الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
اهل البيت
المواضيع الأخيرة
» نثر الدر المكنون
رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676 Emptyاليوم في 6:12 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» مقاتل الطالبيّين مقاتل الطالبيّين المؤلف :أبي الفرج الاصفهاني
رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676 Emptyأمس في 11:42 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج1
رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676 Emptyأمس في 10:27 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج2
رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676 Emptyأمس في 9:59 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج3
رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676 Emptyأمس في 9:34 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  كلام جميل عن التسامح
رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676 Emptyأمس في 8:57 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  مفهوم التسامح مع الذات
رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676 Emptyأمس في 8:48 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» أقوال الحكماء والفلاسفة
رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676 Emptyأمس في 10:01 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» أقوال وحكم رائعة
رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676 Emptyأمس في 9:55 am من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676 Empty
    مُساهمةموضوع: رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676   رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676 Emptyالجمعة أكتوبر 18, 2024 5:19 pm

    المقدمة
    1 ـ سبب الترجمة :
    أقدمنا على ترجمة ما ورد عن العراق في «رحلة تافرنييه» ونحن على يقين من فراغ الخزانة العربية من مصادر وافية بتاريخ العراق في أدواره المختلفة ، وخصوصا ما كان يتعلق منها بأخبار هذه البلاد في العصور الأخيرة ، كالعصر الذي زار فيه تافرنييه بلاد العراق ، ووصف أحوالها بما يراه القارئ في تضاعيف هذا الكتاب.
    2 ـ النسخة التي استندنا إليها :
    دوّن تافرنييه حديث رحلاته باللغة الفرنسية. وقد طبعت مدوناته سنة 1676 م ، ثم جدد طبعها سنة 1713 م.
    وهذه الرحلة نقلت بكاملها إلى الإنكليزية ، وطبعت في لندن سنة 1678 م.
    ولقد كان اعتمادنا في نقل كتابنا ، على هذه الترجمة الإنكليزية في بادئ الأمر ، ثم راجعنا الترجمة على الأصل الفرنسي بطبعته المجددة.
    3 ـ ماذا أخذنا ، وماذا تركنا من الرحلة؟
    قلّ بين الرحّالين الأقدمين من أبناء الغرب ، من جاب أصقاع الأرض بنطاق واسع ، كالذي فعله تافرنييه في رحلاته الست التي زار فيها أغلب الأقطار الأوروبية ، وشاهد أيضا بلاد الشرقين الأدنى والأوسط ، بل بلغ به المطاف إلى جزر الهند الشرقية ووصل بلاد اليابان ، ووصف كل ما مر به بما أتيح له.

    ولما كانت غايتنا خدمة بلادنا العراقية ، عمدنا إلى ما كتبه هذا الرحالة عن العراق ، فنقلناه كاملا إلى العربية ، دون ما تغيير أو تحوير. بل تجاوزنا هذا الحد في بعض الاحيان ، لاعتقادنا أن الموضوع لا يستقيم إلا بوصل أوله بآخره. من ذلك أننا عندما نقلنا كلام المؤلف في وصف الطريق بين حلب وأصفهان مثلا ، اضطررنا إلى أن نساير المؤلف في خطواته من مدينة حلب حتى بلوغه مدينة اصفهان ، أي أننا نقلنا جانبا من وصف المؤلف لشطر من بلاد سورية وشطر من بلاد إيران. ولو لم نفعل ذلك لجاء وصفه للبلاد العراقية التي مر بها مبتورا ناقصا.
    وتمسكا بالأصل ، فقد احتفظنا بعناوين فصول الرحلة وأرقامها فيرى القارئ ، أن أول بحث في هذا الكتاب عنوانه «الفصل الثالث من الكتاب الثاني من الرحلة» لأن ما قبل ذلك لا يدخل في نطاق بحثنا المتعلق بالعراق.
    4 ـ طريقة المؤلف في التدوين :
    والمؤلف ، في حديث رحلاته ، يكاد يتبع أسلوب «اليوميات» ، فهو يدون ما يريد تدوينه بحسب تعاقب زيارته للمواطن التي يتكلم عليها. ولقد وجدناه في غير مكان من رحلته يعيد ما سبق أن قاله فأبقينا على ذلك كله محافظة على الأصل.
    5 ـ تعليقاتنا :
    بعد أن فرغنا من نقل كلام المؤلف ، وجدنا فيه أمورا عديدة تفتقر إلى تعليقات تنير السبيل للقارئ في معرفة ما يطالعه بالوجه الصحيح. وفي الواقع إن بين أقوال المؤلف ـ وهو غريب عن هذه الديار ـ ما يعتريه الوهم أو الغموض أو الالتباس. فرأينا في السكوت على ذلك تقصيرا. لذلك عمدنا إلى تقويم أود ذلك بالتعليقات : نفسر هذا ، ونوضح ذاك ، ونتسع في الآخر ، حتى قام من مجموع تعليقاتنا مواد كثيرة ، أغنت مادة الكتاب ، ورفعت من مستواه التاريخي.

    وقد وجدنا بعض التعليقات طويلا ، لا تتسع لها حواشي الصحائف ، ففصلناها وجعلناها «ملاحق» متسلسلة أدرجناها بآخر الكتاب.
    6 ـ تصحيف الأعلام في الأصل :
    ولا نريد ان نختم كلمتنا هذه دون الاشارة إلى أمر ذي بال جابهنا أثناء النقل ، ذلك أن المؤلف ، في إيراده أسماء الأمكنة ، كثيرا ما يذكرها بصورة مصحفة أو مغلوطة. فكان ذلك من المشاكل العسيرة التي حاولنا تذليلها جهد المستطاع.
    إن مثل هذه الأسماء ، أوردناها بحروفها الفرنجية ليرى القارئ مبلغ ابتعادها عن التسمية المعروفة بها.
    والأمثلة على ذلك عديدة ، نذكر منها : Odoine وهو يريد به النهر «العظيم». وDar al ـ sani يريد بها «دار السلام» وConaguy وهو يقصد «خانقين» ، وCasered ومراده بها «قزلرباط» ، إلى كثير غيرها.
    ولنا أن نقول ، إن بعضا من الأسماء ، لم نتمكن ـ مع الأسف ـ من التوصل إلى حقيقة أمره ، فأبقينا اسمه بالافرنجية كما ورد في الرحلة ذاتها ، وجعلنا مكان اسمه بالعربية خاليا ، إذ لعل هناك من يستطيع ان يجد اسمه الحقيقي.
    7 ـ الفهارس :
    وقد لا حظنا ، بعد انتهاء عملنا من الكتاب ، أن لا غنى عن وضع «فهارس» محكمة مفصلة تيسر الرجوع إلى النص ، وترشد المطالع إلى مواطن ما يرغب فيه. فكان من ذلك هذه الفهارس المختلفة التي يجدها القارئ في آخر الكتاب.
    8 ـ كلمة شكر :
    ولا بد لنا ، أن نتقدم بالشكر إلى كل من آزرنا من الباحثين الأفاضل في تحقيق عملنا بالوجه الأكمل ، وقد أشرنا إلى اسم كل منهم في موطنه من الكتاب.
    كوركيس عواد / بشير فرنسيس


    جان بابتيست تافرنييه
    JEAN BAPTISTE TAVERNIER
    (1605 ـ 1689 م)
    روى تافرنييه عن نفسه ، في مقدمة كتابه «الرحلات الست» ، قائلا :
    «لو جاز لي أن أعد أثر التربية ولادة ثانية ، لقلت واثقا بأني جئت إلى هذا العالم وفيّ رغبة في الأسفار. فالمحاورات اليومية التي كانت تدور بين طائفة من العلماء ووالدي في المواضيع الجغرافية التي كان له فيها القدح المعلى ، كنت أصغي إليها بكليتي بالرغم من حداثة سني. فحثت فيّ الشوق لمشاهدة بعض هاتيك الأقطار التي كانت تمثل أمامي بخرائط لم يكن يهون عليّ رفع نظري عنها. وهكذا ما إن بلغت الثانية والعشرين من عمري ، حتى كنت زرت أجمل بقاع أوروبا : فقد شاهدت فرنسا وإنكلترا والبلاد المنخفضة وألمانيا وسويسرا وبولندا والمجر وإيطاليا. وصرت أتكلم بأكثر اللغات لزوما وذيوعا.
    «وكانت في طليعة البلاد التي قصدتها إنكلترا ، في عهد الملك جيمس. ومنها عبرت إلى بلاد الفلندرز ، لأرى انتورب (أنفرس) موطن والدي الأصلي. ومنها ذهبت إلى البلاد المنخفضة وهناك ازداد ميلي إلى الأسفار نموّا وقوة لما كان يحتشد في تلك الأرجاء من الغرباء الذين لقيتهم في أمستردام ، وكانوا قد أتوها من كل حدب وصوب».
    ***
    ولد جان بابتيست تافرنييه في باريس سنة 1605 م. وكان أبوه كبرييل قد هاجر إليها من انتورب مع عمه في نهاية القرن السادس عشر ، وكان كبرييل هذا من مشاهير الجغرافيين والنقاشين.

    وكان جان في الخامسة عشرة من عمره ، قد رحل إلى جهات أوروبا الغربية ، وخدم أهم حكام أوروبا ودخل قصورهم. وحارب الترك لما وصلوا حدود بولند. وكان في إحدى سفراته الأوروبية تعرف براهبين فرنسيين وهما دي شاب (M.De chapes) ودي سان ليباو (M.De St Liebau) كانا يقصدان السفر إلى القسطنطينية ومنها إلى فلسطين. فاقترحا عليه مرافقتهما ، فلقي الاقتراح هوى من نفسه. وتوجهوا جميعا إلى تلك البلدان. وقضوا ذلك الشتاء في القسطنطينية. وانفصل تافرنييه عن الراهبين اللذين تابعا سفرهما إلى فلسطين ، فمكث هناك أحد عشر شهرا ، ثم التحق بقافلة وذهب إلى طوقات وارضروم واريفان ودخل بلاد فارس ، وبلغ في رحلته الأولى هذه اصفهان. ثم قفل راجعا بطريق بغداد فحلب والإسكندرونة ، فمالطة وإيطاليا حتى بلغ باريس سنة 1633 م.
    وفي أيلول سنة 1638 م شرع برحلته الثانية التي دامت حتى سنة 1642 م. فسافر بطريق حلب إلى فارس ، ومنها إلى الهند حتى أغرا (Agra) ، وتوغل في أصقاع الهند حتى بلدة غلكندة. وفي الهند زار بلاط كبير المغول ، وشاهد مناجم الماس التي لم يرها أوروبي من قبله. فساقه ذلك إلى الاتجار مع هذه البلاد ، خاصة الجواهر الكريمة وغيرها من المواد النفيسة التي تعاطاها مع أعاظم أمراء الشرق.
    وأعقبت هاتين الرحلتين ، أربع رحلات أخرى. ففي رحلته الثالثة (1643 ـ 1649 م) وصل في مسيره جزيرة جاوة ، وعاد من طريق رأس الرجاء الصالح.
    ودامت رحلته الرابعة من سنة 1652 إلى 1656 م.
    والخامسة من 1657 إلى 1662 م.
    والسادسة من 1663 إلى 1668 م.
    وقد زار تافرنييه في هذه الرحلات الواسعة النطاق ، ممالك آسيا الجنوبية ، وجزر الهند الشرقية ، واليابان ، وجنوبي إفريقيا وعاد من رحلته الأخيرة وقد أصبح في عداد الأغنياء. وكان قد دار في خلده في وقت ما من

    سنة 1648 تأسيس شركة للاتجار مع الشرق.
    وفي سنة 1669 م. منحه لويس الرابع عشر ، لقب «نبيل». واشترى في سنة 1670 م بارونية اوبون (Aubone) بالقرب من جنيف في سويسرا. ولكنه عاد وانهمك ثانية في الأعمال التجارية.
    ومهما يكن من أمر ، فإن أواخر سني حياته غامضة. فقد ترك باريس إلى سويسرا في سنة 1687 م. وفي سنة 1689 م عبر إلى كوبنهاغن قاصدا بلاد فارس عن طريق روسيا ، غير أنه وافاه الأجل المحتوم في تلك السنة وهو في موسكو.
    وخلاصة القول ، أن تافرنييه عاش أربعا وثمانين سنة ، قضى منها في أسفاره العديدة زهاء ست وأربعين سنة. وقل بين الرحالين من دامت رحلاته مثل هذا الأمد الطويل.
    ***
    والذي خلّد ذكر تافرنييه ، هو تآليفه في وصف رحلاته الكثيرة في مختلف الأصقاع. وقد أفرغ تافرنييه وصف بعض رحلاته في كتاب عنوانه :
    Nouvelle Relation de Linterieur du Serail du Grand Seigneur.
    وقد طبع في باريس سنة 1675 م. ثم جدد طبعه سنة 1713 م. وهذا الكتاب يستند إلى زيارتين للقسطنطينية في رحلته الأولى ورحلته السادسة.
    وأشهر من ذلك حديث رحلاته الست ، وعنوانه :
    Les Six Voyages de j. ـ B, Tavernier
    وقد طبع في باريس سنة 1676 م بمجلدين. ثم أعيد طبعه سنة 1713 م.
    وقد نقل هذه الرحلات جميعا ، ج. فيليبس (j.Phillips) إلى الإنكليزية وطبعها في لندن سنة 1678 بعنوان :
    east ـ indies. the six voyages of j. ـ b. tavernier through turky into persia and the
    وقد ظهرت ، سنة 1889 ترجمة إنكليزية بقلم (V.Ball) لرحلات تافرنييه في بلدان الهند.

    ونقل كمبل طمسن رحلات تافرنييه في بلاد ما بين النهرين وطبعها بعنوان :
    R. Camphell Thompson : Tavernier`s travels in Mesopotamia (London, 0191)
    ونقل نظم الدولة أبو تراب نوري ، رحلة تافرنييه بكاملها إلى الفارسية ، وطبعها في طهران سنة 1331 ه‍ في 1035 صفحة وقد أطلعنا على نسخة منها الأستاذ عباس العزاوي.
    المراجع عن ترجمة حياته :
    ـ The Six Voyages of J. ـ B. Tavernier (London 8761). charles joret : jean ـ baptiste tavernier d`apres des Documents
    .
    nouveaux (6881) ـ larousse du xxe siecle) art. tavernier (.
    . ـ encyclopaedia britannica (art.tavernier)

    الفصل الثالث
    (من الكتاب الثاني من الرحلة)
    الكلام على الطرق العديدة من حلب الى اصفهان بوجه عام
    وطريق البادية بوجه خاص
    بين حلب وأصفهان ، تمتدّ خمسة طرق عامة غير الطريقين الآخرين اللذين وصفتهما سابقا ، وهما الماران بالأناضول (1) ، فتكون الطرق المؤدية إلى بلاد فارس سبعة ، تتشعب من القسطنطينية وأزمير أو حلب.
    وأول الطرق الخمسة ، البادئة من حلب ، يقع في يسار المتجه إلى الشمال الشرقي ، مارا بديار بكر وتبريز.
    وثانيها : الطريق الذي يتجه إلى الشرق رأسا بمحاذاة بلاد ما بين النهرين ، مارا بالموصل وهمذان.
    والثالث : إلى يمين الذاهب إلى الجنوب الشرقي ، مارا ببغداد وكنكور (Kengavar).
    والرابع : هو أكثر الطرق الخمسة اتجاها نحو الجنوب ، يجتاز بادية صغيرة ويمر بعانة وبغداد والبصرة.
    والطريق الخامس : يخترق البادية الكبيرة ، وهو لا يسلك دائما ، بل يطرق مرة واحدة في السنة عندما يقطعه تجار تركيا ومصر لشراء الإبل.
    وسأسعى إلى وصف كل من هذه الطرق في فصول مختلفة. وأول ما أبدأ به منها ما كان يقطع البادية الكبرى.
    __________________
    (1) في الكتاب الأول من رحلة تافرنييه ، وصف موجز لهذين الطريقين.



    إن القوافل التي تقصد البصرة سالكة هذا الطريق ، لا تتحرك حتى موسم هطول الأمطار ، لئلا يعوزها الماء وهي في قفر البادية. ويندر أن يمسك المطر حتى كانون الأول من كل سنة. إن القافلة التي رافقتها ، تحركت في يوم عيد الميلاد ، وكانت تتألف من أربعمائة رجل بين سادة وخدم ، ونحو ستمائة بعير. وكان الكروان باشي (1) وحده ممتطيا صهوة فرسه ، متقدما القافلة لارتياد أماكن المياه واختيار الأماكن الصالحة للمبيت.
    أما أنا فأعترف بأنني أرحت نفسي بركوب حصاني الذي احتفظت به طوال إقامتي في حلب. ولا يخفى أن حرية الاحتفاظ بالخيل لا يسمح بها للافرنج إلا في القسطنطينية وإزمير وحلب. أما في دمشق وصيدا والقاهرة ، فلا يجيزون ذلك لغير القناصل. ولسائر الناس امتلاك أو استكراء الحمير دون غيرها. وهي تتيسر في الدروب العامة دائما.
    وفي اليوم الثاني ، رحلنا فجرا ، وعند الظهر بلغنا مكانا فيه خمس آبار ، بين البئر والأخرى خمسمائة خطوة ، وماؤها عذب جدا ، فملأنا قربنا منها ، وفي نحو الساعة الرابعة من بعد الظهر نزلنا في بقعة لا ماء فيها.
    وفي اليوم الذي يليه ، صادفنا قبيل الظهر بئرين كان ماؤهما مجّا لم يشربه غير الجمال. وعندهما بتنا ليلتنا أيضا.
    لقد مر على سفرنا الآن يومان في البادية ، التي سأصفها وصفا موجزا : إنك بعد أن تبتعد فرسخين (2) أو ثلاثة فراسخ من حلب تدخل البادية فلا يقع نظرك على غير الخيم المنصوبة بدلا من المساكن المشيدة. وتمتد هذه البادية
    __________________
    (1) لفظة تركية ، ورد ذكرها غير مرة في هذه الرحلة. والمراد بها «رئيس القافلة» الذي ينتخبه المسافرون من بينهم ويناط به تعيين أوقات الحل والرحيل ، واختيار أماكن المبيت ، والفصل أيضا في المخاصمات التي قد تنشب بين رجال القافلة ، وتمثيل القافلة لدى أصحاب الشأن في البقاع التي تمر بها.
    (2) كثيرا ما يستعمل تافرنييه لفظة «الفرسخ» للدلالة على الأبعاد. والفرسخ زهاء ثلاثة أميال أو خمسة كيلومترات.

    صوب الجنوب الشرقي ، بمحاذاة الفرات حتى تبلغ البصرة وساحل خليج فارس ، ثم تنتهي جنوبا بسلسلة الجبال الحاجزة بين البلاد العربية الصخرية (Arabia Petrea) وبلاد العرب السعيدة. وتكاد تكون هذه البوادي خالية من كل شيء إلا من الرمال. والأرض في بعض الأماكن أهش مما في أخرى ، بحيث يصعب السير فيها إلا عقب سقوط الأمطار التي تصلب تلك الرمال وتكتلها. ويندر أن تمر في هذه البوادي بتل أو بواد. فإن صادفت شيئا منها كان ذلك دليلا على وجود الماء هناك وبعض الأحطاب التي تفي بالطبخ ، وذلك لتعذّر وجود الخشب في أنحاء البادية. وغاية ما يطاق حمله في حلب على ظهور الجمال من حطب وفحم ينفد في نحو ثمانية أو عشرة أيام. ولهذا لا ترى بين الستمائة بعير التي تخترق البادية أكثر من خمسين محملة بالبضائع المؤلفة من الأقمشة الخشنة وقليل من المواد الحديدية ، وبالأخص نسيج قالقوط الأسود والأزرق (1) الذي يستعمله العرب دون تقصيره (2). وأما سائر الجمال فتحمل من الطعام ما يكفي هذا الحشد من المسافرين طوال أيام سفرهم العديدة في مثل هذه البلاقع المترامية الأطراف.
    في الخمسة عشر يوما الأولى من سفرنا ، لم نر الماء إلا مرة في كل يومين ، وأحيانا في كل ثلاثة أيام. وفي اليوم العشرين بعد خروجنا من حلب ، نزلت القافلة مكانا فيه بئران ماؤهما طيب جدا. وقد كان كلّ منا مبتهجا إذ أتيح له غسل ملاحفه ، وقد رأى الكروان باشي أن نمكث هنا يومين أو ثلاثة أيام ، بيد أن الأخبار التي وردتنا أدّت إلى الرجوع عما رأى. وذلك أننا ما كدنا
    __________________
    (1) هذا النسيج منسوب إلى مدينة قالقوط (Calicut) التي اشتهرت بصنعه وهي من مدن الهند المشهورة. مر بها ابن بطوطة في رحلته ووصفها بقوله (تحفة النظار 4 : 89 ـ 88 طبعة باريس) إنها «احدى البنادر العظام ببلاد الملبار ، يقصدها أهل الصين والجاوة وسيلان والمهل وأهل اليمن وفارس ، ويجتمع بها تجار الآفاق ، ومرساها من أعظم مراسي الدنيا». أما اليوم فهي من مدن الهند البريطانية ، ومركز مقاطعة الملبار الساحلية. ولم يبق لها تلك الشهرة في صناعة النسيج الذي عرف باسمها (Calico).
    (2) تقصير الثوب : تبييضه.

    نتناول عشاءنا ، حتى رأينا ساعيا معه ثلاثة أعراب راكبين كلهم بغالا أرسلوا يحملون الأخبار إلى حلب وغيرها من مدن الامبراطورية بالاستيلاء على بغداد. فوقفوا عند البئرين لإرواء دوابهم. فتقدم إليهم الكروان باشي وغيره من الرجال البارزين في القافلة ببعض الفواكه المجففة والرمان. وقد أفادنا هؤلاء السعاة بأن الجمال التي حملت بأمتعة السلطان وحاشيته قد نالها التعب.
    ومن المؤكد أن ضباطه سيضعون أيديهم على جمالنا إذا ما التقوا بنا ، ونصحونا بألا ندنو من عانة ، وإلا أوقفنا أميرها. وبناء على ما أبلغونا به ، تحركنا في الساعة الثالثة من بعد منتصف الليل ، وظللنا متجهين جنوبا ، حتى صرنا في وسط البادية. وبعد ثمانية أيام ، حللنا في بقعة ذات ثلاث آبار وثلاثة أو أربعة بيوت. فمكثنا هناك يومين كاملين للتمتع بهذا المنهل العذب. وما كدنا نأخذ طريقنا ثانية ، حتى جاءنا ثلاثون فارسا مسلحا قادمين من لدن أحد الأمراء ليبلغوا الكروان باشي بوجوب إيقاف قافلته. فلبثنا عند ذاك أياما ثلاثة منتظرين قدوم هذا الأمير بفارغ الصبر. فلمّا حلّ بيننا ، أهدى إليه الكروان باشي قطعة حريرية ، ونصف قطعة من قماش قرمزي ، وقدرين كبيرتين من النحاس. ولكن مع أن هذه القدور مما لا يمكن أن يرفضها أمير عربي ، لخلو مطبخه من مثيلها ، لم تبد على محياه علائم الرضا بهذه الهدية ، بل طلب منا ما يزيد على أربعمائة كراون (1). لقد جهدنا سبعة أو ثمانية أيام متمسكين بنقودنا. ولكن عبثا كان ذلك ، فإننا اضطررنا أخيرا إلى جمع هذا المبلغ بتقسيطه بيننا ، كل بما في طاقته ، فلما دفع إليه ، قدم للكروان باشي الپلاو (2) والعسل والتمر. وعند مبارحته المكان أعطى القافلة خمس أو ست أغنام مطبوخة.
    وبعد أن فارقنا هذا الأمير العربي بثلاثة ايام ، مررنا ببئرين ، كان بالقرب
    __________________
    (1) يريد به الليرة الفرنسية التي كانت متداولة يومذاك ، وهو نقد يساوي أربعة شلنات وستة بنسات أي 225 فلسا عراقيا.
    (2) الپلاو ، لفظة تركية بمعنى الرز المطبوخ وما زال بعض الناس في جهات من العراق يستعمل هذه اللفظة.

    منهما أبنية قديمة منهارة من الآجر. لقد كان ماء هاتين البئرين شديد المرارة حتى أن الجمال عافته ، ومع ذلك ملأنا قربنا منه ، ظانين أننا سنزيل عنه مرارته بغليه. ولكن خاب تقديرنا لأن الأمر كان على العكس من ذلك.
    ومن هاتين البئرين اللتين لا يرجى من مائهما خير ، تمادى بنا السير ستة أيام دون أن نلقي بماء. فإذا أضفنا إلى ذلك الأيام الثلاثة السابقة ، كان مجموع ما مرّ على الجمال من الأيام التي لم تذق خلالها الماء تسعة. وفي نهاية هذه الأيام التسعة سرنا في أرض كثيرة التلال امتدادها ثلاثة فراسخ. وعند حضيض هذه التلال رأينا ثلاث برك ولما كانت الجمال تتنسم رائحة الماء من مسافة نصف فرسخ ، أخذت تسارع في سيرها إليها. وما إن انتهت إلى البرك حتى تزاحمت عليها وتدافعت ، فتكدر الماء من جراء ذلك وتلوث. ولهذا قرّ رأي الكروان باشي على المكوث في هذا الموطن يومين أو ثلاثة أيام ، ريثما يصفو الماء. وقد انتهزنا تلك الفرصة لطبخ الرز لأن هناك أحراشا كثيرة نامية حول البرك. وزاد في ابتهاج الناس هناك ان الفرصة واتتهم لصنع الخبز ، وقد رأيتهم يخبزونه بالوجه التالي : يحفرون أولا حفرة مستديرة في الأرض ، عمقها نصف قدم ، ومحيطها قدمان أو ثلاث ، ويملأونها بالحطب ، ثم يوقدون هذا الحطب ويغطون الحفرة بالطابوق أو الأحجار ، إلى أن تحمر ، وكانوا حينذاك يحضرون العجين فوق سفرة وهي عبارة عن قطعة مستديرة من النحاس ، يتخذون منها في سائر الأوقات مائدة للطعام. ثم يرفعون الرماد والطابوق وبعد أن ينظفوا الحفرة جيدا يضعون عجينهم فيها ، ثم يغطون الحفرة ثانية بالطابوق أو الأحجار الحارة ، ويدعونها على هذه الحال حتى الصباح. إن الخبز الذي يخبز بهذا الوجه ، لا يزيد ثخنه على أصبعين وكبره بقدر الكعك العادي ، وهو إلى ذلك لذيذ الطعم جدا.
    وفي أثناء مكوث القافلة عند البرك الثلاث ، قضيت أوقاتي بصيد الأرانب والحجلان التي تكثر في هذه البقاع. وفي الليلة التي سبقت مغادرتنا المكان ، ملأنا قربنا ثانية ، وكان الماء قد صفا وطاب وهذا الماء يتجمع من الأمطار التي تهطل على هذه المنخفضات. ولكنه يجف في فصل الصيف.

    والآن بعد ما رأى الكروان باشي أننا سرنا تسعة أيام دون أن نجد في أثنائها ماء ، رغب عن السفر جنوبا ، وصمم على أن يأخذ طريقه نحو الغرب ، فإن لم يصادف ماء في خلال يومين أو ثلاثة ، فإنه يغير طريقه لا محالة إلى الشمال الشرقي أي الشرق الشتائي ، رغبة منه في الوصول إلى نهر الفرات.
    وبعد يومين من تغييرنا الطريق ، اجتزنا واديا بين تلين صغيرين ، صادفنا فيه بركة ماء ، كان على مقربة منها أعرابيان مع كل منهما امرأته وأطفاله ، وهما يرعيان قطيعين من الماعز والغنم ، وأخبرانا أنهما ذاهبان إلى الموصل. وقد أرشدانا إلى أحسن السبل التي تتوفر فيها المياه. وفي الواقع ، إننا من ذلك المكان حتى البصرة ، لم نكن نسير ثلاثة أيام حتى نجد ما يكفينا من الماء.
    وبعد خمسة أيام من تركنا هذين الأعرابيين ، اكتشفنا قصرا كبيرا مشيدا كله بالآجر (1). وفي هذا احتمال على أن البقعة كانت تزرع في الماضي وأن الآجر قد حرق بالتبن. إن في هذا القصر ثلاث رحاب واسعة ، في كل منها أبنية لطيفة ذات طابقين من الأقواس الواحد يعلو الآخر. ومع أن هذه البناية كانت لا تزال قائمة ، فإننا لم نجد من يسكن فيها. هذا وإن الأعراب الذين يجهلون الآثار القديمة لم يكن بوسعهم أن يخبرونا عمن بناها. وأمام باب هذا القصر بركة لها قناة قاعها مرصوف بالطابوق وكذلك عقاداتها التي تستوي والأرض. ويعتقد الأعراب أن هذه القناة كانت تأتي بالماء من الفرات ، ولكن هذا بعيد الاحتمال بالنظر إلى أن الفرات يبعد عن هذه البقعة نيفا وعشرين فرسخا.
    ومن ذلك القصر ، واصلنا سيرنا نحو الشمال الشرقي. وبعد أن تمادى بنا السير خمسة أيام انتهينا إلى بلدة صغيرة كانت تدعى سابقا الكوفة والآن تعرف بمشهد علي (2). حيث إن عليا صهر النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم يرقد هناك في جامع فسيح. ويرى حول الضريح أربعة شمعدانات مضاءة ، وقناديل فوق الرأس مدلاة من السقف.
    __________________
    (1) انظر الملحق رقم (1).
    (2) هذا وهم. والصواب أن مشهد علي هو النجف التي تبعد عن الكوفة 12 كيلومترا.

    ومع أن الفرس يكرمون عليا تكريما بالغا ، فهم قلّما يحجون إلى ضريحه ، والسبب في ذلك هو أن الطريق التي يسلكونها قاصدين زيارة الضريح ، لا بد أن تمر ببغداد ، وهي تحت حكم السلطان العثماني. وعلى كل حاج حينذاك أن يدفع رسما قدره ثمانية قروش ، وهو أمر لم يكن ملك فارس ليرتاح إليه. إن الشاه عباس (1) كان يرى من المهانة أن تدفع رعيته مالا إلى الترك ، فعمد إلى صرفهم عن هذه الزيارة بغيرها ، ذلك أنه عمر مزارا في «مشهد» على الطريق من تبريز إلى قندهار. ثم إن الملوك الذين خلفوه كانوا على غراره في عدم السماح لرعاياهم بزيارة الإمام عليّ ، إذ يعتبرون دفع الجزية للسلطان امتهانا لكرامتهم ، وهذا هو السبب في أن جامع الكوفة لم يعد يتقدم إليه الفرس بالنذور. وعدا عن القناديل والشمعدانات التي تضاء ليل نهار ، فإن فيه اثنين من القراء يتلوان القرآن. وليس في هذه البلدة غير ثلاث أو أربع آبار ذات ماء آسن ، وقناة جافة (2) يقولون إن الشاه عباس مدها ليجلب فيها ماء الفرات إلى البلدة لأجل الحجاج والزوار. أما الطعام فلم نجد منه في هذه البلدة غير التمر والعنب واللوز ، وهذه يبيعونها بأسعار عالية. وعندما يؤمها الزوار ، وقليل ما هم ، يوزع الشيخ عليهم عند احتياجهم إلى الطعام الرز المطبوخ بالماء والملح وشيء من الدهن يصب فوقه. ونظرا لعدم وجود مرعى للمواشي ، فلا يتوفر عندهم الطعام.
    وعلى مسيرة يومين من مدينة علي ، التقينا في الساعة التاسعة صباحا ، بشابين من أسياد العرب ، يلقبان بسلطان ، وكانا أخوين ، أحدهما في سن السابعة عشرة ، والآخر في الثالثة عشرة. ولما نصبنا خيامنا نصبا خيامهما بجوارنا ، وكانت من قماش قرمزي لطيف جدا ، وكانت بين هذه الخيم خيمة مغطاة بالقطيفة الارجوانية ، حاشيتها موشاة بشريط حريري جميل. وما كاد السيدان يستقران في خيامهما حتى ذهبنا أنا والكروان باشي لرؤيتهما. ولما
    __________________
    (1) هو الشاه عباس الكبير ، ابن محمد خدا بندا ، أحد ملوك إيران الصفويين دام حكمه من سنة 993 إلى 1037 ه‍ (1585 ـ 1628 م).
    (2) راجع الملحق رقم 2 بصدد ماء النجف.

    علما أن بين رجال القافلة إفرنجا ، سألاني عما إذا كان لدينا شيء من الطرائف لنبيعها لهما. ولكنني لما أجبتهما بأن ليس هناك ما يستحق شراؤه لهما ، ارتابا في صحة قولي ، وأمرا الكروان باشي بأن يتحرى ما في حقائبنا بحضورهما وفي أثناء التحري ، كان أحد الرؤساء المرافقين للأميرين لا يدع أعرابيا يدنو منها. وقد كان في رفقتنا رسام شاب ، وجد في حقيبته طائفة من الصور ، بعضها يمثل مناظر أرضية ، وبعضها صور أناس ، وغيرها صور غوان مرسومة إلى الخصر. فاختار السيدان الشابان عشرين من صور الغواني لا غير. فأردت أن أهديها إليهما ، لكنهما أفهماني أنهما يعرفان كيف يدفعان عما أخذا ، وخاصة السيد الأصغر ، الذي كانت تبدو عليه أمارات الجود والكرم. فإنني أفرحته بما لا يمكن وصفه ، ذلك أن أسنانه كانت متسخة جدا ، فطلبت من الجراح الذي كان يرافقني طوال أيام السفر أن ينظفها له ، ففعل ذلك بوجه أرضى الأمير الشاب وأدخل السرور إلى نفسه. فكان منهما أن أرسلا إليّ وإلى حاشيتي أحسن ما لديهما من طعام ، وأهدى الكروان باشي إليهما نصف قطعة من القماش القرمزي وقطعتين من القماش الموشى بالذهب والفضة. ولما تأهبنا للرحيل ، أعطاني السلطان الشاب اثنتي عشرة دوكاة (Ducat) (1) قيمة الصور. وبعث إلى الكروان باشي وإليّ بقوصرتين من التمر ، وكان أجود ما وقع إلينا منذ أن فارقنا حلب.
    وحوالي منتصف الليل ، تحرك الأميران ، واتجها شمالا نحو الفرات. فتحركنا وراءهما متجهين شمالا إلى النهر نفسه. وبعد مسيرة أربعة أيام ، التقينا بأمير ذي نفوذ عظيم في بلاد العرب ، كان آتيا من الجنوب ومتجها إلى الشمال ، وعليه أن يجتاز الطريق الذي سكلناه. كان هذا الأمير في حدود
    __________________
    (1) الدوكاة ضرب من النقود. قال القلقشندي في صبح الأعشى (3 : 441) في كلامه على الدينار الفرنسي أنه «يعبر عنه أيضا بالدوكات» ويقول الأب انستاس ماري الكرملي (النقود العربية وعلم النميات. ص 111 الحاشية 4) ان قيمة الدوكات تختلف بين عشرة فرنكات واثني عشر فرنكا ، فأول ما ضربت الدوكاة (لا الدوكات) في البندقية من أعمال ايطاليا ، في المائة الثالثة عشرة للميلاد.

    الخمسين من عمره ، حسن القوام ، لطيف المظهر ، ولم يكن معه أكثر من ألفي حصان. أما الثلاثون ألفا الأخرى التي سمعنا بها ، فقد عبرت منذ بضعة أيام. وكان وراء الألفي حصان خمسون جملا تحمل نساءه. وكانت كجاواتهن (1) مغطاة بقماش قرمزي ، موشاة حاشيته بالحرير. وفي وسط هذه الجمال ستة يكتنفها الخصيان ، وكانت سجف الكجاوات من الحرير والفضة والذهب. وقد سمحوا لنا بالسير معهم ، دون أن يطلبوا منا التراجع كما هي العادة في الجهات الأخرى من تركيا ، عندما يكون في القافلة نساء. وقد حطوا الرحال على بعد ربع فرسخ منا حيث أردنا النزول لوجود بركتين أو ثلاث هناك ، فحرمونا من مائها. إن هذا الأمير العربي ، يمتلك عددا كبيرا من أجمل الخيول المطهمة وأجودها ، وعنده غيرها مما هو غير مسرج ولا ملجم ، ومع ذلك فالراكبون يستطيعون توجيهها بعصا قصيرة إلى حيث شاءوا ، وإيقافها وهي في أسرع عدوها بمسك أعرافها. وعنده بعض الجياد ذات الأثمان الغالية.
    ومما يجدر التنويه به أن هذه الجياد لم يرها أحد منا. ولما كان الكروان باشي يعتقد أنه لا يستطيع التخلص من مثل هذا الأمير العظيم بلا مقابل ، فإنه وجد عند تجار القافلة سرجا غاليا مع لجامه وركابه ، وقد صنعت من الفضة وجملت بها ، وكنانة مطرزة مملوءة سهاما ، وترسا ، وتبلغ قيمة الجميع نحوا من ألف ومائة ، أو ألف ومائتي ليرة. ثم أضاف إليها الكروان باشي من عنده قطعة من النسيج القرمزي ، وأربع قطع من نسيج الذهب والفضة ، وست قطع من نسيج الفضة والحرير ، وجعل من جميعها هدية للأمير. غير أن الأمير رفضها برمتها ، وطلب استبدال «الطويلات» (2) التي كانت معه ، بمائتي ألف قرش ، وهي لعمري مبادلة مجحفة بحق التجار ، فأثارت بينهم نزاعا شديدا. وبعد أخذ ورد ، ولإدراكنا أن بمقدور الأمير أن يعطل قافلتنا عن السير ويهلكنا جوعا ، أقدمنا على جمعها منا ، فجمعت ، ونال
    __________________
    (1) الكجاوة : لفظة فارسية ، يراد بها المحفة التي توضع على الجمال أو البغال ، ليحمل فيها النساء أو ضعاف الناس في الأسفار الطويلة.
    (2) انظر الملحق رقم 3 بصدد الطويلة.

    الهدية التي ربما لم يكن بإمكانه أن ينالها بغير هذا الوجه. وفي خلال اليومين اللذين قضيناهما في وزن النقود ، كان الأمير يرسل الطعام إلى الكروان باشي. وعند رحيلنا بعث إلينا باثنتي عشرة قوصرة تمر ، وأربعة من صغار الإبل يسوى الواحد منها نحوا من أربعين كراونا.
    وبعد يومين من سيرنا ، صادفنا شيخا يعتبر بين الأعراب حكما فيصلا ، كان قاصدا مكة ، وقد قطع شطرا من البلاد العربية السعيدة. وكان معه حاشية على عشرة أو اثني عشر جملا. فمكث طوال الليل معنا. وكان أحد خدمه أصيب قبل يومين بجراح خطيرة من بندقية ، فضمده جراحي وأعطاه مرهما ومطهرا. فشكرنا على ذلك غاية الشكر ، وأرسل إليّ الغداء وهو عبارة عن صحن كبير من البلاو. وفي اليوم الثاني بعث إلينا بشاة مطبوخة. وأهداه الكروان باشي ذراعين من القماش القرمزي.
    وبعد ذلك لم نمرّ في طريقنا بما يستحق الذكر. إلا أننا في اليوم التالي صادفنا أميرا آخر ، له من العمر نحو من خمس وعشرين سنة ، كان آتيا من الفرات ووجهته البلاد العربية السعيدة. وكان برفقته نحو خمسمائة حصان وثلاثمائة جمل تحمل نساءه. وقد أرسل يستعلم عما تكون قافلتنا؟ وعند ما علم أن فيها بضعة إفرنج ، أحدهم جراح ، أرسل ثانية إلى الكروان باشي يطلب إليه أن يتبعه بقافلته إلى المكان الذي أزمع أن ينصب خيامه فيه ، ولم يكن بعيدا عن الطريق. ولم نكن نظن أننا سنذهب قصيا في ذلك النهار. إلا أنه قادنا إلى أطيب بقاع البادية ، فنصبت خيمة الأمير ، واستدعى جراحي ، فرأيت أن أرافقه لأعلم ما يريده منه. فألفينا على ذراعه اليسرى قوباء (1) فيها قوبة خبيثة جدا ، بقدر قطعة كراون ، وهي تزول ثم تعاوده في أوقات معلومة من السنة. فسأل الجراح عما إذا كان يستطيع أن يشفيه منها. فأجاب الجراح بأن الشفاء ليس مستحيلا ، إن أمكن الحصول على العقاقير
    __________________
    (1) القوباء والقوباء (بضم القاف وفتح الواو أو إسكانها) : داء في الجسد يتقشر منه الجلد.

    اللازمة. فهي إن وجدت شفاه بها شفاء تاما. فأراد الأمير أخذ الجراح معه ، وأعطى له خمسمائة كراون لشراء العقاقير. ولكنني أفهمته أن الدواء لا يكلف مثل هذا المبلغ ، وأن الجراح إذا عثر على الأدوية المطلوبة ، فأنا مستعد لدفع ثمنها من عندي. فاقتنع الأمير بهذا الكلام ، وبعث بأحد كبار رجاله إلى البصرة ليعود مع الجراح بعد أن يشتري الأدوية ، ولبث الأمير أياما ثلاثة ينتظر قدومه. لكننا بعد أن تظاهرنا بالتفتيش عما نطلب من أقصى المدينة إلى أقصاها (إذ كنا نبحث عن هذه الادوية في المحلات التي نعرف أنها خالية منها) أعدنا رسول الأمير إليه ، معتذرين عن عدم إيجاد العقاقير المطلوبة ، ومن ثم عن عدم عودة الجراح إليه لزوال الفائدة من حضوره.
    وهي الوسيلة الوحيدة الناجحة التي فكرنا أنها تساعدنا على الإفلات منه بمهارة. وفي الأيام التي أعقبت مفارقتنا الأمير العربي ، كنا في أرض خالية من السكان. في اليوم التالي وهو اليوم الخامس والستون ، والأخير من بقائنا في البادية ، صادفنا خرائب بعض البيوت على جانبي الطريق ، مما جعلنا نفترض بأن مدينة كبيرة كانت تقوم سابقا في هذه البقعة (1)
    وأخيرا بلغنا البصرة. وسأصفها في موطن آخر من حديث رحلتي.
    وفي أثناء مكوثي في البصرة ، الذي دام نحو ثلاثة أسابيع وصل إليها سفير من عظيم المغول ، كان قد ذهب من القسطنطينية إلى بغداد لتهنئة السلطان على فتحه تلك المدينة (2) وأخذها في مثل هذا الوقت الوجيز. وقد أهدى الامبراطور له ثلاثة من جياد الخيل ، وساعة صغيرة علبتها ملبسة بالماس والياقوت. إلا أن السفير لعدم معرفته ماهية هذه الآلة الصغيرة ، ملأها من الجهة المعاكسة فكسر لولبها. ولما جاء إلى البصرة استدعى الرهبان
    __________________
    (1) يريد بها خرائب مدينة البصرة القديمة. فهي مما ينطبق عليها قوله إنها «مدينة كبيرة».
    (2) أي فتح مدينة بغداد وسيرد الكلام على ذلك في غير هذا المكان من الرحلة.

    الكرمليين (1) وطلب منهم اصلاح ساعته ، لأنه كان يخشى فقدان رأسه إن عاد سيده ولم يره الساعة. وقد كنت مقيما في دار الكرمليين. فهؤلاء لما لم يعرفوا سبيل اصلاحها ، طلبوا مني إبداء مهارتي في ذلك. فتناولت الساعة ووضعت لها لولبا جديدا ، فصلح حالها. ولما رأى السفير ما أنا عليه ، بالرغم من أن ما صنعته كان شيئا تافها ، عرض علي ما لا يمكن وصفه من الخدمة وحسن الالتفات. وعلى ذلك فإن الرهبان الكرمليين والأغسطينيين ، رجوا مني أن أطلب من السفير ، نيابة عنهم ، أن يستحصل لهم من السلطان كتاب أمان يضمن لهم فيه ، سلامة بيوتهم وكنائسهم في حالة استيلائه على البصرة. فقمت بذلك ، ونلت بوساطته الأمان التام من الوزير الأول. ولكن الرهبان لم يحتاجوا إليه ، لأن الترك لم يقوموا بأية محاولة لأخذ البصرة ، لسماعهم أن الفرس قادمون إليها ، هذا إلى أن موسم الأمطار كان على وشك الحلول ، مما لا يتيح لجيش ما البقاء في ساحات القتال. ولو أن بغداد ذاتها صمدت ثمانية أيام أخرى ، لاضطر السلطان إلى رفع الحصار والجلاء عنها.
    وبما أنني تطرقت إلى ذكر الجياد العربية ، علي أن أقول إن منها ما هو غال بل غال جدا. فقد دفع سفير المغول للواحد منها 3000 و 4000 و 6000 كراون ولغيرها دفع 8000 كراون. ولكن الحصان لم يكن ليباع بأقل من عشرة آلاف. ولهذا عدل عن شرائه. فلما آب إلى وطنه في بلاد الهند ، وقدّم لعظيم المغول تلك الخيول التي حملها معه ، وكانت جيادا جميلة جدا ، أخبر سيده كيف أنه دفع 8000 كراون عن حصان أجمل من أي واحد أتى به ، بيد أن
    __________________
    (1) للرهبان الكرمليين في البصرة تاريخ طويل تجد تفاصيله في كتاب :
    sir h. collancz : chronicle of events between the years 3261 and 3371
    .
    relating to settlement of the order of carmelites in mesopotamia) bassora (
    . (oxford : 7291 : xxlll G 966 p
    وكان أول قدومهم إليها في سنة 1623 يتقدمهم باسيليوس البرتغالي ، فسعوا في هداية الصابئة. راجع : الآثار الخطية للأب أنطون رباط (ص 388 ـ 390 و 436 ـ 449) ، وذخيرة الأذهان لنصري (2 : 195). وما زال الكرمليون في البصرة إلى هذا اليوم.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676   رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676 Emptyالجمعة أكتوبر 18, 2024 5:21 pm

    صاحبه لما لم يرض أن يبيعه بأقل من عشرة آلاف ، تركه. فغضب الملك لتوقف سفيره عن شراء الحصان بمثل هذا المبلغ الزهيد ، بينما كان الشراء لواحد من أعاظم ملوك الدنيا ، ولا مه على ذل نفسه ، وأقصاه عن حضرته بنفيه مدى الحياة إلى مقاطعة نائية عن البلاط ثم كتب الملك إلى الإنكليز ليشتروا له الحصان ، ففعلوا ذلك وجلبوه إلى سورات بالهند حيث دفع لهم الحاكم ثمنه. غير أن الحصان ما لبث أن مات في رامبور.
    ولن أنسى قط أنه حين كنت في البصرة ، حلقت في سمائها ، في خلال مرتين ، سدود من الجراد كانت تبدو من بعيد كأنها السحب ، فأظلمت الأرض به. إن الجراد يمر بالبصرة أربع أو خمس مرات في السنة ، تحمله الرياح من البادية التي فيها مولده وهلاكه. ولو لم تدفعه الريح بهذا الوجه لما ترك نبتا يعيش على الأرض في بعض أقسام كلدية. يطير هذا الجراد فوق بلدان خليج فارس. ولما تأتي المراكب إلى هرمز (1) (Ormuz) في أي وقت من السنة ، يجد ركابها دكاكين صغيرة يبيع فيها الناس الجراد المقلي بالدهن لمن يحب هذا اللون من الطعام. وقد حداني حب الاستطلاع ذات مرة ، أن فتحت بطن جرادة طولها ستة إنشات : فوجدت داخلها سبع عشرة جرادة صغيرة تتحرك. ومن هذا يمكن أن يحزر بسهولة كيف تتكاثر تلك الحشرات ، خاصة في البلدان الحارة.
    وهناك عدة سفن وقوارب تمخر من هرمز ، لتجهيز جانبي خليج فارس بالحاجات الضرورية ، حيث الناس هناك لا يأكلون الخبز ولا الرز. وقد اتفقت مع صاحب أحد هذه القوارب ، وكان الاتفاق على أن لا يزيد ما يحمله القارب على نصف وسقة ، لأنهم على العموم يحملونها بما هو فوق طاقتها. وفي الأحوال الجوية الرديئة يضطرون إلى أن يرموا بنصف الحمل إنقاذا للبقية.
    __________________
    (1) جزيرة تقع في خليج فارس ، عند المضيق المسمى باسمها ، وهي على مسافة ميل وثلاثة أرباع الميل من ساحل إيران.

    ومن البصرة إلى فم نهر الفرات (1) عشرون فرسخا من الماء العذب. لقد انتظرنا مواتاة الرياح لنا سبعة أيام كاملة ، لنتمكن من الإقلاع بسفينتنا. ثم وصلنا إلى بندر ريك (2) (Bander ـ Ric) بثمان وأربعين ساعة. هذا هو المكان الذي يجب أن تنزل فيه إن قصدت بلاد فارس ، ما لم تكن مستهدفا هرمز. يتألف بندرريك من خمسة أو ستة أكواخ صغيرة لصيادي السمك ، وهذه الأكواخ عبارة عن أغصان مصفوفة أحدها يقابل الآخر ، ومسقفة بمثلها ، حيث يسكنون هم وعائلاتهم. ويؤتى إلى بندر ريك بالتمر محملا على الحمير. وقد اضطررت أن أكتري واحدا منها لعدم تيسر الخيل هناك.
    وقضينا ستة أيام في الطريق من بندر ريك إلى كازرون (Cazeron) (3) ، وهي بقعة جبلية كثيرة الغابات. وعليك أن تقيم في الحقول لعدم وجود الخانات في الطريق. إن هذا الطريق مؤنس في بعض أقسامه ، فهو يمر بضفاف نهيرات عديدة وخلال أحراش مخضرة تكثر فيها السلاحف التي قتلنا منها كثيرا فأكلنا بعضه مع البلا وبدلا من الدجاج ، وشوينا بعضه الآخر مستخدمين العصي مكان السفافيد.
    وكازرون بلدة صغيرة حقيرة البناء ، فيها خان واحد لا يفي براحة الغرباء النازلين فيه. ومن كازرون إلى شيراز مسيرة خمسة أيام. والطريق تمر بأرض جبلية كثيرة الحزون ، لم يكن سلوكها ممكنا لو لا همة علي قولي خان حاكم شيراز ، الذي شق فيها طرقا لم تكن من قبل ، وربط الجبال بالقناطر ، ولو لاها لتعذر اجتيازها. وفي وسط الجبال فجوة عريضة يمتد منها سهل محيطه نحو عشرين فرسخا ، لا يسكنه غير اليهود ، وهؤلاء القوم يشتغلون بحياكة الحرير. وفي هذه الجبال تقع أنظارك على خيم ينزل فيها الكلدانيون الذين ينتجعون تلك
    __________________
    (1) هذا وهم من المؤلف ، والصواب أنه شط العرب.
    (2) بليدة صغيرة على ساحل الخليج العربي ، في شمال بوشير.
    (3) بليدة في إيران ، نفوسها زهاء 7000 نسمة ، وهي بين بوشير وشيراز.

    البقاع صيفا طلبا للهواء البارد والتماسا للمرعى الوفير.
    ولما انتهيت إلى شيراز ، اتخذت حصانا لركوبي من هناك إلى أصفهان التي لم أبلغها إلا بتسعة أيام. الاراضي التي تمر بها بين هاتين المدينتين ، سهول وجبال تجد فيها البور كما ترى فيها المزروع. فإذا سرت ثلاثة أيام عن شيراز جابهك جبل مائين (Mayen) ومائين بليدة ليس فيها ما يستحق الذكر. وبعد مسيرة يومين منها تدخل في سهول ولاية كشكي زرد (Cuscuzar) التي فيها يحفظ ملك فارس خيوله للسباق. وفي اليوم التالي وصلت إلى يزدي خست (Yesdecas) التي يصنع فيها أجود الخبز الايراني (1) وهي بليدة تقوم على نشز من الارض ، فيها خان لطيف جدا. وعند قاعدة النشز نهير ينساب في واد ينمو فيه القمح الجيد الذي يصنع خبزا ويصدر من هذه المدينة.
    وقد قطعت المسافة من يزدي خست إلى اصفهان بثلاثة أيام إن هذا الطريق كان أول طريق سلكته من حلب إلى أصفهان.
    __________________
    (1) ذكر المؤلف ، في الفصل التاسع من الكتاب الأول من رحلته ، مثلا سائرا بين الفرس ، سمعه منهم ، مؤداه : «من يبتغ السعادة ، فليتزوج بامرأة من يزد ، وليأكل خبز يزدي خست ، وليشرب خمرة شيراز».

    الفصل الرابع
    من الكتاب الثاني من الرحلة
    الطريق بين حلب وأصفهان ، عبر ما بين النهرين وبلاد آشور ،
    وهو الطريق الذي سلكته في رحلتي الثالثة الى الهند وجزرها
    في رحلتي الثالثة إلى الهند وجزرها ، قمت من باريس في السادس من كانون الأول سنة 1643 ، وذهبت إلى ليغرن (1) (Ligorn) فوجدت الاسطول الهولندي على أهبة الاقلاع إلى بلاد المشرق (Levant). ويبدو على السفينة التي أقلتني أنها أشبه بمركب حربي منها بمركب تجاري. ثم عبرنا مضيق مسينة ، ورسونا أمام المدينة أربعة أيام. وبعد أن اجتزنا بحر المورة ، دخلنا الأرخبيل حيث تفرق الأسطول ، كل سفينة بحسب ما تبتغيه من اتجاه. فأبحرت سفينتنا رأسا إلى مينا الإسكندرونة. بالرغم من أن الريح كان مؤاتية لسير السفينة ، فقد صدتنا سفينة قرصان مدة من الزمن وأعاقت سيرنا ، عندما كنا على بعد من ساحل جزيرة كاندي (2) الشرقي. ولقد حاولنا التخلص منها ، ولكن القرصان كانت لهم اليد العليا. فتأهبنا لمناجزتهم. ثم أطلق القرصان علينا من سفينتهم ثلاث طلقات مرقت من فوق مركبنا دون أن تصيبه بأذى ، فرددنا عليها بمثلها من سفينتنا ، فأصابت أولى طلقاتنا صاري المقدمة ، والثالثة أصابت مرقب السفينة ، وقتلت من رجاله كما لاحظنا ذلك. وفي تلك الهنيهة صرخ أحد بحارتنا من أعلى رأس الصاري قائلا : سفينة من الجنوب! فولى عنا القرصان ليتعقبوها ، وسررنا نحن بالنجاة منهم. ثم تابعنا سفرنا إلى الاسكندرونة فوصلنا إليها مغتبطين. ومنها أخذت حصانا إلى حلب كما مر وصفه.
    __________________
    (1) ميناء في ساحل ايطاليا الغربي ، بين روما وجنوى.
    (2) هي جزيرة كريت. راجع الملحق رقم (4).

    وفي السادس من آذار ، غادرت حلب برفقة اثنين من الرهبان الكبوشيين ، وهما الأب روفائيل والأب ايفس (Yves) وبندقي اسمه دومنيكو دي سنتيس. (Dominico de Santis)
    ومن حلب إلى البيرة (1) (Bir) القائمة عند معبر الفرات ، مسيرة أربعة أيام للراكب ، والبقعة كثيرة الأحراش وفيرة الزروع.
    وفي السابع من آذار ، أعاقنا المطر الغزير عن بلوغ المحطة المعتادة ، فلم نصل إلى تل باشر (2) ، البلدة التي تلي البيرة ، ولما لم نجد خانا نبيت فيه ، اضطررنا إلى الوقوف على بعد فرسخ منها في هذا الجانب واللجوء إلى كهف يسع ثلاثمائة حصان ، وهو كهف يلجأ إليه غالبا البدو أو رعاة البقر الذين يعيشون عيشة الأعراب ، إما في كهوف أو في أكواخ حقيرة. وكان النقر قد تمادى في هذا الكهف ، فكثرت فيه التجاويف التي صارت تبدو غرفا صغيرة. أما رئيس قافلتنا (الكروان باشي) فإنه حذرنا من وجود كمين في ذلك الكهف سبقنا لاستطلاع المكان ، فوجده خاليا خاويا ، فاسترحنا هناك تلك الليلة. وفي الليلة الثانية ، نزلنا في ميزار (Mezara) وهي قرية صغيرة لا خان فيها. ولم نمر في طريقنا إليها بما يستحق الذكر. إلا أن قرب الكهف ، في الجبل ، ماء طيبا قراحا. وكان فوق الجبل سابقا حصن لا تزال بعض أخربته بادية للعيان. وتشرف قمته بامتداد البصر على منظر جميل أخاذ. فهناك حيث توجهت السهول اليانعة ، والأراضي الخصبة التي تسقيها جداول مختلفة يأتي ماؤها من الفرات. كما أن كل النهيرات التي تعبرها من حلب إلى البيرة مستمدة من الفرات ذاته.
    وفي اليوم الرابع من مغادرتنا حلب ، وهو اليوم التاسع من آذار ، بلغنا
    __________________
    (1) البيرة مدينة على الفرات الاعلى ، تعرف اليوم باسم بيره جك.
    (2) وصفها ياقوت الحموي (معجم البلدان 1 : 864 طبعة وستنفلد) بأنها «قلعة حصينة وكورة واسعة في شمالي حلب ، بينها وبين حلب يومان ، وأهلها نصارى أرمن ، ولها ربض وأسواق ، وهي عامرة آهلة».

    ضفاف الفرات ، فأبصرنا البيرة في الجانب الآخر من النهر. ولما كان نقل جميع الأحمال إلى الضفة الثانية من النهر في يوم واحد غير ممكن في بعض الاحوال ، فقد أقيم هناك خان كبير مريح يحمي التجار من البدو ، وإلا ساورهم القلق وصاروا عرضة لشر اللصوص. فلو لا هذا الخان لما حوفظ عليهم ولا على بضائعهم بهذا الوجه المأمون.
    ويعبر نهر الفرات بمعبر كبير من القوارب ، وعند بلوغ ضفته الثانية ، يهرع ضابط الجمرك ورجاله إلى تسجيل البضائع ، وتدوين اسماء التجار مالكيها. أما قافلتنا ، فلم تدخل المدينة المشيدة بهيئة مدرج نصف دائري ، عند سفح جبل وعر ، بل سلكت طريقا رديئا ووجهتها خان يعلو قمة الجبل. وبالقرب من هذا الخان طائفة من الغرف المنقورة في جوف الصخر ، يلجأ إليها من لا يتسع الخان له. وعند المساء جاءنا ضابط الجمرك يتقاضى رسومه ، وهي قرشان عن كل حمل من البضاعة إن كانت محملة على حصان أو بغل ، ذلك بغض النظر عن أن ما تحمله البغال يفوق ما تحمله الخيل كثرة ، ويتقاضى نصف قرش عن كل دابة تحمل المتاع. أما الخيل والبغال المسرجة فلا رسم يؤخذ عليها.
    والبيرة ، او بيره جك (Berygeon) كما يسميها أهلها ، من بلدان الشرق الكبيرة ، تقع على حافة تل ، وفي أسفل المدينة من جهة النهر حصن يبدو أنه قديم ، طوله نصف طول المدينة ، ولكنه ضيق ، وليس فيه من التحصينات غير برج مطل على النهر ، ذي ثمانية أو تسعة مدافع حقيرة. وفي أعلى المدينة حصن آخر يقيم فيه حاكم المدينة وهو «آغا» ويلقبه بعضهم ب «باشا». وبإمرته مائتا إنكشاري (1) وأربعمائة سپاهي (2). إن المدينة مبنية بناء سقيما على غرار
    __________________
    (1) الانكشارية ، لفظة محرفة من التركية ينيجري (من : يني ـ جديد ، جري ـ جيش) وهم جند مشاة في الجيش العثماني ، دام أمرهم منذ القرن الرابع عشر إلى التاسع عشر للميلاد.
    (2) لفظة تركية فارسية ، أصلها «سباه» ومعناها العسكر والفرسان والنسبة إليها سباهي كانت تطلق سابقا على خيالة الترك وقد انحل أمرهم من بعد سنة 1826 م.

    معظم بلدان الدولة العثمانية. غير أن الطعام فيها متوافر قد تناهت كثرته وخرجت عن الحد المعتاد ، فخبزها نفيس ، وخمرها فاخرة ، وفيها أطيب الأسماك.
    وفي العاشر من آذار ، بعد أن سرنا إحدى عشرة ساعة في أول أراضي ما بين النهرين الواقعة بين دجلة والفرات ، وهي التي يسمونها الآن ديار بكر (Diar Bekr) ، وصلنا مساء إلى شرملي وهي بلدة حسنة جدا ، ذات خان جميل وحمامات في أطرافها. وعلى ضعف رمية بندقية منها ، ينهض جبل فرد ، كأنه مونت مارتر قرب باريس. وحوله السهول ، وفوق قمته قلعة يحميها مائتا سباهي ، لأن الأعراب يعبرون الفرات أحيانا ويغيرون على ذلك الجانب. ففي سنة 1631 حينما كان الوزير الأول عائدا من بغداد ، وقد فقد معظم جيش السلطان دون التمكن من أخذ المدينة ، فإنه خوفا من أن يفقد رأسه إن رجع إلى القسطنطينية بهذه الخيبة ، ولعلمه بما له من سامي المنزلة في قلوب جنوده ، صمم على الإقامة فوق هذا الجبل ، وتشييد قلعة تحميه مما قد يتهدده. ولا شك أنه لو أفلح في تحقيق خطته لاستطاع أن يسود على كل ما بين النهرين ، ولخلق للسلطان قلقا زائدا. وذلك أنك إذا قصدت حلب ، سواء أكان قيامك من تبريز ، أم من الموصل ، أم من بغداد ـ هذا ما لم يكن سفرك بطريق البادية ـ لا بد أن تمر بشرملي للتزود بالطعام والماء ، وشرملي هذه تشرف عليها القلعة المذكورة. ولقد سار العمل في القلعة سيرا حثيثا ، فأقيم حصن مكين ، واستطاع الوزير أن يسوّر الجبل ، بما فيه الخان ، بسور ثخنه عشرون قدما ، وارتفاعه ثلاث قامات. وفيما كان منهمكا في عمله ، خنقه بعض من ركن إليهم أشد الركون ، ممن استمالهم السلطان إليه ، بالوعد أو بالوعيد.
    وفي الحادي عشر من آذار ، بعد مسيرة عشر ساعات ، انتهينا إلى اورفا ، وفيها تمكث القوافل عادة ثمانية أو عشرة ايام ، لأن فيها مؤجري الخيل والبغال ، ولهم على الدوام أشغال وعلاقات بهذا المكان. وحللنا في خان يبعد 300 أو 400 خطوة عن شمالي المدينة. وعندما يزدحم هذا الخان بالمسافرين ، يلجأ من لا يتسع الخان لهم إلى كهوف قريبة منه. وهي أماكن

    جيدة حسنة. وهنا يأتي جابي الرسوم فيحصي الأحمال دون فتحها ، فالذين يحملون خرجة (1) عليهم أن يدفعوا عنها رسم نصف حمل ، وإلا يفتح الخرج ليرى إن كان فيه سلعة تجارية ما. وعلى التاجر حينذاك أن يدفع الرسم كاملا.
    أورفا عاصمة ما بين النهرين ، وهي كما يقولون مبنية في البقعة التي عاش فيها إبراهيم الخليل ، حيث كانت تقوم أدسا (Edessa) القديمة. ويروي أهالي تلك الجهات ، أن بلاط الملك أبجر (Abagarus) كان في هذه المدينة ، ولا تزال ترى فيها خرائب حصن ، منه ـ كما يروون أيضا ـ أرسل هذا الملك إلى المسيح طالبا صورته ، وواهبا إياه مملكته وشعبه للدفاع عنه ضد اليهود ، الذين عادوه على ما انتهى إليه (2). وتروي تواريخ الأرمن أن أبجر كان من أبناء جلدتهم وإنهم ، في أيام حكمه ، صاروا نصارى وتعمدوا على يد واحد من التلاميذ ، بعث به المسيح إلى ذلك الملك بعد قيامته. ولم يتخرب هذا الحصن خرابا نهائيا ، إذ لا تزال فيه قاعة فسيحة وثلاث أو أربع غرف جميلة فيها معالم فسيفساء. لقد حثني الشوق على رؤية أجمل ما في المدينة ، فأخذوني إلى فسقية كبيرة كأنها بركة سمك ، وهي تنبع من تحت أسس الجامع الكبير الذي كان بني إكراما لإبراهيم الخليل. ويقول نصارى تلك الأنحاء ، إن في هذا المكان صلى إبراهيم قبل أن يضحي بابنه إسحاق ، وإن ينبوعين من الماء نبعا من البقعتين اللتين وضع عليهما ركبتيه ، وهذان الينبوعان يملآن الفسقية الكبيرة التي أشرت إليها. إن هذه الفسقية مبلطة بالصخر ، وزاخرة بالسمك فإذا رميت إليه قطعة صغيرة من الخبز ، تبعك حيثما تنقلت في ضفاف البركة. وليس من يتعرض لهذا السمك ، فإن الترك يكرّمونه جدا ويسمونه سمك إبراهيم. ويفيض الماء من هذه الفسقية فيسقي المدينة كلها. وما حول الفسقية مغطى بسجاجيد جميلة ، بعض نحو عشرين خطوة. أما ماء هذه الفسقية فينصب في الأخير في نهر محاذ للسور. إن الكهوف التي تتفجر منها عينا الماء ، لا يسمح لك بالذهاب إليها ما لم تخلع نعليك. وأنه لفضل عميم
    __________________
    (1) الخرجة ، جمع خرج ، وهو الكيس الذي يوضع على ظهر الدابة.
    (2) راجع الملحق رقم (5).

    على النصراني إن سمح له بمشاهدتها. وقد كلفني هذا الفضل ستة قروش. ورأيت أيضا كنيسة للأرمن يقولون إن تحت بابها ، عاش القديس الكسيس سبع عشرة سنة عيشته النسكية. ويقوم هذا الباب في وسط رحبة الكنيسة ، في أعالي المدينة. أما كنيستهم الكبرى ، فعلى مسيرة ربع ساعة من المدينة ، بناها القديس أفرام المدفون فيها (1). والدير قائم بكامله ، يحيط به سور لطيف. ولقد شاهدت في الكنيسة نسخة كبيرة من الكتاب المقدس مكتوبة بالحروف الأرمنية. وضريح القديس أفرام في مغارة عند قاعدة الجبل ، يتصل به مصلى فيه ثلاثة أو أربعة قناديل موقدة على الدوام. وهناك مغاور أخرى في أعلى الجبل وأسفله تضم قبورا نصرانية قديمة العهد. إن مدينة أورفا ، تقع في أرض غاية في الخصب ، تمتد شرقا إلى ما وراء البصر. وبالقرب من أسوار المدينة بساتين غناء تسقيها قنوات صغيرة مدت إلى هذه الأنحاء. وتعصر هناك الخمرة الجيدة. وهكذا يتمكن الإنسان أن يعيش في أورفا كما لو يعيش في أي ناحية من نواحي بلاد الترك. ولدى إقامتي فيها ، اصطدت من بساتينها شيئا كثيرا من الدج الصغير (2). وفي الواقع ، إن الطيور البرية لعلى غاية الكثرة في هذه البقعة وأسوار المدينة مبنية بالحجارة ، وكذلك الشرفات والأبراج. أما البيوت ضمن المدينة فصغيرة الحجم ، حقيرة البناء ، مهدمة. وفي المدينة ميادين
    __________________
    (1) هو مار أفرام السرياني ، أشعر شعراء الآرميين وأوسعهم شهرة ولد في نصيبين في أوائل المائة الرابعة للميلاد. ثم انتقل منها إلى أدسا ، فانكب حينذاك على الدرس والتأليف وتوفي فيها سنة 373 م. ولمار افرام تآليف لا تحصى وضعها بالآرمية ، ضاع الكثير منها وطبع غير واحد مما سلم منها ويغلب على تآليفه النظم. وبينها المواعظ والتسابيح والميامر وشروح الأسفار المقدسة. إن تآليفه قد نقلت من قديم الزمان ، إلى اليونانية والارمنية والقبطية والحبشية واللاتينية والعربية. وبعض هذه النقول قد انتهى إلينا.
    (2) يسمى بالإنكليزيةField ـ Fares وهو على ما في «معجم الحيوان» للمعلوف : الدج الصغير. قال الدميري في وصفه (حياة الحيوان الكبرى 1 : 377 من طبعة بولاق سنة 1292 ه‍) إنه «طائر صغير في حد اليمام ، من طير الماء ، سمين ، طيب اللحم ، وهو كثير بالاسكندرية وما يشابهها من بلاد السواحل. قاله ابن سيده».

    عديدة متباعدة ، تخلق لأورفا مظهر بادية أكثر منها مدينة كبيرة. ويحكم المدينة باشا ، بإمرته 150 إنكشاريا و 60 سباهيّا. وهذه الحامية أحوج إلى الخيالة منها إلى المشاة لتواتر غارات الأعراب عليها ، وخصوصا في موسم الحصاد. وبوجيز الكلام وجدنا أورفا البقعة التي يبالغ فيها الناس في لبس الجلود المعروفة بالقرطبية (1) ، لأن مياه تلك البقعة تهبها ذلك الجمال الممتاز. هذا ، وإن الجلود الصفر تلبس في أورفا ، والزرق في طوقات ، والحمر في ديار بكر.
    وفي اليوم العشرين من آذار (سنة 1644 م) غادرنا أورفا ، فحللنا بعد مسيرة ست ساعات في قرية بسيطة فيها خان خرب ، وفسقية ذات ماء نمير ، وهذا كل ما يرتاح إليه المرء في تلك القرية. أما الطعام فلا يمكن الحصول عليه.
    وفي اليوم الحادي والعشرين ، سرنا تسع ساعات ونزلنا قرب مغاور كثيرة عميقة جدا ، في مداخلها غرف صغيرة ، يظن أنها مأوى رعاة تلك البقعة الذين يرعون أبقارهم هناك. ويمكن الاستفادة من ماء المطر المنحبس في بعض تجاويف الصخور ويجب أن تقضي سفر نصف يوم في اختراق الصخور الوعرة ، التي يكاد يتعذر السير فيها ، ومن الخطر أن ترجع بدابتك إلى الوراء.
    وفي اليوم الثاني والعشرين ، بعد أن سرنا إحدى عشرة ساعة ، دنونا من مغارة ، ثم عبرنا نهيرا ينساب عند قدميها. وهناك على جانبي النهير كهفان كبيران يقيم فيهما المسافرون ، فيقصدهم الأهلون بالطعام لهم والعلف لدوابهم. إن جباة الرسوم يأتون من قلعة على نحو من ثلاثة فراسخ من هذه الكهوف ، فيتقاضون قرشين ونصف القرش على حمل كل حصان أو بغل ، ويفتشون في الخرجة ليروا ما إذا كان فيها سلع تجارية. وعند منتصف الطريق من سفر هذا اليوم ، نمر بمدينة خالية خاوية قد هجرها أهلها. وعلى مسيرة ساعة منها قبور من الصخر ، يعلو وسطها صليب فيه كتابة أرمنية.
    وفي اليوم الثالث والعشرين ، تمادى بنا السير إحدى عشرة ساعة ، فنزلنا
    __________________
    (1) يسمى بالفرنجيةCordovan.

    في دادا كردين (Dadacardin) ، ويبدو أنها كانت مدينة كبيرة ، ولكنها آلت إلى الخراب النهائي ، ولم يبق منها شيء غير قنطرة طويلة من الحجر غاية في حسن البناء ، يجري من تحتها نهر يتسع كثيرا حين الفيضان. وليس لأبناء تلك البقعة مأوى غير تجاويف الصخور. وهم مع ذلك يبيعون للمسافرين الدجاج والزبدة والجبن وغير ذلك من الطعام بأبخس الأثمان.
    وفي اليوم الرابع والعشرين ، سرنا تسع ساعات ، ونزلنا في قره, (Cara) وهي قرية مبنية فوق تل. نزلت القافلة في الخان ، أما الراهبان الكبوشيان وأنا ، فقد نزلنا في دار نصراني ، وقد أخذنا هذا إلى الكنيسة فرأينا الورتبيد أو مطران ماردين. وكانت الكنيسة بسيطة فقيرة.
    وفي هذه القرية ، بركة أحيطت جوانبها بالصخر البديع الذي نقل من الكنائس والمقابر النصرانية في تلك الأنحاء. ومن بينها صخرة كبيرة جدا فيها شاهد بالحروف اللاتينية الكبيرة ، علمنا من قراءتها أنها شاهد قبر سيد من النرمنديين ، كان ضابطا للمشاة. وقد ذكرنا لنا الورتبيد (المطران) أن الأقاصيص والحكايات الأرمنية ، تروي أن هذا الفرنسي مكث مدة طويلة في هذه البلاد حين كان النصارى أسياد سورية. إن الأرض هناك سهل فسيح خصيب طوله نحو عشرين فرسخا ، بوسعها أن تجعل من سكانها أغنياء ، لو لا غشم الترك وغارات الأعراب عليهم مما أضعف ثروتهم وأدناها من حافة الفقر.
    وفي اليوم الخامس والعشرين ، بعد أن سرنا ثماني ساعات ، حططنا الرحال في قرية يقال لها قوش حصار (Cousasar) ليس فيها خان. وكان هناك فيما سبق ثلاثة ديارات كبيرة بين الواحد والآخر ربع فرسخ. ولكن الترك خربوا اثنين منها عدا أبراج الكنائس التابعة لهما. أما الثالث الذي لا يزال قائما بكامله ، وهو من أجمل المباني ، فقد اتخذ مسجدا ، واتخذوا من الصوامع دكاكين لا تزال تتوسطها عين ماء.
    وفي اليوم السابع والعشرين بقينا في قوش حصار ، إذ إنها المكان الذي يدفع فيه جمرك ديار بكر التي لا تبعد عنها أكثر من يومين. والرسم يبلغ القرشين والربع لكل حمل من السلع التجارية.

    ومدينة ماردين لا تبعد عن قوش حصار أكثر من فرسخين. وهي بليدة قائمة فوق جبل ، ذات أسوار منيعة ، وينبوع يستمد ماءه من القلعة القائمة في الجانب الشرقي ، في موضع عال يشرف على المدينة. ويقيم في هذه القلعة باشا ، بإمرته مائتا سباهي وأربعمائة انكشاري. وفي ماردين ، ولدت السيدة معاني جويريدة (Maani Giorida) الزوجة الاولى لبترو دلّا فاله (Pietro della Valle) الرحالة الذائع الصيت (1).
    وقوش حصار ، قرية كبيرة معظم سكانها من نصارى الأرمن والنساطرة. ويصلي الأرمن بلغتهم الأرمنية ، والنساطرة باللغة الكلدانية. وقد أطلعني النساطرة على نسختين من الكتاب المقدس في مجلد كبير باللغة الآرمية ، مكتوبين على الرق. وجميع الحروف الأولى من الفقرات مزوقة بالذهب واللازورد ، ويبدو عليهما أنهما قديمتا العهد. وأخبرني أحد كهنتهم أن احداهما مضى على كتابتها 937 سنة (2) ، والثانية لا يقل عمرها عن 374 سنة. ولما تنتهي الصلاة يودعونهما في صندوق يخبأ تحت الأرض. وقد دفعت لهم من أجل المخطوطة القديمة 200 قرش ، ولكنهم لم يوافقوا على بيعها لأنها من ممتلكات الكنيسة التي ليس لهم أن يتصرفوا بها.
    وفي اليوم السابع والعشرين ، بعد مسيرة تسع ساعات ، وصلنا إلى قره سراي (Kara Sara) التي كانت قبلا ولا شك مدينة كبيرة وكانت مأهولة بالنصارى إذ فيها سبع أو ثماني كنائس نصف مهدمة إلا أن أبراجها أقل انهداما. وبين الكنيسة والأخرى مسافة ما. وفي شمال إحدى هذه الكنائس شرفة تفضي إلى باب صغير ينزل منه بدرج ذي مائة مرقاة ، وعلو كل مرقاة عشر عقد وإذا دخلت الكنيسة أبصرت عقادة واسعة كبيرة ، تقوم على أعمدة. وشيد البناء بشكل ينفذ النور معه من الأسفل أكثر مما من الأعلى. ولكن الأتربة قد سدت
    __________________
    (1) انظر الملحق رقم (6).
    (2) معنى هذا ، أن المخطوطة كتبت في سنة 707 للميلاد ، فهي من أنفس الطرف وأقدمها. ولكن ما مصيرها اليوم؟.

    في السنين الأخيرة عدة منافذ فيه. والمذبح الكبير منحوت في الصخر ، وعن يمينه غرفة ينفذ إليها النور من عدة نوافذ منقورة في الصخر أيضا. وكان فوق باب الكنيسة صخرة كبيرة فيها حروف كتابة لم أستطع قراءتها. وفي الجانب الشمالي من الكنيسة نفسها صهريجان كبيران تحت الأرض ، طول كل منهما أربعمائة وخمسون خطوة ، وله قوسان كبيران يسندهما عدد كبير من العمد. وهما يملآن في كل سنة بسيول الأمطار المنحدرة من الجبل المجاور ، فيكون منها ما يشبه نهرا. وعلى بعد ربع فرسخ من الكنيسة تنزل من الجبل نيفا ومائة خطوة بين الصخور ، وعلى جانبي الطريق غرف منقورة في الصخر ، وفوق كل باب صليب ، وفي كل غرفة دكة ومنضدة وموضع صغير أشبه بسرير بطول الإنسان. كل ذلك مقدود في الصخر. وفي أسفل الصخرة قاعة حول جدارها دكة ، والسقف ساذج لا أقواس فيه. وفي وسطه ثقب ينفذ إلى أعلى الجبل ، ولما كان النور لا يخترقها ، فيغلب على الظن أنه كان منفذا للدخان المتصاعد أثناء الطبخ ، أو لدخول الهواء النقي كما لا حظت ذلك في كثير من قرى خليج فارس (1). وفي أعلى أحد هذه الجبال قرية حقيرة يشترون منها مؤونتهم. وقبل أن تصل القافلة إلى هاتيك الغرف الصخرية ، يستوضح التجار الراكبون في المقدمة من الرعاة عما إذا كان لهم علم بوجود لصوص فيها ، إذ كثيرا ما يختبئون هناك متربصين فريستهم.
    وفي سنة 1738 ، عندما سار السلطان مراد لحصار بغداد ، سلك هذا الطريق ، وشاهد هذه الخرائب ، فأمر بتخريب قلعة كانت على نحو فرسخين من قره سراي اتخذ منها لصوص تلك البقاع ملجأ لهم. وأمر كذلك بتنظيف الطريق إلى مسيرة أربعة أيام ، وذلك بالتقاط الحجارة المتبعثرة وجمعها في أكوام تحاذي الطريق. وبنى أيضا قنطرة فوق النهر. والحق يقال إن زحف السلطان عاد بفائدة جزيلة على المسافرين في هذا الطريق.
    __________________
    (1) بل إن هذه المنافذ مستعملة في كثير من أنحاء العراق ، وتسمى عندهم «بادكير» وهي لفظة فارسية عربها الأقدمون بلفظة بادهنج. راجع شفاء الغليل للخفاجي (ص 41 ـ 42 من طبعة الخانجي).

    وفي اليوم الثامن والعشرين ، سرنا ثماني ساعات ، فبلغنا نصيبين المسماة قديما نصيبس (Nisibis). فإذا سرت ساعتين أو ثلاثا في هذا الطريق ، رأيت على مقربة منه نوعا من المناسك ، وهو غرفة صغيرة محاطة بسور ، بابها شديد الانخفاض وعلى من يدخلها أن يزحف على بطنه. وقد ذهب ثلاثة أو اربعة من اليهود لأداء عبادتهم في هذا المنسك لاعتقادهم أنه المكان الذي دفن فيه النبي أليشع.
    والأرض بين قوش حصار ونصيبين سهل فسيح ، لا تجد فيه عشبا خلال الأيام الأولى من السفر ، ما سوى كزبرة الثعلب. وفي اليوم التالي ، ترى الحقول مغطاة بأوراق كبيرة ثخينة جذورها بصلية ، كبر الواحد كالبيضة ، كما تشاهد كثيرا من الأزهار الصفر والحمر والبنفسجية ، والسوسن بألوانه المتعددة ، وشقائق النعمان والنرجس الأصفر. ومع ذلك ، فإن ما بين النهرين بوجه عام أرض قاحلة ، وما يمكن تحسينه منها بالفن والمثابرة قليل.
    ونصيبين الحالية ليست إلا ظلالا لنصيبين القديمة. وهي اليوم عبارة عن قرية كبيرة يسكنها النصارى من الأرمن والنساطرة. وقد نزلت قافلتنا وراءها قليلا ، في رحبة كنيسة ملاصقة لكنيسة أرمنية. وفي اليوم الثاني ، لما سمعت الناس يرتلون ، ذهبت إلى الكنيسة مع الراهبين الكبوشيين ، فرأيت مطرانا أرمنيا بتاجه وصولجانه الخشبي ، يحف به عدد من الكهنة وحشد كبير من المصلين. وفي ختام الصلاة ، تبادلنا التحيات ، ثم أنزلنا المطران إلى مصلى تحت الكنيسة ، أرانا فيه ضريح القديس يعقوب مطران نصيبين (1). وفي صحن الكنيسة رخامة ثخنها قدم وارتفاقها ست أقدام ، فوقها عدة شموع من العسل
    __________________
    (1) من أشهر رجال الكنسية الكلدانية في المائة الرابعة للميلاد. ولد في نصيبين. وقد صنف بالآرمية كتبا ورسائل ضاع جميعها. وصار أسقفا على نصيبين سنة 309 م ، وتوفي سنة 338 م ودفن فيها ، في الكنيسة التي ابتناها بعد ذلك أحد ملوك الروم على قبره ، ولعلها الكنيسة التي بناها هو في حياته سنة 320 م ، ثم جددت بعد موته. إن قبره الذي شاهده تافرنييه في هذه الكنيسة قبل ثلاثمائة سنة ، ما زالت آثاره تشاهد إلى اليوم.

    والشحم ، وهي التي ينذرها الفقراء لبلوغ مرامهم. خاصة في مرضهم ، فإنهم يعتقدون أن الحجرة كانت قاعدة تمثال لأحد القديسين شوّهه الترك ، ولهذا فهم يكرمون القاعدة كما لو كان ذلك التكريم للتمثال ذاته. وقد ترى أيضا بعض الأحرف اللاتينية ، غير أن نصفها ممحو ، وأجزاء بعض الحروف الباقية مكسورة ، ولهذا لم أستطع أن أعرف لمن هذا التمثال. وعلى بعد نصف فرسخ من نصيبين نهر عليه قنطرة من الحجر ، وفي الطريق إلى هذا النهر عدة قطع من جدار ، مع قوس ، وهذا حملني على الافتراض بأن المدينة كانت تمتد فيما مضى حتى النهر.
    وعلى ضعفي رمية بندقية من النهر ، صخرة نصفها مطمور ، عليها كتابة لاتينية يؤخذ منها أنها شاهد قبر قائد فرنسي في الجيش. ولكنني لم أتمكن من قراءة اسمه الذي ضاعت بعض معالمه بمرور الزمن.
    وفي نصيبين ، تؤدى الرسوم كسائر الأمكنة ، أي أن تدفع قرشين ونصف القرش على حمل البغل أو الحصان. وقد مكثنا في هذه المدينة ثلاثة أيام بلياليها ، لنتزود بالطعام الذي يكفينا حتى الموصل التي تبعد مسيرة خمسة أيام عن نصيبين ، لأن المنطقة بين هاتين المدينتين مقفرة خالية من السكان ، ولا يوجد الماء إلا في موطنين ، وهو ليس بالجيد لأن الرعاة يترددون إليهما بقطعانهم.
    وفي أول نيسان (سنة 1644 م) غادرنا نصيبين ، وبعد مسيرة إحدى عشرة ساعة ، حططنا الرحال عند نهر ، فأتانا الرعاة بدجاج للبيع.
    وفي اليوم الثاني منه ، سرنا عشر ساعات ، ثم نزلنا قرية حقيرة لم نجد فيها ما نأكل.
    وفي اليوم الثالث منه ، تمادى بنا السير ثلاث عشرة ساعة ، ونزلنا عند ينبوع صغير نزر الماء لم يكد يكفي لخيلنا.
    وفي اليوم الرابع منه ، انتهينا بعد مسيرة عشر ساعات ، إلى ضفة نهير بتنا عندها ، وبالقرب منها بقايا قنطرة (1) وحصن.
    __________________
    (1) انظر الملحق رقم (7)

    وفي اليوم الخامس منه ، بعد مسيرة احدى عشرة ساعة بلغنا الموصل ، التي لا تبعد عن نينوى القديمة إلّا يسيرا.
    والموصل ، مدينة تبدو للمرء من خارجها فخمة المنظر. أسوارها (1) حجرية ، بينما هي في داخلها تكاد تكون برمتها خربة. وليس فيها سوى سوقين معقودتين ، وقلعة (2) صغيرة مطلة على دجلة يقيم فيها الباشا (3). وبوجيز الكلام ، ليس في الموصل ما يستحق المشاهدة والالتفات (4).
    وليس لهذه البقعة من شأن إلا كونها ملتقى مهمّا للتجار ، خاصة تجار العرب والكرد الذين يقطنون بلاد أشور القديمة ، المسماة اليوم بكردستان ، التي يكثر فيها العفص الرائج التجارة. وفي الموصل أربع فرق نصرانية ، وهي : الروم ، والأرمن ، والنساطرة ، والموارنة (5). وللكبوشيين مقر جميل على دجلة (6) ، ولكن الباشا غرمهم لأنهم حاولوا توسيعه قليلا فأجبروا على تركه وهجره. ويحكم المدينة باشا ، بإمرته جماعة من الانكشارية والسباهية يبلغ عددهم ثلاثة آلاف رجل.
    وليس في الموصل غير خانين بسيطين ، كانا مكتظين بالمسافرين حين
    __________________
    (1) انظر الملحق رقم (Cool في الكلام على الموصل.
    (2) لا أثر لهذه القلعة اليوم ، وإنما يعرف موقعها فقد كانت تقوم عند «باب القلعة» المطل على دجلة ، في أعلى الجسر الحديدي الحالي.
    (3) كان يسوس الموصل في العهد العثماني «باشا».
    (4) انظر الملحق رقم (Cool.
    (5) لا نرى المؤلف إلا واهما في ذكره هذه الفرق النصرانية. فلم تعرف الموصل في يوم من أيامها الماضيات بكونها موطنا للروم ولا للموارنة. بل إن الفرقتين السائدتين في زمنه هناك كانتا «النساطرة» و «اليعاقبة». أما الأرمن فلم يكن منهم فيها إلا عدد ضئيل لا يستحق الذكر.
    (6) قدم الرهبان الكبوشيون إلى الموصل سنة 1636 وغادروها نهائيا بعد سنة 1667 بمدة وجيزة.

    وصولنا إليها. فطلبت أن تنصب خيمتان في الميدان ، أي في السوق (1) الكبيرة.
    ويجدر بنا أن نتكلم قليلا على ما بين نهري دجلة والفرات من تباين في مجراهما ومياههما. فقد لاحظت أن ماء الفرات يبدو محمرا قليلا ، وأن تياره ليس سريعا كتيار دجلة الذي يظهر مائلا إلى البياض كنهر اللوار (2). أما عن مجراهما فالفرات أطول من دجلة. والآن دعنا نقطع دجلة فوق جسر من القوارب (3) لمشاهدة الخرائب الكئيبة لمدينة نينوى التي ملأت العالم ضجيجا ، وليس في مظهرها الآن ما يدل على سابق مجدها.
    شيدت نينوى على الضفة اليسرى لدجلة ، أي في الضفة الأشورية. وهي الآن ليست إلا أكواما من التراب تمتد نحو فرسخ بامتداد النهر. ويرى فيها عدد من الأقبية والمغاور غير المأهولة (4). ويصعب على الإنسان أن يعلم ما إذا كانت هذه بعينها المساكن القديمة في المدينة ، أم كانت هنالك بيوت مشيدة فوقها في الأزمنة الخالية. لأن معظم البيوت في البلاد التركية تشبه السراديب ، أو لا تتألف إلا من طبقة واحدة عالية. وعلى نصف فرسخ من دجلة تل تشتتت على سطحه بيوت وفي قمته مسجد يذهب أهل تلك البقعة إلى
    __________________
    (1) ما زالت «محلة الميدان» و «سوق الميدان» معروفتين مأهولتين في الموصل. وهذه السوق تمتد بموازاة دجلة ، من مشرعة شط القلعة إلى الجسر الحديدي الجديد. وبينها وبين النهر نحو مائتي متر.
    (2) اللوار من أنهار فرنسا.
    (3) كان للموصل منذ أقدم عصورها إلى يومنا هذا ، جسر يصل ما بينها وبين شاطئ دجلة الأيسر. وهو جسر خشبي من القوارب ، يجدد كلما ناله البلى. ولكن هذا الجسر الخشبي البسيط ، استعيض عنه ، سنة 1933 بجسر حديدي مكين راسخ الدعائم.
    (4) لم نفهم مراد المؤلف بقوله «الأقبية والمغاور» فهل يدل ذلك على حفريات وتنقيبات في نينوى منذ ذلك العهد؟ مع أن المعروف بين علماء الآثار ، أن الحفريات في نينوى لم تبدأ إلا في سنة 1840 م وأن معظمها تم بشق الأنفاق في باطن التل لاستخراج الآثار منه ، ولا تزال معالم هذه الأنفاق تشاهد وكأنها أقبية ومغاور.

    أنه الموطن الذي دفن فيه يونس (1) (يونان) ، وهذا المسجد جليل المكانة ولا يباح لنصراني أن يدخله إلا بوجه خصوصي ، فضلا عن دفع نقود في سبيل ذلك. وبالوسيلة ذاتها أمكنني ، مع اثنين من الرهبان الكبوشيين ، الدخول فيه ، ولكننا أجبرنا على خلع نعالنا قبل السماح لنا بالدخول. وفي وسط الجامع ضريح مغطى بسجادة فارسية منسوجة من الحرير والفضة ، وفي كل ركن من الضريح شمعدان نحاسي كبير فيه شمعة من شمع النحل ، هذا إلى جملة من القناديل وبيض النعام مدلاة من السقف. ووجدنا جمعا كبيرا من المسلمين خارج المسجد ، وفي داخله رأينا درويشين يتلوان القرآن.
    وعلى رمية بندقية من الموصل ، إلى شمالها الشرقي ، أطلال دير كبير متهدم ، يحيط به سور عال ما زال معظمه قائما (2).
    لقد مكثنا في الموصل عشرة أيام ، وبعد أن تزودنا منها بكل ما نحتاج إليه لبقية سفرنا ، غادرناها قاصدين أصفهان.
    __________________
    (1) انظر الملحق رقم (9).
    (2) انظر الملحق رقم (10).


    الفصل الخامس
    (من الكتاب الثاني من الرحلة)
    نسخة الكلام على الطريق من نينوى إلى أصفهان
    بعد أن عبرنا دجلة ، نزلنا في مكان على مسيرة ثلاثة أرباع من نينوى منتظرين تجارا أزمعوا على السفر مع قافلتنا. ولم نسلك الطريق المعتاد إلى بلاد فارس ، بل سرنا في طريق يقل فيه دفع الرسوم ، ذلك إلى كونه أقصر مسافة. وتقطع القافلة ما بين حلب وأصفهان بثمانية وخمسين يوما. إننا من ضفاف دجلة حتى المكان الذي نزلنا فيه مساء ذلك اليوم ، لم نمر بغير خرائب متصلة ، مما حملني على الاعتقاد أنها البقعة التي كانت تقوم فيها نينوى القديمة.
    وقد مكثنا يومين قرب المسجد (1). والذي يتناقله المسلمون ، إن يونس دفن فيه. لقد اخترنا رجلا كرديا أي أشوريا (2) ليتزعم قافلتنا (أي يصير كروان باشي). ومع أنه يشك في أمانته فقد كان اختيارنا له ضربا من السياسة ، لأنه كان علينا اجتياز بلاد آشور القديمة التي تسمى الآن كردستان ، وهذه بقعة يتكلم أهلها لغة خاصة بهم.
    وفي اليومين الأولين من السفر ، عبرنا جدولين يأتيان من الجبال ويصبان في دجلة. وكان أول سفرنا في بسيط من الأرض بموازاة ضفة جدول. وفي مساء اليوم الثاني نزلنا عند نهر كبير ينحدر من الجبال الشمالية ويجري جنوبا فيصب في دجلة ، ويسمى بهرز (3) (Bohrus) ، وتياره سريع عنيف ، وهو زاخر
    __________________
    (1) يريد به مسجد النبي يونس ، وقد مر ذكره.
    (2) يريد به كرديا ساكنا بلاد آشور. وقد سبق للمؤلف في الفصل الماضي أن سمى كردستان بلاد آشور.
    (3) انظر الملحق رقم (11).

    بالسمك وخصوصا سمك سليمان. وقد ظلت القافلة في عبورها هذا النهر يومين لعدم تيسر القوارب هناك. فكان على الناس أن يربطوا أعمدة خشبية طويلة ، والواحد فوق الآخر ، يسميها الأهلون هناك «الكلك» ، وهم يصنعونه بشكل مربع ، ويضعون تحته نحو مائة جراب منفوخ بالهواء لتجعل الكلك يطفو على وجه الماء دون أن يلامس خشبه. وعلى التجار أن يحتاطوا بوضع لبابيد ثخينة فوق الكلك لئلا يتسرب الماء إليهم وتتبلل أحمالهم. وفي زوايا الكلك الأربع ، خشبات تقوم مقام المجاذيف ، ولكن فعلها ضئيل بإزاء قوة التيار. ولهذا ، ينبغي سحب الكلك ضد التيار إلى مسافة أربعمائة أو خمسمائة خطوة ، ومن ثم يجذف مع التيار حتى يبلغ المكان الذي يراد إنزال الأحمال فيه في الجانب الآخر. وبعد تفريغ الأحمال ، على الملاحين أن يرفعوا الكلك من الماء ، ويفكوا الجربان ويحملوها على بغال معدة لهذا الغرض. إن أصحاب الخيل والبغال والحمير هناك ، سواء أكانت للحمل أم للركوب ، حالما يرون قافلة قادمة ، يهرعون بها إلى ضفة النهر ، وليس عليهم إلا وزرة من قماش أو من جلد الماعز ، يسترون بها عوراتهم ، أما ثيابهم فينزعونها ويلفونها على رؤوسهم كأنها العمامة. ويربط كل منهم تحت بطنه جرابا منفوخا فيتقدم اثنان أو ثلاثة من أمهرهم راكبين أحسن الخيول الملجمة ، فينزلون في الماء ويتبعهم البقية سباحة ، سائقين خيلهم أمامهم. وقد قبض كل منهم ذيل دابة بإحدى يديه وبالأخرى يسوقها. فإن وجدوا حصانا أو حمارا ضعيفا ، ربطوا تحت بطنه جرابا منفوخا عونا له. فإذا أدركنا هذه المصاعب ، اتضح حين ذاك أن ما يستغرقه عبور قافلة من خمسمائة أو ستمائة دابة لا يقل عما ذكرنا.
    وبهذا الوجه عبرت القافلة ، ولكنها سارت في اليومين أو الثلاثة الأولى من سفرها في طريق رديء جدا ، لأن الخيل في اليوم الأول من السفر كانت تسير في مياه تبلغ ركبها دون انقطاع. وفي اليوم الثاني وشطر من الثالث كانت تسير في قفار موحشة لم نجد فيها لخيلنا علفا ما ، عدا عن أحطاب قليلة لطبخ رزنا. وبعد اجتيازنا هذا الطريق الرديء بلغنا نهرا يقال له الزاب الكبير (1)
    __________________
    (1) انظر الملحق رقم (11).

    (Great Zarbe) فعبرناه فوق قنطرة حجرية (1) تتألف من تسعة أقواس. ويروي الأهلون أن هذه القنطرة أقامها الإسكندر الكبير عند مسيره لمناجزة دارا. وعلى قيد ربع فرسخ من جنوب شرقي القنطرة ، يلتقي نهيران يصبان في دجلة وبعد اجتيازنا القنطرة ، بلغنا بلدة يسمونها شهرزور (Sherazour) وهي مبنية على نشز من الأرض ، فيها ثلاثة متاريس ، ويقيم فيها «باشا» لا مندوحة للقافلة أن ترشيه بهدية ولو صغيرة ، وذلك كي يسمح لها بالمرور من هناك. ونزلنا عند ضفاف نهر ولبثنا هناك يومين. ثم سرنا يوما في جبال جرد لا ماء فيها. على أننا في اليوم الثاني انتهينا إلى سهل مبهج تكثر فيه الأشجار المثمرة ، وما هذا إلا سهل إربل الذي تغلب فيه الإسكندر على دارا (2) ، ويبلغ طوله خمسة عشر فرسخا ، وتسقيه جداول عديدة. وفي وسط الجبل تل صغير محيطه نحو نصف فرسخ كسته الطبيعة بأجود أشجار البلوط التي لم ير مثلها. وفوق قمته خرائب حصن تدل على أنه كان بناء عظيما. ويروي أهل تلك البقعة أن دارا مكث في هذا الحصن أثناء اشتباك رجاله بالمعركة مع الإسكندر. وعلى ثلاثة فراسخ من هذا الحصن ، قرب جبل عظيم يتجه شمالا ، بقايا حصن آخر وعدة بيوت ، يتناقل الأهلون فيما بينهم أن دارا حمى بعض نسائه فيها لما خسر المعركة. ويقوم هذا الحصن فوق بقعة جميلة المنظر. وفي حضيض الجبل عين ماء ، تنساب مسيرة ربع فرسخ ، ثم تصب في نهر صالح لسير القوارب الكبيرة. وهذا النهر يتلوى بين الجبال متجها جنوبا ، يحيث إنك بعد مسيرة يومين من التل تعبر هذا النهر ثانية قرب بلدة يقال لها شهرزور ، فوق قنطرة من الحجر ذات تسعة أقواس ، وهي التي أمر الشاه عباس الكبير بهدم ثلاثة من أقواسها بعد استيلائه على بغداد.
    __________________
    (1) لعل تافرنييه يريد بها ، قنطرة أسكي كلك ، التي هدمت ، وأقيم بجانبها في السنوات الأخيرة جسر حديد ثابت.
    (2) جرت الموقعة بين الاسكندر ودارا في بقعة كوكاميلا قرب إربل ، سنة 331 قبل الميلاد ، وكان النصر فيه للإسكندر. وتعد هذه المعركة من المعارك الفاصلة في تاريخ العراق القديم.

    وشهرزور بلدة تختلف في بنائها عن أي بلد في تلك الأنحاء ، فجميعها منحوت في الصخر بما يبلغ امتداده ربع فرسخ ، ولهذا عليك أن ترتقي بيوتها بمرقاة تتألف من خمس عشرة إلى عشرين درجة ، وأحيانا أقل ، بنسبة ارتفاع المكان الذي تقصده. وليس لمداخل بيوتها أبواب ، بل لها أحجار مستديرة تشبه حجر الرحى ، يدحرجونها حين الدخول أو الخروج. وحافات الحائط نقرت بوجه يستوعب هذا الحجر. كما هي الحال في العلبة وغطائها ، إذ يصبح الحجر باستواء واجهة الجبل عند وضعه على الباب.
    وتبدو أعالي بيوتهم كالروازين في الجبال ، وقد اتخذ الأهلون مغاور لحفظ ماشيتهم فيها ، ومن ذلك نحكم أنها نقرت لتحمي السكان من عرب ما بين النهرين وبدوهم.
    انتهينا إلى شهرزور في ليلة عيد الفصح ، ومكثنا هناك ثلاثة أيام طلبا للراحة بعد صوم تمسكنا به. وقد رأيت هنا ينابيع يخرج منها الماء بفقاقيع كبيرة. وبعد أن مزجت هذا الماء بكأسين من الخمر وشربته وجدت له خاصية الإسهال ، كما أنه ذو مذاق معدني. إن ماء هذه العيون يغلي قرب ضفة نهر يسمى ألتون صو أو نهر الذهب الذي يصب في دجلة ، وبعد مسيرة ثلاثة أيام من مصبه يصل المرء إلى بغداد.
    وفي اليوم التالي ، نزلنا بلدة حقيرة على الحدود بين تركيا وإيران (1).
    وفي اليوم الذي يليه ، وهو اليوم الخامس بعد مغادرتنا نينوى مررنا بعدة مناقع ومياه حارة تفصل بين الامبراطوريتين. وهكذا دخلنا في بلاد فارس ، وصادفنا جبلا شامخا تغطيه أشجار البلوط التي تحمل العفص. ولعلو هذا الجبل الشاهق ، استغرقت القافلة بضع ساعات لبلوغ قمته. ولدى صعودنا هذا الجبل ، وخاصة عندما أدركنا قمته ، سمعنا طلقات بندقية تدوي في الفضاء ، فظننا بادئ الأمر أن أناسا يصطادون الخنزير البري أو الغزال مما تكتظ به
    __________________
    (1) يقصد الحدود بين إيران والعراق. لأن العراق كان حينذاك في ضمن الامبراطورية ، ويسميها الإفرنج أحيانا تركيا.

    الجبال ، ولكن صوت الرصاص كان أقوى وأشد مما يستعمله الصيادون. فتأهبنا للأمر. وكان من الواجب التدبر في مسيرنا لو كنا نعلم ما سيجابهنا من أمر ، إذ تذكرت أن الأهلين هناك لا يبيعون شيئا إلا مقابل بارود أو رصاص. وكان الكروان باشي قد نصحني مرة أن لا أقايضهم خشية أن يستعملوا ما يأخذونه منا ضدنا. ثم انحدرنا من الجبل إلى سهل خصيب تسقيه عدة أنهر.
    فالمقاطعة التي اجتزناها حتى الآن ، تؤلف القسم الأعظم من بلاد آشور القديمة.


    الفصل السادس
    (من الكتاب الثاني من الرحلة)
    [ملاحظة : وفي رحلة تافرنييه الرابعة الموصوفة في الفصل السادس من الكتاب الثاني ، التي بدأ بها في 18 حزيران سنة 1651 م ، بخروجه من باريس مارا بمرسيليا ، ومنها إلى سردينيا ، فتونس ، فبانتيلاريا ، فصقلية ، ثم مالطة ، فكريت ، ومنها اجتاز بحر المورة ، فوصل إلى قبرص ، ومنها إلى ساحل سوريا في خليج انطاكيا ، فالإسكندرونة ، ومنها إلى حلب] قال بعد ذلك :
    وفي الثالث عشر من كانون الأول (1651 م) توجهنا نحو نينوى بطريق يختلف قليلا عما سلكته في رحلتي الثالثة من باريس ووصفته في وقته. وصلنا في اليوم الثاني من شباط (1652 م) مدينة الموصل أو نينوى ، فمكثنا فيها إلى اليوم الخامس عشر منه ، وذلك إلى أن تهيأت الأكلاك ، وهي سفن ذلك البلد. وكان في كلكنا ثلاثون مسافرا وأحمال كثيرة. فسار بنا الكلك فوق دجلة ، من الموصل إلى بابل. (1)
    __________________
    (1) إن غير واحد من الرحالين الأقدمين قد خلطوا بين الموصل ونينوى كأنهما شيء واحد. كما أنهم ذهبوا إلى أن بغداد هي بابل ، وكل ذلك من الأوهام الظاهرة التي لا تخفى على من له اقل الوقوف على بلدان العراق.


    الفصل السابع
    (من الكتاب الثاني من الرحلة)
    مواصلة الطريق الذي سلكه المؤلف في رحلته الرابعة في آسيا ،
    وخاصة سفره في دجلة من نينوى إلى بابل (بغداد)
    في الخامس عشر من شباط (1652 م) ، تحركنا من الموصل ، وبعد أن جرى الكلك بنا ست ساعات ، رسونا قرب حمام حار المياه ، على بعد رمية بندقية من دجلة ، وكان مزدحما بالمعلولين الذين أمّوه للاستشفاء من كل حدب وصوب (1). وقد أقمنا على حراسة الكلك طوال الليل ، ولكن بالرغم من تيقظنا فقد سرق الأعراب غطاءين من أحد التجار وثيابا من رجل تركي كان قد نزل إلى الحمام.
    وفي اليوم السادس عشر منه ، بعد أن جذفنا حوالي خمس ساعات ، بلغنا سدا ضخما (2) ، عرضه 200 قدم ، ويشكل شلالا في النهر انحداره عشرون قامة.
    ويقول العرب إن الإسكندر الكبير قد أقامه رغبة منه في تغيير مجرى النهر ، بينما يقول غيرهم إن دارا هو الذي أمر ببنائه لصد مرور المقدونيين الآتين بطريق الماء (3). ومهما يكن من أمر هذا السد ، فقد اضطررنا إلى النزول برا مع أحمالنا ، فحملناها على الدواب التي جاءنا بها العرب.
    إن عبور هذا السد لأمر جدير بالمشاهدة ، لأنه من العجيب أن ترى الكلك يهوي بغتة من علو 120 قدما ، وهو محافظ على موازنة جريانه فوق
    __________________
    (1) انظر الملحق رقم (12).
    (2) ورد في حاشية خطية في كتاب الرحلة ، تعليقا عل هذا السد : إنه بني من حجارة كبيرة تصلبت بمرور الأيام فأصبحت كالصخر.
    (3) راجع الملحق رقم (13).
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676   رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676 Emptyالجمعة أكتوبر 18, 2024 5:23 pm

    الماء بواسطة الجربان. ويربط ملاحو الكلك أنفسهم ومجاذيفهم ربطا وثيقا بمرابط مقوسة بهيئة نصف دائرة ، ليحموا أنفسهم من قوة الماء. وفي الحقيقة ، إن هذا السد هو الذي يجعل من دجلة نهرا غير صالح للملاحة.
    ثم جاء الكلك إلى المكان الذي كنا ننتظره فيه ، فوسقنا أحمالنا ، ورسا حيث كنا من ضفة النهر. ومن عادة الأعراب أنهم إذا شعروا بنوم التجار ، يقطعون حبال الكلك ويتركونه يبتعد عن حافة النهر ، فيتبعونه سباحة ، ويسرقون منه ما راق لهم.
    وفي اليوم السابع عشر ، بعد تجذيف ثلاث ساعات ، التقينا بنهر الزاب الذي يصب في دجلة من جهة بلاد كلدية. وعلى نصف فرسخ من النهر حصن (1) من الآجر على تل صغير ، مهجور فأدى ذلك إلى خرابه. مكثنا فوق الماء في هذا اليوم اثنتي عشرة ساعة ، ثم رسونا في حويجة ، وأوقدنا نارا عظيمة ، وأطلقنا بنادقنا غير مرة لترويع الأسود (2).
    وفي اليوم الثامن عشر ، لبثنا في الكلك ثماني عشرة ساعة ، ورسونا على ضفة النهر ، عند الجهة الآشورية. وفي المساء جلب لنا الأعراب لبنا وزبدة ، لقد جاءوا إلينا سابحين من ضفة النهر الأخرى وتحت بطونهم جربان وأخرى فوق رؤوسهم فيها ما جلبوه لنا ، وهم لا يتقاضون عنه نقودا بل تبغا (3) أو كعكا أو فلفلا.
    __________________
    (1) لعل الحصن المشار إليه ، من بقايا «السن» وهي مدينة داثرة كانت على مصب الزاب الأسفل.
    (2) كان الاسد ، في الأزمنة القديمة ، كثير الوجود في جهات العراق. ويؤخذ من الآثار المستخرجة من خرائب المدن الأشورية ، أن ملوك أشور كانوا من أمهر صيادي الأسود وأشجعهم. والظاهر ان الأسود كانت في زمن تافرنييه ترتاد أراضي العراق. على أنها أخذت تقل بمر السنين حتى أننا لا نسمع بوجودها اليوم إلا في النادر جدا.
    (3) في هذا إشارة إلى استعمال التبغ في العراق قبل ثلاثمائة سنة ، وهو خبر طريف. وللأستاذ يعقوب سركيس بحث مطوّل في هذا الشأن بعنوان : «التتن في العراق : وجوده وزرعه ، قبل نيف وثلاثمائة عام» وقد نشر في مجلة غرفة تجارة بغداد سنة 1941.

    وفي اليوم التاسع عشر ، بعد أن جرى بنا الكلك أربع ساعات ، التقينا بنهر يقال له ألتون صو (1) ، أي نهر الذهب وهو الذي ينبع من جبال ماذي ، وقد سرت بهذا النهر ثلاثة أيام في إيابي من تبريز إلى حلب ، عابرا دجلة عند ميسيا (2) (Mesia). ولماء هذا النهر مذاق عذب ، وهو يصب في دجلة عند الجهة الآشورية. وعلى امتداد دجلة ، من الجهة ذاتها ، عدد كبير من عيون القار (3) وغيرها من المياه الحارة ذات الرائحة الكبريتية. وفي ذلك اليوم لم نر غير أعراب وأكراد يسيرون بمحاذاة ضفتي النهر : الكرد في جهة ما بين النهرين ، والعرب في الجهة الآشورية. لقد كانوا في حرب ، وكان كل من الفريقين يسير بنظام تام : الشبان يحملون الأقواس والنشاشيب وبعض البنادق وعدة حراب نصفية ، ومن ورائهم نساؤهم وفتياتهم وأطفالهم ، مع أبقارهم وأغنامهم وإبلهم ، ويسير في المؤخرة المسنون. وكان كل من الأكراد والأعراب يرسلون فرسانهم للاستطلاع على المرتفعات ، فإن رأى أحد الطرفين المجال مساعدا للهجوم ، سبحت جموعه في الماء وهاجموا أعدءاهم. أما نحن ، فلما كنا لا نثق بمثل هؤلاء الناس ، جذفنا مدة تسع عشرة ساعة لنتجنبهم.
    وفي اليوم العشرين ، بقينا إحدى عشرة ساعة فوق دجلة ، ورسونا عند بلدة يقال لها تكريت ، في جهة ما بين النهرين. في هذه البلدة قلعة نصف خربة ، ومع ذلك لا تزال ترى فيها بعض غرف أنيقة. ومن الجهة الشمالية والشرقية يقوم النهر مقام خندق ، أما من جهتيها الغربية والجنوبية فيحدق بها خندق اصطناعي مرصوف بالحجارة. ويقول العرب إنها كانت قديما أقوى موضع في كل ما بين النهرين. ويشرف عليها تلان غير بعيدين عنها. وكان يسكن النصارى (4) على مسافة نصف فرسخ من المدينة حيث إن خرائب كنيسة
    __________________
    (1) يريد به الزاب الصغير.
    (2) لا نعرف شيئا عن هذا الموقع.
    (3) راجع الملحق رقم (14).
    (4) للنصرانية في تكريت تاريخ حافل ، وما زال بين آثارها بقايا كنائس وديارات. إلا أننا لا نعلم بوجه التحقيق متى اندثرت النصرانية من هذه المدينة. وتقول دائرة المعارف

    وقسما من برجها لا تزال تشاهد ، ويظهر من بقاياها أنها كانت بناء عظيما فيما سبق.
    وفي اليوم الحادي والعشرين ، بعد أن جذفنا ثلاث ساعات ، صادفنا بلدة على الجهة الآشورية ، تسمى إمام دور (Amet ـ el ـ tour) وهي باسم شخص له مرقد فيها ، ويعده الناس هناك وليا (1) وهو موضع تكريمهم ، يقصده كثير من أهل الدعاء والنذور. ومكثنا في ذلك اليوم اثنتي عشرة ساعة في الماء ثم رسونا عند ضفة النهر.
    وفي اليوم الثاني والعشرين ، بعد أن بقينا في الماء ساعتين ، التقينا بجدول يأخذ ماءه من دجلة لسقي الأراضي هناك ، ويمتد إلى قرب قبالة بغداد ، وهناك يصب في دجلة مرة ثانية. ومن هناك نزلنا إلى البر في الجهة الكلدانية ، لأنه كان برفقتنا مسلمون أحبوا أن يتبركوا بزيارة مكان يقال له سامراء (Samatra) ، وفيها جامع لا يبعد أكثر من نصف فرسخ من النهر ، يؤمه كثير من المسلمين لتقديم فروض العبادة ، خاصة الهنود والتتر الذين يعتقدون أن أربعين نبيا من أنبيائهم مدفونون هناك. ولما علموا أننا نصارى لم يسمحوا لنا بأن نطأ أرضه. وعلى خمسمائة خطوة من الجامع برج (2) مشيد بمهارة فائقة ، له مرقاتان من خارجه تدوران حوله دوران الحلزون. وإحدى هاتين المرقاتين أعمق في بناية البرج من الأخرى. وكان بإمكاني أن أمعن النظر فيه أكثر من هذا لو سمح لي بالدنو منه إلى مسافة قريبة. والذي لا حظته ، أنه مشيد بالآجر ، ويبدو عليه مسحة القدم. وعلى نصف فرسخ منه ، تبدو ثلاثة أبواب كبيرة كأنها أبواب قصر عظيم (3). وفي الحقيقة لا يستبعد أن في هذه الأنحاء كانت مدينة عظيمة ، لأن على مسافة ثلاثة فراسخ على طول النهر لا يرى شيء
    __________________
    الإسلامية (5 : 436 من الترجمة العربية ، مادة تكريت) أن تافرنييه كان آخر من ذكر خبر النصارى بهذه المدينة.
    (1) راجع الملحق رقم (15).
    (2) راجع الملحق رقم (16).
    (3) راجع الملحق رقم (16).

    سوى الخرائب (1). لقد بقينا اثنتي عشرة ساعة هذا اليوم فوق الماء ، ورسونا عند ضفة دجلة حسب العادة.
    وفي اليوم الثالث والعشرين ، مكثنا عشرين ساعة في الماء ، ولم نشاهد طول اليوم على جانبي النهر شيئا غير أكواخ حقيرة من سعف النخل ، يسكنها بعض الفقراء الذين يديرون ناعورا لسقي الأراضي المجاورة. والتقينا في ذلك اليوم أيضا بنهر يدعى العظيم (Odoine) الذي يصب في دجلة في جانب كلدية القديمة.
    وفي اليوم الرابع والعشرين ، لبثنا اثنتين وعشرين ساعة في الماء لم نغادر في أثنائها الكلك ، والسبب في ذلك أن التجار أخرجوا من الكلك كل ما عندهم من نقود وأحسن ما لديهم من بضاعة وسلموها إلى أبناء تلك البقعة الذين يحملونها بأمانة عظيمة إلى بغداد حيث يريد التجار بيع سلعهم. ويعمد التجار إلى ذلك تهربا من دفع خمسة بالمائة في المدينة (بغداد). ولقد أمنت أنا أيضا عندهم عدة أشياء قدموا لي بها حسابا دقيقا كما فعلوا مع الآخرين ورضوا لقاء أتعابهم بشيء زهيد.
    وفي اليوم الخامس والعشرين ، انتهينا نحو الساعة الرابعة صباحا ، إلى مدينة بغداد التي تعرف عادة باسم بابل ، تفتح أبواب المدينة في الساعة السادسة ، فيجيء رجال الجمرك ليدونوا ثبتا بالسلع ويفتشوا التجار أنفسهم ، فإن لم يجدوا معهم شيئا ، سمحوا لهم بدخول المدينة. أما إذا كان عليهم ما يجب تأديته من رسوم ، فإنهم يأخذونهم إلى دار الجمرك ويدونون ما معهم من سلع ويدعونهم يذهبون. ويحمل إلى الجمرك أيضا جميع ما في الكلك من السلع التي يذهب التجار لتسلمها من هناك في خلال يومين أو ثلاثة أيام بعد دفع ما عليها من رسوم الجمرك. وهذا كله يتم بنظام تام ، دون ما جلبة ولا ضوضاء.
    ومع أن مدينة بغداد تعرف عادة باسم بابل ، فإنها تبعد مسافة كبيرة عن
    __________________
    (1) راجع الملحق رقم (16).

    بابل القديمة (1) وسأتكلم فيما يلي على بغداد كما هي اليوم :
    تقع بغداد على نهر دجلة ، وفي ضفة جانب فارس (2) ، ويفصلها هذا النهر عما بين النهرين. وهي مبنية على خط عرض 15 33. ويروي المؤرخون العرب ، أن أحد الخلفاء المسمى بالمنصور ، شيدها سنة 145 للهجرة ، الموافقة لسنة 762 للميلاد أو حواليها. وهم يسمونها أيضا دار السلام (Dar ـ al ـ Sani). ويذهب بعضهم إلى أنها اشتقت اسمها من دير كان في مرج حيث تقوم المدينة الآن. ولذلك سميت بغداد ، أي بستان موقوفة أو موهوبة (3). وعندما كان بعض الفعلة يحفرون في أسس خان ، قبل نحو من أربعين سنة ، وجدوا جثة مسجاة كما يسجى الأسقف ، وبجانبه الكافور والطيب. وفي المكان نفسه ظهرت عدة قلال من بيوت دينية ، مما يترجح معه القول إن الموضع الذي بنيت فيه بغداد ، كان قديما ديرا كبيرا وبيوتا عديدة يسكنها النصارى. ويبلغ طول المدينة نحوا من 1500 خطوة ، وعرضها 700 أو 800 خطوة ، ولا يتعدى محيطها ثلاثة أميال. أما سورها فمبني بالآجر ، ويقطع هذا السور في بعض النقاط أبراج كبيرة كالمتاريس نصب فوق جميعها زهاء ستين مدفعا ، ولكن ليس بين هذه المدافع ما يحمل أكثر من خمس أو ست قنابر. ويكتنف السور خندق عريض ، عمقه نحو خمس أو ست قامات. وللمدينة أربعة أبواب ، ثلاثة منها في جهة البر ، وواحد مطل على النهر (4) ، ومنه يعبر النهر على جسر ذي ثلاثة وثلاثين قاربا ، بين القارب والآخر مسافة تبلغ عرض قارب واحد. والقلعة في داخل المدينة ، بالقرب من الباب المسمى بباب المعظم (el ـ Maazam) ، وهو في شمالي المدينة. ويطل قسم من القلعة على النهر ، ويضمها سور بعض أقسامه مسطح. إن هذا السور مقوى بأبراج
    __________________
    (1) تبعد بابل عن بغداد 54 ميلا.
    (2) يريد المؤلف بضفة جانب فارس ، ضفة دجلة الشرقية ، أي ضفة النهر اليسرى.
    ولكن الصواب أن بغداد تقع على كلتا ضفتي دجلة ، اليمنى واليسرى.
    (3) انظر الملحق رقم (17).
    (4) انظر الملحق رقم (18).

    صغيرة ، أقيم فوقها نحو من مائة وخمسين مدفعا لا عجلات لها. والخندق المحدق بسور القلعة ضيق لا يتجاوز عمقه القامتين أو الثلاث. وليس على الخندق أمام الباب جسر قابل للانفتاح. وفي القلعة حامية قوامها ثلاثمائة إنكشاري يرأسهم آغا. ويحكم المدينة باشا يكون عادة برتبة وزير ، ولمسكنه المطل على دجلة منظر بديع. وبأمرته دائما ستمائة أو سبعمائة فارس. وهنالك أيضا آغا يرأس بين الثلاثمائة والأربعمائة سباهي ، هذا إلى صنف آخر من الخيالة يسمون جنكوليلر أي الشجعان ، على رأسهم اثنان من الأغوات. وفي المدينة والبلدان المجاورة لها حوالي ثلاثة آلاف من هؤلاء الرجال. إن مفاتيح أبواب المدينة وباب الجسر تودع عند آغا آخر ، بإمرته مائتا إنكشاري. وهنالك أيضا ستمائة من المشاة يرأسهم آغا ، ونحو ستين مدفعيا كانوا في ذلك الحين بإمرة خبير يسمى السنيور ميخائيل ، الذي يعتبر تركيا وإن كان من مواليد كاندي (كريت). لقد وقف هذا الرجل نفسه لخدمة الباب العالي حينما ذهب لحصار بغداد سنة 1638 م. ومما ذكره أن الأتراك الذين خدمهم الحظ للاستيلاء على المدينة بوقت قصير ، لم يكن الفضل في ذلك للثغرة التي أحدثها السنيور ميخائيل في السور فحسب ، بل أيضا إلى ما أحدثه الشغب والثورة حينذاك من التأثير في المدينة. وها أنذا أدرج فيما يلي قصة فتح المدينة بإيجاز :
    إن الخان الذي تحمل العبء الأكبر أثناء الحصار في بادئ الأمر كان أرمني الأصل واسمه صفي قولي خان. فقد حكم المدينة مدة طويلة ، ودافع عنها مرتين ضد الجيش التركي الذي لم يتأت له الاستيلاء عليها من قبل. لكن ملك فارس أرسل ببعض محسوبيه لتسلم مهام القيادة بدلا منه ، فتسملها منه قبل أن يعمل المدفع عمله في ثغر السور. ولما وجد الخان السالف نفسه قد استخلف بالحاكم الجديد ، آثر الموت على تحمل الإهانة التي لحقت به. فدعا بخدمه وضباط الجيش وامرأته وابنه ، وتناول بيده أمامهم ثلاثة كؤوس من السم ، وأمر زوجته ، فيما إذا كانت تحبه حقا ، أن تبرهن على صدق حبها له بأن تشاركه الموت بطيبة خاطر. ووجه الخطاب نفسه إلى ابنه. وهكذا تجرع الثلاثة كؤوس السم الذي قضى عليهم سريعا. أما الجنود الذين كانوا يكنون له

    في قلوبهم حبا عميقا ، فإنهم بعد أن أبصروا هذا المشهد المفجع ، ولعلمهم أن السلطان أعد العدة لهجوم عام ، لم ينقادوا لخانهم الجديد ، بل ساروا في طريق التمرد والعصيان ، وبلغ من غلوائهم في هذا الموقف ، أن رضوا بتسليم المدينة للترك ، على أن يسمح لهم بالخروج منها بجميع سلاحهم ومؤنهم. غير أن الترك لم يحافظوا على كلمتهم ، إذ ما إن دخلوا المدينة حتى أشار الباشا على السلطان أن يضعف قوة الفرس ، بأن يعمل السيف في رقاب كل الجنود الذين كانوا في المدينة ، فوقعت حينذاك مذبحة ذريعة بلغت ضحاياها زهاء عشرين ألف نسمة ذهبت غدرا. واستولى الترك على دير الكبوشيين ، ولكن السنيور ميخائيل رئيس المدفعية أفلح في إعادته إليهم.
    أما عن الحكومة المدنية في بغداد ، فليس فيها غير قاض تناط به كل الأعمال ، حتى منصب المفتي ، ومعه دفتردار يتسلم واردات السلطان. وفي بغداد خمسة جوامع : اثنان منها مبنيان بهندسة بديعة ، تزينها قباب مكسوة بالقرميد المدهون ذي الألوان المختلفة. وفيها أيضا عشر خانات بناؤها حقير ما خلا اثنتين منها ينال فيهما المسافرون قسطا من الراحة. وبالإجمال ، إن المدينة ساذجة البناء ، لا جمال فيها ، اللهم إذا استثنينا أسواقها المسقفة ، ولو لا ذلك لما استطاع التجار تحمل حرارة الصيف. وترش الأسواق ثلاث أو أربع مرات في اليوم ، يرشها قوم يتقاضون أجورهم من عموم أهل السوق. وتجارة المدينة رائجة ، ولكن ليست بما كانت عليه في أيام ملك فارس. لأنه عند ما استولى عليها الترك ، اغتالوا كثيرا من أثرياء التجار. ومع ذلك ، فإن الناس يتوافدون عليها من كل حدب وصوب ، ولا أدري أكان ذلك للتجارة أم للعبادة ، فإن شيعة علي (Haly) يعتقدون أن عليا عاش في بغداد (1). ثم إن كل من يرغب في الحج إلى مكة برا ، عليه أن يمر ببغداد ، وعلى كل حاج حينذاك أن يدفع إلى باشا بغداد أربعة قروش. ومما يجدر ذكره ، ان في بغداد مذهبين إسلاميين ، هما مذهب الشيعة ومذهب السنة ، وهؤلاء يشبهون في أحوالهم سكان القسطنطينية.
    __________________
    (1) لا نعلم من أين نقل المؤلف هذا الزعم الغريب!.

    أما جنائزهم ، فقد عنيت بملاحظة عاداتهم في ذلك ، فعندما يموت الزوج ، تكشف المرأة رأسها وتحل شعرها وترسله على أذنيها وتسود وجهها بسخام القدور وتصنع حركات غريبة تستثير ضحك الغرباء بدلا من دموعهم. ويحضر جميع الأقارب والأصدقاء والجيران إلى دار الميت ويمكثون هناك إلى ميعاد تشييع الجنازة. وفي ذلك الوقت تتزاحم النسوة بألوف الوسائل السخيفة إلى إظهار حزنهن ، وذلك بلطم خدودهن ، والعويل كالمجانين. ويبد أن فجأة بالرقص على صوت نقارة كالتي يحملها أصحاب الطبول والمزامير ، وتبقى النسوة ينقرن عليها نحو ربع ساعة. ومن جاري عاداتهم في المآتم ، أن تندب إحداهن الميت ، فيجبنها الباقيات بعويلهن وولولتهن التي تسمع من بعيد. ومن العبث أن يحاول المرء مواساة أبناء الميت ، لأنهم يبلغون حالا يفقدون معها رشدهم. وهم مضطرون إلى سلوك هذا السبيل ، وإلا نالهم اللوم والتقريع ، على عدم عطفهم على ذويهم الراحلين. وعند ما يحمل الجثمان إلى القبر ، يتقدمه رهط من الفقراء حاملين الأعلام التي تنتهي عصيها من أعلاها بأهلة ، وهم يندبون بألحان محزنة طول الطريق. ولا يباح للنساء مرافقة الجثمان ، لأنه لا يخول لهن الخروج من الدار إلا في أيام الخميس ، حيث يقصدن الضريح للصلاة على الميت. ومن عاداتهم أن النساء يذهبن صباح الأربعاء إلى الحمامات حيث يطيبن رؤوسهن وأبدانهن بالماء المعطر. وقد يخرجن أحيانا من الدار في غير هذه المناسبات ، وذلك عندما يأذن لهن أزواجهن بزيارة أقاربهن. ولكن في هذه الحالة ، عليهن بالتستر من أعلى الرأس حتى أخمص القدم ، حتى ليتعذر على ازواجهن أنفسهم تمييزهن إذا لاقوهن في الطريق. ونذكر في هذا الصدد أن النساء الفارسيات ، باستثناء الفقيرات منهن ، يفضلن المكوث كل أيام حياتهن في البيوت على الخروج بلا حصان. وهناك علامة تميز بها النساء البغايا من الحرائر ، ذلك أن البغايا يضعن أقدامهن في ركاب السرج ، بينما الحرائر يدخلن أرجلهن في جلد الركاب. والعادة الجارية بين نساء بغداد أنهن يكثرن من استعمال الحلي ، إلا إنهن لا يكتفين بلبس الحلي حول أعناقهن أو معاصمهن بل يعلقنها أيضا حول وجوههن ، ويثقبن آذانهن

    لوضع الأقراط فيها. والمرأة العربية الريفية تثقب ما بين منخريها لتعلق «خزامة» فارغة لتخفف من الثمن والثقل ، وبعضها في غاية الكبر حتى ليمكنك إدخال قبضة يدك فيها. وللمبالغة في تجميل أنفسهن يكتحلن. وفي البادية يكتحل الرجال كالنساء ، وقاية لعيونهم من وهج الشمس على ما يقولون.
    والنصارى في بغداد ثلاث فرق : النساطرة ، ولهم كنيسة (1). والأرمن (2) ، واليعاقبة وليس لهم كنيسة (3) ، بل يصلون في كنيسة الكبوشيين الذين يقيمون لهم الشعائر الدينية. وعلى نحو ربع فرسخ من المدينة بيعة للنصارى يقصدونها للتعبد ، وهي باسم «خضر الياس» (4). ولكي يسمح لهم بزيارتها ، يدفعون أجرة زهيدة للترك الذين بيدهم مفاتيح البيعة. وعلى مسيرة يومين من المدينة ، بيعة أخرى خربة في قرية حقيرة ، يقول النصارى إن مار شمعون ومار يهوذا استشهدا هناك ودفنا فيها. وإذا توفي نصراني ، حضر جميع النصارى إلى حفلة دفنه ، ثم يعودون إلى البيت ، فيجدون الطعام معدا لهم. وفي اليوم الثاني يعودون إلى القبر ويصلون على المتوفى ، وفي اليوم الثالث يهيئون عشاء للغادي والرائح ، وقد يجتمع أحيانا في أثناء الدفن نحو مائة
    __________________
    (1) هذه الكنيسة ما زالت قائمة في محلة الميدان ، وتعرف بكنيسة مسكنتا. وتعد من أقدم الكنائس القائمة اليوم في بغداد ، كانت فيما مضى للنساطرة ، ثم صارت بيد الأرمن الأرثوذكس سنة 1744 م (راجع تفاصيل تاريخية عن هذه الكنيسة للأستاذ يعقوب سركيس. في لغة العرب 9 (1931) ص 512 ـ 516).
    (2) للأرمن اليوم في بغداد كنيستان : الأولى للكاثوليك ، وتسمى كنيسة انتقال العذارء ، وتعرف بين عوام الناس بكنيسة (الدوغة) وقد بنيت في سنة 1844 م ، في محلة النصارى (عقد الكنائس). والثانية للأرثوذكس وتسمى كنيسة الثالوث الأقدس ، وقد بنيت في سنة 1853 م ، وهي في المحلة نفسها (عن الأب دير نرسيس صائغيان).
    (3) لليعاقبة أيضا كنيسة حديثة العهد ، في محلة البتاويين ، وقد بنيت سنة 1934 م باسم السيدة العذارء.
    (4) ليس في بغداد اليوم كنيسة بهذا الاسم. والمعروف أن في الجانب الغربي من بغداد جامعا يعرف بجامع خضر الياس مطلا على دجلة (راجع تاريخ مساجد بغداد للآلوسي : ص 133 و 145).

    وخمسين شخصا. إن هذه الرسوم تتكرر أيضا في السابع والخامس عشر والثلاثين والأربعين بعد الوفاة ، وهذا دليل على احترامهم العظيم للميت الذي يصلون من أجله مرارا. لكن هذه العادة التكريمية تكون عبئا ثقيلا على الفقراء الذين يميلون إلى تقليد الأغنياء في هذا الشأن ، فيرهقون كواهلهم بالديون أحيانا ، وقد يبلغ بهم الأمر أن يضطروا إلى بيع أطفالهم للترك ليفوا ديونهم.
    وفي بغداد عدد من اليهود أيضا. ويأتي كثيرون غيرهم في كل سنة لزيارة مرقد النبي حزقيال (1) الذي يبعد يوما ونصف يوم عن المدينة.
    وبوجيز الكلام ، إن بغداد منذ استيلاء السلطان مراد عليها لم يكن عدد نفوسها بأقل من خمسة عشر ألف نفس ، مما يدل على أن المدينة لم تكن مأهولة بما يتناسب وسعة رقعتها.
    وعلى مسيرة يوم ونصف يوم من نقطة ما بين النهرين ، وذلك في بقعة تكاد تتوسط ما بين دجلة والفرات ، تقع العين على مرتفع عظيم من التراب ، يسميه الناس إلى هذا اليوم «نمرود» ، يقوم في وسط سهل منبسط ، ويرى من مسافة بعيدة. ويعتقد العوام أنه بقايا برج بابل ، ولكن الأقرب إلى الإمكان هو ما يراه العرب الذين يسمونه عقرقوف (2) (Agartouf) ، إذ يزعمون أن أميرا عربيا شيده ، وكان يضع دائما مشعلا فوق قمته ، ليستجمع رعاياه في بقعة واحدة أيام الحرب. ويبلغ محيط هذا المرتفع عند قاعدته نحو ثلاثمائة خطوة ، ولكن ليس من اليسير التكهن بما كان عليه ارتفاعه القديم ، لأن أعاليه قد انهارت ولم يبق منه غير ثماني عشرة أو عشرين قامة. إن هذا البرج مشيد باللبن ، ضلع كل لبنة عشر عقد (انشات) ، وثخنها ثلاث. ويقوم البناء بالوجه التالي : فوق كل صف من العيدان أو القصب المسحوق المخلوط بتبن الحنطة المفروش بثخن عقدة ونصف ، سبعة سافات من هذا اللبن ، بين الساف والآخر
    __________________
    (1) مرقد النبي حزقيال في قرية الكفل على بعد 20 ميلا جنوب الحلة. ويسمى أيضا ذا الكفل.
    (2) انظر الملحق رقم (19).

    تبن قليل. ثم يلي ذلك صف آخر من القصب وفوقه ستة سافات من اللبن. ثم صف ثالث مع خمسة سافات. وتقل السافات بهذا الوجه حتى تبلغ القمة. ويلوح أن شكله الأصلي كان أقرب إلى المربع منه إلى المدور. وفي أعلى قسم من بقيته ثقب لا أدري أكان نافذة أم مخرجا للماء أم ثقبا للسقالة. وبالاختصار إنه بحسب وصف موسى (1) ليس هناك ما يدل على أن هذا بقايا برج بابل القديم.
    __________________
    (1) يريد بذلك برج بابل الموصوف في التوراة ، راجع سفر التكوين (11 : 1 ـ 9).

    صورة مدينة بغداد
    يستغرق الطواف حول بغداد زهاء ساعتين
    A. رقعة المدينة.
    B. القلعة.
    C. باب المعظم.
    D. البرج الجديد.
    E. الباب الذي نصب عليه السلطان أول بطارياته المدفعية سنة 1638 م.
    F. البرج القديم.
    G. أحد أبواب السور (المعروف بالباب الوسطاني).
    H. البرج القديم.
    I. المكان الذي أقام فيه السلطان مراد ثاني بطارياته المدفعية حينما ثغر السور واستولى على المدينة.
    K. أحد أبواب السور (المعروف بباب الطلسم).
    L. البرج القديم.
    M. البرج القديم.
    N. قرة قاپي أو الباب الأسود (الباب الشرقي).
    O. البرج القديم.
    P. صوقاپي أو باب الشط.



    الفصل الثامن
    اكمال الطريق من بغداد إلى البصرة
    والكلام على ديانة الصابئة وهم نصارى يوحنا
    في الخامس عشر من آذار ، ركبنا سفينة من بغداد إلى البصرة (Balsara) فرأينا نهر دجلة أسفل بغداد ، ينشطر شطرين : احدهما يجري في كلدية القديمة ، والآخر ينساب في ما بين النهرين. وهذان الشطران يشكلان جزيرة واسعة يخترقها ترع عديدة.
    وعندما بلغنا منقسم دجلة ، وقع نظرنا على رقعة مدينة ، كانت فيما مضى واسعة النطاق ، ولا يزال بعض أسوارها شاخصا ، يمكن أن تسير فوقها ست عربات جنبا إلى جنب. وهذه الأسوار مشيدة بالآجر ، يبلغ طول ضلع الآجرة الواحدة عشر أقدام ، وثخنها ثلاثا (1) وتروي أخبار هذه البلاد ، أن هذه هي خرائب بابل القديمة (2).
    وقد اتبعنا في سيرنا ذلك الشطر من دجلة ، الذي يجري وجانب كلدية ، خشية الوقوع بأيدي الأعراب الذين كانوا في ذلك الحين في حرب مع باشا بابل (3) ، لأنهم أبوا دفع الضريبة إلى السلطان. وقد تمادى بنا السفر على ظهر الماء من بغداد إلى البصرة عشرة أيام. وكنا في كل ليلة نرسو فوق الماء
    __________________
    (1) أبعاد هذا الآجر مبالغ فيها مبالغة فاحشة! فإن أعظم الآجر المكتشف في العراق ، لا يتجاوز طول ضلعه 50 سنتمترا وثخنه 12 سنتمترا.
    (2) لا يمكن أن تكون هذه الأخربة بقايا بابل ، لأن سير المؤلف في نهر دجلة ، فهو يصف ما يمر به في طريقه. فأين بابل من هذا الطريق؟ والمرجح عندنا ، أنها بقايا مدينة «سلوقية» عاصمة الدولة السلوقية في العراق ، وخرائبها اليوم في تل عمر ، جنوبي بغداد ، على نحو 20 ميلا منها.
    (3) يريد بذلك باشا بغداد.

    ونتناول طعامنا في السفينة. وعند بلوغنا قرية ما ، كنا نبعث بخدمنا إلى الضفة لشراء الطعام الذي نحصل عليه بقيمة زهيدة جدا. أما المدن التي مررنا بها فهي : العمارة (1) (Amurat) وفيها قلعة مشيدة باللبن. والشطرة (Satarat). والمنصوري (Mansoury) وهي بلدة كبيرة. والمجر (Magar). والعزير (2) (Gazer). والقرنة (Gorno). ويقترن الفرات بدجلة عند هذه المدينة الأخيرة التي فيها ثلاث قلاع : الأولى في ملتقى النهرين وهي أحصنها ، فيها يقيم ابن أمير البصرة الذي يحكمها. والثانية في جانب كلدية. والثالثة في جانب بلاد العرب. ومع أنه يطالب هناك بالرسوم الجمركية بتمامها فتدفع ، فإنهم لا يفتشون أي شخص. ويصل مد البحر إلى هذا المكان. ولما كان أمامنا خمسة عشر فرسخا إلى البصرة ، فقد وصلنا إليها بسبع ساعات لأن الريح والمد ساعدانا على ذلك.
    تبعد بغداد عن البصرة مائة وستين فرسخا ، وكل الأراضي الممتدة بينهما تتشابك فيها القنوات وتقسمها على نحو ما يرى في البلاد الواطئة (3). ولا شك ان هذه الأراضي من أحسن ما يمتلكه السلطان ، لاشتمالها على مراع واسعة ومروج نضيرة يربى فيها عدد كبير من الحيوانات ، خاصة الأفراس والجواميس. ومدة حمل الجاموس اثنا عشر شهرا ، وهي تدر حليبا وافرا جدا ، حتى ان بعضها يدر اثنين وعشرين بنتا (4) في اليوم ، وتستخلص منه مقادير وافية من الدهن. وقد وجدنا ذات مرة في بعض قرى دجلة خمسا وعشرين سفينة موسقة بالدهن الذي يبيعه أصحابه في بلدان الخليج الفارسي ، بكلا جانبيه العربي والفارسي.
    __________________
    (1) يقول لسترنج إنها «كوت الإمارة». راجع : بغداد في عهد الخلافة العباسية (ص 8 من الأصل الإنكليزي ، وص 16 من الترجمة العربية).
    (2) يذهب بعض الباحثين إلى ان العزير هو قبر عزرا الكاتب صاحب «سفر عزرا» أحد أسفار التوراة.
    (3) اي بلاد هولندا وبلجيكا.
    (4) البنت بالباء المثلثة المكسورة (Pint) يساوي 8 / 1 الجالون.

    وفي منتصف الطريق بين بغداد والبصرة ، أبصرنا عدة سرادقات منصوبة في المروج بمحاذاة ضفة النهر. ولدى الاستفسار سمعنا ان الدفتردار آت من القسطنطينية لجباية ضرائب السلطان. فمن بغداد إلى القرنة يدفع عن كل رأس جاموس ، ذكرا كان أم انثى ، قرش وربع قرش في السنة ، فيقوم من ذلك للسلطان في السنة مائة وثمانون ألف قرش. وعلى كل فرس يدفع قرشان ، وعلى كل شاة عشرة سوات (1) (Sous). ولو لا تحايل أهل البلاد عند دفع الرسوم ، لزاد مجموع الضرائب نحو خمسين ألف قرش عما هي عليه الآن.
    ثم انتهينا إلى القرنة ، وهي قلعة عند ملتقى النهرين ، في كلتا جهتيها قلعة أصغر منها. ولا يمكن المرور من هناك بدون إذن. وفي قلعة القرنة المزودة بمدفع ، التقينا بابن أمير البصرة الذي كان حاكم القلعة. وهنا يسجل حساب الجمارك. ومع أن رجال الجمرك يمعنون في تحري السفن ، فإنهم كثير واللطف فلا يفتشون أي شخص. وعند قيامهم بهذا الواجب لا يهملون التفتيش عن البضائع المخبأة بين ألواح السفينة أو المغطاة بالحطب والعيدان. ولموظفي الجمرك مثقب طويل يجسون به جوانب السفينة لاكتشاف ما قد يكون فيها من بضاعة مخبأة. إن البضاعة تسجل في القرنة ، ولكن رسوم البصرة تدفع دائما في البصرة بحسب القائمة المعطاة من قلعة القرنة.
    وفي اليوم ذاته ، دخلنا في القناة التي شقت من الفرات إلى البصرة ، فلقينا في طريقنا رئيس المعمل الهولندي الذي كان يتنزه في قارب مغطى بالقماش القرمزي ، فأخذني معه إلى البصرة.
    وتقع البصرة في جانب بلاد العرب الصحراوية ، على بعد فرسخين من خرائب مدينة كانت تدعى سابقا طريدون (2) (Teredon) وكانت قديما تقوم في البادية ويأتيها الماء من الفرات من قناة مبنية بالآجر لا تزال ظاهرة للعيان.
    __________________
    (1) السو : نقد فرنسي قديم ، كان يضرب من النحاس أو النيكل ، ويساوي 20 / 1 من الفرنك ، أي 5 سنتيمات.
    (2) راجع الملحق رقم (20).

    ويبدو أنه كان عند هذه الخرائب مدينة كبيرة (1) ، يقتلع منها العرب الآجر ويبيعونه في البصرة. وتبعد مدينة البصرة نصف فرسخ عن الفرات الذي يسميه العرب بلغتهم «شط العرب». وقد مد أهل المدينة قناة تذهب إليه ، طولها نصف فرسخ ، تسير فيها السفن من ذات المائة والخمسين طنا ، وفي آخرها قلعة ليس لسفينة ما أن تجتاز المكان دون إذن منها. ويبعد البحر عن البصرة نحو خمسة عشر فرسخا ، إلا أن المد يأتي إلى القناة ويعم النهر مسافة خمسة عشر فرسخا أخرى صعدا إلى ما وراء القرنة. والأرض هناك شديدة الانخفاض ، ولو لا السدود الممتدة بامتداد حافة البحر ، لتعرضت البقعة للغرق. ويبلغ طول السد أكثر من فرسخ ، وهو مشيد بالحجارة تشييدا مكينا ، لا تعمل فيه الأمواج الهائجة ، بالرغم من كونه معرضا لبحر صاخب.
    ولم يمض على البصرة أكثر من مائة سنة مذ كانت تابعة لعرب البادية ، فلم يكن لها تجارة مع أمم أوروبا ، لأن أهلها كانوا قانعين بأكل تمورهم التي تتوفر عندهم بمقادير كبيرة ، وهم لا يتغذون بغيرها. وهذه الحالة في المعيشة سائدة على ما وصفنا في كلا ساحلي الخليج : فإذا سرنا من البصرة إلى نهر السند (Indus) وهي مسافة طولها ستمائة فرسخ ، أو إذا سرنا والساحل العربي إلى مسقط ، وجدنا فقراء الناس لا يعرفون ما هو أكل الرز ، بل يتعيشون بالتمر والسمك المملح المقدد بالهواء. والبقر عندهم لا تطعم عشبا ، وإذا خرجت إلى الحقول لا تجد من الأعشاب إلا الشيء الزهيد ، أو قد لا تجد شيئا منها. ولهذا ، فإن أصحابها صباح كل يوم ، قبل أن يخرجوها إلى الحقول ، وبعد أن يعودوا بها إلى الدار ، يطعمونها رؤوس السمك ونوى التمر المسلوقين معا.
    وعندما اشتبك الترك في حرب مع العرب ، أخذوا منهم البصرة ، غير أن العرب لما كانوا يغيرون دوما على المدينة وينهبون ما تناله أيديهم من غنائم وأسلاب ، اضطر الترك إلى عقد اتفاق معهم ، كان للعرب بموجبه حرية التنقل في البادية إلى قيد فرسخ من المدينة ، وعلى أن تبقى المدينة للترك. غير أن
    __________________
    (1) راجع الملحق رقم (21).

    هذا الاتفاق لم يدم طويلا ، ذلك أنه كان في وسط المدينة قلعة تعرف ب «حوش الباشا» (1) (Aushel ـ Basha) أو ديوان الباشا. وقد بناها الترك. ولما كانت الحامية من الترك ، والأهلون من العرب الذين لم يطيقوا التحكم بهم. فإن هؤلاء العرب كثيرا ما نازعوا الترك ، وبلغ بهم الأمر إلى الضرب ، فيبادر عرب البادية إلى نجدة الأهلين ، ومحاصرة الباشا في القلعة. وأخيرا لما لم يمكن عقد اتفاق مثل هذا ، لما يتوقع من انتهاز أحد الطرفين المتعاقدين الفرصة لنقضه ، فإن علي باشا (2) الذي كثرت المنازعات والثورات في زمنه فأتعبته وأرهقته ، قرر التخلص من هذا العبء ، فباع حكومته بألف قرش (3) لنبيل من أغنياء البلد. فعمد هذا من فوره إلى تجنيد عدد كاف من الرجال ليخشاه أهل البلد. ان هذا الرجل العظيم يسمى افراسياب باشا (Efrasiabs) وهو جد حسين باشا الذي كان حاكما لما مررت بها قبلا. لقد خلع افراسياب عنه النير التركي ، ولقب نفسه بأمير البصرة. أما الباشا الذي باع حكومته ، فإنه ما كاد يبلغ القسطنطينية حتى شنق. وبعد استيلاء مراد على بغداد ، كان أمير البصرة يسره أن يتحفه دائما بالهدايا والألطاف ، وخصوصا بجياد الخيل التي تشتهر بها تلك البقعة. وعند ما استولى الشاه عباس الكبير على مدينة هرمز ، أرسل جيشا قويا بقيادة إمام قولي خان ، حاكم شيراز ، للاستيلاء على البصرة. ولما وجد الأمير نفسه أضعف من أن يقاوم هذه القوة الكبيرة ، اتفق مع عرب البادية على كسر السد الذي يحجز ماء البحر. فلمّا فعلوا ذلك طغى ماء البحر وأغرق ما مسافته خمسة عشر فرسخا إلى البصرة بل أربعة فراسخ مما وراءها. فاضطر الفرس الذين أحدق بهم الماء ، وكان بلغهم خبر وفاة الشاه عباس ، إلى رفع الحصار. ومنذ هذا الغرق ، أصبحت أراض وبساتين واسعة مغمورة بكليتها ، أو ذات إنتاج زراعي ضئيل ، للأملاح التي خلفها ماء البحر وراءه بعد انحساره عنها.
    __________________
    (1) هذه التسمية العربية عن الأستاذ يعقوب سركيس.
    (2) تحرف هذا الاسم في الرحلة الى Aiud.
    (3) انظر الملحق رقم (22).

    وصار للأمير علاقات بأمم أجنبية مختلفة ، فأنى توجهت لقيت ترحيبا. ويعم المدينة الطمأنينة والنظام. حتى ليمكنك أن تسري طول الليل في شوارعها دون أن يعترض سبيلك أحد. ويجلب الهولنديون إلى البصرة التوابل كل سنة ، ويحمل إليها الانكليز الفلفل وشيئا من القرنفل. أما البرتغال فلا تجارة لهم معها ويجلب إليها الهنود نسيج قالقوط والنيل وشتى أنواع السلع. وبوجيز الكلام ، أن في البصرة تجارا من مختلف البلدان : من القسطنطينية وأزمير وحلب ودمشق والقاهرة وغيرها من الأصقاع التركية ، يقصدونها لشراء مثل هاتيك البضائع التي ترد إليها من جزر الهند ، فتحمل على الإبل المشتراة من هناك ، وهي التي يبيعها عرب البادية في المدينة. إن التجار الوافدين من ديار بكر والموصل وبغداد وما بين النهرين ، يشحنون بضاعتهم بطريق الماء في دجلة ، إلا أن وراء ذلك تعبا منهكا ونفقات طائلة ، لأن السفن التي يسيرها الرجال لا تتمكن من قطع أكثر من فرسخين ونصف فرسخ في اليوم ، وليس بوسعها السير ضد الرياح ، مما يضطرهم في الغالب إلى اجتياز الطريق بين البصرة وبغداد بأكثر من ستين يوما ، بل هناك من العقبات ما يطيل في أمد سفرهم فوق الماء إلى ثلاثة أشهر.
    ويستوفي الجمرك في البصرة خمسة بالمائة ولكن موظفي الجمرك أو الأمير نفسه ، يتكرمون على أصحاب البضائع عادة ، فلا يتقاضون منهم أكثر من أربعة بالمائة. ومدخول أمير البصرة شيء كثير قد يبلغ ثلاثة ملايين ليرة (1) في السنة. ويتكون دخله من أربعة موارد : النقود ، والخيل ، والإبل ، والنخيل. والمورد الأخير رأس ثروته لأن البقاع الممتدة من ملتقى النهرين حتى البحر ، وهي مسافة ثلاثين فرسخا ، مغطاة كلها بالنخيل. ولا يجسر أحد على لمس ثمرة واحدة منها ما لم يدفع عن كل نخلة ثلاثة أرباع الطويلة (Larin) أو تسعة سوات فرنسية. أما الربح الذي يحصله الأمير من النقود ، فيرده بالوجه التالي : على التجار الذين يأتون من الخارج أن يحملوا ريالاتهم
    __________________
    (1) كانت الليرة في زمن تافرنييه ، كما وردت أسعارها في رحلته ، تساوي نحوا من 75 فلسا.

    إلى دار الضرب العائدة للأمير (1) حيث تضرب وتحول إلى طويلات ، ومدخوله من ذلك 8 بالمائة. أما عن خيله فليس في العالم ما يفوقها قابلية للسفر أو يبزها في جمال قوامها. وقد يقطع بعضها ثلاثين ساعة دون ما توقف ، خاصة الأفراس منها. ولنعد الآن إلى النخيل فهي جديرة بالملاحظة. فهناك أصول فنية في إنماء هذا النخيل تختلف عن غيره من الأشجار. ذلك أن أهل تلك الديار يحفرون حفرة في الأرض ، يضعون فيها مقدارا كبيرا من التمر ، بشكل هرمي وينتهي رأس الهرم بنواة واحدة. ثم يوارى بالتراب فينتج منه النخيل (2). ويقول معظم السكان ، إن من النخيل ما هو فحل وما هو أنثى. وعليه يجب غرسهما الواحدة بجانب الأخرى ، وإلا فإن أنثى النخل لا تحمل ثمرا. ولكن غيرهم يؤكد أن هذه الطريقة ليست ضرورية وأنه يكفي عندما يطلع الفحل أن تأخذ طلعه فتضعه في قلب (جمار) الأنثى ، على بعد يسير من أعلى ساق النخلة ، وإلا فإن الثمر يسقط قبل نضجه.
    وفي البصرة قاض ، عينه الأمير الذي يحكم هناك. وفي المدينة أيضا ثلاث فرق من النصارى : اليعاقبة والنساطرة (3) ونصارى القديس يوحنا (4). وفيها أيضا دار لمبعث الكرمليين الإيطاليين ، وأخرى للرهبان الأغسطينيين (Austin) البرتغاليين. ولكنهم غادروا البلدة منذ انقطاع البرتغاليين عن المتاجرة معها.
    ونصارى القديس يوحنا كثيرون جدا في البصرة والقرى المجاورة لها ،
    __________________
    (1) عرفت البصرة ، في العصور الإسلامية ، بكونها دارا للضرب. وفي الخبر المذكور أعلاه إشارة إلى أنها ما زالت على ذلك حتى المائة السابعة عشرة للميلاد.
    (2) الطريقة الشائعة في غرس النخيل في العراق اليوم ، هي أن تقلع الفروخ التي حول أمها وتغرس في الأماكن المطلوبة. وتسمى فروخ النخل الثال ، ومفردها الثالة.
    (3) انظر الملحق رقم (23).
    (4) يريد بهم «الصابئة». ولكن هؤلاء لم يكونوا في وقت من أوقاتهم فرقة نصرانية ، فهذا وهم من المؤلف.

    وقد كانوا في القديم يقطنون قرب نهر الاردن ، حيث اعتمد مار يوحنا الذي نسبوا إليه. إلا أنه منذ زمن فتح محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لفلسطين (1) تعهد لهم بمنع التعرض لهم. ولكن خلفاءه عملوا على إبادتهم. وللوصول إلى هذه الغاية خربوا كنائسهم وأحرقوا كتبهم واستعملوا كل وسائل القسوة ضدهم (2) ، فاضطرهم ذلك إلى الانتكاص إلى بلاد ما بين النهرين وكلدية ، وبقوا مدة خاضعين لبطريرك بابل ، ثم انفصلوا عنه منذ مائة وستين سنة (3). ثم انتقلوا إلى فارس وبلاد العرب والمدن التي في أنحاء البصرة مثل : شوشتر (4) (Souter) ، ودسبول (Despoul) ، ورامز (5) (Rumez) ، والباطنة (Bitoum) ، والمناوي (Mono) ، وهندجان (Endecan) ، وخلف آباد (6) (Calafabat) ، والحويزة
    __________________
    (1) كذا ما في الأصل. وكلها كذب وافتراضات ولو كان ذلك صدقا لما بقي شرذمة منهم على وجه البسيطة ولكن كل ذلك لحاجة في نفس يعقوب. والصواب أن فلسطين فتحت في أيام الخليفة أبي بكر الصديق ، لا في أيام النبي. طالع هذا الموضوع في كتاب فتوح البلدان للبلاذري (ص 138 ـ 144 طبعة دي غويه).
    (2) لم نطلع على حادثة اضطهاد من هذا القبيل في تاريخ الصابئة ، وقد حصلت هجرتهم من فلسطين قبل الإسلام بزمن طويل. وكان سبب الهجرة على ما جاء في رسالة حران (حاران كاويثة) العداء الشديد بينهم وبين اليهود القاطنين في فلسطين ، مما جر إلى معارك طويلة بينهم وكان الصابئة أقلية فغلبوا على أمرهم وهجروا فلسطين إلى العراق وإيران وعاشوا بعد ذلك بوئام تام مع الإسلام. (عن الأستاذ عبد الجبار عبد الله).
    (3) لم نعثر على نص تاريخي يؤيد زعم المؤلف. ولم يكونوا في وقت من الاوقات من اتباع بطريرك بابل.
    (4) بعض الأمكنة التي ذكرها تافرنييه جاءت بوجه مصحف ، لم نستطع معه تحقيق اسمه العربي ، فأبقينا اسمه بالفرنجية كما ورد في الرحلة ذاتها.
    (5) قال ياقوت في معجم البلدان (2 : 738) في كلامه على مدينة «رامهرمز» : «ان اسمها مختصر من رامهرمز أردشير ... والعامة يسمونها رامز كسلا منهم عن تتمة اللفظة بكمالها واختصارا». وقد سماها ابن بطوطة (تحفة النظار 2 : 22 طبعة باريس) بلفظة «رامز» أيضا.
    (6) هذه التسمية العربية عن الدكتور مصطفى جواد.

    (Aveza) ، والدجة (1) (Dega) ، والدورق (2) (Dorech) ، والمعقل (Masquel) ، وكمار (Gumar) ، والكاريان (3) (Garianous) ، والبصرة (Balsara) ، والنازور (Onezer) والزكية (Zech) ، ولوزا (Loza). وهم لا يسكنون مدينة أو قرية لا يجري فيها نهر. وقد أكد لي غير واحد من رؤساء دينهم أن هؤلاء النصارى يبلغون في كل المواطن المذكورة أعلاه ، نحو خمسة وعشرين ألف عائلة (4) بينهم تجار ، ولكن معظمهم من أصحاب الحرف خاصة الصياغة (5) والنجارة والحدادة. وعقيدتهم مشحونة بالخرافات والأوهام ، ويسميهم الفرس والعرب الصابئة ، أي الشعب الذي ترك دينه واعتنق دينا آخر (6) أما هم فيسمون أنفسهم في لغتهم الخاصة «مندائية يحيى» أي اتباع يوحنا ، الذي منه ، كما يؤكدون ، استمدوا عقيدتهم وعنه تلقوا كتبهم وتقاليدهم (7). ويحتفلون في كل سنة بعيد يدوم خمسة أيام ، يذهبون في أثنائها جماعات إلى رؤسائهم ليعمدوهم على غرار عماد مار يوحنا.
    __________________
    (1) بتشديد الجيم المثلثة والتسمية عن الأستاذ يعقوب سركيس. وقد أفادنا ان اسم «الدجة» أو «الدكة» ورد في مخطوط في خزانته ، بعنوان «تحفة الأزهار زلال الأنهار» للسيد صامن ابن السيد شدقم (المجلد 3 ص 14 وذلك في حوادث سنة 999 ه‍ (1590 م).
    (2) عن الاستاذ يعقوب سركيس.
    (3) عن الدكتور مصطفى جواد.
    (4) راجع الملحق رقم (24).
    (5) ما زال الصابئة في العراق إلى يومنا هذا ، موضع اعجاب الناس عامة بإتقانهم صياغة الفضة وتفننهم في نقشها وتلبيسها بالميناء التي لا يضاهيهم فيها أحد.
    (6) في كتب اللغة : صبأ ، وصبؤ : إذا خرج من دين إلى دين آخر. فهو صابىء.
    (7) الصابئة كما يعتقدون ، يتبعون تعاليم آدم. ولديهم كتاب «الكنزا» ، أي صحف آدم. غير ان تقادم العهد على الرسول الأول للدين ، ونشوء بعض المذاهب الزائفة والأديان الوثنية ، كل هذه أدخلت تعاليم غريبة في الدين. فجاء يحيى ليخلص الدين من هذه المذاهب الدخيلة ، ولم يكن رسولا بل نبيّا خاصّا بهم. (عن الأستاذ عبد الجبار عبد الله).

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676   رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676 Emptyالجمعة أكتوبر 18, 2024 5:27 pm

    وهم لا يتعمّدون إلا في الأنهار ، في أيام الآحاد فقط. وقبل الذهاب إلى النهر يحملون الطفل المراد تعميده إلى معبدهم (1) فيتلو فيه الكاهن ، صلاة معلومة على رأس الطفل ، ومن ثمة يحملون الطفل إلى النهر ويرافقه رهط من الرجال والنساء. فينزل الجميع ومعهم الكاهن حتى الركب في الماء. ثم يقرأ الكاهن صلاة ثانية معلومة من كتاب يحمله بيده. وعند ذاك يرش الطفل بالماء ثلاث مرات قائلا بلغتهم ما معناه بالعربية «بسم الرب ، أول وآخر العالم والجنة ، الخالق العالي لكل الأشياء». ثم يقرأ الكاهن صلاة أخرى في كتابه ، بينما الاشبين (العراب) يغطس الطفل كله بالماء. ويعود الجمع بعدئذ إلى بيت أهل الطفل للاحتفال به.
    أما أساقفتهم وكهنتهم ، فإذا مات أحدهم وخلف ابنا ، انتخبوا الابن مكان أبيه (2). وإن لم يكن له ابن اختاروا الذي يليه في القرابة ممن هو أقدر وأعرف بأمور دينهم. ويصلي المنتخبون عدة صلوات على رأس المنتخب ، فإن كان المنتخب أسقفا ، يطوف بعد توليه منصبه لتعيين آخرين ، وعليه أن يصوم ستة أيام يتلو في أثنائها صلوات معلومة مكررة على رأس الكاهن المرسوم الذي يصوم أيضا ويصلي طوال المدة المذكورة. ولما كان الابن
    __________________
    (1) ليس من الضروري حمل الطفل إلى المعبد قبل التعميد ولكن «الكاهن» يقرأ بعض الصلوات خارج النهر قبل مجيء الطفل ، ثم يدخل النهر منفردا ويقف في الماء ويقرأ بعض الصلوات ثم يأتي الشخص المراد تعميده ويتم تعميده. ولا حاجة لأي مرافق : فالشخص الذي يتعمد يذهب منفردا ، إلا إذا كان طفلا فيحمله شخص واحد. (عن الأستاذ عبد الجبار عبد الله).
    (2) الكاهن لا ينتخب انتخابا. وليست المسألة مسألة وراثة كما يتصور المؤلف. بل إن الكاهن يدرس دراسة خاصة ويمتحن ثم يصبح كاهنا بعد أن يقوم برياضة روحية خاصة. وأهم ما يجب أن يستعمله ليكون كاهنا صغيرا (ترميذ) هو أن يحفظ «سيدرة نشماثا» و «انياني» أو قسما كبيرا منهما وأما الكاهن الكبير «الكنزبرا» فيجب أن يكون مطلعا على كثير من التفاسير والشروح الدينية ، ويجب أن يكون قد أتم ، أو حفظ كتاب الكنزا وهو كتابهم الرئيسي. (عن الأستاذ عبد الجبار عبد الله).

    يخلف أباه وجب علي القول إن نصارى تلك الأنحاء ، يتزوج أساقفتهم وكهنتهم كسائر الناس ، غير أنه إذا توفيت زوجتهم الأولى ، لا يباح لهم التزوج بأخرى ما لم تكن عذراء. هذا إلى أن من ينخرط في سلك الكهنوت ، يجب أن يكون من سلالة الأساقفة ، وأمه يجب أن تكون عذراء حين زواجها. ويطيل أساقفتهم لحاهم ، ويعلقون على صدورهم صليبا مثبتا بدبوس (1).
    وفي الاحتفال بزواج ما ، يذهب الأقارب والمدعوون مع العريس إلى بيت العروس ، ويحضر الأسقف أيضا ، فيسأل العروس التي تكون جالسة تحت مظلة عما إذا كانت عذراء؟ فإن كان الجواب بأنها كذلك ، يطلب منها أن تؤيد ذلك باليمين ، ثم يعود إلى الضيوف ، فيبعث بزوجته مع نساء أخريات ماهرات لفحصها فإن وجدنها عذراء حقا ، تعود زوجة الأسقف فتؤدي اليمين بصحة الأمر. وحينئذ يذهب الجميع إلى النهر ، ويعيد الأسقف تعميد الاثنين المزمع عقد زواجهما. ثم يعودون إلى البيت ، ويقفون في الطريق قبيل وصولهم إليه ، فيأخذ العريس بيد عروسه ويقودها سبع مرات من مكان الحشد إلى البيت وبالعكس ، والأسقف يتبعهم في كل مرة ، ويتلو صلاة معينة. ثم يدخلون الدار ويجلس العروس والعريس معا تحت مظلة ، واضعا كل منهما ذراعيه قبالة الآخر. ويعود الكاهن إلى الصلاة طالبا منهما أن يحنيا رأسيهما معا ثلاث مرات ، ثم يفتح كتابا في عرافة المستقبل ، ليستطلع أوفق يوم لعقد زواجهما فيخبرهما به (2). اما إذا لم تجد زوجة الأسقف العروس عذراء ، فإن الأسقف لا يواصل مراسم الزواج. فإذا كان الشاب لا يزال راضيا بالفتاة ، عليه أن يذهب إلى كاهن أوطأ درجة ، ليقوم بالاحتفال. ولهذا ، يرى الناس أن من العار الكبير عقد الزواج من غير حضور الأسقف. فإذا تمّ الزواج على يد الكاهن ، كان ذلك دليلا على أن العروس ليست عذراء.
    وبما أن الكهنة يعتبرون زواج المرأة وهي غير عذراء خطيئة كبيرة أيضا ،
    __________________
    (1) لا صحة لهذا القول بتاتا. فالأساقفة لا يعلقون شيئا على صدورهم عن (الأستاذ عبد الجبار عبد الله).
    (2) راجع الملحق رقم (25).

    فإنهم لا يتزوجون من مثل هذه إلا اضطرارا واجتنابا لما لا تحمد عقباه ، إذ يؤدي ذلك أحيانا إلى اعتناقهم الدين الإسلامي. وسبب فحص العروس هو لكيلا يخدع الأزواج ، وكذلك لإبقاء الفتيات متهيبات حذرات.
    أما عقائدهم في خلق العالم (1) ، فيقولون إن الملاك جبرائيل أخذ على عاتقه خلق العالم على ما أمره الله به. فأخذ معه ثلاثمائة وستة وثلاثين ألف شيطان ، وجعل الأرض خصبة للغاية ، بحيث إذا زرعت في الصباح حصدت في المساء ، وإن هذا الملاك علم آدم الغرس والزرع وكل العلوم الأخرى اللازمة. وهذا الملاك صنع الكرات السبع السفلى ، أصغرها يصل إلى مركز الكون بالوجه الذي عليه السماوات. وكلها مرسومة الواحدة في داخل الأخرى ، وهذه الكرات تختلف في معدنها : فالأولى التي تلي المركز من الحديد ، والثانية من الرصاص ، والثالثة من الشبه ، والرابعة من النحاس ، والخامسة من الفضة ، والسادسة من الذهب ، والسابعة من التراب. وهذه الأخيرة تحتوي على جميع ما في غيرها من مواد ، وهي رأس الكل كما أنها أكثرها خصبا وثمرا للإنسان وأوفقها لحفظ الجنس البشري. أما الكرات الأخرى فالظاهر أنها صنعت لتحطيم البشرية. ويعتقدون أن فوق كل سماء ماء. ويستنتجون من ذلك أن الشمس تسبح في سفينة فوق الماء ، وأن صاري تلك السفينة صليب ، وأن عددا كبيرا من الغلمان والخدم يقودون سفينتي الشمس والقمر. وعدا ذلك ، فعندهم صورة قارب يقولون إنه للملاك باكان (Bacan) الذي يرسله الله لزيارة الشمس والقمر ولرؤية ما إذا كانا يتحركان حركة صحيحة أم لا.
    أما بخصوص العالم الآخر والحياة الآتية (2) ، فيعتقدون أن ليس من عالم
    __________________
    (1) يعتقدون أن الله أراد أن يخلق العالم ، فجعله في ماء أولا. ثم أمر جبرائيل فهبط إليه وجمده وجعله تربة كما هي وقصة خلق العالم عندهم طويلة ، وتجدها مفصلة في كتاب «الكنزا» مما لا يتسع له المقام هنا. (عن الأستاذ عبد الجبار عبد الله).
    (2) بخصوص العالم الآخر يعتقدون أن هناك الجنة ويسمونها «المه دنهودة» وترجمتها «عالم النور» ، كما هناك نار ويطلق عليها اسم «اور» ويتصورونها مخلوقا كبيرا يبتلع الاشرار.

    سوى ذلك يعيش فيه الملائكة والشياطين ، فتستقر معهم النفوس الصالحة والطالحة. وفي ذلك العالم مدن وبيوت وكنائس. وللنفوس الشريرة أيضا كنائس تصلي فيها وترتل وتحتفل بآلات الطرب ، وهي تعيّد كما في هذا العالم. وحينما يدنو الإنسان من ساعة الموت ، يأتي ثلاثمائة وستون شيطانا ويحملون روحه إلى محل مليء بالثعابين والكلاب والأسود والنمور والأبالسة. فإن كانت الروح لإنسان شرير ، مزقته تلك المخلوقات إربا إربا ، وإن كانت لانسان صالح ، فإن الروح تزحف تحت بطون هذه المخلوقات إلى حضرة الله الجالس على كرسي جلاله لإدانة العالم. وهناك أيضا ملائكة تزن أرواح البشر في ميزان ، فإن ظهر المرء صالحا تمتع بالمجد حالا. وهم يعتقدون أن الأبالسة رجال ونساء ، وأنهم يتوالدون ، وأن الملاك جبرائيل (1) هو ابن الله ، حبل به من النور ، وأن له بنتا تدعى سوريت (Souret) لها ابنان. وأن بإمرة جبرائيل سبع فرق من الشياطين ، هم بمثابة الجنود ورجال العدل ، يبعث بهم من مدينة إلى مدينة ومن بلدة إلى أخرى ليعاقبوا الأشرار.
    أما عن الأولياء ، فيعتقدون أن المسيح تلمذ اثني عشر حواريا ليعظوا الأمم. وأن العذراء مريم ليست ميتة ، إنما تحيا في مكان ما في العالم على الرغم من أنه ليس من يقول أين هي. ويليها مار يوحنا وهو أعظم أولياء الجنة. ويليه زكرياء وإليصابات ، ويروون عنهما كثيرا من الأعاجيب والأقاصيص
    __________________
    وبين الجنة والنار شيء ثالث هو ما يسمونه «المطراثي» أي المطهر. وفي هذا المحل تعذب الأرواح التي ارتكبت ذنوبا بسيطة ويكون عذابها لأمد محدود ثم تنتقل من مواضعها في عالم النور. ويعتقدون أن «اور» الذي يلتهم الأشرار يأتي من عالم الشياطين ، وأن عالم النور مملوء بالملائكة الصالحين. (عن الأستاذ عبد الجبار عبد الله).
    (1) يعتقدون أن الله لم يلد ولم يولد. وأن جبرائيل هو ابن أحد الملائكة الصالحين الذي يسمونه «مند اوهي» وليس ابن الله. ولم يكن لجبرائيل بنت ، بل له ابن اسمه «ايثاهيل». ولا يعتقدون بأنه يتأثر بالشياطين كما يذكر المؤلف ولكن هناك خرافات كثيرة بطلها جبرائيل ، وحوادثها تدور في الجنة وفي بلد الشياطين ، يمكنك الاطلاع عليها في كتاب «الكنزا». (عن الأستاذ عبد الجبار عبد الله).

    المزيفة. لأنهم يعتقدون أن هذين أولدا يوحنا بالمعانقة فقط. ولما بلغ يوحنا مبلغ الرجال زوّجاه فولد له أربعة بنين ، ولدوا فوق مياه الأردن. وهم يعتقدون أن يوحنا حينما ابتغى ابنا ، صلى إلى الله ، فسحب له واحدا من الماء. وهكذا لم يبق لمار يوحنا من علاقة مع زوجه إلا أن يعطيها الطفل لتربيه. وأن يوحنا مات ميتة طبيعية ، ولكنه أمر تلاميذه أن يصلبوه بعد وفاته تشبها منه بالمسيح ، وأخيرا يعتقدون بأنه مات في مدينة فوستر (1) (Fuster) ، وإنه دفن في جدث بلوري جلب بأعجوبة إلى هذه المدينة ، وأن قبره كان في بيت ما قرب نهر الأردن.
    وهم يكرمون الصليب (2) تكريما بليغا ، ويسمون أنفسهم به ويعنون كثيرا بإخفاء ذلك عن أعين الترك. وهم يقيمون حارسا على أبواب كنيستهم في أثناء احتفالاتهم خوف أن يدخلها الترك فيفرضوا عليهم غرامة مجحفة. وبعد أن يفرغوا من تكريم الصليب يجعلونه قطعتين ولا يجمعون بينهما إلا لأداء صلاة ثانية.
    إن تكريمهم الصليب بهذا الوجه ، مستمد من كتاب عندهم عنوانه «الديوان» ورد فيه أن في صباح كل يوم ، يأخذ الملائكة الصليب ويضعونه في وسط الشمس فيقتبس ضياءه منها على نحو ما يفعل القمر (3). وفي هذا الكتاب أيضا صورة سفينتين إحداهما تسمى «الشمس» والأخرى «القمر» وفي كل من هاتين السفينتين صليب مزدخر بالأجراس ، وإذا خلت السفينتان من صليب يضمحل النور من الشمس والقمر ، وتتعرض السفينتان للغرق.
    وأعظم أعيادهم ثلاثة : أحدها في الشتاء ، ومدته ثلاثة أيام ، وهو لذكرى
    __________________
    (1) لعل المؤلف يريد بها مدينة «شوشتر».
    (2) هم يكرمون ما يسمونه «دربشة اد يهبه» أي علم يحيى وهو في تركيبه يشبه الصليب وله كسوة من القز. (عن الأستاذ عبد الجبار عبد الله).
    (3) يعتقدون أن الشيء المضيء في الشمس أو القمر هو «دربشة اديهبه» مشابه لما يستعملونه. وعند المغرب يطوى من الشمس فتغيب ويفتح في القمر فيشرق. (عن الأستاذ عبد الجبار عبد الله).

    أبوينا الأولين وخلق العالم. والثاني يقع في شهر آب وهو ثلاثة أيام أيضا ، ويعرف بعيد مار يوحنا. والثالث في حزيران ومدته خمسة أيام ، يكرر فيه الجميع تعميدهم. وهم يعطلون في يوم الأحد فلا يعملون عملا في ذلك النهار. وليس لهم صوم (1) ولا توبة روحية ، ولا كتب منزلة ، ولهم مما سواها غير كتاب لا يعالج غير السحر (2) وهم يعتقدون أن كهنتهم في غاية التمهر من هذا الأمر ، وأن الأبالسة رهن إشارتهم. وعندهم أن النساء جميعا غير طاهرات ، وأنه لا حق لهن مطلقا بدخول المعبد.
    ولهم احتفال ديني يسمونه احتفال الدجاجة (3) ، تجري فيه حفلة كبيرة ،
    __________________
    (1) يصومون عن اللحم 36 يوما مقسمة بين أيام السنة. (عن الأستاذ عبد الجبار عبد الله).
    (2) عندهم كتاب الكنزا ، ويعتقدون أنه هو صحف آدم بنفسها ، ويختص بالفاتحة وبالوعظ وبصفات الخالق وكيفية إنشاء العالم. وعندهم كتاب «سيدرة نشماثه» ويعتقدون أنها انزلت على آدم أيضا ، وهي الصلوات التي يقرأها الكاهن في حفلة التعميد وعندهم كتاب «الانياني» وهو اناشيد تختص بالصلاة اليومية. وجميع هذه لا علاقة لها بالسحر. وهناك كتب كثيرة يسمونها «الدواوين» و «الشروح» وهي تفاسير لمسائل دينية مختلفة. والكتاب الوحيد الذي فيه شيء من التنجيم ، هو الذي يسمونه «اصفر ملواشة» أي «كتاب البروج» ولا يستعملونه للسحر بل لحساب طوالع الأشخاص واستنتاج أسمائهم الدينية. والسحر بمعناه المتداول محرم عندهم.
    (عن الأستاذ عبد الجبار عبد الله).
    (3) لا يسمى هذا «احتفال الدجاجة» كما ذكر المؤلف. ولا هو «احتفال» بالمعنى المعروف. بل إن اصول الذبح عندهم هي ان يلبس الذابح الرداء الديني المعروف ب «الرسته» وهو يتألف من قميص وسروال وعمامة وحزام وما يسمونه ب «النصيفة» وجميعها بيضاء اللون. ثم تغسل الذبيحة بالماء الجاري ، ويذبحها الذابح مستقبلا الشمال لا الشرق ، ولا يجوز مس الذبيحة بالأرض ولكن يجوز وضعها على القش المغسول بالماء. أما الشخص الذي يتولى الذبح فكل رجل سبق ان تعمّد ، وليس محروما من ممارسة الحقوق الدينية. ولهم أساليب وأنظمة كثيرة فيما يخص الحرمان (عن الأستاذ عبد الجبار عبد الله).

    لا يقيمها إلا كاهن مولود من امرأة عذارء حين زواجها. فعند ذبح الدجاجة يخلع الكاهن رداءه المعتاد ، ويضع عليه قطعة من الكتان ، ويتزر بثانية ، ويرمي بثالثة على كتفيه كالمنديل ، ثم يأخذ الدجاجة ويغطسها في الماء ليطهرها ، ثم يتجه صوب الشرق ويقطع رأسها ماسكا بجسمها في يده إلى أن يستنزف آخر قطرة من دمها. وفي أثناء انهراق دمها يرفع عينيه إلى السماء متولها. قائلا بلغته الكلمات التالية : «بسم الله. أرجو أن يكون هذا اللحم مفيدا لمن يأكله». وهم يتبعون ذلك عند ذبح الشاة ، فيغسلونها بالماء وينثرون عليها الأغصان. ويشترك أكثر من واحد من الناس في هذه الحفلة ، حتى لكأن الذبيحة قربان مقدس. وإن سألتهم لم لا يجوز شرعا للرجل العادي ذبح الطيور؟ أجابوك أنه لا حق له بالصلاة عليها ، فكيف بذبحها؟ وهذا كل ما يمكن أن يذكروه لك من أسباب.
    أما عن الخلاص فيقولون إن الملاك جبرائيل بعد أن سوى العالم بأمر الله ، خاطب الله : «يا إلهي! انظر ، لقد بنيت العالم كما أمرتني ، فأوقعني ذلك في مشقة كبيرة ، وكذلك جهد إخواني في رفع هذه الجبال الشامخة التي تبدو كأنها تسند السماء. ومن بإمكانه أن يشق طريقا للأنهار بين الجبال بلا أتعاب جمة ، ويضع كل شيء في المكان اللائق به : يا إلهي العظيم! بمعونة ذراعك القوية أقمنا دعائم العالم على نحو ما ترى ، فلا يفكر البشر في شيء ما إلا وجدوه فيه. ولكن عوضا عن الرضا والقبول اللذين نستحقهما بعد إنجاز هذا العمل العظيم ، لم أجد إلا ما يحزن ويؤلم!». ولما طلب الله منه علة ذلك ، أجاب الملاك جبرائيل : «يا إلهي وأبي! سأقول لك ما يؤلمني. إنني بعد أن صنعت العالم ، تنبأت أن سيلجه عدد هائل من اليهود والترك (يقصد به غير المسلمين «البرابرة») أو من عبدة الأصنام وغيرهم من الكافرين أعداء اسمك الذين لا يستحقون أن يأكلوا أو يتمتعوا بثمار جهدنا». فأجابه الله على هذا : «لا يخامرنك الحزن يا بني! سيسكن في هذا العالم الذي بنيت نصارى القديس يوحنا الذين سيكونون أصدقائي ، وسيخلصون جميعا». عندئذ عجب الملاك من كيفية تحقق ذلك فقال : «ماذا؟ ألا يقوم بين نصارى يوحنا خطاة كثيرون؟ وبالتالي ألا يصبحون أعداءك؟ «فختم الله كلامه معه بقوله : «في يوم الدين ،

    على الصالح أن يصلي لأجل الطالح ، وهكذا يغفر لهم جميعا وينالون الخلاص (1)».
    وينفر هؤلاء الصابئة من اللون الأزرق النيلي ، بل لا يلامسونه قط ، وسبب ذلك أن بعض اليهود حلموا بأن شريعتهم سيبطلها مار يوحنا فأخبروا مواطنيهم بالأمر. فلما فهم هؤلاء ذلك ورأوا أن مار يوحنا قد استعد لتعميد المسيح ، بحثوا في حالة غضبهم عن كمية كبيرة من النيل ورموها في نهر الأردن. فتلوثت مياه النهر وبقيت غير طاهرة مدة ، وكاد يتعرقل تعميد المسيح ، لو لا أن الله أرسل ملائكته ومعهم إناء للماء كبير أمرهم بملئه من نهر الأردن قبل أن يلوثه اليهود بالنيل. وكان من ثم أن الله لعن هذا اللون خاصة.
    __________________
    (1) لم أطلع على هذه القصة. وأرجو أن تؤخذ بتحفظ (عبد الجبار عبد الله).


    الفصل الرابع
    (من الكتاب الثالث من الرحلة)
    الطريق الآخر من حلب الى توريز [تبريز]
    وهو المار بالجزيرة وغيرها من البلدان
    من حلب إلى البيرة ، حيث عليك عبور الفرات : أربعة أيام
    ومن البيرة إلى أورفا : يومان
    ومن أورفا إلى ديار بكر : ستة أيام
    ومن ديار بكر إلى الجزيرة : أربعة أيام
    الجزيرة (1) بلدة صغيرة من بلدان ما بين النهرين ، تقوم على جزيرة في نهر دجلة ، يعبر إليها فوق جسر من القوارب ، ويقصدها التجار لشراء العفص والتبغ. ويسوس المدينة رجل بلقب «بك».
    وبعد عبور دجلة ، ترى الأرض بين هذا النهر وتبريز سهولا ومرتفعات ، وتكسو المرتفعات أشجار البلوط التي تحمل العفص وقليلا من البلوط. أما السهول فمزروعة بالتبغ الذي ينقل إلى تركيا ، وله تجارة رائجة متسعة. وقد يتبادر إلى الذهن أن هذه البقعة فقيرة ، إذ لا تقع العين إلا على العفص والتبغ ، لكن الواقع ان ليس في العالم أرض أخرى يتداول فيها بالذهب والفضة بأكثر مما هنا ، إذ إن أهلها يعنون حين تسلمهم النقود ، بأن تكون كاملة الوزن ، جيدة
    __________________
    (1) يريد بها «جزيرة ابن عمر» التي وصفها ياقوت الحموي (معجم البلدان 2 : 79) بقوله إنها «بلدة فوق الموصل ، بينهما ثلاثة أيام ، ولها رستاق مخصب واسع الخيرات. وأحسب أن أول من عمرها الحسن بن عمر بن خطاب التغلبي .... وهذه الجزيرة يحيط بها دجلة الا من ناحية واحدة شبه الهلال ، ثم عمل هناك خندق أجري فيه الماء ونصبت عليه رحى ، فأحاط بها الماء من جميع جوانبها بهذا الخندق ...»

    المعدن. إن العفص من المواد المستعملة عادة في الصباغة ، وليس في أية بقعة ما يدانيه جودة ، فهو يدر أرباحا واسعة على هذه البلاد التي لا قرى فيها. وترى بيوتها متناثرة ، يبعد الواحد عن الآخر مسافة رمية بندقية ، ولكل من السكان رقعته من بساتين الكروم. وهم يجففون العنب إذ لا يعصرون منه خمرا.
    ومن الجزيرة إلى العمادية : يومان
    والعمادية (1) ، بلدة طيبة ، وإليها يجلب أهل معظم بلاد آشور تبغهم وعفصهم. وهي تقع على جبل عال لا يمكن تسنم قمته بأقل من ساعة (2). وفي منتصف الطريق تتفجر من بين الصخور ثلاثة أو أربعة ينابيع يرتادها الأهلون بمواشهيم ، ويملأون قربهم منها كل صباح ، إذ لا ماء في المدينة. والعمادية بلدة ليست بالكبيرة ولا بالصغيرة (3) ، تتوسطها قيسارية كبيرة فيها دكاكين تضم كل أصناف التجار (4) والبلدة بإمرة «بك» ، بوسعه أن يجمع ثمانية أو عشرة آلاف فارس ، وقوة من المشاة تفوق ما عند أي بك آخر ، وذلك لازدحام منطقته بالسكان.
    ومن العمادية إلى جولمرك (Giousmark) : أربعة أيام
    ومن جولمرك إلى ألبك (Alback) : ثلاثة أيام
    ومن ألبك إلى سلماس (Salmastre) : ثلاثة أيام
    وسلماس بلدة لطيفة على حدود الآشوريين والماذيين ، وهي أول بلدة في أراضي ملك فارس. ولا تحط فيها القوافل لأنها تشذّ عن الطريق بأكثر من
    __________________
    (1) انظر الملحق رقم (26).
    (2) تعلو العمادية عن سطح البحر 1276 مترا.
    (3) تبلغ مساحة العمادية نحوا من عشرة آلاف متر مربع.
    (4) أما اليوم ، ففيها سوق صغيرة ، تحتوي على ثلاثين دكانا. وللوقوف على أحوال العمادية في وقتنا هذا ، راجع «دليل المصايف العراقية» ليونان هبو اليونان (الموصل 1934).

    فرسخ. ولما تحط فيها القوافل رحالها ، يذهب اثنان أو ثلاثة من كبار التجار مع الكروان باشي بحسب العرف ، لزيارة الخان (Kan). ويسر الخان كثيرا أن تسلك القافلة هذا الطريق. ويخلع على الكروان باشي وعلى من برفقته خلعة تشريف ، تتألف من كالات (Calaat) وعمرة (Bonnet) ومنطقة (Girdle) وهذا غاية التشريف الذي يتفضل به الملك أو حكامه على الأجانب.
    ومن سلماس إلى تبريز : أربعة أيام
    فالرحلة من حلب إلى تبريز تستغرق في هذا الطريق اثنين وثلاثين يوما ومع أن هذا هو أقصر السبل وأوفقها لقلة ما يدفع في أثنائه من الرسوم ، فإن التجار لا يجرؤون كثيرا على سلوكه خشية أن ينالهم سوء من معاملة البكات لهم.
    وطهران (Teren) التي يسمي الفرس عاصمتها شهريار (Cherijar) ولاية بين مازندران ومنطقة الفرس القديمة المعروفة اليوم باسم هراة (Hierac) (1) ، وهي في جنوب شرقي أصفهان. هواؤها طيب يختلف عن هواء جيلان. ويقصدها الملك طلبا لنقاوة الهواء والتماسا للصيد ، هذا إلى أن أشهى الثمار متوافرة في كثير من أنحائها. وعاصمتها التي يسميها بعضهم باسم الولاية متوسطة السعة ، ليس فيها ما يستحق الملاحظة. إلا أن على نحو فرسخ منها خرائب مدينة كبيرة كان محيطها فرسخين ، وأقسام من السور قائمة ، ورأينا جملة حروف منقوشة في الأحجار التي كانت مثبتة في السور ، ولكن لا الترك ولا الفرس ولا العرب يتمكنون من قراءتها (2). وهذه المدينة مستديرة ، تقع على تل عال في قمته خرائب حصن يزعم الأهلون هناك أنه كان مسكنا لملوك فارس.
    __________________
    (1) لم يتحقق عندنا ما يريد المؤلف بهذه المواطن الثلاثة : Hierac ,Cherijar ,Teren وأننا في شك من صحة أسمائها العربية.
    (2) لعل هذه الكتابة كانت بالحروف المسمارية ، التي لم يتوصل العلماء إلى حل رموزها إلا في القرن التاسع عشر.


    الفصل الخامس
    (من الكتاب الثالث من الرحلة)
    الطريق من حلب الى اصفهان ، مارا بالبادية الصغيرة وكنكور
    سأصف هذا الطريق كما لو كنت آيبا من أصفهان إلى حلب. فهو يمر بكنكور وبغداد وعانة ، ثم يدخل البادية التي أسميها البادية الصغيرة ، لأنه لا يمكن قطعها بوقت أقصر كثيرا مما تتطلبه البادية الكبيرة الممتدة جنوبا إلى بلاد العرب السعيدة ، وبإمكانك أن تجد الماء غالبا في البادية الصغيرة ، لأن الطريق الذي يسلك لا يبعد كثيرا عن نهر الفرات. ومن يحسن ركوب الخيل ، قد يقطع الطريق من أصفهان إلى حلب في ثلاثة وثلاثين يوما كما فعلت أنا ، بل قد يقطعها في أقل من ذلك ، إن كان الأعرابي الذي يرافقه من بغداد دليلا ماهرا عارفا أقصر سبل البوادي والقفار.
    وتستغرق قافلة الخيل في سفرها من اصفهان إلى كنكور أربعة عشر أو خسمة عشر يوما. أما إن كانت مؤلفة من رفقة قوامها عشرة أو اثنا عشر فارسا ، فقد تقطعها في خمسة أو ستة أيام. والأراضي التي تسير فيها غاية في الخصوبة ، وفيرة القمح والرز والفواكه الفاخرة ، وفيها الشراب الجيد ، خاصة في جهات كنكور ، المدينة الكبيرة الكثيرة السكان.
    تمادى بنا السير من كنكور إلى بغداد عشرة أيام ، والبقعة ليست في شيء من الخصب ، بل إنها كثيرة الأحجار والصخور في بعض الأقسام ، وفيها السهول والتلال الصغيرة. ولم أر جبلا ما في هذا الطريق.
    وإن كان المسافر مستعجلا ، فأولى له أن يسلك الطريق التالي ذكره :
    من اصفهان إلى خوانسار
    ومن خوانسار إلى قم (Comba)

    ومن قم (Comba) إلى اورانكية (Oranguie)
    ومن اورانكية (Oranguie) إلى نهاوند
    ومن نهاوند إلى كنكور
    ومن كنكور إلى سنا (Sahna)
    ومن سنا إلى بوليشا (Polisha) أو القنطرة الملكية ، وهي قنطرة كبيرة من الحجارة.
    ومن بوليشا (Polisha) إلى ماهي دشت (Mai Dacht)
    ومن ماهي دشت إلى هرون آباد (Eroun Abad)
    ومن هرون آباد إلى خانقين (Conaguy)
    ومن خانقين (Conaguy) [خانقين الإيرانية] إلى قصر شيرين (Casli Scirin).
    ومن قصر شيرين إلى خانقين (lengui Conaguy) [خانقين العراقية].
    ومن خانقين إلى قزلرباط (Casered)
    ومن قزلرباط إلى شهربان Charaban)
    ومن شهربان إلى بوهرز (Bourous)
    ومن بوهرز إلى بغداد.
    ومدينة كنكور ، قد يستعاض عنها أثناء السفر بمدينة همذان ، وهي من أمهات المدن الفارسية على الطريق. ومنها إلى توجرا (Touchere) ولكن الطريق أطول. وإذا سلكت الطريق التي بينتها ، فإنك تترك همذان إلى الشمال على يدك اليمنى.
    وبين سنا وبوليشا (Polisha) ترى شمالا الجبل العالي الوحيد في كل الطريق ، وهو جبل أشمّ قائم الانحدار كأنه السور. فإذا صعدت نظرك إلى أعاليه لا حظت صور رجال بملابس الكهنة ، عليهم الأوشحة ، وبأيديهم المجامر. على أنه ليس بين الأهلين من يخبرك بشيء عنها. بل ولا من يتصور

    معنى هذه المنحوتات. وفي حضيض الجبل نهر جار عليه قنطرة من الحجر.
    وعلى مسيرة يوم فيما وراء الجبل ، بلدة صغيرة ذات موقع جميل. إن الجداول التي تسقي هذه البلدة ، والفواكه الشهية التي تنمو في بساتينها ، والخمرة الفاخرة التي تصنع فيها ، كل ذلك يجعلها من أطيب البقاع. ويعتقد الفرس أن الإسكندر لما رجع من بابل مات فيها ، بالرغم من أن هناك من كتب أن الإسكندر مات في بابل (1). اما بقية الأراضي التي بين هذه المدينة وبغداد ، فمغطاة بالنخيل ، ويقيم الأهلون في خصاص صغيرة مصنوعة من سعف النخيل وجذوعه.
    ومن بغداد إلى عانة أربعة أيام على الظهر ، والمسافة بينهما أرض صحراوية ، على كونها بين نهرين.
    وعانة ، بلدة لا بالكبيرة ولا بالصغيرة ، يسوسها أمير عربي. وإلى ما يقرب من نصف فرسخ حوالي البلدة ، ترى الأرض مزروعة ، زاخرة بالبساتين والبيوت الريفية. والمدينة في موقعها تشبه باريس ، لأنها مبنية على جانبي نهر الفرات ، وفي وسط النهر جزيرة يقوم فيها مسجد بديع (2).
    ومن عانة إلى مشهد رحبة (3) (Mached ـ Raba) خمسة أيام ركوبا. ومن مشهد رحبة إلى الطيبة (4) (Taiba) خمسة أيام أخرى.
    ومشهد رحبة ، حصن على مقربة من الفرات ، يقوم فوق تل في أسفله عين ماء كأنها وعاء كبير ، ومثل هذه العيون مما يندر وجوده في البوادي.
    __________________
    (1) في المراجع التاريخية الموثوق بصحتها ، أن الإسكندر الكبير ، مات في بابل ، في 21 نيسان سنة 323 ق. م ، وكان له من العمر 32 سنة ، قضى منها في الحكم 12 سنة و 8 أشهر.
    (2) انظر الملحق رقم (27).
    (3) انظر الملحق رقم (28).
    (4) قال الرحالة فيليب الكرملي ، الذي زار الشرق في سنة 1629 م في رحلته المطبوعة سنة 1671 م إنه بعد مرحلتين من الطيبة (Theibas) وصل إلى الرحبة الواقعة على تل لا يبعد كثيرا عن الفرات وبعد مسيرة أخرى وجد جزائر صغيرة قرب بلدة عانة.

    والبقعة محاطة بأسوار عالية ، محصنة بأبراج ، وفي داخلها أكواخ صغيرة يأوي إليها السكان بمواشيهم التي يملكون منها شيئا كثيرا ، غير أن الخيل فيها تفوق الأبقار كثرة.
    وكذلك الحال في الطيبة ، فإنها موضع محصن مبني في أرض ممهدة ، تبدو كأنها دكة عالية من طين ولبن. وبالقرب من بابها ، عين تنبع يصير منها ما يشبه البركة. وترى أغلب سالكي هذا الطريق المار بالطيبة ، هم الذين يجتازون البادية من حلب أو دمشق إلى بغداد ، أو من دمشق إلى ديار بكر ، بسبب وجود هذه العين هناك.
    ومن الطيبة إلى حلب مسيرة ثلاثة أيام ، غير أن هذه الأيام الثلاثة هي أخطر مراحل الطريق ، لكثرة من ينتابها من قطاع الطرق. والواقع هو أن تلك البقعة لا يقطنها غير الرعاة أو البدو الذين لا دأب لهم سوى سلب الناس ونهبهم.
    والآن ، لنأخذ الطريق ذاته من حلب إلى أصفهان ، وهذا مسلكه :
    يوم
    من حلب إلى الطيبة 3
    ومن الطيبة إلى مشهد رحبة 5
    ومن مشهد رحبة إلى عانة 5
    ومن عانة إلى بغداد 4
    ومن بغداد إلى بوهرز 1
    ومن بوهرز إلى شهربان 1
    ومن شهربان إلى قزلرباط 1
    ومن قزلرباط إلى خانقين 1
    ومن خانقين إلى قصر شيرين 1
    ومن قصر شيرين إلى خانقين (هي غير خانقين التي في العراق) 1



    يوم
    ومن خانقين إلى هرون آباد 1
    ومن هرون آباد إلى ماهي دشت 1
    ومن ماهي دشت إلى سنا 1
    ومن سنا إلى كنكور 1
    ومن كنكور إلى نهاوند 1
    ومن نهاوند إلى اورانكية (Oranguie) 1
    ومن اورانكية (Oranguie) إلى قم Comba) 1
    ومن قم (Comba) إلى خوانسار 1
    ومن خوانسار إلى اصفهان 1
    فإذا أردت السفر من حلب إلى أصفهان ، أو من اصفهان إلى حلب ، كان من السهل عليك أن تقطعه ركوبا في ثلاثين يوما. وهذه الملاحظة توصلت إليها من أن رجلا قطع هذا الطريق ، من الإسكندرونة بيومين زيادة عما ذكرت ، فإن وجد المرء مركبا على أهبة الإقلاع إلى مرسيلية ، وكانت الرياح موافقه له ، فقد يتاح له السفر من أصفهان إلى باريس بشهرين.
    وذات مرة ذهبت من حلب إلى كنكور ، وكذلك إلى بغداد ، ومنها اجتزت البادية. وقد التقيت في بغداد برجل اسباني كان آخذا الطريق نفسه الذي علي أن أسلكه. فكان ذلك من حسن حظي ، لأنه سيتحمل نصف نفقات الدليل ، إذ حالما استخدمناه بأجرة ستين كراونا ، رحلنا من بغداد ، وكنا ثلاثة : الأسباني ، وأنا والأعرابي الذي كان ماشيا ، يسير على نحو رمية مسدس أمام خيلنا. وفي طريقنا من بغداد إلى عانة لم نمر بشيء ذي بال ، ولكننا رأينا فقط أسدا ولبوءة مجتمعين. وقد ظن دليلنا أننا كنا خائفين منهما ، فأخبرنا بأنه قد صادفهما غير مرة ولم يبد منهما أي أذى.
    أما صاحبنا الأسباني ، بالرغم من نزعة المرح المشهورة بها أمته ، فقد كان متزمتا ، وكان يكتفي في إدامه ببصلة أو ما إلى ذلك من طعام زهيد ، دون

    أن يراعي دليله. بينما كنت أنا بعكس ذلك ، فلا يمر يوم دون أن أنفح هذا الدليل بشيء ما. ولما كنا على رمية بندقية من عانة التقينا بشيخ طيب النفس ، أقبل إلي وأخذ بلجام حصاني وقال : «أيها الصديق ، هلمّ واغسل قدميك ، وكل خبزا في بيتي ، فإنك رجل غريب ، وبما أني لقيتك في الطريق فلا ترفضن هذا الطلب الذي أرجوه منك». إن دعوة هذا الشيخ لتشبه عادة الناس في الأزمنة القديمة ، التي قرأنا أمثلة عديدة عليها في الأسفار المقدسة. ولم يكن منا إلا تلبية طلبه. فلما صرنا إلى بيته ألفيناه قد أعد لنا وليمة فاخرة ، إذ ذبح لنا خروفا ودجاجا ، كما أنه قدم لخيلنا علفا. لقد كان هذا الشيخ من سكان عانة ، وهو يقيم عند النهر الذي كان علينا عبوره لنراجع الحاكم في أمر جوازاتنا (1) التي دفعنا عن كل منها قرشين. ومكثنا في دار على مقربة من باب المدينة واشترينا ما نحتاج إليه من طعام لنا ولخيلنا. وكانت لصاحبة الدار طفلة في التاسعة من عمرها ، استهوتني بمرحها ، فأهديت إليها منديلين من نسيج قالقوط المبرقش ، فأرتهما الطفلة أمها ، فأبت الأم حينذاك ، أن تأخذ منا ثمن الطعام الذي أعطتنا إياه ، بعد أن كنا قد اتفقنا عل ثمنه.
    وعلى نحو خمسمائة خطوة من باب مدينة عانة ، مررنا بشاب من أسرة كريمة ، يرافقه خادمان ، وكان راكبا حمارا مؤخرته مخضبة بالحناء. فدنا مني مسلّما ، ثم قال : أمن الممكن أن ألاقي غريبا وليس عندي ما أهديه إليه؟ لذلك حاول أن يأخذنا معه إلى بيته في الريف ، بيد أننا أصررنا على المضي في طريقنا ، فألح علي حينذاك أن أقبل غليونه دون أن يلتفت إلى اعتذاري عن قبوله منه بكوني لا أدخن. فما كان لي إلا أن أقبله! وعلى نحو ثلاثة فراسخ من عانة ، بينما كنا ذاهبين لنأكل بين أخربة بيوت ومفكرين بالمكوث هناك حتى منتصف الليل ، أبصرنا أعرابيين جاءا من لدن الأمير ، ليخبرانا بأن عنده رسائل يبغي تسليمها لنا لإيصالها إلى باشا حلب. فعدنا أدراجنا إلى عانة إذ لم يكن
    __________________
    (1) جوازات السفر (الباسبورت) أمر كان معروفا منذ القدم. راجع مقال : أجوزة السفر في العصور الإسلامية لميخائيل عواد (مجلة الرابطة [1944] العدد 7 ، ص 165.
    168).

    بوسعنا أن نرفض الطلب. ولما وصلنا إلى المدينة في اليوم الثاني ، رأينا الأمير ذاهبا إلى الجامع ممتطيا صهوة جواد مطهم ، يحف به رهط من الناس وجميعهم مشاة ، مع كل منهم خنجر كبير مثبت في حزامه. فلما رأيناه ترجلنا ووقفنا بحذاء الدور وسلمنا عليه حين مروره بنا. وما إن وقع نظره على دليلنا حتى هدده ببقر بطنه قائلا : أيها الكلب! ستنال مني جزاء ذلك ، وأعلمك درسا كيف تسفر الغرباء قبل أن أراهم. ثم قال خذهم إلى مقر الحاكم حتى أعود من الجامع. فلما عاد من الجامع وأخذ مكانه في ردهة فسيحة ، أرسل بطلبنا مع دليلنا الذي هدده مرة ثانية لخروجه بنا من المدينة دون علم منه. غير أن الحاكم استعطف الأمير واسترضاه ، ثم أمر فجيء لنا بقهوة ، وطلب فتح الخرجة التي نحملها على الخيول وراءنا لعل فيها ما يطيب له. لقد كان في خرجي قطعتان من نسيج قالقوط ملونتان تلوينا بديعا ، وغطاءان للفراش ، ومنديلان من نسيج قالقوط ، ومحبرتان فارسيتان مزوقتان بالميناء اليابانية ، وسكينتان بزخارف دمشقية ، إحداهما مطعمة بالذهب والأخرى بالفضة. فكل هذه الأشياء أحبها وحملني على إعطائها له. ولم يجد شيئا في خرج الأسباني غير ملابس عتيقة. ولكن بعد ذلك علمنا أن عند الأسباني بعض قطع الماس ، فعاقبه القنصل الفرنسي في حلب ، بأن يدفع لي نصف قيمة ما أعطيته للأمير في عانة.
    واكتفى الأمير بما أخذه مني. وأمر بأن نزود بالطعام لنا ولخيلنا ، إلا أننا ، نظرا لتزودنا بذلك من ذي قبل ، لم نأخذ غير ثلاث أو أربع حفنات من التمر الفاخر ، لنبدي له أننا لم نرفض عطفه.
    وعلى الدليل بين عانة ومشهد الرحبة ، أن يعنى بوجه خاص بتنظيم مراحل سفرنا ، وذلك بأن نأتي مثلا إلى الآبار عند انبثاق الفجر ، حذرا من الأعراب الذين يأتون إليها عند طلوع الشمس ، فيتأذى المسافرون.
    وقد رأيت في مشهد الرحبة ، أجمل فتاة وقع نظري عليها في حياتي ، كان ذلك حينما أعطيت أعرابيا قرشا ليشتري لي به خبزا. وبذهابي لرؤية ما إذا كان قد خبز ، وجدت الفتاة تضعه في التنور. ولأنها كانت وحيدة في الدار

    أو مأت إليّ بأن أتراجع. وقد رأيت هناك أيضا مهرا من صنف غريب دفع عليه باشا دمشق ثلاثة آلاف كراون.
    وبوصولنا إلى الطيبة ، لم ندخلها ، بل نزلنا خارجها تحت سور ، ولم يدخلها غير أعرابينا ليجلب التبن لجمالنا. وجاء اليه حاكم المدينة وطلب عشرين قرشا عن كل منا ، وهي ضريبة قال إنها يجب أن تدفع له. ولما كنا نعلم أن الرسم لا يتعدى أربعة قروش ، رفضنا دفع غيرها. ولكن الأعرابي الذي دبر حيلة على الأسباني ، غمزني بعينه ألا أضطرب. ثم عاد الحاكم إلى البلدة ورجع إلينا ثانية ومعه سلسلة حديد ، وأكد لنا أنه سيأخذ الأسباني إلى القلعة مكبلا ، ما لم يدفع العشرين قرشا. أما أنا ، فقد طلب إلي دفع أربعة قروش حسب المعتاد.
    وعند اقترابنا من حلب ، كان أول ما يجاور البادية ، الأعراب والبدو ، وثاني هذه البيوت كان دار صديق لدليلنا ، فسلمت حصاني إلى الدليل الذي ابتاعه مني بإلحاحه الشديد ثم إني كنت قد قررت أن أذهب ماشيا إلى حلب تخلصا من دفع الكمرك على رزمة فيروز كانت عندي ، وضعتها في أكياس كانت خلف حصاني ، ورميت الأكياس الصغيرة في حقيبة كأنها أشياء لا خطر عليها. وطلبت من صاحب البيت أن يحفظها يوما أو يومين. فقال لي الأعرابي إنها حتى إن كانت كلها ذهبا فلا خوف عليها. وفي الواقع ، لما بعثت بطلبها بعد يوم أو يومين لم أر واحدة مفقودة.
    (ملاحظة : بهذا ينتهي حديث تافرنييه في رحلته العراقية)

    الملاحق
    الملحق رقم (1)
    (راجع الصفحة 19 ، الحاشية 1)
    قد يكون هذا القصر الكبير الذي اكتشفه تافرنييه (خان العطشان) وهو بناء قديم ، ترى اطلاله ورسومه في البادية ، غربي الفرات ، على نحو من ثلاثين كيلومترا من جنوب غربي كربلاء وهو ـ على حد وصف رحالتنا ـ مبني بالآجر ، وما زالت كثير من جدرانه وأقواسه وبعض عقاداته ترى إلى يومنا هذا ، وإن كانت قد تشعثت وتصدعت. والذي نميل إليه ، أن لهذا البناء صلة بالموقدة (الموجدة) وهو منار يبعد عنه مسيرة ساعتين إلى الشمال الغربي. إن هذه المباني التي ترى بقاياها منثورة في طف البادية ، كانت فيما مضى مسالح ومعاقل وحصونا ومناور للدولة الفارسية تقيها شر هجمات دولة الروم. وقد وصفت الآنسة جرترود بل خان العطشان ، وصفا أثريا دقيقا في كتابها الموسوم :
    G. L. Bell : Palace and mosque at Ukhaidir (Oxford, 4191, pp. 14 ـ 34)
    وعنيت بتخطيط البناء وتصوير بقاياه في اللوحات 46 ـ 52 من الكتاب المذكور ، أما أصل البناء وتاريخه فلم تتطرق المؤلفة إلى ذكرهما.
    الملحق رقم (2)
    (راجع الصفحة 20 ، الحاشية 2)
    قال الشيخ جعفر آل محبوبة في كتابه «ماضي النجف وحاضرها «(ص 129) أن الشاه عباس الأول لما جاء إلى النجف لزيارة أمير المؤمنين (ع)

    سنة 1032» أمر بتنطيف النهر الذي حفره الشاه اسماعيل ، فحفر وعمر وجرى الماء فيه حتى دخل مسجد الكوفة كما في المنتظم الناصري ج 7 ص 177. وهذا النهر كان في أرض سهلة لا تعلو كثيرا ، حتى انتهى إلى الكوفة فجاء الحفر كما أراد ، وهو المعروف اليوم (بنهر المكرية) وهو ليس إلا تلالا وآكاما وآثار مساجد ، درسها ما انهال عليها من الرمال. ولما لم يكن بالإمكان وصول الماء إلى النجف في نهر مكشوف من الكوفة ، بنيت قناة أخرى غير قناة نهر الناجية وغير قناة نهر الشاه. موقع هذه القناة شرقي بلدة النجف ، وهي التي تسمى بقناة الفرع كما عن البراقي. وقد انضم جميع عسكره إلى العمال وبذلوا تمام الهمة والجهد لهذه الخدمة حتى اكملوه وبنوه أحسن بناء وجعلوا له مجرى إلى الروضة المقدسة وصنعوا له بركة ينزلون فيها ويستقون».
    وللوقوف على التفاصيل الوافية في مياه النجف ، راجع :
    1 ـ كتاب ماضي النجف وحاضرها (ص 122 ـ 141)
    2 ـ الماء في النجف (لغة العرب 2 [1913] ص 457 ـ 462)
    3 ـ ماء النجف في القرون الأخيرة ونهر الهندية : ليعقوب سركيس (الاعتدال 4 [النجف 1936 ـ 1937] ص 100 ـ 104 ، 163 ـ 169).
    الملحق رقم (3)
    (راجع الصفحة 22 ، الحاشية 2)
    الطويلات ، واحدتها الطويلة وبالافرنجية (Latin) ضرب النقود المعدنية ، كان متخذا في بعض الأنحاء من شرقي جزيرة العرب ، كالأحساء والقطيف وغيرهما. وقد بطل استعمال هذه النقود. ولتافرنييه كلام عليها في حديث رحلته. وللوقوف على وصفها وقيمتها ، راجع :
    arabia, 2631 ـ 36 (vol. 2, london, 6631, pp. 971 ـ 081). palgrave : narrative of a year`s journey through central and eastern
    cheesman : unknown arabia (london, 6291, pp. 201 ـ 301)
    ودائرة المعارف الإسلامية ، مادة «طويلة» للمستشرق آلان (j.Allan)

    الملحق رقم (4)
    (راجع الصفحة 29 الحاشية 2)
    هي جزيرة كريت ، التي عرفت عند العرب الأقدمين باسم «أقريطش» أما «كاندي» فمشتقة من لفظة عربية ، أصلها «الخندق» (Khandax) وهي عاصمة الجزيرة. كانت جزيرة كريت من جملة المواطن التي وفق العرب لفتحها ، بعد ان توالت عليها غزواتهم البحرية منذ زمن معاوية سنة 54 ه‍ ، ثم في زمن الوليد ، والرشيد ، والمأمون حيث تم فتحها في زمنه سنة 210 ه‍ على يد أبي حفص عمر بن عيسى الأندلسي المعروف بالاقريطشي. ولكن الروايات مختلفة في زمن فتحها ، فقيل إنها فتحت سنة 250 ه‍ ، وقيل قبلها ، وقيل بعدها. وكانت كريت لما احتلها العرب قسما من الامبراطورية البيزنطية ، فبنوا فيها مدينة دعوها «الخندق» وقد ظلت جزيرة كريت بيد العرب زهاء مائة سنة ، حيث استعادها منهم البيزنطيون سنة 349 ه‍ (960 م) بعد محاولات عديدة.
    الملحق رقم (5)
    (راجع الصفحة 33 الحاشية 2)
    الملوك الذين حكموا هذه البقعة مما بين النهرين ، وعرفوا باسم أبجر ، يبلغون 29 ملكا ، كانت عاصمتهم أدسا (وتعرف باسم الرها ، ثم أورفا). ودام حكم هؤلاء الأباجرة خلال القرن الأول قبل الميلاد والقرن الأول بعده. ووفقا للمرويات القديمة ، فإن أحد هؤلاء الملوك ، ولعله أبجر الخامس المعروف باسم «أو كاما» أي الأسود ، كان قد أصيب بالبرص ، فبعث برسالة إلى يسوع ، معترفا بألوهيته ، ملتمسا مساعدته ، طالبا إليه المجيء إلى بلاده. ولكن يسوع كتب إليه كتابا تمنع فيه من الذهاب إليه ، ووعده بأنه بعد صعوده إلى السماء يبعث إليه بأحد حوارييه. وقد روى المؤرخ اسابيوس القيصري في تاريخه الكنسي (1 : 13) أن ذلك قد تم بالفعل ، فإن يهوذا بن ثداوس ، أرسل إلى ذلك الملك سنة 29 للميلاد. أما الرسائل المتبادلة بين المسيح وأبجر ، وما دار حولها من حكايات ، فقد نشرت بنصها السرياني ، وترجمتها العربية في ديار الغرب.

    الملحق رقم (6) (راجع الصفحة 37 الحاشية 1)
    سائح ايطالي ، يعد في طليعة الرحالين الأوروبيين إلى بلدان الشرق ولد سنة 1586 م ، وساح سياحة واسعة استغرقت خمس سنين (1616 ـ 1621 م) زار خلالها بلاد آشور وبابل وفارس والأصقاع المجاورة ، وألم ببعض اللغات الشرقية. وكان في طوافه في أرض العراق ، عني عناية خاصة بفحص أخربة كثير من المدن القديمة ، كبابل وأور وغيرهما. كما أنه في تجواله في إيران فحص بقايا تخت جمشيد ونقش رستم وبرسوليس ولم يكن دلافاله سائحا فحسب ، بل كان عالما أثريا ، واقفا على ما ورد بصدد الآثار الشرقية في التوراة وفي المراجع الإغريقية. وهو أول من نقل إلى أوروبا صفائح الآجر المنقوش عليها بالخط المسماري ، وجعل لها شهرة بين الأوروبيين ، مع كونه لم يفقه شيئا منها. إن حديث تنقلاته في الشرق أودعه في رسائل بالإيطالية بعث بها إلى صديقه شيبانو (Mario Schipano) استاذ الطب في نابولي. وقد طبع بعدئذ في مجلدين ، بعنوان :
    Viaggi di Pietro della Vallie il Pellegrino da lui Wedesimo in Lettere
    .familiari
    وقد ظهرت طبعتها الأولى سنة 1652 م ، ثم طبعت طبعة حسنة سنة 1845 في مجلدين. إن هذه الرحلة نقلت بكاملها إلى الفرنسية وطبعت سنة 1662 ـ 1663 ونقل ما يخص بلاد الهند إلى الإنكليزية ، وطبع سنة 1665 م. ونقل المطران جرجس دلال (مطران الموصل الحالي) ، بعض ما يخص بلاد العراق إلى العربية ، وطبعه في «نشرة الأحد التي كانت تصدر في بغداد (المجلد الأول الصادر سنة 1922).
    وكان تافرنييه حين إقامته ببغداد ، قد تزوج بنصرانية كلدانية اسمها «معاني» أصلها من ماردين وقد رافقته في رحلته إلى بلاد فارس ، وتوفيت سنة 1621 م ونقل رفاتها معه إلى روما ودفنها هناك. وكان قد رثاها ، ونشر هذا الرثاء في حياته في البندقية سنة 1627 م وكانت وفاة دلافاله سنة 1652.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676   رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676 Emptyالجمعة أكتوبر 18, 2024 5:30 pm

    الملحق رقم (7)
    (راجع الصفحة 40 الحاشية 1)
    لعل المؤلف أراد بها «قنطرة أسكي موصل» التي يرى منها اليوم طاق واحد قائم على وادي المر ، على بعد نحو ميلين من غرب قرية أسكي موصل ، وهذه تبعد نحو 40 كيلو مترا من شمال غربي مدينة الموصل ، وتقع على ضفة دجلة اليمنى. ويجاور هذه القرية خرائب مدينة كبيرة لا يزال في طرفها الشمالي خان مربع يقوم على تل يبطن بقايا مدينة واغلة في القدم.
    وقد تفضل الأستاذ فؤاد سفر ، بالنبذة التالية ، قال : «أقدم ما انتهى إلينا من أخبارها يرتقي إلى ما قبل الألف الرابع قبل الميلاد. (راجع مجلةlraq (Vol.5 ,8391 ,P.431 وورد في مدونات الملك الأشوري سنحاريب : تقع مدينة بلط في البقعة القريبة من نينوى ، وفيها تكثر حجارة الحلان والمرمر (راجع كتاب :(Meissner : Bab.u.Assyr.Vol.1 ,P.943
    ويقول سدني سمث إن بلط تقع على نحو سبعة فراسخ من نينوى وإن اسمها الحديث اسكي موصل (راجع : Cambridge Ancient History ,Vol.lll ,p.67.
    وحرّف اسم بلط في العصر الإسلامي ، فعرفت باسم «بلد» التي كانت لا تزال عامرة آنئذ فقد ذكر ياقوت وهو من أهل القرن السابع للهجرة (معجم البلدان 1 : 715 طبعة وستنفلد) : ان «بلد ، وربما قيل لها بلط ، بالطاء ، ... مدينة قديمة على دجلة فوق الموصل ، بينهما سبعة فراسخ ...».
    «ولقد عثر داخل الأقبية على عدد من المسكوكات الأتابكية تعود إحداها إلى قطب الدين مودود. ولعلنا نستطيع اعتمادا على هذه المسكوكات أن نعتبر الأقبية العديدة والسور الذي من حولها من المنشآت الأتابكية» انتهى كلام الأستاذ سفر.
    أما الطاق القائم اليوم ، فربما كان الطاق الأكبر في هذه القنطرة التي زالت معالمها ، ويبلغ ارتفاعه الحالي 12 مترا فوق مستوى ماء الوادي في الربيع (في موسم الفيضان). وعرض فتحة الطاق ، بحسب مستوى الأرض

    الحالي 50 ، 22 مترا. أما الطاق فمبني بالحجارة الكبيرة المهندمة وعلى بعضها حروف يحتمل أن تكون يونانية. وفي وجه الطاق كتابة عربية منقورة هذا نصها «عمل حسن بن محمد الجزري رحمه‌الله». ويرجح أنها كتبت بعد إنشاء القنطرة بزمن.
    وقنطرة أسكي موصل ، تذكرنا بقنطرة أخرى تعرف اليوم باسم «جسر كسك كوبري» المقام فوق ماء الكسك الآتي من «أبو مارية» الذي يصب في دجلة عند قرية اسكي موصل ، وتبعد هذه القنطرة نحو 45 كيلو مترا عن الموصل ولم يبق منها غير طاقين وبقايا ثالث.
    فلعل المؤلف مر بهذه القنطرة أو بتلك.
    الملحق رقم (Cool
    (راجع الصفحة 41 الحاشية 1 و 4)
    هذا ما كان من أمر الموصل في أيام تافرنييه ، وهي حال لا تدل إلا على ما بلغته هذه المدينة من تأخر في ذلك العصر. وبهذه المناسبة ، يجدر بنا أن نذكر هنا نبذا من أقوال بعض الكتبة والبلدانيين من العرب الأقدمين ، ليقارن القارئ بين ما كانت عليه في أيام أولئك ، وما صارت إليه في أيام تافرنييه.
    قال ابن حوقل (وهو من أبناء المائة الرابعة للهجرة) في وصف مدينة الموصل (راجع : كتاب صورة الأرض لابن حوقل ، ص 214 ـ 215 طبعة كريمرز) : «وأما الموصل ، فمدينة على غربي دجلة ، صحيحة التربة والهواء ... ولما ملك بنو حمدان ورجالهم غرسوا فيها الأشجار وكثرت الكروم وغزرت الفواكه وغرست النخيل والخضر. إن للموصل أضعاف أعمال نصيبين في فسحة الأعمال وكثرة الضياع وعظم المحال وغزر السكان وأهل الأسواق ، إذ كانت أسواقها واسعة وأحوالها في الشرف والفخامة ظاهرة ، وكان فيها كل جنس من الأسواق الاثنان والأربعة والثلاثة مما يكون في السوق المائة حانوت وزائد. وبها من الفنادق والمحال والحمامات والرحاب والساحات والعمارات ما دعت إليها سكان البلاد النائية فقطنوها ...».

    وقال البشاري المقدسي (وكان حيا سنة 375 ه‍) في كتابه «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم» (ص 138 طبعة دي غويه) في عرض كلامه على الموصل إنها «بلد جليل ، حسن البناء ، طيب الهواء ، صحيح الماء ، كبير الاسم ، قديم الرسم ، حسن الأسواق والفنادق ... وله منازه وخصائص وثمار حسنة وحمامات سرية ودور بهية».
    ومن طريف ما ورد في وصف الموصل ، ما ذكره الرحالة الشهير ابن جبير (المتوفى سنة 614 ه‍) قال (ص 235 من طبعة دي غويه) : «وللبلدة ربض كبير فيه المساجد والحمامات والخانات والأسواق ، وأحدث فيه بعض أمراء البلدة ، وكان يعرف بمجاهد الدين ، جامعا على شط دجلة ، ما أرى وضع جامع أحفل منه بناء يقصر الوصف عنه وعن تزيينه وترتيبه ، وكل ذلك نقش في الآجر. وأما مقصورته فتذكر بمقاصير الجنة ، ويحيط به شبابيك حديد تتصل بها مصاطب تشرف على دجلة لا مقعد أشرف منها ولا أحسن ، ووصفه يطول وإنما وقع الإلماع بالبعض جريا إلى الاختصار.
    وأمامه مارستان حفيل من بناء مجاهد الدين المذكور. وبنى أيضا داخل البلد وفي سوقه قيسارية للتجار كأنها الخان العظيم تتغلق عليها أبواب حديد وتحيط بها دكاكين وبيوت بعضها على بعض قد جلي ذلك كله في أعظم صورة من البناء المزخرف الذي لا مثيل له ، فما أرى في البلاد قيسارية تعدلها. وللمدينة جامعان أحدهما جديد والآخر من عهد بني أمية ... وفي المدينة مدارس للعلم نحو الست أو أزيد على دجلة فتلوح كأنها القصور المشرفة ، ولها مارستانات عدا التي ذكرنا في الربض ..».
    ووصفها ياقوت الحموي (المتوفى سنة 626 ه‍) في «معجم البلدان» (4 : 682 ـ 684 طبعة وستنفلد) بقوله إنها المدينة المشهورة العظيمة ، أهدى قواعد بلاد الإسلام ، قليلة النظير كبرا وعظما وكثرة خلق وسعة رقعة ... فأما أبنيتهم فهي حسنة جيدة وثيقة بهية المنظر ، لأنها تبنى بالنورة والرخام ... ولا يكاد يستعملون الخشب في سقوفهم».
    وأشار القزويني (المتوفى سنة 682 ه‍) إلى مدينة الموصل بقوله (آثار

    البلاد وأخبار العباد. ص 309 طبعة وستنفلد) «بها أبنية حسنة وقصور طيبة على طرف دجلة».
    وفي تقويم البلدان (ص 285 من طبعة باريس) لأبي الفداء وصف موجز للموصل ورد فيه قوله «... ولها سوران قد خرب بعضهما ، وسورها أكبر من سور دمشق ، والعامر في زماننا نحو ثلثيها ، ولها قلعة من جملة الخراب».
    وممن زار هذه المدينة من رحالي العرب ، ابن بطوطة «المتوفى سنة 777 ه‍) فوصفها بقوله (تحفة النظار : 134 ـ 135 طبعة باريس) إنها «مدينة عتيقة كثيرة الخصب ، وقلعتها المعروفة بالحدباء عظيمة الشأن شهيرة الامتناع ، عليها سور محكم البناء مشيد البروج ، وتتصل بها دور السلطان وقد فصل بينهما وبين البلد شارع متسع مستطيل من أعلى البلد إلى أسفله. وعلى البلد سوران اثنان وثيقان ، أبراجهما متقاربة. وفي باطن السور بيوت بعضها على بعض مستديرة بجدارة ، وقد تمكن فتحها فيه لسعته. ولم أر في أسوار البلاد مثله إلا السور الذي على مدينة دهلي حضرة ملك الهند».
    فإذا انتقلنا إلى الرحّالين الغربيين الذين زاروا الموصل ، بعد ابن بطوطة ، وجدنا في طليعتهم الرحالة راولف (Rawolf) الإنكليزي المتوفى سنة 1596 م فقد وصفها بقوله :
    «دخلنا مدينة الموصل بعد أن عبرنا فوق جسر من القوارب .... تقع الموصل في بلاد الكرد ... وهي كسائر البقاع المجاورة تابعة للامبراطور التركي وفيها بعض المباني الفخمة والشوارع الحسنة. وهي واسعة نوعا ما ، إلا أن أسوارها وخنادقها ليست على ما يرام على ما لاح لي من أعلى مقامنا ...»
    (راجع :(Rawofl : Travels ,Ray's Collection ,p.402
    ***
    سور الموصل :
    يحدثنا التاريخ أن للموصل سورا مكينا يحيط بها ويمنع عنها هجمات العدو ، وإن هذا السور جدد غير مرة ، كانت الأخيرة سنة 1156 ه‍ (1743 م)

    ولكن هذا السور الذي كان يبلغ طوله نحوا من عشرة آلاف متر ، قد امحى أثره اليوم أو كاد ، ولم يبق منه إلا قطع صغيرة. لقد كان هذا السور محفوفا من خارجه بخندق عميق يستمد ماءه من دجلة عند اقتضاء الحال. وكان لسور الموصل عدة أبراج ، وأحد عشر بابا لكل منها اسم يعرف به. وإذ كانت هذه الابواب قد ذهب أمرها بذهاب السور ذاته ، رأينا من المفيد أن نذكر فيما يلي أسماءها حفظا للتاريخ :
    باب الجسر. باب القلعة. الباب الصغير. الباب العمادي (ويقال له باب الوباء) باب سنجار. باب البيض. باب العراق. الباب الجديد. باب لكش. باب السراي. باب الطوب.
    إن الأبواب الثلاثة الأولى كانت تطل على دجلة. والبقية على البر.
    الملحق رقم (9)
    (راجع الصفحة 43 ، الحاشية 1)
    يريد به «تل النبي يونس» وقد عرف في المراجع العربية بتل توبة. راجع : معجم البلدان (مادة : تل توبة) ، والكامل في التاريخ لابن الأثير (8 : 438 و 439 ، 9 : 403 ، 11 : 7 طبعة ترنبرع) ، ورحلة ابن جبير (ص 36 طبعة دي غويه) وقد سماه ابن بطوطة في رحلته (2 : 136 طبع باريس) بتل يونس.
    أما «المسجد» فقد مرت به أطوار تاريخية جديرة بالذكر. فبقعته في الأزمنة التي سبقت الميلاد كانت «معبدا أشوريا» تعبد فيه الاصنام. وبانتشار النصرانية في بلاد العراق ، صار ذلك المعبد «ديرا» عظيما ، تسميه المراجع العربية باسم «دير يونان» أو «دير يونس» وبانتشار الإسلام في العراق صار ذلك الدير جامعا باسم «جامع النبي يونس».
    الملحق رقم (10)
    (راجع الصفحة 43 الحاشية 2)
    هذا هو دير مار جبرائيل (كبرييل) المعروف في المصادر العربية بالدير

    الأعلى ، وهو من أشهر الديارات النصرانية وأعظمها شأنا وصفه الشابشتي بقوله إنه «دير بالموصل ، يطل على دجلة ، وهو كبير عامر وفيه قلايات كبيرة لرهبانه ، وله درجة منقورة في الجبل يفضي إلى دجلة نحو المائة مرقاة وعليها يستقى الماء من دجلة» وزاد ياقوت (معجم البلدان ، مادة : الدير الأعلى) على وصف الشابشتي قوله انه «يضرب به المثل في رقة الهواء وحسن المستشرف ويقال إنه ليس للنصارى دير مثله ، لما فيه من أناجيلهم ومتعبداتهم».
    ولكن ذلك الدير العظيم ، قد تهدم بمرور الزمن ، ولا يرى منه اليوم إلا معالم ضئيلة لا يستدل منها على ماضيه. إن أخربته تقع على دجلة في أعلى الموصل ، عند «باش طابيه». ويؤخذ من كلام تافرنييه أن آثار هذا الدير كانت أكثر وضوحا في أيامه مما هي عليه الآن.
    الملحق رقم (11)
    (راجع الصفحة 45+ 46 ، الحاشية 3+ 1)
    يسمى أيضا الزاب الاعلى في زماننا. ولهذا النهر تسميات قديمة متعددة فقد ذكر اينزورث (W.F.Ainsworth) في تعليقاته الجغرافية على كتاب زينفون :
    (Xenophon : Anabasis. london. 2781, p. 843)
    «إن هذا النهر عرف قديما باسم زاباتس ، أو زاباتس وعرف عند الآراميين واليهود باسم زراب ، ثم تصحفت هذه التسمية إلى زرب وزاب.
    وعرف أيضا باسم ليكس (Lycus) عند هيروداتس وبوليبيوس وسترابون وبطليموس. وسماه اميانس مرشلينس باسم ديابا».
    الملحق رقم (12)
    (راجع الصفحة 53 ، الحاشية 1)
    يريد تافرنييه بهذه «الحمام الحارة» ، «حمام علي» التي يسميها بعضهم اليوم حمام العليل وقد سبقه غير واحد من رحالي العرب الأقدمين وبلدانييهم

    إلى وصف هذه الحمام. قال ياقوت الحموي (معجم البلدان 2 : 329) : «حمام علي : باصطلاح أهل الموصل وهي بين الموصل وجهينة ، قرب عين القار ، غربي دجلة. وهي عين ماؤها حار ، كبريتية. يقول أهل الموصل إن بها منافع ، والله أعلم». ولحمام علي أخبار أخرى كثيرة تقف عليها في مقال لكوركيس عواد ، في مجلة «الأخبار» الأسبوعية (العدد 5) [بغداد 10 أيلول 1938] ص 19 ـ 20 و 31 بعنوان «حمام علي في المصادر القديمة». وتتألف هذه الحمام من عدة عيون معدنية أهمها ثلاث وهي : العين الكبيرة ، وعين زهرة ، وعين فصوصة. وكلها ذات مياه كبريتية حارة تنبع عند الشاطئ الأيمن من نهر دجلة ، على مسافة 16 ميلا جنوبي الموصل ويقصدها الناس سنويا في الصيف طلبا للاستشفاء.
    الملحق رقم (13)
    (راجع الصفحة 53 ، الحاشية 3)
    يعرف هذا السد عند أهالي الموصل ، باسم «العوّاية» لأن الماء عند اجتيازه بآثار هذا السد يكون له صخب وزمجرة كأنه يعوي وقد وصف هذا السد الرحالة الأثري ريج في كتابه :
    Ancient Nineveh. (Vol. 2, London. 6381 : p. 921).
    C. j. Rich : Narrative of a Residence In Koordistan and on the site of
    ومما ذكره في وصفه : «ان صوت الماء بلغ مسامعنا قبل بلوغنا المكان بمسافة بعيدة. ومع أنه لا يرى شيء من هذا السد فوق سطح الماء ، فإن الماء فوقه يهيج ويفور ويتدافع. أما الممر الذي يسلك فضيق ، وهو الذي بين السد وبين الضفة الشرقية. إن السد يخترق النهر ، ويقول الأهلون إنه في أواخر الصيف وأوائل الخريف ، يمكن رؤية نحو قدم من هذا السد فوق سطح الماء. ومن ملاحظة هذا القسم الظاهر يعلم أنه شيد بالحجارة المنحوتة المتلاحمة بالكلس».

    الملحق رقم (14)
    (راجع الصفحة 55 ، الحاشية 3)
    وصف ابن جبير هذه العيون في رحلته (ص 232 طبعة دي غويه) بقوله : «... مررنا بموضع يعرف بالقيارة ، بمقربة من دجلة ، بالجانب الشرقي منها. وعن يمين الطريق إلى الموصل ، فيه وهدة من الأرض سوداء كأنها سحابة ، وقد أوجد الله فيها عيونا كبارا وصغارا تنبع بالقار ، وربما يقذف بعضها بحباب منه كأنها الغليان. ويصنع لها أحواض تجتمع فيها ، فتراها شبه الصلصال منبسط على الأرض أسود أملس صقيلا رطبا عطر الرائحة شديد التملك فيلصق بالأصابع بأول مباشرة من اللمس. وحول تلك العيون بركة كبيرة سوداء ، يعلوها شبه الطحلب الرقيق أسود تقذفه إلى جانبها فيرسب قارا ، فشاهدنا عجبا كنا نسمع به فنستغرب سماعه».
    وزار ابن بطوطة هذه العيون فوصفها في رحلته (2 : 133 طبعة باريس) بما لا يخرج عن وصف ابن جبير لها ، فاكتفينا بالإشارة.
    الملحق رقم (15)
    (راجع الصفحة 56 الحاشية 1)
    الدور : بضم الدال ، قرية على ضفة دجلة اليسرى ، بين تكريت وسامراء ، تقوم فوق مكان قديم ، وتحيط بها خرائب قديمة يحتمل أنها من العصر الإسلامي بالقرب منها قبة لمرقد الإمام محمد الدوري ، ويصحفه العوام إلى «محمد الدر». وفي كتاب «جامع الأنوار» للبندنيجي أن هذا الشيخ ينتهي نسبه إلى الإمام موسى الكاظم. توفي في قرية الدور. وفي التاج إنه مات قبل الثلاثمائة وأما المحل المدفون فيه محمد الدوري ، فعبارة عن بهو مربع الأركان يبلغ طول كل ركن قرابة ثلاثين مترا ، وفي وسطه قبة معقودة بالجص والآجر القديم مخروطية الشكل من الأعلى ، ومربعة الأركان من الأسفل ، يبلغ طول كل ركن منها نحو 20 مترا وهي تشبه قبة الست زبيدة ببغداد. ويزور أهل الدور هذا الإمام في عصر كل خميس ويطلبون منه حاجاتهم وينذرون له

    النذور. وفي بلدة الدور خمسة مساجد وهي : «الجامع الكبير» ويقال إنه من أبنية عمر بن عبد العزيز ، ولا أثر هناك لكتابة تؤيد هذا الرأي ثم «جامع السادة» ، «ومسجد الشويخات» وهو قديم لا يعرف بانيه. و «مسجد المواشط» وهو خرب و «جامع البوحيدر» وهو قديم البناء لا يعرف من عمّره وقد خرب. وأبنية هذه البلدة بالحجارة والجص.
    وقد ذكر الدور اميانس مرشلينس في كلامه على تراجع جوفيان. وعن يمين باب الجامع رخامة فيها كتابة مؤلفة من سبعة أسطر هذا نصها :
    «بسم الله الرحمن الرحيم هذا المسجد المبارك تربة الإمام ابو [كذا] عبد الله محمد بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين وهو موضع ... رحم الله من زاره وأسعده ...».
    وفي الوسط من الأسفل قوله «لله الملك».
    هذا ما قرأه هر تسفلدوساره. وتقول المس بل إنها قرأت في آخرها تاريخ اللوحة وهو سنة 871 للهجرة (1466 م). وقد كان هذا التاريخ مغطى بقشرة من الجص فخفي على العالمين المذكورين.
    راجع بهذا الصدد :
    كاظم الدجيلي (لغة العرب 1 [1911] ص 470 ـ 479)
    Bell : Amurath to Amurath (1191, pp. 412 ـ 612)) Vol. 1, 1191, pp. 03 ـ 43, 132 ـ 432 (Sarre u. Herzfeld : Arch aogogische Rcise im Euphrat ـ und Tigris ـ Gebiet
    الملحق رقم (16)
    (راجع الصفحة 56 ، الحاشية 2 و 3 وصفحة 57 الحاشية 1)
    هذا البرج هو المنارة «الملوية». ولما كان وصف رحالتنا لها لا يخلو من أوهام ، رأينا أن نذكر هنا ما تجب معرفته بصدده ، مقتبسين ذلك من كتاب

    «سامراء» الذي طبعته مديرية الآثار القديمة بالعراق (بغداد 1940 ، ص 43 ـ 45) :
    الملوية مئذنة مخروطية الشكل ، تستند إلى قاعدة مربعة ، يصعد إلى قمتها من سطح مائل عريض يدور حولها ، من خارجها ، دوران الحلزون ويبلغ طول ضلع القاعدة 32 مترا ، غير أن قطر القمة يصبح 6 أمتار.
    أما مجموع ارتفاع المئذنة عن سطح الأرض فيبلغ 52 مترا.
    وهذه المئذنة خارج أخربة المسجد الجامع ، على بعد 25 مترا من ضلعه الشمالي. لقد صانت مديرية الآثار ، سنة 1937 ، ما أصاب هذه المنارة من تخريبات على مدى العصور ، فأظهرت أسس القاعدة ، وأعادت بناءها وعمرت اللوالب ، كما أعادت المرقاة إلى حالتها السابقة. وفي سنة 1940 أكملت تعمير القسم الأعلى من اللوالب. بإنشاء غرفة مستديرة صغيرة بعض معالمها كانت لا تزال باقية مع الدرج المؤدي إليها. وصار الصعود إلى أعلى المئذنة متيسرا الآن. أما خرائب سامراء القديمة ، فتمتد محاذاة دجلة إلى مسافات بعيدة ، تبلغ في مجموعها 34 كيلو مترا. ولا يزال ماثلا للعيان منها : الملوية ، وسور المسجد الجامع ، وقسم من بيت الخليفة ، وجامع أبي دلف وغير ذلك. وقد اهتمت مديرية الآثار القديمة بتعمير هذه المخلفات وصيانتها من البلى والاندراس.
    الملحق رقم (17)
    (راجع الصفحة 58 ، الحاشية 3)
    تضاربت آراء كتبة العرب الأقدمين في معنى اسم بغداد. وها نحن نلخص فيما يلي لأهم تلك الآراء :
    1 ـ ان معناها بستان رجل. فباغ (بستان) ، وداد اسم رجل (راجع معجم البلدان 1 : 677 مادة بغداد)
    2 ـ وبعضهم قال : بغ اسم صنم ، فذكر أنه أهدي إلى كسرى خصي من المشرق فأقطعه إياها ، وكان الخصي من عباد الاصنام ببلده ، فقال : بغ دادي ،

    أي الصنم أعطاني (المعرب للجواليقي. ص 73 بتحقيق أحمد محمد شاكر ، ومعجم البلدان ، ومادة بغداد).
    3 ـ وقيل بغ هو البستان ، وداد أعطى. وكان كسرى قد وهب لهذا الخصي هذا البستان ، فقال بغ داد ، فسميت به. (معجم البلدان) والظاهر أن تافرنييه أشار في كلامه أعلاه إلى هذا الرأي.
    4 ـ وقال حمزة بن الحسن : بغداد اسم فارسي معرب عن باغ داذويه ، لأن بعض رقعة مدينة المنثور كان باغا (بستانا) لرجل من الفرس اسمه داذويه (معجم البلدان).
    5 ـ وقيل إن بغداد كانت من قبل سوقا يقصدها تجار أهل الصين بتجاراتهم ، فيربحون الربح الواسع ، وكان اسم ملك الصين بغ ، فكانوا إذا انصرفوا إلى بلادهم قالوا : بغ داد ، أي أن هذا الربح الذي ربحناه من عطية الملك (معجم البلدان).
    6 ـ ونقل ابن الجوزي (مناقب بغداد ص 6) قول عبد الله بن المبارك في بغداد : «أن بغ شيطان ، وداذ عطيته».
    فهذه التعليلات تستند في جميعها إلى اللغة الفارسية.
    ويرى بعض المعاصرين (راجع : يوسف غنيمة (لغة العرب 4 [1926 ـ 27] ص 82) ، والمطران نوري (رحلة إلى الهند. حريصا 1634 ، ص 4) ، وفؤاد افرام البستاني. (المشرق 32 ، [1934] ص 68) ان لفظة «بغداد» من اصل أرمي فهي مؤلفة من كلمتين : ب «المقتضبة من كلمة ، «بيت» عند الأرميين» و «كداد» : «القطيع» أو «الغنم» فيكون مفادها «بيت القطيع» او «الحظيرة».
    ويلاحظ أن بغداد وردت في المصادر القديمة بأشكال مختلفة ، فقيل بغداد ، وبغداذ ، وبغدان ، ومغداد ، ومغداذ ، ومغدان ، كما أنها سميت «مدينة السلام» و «الزوراء».
    وقد أفادنا الاستاذ طه باقر ، أمين المتحف العراقي ، بالنبذة التالية بصدد

    بغداد : ندونها فيما يلي شاكرين له فضله.
    «ورد اسم بغداد في المصادر المسمارية بهيئة بغدادا (بكدادا) أو بغدادو (بكدادو). غير ان المقطع (بغ) يقرأه بعض المستشرقين (خو) ، فتكون القراءة (خودادو) ، وهذا بعيد ، لأن مقطع (خو) يعبر عن الصوتين (بغ) و (خو) ، وليس للصوت الاول مقطع خاص به.
    اما الوثائق التي وردت فيها هذه التسمية فهي :
    1 ـ حجر حدود من زمن الملك الكشي (نازي ماراتاش) ، حوالي القرن الرابع عشر قبل الميلاد ورد فيه ذكر مدينة باسم (بلاري) على شاطىء نهر (شاري) أي نهر الملك في مقاطعة (بكدادي)
    2 ـ حجر حدود تعرف ب (حجر ميشو) ، اشتراها في سنة 1780 م طبيب اوروبي ، وهي ترتقي إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد.
    3 ـ حجر حدود من زمن الملك الكشي (مردوخ بلادان الاول) في القرن الثاني عشر قبل الميلاد ، ورد فيه ذكر مواضع في مقاطعة (بكدادي).
    4 ـ رقيم طيني عثر عليه في نينوى. يرتقي إلى القرن السابع قبل الميلاد.
    «ومنذ القرن الثامن قبل الميلاد ، فقدت بغداد أهميتها ، وأصبح يشار إليها في المصادر الآشورية بانها مستوطن قبائل آرمية». انتهى كلام الاستاذ طه باقر.
    الملحق رقم (18)
    (راجع الصفحة 58 ، الحاشية 4)
    كان لبغداد سور محكم البناء يقيها هجمات الأعداء. وقد ظل قائما حتى سنة 1287 ه‍ (1870 م). فبدئ بهدمه في تلك السنة بأمر مدحت باشا ، حينما أردا توسيع بغداد وتعميرها فتهافت الناس على قلعه والانتفاع بآجره ، وكان في السور ، خمسة أبواب ، أحدها مطل على النهر ، عند الجسر وليس له أثر الآن والأربعة الأخرى تطل على البر ، وهي : باب المعظم (هدم سنة 1922) ، والباب الوسطاني ، وباب الطلسم (نسف سنة 1917) والباب الشرقي (هدمت

    بقاياه سنة 1937) ولم يبق اليوم من هذه الأبواب ، إلا الباب الوسطاني ، فقد عنيت مديرية الآثار القديمة ، سنة 1938 ، بصيانته ، ثم اتخذت منه متحفا للأسلحة القديمة.
    الملحق رقم (19)
    (راجع الصفحة 63 ، الحاشية 2)
    عقرقوف :
    كلام المؤلف على عقرقوف بحاجة إلى تعليق من وجوه مختلفة. ولما كان هذا الموقع قد نقب فيه في السنوات الأخيرة (1942 ـ 1943) رأينا ان نستقي بعض المعلومات عن هذا الموضع من الاستاذ طه باقر الذي اشرف على اعمال التنقيب هناك ، فزودنا بما هذه خلاصته :
    تقع عقرقوف في المنخفض المعروف باسمها ، على بعد 30 ميلا غربي بغداد في خط العرض الشمالي 21 33 ، وخط الطول الشرقي 21 44.
    وقد ذكر كثير من الرحالين اسم عقرقوف منذ القرن السادس عشر للميلاد إذ زاره غير واحد منهم ووصفوه. واختلفوا في أصله فعده بعضهم أنه برج بابل. وقد ورد ذكره أيضا في المصادر العربية القديمة ، وذهبوا في تعليل اسمه وماهية الموضع مذاهب شتى. ويرى بعض الباحثين أن اسمه من الآرمية بمعنى «خربة الأوتاد أو القضبان».
    وقد أثبتت التنقيبات في هذا التل أنه موضع المدينة الكشية المعروفة بدور كوريكالزو ، أي مدينة كوريكالزو. وكوريكالزو هذا ، أحد ملوك ثلاثة من الكشيين عرفوا بهذا الاسم وسنرى فيما بعد أيا منهم كان مؤسس هذه المدينة ودلت التحريات الاثرية في عدة مواضع من المدينة على أنها كانت عاصمة العراق في عهد السلالة الكشية منذ القرن الخامس عشر قبل الميلاد ، أي منذ حوالي منتصف الدور الكشي حتى أواخر أيامها حوالي القرن الثاني عشر ق. م. وقد مرت على المدينة لا سيّما على قصورها أدوار تاريخية عدّ منها

    أربع طبقات رئيسية ، تنقسم كل منها إلى أدوار تاريخية ثانوية ، يمثل كلّا منها بعض الملوك الكشيين الذين عثر على وثائقهم المكتوبة في معابد المدينة وفي قصورها. وسكن الموقع أيضا أقوام أخرى استوطنت فوق أنقاض المدينة الكشية ، فقد عثر في بقعة قصور المدينة على قبور كثيرة دلت آثارها على أنها تعود إلى العصر الساساني ، وعثر على غيرها ، كالنقود من الدور الفرثي. واستوطنت فوق أنقاض معابد المدينة جالية إسلامية يرجع أقدم آثارها إلى دور سامراء ، أي القرن الثالث للهجرة. وكان بين اللقى الإسلامية ما يعود إلى العصر الايلخاني ، كما ورد في وقفية أمين الدين مرجان حيث تذكر ناحية عقرقوف بنهر عيسى وكان من جملة ما وقفه أمين الدين مرجان الالجايتي على المدرسة المرجانية ودار الشفاء بباب الغربة.
    وزقورة عقرقوف ، أو برجها المدرّج من نوادر ما بقي من الزقورات في العراق. وهي بخلاف غيرها لم ينطمر منها غير قاعدتها السفلى بالرغم من مرور 3400 سنة عليها. وهي عبارة عن جسم مصمت مبني باللبن لا يعرف عدد طبقاته الأصلية ولكن ما بقي من علو الزقورة الذي يرتفع عن السهل نحو 57 مترا ، يجيز لنا أن نتصور أن لها سبع طبقات. ويقرب شكل قاعدتها السفلى من المربع ، أبعادها 61* 68 مترا. وتتجه أركانها الأربعة حسب العادة باتجاه الجهات الأربع والقاعدة مبنية باللبن أيضا وجوهها مدعومة. وقد عثر في منتصف وجهها الجنوبي الشرقي على معالم درج آخر كان يرقى منه إلى قمة الزقورة حيث كان في الأصل هناك معبد صغير لإله المدينة. والمألوف وجود درجين آخيرين جانبيين يتصلان بالدرج الأوسط ويلتقي الثلاثة في القمة.
    وبناء الزقورة غريب ، إذ يتكون من طبقات من اللبن يبلغ الموجود منها الآن ثلاثين طبقة ، وكل طبقة تتألف من ثمانية إلى تسعة سافات من اللبن وطبقة من الاسل المحبوك. وقد نجد أحيانا طبقات من الحصى سمكها 8 سنتيمترات لتسوية طبقة الاسل. وعثر أيضا على ربطات متينة من الحبال والقصب المشبوكين داخلة في البناء ، وأبعاد لبنة الزقورة تبلغ 33* 32* 8 سم.

    الملحق رقم (20)
    (راجع الصفحة 69 الحاشية 2)
    تقع أخربة طريدون على مقربة من البصرة وقد ذهب العلامة رولنصن ، نقلا عن ابيدينوس وأسابيوس ، إلى أن نبوخذ نصر كان قد أنشأ هذه المدينة. راجع :
    (vol. lll, london, 5681 : p. 092) g. rawlinson : the five great monarchies of the ancient eastern world
    وذكر أيضا ان طريدون : وتسمى ديريدوتيس (Diridotis) تقوم على ساحل الخليج الفارسي ، على بعد يسير من غربي مصب الفرات. وقد كان لها مسناة أو سد يحميها من طغيان المد العالي الذي يندفع من المحيط الهندي. أن تعيين موقع طريدون تعيينا أكيدا في غاية من الصعوبة ، نظرا إلى عدم استقرار ساحل الخليج وتبدله تبدلا دائما من جهة ، والى تغير مجرى الفرات عما كان عليه في أيام نبوخذ نصر من جهة أخرى. ولعل بقاياها يمكن أن يبحث عنها في أنحاء الزبير أو في ما وراء ذلك من أراض.
    وذهب الرحالة جسني
    chesney : the expedition for the survey of the river euphrates and tigris, (vol. ll, london, 0581 : p. 553)
    الى ان طريدون يمكن أن تكون في جبل سنام ، وهو تل عظيم قريب من نهر أبا (Pallacopas) المعروف بكري سعده. وهذه البقعة تقع على نحو 23 ميلا من جنوب جنوب غربي البصرة. وعلى 13 أو 14 ميلا من غرب الزبير.
    وقد ذكر بليني هذه البلدة في تاريخه الطبيعي :
    the natural history of pliny. translated by john bostock and h. t.
    .riley.chaprer 23
    بقوله إنك «إذا سرت [شمالا] بطريق الماء من المقاطعات الفرثية ، انتهيت إلى قرية تعرف باسم طريدون».

    أما اميانس مرشلينس المؤرخ الروماني.
    the roman history of ammeanus. translated by c. d. yonge. (bood xxlll, chap. 32)
    فقد عد طريدون مدينة آشورية ، وهو يعني بابلية. راجع :
    W. H. Lane : Babylonian problems (London, 3291, p. 472 ـ 972).
    الملحق رقم (21)
    (راجع الصفحة 70 الحاشية 1)
    لعل رحالتنا يقصد بهذه الأخربة ، بقايا مدينة البصرة القديمة ، التي أسسها عتبة بن غزوان سنة 16 أو 17 ه‍ (ـ 638 م) بأمر من عمر بن الخطاب ثم تقلبت بها الحوادث وانتابتها المحن. فخربت وأصبحت أطلالا وآكاما تشاهد اليوم على نحو ثمانية أميال من مدينة البصرة الحالية ، التي انتقلت إليها العمارة في المائة التاسعة للهجرة على ما يظن. فإن ابن بطوطة (المتوفى سنة 777 ه‍) حينما زارها وجد كثيرا من أقسامها خاليا من السكان ، بل إن أسوارها القديمة ومساجدها كانت تبعد أحيانا عدة أميال عن المواطن المسكونة منها.
    الملحق رقم (22)
    (راجع الصفحة 71 الحاشية 3)
    جاء في كتاب «زاد المسافر ولهنة المقيم والحاضر فيما جرى لحسين باشا ابن أفراسياب حاكم البصرة» لفتح الله بن علوان الكعبي (بغداد 1924 ص 17 و 18) ما هذا نصه في هذا الصدد : «وسبب حكومة أفراسياب في البصرة على ما نقل ، أنه كان كاتبا للجند المحافظ في البصرة ، فاتفق رأي أهل البصرة على هجر الحاكم الرومي ، وكان اسمه علي باشا ، فقلت مداخيله وعجز عن ارزاق الجند المحافظين معه. فباع البصرة من أفراسياب المذكور بثمانية أكياس رومية ، والكيس ثلاثة آلاف محمدية ، على أن يقطع الخطبة من اسم السلطان. فرضي بذلك افراسياب ، واشترى البصرة. وتوجه الرومي إلى
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676   رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676 Emptyالجمعة أكتوبر 18, 2024 5:33 pm


    اسطنبول فحكم في البصرة افراسياب ، ونشر العدل ، فحسنت أيامه وأحبته الرعية وقوي سلطانه ... وكان ابتداء حكومته في سنة 1005 ه‍ واستمرت حكومته سبع سنين. ثم حكم بعده ابنه علي باشا. واستمرت حكومة علي باشا خمسا وأربعين سنة. ثم حكم بعده ابنه حسين باشا».
    الملحق رقم (23)
    (راجع الصفحة 73 الحاشية 3)
    ذكر مؤلف كتاب «تقويم قديم للكنيسة الكلدانية النسطورية» (طبعة الخوري بطرس عزيز. بيروت 1909 ص 19) في كلامه على حال النساطرة في مدينة البصرة سنة 1610 ، وهو يكاد يعاصر الرحالة تافرنييه ، قائلا : «ثم مدينة البصرة : كان يوجد فيها مطرابوليط اسمه مارشمعون ، من بيت المقدس كان تحت يده أسقف واحد اسمه مار ايليا من الموصل ، مع كهنة وشمامسة قدر الكفاية. وكان لهم ثلاث كنائس داخل البلد : الاولى على اسم مار توما الرسول. والثانية على اسم مار ميخائيل. والثالثة على اسم مار هرمزد. وعدد المؤمنين كان ثلاثة آلاف بيت في سنة ألف وستمائة وعشرة. وهم نساطرة ، في زمان البطريرك مار ميخا شوحايه».
    الملحق رقم (24)
    (راجع الصفحة 75 الحاشية 4)
    إذا فرضنا ان العائلة تتألف من أربعة أفراد ، كان نفوس الصابئة في أيام تافرنييه ، أي قبل ثلاثمائة سنة ، زهاء مائة ألف صابىء. ولكن هذا العدد أخذ يتناقص ويتضاءل بمرور الأعوام. وليس بيدنا احصاء دقيق بعدد نفوسهم اليوم. إنما نورد فيما يلي ما ذكره بعض المؤلفين العراقيين بصدد عددهم ، ابتداء من الأقدم :
    1 ـ الأب انستاس ماري الكرملي : الصابئة أو المندائية (ظهر تباعا في مجلة «المشرق» البيروتية في السنوات 1900 ـ 1902 م). قال : «قد أحصيت

    بنفسي عدد الصابئة بلدة بلدة ، فوجدتهم لا يزيدون على 1800 نسمة ، وهم يسيرون إلى الانقراض حثيثا».
    2 ـ هاشم السعدي : جغرافية العراق الحديثة (بغداد 1924) قال (ص 82) ان نفوسهم 8500 نسمة
    3 ـ عبد الحميد عبادة : مندالي أو الصابئة الأقدمون (بغداد 1927) قال (ص 11) ان نفوسهم 5000.
    4 ـ طه الهاشمي : مفصل جغرافية العراق (بغداد 1930) قال : (ص 110) إن نفوسهم 8000.
    5 ـ السيد عبد الرزاق الحسني : الصابئة قديما وحديثا (القاهرة 1931) قال : (ص 61) ان نفوسهم 5300 ونقل رأي بعض الصابئة القائل إن عددهم يربو على 10000 نسمة.
    الملحق رقم (25)
    (راجع الصفحة 77 ، الحاشية 2)
    تفضل الأستاذ عبد الجبار عبد الله فكتب فيما يلي وصفا دقيقا لما يجري في حفلة الزواج عند الصابئة قال :
    يخلط المؤلف كثيرا في وصف حفلة الزواج. والصحيح أن الكهنة الذين لهم الحق في عقد المهر صنفان : الأول يسمى «الكنزبرا» وهو الذي يعقد مهر العذارى ، والثاني يسمى «الابيسق» وهو الذي يعقد الثيب. والكاهن الثاني أوطأ مرتبة من الأول ، كما أنه محروم من كثير من الحقوق الدينية التي يمارسها «الترميذة» أو الكنزبرا. فمثلا إنه لا يحق له أن يعمد.
    وأما كيفية معرفة العروس والتأكد منها ، فقد جرت العادة أن يترك الأمر إلى امرأة يثق الكاهن بها ويعتمد عليها. وليس من الضروري أن تكون زوج الكاهن نفسه حتى ولا أن تكون صابئية. وفي الوقت الحاضر يعمد بعضهم إلى استحصال تقرير طبي من طبيبة أو ممرضة رسمية.

    وأما وصف حفلة الزواج ، فكما يأتي :
    يقوم أحد الكهنة من درجة الترميذة بتعميد العروس والعريس كل على انفراد. ثم يعمدهما كاهن آخر كلّا على انفراد أيضا ثم يجلس الكنزبرا (أي رئيس الكهنة) في وسط مظلة من القصب يسمونها «المجلس» ، ويجلس إلى جانبه كاهنان من درجة الترميذة يقومان بدور شاهدين وبعد ان يقرأ الجميع صلوات خاصة خارج المجلس يجلس العريس إلى يسار الكنزبرا مرتديا ملابس مشابهة لتلك التي يرتديها الكهنة ويسمونها «الرسته» ويقرأ الكنزبرا الصلوات الخاصة بالزواج في كتاب خاص يسمونه «القلسته» ويحضر والد العروس أو من ينوب عنه ، ويشهد بأنه زوج ابنته من العريس ، ويصافح العريس على ذلك ثم يذهب الكنزبرا إلى العروس التي تكون في غرفة خاصة بها ويسألها عما إذا كان الزواج برضاها ، وإذا لم تكن مجبرة على تلك الزيجة. ويقرأ عليها صلاة خاصة ثم يعود إلى المجلس. وبعد أن يقرأ صلاة خاصة يأخذ العريس إلى عروسه ويقدمه إليها ويحلفه بأنه لا يخونها ولا يظلمها ... الخ كل ذلك وفقا لما هو مكتوب في القلسته التي يقرأها.
    وإذا كانت العروس ثيبا ، فيقوم الابيسق بقراءة القلسته بدلا من الكنزبرا ويقرأ الصلاة نفسها.
    أما يوم العقد ، فيجب أن يكون يوم الأحد ، لأنهم يقدسون هذا اليوم.
    وليس صحيحا أن الكاهن يختار يوما يوافق طالع العروسين.
    الملحق رقم (26)
    (راجع الصفحة 86 ، الحاشية 1)
    العمادية من أعظم القلاع العراقية وأبعدها شهرة ، تقوم في شمالي الموصل على بعد 168 كيلو مترا منها. وهي مبنية فوق جبل لا يرام إلا بجهد ومشقة.
    وللعمادية ، تاريخ طويل حافل وأقدم ما انتهى إلينا من أخبارها يرتقي إلى أيام الدولة الآشورية ، في المائة التاسعة قبل الميلاد ، ثم تقلبت بها

    الأحوال من بعد الأشوريين ، فدخلت في حكم دول ودويلات إسلامية وأما اليوم فهي مركز قضاء العمادية بلواء الموصل.
    العمادية في العصر الآشوري :
    تفضل الاستاذ طه باقر بكتابة النبذة الثمينة التالية بهذا الصدد فقال :
    «العمادية هي «أمات» (Amat) الواردة في المخطوطات الاشورية ولعل أقدم ذكر لها في سجلات (أخبار) الملك الاشوري «شمسي اداد» الخامس (823 ـ 810 ق. م.) الذي خلف أباه شلمنصر الثالث. وقد ذكرها من جملة المدن التي هيجها أخوه «اشور ـ دانن ـ ايلى» في حياة أبيه ليأخذ العرش لنفسه بدل الوريث الشرعي «شمسي ـ اداد» الخامس. أما محل ورودها فإنه في مسلة شمسي ـ اداد التي وجدت في القصر الجنوبي الغربي في نمرود (الآن في المتحف البريطاني رقم 110) وقد نشر نصها في :
    Rawinson, Cuneiform inscriptions of Western Asia, l, Plates ـ 92 ـ 13
    ونشر ترجمتها إلى الإنكليزية.Luckenbill ,Ancient Records ,l ,352 ff. وموضعها في الفقرة 715 من المصدر ذاته. وذكرها الملك الاشوري اداد ـ نراري الثالث (805 ـ 782 ق. م.) ابن شمسي اداد الخامس في مسلته التي هي الآن في متحف استانبول (انظر فقرة 736 المصدر ذاته (Luckenbill وبقيت «أمات» مدينة حتى العصر البابلي الحديث (الكلداني) (انتهى كلام الأستاذ طه باقر).
    العمادية في العصور الإسلامية :
    قال ياقوت (معجم البلدان 3 : 717 طبعة وستنفلد) في وصفها إنها «قلعة حصينة مكينة عظيمة في شمالي الموصل ومن أعمالها عمّرها عماد الدين زنكي ابن آق سنقر في سنة 537 ه‍ ، وكانت قبلها حصنا للأكراد فلكبره خربوه فأعاده زنكي وسماه باسمه في نسبه إليه ، وكان اسم الحصن الأول آشب».
    وقال في مادة آشب (معجم البلدان 1 : 63) : «آشب ، بكسر الشين كانت من أجل قلاع الهكارية ببلاد الموصل ، خربها زنكي بن آق سنقر وبنى

    عوضها العمادية بالقرب منها ، فنسبت إليه».
    فبمقابلة هذين النصين يفهم أن موقع آشب القديم لم يكن في مكان العمادية ، بل كان «قريبا» منه.
    وفي «نزهة القلوب» لحمد الله مستوفي القزويني (ص : 10 طبعة لسترنج) ان «العمادية مدينة كبيرة ، جدد عمارتها عماد الدولة الديلمي (المتوفى سنة 338 ه‍ ، 949 م) وسماها العمادية. هواؤها لطيف للغاية ، وحقوق ديوانها 68000 دينار».
    فهذا القول مخالف لما ذكره بلدانيو العرب ومؤرخوهم من أن مجدد العمادية كان عماد الدين زنكي لا عماد الدين الديلمي.
    وفي «تقويم البلدان» لأبي الفداء (ص 275 طبع باريس) اشارة إلى العمادية ، قال : «ومن بلاد الجزيرة العمادية ، وهي قلعة عامرة على ثلاث مراحل من الموصل من الشرق والشمال ، وهي على جبل من الصخر في الوطأ ، وتحتها مياه جارية وبساتين وهي في جهة الشمال عن اربل».
    وفي الكامل لابن الاثير اشارات عديدة إلى العمادية ، فقد ذكر في (9 : 8 طبعة ترنبرغ) ان زنكي فتح قلعة آشب وخربها وبنى عوضا عنها قلعة العمادية.
    وقال في حوادث سنة 537 ه‍ (الكامل 9 : 60) ان في هذه السنة «ارسل اتابك زنكي جيشا إلى قلعة آشب ، وكانت أعظم حصون الاكراد الهكارية وأمنعها ، وبها أموالهم وأهلهم ، فحاصروها وضيقوا على من فيها فملكوها ، فأمر بإخرابها وبناء القلعة المعروفة بالعمادية عوضا عنها».
    وأشار في حوادث سنة 563 ه‍ (9 : 218) إلى أن العمادية كانت من جملة أملاك زين الدين علي بن بكتكين وقد كان ابتداء تملكه إياها في سنة 539 ه‍.
    وفي أحداث سنة 615 ه‍ ساق ابن الأثير (الكامل 12 : 219 ـ 220) خبر محاصرة جيش بدر الدين لؤلؤ قلعة العمادية ، وكان فيها إذ ذاك عماد الدين

    زنكي ، وارتداد جيش بدر الدين عنها خائبا ، لتعسر اقتحامها ، ولكثرة الثلج المتساقط في تلك البقاع إذ كان الموسم شتاء فاستتب الأمر لعماد الدين في هذه القلعة.
    وذكر في أحداث سنة 622 ه‍ (12 : 289 ـ 291) ما كان من تملك بدر الدين لؤلؤ قلعة العمادية بعد أن استعصت عليه في سنة 615 ه‍. وكانت العمادية حين تملكها بدر الدين بيد أولاد خواجه إبراهيم.
    وقال محمد أمين زكي (خلاصة تاريخ الكرد والكردستان ص 194) أن في سنة 948 ه‍ (1551 م) اضطرت الحكومة العثمانية في عهد السلطان سلمان لتجريد حملة مؤلفة من قوات أمراء العمادية وغيرها لمطاردة الأمير الإيراني الذي رفض الذهاب إلى استانبول.
    وقال في ص 215 إن العمادية كانت حتى سنة 1048 ه‍ (1638 م) مستقلة تحت إدارة أمراء الأكراد ، ولم تخضع للتابعية العثمانية إلا في سنة 1070 ه‍ (1669 م).
    وقال أيضا في ص 231 إن عبد الباقي باشا والي الموصل أغار سنة 1193 ه‍ (1779 م) على العمادية فقتل ونهب وسلب.
    وذكر في ص 244 أن محمد باشا أمير راوندوز استولى على العمادية في سنة 1248 ه‍ (1832 م).
    ثم قال في ص 248 ـ 249 إن إسماعيل باشا البهديناني استولى على العمادية والبلاد المحيطة بها بعد رسول بك أخ محمد باشا. ولكن البلدة لم تبق بيده مدة طويلة ، فإن محمد باشا اينجه بيرقدار متصرف الموصل ، زحف سنة 1251 ه‍ (1835 م) بجيش على العمادية فاستولى عليها. ولكن إسماعيل باشا استردها سنة 1258 ه‍ (1842 م). ثم إن محمد رشيد باشا استولى على القلعة وقبض على إسماعيل باشا فأرسله إلى بغداد وزجه في سجنها ، وانتهى بذلك عهد هذا الأمير البهديناني.
    ولقد عقد الأمير شرف خان البدليسي فصلا طويلا في حكام العمادية

    البهدينانيين (شرفنامه. ص 145 ـ 156 طبع القاهرة).
    ومنه يستخلص أن نسب حكام العمادية يتصل بالخلفاء العباسيين. وتقول رواية أخرى إنهم ينتمون إلى شخص آخر اسمه عباس. وكان أصلهم من قلعة طارون من أعمال شمس الدينان ويسميهم أمراء كردستان بهادينان. والرواية الصحيحة أن أولاد بهاء الدين بقوا يحكمون العمادية مدة أربعمائة سنة. إن الحكام الذين حكموا العمادية من نسل بهاء الدين لا يعرف بعضهم. وأما المعروفون منهم فهم :
    الأمير زين الدين ، والسلطان حسين ، وقباذ بك ، وبيرام بك ، وسيدي خان بك بن قباذ بك.
    أن أول هؤلاء الحكام حكم العمادية في زمن الأمير تيمور كوركان ، وآخرهم دخل العمادية سنة 993 ه‍.
    الملحق رقم (27) (راجع الصفحة 91 ، الحاشية 2)
    تقول دائرة المعارف الاسلامية (مادة : عانة) إنها مدينة عريقة في القدم ، وهي من مدن الجزيرة ، عرفت في الكتابات المسمارية باسم خانات (Khanat) وفي المراجع الإغريقية باسم أناثا (Anatha) ، وفي الكتابات التدمرية باسم عانة ، بكونها محطة عسكرية. وسماها الآرميون عانات ، وبالسريانية عاناث ويزعم بعضهم أن اسمها آرمي الأصل ، معناه «بيت الماعز».
    ويقول العلامة المستشرق موسيل (Alois Musil) في كتابه :
    The Middle Euphrates (New York, 7291 : p. 302)
    «كانت عانة المعسكر السابع والعشرين في الطريق الذي أنشأه الملك الآشوري توكولتي انورتا. فقد كان معسكره قبالة جزيرة عانات في أرض سوخي ، وعانات هي عانة الحالية التي بني جامعها الكبير وقلعتها في جزيرة تبعد 16 كيلو مترا من سور».

    ويقول (ص 261) إن مدينة آنات هي التي أصبحت «عانات» في العصور الوسطى ، وعانة الوقت الحاضر.
    ويقول أيضا (ص 345 ـ 349) أن مركز عانة ، يقوم في الأصل في الجزر التي كانت كثيرة الخصب دائما. ولم تكن في الأزمنة السالفة على ما هي عليه اليوم من امتداد ، ولم يكن أهلها في منجاة من غزوات البدو فحسب ، بل إن مركزها ساعدهم على إخضاع المواطن المحيطة بها. لهذا السبب كان الآشوريون عادة يجعلون سادة عانة حكاما على مقاطعة سوخي وكان الملك توكولتي أنورتا الثاني (889 ـ 884 ق. م) قد تسلم الجزية من «ايلو ابني» عميد سوخي الذي كان يسكن في بلدة آنات الواقعة في منتصف الفرات.
    ومرّ أسطول الأمبراطور تراجان الروماني بجزيرة أناتا.
    وإن معين أحد قواد الملك الساساني سابور الثاني (309 ـ 379 م) بعد أن تنصّر وبنى كنائس وديارات في سنجار ، ذهب إلى عاناث حيث بنى له على ضفاف الفرات ، على ميلين من عانات منسكا عاش فيه سبع سنوات.
    وكانت قلعة أناتا تقع في جزيرة. وفي سنة 363 م حاصرها الأسطول الروماني فأحرقها وهرب أهلها منها وفي اليوم التالي غرقت عدة سفن من هذا الأسطول لاصطدامها بسدود كانت بنيت في النهر لأجل الري.
    وكان مبارك المعاصر لبرعيتا في منتصف القرن السادس للميلاد من أبناء عانة ، وهي بلدة على نهر الفرات.
    وفي بادئ سنة 591 م أرسل ورامس (Varamus) جيشا إلى قلعة عانة الواقعة على الفرات قرب قرقيسيا لصد كسرى من الرجوع إلى بلاد فارس. ولكن الجنود قتلوا قائدهم وأعلنوا الانضمام إلى كسرى.
    وفي بدء القرن السابع أقام أسقف بدو الثعلبية في عانة. وقد تطرق امرؤ القيس ، والأخطل ، وعلقمة في أشعارهم إلى خمرة عانة في كتاب الخراج لأبي يوسف (ص 185) :
    وقد كان خالد بن الوليد مر ببلاد عانات فخرج إليه «بطريقها» ، فطلب

    الصلح ، فصالحه وأعطاه ما أراده على أن لا يهدم لهم بيعة ولا كنيسة ، وعلى أن يضربوا نواقيسهم في أي ساعة شاؤوا من ليل أو نهار إلا في أوقات الصلوات. وعلى أن يخرجوا الصلبان في أيام عيدهم. واشترط عليهم أن يضيفوا المسلمين ثلاثة أيام ويبذرقوهم (أي يخفروهم).
    ويذكر ابن خرداذبه في المسالك والممالك (ص 74) ان عانة من عمل الفرات.
    ويقول قدامة في الخراج (ص 233) إن الفرات «يمر بالرحبة ، ثم يمر حتى يلتحف على عانة لأنها في وسطه ، ثم يمتد عل سننه ويمر بهيت والأنبار».
    وقد أشار الهمذاني إلى عانة بكونها من المدن المشهورة بخمرها.
    وقال المقدسي إن أكبر المدن على الفرات رحبة ابن طوق ، وكذلك قرقيسيا وعانة والدالية والحديثة.
    وقد وصف الشابشتي في كتاب الديارات دير مار سرجيس بقوله «هذا الدير بعانة ، وعانة مدينة على الفرات عامرة ، وبها هذا الدير ، وهو كبير حسن كثير الرهبان ، والناس يقصدونه للتنزه فيه وهناك كروم ومعاصر وبساتين وشجر والموضع في نهاية الحسن».
    وفي سنة 1008 إلى 1009 م راسل ابن محكان أهل عانة فأطاعوه ، وأخذ رهائنهم ، ثم خرجوا عن طاعته ، فسار إليها ولكن صالح بن مرداس الكلابي وضع من يقتله فقتل غيلة فملك هذا عانة والرحبة بمفرده (راجع ابن الأثير 9 : 148).
    وفي سنة 1022 إلى 1024 م اجتمع حسان أمير بني طي ، وصالح بن مرداس أمير بني كلاب ، وسنان بن عليان وتحالفوا واتفقوا على الحاكم المصري بالشام على أن يكون من حلب إلى عانة لصالح ، ومن الرملة إلى مصر لحسان ، ودمشق لسنان وأفلح صالح بفتح جميع البلاد من بعلبك إلى عانة ، وأقام في حلب ست سنوات (ابن الأثير 9 : 162).

    وفي معجم ما استعجم للبكري (ص 641) «وكانت عانة وهيت مضافتين إلى طاسيج الأنبار. وكانت الخمر الطيبة تنسب إليهما فلما حفر أنوشروان الخندق من هيت حتى يأتي كاظمة مما يلي البصرة وينفذ إلى البحر ، وجعل المناظر لعبث العرب في أرض السواد وما يليه ، خرب عانة وهيت بذلك السبب».
    ويقول موسيل إنه فحص الأرض من جنوب غرب هيت إلى مسافة تقرب من 250 كيلو مترا دون أن يقع على معالم أي خندق رغم انه أجهد نفسه للحصول على أثر واحد له ، فقد تكون القصة مستندة إلى التكوين الطبيعي للأرض ، إذ إنه على مسافة 55 كيلو مترا جنوب شرقي هيت يبدأ نجد طار الحيبان وطار الصيهد وغيرهما من النجود التي تمتد شرقا ، ولكنها تشرف من الغرب على منخفض البحرة وجفر المالح مع جرف قائم الانحدار نوعا ما ، على أن في هذا الجرف فجوات في بعض مواضعه تختلف في السعة يمكن تتبعها مسافة بعيدة إلى الجنوب الشرقي ، ولا يزال يشاهد حتى الآن ، على بضعة كيلو مترات أسفل هيت بقايا نهر كبير للري ، يمتد إلى النقطة التي يبدأ منها جرف طار الحيبان الطبيعي. إن جميع المخافر الفارسية للحدود شيدت إلى شرق الجرف الذي كان يشكل لها نوعا من خط تحصين طبيعي. إذ لا يمكن أن تصعدها الإبل العربية بركابها وأحمالها إلا في المواضع القابلة للعبور.
    وذكر ابن الأثير (10 : 221) أن أهل عانة نسبوا إلى الباطنية قديما ، فأنهي حالهم إلى الوزير أبي شجاع (1083 ـ 1091 م) أيام المقتدي بأمر الله فأحضرهم إلى بغداد ، فسأل مشايخهم على الذي يقال فيهم فأنكروا وجحدوا فأطلقهم.
    وفي تشرين الأول 1103 م استولى التركمان على مدينة عانة وحديثة ، وكان بيد بني يعيش ، فقصد بنو يعيش سيف الدولة صدقة بن مزيد ومعهم مشايخهم ، فسألوه الاصعاد إليها وأن يتسلمها منهم ، ففعل وصعد معهم ، فرحل التركمان عنها وعاد إلى حلته فرجع إليها التركمان وملكوها ونهبوا وسبوا جميع نسائها وانحدروا طالبين هيت من الجانب الشامي فبلغوا إلى

    قريب منها ، ثم رجعوا من يومهم لما جاءهم خبر جيش سيف الدولة مقبلا إليهم (ابن الأثير 10 : 252)
    وفي سنة 1142 إلى 1144 م استولى أتابك زنكي على عانة. وكتب الإدريسي أن عانات بلدة صغيرة في جزيرة في الفرات ، فيها أسواق وصناعات.
    وفي ياقوت (3 : 594) إن عانة مشهور بين الرقة وهيت ، يعد في أعمال الجزيرة ، وهي مشرفة على الفرات قرب حديثة النورة ، وبها قلعة حصينة. ولما بلغ الملك انوشروان أن طوائف من الأعراب يغيرون على ما قرب من السواد إلى البادية. أمر بتجديد سور مدينة آلوس ، كان سابور ذو الأكتاف بناها وجعلها مسلحة لحفظ ما قرب من البادية. وأمر بحفر خندق يشق طف البادية إلى كاظمة مما يلي البصرة ، وينفذ إلى البحر وبنى عليه المناظر والجواسق ونظمه بالمسالح ليكون ذلك مانعا لأهل البادية عن السواد ، وكانت هذه المسالح سببا في خراب هيت وعانات.
    إن الملك أنوشروان الذي ذكره البكري وياقوت كان كسرى الأول (531 ـ 578 م) وآلوس هي محلة آلوسة على نحو 50 كيلو مترا جنوب غربي هيت ، والملك سابور هو سابور الثاني (309 ـ 379 م) واستنادا إلى هذه الأخبار ، فإن هيت وعانات سقطتا لأنهما كانتا شمال غربي مسالح الحدود ، ولأن مسلحة قلعة آلوس لم تطق الدفاع عنهما.
    وفي 1238 م حكم عانة والرحبة والخابور صاحب حمص. وفي آخر كانون الثاني 1239 م (أبو الفداء 4 : 438 و 460 وما بعدها) تخلى نجم الدين أيوب عن سنجار والرقة وعانة للأمير يونس الملك الجواد الذي باع عانة من الخليفة المستنصر وبعد هذا البيع اجتاز الأمير يونس البادية إلى غزة والتحق بالصليبيين في حصن عكا.
    وفي ربيع 1241 م كانت عانة من أملاك الخليفة. وإن الخوارزميين الذين فروا من تعقب الملك المنصور لهم بعد أن انتهى من فتح تل خابور وقرقيسيا ، اتخذوا منها ملجأ لهم.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676   رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676 Emptyالجمعة أكتوبر 18, 2024 5:34 pm

    وفي 1253 ـ 1254 م أفرج بشفاعة الخليفة المستعصم عن الملك الناصر داود صاحب الكرك وكان قد اعتقله الملك الناصر يوسف بقلعة حمص ، وأمره ألا يسكن في بلاده ، فرحل الناصر داود إلى جهة بغداد فلم يمكنوه من الوصول إليها ، وطلب وديعته الجوهر ، فمنعوه إياها ، فبقي الناصر داود في جهات عانة والحديثة ، وضاقت به الأحوال وبمن معه فاتفق أن الأشرف صاحب تل باشر وتدمر والرحبة ويومئذ أرسل إليه سفينتين موسقتين دقيقا وشعيرا. وأخيرا أذن له في النزول بالأنبار وبينها وبين بغداد ثلاثة أيام.
    وفي آثار البلاد للقزويني (ص 280) : عانة بليدة بين هيت والرقة يطوف بها خليج من الفرات ، وهي كثيرة الأشجار والثمار والكروم ، ولها قلعة حصينة. ولكثرة كرومها العرب تنسب إليها الخمر. وأهل بغداد إذا شاهدوا ظلما قالوا الخليفة إذا في عانة ، وزمن هذا القول 1059 م لما كان الخليفة القائم بأمر الله محبوسا في عانة ولم يعد منها حتى ربيع 1060 م.
    وفي آخر آب 1316 م سار مهنا بن عيسى وكان نازلا بالقرب من عانة إلى خربندة كبير المغول ، واجتمع به بالقرب من قنغرلان ، ثم عاد إلى بيوته. (أبو الفداء 5 : 308).
    وفي تقويم البلدان لأبي الفداء (ص 287) عانة بلدة صغيرة على جزيرة في وسط الفرات.
    ويقول الحاج خليفة (فذلكة تواريخ) أن في سنة 1616 م كان أمير عانة وحديثة أحمد أبا ريش.
    وفي 1629 م جاء الأب فيليب الكرملي بعد مسيرة مرحلتين من الطيبة إلى الريبة (الرحبة) على نشز قريب من الفرات. بعد أن سار قليلا وجد جزرا صغيرة قرب عانة. ويقال إن هذه البلدة كانت أكبر بلدان البادية. وظلت مشهورة حتى خربها الفرس قبل ذلك بسنوات قلائل. وكانت تمتد على ضفتي الفرات مسافة ميل عند قاعدة جبل كان يفصلها عنه سور. وكان في جزيرة في النهر قلعة تصلها النيران المصوبة من الجبال المحيطة بها. وكانت عانة في زمنه نصفها خرب ، ويسكنها العرب واليهود فقط.

    وقد زارها تافرنييه في أواسط القرن السابع عشر ووصفها (كما مرّ بنا).
    ويروي دلافاله في رحلته ، أن عانة تقوم على ضفتي الفرات الذي يعبر بالقوارب ولأهل عانة عدد كبير منها. وفي كل جانب شارع واحد يزيد طوله على خمسة أميال. ومعظم الأكواخ مشيدة بالطين ولكنها مريحة ولطيفة. ولكل بيت بستان فيه الأشجار والنخيل والبرتقال والتين والزيتون والرمان وما إليها.
    وفي النهر عدد من الجزر تنمو فيها الأشجار المثمرة أيضا. وفي الجزيرة الوسطى قلعة. أما البلدة فلا يحيط بها سور ولكن الجروف القائمة الانحدار التي تسدها البساتين من الخلف تترك من نهايتيها ممرا ضيقا بمحاذاة النهر وكانت الجروف قائمة الانحدار بحيث يصعب الدخول إلى المدينة منها. وكان أمير البلدة وكل البادية الأمير فياض (Feiad) وكان له بيت جميل هناك ، ولقبه أبو ريش. ومع أن بعض سكان عانة يشهدون أنهم مسلمون ، إلا أنهم يعتنقون عقيدة مختلفة إذ إنهم ينسبون لمذهب باطني.
    وكان الأمير فياض أبو ريش من قبيلة الموالي التي تسيطر على الضفة اليمنى للفرات ، من تدمر إلى الكوفة.
    وفي منتصف القرن السابع عشر كانت عانة وبيره جك تؤلفان قسما من عمل الرقة أما بالس فتلحق بحلب.
    ويقول الحاج خليفة في (جهاتما) إن عانة البلدة القائمة في الجزيرة ، تقع فوق هيت والحديثة على حدود ايالة بغداد. ويقال إنها البلدة الوحيدة في هذه المنطقة التي ينمو فيها الزيتون ولها صيت بعيد بكونها مولد كثير من العلماء والأولياء والموسيقيين والطبيعيين. وكان يسكنها سابقا عدد وافر من النصيرية ، ولكن لم يبق منهم في القرن السابع عشر غير عدد قليل.
    ويقول أوليا جلبي إن عانة من أعمال الرقة.

    الملحق رقم (28)
    (راجع الصفحة 91 ، الحاشية 3)
    هي «رحبة مالك بن طوق» حسبما يؤخذ من سياق الرحلة. قال ياقوت في وصفها (معجم البلدان 2 : 764) : «رحبة مالك بن طوق : بينها وبين دمشق ثمانية أيام ، ومن حلب خمسة أيام ، وإلى بغداد ، على شاطىء الفرات أسفل من قرقيسيا. قال البلاذري : لم يكن لها أثر قديم ، إنما أحدثها مالك بن طوق ابن عتاب التغلبي في خلافة المأمون».
    وقد ذكر ابن الأثير (الكامل 7 : 188 طبعة ترنبرغ) أن مالكا هذا توفي سنة 260 ه‍ (873 ـ 874 م).
    وذكر موسيل في كتابه :
    (The Middle Euphrates. New York, 7291 : P. 443)
    «أن رحبة مالك أصابها الزلزال فدمرها سنة 1157 م. إلا أنه في سنة 1321 م ، أمر شير كوه بن محمد صاحب حمص ، بإعادة بنائها. وكانت في زمنه مركزا كبيرا للقوافل بين سورية والعراق. أما مشهد الرحبة الذي ذكره تافرنييه ، فهو في الواقع البقعة المحصنة المسماة «المشهد» أو «مشهد علي» ، وتبعد 9 كيلو مترات عن جنوب غربي قلعة الرحبة «قرب الميادين».
    (انتهت الملاحق التي وضعها المترجمان)

    1 ـ فهرس الأعلام
    أبجر الملك 33 ، 99
    أبو ريش (أحمد) 128 ، 129
    أبو شجاع 126
    الإدريسي 127
    الإسكندر الكبير 47 ، 51 ، 53 ، 91
    إسماعيل (الشاه) 98
    إسماعيل باشا البهديناني 122
    أفراسياب 71 ، 116
    أفرام (مار) 34
    إمام قولي خان 71
    أنستاس ماري الكرملي (الأب) 21 ، 117
    أوليا چلپي 129
    إيليا أسقف البصرة 117
    اينزورث الرحالة 106
    بدر الدين لؤلؤ 121
    برعيتا 124
    بيرام بك 123
    الحسن بن عمر بن خطاب التغلبي 85
    حسين باشا 71 ، 116
    خواجه إبراهيم 122
    الدجيلي (كاظم) 109
    ديلافاليه (الرحالة) 37 ، 100 ، 129 دلال (المطران جرجس) 100
    الدوري (الإمام محمد) 108
    راولف (الرحالة) 104
    رسول بك 122
    رولنصن (جورج) 115
    ريج 107
    زين الدين علي بن بكتكين 121
    زينفون 106
    سركيس (يعقوب) 62 ، 71 ، 75 ، 98
    سعود بن عبد العزيز 129
    سفر (فؤاد) 101
    سنان بن عليان 125
    السنيور ميخائيل 59 ، 60
    سيدي خان بك 123
    سيف الدولة صدقة بن مزيد 126
    صائغيان (دير نرسيس) 62
    صفي قولي خان 59
    طه باقر 111 ، 112 ، 113 ، 120
    عباس الكبير (الشاه) 20 ، 47 ، 71 ، 97
    عبد الباقي باشا 122
    عبد الجبار عبد الله 74 ـ 81 ، 83 ، 118
    علي باشا 71 ، 116 ، 117


    علي قولي خان 27
    عماد الدولة الديلمي 121
    عماد الدين زنكي 121 ، 122 ، 127
    عواد (كوركيس) 107
    عواد (ميخائيل) 94
    فياض (الأمير) 129
    قباذ بك 123
    قطب الدين مودود 101
    كوريكالزو 113
    مجاهد الدين 103 مدحت باشا 112
    مراد (السلطان) 38 ، 63 ، 65 ، 71
    مرجان (أمين الدين) 114
    مصطفى جواد 74
    معاني جويريدة 37 ، 100
    محمد باشا أمير راوندوز 122
    محمد باشا اينجه بيرقدار 122
    موسيل 123 ، 126 ، 130
    نجم الدين أيوب 127
    يعقوب (مطران نصيبين) 39


    2 ـ فهرس الأمكنة والبقاع
    آشب 120 ، 121
    آلوس 127
    آلوسة 127
    أبو مارية 102
    الأحساء 98
    أدسا 33 ، 34 ، 99
    إربل 47 ، 162
    الأردن (انظر : نهر الأردن)
    أزمير 13 ، 15 ، 72
    استانبول 116 ، 122
    الإسكندرونة 29 ، 51 ، 93
    أسكي كلك 47
    أسكي موصل 101 ، 102
    أشور 29 ، 41 ، 45 ، 49 ، 54 ، 100
    أصفهان 13 ، 28 ، 29 ، 43 ، 45 ، 87 ، 89 ، 92 ، 93
    أقريطش 99
    آلتون صو 48 ، 55
    أمات 120
    امام دور (انظر : الدور)
    أنات (أناتا ، أناثا) 123 ، 124
    الأنبار 125 ، 128 أنطاكية 51
    أور 100
    أورفا 32 ، 33 ، 34 ، 35 ، 85 ، 99
    إيران 20 ، 26 ، 27 ، 48 ، 74 ، 100
    الباب الأسود (بغداد) 65
    باب البيض (الموصل) 105
    الباب الجديد (الموصل) 105
    باب الجسر (الموصل) 105
    باب السراي (الموصل) 105
    باب سنجار (الموصل) 105
    الباب الشرقي (بغداد) 65 ، 112
    باب الشط (بغداد) 65
    الباب الصغير (الموصل) 105
    باب الطلسم (بغداد) 65 ، 112
    باب الطوب (الموصل) 105
    باب العراق (الموصل) 105
    الباب العمادي (الموصل) 105
    باب الغربة (بغداد) 114
    باب القلعة (الموصل) 105
    باب لگش (الموصل) 105
    باب المعظم (بغداد) 58 ، 65 ، 112
    باب الوباء (الموصل) 105


    الباب الوسطاني (بغداد) 65 ، 113
    بابل 51 ، 53 ، 57 ، 67 ، 74 ، 91 ، 100
    باش طابية (الموصل) 106
    الباطنة 74
    بالس 129
    البحرة 126
    برج بابل 63 ، 64 ، 113
    برس بوليس 100
    البصرة 13 ، 15 ، 19 ، 24 ، 25 ، 26 ، 27 ، 67 ـ 75 ، 115 ، 116 ، 117 ، 126 ، 127
    البصرة القديمة 24 ، 116
    بعلبك 125
    بغداد 13 ، 17 ، 20 ، 24 ، 32 ، 38 ، 47 ، 48 ، 51 ، 53 ، 54 ، 56 ـ 69 ، 71 ، 72 ، 89 ـ 93 ، 100 ، 107 ، 108 ـ 113 ، 118 ، 126 ـ 130
    بغداد (بغدادو ، بغداذ ، بغدان) 111 ، 112
    بكدادا (بكدادو ، بكدادي) 112
    بكري سعدة 115
    بلاد العرب 21 ، 68 ، 69 ، 74
    بلاد العرب السعيدة 16 ، 23 ، 89
    بلاري 112
    بلد 101
    بلط 101
    بندر ريك 27
    بهرز (نهر) 45
    بوشير 27
    بوهرز 90 ، 92 بيت الخليفة (سامراء) 110
    البيرة 30 ، 31 ، 85
    بيره چك 30 ، 31 ، 129
    تبريز 13 ، 20 ، 32 ، 55 ، 85 ، 87
    تخت جمشيد 100
    تدمر 128 ، 129
    تكريت 55 ، 56 ، 108
    تل باشر 30 ، 128
    تل توبة 105
    تل خابور 127
    تل عمر 67
    تل النبي يونس 105
    جامع أبي دلف 110
    جامع البو حيدر (الدور) 108 ، 109
    جامع خضر إلياس (بغداد) 62
    جامع السادة (الدور) 109
    جامع سامراء 56 ، 110
    جامع الكوفة 20
    جبل سنام 115
    جزيرة ابن عمر 85
    جسر بغداد 58 ، 59
    جسر الموصل 42 ، 43 ، 104
    جفر المالح 126
    جهينة 107
    جولمرك 86
    جيلان 87
    الحدباء 104
    الحديثة 125 ، 126 ـ 129
    حديثة النورة 127


    حلب 15 ـ 17 ، 21 ، 28 ـ 30 ، 32 ، 45 ، 51 ، 55 ، 72 ، 85 ، 87 ، 89 ، 92 ـ 96 ، 125 ، 129 ، 130
    حمام علي (العليل) 53 ، 106
    حمص 127 ، 130
    حوش الباشا (البصرة) 71
    الحويزة 74
    خان العطشان 97
    خانات 164
    خانقين 7 ، 90 ، 92
    خلف آباد 74
    الخندق 99
    خوانسار 89 ، 93
    خودادو 112
    دار السلام 7 ، 58 ، 111
    الدالية 125
    دجلة 32 ، 41 ـ 45 ، 47 ـ 49 ، 51 ـ 59 ، 62 ، 63 ، 67 ، 68 ، 72 ، 85 ، 101 ـ 110
    الدچة (الدكة) 75
    دسپول 74
    دمشق 15 ، 72 ، 92 ، 96 ، 104 ، 130
    الدور 56 ، 109
    الدورق 75
    دور كوريكالزو 113
    ديابا 106
    ديار بكر 13 ، 32 ، 35 ، 72 ، 85 ، 92 ، 43 ، 106
    الدير الأعلى (الموصل) 43 ، 106 دير الزور 129
    دير الكبوشيين (بغداد) 60
    دير مار جبرائيل (گبرييل) 105
    دير مار سرجيس 125
    دير يونان 105
    دير يونس 105
    دير يدوتيس 115
    ذو الكفل 63
    رامهرمز (رامز) 74
    راوندوز 122
    الرحبة 91 ، 92 ، 95 ، 125 ، 128 ، 130
    الرقة 127 ، 128 ، 129
    الرملة 125
    الزها 99
    الزاب 54 ، 106
    الزاب الصغير (الأسفل) 54 ، 55
    الزاب الكبير (الأعلى) 46 ، 106
    زاباتس 106
    الزبير 115
    زراب (زرب) 106
    الزكية 75
    الزوراء 111
    سامراء 56 ، 108 ، 110 ، 114
    سد العواية (انظر العواية)
    سلماس 86 ، 87
    سلوقية 67
    سنا 90 ، 93
    سنجار 127
    سوخي 123 ، 124


    سور 123
    سوق الميدان (الموصل) 42
    شط العرب 27 ، 70
    الشطرة 68
    شهربان 90 ، 92
    شهرزور 47 ، 48
    شوشتر 74 ، 80
    شيراز 27 ، 28 ، 71
    صوقاپي (بغداد) 65
    صيداء 15
    طار الحيبان 126
    طار الصيهد 126
    طريدون 69 ، 115 ، 116
    طهران 87
    طوقات 10 ، 35
    الطيبة 91 ، 92 ، 96 ، 128
    عانات (عاناث) 127
    عانة 13 ، 17 ، 89 ، 91 ـ 95 ، 123 ، 129
    العراق 3 ، 17 ، 47 ، 51 ، 54 ، 67 ـ 74 ، 92 ، 100 ، 105 ، 113 ، 114
    العزير 68
    العظيم 7 ، 57
    عقد الكنائس (بغداد) 62
    عقرقوف 63 ، 113 ، 114
    عكا 127
    العمادية 86 ، 120 ، 121 ، 122 ، 123
    العمارة 68
    العواية 107 عين زهرة 107
    عين فصوصة 107
    العين الكبيرة 107
    غزة 127
    الفرات 16 ، 19 ، 20 ، 21 ، 23 ، 27 ، 30 ـ 33 ، 42 ، 63 ، 68 ، 69 ، 70 ، 85 ، 89 ، 91 ، 97 ، 115 ، 124 ، 125 ، 128 ، 129 ، 130
    فلسطين 10 ، 74
    قالقوط 16 ، 72 ، 94 ، 95
    القاهرة 15 ، 72
    قبة الست زبيدة 108
    قبر عزرا الكاتب 68
    قرقيسيا 124 ، 125 ، 127 ، 130
    القرنة 68 ـ 70
    قره 36
    قرة سراي (تركية) 37 ، 38
    قرة قاپي (بغداد) 65
    قزلرباط 7 ، 90 ، 92
    القسطنطينية 10 ، 11 ، 13 ، 15 ، 24 ، 32 ، 60 ، 69 ، 71 ، 72
    قصر شيرين 90 ، 92
    القطيف 98
    قلعة بغداد 59 ، 65
    قلعة حمص 127 ، 128
    قلعة طارون 123
    قلعة الموصل 41
    قم 90 ، 93
    قندهار 20


    قنطرة اسكي كلك 47
    قنطرة اسكي موصل 101
    قوش حصار 36 ، 37 ، 39
    القپارة 55 ، 107 ، 108
    الكاريان 75
    كازرون 27
    كاظمة 126 ، 127
    كربلاء 97
    كردستان 41 ، 45 ، 122
    الكرك 127
    كريت (كاندي) 29 ، 51 ، 59 ، 99
    الكسك 102
    كسك كوپري 102
    كشكي زرد 28
    الكفل 63
    كلدية 26 ، 54 ، 57 ، 67 ، 68 ، 74
    كمار 75
    كنكور 13 ، 89 ، 90 ، 93
    كنيسة انتقال العذراء (بغداد) 62
    كنيسة الثالوث الأقدس (بغداد) 62
    كنيسة خضر الياس (بغداد) 62
    كنيسة الدونمة (بغداد) 62
    كنيسة السيدة العذراء (بغداد) 62
    كنيسة الكبوشيين (بغداد) 62
    كنيسة مار توما (البصرة) 117
    كنيسة مار ميخائيل (البصرة) 117
    كنيسة مار هرمزد (البصرة) 117
    كنيسة مسكنتا (بغداد) 62
    كوت الإمارة 68 الكوفة 19 ، 20 ، 98 ، 129
    كوكاميلا 47
    لوزا 75
    ليكس 106
    ماردين 36 ، 37 ، 100
    المارستان المجاهدي (الموصل) 103
    مازندران 87
    ماهي دشت 90 ، 93
    مائين 28
    متحف الأسلحة القديمة (بغداد) 113
    المتحف العراقي 111
    المجر (العراق) 68
    محلة البتاويين (بغداد) 62
    محلة الميدان (بغداد) 62
    محلة الميدان (الموصل) 42
    محلة النصارى (بغداد) 62
    المدرسة المرجانية 114
    مرقد النبي حزقيال 63
    مسجد الشويخات (الدور) 109
    مسجد المواشط (الدور) 109
    مسجد الكوفة 98
    مسجد النبي يونس 43 ، 45 ، 105
    مسقط 70
    مشهد 19
    مشهد علي 19 ، 130
    المعقل 75
    مغداد (مغداذ مغدان) 111
    مكة 23 ، 60
    الملوية (سامراء) 56 ، 109 ، 100


    المناوي 74
    المنصوري 68
    الموصل 13 ، 19 ، 32 ، 40 ، 41 ، 42 ، 43 ، 51 53 ، 72 ، 85 ، 86 ، 100 ، 103 ـ 108 ، 117 ، 119 ـ 122
    الموقدة (الموجدة) 97
    الميادين 130
    ميسيا 55
    النجف 19 ، 20 ، 97 ، 98
    نصيبين 34 ، 39 ، 40 ، 102
    نقش رستم 100
    نمرود 63 ، 120
    نهاوند 90 ، 93
    نهر أبا 115
    نهر الأردن 74 ، 80 ، 83
    نهر الناجية 98 نهر الذهب 48 ، 55
    نهر شاري 112
    نهر الشاه 98
    نهر عيسى 114
    نهر المكرية 98
    نهر الملك 112
    نينوى 41 ، 42 ، 45 ، 48 ، 51 ، 53 ، 101 ، 112
    هراة 87
    هرمز 26 ، 71
    هرون آباد 90 ، 93
    همذان 13 ، 90
    هيت 125 ـ 129
    يزد 28
    يزدي خست 28
    اليمن 16


    3 ـ فهرس الشعوب والقبائل والأديان
    الأغسطينيون 25 ، 73
    الصابئة 67 ، 73 ، 74 ، 83 ، 117 ، 118
    الكبوشيون 30 ، 36 ، 39 ، 41 ، 43
    الكرمليون 25 ، 73 النساطرة 37 ، 39 ، 41 ، 62 ، 73 ، 117
    النصيرية 129
    الهكارية 120 ، 121



    4 ـ فهرس المراجع
    آثار البلاد للقزويني 103 ، 104 ، 128
    الآثار الخطية للآب رباط 25
    أحسن التقاسيم للمقدسي 103 ، 125
    الأخبار الأسبوعية (مجلة) 107
    الاعتدال (مجلة) 98
    بغداد في عهد الخلافة العباسية 68
    تاريخ مساجد بغداد للآلوسي 62
    تقويم البلدان لأبي الفداء 104 ، 121 ، 128
    تقويم قديم للكنيسة الكلدانية النسطورية 117
    جغرافية العراق الحديثة للسعدي 118
    حياة الحيوان الكبرى الدميري 34
    الخراج لأبي يوسف 124
    الخراج لقدامة 125
    خلاصة تاريخ الكرد وكردستان لمحمد أمين زكي 122
    دائرة المعارف الإسلامية 55 ، 56 ، 98 ، 123
    دليل المصايف العراقية ليونان عبر اليونان 86
    الديارات للشابشتي 106 ، 125 ذخيرة الأذهان لنصري 25
    الرابطة (مجلة) 94
    رحلة ابن بطوطة 16 ، 74 ، 104 ، 105 ، 108 ، 116
    رحلة ابن جبير 103 ، 105 ، 108
    رحلة إلى الهند للمطران نوري 111
    زاد المسافر للكعبي 116
    سامراء لمديرية الآثار القديمة 110
    شرفنامة للبدليسي 122
    شفاء الغليل للخفاجي 38
    الصابئة للحسني 118
    صبح الأعشى للقلقشندي 21
    صورة الأرض لابن حوقل 102
    فتوح البلدان للبلاذري 74 ، 130
    الكامل لابن الأثير 105 ، 121 ، 130
    لغة العرب (مجلة) 62 ، 98 ، 109 ، 111
    ماضي النجف وحاضرها لمحبوبة 97 ، 98
    المسالك والممالك لابن خرداذبه 125
    المشرق (مجلة) 111 ، 117
    معجم البلدان لياقوت الحموي 30 ، 74 ، 85 ، 101 ، 103 ، 105 ، 106 ، 107 ، 110 ، 111 ، 120 ، 130


    معجم الحيوان لأمين المعلوف 34
    معجم ما استعجم للبكري 125
    المعرب للجواليقي 111
    مفصل جغرافية العراق لطه الهاشمي 118
    مناقب بغداد لابن الجوزي 111 مندالي لعبادة 118
    نزهة القلوب لحمد الله 121
    نشرة الأحد (مجلة) 100
    النقود العربية للكرملي 21



    فهرس المحتويات
    المقدمة 5
    جان بابتيست تافرنييه (1605 ـ 1689 م) 9
    الفصل الثالث (من الكتاب الثاني من الرحلة)
    الكلام على الطرق العديدة من حلب إلى أصفهان
    بوجه عام وطريق البادية بوجه خاص 13
    الفصل الرابع (من الكتاب الثاني من الرحلة)
    الطريق بين حلب وأصفهان ، عبر ما بين النهرين وبلاد آشور ، وهو الطريق الذي سلكته في رحلتي الثالثة إلى الهند وجزرها 29
    الفصل الخامس (من الكتاب الثاني من الرحلة)
    نسخة الكلام على الطريق من نينوى إلى أصفهان 45
    الفصل السادس (من الكتاب الثاني من الرحلة) 51
    الفصل السابع (من الكتاب الثاني من الرحلة)
    مواصلة الطريق الذي سلكه المؤلف في رحلته الرابعة في آسية ، وخاصة سفره في دجلة من نينوى إلى بابل [بغداد] 53
    الفصل الثامن
    إكمال الطريق من بغداد إلى البصرة
    والكلام على ديانة الصابئة وهم نصارى يوحنا 67
    الفصل الرابع (من الكتاب الثالث من الرحلة)
    الطريق الآخر من حلب إلى توريز [تبريز] وهو المار بالجزيرة
    وغيرها من البلدان 85

    الفصل الخامس (من الكتاب الثالث من الرحلة)
    الطريق من حلب إلى أصفهان ، مارا بالبادية الصغيرة وكنكور 89
    الملاحق 97
    1 ـ فهرس الأعلام 131
    2 ـ فهرس الأمكنة والبقاع 133
    3 ـ فهرس الشعوب والقبائل والأديان 139
    4 ـ فهرس المراجع
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
     
    رحلة الفرنسي تاقرنييه الى العراق في القرن السابع عشر سنة1676
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    » رحلة ديللاقاليه الى العراق مطلع القرن السابع عشر
    » الجزء السابع من كتاب صفين
    » رحلة ابن جبير
    » رحلة ابن بطوطه
    » رحلة مدام ديولافو من المحمره الى البصره وبغداد سنة 1881م-1922ه

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: 32- منتدى الرحلات التاريخيه للعراق-
    انتقل الى: