الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
البيت اهل
المواضيع الأخيرة
» نثر الدر المكنون
رحلة ابن بطوطه Emptyاليوم في 6:12 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» مقاتل الطالبيّين مقاتل الطالبيّين المؤلف :أبي الفرج الاصفهاني
رحلة ابن بطوطه Emptyأمس في 11:42 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج1
رحلة ابن بطوطه Emptyأمس في 10:27 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج2
رحلة ابن بطوطه Emptyأمس في 9:59 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج3
رحلة ابن بطوطه Emptyأمس في 9:34 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  كلام جميل عن التسامح
رحلة ابن بطوطه Emptyأمس في 8:57 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  مفهوم التسامح مع الذات
رحلة ابن بطوطه Emptyأمس في 8:48 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» أقوال الحكماء والفلاسفة
رحلة ابن بطوطه Emptyأمس في 10:01 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» أقوال وحكم رائعة
رحلة ابن بطوطه Emptyأمس في 9:55 am من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     رحلة ابن بطوطه

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    رحلة ابن بطوطه Empty
    مُساهمةموضوع: رحلة ابن بطوطه   رحلة ابن بطوطه Emptyالأربعاء أكتوبر 16, 2024 3:28 pm

    من حوافز التّفكير في هذا النشر الجديد ...
    لقد كان في صدر ما دفعنا لمراجعة الرحلة البحث عن مدى صحة المقولة التي تذكر أنّ الرحلة الموجودة بين أيدينا إن هي إلا" تلخيص" على حد تعبير ابن جزي نفسه ، تلخيص من" تقييد" صاحب الرحلة ... وأن هناك أثرا للنص الكامل لذلك التقييد الأصلي ...
    وقد دعتنا للبحث حول هذا الموضوع فقرات وردت عند بعض الذين تحدثوا عن ابن بطوطة ، نقلوها على أنها من أخباره في الرحلة ...
    وقد كان في صدر هؤلاء لسان الدين بن الخطيب 776 ـ 1374 الذي نقل عن شيخه أبي البركات البلفيقي" أن ابن بطوطة أخبر أنه دخل الكنيسة العظمى بالقسطنطينية ، وهي على قدر مدينة مسقفة كلّها ، وفيها اثنا عشر ألف أسقف ..." (1)
    هذا إلى فقرات نقلها أبو الحسن علي التمجروتي عن مدينة قابس في رحلته (997 ـ 1589) وأنها كذا وكذا ، ثم إلى فقرات ساقها أبو القاسم الزّياني تتحدث عن" حوار" تم بين ابن بطوطة والسلطان أبي عنان في أعقاب زيارة الرّحالة المغربي لبلاد السودان.
    قال الزّياني ـ نقلا كما يزعم عن البلوي في رحلته ـ : إن أبا عنان لما أحضر ابن بطوطة بين يديه عاتبه على عدم الاجتماع به لمّا قدم لفاس ... فقال : «يا مولانا إنما أتيت بقصد المثول بين يديك ، ولكن لما دخلت المدرسة التي شيدتها ولم أكن وقفت على مثلها فيما شاهدته في المعمور كلّه ، قلت : والله لابد لي أن أتمم عملي وأبرّ في قسمي بالوصول إلى أقاليم السودان حتى أشاهده وأقسم أنّ ليس في المعمور كلّه مثلها! فحقق الله ظني وأبرّ يميني ، هذا موجب تأخيري عن المثول بين يديك". (2)
    وها نحن نرى أولا أن ابن بطوطة في الرحلة التي بين أيدينا يصرح أنه لم يدخل إلى الكنيسة ، وإنما دخل حرمها ... وأنه لم يذكر عددا محددا لأساقفتها ... كما أن الرحلة ـ ثانيا ـ لم تتحدث عن قابس بمثل ما تحدث به التمگروتي ، كما أنها لم تتحدث إطلاقا عن حوار جرى بين السلطان أبي عنان وبين ابن بطوطة على ما زعمه الزّياني (3) ، ونتيجة لكل
    __________________
    (1) ابن الخطيب : الاحاطة في أخبار غرناطة ، تحقيق : عبد الله عنان ، مكتبة الخانجي ، القاهرة. طبعة أولى 1395 1975 ج 3 ص 273.
    (2) لا أثر إطلاقا لهذا الكلام في رحلة البلوي. مخطوط الخزانة العامة ـ الرباط رقم 3627 ورقم 1288 أبو القاسم الزياني : الترجمانة الكبرى في أخبار المعمور برّا وبحرا ، تحقيق وتعليق : عبد الكريم الفيلالي 1387 ـ 1967 ، وزارة الأنباء ، لجنة إحياء التراث القومي ، ص 581 ـ 582.
    (3) تعبير ابن بطوطة : " فوصلت إلى حضرة فاس ، يعني بعد مغادرته تازة ـ فمثلت بين يدي مولانا الأعظم ... أمير المؤمنين ... أبي عنان ... وكان بين يديه وزيره الفاضل أبو زيان بن ودرار فسألني عن الديار المصرية إذ كان وصل إليها ..."333 ـ 233 ,IV.

    ذلك فإن نقل البلفيقي حول الكنيسة ونقل التمگروتي عنه حول قابس ونقل الزّياني عن ذلك (الحوار) ... كل ذلك يبقى في عهدة رواته ، سامحهم الله!
    ولم يسلم ابن بطوطة من الذين تقوّلوا عليه حتى في عصرنا الحديث هذا ، فهناك من نقل عنه أنه خرج مغاضبا لذويه وانه لم يكن متعلقا بأسرته! ومنهم من ذكر أنه أي ابن بطوطة تأثر بما قيل إنه حديث (اطلبوا العلم ولو بالصّين) فشدّ الرحلة من اجل ذلك للصين! بل وفى العلماء من نسب إليه حديثه عن البلهارسيا في مصر ... وفي علماء الهند من حكى لي عن وقائع غريبة تروي عن ابن بطّوطة هناك ...!!
    غير أنه إذا كان البحث قد أدى بنا إلى أنه ليست هناك زيادات كثيرة على" تلخيص" ابن جزي لتقييد ابن بطوطة ، فقد اكتشفنا إضافات فرضت علينا أن نقف أمامها معقّبين أو مصلّحين أو مستدركين. وحملتنا على الاقتناع حقّا بأن نشر الرحلة من قبل الأستاذين ديفريميري (DEFREMERY) وسانگينيتي (SANGUINETTI) في منتصف القرن الماضي معتمدين على المخطوطات الثلاث ، أصبح متجاوزا فعلا سيما مع ما عثرنا عليه من تحريف لبعض الكلمات أو نقص في بعض الألفاظ مما سيقع التّنبيه عليه في مكانه بحول الله بعد أن توفّرنا على نحو من ثلاثين مخطوطة ...
    وقد كان من حوافز نشر الرحلة كذلك رغبة ملحة في الاستجابة لأمنية غالية شعرت بأهميتها عند ما انتسبت للمؤتمر العالمي للأسماء الجغرافية ، تلك هي ضبط المواقع الجغرافية التي ذكرها الرحالة ، وهي زهاء ألف علم جغرافي ورد ذكرها في الرحلة إلى القارات الثلاث ، وهذه ثروة هائلة كان علينا أن نحافظ عليها كما أداها لنا ابن بطوطة.
    نحن نعلم أنّ السبب في تأليف ياقوت الحموي لموسوعته العظيمة : (معجم البلدان) هو ضبط علم جغرافي ورد في حديث نبوي شريف. لقد كان ياقوت بمرو الشاه خان (4) في مجلس يناقش موضوع أسواق العرب في الجاهلية وضبط كلمة (حباشة) حيث كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتّجر لحساب السيدة خديجة ، فرأى ياقوت أنها بضم الحاء ، ورأى أحد المحدثين أنها بفتح الحاء ، فاندفه ياقوت يبحث عن نصوص تؤيد ما ذهب اليه وطال بحثه حتى وقع على ما يؤيد رأيه ... وهنا فكّر في وضع موسوعة لضبط أسماء البلدان والمواقع على ما يقوله هو في المقدمة مغتنما هذه الفرصة ليردّ على المثل القائل : " ما ترك الأول للآخر شيئا" ، ومردّدا قوله الجاحظ : ليس هناك أضر على العلم من هذا المثل الذي يفتّر الهمة ويضعف المنّة!!
    وهكذا جمعت عددا من الخرائط من ذات المقياس الواسع الذي يصل احيانا إلى مقياس واحد على خمسين ألفا. وهنا وجدت نفسي فعلا أنني أمام عالم واسع فسيح الأرجاء ..
    __________________
    (4) نعرف أن مرو خرّبها التتر ... ويذكر أن سكانها بخلاء وأنه حتى ديوكهم كانت على ذاك النحو : كل الديوك تقدم ما عندها إلى الدجاجة إلا ديك مرو فانه يخطف ما عند الدجاجة ليستأثر به ...!!

    ولقد حاولنا أن نعيش مع حاضرنا ما أمكن ، لذلك تجاوزنا (معجم البلدان) في التعريف ببعض المواقع الجغرافية ... كما حاولنا أن نتجاوز التعابير بالفراسخ والأميال والمراحل وما أشبهها إلى التعبير بالكيلوميترات ، والتحديد بخطوط الطول والعرض ما أمكن ذلك.
    ولقد كان ابن جزيّ عظيما عند ما كان يلح في معظم الحالات على تحريك الأسماء الجغرافية أي شكلها بالوصف كما عرفنا ... وهي ظاهره كان ابن جزيّ من السبّاقين إليها ...
    لقد لاحظ البارون دوسلان De Slane في مقدمته لكتاب المغرب لأبي عبيد البكري أنّ إهمال ضبط كلمة من أربعة أحرف مثل (يعرف) ، عارية من التّنقيط ، يمكن أن تصل احتمالات قراءتها إلى ثلاثمائة طريقة!!
    ونحن مع الأعلام الجغرافية في الرحلة لابد أن نشير إلى بعض الذين علّقوا على الرحلة واصطدموا ببعض الأسماء الجغرافية التي لم يصلوا إلى الحقيقة حولها ، أولئك وجدوا من السهل عليهم أن يشكّكوا في مصداقية مرويات ابن بطوطة عوض أن يقوموا بتحقيق تلك الأعلام في عين المكان ودون ما أن يستسلموا لليأس!!
    ومع هذا فإنه من المفيد أن نعرف أن كثيرا من الذين اشتغلوا بابن بطوطة لم يفتهم أن يوسّعوا دائرة بحثهم حول المناطق التي زارها الرحالة المغربي. وهكذا نجدهم عند حديث ابن بطوطة عن البحرين مثلا يذكرون أن مدلول البحرين بالأمس كان أوسع بكثير مما هو عليه الأمر اليوم ، بمعنى أن البحرين كانت تمتد لتشمل دولة الكويت الحالية وتشمل دولة قطر وتمتد إلى الاحساء. ومثل هذا نقوله عند الحديث عن زيارة ابن بطوطة لبعض الجهات في منطقة عمان (بضم العين) حيث نقرأ عن شمول الزيارة لبعض الإمارات العربية المتحدة اليوم: الشارقة مثلا التي تتبعها كلباء وخور فكان كما وقفنا عليها بالعيان!
    وعند ما يجدون أنفسهم مع ابن بطوطة في آسيا : ـ مل جاوة ـ قمارة ، طوالسي ، نقرأ عن احتمال زيارته للفيتنام ، والطايلاند علاوة على الفيليبين واليابان ... ، ومالاكا في ماليزيا ، ـ وسنغافور ـ والتّبّت ـ بورما (بره نكار) ـ الكامبودج والسيام ... وفي مصاحبته للأميرة التركية يبقى علينا أن نعرف عن بعض المناطق التي سلكها وعن حظ بعض دوّل أروبا الشرقية في إفادات ابن بطوطة على ما سنشرحه في التعليقات ...
    ومثل هذا نقوله عن زيارته لشرق إفريقيا الذي يحتضن اليوم عددا من الأمم التي لها كيانها الخاص ، على نحو ما نقوله عن الدول التي توجد اليوم في إفريقيا الغربية التي كانت خاتمة رحلاته : موريطانيا ، السينغال ، غامبيا ، غينيا ، مالي ، النيجر ...
    وإلى جانب الأسماء الجغرافية التي كان فيها ما يحرّك ... هناك تلك اللائحة الطويلة والعريضة من الأعلام الشخصية للعلماء والملوك والزعماء والقادة والمتصوفة والمحدثين الخ ،

    كلّ هؤلاء كان علينا أن نبحث عن تراجمهم في مختلف المصادر المشرقية والمغربية : حياتهم ، اهتماماتهم ، اتصالاتهم ...
    وقد كان إلحاحنا على تقديم تراجم الرجال الذين ورد ذكرهم في الرحلة والنساء كذلك ... مناسبة أخرى للتأكد من مصداقية مرويات ابن بطوطة ، فقد تضافرت المصادر التي رجعنا إليها عند التحقيق في حياة أولئك الرجال ... ، تضافرت على تزكية ما ورد في الرحلة جملة وتفصيلا حول أولئك الذين كانت لهم فرصة الاجتماع بابن بطوطة أو الاتصال به من بعيد أو قريب. ونرى من واجبنا أن نشيد مرة أخرى بالفائدة الجلّى التي استقيناها من كتاب الدّرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة تاليف شيخ الاسلام شهاب الدّين ابن حجر المتوفى سنة 852 ، فلكأنما بعث الله هذا الرجل ليكون شاهدا صادقا يؤيد كلّ التأييد مرويات الرحالة المغربي عن شيوخه وشيخاته ...!
    وقد تكوّن لدينا من كلّ أولئك الرجال فهرس ثرى يفتح هو ذاته الطريق أمامنا للتعرف على عوالم أخرى. وهكذا تمكنا ـ والفضل لله ـ من تصحيح بعض الأسماء التي وردت مغلوطة في بعض المخطوطات أو قرأها بعض الناشرين محرّفة عن الصواب فكتبوها حسبما اتفق لهم ...!! ولم يبق علينا إلّا عدد ضئيل وضئيل جدّا من الأسماء التي لم نستطع أن نصل فيها إلى كلمة فاصلة.
    ومن تلك الأعلام الشخصية ما اقتضى منا ـ على نحو ما كان منا في الأسماء الجغرافية وبعض المصطلحات ـ تحرير المراسلات وتبادل الخطابات مما كوّن لدينا ملفا ضخما مليئا بالفوائد التي نظل فيها مدينين لمن استجابوا لاستفساراتنا ، وكلّ هذا كان الهدف منه محاولة أداء الرسالة الملقاة على كاهلنا. (تراجع الملاحق)

    وقد رأيت أنّ مما يقرّبنا إلى الصورة ـ علاوة على هذا التقديم وعلاوة على التعريف بالأعلام الشخصية وتحديد الأسماء الجغرافية ـ أن أضع عند بداية كلّ فصل من الفصول الثمان عشرة التي وزّعت الرحلة عليها خريطة جغرافية ترسم معالم الطّريق المسلوك حتى يتسنّى للقارىء أن يستأنس بها لمتابعة خطوات رحّالتنا ، على أن أجعل في آخر المجلّدات خريطة شاملة كاملة لمسالك ابن بطوطة من طنجة إلى الصّين. كما رأيت أن أثري كلّ فصل من تلك الفصول بما تيسّر من رسوم وصور تجعلنا تقريبا في الجوّ الذي كان يعيشه ابن بطوط ... وربّما أضفت إلى بعض العناوين التي فصّل بها المؤلف رحلته بعض ما يكشف المبهم منها أو يشدّ القارئ إليها ...
    وقد وجدت نفسي أمام حيرة الاختيار حول أيّة مخطوطة أعتمدها لوضع أرقام تكميلية توثيقية أجعلها على يمين الصفحات لأني اعتمدت ـ كما سبق أن قلت ـ عددا من المخطوطات. ولهذا ، وحرصا مني على أن تكون الفائدة عامّة وشاملة بالنسبة لكل الذين يهتمون بابن بطوطة منذ أكثر من قرن ونصف القرن ... اخترت بدوري أن أوزع الرحلة على أربع مجلدات وأن يكون الرقم الأساسي هو الذي تحمله المجلدات التي طبعت في باريز عام 1858 لأنها المرجع الأصليّ الوحيد لكل الذين درسوا الرحلة دراسة علمية بمختلف اللغات بمن فيهم بعض الذين درسوها باللغة العربية ، من أمثال الزّميلين الراحلين : الأستاذ محمد الفاسي الذي تحدث عن الرحلة في العدد الأول والثاني من مجلة المغرب 1934 ، والدكتور سليم النعيمي الذي تحدث عنها في مجلة المجمع العلمي العراقي ، العدد 24 ـ 25 ـ 26 عام 1974 ـ 75 ...
    ثمّ إنّنا بعد هذا وجدنا أن مما يساعد على ضبط الرحلة وتقييد أوابدها أن نقوم ـ اقتداء بمن سبقونا ـ على وضع فهرس بل فهارس ترشد لمفاتيحها المتنوّعة. وهكذا خصّصنا مجلدا خامسا لفهارسها التي تجاوزت الثلاثة والثلاثين ... تتناول الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية ، والأشعار والقوافي ، والأمثال والأقوال السائرة ، والأعلام الشخصية والأسماء الجغرافية ، وأسماء القبائل والعشائر والأجناس ، ثم الأدوات والآلات ، والوسائل والمراكب ، والأسلحة ، والأمراض ، والأنهار ، والجواهر والحلي ، والحيوان ، والعطور ، والطّعام والشراب ، والعادات ، وأسماء الكتب ، واللّباس والمعلومات ، والأسواق ، والحصون ، والزوايا والرباطات ، والقصور والقلاع ، والكنائس والأديرة ، والمدارس ، والمزارات ، والمساجد ، والمنشآت المتفرقة ، والمواد ، والنبات ، والنقود ، والعملات ، والألفاظ الحضارية ، وكذلك فهرس لموضوعات الرحلة ثم فهرس لمراجع الرحلة علاوة على الملاحق ...
    لقد رأينا أن هذه الفهارس والملاحق كانت ضرورية للمساعدة على الاستفادة الكاملة من هذا التراث الغنيّ والضخم الذي هو رحلة ابن بطوطة.

    وأخيرا أرى دينا علىّ أن أتقدّم مرة أخرى بالشكر الجزيل والتقدير الجم لكل الباحثين الذين تمكنت بفضل ما سبقوني به ـ عربا وعجما ـ من أعمال جليلة عظيمة عمّني نفعها وخيرها ، وخطوات رائدة أرشدني قبسها ونورها ، وتمكنت عن طريقهم من الإدلاء بدلوي في هذا الموضوع" الشّاق والصّعب" الذي قدرت جيّدا تبعته ـ وأكاديمية المملكة المغربية نرى نشرها ـ مذكّرا بأن رحلة ابن بطوطة ستبقى في حاجة أكثر إلى استجلاء غوامضها والكشف عن المزيد من أسرارها وفوائدها ...
    وكما كان مني في تأليفي السابقة فإن الشّعار الذي أرفعه وأنا أخوض هذه المغامرة هو نفس الشّعار الذي رفعه قبلي العلامة ابن خلدون الذي اعترف في مقدّمة تاريخه بالعجز وأهاب بمن ياتي بعده ـ ممّن يزوده الله بعلم صحيح ـ أن يكمّل ما نقص ويفصّل ما أجمل ، ويلحق ما أهمل ، ويصلح ما أغفل ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
    فيلّا بغداد ـ الرباط
    15 يونيه 1996 ـ 28 محرم 1417
    د. عبد الهادي التازي.


    المخطوطات الثلاثون
    للرحلة


    مخطوطات رحلة ابن بطوطة
    لقد وقفت على عدد كبير من مخطوطات الرحلة في شتى الجهات ، وسأقوم بتقديم عرض لما وقفت عليه منها أملا في أن يأخذ الباحث ـ عند الاقتضاء ـ فكرة عن أصولها جميعا ...
    1 ـ مخطوطة خزانة جامع القرويين بفاس رقم 561 :
    أذكر أن أبرز جهة ورد على بالي أن أقصدها ليس فقط لأنها قريبة إليّ ، ولكن كذلك لأنها محطة الحدث! تلك هي مدينة فاس التي ألقى فيها ابن بطوطة عصا التّسيار على حد تعبير ابن جزي في مقدمته للرحلة ـ وقد أخذني العجب ـ وأنا أعد أطروحتي عن جامعة القرويين وخزانتها العلمية ـ (1) أن أقف على عدد من المخطوطات التي كانت مرجعا للباحثين هناك في الخزانة والتي كان من بينها بعض أسفار تاريخ ابن خلدون التي حبسها على الخزانة المذكورة وعليها خطه عام 799 ـ 1397 ، ولكني لم أعثر من نسخ رحلة ابن بطوطة التي ألّفت بأمر السلطان أبي عنان إلّا على السفر الثاني من الرحلة (رقم 561) وهو متلاش مبتور الأواخر ... وعار عن وثيقة التحبيس التي يمكن أن تكون على صدر السفر الأول ...!
    وأول الموجود منه : " ولما كان بتاريخ الغرة من شهر الله المحرم مفتتح عام أربعة وثلاثين وسبعمائة وصلنا إلى وادي السند المعروف ببنج آب ... وآخره في هذه النسخة الناقصة" ذكر وصول الامر الكريم إليّ ..." أوراق هذا المخطوط 110 ، ومستطرته 25 ، مقياسه 27 على 18.
    فأين هي تتمة هذه النسخة؟ بل أين هي النسخ الأخرى التي كان من المفروض أن تتوفر عليها خزائن فاس؟ ذلك ما سنقرأ الجواب عنه في الكلمة التي كتبها زميلنا الراحل الأستاذ محمد العابد الفاسي محافظ الخزانة عند ما بكى ضياع الكثير من كتب الخزانة التي لم يبق لها أثر اليوم وأغلبها من وقف بني مرين (2) ...
    __________________
    (1) د. التازي : جامع القرويين ، ج 2 ، ص 452 ، دار الكتاب اللبناني ، 1972.
    G. Deverdun : Al Karawiyyin, Ency. Islam N. E
    (2) محمد العابد الفاسي : الخزانة العلمية بالمغرب ، صدر بمناسبة مرور مائة وألف سنة على تأسيس جامع القرويين ، مطبعة الرسالة ، الرباط 1380 ـ 1960 ، ص 31 / 32. قائمة لنوادر المخطوطات العربية ، مطبعة النجمة ، الرباط 1960 ، ص 62.





    2 ـ مخطوطة الخزانة الحسنية (3) رقم 8488 :
    تضم هذه المخطوطة السفر الأول ، وتقع في 229 ورقة (كل ورقة فيها صفحتان) مسطرتها 19 سطرا ، ومقياسها 22 ـ 5. 16 ، مكتوبة بخط مغربي مجوهر جميل ، وتوجد بأطرافها خروم شديدة ، مجلدة بغلاف أحمر ، ولكنّها مخيطة على غير ترتيب! بالرغم من أنها مرممة بعض الشيء. وتعتبر هذه النسخة ، في نظري ، في صدر النسخ الصحيحة التي وقفت عليها واعتمدتها كذلك على ما سنرى ، مضبوطة ، ولو أنها مبتورة مع الأسف في بعض جهاتها حيث نجد بتورا في صفحة 111 أثناء حديث ابن بطوطة عن الصّراع بين الشيعة والسنة في شيراز : حوالي ست صفحات ، كما نجد بترا في صفحة 176 وابن بطوطة في مدينة مطرني في آسيا الصّغرى ...
    وعلى خلاف كلّ النسخ التي تنسب المقدمة ، خطأ ، إلى ابن بطوطة عند بداية الكتاب ، فقد كتب على رأس ديباجة الصفحة الأولى ما يأتي : " ... الشيخ (4) الفقيه الكاتب البارع الناظم ... عبد الله محمد بن الشيخ الفقيه ... العالم المتفنن أبي القاسم محمد ... الكلبي الغرناطي عفا الله عنه".
    وهذه النّسخة لا تحمل تاريخا وهي تمضي كسائر النسخ إلى نهاية السفر الأول : " ومن هنالك بعث المخبرون بخبرنا إلى أرض الهند وعرّفوا ملكها بكيفية أحوالنا. وهاهنا ينتهي بنا الكلام في هذا السّفر ..."
    3 ـ مخطوطة الخزانة الحسنية بالرباط رقم 4355 :
    هذه مخطوطة ثانية للسفر الأول من رحلة بن بطوطة تحمل على خلاف المعتاد اسم : (نزهة الخواطر وبهجة الأسماع والنواظر) ، وتقع في 99 ورقة كبيرة ، مسطرتها بين 18 و 19 و 24 ، مقياسها 32 ـ 8. 20 بخطّ مغربي كذلك. كتبت على الصفحة الأولى عبارة (ياكيكتج احفظ هذا الكتاب (5)). ولا يحمل هذا السّفر تاريخا للنسخ (6). وقد تم البيع الأول فيه بتوقيع العدول واشتراه الفقيه عبد الواحد الشفشاوني من الفقيه عبد القادر الغزواني.
    __________________
    (3) اشتهر الملوك المغاربة الذين تعاقبوا على الحكم بالحرص على اقتناء الكتب النفيسة ، ليس فقط بدافع من شغف الحصول على الذخائر ، ولكنه حرص على نشر العلم وإيثار العلماء ... وقد أصبحت الخزانة الملكية بالأمس تحمل اليوم اسم الخزانة الحسنية (نسبة إلى الملك الحسن الثاني).
    (4) يلاحظ أن النقاط تعوض خروما في يمين الصفحة ، كما يلاحظ شكل الضمة على حرف الخاء من كلمة الشيخ وعلى سائر النعوت فيما بعد ، ومن ثمّ فإنني أفترض أن تكون الكلمة المخرومة قبل الشيخ ، قال ... وليس للشيخ كما يرى الأستاذ عنان.
    محمد عبد الله عنان : فهارس الخزانة الملكية ، المجلد الأول ، فهرس قسم التاريخ وكتب الرحلات.
    (5) هذه عبارة اعتدنا أن نجدها على ظهر بعض المخطوطات وتعني أنها تحفظ المخطوطات من السوس!! د. التازي : الرموز السرية ... نشر المعهد الجامعي للبحث العلمي 1983 ص 35.
    (6) Brockelman : ARABICHEN Litteratur 2 Band, Berlin 2091 p : 652 ـ 752 ـ 233 ـ 333 ـ 563 ـ 663
    .





    4 ـ مخطوطة الخزانة الحسنية رقم 3631 :
    مخطوطة ثالثة من هذا السفر الأول من الرحلة تقع في 205 ورقة ، مسطرتها 16 سطرا ، مقياسها 23 على 17 ، مكتوبة بخط مغربي ، كثيرة الخروم في سائر أطرافها.
    وهي تحمل في رأس الصفحة الأولى ما يلي : " قال الشيخ الإمام العالم الأوحد أبو العباس سيدي أحمد بن بطوطة رحمه‌الله" وقد نسخت بثغر تطاون أوائل المحرم عام اثنين وأربعين وألف. وتحمل الورقة الأولى كذلك عبارة يا كيكتج! وعلى الهامش الأيمن لهذه الصفحة صفقة شراء مؤرخة في رمضان سنة 1194 ، وهي مطابقة في نصها وترتيبها مطابقة تامة للنسخ المعهودة ، بدءا ونهاية.
    5 ـ مخطوطة الخزانة الحسنية رقم 8218 :
    وهذه جزء من الرحلة يقع في 151 ورقة ، مسطرته 14 سطرا ، مقياسه 26 على 17 ، مكتوب بخط مغربي واضح وبأطرافها خروم شديدة ، وهو يبدأ فقط من اجتماع الرحالة بناسك عبادان الذي دعا لابن بطوطة بأن يبلغه الله مراده في الدنيا والآخرة. : " فقد بلغت ـ يقول ابن بطوطة ـ بحمد الله مرادي في الدنيا وهو السياحة في الأرض وبلغت من ذلك ما لم يبلغه غيري فيما أعلمه ، وبقيت الأخرى ، والرجاء قوي في رحمة الله وتجاوزه وبلوغ المراد من دخول الجنة".
    6 ـ مخطوطة الخزانة الحسنية رقم 356 :
    وهذه مخطوطة غابت عن تدوين الأستاذ عنان رحمه‌الله ، وهي تقع في مجلدين أحمرين ، عدد أوراق الأول منهما 209 بينما عدد أوراق الثاني 158 ورقة ، مسطرتها 33 سطرا ومقياسها 26 على 18.
    وقد ورد في نهاية السّفر الأول ما يلي : " انتهى في منسلخ محرم سنة 1125" وقد كتب التاريخ بالخط الفاسي أو القلم الرومي : ع ـ س صى ه ، وبعد هذا يأتي تاريخ نسخ السّفر الثاني: " انتهى الكتاب في منتصف المحرم من نفس السنة" ، وقد كتب التّاريخ بنفس الخط الفاسي(7).
    __________________
    (7) حول القلم الفاسي أو الرومي انظر د. التازي : التاريخ الدبلوماسي للمغرب ، ج 2 ، ص 41 ، رقم الايداع القانوني 25 / 1986 ، فضالة المحمدية.M.J.VIGUERA : SAFIR ,Ency.ISLAM.N.E.





    7 ـ مخطوطة الخزانة الحسنية رقم 151 :
    وهذه نسخة أيضا غابت عن ذكر الأستاذ عنان ، نسخة جيدة الخط ، ولكنها أحيانا في منتهى التعب ، خيطت خياطة سيئة بحيث تجد أوراقا منها تتصل بالسفر الثاني حتى يصل إلى السودان صفحة 136 ، وهنا ينتقل إلى السفر الأول حتى يصل إلى نهايته!! ص 310 وتتخلل هذه المخطوطة أوراق تحتوي على فوائد لا صلة لها بالرحلة!
    ومن الطرر التي نقرأها على هامش المخطوطة حديث عن الفدية المالية العظيمة التي تبرّع بها السلطان أبو عنان لتحرير طرابلس من هيمنة احتلال جنوة حيث نقرأ : " يدخل في كلّ شهر لبيت مال المسلمين على يد مولانا إسماعيل ابن الشريف نصره الله أكثر من هذا العدد المذكور الذي تعجب منه مؤلف الأصل".
    ومعنى هذا أن تاريخ النسخة يرجع لعهد السلطان مولاي إسماعيل الذي استمر حكمه من 1082 ه‍ إلى 1139 ه‍. أوراقها 316 ، مسطرتها 20 ، مقياسها 24 على 17.
    8 ـ مخطوطة الخزانة الحسنية رقم 3030 :
    وبعد هذا نقف على نسخة كاملة موثّقة لابن بطوطة ، ويتعلق الأمر بالنسخة التي كانت تقرأ بمجالس السلطان المولى الحسن (الأول) والتي كان يعلق عليها عمّه الأمير المولى العباس أثناء القيام ببعض الحركات السلطانية عام 1294 ـ 1877. (Cool
    لقد كنت أرجع إلى هذه النسخة عند الحاجة لأنها أولا لم تنسب في ديباجة الورقة الأولى من السّفر الأول ، " المقدمة" التي كتبها ابن جزي إلى ابن بطوطة! وكان هذا عندي دليلا على مصداقيتها! ثم إنها كانت النسخة المسلوكة قبلي من لدن مولاي العباس الذي نعلم أنه ، إلى وظيفته كقائد أعلى للجيش المغربي في فترة حرب تطوان ، كان على قدر كبير من الثقافة والدبلوماسية. ولعل من المفيد أن نشير إلى طرة هامة للأمير مولاي العباس وهو يقرأ عن العطاء السخي للسلطان أبي عنان حتى يحرر طرابلس.
    وجاءت أهمية الطرة من أن مولاي العباس كان هو الواسطة بين المغرب وإسبانيا في أداء المغرب عشرين مليونا من الريالات حتى ترحل إسبانيا عن تطوان التي كانت احتلتها عام 1860 ... قالت الطرة : " ... واستعظمت الناس ذلك (العطاء من المغرب) جهلا بالواقعة ، وما دروا أنه لو بقى الأمر على حاله لعرفت البلاد الوبال ...!! " ومن الطريف أن نجد طرة أخرى
    __________________
    (Cool للتدليل على المكانة التي عرفتها الرحلة على هذا العهد نشير إلى الحوار الذي جرى بين د. فايسجيربير وبين الحاج أحمد السوسي. د. التازي : الترجمة العلمية على عهد العلويين ، ندوة أكاديمية المملكة المغربية حول الترجمة العلمية طنجة دجنبر 1995.



    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    رحلة ابن بطوطه Empty
    مُساهمةموضوع: رد: رحلة ابن بطوطه   رحلة ابن بطوطه Emptyالأربعاء أكتوبر 16, 2024 3:30 pm

    تقول في آخر ورقة من المخطوط : " الحمد لله فرغنا من مطالعة جميع الرحلة المباركة في يوم الأربعاء الخامس من شهر شعبان عام أربعة وتسعين ومائتين وألف (15 غشت 1877) بمحلّة مولانا أمير المؤمنين المؤيد بنصر الله الكريم المتين مولانا الحسن بن أخينا سيدي محمد رحمه‌الله ، أدام الله نصره في الخافقين وأعانه بمنه آمين وأعلى مناره في علّيين ، ببلاد زمور بقرب؟ ضاية رومي ..."
    عدد أوراق المخطوط بسفريها 714 ، مسطرتها 21 مقياسها 29 على 21.
    9) مخطوطة الخزانة العامة (9) رقم 2399 / ك :
    هي السّفر الثاني من الرحلة وكانت في الأصل ملكا للخزانة الكتانية ، ولذلك يرمز لها بحرف الكاف. أوراقها تصل إلى 360 ورقة ، مسطرتها 19 سطرا ، مقياسها : 24 ـ 18.
    النسخة خيطت بالغلط على نحو النسخة السابقة التي تحمل في الخزانة الحسنية رقم 8488 ، وهي مبتورة الأول على عادة معظم المخطوطات ، لكن البتر البيّن فيها والذي كان على ما يبدو متعمدا هو الذي يتصل بزيارة ابن بطوطة للأندلس. وموضوع الزيارة هذا هو الذي اهتم به المستشرق المعروف الأستاذ ليفي بروفنصال الذي كان على ما نعلم ، صديقا للشيخ عبد الحي الكتاني. فلا يبعد أن يكون الشيخ أعاره هذه الورقات الخاصة بالأندلس فلم يعدها بروفنصال إلى صاحبها على عكس ما كان بالنسبة لمخطوطة صلة الصلة لابن الزبير (10)
    وهذه النسخة الكتانية لها شبه بالنسخة التي تحمل رقم 8488 في الخزانة الحسنية في ضبطها وتوثيقها وتصحيحها اعتمادا على النسخة الأصلية على ما يبدو من بعض الهوامش التي كتبها الشيخ الكتاني رحمه‌الله ...
    __________________
    (9) أمام الحاجة الملحة لمنح مدينة الرباط فرصة للظهور بعد أن أصبحت عاصمة إدارية للمغرب في أعقاب نقل مقر العاصمة من فاس إلى الرباط عند ما قامت الأولى بثورتها الدامية ضد معاهدة الحماية الفرنسية عام 1912 ، نتيجة لذلك أنشئت الخزانة العامة سنة 1922 لا للحفاظ فقط على الكتب ولكن لتأسيس مرجع لسائر التأليف التي لها صلة بالمغرب والشؤون الاسلامية ... وما فتئت الخزانة منذ استرجاع الاستقلال عام 1956 تعمل تحت السلطة المباشرة لعميد جامعة محمد الخامس إلى أن انتقل الإشراف عليها إلى وزارة الثقافة ...
    (10) حسب تقييد بخط المرحوم عبد السلام ابن سودة : وجد طرف من صلة الصلة بخزانة الكتاني من الجزء الأول والأخير وبعض الوسط ، أخذه منه المستشرق ليفي بروفنصال وطبعه على بتره. وأثناء البحث في خزانة القرويين وجدت الأطراف التي تخص الجزء بتمامها وعلى أول الجزء تحبيس كله على خزانة القرويين. وعند تقييد خزانة الكتاني وجد بها الجزء الذي أخذه بروفنصال المذكور ، وهو بها تحت عدد 391. وبمقابلته مع الأوراق التي هي الآن بخزانة القرويين نجد الخط واحدا والقالب واحدا والرقّاص متساويا مع المبتور من الجزء من غير زيادة ولا نقصان ...





    10 ـ مخطوطة الخزانة العامة رقم D 1452 :
    هذه نسخة" كاملة" بالخزانة العامة لكنها تبتدىء بنسبة المقدمة لابن بطوطة! " قال الشيخ الفقيه السائح الثقة أبو عبد الله محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي شمس الدين ابن بطوطة المعروف بالشريف الغرناطي تغمده الله برحمته".
    وكان الفراغ من انتساخ السّفر الأول يوم 20 محرم 1133 وانتهى نسخ السفر الثاني صبيحة يوم الخميس الرابع من صفر الخير عام ثلاث وثلاثين ومائة وألف ...
    عدد أوراقها : 499 ، مسطرتها 32 سطرا ... مقياسها 28 / 21.
    11 ـ مخطوطة الخزانة العامة 247 ق :
    هذه المخطوطة" مما امتن الله به على الزاوية الناصرية" اكتمل نسخها يوم الأحد مستهل شهر رجب الفرد المبارك عام ستة وعشرين وتسعمائة عرّفنا الله خيره".
    ويلاحظ حرف (القاف) الذي يقترن بالرقم ـ وهو يشير للأوقاف ـ. والمخطوط فعلا من مخطوطات الأوقاف على الزاوية المذكورة.
    نسخة مكتوبة بعناية كبيرة ، وقد صورت بالميكروفيلم الذي يحمل رقم 325.
    عدد أوراق المجلد 452 ، مسطرته 19 ، مقياسه 29 على 20. وتحمل هذه النسخة الناصرية عددا من الطرر المفيدة والطريفة ، فقد علق صاحبها مثلا على قول : إن أم المؤمنين عائشة سمعت الحديث في موضع بجامع دمشق : قال : إن هذا خطأ صراح! فإن عائشة توفيت قبل بناء المسجد بمدة كثيرة ... والعجب من ابن جزي كيف أثبت هذا مع علمه واطلاعه. وكتبه محمد المكي بن محمد ناصر الذي كان بفاس عام 1160 ، ولقى شيخه الأديب محمد ونّان التواتي الملّوكي (11).
    12 ـ مخطوطة الخزانة العامة 248 ق :
    هذه المخطوطة مما" نسخ لخزانة مولانا السلطان أمير المسلمين أبي عبد الله محمد الشيخ من دولة بني وطّاس نصر الله أعلامه وأمدّ في خير وعافية أيامه" ... فهي تحمل تاريخ شهر رمضان المعظم من سنة تسع وثمانين وثمانمائة : 889. والغريب في هذه النسخة أنها تشعرنا بأن كتاب الرحلة قسم على أسفار وليس على سفرين ، وهكذا فإن هذا السفر الذي نعت بالثاني إنما هو تكملة للجزء الأول فهو يبتدئ بأخبار سلطان شيراز ...
    __________________
    (11) حول ابن الونّان يراجع ابن زيدان : الإتحاف 3 ، 344 والتازي : القرويين ج 3 ، ص 804.







    وحتى نعرف عن مدى اهتمام الملوك الوطاسيين بالرحلة وتيسيرها للعامة لقراءتها ، وجدنا أن هذه النسخة المخصصة للخزانة الملكية (12) تشكل شكلا تاما ... ويلاحظ أن عليها طابع الزاوية الناصرية ، وكانت تحمل فيها رقم 1070. وتعتبر هذه النسخة من أقدم النسخ التي تتوفر عليها الخزائن المغربية. ويحمل الميكروفيلم لهذه المخطوطة رقم 326.
    ويدل بعض أوراقها ، بما تحمله من تعاليق وطرر ، على أن الحجاج المغاربة وخاصة منهم المثقفين كانوا يصحبون معهم رحلة ابن بطوطة للاستئناس بها.
    عدد الأوراق 262 المسطرة 17 المقياس 28 ـ 17.
    13 ـ مخطوطة خزانة وزّان 31 :
    هذه نسخة تحتوي على السّفرين الاثنين من الرحلة ، كنت وقفت على أثرها منذ صيف 1941 لما زرت خزانة وزان لأول مرة أيام قاضي المدينة الفقيه ابن جلون رحمه‌الله وكتبت عنها مذكرة ما تزال ضمن مقيداتي.
    ويبتدئ السّفر الأول بعد البسملة على العادة هكذا : " قال الشيخ الإمام الفقيه الصالح الثقة أبو عبد الله بن ابراهيم اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة رحمه‌الله ورضي عنه ..."
    وقد كانت في ملك بعض الأشراف من أهل وزان : محمد بن عبد الجبار بن علي بن أحمد وانتقلت إلى ولده محمد ثم دخلت في أحباس المسجد الأعظم بالشراء من ورثة الشريف أعلاه ...
    وينتهي السفر الثاني بذكر تاريخ النسخ الذي هو سنة 1211 ، أوراقها : الأول 201 ورقة، والثاني 124 ورقة (كل ورقة بها صفحتان) مسطرتها 19 مقياسها 22 ـ 17.
    14 ـ مخطوطة خزانة مراكش رقم 412 :
    هذه النسخة الأنيقة تحتوي على السّفرين معا في مجلّد واحد" وكان الفراغ من تسويدها لستّ ليال خلون من جمادى الأولى صبيحة يوم الجمعة سنة تسع ومائة وألف. وبالنسخة خروم" قليلة في الصفحات الأولى ، وكانت حبسا عام 1158 من السلطان مولاي عبد الله على مسجد القطب سيدي أبي العباس أحمد السبتي دفين مراكش عام 601 ه‍.
    __________________
    (12) كان لبني وطاس دور بارز في إثراء خزائن المخطوطات بالمغرب ، راجع العابد الفاسي في كتابه (الخزانة العلمية) ص 35 / 36 / 37.







    أوراقها 248 ، مسطرتها 24 سطرا ، مقياسها 28 على 18. على ما في فهرس مخطوطات خزانة ابن يوسف بمراكش الذي حرّره الأستاذ الراحل الصّدّيق بلعربي رحمه‌الله! ...
    15 ـ مخطوطة المكتبة الوطنية بباريز رقم 2289 ـ 910 :
    هذه المخطوطة ـ وما بعدها ـ كانت تابعة للخزانة الملكية الفرنسية Bibliotheque) (Royale وتحمل طابعها القديم.
    والمزية الأولى لهذه النسخة أنها من أكمل وأضبط النسخ باستثناء الديباجة (13) التي أقحمت في فاتحة الرحلة ، وبغير خطّها الأصلي! والتي تزعم أن" المقدمة" هي من قول ابن بطوطة مع أنها ـ كما هو واضح ـ من عمل الكاتب ابن جزي ... فلو أن الناشرين الفرنسيين الأوّلين : ديفريميري وسانگينيتي استغنيا عن تلك الديباجة على الطفيلية على المخطوطة أو نبّها على الأقل لتفاهتها لجنّبا كلّ الذين نقلوا عنهما تكرار هذا الخطأ على ما سنرى.
    وتحمل هذه النسخة رقم 2289 الذي يوازيه رقم إضافي Sup 019 إلى جانب كلمة"Arabe ". للتمييز بين اللغة العربية وباقي مخطوطات اللغات الشرقية التي تصل في المكتبة إلى نحو 80 لغة!
    وقد ختم السّفر الأول بهذه الكلمات" وكان الفراغ من كتابة هذا السفر المبارك (الأول) في يوم الاثنين وهو أول يوم من محرم الحرام عشية من عام 1180 ثمانين ومائة وألف (9 يونيه 1766) على يد العبد الفقير ... محمد بن أحمد بن قاسم بن محمد ساسي البوني التّميمي ... وقد كتبت أكثره وأنا بحال مرض نسأل الله الشفاء" ... بينما ختم السفر الثاني بهذه الكلمات : " كمل السفر الثاني من (الدرر الملقوطة من رحلة ابن بطوطة) على يد العبد الفقير محمد بن أحمد ... بن محمد ساسي بن إبراهيم بن محمد بلعيد ... شفاه الله من جميع الأسقام ... وكان ذلك صبيحة يوم الحادي عشر من صفر الخير من عام ثمانين ومائة وألف".
    __________________
    (13) اعتاد النساخ أن يتركوا ـ عند الصفحة الأولى من التأليف ـ بين البسملة وبين المتن فضاء يسع نحو ثلاثة أو أربعة سطور يملأه" من" ياتي بعد ممن يحلي المؤلف ـ في الديباجة ـ بالنعوت اللائقة ، وأعتقد أن الذي حصل بالنسبة لهذه النسخة أن مالكها عندما لاحظ أن بداية السفر الثاني تبتدىء بنسبة السفر لابن بطوطة ... فكّر في أنّ السفر الأول يجري على ذلك المنوال أيضا فأقحم ، بخط شرقي ، لا صلة له بخط النسخة! أقحم نفس الديباجة الواردة في السفر الثاني ، ومن هنا وقع في خطأ نسبة" المقدمة" إلى ابن بطوطة مع أنها ـ كما هو واضح مما أسلفناه ـ لابن جزي ، وحيث إن نشر المخطوط أول الأمر من جانب الناشرين العرب اعتمد على هذه النسخة ، فقد شاع هذا الخطأ على مدى واسع ...





    وهي تحتوي على 153 ورقة (كل ورقة تحتوي على صفحتين) مسطرتها 31 ، مقياسها 30 ـ 20.
    16 ـ مخطوطة المكتبة الوطنية بباريز رقم 2287 ـ 909.
    وهذه النسخة بسفريها كانت ملكا لشخصية فرنسية معروفة : دولا بّورط (Delaporte) الآتي الذكر. وتحتوي المخطوطة التي تحمل كذلك رقما إضافياSup 909 ـ على أوراق عددها : 206 (كل منها يضم صفحتين) ، مسطرتها 28 سطرا ، مقياسها 29 على 20.
    ولا يحتوي السّفر الأول ولا الثاني على إشارة لتاريخ النسخ ، وإنما يكتفي الناسخ بالدعاء في السفر الثاني ـ الذي يحمل عنوان : (نزهة النّواظر وبهجة المسامع والنّواظر) ـ لمن قرأها وسعى في انتساخها ... بما يعبّر عن رضى الناس على الرحلة ...
    17 ـ مخطوطة المكتبة الوطنية بباريز رقم 2288 ـ 911
    وهذه النسخة ضاعت منها الورقة الأولى والورقتان الأخيرتان علاوة على بعض البتر والتحريف ، وهي تحمل كذلك رقما إضافياSup 119 وتحتوي على 160 ورقة ، مسطرة 27 سطرا ، مقياسها 30 على 20.
    ولا تحمل خاتمة السفر الأول تاريخا ... بينما يحمل أول السفر الثاني اسما كذلك للرحلة على نحو سابقه وهو (نزهة النواظر وبهجة المسامع والنواظر (14)) وهو اسم يضاف إلى الاسم الآخر الذي مرّ بنا : (الدرر الملقوطة من رحلة ابن بطوطة).
    18 ـ مخطوطة المكتبة الوطنية بباريز رقم 2290 ـ 908
    تبتدىء هذه النسخة التي تقتصر على السفر الأول بفهرست الرحلة : العناوين وأرقام الصفحات بالأرقام الهندية مما يرجح لديّ أن دولابّورط أتى بها من بلاد كانت تحت الحكم العثماني ... ولها رقم إضافي أيضا هوSup 809.
    تحتوي على مائتي ورقة (كل ورقة بها صفحتان) مسطرتها 20 سطرا ، المقياس 31 على 21. وقد نص في اخرها على أن نسخها تم أواسط صفر سنة 1134 ... (النصف الأول من دجنبر 1721) ، وذكر في أول الصفحة أن المقادير ساقتها إلى نوبة سالم بن الحاج يحيى السّاسي (؟) بالشراء الصحيح ... بتاريخ أوائل شعبان في السنة الثانية من العشرة الثانية من المائة الثالثة من الألف الثانية 1212.
    __________________
    (14) يتساءل : هل لهذا الاسم صلة بمخطوط (النزهة في أخبار الأقطار والبلدان) ، العابد الفاسي : الخزانة العلمية بالمغرب ، ص 32.













    19 ـ مخطوطة المكتبة الوطنية بباريز رقم 2291 ـ 907 :
    تضم هذه النسخة السفر الثاني من الرحلة ، وتعرف على الخصوص بمخطوطة دولابّورط (Delaporte) كما هو مكتوب بالفرنسية على ظهر الورقة الأولى ، ودولابّورط هذا مستعرب فرنسي تقلب في عدة وظائف هامة وخاصة ببعض البلاد العربية مثل مصر وليبيا والجزائر ... وكان منها المغرب :
    أولا بطنجة التي عمل فيها كقنصل مساعد أيام السلطان مولاي سليمان (1206 ـ 1238 ه‍) ، حيث اجتمع في خريف 1828 مع روني كايي العائد من تنبكتو ، وهو الذي صحب السّفير الفرنسي الكونط دومورني إلى مكناس حيث تم استقبال السفارة الفرنسية في مارس من لدن السلطان مولاي عبد الرحمن.
    وثانيا في مدينة الصويرة عندما أصبح قنصلا هناك حيث نجده صحبة اليوتنان كولونيل البارون دولاري (De Larue) المبعوث إلى مكناس عام 1836 أيام السلطان مولاي عبد الرحمن لتقديم احتجاج فرنسا على العاهل المغربي الذي ما انفكّ يساعد ثورة الأمير عبد القادر ، حيث نرى السلطان يعهد إلى الوزير محمد الطيب البياز بمتابعة المفاوضات مع البعثة الفرنسية (15).
    فيترجح لديّ أنه عندما كان بالصّويرة تمكن من الحصول على هذا السفر الثاني من رحلة ابن بطوطة ، فلقد أمست الصويرة منذ تأسيسها من لدن الملك محمد الثالث تتوفر على مجتمع علمي ثقافي مهتم بالتراث المغربي ...
    وقد علق فهرس المكتبة الوطنية الذي ألفه البارون دوسلان بما يفيد أن هذا السفر ربّما كان بخط ابن جزي ، حيث إنه يتميز عن غيره من سائر النسخ بأنه ينص في آخره على عبارة لا توجد في غيره ، وهي تقول :
    " وكان الفراغ من كتبها في صفر عام 757 عرف الله من كتبها (16) ..." ، والقصد إلى جملة" عرف الله من كتبها"
    ومع اعتقادنا بأن هذه النسخة ربما كانت من أقدم ما وصلنا من الرحلة إلا أن بعض الأخطاء الإملائية واللغوية التي توجد فيها ربما تبعد القول بأنها بخط الكاتب ابن جزي سيّما ولم يتيسّر لي أن أقف على خط ابن جزي في تأليف من تأليفه ...!
    __________________
    (15) Philippe de cosse Brissac : Les Rapports de la France et du Maroc Pendant la Conquete de l'Algerie 9381 ـ 7481 Paris 1391 ـ P. 22 ـ 84.
    (16) M, G. De Slane : Lettre A. M. Reinaud, Journal Asiatique, Mars 3491





    20 ـ مخطوطة دار الكتب ، تونس رقم 5048 ب :
    وقفت على هذه المخطوطة في عين المكان (17) ، وهي نسخة جيّدة ، وجاءت جودتها من أنها كانت ملكا لأحمد باشا باي صاحب كرسي تونس الذي حبّسها على" من له أهلية الانتفاع بها ولو استنساخا" ، بتاريخ أواخر رمضان المعظم من عام 1256 ، أواخر نونبر 1840.
    وقد ختم السفر المكتوب بخط مغربي بإعطاء اسم جديد للرحلة سبق أن سمعناه وهو: " الدرر الملقوطة من رحلة ابن بطوطة".
    وقد اهتم مالك المخطوطة بالتعريف ببعض المواقع الجغرافية بما ينقله عن بعض المصادر المتداولة مثل كتاب فتوح إفريقية أو المسالك والممالك أو شرح المقامات للشريشي ...
    صفحات المخطوطة ، 263 مسطرتها 33 ، مقياسها 27 ـ 19.
    21 ـ مخطوطة مدريد التي اعتمدها دوزي (Dozy).
    أثار انتباهي لهذه النسخة حديث المستشرق الهولاندي المعروف ، رينهارت دوزي (ozy) عنها في كتابه" المعجم المفصل بأسماء الملابس عند العرب" الذي ترجمه الباحث العراقي د. أكرم فاضل (18). عندما ذكر أن دي گايانگوس (De Gayangos) أعاره النسخة النفيسة لرحلة ابن بطوطة التي يمتلكها هو ..." إن هذا الكتاب ، يقول دوزي ـ من النسق الرفيع ، أما المختصر المترجم من قبل القس صموئيل لي (Lee) فإنه لا يعطينا إلا فكرة ضعيفة كلّ الضعف عن أهمية الكتاب الأصلي".
    ومن هنا اتجهت إلى زملائي في ليدن الذين أشاروا علي بالتحوّل إلى مدريد للاتصال بالأكاديمية الملكية للتاريخ (Real Academia de La Historia) التي استجابت لرغبتي مشكورة بفضل مساعدة زميلي الراحل إيميليوگارسيا گوميز.
    هذه النسخة ، يحتوي السفر الأول منها على 331 صفحة بينما يحتوي السفر الثاني على 245 صفحة ، مسطرتها 21 سطرا ، مقياسها 28 على 13. خط مغربي واضح ، وتبتدىء بعد البسملة والتصلية هكذا وعلى العادة :
    «قال الشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة رحمه‌الله ...»
    وتختتم الرحلة بالحديث عن تاريخ تقييد ابن بطوطة لرحلته. وقد نص على أن ناسخ الرحلة هو" أحمد بن عبد الرحمن المغيلي غفر الله ذنوبه وغفر لوالديه ... ولكاسبه وقارئه ولمن سعى في كتبه ... بتاريخ ثامن من صفر الخير عام تسعة وثلاثين ومائة وألف" : 5 / 10 / 1726.
    __________________
    (17) أغتنم هذه الفرصة لأجدد شكري للزميل د. جمعة شيخة محافظ الدار ولسائر السادة الزملاء
    (18) وزارة الإعلام العراقي ، سلسلة المعاجم ، ص 11.









    22 ـ مخطوطة الاكاديمية العلمية في لشبونةA 4521
    وقد وقفت على المخطوطة التي طالما تحدث الباحثون عنها ، ويتعلق الأمر بالنسخة التي اقتناها الأب خوسي دي سانطو أنطونيو مورا (Jose de Santo ـ Antonio Moura) من مدينة فاس أثناء وجوده ضمن سفارة وردت من البرتغال عام 1797 ـ 98 1211. وقد ترجم قسما منها إلى البرتغالية. وقفت عليها في يناير 1993 بالأكاديمية العلمية في لشبونة (19) ...
    والمهم أن نعرف أن المخطوطة هذه تنسب المقدمة لصاحبها ابن جزيّ ، وقد نسخت في (تنبكتو) المحروسة ، وقد وافق الفراغ منها أواسط رجب عام ثلاثة وأربعين وألف (أواسط يناير 1634) في عهد الدولة السعدية أي أيام الوليد بن زيدان ابن أحمد المنصور الذهبي (1040 ـ 1045 ـ 1630 ـ 1635) (20).
    ومعنى هذا أيضا أن مخطوطة ابن بطوطة كانت معروفة بل مطلوبة في تنبكتو وبلاد التكرور، وهو الامر الذي يفسّر لنا قيام أبي عبد الله محمد الولّاتي بترجمة لابن بطوطة في كتابه : (فتح الشكور في معرفة أعيان التكرور) ، ترجم له ولو أنه أي ابن بطوطة ليس من تلك الجهات ، تكريما له وتقديرا لمقامه وتخليدا لزيارته لتلك الديار علاوة على أصرة" الولّاتية" التي تجمع بينهما!
    23 ـ مخطوطة الشيخ حمودة :
    وهناك مخطوطة للشيخ حمودة بن لفغون شيخ الإسلام سابقا في قسطنطينة (الجزائر) ، وقد نسخت بتاريخ 22 شوال 1160 ـ 17 أكتوبر 1747 م ، وأشار إليها الناشران الفرنسيان: ديفريميري وسانكينتّي في مقدمة ترجمتهما للرحلة ، وردّد ذلك فانسان مونطي في مدخله الجديد للرحلة
    24 ـ مخطوطة اللّمسي
    وقد أهدى لي الزميل التونسي الأستاذ الحبيب اللمسي صاحب دار الغرب الاسلامي في بيروت ، صورة مخطوطة للرحلة يمتلكها تقع في سفرين مختلفي الخط ، ورقاتها من طول 21 على 14 ، مسطرتها : السفر الاوّل 21 بينما كانت مسطرة الثاني 17 ، وهكذا فإن صفحات الأول تصل إلى 320 بينما تبلغ صفحات السفر الثاني 356.
    __________________
    (19) طبعت هذه الترجمة ناقصة عام 1840 في مجلدين. يراجع فهرس المخطوطات المغربية المعروضة في ليشبونة أول مايه 1995 تكريما للأكاديمية المغربية المجتمعة هناك بدعوة من الرئيس د. ماريو سواريس.
    (20) أصبحت المخطوطة ملكا لأحد حفدة السلطان مولاي إسماعيل.







    كانت المخطوطة في ملك الحاج محمد بن حسين العريبي القلّال عام 1257 ه‍ قبل أن تنتقل إلى محمد ابن الحاج ـ بالشّراء الصحيح ـ على يد الدلال محمود السعيدي يوم 18 ربيع الأنور عام 1286 وقد كتبت تواريخها بالأرقام الهندية.
    والمهم في هذه النسخة أن ديباجتها لا ترتكب الخطأ الذي وقع فيه بعض النساخ من نسبة المقدمة إلى ابن بطوطة مع العلم أن المقدمة ـ كما قلنا مرارا ـ هي بقلم ابن جزي ، ويلاحظ كذلك أن ناسخ السفر الأول لم ينتبه للوقوف حيث انتهى سائر النساخ ... ومن هناك وجدنا أن ناسخ السفر الثاني ابتدأه بالوصول إلى مدينة بخاري عوض الوصول إلى وادي السند المعروف ببنج آب!
    * * *
    وإذا كانت الرحلة قد عرفت ذلك العدد العديد مما عرفنا بعضه من النسخ ، فإن من مظاهر العناية بها قيام بعض المشايخ المشارقة" بانتقاء" أو" انتخاب" بعض الأطراف منها.
    وعلينا ، قبل أن نعرف عن هذا ، أن نتساءل : متى وصلت نصوص الرحلة إلى المشرق؟ وهل عن طريق أحد الحجاج القاصدين للحجاز أو طريق مشرقيّ ورد على المغرب وحمل الرحلة معه؟
    إن المقريزي المتوفى عام 845 ـ 1441 عندما يتحدث عن معركة مرج الصفّار التي وقعت كما هو معلوم يوم ثاني رمضان 702 ـ 120 أبريل 1303 ، والتي تحدث عنها ابن بطوطة لم يشر لما رواه ابن بطوطة وهو الأمر الذي يدل على أن الرحلة لم تكن قد وصلت للمشرق على عهد المقريزي ...
    وكذلك فإن ابن إياس الذي توفى عام 930 ـ 1524 لم يعرج على معلومات ابن بطوطة حول تلك المعركة ، ومعنى هذا أن الرحلة لم تكن قد وصلت إلى تلك الديار ، ولهذا فإني على مثل اليقين من أن رحلة ابن بطوطة وصلت إلى ديار المشرق في أواخر القرن العاشر الهجري عند ما بعث المغرب ، في عهد الدولة السعدية ، بسفيره إلى اسطامبول أبي الحسن علي التمجروتي عام 997 ـ 1589 حيث وجدنا هذا السفير وهو يتحدث ـ في رحلته ـ عن بعض المحطات التي مرّ بها في المشرق ينقل عن ابن بطوطة ... فمن هنا قد يصح القول إن التمجروتي اصطحب معه مقيّدات ابن بطوطة منذ ذلك التاريخ (21).
    __________________
    (21) التمجروتي : النفحة المسكية في السفارة التركية ، نشرها دوكاستري بباريز 1929.


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    رحلة ابن بطوطه Empty
    مُساهمةموضوع: رد: رحلة ابن بطوطه   رحلة ابن بطوطه Emptyالأربعاء أكتوبر 16, 2024 3:32 pm

    يضاف إلى السفير التمجروتي ، الشيخ المقري صاحب نفح الطيب الذي رحل إلى المشرق مع بداية الربع الثاني من القرن الحادي عشر ، والذي نعتقد أن رحلة ابن بطوطة كانت ضمن حقائبه ، كيف لا وهو الذي ردد أيضا" ترتيب" الرحلة في" موسوعته" الأندلسية المذكورة (22) ، ومن هنا نؤكد أن الرحلة لم تنتظر أبا القاسم الزياني ليحملها معه عام ـ 1756 1169 إلى موسم الحج ، مشهّرا بصاحبها مشكّكا في المعلومات التي أتى بها ابن بطوطة!!
    فماذا عن الذين قاموا بعملية" الانتقاء" من الرحلة أو" اختصارها" حتى يثيروا الانتباه إلى الرحلة الأصلية ...
    لقد كان في صدر هؤلاء العلامة محمد بن فتح الله بن محمود بن محمد البيلوني (23) الحلبي المتوفّى سنة 1085 ـ 1674 والذي نوّه بعمله الزّبيدي صاحب (تاج العروس) ...
    وهذا" المنتقي" للبيلوني هو الذي قام القس صموئيل لي (Lee) بترجمته عام 1829 (24) ، والذي قال عنه دوزي ، كما ردّدناه قبل صفحات ، عند الحديث عن النسخة التي اعتمد عليها لگايانگوس : " إن ذلك" المنتقي" لا يعطي إلّا فكرة ضعيفة كلّ الضعف عن أهمية الكتاب الأصلي".
    وقد توفرت مكتبتي على عدد من نسخ هذا" المنتقي" :
    25 ـ مخطوطة وقف تيمور ، دار الكتب المصرية نسخة (أ):
    ميكروفيلم رقم 17732 نسخة (أ) وهي تحمل تاريخ يوم الاثنين ثامن شهر ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وألف 1091 ه‍ ـ 1674 م كتاريخ لتحريرها أي بعد ست سنوات فقط من وفاة البيلوني ، وهي تحتوي على 197 صفحة ، مسطرتها 19 سطرا مقياسها 24 على 16.
    __________________
    (22) المقري : نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب ـ تحقيق د. احسان عبّاس بيروت. ج I ص. 152.
    (23) نشأ بحلب ورحل إلى الرّوم وسلك طريق القضاء ، والبيلوني نسبة إلى البيلون ، وهو نوع من الطين يستعمل في الحمامات لتلطيف البشرة. وقد قرأنا في (موسوعة حلب المقارنة) أن كلمة البيلون مستمدة من اليونانية (Valaniyon) بمعنى الحمّام ... ومن أقوالهم : (فلان لا يميّز بين الصابون والبيلون). وقد وقفت عليه في دكاكين حلب بمساعدة د. محمد البيلوني الذي أمدني بصورة لما قيل عن أسرة البيلوني في كتاب (إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء) تأليف محمد راغب الطباخ الحلبي ج 6 ، غير أن هذا التأليف لم يتعرض لاختصار البيلوني لرحلة ابن بطوطة. مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق مجلد 70 ج 3 يونيه 1995
    (24) The Travels of Ibn BATTUTA ,Cambridge 9281.



    26 ـ مخطوطة أخرى من وقف تيمور ... نسخة (ب) :
    وهذه نسخة ثانية أنجز تحريرها على يد كاتبها الفقير علي الاسلامبولي في 15 شهر شوال 1272 ، وفي أسفل هذا توجد طرة تقول : «ونقلت من نسخة بخط الفاضل الشيخ محمد العزيزي ، كان كتبها برسم الشيخ سليمان الفيومي ، وتاريخها 17 شوال 1210 ـ 1796 وقوبلت عليها وشارك في مقابلة البعض كاتبه الفقير نصر الهوريني (ت 1291 ـ 1874) ... وكان ذلك في قصر حضرة عبد الحميد بك نافع؟ الذي كتبت هذه النسخة برسمه أسبغ الله عليه ظلال نعمه».
    أوراقها 146 (في كل واحدة صفحتان) ، المسطرة 21 سطرا ، المقياس 22 على 12.
    27 ـ مخطوطة الفاتيكان رقم 1601
    وهذه نسخة ثالثة من منتقي البيلوني وقد كتبت في أوائل رجب الفرد المعظم من شهور سنة أربع وثمانين ومائة وألف (1184). عدد أوراقها 112 مسطرتها 21 سطرا ، مقياسها 20 على 15 ، خط شرقي كسابقه وقد حصلت عليها من الكرسيّ البابوي بمساعدة مونسينيور جاكلين.
    28 ـ مخطوطة الفيومي رقم 4063
    هذه نسخة كتبت بتاريخ 17 شعبان 1210 على ما نقرأه في آخر المخطوطة ، وهي تذكر أنها كتبت على يد الفقير محمد بن أحمد العزيزي الشافعي الأزهري برسم" أستاذنا الأعظم الشيخ سليمان الفيومي" ، وعلى رأس الورقة الأولى من المخطوط هامش يحدد تاريخ رحلة ابن بطوطة ونهايتها وتوقيع الشيخ نصر الهوريني ثم تاريخ 1223.
    عدد أوراقها 72 (في كل ورقة صفحتان) ، مسطرتها 23 سطرا ، مقياسها 20 على 14. ومن المهم أن نشير هنا إلى أن الورقة الأولى من هذه المخطوطة ، وهي التي تحمل العنوان ، تحتوي على قطعتين شعريتين لهما دلالة جد مفيدة على مصداقية رحلة بن بطوطة ، وعلى المركز الذي كانت تنعم به في المشرق منذ ذلك التاريخ (القرن الحادي عشر الهجري) عندما ظهر" المنتقي" ، حيث كان الناس يتوقون للحصول على" منتقاها" ما داموا لم يستطيعوا الحصول على" أصلها"!
    تقول القطعة الأولى
    إذا ما رحلة الطنجيّ عزّت
    وشحّ بها لئيم أو كريم!

    وألفيت الملخّص والمنقّى
    من ابن جزي : البحر الخضيم

    فدع نجدا لساكنه وأعرض
    وحسبك من عراراته شميم!!









    وهو يشير في البيت الأخير إلى البيت المعروف :
    تمتع من شميم عرار نجد
    فما بعد العشية من عرار!

    ثم تقول القطعة الثانية التي تصف الرحلة الأصلية بأنها" قطب" لجميع الرحلات!
    حيث أبصرت رحلة لإمام
    فهي ذيل لرحلة ابن بطوطة

    إنما الكون دارة ، وهي قطب
    بجميع الجهات منه منوطة

    جعل الله روحه في رياض
    حيثما ينسج الغمام خيوطه (25)

    ونعتقد أنه من المهم أن نورد ما جاء في ديباجة (المنتقي) للبيلوني" ...
    هذا ما انتقيته مما لخصه الإمام الكاتب محمد ابن جزي الكلبي من رحلة الفقيه أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة ، وإنما انتقيت ما كان غريبا غير مشهور أو مشهور النقل لكن ربّما لا يعتمد عليه لغرابته وتسامح المؤرخين في النقل غالبا ، فأثبتته لكون صاحب الرحلة ثقة وكتب ما ثبت عنه من أخبار الأمم والأقطار ، فنقل الصدوق أوقع في الاعتبار والاستبصار ، وبعض ما نقله قد يخالف ما ذكره غيره ، كما في وصفه بعض ما شاهده من عقاقير الهند ، فإن بعضه مخالف لما ذكره الأطباء في وصفها. والظن بالشيخ الصدق. وقد خرج الشيخ ابن بطوطة صاحب الرحلة بقصد الحج والسياحة من بلدته طنجة عام خمسة وعشرين وسبعمائة ، وانما أذكر بعض أسماء البلاد التي اجتازها في رحلته وإن لم يكن في ذلك كبير فائدة للتنبيه على كمال همته وتوكله وعدم سئامته من الحل والترحال وقطع مشاق الفيافي والجبال ..."
    29 ـ " منتخب الرحلة لمؤلف مجهول رقم 22741 :
    وإلى جانب" منتقي" البيلوني بنسخه الأربعة ظهر" منتخب" الرحلة رقم 22741 لمؤلف مجهول ، وافق الفراغ منه يوم الثلاثاء رابع شهر ذي القعدة من أشهر سنة ألف ومائة واثنتين من الهجرة النبوية (30 يوليه 1691) أخذت النسخة عن الميكروفيلم رقم 22741 ، دار الكتب القومية
    أوراقها 46 (في كلّ ورقة صفحتان) ، المسطرة 21 سطرا ومقياسها 22 على 14.
    __________________
    (25) يعتقد ذ. محمود الشرقاوي أن الأبيات للبيلوني ، وأستبعد ذلك لعدم وجود ما يؤيده ، والذي اعتقده أنه تقريظ من أحد الموالين ... أنظر كتابه : رحلة مع ابن بطوطة من طنجة إلى الصين والأندلس وإفريقيا ، مكتبة الأنجلو المصرية 1968 ، صفحة 9 ـ 10.





    30 ـ منتخب الأزهري 1278 :
    وقد طبع هذا" المنتخب" في القاهرة أواخر ربيع الأول 1278 ـ 1861 على نفقة أحمد أفندي الأزهري بتصحيح الشيخ علي المخللاتي ، ويقع في 79 صفحة ، ولذلك يعرف هذا" المنتخب" باسم منتخب الأزهري ، وتعتبر أيضا في عداد المخطوطات. ونرى كذلك من المفيد أن نورد ما جاء في مقدمة (المنتخب) فيما يلي :
    " ... وبعد فهذا ما" انتخبته" من مختصر رحلة الإمام العالم الرحّال السايح في البلاد أبي عبد الله محمد بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة المغربي المعروف في البلاد المشرقية بالشيخ شمس الدين ، وهو الذي طوّف الآفاق معتبرا ، وطوى الأمصار مختبرا وباحث فرق الأمم ، وسير العرب والعجم ، التي اختصرها وضبط مشكل ألفاظها الشيخ الامام العلامة محمد بن محمد بن أحمد ابن جزي الكلبي المغربي باشارة أمير المؤمنين المتوكل على الله سلطان الحضرة الفاسية ..."
    31 ـ نسخة ضومباي النّمساوي؟
    لقد وردت الإشارة إلى هذه النسخة ضمن رسالة بعثها بتاريخ 26 محرم 1200 ـ 29 نونبر 1785 أحد النساخ المغاربة إلى الديبلوماسي النمساوي ضومباي الذي كان يعمل بسفارة النمسا بطنجة ، وكان يهتم باقتناء المخطوطات ... في هذه الرسالة يخبر الناسخ المغربي زميله بأن رحلة ابن بطوطة الصغيرة كملت ودفعت للسفّار أي المجلّد ، فماذا عن هذه النسخة" الصغيرة" وهل هي عمل جديد غير" المنتقي" و" المنتخب" (26)؟
    وهكذا نستشفّ من خلال كلّ هذا أن هناك اهتماما زائدا بالرّحلة عبر العصور سواء من لدن الحكام أو من لدن العلماء والمثقفين بحيث إنه لم تخل فترة من الفترات دون أن نجد فيها أثرا للرحلة نسخا أو بيعا أو شراء ... بل إنّنا كنا نلاحظ في بعض الأحيان أن تواريخ النّسخ تتقارب فيما بينها ، ومعنى هذا أن هناك طلبا متواليا على الرحلة من طرف هواتها والمعجبين بها ، من طرف الذين وجدوا فيها ما يرضي استطلاعهم ويزيد في معلوماتهم عن عالم العروبة والإسلام ...
    __________________
    (26) عند زيارتي للخزانة الوطنية في فيينا أكتوبر 1986 حاولت أن أجد أثرا لهذه الرحلة الصّغيرة ضمن مخلفات ضومباي هناك ، وهي كثيرة ، لكني وجدت عوضها رحلة لمغربي آخر متأخر عن ابن بطوطة ، هو المتيوي الذي رحل صحبة الملك محمد الثالث ت 1204 ـ 1790 إلى جنوب المغرب ...



    الأربعة الذين كانوا
    وراء إنجاز الرحلة


    (1) السلطان أبو عنان
    عندما يذكر التاريخ المعالم الحضارية التي شيدها السّلطان أبو عنان (759 ه‍ ـ 1358 م) بن السلطان أبي الحسن بن السلطان أبي سعيد بن السلطان يعقوب بن عبد الحق مؤسس دولة بني مرين ، وعند ما يذكر التاريخ مجالسه العلمية التي كانت أشبه ما تكون بدور الحكمة بالأمس أو بالأكاديميات كما نسميها اليوم ، وعند ما يذكر التّاريخ الأصداء العظيمة التي تركها أبو عنان على الساحة الدّولية بما وقّعه من اتفاقيات وما أبرمه من معاهدات ، وعند ما تتحدث مصادر التاريخ عن أسطوله الذي كان يقوم بنفسه على بنائه ، وعند ما نذكر حسّه السياسي المرهف وحزمه في ممارسة الحكم وعند ما نذكر هوايته الرياضية المفضلة : القنص بالصّقر ...
    عند ما يذكر الناس كلّ هذا فإن من واجبهم أن يذكروا إلى جانب تلك المناقب والمحامد عملا آخر لا يقلّ ـ إن لم نقل إنه ينافس ـ عن تلك الأعمال أو يفوقها ، ذلك العمل هو الأمر الذي أصدره ـ وهو بفاس ـ بانتساخ رحلة ابن بطوطة وجعلها في متناول القراء بالرغم مما ظهر من بعض معاصري الرحالة المغربي من أمثال ابن خلدون الذين شككوا في مصداقية الرحلة وقصدوا الوزير ابن ودرار في محاولة لكتم أنفاسها!
    لقد تأكد أن القرار الذي اتخذه العاهل المغربي كان قرارا عظيما وائدا ، وكان وراء تخليد اسم أبي عنان بالرغم من أن حكمه لم يتجاوز عشر سنوات!! فها نحن اليوم نعيش مع اهتمام رجال الفكر كلّهم سواء كانوا عربا أو عجما ... بهذه الرحلة التي كانت بالفعل حدثا فريدا من نوعه ، حدثا ربط تاريخ المغرب لأول مرة بتاريخ بقية العالم ، بما في ذلك الجهات النائية ، وبما في ذلك بعض الجهات التي لم تكن تدين بالإسلام. وهكذا وجدنا أن الرحلة تمثّل جسرا متينا يجسد الحوار بين الحضارات في دول المعمور سواء في القارة الافريقية أو الأسيوية أو الأروبية. ومن ثمت كان لها بعد دولي واسع أعطى للعاهل المغربي فرصة ثمينة لكي يخلد اسمه عبر التاريخ كنصير لحرية الفكر وكمنقذ للتراث ومشجع للإبداع ، ويكفي أن نعرف أن الفكر الحديث يعتبر أن ابن بطوطة ثالث ثلاثة رفعوا اسم المغرب عاليا بعد ابن رشد وابن خلدون وأنه أي ابن بطوطة أكبر رحالة في التاريخ البشري كله على حد قول أندري ميكيل (1)!!
    وقد استمعنا إلى الكاتب الفرنسي الأكاديمي جان دور ميصون (J.D'ormesson) (مارس 1995) أثناء حفل تكريمي حاشد" إشادة كبيرة وعظيمة وعطرة بمركز ابن بطوطة المؤرخ والجغرافي والاجتماعي الذي كان ممّن" استطاعوا أن يؤثروا عليّ ـ يقول دورميطون ـ بمفاتن إبداعهم ، الأمر الذي لم يظهر أثره فقط على ما كتبته ولكن ظهر فيما كنت أستوحيه
    __________________
    (1) عبد الله عنان : ابن بطوطة أعظم الرّحل في العصور الوسطى (العربي) 1981.
    . Gallagher, charles F. The United states and North Africa, Harvard 3691 P. 94
    أندري ميكيل : العرب الاسلام واروبا ... ـ بيروت 1993 ص 252.

    مما دوّنه ابن بطوطة الذي كان في صدر الذين أعطوا للإسلام بعدا دوليا فيما يتصل بعظمته وتسامحه ...»
    2) ابن ودرار
    كان في أبرز ما لفت نظرنا من سيرته أنه الوزير الحصيف الذي أنصف ابن بطوطة وأرجع ابن خلدون إلى صوابه فيما يتعلق بمصداقية الرحلة.
    كان أبو زيان فارس ابن ميمون ابن ودرار الحشمي (2) قائدا موموقا لدى السلطان أبي الحسن ، ومن هنا رشّحه للقيام بالسفارة عنه لدى الملك الناصر محمد بن قلاوون بمصر في أعقاب استرجاع السلطان أبي الحسن لملكه على تلمسان وبجاية عام 737 ـ 1337 ، الأمر الذي ردّدت صداه ممالك إفريقيا على ما تؤكده كتب التاريخ.
    وقد تضمنت الرسالة التي حملها ابن ودرار إلى العاهل المصري أخبارا جدّ هامة عن الحالة في الغرب الإسلامي (3).
    ثم أصبح ابن ودرار وزيرا ملازما للسلطان أبي عنان بعد تمكنه من الحكم عوض أبيه ، فكان السلطان يعهد إليه بالمهمات الجسام ، وهكذا نجح عام 753 ـ 1352 ، في المهمّة التي عهد بها إليه في معركة أنگاد ... كما نجح في تطويق حركة قامت جنوب المغرب عام 754 ـ 1353 حيث أنشأ مدينة أسماها (القاهرة) أحكم بها الحصار على المتمردين هناك!
    وبعد أربع سنوات ، أي في عام 758 ـ 1357 عهد إليه بإخماد ثورة للحفصيين بتونس فجاءوا إليه مهطعين.
    وهكذا بلغ ابن ودرار منزلة لم يبلغها أحد في الدولة ، وهنا حصل ما يمكن أن يحصل عند ما يشعر القائد ، أيّ قائد ، بأنه أمسى في موقع" لا يمكن الاستغناء عنه فيه" ، بل وبأنّ في استطاعته أن يصبح الرقم الواحد في الدّولة!. ولم يكن السلطان أبو عنان من الملوك الذين تغيب عنهم" الهواجس" ، وهكذا فما لبث الوزير أن فوجيء بمداهمة بيته والإجهاز عليه والناس يحتفلون بعيد الأضحى من عام 758 (أواخر نونبر 1357) (4)
    __________________
    (2) نسبة إلى (الحشم) وهم في الأصل هيأة أنشأها يوسف بن تاشفين عام 470 ه‍ من جزولة ولمطة وقبائل زناتة ومصمودة وضمت جموعا كثيرة سماها بالحشم ، انظر الحلل الموشية ـ طبع بالرباط ، معهد العلوم العليا المغربية ـ 1936 ص 21 ـ 22.
    (3) د. التازي : التاريخ الدبلوماسي للمغرب ج 7 ص 209 ـ 210 ـ رقم الايداع القانوني 25 / 1986.
    (4) الناصري : الاستقصاء ، طبعة دار الكتاب ، الدار البيضاء 1954 ج III ص 203.

    3) ابن جزي
    وتاتي الشخصية الثالثة التي كان سبب ظهورها على الساحة حدثا وقع على سبيل الصدفة! ويتعلق الأمر بأبي عبد الله محمد بن أبي القاسم محمد بن أحمد بن جزي المولود بغرناطة سنة 721 ـ 1321.
    لقد اجتمع هذا الرجل بالرحالة المغربي في غرناطة ، وبالضبط في بستان أبي القاسم ابن عاصم حيث انتظم لقاء نزهة جمع عددا من وجوه العاصمة الاندلسية ، ووجدنا أن ابن جزي يعرب عن ارتياحه للاستمتاع بأخبار رحلة ابن بطوطة ، ولم يتردد في الاعتراف بأنه قيّد عنه في ذلك البستان أسماء الأعلام الذين لقيّهم ابن بطوطة في الرحلة ، وأنه استفاد منه فوائد عجيبة ..." وبهذه المناسبة سأل ابن بطوطة عن مولده فأخبره بأنه ولد بطنجة يوم الاثنين 17" رجب 703(5). ولا ننسى أنّ ابن جزي هذا كان على ذلك العهد في خدمة أبي الحجاج يوسف ابن الأحمر النصري ملك غرناطة الذي كان يطرب لأدب الكاتب وفكاهته (6) ...
    " وإذا أراد الله أمرا هيّأ له أسبابه" كما يقولون. فقد حدث أن تعرض ابن جزي لظلم لحقه من ملكه أبي الحجاج في أعقاب وشاية آثمة ، ولم يتحمل ابن جزي إهانة السوط فالتحق بالمغرب «في آخر عام ثلاثة وخمسين» حيث وجد من السلطان أبي عنان ما كان يرجوه ...
    وقد كان ابن جزي في صدر الذين قالوا الشعر في" الزاوية العظمى" (7) التي بناها السلطان أبو عنان على ضفاف وادي الجواهر.
    وقد شرع في تأليف حول تاريخ غرناطة. وقف لسان الدين ابى الخطيب على بعض أجزائه عام 755 ـ 1354 بمناسبة سفارته لدى السلطان أبي عنان.
    وعند ما قرّر السلطان أبو عنان استنساخ رحلة ابن بطوطة لم يجد في مجلسه أفضل من الكاتب ابن جزي صاحب الخط الرفيع البديع سيّما وأنه قام ـ على ما أسلفنا ـ بالخطوات الأولى وهو في غرناطة ، وهكذا امتثل الأمر على ما كان به من علة لم تمهله. وهكذا كتب لابن جزي أن يستمر ذكره عبر الأرجاء رغم عمر قصير لم يتجاوز ستّا وثلاثين سنة (Cool ...
    __________________
    (5) رحلة ابى بطوطة (31 ,I).
    (6) ابن الخطيب : الاحاطة ، تحقيق عبد الله عنان 1394 ـ 1974 ج 2 ، ص 256.
    (7) حول الزاوية العظمى وشعره فيها انظر المقري : أزهار الرياض ج 3 ص 196 طبع المملكة المغربية وصندوق إحياء التراث الإسلامي المشترك بالإمارات العربية المتحدة 1398 ـ 1978. وانظر ابن الحاج النّميري في كتابه فيض العباب ص 206 وما بعدها ... دار الغرب الإسلامي ، بيروت 1990.
    (Cool توفي ابن جزي يوم 29 شوال 757 ، ودفن وراء الجدار الشرقي للجامع الأعظم بفاس الجديد ، هذا ويذكر أن لابن جزي شعرا في صراع الأسد مع الثور ، (المصدر السابق) 3 ، 194. كما نذكر من شعره قصيدة طويلة لم يستعمل فيها حرف الراء ، ابن حجر : الدرر الكامنة 1395 ـ 1966.

    4) ابن بطّوطة
    سيكفينا هذا الرجل أمر التعريف بنفسه من خلال ما حكاه هو عن سيرته الذاتية. وهكذا فإننا لا نجد عنه شيئا سوى ما ورد عن لسان الدين ابن الخطيب (ت 776 ـ 1375 1374) في الإحاطة من معلومات جدّ محدودة ، على خلاف صنيعه مع ابن جبير الذي ينتمي لبلدته والذي خصص له لسان الدّين عشر صفحات كاملة!! وسوى ما ورد عن ابن خلدون (ت 808 ـ 1405 ـ 06) في مقدمته ، وما ورد عن ابن حجر (ت 852 ـ 1448) في الدرر الكامنة من معلومات أضافت بعض العناصر المفيدة على نحو ما قرأناه عن التمجروتي عام 997 ـ 1589 في" النفحة المسكية" ، والمقري (ت 1041 ـ 1632) في" نفح الطيب ..."
    لكن ما دوّنه في رحلته كان كافيّا وحده ليعطي فكرة مدققة عن الرجل من نشأته بطنجة إلى أن استقبله بفاس السلطان أبو عنان ، وإلى أن صحب ركبه وهو عائد من مراكش يحتمل شلو أبيه ... فكرة مدققة عن صفاته ، عن شخصيته ، عن إبائه ، عن حالته الاجتماعية. وتبقى بعد هذا نحو ثلاث عشر سنة من حياة الرجل ظلت تفاصيلها غائبة عنا لم نعرف عنها شيئا ، عن أهله وعن نسله سوى أنه يزاول القضاء في إقليم تامسنا الذي يعتبر من أوسع وأغنى الأقاليم المغربية في مملكة فاس (9) ... لقد خفت صوته باختفاء وليّ نعمته السلطان أبي عنان.
    وهو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن يوسف اللّواتي الطنجي الملقب في المشرق بشمس الدّين والمكنّى عندي بأبي أحمد لوجود ولد له يحمل هذا الاسم (10) ... ومعلوم أن (لواتة) قبيلة واسعة الانتشار في مصر يؤكد المقريزي أنها عربية (11).
    ولد بطنجة يوم الاثنين 17 رجب 703 ـ 24 يبراير 1304 ، ويبدو أن الأسرة تنسب إلى سيدة كانت تحمل اسم فاطمة : عادة معروفة من قديم تنسب الناس إلى أمهاتهم ، وتتحول فاطمة في المشرق ـ تدلّلا ـ إلى بطة ، ونحن نعرف عن ابن بطة العكبرى (ت 387) ، وتمسي بطّة في المغرب بطّوطة كسفّودة على ما في تاج العروس للزّبيدى (فصل الباء من باب الطاء).
    وبيت ابن بطوطة معروف على أنه بيت علم وقضاء ... ونعرف أن طنجة نفسها كانت
    __________________
    (9) ابن الوزان : وصف إفريقيا ج I ص 151 ترجمة حجي والأخضر ، الرباط 1400 1980.
    (10) بعض المخطوطات لقبته ببدر الدّين اعتمادا على ما لقّب به ذات مرة في الهند ، وبعضهم نعته بشرف الدّين ، ومن المخطوطات من سمته أحمد أو نعتته بالشريف أو حرفت اسمه إلى بوطوطة.
    (11) المقريزي : البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب ، هذا ويستفاد من مذكرات السفير المغربي محمد ابن عثمان (مخطوطة) حول مهمته بمالطة أن اللواتيين الطرابلسيين هم اخوة لللّواتيين أصحاب مالطة! وأن سبب افتراق الأخوة يرجع لاعتناق الدّين النصراني ... ويوجد موقع جغرافي على مقربة من مدينة صفرو (إقليم فاس) يحمل اسم ولاته كان معتقلا سياسيا لنا عام 1944 في أعقاب المطالبة بالاستقلال ...

    مرفأ دوليا هاما يتوفر على كلّ مقومات الحضارة. وقد عرفنا عن استقبالها للشعراء أمثال أبي الحسن الحصرى صاحب القصيدة التي مطلعها : «ياليل الصبّ متى غده» كما عرفنا عن ابن سمجون اللواتي الطنجي الذي رحل إلى المشرق وعاد لطنجة ومات بها ، وقد وقفنا في البرتغال على نص ملكية لبعض مخطوطات (قضاة قرطبة للخشني) : وهو هكذا" ملكه محمد بن محمد بن عبد الرحمن اللّواتي الشهير في طنجة بابن بطوطة" وسنقرأ حديث ابن بطوطة ، وهو في رندة ، عن ابن عمه أبي القاسم محمد بن يحيى قاضي المدينة ... كما نعرف عن أسرة البطوطي التي وضع أحد أفرادها بفاس قطعة أسطرلاب فائقة الدقة (12).
    وبعد عودة ابن بطوطة إلى المغرب ، وبعد إفلاته من اشاعة" تناجي" بعض المعاصرين حوله على ما أشرنا أمسى من جلساء السلطان أبي عنان الذي أصدر أمرا لكاتبه ابن جزيّ بتدوين رحلة ابن بطّوطة. قبل أن يتقلد هذا الأخير منصب قاضي إقليم تامسنا.
    وقد وجدنا في (نفاضة الجراب) للسان الدين ابن الخطيب رسالة موجّهة من هذا إلى القاضي ابن بطوطة. وكان ابن الخطيب قرّر عند ما التجأ إلى المغرب عام 760 ـ 1359 أن يستثمر أمواله في منطقة نفوذ ابن بطوطة ، وكانت تامسنا تابعة لمملكة فاس على ما يقوله الحسن ابن الوزان (13).
    وإذا كان مترجموه أهملوا الحديث عن ظروف وفاته ، فإن الحافظ ابن حجر سالف الذكر في" الدرر الكامنة" (4 ، 100) يفيد أن ابن بطوطة بقي إلى سنة سبعين وأدركته وفاته وهو متول للقضاء يعني حتى عهد السلطان عبد العزيز بن أبي الحسن أخى السلطان أبي عنان مما يعني أنّ أجله أدركه بتامسنا التي كانت عاصمتها انذاك أنفا وليس بفاس ولا بطنجة (14) ...
    ولله در مولانا جلال الدّين الرومي (672 ـ 1273) عند ما يقول : " حينما نموت لا تبحثوا عن قبورنا في التّراب ولكن ابحثوا عنا في قلوب الناس!!
    " لقد كان رحله دائما على استعداد ، وهو لا يفتأ متنقلا باحثا عما يضمن له الزاد في
    __________________
    (12) ياقوت : المشترك وضعا ص 295 ـ د. التازي : التاريخ الديبلوماسي للمغرب ج 7 ص 52.
    (13) لقد أمسى لسان الدّين ابن الخطيب قليل الثقة بالمستقبل السياسي للأندلس ، ولذلك وجدناه إلى جانب قراره بالالتجاء إلى المغرب يوصي أبناءه في تلك الظروف العصيبة بقوله : " من رزق منكم مالا بهذا الوطن القلق المهاد الذي لا يصلح لغير الجهاد فلا يستهلكه أجمع في العقار ، فيصبح عرضة للمذلة والاحتقار ، وساعيا لنفسه أن يتغلب العدو على بلده في الافتضاح والانتهار ومعوقا عن الانتقال ...
    أحمد مختار العبادي : النّزعات الاقتصادية لابن الخطيب مجلة كلية الآداب ، الاسكندرية 1958.
    (14) يؤكد الشيخ سكيرج في (رياض البهجة في أخبار طنجة) (الخزانة الصبيحية ـ سلا) أن القول بوجود القبر بحومة أجز ناية بطنجة يبقى أضغاث أحلام! ويقتدي به في هذا الاستاذ عبد الله كنون في سلسلته" مشاهير المغرب" الحلقةA.AQALAY : TANGER ,Porte du Maroc 6591 ـ 75 ـ 52



    الحل والترحال ... وقد كان يصدق عليه قول ابن زريق البغدادي في قصيدته :
    ما آب من سفر إلا وأزعجه
    رأى إلى سفر بالعزم يجمعه

    كأنّما هو من حل ومرتحل
    موكّل بفضاء الله يذرعه!

    إذا الزمان أراه بالرحيل غنى
    ولو إلى السّند أضحى وهو يزمعه!!

    لقد قام ابن بطوطة برحلاته العديدة التي كان يستهدف فيها أحيانا لسائر أنواع الامتحان ، ويتعرض للخطر في عدد من الحالات ... ، وحتى عند ما قام بزيارة الأندلس وبلاد السودان ، لكنه نجا من جميع تلك الأهوال فكان لسان حاله ينشد قول الشريف الادريسي :
    دعني أجل ما بدت لي
    سفينة أو مطيّة

    لا بدّ يقطع سيري
    أمنة أو منية!!

    وإن الذين يسمحون لأنفسهم بتحجيم ابن بطوطة والادعاء بأنه كان محدود الثقافة كانوا بعيدين عن الحقيقة ... ولعل بعضهم ظلّل بما قرأه عن تكليف السلطان أبي عنان للكاتب ابن جزي بترتيب الرحلة ... حيث وجد في ذلك ما يعبر ـ ربّما ـ عن" عجز" ابن بطوطة عن القيام بالمهمة ...! وهذا خطأ" بيّن ، تكشف لنا عنه أولا الصفة التي رشّحت ابن جزي للقيام بهذا العمل والتي أشار اليها المقري في (النفح) " بأنه أي ابن جزي ، إن كتب أربى على ابن مقلة بخطّه ..." وثانيا ما أضفاه ابن جزي نفسه في المقدمة على ابن بطوطة من كل الاوصاف التي تؤكد عن عمق معارف الرحالة : فهو" الشيخ ، وهو الفقيه وهو الثقة وهو الصدوق ، وهو الذي باحث فرق الأمم ، وسبر سير العرب والعجم ، ولم أتعرض ـ يقول ابن جزي ـ لبحث عن حقيقة ما قال لأنه سلك في إسناد صحاحها أقوم المسالك ...!
    ونريد أن نقول ، ونحن نقف إلى جانب من يقتنعون بالمركز العلمي الموموق للرحالة المغربي ، نقول : إن القرار الذي اتخذه السلطان أبو عنان بالإعلان عن مصداقية الرحلة وأهميتها لم يكن قرارا ارتجاليا أو عاطفيا ، ولكنه كان وليد استمزاج رأي أعضاء المجلس العلمي الذي اعتاد السلطان أن يركن إليه كلّ مطلع شمس ، ذلك المجلس الذي كان بمثابة أكاديمية حقيقية يلجأ إليها العاهل عند الحاجة ، وقد قرأنا فيما سجله الكاتب ابن جزي في مقدمة الرحلة أنه" لا تقع في مجلس أبي عنان مسألة علمية في أيّ علم كان ، إلا حل مشكلها

    وباحث في دقائقها واستخرج غوامضها واستدرك على علماء مجلسه ما فاته من مغلقاتها ... فكانت مجالسه لا تخلو من مباحثات ومناظرات ...
    وقد ذكر العلامة المؤقت أبو زيد عبد الرحمن الجاديري (ت 938 ـ 1534) نقلا عن شيخه الرئيس أبي الوليد اسماعيل بن الأحمر (ت 807 ـ 1405) في شرحه لقول البوصيري :
    لعلّ رحمة ربي حين يقسمها
    تأتي على حسب العصيان في القسم

    ذكر ما يؤكد أن ابن بطوطة كان معدودا في صدر أعضاء ذلك" المجلس الأكاديمي". وقد وقع الكلام بين يدي السلطان أمير المؤمنين أبي عنان ... في مقعد ملكه من المدينة البيضاء من حضرة فاس بمحضر الفقهاء والعلماء والأساتذة والقضاة والشرفاء والخطباء وأصحاب العلوم ... وأخذ الرئيس أبو الوليد يعددهم واحدا واحدا إلى أن قال : وشيخنا الفقيه القاضي الخطيب الحاج الكثير الجولة بالمشرق والمغرب وجميع البلاد محمد ابن بطوطة الطنجي العارف بالتاريخ ..." على ما نذكره في الملاحق.
    ومعنى هذا أن الرحالة المغربي كان معدودا في صدر رجالات الفكر والعلم والدولة جميعا (15)
    وللمتتبع لغضون الرحلة أن يقف بنفسه عند الخطوات الأولى للرجل ، وهو يودّع طرابلس ، عند ما تقدم على سائر رفاقه وفرض نفسه على بقية أعضاء الركب.
    وإن ابن بطوطة ، وهو ما يزال في بداية طريقه ، في الاسكندرية أخذ عن الشيخ ياقوت تلميذ أبي العباس المرسي ، فهو شادلي بالواسطة وقد حصل في دمشق على نحو من ثلاث عشرة إجازة ، وفيمن أجازوه أم عبد الله زينب بنت الكمال المقدسية ، ولقد كان حريصا على أن يذكر أسماء الذين أجازوه في أرض الشام ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على" انتساب" الرجل إلى بيت العلم والفقه والحديث ...
    __________________
    (15) الكتاني : السلوةII ص 157. العابد الفاسي : الخزانة العلمية بالمغرب ، مطبعة الرسالة ، الرباط 1960. التازي : تاريخ القرويين 2 ، ص 502 طبعة بيروت 1972. زمامة : أبو الوليد بن الأحمر ، دار المغرب 19
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    رحلة ابن بطوطه Empty
    مُساهمةموضوع: رد: رحلة ابن بطوطه   رحلة ابن بطوطه Emptyالأربعاء أكتوبر 16, 2024 3:35 pm

    ومن هنا تحركت (دار صادر) (6) لتقدم إلينا عام 1960 طبعتها الكاملة للرحلة ، ثم نافست دار الكتاب دار صادر فنشرتها (7) كذلك ، في نفس عام 1960.
    ونرى من المهم أن ننبه هنا إلى سابقة خطيرة : تلك أن الناشر في (دار صادر) أقدم على حذف الكلمات المتعلقة بضبط وشكل الأسماء الجغرافية! هذا الضبط والشكل الذي يذكره المؤتمر العالمي لتنميط الأعلام الجغرافية التابع للأمم المتحدة على أنه من مناقب رحلة ابن بطوطة ومزاياها!!
    ومن الواضح أن صنيع (دار صادر) هذا يعتبر بدعة منكرة لا تتفق وأهداف البحث الذي يعتبر أن ضبط الأسماء نوع من التوثيق الذي تفرضه الأمانة العلمية. وإذا كان الأوربيون يستغنون عن ضبط الأسماء الجغرافية والشخصية فلأنّ كتابتهم تقوم مقام الشكل الموصوف في اللغة العربية.
    هذا علاوة على حذف بعض الجمل التي رأت الدار أنها لا تليق بالأحوال الجارية اليوم ،! وعلاوة على بعض التعليقات في الهوامش التي تظل بعيدة عن مفاهيم الأسرة الإسلامية والبيئة المغربية (Cool.
    ومن الملاحظ أن (دار الكتاب اللبناني) سارت في نفس اتجاه (دار صادر) ، فقد استغنت عن ضبط الأسماء الجغرافية والأعلام الشخصية تقليدا لزميلتها دار صادر. أكثر من هذا فقد قامت هذه الطبعة هي الأخرى بحذف بعض الفقرات بل وبعض الأشعار (9) التي لم ترقّها من الرحلة ظلما وعدوانا على نحو ما كان قام به المستشرق البرتغالي الأب انطونيو مورا سالف الذكر ، وقام به كذلك العالم الايراني د. على موحد.
    لقد حكى عن الجاحظ أنه صنف كتابا وبوّبه أبوابا ، فأخذه بعض أهل عصره فحذف منه أشياء وجعله أشلاء ، فاحضره الجاحظ وقال له : يا هذا! إن المصنّف كالمصوّر ، وقد صورت في تصنيفي صورة كانت لها عينان فعوّرتهما أعمى الله عينيك! وكان لها أذنان فصلمتهما صلم الله أذنيك! وكان لها يدان فقطعتهما قطع الله يديك! حتى عدّد اعضاء الصور ... فاعتذر إليه الرجل وتاب إلى الله من المعاودة (10)
    __________________
    (6) دار صادر ـ دار بيروت : رحلة ابن بطوطة ، بيروت 1379 ـ 1960 تقديم كرم البستاني.
    (7) دار الكتاب اللبناني ، بيروت : سلسلة كتاب التحرير 166 ـ سنة 1386 ـ 1966.
    (Cool أنظر مثلا صفحة 54 من الرحلة ، طبعة (دار صادر).
    (9) لقد استكثروا الشعر الذي قيل في حلب فاختصروه أو حذفوه!! راجع صفحة 53 من طبعة (دار الكتاب).
    (10) ياقوت : معجم البلدان ج I ص 11.

    وقد ظهرت بمصر عام 1964 م 1383 عن المكتبة التجارية الكبرى طبعة أخرى للرحلة وذكر على أول صفحة فيها أنّها" روجعت وصححت على عدة نسخ صحيحة ، بمعرفة لجنة من الأدباء"
    وقد أغراني هذا الإعلان فشددت الرحلة لطلب هذه الطبعة المصحّحة على عدة نسخ ومن طرف ثلة من الأدباء الذين لم يذكر منهم اسم واحد ، لكنها كانت نسخة طبق الأصل من كل النسخ التي صدرت بمصر : فهي تبتدىء بالخطإ المشهور الذي ينسب المقدمة لابن بطوطة مع أنها لابن جزي. ثم تسير على نحو سابقاتها في أغلاطها. والفرق الوحيد بينها وبين سابقاتها أنها تجعل الكلمات التي تشكل الأعلام الجغرافية بين هلالين مثلا : بلاد (البره نكار) يقول عنها : (وضبطها بفتح الباء الموحدة والراء والنون والكاف وسكون الهاء). وهي عبارة عن جزئين في مجلد واحد. وقد ختم المصححون" السفر الاول" بايراد تذييل لابن خلدون حول «تناجي الناس» وحول اتصاله اي ابن خلدون بالوزير أبن ودرار ... بينما ختم السفر الثاني بالتنويه" بالحاج مصطفى محمد صاحب المكتبة التجارية الكبرى شارع محمد علي." وقد وافق التمام أوائل شهر رجب من عام 1377 ـ (22 يناير 1958). هذا وقد صدرت طبعة أخرى عن المكتبة التجارية الكبرى عام 1386 ـ 1967 ...
    وفي سنة 1388 ـ 1968 صدر عن دار التراث في بيروت نسخة جديدة مزيّتها فقط أنها تنسب المقدمة لصاحبها ابن جزي وليس لابن بطوطة ، والباقي جار على سنن الطبعات السابقة. وقد ظهرت طبعة جديدة للرحلة عام 1392 ـ 1972 لمؤسسة الرسالة في بيروت رأى زميل لنا عزيز (11) أن يقوم بتقليد صنيع الناشرين في لبنان ، وهكذا حذف العبارات التي تضبط الأعلام الجغرافية ، بل وقام باجتهاد جديد وهو أنه" جرّد أقوال ابن جزي من صلب الرحلة وجعلها في ذيول على حدة نظرا لكون فائدتها ـ في نظره ـ ثانوية! وقد سلك هذا الصّنيع أيضا في بعض النصوص التي وردت أثناء الكتاب. ومعنى كلّ هذا أن الرحلة التي عرفها الناس أيام السلطان أبي عنان راحت لتعوّضها رحلة" أخرى بترتيبات أخرى.
    وقد أتعب مثل هذا الصنيع أصحابه فلم يستطيعوا الالتزام به ابتداء من أول فقرة في الرحلة عندما استهل أبن جزي مقدمته بقوله : " الحمد لله الذي ذلل الأرض لعباده ليسلكوا فيها سبلا فجاجا" إلخ. فهل لم يكن من واجب هؤلاء الزملاء ـ وقد قرروا فصل كلام ابن جزي عن الرحلة ـ أن يجعلوا المقدمة ذيلا كذلك؟! هذا إلى هفوات بالغة لم ينتبه لها : مثل كلمة التارات في المقدمة التي تحولت إلى القارات! وكلمة الفارسية التي تحولت كذلك إلى الفاسية!
    __________________
    (11) القصد إلى الزميل الدكتور الأستاذ علي المنتصر الكتاني الذي طبع (الرحلة) مشكورا في جزئين ...

    وما كان لي أن أتحدث عن هذه الهفوات التي افترضت أنها مطبعية لولا ما أدّت اليه حيث جاء بعد هذا أحد زملائنا من لبنان فقام باجتهادات أخرى ، وهكذا اعتمد على زميلنا الذي أشرنا إليه من غير أن يرجع إلى أصول الرحلة ونقل عنه منهاجه في الاستغناء عن ضبط الأعلام ، وحذف تعليقات ابن جزي من صلب الكتاب لتصبح في الهامش. ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ ، ولكنه تجاوزه إلى إعطاء" تفسيرات" غير صحيحة تماما لبعض الهفوات الواقعة في الرحلة المنقول عنها" ، مثلا فسّر هذا الباحث : القصد من كلمة (القارات) ، مع أنها التارات (12) وليس القارات ، فسّرها بأنها افريقيا وآسيا وأوربا مضيفا إلى هذا قوله : " إن إمريكا وأستراليا لم تكونا قد اكتشفتا بعد"! وفسر القصد من كلمة المملكة (الفارسية). مع أنها المملكة الفارسية : بأنها مملكة مدينة فاس!! وبدّل هذا الناشر بعض العبارات التي لم تعجبه في الرحلة على نحو ما فعل سلفه (13). وأخيرا ظهر له أن يستغنى عن العناوين التي جعلها ابن بطوطة لكتابه وابتكر هو عناوين أخرى ...
    ومن الإنصاف أن نقدر الجهد المضني للأستاذ طلال حرب في محاولته ـ لأول مرة ـ لإعداد فهارس متنوعة ، وكنت أتمنى أن يتسع صدره لمراقبة أكثر للكنى والألقاب وللتحري في التعريف بالأعلام الشخصية ، والتصدّي للأخطاء المطبعية التي كنت أحيانا ضحيتها أيضا!!
    وقد وقفنا أخيرا على طبعة للرحلة صدرت عن دار إحياء العلوم في بيروت (1412 ـ 1992) وكانت بتقديم وتعليق الشيخ محمد عبد المنعم العريان وقد اعتمد في عمله على ما صدر من بعض الطبعات السابقة على ما أسلفنا ...
    * * *
    ويبقى أخيرا أن نذكر أن رحلة ابن بطوطة ألهمت بعض الكتاب العرب المعاصرين فنسجوا على منوالها رحلة خيالية ابتدعوها تحت عنوان : (رحلة مغربي إلى حضرموت) وحاكوها بدقة وذكاء حتى مرّت الحيلة ، ردحا من الزمان ، على بعض زملائنا سيما وقد برع ذلك المخترع في إضفاء حلة البرود اليمانية على البرانس المغربية (14).!!
    __________________
    (12) الإشارة إلى الآية الكريمة : «منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ...
    (13) أذكر على سبيل المثال عبارة (يطوف كلّ يوم سبعين طوافا) الموجودة في جميع النسخ المخطوطة ، تحولت إلى (يطوف كلّ أسبوع سبعين طوافا) ...
    لكن الملاحظ ان هذا الناشر الثاني تطوّع بتقديم بعض التعليقات التي لا تخلو من تعليق! ص : 26 تعليق : 33 ص 57 ، تعليق 81 ص 62 ، تعليق 103 ص 105 ، تعليق 93 ... هذا وهناك بترهام عند الدكتور الكتاني فتجدد عند الثاني ص 168 (سطر 6) ، علاوة على أن بعض المواقع الجغرافية التابعة اليوم لتركيا ظلت تابعة لسوريا (عين تاب) ص 654 على نحو ما كانت أيام ياقوت الحموي! رحلة ابن بطوطة المسماة تحفة النظار ، شرحه وكتب هوامشه : طلال حرب ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الأولى ، 1407 ـ 1987.
    (14) د. التازي : رحلة مغربي إلى حضرموت ، حديث الخميس 12 نونبر 1993 في جلسة أكاديمية المملكة المغربية ونشر البحث بمجلة (المورد) البغدادية في العدد الأول من المجلد الحادي والعشرين 1993.

    ومن السادة الذين تصدوا للرحلة ـ وهم كثير كثير ـ من تجنّب نشرها حرفيّا وتحقيقها على الطريقة المعهودة في كتب التراث ، واكتفى بعرضها أي إنه كان يحكي عن ابن بطوطة ، ويتحدث عنه حديث الغائب وبأسلوب غير أسلوب ابن بطوطة ... (15).
    وقد برّر بعضهم هذا الصنيع بأنّه نوع من" التعريب" أي نوع من ترجمة الأسلوب القديم إلى (الأسلوب الحديث) ، وقد استأنس هذا البعض في ذلك بصنيع الدكتور طه حسين في كتابه (صوت أبي العلاء) عندما قال : " وما دام جمهور المثقفين يعظم ويضخم من يوم إلى يوم ، فلا بد أن نقرّب إليهم أدبنا القديم ... فليس كلّ الناس قادرا على قراءة اللّزوميات والفصول والغايات ورسالة الغفران وفهمها ... وإلا انقطعت الصلة بين الحديث والقديم وأصبح مكان الأدب العربي القديم من المثقفين مكان الأدب اللاتيني من الفرنسيين والإيطاليين" ...
    ويلاحظ أن بعض الناشرين في المشرق لم يكلّفوا أنفسهم عناء البحث عن بعض الكلمات المغربية الواردة في الرحلة فأطلقوا العنان لاجتهادهم الذي أخطأ الصواب في بعض الأحيان.
    وسأكتفي بسرد طائفة من الألفاظ معتمدا على القارئ في العودة إليها : كلمة (متّيجة) وهي علم جغرافي كما هو معلوم ، وليست اسما لاداة من أدوات النقل في المغرب ، كلمة (القبرية) التي هي عبارة عن شاهد القبر الذي يسجل فيه اسم الميت وتاريخ وفاته ، كتبوا عوضها (التّبرية) وقالوا : إنها نسبة إلى التّبر أي الذهب وقد تكون من النحاس أو الحديد أو الرصاص!
    وقد استشكل بعضهم كلمة (الظهير) التي تعني في المغرب ـ كما هو معلوم ـ المرسوم الملكي ، ولفظ (الشّكارة) التي تعني في المغرب ظرفا من الجلد توضع فيه النقود مثلا وليست إناء على كلّ حال ، وكلمة (الفرجية) ليست ضربا من الأقبية ولكنها لباس ، وهي لفظ مغربي على ما يؤكد دوزي في كتابه (معجم الملابس) ... وكلمة (أفراج) : تعني في المغرب مجموعة خيام سكنية متنقلة تكون صحبة الركب الملكي ، والكلمة بربرية ، وقد ورد ذكرها مرارا في المصادر المغربية. أما عن (التهليل) فإنه ظرف يجعل فيه (المصحف) وربّما (دلائل الخيرات) كتعويذة ، وليس القصد إلى قطعة ذهب على شكل الهلال ... والمجشر ويجمع على مجاشر ـ وقد يحرف إلى مداشر ـ لا يعني في المغرب الحوض ، ولا المبلغ من المال ، ولكنه
    __________________
    (15) من هؤلاء الأستاذ محمود الشرقاوي في تأليفه رحلة ابن بطوطة ، مكتبة الانجلو المصرية 1968. والأستاذ المهدي بنبوشته في تأليفه رحلات ابن بطوطة الرباط 1969. والدكتور خصباك في كتابه : ابن بطوطة ورحلته ، مطبعة الآداب ـ النجف الأشرف 1971 والدكتور حسين مؤنس في كتابه : ابن بطوطة ورحلاته ، دار المعارف ـ 1980 ود. خليل ابراهيم السامرائي وعبد الله القطيبي (المغرب) 1993 وغير هؤلاء

    يعني مجموعة سكنية في البادية. هذا إلى كلمة (السّنداس) التي تعني في المغرب المرحاض ، وكلمة (المصرية) التي تعني في المغرب البيت المنعزل الذي يأوي إليه شباب الأسرة مثلا. يكون ملحقا بالدار التي تسكنها العائلة (16) ، وكلمة (التّبريح) في المغرب تعني الإعلام العلني : برّحوا بالملك على أنّه سيقوم بسفر نحو جهة من الجهات ، بمعنى أعلموا به وأشهروه ، هذا المعنى فات بعض الناشرين ففسّروا التبريح بأنه الضّرب المبرّح ، وهذا معنى لا صلة له بالموضوع ، وكلمة (أزواج الحرث) وجد الاستاذ كرم البستاني أنها تحريف لكلمة أرواح وانطلق يؤوّل ، وكلمة (القيّرة) يستعملها ابن بطوطة وابن خلدون على أنها مقتبسة من الكلمة الاسبانية (الگيرة) بمعنى الحرب ، حوّلها البستاني إلى كلمة الغزاة ...! والبحائر التي هي جمع لبحيرة على وزن سفينة ، جعلها جمعا لبحرة ، و (صاحب العلامة) التي يعني لقبا حضاريا يعني الموظف السامي في الدولة الذي يعهد اليه ـ بعد أن تحرر الرسالة الملكية ـ بوضع العلامة السلطانية عليها ، هذا المعنى خفي على بعضهم فحول العبارة إلى الصاحب العلّامة!! بالرغم من أن المشرق عرف أيضا هذه الوظيفة على ما في (بدائع الزهور).

    ونحن نلتمس العذر لأولئك الذين لم يدققوا في الفرق بين حج الإفراد (بكسر الهمزة) وحج القران (بكسر القاف) ، ولم يتتبعوا التعابير التي وردت في (حزب البحر) أو الحزب الصغير كما قد يسمّونه لأبي الحسن الشاذلي رحمه‌الله.
    ولا يفوتني بعد هذا أن أضيف إلى ما ذكرته أن سائر الذين اهتموا بالرحلة لم ينتبهوا إلى أن الشعر الفارسي الذي طالب أمير أمراء الصين بغنائه وترديده مرارا حتى حفظه ابن بطوطة من أفواههم هو بيت واحد للشيخ سعدي من قصيدة مشهورة ، وليس بيتين من بحر الرجز على ما سنرى ذلك في محله ...
    __________________
    (16) د. سليم النّعيمي : ألفاظ من رحلة ابن بطوطة. مجلّة المجمع العلمي العراقي المجلد 24 ـ 25 ـ 26 سنة 1974 بغداد ـ ابراهيم السامرائي : الالفاظ الدخيلة في رحلة ابن بطوطة مجلة البحث العلمي المجلد 26 سنة 1976 ـ الرباط.







    الدراسات النقدية


    الدراسات النقدية ...
    ولقد بقيت رحلة ابن بطوطة بعيدة عن كل نقد وعن كلّ تعليق ـ عدا ما حكيناه عن ابن الخطيب وابن مرزوق وابن خلدون ـ حتى قيض الله لها من بعض المستشرقين من قام بمتابعتها وتعقبها ، وقد ابتدأت الدراسات النقدية في الواقع منذ اليوم الذي نشرت فيه الأطراف الأولى من الرحلة في بعض البلاد الأروبية.
    ومن أشهر من تناولها بالنقد ـ بعد الناشرين الفرنسيين ـ السير هاميلتون گيب والعلّامة التشيكي إيفان هربك (1) والباحثان الفرنسيان فانسان مونطي وصطيفان ييرازيموس ، وروس دان الاستاذ بجامعة ولاية سان دييگو واخرون غير هؤلاء
    وهكذا توفّرنا على دراسات نقدية أثرت رحلة ابن بطوطة وأثارت انتباه الباحثين اليها من سائر جهات المعمور وبكل لسان.
    لقد تتبّعوا تلك المذكّرات من خلال عدد من المقاييس والمعايير ، مثلا ضبط التّواريخ التي يوردها مقارنة بأسماء الأيام التي يذكرها : يوم الاثنين مثلا ، وهل بالفعل يتطابق مع تاريخ اليوم السابع عشر من رجب الفرد سنة ثلاث وسبعمائة الذي ذكر تاريخا لميلاده؟
    وهناك حديث ابن بطوطة عن شدّة البرد في شهر قمري : (شوال مثلا) في حين أن هذا الشهر كان يوافق يونيه أو يوليه الذي نعتاد فيه الحر.
    وهم يتقّفون أثره وهو يجتاز بعض البلاد مثلا فلا يذكر تاريخا ليوم ولا لشهر ولا لسنة ، وبذلك يتركنا في غموض من أمر التسلسل الزمني.
    وقد حاسبوه على ذكر بعض الأحداث في غير محلّها ، وأنه يحكى في الرحلة السابقة ما حصل له في الرحلة اللاحقة. على نحو ما حكاه عن الشريف أبي غرة وهو في النجف بينما سيسمع الحكاية عنه وهو في الهند ، وما حكاه في زيارته الأولى عن الطاعون بدمشق.
    وقد حاسبوه فيما روى عن بعض الشخصيات واتّصاله بها في حين كان يستحيل عليه ذلك! هذا إلى إهماله لذكر أسماء الحكام في بعض الجهات التي زارها مع أن عادته جرت على أن يعطي الأولوية لزيارة المتنفّذين والمسؤولين عن البلاد. ولم يتردد بعضهم في اتهام ابن بطوطة بأنه كان أحيانا" يصطنع" الرحلات ويتقمص شخصيات أخرى فينسب له ما كان لتلك الشخصيات ... كل هذا إلى إهماله لذكر بعض المشاهد والمزارات التي كان من المفروض أن تكون مقصودة من لدنه ، مثلا إغفاله لذكر مزارة الشيخ عبد القادر الگيلاني في بغداد!
    __________________
    (1) يعتبر هربك أهمّ باحث دقّق مع ابن بطوطة في يومياتهIVAN HRBEK: THE CHRONOLOGY of IBN BATTUTA'S TRAVELS, ARCHIV ORIENTALNI ـ PRAHA 2691.

    وقد كان في صدر ما أثار انتباهنا حقا تلك الطّفرات والقفزات التي سجلت على الرجل في بعض المناطق التي كنا نصحبه فيها مرحلة مرحلة. كنا نشعر في بعض الأحيان وكأنه ركب طائرة ليحلّق فيها من محطة إلى أخرى بعيدا عن الأنظار ، وكم بذلنا من جهد حتى نتعرف على خطوط سيره!!
    لقد انشغل عن تعداد المراحل عند ما انتقل من بغداد إلى تبريز عاصمة الإيلخان ، ولعل مصاحبته للسلطان أبي سعيد كانت وراء اختفاء شخصيته ، فانشغل بغيره عن نفسه ، وكثيرا ما يحدث هذا ولا ينبّئك مثل خبير! وكذا كان حاله فيما بين ماردين وبغداد ...
    ومن الوثبات المحيّرة التي لم نعرف لها طريقا الوثبة التي كانت له من جنوب الروسيا إلى شمال تركيا. هل وصل صحبة الخاتون عبر الصحراء أو عبر الدانوب؟ لقد اختفت شخصيته رفقة الاميرة أيضا. ومن ميلاس غربا جنوب الأناضول إلى قونية شرقي شمالها ، ثم من أرز الرّوم شرقا إلى برگي غربا ، لم نستطع تقفي أثاره ، وهو في شرق إفريقيا أيضا ، لم نستطع مصاحبته وهو يتحرك من كلوة إلى ظفار بحرا. (2)
    وفي طريق ابن بطوطة من مكة صحبة الأمير البهلوان عن طريق المدينة حتى يصل للعراق عن طريق حصن فيد ـ وهو الحائل ـ انشغل أيضا عن تناول القلم والورق على نحو ما كان منه وهو يرافق ركب السلطان أبي سعيد من بغداد إلى تبريز ، وركب الخاتون إلى القسطنطينية العظمى.
    وهو في الأردن سلك طريقه من الجيزة إلى بصرى الشام ، وهو طريق غير مسلوك اليوم. ولو أنه سافر على الطريق المألوف لكان عليه أن يجتاز على عمان قصبة البلقاء ، عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية حاليا على ما يؤكده الزميل الأستاذ الدكتور ناصر الدّين الأسد في بحثه المقدم إلى مجمع اللغة العربية بالقاهرة في دورة 1996.
    وقد لاحظ زميلنا الراحل السفير خليل الله خليلي وهو يتحدث عن ابن بطوطة في أفغانستان طفرة الرحالة من بلخ إلى أن وصل إلى هرات وتساءل أيّ طريق سلكه؟ هذا علاوة على وثبة بسطام إلى قندوز وبغلان (3).
    وعند ما عبر نهر السند مع علاء الملك إلى العاصمة لاهري من الحدود الشمالية الحالية وفي اتجاه جنوب البلاد ، هناك لم يستوعب المحطات النّهرية التي كان يمر بها. وهو في شرق
    __________________
    (2) تحفة الأعيان II ، 358
    (3) ابن بطوطة في افغانستان ص 56 ـ 57.

    الصّين ابتداء من مضيق فرموزة وعبر النهر الأعظم والنهر الأصفر وآب حياة ... كان كسولا في تتبع محطات سيره ولكأنما كانت الصين صحراء قفراء. لا ذكر لبعض الأطعمة الصينية وأشربتها وفي صدرها الشاي الذي كان انتشر على ذلك العهد (4). لكن الوثبات الكبرى هي التي سجلت عليه وقد قرر أن يعود إلى بلاده المغرب عندما أنهى زيارته للصين ورجع من حيث أتى دون تدقيق ولا تفصيل. فمن مدينة الزيتون حيث عشرات الجنوك ... عبر الجاوة ثم طوالسى وسمطره حيث حضر أعراس الأمير ولد الملك الظاهر في الجاوة ، ثم إلى ظفار ، وفارس والعراق ، ثم الحج السادس والأخير قبل أن يعود إلى المغرب ... كان يمر سريعا وكأن وراءه ما يمنعه عن الاسترسال في الحديث.
    وقد لاحظ گيب ومعه هربك أن أمير شيراز لا يمكن أن يكون عام 727 ـ 1327 هو أبا إسحاق ابن محمد الذي إنما حكم من عام 1343 إلى عام 1357. وهكذا نجد مرة أخرى أن الرحالة المغربي يمزج مشاهداته عند الذهاب بمشاهداته عند الإياب ...!
    وعند ما يذكر ابن بطوطة أنه زار هرمز عام 731 ـ 1331 يعقّب هربك أيضا بأن الرحالة المغربي إنما زار هرمز عند عودته من الهند والصين عام 1347!
    وعند ما وصل ابن بطوطة لمدينة (العلايا) أول بلاد الروم أمسك هربك بتلابيبه وضبط بالعدّ والحساب أنه زار 29 محلة في انطالية انطلاقا من العلايا حوالي فاتح ربيع الثاني 20 733 ـ دجنبر 1332. وقد حاول العالم التشيكي أن يقوم هو بإعادة تمثيل خط السير فاصطدم بمصاعب وتناقضات ...!!
    وعند ما تحدث ابن بطوطة عن استشهاد الأمير عمر بك ابن سلطان يزمير ، عقّب گيب على ذلك بأن الأمير قام بغزوته الأولى في الدردنيل عام 732 ـ 1332 ، وقد لقي حتفه في شهر مايه 1348 ـ محرم 749 ، وهكذا فإن ابن بطوطة لم يمكنه أن يعلم باستشهاده الّا عند العودة من سفره ...
    وقد بيّن هربك أن ابن بطوطة ـ وهو في سوريا ـ ذكر أنه زار أكثر من عشرين موقعا خلال شعبان ورمضان 726 يوليه ، غشت 1326 ... وهذا غير مقبول ، ولا معقول! وهو الأمر الذي يؤكد أن الرحالة المغربي كان يخلط بين زياراته للأماكن في المرة الأولى والثانية.
    وقد حاول بعض الباحثين أن يشكّك في أمر وصول ابن بطّوطة إلى اصطنبول لكن
    __________________
    (4) R. Laussert : le the : un monde de civilisation RAM ـ MAGAZINE Nov. 4991.

    معظم الذين اشتغلوا بالرحلة لا يرتابون إطلاقا في وصول الرحالة المغربي للقسطنطينية العظمى.
    وعلى نحو ذلك شكك بعضهم ، من أمثال الدبلوماسي الشهير كابرييل قيران ، في زيارة ابن بطوطة للصين ، إلا أن كثيرا ممّن عالجوا هذا الموضوع كانوا مقتنعين بأن الرجل زار فعلا تلك الدّيار ، (5) وأن الصينيين أنفسهم لا يشكون في ذلك. وخلال المحاضرة التي ألقيتها هناك في جامعة پكين ، قسم الدراسات الشرقية. صيف 1988 كنت أشعر بأنني أمام عدد من المثقفين الذين كانوا يدينون للرحالة المغربي بالكثير من المعلومات الأصيلة التي انفرد بها عما سواه ممن تحدثوا عن تاريخ الصين وأسطول الصين بمن في أولئك ماركوبّولو! وقد وضعوا خرائط لزيارته لبلادهم وهم يرددون اسمه على أنه رائد من روّاد الصّين الكبار ...
    وتبقى هناك ـ مع هذا ـ بعض المواخذات التي تستوقفنا حقّا :
    الأولى : قضية حضور ابن بطوطة لمجلس تقيّ الدّين ابن تيمية وهو بدمشق بعد أن كان وصلها يوم الخميس 9 رمضان 726 ـ 9 غشت 1326 فقد أخبر أولا عن سجن ابن تيمية وإطلاق سراحه ، ثم أخبر أنه وقع منه مثل ما استوجب سجنه أولا فسجن مرة ثانية وقال : إنه حضر يوم الجمعة وشاهد ابن تيمية يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم ، وإنّ من جملة كلامه : أن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ، ونزل درجة من درج المنبر ، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء إلى آخر الحكاية ... مع العلم أن ابن تيمية أودع في السجن منذ سادس شعبان ... أي قبل وصول الرحالة إلى دمشق (6)!!
    فكيف يصحّ قول ابن بطوطة هذا مع تلك الفقرة التي نسبها لشيخ الإسلام في تفسيره لحديث النزول بما هو من قول المجسّمة المخالف لمذهب السلف الذي يعد ابن تيمية قطبا من أقطابهم؟
    ونعتقد أن أحسن ما يمكن الجواب به عن هذا الانتقاد ما عقب به زميلنا الراحل الأستاذ عبد الله كنون رحمه‌الله من أن الخبر وقع فيه تزيّد من خصوم ابن تيمية فرواه رحالتنا على علاته ... ولم يخف الأستاذ گنون شكوكه في صنيع الكاتب ابن جزي الذي يجوز
    __________________
    (5) IBN BATOUTA le Voyageur de l'ISLAM 4031 ـ 9631 Par HERMAN F. Jansens 8491 P 201.
    (6) محمد بهجت البيطار : حياة شيخ الاسلام ابن تيمية ، منشورات المكتب الاسلامي للطباعة والنشر 1961 1380 ـ ابراهيم بن أحمد الفياني : ناحية من حياة شيخ الاسلام ابن تيمية تحقيق محب الدين الخطيب ، طبعة ثانية 1399.
    (7) مجلة مجمع دمشق ، يوليه 1965 ـ ربيع الأول 1385.

    أنه توهم حضور ابن بطوطة للواقعة المزعومة (7).
    وقد وقفت في كتاب نيل الديباج لأحمد بابا السوداني (ت 1032 ـ 1623) عند ترجمة أبي زيد عبد الرحمن وترجمة أخيه ابي موسى عيسى ابنى الإمام البرشكي أنهما رحلا إلى المشرق وناظرا تقي الدين ابن تيمية الذي كانت له مقالات يحمل فيها حديث النزول على ظاهره ، وقوله فيه" كنزولي هذا" ، قال صاحب الديباج وهذه الزيادة أعني قول" كنزولي هذا" اثبتها ابن بطوطة في رحلته ... (Cool
    الثانية : هي تلك التي أثارت الكثير من التعاليق : وهو سفره إلى مدينة بلغار التي سمع بها وهو بحضرة السلطان محمد أوزبك خان حتى يرى ما ذكر له عنها من تناهي قصر الليل بها وقصر النهار أيضا في الفصل المعاكس ، وانه طلب إلى السلطان مساعدته للوصول إليها وكان بينها وبين محلة السّلطان مسيرة عشرة أيام.
    إن المسافة بين الموقعين ألف وثلاثمائة كيلوميتر ، فكيف يصل إليها المرء في عشرة أيام؟ ولم يشفع لابن بطوطة ما نعرفه عن الإمكانات المادية للسلطان والتي من شأنها ، كما خبرنا ذلك ، أن تتجاوز المعروف عند الإنسان العادي ، ولهذا أصر المعلقون على أن هذه المعلومة تحتاج إلى ما يدعمها ...
    أما المؤاخذات الأخرى الباقية فكانت تتصل ببعض الحكايات التي تتسم بالمبالغات التي لا يقبلها العقل ، ونذكر على سبيل المثال حكاية ابن بطوطة عن الغواصين الذين يبحثون عن اللؤلؤ في الخليج فيما بين ميناء سيراف والبحرين. فقد ذكر أن في الغواصين من يصبر الساعة والساعتين في الماء ... مع العلم أنه لا يمكن تجاوز سبعين إلى مائة ثانية ... وقد كان زميلي الراحل الشيخ عبد الله الأنصاري القطري يحكي لي ـ وهو ممّن زاولوا الغوص ـ أن الغواصين كانوا يتنافسون في مدى التحمّل وقد نبّهني إلى أن قصد ابن بطوطة ليس هو الغوص تحت الماء طوال تلك المدة ولكن القصد إلى أنّ عملية النزول إلى عمق البحر والصعود منه تستمر تلك المدة. وهذا ما وجدته في بعض الترجمات الجديرة بالثقة ، وهو ما تؤيده شهادة السيدين ، جمعة الماجد وسيف الغرير ، وكانا أيضا من رجال الغوص ...
    ولا بد أن نذكّر هنا بأن ابن بطوطة هو الذي كان بين الفينة والأخرى يشعر بأن بعض ما يرويه قد لا يقبل من لدن بعض العقول فيقول مثلا ـ وهو يتحدث عن مزاعم الناس حول شجرة (درخت روان) ـ «ولهم في شأنها أكاذيب يحيلها العقل» وقال عن مزاعمهم حول
    __________________
    (Cool ابن مرزوق : المسند الصحيح تحقيق د. مارية خيسوس بيغيرا ـ الجزائر 1981 ، القاعدة المراكشية لشيخ الاسلام بن تيمية نشر سراج الحق ضمن الكتاب الذي صدر عن مؤسسة بريل Brill عام 1965 ليدن ص. 223 ، أحمد بابا التكروري التنبكتي : كتاب نيل الابتهاج الطبعة الحجرية بفاس ص 132 ـ 140.

    مفعول أوراقها ـ وهي شجرة في سرنديب : " قالوا إن من تناولها عاد له الشباب وهو باطل!! وقال ، وقد سمع الناس يتناقلون حديثا غريبا" لم أذكره خيفة مكذّب به". وقد سخر بعضهم من روايته لرؤية بعض النساء بثدي واحد بينما طالعتنا صور الأحداث اليوم بوجود إنات لهن ثلاثة اثداء!!
    ملاحظة أخيرة : كنا نشعر بوجوده في مكان ما من الأمكنة لكنه لسبب أو آخر يفقد قلمه ويعطل ذاكرته فلا يحفل بما كان ينبغي له أن يحفل به على ما أشرنا ، وهكذا ففي أثناء وجوده بمصر أهمل ذكر جامع ابن طولون الذي تحدث عنه معظم الرحالة المغاربة ولا سيما وقد كان للمغاربة فيه" مأوى يسكنونه ويحلقون فيه حيث تجري النفقات عليهم في كل شهر" على حدّ تعبير ابن جبير ...
    هذا إلى اهمال ذكر رواق المغاربة في الأزهر الشريف. ورواقهم ـ وهذا مهم ـ في القدس ، وقد تحدث عنه علوي في كتابه (سفرنامه) ، ولم يتحدث وهو في سلا عن الجامع الأعظم في الوقت الذي تحدث فيه عن حسان التي لم يصعدها على نحو ما فعل في الكتبية. وابن بطّوطة الذي تحدث عن الزيتونة والأزهر لم يلفت نظره جامع القرويين الذي كان كعبة لكبار العلماء وكذا عيون الطلاب الذين كانوا يسكنون في المدارس التي تحف به : مدرسة الصفارين والعطارين والمصباحية علاوة على إهماله البيمارستان الذي يسهر على علاج الناس والذي كان موجودا بفاس على ذلك العهد.
    وابن بطوطة في الأندلس أهمل ذكر الجامع الأعظم في رندة التي كانت عاصمة الأمير أبي مالك ابن السلطان أبي الحسن ...
    لكنّ الحقيقة التي ينبغي أن نجعلها نصب أعيننا ونحن نتتبع تلك التعقيبات هي أن تلك" التقييدات" التي جمعها ابن بطوطة قرابة ثلاثين سنة قام ابن جزي" بتلخيصها" في أقلّ من ثلاثة شهور. ومتى كانت ثلاثة شهور كافية لتغطية تلك الأعوام واستيعاب ذلك العدد من الأسماء الجغرافية والأعلام الشخصية التي مرت بذاكرة الرحالة عبر تلك الأحقاب؟! يقوم أحدنا في العصر الحاضر برحلة في أمد معروف البداية والنهاية ولا يذكر بعد مرور بضعة أسابيع من رحلته بعض الأسماء التي مرت به فيأخذ في الاستنجاد برفاقه في الطريق!!
    وأعتقد أن ابن جزي كان مستعجلا أكثر مما ينبغي في أداء مهمته ، وربما كان مشغولا بمشكل صحي طارئ عليه وهو الأمر الذي عرّضه للتصرّف ، ودفع به إلى الاستغناء كلية عن بعض" التقاييد. ولا ندري هل كان ابن بطوطة يجلس إلى جانب ابن جزي ليراجع هذا" التلخيص" بعد تحريره ليعطي رأيه فيه؟ مهما يكن فإن بعض التّبعة تقع على الظرف القصير الذي حدد للقيام بالمهمة ...
    وإذا ما أضفنا إلى استعجال ابن جزي عنصرا ثانيا قرأناه في أثناء الرحلة ، وهو

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    رحلة ابن بطوطه Empty
    مُساهمةموضوع: رد: رحلة ابن بطوطه   رحلة ابن بطوطه Emptyالأربعاء أكتوبر 16, 2024 3:36 pm

    الحسرة الجارحة التي كانت تحزّ في ابن بطوطة وهو يتحدث عن السّطو الذي تعرض له في الجزيرة الصغرى التي تقع بين هنور وفاكنور حيث سلبه القراصنة جميع ما عنده من جواهر ويواقيت ، حتى الثياب والزّوادات ، وبالرغم من القيمة المادية الهائلة لما افتقده في هذه الحادثة ، فإنه نسى كلّ تلك الثروات وكلّ تلك التحف ولم يبق عالقا بذاكرته إلا" التقييدات" التي كان يودع فيها معلومات عن الشخصيات التي تعرف عليها وعن التصانيف التي ألفتها تلك الشخصيات! ولم ينتظر للتعبير عن حزنه على ضياع تلك المذكرات الظرف الزمني الذي وقع فيه الحادث ، ولكنه. والمذكرات امر ذو بال يشغله ـ استعجل بذكر ذلك عند ما كان يتحدث عن علماء بخارى على ما سنرى ...
    وينبغي أن نضيف إلى كل هذا أيضا مشاكل الترجمة التي لم يفته هو التنصيص على بعض أخطائها ، فقد كان يتلقى أخبارا من المترجمين والمرشدين الذين يجدهم أمامه ليستعين بهم فيما يطلب من معلومات كان يرويها كما سمعها. فلقد قيل له ـ وهو في بيزنطة ـ عن النبي إلياس الذي ينطق به عندهم Elie فظنه عليّ ... واستغرب هو من ذلك!!
    ولكن المهم بعد هذا وقبل هذا أن سائر الذين ، تعقبوه وانتقدوا بعض مقاطعه وفقراته أجمعوا على إكباره وتقديره ، وعلى براعته في طريقته لجلب القراء بما كان يختاره من بديع النكتة ودقة التعبير ، وبما كان يتخذه شعارا له من الصراحة في القول مما قد لا يجرؤ أحدنا اليوم على الجهر به. فهو يواجه الأمراء بما قد لا يرضيهم ، وهو ينصف المستحقين منهم ولو أنه كان بعيدا عنهم ، وهو في الأخير متحفظ فيما يرويه إذا لم يكن مقتنعا به حيث نجده «يخرج عن العهدة بما يشعر من الألفاظ بذلك» على حدّ تعبير ابن جزى الذي عرفه حقّ المعرفة. لقد كانوا جميعا يتفقون على أن ابن بطوطة هو الرحالة الأمين الذي كانت مذكراته تتميّز عن غيرها بما يحسه القراء ولا يستطيعون التعبير عنه سواء أكانوا يعيشون في أروپا أو آسيا أو إفريقيا.

    النقوش كمصدر لابن بطوطة
    وأحب أن أثير الانتباه هنا إلى عنصر في الرحلة كاف وحده للتأكيد على جدّيتها وصدق أخبارها ، ويتعلق الأمر بالنقوش التي كان يقف عليها مكتوبة على لوحة خشبية أو قطعة من حجر أو رخام ، فكان يسجلها ويحفظها ، وقد أمست بالنسبة إلينا اليوم بمثابة وثيقة حية تؤكد ما كان يرويه الرجل قبل نحو من سبعة قرون!
    فإن المؤرخ قد يتأثر بما حواليه وبمن حواليه بينما تبقى الوثيقة المعاصرة أمينة شاخصة. ولقد لذّ لي أن أهتم بهذا الجانب من الرحلة وأن أقف بنفسي على مروياتها باعتبارها ، كما قلت ، دليلا لا يقبل الطعن سيما وبعض تلك النقوش ما يزال شاخصا للعيان. وهكذا فقد قرأ ابن بطوطة على شاهد قبر الشيخ أبي الحسن الشاذلي اسمه ونسبه متصلا إلى الحسن بن علي وفاطمة الزهراءعليهما‌السلام.
    وقد كان فيما اكتشفه من خطوط ما قرأه على قبرية فاطمة بنت الحسين بن علي : " هذا قبر أمّ سلمة فاطمة بنت الحسين رضي‌الله‌عنه" بينما قرأ في لوح آخر : " صنعه محمد بن أبي سهل النقاش بمصر" وتحت ذلك ثلاثة أبيات ...
    وعند ما زار ابن بطوطة قبر النبي هود عليه‌السلام شرقيّ مدينة تريم في حضرموت لاحظ أن القبر مكتوب عليه : " هذا قبر هود بن عابر صلى‌الله‌عليه‌وسلم" ، وهو ما يعتمده الحضارمة إلى اليوم.
    وفي هذا الإطار ما قرأه على قبرية سعد بن عبادة ، وما سجله وهو بمكة عن معالمها التاريخية مما يعتبر فيه ابن بطوطة حجة ، سيّما بعد اختفاء تلك الآثار ، هذا إلى ما علق بذاكرة الرّحالة مما قرأه في دمشق وفي عسقلان ومدينة البصرة وبغداد وسوريا.
    ومن المهمّ أن نسمع ابن بطوطة ـ وهو الحريص على توثيق تلك المنقوشات ـ نسمعه يتحسر لضياع مذكّراته على نحو ما وقع بالنسبة لمقيّدات الهروي أثناء احتلال الروم للأراضي المقدسة (1)!
    ويخبرنا بأنه كتب على قبر البخاري : " هذا قبر محمد بن إسماعيل البخاري وقد صنف من الكتب" كذا وكذا ... وكذلك كتبت على قبور علماء بخاري أسماؤهم وأسماء تصانيفهم." وكنت قيدت من ذلك كثيرا ـ يقول ابن بطوطة ـ وضاع مني في جملة ما ضاع لمّا
    __________________
    (1) أبو الحسن الهروي : كتاب الاشارات إلى معرفة الزيارات ـ دمشق 1953 ص 30.

    سلبني كفار الهند في البحر ..." وقد اهتم ـ وهو في بلاد السند والهند ـ بتقصي المنقوشات باعتبارها الرائد الذي لا يكذب أهله ، فأخبرنا بأنه قرأ على مقصورة الجامع في ملتان التي أمر السلطان غياث الدّين تغلق شاه بعملها ، قرأ : " إني قاتلت التتر تسعا وعشرين مرة فهزمتهم فحينئذ سميت بالملك الغازي (2) " وقد اخبرنا كذلك بأنه قرأ على محراب الجامع الأعظم في مدينة دهلي تاريخ افتتاح المدينة من أيدي الكفار سنة 584 ه‍ ـ (1188 م) ...
    وقد أمكنه أن يسجل ما نقشه جلال الدّين أحسن شاه على صفحتي الدينار : (سلالة طه ويس أبو الفقراء والمساكين جلال الدنيا والدّين الواثق بتأييد الرحمن ، أحسن شاه السلطان).
    ومما يجري مجرى النقوش نذكر بعض النصوص التاريخية التي حرص على تسجيلها مما يعتبر اليوم لدى المهتمين بها حججا يعتمد عليها ، ونشير مثلا إلى النص التاريخي لجواب سلطان الهند على رسالة إمبراطور الصين هيّونتي (Hyunti) الذي طالب بترميم معبد بودى عتيق بقرب جبل الهيملايا في الموقع المعروف بسمهل ، حيث نجد أن العاهل الهندي يكتب إليه قائلا : " إن هذا المطلب لا يجوز في ملة الإسلام إسعافه ، ولا يباح بناء كنيسة بأرض المسلمين إلا لمن يعطي الجزية فإن رضيت بإعطائها أبحنا لك بناءه ، والسلام على من اتبع الهدى" (3). إلى غير هذا من الوثائق التي لم يغفلها بما فيها الكتابات باللسان الهندي على نحو ما قرأناه له وهو في مدينة تارنا الأثرية من بلاد السند.
    وقد تعلقت نفسي بمتابعة هذه المعلومات في الرحلات التي قمت بها عبر الأنحاء التي زارها، وقد ذهبت بعيدا إلى جزر المالديف في المحيط الهندي لأعرف جليّة الأمر حول ما نقله ابن بطوطة في رحلته عما كان قرأه هناك" على مقصورة الجامع منقوشا في الخشب من أن سلطان هذه الجزائر أسلم على يد أبي البركات البربري المغربي"
    فعلا طلبت أن أقف على اللوحة المذكورة ، فوجدت أنها نقلت من مكانها الأصلي وعوضت بقطعة حديثة حاولت أن تنقل ما كان في اللوحة الأصلية لكنها حرّفت كلمة أبي البركات إلى أبي الرّكاب! وكلمة البربري إلى التبريزي! ومن حسن الحظ أن اللوحة الأصلية
    __________________
    (2) Dr. AHMAD NABI KHAN : Development of Mosque Archtecture in Pakistan, Islamabad 6891 P. 63 ـ 35.
    (3) بدر الدّين حيّ الصيني : العلاقات بين العرب والصّين طبعة أولى 1370 ـ 1950 ، مكتبة النهضة المصرية القاهرة ص 207 ـ 208.

    يحتفظ بها المتحف الوطني اليوم ، ويمكن أن نقرأ فيها هذه العبارات بوضوح : ووصل في هذا البلد أبو البركات ... البربري وأسلم السلطان على يده في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين وخمسمائة(4) (يوليه 1153).
    والحديث عن علاقة المغرب مع المالديف بالأمس يسوقنا إلى التذكير بانعكاس تلك العلاقات على حاضرنا اليوم حيث شاهدنا لقاء فريدا من نوعه تسبّبه شهادة ابن بطّوطة (5).

    __________________
    (4) د. التازي : أقدم نقش ، عربي في مالديف يتحدث عن المغرب ـ مجلة البحث العلمي ، العدد 40 ـ السنة الخامسة والعشرون 1410 ـ 1411 ه‍ ـ 1990 ـ 1991 ، ص 13 ـ 21.
    (5) رأى الناس شرقا وغربا ، من خلال التلفزة المغربية ـ فخامة السيد مأمون عبد القيوم رئيس جمهورية المالديف وهو يلقي محاضرته مساء يوم السبت 13 مارس 1993 (19 رمضان 1413) برحاب القصر الملكي أمام جلالة الملك الحسن الثاني الذي ، قبل أن يقدّم الرئيس المالديفي ، أبرز العلاقات التاريخية بين المملكة المغربية وجمهورية المالديف اعتمادا على ما رواه ابن بطوطة الذي اعتمد السيد الرئيس أيضا على مذكّراته فيما قدمه من معلومات عن تاريخ المالديف في محاضرته القيّمة بعنوان : " الاجتهاد وضرورته الملحة لمعالجة القضايا المعاصرة" ، وكالة المغرب العربي للأبناء ليوم 14 مارس. 1993

    الرحلة كمصدر لتاريخ العلاقات الدّولية
    تتجاوز الرحلة محتواها كمجرد مذكّرات إلى أنها تعتبر مصدرا هاما من مصادر التاريخ الدولي ليس للمملكة المغربية وحدها ، بل إنها مرجع أساس للتاريخ الدولي للعالم الإسلامي وعلاقات هذا العالم بعضه بعضا وعلاقاته مع العالم المسيحي بحيث إن رحلة ابن بطوطة تعتبر من هذه الناحية تاريخا لما أهمله التاريخ. وهكذا فمن خلال الرحلة استمعنا لابن بطوطة وهو يستعرض أمامنا أقطاب الدول الكبرى التي كانت تهيمن في عهده على معظم أطراف الدنيا ، وكان عددهم سبعة : سلطان المغرب ، وسلطان مصر والشام ، وسلطان العراقين ، وسلطان الترك ، وسلطان تركستان وما وراء النهر ، وسلطان الهند ، وسلطان الصين. ولقد وجدنا أن هناك بعض الثغرات المهملة من لدن بعض المؤرخين التقليديين فيما يتصل ببلاد المغرب يملأها الرحالة ابن بطوطة ، مثلا حديثه عن مصادفته لسفارة من تونس في قصور بني عبد الواد وهي السفارة التي رافقها عند عودتها لتونس ...
    وفي هذه المدينة (تونس) نقرأ حديثه عن ظهور العاهل الحفصي أبي يحيى أبي بكر في عيد الفطر 725 شتنبر 1325 وليس بعد هذا التاريخ كما يحكيه آخرون (1) ...
    ومن هنا كان من المتعذر كتابة تاريخ هذه المغارب دون العودة إلى رحلة ابن بطوطة سواء عند ما كان ذاهبا للحج حيث كان هناك ثلاثة مغارب أو عند ما كان عائدا حيث كان هناك مغرب واحد تحت قيادة واحدة.
    وعند ما يتحدث التاريخ عن العلاقات الأولى للمغرب مع الأتراك لابد أنّنا سنفاجأ بمعلومة طريفة تتحدث عن استقبال الرحالة المغربي من لدن الأميرة بيلون خاتون زوجة السلطان اختيار الدّين أورخان بك بن السلطان عثمان الأول الذي أصبحت تنتسب إليه الامبراطورية العثمانية التي دوّخت العالم بأسره.
    وعلى صعيد علاقات المغرب بالمشرق أذكر أيضا الأصداء التي تركتها معركة مرج الصفّار التي وقعت في ثاني رمضان 702 ـ 21 أبريل 1303 بين التتر وبين المماليك ، بين الملك الايلخاني قازان وبين الملك الناصر. ومن خلال هذه الأحداث شاهدنا علاقات دولة المماليك بالمغرب عند ما بعثوا للعاهل المغربي بعدد من الهدايا الرمزية من الأكداش التي كان يستعملها التتر ... ووجدنا أن المغرب ، بالمقابل ، يبعث للمشرق بهدايا مماثلة : أجراس ضخمة انتزعها من كنائس الروم كردّ فعل لإتلاف هؤلاء لعدد من المنابر الإسلامية.
    __________________
    (1) القصد إلى ابن القنفذ وابن خلدون ، بل ومعظم الذين أرّخو لتونس ، في الماضي والحاضر ...

    هذا أيضا إلى العلاقات التي ربطت مصر بافريقيا السوداء وخاصة بعد حجة إمبراطور مالي موسى ومقدم سراج الدّين بن الكويك على العاهل الإفريقي ...
    وإذا تحدث التاريخ عن المراسم والتشريفات المتبعة في القصور فلابد أن يرجع إلى الرحالة المغربي وهو يؤدي وصفا دقيقا لامر المراسم بالهند عندما يتنقّل السلاطين وعند استقبالهم للأعياد وتنظيمهم للاستقبالات والحفلات واستعمالهم للسّرير الأعظم والمبخرة العظمى.
    ومن خلال رحلة ابن بطوطة عرفنا عن ممالك أخرى كانت بالنسبة إلينا وراء الظل ، مثلا عن انطاليا (بلاد الأناضول) وما احتوت عليه من إمارات توزعت الحكم هنا وهناك : إمارات وممالك في الأناضول كان ابن بطوطة يخترق حدودها بدون تأشيرة. ومن خلال الرحلة عرفنا عن الدولة الأرتقية في ماردين شمال العراق وجنوب تركيا وقد استمرت طوال ثلاثة قرون. ولقد عرفنا ، عن طريق الرحلة ، عن علاقات جمهورية جنوة بآسيا الصغرى وبجنوبي الروسيا ، وعلاقات هذه المنطقة بمماليك مصر ...
    ومن خلال الرحلة سمعنا عن بطل من أبطال التاريخ الإسلامي : عمر بك الذي استمات في الدفاع عن وطنه وحاول جاهدا أن يفتح القسطنطينية قبل الموعد الذي نعرفه لفتحها ، حيث التجأت الروم إلى البابا الذي عهد إلى جنوة وفرنسا بمساعدة القسطنطينية. كثيرة هي المعلومات التي قدمها إلينا مما لم يكن معروفا حتى لدى ابناء البلاد المعنية بالأمر. لقد حمل تلك المعلومات معه إلى بلاد المغرب بعيدا عن الرّقابة حيث تقدم اليوم لأصحابها حتى يضيفوها إلى ما عندهم.
    وقد أصبح اليوم حديثه عن الحدود بين حكومة وأخرى وعن الإجراءات التي كان يقوم بها لدى الجهات المعنية حتى يؤذن له بالزيارة ، أصبح ذلك حجة تتردد أصداؤها اليوم في المحافل الدولية على أنها تعني حقائق تاريخية ينبغي الاستئناس بها إن لم يمكن التمسك بها على ما سنشير إليه في التعاليق عند الاقتضاء.
    وقد كشف ابن بطوطة عن دور الزواج السياسي في إحكام العلاقات بين أمة وأخرى ، وقد عاش هو هذا التاريخ فرأى كيف أن سلطان قفجق يتزوّج بإحدى بنات أمبراطور القسطنطينية ، ورأى أنّ ملك مصر يتزوج ابنة سلطان خوارزم ، إلى آخر النظائر التي ذكرها.
    وابن بطوطة هو الذي لفت نظرنا إلى مناهضة العنصرية من لدن بعض الحكام الهنود المستنيرين من الذين حرّموا في إقليمهم استعمال كلمة (الأجنبي) أو حتى كلمة (الغريب) ...

    وهم يستعملون عوض هذين النعتين ، كلمة (العزيز) ج (الأعزة) لكل طارىء قصدهم. ولهم ، أي لهؤلاء الأعزة مكانهم المتميّز في المراسم والحفلات ، وقد كان من اللقطات الهامة في تاريخ العلاقات الدولية وخاصة فيما يتصل بشيراز والتتر تلك التي استأثر بذكرها الرحالة المغربي عند ما تحدث عن وصول سفير عن سلطان العراق أبي سعيد بهادور إلي هذه المدينة ، وكان السفير بالصدفة هو الأمير ناصر الدّين الدّرقندي ، وكان خراساني الأصل ، وقد قدم في حاشية تتألف من نحو خمسمائة فارس من خدّامه وأصحابه ، هذا إلى السفير رجب البرقعي ، وأصله من القرم. راح سفيرا من الهند إلى" الخليفة" في مصر حيث استقبل بمحضر الملك الصالح إسماعيل.
    وعن طريق ابن بطوطة علمنا عن وجود سفارة مصرية برئاسة صدر الدين سليمان المالكي الذي وجّهه الملك الناصر إلى سلطان العراق في إطار العلاقات بين المماليك وبين الإيلخان.
    هذا إلى سفارات أخرى قرأنا عنها في الرحلة كان من أبرزها الحركة الدبلوماسية الواسعة النطاق التي شاهدتها بلاد فارس عند ما قام محمد خذا بنده بتوجيه بعثات إلى مختلف الجهات لحملها على الموافقة على جعل المذهب الشيعي هو المذهب الأساسي للدولة ، هذا إلى سفارة الشيخ زاده الخراساني السفير عن ملك هراة إلى الملك أبي اسحاق في شيراز.
    ولقد كان عدد السفراء الذين تبادلتهم الدولتان : المغول والمماليك كثيرا ؛ وكان لابن بطوطة فضل الإشارة اليهم ، كما كان له فضل الإشارة للعلاقات بين الدولة الرسولية في اليمن وبين المماليك في مصر من خلال وجود المدرسة المظفرية بمكة المكرمة ودورها العلمي هناك.
    وعن طريق ابن بطوطة قرأنا عن وفادة من الخان الأعظم إمبراطور الصين إلى سرنديب للحصول على قطعة من الصخرة التي رسم عليها قدم آدم!.
    وعن طريقه عرفنا عن صلة ملك الصين بملك طوالسي هذه المملكة الواسعة التي يمكن أن تندرج تحتها أمم عظيمة تعرف اليوم بالفليبين واليابان وما جاورهما! على نحو ما تندرج تحت اسم (مل جاوة) شعوب وأمم تعرف اليوم تحت اسم طايلاند وبورما وفيتنام على ما أسلفنا.
    وإن معلومات ابن بطوطة عن سلطنة مترة (MADURA) وعلاقاتها بالإمارات الأخرى تظل معلومات دقيقة أيدتها النقود المكتشفة ، هذا إلى حديثه عن مخالفة سدكاوان للهند!.
    وعن طريق ابن بطوطة عرفنا عن أخبار الجماعات اليهودية التي كانت منتشرة هنا وهناك. وهكذا فكما كانت الرحلة مصدرا هاما للعقيدة الإسلامية كانت مرجعا لأهل الديانات الأخرى التي كانت تتعايش فيما بينها طوال التاريخ. وعن طريقه تعرفنا على عدد من قواعد العالم الإسلامي على ذلك العهد من أمثال دولة لورستان الكبرى وإمبراطورية القفجق وسلطانها محمد أوزبك خان.

    وقد قدّم إلينا في ثنايا الرحلة معلومات تنفعنا على صعيد التعامل الدولي فقد ذكر أن تطبيق الحكومة ، في قالقوط ، للقاعدة الفقهية التي تقضي بإرجاع إرث الأجانب الهلكى إلى أهلهم وورثتهم أينما كانوا ، أقول إنّ تطبيق ذلك هو الذي كان يساعد المستثمرين على اختيار قالقوط مركزا تجاريا لهم.
    كما أفادنا فائدة تاريخية لم نقرأ عنها في التأليف التاريخية الأخرى مثل جامع التواريخ لرشيد الدّين ، عن مأساة اجتياح بغداد من لدن المغول ... لقد قال إن عدد الذين قضوا في تلك الفتنة من العلماء فقط أربعة وعشرون ألف عالم!
    وكلّنا يعرف عن عشيرة آل مهنّا العربية بديار الشام وما قامت به من أدوار وما كان لها من صدى سواء على صعيد العلاقات العربية العربية أو العلاقات العربية البيزنطية ، مهنا الأول المتوفى حوالي 660 ـ 1262 ، ومهنا بن عيسى (الثاني) المتوفى 735 ـ 1335 والملقب بسلطان العرب ، هذا الذي أرسل ابنه موسى إلى ملك التتر في العراق مع قراسنقر وجماعته قبل أن يلتحق هو بالمنطقة التترية. تواريخ مثيرة لهذه العشيرة التي كانت معلومات ابن بطوطة عنها محلّ تزكية من لدن الذين كتبوا عن عشائر الشام وصحّحوا ما قاله ابن بطوطة عن آل حيار بن مهنّا بن عيسى(2) قبل أن تنكسر شوكتهم بموت محمد بن حيار.
    وقد قدم لنا ابن بطوطة معلومات جدّ قيّمة عن أشراف الحجاز على عهده بمن فيهم الحسنيون أصحاب مكة بما عرف عنهم من احتكاكات بدولة المماليك ، وهكذا قرأنا عن رميثه بن أبي نمي بن أبي سعد بن علي بن قتادة.
    كما عرفنا عن الحسينيين أصحاب المدينة بما عرف عنهم من تنافس ساخن ، وهكذا سمعنا عن كبيش بن منصور بن جمّاز بن شيحة بن هاشم (3).
    ومن الطريف أن نعرف عن شريف حسيني ، حفيد لجماز يحمل اسم قاسم يلتحق بغرناطة ويشارك في معركة ويستشهد على مقربة من الجزيرة الخضراء.
    وابن بطوطة هو الذي ساعدنا على معرفة الظروف التي جعلته يتوجس خيفة من حركة القراصنة وهو في طريقه إلى المغرب عبر جزيرة سردانية ، فقد كانت الاتفاقية المغربية مع ممالك جنوب أوربا أتت على نهايتها فلا غرو إذن أن يحتاط الرّحالة لنفسه (4).
    __________________
    (2) د. مصطفى الحياري : الإمارة الطائية في ديار الشام 1977 ص 75 ـ أحمد وصفي زكرياء : عشائر الشام ..
    (3) ابن حجر : الدرر الكامنة 2 ، 75 ـ Ency.ISLAM : Makka ـ د. التازي : التاريخ الدبلوماسي للمغرب ج 7 ، ص 204 رقم الإيداع القانوني 25 / 1986 مطابع فضالة ـ المحمدية ـ المغرب.

    وقد أجمعت المصادر الإيطالية وهي تتحدث عن تاريخ جنوة ، أجمعت على النقل عن ابن بطوطة عند ما تحدث عن افتداء السلطان أبي عنان لمدينة طرابلس بتلك المبالغ السخية من العملة الذهبية حتى لا تبقى طرابلس بيد الجنويين! لقد تحدث ابن فضل الله العمري في السفر السابع والعشرين عن احتلالها من لدن جنوة ، ولكنه ترك المدينة أسيرة. ولم يكن هناك غير ابن بطوطة الذي تحدث عن تحريرها من لدن السلطان أبي عنان وهي المبادرة التي سجلتها الرحلة ، وأكدتها تهاني غرناطة لفاس (5) ثم أتت المصادر الإيطالية وغيرها لتعتمد تلك المعلومات. وقد أفادنا ابن بطوطة عن اهتمام المشرق بأخبار المغرب وأنه أي المشرق ما انفك يتتبع الأخبار الواردة عليه من بلادنا وخاصة منها ما يتصل بحركات الجهاد في الأندلس ، ومن هنا علم ابن بطوطة لما وصل إلى بغداد ، في شوال عام ثمانية وأربعين ، علم من بعض المغاربة الذين كانوا هناك بأخبار كارثة وقعة طريف واستيلاء الروم على الجزيرة الخضراء على نحو ما كان وصلنا بالمغرب عن سقوط بغداد كما يذكره ابن عبد الملك المراكشي ...
    وقد عاش ابن بطوطة مرحلة دقيقة جدا من تاريخ المغرب الكبير أدّى عنها بعباراته ما سمحت به ظروفه ، وبحكمة ودبلوماسية فائقة عند ما تحدث عن مرورة بتونس فسلّم على السلطان أبي الحسن واجتمع بمجلس علمه ورجال مشورته ، ثم لم يلبث أن أصبح ببلاط أبي عنان المناهض لوالده ، ومع كل ذلك فإنه لم يسمح لنفسه أن يتدخل فيما لا يعنيه ، ويتحدث بما لا يرضي عما يجري بين الوالد وولده بالرغم من أنّه صحب ركب أبي عنان الذي كان يحمل شلو أبيه.
    وابن بطوطة هو الذي أحاطنا علما بما كان يضمه بلاط عهد السلطان أبي عنان من وفود ترد من خارج المغرب ، مثلا ابن أمير الموصل وديار بكر الشريف علاء الدين الذي كان ـ أثناء تحرير رحلة ابن بطوطة ـ بعاصمة فاس : " مستقر الغرباء ومأوى الخائفين" على حد تعبير ابن جزي!.
    وابن بطوطة ، ولو أنه لم يصرح بذلك ـ حفظا للأسرار على ما جرت عليه الأعراف بين الدول ـ ... هو الذي وجهه السلطان أبو عنان ، على ما يبدو ، في مهمة إلى غرناطة في ظروف كانت فيه العلاقات بين أبي عنان وبين والده على ما لا يرضى (6). وبهذا نفسر المرض الدبلوماسي لملك غرناطة وبهذه المناسبة عرفنا وضع (رندة) التي كانت عاصمة للقسم الأندلسي التابع لدولة بني مرين. وابن بطوطة هو الذي راح مبعوثا أيضا في مهمة للسلطان أبي عنان
    __________________
    (4) د. التازي : الحضور العربي في جزيرة سردينية ، مجلة مجمع اللغة العربية ـ الجزء 74 ، ذو الحجة 1414 ـ مايه 1994 ، ص 41.
    (5) ابن الخطيب : ريحانة الكتاب تحقيق عنان ج 1 ص 321 طبعة القاهرة 1980.
    (6) ـ ذ. حسن عبد السميع محسن : ابن بطوطة الرحالة ، 1965 ، القاهرة ص 38 ـ 106.

    إلى بلاد السودان على ما يظهر حيث تم اتصاله المباشر بعدد من أقطاب وأمراء المنطقة ، وحيث قضى وقتا هناك قبل أن يصله مبعوث خاص من العاهل المغربي يطلب إليه أن يعود فورا إلى حاضرة فاس.
    ولا ننسى أن ابن بطوطة هو الذي ذكرنا ـ وهو يعيش في مالديف ـ بأنه ترك في المغرب عددا من الأسرى من الروم. وكان الوقت يصادف فعلا سلسلة من الاحتكاكات التي تجري بين المغرب وقشتالة. وقد أعطانا الرحالة المغربي وصفا للطريقة التي كانت الحكومة المغربية تستعملها لضبط الأسرى ومنعهم من الفرار إلى أن يتم افتداؤهم بمن يوجد من المغاربة في قبضة حكومات الأطراف الأخرى.
    وقد حدث أن بعض الدول التي كان ابن بطوطة يتحدث عنها اختفت من مسرح السياسة وأتى بعدها قوم آخرون فأحرقوا كتب الأولين ودمروا آثارهم فلم يعرف عنهم شيء إلا ما قرأناه من خلال معلومات ابن بطوطة التي" فلتت" للخارج فاحتفظت بحياتها وبجدّتها. ونذكر بهذه المناسبة ما حكاه عن بني نبهان في عمان كمثل شاهد للعيان.
    كثيرة هي اللقطات التي تفيد المهتمّين بالتاريخ الدّولي للعالم الاسلامي ... وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على أن الرحالة لم يكن مجرد سائح يمشي في مناكب الأرض ، ولكنه كان يهدف إلى تعريف فريق بفريق ... وكأنني به يكتب تقريرا لملوك المغرب عما رآه وما شاهده عبر أطراف الدنيا ليأخذوا منه ما يرونه صالحا لمسيرتهم إذا كانوا يريدون.
    من حسن حظنا أن ابن بطوطة كان يعمل بنصيحة القاضي أبي بكر بن العربي سفير المغرب لدى العراق عام 489 / 1097 الذي قال : في تأليفه (كتاب الرحلة) عند ما دخل إلى بغداد وتعرّف على الخليفة بها : «نعمت المعرفة التعرّف بالسلطان والتشرف به عند التغرّب من الأوطان ونعم العون على العلم الرياسة بالأمن والاستيطان (7).
    فبفضل العمل بتلك النصيحة أمكننا التعرف على الكثير من القادة المتنفذين آنذاك ...
    __________________
    (7) ابن صاحب الصلاة : تاريخ المن بالإمامة على المستضعفين تحقيق د. عبد الهادي التازي طبعة ثالثة 1987 دار الغرب الإسلامي ـ بيروت ص 185 / 186 تعليق 5 ـ 6.

    مكان رحلة ابن بطّوطة من أدب الرحلات
    يلاحظ في المؤلفات العربية على العموم ، وخاصة منها التي تتصل بالأدب العربي ، غياب الحديث عن الذين يكتبون تلك التأليف ، عن شخصيتهم ، عن أفكارهم ، عن أحاسيسهم ، بحيث إنك تقرأ الكتاب من ألفه إلى يائه دون ما أن تجد أثرا يعرّفك بمحرّر الكتاب أو بعصر تأليفه أو حتى بظروف تأليفه وما يجري من حواليه.
    وقد استثنى من كل هذه المؤلفات جميعا كتاب الرحلة أية رحلة ، الذي يمتاز كما هو معلوم بمعرفة المزيد من المعلومات عن المؤلف وهو يتحدث عن مراحل تنقلاته وعن مشاعره ، مما يرتضيه ولا يرتضبه ، هذا إلى تعرفنا على الجهات التي يمرّ بها جغرافيا وبشريا وفكريا ، فنشعر بنوع من التجديد في الفائدة ، بنوع من تمكن الكاتب من التعبير عمّا يريد أن يؤديه ، بأسلوبه الذي يتغلب به على كلّ الصّعاب ، والذي يجعله مهيمنا على إبلاغ الناس ما يريد إبلاغه من وصف للطبيعة وتقديم للظواهر التي تحف بمحيطه والبيئة التي يعيشها ...
    وهكذا فإن الكتاب الذين حرروا مذكراتهم التي نطلق عليها اليوم اسم (الرحلات) يمثلون في واقع الأمر جانبا إبداعيا في أدبنا العربي ، ومن هنا نحسّ تلقائيا بميل نفوسنا إلى هذا النّوع من الكتابة المحببة لأن ذلك مما يعبر عما يروج في فكر الكاتب دون ما تصنّع أو انفعال ، ولأنه يجعلنا نرافقه في رحلته ، نشعر بمثل الشعور الذي كان يعيشه سواء كان ذلك الكاتب فقيها أو شاعرا أو مؤرخا أو عالم اجتماع ...
    وقد عرف المغاربة من قديم بأنهم متفوّقون في أدب الرحلة وموفقون كذلك ... يدل على هذا ما تركوه من بصمات لهم في مختلف كتب التراث العربي (1).
    وترجع أسباب اهتمام المغاربة بالرحلة والكتابة عن تحركاتهم وخاصة في العهد الإسلامي : أولا وبالذات ، إلى أن الإسلام يجعل من الحج ركنا بارزا من أركانه ، فالمسلم وهو يفكر في الثوابت التي تجعل منه مسلما مثاليا ـ تنتصب أمام مخيلته الكعبة المشرفة سواء أكان في شرقها أو غربها ، خمس مرات في اليوم على الأقل يتجه إليها في صلاته وفي توسلاته ...
    وهكذا يكون العامل الأول هو تحقيق الأمل في زيارة تلك البقاع التي تشدّنا اليها شدّا ...، ومن هنا ندرك السرّ في توجه المغربي نحو الشرق ، نحو مهد الحضارة ومهبط الوحي ، ومن ثمت كان بعض من يقصد البلاد الحجازية من الفقهاء والعلماء والأدباء لأداء
    __________________
    (1) يراجع الحديث عن محمد بن عمر التازي في بغداد (نشوار المحاضرةi ، 337) والحديث عن سعد الخير الأندلسي في الصين (نفح الطيب 2 ، 632) ... أحمد أبو سعد : أدب الرحلات ، بيروت ، دجنبر 1961.

    فريضة الحج يشعر بأن عليه دينا يجب أن يؤديه لإخوته من الذين لم تسمح لهم ظروفهم بالالتحاق بتلك الديار والذين كانوا يقنعون بوصف تلك المعالم وما تحتضنه من عوالم.
    وهذا الدّين يتجلّى في تحرير التعريف بتلك البقاع وبمن تضمّهم تلك البقاع من رجال ، احياء وأموات ، طبعا مع وصف المراحل التي مرّ بها الحاج من مدينته التي انتقل منها إلى حيث يجتمع بإخوته من سائر جهات العالم الإسلامي ، محرما ملبيا إلى أن يقف على عرفة. وذلك" التعريف" هو الذي نسميه بالرحلة التي يتحدث فيها الرّحالة عن محطاته المتبعة سواء كانت برّا أو كانت بحرا ، مضيفا إلى هذا حديثه ، كما قلنا ، عما يعترضه في طريقه من مشاهدات ... ، ومعرّفا بالآثار التي خلّفها الأسلاف ، ومعطيا نبذة عن المواقع الجغرافية التي يسلكها بما تحتوي عليه من نعوت وأوصاف. وهكذا ازدهرت ، نتيجة لهذا ، حركة انتساخ المخطوطات ، وخاصة منها كتب الرحلة لدى الحجاج يستصحبونها معهم للاستئناس وللقيام أحيانا بالمقارنات والمفارقات ...
    ويلاحظ أن تاريخ المغرب وخاصة في القرن الخامس والسادس والسابع والثامن عرف نوعا من تطور مثل هذه الرحلات الحجازية بفضل تشجيع الناس بمن فيهم القادة والحكّام لتوفير هذا النوع من المعرفة للمواطنين. ولم يقلّل من شأن الرحلة الحجازية إلّا ما ظهر من ميل لتفضيل الجهاد على الحج في اعقاب العدوان المتوالي على المسلمين في الأندلس ، وذلك اعتمادا على فتوى لابن رشد ردّد صداها النّاصري في كتابه" الاستقصاء" وهي تعطي الأسبقية للجهاد على الحج (2).
    وهكذا تكوّنت لدينا لائحة لهؤلاء الأعلام الذين قصدوا الديار المقدسة لأداء مناسك الحج، فيهم الكثير ممن لم تصلنا أثارهم إلى اليوم لكن فيهم طائفة ممّن اشتهر ذكرهم بما خلّفوه من أعمال جليلة خلدت أسماءهم.
    ونذكر من هؤلاء الرحالة أبا الحسن محمد بن أحمد بن جبير الأندلسي (578 ه‍) الذي سار بالرحلة خطوات واسعة ، كما نذكر ابن رشيد الفهري السبتي (683 ه‍) ، صاحب كتاب «ملء العيبة (3)» ومحمد العبدري الحيحى صاحب الرحلة المغربية (688 ه‍) (4) كما
    __________________
    (2) الاستقصاء ، طبعة دار الكتاب ، البيضاء 1956 ج 7 ص 8. ـ سلوة الأنفاس 2 ، 215 ـ 216
    (3) اسم العنوان كاملا : " ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة في الوجهة الوجيهة إلى الحرمين مكة وطيبة" الجزء الثاني والثالث ، تقديم وتحقيق الزميل الدكتور الأستاذ محمد الحبيب ابن الخوجة ـ الدار التونسية للنشر 1402 ـ 1982.
    (4) حققها وقدم لها وعلّق عليها الزميل الراحل ذ. محمد الفاسي ، نشر جامعة محمد الخامس الرباط 1388 ـ 1968.

    نذكر رحلة أبي القاسم التجيبى (695 ه‍) صاحب مستفاد الرحلة والاغتراب (5) ، وابن بطوطة (725 ه‍) موضوع الحديث ، وخالد بن عيسى البلوى (736 ه‍) صاحب (تاج المفرق) (6) ، وابن الحاج النّميري صاحب (فيض العباب) (774 ه‍) الذي سجلت له رحلة أيضا إلى الحجاز في مجلدة (7) ، ومحمد بن سعيد الرعينى (778 ه‍) صاحب الرحلة الحجازية المنظومة (Cool.
    وعلاوة على السبب المتلخص في أداء فريضة الحج ، هناك الرحلة الدراسية : أي طلب العلم ولقاء المشايخ الكبار حيث نجد أن المكتبة العربية تزخر كذلك بمن الّفوا عمن أخذوا عنهم في رحلتهم الدراسية من الشيوخ. وعما حصلوا عليه من إجازات تأذن لهم في تلقين ما حصلوا عليه للآخرين ...
    ونذكر إلى جانب هذا : الرحلات العلمية وهي غير الرحلات الدراسية. ويمكن أن نصنّف في هذا الباب بعض الرحلات التي كانت تقصد إلى حمل كتاب علمي من جهة إلى جهة قصد تعميم الفائدة منه. واذكر هنا على سبيل المثال الرحلة التي قام بها هشام بن هذيل مكلفا من قبل الخليفة الأندلسي عبد الرحمن الناصر من أجل طلب المساعدة على ترجمة مخطوطة ديوسقوريدس المكتوبة باللغة اليونانية والتي كان الإمبراطور البيزنطي أهداها إلى الخليفة الناصر عام 337 ه‍ في حفل مشهود تحدثت عنه المصادر التاريخية والمؤلفات الطبية. وقد استجاب الامبراطور البيزنطي لرسالة الخليفة الناصر فبعث اليه بالراهب نيقولا الذي وصل إلى قرطبة عام أربعين وثلاثمائة (9).
    ومن أسباب الرحلة كذلك المهمّات السياسية التي يروح فيها علية القوم من علماء وأدباء بما كان قد يصحبهم من مرافقين ومساعدين.
    __________________
    (5) حقّق المعروف من هذه الرحلة ذ. عبد الحفيظ بن منصور ، تونس 1395 ، انظر كذلك برنامج التّجيبي وتحقيقه.
    (6) يوجد عدد من مخطوطات البلوي بالخزانة العامة بالرباط (فتح المخطوطات ، مخطوط تحت رقم د. 3627 ورقم د. 1288 مع شكرنا لمساعدة الخزانة في جزئين ، تقديم وتحقيق ذ. الحسن السايح ، نشر صندوق إحياء التراث الإسلامي المشترك بين المغرب والإمارات ، مطبعة فضالة ـ المحمدية ـ المغرب (بدون تاريخ)
    (7) د. محمد بن شقرون : فيض العباب ، دار الغرب الإسلامي (1990) ص 42 المقري ـ النفح ـ ج 7 ـ ص 109 ـ 110
    A. L. DE PREMARE : MAGHREB ET ANDALOUSIE AU XIV Siecle, CNRS PARIS 1891.
    (Cool ابن القاضي : جذوة الاقتباس ، طبعة حجرية ، ص 341 ـ عبد السلام ابن سودة : دليل مؤرخ المغرب ص 353.
    (9) ابن أبي أصيبعة : عيون الأنباء في طبقات الأطباء ، دار الثقافة ، بيروت لبنان ، طبعة رابعة 1408 ـ 1987 ،

    وقد حفظ التاريخ لنا اسماء عدد من السّفراء الذين كانوا يدونون رحلاتهم في كراريس يرفعونها في أغلب الأحيان إلى الملوك. ونتيجة لذلك زخرت المكتبة المغربية أكثر من غيرها بعدد من الرحلات السّفارية التي أثرت الأدب المغربي علاوة على ما قدمته من معلومات جدّ قيمة عن البلاد التي زارها أولئك السفراء وعن الأحوال الدولية على ذلك العهد وعن التطورات التي تمرّ بها الأمم ...
    وهكذا ظلت اخبار سفارة يحيى بن حكم الغزال (ت 250 ه‍) التي راحت إلى بيزنطة ردّا على سفارة ثيوفيلوس (Theophilus) إلى الأندلس في اعقاب فتح عمّورية. وقد لخص أخبارها ابن دحية (ت 633 ه‍) السبتي في كتابه" المطرب من اشعار المغرب" (10) ، أقول ظلت حديث المجالس الأدبية والسياسية بما تضمنته من طريف نكتة وجميل ظرف ، وبخاصة فيما يتعلق بحديث السفير الأندلسي إلى ثيودورا زوجة إمبراطور القسطنطينية ...
    وتعتبر رحلة يحيى الغزال أقدم من الرحلات التي قام بها أيام الدولة العباسية أحمد ابن فضلان إلى بلاد الخزر والروس ، وأبو دلف إلى إيران والهند والصين في النصف الأول من القرن الرابع ... وناصر خسرو علوي إلى الدّيار الحجازية بين عام 437 و 444 ...
    وبين أيدينا خروم من رحلة القاضي أبي بكر ابن العربي الأشبيلي صحبة أبيه عبد الله عام 489 ـ 1097 إلى مدينة السلام ، وقد بقيت هذه الرحلة حديث المجالس كذلك بما تضمنته من" مكتوب الخليفة المنقول في أيدي الناس" على حدّ تعتبر ابن خلدون (11).
    وإلى جانب الرحلات الحجازية والدراسية والعلمية والسّفارية نعيش مع نوع آخر من أنواع الرحلة وهي تلك الرحلات السياحية ، التي تكون غاية واضعها من سفره مجرد السياحة والوقوف على الآفاق وعجائب المخلوقات والتعرف على أخلاق الشعوب وعوائدها. وهذا النوع أيضا مما تزخر به المكتبة المغربية. ونذكر في صدر ما وصلنا من هذا الصّنف. في النّصف الثاني من القرن السادس الهجري كتاب (تحفة الألباب) تاليف أبي حامد الأندلسي الغرناطي الذي يقول في مقدمتها : " ومنذ اغتربت عن المغرب الأقصى عام 557 شاهدت من الأيمة الكرام مالا يعدّ ولا يحصى ، وأولاني الله عزوجل على ايديهم من أنواع النعم مالا يقدر على إحصائها إنسان".
    __________________
    (10) حقّقه إبراهيم الأبياري ، القاهرة 1954 فازيليف : العرب والروم ترجمة د. محمد عبد الهادي شعيرة ، دار الفكر العربي ، 1934 ص 164 ـ 165. ـ د. حكمة عليّ الأوسى : يحيى بن الحكم الغزال مجلة المجمع العلمي العراقي ـ 1971. ـ د. التازي : التاريخ الدبلوماسي للمغرب ج I ، 267 ج 4 ص 61 ـ 62.
    (11) ابن خلدون : ج 6 ص 186 طبعة بيروت.

    وأبو حامد هذا هو الذي أشاد بمعاملة أهل الصين للتجار من المسلمين ، وتمنى أن يقتدي ملوك المسلمين بمثل هذا السلوك ...!! والطريف أن أبا حامد وصل بهذا إلى فهم ذكي للحديث النبوي الذي يقول : (الدّنيا سجن المؤمن). فلقد أدرك أنّ معنى ذلك أن دنيا المسلم خالية في بعض الأحيان من العدل والاحسان! (12) "
    وهناك نوع من الرّحلات يمكن أن يطلق عليه اسم الرحلات الاستكشافية وهي غير الرحلة التي تكون أصلا لغرض السياحة وهي التي يقوم بها اصحابها من أجل اكتشاف بلاد جديدة والاطلاع على أحوالها.
    ويمكن أن ندرج في هذا النوع من الرّحلات ما قام به أحد عمالقة الأدب الجغرافي في تاريخ الاسلام ، ويتعلق الأمر بالشريف الإدريسي السبتي الذي قدم إلينا «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» هذا الكتاب الذي يعتبر معلمة من المعالم التي يعتزّ بها العالم الإسلامي على الصعيد الدولي. فهو أي الإدريسي ، ولو أنه لا يتعرض كثيرا للوقائع التي حدثت له أثناء أسفاره ولا يتعرض غالبا لشيء من أحواله الشخصيّة ، لكنّ تاليفه ذو صلة قوية بموضوع الرحلات باعتباره يخطط المراحل للجوّالين والمسافرين ، وباعتباره مصدرا اعتمد على الرحلات السابقة لغيره.(13) ونذكر إلى جانب هذا ، الرحلات الزيارية أي التي يقوم بها بعض بقصد زيارة أضرحة الأنبياء والصحابة ورجال الصّلاح. ولا شك أن هذا النوع من الرحلات يعتبر من أهم المصادر عن تاريخ الحياة الدينية والحركة الصوفية. وهذا يفيدنا في نفس الوقت من حيث الفنّ المعماري الخاصّ ببناء المساجد والمزارات والمشاهد.
    ومن منّا ينكر فائدة كتاب" الإشارات إلى معرفة الزيارات". لأبي الحسن علي بن أبي بكر الهروي وهو كتاب لا تستغني عنه مكتبة (14) ...
    وقد أثار انتباهنا ونحن نقرأ عن تاريخ انتشار الإسلام في بلاد آسيا وفي تخوم إفريقيا الحديث عن نوع من الرحلة كان له الأثر الأكبر في دخول الإسلام في تلك المناطق النائية ، لا عن طريق السيف ولا عن طريق الإكراه ، ولكن عن طريق إعطاء المثل الحسن ونشر الفضيلة وتقديم القدوة. وكان الذين قاموا بمثل هذا العمل المتئد الرصين والحكيم هم
    __________________
    (12) Journal Asiatique ,Juillet ـ sep.5291 p.23 ـ 33
    (13) أعتقد أنّ الإدريسي اعتمد من بين ما اعتمد عليه (أخبار الصّين والهند) التي جمعت سنة 237 والتي نشرها جان سوفاجي J.Sauvaget عام 1948.
    (14) نشر المعهد الفرنسي بدمشق 1953.

    الذين كانوا يقومون بالرحلات التجارية إلى تلك الأصقاع. كلّ الذين أشادوا في الماضي والحاضر بظهور الإسلام هناك كانوا يقفون مشدوهين امام الأثر الحميد الذي خلفته الرحلة التجارية في نفوس أولئك الذين اقبلوا على الإسلام بكل ما يملكونه من حب.
    وقد ذهب بعض المهتمين بأمر الرحلة إلى أبعد من هذا في استيعاب انواع الرحلة فتحدثوا عن الرحلة البرّية والبحرية ، والخارجية والداخلية ، والاختيارية والقسرية ، والفردية والجماعية ، والرحلة الخيالية والرحلة التي تتخد شكل المراسلات أو تهدف إلى إبرام المعاهدات (15).
    لكننا سنقف هنا لنترك الفرصة للحديث عن نوع أكثر شمولا وأوفر فضاء من كل تلك الأنواع التي تقدمت للرحلة ... ذاك ما نعطيه اسم الرحلة العامة ...
    ونقصد بها الرحلات التي جمعت الكثير من كل تلك الأغراض ، ونذكر على الخصوص رحلة ابن بطوطة ، فقد غادر بلدته طنجة في بداية الأمر عام 725 بقصد الحج. لكن بسبب تعذر الحج تلك السنة لما صادفه من اضطرابات بين البجاة والمماليك على ساحل البحر الأحمر اضطر للإنتظار سنة كاملة لحضور موسم الحج عام 726. وهنا أثناء هذا الفراغ نمت فيه الرغبة للقيام بحضور مجالس للدراسة ، وفي التزوّج مرة أخرى! وفي القيام كذلك بزيارات سياحية على جانب كبير من الأهمية ، وفي القيام برحلات داخل الرحلة. ولم يلبث أن عبر الدنيا وارتاد الأماكن البعيدة. وينبغي أن نقوم بجولة سريعة في المحطات التي مرّ بها لنجد أن ابن بطوطة كانت تتمثل فيه وتنطبق عليه صفات كلّ أولئك الرحالة. فهو حاج وهو دارس وهو سفير وهو سائح وهو مكتشف وهو زائر وهو داعية ، وهو تاجر أيضا ... وهو مبشّر بالمعنى الحقيقي للمبشر.
    __________________
    (15) تراجع مقدمة الرحلة السّفارية المعنونة" بالإكسير في فكاك الأسير" لمؤلفه محمد بن عثمان المكناسي ، وهي من تحقيق الأستاذ محمد الفاسي ، نشر المركز الجامعي للبحث العلمي ـ الرباط 1965 وكذلك مقدمة كتاب" فيض العباب ... في الحركة إلى قسطنطينة والزّاب" للدكتور محمد بن شقرون سالف الذكر.

    الفصل الأول
    المغرب الكبير
    تقديم ابن جزي للرحلة ونعته لابن بطّوطة بالثقة الصدوق الذي جال الدنيا بالطّول والعرض.
    شرح منهاج ابن جزي في تحرير الرحلة.
    حديث ابن بطوطة عن خروجه من طنجة أيام السلطان أبي سعيد ...
    الوصول إلى تلمسان ، وتعرّفه على سفارة تونس التي صادفها هناك ...
    مرضه ببجاية.
    حلوله بتونس التي لم يعرفه بها أحد!
    ذكر ملك تونس
    أخذه الطريق إلى طرابلس وبناؤه بها على سيّدة صفاقسية ...

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    رحلة ابن بطوطه Empty
    مُساهمةموضوع: رد: رحلة ابن بطوطه   رحلة ابن بطوطه Emptyالأربعاء أكتوبر 16, 2024 3:38 pm

    بسم الله الرحمن الرحيم
    وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه
    قال الشيخ الفقيه الكاتب البارع الناظم
    أبو عبد الله محمد ابن الشيخ الفقيه
    العالم المتفنن أبي القاسم محمد
    ابن جزيّ الكلبي الغرناطي عفا الله عنه (1) :
    الحمد لله الذي ذلّل الأرض لعباده ليسلكوا منها سبلا فجاجا ، وجعل منها وإليها تاراتهم(2) الثلاث نباتا وإعادة وإخراجا ، دحاها بيد القدرة فكانت مهادا للعباد ، وأرساها بالأعلام الراسيات والأطواد ، ورفع فوقها سمك السماء بغير عماد ، وأطلع الكواكب هداية في ظلمات البر والبحر ، وجعل القمر نورا ، والشمس سراجا ، ثم أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد الممات ، وأنبت فيها من كل الثمرات ، وفطر أقطارها بصنوف النبات ، وفجر البحرين عذبا فراتا، وملحا أجاجا ، وأكمل على خلقه الإنعام ، بتذليل مطايا الأنعام ، وتسخير المنشآت كالأعلام ، ليمتطوا من صهوة القفر ومتن البحر أثباجا ، وصلى الله على سيدنا
    __________________
    (1) هذه هي السّطور الأربعة (المقدمة) التي وجدناها في مخطوطة لابن بطّوطة نعتقد أنها من أقدم المخطوطات إن لم تكن هي التي كتبها ابن جزي بنفسه في صفر 757 ـ يبراير 1356 قبل أن يتوفاه الله في شوال من نفس السنة ـ أكتوبر 1356 ، ونلاحظ أن هذه المقدمة تختتم بكلمة عفا الله عنه وليس بكلمة رحمه‌الله ، وهي الاشارة التي تزيد في اعتقادنا أن النسخة كتبت بقلم ابن جزّي ، ولابد أن ننبّه هنا إلى أن هذه" المقدمة" توجد في معظم النسخ. وعلى رأسها النسخة الأم ، التي اعتمدها الأستاذان المترجمان : ديفريمري وسانكينيتي عام 1854 على الشكل التالي : قال الشيخ الفقيه العالم الثقة النبيه الناسك الأبر وفد الله المعتمر شرف الدين المعتمد في سياحته على رب العالمين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن ابراهيم اللواتي ثم الطنجي المعروف بابن بطوطة رحمه‌الله ورضي عنه بمنه وكرمه أمين أمين.
    ومن المعلوم أن هذا خطأ فادح من النساخ! ومن العجب أن الناشرين للرّحلة ، فيما بعد ، ساروا على هذا الخطأ بمن فيهم" اللّذون" قرروا أن يجعلوا كلام ابن جزي في ذيول على حدة ، فقد فاتهم أن هذه" المقدمة" هي لابن جزي وليست لابن بطوطة! وقد تنبه گيب (Gibb) للموضوع فنسب المقدمة لصاحبها ابن جزي.
    (2) التارات جمع تارة : ويعني بها المراحل الثلاث للإنسان : الولادة ، والحشر ، والنشر ، وفي القرآن الكريم : " منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى. وهو ما يعني «نباتا وإعادة وإخراجا» ...
    وقد حرفت عند بعض الناشرين المغاربة إلى قارات بالقاف عوض التاء وأتى بعد ناشر آخر من المشرق ففسر القصد من القارات الثلاث وأنها" آسيا وافريقيا وأروپا وهي التي تشكل العالم القديم أما ما تبقى من قارات فلم تكن قد اكتشفت بعد" كذا!! ".

    ومولانا محمد الذي أوضح للخلق منهاجا ، وطلّع نور هدايته وهاجا ، بعثه الله تعالى رحمة للعالمين، واختاره خاتما للنبيّين ، وأمكن صوارمه من رقاب المشركين ، حتى دخل الناس في دين الله أفواجا وأيده بالمعجزات الباهرات ، وانطق بتصديقه الجمادات ، وأحيا بدعوته الرّمم الباليات ، وفجر من بين أنامله ماء ثجاجا ، ورضى الله تعالى عن المتشرفين بالانتماء إليه أصحابا والا وأزواجا ، المقيمين قناة الدين فلا تخشى بعدهم اعوجاجا ، فهم الذين أزّروه على جهاد الأعداء ، وظاهروه على إظهار الملة البيضاء ، وقاموا بحقوقها الكريمة من الهجرة والنصرة والإيواء ، واقتحموا دونه نار البأس حامية وخاضوا بحر الموت عجاجا ، ونستوهب الله تعالى لمولانا الخليفة أمير المؤمنين ، المتوكل على الله رب العالمين المجاهد في سبيل الله ، المؤيد بنصر الله ، أبي عنان (3) فارس ابن موالينا الأيمة المهتدين ، الخلفاء الراشدين ، نصرا يوسّع الدنيا وأهله ابتهاجا ، وسعدا يكون لزمانة الزمان علاجا، كما وهبه الله بأسا وجودا لم يدعا طاغيا ولا محتاجا ، وجعل بسيفه وسيبه (4) لكل ضيقة انفراجا. وبعد فقد قضت العقول ، وحكم المعقول والمنقول ، بأن هذه الخلافة العلية المجاهدة المتوكلية الفارسية (5) هي ظل الله الممدود على الأنام ، وحبّله الذي به الاعتصام ، وفي سلك طاعته يجب الانتظام ، فهي
    __________________
    (3) أبو عنان فارس : هو الملك الذي كان يتربع على كرسي الحكم في الوقت الذي حررت فيه هذه المذكرات بأمره (عام 757 ـ 1356) على ما عرفناه ... ويلاحظ نعت السلطان أبي عنان بالخليفة وهو اللقب الذي سنعرف عنه بعد قليل ...
    (4) السّيب : العطاء ، ولعل الإشارة إلى فترات امتداد حكم بني مرين وعلى رأسهم أبو عنان فارس إلى باقي بلاد المغرب الكبير ... د. عبد الهادي التازي : التاريخ الدپلوماسي للمغرب ، المجلد السادس والسابع 1407 ـ 1987 ـ 1408 ـ 1988 رقم الإيداع القانوني : 25 / 1986 مطابع فضالة ـ المحمدية (المغرب).
    (5) الفارسية نسبة إلى السلطان فارس ، أبي عنان ، سالف الذكر وقد حرفت الكلمة عند ناشر مغربيّ إلى الفاسية ، وأتى بعده ناشر مشرقي فعلق قائلا : " إن الفاسية" نسبة إلى مدينة فاس!!
    هذا وقد علّق الپروفسور گيب على نعت (الخليفة) الذي أضفاه ابن جزي على السلطان أبي عنان ... بأن عددا من الأمراء انتحلوا لقب الخليفة بعد اختفاء الخلافة في بغداد عام 656 ـ 1258 ، ويضيف إلى هذا أن أبا عنان هو الأول الذي تغلب على اللقب في عائلته .. ونعتقد أن هذا الكلام يحتاج إلى تحرير أكثر دقة فنحن نعلم أن المغاربة لا يجدون كثير فرق في اللقب بالخليفة أو أمير المؤمنين أو أمير المسلمين وقد وجدنا أن الأمير عليا بن يوسف بن تاشفين (ت 537 ـ 1427) لقّب بالخليفة وبأمير المؤمنين والمسلمين. د. التازي : تاريخ جامع القرويين ، طبع دار الكتاب اللبناني 1972 ج II ص 121 ـ 134 ـ بلاد الشام في الوثائق الدپلوماسية المغربية ـ تاريخ بلاد الشام ـ نشر الجامعة الأردنية 1974 ص 447. الأمير مرهف المنقذى في سفارته لدى الخليفة المنصور بحث قدم للمؤتمر الدولي السادس لتاريخ بلاد الشام ونشرته مجلة الأكاديمية عدد 11 سنة 1994.
    Gibb : The travels of Ibn Battuta 8591., T. I P. 3 Note 9.

    التي أبرأت الدين عند اعتلاله ، وأغمدت سيف العدوان عند انسلاله ، وأصلحت الأيام بعد فسادها ، ونفّقت سوق العلم بعد كسادها وأوضحت طرق البر عند إنهاجها ، وسكّنت أقطار الأرض عند ارتجاجها وأحيت سنن المكارم بعد مماتها ، وأماتت رسوم المظالم بعد حياتها وأخمدت نار الفتنة عند اشتعالها ، ونقضت أحكام البغى عند استقلالها ، وشادت مباني الحق على عمد التقوى واستمسكت من التوكل على الله بالسبب الأقوى ، فلها العز الذي عقد تاجه على مفرق الجوزاء ، والمجد الذي جز أذياله على مجرّة السماء ، والسعد الذي رد على الزمان غض شبابه ، والعدل الذي مد على أهل الإيمان مديد أطنابه ، والجود الذي قطّر سحابه اللجين والنضار ، والبأس الذي فيّض غمامه الدم الموّار ، والنصر الذي نفض كتائبه الأجل ، والتأييد الذي بعض غنائمه الدول ، والبطش الذي سبق سيفه العذل ، والأناة التي لا يملّ عندها الأمل ، والحزم الذي يسد على الأعداء وجوه المسارب ، والعزم الذي يفلّ جموعها قبل قراع الكتائب ، والحلم الذي يجني العفو من ثمر الذنوب ، والرفق الذي أجمع على محبّته بنات القلوب ، والعلم الذي يجلو نوره دياجي المشكلات ، والعمل المقيّد بالاخلاص والأعمال بالنيات. ولما كانت حضرته العلية مطمح الآمال ، ومسرح همم الرجال ، ومحط رحال الفضائل ، ومثابة أمن الخائف ومنية السائل ، توخّى الزمان خدمتها ببدائع تحفه ، وروائع طرفه ، فانثال عليها العلماء انثيال جودها على الصفاة ، وتسابق إليها الأدباء تسابق عزماتها إلى العداة ، وحج العارفون ، حرمها الشريف ، وقصد السائحون ، استطلاع معناها المنيف ، ولجأ الخائفون إلى الامتناع بعز جنابها ، واستجارت الملوك بخدمة أبوابها ، فهي القطب الذي عليه مدار العالم ، وفي القطع بتفضيلها تساوت بديهة عقل الجاهل والعالم ، وعن ماثرها الفائقة يسند صحاح الآثار كلّ مسلم ، وبإكمال محاسنها الرائقة يفصح كلّ معلم. وكان ممن وفد على بابها السامي (6) ، وتعدّى أو شال البلاد إلى بحرها الطامي ، الشيخ الفقيه السائح الثقة الصدوق جوّاب الأرض ، ومخترق الاقاليم بالطول والعرض ، أبو عبد الله محمد ابن عبد الله بن محمد بن ابراهيم اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة ، المعروف في البلاد الشرقية بشمس الدين ، وهو الذي طاف الأرض معتبرا وطوى الأمصار مختبرا ، وباحث فرق الأمم وسبر سير العرب والعجم ثم ألقى عصا التّسيار بهذه الحضرة العليا ، لما علم أن لها مزية الفضل دون شرط ولا ثنيا ، وطوى المشارق إلى مطلع بدرها بالمغرب ، وآثرها على الأقطار إيثار التّبر على التّرب ، اختيارا
    __________________
    (6) هذه الفقرات التي تشيد بابن بطّوطة وبمصداقيته وكفاءته تؤكد ـ إن كنا في حاجة إلى تأكيد ـ أن هذه المقدمة كلها من عمل أبي عبد الله ابن جزي ، وليست من عمل ابن بطوطة كما توحي بذلك" المقدمة" الذي تتصدّر سائر النسخ المطبوعة!!

    بعد طول اختبار البلاد والخلق ، ورغبة في اللّحاق ، بالطائفة التي لا تزال على الحق ، فغمره من إحسانها الجزيل ، وامتنانها الحفيّ الحفيل ، ما أنساه الماضي بالحال ، وأغناه عن طول التّرحال ، وحقّر عنده ما كان من سواها يستعظمه ، وحقق لديه ما كان من فضلها يتوهمه ، فنسى ما ألفه من جولان البلاد ، وظفر بالمرعى الخصب بعد طول الارتياد.
    ونفذت الإشارة الكريمة بأن يملي ما شهده في رحلته من الأمصار ، وما علق بحفظه من نوادر الأخبار ويذكر من لقيه من ملوك الأقطار ، وعلمائها الأخيار وأوليائها الأبرار ، فأملى من ذلك ما فيه نزهة الخواطر ، وبهجة المسامع والنواظر ، من كل غريبة أفاد باجتلابها ، وعجيبة أطرف بانتخابها ، وصدر الأمر العالي لعبد مقامهم الكريم ، المنقطع إلى بابهم ، المتشرف بخدمة جنابهم ، محمد (7) بن محمد (Cool بن جزي الكلبي أعانه الله على خدمتهم ، وأوزعه شكر نعمتهم ، بأن يضم أطراف ما أملاه ، الشيخ أبو عبد الله ، من ذلك في تصنيف يكون على فوائده مشتملا ، ولنيل مقاصده مكمّلا ، متوخيا تنقيح الكلام وتهذيبه ، معتمدا إيضاحه وتقريبه ، ليقع الاستمتاع بتلك الطّرف ، ويعظم الانتفاع بدرّها عند تجريده عن الصدف ، فامتثل ما أمر به مبادرا ، وشرع في منهله ليكون ، بمعونة الله ، عن توفية الغرض منه صادرا ، ونقلت معاني كلام الشيخ أبي عبد الله بألفاظ موفية للمقاصد التي قصدها ، موضّحة للمناحي التي اعتمدها ، وربما أوردت لفظه على وضعه فلم أخلّ بأصله ولا فرعه ، وأوردت جميع ما قيده من الحكايات والأخبار ، ولم أتعرض لبحث عن حقيقة ذلك ولا اختبار ، على أنه سلك في إسناد صحاحها أقوم المسالك ، وخرج عن عهدة سائرها بما يشعر من الألفاظ بذلك ، وقيّدت المشكل من أسماء المواضع والرجال بالشكل والنقط ، ليكون أبلغ في التصحيح والضبط ، وشرحت ما أمكنني شرحه من الأسماء الأعجمية لانها تلتبس بعجمتها على الناس ، ويخطئ في فك معماها معهود القياس ، وأنا أرجو أن يقع ما قصدته من المقام
    __________________
    (7) هو أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم محمد بن أحمد ابن جزيّ الكلبيّ (الشاعر الكاتب) ... استكتبه أبو الحجاج يوسف ابن الأحمر ثم تغيّر عليه ـ ففارقه إلى المغرب ، آخر عام 753 وحظي بمكانة عند السّلطان أبي عنان ، وهو الذي أملى عليه ابن بطوطة رحلته بأمر السلطان أبي عنان فكان الفراغ من كتبها في صفر 757 يبراير 1356 وقد ذكر المقري في أزهار الرياض (3 ، 189 ـ 195) أنه ـ أي ابن جزي ـ توفي يوم التاسع والعشرين من شوال عام 757 (25 أكتوبر 1356) أي في أواخر السنة التي أنهى فيها كتابة الرحلة. راجع المقدمة.
    (Cool هو أبو القاسم محمد بن أحمد بن عبد الله ابن جزي الكلبي ، من أعيان فقهاء الأندلس ، وهو صاحب تفسير" التسهيل لعلوم التنزيل" وكتاب القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية" وتقريب الوصول إلى علم الأصول و" الفوائد العامة في لحن العامة" .. قال المقري : فقد وهو يحرّض الناس يوم معركة طريف عام 741 ـ 1340.

    العلي أيده الله بمحلّ القبول ، وأبلغ من الإغضاء عن تقصير المأمول ، فعوائدهم في السماح جميلة، ومكارمهم بالصفح عن الهفوات كفيلة ، والله تعالى يديم لهم عادة النصر والتمكين ويعرفهم عوارف التأييد والفتح المبين بمنه وحوله.
    (قال ابن بطوطة)
    قال الشيخ أبو عبد الله : كان خروجي (9) من طنجة مسقط رأسي في يوم الخميس الثاني من شهر الله رجب الفرد عام خمسة وعشرين وسبعمائة معتمدا حج بيت الحرام ، وزيارة قبر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام منفردا عن رفيق انس بصحبته ، وركب أكون في جملته (10) ، لباعث من النفس شديد العزائم ، وشوق إلى تلك المعاهد الشريفة كامن في الحيازيم ، فجزمت أمري ولم ابن على السكون ، وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكون (11) ، وكان والديّ بقيد الحياة فتحملت لبعدهما وصبا ، ولقيت كما لقيا نصبا ، وسنّى يومئذ اثنتان وعشرون سنة.
    قال ابن جزي أخبرني أبو عبد الله بمدينة غرناطة أن مولده بطنجة في يوم الاثنين السابع عشر من رجب الفرد سنة ثلاث وسبعمائة (12).
    رجع ، وكان ارتحالي في أيام أمير المؤمنين ، وناصر الدين ، المجاهد في سبيل رب العالمين الذي رويت أخبار جوده موصولة الأسناد بالإسناد ، وشهرت اثار كرمه شهرة واضحة الإشهاد وتحلّت الأيام ، بحلا فضله ، ورتع الانام ، في ظل رفقه وعدله ، الإمام المقدس
    __________________
    (9) هنا بداية مذكرات ابن بطوطة بعد الانتهاء من مقدمة ابن جزي ، وهذا التاريخ القمري يوافق من التاريخ الشمسي 14 يونيه 1325 ، ويلاحظ من الآن أن ابن بطوطة لم يكن مهتما بتقديم معلومات عن المدن المغربية : طنجة تلمسان ، وإنما أخذ في ذلك عندما ابتعد عن البلاد وشعر بالحاجة إلى تقديم الفائدة الجديدة ...
    (10) الإشارة إلى ركب الحاج المغربي الذي اعتادت الدولة المغربية أن تبعثه إلى الديار المقدسة في كل سنة حيث يرحل في شهور معينة في اتجاه مكة المكرمة ، فكان معظم الناس من مختلف الجهات المغربية ينتظر الانضمام إلى الركب ، لكن في الناس من كان يفضل أن يعتمد على وسائله الخاصة حتى لا يتقيّد بيومية معيّنة ، وفي هؤلاء الرحالة المغربي ابن بطوطة الذي نراه هنا يختار التوجه منفردا إلى تلك الديار ...
    محمد المنوني : ركب الحاج المغربي ، معهد مولاي الحسن ، تطوان. مطبعة المخزن 1953.
    (11) الوكون جمع وكن (بالنون) عش الطائر ، هذا وتحتوي نسحة باريز على جملة أخرى تقول : " فجزمت أمري عليهجر الإناث من الأحباب والذكور ، وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكور".
    (12) كان هذا التاريخ يوافق 24 يبراير 1304 ، وحول هذا اللّقاء الذي تم في غرناطة بمناسبة زيارة ابن بطوطة لها بعد عودته للمغرب راجع. (173 'IV)







    أبو سعيد (13) ابن مولانا أمير المؤمنين ، وناصر الدين ، الذي فل حدّ الشرك صدق عزائمه ، وأطفأت نار الكفر جداول صوارمه ، وفتكت بعبّاد الصليب كتايبه ، وكرمت في إخلاص الجهاد مذاهبه ، الإمام المقدس أبو يوسف بن عبد الحق (14) جدد الله عليهم رضوانه ، وسقى ضرايحهم المقدسة من صوب الحيا سحّه وتهتانه ، وجزاهم أفضل الجزاء عن الاسلام والمسلمين ، وأبقى الملك في عقبهم إلى يوم الدين ، فوصلت مدينة تلمسان (15) وسلطانها يومئذ أبو تاشفين عبد الرحمن بن موسى بن عثمان ابن يغمراسن ابن زيان (16) ، ووافقت بها رسولى ملك افريقية السلطان أبي يحيى رحمه‌الله (17) ، وهما قاضي الأنكحة بمدينة تونس أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن علي بن ابراهيم النفزاوي والشيخ الصالح أبو عبد الله
    __________________
    (13) أبو سعيد : هو جدّ السلطان أبي عنان وقد تولى الحكم من عام 710 إلى 731 ـ 1310 ـ 1331 وهو الذي أمر بإنشاء الأساطيل بدار الصناعة برسم جهاد الإفرنج ، وهو الذي بني بفاس مدرسة العطّارين ... د. التازي : جامع القرويين ج 2 ص 358 طبع دار الكتاب اللبناني ، بيروت 1972.
    (14) أبو يوسف يعقوب (656 ـ 667 ـ 1258 ـ 1286) هو الذي حقق أمنية والده عبد الحق الذي كان يهدف إلى إحلال قبيلة بني مرين كرسيّ السلطة ، هذا العمل الذي ابتدأه والده عبد الحق ، وبقية إخوته ، وهكذا جعل حدّا لدولة الموحدين باستلائه على مدينة مراكش عام 667 ـ 1269 ، وتشييده للمدينة الجديدة بفاس 674 ـ 1275 وتغلبه على ملوك قشتالة في استجه (Ecija) في نفس العام 674 ـ 1275.
    د. التازي : التاريخ الدپلوماسي للمغرب ، ج 7 ، ص 61. رقم الإيداع القانوني : 25 / 1986 مطابع فضالة ـ المحمدية.
    (15) تلمسان كانت عاصمة أنذاك لمملكة بني عبد الواد التي كان رئيسها هو السلطان أبو تاشفين الذي كان في حالة حرب مع الحفصيين بتونس ... وإذا ما رجعنا إلى ما قدّمه الادريسي عن تلمسان من معلومات على عهده فسنجد أنه ينعتها بأنها مدينة أزلية وأنه لم يكن في بلاد المغرب بعد مدينة أغمات وفاس أكثر من أهلها أموالا ولا أرفه منهم حالا ... وقد ذكر ابن الوزان (ليون الافريقي) أنها كانت تحتوي على ستة عشر ألف كانون على عهد أبي تاشفين 718 ـ 737 ـ 1318 ـ 1337.
    (16) بنو عبد الواد أو بنو عبد الواحد يرجعون في الأصل لنفس قبيلة زناتة التي ينتسب إليها بنو مرين. كان مؤسس هذه المملكة هو يغمراسن بن زيان (633 ـ 682 ـ 1236 ـ 1283) الذي كان عاملا في الأصل للدّولة الموحدية ، وأبو تاشفين المتحدت عنه كان قتل أباه وحل محلّه سنة 718 ـ 1318 ـ 1319.
    (17) القصد إلى أبي يحيى أبي بكر بن أبي زكرياء يحيى بن أبي إسحاق إبراهيم بن زكرياء (الأول) 1346) (718 ـ 746 ـ 1318 ـ العاهل الحفصي لتونس (افريقية) ، ونحن نعلم أنّ الحفصيين ـ وهم فرع من الدولة الموحدية ـ حكموا تونس ابتداء من عام 626 ـ 1228 إلى 976 ـ 1569 في شخص أبي زكرياء الأوّل.

    محمد بن الحسين بن عبد الله القرشي الزّبيدي (18) ، بضم الزاي ، نسبة إلى قرية بساحل المهدية ، وهو أحد الفضلاء ، وفاته عام أربعين.
    وفي يوم وصولي إلى تلمسان خرج عنها الرسولان المذكوران فأشار علي بعض الاخوان بمرافقتهما فاستخرت (19) الله عزوجل في ذلك ، وأقمت بتلمسان ثلاثا في قضاء مآربي ، وخرجت أجدّ السير في آثارهما فوصلت مدينة مليانة (20) وأدركتهما بها وذلك في إبان القيظ فلحق الفقيهين مرض أقمنا بسببه عشرا ، ثم ارتحلنا وقد اشتد المرض بالقاضي منهما فأقمنا ببعض المياه على مسافة أربعة أميال من مليانة ثلاثا ، وقضى القاضي نحبه ضحى اليوم الرابع ، فعاد إبنه أبو الطيب(21) ورفيقه أبو عبد الله الزّبيدي إلى مليانة فقبروه
    __________________
    (18) كان على الأمير أبي يحيى أبي بكر أن يقاوم طوال السنوات الأولى لإمارته ضدّ عدد من المنافسين ، وقد كان أحد هؤلاء المنافسين المعزّزين من لدن ملك تلمسان ـ تغلّب على مدينة تونس في رجب ـ شعبان 725 يونيه / يوليوز 1325 ، عندما كان الأمير أبو يحيى محاصرا في قسنطينة من لدن جيوش بني عبد الواد ...!
    وهكذا ففي هذه الفترة من التاريخ وجد ابن بطوطة في تلمسان ولقي بتلمسان السفارة التونسية التي عهد إليها ـ على ما يظهر ـ أن تقوم بالاتصال مع أبي تاشفين ليسحب مساندته للمناوئين لصاحب تونس ، والجدير بالذكر أن ابن خلدون ، الذي تحدث بتفصيل في تاريخه عن هذه الأحداث ، لم يتحدث عن هذه السفارة ..! كما أنه لم يأت بأسماء الذين ظلّوا غير معروفين لديه ...
    أما عن السفير النفزاوي قاضي الأنكحة فقد كان لابن بطوطة وحده فضل ترديده هنا ، وإن زملاءنا في تونس ليعتمدون فيما كتبوه حول هذا الموضوع على الرحالة المغربي إضافة إلى ما عند الأبي في إكمال الاكمال (ص 294) حسبما وقفت عليه بتونس في إحدى زياراتي لها عام 1982 ...
    أما عن الشخصية الثانية : الزّبيدي فنؤكد كذلك على أهمية معلومة ابن بطوطة حول هذه السفارة التي أهمل ابن خلدون ذكرها كما قلنا ... ابن القنفذ القسنطيني : الفارسية في مبادئ الدولة الحفصية تقديم وتحقيق محمد الشاذلي النيفر وعبد المجيد التركي ـ الدار التونسية للنشر 1968.
    عبد الرحمن عون : أطروحة حول الأبيّ صفحة 52 ـ 280 وقفت عليها بمكتبة كلية الشريعة بتونس ...
    المطوي : السلطنة الحفصية ، دار الغرب الاسلامي ، بيروت 1406 ـ 1986.
    (19) صلاة الاستخارة : تعني أن يقوم المسلم عند حال تردده في الاختيار بين أمرين ، مثلا : ـ بصلاة ركعتين : الأولى بالفاتحة وسورة الكافرون والثانية بالفاتحة وسورة قل هو الله أحد ، ثم يدعو : اللهمّ إن كنت تعلم أن هذا الأمر شرّ لي ... فاصرفه عني ... ويسمّي حاجته ... ثم يفعل ما ينشرح له صدره ... ويكرر هذا الدعاء ، حتى يظهر له وجه الصواب ...
    (20) تقع مليانة على وادي شلف شرقي المدينة ، وقد قال عنها الإدريسي : إنها قديمة البناء ، كريمة المزارع ، وقال عنها الحسن ابن الوزان : إنها كانت مدينة كبيرة بناها الرومان ، وإن سكانها يكادون يكونون كلهم صناعا نسّاجين أو خراطين ويصنع هؤلاء أواني من خشب في غاية الحسن ... وهي على بعد أربعين ميلا من البحر ...
    (21) هذه معلومات كذلك استأثر بها الرحالة ابن بطوطة إلى جانب الأبي في الإكمال 5 ، 370 ـ تراجع أطروحة الأستاذ عبد الرحمن عون حول الأبي (تونس). كلية الشريعة.





    بها وتركتهم هنالك وارتحلت مع رفقة من تجار تونس منهم الحاج مسعود بن المنتصر والحاج العدولي ومحمد بن الحجر فوصلنا مدينة الجزائر (22) وأقمنا بخارجها أياما إلى أن قدم الشيخ أبو عبد الله وابن القاضي فتوجّهنا جميعا على متّيجة (23) إلى جبل الزّان ، ثم وصلنا إلى مدينة بجاية (24) فنزل الشيخ أبو عبد الله بدار قاضيها أبي عبد الله الزواوي ونزل أبو الطيب ابن القاضي بدار الفقيه أبي عبد الله المفسر. وكان أمير بجاية إذ ذاك أبا عبد الله محمد بن سيّد الناس الحاجب (25) ، وكان قد توفي من تجار تونس الذين صحبتهم من مليانة محمد بن الحجر الذي تقدم ذكره وترك ثلاثة آلاف دينار من الذهب (26) ، وأوصى بها لرجل من أهل الجزائر يعرف بابن حديدة ليوصلها إلى ورثته بتونس فانتهى خبره لابن سيّد الناس المذكور فانتزعها من يده ، وهذا أول ما شاهدته من ظلم عمال الموحدين وولاتهم!
    ولما وصلنا إلى بجاية كما ذكرته أصابتني الحمّى فأشار عليّ أبو عبد الله الزّبيدي بالاقامة فيها حتى يتمكن البرء مني ، فأبيت ، وقلت : إن قضى الله عزوجل بالموت فتكون وفاتي بالطريق ، وأنا قاصد أرض الحجاز. فقال لي : أمّا إن عزمت فبع دابتك وثقل المتاع وأنا أعيرك دابة ، وخباء وتصحبنا خفيفا فإننا نجدّ السير خوف معرة العرب في الطريق! ففعلت هذا وأعارني ما وعد به ، جزاه الله خيرا ، وكان ذلك أول ما ظهر لي من الألطاف الالاهية ، في تلك الوجهة الحجازية.
    __________________
    (22) كانت مدينة الجزائر (العاصمة الحالية) تابعة لمملكة تلمسان ...
    (23) متّيجة :(Mittija) وليس منيجة كما حرفت عنه بعض الناشرين! علم جغرافيّ ، وليس اسما لأداة من أدوات النّقل كما ذكره بعض آخر من الناشرين! هضبات ممتدة جنوب مدينة الجزائر العاصمة شمال البليدة.
    ـ جبل الزّان (جبل البلوط) فهو القسم الشرقي لسلسلة جبال القبائل ... أنظر دائرة المعارف الاسلامية بالفرنسية مادة (مدية) ـ Medea.
    (24) بجاية : تكوّن في ذلك العصر واجهة للمملكة الحفصية ، هذا ويلاحظ إصرار ابن بطوطة على اعتبار سلاطين المنطقة على أنهم فقط «عمال الموحّدين وولاتهم»!!
    (25) عند ما استقر الأمر لأبي يحيى أبي بكر بتونس عين ولده أبا زكرياء واليا على بجاية ، ونظرا لصغر سنة عزّزه بموظف سام كان هو ابن سيّد الناس الذي ينحدر من عائلة عربية شهيرة باشبيلية وهو الذي سيصبح حاجبا للملك من تاريخ 727 ـ 732 ـ 1327 ـ 1332 وهو التاريخ الذي انتهت فيه حياته. ابن القنفذ : الفارسية ـ العروسي المطوي : السلطنة الحفصية.
    (26) وزن الدينار الذهبي يساوي مثقالا واحدا ، يعني حوالي 5 ، 4 گرام ذهبي ...





    وسرنا إلى أن وصلنا إلى مدينة قسنطينة (27) فنزلنا خارجها وأصابنا مطر جود إضطرنا إلى الخروج عن الأخبية ليلا إلى دور هنالك ، فلما كان من الغد تلقانا حاكم المدينة وهو من الشرفاء (28) الفضلاء يسمى بأبي الحسن (29) فنظر إلى ثيابي وقد لوّثها المطر فأمر بغسلها في داره وكان الإحرام(30) منها خلقا فبعث مكانه إحراما" بعلبكيا" وصرّ في أحد طرفيه دينارين من الذهب ، فكان ذلك أول ما فتح به علي في وجهتي. ورحلنا إلى أن وصلنا مدينة بونة (31) ونزلنا بداخلها وأقمنا بها أياما ثم تركنا بها من كان في صحبتنا من التجار لأجل الخوف في الطريق (32) ، وتجردنا للسير وواصلنا الجد وأصابتني الحمى فكنت أشد نفسي بعمامة فوق السرج خوف السقوط بسبب الضعف ولا يمكنني النزول من الخوف إلى أن وصلنا مدينة تونس فبرز أهلها للقاء الشيخ أبي عبد الله الزّبيدي ، ولقاء أبي الطيب ابن القاضي ابي عبد الله النفزاوي ، فأقبل بعضهم على بعض بالسلام والسؤال ، ولم يسلّم علىّ أحد لعدم معرفتي بهم فوجدت من ذلك في النفس ما لم أملك معه سوابق العبرة واشتد بكائي فشعر بحالي بعض الحجاج فأقبل عليّ بالسلام والإيناس. وما زال يؤنسني بحديثه حتى دخلت المدينة ونزلت منها بمدرسة الكتبيين (33).
    __________________
    (27) يلاحظ أن ابن بطوطة وصل إلى قسنطينة بعد رفع الحصار الذي كان مضروبا عليها والذي استمر طوال نصف شهر، حسب المعلومات التي قدمها إلينا ابن خلدون وابن القنفذ.
    (28) نعت (الشريف) بالمغرب يدل على المعنى الذي تقصده كلمة" السيّد" في المشرق ، اعني المنحدر من السيدة فاطمة الزهراء بنت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.
    (29) كانت ولاية قسنطينة مسندة أيضا للأمير أبي عبد الله محمد أحد أبناء أبي يحيى أبي بكر الحفصي ، ولكنه نظرا لصغر سنة عزز كذلك بأحد أرباب الدولة ، وربما كان أبا الحسن أحد أولئك القواد ، ابن القنفذ : الفارسية.
    (30) لا يقصد بالإحرام هنا الثوب الذي يرتديه الحاجّ (الغير المخيط والمحيط) ، ولكن القصد إلى ثوب يجعل على الرأس ويمتدّ إلى الأكتاف على نحو الطيلسان ...
    (31) بونة هي بالذات عنابة ، وقد كان واليها أيضا على ذلك العهد الأمير الفضل أحد أبناء أبي يحيى أبي بكر على نحو تعيين ولده أبي العباس بقفصة وولده خالد بالمهدية وولده أبي فارس بسوسة ... ابن القنفذ : الفارسية.
    (32) الاشارة هنا إلى الحرب الأهلية التي كانت تشهدها المنطقة بين الزّعماء المحليين وأنصارهم ... ابن القنفذ : الفارسية ...
    (33) لا ينبغي أن نغفل هنا دور هذه المنشآت التي عرفت بالمدارس ، إنها ـ في الواقع ـ عبارة عن" أحياء جامعية" تؤوي الطلاب من سائر الجهات حيث يتكونون ليصبحوا أطرا هامة في الدولة ... وقد عرفت مختلف جهات المغرب الكبير عددا من هذه المدارس ، وخاصة عهد بني حفص وعهد بني عبد الواد وبني مرين. أما عن مدرسة الكتبيين بمدينة تونس فيظهر أنها المدرسة التي بناها الأمير أبو زكرياء المتوفى عام 700 ه‍. ـ ابن القنفذ : الفارسية ، صفحة 155 المصدر السابق.

    قال ابن جزي : أخبرني شيخي قاضي الجماعة أخطب الخطباء أبو البركات محمد بن محمد بن ابراهيم السلمي ، هو ابن الحاج البلفيقي (34) أنه جرى له مثل هذه الحكاية ، قال : قصدت مدينة بلش (35) من بلاد الأندلس في ليلة عيد برسم رواية الحديث المسلسل بالعيد عن أبي عبد الله بن الكماد وحضرت المصلّى مع الناس فلما فرغت الصلاة والخطبة أقبل الناس بعضهم على بعض بالسلام وأنا في ناحية لا يسلم عليّ أحد فقصد إليّ شيخ من أهل المدينة المذكورة وأقبل عليّ بالسلام والإيناس ، وقال : نظرت إليك فرأيتك منتبذا عن الناس لا يسلّم عليك أحد ، فعرفت أنك غريب فأحببت إيناسك ، جزاه الله خيرا.
    ذكر سلطان تونس
    وكان سلطان تونس عند دخولي إليها السلطان أبو يحيى ابن السلطان أبي زكرياء يحيى ابن السلطان أبي اسحاق إبراهيم ابن السلطان أبي زكرياء يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص (36) رحمه‌الله ، وكان بتونس جماعة من أعلام العلماء ، منهم قاضي الجماعة بها
    __________________
    (34) البلفيقي : نسبة إلى حصن بلفيق (VELFIQUE) ، وقد ترجم غير واحد لهذه الشخصية الشهيرة في الأندلس والمغرب 664 ـ 772 ـ 1266 ـ 1369 ، وقد حلّاه المقري بنادرة الزمان ، كان من هواياته الغريبة المفضلة ملازمته للبناء يستمتع برؤية الطوب والأحجار بل وبالمشاركة الفعلية في بناء المساجد والآبار والحصون ، وقد افتخر بذلك في شعره ... وله صيغة فريدة في إنشاء عقد طلاق زوجته أمّ العباس عائشة بنت الوزير الكناني ، ومن النصائح المنقولة عنه : " أنّ العالم متى واظب على العطاء كثر علمه" ... وقد كان من المهام التي أسندت إليه سفارته لبلاط فاس لتعزية أبي بكر السعيد في والده السلطان أبي عنان ، وهنا أنشد :
    لما تبدّلت المجالس أوجها
    غير الذين عهدت من جلسائها

    أنشدت بيتا سائرا متقدّما
    والعين قد شرقت بجاري مائها

    " أمّا القباب ، فإنّها كقبابهم
    وأرى نساء الحيّ غير نسائها"!

    وقد كان قاضيا للجماعة عند زيارة ابن بطوطة للأندلس ...
    العباس ابن ابراهيم : الإعلام : ج 1 ص 154. المطبعة الملكية ـ الرباط 1974.
    المقري : نفح الطيب ، ج 1 ص 516 ص 471 تحقيق إحسان عباس. دار صادر ـ بيروت 1968.
    د. التازي : المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي ص 17 ـ 18 ـ 19 ، مطبعة النجاح الجديدة ـ البيضاء ، رقم الإيداع القانوني 701 ـ 1992.
    (35) بلش مالقة (VELEZMALAGA) تقع شرق مالقة غربي المنكّب.
    (36) كان والد أبي يحيى أبي بكر سلطانا لبجاية ، أما عن جده الأعلى الذي يحمل نفس الاسم والذي تملك الحكم من سنة 626 إلى 647 ـ 1228 ـ 1249 ، فقد كان هو المؤسس للدولة الحفصية بتونس على ما ذكرنا بعد الفصالة من الموحّدين ...





    أبو عبد الله (37) محمد ، بن قاضي الجماعة أبي العباس (38) أحمد ، بن محمد بن حسن ، بن محمد الأنصاري الخزرجي البلنسي الأصل ثم التونسي ، هو ابن الغمّاز ومنهم الخطيب أبو إسحاق إبراهيم بن حسين بن علي بن عبد الرفيع الرّبعي ، وولى أيضا قضاء الجماعة في خمس دول (39) ، ومنهم الفقيه أبو علي عمر بن علي بن قدّاح الهواري وولى أيضا قضاءها وكان من من أعلام العلماء (40) ، ومن عوائده أنه يستند كل يوم جمعة بعد صلاتها إلى بعض أساطين الجامع الأعظم المعروف بجامع الزيتونة (41) ويستفتيه الناس في المسائل ، فلما أفتى في أربعين مسألة انصرف عن مجلسه ذلك.
    وأظلني بتونس عيد الفطر فحضرت المصلى وقد احتفل الناس لشهود عيدهم وبرزوا
    __________________
    (37) عين أبو عبد الله محمد الغماز قاضيا بتونس منذ دخول أبي يحيى لهذه المدينة في يونيه عام 1318 ربيع الثاني 718.
    الزركشي : تاريخ الدولتين ص 66 ـ 67 أطروحة عبد الرحمن عون حول الأبي سالفة الذكر.
    (38) كان أبو العباس ابن الغماز (الوالد) قاضيا في بجاية عام 659 ـ 1126 ، وعين قاضيا بتونس عام ـ 1279 678 وقد شغل هذه الوظيفة سبع مرات ، وقد سفر للمستنصر الحفصي لدى بعض ملوك المغرب ، توفي عام 693 ـ 1293 ـ العبدري : الرحلة 240. محمد محفوظ : تراجم المؤلفين التونسيين ، ج 3 ص 464 ـ دار الغرب الإسلامي ، بيروت 1404 ـ 1984. ـ محمد الحبيب الخوجة : الحياة الثقافية بإفريقية صدر الدولة الحفصية ، مجلة الكلية الزيتونية ـ العدد 4 ، 1976 ـ 1977 ـ عبد الرحمن عون : الإكمال مصدر سابق.
    (39) توفي الرّبعى سنة 735 ـ 1334 ، ولقد ورد ذكره كقاضي سنة 729 ـ 1329 ، ويلاحظ أن ابن حجر يقول عنه : إنه ابراهيم بن الحسن لا الحسين .. الدررI ، 23 وإن الدول الخمس ترجع بنا إلى عام 708 ـ 1309 .. محمد الحبيب الخوجة : المجلة الزيتونية عدد 1976 ـ 1977 ص 18 ـ 44 وانظر أطروحة عبد الرحمن عون حول الأبي. المعهد الأعلى لاصول الدّين ، جامعة الزيتونة ص 15 ـ 16 ـ 18 ـ 51 ـ 53.
    (40) لم يكن ابن قدّاح معروفا فقط بشهرته في إعطاء فتاويه الفقهية ، ولكن أيضا بالمنقبة التي تميّز بها وهو أنّه يعين الموظفين في الشؤون الإسلامية وذلك بهدف أن يجد منافذ لطلبة المدارس العلمية ويفسح للآخرين مجال الفائدة ، توفي 734 ـ 1333. ابن القنفذ : الفارسية. ابن حجر : الدررIII ، 179 وذكره الأبّي في إكمال الاكمال ـ وله" المسائل الفقهية التي حققها زميلنا د. محمد أبو الأجفان ونشرها مركز الدراسات الاسلامية بالقيروان.
    (41) يعتبر جامع الزيتونة الذي بني منذ عام 116 ـ 734 بتونس من أبرز المراكز الثقافية في الغرب الاسلامي ويأتي بعده جامع القرويين الذي أسس بفاس عام 245 ـ 859 ، ثم جامع الأزهر بمصر عام 359 ـ 970.
    وسيلاحظ أن الرحالة المغربي الذي يذكر الزيتونة ثم الأزهر ، لم يذكر جامع فاس القرويين الذي استمر في أداء رسالته العلمية دون انقطاع ...
    د. التازي : جامع القرويين ، المجلد الأول ص 133. الطبعة الأولى ، بيروت ، دار الكتاب اللبناني 1972.

    في أجمل هيئة وأكمل إشارة ووافى السلطان أبو يحيى المذكور (42) راكبا وجميع أقاربه وخواصه وخدام مملكته مشاة على أقدامهم في ترتيب عجيب وصليت الصلاة وأنقضت الخطبة وانصرف الناس إلى منازلهم.
    وبعد مدة تعين ركب للحجاز الشريف ، شيخه يعرف بأبي يعقوب السوسي ، من أهل إقلي (43) من بلاد إفريقية ، وأكثره المصامدة (44) ، فقدموني قاضيا بينهم ، وخرجنا من تونس في أواخر شهر ذي القعدة (45) سالكين طريق الساحل ، فوصلنا إلى بلدة سوسة وهي صغيرة حسنة مبنية على شاطىء البحر ، بينها وبين مدينة تونس أربعون ميلا (46) ، ثم وصلنا إلى مدينة صفاقس(47) وبخارج هذه البلدة قبر الإمام أبي الحسن اللخمي المالكي مؤلف كتاب التبصرة في الفقه (48).
    __________________
    (42) كان عيد الفطر لعام 725 يوافق 10 شتنبر 1325 ... وقد ذكر ابن خلدون في تاريخه أن دخول السلطان أبي يحيى أبي بكر لتونس كان في شوال ... مع أننا رأينا هنا ابن بطوطة يؤكد أنه رآه في هذا العيد ، بل ويذكر أبا يحيى كملك لهذه المدينة لما وصل لتونس في رمضان ، كما يذكر أن السفراء (الذين أهمل ابن خلدون ذكرهم أيضا) وصلوا في الوقت نفسه مع ابن بطوطة مما يحمل على الاعتقاد بأن ابن بطوطة كان أكثر قربا للحقيقة ، هذا وقد قدم لنا العمري تفصيلات مماثلة عن المراسيم السلطانية بتونس ... ابن خلدون : كتاب العبر ، ج 6 ص 767 ، طبعة دار الكتاب اللبناني 1985.
    (43) كلمة (إقلي) هي التي في سائر المخطوطات الموجودة في الخزانة الملكية بالرباط وبالخزانة الوطنية بباريز وخزانة الأكاديمية الملكية بمدريد وليشبونة ... ويرى الناشران D.S. أن القصد إلى (إقليبية) المعروفة قديما باسم (Clypea) ، وتعرف اليوم باسم قليبية وقد تصرف كيب في النص ورسمها منذ البداية : إقليبية (IQLIBIYA). السوسى نسبة إلى سوسة.
    (44) المصامدة : قبيلة أمازيغية تسكن القسم الغربي من الأطلس.
    (45) يوافق أول نونبر 1325.
    (46) سوسة مدينة كبيرة عتيقة بناها الرّومان (HADRUMETUM) واتخذها المسلمون قاعدة لنائب الوالي لما ملكوها وملكوا الشاطئ ، وموقع المدينة جميل وقد خصص لها الحسن ابن الوزان حديثا طريفا ووصف أهلها بأحسن النعوث وقال : إن جلّ أهلها بحّارون في السفن التجارية الذاهبة إلى الشرق ، وكذا يستعملون السفن القرصانية التي تهاجم مدن صقلية المجاورة أو غيرها من المدن الإيطالية ، وسائر السكان من النساجين والفخارين ...
    (47) صفاقص (Sfax) مدينة عتيقة بناها الأفارقة على ساحل المتوسط أيام كانوا يحاربون الرومان ، كانت كثيرة السكان ، لكنها أيام الحسن ابن الوزان لم يبق بها سوى ثلاثمائة إلى أربع مائة كانون ... يذهب بعض سكانها بسفنهم ليتجروا في مصروفي تركيا وقد انتسب إليها عدد من رجال العلم والفكر.
    (48) هو علي بن محمد الربعي أبو الحسن المعروف باللخمي ، فقيه مالكي له معرفة بالأدب والحديث ، قيرواني الأصل ، نزل صفاقس وتوفي بها عام 478 ـ 1085 صنف كتبا مفيدة ، من احسنها تعليق كبير على المدونة في فقه المالكية سماه : " التبصرة" أورد فيه أراء خرج بها عن المذهب.
    محمد محفوظ : تراجم المؤلفين التونسيين ج 4 ص 214.

    قال ابن جزي : في بلدة صفاقس يقول عليّ بن حبيب التّنوخى :
    سقيا لأرض صفاقس
    ذات المصانع والمصلّى

    فحمى القصير إلى الخليج (49)
    فقصرها السّامي المعلّى

    بلد يكاد يقول حين
    تزوره : أهلا وسهلا!

    وكأنه والبحر
    يحسر تارة عنه ويملا

    صبّ يريد زيارة
    فإذا رأى الرّقباء ولّى!!

    وفي عكس ذلك يقول الأديب البارع أبو عبد الله محمد بن أبي تميم وكان من المجدّين المكثرين :
    صفاقس لا صفا عيش لساكنها
    ولا سقى أرضها غيث إذا انسكبا

    ناهيك من بلدة من حلّ ساحتها
    عانى بها العاديين : الرّوم والعربا (50)!!

    كم ضلّ في البرّ مسلوبا بضاعته
    وبات في البحر يشكو الأسر والعطبا

    قد عاين البحر قبحا في جوانبها
    فكلّما همّ أن يدنو لها هربا!

    رجع ، ثم وصلنا إلى مدينة قابس (51) ونزلنا بداخلها وأقمنا بها عشرا لتوالي نزول الأمطار.
    __________________
    (49) يترجم كيب كلمة (المصانع) بالصهاريج والأحواض الأمر الذي يفسّر وفرة الماء بالمدينة ... وينبغي قراءة (فحمي) بالفاء حرف عطف ثم حمى ... وليس محمى بالميم أولا ...
    هذا ويضبط الناشران الأولان D.S. كلمة القصير على أنها تصغير قصر ويشكلها گيب بفتح القاف وكسر الصاد.
    (50) الاشارة إلى حركات القراصنة المتوالية على الساحل التّونسي واللّيبي مما سنرى ابن بطوطة عند عودته أيضا يشاهده! انظر كراتشكوفسكي : تاريخ الأدب الجغرافي العربي. تعريب صلاح الدين عثمان ، دار الغرب الإسلامي 1408 ـ 1987 ص 459.
    (51) يقدم ابن الوزان مدينة قابس على أنها من بناء الرومان على ساحل البحر المتوسط في داخل الخليج ... وأن نهب الاعراب لها أدى إلى انحطاطها ...
    وقد كان من أغرب ما قاله البكري عن قابس : أنها لم تكن لها مراحيض فيخرج أهلها للخلا ، وحينا يقف عليهم من يأخذ فضلاتهم للسماد وربما تنازع الواقفون على الفضلات فيعطيها صاحبها لمن يشاء! وكذلك نساؤهم لا يرين في ذلك حرجا إذا سترت إحداهن وجهها!! وقد وصفها التيجاني في رحلته بأنها جنة الدّنيا. يلاحظ أن التمجروتي نقل عن ابن بطوطة عنها ما لم يقله!!

    قال ابن جزي : في ذكر قابس يقول بعضهم :
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    رحلة ابن بطوطه Empty
    مُساهمةموضوع: رد: رحلة ابن بطوطه   رحلة ابن بطوطه Emptyالأربعاء أكتوبر 16, 2024 3:39 pm

    قال ابن جزي : في ذكر قابس يقول بعضهم :
    لهفي على طيب ليال خلت
    بجانب البطحاء من قابس

    كأن قلبي عند تذكارها
    جذوة نار بيدي قابس!

    رجع ، ثم خرجنا من مدينة قابس قاصدين طرابلس وصبّحنا في بعض المراحل إليها نحو مائةفارس أو يزيدون (52) ، وكان بالركب قوم رماة فهابتهم العرب وتحامت مكانهم وعصمنا الله منهم (53) ، وأظلنا عيد الأضحى (54) في بعض تلك المراحل ، وفي الرابع بعده وصلنا إلى مدينة طرابلس (55)! فأقمنا بها مدة ، وكنت عقدت بصفاقس على بنت لبعض أمناء تونس فبنيت عليها بطرابلس (56) ، ثم خرجت من طرابلس أواخر شهر المحرم من عام ستة وعشرين (57) ومعي أهلي وفي صحبتي جماعة من المصامدة ، وقد رفعت العلم ، وتقدمت عليهم وأقام الركب في طرابلس خوفا من البرد والمطر ، وتجاوزنا مسلاتة (58) ومسراتة (59)
    __________________
    (52) عوض (أو يزيدون) نقرأ في بعض المخطوطات عبارة : (من عرب يزيد) وهو ما في مخطوطة الأمير مولاي العباس المشار إليها في المقدمة ...
    (53) إن من يعرف عن هذه الفترة القلقة من تاريخ المنطقة وتنافس الأمراء والزعماء وتأثير الخلافات بين بني حفص وبني عبد الواد لا يجد غرابة في استهداف ركب الحاج للتهديدات التي أشار إليها الرحالة المغربي ... يراجع ابن خلدون في تاريخه كما يراجع ابن القنفذ في" الفارسية".
    (54) عيد الأضحى كان يوافق 17 نونبر 1325.
    (55) طرابلس عرفت في التاريخ بإضافة كلمة الغرب إليها تمييزا لها عن طرابلس الشام ، وقد تحدثت الموسوعات الجغرافية كثيرا عن طرابلس ، التي بناها الأفارقة إثر خراب طرابلس القديمة ، وقد كان بها ـ على ما يقول ابن الوزان ـ عدة جوامع وبعض المدارس والبيمارستانات لإيواء المساكين والغرباء ، ويتناول أهلها طعاما يعرف بالبازين الذي تتقن بعض الجهات هناك إعداده ولهم أشعار فيه طريفة ...
    د. التازي : أمير مغربي في طرابلس نشر المعهد الجامعي للبحث العلمي ، مطبعة فضالة 1976 ص 122 وما بعدها.
    (56) نلاحظ أن ابن بطوطة يبتدئ في طرابلس اللائحة الطويلة للزوجات اللّاتي اقترن بهن لفترات متوالية أثناء رحلته إن لم تكن الزوجة الأولى من طنجة!!
    (57) 24 محرم 726 توافق أول يناير 1326.
    (58) مسلاته : يذكر ابن الوزان أنه إقليم على شاطىء البحر المتوسط يكثر فيه النخيل وشجر الزيتون ، كان الإقليم على عهده يختار رئيسه من بين سكانه ويدير شؤون السلم والحرب ، هذا ويلاحظ هنا رفع العلم من لدن فريق من الحجاج كإشارة مميّزة لهم وهو ما لا نزال نلاحظه إلى اليوم في موسم الحج ...
    (59) مسراته أو مصراته : إقليم كذلك على شاطىء البحر المتوسط ، يتعاطى أهله التجارة ويقتنون البضائع التي تحملها إلى بلادهم سفن البندقية ...
    د. التازي : أمير مغربي في طرابلس ص 153 مصدر سابق.





    وقصور سرت (60) ، وهنالك أرادت الجمامزة من طوائف العرب (61) الإيقاع بنا ثم صرفتهم القدرة وحالت دون ما راموه من إذايتنا. ثم توسطنا الغابة (62) وتجاوزناها إلى قصر برصيص العابد إلى قبة سلّام (63) ، وأدركنا هنالك الركب الذين تخلفوا بطرابلس. ووقع بيني وبين صهري مشاجرة أوجبت فراق بنته ، وتزوجت بنتا لبعض طلبة فاس (64) وبنيت بها بقصر الزعافية (65) ، وأولمت وليمة حبست لها الركب يوما وأطعمتهم ...!
    __________________
    (60) يذكر البكري في المسالك والممالك أن سرت كانت عامرة مزدهرة بالتجارة في القرن الخامس الهجري ... ولهم نخل وبساتين وأبار عذبة وجباب كثيرة ... وقد وجدها ابن الوزان خربة لا يشاهد بها إلا آثار صغيرة من الأسوار.
    د. التازي : أمير مغربي في طرابلس ص 158.
    (61) هكذا في بعض النسخ ، والقصد على ما يظهر إلى ركّاب الجمّازة التي توجد في بعض النسخ وهي الناقة ... وفي بعض النسخ الاقتصار على كلمة طوائف العرب.
    (62) القصد بالغابة على ما يبدو إلى واحة صحراوية تنبث فيها بعض الأشجار ...
    (63) يذكر الطاهر الزاوي في كتابه (معجم البلدان الليبية) أنه توجد الآن قرية صغيرة شرقي مدينة بني غازي بنحو 45 ك. م. تسمى برسيس أو برسيسة ، ولا يبعد أن تكون هذه القرية أنشئت في مكان القصر الذي عناه ابن بطّوطة بقوله : " قصر برصيص العابد ، لأن الصحراء كانت ممتدة بعد سرت إلى هذا المكان وإلى ما بعده إلى الشرق ، ولان مدينة بني غازي لم تكن قد أنشئت أيام رحلة ابن بطوطة. وبرصيص هذا رجل من عبّاد بني إسرائيل وزهادهم ، وكان منقطعا للعبادة في صومعة ، فما زال به الشيطان حتى فتنه عن دينه وأخرجه منه ومات كافرا.
    وقد ذهب كثير من المفسرين إلى أن برصيص العابد هذا هو الإنسان الذي ذكره القرآن الكريم في قوله تعالى : " كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال : إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين" ، ولم يذكر أحد من هؤلاء المفسرين مكانه ولا أين كانت صومعته ، هذا ولم تحدد المصادر التي بين أيدينا كذلك العلم الجغرافي : (قبة سلام). معجم البلدان الليبية 1388 ـ 1968 مكتبة النور ـ طرابلس / ليبيا ص 268.
    (64) ابن بطوطة يتزوج فاسية بعد أن فارق الصفاقسية! ويلاحظ أن كلمة (طالب) تعني عند دولة الموحدين طبقة معينة في نظامهم ، وهي تعني عند دولة بني مرين فيما بعد معنى الكاتب.
    (65) قصر الزعافية ، لم أقف على تحديد هذا العلم الجغرافي ، فهل القصد إلى قصر الجفارة؟ راجع معجم البلدان الليبية. وقد وقفت في بعض المقيدات التي لا أذكر مصدرها أن القصر المذكور يقع في الجبل الأخضر.

    الفصل الثاني
    مصر
    مدينة الإسكندرية.
    من الاسكندرية إلى المحلّة الكبرى شرقا
    من المحلة الكبرى إلى القاهرة.
    مدينة القاهرة
    أعيان القاهرة
    من القاهرة إلى حدود البحر الأحمر جنوبا ...
    العدول عن طريق البحر الأحمر والعودة إلى سلوك درب الشام.





    ثم وصلنا في أول جمادى الأولى (1) إلى مدينة الاسكندرية ، حرسها الله ، وهي الثغر المحروس ، والقطر المأنوس ، العجيبة الشان ، الأصيلة البنيان ، بها ما شئت من تحسين وتحصين ، ومآثر دنيا ودين ، كرمت مغانيها ، ولطفت معانيها ، وجمعت بين الضخامة والإحكام مبانيها ، فهي الفريدة تجلّى سناها ، والخريدة تجلّى في حلاها ، الزاهية بجمالها المغرب ، الجامعة لمفترق المحاسن لتوسطها بين المشرق والمغرب ، فكلّ بديعة بها اجتلاؤها ، وكل طرفة فإليها انتقاؤها ، وقد وصفها الناس فأطنبوا ، وصنفوا في عجائبها فأغربوا (2) ، وحسب المتشوف إلى ذلك ، ما سطره أبو عبيد في كتاب المسالك (3).
    ذكر أبوابها ومرساها
    ولمدينة الاسكندرية أربعة أبواب باب السّدرة وإليه يشرع طريق المغرب ، وباب رشيد (4) ، وباب البحر ، والباب الأخضر ، وليس يفتح الا يوم الجمعة فيخرج الناس منه إلى زيارة القبور ولها المرسى العظيم الشأن ، ولم أر في مراسي الدنيا مثله إلا ما كان من مرسى كولم ، وقاليقوط ببلاد الهند ، ومرسى الكفار بسرداق ببلاد الاتراك ، ومرسى الزيتون ببلاد الصين (5) وسيقع ذكرها.
    __________________
    (1) التاريخ يوافق 5 أبريل 1326
    (2) يذكر خسرو علوى الذي زار مصر 444 ـ 1052 أن عدد السفن يناهز الألف سفينة (سفر نامه) ص 24 ويذكر ليوناردو فريسكو بالدي الذي زارها عام 1384 ، أن سكانها ستون ألفا ...
    (3) يعتبر الشيخ أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري من الجغرافيين المسلمين الأوائل الدين يرجع إليهم الفضل في التعريف بالتراث الجغرافي العربي ، وهو من أصل أندلسي (ت 487 ـ 1094) ، وقد اشتهر بموسوعته (المسالك والممالك) التي نشر جزء منها باسم" المغرب في ذكر افريقية والمغرب" عام 1857 من قبل البارون دوسلان وترجمه إلى الفرنسية ، كما نشرت منه قطع خاصة بالروس والصقلب ، هذا إلى تأليفه بعنوان" معجم ما استعجم" الذي قام بنشره عام 1876"Wustenfele Gottingen " ... يراجع كتاب الجغرافيا لابن سعيد المغربي ، تقديم وتحقيق : اسماعيل العربي ، الجزائر 1982.
    (4) باب رشيد الذي يؤدي إلى مدينة رشيد التي يسميها الإيطاليون روزيطو (Rosetto) ، وهي المدينة التي يذكر ابن الوزان أنه كان بها عند ما مرّ عظيم التّرك سليم لدى عودته من الاسكندرية ، صحبة حاشيته ليقف على الحمّام الجميل الذي كان يشتمل على عدد من سقايات الماء البارد والحار ... هذا وقد هدمت الأبواب الأربعة في القرن التاسع عشر ...
    (5) كولم (Quilon) وقاليقوط (Calicut) وسرداق المستودع الجنوي في القرم ، ومرسى الزيتون بالصين الذي سماه ماركو پولو و (caiton) وهو قانزهو (Quanzhou) الحالية ، كل هذه المواقع سياتي الحديث عنها مفصّلا.



    ذكر المنار
    قصدت المنار (6) في هذه الوجهة فرأيت أحد جوانبه متهدما ، وصفته أنه بناء مربع(7)ذاهب في الهواء وبابه مرتفع على الأرض وإزاء بابه بناء بقدر ارتفاعه ووضعت بينهما ألواح خشب يعبر عليها إلى بابه ، فإذا أزيلت لم يكن له سبيل ، وداخل الباب موضع لجلوس حارس المنار ، وداخل المنار بيوت كثيرة وعرض الممر بداخله تسعة أشبار (Cool وعرض الحائط عشرة أشبار وعرض المنار من كل جهة من جهاته الأربع مائة وأربعون شبرا ، وهو على تلّ مرتفع ، ومسافة ما بينه وبين المدينة فرسخ (9) واحد في بر مستطيل يحيط به البحر من ثلاث جهات إلى أن يتصل البحر بسور البلد فلا يمكن التوصل إلى المنار في البر إلا من المدينة ، وفي هذا البر المتصل بالمنار مقبرة الإسكندرية.
    وقصدت المنار عند عودتي إلى بلاد المغرب عام خمسين وسبعمائة (10) فوجدته قد استولى عليه الخراب بحيث لا يمكن دخوله ولا الصعود إلى بابه ، وكان الملك الناصر (11) رحمه‌الله قد شرع في بناء منار مثله بإزائه عاقه الموت عن إتمامه.
    __________________
    (6) وصف ابن بطوطة لمنار الاسكندرية كأنه مقتبس من الرحالة المغربي العبدري (688 ـ 689 ـ 1290 ـ 1291) فهل وقف ابن بطوطة على رحلة العبدري ..؟ وقد شبّه به المراكشي في كتابه (المعجب) منارة حسان بالرباط.
    (7) كثر حديث الناس عن منار الاسكندرية ونفضل أن نلخص مذكرات الرحالة المغربي العبدري عن المنار لانه زاره وتفحص معالمه ، قال : وقد دخلته وتأملته وما وصلت أعلاه إلا بعد جهد ...! أحاط به البحر شرقا وغربا ... وهو يرتفع عن الأرض نحو أربع قامات ... وفي داخل المنار عدة بيوت رأيتها مغلقة ، وسعة المنار فيه ستة أشبار وفي غلظ الحائط عشرة أشبار ذرعية من أعلاه ، وسعة المنار من ركن إلى ركن مائة وأربعون شبرا وفي أعلاه جامور كبير عليه آخر دونه ... وفوق الأعلى قبة مليحة يطلع إليها في درجة مشرعة إلى النواحي ، وانظر مع هذا صبح الأعشى للقلقشندي ج III ص 321 ـ 322.
    والجامور لفظ ما يزال حيا في الاستعمال المغربي ويعني ما ينصب في أعلى منارات المغرب من عمود يحتوي على تفاحات ثلاث في الأغلب تتفاوت في الحجم قد تكون من نحاس أو ذهب ... رحلة العبدري تحقيق وتقديم وتعليق : محمد الفاسي (منشورات جامعة محمد الخامس 1388 ـ 1968 ص 91 ـ 92.
    د. التازي : المسجد في المأثور الإسلامي (مسجد الحسن الثاني ص 333).
    (Cool الشبر يعادل 5 ، 22 سنتيما
    (9) الفرسخ يعادل 250 ، 5 م والكلمة دخيلة أصلها بالفارسية (PARSAN).
    (10) سنة 750 توافق 1349
    (11) الملك الناصر هو المعروف تحت اسم محمد بن قلاوون كان سلطانا ثلاث مرات ، وكان مملوكا في الأصل للملك الصالح ، ملك ما قبل الأخير من السلاطين الأيوبيين 638 ـ 647 ـ 1240 ـ 1249.



    ذكر عمود السواري
    ومن غرائب هذه المدينة عمود الرخام الهائل الذي بخارجها المسمى عندهم بعمود السواري(12) وهو متوسط في غابة نخل وقد امتاز عن شجراتها سموا وارتفاعا وهو قطعة واحدة محكمة النحت قد أقيم على قواعد حجارة مربعة أمثال الدكاكين العظيمة ولا تعرف كيفية وضعه هنالك. ولا يتحقق من وضعه.
    قال ابن جزي : أخبرني بعض أشياخي الرحالين أن أحد الرماة بالإسكندرية صعد إلى أعلى ذلك العمود ومعه قوسه وكنانته واستقر هنالك وشاع خبره فاجتمع الجمع الغفير لمشاهدته وطال العجب منه وخفى على الناس وجه احتياله واظنه كان خائفا أو طالب حاجة فأنتج له فعله الوصول إلى قصده لغرابة ما أتى به.
    وكيفية احتياله في صعوده أنه رمى بنشابة قد عقد بفوقها خيطا طويلا وعقد بطرف الخيط حبلا وثيقا. فتجاوزت النشابة أعلى العمود معترضة عليه ووقعت من الجهة الموازية للرامي فصار الخيط معترضا على أعلى العمود فجذبه حتى توسط الحبل أعلى العمود مكان الخيط فأوثقه من إحدى الجهتين في الأرض وتعلق به صاعدا من الجهة الأخرى واستقر بأعلاه وجذب الحبل واستصحب من احتمله فلم يهتد الناس لحيلته وعجبوا من شأنه.
    رجع. وكان أمير الاسكندرية في عهد وصولي إليها يسمى بصلاح الدين (13) ، وكان فيها أيضا في ذلك العهد سلطان إفريقية المخلوع وهو زكرياء أبو يحيى بن أحمد بن أبي حفص المعروف باللّحياني (14) ، وأمر الملك الناصر بإنزاله بدار السلطنة من الإسكندرية ، وأجرى له مائة درهم في كل يوم ، وكان معه أولاده : عبد الواحد ومصري واسكندري وحاجبه أبو زكرياء بن يعقوب ووزيره أبو عبد الله ابن ياسين ، وبالاسكندرية توفي اللحياني المذكور وولده الاسكندري وبقي مصري بها إلى اليوم.
    __________________
    (12) يراجع الإدريسي : النزهة ص 140 ويراجع المقريزي : الخطط ج 1 ص 159 ويسميه الصليبيون عمود بومپّي (Pompee)
    (13) القصد إلى صلاح الدّوادار (يعني الكاتب) حاكم الاسكندرية من سنة 724 ـ 729 ـ 1324 ـ 1329.
    (14) تملك ابن اللحياني بتونس من عام 711 إلى 717 ـ 1311 ـ 1318 ، وقد أقصيّ في هذا التاريخ من لدن أبي يحيى الذي كان على ذلك العهد سلطانا في بجاية ... وقد أدرك ابن اللحياني أجله بالاسكندرية عام 727 ـ 1327. نلاحظ ظاهرة اللجوء السياسي بمصر على ذلك العهد ...
    ـ الفارسية ، لابن القنفذ ص 159 ـ 163 ... مصدر سابق.
    ـ السلطنة الحفصية ، للعروسي المطوي. مصدر سابق



    قال ابن جزي : من الغريب ما اتفق من صدق الزّجر في اسمى ولدى اللحياني الإسكندري ومصري فمات الإسكندرى بها وعاش مصري دهرا طويلا بها ، وهي من بلاد مصر. رجع. وتحوّل عبد الواحد ببلاد الاندلس والمغرب وافريقية ، وتوفي هنالك بجزيرة جربة
    ذكر بعض علماء الإسكندرية
    فمنهم قاضيها عماد الدين الكندي إمام أيمة علم اللّسان ، وكان يعتم بعمامة خرقت المعتاد للعمائم لم أر في مشارق الأرض ومغاربها عمامة أعظم منها! رأيته يوما قاعدا في صدر محراب وقد كادت عمامته أن تملأ المحراب! ومنهم فخر الدين بن الرّيغي (15) وهو أيضا من القضاة بالإسكندرية فاضل من أهل العلم.
    حكاية [الفأل الحسن]
    يذكر أن جد القاضي فخر الدين الريغي كان من أهل ريغة واشتغل بطلب العلم ، ثم رحل إلى الحجاز فوصل الاسكندرية بالعشي ، وهو قليل ذات اليد ، فأحب أن لا يدخلها حتى يسمع فألا حسنا ، فقعد قريبا من بابها إلى أن دخل جميع الناس ، وجاء وقت سد الباب ولم يبق هنالك سواه فاغتاظ الموكّل بالباب من إبطائه ، وقال له متهكما : أدخل يا قاضي فقال : قاض إن شاء الله! ودخل إلى بعض المدارس ولازم القراءة وسلك طريق الفضلاء ، فعظم صيته وشهر اسمه وعرف بالزهد والورع ، واتصلت أخباره بملك مصر واتفق أن توفي قاضي الاسكندرية وبها إذ ذاك الجم الغفير من الفقهاء والعلماء وكلهم متشوف إلى الولاية ، وهو من بينهم لا يتشوف لذلك ، فبعث إليه السلطان بالتقليد وهو ظهير القضاء وأتاه البريد بذلك فأمر خديمه أن ينادي في الناس : من كانت له خصومة فليحضر لها. وقعد للفصل بين الناس ، فاجتمع الفقهاء وسواهم إلى رجل منهم كانوا يظنون أن القضاء لا يتعداه ، وتفاوضوا في مراجعة السلطان في أمره ومخاطبته بأن الناس لا يرتضونه! وحضر لذلك أحد الحذاق من المنجمين فقال لهم : لا تفعلوا ذلك فإني عدلت طالع ولايته وحققته فظهر لي أنه يحكم
    __________________
    (15) الرّيغي : هو أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الاسكندري فخر الدين المدعو بابن الرّيغي توفي سنة 767 ـ 1365 ، سمع من عبد الرحمن مخلوف بن جماعة والجلال بن عبد السلام وغيرهما وهو والد كمال الدّين الذي ولى قضاء الاسكندرية ... وريغة عند الادريسي قرية لها أرض متسعة وحروث ممتدة ... ولها سوق صالحة تقصد في يوم معلوم. وبها مياه كثيرة وعيون مطردة اما عند ياقوت فإن الكلمة بربرية معناها السّبخة. اقليم بقلعة بني حماد. ونسخ الدرر الكامنة تختلف بين الربعي والريغي. ابن حجر. الدرر الكامنة تحقيق محمد سيد جاد الحق ج I ص 289 ـ 290 ـ دار الكتب الحديثة ـ القاهرة طبعة ثانية 1385 ـ 1966.

    أربعين سنة ، فأضربوا عما همّوا به من المراجعة في شأنه. وكان أمره على ما ظهر للمنجم ، وعرف في ولايته بالعدل والنزاهة. ومنهم وجيه الدين الصنهاجي من قضاتها مشتهر بالعلم والفضل. ومنهم شمس الدين ابن بنت التنّيسي فاضل شهير الذكر ، ومن الصالحين بها الشيخ أبو عبد الله الفاسي من كبار أولياء الله تعالى ، يذكر أنه كان يسمع رد السلام عليه إذا سلم من صلاته ، ومنهم الامام العالم الزاهد الخاشع الورع خليفة (16) صاحب المكاشفات.
    ذكر كرامة له
    أخبرني بعض الثقات من أصحابه ، قال : رأي الشيخ خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في النوم ، فقال له يا خليفة زرنا. فرحل إلى المدينة الشريفة وأتى المسجد الكريم فدخل من باب السلام وحيّى المسجد وسلم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقعد مستندا إلى بعض سواري المسجد ووضع رأسه على ركبتيه ، وذلك يسمى عند المتصوفة التزييق (17) ، فلما رفع رأسه وجد أربعة أرغفة وآنية فيها لبن وطبقا فيه تمر فأكل هو وأصحابه وانصرف عائدا إلى الاسكندرية ولم يحج تلك السنة. ومنهم الامام العالم الزاهد الورع الخاشع برهان الدين الأعرج من كبار الزهاد ، وأفراد العبّاد ، لقيته أيام مقامي بالإسكندرية وأقمت في ضيافته ثلاثا.
    ذكر كرامة له
    دخلت عليه يوما فقال لي : أراك تحب السياحة والجولان في البلاد ، فقلت له : نعم إني أحب ذلك ، ولم يكن حينئذ خطر بخاطري التوغل في البلاد القاصية من الهند والصين ، فقال : لا بد لك إن شاء الله من زيارة أخي فريد الدين بالهند وأخي ركن الدين زكرياء بالسند وأخي برهان الدين بالصين! فإذا بلغتهم فأبلغهم مني السلام. فعجبت من قوله ، وألقي في روعي التوجه إلى تلك البلاد ، ولم أزل أجول حتى لقيت الثلاثة الذين ذكرهم وأبلغتهم سلامه. ولما
    __________________
    (16) القصد إلى خليفة بن عطية بن خليفة القريطي المنيالي أبو سعيد الاسكندراني الرجل الصالح الفقيه ... اشتغل في مذهب مالك فمهر وتصدر للتدريس بالاسكندرية فنفع الناس وشغل الطلبة إلى أن مات بالاسكندرية في رابع عشر ذي الحجة سنة 734 ـ غشت 1334 ذكره ابن جامع في معجمه. الدرر الكامنة 2 ص 183 ـ 184.
    (17) التّزييق : هذا هو الصواب على ما نجده في مخطوطة الخزانة الملكية ومخطوطة الأكاديمية الملكية بمدريد وهي مخطوطة گايانيگوس وليس الترفيق كما نجد في النسخة الباريزية التي نشرها الاثنان. D. S / يراجع دوزي مادة زيّق : Gibb : Travel ـ ـ ـ T.l P.32 Note 06.

    ودعته زوّدني دراهم لم تزل عندي محوطة ولم احتج بعد إلى إنفاقها إلى أن سلبها مني كفار الهنود فيما سلبوه لي في البحر. ومنهم الشيخ ياقوت الحبشي (18) من أفراد الرجال ، وهو تلميذ أبي العباس المرسي (19) ، وأبو العباس المرسي تلميذ ولي الله تعالى أبي الحسن الشاذلي الشهير ذي الكرامات الجليلة والمقامات العالية (20).
    كرامة لأبي الحسن الشاذلي
    أخبرني الشيخ ياقوت عن شيخه أبي العباس المرسي أن أبا الحسن كان يحج كل سنة ويجعل طريقه على صعيد مصر ، ويجاور بمكة شهر رجب وما بعده إلى انقضاء الحج ، ويزور القبر الشريف ويعود على الدرب الكبير إلى بلده ، فلما كان في بعض السنين وهي آخر سنة خرج فيها، قال لخديمه : استصحب فأسا وقفة وحنوطا وما يجهز به الميت ، فقال له الخديم : ولماذا يا سيدي؟ فقال له : في (حميثرا) سوف ترى ، وحميثرا بصعيد مصر في صحراء عيذاب (21). وبها عين ماء زعاق ، وهي كثيرة الضباع ، فلما بلغا حميثرا اغتسل الشيخ أبو الحسن وصلى ركعتين وقبضه الله عزوجل في آخر سجدة من صلاته ودفن هناك ،
    __________________
    (18) ياقوت الحبشي صوفيّ شهير بالكرامات التي تروى عنه ، أدركه أجله يوم 18 جمادى II 732 ـ 17 مارس 1332 بالاسكندرية حيث يزار قبره ويعرف باسم العرشي. ـ ابن تغرى بردى : النجوم الزاهرة. 592 ـ 1x الدرر الكامنة ج 5. 183. التازي : حول الإمام البوصيري جريدة العلم 26 / 9 / 1995
    (19) هو أحمد بن عمر المرسى ، أبو العباس ، شهاب الدين ، فقيه متصوف من أهل الاسكندرية ولأهلها فيه اعتقاد كبير إلى اليوم أصله من مرسية في الأندلس وقد توفي عام 686 ـ 1287. تاريخ الإسكندرية وحضارتها للدكتور السيد عبد العزيز سالم ـ دار المعارف 1969.
    (20) أبو الحسن علي بن عبد الله الشاذلي المغربيّ الأصل ، مؤسس الطريقة الشاذلية ، ولد في قبيلة شاذلة فنسب إليها ، ورحل إلى بلاد المشرق ودخل العراق ثم سكن بالإسكندرية وتوفي بصحراء عيذاب في طريقه إلى الحج عام 656 ـ 1258 ... ينتسب إلى الادارسة بالمغرب ، وفي رحلته لبلاد النوبة 1887 يتحدث بورخارت (Burckardt) عن وجود سهل في مصر العليا يحتوي على بعض الآبار الحلوة يحمل ذلك السهل اسم الشيخ الشاذلي ، يوجد هناك قبر لأحد الأولياء يقصده الناس للتبرك ...
    (21) يذكر التّجيبي أن حميثراء بئر لا يقيم ماؤها بالمعدة وينزل مسرعا ... وبإزائها قبر أبي الحسن الذي يقصده أهل القوافل للزيارة وقد تميزت معلومات ابن بطوطة بذكرها للقبرية. وقد كان ابن جبير نقل عن أصحاب المراكب في عيذاب أنهم يشحنون الحجاج في مراكب كأنها أقفاص الدجاج لا يبالون بما يصنع البحر بهم قائلين : علينا بالألواح وعلى الحجاج بالأرواح!!
    التجيبي : مستفاد الرحلة والاغتراب ، تحقيق عبد الحفيظ منصور. الدار العربية للكتاب ، ليبيا ـ تونس 1395 ـ 1975 ص 205. وقد وصف التجيبي مراكب هذا البحر بأنها في غاية من ضعف البنية! وقال : أنه ركبها مضطرا ومتوكلا على الله!
    ابن اياس : بدائع الزهور ، تحقيق محمد مصطفى ـ الهيئة ، المصرية للكتاب القاهرة 1402 ـ 1982 ، ص 20.



    قبره وعليه قبرية مكتوب فيها اسمه ونسبه متصلا إلى الحسن بن علي رضي‌الله‌عنه.
    ذكر حزب البحر المنسوب إليه
    كان يسافر في كل سنة كما ذكرناه على صعيد مصر وبحر جدة (22) فكان إذا ركب السفينة يقرأه كل يوم ، وتلامذته إلى الآن يقرءونه في كل يوم (23) ، وهو هذا : " يا الله ، يا عليّ يا عظيم ، يا حليم ، يا عليم ، أنت ربي وعلمك حسبي ، فنعم الرب ربي ، ونعم الحسب حسبي تنصر من تشاء وأنت العزيز الرحيم ، نسألك العصمة في الحركات والسكنات والكلمات والإرادات والخطرات من الشكوك والظنون والأوهام السّاترة للقلوب ، عن مطالعة الغيوب ، فقد ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ، وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ، فثبتنا وانصرنا وسخّر لنا هذا البحر كما سخرت البحر لموسى عليه‌السلام وسخّرت النار لابراهيمعليه‌السلام وسخرت الجبال والحديد لداوود عليه‌السلام وسخرت الريح والشياطين والجن لسليمان عليه‌السلام ، وسخر لنا كل بحر هو لك في الأرض والسماء ، والملك والملكوت وبحر الدنيا وبحر الآخرة، وسخر لنا كل شيء يا من بيده ملكوت كل شيء ، كهيعص (24) انصرنا فإنك خير الناصرين ، وافتح لنا فأنت خير الفاتحين ، واغفر لنا فإنك خير الغافرين ، وارحمنا فإنك خير الراحمين وارزقنا فإنك خير الرازقين واهدنا ونجّنا من القوم الظالمين ، وهب لنا ريحا طيبة كما هي في علمك ، وانشرها علينا من خزائن رحمتك ، واحملنا بها حمل الكرامة مع السلامة والعافية في الدّين والدنيا والآخرة ، إنك على كل شيء قدير ، اللهم يسّر لنا أمورنا مع الراحة لقلوبنا وأبداننا والسلامة والعافية في ديننا ودنيانا وكن لنا صاحبا في سفرنا ، وخليفة في أهلنا وأطمس على وجوه
    __________________
    (22) بحر جدة يقصد به البحر الأحمر ...
    (23) لقي حزب البحر اهتماما كبيرا لدى عدد كبير ممن لهم صلة بالبحر من المسلمين ، وقد وجدنا أن الدولة المغربية توصي ربابنة السفن بتلاوة هذا الحزب ، كما قرأنا أن العثمانيين جعلوا على تلاوته أوقافا خاصة في بغداد ... وقد ترجمه إلى الإنگليزية السير بيرطون Burton في عام 1893 في الفصل ll من تأليفه : PERSONAL NARRATIVE. هذا وقد وضعت على نهج حزب البرّ. وحزب البحر ، وردا أطلقت عليه (حزب الجو) نظرا لكثرة أسفاري جوّا!! نشرته بعض المجلات والصحف في المغرب والمشرق.
    د. التازي : حزب الجو ، دعوة الحق أبريل 1984 ـ جريدة الشرق الأوسط : 29 غشت 1988 / 3 أكتوبر 1988.
    (24) سورة الأحزاب 11 ـ فاتحة السورة رقم 19 : سورة مريم ، وقد كثر الكلام حول معنى كهيعص ...
    د. التازي : الرموز السرية ، نشر المعهد الجامعي للبحث العلمي ، ص 28 ـ 29 رقم الإيداع 332 ـ 1983.

    والعافية في ديننا ودنيانا وكن لنا صاحبا في سفرنا ، وخليفة في أهلنا وأطمس على وجوه أعدائنا وامسخهم على مكانتهم فلا يستطيعون المضيّ ولا المجيء الينا ، ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنّى يبصرون ، ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون (25) يس شاهت الوجوه ، وعنت الوجوه للحي القيوم ، وقد خاب من حمل ظلما (26) ، طسّ (27) ، حم عسق (28) ، مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان (29) ، حم حم حم حم حم حم حم (30) ، حمّ الأمر وجاء النصر ، فعلينا لا ينصرون ، حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل الثوب شديد العقاب ذي الطول ، لا إله إلّا هو ، إليه المصير (31) ، بسم الله بابنا تبارك حيطاننا ، يسّ سقفنا ، كهيعص كفايتنا ، حم عسق حمايتنا ، فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ، (32) ستر العرش مسبول علينا ، وعين الله ناظرة" إلينا ، بحول الله لا يقدر علينا ، والله من ورائهم محيط ، بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ (33) ، الله خير حفظا وهو أرحم الرّاحمين ، إن وليّى الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ، حسبي الله لا إله إلا هو ، عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ، بسم الله الذي لا يضرّ مع اسمه شيء" في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم. له معقّبات" من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله (34) ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
    حكاية
    وممّا جرى بمدينة الاسكندرية سنة سبع وعشرين ـ وبلغنا خبر ذلك بمكة شرفها
    __________________
    (25) هاتان آيتان تحملان رقم 66 / 67 من السورة رقم 36 : سورة يس.
    (26) الآية (وعنت الوجوه) من السورة رقم 20 : سورة طه ، الآية رقم 111. هذا ويوجد في النسخة الباريزية قبل هذه الآية حرفان : عين وميم ، ونحن نعلم أنه لا يوجد أثر لهذه الكلمة سوى في عمّ يتساءلون تعليق 88
    (27) طس : بهذين الحرفين تبتدىء السورة رقم 27 : سورة النمل.
    (28) حم عسق بهذه الحروف الخمسة تبتدىء السورة رقم 42 : سورة الشورى.
    (29) السورة رقم 55 : الرحمن ، الآية 19 ـ 20.
    (30) حرفا حاء ميم يتكرران سبع مرات في سبع سور من القرآن : ابتداء من السورة : 40 سورة غافر وانتهاء بالسورة : 46 (سورة الاحقاف) ...
    (31) السورة رقم (40) ، الآيتان 2 / 3.
    (32) السورة رقم (2) الآية 137 ...
    (33) السورة رقم (85) الآية 20 / 21.
    (34) السورة رقم (13) الآية 11.

    بالكركي (35) فذهب إلى حماية الروم ، وأمر بالمسلمين فحضروا بين فصيلي باب المدينة ، وأغلق دونهم الأبواب نكالا لهم فأنكر الناس ذلك وأعظموه وكسروا الباب وثاروا إلى منزل الوالي فتحصّن منهم وقاتلهم من أعلاه ، وطيّر الحمام (36) بالخبر إلى الملك الناصر فبعث أميرا يعرف بالجمالي (37) ثم أتبعه أميرا يعرف بطوغان ، جبار قاسي القلب متهم في دينه ، يقال : إنه كان يعبد الشمس ، فدخلا إسكندرية وقبضا على كبار أهلها وأعيان التجار بها كأولاد الكوبك وسواهم وأخذا منهم الأموال الطائلة وجعلت في عنق القاضي عماد الدين الكندي جامعة حديد ، ثم أن الأميرين قتلا من أهل المدينة ستة وثلاثين رجلا وجعلوا كل رجل قطعتين وصلّبوهم صفين وذلك في يوم جمعة.
    وخرج الناس على عادتهم بعد الصلاة لزيارة القبور وشاهدوا مصارع القوم فعظمت حسرتهم وتضاعفت أحزانهم وكان في جملة أولئك المصلوبين تاجر كبير القدر يعرف بابن رواحة وكان له قاعة معدة للسلاح فمتى كان خوف أو قتال جهز منها الماية والمايتين من الرجال بما يكفيهم من الاسلحة.
    __________________
    (35) القصد إلى الأمير ركن الدين الكركي ... وقد تعرض لهذه الحادثة التي جرت سنة 727 ـ 1327 أكثر من مؤلف من أمثال المقريزي في الخطط والسلوك ، والنويري في نهاية الأرب ... وها نحن نرى ابن بطوطة في صدر من يهتم بهذا الحدث في التاريخ الدّولي للإسلام ...
    وفي هذه الحادثة يقول ابن الوردي :
    تبارك الله ذو الجلال لقد
    ادهش عقلي في زماننا الفاسد

    مصادرات جرت وسفك دما
    وأصلها ضرب كافر واحد!

    هذا ولم نتمكن من الوقوف على ترجمة الكركى ولا على ترجمة ابن رواحة ...
    د. السيد عبد العزيز سالم : تاريخ الاسكندرية وحضارتها صفحة 299.
    (36) استعمال الحمام الزاجل أو الحمام الرسائلي كما يسميه العمري في ذلك الوقت كوسيلة للبريد العاجل والآمن أمر معتاد وخاصة أيام الملك الناصر ، وقد كثر الحديث والتعليق على هذه الظاهرة الحضارية الرفيعة.
    ويذكر القلقشندي أن خلفاء الفاطميين بمصر قد بالغوا في الاهتمام بذلك حتى لأفردوا له ديوانا وجرائد بأنساب الحمام الأصيل ، وقد ظل يتسخدم في مصر قرونا طويلة على نحو ما كان يستعمل في الغرب الإسلامي ...
    (37) مغلطاي الجمالي ويعرف بخرز ومعناه الدّيك ، كان من مماليك الناصر فترقى إلى أن أمّره وندبه لعدة مهمات وأرسله أميرا على الحج عام 718 ثم ولى الوزارة ... ثم أرسله طلى الاسكندرية في الفتنة التي وقعت بها عام 727. ثم تنكر عليه الناصر وصرفه عن الوزارة ... في شوال 729 ... أدركه أجله بعقبة أيلة عام 730 ـ 1329 عائدا من الحج. الدرر ج 5 ص 124.

    وبالمدينة قاعات على هذه الصورة لكثير من أهلها ، فزلّ لسانه وقال للأميرين أنا أضمن هذه المدينة وكلما يحدث فيها أطالب به ، وأحوط على السلطان مرتّبات العساكر والرجال. فأنكر الاميران قوله ، وقالا : إنما تريد الثورة على السلطان! وقتلاه ... وانما كان قصده رحمه‌الله إظهار النصح والخدمة للسلطان ، فكان فيه حتفه.
    وكنت سمعت أيام كوني بالإسكندرية بالشيخ الصالح العابد المنقطع المنفق من الكون أبي عبد الله المرشدي (38) وهو من كبار الأولياء المكاشفين أنه منقطع بمنية ابن مرشد ، له هنالك زاوية هو منفرد فيها لا خديم له ولا صاحب ويقصده الأمراء والوزراء وتأتيه الوفود من طوائف الناس في كل يوم فيطعمهم الطعام ، وكل واحد منهم ينوي أن يأكل عنده طعاما أو فاكهة أو حلواء فيأتي لكل واحد بما نواه! وربما كان ذلك في غير إبانه ، ويأتيه الفقهاء لطلب الخطط فيولي ويعزل ، وذلك كله من أمره مستفيض متواتر ، وقد قصده الملك الناصر مرات بموضعه ، فخرجت من مدينة الاسكندرية قاصدا هذا الشيخ نفعنا الله به. ووصلت قرية تروجة (39) وضبطها بفتح التاء المعلوة والراء وواو وجيم مفتوح.
    وهي على مسيرة نصف يوم من مدينة الإسكندرية ، قرية كبيرة بها قاض ووال وناظر ، ولأهلها مكارم أخلاق ومروءة ، صحبت قاضيها صفي الدين وخطيبها فخر الدين وفاضلا من أهلها يسمى بمبارك وينعت بزين الدين ، ونزلت بها على رجل من العبّاد الفضلاء كبير القدر يسمى عبد الوهاب ، وأضافني ناظرها زين الدين ابن الواعظ ، وسألني عن بلدي وعن مجباه فأخبرته أن مجباه نحو اثني عشر ألفا من دينار الذهب ، فعجب ، وقال لي : رأيت هذه القرية؟ فإن مجباها اثنان وسبعون الف دينار ذهبا. وإنما عظمت مجابي ديار مصر لأن جميع أملاكها لبيت المال. ثم (40) خرجت من هذه القرية فوصلت مدينة دمنهور (41) وهي مدينة
    __________________
    (38) هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي المجد إبراهيم المرشدي كانت له همة في خدمة الناس وضيافتهم .. كان يتمتع بذكر جد طيب ... يفتي بلفظه لا بكتابه ، عظم شأنه في الدولة جدا حتى كان يكتب ورقة إلى كاتب السر والدويدار وغيرهما من أركان الدولة في المهمات فلا يستطيعون ردها! بات ذات يوم في عافية ، فأرسل إلى من حوله يدعوهم لامرهم فحضروا الزاوية فأبطأ فطلبوه فوجدوه ميّتا ، رمضان 737 ـ 1737 ، الدرر 4 ص 82 ـ 83 ـ 84.
    (39) يتحدث فريسكو بالدي عام 1384 عن مدينة مهدمة تقريبا ... بعد أن كانت مدينة غنية حافلة في العهد الماضي، كانت تسمى أنذاك تيورجيا (Tiourgia) وهي حاليا توروكا (Tourouga).
    (40) ترجع مداخيل تروجة وإقليمها بصفة مباشرة إلى الخزينة الخاصة بسلطان مصر ، وليست موزعة على شكل إقطاعات توزع على أعيان المملكة ، ومن الجدير بالذكر أن تحقيقا سجل عام 777 ـ 1375 يصدق تماما الأرقام التي قدمها لنا ابن بطوطة ـ الجغرافيا لابن سعيد المغربي ص 148.
    (41) يفيد ابن جبير أن مدينة دمنهور كانت محاطة بأسوار في سهل فسيح يمتد حتى الاسكندرية.
    رحلة ابن جبير : مكتبة الهلا ، بيروت 1981 ص 17.

    كبيرة جبايتها كثيرة ، ومحاسنها أثيرة ، أمّ مدن البحيرة (42) بأسرها ، وقطبها الذي عليه مدار أمرها، وضبطها بدال مهملة وميم مفتوحين ونون ساكنة وهاء مضمومة وواو وراء ، وكان قاضيها في ذلك العهد فخر الدين بن مسكين (43) من فقهاء الشافعية وتولى قضاء الاسكندرية لما عزل عنها عماد الدين الكندي بسبب الوقعة التي قصصناها ، وأخبرني الثقة أن ابن مسكين أعطى خمسة وعشرين الف درهم ، وصرفها من دنانير الذهب ألف دينار (44) ، على ولاية القضاء بالاسكندرية. ثم رحلنا إلى مدينة فوّا (45) وهذه المدينة عجيبة المنظر ، حسنة المخبر ، بها البساتين الكثيرة ، والفوائد الخطيرة الأثيرة ، وضبطها بالفاء والواو المفتوحين مع تشديد الواو ، وبها قبر الشيخ الولي أبي النجاة الشهير الاسم ، خبير تلك البلاد ، وزاوية الشيخ أبي عبد الله المرشدي الذي قصدته بمقربة من المدينة يفصل بينهما خليج هنالك ، فلما وصلت المدينة تعديتها ووصلت إلى زاوية الشيخ المذكور قبل صلاة العصر وسلّمت عليه ووجدت عنده الأمير سيف الدين يلملك(46) وهو من كبار الأمراء الخاصّكية. (47) وأول اسمه (يا) آخر الحروف ، ولامه الأولى مسكنة والثانية مفتوحة مثل الميم ، والعامة تقول فيه : الملك فيخطئون ، ونزل هذا الأمير بعسكره خارج الزاوية ، ولما دخلت على الشيخ رحمه‌الله قام إلى وعانقني ، وأحضر طعاما فواكلني ، وكانت عليه جبة صوف خضراء وعمامة صوف سوداء ، فلما حضرت صلاة العصر قدمني للصلاة إماما وكذلك لكل من حضرني
    __________________
    (42) البحيرة : الإقليم الذي يكوّن الشمال الغربي لدلتا النيل والذي يقتبس اسمه من بحيرة ماريوط. (Le Lac MARRIOTTE)
    (43) نقل ابن مسكين لقضاء الاسكندرية في محرم 731 أكتوبر 1330 بعد ثلاث سنوات.
    (44) الأضبط 250. 1 ، لأن الصرف العادي يقتضي أن يساوي الدينار عشرين درهما ...
    (45) تحدث الأستاذ حسن عبد الوهاب عن آثار الوجه البحري وخصّ آثار فوّا بجزء كبير من المقال الذي نشرته مجلة المجمع العلمي المصري في المجلد 38 ج 2 ـ 1956 ـ 1957 ـ خالد محمد عزب : (فوّه مدينة المساجد) رقم الإيداع بدار الكتب 9270 ـ 1989.
    (46) سيف الدّين هذا هو المعروف بآل ملك ، كان ممن سباه الظاهر بيبرس عند دخوله إلى بلاد الرّوم فوهبه للمنصور قلاون فوهبه المنصور لابنه ثم ترقى في الخدمة حتى أمّر ، ثم كان في أيام الناصر من أهل المشورة ، وكان يتردد بين المظفر والناصر وهو في الكرك فأعجبه عقله وأرسل إلى المصريين يقول لهم : لا يصل إلى رسول غيره ... ولي نيابة مصر فشدّد على من شرب الخمر! ثم أخرجه الكامل لنيابة دمشق ثم لحق به من توجه به إلى صفد ، ثم أمسك بغزة وجهز إلى الاسكندرية فاعتقل بها وأعدم أواخر عام 746 ـ 1346. ـ ابن حجر : الدررI ص 439 ـ 440.
    (47) كلمة الخاصكية مفردها خاصكي ، كلمة من أصل عربي مع تصغير فارسي ، وهي تعني بطانة السلطان فكان من أفرادها من يصل إلى مرتبة الأمراء ، على حسب درجاتهم المتنوعة. ـ د. عبد المنعم ماجد : نظم دولة سلاطين المماليك ورسومهم في مصر ، مكتبة الانجلو المصرية 1967 ، ص 14.

    عنده ، حين إقامتي معه من الصلاة. ولما أردت النوم قال لي : اصعد إلى سطح الزاوية فنم هنالك وذلك أوان القيظ ، فقلت للأمير : بسم الله ، فقال لي (وما منا إلا له مقام معلوم) (48) فصعدت السطح فوجدت به حصيرا ونطعا وآنية للوضوء وجرة ماء وقدحا للشرب. فنمت هنالك.
    كرامة لهذا الشيخ
    رأيت ليلتي تلك ، وأنا نائم بسطح الزاوية كأني على جناح طائر عظيم يطير بي في سمت القبلة ، ثم يتيامن ثم يشرق ثم يذهب في ناحية الجنوب ثم يبعد الطيران في ناحية الشرق وينزل في أرض مظلمة خضراء ويتركني بها فعجبت من هذه الرؤيا ، وقلت في نفسي : إن كاشفني الشيخ برؤياي فهو كما يحكى عنه! فلما غدوت لصلاة الصبح قدمني إماما لها ، ثم أتاه الأمير يلملك فوادعه وانصرف. وودعه من كان هناك من الزوار وانصرفوا أجمعين من بعد أن زودهم كعيكات صغارا. ثم صلى سبحة الضحى ، ودعاني وكاشفني برؤياي ، فقصصتها عليه فقال سوف تحج وتزور النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتجول في بلاد اليمن والعراق وبلاد الترك وبلاد الهند وتبقى بها مدة طويلة وستلقى بها أخي دلشاد الهندي ، ويخلّصك من شدة تقع فيها ، ثم زوّدني كعيكات ودراهم ووادعته وانصرفت ، ومنذ فارقته لم ألق في أسفاري إلا خيرا وظهرت علي بركاته ، ثم لم ألق فيمن لقيته مثله الا الولي سيدي محمد الموله ، بأرض الهند.
    ثم رحلنا إلى المدينة النّحرارية (49) وهي رحبة الفناء ، حديثة البناء ، أسواقها حسنة الرواء ، وضبطها بفتح النون وحاء مهمل مسكن وراءين ، وأميرها كبير القدر يعرف بالسّعدي وولده في خدمة ملك الهند وسنذكره ، وقاضيها صدر الدين سليمان المالكي
    __________________
    (48) السورة رقم 37 ، الآية 164 ـ النّطع : البساط من الجلد.
    (49) النّحرارية كانت مدينة هامة ، غنية بأسواقها وفنادقها حسبما يرويه ابن دقماق (ت 809 ـ 1407) الذي يسميها (النحريرية).

    من كبار المالكية (50) سفر عن الملك الناصر إلى العراق ، (51) وولى قضاء البلاد الغربية وله هيئة وصورة حسنة وخطيبها شرف الدين السخاوي من الصالحين. ورحلت إلى مدينة أبيار (52) وهي قديمة البناء ، أرجة الأرجاء ، كثيرة المساجد ، ذات حسن زائد ، وضبط اسمها بفتح الهمزة وإسكان الباء الموحدة وياء آخر الحروف وألف وراء ، وهي بمقربة من النّحرارية يفصل بينهما النيل وتصنع بأبيار ثياب حسان تغلو قيمتها بالشام والعراق ومصر وغيرها ، ومن الغريب قرب النحرارية منها والثياب التي تصنع بها غير معتبرة ولا مستحسنة عند أهلها.
    ولقيت بأبيار قاضيها عز الدين المليحي الشافعي وهو كريم الشمايل كبير القدر ، حضرت عنده مرة يوم الركبة وهم يسمعون بذلك يوم ارتقاب هلال رمضان. وعادتهم فيه ان يجتمع فقهاء المدينة ووجوهها بعد العصر من اليوم التاسع والعشرين لشعبان (53) بدار القاضي ويقف على الباب نقيب المتعمّمين ، وهو ذو شارة وهيئة حسنة ، فإذا أتى أحد الفقهاء أو الوجوه تلقاه ذلك النقيب ومشى بين يديه قائلا : بسم الله. سيدنا فلان الدين! فيسمعه القاضي ومن معه فيقومون له ويجلسه النقيب في موضع يليق به ، فإذا تكاملوا هنالك ركب
    __________________
    (50) صدر الدّين هذا هو سليمان بن ابراهيم بن سليمان بن داود بن عتيق بن عبد الجبار المالكي المربّقي ، ذكره ابن رافع في معجمه ... ولى قضاء الشرقية ثم الغربية من الديار المصرية وسار رسولا إلى بغداد عن الناصر محمد وقد أدركه أجله في شعبان 734 ـ أبريل 1334 ابن حجر : الدرر الكامنةII ص 335.
    (51) أرسلت هذه السفارة سنة 703 ـ 704 ـ 1304 من لدن السلطان محمد بن قلاون إلى إيلخان فارس والعراق السلطان محمد خدابنده أولجايتو في أعقاب سفارة وردت من الايلخان عند توليه الحكم بعد وفاة أخيه غازان خان ...
    حول محمد خدابنده انظر الدرر الكامنة 3 ، 468 ، وحول محمد بن قلاون انظر الدرر الكامنة كذلك وانظر تاريخ إيران بعد الإسلام تأليف عباس إقبال آشتياني بترجمة محمد علاء الدين منصور ، دار الثقافة والنشر والتوزيع 1989 ص 475. ـ د. السيد الباز العريني : المغول ، دار النهضة العربية ، بيروت 1406 ـ 1986 ص 331 ـ 334. ـ د. التازي : إيران بن الأمس واليوم 1404 ـ 1984 ، نشر المعهد الجامعي للبحث العلمي ص 64 وما بعدها ، دار الثقافة والنشر والتوزيع 1989 ص 475.
    (52) يتحدث ابن دقماق عن أبيار ويذكر أسواقها ويشيد بدقّة نسيجها ...
    (53) من خلال التنصيص على هذا التاريخ يلاحظ الذين يتابعون خطوات الرحالة المغربي من أمثال السير هاميلتون گيپ أن ابن بطوطة لم يقم بزيارة أبيار أثناء هذه السفرة بل في سفرة لا حقة ، وقد نبهنا في المقدمة إلى أن الرجل ربما حكى عن جهة من الجهات ما تم له في وقت غير الوقت الذي كان يحكي فيه ... ، هذا وقد تضمنت هذه الفقرات من الرحلة معلومة طريفة عن نقيب المتعممين ينبغي أن نضيفها إلى ما دوّن عن الزيّ على ذلك العهد د. عبد المنعم ما جد : نظم دولة سلاطين المماليك ورسومهم ... مكتبة الأنگلو مصرية 1967 ص 64.

    القاضي وركب من معه أجمعين وتبعهم جميع من بالمدينة من الرجال والنساء والعبيد والصبيان وينتهون إلى موضع مرتفع خارج المدينة ، وهو مرتقب الهلال عندهم ، وقد فرش ذلك الموضع بالبسط والفرش فينزل فيه القاضي ومن معه فيرتقبون الهلال ثم يعودون إلى المدينة بعد صلاة المغرب، وبين أيديهم الشمع والمشاعل والفوانيس ، ويوقد أهل الحوانيت بحوانيتهم الشمع ، ويصل الناس مع القاضي إلى داره ثم ينصرفون ، هكذا فعلهم كل سنة.
    ثم توجهت إلى مدينة المحلة الكبيرة (54) وهي جليلة المقدار ، حسنة الآثار كثير أهلها ، جامع بالمحاسن شملها ، واسمها بيّن ، وبهذه المدينة قاضي القضاة ، ووالي الولاة ، وكان قاضي قضاتها أيام وصولي إليها في فراش المرض ببستان له على مسافة فرسخين من البلد وهو عز الدين. بن خطيب الاشمونين (55) ، فقصدت زيارته صحبة نائبه الفقيه أبي القاسم ابن بنون المالكي التونسي ، وشرف الدين الدميري قاضي محلة منوف (56) وأقمنا عنده يوما. وسمعت منه ، وقد جرى ذكر الصالحين ، أن على مسيرة يوم من المحلة الكبيرة بلاد البرلس (57) ونسترو (58) ، وهي بلاد الصالحين وبها قبر الشيخ مرزوق صاحب المكاشفات ، فقصدت تلك البلاد ونزلت بزاوية الشيخ المذكور ، وتلك البلاد كثيرة النخل والثمار والطير البحري ، والحوت المعروف بالبوري ، (59) ومدينتهم تسمى ملطين (60) وهي على ساحل البحيرة
    __________________
    (54) المحلة الكبيرة هي بالذات المحلة الكبرى ، التي كانت منذ تلك الفترة من بين المراكز الهامة للتجارة في النسيج ، ومن المهم أن نعرف أن الاقتصاديّ المصري المعروف طلعت حرب اختار هذا المكان ليؤسس عام 1927 أضخم مصنع متكامل للمنتجات القطنية ... زرناه يوم 30 ـ 3 ـ 1995 رفقة أعضاء مجمع اللغة العربية فاكتشفنا جانبا هاما من الجوانب الصناعية والحضارية الكبرى لمصر ...
    (55) هو عبد العزيز بن أحمد بن عثمان الهكّاري ثم المصري الشافعي عماد الدّثين أبو العزّ بن تقي الدّين ، يعرف بابن خطيب الأشمونين سمع بمكة وبدمشق ، من تصانيفه الكلام على حديث المجامع في مجلدين صنف فيه ألف فائدة وفائدة ... أدركه أجله في ثامن رمضان 727 ـ 28 يوليه 1327 الدرر الكامنة 2 ، 478.
    (56) تقع مدينة منوف على نحو عشرين كيلومترا شمال طنطا.
    (57) تقع البرلّس في وسط الدلتا على ساحل البحر المتوسط ، وقد وصفها ابن حوقل (388 ـ 998) في المسالك والممالك بأنها مدينة كثيرة الصيد وبها حمامات جميلة.
    (58) يتحدث ابن حوقل عن نستروه كمدينة حسنة تقع على بحيرة البشمور وتحيط بها مياه ، كثيرة الصيود من السموك وعليها قبالة كبيرة للسلطان ، وبها قوم مياسير ، ويوصل إليها في المعدّيات إذا زاد الماء وإذا نضب وصل إليها بالجسور ، وقد قدم ابن دقماق معلومات عنها لا تخلو من فائدة.
    (59) البوري : منسوب إلى بلدة بورا بمصر بين تنّيس ودمياط ، وهذا النوع من السمك يكثر في البحر المتوسط والمحيط الأطلسي ... بيضه المملح هو الذي يعرف في مصر تحت اسم البطارخ (BOTTARGO) الإيطالي.
    (60) ملطين هي بالذات (BALTIM) وتعتبر دائما من أبرز مواقع إقليم البرلس.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    رحلة ابن بطوطه Empty
    مُساهمةموضوع: رد: رحلة ابن بطوطه   رحلة ابن بطوطه Emptyالأربعاء أكتوبر 16, 2024 3:43 pm

    الحارة فيطرحها في القدر التي يطبخ فيها السكر ثم يخرجها وقد امتلأت سكرا فينصرف بها.
    وسافرت من منلوي المذكورة إلى مدينة منفلوط (171) وهي مدينة حسن رواؤها ، مؤنق بناؤها ، على ضفة النيل ، شهيرة البركة ، وضبط اسمها بفتح الميم وإسكان النون وفتح الفاء وضم اللام وآخرها طاء مهمل.
    حكاية [منبر ملك الناصر]
    أخبرني أهل هذه المدينة أن الملك الناصر رحمه‌الله أمر بعمل منبر عظيم محكم الصنعة بديع الإنشاء برسم المسجد الحرام زاده الله شرفا وتعظيما ، فلما تم عمله أمر أن يصعد به في النيل ليجاز إلى بحر جدة ، ثم إلى مكة شرفها الله ، فلما وصل المركب الذي احتمله إلى منفلوط وحاذى مسجدها الجامع وقف وامتنع من الجري مع مساعدة الريح ، فعجب الناس من شأنه أشد العجب وأقاموا أياما لا ينهض بهم المركب فكتبوا بخبره إلى الملك الناصر رحمه‌الله ، فأمر أن يجعل ذلك المنبر بجامع مدينة منفلوط ففعل ذلك ، وقد عاينته بها.
    ويصنع بهذه المدينة شبه العسل يستخرجونه من القمح ويسمونه النّيدا (172) يباع بأسواق مصر.
    وسافرت من هذه المدينة إلى مدينة أسيوط (173) وهي مدينة رفيعة ، أسواقها بديعة ، وضبط اسمها بفتح الهمزة والسين المهملة والياء آخر الحروف وواو وطاء مهملة ، وقاضيها شرف الدين بن عبد الرحيم الملقب" بحاصل ما ثمّ" لقب شهر به ، وأصله أن القضاة بديار مصر والشام بأيديهم الأوقاف والصدقات لابناء السبيل فإذا أتى فقير لمدينة من المدن قصد
    __________________
    (171) تقع منفلوط على نحو عشرين كيلوميتر شمال أسيوط ، عرف بها ابن الوزّان وذكر أنه لا تزال بها أعمدة غليظة ومرتفعة وبوابات كتبت عليها أشعار باللغة المصرية ، ويعثر السكان فيها على مداليات تحمل على الوجه الواحد حروفا مصرية وعلى الوجه الآخر صورا لملوك قدامي ... ولا يوجد في الصعيد ما يضاهيها على حدّ تعبير ابن جبير.
    (172) النّيدا عبارة عن قمح ينقع في الماء لبضعة أيام ييبّسونه ويسحقونه ويطبخونه ...
    (173) كانت أسيوط مقر إقامة الحاكم العام لمصر العليا على ما يقوله ابن دقماق ، وسنرى أن ابن بطوطة يجعل مدينة قوص هي مقر الحاكم ، وقد تحدث ابن جبير عن أسوارها ، وبعد ذلك ذكر ياقوت أن بها نحوا من خمسة وسبعين كنيسة ...

    القاضي بها فيعطيه ما قدر له ، فكان هذا القاضي إذا أتى الفقير يقول له : (حاصل ما ثم)(174)! أي لم يبق من المال الحاصل شيء ، فلقّب بذلك ولزمه.
    وبها من المشايخ الفضلاء الصالح شهاب الدين بن الصباغ ، أضافني بزاويته ، وسافرت منها إلى مدينة إخميم (175) وهي مدينة عظيمة أصيلة البنيان ، عجيبة الشأن بها البربي المعروف باسمها ، وهو مبني بالحجارة في داخله نقوش وكتابة للأوائل ، لا تفهم في هذا العهد وصور الأفلاك والكواكب ، ويزعمون أنها بنيت والنسر الطائر ببرج العقرب ، وبها صور الحيوانات وسواها ، وعند الناس في هذه الصور أكاذيب لا يعرج عليها.
    وكان بإخميم رجل يعرف بالخطيب أمر على هدم بعض هذه البرابي وابتنى بحجارتها مدرسة ، وهو رجل موسر معروف بالإيثار ، ويزعم حساده أنه استفاد ما بيده من المال من ملازمته لهذه البربى. ونزلت من هذه المدينة بزاوية الشيخ أبي العباس بن عبد الظاهر ، (176) وبها تربة جدّه عبد الظاهر ، وله من الاخوة ناصر الدين ومجد الدين وواحد الدين ، ومن عادتهم أن يجتمعوا جميعا بعد صلاة الجمعة ومعهم الخطيب نور الدين المذكور وأولاده وقاضي المدينة الفقيه مخلص وسائر وجوه أهلها فيختمون القرآن ويذكرون الله إلى صلاة العصر ، فإذا صلوها قرأوا سورة الكهف ثم انصرفوا.
    وسافرت من إخميم إلى مدينة (هو) (177) مدينة كبيرة بساحل النيل ، وضبطها بضم الهاء، نزلت منها بمدرسة تقي الدين ابن السراج ورأيتهم يقرءون بها في كل يوم بعد صلاة الصبح حزبا من القرآن ثم يقرءون أوراد الشيخ أبي الحسن الشاذلي وحزب البحر وبهذه المدينة السيد الشريف أبو محمد عبد الله الحسنى من كبار الصالحين.
    __________________
    (174) اسم لا يخلو من طرافة : أي لا يوجد شيء يمكن أن يطمع فيه! وسمعت العراقيين يقولون : " حاصل ماكو" أي لا يوجد محصول!!
    (175) تقع على النيل غير بعيدة عن سوهاج ، كان ابن بطوطة دقيقا في وصف إخميم (PANOPOLIS) أو (KHEMMIS) وكان صادقا عندما تحدث عن كتابات الأوائل التي لم تفهم في عهده ... وقد أتيح لي أن أزورها رفقة الأميرة على ما أسلفت وأشاهد صور الأفلاك والكواكب بها ... والنسر الطائر : مجموعة من النجوم معروفة بمشابهتها للنسر ... ويلاحظ أن ابن بطوطة لم يذكر غير هذا المعبد حتى ولو معبد الأقصر!
    (176) أبو العباس بن عبد الظاهر بن عبد الوالي من ذرية جعفر أخي علي بن أبي طالب Gibb T.I p ـ ـ ـ ـ ـ 56 Note 402
    (177) مدينة هو (DIOSPOLIS PARVA)) HIW (: تقع على النّيل منتصف الطريق بين جيرگا وقنا ...

    كرامة له
    دخلت إلى هذا الشريف متبركا برؤيته والسلام عليه فسألني عن قصدي ، فأخبرته ، إني أريد حج البيت الحرام على طريق جدة ، فقال لي : لا يحصل لك هذا في هذا الوقت فارجع وإنما تحج أول حجة على الدرب الشامي فانصرفت عنه ولم اعمل على كلامه ومضيت في طريقي حتى وصلت إلى عيذاب فلم يتمكن لي السفر فعدت راجعا إلى مصر ثم إلى الشام ، وكان طريقي في أول حجاتي على الدرب الشامي حسبما أخبرني الشريف نفع الله به.
    ثم سافرت إلى مدينة قنا وهي صغيرة حسنة الاسواق ، واسمها بقاف مكسورة ونون ، وبها قبر الشريف الصالح الوالي صاحب البراهين العجيبة ، والكرامات الشهيرة عبد الرحيم القناوي رحمة الله عليه (178) ، ورأيت بالمدرسة السّيفية منها حفيده شهاب الدين أحمد.
    وسافرت من هذا البلد إلى مدينة قوص (179) وهي بضم القاف مدينة عظيمة ، لها خيرات عميمة ، بساتينها مورقة وأسواقها مونقة ، ولها المساجد الكثيرة ، والمدارس الأثيرة ، وهي منزل ولاة الصعيد ، وبخارجها زاوية الشيخ شهاب الدين ابن عبد الغفار ، وزاوية الأفرم ، وبها اجتماع الفقراء المتجردين في شهر رمضان من كل سنة ، ومن علمائها القاضي بها جمال الدين بن السديد (180) ، والخطيب بها فتح الدين بن دقيق العيد (181) أحد الفصحاء البلغاء الذين حصل لهم السبق في ذلك ، لم أر من يماثله إلا خطيب المسجد الحرام بهاء الدين الطبري ، وخطيب مدينة خوارزم حسام الدين المشاطي وسيقع ذكرهما ، ومنهم
    __________________
    (178) لعلّ القصد إلى الشيخ عبد الرحيم بن أحمد بن حجون بن محمد القنائي المتوفى عام 592 ـ 1196 ، من كبار النساك ، مغربي الأصل ولد في إحدى قرى سبتة ، أقام بمكة سبع سنين واستقر في قنا ... الأعلام ، الزركلي 4 ، 118.
    (179) قوص (QUS) حسب ابن دقماق فإنها كانت مقرّ القيادة العسكرية في مصر العليا ، وفي أيام ابن جبير كانت قوص نقطة انطلاق القوافل نحو عيذاب ...
    (180) القصد إلى محمد بن عبد الوهاب بن علي الأسنائي جمال الدين ابن السديد ، درس الفقه على البهاء القفطي وأجازه بالفتوى وأخذ بالقاهرة عن الدمياطي وابن دقيق العيد وابن جماعة وأبي حيان ، ولى العقود بالقاهرة وناب في الحكم ، ثم قسّم الجلال القزويني عمل قوص بينه وبين القمولي ، توفي عام 1339 739 ـ الدرر الكامنة 4 ، 155.
    (181) القصد إلى محمد بن عثمان بن علي بن وهب بن دقيق العيد ، ويلقب بجلال الدين (لا فتح الدين كما عند ابن بطوطة) سمع من جده ومن الدمياطي واشتغل في المذهبين ، وكان ابن جماعة يكرمه ويبره وكتب له بتدريس دار الحديث بقوص ، أدركه أجله بالقاهرة سنة 726 ـ 1326 ـ 1327. ـ ابن حجر : الدرر 4 ، 162.

    الفقيه بهاء الدين بن عبد العزيز المدرس بمدرسة المالكية ، ومنهم الفقيه برهان الدين ابراهيم الأندلسي له زاوية عالية.
    ثم سافرت إلى مدينة الأقصر (182) وضبط اسمها بفتح الهمزة وضم الصاد المهمل ، وهي صغيرة حسنة وبها قبر الصالح العابد أبي الحجاج الأقصرى (183) وعليه زاوية ، وسافرت منها إلى مدينة أرمنت ، (184) وضبط اسمها بفتح الهمزة وسكون الراء وميم مفتوحة ونون ساكنة وتاء معلوة، وهي صغيرة ذات بساتين مبنية على ساحل النّيل ، أضافني قاضيها وأنسيت اسمه ، ثم سافرت منها إلى مدينة أسنا (185) وضبط اسمها بفتح الهمزة وإسكان السين المهمل ونون ، مدينة عظيمة متسعة الشوارع ، ضخمة المنافع ، كثيرة الزوايا والمدارس والجوامع ، لها أسواق حسان وبساتين ذات أفنان ، قاضيها قاضي القضاة شهاب الدين بن مسكين ، أضافني وأكرمني وكتب إلى نوابه بإكرامي ، وبها من الفضلاء الشيخ الصالح نور الدين علي والشيخ الصالح عبد الواحد المكناسي وهو على هذا العهد صاحب زاوية بقوص.
    ثم سافرت منها إلى مدينة أدفو وضبط اسمها بفتح الهمزة وإسكان الدال المهمل وضم الفاء. وبينها وبين مدينة أسنا مسيرة يوم وليلة في صحراء. ثم جزنا النيل من مدينة أدفوا إلى مدينة العطواني ، (187) ومنها اكترينا الجمال ، وسافرنا مع طائفة من العرب تعرف بدغيم ، بالغين المعجمة ، في صحراء لا عمارة بها إلا أنها آمنة السبل ، وفي بعض
    __________________
    (182) الأقصر (LUXOR) تعني كما هو معلوم جمع قصر حيث معبد الكرنك ... وقد زرتها مرارا وتكرارا ...
    (183) لعلّ القصد إلى يوسف بن عبد الرحيم بن عربي القرشي المهدوي الأقصري ، من كبار الصوفية في عصره المتوفى عام 642 ـ 1244 كان من تلامذة الجزولي ، ولا يزال قبره موجودا في قلب معبد أمينوفيس الثالث Gibb T.1 p.76 Note 212. (AMENOPHIS III) الزركلي : الاعلام 9 ص 314.
    (184) أرمنت (ARMANT) تقع على نفس خط عرض مدينة الأقصر على الساحل المقابل في النيل وقد وصفها ابن دقماق بتفصيل.
    (185) هي بالذات إسنا الحالية ، وقد تحدت ابن دقماق عن إنتاجها الزراعي ، وقال عنها ابن الوزان إن سكانها أثرياء بالحبوب وبالمواشي وبالعملة النقدية لانهم يزاولون التجارة مع النّوبة عن طريق الصحراء وبواسطة النيل ... وفيها معابد وقبور تحمل كتابات بحروف مصرية ...
    (186) القصد إلى أدفو الحالية ذات لمشاهد الأثرية الرائعة ... وقد سجلت هنا مذكرات عن الأدلّاء المتخصصين الذين كانوا يقدمون معلومات موثوقة للأميرة المغربية لالة مريم بمناسبة زيارتها الدراسية للمنطقة ..
    (187) يقول محمد رمزي في تأليف : القاموس الجغرافي للبلاد المصرية : " لا يزال اسم العطواني معروفا إلى اليوم بنجع العطواني ، وهو من توابع ناحية الرديسية بحرى ، بمركز أدفو بمديرية أسوان" وهكذا فإن افتراضات المعلّقين الأجانب تبقى في ذمّتهم ، وقد دققت الأمر مع الزميل محمد مستجاب ونحن في شرعم الشيخ أثناء زيارة أعضاء مجمع اللغة العربية لمحافظة جنوب سيناء يوم 5 أبريل 1995.

    منازلها (188) نزلنا (حميثرا) حيث قبر ولي الله أبي الحسن الشاذلي ، وقد ذكرنا كرامته في إخباره أنه يموت بها ، وأرضها كثيرة الضباغ ، ولم نزل ليلة مبيتنا بها نحارب الضباع ، ولقد قصدت رحلي ضبع منها فمزقت عدلا كان به واجترّت منه جراب تمر وذهبت به ، فوجدناه لما أصبحنا ممزقا مأكولا معظم ما كان فيه.
    ثم لما سرنا خمسة عشر يوما وصلنا إلى مدينة عيذاب (189) وهي مدينة كبيرة كثيرة الحوت واللبن ويحمل اليها الزرع والتمر من صعيد مصر ، وأهلها البجاة (190) وهم سود الألوان يلتحفون ملاحف صفرا ويشدون على رؤوسهم عصايب يكون عرض العصابة منها أصبعا وهم لا يورّثون البنات ، وطعامهم ألبان الإبل ويركبون المهاري (191) ويسمونها الصّهب ، وثلث المدينة للملك الناصر وثلثاها لملك البجاة وهو يعرف بالحدربي (192) بفتح الحاء المهمل وإسكان الدال وراء مفتوحة وباء موحدة وياء ، وبمدينة عيذاب مسجد ينسب للقسطلاني (193) شهير البركة رأيته وتبركت به ، وبها الشيخ الصالح موسى ، والشيخ المسن محمد
    __________________
    (188) كانت دغيم تتولّى حماية المسلك الرابط بين قوص ـ وهي مركز تجاري وعلمي متميز ـ وميناء عيذاب الهام جدا ... وقد أسهب التجيبي في الحديث عن أمانتهم وحسن صوتهم في الحداء. مستفاد الرحلة والاغتراب مصدر سابق 04,I.
    (189) كان ميناء عيذاب ابتداء من القرن الخامس الهجري إلى القرن الثامن الميناء الأخير الذي يربط مع اليمن وبلاد الهند، وكان يمثل أهمية كبرى ، لكنه لم يلبث أن خرّب من لدن ملك مصر عام 829 ـ 1426 وتولى مكانته ميناء سواكن ... على بعد 12 ميلا شمال حلايب وبالضبط بين درجة 22 ـ 20 شمالا و 32 36 ـ شرقا ... ، وإنما جاء ابن بطوطة على طريق الصعيد لأنه أراد أن يسلك في حجه طريق صحراء عيذاب كما سلكها قبله ابن جبير والتّجيبي ، لكن لم يتيسر الحج منها بسبب الحرب القائمة في المنطقة بين المماليك وبين البجاة الآتي ذكرهم ، حيث اضطر للعودة من حيث أتى للحج على درب الشام ...
    (190) يقول التجيبي الذي مرّ بعيذاب قبل ابن بطوطة بنحو ثلاثين سنة : «وبهذه البلدة عامل من قبل ملك الديار المصرية والشامية وأخر من قبل ملك البجاة الساكن بجزيرة سواكن ... يقتسمان جبايتها نصفين ... وسنرى أن ابن بطوطة يتحدث عن أن القسمة في عهده تغيرت.Encycl.Beja.
    (191) الإبل المنسوبة إلى مهرة بن جيدان من عرب اليمن ، وهي مشهورة بسرعتها ، والصهب منها (الحمراء البيضاء) هي التي تعرف باسم البشاري.
    (192) الحدربي نسبة إلى قبيلة حدرب التي يذكر أنها من أصل عربي وهي تعيش في ضواحي عيذاب وكانت عاصمتهم في هذه الضواحي على البحر الأحمر ويجمع على حدارب على نحو حضارم.
    (193) يتحدث التّجيبي وهو في حميثراء عن الشيخ قطب الدّين القسطلاني مؤلف كتاب (ارتقاء الرتبة باللباس والصحبة) الذي تحدث فيه عن أبي الحسن الشاذلي الذي صحبه. لعله قطب الدّين المتوفى بالقاهرةGibb T.IP.96 Note 332.7821 ـ 686

    المراكشي زعم أنه ابن المرتضى (194) ملك مراكش وان سنه خمس وتسعون سنة. ولما وصلنا إلى عيذاب وجدنا الحدربي سلطان البجاة يحارب الأتراك ، (195) وقد خرق المراكب وهرب الترك أمامه، فتعذر سفرنا في البحر فبعنا ما كنا أعدادناه من الزاد وعدنا مع العرب الذين اكترينا الجمال منهم إلى صعيد مصر فوصلنا إلى مدينة قوص التي تقدم ذكرها.
    وانحدرنا منها في النيل وكان أوان مده فوصلنا بعد مسيرة ثمان من قوص إلى مصر فبت بمصر ليلة واحدة ... وقصدت بلاد الشام وذلك في منتصف شعبان سنة ست وعشرين ، (196) فوصلت إلى مدينة بلبيس (197) ، وضبط اسمها بفتح الموحدة الأولى وفتح الثانية ثم ياء آخر الحروف مسكنة وسين مهمل وهي مدينة كبيرة ، ذات بساتين كثيرة ، ولم ألق بها من نحبّ ذكره(198) ،
    ثم وصلت إلى الصالحية (199) ، ومنها دخلنا الرمال ، ونزلنا منازلها : مثل السّوادة
    __________________
    (194) من المعروف أن أبناء الخليفة الموحّدي المرتضى قصدوا بعد مصرع والدهم (665 ـ 1266) على مقربة من أزمور مولاي بو شعيب ، قصدوا ديار الأندلس ومكثوا بإشبيلية في ضيافة ألفونس عدة أعوام قبل أن ينتقلوا إلى جهات أخرى ...
    د. التازي : التاريخ الدپلوماسي للمغرب ، ج 6 ص 148.
    (195) يستعمل ابن بطوطة كلمة الاتراك ويعني بهم جنود الجيش المملوكي الذي يرجع رجاله ـ بالفعل ـ إلى أصل تركي ، وهذه الاصطدامات بين سلطان البجاة وملك مصر سمعنا بها من خلال هذه الإفادة لشاهد عيان هو الرحالة المغربي ابن بطوطة الذي تهيّب امتطاء المراكب كما أشرنا بعد أن بلغه في عين المكان أن طريق البحر الأحمر أمسى غير آمن ... وهنا قرر أن يعود على مثل طريقه ليختار خطّا آخر هو بلاد الشام الذي يوصله إلى البقاع المقدسة. هذا ويلاحظ هربيك (HRBEK) أن ابن بطوطة وصل عيذاب حوالي 15 يونيه 1326 وأنه عاد للقاهرة حوالي 16 يوليه ـ يلاحظ إهمال الباحثة السودانية آمال ابراهيم محمد لهذه الفقرة الهامة من تاريخ الصّراع الدولي حول البحر الأحمر ـ مركز الدراسات والبحوث ـ صنعاء 1993.
    (196) كان ذلك يوافق منتصف يوليه 1326.
    (197) بلبيس : مدينة معروفة جدا على بعد ثلاثة وثلاثين ميلا ، شمال شرقي القاهرة ، وكانت في تلك الظروف عاصمة اقليم الشرقية وكانت مقرا للقيادة العسكرية ، وبها أقام الإمام البوصيري (ت 665 ه‍)
    (198) يلاحظ السير هاميلتون گيب أن هذه العبارة (نحبّ) من التعابير المغربية الصميمة ، وقد كانت من أوائل الكلمات ذات الطابع المغربي مما يستعمله الرحالة المغربي.
    هذا ويوجد في بعض النسخ كلمة (يجب) عوض (نحبّ)
    (199) أسست الصالحية من لدن السلطان الأيوبي الملك الصالح (ت 647 ـ 1249) على أن تكون حصنا على حدود المملكة ...

    والورّادة والمطيلب والعريش والخروبة (200) وبكل منزل منها فندق ، وهم يسمونه الخان ينزله المسافرون بدوابهم ، وبخارج كل خان سانية للسبيل ، وحانوت يشتري منها المسافر ما يحتاجه لنفسه ودابته. ومن منازلها قطيا (201) المشهورة وهي بفتح القاف وسكون الطاء وياء آخر الحروف مفتوحة والف والناس يبدّلون ألفها هاء تانيث ، وبها توخذ الزكاة من التجار (202) وتفتش أمتعتهم ويبحث عما لديهم أشد البحث ، وفيها الدواوين والعمال والكتاب والشهود ، ومجباها في كل يوم الف دينار من الذهب ولا يجوز عليها أحد من (203) الشام إلا ببراءة من مصر ولا إلى مصر الا ببراءة من الشام احتياطا على أموال الناس وتوقيا من الجواسيس العراقيين (204).
    وطريقها في ضمان العرب قد وكلوا بحفظه ، فإذا كان الليل مسحوا على الرمل لا يبقى به أثر ثم ياتي الامير صباحا فينظر إلى الرمل فإن وجد به أثرا طلب العرب بإحضار مؤثره فيذهبون في طلبه فلا يفوتهم فيأتون به الأمير فيعاقبه بما شاء ، وكان بها في عهد
    __________________
    (200) يقصد بالرمّال منطقة الحدود بين مصر وسوريا ، هذا والترتيب الصحيح لهذه المنازل هو قطيا ثم المطيلب ثم السوادة ثم الورّادة ثم العريش تم الخروبة وغزة هي الأخيرة وهذه الحدود هي التي أقرت في عهد المملوك بيبرس عند ما ترد الرسائل والبضائع ـ وفيها الثلج ...
    J. SAUVAGET : La poste au chevaux dans I'empire des Mamelouks, Paris, 1491.
    (201) قطيا هي التي تحمل إلى اليوم اسم قطيا على بعد نحو خمسة وأربعين كيلومترا شرق قناة السويس ويصفها ياقوت الحموي كموقع ، وسط الرمال ، يحتوي على عدد من الديار وهي على مقربة من الفرما (PELUSIUM) ويلاحظ هنا وجود الفنادق بما تحتويه من مرافق لايواء البضائع واستراحة المطايا ، والتزوّد بالماء من السواني ... أنظر صبح الأعشى ص 461.
    (202) المبلغ الذي تتقاضاه الديوانة حسب القاعدة الفقهية هو خمسة في المائة على الذهب والفضة الذي يدخل لمصر ، هذا إلى بعض الواجبات الإضافية ، وتعتبر (قطيا) من أبرز المدن التي ترتفع فيها المبالغ المتحصلة للدولة ... والبراءة هنا في الاصطلاح عند ابن بطّوطة تعني جواز السّفر.
    (203) ويبدوا أن (من) في تعبير ابن بطوطة أحد من الشام" ينبغي أن تبدل بكلمة (إلى).
    (204) لقطة تاريخية هامة فيما يتصل بالعلاقات السياسية بين المماليك وبين الإيلخان (المغول) حكام العراق وفارس على ذلك العهد ... وهي تعبّر عن مدى اليقظة الدائمة مما قد يحصل ... وقد لاحظنا وسنلاحظ أن ابن بطوطة يعتبر من مراجع التاريخ الدولي للمنطقة ...

    وصولي اليها عز الدين استاذ (205) الدار أقماري ، من خيار الأمراء ، أضافني وأكرمني وأباح الجواز(205) لمن كان معي ، وبين يديه عبد الجليل المغربي الوقاف ، وهو يعرف المغاربة وبلادهم ، فيسأل من ورد منهم من أي البلاد؟ لئيلا يلبّس عليهم فإنّ المغاربة لا يعترضون في جوازهم على (قطيا).
    __________________
    (205) حول أستاذ الدار ترك لنا ابن فضل الله العمري حديثا جيّدا عنه ، إنه الحاجب الملكي وهو يحتفظ بالتوصية التي ينبغي لهذا" الأستاذ" أن يسلكها من تفقد أحوال الحاشية على اختلاف طوائفها وأنواع وظائفها ، ليرتبها في الخدمة على ما يجب ، وينظر في أمورها نظرا لا يخفى معه شيء مما هم عليه ولا يحتجب ، إلى آخر الوصية الهامة التي تحدد اختصاصات هذا" الحاجب" وياما أكثرها ..!
    التعريف بالمصطلح الشريف للعمري تحقيق د. سمير الدروبي ، منشورات جامعة مؤته ـ الأردن 1413 ـ و 1992 ص 127 ـ 128 ـ 129 ـ 130.
    (206) الجواز : يعني المرور ، ويمكن أن يكون القصد إلى (البراءة) أي رخصة المرور ، وأصل الجواز ما يقدم من الماء للمسافر من لدن القبيلة التي يمر على أراضيها إيذانا له بالأمان والحماية ... إلى أن يغادر أرضها ويتسلم (جوازا) آخر من أعيان القبيلة الأخرى. ويجمع على أجوزة ...



    الفصل الثالث
    الشام وفلسطين
    من غزة إلى القدس فعسقلان
    من عسقلان إلى حلب
    مدينة حلب
    من حلب إلى جبلة
    من اللاذقية إلى دمشق
    مدينة دمشق والجامع الأموي
    ضواحي دمشق
    الأوقاف في دمشق ومجيز وابن بطوطة بها.





    ثم سرنا حتى وصلنا إلى مدينة غزة (1) ، وهي أول بلاد الشام مما يلي مصر متسعة الأقطار كثيرة العمارة حسنة الأسواق بها المساجد العديدة ولا سور عليها ، وكان بها مسجد جامع حسن ، والمسجد الذي تقام الآن به الجمعة فيها بناه الأمير المعظم الجاولي (2) ، وهو أنيق البناء محكم الصنعة ومنبره من الرخام الأبيض ، وقاضي غزة بدر الدين السلختي الحوراني ، ومدرسها علم الدين بن سالم ، وبنو سالم كبراء هذه المدينة ، ومنهم شمس الدين قاضي القدس.
    ثم سافرت من غزة إلى مدينة الخليل (3) صلى الله على نبيّنا وعليه وسلم تسليما ، وهي مدينة صغيرة الساحة ، كبيرة المقدار ، مشرقة الأنوار حسنة المنظر ، عجيبة المخبر ، في بطن واد ، ومسجدها أنيق الصنعة محكم العمل بديع الحسن سامي الارتفاع (4) مبني بالصخر المنحوت ، في أحد أركانه صخرة أحد أقطارها سبعة وثلاثون شبرا. ويقال : إن سليمان عليه‌السلام أمر الجن ببنائه (5)، وفي داخل المسجد الغار المكرم المقدس ، فيه قبر إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، صلوات الله على نبينا وعليهم ، ويقابلها قبور ثلاثة : هي قبور أزواجهم ، وعن يمين المنبر بلصق جدار القبلة موضع يهبط منه على درج رخام محكمة العمل إلى مسلك ضيق يفضي إلى ساحة مفروشة بالرخام فيها صور القبور الثلاثة ، ويقال : إنها
    __________________
    (1) كانت غزة سابقا بلدة بسيطة تابعة لإقليم الرّملة لكنها لم تلبث أن أصبحت مركزا حكوميا في عهد الملك الناصر .... وقد استعادت ذكرها اليوم بعد اتفاقية أوصلو 13 / 9 / 1993 بين الرئيس عرفات وبين الرئيس بريز (إسحاق رابين).
    (2) القصد إلى سنجر بن عبد الله الجاولي كان من مماليك (جاول) أحد أمراء الظاهر بيبرس. وولي نيابة غزة وبنى عدة مساجد منها هذا المسجد الذي بناه سنة 714 كما تفيده وثيقة التأسيس توفي بالقاهرة 745 ـ 1345 والمسجد الآن خراب ومنعزل عن العمران. سليم عرفات البيضي : البنايات الأثرية في غزة وقطاعها. نجدد الشكر للسيد عبد السلام سيناصر رئيس مكتب الاتصال بغزة على «فاكساته» المفيدة.
    (3) الخليل لقب سيدنا إبراهيم عليه‌السلام ، وهذه المدينة هي التي تحمل اسم حبرون (HEBRON) ويتحدث الهروي عن زيارته لمدينة الخليل بالمدينة في عهد بودوان عام 513 ه‍ ... الإشارات ـ دمشق 1953 ص 31.
    (4) يذكر أن هذا المسجد أيضا بني محل كنيسة شيدت على أثر روماني قديم ...
    (5) " ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ... يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجوابي وقدور راسيات ... السورة 34 ، الآية 13.





    محاذية لها. وكان هنالك مسلك إلى الغار المبارك وهو الآن مسدود وقد نزلت بهذا الموضع مرات ، ومما ذكره أهل العلم دليلا على صحة كون القبور الثلاثة الشريفة هنالك ما نقلته من كتاب علي بن جعفر الرازي الذي سماه" المسفر للقلوب ، عن صحة قبر إبراهيم وإسحاق ويعقوب" (6) أسند فيه إلى أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما أسرى بي إلى بيت المقدس مرّ بي جبريل على قبر إبراهيم ، فقال : انزل فصلّ ركعتين فإن هنا ولد أخوك عيسى عليه‌السلام ، ثم أتى بي إلى الصخرة ، وذكر بقية الحديث ... ولما لقيت بهذه المدينة المدرس الصالح المعمر الامام الخطيب برهان الدين الجعبري (7) أحد الصلحاء المرضيين ، والأئمّة المشهورين ، سألته عن صحة كون قبر الخليل عليه‌السلام هنالك ، فقال لي : كلّ من لقيته من أهل العلم يصححون أن هذه القبور قبور إبراهيم وإسحاق ويعقوب على نبيّنا وعليهم‌السلام ، وقبور زوجاتهم ، ولا يطعن في ذلك إلا أهل البدع ، وهو نقل الخلف عن السلف لا يشك فيه.
    ويذكر أن بعض الأيمة دخل إلى هذا الغار ووقف عند قبر سارة ، فدخل شيخ فقال له : أي هذه القبور هو قبر إبراهيم ، فأشار له إلى قبره المعروف ، ثم دخل شاب فسأله كذلك ، فأشار له إليه ، ثم دخل صبي فسأله أيضا فأشار له اليه ، فقال الفقيه أشهد أن هذا قبر إبراهيمعليه‌السلام لا شك ، ثم دخل إلى المسجد فصلى به وارتحل من الغد ، وبداخل هذا
    __________________
    (6) لم نقف على ترجمة لمؤلف هذا الكتاب علي بن جعفر الرازي ولا على هذا الكتاب ... ومن الطريف أن نقرأ في (كتاب الاشارات إلى معرفة الزيارات) تأليف أبي الحسن علي بن أبي بكر الهروي المتوفي سنة 611 أنه اجتمع في مدينة الخليل بمشايخ حدثوه أنه لما كان زمن الملك بردويل (Baudoin) انخسف الموضع في المغارة فدخل جماعة من الفرنج إليها بإذن الملك فوجدوا فيها ابراهيم وإسحاق ويعقوب قد بليت أكفانهم وهم مستندون إلى حائط وعلى رؤوسهم مناديل ... فجدد الملك أكفانهم ثم سدّ الموضع وذلك سنة ثلاث عشر وخمسمائة ..."
    يبقى بعد هذا أن نذكر أن زيارة مدينة الخليل وزيارة بيت لحم من قبل الرسول عليه الصلوات ، وهو في طريقه إلى بيت المقدس ، مما لم تنص عليه الآثار النبوية والتي لم يروها أبو هريرة ، ولذلك فإن المسألة تظلّ محلّ دراسة من قبل المهتمين بالسيرة النبوية الشريفة.
    الهروي : الزيارات ، تحقيق جانين سورديل طومين ، دمشق 1953 ص 30 ـ 31 ـ 32Gibb : Travel 1 p.57 Note 12.
    (7) القصد إلى إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل بن أبي العباس الجعبري الرّبعي ، برهان الدين ، ولد بقلعة (جعبر) ، تعلم ببغداد ودمشق ، واستقر بمدينة الخليل واشتهر هناك بشيخ الخليل ، له نحو من مائة كتاب أكثرها مختصر ... منها نزهة البررة في القراءات العشرة ، وشرح الشاطبية وشرح الرائية ، أدركه أجله في رمضان 732 يونيه 1332. ـ الدرر الكامنة ج 1 ص 51 ـ 52.

    المسجد أيضا قبر يوسف عليه‌السلام (Cool ، وبشرقيّ حرم الخليل تربة لوط عليه‌السلام (9) وهي على تل مرتفع يشرف منه على غور الشام ، وعلى قبره أبنية حسنة ، وهو في بيت حسن البناء مبيض ولا ستور عليه.
    وهنالك بحيرة لوط (10) وهي أجاج يقال إنها موضع ديار قوم لوط. وبمقربة من تربة لوط مسجد اليقين (11) وهو على تل مرتفع له نور وإشراق ليس لسواه ولا يجاوره إلا دار واحدة يسكنها قيّمه ، وفي المسجد بمقربة من بابه موضع منخفض في حجر صلد قد هيء فيه صورة محراب لا يسع إلا مصليا واحدا ، ويقال إن إبراهيم سجد في ذلك الموضع شكرا لله تعالى عند هلاك قوم لوط فتحرك موضع سجوده وساخ في الأرض قليلا.
    وبالقرب من هذا المسجد مغارة فيها قبر فاطمة بنت الحسين بن علي عليهما‌السلام ، وبأعلى القبر وأسفله لوحان من الرخام في أحدهما مكتوب منقوش بخط بديع : بسم الله الرحمن الرحيم ، لله العزة والبقاء وله ما ذرأ وبرأ وعلى خلقه كتب الفناء ، وفي رسول الله أسوة ، هذا قبر أم سلمة فاطمة بنت الحسين رضي‌الله‌عنه ، وفي اللوح الآخر منقوش : صنعه محمد بن أبي سهل النقاش بمصر ، وتحت ذلك هذه الأبيات :
    أسكنت من كان في الأحشاء مسكنه
    بالرّغم منّي بين التّرب والحجر

    يا قبر فاطمة بنت ابن فاطمة
    بنت الأيمة بنت الأنجم الزّهر

    __________________
    (Cool حول قبر سيدنا يوسف يذكر ما قاله الهروي في كتابه الزّيارات (ص 24) " بلاطة قرية من أعمال نابلس وبها حقل يوسف الصديق وقبر يوسف بهذا الموضع عند الشجرة وهو الأصح ..."
    (9) قبر سيدنا لوط عليه‌السلام يوجد في قرية تحمل اسم (كفربريك) على ما يقوله الهروي (ص 22) ويضيف إلى هذا أن لوطا كان يقيم في قرية حملت اسم (يقين) وبها كان يسكن بعد رحيله من زغر ... وسميت (يقين) لأنّه لما رأى العذاب نزل بقومه سجد في هذا الموضع ، وقال (أيقنت أن وعد الله حق).
    (10) البحيرة : هي بالذات البحر الميت ... وقد زرناها مرارا وتكرارا وسبحنا في مائها المالح الأجاج الذي يرفع جسمك من غير حاجة إلى تحريك أطرافك!! ويضمد جروحك إلى حدّ الازعاج!!
    (11) مسجد اليقين يذكر أنه بنى عام 352 963 على نفس التّربة التي سجد فيها سيدنا لوط في أعقاب عذاب قوم لوط.


    يا قبر ، ما فيك من دين ومن ورع
    ومن عفاف ، ومن صون ومن خفر (12)

    ثم سافرت من هذه المدينة إلى القدس ، فزرت في طريقي اليه تربة يونس عليه‌السلام وعليها بنية كبيرة ومسجد ، وزرت (13) أيضا بيت لحم موضع ميلاد عيسى عليه‌السلام ، وبه أثر جذع النخلة (14) وعليه عمارة كثيرة (15) والنصارى يعظمونه أشد التعظيم ويضيّفون من نزل به.
    ثم وصلنا إلى بيت المقدس شرفه الله ثالث المسجدين الشريفين في رتبة الفضل ، ومصعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تسليما ومعرجه إلى السماء ، والبلدة كبيرة منيفة بالصّخر المنحوت وكان الملك الصالح الفاضل صلاح الدين بن أيوب (16) ، جزاه الله عن
    __________________
    (12) تابعية ، روت عن جدتها فاطمة ... ولما قتل أبوها حملت إلى الشام مع أختها سكينة وعمتها أم كلثوم بن علي ... فأدخلن على يزيد فقالت فاطمة يا يزيد ، أبنات رسول الله سبايا؟! قال : بل حرائر كرام أدخلي على بنات عمك ، فدخلت على أهل بيته ... وعادت إلى المدينة ، فتزوجها ابن عمها الحسن بن الحسن بن علي ومات عنها (ت 90 ـ 708) فتزوجها عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ومات ... أدركها أجلها عن سبعين سنة عام 110 ـ 728 .. هذا وقد حملت إلينا معلومة ابن بطّوطة هذه مشكلة ينبغي التفكير فيها ، ويتعلق الأمر بقبر فاطمة التي نعرف أنها توفيت بالمدينة. ـ عمر رضا حكالة : أعلام النساء ج 4 ، 44.
    (13) توجد التربة المذكورة في قرية حلحول شمال (حبرون) مدينة الخليل ... أما عن نبي الله يونس فالذي نعرفه عنه أنه يوجد على مقربة من مدينة الموصل وقد زرته مرارا أثناء سفارتي لدى العراق ...
    (14) الإشارة إلى ما ورد في القرآن الكريم : " فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت : يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسيا منسيا ... الآية 23 ـ 26 من السورة التاسعة عشرة ، وقد ذكر ابن حوقل أن" النخلة إلى الآن هناك معظمة" ... وقد اختفت النخلة اليوم.
    (15) القصد إلى كنيسة ميلاد المسيح (La Nativite) التي أعيد بناؤها عام 564 ـ 1169 من لدن مانييل كومنين (M.Comnene) أمبراطور بيزنطة.
    (16) استرجع صلاح الدين بيت المقدس (أو ايلياء) من يد الصليبيين عام 583 ـ 1187 ـ وعن الملك الظاهر المعروف تحت اسم بيبرس (BAYBARS) نعرف أنه كان سلطانا من المماليك على مصر من عام 658 ـ 1260 إلى عام 675 ـ 1277 ، أما عن الأسوار المهدومة فيظهر أنه لا هذا ولا ذاك هو الذي قام بهدمها ، ولكن الذي قام بذلك هو الملك المعظم عيسى بن أخي صلاح الدين وأمير دمشق عام 616 ـ 1219 أثناء الحرب الصليبية الخامسة ... وأخيرا نذكّر أنّ الأسوار الحالية هي من بناء العاهل العثماني سليمان القانوني 926 ـ 1520 ـ 974 ـ 1566. هذا ومن أسماء البيت المقدس أورشليم التي وردت بالعبرانية في شعر الأعشى :
    وطوّفت للمال آفاقه
    عمان فحمص فأوريشلم

    أتيت النجاشى في داره
    وأرض النبيط وأرض العجم

    أنظر مادة أوريشلم في معجم البلدان.



    الإسلام خيرا ، لما فتح هذه المدينة هدم بعض سورها ، ثم استنقض الملك الظاهر هدمه خوفا أن يقصدها الروم فيمتنعون بها ، ولم يكن بهذه المدينة نهر فيما تقدم ، وجلب لها الماء في هذا العهد ، الأمير سيف الدين تنكيز (17) أمير دمشق.
    ذكر المسجد المقدس
    وهو من المساجد العجيبة الرائقة الفائقة الحسن ، يقال إنه ليس على وجه الأرض مسجد أكبر منه وأن طوله من شرق إلى غرب سبعماية واثنتان وخمسون ذراعا بالذراع المالكية (18) وعرضه من القبلة إلى الجوف أربعماية ذراع وخمس وثلاثون ذراعا ، وله أبواب كثيرة في جهاته الثلاث ، وأما الجهة القبلية منه فلا أعلم بها إلا بابا واحدا وهو الذي يدخل منه الامام ، والمسجد كله فضاء غير مسقف إلا المسجد الأقصى فهو مسقف ، (19) في النهاية من إحكام العمل وإتقان الصنعة ، مموّه بالذهب والاصبغة الرائقة ، وفي المسجد مواضع سواه مسقفة.
    __________________
    (17) يعتبر تنكيز من أبرز الشخصيات في المملكة ، يكنى أبا سعيد ... جلب إلى مصر وهو صغير ثم صار إلى الناصر ثم كان في صحبته يترسل بينه وبين الأفرم ... لم تكن له همة في مأكل ولا مشرب ولا ملبس ولا منكح إلا في تأمين الرعايا ، وكان يقول : أي لذّة للحاكم إذا كانت رعاياه يدعون عليه؟! وكان الناصر لا يفعل شيئا إلا بعد مشورته ... وله عدة منشآت حضارية وهو الذي أجرى العين إلى بيت المقدس ، وكان من المولعين بالصيد بالصقور ... ولم تلبث الأيام أن تنكّرت له ، فقد أشيع عنه أنه عزم على الفرار إلى بلاد التتار (الإيلخان) فبلغ ذلك للسلطان الذي تغير عليه وأصدر أمرا بالقبض عليه وتعرض للإهانات والمصادرات ولم يدم في الاعتقال إلا دون الشهر ، وأدركه أجله أوائل 741 ـ يوليه 1340. الدرر 2 ، 55 وما بعدها ...
    (18) قبل ابن بطوطة وجدنا خسرو علوي الذي سجل مذكرات حجّه 437 ـ 444 ـ 1052 في كتابه (سفرنامه) يقول : إن طول المسجد أربع وخمسون وسبعمائة ذراع وعرضه خمس وخمسون وأربعمائة ذراع بذراع الملك" قال : وهو أي ذراع الملك أقلّ قليلا من ذراع ونصف ، هذا وإذا كان ابن بطوطة غفل عن نقوش الأقصى ... فإن البلوي في رحلته (تاج المفرق) ، استطاع أن ينقل زهاء خمسة من المنقوشات التاريخية المفيدة ، وكذا السفير المغربي ابن عثمان في رحلته اجراز المعلى والرقيب ...) أنظر مخطوطة البلوي في الخزانة العامة.
    ناصر خسرو علوى : سفرنامه ، ترجمة د. يحيى الخشاب (مشروع الألف كتاب الثاني ، 122 ـ الهيأة المصرية العامة للكتاب 1993 ص 69. رحلة ابن عثمان : إحراز المعلّى والرقيب مخطوطة.
    (19) يتعلق الأمر بفناء كبير يسمى الحرم الشريف يحتوي على مسجدين : المسجد الأقصى ، وقبة الصخرة ، والأوّل يتألف من بلاد بيزنطي يعود تاريخه للقرن الأول الهجري ـ السابع الميلادي ، كما يتألف من مدخل قوطي بني سنة 624 ـ 1227 ، هذا ولا بد من الاطلاع على ما في (نزهة المشتاق) للادريسي الذي يقارن بين جامع قرطبة وبين المسجد الأقصى (ج 4 ص 359 ـ 360) ، مطبوعات المعهد الشرقي ناپولي ، إيطاليا فليراجع ...

    ذكر قبة الصخرة
    وهي من أعجب المباني وأتقنها وأغربها شكلا قد توفر حظها من المحاسن وأخذت من كل بديعة بطرف ، وهي قائمة على نشز في وسط المسجد يصعد إليها في درج رخام ، ولها أربعة أبواب والدائر بها مفروش بالرخام أيضا محكم الصنعة ، وكذلك داخلها وفي ظاهرها وباطنها من أنواع الزواقة ، ورايق الصنعة ، ما يعجز الواصف ، وأكثر ذلك مغشى بالذهب فهي تتلألأ نورا وتلمع لمعان البرق ، يحار بصر متأملها في محاسنها ويقصر لسان رائيها عن تمثيلها.
    وفي وسط القبّة الصخرة الكريمة التي جاء ذكرها في الآثار ، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عرج منها إلى السماء ، وهي صخرة صماء ارتفاعها نحو قامة (20) ، وتحتها مغارة في مقدار بيت صغير ارتفاعها نحو قامة أيضا ، ينزل إليها على درج ، وهنالك شكل محراب وعلى الصخرة شباكان اثنان محكما العمل يغلقان عليها : أحدهما وهو الذي يلي الصخرة من حديد بديع الصنعة (21) والثاني من خشب ، وفي القبة درقة كبيرة من حديد معلقة هنالك ، والناس يزعمون انها درقة حمزة بن عبد المطلب رضي‌الله‌عنه.
    __________________
    (20) نرى من المهم أن نؤكد هنا على أن اهتمام المسلمين ببيت المقدس ، لا يقل اطلاقا عن اهتمامهم بمكة والمدينة د. التازي. طرق الايمان ـ بحث قدّم لاجتماع خبراء اليونيسكو حول الأديان السماوية ـ الرباط يونيه 1995. هذا ويلاحظ أن القبة مثمنة الشكل تشبهها صومعة شفشاون ووزّان بالمغرب.
    (21) يذكر الهروي الذي زار القدس سنة 569 ـ 1174 أنه رأى الصخرة في زمان حكم الفرنج بالقدس وأنه قرأ كتابة في سقفها هذه صورتها : بسم الله الرحمن الرحيم الله الذي لا إلاه إلا الله هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم الآية ... والكتابة بالفص المذهب ... ولم تغيّره الفرنج ... تحتها مغارة الأرواح ... ذكروا أن أرواح المؤمنين يجمعها الله بها. وينزل إلى هذه المغارة في أربعة عشرة درجة ... وقد ذكر خسرو الذي زار قبة الصخرة قبل الهروي بقرن وربع القرن أن الصخرة كانت قبلة لموسى وسليمان وظلت قبلة إلى عهد نبيّنا عليه‌السلام وضع يده عليها ليلة المعراج ... ويذكر گيب (Gibb) أن الشباكين نصبا أيام احتلال الصليبيين للقدس في القرن السادس الهجري ... د. التازي : القدس والخليل عند الرحالة المغاربة بحث وزع في الدورة الثانية المنعقدة في عمان لأكاديمية المملكة المغربية دجنبر 1996.



    ذكر بعض المشاهد المباركة بالقدس الشريف
    فمنها بعدوة الوادي المعروف بوادي جهنم في شرقي البلد على تلّ مرتفع هنالك بنية يقال إنها مصعد عيسى عليه‌السلام إلى السماء (22) ، ومنها أيضا قبر رابعة البدوية (منسوب إلى البادية وهي خلاف رابعة العدوية الشهيرة (23) ، وفي بطن الوادي المذكور كنيسة يعظمها النصارى ويقولون : إن قبر مريم عليها‌السلام (24) بها ، وهنالك أيضا كنيسة أخرى معظمة يحجها النصارى (25) ، وهي التي يكذبون عليها ويقولون إن قبر عيسى عليه‌السلام بها (26) ، وعلى كل من يحجّها ضريبة معلومة للمسلمين ، وضروب من الإهانة يتحملها رغم أنفه ، وهنالك موضع مهد عيسى عليه‌السلام يتبرك به.
    ذكر بعض فضلاء القدس
    فمنهم قاضيه العالم شمس الدين محمد بن سالم الغزّي بفتح الغين وهو من أهل غزة وكبرائها(27) ، ومنهم خطيبه الصالح الفاضل عماد الدين النابلسي ، ومنهم المحدّث المفتي شهاب الدين الطبري ، ومنهم مدرس المالكية وشيخ الخانقات الكريمة أبو عبد الله محمد بن
    __________________
    (22) يلاحظ من خلال الوصف الدقيق الذي قدمه ابن بطوطة تعلق الرحالة المغربي ببيت المقدس ... وقد قرأنا في (سفرنامه) لناصر خسرو علوي عن (الرواق المغربي) الذي كان هناك على عهده 444 ـ 1052 كما قرأنا عن الحصر المغربية التي كانوا يفرشون بها الحرم الشريف وكانت تفوق الديباج حسنا ونعومة إلى جانب الدنانير المغربية التي كانت رائجة هناك مما يؤكد الوجود المغربي المبكّر في هذه الأماكن ...
    د. التازي : أوقاف المغاربة في القدس ـ مطبعة المحمدية رقم الإيداع القانوني 1981.
    (23) ربيعة البدوية سيدة عابدة ، قبرها في جبل الزيتون وهو الموجود في مقبرة سانت بيلاجي (Saint ـ Pelagie) حسب نقول بعض الحجاج الغربيين أما رابعة أو ربيعة بنت إسماعيل العدوية فهي صوفية كبيرة شهيرة. عاشت بالبصرة ، وأدركها أجلها بالبصرة عام 185 ـ 801 ، ويظهر من كلام الهروي أن الذي يوجد بالجبل هو بيت العدوية وليس قبرها ... قال : والصحيح أن قبرها بالبصرة ، وأمّا التي توجد بجبل القدس فهي رابعة زوجة أحمد بن أبي الحواريّ (ص 28 من الاشارات).
    (24) الذي في كتاب الاشارات للهروي إن قبر مريم أم عيسى في وادي جهنم ينزل إليه في ست وثلاثين درجة ... ص 28.
    (25) هي كنيسة سان ـ سيبّولكر (S.SEPULCRE) الذي تعرف ب : (كنيسة القمامة) التي تركها الخليفة عمر ابن الخطاب للمسيحيين.
    (26) في القرآن الكريم : " إذ قال الله : يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ ومطهّرك من الذين كفروا ...
    (27) هو محمد بن سالم بن عبد الناصر بن سالم الكناني الغزي ، شمس الدين ... حدّث وأفتى وحكم بالقدس وتوفي سنة نيف وخمسين وسبعمائة 1350 ـ الدرر 4 ، 62 ـ 63.





    مثبت الغرناطي نزيل القدس (28) ، ومنهم الشيخ الزاهد أبو علي حسن المعروف بالمحجوب من كبار الصالحين ، ومنهم الشيخ الصالح العابد كمال الدين المراغي ، ومنهم الشيخ الصالح العابد أبو عبد الرحيم عبد الرحمن بن مصطفى من أهل أرز الروم وهو من تلامذة تاج الدين الرفاعي ، صحبته ولبست منه خرقة التصوف (29).
    ثم سافرت من القدس الشريف (30) برسم زيارة ثغر عسقلان (31) وهو خراب قد عاد رسوما طامسة ، وأطلالا دارسة ، وقلّ بلد جمع من المحاسن ، ما جمعته عسقلان ، اتقانا وحسن وضع وأصالة مكان ، وجمعا بين مرافق البر والبحر ، وبها المشهد الشهير حيث كان رأس الحسين بن علي عليه‌السلام قبل أن ينقل إلى القاهرة (32) ، وهو مسجد عظيم سامي العلو فيه جب للماء أمر ببنائه بعض العبيديين وكتب ذلك على بابه (33).
    وفي قبلة هذا المزار مسجد كبير يعرف بمسجد عمر لم يبق منه إلا حيطانه ، وفيه أساطين رخام لا مثل لها في الحسن وهي ما بين قائم وحصيد ، ومن جملتها أسطوانه حمراء عجيبة يزعم الناس أن النصارى احتملوها إلى بلادهم ثم فقدوها فوجدت في موضعها بعسقلان.
    __________________
    (28) أتساءل عن عدم ذكر ابن بطوطة لأوقاف المغاربة بالقدس المنسوبة للشيخ عمر المصمودي وترجع لتاريخ 703 ه‍. والمنسوبة لابن هذين وترجع لتاريخ 720 ه‍. د. التازي ـ القدس والخليل عند الرحالة المغاربة ـ نشر منظمة الإيسيسكو 1997.
    (29) الخرقة يسلمها الشيخ إلى مريديه بعد طول عشرة وممارسة ، وهي تعني انقطاع حاملها عن هذا العالم وانصرافه الكامل للعبادة ، ... وبما أن الوقت لم يمكن ابن بطوطة من طول الممارسة ، فيظهر أن تسليمه" الخرقة" إنما كان تعبيرا عن" التبرّك" و" توسم" الخير فيه ...
    (30) يلاحظ أن ابن بطوطة ـ وقد غادر القاهرة ـ كما هو معلوم حوالي 15 شعبان ـ 17 يوليه ووصل إلى دمشق يوم 7 رمضان ـ 7 غشت ، لم يكن في استطاعته إلا أن يقوم بقطع المسافة مباشرة بين القدس وبين دمشق ، وهكذا فإن معظم البقاع التي ذكر أنه زارها إنما تمكن من زيارتها ـ على ما يبدو ـ أثناء مروره اللّاحق عليها خلال عام 733 ـ 1332 و 749 ـ 1348.
    (31) عسقلان (ASCALON) التي هدمها صلاح الدين خلال حربه ضد ريشارد قلب الأسد عام 587 ـ 1191 ، أجهز عليها بصفة نهائية بيبرس عام 668 ـ 1270 ، يوجد موقعها شمال غزّة وجنوب يافا (تل أبيب)
    (32) يذكر الهروي الموصلى سالف الذكر أن رأس الحسين نقله المسلمون إلى القاهرة من عسقلان ، عند الاستيلاء على عسقلان من لدن الفرنج عام 549 ـ 1154 ...
    (33) القصد إلى الخليفة الفاطمي ، المستنصر (427 ـ 1035 ـ 487 ـ 1094) سليل عبيد الله مؤسس الدولة الفاطمية بتونس ، وهو الذي أسس المسجد عام 294 ـ 908 ... ويلاحظ استعمال ابن بطوطة لعبارة" العبيديين" دون" الفاطميين".

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    رحلة ابن بطوطه Empty
    مُساهمةموضوع: رد: رحلة ابن بطوطه   رحلة ابن بطوطه Emptyالأربعاء أكتوبر 16, 2024 3:44 pm

    وفي القبلة من هذا المسجد بئر تعرف ببئر إبراهيم عليه‌السلام (34) ينزل اليها في درج متسعة ويدخل منها إلى بيوت ، وفي كل جهة من جهاتها الاربع عين تخرج من أسراب مطوية بالحجارة ، وماؤها عذب وليس بالغزير ، ويذكر الناس من فضائلها كثيرا.
    وبظاهر عسقلان وادي النّمل ويقال إنه المذكور في الكتاب العزيز (35) وبجبانة عسقلان من قبور الشهداء والأولياء مالا يحصر لكثرته (36) أوقفنا عليهم قيّم المزار المذكور وله جراية يجريها له ملك مصر مع ما يصل إليه من صدقات الزوار.
    ثم سافرت منها إلى مدينة الرّملة (37) : وهي فلسطين ، مدينة كبيرة كثيرة الخيرات حسنة الأسواق وبها الجامع الأبيض (38) ويقال إن في قبلته ثلاثمائة من الأنبياء مدفونين ، عليهم‌السلام (39) وفيها من كبار الفقهاء مجد الدين النابلسي.
    ثم خرجت منها إلى مدينة نابلس (40) وهي مدينة عظيمة كثيرة الأشجار ، مطردة الأنهار ، من أكثر بلاد الشام زيتونا ، ومنها يحمل الزيت إلى مصر ودمشق ، وبها تصنع حلواء الخروب وتجلب إلى دمشق وغيرها ، وكيفية عملها أن يطبخ الخروب ثم يعصر ويؤخذ ما يخرج منه من الرّب فتصنع منه الحلواء ، ويجلب ذلك الرّب أيضا إلى مصر والشام وبها البطيخ
    __________________
    (34) يذكر الهروي أن هذا البئر هو بئر إبراهيم خليل الله ، ويقال إنه حفره بيده ... ص 32 ـ الاشارات.
    (35) " وحشر لسليمان جنوده من الجن والأنس والطير فهم يوزعون حتى إذا أتوا وادي النمل قالت نملة : يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ... سورة النمل 27 الآية 17 ـ 18.
    وقد ورد عند الهروي : انه بين بيت جبرين وعسقلان يوجد وادي النمل حيث تحدث سيدنا سليمان إلى النمل على ما هو معروف.
    (36) هنا مقابر عدد من شهداء الحروب الصليبية وعدد من الصالحين ، ويؤكد الهروي (611 ـ 1215) أن مقبرة عسقلان تضم جملة وافرة من الأولياء والصحابة الذين لم تعرف أسماؤهم ...
    (37) الرملة : مدينة أسست عام 97 ـ 716 من لدن الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك (ت 99 ـ 717 م) وينعتها المقدسي بأنها قصبة فلسطين أي عاصمتها.
    (38) ذكر المقدسي : " إنّ الجامع الأبيض ... هذا أبهى وأرشق من جامع دمشق وليس في الإسلام أكبر من محرابه ... وله منارة بهية ، بناه هشام بن عبد الملك ..." وقد أعيد بناؤه من لدن الملك الناصر عام 718 ـ 1318.
    (39) يروي الهروي أنه توجد هناك مقابر لسبعين نبيّا ماتوا جوعا في يوم واحد ، أخرجهم بنو إسرائيل من القدس فألجأوهم إلى الرملة تم أحاطوا بهم ... الإشارات ص 33.
    (40) نابلس مدينة السّامرة على حدّ تعبير ابن حوقل وتشتهر اليوم بمعاملها المتخصصة في صناعة الصابون ...



    المنسوب اليها وهو طيب عجيب. ومسجدها الجامع في نهاية من الاتقان والحسن ، وفي وسطه بركة ماء عذب.
    ثم سافرت منها إلى مدينة عجلون (41) وهي بفتح العين المهملة وهي مدينة حسنة ، لها أسواق كثيرة ، وقلعة خطيرة ، ويشقها نهر ماؤه عذب.
    ثم سافرت منها بقصد اللّاذقية فمررت بالغور (42) وهو واد بين تلال به قبر أبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة رضي‌الله‌عنه (43) ، زرناه وعليه زاوية فيها الطعام لابناء السبيل وبتنا هنالك ليلة. ثم وصلنا إلى القصير (44) وبه قبر معاذ بن جبل رضي الله (45) عنه ، تبركت أيضا بزيارته.
    ثم سافرت على الساحل فوصلت إلى مدينة عكّة (46) وهي خراب ، وكانت عكة قاعدة
    __________________
    (41) تقع عجلون (ADJLOUN) في الشمال الغربي لجرش بالمملكة الأردنية الهاشمية ، وقلعتها التي تحمل اسم قلعة الرّبض أسست سنة 580 ـ 1184 من لدن أحد حكام السلطان صلاح الدين : عز الدين أسامة ، وقيل إنه كان في مكان القلعة دير قديم يسكنه نصراني اسمه عجلون ابن شداد (ت 648). الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة. ـ تحقيق سامي الدهان ، المعهد الفرنسي للدراسات العربية ، دمشق 1382 ـ 1962 ص 86 ـ 87 إلخ ... وقد زرت القلعة عدة مرات
    . W. M. Thomson, The Land and The Book, London 3881.
    (42) الغور هنا وادي الأردن جنوب بحيرة طبرية أما عن اللاذقية فسياتي الحديث عنها مفصّلا ...
    (43) أبو عبيدة هو عامر بن عبد الله بن الجرّاح ، فتح الديار الشّامية وبلغ الفرات شرقا وأسيا الصّغرى شمالا كان لقبه أمين هذه الأمة ، قال ابن عساكر : داهيتا قريش أبو بكر وأبو عبيدة ، أدركه أجله بسبب طاعون عمواس عام 18 ـ 639 وقبره ، حسب ياقوت ، على بعد اثني عشر فرسخا من طبرية. ـ ابن خلكان : الوفيات 3 ، 149.
    (44) القصد إلى قصير معين الدين بالغور الذي ذكره ياقوت من أعمال الأردن ، يكثر فيه قصب السكر.
    (45) معاذ بن جبل الأنصاري ... بعثه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد غزوة تبوك قاضيّا ومرشدا لأهل اليمن وأرسل معه كتابا إليهم يقول فيه : إني بعثت لكم خير أهلي ... وقد شارك معاذ أبا عبيدة في فتح الشام وخلفه بعد وفاته لكنه مات أيضا بالطاعون في نفس السنة 18 ـ 639 دفن بالقصير سالف الذكر. ابن خلكان الوفيات 166 ـ 149.
    (46) اسم عكا قديم جدّا ، كانت صلة الوصل بين مصر وسورية وورد في الأعلاق الخطيرة لابن شداد أنها" قفل بلاد الساحل ، وقصبة ما فيه من الحصون والمعاقل ، أنشأ بها معاوية ابن أبي سفيان سنة (49) دار صناعة للأسطول ، ولما كانت سنة 247 ، أمر المتوكل بترتيب المراكب بعكّا ... وقد الت إلى الافرنج إلى أن قصدها صلاح الدين بعد كسرتهم في حطين وأسر ملوكهم ونازلها في ربيع الآخر 583 ... وبقيت في يده إلى أن قصدها الفرنج بدورهم ونازلوها يوم 13 رجب سنة 585 ... إلى أن دخلوها يوم الجمعة 17 جمادى الثانية 587 وقد هدمت سنة 590 ـ 1291 عندما استرجعت من لدن السلطان الأشرف خليل ، والجدير بالذكر أنها كانت المنطلق للرحالة ماركوپّولو إلى آسيا فمنها أبحر قاصدا الصّين على ما يقال.



    بلاد الافرنج بالشام ومرسى سفنهم ، وتشبه بقسطنطينية العظمى ، وبشرقيها عين ماء تعرف بعين البقر ، يقال إن الله تعالى أخرج منها البقرة لآدم عليه‌السلام (47) ، وينزل اليها في درج ، وكان عليها مسجد بقى منه محرابه وبهذه المدينة قبر صالح عليه‌السلام (48).
    ثم سافرت منها إلى مدينة صور وهي خراب (49) ، وبخارجها قرية معمورة ، وأكثر أهلها رافضيون (50) ولقد نزلت بها مرة على بعض المياه أريد الوضوء فأتى بعض أهل تلك القرية ليتوضأ ، فبدأ بغسل رجليه ثم غسل وجهه ولم يتمضمض ولا استنشق ثم مسح بعض رأسه فأخذت عليه في فعله فقال لي إن البناء إنما يكون ابتداؤه من الأساس! ومدينة صور هي التي يضرب بها المثل في الحصانة والمنعة لأن (51) البحر محيط بها من ثلاث جهاتها ، ولها بابان أحدهما للبر والثاني للبحر ، ولبابها الذي يشرع للبر أربعة فصلان كلها في ستاير محيطة بالباب ، وأما الباب الذي للبحر فهو بين برجين عظيمين.
    وبناؤها ليس في بلاد الدنيا أعجب ولا أغرب شأنا منه لأن البحر محيط بها من ثلاث جهاتها وعلى الجهة الرابعة سور ، تدخل السفن تحت السور ، وترسو هنالك ، وكان فيما تقدم ، بين البرجين سلسلة حديد معترضة لا سبيل إلى الداخل هنالك ولا إلى الخارج إلا بعد حطها ، وكان عليها الحراس والأمناء فلا يدخل داخل ولا يخرج خارج إلا على علم منهم.
    وكان لعكة أيضا ميناء مثلها ولكنها لم تكن تحمل إلا السفن الصغار.
    __________________
    (47) يذكر الهروي" أن من عين البقر في عكا خرجت البقر فحرث آدم عليها ، وهي أسطورة اسرائيلية تناقلتها بعض المصادر الإسلامية ... وهذا الموقع يعرف اليوم بعين الست.
    (48) صالح نبي الله المرسل لثمود الذي خاطبه الله تعالى بقوله في كتابه : ونبئهم أن الماء قسمة بينهم" ، ويذكر الهروي (ص 22) أن قبر سيدنا صالح كان موجودا في قبلة جامع عكا ... وقد اختفى اليوم كل من المسجد والقبر!
    (49) صور (TYR) مدينة حسنة حصينة يحفها البحر من ثلاث جهات ، يقول ابن شداد في كتابه الأغلاق الخطيرة : وقد هدمت (صور) في نفس السنة التي هدمت فيها عكا 690 ـ 1291 حتى لا يطمع فيها الأفرنج ثانية. ـ ابن شداد الاعلاق الخطيرة ص 162 ـ 163 وما بعده.
    (50) الرافضة نعت أطلق من لدن أهل السنّة على الشيعة الذين رفضوا خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ، وإلى الآن فإن الجنوب الحالي للبنان يحتضن عددا من السادة الشيعة ... هذا ومعلوم أن أهل السنة يبتدئون وضوءهم انطلاقا من الوجه تم اليدين تم الرجلين ...
    (51) الجمل الواردة عن (صور) كلها مقتبسة بالحرف من رحلة ابن جبير. هذا وكلمة الفصلان جمع فصيل : حائط صغير دون سور المدينة ...



    ثم سافرت منها إلى مدينة صيدا (52) وهي على ساحل البحر حسنة كثيرة الفواكه يحمل منها التين والزبيب والزيت إلى بلاد مصر نزلت عند قاضيها كمال الدين الأشموني المصري وهو حسن الأخلاق كريم النفس.
    ثم سافرت منها إلى مدينة طبرية (53) وكانت ، فيما مضى مدينة كبيرة ضخمة ولم يبق منها إلا رسوم تنبئ عن ضخامتها ، وعظم شأنها ، وبها الحمّامات العجيبة ، لها بيتان : أحدهما للرجال والثاني للنساء وماؤها شديد الحرارة ، ولها البحيرة الشهيرة طولها نحو ستة فراسخ وعرضها أزيد من ثلاثة فراسخ.
    وبطبرية مسجد يعرف بمسجد الانبياء فيه قبر شعيب (54) عليه‌السلام وبنته زوج موسى الكليمعليه‌السلام ، وقبر سليمان عليه‌السلام ، وقبر يهودا وقبر روبيل صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهم.
    وقصدنا منها زيارة الجبّ الذي ألقي فيه يوسف عليه‌السلام (55) وهو في صحن مسجد صغير وعليه زاوية ، والجب كبير عميق شربنا من مائه المجتمع من ماء المطر ، وأخبرنا قيّمه أن الماء ينبع منه أيضا.
    __________________
    (52) تقع صيدا على ساحل البحر ، كان شرب أهلها كما يقول ابن شداد من ماء يجري إليها من جبلها في قناة وبها عينها المعروفة التي يتولد بها سمك على طول الأصبع إذا كان وقت سفادها أخذت ثم جففت فإذا احتاج اليها من يريد أن يجامع سقيت بالماء وشرب منه فلا يصيبه عجز ولا فتور! يقول ابن شداد .. لم تزل في يد الفرنج حتى فتحها الملك صلاح الدين عام 583 ...
    (53) طبرية (TIBERIAD) كانت بقايا آثار المدينة القديمة توجد جنوب المدينة العربية ... وقد نعتها المقدسي بأنها قصبة الأردن ، وقال : إن بها ثماني حمامات بلا وقيد ومياضي عدة حارة الماء وقد ذكر ابن شداد أن حماماتها تنصبّ إليها مياه حارة في الشتاء والصيف ... الاعلاق الخطيرة 129.
    (54) سيّدنا شعيب من أنبياء الله المشار إليهم في القرآن الكريم ... ويذكر أن قبره يوجد في قرية حطين غرب طبرية وهذا المكان يوجد دائما ، والكليم كما نعلم نعت لنبي الله موسى عليه‌السلام.
    (55) يذكر الهروي أن كابول (قريبة من الناصرة) بها اثنان من أولاد يعقوب وهما روبين وشمعون وأنه يوجد بالقرافة قبر ابن يعقوب ، ويذكر ابن حوقل أن قبر يوسف يوجد على بعد اثنى عشر ميلا من طبرية في طريق دمشق ... ويذكر الهروي أن البئر يوجد على طريق بيت المقدس على مقربة من مكان يحمل اسم سنجيل. (SINDJIL). ـ الاشارات ص 20 ـ 21.



    ثم سرنا إلى مدينة بيروت (56) وهي صغيرة حسنة الأسواق ، وجامعها بديع الحسن ، وتجلب منها إلى ديار مصر الفواكه والحديد. وقصدنا منها زيارة قبر أبي يعقوب يوسف الذي يزعمون أنه (57) من ملوك المغرب وهو بموضع يعرف بكرك نوح (58) من بقاع العزيز ، وعليه زاوية يطعم بها الوارد والصادر ، ويقال إن السلطان صلاح الدين وقف عليها الأوقاف وقيل السلطان نور الدين (59) ، وكان من الصالحين ، ويذكر أنه كان ينسج الحصر ويقتات بثمنها.
    حكاية أبي يعقوب يوسف المذكور
    يحكى أنه دخل مدينة دمشق فمرض بها مرضا شديدا وأقام مطروحا بالأسواق ، فلما برئ من مرضه خرج إلى ظاهر دمشق ليلتمس بستانا يكون حارسا له فاستؤجر لحراسة بستان للملك نور الدين ، وأقام في حراسته ستة أشهر فلما كان في أوان الفاكهة أتى السلطان ، إلى ذلك البستان ، وأمر وكيل البستان ، أبا يعقوب أن يأتي برمان ، يأكل منه
    __________________
    (56) كان لبيروت كما يقول ابن شداد في (الأعلاق) غيضة أشجار صنوبر تتصل بجنوبها إلى جبل لبنان ، ولها بمقربة منها جبل فيه معدن حديد ، وشرب أهلها من الآبار ، وكانت بيروت مرسى لدمشق ... آلت إلى الفرنج حتى ملكها الناصر صلاح الدين وأقطعها عزّ الدين أسامة ... ويذكر الهروي في كتابه الزيارات أنها تحتضن قبر الامام الأوزاعي رحمه‌الله وقد زرنا المشهد المنسوب إليه على مقربة من المطار.
    ـ د. عصام محمد شبارو : تاريخ بيروت منذ أقدم العصور حتى القرن العشرين ، دار مصباح الفكر 1987.
    (57) أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن بن علي (558 ـ 580 ـ 1163 ـ 1184) أدركه أجله على مقربة من مدينة يابرة (البرتغال) متأثّرا بجروح مميتة عند محاصرته لشنترين ، وهو مدفون في تنملّل (جنوب المغرب) ، فعبارة ابن بطوطة (يزعمون) في محلّها ـ ونشير هنا إلى أن ابن خلكان ينسب ذلك القبر لابي يوسف يعقوب المنصور الذي نعلم أنه دفين مقبرة شالّة بمدينة الرباط بوصية منه في حياته وقد توفي بمدينة مراكش.
    د. التازي : مكانة القدس لدى المغاربة ، بحت قدم للندوة العالمية الأولى للآثار الفلسطينية ، جامعة حلب 1401 ـ 1981.
    (58) (كرك نوح) على ذلك العهد هو العاصمة الادارية لسهل البقاع الذي يقع بين جبال لبنان ... والعزيز اسم لابن لصلاح الدين.
    (59) القصد إلى نور الدين محمد بن زنكي الملقب بالملك العادل ملك الشام وديار الجزيرة ومصر ، أعدل ملوك زمانه وأجلهم وأفضلهم ، امتدت سلطته في الممالك الإسلامية حتى خطب له بالحرمين الشريفين ، كان موفقا في حروبه ضد الصليبيين أيام زحفهم على الشام ... إلى جانب كلّ هذا كان يجلس في كل أسبوع أربعة أيام يحضر الفقهاء عنده ويامر بإزالة الحجاب عنه حتى يصل إليه من شاء ، أدركه أجله بدمشق عام 569 ـ 1174.
    أبو شامة : عيون الروضتين في أخبار الدولتين تحقيق أحمد البيسومي منشورات وزارة الثقافة ـ دمشق 1991 ، قسم أول ص 181 وما بعدها.



    السلطان ، فأتاه برمان ، فوجده حامضا ، فأمره أن يأتي بغيره ففعل ذلك فوجده أيضا حاوضا ، فقال له الوكيل أتكون في حراسة هذا البستان منذ ستة أشهر ولا تعرف الحلو من الحاوض فقال : إنما استأجرتني على الحراسة لا على الأكل! فأتى الوكيل إلى الملك فأعلمه بذلك ، فبعث اليه الملك وكان قد رأى في المنام أنه يجتمع مع أبي يعقوب وتحصل له منه فائدة ، فتفرّس أنه هو فقال له أنت أبو يعقوب؟ قال نعم ، فقام إليه وعانقه وأجلسه إلى جانبه ثم احتمله إلى مجلسه فأضافه بضيافة من الحلال المكتسب بكدّ يمينه وأقام عنده أياما.
    ثم خرج من دمشق فارا بنفسه في أوان البرد الشديد ، فأتى قرية من قراها وكان بها رجل من الضعفاء ، فعرض عليه النزول عنده ، ففعل وصنع له مرقة وذبح دجاجة ، فأتاه بها وبخبز شعير ، فأكل من ذلك ودعا للرجل وكان عنده جملة أولاد منهم بنت قد آن بناء زوجها عليها ، ومن عوائدهم في تلك البلاد أن البنت يجهزها أبوها ويكون معظم الجهاز أواني النحاس وبه يتفاخرون وبه يتبايعون ، فقال أبو يعقوب للرجل هل عندك شيء من النحاس؟ قال : نعم ، قد اشتريت منه لتجهيز هذه البنت ، قال : ائتني به فأتاه به ، فقال له استعر من جيرانك ما أمكنك منه ، ففعل ، وأحضر ذلك بين يديه ، فأوقد عليه النيران ، وأخرج صرة كانت عنده فيها الإكسير ، فطرح منه على النحاس ، فعاد كلّه ذهبا وتركه في بيت مقفل. وكتب كتابا إلى نور الدين ملك دمشق يعلمه بذلك وينبّهه على بناء مارستان للمرضى من الغرباء ويوقف عليه الأوقاف ويبني الزوايا بالطرق ويرضى أصحاب النحاس ويعطي صاحب البيت كفايته.
    وقال له في آخر الكتاب «... وإن كان إبراهيم بن أدهم قد خرج عن ملك خراسان فأنا قد خرجت من ملك المغرب وعن هذه الصنعة والسلام ...»
    وفرّ من حينه ، وذهب صاحب البيت بالكتاب إلى الملك نور الدين ، فوصل الملك إلى تلك القرية واحتمل الذهب بعد أن أرضى أصحاب النحاس وصاحب البيت. وطلب أبا يعقوب فلم يجد له أثرا ولا يقع له على خبر فعاد إلى دمشق وبنى المارستان المعروف باسمه (60) الذي ليس في المعمور مثله.
    __________________
    (60) المستشفى الشهير الذي بناه نور الدين عام 549 ـ 1154 تحدث عنه ابن جبير ص 230 ، وما تزال اثاره إلى الآن غرب الجامع الأموي وعلى عكس هذا فإنه لا يوجد أثر آخر يؤيد هذه الرواية. وأن الرائج حول تمويل بناء هذا المستشفى هو أن أحد الأمراء الصليبيين أدى فدية ثقيلة لتحريره فبنى بها نور الدين ذلك المستشفى. ـ الإكسير (L'elixir) كلمة غير عربية ـ البيمارستان : كلمة فارسية .. هذا وسيأتي (ص 173) الحديث عن ترجمة ابراهيم بن أدهم المتوفى عام 161 ه‍ ـ 778 م.

    ثم وصلت إلى مدينة طرابلس (61) وهي إحدى قواعد الشام ، وبلدانها الضخام ، تخترقها الأنهار ، وتحفّها البساتين والأشجار ، ويكنفها البحر بمرافقه العميمة والبر بخيراته المقيمة ، ولها الأسواق العجيبة ، والمسارح الخصيبة والبحر على ميلين منها وهي حديثة البناء.
    وأما طرابلس القديمة فكانت على ضفة البحر وتملّكها الروم زمانا ، فلما استرجعها الملك الظاهر خربت ، واتخذت هذه الحديثة ، وبهذه المدينة نحو أربعين من أمراء الأتراك ، وأميرها طيلان(62) الحاجب المعروف بملك الأمراء ، ومسكنه منها بالدار المعروفة بدار السّعادة ، ومن عوائده أن يركب في كل يوم اثنين وخميس ، ويركب معه الأمراء والعساكر ويخرج إلى ظاهر المدينة فإذا عاد إليها وقارب الوصول إلى منزله ترجل الأمراء ونزلوا عن دوابهم ومشوا بين يديه حتى يدخل منزله ، وينصرفون (63) وتضرب الطّبلخانة عند دار كل أمير منهم بعد صلاة المغرب من كل يوم ، وتوقد المشاعل. وممن كان بها من الأعلام كاتب السر بهاء الدين ابن غانم (64) أحد الفضلاء الحسباء ، معروف بالسخاء والكرم ، وأخوه حسام الدين هو شيخ القدس الشريف ، وقد ذكرناه(65) ، وأخوهما علاء الدين (66) كاتب السر بدمشق.
    __________________
    (61) بعد أن ظلّت طرابلس طوال مائة وثمانين سنة بيد الصليبيين استرجعت عام 791 ـ 1289 من طرف العاهل المصري الملك الأشرف خليل 792 ـ 795 ـ 1290 ـ 1293 أخي الملك الناصر ، ومن هنا نقول : إنه من الخطأ أن ينسب للملك الظاهر بيبرس سائر الانتصارات التي تحققت أواخر القرن الثالث عشر ... هذا وبما أن بيروت عاصمة لأحد الأقاليم الستّة لسوريا فقد أعيد بناؤها بعد فتحها ...
    (62) طيلان الأشرفي (وصوابه طينال) سيف الدين المدعو الحاجب كان حاكما لطرابلس عام 726 ـ 1326 ثم نقل إلى غزة في سنة 733 ـ 1332 ، كان إذا احتاج إلى مكاتبة السلطان أرسل مطالعته مفتوحة ليقف عليها رئيسه تنكز قبل أن تصل للسلطان! وقد أدركه أجله في صفد ، ربيع الأول 743 غشت 1342. ـ الدرر 2 ، 334.
    (63) هذه تمهيدات للحفلات التي تقام من لدن الحكام في مجالسهم القضائية ـ الطبلخانة : تتألف من الطبول والأبواق والمزامير.
    (64) هو أبو بكر بن محمد بن سليمان بن حمائل الدمشقي ، بهاء الدّين ، بن الشيخ شمس الدّين بن غانم ، كتب الانشاء بطرابلس ثم بدمشق ثم بصفد أدركه أجله بطرابلس. ـ ابن حجر : الدرر : ج I ص ـ 491 490.
    (65) يلاحظ أن حسام الدين هذا ـ وقد توفي في شعبان عام 729 ـ 1329 ـ لم يكن أخا لبهاء الدين ولم يتقدم ذكره في الفقرات الخاصة بالقدس ، بل هو سليمان بن الحسن بن الشيخ غانم المقدسي شيخ البيت المقدس. ـ الدرر الكامنة 2 ص 340.
    (66) علاء الدين هذا هو أخ للأول ولد عام 651 ـ 1253 ، وأدركه أجله عام (736 ـ 1336) قال الصفدي : كتب في ديوان الانشاء وعرضت عليه كتابة السر في حلب فامتنع وله نظم ونثر وأعمال جيدة في الآداب ومكاتبات ومراجعات مع فضلاء عصره ، وكان رئيسا كبيرا. كثير القضاء لحوائج الناس حتى كان صدر الدين ابن الوكيل يقول : ما أعرف أحدا في الشّام إلا ولعلاء الدين ابن غانم في عنقه مأنة! الدرر الكامنة 3 ، 178.

    ومنهم وكيل بيت المال قوام الدين ، ابن مكين من أكابر الرجال ، ومنهم قاضي قضاتها شمس الدين ابن النّقيب (67) من أعلام علماء الشام.
    وبهذه المدينة حمامات حسان : منها حمام القاضي القرمي وحمام سندمور (68) وكان سندمور أمير هذه المدينة ، ويذكر عنه أخبار كثيرة في الشدة على أهل الجنايات منها أن امرأة شكت إليه بأن أحد مماليك الخواص تعدى عليها في لبن كانت تبيعه فشربه ولم تكن لها بيّنة ، فأمر به فوسّط(69) ، فخرج اللبن من مصرانه! وقد اتفق مثل هذه الحكاية للعتريس (70) أحد أمراء الملك الناصر أيام إمارته على عيذاب ، واتفق مثلها للملك كبك سلطان تركستان.
    ثم سافرت من طرابلس إلى حصن الاكراد (71) وهو بلد صغير كثير الأشجار والأنهار بأعلى تل ، وبه زاوية تعرف بزاوية الابراهيمي نسبة إلى بعض كبراء الأمراء ونزلت عند قاضيها ولا أحقق الآن اسمه.
    ثم سافرت إلى مدينة حمص (72) وهي مدينة مليحة ، أرجاؤها مؤنقة ، وأشجارها مورقة ، وأنهارها متدفقة ، وأسواقها فسيحة الشوارع ، وجامعها متميّز بالحسن الجامع ، وفي وسطه بركة ماء، وأهل حمص عرب لهم فضل وكرم ، وبخارج هذه المدينة قبر خالد ابن
    __________________
    (67) ابن النقيب هو محمد بن أبي بكر بن ابراهيم بن عبد الرحمن ... بن النقيب الشافعي ولد سنة 663 ـ 1263 وأدركه أجله عام 746 ـ 1345 ... ولى قضاء حمص ثم طرابلس ثم حلب ثم رجع إلى دمشق فولى الشامية ... كان يعرف شرح العمدة لابن دقيق العيد ... ـ الدرر الكامنة 4 ص 19.
    (68) سندمور الگرجي (الجورجي) حاكم طرابلس عام 700 ـ 1300 وحماة في ذي الحجة 709 مايه 1310 وحلب في جمادي الثانية ـ نونبر نفس السنة ، وقد أوقف وأعدم عام 711 ـ 1311.
    (69) وسّط تعني قطّع نصفين!
    (70) أقوس العتريس ترأس حملة على عيذاب عام 719 ـ 1319 ... وعلاوة على كبك لوحظ أن هذه العملية تكررت ممارستها في المنطقة حتى أيام السلطان مراد الثاني 824 ـ 1421 ـ 1441 ... الدرر 1 ، 427.
    (71) حصن الأكراد سمى كذلك لان حامية كردية كانت تقيم به سنة 421 ـ 1030 ، وقد استولى عليه الصليبيون عام 431 ـ 1140 ، ولكنه لم يلبث أن استرجع من قبل بيبرس 669 ـ 1271 ، هذه القرية تعرف اليوم بقلعة الحصن شرقيّ مدينة زغرتا مدينة رئيس جمهورية لبنان الراحل رونيه معوّض ...
    (72) يصف ابن جبير مدينة حمص بأنها" لا ماء ولا شجر ، ولا ظلّ ولا ثمر فهي تشتكي ظمأها وتستقى على البعد ماءها فيجلب لها من نهيرها العاصي وهو منها بنحو مسافة الميل ..." وهو الوصف الذي يعارض وصف ابن بطّوطة الذي يشاركه في معلوماته المؤرخ المعاصر أبو الفداء ...

    الوليد (73) سيف الله ورسوله ، وعليه زاوية ومسجد وعلى القبر كسوة سوداء ، وقاضي هذه المدينة جمال الدين الشريشى (74) من أجمل الناس صورة وأحسنهم سيرة.
    ثم سافرت منها إلى مدينة حماة (75) إحدى أمهات الشام الرفيعة ، ومدائنها البديعة ، ذات الحسن الرائق ، والجمال الفائق تحفّها البساتين والجنات ، عليها النواعير كالأفلاك الدائرات (76) يشقها النّهر العظيم المسمى بالعاصي (77) ، ولها ربض سمي بالمنصورية أعظم من المدينة ، فيه الأسواق الحافلة والحمامات الحسان.
    وبحماة الفواكه الكثيرة ، ومنها المشمش اللوزي اذا كسرت نواته وجدتّ في داخلها لوزة حلوة (78).
    قال ابن جزي : وفي هذه المدينة ونهرها ونواعيرها وبساتينها يقول الأديب الرّحال نور
    __________________
    (73) خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي ، هذا من أشهر القادة أيام الفتح العربي الأول ... وهو الذي أخرج البيزنطيين من سوريا التي توفى بها سنة 20 أو 21 ـ 641 ـ 642 ... ونذكر مع هذا أن الرحالة المغربي ابن جبير هو الأوّل الذي تحدث عن وجود قبر خالد بن الوليد بحمص (ص 208) والقبر إلى الآن مزارة للمهتمين بالرجال والمتطلعين للأخبار. ـ ابن خلكان : الوفيات 2 ، 476.
    (74) هو محمد بن أحمد بن محمد ... بن سحمان أبو بكر جمال الدين الشريشي ـ 769 ـ 1295 ـ 1368 694 سليل جمال الدين الوارد من شريش على سوريا. ـ ابن حجر : الدرر الكامنة ج 3 ص 441 ـ 442 ـ مصدر سابق.
    (75) كانت حماة تكوّن إمارة مستقلّة تحت سيادة مصر ، محكومة من أحد فروع الأسرة الأيوبية التي كان ممثلها في تلك الفترة المؤرخ والجغرافي الشهير أبو الفداء إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهناه ابن أيوب الملك المؤيد المعروف بصاحب حماه ، هو صاحب" المختصر في أخبار البشر" المعروف بتاريخ أبي الفداء المترجم إلى الفرنسية ، رحل إلى مصر واتصل بالملك الناصر فأقامه سلطانا مستقلا على حماة ... ـ الزركلي : الأعلام 713I.
    (76) عند ما نذكر نواعير حماة نستحضر دائما النواعير المماثلة التي كانت تزخر بها مدينة فاس على الخصوص والتي حركت شاعرية الزوار الذين كانوا يترددون على العاصمة في مهمّات سياسية أو علمية أو سياحية من أمثال ابن الخطيب وابن عبد المنان وأبي القاسم الشريف.
    د. التازي : التاريخ الدپلوماسي للمغرب ، المجلد الثاني ، ص 152 ـ 153 ، مطبعة المحمدية 1986.
    (77) نهر العاصي (ORONTE) يستمد مياهه من منبع يحمل اسما إغريقيّا (OXIOS) ، وعلى العكس من باقي أنهر سوريا فإنه يتجه من الجنوب إلى الشمال ، ومن هنا جاء الاسم (العاصي).
    (78) اشتهرت هذه البلاد بالفواكه الوافرة وخاصة المشمش الذي لا يوجد له نظير في أي مكان وقد تغنى به الشّعراء العرب ...



    الدين أبو الحسن علي بن موسى ابن سعيد (79) العنسي العمّاري الغرناطي نسبة لعمار بن ياسر رضي‌الله‌عنه :
    حمى الله من شطّى حماة مناظرا
    وقفت عليها السمع والفكر والطّرفا

    تغنّى حمام أو تميل خمائل
    وتزهى مبان تمنع الواصف الوصفا

    يلومونني أن أعصي الصّون والنّهى
    بها ، وأطيع الكأس واللهو والقصفا!

    إذا كان فيها النّهر عاص ، فكيف لا
    أحاكيه عصيانا وأشربها صرفا؟!

    وأشدو لدى تلك النّواعر شدوها
    وأغلبها رقصا وأشبهها غرفا

    تئنّ وتذري دمعها ، فكأنّها
    تهيم بمراها وتسألها العطفا

    ولبعضهم في نواعيرها ذاهبا مذهب التّورية
    وناعورة رقّت لعظم خطيئتي
    وقد عاينت قصدي من المنزل القاصي

    بكت رحمة لي ثم باحت بشجوها
    وحسبك أن الخشب تبكى على العاصي

    __________________
    (79) هذا هو المعروف بابن سعيد المغربي المؤرخ الأندلسي ، من الشّعراء العلماء بالأدب ... ولد بقلعة على مقربة من غرناطة ، وقام برحلة طويلة زار فيها مصر والعراق والشام وقد أدركه أجله بتونس وقيل بدمشق عام 685 ـ 1286 من تأليفه" المشرق في حلى المشرق" و" المغرب في حلى المغرب" و" المرقصات المطربات" ... و (وصف الكون) و (بسط الأرض) في الجغرافية ... ـ المقري : نفح الطيب 2 ، 262 ...



    ولبعض المتأخرين فيها أيضا من التورية :
    يا سادة سكنوا حماة وحقّكم
    ما حلت عن تقوى وعن إخلاصي

    والطّرف بعدكم إذا ذكر اللّقا
    يجري المدامع طائعا كالعاصي!

    رجع ، ثم سافرت إلى مدينة المعرّة التي ينسب اليها الشاعر أبو العلاء المعري (80) ، وكثير سواه من الشعراء.
    قال ابن جزي : وإنما سميت بمعرة النعمان لان النعمان بن بشير الأنصاري (81) صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم توفي له ولد أيام إمارته على حمص فدفنه بالمعرة فعرفت به ، وكانت قبل ذلك تسمى ذات القصور (82) ، وقيل إن النعمان جبل مطلّ عليها سميت به.
    والمعرة مدينة حسنة أكثر شجرها التين والفستق ، ومنها يحمل إلى مصر والشام ، وبخارجها على فرسخ منها قبر أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز (83) ، ولا زاوية عليه ولا
    __________________
    (80) أبو العلاء أحمد المعري مات في معرّة النعمان ، 449 ـ 1057 أصيب بالجدري صغيرا ، فعمي في الرابعة من عمره كان يحرّم إيلام الحيوان ولم يأكل اللحم خمسا وأربعين سنة ... نعت بالملحد لأشعار مارقة قالها مثل :
    هفت الحنيفة ، والنّصارى ما اهتدت
    ويهود حارت والمجوس مضلّله!

    اثنان أهل الأرض ذو عقل بلا
    دين وذو دين لا عقل له!!

    (81) ولد النعمان بالمدينة حوالي سنة اثنتين من الهجرة ـ 623 ، شهد صفين مع معاوية فبايع النعمان لابن الزبير وتمرد أهل حمص فخرج هاربا فكان مصرعه عام 65 ـ 684. وخلافا لما يرويه ابن بطوطة عن السبب في نسبة المعرة للنّعمان نجد أن ياقوت الحموي يستبعد أن تسمى مدينة لمثل ذلك السبب!! انظر معجم البلدان مادة (المعرة). ويظن ياقوت أن المعرة مسماة بالنعمان الملقب بالساطع بن عدّي غطفان بن تيم الله وهو تنوخ بن أسد ... الزركلي : الأعلام.
    (82) قد عرفت أيضا تحت اسم ذات القصرين وقد كانت تحتوي على بساتين من التين والفستق والمشمس والرمان والتفاح وأنواع أخرى من الفاكهة ... هذا وقد نقل (گيب) أن المعرة لها تاريخ من عهد اليونان والرّومان ...
    (83) عمر بن عبد العزيز الخليفة الأمويّ ، ولى الخلافة بعهد من سليمان بن عبد الملك فبويع في مسجد دمشق ، وسكن الناس في أيامه فمنع سبّ علي بن أبي طالب وكان من تقدّمه من الأمويين يسبّونه على المنابر! غير أن مدته لم تطل حيث أدركه أجله عام 101 ـ 720 بدير سمعان شرق المعرة ومدة خلافته سنتان ونصف ، وأخباره في عدله وحسن سياسته متواترة وألف الناس عنه كثيرا. الزركلي : الاعلام 5 ، 209.

    خديم له ، وسبب ذلك أنه وقع في بلاد صنف من الرافضة (84) أرجاس يبغضون العشرة من الصحابة رضي‌الله‌عنهم ولعن مبغضهم ، ويبغضون كلّ من اسمه عمر ، وخصوصا عمر بن عبد العزيز رضي‌الله‌عنه لما كان من فعله في تعظيم عليّ رضي‌الله‌عنه.
    ثم سرنا منها إلى مدينة سرمين (85) ، وهي حسنة كثيرة البساتين ، وأكثر شجرها الزيتون ، وبها يصنع الصابون الآجورى ، ويجلب إلى مصر والشام ويصنع بها أيضا الصابون المطيّب لغسل الأيدي ويصبغونه بالحمرة والصفرة ، ويصنع بها ثياب قطن حسان تنسب اليها. وأهلها سبّابون يبغضون العشرة (86) ، ومن العجب أنهم لا يذكرون لفظ العشرة وينادي سماسرتهم بالأسواق على السلع فإذا بلغوا إلى العشرة قالوا : تسعة وواحدا!!
    وحضر بها بعض الأتراك يوما فسمع سمسارا ينادي تسعة وواحد ، فضربه بالدّبوس على رأسه ، وقال : قل عشرة بالدبوس! وبها مسجد جامع فيه تسع قباب ولم يجعلها عشرة قياما بمذهبهم القبيح!
    ثم سرنا إلى مدينة حلب المدينة الكبرى ، والقاعدة العظمى. قال أبو الحسين ابن جبير في وصفها : قدرها خطير ، وذكرها في كل زمان يطير ، خطابها من الملوك كثير ، ومحلها من النفوس أثير ، فكم هاجت من كفاح ، وسل عليها من بيض الصفاح ، لها قلعة شهيرة الامتناع ، باينة الارتفاع تنزهت حصانة أن ترام أو تستطاع ، منحوتة الأرجاء ، موضوعة على نسبة اعتدال واستواء ، قد طاولت الأيام والأعوام ، وشيعت الخواص والعوام ، أين أمراؤها الحمدانيون ، وشعراؤها (87)؟ فني جميعهم ولم يبق إلا بناؤها! فيا عجبا للبلاد تبقى ويذهب أملاكها! ويهلكون ولا يقضى هلاكها وتخطب بعدهم فلا يتعذر إملاكها ، وترام فيتيسر بأهون شيء إدراكها.
    __________________
    (84) يذكر أن شيعة هذه المنطقة ينتمون إلى فرقة تعرف باسم النّصيرية نسبة إلى محمد بن نصير البصري ... ـ أنظر دائرة المعارف الإسلامية مادة (NUCAIRI).
    (85) تقع سرمين على بعد يومين غرب حلب ويذكر أبو الفداء أنها مدينة تتوفر على عدد من أشجار الزيتون والأشجار الأخرى.
    (86) يذكر ياقوت أن أهل سرمين في عهده كانوا من الطائفة الإسماعيلية ...
    (87) إلى أسرة حمدان العربية ينتمي سيف الدولة الذي احتل حلب عام 332 ـ 944 واشتهر أمره بالحملات المتوالية ضد البيزنطيين على ما نجده في أشعار المتنبي ... الذي يقول في شعره :
    نفيت عنك العلا والمجد والأدبا
    وإن خلقت لها إن لم تزر حلبا!!





    هذه حلب كم ادخلت ملوكها في خبر كان ، ونسخت ظرف الزمان بالمكان! أنّث اسمها فتحلت بحلية الغوان ، ودانت بالعذر فيمن دان ، وتجلت عروسا بعد سيف دولتها ابن حمدان ، هيهات هيهات سيهرم شبابها ، ويعدم خطابها ، ويسرع فيها بعد حين خرابها! وقلعة حلب تسمى الشهباء (88) ، وبداخلها جبّان ينبع منهما الماء ، فلا تخاف الظمأ ، ويطيف بها سوران ، وعليها خندق عظيم ينبع منه الماء ، وسورها متدانى الأبراج ، وقد انتظمت بها العلاليّ العجيبة المفتحة الطيقان ، وكلّ برج منها مسكون ، والطعام لا يتغير بهذه القلعة على طول العهد (89).
    وبها مشهد يقصده بعض الناس يقال : إن الخليل عليه‌السلام كان يتعبد به. وهذه القلعة تشبه قلعة رحبة مالك بن طوق التي على الفرات بين الشام والعراق (90) ، ولما قصد قازان (91) طاغية التتر مدينة حلب حاصر هذه القلعة أياما ونكص عنها خائبا.
    قال ابن جزي : وفي هذه القلعة يقول الخالدي (92) شاعر سيف الدولة :
    وخرقاء قد تاهت على من يرومها
    بمرقبها العالي وجانبها الصّعب

    يجرّ عليها الجوّ جيب غمامة
    ويلبسها عقدا بأنجمه الشّهب

    __________________
    (88) لا أعرف وجها لتسميتها بالشهباء إلا ما قيل عن بياض أحجارها وتربتها. هذا ولا يعرف أثر اليوم للبئرين المتحدث عنهما ، وربما كان القصد إلى قنوات كانت تتحكّم في الماء ...
    (89) فسّرت لنا هذه الظاهرة ونحن نقوم بزيارة الموقع عام 1993 بأن الذين صمّموا للبناء فكّروا في جعله على شكل يضمن تكييفه وحمايته من الرطوبة ، وقد سمعنا مثل هذا عن مبنى البيمارستان ...
    (90) تقع رحبة مالك على الفرات في سوريا وقد شيدت من لدن مالك ابن طوق حوالي 199 ـ 815 على عهد الخليفة العباسي المأمون.
    (91) قازان خان ، ملك مغولي إيلخان العراق وفارس نظم حملتين ضد حلب عام 699 ـ 700 ـ 129 ـ 1300 ولكن بدون نجاح ...
    أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء ، تأليف محمد راغب الطباخ الحلبي ، تحقيق محمد كمال ، دار القلم العربي بحلب.
    (92) يتعلق الأمر في الواقع بأخوين شاعرين : أبي بكر محمد بن هاشم بن وعلة وأبي عثمان سعيد المعروفين بالخالديّين نسبة إلى قرية" الخالدية" على مقربة من الموصل. توفي سعيد عام 371 ـ 981 ، وتوفي أبو بكر عام 380 ـ 990 ، كانا يشتركان في نظم الأبيات أو القصيدة فتنسب إليهما معا ، كانا من خواص سيف الدولة ابن حمدان. ـ ابن خلكان : الوفيات 3 ، 404 ـ 4 ، 404 ـ 5 ـ 380.


    إذا ما سرى برق بدت من خلاله
    كما لاحت العذراء من خلل السّحب

    فكم من جنود قد أماتت بغصّة
    وذي سطوات قد أبانت على عقب

    وفيها يقول أيضا وهو من بديع النظم
    وقلعة عانق العيون سافلها
    وجاز منطقة الجوزاء عاليها

    لا تعرف القطر إذ كان الغمام لها
    أرضا توطّأ قطريه مواشيها

    إذا الغمامة راحت غاض ساكنها
    حياضها قبل أن تهمي عواليها

    يعدّ من أنجم الأفلاك مرقبها
    لو أنّه كان يجري في مجاريها

    ردّت مكايد أقوام مكايدها
    ونصّرت لدواهيهم دواهيها

    وفيها يقول جمال الدين علي بن أبي منصور :
    كادت لبون سموّها وعلوّها
    تستوقف الفلك المحيط الدّايرا

    وردت قواطنها المجرّة منهلا
    ورعت سوابقها النّجوم زواهرا



    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
     
    رحلة ابن بطوطه
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    » رحلة ابن جبير
    » رحلة ديللاقاليه الى العراق مطلع القرن السابع عشر
    » رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676
    » رحلة مدام ديولافو من المحمره الى البصره وبغداد سنة 1881م-1922ه

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: -27- الكتب الاسلاميه-
    انتقل الى: