يا ليت ما سوّد أيام الصبا
أعدى بياضاً في العذارين نزل
ما خلتُ سوداء بياضي نصَلت
حتى ذوى أسود رأسي فنصل (1)
طارقة من الزمان أخذت
أواخر العيش بفرطات الأول
قد أنذرت مبيضة ان حذّرت
ونطقَ الشيب بنصحٍ لو قُبِل
ودلّ ما حط عليك من سنى
عمرك أن الحظ فيما قد رحل
كم عِبرةٍ وأنت من عظاتها
ملتفتٌ تتبع شيطان الامل
ما بين يمناك وبين أختها
إلا كما بين مناك والأجل
فاعمل من اليوم لما تلقى غدا
أو لا فقل خيراً توفّق للعمل
ورِد خفيف الظهر حول اسرةٍ
إن ثقّلوا الميزان في الخير ثَقل
اشدد يداً بحب آل « أحمد »
فإنه عقدة فوزٍ لا تُحل
وابعث لهم مراثياً ومدحاً
صفوة ما راض الضمير ونخل
عقائلا تصان بابتذالها
وشاردات وهي للسارى عُقُل
تحمل من فضلهم ما نهضت
بحمله أقوى المصاعيب الذّلل
موسومةً في جبهات الخيل أو
معلّقات فوق أعجاز الإبل
تنثو (2) العلاء سيّدا فسيداً
عنهم وتنعى بطلا بعد بطل
الطيبون أزراً تحت الدجى
الكائنون وَزرا (3) يوم الوجل
والمنعمون والثرى مقطّب
[ من جدبه ] والعام غضبان أزِل
خير مصلّ ملكا وبشرا
وحافيا داس الثرى ومنتعِل
هم وأبوهم شرفاً وأمهم
أكرم مَن تحوي السماء وتُظِل
لا طلقاء منَعمٌ عليهم
ولا يجارون اذا الناصر قل (4)
__________________
1 ـ نصل : خرج من خضابه.
2 ـ تنثو تذيع.
3 ـ الوزر الملجأ.
4 ـ يشير الى فتح مكة لما منّ رسول الله على أهل مكة وقال اذهبوا فانتم الطلقاء.
يستشعرون « الله أعلى في الورى »
وغيرهم شعاره « أعلُ هُبل » (1)
لم يتزخرف وثنُ لعابدٍ
منهم يُزيغ قلبه ولا يضل
ولا سرى عرق الإماء فيهم
خبائث ليست مريئات الأكل
يا راكباً تحمله « عيدية »
مهوية الظهر بعضّات الرحل
ليس لها من الوجا (2) منتصر
إذا شكا غاربها حيف الإطل (3)
تشرب خمسا وتجر رعيها
والماء عدّ (4) والبنات مكتهل
اذا اقتضت راكبها تعريسة (5)
سوّفها الفجر ومنّاها الطفل (6)
عرّج بروضات « الغرى » سائفا (7)
أزكى ثرى وواطئا أعلى محل
وأدّ عني مُبلغا تحيتي
خير « الوصيين » أخا خير الرسل
سمعا « امير المؤمنين » إنها
كناية لم تك فيها منتحل
ما « لقريش » ما ذقتك عهدها
ودا مجتك ودها على دخل (
وطالبتك عن قديم غِلّها
بعد أخيك بالترات والذحل
وكيف ضموا أمرهم واجتمعوا
فاستوزروا الرأي وانت منعزل
وليس فيهم قادح بريبة
فيك ولا قاضٍ عليك بوهل
ولا تُعدّ بينهم منقبة
إلا لك التفصيل منها والجُمل
وما لقومٍ نافقوا « محمدا »
عمر الحياة وبغوا فيه الغيل!
وتابعوه بقلوبٍ نزل « الـ
ـفرقان » فيها ناطقاً بما نزل
__________________
1 ـ هبل صنم كان في الكعبة ، ويشير بذلك الى قول أبي سفيان في يوم أحد أعل هبل. فقال رسول الله 9 أجيبوه وقولوا : الله أعلى وأجل.
2 ـ الوجا : الحفا.
3 ـ الاطل : الخاصرة.
4 ـ العد : الغزير الذي لا ينقطع.
5 ـ التعريسية : نزول القوم آخر الليل للاستراحة.
6 ـ الطفل : قبيل غروب الشمس.
7 ـ سائفا : ساماً.
8 ـ الدخل : الخداع والغش.
مات فلم تنعق على صاحبه
ناعقة منهم ولم يرغِ جمل
ولا شكا القائم في مكانه
منهم ولا عنفهم ولا عذل
فهل ترى مات النفاق معه
أم خلصت أديانهم لما نُقل
لا والذي أيّده بوحيه
وشده منك بركن لم يزل
ما ذاك إلا ان نياتُهُم
في الكفر كانت تلتوى وتعتدل
وأن وَدّاً بينهم دل على
صفائه رضاهم بما فعل
وهبهم تخرصا قد ادعوا
أن النفاق كان فيهم وبطل
فما لهم عادوا وقد وليتهم
فذكروا تلك الحزازات الأول!
وبايعوك عن خداع ، كلهم
باسط كفٍ تحتها قلبٌ نغِل
ضرورة ذاك كما عاهد مَن
عاهد منهم « أحمدا » ثم نكل
وصاحب الشورى لما ذاك ترى
عنك ـ وقد ضايقه الموت ـ عدل
« والأمويُ » ما له أخرّكم
وخص قوماً بالعطاء والنفل
وردها عجماء « كسرويّةً »
يضاع فيها الدين حفظا للدول
كذاك حتى أنكروا مكانه
وهم عليك قدّموه فقبل
ثم قسمتَ بالسواء بينهم
فعظم الخطب عليهم وثقل
فشحذت تلك الظبا وحفرت
تلك الزبى وأضرمت تلك الشعل
مواقف في الغدر يكفي سُبةً
منها وعاراً لهم « يوم الجمل »
( وإن تكن ذات الغبيط أقلعت
بزعم من اكدّ ذاك ونقل )
( فما لها تمنع من دفن ابنه
لولا هناة جرحها لم يندمل )
يا ليت شعري عن أكف أرهفت
لك المواضي وانتحتك بالذبُل
واحتطبت تبغيك بالشر ، على
أي اعتذار في المعاد تتكل؟!
أنسيت صفقتها أمسِ على
يديك ألا غيرٌ ولا بدل؟
وعن حصان أبرزت يكشف باسـ
ـتخراجها ستر النبي المنسدل
تطلب امراً لم يكن ينصره
بمثلها في الحرب إلا من خذل
__________________
البيتان المقوسان في الديوان المخطوط.
يا للرجال و « لتيم » تدّعي
ثأر « بني امية » وتنتحل
وللقتيل يلزمون دمه
ـ وفيهم القاتل ـ غير مَن قتل
حتى اذا دارت رحى بغيهم
عليهم وسبق السيف العذل
وانجز النكث العذاب (1) فيهم
بعد اعتزال منهم بما مطل
عاذوا بعفو ماجدٍ معوّدٍ
للصبر حمالٍ لهم على العلل
فنحت البقيا عليهم مَن نجا
وأكل الحديد منهم مَن أكل
فاحتجّ قومٌ بعد ذاك لهم
بفاضحات ربها يوم الجدَل
فقلّ منهم من لوى ندامة
عنانه عن المصاع فاعتزل
وانتزع العامل (2) من قناته
فردّ بالكره فشد فحمل
والحال تُنبي أن ذاك لم يكن
عن توبةٍ وإنما كان فشل
ومنهم مَن تاب بعد موته
وليس بعد الموت للمرء عمل
وما الخبيثين « ابن هندٍ » وابنه
وإن طغى خطبهما بعد وجل
بمبدعين في الذي جاءا به
وإنما تقفيا تلك السبل
إن يحسدوك فلفرط عجزهم
في المشكلات ولما فيك كمل
الصنو أنت والوصي دونهم
ووارث العلم وصاحب الرسل
وآكل الطائر والطارد
للصلّ ومن كلّمه قبلك صِلّ؟!
وخاصف النعل وذو الخاتم والـ
ـمنهل في يوم القليب والمُعِل
وفاصل القضية العسراء في
« يوم الحنين » وهو حكم ما فَصَل
ورجعة الشمس عليك نبأ
تشعب الالباب فيه وتضل
فما ألوم حاسداً عنك انزوى
غيظا ولاذا قَدَمٍ فيك تزل
ياصاحب الحوض غداً لا حُلّئت
نفس تواليك عن العذب النهل
ولا تسلّط قبضة النار على
عنقٍ اليك بالوداد ينفتل
عاديت فيك الناس لم احفل بهم
حتى رموني عن يدٍ إلا الأقل
__________________
1 ـ وفي الاصل « العِدات ».
2 ـ العامل : صدر الرمح وهو ما يلي السنان.
تفرّغوا يعترقون (1) غيبةً
لحمي وفي مدحك عنهم لي شغل
عدلتُ أن ترضى بأن يسخط مَن
تقلّه الارضُ عليّ فاعتدل
ولو يشقّ البحر ثم يلتقي
فلقاه فوقي في هواك لم أبَل
علاقة بي لكم سابقة
لمجد « سلمان » اليكم تتصل
ضاربة في حبكم عروقها
ضرب فحول الشول في النوق البزل
تضمني من طرفي في حبلكم
مودّةٌ شاخت ودينٌ مقتبل
فضلت آبائي الملوك بكم
فضيلة الاسلام أسلافَ الملل
لذاكم أرسلها نوافذاً
لأمّ مَن لا يتقيهن الهبل
يمرقن زُرقاً من يهدي حدائدا
تنحى أعاديكم بها وتنتبل (2)
صوائبا إما رميت عنكم
وربما أخطأ رامٍ من « ثعل » (3)
__________________
1 ـ يعترقون : ينزعون ما على العظم من لحم.
2 ـ تنتبل ترمى بالنبل.
3 ـ ثعل : اسم قبيلة مشهورة بالرمي.
الشريف المرتضى
قال يذكر مصرع جده الحسين 7 :
أأُسقى نميرّ الماء ثم يلذّ لي
ودوركم آل الرسول خَلاء؟
وأنتم كما شاء الشتات ولستم
كما شئتم في عيشةٍ وأشاء
تذادون عن ماء الفرات وكارع
به إبلٌ للغادرين وشاء
تنشرّ منكم في القَواءِ معاشر
كأنهم للمبصرين مُلاء
ألا إن يوم الطف أدمى محاجراً
وأدوى قلوباً ما لهنّ دواء
وإن مصيبات الزمان كثيرة
ورب مصابٍ ليس فيه عزاء
أرى طخيةً فينا فأين صباحها
وداء على داءِ فأين شفاء؟
وبين تراقينا قلوب صديئة
يراد لها لو أعطيته جلاءُ
فيما لائماً في دمعتي أو « مفنداً »
علي لوعتي واللوم منه عناء؟
وهل لي سلوان وآل محمد
شريدهم ما حان منه ثواء
تصدّ عن الروحات أيدي مطيهم
ويزوى عطاء دونهم وحُباء
كأنهم نسل لغير محمدٍ
ومن شعبه أو حزبه بعداءُ
فيا أنجماً يهدى الى الله نورها
وإن حال عنها بالغبي غباءُ
فإن يك قوم وصلة لجهنم
فأنتم الى خُلد الجنان رشاءُ
دعوا قلبي المحزون فيكم يهيجه
صباح على أُخراكم ومساء
فليس دموعي من جفوني وإنما
تقاطرن من قلبي فهنّ دماء
اذا لم تكونوا فالحياة منية
ولا خير فيها والبقاء فناء
وإما شقيتم في الزمان فإنما
نعيمي اذا لم تلبسوه شقاء
لحا الله قوماً لم يجازوا جميلكم
لأنكم أحسنتم وأساؤا
ولا انتاشهم عند المكاره منهض
ولا مسهم يوم البلاء جزاء
سقى الله أجداثاً طوين عليكم
ولا زال منهلاً بهن رواء
يسير إليهن الغمام وخلفه
رماجر من قعقاعِه وحُداء
كأن بواديه العشار تروحت
لهنّ حنينٌ دائمٌ ورغاء
ومَن كان يسقى في الجنان كرامة
فلا مسّه من [ ذي ] السحائب ماء (1)
وقال يرثي جده الحسين 7 ويستنهض المهدي 7 لثاره في الأنام :
قف بالديار المقفرات
لعبت بها أدي الشتات
فكأنهن هشائم
بمرور هوج العاصفات
فإذا سألت فليس تسـ
ـأل غير صمٍ صامتات
خرسٍ يخلن من السكو
تِ بهن هام المصغيات
عج بالمطايا الناحلا
تِ على الرسوم الماحلات
الدارسات الفانيا
ت شبيهة بالباقيات
واسأل عن القتلى الألى
طرحوا على شطّ الفرات
شُعثٌ لهم جُممٌ عصيـ
ـن على أكف الماشطات
وعهودهن بعيدة
بدهان ايدٍ داهنات
__________________
1 ـ عن الديوان.
نسج الزمان بهم سرا
بيلاً بحوك الرامسات (1)
تطوى وتُمحى عنهم
محواً بهطل المعصرات
فهم لأيدٍ كاسيا
ت تارة أو معريات
ولهم أكفّ ناضرا
تٌ بين صمٍ يابسات
ما كن إلا بالعطا
يا والمنايا جاريات
كم ثَمّ من مهجٍ سقيـ
ـن الحتف للقوم السرات
والى عصائب ساريا
ت في الدآدي عاشيات (2)
غرثان إلا من جوّى
عريانَ إلا من أذاةِ
وإذا استمد فمن
أكف بالعطايا باخلات
واذا استعان على خطو
بٍ أو كروب كارثات
فبكلّ مغلولِ اليديـ
ـن هناكَ مفلول الشّباة
قل للألى حادوا وقد
ضلوا الطريق عن الهداة
وسروا على شعب الركا
ئب في الفلاة بلا حداة
نامت عيونكم ولـ
ـكن عن عيون ساهرات
وظننتم طول المدى
يمحو القلوب من التِرات
هيهات إن الضغن
توقده الليالي بالغداة
لا تأمنوا غض النوا
ظر من قلوب مرصدات
إن السيوف المُعريا
ت من السيوف المغمدات
والمثقلات المعييا
ت من الأمور الهيّنات
والمصميات من المقا
تل هنّ نفس المخطئات
وكأنني بالكمت تردى
في البسيطة بالكماة (3)
وبكل مقدام على الأ
هوال مرهوب الشذاة
__________________
1 ـ الرامسات : الرياح الدوافن للآثار الطامسة لرسوم الديار.
2 ـ الدآدي : جمع الدأدأة وهي آخر ليالي الشهر المظلمة.
3 ـ الكمت جمع الكميت وهو من الخيل أو الابل بين الاشقر والأدهم.
ومثقفٍ مثل القنا
ة أتى المنية بالقناة
أو مرهف ساقت إليـ
ـه ردىً « شفارُ » المرهفات
كرهوا الفرار وهم على
« أقتادِ نُجبٍ » ناجيات
يطوينَ طيّ الأتحميّ
لهنّ أجواز الفلات
وتيقّنوا أن الحيا
ة مع المذلّة كالممات
ورزية للدين ليـ
ـست كالرزايا الماضيات
تركت لنا منها الشوى
ومضت بما تحت الشواة
يا آل أحمد والذيـ
ـنَ غدا بحبّهم نجاتي
ومنيتي في نصرهم
أشهى غليّ من الحياة
حتى متى أنتم على
صهوات حُدبٍ شامصات؟ (1)
وحقوقكم دون البريـ
ـة في أكفٍّ عاصيات
وسروبكم مذعورة
وأديمكم للفاريات (2)
ووليّكم يضحى ويمـ
ـسي في أمور معضلات
يلوى وقد خبط الظلا
مَ على الليالي المقمرات
فإذا اشتكى فالى قلو
بٍ لاهيات ساهيات
قرمٍ فلا شبِعٌ له
إلا بأرواح العداةِ
وكأنه متنمراً
صقرٌ تشرف من عَلاة
والرمح يفتق كلّ نجلاء
كأردان الفتاة
تهمي نجيعاً كاللغا
مِ على شدوق اليعملات (3)
تؤسى ولكن كلها
أبداً يبرّح بالأساةِ
حتى يعود الحقّ يقـ
ـظاناً لنا بعد السِنات
ولكم أتى من فرجةٍ
قد كان يحسب غير آتٍ
__________________
1 ـ الشامصات : النافرات.
2 ـ الأديم : الجلد ، الفاريات : الشاقات ، من فرى الاديم أي شقه.
3 ـ اللغام : زبد افواه الابل ، والشدوق : الأفواه.
يا صاحبي في يوم عا
شوراء والحِدب المواتي
لا تسقِني بالله فيه
سوى دموعِ الباكيات
ما ذاك يوماً صيّباً
فأسمح لنا بالصيبات
وإذا ثكلت فلا تزر
إلا ديار الثاكلات
وتنحّ في يوم المصيبة
عن قلوبٍ ساليات
ومتى سمعت فمن عويل
للنساء المعولات
وتداوَ من حزنٍ بقلبك
بالمراثي المحزنات
لا عطلت تلك الحفائر
من سلامٍ أو صلاةٍ
وسقين من وكفِ التحية
عن وكيف السارياتِ
ونفحن من عبق الجنا
أريجه بالذاكيات
فلقد طوَين شموسنا
وبدرونا في المشكلات (1)
وقال يرثي الحسين 7 في عاشوراء سنة 429 هـ :
من عذيرى من سَقامٍ
لم أجد منه طبيبا
وهمومٍ كأوار
النّار يسكنّ القلوبا
وكروبٍ ليتهنّ
اليوم أشبهن الكروبا
وخطوبٍ معضلاتٍ
بتن ينسين الخطوبا
شيبت مني فود
ى ولم آتِ المشيبا
ورمت في غصني
إليبس وقد كان رطيبا
بان عني وتناءى
كل مَن كان قريبا
وتعرّيتُ من
الاحباب في الدنيا عزوبا
وسقاني الدهر من فر
قة من أهوى ذَنوبا (2)
إن يوم الطف يوم
كان للدين عصيبا
__________________
1 ـ عن الديوان.
2 ـ الذنوب بالفتح الدار الكبير.
لم يدع في القلب مني
للمسرّات نصيبا
إنه يوم نحيبٍ
فالتزم فيه النحيبا
عطّ تامورك واترك
معشراً عطّوا الجيوبا (1)
واهجر الطيب فلم يترك
لنا عاشور طيبا
لعن الله رجالاً
أترعوا الدنيا غُصوبا (2)
سالموا عجزاً فلما
قدروا شنّوا الحروبا
في المعرّات يهبون
شمالاً وجنوبا
كلما ليموا على عيبهم
ازدادوا عيوبا
ركبوا أعوادنا ظلما
وما زلنا ركوبا
ودعونا فرأوا منا
على البعد مجيبا
يقطع الحزن ويطوى
في الدياجير السهوبا
بمطىٍ لا يبالين
على الأين الدّءوبا
لا ولا ذقن على البعد
كلالاً ولغوبا
وخيولٍ كرِئال الدوّ
ـدوّ يهززن السبيبا (3)
فأتتونا بجموعٍ
خالها الراءون روبا (4)
بوجوه بعد إسفا
رٍ تبرقعن العطوبا
فنشبنا فيهم كر
هاً وما نهوى النشوبا
بقلوبٍ ليس يعرفن
خفوقاً ووجيبا
ولقد كان طويل الباع
طعّاناً ضروبا
بالضبا ثم القنا يفري
وريداً وتريبا
لا يرى والحربُ تُغلى
قدرُها منها هيوبا
__________________
1 ـ عط : شق ، والتامور : غشاء القلب.
2 ـ اترعوا : ملأوا ، والغصوب الظلم.
3 ـ الرئال : فرخ النعام ، والدو : المفازة. والسبيب : شعر عرف الفرس أو اذنيه.
4 ـ الروب : القطع من الليل.
فجرى منّا ومنهم
عندم الطّعن صبيبا
وصلينا من حريق
الطعن والضرب لهيبا
كان مرعانا خصيباً
فبهم عادَ جديبا
لم نكن نألذف لولا
جورهم فينا خطوبا
لا ولا تبصر عين
في ضواحينا ندوبا (1)
طلبوا أوتار « بَدر »
عندنا ظلماً وحوبا
ورأوا في ساحة الـ
الطف وقد فات القليبا
قد رأيتم فأرونا
منكم فرداً نجيبا
أو تقياً لا يرائى
بتقاه أو لبيبا
كلما كنّا رؤوساً
للورى كنتم عجوبا (2)
ما رأينا منكم بالحق
إلا مستريبا
وصدوقاً فإذا فتّشته
كان كذوبا
وخليعاً خالياً عن
مطمع الخير عزوبا
وبعيداً بمخازيـ
ـهِ وإن كان نسيبا
ليت عوداً من غَشومٍ
حقّنا كان صليبا
وبودّى أن أنّ مَن يأ
صلنا كان ضريبا
في غدٍ ينضب تيّا
رُ لكم فينا نضوبا
ويقئ الباردَ السلال
مَن كان عبوبا
ويعود الخَلقُ الرّث
من الأمر قشيبا
والذي أضحى وأمسى
ناكباً يضحى نكيبا
آل ياسين ومَن فضلهم
أعيا اللبيبا
أنتم أمني لدى الحشر
إذا كنت نخيبا (3)
__________________
1 ـ الندوب هو اثر الجرح.
2 ـ العجوب : جمع العجب وهو العقب أو العجز.
3 ـ النخيب : الخائف.
انتم كشّفتم لي
بالتباشير الغيوبا
كم رددتم مخلباً
عني حديداً ونيوباً
وبكم « أنجو » إذاعو
جلتُ موتاً أن أنوبا
واليكم جَمحاني
ما حدا الحادون نيبا (2)
وعليكم صلواتي
مشهداً لي ومغيبا
يا سقى الله قبوراً
لكم زِنّ الكثيبا
حُزنَ خير الناس جدّاً
وأباً ضخماً حسيبا
لقي الله وظنّ
الناس أن لاقى شعوبا
وهو في الفردوس لمّا
قيل قد حلّ الجبوبا (3)
وقال يرثي جده الحسين 7 في يوم عاشوراء سنة 413 :
لك الليل بعد الذاهبين طويلا
ووفد همومٍ لم يردن رحيلا
ودمعٍ إذا حبسته عن سبيله
يعود هتوناً في الجفون هَطولا
فياليت أسرابَ الدموع التي جرت
أسون كليماً أو شفين غليلا
أُخال صحيحاً كل يومٍ وليلةٍ
ويأبى الجوى ألا أكون عليلا
كأني وما أحببت أهوى ممنّعاً
وأرجو ضنينا بالوصال بخيلا
فقل للذي يبكي نُؤياً ودِمنة
ويندب رسماً بالعراء محميلا
عداني دمٌ لي طلّ بالطف إن أُرى
شجيّاً أُبكّي أربعاً وطلولا
مصابٌ إذا قابلت بالصبر غر به
وجدت كثيري في العزاء قليلا
ورُزءٌ حملت الثقل منه كأنني
مدى الدهر لم أحمل سواه ثقيلا
وجدتم عُداة الدين بعد محمد
الى كلمه في الأقربين سبيلا
كأنكم لم تنزعوا بمكانه
خشوعاً مبيناً في الورى وخمولا
وأيّكم ما عزّ فينا بدينه؟
وقد عاش دهراً قبل ذاك ذليلا
__________________
2 ـ الجمحان : القصد.
3 ـ الجبوب : جمع جب وهو الحفرة.
فقل لبني حربٍ وآل أميّةٍ
إذا كنتَ ترضى ان تكون قؤولا
سللتم على آل النبي سيوفه
مُلئن ثُلوماً في الطلى وفلولا
وقُدتم الى مَن قادكم من ضلالكم
فأخرجكم من وادييه خيولا
ولم تغدروا إلا بمن كان جده
اليكم لتحظوا بالنجاة رسولا
وترضون ضد الحزم إن كان ملككم
[ بديناً ] وديناً دنتموه هزيلا
نساء رسول الله عُقر دياركم
يرجّعن منكم لوعة وعويلا
فهنّ ببوغاء الطفوف أعزةٌ
سقوا الموت صرفاً صبيةً وكهولا
كأنهم نوار روضٍ هَوَت به
رياحٌ جنوباً تارةً وقبولا
وأنجمُ ليلٍ ما علون طوالعاً
لأعيننا حتى هبطن أفولا
فأي بدورٍ ما محين بكاسفٍ
واي غصون ما لقين ذبولا
أمن بعد أن اعطيتموه عهودكم
خفافاً الى تلك العهود عجولا
رجعتم عن القصد المبين تناكصاً
وحُلتم عن الحق المنير حؤولا
وقعقعتم أبوابَه تختلونه
ومَن لم يرد ختلاً أصاب ختولا
فما زلتم حتى أجاب نداءكم
وأيّ كريم لا يجيب سَؤولا؟
فلما دنا ألفاكم في كتائب
تطاولن أقطار السباسب طولا
متى تك منها حجزةٌ أو كحجزة
سمعت زُغاءً « مضعفاً » وصهيلا
فلم يُرَ إلا ناكثاً أو منكبّاً
وإلا قطوعاً للذمام حلولا
وغلا قعوداً عن لمام بنصره
وإلا جَبوهاً بالردى وخذولا
وضغن شغافٍ هبّ بعد رقاده
وأفئدةً ملأى يفضنَ ذُحولا
وبيضاً رقيقات الشفار صقيلةً
وسمراً طويلات المتون عُسولا
ولا انتم أفرجتم عن طريقه
إليكم ولا لما أراد قُفولا
عزيزٌ على الثاوي بطيبة أعظم
أنبذن على أرض الطفوف شُكولا
وكل كريم لا يلم بريبة
فإن سيم قول الفحش قال جميلا
يذادون عن ماء الفرات وقد سُقوا الـ
ـشهادة من ماء الفرات بديلاً
رُموا بالردى من حيث لا يحذرونه
وغرّوا وكم غر الغفول غفولا
أيا يوم عاشوراء كم من فجيعة
على الغُر آل الله كنت نزولا!
دخلت على بياتهم بمصابهم
ألا بئسما ذاك الدخول دُخولا
نزعت شهيد الله ما وإنما
نزعت يميناً أو قطعت قليلا
قتيلا وجدنا بعده دين احمد
فقيداً وعز المسلمين قتيلا
فلا تبخسوا بالجور مَن كان ربّه
برجعِ الذي نازعتموه كفيلا
أُحبكم آسل النبي ولا أرى
وإن عذلوني عن هواي عديلا
وقلت لمن يُلحي على شغفي بكم
وكم غير ذي نصحٍ يكون عذولا
روَيدكم لا تنحلوني ضلالكم
فلن تُرحلوا مني الغداةَ ذلولا
عليكم سلام الله عيشاً وميتةً
وسَفراً تطيعون النوى وحلولا
فما زاغ قلبي عن هواكم ، وأخمَصى
فلا زلّ عما ترتضون زليلا
السيد مرتضى علم الهدى المولود سنة 355 والمتوفى سنة 436.
هو ذو المجد بن ابو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن ابراهيم بن الامام موسى الكاظم 7 مفخرة العصور ومعجزة الدهور ، نواحي فضله زاخرة بالعظمة ، فهو إمام الفقه ومؤسس أصوله ، واستاذ الكلام ونابغة الشعر وراوية الحديث وبطل المناظرة والقدوة في اللغة وبه الاسوة في العلوم العربية كلها وهو المرجع في كتاب الله العزيز ، وجماع القول انك لا تجد فضيلة الا وهو ابن بجدتها أضف الى ذلك نسبه الوضاح وأواصره النبوية الشذية ومآثره العلوية وحسبك شاهداً مؤلفاته السائرة مسير الأمثال.
يلقب بالمرتضى ، والأجل الطاهر ، وذي المجدين ، ولقّب بعلم الهدى سنة 420 وذلك ان الوزير أبا سعيد محمد بن الحسن بن عبد الرحيم مرض في تلك السنة فرأى في منامه امير المؤمنين 7 يقول له :
قل لعلم الهدى يقرأ عليك حتى تبرأ. فقال : يا أمير المؤمنين ومَن علم الهدى ، فقال علي بن الحسين الموسوي : فكتب اليه فقال 2 : الله الله في أمرى فإن قبولي لهذا اللقب شناعة عليّ فقال الوزير : والله ما كتبت اليك إلا ما أمرني به أمير المؤمنين 7 (1).
وكان يلقب بالثمانين لما كان له من الكتب ثمانون الف مجلد ، ومن القرى ثمانين قرية تجبى اليه ، وكذلك من غيرهما حتى أن مدة عمره كانت ثمانين سنة وثمانية أشهر ، وصنف كتاباً يقال له الثمانون. ومن تصانيفه المشهورة منها الشافي في الامامة لم يصنف مثله في الإمامة وكتاب الشيب والشباب وكتاب
__________________
1 ـ ذكره الشهيد في أربعينه.
الغرر والدرر وله ديوان شعر يزيد على عشرين الف بيت وقد طبع اخيراً في بغداد وقد قيل : لولا الرضي لكان المرتضى أشعر الناس ، ولولا المرتضى لكان الرضي أعلم الناس. قال آية الله العلامة : وبكتبه استفادت الإمامية منذ زمنه ; الى زماننا هذا وهو سنة 693 وهو ركنهم ومعلّمهم قدس الله روحه وجزاه عن أجداده خيراً. انتهى.
وذكره الخطيب في تاريخ بغداد واثنى عليه وقال : كتبت عنه وعن جامع الأصول انه عده ابن الأثير من مجددي مذهب الإمامية في رأس المائة الرابعة.
قال ابن خلكان في وصف علم الهدى : كان نقيب الطالبيين وكان إماماً في علم الكلام والأدب والشعر وهو أخو الشريف الرضي وله تصانيف على مذهب الشيعة ومقالة في أصول الدين وله الكتاب الذي سماه ( الغرر والدرر ) وهي مجالس أملاها تشتمل على فنون من معاني الأب تكلم فيها على النحو واللغة وغير ذلك وهو كتاب ممتع يدل على فضل كثير وتوسع في الاطلاع على العلوم وذكره ابن بسام في أواخر كتاب الذخيرة فقال :
كان هذا الشريف إمام أئمة العراق اليه فزع علماؤها ومنه أخذ عظماؤها ، صاحب مدارسها وجماع شاردها وأنسها ، ممن سارت أخباره وعرفت به أشعاره وتصانيفه في أحكام المسلمين ممن يشهد انه فرع تلك الأصول ومن ذلك البيت الجليل ، وأورد له عدة مقاطيع. اقول وأمه هي فاطمة بنت الحسين ابن احمد بن الحسن بن الناصر الاصم وهو ابو محمد الحسن بن علي بن عمر الأشرف ابن علي بن أبي طالب وهي ام اخيه ابي الحسن الرضي.
حكي عن القاضي التنوخي صاحب السيد المرتضى انه قال : إن مولد السيد سنة 355 وخلف بعد وفاته ثمانين الف مجلد من مقررآته ومصنفاته ومحفوظاته ومن الأموال والأملاك ما يتجاوز عن الوصف ، وصنف كتاباً
يقال له الثمانين وخلّف من كل شيء ثمانين وعمّر احدى وثمانين سنة من أجل ذلك سمي الثمانيني وبلغ في العلم وغيره مرتبة عظيمة قُلّد نقابة الشرفاء شرقاً وغرباً وإمارة الحاج والحرمين والنظر في المظالم وقضاء القضاء وبلغ على ذلك ثلاثين سنة. انتهى.
وفي أمل الآمل مولده في رجب وتوفي في شهر ربيع الأول ، وفي روضات الجنات لخمس بقين منه وذكر قسماً من مؤلفاته ومنها : التنزيه في عصمة الأنبياء ، الرسالة الباهرة في العترة الطاهرة ، إنقاد البشر من القضاء والقدر وقال :
وذكره الشيخ في الفهرست واثنى عليه وذكر من مؤلفاته ثمانياً وثلاثين وكذلك النجاشي والعلامة.
وقال صاحب روضات الجنات : كان الشريف المرتضى أوحد أهل زمانه فضلا وعلما وكلاماً وحديثاً وشعراً وخطابة وجاها وكرماً الى غير ذلك. قرأ هو وأخوه الرضى على ابن نباتة صاحب الخطب وهما طفلان ، ثم قرأ كلاهما على الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان 1 وكان المفيد رأى في منامه أن فاطمة الزهراء 3 دخلت عليه وهو في مسجده بالكرخ ومعها ولدها الحسن والحسين 8 وهما صغيران فسلّمتهما اليه وقالت : علّمهما الفقه ، فانتبه الشيخ وتعجب من ذلك فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا دخلت عليه المسجد فاطمة بنت الناصر وحولها جواريها وبين يديها ابناها علي المرتضى ومحمد الرضي صغيرين فقام اليهما وسلّم عليهما فقالت له : ايها الشيخ هذان ولداي قد أحضرتهما اليك لتعلمهما الفقه فبكى الشيخ وقصّ عليه المنام وتولى تعليمهما وأنعم الله عليهما وفتح الله لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا وهو باق ما بقي الدهر.
وكان ; نحيف الجسم حسن الصورة كما في روضات الجنات وقال :
كانت وفاته ; لخمس بقين من شهر ربيع الأول سنة ست وثلاثين وأربعمائة وصلى عليه ابنه ابو جعفر محمد ، وتولى غسله أبو الحسين أحمد بن الحسين النجاشي ومعه الشريف ابو يعلى محمد بن جعفر الجعفري وسلار بن عبد العزيز الديلمي ودفن أولا في داره ثم نقل الى جوار جده الحسين ودفن في مشهده المقدس مع أبيه وأخيه وقبورهم ظاهرة مشهورة.
وقال سيدنا العلامة الطباطبائي في كتابه ( الفوائد الرجالية ) عند ذكره للسيد المرتضي بعد التعظيم له. وفي زهر الرياض للحسين بن علي بن شدقم الحسيني المدني صاحب مسائل شيخنا البهائي قال : وبلغني ان بعض قضاة الاروام وأظنه سنة 942 نبش قبره فرأه كما هو لم تغيّر الأرض منه شيئاً وحكى مَن رأه أن أثر الحِنّاء في يديه ولحيته وقد قيل ان الارض لا تغيّر أجساد الصالحين.
قلت والظاهر أن قبر السيد وقبر أبيه وأخيه في المحل المعروف بإبراهيم المجاب وكان ابراهيم هذا هو جد المرتضى وحفيد الإمام موسى 7 ، وصاحب أبي السرايا الذي ملك اليمن والله أعلم. أنتهى.
قال يذكر جده الحسين 7 ومن قتل معه :
يا دارُ دارَ الصَوم القُوّم
كيف خلا أفقك من أنجم
عهدي بها يرتع سكّانُها
في ظلّ عيشٍ بينها أنعَم
لم يُصبحوا فيها ولم يغبُقوا
إلا بكأسى خمرَة الأنعَم
بكيتها من أدمُعٍ لو أبَت
بكيتها واقعة من دم
وعُجت فيها راثياً أهلها
سَواهم الأوصال والمَطلم
نَحَلن حتّى حالهنّ السُرى
بعض بقايا شَطَنٍ مُبرَم
لم يدعِ الإسآدُ هاماتها
إلا سقيطاتٍ على المَنسٍم
يا صاحبي يوم أزالَ الجَوى
لحمى بخّدى عن الأعظم
« داويت » ما أنت به عالمٌ
ودائي المعضل لم تعلم
ولستُ فيما أنا صَبّ به ،
مَن قَرَن الساليَ بالمُغرَم؟
وَجدى بغير الظن سيّارةً
من مَخرِم ناء إلى مَخرم
ولا بلفّاء هضيم الحشا
ولا بذات الجيد والمعصَم
فاسمع زفيرى عند ذكر الأُلى
بالطفّ بين الذئب والقشعم
طَرحى فإمّا مقعَص بالقنا
أو سائل النفس على مخذَم
نَثرٌ كدُرٍ بَدَدٍ مُهمَلٌ
لغفلة السلك فلم يُنظَم
كأنّما الغَبراء مَرميّة
من قبل الخضراء بالأنجُم
دُعوا فجاءوا كَرَماً منهم
كم غرّ قوماً قَسَم المُقسم
حتى رأوها أخريات الدجى
طوالعاً من رَهَجٍ أقتَم
كأنهم بالصّم مطرورة
لمنجد الأرض على مُتهِم
وفوقها كلّ مغَيظ الحشا
مُكتَحل الطرف بلون الدم
كأنه من حَنَقٍ أجدَلٌ
أرشده الحرص إلى مَطعم
فاستقبلوا الطعنَ إلى فتيَةٍ
خوّاض بحرالحذر المفعَم
من كلّ نهّاضٍ بثقل الأذى
موكّل الكاهل بالمُعظَم
ماضٍ لِما أمّ فلو جاد في الـ
ـهيجاء بالحوباء لم يَندم
وكالفٍ بالحرب لو أنه
أُطعم يوم السّلم لم يطعمِ
مثلّم السيف ومن دونه
عرض صحيح الحد لم يثلم
فلم يزالوا يُكرعون الظبا
بين تراقي الفارس المُعلم
فمثخَنٌ يحملُ شهّاقة
تحكى لراءِ فُغرةَ الاعلم
كأنما الوَرس بها سائل
أو أنبتت من قُضُبِ العَندَم
ومستزلّ بالقنا عن قَرا
عبل الشوى أو عن مَطا أدهم
لو لم يكيدوهم بها كيدة
لانقلبوا بالخزى والمرغم
فاقتضبت بالبيض أرواحهم
في ظل ذاك العارض الأسحم
مصيبةٌ سيقت إلى أحمدٍ
ورَهطِهِ في الملأ الاعظم
رزءٌ ولا كالرُزء من قبله
ومؤلمٌ ناهيك من مؤلم
ورميةٌ أصمت ولكنها
مصميةٌ من ساعدٍ أجذم
قل لبني حربِ ومن جمعوا
من جائرٍ عن رشده أوعم
وكلّ عان في إسارى الهوى
يُحسب يَقظان من النوم
لا تحسبوها حُلوةً إنها
أمرّ في الحلق من العلقم
صرّعهم أنهم أقدموا
كم فُدي المحجم بالمقدم
هل فيكم إلا أخو سَوءَةٍ
مُجرّحُ الجلد من اللُوّم
إن خاف فقراً لم يجُد بالندى
أو هاب وشكَ الموت لم يُقدم
يا آل ياسين ومَن حُبهم
منهجُ ذاك السنن الأقوم
مهابطُ الأملاكِ أبياتهم
ومُستقر المنزل المُحكم
فأنتم حُجة رب الورى
على فصيح النطق أو أعجم
وأين؟ إلا فيكم قُربةٌ
الى الاله الخالق المنعم
والله لا أخليتُ من ذكركم
نَظمي ونثري ومرامي فمي
كلا ولا أغبَبتُ أعداءكم
من كّلمي طوراً ومن أسهمي
ولا رُئي يوم مصاب لكم
منكشفاً في مشهدٍ مَبسمي
فإن أرغب عن نصركم برهة
بمرهفات لم أغب بالفم
صلى عليكم ربّكم وارتوت
قبوركم من مسبل مُثجم
مقعقع تُخجل اصواته
أصوات ليث الغابة المرزم
وكيف أستسقي لكم رحمة
وأنتم رحمة للمجرم؟
وقال يرثي جده الحسين 7 ويذكر آل حرب :
خذوا من جفوني ماءها فهي ذُرّف
فما « لكم » إلا الجوى والتلهُّف
وإن أنتما استوقفتما عن مَسيلها
غُروب مآقينا فما هنّ وقف
كأن عيوناً كن زوراً عن البكا
غصون مَطيرات الذُرى فهي وكفّ
دعا العذل والتعنيف في الحزن والأسى
فما هجر الأحزان إلا المعنّف
تقولون لي صبرا جميلاً وليس لي
على الصبر إلا حسرة وتلهف
وكيف أطيق الصبر والحزن كلما
عنفتُ به يقوى عليّ وأضعف
ذكرت بيوم الطف أوتاد أرضه
تهبّ بهم للموت نكباء حرجف
كرامٌ سُقوا ماء الخديعة وارتووا
وسيقوا الى الموت الزُؤام فأوجفوا
فكم مُرهَفٍ فيهم ألم بحدّه
هنالك مسنونُ الغرارين مُرهفُ
ومعتدل مثل القناة مثقفٍ
لواه الى الموت الطويل المثقّف
قَضَوا بعد أن قضّوا منىً من عدوّهم
ولم ينكلوا يوم الطعان ويضعفوا
وراحوا كما شاء لهم أريحيّهٌ
ودَوحَةُ عزٍّ فرعُها متعطّف
فإن ترهم في القاع نَثراً فشملهم
بجنّات عدنٍ جامعٌ متألّف
إذا ما ثنوا تلك الوسائد مُيّلاً
أديرَت عليهم في الزجاجة قرقف
وأحواضهم مورودة فغدّوهم
يُحَلا واصحاب الولاية ترشُف
فلو أنّني شاهدتهم أو شَهِدتهم
هناك وأنياب المنيّةِ تَصرف
لدافعت عنهم واهباً دونهم دمي
ومَن وهب النفس كريمة منصف
ولم يك يخلو من ضرابي وطعنتي
حسامٌ ثليمٌ أو سِنانٌ مقصّفٌ
فيا حاسديهم فضلَهم وهو باهر
وكم حسد الأقوام فضلاً وأسرفوا!
دعوا حلباتِ السبق تمرح خيلُها
وتغدو على مضمارها تتغطرف
ولا تزحفوا زحف الكسير إلى العلا
فلن تلحقوا وللصّلال « التزحف »
وخلوا التكاليف التي لا تفيدكم
فما يستوي طبعٌ نبا وتكلّف
فقد دام إلطاطٌ بهم في حقوقهم
وأعوز إنصاف وطال تحيف
تناسيتم ما قال فيهم نبيّكم
كأن مقالاً قال فيهم محرّف
فكم لرسول الله في الطف من دمٍ
يراق ومن نفس تمات وتتلف
ومن ولدٍ كالعين منه كرامةً
يقاد بأيدي الناكثين ويعسف
عزيزٌ عليه أن تُباع نساؤه
كما بيع قطع في عكاظ وقرطف
يُذَدن عن الماء الرواءِ وترتوى
من الماء أجمالٌ لهم لا تكفكف
فيا لعيونٍ جائرات عن الهدى
ويا لقلوبٍ ضغنها متضعّف
لكم أم لهم بيتٌ بناه على التبقى
وبيتٌ له ذاك الستار المسجّف
به كل يوم من قريشٍ وغيرها
جهيرٌ ملبٍّ أو سريع مطوّف
إذا زارَه يوماً دلوحٌ بذنبهِ
مضى وهو عريانُ الفرا متكشّف
وزمزم والركُب الذي يمسحونه
وأيمانهم من رحمة الله تنطف
ووادي منى تهدى إليه نحائرٌ
تكبّ على الأذقان قسراً فتحتف (1)
وجمعٌ وما جمعٌ لمن ساف تُربه
ومن قبله يوم الوقوف المعرّف
وأنتم نصرتم أم هم يوم خيبرٍ
نبيّكم حيث الأسنة ترعف؟
فررتم وما فرّوا وحدتم عن الردى
وما عنه منهم حائد متحرّف
فحصنٌ مشيدٌ بالسيوف مهدّم
وبابٌ منيع بالأنامل يُقذَف
توقفتم خوف الردى عن مواقف
وما فيهم من خيفةٍ يتوقّف
لهم دونكم في يوم بَدرٍ وبعدها
بيوم حنين كلّما لا يزحلف
فقل لبني حرب وإن كان بيننا
من النسب الداني مرائر تحصف
أفي الحقّ أنّا مخرجوكم إلى الهدى
وأنتم بلا نهجٍ إلى الحق يعرف؟
وإنّا شَببنا في عِراص دياركم
ضياءً وليل الكفر فيهنّ مُسدف
وإنّا رفعناكم فأشرف منكم
بنا فوق هامات الأعزّة مِشرف
وها أنتم ترموننا بجنادل
لها سُحُبُ ظلماؤها لا تُكشّف
لنا منكم في كلّ يومٍ وليلة
قتيل صريع أو شريد مخوّف
فخرتم بما ملّكتموه وإنكم
سِمان من الأموال إذ نحن شُسّف (1)
وما الفخر ـ يا مَن يجهل الفخر للفتى ـ
قميص موشّى أو رداءٌ مفوّف
وما فخرنا إلا الذي هبطت به الـ
ـملائك أو ما قد حوى منه مُصحف
يقرّ به مَن لا يطيق دفاعَه
ويعرفه في القوم مَن يتعرّف
ولمّا ركبنا ما ركبنا من الذُرا
وليس لكم في موضع الردف مردف
تيقنتم أنّا بما قد حويتم
أحقّ وأولى في الأنام وأعرف
__________________
1 ـ تحتف : تهلك.
2 ـ الشسف : جمع الشاسف وهو الضامر الهزيل.
ولكن أمراً حاد عنه محصّل
وأهوى إليه خابط متعسف
وكم من عتيقٍ قد نبا بيمينه
حسامُ وكم قطّ الضريبة مقرف (1)
فلا تركبوا أعوادَنا فركوبها
لمن يركب اليوم العبوس فيوجف
ولا تسكنوا أوطاننا فعراصنا
تميل بكم شوقاً إلينا وترجف
ولا تكشفوا ما بيننا من حقائد
طواها الرجال الحازمون ولفّفوا
وكونوا لنا إمّا عدوّاً مجملاً
وإما صديقاً دهره يتلطف
فللخير إن آثرتم الخير موضعٌ
وللشرّ إن أحببتم الشر موقف
عكفنا على ما تعلمون من التقى
وأنتم على ما يعلم الله عكّف
لكم كل موقوذ بكظّة بطنه
وليس لنا إلا الهضيم المخفف
الى كم أداري مَن أُداري من العِدا
وأهدن قوماً بالجميل وألطف؟
تلاعب بي ايدي الرجال وليس لي
من الجور مُنجٍ لا ولا الظلم منصف
وحشو ضلوعي كل نجلاءَ ثرّةٍ
متى ألّفوها اقسمت لا تألف
فظاهرها بادي السريرة فاغرٌ
وباطنها خاوي الدخيلةِ أجوف
إذا قلتُ يوماً قد تلاءم جرحها
تحكك بالأيدي عليّ وتقرف
فكم ذا ألاقي منهم كل رابح
وما أنا إلا أعزل الكف أكتف
وكم أنا فيهم خاضعٌ ذو استكانة
كأني ما بين الأصحّاء مُدنف
اقاد كأني بالزمام مُجلّب
بطيء الخطا عاري الأضالع أعجف
وأرسِف في قيد من الحزم عنوةً
ومن ذيدَ عن بسط الخطا فهو يرسف
ويلصق بي من ليس يدري كلالة
وأحسَبُ مضعوفاً وغيري المضعّف
وعدنا بما منّا عيون كثيرة
شخوص الى إدراكه ليس تطرف
وقيل لنا حان المدا فتوكفوا
فيا حججاً لله طال التوكف
فحاشا لنا من ريبةٍ بمقالكم
وحاشا لكم من أن تقولوا فتخلفوا
ولم أخشَ إلا من معاجلة الردى
فأصرف عن ذاك الزمان وأُصدف
__________________
1 ـ المقرف. المتهم والمعيب.
وقال 2 يرثي الحسين 7 في يوم عاشوراء « سنة 427 »
أما ترى الربع الذي اقفرا
عراهُ من ريب البلى ما عَرا؟
لو لم أكن صبّا لسكانه
لم يجر من دمعي له ما جرى
رأيته بعد تمامٍ له
مقلباً أبطنه أظهرا
كأنني شكا وعلماً به
أقرأ من أطلاله أسطرا
وقفت فيه أينقاً ضمّراً
شذّب من أوصالهن السُرى
لي بأناس شُغلٌ عن هوى
ومعشري أبكى لهم معشرا
أجل بأرض الطف عينيك ما
بين أناس سربلوا العثيرا
حكّم فيهم بغيُ أعدائهم
عليهم الذًُؤبان والأنسرا
تخال من لألاء أنوارهم
ليل الفيافي لهم مقمرا
صرعى ولكن بعد أن صَرّعوا
وقطّروا كلّ فتىً قطّرا
لم يرتضوا درعاً ولم يلبسوا
بالطعن إلا العَلَق الأحمرا
من كلّ طيّان الحشا ضامرٍ
يركب في يوم الوغى ضمّرا
قل لبني حربٍ وكم قولةٍ
سطّرها في القوم من سطرا
تهتم عن الحق كأن الذي
أنذركم في الله ما أنذرا
كانّه لم يقركم ضُلّلا
عن الهدى القصد بأمّ القرى (1)
ولا تدرّعتم بأثوابه
من بعد أن أصبحتم حُسرا
ولا فريتم أدماً « مرّةً »
ولم تكونوا قط ممن فرى
وقلتم : عنصرنا واحدٌ ؛
هيهات لا قربى ولا عنصرا!
ما قدم الأصل أمرءاً في الورى
أخرّه في الفرع ما أخّرا
وغرّكم بالجهل إمهالكم
وإنما اغترّ الذي غُرّرا
حلأتم بالطف قوماً عن الـ
ـماء فحلّئتم به الكوثرا
__________________
1 ـ يقركم : يرشدوكم ويهدكم. والقصد. الهدى والرشاد ، وام القرى. مكة المكرمة.
فإن لقوا ثَمّ بكم منكراً
فسوف تلقون بهم منكرا
في ساعة يحكم في أمرها
جدُهم العدل كما أُمّرا
وكيف بعتم دينكم بالذي أسـ
تنزره الحازم وأستحقرا
لولا الذي قدّر من أمركم
وجدتم شأنكم احقرا
كانت من الدهر بكم عثرةٌ
لا بد للسابق أن يعثرا
لا تفخروا قطّ بشيء فما
تركتم فينا لكم مفخرا
ونلتموها بيعةً فلتةً
حتى ترى العين الذي قدّرا
كأنني بالخيل مثل الدبى
هبّت به نكباؤه صرصرا
وفوقها كل شديد القوى
تخاله من حنق قسورا
لا يمطر السُمر غداة الوغى
الا برشّ الدم إن أمطرا
فيرجع الحق الى أهله
ويقبل الأمر الذي أدبرا
يا حجج الله على خلقه
ومَن بهم أبصر من أبصرا
أنتم على الله إليكم كما
علمتم المبعثَ والمحشرا
فإن يكن ذنبٌ فقولوا لمن
شفعكم في العفو أن يغفرا
إذا توليتكم صادقاً
فليس مني منكر منكرا
نصرتكم قولاً على أنني
لآملٌ بالسيف أن أنصرا
وبين أضلاعي سرّ لكم
حوشي أن يبدو وأن يظهرا
أنظر وقتاً قيل لي بُح به
وحق للموعود أن ينظرا
وقد تبصرتُ ولكنني
قد ضقتُ أن أكظم أو أصبرا
وأيُ قلبٍ حملت حزنكم
جوانح « منه » وما فُطّرا
لا عاش من بعدكم عائش
فينا ولا عُمّر من عمّرا
ولا استقرت قدمٌ بعدكم
قرارة مبدي ولا محضَرا (1)
ولا سقى الله لنا ظامئاً
من بعد أن جنّبتم الأبحرا
__________________
1 ـ المبدي هو البدو ، والمحضر هو محل احضر.