحربية بلا سبب صحيح ... فسيرت هؤلاء نحو الطريق الأمثل ، والاخوة العامة ، وازالة البغضاء فيما بينهم ... وأصلحت الحالة الاجتماعية ، وسيرت القوم نحو السيرة اللائقة ...
ولما كان العرب اول من بدأ الدعوة فيهم بسبب تغلب البداوة عليهم لزم تسييرهم بمقتضى تلك الشريعة فقامت اولا باصلاح البيت وأركانه ، ثم امرت بالتقريب بين القبائل ومجاوريها ، ومنعت مما يضر بألفتها كالتنابذ ، وذكر المعايب والمثالب ... وحرمت النفوس والاموال بل جعلتهما محترمين ... فمشى الكل من بدو وحضر على مرسومها باخلاص في مراعاة سياسة موحدة مبناها المبدأ القويم والاخوة العقائدية ، ورفعت الحواجز الرديئة من نعرة جاهلية ، وعصبية باطلة ...
ومن ثم كان لتعاليم الاسلام قبول واذعان بين العرب ، لما فيه من الاوصاف الفاضلة ، النبيلة فزال العداء وذهب الخصام ، وبقي الوضع القبائلي مدارا للتعارف والتآلف فصاروا اخوانا بعد ان كانوا اعداء مما لم تر البشرية مثله في عصورها السالفة والحاضرة معا ... الغاية شريفة ، والوحدة صحيحة والغرض سام لا شائبة فيه للتحكم والاستعباد ، والعقيدة خالصة ، والطريقة مثلى ، والادارة قويمة ، ذلك ما مكنهم في الارض ، وجعلهم الوارثين ...
هذه الروحية مضت على سيرتها تلك مدة ، وسيّرت الامم الأخرى بمقتضى نهجها ، ولكن لم تستمر على حالتها هذه طويلا ... وانما أصابها ركود ، واعتراها فتور في نشاطها الذي ولدته في حينه وحصل من الأسباب ما دعا للخمول والعودة إلى الأوضاع السابقة ، ومراعاة العرف الجاهلي ، والنفرة القبلية ... فتأسست البغضاء ثانية ، وبشكل آخر ، ورجعنا إلى ما كنا عليه في جاهليتنا ، من التنابذ ، ونسينا التوحيد والوحدة فحلت الشحناء ، وتمكن العداء. وأسباب التخريب على قلتها وتفاهة شأنها ـ كما يتراءى للناظر ـ أودت بالأمة ، وأثرت في الأمم الأخرى المجاورة ، وللأثر السيئ حكمه ...
وعلى كل تظهر هذه الأوضاع في العشائر أكثر وأوضح ، وهي أيضا صفحة من موضوع حياة العرب في إدارتهم ، وثقافتهم ، واجتماعهم ولها أثرها في مقدراتهم ، وهم مجموعة كبرى ... فمن الضروري دراسة أوضاع قبائل العرب قبل دخول الاسلام وبعده في حاضرها وماضيها البعيد والقريب .. وبهذا نقف على احوالها في مختلف الازمان ونحصل على فكرة نأمل ان تكون صحيحة ... ولن نوسع الموضوع بل سوف نقصر البحث على قبائل العراق حبا في التوغل في دقائقه ليكون مستوفى ... ونترك للاقطار الاخرى نصيبها من البحث ...
وهذا من أصعب المواضيع الاجتماعية عندنا ، وهو أحق بالاهتمام ، واولى بالبحث ، وأن أهميته لا تقتصر على المعرفة ، او الوقوف على الحالة الحاضرة ، وان كانت هذه من لوازم البحث وأركانه ولكن تسيير الجماعة ، وتوجيه استقامتها مما يحتاج إلى دراسات معمقة ، وقدرة علمية بل خبرة كاملة للتمكن من معرفة نواحي النقص ، والوقوف على محط الفائدة تحقيقا للغرض الاجتماعي الذي لا يصح اهماله ، أو التهاون به ، وفوات المدة في التلوّم ، او التردد مما يؤخر في التقدم والاخذ منه بنصيب ...
وليست الغاية أن نجمع حكاية القصد منها المسامرة ولذة التعرف إلى أخبار الغابرين وادبياتهم وان كانت لا تخلو منها ... وانما يهمنا أن نتعرف
على دور القائمين بأمر القبائل واصلاح شؤونها وملاحظة نواحي ادارتها ، وتربيتها ، ورفاه حالتها ، وخصوماتها ، وآدابها ، وتطوراتها وتقلباتها ... حيث انهم عملوا على تأسيس ثقافة سليمة ، وآداب نافعة ، وادارة صالحة ... مما يجب ان يراعيه الباحث الاجتماعي ، أو من يعنيه إصلاح هذه المجموعة الكبرى عن خلال التعرف إلى كافة شؤونها ، ووسائل اصلاحها ، وتنظيم جماعاتها ، والطرق التي أدت إلى رفع مستواها إلى آخر ما يتحتم الالتفات اليه باستطلاع الآراء من كل ناحية وصوب حتى تتكامل المعرفة ومن ثم يعرف ما يستقر حسن الادارة عليه ، وهناك تتأسس الحضارة ...
ومن المؤسف اننا لم يسبق لنا الاشتغال بسعة في هذه المباحث ، أو الافتكار بها وعرضها للنقد والتمحيص ، ولا استطلعنا الآراء في موضوعاتها ، او الالتفات اليه بعناية زائدة إلا من نفر قليل لا تتناسب مباحثهم وأهمية هذا الموضوع ... ومشارب الناس ، ومناحي آرائهم في تلقي موضوع العشائر مختلفة :
1) البدوي. يتطلع إلى ان يعرف مكانته من القبائل الاخرى ليعين القربى ودرجتها ، والعداء ومبلغه ... ويرغب في التقرب إلى من يمتّ اليه بصلة تبعا لمقتضيات الغزو وما ماثل ، أو لمن يصلح أن يكون له كفوا ، أو من هو أعلى منه باعتباره أصل نسبه إلى غير ذلك من الاعتبارات ، أو ركونه إلى ناحية الثأر وما يولد الخصام والانتقام ...
2) الحضري. يحاول الانتساب والقربى المجردة لمعرفة قومه الذين تشعب منهم ، ولا يلتفت إلى ما ينظر إليه البدوي من تقوية تلك الأواصر.
3) الأجنبي. وهو بعيد عن هذا كله لا يلتفت إلى ما كان يهم هذا أو ذاك ، وإنما يتطلع إلى ما نحو مراكز القوة والقدرة ، والعصبية ، والبيوت وعددها ، ومقدار البنادق ، وبيت الرياسة ليتفاهم معه ، ويحاول أن يتبصر بالموالي والمعادي.
اختلفت وجهات النظر ، وتباعدت نزعة البحث ، وزال التقارب ،
وتضاربت المطالب والرغبات. وإذا كان هناك ما يدعو للاستفادة فهو قليل جدا وهذا لا يخلو ـ إذا تناولته اليد الغريبة ـ من الوقوع في الغلط ، والسقوط في هوة لا قرار لها ، وقد ينال الوضع الحقيقي لها مسخا وتشويها فيؤدي إلى شيوع الخطأ ، أو يتولد من تكراره والأخذ به أن يعود الصحيح مغلوطا فتنعكس القضية أو تشوه ...
وشتان بين هذه النظرات وبين النظرة الحقيقية المؤسسة على بيان الوضع الصحيح ، ولا يتيسر هذا الا بعد مراجعة نصوص كثيرة ، وتفكر عميق في الحالة ، وتثبيت ما عليه العشائر في الماضي والحاضر ... لنعدّ المادة للباحث الاجتماعي ، أو المربي فنسأل أنفسنا بعد أن يتم العمل وتنتهي المباحث بقولنا : إذا كانت العشائر بهذه الروحية ، وتلك النزعة ، وعلى هذا النمط من الحياة الاجتماعية والأدبية ... فما الذي يجب أن نراعيه في صلاحها ووحدتها ، أو تسييرها؟ وما هي النواقص الطارئة؟ وما العمل المثمر للوصول إلى الاصلاح.؟ومن ثم تبدأ وظيفة الباحث الاجتماعي أو المربي فتستدعي حلّه ، أو تسترعي نظره ...! وفي موضوعنا هذا تسهيل لمهمته ، وتعيين صحيح للوضع حذرا من أن يغلط المتتبع فيقع في سلسلة نتائج كلها أو أكثرها عثرات ... ولا أريد بالاجتماعي الفرد واختباراته الخاصة ...!
ولما كانت هذه تجربة ولأول مرة ، فمن الملحوظ أن تعرض لها أخطاء كثيرة من ناحية الغفلة وعدم الالتفات ، أو التقصير في الاستقصاء ، أو وجود بعض الحالات في جهة ، وما يعارضها في أخرى ، وهكذا مما لا يحصى أو لا يحاط به وطبعا نظرتنا فردية وجهودنا قليلة ولكنها بذرة للمتتبعين ، والأمل أن تكون نافعة وقد قيل لا يترك الميسور بالمعسور. ومن الله التوفيق.
عباس العزاوي
المراجع التاريخية
غالب من بحث عن القبائل من كتّاب العرب القدماء ، ذكروا تاريخهم القديم ولم يتعرضوا في الأكثر إلى حالاتهم الحاضرة في أيامهم هذه ... فكأن القدماء هم المقصودون أصلا وأساسا ، أو من ناحية العلاقة بالاسلام ورجال الحديث وحملته أو كان اغفال مقصود مبني على أوامر معينة ... فجاءت المباحث ناقصة ، أو مبتورة غير موصولة ، ومقصورة على عهد معين هو عهد ما قبل الاسلام ... وكذا معاصرونا فاتتهم أشياء كثيرة ، ومواضيعهم تتعلق بأمور لا تخص النواحي المذكورة ...
ذلك كله أدى إلى أن يسلم أكثرنا المقاليد إلى الأجانب في بحوثهم ، ويأخذوا عنهم ما كتبوه دون تمحيص ولا ترو فوقعوا في أغلاطهم ... فكانت جهودنا إلى الآن غير مثمرة لأنها لم تكن ناشئة عن تتبعنا ولا عن ثمرة مباحثنا ... مما جعلنا نحترز ونراعي التروي في النقل ، وأن نشير إلى هذه الأغلاط التي شاعت على أيدي مؤلفينا ومن طريقهم ، ليزول ما علق في الأذهان من صحتها والجزم بها ...
رأينا الجم الغفير ممن زاولوا البحث ونقلوا أو عربوا حرصوا على السهولة فاستغنوا بهذه المراجع ، وبكثرة المباحث وشيوعها فاستهوتهم بسعتها والتفاتها إلى مطالب اجتماعية ، فأخذوها عفوا وبلا تعب ... ثم وقعوا بما وقع فيه أولئك ، وجاءت كتاباتهم على الرغم من الجهود المبذولة ، لا تستحق الاطراء بل يتحتم نبذها. لأنها" زادت في الطين
بلّة" ، وأوقعت في أوهام فاضحة على ما سيوضح عند ذكر القبائل وما لحق بعضها أو فروعها من أغلاط ...
والنصوص العربية هي معوّلنا في الغالب. وهذه نالها أيضا من أيدي النساخ والكتاب ما شوه بعض ألفاظها ... فصارت تضارع كتب بعض الأجانب. وذلك أنهم في عصورهم المنحطة عادوا لا يبالون بالعناية ... والمقابلات بين النصوص المختلفة أو الرجوع إلى المخطوطات القديمة لمعرفة الفرق ، ومراجعة الكتب العديدة في اللغة وفي الأنساب خاصة مما يسهل تلافي النقص وإصلاح الغلط بقدر المستطاع ...
وأقل الأخطاء ما نراه في كتاب (العقد الفريد) بين (المنتفق) و (المشفق) (1) مثلا فإنه غلط ناسخ قطعا. وفي بعض الكتب الحديثة بين (الضفير) القبيلة المعروفة وبين (الدفير) الواصل من طريق الأجانب ، وعنزة القبيلة المشهورة و (عينيزة) (2) ومثل هذه يقال ما قيل في غلط الأفكار .. أو في كتابات يراد بها أن يلتذ السامع ...
راعينا الأخذ عن القبائل مباشرة ، ونبهنا إلى ما وقع من غلط ، وجل ما في الموضوع أن جعلنا نهجنا الترصد والاسترابة حتى نستبين طريق الصواب بقدر الاستطاعة ، والتوقي حسب الامكان من الاعتماد على كتب الأجانب ، ومن كتب أصحابنا إلا بعد التمحيص والتدقيق الزائد على ما في ذلك من صعوبة ..
ولا يفوتنا أن نشير إلى أن الغرض ليس هو النقد المجرد ، أو التنديد بالمؤلفين السابقين أو المعاصرين ، ولا الوقيعة بالأجانب والاسترابة منهم فيما يكتبونه بلا قيد أو شرط ، فلا أعتقد أن غالبهم يتعمد الغلط ، أو يكتب الباطل ، أو ينقل السخيف. وإنما همهم العلم الصحيح ، وقد تكبدوا المشاق في هذا السبيل وأفادوا كثيرا ... إلا أن الغلط وصل اليهم على أيدي
__________________
(1) العقد الفريد ج 2 ص 63 طبعة سنة 1293 ه ببولاق مصر.
(2) كتاب ابن سعود لابي النصر.
جهال ، أو أنهم لم يتمكنوا من النطق بوجه الصحة فكتبوا كما لفظوا ، أو كما وصل اليهم ... وجل قصدنا مصروف إلى البيان الصحيح ، وتعيين وجه الاستفادة من هذه الآثار للوصول إلى ما نحاول بلوغه مع التنبيه إلى ما وقعوا فيه للتجنب منه ...
وغاية ما نقوله هنا أن المراجع التاريخية ـ وإن كانت كثيرة ـ قليلة المادة ولا نكتفي بواحد منها إذ لم نجد فيها من قصر موضوعه على البحث عن القبائل خاصة ، وتكلّم عليها بسعة وتفصيل. وهذه لا مجال لوصفها وإنما أقصر القول على المهم منها مما يتعلق بالعراق خاصة ولكن قبل الكلام على المراجع أقول إننا لم نجد مؤلفات عديدة عن القبائل في مختلف العصور وبصورة متوالية لنعلم العلاقات المستمرة بين عشائرنا الحاضرة والماضية ، ولنقف على الاشتقاق والتفرع في الأنساب ولنقطع في معرفة التجولات والتفرعات ، فالأسماء تغيرت ، وما شاهدناه من القبائل في موطن لمدة قد لا نجد له أثرا في الحاضر ، أو أن قسما منه هاجر إلى موطن آخر ولكن لا يعرف تاريخ هجرته وهكذا مما صعب المهمة ... فخفي علينا شيء كثير من أحوال العشائر تاريخيا لعدم الالتفات إلى تدوين وقائع مثل هذه إلا أن هذا يجب ألا يثبط العزم بل يدعو إلى البحث ، والتدوين بقدر الإمكان في مواصلة المراجع ، والآثار بلا كلل ولا ملل ، فيزيد المتأخر ما فات سابقه ...
أما كتب التاريخ فإنها كتبت لتدوين الحضارة الاسلامية وأثرها في النفوس والخلافة وما قامت به ، والملوك ووقائعهم ... وأما الحالة القبائلية فلم تتعرض لها إلا أحيانا ، وبصورة ضئيلة جدا لا تكشف عن حقيقة الوضع ، ولا هي وافية بالغرض وكل ما بحثت عنه أنها دوّنت أعمال الرجال الرسميين والوقائع الشاذة والغرائب فلم تبال بالمالوف المعتاد ولا اهتمت به بل قد نراها عديمة الفائدة فيما يتعلق بالعشائر كأن يقال تحارب فلان مع أمير العرب ولم يسمه (1) أو كما جاء في تاريخ المغول من أن
__________________
(1) ابن بطوطة في طريق الحج.
الخليفة جهز أعراب البوادي (1) ... ولم يذكر أسماء قبائلهم ... والملاحظ أن كتب الأنساب لم تعرّف الصلة في القبائل المعاصرة إلا قليلا ومع هذا نرى العصور التالية لم تستمر في التبيان ، ولم تدوّن التبدلات ، ولا عينت الأفخاذ دائما ونجد العناء كل العناء في تعيين وقائع القبائل باستنطاق مؤرخين كثيرين وتقريب النصوص التاريخية مع بعضها ليتيسر الإيضاح ، وفي الغالب يمتنع ..
وخير معين لمعرفة العشائر كتب الأنساب وكتب الأدب وكتاب الأغاني ، والعقد الفريد ، وأكثر الدواوين لمشاهير الشعراء ، وأما كتب التاريخ فإنها تذكر بعض المباحث عن قبيلة بقصد أو بدون قصد فيستفيد الباحث منها. ومن أهم المراجع ابن خلدون فإنه كان ذا علاقة بالقبائل واتصال بها ، يبحث عنها أحيانا فيوفي الموضوع حقه في نظرات صادقة ، وإيضاح نافع يصلح للاستفادة. ومثله كتب ابن حجر سواء الدرر الكامنة أو أنباء الغمر في أبناء العمر فإنه كاد يضارع ابن خلدون في طريقته ...
ومن هذه المراجع وغيرها ظهر لنا ان التاريخ لم يدوّن كافة هجرات القبائل إلى الانحاء ولا عرّف بتجوالاتها ، أو ما أحدثته من حركة أو سير تاريخي لا كل قبيلة ولا بصورة عامة ... ذلك ما دعانا أن نفتش عما فيها من شعلة ـ ولو ضئيلة ـ لنسير على نورها .. ولما كان عملنا فرديا فلا يؤمل منه الكمال وإنما يتم بإضافة جهود الآخرين وتأملاتهم وتتبعاتهم في الموضوع وابداء ملاحظاتهم الوافية فيضاف ما فات ، أو أهمل ...
أما الكتب الحديثة عن العشائر فإن فائدتها محدودة وقليلة. ومهما يكن فمراجعنا مؤلفات كثيرة نكتفي بوصف بعضها مما يخص القبائل ، والباقي يتعين بالنقل عنه في محله ...
وهذه أشهر المراجع الخاصة بعشائر العراق أو بالقبائل بصورة عامة :
__________________
(1) تاريخ العراق بين احتلالين.
1 ـ سبائك الذهب :
كنا نظن ـ لأول وهلة ـ أننا عثرنا على ضالتنا المنشودة في كتاب سبائك الذهب وهي معرفة الصلة بين القبائل ودرجة الارتباط بين القديمة منها والحديثة ... ولكن لم يلبث أن خاب الظن ، رأينا الكتاب قد مثل عصرا قديما ، وراعى أصلا يرجع إلى عهد بعيد ، وهو تأليف الشيخ أبي الفوز محمد أمين بن أبي السعود محمد سعيد بن أبي البركات عبد الله الشهير بالسويدي وكان المؤلف قد توفى سنة 1246 ه ـ 1831 م أثناء رجوعه من مكة المكرمة في القصيم من ديار نجد(1)
والكتاب مرتب بصورة مشجر على نحو الشجرة وتفرع أغصانها كأن يذكر الأصل ويفرع عنه ما أحدث من فروع أو أغصان كالشجرة .. أوله :
الحمد لله الذي خلق الخلق فاختار منهم العرب الخ. وهو مفيد من جهات عديدة ونافع في موضوعه ، ويؤخذ على مؤلفه أنه حوّل كتاب القلقشندي المسمى (نهاية الأرب في أنساب العرب) إلى مشجر فهدم وضعه ، وغيّر شكله مما أدى إلى نسبة كل قبيلة إلى مشاركتها باللفظ من القبائل القديمة التي لا تعرف لها هذه الصلة والقرابة وإنما كان لمجرد الموافقة بالاسم ، وفاتته عشائر كثيرة قديمة كانت تسكن في العراق ، أو حديثة النزوح إليه .. لمجرد أنه لم يتمكن من إيجاد علاقة لها بالقبائل القديمة ... وقد سبقه كثيرون في ترتيبه هذا ، وكان الأولى أن يرجع إلى المشجرات من نوعه ... وفيها ما يفي بالغرض ... ولعله لم يعثر على بغيته ، أو ما يوافق رغبته .. وهنا نراه راعى أنساب القلقشندي مع أنه مصري بعيد عن عشائر العراق وأصولها لضعف علاقة عشائر العراق بمن هناك. اعتمده وطبقه على العشائر العراقية فذكر ما ذكره ، وأهمل ما أهمله ... وبهذا تغير الوضع التاريخي.
__________________
(1) راجع الصارم الحديد في عنق صاحب سلاسل الحديد رقم 2825 من مكتبة نعمان الآلوسي في دار كتب الأوقاف العامة ففي ظهر الكتاب بيان لوفاته.
قال المؤلف :
«أحببت أن أجعله ـ نهاية الأرب ـ على ترتيب مخالف لترتيبه ، وأسلوب مغاير لاسلوبه ، وذلك بأن أوصل آخر القبائل بأوائلها ، بخطوط تمتد من الآباء إلى أبناءها ... وزدت عليه كلاما كثيرا ...» ا ه.
والمؤلف لم يستطع القيام بما رسمه ، ولم يطق وصل العلاقة بين العشائر في الماضي والحاضر ، وكثير مما بينه غير صحيح ، أو مفقود الصلة ومقطوع ببطلانه كما نرى عن طيىء في الصحفة 58 و 59 منه فإنه وصلها بصلة غير صحيحة ، والمدونات التاريخية ومحفوظات القبائل لأنسابها تخالفه في كثير منها ، ولم يبين علاقة خزاعة بالموجودين اليوم ، وهكذا في حرب وقبائل أخرى. ولما رأى الحمداني لم يذكر شيئا عن أصلها عدها من المتحيرة.
ومن هذا الكتاب نسخة خطية في مكتبة المرحوم نعمان خير الدين الآلوسي في مكتبة الأوقاف العامة برقم 2717 ليس عليها تاريخ ولكنها متقنة. طبع على الحجر في بغداد في أواخر شهر رمضان لسنة 1280 ه ـ 1864 م.
والمؤلف من آل السويدي في بغداد الأسرة التي لها مكانتها العلمية في الماضي من أيام الشيخ عبد الله السويدي المتوفى سنة 1170 ه ـ 1757 م والسياسية والحقوقية في الوقت الحاضر ، ورجالها المعروفون اليوم الأساتذة ناجي السويدي ، وعارف ، وتوفيق ، والطبيب شاكر أولاد يوسف السويدي ، وترجمة أسرته في المسك الأذفر للآلوسي ... وللكلام على هذه الأسرة الشهيرة موطن غير هذا.
2 ـ عنوان المجد في بيان أحوال بغداد والبصرة ونجد :
هذا التاريخ لابراهيم فصيح الحيدري المتوفى في 5 صفر سنة 1300 ه ـ 1883 م فلم يخرج به عمن سبقه ، وإنما اعتمد ذات الطريقة تقريبا ،
وأساسا كان اعتماده على كتابين لا ثالث لهما وهما السبائك ونهاية الأرب للقلقشندي بإضافة بعض الاختبارات الشخصية إلا أنه يلام في أنه عدّ بعض القبائل وبطونها معا باعتبارهما قبائل ، أو عشائر لقبيلة واحدة كما أنه راعى اللفظ فنسب الحديث من القبائل لمن له لفظ شبيه به عند القدماء كالسويدي فقد قال عن العبيد أنهم من قضاعة وهم الذين قال فيهم الأعشى حاكيا :
ولست من الكرام بني العبيد
والغلط ظاهر ومنشأه ما جاء عنهم في التواريخ من أن آثارهم باقية في برية سنجار من الجزيرة الفراتية آخرهم الضيزن وهم من أهل الحضر فظن أن المراد من العبيد قبيلة العبيد المعروفة اليوم بعامل المكان والمشابهة بالاسم ، وأمثال ذلك كثير. وغاية ما يقال فيه انه لم يعين في الغالب الصلات ، أو أنه لم يتمكن من ذلك ، وكذا ما بين الافخاذ وفروعها ، أو الطوائف ودرجة قرابتها ... نعم ان بعض القبائل وإن كانت لا تزال تعتبر من (القبائل المتحيرة) لا تستطيع أن تعد نفسها من أحد الجذمين القحطاني والعدناني بسبب اشتهارها باسمها الحديث ونسيانها علاقتها القديمة ، لكنها قليلة جدا فالكتاب كسابقه لم يكن علميا وإن كانت الاستفادة منهما غير محدودة على ما سنبين عند الكلام على القبائل.
أما مواضيعه الأخرى من بغداد والبصرة ونجد من عمارة جسور وأنهار وبيوت قديمة ، ومشاهير رجال ، فهي مهمة وتتعلق بالقطر العراقي فلا تكاد توجد في غيره وكان ختام تأليفه سنة 1286 ه ـ 1875 م.
3 ـ نهاية الارب في معرفة انساب العرب :
هذا الكتاب مرجع المؤلفين السابقين أو أصلهما وعليه عوّلا ، مرتب على حروف الهجاء وهو بمثابة دائرة معارف لقبائل العرب ، ومبناه القبائل القديمة ولم يتعرض للحاضرة إلى زمانه إلا قليلا ، وغالبها يعود لمصر وما
والاها. ذلك ما دعا إلى ارتكاب الغلط من جراء الاعتماد عليه في البحث عن قبائل العراق إلا من نقطة الاشتراك ، وقد وصفه صاحب كشف الظنون ... الفه أبو العباس الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الله (1) القلقشندي النسابة المصري المتوفى سنة 821 ه ـ 1419 م وله كتاب (صبح الأعشى) ومختصره (ضوء الصبح المسفر) وفي صبح الأعشى مباحث في الأنساب مهمة كشفت عن غوامض كثيرة (2) طبع كتاب النهاية ببغداد قبل الاحتلال ، والظاهر من مراجعة المخطوطة ان الكتاب فيه نقص وطبع على نقصه ...
وجاء في مقدمته :
((لما كان العلم بقبائل العرب وأنسابهم ... قد درس بترك مدارسة معالمه ، وانقرض بانقراض علمائه من العصر الاول ... مع مسيس الحاجة اليه في كثير من المهمات ، ودعاء الضرورة إلى معرفته في الجليل من الوقائع والملمات ... أحببت أن أخدم ... بتأليف كتاب في قبائل العرب والعلم بانسابها يجدد بعد الدرس رسومها ... فشرعت في ذلك ... واصلا كل قبيلة من القبائل بقبيلة ، وملحقا كل فرع من الفروع الحادثة بأصوله ، مرتبا له على حروف المعجم. (الى ان قال) ثم ان هذا الكتاب وان كان جمع فأوعى وطمع في الاستكثار فلم يكن بالقليل قنوعا ، فانه لم يأت على قبائل العرب بأسرها ، ولم يتكفل على كثرة الجمع بحصرها ، فان ذلك يتعذر الاتيان عليه ، ويعز على المتطلب الوصول اليه ...)) ا ه ..
وفي هذا ما يعين ان المؤلف انصف في مقاله وأؤيد قوله ان العشائر لا تحصى وأقول ان العراقية منها بعيدة عنه فلا يعوّل عليه في البيان ، وان كان يعد كمرجع للاستقاء من معينه ... وترجمة المؤلف مبسوطة في مقالة
__________________
(1) صوابه أحمد بن علي بن أحمد بن عبد الله كما نبه على ذلك صاحب الضوء اللامع في ص 8 ج 2 منه. وفي كشف الظنون ورد مرة بلفظ أحمد بن عبد الله ومرة أخرى بلفظ أحمد بن علي ذكرها في مادة (نهاية الارب ، وصبح الأعشى).
(2) صبح الأعشى ج 1 ص 307 وما يليها.
مذكورة في أول الجلد الرابع من صبح الأعشى.
4 ـ القبائل العراقية :
للعلامة السيد مهدي القزويني (1) المتوفى سنة 1300 ه ـ 1883 م. أوله : الحمد لله الذي أنشأ الانسان من نفس واحدة .. الخ عندي نسخة خطية منه. وهذا لا يعدّ تاريخا للعشائر فانه سمى بعض القبائل ووقف عند ذلك ، أو ذكر بعض البطون للعشائر القريبة من سكناه والمتصل بها غالبا واكتفى بنسبتها إلى قبيلتها ، ولم يحلل اسماء القبائل وارجاعها إلى اصولها الأولى إلا قليلا جدا .. فهو في الحقيقة فهرس للقبائل ، وله الفضل في انه حفظ بعض أسماء القبائل الصغرى وفرّع بعض البطون عن الأصل ولكن يصعب الحصول عليها بلا كلفة مراجعة الكل فكان الأولى أن يذكرها عند الكلام على القبيلة ... وليس فيه مباحث خاصة بعادات القبائل وأوضاعها المختلفة ولا يحتوي بيانات عن نفسياتها. وعلى كل لا يخلو من فوائد مهمة ومباحث قيمة ..
5 ـ عشائر الآلوسي :
للاستاذ السيد محمود شكري الآلوسي المتوفى في 4 شوال سنة 1342 ه ـ 1924 م فانه لم يدوّن تاريخا خاصا بالعشائر العراقية وانما ذكر في مسودّة تاريخه بعض القبائل المهمة ونسبها إلى أصولها. ويظهر من كتابته في هذا الموضوع انه كان عازما على وضع مؤلف واسع في موضوعه إلا أن الأيام لم تساعده على ابرازه بصورة كاملة أو لم يتمكن من الاتصال بالعشائر والتجوال بينها والاختلاط معها. لذا يؤسف لعدم اتمامه ومع هذا لا يخلو من فائدة زيادة عما جاء في الحيدري والسبائك. فان أهم ما يدعو للانتباه نسبة القبائل إلى اصولها بقدر الامكان. وكتابه (تاريخ نجد) تعرض
__________________
(1) ترجمته في لغة العرب.
فيه للقبائل في نجد وهذه ذات صلة قريبة بالقبائل العراقية وبعضها لم تفقد تسميتها ولم يعدم اتصالها كما ان قسما من هذه القبائل قد يكون في نجد والقسم الآخر في العراق وسورية ولكنه مع هذا لم يتجاوز تعداد القبائل فلم يبحث بحوثا خاصة عنها ..
وكتابه (تاريخ بغداد) في حالة مسودّة (1). وقد كتب فيه كثيرا من القبائل وعرّف ببعضها ولكنه لا يقال انه اكمل بحثه أو أتم تعقيبه ما زال لم يخرج عن المسودّة وما زال قد اكتفى بالتعداد ..
وكان رحمه الله تعالى يشكو من قلة الوسائل ونقصان المصادر وهو الذي نشكو منه أيضا. ولكن هذا لا يثبط عزمنا عن البحث ولا يمنع من تدقيق مؤلفه ووضعه موضع المناقشة ... ليظهر المخفي وينجلي المبهم ...
وأما أثره الخالد (كتاب بلوغ الارب في احوال العرب) فقد تكلم فيه على ما كان معروفا من اخبارهم قبل الاسلام وأيامهم ومشاهيرهم وأديانهم ... وكان كلامه عن العرب عامة وعن اوضاعهم قبل الاسلام بما وصل اليه ولم يتعقب الموضوع إلى اليوم ولم يختص بحثه في عشائر العراق ولكنه مرجع مهم لمن يريد ان يتعقب الأوضاع العربية في كافة مواطنها فهو كتاب جليل في موضوعه ... وهو أحد مراجعنا ...
6 ـ نبذة من تاريخ عرب العراق :
رسالة في عشائر العراق المتفرقين في الجزيرة ما بين اورفة وبغداد وأطراف الشامية كتبها السيد جرجس حمدي إلى نائب القنصل الفرنسي في اللاذقية ، كان طلب اليه أن يؤلف رسالة في هذا الموضوع. وبقيت في يد المسيو كويس قنصل فرنسا في دمشق وهذا أعارها إلى (م. هوار كليمان) فترجمها إلى اللغة الفرنسية وطبعها في باريس عام 1879 م وهذا نص كتاب مؤلفها الاصلي السيد جرجس حمدي المؤرخ 21 شوال 1281 ه و 19 مارت سنة 1865 م قال :
__________________
(1) عندي نسخة منه منقولة من الأصل.
«كنت أمرتني بتحرير نبذة عن تاريخ العرب المتفرقين الآن في الجزيرة ما بين أورفة وبغداد وأطراف الشامية وان اوجاعي واسقامي واشتغال افكاري كانت قد منعتني عن ذلك. وبهذا الحين قد منّ الله عليّ بالشفاء من الأسقام فاخليت فكري مما فيه وطلبت المساعدة على ذلك من بعض الاخوان وحررت هذه النبذة على قدر الامكان باللغة العربية الدارجة ليسهل فهمها على أي من كان. فالمرجو العفو عن التأخير. فالعبد لا زال عند خضم كرمكم غارقا في بحار التقصير ...» ا ه.
إن مترجم هذه الرسالة لم يتصرف بالاعلام وإنما أوردها بلفظها العربي فادى واجب الصحة والتثبت كما أنه أشار إلى مراجع عن الموضوع وأقوال الأوربيين عنه في مظانهم فخدم ابناء قومه خدمة جلّى. ونظرا لاختصار هذه الرسالة فإنها لا تفيد العرب إلا من ناحية ذكر الماضي لبعض رؤساء القبائل ببيان اسمائهم ... وانهم كانوا احياء حين تحرير الرسالة وكانت مواطنهم في المحل الفلاني عند ما نعلم انها تحولت إلى موطن آخر ...
وأساسا ان هذه الرسالة كتبت بناء على الرغبة الاوربية ومنهجها في البحث عن العشائر فاقتصر على ذكر الشيوخ والرؤساء واسم العشيرة وموطنها ، وعدد بيوتها ، وحالتها من نقطة المعيشة والسلطة وعلاقتها بالحكومة وبالناس بصورة بسيطة جدا لا تسمن ولا تغني من جوع .. فلم ينظر إلى أصل القبيلة ، وتاريخ هجرتها ، وعلاقتها بالعشائر المجاورة ... فكانت محدودة المطالب ، والفكرة المدونة عن العشائر ضعيفة وقليلة ، وهذه الرسالة كالكتب الأخرى «لمس بل» وغيرها من الكتاب الغربيين فإنها كلها تقريبا مضت على هذه السنن في تأليفها وإن كانت أشارت أحيانا إلى بعض الأحوال التأريخية عرضا ، أو لم تتمكن منه تماما وإنما اكتفت بالنبذة اليسيرة عن الماضي القريب ومضت. وخير هذه المؤلفات من اوردت اسم القبيلة بالحروف العربية كما فعلت المس بل ...
7 ـ كتاب الاشتقاق :
في أنساب العرب للشيخ أبي بكر محمد بن الحسن المعروف (بابن دريد) المتوفى سنة 321 ه ـ 933 م (1). وفيه تحليل لألفاظ القبائل وتعرض لرجالها إلى أيامه ، والكتاب عظيم الفائدة ، ويتكلم في مطالب جليلة عن القبائل لا يستغني عنها أحد ... طبع في مجلد واحد سنة 1854 م في غوتنجن باعتناء المستشرق فرديناند وستنفلد. أوله : الحمد لمن فتق العقول بمعرفته ، واطلق الالسن بحمده ... الخ. وفيه ردّ على الطاعنين في أسماء القبائل واشتقاقها وكونها لا أصل لها يرجع اليه فجعل كتابه جوابا لأمثال هؤلاء الذين لا يخلو منهم عصر ، وهم أعداء العرب. وليتنا وصل الينا ما يتمم مباحثه وما كان من نوعها فننجو من عناء كبير ...
8 ـ الأنساب :
للسمعاني. وهو أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور المروزي المتوفى سنة 562 ه ـ 1167 م. وفيه مباحث عميمة الفائدة عن العرب ومشاهدات خاصة لا يتيسر العثور عليها في كتاب ، والنقول المذكورة عنه خلال هذا الكتاب تعين قيمته العشائرية فقد سبق غيره في الايضاح ممزوجا بما عاينه أو رآه ونقله عن غيره ... فلا يستغنى عنه بوجه ، طبع على الحجر سنة 1912 م إلا ان النسخة المطبوع عليها مغلوطة ، وخطوطها مختلفة وهي سقيمة جدا مع اني رأيت في استانبول نسخا منه كاملة وصالحة للطبع ، والحاجة اليها متوفرة لا حتوائها على معارف نافعة ومهمة جدا.
والملحوظ ان المؤلف قلب تاريخ البغدادي إلى الأنساب وزاد عليه من جهة واختصره من اخرى فابرزه بوضع لائق ومقبول ...
__________________
(1) من علماء اللغة المشاهير وهو صاحب الجمهرة في اللغة.
9 ـ شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم :
في اللغة ثمانية عشر جزءا لنشوان بن سعيد الحميري اليماني المتوفى سنة 573 ه ـ 1178 م. سلك فيه مسلكا غريبا ، يذكر فيه الكلمة من اللغة فان كان لها نفع من جهة ذكره ، وذكر في كل مادة أبواب الكلمة واستعمالاتها. ثم اختصره ابنه في جزأين وسماه (ضياء العلوم في مختصر شمس العلوم) وأول (ضياء العلوم) أما بعد حمد الله مستحق الحمد ... الخ. كذا في كشف الظنون والظاهر ان صاحب الكشف رأى المختصر ولم ير الأصل. وقد طبعت بعض منتخبات منه تتعلق باخبار اليمن وهي مفيدة في مباحث العشائر وخاصة القبائل القحطانية النجار ، فانه من المراجع القيمة وقد استعنا به في أمور كثيرة لايضاح بعض القبائل ... والمهم فيه انه متأخر عن كثير من كتب الأنساب والقبائل ... فهو من مهمات المراجع ...
10 ـ قبائل العرب في مصر :
ظهر منه الجزء الأول ويخص القبائل التي توطنت مصر ، وفيه ما يفيد في معرفة انتشار القبائل العربية ، ونرى أقسام القبيلة الواحدة قد مالت من الجزيرة إلى أنحاء مختلفة ، ونشاهد قبائل العراق تشترك في تجوالاتها هذه وقبائل مصر حتى في بعض فروعها على ما سيجيء الكلام عليه في محله ، والكتاب مهم من هذه الناحية وإن كنا لا نسلم لمؤلفه في تفريعه القبائل وبيان أصولها فلا يقال إن لخما من طيىء ، وأن جذاما منها ... والمؤلف راجع كتبا عديدة ، ومصادر وافرة ولم يجد في غير كتب الأجانب ما يبرد غلته وإن كان ليس لهم أصل يؤيده ، أو يدعوه للقبول ...
11 ـ القصد والأمم في التعريف بأصول أنساب العرب والعجم :
للشيخ أبي عمر يوسف بن عبد البر النمري القرطبي المتوفى سنة 463 ه ـ 1071 م والمؤلف من رجال التاريخ وخاصة تاريخ الصحابة وله فيه (الاستيعاب) ، والفقه والحديث وتاريخها في (جامع أصول العلم
وفضله) ، والأنساب وهو هذا. وله التمهيد من أجل الآثار في تاريخ الفقه والحديث .. ومؤلفاته نافعة جدا ...
وكتابه هذا في بيان أصول القبائل وانتشارها ، والآراء الشائعة فيها ، وعلاقاتها بالأقوام المجاورة للعرب ودرجة اختلاطها ... وهو على صغر حجمه قيم ونافع جدا فهو خلاصة الأقوال المعروفة إلى أيامه ... طبع بمطبعة السعادة بالقاهرة سنة 1350 ه ـ 1932 م.
12 ـ الانباه على قبائل الرواه :
لابن عبد البر المذكور سابقا. وهذا هو المدخل لكتابه الاستيعاب. طبع مع القصد والأمم ، والارتباط شديد بين هذه الرسالة والتي قبلها. والملحوظ في هذه أن المؤلف اعتمد على أمهات كتب الأنساب وأيام العرب مما لا يزال أكثرها مجهولا أو غير معروف :
1 ـ كتاب أبي بكر محمد بن اسحاق.
2 ـ كتاب أبي المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي.
3 ـ كتاب أبي عبيدة معمر بن المثنى.
4 ـ كتاب محمد بن عبيدة بن سليمان.
5 ـ كتاب محمد بن حبيب.
6 ـ كتاب أبي عبد الله أحمد بن محمد بن عبيد العدوي في نسب قريش.
7 ـ كتاب الزبير بن بكار في نسب قريش.
8 ـ كتاب عمه مصعب بن عبد الله الزبيري في نسب قريش أيضا.
9 ـ كتاب علي بن عبد العزيز الجرجاني.
10 ـ كتاب عبد الملك بن حبيب الأندلسي.
وقد ذكر المؤلف شيئا مهما من الحديث والآثار ونوادر اقتطفها من
كتب أهل الأخبار ، واختار من ذلك عيونه ، وما يجب الوقوف عليه مما يجمل بأهل الأدب والكمال معرفته والانتساب إليه كما قال المؤلف في مقدمته (1). والحق انه كتاب جليل ..
13 ـ نسب عدنان وقحطان :
لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد المتوفى سنة 285 ه ـ 899 م. وهذه من الرسائل النافعة التي كتبت في الأنساب على صغر حجمها وقلة مادتها فانها عرفت باصول القبائل وما تفرع منها باوجز عبارة. ومن ثم تعينت غالب الصلات به ولا يخلو من بيان الفروع وطريقة تشعبها في غالب أوضاعه والكتاب جامع ومختصر أو قل هو متن في الأنساب واف ومفيد الفائدة الحسنة ، وجامع الغرض ولا نريد أن نحقق الأنساب أو أن نكون نسابين وإنما نريد أن نعين الأوضاع من هذه الناحية لنجعلها تمهيدا لمباحثنا في العشائر والاتصالات الاجتماعية فيها ... ورابطة النسب يعول عليها البدوي كثيرا وهي أساس أعماله الاجتماعية. فهي تفسر زواجه ، وتقرر عرفه ، وتعين وضعه الحربي. وهكذا .. طبع حديثا في مطبعة لجنة التأليف والترجمة نشرته اللجنة بمصر (سنة 1354 ه ـ 1936 م) فسدّ فراغا وثلمة كبيرة ..
14 ـ الجوهر المكنون في القبائل والبطون :
للشريف أبي البركات حسن بن محمد الجواني النسابة المتوفى سنة 588 ه ـ 1192 م وهو من الكتب الجامعة في الأنساب ، اتقن صاحبه أصولها ، وأورد فيه من الأنساب ما ينتفع به اللبيب ، ويستغني بوجوده الكاتب الأديب (2).
__________________
(1) ص 46.
(2) كشف الظنون.
وهذا رأينا مختصره في كتاب نهاية الارب للنويري ، وفيه مباحث جليلة ونافعة ومؤلفه عمدة ... وفيه قال النويري : «أتقن أصولها ، وحرر فصولها ، وأورد فيها من الأنساب ما ينتفع به اللبيب ، ويستغني بوجوده الكاتب الأريب ...» ا ه. وسماه النويري بالسيد الشريف نقيب النقباء أبي البركات ابن أسعد بن علي بن معمر الحسيني الجوّاني النسابة .. (1)
ومنه نسخة في دار الكتب المصرية مخطوطة وأخرى فوتو غرافية (مصورة).
15 ـ تاريخ العرب قبل الإسلام :
لجرجي زيدان صاحب مجلة الهلال الكاتب المشهور وهو من أنفس آثاره القيمة في موضوعه ، وكان مفردا لم يزاحمه غيره إلى أيام قريبة منا ... وهذا يقال فيه ما قيل في كتاب المرحوم الاستاذ شكري الآلوسي. فإن موضوعه لم يتعلق بالعشائر وحدها ، ولا يخص مكانها في قطر ، وتاريخ تقلبها فيه ، وتيار هجرتها اليه .. وفوائده عظيمة وعميقة. ومثله كتابه في أنساب العرب القدماء .. وهذا موضوعه أقرب لمباحثنا ... وعلى كل لا يستغني عنهما باحث أو متتبع ... فقد درس العرب دراسة لا يستهان بها ، وبذل جهودا قهارة في احياء ذكر العرب باستنطاق مختلف الآثار (2) فكان الأول في بابه ... ويهمنا من تاريخ العرب قبل الاسلام ما يخص قبائل عرب العراق ... ولعل ضيق المادة أخّر من ظهور المجلد الثاني منه ... والأول مطبوع في مصر ومتداول.
16 ـ كتاب عشائر العرب :
ويسمى (كتاب الدرر المفاخر في أخبار العرب الأواخر) للشيخ
__________________
(1) نهاية الأرب في فنون الأدب ج 2 ص 276 وما يليها.
(2) تاريخ العرب قبل الاسلام ص 5.