الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
البيت اهل
المواضيع الأخيرة
» نثر الدر المكنون
وقعة الطف لابو مخنف Emptyاليوم في 6:12 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» مقاتل الطالبيّين مقاتل الطالبيّين المؤلف :أبي الفرج الاصفهاني
وقعة الطف لابو مخنف Emptyأمس في 11:42 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج1
وقعة الطف لابو مخنف Emptyأمس في 10:27 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج2
وقعة الطف لابو مخنف Emptyأمس في 9:59 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج3
وقعة الطف لابو مخنف Emptyأمس في 9:34 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  كلام جميل عن التسامح
وقعة الطف لابو مخنف Emptyأمس في 8:57 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  مفهوم التسامح مع الذات
وقعة الطف لابو مخنف Emptyأمس في 8:48 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» أقوال الحكماء والفلاسفة
وقعة الطف لابو مخنف Emptyأمس في 10:01 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» أقوال وحكم رائعة
وقعة الطف لابو مخنف Emptyأمس في 9:55 am من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     وقعة الطف لابو مخنف

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    وقعة الطف لابو مخنف Empty
    مُساهمةموضوع: وقعة الطف لابو مخنف   وقعة الطف لابو مخنف Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 4:11 pm

    الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسّلام على أشرف بريّته وخاتم رسله ، محمّد وآله الأنجبين الأطهرين.
    إنّ قضية سيّد الشهداء أبي عبد الله (عليه السّلام) لهي من أعظم الأحداث التاريخيّة والذكريات الخالدة التي أنارت الطريق للبشريّة كافّةً ، وعلّمتهم بأنّ العزّة والحياة الواقعيّة في المقابلة مع الطغاة والجبابرة ، وإنْ أدّت إلى تضحيّة النّفوس وإراقة الدماء بيد الظلمة ، كما نادى بها صاحب هذه الذكرى الإمام الحسين (عليه أفضل الصلاة والسّلام) ، حيث قال : «فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادةً ، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً» (1).
    فعلى جميع طالبي السّعادة الأبديّة أنْ يجعلوا هذه الذكرى نصب أعينهم ، ويعاملوا الطغاة وفراعنة زمانهم كما عاملهم هو (عليه السّلام) ؛
    ولأهميّة هذه الحادثة العظمى ألّفت كُتب كثيرة في مقتل سيّد الشهداء (عليه السّلام) من قبل المحققين ، وأوّلهم لوط بن يحيى بن سعيد ، أبو مِخْنف ، حيث ألّف كتاباً في ذلك عرض فيه الحوادث التي جرت على الحسين وأولاده وإخوانه وأصحابه (سلام الله عليهم أجمعين) بصورة تفصيليّة. وقد عرّفة الشيخ النّجاشي في رجاله بأنّه : شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم (2).
    وقد قام سماحة العلاّمة الحاجّ الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي بتحقيقه وتنقيحه ؛ ولأجل إفادة روّاد العلم والفضيلة من هذا الكتاب المبارك اهتمّت المؤسّسة ـ والحمد الله ـ بطبعه ونشره شاكرة الله سبحانه على ما وفّقها في هذا المضمار. كما وتشكر فضيلة المحقّق على مساعيه الوافرة ، سائلةً المولى جلّ وعلا التوفيق له ولها ؛ لبثّ المعارف الإسلاميّة ، إنّه سميع مجيب.
    مؤسّسة النّشر الإسلامي
    التابعة لجماعة المدرّسين بـ (قُم المشرّفة)
    _________________
    (1) انظر : النّص في هذا المقتل بهذه الصورة.
    (2) انظر : ترجمته في مقدّمته هذا الكتاب.

    «إنْ لمْ يكن لكم دين وكنتم لا تخافون
    يوم المَعاد ، فكونوا في أمر دنياكم أحراراً».
    سيّد الشهداء
    الإمام الحسين (عليه السّلام)


    تقديم
    بسم الله الرحمن الرحيم
    تعلّم الإنسان الكتابة ، فكتب ما فعل وفعل الآخرون ؛ فكان التاريخ ... وكان التاريخ في العرب عند ظهور الإسلام يقتصر على أناس يحفظون أنساب العرب وأيّام الجاهليّة ؛ فيسمّونه : علاّمة (1).
    فمن هؤلاء : النّضر بن الحارث بن كلدة ، حيث كان يسافر إلى بلاد العجم ، فكان يشتري منها كُتباً فيها أحاديث الفرس من حديث رستم وغيره ، فكان يلهي النّاس بذلك ؛ ليصدّهم عن سماع القرآن الكريم ، فنزلت فيه الآية المباركة : (وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلّ عَن سَبِيلِ اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتّخِذَهَا هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى‏ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلّى‏ مُسْتَكْبِراً كَأَن لّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (2).
    ومن هؤلاء ـ من أهل المدينة ـ مَن تلقّى ممّا عند أهل الكتاب من اليهود بعض
    _________________
    (1) عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السّلام) ، قال : «دخل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) المسجد ، فإذا جماعة قد أطافوا برجل ، فقال : ما هذا؟ فقِيل : علاّمة. فقال : وما العلاّمة؟ فقالوا له : أعلم النّاس بأنساب العرب ووقائعها ، وأيام الجاهليّة ، والأشعار العربيّة. قال ، فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) : ذاك علم لا يضرّ مَن جهله ، ولا ينفع مَن علمه ، ثمّ قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) : إنّما العلم ثلاثة : آية محكمة ، أو فريضة عادلة ، أو سنّة قائمة ، وما خلاهنّ فهو فضل». الكافي 1 / 2.
    (2) سورة لقمان / 6 ـ 7 ، تفسير القمي 2 / 161 ، ط النّجف ، وتفسير ابن عبّاس / 44 ، ط مصر.


    قصص الأنبياء والمرسلين ، سويد بن الصامت ، فإنّه قدم مكّة بعد بعثة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حاجّاً أو معتمراً ، فبلغه أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فلقيه ، فدعاه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى الله ، فقال له سويد : إنّ معي مجلّة لقمان. قال (صلّى الله عليه وآله) : «فاعرضها عليّ». فعرضها عليه ، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : «إنّ هذا لكلام حسن ، والذي معي أحسن منه ، قرآن أنزله الله عليّ هدىً ونور» (1).
    ومن هذه الأحاديث : أحاديث ما قبل الإسلام من قصص الأنبياء والاُمم السّالفة التي رواها الطبري ومحمّد بن إسحاق ، والتي تنتهي أسنادها إلى عبارة : بعض أهل العلم من أهل الكتاب الأوّل.
    وجاء الإسلام وأتى بالقرآن كتاباً وقرآناً يُتلى آناء اللّيل وأطراف النّهار ... ؛ فاحتاج إلى كتّاب يكتبونه ، بالإضافة إلى حفّاظ يحفظونه ... فكُتب القرآن الكريم على عهد الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) ، وحفظه آخرون على ظهر القلب.
    وأمّا أحاديث الرسول (صلّى الله عليه وآله) في تفسير القرآن وأخبار الشرائع والأديان ، وتفصيل المسائل والأحكام الشرعيّة ، وسيرته وسنّته وأخباره ومغازيه ... ، فإنّها بقيت هكذا غير مدوّنة حتّى ارتحل الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) إلى الرفيق الأعلى ... وإنّما كان يحفظها ويُحدّث بها عن ظهر الغيب صحابته ممّن رآه وسمع حديثه.
    وارتدّ عن الإسلام بعد وفاة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) جماعة ممّن كان قد استسلم له أيّام حياته ، فخرج أصحابه في الحروب والمغازي حتّى قُتل منهم يوم اليمامة أكثر من ثلثمئة رجل (2) ، فأحسّوا بعد هذا بالحاجة إلى تدوين
    _________________
    (1) الطبري 2 / 5 ، ط دار المعارف ، واليعقوبي 2 / 0 ، ط النّجف.
    (2) الطبري 3 / 269 ، ط دار المعارف.

    الحديث.
    ولكنّهم اختلفوا فيه ، فمنهم : مَن أجازه ، ومنهم : مَن منعه ... وترجّح جانب المنع بنهي الخليفة الأوّل (1) والثاني (2) والثالث (3) عنه ... واستمر أثر هذا النّهي والكراهيّة إلى أوائل المئة الثانية للهجرة حتّى أجمع على إباحته المسلمون.
    وأباحه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه الصلاة والسّلام). وأوّل شيء سجّله أمير المؤمنين (عليه السّلام) كتاب الله العزيز ؛ فإنّه بعد الفراغ من أمر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) آلى على نفسه أنْ لا يرتدي إلاّ للصلاة أو يجمعه ، فجمعه مرتّباً على حسب ترتيبه في النّزول. وأشار إلى : عامّه خاصّه ، ومطلقه ومقيّده ، ومجمله ومبيّنه ، ومحكمه ومتشابهه ، وناسخه ومنسوخه ، ورخصه وعزائمه ، وآدابه وسننه. ونبّه على أسباب النّزول في آياته ، وأوضح ما عساه يُشكل من بعض الجهات.
    وبعد فراغه من الكتاب العزيز ، ألّف كتاباً في الدّيات كان يومئذٍ يعرف بـ : (الصحيفة). أوردها ابن سعيد في آخر كتابه المعروف بـ : (الجامع). ويروي عنها البخاري في مواضع من صحيحه ، منها في : أوّل كتاب العلم من الجزء الأوّل.
    واقتدى به في جمع الحديث في ذلك العصر جماعة من شيعته ، منهم : أبو رافع إبراهيم القبطي وابناؤه ، علي بن أبي رافع وعبيد الله بن أبي رافع.
    ولهذا الأخير كتاب في تسمية مَن شهد الجمل وصفّين والنّهروان (4) ،
    _________________
    (1) تذكرة الحفاظ 1 / 3 ، 5.
    (2) المصدر السّابق 1 / 3 ، 4 ، 7 ، والبخاري / 6 باب : الاستيذان ، وطبقات ابن سعد 2 / 206.
    (3) مسند أحمد 1 / 63 ـ ، وراجع في ذلك كتاب : السنّة قبل التدوين.
    (4) رجال النّجاشي / 1 ـ 5 ، ط الهند ، والفهرست / 122 ، ط النّجف.

    فيكون هذا أوّل كتاب في التاريخ من شيعته (عليه السّلام).
    وهكذا سبق الشيعة سائر المسلمين في كتابة التاريخ أيضاً ، فكان محمّد بن السّائب الكلبي (146 هـ) وأبو مِخْنف لوط (158 هـ) ، وهشام الكلبي (206 هـ) وغيرهم من مصادر التاريخ الإسلامي (1).
    كربلاء :
    وفي كربلاء وقعت تلك الحادثة التي خلّدها التاريخ ، والتي أتت فيما أتت عليه على حياة الإمام العظيم سبط الرسول الكريم ، سيّد الشهداء أبي عبدالله الحسين (عليه الصلاة والسّلام).
    وكذلك بقيت هذه الحادثة الأليمة في سنة (61 هـ) ، أحاديث شجون تتناقلها الألسن نقلاً عن الذين كانوا قد شهدوا المعركة ، أو الحوادث السّابقة عليها أو التالية لها ، كسائر أحاديث المغازي والحروب في الإسلام ... حتّى انبرى لها في أوائل المئة الثانية للهجرة أبو مِخْنف ، لوط بن يحيى بن سعيد بن مِخْنف بن سليم الأزدي الغامدي الكوفي (ت 158 هـ) (2) ، فجمعها من أفواه الرواة وأودعها كتاباً أسماه : (كتاب مقتل الحسين) (عليه السّلام) كما في قائمة كُتبه. فكان أوّل كتاب في تاريخ هذه الحادثة العظمى على الإطلاق.
    وتتلمذ على يد أبي مِخْنف في أحاديث تاريخ الإسلام كوفي آخر ، هو : هشام بن محمّد بن السّائب الكلبي الكوفي ، النسّابة المتوفّى (206 هـ) (3). فقرأ على
    _________________
    (1) راجع للزيادة : مؤلّفو الشيعة في الإسلام ، والشيعة وفنون الإسلام ، وتأسيس الشيعة لعلوم الإسلام / 91 ـ 287 ، وأعيان الشيعة 1 / 8 ـ 148 ، والغدير 6 / 290 ـ 297.
    (2) فوات الوفيات 2 / 140 ، والأعلام للزركلي 3 / 821.
    (3) مروج الذهب 4 / 24 ، ط مصر.

    شيخه الكوفي أبي مِخْنف كُتبه ، ثمّ كتبها وحدّث بها عنه ، يقول : حدّثني أبو مِخْنف لوط بن يحيى الأزدي عن ...
    وممّا كتب من كُتبه وقرأه عليه وحدّث به عنه كتابه في مقتل الحسين (عليه السّلام) ـ كما نراه في قائمة كتبه ـ إلاّ أنّه لمْ يقتصر في كتابه في المقتل على آحاديث شيخه أبي مِخْنف فقط ، بل جمع إليها أحاديث أخرى عن شيخه الآخر ـ في التاريخ ـ عوانة بن الحكم (158 هـ).
    ولا يخفى على مَن يراجع تاريخ صدر الإسلام ، أنّه يجد المؤرخين بأسرهم عيالاً على هذين العلمين العالمين المتقدّمين ، ولا سيّما أبي مِخْنف ؛ ولقد كان هذا بسبب قرب زمنه ، ينقل القضايا والحوادث بجميع حذافيرها ويُوردها على وجهها.
    واختصر كثير من المؤرخين كُتبه في مؤلّفاتهم في التاريخ ، ممّا يدلّ على وجود كُتبه لديهم إلى عهدهم ، كـ : محمّد بن عمر الواقدي (207 هـ) ، والطبري (3 ـ 10 هـ) ، وابن قتيبة في كتابه الإمامة والسّياسة (3 ـ 22 هـ) ، وابن عبد ربّه الأندلسي في العقد الفريد ـ حيث أتى على ذكر السّقيفة (3 ـ 28 هـ) ، وعلي بن الحسين المسعودي ـ في قضية اعتذار عروة بن الزبير عن أخيه عبدالله في تهديد بني هاشم بالإحراق ، حيث تخلّفوا عن بيعته (3 ـ 45 هـ) ، والشيخ المفيد في الإرشاد في مقتل الحسين (عليه السّلام) (413 هـ) ، وفي كتاب النّصرة في حرب البصرة ، والشهرستاني في الملل والنّحل ـ عند ذكر الفرقة النّظاميّة (548 هـ) ، وابن الأثير الجزري في الكامل في التاريخ (63 ـ 0 هـ) ، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخوّاص (654 هـ) ... وآخر مَن نراه من المؤرخين يسند في كتابه إلى أبي مِخْنف بلا إسناد إلى محدّث أو كتاب آخر ، ممّا ظاهره مباشرة النّقل عن كتابه هو : أبو الفداء في تاريخه (53 ـ 2 هـ).

    ولا علم لنا الآن بما يوجد من كُتب أبي مِخْنف عامّة ، وكتابه في المقتل خاصّة والظاهر أنّها مفقودة لا توجد إلاّ في مطاوي هذه الكُتب بصورة أحاديث متفرقة.
    وأقدم نصّ معروف لدينا ممّن نقل أحاديث هشام الكلبي في كتابه عن أبي مِخْنف هو : تاريخ أبي جعفر محمّد بن جرير الطبري (3 ـ 10 هـ) ، وهو لمْ يُفرد لها تأليفاً خاصّاً ، وإنّما ذكر الوقعة في أثناء تاريخه لحوادث سنة (60 ـ 61 هـ) (1).
    وهو لا يُرويها عنه بالتحدّث مباشرة ، وإنّما يُرويها عن كُتبه معزّزة بقوله : حدّثت عن هشام بن محمّد ، ثمّ لا يُعيّن مَن حدّثه عنه ... ويدلّنا على عدم دركه لهشام وعدم مباشرته السّماع عنه ، قياس تاريخ ولادة الطبري (224 هـ) بوفاة الكلبي (206 هـ) ... وقد صرّح بنقله عن كُتبه عند ذكره لوقعة الحرّة إذ يقول : هكذا وجدته في كتابي ... (2).
    وأقدم نصّ بعد الطبري ممّن يروي عن كتاب هشام الكلبي بلا واسطة ، هو كتاب : الإرشاد للشيخ المفيد (ت 413 هـ) ؛ فإنّه قال ـ قبل نقله أخبار كربلاء في كتابه ـ ما نصُّه : فمن مختصر الأخبار ... ما رواه الكلبي ... (3).
    ثم كتاب : تذكرة الأمّة بخصائص الأئمة لسبط ابن الجوزي (654 هـ) ؛ فإنّه أيضاً نقل كثيراً ممّا ذكره في أخبار الإمام الحسين (عليه السّلام) عن هشام الكلبي مصرّحاً بذلك.
    وعند مقابلة ما نقله الطبري بما نقله الشيخ المفيد (ره) والسّبط ، يظهر التوافق
    _________________
    (1) الطبري 5 / 338 ـ 467 ، ط دار المعارف.
    (2) الطبري 5 / 487.
    ويدلّ على هذا أيضاً اختلاف الطبري في بعض الأعلام ، ممّا يدلّ على أنّه لمْ يسمعها روايةً ، كما في اسم مسلم بن المسيّب ، حيث ذكره في موضعين : مسلم بن المسيّب ، وفي آخرين : سلم بن المسيّب. وهو شخص واحد كما في خبر المختار.
    (3) الإرشاد / 200 ، ط النّجف.

    الكثير بين نصوص النّقول إلاّ ما شذّ من بعض الحروف أو الكلمات ، كـ (الواو بدل الفاء) ، أو العكس أو ما شابه هذا ، كما سترى ذلك في طيّات الكتاب.
    أبو مِخْنف :
    لمْ تذكر لنا التواريخ مولده ، إلاّ أنّ الشيخ الطوسي (رحمه الله) عدّه في رجاله في طبقة مَن روى عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، نقلاً عن الكشّي (رحمه الله) ثمّ قال : وعندي أنّ هذا غلط ؛ لأنّ لوط بن يحيى لمْ يلقِ أميرالمؤمنين (عليه السّلام) ، بل كان أبوه يحيى من أصحابه (1). ثمّ لمْ يذكر أباه يحيى في أصحاب أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، وإنّما ذكر جدّه مِخْنف بن سليم الأزدي ، وقال : إبن خالة عائشة ، عربي كوفي (2).
    والشيخ (رحمه الله) إنّما نقل هذا عن كتاب الكشّي (رحمه الله) لا عنه مباشرة؛ فإنّ الكشّي من المئة الثالثة ، وقد وُلد الشيخ الطوسي سنة (385 هـ).
    وكان اسم هذا الكتاب للكشّي : معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين ، على ما ذكره ابن شهر آشوب في : معالم العلماء (3) وهو الآن مفقود ، وإنّما الموجود منه هو ما اختاره الشيخ الطوسي منه سنة (456 هـ) على ما ذكره السيّد ابن طاووس في فرج المهموم. وليس في مختار الشيخ ـ هذا ـ ما نقله عنه مَن عدّ أبي مِخْنف في أصحاب أمير المؤمنين (عليه السّلام).
    وذكره الشيخ (رحمه الله) في رجاله في طبقة أصحاب الإمام الحسن بن علي
    _________________
    (1) رجال الشيخ / 57 ، ط النّجف.
    (2) المصدر السّابق / 58.
    (3) معالم العلماء / 102 ، ط النّجف.
    (4) فرج المهموم / 13 ، ط النّجف.

    (عليه السّلام) (1) ، ثمّ في طبقة أصحاب الإمام الحسين (عليه السّلام) (2) ، ثمّ في طبقة أصحاب الإمام الصادق (عليه السّلام) (3) ، ولمْ يذكره في طبقة أصحاب الإمام علي بن الحسين ، ولا في طبقة أصحاب الإمام الباقر (عليهما السّلام).
    ونقل الشيخ في : الفهرست أيضاً ما زعمه الكشّي ، ثمّ قال : والصحيح أنّ أباه كان من أصحاب عليّ (عليه السّلام) ، وهو لمْ يلقه (4). ثمّ ذكر طريقه إليها عن هشام بن محمّد بن السّائب الكلبي ونصر بن مزاحم المنقري.
    وذكره الشيخ النّجاشي في رجاله ، فقال : لوط بن يحيى بن سعيد بن مِخْنف بن سالم (5) الأزدي الغامدي ، أبو مِخْنف ، شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم. وكان يسكن إلى ما يرويه. روى عن جعفر بن محمّد (عليه السّلام).
    وقِيل روى عن أبي جعفر (ع) ، ولمْ يصحّ (6) ، ثمّ عدّ كُتبه وعدّ منها كتاب : مقتل الحسين (عليه السّلام) ، ثمّ ذكر طريقه إليها عن هشام بن محمّد بن السّائب الكلبي عنه.
    وبهذه النّصوص لحدّ الآن نكون قد أتينا على ما في ثلاثة من الأصول الأربعة في الرجال عندنا في صاحبنا ، أبي مِخْنف من غير ذكر لمولده ولا وفاته.
    ما يرويه الطبري في آل أبي مِخْنف :
    وذكر الطبري في كتابه : ذيل المذيّل فيمَن توفّي من الصحابة سنة
    _________________
    (1) رجال الشيخ الطوسي / 70.
    (2) المصدر السّابق / 79.
    (3) المصدر السّابق / 279.
    (4) الفهرست للطوسي / 155 ، ط النّجف.
    (5) من الغريب أنّه ذكره هكذا ، ثمّ ذكر له كتاب : أخبار آل مِخْنف بن سليم! فالمرجّح أنْ يكون من تحريف النسّاخ.
    (6) رجال النّجاشي / 224 ، ط الحجريّة ـ الهند.

    (80 هـ) : مِخْنف بن سليم بن الحارث ... بن غامد بن الأزد ... ؛ أسلم مِخْنف وصحب النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، وهو بيت الأزد بالكوفة ، وكان له إخوة ثلاثة ، يقال لأحدهم : عبد شمس ـ قُتل يوم النّخيلة ـ ، والصقعب ـ قُتل يوم الجمل ـ ، وعبدالله ـ قُتل يوم الجمل ـ ... وكان من وُلد مِخْنف بن سليم ، أبو مِخْنف لوط بن يحيى بن سعيد بن مِخْنف بن سليم ، يُروى عنه أيّام النّاس (1).
    وذكره في أخبار البصرة عن غير أبي مِخْنف ، فقال : وعلى سبع بجيلة وأنمار وخثعم والأزد ، مِخْنف بن سليم الأزدي (2).
    وهذان النّقلان ليس فيهما ما يدلّ على أنّ مِخْنف بن سليم قُتل يوم الجمل ، ولكنّه روى في أخبار الجمل أيضاً رواية أخرى عن أبي مِخْنف ، عن عمّه محمّد بن مِخْنف قال : حدّثني عدّة من أشياخ الحيّ كلهم شهدوا الجمل ، قالوا : كانت راية الأزد من أهل الكوفة مع مِخْنف بن سليم ، فقتل يومئذٍ فتناول الراية من أهل بيته الصقعب وأخوه عبدالله بن سليم فقتلوهم (3).
    وهذا يشترك مع ما ذكره في : ذيل المذيّل في مقتل أخوي مِخْنف الصقعب وعبدالله ، فلعلّه إنّما نقله فيه من تاريخه ، ويختلف معه في مقتل مِخْنف بن سليم ، إذ تقول هذه الرواية ، أنّه : قُتل يوم الجمل. وهذا ينافي ما رواه الطبري عن الكلبي عن أبي مِخْنف قال : حدّثني أبي يحيى بن سعيد ، عن عمّه محمّد بن مِخْنف ، قال : كنت مع أبي مِخْنف بن سليم يومئذٍ ، وأنا ابن سبع عشرة سنة ... (4).
    وكذلك روى عنه ، قال : حدّثني الحارث بن حصيرة الأزدي ، عن أشياخ
    _________________
    (1) المطبوع مع التاريخ ط دار القاموس 13 / 6 ، وط دار سويدان 11 / 547.
    (2) الطبري 4 / 500 ، ط دار المعارف.
    (3) المصدر السّابق 4 / 521.
    (4) المصدر السّابق 4 / 246.

    من النّمر والأزد : أنّ مِخْنف بن سليم لمّا نُدبت الأزد للأزد [كره ذلك ...] (1).
    وكذلك روى عن المدائني (225 هـ) ، وعوانة بن الحكم (158 هـ) ، وهو بإسناده إلى شيخ من بني فزارة ، قال : بعث معاوية النّعمان بن بشير [الأنصاري] في ألفين ، فأتو (عين التمر) فأغاروا عليها ، وبها عامل لعلي (عليه السّلام) ، يقال له : [مالك بن كعب] الأرحبي في ثلثمئة ، فكتب إلى علي (عليه السّلام) يستمدّه. وكتب إلى مِخْنف بن سليم ـ وهو قريب منه ـ يسأله أنْ يمدّه ... فوجّه إليه مِخْنف ابنه عبد الرحمن في خمسين رجلاً ، فانتهوا إلى مالك وأصحابه ... ، فلمّا رآهم أهل الشام ظنّوا أنّ لهم مدداً ، فانهزموا ومضوا على وجوههم (2).
    فهذه الأحاديث كلها تصرّح بحياة جدّه مِخْنف بن سليم بعد الجمل ، بل حتّى بعد صفّين ، فإنّ غارات معاوية ؛ إنّما كانت سنة (3 ـ 9 هـ) ، بعد وقعة صفّين (3 ـ 7 هـ) ، بينما تنفرد تلك الرواية بأنّه : قتل يوم الجمل كما سلف آنفاً ، ولمْ يفطن الطبري ؛ لذلك فلمْ يعلّق عليه بشيء مع تصريحه في ذيل المذيّل بحياته إلى سنة (80 هـ) (3).
    ما يرويه نصر بن مزاحم المنقري في آل أبي مِخْنف :
    على أنّ في غير الطبري أيضاً ما يدلّ على حياة مِخْنف بن سليم بعد الجمل وصفّين ؛ فيما يرويه نصر بن مزاحم المنقري (212 هـ) ، في كتابه وقعة صفّين :
    عن يحيى بن سعيد عن محمّد بن مِخْنف ، قال : نظر علي (عليه السّلام) إلى أبي
    _________________
    (1) المصدر السّابق 5 / 26.
    (2) الطبري 5 / 133 ، ط دار المعارف.
    (3) ذيل المذيّل / 547 ، ط دار سويدان ، ج / 11 من تاريخ الطبري.

    ـ بعد رجوعه من البصرة ـ فقال (ع) : «لكن مِخْنف بن سليم وقومه لمْ يتخلّفوا ...» (1).
    وقال ، قال أصحابنا : وبُعث مِخْنف بن سليم على إصبهان وهمذان ، وعُزل عنها جرير بن عبدالله البجلي ... (2).
    وقال : لمّا أراد المسير إلى الشام كتب إلى عمّاله ، فكتب إلى مِخْنف بن سليم كتاباً ، كتبه عبيد الله بن أبي رافع (سنة 3 ـ 7 هـ) ، فاستعمل مِخْنف على عمله رجلين من قومه وأقبل حتّى شهد مع علي صفّين (3).
    وقال : وكان مِخْنف بن سليم عن الأزد وبجيلة والأنصار وخزاعة (4).
    وقال : وكان مِخْنف يُساير عليّ (عليه السّلام) ببابل (5).
    وروى عن أشياخ من الأزد : إنّ مِخْنف بن سليم لمّا ندب أزد العراق إلى أزد الشام عظم عليه ذلك وكره ، وخطب فعظّمه وكرّهه إليهم (6).
    ولنا في حديث أبي مِخْنف عن عمّ أبيه محمّد بن مِخْنف ، حيث قال : كنت مع أبي مِخْنف بن سليم يومئذٍ ، وأنا ابن سبع عشرة سنة (7) ـ استفادة كبرى : ـ فانّ ظاهر هذا الخبر أنّ سعيداً كان أصغر من أخيه محمّد فلمْ يشهد صفّين ، وإنّما نقل خبره عن أخيه محمّد ، وهذا الخبر يدلّ على أنّ محمّد بن مِخْنف وُلد سنة (20 هـ) ، فيكون أخوه سعيد جدّ لوط أيضاً قريباً منه ، فيكون الذي من أصحاب علي (عليه السّلام) جدّ لوط : سعيد ، وليس حتّى أبوه يحيى ... فنقول ـ على أقلّ
    _________________
    (1) وقعة صفّين / 8 ، ط المدنى.
    (2) المصدر السّابق / 11.
    (3) المصدر السّابق / 104.
    (4) صفّين / 117.
    (5) المصدر السّابق / 135.
    (6) المصدر السّابق / 262. وفي تقريب التهذيب : أنّه استشهد بعين الوردة مع التوّابين سنة (64 هـ) ، وهو غلط.
    (7) الطبري 4 / 246.

    تقدير ـ : ليكن سعيد قد تزوّج وأنجب ابنه يحيى في العشرين من عمره ـ أي : في سنة 40 هـ (1) ـ فلا مجال بعدُ لوجود لوط قطعاً ، ولا مجال لعدّ يحيى في أصحاب علي (عليه السّلام) ، ولنفترض أنّ يحيى أبا لوط أيضاً تزوّج وأنجب في العشرين من عمره ـ أي : في سنة 60 هـ هذا أقلّ ما يكون ... ، ولنفترض أنّه بدأ بسماع الحديث في العشرين من عمره ـ أي : في سنة 80 هـ وأنّه جمع أحاديث كتابه هذا في غضون عشرين سنة ـ أي : فرغ من تأليفه قرب المئة الأولى للهجرة ... ـ ولكن يبعد جدّاً أن يكون قد كتبه وأملاه على النّاس إذ ذاك ؛ وتدوين الحديث بعدُ مكروه جدّاً ، بل ممنوع فضلاً عن التاريخ والسّلطة بعدُ مروانيّة اُمويّة ، والظروف للشيعة وأخبارهم ظروف خوف وتقيّة.
    ولنا في إشارة أبي مِخْنف في خبر دخول مسلم بن عقيل (عليه السّلام) إلى الكوفة إلى دار المختار بن أبي عبيد الثقفي ـ بقوله : وهي التي تدعى اليوم دار مسلم بن المسيّب ـ إفادة : أنّه ألّف كتابه في المقتل في حدود الثلاثينات بعد المئة من الهجرة ، حيث إنّ مسلم بن مسيّب هذا كان في سنة (129 هـ) ، عامل ابن عمر
    _________________
    (1) فكيف يكون يحيى أبو أبي مِخْنف من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، كما ذكر الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) في كتابيه؟ وقد سبقنا إلى هذا القول ، الفاضل الحائري في كتابه : منتهى المقال ، فاستدلّ على عدم ملاقاة أبي مِخْنف لأمير المؤمنين (عليه السّلام) ، وضعّف قول الشيخ الطوسي في كتابيه بدرك يحيى (أبي لوط) له (عليه السّلام) ؛ بدليل أنّ جدّ أبيه مِخْنف بن سليم كان من أصحابه (عليه السّلام) ، كما صرح به الشيخ وغيره ، قائلاً : إنّ ذلك ممّا يشهد للشيخ بعدم درك لوط إيّاه (عليه السّلام) ، بل لعلّه يضعّف درك أبيه يحيى أيضاً إيّاه ، إنتهى.
    فكون أبي مِخْنف من أصحاب الأمير (عليه السّلام) ـ كما ذكره الكشّي ـ غير ممكن ، ولا موجب لِمَا صدر من الشيخ الغفاري في مقدّمة مقتله من الاستدلال لإمكان اجتماع أبي مِخْنف حتّى مع جدّ أبيه مِخْنف بن سليم ، بكون عمر لوط خمس عشرة وعمر أبيه يحيى خمساً وثلاثين ، وعمر جدّه سعيد خمساً وخمسين وجدّ أبيه مِخْنف بن سليم خمساً وسبعين سنة ؛ فإنّ فيه ما عرفت من خبر أبي مِخْنف عن عمّ أبيه محمّد بن مِخْنف أنّه : كان له يوم صفّين سبع عشرة سنة ، وأنّ أخاه سعيداً لمْ يكن أكبر منه ، بل أصغر ؛ ولذلك لمْ يشهد صفّين وإنّما نقل خبره عن أخيه محمّد ، فيكون عمره زهاء خمس عشرة سنة ، لا خمساً وخمسين.

    على شيراز ـ كما في : 7 / 72 وهو عهد ضعف الاُمويّين وقيام العباسيّين بالدعوة إلى الرضا من أهل البيت (عليه السّلام) ، والطلب بثارات الحسين وأهل بيته (عليه السّلام) ، ومن يدري لعلّ دعاة العباسيّين دعوا أبا مِخْنف إلى تأليف أخبار مقتل الحسين (عليه السّلام) ؛ لتأييد دعوتهم ، ثمّ لمّا بلغوا ما أرادوا تركوه ومقتله كما تركوا أهل البيت (عليه السّلام) ، بل حاربوهم.
    مصنّفاته :
    ذكر الشيخ النّجاشي له من المصنّفات :
    كتاب المغازي ، كتاب الردّة ، كتاب فتوح الإسلام ، كتاب فتوح العراق ، كتاب فتوح خراسان ، كتاب الشورى ، كتاب قتل عثمان ، كتاب الجمل ، كتاب صفّين ، كتاب الحكمين ، كتاب النّهروان ، كتاب الغارات ، كتاب أخبار محمّد بن أبي بكر ، كتاب مقتل محمّد بن أبي بكر ، كتاب مقتل أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، كتاب أخبار زياد ، كتاب مقتل حجر بن عدي ، كتاب مقتل الحسن (عليه السّلام) ، كتاب مقتل الحسين (عليه السّلام) ، كتاب أخبار المختار ، كتاب أخبار ابن الحنفيّة ، كتاب أخبار الحجّاج بن يوسف الثقفي ، كتاب أخبار يوسف بن عمير ، كتاب أخبار شبيب الخارجي ، كتاب أخبار مطرّف بن مغيره بن شعبة ، كتاب أخبار الحريث بن الأسدي النّاجي ، كتاب أخبار آل مِخْنف بن سليم ... ثمّ ذكر طريقه إليه ، عن تلميذه : هشام الكلبي (1).
    وذكر له الشيخ الطوسي في الفهرست بعض هذه الكتب ، ثمّ أضاف :
    وله كتاب خطبة الزهراء (عليها السّلام) ، ثمّ ذكر طريقه إليه (2).
    _________________
    (1) رجال النّجاشي / 224 ، ط الحجرية ـ الهند.
    (2) الفهرست / 155 ، ط النّجف.

    وذكر له ابن النّديم في الفهرس بعض هذه الكتب وعدّ ، منها : مقتل الحسين (عليه السّلام).
    ومن الملاحظ عليه في قائمة كتبه : أنّه كان جلّ جهده موجّهاً إلى التصنيف في أخبار الشيعة ، وفي أخبار الكوفة بالخصوص ، وليس فيها كتاب في أخبار بني أميّة أو بني مروان ، ولا فيها كتاب عن قيام أبي مسلم الخراساني والدولة العبّاسيّة ، مع أنّه توفّي بعد كلّ هذا بخمس وعشرين سنة (158 هـ) ، بل آخر ما نرى في قائمة كتبه من تواريخه : كتاب أخبار الحجاج بن يوسف الثقفي ، وأخباره تنتهي بموته سنة (95 هـ) ، إلاّ أنّ الطبري يروي عنه في تاريخه أخباراً إلى أواخر أيام الاُمويّين ، وبالتعيين إلى حوادث سنة (132 هـ) (1).
    والملاحظ في أخباره المتناثرة في الكتب ولا سيّما في الطبري : أنّه يروي كثيراً منه ، عن أبيه أو عمّه أو أحد بني عمومته ، أو أشياخه من حيّ الأزد من الكوفيّين ؛ وهذا يدلّنا على أنّ كثرة وجود الأخبار في قومه هو الذي بعثه على جمعها وتأليف الكتب منه ؛ ولهذا نراه قد اقتصر على أخبار الكوفيّين حتّى أنّه عُدّ فيها أعلم من غيره بها.
    مذهبه ووثاقته :
    والملاحظ في أخباره عامّة أيضاً أنّه لمْ يروِ عن الإمام زين العابدين (عليه السّلام) (ت 95 هـ) ، ولا عن الإمام الباقر (عليه السّلام) (ت 115 هـ) ، مباشرةً ولا خبراً واحداً ، بل روى عن الإمام الباقر (عليه السّلام) بواسطة (2) ، وعن الإمام علي بن الحسين (عليهما السّلام) بواسطتين (3) ، وله بضع روايات عن الإمام
    _________________
    (1) انظر : 7 / 417 ، خروج محمّد بن خالد بالكوفة سنة (132 هـ).
    (2) انظر : 5 / 448 ، خبر مقتل الرضيع في الطبري.
    (3) انظر : 5 / 488 ، خبر ليلة عاشوراء.

    الصادق (عليه السّلام) (ت 148 هـ) ، بلا واسطة (1) ، وهذا ممّا يؤيده النّجاشي ـ ره ـ إذ قال ، وقِيل : إنّه روى عن أبي جعفر (عليه السّلام) ، ولمْ يصح (2) ، ولمْ يروِ عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السّلام) ، مع أنّه عاش بعد الإمام الصادق (عليه السّلام) (ت 148 هـ) معاصراً للإمام الكاظم (عليه السّلام) عشر سنين ؛ ولهذا لمْ يعدّه أحد من أصحابه.
    وهذا ممّا قد يدلّنا على أنّّه لمْ يكن شيعيّاً ، ومن صحابة الأئمة (عليه السّلام) بالمعنى المصطلح الشيعي الإمامي الذي يعبّر عنه العامّة ، بـ (الرافضي) ، وإنّما كان شيعيّاً في الرأي والهوى كأكثر الكوفيّين ، غير رافض لمذهب عامّة المسلمين آنذاك.
    وقد يكون ممّا يؤيد هذا : أنّ أحداً من العامّة لمْ يرمه بالرفض ، كما هو المعروف من مصطلحهم : أنّهم لا يقصدون بالتشيّع سوى الميل إلى أهل البيت (عليه السّلام) ، وأمّا من علموا منه اتّباع أهل البيت (عليه السّلام) في مذهبه ؛ فإنّهم يرمونه بالرفض لا التشيّع فحسب ، وهذا هو الفارق في مصطلحهم بين الموردين. قال فيه الذهبي : أخباري تالف لا يُوثق به ، تركه أبو حاتم وغيره. وقال ابن معين : ليس بثقة. وقال مرّة : ليس بشيء. وقال ابن عدي : شيعي محترق صاحب أخبارهم (3) ، فلمْ يرمه أحد منهم بالرفض ، بينما نراهم يرمون مَن ثبت أنّه على مذهب أهل البيت (عليه السّلام) بالرفض.
    ويصرّح ابن أبي الحديد بهذا ، فيقول : وأبو مِخْنف من المحدّثين ، وممّن يرى صحّة الإمامة بالإختيار ، وليس من الشيعة ولا معدوداً من رجاله (4).
    _________________
    (1) انظر : 5 / 453 ـ ، خبر مصرع الحسين (عليه السّلام).
    (2) ص / 224 ، ط الحجرية ـ الهند.
    (3) ميزان الاعتدال 3 / 420 ، ط الحلبي. والمحترق بمعنى : المتعصب ، كما جاء في الميزان بشأن الحارث بن حصيرة ، هو من : المحترقين ، وليس المخترق كما قد يتوهم.
    (4) تأسيس الشيعة / 23 5 ، ط بغداد. وقد عدّدت موارد رواية الطبري عن أبي مِخْنف ، فكان زهاء

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    وقعة الطف لابو مخنف Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة الطف لابو مخنف   وقعة الطف لابو مخنف Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 4:14 pm

    نقل هذا السيّد الصدر في تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ، ثمّ علّق عليه يقول ، قلت : لا يرمونه بغير التشيّع ، وهو عند أهل العلم منهم لا ينافي الوثاقة ، وقد اعتمد عليه أئمة السنّة كأبي جرير الطبري وابن الأثير ، خصوصاً ابن جرير قد شحن تاريخه الكبير من رواية أبي مِخْنف (1).
    وقد عقد الإمام شرف الدين (رحمه الله) في كتابه : المراجعات ، فصلاً خاصاً عدّ فيه مئة من رجال الشيعة في أسناد السنّة ، بل حتّى صحاحهم ، وعيّن مواضعه (2).
    وخلاصة القول فيه : أنّه لا ينبغي التأمّل في كونه شيعيّاً لا إماميّ ، كما صرّح به ابن أبي الحديد فهو كلام متين ، وإنّما عدّه بعض العامّة شيعيّاً على ما تعوّدوا عليه بالنّسبة إلى من يميل إلى أهل البيت (عليه السّلام) بالمودّة والمحبّة والهوى ، ولمْ يصرّح أحد من علماء الشيعة السّابقين بتشيّعه ، وإنّما وصفه النّجاشي (رحمه الله) وهو خرّيت هذا الفن بأنّه : كان شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ، لا شيخ أصحابنا ، أو حتّى شيخ أصحاب أخبارنا. ولا عجب في تصريح ابن أبي الحديد بذلك ، وهو يروي عنه أرجازاً في وقعة الجمل في وصاية علي (عليه السّلام) لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فإنّ نقله لهذه الأراجيز لا يشهد بأكثر من تشيّعه في الرأي والهوى لا العقيدة بالإمامة ، كما يروي ذلك كثير من أهل السنّة.
    والخلاصة : أنّ كون الرجل شيعيّاً ممّا لا ينبغي الريب فيه ، أمّا كونه إماميّاً فلا دليل عليه.
    _________________
    (400) مورداً ، كما في فهرس الأعلام 7 / 417 ، ط دار المعارف ، آخرها في خروج محمّد بن خالد بالكوفة سنة (132 هـ).
    (1) تأسيس الشيعة / 235 ، ط بغداد.
    (2) المراجعات / 16 ـ 17 ، 52 ـ 118 ، ط دار الصادق.

    وأحسن ما قال فيه أصحابنا هو ما مدحه به النّجاشي ، إنّه : شيخ أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم ، وكان يسكن إلى ما يرويه. فهو مدح معتدّ به يثبت به حسنه ؛ ولذا عدّ أخباره في : الوجيزة والبلغة ، والحاوي وغيرها من الحسان.
    هشام الكلبي :
    ذكره الشيخ النّجاشي وسرد نسبه ، ثمّ قال : العالم بالأيّام ، المشهور بالفضل والعلم ، وكان يختصّ بمذهبنا وله الحديث المشهور ، قال : اعتللت علّة عظيمة نسيت علمي ، فجئت إلى جعفر بن محمّد (عليه السّلام) فسقاني العلم في كأس فعاد إليّ علمي. وكان أبو عبدالله يقرّبه ويدنيه وينشّطه ، وله كتب كثيرة (1) ، ثمّ عدّ كتبه ، وذكر طريقه إليه ، وعدّ من كتبه : مقتل الحسين (عليه السّلام) ، ولعلّه هو ما يرويه أو أكثره عن شيخه أبي مِخْنف.
    ومن الغريب أنّ الشيخ الطوسي نقل في مختاره من رجال الكشّي ، أنّه يقول : الكلبي من رجال العامّة ، إلاّ أنّ له ميلاً ومحبّة شديدة ، وقد قِيل : إنّ الكلبي كان مستور ـ أي : في التقيّة ـ ولمْ يكن مخالف (2).
    _________________
    (1) ص / 305 ، ط الحجرية ـ الهند.
    (2) ص / 390 ، ح : 733 ، ط مشهد. ولا يُخفى أنّ بناء علمائنا الرجإليّين على تقديم قول النّجاشي عند المعارضة ، فقد قال الشهيد (قدّس سرّه) في المسالك : وظاهر حال النّجاشي ، إنّه أضبط الجماعة وأعرفهم بحال الرواة. وقال سبطه في شرح الاستبصار : والنّجاشي مقدّم على الشيخ في هذه المقامات كما يعلم بال ممّا ممّا رسة. وقال شيخه المحقق لأسترابادي في الرجال الكبير في ترجمة سليمان بن صالح : ولا يُخفى تخالف ما بين طريقي الشيخ والنّجاشي ، ولعلّ النّجاشي أثبت. وقال السيّد بحر العلوم في الفوائد الرجإليّة : أحمد بن علي النّجاشي أحد المشايخ الثبات ، والعدول الأثبات من أعظم أركان الجرح والتعديل وأعلم علماء هذا السبيل ، أجمع علماؤنا على الاعتماد عليه وأطبقوا على الاستناد في أحوال الرجال إليه ... وبتقديمه صرّح جماعة من الأصحاب ، نظراً إلى كتابه الذي لا نظير له في هذا

    ثم لم يذكره الشيخ في الرجال ولا في الفهرست إلاّ طريقاً لمَا يرويه من كتب أبي مِخْنف (1) ، ولعلّ السبب في ذلك يرجع إلى أنّ كتبه التي كانت تخصّ تاريخ الشيعة هي ما يرويه عن شيخه أبي مِخْنف ، وأمّا سائر كتبه ، فليس فيها ما يخصّ تاريخ الشيعة.
    وقد نصّ كثير من علماء السير والتراجم من العامّة على علمه وحفظه تشيّعه ، قال ابن خلكان : كان واسع الرواية لأيّام النّاس وأخبارهم ، وكان أعلم النّاس بعلم الأنساب ، وكان من الحفّاظ المشاهير ، توفّي (206 هـ) (2).
    وقال أبو أحمد بن عدي في كتابه الكامل : للكلبي أحاديث صالحة ، ورضوه في التفسير ، وهو معروف به ، بل ليس لأحد تفسير أطول منه ولا أشبع ، وهو يفضّل على مقاتل بن سليمان ؛ لمَا في مقاتل من المذاهب الرديئة ، وذكره ابن حبّان في الثقات (3).
    هذا المقتل المتداول :
    تتداول الأيدي والمطابع في هذه العهود المتأخّرة كتاباً في مقتل الحسين
    _________________
    الباب ، والظاهر أنّه الصواب.
    هذا وقد صرّح النّجاشي في كتابه في ترجمة الشيخ الكشّي يقول : كان ثقةً عيناً ... له كتاب الرجال ، كثير العلم ، وفيه أغلاط كثيرة ... صحب العيّاشي وأخذ عنه ، وروى عن الضعفاء / 363. وقال في ترجمة العيّاشي : ثقة صدوق ، عين من عيون هذه الطائفة ، وكان في أوّل أمره عامّي المذهب ، ثمّ تبصّر وكان يروي عن الضعفاء كثيراً / 247. فلعلّ الكشّي أخذ قوله هذا من العيّاشي ، وهو قال : بأنّ الكلبي من العامّة ؛ لكونه هو عاميّاً بادئ أمره ، وأنّ الكلبي كان مستوراً يعمل بالتقيّة كما ذكره الكشّي.
    (1) ص / 155 ، ط النّجف.
    (2) وقد نقل الطبري ، عن الكلبي في تاريخه في ثلاثمئة وثلاثين مورداً ، ومع ذلك لمْ يتعرّض لترجمته في ذيل المذيّل ، وإنّما ذكر أباه / 101 ، فقال : إنّ جدّه بشر بن عمرو الكلبي وبنيه السّائب ، وعبيد وعبد الرحمن شهدوا الجمل وصفّين مع علي (عليه السّلام).
    (3) لسان الميزان 2 / 359.

    (عليه السّلام) نسب إلى أبي مِخْنف ، ومن العلوم الواضح أنّه ليس لأبي مِخْنف ، وإنما هو من جمع جامع غير أبي مِخْنف ، ولا يُدرى بالضبط متى؟ وأين؟ وممّن وُجد هذا الكتاب؟ ومتى طُبع لأوّل مرّة؟.
    يقول الإمام شرف الدين (قدّه) : ولا يُخفى أنّ الكتاب المتداول في مقتله (عليه السّلام) ، المنسوب إلى أبي مِخْنف ، قد اشتمل على كثير من الأحاديث التي لا علم لأبي مِخْنف به ، وإنّما هي مكذوبة على الرجل ، وقد كثرت عليه الكذّابة وهذا شاهد على جلالته (1).
    وقال المحدّث القميّ : وليعلم إنّ لأبي مِخْنف كتباً كثيرةً في التاريخ والسير ، منها كتاب : مقتل الحسين (عليه السّلام) الذي نقل عنه أعاظم العلماء المتقدّمين واعتمدوا عليه ... ، ولكن للأسف أنّه فُقد ولا يوجد منه نسخة ، وأمّا المقتل الذي بأيدينا وينسب إليه ، فليس له ، بل ولا لأحد من المؤرخين المعتمدين ، ومن أراد تصديق ذلك ، فليقابل ما في هذا المقتل وما نقله الطبري وغيره عنه حتّى يعلم ذلك ، وقد بيّنت ذلك في نفس المهموم في : طرمّاح بن عدي ، والله ، العالم (2).
    فلمْ يكن لي بدّ ـ وأنّا أريد تحقيق الكتاب ـ أنْ أنظر ما في هذا المقتل الموضوع ، فمن المقطوع به أنّ الكتاب من جمع جامع غير أبي مِخْنف ، ولا يُدري مَن هو هذا الجامع ومتى جمعه؟ والذي يبدو لي أنّه كان من العرب المتأخّرين غير عارف بالتاريخ والحديث والرجال ، وحتّى الأدب العربي ؛ فإنّه يستعمل في الكتاب كلمات هي من استعمال العرب المتأخّرين باللغة الدارجة العاميّة.
    والكتاب يشتمل على : مئة وخمسين حديثاً ، يتخلّلها ستّ أحاديث مرسلة
    _________________
    (1) مؤلّفو الشيعة في صدر الإسلام / 42 ، ط النّجاح.
    (2) الكِنى والألقاب 1 / 148 ، ونفس المهموم / 195 ، ومقدمته / 8 ، ط بصيرتي.

    فحديث عن الإمام علي بن الحسين (عليه السّلام) / 49 ، وآخر عن عبد الله بن العبّاس / 94 ، وثالث عن عمارة بن سليمان عن حميد بن مسلم / 82 ، ورابع عمّن يُدعى عبد الله بن قيس / 96 ، وخامس عمّن يُدعى عمّار ، ومرفوعة عن الكليني المتوفّى (ت 329 هـ) لاتوجد في الكافي / 70.
    ويبتدئ من بعد الحديث 105 (1) بإكثار النّقل عمّن يُدعى : سهل الشهرزوري ، فيحشره مع (عليهم السّلام) من الكوفه إلى الشام وحتّى رجوعهم إلى المدينة ، وينقل عنه 31 حديثاً مرسلاً ، ويذكر منها : خبر سهل بن سعد السّاعدي ، باسم : سهل بن سعيد الشهرزوري (2).
    وتبقى سائر أحاديث الكتاب منسوبة إلى أبي مِخْنف نفسه ، وهي 138 حديثاً.
    والكتاب يشتمل على عدّة أغلاط فاحشة ، هي كما يلي :
    الأخطاء الفاحشة في هذا المقتل المتداول :
    1 ـ يُفاجأ القارئ البصير في أوّل سطر من أوّل صفحة ـ من هذا المقتل المتداول ـ بهذه الغلطة الفاضحة ، قال أبو مِخْنف : حدّثنا أبو المنذر هشام عن محمّد بن سائب الكلبي! فترى أبا مِخْنف هنا ـ وهو شيخ هشام ـ ناقلاً عن هشام تلميذه ، وهو بدوره محدّثاً له عن أبيه محمّد بن السّائب الكلبي ، فيا تُرى كمْ كان جامع هذا الكتاب جاهلاً بتراجم الرجال حتّى خفي عليه هذا! (3).
    _________________
    (1) 102 ، ط النّجف.
    (2) 123 ، ط النّجف.
    (3) وقد روى مثله السيّد المرتضى (رحمه الله) في تنزيه الأنبياء / 171 ـ ط قم ـ عمّن أسماه ابن العبّاس بن هشام ، عن أبيه ، عن أبي مِخْنف ، عن أبي الكنود عبدالرحمن بن عبيد. فلعلّ جامع هذا الكتاب نقله عن كتاب السيّد ، أو غيره بتصحيف وتحريف وزيادات.

    2 ـ وتقلب بعد هذا ثلاثة من صحائف الكتاب ، فتجده يقول : وروى الكليني في حديث (1) ، فليت شعري من هذا الذي يروي عن الكليني المتوفّى (329 هـ) ، وقد توفّي أبو مِخْنف (158 هـ)؟! والرواية بعدُ غير موجودة في الكافي.
    3 ـ ثمّ تقلب صفحات أخرى فتجده يقول ، قال : فأنفذ يزيد الكتاب إلى الوليد ، وكان قدومه لعشرة أيّام خلون من شعبان (2).
    هذا وقد أجمع المؤرخون ـ ومنهم أبو مِخْنف برواية الطبري ـ على أنّ الحسين (عليه السّلام) دخل مكّة لثلاث خلون من شعبان ، فكيف التوفيق؟!
    4 ـ وينفرد في حديث مقتل مسلم بن عقيل ، بنقل خبر ، حُفر حفيرة له وقع فيها فأخذ مكتوفاً إلى ابن زياد ، فيقول : وأقبل عليهم لعين ، وقال لهم : أنا أنصب لهم شرك ، نحفر له بئراً في الطريق ونطمّه بالدغل والتراب ، ونحمل عليه وننهزم قدّامه ، وأرجو أنْ لا يفلت منه (3).
    5 ـ وينفرد في حديث مقتل مسلم أيضاً بقوله : لمّا قُتل مسلم وهاني إنقطع خبرهما عن الحسين (عليه السّلام) ، فقلق قلقاً عظيماً فجمع أهله ... وأمرهم بالرحيل إلى المدينة ، فخرجوا سايرين بين يديه إلى المدينة حتّى دخلوه ، فأتى قبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وبكى بكاءً شديداً ، فهوّمت عيناه بالنّوم (4) ، وليس لهذا الخبر أيّ أصل أو أثر ، في أي كتاب أو سفر.
    6 ـ وينفرد في حديث نزول الإمام الحسين (عليه السّلام) بكربلاء ، بنقل خبر ركوب الإمام (ع) سبعة أفراس ونزوله منها ، وتوقفها وعدم تقدّمه (5).
    7 ـ وينفرد بنقل حديث الإمام علي بن الحسين (عليه السّلام) ليلة العاشر من المحرّم ، في يوم نزول الإمام بكربلاء (6).
    _________________
    (1) ص / 7.
    (2) ص / 11.
    (3) ص / 35.
    (4) ص / 39.
    (5) ص / 48.
    (6) ص / 49.

    8 ـ وينفرد بذكر عدد عساكر ابن سعد في كربلاء : ثمانين ألف (1).
    9 ـ وينفرد بنقل خطبة زهير بن القين يوم نزول العساكر بكربلاء ، ويقول : ثمّ أقبل على أصحابه ، وقال : معاشر المهاجرين والأنصار ، لا يغرّنّكم كلام هذا الكلب الملعون وأشباهه! فإنّه لا يُنال شفاعة محمّد (صلّى الله عليه وآله) ، إنّ قوماً قتلوا ذرّيّته وقتلوا مَن نصرهم ؛ فإنّهم في جهنّم خالدون أبداً (2).
    10 ـ وينفرد بنقل خبر ، حفر الحسين (عليه السّلام) بئراً ، ويقول : فلمْ يجد فيها ماءً (3).
    11 ـ وينفرد بتكرير حديث ليلة عاشوراء وصبيحتها ثلاث مرّات ، فيذكر في الأولى خطبة للامام الحسين (عليه السّلام) ومقتل أخيه العبّاس (عليه السّلام) وينفرد فيه بقوله : فأخذ السّيف بفيه ، ثمّ يقول : ونزل إليه وحمله على ظهر جواده وأقبل به إلى الخيمة وطرحه وبكى عليه بكاءً شديداً حتّى بكى جميع من كان حاضر (4).
    ثمّ يكرّ على ليلة عاشوراء ، فيقول : ثمّ أقبل على أصحابه ، وقال (عليه السّلام) لهم : «يا أصحابي ، ليس طلب القوم غيري ، فإذا جنّ عليكم اللّيل ، فسيروا في ظلمته». ثمّ يقول : وبات تلك اللّيلة ، فلمّا أصبح ... (5).
    ثمّ يعود على صبيحة عاشوراء ويذكر فيها خطبة أخرى للإمام (عليه السّلام) ، وينفرد بذكر إرسال رسول من قبل الحسين (عليه السّلام) باسم أنس بن كاهل إلى ابن سعد (6) ، بينما الرسول هو : أنس بن الحرث بن كاهل الأسدي.
    ثمّ يكرّ ثالثةً على ليلة عاشوراء فيذكر الخطبة المعروفة للإمام (عليه السّلام) على أصحابه وأهل بيته في تلك اللّيلة ... ثمّ يعود على تعبئة الحسين (عليه السّلام)
    _________________
    (1) ص / 52.
    (2) ص / 56.
    (3) ص / 57.
    (4) ص / 59.
    (5) ص / 59 ـ 60.
    (6) ص / 60 ـ 61.

    وابن سعد (1).
    12 ـ وينفرد في أصحاب الإمام الحسين (عليه السّلام) بذكر إبراهيم بن الحسين (2).
    13 ـ ويذكر الطرّماح مع مَن قُتل مع الإمام (عليه السّلام) ، بينما يروي الطبري عن الكلبي عن أبي مِخْنف : إنّه لمْ يحضر كربلاء ، ولمْ يُقتل مع الإمام (عليه السّلام (3). وعلى هذا يعلّق المحدّث القمّي في كتابه : نفس المهموم / 195.
    14 ـ ويذكر في قصّة الحرّ الرياحي أبياتاً هي لعبيد الله بن الحرّ الجُعفي ، صاحب قصر بني مقاتل ، ولا يتنبّه إلى عدم تناسبها مع حال الحرّ ، إذ يقول فيه : وقف على أجسادهم وقبورهم (4) ، فوا جهلاً من جامع هذا الكتاب!
    15 ـ وينسب إلى الإمام الحسين (عليه السّلام) أبياتاً في رثاء الحرّ لا تُناسب أنْ تكون للامام ، منه :
    ونِعم الحرّ إذ واسى حسيناً
    ممّا لقد فاز الذي نصروا حسينا (5)

    16 ـ وينسب إلى الإمام الحسين (عليه السّلام) أبياتاً ثلاثة في رثاء أصحابه ، وهي صريحة في أنّها ليست للإمام (عليه السّلام) ؛ وإنّما هي لأحد من الشعراء
    _________________
    (1) ص / 61 ـ 62.
    (2) ص / 70.
    (3) ص / 72.
    (4) ص / 77. وقد ذكرها الطبري ـ 5 / 470 ، ط دار المعارف ـ ، عن أبي مِخْنف عن عبد الرحمن بن جندب : إنّ عبيد الله بن الحرّ قالها في المدائن ، وهي :
    يقول أمير غادر وابن غادر
    ألاَ كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمة

    فيلاحظ : أنّ هذا الجامع الخائن قد غيّر منها كلمات ؛ لتناسب الحرّ الرياحي وهي لمْ تناسبه مع ذلك.
    (5) ص / 79.

    المتأخّرين ، حيث يقول فيه : نصروا الحسين فيا لها من فتية ، هكذا (1).
    17 ـ وينفرد في تعيين يوم نزول الإمام الحسين (عليه السّلام) : أنّه كان يوم الأربعاء (2). ويقول في شهادته (عليه السّلام) : أنّها كانت يوم الإثنين (3) ، وهذا يقتضي أنْ يكون نزوله بكربلاء في اليوم الخامس من المحرّم ، وقد أجمع المؤرخون ـ ومنهم أبو مِخْنف برواية الطبري ـ على أنّ نزوله كان في اليوم الثاني من المحرّم ، وأنّه كان يوم الخميس (4) ، ومقتله كان يوم الجمعة.
    18 ـ يبتدئ من الحديث رقم (105) (5) بإكثار النّقل عمّن يُدعى : سهل الشهرزوري ، فيحشره مع (عليهم السّلام) من الكوفة إلى الشام إلى المدينة ، فينسب إليه في الكوفة أبيات سليمان بن قتّة الهاشمي (6) ، على قبر الإمام الحسين (عليه السّلام) : مررت على أبيات آل محمّد (7) وينسب إليه في الشام خبر سهل بن سعد السّاعدي باسم : سهل بن سعيد الشهرزوري (Cool ، فكأنّه يحسبه هو.
    19 ـ وينسب إلى الإمام الحسين (عليه السّلام) يوم عاشوراء أرجوزة تشتمل
    _________________
    (1) ص / 85.
    (2) ص / 48.
    (3) ص / 93.
    (4) 5 / 409. ويؤيّده ما رواه الأربلي في كشف الغمّة 2 / 252 ، بإسناده عن الإمام الصادق (عليه السّلام) : «وقُبض يوم عاشوراء ، الجمعة».
    (5) ص / 102.
    (6) علّق عليه الشيخ محمّد السّماوي ، فقال : هو هاشميّ الولاء اُمّه : قتة ، وأبوه : حبيب ، توفّى بدمشق سنة (126 هـ). وذكره المسعودي 4 / 74 باسم : ابن قتة عن كتاب ، أنساب قريش للزبير بن بكار.
    (7) ص / 102 ـ 103.
    (Cool ص / 123.

    على نيف وثلاثين بيتاً (1) ، وإلى عبد الله بن عفيف الأزدي عند عبيد الله بن زياد قصيدة تشتمل على نحو من ثلاثين بيت (2).
    20 ـ ويحتوي الكتاب في طيّاته على كلمات من استعمال المتأخّرين من العرب النّاطقين باللغة الدارجة ، ممّا ممّا لا يناسب أبا مِخْنف ، كقوله فيما سبق من خبر : حفر بئر لمسلم ، وأقبل عليهم لعين! وقال لهم ... ونطمّها بالدغل والتراب ... وننهزم قدّامه (3) ، وراحت أنصاره (4) ويقظانه (5) ويتحرّش (6).
    وليس بعد كلّ هذا لأحد أنْ يحتمل صحّة نسبة هذا الكتاب إلى أبي مِخْنف.
    أسناد أبي مِخْنف :
    سنسرد عليك فيما يلي قوائم تفصيليّة بأسماء الرواة الوسائط بين أبي مِخْنف والأحداث ، ونضع أمام اسم كلّ راوٍ منهم الحديث الذي رواه ؛ فتكون القائمة هي في حدّ ذاتها فهرساً لأحاديث الكتاب أيضاً.
    تنقسم قوائم أسماء هؤلاء الرواة حسب اختلاف كيفيّة روايتهم ، أو رواية أبي مِخْنف عنهم إلى ستّة قوائم :
    _________________
    (1) ص / 86 ـ 87. وقد ذكر منها سبعة عشر بيتاً : علي بن عيسى الأربلي المتوفّى (693 هـ) في كتابه كشف الغمّة 2 / 238 ـ ط تبريز ـ عن كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (314 هـ) ، بعنوان : أنّه قالها (ع) لمّا قُتل ولده الصغير ، فحفر له ودفنه. بينما ذكرها هذا الكتاب عندما حمل على القوم حملة منكرة وفرّهم ـ هكذا ـ وقتل منهم : ألفاً وخمسمئة فارساً رجع إلى الخيمة ، وهو يقول ... وصرّح الأربلي / 250 ، يقول : والأبيات النّونيّة التي أوّلها : غدر القوم ... لمْ يذكرها أبو مِخْنف وهي مشهورة ، والله أعلم. وذكر ثلاثة منها الخوارزمي (568 هـ) 2 / 33 ، عن ابن أعثم أيضاً.
    (2) ص / 108 ـ 109.
    (3) ص / 35.
    (4) ص / 135.
    (5) ص / 129.
    (6) ص / 132.

    الأولى : تحتوي على أسماء مَن شهد المعركة ، وحُدّث عنها لأبي مِخْنف مباشرةً وبلا واسطة ؛ فأبو مِخْنف يروي عنه المعركة ـ أي : بواسطة واحدة وهم ثلاثة ـ.
    الثانية : أيضاً تحتوي على أسماء مَن شهد المعركة ، وأبو مِخْنف يروي عنه بواسطة أو واسطتين ـ أي : يروي المعركة بواسطتين ـ أو ثلاث ، وهم خمسة عشر رجل ؛ فمجموع مَن شهد المعركة من رواة أبي مِخْنف ثمانية عشر رجلاً.
    الثالثة : تحتوي على أسماء مَن باشر الأحداث من قبل كربلاء أو بعده ، وحدّث عنها لأبي مِخْنف مباشرةً ، فأبو مِخْنف يروي عنه الأحداث بواسطة واحدة ، وهم خمسة أشخاص.
    الرابعة : تحتوي على أسماء مَن باشر الأحداث من قبل كربلاء أو بعده ، وأبو مِخْنف يروي عنه بواسطة أو واسطتين ، وهم واحد وعشرون شخصاً.
    الخامسة : تحتوي على أسماء الرواة الوسائط الذين لمْ يشهدوا المعركة ولم يباشروا الأحداث ، وإنّما هم وسائط لحديث أبي مِخْنف عن أولئك ، فأبو مِخْنف يروي عنهم المرعكة أو الحوادث بواسطتين ، وهم تسع وعشرون شخصاً.
    السّادسة : تحتوي على أسماء الرواة العدول من أصحاب الأئمة ، أو الأئمة أنفسهم (عليه السّلام) ، وليسوا ممّن شهد المعركة ولا مَن باشر الأحداث ، فهؤلاء أيضاً من الرواة الوسائط ، إلاّ أنّهم لمْ يحدّثوا بواسطة ، أو لمْ يصرّحوا بالواسطة ، وهم أربعة عشر رجلاً.
    وقد تبيّن من هذا الجدول :
    أنّ مجموع مَن روى أحداث كربلاء ووقايعها لأبي مِخْنف مباشرةً وبالواسطة ، يبلغ 39 رجلاً ، حدّثوا بـ 65 حديثاً مستداً هي مجموع أحاديث الكتاب.
    وقد استخرجنا تراجم هؤلاء الرجال ، إمّا من كتب الرجال ؛ أو من تتبّع

    موارد رواياتهم في الطبري ، وبقي بعضهم لمْ نعثر لهم على شيء ، وإليك القوائم بالتفصيل :
    القائمة الأولى :
    مَن شهد المعركة وباشر التحدّث لأبي مِخْنف ، وهم ثلاثة :
    1 ـ ثابت بن هبيرة : مقتل عمرو بن قرظة بن كعب الأنصاري ، وخبر أخيه علي بن قرظة 5 / 434.
    له هذا الخبر فقط ، ولمْ نعثر له على ذكر في الرجال ، والنصّ ، قال أبو مِخْنف عن ثابت بن هبيرة : فقُتل عمرو بن قرظة بن كعب ... ، وظاهره المباشرةً.
    2 ـ يحيى بن هانئ بن عروة المرادي المذحجي : مقتل نافع بن هلال الجملي ، والنصّ : حدّثني يحيى ... أنّ نافع ... وهو صريح في المباشرةً 5 / 435.
    اُمّه : روعة بنت الحجّاج الزبيدي ، أخت عمرو بن الحجّاج الزبيدي فهو خاله ـ الطبري 5 / 363 ـ. ولقد حضر مع خاله هذا كربلاء في عسكر عمر بن سعد ، وروى مقتل نافع بن هلال الجملي ، وسمع مقالة خاله عمرو بن الحجّاج الزبيدي بعد مقتله لعسكره يمنعهم عن المبارزة ، ويأمرهم برضخ الحسين (عليه السّلام) وأصحابه بالحجارة ، ولا يرجع يحيى عن خاله 5 / 435. ويروي مقالة خاله أيضاً لعبد الله بن المطيع العدوي والي الكوفة من قبل ابن الزبير ، يثبّته على قتال المختار بن أبي عبيد الثقفي ، وهو مع خاله في قتاله ضدّ المختار 6 / 28.
    وذكره ابن حبّان في الثقات ، وقال الدار قطني : يحتجّ به. وقال النسّائي : ثقة. وزاد أبو حاتم : صالح من سادات أهل الكوفة. وقال شعبة : كان سيّد

    أهل الكوفة ، كما في تهذيب التهذيب.
    3 ـ زهير بن عبد الرحمن بن زهير الخثعمي : مقتل سويد بن عمرو بن أبي مطاع الخثعمي ، والنصّ : حدّثني ... قال : كان ... ـ 5 / 446 ـ له هذا الخبر فقط ، ولمْ نعثر له على ذكر في الرجال.
    القائمة الثانية :
    مَن شهد المعركة ، وروى عنه أبو مِخْنف بواسطة أو واسطتين ، وهم خمسة عشر رجلاً.
    1 ـ عقبة بن سمعان (1) خبر نزول الحسين بكربلاء ، وكتاب ابن زياد إلى الحرّ في ذلك ـ 5 / 407 ـ بواسطة واحدة.
    2 ـ هانئ بن ثبيت الحضرمي السّكوني : ملاقاة ابن سعد للامام الحسين (عليه السّلام) بين العسكرين بعد نزول الإمام بكربلاء وقبل يوم عاشوراء ، والنصّ : حدّثني أبو جناب عن هاني ... وكان قد شهد قتل الحسين (عليه السّلام) 5 / 413 وقد اشترك هذا في قتل عبد الله بن عمير الكلبي ، وهو القتيل الثاني من أصحاب الحسين (عليه السّلام) 5 / 436 ، وقتل عبد الله بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ، وجعفر بن (عليه السّلام) وغلاماً آخر من آل الحسين (عليه السّلام) 5 / 448 ، وعبدالله بن الحسين بن (عليه السّلام) من الرباب ابنة امرئ القيس الكلبي 5 / 468.
    3 ـ حميد بن مسلم الأزدي : كتاب ابن زياد لابن سعد يأمره بمنع الماء عن الحسين وأصحابه (عليه السّلام) ، وطلب العبّاس للماء ليلة السّابع 5 / 412 ،
    _________________
    (1) كان مولىً للرباب ابنة امرئ القيس الكلبيّة ، اُمّ سكينة ابنة الحسين (عليه السّلام) ، فأُخذ يوم عاشوراء إلى عمر بن سعد ، فقال له : ما أنت؟ فقال : أنا عبد مملوك ، فخلّى سبيله 5 / 454.

    وبعث شمر إلى كربلاء 5 / 414 ، وبدء القتال 5 / 429 ، ومقالته لشمر عند هجومه على المخيّم قبل مقتل الحسين (عليه السّلام) وصلاة الظهر ، ومقتل حبيب بن مظاهر الأسدي 5 / 439 ، ومقالة الإمام عند مقتل ولده (عليه السّلام) ، وخروج زينب عند مقتله (عليه السّلام) ، ومقتل القاسم بن الحسن (عليه السّلام) ، ومقتل عبد الله بن الحسين (عليه السّلام) في حجره 5 / 446 ـ 448 ، وحالة الحسين (عليه السّلام) بعدهم إلى مقتله 5 / 451 ـ 452 ، واختلاف القوم بعده في قتل ابنه (عليه السّلام) ، وخبر عقبة بن سمعان وإطلاق سراحه ، ووطئ الخيل على جسد الحسين (عليه السّلام) ، وحمل حميد مع خوليّ بن يزيد الأصبحي رأس الإمام إلى ابن زياد 5 / 455 ، وإرسال عمر بن سعد ايّاه إلى أهله ليبشرهم بعافيته ، ومجلس ابن زياد 5 / 455 ، وإرسال عمر بن سعد إيّاه إلى أهله ؛ ليبشرهم بعافيته ، ومجلس ابن زياد ، وضربه بالقضيب شفتي الحسين (عليه السّلام) ، وحديث زيد بن أرقم له عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وجواب ابن زياد له ومقالة زيد بن أرقم في ابن زياد ، ودخول زينب إلى مجلس ابن زياد وكلامه لها وجوابها له ، ومحاولة ابن زياد ضربها ومقالة عمرو بن حريث ، كلام ابن زياد للإمام زين العابدين (عليه السّلام) وجوابه له ، ومحاولة قتله وتعلّق عمّته به ، وخطبة ابن زياد في المسجد وجواب ابن عفيف له ومقتله 5 / 456 ـ 459.
    وواسطته في هذه الأخبار له :
    سليمان بن أبي راشد ، ويظهر للمتتبّع أنّ أبا مِخْنف يقطّع فيها حسب المناسبات ، والملاحظ أنّ أخباره تبدأ من بعث شمر إلى كربلاء وتنتهي بأخبار مجلس ابن زياد ومقتل ابن عفيف الأزدي.
    ومن هنا يظهر للنظر أنّه كان مع جيش شمر بن ذي الجوشن الكلابي ، خصوصاً مع ملاحظة مكالماته المتكررة مع شمر يعاتبه في أمور ، ووجوده في المخيّم

    بعد مقتل الحسين (عليه السّلام) مع العلم أنّه لمْ يحمل على المخيّم إلاّ شمربن ذي الجوشن برجّالته.
    ونراه بعد هذا يشترك مع التوّابين في ثورتهم 5 / 555 ، ويزور المختار في السّجن ، ولكنّه يحذّر سليمان بن ُصرد الخزاعي عن المختار ويخبره أنّ المختار يخذّل النّاس عنه ، فيصفح عنه سليمان 5 / 581 ـ 584 ، ويرجع منهزماً مع فلول التوّابين 5 / 606. وكان صديقاً لإبراهيم بن الأشتر النّخعي ، وكان يختلف إليه ويذهب معه إلى المختار ـ بعد التوّاين ـ كلّ عشيّة ، يدبّرون أمورهم حتّى تصوب النّجوم ثمّ ينصرفون 6 / 18. وخرج مع إبراهيم من منزله بعد المغرب ليلة الثلاثاء في كتيبة نحو المئة متقلّدي السّيوف ، قد ستروا الدروع بأقبيتهم 6 / 19 حتّى أتوا دار المختار ليلة خرج 6 / 23.
    لكنّه حينما علم أنّ المختار صمّم على قتل قتلة الحسين (عليه السّلام) خرج مع عبد الرحمن بن مِخْنف الأزدي ـ عمّ أبي مِخْنف ـ على المختار ، فلمّا جرح عبد الرحمن رثاء حميد بأبيات 6 / 51. ولمّا فرّ عبدالرحمن بن مِخْنف من الكوفة إلى المصعب بن الزبير بالبصرة لحق به حميد أيضاً 6 / 58.
    وآخر عهدنا به في الطبري 6 / 213 ، أنّه : يرثي عبد الرحمن بن مِخْنف حينما قتله الأزارقة الخوارج قرب كازرون سنة (75 هـ) ، محارباً لهم مع المهلّب بن صفرة من قبل الحجّاج بن يوسف الثقفي.
    ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال 1 / 616 ، وابن قدامة في المغني 1 / 195.
    4 ـ الضحّاك بن عبد الله المشرقي الهمداني : حديث ليلة عاشوراء ويوم عاشوراء ، وتعبئته للقتال ، وخطبته الكبرى يوم عاشوراء 5 / 418 ، 419 ، 421 ، 423 ، 425 ، 444.
    روى أبو مِخْنف عن هذا الرجل بواسطة عبد الله بن عاصم الفائشي

    الهمداني ـ ولا يخفى أنّ الرجل أيضاً من همدان ـ : أنّه اشترط على الإمام الحسين (عليه السّلام) أنْ يكون في حلّ من الإنصراف عنه بعد مقتل أصحابه ، فقبل الإمام ذلك فهرب من المعركة 5 / 418 ـ 444. وذكره الطوسي في رجاله في أصحاب الإمام زين العابدين (عليه السّلام)!
    5 ـ الإمام علي بن الحسين (عليه السّلام) : حديث ليلة عاشوراء بواسطتين :
    أ ـ الحارث بن حصيرة عن عبد الله بن شريك العامري ، عنه (عليه السّلام) 5 / 418.
    ب ـ وعن الحارث بن كعب الوالبي الأزدي الكوفي وأبي الضحّاك البصري ، عنه (عليه السّلام) 5 / 420.
    6 ـ عمرو الحضرمي : تكتيب الكتائب لعسكر عمر بن سعد 5 / 422 ، بواسطتين وهو لا يُعرف.
    7 ـ غلام لعبد الرحمن بن عبد ربّه الأنصاري : خبر مهازلته لبُرير بن خضير الهمداني ، بواسطين : عن عمرو بن مرّة الجملي عن أبي صالح الحنفي عنه ، وفي آخره : فلمّا رأي القوم قد صرعوا أفلتّ وتركتهم 5 / 421 ـ 422.
    8 ـ مسروق بن وائل الحضرمي : خبر ابن حوزة عند بدء القتال ، بواسطتين عن عطاء بن السّائب ، عن عبد الجبّار بن وائل الحضرمي ، عنه قال : كنت في أوائل الخيل ممّن سار إلى الحسين (عليه السّلام) ... لعلّي أصيب رأس الحسين فأصيب به منزلةً عند عبيد الله بن زياد ... فرجع مسروق ... وقال : لقد رأيت من أهل هذا البيت شيئاً لا قاتلهم أبداً 5 / 421.
    9 ـ كثير بن عبد الله الشعبي الهمداني : خطبة زهير بن القين ، عن علي بن حنظلة بن أسعد الشبامي عن رجل من قومه من قومه شهد مقتل الحسين حين قتل يقال له كثير بن عبد الله الشعبي 5 / 426.
    روى الطبري عن هشام ، عن هوانة : أنّه كان فارساً شجاعاً ليس يردّ وجهه

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    وقعة الطف لابو مخنف Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة الطف لابو مخنف   وقعة الطف لابو مخنف Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 4:16 pm

    شيء ، فلمّا عرض عمر بن سعد على الرؤساء أنْ يأتوا الحسين (عليه السّلام) فيسألوه ما الذي جاء به ، وماذا يريد ، فكلّهم أبى وكرهه ، وقام إليه كثير بن عبدالله الشعبي ، فقال : أنا أذهب إليه ، والله ، لئن شئت لأفتكنّ به ... فأقبل ... فقام إليه ، فقال : ضع سيفك. قال : لا والله ، ولا كرامة ... فاستبّا 5 / 410. وشدّ هو ومهاجر بن آوس على زهير بن القين البجلي ، فقتلاه 5 / 441.
    10 ـ الزبيدي : الحملة الثانية 5 / 435 ، رجل من زبيد اليمن يروي مآثر أميره من عشيرته ، عمرو بن الحجّاج الزبيدي.
    11 ـ أيوب بن مشرح الخيواني : امرأة الكلبي ، وعقر فرس الحرّ فاتّهمه قومه بعد ذلك بقتل الحرّ ، فقال : لا والله ، ما أنا قتلته ، ولكن قتله غيري وما أحبّ أني قتلته. فقال له أبو الودّاك جبر بن نوف الهمداني : ولمَ لا ترضى بقتله؟ قال : زعموا أنّه كان من الصالحين ، فوالله ، لئن كان آثماً فلئن ألقى الله بإثم الجراحة ، والموقف أحبّ إليّ من أنْ ألقاه بإثم قتل أحد منهم. فقال له أبو الودّاك : ما أراك إلاّ ستلقى الله بإثم قتلهم أجمعين ... أنتم شركاء كلكم في دمائهم 5 / 437.
    12 ـ عفيف بن زهير بن أبي الأخنس : مقتل بُرير بن خضير الهمداني (ره) وكان ممّن شهد قتل الحسين (عليه السّلام) ويقول في خبره هذا : إنّ بُريراً كان يُقرؤهم القرآن في المسجد الجامع بالكوفة 5 / 431.
    13 ـ ربيع بن تميم الهمداني : مقتل عابس بن أبي شبيب الشاكري ، وكان ممّن شهد ذلك اليوم 5 / 444.
    14 ـ عبد الله بن عمّار البارقي : خبر حالة الحسين (عليه السّلام) في حملاته على القوم ، وكان ممّن شهد قتل الحسين (عليه السّلام) ، فعتب عليه مشهده قتل الحسين (عليه السّلام) ، فقال : إنّ لي عند بني هاشم ليداً. قلنا له : وما يدك

    عندهم؟ قال : حملت على حسين (ع) بالرمح فانتهيت إليه ... ثمّ انصرفت عنه غير بعيد 5 / 451.
    15 ـ قرّة بن قيس الحنظلي التميمي : قطع الرؤوس ، والسّبايا 5 / 455. كان قد خرج مع أميره من عشيرته ، الحرّ بن يزيد الرياحي التميمي في مقدّمة ابن زياد إلى الحسين (عليه السّلام) 5 / 427. وهو الذي بعثه ابن سعد إلى الحسين (عليه السّلام) سلّم عليه ، فدعاه حبيب بن مظاهر الأسدي إلى نصرة الحسين (عليه السّلام) فأبى 5 / 411. وهو الذي يروي أنّ الحرّ قال له : ألاَ تريد أنْ تسقي فرسك؟ فتنحّى عنه حتّى سار إلى الحسين (عليه السّلام). وهو يدّعي أنّ الحرّ لو كان يطلعه على الذي أراد لكان يخرج معه إلى الحسين (عليه السّلام) 2 / 427.
    فهؤلاء خمسة عشر رجلاً ممّن شهد قتل الحسين (عليه السّلام) ، وروى عنهم أبو مِخْنف بواسطه أو واسطتين.
    القائمة الثالثة :
    مَن باشر الأحداث وحدّث بها أبا مِخْنف مباشرةً ، وهم خمسة أشخاص :
    1 ـ أبو جناب يحيى بن أبي حيّة الوداعي الكلبي : مقابلات أصحاب مسلم لابن زياد 5 / 369 ـ 370 ، وبعث ابن زياد برؤوس مسلم وهاني إلى يزيد ، وكتابه إليه في ذلك 5 / 380. ويبدو لي أنّه يروي هذه الأخبار عن أخيه هانئ بن أبي حيّة الوداعي الكلبي ، إذ أنّه هو الذي بعثه ابن زياد بكتابه.
    له في الطبري (23) خبر ، تسعة منها عن حرب الجمل وصفّين والنّهروان بالواسطة ، وتستعة منها عن كربلاء ، خمسة منها بالواسطة وثلاثة بالإرسال.
    وآخر عهدنا به روايته بالإرسال ، كتاب مصعب بن الزبير إلى إبراهيم بن

    الأشتر بعد المختار يدعوه إلى نفسه سنة (67 هـ) 6 / 111 ترجمه في تهذيب التهذيب 11 / 201 ، وقال : كوفي صدق ، مات (147 هـ) ـ فلمْ يكن مباشراً ـ.
    2 ـ جعفر بن حذيفة الطائي : كتاب مسلم إلى الحسين (عليه السّلام) قبل مقتله ببيعة أهل الكوف ، وكتاب محمّد بن الأشعث بن قس الكندي مع أياس بن العثل الطائي إلى الإمام الحسين (عليه السّلام) يخبره بخبر أسر مسلم بن عقيل وقتله 5 / 375.
    ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ، وقال : يروي عن علي (عليه السّلام) ، وعنه أبو مِخْنف ، وكان مع علي (عليه السّلام) يوم صفّين. وذكره ابن حبّان في الثقات ، ثمّ قال : لا يُدرى من هو؟.
    وله في الطبري خمسة أخبار : خبران عن صفّين ، وخبران عن الخوارج من طيىء وهذا الخبر فقط.
    3 ـ دلهم بنت عمرو ـ زوجة زهير بن القين ـ : حديث التحاقه بالحسين (عليه السّلام) ، والنصّ : قال أبو مِخْنف ، حدّثتني دلهم ... قالت : فقلت له ... 5 / 396.
    4 ـ عقبة بن أبي العيزار : خطبتين للامام (عليه السّلام) بالبيضة وذي حسم ، ومقالة زهير بن القين في جواب الإمام وأبيات الإمام (عليه السّلام) ، وأبيات الطرمّاح بن عدي 5 / 403. لعلّه كان من أصحاب الحرّ فنجى ، ولمْ نجد له ذكراً في رجالنا. وذكره في لسان الميزان ، وقال : يعتبر حديثه ، ثمّ قال : ابن حبّان في الثقات (1).
    فهؤلاء أربعة ممّن باشر الأحداث وحدّث بها لأبي مِخْنف مباشرةً ، ولو ظاهراً.
    _________________
    (1) لسان الميزان 4 / 179 ، و 3 / 88 ، و 2 / 433.

    القائمة الرابعة :
    مَن باشر الأحداث أو عاصرها ورواها ، وروى عنه أبو مِخْنف بواسطة أو واسطتين ، وهم : واحد وعشرون شخصاً :
    1 ـ أبو سعيد دينار ، أو : كيسان ، أو : عقيصا المقبري : أبيات الإمام الحسين (عليه السّلام) عند خروجه من المدينة بواسطة واحدة : عبد الملك بن نوفل بن مساحق بن مخرمة ـ 5 / 342 ـ ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ، وقال : صاحب أبي هريرة وابن صاحبه ، ثقة حجّة ، شاخ ووقع في الهرم ، ولمْ يختلط ... مات سنة (125 هـ) ، هو من موالي بني تيم. ذكره ابن حبّان في الثقات. وقال الحاكم : ثقة مأمون (1).
    وفي تهذيب التهذيب ، قال الواقدي : ثقة كثير الحديث توفّي سنة مئة ، وقِيل في خلافة الوليد بن عبد الملك. قِيل : إنّ عمر جعله على حفر القبور ، فكان ينزل ناحية المقابر فسمّي : المقبري (2).
    وذكره الشيخ في رجاله في أصحاب على (عليه السّلام) والحسين (عليه السّلام) باسم دينار ، يكنّى أبا سعيد ، ولقبه عقيص ، وإنّما لقّب بذلك لشعر قاله (3).
    وقال ابن قدامة في المغني : هو المقدسى ، نسبة إلى المقدس وهي مدينة إيليا النبيّ.
    وروى الصدوق في أماليه مسنداً إلى أبي سعيد عقيصا : عن الحسين (ع) ، عن أبيه ، عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، أنّه قال لعلي (عليه السّلام) : «يا علي أنت أخي وأنا أخوك ، أنا المصطفى للنبوّة ، وأنت المجتبى للإمامة ، وأنا صاحب
    _________________
    (1) 2 / 139.
    (2) 8 / 453.
    (3) رجال الشيخ / 40 ، ط النّجف.

    التنزيل ، وأنت صاحب التأويل ، وأنا وأنت أبوا هذه الاُمّة ، أنت وصيّي وخليفتي ووزيري ووارثي وأبو ولدي ، وشيعتك شيعتي».
    2 ـ عقبة بن سمعان : خروج الإمام (عليه السّلام) من المدينة ، وملاقاته لعبد الله بن مطيع العدوي ، ونزوله مكّة 5 / 351 ، ومقالة ابن العبّاس للإمام عند خروجه من مكّة ، ومقالة ابن الزبير للإمام عند خروجه من مكّة 5 / 383 ، وخبر رسل عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق ، والي مكّة آنذاك إلى الإمام الحسين (عليه السّلام) ليردّوه إلى مكّة ، وخبر ورس اليمن بمنزل التنعيم 5 / 385 ، ومقالة علي بن الحسين الأكبر (عليه السّلام) لأبيه بعد قصر بني مقاتل ، وانتهائهم إلى نينوى ، ووصول رسول ابن زياد إلى الحرّ بكتابه ، ونزول الإمام (عليه السّلام) ، ونزول عمر بن سعد 5 / 407 ـ 409 ، والخصال التي عرضها الإمام (عليه السّلام) على ابن سعد 5 / 413.
    وجميعها بواسطة واحد ، هو : الحارث بن كعب الوالبي الهمداني. وهذا ممّا يؤيّد أنّ أبا مِخْنف كان يقطّع في الخبر حسب المناسبات ، وقد مضت ترجمة عقبة قبل فراجع.
    3 ـ محمّد بن بشر الهمداني : إجماع الشيعة في الكوفة في منزل سليمان بن ُصرد الخزاعي بعد موت معاوية ، وخطبة سليمان بن ُصرد ، وكتابهم إلى الحسين (عليه السّلام) ، وجواب الإمام إليهم مع مسلم بن عقيل 5 / 353 ـ 352 ، وكتاب مسلم إلى الحسين (عليه السّلام) من الطريق ، وجواب الإمام (عليه السّلام) ، ووصول مسلم إلى الكوفة ، واختلاف الشيعة إليه في دار المختار 5 / 354 ـ 355 ، وخطبة ابن زياد بعد مقتل هانئ بن عروة 5 / 368 ، جميعها بواسطة واحد هو : الحجّاج بن علي البارقي الهمداني.
    كان حاضراً في اجتماع الشيعة في بيت سليمان بن ُصرد ، إذ يقول : فذكرنا هلاك معاوية فحمدنا الله عليه ، فقال لنا سليمان بن ُصرد ... ، ثمّ

    سرّحنا بالكتاب وأمرنا بالنّجاء ، ثمّ سرّحنا إليه ، ثمّ لبثنا يومين آخرين ، ثمّ سرّحنا إليه وكتبنا معهما 5 / 354 ـ 355.
    وكان حاضراً في اجتماع الشيعة عند مسلم في دار المختار ، فلمْ يبايعه كراهة القتال ، إذ يقول الراوي الحجّاج بن علي فقلت لمحمّد بن بشير : فهل كان منك أنت قول؟ فقال : إنْ كنت لأحبّ أنْ يعزّ الله أصحابي بالظفر ، وما كنت لأحبّ أنْ أقتل ، وكرهت أنْ أكذب 5 / 355.
    وذكر في لسان الميزان إنّ أبا حاتم كان ، يقول : إنّه هو محمّد بن السّائب الكلبي الكوفي ـ نُسب إلى جدّه ـ ، فإنّه محمّد بن السّائب بن بشر (1). وذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الإمامين الباقر والصادق (عليهما السّلام) (2).
    4 ـ أبو الودّاك ، جبر بن نوف الهمداني : خطبة النّعمان بن بشير الأنصاري ـ والي الكوفة من قِبل معاوية ويزيد ـ بالكوفة ، وكتب أهل الكوفة إلى يزيد 5 / 355 ـ 356 ، وخطبة ابن زياد بالكوفة 5 / 358 ـ 359 ، وانتقال مسلم إلى دار هانئ بن عروة ، وتجسّس معقل الشامي عليه من قِبل ابن زياد وعيادة ابن زياد لهانئ بن عروة ، وإشارة عمارة بن الأعور الحارثي الهمداني في دار هانئ ، وإشارته على مسلم بقتل ابن زياد ، وامتناع مسلم ؛ لكراهة هانئ لذلك ، وطلب ابن زياد هانئاً وضربه وحبسه ، ومجيء عمرو بن الحجّاج الزبيدي بوجوه مذحج وفرسانه ، ودخول شريح القاضي إلى هانئ وإخبارهم بسلامته وانصرافهم 5 / 361 ـ 367 ، بواسطة نمير بن وعلة الهمداني. والأخير
    _________________
    (1) لسان الميزان 5 / 94.
    (2) رجال الشيخ / 136 ، و 289 ، ط النّجف. وذكره الطبري في ذيل المذيّل / 651 ، ط دار سويدان ، عن طبقات ابن سعد 6 / 358 : وأنّه تُوفّي في الكوفة سنة (146 هـ) في خلافة المنصور.

    عن المعلّى بن كليب.
    وقد ورد اسمه الكامل في روايته خطبة الإمام (عليه السّلام) بـ (النُّخيلة) ، بعد يأسه من هداية الخوارج 5 / 78. ويظهر أنّه كان بالكوفة بعد مقتل الحسين (عليه السّلام) ، فعتب على أيوب بن مشرح الخيواني عقره لفرس الحرّ (ره) ، فقال له : ما أراك إلاّ ستلقى الله بإثم قتلهم أجمعين ، أرأيت لو أنّك رميت ذا فعقرت ذا ، ورميت آخر ووقفت موقف ، وكرّرت عليهم وحرّض أصحابك ، وكثّرت أصحابك وحمل عليك فكرهت أنْ تفرّ ، وفعل آخر من أصحابك كفعلك ، وآخر وآخر ، كان هذا وأصحابه يُقتلون؟ أنتم شركاء كلكم في دمائهم 5 / 437.
    وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ، فقال : صاحب أبي سعيد الخدري ، صدوق مشهور (1).
    وفي تهذيب التهذيب : ذكره ابن حبّان في الثقات ، وقال ابن معين : ثقة. وقال النسّائي : صالح ، وأخرج حديثه في السّنن (2).
    5 ـ أبو عثمان النّهدي : كتاب الإمام الحسين (عليه السّلام) إلى أهل البصرة ، واستخلاف ابن زياد لأخيه عثمان على البصرة ، ودخوله الكوفة (5 / 357 ـ 358) ، بواسطة واحدة هو : الصقعب بن زهير.
    كان من أصحاب المختار ، واستخلفه على الضعفاء بالسّبخة حين دخوله الكوفة على ابن مطيع 5 / 22 ـ 29.
    وذكره في تهذيب التهذيب : فروى أنّه كان من قضاعة ، وأدرك النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ولمْ يره ، وسكن الكوفة ، فلمّا قتل الحسين (عليه السّلام) تحوّل
    _________________
    (1) 4 / 584 ، ط الحلبي.
    (2) 2 / 60 ، وفي تنقيح المقال 3 / 27.

    إلى البصرة. وكان عرّيف قومه ، وحجّ ستّين حجّة وعمرة ، وكان ليله قائماً ونهاره صائماً ، ثقة ، مات سنة (95 هـ) ، وهو ابن 130 سنة (1).
    6 ـ عبد الله بن خازم الكثيري الأزدي : خروج مسلم (عليه السّلام) وعقده الألوية 5 / 367 ـ 369 ، بواسطة يوسف بن يزيد ، وتخاذل النّاس عن مسلم (عليه السّلام) 5 / 370 ـ 371 بواسطة سليمان بن أبي راشد.
    كان ممّن بايع مسلم (عليه السّلام) ، وبعثه مسلم ليعلم خبر هانئ في القصر ، ثمّ كان فيمن خذل مسلماً وحسين (عليهما السلام) 5 / 368 ـ 369 ، ثمّ تاب مع التوّابين فخرج معهم 5 / 583 حتّى قُتل 5 / 601.
    7 ـ عبّاس ـ أو عيّاش ـ بن جعدة الجدلي : خروج مسلم (عليه السّلام) وتخاذل النّاس عنه ، وموقف ابن زياد 5 / 469 بواسطة واحدة ، هو : يونس بن أبي إسحاق السّبيعي الهمداني.
    كان ممّن بايع مسلماً وخرج معه ، ثمّ يُفتقد ، والنص : خرجنا مع مسلم ...
    8 ـ عبدالرحمن بن أبي عمير الثقفي : دعوة المختار إلى الدخول تحت راية الأمان لابن زياد.
    9 ـ زائدة بن قدامة الثقفي : خروج محمّد بن الأشعث لقتال مسلم بن عقيل وأسره 5 / 373 واستسقاءه على باب القصر وسقيه 5 / 375.
    ذكره الطبري : قدامة بن سعيد بن زائدة بن قدامة الثقفي ، وقد وجدنا أنّ زائدة بن قدامة جدّ قدامة بن سعيد هو الذي كان مباشراً لأحداث الكوفة ؛ وأمّا حفيده قدامة بن سعيد ، فقد ذكره الشيخ الطوسي في طبقة أصحاب الإمام الصادق (عليه السّلام) فرجّحنا أنْ يكون
    _________________
    (1) 6 / 277.

    الصحيح : قدامة بن سعيد عن زائدة بن قدامة الثقفي.
    كان جدّه : زائدة بن قدامة الثقفي قائد شرطة الكوفة سنة (58 هـ) ، بولاية عبدالرحمن بن اُمّ الحكم الثقفي من قبل معاوية بن أبي سفيان ، بعد عام الجماعة 5 / 310. وكان مع عمرو بن حريث لمّا رفع راية الأمان لعبيد الله بن زياد الكوفة بعد خروج مسلم بن عقيل (عليه السّلام) ، فشفع لابن عمّه المختار 5 / 570 ، وهو الذي سار بكتاب المختار من سجن ابن زياد بالكوفة إلى عبد الله بن عمر ، زوج أخت المختار ـ صفيّة بنت أبي عبيد الثقفي ـ ؛ ليشفع له عند يزيد فأطلق ابن زياد المختار ، وأراد ابن زياد ليعاقب ابن قدامة على فعله فهرب حتّى أُخذ له الأمان ـ 5 / 571 ـ وبايع فيمن بايع من أهل الكوفة ، عبد الله بن مطيع العدوي والي الكوفة من قبل عبد الله بن الزبير ، فبعثه ابن مطيع ليطلب المختار ، فأخبر ابن قدامة المختار بذلك فتثاقل المختار 6 / 11. وكان خروج المختار بالكوفة من بستان هذا الرجل بالسّبخة 6 / 22 وبعثه المختار ليردّ عنه عمر بن عبد الرحمن المخزومي والي الكوفة من قبل ابن الزبير ، فردّه عنه بالمال والتهديد 6 / 72 ، ثمّ التحق بعبد الملك بن مروان فحارب معه مصعب بن الزبير فقتله بثار المختار بدير الجاثليق 6 / 159 ، فبعثه الحجّاج مع ألفي رجل إلى حرب شبيب الخارجي في : (رودبار) فقاتله حتّى قِتل وأصحابه ربضة حوله سنة (76 هـ) 6 / 246.
    فهذا يدلّ صريحاً على أنّ قدامة بن سعيد بن زائد الذي يروى عنه أبو مِخْنف هذا الخبر لمْ يكن مباشراً لأحداث الكوفة حين خروج مسلم بن عقيل (عليه السّلام) به قطعاً ، فلعلّ الصحيح : حدّثني قدامة بن سعيد عن زائدة بن قدامة ؛ فانّ زائدة ـ كما رأينا ـ كان مع عمرو بن حريث ، فهو يروي خبر بعث ابن زياد محمّد بن الأشعث إلى مسلم (عليه السّلام) لحفيده قدامة بن سعيد.
    10 ـ عمارة بن عقبة بن أبي معيط الاُمّوي : خبر استسقاء مسلم وسقيه

    5 / 375 ، يرويه عنه حفيده سعيد بن مدرك بن عمارة بن عقبة.
    قال في تقريب التهذيب : ثقة ، مات سنة (116 هـ).
    11 ـ عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي : مقالته للإمام الحسين (عليه السّلام) عند خروجه من مكّة ، بواسطة الصقعب بن زهير 5 / 382 ، ولاّه عبد الله بن الزبير الكوفة على عهد المختار ، فردّه المختار عنها بالمال والتهديد 6 / 71. وذكره في تهذيب التهذيب ، فقال : ذكره ابن حبّان في الثقات ، وقال : روى عن جماعة من الصحابة (1).
    12 ـ عبد الله بن سُليم والمُذري بن المشمعلّ الأسديّان : مقابلة ابن الزبير للإمام الحسين (عليه السّلام) فيما بين الحجر الأسود والباب 5 / 384 ، وملاقاة الفرزدق للامام (عليه السّلام) 5 / 386 ، ونقلا خبر مقتل مسلم بن عقيل للإمام (عليه السّلام) في الثعلبيّة 5 / 397 ـ 398 ، بواسطتين : أبي جناب يحيى بن أبي حيّة الوداعي الكلبي ، عن عدي بن حرملة الأسدي ... وكلا الرجلين سمعا واعية الإمام (ع) ، فلمْ ينصراه. وكان عبد الله بن سليم الأسدي حيّاً إلى سنة (77 هـ) 6 / 295.
    13 ـ الإمام علي بن الحسين (عليه السّلام) : كتاب عبد الله بن جعفر إلى الإمام مع ولديه عون ومحمّد ، وكتاب عمرو بن سعيد الأشدق إلى الإمام مع أخيه يحيى وجواب الإمام (ع) بواسطة واحدة ، هو : الحارث بن كعب الوالبي 5 / 387 ـ 388.
    14 ـ بكر بن مصعب المزني : مقتل عبد الله بن يقطر ، وخبر منزل زبالة ، بواسطة واحدة هو أبو علي الأنصاري 5 / 398 ـ 399 ، لا يُعرفان.
    15 ـ فزاريّ : خبر التحاق زهير بن القين بالحسين (عليه السّلام) ، بواسطة
    _________________
    (1) 7 / 472 ، وذُكر في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال / 284.

    السدّي ، والنصّ : رجل من بني فزارة 5 / 396.
    16 ـ الطرمّاح بن عدي : خبره بواسطة واحدة ، هو : جميل بن مرثد الغنوي 5 / 406 ، لقى الحسين (عليه السّلام) فاستنصره الإمام ، فاعتذر أنْ يمتار لأهله ميرة ـ أي : رزقاً ـ فلمْ يمنعه الإمام (ع) ، ولمْ يدرك نصرته ، وذكره الشيخ في أصحاب أمير المؤمنين والحسين (عليهما السّلام) ، وذكره المامقاني ووثّقه أنّه أدرك نصرة الإمام (عليه السّلام) وجرح وبُرء ، ثمّ مات بعد ذلك ولمْ يذكر المصدر (1).
    17 ـ عامر بن شراحيل بن عبد الشعبي الهمداني : خبر قصر بني مقاتل ، بواسطة المجالد بن سعيد 5 / 407.
    وُلد سنة (21 هـ) 4 / 145 ، واُمّه من سبي جلولاء سنة (16 هـ) ، وهو وأبوه أوّل مَن أجاب المختار 6 / 15 ، وشهد هو وأبوه للمختار بالحقّ 6 / 17. وخرج هو وأبوه مع المختار إلى ساباط المدائن سنة (67 هـ) 6 / 91 ، ثمّ لحق بالحجّاج بعد المختار وجلس معه 6 / 327 ، ثمّ خرج على الحجّاج مع عبد الرحمن بن الأشعث بن قيس الكندي سنة (82 هـ) 6 / 350. فلمّا هزم ابن الأشعث لحق بقتيبة بن مسلم والي الحجّاج على الري فاستأمنه فآمنه الحجّاج 6 / 374 ، ثمّ بقي حتّى وُلي قضاء الكوفة أيّام عمر بن عبد العزيز سنة (99 ـ 101 هـ) من قبل يزيد بن عبد الملك بن مروان.
    وهو ممّن خذل مسلماً والحسين (عليهما السّلام) ولمْ يكن مع الحسين (عليه السّلام) ، وإنّما حدّث عنه أبو مِخْنف مرسلاً مات بالكوفة فجأةً سنة (104 هـ) ، كما في الكِنى والألقاب 2 / 328. له في الطبري 114 خبراً. وذكره في تهذيب التهذيب ، فروى عن العجلي : أنّ الشعبي سمع من ثمانية وأربعين
    _________________
    (1) تنقيح المقال 2 / 109. وقد سبق إنّ المصدر ، هو : المقتل المتداول المنسوب إلى أبي مِخْنف ، وهو الخبر الذي علّق عليه المحدّث القمّي في : نفس المهموم / 195.

    من الصحابة وأدرك عليّاً (عليه السّلام). قِيل : مات سنة (110 هـ) (1).
    18 ـ حسّان بن فائد بن بكير العبسي : كتاب ابن سعد إلى ابن زياد وجوابه إليه ، بواسطة النضر بن صالح بن حبيب بن زهير العبسي ، والنصّ : أشهد أنّ كتاب عمر بن سعد جاء إلى عبيد الله بن زياد وأنا عنده ، فإذا فيه ... 5 / 411.
    كان فيمَن قاتل المختار وأصحابه مع راشد بن أياس صاحب شرطة عبد الله بن مطيع العدوي والي الكوفة من قبل عبد الله بن الزبير 6 / 26. وكان مع ابن مطيع في حصار القصر 6 / 31 ، وقُتل أخيراً مع أصحاب ابن مطيع في مضر ، في كناسة الكوفة (64 هـ) 6 / 49.
    قال في تهذيب التهذيب : ذكره ابن حبّان في الثقات ، وروى البخاري في تفسير الجبت في سورة النّساء ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق السّبيعي عنه ، عن عمر بن الخطاب أنّ الجبت هو السحر. وقال : يعدّ في الكوفيّين (2).
    19 ـ أبو عمارة العبسي : مقالة يحيى بن الحكم ، ومجلس يزيد ، بواسطة أبي جعفر العبسي 5 / 460 ـ 461.
    20 ـ القاسم بن بخيت : الرؤوس في دمشق ، ومقالة يحيى بن الحكم بن العاص أخي مروان ، ومقالة هند زوجة يزيد ، وقضيب يزيد ، بواسطتين : أبي حمزة الثمالي ، عن عبد الله الثمالي عن القاسم 5 / 465.
    21 ـ أبو الكنود عبد الرحمن بن عبيد : أبيات اُمّ لقمان بنت عقيل بن أبي طالب ، بواسطة سليمان بن أبي راشد 5 / 466.
    كان يلي الكوفة من قبل زياد بن أبيه 5 / 246 ، وكان من أصحاب
    _________________
    (1) تهذيب التهذيب 5 / 65.
    (2) تهذيب التهذيب 2 / 251.

    المختار ، وادّعى أنّه هو الذي قتل شمر 6 / 53 ، وله في الطبري تسعة أخبار عن أبي مِخْنف عنه ، ما في الأعلام.
    22 ـ فاطمة بنت علي ـ كما ذكرها الطبري ـ :
    مجلس يزيد ، بواسطة الحارث بن كعب الوالبي الأزدي 5 / 461 ـ 462.
    فهؤلاء واحد وعشرون شخصاً ممّن باشر الأحداث ، أو عاصرها ورواها ، ورواها عنهم أبو مِخْنف بواسطة أو واسطتين.
    القائمة الخامسة :
    الرواة الوسائط وهم تسع وعشرون شخصاً :
    1 ـ عبد الملك بن نوفل بن مساحق بن عبد الله بن مخرمة ، عن أبي سعد سعيد بن أبي سعيد المقبري : أبيات الإمام (عليه السّلام) عند خروجه من المدينة 5 / 342.
    ويروي ـ بدون تصريح بالواسطة ـ عهد معاوية لابنه يزيد عند موته ، وحديث الضحّاك بن قيس الفهري صاحب شرطة معاوية ، وولي دفنه ، وأبيات يزيد عند وصول البريد إليه بهلاك أبيه معاوية.
    وله في الطبري خمسة عشر خبراً عن أبي مِخْنف عنه عن رجل ، أكثرها عن خروج ابن الزبير بمكّة ، وعبدالله بن حنظلة بالمدينة ، ووقعة الحرّة ، إحداها عن أبيه نوفل 5 / 474 ، وأخرى عن عبد الله بن عروة 5 / 478 ، وأخرى عن حميد بن حمزة من مو إلى بني أميّة 5 / 479 ، وسبعة منها عن حبيب بن كرّة من موالي بني أميّة أيضاً ، وصاحب راية مروان بن الحكم 5 / 482 ـ 539 ، وأخيرها عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق 5 / 577.
    فمن المرجّح أنْ يكون قد روى مراسيله في وصيّة معاوية ، ودفنه عن موالي بني اُميّة هؤلاء ، وإنْ لمْ يصرّح بأسمائهم.

    وقد كان أبوه نوفل بن مساحق على ألفين أو خمسة آلاف لابن مطيع لابن الزبير ، وانتهى ابن الأشتر النّخعي إليه فرفع عليه السّيف ، ثمّ خلّى سبيله 6 / 30.
    ووثّقه في تهذيب التهذيب 6 / 428 ، والكاشف للذهبي 2 / 216.
    2 ـ أبو سعيد عقيصا ، عن بعض أصحابه : مقابلة الإمام الحسين (عليه السّلام) لابن الزبير بمكّة في المسجد الحرام محرم 5 / 385.
    عدّة العلاّمة (رحمه الله) من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السّلام) في القسم الأوّل من الخلاصة (1). وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ، فقال : روى عن (عليه السّلام) ثمّ قال ، قال ابن سعد : ثقة ، اسمه دينار ، شيعي مات (125 هـ) (2).
    وقال في تهذيب التهذيب ، قال الواقدي : كان ثقة كثير الحديث ، توفّي سنة مئة. وقال ابن سعد : توفّي في خلافة الوليد بن عبد الملك. قِيل : إنّ عمر جعله على حفر القبور. وقِيل : كان ينزل ناحية المقابر فسمّي : المقبري 8 / 453 ، وفي لسان الميزان 2 / 422.
    3 ـ عبد الرحمن بن جندب الأزدي ، عن عقبة بن سمعان : جميع أخباره. له في الطبري زهاء ثلاثين حديثاً عن حرب الجمل وصفّين والنّهروان ، وعن كربلاء بواسطة عقبة بن سمعان ، ويروي أحداث الحجّاج مباشرةً ، وحارب
    _________________
    (1) ص / 193.
    (2) 2 / 139 ، و 3 / 88 ، وفي كامل الزيارة / 23 ، بإسناده إليه قال : سمعت الحسين بن (عليه السّلام) ، وخلا به عبد الله بن الزبير وناجاه طويل ، وقال : ثمّ أقبل الحسين (عليه السّلام) بوجهه إليهم ، وقال : «إنّ هذا يقول لي : كن حماماً من حمام الحرم ، ولئن أُقتل بيني وبين الحرم باع أحبّ إليّ من أنْ أُقتل وبيني وبينه شبر ، ولئن أُقتل بالطفّ أحبّ إليّ من ان أقتل بالحرم». فهو على هذا الإسناد مباشر للسماع عن الإمام (عليه السّلام) لا كما أسند عنه أبو مِخْنف ، والكامل أكمل.

    في جيشه مع زائدة بن قدامة الثقفي : شبيب الخارجي بـ : (رودبار) سنة (76 هـ) 6 / 244 ، وأُسر فبايع شبيباً خوفاً 6 / 246 ، ثمّ لحق بالكوفة فكان فيها إذ خطب الحجّاج ليبعث إلى شبيب مرّة أخرى سنة (77 هـ) 6 / 262.
    ذكره الأردبيلي عن الرجال الوسيط للأسترابادي : في أصحاب أمير المؤمنين (عليه السّلام) (1). وذكره العسقلاني في لسان الميزان ، فقال : روى عن كميل بن زياد ، وعنه أبو حمزة الثمالي (2).
    4 ـ الحجّاج بن علي البارقي الهمداني ، عن محمّد بن بشر الهمداني : أخباره كله ، فراجع محمّد بن بشر ، وليس لهفي الطبري عن غيره شيء. وذكره في لسان الميزان ، وقال : شيخ روى عنه أبو مِخْنف (3).
    5 ـ نمير بن وعلة الهمداني اليناعي ، عن أبي الودّاك جبر بن نوف الهمداني ، وأيوب بن مشرح الخيواني ، وربيع بن تميم الهمداني ، أخبارهم.
    له في الطبري عشرة أخبار ، آخرها عن الشعبي عن مجلس الحجّاج سنة ثمانين 6 / 328.
    ذكره العسقلاني في لسان الميزان ، فقال : روى عن الشعبي وعنه أبو مِخْنف (4) وكذلك في المغني (5).
    6 ـ الصقعب بن زهير الأزدي ، عن أبي عثمان النّهدي ، وعون بن أبي جحيفة السوائي ، وعبد الرحمن بن شريح المعافري الإسكندراني ـ مات بالإسكندريّة سنة (167 هـ) ، كما في تهذيب التهذيب 6 / 193 وعمر بن عبد الرحمن ...
    _________________
    (1) جامع الرواة 1 / 447.
    (2) لسان الميزان 3 / 408 ، ط حيدرآباد.
    (3) 2 / 178.
    (4) 6 / 171 ، ط حيدرآباد.
    (5) 2 / 701 ، ط دار الدعوة.

    ابن الحارث بن هشام المخزومي وحميد بن مسلم ، أخبارهم.
    له في الطبري عشرون خبر ، جميعها عن أبي مِخْنف عنه ، ثلاثة منها عن وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وكان حاضراً بصفّين مع علي (عليه السّلام) ، فروى مقالة عمّار بن ياسر 5 / 38 ، وروى حديث مقتل حجر بن عدي 5 / 253 وتسعة منها عن كربلاء ، وثلاثة منها من أخبار المختار.
    قال في تهذيب التهذيب : ذكره ابن حبّان في الثقات. وقال أبو زرعة : ثقة. وقال أبو حاتم : شيخ ليس بالمشهور (1).
    وفي هامش خلاصة تذهيب تهذيب الكمال : وثّقه أبو زرعة (2).
    7 ـ المُعلّى بن كليب الهمداني ، عن أبي الودّاك جبر بن نوف الهمداني ، أخباره ، فراجع.
    8 ـ يوسف بن يزيد بن بكر الأزدي ، عن عبد الله بن خازم الأزدي ، وعفيف بن زهير بن أبي الأخنس ، أخبارهم.
    ورد اسمه الكامل في الطبري 6 / 284 ، وله في الطبري خمسة عشر خبراً ، وعاش إلى بعد سنة (77 هـ). وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ، فقال : صدوق نبيل بصري ، روى عنه جماعة وأثنى عليه غير واحد ، يكتب حديثه (3).
    وقال في تهذيب التهذيب : ذكره ابن حبّان في الثقات. وقال المقدسيّ : كان ثقة. وقال أبو حاتم : يكتب حديثه (4). وكذلك ذكره في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال (5).
    _________________
    (1) تهذيب التهذيب 4 / 432.
    (2) الخلاصة / 176 ، ط دار الدعوة.
    (3) 4 / 475.
    (4) تهذيب التهذيب 11 / 429.
    (5) الخلاصة / 440.

    9 ـ يونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السّبيعي الهمداني الكوفي ، عن عبّاس بن جعدة الجدلي : خبره في خروجه مع مسلم بن عقيل في أربعة آلاف.
    قال سيّدنا شرف الدين في كتابه القيّم المراجعات : نصّ على تشيّع أبيه أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السّبيعي الهمداني الكوفي ، كلّ من ابن قتيبة في معارفه ، والشهرستاني في الملل والنحل. وكان من رؤوس المحدّثين الذين لا يحمد النواصب مذاهبهم في الفروع والأصول ، إذ نسجوا فيها على منوال أهل البيت (عليهم السّلام) ، وتعبّدوا باتّباعهم في كلّ ما يرجع إلى الدين ؛ ولذا قال الجوزجاني ـ كما في ترجمة زبيد من الميزان (1) ـ : كان من أهل الكوفة قوم لا يحمد النّاس مذاهبهم ، هم رؤوس محدّثي الكوفة مثل : أبي إسحاق ومنصور ، وزبيد اليامي والأعمش ، وغيرهم من أقرانهم احتملهم النّاس لصدق ألسنتهم في الحديث وتوقّفوا عندما أرسلوا ، وممّا توقّف النواصب فيه من مراسيل أبي إسحاق ، ما رواه عمر بن اسماعيل ـ كما في ترجمته في الميزان (2) ، عن أبي إسحاق ، قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : «مثل علي كشجرة أنا أصله ، وعلي فرعها ، والحسن والحسين ثمرها والشيعة ورقها».
    ثمّ قال السيّد : وما قال المغيرة ـ كما في الميزان ـ : ما أفسد حديث أهل الكوفة غير أبي إسحاق والأعمش (3) ، أو أهلك أهل الكوفة أبو إسحاق وأعيمشكم هذ (4) ، إلاّ لكونهما شيعيّين مخلصين لآل محمّد (صلّى الله عليه وآله) حافظين ما جاء في السّنة من خصائصهم (عليهم السّلام).
    ثمّ قال : احتجّ بكل منهما أصحاب الصحاح الستّة وغيرهم (5).
    وُلد ـ كما في الوفيات ـ لثلاث سنين بقين من خلافة عثمان ـ أي : في سنة
    _________________
    (1) 2 / 66 ، ط الحلبي.
    (2) 3 / 246.
    (3) 3 / 270.
    (4) 2 / 224.
    (5) المراجعات / 100 ، ط دار الصادق.

    (33 هـ) وتوفّي سنة (132 هـ) ، كما عن ابن معين والمدائني.
    روى عنه ابنه يونس بن أبي إسحاق المتوفّى (159 هـ) ، وهو في عشر التسعين إنْ لمْ يكن تجاوزها ـ كما في الميزان (1) ـ ، وهذا هو الذي روى عن عبّاس بن جعدة ، لأبي مِخْنف خبر خروج مسلم في الكوفة ، وله في الطبري غير هذا الخبر خبراً آخر لمْ يسنده إلى أحد ، في بعث ابن زياد الجيوش لحصر الحسين (عليه السّلام) قبل دخوله الكوفة 5 / 394 ، وله في الطبري أحد عشر خبراً آخر عن أبي مِخْنف عنه ، وثلاثه عشر خبراً آخر عن غير أبي مِخْنف عنه.
    وقال في تهذيب التهذيب : ذكره ابن حبّان في الثقات. وقال ابن معين : ثقة. وقال أبو حاتم : كان صدوق. وقال النّسائي : لا بأس به. وقال ابن عدي : له أحاديث حسان روى عنه النّاس. وقال : مات سنة (159 هـ) (2).
    10 ـ سليمان بن أبي راشد الأزدي ، عن عبد الله بن خازم البكري الأزدي ، وحميد بن مسلم الأزدي ، وأبي الكنود عبد الرحمن بن عبيد ، أخبارهم.
    له في الطبري عشرون خبراً أكثرها بواسطة ، كان حيّاً إلى سنة (85 هـ) 6 / 360.
    11 ـ المجالد بن سعيد الهمداني ، عن عامر الشعبي الهمداني : خبره عن قصر بني مقاتل 5 / 407 ، وله خبر آخر مرسل لمْ يسنده إلى أحد في تخاذل النّاس عن مسلم بن عقيل ، وغربة مسلم ودخوله بيت طوعة ، وخطبة ابن زياد ، وخبر بلال بن طوعة وبعث ابن زياد ابن الأشعث لقتال مسلم (عليه السّلام) 5 / 371 ـ 373.
    له في الطبري سبعون خبراً أكثرها عن الشعبي عنه ، وعبّر عنه أبو مِخْنف
    _________________
    (1) 4 / 483.
    (2) تهذيب التهذيب 1 / 433.

    بالمحدّث 5 / 413.
    وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ، فقال : مشهور ، صاحب حديث. وذكر الأشبح : إنّه شيعي. مات مجالد سنة (143 هـ).
    ثمّ روى الذهبي عن البخاري : أنّه روى في ترجمة مجالد عنه ، عن الشعبي ، عن ابن عبّاس ، قال : لمّا ولدت فاطمة بنت رسول الله (صلوات الله عليهما) سمّاها المنصورة. فنزل جبرائيل ، فقال : يا محمّد ، الله يقرؤك السّلام ، ويقرئ مولودك السلام ، وهو يقول : «ما وُلد مولود أحبّ إليّ منه ، وإنّه قد لقبّها باسم خير ممّا سمّيتها ، سمّاها : فاطمة ؛ لأنّها تفطم شيعتها من النّار» (1).
    ثمّ كذّب الذهبي الحديث بحجّة أنّها وُلدت قبل البعثة ؛ ولهذا الحديث قِيل عنه : إنّه شيعى.
    12 ـ قدامة بن سعيد بن زائدة بن قدامة الثقفي ، عن جدّه زائدة بن قدامة : خبره عن خروج محمّد بن الأشعث لقتال مسلم بن عقيل (عليه السّلام) وأسره وعن استسقائه على باب القصر وسقيه 5 / 373 ـ 375.
    ذكره الطبري ولمْ يسند خبره عن أبيه أو جدّه وهو لا يصحّ ـ ظاهراً ـ ، إذ أنّه لمْ يُدرك أحداث الكوفة ، وإنّما أدركها وباشرها جدّه زائدة ، وكان في جماعة عمرو بن حريث مع راية الأمان لابن زياد في المسجد الجامع بالكوفة ، إذ وجّه إليهم ابن زياد أنْ يبعثوا مع محمّد بن الأشعث لقتال مسلم سبعين رجلاً من قيس 5 / 373 ، فشفع لابن عمّه المختار 5 / 570.
    وأمّا قدامة بن سعيد ، فقد ذكره الشيخ (ره) في طبقة أصحاب الإمام الصادق (عليه السّلام) (2) وسبقت ترجمته قبل هذا ، فراجع.
    _________________
    (1) 3 / 438. قِيل : مات في ذي الحجّة لسنة ثلاث أو أربع وأربعين ومئة ، كما في تهذيب التهذيب.
    (2) رجال الشيخ / 275 ، ط النّجف.

    13 ـ سعيد بن مدرك بن عمارة بن عقبة بن أبي معيط الاُموي ، عن جدّه عمارة بن عقبة : خبر إرساله غلامه قيساً إلى بيته ؛ ليأتيه بماء يسقي منه مسلم بن عقيل على باب قصر الإمارة قبل إدخاله على ابن زياد 5 / 376 ، والنصّ : حدّثني سعيد ... أنّ عمارة بن عقبة ... ، وظاهره المباشرة من دون إسناد ، وذلك بعيد جدّاً ، والظاهر أنّه يروي عن جدّه عمارة ، ورجّحنا عليه خبر قدامة بن سعيد أنّ الذي أتى بالماء هو مرو بن حريث ، وليس عمارة لمَا ذكرناه في موضعه من الكتاب.
    14 ـ أبو جناب يحيى بن أبي حيّة الوداعي الكلبي ، عن عدي بن حرملة الأسدي عن عبد الله بن سُليم والمذُري بن المشمعل الأسديّين ، وعن هانئ بن ثبيت الحضرمي ، أخبارهم.
    وقد يرسل من دون إسناد ، فمن ذلك خبر مقابلات أصحاب مسلم لابن زياد 5 / 369 ـ 370 ، وبعث ابن زياد برؤوس مسلم وهانئ ـ رحمهما الله ـ إلى يزيد ، وكتابه إليه في ذلك 5 / 380 ـ والظاهر ـ كما سبق أنّه يُرويها عن أخيه هانئ بن أبي حيّة الوداعي الكلبي الذي بعثه ابن زياد بكتابه وبرأس مسلم إلى يزيد 5 / 380.
    وله في الطبري ثلاثة وعشرون خبراً ، 9 منها عن : حرب الجمل وصفّين والنّهروان ـ بالواسطة ـ ، وتسعة منها عن كربلاء ، خمسة منها بالواسطة وثلاث بالإرسال ؛ فالظاهر : أنّها أيضاً مسندة في الواقع ، وأنّه لمْ يكن ممّن باشر الأحداث وإنْ كان قد عاصرها كما يبدو.
    وآخر عهدنا به روايته ـ بالإرسال ـ كتاب مصعب بن الزبير إلى إبراهيم بن الأشتر ـ بعد المختار ـ يدعوه إلى نفسه سنة (67 هـ) 6 / 111.
    قال في تهذيب التهذيب : ذكره ابن حبّان في الثقات. وقال ابن نمير وابن خراش ، وأبو زرعة والسّاجي : كوفيّ صدوق. وقال أبو نعيم : لا بأس به ،

    مات سنة خمسين ومئة. وقال ابن معين : ما سنة (147 هـ) (1).
    15 ـ الحارث بن كعب بن فقيم الوالبي الأزدي الكوفي ، عن عقبة بن سمعان ، عن علي بن الحسين ، وعن فاطمة بنت علي (عليهما السّلام).
    كان هذا من أصحاب المختار 6 / 23 ، ولكنّه انتقل بعده إلى القول بإمامة علي بن الحسين (عليهما السّلام) والرواية عنه 5 / 387 ويبدو أنّه كان قد انتقل من الكوفة إلى المدينة ، حيث سمع من الإمام زين العابدين ، ومن فاطمة بنت علي (عليهما السّلام) 5 / 461.
    ذكره الشيخ في رجاله في : أصحاب علي بن الحسين (عليه السّلام) ، إلاّ أنّه ـ في طعبة النّجف ـ ذكره الحرّ بن كعب الأزدي الكوفي ، وذكر المحقّق الحارث عن نسخة أخرى ـ في الهامش ـ وهو الصحيح.
    16 ـ إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدّي الكوفي ، عن فزاري : خبر زهير بن القين.
    ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال وقال : رُمي بالتشيّع ، وأنّه كان يشتم أبابكر وعمر. وقال ابن عدي : هو عندي صدوق. وقال أحمد : ثقة. وقال يحيى بن سعيد : ما رأيت أحداً يذكر السدّي إلاّ بخير وما تركه أحد ، روى عنه شعبة والثوري (2).
    وله في الطبري أربع وثمانون خبراً إلى ما بعد المئة من الهجرة.
    وذكر في تهذيب التهذيب (3) والكاشف (4). مات سنة (127 هـ) ، كان يقعد في سدّة باب الجامع بالكوفة فسمّي : السُدّي ، وهو مولى قريش. روى عن
    _________________
    (1) تهذيب التهذيب 11 / 201.
    (2) 1 / 236 ، ط الحلبي.
    (3) 1 / 313.
    (4) 1 / 236.

    الحسن (عليه السّلام).
    17 ـ أبو علي الأنصاري ، عن بكر بن مصعب المُزنيّ : خبره عن مقتل عبد الله بن يقطر ، ليس له في الطبري غير هذا ، وليس له في الرجال شيء.
    18 ـ لوذان ، عن عمّه : خبر لقائه الحسين (عليه السّلام) في الطريق ، لا يُعرف.
    19 ـ جميل بن مرثد الغنوي ، عن الطرّماح بن عدي الطائي ، خبره.
    20 ـ أبو زهير النضر بن صالح بن حبيب العبسي ، عن حسّان بن فائد بن بكير العبسي ، كتاب ابن سعد إلى ابن زياد وجوابه إليه ، وعن قرّة بن قيس التميمي : خبره عن الحرّ.
    له في الطبري واحد وثلاثون خبراً. وقد أدرك أيّام المختار 6 / 81 ، ثمّ خرج مع عسكر مصعب بن الزبير لحرب قُطريّ الخارجي سنة (68 هـ) 6 / 127 ، ثمّ صار بوّاباً للمطرّف بن المغيرة بن شعبة الثقفي الخارجي في المدائن سنة (77 هـ). وكان شابّاً أغيدَ يقف على رأسه بالسّيف (6 / 287 ـ 289) وحارب مع مطرّف جيش الحجّاج سنة (77 هـ) 6 / 298 ، ثمّ رجع إلى الكوفة 6 / 299.
    ذكره الإمام الرازي في الجرح والتعديل وقال ، سمعت أبي يقول : إنّ أبا مِخْنف روى عنه ، وهو روى عن علي (عليه السّلام) بواسطة (1).
    21 ـ الحارث بن حصيرة الأزدي ، عن عبد الله بن شريك العامري النّهدي ، وعنه عن علي بن الحسين (عليه السّلام).
    ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ، وقال ، قال أبو أحمد الزبيري : كان يؤمن بالرّجعة. وقال يحيى بن معين : ثقة ، خشبي منسوب إلى خشبة صلب عليها زيد بن علي. وقال ابن عدي : هو من المحترقين بالكوفة في التشيّع. وقال أبو
    _________________
    (1) الجرح والتعديل ، للرازي 8 / 477.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    وقعة الطف لابو مخنف Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة الطف لابو مخنف   وقعة الطف لابو مخنف Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 4:18 pm

    حاتم الرازي : هو من الشيعة العتّق ، لولا أنّ الثوري روى عنه لترك (1).
    وروى الذهبي في ترجمة نفيع بن الحارث النَّخعي الهمداني الكوفي الأعمى ، عن الحارث بن حصيرة ، وقال : صدوق ، لكنّه رافضي. عن عمران بن حصين قال : كنت جالساً عند النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وعلي (ع) إلى جنبه ، إذ قرأ النبيّ : «أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ» (3). فارتعد علي (ع) فضرب النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بيده على كتفه ، فقال : «ولا يحبّك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق إلى يوم القيامة» (3).
    وله عشرة أخبار في الطبري ، كلّها عن أبي مِخْنف عنه.
    وذكره الشيخ الطوسي ـ في الرجال ـ في طبقة أصحاب أمير المؤمنين (عليه السّلام) (4).
    22 ـ عبد الله بن عاصم الفائشي الهمداني ، عن الضحّاك بن عبد الله المشرقي الهمداني أخباره.
    ذكر الأردبيلي في جامع الرواة : أنّ له رواية في الكافي في وقت التيمّم عن الإمام الصادق (عليه السّلام). وذكره العسقلاني في التهذيب. وفي بصائر الدرجات روى عنه ابن بن عثمان وجعفر بن بشير (5).
    23 ـ أبو الضحّاك ، عن علي بن الحسين (عليه السّلام) : حديث ليلة عاشوراء.
    _________________
    (1) 1 / 432 ، ط الحلبي.
    (2) النّمل / 62.
    (3) 4 / 272.
    (4) ص / 39 ، ط النّجف. وفي أصحاب الإمام الباقر (عليه السّلام) باسم : الحارث بن حصين الأزدي ، وهو خطأ.
    (5) 1 / 494.

    وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال 4 / 540 ، ط حيدرآباد ، والعسقلاني في تهذيب التهذيب 12 / 136 ، روى عنه شعبة.
    24 ـ عمرو بن مرّة الجملي ، عن أبي صالح الحنفي ، عن غلام عبد ربّه الأنصاري : خبره عن مهازلة مولاه لبُرير بن خضير 5 / 423.
    ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال 3 / 288 ، والعسقلاني في تهذيب التهذيب 8 / 102. وقال ذكره ابن حبّان في الثقات ، وقال : مات سنة (116 هـ). وزكّاه أحمد بن حنبل ، وقال : مات سنة (118 هـ). وقال البخاري : له عن علي (عليه السّلام) نحو من مئتي حديث. وقال شعبة : هو أكثرهم علماً. وقال أبو حاتم : هو صدوق ثقة. وقال ابن معين : هو ثقة.
    25 ـ عطاء بن السّائب ، عن عبد الجبّار بن وائل الحضرمي ، عن أخيه مسروق بن وائل الحضرمي : خبره عن مقتل ابن حوزة في بدء القتال 5 / 431.
    وذكر العسقلاني في تهذيب التهذيب عبد الجبّار بن وائل ، وقال : روى عن أخيه. وذكره ابن حبّان في الثقات ، وقال : مات سنة (112 هـ). وعطاء مكّي أدرك هدم عبد الله بن الزبير للكعبة وبناءه لها سنة (64 هـ) 5 / 582 ، ولمْ يقتله الحجّاج سنة (94 هـ) 6 / 488.
    قال في تهذيب التهذيب : ذكره ابن حبّان في الثقات ، وابن سعد في الطبقات ، وقال : مات سنة (137 هـ).
    26 ـ علي بن حنظلة بن أسعد الشبامي الهمداني ، عن كثير بن عبد الله الشعبي الهمداني : خبره عن خطبة زهير بن القين 5 / 426.
    وعلي بن حنظلة ، هو : ابن حنظلة بن أسعد الشبامي المقتول من أصحاب الحسين (عليه السّلام) ، ويظهر أنه إمّا لمْ يكن حاضراً كربلاء ، أو استُصغر فلمْ يقتل ولمْ يروِ شيئاً مباشرةً ، وروى هذا الخبر هنا عن كثير بن عبد الله الشعبي

    قاتل زهير بن القين.
    27 ـ الحسين بن عقبة المرادي ، عن الزبيدي : حملة عمرو بن الحجّاج الزبيدي.
    28 ـ أبو حمزة ، ثابت بن دينار الثمالي ، عن عبد الله الثمالي ، عن القاسم بن بخيت : خبره عن السّبايا في الشام 5 / 465 ، وأبو حمزة أشهر من أنْ يُذكر.
    29 أبو جعفر العبسي ، عن أبي عمارة العبسي : خبره عن أبيات يحيى بن الحكم.
    فهؤلاء تسع وعشرون شخصاً من الرواة الوسائط بين أبي مِخْنف والمباشرين.
    القائمة السّادسة :
    روايات الأئمة (عليهم السّلام) أو الرواة من أصحابهم والمؤرخين ، وهم خمسة عشر رجلاً :
    1 ـ الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السّلام) : كتاب عبد الله بن جعفر إلى الإمام الحسين (عليه السّلام) مع ولديه عون ومحمّد ، وكتاب عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق مع أخيه يحيى بن سعيد بن العاص إلى الإمام وجوابه إليه ، عند خروجه من مكّة بواسطة الحارث بن كعب الوالبي الأزدي ، عنه (عليه السّلام) 5 / 387 ـ 388 ، واستهمال للإمام (عليه السّلام) ليلة عاشوراء ، وخطبة على أصحابه ، بواسطة الحارث بن كعب الوالبي الأزدي ، عن عبد الله بن شريك العامري النهدي ، عنه (عليه السّلام) 5 / 418 ، وأبيات الإمام الحسين (عليه السّلام) ليلة عاشوراء ، ومقالة زينب (عليها السّلام) وجواب الإمام لها ، بواسطة الحارث بن كعب الوالبي الأزدي ، وأبي الضحّاك 5 / 420 ـ 421.

    2 ـ الإمام محمّد بن علي بن الحسين (عليه السّلام) : مقتل الرضيع ، بواسطة عقبة بن بشير الأسدي 5 / 448 ـ.
    3 ـ الإمام جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين : عدد طعنات وضربات جسد الإمام الحسين (عليه السّلام) مرسلاً 5 / 453.
    4 ـ زيد بن علي بن الحسين (عليه السّلام) ، وداود بن عبد الله بن عبّاس مقالة أولاد عقيل 5 / 397 ـ.
    والراوي عنهما ، هو : عمرو بن خالد الواسطي ، مولى بني هاشم ، كان بالكوفة ثمّ انتقل إلى واس ط روى عن زيد والإمام الصادق (عليه السّلام).
    ذكره النجّاشي ، وقال : له كتاب كبير رواه عنه نصر بن مزاحم المنقري وغيره 205 ـ ط الهند ـ ، وعدّه الشيخ في أصحاب الإمام الباقر (عليه السّلام) 128 ـ ط النّجف ـ ، وذكره المامقاني في التنقيح 2 / 330 ، وكذلك العسقلاني في تهذيب التهذيب 8 / 36.
    5 ـ فاطمة بنت علي (عليهما السّلام) ـ كما ذكرها الطبري ـ : مجلس يزيد ، بواسطة الحارث بن كعب الوالبي الأزدي ، عنها 5 / 461 ، 462 ، ولا يُخفى أنّ الراوي عنها وعن الإمام السجّاد (عليه السّلام) واحد.
    6 ـ أبو سعيد عقيصا بواسطة بعض أصحابه : مقابلة ابن الزبير للإمام بالمسجد الحرام محرماً 5 / 385.
    عدّه العلاّمة في القسم الأوّل ـ من الخلاصة ـ في طبقة أصحاب أمير المؤمنين (عليه السّلام) (1) ، وذكره الذهبي في (ميزان الاعتدال) فقال : روي عن علي عليه السّلام ، ثمّ قال ، قال شعبة : ثقة اسمه دينار ، شيعي مات سنة (125 هـ) (2)
    _________________
    (1) ص / 193 ، ط النّجف.
    (2) 2 / 139.

    وقد سبقت ترجمته ، فراجع.
    7 ـ محمّد بن قيس : خبر كتاب الإمام (عليه السّلام) مع قيس بن مصهر الصيداوي إلى أهل الكوفة ، ومقتله ، وكتاب مسلم بن عقيل إلى الإمام ، ومقالة عبد الله بن مطيع العدوي للإمام (عليه السّلام) وجوابه ، مرسلاً 5 / 394 ، 396 ومقتل حبيب بن مظاهر ، مرسلاً 5 / 440.
    ذكر الكشّي : أنّه أبلغ الإمام الباقر (عليه السّلام) ، فنهاه عن السّماع عن فلان وفلان (1) ، وذكره مدافعاً عن إمامة الإمام الباقر (عليه السّلام) (2).
    وذكره النجّاشي ، فقال : ثقة عين كوفي ، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله (3).
    وذكره الشيخ في الفهرست برقم : (591 ، 644) (4) ، وفي الرجال : في طبقة أصحاب الإمام الصادق (عليه السّلام) ذكر أربعة بهذا الإسم (5) ، وكذلك العلاّمة في الخلاصة (6).
    8 ـ عبد الله بن شريك العامري النهدي : عن علي بن الحسين (عليه السّلام) استمهال الحسين (عليه السّلام) ليلة عاشوراء ، وخطبة الإمام على أصحابه وأبيات الإمام الحسين (ع) ليلة عاشوراء ، ومقالة زينب (عليها السّلام) وجواب الإمام لها 5 / 418 ، 420 ، وروى مرسلاً : قدوم شمر إلى كربلاء بكتاب الأمان لإخوة العبّاس (عليه السّلام) ، وزحف ابن سعد إلى الإمام (عليه السّلام) عشيّة
    _________________
    (1) ص / 340 ، حديث رقم / 630.
    (2) ص / 237 ، الحديث / 430.
    (3) ص / 226 ، ط الهند.
    (4) ص / 157 ، 176.
    (5) ص / 298 ، برقم / 294 ، ط النّجف.
    (6) ص / 150 ، برقم / 60 فما بعد ، ط النّجف.

    التاسع من المحرّم 5 / 415 ، 416.
    ذكر الكشّي : أنّه من حواري الصادقين (عليه السّلام) (1). وفي حديث : أنّه يكرّ بين يدي القائم عجّل الله فرجه (2). وفي حديث : أنّه يكون يومذاك صاحب لواء (3).
    ويظهر من الطبري : أنّه كان من رؤساء أصحاب المختار 6 / 49 ، 51 ، 104 ، ثمّ صار في أصحاب مصعب 6 / 161 ، ثمّ خرج من عتده بأمان عبد الملك بن مروان سنة (72 هـ) 6 / 161 ، فلعلّه تاب بعد هذا وصار من أصحاب الأئمة (عليه السّلام).
    9 ـ أبو خالد الكابلي : دعاء الإمام الحسين (عليه السّلام) صبيحة عاشوراء ، مرسلاً 5 / 423.
    ذكره الطبري : أبا خالد الكاهلي ، ولا يوجد له ذكر بهذا الاسم في كتب الرجال ، والمشهور الموجود ما ذكرناه ، وهو الصحيح.
    ذكر الكشّي : أنّه هرب من الحجّاج إلى مكّة وأخفى بها نفسه ، فنجا من الحجّاج وخدم محمّد بن الحنفية قائلاً بإمامته ، ثمّ عدل عنه إلى الإمام السجّاد (عليه السّلام) (4) وأصبح من حواري أصحابه (عليه السّلام) (5) وخدمه دهراً من عمره ، ثمّ خرج إلى بلاده (6).
    وذكره الشيخ ـ في الرجال ـ في طبقة أصحاب الإمام السجّاد
    _________________
    (1) ص / 10 ، الحديث / 20.
    (2) ص / 217 ، الحديث / 390.
    (3) ص / 217 ، الحديث / 391.
    (4) ص / 124 ، الحديث / 195.
    (5) ص / 9 ، الحديث / 20.
    (6) ص / 121 ، الحديث / 193.

    (عليه السّلام) (1).
    ويبدو لي : أنّه كان من الموالي الذين كانوا مع المختار ؛ ولهذا كان قائلاً بإمامة محمّد بن الحنفيّة ، وهرب من الحجّاج ولا داعي لهروبه من الحجّاج إلاّ ذلك.
    10 ـ عُقبة بن بشير الأسدي ، عن الإمام الباقر (عليه السّلام) : مقتل الرضيع 5 / 453.
    ذكره الكشّي ، وقال : استأذن الإمام الباقر (عليه السّلام) أنْ يكون عرّيفاً للسلطان على قومه فلمْ يأذن له ، وروى خبره هذا في مقتل الرضيع (2).
    وذكره الشيخ ـ في الرجال ـ في طبقة أصحاب علي بن الحسين (3) والباقر (عليهما السّلام) (4).
    ولعقبة الأسدي في الطبري مقطوعة يرثي بها أصحاب المختار 6 / 116.
    11 ـ قدامة بن سعيد بن زائدة بن قدامة الثقفي ، عن جدّه زائدة : خبر خروج محمّد بن الأشعث بن قيس الكندي لقتال مسلم بن عقيل وأسره 5 / 373 ، وعن استسقائه على باب القصر وسقيه 5 / 375.
    ذكره الشيخ في طبقة أصحاب الإمام الصادق (عليه السّلام) (5).
    12 ـ الحارث بن كعب الوالبي الأزدي ، عن عقبة بن سمعان ، وعن علي بن الحسين (عليه السّلام) ، وعن فاطمة بنت علي (عليهما السّلام).
    كان من أصحاب المختار 6 / 23 ، ثمّ انتقل إلى المدينة فسمع من الإمام
    _________________
    (1) ص / 100 ، برقم / 2 ، باسم : كنكر.
    (2) ص / 203 ، الحديث / 358.
    (3) ص / 99 ، برقم / 32.
    (4) ص / 129 ، برقم / 29 ، ط النّجف.
    (5) ص / 275 ، ط النّجف.

    (عليه السّلام).
    ذكره الشيخ ـ في رجاله ـ في أصحاب علي بن الحسين (عليه السّلام) (1).
    13 ـ الحارث بن حُصيرة الأزدي ، عن عبد الله بن شريك العامري النهدي ، عنه عن علي بن الحسين (عليه السّلام) ، زضت ترجمته.
    ذكره الشيخ ـ في رجاله ـ في أصحاب علي والباقر (عليهما السّلام) (2).
    14 ـ أبو حمزة ، ثابت بن دينار الثمالي الأزدي بالولاء ، عن القاسم بن بُخيت : خبره عن السّبايا في الشام 5 / 465.
    ذكره الكشّي ، فروى عن الإمام الرضا (عليه السّلام) ، أنّه قال : «أبو حمزة الثمالي في زمانه كـ : (لقمان) في زمانه ؛ وذلك أنّه خدم أربعة منّا : علي بن الحسين ومحمّد بن علي ، وجعفر بن محمّد وبرهة من عصر موسى بن جعفر» (3).
    وسأل عامر بن عبد الله بن جذاعة الأزدي أبا عبد الله (عليه السّلام) عن المسكر؟ فقال : «كلّ مسكر حرام». ثمّ قال : «ولكن أبا حمزة يشرب». فلمّا بلغ ذلك أبا حمزة ، تاب وقال : أستغفر الله منه الآن وأتوب إليه (4).
    ودخل أبو بصير على الإمام الصادق (عليه السّلام) فسأله عن أبي حمزة؟ فقال : خلّفته عليل. فقال (ع) : «إذا رجعت إليه ، فاقرأه منّي السّلام وأعلمه إنّه يموت في شهر كذا ، في يوم كذا» (5).
    وقال علي بن الحسن بن فضّال : إنّ أبا حمزة ، وزرارة ، ومحمّد بن مسلم ماتوا في سنة واحدة ، بعد أبي عبد الله (عليه السّلام) بسنة أو بنحو منه (6).
    وذكره النجّاشي فقال :
    مولى كوفي ثقة ، قال محمّد بن عمر الجعابي التميمي : هو مولى المهلّب ابن
    _________________
    (1) رجال الطوسي / 87 ، ط النّجف.
    (2) ص / 39 ، 118 ، ط النّجف.
    (3) ص / 203 ، الحديث / 357 ، 485 ، 919.
    (4) ص / 201 ، الحديث / 354 ، ط مشهد.
    (5) ص / 202 ، الحديث / 356 ، ط مشهد.
    (6) ص / 201 ، الحديث / 353 ، ط مشهد.

    أبي صفرة وأولاده : حمزة ومنصور ونوح قُتلوا مع زيد بن على بن الحسين (عليه السّلام).
    لقي علي بن الحسين وأبا جعفر وأبا عبد الله وأبا الحسن (عليهم السّلام) وروى عنهم. وكان من خيار أصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث (1).
    وذكره الشيخ في الفهرست (2) ، وفي الرجال في طبقة أصحاب الإمام السجّاد (3) والإمام الباقر (4) ، والإمام الصادق (5) والإمام الكاظم (عليهم السّلام) (6).
    وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال (7) ، والعسقلاني في تهذيب التهذيب (Cool.
    فهؤلاء أربعة عشر شخصاً من الأئمة (عليهم السّلام) وأصحابهم ممّن وقع في إسناد الكتاب.
    وهناك من روى عنه أبو مِخْنف شيئاً من التاريخ من دون أنْ يكون مشاهداً ، بل مؤرخاً ، كعون بن أبي جحيفة السّوائي الكوفي المتوفّي (116 هـ) ، كما في تقريب التهذيب : تاريخ خروج الإمام (عليه السّلام) من المدينة إلى مكّة ، ومدّة مكثه بها وخروجه منها ... بواسطة الصقعب بن زهير.
    نكتفي بهذا المقدار من تقديمنا لهذا الكتاب راجين الله العزيز أنْ يوفقنا لمراضيه وخدمة أبي الضيم ، سيّد الشهداء الحسين بن علي (عليهما السّلام) وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربّ العالمين.
    _________________
    (1) 83 ط الهند.
    (2) 66 ط النّجف.
    (3) 84 ط النّجف.
    (4) 110.
    (5) 160 ط النّجف.
    (6) 345 ط النّجف.
    (7) ميزان الاعتدال 1 / 363.
    (Cool تهذيب التهذيب 2 / 7.

    بسم الله الرحمن الرحيم
    [الحسين (عليه السّلام) في المدينة]
    [وصيّة معاوية] (1)
    ذكر الطبري في تاريخه 5 / 322 : ثمّ دخلت سنة ستّين ... وفيها كان آخذ معاوية على الوفد الذين وفدوا إليه مع عبيد الله بن زياد ، البيعة ليزيد حين دعاهم إلى البيعة ... وكان عهده الذي عهد ، ما ذكره هشام بن محمّد ، عن أبي مِخْنف قال : حدّثني عبد الملك بن نوفل بن مساحق بن عبد الله بن مخرمة :
    إنّ معاوية لمّا مرض مرضته التي هلك فيها دعا يزيد ابنه (2) ، فقال : يا
    _________________
    (1) معاوية بن صخر بن حرب بن اُميّة بن عبد شمس ، وُلد قبل الهجرة بخمس وعشرين سنة 5 / 325 ، وقاتل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مع أبيه أبي سفيان في حروبه ، ثمّ أسلم مع أبيه عام الفتح سنة ثمانية من الهجرة ، فجعله النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وأباه على المؤلّفة قلوبهم 3 / 90 ، واستعمله عمر على الشام 3 / 604 ، فكان عليها حتّى قُتل عثمان فطالب بدمه أمير المؤمنين عليّاً (عليه السّلام) ، وحاربه على ذلك في صفّين حتّى قُتل أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، فحارب الحسن بن علي (عليه السّلام) حتّى صالحه في جمادى الأولى سنة (41 هـ) ، فسُمّي : عام الجماعة. فوُلي تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر إلاّ أيّام ، ثمّ مات لهلال رجب سنة ستّين ، وهو ابن خمس والثمانين عاماً على ما ذكره الطبري عن الكلبي عن أبيه 5 / 325.
    (2) وّلد سنة (28 هـ) ، واُمّة : ميسون بنت بجدل الكلبي ، ودعا معاوية النّاس إلى بيعته بولاية العهد من بعده سنة (56 هـ) ، وفي سنة (59 هـ) ، أخذ البيعة من الوفود وولي الأمر في هلال رجب سنة (60 هـ) ، وهو ابن اثنين وثلاثين سنة وأشهر. ومات لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة (64 هـ) في حوّارين 5 / 499 ؛ فتكون مدّة ملكه ثلاث سنين وثمانية أشهر و 14 يوماً ، وعمره 36 عاماً.
    وسنُعلّق فيما يأتي على وجود يزيد عند أبيه حين موته ، وقد وافق على وجوده عنده سبط ابن الجوزي في تذكرته / 235. ورواه الشيخ الصدوق في أماليه مُسنداً إلى الإمام علي بن الحسين (عليه السّلام). وقد نقل الخوارزمي في مقتله / 177 ، عن أحمد بن الأعثم الكوفي المتوفّي سنة (314 هـ) : إنّه كان حاضراً ثمّ غاب للصيد ، ثمّ لمْ يحضر إلاّ بعد ثلاثة أيّام ، ثمّ دخل القصر فلمْ يخرج منه إلاّ بعد ثلاث. فلعلّه كان كذلك ، أو لعلّه كانت لمعاوية وصيّتان : الأولى مع حضور يزيد والثانية في غيبته بواسطة الرجلين الآتي ذكرهم ؛ ومن هنا كان الاختلاف بين الوصيّتين.

    بنيّ ، إنّي قد كفيتك الرحلة والترحال ووطّأت لك الأشياء ، وذلّلت لك الأعداء وأخضعت لك أعناق العرب ، وجمعت لك من جمع واحد (1) ، وإنّي لا أتخوّف أنْ ينازعنّك هذا الأمر الذي استتبّ لك ، إلا أربعة نفر من قريش : الحسين بن عليّ (2) ،
    _________________
    (1) وكان ذلك خلال عشرة أعوام ، إبتداءً من سنة خمسين إلى هلاكه سنه ستّين.
    وقد ذكر الطبري السّبب في ذلك 5 / 301 : إنّ المغيرة بن شعبة قدم على معاوية من الكوفة سنة (49 هـ) ، فراراً من الطاعون بها ، وكان واليه عليها من عام الجماعة سنة (41 هـ) ، يشكو إليه الضعف ويستعفيه فأعفاه معاوية ، وأراد أنْ يولّيها سعيد بن العاص فغار المغيرة من ذلك ، فدخل على يزيد وعرض له البيعة بولاية العهد ، فأدّى ذلك يزيد إلى أبيه فردّ معاوية المغيرة إلى الكوفة وأمره أنْ يعمل في بيعة يزيد ، فرجع المغيرة إلى الكوفة وعمل في بيعة يزيد ، وأوفد في ذلك وفداً إلى معاوية.
    كتب معاوية إلى زياد بن سميّة ، وهو يوم إذ ذاك واليه على البصرة منذ سنة (45 هـ) بعنوان : أنّه يستشيره في الأمر ، فبعث زياد بعبيد بن كعب النّميري الأزدي إلى يزيد ؛ ليبلّغه : أنّه يرى له أنْ يترك ما ينقم عليه ؛ ليسهل على الولاة الدعوة إليه ... ثمّ مات زياد بالكوفة في شهر رمضان سنة (53 هـ) ، وهو والٍ على العراقين. واعتمر معاوية في رجب من سنة (56 هـ) ، فأعلن للنّاس ولاية عهد يزيد ودعا النّاس إلى بيعته ، فدخل عليه سعيد بن عثمان بن عفّان واستنكر عليه ذلك ، فشفع له يزيد أنْ يولّيه خراسان فولاّه إيّاه. ودخل عليه مروان فاستنكر منه ذلك ، وكان واليه على المدينة منذ سنة (54 هـ) ، فوجد عليه معاوية حتّى عزله عن المدينة سنة (57 هـ) ، كما في الطبري 5 / 309. وقد فصّل المسعودي استنكار مروان في كتابه 3 / 38 :
    وفي سنة (60 هـ) بعث عبيد الله بن زياد ، وكان واليه على البصرة منذ سنة (55 هـ) وفداً إلى معاوية ، فأخذ منهم معاوية البيعة على عهد يزيد 5 / 322.
    (2) ولد (عليه السّلام) لليالٍ خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة ، كما في الطبري 3 / 555. فعاش مع جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ست سنين ، ثمّ مع أبيه أمير المؤمنين (عليه السّلام) ثلاثين سنة. وفي سنة ثلاثين خرج مع أخيه الحسن وحذيفة بن اليمان ، وعبد الله بن العبّاس وناس من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بقيادة سعيد بن العاص ؛ لغزو خراسان على عهد عثمان 4 / 269.
    وعاش مع أخيه الحسن (عليه السّلام) عشر سنين ، وكانت مدّة إمامته بعد أخيه الحسن (عليه السّلام) أيضاً ، عشر سنين عاصر فيها معاوية بن أبي سفيان حتّى هلك ، واستشهد في كربلاء المقدّسة يوم الجمعة العاشر من المحرّم سنة (61 هـ) ؛ فيكون عمره الشريف يوم قتله : ستّاً وخمسين سنة وستّة أشهر.

    وعبد الله بن عمر (1) ، وعبد الله بن الزبير (2) ، وعبد الرحمن بن أبي بكر (3).
    فأمّا عبد الله بن عمر ، فرجل قد وقذته (4) العبادة ، وإذا لمْ يبقَ أحد غيره بايعك ؛
    وأمّا الحسين بن علي (ع) ، فانّ أهل العراق لن يدعوه حتّى يخرجوه (5) فإنْ
    _________________
    (1) تخلّف عن بيعة علي (عليه السّلام) بعد عثمان ، وقال له علي (عليه السّلام) : «إنّك لسيّء الخلق صغيراً وكبيراً». 4 / 428 ، أو قال (عليه السّلام) : «لولا ما أعرف من سوء خلقك صغيراً وكبيراً ؛ لأنكرتني». 4 / 436 ، لكنّه منع أخته حفص من الخروج مع عائشة 4 / 451 ، وامتنع من إجابة طلحة والزبير للخروج معهما على علي (عليه السّلام) 4 / 460 ، وكان سهر أبي موسى الأشعري ، فلمّا دُعي إلى التحكيم ، دعاه أبو موسى ودعا معه جماعة ودعا عمرو بن العاص إلى تأميره فأبى عليه ، فلمّا صار الأمر إلى معاوية ذهب إليه 5 / 58 ، وهو وإنْ لمْ يبايع يزيد الآن ، ولكنّه كتب إليه كتاباً بعد مقتل الحسين (عليه السّلام) في تخلية سبيل المختار صهره ، فأجابه يزيد إلى ما يريد ، فلعلّه كان قد بايع بعد هذا 5 / 571. وينصّ المسعودي على أنّه : قد بايع بعد هذا الوليد ليزيد ، والحجّاج لمروان. مروج الذهب 2 / 316.
    (2) وُلد في السّنة الأولى أو الثانية من الهجرة ، ودافع عن عثمان يوم الحصار حتّى جرح 4 / 382 ؛ وذلك بأمر أبيه الزبير 4 / 385 ، وكان عثمان قد أوصى إلى الزبير بوصيّة 4 / 387 واشترك مع أبيه في حرب الجمل ومنع أباه من التوبة والرجوع 4 / 502 ، وقد أمّرته عائشة على بيت المال بالبصرة ، وهو أخوها من اّمّه : اُمّ رومان 4 / 377 ـ وجُرح فاستخرج فطاب 4 / 509. وعبّر عنه علي (عليه السّلام) : «ابن السّوء» 4 / 509.
    وكان مع معاوية فأرسله مع عمرو بن العاص لمقاتلة محمّد بن أبي بكر ، فلمّا أراد عمرو بن العاص قتل محمّد تشفّع فيه ، فلم يشفّعه معاوية 5 / 104 ، وخرج بمكّة بعد مقتل الحسين (عليه السّلام) 5 / 474 ، وأخذ يجالد بها اثني عشرة سنة حتّى قتله الحجّاج على عهد عبد الملك بن مروان في جمادى الأولى سنة (73 هـ) 6 / 187. وقُتل أخوه مصعب في الأنبار قبله بسنة ، سار إليه عبد الملك بنفسه.
    (3) قال في أُسد الغابة : خرج عبد الرحمن بن أبي بكر إلى مكّة قبل أنْ تتمّ البيعة ليزيد ، فمات بمكان اسمه : (حبشي) على نحو عشرة أميال من مكّة سنة (55 هـ) ، وهذا لا يتّفق مع هذه الوصيّة ، والله أعلم.
    (4) أي : أنهكته وأتعبته.
    (5) عرف هذا ممّا كاتب به أهل العراق إلى الإمام (عليه السّلام) ، وهو بالمدينة بعد وفاة أخيه الإمام الحسن (عليه السّلام) ، كما رواه اليعقوبي 2 / 216 ، وفيه : أنّهم ينتظرون قيام الإمام بحقّه وقد سمع بذلك معاوية ، فعاتب الإمام على هذا ، فكذّبه فسكت عنه.

    خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه (1) ؛ فانّ له رحماً ماسّةً ، وحقّاً عظيماً.
    وأمّا ابن أبي بكر ، فرجل إنْ رأى أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثلهم ، ليس له همّة إلا ّفي النّساء واللّهو.
    وأمّا الذي يجثم لك جثوم الأسد ويراوغك مراوغة الثعلب ، فاذا أمكنته فرصة وثب ، فذاك ابن الزبير؛ فإنْ هو فعلها بك ، فقطّعه إرباً إرب (2).
    [هلاك معاوية]
    [ثمّ مات معاوية لهلال رجب من سنة ستّين من الهجرة] (3).
    [فـ] خرج الضحّاك بن قيس [الفهري] (4) حتّى صعد المنبر ، وأكفان معاوية على يديه تلوح ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : إنّ معاوية كان عود العرب وحدّ العرب ، قطع الله به الفتنة وملّكه على العباد ، وفتح به البلاد ، ألاَ إنّه قد مات ؛ فهذه أكفانه فنحن مدرجوه فيها ومدخلوه قبره ، ومخلّون بينه وبين عمله ، ثمّ هو البرزخ إلى يوم القيامة ، فمن كان منكم يريد أنْ يشهده ، فليحضر عند [الزوال].
    _________________
    (1) لا يُخفى أنّه قال : فإنْ خرج عليك فظفرت به ـ أي : فإنْ خرج عليك ، فحاربه حتّى تظفر به ـ ، ولكن لا تقتله ؛ وبهذا يجمع له بين الحسنيين ، بين الظفر وعدم النقمة عليه. وممّا يدلّ على تمهيد معاوية لقتال الحسين (عليه السّلام) : كتابه المودع عند غلامه سرجون الرومي بولاية ابن زياد للعراق ، إنْ حدث حادث ، كما يأتي.
    (2) ورواه الخوارزمي / 175 بزيادات.
    (3) 5 / 324. قال هشام بن محمّد. وفي ص / 338 ، قال هشام بن محمّد عن أبي مِخْنف : ولي يزيد في هلال رجب سنة (60 هـ).
    (4) كان مع معاوية في صفّين فجعله على الرجّالة أو القلب من أهل دمشق ، ثمّ ولاّه على ما في سلطانه من أرض الجزيرة بـ (حرّان) فاجتمع إليه عثمانيّة البصرة والكوفة ، فبعث إليه علي (عليه السّلام) مالك الأشتر النَّخعي فحاربه (سنة 36 هـ) ، فجعله معاوية على شرطته بدمشق حتّى بعثه إلى الكوفة سنة

    وبعث البريد إلى يزيد بوجع معاوية (1) ، فقال يزيد في ذلك :
    جاء البريد بقرطاس يخبّ به
    فأوجس القلب من قرطاسه فزعا

    قلنا لك الويل ماذا في كتابكم
    كأنّ أغبر من أركانها انقطعا

    _________________
    (55 هـ) ، حينما أراد الدعوة إلى بيعة يزيد بولاية العهد ، ثمّ استدعاه منها سنة (58 هـ) 5 / 309 ، فولاّه الشرطة أيضاً ، فكان عنده على شرطته سنة (60 هـ) حينما وفد إليه وفد عبيد الله بن زياد من البصرة وأخذ عليهم البيعة لابنه يزيد المسعودي 2 / 328.
    ومن الطبيعي أنْ يكون باقياً على عمله عند دخول أسارى آل محمّد إلى الشام ، ولمّا هلك معاوية بن يزيد سنة (64 هـ) ، دعا الضحّاك النّاس إلى نفسه ، ثمّ إلى ابن الزبير حتّى قدم مروان الشام والتقى به عبيد الله بن زياد من العراق ، فأطمعه ابن زياد في الخلافة فدعا النّاس إلى نفسه فبايعه النّاس ، فتحصّن الضحّاك في دمشق ثمّ خرج لمحاربة مروان بـ (مرج راهط) على أميال من دمشق فاستطال القتال عشرين يوماً ، ثمّ هزم أصحابه وقُتل وأُتي إلى مروان برأسه في المحرّم سنة (64 أو 65 هـ) 5 / 535 ، 544.
    وكان أمير المؤمنين (عليه السّلام) يقنت عليه باللّعن في صلاته 5 / 71 ، ووقعة صفّين / 62.
    (1) هكذا تنقل رواية الطبري من الوصيّة الحاضرة إلى البريد إلى يزيد ، من دون ذكر لسفره ولا لموضع غيبته ؛ ولذلك روى الطبري بعد هذه الرواية رواية أخرى عن هشام عن عوانة بن الحكم (ت 157 هـ) :
    إنّ يزيد كان غائباً فدعى معاوية بالضحّاك بن قيس الفهري ، وكان صاحب شرطته ، ومسلم بن عقبة المريّ صاحب وقعة الحرّة بالمدينة فأوصى إليهم ، قال : بلّغا يزيد وصيّتي.
    وتختلف رواية هذه الوصيّة عن رواية أبي مِخْنف بعض الإختلاف في الألفاظ والمعاني ، فبينما رواية أبي مِخْنف تذكر أربعة رجال خاف منهم معاوية التخلّف عن بيعة يزيد ، منهم : عبد الرحمن بن أبي بكر ، إذ لا تذكره هذه الرواية ؛ وبينما تلك تأمر بالعفو والصفح عن الحسين (عليه السّلام) ، إذ هذه تذكر أنّه يرجو أنْ يكفيه الله بمَن قتل أباه وخذل أخاه ـ أي : الكوفيّين ـ ، وبينما تلك تأمر بقطع ابن الزبير إرباً إرباً ؛ إذ هذه توصي بالصلح وعدم الولوغ في دماء قريش. ويُؤيد هذه الرواية عدم ذكر ابن أبي بكر في كتاب يزيد إلى الوليد ، وأنّه توفى في (55 هـ) ، كما في أُسد الغابة ، كما سبق. وكذا يُؤيد هذه الرواية ما عهده معاوية لابن زياد من ولايته على العراق ، فيما أودعه عند سرجون الرومي ، كما يأتي.
    وأمّا موضع الغيبة : فقد روى الطبري 5 / 10 ، عن علي بن محمّد : أنّه كان بـ (حوّارين). وذكر الخوارزمي / 177 ، عن ابن الأعثم : إنّ يزيد كان قد خرج في نفس اليوم بعد الوصيّة إلى (حوران) للصيد ، وبذلك وفّق بين الوصيّة الحاضرة والغيبة عند الموت.


    من لا تزل نفسه توفى على شرف
    توشك مقاليد تلك النفس أن تقعا

    لمّا انتهينا وباب الدار منصفق
    وصوت رملة ريع القلب فانصدع (1)

    [كتاب يزيد إلى الوليد]
    ولّي يزيد في هلال رجب سنة ستّين ، وأمير المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان (2) ، وأمير مكّة عمرو بن سعيد بن العاص (3) ،
    _________________
    (1) 5 / 327. حدّثت عن هشام بن محمّد ، عن أبي مِخْنف قال : حدّثني عبد الملك بن نوفل بن مساحق بن عبد الله بن مخرمة ، قال : لمّا مات معاوية خرج ...
    (2) ولّي المدينة من قبل معاوية سنة (58 هـ) 5 / 309 ، فلمّا تهاون في أمر الإمام الحسين (عليه السّلام) ، عزله يزيد في رمضان ـ من نفس السّنة ـ وولّى عليها عمرو بن سعيد الأشدق 5 / 343 ، وأبوه الوليد بن عتبة من أنصار معاوية في صفّين. وكان عليّ (عليه السّلام) قد قتل جدّه ، وقعة صفّين / 417.
    وآخر عهدنا به في الطبري : أنّ الصحّاك بعد هلاك يزيد دعا إلى ابن الزبير فسبّه الوليد ، فحبسه الضحّاك 5 / 533.
    وذكر المحدّث القميّ في تتمّة المنتهى / 49 : أنّه صلّى على معاوية بن يزيد بن معاوية فطعن ، فمات.
    (3) ولاّه يزيد المدينة في رمضان سنة (60 هـ) ، ثمّ ولاّه أمر الموسم والحج ، فحجّ بالنّاس سنة (60 هـ) ، وهذا ممّا يُؤيّد ما يروى : إنّ يزيد أوصاه بالفتك بالحسين (ع) أينما وجد ، ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة.
    وبُويع له بولاية العهد بعد خالد بن معاوية بن يزيد من بعد مروان بن الحكم يوم البيعة له في (الجابية) من أرض (الجولان) بين دمشق والأردن ، يوم الأربعاء أو الخميس لثلاث أو أربع خلون من ذي القعدة سنة (64 هـ) بعد هلاك معاوية بن يزيد ، على أنْ تكون إمارة دمشق لعمرو بن سعيد من نفس ذلك اليوم.
    فلمّا خرج إليهم الضحّاك بن قيس الفهري من دمشق داعياً إلى نفسه أو ابن الزبير ، وعزم مروان على محاربته ، كان عمرو بن سعيد على ميمنته 5 / 527 ، ثمّ فتح لمروان مصر ، وحارب مصعب بن الزبير في فلسطين حتّى هزمه 5 / 540 ، فلمّا انصرف راجعاً إلى مروان بلغ مروان أنّ حسّان بن بجدل الكلبي خال يزيد بن معاوية وكبير بني كلاب ، وهو الذي دعا النّاس إلى مروان فبايعوه ، قد بايع لعمرو بن سعيده مباشرةً ، فدعا مروان بحسّان وأخبره بما بلغه عنه ، فأنكر وقال : أنا أكفيك عمرو. فلمّا اجتمع النّاس العشيّة قام خطيباً فدعا النّاس إلى بيعة عبد الملك بالعهد بعد مروان ، فبايعوه عن آخرهم.

    وأمير الكوفة (1)
    _________________
    وخرج عبد الملك بن مروان سنة (69 أو 70 أو 71 هـ) إلى زفر بن الحارث الكلبي يريد حربه ، أو إلى دير الجاثليق يريد حرب مصعب بن الزبير ، وخلّف على دمشق عبد الرحمن الثقفي ، فقال الأشدق لعبد الملك : إنك خارج إلى العراق فاجعل لي هذا الأمر من بعدك. فأبى عليه ، فرجع الأشدق إلى دمشق وهرب منها الثقفي. فرجع إليها عبد الملك وصالحه حتّى دخله ، ثمّ اغتاله في قصره فقتله بنفسه 6 / 140 ـ 148 ، وأبوه سعيد بن العاص هو الذي ولي الكوفة لعثمان فشرب الخمر ، فشكاه أهل الكوفة إلى عثمان فحدّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام).
    وفي مجمع الزوائد لابن حجر الهيثمي 5 / 240 ، وتطهير الجنان بهامش الصواعق المحرقة :
    عن أبي هريرة ، قال سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : «ليرعفنّ على منبري جبّار من جبابرة بني أميّة فيسيل رعافة». وقد رعف عمرو بن سعيد ، وهو على منبره (صلّى الله عليه وآله) حتّى سال رعافه.
    (1) كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بما فتح الله على المسلمين إلى جلولاء. فكتب إليه عمر : أنْ قف مكانك ولا تتبعهم واتّخذ للمسلمين دار هجرة ومنزل جهاد. فنزل سعد بالأنبار فأصابتهم الحمى ، فكتب إلى عمر يخبره ، فكتب إلى سعد : إنّه لا تصلح العرب إلاّ حيث يصلح البعير والشاة في منابت العشب ، فانظر فلاة في جنب البحر فارتد للمسلمين بها منزل ، فرجع سعد حتّى نزل الكوفة 3 / 579. والكوفة : كلّ سهلة وحصباء حمراء مختلطتين 3 / 619. وكلّ رملة حمراء ، يقال لها : سهلة ، وكلّ حصباء ورمل هكذا مختلطين ، فهو : كوفة 4 / 41. وفيها ديرات ثلاثة : دير حرقة ، ودير اُمّ عمرو ، ودير سلسلة 4 / 41 ، فابتنوا بالقصب في المحرّم سنة سبع عشرة ، ثمّ إنّ الحريق وقع بالكوفة وكان حريقاً شديداً فاحترق ثمانون عريشاً ولمْ يبقَ فيها قصبة في شوّال ، فبعث سعد نفراً إلى عمر يستأذنون في البناء باللبن ، فقال : إفعلوا ولا يزيدنّ أحدكم على ثلاثة أبيات ، ولا تطاولوا في البنيان. وكان على تنزيل أهل الكوفة أبو الهياج بن مالك ، فأرسل سعد إليه يخبره بكتاب عمر في الطرق وأنّه أمر بالمناهج : أربعين ذراع ، ومايليه : ثلاثين ذراع ، وما بين ذلك : عشرين ، وبالأزقّة : سبع أذرع ، ليس دون ذلك شيء. فاجتمع أهل الرأي للتقدير حتّى إذا قاموا على شيء قسّم أبو الهياج عليه ، فأوّل شيء خطّ بالكوفة وبني ، هو : المسجد ، فوضع من السوق في موضع التمّارين وأصحاب الصابون ، قام رجل رامٍ شديد الرمي في وسطه فرمى عن يمينه ومن بين يديه ومن خلفه ، فأمر من شاء أنْ يبني وراء موقع السّهام من كلّ جانب ، وبُنيت ظلّة في مقدمته مئتي ذراع على أساطين رخام كانت للأكاسرة ، سقفها كسقف الكنائس الروميّة ، وأعلموا أطرافه بخندق ؛ لئلاّ يقتحمه أحد ببنيان. وبنوا لسعد داراً بحياله بينهم طريق منقّب مئتي ذراع ، وجُعل فيها بيوت الأموال ، وهي قصر الكوفة ، بنى ذلك له (روزبه) من آجر بنيان الأكاسرة بالحيرة 4 / 44 ـ 45.

    النّعمان بن بشير الأنصاري (1) ، وأمير البصرة عبيد الله بن زياد (2).
    _________________
    وسكن سعد في القصر بحيال محراب المسجد ، وجعل فيه بيت المال فنُقب عليه نقباً وأُخذ المال ، فكتب سعد بذلك إلى عمر ونقل المسجد وأراغ بنيانه ، ثمّ أنشأه من نقض آجر قصر كان للأكاسرة في ضواحي الحيرة ، وجعل المسجد بحيال بيوت الأموال منه إلى منتهى القصر على القبلة ، فكانت قبلة المسجد إلى ميمنة القصر وكان بنيانه على رخام كانت لكسرى 4 / 46 ـ.
    ونهج في قبلة المسجد أربعة مناهج وفي شرقيّة وغربيّة ثلاثة مناهج ، وممّا يلي صحن المسجد والسوق خمسة مناهج ، فأُنزل في القبلة بني أسد على طريق وبين بني أسد والنخع طريق ، وبين النخع وكندة طريق ، وبين كندة والأزد طريق. وأُنزل في شرقي الصحن الأنصار ومزينة على طريق ، وتميماً ومحارباً على طريق ، وأسداً وعامراً على طريق. وأُنزل في غربي الحصن بجلة بجيلة على طريق ، وجديلة وأخلاطاً على طريق ، وسليماً وثقيفاً على طريقين ممّا يلي صحن المسجد ، وهمدان على طريق ، وبجيلة على طريق ، وتيم اللات وتغلب على آخرهم ، فهذه مناهجها العظمى. وبنوا مناهج دونها تحاذي هذه ثمّ تلاقيها ، وأخر تتبعها دونها في الذرع والمحال من ورائه. وكانت الأسواق على سنّة المساجد من سبق إلى مقعد ، فهو له حتّى يقوم منه أو يفرغ من بيعه 4 / 45 ـ 46 ، وكان بها أربعة آلاف فرس عدّة لكون إن كان 4 / 51.
    (1) الخزرجي ، عدّه الشيخ في رجاله / 30 : من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله). وعدّه الطبري 4 / 430 : فيمن تخلّف عن بيعة علي (عليه السّلام) بعد عثمان ولحق بمعاوية ، فكان معه في صفّين ، ثمّ بعثه معاوية ليغير على (عين تمر) فأغار عليه ، كما في الطبري 5 / 133 ، حوادث سنة (39 هـ) ، ثمّ ولاّه معاوية الكوفة سنة (58 هـ) ، فكان عليها حتّى هلك معاوية وقام بالأمر يزيد حتّى جاءها عبيد الله بن زياد أميراً عليها من قبل يزيد سنة (60 هـ) ، فخرج إلى يزيد فكان عنده حتّى قُتل الإمام الحسين (عليه السّلام) ، فذهب بأهله (عليه السّلام) بأمر يزيد إلى المدينة 5 / 462. ورجع إلى الشام فكان عند يزيد حتّى بعثه إلى الأنصار بالمدينة يخذّلهم عن عبدالله بن حنظلة ، ويحذّرهم من مخالفة يزيد فلمْ يسمعوا له / 481.
    (2) عبيد الله بن زياد ولد سنة (20 هـ) 5 / 297 ، حبسه بسر بن أرطاة في البصرة سنة (41 هـ) مع أخويه ، عبّاد وعبد الرحمن ، وكتب إلى زياد : لتقدمنّ على معاوية أو لأقتلنّ بنيك 5 / 168. وهلك أبوه زياد سنة (53 هـ) 5 / 288 ، فوفد ابنه عبيد الله على معاوية فولاه خراسان سنة (54 هـ) 5 / 297 ، ثمّ ولاّه البصرة سنة (55 هـ) فترك على خراسان أسلم بن زرعة الكلبي ورجع إلى البصرة 5 / 306. ولمّا كان على خراسان غزا جبال بخارى ففتح مدينتي : راميثنة وبيكند ، فأصاب منهما ألفين من رماة البخاريّة فاستألفهم وقدم بهم البصرة 5 / 298 ، وولّى عبّاد بن زياد على سجِستان ، وعبد الرحمن بن زياد خراسان مع أخيه عبيد الله 5 / 315 فكان عليها سنتين 5 / 316 ، ثمّ ولّى عبيد الله بن زياد على كرمان أيضاً فبعث إليها شريك بن الأعور الحارثي الهمداني 5 / 321.

    ولمْ يكن ليزيد همّة إلاّ بيعة النفر الذين أبوا على معاوية الإجابة إلى بيعة يزيد ـ حين دعا النّاس إلى بيعته وأنّه وليّ عهده من بعده ـ والفراغ من أمرهم.
    فكتب إلى الوليد : بسم الله الرحمن الرحيم ، من يزيد ، أمير المؤمنين إلى الوليد بن عُتبة ... أمّا بعد ، فانّ معاوية كان عبداً من عباد الله ، أكرمه الله واستخلفه ، وخوّله ومكّن له ، فعاش بقدر ومات بأجل فرحمه الله ، فقد عاش محموداً ، ومات برّاً تقياً ، والسّلام.
    وكتب إليه في صحيفة كأنّها أذن فارة : أمّا بعد ، فخذ حسين (ع) ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رخصة حتّى يبايعو ، والسّلام (1) و (2).
    _________________
    وعزل يزيد عبّاداً عن سجِستان ، وعبد الرحمن عن خراسان ، وولاّهما سلم بن زياد أخاهما. فبعث إلى سجِستان أخاه يزيد بن زياد 5 / 471 ، ثمّ ولاّه يزيد الكوفة أيضاً فذهب إليها سنة (60 هـ) وخلّف البصرة أخاه عثمان بن زياد 5 / 358 ، وقُتل الحسين (عليه السّلام) وله 40 سنة ، ثمّ رجع من الكوفة إلى البصرة سنة (61 هـ) فلمّا هلك يزيد ومعاوية ـ ابنه ـ ، بايعه أهل البصرة حتّى يصطلح النّاس على خليفة ، ثمّ خالفوه فلحق بالشام 5 / 503 ، ومعه أخوه عبد الله سنة (64 هـ) 5 / 513 ، فبايع مروان بن الحكم وحرّضه على حرب العراق ، فبعثه إليها 5 / 530 فحارب التوّابين سنة (65 هـ) ، فهزمهم 5 / 598 ، ثمّ حارب المختار سنة (66 هـ) 6 / 81 ، فقتل ومن معه من أهل الشام سنة (67 هـ) 6 / 87.
    (1) 5 / 338. قال هشام بن محمّد عن أبي مِخْنف ... : وهذا أوّل أخبار متعددة ، يعطف الطبري بعضها على بعض فيقول في أوّل كلّ خبر ، قال : والخبر موقوف على أبي مِخْنف.
    (2) هكذا اقتصرت رواية الطبري عن هشام عن أبي مِخْنف على ذكر الشدّة فحسب ، دون ذكر القتل ، وهكذا رواية سبط ابن الجوزي عن هشام أيضاً / 235 ، وكذلك رواية الشيخ المفيد في الإرشاد ص / 200 ، عن هشام أو المدائني ، بينما يذكر اليعقوبي في تاريخه 2 / 229 ، نصّ الكتاب هكذا : إذا أتاك كتابي هذا فأحضر الحسين بن علي (ع) ، وعبد الله بن الزبير ، فخذهما بالبيعة ، فإنْ امتنعا فاضرب أعناقهم وابعث إليّ برؤوسه ، وخذ النّاس بالبيعة فمن امتنع فأنفذ فيه الحكم ؛ وفي الحسين بن علي (ع) ، وعبد الله بن الزبير. والسّلام. والخوارزمي في مقتله ص / 180 ، يذكر الكتاب عن ابن الأعثم ، كما بذكره الطبري عن هشام ويضيف : ... ومن أبي عليك منهم ، فاضرب عنقه وابعث إليّ برأسه. وكان

    فلمّا أتاه نعي معاوية (1) ، فَضَع به وكبّر عليه فبعث إلى مروان بن الحكم (2).
    _________________
    وصول الكتاب إلى الوليد ليلة الجمعة السّادس والعشرين من شهر رجب ، كما يستفاد من تاريخ خروج إلاّمام (عليه السّلام) من المدينة ، فيما يأتي.
    (1) لمْ يصرّح المؤرخون متى كتب يزيد هذا الكتاب؟ ومتى سرّح به إلى المدينة؟ ليُدرى كمْ استغرق مدّة المسافة بين المدينة والشام ، ولنا أنْ نستظهره ممّا ذكره الطبري 5 / 482 عن هشام ، عن أبي مِخْنف : أنْ عبد الملك بن مروان قال لمن أرسله بكتاب بني اُميّة ، حين حصارهم في المدينة قبل واقعة الحرّة ، إلى يزيد بالشام : وقد أجلّتك اثني عشرة ليلة ذاهباً واثني عشرة ليلة مقبلاً ؛ فوافني لأربع وعشرين ليلة في هذا المكان. ثمّ يقول الرسول بعد هذا : فأقبلت حتّى وافيت عبد الملك بن مروان في تلك السّاعة أو بعدها شيئاً.
    ويّؤيّد هذا أيضاً ما نقله الطبري 5 / 498 ، عن الواقدي (207 هـ) ، أنّ نعي يزيد وصل إلى المدينة لهلال ربيع الآخر ، وقد مات يزيد لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأوّل سنة (64 هـ) ، كما في نفس الصفحة ؛ فيكون نعي يزيد قد وصل إليهم بعد 16 يوم.
    (2) كان قد طرده رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من المدينة مع أبيه الحكم بن العاص بن اُميّة ، حيث كان من المستهزئين به (صلّى الله عليه وآله) ، ففرّبه عثمان بن عفان. وتزوّج ابنته نائلة ، ووهبه أموال مصالحة أفريقيا وهي ثلثمئة قنطار ذهب (4 / 256) فاشترى بها (نهر مروان) ، وهي أجمّة بالعراق 4 / 280 وكان قد أعطى مروان خمسة عشر ألفاً أيضاً 4 / 345. وقد صار عثمان سيقة لمروان يسوّقه حيث شاء ، كما قال علي (عليه السّلام) 4 / 364 ، وقاتل عن عثمان فضُرب بالسّيف على علبته وسقط ، فأرادوا قتله فوثبت عليه مرضعته وهي عجوز ، فقالت : إنْ كنت إنّما تريد قتل الرجل فقد قُتل ، وإنْ كنت تريد أنْ تلعب بلحمه فهذا قبيح ، فكفّوا عنه 4 / 394. واشترك في حرب الجمل فكان يؤذّن لصلاتهما 4 / 454 ، ورمى طلحة يوم الجمل رمية قتلته 4 / 509 ، وجرح يوم الجمل 4 / 530 ، ففرّ واستجار بمالك بن مسمع الغزاري فأجاره 4 / 536 ، فلمّا رجع لحق بمعاوية 4 / 541 ، فولاّه معاوية المدينة بعد عام الجماعة 5 / 231. وعزله عن المدينة سنة (49 هـ) 5 / 232 ، ثمّ أعاده عليها سنة (54 هـ) 5 / 293. وعلى عهده حجّ معاوية فاستوسق لابنه يزيد سنة (56 هـ) 5 / 304 ، ولكنّه صرفه عنها سنة (57 أو 58) وأمرّ عليها الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ؛ ولذلك كان يكرهه مروان 5 / 309.
    وكان في دمشق حين وصول السّبايا والرؤوس 5 / 465 ، وكان في المدينة حين وقعة الحرّة سنة

    فدعاه إليه (1).
    [استشارة مروان]
    فلما قرأ عليه كتاب يزيد استرجع وترحّم عليه ، واستشاره الوليد في الأمر ، وقال : كيف ترى أنْ نصنع؟ قال : فإنّي أرى أنْ تبعث السّاعة إلى هؤلاء النفر فتدعوهم إلى البيعة والدخول في الطاعة ، فإنْ فعلوا قبلت منهم وكففت عنهم ، وإن أبوا قدّمتهم وضربت أعناقهم قبل أنْ يعلموا بموت معاوية ؛ فإنّهم إنْ علموا بموت معاوية وثب كلّ امرئ منهم في جانب وأظهر الخلاف والمنابذة ، ودعا النّاس إلى نفسه (2).
    [رسول البيعة]
    فأرسل [الوليد] عبد الله بن عمرو بن عثمان ـ وهو إذ ذاك غلام حدث (3) ـ إليهما يدعوهم فوجدهما في المسجد ، وهما جالسان فأتاهما في ساعة لمْ
    _________________
    (62 هـ) ، وكان هو الذي استغاث بيزيد فأغاثه بمسلم بن عقبة المرّي 5 / 482 ، فلمّا بلغ أهل المدينة إقبال مسلم بن عقبة حاصروا بني أميّة ، وهم ألف رجل في دار مروان ، ثمّ أخرجوهم من المدينة فترك أهله عند علي بن الحسين (عليه السّلام) (بينبع) فقبل إعالتهم وحمايتهم. وكان (عليه السّلام) قد اعتزل المدينة إليها كراهيّة أنْ يشهد شيئاً من أمورهم 5 / 485 ، ثمّ ولى المدينة عبيدة بن الزبير لأخيه عبد الله بن الزبير سنة (64 هـ) فأخرج منها بني أمية إلى الشام ، فبويع لمروان بها بالخلافة سنة (64 هـ) 5 / 530 ، ومات في رمضان سنة (65 هـ).
    (1) وتمام الخبر : وكان الوليد يوم قدم المدينة قدمها مروان متكارهاً ، فلمّا رأى ذلك الوليد منه شتمه عند جلسائه ، فبلغ ذلك مروان فجلس عنه وصرمه [أي : قاطعه] ، فلمْ يزل كذلك حتّى جاء نعي معاوية إلى الوليد ، فلمّا عظم على الوليد هلاك معاوية وما أمر به من أخذ هؤلاء الرهط بالبيعة ، فزع عند ذلك إلى مروان ودعاه 5 / 325.
    (2) 5 / 339. قال هشام بن محمّد عن أبي مِخْنف ... ، ورواه الخوارزمي / 181.
    (3) كان حيّاً إلى سنة (91 هـ) ، حيث كان فيمَن استقبل الوليد بن عبد الملك بالمدينة من رجال

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    وقعة الطف لابو مخنف Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة الطف لابو مخنف   وقعة الطف لابو مخنف Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 4:20 pm

    يكن الوليد يجلس فيها للنّاس ولا يأتيانه في مثله (1) ، فقال : أجيبا الأمير
    _________________
    قريش 6 / 465 ، ويلقّب بـ (المطرف). مات سنة (96 هـ) ، القمقام / 270.
    وعمرو ، أبوه : ابن عثمان بن عفّان الخليفة ، واُمّه : اُمّ عمرو ، بنت جندب الأزدي 4 / 420.
    وقال في 5 / 494 : اُمّه من دوس. واتهمه مسلم بن عقبة في وقعة الحرّة : أنّه لمْ يكن فيها مخلصاً لبني اُميّة ، فلمّا أتى به شتمه وأمر به فنُتفت لحيته 5 / 494.
    (1) هكذا يقتصر خبر أبي مِخْنف هنا على وصف هذه السّاعة ، بأنّه لمْ يكن الوليد يجلس فيها للنّاس من دون تعيين لها ، متى كانت؟ أمن ليل أمْ من نهار؟
    إلاّ أنّ نفس هذا الخبر يشتمل على قرائن تعيننا على تعيين تلك السّاعة ، بأنّها كانت ساعة مبكرة من صباح يوم الجمعة لأربع بقين من رجب :
    أ ـ إنّ نصّ الخبر هكذا : فأرسل ... إليهما يدعوهم ، فأتاهما فوجدهما ، فقال : أجيب الأمير يدعوكم. فقالا له انصرف ، الآن نأتيه. فالدعوة كانت لهما في ساعة واحدة ... ، وفي آخر الخبر عن ابن الزبير ، أنّه قال : (الآن آتيكم. ثمّ أتى داره فكمن فيه ، فبعث الوليد إليه مرّة ثانية فوجده مجتمعاً متحرّزاً في أصحابه ، فألحّ عليه بكثرة الرسل والرجال في إثر الرجال [مرّةًٍ ثالثةً ورابعةً على الأقل] فقال : لا تعجلوني أمهلوني ، فانّي آتيكم. فبعث الوليد إليه [مرّةً خامسةً] موالي له فشتموه وصاحوا به : يابن الكاهليّة! والله ، لتأتينّ الأمير أو ليقتلنّك. فلبث نهاره كلّه وأوّل ليله ، [وهو] يقول الآن أجيء ، [فلمّا] إستحثوه ، قال : والله ، لقد استربت بكثرة الإرسال وتتابع هذه الرجال ، فلا تعجلوني حتّى أبعث إلى الأمير مَن يأتيني برأيه وأمره. فبعث إليه أخاه جعفر بن الزبير ، فقال : رحمك الله! كفّ عن عبد الله ؛ فإنّك قد أفزعته وذعرته بكثرة رسلك ، وهو آتيك غداً إن شاء الله ، فمر رسلك فلينصرفوا عنّا. فبعث إليهم فانصرفوا [عند المساء]. وخرج ابن الزبير من تحت اللّيل.
    فالظاهر أنّ هذه الأمور كلّها كانت في النّهار ، بل صريح النّص : فلبث بذلك نهاره وأوّل ليله. وحيث كانت الدعوة له وللإمام (عليه السّلام) معاً ؛ يظهر أنّ دعوة الإمام (عليه السّلام) أيضاً كانت في أوّل النّهار.
    ب ـ يشتمل الخبر على عبارة : فألحّوا عليهما عشيّتهما تلك ، وأوّل ليلهما. وهذه العبارة قد توهم للبعض أنّ الدعوة كانت في العشيّة ـ أي : العصر ـ ولكنّه وهمٌ ، إذ العبارة : فألحّوا عليهما ، والإلحاح هو الإلحاف والإصرار والتكرار في الدعوة والطلب ، فلابدّ أنْ يكون مسبوقاً بدعوة سابقة قبل العشيّ ـ العصر ـ فالعبارة بنفسها تدلّنا على أنّ الدعوة كانت في النّهار لا في اللّيل.
    ج ـ يروي أبو مِخْنف عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق بن مخرمة ، عن أبي سعيد المقبري ، قال : نظرت إلى الحسين (عليه السّلام) داخلاً مسجد المدينة ... فما مكث إلاّ يومين حتّى بلغني أنّه سار إلى مكّة

    يدعوكما. فقالا له : انصرف ، الآن نأتيه (1).
    ثمّ أقبل أحدهما على الآخر ، فقال عبد الله بن الزبير للحسين (عليه السّلام) : وظنّ فيما تراه بعث إلينا في هذه السّاعة التي لمْ يكن يجلس فيه!
    فقال الحسين (عليه السّلام) : «قد ظننت [أنّ (2)] طاغيتهم قد هلك ، فبعث
    _________________
    5 / 342.
    وهذا يؤيد خبره الآخر ، إذ أنّه يفيد أنّ ابن الزبير كمن في داره وتحرّز في أصحابه ، فلبث بذلك نهاره وأوّل ليله وخرج تحت اللّيل ، فلمّا أصبح الوليد بعث إليه فوجده قد خرج ، فبعث ثمانين راكباً خلفه فلمْ يقدروا عليه فرجعوا فتشاغلوا [بهذ] يومهم [هذا الثاني] حتّى أمسوا ، فبعث إلى الحسين (عليه السّلام) عند المساء ، فقال : أصبحوا ثمّ ترون ونرى. فكفّوا عنه تلك اللّيلة ولمْ يلحّوا عليه فخرج من تحت ليلته ، وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب 5 / 341.
    فالنتيجة : أنّ ابن الزبير بقي بالمدينة بعد بدء الدعوة يوماً واحداً وفي اللّيل خرج ، والإمام (عليه السّلام) بقي بها بعد الدعوة يومين وفي اللّيلة الثانية خرج.
    وحيث كانت ليلة خروجه (عليه السّلام) ليلة الأحد ، يكون يوم مكثه يوم الجمعة وليلة السّبت ويوم السّبت ، وتكون الدعوة مبدؤاً بها في ساعة مبكرة من صباح يوم الجمعة ، وحينئذٍ فيصحّ وصفها بأنّها : ساعة لمْ يكن الوليد يجلس فيها للنّاس ، ويكون اجتماع ابن الزبير بالإمام (عليه السّلام) في مسجد رسول الله (ص) صباح يوم الجمعة ، ولعلّه كان بعد صلاة الصبح ، وكان دخوله (عليه السّلام) إلى مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ـ الذي يرويه أبو مِخْنف عن المقبري ـ مع رجلين يُعتمد عليهما ، بعد رجوعه من دار الوليد مع رجلين من رجاله الذين كان قد ذهب بهم إلى دار الوليد.
    فالنتيجة : أنّ الدعوة كانت في ساعة مبكرة من صباح يوم الجمعة لأربع بقين من رجب ، لمْ يكن يجلس فيها الوليد للنّاس ؛ لأنّها يوم الجمعة ، ولمْ تكن الجمعة يوم عمله.
    (1) 5 / 339. قال هشام بن محمّد عن أبي مِخْنف ... ورواه السّبط بنصّه / 203 ، والخوارزمي / 181.
    بمعناه ، ولا يُدرى لماذا الضمير مثنى والرسالة إلى ثلاثة؟ والذي يظهر من نهاية الرواية أنّهم الحسين (عليه السّلام) وعبد الله بن الزبير فقط ، ولا ذكر لعبد الرحمن بن أبي بكر ، ولا لعبد الله بن عمر ، فلعلّ عدم ذكر الأوّل كان لوفاته قبل هذا ـ كما سبق ـ ، والثاني لغيبته عن المدينة ، كما رواه الطبري عن الواقدي ـ 5 / 343 ـ.
    والرسول في رواية الخوارزمي ـ عن ابن الأعثم ـ / 181 ، وكذلك السّبط / 235 : عمرو بن عثمان. وفي تاريخ ابن عساكر ـ 4 / 327 ـ أنّه : هو عبد الرحمن بن عمرو بن عثمان بن عفّان.
    (2) النصّ : «قد ظننت أرى طاغيتهم». والمرجّح ما ذكرناه.

    إلينا ؛ ليأخذنا بالبيعة قبل أنْ يفشوَ في النّاس الخبر».
    فقال [ابن الزبير] : وما أظنّ غيره ، فما تريد أنْ تصنع؟
    قال [الحسين (عليه السّلام)] : «أجمع فتياني السّاعة ، ثمّ امشي إليه ، فإذا بلغت الباب احتبستهم عليه ، ثمّ دخلت عليه».
    قال [ابن الزبير] : فإنّي أخافه عليك إذا دخلت.
    قال [الحسين (عليه السّلام)] : «لا آتيه إلاّ وأنا على الامتناع قادر».
    فقام فجمع إليه مواليه وأهل بيته ، ثمّ أقبل يمشي حتّى انتهى إلى باب الوليد ، وقال (ع) لأصحابه : «إنّي داخل ، فإنْ دعوتكم أو سمعتم صوته قد علا ، فاقتحموا عليّ بأجمعكم ، وإلاّ فلا تبرحوا حتّى أخرج إليكم» (1).
    [الحسين (عليه السّلام) عند الوليد]
    فدخل عليه فسلّم بالإمرة ، ومروان جالس عنده [وكان مروان قد جلس عن الوليد وصرمه من قبل ـ كما سبق].
    فقال الحسين [عليه السّلام] ـ كأنّه لا يظنّ ما يظنّ من موت معاوية ـ : «الصلة خير من القطيعة ، أصلح الله ذات بينكم». فلمْ يُجيباه في هذا بشيء.
    وجاء حتّى جلس ، فأقرأه الوليد الكتاب ونعى له معاوية ودعاه إلى البيعة. فقال الحسين [عليه السّلام] : «إنّا لله وإنّا إليه راجعون ... ، أمّا ما سألتني من البيعة ، فانّ مثلي لا يُعطي بيعته سراً ، ولا أراك تجتزئ بها منّي سرّاً دون أنْ تُظهرها على رؤوس النّاس علانية». قال : أجل. قال (ع) «فإذا خرجت إلى النّاس فدعوتهم إلى البيعة ، دعوتنا مع النّاس فكان أمراً واحداً» (2).
    _________________
    (1) ورواه المفيد ـ باختصار ـ / 200 ، والسّبط / 236 ، والخوارزمي / 183.
    (2) ورواه الخوارزمي / 183 ، بلفظ آخر.

    وكان [الوليد] يحبّ العافية [من أمر الحسين (ع)] ، فقال له : فانصرف على اسم الله حتّى تأتينا مع جماعة النّاس.
    فقال له مروان : والله ، لئن فارقك السّاعة ولمْ يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتّى تكثر القتلى بينكم وبينه ، احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتّى يبايع ، أو تضرب عنقه (1).
    فوثب عند ذلك الحسين [عليه السّلام] ، فقال : «يابن الزرقاء (2) ، أنت تقتلني أمْ هو؟! كذبت والله ، وأثمت» (3) ، ثمّ خرج فمرّ بأصحابه فخرجوا معه حتّى أتى منزله (4).
    _________________
    (1) ورواه الخوارزمي / 184.
    (2) هي : الورقاء بنت موهب ، كانت من المومسات من ذوات الرايات كما في الكامل ـ 4 / 75 ـ ، فليس هذا من الإمام قذفاً ، والنبز باللقب السّوء هنا كما في القرآن الكريم في شأن الوليد بن المغيرة المخزومي : (عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ) ـ سورة القلم / 13 ـ. والزنيم في اللغة : الدعيّ في النّسب ، اللصيق به.
    (3) ورواه الخوارزمي / 184 ، وأضاف : «إنّا أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ومهبط الرحمة ، بنا فتح الله وبنا يختم ، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر ، قاتل النفس معلن بالفسق ، فمثلي لا يبايع مثله ، ولكن نصبح وتصبحون ، وننظر وتنظرون أيّنا أحق بالخلافة والبيعة؟». وسُمع من بالباب صوت الحسين (عليه السّلام) وقد علا ، فهمّوا أن يقتحموا عليهم بالسّيوف ، ولكن خرج إليهم الحسين (عليه السّلام) فأمرهم بإلانصرف إلى منازلهم.
    ورواه السيّد ابن طاووس (ت 693 هـ) في الملهوف ، وابن نما (ت 645 هـ) في مثير إلاّحزان.
    (4) 5 / 339. قال هشام بن محمّد عن أبي مِخْنف ... ورواه. الخوارزمي / 184. وتمام الخبر ، فقال مروان للوليد : عصيتني ، لا والله ، لا يمكنك من مثلها من نفسه أبداً. ورواه الخوارزمي / 184.
    قال الوليد ويح غيرك يا مروان! إنّك اخترت لي التي فيها هلاك ديني ، والله ، ما أحبّ أنّ لي طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا ، وإنّي قتلت حسيناً (عليه السّلام). ورواه السّبط / 226 ـ باختصار ـ : سبحان الله! أقتل حسيناً أنْ قال : لا أبايع؟ والله ، إنّي لأظنّ امرءاً يحاسب بدم الحسين (عليه السّلام) خفيف الميزان عند الله يوم القيامة ، ورواه المفيد / 201.
    فقال له مروان : فإذا كان هذا رأيك ، فقد أصبت فيما صنعت ، يقول هذا وهو غير حامد له على رأيه.

    [الحسين (عليه السّلام) في مسجد المدينة]
    وتشاغلوا عن الحسين [عليه السّلام] بطلب عبد الله بطلب عبد الله [ابن الزبير اليوم الأوّل
    _________________
    [موقف ابن الزبير] :
    وأمّا ابن الزبير ، فقال : الآن آتيكم. ثمّ أتى داره فكمن فيها ، فبعث الوليد إليه فوجده مجتمعاً في أصحابه متحرّز ، فألحّ عليه بكثرة الرسل والرجال في إثر الرجال ... ، فقال : لا تعجلوني فإنّي آتيكم ، أمهلوني. فلبث بذلك نهاره كلّه وأوّل ليله [وهو] يقول : الآن أجيء [حتّى] بعث الوليد إلى ابن الزبير موالي له فشتموه وصاحوا به : يابن الكاهليّة ، والله ، لتأتينّ الأمير أو ليقتلنّك. فألحّوا عليـ [ـه و] استحثّوه [فـ] قال : والله ، لقد استربت بكثرة الإرسال وتتابع هذه الرجال ، فلا تعجلوني حتّى أبعث إلى الأمير مَن ياتيني برأيه وأمره.
    فبعث إليه أخاه جعفر بن الزبير ، فقال [له] : رحمك الله! كفّ عن عبد الله ؛ فإنّك قد أفزعته وذعرته بكثرة رسلك ، وهو آتيك غداً إن شاء الله ، فمر رسلك فلينصرفوا عنّا. فبعث إليهم [الوليد] فانصرفوا.
    وخرج ابن الزبير من تحت اللّيل ليلة السّبت [لثلاث بقين من شهر رجب] قبل [خروج] الحسين [عليه السّلام] بليلة فأخذ طريق الفرع ، هو وأخوه جعفر ليس معهما ثالث ، وتجنّب الطريق الأعظم مخافة الطلب ، وتوجّه نحو مكّة ـ ورواه السّبط ، ص / 236 ـ.
    فلمّا أصبح [الوليد] بعث إليه فوجده قد خرج ، فقال له : مروان والله ، إنْ [خطا إلاّ إلى مكّة] ، فسرّح في أثره الرجال. فبعث الوليد راكباً من موالي بني اُميّة في (ثمانين راكباً) فطلبوه ، فلمْ يقدروا عليه فرجعوا.
    وبينا عبد الله ابن الزبير يساير أخاه جعفر ، إذ تمثّل جعفر بقول صبرة الحنظلي :
    وكل بني اُمّ سيمسون ليلة
    ولم يبقَ من أعقابهم غير واحد

    فقال عبد الله : سبحان الله! ما أردت [بـ] ـما أسمع ، يا أخي؟ قال : والله ، يا أخي ما أردت به شيئاً ممّا تكره. فقال [عبد الله] : فذاك والله ، أكره إليّ أنْ يكون جاء على لسانك من غير تعمّد ـ وكأنّه تطيّر منه ـ.
    ومضى ابن الزبير حتّى أتى مكّة ، وعليها عمرو بن سعيد ، فلمّا دخل مكّة قال : إنّما أنا عائذ. ولمْ يكن يصلّي بصلاتهم ولا يفيض بإفاضتهم ، كان يقف هو وأصحابه ناحية ، ثمّ يفيض بهم وحده ويصلّي بهم وحده. ـ 5 / 343 ـ قال هشام بن محمّد بن أبي مِخْنف ، ورواه المفيد / 201 ، وكذلك السّبط / 236 ، ويقول : وخرج الحسين (عليه السّلام) في اللّيلة الآتية بأهله وفتيانه ، وقد اشتغلوا عنه بابن الزبير. ويرويه / 245 ، عن هشام ومحمّد بن إسحاق : يوم الأحد لليلتين بقيتا من رجب. وقال الخوارزمي / 189 : لثلاث مضين من شهر شعبان.

    ثمّ صبيحة خروجه] حتّى أمسوا.
    ثمّ بعث [الوليد] الرجال إلى الحسين [عليه السّلام] عند المساء [من هذا اليوم الثاني السّبت ال ثمن والعشرين من شهر رجب] ، فقال أصبحوا ثمّ ترون ونرى ، فكفّوا عنه اللّيلة [الثانية ، أي : ليلة الأحد التاسع والعشرين من شهر رجب] ولمْ يلحّوا عليه (1).
    [ففي أوّل يوم من هذين اليومين خرج الحسين (عليه السّلام) إلى مسجد المدينة معتمداً على رجلين كما] عن أبي سعيد المقبري ، قال : نظرت إلى الحسين [عليه السّلام] داخلاً مسجد المدينة ، وإنّه ليمشي وهو معتمد على رجلين ، يعتمد على هذا مرّة وعلى هذا مرّة ، وهو يتمثل بقول [يزيد] ابن المفرّغ [الحميريّ] :
    لا ذعرت السّوام في فلق الصبح
    مُغيراً ، ولا دعيت يزيدا

    يوم أعطى من المهابة ضيماً
    والمنايا يرصدنني أن أحيد (2)

    قال ، فقلت في نفسي : والله ، ما تمثّل بهذين البيتين إلاّ لشيء يريده.
    فما مكث إلاّ يومين حتّى بلغني أنّه سار إلى مكّة (3).
    [موقف محمّد بن الحنفيّة] (4)
    [وأمّا محمّد بن الحنفيّة فإنّه لمّا سمع بالأمر جاء إلى أخيه الحسين
    _________________
    (1) 5 / 338 ، 341. قال هشام بن محمّد عن أبي مِخْنف ، والمفيد / 201.
    (2) أي : لا كنت حيّاً ـ أدعى باسمي وأحرك السّوائم بعزمي ـ إذا كنت أعطى من المهابة ذلّة وصغاراً ، وأنا أستطيع أنْ ألقى منيّتي دون الذلّة. ورواها الخوارزمي إلى هنا / 186.
    (3) 5 / 342. قال أبو مِخْنف : وحدّثني عبد الملك بن نوفل بن مساحق ، عن أبي سعيد المقبري. ـ وقد سبقت ترجمته في المقدّمة ـ ورواه السّبط / 237 ، بلفظ آخر.
    (4) اُمّه خولة بنت جعفر بن قيس من بني بكر بن وائل 5 / 154 ، وكان مع أبيه علي (عليه السّلام) يوم الجمل فأعطى بيده اللّواء 5 / 445 ، وقاتل فقطع يد رجل من الأزد كان يحثّهم على القتال دون الجمل 4 / 512 ، واشترك في صفّين فبارزه عبيد الله بن عمر ، فمنعه علي (عليه السّلام) عنه إشفاقاً عليه أنْ

    (عليه السّلام و] قال له : يا أخي ، أنت أحبّ النّاس إليّ وأعزّهم عليّ ، ولست أدّخر النّصيحة لأحد من الخلق أحقّ بها منك ؛ تنحّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت ، ثمّ ابعث رسلك إلى النّاس فادعهم إلى نفسك ، فإنْ بايعوك حمدت الله على ذلك ، وإنْ أجمع النّاس على غيرك لمْ ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ، ولا يذّب به مرؤتك ولا فضلك ، إنّي أخاف أنْ تدخل مصراً من هذه الأمصار وتأتي جماعة من النّاس فيختلفون فيما بينهم ؛ فطائفة معك وأخرى عليك ، فيقتتلون فتكون لأوّل السّنة [غرضاً] ؛ فاذن خير هذه الاُمّة كلّها نفساً وأباً واُمّاً أضيعها دماً وأذلّها أهلاً.
    فقال له الحسين [عليه السّلام] «فإنّي ذاهب يا أخي».
    فقال [محمّد بن الحنفيّة] فانزل مكّة ؛ فإنّ طمأنّت بك الدار فسبيل ذلك ، وإنْ نبتْ بك لحقت بالرّمال وشعف (1) الجبال ، وخرجت من بلد إلى
    _________________
    يُقتل 5 / 13. وكان يوم خروج الحسين (عليه السّلام) من مكّة إلى العراق مقيماً بالمدينة 5 / 394 ، وادّعى المختار أنّه قد أتى أهل الكوفة من قبله 5 / 561 ، فأُخبر بذلك ابن الحنفيّة وسُئل عنه ، فقال : لوددت أنّ الله انتصر لنا من عدونا بمَن شاء من خلقه. فبلغ ذلك المختار فلقّبه بالإمام المهدي 6 / 14. وأخرج المختار كتاباً لإبراهيم بن مالك الأشتر يدعوه إلى اتّباعه منسوباً ، إلى ابن الحنفيّة 6 / 46 ، فذكر ذلك عند ابن الحنفيّة ، فقال : يزعم أنّه لنا شيعة ، وقتلة الحسين (ع) جلساؤه على الكراسي يحدّثونه! فقتل المختار عمر بن سعد وابنه وبعث برأسيهما إلى ابن الحنفيّة 6 / 62 ، وحاول أنْ يبعث إلى ابن الحنفيّة جنداً يقابل بها ابن الزبير ، فرفض ذلك ابن الحنفيّة ونهاه عن سفك الدماء 6 / 74 ، فبلغ ذلك ابن الزبير فحبس ابن الحنفيّة وسبعة عشر رجلاً من أهل بيته ، ومن رجال أهل الكوفة معه في زمزم حتّى يُبايعوا أو يُحرقوا بالنار! ، فوجّه ابن الحنفيّة ثلاثة نفر من أهل الكوفة إلى المختار يستنجده ، فبعث المختار أربعة الآف رجل ومعهم مال كثير ، فدخلوا مكّة والمسجد الحرام حتّى أخرجوهم من حبسهم ، واستأذنوا محمّد بن الحنفيّة في قتال ابن الزبير ، فلم يأذن لهم وفرّق فيهم الأموال 6 / 67. وكان ينهى الشيعة من الغلو 6 / 103 ، وكانت له راية مستقلّة في الحجّ سنة (68 هـ) ، وكان يقول : إنّي رجل أدفع عن نفسي من ابن الزبير ، وما يروم منّي ، وما أطلب هذا الأمر أنْ يختلف عليّ فيه اثنان 6 / 138. وكان حيّاً إلى سنة الجحاف (81 هـ) وله إذ ذاك 65 سنة 5 / 152 ، وتوفى بالطائف فصلّى عليه ابن عبّاس 5 / 154.
    (1) رؤوس الجبال ، ولا يصحّ : شعب الجبال. انظر : مجمع البحرين.

    بلد حتّى تنظر إلى ما يصير النّاس ، وتعرف عند ذلك الرأي ؛ فانّك أصوب ما تكون رأياً وأحزمه عملاً [حين] تستقبل الأمور استقبال ، ولا تكون الأمور عليك أبداً أشكل منها حين تستدبرها استدبار.
    فقال [له الحسين (عليه السّلام)] «يا أخي ، قد نصحت فأشفقت ، فأرجو أنْ يكون رأيك سديداً موفّقاً» (1).
    [خروج الحسين (عليه السّلام) من المدينة]
    [وقد كان الحسين (عليه السّلام) قال للوليد] : «كفّ حتّى تنظر وننظر ، وترى ونرى». فتشاغلوا عن الحسين (عليه السّلام) بطلب عبد الله [بن الزبير اليوم الأوّل ، ثمّ يوم خروجه] حتّى أمسوا. [فلمّا أمسوا] بعث [الوليد] الرجال إلى الحسين (عليه السّلام) عند المساء [من هذا اليوم الثاني السّبت ، السّابع والعشرين من شهر رجب] فقال (عليه السّلام) : «أصبحوا ثمّ ترون ونرى». فكفّوا عنه تلك اللّيلة [الثانية ، أي : ليلة الأحد الثامن والعشرين من شهر رجب] ولمْ يلحّوا عليه.
    فخرج الحسين (عليه السّلام) من تحت ليلته هذه [الثانية] ، وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب سنة ستّين [من الهجرة] ببنيه وإخوته وبني أخيه وجُلّ أهل بيته ، إلاّ محمّد بن الحنفيّة (2) ، وهو يتلو هذه الآية : (فَخَرَجَ مِنْهَا
    _________________
    (1) 5 / 341. قال هشام بن محمّد : عن أبي مِخْنف ... ورواه المفيد / 202 ، والخوارزمي / 188 ، بزيادات.
    وأضاف الخوارزمي ، عن ابن الأعثم وصيّة الإمام (عليه السّلام) لابن الحنفيّة : «أمّا بعد ، فإنّي لمْ أخرج ...». وزاد : (وسيرة الخلفاء الراشدين)!
    (2) 5 / 340 ، 341. وتاريخ الخروج في ص / 381 ـ أيضاً ـ : عن أبي مِخْنف عن الصقعب بن زهير ، عن عون بن أبي جحيفة. والمفيد / 209 ، والسّبط / 236 ، يقولا : وخرج الحسين (عليه السّلام) في اللّيلة الآتية بأهله وفتيانه ، وقد اشتغلوا عنه بابن الزبير. ويرويه أيضاً [السبط] / 245 ، عن محمّد بن إسحاق وهشام : يوم الأحد لليلتين بقيتا من رجب. وقال الخوارزمي / 189 : لثلاث مضين من شهر شعبان.

    خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (1). فلمّا دخل مكّة تلا هذه الآية : (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيل) (2) و (3).
    _________________
    (1) سورة القصص / 21.
    (2) سورة القصص / 22.
    (3) 5 / 343. قال هشام بن محمّد عن أبي مِخْنف ...
    موقف عبد الله بن عمر :
    (1) ثمّ بعث الوليد إلى عبد الله بن عمر ، فقال [له] : بايع ليزيد. فقال : إذا بايع النّاس بايعت (2). فقال [له] : رجل ما يمنعك أنْ تبايع ، إنذما تريد أنْ يختلف النّاس بينهم فيقتتلوا ويتفانوا ، فإذا جهدهم ذلك ، قالوا : عليكم بعبد الله بن عمر ، لمْ يبقَ غيره بايعوه. [فـ] ـقال عبد الله : ما أحببت أنْ يقتتلوا ولا يختلفوا ولا يتفانوا ، ولكن إذا بايع النّاس ولمْ يبقَ غيري بايعت. فتركوه ، وكانوا لا يتخوّفونه.
    _________________
    (1) 5 342. بلفظ ، قال هشام بن محمّد عن أبي مِخْنف ... ثمّ قال : وزعم الواقدي (ت 207 هـ) أنّ ابن عمر لمْ يكن بالمدينة حين ورود نعي معاوية وبيعة يزيد على الوليد. وكذلك رواه السّبط / 237 : وأن ابن الزبير والحسين (عليه السّلام) لمّا دعيا إلى البيعة ليزيد أبيا وخرجا من ليلتهما إلى مكّة ، فلقيهما ابن عبّاس وابن عمر جائيين من مكّة ، فسألاهما ما وراءكم؟ قالا : موت معاوية والبيعة ليزيد. فقال ابن عمر : اتّقيا الله ، ولا تفرّقا جماعة المسلمين. وقدم فأقام أيّاماً ينتظر حتّى جاءت البيعة من البلدان ، فتقدّم هو وابن عبّاس فبايعاه.
    (2) كما عرّفه بهذا معاوية في وصيته ، ومروان في مشورته على الوليد ، كما مرّ.

    [الإمام الحسين (عليه السّلام) في مكّة]
    [الحسين (عليه السّلام) في طريقه إلى مكّة]
    قال عقبة بن سمعان خرجنا [من المدينة] فلزمنا الطريق الأعظم ، فقال للحسين [(عليه السّلام) بعض] أهل بيته : لو تنكّبت الطريق الأعظم ، كما فعل ابن الزبير ، لا يلحقك الطلب؟ قال (عليه السّلام) : «لا والله ، لا أفارقه حتّى يقضي الله ما هو أحبّ إليه» (1).
    [عبد الله بن مطيع العدوي] (2)
    فاستقبلنا عبد الله بن مطيع ، فقال للحسين (عليه السّلام) : جعلت فداك ، أين تريد؟ قال (عليه السّلام) : «أمّا الآن فإنّي أريد مكّة ؛ وأمّا بعدها
    _________________
    (1) 5 / 451. حدّثت عن هشام بن محمّد عنه ـ أي : أبي مِخْنف ـ قال حدّثني عبد الرحمن بن جندب ، قال : حدّثني عقبة بن سمعان ، مولى الرباب بنة امرئ القيس الكلبية ، امرأة الحسين (عليه السّلام) وأمّ سكينة بنة الحسين (عليه السّلام). وقد سبقت ترجمته.
    ورواه المفيد / 202 ، والخوارزمي / 189 : ينسب الكلام إلى مسلم بن عقيل (عليه السّلام).
    (2) قرشي ولد على عهد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وكان على قريش مع أهل المدينة في خروجهم على يزيد 5 / 481 ، ثمّ لحق بابن الزبير في مكّة فحارب معه ، ثمّ ولي من قبله على الكوفة 5 / 622 ، واليعقوبي 3 / 3 ـ 5 والمسعودي 3 / 83 ، والخوارزمي 2 / 202 ، نقلاً عن محمّد بن إسحاق ، وكان يعارض المختار حتّى أخرجه المختار من الكوفة 6 / 31 وسيروي الطبري ، عن هشام عن أبي مِخْنف ، عن محمّد بن قيس 5 / 395 لقاء آخر لابن مطيع مع الإمام (عليه السّلام) في بعض مياه العرب ، بعد الحاجر وقبل زرود.

    فإنّي أستخير الله.
    [فـ] ـقال [عبد الله] خار الله لك ، وجعلنا فداك ... فاذا أنت أتيت مكّة فإيّاك أنْ تقرب [الكوفة] فانّها بلدة مشؤومة؛ بها قتل أبوك وخذل أخوك واغتيل بطعنة كادت تأتي على نفسه ، ألزم الحرم ، فانّك سيّد العرب لا يعدل بك والله ، أهل الحجاز أحداً ، ويتداعى إليك النّاس من كلّ جانب ، لا تفارق الحرم ، فداك عمّي وخالي فوالله ، لئن هلكت لنسترقنّ بعدك (1).
    [الحسين (عليه السّلام) في مكّة]
    فأقبل حتّى نزل مكّة (2) ، ودخل مكّة ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان (3). فاقام بمكّة : شعبان وشهر رمضان ، وشوّال وذا القعدة إلى ثماني ذي الحجّة (4).
    فأقبل أهلها يختلفون إليه ويأتونه ، ومَن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق.
    وابن الزبير بها قد لزم الكعبة ، فهو قائم يصلّي عامّة النّهار ويطوف ... ، ويأتي حسيناً (عليه السّلام) فيمَن يأتيه ، فيأتيه اليومين المتواليين ، ويأتيه بين كلّ
    _________________
    (1) ورواه السّبط / 243 : عن هشام بن إسحاق. والخوارزمي / 189 : عن ابن الأعثم.
    (2) 5 / 351. من خبر عقبة ، أيضاً.
    (3) 5 / 387. قال أبو مِخْنف : حدّثني الصقعب بن زهير ، عن عون بن أبي جحيفة.
    وقد كان خروجه (عليه السّلام) من المدينة ليومين بقيا من رجب ، وعلى هذا يكون قد قطع المسافة من المدينة إلى مكّة في خمسة أيّام فقط ، والمسافة : (500) كيلومتر تقريباً ، فيكون قد قطع (عليه السّلام) في كلّ يوم وليلة : مئة كيلومتر تقريباً ـ أي : ما يقرب من (18) فرسخ ـ وهذا ضعف مقدار المسافة اليوميّة العادية ـ 8 فراسخ ـ ؛ ويستفاد من هذا : أنّه (عليه السّلام) وإنْ لمْ يتنكّب الطريق الأعظم مخافة الطلب ـ كما سلف ـ لِمَا فيه من الخوف والفرار المشين على الإمام (عليه السّلام) ، إلاّ أنّه أسرع في سفره.
    (4) 5 / 381. من خبر عون بن أبي جحيفة أيضاً. ورواه السّبط أيضاً ، عن هشام / 245.

    يومين مرّة ... ولا يزال يُشير عليه بالرأي ، وهو (عليه السّلام) أثقل خلق الله على ابن الزبير ؛ [لأنّه] عرف أنّ أهل الحجاز لا يبايعونه ، ولا يتابعونه أبداً ما دام الحسين (عليه السّلام) بالبلد ، وأنّ حسيناً (عليه السّلام) أعظم في أعينهم وأنفسهم ، وأطوع في النّاس منه (1).
    [كتب أهل الكوفة] (2)
    فلمّا بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية ، أرجف أهل العراق بيزيد ، وقالوا :
    _________________
    (1) 5 / 351. من خبر عقبة أيضاً ، ورواه المفيد / 202.
    (2) وكان بالكوفة ممّن شهد القادسيّة ثلاثون ألفاً ـ 4 / 75 ـ ، واستقضى عمر شريح بن الحراث الكندي على الكوفة سنة ثمانية عشر ـ 4 / 101 ـ وفي سنة عشرين عزل عمر سعداً عن الكوفة لشكايتهم إيّاه ، وقالوا : لا يحسن أنْ يصلّي! وفيها أجلى عمر يهود نجران إلى الكوفة ـ 4 / 112 ـ. وفي سنة إحدى وعشرين ولّى عمّار بن ياسر على الكوفة ، وابن مسعود على بيت المال ، وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض والخراج فشكا أهل الكوفة عمّارا فاستعفى عمّار ـ 4 / 144 ـ ، وأمر أبا موسى الأشعري عليهم بعد عمّار ، فأقام عليهم سنة فشكوه ، فعزله واستعمل المغيرة بن شعبة. وفي الكوفة مئة ألف مقاتل ـ 4 / 156 ـ ، وكان في الكوفة إذ ذاك أربعون ألف مقاتل ، وكان يغزو الثغر منهم في كلّ سنة عشرة الآف فكان الرجل يصيبه في كلّ أربع سنين غزوة ـ 4 / 246 ـ.
    وفي سنة 37 أمرهم أمير المؤمنين (عليه السّلام) : أنْ يكتب رئيس كلّ قوم ما في عشيرته من المقاتلة وأبناء المقاتلة الذين أدركوا القتال وعبدان عشيرتهم ومواليهم ، فيرفعون ذلك إليه (عليه السّلام) فرفعوا إليه أربعين ألف مقاتل ، وسبعة عشر من الأبناء ممّن أدرك ، وثمانية الآف من مواليهم وعبيدهم ، فهؤلاء خمس وستّون ألف مقاتل ـ 5 / 79 ـ فيهم ثمان مئة من أهل المدينة ـ 4 / 85 ـ وجعلهم سعد أسباعاً ، فصارت كنانة وحلفاؤها من الأحابيش وجديلة سبعاً ، وقضاعة وبجيلة وخثعهم وكندة وحضرموت والأزد سبعاً ، ومذحج وحمير وهمدان وحلفاؤهم سبعاً ، وتميم وهوازن والرباب سبعاً ، وأسد وغطفان ومحارب والنمر وضبيعة وتغلب سبعاً ، وأياد وعك وعبد القيس وأهل هجر وحمراء الديلم سبعاً ، فلمْ يزالوا كذلك زمان عمر وعثمان وعلي (ع) حتّى ربّعهم زياد ـ 4 / 48 ـ.
    فكان عمرو بن حريث على ربع أهل المدينة ، وخالد بن عرفطة على ربع تميم وهمدان ، وقيس بن الوليد بن عبد شمس على ربع ربيعة وكندة ، وأبو بردة بن أبي موسى الأشعري على مذحج وأسد ، وكلّهم شهدوا على حجر وأصحابه ـ 5 / 268 ـ.

    قد امتنع حسين (عليه السّلام) وابن الزبير ولحقا بمكّة (1).
    (2) [قال] محمّد بن بشر الهمداني : اجتمعـ [نا] في منزل سليمان بن ُصرد [الخزاعي (3) فخطبنا] ، فقال : إنّ معاوية قد هلك ، وإنّ حسيناً (عليه السّلام) قد تقبّض على القوم ببيعته ، وقد خرج إلى مكّة وأنتم شيعته وشيعة أبيه ؛ فإنْ كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدو عدوّه ، فاكتبوا إليه ، وإنْ خفتم الوهل (4) والفشل فلا تغرّوا الرجل من نفسه.
    [فـ] ـقالوا : لا ، بل نقاتل عدوّه ، ونقتل أنفسنا دونه. قال : فاكتبوا إليه (5). فكتبوا إليه :
    (بسم الله الرحمن الرحيم ، للحسين بن علي ، من سليمان بن ُصرد والمسيّب بن نجبة (6) ،
    _________________
    (1) 5 / 351. من خبر عقبة ، أيضاً.
    (2) 5 / 352. قال أبو مِخْنف : فحدّثني الحجّاج بن علي ، عن محمّد بن بشر الهمداني قال : ...
    (3) ذكره الكشّي في رجاله / 69 ، الحديث / 124 ، عن الفضل بن شاذان تحت عنوان : من التابعين الكبار ورؤسائهم وزهادهم. وذكره الشيخ في رجاله / 43 في : أصحاب النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السّلام) ، إلاّ أنّه قال : المتخلف عنه يوم الجمل المروي كذباً عذره. وقد روى التخلّف والعذر نصر بن مزاحم في كتابه / 6 ، فقال ، قال له علي (عليه السّلام) : «ارتبت وتربّصت وراوغت ، وقد كنت من أوثق النّاس في نفسي وأسرعهم فيما أظنّ إلى نصرتي ...». فقال : يا أمير المؤمنين ... استبق مودّتي تخلص لك نصيحتي ، وقد بقيت أمور تعرف فيها وليّك من عدوّك. فسكت عنه ، ثمّ جعله علي (عليه السّلام) على رجّالة الميمنة في صفّين ـ صفّين / 205 ـ ، فبارز حوشب سيّد اليمن من أهل الشام فقتله ، وهو يقول : أمسى علي (ع) عندنا محبباً نفديه بالاُمّ ولا نبغي أباً [انظر] صفّين / 401. وضرب وجهه بالسّيف في صفّين ـ صفّين / 519 ـ ، وعدّه أبو مِخْنف من الصحابة ومن رؤساء الشيعة ـ الطبري 5 / 552 ـ ، وكان قائد التوّابين سنة (64 هـ) ـ 5 / 555 ـ ، وكان اعتذاره : ادّهنا وتربّصنا وانتظرنا ما يكون حتّى قُتل ـ 5 / 554 ـ.
    (4) أي : الفزع. انظر : مجمع البحرين.
    (5) ورواه الخوارزمي ـ بتفصيل ـ / 193.
    (6) ذكره الكشّي في رجاله / 69 ، الحديث / 124 ، بعنوان : من التابعين الكبار ورؤسائهم وزهّادهم

    ورفاعة بن شدّاد (1) ، وحبيب بن مظاهر (2) ، وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة. سلام عليك : فإنّا نحمد إليك الله الذي لا إله إلاّ هو ، أمّا بعد ، فالحمد لله الذي قصم عدوّك الجبّار العنيد الذي انتزى على هذه الاُمّة ، فابتزّها وغصبها فيئها ، وتأمر عليها بغير رضى منها ، ثمّ قتل خيارها واستبقى شرارها ، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها ، فبعداً له كما بعدت ثمود.
    _________________
    وذكره الشيخ في رجاله ص / 58 ، برقم / 8 : في أصحاب أمير المؤمنين (ع) ، وفي أصحاب الإمام الحسن ص / 70 برقم / 4. وأضاف الفزاري : كان من رؤساء الجماعة الذين خفّوا لنصرة علي (عليه السّلام) من الكوفة إلى البصرة ، كما في الطبري / 4 448. ووجّهه الإمام علي (عليه السّلام) مع بشر وكثير من قومه لمقاومة غارة عبد الله بن مسعدة الفزاري 5 / 135. وكان قائد التوّابين بعد سليمان بن ُصرد ، فقُتل معهم سنة (65 هـ) 5 / 599.
    (1) ذكره الكشّي في رجاله / 65 ، الحديث / 118 : ممّن دفن أباذر ، من الصالحين. وذكره الشيخ في رجاله ص / 41 : في أصحاب أمير المؤمنين (عليه السّلام). وص / 68 : في أصحاب الإمام الحسن (عليه السّلام). وزاد البجلي : وكان في صفّين مع علي (عليه السّلام) على بني بجلة (بجيلة) صفّين / 205 ، ثمّ أصبح من أصحاب حجر بن عدي وعمرو بن الحمق ، فذهب مع عمرو ـ لمّا طلبه زياد بن أبيه ـ إلى جبال الموصل فأخذ عمرو ، وفرّ شدّاد بفرسه ـ 5 / 265 ـ. وكان ثاني مَن خطب من رؤساء التوّابين ـ 5 / 553 ـ ، وإليه فوّض تعبئة التوّابين ـ 5 / 587 ـ. وكان الأمير الأخير للتوّابين ـ 5 / 596 ـ ، وكان قصّاصاً يقصّ على أهل الميمنة ، يحثّهم على القتال ـ 5 / 598 ـ ، وكان يقاتل ـ 5 / 601 ـ ، ولكنّه رجع بالنّاس ليلاً حتّى دخل الكوفة ـ 5 / 605 ـ فتراسل المختار ـ 6 / 8 ـ وأخذ له البيعة ـ 6 / 9 ـ ، ولكنّه خرج عليه مع اليمنيين بالكوفة فكان يصلّي بهم ـ 6 / 47 ـ ، ثمّ لمّا سمع رجلاً من همذان ، يقول : يا لثارات عثمان! ـ في جواب أصحاب المختار ، يا لثارات الحسين (عليه السّلام)! ـ قال لهم رفاعة بن شدّاد : ما لنا ولعثمان؟ لا أقاتل مع قوم يبغون دم عثمان ، فعطف عليهم يقول :
    أنا ابن شدّاد على دين علي
    لست لعثمان بن أروى بولي

    فقُتل عند حمّام المهبذان بالسّبخة ، وكان ناسكاً 6 / 50.
    (2) كان على ميسرة أصحاب الحسين (عليه السّلام) 5 / 422 وتفاخر بقتله الحصين بن تميم فعلّق رأسه في لبان فرسه. وقتل ابنه القاسم بن حبيب قاتله بديل بن صريم التميمي قصاصاً ، وهما في عسكر مصعب بن الزبير في غزو باجميرا 5 / 440.

    إنّه ليس علينا إمام ، فأقبل لعلّ الله أنْ يجمعنا بك على الحقّ ، والنّعمان بن بشير في قصر الإمارة ، لسنا نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه إلى عيد ، ولو قد بلغنا أنّك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتّى نلحقه بالشام إنْ شاء الله ، والسّلام عليك ورحمة الله (1).
    ثمّ سرّحنا بالكتاب مع عبد الله بن سبع الهمداني (2) وعبد الله بن وال [التميمي] (3).
    فخرج الرجلان مسرعين حتّى قدما على الحسين (عليه السّلام) بمكّة ، لعشر مضين من شهر رمضان (4).
    ثمّ لبثنا يومين ، ثمّ سرّحنا إليه قيس بن مسهر الصيداوي (5) وعبد الرحمن بن عبد الله بن الكدن الأرحبي (6) وعمارة بن عبيد السّلولي (7) ، فحملوا معهم
    _________________
    (1) ورواه الخوارزمي / 194.
    (2) ذكره المفيد ص / 203 : عبد الله بن مسمع. والخوارزمي ص / 194 : عبد الله بن سبيع ، وقُتل مع الحسين (عليه السّلام).
    (3) ذكره السّبط ص / 194 : عبد الله بن مسمع البكري. واكتفى بذكر اسمهما الشيخ الطوسي (ره) ـ رجال الشيخ / 77 ـ ، فقال : عبد الله وعبيد الله معروفان ، وعبد الله بن وال التميمي كان القائد الثالث للتوّابين ، فقُتل 5 / 602.
    (4) ورواه المفيد / 203 ، والسّبط / 244.
    (5) الأسدي ، رجع إلى العراق مع مسلم بن عقيل (عليه السّلام) ، فلمّا تضايق به الأمر في بطن المضيق ، أرسله بكتابه إلى الحسين (عليه السّلام) 5 / 354 ، فرجع مع الإمام (عليه السّلام) حتّى بلغ بطن الحاجر ، فبعثه بكتابه إلى أهل الكوفة حتّى انتهى إلى القادسيّة ، فأخذه الحصين بن تميم التميمي فبعث به إلى ابن زياد ، فأمر به فرمي من فوق القصر فقُطّع فمات (رحمه الله) 5 / 395. فلمّا بلغ الحسين (عليه السّلام) إلى عذيب الهجانات ، بلغه خبره فترقرقت عيناه ولمْ يملك دمعه ، وقال : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ ...) (سورة الأحزاب / 23). اللهمّ ، اجعل لنا ولهم الجنّة نزل ، واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ رحمتك ورغائب مذخور ثوابك» 5 / 405.
    (6) ذكره المفيد / 203 ، باسم : عبد الله وعبد الرحمن شدّاد الأرحبي. والسّبط / 194 : عبد الله بن عبد الرحمن ، وكان مع مسلم إلى العراق 5 / 354.
    (7) ذكره الخوارزمي / 195 : عامر بن عبيد. وذكره المفيد / 203 ، والسّبط / 244 : عمارة بن عبد الله

    نحواً من [مئة] وخمسين صحيفة (1) من الرجل والاثنين والأربعة.
    قال : ثمّ لبثنا يومين آخرين ، ثمّ سرّحنا إليه هانئ بن هانئ السّبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي (2) وكتبنا معهما :
    بسم الله الرحمن الرحيم ، للحسين بن علي ، من شيعته من المؤمنين والمسلمين ، أمّا بعد ، فحيّ هلاّ ؛ فإنّ النّاس ينتظرونك ، ولا رأي لهم في غيرك ، فالعجل العجل! والسّلام عليك (3).
    وكتب شبث بن ربعي (4).
    _________________
    السّلولي. كان مع مسلم إلى العراق 5 / 354 وفي بيت هانئ 5 / 363 ، ثمّ لمْ يُعلم أثره بعدُ.
    (1) النصّ في الطبري : نحواً من ثلاثة وخمسين ، ولكن الشيخ المفيد ذكر العدد : 203 ، مئة وخمسين وكذلك السّبط : 244 ، عن هشام ومحمّد بن إسحاق ، وكذلك الخوارزمي / 195 ، عن ابن الأعثم ؛ فالظاهر أنّ (الثلاثة) في الطبري تصحيف لـ (المئة).
    (2) سيأتي أنّهما رجعا إلى أهل الكوفة بجواب الإمام (عليه السّلام) ؛ فأمّا هانئ فلمْ يُعلم أثره ؛ وأمّا الحنفي فإنّه لحق بالإمام (عليه السّلام) فقُتل معه.
    (3) ورواه المفيد / 203 ، والسّبط / 244.
    (4) اليربوعي التميمي 5 / 369 ، كان مؤذّن سجاح المضريّة مدّعية النبوّة 3 / 273 ، ثمّ أسلم ، وكان ممّن أعان على عثمان ثمّ صحب عليّاً (عليه السّلام) ، فكان في صفّين معه على بني عمرو بن حنظلة في الكوفة ، صفّين / 205. وفي النّهروان على ميسرة علي (عليه السّلام) طبري 5 / 85. وكان الرسول بين علي (عليه السّلام) ومعاوية مع جماعة صفّين / 97. شهد على حجر بن عدي بالخروج على زياد 5 / 269 ، ثمّ حضر قتل الحسين (عليه السّلام) ، وكان على الرجّالة يوم عاشوراء 5 / 422 ، وكانوا يرون منه الكراهة لقتال الإمام (عليه السّلام) ، فإنّه لمّا قال له ابن سعد : ألاَ تقدم إلى الرماة تكون عليهم فترمى الحسين (عليه السّلام)؟ قال له : سبحان الله! أتعمد إلى شيخ مضر وأهل المصر عامة تبعثه في الرماة ، لمْ تجد مَن تندب لهذا ويجزي عنك غيري؟
    وكان يقول بعد ذلك : لا يعطي الله أهل هذا المصر خيراً أبداً ، ولا يسدّدهم لرشد ، ألاَ تعجبون أنّا قاتلنا مع علي بن أبي طالب ومع ابنه من بعد آل أبي سفيان خمس سنين! ثمّ عدونا على ابنه ، وهو خير أهل الأرض ، نقاتله مع آل معاوية وابن سميّة الزانية! ضلال يا لك من ضلال 5 / 432 ـ 437 ، وهو الذي لام أهل الكوفة لفرحهم بقتل ابن عوسجة 5 / 436 ، ولكنّه خاف ابن زياد من مواقفه هذه فبنى مسجداً إظهاراً للفرح بقتل الحسين 6 / 22 ، ثمّ حارب المختار في ثلاثة الآف لابن المطيع عن ابن الزبير 6 / 23.

    وحجّار بن أبجر (1) ويزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم (2) ، وعزرة بن قيس (3).
    _________________
    (1) العجلي 5 / 369 ، كان أبوه نصرانياً ، وكان له منزلة فيهم 5 / 145 ، وكان ممّن شهد على حجر بن عدي لزياد 5 / 270 ، ورفع راية الأمان لابنه يوم خروج مسلم 5 / 369 ، وأنكر كتابه للامام (عليه السّلام) يوم عاشوراء 5 / 425 ثمّ حارب المختار 6 / 22 ، ثمّ حارب عبد الله بن الحرّ لمصعب فانهزم أمامه فشتمه مصعب وردّه 6 / 136. ثمّ كان فيمن كتب إليهم عبد الملك بن مروان من أهل الكوفة ، فشرطوا عليه ولاية إصبهان فأنعم بها لهم كلّهم 6 / 156 ، ولكنّه كان قد خرج مع مصعب متظاهراً بقتال عبد الملك ، فلمّا دعاه مصعب للحرب ، قال : إلى هذه العذرة؟ 6 / 158 وكان حيّاً إلى سنة (71 هـ) ، ثمّ لمْ يُعلم أثره.
    (2) أبو حوشب الشيباني ، أنكر كتابه يوم عاشوراء 5 / 425 ، فلمّا قُتل يزيد وخلّف عبيد الله بن زياد على الكوفة عمرو بن حريث فدعا إلى بيعة ابن زياد ، قام يزيد بن الحارث هذا ، فقال : الحمد لله الذي أراحنا من ابن سميّة ، لا ، ولا كرامة. فأمر به عمرو بن حريث أنْ يسجن فحالت بنوبكر بن وائل دون ذلك 5 / 524 ، ثمّ أصبح من أصحاب عبد الله بن يزيد الخطمي الآنصاري ، والي الكوفة لابن الزبير قبل ابن مطيع. فكان يحثّه على قتال سليمان بن ُصرد وأصحابه قبل خروجهم 5 / 561 563 ، ثمّ كان يحثّه على حبس المختار 5 / 580 ، ثمّ بعثه ابن مطيع إلى جبّانة مراد ؛ لقتال المختار 6 / 18 وفي ألفين إلى سكّة لحّام جرير ، فوقفوا في أفواه السكك 6 / 26 ووضع رامية على أفواه السكك فوق البيوت ، فمنع المختار من دخول الكوفة 6 / 28. ثمّ ثار على المختار في إمارته ببني ربيعة 6 / 45 ، فانهزم بأصحابه 6 / 52 ، ثمّ كان فيمن حارب الأزارقة الخوارج مع الحارث بن أبي ربيعة والي ابن الزبير على الكوفة سنة (68 هـ) 6 / 124 ، فأمره مصعب على المدائن 6 / 134 ، ثمّ ولي لعبد الملك بن مروان على الري سنة (70 هـ) 6 / 164 ، فقتله الخوارج. إبصار العين / 15.
    وكان جدّه يزيد بن رويم الشيباني على ذهل الكوفة مع علي (عليه السّلام) بصفّين ، صفّين / 205.
    (3) الأحمسى كان من الشهود على حجر بن عدي 5 / 270 ؛ ولهذا كتب إلى الإمام (عليه السّلام) ليكفّر ذلك ؛ ولهذا استحيا أنْ يأتي الإمام (عليه السّلام) من قبل ابن سعد فيسأله ما الذي جاء به 5 / 410 ؛ ولهذا أيضاً أجابه زهير بن القين عشيّة التاسع من المحرّم يعرّض به : أما والله ، ما كتبت إليه كتاباً قطّ ، ولا أرسلت إليه رسولاً قطّ ، ولا وعدته نصرتي قطّ.
    وكان عزرة عثمانياً ، فقال لزهير : ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت ، إنّما كنت عثمانيّاً 5 / 417. وجعله عمر على الخيل يوم عاشوراء ، وكان يحرسهم باللّيل 5 / 422 ، فكان أصحاب الإمام (عليه السّلام) لا يحملون على خيله إلاّ ويكشفونه ، فشكى ذلك إلى ابن سعد وطلب منه أنْ يعفيه من ذلك ،

    وعمرو بن الحجّاج الزبيدي (1) ومحمّد بن عمر التميمي (2) :
    أمّا بعد ، فقد اخضرّ الجنان وأينعت الثمار ، وطمّت الجُمام (3) ، فإذا شئت فأقدم على جند لك مجنّد. والسّلام عليك (4).
    _________________
    ويبعث إليهم الرجّالة والرماة ، ففعل 5 / 436.
    ثمّ كان فيمَن حمل رؤوس أصحاب الإمام (عليه السّلام) إلى ابن زياد 5 / 456 ، ثمّ لمْ يُعلم أثره.
    (1) كان فيمَن شهد على حجر بن عدي 5 / 270 ، وكانت أخته روعة بنت الحجّاج تحت هانئ بن عروة ، وهي اُمّ يحيى بن هانئ 5 / 364 ، فلمّا قُتل هانئ أقبل في جمع عظيم من مذحج ، فلمّا أخبرهم شريح بحياة هانئ تفرّقوا 5 / 367.
    ثمّ حضر كربلاء فبعثه عمر بن سعد على خمسمئة فارس ، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الإمام (ع) وأصحابه وبين الماء ، وذلك قبل القتل بثلاث 5 / 412.
    ولام ابن سعد على تريّثه عن إجابة الإمام إلى استمهال ليلة العاشر 5 / 417 ، ثمّ كان على ميمنة عمر بن سعد يوم العاشر 5 / 422 من نحو الفرات فحمل بهم على الحسين (ع) وأصحابه ، وكان يحرّضهم على قتلهم 5 / 435 ، ثمّ كان ممّن حمل رؤوسهم إلى الكوفة 5 / 456 ، ثمّ كان مع ابن مطيع على المختار 6 / 28 ، في ألفي رجل من سكّة الثوريّين 6 / 29 ، ثمّ في جبّانة مراد بمن تبعه من مذحج 6 / 45 ، فلمّا غلب المختار ركب راحلة فأخذ طريق شراف وواقصة ، فلمْ يُرَ بعد ذلك 6 / 52.
    (2) ابن عطارد ، كان ممّن شهد على حجر بن عدي 5 / 270 ، وكان على مضر في محاربة المختار 6 / 47 ، ثمّ بايع المختار فبعثه والياً على آذربايجان 6 / 34. وكان مع الحارث بن أبي ربيعة والي الكوفة لابن الزبير في قتال إلاّزارقة الخوارج 6 / 124 ، وكان ممّن كاتبه عبد الملك بن مروان من مروانيّة الكوفة 6 / 156 ، ثمّ ولاه همدان 6 / 164 ، ثمّ رجع إلى الكوفة فكان بها في ولاية الحجّاج سنة (75 هـ) 6 / 204 ، ثمّ لمْ يُعلم أثره.
    وكان أبوه عمير بن عطارد على تميم الكوفة مع علي (عليه السّلام) بصفّين ـ صفّين / 205 ـ.
    ثمّ هو ممّن سعى في دم عمرو بن الحمق الخزاعي عند زياد حتّى لامه على ذلك عمرو بن حريث وزياد. انظر : الطبري 5 / 236.
    (3) الجمام جمع : جمّة ، وهي مجتمع الماء. وطمّت ، أي : علت المياه وغمرت. وانظر أهل الدنيا كيف يحسبون أنّ الدنيا من دواعي إقبال الإمام (عليه السّلام) إليهم ، يا لقصر العقول!
    (4) ورواه المفيد / 203 ، والسّبط / 244.

    [جواب الإمام الحسين (عليه السّلام)]
    وتلاقت الرسل كلّها عنده فقرأ الكتب ، وسأل الرسل عن أمر النّاس.
    ثمّ كتب مع هانئ بن هانئ السّبيعي ، وسعيد بن عبد الله الحنفي ـ وكانا آخر الرسل ـ :
    «بسم الله الرحمن الرحيم ، من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين ، أمّا بعد ، فإنّ هانئاً وسعيداً قدما عليّ بكتبكم ـ وكانا آخر من قدم عليّ من رسلكم ـ ، وقد فهمت كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم ، ومقالة جلّكم إنّه ليس علينا إمام فأقبل ، لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى والحقّ.
    وقد بعثت إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي : مسلم بن عقيل ، وأمرته أنْ يكتب إليّ بحالكم وأمركم ورأيكم.
    فإنْ كتب إليّ أنّه قد أجمع رأي ملئكم ، وذوي الفضل والحجى منكم ، على مثل ما قدمتْ عليّ به رسلكم وقرأت في كتبكم ، أقدم عليكم وشيكاً ـ إنْ شاء الله ـ فلعمري ، ما الإمام إلاّ العامل بالكتاب والأخذ بالقسط ، والدائن بالحقّ والحابس نفسه على ذات الله. والسّلام» (1).
    [سفر مسلم (عليه السّلام)]
    ثمّ دعا مسلم بن عقيل فسرّحه مع قيس بن مسهر الصيداوي (2) وعمارة بن عبيد السّلولي (3) وعبد الرحمن عبد الله بن الكدن الأرحبي (4) فأمره بتقوى الله ،
    _________________
    (1) 5 / 353. قال أبو مِخْنف : فحدّثني الحجّاج بن علي عن محمّد بن بشر الهمداني ، قال : ... ورواه المفيد / 204 ، والسّبط / 196.
    (2 ، 3 ، 4) هم الذين حملوا إلى الإمام (عليه السّلام) الصحائف المئة والخمسين من أهل الكوفة ، وقد ترجمنا لهم. وعمارة بن عبيد ، ذكره المفيد والسّبط : ابن عبد الله. وعبد الرحمن بن عبد الله ، ذكره المفيد هكذا :

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    وقعة الطف لابو مخنف Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة الطف لابو مخنف   وقعة الطف لابو مخنف Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 4:22 pm

    وكتمان أمره واللطف ، فإنْ رأى النّاس مجتمعين مستوسقين ، عجّل إليه بذلك.
    فأقبل مسلم حتّى أتى المدينة ، فصلّى في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ، وودّع مَن أحبّ من أهله ، ثمّ استأجر دليلين من قيس فأقبلا به ، فضّلا الطريق وجارا وأصابهم عطش شديد ، وقال الدليلان : هذا الطريق [خذه] حتّى تنتهي إلى الماء ... وذلك بالمضيق من بطن الخبيت (1).
    [كتاب مسلم إلى الإمام (عليه السّلام) من الطريق]
    فكتب مسلم بن عقيل مع قيس بن مسهر الصيداوي إلى الحسين (عليه السّلام) :
    أمّا بعد ، فأنّي أقبلت من المدينة معي دليلان لي ، فجارا عن الطريق وضلاّ واشتدّ علينا العطش ، فلمْ يلبثا أنْ ماتا ، وأقبلنا حتّى انتهينا إلى الماء فلمْ ننجِ إلاّ بحشاشة أنفسنا ؛ وذلك الماء بمكان يُدعى المضيق من بطن الخبيت (2) ؛ وقد تطيّرت من وجهي هذا ، فإنْ رأيت أعفيتني منه وبعثت غيري. والسّلام (3).
    [جواب الإمام (عليه السّلام) إليه]
    فكتب إليه الحسين (عليه السّلام) :
    «أمّا بعد ، فقد خشيت أنْ لا يكون حملك على الكتاب إليّ في الاستعفاء
    _________________
    عبد الله وعبد الرحمن ، ابنا : راشد الأرحبي / 204.
    (1) 5 / 354. بعد رواية عن أبي مِخْنف ، عن أبي المخارق الراسبي.
    (2) أصل خبت : واقع حوالي المدينة إلى جهة مكّة ، فكأنّ الدليلين ضلا حتّى ملا إلى مكّة ، كما في إبصار العين / 16.
    (3) ورواه المفيد / 204 ، والخوارزمي / 197 ، بلفظ قريب إلاّ يسيراً. ورواه الطبري أيضاً ، عن معاوية بن عمار ، عن الإمام الباقر (عليه السّلام) 5 / 347.

    من الوجه الذي وجّهتك له إلاّ الجبن ، فامض لوجهك الذي وجّهتك له. والسّلام عليك».
    فقال مسلم (عليه السّلام) لمن قرأ الكتاب : هذا ما لست أتخوّفه على نفسي.
    فأقبل ... حتّى مرّ بماء لطيّئ ، فنزل بهم ثمّ ارتحل منه ، فاذا رجل ... قد رمى صيداً ـ حيث أشرف له ـ فصرعه ، فقال مسلم (عليه السّلام) يقتل عدوّنا إن شاء الله.

    [دخول مسلم (عليه السّلام) الكوفة]
    ثمّ أقبل مسلم (عليه السّلام) حتّى دخل الكوفة [ومعه أصحابه الثلاثة : قيس بن مصهر الصيداوي وعمارة بن عبيد السّلولي وعبد الرحمن بن عبد الله بن الكدن الأرحبي] (1) ، فدخل دار المختار بن أبي عبيد (2).
    _________________
    (1) 5 / 355. وذلك لخمس خلون من شوّال ، كما في مروج الذهب 2 / 86.
    (2) الثقفي ، وُلد في السّنة الأوّلى للهجرة 2 / 402 واستخلفه على المدائن عمّه ، سعد بن مسعود الثقفي سنة (37 هـ) 5 / 76 ، وكان بها عند عمّه إلى بعد عام الجماعة سنة (40 هـ) 5 / 159. وأشار الطبري إلى ما أشار به المختار على عمّه بتسليم الحسن (عليه السّلام) إلى معاوية 5 / 569. وفي ولاية زياد على الكوفة دعاه إلى الشهادة على حجر بن عدي فراغ عنها 5 / 270 ، وكان صاحب راية يوم خروج مسلم 5 / 381 ، ولكنّه كان قد خرج برايته ومواليه إذ علم بحبس هانئ وقبل خروج مسلم (عليه السّلام) على غير ميعاد من أصحابه ، فاستسلم لدعوة عمرو بن حريث المخزومي إياه إلى الدخول تحت راية إلاّمان لابن زياد ، وأدخل عليه فعرض وجهه بقضيبه فخبط عينه فشتره ، وحبس حتّى قُتل الحسين (عليه السّلام). وكانت أخته صفيّة زوجة عبد الله بن عمر ، فبعث بابن عمّه زائدة بن قدامة الثقفي إلى ابن عمر يسأله ليكتب إلى يزيد ، فيكتب إلى ابن زياد باخراجه من السّجن ، ففعل وأخرجه ابن زياد من الكوفة ، فخرج إلى الحجاز فبايع ابن الزبير وقاتل معه أهل الشام قتإلاّ شديد. وبعد موت يزيد بخمسة أشهر ترك ابن الزبير وأقبل إلى الكوفة 5 / 570 ـ 578 ، فدخلها وسليمان بن ُصرد الخزاعي يدعو الشيعة إلى التوبة والطلب بدم الحسين (عليه السّلام) ، فادّعى المختار : أنّه جاءهم من قِبل محمّد بن الحنفية ، وأنّ سليمان لاعلم له بالحرب يقتل نفسه وأصحابه 5 / 560 و 580. فلمّا خرج التوّابون حبسه ابن مطيع عامل ابن الزبير 5 / 605 فبعث المختار : غلامه زربياً إلى ابن عمر يسأله أنْ يكتب له إلى عامل ابن الزبير ؛ ليخرجه فكتب فاخرجه بضمان ويمين 6 / 8 ، فخرج وغلب على الأمر وقاتل ابن زياد فقتله ، وقتل قتلة الحسين (عليه السّلام) حتّى قتله مصعب بن الزبير سنة (67 هـ) 6 / 107 وأمر مصعب بكفّ المختار ، فسمّرت بمسمار إلى جانب المسجد حتّى نزعها

    وأقبلت الشيعة تختلف إليه ، فلمّا اجتمعت إليه جماعة منهم قرأ عليهم كتاب الحسين (عليه السّلام) فأخذوا يبكون.
    [و] قام عابس بن أبي شبيب الشاكري (1) ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :
    أمّا بعد ، فإنّي لا أخبرك عن النّاس ولا أعلم ما في أنفسهم ، وما أغرّك منهم ، والله ، لأحدّثنك عمّا أنا موطّن نفسي عليه ، والله ، لأجيبنّكم إذا دعوتم ولا قاتلنّ معكم عدوّكم ، ولا ضربنّ بسيفي دونكم حتّى ألقى الله ، لا أريد بذلك إلاّ ما عند الله.
    فقام حبيب بن مُظاهر الفقعسي [الأسدي] فقال :
    رحمك الله ، قد قضيت ما في نفسك بواجز من قولك.
    ثمّ قال :
    وأنا والله ، الذي لا إله إلاّ هو ، على ما هذا عليه.
    ثمّ قال الحنفي (2) مثل ذلك.
    واختلفت الشيعة إليه حتّى علم مكانه ، فبلغ ذلك النّعمان بن بشير (3).
    _________________
    الحجّاج الثقفي 6 / 110. وقتل مصعب زوجته ، عمرة بنت النّعمان بن بشير ، وأطلق زوجته الآخرى اُمّ ثابت بنت سمرة بن جندب 6 / 112 وفي سنة (71 هـ) حارب مصعب عبد الملك ، وكان زائدة بن قدامة الثقفي حاضراً ، فقتل مصعباً ، وقال : يا لثارات المختار! 6 / 159 وكانت دار المختار لزيقة المسجد ـ أي : بجانبه ـ فابتاعها عيسى بن موسى العبّاسي من ورثة المختار سنة (159 هـ) 8 / 122.
    ويبدو أنْ علّة اتّخاذ داره مقرأ لمسلم (عليه السّلام) ؛ كونه صهر النّعمان بن بشير أمير الكوفة ، وكفى بهذا [ستراً] هذا ، ولا سيّما إذا أصفنا إلى ذلك ، خبر الطبري : كانت الشيعة تشتم المختار وتعتبه لمَا كان منه في أمر الحسن بن علي (عليهما السّلام) ، يوم طُعن في مظلم ساباط فحمل إلى أبيض المدائن 5 / 569.
    (1) وبعد هذا ذهب بكتاب مسلم بن عقيل (عليه السّلام) إلى الإمام (عليه السّلام) 5 / 375 ثمّ كان معه حتّى قُتل 5 / 444 ، وهو من همدان.
    (2) هو : سعيد بن عبد الله الحنفي ، رسول أهل الكوفة إلى الإمام (عليه السّلام) ، وكان قد رجع إلى الكوفة بجواب الإمام إليهم.
    (3) 5 / 355. قال أبو محنف : حدّثني نمير بن وعلة ، عن أبي الودّاك ، قال : خرج إلينا النّعمان بن بشير ،

    [فخرج] فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :
    أمّا بعد ، فاتّقوا الله عباد الله ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة ، فإنّ فيهما يهلك الرجال وتسفك الدماء ، وتغصب الأموال ... إنّي لمْ أقاتل مَن لمْ يُقاتلني ولا أثب على مَن لا يثب عليّ ، ولا أشاتمكم ولا أتحرّش بكم ، ولا آخذ بالقذف ولا الظنّة ولا التهمة ، ولكنّكم إنْ أبديتم صفحتكم لي ونكثتم بيعتكم وخالفتم إمامكم ، فوالله ، الذي لا إله غيره لأضربنّكم بسيفي ما ثبت قائمة في يدي ، ولو لمْ يكن لي منكم ناصراً أمَا إنّي أرجو أنْ يكون مَن يعرف الحقّ منكم أكثر ممّن يرديه الباطل.
    فقام إليه عبد الله بن مسلم بن سعيد الحضرمي (1) ـ حليف بني اُميّة ـ فقال :
    إنّه لا يصلح ما ترى إلاّ الغشم [أي : الظلم] ، إنّ هذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوّك رأي المستضعفين.
    فقال [النّعمان بن بشير] :
    أنْ أكون من المستضعفين في طاعة الله أحبّ إليّ من أنْ أكون من الأعزّين في معصية الله ، ثمّ نزل.
    وخرج عبد الله بن مسلم وكتب إلى يزيد بن معاوية :
    أمّا بعد ، فإنّ مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة فبايعته الشيعة للحسين بن علي (ع) ، فإنْ كان لك بالكوفة حجّة فابعث إليها رجلاً قويّاً ينفّذ أمرك ، ويعمل مثل عملك في عدوّك ؛ فإنّ النّعمان بن بشير رجل ضعيف ، أو هو يتضعّف.
    ثمّ كتب إليه عمارة بن عقبة (2) بنحو من كتابه.
    _________________
    فصعد المنبر ...
    (1) جاء اسمه في الشهود على حجر بن عدي : عبد الله بن مسلم بن شعبة الحضرمي 5 / 269.
    (2) هو : أخو الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، خرج هو وأخوه الوليد من مكّة إلى المدينة يسألان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنْ يردّ عليهما أختمها اُمّ كلثوم المهاجرة بعهد الحديبيّة ، فأبى 2 / 640 ،

    ثمّ كتب إليه عمر بن سعد بن أبي وقاص (1) بمثل ذلك (2).
    _________________
    وكان منزله مع أخيه برحبة الكوفة 4 / 274 ، وكانت ابنته اُمّ أيّوب تحت المغيرة بن شعبة ، فلمّا مات تزوّجها زياد بن أبيه 5 / 18 وهو الذي سعى عند زياد على عمر بن الحمق 5 / 236 ، جئ بأبيه عقبة بن أبي معيط إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كافراً ، فأمر به أنْ يُضرب عنقه ، فقال : يا محمّد َمَن للصبيّة؟ قال (ص) : «النّار» 5 / 349. وكان حاضراً في القصر يوم مقتل مسلم 5 / 376 ، وهو الذي سعى بالمختار إلى ابن زياد يوم خروج مسلم 5 / 570 ، ثمّ تُخفى أخباره بعد هذا.
    (1) اُمّه : بشرى بنت قيس بن أبي الكيسم من سبي المرتدّين بعد رسول الله 3 / 341 فيكون من مواليد أوائل العشر الثاني من الهجرة ، وله يوم كربلاء زهاء خمسين سنة. وفي سنة سبعة عشر أو تسعة عشر بعثه أبوه سعد مع عياض بن غنم ؛ لفتح أرض الجزيرة ـ أي : شمال العراق وسورية ـ ، وهو يومئذٍ غلام حدث السنّ 4 / 53.
    وفي سنة (37 هـ) لمْ يدع عمر أباه حتّى أطمعه في حضور التحكيم ، فأحضره في أذرخ في دومة الجندل ، وكان أبوه على ماء لبني سليم بالبادية ، فقال : يا أبتِ ، أشهدهم فإنّك صاحب رسول الله (ص) وأحد الشورى ، فاحضر فإنّك أحقّ النّاس بالخلافة 5 / 356. وكره وصيّة مسلم بن عقيل إليه وأفشاه لابن زياد ، فقال ابن زياد : إنّه لا يخونك الأمين ، ولكن قد يؤتمن الخائن 5 / 377. وأراد محمّد بن الكندي أنْ يؤمّره على الكوفة بعد قتل ابن زياد ، فجاء رجال بني همدان متقلّدين السّيوف وجاءت نساؤهم يبكين حسيناً (عليه السّلام) 5 / 524 وبعث إليه المختار أبا عمرة فقتله ، وجاءه برأسه ، ثمّ قتل ابنه حفص بن عمر ، وقال : والله ، لو قُتلت ثلاثة أرباع قريش ما وفوا بأنملة من أنامل الحسين (عليه السّلام) ، وبعث برأسيهما إلى المدينة إلى محمّد بن الحنفيّة 6 / 2 ـ 61.
    (2) قال هشام ، قال عوانة : فلمّا اجتمعت الكتب عند يزيد ليس بين كتبهم إلاّ يومان ، دعا يزيد بن معاوية سرجون (1) مولى معاوية فقال : ما رأيك؟ فانّ حسيناً قد توجّه نحو الكوفة ، ومسلم بن عقيل بالكوفة يبايع للحسين ، وقد بلغني عن النّعمان ضعف وقول سيّىء .. فما ترى؟ مَن استعمل على الكوفة ، وكان يزيد عاتباً على عبيد الله بن زياد؟
    فقال سرجون : أرأيت معاوية لو نشر لك أكنت آخذاً برأيه؟ قال : نعم. فأخرج عهد عبيد الله على الكوفة ، فقال هذا رأي معاوية ، ومات وقد أمر بهذا الكتاب.
    فأخذ برأيه ، ثمّ دعا مسلم بن عمرو الباهلى (2) فبعثه إلى عبيد الله بعهده إلى البصرة ، وكتب إليه
    _________________
    (1) سرجون بن منصور الرومي ، كان كاتب معاوية وصاحب أمره في الديوان. 5 / 230 ، 6 / 180.
    (2) مسلم بن عمرو الباهلي ، كان مع زياد بن أبيه في البصرة شريفاً في باهلة عريفاً سنة (46 هـ) عليها معه.

    [كُتب الإمام (عليه السّلام) إلى أهل البصرة]
    كتب الحسين (ع) مع مولى لهم ، يقال له : سليمان (1) بنسخة [واحدة] إلى
    _________________
    أمّا بعد ، فإنّه كُتب إليّ شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أنّ ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع لشقّ عصا المسلمين ، فسرْ حين تقرأ كتابي هذا حتّى تأتي أهل الكوفة فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة حتّى تثقفه ، فتوثقه أو تقتله أو تنفيه ، والسّلام.
    فأقبل مسلم بن عمرو حتّى قدم على عبيد الله بالبصرة ، فأمر عبيد الله بالجهاز والتهيّؤ والمسير إلى الكوفة من الغد 5 / 357.
    وروى بسنده عن عمّار الدهني (3) عن أبي جعفر الباقر (عليه السّلام) :
    «فدعا مولى له يقال له : سرجون ـ وكان يستشيره ـ فأخبره الخبر ، فقال له : أكنت قابلاً من معاوية لو كان حيّاً؟ قال : نعم. قال : فاقبل منّي ، فإنّه ليس للكوفة إلاّ عبيد الله بن زياد ، فولّها إيّاه وكان يزيد عليه ساخطاً ، وكان همّ بعزله عن البصرة ـ فكتب إليه برضائه وأنّه ولاّه الكوفة مع البصرة ، وكتب إليه أنْ يطلب مسلم بن عقيل فيقتله إنْ وجده» 5 / 348.
    (1) اختلفوا في اسم رسول الحسين (عليه السّلام) هذا إلى البصرة بكتابه ، فهو : هنا سليمان ، وكذلك في
    _________________
    5 / 228 ، ثمّ سكن الشام فكان بصريّاً شاميّاً ، ورجع من الشام إلى البصرة بكتاب يزيد إلى ابن زياد ، ثمّ معه إلى الكوفة ، وتكلّم مع هانئ بن عروة إذ أدخل على ابن زياد ليسلّم إليه مسلم بن عقيل (عليه السّلام) 5 / 366 ، وشتم مسلم بن عقيل حين انتهائه إلى باب القصر وطلبه ماء 5 / 376. ثمّ ازدلف إلى مصعب بن الزبير فبعثه لحرب ابن الحرّ الجُعفي فهزم سنة (68 هـ) 6 / 132 ، وكان كلوزير لمصعب 6 / 136 ، وقُتل معه بدير الجاثليق في الحرب مع مروان سنة (71 هـ) 6 / 158 ، وكان يحبّ المال حبّاً جمّاً 5 / 432 ، وكان له سبعة بنون : قتيبة وعبد الرحمن وعبد الله ، وعبيد الله وصالح وبشار ومحمّد 6 / 516 وصاروا هؤلاء بعده إلى الحجّاج بن يوسف ، فولّى قتيبة على خراسان سنة (86 هـ) 6 / 424 ، فغزا وفتح : بيكند ونوشكث ورامثين ، وبخارى وشومان وكشّ ، ونسف وخام جرد وسمرقند ، وشاش وفرغانة وكاشغر ، وحدود الصين وصالح نيزك والسغد ، وخوارزم شاه ، وقُتل مع إخوته سنة (96 هـ) ، 6 / 429 ـ 506.
    (1) عمّار الدهني : أبو معاوية بن عمّار ، من أصحاب الإمام الصادق والإمام الكاظم (عليهما السّلام) ، وكان أبوه عمّار ثقة في العامّة وجهاً يكنّى : أبا معاوية ، وروى أحياناً عن أبي جعفر الباقر (عليه السّلام) ـ رجال العلاّمة / 166 ـ ولعمّار كتاب ، كما في الفهرست لابن النديم / 235 ، ط أورپا.

    رؤوس الأخماس بالبصرة (1) ، وإلى الأشراف مالك بن مسمع البكري (2) ، والأخنف بن قيس (3) ،
    _________________
    مقتل الخوارزمي عن ابن الأعثم 1 / 199 وفي اللهوف ، إلاّ أنّه كنّاه : بأبي رزين وهو اسم أبيه ، واُمّه كبشة ، جارية للحسين (عليه السّلام) كانت تخدم في بيت اُمّ إسحاق التيميّة من زوجات الحسين (عليه السّلام) ، فتزوّجها أبو رزين فولدها سليمان.
    وفي مثير الأحزان لابن نما / 12 : أنّه أرسل الكتاب مع ذريع السّدوسي. وذكر الاثنين معاً السيّد الأمين في لواعج الأشجان / 36.
    (1) كانت البصرة قد قُسّمت خمسة أخماس ، ولكلّ خمس منها رئيس من الأشراف.
    (2) مالك بن مسمع البكري الجحدري : كان على بني بكر بن وائل في البصرة 4 / 505 ، ثمّ آوى مروان بن الحكم يوم الهزيمة ، وحفظ لهم بنو مروان ذلك بعد وانتفعوا به عندهم وشرّفوهم بذلك 4 / 536 وكان رأيه مائلاً إلى بني اُميّة ، فلمْ ينصر زياداً على ابن الحضرمي الذي كان وجّهه معاوية إلى البصرة للدعاء إلى نفسه 5 / 110 ، وهو الذي بايع ابن مرجانة بعد هلاك يزيد ، ولكنّه نكث بيعته له فعدى مع جماعة على بيت المال ، فنهبوه 5 / 505.
    ثمّ اتّهم بعد هذا أنّه كان يحاول أنْ يردّ ابن زياد إلى دار الإمارة بالبصرة 5 / 512. وقد كان مالك بن مسمع مملكاً على بكر بن وائل من ربيعة اليمن ، وهم اللهازم وهم بنو قيس بن ثعلبة وحلفاؤهم : غزة وشيع اللات ، وحلفاؤها : عجل وآل ذهل بن ثعلبة ، وحلفاؤها : يشكر وضيعة بن ربيعة بن نزار ، فهؤلاء من أهل الوبر وحنيفة من أهل المدر 5 / 515 ، ثمّ لمّا لحق الأزد بالبصرة في آخر خلافة معاوية وأوّل خلافة يزيد بن معاوية ، أتاهم مالك بن مسمع فجدّد معهم الحلف 5 / 516 ، وفي سنة (64 هـ) جدّد الحلف معهم ، وعليهم مسعود بن عمرو المعنى فخرجوا على عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب القرشي الهاشمي ؛ ليردّوا ابن زياد إلى دار الإمارة ، فهُزموا وأُحرق دار مالك بن مسمع 5 / 521. ودافع عن أصحاب المختار بالبصرة حمية من دون أنْ يكون على رأيهم 6 / 68 ، ثمّ كان على خمس بكر بن وائل مع مصعب في حربه المختار 6 / 95 ، ثمّ أجار خالد بن عبد الله بن خالد بن سيّد الذي قد وجّهه عبد الملك بن مروان داعياً له إلى البصرة ، وقاتل دونه حتّى أُصيبت عينه فضجر من الحرب فاستأمن عبيد الله بن عبيد الله بن معمر ، خليفة مصعب فآمنه فأخرج خالداً من البصرة ، ثمّ خاف من المصعب فلحق مع قومه بثأج 6 / 152 ـ 155 ، فهدم المصعب داره 6 / 155 ، ثمّ تخفى أخباره.
    (3) الأحنف صخر بن قيس أبو بحر السّعدي : روى عن العبّاس بن عبد المطلب 1 / 263 ، وأوفده عتبة بن غزوان سنة (17 هـ) إلى عمر مع وفد أهل البصرة 4 / 74 ، وحارب فيمَن حارب من أهل البصرة

    والمنذر بن الجارود (1) ،
    _________________
    أهل فارس سنة (17 هـ) 4 / 81 ، ودفع إليه عمر لواء خراسان ؛ لفتحه نزولاً على رأيه 4 / 94 فطارد يزدجرد حتّى قُتل 4 / 171 وفتح هراة سنة (31 هـ) 4 / 301 ، وصالح مرودود 4 / 310 وأهل بلخ 4 / 313 ، وكان ممّن كتبت إليه عائشة من أهل البصرة 4 / 461.
    وخرج إلى علي (عليه السّلام) في فتنة البصرة ، فدعاه علي (عليه السّلام) إلى القعود بقومه من أهل البصرة عن قتاله ، فدعاهم فأجابوه فاعتزل بهم ، فلمّا ظفر علي (عليه السّلام) دخل معه وهم عشرة الآف رجل 4 / 497 أو ستّة الآف 4 / 468 أو أربعة الآف 4 / 501 وبايعه من جديد في العشي 4 / 541.
    ثمّ قدم الكوفة على علي (عليه السّلام) وكتب إلى عشيرته بالبصرة أنْ يشخصوا إلى الكوفة ليصيروا إلى صفّين فقدموا ـ وقعة صفّين / 24 ـ فكان على تميم وضبة والرباب ـ صفّين / 117 ـ ، ولكنّه كان يتخوّف من ذهاب العرب ـ صفّين / 387 ـ.
    ورشّح نفسه على علي (عليه السّلام) للتحكيم ، وذكر لين أبي موسى فأبى الأشعث بن قيس ـ صفّين / 501 ـ وأبى على علي (عليه السّلام) محو اسمه من إمرة المؤمنين في صفّين ـ صفّين / 508 ـ فلمّا جاء الأشعث يقرأ على النّاس قرار التحكيم ردّ عليه وتناوشه بسيفه رجل من بني تميم ، فجاء أهل اليمن لينتقموا من بني تميم فمضى الأحنف إليه واعتذر منه ـ صفّين / 513 ـ. ونصح أبا موسى أنْ لا ينخدع ـ صفّين / 536 ـ ، وكان يدخله علي (عليه السّلام) في المشورة مع بني هاشم ـ ط 5 / 53 ـ وخرج للخروج الثاني إلى صفّين ببني تميم في ألف وخمسمئة 5 / 78 ووفد على معاوية سنة (50 هـ) فأجازه مئة ألف 5 / 242.
    وأوفده ابن زياد سنة (59 هـ) إلى معاوية فأدخله عليه في آخر النّاس 5 / 317 وبايع عبيد الله بن زياد بعد يزيد ؛ ليكون أميراً على البصرة 5 / 507 وتعهد له أنْ يأتيه بداعية ابن الزبير ، فلمّا رأى امتناعه امتنع وقعد عنه 5 / 508.
    ولمّا أراد الأزد ردّ ابن زياد إلى دار الإمارة بعد هروبه ، اجتمع بنو تميم على الأحنف يشكون إليه رجوع ابن زياد إلى الحكم ، ومقتل رجال من تميم على يد الأزد ، فثار بهم على الأزد حتّى قتلوا مسعود بن عمرو ، زعيم الأزد ومجير ابن زياد ، ففرّ ابن زياد إلى الشام 5 / 519 ، ثمّ بايع لابن الزبير 5 / 615.
    ثمّ حارب المختار مع مصعب بن الزبير سنة (67 هـ) 6 / 95 وهو الذي أشار على مصعب بقتل جمع من استسلم من أصحاب المختار 6 / 116.
    وكأنّه كان ميّتاً سنة (71 هـ) 6 / 157.
    (1) كان على جذعة وبكر من عبد القيس يوم الجمل مع علي (عليه السّلام) 5 / 505. وكانت بحريّة بنته عند عبيد الله بن زياد ، فلمّا هجا يزيد بن المفرّغ الحميري آل زياد ، أجاره المنذر فلم يجره ابن زياد 5 / 318 ، ثمّ ولاّه ابن زياد السّند من بلاد الهند ، فمات بها سنة (62 هـ) ، كما في الإصابة 3 / 480.

    ومسعود بن عمرو (1) ، وقيس بن الهيثم (2) ، وعمرو بن عبد الله بن معمر :
    _________________
    (1) مسعود بن عمرو بن عدي الأزدي : قائد الأزد يوم البصرة 4 / 505.
    وهو الذي أجار ابن مرجانة لمّا نابذه النّاس ومنع عنه ، فمكث تسعين يوماً بعد موت يزيد ، ، ثمّ خرج إلى الشام 5 / 525 وبعث مسعود مع ابن زياد مئة من الأزد عليهم قرّة بن عمرو بن قيس حتّى قدموا به الشام 5 / 522 واستخلف حين توجّه إلى الشام مسعود بن عمرو على البصرة ، فخرج في قومه حتّى انتهى إلى القصر فدخله 5 / 525 ، فجاءت عصابة من الخوارج حتّى دخلوا المسجد ، ومسعود على المنبر يبايع من أتاه فرماه منهم مسلم من أهل فارس. دخل البصرة فأسلم ، ثمّ دخل في الخوارج 5 / 525 ، وكان هؤلاء أربعمئة من الأساورة ـ أي : الآشوريين ـ 5 / 519 أو خمسمئة مع : (ماه أفريدون) انتدبوا إلى بني تميم ، فقال له سلمة : أين تريدون؟ قالوا إيّاكم أردنا. قال : فتقدّموا. فكانوا أمامهم 5 / 518 فأصابوا قلبه فقتلوه ، وخرجوا وخرجت الأزد إليهم ، فقتلوا منهم وجرحوا حتّى طردوهم عن البصرة. وصدّق أناس من بني تميم ، أنّهم هم الذين بعثوا إليهم فقدموا بهم البصرة ، فازدلف الأزد إلى بني تميم فقُتل من الفريقين قتلى كثيرون ، ثمّ اصطلحوا على ديته بمئة ألف درهم عشر ديات 5 / 526.
    (2) القيس بن الهيثم السلمي : استخلفه عبد الله بن عامر على خراسان مع ابن عمّه عبد الله بن خازم سنة (32 هـ) ، فلمّا خرج منها عبد الله بن عامر جمع قارن أربعين ألفاً من : هراة وقهستان وطبس وبادغيس ، فأخرج ابن خازم عهداً من ابن عامر ، أنّه هو أمير خراسان إنْ كانت حرب ، وكان قد افتعله عمداً ، فخلاّه والبلاد 4 / 314. وأتى إلى البصرة فكانت الفتنة على عثمان ، واستنصر عثمان بأهل البصرة من عبد الله بن عامر فاستنصرهم ابن عامر ، فقام قيس بن الهيثم فخطب وحرّض النّاس على نصر عثمان ، فسارع النّاس إلى ذلك وأتاهم قتل عثمان فرجعوا 5 / 369. وقد قِيل : إنّه ولي شرطة البصرة على عهد معاوية لعبد الله بن عامر أيضاً سنة (41 هـ) 5 / 170 ، ثمّ بعثه والياً على خراسان سنتين (5 / 172) فاستبطأه في الخراج فأراد عزله ، فطلب إليه عبد الله بن خازم أنْ يولّيه إيّاها ، فهمّ أنْ يكتب له فبلغ ذلك قيساً فترك خراسان وأقبل ، فضربه ابن عامر 5 / 209 مئة وحلقه وحبسه ، وكان من أخواله فطلبت إليه أمّه فأخرجه 5 / 210 وبعث على خراسان رجلاً من بني يشكر 5 / 209 ، وهو : طفيل بن عوف اليشكري أو عبد الله بن أبي شيخ اليشكري سنة (44 هـ) 5 / 213 ، ثمّ عطف على قيس بن الهيثم فاستخلفه على البصرة إذ أراد القدوم على معاوية 5 / 213 فأنكحه معاوية ابنته هنداً ، ثمّ عزله عن البصرة سنة (44 هـ) 5 / 214 ثمّ ولّى معاوية على البصرة سنة (45 ه) زياد بن سميّة فبعث قيس بن الهيثم على : مرود الروذ والفارياب والطالقان 5 / 224.
    ثمّ وُلي خراسان خليفة عن عبد الرحمن بن زياد سنة (61 هـ) ـ أي : بعد مقتل الحسين (عليه السّلام) ـ من قبل يزيد بن معاوية حينما أراد عبد الرحمن القدوم على يزيد ، فعزله يزيد فانعزل قيس بن الهيثم 5 / 316 فلمّا هلك يزيد كان قيس بالبصرة ، فكتب إليه الضحّاك بن قيس يدعوه إلى نفسه 5 / 504. وكان رأي قيس

    «أمّا بعد ، فإنّ الله اصطفى محمّداً (صلّى الله عليه [وآله]) على خلقه ، وأكرمه بنبوّته واختاره لرسالته ، ثمّ قبضه الله إليه وقد نصح لعباده وبلّغ ما أرسل به (صلّى الله عليه [وآله]) ، وكنّا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته وأحقّ النّاس بمقامه في النّاس ، فاستأثر علينا قومنا بذلك فرضينا وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية ، ونحن نعلم أنّا أحقّ بذلك الحقّ المستحق علينا ممّن تولاّه (1) وقد أحسنوا وأصلحوا وتحرّوا الحقّ.
    وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب ، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه (صلّى الله عليه [وآله]) فإنّ السّنة قد أُميتت ، وإنّ البدعة قد أُحييت ، وإنْ تسمعوا قولي وتطيعوا أمري ، أهدكم سبيل الرشاد. والسّلام عليكم ورحمة الله».
    فكلّ مَن قرأ ذلك الكتاب من أشراف النّاس كتمه.
    غير المنذر بن الجارود ؛ فإنّه خشي بزعمه أنْ يكون [رسول الحسين (عليه السّلام) : سليمان] دسيساً من قبل عبيد الله فجاءه بالرسول من العشيّة التي يريد أنْ يسبق في صبيحتها إلى الكوفة ، وأقرأه كتابه إليه.
    فقدّم [عبيد الله] الرسول فضرب عنقه.
    وصعد منبر البصرة ...
    _________________
    ابن الهيثم مع النّعمان بن صهبان الراسبي إذ حكّمهما أهل البصرة فيمَن يتولّى أمرهم بعد ابن زياد في بني أميّة ، ثمّ اتّفق رأيهما على مضري هاشمي 5 / 512. وكان على الشرطة والمقاتلة في البصرة لابن الزبير في مقاتلة مثنى بن مخرّبة العبدي البصري الداعي إلى المختار سنة (66 هـ) 6 / 67. وكان على خمس أهل العالية مع مصعب بن الزبير لمقاتلة المختار سنة (67 هـ) 6 / 95. وكان سنة (71 هـ) ، يستأجر الرجال يُقاتلون معه خالد بن عبد الله داعية عبد الملك بن مروان معيناً لابن الزبير ـ 6 / 71 ـ. وكان يحذّر أهل العراق من الغدر بمصعب 6 / 157. وهذا آخر عهدنا به ، فلعلّه قُتل مع أصحاب مصعب بيد عبد الملك بن مروان سنة (71 هـ).
    (1) وهذا يدلّ على أنّ رضاهم به إنّما كان خشية الفرقة ودفعاً للشرّ ، لا رضا طوعٍ ورغبة.

    [خطبة ابن زياد بالبصرة]
    فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فوالله ، ما تقرن بي الصعبة (1) ولا يقعقع (2) لي ، وإنّي لنكل (3) لمَن عاداني ، وسمّ لمَن حاربني : أنصف القارّة مَن راماها (4).
    يا أهل البصرة ، إنّ أمير المؤمنين ولاّني الكوفة ، وأنا غاد إليها الغداة وقد استخلفت عليكم عثمان بن زياد بن أبي سفيان ، وإيّاكم والخلاف والإرجاف ، فوالذي لا إله غيره ، لئن بلغني عن رجل منكم خلاف لأقتلنّه وعريفه ووليّه ، ولآخذنّ الأدنى بالأقصى حتّى تستمعوا لي ، ولا يكون فيكم مخالف ولا مشاق.
    أنا ابن زياد أشبهه من بين مَن وطأ الحصى ، ولمْ ينتزعني شبه خال ولا ابن عمّ (5).
    _________________
    (1) الصعبة : الناقة صعبة القياد. كأنّه يقول : أنا راكب البصرة وقائدها ، فلا أجعلها تكون لي صعبة القياد.
    (2) القعقعة : الصوت. كأنّه يقول : لا أدع النّاس يتكلمون ببغضي وكراهتي.
    (3) أي : معذّب من النّكل ، أي : العذاب والانتقام.
    (4) كذا في الطبري ، وهو رجز لرجل : من قبيلة تدعى القارّة. وكانوا حذّقاً في الرماية في الجاهلية ، فالتقى رجل منهم بآخر من غيرهم ، فقال له القارّي : إنْ شئت صارعتك ، وإنْ شئت سابقتك ، وإن شئت راميتك؟ فقال الآخر : قد اخترت المراماة. فقال الرجل القاري :
    قد أنصف القارة من راماها
    إنّا إذا ما فئة نلقاها

    نردّ أولاها على أخراها
    ثمّ رماه بسهم فشكّ به فؤاده ، فلعلّ ابن زياد قال : قد أنصفت القارّة مَن راماها ، يُشير إلى أنّ من اختار المراماة معنا ـ بني أميّة ـ كان كمَن اختار المراماة مع الرجل القارّي ؛ فانّ بني أميّة حذّاق في المراماة كما كانت قبيلة القارّة حذّقاً فيها.
    (5) يريد : أنّه يُشبه أباه في نكله ونقمته وشدّة وطأته وبطشه ، ولا يُشبه خاله العجم ، ولا ابن عمّه

    [دخول ابن زياد إلى الكوفة]
    ثمّ خرج من البصرة وأقبل إلى الكوفة ، ومعه مسلم بن عمرو الباهلي (1) وشريك بن الأعور الحارثي (2) وحشمه وأهل بيته بضعة عشر رجلاً (3) حتّى دخل الكوفة ، وعليه عمامة سوداء وهو متلثمّ والنّاس قد بلغهم إقبال حسين (عليه السّلام) إليهم ، فهم ينتظرون قدومه فظنّوا ـ حين قدم عبيد الله ـ أنّه الحسين (عليه السّلام) فأخذ لا يمرّ على جماعة من النّاس إلاّ سلّموا عليه ، وقالوا : مرحباً بك يابن رسول الله ، قدمت خير مقدم. فرأى من تباشيرهم بالحسين (عليه السّلام) مساءه وغاضه ما سمع منهم ، وقال : ألاَ أرى هؤلاء كما أرى. فلمّا أكثروا ، قال مسلم بن عمرو الباهلي : فأخّروا ، هذا الأمير عبيد الله بن زياد!
    فلمّا دخل القصر وعلم النّاس أنّه عبيد الله بن زياد دخلهم من ذلك كآبة وحزن شديد (4).
    _________________
    يزيد فيما اشتُهر فيه من : الغناء والطرب والمجون ، والصيد والعبث واللهو. وذكر الخبر السّبط في تذكرته / 199.
    (1) سبقت ترجمته في هامش الهامش الثاني لصفحة 102.
    (2) استعمل على إصطخر فارس فبنى مسجداً بها سنة (31 هـ) 4 / 301 ، وشهد صفّين مع علي 5 / 361 ، وبعثه علي (عليه السّلام) مع جارية بن قدامة السّعدي في رجال من بني تميم إلى البصرة لقتال ابن الحضرمي ومن معه ممّن أجاب دعوته إلى معاوية سنة (38 هـ) 5 / 112. وبعثه عبد الله بن عامر إلى البصرة مع ثلاثة الآف من فرسان ربيعة ؛ لقتال المستورد بن علّفة الخارجي 5 / 193 ، ووُلي كرمان من قبل عبيد الله بن زياد سنة (59 هـ) 5 / 321 ولبث بعد وصوله الكوفة أيّاماً فمات ، فصلّى عليه ابن زياد 5 / 364.
    (3) وروى الطبري : عن عيسى بن يزيد الكناني ، أنّه قال : لمّا جاء كتاب يزيد إلى عبيد الله ابن زياد ، انتخب من أهل البصرة خمسمئة ، فيهم : عبد الله بن الحارث بن نوفل وشريك بن الأعور 5 / 359.
    (4) 5 / 357. قال أبو مِخْنف : حدثنى الصقعب بن زهير ، عن أبي عثمان الهندي ، قال ... الإرشاد / 206 ، والخوارزمي / 200.

    [خطبة ابن زياد عند دخوله الكوفة]
    [و] لمّا نزل القصر [وأصبح] ، نودي : الصلاة جامعة ، فاجتمع النّاس فخرج فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :
    أمّا بعد ، فإنّ أمير المؤمنين ـ أصلحه الله ـ ولاّني مصركم وثغركم ، وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم ، وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم ، وبالشدّة على مريبكم وعاصيكم ، وأنا متّبع فيكم أمره ومنفذ فيكم عهده ، فأنا لمحسنكم ومطيعكم كلوالد البرّ ، وسوطي وسيفي على مَن ترك أمري وخالف عهدي ، فليبقَ امرؤ على نفسه ، الصدق ينبئ عنك لا الوعيد.
    ثمّ نزل فأخذ العرفاء والناس أخذاً شديداً ، فقال : اكتبوا إليّ الغرباء ومَن فيكم من طلبة أمير المؤمنين ومَن فيكم من الحروريّة (1) وأهل الريب الذين رأيهم الخلاف والشقاق ، فمَن كتبهم لنا فبرئ ، ومَن لمْ يكتب لنا أحداً فيضمن لنا ما في عرافته ألاّ يخالفنا منهم مخالف ، ولا يبغي علينا منهم باغ ، فمَن لمْ يفعل برءت منه الذمّة وحلال لنا ماله وسفك دمه. وأيّما عرّيف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لمْ يرفعه إلينا صلب على باب داره ، وأُلقيت تلك العرّافة من العطاء وسيّر إلى موضع بعمان الزارة (2) ، (3).
    _________________
    (1) أي : الخوارج ، نسبته إلى حروراء من نواحي الكوفة أوّل موضع اجتمع به الخوارج في منصرفهم من صفّين قبل وصولهم إلى الكوفة. والعرّافة : كانت من وظائف الدولة لمعرفة الرعيّة وتنظيم عطائهم من بيت المال ، وقد كان بالكوفة : (مئة عرّيف). وكان العطاء يدفع إلى امرء أرباع الكوفة الأربعة ، فيدفعونه إلى : العرفاء والنقباء وإلاّمناء فيدفعونه إلى أهله في دورهم 4 / 49 ، وكان يؤمر لهم بعطائهم في المحرم من كلّ سنة ، وبفيئهم عند طلوع الشعرى في كلّ سنة ؛ وذلك إدراك الغلاّت 4 / 43 ، وكانت العرّافة حتّى على عهد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) 3 / 448.
    (2) عمان الزّارة ، هي : عمان المعروفة على ساحل الخليج قرب بحر عمان ، وهي حارّة شديدة الحرارة ؛ ولذلك يُوعد ابن زياد بتبعيد المخالفين إليها لشدّة العيش به.
    (3) والخبر 5 / 358. قال ابو مِخْنف : حدثني المعلّى بن كليب ، عن أبي ودّاك ، قال ... الإرشاد / 202 ،

    [انتقال مسلم من دار المختار إلى دار هاني]
    وسمع مسلم بن عقيل مجيء عبيد الله ومقالته التي قالها ، وما أخد به العرفاء والنّاس فخرج من دار المختار ، وقد علم به حتّى انتهى إلى دار هانئ بن عروة المرادي ، فدخل بابه وأرسل إليه أنْ اخرج ، فخرج إليه هانئ وكره مكانه حين رآه. فقال له مسلم : أتيتك لتجيرني وتضيّفني. فقال : رحمك الله! لقد كلفتني شططاً ولو لا دخولك داري وثقتك ، لأحببت ولسألتك أنْ تخرج عنّي ، غير أنّه يأخذني من ذلك ذمام وليس مردود مثلي على مثلك عن جهل ، أدخل فآواه.
    وأخذت الشيعة تختلف إليه في دار هانئ بن عروة (2)
    وقد كان مسلم بن عقيل ، حيث تحوّل إلى دار هانئ بن عروة وبايعه ثمانية عشر ألفاً ، قدّم كتاباً إلى حسين (عليه السّلام) مع عابس بن أبي شبيب الشاكري (3)
    _________________
    والخواص / 200.
    (1) قال المسعودي : هو شيخ مراد وزعيمها ، وهو يومئذٍ يركب في أربعة الآف دارع وثمانية الآف راجل ، وإذا أجابتها أحلافها من كندة وغيرها كان في ثلاثين ألف دارع. مروج الذهب 3 / 69.
    ومن هنا يُعلم لماذا خرج مسلم من دار المختار إلى دار هانئ بن عروة شيخ العشيرة ، ولكنّه كان كما قال المسعودي : فلمْ يجد زعيمهم منهم أحداً ، فشلاً وخذلاناً. كان هو وأبوه من الصحابة ، وقُتل وهو ابن ثمانين أو تسعين سنة ، كما في طبقات ابن سعد.
    وذكر المبرّد في الكامل : إنّ أباه كان من الخارجين مع حجر بن عدي فشفع فيه زياد بن أبيه ؛ ولذلك قال له ابن زياد ـ كما روى الطبري ـ : يا هانئ ، أمَا تعلم أنّ أبي قدم هذا البلد ، فلمْ يترك أحداً من هذه الشيعة إلاّ قتله غير أبيك وغير حجر ، وكان من حجر ما قد علمت؟ ثمّ لمْ يزل يحسن صحبتك ، ثمّ كتب إلى أمير الكوفة : إنّ حاجتي قبلك هانئ. قال : نعم. قال : فجزائي أنْ خبّأت في بيتك رجلاً ليقتلني!
    (2) عن أبي منحف عن المعلّي بن كليب عن أبي الودّاك 5 : 361.
    (3) قال ابو مِخْنف : حدّثني جعفر بن حذيفة الطائي ... 5 / 375.

    أمّا بعد ، فإنّ الرائد لا يكذب أهله ، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفاً ، فعجّل الإقبال حين يأتيك كتابي ؛ فإنّ النّاس كلّهم معك ، ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى. والسّلام.
    وكان [ذلك] قبل أنْ يُقتل لسبع وعشرين ليلة (1)
    [تجسّس معقل الشامي على مسلم (عليه السّلام)]
    ودعا ابن زياد مولى له ، يقال له : معقل (2). فقال له : خذ ثلاثة الآف درهم ، ثمّ اطلب مسلم بن عقيل واطلب لنا أصحابه ، ثمّ أعطهم هذه الثلاثة الآف ، فقل لهم : استعينوا بها على حرب عدوّكم ، وأعلمهم أنّك منهم ، فانّك لو أعطيتها إيّاكم طمأنّوا إليك ووثقوا بك ، ولمْ يكتموك شيئاً من أخبارهم ، ثمّ اغد عليهم ورح.
    فجاء [معقل] حتّى أتى إلى مسلم بن عوسجة الأسدي (3) في المسجد الأعظم ، وهو يصلّي و [كان] سمع النّاس ، يقولون : إنّ هذا يبايع للحسين (عليه السّلام). فجاء حتّى فرغ من صلاته ، ثمّ قال : يا عبد الله ، إنّي امرؤ من أهل الشام مولى لذي الكلاع ، أنعم الله عليّ بحبّ أهل هذا البيت وحبّ مَن أحبّهم ، فهذه ثلاثة الآف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنّه قدم الكوفة
    _________________
    (1) قال أبو مِخْنف : وحدّثني محمّد بن قيس 5 / 395.
    (2) وروى الطبري : عن عيسى بن يزيد الكناني : أنّ مسلم بن عقيل قدم قبل ابن زياد بليلة واخبر ابن زياد بذلك وأنّه بناحية الكوفة ، فدعا مولى لبني تميم فأعطاه مالاً ، وقال : انتحل هذا الأمر وأعنهم بالمال ، واقصد لهانئ ومسلم وأنزله عليه 5 / 360.
    (3) قال شبث بن ربعي لبعض مَن حوله من أصحابه : إذ تنادوا بقتل مسلم بن عوسجة ثكلتكم اُمّهاتكم ، إنّما تقتلون أنفسكم بأيديكم وتذللون أنفسكم لغيركم ، تفرحون أنْ يقتل مثل مسلم بن عوسجة! أمَا والذي أسلمت له ، لربّ موقف له قد رأيته في المسلمين كريم ، لقد رأيته يوم سلق آذربايجان قتل ستة من المشركين قبل تتامّ خيول المسلمين ، أفيُقتل منكم مثله وتفرحون؟! 5 / 436.

    يبايع لابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) ، وكنت أريد لقاءه فلمْ أجد أحداً يدلّني عليه ولا يعرف مكانه ، فإنّي لجالس آنفاً في المسجد إذ سمعت نفراً من المسلمين يقولون : هذا رجل له علم بأهل هذا البيت ، وإني أتيتك لتقبض هذا المال وتدخلني على صاحبك فأبايعه ، وإنْ شئت أخذت بيعتي له قبل لقائه.
    فقال [له مسلم بن عوسجة] : أحمد الله على لقائك إيّاي ، فقد سرّني ذلك ؛ لتنال ما تحبّ ولينصر الله بك أهل بيت نبيّه ، ولقد ساءني معرفتك إيّاي بهذا الأمر من قبل أنْ ينمى مخافة هذا الطاغية وسطوته. فأخذ بيعته قبل أنْ يبرح وأخذ عليه المواثيق المغلظة ليناصحنّ وليكتمنّ ، فأعطاه من ذلك ما رضي به. ثمّ قال : اختلف إليّ أيّاماً في منزلي فأنا طالب لك الإذن على صاحبك. فطلب له الإذن فأخذ يختلف مع النّاس (1).
    [مؤتمر قتل ابن زياد]
    مرض هانئ بن عروة فجاء عبيد الله [ابن زياد] عائداً له ، فقال له عمارة بن عبيد السّلولي (2) : إنّما جماعتنا وكيدنا قتل هذا الطاغية ، فقد أمكنك الله منه فاقتله. قال هانئ : ما أحبّ أنْ يُقتل في داري [فعاده ابن زياد و] خرج.
    فما مكث إلاّ جمعة حتّى مرض شريك بن الأعور [الحارثي] ، وكان كريماً على ابن زياد وعلى غيره من الامرء ، وكان شديد التشيّع ، فأرسل إليه عبيد الله [ابن زياد] إنّي رائح إليك العشيّة. فقال [شريك] لمسلم : إنّ هذا الفاجر
    _________________
    (1) عن أبي مِخْنف عن المعلّى بن كليب ، عن أبي السوّاك ، قال : 5 / 361 ، الإرشاد / 207 ، والخواص / 201.
    (2) هو : من رُسل أهل الكوفة إلى الإمام (عليه السّلام) بمكّة بثلاث وخمسين صحيفة ، وسرّحه الإمام مع مسلم بن عقيل وقيس بن مسهر الصيداوي ، وعبد الرحمن الأرحبي إلى الكوفة 5 / 343 ـ 344.

    عائدي العشيّة ، فإذا جلس فاخرج إليه فاقتله ، ثمّ اقعد في القصر ليس أحد يحول بينك وبينه ، فإنْ بُرءت من وجعي هذا أيّامي هذه ، سرت إلى البصرة وكفيتك أمرها.
    فلمّا كان من العشي أقبل عبيد الله [ابن زياد] لعيادة شريك [الحارثي] فقام مسلم بن عقيل ليدخل ، وقال له شريك : لا يفوتنّك إذا جلس. فقام هانئ بن عروة إليه ، فقال : إنّي لا أحبّ أنْ يُقتل في داري ـ كأنّه استقبح ذلك ـ. فجاء عبيد الله بن زياد فدخل فجلس فسأل شريكاً عن وجعه ، وقال : ما الذي تجد؟ [و] طال سؤاله إياه.
    و [لمّا] رأى [شريك] أنّ [مسلم] لا يخرج ، خشي أنْ يفوته فأخذ يقول : ما تنظرون بسلمى أنْ تحيّوها أسقنيها وإنْ كانت فيها نفسي. قال ذلك مرّتين أو ثلاثاً.
    فقال عبيد الله : ما شأنه ، أترونه يهجر؟
    فقال له هانئ : نعم ، أصلحك الله! ما زال هذا دُيدنه قُبيل عماية الصبح حتّى ساعته هذه.
    [فـ] ـقام [ابن زياد و] انصرف.
    فخرج مسلم. فقال له شريك : ما منعك من قتله؟ فقال : خصلتان.
    أمّا أحدهما ، فكراهة هانئ أنْ يُقتل في داره.
    وأمّا الآخرى ، فحديث حدّثه النّاس عن النبيّ (صلّى الله عليه [وآله]) : «إنّ الإيمان قيد الفتك ، ولا يفتك مؤمن».
    فقال هانئ : أمَا والله ، لو قتلته لقتلت فاسقاً فاجراً كافراً غادراً ، ولكن كرهت أنْ يُقتل في داري! (1)
    _________________
    (1) عن أبي مِخْنف : عن المعلّى بن كليب عن أبي الودّاك ، قال ... 5 / 361.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    وقعة الطف لابو مخنف Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة الطف لابو مخنف   وقعة الطف لابو مخنف Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 4:28 pm

    ثمّ كتب إليه عمر بن سعد بن أبي وقاص (1) بمثل ذلك (2).
    _________________
    وكان منزله مع أخيه برحبة الكوفة 4 / 274 ، وكانت ابنته اُمّ أيّوب تحت المغيرة بن شعبة ، فلمّا مات تزوّجها زياد بن أبيه 5 / 18 وهو الذي سعى عند زياد على عمر بن الحمق 5 / 236 ، جئ بأبيه عقبة بن أبي معيط إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كافراً ، فأمر به أنْ يُضرب عنقه ، فقال : يا محمّد َمَن للصبيّة؟ قال (ص) : «النّار» 5 / 349. وكان حاضراً في القصر يوم مقتل مسلم 5 / 376 ، وهو الذي سعى بالمختار إلى ابن زياد يوم خروج مسلم 5 / 570 ، ثمّ تُخفى أخباره بعد هذا.
    (1) اُمّه : بشرى بنت قيس بن أبي الكيسم من سبي المرتدّين بعد رسول الله 3 / 341 فيكون من مواليد أوائل العشر الثاني من الهجرة ، وله يوم كربلاء زهاء خمسين سنة. وفي سنة سبعة عشر أو تسعة عشر بعثه أبوه سعد مع عياض بن غنم ؛ لفتح أرض الجزيرة ـ أي : شمال العراق وسورية ـ ، وهو يومئذٍ غلام حدث السنّ 4 / 53.
    وفي سنة (37 هـ) لمْ يدع عمر أباه حتّى أطمعه في حضور التحكيم ، فأحضره في أذرخ في دومة الجندل ، وكان أبوه على ماء لبني سليم بالبادية ، فقال : يا أبتِ ، أشهدهم فإنّك صاحب رسول الله (ص) وأحد الشورى ، فاحضر فإنّك أحقّ النّاس بالخلافة 5 / 356. وكره وصيّة مسلم بن عقيل إليه وأفشاه لابن زياد ، فقال ابن زياد : إنّه لا يخونك الأمين ، ولكن قد يؤتمن الخائن 5 / 377. وأراد محمّد بن الكندي أنْ يؤمّره على الكوفة بعد قتل ابن زياد ، فجاء رجال بني همدان متقلّدين السّيوف وجاءت نساؤهم يبكين حسيناً (عليه السّلام) 5 / 524 وبعث إليه المختار أبا عمرة فقتله ، وجاءه برأسه ، ثمّ قتل ابنه حفص بن عمر ، وقال : والله ، لو قُتلت ثلاثة أرباع قريش ما وفوا بأنملة من أنامل الحسين (عليه السّلام) ، وبعث برأسيهما إلى المدينة إلى محمّد بن الحنفيّة 6 / 2 ـ 61.
    (2) قال هشام ، قال عوانة : فلمّا اجتمعت الكتب عند يزيد ليس بين كتبهم إلاّ يومان ، دعا يزيد بن معاوية سرجون (1) مولى معاوية فقال : ما رأيك؟ فانّ حسيناً قد توجّه نحو الكوفة ، ومسلم بن عقيل بالكوفة يبايع للحسين ، وقد بلغني عن النّعمان ضعف وقول سيّىء .. فما ترى؟ مَن استعمل على الكوفة ، وكان يزيد عاتباً على عبيد الله بن زياد؟
    فقال سرجون : أرأيت معاوية لو نشر لك أكنت آخذاً برأيه؟ قال : نعم. فأخرج عهد عبيد الله على الكوفة ، فقال هذا رأي معاوية ، ومات وقد أمر بهذا الكتاب.
    فأخذ برأيه ، ثمّ دعا مسلم بن عمرو الباهلى (2) فبعثه إلى عبيد الله بعهده إلى البصرة ، وكتب إليه
    _________________
    (1) سرجون بن منصور الرومي ، كان كاتب معاوية وصاحب أمره في الديوان. 5 / 230 ، 6 / 180.
    (2) مسلم بن عمرو الباهلي ، كان مع زياد بن أبيه في البصرة شريفاً في باهلة عريفاً سنة (46 هـ) عليها معه.

    [كُتب الإمام (عليه السّلام) إلى أهل البصرة]
    كتب الحسين (ع) مع مولى لهم ، يقال له : سليمان (1) بنسخة [واحدة] إلى
    _________________
    أمّا بعد ، فإنّه كُتب إليّ شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أنّ ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع لشقّ عصا المسلمين ، فسرْ حين تقرأ كتابي هذا حتّى تأتي أهل الكوفة فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة حتّى تثقفه ، فتوثقه أو تقتله أو تنفيه ، والسّلام.
    فأقبل مسلم بن عمرو حتّى قدم على عبيد الله بالبصرة ، فأمر عبيد الله بالجهاز والتهيّؤ والمسير إلى الكوفة من الغد 5 / 357.
    وروى بسنده عن عمّار الدهني (3) عن أبي جعفر الباقر (عليه السّلام) :
    «فدعا مولى له يقال له : سرجون ـ وكان يستشيره ـ فأخبره الخبر ، فقال له : أكنت قابلاً من معاوية لو كان حيّاً؟ قال : نعم. قال : فاقبل منّي ، فإنّه ليس للكوفة إلاّ عبيد الله بن زياد ، فولّها إيّاه وكان يزيد عليه ساخطاً ، وكان همّ بعزله عن البصرة ـ فكتب إليه برضائه وأنّه ولاّه الكوفة مع البصرة ، وكتب إليه أنْ يطلب مسلم بن عقيل فيقتله إنْ وجده» 5 / 348.
    (1) اختلفوا في اسم رسول الحسين (عليه السّلام) هذا إلى البصرة بكتابه ، فهو : هنا سليمان ، وكذلك في
    _________________
    5 / 228 ، ثمّ سكن الشام فكان بصريّاً شاميّاً ، ورجع من الشام إلى البصرة بكتاب يزيد إلى ابن زياد ، ثمّ معه إلى الكوفة ، وتكلّم مع هانئ بن عروة إذ أدخل على ابن زياد ليسلّم إليه مسلم بن عقيل (عليه السّلام) 5 / 366 ، وشتم مسلم بن عقيل حين انتهائه إلى باب القصر وطلبه ماء 5 / 376. ثمّ ازدلف إلى مصعب بن الزبير فبعثه لحرب ابن الحرّ الجُعفي فهزم سنة (68 هـ) 6 / 132 ، وكان كلوزير لمصعب 6 / 136 ، وقُتل معه بدير الجاثليق في الحرب مع مروان سنة (71 هـ) 6 / 158 ، وكان يحبّ المال حبّاً جمّاً 5 / 432 ، وكان له سبعة بنون : قتيبة وعبد الرحمن وعبد الله ، وعبيد الله وصالح وبشار ومحمّد 6 / 516 وصاروا هؤلاء بعده إلى الحجّاج بن يوسف ، فولّى قتيبة على خراسان سنة (86 هـ) 6 / 424 ، فغزا وفتح : بيكند ونوشكث ورامثين ، وبخارى وشومان وكشّ ، ونسف وخام جرد وسمرقند ، وشاش وفرغانة وكاشغر ، وحدود الصين وصالح نيزك والسغد ، وخوارزم شاه ، وقُتل مع إخوته سنة (96 هـ) ، 6 / 429 ـ 506.
    (1) عمّار الدهني : أبو معاوية بن عمّار ، من أصحاب الإمام الصادق والإمام الكاظم (عليهما السّلام) ، وكان أبوه عمّار ثقة في العامّة وجهاً يكنّى : أبا معاوية ، وروى أحياناً عن أبي جعفر الباقر (عليه السّلام) ـ رجال العلاّمة / 166 ـ ولعمّار كتاب ، كما في الفهرست لابن النديم / 235 ، ط أورپا.

    رؤوس الأخماس بالبصرة (1) ، وإلى الأشراف مالك بن مسمع البكري (2) ، والأخنف بن قيس (3) ،
    _________________
    مقتل الخوارزمي عن ابن الأعثم 1 / 199 وفي اللهوف ، إلاّ أنّه كنّاه : بأبي رزين وهو اسم أبيه ، واُمّه كبشة ، جارية للحسين (عليه السّلام) كانت تخدم في بيت اُمّ إسحاق التيميّة من زوجات الحسين (عليه السّلام) ، فتزوّجها أبو رزين فولدها سليمان.
    وفي مثير الأحزان لابن نما / 12 : أنّه أرسل الكتاب مع ذريع السّدوسي. وذكر الاثنين معاً السيّد الأمين في لواعج الأشجان / 36.
    (1) كانت البصرة قد قُسّمت خمسة أخماس ، ولكلّ خمس منها رئيس من الأشراف.
    (2) مالك بن مسمع البكري الجحدري : كان على بني بكر بن وائل في البصرة 4 / 505 ، ثمّ آوى مروان بن الحكم يوم الهزيمة ، وحفظ لهم بنو مروان ذلك بعد وانتفعوا به عندهم وشرّفوهم بذلك 4 / 536 وكان رأيه مائلاً إلى بني اُميّة ، فلمْ ينصر زياداً على ابن الحضرمي الذي كان وجّهه معاوية إلى البصرة للدعاء إلى نفسه 5 / 110 ، وهو الذي بايع ابن مرجانة بعد هلاك يزيد ، ولكنّه نكث بيعته له فعدى مع جماعة على بيت المال ، فنهبوه 5 / 505.
    ثمّ اتّهم بعد هذا أنّه كان يحاول أنْ يردّ ابن زياد إلى دار الإمارة بالبصرة 5 / 512. وقد كان مالك بن مسمع مملكاً على بكر بن وائل من ربيعة اليمن ، وهم اللهازم وهم بنو قيس بن ثعلبة وحلفاؤهم : غزة وشيع اللات ، وحلفاؤها : عجل وآل ذهل بن ثعلبة ، وحلفاؤها : يشكر وضيعة بن ربيعة بن نزار ، فهؤلاء من أهل الوبر وحنيفة من أهل المدر 5 / 515 ، ثمّ لمّا لحق الأزد بالبصرة في آخر خلافة معاوية وأوّل خلافة يزيد بن معاوية ، أتاهم مالك بن مسمع فجدّد معهم الحلف 5 / 516 ، وفي سنة (64 هـ) جدّد الحلف معهم ، وعليهم مسعود بن عمرو المعنى فخرجوا على عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب القرشي الهاشمي ؛ ليردّوا ابن زياد إلى دار الإمارة ، فهُزموا وأُحرق دار مالك بن مسمع 5 / 521. ودافع عن أصحاب المختار بالبصرة حمية من دون أنْ يكون على رأيهم 6 / 68 ، ثمّ كان على خمس بكر بن وائل مع مصعب في حربه المختار 6 / 95 ، ثمّ أجار خالد بن عبد الله بن خالد بن سيّد الذي قد وجّهه عبد الملك بن مروان داعياً له إلى البصرة ، وقاتل دونه حتّى أُصيبت عينه فضجر من الحرب فاستأمن عبيد الله بن عبيد الله بن معمر ، خليفة مصعب فآمنه فأخرج خالداً من البصرة ، ثمّ خاف من المصعب فلحق مع قومه بثأج 6 / 152 ـ 155 ، فهدم المصعب داره 6 / 155 ، ثمّ تخفى أخباره.
    (3) الأحنف صخر بن قيس أبو بحر السّعدي : روى عن العبّاس بن عبد المطلب 1 / 263 ، وأوفده عتبة بن غزوان سنة (17 هـ) إلى عمر مع وفد أهل البصرة 4 / 74 ، وحارب فيمَن حارب من أهل البصرة

    والمنذر بن الجارود (1) ،
    _________________
    أهل فارس سنة (17 هـ) 4 / 81 ، ودفع إليه عمر لواء خراسان ؛ لفتحه نزولاً على رأيه 4 / 94 فطارد يزدجرد حتّى قُتل 4 / 171 وفتح هراة سنة (31 هـ) 4 / 301 ، وصالح مرودود 4 / 310 وأهل بلخ 4 / 313 ، وكان ممّن كتبت إليه عائشة من أهل البصرة 4 / 461.
    وخرج إلى علي (عليه السّلام) في فتنة البصرة ، فدعاه علي (عليه السّلام) إلى القعود بقومه من أهل البصرة عن قتاله ، فدعاهم فأجابوه فاعتزل بهم ، فلمّا ظفر علي (عليه السّلام) دخل معه وهم عشرة الآف رجل 4 / 497 أو ستّة الآف 4 / 468 أو أربعة الآف 4 / 501 وبايعه من جديد في العشي 4 / 541.
    ثمّ قدم الكوفة على علي (عليه السّلام) وكتب إلى عشيرته بالبصرة أنْ يشخصوا إلى الكوفة ليصيروا إلى صفّين فقدموا ـ وقعة صفّين / 24 ـ فكان على تميم وضبة والرباب ـ صفّين / 117 ـ ، ولكنّه كان يتخوّف من ذهاب العرب ـ صفّين / 387 ـ.
    ورشّح نفسه على علي (عليه السّلام) للتحكيم ، وذكر لين أبي موسى فأبى الأشعث بن قيس ـ صفّين / 501 ـ وأبى على علي (عليه السّلام) محو اسمه من إمرة المؤمنين في صفّين ـ صفّين / 508 ـ فلمّا جاء الأشعث يقرأ على النّاس قرار التحكيم ردّ عليه وتناوشه بسيفه رجل من بني تميم ، فجاء أهل اليمن لينتقموا من بني تميم فمضى الأحنف إليه واعتذر منه ـ صفّين / 513 ـ. ونصح أبا موسى أنْ لا ينخدع ـ صفّين / 536 ـ ، وكان يدخله علي (عليه السّلام) في المشورة مع بني هاشم ـ ط 5 / 53 ـ وخرج للخروج الثاني إلى صفّين ببني تميم في ألف وخمسمئة 5 / 78 ووفد على معاوية سنة (50 هـ) فأجازه مئة ألف 5 / 242.
    وأوفده ابن زياد سنة (59 هـ) إلى معاوية فأدخله عليه في آخر النّاس 5 / 317 وبايع عبيد الله بن زياد بعد يزيد ؛ ليكون أميراً على البصرة 5 / 507 وتعهد له أنْ يأتيه بداعية ابن الزبير ، فلمّا رأى امتناعه امتنع وقعد عنه 5 / 508.
    ولمّا أراد الأزد ردّ ابن زياد إلى دار الإمارة بعد هروبه ، اجتمع بنو تميم على الأحنف يشكون إليه رجوع ابن زياد إلى الحكم ، ومقتل رجال من تميم على يد الأزد ، فثار بهم على الأزد حتّى قتلوا مسعود بن عمرو ، زعيم الأزد ومجير ابن زياد ، ففرّ ابن زياد إلى الشام 5 / 519 ، ثمّ بايع لابن الزبير 5 / 615.
    ثمّ حارب المختار مع مصعب بن الزبير سنة (67 هـ) 6 / 95 وهو الذي أشار على مصعب بقتل جمع من استسلم من أصحاب المختار 6 / 116.
    وكأنّه كان ميّتاً سنة (71 هـ) 6 / 157.
    (1) كان على جذعة وبكر من عبد القيس يوم الجمل مع علي (عليه السّلام) 5 / 505. وكانت بحريّة بنته عند عبيد الله بن زياد ، فلمّا هجا يزيد بن المفرّغ الحميري آل زياد ، أجاره المنذر فلم يجره ابن زياد 5 / 318 ، ثمّ ولاّه ابن زياد السّند من بلاد الهند ، فمات بها سنة (62 هـ) ، كما في الإصابة 3 / 480.

    ومسعود بن عمرو (1) ، وقيس بن الهيثم (2) ، وعمرو بن عبد الله بن معمر :
    _________________
    (1) مسعود بن عمرو بن عدي الأزدي : قائد الأزد يوم البصرة 4 / 505.
    وهو الذي أجار ابن مرجانة لمّا نابذه النّاس ومنع عنه ، فمكث تسعين يوماً بعد موت يزيد ، ، ثمّ خرج إلى الشام 5 / 525 وبعث مسعود مع ابن زياد مئة من الأزد عليهم قرّة بن عمرو بن قيس حتّى قدموا به الشام 5 / 522 واستخلف حين توجّه إلى الشام مسعود بن عمرو على البصرة ، فخرج في قومه حتّى انتهى إلى القصر فدخله 5 / 525 ، فجاءت عصابة من الخوارج حتّى دخلوا المسجد ، ومسعود على المنبر يبايع من أتاه فرماه منهم مسلم من أهل فارس. دخل البصرة فأسلم ، ثمّ دخل في الخوارج 5 / 525 ، وكان هؤلاء أربعمئة من الأساورة ـ أي : الآشوريين ـ 5 / 519 أو خمسمئة مع : (ماه أفريدون) انتدبوا إلى بني تميم ، فقال له سلمة : أين تريدون؟ قالوا إيّاكم أردنا. قال : فتقدّموا. فكانوا أمامهم 5 / 518 فأصابوا قلبه فقتلوه ، وخرجوا وخرجت الأزد إليهم ، فقتلوا منهم وجرحوا حتّى طردوهم عن البصرة. وصدّق أناس من بني تميم ، أنّهم هم الذين بعثوا إليهم فقدموا بهم البصرة ، فازدلف الأزد إلى بني تميم فقُتل من الفريقين قتلى كثيرون ، ثمّ اصطلحوا على ديته بمئة ألف درهم عشر ديات 5 / 526.
    (2) القيس بن الهيثم السلمي : استخلفه عبد الله بن عامر على خراسان مع ابن عمّه عبد الله بن خازم سنة (32 هـ) ، فلمّا خرج منها عبد الله بن عامر جمع قارن أربعين ألفاً من : هراة وقهستان وطبس وبادغيس ، فأخرج ابن خازم عهداً من ابن عامر ، أنّه هو أمير خراسان إنْ كانت حرب ، وكان قد افتعله عمداً ، فخلاّه والبلاد 4 / 314. وأتى إلى البصرة فكانت الفتنة على عثمان ، واستنصر عثمان بأهل البصرة من عبد الله بن عامر فاستنصرهم ابن عامر ، فقام قيس بن الهيثم فخطب وحرّض النّاس على نصر عثمان ، فسارع النّاس إلى ذلك وأتاهم قتل عثمان فرجعوا 5 / 369. وقد قِيل : إنّه ولي شرطة البصرة على عهد معاوية لعبد الله بن عامر أيضاً سنة (41 هـ) 5 / 170 ، ثمّ بعثه والياً على خراسان سنتين (5 / 172) فاستبطأه في الخراج فأراد عزله ، فطلب إليه عبد الله بن خازم أنْ يولّيه إيّاها ، فهمّ أنْ يكتب له فبلغ ذلك قيساً فترك خراسان وأقبل ، فضربه ابن عامر 5 / 209 مئة وحلقه وحبسه ، وكان من أخواله فطلبت إليه أمّه فأخرجه 5 / 210 وبعث على خراسان رجلاً من بني يشكر 5 / 209 ، وهو : طفيل بن عوف اليشكري أو عبد الله بن أبي شيخ اليشكري سنة (44 هـ) 5 / 213 ، ثمّ عطف على قيس بن الهيثم فاستخلفه على البصرة إذ أراد القدوم على معاوية 5 / 213 فأنكحه معاوية ابنته هنداً ، ثمّ عزله عن البصرة سنة (44 هـ) 5 / 214 ثمّ ولّى معاوية على البصرة سنة (45 ه) زياد بن سميّة فبعث قيس بن الهيثم على : مرود الروذ والفارياب والطالقان 5 / 224.
    ثمّ وُلي خراسان خليفة عن عبد الرحمن بن زياد سنة (61 هـ) ـ أي : بعد مقتل الحسين (عليه السّلام) ـ من قبل يزيد بن معاوية حينما أراد عبد الرحمن القدوم على يزيد ، فعزله يزيد فانعزل قيس بن الهيثم 5 / 316 فلمّا هلك يزيد كان قيس بالبصرة ، فكتب إليه الضحّاك بن قيس يدعوه إلى نفسه 5 / 504. وكان رأي قيس

    «أمّا بعد ، فإنّ الله اصطفى محمّداً (صلّى الله عليه [وآله]) على خلقه ، وأكرمه بنبوّته واختاره لرسالته ، ثمّ قبضه الله إليه وقد نصح لعباده وبلّغ ما أرسل به (صلّى الله عليه [وآله]) ، وكنّا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته وأحقّ النّاس بمقامه في النّاس ، فاستأثر علينا قومنا بذلك فرضينا وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية ، ونحن نعلم أنّا أحقّ بذلك الحقّ المستحق علينا ممّن تولاّه (1) وقد أحسنوا وأصلحوا وتحرّوا الحقّ.
    وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب ، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه (صلّى الله عليه [وآله]) فإنّ السّنة قد أُميتت ، وإنّ البدعة قد أُحييت ، وإنْ تسمعوا قولي وتطيعوا أمري ، أهدكم سبيل الرشاد. والسّلام عليكم ورحمة الله».
    فكلّ مَن قرأ ذلك الكتاب من أشراف النّاس كتمه.
    غير المنذر بن الجارود ؛ فإنّه خشي بزعمه أنْ يكون [رسول الحسين (عليه السّلام) : سليمان] دسيساً من قبل عبيد الله فجاءه بالرسول من العشيّة التي يريد أنْ يسبق في صبيحتها إلى الكوفة ، وأقرأه كتابه إليه.
    فقدّم [عبيد الله] الرسول فضرب عنقه.
    وصعد منبر البصرة ...
    _________________
    ابن الهيثم مع النّعمان بن صهبان الراسبي إذ حكّمهما أهل البصرة فيمَن يتولّى أمرهم بعد ابن زياد في بني أميّة ، ثمّ اتّفق رأيهما على مضري هاشمي 5 / 512. وكان على الشرطة والمقاتلة في البصرة لابن الزبير في مقاتلة مثنى بن مخرّبة العبدي البصري الداعي إلى المختار سنة (66 هـ) 6 / 67. وكان على خمس أهل العالية مع مصعب بن الزبير لمقاتلة المختار سنة (67 هـ) 6 / 95. وكان سنة (71 هـ) ، يستأجر الرجال يُقاتلون معه خالد بن عبد الله داعية عبد الملك بن مروان معيناً لابن الزبير ـ 6 / 71 ـ. وكان يحذّر أهل العراق من الغدر بمصعب 6 / 157. وهذا آخر عهدنا به ، فلعلّه قُتل مع أصحاب مصعب بيد عبد الملك بن مروان سنة (71 هـ).
    (1) وهذا يدلّ على أنّ رضاهم به إنّما كان خشية الفرقة ودفعاً للشرّ ، لا رضا طوعٍ ورغبة.

    [خطبة ابن زياد بالبصرة]
    فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فوالله ، ما تقرن بي الصعبة (1) ولا يقعقع (2) لي ، وإنّي لنكل (3) لمَن عاداني ، وسمّ لمَن حاربني : أنصف القارّة مَن راماها (4).
    يا أهل البصرة ، إنّ أمير المؤمنين ولاّني الكوفة ، وأنا غاد إليها الغداة وقد استخلفت عليكم عثمان بن زياد بن أبي سفيان ، وإيّاكم والخلاف والإرجاف ، فوالذي لا إله غيره ، لئن بلغني عن رجل منكم خلاف لأقتلنّه وعريفه ووليّه ، ولآخذنّ الأدنى بالأقصى حتّى تستمعوا لي ، ولا يكون فيكم مخالف ولا مشاق.
    أنا ابن زياد أشبهه من بين مَن وطأ الحصى ، ولمْ ينتزعني شبه خال ولا ابن عمّ (5).
    _________________
    (1) الصعبة : الناقة صعبة القياد. كأنّه يقول : أنا راكب البصرة وقائدها ، فلا أجعلها تكون لي صعبة القياد.
    (2) القعقعة : الصوت. كأنّه يقول : لا أدع النّاس يتكلمون ببغضي وكراهتي.
    (3) أي : معذّب من النّكل ، أي : العذاب والانتقام.
    (4) كذا في الطبري ، وهو رجز لرجل : من قبيلة تدعى القارّة. وكانوا حذّقاً في الرماية في الجاهلية ، فالتقى رجل منهم بآخر من غيرهم ، فقال له القارّي : إنْ شئت صارعتك ، وإنْ شئت سابقتك ، وإن شئت راميتك؟ فقال الآخر : قد اخترت المراماة. فقال الرجل القاري :
    قد أنصف القارة من راماها
    إنّا إذا ما فئة نلقاها

    نردّ أولاها على أخراها
    ثمّ رماه بسهم فشكّ به فؤاده ، فلعلّ ابن زياد قال : قد أنصفت القارّة مَن راماها ، يُشير إلى أنّ من اختار المراماة معنا ـ بني أميّة ـ كان كمَن اختار المراماة مع الرجل القارّي ؛ فانّ بني أميّة حذّاق في المراماة كما كانت قبيلة القارّة حذّقاً فيها.
    (5) يريد : أنّه يُشبه أباه في نكله ونقمته وشدّة وطأته وبطشه ، ولا يُشبه خاله العجم ، ولا ابن عمّه

    [دخول ابن زياد إلى الكوفة]
    ثمّ خرج من البصرة وأقبل إلى الكوفة ، ومعه مسلم بن عمرو الباهلي (1) وشريك بن الأعور الحارثي (2) وحشمه وأهل بيته بضعة عشر رجلاً (3) حتّى دخل الكوفة ، وعليه عمامة سوداء وهو متلثمّ والنّاس قد بلغهم إقبال حسين (عليه السّلام) إليهم ، فهم ينتظرون قدومه فظنّوا ـ حين قدم عبيد الله ـ أنّه الحسين (عليه السّلام) فأخذ لا يمرّ على جماعة من النّاس إلاّ سلّموا عليه ، وقالوا : مرحباً بك يابن رسول الله ، قدمت خير مقدم. فرأى من تباشيرهم بالحسين (عليه السّلام) مساءه وغاضه ما سمع منهم ، وقال : ألاَ أرى هؤلاء كما أرى. فلمّا أكثروا ، قال مسلم بن عمرو الباهلي : فأخّروا ، هذا الأمير عبيد الله بن زياد!
    فلمّا دخل القصر وعلم النّاس أنّه عبيد الله بن زياد دخلهم من ذلك كآبة وحزن شديد (4).
    _________________
    يزيد فيما اشتُهر فيه من : الغناء والطرب والمجون ، والصيد والعبث واللهو. وذكر الخبر السّبط في تذكرته / 199.
    (1) سبقت ترجمته في هامش الهامش الثاني لصفحة 102.
    (2) استعمل على إصطخر فارس فبنى مسجداً بها سنة (31 هـ) 4 / 301 ، وشهد صفّين مع علي 5 / 361 ، وبعثه علي (عليه السّلام) مع جارية بن قدامة السّعدي في رجال من بني تميم إلى البصرة لقتال ابن الحضرمي ومن معه ممّن أجاب دعوته إلى معاوية سنة (38 هـ) 5 / 112. وبعثه عبد الله بن عامر إلى البصرة مع ثلاثة الآف من فرسان ربيعة ؛ لقتال المستورد بن علّفة الخارجي 5 / 193 ، ووُلي كرمان من قبل عبيد الله بن زياد سنة (59 هـ) 5 / 321 ولبث بعد وصوله الكوفة أيّاماً فمات ، فصلّى عليه ابن زياد 5 / 364.
    (3) وروى الطبري : عن عيسى بن يزيد الكناني ، أنّه قال : لمّا جاء كتاب يزيد إلى عبيد الله ابن زياد ، انتخب من أهل البصرة خمسمئة ، فيهم : عبد الله بن الحارث بن نوفل وشريك بن الأعور 5 / 359.
    (4) 5 / 357. قال أبو مِخْنف : حدثنى الصقعب بن زهير ، عن أبي عثمان الهندي ، قال ... الإرشاد / 206 ، والخوارزمي / 200.

    [خطبة ابن زياد عند دخوله الكوفة]
    [و] لمّا نزل القصر [وأصبح] ، نودي : الصلاة جامعة ، فاجتمع النّاس فخرج فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :
    أمّا بعد ، فإنّ أمير المؤمنين ـ أصلحه الله ـ ولاّني مصركم وثغركم ، وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم ، وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم ، وبالشدّة على مريبكم وعاصيكم ، وأنا متّبع فيكم أمره ومنفذ فيكم عهده ، فأنا لمحسنكم ومطيعكم كلوالد البرّ ، وسوطي وسيفي على مَن ترك أمري وخالف عهدي ، فليبقَ امرؤ على نفسه ، الصدق ينبئ عنك لا الوعيد.
    ثمّ نزل فأخذ العرفاء والناس أخذاً شديداً ، فقال : اكتبوا إليّ الغرباء ومَن فيكم من طلبة أمير المؤمنين ومَن فيكم من الحروريّة (1) وأهل الريب الذين رأيهم الخلاف والشقاق ، فمَن كتبهم لنا فبرئ ، ومَن لمْ يكتب لنا أحداً فيضمن لنا ما في عرافته ألاّ يخالفنا منهم مخالف ، ولا يبغي علينا منهم باغ ، فمَن لمْ يفعل برءت منه الذمّة وحلال لنا ماله وسفك دمه. وأيّما عرّيف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لمْ يرفعه إلينا صلب على باب داره ، وأُلقيت تلك العرّافة من العطاء وسيّر إلى موضع بعمان الزارة (2) ، (3).
    _________________
    (1) أي : الخوارج ، نسبته إلى حروراء من نواحي الكوفة أوّل موضع اجتمع به الخوارج في منصرفهم من صفّين قبل وصولهم إلى الكوفة. والعرّافة : كانت من وظائف الدولة لمعرفة الرعيّة وتنظيم عطائهم من بيت المال ، وقد كان بالكوفة : (مئة عرّيف). وكان العطاء يدفع إلى امرء أرباع الكوفة الأربعة ، فيدفعونه إلى : العرفاء والنقباء وإلاّمناء فيدفعونه إلى أهله في دورهم 4 / 49 ، وكان يؤمر لهم بعطائهم في المحرم من كلّ سنة ، وبفيئهم عند طلوع الشعرى في كلّ سنة ؛ وذلك إدراك الغلاّت 4 / 43 ، وكانت العرّافة حتّى على عهد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) 3 / 448.
    (2) عمان الزّارة ، هي : عمان المعروفة على ساحل الخليج قرب بحر عمان ، وهي حارّة شديدة الحرارة ؛ ولذلك يُوعد ابن زياد بتبعيد المخالفين إليها لشدّة العيش به.
    (3) والخبر 5 / 358. قال ابو مِخْنف : حدثني المعلّى بن كليب ، عن أبي ودّاك ، قال ... الإرشاد / 202 ،

    [انتقال مسلم من دار المختار إلى دار هاني]
    وسمع مسلم بن عقيل مجيء عبيد الله ومقالته التي قالها ، وما أخد به العرفاء والنّاس فخرج من دار المختار ، وقد علم به حتّى انتهى إلى دار هانئ بن عروة المرادي ، فدخل بابه وأرسل إليه أنْ اخرج ، فخرج إليه هانئ وكره مكانه حين رآه. فقال له مسلم : أتيتك لتجيرني وتضيّفني. فقال : رحمك الله! لقد كلفتني شططاً ولو لا دخولك داري وثقتك ، لأحببت ولسألتك أنْ تخرج عنّي ، غير أنّه يأخذني من ذلك ذمام وليس مردود مثلي على مثلك عن جهل ، أدخل فآواه.
    وأخذت الشيعة تختلف إليه في دار هانئ بن عروة (2)
    وقد كان مسلم بن عقيل ، حيث تحوّل إلى دار هانئ بن عروة وبايعه ثمانية عشر ألفاً ، قدّم كتاباً إلى حسين (عليه السّلام) مع عابس بن أبي شبيب الشاكري (3)
    _________________
    والخواص / 200.
    (1) قال المسعودي : هو شيخ مراد وزعيمها ، وهو يومئذٍ يركب في أربعة الآف دارع وثمانية الآف راجل ، وإذا أجابتها أحلافها من كندة وغيرها كان في ثلاثين ألف دارع. مروج الذهب 3 / 69.
    ومن هنا يُعلم لماذا خرج مسلم من دار المختار إلى دار هانئ بن عروة شيخ العشيرة ، ولكنّه كان كما قال المسعودي : فلمْ يجد زعيمهم منهم أحداً ، فشلاً وخذلاناً. كان هو وأبوه من الصحابة ، وقُتل وهو ابن ثمانين أو تسعين سنة ، كما في طبقات ابن سعد.
    وذكر المبرّد في الكامل : إنّ أباه كان من الخارجين مع حجر بن عدي فشفع فيه زياد بن أبيه ؛ ولذلك قال له ابن زياد ـ كما روى الطبري ـ : يا هانئ ، أمَا تعلم أنّ أبي قدم هذا البلد ، فلمْ يترك أحداً من هذه الشيعة إلاّ قتله غير أبيك وغير حجر ، وكان من حجر ما قد علمت؟ ثمّ لمْ يزل يحسن صحبتك ، ثمّ كتب إلى أمير الكوفة : إنّ حاجتي قبلك هانئ. قال : نعم. قال : فجزائي أنْ خبّأت في بيتك رجلاً ليقتلني!
    (2) عن أبي منحف عن المعلّي بن كليب عن أبي الودّاك 5 : 361.
    (3) قال ابو مِخْنف : حدّثني جعفر بن حذيفة الطائي ... 5 / 375.

    أمّا بعد ، فإنّ الرائد لا يكذب أهله ، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفاً ، فعجّل الإقبال حين يأتيك كتابي ؛ فإنّ النّاس كلّهم معك ، ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى. والسّلام.
    وكان [ذلك] قبل أنْ يُقتل لسبع وعشرين ليلة (1)
    [تجسّس معقل الشامي على مسلم (عليه السّلام)]
    ودعا ابن زياد مولى له ، يقال له : معقل (2). فقال له : خذ ثلاثة الآف درهم ، ثمّ اطلب مسلم بن عقيل واطلب لنا أصحابه ، ثمّ أعطهم هذه الثلاثة الآف ، فقل لهم : استعينوا بها على حرب عدوّكم ، وأعلمهم أنّك منهم ، فانّك لو أعطيتها إيّاكم طمأنّوا إليك ووثقوا بك ، ولمْ يكتموك شيئاً من أخبارهم ، ثمّ اغد عليهم ورح.
    فجاء [معقل] حتّى أتى إلى مسلم بن عوسجة الأسدي (3) في المسجد الأعظم ، وهو يصلّي و [كان] سمع النّاس ، يقولون : إنّ هذا يبايع للحسين (عليه السّلام). فجاء حتّى فرغ من صلاته ، ثمّ قال : يا عبد الله ، إنّي امرؤ من أهل الشام مولى لذي الكلاع ، أنعم الله عليّ بحبّ أهل هذا البيت وحبّ مَن أحبّهم ، فهذه ثلاثة الآف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنّه قدم الكوفة
    _________________
    (1) قال أبو مِخْنف : وحدّثني محمّد بن قيس 5 / 395.
    (2) وروى الطبري : عن عيسى بن يزيد الكناني : أنّ مسلم بن عقيل قدم قبل ابن زياد بليلة واخبر ابن زياد بذلك وأنّه بناحية الكوفة ، فدعا مولى لبني تميم فأعطاه مالاً ، وقال : انتحل هذا الأمر وأعنهم بالمال ، واقصد لهانئ ومسلم وأنزله عليه 5 / 360.
    (3) قال شبث بن ربعي لبعض مَن حوله من أصحابه : إذ تنادوا بقتل مسلم بن عوسجة ثكلتكم اُمّهاتكم ، إنّما تقتلون أنفسكم بأيديكم وتذللون أنفسكم لغيركم ، تفرحون أنْ يقتل مثل مسلم بن عوسجة! أمَا والذي أسلمت له ، لربّ موقف له قد رأيته في المسلمين كريم ، لقد رأيته يوم سلق آذربايجان قتل ستة من المشركين قبل تتامّ خيول المسلمين ، أفيُقتل منكم مثله وتفرحون؟! 5 / 436.

    يبايع لابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) ، وكنت أريد لقاءه فلمْ أجد أحداً يدلّني عليه ولا يعرف مكانه ، فإنّي لجالس آنفاً في المسجد إذ سمعت نفراً من المسلمين يقولون : هذا رجل له علم بأهل هذا البيت ، وإني أتيتك لتقبض هذا المال وتدخلني على صاحبك فأبايعه ، وإنْ شئت أخذت بيعتي له قبل لقائه.
    فقال [له مسلم بن عوسجة] : أحمد الله على لقائك إيّاي ، فقد سرّني ذلك ؛ لتنال ما تحبّ ولينصر الله بك أهل بيت نبيّه ، ولقد ساءني معرفتك إيّاي بهذا الأمر من قبل أنْ ينمى مخافة هذا الطاغية وسطوته. فأخذ بيعته قبل أنْ يبرح وأخذ عليه المواثيق المغلظة ليناصحنّ وليكتمنّ ، فأعطاه من ذلك ما رضي به. ثمّ قال : اختلف إليّ أيّاماً في منزلي فأنا طالب لك الإذن على صاحبك. فطلب له الإذن فأخذ يختلف مع النّاس (1).
    [مؤتمر قتل ابن زياد]
    مرض هانئ بن عروة فجاء عبيد الله [ابن زياد] عائداً له ، فقال له عمارة بن عبيد السّلولي (2) : إنّما جماعتنا وكيدنا قتل هذا الطاغية ، فقد أمكنك الله منه فاقتله. قال هانئ : ما أحبّ أنْ يُقتل في داري [فعاده ابن زياد و] خرج.
    فما مكث إلاّ جمعة حتّى مرض شريك بن الأعور [الحارثي] ، وكان كريماً على ابن زياد وعلى غيره من الامرء ، وكان شديد التشيّع ، فأرسل إليه عبيد الله [ابن زياد] إنّي رائح إليك العشيّة. فقال [شريك] لمسلم : إنّ هذا الفاجر
    _________________
    (1) عن أبي مِخْنف عن المعلّى بن كليب ، عن أبي السوّاك ، قال : 5 / 361 ، الإرشاد / 207 ، والخواص / 201.
    (2) هو : من رُسل أهل الكوفة إلى الإمام (عليه السّلام) بمكّة بثلاث وخمسين صحيفة ، وسرّحه الإمام مع مسلم بن عقيل وقيس بن مسهر الصيداوي ، وعبد الرحمن الأرحبي إلى الكوفة 5 / 343 ـ 344.

    عائدي العشيّة ، فإذا جلس فاخرج إليه فاقتله ، ثمّ اقعد في القصر ليس أحد يحول بينك وبينه ، فإنْ بُرءت من وجعي هذا أيّامي هذه ، سرت إلى البصرة وكفيتك أمرها.
    فلمّا كان من العشي أقبل عبيد الله [ابن زياد] لعيادة شريك [الحارثي] فقام مسلم بن عقيل ليدخل ، وقال له شريك : لا يفوتنّك إذا جلس. فقام هانئ بن عروة إليه ، فقال : إنّي لا أحبّ أنْ يُقتل في داري ـ كأنّه استقبح ذلك ـ. فجاء عبيد الله بن زياد فدخل فجلس فسأل شريكاً عن وجعه ، وقال : ما الذي تجد؟ [و] طال سؤاله إياه.
    و [لمّا] رأى [شريك] أنّ [مسلم] لا يخرج ، خشي أنْ يفوته فأخذ يقول : ما تنظرون بسلمى أنْ تحيّوها أسقنيها وإنْ كانت فيها نفسي. قال ذلك مرّتين أو ثلاثاً.
    فقال عبيد الله : ما شأنه ، أترونه يهجر؟
    فقال له هانئ : نعم ، أصلحك الله! ما زال هذا دُيدنه قُبيل عماية الصبح حتّى ساعته هذه.
    [فـ] ـقام [ابن زياد و] انصرف.
    فخرج مسلم. فقال له شريك : ما منعك من قتله؟ فقال : خصلتان.
    أمّا أحدهما ، فكراهة هانئ أنْ يُقتل في داره.
    وأمّا الآخرى ، فحديث حدّثه النّاس عن النبيّ (صلّى الله عليه [وآله]) : «إنّ الإيمان قيد الفتك ، ولا يفتك مؤمن».
    فقال هانئ : أمَا والله ، لو قتلته لقتلت فاسقاً فاجراً كافراً غادراً ، ولكن كرهت أنْ يُقتل في داري! (1)
    _________________
    (1) عن أبي مِخْنف : عن المعلّى بن كليب عن أبي الودّاك ، قال ... 5 / 361.

    [معقل يدخل على مسلم]
    ثمّ إنّ معقلاً اختلف إلى مسلم بن عوسجة أيّاماً ليدخله على ابن عقيل ، فأقبل به حتّى أُدخله عليه فأخبره خبره فأخذ بيعته ، وأمر أبا ثمامة الصائدي (1) فقبض ماله الذي جاء به وأقبل يختلف إليهم ، فهو أوّل وآخر خارج يسمع أخبارهم ويعلم أسرارهم ، ثمّ ينطلق بها حتّى يقرّها في أذن ابن زياد (2).
    [إحضار هانئ عند ابن زياد]
    قال ابن زياد لجلسائه : ما لي لا أرى هانئاً؟ فقالوا : هو شاك. [و] دعا عبيد الله [بن زياد] محمّد بن الأشعث (3) وأسماء بن
    _________________
    (1) كان يقبض أموالهم وما ُيعين به بعضهم بعضاً ويشتري لهم السلاح ، وكان بصيراً به ، وكان من فرسان العرب ووجوه الشيعة 5 / 364 وعقد له مسلم على ربع تميم وهمدان 5 / 369 وحضر كربلاء فكان بوّاب الحسين (عليه السّلام) 5 / 364. وهو الذي سأل الحسين (عليه السّلام) أنْ يصلّي بهم ظهيرة عاشوراء ، فدعا له الإمام (عليه السّلام) بخير ، فقال : «ذكرت الصلاة ، جعلك الله من المصلّين الذاكرين» 5 / 439. وبارزه قبل الصلاة ابن عمّ له كان مع عسكر عمر بن سعد فقتله أبو ثمامة 5 / 441.
    (2) عن أبي مِخْنف : عن المعلّى بن كليب عن أبي الودّاك 5 / 361. وفي الإرشاد / 208.
    (3) محمّد بن الأشعث بن قيس الكندي ، هو الذي طلب زياد منه حجراً ، فطلب منه حجر أنْ يطلب له الأمان من زياد حتّى يذهب إلى معاوية فيرى فيه رأيه ، ففعل 5 / 263 ـ 264. فقال عبيدة الكندي يُعيّر محمّد بن الأشعث بخذلانه حجراً وقتاله مسلماً (عليه السّلام) :
    أسلمت عمّك لمْ تقاتل دونه
    فرقاً ولو لا أنت كان منيعا

    وقتلت وافد آل بيت محمّدٍ
    وسلبت أسيافاً له ودروعا

    5 / 285
    ورفع راية الأمان فيمَن طاعه من كندة وحضرموت ، يخذّل النّاس عن ابن عقيل 5 / 369 لكنّه لقتاله بعث معه رجالاً من قيس لكراهة كلّ قوم أنْ يقتل فيهم ابن عقيل 5 / 373 وآمنه ابن الأشعث

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    وقعة الطف لابو مخنف Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة الطف لابو مخنف   وقعة الطف لابو مخنف Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 4:30 pm

    خارجة (1) وعمرو بن الحجّاج (2). وكانت روعة أخت عمرو بن الحجّاج تحت هانئ بن عروة. فقال لهم : ما يمنع هانئ بن عروة من إتياننا؟ قالوا : ما ندري ، أصلحك الله! وإنّه ليتشكّى (3). قال : بلغني أنّه قد برأ ، وهو يجلس على باب داره فالقوه فمروه ألاّ يدع ما عليه في ذلك من الحقّ ؛ فإنّي لا أحبّ أنْ يفسد عندي مثله من أشراف العرب (4).
    _________________
    5 / 374 وأخبر ابن زياد بأمانه ، فلمْ يمضه 5 / 375 وشفع في هانئ بن عروة ، فلمْ يشفّعه فيه 5 / 378. وكانت كندة تقوم بأمر عمر بن سعد لأنّهم أخواله ، فلمّا هلك يزيد بن معاوية ودعاهم ابن زياد إلى نفسه رفضوه ، ولكنّهم أمّروا عمر بن سعد ، فلمّا تقلّد رجال همدان السّيوف وبكت نساؤهم حسيناً (عليه السّلام) انصرف ابن الأشعث ، وقال : جاء أمر غير ما كنّا فيه 5 / 525. وكتبوا إلى ابن الزبير بمكّة ، فبعث ابن الزبير محمّد بن الأشعث بن قيس على الموصل ، فلمّا قدم عليه عبد الرحمن بن سعيد بن قيس من قبل المختار أميراً تنحّى له عن الموصل ، وأقبل حتّى نزل تكريت وأقام بها مع أشراف من قومه وغيرهم ، ينظر ما يصنع النّاس ، ثمّ شخص إلى المختار فبايعه 6 / 36. ولمّا أقبل ابن زياد بجيش الشام إلى الموصل ، وخرج أصحاب المختار لحربه التقى أشراف الكوفة فأرجفوا به ، وفيهم محمّد بن الأشعث. وخرج ابنه إسحاق بن محمّد بن الأشعث في جبانة كندة واثبين على المختار 6 / 39 ـ 45 ، وانكسروا فخرج محمّد بن الأشعث بن قيس إلى قريته بجنب القادسيّة ، فبعث إليه المختار في مئة من الموالي وغيرهم ، وخرج محمّد بن الأشعث فلحق بمصعب بن الزبير فهدم داره 6 / 66. فأمره مصعب أنْ يذهب إلى المهلّب بن أبي صفرة فيقبل به بكتاب مصعب إليه ، فذهب وجاء بالمهلّب لحرب المختار 6 / 94 ، وسرّح محمّد بن الأشعث في خيل عظيمة من خيل أهل الكوفة ممّن كان المختار ، طردهم فكانوا أشدّ عليهم من أهل البصرة لا يدركون مهزوماً أسيراً إلاّ قتلوه 6 / 97 فقُتل في حرب المختار مع مصعب ، فبعث مصعب ابنه عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث إلى كناسة الكوفة 6 / 104.
    (1) الفزارى : وهو ممّن كُتبت شهادته على حجر بن عدي الكندي 5 / 207 ، وهو الذي ذكّر الحجّاج بكميل بن زياد النّخعي وعمير بن ضابئ ، أنّهما ممّن خرج إلى عثمان فقتلهما الحجّاج 4 / 404.
    واعترض على ابن زياد لضربه وحبسه لهانئ بن عروة ، فأمر به إلى الحبس 5 / 367 ، ثمّ كان مع أصحاب ابن مطيع العدوي 6 / 31 ومع أصحاب مصعب بن الزبير سنة (68 هـ) 6 / 124.
    (2) سبقت ترجمته فيمَن كتب إلى الإمام (عليه السّلام) من أهل الكوفة ، فراجع.
    (3) يتشكّى ، أي : يشتكي ممّا به من السّقم والمرض.
    (4) عن أبي مِخْنف : عن المعلّى بن كليب ، عن أبي الودّاك والمجالد بن سعيد ، والحسن بن عقبة

    [هانئ يُدعى إلى ابن زياد]
    فأتوه حتّى وقفوا عليه عشيّة ، وهو جالس على بابه ، فقالو : ما يمنعك من لقاء الأمير ، فإنّه قد ذكرك وقال : لو أعلم أنّه شاك لعدته؟ ، فقال لهم : الشكوى تمنعني. فقالوا له : يبلغه أنّك تجلس كلّ عشيّة على باب دارك ، وقد استبطأك والإبطاء والجفاء لا يحتمله السّلطان ، أقسمنا عليك لمّا ركبت معنا.
    فدعا بثيابه فلبسها ، ثمّ دعا ببغله فركبها حتّى إذا دنا من القصر ، كأنّ نفسه أحسّت ببعض الذي كان ، فقال لحسّان بن خارجة : يابن أخي إنّي والله ، لهذا الرجل لخائف! فما ترى؟ قال : أي عمّ والله ، ما أتخوّف عليك شيئاً ، ولِمَ تجعل على نفسك سبيلاً وأنت بريء؟ فدخل القوم على ابن زياد ودخل معهم ، فلمّا طلع [على ابن زياد] ، قال عبيد الله [ابن زياد] : أتتك بحائن رجلاه (1) ، فلمّا دنا من ابن زياد و [كان] عنده شريح القاضي (2) التفت نحوه ، فقال :
    _________________
    المرادي ونمير بن وعلة ، عن أبي الودّاك 5 / 361 ـ 364 ، وفي الإرشاد / 208.
    (1) الحائن : الأحمق ، وهو : مثل يُضرب لمثل المقام. وأخطأ مَن كتب : بخائن ، الفاخر / 251.
    (2) شريح بن الحارث الكندي : استقضاه عمر على الكوفة سنة (18 هـ) 4 / 101. وكان من المحرّضين لنصرة عثمان في أهل الكوفة 4 / 352. وكُتب في الشهود على حجر بن عدي شريح بن الحارث القاضي ، فكان يقول : سألني زياد عنه ، فأخبرته أنّه كان صوّاماً قوامّاً 5 / 270. واستشاره زياد لقطع يده المجذومة ، فأشار عليه بعدم القطع فلاموه فقال ، قال رسول الله (ص) : «المستشار مؤتمن» 5 / 289. وأراده ابن الزبير لقضاء الكوفة فأبى عليه 5 / 582 ، ولكنّه قبل القضاء للمختار ، فلمّا سمع أنّ أصحاب المختار يقولون فيه : أنّه كان عثمانياً ، وأنّه ممّن شهد على حجر بن عدي ، وأنّ علي بن أبي طالب عزله عن القضاء ، وأنّه لمْ يبلّغ عن هانئ ما أرسله به ؛ تمارض فجعل المختار مكانه عبد الله بن عتبة بن مسعود ، ثمّ عبد الله بن مالك الطائي 6 / 34 ، وبعد المختار قبل القضاء لابن الزبير 6 / 149 واستعفى الحجّاج من القضاء ، وأشار عليه


    أريد حباءه ويريد قتلي
    عذيرك من خليلك من مراد (1)

    [هانئ عند ابن زياد]
    فقال له هانئ : وما ذاك أيّها الأمير؟ قال : إيه يا هانئ بن عروة ، ما هذه الأمور التي تربصّ في دورك لأمير المؤمنين وعامّة المسلمين ، جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك وجمعت له السلاح والرجال في الدور حولك ، وظننت أنّ ذلك يُخفى عليّ لك؟
    قال : ما فعلت ، وما مسلم عندي.
    قال : بلى ، قد فعلت.
    قال : ما فعلت.
    قال : بلى.
    فلمّا كثر ذلك بينهما وأبى هانئ إلاّ مجاحدته ومناكرته ، دعا ابن زياد معقلاً ـ ذلك العين ـ (2) فجاء حتّى وقف بين يديه.
    فقال : أتعرف هذا؟
    قال : نعم. وعلم هانئ عند ذلك ، أنّه كان عيناً عليهم وأنّه قد أتاه بأخبارهم. فقال له : اسمع منّي وصدّق مقالتي فوالله ، لا أكذّبك والله الذي لا إله غيره ، ما دعوته إلى منزلي ولا علمت بشيء من أمره حتّى رأيته جالساً على بابي ، فسألني النزول عليّ فاستحييت من ردّه ، ودخلني من ذلك ذمام
    _________________
    بأبي بردة بن أبي موسى الأشعري سنة (79 هـ) ، فأعفاه الحجّاج وولّى أبا بردة 6 / 324 ، فقضى نحواً من ستّين سنة.
    (1) لعمرو بن معد يكرب الزبيدي. والحِباء ـ بكسر الحاء ـ من : الحبوة ، أي : العطاء. وفي الكامل ، والإرشاد / 208 : أريد حياته ، وهو تحريف.
    (2) العين : الجاسوس.

    فأدخلته داري وضفته وآويته ، وقد كان من أمره الذي بلغك ، فإنْ شئت أعطيت الآن موثقاً مغلّظاً وما تطمئن إليه ألاّ أبغيك سوءاً ، وإنْ شئت أعطيتك رهينة تكون في يدك حتّى آتيك وأنطلق إليه فآمره أنْ يخرج من داري إلى حيث شاء من الأرض ، فأخرج من ذمامه وجواره.
    فقال : لا والله ، لا تفارقني أبداً حتّى تأتيني به.
    فقال : لا والله ، لا أجيئك [به] أبداً ، أنا أجيئك بضيفي تقتله!
    قال : والله ، لتأتيني به.
    قال : والله ، لا آتيك به.
    فلمّا كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي ، فقال : أصلح الله الأمير ، خلّني وإيّاه حتّى كلّمه. وقال لهانئ : قُم إليّ ههنا حتّى اكلّمك. فقام ، فخلا به ناحية من ابن زياد ، وهما منه على ذلك قريب حيث يراهما إذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان ، وإذا خفضا خفى عليه ما يقولان. فقال له مسلم [بن عمرو الباهلي] : يا هانئ ، إنّي انشدك الله ، أنْ تقتل نفسك وتدخل البلاء على قومك وعشيرتك! فوالله ، إنّي لأنفس بك عن القتل ، إنْ هذا الرجل [مسلم بن عقيل] ابن عمّ القوم وليسوا قاتليه ولا ضائريه ، فادفعه إليه ؛ فإنّه ليس عليك بذلك مخزاة ولا منقصة ، إنّما تدفعه إلى السّلطان.
    قال : بلى والله ، إنّ عليّ في ذلك الخزي والعار ، أنا أدفع جاري وضيفي وأنا حيّ صحيح أسمع وأرى ، شديد السّاعد كثير الأعوان! والله ، لو لمْ أكن إلاّ واحداً ليس لي ناصر لمْ أدفعه إليه حتّى أموت دونه. وهو يرى أنّ عشيرته ستحرّك في شأنه ، فأخذ يناشده ، وهو يقول : لا والله ، لا أدفعه إليه أبداً.
    فسمع ابن زياد ذلك ، فقال ادنوه : منّي ، فأدنوه منه.
    فقال : والله ، لتأتيني به أو لأضربنّ عنقك.

    قال : إذاً تكثر البارقة حول دارك (1). وهو يظنّ أنّ عشيرته يسمعونه.
    فقال : والهفاه عليك! أبالبارقة تخوّفني؟! أدنوه منّي ، فأُدني فاستعرض وجهه بالقضيب فلمْ يزل يضرب أنفه وجبينه وخدّه حتّى كسر أنفه وسيّل الدماء على ثيابه ، ونثر لحم خدّيه وجبينه على لحيته حتّى كسر القضيب.
    وضرب هانئ بيده إلى قائم سيف شرطيّ من تلك الرجال وجاذبه الرجل ومنع.
    فقال عبيد الله [بن زياد] أحروريّ سائر اليوم (2)! أحللت بنفسك قد حلّ لنا قتلك ، خذوه فألقوة في بيت من بيوت الدار وأغلقوا عليه بابه واجعلوا عليه حرساً ، ففعل ذلك به.
    فقام إليه أسماء بن خارجة ، فقال : أرُسُل غدر سائر اليوم! أمرتنا أنْ نحيئك بالرجل حتّى إذا جئناك به وأدخلناه عليك هشّمت وجهه وسيّلت دمه على لحيته ، وزعمت أنّك تقتله؟ فقال له عبيد الله : وإنّك لها هنا ، فأمر به فلُهز وتُعتع به (3) فحُبس.
    _________________
    (1) وروى الطبري ، عن عيسى بن يزيد الكناني : أنّ ابن زياد قال له : يا هانئ ، أمَا تعلم أنّ أبي قدم هذا البلد ، فلمْ يترك أحداً من هذه الشيعة إلاّ قتله غير أبيك وغير حجر ، وكان من حجر ما قد علمت؟ ثمّ لمْ يزل يحسن صحبتك ، ثمّ كتب إلى أمير الكوفة إنّ حاجتي قبلك هانئ؟ قال : نعم. قال : فكان جزائي أنْ خبّأت في بيتك رجلاً ليقتلني! قال : ما فعلت.
    فأخرج التميمي [أي : مولاهم] الذي كان عيناً عليهم ، فلمّا رآه هانئ علم أنْ قد أخبره الخبر ، فقال : أيها الأمير ، قد كان الذي بلغك ولن أضيّع يدك عنّي ، فأنت آمن وأهلك فسر حيث شئت!
    وكان مهران ـ مولاه ـ قائماً على رأسه في يده معكزة ، فقال : وا ذُلاّه! هذا العبد الحائك يؤمّنّك في سلطانك! وطرح إليه المعكزة ، وقال : خذه. وأخذ بضفيرتي هانئ وأخذ عبيد الله المعكزة ، فضرب بها وجه هانئ حتّى كسّر أنفه وجبينه ، وندر الزّج فارتزّ في الجدار 5 / 361.
    (2) نسبة إلى : حروراء من نواحي الكوفة ، وهو أوّل موضع خرج فيه الخوارج على علي (عليه السّلام).
    (3) التعتعة : الحركة العنيفة. واللهز : الضرب في اللهازم ، أي : مجامع ثيابه فوق صدره إلى عنقه.

    وأمّا محمّد بن الأشعث ، فقال : قد رضينا بما رأى الأمير لنا كان أمْ علينا ، إنّما الأمير مؤدّب (1).
    وقام إلى عبيد الله بن زياد ، فكلمه وقال : إنّك قد عرفت منزلة هانئ بن عروة في المصر وبيته في العشيرة ، وقد علم قومه أنّي وصاحبي سقناه إليك فأنشدك الله لمّا وهبته لي ؛ فإنّي أكره عداوة قومه ، هم أعزّ أهل المصر وعدد أهل اليمن (2). فوعده أنْ يفعل (3).
    وبلغ عمرو بن الحجّاج أنْ هانئاً قد قُتل ، فأقبل في مذحج ومعه جمع عظيم حتّى أحاط بالقصر ، ثمّ نادى : أنا عمرو بن الحجّاج ، هذه فرسان مذحج ووجوهها لمْ تخلع طاعة ، ولم تفارق جماعة وقد بلغهم أنّ صاحبهم يُقتل فأعظموا ذلك!
    فقِيل لعبيد الله : هذه مذحج بالباب.
    فقال لشريح القاضي : ادخل على صاحبهم فانظر إليه ، ثمّ اخرج فأعلمهم ، أنّه حيّ لمْ يُقتل وأنّك قد رأيته (4).
    قال [شريح] : دخلت على هانئ ، لمّا رآني قال : يا لله يا للمسلمين! أهلكت عشيرتي؟ فأين أهل الدين وأين أهل المصر ، تفاقدوا ويخلّوني وعدوّهم وابن عدوّهم ـ والدماء تسيل على لحيته ـ؟ إذ سمع الرجّة على باب القصر ، وخرجت واتبعني فقال : يا شريح ، إنّي لأظنّها أصوات مذحج وشيعتي
    _________________
    (1) 5 / 367. قال ابو مِخْنف : حدثني غير بن وعلة ، عن أبي الودّاك ، قال ...
    (2) لأنّ كندة كانت من قبائل اليمن بالكوفة ؛ ومراد : ومذحج من قبائل كندة.
    (3) قال أبو مِخْنف : حدّثني الصقعب بن زهير ، عن عون بن أبي جحيفة ، قال ... 5 / 378. الإرشاد / 210 ، والخوارزمي / 205.
    (4) 5 / 367. قال ابو مِخْنف : حدثني نمير بن وعلة ، عن أبي الودّاك ، قال ... الإرشاد / 210 ، والخوارزمي / 205.

    من المسلمين ، إن دخل عليّ عشرة نفر أنقذوني.
    قال : فخرجت إليهم ، ومعي حميد بن بكير الأحمري (1) أرسله معي ابن زياد ، وكان من شرطته ممّن يقوم على رأسه ، فلمّا خرجت إليهم ، قلت : إنّ الأمير لمّا بلغه مكانكم ومقالتكم في صاحبكم أمرني الدخول إليه فأتيته فنظرت إليه ، فأمرني أنْ ألقاكم وأنْ أعلمكم : أنّه حيّ ، وأنّ الذي بلغكم من قتله كان باطلاً.
    فقال عمرو [بن الحجّاج] وأصحابه : فأمَا إذ لمْ يقتل فالحمد لله ، ثمّ انصرفوا (2).
    [خطبة ابن زياد بعد القبض على هانئ]
    وخشي عبيد الله أنْ يثب النّاس به فخرج ، ومعه أشراف النّاس وشرطه وحشمه فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :
    أمّا بعد ، أيها النّاس فاعتصموا بطاعة الله وطاعة أئمتكم ، ولا تختلفوا ولا تفرّقوا فتهلكوا وتذلّوا ، وتقتلوا وتجفوا وتحرموا ، إنّ أخاك مَن صدّقك ، وقد أعذر من أنذر (3).
    [خروج مسلم (عليه السّلام)]
    وأرسل مسلم بن عقيل عبد الله بن خازم رسولاً إلى القصر لينظر إلى ما
    _________________
    (1) كان مع زياد ، وكان تبيع العمّال ـ أي : من يتتبّع أثرهم ـ ، فبعثه زياد في أناس من أصحابه في طلب أصحاب حجر بن عدي ، وهو ضارب ابن عقيل على شفته العليا وقاتله 5 / 373 ـ 378 ، وكان عبداً شاميّاً.
    (2) قال ابو مِخْنف : فحدثني الصقعب بن زهير ، عن عبد الرحمن بن شريح ، قال : سمعته يحدّث إسماعيل بن طلحة ، قال ... 5 / 367.
    (3) قال ابو مِخْنف : حدّثني الحجّاج بن علي ، عن محمّد بن بشر الهمداني ، قال ... 5 / 368.

    صار أمر هانئ. قال فلمّا ضُرب وحُبس ركبت فرسي وكنت أوّل أهل الدار ، دخل على مسلم بن عقيل بالخبر ، وإذا نسوة لمراد مجتمعات ، ينادين : يا عشيرتاه! يا ثكلاه! فدخلت على مسلم بن عقيل بالخبر فأمرني أنْ أنادي في أصحابه : يا منصور أمتْ. وقد ملأ الدور حوله وقد بايعه ثمانية عشر ألفاً ، وفي الدور أربعة الآف رجل ، فناديت : يا منصور أمت ، وتنادى أهل الكوفة فاجتمعوا إليه.
    فعقد مسلم (عليه السّلام) لعبيد الله بن عمرو بن عزيز الكندي على ربع كندة وربيعة ، وقال : سر أمامي في الخيل. ثمّ عقد لمسلم بن عوسجة الأسدي على ربع مذحج وأسد ، وقال : انزل في الرجال فأنت عليهم. وعقد لأبي ثمامة الصائدي على ربع تميم وهمدان ، وعقد لعبّاس بن جعدة الجدلي (1) على ربع المدينة ، وأقبل مسلم يسير في النّاس من مراد.
    [اجتماع الأشراف بابن زياد]
    وأقبل أشراف النّاس يأتون ابن زياد من قبل الباب الذي يلي دار الروميّين (2).
    ودعا عبيد الله [ابن زياد] كثير بن شهاب بن الحصين الحارثي (3) ، فأمره
    _________________
    (1) نرى : على ميسرة جيش المختار المبعوث إلى المدينة لقتال ابن الزبير ، مَن يُدعى : عيّاش بن جعدة الجدلي ، وعند انهزامهم أمام أصحاب ابن الزبير لمْ يدخل في راية أمانه هو وثلثُمئة معه ، فلمّا وقعوا في أيديهم ، قُتلوا إلاّ نحواً من مئتي رجل مات أكثرهم في الطريق 6 / 74.
    وحيث لمْ نجد لعبّاس أو عيّاش الجدلي أيّ ذكر غير هذا ، وبقرينة وفائه للمختار يستعبد أنْ يكونا شخصين ، ويرجح أنْ يكون شخصاً واحداً ، إمّا باسم : العبّاس أو : العيّاش. بقي بعد مسلم حتّى خرج مع المختار فقُتل أو مات هناك.
    (2) من هنا يُعلم : أنّ دار الروميّين كان يلي خلف دار الإمارة ، وحيث كانوا مع أهل الذمة تستّربهم ابن زياد للخروج والولوج إلى القصر ، وفات أصحاب مسلم (عليه السّلام) أنْ يسدّوا ذلك الوجه والمنفذ.
    (3) كان ممّن كتبت شهادته على حجر بن عدي 5 / 269 وحمل حجر وأصحابه إلى معاوية

    أنْ يخرج فيمَن طاعه من مذحج ، فيسير بالكوفة ويخذّل النّاس عن ابن عقيل ، ويخوّفهم الحرب ويحذّرهم عقوبة السّلطان.
    وأمر محمّد بن الأشعث أنْ يخرج فيمَن طاعه من كندة وحضرموت ، فيرفع راية أمان لمَن جاءه من النّاس.
    وقال مثل ذلك للقعقاع بن شور الذهلي (1) وشيث بن ربعي التميمي ، وحجّار بن أبجر العجلى وشمر بن ذي الجوشن العامري (2) ، (3).
    وعقد لشبث بن ربعي لواء فأخرجه [و] قال : أشرفوا على النّاس ، فمنّوا أهل الطاعة الزيادة والكرامة ، وخوّفوا أهل المعصية الحرمان والعقوبة ،
    _________________
    5 / 270 ، وهو أوّل مَن عُقد له ابن زياد ، وأشرف على النّاس يُخذّلهم عن مسلم (عليه السّلام) 5 / 370.
    (1) كان ممّن كتبت شهادته على حجر بن عدي 5 / 269 ، وحارب مسلماً (عليه السّلام) (5 / 270 381).
    (2) 5 / 368. قال ابو مِخْنف : حدثنى يوسف بن يزيد ، عن عبد الله بن خازم ، قال ...
    (3) كان مع علي (عليه السّلام) بصفّين 5 / 28 ، وفيمَن كُتبت شهادته على حجر بن عدي 5 / 270.
    وهو الذي حرّض ابن زياد على قتل الحسين (عليه السّلام) 5 / 414 وحضر كربلاء ودعا بني اُمّ البنين ، إخوة العبّاس (عليه السّلام) إلى أمان ابن زياد ، وخذلان الإمام (عليه السّلام) 5 / 415. واستشاره ابن سعد لإمهال الحسين (عليه السّلام) ليلة عاشوراء ، فلمْ يجبه بشيء 5 / 417. وكان على ميسرة ابن سعد 5 / 422 وأجاب خطبة الإمام الحسين (عليه السّلام) بكلام بذيء فشتمه ابن مظاهر 5 / 425 ، وأجاب خطبة زهير بن القين بسهم رماه به فشتمه ابن القين 5 / 436 وحمل في ميسرة ابن سعد على أهل ميسرة الحسين (عليه السّلام) 5 / 436 وطعن فسطاط الحسين برمحه ونادى بالنّار ليحرق الخباء على أهله ، فصاح النّساء وخرجن من الفسطاط فدعا عليه الإمام 5 / 438. وهو الذي قتل نافع بن هلال الجملي 5 / 442 ، وأراد قتل الإمام السجّاد (عليه السّلام) فمنعه النّاس 5 / 454. وكان فيمَن قدم بالرؤوس على ابن زياد (5 / 456) وبها السّبايا إلى يزيد (5 / 460 ـ 463) ، وكانت الرؤوس معه عشرون رأسا مع هوازن 5 / 468 وبعثه ابن مطيع على جبانة سالم بالكوفة ؛ لحرب المختار 6 / 18 ومعه ألفان 6 / 29. وكان ممّن ثار مع أشراف الكوفة لقتال المختار
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    وقعة الطف لابو مخنف Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة الطف لابو مخنف   وقعة الطف لابو مخنف Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 4:32 pm

    6 / 44 وفرّ من الكوفة منهزماً 6 / 52 وقتله منهزماً عبد الرحمن بن أبي الكنود سنة (66 هـ) 6 / 53 ، وكلمة (شَمِر) عبرية أصلها : شامر ، بمعنى : سامر ، كما يقال اليوم : إسحاق شآمير.
    قال أبو مِخْنف : وحدّثني يونس بن إسحاق ، عن عبّاس الجدلي ، قال ... 5 / 369.

    وأعلموهم فصول الجنود من الشام إليهم (1).
    [خروج الأشراف برايات الأمان للتخذيل عن مسلم]
    فتكلّم كثير بن شهاب أوّل النّاس ... فقال : أيها النّاس ، الحقوا بأهاليكم ولا تعجلوا الشرّ ولا تعرضوا أنفسكم للقتل ، فإنّ هذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أقبلت ، وقد أعطى الله الأمير عهداً لئن أتممتم على حربه ولمْ تنصرفوا من عشيّتكم أنْ يحرّم ذرّيتك العطاء ، ويفرق مقاتلتكم في مغازي أهل الشام على غير طمع ، وأنْ يأخذ البرئ بالسّقيم والشاهد بالغائب حتّى لا يبقى فيكم بقيّة من أهل المعصية ، إلاّ أذاقها وبال ما جرّت أيديها.
    وتكلّم الأشراف بنحو من كلام هذا.
    فلمّا سمع مقالتهم النّاس أخذوا يتفرّقون ... (2) [و] إنّ المرأة كانت تأتي ابنها أو أخاها ، فتقول : انصرف النّاس يكفونك ؛ ويجيء الرجل ابنه أو أخيه ، فيقول : غداً يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشر؟ انصرف ، فيذهب به (3).
    وخرج محمّد بن الأشعث حتّى وقف عند دور بني عمارة ، وجاءه عمارة بن صلخب الأزدي عليه سلاحه وهو يريد ابن عقيل ، فأخذه فبعث به إلى ابن زياد فحبسه. فبعث ابن عقيل إليه من المسجد [لقتاله] عبد الرحمن بن شريح الشبامي (4) [ومعه ناس كثير ، وجال القعقاع بن شور الذهلي على مسلم وأصحابه
    _________________
    (1) قال أبو مِخْنف : فحدّثنى أبو الجناب الكلبي 5 / 369.
    (2) قال أبو مِخْنف : حدّثني سليمان بن أبي راشد ، عن عبد الله بن خازم الكثيري من الأزد ، قال ... 5 / 370.
    (3) قال أبو مِخْنف : فحدّثني المجالد بن سعيد 5 / 371.
    (4) قال ابو مِخْنف : فحدّثني أبو حاب الكلبي 5 / 369.

    من موضع بالكوفة ، يقال له : العرار] (1) وأرسل إلى محمّد بن الأشعث : قد جلت على ابن عقيل من العرار ، فتأخّر عن موقفه (2) [وقاتلهم شبث بن ربعي ، ثمّ جعل يقول : انتظروا بهم اللّيل يتفرّقوا. فقال له القعقاع بن شور : إنّك سددت على النّاس وجه مصيرهم ، فأخرج لهم ينسربوا] (3).
    [غربة مسلم (عليه السّلام)]
    قال عبّاس الجدلي : خرجنا مع ابن عقيل أربعة الآف ، فما بلغنا القصر إلاّ ونحن ثلثُمئة (4) ، فما زالوا يتفرّقون ويتصدّعون حتّى أمسى ابن عقيل وما معه ثلاثون نفساً في المسجد ، فما صلّى مع ابن عقيل إلاّ ثلاثون نفساً ، فلمّا رأى [ذلك] خرج متوجّهاً نحو أبواب كندة وبلغ الأبواب ومعه منهم عشرة ، ثمّ خرج وإذا ليس معه إنسان والتفت ، فإذا هو لا يحسّ أحداً يدلّه على الطريق ولا يدلّه على منزل ، ولا يواسيه بنفسه إنْ عرض له عدوّ. فمضى على وجهه يتلدّد في أزقّة الكوفة لا يدري أين يذهب حتّى خرج إلى دور بني جبلة من كندة ، فمشى حتّى انتهى إلى باب امرأة ، يقال لها : (طوعة) اُمّ ولد ، كانت للأشعث بن قيس (5)
    _________________
    (1) ذكره هارون بن مسلم ، عن علي بن صالح ، عن عيسى بن يزيد 5 / 381 ، وحيث لمْ يكن من أخبار أبي مِخْنف ؛ لذلك جعلناه بين : معقوفين.
    (2) راجع : الهامش رقم / 2 من الصفحة السّابقة.
    (3) راجع : الهامش رقم / 3 من الصفحة السّابقة.
    (4) قال أبو مِخْنف : وحدّثني يونس بن أبي إسحاق 5 / 369.
    (5) وفد الأشعث بن قيس في ستّين راكباً من كندة على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سنة (10 هـ) وانتسب إلى كلّ المرار من قبل اُمّه ، إذ كانوا ملوكاً. وأراد أنْ يُنسب النبيّ (صلّى الله عليه وآله) لذلك ، فانتسب (صلّى الله عليه وآله) إلى النّضر بن كنانة فلمْ يُعجب ذلك الأشعث 3 / 137. وتزوّج رسول لله (صلّى الله عليه وآله) أخته : (قتيلة) ، فتوفّي قبل أنْ يدخل بها ، فارتدّت عن الإسلام مع أخيها الأشعث 3 / 168 ، وارتد بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وحارب فهُزم 3 / 335 وطلب الأمان فآمنوه 3 / 337 ،

    فأعتقها ، فتزوّجها سيّد الخضرمي (1) فولدت له بلالاً ، وكان بلال قد خرج مع النّاس واُمّه قائمة تنتظره ، فسلّم عليها ابن عقيل فردّت عليه ، فقال لها : يا أمة الله ، أسقيني ماء. فدخلت فسقته ، فجلس وأدخلت الإناء ثمّ خرجت.
    فقالت : يا عبد الله ، ألمْ تشرب! قال : بلى. قالت : فاذهب إلى أهلك ،
    _________________
    ثمّ سرّحوا به مع الأسارى والسّبايا إلى أبي بكر. وكان قد خطب أخته : (أمّ فروة) فزوّجه ولمْ يدخل بها ، ثمّ ارتدّ فأطلق أبوبكر أساره وأقلّه عثرته ، وقبل إسلامه وردّ عليه أهله 3 / 339. وعند وفاته ، قال : لوددت أنّي يوم أتيت بالأشعث بن قيس أسيراً كنت ضربت عنقه ؛ فإنّه تخيّل إليّ أنّه لا يرى شرّاً إلاّ أعان عليه 3 / 430.
    ولحق الأشعث بن قيس بجيش القادسيّة في ألف وسبعمئة من أهل اليمن 3 / 487 ورآه سعد فيمَن لهم منظر لأجسامهم وعليهم مهابة ولهم آراء ، فبثهم دُعاة إلى ملك الفرس 3 / 496.
    وكان يحرّض قومه على حرب الفرس في القادسيّة لأسوة العرب ، وليس فيه كلام لله 3 / 539 ، 560. وزحف في سبعمئة من كندة ، وقتل قائد فيلق الفرس : تُرك. الطبري 3 / 563. وطمع فيما أصاب خالد بن الوليد من الغنائم والأنفال فانتجعه ـ أي : طلب منه شيئاً ـ فأجازه بعشرة الآف 4 / 67.
    واشترك في وقعة نهاوند 4 / 129 ، واشترى سنة ثلاثين من عثمان ما كان من الأنفال في طيرناباد بالعراق بمال له في حضرموت 4 / 280 ، وبعثه سعيد بن العاص من الكوفة والياً على آذربايجان سنة (34 ه) 4 / 331 ، فمات عثمان وهو على آذربايجان 4 / 422 ، فدعاه علي (عليه السّلام) إلى بيعته والانصراف إليه لنصرته فبايعه ، وانصرف إليه 4 / 561. وانتدب في صفّين لاسترجاع الماء من أصحاب معاوية 4 / 569 ، وهو الذي عصى أمير المؤمنين (عليه السّلام) فرضي بالتحكيم ورشّح الأشعري ، وأبى من رضي به الأمير (عليه السّلام) من ابن عبّاس أو الأشتر ، مصرّاً على الأشعري متبرّماً من القتال 4 / 51. وهو أوّل من كُتبت شهادته على صحيفة التحكيم ، ودعا الأشتر للإمضاء فأبى الأشتر وشتمه وسبّه ، وخرج الأشعث بالكتاب يقرؤه على النّاس 5 / 55.
    وأبى على عليٍّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) بعد النّهروان التوجّه إلى معاوية ، وأصرّ على الرجوع إلى الكوفة بحجّة الاستعداد 5 / 89.
    وكان عثمان قد طعمه خراج آذربايجان مئة ألف كلّ سنة 5 / 130 ، وكان قد بنى مسجداً بالكوفة 5 / 22.
    (1) هو سيّد بن مالك الحضرمي ، قِيل : هو الذي قتل عبد الله بن مسلم في كربلاء ، وابنه بلال دلّ على موضع مسلم بمنزلهم فأدّى إلى قتله (عليه السّلام).

    فسكت ، ثمّ عادت فقال مثل ذلك فسكت ، ثمّ قالت له : فيّ الله (1) سبحان الله! ياعبد الله ، فمرّ إلى أهلك عافاك الله ؛ فإنّه لا يصلح لك الجلوس على بابي ، ولا أحلّه لك.
    فقام ، فقال : يا أمَة الله ، مالي في المصر منزل ولا عشيرة ، فهل لك إلى أجر ومعروف ، ولعلّي مكافؤك به بعد اليوم؟
    فقالت : يا عبد الله وما ذاك؟
    قال : أنا مسلم بن عقيل ، كذبني هؤلاء القوم وغرّوني.
    قالت : أنت مسلم!
    قال : نعم.
    قالت : ادخل ، فأدخلته بيتاً في دارها غير البيت الذي تكون فيه وفرشت له ، وعرضت عليه العشاء فلمْ يتعشَّ.
    ولمْ يكن بأسرع من أنْ جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت والخروج منه ، فقال : والله ، إنّه ليُريبني كثرة دخولك هذا البيت منذ اللّيلة وخروجك منه! إنّ لك لشأناً؟ قالت : يا بني ، ألْهُ عنه هذا. قال : لها والله ، لتخبرنّي؟ قالت : أقبل على شأنك ولا تسألني عن شيء. فألحّ عليها ، فقالت : يا بنيّ ، لا تحدّثنّ أحداً من النّاس بما أخبرك به ، وأخذت عليه الإيمان ، فحلف لها فأخبرته فاضطجع وسكت (2).
    _________________
    (1) يقال : فيّ الله ، أي : اتّق فيّ الله.
    (2) قال أبو مِخْنف : فحدّثني المجالد بن سعيد 5 / 371 ، وفي : الإرشاد / 212 ، والخوارزمي / 208.
    وروى الطبري ، عن عمار الدهني ، عن الإمام الباقر (عليه السّلام) أنّه قال : «فلمّا رأى مسلم أنّه قد بقي وحده يتردّد في الطرق ، أتى باباً فنزل عليه فخرجت إليه امرأة ، فقال لها : استقيني. فسقته ، ثمّ دخلت فمكثت ما شاء الله ، ثمّ خرجت فإذا هو على الباب ، قالت : يا عبد الله ، إنّ مجلسك مجلس ريبة ، فقم. قال : إنّي أنا مسلم بن عقيل ، فهل عندك مأوى؟ قالت : نعم ، ادخل.

    [موقف ابن زياد]
    ولمّا طال على ابن زياد وأخذ لا يسمع لأصحاب ابن عقيل صوتاً كما كان يسمعه قبل ذلك ، قال لأصحابه : أشرفوا ، فانظروا هل تَرون منهم أحداً؟ فأشرفوا فلمْ يروا أحداً. قال : فانظروا لعلّهم تحت الظلال (1) قد كمنوا لكم ، ففزعوا بحابح المسجد (2) وجعلوا يخفضون شعل النّار في أيديهم ، ثمّ ينظرون هل في الظلال أحد. وكانت أحياناً تُضيء لهم وأحياناً لا تُضيء لهم كما يُريدون ، فدلّوا القناديل وأنصاف الطّنان (3) تشدّ بالحبال ، ثمّ تجعل فيها النيران ثمّ تدلّى حتّى تنتهي إلى الأرض ، ففعلوا ذلك في أقصى الظلال وأدناها وأوسطها ، حتّى فعلوا ذلك بالظلّة التي فيها المنبر ، فلمّا لمْ يروا شيئاً أعلموا ابن زياد ، [فـ] ـأمر [كاتبه] عمرو بن نافع (4) فنادى : ألاَ برءت الذمّة من رجل من : الشرطة والعرفاء أو ، المناكب أو المقاتلة صلّى العتمة إلاّ في المسجد.
    فلمْ يكن إلاّ ساعة حتّى امتلأ المسجد من النّاس.
    فقال [له] الحصين بن تميم [التميمي] ، وكان على شرطته (5) : إنْ شئت
    _________________
    وكان ابنها مولى لمحمّد بن الأشعث ، فلمّا علم به الغلام انطلق إلى محمّد فأخبره فانلطق محمّد إلى عبيد الله فأخبره ، فبعث عبيد الله عمرو بن حريث المخزومي إليه ، وكان صاحب شرطه ، ومعه عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث ، فلمْ يعلم مسلم حتّى أحيط بالدار» 5 / 350. ويأتي قريباً ، أنّ صاحب شرطته كان الحصين بن تميم.
    (1) الظلال جمع : الظلّة ، وهي : السّقيفة.
    (2) جمع بحبوحة : السّاحة الفسيحة وأفنيتها.
    (3) الطنّان جمع : الطنّ ، وهو : الحزمة من القصب.
    (4) هو كاتبه الذي كتب له كتابه إلى يزيد بقتل مسلم (عليه السّلام) ، وكان أوّل مَن أطال في الكتب فكرهه ابن زياد 5 / 380.
    (5) بعثه ابن زياد إلى القادسيّة ؛ لينظّم الخيل ما بينها إلى خفّان والقطقطانة ، ولعلع 5 / 394. وهو

    صلّيت بالنّاس أو يصلّي بهم غيرك ، فإنّي لا آمن أنْ يغتالك بعض أعدائك.
    فقال : مُر حرسي فليقوموا ورائي كما كانوا يقفون ، ودُرفيهم. ففتح باب السّدة التي في المسجد ، ثمّ خرج وخرج أصحابه معه ... فصلّى بالنّاس.
    [خطبة ابن زياد بعد غربة مسلم]
    ثمّ صعد المنبر [و] قام فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :
    أمّا بعد ، فإنّ ابن عقيل السّفيه الجاهل ، قد أتى ما قد رأيتم من الخلاف والشقاق ، فبرءت ذمّة الله من رجل وجدناه في داره ومَن جاء به ، فله ديّته.
    اتّقوا الله عباد الله وألزموا طاعتكم وبيعتكم ، ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلاً.
    يا حصين بن تميم ، ثكلتك أمّك! إنْ صاح باب سكّة من سكك الكوفة ، أو خرج هذا الرجل ولمْ تأتني به ، وقد سلّطتك على دور أهل الكوفة فابعث مراصدةً على أفواه السّكك.
    وأصبح غداً واستسبر الدور وجس (1) خلالها حتّى تأتيني بهذا الرجل!
    _________________
    الذي بعث رسول الحسين (عليه السّلام) ، قيس بن مسهر الصيداوي إلى ابن زياد فقتله 5 / 395 وكذلك عبد الله بن يقطر 5 / 398 ، وهو الذي قدّم الحرّ بين يديه في ألف من بني تميم من القادسيّة ؛ ليستقبل الحسين (عليه السّلام). وكان في كربلاء على الشرطة ويحرّض على قتل الحرّ 5 / 434 ، وبعث معه ابن سعد خمسمئة من المرامية فبعثهم ليرشقوا أصحاب الحسين (ع) ، فدنوا ورشقوهم بالنبال فعقروا خيولهم 5 / 437 وحمل على أصحاب الحسين (عليه السّلام) وهم يتأهّبون للصلاة ، فخرج إليه حبيب بن مظاهر وضرب وجه فرسه بالسّيف فشبّ ووقع عنه ، فحمل على حبيب بديل بن صريم العقفاني التميمي فضرب حبيباً بالسّيف على رأسه ، وحمل عليه آخر من بني تميم فطعنه بالرمح ، ثمّ رجع إليه الحصين بن تميم فضربه على رأسه بالسّيف فوقع ، ونزل إليه التميمي فاحتزر رأسه ودفعه إلى الحصين ، فعلّقه في عنق فرسه وجال به في العسكر ، ثمّ دفعه إلى قاتله 5 / 440. ورمى الحسين (ع) بسهم ، وقد دنا ليشرب ماء فوقع السّهم في فمه (عليه السّلام) فدعا عليهم 5 / 449.
    (1) من قولهم : سبر غوره ، أي : تعمّق فيه. وجس ، أي : تجسّس.

    [ابن زياد في طلب مسلم]
    ثمّ نزل ابن زياد فدخل ، وعقد لعمرو بن حريث (1) راية وأمره على النّاس (2) ، وأمره أنْ يقعد لهم في المسجد.
    [و] جاء المختار بن أبي عبيد خبر ابن عقيل ، أنّه قد ظهر بالكوفة والمختار في قريه له بخطرنية ، تدعى : لقفا. [وكان] فيمَن بايع [مسلم] من أهل الكوفة وناصحه ودعا إليه من طاعه ، فأقبل في موال له حتّى انتهى إلى باب الفيل بعد الغروب ، وقد عقد عبيد الله بن زياد لعمرو بن حريث راية على جميع النّاس.
    فلمّا كان المختار على باب الفيل ، مرّ به هانئ بن أبي حيّة الوداعي (3) ، فقال
    _________________
    (1) المحزومي : هو الذي اشترى من السّائب بن الأقرع الثقفي الكاتب الحاسب في جيش المسلمين في فتح نهاوند ، سفطين عظيمين من الغنائم ، فيهما : اللؤلؤ والزبرجد والياقوت بألفي ألف ، ثمّ خرج بهما إلى أرض العجم فباعها بأربعة الآف ألف ـ أربعة ملايين ـ فما زال أكثر أهل الكوفة مالاً سنة (21 هـ) 5 / 117. وكان خليفة سعيد بن العاص على الكوفة ، ويُسكّن النّاس عن عثمان سنة (34 هـ) 4 / 332. وكان خليفة زياد بن سميّة على الكوفة سنة (51 هـ) فحصبه أصحاب حجر 5 / 256. وكان على ربع أهل المدينة ، وشهد على حجر وأصحابه 5 / 268. وكان خليفة ابن زياد على الكوفة سنة (64 هـ) ، فلمّا هلك يزيد ودعا ابن زياد النّاس إلى نفسه تبعه ابن حريث ودعا النّاس إليه ، فحصبه أهل الكوفة 5 / 524 وأخرجوه من القصر 5 / 560. واعتزل النّاس ونزل في البرّ في نهضة المختار سنة (66 هـ) 6 / 30. وكان له حمّام بالكوفة 6 / 48 وقرّبه عبد الملك وأدناه سنة (71 هـ) 6 / 167. وكان خليفة بشر بن مروان على الكوفة سنة (73 هـ) 6 / 194 ولمْ يأتِ بالماء لمسلم بن عقيل 5 / 367 ، ولمْ يشفع لزينب عند ابن زياد 5 / 457 إلاّ حميّة قرشيّة ومات سنة (85 هـ). وكان عمره يوم وفاة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) اثنتي عشرة سنة ، كما في ذيل المذيل / 527 ، طبعة سويدان.
    (2) قال أبو مِخْنف : فحدثنى المجالد بن سعيد 5 / 371 ـ 373.
    (3) كان ممّن كُتبت شهادتهم على حجر وأصحابه 5 / 270 ، وممّن ذهب برأس مسلم وهانئ إلى يزيد 5 / 38 ، والتقى بالمختار في مكّة على عهد ابن الزبير سنة (64 هـ) ، وعلم من المختار أنّه يُريد الرجوع إلى الكوفة والوثوب بها ، فحذّره من فتنة الضلال 5 / 578.

    المختار : ما وقوفك ها هنا ، لا أنت مع النّاس ولا أنت في رحلك؟ قال : أصبح رأيي مرتجّاً لعظم خطيئتكم. فقال له : أظنّك والله ، قاتلاً نفسك. ثمّ [أقبل إلى] عمرو بن حريث فأخبره [خبره] (1).
    [موقف المختار]
    قال عبد الرحمن بن أبي عمير الثقفي (2) كنت جالساً عند عمرو بن حريث حين بلّغه هانئ بن أبي حيّة عن المختار هذه المقالة ، فقال لي [ابن حريث] : قم إلى عمّك فأخبره أنّ صاحبه [يعني : مسلم بن عقيل (عليه السّلام)] لا يدرى أين هو؟ فلا يجعلنّ على نفسه سبيلاً. فقمت لآتيه.
    ووثب إليه زائدة بن قدامة بن مسعود (3) فقال له : يأتيك على أنّه آمن؟
    فقال له عمرو بن حريث : أمّا منّي فهو آمن ، وإنْ رقّى إلى الأمير عبيد الله بن زياد شيء من أمره ، أقمت له بمحضره الشهادة وشفعت له أحسن الشفاعة.
    فقال له زائدة بن قدامه : لا يكوننّ مع هذا إنْ شاء الله إلاّ خيراً.
    قال عبد الرحمن : فخرجت ، وخرج معي زائدة إلى المختار فأخبرناه وناشدناه بالله ، أنْ لا يجعل على نفسه سبيلاً.
    _________________
    (1) 5 / 569. قال أبو مِخْنف ، قال : النّضر بن صالح ...
    (2) كان مع المختار في نهضته سنة (67 هـ) 6 / 98. والظاهر : أنّه هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان الثقفي ، ابن أخت معاوية اُمّ الحكم الذي استعمله معاويه على الكوفة سنة (58 هـ) بعد الضحّاك ابن قيس. وكان على شرطته زائدة بن قدامة الثقفي 5 / 310 وقبل ذلك كان عامل الموصل لمعاوية سنة (51 هـ). وهو الذي قتل عمرو بن الحمق الخزاعي ، يزعم قصاصاً لعثمان ، وكان مريضاً 5 / 265.
    وأساء السّيرة في أهل الكوفة فطردوه فلحق بمعاوية خاله ، فولاّه مصراً فطردوه عنها ، فرجع إلى معاوية 5 / 312 ، ولو لا قرابته من يزيد لمَا نفعه ابن حريث.
    (3) سبقت ترجمته في المقدّمة ، فراجع.

    فنزل إلى ابن حريث فسلّم عليه وجلس تحت رايته حتّى أصبح (1).
    وإنّ كثير [بن شهاب الحارثي] ألفى رجلاً في بني فتيان [موضع بالكوفة] من كلب ، يقال له : عبد الأعلى بن يزيد قد لبس سلاحه يُريد ابن عقيل ، فأخذه حتّى أدخله على ابن زياد فأخبره خبره ، فقال [الكلبي لابن زياد] : إنما أردتك. قال [ابن زياد] : وكنت وعدتني ذلك من نفسك. فأمر به فحُبس (2).
    [ولمّا أصبح ابن زياد]
    فلمّا أصبح جلس مجلسه وأذن للنّاس فدخلوا عليه.
    وأقبل محمّد بن الأشعث ، فقال : مرحباً بمَن لا يستغشّ ولا يتّهم ، ثمّ أقعده إلى جنبه.
    وأصبح ابن تلك العجوز [التي] آوت ابن عقيل ، وهو بلال بن سيّد فغدا إلى عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث فأخبره بمكان ابن عقيل عند اُمّه ، فأقبل عبد الرحمن حتّى أتى أباه فسارّه وهو عند ابن زياد ، فقال له ابن زياد : ما قال لك؟ قال : أخبرني أنّ ابن عقيل في دار من دورنا ، فنخس بالقضيب في جنبه ، ثمّ قال : قُم فأتني به السّاعة (3).
    [خروج محمّد بن الأشعث لقتال مسلم]
    [و] بعث [ابن زياد] إلى عمرو بن حريث ، وهو خليفته على النّاس في المسجد : أنْ ابعث مع ابن الأشعث ستّين أو سبعين رجلاً من قيس. وإنّما كره
    _________________
    (1) قال أبو مِخْنف : فأخبرني النّضر بن صالح ، عن عبد الرحمن بن أبي عمير الثقفي ، قال 5 / 570.
    (2) قال أبو مِخْنف : فحدّثني أبو جناب الكلبي 5 / 369.
    (3) قال أبو مِخْنف : فحدّثني المجالد بن سعيد 5 / 371 ـ 373 ، وفي الإرشاد / 213 ، والخواص / 208.

    أنْ يبعث معه قومه (1) ؛ لأنّه قد علم أنّ كلّ قوم يكرهون أنْ يُصادف فيهم مثل : ابن عقيل. فبعث معه [عمرو بن حريث] ، عمرو بن عبيد الله بن عبّاس السلمي في ستّين أو سبعين من قيس حتّى أتوا الدار التي فيها ابن عقيل.
    [خروج مسلم (عليه السّلام) لقتال الأشعث]
    فلمّا سمع [مسلم (عليه السّلام)] وقع خوافر الخيل وأصوات الرجال ، عرف أنّه قد أتي فخرج إليهم بسيفه ، واقتحموا عليه الدار ، فشدّ عليهم يضربهم بسيفه حتّى أخرجهم من الدار ، ثمّ عادوا إليه فشدّ عليهم كذلك.
    فضرب بُكيُر [بن حمران الأحمري الشامي] فمَ مسلم فقطع شفته العليا ، وأشرع السّيف في السّفلى وفصلت ثنيّتاه ، فضربه مسلم ضربة في رأسه منكرةً ، وثنّى بأخرى على حبل العاتق كادت أنْ تطلع على جوفه.
    [قصبات النيران والحجّارة ، والأمان]
    فلمّا رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق ظهر البيت فأخذوا يرمونه بالحجّارة ، ويلهبون النّار في طنان القصب ، ثمّ يقلبونها عليه من فوق البيت.
    فلمّا رأى ذلك خرج عليهم مصلتاً بسيفه في السكّة فقاتلهم ...
    فاقبل عليه محمّد بن الأشعث ، فقال : يا فتى ، لك الأمان ، لا تقتل نفسك. فأقبل يُقاتلهم ، وهو يقول :
    أقسمت لا أقتل إلاّ حرّا
    وإن رأيت الموت شيئاً نكرا

    كل امرئ يوماً ملاق شرّا
    ويخلط البارد سخناً مرّاً

    _________________
    (1) أمّا نفس ابن الأشعث ، فلعلّه كان يبرّر ذلك بأنّه إنّما يخرج مسلماً من بيت مولاتهم طوعة وابنها بلال. ومن هنا يُعلم : كيف كان ابن زياد بصيراً بأمور العشائر خبيراً بها ، يرعاها ويستخدمها في أهدافه.


    ردّ شعاع النّفس (1) فاستقرّا
    أخاف أن أكذب أو أغرّا

    [أسر مسلم (عليه السّلام) بحيلة الأمان]
    فقال له محمّد بن الأشعث : إنك لا تُكّذب ولا تُخدع ولا تّغرّ ، إنّ القوم بنو عمّك وليسوا بقاتليك ولا ضاربيك. وأُثخن بالحجّارة وعجز عن القتال ، فأسند ظهره إلى جنب تلك الدار ، فدنا محمّد بن الأشعث ، فقال : لك الأمان. فقال [مسلم] : آمن أنا؟ قال : نعم ، وقال القوم : [نعم] ، أنت آمن. وقال ابن عقيل : أمَا لو لمْ تؤمّنوني ما وضعت يدي في أيديكم ، [فعلم أنّه استسلم للأمان].
    وأُتي ببغلة فحُمل عليها ، واجتمعوا حوله وانتزعوا سيفه من عنقه ، فكأنّه آيس من نفسه فدمعت عيناه ، ثمّ قال : هذا أوّل الغدر.
    قال محمّد بن الأشعث : أرجو أنْ لا يكون عليك بأس.
    قال : ما هو إلاّ الرجاء ، أين أمانكم! إنّا لله وإنا إليه راجعون ، وبكى.
    فقال له عمرو بن عبيد الله بن عبّاس [السلمى الذي كان على الرجال المبعوثين إليه] : إنّ مَن يطلب مثل الذي تطلب ، إذا نزل به مثل الذي نزل بك لمْ يبك.
    قال : إنّي والله ، ما لنفسي أبكي ولا لها من القتل أرثي ، وإنْ كنت لمْ أحبّ له طرفة عين تلفاً ، ولكن أبكي لأهلي المقبلين إليّ ، أبكي لحسين وآل
    _________________
    (1) فيما بأيدينا من نسخ الطبري وغيره من الكتب ، جاء شعاع النّفس : شعاع الشمس. وذكر الشيخ السّماوي في إبصار العين / 49 : إنّ ذلك تصحيف ممّن لمْ يفهم شعاع النّفس ، فرأى : أنّ الشعاع بالشمس أليق ؛ والمراد بشعاع النّفس : خوف النّفس ، يقال : مارت نفسه شعاعاً ، أي : تفرقت نفسه كلشعاع الدقيق من الخوف ، فإنّ الشعاع هو المتفرق من الشيء تفرقاً دقيقاً ، وقد جاء في الشعر :
    أقول لها وقد طارت شعاعاً
    من الأبطال ويحك لا تراعى

    فالمعنى في الرجز : أنّ النّفس استقرت بعدما خافت.

    الحسين (عليه السّلام).
    [وصيّة مسلم إلى ابن الأشعث]
    ثمّ أقبل (عليه السّلام) على محمّد بن الأشعث ، فقال : يا عبد الله ، إنّي أراك والله ، ستعجز عن أماني فهل عندك خير؟ تستطيع أنْ تبعث من عندك رجلاً على لساني يبلغ حسيناً (ع) ؛ فإنّي لا أراه إلاّ قد خرج إليكم اليوم مقبلاً أو هو خارج غداً ، هو وأهل بيته ؛ وإنْ ما ترى من جزعي لذلك. فيقول [الرسول] : إنّ ابن عقيل بعثني إليك ، وهو في أبدي القوم أسير لا يرى أنْ يمشي حتّى يُقتل ، وهو يقول : ارجع بأهل بيتك ولا يغرّك أهل الكوفة ؛ فإنّهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنّى فراقهم بالموت أو القتل ، إنّ أهل الكوفة كذبوك وكذبوني ، وليس لمكذّب رأي. فقال ابن الأشعث : والله ، لأفعلنّ ولا علمنّ ابن زياد أنّي قد آمنتك (1).
    [مسلم على باب القصر]
    وأقبل محمّد بن الأشعث بابن عقيل إلى باب القصر وهو عطشان ، وعلى باب القصر ناس جلوس ينتظرون الإذن ، منهم : عمارة بن عقبة بن أبي معيط وعمرو بن حريث ، ومسلم بن عمرو وكثير بن شهاب (2).
    [وكانت] قلّة باردة موضوعة على الباب.
    فقال ابن عقيل : اُسقوني من هذا الماء.
    _________________
    (1) قال أبو مِخْنف : فحدّثني قدامة بن سعيد بن زائدة بن قدامة الثقفي 5 / 372 ، عن جدّه زائدة. انظره في : المقدمة.
    (2) قال أبو مِخْنف : فحدّثني جعفر بن حذيفة الطائي ، وعرف سعيد بن شيبان الحديث 5 / 375.

    فقال له مسلم بن عمرو [الباهلي] : أتراها ما أبردها! لا والله ، لا تذوق منها قطرة أبداً حتّى تذوق الحميم في نار جهنّم.
    قال له ابن عقيل : ويحك مَن أنت؟!
    قال أنا ابن (1) مَن عرف الحقّ إذ أنكرته ، ونصح لإمامه إذ غششته ، وسمع وأطاع إذ عصيته وخالفت ، أنا مسلم بن عمرو الباهلي.
    فقال ابن عقيل : لأمّك الثكل! ما أجفاك وما أفظّك ، وأقسى قلبك أغلظك ، أنت يابن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جهنّم منّي.
    ثمّ جلس متسانداً إلى الحائط.
    [فـ] ـبعث عمرو بن حريث [المخزومي] غلاماً له ، يُدعى : سليمان فجاءه بماء في قلّة (2) عليها منديل ومعه قدح ، فصبّ فيه ماء ثمّ سقاه ، فأخذ كلّما شرب امتلأ القدح دماً ، فلمّا ملأ القدح المرّة الثالثة ذهب ؛ ليشرب فسقطت ثناياه فيه ، فقال : الحمد لله! لو كان لي من الرزق المقسوم شربته (3).
    _________________
    (1) هكذا النص ، والصحيح : أنا مَن عرف ، وليس : ابن مَن عرف.
    (2) يقطع أبو مِخْنف هنا حديثه عن قدامة بن سعيد ؛ ليحدّث عن سعيد بن مدرك بن عمارة بن عقبة بن أبي معيط ، أنّه هو الذي بعث غلامه قيساً فجاءه بقلّة ... ويرجع الحديث في الظاهر إلى حديث قدامة ، ونحن رجّحنا حديث قدامة بن سعيد ، عن جدّه زائدة بن قدامة الثقفي إذ اتّهمنا سعيد بن مدرك ، أنّه وضع الحديث كفضيلة لجدّه عمارة ، بينما لا يرد مثل هذا على حديث قدامة إذ لمْ ينسب ذلك لجدّه زائدة مع حضوره هناك ، بل نسبه إلى عمرو بن حريث ؛ ولعمرو بن حريث موقفان آخران : يتسامح في أوّلهما للمختار ، فيشهد له عند ابن زياد بما ينجو به من القتل ؛ ويشفع في الثاني لزينب عند ابن زياد إذ همّ بها أنْ يضربها ، وإنْ كان كلّ ذلك بحميّة قرشيّة.
    أمّا عمارة بن عقبة بن أبي معيط الاُمّوي ، فهو من أعداء آل البيت (عليهم السّلام) وقد سبقت ترجمته في المقدمة ، فراجع.
    واختاره الشيخ في الإرشاد / 215 ، والخوارزمي / 210. وجمع السّماوي بين الخبرين بالعطف ، أي : أنّ كليهما بعثا للماء ، وهو خطأ. انظر : السّماوي / 45.
    (3) قال أبو مِخْنف : فحدّثني قدامة بن سعيد 5 / 375.

    فاستأذن [ابن الأشعث] فأُذن له (1) ، وأدخل مسلم على ابن زياد ، فلمْ يسلّم عليه بالأمرة.
    فقال له الحرسي : ألاَ تُسلّم على الأمير؟
    فقال له : إنْ كان يُريد قتلي ، فما سلامي عليه؟ وإن كان لا يُريد قتلى ، فلعمري ليكثرنّ سلامي عليه.
    فقال له ابن زياد : فلعمري لتقتلنّ.
    قال : كذلك؟
    قال : نعم.
    قال : فدعني أوص إلى بعض قومي.
    [وصيّة مسلم إلى عمر بن سعد]
    فنظر إلى جلساء عبيد الله ، وفيهم عمر بن سعد ، فقال : يا عمر ، إنّ بيني وبينك قرابة (2) ولي إليك حجّة وقد يجب لي عليك نجح حاجتي وهو سرّ ، فأبى أنْ يمكّنه من ذكرها.
    فقال له عبيد الله : لا تمتنع أنْ تنظر في حجّة ابن عمّك.
    فقام معه فجلس حيث ينظر إليه ابن زياد ، فقال له : إنّ عليّ بالكوفة ديناً استدنته منذ قدمت الكوفة ، سبعمئة درهم فاقضها عنّي ، وانظر جثتي فاستوهبها من ابن زياد فوارها ، وابعث إلى حسين (عليه السّلام) مَن يردّه ؛ فإنّي كتبت إليه أعلمه أنّ النّاس معه ولا أراه إلاّ مقبلاً (3).
    _________________
    (1) 5 / 375. حدثنى جعفر بن حذيفة الطائي ، قال ...
    (2) والقرابة بينه وبين ابن سعد ، هي : القرابة القرشيّة ، ومن طرف الاُمّ إلى بني زهره عشيرة ابن سعد.
    (3) كرّر الوصيّة بهذا إلى ابن سعد بعد ابن الأشعث تأكيداً للأمر ؛ عسى ولعلّ أحدهما يفعل ذلك.

    [مسلم أمام ابن زياد]
    ثمّ قال ابن زياد : إيه يابن عقيل! أتيت النّاس وأمرهم جميع وكلمتهم واحدة ؛ لتشتتهم وتفرّق كلمتهم وتحمل بعضهم على بعض.
    قال : كلا ، لست أتيت ، ولكن أهل المصر زعموا أنّ أباك قتل خيارهم وسفك دماءهم ، وعمل فيهم أعمال كسرى وقيصر فأتيناهم لنأمر بالعدل وندعو إلى حكم الكتاب.
    قال : وما أنت وذاك يا فاسق ، أوَلمْ نكن نعمل بذلك فيهم إذ أنت بالمدينة تشرب الخمر؟ قال : أنا أشرب الخمر! والله ، إنّ الله ليعلم أنّك غير صادق وأنّك قلت بغير علم ، وإنّي لست كما ذكرت ، وإنّ أحقّ بشرب الخمر منّي وأولى بها مَن يلغ في دماء المسلمين ولغاً ، فيقتل النّفس التي حرّم الله قتلها ، ويقتل النّفس بغير النّفس ويسفك الدم الحرام ، ويقتل على الغضب والعداوة وسوء الظنّ ، وهو يلهو ويلعب كأنّ لمْ يصنع شيئاً.
    قال له ابن زياد : يا فاسق! إنّ نفسك تمنّيك ما حال الله دونه ، ولمْ يرَك أهله.
    قال : فمَن أهله يابن زياد؟
    قال : أمير المؤمنين يزيد.
    فقال : الحمد لله على كلّ حال ، رضينا بالله حكماً بيننا وبينكم.
    قال : كأنّك تظنّ أنّ لكم بها شيئاً؟
    قال : والله ، ما هو بالظنّ ولكنّه اليقين.
    قال : قتلني الله إنْ لمْ أقتلك قتلة لمْ يقتلها أحد في الإسلام.
    قال : أمَا إنّك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة ، وخبث السّيرة ولؤم الغلبة ، ولا أحد من النّاس أحقّ بها منك.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    وقعة الطف لابو مخنف Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة الطف لابو مخنف   وقعة الطف لابو مخنف Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 4:33 pm

    وأقبل ابن سميّة (1) يشتمه ويشتم حسيناً وعليّاً وعقيلاً.
    [مقتل مسلم (عليه السّلام)]
    ثمّ قال : اصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه ، ثمّ أتبعوا جسده رأسه.
    فقال [مسلم لابن الأشعث] : يابن الأشعث ، أمَا والله ، لولا أنّك آمنتني ما استسلمت ؛ قم بسيفك دوني فقد اُخفرت ذمّتك (2).
    وأقبل محمّد بن الأشعث ... فأخبر عبيد الله خبر ابن عقيل ، وضرب بكير [بن حمران] إيّاه ، [و] أخبره بما كان منه وما كان من أمانه إيّاه.
    فقال عبيد الله : ما أنت والأمان؟ كأنّا أرسلناك تؤمّنه ، إنّما أرسلناك لتأتينا به ، فسكت (3).
    ثمّ قال ابن زياد : أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسّيف وعاتقه؟ فدُعى ، فقال : اصعد ، فكن أنت الذي تضرب عنقه.
    فصعد به ، وهو يكبّر ويستغفر ويصلّي على ملائكة الله ورسله ، ويقول : اللهمّ ، احكم بيننا وبين قوم غرّونا وكذبونا وأذلّون.
    وأشرف به [بكير الأحمري] على موضع الجزّارين اليوم (4) فضربت عنقه ،
    _________________
    (1) سميّة : أمّ زياد ، ذات علم بالفحشاء بالجاهليّة ؛ زنى بها أبو سفيان وغيره فولدت زياداً فاقترعوا عليه بسهام الأزلام ، فخرج أبو سفيان فادّعاه ، ولكنّه عُرف بزياد بن سميّة باسم اُمّه حتّى ألحقه معاوية بأبيه ، فكان مَن أنكر منكراته في الدين والعرف.
    (2) قال ابو مِخْنف : وحدّثني سعيد بن مدرك بن عمارة 5 / 376 ، عن جدّه عمارة بن عقبة بن أبي معيط.
    (3) قال أبو مِخْنف : فحدّثني جعفر بن جذيفة الطائي ، وعرف سعيد بن شيبان ، الحديث 5 / 375.
    (4) وفي الإرشاد / 216 : الحذائيين ، وفي الخوارزمي / 215 : سوق القصّابين ، وفي ص / 214 : في موضع يُباع فيه الغنم ، وهذا يرجّح نصّ الطبري. والمراد (باليوم) : على عهد الراوي أبي مِخْنف.

    وأتبع جسده رأسه (1).
    [و] نزل بكير بين حمران الأحمري الذي قتل مسلماً ، فقال له ابن زياد : قتلته؟ قال : نعم. قال : فما كان يقول ، وأنتم تصعدون به؟ قال : كان يكبّر ويسبّح ويتسغفر ، فلمّا أدنيته لأقتله ، قال : اللهمّ ، احكم بيننا وبين قوم كذّبونا وغرّونا وخذلونا وقتلونا. فقلت له : ادنُ منّي ، فضربته ضربة لمْ تغنِ شيئاً ، ثمّ ضربته الثانية فقتلته.
    ثمّ جيء برأسه إلى ابن زياد (2)
    فقال عمر [ابن سعد] لابن زياد : أتدري ما قال لي؟ إنّه ذكر كذا وكذا.
    قال له ابن زياد : إنّه لا يخونك الأمين ، ولكن قد يُؤتمن الخائن (3) ؛ أمّا مالك ، فهو لك ولسنا نمنعك أنْ تصنع فيه ما أحببت (4) ؛ وأمّا حسين (ع) فإنّه إنْ لمْ يردنا لمْ نرده ، وإنْ أرادنا لمْ نكفّ عنه ؛ وأمّا جثّته ، فإنّا لا نبالي إذ قتلناه ما صُنع بها (5).
    [مقتل هانئ بن عروة]
    لمّا كان من أمر مسلم بن عقيل ما كان ، أبى [ابن زياد] أنْ يَفي [لمحمّد
    _________________
    (1) قال أبو مِخْنف : وحدّثني سعيد بن مدرك بن عمارة 5 / 376.
    (2) قال أبو مِخْنف : حدّثني الصقعب بن زهير ، عن عون بن أبي جحيفه 5 / 378.
    (3) لمّا رأى ابن سعد ، أنّ ابن زياد سأل ابن حمران عن مقالة مسلم (عليه السّلام) عند القتل ، بادر إلى إفشاء سرّ ما أوصى به ليتزلّف إليه بذلك ، فجابهه ابن زياد بوصفه بالخيانة ، وهكذا يُجازى المتزلّفون!.
    (4) يقول له : مالك ، كأنّه يجعله وارث مسلم (عليه السّلام).
    (5) أو قال : فإنّا لن نشفعك فيها ، إنّه ليس بأهل منّا لذلك ، قد جاهدنا وخالفنا وجهد على هلاكنا 5 / 377 في نفس رواية أبي مِخْنف ، بعبارة : وزعموا أنّه ، قال ...

    بن الأشعث بما وعده ، بأن يهب له هانئاً حذراً من عداوة قومه ؛ لأنّه هو الذي ذهب به إليه] ، فأمر بهانئ بن عروة ، فقال : أخرجوه إلى السّوق فاضربوا عنقه.
    فأُخرج بهانئ ، وهو مكتوف حتّى انتهي به إلى مكان من السّوق يُباع فيه الغنم ، فجعل يقول : وامذحجاه! ولا مذحج لي اليوم! وامذحجاه! وأين منّي مذحج!
    فلمّا رأى أنّ أحداً لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتّاف ، ثمّ قال : أمَا من عصا أو سكّين أو حجر أو عظم يجاحش (1) به رجل عن نفسه؟
    ووثبوا إليه فشدّوه وثاقاً ، ثمّ قِيل له : أمدد عنقك.
    فقال : ما أنا بها مجدٍ سخيّ ، وما أنا بمعينكم على نفسي.
    [فتقدّم] مولى تركي لعبيد الله بن زياد ، يقال له رشيد (2) ، فضربه بالسّيف فلمْ يصنع سيفه شيئاً.
    وقال هانئ : إلى الله المعاد! اللّهمّ ، إلى رحمتك ورضوانك!
    ثمّ ضربه أخرى فقتله (3) [رحمة الله عليه ورضوانه ، وذهبوا برأسه إلى ابن زياد] (4).
    _________________
    (1) أي : يدافع.
    (2) بصر بن عبد الرحمن بن الحصين المرادي بحازر مع عبيد الله بن زياد ، فقال النّاس : هذا قاتل هانئ بن عروة ، فحُمل عليه ابن الحصين بالرمح فطعنه ، فقتله 5 / 379. وفي الإرشاد / 217 ، وفي الخواص / 214.
    (3) قال أبو مِخْنف : حدّثني الصقعب بن زهير ، عن عون بن ابي جحيفة 5 / 378.
    (4) لمْ ينقل الطبري هنا : أنّهما جرّا بأرجلهما في السّوق ، ولكنّه بعد هذا نقل ذلك عن نفس أبي مِخْنف ، عن أبي جناب الكلبي ، عن عدي بن حرملة الأسدي ، عن عبد الله بن سليم والمذري بن المشمعل الأسديين ، عن بكير بن المثعبة الأسدي ، قال : لمْ أخرج من الكوفة حتّى قُتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ، فرأيتهما يجرّان بأرجلهما في السّوق 5 / 397. وذكر الخوارزمي 2 / 215 ، وابن شهر آشوب 2 / 212 : أنّ ابن زياد صلبهما بالكناسة منكوسين.

    [مَن قتل بعدهما]
    ثمّ إنّ عبيد الله بن زياد لمّا قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ، دعا بعبد الأعلى الكلبي الذي كان أخذه كثير بن شهاب في بني فتيان ، فأُتي به ، فقال له : أخبرني بأمرك؟
    فقال : أصلحك الله! خرجت ؛ لأنظر ما يصنع النّاس فأخذني كثير بن شهاب.
    فقال له : فعليك ، وعليك من الإيمان المغلّظة إنْ كان أخرجك إلاّ ما زعمت. فأبى أنْ يحلف.
    فقال عبيد الله : انطلقوا بهذا إلى جبّانة السّبيع فاضربوا عنقه بها. فانطلقوا به فضربت عنقه.
    وأخرج عمارة بن صلخب الأزدي ، وكان ممّن يُريد أن يأتي مسلم بن عقيل بالنصرة لينصره ، فأتي به عبيد الله ، فقال : له ممّن أنت؟ قال : من الأزد. قال : فانطلقوا به إلى قومه ، فضربت عنقه فيهم (1)
    [حبس المختار]
    فلمّا ارتفع النّهار فتح باب عبيد الله بن زياد وأذن للنّاس ، فدخل المختار فيمَن دخل ، فدعاه عبيد الله فقال له : أنت المقبل في الجموع ؛ لتنصر ابن عقيل؟ فقال له : لمْ أفعل ، ولكنّي أقبلت ونزلت تحت راية عمرو بن حريث وبتّ معه وأصبحت. فقال عمرو [بن حريث] : صدق أصلحك الله.
    فرفع القضيب [ابن زياد] فاعترض به وجه المختار فخبط عينه فشترها (2) ،
    _________________
    (1) 5 / 378. قال ابو مِخْنف : حدّثني الصقعب بن زهير ، عن عون بن أبي جحيفة.
    (2) أي : قلّب جفن عينه من الأعلى إلى الأسفل.

    وقال : أولى لك أمَا والله ، لولا شهادة عمرو لضربت عنقك ، انطلقوا به إلى السّجن. فانطلقوا به إلى السّجن ، فحُبس فيه حتّى قُتل الحسين (عليه السّلام) (1).
    [بعث الرؤوس إلى يزيد]
    إنّ عبيد الله بن زياد بعث برؤوسهما مع هانئ بن أبي حيّة الوادعي [الكلبي الهمداني] والزبير بن الأروح التميمي إلى يزيد بن معاوية ، وأمر كاتبه عمرو بن نافع ، أنْ يكتب إلى يزيد بن معاوية بما كان من مسلم وهانئ ، فكتب إليه كتاب طال فيه ، فلمّا نظر فيه عبيد الله بن زياد كرهه ، وقال : ما هذا التطويل وهذه الفضول؟ اُكتب :
    أمّا بعد ، فالحمد لله الذي أخذ لأمير المؤمنين بحقّه وكفاه مؤونة عدوّه ، أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله أنّ مسلم بن عقيل لجأ إلى دار هانئ بن عروة المرادي ، وإنّي جعلت عليهما العيون ودسست إليهما الرجال وكدتهما حتّى استخرجتهما وأمكن الله منهما فقدّمتهما فضربت أعناقهما ، وقد بعثت إليك برؤوسهما مع هانئ بن أبي حيّة الهمداني والزبير بن الأروح التميمي ، وهما من أهل السّمع والطاعة والنّصيحة ، فليسألهما أمير المؤمنين عمّا أحبّ من أمر ؛ فإنّ عندهما علماً وصدقاً وفهماً وورعاً ، والسّلام.
    فكتب إليه يزيد : أمّا بعد ، فإنّك لمْ تعد أنْ كنت كما أحبّ ، عملت عمل الحازم وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش ، فقد أغنيت وكفيت وصدّقت ظنّي بك ورأيي فيك ، وقد دعوت رسوليك فسألتهما وناجيتهما فوجدتهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرت ، فاستوص بهما خيراً.
    وإنّه قد بلغني أنّ الحسين بن علي توجّه نحو العراق ، فضع المناظر
    _________________
    (1) قال أبو مِخْنف ، قال : النّضر بن صالح 5 / 561.

    والمسالح (1) واحترس على الظنّ وخذ على التهمة ، غير أنْ لا تقتل إلاّ مَن قاتلك ، واكتب إليّ في كلّ ما يحدث من الخبر ، والسّلام عليك ورحمة الله (2).
    [و] كان مخرج مسلم بن عقيل بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان ليال مضين من ذي الحجّة سنة ستّين ... وكان مخرج الحسين [(عليه السّلام) من مكّة] يوم الثلاثاء ، يوم التروية في اليوم الذي خرج فيه مسلم بن عقيل (3).
    فقال عبد الله بن الزّبير الأسدي في قتلة مسلم بن عقيل وهانئاً بن عروة المرادي ، ويقال الفرزدق :
    [ف] ان كنت لا تدرين ما الموت فانظري
    إلى هانئ في السّوق وابن عقيل

    إلى بطل قد هشّم السّيف وجهه
    وآخر يهوي من طمار (4) قتيل

    أصابهما أمر الأمير فأصبحا
    أحاديث من يسري بكل سبيل

    ترى جسداً قد غيّر الموت لونه
    ونضح دم قد سال كلّ مسيل

    فتى هو أحيى من فتاة حيية
    وأقطع من ذي شفرتين صقيل

    أيركب أسماء (5) الهماليج آمنا
    وقد طلبته مذحج بذحول

    تطيف حوإليه مراد وكلهم
    على رقبة من سائل ومسول

    _________________
    (1) المناظر : جمع منظرة ، وهي : موضع يراقب منه العدو. والمسالح جمع : مسلحة ، وهي : محلّ رجال مسلّحين مراقبين للعدوّ ، لئلاّ يفاجأوا ، الإرشاد / 217 ، والخواص / 245.
    (2) قال أبو مِخْنف ، عن أبي جناب يحيى بن أبي حيّة الكلبي 5 / 380 :
    وهو أخو هانئ بن أبي حيّة ، حامل رأس مسلم وهانئ إلى يزيد ، وأخوه كأنّما يروى خبره مفتخراً بوصفه من ابن زياد بأنّ عنده علم وصدقاً وفهماً وورعاً ، وتصديق فضلهما من قبل يزيد ، وليس هذا من الكلبيين ببعيد.
    (3) قال أبو مِخْنف : حدّثني الصقعب بن زهير ، عن عون بن أبي جحيفة 5 / 378.
    (4) طمار القصر : أعلاه.
    (5) يعني : أسماء بن خارجة الفزاري الذي ذهب بهانئ بن عروة إلى ابن زياد. والهاليج جمع : الهملاج ، وهو : البرذون إذ يمشى الهملجة ؛ وهي ضرب من المشى ، وهي معربة من الفارسيّة ، كما في المجمع.


    فإنْ أنتم لمْ تثأروا بأخيكم
    فكونوا بغايا ارضيت بقليل (1) و (2)

    _________________
    (1) قال أبو مِخْنف : حدثني الصقعب بن زهير ، عن عون بن أبي جحيفة 5 / 381.
    (2) وروى الطبري ، عن عمّار الدهني ، عن الإمام الباقر (عليه السّلام) قال : «قال : شاعرهم في ذلك». وذكر ثلاث أبيات منها أوّلها : «فإنْ كنتِ لا تدرين ما الموت فانظري» 5 / 350. وهنا ذكر صدر البيت هكذا : إنْ كنت لا تدرين ، وهو كما ترى غلطاً ، يقلّ به وزن البيت. والزبير ضبطه المحقَّق : الزَّبير بفتح الزاي ، ولعلّه أخده عن ابن الأثير في الكامل 4 / 36 ، ومقاتل الطالبيّين / 108. وقال الأصفهاني بشأنه : كان من وجوه محدّثي الشيعة ، روى عنه عباد بن يعقوب الرواجني المتوفّى (205 هـ) ونظراؤه ، ومَن هو أكبر منه 290. ورُوى عنه : أنّه كان من أصحاب محمّد بن عبد الله بن الحسن ، ذي النّفس الزكيّة الشهيد على عهد المنصور سنة (145 هـ) ، ثمّ قال : هو أبو أبي أحمد الزبيري المحدّث 290 وهو : محمّد بن عبد الله بن الزبير. وروى الكشّي عن عبد الرحمن بن سيابة ، قال : دفع إليّ أبو عبد الله (عليه السّلام) دنانير وأمرني أنْ أقسّمها في عيالات مَن أُصيب مع عمّه زيد فقسّمتها ، فأصاب عيال عبد الله بن الزبير الرّسان أربعة دنانير ، رقم / 621.
    وروى الشيخ المفيد في الإرشاد ، عن أبي خالد الواسطي ، قال : سلّم إليّ أبو عبد الله (عليه السّلام) ألف دينار وأمرني أنْ أقسّمها في عيال مَن أصيب مع زيد ، فأصاب عيال عبد الله بن الزبير أخي فضيل الرّسان ، منها : أربعة دنانير 269. ولعلّهما شخصان بهذا الاسم ، إذ نرى الأصفهاني بعد أنْ عدّه من وجوه محدّثي الشيعة ، نصّ في الأغاني 13 / 31 ، على أنّه : من شيعة بني أميّة وذو الهوى فيهم والتعصب والنصرة لهم على عدوّهم ، وأنّه لا يمالئ أحداً عليهم ولا على عمّالهم ، وكان عبيد الله بن زياد يصله ويُكرمه ويقضي ديونه ، ولابن الزبير فيه مدائح وكذلك في مدح أسماء بن خارجة الفزاري. الأغاني 13 / 33 ـ 37.
    ذكر ذلك السيّد المقرّم (ره) في كتابه : الشهيد مسلم / 201 ، ثمّ قال : وهل لأحد أنْ يَنسب هذه الأبيات في مسلم وهانئ إلى هذا الرجل بعد علمه بنزعته الاُمّوية ومدائحه هذه فيهم؟! ثمّ رجّح نسبة الأبيات إلى الفرزدق ، وأنّه أنشأها بعد رجوعه من الحجّ سنة ستّين.
    وذكر الأصفهاني الأبيات منسوبة إلى ابن الزبير الأسدي هذا ، نقلاً عن المدائني عن أبي مِخْنف عن يوسف بن يزيد.

    [خروج الحسين [عليه السلام] من مكّة]
    (1) كان مخرج الحسين (عليه السّلام) من المدينة إلى مكّة يوم الأحد ، لليلتين بقيتا من رجب سنة ستّين ، ودخل مكّة ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان ، فأقام بمكّة شعبان وشهر رمضان وشوّال وذا القعدة ، ثمّ خرج منها لثمان مضين من ذي الحجّة يوم الثلاثاء ، يوم التروية في اليوم الذي خرج فيه مسلم بن عقيل (عليه السّلام).
    [ولمّا] نزل مكّة ، أقبل أهلها يختلفون إليه ويأتونه ، ومَن مكان بها من المعتمرين وأهل الآفاق.
    [موقف ابن الزبير مع الإمام (عليه السّلام)]
    [وكان] فيمَن يأتيه ابن الزبير ، فيأتيه اليومين المتواليين ويأتيه بين كلّ يومين مرّة ، وقد عرف أنّ أهل الحجاز لا يتابعونه ولا يبايعونه أبداً مادام حسين (عليه السّلام) بالبلد ، وأنّ حسيناً أعظم في أعينهم منه وأطوع في النّاس منه (2).
    _________________
    (1) قال الطبري : وفي هذه السّنة ، سنة ستّين عُزل يزيد الوليد بن عتبة في شهر رمضان ، فأمّر عليها عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق فقدمها في شهر رمضان. وكان رجلاً عظيم الكبر مفوّهاً 5 / 343 وقِيل : قدمها في شهر ذي القعدة من سنة ستّين 5 / 346. وقال أيضاً : نُزع يزيد بن معاوية في هذه السّنة ، سنة ستّين الوليد بن عتبة عن مكّة وولاّهما عمرو بن سعيد بن العاص ، وذلك في شهر رمضان منها ، فحجّ بالنّاس عمرو بن سعيد في هذه السّنة ، وكان عامله عن مكّة والمدينة في هذه السّنة 5 / 399.
    (2) قال أبو مِخْنف : حدّثني عبد الرحمن بن جندب ، قال حدّثني عقبة بن سمعان مولى الرباب ابنة امرئ القيس الكلبية ، امرأة حسين (عليه السّلام) 5 / 351.

    فحدّثه [يوماً] ساعة ، ثمّ قال : ما أدرى ما تركنا هؤلاء القوم وكفّنا عنهم ، ونحن أبناء المهاجرين وولاة هذا الأمر دونهم! خبّرني ما تريد أنْ تصنع؟
    فقال الحسين (عليه السّلام) : «والله ، لقد حدّثت نفسي بإتيان الكوفة ، ولقد كتب إليّ شيعتي بها وأشراف أهلها ، واستخير الله» (1).
    فقال له ابن الزبير : أمَا لو كان لي بها مثل شيعتك ما عدلت بها!
    ثمّ إنّه خشى أنْ يتّهمه ، فقال : أمَا إنّك لو أقمت بالحجاز ، ثمّ أردت هذا الأمر ها هنا ما خولف عليك إنْ شاء الله. ثمّ قام فخرج من عنده.
    فقال الحسين (عليه السّلام) : «ها إنّ هذا ليس شيء يُؤتاه من الدنيا أحبّ إليه من أنْ اخرج من الحجاز إلى العراق ، وقد علم أنّه ليس له من الأمر معي شيء ، وأنّ النّاس لا يعدلوه بي ، فودّ أنّي خرجت منها لتخلو له». (2) (3)
    [محادثة ابن عبّاس]
    [و] لمّا أجمع المسير إلى الكوفة أتاه عبد الله بن عبّاس ، فقال : يابن عمّ ، قد أرجف النّاس أنّك سائر إلى العراق ، فبيّن لي ما أنت صانع؟ قال (ع) : «إنّي قد أجمعت المسير في أحد يوميّ هذين (4) إنْ شاء الله تعالى».
    _________________
    (1) الاستخارة هنا بمعناها اللغوي ، أي : طلب الخير ، وليس بالمعنى المصطلح عليه المتأخّر.
    (2) قال أبو مِخْنف : وحدّثني الحارث بن كعب الوالبي عن عقبة بن سمعان 5 / 383.
    (3) غير خافٍ على الإمام (عليه السّلام) نفسيّات القوم وما شيبت به من الغدر والنفاق ، ولكن لا تسعه المصارحة بما عنده من العلم بمصير أمره لكلّ مَن قابله ، إذ لا كلّ ما يُعلم يُقال لا سيّما بعد تفاوت المراتب واختلاف الأوعية سعةً وضيقاً ؛ فكان يُجيب كلّ واحد بما يسعه ظرفه وتتحمله معرفته. والملاحظ هنا : أنّ ابن الزبير غير مخالف لقيام الإمام (عليه السّلام) ، بل هو مرغّب للامام فيه ، وإنّما كلامه في زمانه ومكانه.
    (4) وبما أنّ خروجه (عليه السّلام) من مكّة كان في يوم التروية بعد الظهر ، والنّاس رائحين إلى منى :

    فقال له ابن عبّاس : فإنّي أعيذك بالله من ذلك ، أخبرني رحمك الله أتسير
    _________________
    5 / 385 يُعلم أنّ هذه المحادثة بينه (عليه السّلام) وابن عبّاس كانت في يوم السادس من ذي الحجّة ، وإنّ إرجاف النّاس وشيوع الخبر فيهم بذلك كان على الأكثر منذ يومين من قبل ذلك ـ أي : منذ اليوم الرابع من ذي الحجّة ـ. وأمّا قبل ذلك فلا شيء يدلّ على هذا ، فما الذي حدث في هذه الأيّام بعد بقائه بمكّة أربعة أشهر ممّا جعله يخرج يوم التروية قبل تمام الحجّ؟ وكان مسلم (عليه السّلام) قد أرسل الكتاب قبل سبع وعشرين يوماً من مقتله ـ أي : في العشرين من ذي القعدة ـ ومدّة وصول الكتاب إذ ذاك عشرة أيّام تقريباً ، وعلى هذا يكون الكتاب قد وصل إليه (عليه السّلام) في أواخر ذي القعدة أو أوائل ذي الحجّة ، ولكن ذلك لا يكفي لعدم إتمام الحجّ في أربعة أيّام.
    ونجد الفرزدق الشاعر قد سأل الإمام (عليه السّلام) عن هذا ، إذ قال له : ما أعجلك عن الحجّ؟ فقال (عليه السّلام) : «لو لمْ أعجّل لأُخذت» 5 / 386 ؛ ولذلك قال الشيخ المفيد (قده) : لمّا أراد الحسين (عليه السّلام) التوجّه إلى العراق طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، وأحلّ من إحرامه وجعلها عمرة ؛ لأنّه لمْ يتمكّن من تمام الحجّ ، مخافة أنْ يُقبض عليه بمكّة فيُنفذ به إلى يزيد بن معاوية ، فخرج (عليه السّلام) مبادراً. الإرشاد / 218.
    وروى معاوية بن عمّار عن الإمام الصادق (عليه السّلام) ، قال : «وقد اعتمر الحسين في ذي الحجّة ، ثمّ راح يوم التروية إلى العراق والنّاس يروحون إلى منى ، ولا بأس بالعمرة في ذي الحجّة لمَن لا يُريد الحجّ». وروى إبراهيم بن عمر اليماني ، أنّه سأل الصادق (عليه السّلام) عن رجل خرج في أشهر الحجّ معتمراً ، ثمّ خرج إلى بلاده؟ قال (ع) : «لا بأس». إلى أنْ قال (ع) : «وإنّ الحسين بن علي (عليه السّلام) خرج يوم التروية إلى العراق ، وكان معتمراً». الوسائل 10 / 246.
    ولهذا قال الشيخ التستري : إنّهم جدّوا في إلقاء القبض عليه أو قتله غيلةً ، ولو وُجد متعلقاً بأستار الكعبة! فالتزم بأنْ يجعل إحرامه عمرةً مفردةً وترك التمتع بالحجّ. الخصائص / 32 ، ط تبريز.
    ونجد الشيخ الطبرسي في أعلام الورى ، في الفصل الخاص بأخبار مسيرة الإمام (عليه السّلام) ومقتله ، ينقل نفس الفصل الخاص في إرشاد الشيخ المفيد (قده) تقريباً بدون تصريح بذلك ، وفيه ينقل ما ذكره الشيخ المفيد إلاّ أنّه يغيّر كلمة : (تمام الحجّ) إلى : (إتمام الحجّ) وهذا خطأ ، ولعلّه من النسّاخ لمَا بينهما من الفرق الواضح ، إذ أنّ كلمة الإتمام تُفيد : أنّه (عليه السّلام) قد تلبّس بإحرام الحجّ ، دون كلمة : (تمام الحجّ).
    ولعلّ نُسخ الإرشاد تختلف ، فقد نقل الشيخ القرشي كلام الشيخ المفيد كما نقله الطبرسي : (إتمام الحجّ) 3 / 50 عن الإرشاد / 243 ، ونحن نجد الكلمة في [الصفحة] / 218 ، من الإرشاد في الطبعة الحيدريّة : (تمام الحجّ) ، وهو الصحيح.

    إلى قوم قد قتلوا أميرهم ، وضبطوا بلادهم ونفوا عدوّهم؟ فإنْ كانوا قد فعلوا ذلك فسر إليهم ، وإنْ كانوا إنّما دعوك إليهم وأميرهم عليهم قاهر لهم وعمّاله تجبى بلادهم ؛ فإنّهم إنّما دعوك إلى الحرب والقتال ، ولا آمن عليك أنْ يغرّوك ويكذبوك ، ويخالفوك ويخذلوك ، وأنْ يستنفروا إليك فيكونوا أشدّ النّاس عليك.
    فقال له حسين (عليه السّلام) : «وإنّي أستخير الله (1) وأنظر ما يكون» (2) (3).
    [محادثة ابن عبّاس ثانيةً]
    فلمّا كان من العشي أو من الغد أتى عبد الله بن العبّاس ، فقال : يابن عمّ إنّي أتصبّر وما أصبر ، إنّي أخاف عليك في هذا الوجه الهلاك والاستئصال ، إنّ العراق قوم غدر فلا تقربنّهم ، أقم بهذا البلد ؛ فإنّك سيّد أهل الحجاز فإنْ كان أهل العراق يُريدونك كما زعموا ، فاكتب إليهم فلينفوا عدوّهم ثمّ أقدم عليهم ، فإنْ أبيت إلاّ أنْ تخرج فسر إلى اليمن ؛ فإنّ بها حصوناً وشعاباً ، وهي أرض عريضة طويلة وتبثّ دعاتك ، فإنّي أرجو أنْ يأتيك عند ذلك الذي تُحبّ في عافية.
    فقال له الحسين (عليه السّلام) : «يابن عم ، إنّي والله ، لأعلم أنّك ناصح ... (4)
    _________________
    (1) الاستخارة هنا بمعناها اللغوي ، أي : طلب الخير ، وليس بالمعنى المصطلح عليه المتأخر ، كما سبق.
    (2) قال أبو مِخْنف : وحدّثني الحارث بن كعب الوالبي عن عقبة بن سمعان 5 / 383.
    (3) والملاحظ هنا : أنّ ابن عبّاس غير مخالف لقيام الإمام (عليه السّلام) ، وإنّما يُشكّك للإمام في توفّر الأرضيّة اللازمة لذلك ، والإمام (عليه السّلام) لا يردّه في ذلك طبعاً.
    (4) النصح هنا بمعنى : الإخلاص ، وليس بمعنى : الوعظ والإرشاد ، فهو المعنى الحادث أخيراً للكلمة وليس معناها الأصيل. فالإمام (عليه السّلام) يقول : إنّه يعلم أنّه يقول ما يقوله عن إخلاص وشفقة وعاطفة ومودّة ، فهو لا يخالف الإمام (عليه السّلام) في قيامه ، وإنّما يُشكّك في توفر الأرضيّة اللازمة له ، والإمام (عليه السّلام) لا يردّه في هذا ، بل يقول إنّه عازم على القيام مع ذلك ؛ وذلك لما يرى من لزومه وضرورته لحياة الشريعة المقدسة.

    ... مشفق ، ولكنّي أزمعت وأجمعت على المسير».
    فقال له ابن عبّاس : فإنْ كنت سائراً ، فلا تسر بنسائك وصبيتك فوالله ، إنّي لخائف أنْ تُقتل ... (1).
    [محادثة عمر بن عبد الرحمن المخزومي]
    قال عمر بن عبد الرحمن بن الحرّث بن هشام المخزومي (2) : لمّا تهيّأ الحسين (عليه السّلام) للمسير إلى العراق أتيته فدخلت عليه فحمدت الله وأثنيت عليه ، ثمّ قلت : أمّا بعد ، فإنّي أتيتك يابن عمّ لحجّة أريد ذكرها نصيحةً ، فإنْ كنت ترى أنّك تستنصحني ، وإلاّ كففت عمّا أريد أنْ أقول.
    فقال [الحسين (عليه السّلام)] : «قل فوالله ، ما أظنّك بسيّء الرأي ولا هوٍ (3) للقبيح من الأمر والفعل».
    قال : أنّه قد بلغني أنّك تريد المسير إلى العراق ، وإنّي مشفق عليك من مسيرك ، أنّك تأتي بلداً فيه عمّاله وامرؤه ومعهم بيوت الأموال ، وإنّما النّاس عبيد لهذا الدرهم والدينار ، ولا آمن عليك أنْ يُقاتلك مَن وعدك نصره ، ومَن أنت أحبّ إليه ممّن يُقاتلك معه.
    فقال الحسين (عليه السّلام) : «جزاك الله خيراً بابن عم ، فقد والله ، علمت أنّك مشيت بنصح وتكلّمت بعقل ، ومهما يقضِ من أمر يكن ، أخذت
    _________________
    (1) قال أبو مِخْنف : حدّثني الحرّث بن كعب الوالبي ، عن عقبة بن سمعان 5 / 383.
    (2) هو الذي ولاّه ابن الزبير الكوفة على عهد المختار سنة (66 هـ) ، فبعث إليه المختار زائدة بن قدامة الثقفي في خمسمئة رجل ومعه سبعين ألف درهم ؛ ليردّ المختار بالدراهم وإلاّ فيُقاتله بالرجال ، فقبل الدراهم وذهب إلى البصرة 6 / 71 ، وما يحدّث به من ثناء الإمام (عليه السّلام) له فإنّما هو بنقله ، وجدّه الحرّث بن هشام أخوتي جهل بن هشام عدوّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، وذكرناه في المقدمة.
    (3) هَوٍ ، أي : هاويا من الهوى ؛ أي : مريداً للقبيح.

    برأيك أو تركته ، فأنت عندي أحمد مشير وأنصح ناصح» (1).
    [محادثة ابن الزبير مع الإمام الأخيرة]
    [وقال] عبد الله بن سليم [الأسدي] والمُذري بن المُشمَعلّ [الأسدي] قدمنا مكّة حاجّين فدخلنا يوم التروية ، فإذا نحن بالحسين (عليه السّلام) وعبد الله بن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحى فيما بين الحجر والباب ، فتقرّبنا منهما فسمعنا ابن الزبير ، وهو يقول للحسين (عليه السّلام) : إنْ شئت أنْ تُقيم أقمت ، فوليت هذا الأمر فآزرناك وساعدناك ونصحنا لك وبايعناك.
    فقال له الحسين (عليه السّلام) : «إنّ أبي حدّثني : أنّ بها كبشاً يستحلّ حرمتها ، فما أحبّ أنْ أكون أنا ذلك الكبش» (2) و (3).
    فقال له الزبير : إليّ يابن فاطمة. فأصغى إليه فسارّه ، ثمّ التفت إلينا الحسين (عليه السّلام) فقال :
    «أتدرون ما يقول ابن الزبير؟».
    فقلنا : لاندري ، جعلنا الله فداك.
    فقال (ع) : «قال : أقمْ في هذا المسجد ، أجمع لك النّاس».
    ثمّ قال الحسين (عليه السّلام) : «والله ، لئن أقتل خارجاً منها بشبر أحبّ إليّ من أنْ أقتل داخلاً منها بشبر ؛ وأيمْ الله ، لو كنت في جحر هامّة من هذه الهوام لاستخرجوني حتّى يقضوا فيّ حاجتهم ، والله ، ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود في
    _________________
    (1) 5 / 382. قال هشامعن أبي مِخْنف : حدثنى الصقعب بن زهير ، عن عمر بن عبد الرحمن.
    (2) قال أبو مِخْنف : قال ، أبو جناب يحيى بن أبي حيّة ، عن عدي بن حرملة الأسدي عن عبد الله 5 / 384.
    (3) الكبش : الذّكر من الغنم الذي يتقدّم القطيع غالباً ؛ ولذلك شُبّه به : القوّاد. وبهذا الحديث ذكر الإمام (عليه السّلام) ابن الزبير ـ لو كانت تنفعه الذكرى ـ فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين.

    السّبت» (1) و (2).
    [موقف عمرو بن سعيد الأشدق]
    [و] لمّا خرج الحسين (عليه السّلام) من مكّة اعترضه رُسل عمرو بن سعيد بن العاص (3) عليهم يحيى بن سعيد (4).
    _________________
    (1) قال أبو مِخْنف : عن أبي سعيد عقيصا عن بعض أصحابه قال 5 / 38 5.
    (2) هذا هو خير جواب موجز أجاب به الإمام (عليه السّلام) كلّ السّئلة المطروحة ، بأنّه مطلوب أينما كان وليعتدنّ عليه ، فليخرج من مكّة لئلا يكون الكبش الذي ذكره له والده أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، ولذلك خرج منها هارباً بنفسه وأهله لئلا تُستحلّ به حرمتها. وإذا خرج من مكّة فخيرٌ له أنْ يمضي في قضاء حجّة شيعته من أهل الكوفة إتماماً للحجّة عليهم : لئلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ * ولا يقول أحد : لوْ لا أَرْسَلْتَ إلينا رَسُولاً ًـ وأقمت لنا علماً هادياً ـ فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ. وإنْ لمْ يذهب إلى الكوفة فإلى أين يتوجّه؟ وقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت!
    (3) لمّا ولي عمرو بن سعيد المدينة دعا عبيد الله بن أبي رافع ، وكان يكتب لعلي بن أبي طالب (ع) ، فقال : مَن مولاك؟ فقال : رسول الله (صلّى الله عليه وآله). وكان أبو رافع لأبي أحيحة سعيد بن العاص الأكبر فورثه بنوه فأعتق ثلاثة منهم نصيبهم منه وقُتلوا يوم بدر جميعاً ، ووهب خالد بن سعيد نصيبه منه لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأعتقه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فضربه مئة سوط ، وقال : مولى مَن أنت؟ قال مولى رسول الله (ص). فضربه مئة سوط ، فلمْ يزل يفعل به ذلك كلّما سأله مولى مَن أنت؟ قال مولى رسول الله حتّى ضربه خمسمئة سوط ، ثمّ قال : مولى مَن أنت؟ قال : مولاكم. فلمّا قُتل عبد الملك عمرو بن سعيد ، قال عبيد الله بن ابي رافع شعراً يشكر قاتله 3 / 170.
    وهو الذي حارب ابن الزبير 5 / 343 ، وضرب بالمدينة كلّ من كان يهوي هوى ابن الزبير ، منهم محمّد بن عمار بن ياسر ، ضربهم الأربعين إلى الخمسين إلى السّتّين 5 / 344 ، واستبشر حين بلغه خبر قتل الحسين (عليه السّلام). ولمّا سمع واعية نساء بني هاشم عليه ، قال : هذه واعية بواعية ، عثمان بن عفّان. ثمّ سعد المنبر فأعلم الخبر 5 / 466 ، وأعلم يزيد أنّ عمرو بن سعيد يترفق بابن الزبير ولا يتشدّد عليه ، فعزله لأوّل ذي الحجّة سنة (61 هـ) 5 / 477 ، فقدم على يزيد واعتذر إليه 5 / 479 وكان أبوه سعيد بن العاص والي المدينة لمعاوية 5 / 241.
    (4) أخو عمرو بن سعيد ، نصره يوم قتله في قصر عبد الملك بالشام مع ألف ممّن تبعه من رجاله ومواليه وعبيده ، فهُزموا وحبس ، ثمّ أُطلق فلحق بابن الزبير 6 / 143 ـ 147 ، ثمّ ذهب إلى الكوفة

    فقالوا له : انصرف ، أين تذهب؟ فأبى عليهم.
    وتدافع الفريقان فاضطربوا بالسّياط ، ومضى الحسين (عليه السّلام) على وجهه.
    فنادوه : يا حسين ، ألاَ تتّقي الله ، تخرج من الجماعة وتفرّق بين هذه الاُمة!
    فتأوّل حسين (عليه السّلام) قول الله عزّ وجلّ : (لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) (1) و (2)
    قال علي بن الحسين بن علي (عليهما السّلام) : «لمّا خرجنا من مكّة كتب عبد الله بن جعفر ابن أبي طالب (3) إلى الحسين بن علي (عليه السّلام) مع ابنيه عون ومحمّد (4) :
    أمّا بعد ، فإنّي أسألك بالله لمّا انصرفت حين تنظر في كتابي ؛ فإنّي مشفق عليك من الوجه الذي تتوجّه له أنْ يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك ، إنْ هلكت اليوم طفيء نور الأرض ؛ فإنّك علم المهتدين ورجاء المؤمنين ، فلا تعجل بالسّير ، فإنّي في أثر الكتاب ، والسّلام».
    _________________
    فلجاً إلى أخواله الجُعفيين ، فلمّا دخل عبد الملك الكوفة وبايعوه بايعه واستأمن 6 / 162.
    (1) سورة يونس / 41.
    (2) 5 / 38 5. قال أبو مِخْنف : حدثنى الحرّث بن كعب الوالبي ، عن عقبة بن سمعان ، قال ...
    (3) كان مع أمير المؤمنين (عليه السّلام) في الجمل وأعأنّه على حمل عائشة إلى المدينة 4 / 5 10 وكان ممّن يستشيرهم أمير المؤمنين (عليه السّلام) بالكوفة ، وهو الذي أشار إليه بتولية محمّد بن أبي بكر مصراً ، وهو أخوه لاُمّه 4 / 5 5 4. وكان معه في صفّين يتقدم عليه مفاداً له 5 / 148. وكان مع الحسن (عليه السّلام) في نهضته 5 / 160 ورجع معهما إلى المدينة 5 / 16 5. وكان ولداه : محمّد وعون مع الحسين (عليه السّلام) ، فلمّا بلغه مقتلهم ، قال : والله ، لو شهدته لأحببت ألاّ أفارقه حتّى أُقتل معه 5 / 466.
    (4) قُتلا مع الحسين (عليه السّلام) ؛ أمّا عون ، فاُمّه : جمانة بنت المسيّب بن نحببته الفزارى الذي كان من زعماء التوابين ؛ وأما محمّد ، فاُمّه : الخوصاء بنت خصفة بن ثقيف من بكر بن وائل 5 / 469.

    وقام عبد الله بن جعفر إلى عمرو بن سعيد بن العاص فكلّمه ، وقال : اكتب إلى الحسين (عليه السّلام) كتاباً تجعل له فيه الأمان ، وتمنّيه فيه البرّ والصلة وتوثّق له في كتابك ، وتسأله الرجوع ، لعلّه يطمئن إلى ذلك فيرجع ، وابعث به مع أخيك يحيى بن سعيد ؛ فإنّه أحرى أنْ تطمئن نفسه إليه ويعلم أنّه الجدّ منك.
    فقال عمرو بن سعيد : أكتب ما شئت واتني به حتّى أختمه ، فكتب عبد الله بن جعفر الكتاب :
    بسم الله الرحمن الرحيم ، من عمرو بن سعيد إلى الحسين بن علي (ع) ، أمّا بعد : فإنّي أسأل الله أنْ يصرفك عمّا يوبقك وأنْ يهديك لما يرشدك ، بلغني أنّك قد توجّهت إلى العراق ، وإنّي أعيذك من الشقاق ؛ فإنّي أخاف عليك فيه الهلاك ، وقد بعثت إليك عبد الله بن جعفر ويحيى بن سعيد ، فأقبل إليّ معهما فإنّ لك عندي الأمان والصلة والبرّ وحسن الجوار ، لك الله بذلك شهيد وكفيل ، ومراع ووكيل ، والسّلام عليك.
    ثمّ أتى به عمرو بن سعيد ، فقال له : اختمه ، ففعل فلحقه عبد الله بن جعفر ويحيى [بن سعيد] ، فأقرأه يحيى الكتاب ، وكتب إليه الحسين (عليه السّلام) :
    «أمّا بعد : فإنّه لمْ يشقاقق الله ورسوله مَن دعا إلى الله عزّ وجل وعمل صاحلاً ، وقال إنني من المسلمين ؛ وقد دعوت إلىّ الأمان والبرّ والصلة ، فخير الأمان أمان الله ، ولن يؤمّن الله يوم القيامة مَن لمْ يخفه في الدنيا ، فنسأل الله مخافةً في الدنيا تُوجب لنا أمأنّه يوم القيامة ، فإنْ كنت نويت بالكتاب صلتي وبرّي ، فجُزيت خيراً في الدنيا والآخرة ، والسّلام».
    ثمّ انصرفا [إلى عمرو بن سعيد] فقالا : أقرأنّه الكتاب وجهدنا به ، وكان ممّا اعتذر إلينا أنْ قال : «إنّي رأيت رؤياً فيها رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) وأُمرت فيها بأمر أنا ماضٍ له ، عليّ كان أولي» ، فقالا له : فما تلك

    الرؤيا؟ قال (ع) : «ما حدّثت بها أحداً وما أنا محدّث بها حتّى ألقى ربّي!» (1) و (2).
    _________________
    (1) قال أبو مِخْنف : حدثنى الحرّث بن كعب الوالبي ، عن علي بن الحسين (ع) ، قال 5 / 388.
    (2) لمْ يسع الإمام (عليه السّلام) المصارحة بما عنده من العلم بمصير أمره لكلّ من قابله ، إذ لا كلّ ما يُعلم يُقال ، ولا سيما بعد تفاوت المراتب واختلاف الأوعية والظروف سعةً وضيقاً ، فكان (عليه السّلام) يُجيب كلّ واحد بما يسعه ظرفه وتتحمله معرفته. وقد أشار الإمام (عليه السّلام) لهؤلاء إلى الجواب الواقعي بقوله : «لمْ يُشاقق الله ورسوله مَن دعا إلى الله وعمل صالحاً ... وخير الأمان أمان الله ، ولن يؤمّن الله يوم القيامة مَن لمْ يخفه في الدنيا ، فنسأل الله مخافةً في الدنيا تُوجب لنا أمأنّه يوم القيامة». ولكن حيث لمْ يقتنع هؤلاء لهذه الإجابة أجابهم ، بأنّه مأمور بأمر في رؤيا رأى فيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، ثمّ لمْ يُحدّثهم بها بل قال : «وما أنا محدّث بها حتّى ألقى ربّي».
    ولعلّ أحمد بن الأعثم الكوفي المتوفي (310 هـ). من هنا حدّث بحديث رؤياه (عليه السّلام) على قبر جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالمدينة ، ولكنّه من أين؟ وقد قال الإمام (عليه السّلام) أنّه غير محدّث بها حتّى يلقى ربّه ، فهذا ما عهدته عليه ، والله أعلم به.

    [منازل الطريق]
    [التنعيم] (1)
    ثمّ إنّ الحسين (عليه السّلام) أقبل حتّى مرّ بالتنعيم ، فلقى بها عيراً قد بعث بها بحير بن ريسان الحميري (2) إلى يزيد بن معاوية ، وكان عامله على اليمن وعلى العير : الورس (3) والحلل ينطلق بها إلى يزيد فأخذها الحسين (عليه السّلام) فانطلق بها.
    ثمّ قال (ع) لأصحاب الإبل : «لا أكرهكم ، مَن أحبّ أنْ يمضي معنا إلى العراق أوفينا كراءه وأحسنّا صحبته ، ومَن أحبّ أنْ يفارقنا من مكاننا هذا أعطيناه من الكراء على قدر ما قطع من الأرض».
    فمَن فارقه ، منهم حُوسب فأوفى حقّه ومَن مضى منهم معه أعطاه كراءه وكساه (4).
    _________________
    (1) موضع : على فرسخين من مكّة ، كما في معجم البلدان 2 / 416 عن يمينه جبل ، اسمه : نعيم وعن شماله آخر ، اسمه : ناعم. والوادي : نعيمان ، وبه مسجد ، وهو أدنى المواقيت وأدنى الحلّ للحرم ، وهو اليوم عن مركز مكّة ستّ كيلو مترات ، فهو فرسخ لا فرسخين ، متصل بالبلد في بدايته للداخل إليه من طريق المدينة وجدّة.
    (2) كأنّه كان ينظر في النّجوم فتطيّر لعبد الله بن مطيع العدوي ، لمّا بعثه ابن الزبير والياً على الكوفة 6 / 9. وكان طاووس اليماني المعروف مولاه ، فمات طاووس بمكّة سنة (10 5 هـ) 6 / 29.
    (3) الورس : نبات ، كالسّمسم يصبغ به ويتخذ منه الغمرة ، وليس إلاّ باليمن.
    (4) قال أبو مِخْنف : حدّثني الحرّث بن كعب الوالبي ، عن عقبة بن سمعان 5 / 38 5.

    [الصفاح] (1)
    عن عبد الله بن سليم [الأسدي] والمذري [بن المُشمَعلّ الأسدي] قالا : أقبلنا حتّى انتهينا إلى الصفاح فلقينا الفرزدق بن غالب الشاعر (2). فواقف حسيناً (عليه السّلام) ، فقال له : أعطاك الله سؤلك وأمّلك فيما تحبّه.
    فقال له الحسين (عليه السّلام) : «بيّن لنا نبأ النّاس خلفك».
    فقال له الفرزدق : من الخبير سألت ، قلوب النّاس معك وسيوفهم مع بني اُميّة والقضاء ينزل من السّماء ، والله ، يفعل ما يشاء.
    فقال له الحسين (عليه السّلام) : «صدقت لله الأمر ، والله يفعل ما يشاء ، وكل يوم ربّنا في شأن ، إنْ نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه ، وهو المستعان على أداء الشكر ، وإنْ حال القضاء دون الرجاء ، فلمْ يعتدّ مَن كان الحقّ نيّته والتقوى سريرته».
    _________________
    (1) الصفاح : بين حنين وأنصاب الحرّم ، يسرة الداخل إلى مكّة.
    (2) هو : همام بن غالب بن صعصعة ، وعمّاه : ذهيل والزحاف ، كانا في ديوان زياد بن سميّة في البصرة على ألفين ألفين ، وهجا بني نهشل وفقيم فاستعدّوه عند زياد فطلبه فهرب. فكان إذا نزل زياد البصرة نزل هو الكوفة ، وإذا نزل زياد الكوفة نزل الفرزدق البصرة. وكان زياد ينزل البصرة ستّة أشهر والكوفة ستّة أشهر ، ثمّ ذهب إلى الحجاز فلمْ يزل بمكّة والمدينة لاجئاً من زياد إلى سعيد بن العاص حتّى هلك زياد 5 / 242 ـ 2 5 0 ، فهجاه وهجا راثيه ، يقول :
    بكيت امرءاً من آل سفيان كافرا
    ككسرى على عدوأنّه أو كقيصرا

    5 / 290
    ثمّ رجع إلى البصرة ، فكان بها وحجّ سنة ستّين باُمّه ؛ ولذلك لمْ يصحب الحسين (عليه السّلام) 5 / 386 ونظم الشعر للحجّاج 6 / 380 ـ 394. وكان في بلاط سليمان بن عبد الملك 5 / 5 48. وكان حيّاً إلى سنة (102 هـ) 6 / 616. وكان في هجائه لبني نهشل شابّاً ، بل غلاماً حدثاً أعرابيّاً نزل البادية 5 / 242 ، فيكون في لقائه الإمام (عليه السّلام) على أقلّ من ثلاثين سنة.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    وقعة الطف لابو مخنف Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة الطف لابو مخنف   وقعة الطف لابو مخنف Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 4:34 pm

    ثمّ حرّك الحسين (عليه السّلام) راحلته ، فقال : «السّلام عليك». ثمّ افترقا (1) (2).
    ولمّا بلغ عبيد الله [ابن زياد] إقبال الحسين (عليه السّلام) من مكّة إلى الكوفة ، بعث الحصبن بن تميم [التميمي] صاحب شرطته حتّى نزل القادسيّة ونظّم الخيل ما بين القادسيّة (3) إلى خفّان (4) ، وما بين القادسيّة إلى القطقطانة (5) وإلى لعلع (6).
    [الحاجر] (7)
    [و] أقبل الحسين (عليه السّلام) حتّى إذا بلغ الحاجر من بطن الرمّة بعث
    _________________
    (1) قال أبو مِخْنف ، عن أبي جناب ، عن عدي بن حرملة ، عن عبد الله بن سليم 5 / 386 : وهذا لا يتّفق مع ما يأتي عنهما ، أنّهما يقولان لحقناه بزرود ، وهو بعد الصفاح إلى الكوفة بعدّة منازل ، اللهمّ ، إلاّ أنْ يكون قولهما : أقبلنا حتّى انتهينا ، أي : أقبلنا من الكوفة حتّى انتهينا إلى الصفاح في دخولهما إلى مكّة ، ثمّ بعد قضاء المناسك لحقا به (عليه السّلام) بزرود.
    (2) قال الطبري : قال هشام ، عن عوانة بن الحكم ، عن لبطة بن الفرزدق بن غالب ، عن أبيه ، قال : حججت في سنة ستّين [و] دخلت الحرّم في أيّام الحجّ ، إذ لقيت الحسين بن علي (ع) خارجاً من مكّة ، فأتيته ، فقلت : بأبي أنت وأمّي يابن رسول الله ، ما أعجلك عن الحجّ؟ فقال (ع) : «لو لم أعجل لأخذت». قال ، ثمّ سألني (ع) : «ممّن أنت؟». فقلت له : امرؤ من العراق ، فولله ، ما فتشني أكثر من ذلك. فقال (ع) : «أخبرني عن النّاس خلفك». فقلت له : القلوب معك والسّيوف مع بني اُميّة ، والقضاء بيد الله. فقال (ع) لي : «صدقت». فسألته عن أشياء من نذور ومناسك ، فأخبرني بها 5 / 386.
    (3) بينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخاً ، وبينها وبين العذيب أربعة أميال ، وتسمّى : الديوانية. وكانت أوّل مدينة كبيرة من العراق إلى بادية الحجاز ، وفيها أولى فتوحات العراق : وقعة القادسيّة ، بقيادة سعد بن أبي وقّاص.
    (4) قرية قرب الكوفة فيها عين لبني العبّاس ، كما في معجم البلدان 3 / 4 5 1.
    (5) القطقطانة : تبعد عن الرهيمة إلى الكوفة نيفاً وعشرين ميلاً 7 / 12 5. وقال اليعقوبي : إنّ خبر مقتل مسلم أتى الإمام ، وهو بالقطقطانة 2 / 230.
    (6) قال أبو مِخْنف : حدّثني يونس بن أبي إسحاق السّبيعي 5 / 394.
    (7) واد بعالية نجد. وبطن الرّمة : منزل يجتمع فيه أهل الكوفة والبصرة إذا أرادوا المدينة ، كما في

    قيس بن مسهر الصيداوي إلى أهل الكوفة ، وكتب معه إليهم :
    «بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى إخوأنّه من المؤمنين والمسلمين. سلام عليكم : فإنّي أحمد إليكم الله الذي لا إله إلاّ هو ، أمّا بعد ، فإنّ كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم ، واجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقّنا ، فسالت الله أنْ يحسن لنا الصنع ، وأنْ يُثيبكم على ذلك أعظم الأجر ، وقد شخصت إليكم من مكّة يوم الثلاثاء ، لثمان مضين من ذي الحجّة يوم التروية ، فإذا قدم عليكم رسولي فاكمشوا أمركم وجدّوا ، فإنّي قادم عليكم في أيّامي هذه أنْ شاء الله. والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته».
    وأقبل قيس بن مسهر الصيداوي إلى الكوفة بكتاب الحسين (عليه السّلام) حتّى إذا انتهى إلى القادسيّة ، أخذه الحصين بن تميم فبعث به إلى عبيد الله بن زياد. فقال له عبيد الله : اصعد إلى القصر فسبّ الكذّاب ابن الكذّاب.
    فصعد ، ثمّ قال : أيّها النّاس ، إنّ هذا الحسين بن علي (ع) خير خلق الله ابن فاطمة بنت رسول الله (صلوات الله عليهما) ، وأنا رسوله إليكم ، وقد فارقته بالحاجر فأجيبوه ، ثمّ لعن عبيد الله بن زياد وأباه واستغفر لعليّ بن أبي طالب (ع).
    فأمر به عبيد الله بن زياد أنْ يرمى به من فوق القصر ، فرمي به فتقطّع فمات [رحمه الله] (1).
    [ماء من مياه العرب]
    ثمّ أقبل الحسين (عليه السّلام) سيراً إلى الكوفة فانتهى إلى ماء من مياه
    _________________
    معجم البلدان 4 / 290 ، وتاج العروس 3 / 139.
    (1) قال أبو مِخْنف : وحدّثني محمّد بن قيس 5 / 394. والإرشاد / 220. وخلط خبره بخبر عبد الله بن يقطر ، وذكره في تذكرة الخواص / 24 5 ، ط النّجف.

    العرب ، فإذا عليه عبد الله بن مطيع العدوي (1) وهو نازل ها هنا ، فلمّا رأى الحسين (عليه السّلام) قام إليه ، فقال : بأبي أنت وأمّي يابن رسول الله ، ما أقدمك؟! فقال له الحسين (عليه السّلام) : «كتب إليّ أهل العراق يدعونني إلى أنفسهم». فقال له عبد الله بن مطيع : أذكّرك الله ، يابن رسول الله وحرمة السّلام أنْ تنتهك ، أنشدك الله في حرمة رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) ، أنشدك الله في حرمة العرب ، فوالله ، لئن طلبت ما في أيدي بني اُميّة ليقتلنّك ، ولئن قتلوك لا يهأبون بعدك أحداً أبداً (2). والله ، أنّها الحرّمة السّلام تنتهك ، وحرمة قريش وحرمة العرب ، فلا تفعل ولا تأتِ الكوفة ، ولا تعرض لبني اُميّة. فأبى إلاّ أنْ يمضي.
    [منزل قبل زرود وهي الخزيميّة] (3)
    فأقبل الحسين (عليه السّلام) حتّى كان بالماء فوق زرود (4) ، [وهي : الخزيميّة].
    [لحوق زهير بن القين بالإمام الحسين (عليه السّلام)]
    عن رجل من بني فزارة ، قال : كنّا مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكّة نساير الحسين (عليه السّلام) ، فلمْ يكن شيء أبغض إلينا من أنْ نسايره
    _________________
    (1) مضت ترجمته في إسناد الكتاب.
    (2) لمْ تنتهك حرمة السّلام ولا رسول الله (ص) ، ولا العرب ولا قريش بفعل الإمام (عليه السّلام) ، بل بفعل أعداء السّلام. ولقد أخطأ ابن مطيع ، إذ قال : ولئن قتلوك لا يهأبون بعدك أحداً أبداً ، بل تجرّأ عليهم مَن لمْ يكن يتجرّأ قبل ذلك من أهل مكّة والمدينة والكوفة ، بما فيهم نفس ابن مطيع إذ ولى الكوفة من قبل ابن الزبير ، بل إنْ لمْ يكن يخرج الحسين (عليه السّلام) لمْ يكن يجرأ على بني أمية أحد ، فكانوا يفعلون ما يشاؤون من هدم السّلام.
    (3) تقع قبل زرود من مكّة ، وبعدها للذاهب من الكوفة ، كما في معجم البلدان. وقِيل : بينها وبين الثعلبيّة اثنان وثلاثون ميلاً ، وهو من منازل الحجّاج بعد الثعلبيّة من الكوفة.
    (4) 5 / 394. قال أبو مِخْنف : حدثني محمّد بن قيس ، ولعلّه ابن قيس بن مسهر.

    في منزل ، فإذا سار الحسين (ع) تخلّف زهير بن القين ، وإذا نزل الحسين (ع) تقدّم زهير حتّى نزلنا في منزل لمْ نجد بدّاً من أنْ ننازله فيه. فنزل الحسين (عليه السّلام) في جانب ونزلنا في جانب ، فبينا نحن جلوس نتغدّى من طعام لنا إذ أقبل رسول الحسين حتّى سلّم ثمّ دخل ، فقال : يا زهير بن القين ، إنّ أبا عبد الله الحسين بن علي (عليهما السّلام) بعثني إليك لتأتيه. فطرح كلّ انسان ما في يده حتّى كأنّ على رؤوسنا الطير (1). قالت دلهم بنت عمرو امرأة زهير بن القين ، فقلت له : أيبعث إليك ابن رسول الله (ع) ثمّ لا تأتيه سبحان الله! لو أتيته فسمعت كلاُمّه ، ثمّ انصرفت. فأتاه زهير بن القين ، فما لبث أنْ جاء مستبشراً قد أسفر وجهه.
    ثمّ قال لأصحابه : من أحبّ منكم أنْ يتبعني ، وإلاّ فإنّه آخر العهد ، إنّي سأحدّثكم حديثاً : غزونا بلنجر (2) ففتح الله علينا وأصبنا غنائم. فقال سلمان الباهلي (3) : أفرحتم بما فتح الله عليكم وأصبتم من الغنائم؟ فقلنا : نعم. فقال لنا : إذا أدركتم شباب آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) فكونوا أشدّ فرحاً بقتالكم
    _________________
    (1) قال أبو مِخْنف : فحدّثني الأسدي ، عن رجل من بني فزارة ، قال الأسدي : لمّا كان زمن الحجّاج بن يوسف ، كنّا مختبئين في دار زهير بن القين الجبلي ، وكان أهل الشام لا يدخلونها. فقلت للفزاري حدثني عنكم حين أقبلتم مع الحسين بن علي؟ قال 5 / 396. والإرشاد / 221 ، والخوارزمي / 32 5.
    (2) مدينة الخزر عند باب الأبواب ، فُتحت سنة (33) على يد سلمان بن ربيعة الباهلي ، على عهد عثمان بن عفّان ، كما في معجم البلدان.
    (3) وفي الطبري 4 / 30 5 : إنّ سلمان الفارسي وأبو هريرة كانا معهم. ونصّ ابن الأثير في الكامل 4 / 17 : أنّ الذي حدّثهم هو سلمان الفارسي وليس الباهلي ، في حين أنّ ابن الأثير إنّما أراد بكتابه الكامل في التاريخ أنْ يُكمل تاريخ الطبري ، فهو في أكثر أخباره ناقل عنه. ونصّ على أنّه الفارسي أيضاً الشيخ المفيد في الإرشاد ، والفتال في روضة الواعظين / 1 5 3 ، وابن نما في مثير الأحزان / 23 ، والخوارزمي في المقتل 1 / 22 5 ، والبكري في المعجم ممّا استعجم 1 / 376.
    ويؤيّد هذا نصّ الطبري على وجود سلمان الفارسي في هذه الغزوة. ولكن الظاهر أنّ سلمان الفارسي كان والياً على المدائن بعد فتحها سنة (17 هـ) حتّى توفّي بها بدون أنْ يخرج منها إلى غزو ، وأنّه توفّى قبل هذا على عهد عمر.

    معهم منكم بما أصبتم من الغنائم ؛ فأمّا أنا ، فإنّي استودعكم الله.
    ثمّ قال لامرأته : أنت طالق إلحقي بأهلك ؛ فإنّي لا أحبّ أنْ يصيبك من سبي إلاّ خير (1) و (2).
    وسرّح الحسين (عليه السّلام) عبد الله بن يقطر الحميري (3) من بعض الطريق إلى مسلم بن عقيل (4) ، فتلقّاه خيل الحصين بن تميم بالقادسيّة ، فسرّح به إلى عبيد الله بن زياد ، فقال : اصعد فوق القصر فالعن الكذّاب ابن الكذّاب ، ثمّ انزل حتّى أرى فيك رأيي. فصعد ، فلمّا أشرف على النّاس ، قال : أيّها النّاس ، إنّي رسول الحسين بن فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) ، لتنصروه وتوازروه على ابن مرجانة ابن سميّة الدّعي. فأمر به عبيد الله [ابن زياد] فأُلقي من فوق القصر إلى الأرض فكسرت عظاُمّه ، و [كان] به رمق فأتاه عبد الملك بن عمير اللخمي (5) فذبحه.
    _________________
    (1) قال أبو مِخْنف : فحدّثتني دلهم بنت عمرو امرأة زهير بن القين ، قالت 5 / 396. وفي الإرشاد / 221.
    (2) وسيُعلم من خطبة زهير بكربلاء ، أنّه كان ناقماً من قبل على استلحاق معاوية زياداً وقتله حجر بن عدي.
    (3) كانت اُمّه حاضنة للحسين (عليه السّلام) ؛ فلذلك قِيل فيه : أنّه أخوه من الرضاعة. وجاء : (بقطر) في الطبري بالباء الموحدّة ، وكذلك ضبطه الجزري في الكامل ، إلاّ أنّ مشايخنا ضبطوه بالياء المثنّاة ، كما في إبصار العين للسماوي / 52.
    (4) قال أبو مِخْنف : حدّثني أبو علي الأنصاري ، عن بكر بن مصعب المزني 5 / 398. والإرشاد / 220 ، وخلط خبره بخبر قيس بن مسهر الصيداوي.
    (5) ولي القضاء في الكوفة بعد الشعبي ، توفّي سنة (136 هـ) ، عن مئة وثلاث سنين ، كما في ميزان الاعتدال 1 / 1 5 1 ، وتهذيب السّماء / 309.
    وسيأتي : أنّ خبر شهادته بلغ الإمام (عليه السّلام) بمنزل زبالة ، قبل خبر الصيداوي ، فالظاهر أنّ ابن يقطر كان مبعوثاً قبل الصيداوي.

    زرود (1).
    عن عبد الله بن سليم والمذري بن المُشمَعلّ الأسديين ، قالا : لمّا قضينا حجّنا لمْ يكن لنا همّة إلاّ اللحاق بالحسين (عليه السّلام) في الطريق ، لننظر ما يكون من أمره وشأنّه ، فأقبلنا ترقل بنا ناقتانا مسرعين حتّى لحقنا بزرود (2) ، فلمّا دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين (عليه السّلام) ، فوقف الحسين (ع) كأنّه يُريده ، ثمّ تركه ومضى ، فقال (ع) : «أحدنا لصاحبه ، اذهب بنا إلى هذا فلنسأله ، فإنْ كان عنده خبر الكوفة علمناه». فمضينا حتّى انتهينا إليه فقلنا : السّلام عليك. قال : وعليكم السّلام ورحمة الله. ثمّ قلنا : فمَن الرجل؟ قال : أسدي. فقلنا : فنحن أسديّان ، فمَن أنت؟ قال : أنا بكير بن المثعبة. فانتسبنا له ، ثمّ قلنا أخبرنا عن النّاس وراءك؟ قال : نعم ، لمْ أخرج من الكوفة حتّى قُتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة فرأيتهما يجرّان بأرجلهما في السّوق. قالا : فأقبلنا حتّى لحقنا بالحسين (عليه السّلام) فسايرناه حتّى نزل.
    [الثعلبيّة] (3)
    الثعلبيّة ممسيّاً ، فجئناه حين نزل فسلّمنا عليه فردّ علينا. فقلنا له : يرحمك
    _________________
    (1) بين الخزيميّة والثعلبيّة بطريق الكوفة ، كما في معجم البلدان 4 / 327.
    (2) وهذ ممّا يتنافى مع ما مرّ عنهما من خبر الفرزدق في منزل الصفاح ، قبل زرود بعدّة منازل ، إذ ظاهر هذا الخبر ـ بل نصّه ـ أنّهما إنّما لحقا به في زرود ، وليس قبل ذلك ، بل لا يمكن ذلك مع أدائهما الحجّ ؛ فان منزل الصفاح في أوائل الطريق وقد خرج الإمام (عليه السّلام) يوم التروية ، فلو لحقا به لمْ يمكنهما الحجّ. والعجب أنّ الرواة هم الرواة في الخبرين ، ولمْ يتنبّهوا لذلك ، لا أبو جناب ولا أبو مِخْنف ولا الطبري. اللهمّ ، ، إلاّ أنْ يكونا لقياه في الصفاح قبل حجّهما ، ثمّ لحقابه بعد حجّهما بزرود.
    (3) هي بعد الشقوق للذاهب إلى مكّة من الكوفة ، نسبةً إلى ثعلبة ، رجل من بني أسد كما في المعجم.

    الله ، إنّ عندنا خبراً فإنْ شئت حدّثنا علانية ، وإنْ شئت سرّاً. فنظر إلى أصحابه ، وقال (ع) : «ما دون هؤلاء سرّ». فقلنا له : أرأيت الراكب الذي استقبلك عشاء أمس؟ قال (ع) : «نعم ، وقد أردت مسألته». فقلنا : قد استبرأنا لك خبره وكفيناك مسألته ، وهو امرؤ من أسد منّا ، ذو رأي وصدق وفضل وعقل ، وأنّه حدّثنا أنّه لمْ يخرج من الكوفة حتّى قُتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وحتّى رآهما يُجرّان في السّوق بأرجلهما. فقال (ع) : «إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، رحمة الله عليهما!». فردّد ذلك مراراً (1).
    فقلنا : ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك إلاّ انصرفت من مكانك هذا ؛ فإنّه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة ، بل نتخوّف أنْ تكون عليك. فوثب عند ذلك بنو عقيل بن أبي طالب (2).
    [و] قالوا : لا والله ، لا نبرح حتّى ندرك ثارنا ، أو نذوق ما ذاق أخونا (3).
    قالا : فنظر إلينا الحسين (عليه السّلام) ، فقال (ع) : «لا خير في العيش بعد هؤلاء». فعلمنا أنّه قد عزم له رأيه على المسير ، فقلنا : خار الله لك. فقال (ع) : «رحمكما الله».
    ثمّ انتظر حتّى إذا كان السّحر ، قال (ع) لفتيانه وغلمأنّه : «أكثروا من الماء». فاستقوا وأكثروا ، ثمّ ارتحلوا وساروا حتّى انتهوا إلى :
    _________________
    (1) ظاهر هذه الرواية : أنّ خبر مقتل مسلم بن عقيل هنا كان عامّاً ، وسيأتي أنّ الإمام (عليه السّلام) أعلن ذلك لأصحابه بكتاب أخرجه للنّاس في منزل زبالة ، ومن هنا يترجّح أنْ يكون قوله (عليه السّلام) : «مادون هؤلاء». سرّ ، يعني : أمّا دون هؤلاء الحاضرين ، فليكن الخبر سرّاً ، وكذلك بقي الخبر سرّاً حتّى زبالة ؛ وأمّا اليعقوبي ، فقد قال : إنّ خبر قتل مسلم أتى الإمام بالقطقطانة 2 / 230 ، ط النّجف.
    (2) قال أبو مِخْنف حدّثني أبو جناب الكلبي عن عدي بن حرملة الأسدي عن عبد الله 5 397 وفي الإرشاد 222 روى عبد الله بن سليمان ... ، ط النّجف.
    (3) قال أبو مِخْنف : حدّثني عمر بن خالد ـ هكذا والصحيح عمرو بن خالد ـ ، عن زيد بن علي بن الحسين (ع) ، وعن داود بن علي بن عبد الله بن عبّاس : أن بني عقيل ، قالوا 5 / 397. والإرشاد / 222 ، والمسعودي 3 / 70 ، والخواص / 24 5 ، ط النّجف.

    [زبالة] (1)
    زبالة (2) [فـ] ـسقط إليه [خبر] مقتل أخيه من الرضاعة عبد الله بن يقطر (3) ، فأخرج للنّاس كتاباً [ونادى] : «بسم الله الرحمن الرحيم أمّا بعد : فقد أتانا خبر فضيع ، قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبد الله بن يقطر ، وقد خذلتنا شيعتنا (4) فمَن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف ، ليس عليه منّا ذمام».
    فتفرّق النّاس عنه تفرّقاً ، فأخذوا يميناً وشمالاً حتّى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة.
    وإنّما فعل ذلك ؛ لأنّه إنّما تبعه الأعراب ، لأنّهم ظنّوا أنّه يأتي بلداً قد استقامت له طاعة أهله ، فكره أنْ يسيروا معه إلاّ وهم يعلمون علامَ يقدمون ، وقد علم أنّهم إذا بيّن لهم لمْ يصحبه إلاّ مَن يُريد مواساته والموت معه (5).
    فلمّا كان من السّحر أمر فتيانه فاستقوا الماء وأكثروا ، ثمّ سار حتّى مرّ بـ :
    _________________
    (1) تقع قبل الشقوق للذاهب إلى مكّة من الكوفة ، وفيها : حصن وجامع لبني أسد. وزبالة : اسم امرأة من العمالقة ، كما في معجم البلدان.
    (2) قال أبو مِخْنف : عن أبي جناب الكلبي ، عن عدي بن حرملة ، عن عبد الله بن سليم 5 / 398. والإرشاد / 222 ، ط النّجف.
    (3) سبقت ترجمته ، وإنّ اُمّه كانت حاضنة للحسين (عليه السّلام) ؛ فلذلك قِيل فيه : أنّه أخوه.
    (4) هذا تصريح من الإمام (عليه السّلام) بخذلان شيعته بالكوفة ، وهو أوّل إعلان بأخبار الكوفة ومقتل مسلم (عليه السّلام) ، وإنْ كان بلغه الخبر قبل هذا في منزل زرود ، ولكن الظاهر : أنّه بقي سرّاً ما دون الحاضرين بمجلس الخبر إذ ذاك بأمر الإمام (عليه السّلام) حتّى أعلنه لهم هنا.
    (5) هذا تمام الكلام في أنّ الإمام (عليه السّلام) لماذا كان يأذن لهم بالانصراف عنه ، وفيه الكفاية عن كلّ كلام؟

    [بطن العقبة] (1)
    بطن العقبة ، فنزل بها (2) [فسأله أحد بني عكرمة] : إنّي أنشدك الله لمّا انصرفت ، فوالله ، لا تقدم إلاّ على السّنة وحدّ السّيوف ، فإنّ هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤونة القتال ووطّئوا لك الأشياء ، فقدمت عليهم كان ذلك رأياً ؛ فأمّا على هذه الحال التي تذكرها ، فإنّي لا أرى لك أنْ تفعل.
    فقال (ع) : «له يا عبد الله ، إنّه ليس يخفى عليّ الرأي ما رأيت ، ولكنّ الله لا يغلب على أمره» (3). ثمّ ارتحل منها (4).
    [شراف] (5)
    [و] أقبل الحسين (عليه السّلام) حتّى نزل شراف. فلمّا كان في السّحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا ، ثمّ ساروا منها فرسموا صدر يومهم حتّى انتصف النّهار.
    ثمّ إنّ رجلاً ، قال : الله أكبر. فقال الحسين (عليه السّلام) : «الله أكبر ، ممّ كبّرت؟». قال : رأيت النّخل. فقال له الأسديان [عبد الله بن سليم والمذري بن المُشمَعلّ] : إنّ هذا المكان ما رأينا به نخلة قط. فقال الحسين (عليه السّلام) : «فما
    _________________
    (1) منزل في طريق مكّة بعد واقصة وقبل القاع لمّن يُريد مكّة.
    (2) قال أبو مِخْنف : حدّثني أبو علي الأنصاري ، عن بكر بن مصعب المزني ، قال 5 / 398. والإرشاد / 222 ، ط النّجف.
    (3) وفي الإرشاد / 223 ، ثمّ قال (ع) : «والله ، لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقه من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلّط الله عليهم مَن يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ فرق الأمم». وكذلك عنه في إعلامَ الورى / 232.
    (4) قال أبو مِخْنف : فحدّثنى لوذان أحد بني عكرمة أنّ أحد عمومته حدّثه 5 / 399.
    (5) بينها وبين واقصة ميلان ، وهي قبل العراق ، نزل بها سعد قبل القادسيّة ، منسوبة إلى رجل يُدعى : شراف استخرج بها عيناً ، ثمّ أحدثت آبار كبار كثيرة عذبة ، كما في معجم البلدان.

    بريانه رأى». قلنا : نراه رأى هوادي الخيل [، أي : رؤوسه]. فقال [الرجل] : وأنا والله ، أرى ذلك.
    [ذوحسم] (1)
    فقال الحسين (عليه السّلام) : «أمَا لنا ملجأ نلجأ إليه نجعله في ظهورنا ، ونستقبل القوم من وجه واحد؟». فقلنا له : بلى ، هذا ذوحسم إلى جنبك تميل إليه عن يسارك ، فإنْ سبقت القوم إليه ، فهو كما تريد. فأخذ إليه ذات اليسار وملنا معه ، فاستبقنا إلى ذي حسم فسبقناهم إليه ، فلمّا رأونا وقد عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا ، فنزل الحسين (عليه السّلام) فأمر بأبنيته فضربت.
    فما كان بأسرع من أنْ طلعت علينا هوادي الخيل ، وكأنّ راياتهم أجنحة الطير ، وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحرّ بن يزيد التميمي اليربوعي حتّى وقف هو وخيله مقابل الحسين (عليه السّلام) في حرّ الظهيرة ، والحسين وأصحابه معتمّون متقلّدون أسيافهم.
    فقال الحسين (عليه السّلام) لفتيانه : «اسقوا القوم وأرووهم من الماء ، ورشّفوا الخيل ترشيفاً».
    فقام فتيانه ، وسقوا القوم من الماء حتّى أرووهم ، وأقبلوا يملأون القصاع والطساس والأتوار (2) من الماء ، ثمّ يدنونها من الفرس ، فإذا عبّ فيه ثلاثاً أو
    _________________
    (1) بضم ففتح ، اسم جبل. كان النّعمان يصطاد فيه ، كما في معجم البلدان. وبينه وبين عذيب الهجانات إلى الكوفة ثلاث وثلاثون ميلاً ، كما في الطبري. وروى سبط ابن الجوزي عن علماء السّير : أنّ الإمام (عليه السّلام) لمْ يكن له علم بما جرى على مسلم بن عقيل ، حتّى إذا كان بينه وبين القادسيّة ثلاثة أميال تلقّاه الحرّ بن يزيد الرياحي ، فاخبره بقتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ، وقدوم ابن زياد الكوفة واستعداده لهم ، وقال له : ارجع. 24 5 ، ط النّجف.
    (2) القصاع : جمع القصعة ، والطساس : جمع الطاس ، والأتوار : جمع تور ، وهو إناء من صفر أو حجارة.

    أربعاً أو خمساً (1) عزلت عنه ، وسقوا آخر حتّى سقوا الخيل كلّها (2) (3).
    (4) [وحضرت الصلاة صلاة الظهر ، فأمر الحسين (ع) الحجّاج بن مسروق الجُعفي أنْ يؤذن فأذّن ، فلمّا حضرت الإقامة خرج الحسين (عليه السّلام) في إزار ورداء ونعلين.
    فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : «أيّها النّاس ، إنّها معذرة إلى الله عزّ وجل وإليكم ، إنّي لمْ آتكم حتّى أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم ، أنْ أقدم علينا فإنّه ليس لنا إمام ، لعلّ الله يجمعنا بك على الهدى. فإنْ كنتم على ذلك فقد جئتكم ، فان تعطوني ما أطمئنّ إليه من عهودكم ومواثيقكم أقدم مصركم ، وإنْ لمْ تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه إليكم».
    فسكتوا عنه ، وقالوا للمؤذّن : أقم. فأقام للصلاة.
    فقال الحسين (عليه السّلام) : «للحرّ أتريد أن تصلّي بأصحابك؟». قال : لا ، بل تصلّي أنت ونصلّي بصلاتك. فصلّى بهم الحسين (عليه السّلام). ثمّ إنّه
    _________________
    (1) وهذا هو معنى : الترشيف.
    (2) قال الطبري : حدّثت عن هشام ، عن أبي مِخْنف ، قال : حدّثني أبو جناب ، عن عدي بن حرملة ، عن عبد الله بن سليم والمذري 5 / 400. والإرشاد / 223 ، وأبو الفرج / 73.
    (3) قال الطبري ، قال هشام : حدّثني لقيط عن علي بن الطعان المحاربي ، [قال] : كنت مع الحرّ بن يزيد [الرياحي] ، فجئت في آخر من جاء من أصحابه ، فلمّا رأى الحسين (عليه السّلام) ما بي وبفرسي من العطش ، قال (ع) «أنخ الراوية». ـ والراوية عندي السّقاء ـ ثمّ قال (ع) : «يابن أخ ، أنخ الجمل». فانخته ، فقال (ع) : «اشرب». فجعلت ، كلّما شربت سال الماء من السّقاء ، فقال الحسين (عليه السّلام) : «أخنث السّقاء» ـ أي : أعطفه ـ قال : فجعلت لا أدري كيف أفعل. فقام الحسين (عليه السّلام) فخنثه فشربت وسقيت فرسي 5 / 401. والإرشاد 224 ، والخوارزمي / 230.
    (4) هنا تصاب سلسلة أخبار أبي مِخْنف بالانقطاع ، فلمْ يكن لنا بدّ من أنْ نسدّ الخلّة بخبر هشام الكلبي ، عن لقيط ، عن علي بن طعان المحاربي 5 / 401. والإرشاد / 224 ، والخواص / 231.

    دخل ، واجتمع إليه أصحابه.
    وانصرف الحرّ إلى مكانه الذي كان به ، فدخل خيمة قد ضربت له فاجتمع إليه جماعة من أصحابه ، وعاد أصحابه إلى صفّهم الذي كانوا فيه فأعادوه ، ثمّ أخذ كلّ رجل منهم بعنان دابّته وجلس في ظلّها.
    فلمّا كان وقت العصر أمر الحسين (عليه السّلام) أنْ يتهيّئوا للرحيل ، ثمّ خرج فأمر مناديه فنادى بالعصر وأقام ، فاستقدم الحسين (عليه السّلام) فصلّى بالقوم ، ثمّ سلّم وانصرف إلى القوم بوجهه.
    فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : «أمّا بعد : أيّها النّاس ، فانّكم إنْ تتّقوا وتعرفوا الحقّ لأهله يكن أرضى لله ، ونحن أهل البيت (عليهم السّلام) أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم ، والسّائرين فيكم بالجور والعدوان ، وإنْ أنتم كرهتمونا وجهلتهم حقّنا ، وكان رأيكم غير ما أتتني كتبكم وقدمت به عليّ رسلكم ، انصرفت عنكم».
    فقال له الحرّ بن يزيد : إنّا والله ، ، ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر.
    فقال الحسين (عليه السّلام) : «يا عقبة بن سمعان ، أخرج الخرجين (1) اللذين فيهما كتبهم إليّ».
    فأخرج خرجين مملوئين صحفاً فنشرها بين أيديهم.
    فقال الحرّ : فإنّا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك ، وقد أُمرنا إذا نحن لقيناك ألاّ نفارقك حتّى نقدمك على عبيد الله بن زياد.
    فقال له الحسين (عليه السّلام) : «الموت أدنى إليك من ذلك».
    _________________
    (1) مثنى الخرج ، وهو : جوال ذو أذنين كما في مجمع البحرين. وسيأتي عن سبط ابن الجوزي : أنّ الإمام (عليه السّلام) حينما خطب القوم يوم عاشوراء ، فناشدهم أنّهم كتبوا إليه ، قالوا : ماندري ما تقول. فقال الحرّ : بلى والله ، لقد كاتبناك ونحن الذين أقدمناك ، فأبعد الله الباطل وأهله ، والله ، لا أختار الدنيا على الآخرة. ثمّ ضرب فرسه ودخل في عسكر الحسين (عليه السّلام) / 2 5 1.

    ثمّ قال (ع) لأصحابه : «قوموا فاركبوا».
    فركبو ، وانتظروا حتّى ركبت نساؤهم.
    فلمّا ذهبوا لينصرفوا ، حال القوم بينهم وبين الانصراف.
    فقال الحسين (عليه السّلام) للحر : «ثكلتك اُمّك! ما تريد؟».
    قال : أمَا والله ، لو غيرك من العرب يقولها لي ، وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر اُمّه بالثكل أنْ أقوله كائناً مَن كان ، ولكن والله ، ، ما لي إلى ذكر اُمّك من سبيل إلاّ بأحسن ما يُقدر عليه (1).
    فقال له الحسين (عليه السّلام) : «فما تريد؟».
    قال الحرّ : أريد والله ، ، أن أنطلق بك إلى عبيد الله بن زياد.
    قال له الحسين (عليه السّلام) : «إذن والله ، لا اتّبعك».
    فقال له الحرّ : إذن والله ، لا أدعك.
    ولمّا كثر الكلام بينهما ، قال له الحرّ : إنّي لمْ أؤمر بقتالك ، وإنّما أمرت ألاّ أفارقك حتّى أقدمك الكوفة ، فإذا أبيت فخذ طريقاً لا تدخلك الكوفة ولا تردّك إلى المدينة ، تكون بيني وبينك نصفاً حتّى أكتب إلى ابن زياد ، وتكتب أنت إلى يزيد بن معاوية إنْ أردت أنْ تكتب إليه ، أو إلى عبيد الله بن زياد إنْ شئت ، فلعلّ الله إلى ذلك أنْ يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أنء ابتلى بشيء من أمرك ، فخذ ها هنا فتياسر عن طريق العذيب والقادسيّة [كان هذا وهم بذي حسم] وبينه وبين العذيب ثمانية وثلاثون ميلاً ، [فـ] سار الحسين (ع) في أصحابه والحرّ يسايره] (2).
    * * *
    _________________
    (1) ونقله في مقاتل الطالبيّين أبو الفرج ، عن أبي مِخْنف / 74 ، ط النّجف.
    (2) انتهى ما نقلناه عن هشام ، والإرشاد / 22 5 ، والخواص / 232.

    [البيضة] (1)
    [و] بالبيضة خطب الحسين (عليه السّلام) أصحابه وأصحاب الحرّ :
    فحمد الله وأثني عليه ، ثمّ قال : «أيّها النّاس ، إنّ رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) ، قال : مَن رأى سلطاناً جائراً مستحلاًّ لحرم الله ، ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنّة رسول الله ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلمْ يُغيّر عليه بفعل ولا قول ، كان حقّاً على الله أنْ يدخله مدخله. ألاَ وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركو طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام الله ، وحرّموا حلال الله ، وأنا أحقّ مَن غيّر.
    قد أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم ، أنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني ، فإنْ تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم ، فأنا الحسين بن عليّ وابن فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) ، نفسي مع أنفسكم وأهلي مع أهليكم ، فلكم فيّ أسوة ، وإنْ لمْ تفعلوا ونقضتم عهدكم ، وخلعتم بيعتي من أعناقكم فلعمري ما هي لكم بنكر ، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم! والمغرور من اغتّربكم ، فحظّكم أخطأتم ، ونصيبكم ضيّعتم : (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ) (2) وسيُغني الله عنكم ، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته» (3).
    وأقبل الحرّ يسايره ، وهو يقول له : يا حسين ، إني أذكّرك الله في نفسك ، فإنّي أشهد لئن قاتلت لتُقتلنّ ، ولئن قُوتلت لتهلكنّ فيما أرى.
    فقال له الحسين (عليه السّلام) : «أفبالموت تخوّفني؟ وهل يعدو بكم الخطب
    _________________
    (1) ما بين واقصة إلى عذيب الهجانت ، كما في معجم البلدان.
    (2) سورة الفتح / 10.
    (3) قال أبو مِخْنف : عن عقبة بن أبي العيزار 5 / 403.

    أنْ تقتلوني؟ ما أدري ما أقول لك؟ ولكن أقول : كما قال أخو الأوس لابن عمّه ، ولقيه وهو يُريد نصرة رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) ، فقال له : أين تذهب ، فإنّك مقتول؟ فقال :
    سأمضي وما بالموت عار على الفتى
    إذا ما نوى حقّاً وجاهد مسلما

    وآسى الرجال الصالحين بنفسه
    ممّا وفارق مثبوراً يغش ويُرغما (1)

    فلمّا سمع ذلك الحرّ منه تنحّى عنه. وكان يسير بأصحابه في ناحية ، وحسين (عليه السّلام) في ناحية أخرى ، حتّى انتهوا إلى :
    [عذيب الهجانات] (2)
    عذيب الهجانات ، فإذا هم بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة على رواحلهم ، يجنبون فرساً لنافع بن هلال ، ومعهم دليلهم الطرّماح بن عدي على فرسه ، فلمّا انتهوا إلى الحسين (عليه السّلام) انشدوه هذه الأبيات :
    يا ناقتي لا تُذعري من زجري
    وشمّري قبل ط لوع الفجر

    بخير ركبان وخير سفر
    حتّى تَحُلّي بكريم النجر

    الماجد الحرّ رحيب الصدر
    أتى به الله لخير أمر

    ممّا ثمّة أبقاه بقاء الدهر
    _________________
    (1) ونقلها ابن الأثير في الكامل ، والمفيد في الإرشاد / 22 5 بزيادة :
    فان عشت لم آندم وإن مت لم ألم
    كفى بك ذلاً أن تعيش وترغما

    (2) العُذيب ـ بالتصغير ـ : واد لبني تميم ، وهو حدّ السّواد ، أي : العراق. وكانت فيه مسلحة للفرس ، بينه وبين القادسيّة ستّ أميال. وكانت خيل النّعمان ملك الخيرة تُرعى فيه ، فقِيل : عُذيب الهجانات جمع : الهجين ، بمعنى : ذي الدم الخليط.

    فقال [الحسين (عليه السّلام)] : «أمَا والله ، إنّي لأرجو أنْ يكون خيراً ما أراد الله بنا ، قُتلنا أمْ ظفرنا».
    وأقبل الحرّ بن يزيد ، فقال [للإمام (عليه السّلام)] : إنّ هؤلاء النّفر الذين من أهل الكوفة ليسوا ممّن أقبل معك ، وأنا حابسهم أو رادّهم.
    فقال له الحسين (عليه السّلام) : «لأمنعنّهم ممّا أمنع منه نفسي ، إنّما هؤلاء أنصاري وأعواني ، وقد كنت أعطيتني أنْ لا تعرض لي بشيء حتّى يأتيك كتاب من ابن زياد».
    فقال [الحرّ] : أجل ، لكن لمْ يأتوا معك.
    قال [الحسين (عليه السّلام)] : «هم أصحابي ، وهم بمنزلة مَن جاء معي ، فإنّ تممت عليّ ما كان بيني وبينك وإلاّ ناجزتك». فكفّ عنهم الحرّ.
    ثمّ قال لهم الحسين (عليه السّلام) : «أخبروني خبر النّاس وراءكم؟».
    فقال له مجمّع بن عبد الله العائذي ، وهو أحد النّفر الأربعة الذين جاؤوه (1) : أمّا ، أشراف النّاس ، فقد أعظمت رشوتهم وملئت غرائزهم ، يستمال ودّهم ويستخلص به نصيحتهم ، فهم ألب (2) واحد عليك ؛ وأمّا سائر النّاس بعد ، فإنّ أفئدتهم تهوي إليك وسيوفهم غداً مشهورة عليك.
    قال (ع) : «أخبروني ، فهل لكم برسولي إليكم؟». قالوا : مَن هو؟ قال : «قيس بن مسهر الصيداوي». قالوا : نعم ، أخذه الحصين بن تميم فبعث به إلى ابن زياد ، فأمره ابن زياد أنْ يلعنك ويلعن أباك فصلّى عليك وعلى أبيك ولعن ابن زياد وأباه ، ودعا إلى نصرتك وأخبرهم بقدومك ، فأمر به ابن زياد فأُلقي من طمار (3) القصر.
    _________________
    (1) لعلّهم جابر بن الحرّث السّلماني ، وعمر بن خالد الصيداوي وسعد مولاه الذين ذكرهم أبو مِخْنف : أنّهم قاتلوا معاً في أوّل القتال حتّى قُتلوا في مكان واحد 5 / 446.
    (2) أي : اجتماع.
    (3) أي : أعلاه.

    فترقرقت عينا الحسين (عليه السّلام) ولمْ يملك دمعه ، ثمّ قال : «مِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (1) اللهمّ ، اجعل لنا ولهم الجنّة نزلاً ، واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ رحمتك ، ورغائب مذخور ثوابك» (2).
    [ثمّ إنّ] الطرّماح بن عدي دنا من الحسين (ع) ، فقال له : إنّي والله ، لأنظر فما أرى معك أحداً ، ولو لمْ يُقاتلك إلاّ هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم ، وقد رأيت قبل خروجي من الكوفة إليك بيوم ظهر الكوفة ، وفيه من النّاس ما لمْ ترَ عيناي في صعيد واحد جمعاً أكثر منه ، فسألت عنهم ، فقِيل : اجتمعوا ليعرضوا ثمّ يسرّحون إلى الحسين (ع). فأنشدك إنْ قدرت على أنْ لا تقدم عليهم شبراً إلاّ فعلت ، فانْ أردت أنْ تنزل بلداً يمنعك الله به حتّى ترى مَن رأيك ويستبين لك ما أنت صانع ، فسرْ حتّى أنزلك مناع جبلنا الذي يدعى (أجأ) (3) فأسير معك حتّى أنزلك (القريّة) (4).
    فقال له [الحسين (عليه السّلام)] : «جزاك الله وقومك خيراً! أنّه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف ، ولا ندري عَلامَ تنصرف بنا وبهم الأمور في عاقبة».
    قال الطرمّاح بن عدي فودّعته وقلت له دفع الله عنك شرّ الجنّ والأنس (5).
    _________________
    (1) سورة الأحزاب / 23.
    (2) قال أبو مِخْنف ، وقال : عقبة بن أبي العيزار 5 / 403 ، والإرشاد / 22 5 ، ط النّجف.
    (3) على وزن فعل ، اسم رجل سُمّي : جبل طئ باسمه ، وهو غربي فيه عن يسار جبل سميراء.
    (4) وهو تصغير : القرية ، من مواضع طيء.
    (5) قال أبو مِخْنف : حدّثني جميل بن مريد عن الطرمّاح 5 / 406. وتمام الخبر : إنّي قد امترت لأهلي من الكوفة ميرة ومعي نفقة لهم ، فآتيهم فأضع ذلك فيهم ثمّ أقبل إليك إنْ شاء الله ، فإنّ الحقك فوالله ، لأكوننّ من أنصارك.
    قال الحسين (عليه السّلام) : «فإنْ كنت فاعلاً فعجّل ، رحمك الله».
    قال : فلمّا بلغت أهلي ، وضعت عندهم ما يصلحهم وأوصيت وأخبرتهم بما أريد ، وأقبلت حتّى إذا

    ومضى الحسين (عليه السّلام) حتّى انتهى إلى.
    [قصر بني مقاتل] (1)
    قصر بني مقاتل فنزل به ، فإذا هو بفسطاط مضروب (2).
    [فـ] ـقال (ع) : لمَن هذا الفسطاط؟ فقِيل : لعبيد الله بن الحرّ الجُعفي (3). قال (ع) : «أدعوه لي». وبعث إليه [رسول] ، فلمّا أتاه الرسول ، قال [له] : هذا الحسين بن علي (عليه السّلام) يدعوك. قال عبيد الله بن الحرّ : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والله ، ما خرجت من الكوفة إلاّ كراهة أنْ يدخلها الحسين (ع) وأنا بها ، والله ، ما أريد أنْ أراه ولا يراني.
    فأتاه الرسول فأخبره ، فأخذ الحسين (عليه السّلام) نعليه فانتعل ثمّ قام ، فجاءه حتّى دخل عليه فسلّم وجلس ، ثمّ دعاه إلى الخروج معه ، فأعاد ابن الحرّ تلك المقالة ، فقال (عليه السّلام) : «فإنْ لا تنصرنا ، فاتّق الله أنْ تكون ممّن يُقاتلنا ، فوالله ، لا يسمع واعيتنا أحد ثمّ لا ينصرنا إلاّ هلك». ثمّ قام من عنده (4).
    قال عقبة بن سمعان : لمّا كان في آخر اللّيل أمر الحسين (عليه السّلام) بالاستقاء من الماء ، ثمّ أمرنا بالرحيل ففعلنا. فلمّا ارتحلنا من قصر بني مقاتل وسرنا ساعة خفق الحسين (عليه السّلام) برأسه خفقة ، ثمّ انتبه وهو يقول : «إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ العالمين». ففعل ذلك مرّتين أو ثلاثاً.
    فأقبل إليه ابنه عليّ بن الحسين (عليه السّلام) على فرس له ، فقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ العالمين ، يا أبتِ جُعلت فداك ممّ حمدت الله
    _________________
    دنوت من عذيب الهجانات ، استقبلني سماعة بن بدر فنعاه إليّ ، فرجعت 5 / 406.
    (1) في المعجم : يقع بين القرّيات والقطقطانة وعين التمر.
    (2) قال أبو مخنف : 5 / 407.
    (3) ستأتي ترجمته في آخر الكتاب.
    (4) قال أبو مخنف : حدّثنى المجالد بن سعيد عن عامر الشعبي 5 / 407 ، والإرشاد / 226.

    واسترجعت؟
    قال (عليه السّلام) : «يا بنيّ ، إنّي خفقت برأسي خفقة فعنّ لي فارس على فرس ، فقال : القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم. فعلمت أنّها أنفسنا نُعيت إلينا».
    قال له : يا أبت ـ لا أراك الله سوءاً ـ ألسّنا على الحقّ؟
    قال (عليه السّلام) : «بلى ، والذي إليه مرجع العباد».
    قال : يا أبت ، إذاً لا نُبالي ، نموت محقّين.
    فقال له (ع) : «جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده».
    فلمّا أصبح نزل فصلّى الغداة ، ثمّ عجّل الركوب فأخذ يتياسر بأصحابه يُريد أنْ يفارقهم فيأتيه الحرّ بن يزيد فيردّهم ، فإذا ردّهم إلى الكوفة ردّاً شديداً امتنعوا عليه فارتفعوا ، فلمْ يزالوا يتياسرون حتّى انتهوا إلى :
    [نينوى] (1)
    نينوى المكان الذي نزل به الحسين (عليه السّلام) فإذا راكب على نجيب له وعليه السّلاح ، متنكّباً قوساً مقبل من الكوفة ، فوقفوا جميعاً ينتظرونه ، فلمّا انتهى إليهم سلّم على الحرّ بن يزيد وأصحابه ولمْ يسلّم على الحسين (عليه السّلام) وأصحابه ، فدفع إلى الحرّ كتاباً من عبيد الله بن زياد ، فإذا فيه :
    أمّا بعد ، فجعجع (2) بالحسين (ع) حين يبلغك كتأبي ويقدم عليك رسولي ، فلا تُنزله إلاّ بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء ، وقد أمرت رسولي أنْ يلزمك ولا يُفارقك حتّى يأتيني بإنفاذك أمري ، والسّلام.
    فلمّا قرأ الكتاب ، قال لهم الحرّ : هذا كتاب الأمير عبيد الله بن زياد يأمرني
    _________________
    (1) كانت من قرى الطفّ العامرة حتّى أواخر القرن الثاني.
    (2) نقل ابن منظور في لسان العرب ، عن الأصمعي ، جعجع به ، أي : احبسه. وقال ابن فارس في مقاييس اللغة 1 / 416 : أي : ألجئه إلى مكان خشن.

    فيه أنْ أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه ، وهذا رسوله ، وقد أمره أنْ لا يُفارقني حتّى أنفذ رأيه وأمره.
    فنظر الشعثاء ، يزيد بن زياد المهاصر الكندي البهدلي (1) إلى رسول عبيد الله [ابن زياد] فعنّ له ، فقال : أمالك بن النّسير البدّي (2) [من كندة]؟ قال : نعم. فقال له يزيد بن زياد : ثكلتك اُمّك! ماذا جئت فيه؟ قال : وما جئت فيه أطعت إمامي ووفيت ببيعتي. فقال له أبو الشعثاء : عصيت ربّك وأطعت إمامك في هلاك نفسك كسبت العار والنّار ، قال الله عزّ وجلّ : (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَدْعُونَ إلى النّار وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يُنصَرُونَ) (3) فهو إمامك.
    وأخذ الحرّ بن يزيد القوم بالنّزول في ذلك المكان على غير ماء ولا في
    _________________
    (1) من رماة أصحاب الحسين (عليه السّلام) ، وكان في أوائل مَن قُتل ، رمى بمئة سهم وقام ، فقال : ما سقط منها إلاّ خمسة أسهم ، وقد تبيّن لي أنّي قد قتلت خمسة نفر.
    وقد روى أبو مخنف ـ أيضاً ـ ، عن فضيل بن خديج الكندي : أنّ يزيد بن زياد كان ممّن خرج مع عمر بن سعد ، فلمّا ردّوا الصلح على الحسين (عليه السّلام) مال إليه فقاتل حتّى قُتل ، ولكنّه لا يتّفق مع هذا الخبر هنا.
    (2) مالك بن النّسير من بني بدّاء ، حضر كربلاء فضرب رأس الإمام (عليه السّلام) بالسّيف فقطع البرنس وأصاب رأسه وأدماه ، فقال له الحسين (عليه السّلام) : «لا أكلت بها ولا شَربت ، وحشرك الله مع الظالمين». وأخذ مالك برنس الإمام (عليه السّلام) ، فلمْ يزل فقيراً حتّى مات 5 / 448 عن أبي مخنف. والبرنس : كلمة غير عربية ، وهو : قلنسوة طويلة من قطن كان يلبسها عبّاد النّصارى ، فلبسها عبّاد المسلمين في صدر السّلام ، كما في مجمع البحرين.
    وروي ـ أيضاً ـ أنْ عبد الله بن دبّاس دلّ المختار على نفر ممّن قتل الحسين (عليه السّلام) منهم مالك بن النّسير البدّي ، فبعث إليهم المختار مالك بن عمرو النّهدي ، فأتاهم وهم بالقادسيّة ، فأخذهم وأقبل بهم حتّى أدخلهم على المختار عشاء ، فقال المختار للبدّي : أنت صاحب برنسه؟ فقال عبد الله بن كامل : نعم ، هو هو. فقال المختار : اقطعوا يدي هذا ورجليه ودعوه فليضطرب حتّى يموت. ففُعل به ذلك وتُرك ، فلمْ يزل ينزف الدم حتّى مات سنة (66 هـ) 6 / 57.
    (3) سورة القصص / 32.

    قرية (1) ، فقالوا : دعنا ننزل في هذه القرية ـ يعنون : نينوى ـ أو هذه القرية ـ يعنون : الغاضريّة ـ (2) أو هذه الأخرى ـ يعنون : شفيّة ـ (3). فقال : لا والله ، لا أستطيع ذلك ، هذا رجل قد بُعث إليّ عيناً.
    فقال له زهير بن القين : يابن رسول الله ، إنّ قتال هؤلاء أهون من قتال مَن يأتينا من بعدهم ، فلعمري ، ليأتينا من بعد مَن ترى ما لا قبل لنا به.
    فقال له الحسين (عليه السّلام) : «ما كنت لأبدأهم بالقتال».
    فقال له زهير بن القين : سربنا إلى هذه القرية حتّى تنزلها ؛ فإنّها حصينة ،
    _________________
    (1) ويظهر من هذا : أنّ كربلاء لمْ تكن اسم قرية ، بل اسم المنطقة وهي : كور بابل ، أي : قراها ـ كما في كتاب الدلائل والمسائل للسيّد هبة الدين الشهرستاني (قده) ـ. وقال سبط ابن الجوزي ، ثمّ قال الحسين (ع) : «ما يُقال لهذه الأرض؟». قالوا : كربلاء ، ويُقال لها نينوى ، وهي قرية بها. فبكى وقال (ع) : «كرب وبلاء». ثمّ قال (ع) : «أخبرتني اُمّ سلمة ، قالت : كان جبرئيل عند رسول الله ، وأنت معي فبكيت ، فقال رسول الله : دعي ابني. فتركتك فأخذك ووضعك في حجره ، فقال جبرئيل : تحبّه؟ قال (ص) : نعم. قال : فإنّ اُمّتك ستقتله ، وإنْ شئت أنْ أريك تربة أرضه التي يُقتل فيها؟ قال (ص) : نعم. قالت : فبسط جبرئيل جناحه على أرض كربلاء ، فأراه أيّها. ثمّ شمّها ، وقال : هذه والله ، هي الأرض التي أخبر بها جبرائيل رسول الله (ص) وإنّني أُقتل فيها». ثمّ قال : وذكر ابن سعد في الطبقات عن الواقدي بمعناه ، قال : وذكر ابن سعد أيضاً عن الشعبي ، قال : لمّا مرّ علي (عليه السّلام) بكربلاء في مسيره إلى صفّين وحاذى نينوى ـ قرية على الفرات ـ وقف ونادى صاحب مطهرته : «أخبرني أبا عبد الله ، ما يُقال لهذه الأرض؟». فقال : كربلاء. فبكى حتّى بلّ الأرض من دموعه ، ثمّ قال (ع) : «دخلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو يبكي ، فقلت له : ما يُبكيك؟ فقال (ص) : كان عندي جبرئيل آنفاً ، وأخبرني : أنّ ولدى الحسين يُقتل بشط الفرات بموضع ، يُقال له : كربلاء. ثمّ قبض جبرئيل قبضة من تراب فشمنّي إيّاها ، فلمْ أملك عينيّ أنْ فاضتا».
    قال : وقد روى الحسن بن كثير وعبد خير ، قالا : لمّا وصل علي (عليه السّلام) إلى كربلاء وقف وبكى ، وقال (ع) : «بأبي أُغيلمة يُقتلون ها هنا ، هذا مناخ ركابهم ، هذا موضع رحالهم ، هذا مصرع الرجال» .. ثمّ ازداد بكاؤه / 250 ، ط النّجف. ورواه ابن مزاحم بأربعة طرق ، صفّين / 140 ـ 142 ، ط هارون.
    (2) الغاضريّة : منسوبة إلى غاضرة من بني أسد ، وهي : أراضي حوالي قبر عون الآن على فرسخ من كربلاء ، وبها آثار قلعة تعرف اليوم ، بـ : (قلعة بني أسد).
    (3) هي أيضاً : آبار لبني أسد قرب كربلاء.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    وقعة الطف لابو مخنف Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة الطف لابو مخنف   وقعة الطف لابو مخنف Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 4:38 pm

    وهي على شاطئ الفرات ، فإنْ منعونا قاتلناهم ، فقتالهم أهون علينا من قتال مَن يجيء من بعدهم.
    فقال له الحسين (عليه السّلام) : «وأيّة قرية هي؟». قال : هي العقر (1). فقال الحسين (عليه السّلام) : «اللهمّ ، إنّي أعوذ بك من العقر». ثمّ نزل ، وذلك يوم الخميس ، وهو اليوم الثاني من المحرّم سنة إحدى وستّين.
    فلمّا كان من الغد ، قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقّاص (2) من الكوفة في أربعة آلاف.
    _________________
    (1) كانت بها منازل نبوخذ نصر من كور بابل التي صحفت ، فقِيل : كربلاء.
    (2) سبقت ترجمته في ص / 102.

    [خروج ابن سعد إلى الحسين (عليه السّلام)]
    وكان سبب خروج ابن سعد إلى الحسين (عليه السّلام) ، أنّ عبيد الله بن زياد بعثه على أربعة آلاف من أهل الكوفه يسير بهم إلى دستبى (1) ، وكانت الديلم قد خرجوا إليها وغلبوا عليها ، فكتب إليه ابن زياد عهده على الري وأمره بالخروج.
    فخرج معسكراً بالنّاس بحمّام أعين (2) ، فلمّا كان من أمر الحسين (عليه السّلام) ما كان وأقبل إلى الكوفة ، دعا ابن زياد عمر بن سعد ، فقال : سر إلى الحسين (ع) ، فإذا فرغنا ممّا بيننا وبينه سرت إلى عملك. فقال له عمر بن سعد : إن رأيت ـ رحمك الله ـ أنْ تعفيني فافعل. فقال له عبيد الله : نعم ، على أنْ تردّ لنا عهدنا. فلمّا قال له ذلك ، قال عمر بن سعد : أمهلني اليوم حتّى أنظر.
    فانصرف عمر [ابن سعد] يستشير نصحاءه ، فلمْ يكن يستشير أحداً إلاّ نهاه.
    وجاء حمزة بن المغيرة بن شعبة (3) ـ وهو ابن أخته ـ فقال : أنشدك الله
    _________________
    (1) كورة كبيرة بين همدان والري ، ثمّ أضيفت إلى قزوين ـ كما في معجم البلدان 4 / 58 ـ وهي معرب دشتبه يعنّي : الواحة الحسناء.
    (2) كورة من كور الكوفة ، فيها : حمّام لعمر بن سعد بيد مولاه أعين ، سمّي باسمه ، كما في القمقام / 486.
    (3) استعمله الحجّاج بن يوسف الثقفي على همذان سنة (77 هـ) 5 / 284. وكان أخوه مطرّف بن المغيرة على المدائن فخرج على الحجّاج ، فأمدّه حمزة بالمال والسّلاح سرّاً 5 / 292 ، فبعث الحجّاج إلى قيس بن

    ـ ياخالُ ـ أنْ تسير إلى الحسين (ع) فتأثم ـ بربّك ـ وتقطع رحمك ، فوالله ، لئن تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض كلّها ـ لو كان لك ـ خير لك من أنْ تلقى الله بدم الحسين (ع). فقال له عمر بن سعد : فإنّي أفعل إنْ شاء الله (1).
    وتصاب سلسلة أخبار أبي مخنف هنا في رواية الطبري بالانقطاع والانتقال إلى نزول ابن سعد بكربلاء ، ويملأ الطبري هذا الفراغ بخبر عن عوانة بن الحكم ، لابدّ لنا منه لوصل الحلقات :
    قال هشام : حدّثني عوانة بن الحكم ، عن عمّار بن عبد الله بن يسار الجهني ، عن أبيه قال :
    دخلت على عمر بن سعد وقد أمر بالمسير إلى الحسين (عليه السّلام) ، فقال لي : إنّ الأمير أمرني بالمسير إلى الحسين (ع) فأبيت ذلك عليه ، فقلت له : أصاب الله بك ، أرشدك الله أحِلْ ، فلا تفعل ولا تسر إليه.
    قال : فخرجت من عنده فأتاني آتٍ وقال : هذا عمر بن سعد يندب النّاس إلى الحسين (ع). قال : فأتيته ، فإذا هو جالسّ ، فلمّا رآني أعرض بوجهه ، فعرفت أنّه قد عزم على المسير إليه ، فخرجت من عنده.
    قال ، فأقبل عمر بن سعد إلى ابن زياد ، فقال : أصلحك الله! إنّك ولّيتني هذا العمل وكتبت لي العهد وسمع النّاس به [يعنّي : عهد الري] ، فإنْ رأيت أنْ تنفّذ لي ذلك فافعل ، وابعث إلى الحسين (ع) في هذا الجيش من أشراف الكوفة ، من لست بأغنى ولا أجزأ عنك في الحرّب منه ، فسمّى له أناساً.
    _________________
    سعد العجلي ـ وهو يومئذٍ على شرطة حمزة بن المغيرة ـ بعهده على همذان ، وأنْ يُوثق حمزة بن المغيرة في الحديد ويحبسه ، فأوثقه وحبسه 5 / 294.
    (1) قال أبو مخنف : حدّثني عبد الرحمن بن جندب ، عن عقبة بن سمعان قال 5 / 407. وبنفس السّند أبو الفرج في مقاتل الطالبيّين / 74. ذكر عقبة : عتبة بن سمعان الكلبي ، وروى المفيد الخبر في الإرشاد / 226.

    فقال له ابن زياد : لا تعلّمنّي بأشراف أهل الكوفة ، ولست أستأمرك فيمَن أريد أنْ أبعث ، إنْ سرت بجندنا وإلاّ فابعث إلينا بعهدنا. فلمّا رآه قد لجّ ، قال : فإنّي سائر.
    قال : فأقبل في أربعة آلاف (1) حتّى نزل بالحسين (ع) من الغد من يوم نزل الحسين (ع) نينوى.
    قال : فبعث عمر بن سعد إلى الحسين (عليه السّلام) عزرة بن قيس الأحمسي (2) ، فقال : ائته فسله ما الذي جاء به؟ وماذا يُريد؟ وكان عزرة ممّن كتب إلى الحسين (ع) ، فاستحيا منه أنْ يأتيه.
    قال : فعرض ذلك على الرؤساء الذين كاتبوه فكلّهم أبى وكرهه.
    قال : وقام إليه كثير بن عبد الله الشعبي ـ وكان فارساً شجاعاً لا يردّ وجهه شيء ـ فقال : أنا أذهب إليه ، والله ، لئن شئت لأفتكنّ به (3). فقال عمر بن سعد : ما أريد أنْ يُفتك به ، ولكن ائته فسله ما الذي جاء به؟
    _________________
    (1) وكذلك الإرشاد / 227. ونقل عن مقتل محمّد بن أبي طالب ما حاصله : أنّ ابن زياد سيّر ابن سعد إلى الحسين (عليه السّلام) في تسعة الآف ، ثمّ يزيد بن ركاب الكلبي في ألفين ، والحصين بن تميم السّكوني في أربعة الآف ، وفلان المازني في ثلاثة الآف ، ونصر بن فلان في ألفين ، فذلك عشرون ألفاً مأبين فارس وراجل. وذكر الشافعي في كتابه مطالب السّؤول : أنّهم كانوا اثنين وعشرين ألفاً. وروى الشيخ الصدوق في أماليه بسنده عن الصادق (عليه السّلام) : أنّهم ثلاثون ألف. الأمالي / 101 ، ط بيروت.
    ألفاً ... وروى سبط ابن الجوزي عن محمّد بن سيرين أنّه كان يقول : وقد ظهرت كرامة علي بن أبي طالب (عليه السّلام) في هذا ، فإنّه لقي عمر بن سعد يوماً وهو شاب ، فقال (ع) : «ويحك يابن سعد! كيف بك إذا قمت يوماً مقاماً تُخيّر فيه بين الجنّة والنّار ، فتختار النّار؟!». 247 ، ط النّجف.
    (2) وذكره المفيد في الإرشاد : عروة بن قيس. وقد مضت ترجمته فيمَن كتب إلى الإمام (عليه السّلام) من أهل الكوفة من المنافقين الاُمويّين.
    (3) شهد مقتل الحسين (عليه السّلام) وروى خطبة زهير بن القين 5 / 426.
    وهو الذي شرك مع المهاجر بن أوس في قتله 5 / 441 ، وهو الذي تبع الضحّاك بن عبد الله المشرقي الهمداني ليقتله ، فلمّا عرفه أنّه من همدان قال : هذا ابن عمّنا ، فكفّ عنه 5 / 445.

    قال : فأقبل إليه ، فلمّا رآه أبو ثمامة الصائدي (1) قال للحسين (عليه السّلام) : أصلحك الله أبا عبد الله! قد جاءك شرّ أهل الأرض وأجرؤه على دم وأفتكه ، فقام إليه فقال : ضع سيفك. قال : لا والله ولا كرامة ، إنّما أنا رسول فإنْ سمعتم منّي أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ، وإنْ أبيتم انصرفت عنكم. فقال له : فإنّي آخذ بقائم سيفك ثمّ تكلّم بحاجتك. قال : لا والله ، لا تمسسه. فقال له : أخبرني ما جئت به وأنا أبلغه عنك ولا أدعك تدنو منه ؛ فإنّك فاجر. فاستبّا ، ثمّ انصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر.
    قال : فدعا عمر قرّة بن قيس الحنظلي ، فقال له : ويحك يا قرّة! ألقِ حسيناً (ع) فسله ما جاء به؟ وماذا يُريد؟
    قال : فأتاه قرّة بن قيس ، فلمّا رآه الحسين مقبلاً قال (ع) : «أتعرفون هذا؟». فقال حبيب بن مظاهر (2) : نعم ، هذا رجل من حنظلة تميمي ، وهو ابن أختنا ولقد كنت أعرفه بحسن الرأي وما كنت أراه يشهد هذا المشهد (3).
    قال : فجاء حتّى سلّم على الحسين (عليه السّلام) وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه ، له.
    فقال الحسين (عليه السّلام) : «كتب إليّ أهل مصركم هذا : أن أقدم ، فأمّا
    _________________
    (1) سبقت ترجمة صفحة / 115.
    (2) هذا أول ذكره في أخبار كربلاء ، ولمْ يذكر كيف وصل إليها؟ وقد مضت ترجمته في زعمّاء الشيعة الذين كتبوا إلى الإمام (عليه السّلام) من الكوفة ، وسيأتي في مقتله ذكر جوانب من حياته.
    (3) كان مع الحرّ بن يزيد الرياحي ، فيروى عنه عدي بن حرملة الأسدي أنّه كان يقول : والله ، لو أنّه أطلعنّي على الذي يُريد لخرجت معه إلى الحسين (عليه السّلام) 5 / 427. ويروي عنه أبو زهير العبسى خبره عن مرور نساء الحسين (عليه السّلام) على مقتله وأهل بيته ، ورثاء زينب لأخيها (عليهما السّلام) 5 / 456.
    وقد دعاه حبيب بن مظاهر إلى نصرة الإمام (عليه السّلام) وأنْ لا يرجع إلى الظالمين ، فقال له قرّة : أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي. ولكنّه إلى عمر بن سعد فلمْ يرجع عنه إلى الحسين حتّى قُتل (عليه السّلام) 5 / 411 ، والإرشاد / 228.

    إذ كرهوني ، فأنا أنصرف عنهم».
    قال : فانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر.
    فقال له عمر بن سعد : إنّي لأرجو أنْ يُعافيني الله من حربه وقتاله [وكتب إلى ابن زياد بذلك. وهذه نهاية التتمّة من رواية غير أبي مخنف].
    [كتاب عمر بن سعد إلى ابن زياد]
    جاء كتاب عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد ، فإذا فيه :
    بسم الله الرحمن الرحيم أمّا بعد : فإنّي حيث نزلت بالحسين (ع) بعثت إليه رسولي ، فسألته عمّا أقدمه ، وماذا يطلب ويسأل؟ فقال (ع) : «كتب إليّ أهل هذه البلاد وأتتني رسلهم فسألوني القدوم ففعلت ، فأمّا إذ كرهوني فبدا لهم غير ما أتتني رسلهم ، فأنا منصرف عنهم».
    فلمّا قُرئ الكتاب على ابن زياد ، قال :
    الآن إذ علقت مخالبنا به
    يرجو النّجاة ولات حين مناص

    [كتاب ابن زياد إلى ابن سعد جواب]
    وكتب إلى عمر بن سعد :
    بسم الله الرحمن الرحيم أمّا بعد : فقد بلغني كتابك ، وفهمت ما ذكرت ، فاعرض على الحسين أنْ يبايع ليزيد بن معاوية هو وجميع أصحابه ، فإذا فعل ذلك رأينا رأينا ، والسّلام.
    فلمّا أتى عمر بن سعد الكتاب ، قال : قد حسبت أنْ لا يقبل ابن زياد العافية (1).
    _________________
    (1) قال أبو مخنف : حدّثني النّضر بن صالح بن حبيب بن زهير العبسي ، عن حسان بن فائد بن بكير العبسي ، قال : أشهد أنّ كتاب عمر بن سعد جاء 5 / 411 ، والإرشاد / 228.

    [لقاء ابن سعد مع الإمام (عليه السّلام)]
    [و] بعث الحسين (عليه السّلام) إلى عمر بن سعد : عمرو بن قرظة بن كعب الأنصاري (1) : «أنْ ألقني اللّيل بين عسكري وعسكرك».
    فخرج عمر بن سعد في نحو من عشرين فارساً ، وأقبل حسين (عليه السّلام) في مثل ذلك ، فلمّا التقوا أمر حسين (عليه السّلام) أصحابه ، أنْ يتنحّوا عنه ، وأمر عمر بن سعد أصحابه بمثل ذلك.
    فتكلّما فأطالا حتّى ذهب من اللّيل هزيع ، ثمّ انصرف كلّ واحد منهما إلى عسكره بأصحابه.
    وتحدّث النّاس فيما [دار] بينهما ظنّاً ، يظنّون أنّ حسيناً (عليه السّلام) قال لعمر بن سعد : «أخرج معي إلى يزيد بن معاوية وندع العسكرين». قال عمر : إذن ، تُهدم داري. قال (ع) : «أنا ابنيها لك». قال : إذن ، تؤخذ ضياعي. قال (ع) : «إذن ، أعطيك خيراً منها من مالي بالحجاز». فتكرّه ذلك عمر.
    تحدّث النّاس بذلك وشاع فيهم ، من غير أنْ يكونوا سمعوا من ذلك شيئاً ولا علّموه (2).
    [و] قالوا : أنّه قال (ع) : «اختاروا منّي خصالاً ثلاثاً :
    _________________
    (1) كان مع الحسين (عليه السّلام) ، وكان أخوه علي بن قرظة مع عمر بن سعد ، فلمّا قُتل أخوه عمرو حمل على أصحاب الحسين (عليه السّلام) لينتقم لأخيه ، فطعنه نافع بن هلال المرادي فصرعه فحمله أصحابه ، ودُووي بعد فبرأ 5 / 434.
    (2) حدّثني أبو جناب : عن هانئ بن ثبيت الحضرمي ، وكان قد شهد قتل الحسين (ع) مع عمر بن سعد ، ويظهر من نفس هذا الخبر ، أنّه كان من الفرسان العشرين الذين خرجوا مع عمر بن سعد في اللّيل للقاء الإمام (عليه السّلام). قال : فانكشفنا عنهما بحيث لا نسمع أصواتهما ولا كلامهما 5 / 413 ، والإرشاد / 229.
    وقال سبط ابن الجوزي : إنّ عمر هو الذي بعث إليه يطلب الاجتماع به ، فاجتمعا خلوة / 248 ، ط النّجف.

    1 ـ إمّا ، أنْ أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه.
    2 ـ وإمّا ، أنْ أضع يدي في يدي يزيد بن معاوية ، فيرى فيما بيني وبينه رأيه.
    3 ـ وإمّا ، أنْ تسيّروني إلى أيّ ثغر من ثغور المسلمين شئتم ، فأكون رجلاً من أهله لي ما لهم وعليّ ما عليهم» (1).
    [و] قال عقبة بن سمعان : صحبت حسيناً (ع) فخرجت معه من المدينة إلى مكّة ، ومن مكّة إلى العراق ولمْ أفارقه حتّى قُتل. وليس من مخاطبة النّاس كلمة بالمدينة ولا بمكّة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكره إلى يوم مقتله إلاّ سمعتها ، ألاَ والله ، ما أعطاهم ما يتذاكر النّاس وما يزعمون : من أنْ يضع يده في يد يزيد بن معاوية ، ولا أنْ يسيّروه إلى ثغر من ثغور المسلمين ، ولكنّه قال (ع) : «دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتّى ننظر ما يصير أمر النّاس» (2).
    [كتاب عمر بن سعد إلى ابن زياد ثانياً]
    فكتب عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد :
    أمّا بعد : فانّ الله قد أطفأ النّائرة ، وجمع الكلمة وأصلح أمر الأمّة ، هذا حسين (ع) قد أعطاني أنْ يرجع إلى المكان الذي منه أتى ، أو أنْ نسيّره إلى أيّ ثغر من ثغور المسلمين شئنا ، فيكون رجلاً من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم ، أو أنْ يأتي يزيد أمير المؤمنين فيضع يده في يده ، فيرى فيما بينه وبينه رأيه ، وفي هذا لكم رضاً وللاُمّة صلاح.
    فلمّا قرأ عبيد الله الكتاب ، قال : هذا كتاب رجل ناصح لأميره مشفق على
    _________________
    (1) ما عليه جماعة المحدّثين ، وحدّثنا به المجالد بن سعيد والصقعب بن زهير الأزدي ، وغيرهما قالوا 5 / 413 ، وأبو الفرج / 75 ، ط النّجف.
    (2) فأمّا عبد الرحمن بن جندب ، فحدّثني عن عقبة بن سمعان ، قال 5 / 413 ، والخواص / 248 مختصراً.

    قومه نعم ، قد قبلت.
    فقام إليه شمر بن ذي الجوشن (1) ، فقال : أتقبل هذا منه وقد نزل بأرضك إلى جنبك؟ والله ، لئن رحل من بلدك ولمْ يضع يده في يدك ليكوننّ أولى بالقوّة والعزّة ، ولكتوننّ أولى بالضعف والعجز ، فلا تعطِ هذه المنزلة فإنّها من الوهن ، ولكن ينزل على حكمك (2) هو وأصحابه ، فإنْ عاقبت فأنت وليّ العقوبة ، وإنْ غفرت كان ذلك لك ، والله ، لقد بلغني أنّ حسيناً وعمر بن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدّثان عامّة اللّيل.
    فقال له ابن زياد : نعم ما رأيت! الرأي رأيك (3).
    [كتاب ابن زياد إلى ابن سعد وجوابه ثانياً]
    ثم كتب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد :
    أما بعد : فإنّي لمْ أبعثك إلى حسين (عليه السّلام) لتكفّ عنه ولا لتطاوله ، ولا لتمنّيه السّلامة والبقاء ولا لتقعد له عندي شافعاً ... ، انظر : فإنْ نزل حسين (ع) وأصحابه على الحكم واستسلموا ، فابعث بهم إليّ سلماً ، وإنْ أبوا فازحف إليهم حتّى تقتلهم وتمثّل بهم ؛ فإنّهم لذلك مستحقون ، فإنْ قُتل حسين (ع) فأوطئ الخيل صدره وظهره ؛ فإنّه عاقّ شاقّ قاطع ظلوم! وليس دهري في هذا أنْ يضرّ بعد الموت شيئاً ، ولكن عليّ قول : لو قد قتلته فعلت هذا به إنْ أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السّامع المطيع ، وإنْ أبيت فاعتزل عملنا وجندنا ، وخلّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر ، فإنّا قد أمرناه بأمرنا ،
    _________________
    (1) مضت ترجمته فيمَن كان من الأشراف مع ابن زياد في القصر.
    (2) ورواه السّبط مختصراً / 248 ، وزاد : أنّه كتب في أسفل الكتاب :
    الآن حين تعلقته حبالنّا
    يرجو النّحاة ، ولات حين ماص

    (3) حدّثني المجالد بن سعيد الهمداني والصقعب بن زهير 5 / 414 ، والإرشاد / 229.

    والسّلام (1).
    ثمّ إنّ عبيد الله بن زياد دعا شمر بن ذي الجوشن ، فقال له : اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد ، فليعرض على الحسين (ع) وأصحابه النّزول على حكمي ، فإنْ فعلوا فليبعث بهم إليّ سلماً ، وإنْ هم أبوا فليُقاتلهم ، فإنْ فعل فامسع له وأطع ، وإنْ هو أبى فقاتلهم فأنت أمير النّاس ، وثب عليه فاضرب عنقه وابعث إليّ برأسه (2) [يعنّي : ابن سعد].
    [و] لمّا قبض شمر بن ذي الجوشن الكتاب قام هو وعبد الله بن أبي المحل بن حزام (الكلبي) ، فقال عبد الله :
    أصلح الله الأمير! إنّ بني أختنا [اُمّ البنين : العبّاس وعبد الله ، وجعفراً وعثمان] مع الحسين (عليه السّلام) فإنْ رأيت أنْ تكتب لهم أماناً فعلت.
    قال [ابن زياد] : نعم ، ونعمة عين!
    فأمر كاتبه فكتب لهم أماناً ...
    فبعث به عبد الله بن أبي المحل [بن حزام الكلبي] مع مولى له ، يُقال له : كزُمان.
    [قدوم شمر بالكتاب إلى ابن سعد]
    [و] أقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد ، فلمّا قدم به عليه [و] قرأه ، قال له عمر : ويلك مالك! لا قرّب الله دارك ، وقبّح الله ما قدمت به عليّ! والله ، لأظنّك أنت ثنيته أنْ يقبل ما كتبت به إليه ، أفسدت علينا أمراً كنّا رجونا أنْ يصلح ، لا يستسلم والله ، حسين (ع) إنّ نفساً أبية
    _________________
    (1) حدّثني أبو جناب الكلبي ، قال 5 / 415 ، والإرشاد / 229 ، والخواص / 248.
    (2) حدّثني سليمان بن أبي راشد ، عن حميد بن مسلم ، قال 5 / 414 ، والإرشاد / 229.

    لبين جنبيّه.
    فقال له شمر : أخبرني ما أنت صانع؟ أتمضي لأمر أميرك وتقتل عدوّه! وإلاّ فخلِّ بيني وبين الجند والعسكر.
    قال : لا ، ولا كرامة لك ، وأنا أتولّى ذلك ، فدونك وكن أنت على الرّجال.
    [أمان ابن زياد للعبّاس وأخوته]
    قال : وجاء شمر حتّى وقف على أصحاب الحسين (عليه السّلام) ، فقال : أين بنو أختنا؟ فخرج إليه العبّاس وجعفر وعثمان بنو علي (عليه السّلام) ، فقالوا : مالك وما تريد؟
    قال : أنتم يا بنو أُختي ، آمنون.
    قال له الفتية : لعنك الله ولعن أمانك ـ لئن كنت خالنّا ـ أتؤمّنُنا وابن رسول الله (ص) لا أمان له؟
    [و] لمّا قدم عليهم كزُمان مولى عبد الله بن أبي المحل [بن حزام الكلبي] دعاهم ، فقال : هذا أمان بعث به خالكم.
    فقال له الفتية : اقرئ خالنّا السّلام ، وقل له : أنْ لا حجّة لنا في أمانكم ، أمان الله خير من أمان ابن سميّة (1).
    [منع الامام واصحابه عن الماء]
    [و] جاء كتاب من عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد :
    أما بعد : فحلْ بين الحسين (ع) وأصحابه وبين الماء ، ولا يذوقوا منه قطرة كما
    _________________
    (1) وفي الإرشاد / 230 ، والتذكرة / 249.

    صنع بالتقيّ الزكيّ المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفّان.
    قال : فبعث عمر بن سعد : عمرو بن الحجّاج (1) على خمسمئة فارس ، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين حسين (ع) وأصحابه وبين الماء أنْ يسقوا منه قطرة ، وذلك قبل قتل الحسين (عليه السّلام) بثلاث.
    قال : ولمّا اشتدّ على الحسين (ع) وأصحابه العطش دعا العبّاس بن علي بن أبي طالب (ع) ، أخاه فبعثه في ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً ، وبعث معهم بعشرين قربة. فجأوا حتّى دنوا من الماء ليلاً ، واستقدم أمامهم باللواء نافع بن هلال الجملي (2) ، فقال عمرو بن الحجّاج الزبيديّ : مَن الرّجل؟ [فقال : نافع بن هلال].
    فقال : ما جاء بك؟ قال : جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأ تمونا عنه. قال : فاشرب هنيئاً. قال : لا والله ، لا أشرب منه قطرة وحسين (ع) عطشان ومَن ترى من أصحابه [ـ وأشار إلى أصحابه ـ] فطلعوا عليه. فقال : لا سبيل إلى سقي هؤلاء ، إنّما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء.
    (و) لمّا دنا من [نافع الرّجّالة من] أصحابه قال [لهم] : املأوا قربكم. فشدّ الرّجّالة فملأوا قربهم.
    وثار إليهم عمرو بن الحجّاج وأصحابه ، فحمل عليهم العبّاس بن علي ونافع بن هلال ، فكفّوهم ثمّ انصرفوا إلى رجالهم. فقالوا [لهم] : امضوا ، ووقفوا
    _________________
    (1) مضت ترجمته فيمَن كان من الأشراف ، مع ابن زياد في القصر.
    (2) كان قد بعث بفرسه مع الأربعة نفراً من الكوفة إلى الامام (عليه السّلام) في الطريق مع الطرّماح بن عدي ، وهذا أول خبر يُعلم منه وصوله إلى الامام (عليه السّلام) في كربلاء ، وهو الذي طعن علي بن قرظة الأنصاري ـ أخا عمرو بن قرظة ـ. وكان مع عمر بن سعد 5 / 434. وكان قد كُتب اسمه على أفواق نبله ، فقتل بسهامه اثنى عشر رجلاً منهم حتّى كُسرت عضداه ، وأخذه شمر أسيراً ثمّ قتله بعد أنْ مضى به إلى ابن سعد 5 / 442.

    دونهم ، فعطف عليهم عمرو بن الحجّاج وأصحابه واطّردوا قليلاً ، وجاء أصحاب حسين (عليه السّلام) بالقرب فأدخلوها عليه.
    وطعن نافع بن هلال [في تلك اللّيلة] رجلاً من أصحاب عمرو بن الحجّاج [و] انتقضت [الطعنة] بعد ذلك فمات منها (1) [، فهو أول قتيل من القوم جُرح تلك اللّيلة].
    _________________
    (1) حدّثني سليمان بن أبي راشد ، عن حميد بن مسلم الأزدي قال 5 / 412. وأبو الفرج ، عن أبي مخنف بنفس السّند / 78. والمفيد في الإرشاد / 228 : عن حميد بن مسلم.

    [زحف ابن سعد إلى الحسين (عليه السّلام)]
    قال : ثمّ إنّ عمر بن سعد نادى بعد صلاة العصر : يا خيل الله اركبي وأبشري! فركب النّاس ، ثمّ زحف نحو [الحسين وأصحابه (عليه السّلام)].
    و [كان] حسين (عليه السّلام) جالسّا أمام بيته محتبياً بسيفه ، إذ خفق برأسه على ركبته.
    وسمعت أخته زينب الصيحة فدنت من أخيها ، فقالت : يا أخي أمَا تسمع الأصوات قد اقتربت؟
    فرفع الحسين (عليه السّلام) رأسه ، فقال (ع) : «إنّي رأيت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) في المنام ، فقال لي : إنّك تروح إلينا». فلطمت أخته وجهها ، وقالت : يا ويلتا! فقال (ع) : «ليس لك الويل يا أُخيّة ، أسكتي رحمك الرّحمن!».
    وقال العبّاس بن علي (عليه السّلام) : يا أخي : أتاك القوم.
    فنهض [الحسين (عليه السّلام)] ثمّ قال (ع) : «يا عبّاس ، اركب بنفسي أنت يا أخي حتّى تلقاهم فتقول لهم : ما لكم؟ وما بدالكم؟ وتسألهم عمّا جاء بهم؟».
    فاستقبلهم العبّاس في نحو من عشرين فارساً فيهم زهير بن القين ، وحبيب بن مظاهر (1) ، فقال لهم العبّاس : ما بدالكم؟ وماذا تريدون؟
    _________________
    (1) مضت ترجمته فيمَن كتب إلى الإمام (عليه السّلام) من شيعته من أهل الكوفة.

    قالوا : جاء أمر الأمير ، بأنْ نعرض عليكم أنْ تنزلوا على حكمه أو نُنازلكم.
    قال : فلا تعجلوا حتّى ارجع إلى أبي عبد الله (ع) فأعرض عليه ما ذكرتم.
    فوقفوا [و] ، قالوا : ألقه فأعلمه ذلك ، ثمّ ألقنا بما يقول.
    فانصرف العبّاس راجعاً يركض إلى الحسين (ع) يُخبره بالخبر. ووقف أصحابه يخاطبون القوم ... ، فقال حبيب بن مظاهر لزهير بن القين : كلّم القوم إنْ شئت ، وإنْ شئت كلّمتهم. فقال له زهير : أنت بدأت بهذا فكن أنت تكلّمهم.
    فقال له حبيب بن مظاهر : أمَا والله ، لبئس القوم عند الله غداً قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذرية نبيّه (عليهم السّلام) وعترته وأهل بيته (صلّى الله عليه [وآله]) ، وعبّاد أهل هذا المصر المجتهدين بالسّحر والذاكرين الله كثيراً. [قال هذا لزهير بن القين بحيث يسمعه القوم ، فسمعه منهم عزرة بن قيس].
    فقال له عزرة بن القيس (1) : إنّك لتزكّي نفسك ما استطعت.
    فقال له زهير : يا عزرة ، إنّ الله قد زكّاها وهداها ، فاتّق الله يا عزرة ؛ فإنّي لك من النّاصحين ، أنشدك الله يا عزرة ـ أنْ تكون ممّن يُعين الضلاّل على قتل النّفوس الزكية.
    قال [عزرة بن قيس] : يا زهير ، ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت ، إنّما كنت عثمانيّاً (2).
    قال : أفلستَ تستدلّ بموقفي هذا إنّي منهم؟ أمَا والله ، ما كتبت إليه كتاباً قط ، ولا أرسلت إليه رسولاً قط ، ولا وعدته نصرتي قط ، ولكنّ الطريق جمع بيني وبينه ، فلمّا رأيته ذكرت به رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) ومكانه منه ،
    _________________
    (1) مضت ترجمته فيمَن كتب إلى الإمام (عليه السّلام) من أهل الكوفة من المنافقين.
    (2) هذا أول مرّة يرد فيه هذا اللقب لزهير بن القين في حديث كربلاء ، وهو أوّل عنوان للتفرقة بين المسلمين في الاختلاف في عثمان بن عفّان ، أهو على الحقّ أو الباطل؟ فكان ، يُقال : لمََن يتولّى عليّاً (عليه السّلام) : علوي أو شيعي. ولمَن يتولّى عثمان ـ ويقول أنّه كان على حقّ وقُتل مظلوماً ـ يُقال له : عثماني.

    وعرفت ما يقدم عليه من عدوّه وحزبكم فرأيت أنْ انصره وأنْ أكون في حزبه ، وأنْ أجعل نفسي دون نفسه حفظاً لما ضيّعتم من حقّ الله وحقّ رسوله (عليه السّلام).
    وحين أتى العبّاس بن علي حسيناً (عليهما السّلام) بما عرض عليه عمر بن سعد ، قال [له الحسين (عليه السّلام)] : «ارجع إليهم ، فإنْ استطعت أنْ تؤخّرهم إلى غدوة وتدفعهم عنّا العشّية ، لعلّنا نصلّي لربّنا اللّيلة وندعوه نستغفره ، فهو يعلم أنّي كنت أحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه ، وكثرة الدعاء والاستغفار». وإنّما أراد بذلك أنْ يردّهم عنه تلك العشيّة حتّى يأمر بأمره ويُوصي أهله.
    وأقبل العبّاس بن علي (عليه السّلام) يركض [فرسه] حتّى انتهى إليهم ، فقال :
    يا هؤلاء ، إنّ أبا عبد الله يسألكم أنْ تنصرفوا هذه العشيّة حتّى ينظر في هذا الأمر ، فإنّ هذا أمر لمْ يجرِ بينكم وبينه فيه منطق ، فإذا أصبحنا التقينا إنْ شاء الله ؛ فإمّا رضيناه فأتينا بالأمر الذي تسألونه وتسومونه ، أو كرهنا فرددناه. وإنّما أراد بذلك أنْ يرّدّهم عنه تلك العشيّة حتّى يأمر بأمره ويُوصي أهله.
    [فـ] قال عمر بن سعد : يا شمر ما ترى؟
    قال : ما ترى أنت ، أنت الأمير والرأي رأيك.
    قال : أردت أنْ لا أكون. ثمّ أقبل على النّاس ، فقال : ماذا تَرون؟
    فقال عمرو بن الحجّاج بن سلمة الزبيدي : سبحان الله! والله ، لو كانوا من الدّيلم ثمّ سألوك هذه المنزلة لكان ينبغي لك أنْ تجيبهم إليها.
    وقال قيس بن الأشعث (1) : أجبهم إلى ما سألوك ، فلعمري ليصبحنّك
    _________________
    (1) كان يوم عاشوراء على ربع ربيعة وكندة 5 / 422 ، وهو الذي أخذ قطيفة الإمام الحسين (عليه السّلام) وكانت من خزّ ، فكان يُلقّب بعد ذلك : قيس قطيفة 5 / 453. وكان مع شمر بن ذي

    بالقتال غدوة.
    فقال : والله ، لو أعلم أنْ يفعلوا ما أخرتهم العشيّة (1).
    قال علي بن الحسين (عليه السّلام) : «[فـ] ـأتانا رسول من قبل عمر بن سعد ، فقام حيث يسمع الصوت ، فقال : إنّا قد أجّلناكم إلى غد ، فإنْ استسلمتم سرّحنا بكم إلى أميرنا عبيد الله بن زياد ، وإنْ أبيتم فلسنا بتاركيكم» (2).
    _________________
    الجوشن وعمرو بن الحجّاج ، وعزرة بن قيس على حمل رؤوس الإمام (عليه السّلام) إلى الكوفة إلى ابن زياد 5 / 456 ، وهو على كندة يحملون ثلاثة عشر رأساً 5 / 468. وهو أخو محمّد بن الأشعث قاتل مسلم ، وأخو جعدة قاتلة الإمام الحسن (عليه السّلام).
    (1) عن الحرّث بن حصيرة ، عن عبد الله بن شريك العامري ، قال 5 / 415. والإرشاد / 230.
    (2) حدّثني الحرّث بن حصيرة ، عن عبد الله بن شريك العامري عن علي بن الحسين (عليه السّلام) 5 / 417.

    [حوادث ليلة عاشوراء]
    [خطبة الإمام (عليه السّلام) ليلة عاشوراء :]
    عن علي بن الحسين (عليه السّلام) ، قال : «جمع الحسين (ع) أصحابه بعد ما رجع عمر بن سعد ، وذلك عنه قرب المساء ، فدنوت منه لأسمع وأنا مريض ، فسمعت أبي يقول لأصحابه :
    أثني على الله ـ تبارك وتعالى ـ أحسن الثناء وأحمده على السّرّاء والضرّاء ، اللهمّ ، إنّي أحمدك على أنْ أكرمتنا بالنّبوّة وعلّمتنا القرآن وفقّهتنا في الدين ، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة لمْ تجعلنا من المشركين.
    أمّا بعد : فإنّي لا أعلم أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحأبي ، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي ، فجزاكم الله عنّي جميعاً خيراً.
    ألاَ وإنّي أظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غداً ، ألاَ وإنّي قد رأيت لكم فانطلقوا جميعاً في حِل ، ليس عليكم منّي ذمام ، هذا ليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً (1).
    ثمّ ليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، [و] تفرّقوا في سوادكم ومدائنكم حتّى يفرّج الله ، فإنْ القوم إنّما يطلبوني ، ولو قد أصأبوني لهوا عن طلب غيري».
    _________________
    (1) حدّثني الحرّث بن حصيرة ، عن عبد الله بن شريك العامري ، عن علي بن الحسين (عليه السّلام) 5 / 418 ، وأبو الفرج / 74 والإرشاد / 231 : عن الامام السّجاد (عليه السّلام).

    [موقف الهاشميّين]
    [فـ] ـبدأ القول العبّاس بن علي (عليه السّلام) ، فقال له :
    لمْ نفعل [ذلك]؟ ألنبقى بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبداً.
    ثمّ إنّ أخوته وأبناء [الحسين (عليه السّلام)] وبنى أخيه [الحسن (عليه السّلام)] وابنى عبد الله بن جعفر [محمّد وعبد الله] تكلّموا بهذا ونحوه.
    فقال الحسين (عليه السّلام) : «يا بني عقيل ، حسبكم من القتل بمسلم ، اذهبوا قد أذنت لكم».
    قالوا : فما يقول النّاس؟ يقولون : إنّا تركنّا شيخنا وسيّدنا وبني عمومتنا خير العمّام ، ولمْ نرمِ معهم بسهم ، ولمْ نطعن معهم برمح ، ولمْ نضرب معهم بسيف ، ولا ندري ما صنعوا؟ لا والله ، لا نفعل ، ولكن تفديك أنفسنا وأموالنا وأهلونا ، ونُقاتل معك حتّى نرد موردك ، فقبّح الله العيش بعدك! (1).
    [موقف الأصحاب]
    [و] قام إليه مسلم بن عوسجة الأسدي (2) ، فقال :
    أنحن نخلّي عنك ولمّا نعذر إلى الله في أداء حقّك؟ أمَا والله ، حتّى أكسّر في صدورهم رمحي ، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ، ولا أفارقك ، ولو لمْ يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتّى أموت معك.
    _________________
    (1) وأبو الفرج في مقاتل الطالبيّين / 74 ، والإرشاد / 231 / ، والخواص / 249.
    (2) مضت ترجمته في أشراف الشيعة من أهل الكوفة مع مسلم بن عقيل. وهذا أوّل مرّة يرد ذكره في أحاديث كربلاء من دون أنْ يذكر التاريخ شيئاً عن كيفيّة وصوله إليها.

    وقال سعيد بن عبد الله الحنفي : والله ، لا نخلّيك حتّى يعلم الله أنّا حفظنا غيبة رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) فيك ، والله ، لو علمت أنّي أُقتل ثمّ أحيا ، ثمّ أُحرق حيّاً ثمّ أُذّرى ، يفعل ذلك بي سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك ، فكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة ، ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً.
    وقال زهير بن القين : والله ، لوددت أنّي قُتلت ثمّ نُشرت ثمّ قُتلت ، حتّى أُقتل كذا ألف قتلةً ، وأنّ الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك.
    وتكلّم جماعة أصحابه ، فقالوا : والله ، لا نفارقك ، ولكن أنفسنا لك الفداء ، نقيك بنحورنا وجباهنا وأيدينا ، فإذا نحن قُتلنا كنّا وفينا وقضينا ما علينا.
    وتكلّم جماعة أصحابه في وجه واحد بكلام يُشبه بعضه بعضاً (1).
    _________________
    (1) حدّثني : عبد الله بن عاصم الفائشي ، عن الضحّاك بن عبد الله المشرقي الهمداني ، قال 5 / 418. وأبو الفرج / 74 ، ط النّجف ، واليعقوبي 2 / 231 ، والإرشاد / 231.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    وقعة الطف لابو مخنف Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة الطف لابو مخنف   وقعة الطف لابو مخنف Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 4:39 pm

    [الإمام (عليه السّلام) ليلة عاشوراء]
    عن علي بن الحسين بن علي (عليه السّلام) ، قال : «إنّي جالسّ في تلك العشيّة التي قُتل أبي صبيحتها ، وعمّتي زينب عندي تمرّضني ، إذ اعتزل أبي بأصحابه في خباء له ، وعنده حُوَيّ (1) مولى أبي ذرّ الغفاريّ ، وهو يعالج سيفه ويصلحه ، وأبي يقول (ع) :
    يا دهر أفٍّ لك من خليل
    كم لك بالإشراق والاصيل

    من صاحب أو طالب قتيل
    والدّهر لا يقنع بالبديل

    وإنّما الأمر إلى الجليل
    وكل حيّ سالك سبيلي

    فأعادها مرّتين أو ثلاثاً حتّى فهمتها فعرفت ما أراد ، فخنقتني عبرتي ، فرددت دمعي ولزمت السّكون ، فعلمت أنّ البلاء قد نزل.
    فأمّا عمتّي ، فإنّها سمعتْ ما سمعتُ ـ وهي امرأة ، وفي النّساء الرقّة والجزع ـ فلمْ تملك نفسها أنْ وثبت تجرّ ثوبها ـ وأنّها لحاسرة ـ حتّى انتهت إليه ، فقالت : واثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة! اليوم ماتت فاطمة أمّي ، وعليّ أبي ، وحسن أخي ، يا خليفة الماضي وثمال الباقي (2).
    فنظر إليها الحسين (عليه السّلام) ، فقال : يا أُخيّة ، لا يُذهبن بحلمك الشيطان.
    قالت : بأبي أنت وأميّ يا أبا عبد الله ، أستقتلت؟ نفسي فداك ...
    _________________
    (1) في الإرشاد / 232 : جوين ، وفي مقاتل الطالبيّين / 75 : جون ، وكذلك في مناقب ابن شهر آشوب 2 / 218 ، وفي تذكرة الخواص 19 / 2 ، والخوارزمي 1 / 237. ولا ذكر له في الطبري قبل هذا ولا بعده ، لا كيفيّة مقتله مع الإمام (عليه السّلام).
    (2) وفي الإرشاد / 232 : يا خليفة الماضين وثمال الباقين ، وكذلك التذكرة بزيادة : ثمّ لطمت وجهها / 250 ، ط النّجف.

    فردّ غصّته وترقرقت عيناه ، وقال :
    لو ترك القطا ليلاً لنام!
    قالت : يا ويلتى! أفتغصب نفسك اغتصاباً؟ فذلك أقرح لقلبي وأشدّ على نفسي. ولطمت وجهها ، وأهوت إلى جيبها وشقّته وخرّت مغشيّاً عليها.
    فقام إليها الحسين (عليه السّلام) فصبّ على وجهها الماء ، وقال لها :
    يا أُخيّة اتّقي الله وتعزّي بعزاء الله ، واعلمي : أنّ أهل الأرض يموتون ، وأنّ أهل السّماء لا يبقون ، وأنّ كلّ شيء هالك إلاّ وجه الله الذي خلق الأرض بقدرته ، ويبعث الخلق فيعودون ، وهو فرد وحده ، أبي خير منّي وأمّي خير منّي ، وأخي خير منّي ، ولي ولهم ولكلّ مسلم برسول الله أسوة.
    فعزّاها بهذا ونحوه ، وقال لها :
    يا أُخيّة ، إنّي أقسم عليك ـ فأبرّي قسمي ـ لا تشقّي عليّ جيباً ولا تخمشي عليّ وجهاً ، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت.
    ثمّ جاء بها حتّى اجلسها عندي.
    وخرج إلى أصحابه فأمرهم أنْ يقرّبوا بعض بيوتهم من بعض ، وأنْ يدخلوا الأطناب بعضها في بعض ، وأنْ يكونوا هم بين البيوت ، إلاّ الوجه الذي يأتيهم منه عدوّهم (1).
    وأتي [الحسين (عليه السّلام)] بقَصب وحطب إلى مكان ـ من ورائهم ـ منخفض كأنّه ساقية ، فحفروه في ساعة من اللّيل فجعلوه كالخندق ، ثمّ ألقوا فيه ذلك الحطب والقصب ، وقالوا : إذا عدوا علينا فقاتلونا ألقينا فيه النّار ، كي لا نؤتى من ورائنا ، وقاتلنا القوم من وجه واحد» (2).
    _________________
    (1) حدّثني الحرّث بن كعب وأبو الضحّاك ، عن علي بن الحسين (ع) ، قال 5 / 420. وأبو الفرج / 75 ـ ط النّجف ـ واليعقوبي 2 / 230 ، والمفيد في الإرشاد / 232 ـ ط النّجف ـ كلّهم : عن الإمام السّجاد (عليه السّلام).
    (2) عن عبد الله بن عاصم ، عن الضحّاك بن عبد الله المشرقي قال 5 / 421 ، والمفيد في الإرشاد / 233 عن الضحاك بن عبد الله.

    [الحسين وأصحابه ليلة عاشوراء]
    [و] لمّا أمسى الحسين (ع) وأصحابه قاموا اللّيل كلّه يصلّون ويستغفرون ، ويدعون ويتضرّعون.
    [قال الضحّاك بن عبد الله المشرقي الهمداني ، وهو الذي نجا من أصحاب الحسين (عليه السّلام)] :
    [فمرّت] بنا خيل لهم تحرسنا وإنّ حسيناً (عليه السّلام) يقرأ : (وَلاَ يَحْسَبَنّ الّذِينَ كَفَرُوا إنّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إنّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا ثماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * مَا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ المؤمنين عَلَى‏ مَا أنتم عَلَيْهِ حَتّى‏ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ) (1) فسمعها رجل من تلك الخيل التي كانت تحرسنا ، فقال : نحن وربّ الكعبة الطيّبون مُيّزنا منكم. فعرفته ، فقلت لبُرير بن حُضير [الهمداني] (2) : أتدري مَن هذا؟ قال : لا. قلت : هذا أبو حرب السّبيعي
    _________________
    (1) سورة آل عمران / 178 ـ 179.
    (2) والمشهور المذكور في الإرشاد / 233 ، وسائر الكتب : خضير. وكان سيّد القرّاء بالكوفة 5 / 431 ، عابداً ناسكاً. وهذا أوّل ذكره في أخبار كربلاء ولمْ يُذكر كيف التحق بالإمام (عليه السّلام). وهو أوّل مَن قام للمبارزة في أوّل القتال فاجلسه الإمام (عليه السّلام) 5 / 429. وهو القائل لعبد الرحمن بن عبد ربّه الأنصاري : والله ، لقد علم قومي إنّى ما أحببت الباطل شاباً ولا كهلاً ، ولكن والله ، إنّى لمستبشر بما نحن لاقون ، والله ، إنّ بيننا وبين الحور العين إلاّ أنْ يميل علينا هؤلاء بأسيافهم ، ولوددت أنّهم قد مالوا علينا 5 / 423. وكان يقول : إنّ عثمان بن عفّان كان على نفسه مسرفاً ، وإنّ معاوية بن أبي سفيان ضال مضلّ ، وإنّ إمام الهدى والحقّ علي بن أبي طالب (عليه السّلام). وباهل رجلاً من عسكر عمر بن سعد يُدعى : يزيد بن معقل على حقانيّة هذه المعنى ، ودعا أنْ يُقتل المحقّ منهما المبطل ، ثمّ بارزه فقتله 5 / 431.

    [الهمداني] عبد الله بن شهر ، وكان مضحاكاً بطّالاً. وكان شريفاً شجاعاً فاتكاً. وكان سعيد بن قيس (1) ربّما حبسه في جناية.
    فقال له بُرير بن حُضير : يا فاسق ، أنت يجعلك الله في الطيّبين!
    فقال له [أبو حرب] : مَن أنت؟
    قال : أنا بُرير بن حُضير.
    قال [أبو حرب] : إنّا لله ، عزّ عليّ ، هلكت والله هلكت والله ، يا بُرير.
    قال [بُرير] : يا أبا حرب ، هل لك أنْ تتوب إلى الله من ذنوبك العظام؟ فوالله ، إنّا لنحن الطيّبون ، ولكنّكم لأنتم الخبيثون.
    قال [أبو حرب مستهزء اً] : وأنا على ذلك من الشاهدين.
    قلت [له] : ويحك! أفلا ينفعك معرفتك؟
    قال [أبو حرب] : جُعلت فداك ، فمَن يُنادم يزيد بن عذرة العنزيّ [و] ها هو ذا معي؟
    قال [بُرير] : قبّح الله رأيك ، على كلّ حال أنت سفيه.
    [فـ] ـانصرف عنّا (2).
    _________________
    (1) كان سعيد بن قيس الهمداني على همذان ، فعزله سعيد بن العاص الأشرق وإلى الكوفة وجعله على الرّي سنة (33 هـ) 5 / 330. وبعثه أمير المؤمنين (عليه السّلام) مع شبث بن ربعي وبشير بن عمرو إلى معاوية ـ قبل القتال ـ يدعونه إلى الطاعة والجماعة 4 / 573. وكان يُقاتل مع علي بصفّين 4 / 574. وكان من أوّل النّاس في إجابة أمير المؤمنين إلى ما يُريد 5 / 79 ، وسرّحه أمير المؤمنين (عليه السّلام) في إثر غارة سفيان بن عوف على الأنبار والهيت ، فخرج في طلبهم حتّى جاز هيت فلمْ يلحقهم 5 / 134 ، ثمّ لا نعثر له على ذكر ولا أثر في التاريخ ، فلعلّ حبسه لأبي حرب السّبيعي كان يوم عمله على همدان ، أو الرّي على عهد عثمان.
    (2) 5 / 421. قال أبو مِخْنف : عن عبد الله بن عاصم ، عن الضحاك بن ، عبد الله المشرقي.

    [صبيحة يوم عاشوراء]
    فلمّا كان يوم عاشوراء ـ يوم السّبت ـ صلّى عمر بن سعد [صلاة] الغداة [و] خرج فيمَن معه من النّاس (1).
    [و] كان على ربع أهل المدينة يومئذ : عبد الله بن زهير الأزدي (2) ، وعلى ربع مذحج وأسد : عبد الرحمن بن أبي سبرة الجُعفي (3) ، وعلى ربع ربيعة وكندة : قيس بن الأشعث بن قيس [الكندي] ، وعلى ربع تميم وهمدان : الحرّ بن يزيد الرياحي [التميمي اليربوعي].
    وجعل عمر على ميمنته : عمرو بن الحجّاج الزبيديّ ، وعلى ميسرته : شمر بن ذي الجوشن الضبّاب [ـي] الكلاب [ـي] ، وعلى الخيل : عزرة بن قيس الأحمسيّ ، وعلى الرّجال : شبث بن ربعيّ الرياحي [التميمي] ، وأعطى الراية : ذويداً ، مولاه (4).
    _________________
    (1) 5 / 421 ـ 422. قال أبو مِخْنف : عن عبد الله بن عاصم ، عن الضحاك بن عبد الله المشرقي ... والإرشاد / 233 : عن الضحاك بن عبد الله.
    (2) كان على ميمنة عدي بن وتاد ، أمير الرّي ـ للحجاج ـ في حربه مع مطرّف بن المغيرة بن شعبة بأصبهان 6 / 296. وآخر عهدنا به في الطبري : أنّه كان في حرس السّغد سنة (102 هـ) ، فأصابته جراحة كثيرة حتّى أصبح كأنّه قنفذ من النّشاب 6 / 613 ، ولا ذكر له قبل كربلاء.
    (3) كان ممّن كُتبت شهادته على حجر بن عدي الكندي سنة (51 هـ) 5 / 270. وكان على الرجّالة من مذحج وأسد ، وحرّضه شمر على ذبح الحسين (عليه السّلام) فأبى وسبّه 5 / 450.
    (4) حدّثني فضيل بن فديج الكنديّ ، عن محمّد بن بشر ، عن عمرو الحضرمي ، قال 5 / 422.

    [و] لمّا صبّحت الخيل الحسين (عليه السّلام) رفع الحسين يديه ، فقال : «اللهمّ ، أنت ثقتي في كلّ كرب ، ورجائي في كلّ شدّة ، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعدّة ، كم من همّ يضعّف فيه الفؤاد وتقلّ فيه الحيلة! ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدوّ! أنزلته بك وشكوته إليك رغبة منّي عمّن سواك ، ففرّجته وكشفته ، فأنت وليّ كلّ نعمة وصاحب كلّ حسنة ، ومنتهى كلّ رغبة» (1). [وقال الضحّاك بن عبد الله المشرقي الهمداني ، وهو الذي نجا من أصحاب الحسين (عليه السّلام)] :
    لمّا أقبلوا نحونا ، فنظروا إلى النّار تضطرم في الحطب والقصب الذي كنّا ألهبنا فيه النّار من ورائنا ، لئلا يأتونا من خلفنا ، إذ أقبل إلينا منهم رجل يركب [فرسه وهو] كامل الأداة ، فلمْ يكلّمنا حتّى مرّ على أبياتنا ، فنظر إلى أبياتنا فإذا هو لا يرى إلاّ حطباً تلتهب النّار فيه ، فرجع [و] نادى بأعلى صوته.
    يا حسين ، استعجلت النّار في الدنيا قبل يوم القيامة!
    فقال الحسين (عليه السّلام) : «مَن هذا؟ كأنّه شمر بن ذي الجوشن؟».
    فقالوا : نعم ، أصلحك الله! هو هو.
    فقال (ع) : «يابن راعية المعزى ، أنت أولى بها صليّاً».
    فقال له مسلم بن عوسجة : يابن رسول الله ، جُعلت فداك ألاَ أرميه بسهم؟ فإنّه قد أمكنني ، وليس يسقط سهم [منّي] ، فالفاسق من أعظم الجبّارين.
    فقال له الحسين (عليه السّلام) : «لا ترمه ، فإنّي أكره أنْ أبدأهم» (2).
    * * *
    _________________
    (1) عن بعض أصحابه عن أبي خالد الكأهلي ، قال 5 / 423 ، والمفيد في الإرشاد / 233 ، قال : فروى عن علي بن الحسين (ع) ، وأبو خالد الكأهلي من أصحابه ، فهو يروي الخبر عنه (عليه السّلام) وإنْ لمْ ينصّ عليه في الطبري.
    (2) فحدّثني عبد الله بن عاصم ، قال حدّثني الضحّاك المشرقي 5 423 والإرشاد 234.

    [خطبة الإمام (عليه السّلام) ـ الأولى]
    [و] لمّا دنا منه القوم [دع] براحلته فركبها ، ثمّ نادى بأعلى صوته يسمع جلّ النّاس :
    «أيّها النّاس ، اسمعوا قولي ولا تعجلوني حتّى أعظكم بما [يـ] ـحقّ لكم عليّ ، وحتّى اعتذر إليكم من مقدمي عليكم ، فإنْ قبلتم عذري وصدّقتم قولي وأعطيتموني النّصف ، كنتم بذلك أسعد ولمْ يكن لكم عليّ سبيل ، وإنْ لمْ تقبلوا منّي العذر ، ولمْ تعطوا النّصف من أنفسكم : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثمّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمّةً ثمّ اقْضُوا إليّ وَلاَ تُنظِرُونِ) (1) ، (إِنّ وَلِيّيَ اللّهُ الّذِي نَزّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلّى الصّالِحِينَ) (2).
    فلمّا سمع أخواته كلامه هذا صحن وبكين ، وبكى بناته [و] ارتفعت أصواتهنّ ، فأرسل إليهنّ أخاه العبّاس بن علي وعليّاً ابنه ، وقال (ع) لهما : «سكّتاهنّ ، فلعمري ليكثرنّ بكاؤهنّ».
    فلمّا سكتن ، حمد الله وأثنى عليه وذكر الله بما هو أهله ، وصلّى على محمّد (صلّى الله عليه [وآله]) وعلى ملائكته وأنبيائه. [قال الرأوي] : فوالله ، ما سمعت متكلماً قط قبله ، ولا بعده أبلغ في منطق منه. ثمّ قال (ع) :
    «أمّا بعد : فانسبوني فانظروا مَن أنا؟ ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها ، فانظروا هل يحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألسّت ابن بنت نبيّكم (صلّى الله عليه [وآله]) ، وابن وصيّه وابن عمّه ، وأوّل المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله بما جاء به من عند ربّه؟ أوليس حمزة سيّد الشهداء عمّ أبي؟ أوليس جعفر ، الشهيد الطيّار ذو الجناحين عمّي؟ ...
    _________________
    (1) سورة يونس / 71.
    (2) سورة الأعراف / 196.

    أولمْ يبلغكم قول مستفيض فيكم ، أنّ رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) قال لي ولأخي : هذان سيّدا شباب أهل الجنّة.
    فإنْ صدّقتموني بما أقول وهو الحقّ ، فوالله ، ما تعمّدت كذباً مذ علمت أنّ الله يمقت عليه أهله ، ويضرّ به من اختلقه ...
    وإنْ كذّبتموني ، فإنّ فيكم مَن إنْ سألتموه عن ذلك أخبركم. سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري (1).
    أو أبا سعيد الخدري (2).
    أو سهل بن سعد السّعدي (3).
    وزيد بن أرقم (4).
    أو أنس بن مالك (5).
    _________________
    (1) امتنع عن البيعة لمعاوية على يد بسر بن أرطاة سنة أربعين قبل مقتل أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، وقال : هذه بيعة ضلالة ، حتّى اضطره إليها بسر فبايعه خوف نفسه 5 / 139. وفي سنة خمسين حين حجّ معاوية وأراد نقل منبر رسول الله (ص) وعصاه من المدينة إلى الشام ، منعه جابر فامتنع 5 / 239. وفي سنة أربع وسبعين إذ دخل الحجّاج المدينة من قبل عبد الملك ، استخفّ فيها بأصحاب رسول الله (ص) فختم في أعناقهم ، منهم : جابر بن عبد الله الأنصاري 6 / 195.
    (2) ردّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حين استعرض أصحابه لأُحد ، لصغره 2 / 505. وكان يروي الحديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في فضل علي (عليه السّلام) 3 / 149 ، ولكنّه كان من الممتنعين عن بيعة علي (عليه السّلام) بعد مقتل عثمان ، وكان عثمانيّاً 4 / 430.
    (3) كان يروي الحديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في فضل علي (عليه السّلام) 3 / 409. وروى : أنّ عائشة أمرت بقتل عثمان بن حنيف ، ثمّ بحبسه 4 / 468. ويروي أخبار علي (عليه السّلام) 4 / 547. وفي سنة أربع وسبعين حين دخل الحجّاج المدينة من قبل عبد الملك استخفّ بأصحاب رسول الله فختم أعناقهم ، منهم : سهل بن سعد ، واتّهمهم بخذلان عثمان 6 / 195.
    (4) كان يروي فضل علي (عليه السّلام) 2 / 310 ، وهو الذي أخبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بمقالة عبد الله بن أبي بن سلول المنافق 2 / 605 ، وهو الذي اعترض على ابن زياد ونهاه عن ضرب شفتي أبي عبد الله (عليه السّلام) 5 / 456 توفي سنة (68 هـ) ، كما في الأعلامَ 4 / 188.
    (5) لمّا ولّى عمر أبا موسى الأشعري البصرة سنة (17 هـ) استعان بأنس بن مالك 4 / 71 ، واشترك في

    يخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) لي ولأخي ، أفما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟».
    فقال له شمر بن ذي الجوشن : هو يعبد الله على حرف ، إنْ كان يدري ما يقول (1).
    فقال حبيب بن مظاهر : والله ، إنّي لأراك تعبد الله على سبعين حرفاً ، وأنا أشهد ، أنّك صادق ما تدري ما يقول ، قد طبع الله على قلبك.
    ثمّ قال لهم الحسين (عليه السّلام) : «فإنْ كنتم في شكّ من هذا القول ، أفتشكون أثراً بعد؟ أمَا إنّي ابن بنت نبيّكم؟ فوالله ، ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيّ غيري منكم ولا من غيركم ، أنا ابن بنت نبيّكم خاصّة.
    أخبروني ، أتطلبوني بقتيل منكم قتلته؟ أو مال استهلكته؟ أو بقصاص من جراحة؟ ـ فأخذوا لا يكلّمونه ... ـ فنادى : يا شبث بن ربعي ويا حجّار بن أبجر ، ويا قيس بن الأشعث ويا يزيد بن الحرّث ، ألمْ تكتبوا إليّ أنْ قد أينعت الثمار واخضرّ الجناب ، وطمّت الجمام (2) وإنّما تقدم على جند لك مجنّد ، فأقبل؟!
    قالوا له : لمْ نفعل (3).
    _________________
    فتح تُستر 4 / 86. وكان ممّن حرّض النّاس بالبصرة سنة (35 هـ) لنصرة عثمان 4 / 352. وكان ممّن استعان بهم زياد بن أبيه بالبصرة سنة (45 هـ) 5 / 224. وكان يوم عاشوراء بالبصرة ، وفي سنة (64 هـ) بعد مقتل ابن زياد أمّره ابن الزبير على البصرة ، فصلّى بالنّاس أربعين يوماً 5 / 528. فلمّا وُلّي الحجّاج المدينة سنة (64 هـ) لعبد الملك واستخفّ أصحاب رسول الله ، فختم في أعناقهم ؛ ختم في عنق : أنس ، يُريد أنْ يُذلّه بذلك انتقاماً لتولّيه لابن الزبير 6 / 195.
    (1) ورواه السّبط 252 / ، ط النّجف. وعلى حرف ، أي : على طرف من الإيمان ، لا صلبه.
    (2) الجمام : جمع جمّة ، وهو : المكان الذي يجتمع فيه الماء. وطمّ ، أي : امتلأ. وقد مضت ترجمة هؤلاء فيمَن كتب إلى الإمام (عليه السّلام) من أهل الكوفة من المنافقين.
    (3) وقال سبط ابن الجوزي ، أنّهم قالوا : ما ندري ما تقول. وكان الحرّ بن يزيد اليربوعي من

    فقال (ع) : «سبحان الله! بلى والله ، لقد فعلتم». ثمّ قال (ع) :
    «أيّها النّاس ، إذا كرهتموني فدعوني انصرف عنكم إلى مأمني من الأرض».
    فقال له قيس بين الأشعث : أوَلا تنزل على حكم بني عمّك؟ فإنّهم لن يروك إلاّ ما تحبّ ، ولن يصل إليك منهم مكروه.
    فقال الحسين (عليه السّلام) : «أنت أخو أخيك [محمّد بن الأشعث] أتريد أنْ يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟ لا والله ، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقرّ إقرار العبيد (1).
    عباد الله : (وَإِنّي عُذْتُ بِرَبّي وَرَبّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ) (2) (أعُوذُ بِرَبّي وَرَبّكُم مِن كلّ مُتَكَبّرٍ لاَ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ) (3).
    ثمّ [رجع فـ] ـأناخ راحلته ، وأمر عقبة بن سمعان فعقلها (4).
    [خطبة زهير بن القين]
    [ثمّ] خرج زهير بن القين على فرس ذنوب (5) شاك في السّلاح ، فقال :
    _________________
    ساداتهم ، فقال : بلى ، والله ، لقد كاتبناك ونحن الذين أقدمناك ، فأبعد الله الباطل وأهله ، والله ، لا أختار الدنيا على الآخرة / 251.
    (1) ورواه المفيد في الإرشاد / 235 ، وبعده ابن نما في مثير الأحزان / 26 : ولا أفرّ فرار العبيد. ورحّجه المقرّم : 280. والنّسب بجواب ابن الأشعث ، هو : الإقرار لا الفرار؛ فإنّ ابن الأشعث لمْ يعرض عليه الفرار ، بل الإقرار. واستشهد له المقرّم بكلام الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) في مصقلة بن هبيرة : وفرّ فرار العبد ، ولكن فعل مصقلة لا يناسب حال الإمام الحسين (عليه السّلام) هنا كما هو واضح ، فراجع.
    (2) سورة الدخان / 20.
    (3) سورة المؤمن / 27.
    (4) 5 / 423 ـ 426. قال أبو مِخْنف : فحدثنى عبد الله بن عاصم ، قال حدثنى الضحاك المشرقى.
    (5) الذنوب : الفرس الذي شعر ذنبه وافر كثير.

    يا أهل الكوفة ، نذار لكم من عذاب الله نذار ، إنّ حقاً على المسلم نصيحة أخيه المسلم ، ونحن حتّى الآن أخوة وعلى دين واحد وملّة واحدة ، ما لمْ يقع بيننا وبيكم السّيف ، وأنتم للنصحية منّا أهل ، فإذا وقع السّيف انقطعت العصمة وكنّا اُمّة وأنتم اُمّة.
    إنّ الله قد ابتلانا وإيّاكم بذرّيّة نبيّه محمّد (صلّى الله عليه [وآله]) لينظر ما نحن وأنتم عاملون ، إنّا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية عبيد الله بن زياد ؛ فإنّكم لا تدركون منهما إلاّ بسوء عمر سلطانهما كلّه ليسملان أعينكم ، ويقطّعان أيديكم وأرجلكم ، ويمثّلان بكم ويرفعانكم على جذوع النّخل ، ويقتّلان أماثلكم وقرّاءكم ، أمثال : حجر بن عديّ (1) وأصحابه ، وهانئ بن عروة (2) وأشباهه.
    فسبوّه وأثنوا على عبيد الله بن زياد ودعوا له ، وقالوا : والله ، لا نبرح حتّى نقتل صاحبك ومَن معه ، أو نبعث به وبأصحابه إلى الأمير عبيد الله سلماً.
    فقال لهم : عباد الله ، إنّ ولد فاطمة (رضوان الله عليها) أحقّ بالودّ والنّصر
    _________________
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    وقعة الطف لابو مخنف Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة الطف لابو مخنف   وقعة الطف لابو مخنف Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 4:41 pm

    (1) كان من إمداد حرب القادسيّة من أهل اليمن سنة (16 هـ) 4 / 27. وكان من أوّل مَن أجاب عليّاً (عليه السّلام) لنصرته في حرب البصرة من الكوفة 4 / 485. وكان هو من قبلُ من الثائرين على عثمان 4 / 488. وكان على سبع مذحج والأشعريّين من أهل اليمن بالكوفة 4 / 500. وكان مع علي (عليه السّلام) بصفّين يخرج للقتال 4 / 574. وكان ممّن شهد على صحيفة الموادعة لتحكيم الحكمين في صفّين 5 / 54. وكان على ميمنة علي (عليه السّلام) في وقعة النّهروان مع الخوارج 5 / 85 ، وأخرجه علي (عليه السّلام) سنة (39 هـ) على أربعة الآف رجل من الكوفة لمقابلة غارة الضحّاك بن قيس في ثلاثة الآف ، فلحقه بـ : (تدمر) في حدود الشام فقتل منهم عشرين رجلاً ، وحال اللّيل فهرب الضحّاك ورجع حجر 5 / 135. ولمّا دخل معاوية الكوفة عام الجماعة وولّى عليهما المغيرة بن شعبة ، وكان المغيرة يسبّ عليّاً (عليه السّلام) كان حجر يردّ عليه ردّاً شديداً حتّى مات المغيرة ، فولّى عليها معاوية زياد بن أبيه ، فعاد حجر إلى ما كان عليه ، فأخذه زياد وبعث به إلى معاوية فقتله 5 / 270.
    (2) مضت ترجمته في أوّل أمر مسلم بن عقيل (عليه السّلام).

    من ابن سميّة (1) ، فانْ لمْ تنصروهم فأعيذكم بالله أنْ تقتلوهم ، فخلّوا بين الرجل
    _________________
    (1) سميّة : هي اُمه الزانية. كانت من ذوات الأعلامَ بالجأهلية ، فزنى بها ستّة من قريش فولدت زياداً فتنازعوا عليه ، فلمْ يُعرف أبوه ، فكان يُدعى بزياد بن أبيه أو زياد بن عبيد ، أو زياد بن سميّة حتّى استلحقه معاوية بأبيه أبي سفيان ، فقِيل : زياد بن أبي سفيان.
    فلما ولاّه معاوية الكوفة وأخذ حجراً واستشهد عليه الشهود ورأى فيهم اسم شدّاد بن بزيعة ، فقال : ما لهذا أب يُنسب إليه؟ ألقوا هذا من الشهود. فقِيل له : أنّه أخو الحصين وهو ابن المنذر. قال : فانسبوه إلى أبيه. فكُتب ونُسب إلى أبيه. فبلغت هذه الكلمة شدّاداً ، فقال : ويلي على ابن الزانية! أو ليست اُمّه أعرف من أبيه؟ والله ، ما كان يُنسب إلاّ إلى اُمّه سميّة 5 / 270.
    وكان يزيد بن مفرّغ الحميري مع عبّاد بن زياد ، أخي عبيد الله في حروب سجستان فأصابهم ضيق ، فهجا ابن المفرّغ عبّاداً ، فقال :
    إذا أودى معاوية بن حرب
    فبشر سعب قعبك بانصداع

    فاشهد ان اُمّك لم تباشر
    أبا سفيان واضعة القناع

    ولكن كان أمراً فيه لبس
    حواست جمع كن

    وقال :
    إلاّ أبلغ معاوية بن حرب
    مغلغلة من الرجل اليمنّي

    أتغضب أن يُقال أبوك عفّ
    وترضى ان يُقال أبوك زانى

    فاشهد أن رحمك من زياد
    كرحم الفيل من ولد الأتان

    وقدم رجل من آل زياد ـ يُقال له : الصغدي بن سلم بن حرب ـ على المهدي العبّاسي وهو ينظر المظالم ، فقال له : مَن أنت؟ قال : ابن عمّك. قال : أيّ ابن عميّ أنت؟ فانتسب إلى زياد. فقال له المهديّ : يابن سميّة الزانية ، متى كنت ابن عميّ؟ وأمر به فوجئ عنقه وأُخرج.
    ثمّ التفت المهدي إلى مَن حضر ، فقال : مَن عنده علم من آل زياد؟ فلمْ يكن عند أحد منهم شيء ، فلحق منهم رجل يُدعى : عيسى بن موسى أو موسى بن عيسى بأبي علي سليمان ، فسأله أنْ يكتب له كلّ ما يُحدّث به في زياد وآل زياد حتّى يذهب به إلى المهدي ، فكتبه وبعث به إليه.
    وكان هارون الرشيد إذ ذاك والي البصرة من قبل المهدي ، فأمر المهدي بالكتاب إلى هارون الرشيد يأمره أنْ يُخرج آل زياد من ديوان قريش والعرب. فكان فيما كتب أنّه قال :
    وقد كان من رأي معاوية بن أبي سفيان في استلحاقه زياد بن عبيد ـ عبد آل علاج من ثقيف ـ وادّعائه ما أباه ـ بعد معاوية ـ عامّة المسلمين وكثير منهم في زمانه ، لعلمهم بزياد وأبي زياد واُمّه من أهل الرضا والفضل والورع والعلم.

    وبين ابن عمّه يزيد بن معاوية ، فلعمري ، إنّ يزيد لا يرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين (عليه السّلام).
    فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم ، وقال : اسكت ، أسكت الله نأمتك (1) أبرمتنا بكثرة كلامك.
    فقال له زهير : يابن البوّال على عقبيه ، ما إيّاك أخاطب ، إنّما أنت بهيمة ، والله ، ما أظنّك تحكم من كتاب الله آيتين ، فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم.
    _________________
    ولمْ يدع معاوية ـ إلى ذلك ـ ورع ولا هدى ، ولا اتّباع سنّة هادية ولا قدرة من أئمة الحقّ ماضية ، إلاّ الرغبة في هلاك دينه وآخرته ، والتصميم على مخالفة الكتاب والسّنة ، والعجب بزياد في جََلده ونفاذه ، وما رجا من معونته وموازرته إيّاه على الباطل ما كان يركن إليه في سيرته وآثاره وعمّاله الخبيثة. وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) : «الولد للفراش وللعاهر الحجّر» وقال : «مَن ادّعي إلى غير أبيه أو أنتمى إلى غير مواليه ، فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس الجمعين! لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً». [الصرف : التوبة. والعدل : الفدية].
    ولعمري ، ما وُلد زياد في حجر أبي سفيان ولا على فراشه ، ولا كان عُبيد عبداً لأبي سفيان ولا سميّة أمَة له ، ولا كانا في ملكه ولا صارا إليه لسبب من الأسباب. فخالف معاوية بقضائه في زياد واستلحاقه إيّاه وما صنع فيه وأقدم عليه أمر الله جلّ وعزّ ، وقضاء رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) واتّبع في ذلك هواه ، رغبة عن الحقّ ومجانبة له ، وقد قال الله عزّ وجل : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص / 50]. وقال لداود (عليه السّلام) وقد آتاه الحكم والنّبوة ، والمال والخلافة : (يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالحقّ) [ص / 26].
    وعند ما كلّم معاوية ـ فيما يعلم أهل الحفظ للأحاديث ـ موالي بني المغيرة المخزومين ، وأرادوا استلحاق نصر بن الحجّاج السّلمي وأنْ يدّعوه ، وكان أعدّ لهم معاوية حجراً تحت فراشه فألقاه إليهم ـ على قول رسول الله : «للعاهر الحجّر» ـ فقالوا له : نسوّغ لك ما فعلت في زياد ، ولا تسوغ لنا ما فعلنا في صاحبنا. قال : قضاء رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) خير لكم من قضاء معاوية 8 / 131.
    ومن هنا يُعلم : أنّ زهير بن القين قبل هدايته وإجابته دعوة الإمام (عليه السّلام) وإنْ كان عثمانياً ، لكنّه كان ناقماً على معاوية استلحاقه زياداً وقتله حجر بن عدي ، فكانت نفسه مستعدة للخروج عن عهدة عثمان ولإظهار النّقمة على معاوية ويزيد ابنه وعمّالهم ، ولإجابة دعوة الإمام إيّاه للخروج عليهم.
    (1) النّأمة : الصوت ، ولعلّها لغة في : النّغمة.

    فقال له شمر : إنّ الله قاتلك وصاحبك عن ساعة.
    قال : أفبالموت تخوّفني؟ فوالله ، للموت معه أحبّ إليّ من الخلد معكم.
    ثمّ أقبل على النّاس رافعا صوته فقال :
    عباد الله ، لا يغرنّكم من دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه ، فوالله ، لا تنال شفاعة محمّد (صلّى الله عليه [وآله]) قوماً هرقوا دماء ذرّيّته وأهل بيته ، وقتلوا مَن نصرهم وذبّ عن حريمهم.
    فناداه رجل ، فقال له : إنّ أبا عبد الله يقول لك أقبل ، فلعمري ، لئن كان مؤمن آل فرعون (1) نصح لقومه وأبلغ في الدعاء ، لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت ، لو نفع النّصح والإبلاغ (2).
    [توبة الحرّ الرياحي]
    [و] لمّا زحف عمر بن سعد ، قال له الحرّ بن يزيد : أصلحك الله! مقاتل أنت هذا الرجل؟ قال : إي والله ، قتالاً أيسره أنْ تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي.
    قال : أفما لكم في واحدة من الخصال التي عُرضت عليكم رضاً؟
    قال عمر بن سعد : أمَا والله ، لو كان الأمر إليّ لفعلت ، ولكن أميرك قد أبى ذلك.
    فأقبل [الحرّ] حتّى وقف من النّاس موقفاً ، ومعه رجل من قومه ، يُقال له : قرّة بن قيس (3). فقال : يا قرة ، هل سَقيت فرسك اليوم؟ قال لا. قال إنّما
    _________________
    (1) شبّهه الإمام (عليه السّلام) بمؤمن آل فرعون ؛ لأنّه كان عثمانياً قبلُ ، فكأنّه من قوم بني اُميّة.
    (2) فحدّثني علي بن حنظلة بن أسعد الشبامي ، عن رجل من قومه شهد مقتل الحسين حين قُتل ، يُقال له : كثير بن عبد الله الشعبي. قال : لمّا زحفنا قبل الحسين (ع) خرج إلينا زهير بن القين 5 / 426. وروى الخطبة اليعقوبي 2 / 230 ، ط النّجف.
    (3) مضت ترجمته في أوّل نزول الإمام (عليه السّلام) بكربلاء ، وقد دعاه حبيب إلى نصرة الإمام

    تريد أنْ تسقيه؟
    قال قرّة : فظننت ، والله ، أنّه يُريد أنْ يتنحّى فلا يشهد القتال ، وكره أنْ أراه حين يصنع ذلك فيخاف أنْ أرفعه عليه ، فقلت له : لمْ أقسه وأنا منطلق فساقيه. فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه ، فوالله ، لو أنّه أطلعني على الذي يُريد ، لخرجت معه إلى الحسين (عليه السّلام).
    [وأمّا الحرّ ، فإنّه] أخذ يدنو من حسين (عليه السّلام) قليلاً قليلاً ، فقال له رجل من قومه ـ يُقال له المهاجر بن أوس (1) ـ : ما تُريد يابن يزيد؟ أتُريد أنْ تحمل؟ فسكت وأخذه مثل العُرواء (2). فقال له : يابن يزيد والله ، إنّ أمرك لمريب ، والله ، ما رأيت منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن ، ولو قِيل لي : مَن أشجع أهل الكوفة رجلاً ، ما عدوتك فما هذا الذي أرى منك؟
    قال : إنّي والله ، أُخيّر نفسي بين الجنّة والنّار ، ووالله ، لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قُطّعت وحُرّقت.
    ثمّ ضرب فرسه فلحق بحسين (عليه السّلام) ، فقال له :
    جعلني الله فداك يابن رسول الله ، أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق ، وجعجعت بك في هذا المكان ، والله ، الذي لا إله إلاّ هو ما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم أبداً ، ولا يبلغون منك هذه المنزلة ، فقلت في نفسي لا أبالي أنْ أُطيع القوم في بعض أمرهم ، ولا يَرون أنّي خرجت من طاعتهم ، وأمّا هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم ، ووالله ، لو ظننت أنّهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك ، وإنّي قد جئتك تائباً ممّا كان منّي إلى ربّي ومواسياً لك بنفسي حتّى أموت بين يديك ، أفترى
    _________________
    (عليه السّلام) ، فوعده النّظر في ذلك ، ولكنّه لمْ يرجع. والظاهر : أنّه هو ناقل الخبر ومدّعيه.
    (1) هو : قاتل زهير بن القين ، مع الشعبي 5 / 441.
    (2) العُرواء : رعدة الحمّى.

    ذلك لي توبة؟
    قال [الإمام (عليه السّلام)] : «نعم ، يتوب الله عليك ويغفر لك ، ما اسمك؟».
    قال : أنا الحرّ بن يزيد (1).
    قال (ع) : «أنت الحرّ كما سمّتك اُمّك ، أنت الحرّ ـ إنْ شاء الله ـ في الدنيا والآخرة ، انزل».
    قال : أنا لك فارساً خير منّي لك راجلاً ، أقاتلهم على فرسي ساعة وإلى النّزول ما يصير آخر أمري.
    قال الحسين (عليه السّلام) : «فاصنع ما بدا لك».
    فاستقدم أمام أصحابه ثمّ قال :
    [خطبة الحرّ بن يزيد الرياحي]
    أيّها القوم ، ألاَ تقبلون من حسين (ع) خصلة من هذه الخصال التي عُرضت عليكم ، فيعافيكم الله من حربه وقتاله؟
    قالوا : هذا الأمير عمر بن سعد ، فكلّمه.
    فكلّمه بمثل ما كلّمه به قبلُ ، وبمثل ما كلّم به أصحابه.
    قال عمر [بن سعد] : قد حرصتُ ، لو وجدت إلى ذلك سبيلاً فعلتُ.
    فقال : يا أهل الكوفة ، لاُمّكم الهُبل والعُبْر (2) ، إذ دعوتموه حتّى إذا أتاكم أسلمتموه ، وزعمتم أنّكم قاتلوا أنفسكم دونه ، ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه أمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه ، وأحطتم به من كلّ جانب فمنعتموه التوجّه في بلاد الله
    _________________
    (1) فلعلّه كان شاكياً في السّلاح مطرقاً مطأطئاً من الخجل ؛ ولذلك لمْ يُعرف فسأله ، وإلاّ فقد كان يعرفه من قبلُ.
    (2) الهبل والعبر : بمعنى الهلاك والموت.

    العريضة حتّى يأمن ويُأمّن أهل بيته ، وأصبح في أيديكم كالأسير ، لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع ضرّاً ، وحلأ تموه ونساءه وصبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهوديّ والمجوسيّ والنّصراني ، وتمرّغ فيه خنازير السّواد وكلابه ، وهاهم أولاء قد صرعهم العطش ، بئسما خلفتم محمّداً في ذرّيته (ص)! لاسقاكم الله يوم الظّمأ! ، إنْ لمْ تتوبوا وتنزعوا عمّا أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه (1).
    فحملت عليه رجّالة لهم ترميه بالنّبل ، فأقبل حتّى وقف أمام الحسين (عليه السّلام) (2).
    وكان يزيد بن زياد بن المهاصر ممّن خرج مع عمر بن سعد إلى الحسين (ع) ، فلمّا ردّوا الشروط على الحسين (عليه السّلام) مال إليه (3) [، فهو ممّن اهتدى يوم عاشوراء بخطبة الحرّ الرياحي].
    _________________
    (1) وفي الإرشاد / 235 ، والتذكرة / 252.
    (2) عن أبي جناب الكلبي ، عن عديّ بن حرملة ، قال 5 / 427 ، والمفيد في الإرشاد / 235.
    (3) حدّثني ، فضيل بن خديج الكندي : أنّ يزيد بن زياد ، وهو أبو الشعثاء الكندي من بني بهدلة 5 / 445.

    [بدء القتال]
    وزحف عمر بن سعد نحوهم ، ثمّ نادى : يا ذويد ، (1) أدْنِ رايتك. فأدناها ، [فـ] ـوضع سهمه في كبد قوسه ثمّ رمى ، فقال : أشهدوا ، أنّي أوّل مَن رمى (2).
    فلمّا دنا عمر بن سعد ورمى بسهم ، ارتمى النّاس.
    [ثمّ] خرج يسار مولى زياد بن أبي سفيان ، وسالم مولى عبيد الله بن زياد ، فقالا مَن يُبارز؟ ليخرج إلينا بعضكم.
    فوثب حبيب بن مظاهر ، وبُرير بن حُضير ، فقال لهما الحسين (عليه السّلام) : «اجلسا».
    فقام عبد الله بن عمير الكلبي (3) ، فقال : أبا عبد الله ـ رحمك الله ـ ائذن لي
    _________________
    (1) ذكره المفيد في الإرشاد : دُريد / 233 ، 236 ، ط النّجف.
    (2) عن الصقعب بن زهير ، وسليمان بن أبي راشد ، عن حميد بن مسلم 5 / 429. الإرشاد / 236.
    (3) كان قد نزل الكوفة واتّخذ عند بئر الجعد من همدان داراً ، فرأى القوم يعرضون بالنّخيلة ليسرّحوا إلى الحسين (عليه السّلام) فسأل عنهم ، فقِيل له : يُسرّحون إلى الحسين بن فاطمة (عليهما السّلام) بنت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]). فقال : والله ، لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصاً ، وإنّي لأرجو أنْ لا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيّهم أيسر ثواباً ، عند الله من ثوابه إيّاي في جهاد المشركين.
    وكانت معه امرأة ، يُقال لها : اُمّ وهب. فدخل إلى امرأته فأخبرها بما سمع وأعلمها بما يُريد.
    فقالت : أصبت ، أصاب الله بك ، أرشد أمورك ، افعل وأخرجني معك.
    فخرج بها ليلاً حتّى أتى حسيناً (عليه السّلام) فأقام معه 5 / 429.

    فلا أخرج إليهما. فرأ [ه] حسين (عليه السّلام) رجلاً طويلاً شديد السّاعدين ، بعيد مابين المنكبين ، فقال حسين (عليه السّلام) : «إنّي لأحسبه للأقران قتّالاً ، أخرج إنْ شئت». فخرج إليهما.
    فقالا له مَن أنت؟ فانتسب لهما. فقالا : لا نعرفك ، ليخرج إلينا زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر ، أو بُرير بن خضير.
    و [كان] يسار [مولى زياد] مستنتلاً [مستعداً] أمام سالم [مولى عبيد الله بن زياد] ، فقال الكلبي [ليسار] : يابن الزانية! وبك رغبة عن مبارزة أحد من النّاس؟ وما يخرج إليك أحد من النّاس إلاّ وهو خير منك.
    ثمّ شدّ عليه فضربه بسيفه حتّى برد.
    [فبينما هو] مشتغل به يضربه بسيفه ، إذ شدّ عليه سالم [مولى عبيد الله] ، فصاح به [أصحاب الحسين (عليه السّلام)] قد رهقك العبد. فلمْ يأبه له حتّى غشيه فبدره الضربة ، فاتّقاه الكلبي بيده اليسرى فأطار أصابع كفّه اليسرى ، ثمّ مال عليه الكلبي فضربه حتّى قتله.
    وأقبل الكلبي وقد قتلهما جميعاً ، مرتجزاً يقول :
    إن تنكروني فأنا ابن كلب
    حسبي بيتي في عليم حسبي

    انيّ امرؤ ذو مرة وعصب (1)
    ولست بالخوّار عند النّكب

    اني زعيم لك امّ وهب
    بالطعن فيهم مقدماً والضرب

    ضرب غلام مؤمن بالربّ
    فأخذت امرأته اُمّ وهب عموداً ، ثمّ أقبلت نحو زوجها ، تقول له : فداك أبي وأمّي أقاتل دون الطيّبين ذرّيّة محمّد (ص).
    فأقبل إليها يردّها نحو النّساء ، فأخذت تجاذبه ثوبه ، ثمّ قالت :
    إنّي لن أدعك دون أنْ أموت معك.
    _________________
    (1) مرّة وعصب ، أي : القوّة.

    فناداها حسين (عليه السّلام) ، فقال : «جُزيتم من أهل بيت خيراً ، ارجعي رحمك الله إلى النّساء فاجلسي معهن ؛ فإنّه ليس على النّساء قتال».
    فانصرفت إليهنّ.
    [الحملة الأولى]
    وحمل عمرو بن الحجّاج ـ وهو على ميمنة النّاس ـ في ميمنة [الحسين (عليه السّلام)] ، فلمّا أنْ دنا من حسين (عليه السّلام) جثوا له على الرّكب ، وأشرعوا الرّماح نحوهم فلمْ تقدم خيلهم على الرماح [و] ذهبت لترجع ، فرشقوهم بالنّبل ، فصرعوا منهم رجالاً وجرحوا منهم آخرين (1).
    [كرامة وهداية]
    [و] جاء رجل من بني تميم ، يُقال له : عبد الله بن حوزة حتّى وقف أمام الحسين (عليه السّلام) ، فقال :
    يا حسين! يا حسين!
    فقال حسين (عليه السّلام) : «ما تشاء؟».
    قال : أبشر بالنّار.
    قال (ع) : «كلاّ ، إنّي أقدم على ربّ رحيم ، وشفيع مطاع ، مَن هذا؟».
    قال له أصحابه : هذا ابن حوزة.
    قال (ع) : «ربّ حزه إلى النّار!».
    فاضطرب به فرسه في جدول فوقع فيه ، وتعلّقت رجله بالركاب ووقع رأسه في الأرض ، ونفر الفرس فأخذ يمرّ به فيضرب برأسه كلّ حجر وكلّ
    _________________
    (1) حدّثني أبو جناب ، قال 5 / 429 ، والمفيد في الإرشاد / 236 ، ط النّجف.

    شجرة حتّى مات (1).
    قال مسروق بن وائل : كنت في أوائل الخيل ممّن سار إلى الحسين (عليه السّلام) ، فقلت أكون في أوائلها لعلّي أصيب رأس الحسين (ع) ، فأصيب به منزلة عند عبيد الله بن زياد ، فلمّا انتهينا إلى حسين (عليه السّلام) تقدّم رجل من القوم ـ يُقال له : ابن حوزة ـ ، فقال أفيكم حسين (ع)؟
    فسكت حسين (عليه السّلام).
    فقالها ثانيةً ، فسكت.
    حتّى إذا كانت الثالثة ، قال (عليه السّلام) : «قولوا : له نعم ، هذا حسين فما حاجتك؟»
    قال : يا حسين ، أبشر بالنّار!
    قال : (ع) «كذبت ، بل أقدم على ربّ غفور وشفيع مطاع ، فمَن أنت؟».
    قال : ابن حوزة.
    فرفع الحسين (عليه السّلام) يديه حتّى رأينا بياض إبطيه من فوق الثياب ، ثمّ قال : «اللهمّ ، حزه إلى النّار!».
    فغضب ابن حوزة ، فذهب ليُقحم إليه الفرس وبينه وبينه نهر ، فعلّقت قدمُه بالركاب وجالت به الفرس فسقط عنها ، فانقطعت قدمه وساقه وفخذه ، وبقى جانبه معلقاً بالركاب.
    [قال] عبد الجبّار بن وائل الحضرميّ : فرجع مسروق وترك الخيل من ورائه ، فسألته [عن ذلك]. فقال : لقد رأيت من أهل هذا البيت شيئاً ، لا أقاتلهم أبداً (2).
    _________________
    (1) فحدّثني أبو جعفر حسين ، قال 5 / 430.
    (2) عن عطاء بن السّائب ، عن عبد الجبار بن وائل الحضرمي ، عن أخيه مسروق بن وائل 5 / 421.

    [مبأهلة بُرير ومقتله]
    وخرج يزيد بن معقل [من عسكر عمر بن سعد] ، فقال :
    يا بُرير بن حُضير (1) ، كيف ترى الله صنع بك؟
    قال [بُرير] : صنع الله والله ، بي خيراً ، وصنع الله بك شرّاً.
    قال [يزيد بن معقل] : كذبت وقبل اليوم ما كنت كذّاباً ، هل تذكر ـ وأنا أُماشيك في بني لوذان ـ وأنت تقول إنّ عثمان بن عفّان كان على نفسه مسرفاً ، وإنّ معاوية بن أبي سفيان ضالّ ، وإنّ إمام الهدى والحقّ علي بن أبي طالب (ع).
    فقال له بُرير : أشهد أنّ هذا رأيي وقولي.
    فقال له يزيد بن معقل : فإنّي أشهد أنّك من الضالّين.
    فقال له بُرير بن حُضير : هل لك ، فلأباهلك (2) ولندع الله أنْ يلعن الكاذب وأنْ يقتل المبطل ، ثمّ أخرج فلأ بارزك.
    فخرجا فرفعا أيديهما إلى الله يدعوانه أنْ يلعن الكاذب ، وأن يقتل المحقّ المبطل.
    ثمّ برز كلّ واحد منهما لصحابه فاختلفا ضربتين ، فضرب يزيد بن معقل بُرير بن حُضير ضربة خفيفةً لمْ تضرّه شيئاً ، وضربه بُرير بن حُضير ضربة قدّت المغفر وبلغت الدّماغ ، فخرّ كأنّما هوى من حالق [مرتفع] وإنّ سيف ابن حُضير لثابت في رأسه ، فكأنّي انظر إليه ينضنضه من رأسه (3).
    وحمل عليه رضيّ بن مُنقذ العبدي [من عسكر عمر بن سعد] فاعتنق
    _________________
    (1) مضت ترجمته من قبل في حوادث عشيّة التاسع من المحرم.
    (2) المبأهلة : الملاعنة ، بأنْ يدعو الله كلّ من الطرفين ، أنْ يلعن المبطل الظالم.
    (3) يُنضنضه : يُحرّكه.

    بُريراً ، فاعتركا ساعةً ، ثمّ إنّ بُريراً قعد على صدره ، فقال رضيّ : أين أهل المصاع والدفاع؟ (1).
    فحمل عليه كعب بن جابر الأزدي بالرمح حتّى وضعه في ظهر [بُرير] ، فلمّا وجد [بُرير] مسّ الرمح برك على [رضيّ بن مُنقذ العبدي] فعضّ بوجهه وقطع طرف أنفه ، فطعنه كعب بن جابر حتّى ألقاه عن [العبدي] ، وقد غيّب السّنان في ظهر [بُرير] ، ثمّ أقبل عليه يضربه بسيفه حتّى قتله [رحمة الله عليه] (2) و (3).
    _________________
    (1) المصاع : الصراع.
    (2) حدّثني يوسف بن يزيد ، عن عفيف بن زهير بن أبي الأخنس ، وكان قد شهد مقتل الحسين (عليه السّلام) 5 / 431. وتمام الخبر في : الهامش رقم / 3.
    (3) فلمّا رجع كعب بن جابر الأزدي ، قالت له امرأته أو أخته النّوّار ، بنت جابر : أعنت على ابن فاطمة (عليها السّلام) وقتلت سيّد القرّاء؟! لقد أتيت عظيماً من الأمر ، والله ، لا كلّمك من رأسي كلمة أبداً. وقال كعب بن جابر :
    سلي تخبري عنّي ، وأنت ذميمة
    غداة حسين والرّماح شوارع

    الم آت اقصى ما كرهت ، ولم يخل
    علىّ غداة الرّوع ما أنا صانع

    معي يزنى لم تخنه كعوبه
    وأبيض مخشوب الغرارين قاطع (1)

    فجردته في عصبة ليس دينهم
    بديني ، واني بابن حرب لقانع

    ولم ترعيني مصلهم في زمأنّهم
    ولا قبلهم في النّاس اذ أنا يافع

    اشدّ قراعاً بالسّيوف لدى الوغى
    ألكل من يحمى الذمار مقارع

    وقد صبروا للطعن والضرب حسّراً
    وقد نازلوا ، لو أن ذلك نافع

    فابلغ (عبيد الله) امّا لقيته
    بأنّى مطيع للخليفة سامع

    قتلت بُريراً ثمّ حمّلت نعمة
    أبا مُنقذ لما دعى من يماصع (2)

    _________________
    (1) يزنيّ : رمح منسوب إلى سيف بن ذي يزن اليمنّي. محشوب : مفعول من الخشب ، أي : مغمد بالخشب ، ولا يكون ذلك إلاّ للسيف القاطع الحادّ. الغرارين : الحدّين.
    (2) يُماصع : يُناصح ، ويخلص في النّصرة والإمداد والإغاثة. وأبو مُنقذ : هو الذي صارعه بُرير فدعا النّاس إلى إنقاذه كعب بن جابر الأزدي.

    وخرج عمرو بن قرظة الأنصاري يُقاتل دون حسين (عليه السّلام) ، وهو يقول :
    قد علمت كتيبة الأنصار
    أني سأحمى حوزة الذمار

    ضرب غلام غير نكس شاري
    دون حسين مهجتى وداري (1).

    فقُتل [رحمة الله عليه].
    وكان أخوه علي [بن قرظة] مع عمر بن سعد ، فنادى : يا حسين ، يا كذّاب ابن الكذّاب! أضَلَلت أخي وغَررته حتّى قتلته؟ قال [الحسين (عليه السّلام)] : «إنّ الله لمْ يُضلّ لأخاك ، ولكنّه هدى أخاك وأضلّك». قال : قتلني الله إنْ لمْ أقتلك أو أموت دونك. [و] حمل على [الإمام (عليه السّلام)].
    فاعترضه نافع بن هلال المرادي فطعنه فصرعه ، فحمله أصحابه فاستنقذوه (2).
    [وكان] النّاس يتجاولون ويقتتلون ، و [فيهم] الحرّ بن يزيد [الرياحي] يحمل على القوم ويتمثل قوله :
    ما زلت أرميهم بثُغرة نحره
    ولَبانه حتّى تسربل بالدم (3)

    وإنّ فرسه لمضروب على أذنيه وحاجبه ، ودماؤه تسيل.
    [وكان] يزيد بن سفيان [التميمي يقول] : أمَا والله ، لو إنّي رأيت الحرّ بن
    _________________
    قال أبو مِخْنف فأجابه رضيّ بن مُنقذ العبدي :
    ولو شاء ربّي ما شهدت قتالهم
    ولا جعل النّعمّاء عندي ابن جابر

    لقد كان ذاك اليوم عاراً وسبّة
    يعيره إلأبناء بعد المعاشر

    فياليت أني كنت من قبل قتله
    ويوم حسين ، كنت في رمس قابر

    (1) حدّثنى ، عبد الرحمن بن جندب ، قال 5 / 433.
    (2) عن ثابت بن هبيرة 5 / 434.
    (3) اللبان : الصدر. والشِعر من : عنترة.

    يزيد حين خرج لا تَبعتُه السّنان ، فقال [له] الحصين بن تميم (1) : هذا الحرّ بن يزيد الذي كنت تتمنّى. قال : نعم. فخرج إليه ، فقال له : هل لك يا حرّ بن يزيد في المبارزة؟ قال : نعم ، قد شئت. فبرز له ، فكأنّما كانت نفسه في يده ، ما لبث الحرّ حتّى خرج إليه أنْ قتله (2).
    [وكان] نافع بن هلال [المرادي الجملي] يُقاتل ، وهو يقول : أنا الجملي ، أنا على دين علي (عليه السّلام).
    فخرج إليه رجل ، يُقال له : مزاحم بن حريث. فقال : أنا على دين عثمان. فقال له : أنت على دين شيطان. ثمّ حمل عليه فقتله.
    فصاح عمرو بن الحجّاج [الزبيدي] : يا حمقى ، أتدرون مَن تقاتلون؟! فرسان المصر ، قوماً مستميتين ، لا يبرزنّ لهم منكم أحد ، فإنّهم قليل وقلّما يبقون ، والله ، لو لمْ تَرموهم إلاّ بالحجارة لقتلتموهم.
    فقال عمر بن سعد : صدقت ، الرأي ما رأيت.
    وأرسل إلى النّاس يعزم عليهم ، أنْ لا يُبارز رجل منكم رجلاً منهم (3).
    [الحملة الثانية]
    [ثمّ] دنا عمر بن الحجّاج من أصحاب الحسين (ع) ، [وهو] يقول :
    يا أهل الكوفة! ألزموا طاعتكم وجماعتكم ، ولا ترتأبوا في قتل مَن مرق من الدين وخالف الإمام.
    فقال له الحسين (عليه السّلام) : «يا عمرو بن الحجّاج ، أعليّ تحرّض النّاس؟ أنحن مرقنا وأنتم ثبتّم عليه! أمَا والله ، لتعلمنّ ـ لو قد قُبضت أرواحكم
    _________________
    (1) وكان على شرطة عبيد الله بن زياد ، فبعثه مع عمر بن سعد إلى الحسين (عليه السّلام) ، فولاّه عمر على الشرطة المجفّقة ، وهم اللاّبسون التجفاف ، وهي : آلة للوقاية.
    (2) حدّثنى ، أبو زهير النّضر بن صالح العبسي 5 / 434.
    (3) حدّثني يحيى بن هانئ بن عروة المرادي 5 / 435.

    ومُتّم على أعمالكم ـ أيّنا مرق من الدين؟ ومَن هو أولى بصلّي النّار؟»
    ثمّ إنّ عمرو بن الحجّاج حمل على الحسين (عليه السّلام) في ميمنة عمر بن سعد من نحو الفرات ، فاضطربوا ساعةً.
    فصرع [جماعة من أصحاب الحسين (عليه السّلام) منهم] :
    [مسلم بن عوسجة] (1)
    [قتله من أصحاب عمرو بن الحجّاج] عبد الرحمن البجلي ومسلم بن عبد الله الضَبّابي ، فنادى أصحاب عمرو بن الحجّاج : قتلنا مسلم بن عوسجة الأسدي. ثمّ انصرف عمرو بن الحجّاج وأصحابه وارتفعت الغبرة ، فإذا هم به صريع.
    فمشى إليه الحسين (عليه السّلام) فإذا به رَمق ، فقال : (ع) «رحمك ربّك يا مسلم بن عوسجة : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (2).
    ودنا منه حبيب بن مظاهر ، فقال : عزّ عليّ مصرعك يا مسلم ، أبشر بالجنّة.
    فقال له مسلم قولاً ضعيفاً : بشّرك الله بخير.
    _________________
    (1) جاء في هذا الخبر : فصرع مسلم بن عوسجة الأسدي أوّل أصحاب الحسين (ع) ، بينما ذكر قبله مقتل : بُرير وعمرو بن قرظة بالمبارزة ، ثمّ توقيف المبارزة وبدء الحملات ، فهو أوّل مَن قُتل في الحملة الأولى. كان يُبايع لحسين (عليه السّلام) ومن طريقه دخل معقل على مسلم بن عقيل 5 / 362 ، وعقد له مسلم بن عقيل على ربع مذحج وأسد 5 / 369. وهو الذي قام بعد خطبة الإمام (عليه السّلام) ليلة عاشوراء ، فقال : أنحن نخلّي عنك ولما نعذر إلى الله في أداء حقك؟ أمَا والله ، حتّى أكسر في صدورهم رمحي ، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ، ولا أفارقك ، ولو لمْ يكن معي سلاح اقتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتّى أموت معك 5 / 419.
    وهو الذي استأذن الإمام (عليه السّلام) ليرمي شمراً ، وقال : يابن رسول الله جُعلت فداك ، ألاَ أرميه بسهم ؛ فإنّه من أعظم الجبّارين؟ فقال له الحسين (عليه السّلام) : «لا ترمه ؛ فإنّي أكره أنْ أبدأهم». 5 / 424.
    ولا يُدرى كيف لحق بالحسين (عليه السّلام) من الكوفة ، فلمْ يذكر التاريخ شيئاً عنه.
    (2) سورة الأحزاب / 23.

    فقال له حبيب : لو لا إنّي أعلم أنّي في أثرك لاحق بك من ساعتي هذه ، لأحببت أنْ توصيني بكل ما أهمّك حتّى أحفظك في كلّ ذلك ، بما أنت أهل له في القرابة والدّين.
    قال [مسلم] : بل أنا أوصيك بهذا رحمك الله ـ وأهوى بيده إلى الحسين (ع) ـ أنْ تموت دونه.
    قال [حبيب] : أفعل وربّ الكعبة.
    فما كان بأسرع من أنْ مات في أيديهم [رحمه الله].
    فصاحت جارية له : يابن عوسجتاه! يا سيّداه! (1).
    [الحملة الثالثة]
    وحمل شمر بن ذي الجوشن في الميسرة على أهل الميسرة [من أصحاب الحسين (عليه السّلام)] ، فثبتوا له [و] طاعنوه وأصحابه ، فحمل هانئ بن ثبيت الحضرمي وبكير بن حيّ التيمى [على عبد الله بن عمير] الكلبي ، فقتلاه [رحمه الله] (2).
    _________________
    (1) فتنادى أصحاب عمرو بن الحجّاج : قتلنا مسلم بن عوسجة الأسدي.
    فقال شبث بن ربعى التميمي لبعض من حوله من أصحابه : ثكلتكم اُمّهاتكم! إنّما تقتلون أنفسكم بأيديكم ، وتُذلّلون أنفسكم لغيركم ، تفرحون أنْ يُقتل مثل مسلم بن عوسجة! أمَا والذي أسلمتُ له ، لربّ موقف له قد رأيته ـ في المسلمين ـ كريم! لقد رأيته يوم سلق (*) آذربايجان ، قتل ستة من المشركين قبل تتامِّ خيول المسلمين. أفيُقتل منكم مثله وتفرحون؟ 5 / 436.
    (2) جاء في هذا الخبر : وكان القتيل الثاني من أصحاب الحسين (ع) ، وهو وهم.
    _________________
    * سلق : هي جبال في حدود آذربايجان إلى الموصل ، في شمال العراق وغربي إيران ، كما في القمقام / 494.

    [حملات أصحاب الحسين ومبارزاتهم]
    وقاتل أصحاب الحسين (عليه السّلام) قتالاً شديداً ، وأخذت خيلهم تحمل وإنّما هم : اثنان وثلاثون فارساً (1) ؛ وأخذت لا تحمل على جانب من خيل أهل الكوفة إلاّ كشفته.
    فلمّا رأى عزرة بن قيس [التميمي] ـ وهو على خيل أهل الكوفة ـ أنْ خيله تنكشف من كلّ جانب ، بعث عبد الرحمن بن حصن إلى عمر بن سعد ، [يقول] : أمَا ترى ما تلقى خيلي منذ اليوم من هذه العدّة اليسيرة! ابعث إليهم الرجّال والرّماة.
    فقال لشبت بن ربعي [التميمي] : ألاَ تقدم إليهم؟
    فقال : سبحان الله! أتعمد إلى شيخ مضر ، وأهل المصرعامّة تبعثه في الرّماة! لمْ تجد غيري مَن تندب لهذا ويجزئ عنك؟
    [فـ] ـدعا عمر بن سعد : الحُصين بن تميم ، فبعث معه المجفّفة ، وخمسمئة من المرامية ، فأقبلوا [فما] دنوا من الحسين (ع) وأصحابه رشقوهم بالنّبل ، فلمْ يلبثوا أنْ عقروا خيولهم وصاروا رجّالة كلّهم (2).
    [وعقر فرس الحرّ بن يزيد الرياحي] ، فما لبث أنْ أرعد الفرس واضطرب وكبا ، فوثب عنه الحرّ كأنّه ليث والسّيف في يده ، وهو يقول :
    _________________
    (1) لعلّ هذا ما تبقّى من فرسان أصحابه (عليه السّلام) ، وإلاّ فالمسعودي يقول : إنّه (عليه السّلام) عدل إلى كربلاء وهو في مقدار خمسمئة فارس من أهل بيته وأصحابه ونحو مئة راجل. ثمّ هو يقول : وكان جميع من قُتل مع الحسين (ع) في يوم عاشوراء بكربلاء : سبعة وثمانين 3 / 70 ـ 71. وروى السّيّد ابن طأووس في الملهوف / 88 ، عن الإمام الباقر (عليه السّلام) : «إنّهم كانوا خمسة وأربعين فارساً ، ومئة راجل». وكذلك ذكر سبط ابن الجوزي / 246 ـ 251. والعجيب ، أنّه نُقل عن المسعودي أنّه ذكرهم : ألف رجل ، وليس في مروج الذهب هذا.
    (2) حدّثنى ، الحسين بن عقبة المرادي ، قال الزبيدي 5 / 435 ـ 436.


    إن تعقروا بي فانا ابن الحرّ
    اشجع من ذي لبد هزبر (1).

    وقاتلوهم حتّى انتصف النّهار أشدّ قتال ، و [هم] لا يقدرون على أنْ يأتوهم إلاّ من وجه واحد ، لاجتماع أبنيتهم وتقارب بعضها من بعض.
    فلمّا رأى ذلك عمر بن سعد أرسل رجالاً يقوّضونها عن أيمانهم وعن شمائلهم ليُحيطوا بهم ، فأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسين (عليه السّلام) يتخلّلون البيوت فيشدّون على الرّجل ، وهو يقوّض فيقتلونه ويرمونه ويعقرونه.
    [فـ] ـعند ذلك أمر بها عمر بن سعد ، فقال : أحرقوها بالنّار.
    فقال حسين (عليه السّلام) : «دعوهم ، فليحرّقوها ؛ فإنّهم لو حرّقوها لمْ يستطيعوا أنْ يجوزوا إليكم منها». وكان كذلك. [فـ] ـأخذوا لا يُقاتلونهم إلاّ من وجه واحد.
    [الحملة الرابعة]
    وحمل [فيمَن حمل] شمر بن ذي الجوشن حتّى طعن فسطاط الحسين (عليه السّلام) برمحه ونادى : عليّ بالنّار حتّى أحرّق هذا البيت على أهله.
    فصاح النّساء وخرجنَ من الفسطاط.
    وصاح به الحسين (عليه السّلام) : «يابن ذي الجوشن ، أنت تدعو بالنّار لتحرّق بيتي على أهلي؟ حرّقك الله بالنّار» (2).
    _________________
    (1) هزبر : كلمة فارسيّة أصلها : هژبر ، بمعنى : أسد. ولا يُخفى أنْ الرجز يقول : أنا ابن الحرّ. والنّقل عن الحرّ نفسه ، ولمْ يعقّبه أبو مِخْنَف ولا الكلبي ولا الطبري وغيره بشيء. ولعلّ مَن قال بحضور ابن الحرّ وتوبته ، وقتله مع الحسين (عليه السّلام) ؛ أخذه من هنا. ولعلّ الحرّ : اسم جدّه أو أحد أجداده ، أو قصد معناه. وكذلك ذكر الرجز المفيد ، ولمْ يعقّبه بشيء / 237.
    (2) 5 / 437. قال أبو مِخْنَف ، حدّثنى نمير بن وعلة : أنّ أيّوب بن مشرّخ الخيواني كان يقول.

    قال حميد بن مسلم [الأزدي فـ] ـقلت لشمر : سبحان الله! إنّ هذا لا يصلح لك ، أتريد أنْ تجمع على نفسك خصلتين : تُعذّب بعذاب الله ، وتقتل الولدان والنّساء؟ والله ، إنّ في قتلك الرّجال لما تُرضي به أميرك (1).
    (و) جاءه شبث بن ربعيّ [التميمي] ، فقال : ما رأيت مقالاً أسوأ من قولك ، ولا موقفاً أقبح من موقفك ، أمُرعباً للنساء صرت؟
    وحمل عليه زهير بن القين في عشرة رجال من أصحابه فشدّ على شمر وأصحابه ، فكشفهم عن البيوت حتّى ارتفعوا عنها.
    (ثمّ) تعطّف النّاس عليهم فكثروهم ، فلا يزال الرجل من أصحاب الحسين (عليه السّلام) يُقتل ، فإذا قُتل منهم الرجّل والرجلان تبيّن فيهم ، وأولئك كثير لا يتبيّن فيهم ما يُقتل منهم.
    [الاستعداد لصلاة الظهر]
    فلمّا رأى ذلك أبو ثُمامة عمرو بن عبد الله الصائدي (2) قال للحسين (ع) :
    يا أبا عبد الله ، نفسي لك الفداء ، إنّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك ، ولا والله ، لا تُقتل حتّى أُقتل دونك ـ إنْ شاء الله ـ وأحبّ أنْ ألقى ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة التي دنا وقتها.
    فرفع الحسين (عليه السّلام) رأسه ، ثمّ قال :
    «ذكرت الصلاة ، جعلك الله من المصلّين الذاكرين! نعم ، هذا أوّل وقتها».
    _________________
    (1) فقال : مَن أنت؟ فخشيت أنْ لو عرفني أنْ يضرّنى عند السّلطان. فقلت : لا أخبرك مَن أنا.
    (2) الهمداني كان بالكوفة يقبض ما يُعين به الشيعة مسلم بن عقيل ، ويشتري لهم السّلاح بأمر مسلم 5 / 364. وعقد له مسلم يوم خروجه على ربع تميم وهمدان 5 / 369 ، وهو الذي عرّف رسول عمر بن سعد في كربلاء إلى الإمام (عليه السّلام) ، عزرة بن الأحمسي ، فقال للإمام (ع) : يا أبا عبد الله ، قد جاءك شرّ أهل الأرض وأجرؤه على دم وأفتكه. ومنعه عن الوصول إليه خوفاً منه على الإمام (عليه السّلام) 5 / 410.

    ثم قال (ع) : «سلوهم أنْ يكفّوا عنّا حتّى نُصلّي».
    فقال لهم الحُصين بن تميم : إنّها لا تُقبل.
    فقال له حبيب بن مظاهر : زعمت [أنّ] الصلاة من آل رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) لا تُقبل ، وتُقبل منك يا حمار!
    [مقتل حبيب بن مظاهر] (1)
    فحمل عليهم الحُصين بن تميم [التميمي] وخرج إليه حبيب بن مظاهر [الأسدي] ، فضرب وجه فرسه بالسّيف فشبّ ووقع عنه ، وحمله أصحابه فاستنقذوه.
    وأخذ حبيب ، يقول :
    أنا حبيب وأبي مظاهر
    فارس هيجاءو حرب تسعر

    أنتم أعدّ عدّة وأكثر
    ونحن أوفى منكم وأصبر

    ونحن أعلى حجّة وأظهر
    حقاً وأتقى منكم وأعذر

    _________________
    (1) كان ممّن كتب إلى الإمام (عليه السّلام) من زعمّاء الشيعة من أهل الكوفة 5 / 352. وكان ممّن أجاب مسلم بن عقيل للبيعة للإمام (عليه السّلام) ، قائلاً : أنا والله ، الذي لا إله إلاّ هو على مثل ما هذا عليه ـ مشيراً إلى عابس بن أبي شبيب الشاكري ـ 5 / 355. وقال لقرّة بن قيس الحنظلي التميمي ـ رسول عمر بن سعد إلى الإمام (عليه السّلام) ـ بكربلاء : ويحك يا قرّة بن قيس! أنّى ترجع إلى القوم الظالمين! انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيّدك الله بالكرامة وإيّانا معك 5 / 411. ولمّا نهض ابن سعد إلى الحسين (عليه السّلام) عشيّة التاسع من المحرم ، وزحف نحوهم بعد صلاة العصر ، فاستقبلهم العبّاس بن علي (عليه السّلام) في نحو من عشرين فارساً كان منهم حبيب بن مظاهر. فلمّا ذهب العبّاس إلى الإمام (عليه السّلام) يخبره الخبر ووقف أصحابه يخاطبون القوم ، قال حبيب : أمَا والله ، لبئس القوم عند الله غداً قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذرّيّة نبيّه وعترته وأهل بيته ، وعبّاد أهل هذا المصر المجتهدين بالسّحر والذاكرين الله كثيراً! 5 / 416. وجعله الإمام (عليه السّلام) على ميسرة أصحابه 5 / 436. ولمّا وقف مسلم بن عوسجة فأوصاه مسلم بنصرة الإمام (ع) ، قال : أفعل وربّ الكعبة 5 / 436. وتفاخر بقتله الحُصين بن تميم فعلّق رأسه بلبان فرسه ، وقتل ابنه القاسم بن حبيب ، قاتله بديل بن ُصريم التميمي قصاصاً ، وهما في عسكر مصعب بن الزبير في غزو باجميرا 5 / 440.

    ويقول :
    أقسم لو كنّا لكم أعدادا
    أو شطركم وليّتم أكتادا (1)

    يا شرّ قوم حسباً وآدا (2)
    وقاتل قتالاً شديداً ، فحمل عليه رجل من بني تميم ، يُقال له : بديل بن صُريم فطعنه ، فوقع فذهب ليقوم فضربه الحُصين بن تميم [التميمي] على رأسه بالسّيف ، فوقع ونزل إليه التميمي فاحتزّ رأسه (3) و (4).
    ولمّا قُتل حبيب بن مظاهر هدّ ذلك حسيناً (ع) وقال : «احتسب نفسي وحماة أصحأبي».
    [مقتل الحرّ بن يزيد الرياحي]
    [وبرز الحرّ] فأخذ يرتجز ، ويقول :
    _________________
    (1) أكتادا : جماعات.
    (2) آدا : أصلاً.
    (3) حدّثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم 5 / 438 ـ 439.
    (4) فقال له الحُصين : أبي لشريك في قتله. فقال الآخر : والله ، ما قتله غيري. فقال الحُصين : أعطنيه أعلّقه في عنق فرسي كيْما يرى النّاس ويعلموا أنّي شركت في قتله. ثمّ خُذه أنت بعد فامضِ به إلى عبيد الله بن زياد ، فلا حجّة لي فيما تعطاه على قتلك إيّاه. فأبى عليه فأصلح قومه فيما بينهما على هذا ، فدفع إليه رأس حبيب بن مظاهر ، فجال به في العسكر ـ قد علّقه في عنق فرسه ـ ، ثمّ دفعه بعد ذلك إليه. فلمّا رجعوا إلى الكوفة أخذ الآخر رأس حبيب فعلّقه في لبان فرسه ، فأقبل به إلى ابن زياد في القصر.
    فبصر به القاسم بن حبيب بن مظاهر ، وهو يومئذٍ قد راهق فأقبل مع الفارس لا يُفارقه فارتاب به ، فقال : مالك يا بني ، تتبعني؟ قال : إنّ هذا الرأس الذي معك رأس أبي ، أفتعطينيه حتّى أدفنه؟ قال : يا بني ، لا يرضى الأمير أنْ يُدفن ، وأنا أُريد أنْ يُثيبني الأمير على قتله ثواباً حسناً. فقال له الغلام : لكنّ الله لا يُثيبك على ذلك إلاّ أسوأ الثواب ، أمََا والله ، لقد قتلت خيراً منك ، وبكى.
    ولمّا غزا مصعب بن الزبير باجميرا ، دخل القاسم بن حبيب عسكر مصعب ، فوجد قاتل أبيه في فسطاط فدخل عليه نصف النّهار وهو قائل ، فضربه بالسّيف حتّى برد 5 / 440.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    وقعة الطف لابو مخنف Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة الطف لابو مخنف   وقعة الطف لابو مخنف Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 4:44 pm

    [مقتل الحرّ بن يزيد الرياحي]
    [وبرز الحرّ] فأخذ يرتجز ، ويقول :
    _________________
    (1) أكتادا : جماعات.
    (2) آدا : أصلاً.
    (3) حدّثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم 5 / 438 ـ 439.
    (4) فقال له الحُصين : أبي لشريك في قتله. فقال الآخر : والله ، ما قتله غيري. فقال الحُصين : أعطنيه أعلّقه في عنق فرسي كيْما يرى النّاس ويعلموا أنّي شركت في قتله. ثمّ خُذه أنت بعد فامضِ به إلى عبيد الله بن زياد ، فلا حجّة لي فيما تعطاه على قتلك إيّاه. فأبى عليه فأصلح قومه فيما بينهما على هذا ، فدفع إليه رأس حبيب بن مظاهر ، فجال به في العسكر ـ قد علّقه في عنق فرسه ـ ، ثمّ دفعه بعد ذلك إليه. فلمّا رجعوا إلى الكوفة أخذ الآخر رأس حبيب فعلّقه في لبان فرسه ، فأقبل به إلى ابن زياد في القصر.
    فبصر به القاسم بن حبيب بن مظاهر ، وهو يومئذٍ قد راهق فأقبل مع الفارس لا يُفارقه فارتاب به ، فقال : مالك يا بني ، تتبعني؟ قال : إنّ هذا الرأس الذي معك رأس أبي ، أفتعطينيه حتّى أدفنه؟ قال : يا بني ، لا يرضى الأمير أنْ يُدفن ، وأنا أُريد أنْ يُثيبني الأمير على قتله ثواباً حسناً. فقال له الغلام : لكنّ الله لا يُثيبك على ذلك إلاّ أسوأ الثواب ، أمََا والله ، لقد قتلت خيراً منك ، وبكى.
    ولمّا غزا مصعب بن الزبير باجميرا ، دخل القاسم بن حبيب عسكر مصعب ، فوجد قاتل أبيه في فسطاط فدخل عليه نصف النّهار وهو قائل ، فضربه بالسّيف حتّى برد 5 / 440.


    [اني أنا الحرّ ومأوى الضيّف]
    أضرب في أعراضهم بالسّيف

    عن خير من حلّ منى والخيف
    [أضربهم ولا أرى من حيف]

    ويقول أيضاً :
    آليت لا أقتل حتّى أقتلا
    ولن أصاب اليوم إلا مقبلا

    أضربهم بالسّيف ضرباً مقصلا
    لا نكلا عنهم ولا مهلّلا

    [وخرج معه زهير بن القين فـ] ـقاتلا قتالاً شديداً ، فكان إذا شدّ أحدهما ـ فإنْ استلحم (1) ـ شدّ الآخر حتّى يخلّصه ففعلا ذلك ساعة ، ثمّ شدّت رجّالة على الحرّ بن يزيد فقُتل [رحمة الله عليه].
    [صلاة الظهر]
    ثمّ صلّى بهم الحسين (عليه السّلام) صلاة الخوف (2) فاستقدم [سعيد بن عبد الله الحنفي] أمامه ، فاستهدف لهم يرمونه بالنّبل يميناً وشمالاً ، فما زال يُرمى قائماً بين يديه حتّى سقط [رحمة الله عليه].
    [مقتل زهير بن القين]
    [وخرج زهير بن القين فـ] ـأخذ يضرب على منكب حسين (عليه السّلام) ، ويقول :
    أقدم هديت هادياً مهديا
    فاليوم تلقى جدّك النّبيّا

    وحسناً والمرتضى عليّا
    وذا الجناحين الفتى الكميّا

    وأسد الله الشهيد الحيّا
    _________________
    (1) أي : اشتدّ القتال وتداخل.
    (2) هذا ، ولعلّه صلّى قصراً لا خوفاً. وروى الصلاة المفيد / 238 ، والسّبط / 252 ـ 256.

    وقاتل قتالاً شديداً ، [وهو] يقول :
    أنا زهير وانا ابن القين
    اذودهم بالسّيف عن حسين (1)

    فشدّ عليه كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن أوس ، فقتلاه [رحمة الله عليه].
    [مقتل نافع بن هلال الجملي] (2)
    وكان نافع بن هلال الجمليّ قد كتب اسمه على أفواق نبله ، فجعل يرمي بها مسوّمة ، وهو يقول : أنا الجملي ، أنا على دين علي (ع) ، فقتل اثنى عشر من أصحاب عمر بن سعد ، سوى مَن جُرح.
    [وجُرح و] كُسرت عضداه فأخذه شمر بن ذي الجوشن ، ومعه أصحاب له أسيراً يسوقون [ـه] حتّى أتى به عمر بن سعد ، والدماء تسيل على لحيته.
    فقال له عمر بن سعد : ويحك يا نافع! ما حملك على ما صنعت بنفسك؟
    قال : إنّ ربّي يعلم ما أردت ، والله ، لقد قتلت منكم اثنى عشر سوى مَن جرحتُ ، وما ألوم نفسي على الجهد ، ولو بقيت لي عضد وساعد ما أسرتموني.
    فقال له شمر : أقتله أصلحك الله؟
    قال : إنْ شئت فاقتله. فانتضى شمر سيفه.
    فقال له نافع : أمَا والله ، أنْ لو كنت من المسلمين ، لعظم عليك أنْ تلقى الله
    _________________
    (1) رواها السّبط / 253 ، ط النّجف.
    (2) هو الذي كان قد بعث فرسه مع الطرمّاح بن عَدي إلى الإمام (عليه السّلام) في طريقه إلى الكوفة 5 / 405. ولمّا اشتدّ العطش بالإمام (عليه السّلام) وأصحابه دعا أخاه العبّاس بن علي (عليه السّلام) ، فبعثه في ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً ، واستقدم أمامهم نافع بن هلال ورحّب به عمرو بن الحجّاج ، وقال : اشرب هنيئاً. فقال : لا والله ، لا اشرب منه قطرة وحسين (ع) عطشان 5 / 412. ولمّا خرج علي بن قرظة أخو عمرو بن قرظة الأنصاري ، فحمل على الحسين (عليه السّلام) اعترضه نافع بن هلال المرادي ، فطعنه فصرعه 5 / 434.

    بدمائنا ، فالحمد لله الذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه.
    فقتله [رحمة الله عليه].
    [الأخوان الغفاريّان]
    فلمّا رأى أصحاب الحسين (عليه السّلام) أنّهم لا يقدرون على أنْ يمنعوا حسيناً (ع) ولا أنفسهم ، تنافسوا في أنْ يُقتلوا بين يديه.
    فجاءه عبد الله وعبدالرحمن ابنا عزرة الغفاريّان ، فقالا :
    يا أبا عبد الله ـ عليك السّلام ـ حازنا العدوّ إليك ، فأحببنا أنْ نُقتل بين يديك ، نمنعك وندفع عنك.
    قال (عليه السّلام) : «مرحباً بكما ، أدْنيا منّي».
    فَدَنيا منه. فجعلا يُقاتلان وأحدهما ، يقول :
    قد علمت حقاً بنو غفار
    وخندف بعد بنينزار

    لنضربنّ معشر الفجار
    بكل عضب صارم بتّار

    يا قوم ذودوا عن بني الأحرار
    بالمشرّفي والقنا الخطّار

    [فقاتلا بين يديه قتالاً شديداً حتّى قُتلا رحمهما الله].
    [الفتيان الجابريّان]
    وجاء الفتيان الجابريّان : سيف بن الحارث بن سريع ومالك بن عبد بن سريع ، وهما ابنا عمٍّ وأخوانِ لأمٍّ ، فأتيا حسيناً (ع) فدَنَيا منه ، وهما يبكيان.
    فقال (عليه السّلام) : «أي ، ابني أخي ، ما يُبكيكما؟ فوالله ، أنا لأرجو أنْ تكونا قريري عين عن ساعة».
    قالا : جعلنا الله فداك ، لا والله ، ما على أنفسنا نبكي ولكنّا نبكي عليك ، نراك قد أُحيط بك ولا نقدر على أنْ نمنعك.

    فقال (عليه السّلام) : «فجزاكما الله ـ يا ابني أخي ـ بوجد كما من ذلك ومواساتكما إيّاي بأنفسكما ، أحسن جزاء المتّقين».
    ثمّ استقدم الفتيان الجابريّان يلتفتان إلى حسين (عليه السّلام) ، ويقولان : السّلام عليك يابن رسول الله. فقال (ع) : «وعليكما السّلام ورحمة الله». فقاتلا حتّى قُتلا [رحمهما الله].
    [مقتل حنظلة بن أسعد الشبامي]
    وجاء حنظلة بن أسعد الشبامي ، فقام بين يدي حسين (عليه السّلام) : فأخذ ينادي : (يَا قَوْمِ إِنّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللّهُ يُريد ظُلْماً لِلْعِبَادِ * وَيَاقَوْمِ إِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التّنَادِ * يَوْمَ تُوَلّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (1). يا قوم لا تقتلوا حسيناً (ع) ، فيُسحتكم الله بعذاب : (وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى) (2).
    فقال له حسين (عليه السّلام) : «يابن أسعد ـ رحمك الله! ـ إنّهم قد استوجبوا العذاب حيث ردّوا عليك ما دعوتهم إليه من الحقّ ، ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك ، فكيف بهم الآن وقد قتلوا أخوانك الصالحين؟».
    قال : صدقت ، جُعلت فداك! أنت أفقه منّي وأحقّ بذلك ، أفلا نروح إلى الآخرة ونلحق بإخواننا؟
    فقال (ع) : «رُح إلى خير من الدّنيا وما فيها ، وإلى مُلك لا يُبلى».
    فقال : السّلام عليك أبا عبد الله ، صلّى الله عليك وعلى أهل بيتك ،
    _________________
    (1) سورة غافر / 30 ـ 33.
    (2) سورة طه / 61.

    وعرّف بيننا وبينك في جنّته.
    فقال [عليه السّلام] : «آمين ، آمين».
    فاستقدم [حنظلة الشبامي] فقاتل حتّى قُتل [رحمة الله عليه].
    [مقتل عابس بن أبي شبيب الشاكري وشوذب مولاه] (1)
    وجاء عابس بن أبي شبيب الشاكري ، ومعه شوذب مولى شاكر ، فقال [له] : يا شوذب ، ما في نفسك أنْ تصنع؟
    قال : ما أصنع ، أقاتل معك دون ابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) حتّى أُقتل.
    قال : ذلك الظنّ بك ، أمّا لا (2) ، فتقدّم بين يدي أبي عبد الله (ع) حتّى يحتسبك كما احتسب غيرك من أصحابه وحتّى احتسبك أنا ؛ فإنّه لو كان معي السّاعة أحد ، أنا أولى به منّي بك ، لسرّني أنْ يتقدّم بين يديّ حتّى أحتسبه ، فإنّ هذا يوم ينبغي لنا أنْ نطلب الأجر بكل ما قدرنا عليه ؛ فإنّه لا عمل بعد اليوم وإنّما هو الحساب.
    فتقدم [شوذب] فسلّم على الحسين (عليه السّلام) ، ثمّ مضى فقاتل حتّى قُتل [رحمة الله عليه].
    _________________
    (1) عابس : هو الذي قام في الكوفة بعد ما قرأ عليهم مسلم بن عقيل كتاب الإمام (عليه السّلام) ، فحمد الله واثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّي لا أخبرك عن النّاس ولا أعلم ما في أنفسهم ، وما أغرّك منهم ، والله ، لأحدّثنّك عمّا أنا موطّن نفسي عليه ، والله ، لأجيبنّكم إذا دعوتم ، ولأقاتلنّ معكم عدوّكم ولأضربنّ بسيفي دونكم حتّى ألقى الله ، لا أريد بذلك إلاّ ما عند الله.
    فقال له حبيب بن مظاهر : رحمك الله! قد قضيت ما في نفسك بواجز من قولك 5 / 355. وحيث تحوّل مسلم بن عقيل إلى دار هانئ بن عروة وبايعه ثمانية عشر ألفاً ، قدّم كتاباً إلى الحسين (عليه السّلام) مع عابس بن أبي شبيب الشاكري : أن عجّل الإقبال 5 / 375.
    (2) أي : أمّا إنْ كنت تأبى الانصراف ، وتقول : إنّك لا تنصرف ...

    ثمّ قال عابس بن أبي شبيب : يا أبا عبد الله ، أمَا والله ، ما أمسى على وجه الأرض قريب ولا بعيد أعزّ عليّ ولا أحبّ إليّ منك ، ولو قدرت على أنْ أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعزّ عليّ من نفسي ودمي لعملته ، السّلام عليك يا أبا عبد الله ، أشهد الله أنّي على هديك وهدي أبيك.
    ثمّ مشى بالسّيف مصلتاً نحوهم وبه ضربة على جبينه (1).
    قال ربيع بن تميم [الهمداني] : لمّا رأيته مقبلاً عرفته ، فقلت :
    أيّها النّاس ، هذا أسد الأسود ، هذا ابن أبي شبيب ، لا يخرجنّ إليه أحد منكم.
    فأخذ ينادي : ألاَ رجل لرجل؟
    فقال عمر بن سعد : ارضخوه بالحجارة.
    فرُمي بالحجارة من كلّ جانب.
    فلمّا رأى ذلك ألقى درعه ومغفره ، ثمّ شدّ على النّاس ، فوالله ، لرأيته يكرد (2) أكثر من مئتين من النّاس.
    ثمّ إنّهم تعطّفوا عليه من كلّ جانب ، فقُتل [رحمة الله عليه] (3) و (4).
    [مقتل يزيد بن زياد أبي الشعثاء الكندي]
    وكان يزيد بن زياد بن المهاصر ـ وهو أبو الشعثاء الكندي ـ ممّن خرج مع عمر بن سعد إلى الحسين (عليه السّلام) ، فلمّا ردّوا الشروط على الحسين (ع) مال إليه
    _________________
    (1) حدّثني نمير بن وعلة ، عن رجل من بني عبد من همدان شهد ذلك اليوم 5 / 444.
    (2) يكرد ، أي : يطرد.
    (3) حدّثني محمّد بن قيس ، قال 5 / 440.
    (4) فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدّة ، هذا يقول : أنا قتلته. وهذا يقول : أنا قتلته. فأتوا عمر بن سعد ، فقال : لا تختصموا ، هذا لمْ يقتله سنان واحد. ففرّق بينهم بهذا القول.

    فقاتل [معه]. وكان رجزه يومئذٍ :
    أنا يزيد وأبي مهاصر
    أشجع من ليث بغيل خادر (1)

    يا ربّ اني للحسين ناصر
    ولابن سعد تارك وهاجر (2)

    وكان رامياً ، [فـ] ـجثا على ركبته بين يدي الحسين (عليه السّلام) ، فرمى بمئة سهم ما سقط منها إلاّ خمسة أسهم. فكلّما رمى ، قال : أنا ابن بهدلة ، فرسان العرجلة. ويقول حسين (عليه السّلام) : «اللهمّ ، سدّد رميته ، واجعل ثوابه الجنّة». [ثمّ] قاتل حتّى قُتل [رحمة الله عليه].
    [الرجال الاربعة]
    [الرجال الأربعة الذين جاؤوا مع الطرمّاح بن عدي إلى الحسين (عليه السّلام) ، وهم] : جابر بن الحارث السّلماني ومجمّع بن عبد الله العائذي (3) ، وعمر بن خالد الصيدأوي وسعد مولى عمر بن خالد ، فشدّوا مُقدمين بأسيافهم على النّاس ، فلمّا وغلوا ، عطف عليهم النّاس يحوزونهم وقطعوهم من أصحابهم ،
    _________________
    (1) الغيل : الشجر الكثير الملتف. وخادر ، أي : نائم.
    (2) هذه رواية فضيل بن خديج الكندي ، ولعلّه استنتج تركه وهجره لابن سعد ونصرته للإمام (عليه السّلام) بعد ردّ الشروط عليه من رجزه هذا. وقد سبقت رواية عبد الرحمن بن جندب عن عقبة بن سمعان : أنّ رسول ابن زياد بكتابه إلى الحرّ في كربلاء ، كان المالك بن النّسير البَدّيّ الكندي. فقال له يزيد بن زياد : ثكلتك اُمّك! ماذا جئت فيه؟ قال : وما جئت فيه ، أطعت إمامي ووفيت ببيعتي. فقال له أبو الشعثاء : عصيت ربك وأطعت إمامك في هلاك نفسك ، كسبت العار والنّار ، قال الله عزوجل : (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَدْعُونَ إلى النّار وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يُنصَرُونَ) [القصص / 41]. فهو إمامك 5 / 408. فهذه الرواية : تدلّ على كونه مع الإمام (عليه السّلام) قبل نزوله بكربلاء ، بل قبل لقائه بالحرّ (ره). والطبري وأبو مِخْنَف ، لم يلتفتا لذلك.
    (3) هو الذي قال للحسين (عليه السّلام) : أمّا أشراف النّاس ، فقد أُعظمت رشوتهم ومُلئت غرائزهم ، يُستمال ودّهم ويستخلص به نصيحتهم ، فهم ألب واحدٍ عليك ؛ وأمّا سائر النّاس ـ بعد ـ ، فإنّ أفئدتهم تهوي إليك وسيوفهم غداً مشهورة عليك 5 / 405.

    فحمل عليهم العبّاس بن علي (ع) فاستنقذهم ، [ثمّ] شدّوا بأسيافهم ، فقاتلوا حتّى قُتلوا في مكان واحد (1) [رحمهم الله].
    [سويد الخثعمي وبشير الحضرمي]
    [و] كان آخر من بقي مع الحسين (ع) من أصحابه : سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي (2) وبشير بن عمر الحضرمي [؛ فأمّا بشير ، فقد تقدّم وقاتل حتّى قُتل (رحمه الله) ؛ وأمّا سويد ، فقد تقدّم وقاتل حتّى أُثخن فصُرع] (3) ، فوقع بين القتلى مُثخناً وأُخذ سيفه. [فلمّا] قُتل الحسين (عليه السّلام) سمعهم ، يقولون : قُتل الحسين (ع). وجد إفاقة ، ومعه سكّين فقاتلهم بسكّينه ساعةً [حتّى] قتله زيد بن رقاد الجنبي (4) وعروة بن بطار التغلبي.
    وكان آخر قتيل (5) و (6).
    _________________
    (1) حدّثني فضيل بن خديج الكندي أنّ 5 / 445.
    (2) حدّثني زهير بن عبد الرحمن بن زهير الخثعمي ، قال 5 / 446.
    (3) حدثني عبد الله بن عاصم ، عن الضحّاك بن عبد الله المشرقي ، قال 5 / 444.
    (4) هو : قاتل العابس بن علي (عليه السّلام) 5 / 468 ، وهو الرامي عبد الله بن مسلم بن عقيل بسهم. وكان يقول : لقد رميت فتى منهم بسهم. وإنّه لواضع كفّه على جبهته يتّقي النّبل فأثبت كفّه في جبهته ، فما استطاع أنْ يُزيل كفّه عن جبهته. ثمّ إنّه رمى الغلام بسهم آخر ، فقتله. وكان يقول : جئته ميّتاً ، فلمْ أزل انضنض السّهم من جبهته حتّى نزعته ، وبقي النّصل في جبهته مثبتاً ما قدرتُ على نزعه.
    وبعث المختار إليه : عبد الله بن كامل الشاكري ، فأتى داره وأحاط بها واقتحم الرجال عليه ، فخرج مصلتاً بسيفه ، فقال ابن كامل : ارموه بالنّبل وارجموه بالحجارة ، ففعلوا ذلك به حتّى سقط فدعا بنار فحرّقه بها ، وهو حيّ لمْ تخرج روحه 6 / 64. وهو رجل من جنب 6 / 64. وفي غير الطبري يُذكر : الجهني ، والحنفي.
    (5) حدّثني زهير بن عبد الرحمن الخثعمي ، أنّ 5 / 453.
    (6) قال أبو مِخْنَف : حدّثني عبد الله بن عاصم ، عن الضحّاك بن عبد الله المشرّقي ، قال : لمّا رأيت أصحاب الحسين (عليه السّلام) قد أُصبوا وقد خلص إليه وإلى أهل بيته ، ولمْ يبقَ معه غير سويد بن عمرو

    ..................................................................................
    _________________
    بن أبي المطاع الخثعمي ، وبشر بن عمرو الحضرمي ، فأقبلت إلى فرسي ـ وقد كنت حيث رأيت خيل أصحابنا تُعقر ، أقبلت بها حتّى أدخلتها فسطاطاً لأصحابنا بين البيوت ، وأقبلت أقاتل راجلاً فقتلت يومئذٍ بين يدي الحسين (عليه السّلام) رجلين ، وقطعت يد آخر. وقال لي الحسين (ع) يومئذٍ مِراراً : «لا تشلل ، لا يقطع الله يدك ، جزاك الله خيراً من أهل بيت نبيّك (صلّى الله عليه [وآله]». ـ فقلت له : يابن رسول الله ، قد علمت ما كان بيني وبينك ، قلت لك : أقاتل عنك ما رأيت مقاتلاً ، فإذا لمْ أرَ مقاتلاً فأنا في حلّ من الانصراف؟ فقلت لي : «نعم». فقال (عليه السّلام) : «صدقت ، وكيف بالنّجاء! إنْ قدرت على ذلك ، فأنت في حلّ».
    فلمّا أذن لي استخرجت الفرس من الفسطاط ، ثمّ استويت على متنها ثمّ ضربتها حتّى إذا قامت على السّنابك رميت بها عرض القوم ، فأُخرجوا لي واتبعني منهم خمسة عشر رجلاً حتّى انتهيت إلى شفيّة ـ قرية قريبة من شاطئ الفرات ـ فلمّا لحقوني عطفت عليهم ، فعرفني كثير بن عبد الله الشعبي وأيّوب بن مشرح الخيواني ، وقيس بن عبد الله الصائدي فقالوا : هذا الضحّاك بن عبد الله المشرّقي ، هذا ابن عمّنا ، ننشدكم الله لمّا كففتم عنه. فقال ثلاثة نفر من بني تميم ، كانوا معهم : بلى والله ، لنجيبنّ أخواننا وأهل دعوتنا إلى ما أحبّوا من الكفّ عن صاحبهم. فلمّا تابع التميميّون أصحأبي كفّ الآخرون فنجّاني الله 5 / 445.

    [عليّ بن الحسين الأكبر]
    وكان أوّل قتيل من بني أبي طالب يومئذٍ : علي الأكبر (1) بن الحسين بن علي (عليه السّلام).
    واُمّه : ليلى ، ابنة أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي (2).
    _________________
    (1) ويصف أبو مِخْنَف في روايته ، عن سليمان بن أبي راشيد عن حميد بن زياد ، يصف الإمام السّجاد (عليه السّلام) بقوله : «علي بن الحسين (ع) الأصغر». 5 / 454. ويُسمّي ولداً آخر للإمام (عليه السّلام) ، قُتل في حجره : «عبد الله بن الحسين (عليه السّلام)». بنفس السّند 5 / 448. وقال الطبري في كتابه ذيل المذيّل : وأمّا علي بن الحسين الأكبر (ع) ، فقُتل مع أبيه بنهر كربلاء ، وليس له عقب. وشهد علي بن الحسين الأصغر (ع) مع أبيه كربلاء ، وهو ابن ثلاث وعشرين سنة. وكان مريضاً نائماً على فراش. قال عليّ (ع) : «فلمّا أُدخلت على ابن زياد ، قال : ما اسمك؟ قلت : علي بن حسين (ع). قال : أوَلمْ يقتل الله عليّاً؟ قلت : كان لي أخ أكبر منّي يُقال له : علي ، قتله النّاس. قال : بل الله قتله. قلت : (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا) [سورة الزمر / 42] / 630 ، ط دار المعارف. ورواه أبو الفرج / 80 ـ ط النّجف ـ ، وكذلك وصفّه اليعقوبي : بالأكبر. ووصفه الإمام السّجاد (عليه السّلام) : «بالأصغر». 2 / 233 ، ط النّجف ، وكذلك المسعودي 3 / 71 ، وسبط ابن الجوزي / 225. وذكره المفيد في الإرشاد / 238 بدون لقب : الأكبر.
    (2) في سنة 6 للهجرة ، كان قد نَفَر من قومه ـ من ثقيف ـ في الطائف إلى مكّة ، وحالف قريشاً بأهله وولده ومَن أطاعه. فلمّا أتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بأصحابه في عام الحديبيّة معتمراً وأبلغهم بُديل بن ورقاء الخزاعي ، ما يقول الرسول (ص). قام عروة ، فقال لذوي الرأي من قريش : إنّ هذا الرجل قد عرض عليكم خُطة رشد ، فقبلوها ودعوني آته. فقالوا : ائته. فأتاه فجعل يكلّم النّبيّ (صلّى الله عليه وآله). فقال له النّبيّ نحواً من مقالته لبُديل : «إنّا لمْ نأتِ لقتال أحد ، ولكنّا جئنا معتمرين ، وإنّ قريشاً قد نهكتهم الحرّب وأضرّت بهم ، فإنْ شاؤوا أنْ يدخلوا فيما دخل فيه النّاس فعلوا ، وإلاّ فقد جمّوا ، وإنْ هم أبوا فوالذي نفسي بيده ، لأقاتلنّهم على أمري هذا حتّى تنفرد سالفتي ، أو لينفذنّ الله أمره».

    أخذ يشدّ على النّاس ، وهو يقول :
    أنا عليّ بن حسين بن علي
    نحن وربّ البيت أولى بالنّبيّ

    تا لله لا يحكم فينا ابن الدّعي (1)
    ففعل ذلك مِراراً ، فبصر به مرّة بن مُنقذ بن النعمان العبدي (2) فقال : عليّ
    _________________
    فقال عروة عند ذلك : أي محمّد (ص) ، أرأيت إنْ أستأصلت قومك؟ فهل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك؟ وإنْ تكن الأخرى! فوالله ، إنّي لأرى وجوهاً وأوشاباً ـ أي : أخلاطاً ـ من النّاس خلقاً أنْ يفرّوا ويدعوك. وجعل يرمق أصحاب النّبيّ (صلّى الله عليه وآله) بعينه. ثمّ رجع عروة إلى أصحابه ، فقال : أيّ قوم والله ، لقد وفدت على الملوك ووفدت على : كسرى وقيصر والنّجاشي ، والله ، إنْ رأيت ملكاً قط يعظّمه أصحابه ما يعظّم أصحاب محمّد محمّداً (ص)! والله ، إنْ يتنخّم نخامته إلاَ وقعت في كفّ رجل منهم ، فدلك بها وجهه وجَلده. وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلّموا عنده خفظوا أصواتهم ، وما يحدوّن ، النظر إليه تعظيماً له! وإنّه قد عرض عليكم خُطة رشد فأقبلوها 2 / 627.
    وفي سنة (8 هـ) في حرب حُنين كان في جِرش ، يتعلّم صنعة الدّبابات والمجانيق ولمْ يشهد حرب حُنين 3 / 82.
    وكان قد صاهر أبا سفيان على ابنته آمنة ، فلمّا كان يوم حُنين تقدّم أبو سفيان مع المغيرة بن شعبة إلى الطائف ، فناديا ثقيفاً : أنْ آمنونا حتّى نكلّمكم. فآمنوهما ، فدعوا نساء قريش يخافون عليهم السّبي ، فأبين عليهم 3 / 84.
    وحينما انصرف رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن أهل الطائف أتبع عروة بن مسعود أثره حتّى أدركه قبل أنْ يصل إلى المدينة فأسلم ، وسأله أنْ يرجع إلى قومه بالإسلام. وكان عروة محبوباً في ثقيف مطاعاً ، فخرج يدعو قومه إلى الإسلام ورجا أنْ لا يخالفوه لمنزلته فيهم ، ولكنّهم رموه بالنّبل من كلّ وجه فقُتل. فقيل له : ما ترى في دمك؟ قال : كرامة أكرمني الله بها ، وشهادة ساقها الله إليّ ، فليس فيّ إلاّ ما في الشهداء الذين قُتلوا مع رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) قبل أنْ يرتحل عنكم ، فادفنوني معهم. فدفنوه معهم. فروي ، أنّ رسول الله (ص) قال فيه : «إنّ مثله في قومه كمثل صاحب يس في قومه». 3 / 97 ، كما في سيرة ابن هشام 2 / 325. وقضى رسول الله (ص) دَينه ودَين أخيه الأسود بن مسعود من حلى اللاّت ، وثن ثقيف. 3 / 100.
    (1) وروى أبو الفرج : أنّه جعل يشدّ عليهم ، ثمّ يرجع إلى أبيه ، فيقول : يا أبة العطش! فيقول له الحسين (ع) : «اصبر حبيبى ؛ فإنّك لا تمسي حتّى يسقيك رسول الله (ص) بكأسه». فجعل يكرُّ كرّةً بعد كرّةٍ / 77.
    (2) نسبته إلى بني عبد القيس. كان مع أبيه مُنقذ بن النّعمان في صفّين مع أميرالمؤمنين (عليه السّلام)

    آثام العرب إنْ مرّ بي بفعل مثل ما كان يفعل ، إنْ لمْ أثكله أباه. فمرّ يشدّ على النّاس بسيفه ، فاعترضه مرّة بن مُنقذ ، فطعنه فصرع ، واحتواه النّاس فقطّعوه بأسيافهم (1) و (2).
    [فجاءه] الحسين (عليه السّلام) يقول : «قتل الله قوماً قتلوك يا بنيّ ، ما أجرأهم على الرّحمن ، وعلى انتهاك حرمة الرسول ، على الدّنيا بعدك العفاء».
    وخرجت امرأة مسرعة تنادي : يا أُخيّاه! ويابن أُخيّاه! فجاءت حتّى كبّت عليه. فجاءها الحسين (عليه السّلام) فأخذ بيدها فرّدها إلى الفسطاط ، وأقبل [على] فتيانه ، فقال : «احملوا أخاكم». فحملوه من مصرعه حتّى وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يُقاتلون أمامه (3).
    [القاسم بن الحسن (عليه السّلام)]
    قال حميد بن مسلم : خرج إلينا غلام كأنّ وجهه شقه قمر ، في يده السّيف عليه قميص وإزار ونعلان ، قد انقطع شِسع أحدهما ـ ما أنسى أنّها اليسرى ـ.
    _________________
    وأخذ راية عبد القيس من أبيه فكانت معه 4 / 522. وفي سنة (66 هـ) ، بعث المختار إليه عبد الله بن كامل الشاكري فأحاط بداره ، فخرج وبيده الرمح وهو على فرس جواد ، فضربه ابن كامل بالسّيف فاتّقاه بيده اليسرى فأصابها وأفلت ، ولحق بمصعب بن الزبير وقد شلّت يده 6 / 64.
    (1) حدّثني هير بن عبد الرحمن بن زهير الخثعمي ، قال 5 / 446. وأبو الفرج عن أبي مِخْنَف عن زهير بن عبد الله الخثعمي / 76. وروى بسند آخر : لمّا برز علي بن الحسين إليهم أرخى الحسين (صلوات الله عليه) عينيه فبكى ، ثمّ قال : «اللهمّ ، كن أنت الشهيد عليهم ، فقد برز إليهم غلام أشبه الخلق برسول الله (صلّى الله عليه وآله)».
    (2) وروى أبو الفرج ، أنّه نادى : يا أبتاه! عليك السّلام ، هذا جدّى رسول الله يقرئك السّلام ، ويقول : عجّل القدوم إلينا. ثمّ شهق شهقةً وفارق الدنيا / 77.
    (3) حدّثني سليمان بن أبي راشد ، عن حميد بن مسلم الأزدي ، قال 5 / 446. وأبو الفرج بنفس السّند / 76 ـ 77.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    وقعة الطف لابو مخنف Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة الطف لابو مخنف   وقعة الطف لابو مخنف Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 4:45 pm

    فقال لي عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي (1) : والله ، لأشدنّ عليه. فقلت له : سبحان الله! وما تريد إلى ذلك ، يكفيك هؤلاء الذين تراهم قد احتووه. فقال : والله ، لأشدّن عليه.
    فشدّ عليه فما ولّى حتّى ضرب رأسه بالسّيف ، فوقع الغلام لوجهه ، فقال : يا عمّاه!
    فجلّى الحسين (عليه السّلام) كما يجلّى الصّقر ، ثمّ شدّ شدّة ليث أغضب فضرب عمرواً بالسّيف فاتّقاه بالسّاعد ، فأطنّها من لدن المرفق ، وجالت الخيل فوطئته حتّى مات.
    وانجلت الغبرة ، فإذا بالحسين (عليه السّلام) قائم على رأس الغلام والغلام يفحص برجليه ، وحسين (عليه السّلام) يقول :
    «بُعداً لقوم قتلوك ، ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدّك. عزّ والله ، على عمّك أنْ تدعوه فلا يُجيبك ، أو يُجيبك ثمّ لا ينفعك ، صوت والله ، كثُر واتره وقلّ ناصره».
    ثمّ احتمله ، فكأنّي أنظر إلى رجلي الغلام يخطّان في الأرض ، وقد وضع الحسين (ع) صدره على صدره ، فجاء به حتّى ألقاه مع ابنه علي بن الحسين (ع) ، وحوله قتلى من أهل بيته.
    فسألت عن الغلام. فقِيل : هو القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب (2) (عليه السّلام).
    * * *
    _________________
    (1) وجاء اسمه في 5 / 468 : سعد بن عمرو بن نفيل الأزدي ، وكلاهما برواية أبي مِخْنَف.
    (2) حدّثني سليمان بن أبي راشد ، عن حميد بن مسلم ، قال 5 / 447. والمفيد في الإرشاد / 239.

    [العبّاس بن علي وأخوته]
    [ثمّ] إنّ العبّاس بن علي (عليه السّلام) ، قال لأخوته من اُمّه ، عبد الله وجعفر وعثمان : يا بني أمّي ، تقدّموا حتّى [أرثيكم] ؛ فإنّه لا وِلد لكم.
    ففعلوا [وتقدّموا ، فقاتلوا قتالاً شديداً حتّى] قُتلوا [رحمهم الله] (1) و (2).
    [رضيع الحسين (عليه السّلام)]
    وقعد الحسين (عليه السّلام) [فـ] ـأُتي بصبيّ له ، [هو : الرضيع ، أو أكبر منه]
    _________________
    (1) قال أبو مِخْنَف : وزعموا ... 5 / 448.
    (2) ثمّ لمْ يذكر مقتل العبّاس بن علي (عليه السّلام) ، فننقله عن الإرشاد ، للشيخ المفيد (قده). قال :
    واشتدّ العطش بالحسين (عليه السّلام) فركب المسنّاة يُريد الفرات ، وبين يديه العبّاس أخوه ، فاعترضه خيل ابن سعد (لعنه الله!) وفيهم رجل من بني دارم ، فقال لهم : ويلكم! حولوا بينه وبين الفرات ، ولا تمكّنوه من الماء.
    فقال الحسين (عليه السّلام) : «اللهمّ ، أظمئه!». فغضب الدارمي ورماه بسهم فأثبته في حنكه ، فانتزع الحسين (عليه السّلام) السّهم وبسط يده تحت حنكه ، فامتلأت راحتاه من الدم فرمى به ، ثمّ قال (ع) : «اللهمّ ، إنّي أشكو إليك ما يُفعل بابن بنت نبيّك».
    ثمّ رجع إلى مكانه ، وقد اشتدّ به العطش.
    وأحاط القوم بالعبّاس فاقتطعوه عنه ، فجعل يُقاتلهم وحده حتّى قُتل (رحمة الله عليه). وكان المتولّي لقتله زيد بن ورقاء الحنفي (*) وحكيم بن الطفّيل السّنبسي ، بعد أنْ أُثخن بالجراح فلمْ يستطع حِراكاً. الإرشاد / 240 ، ط النّجف الأشرف.
    _________________
    (*) وذكره الطبري : زيد بن رقاد الجني 5 / 468. وفي 6 / 64 : أنّه رجل من جنب ، وهو قاتل عبد الله بن مسلم بن عقيل وسويد بن عمرو الخثعمي ، من أصحاب الحسين (عليه السّلام). وقد مضت ترجمته في مقتل سويد.

    عبدالله بن الحسين (ع) (1) ، فأجلسه في حجره (2) ـ فهو في حجره ـ إذ رماه أحد بني أسد [حرملة بن كأهل أو هانئ بن ثبيت الحضرمي] بسهم فذبحه ، فتلقيّ الحسين (عليه السّلام) دمه ، فلمّا ملأ كفّه صبّه في الأرض ، ثمّ قال :
    «ربّ ، إنْ تَكُ حبست عنّا النّصر من السّماء ، فاجعل ذلك لما هو خير ، وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين». (3) و (4).
    [ابنا عبد الله بن جعفر]
    فاعتورهم النّاس من كلّ جانب :
    فحمل عبد الله بن قطبة النّبهاني الطائي على : عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، فقتله (5).
    _________________
    (1) واُمّه : الرباب ابنة امرئ القيس الكلبي 5 / 468. وذكره المفيد في الإرشاد / 240 وقال : وهو طفل.
    (2) قال عقبة بن بشير الأسدي : قال لي أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين 5 / 448.
    (3) حدّثني سليمان بن أبي راشد ، عن حميد بن مسلم ، قال 5 / 448.
    (4) وروى الطبري : عن عمّار الدهني ، عن الباقر (عليه السّلام) أنّه قال (ع) : «وجاء سهم فأصاب ابناً له معه في حجره ، فجعل يمسح الدم عنه ، ويقول : اللهمّ ، احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا ، فقتلونا». 5 / 389. وقال اليعقوبي : ثمّ تقدموا رجلاً رجلاً حتّى بقى وحده ، ما معه أحد من أهله ولا ولده ولا أقاربه ، فإنّه لواقف على فرسه إذ أُتي بمولود قد وُلد في تلك السّاعة ، فأذّن في أُذنه وجعل يحنّكه ، إذ أتاه سهم فوقع في حلق الصبيّ فذبحه ، فنزع الحسين (عليه السّلام) السّهم من حلقه وجعل يلطّخه بدمه ، ويقول (ع) : «والله ، لأنت أكرم على الله من النّاقة ، ولمحمّد أكرم على الله من صالح». ثمّ أتى فوضعه مع ولده وبني أخيه 2 / 232 ، ط النّجف. وقال السّبط : فالتفت الحسين (ع) فإذا طفل له يبكى عطشاً ، فأخذه على يده ، وقال (ع) : «يا قوم إنْ لمْ ترحموني ، فارحموا هذا الطفّل». فرماه رجل منهم بسهم فذبحه ، فجعل الحسين (ع) يبكي ، ويقول : «اللهمّ ، احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا ، فقتلونا». فنُودي من الهواء : دعه يا حسين ، فإنّ له مرضعاً في الجنّة / 252 ، ط النّجف.
    (5) واُمّه : جُمانة ابنة المسيّب بن نجبة الغزاري 5 / 469 ، من زعماء التوّابين من شيعة الكوفة. وقال أبو الفرج : اُمّه زينب العقيلة بنت علي بن أبي طالب (عليه السّلام) / 60 ، ط النّجف.

    وحمل عامر بن نهشل التّيمي على : محمّد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، فقتله (1).
    [آل عقيل]
    وشدّ عثمان بن خالد بن أسير الجهني وبشرّ بن حوط القابضي المداني ، على عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب (ع) ، فقتلاه (2) واشتركا في سلبه.
    ورمى عبد الله بن عزرة الخثعمي (3) جعفر بن عقيل بن أبي طالب (ع) ، فقتله.
    ثمّ إنّ عمرو بن صبيح الصدّائي (4) رمى عبد الله بن مسلم ابن
    _________________
    (1) واُمّه : الخوصاء ابنة خصفة بن ثقيف التّيمي من بكر بن وائل 5 / 469. وكذا أبو الفرج / 60 ، ط النّجف. وذكرها سبط ابن الجوزي : حوط بنت حفصة التيمي / 255 ، ط النّجف.
    (2) فبعث المختار إليهما عبد الله بن كامل ، وكانا يُريدان أنْ يخرجا إلى الجزيرة ـ أي : الموصل ـ فخرجوا في طلبهما فوجدوهما في الجبّانة ، فأُتى بهما فخُرج بهما إلى بئر الجعد فضُرب أعناقهما بالنّار. ورثيهما أعشى همدان 6 / 59. وفي 5 / 469 : قتله عثمان بن خالد الجهني فقط ، ولمْ يشترك معه بشر بن حوط الهمداني. وذكرهما أبو الفرج بنفس السّند / 61 ، ط النّجف.
    (3) وقال في 5 / 469 : قتله بشر بن حوط الهمداني. وذكر الخثعمي في 6 / 65 : عبد الله بن عروة الخثعمي ، طلبه المختار ففاته ولحق بمصعب. وذكره أبو الفرج : عبد الله بن عروة الخثعمي ، بنفس السّند / 61 ، ط النّجف.
    (4) طلبه المختار ، فأُتى ليلاً بعد ما هدأت العيون ، وهو على سطحه لا يشعر فأُخذ وسيفه تحت رأسه. فقال : قبّحك الله سيفاً! ما أقربك وأبعدك! وكان يقول : لقد طعنت فيهم وجرحت وما قتلت أحداً. فجيء به إلى المختار فحبسه معه في القصر.
    فلمّا أنْ أصبح أذن للنّاس فدخلوا ، وجيء به مقيّداً. فقال : أمَا والله ، يا معشر الكفرة الفجرة أنْ لو بيدي سيفي ، لعلمتم أنّي بنصل السّيف غير رعش ولا رعديد ، ما يسرّني ـ إذ كانت منيّتي قتلاً ـ أنّه قتلنى من الخلق أحد غيركم. لقد علمت أنّكم شرّار خلق الله! غير أنّي وددت أنْ بيدي سيفاً أضرب به فيكم ساعةً. ثمّ رفع يده فلطم عين ابن كامل ، وهو إلى جنبه فضحك ابن كامل ، ثمّ أخذ يده وأمسكها ، ثمّ قال :

    عقيل (1) بسهم فوضع كفّه على جبهته ، فأخذ لا يستطيع أنْ يحرك كفّيه ، ثمّ بسهم آخر ففلق قلبه (2).
    وقتل لبيط بن ياسر الجهني : محمّد بن أبي سعيد ابن عقيل (3).
    [أبناء الحسن بن علي (عليهما السّلام)]
    ورمى عبد الله بن عقبة الغنوى (4) أبا بكر بن الحسن (5) بن علي بسهم
    _________________
    إنّه يزعم أنّه قد جرح في آل محمّد وطعن ، فمرنا بأمرك فيه.
    فقال المختار : عليّ بالرّماح. فأُتي بها ، فقال : اطعنوه حتّى يموت. فطُعن بالرماح حتّى مات 6 / 65.
    وروى في 5 / 469 ، عن أبي مِخْنَف : أنّه قتل عبد الله بن عقيل بن أبي طالب (عليه السّلام).
    وروى في 6 / 64 : أنّ الذي رمى عبد الله بن مسلم بن عقيل ، هو : زيد بن رقاد الجَنَبي. وأنّه كان يقول : لقد رميت فتى منهم بسهم ، وإنّه لواضح كفّه على جبهته يتّقي النّبل فأثبت كفّه في جبهته ، فما استطاع أنْ يزيل كفه عن جبهته ، وأنّه حيث أثبت كفّه في جبهته ، قال : اللهمّ ، إنّهم استقلّونا واستذلّونا ؛ اللهمّ ، فاقتلهم كما قتلونا وأذلّهم كما استذلّونا. ثمّ إنّه رمى الغلام بسهم آخر فقتله. فكان يقول : جئته ميّتاً ، فلمْ أزل انضنض السّهم من جبهته حتّى نزعته ، وبقى النّصل مثبتاً في جبهته ما قدرت على نزعه.
    فبعث المختار خلفه عبد الله بن كامل الشاكري ، فلمّا أتى داره أحاط بها ، واقتحم الرجال عليه ، فخرج مصلتاً سيفه ، فقال ابن كامل : ارموه بالنّبل وارجموه بالحجارة. ففعلوا به ذلك حتّى سقط وبه رمق ، فدعا بنار فأحرقه وهو حيّ لمْ تخرج روحه 6 / 64.
    (1) واُمّه رقيّة بنت علي بن أبي طالب (عليه السّلام) 5 / 469. وأبو الفرج / 62 ، ط النّجف.
    (2) قال أبو مِخْنَف 5 / 469. وأبو الفرج / 62 ط النّجف.
    (3) حدّثني سليمان بن أبي راشد ، عن حميد بن مسلم الأزدي ، قال 5 / 447.
    (4) كان ممّن خرج مع المستورد بن علفة سنة (43 هـ) في إمارة المغيرة بن شعبة بالكوفة. وكان كاتباً فأمره المستورد أنْ يكتب له ، ثمّ يحمل الكتاب إلى سمّاك بن عبيد والي المدائن ، يدعوه إليه ففعل ورجع إليه 5 / 190.
    ولمّا أُصيب أصحاب المستورد ، فرّ الغنوي حتّى دخل الكوفة على شريك بن نملة ، وسأله أن يلقى المغيرة بن شعبة فيأخذ له منه أماناً ، ففعل. فقال المغيرة : قد آمنته 5 / 206. وبعد كربلاء فرّ من المختار فلحق بمصعب بن الزبير ، ثمّ صار مع عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث 5 / 205. وطلبه المختار فوحده قد هرب ، فهدم داره 6 / 65.
    (5) كما في 5 / 468. وطُبع في / 448 : أبو بكر بن الحسين بن علي (عليهما السّلام) ، وهو خطأ.

    فقتله (1).
    وقُتل عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السّلام) ، رماه حرملة بن كأهل (2) بسهم فقتله (3).
    _________________
    (1) قال عقبة بن بشير الأسدي : قال لي أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين (ع) 5 / 448. وأبو الفرج رواه ، عن المدائنى من أبي مِخْنَف ، عن سليمان بن أبي راشد ، وعن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر الباقر (عليه السّلام). مقاتل الطالبيّين / 57 ، ط النّجف.
    (2) كما في 6 / 65. وذكره هنا في 5 / 468 : حرملة بن كاهن وهو خطأ ، ولمْ يذكر طلب المختار له وكيفيّة قتلة.
    قال هشام : حدّثني أبو الهذيل رجل من السّكون ، قال : رأيت هانئ بن ثبيت الحضرمي في مجلس الحضرميّين في زمان خالد بن عبد الله وهو شيخ كبير ، فسمعته يقول :
    كنت ممن شهد قتل الحسين فوالله إني لواقف عاشر عشرة ليس من رجل إلا علي فرس وقد جالت الخيل وتصعصعت ، اذ خرج غلام من آل الحسين من تلك الابنية وهو ممسك بعمود ، عليه ازار وقميص وهو مذعور يتلفّت يميناً وشمالاً ، وكأنّي انظر الي درتّين في اُذنه تذبذبان كلمّا التفت.
    إذ أقبل رجل يركض ، حتّى إذا دنا منه مال عن فرسه ، ثمّ اقتصد الغلام بالسّيف فقطّعه. ورواه أبو الفرج عن المدائني / 79 ، ط النّجف.
    قال أبو مِخْنَف : وواستصغر الحسن بن الحسن وعمر بن الحسن (ع) ، فلمْ يُقتلا 5 / 449.
    وقتل من الموالي سليمان مولى الحسين ، ومنجح مولى الحسين (عليه السّلام) 5 / 469.
    (3) كما في 468. وأبو الفرج / 58 ، ط النّجف : عن المدائني. والمشهور أنّه هو الذي فرّ من المخيم إلى مصرع عمّه ، فقُتل عنده ، كما سيأتي حديثه. ونصّ عليه المفيد في الإرشاد / 241 ، ط النّجف.

    [الحسين (عليه السّلام)]
    ولمّا بقي الحسين (عليه السّلام) في ثلاثة رهط أو أربعة ، دعا بسراويل يمانيّة محقّقة يلمع فيها البصر ، ففرزه ونكثه ؛ لكيلا يسلبه (1) و (2).
    ومكث طويلاً من النّهار كلّما انتهى إليه رجل من النّاس انصرف عنه ، وكره أنْ يتولّى قتله وعظيم إثمه عليه.
    وأتاه مالك بن النّسير [البَدّي الكنديّ (3)] فضربه على رأسه بالسّيف ، فقطع البرنس [الذي] عليه وأصاب رأسه ، فأدما [ه و] امتلأ البرنس دماً ، فقال له الحسين (ع) : «لا أكلت بها ولا شربت ، وحشرك الله مع الظالمين»!
    [ثمّ] ألقى ذلك البرنس [و] دعا بقلنسوة ـ فلبسها واعتمّ [عليه] (4) و (5).
    _________________
    (1) فقال له بعض أصحابه : لو لبست تحته تبّاناً [والكلمة فارسية ، بمعنى : اللباس القصير.] قال (ع) : «ذلك ثوب مذلّة ، ولا ينبغي لي أنْ ألبسه». فلمّا قُتل سلبه إيّاه بحر بن كعب 5 / 451.
    قال أبو مِخْنَف : فحدّثني عمرو بن شعيب عن محمّد بن عبد الرحمن : أنّ يدي بحر بن كعب كانتا في الشتاء تنضحان الماء ، وفي الصيف تيبسان كالعود 5 / 451.
    (2) حدّثني سليمان بن أبي راشد ، عن حميد بن مسلم ، قال 5 / 451. والمفيد في الإرشاد / 241.
    (3) هو رسول ابن زياد بكتابه إلى الحرّ ، في الطريق بإنزال الحسين (عليه السّلام) 5 / 408. ومضت ترجمته في نزول الإمام (عليه السّلام).
    (4) و (5) وكان البرنس من خزّ ، فجاء الكندي حتّى أخذ البرنس. فلمّا قدم به بعد ذلك على أهله أقبل يغسل البرنس من الدّم ، فرأت ذلك امرأته وعلمت به ، فقالت : أسَلَب ابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) تُدخلُ بيتي؟! أخرجه عنّي. وذكر أصحابه أنّه لمْ يزل فقيراً به حتّى مات 5 / 448. والبرنس : قلنسوة طويلة من قطن كان يلبسها عبّاد النّصاري ، فلبسها عبّاد المسلمين في صدر الإسلام ،

    [فـ] ـكان معتمّاً [على القَلنسوة بالخزّ الأسود] ، وعليه قميص (1) [و] جبّة من خزّ. وكان مخضوباً بالوسمة ، وهو يُقاتل قتال الفارس الشجاع ، يتّقي الرّمية ويفترص العورة ، ويشدّ على الخيل (2).
    وأقبل شمر بن ذي الجوشن في نفر ، نحومن عشرة من رجّالة أهل الكوفة قبل منزل الحسين (ع) الذي فيه ثقله وعياله ، فمشى نحوه فحالوا بينه وبين رحله
    _________________
    كما في مجمع البحرين ـ وذكر الخبر المفيد في الإرشاد / 241 باسم : مالك بن اليسر.
    قال هشام : عن أبيه محمّد بن السّائب ، عن القاسم بن الأصبغ بن نباته ، قال : حدثني من شهد الحسين (عليه السّلام) في عسكره : أنّ حسيناً (عليه السّلام) حين غلب على عسكره ركب المسنّاة يُريد الفرات ، وضرب فرسه.
    فقال رجل من بني ابن بن دارم : ويلكم! حولوا بينه وبين الماء.
    فاتبعه النّاس حتّى حالوا بينه وبين الفرات.
    وانتزع الأُباتي سهماً فأثبته في حنك الحسين (عليه السّلام) ، فانتزع الحسين (ع) السّهم وبسط كفيّه فامتلأت دماً ، فقال :
    «اللهمّ ، انّي أشكو إليك ما يُفعل بابن بنت نبيّك ، اللهمّ ، أظمه».
    قال القاسم بن الأصبغ : لقد رأيت [ـه] وعنده عساس فيها اللّبن ، وقلال فيها الماء ؛ والماء يُبرّد له فيه السكّر [فـ] ـيقول : ويلكم ، اسقوني! قتلني الظمأ! فيُعطى الفلّة أو العُسّ فيشرّبه ، فإذا نزعه من فيه ، اضطجع الهنيهة ثمّ يقول : ويلكم ، اسقوني! قتلني الظمأ! فوالله ، ما لبث إلاّ يسيراً ، حتّى انقدّ بطنه انقداد بطن البعير. ورواه أبو الفرج عن أبي مِخْنَف / 78 ، ط النّجف.
    قال هشام : حدّثني عمرو بن شمر ، عن جابر الجُعفي ، قال : عطش الحسين (عليه السّلام) حتّى اشتدّ عليه العطش ، فدنا ليشرب من الماء فرماه حصين بن تميم بسهم فوقع في فمه ، فجعل يتلقّى الدّم من فمه ويرمي به إلى السّماء ، فقال : «اللهمّ ، أحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تذر على الأرض منهم أحداً». 5 / 449 ـ 450.
    حدّثني سليمان بن أبي راشد ، عن حميد بن مسلم ، قال 5 / 447 ـ 448.
    (1) حدّثني الصقعب بن زهير ، عن حميد بن مسلم ، قال 5 / 452.
    (2) عن الحجّاج ، عن عبد الله بن عمّار البارقي ، قال 5 / 452.

    فقال الحسين (عليه السّلام) : «ويلكم! إنْ لمْ يكن لكم دين وكنتم لا تخافون يوم المعاد ، فكونوا في أمر دنياكم أحراراً ذوي أحساب ، امنعوا رحلي وأهلي من طغامكم وجهالكم».
    فقال ابن ذي الجوشن : ذلك لك يابن فاطمة. وأقدم عليه بالرجّالة فأخذ الحسين (عليه السّلام) يشدّ عليهم ، فينكشفون عنه (1).
    قال عبد الله بن عمّار البارقي : (2) شدّت عليه رجّالة ممّن عن يمينه وشماله ، فحمل على من عن يمينه حتّى ذعروا ، وعلى من عن شماله حتّى ذعروا ، فوالله ، ما رأيت مكسوراً قط ـ وقد قُتل وُلده وأهل بيته وأصحابه ـ أربط جأشاً ولا أمضى جناناً ولا أجرأ مقدماً منه ، والله ، ما رأيت قبله ولا بعده مثله ، إن كانت الرجّالة لتنكشف من عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب.
    وقد دنا عمر بن سعد من حسين (عليه السّلام) إذ خرجت زينب ابنة فاطمة أخته ، فقالت : يا عمر بن سعد ، أيُقتل أبوعبد الله ، وأنت تنظر إليه؟! [فـ] ـصرف بوجهه عنها (3). [و] كأنّي أنظر إلى دموع عمر ، وهي تسيل على خدّيه ولحيته (4).
    وهو (عليه السّلام) يشدّ على الخيل ، ويقول :
    «أعلى قتلي تحاثّون : أمَا والله ، لا تقتلون بعدي عبداً من عباد الله أسخط
    _________________
    (1) قال أبومِخْنَف في حديثه 5 / 450. ورواه أبو الفرج / 79.
    (2) هوراوي خبر أمر أمير المؤمنين (عليه السّلام) بعمل الجسر على الفرات ، حين مضيّه إلى صفّين سنة (26 هـ) 4 / 565.
    (3) ورواه المفيد في الإرشاد / 242 ، ط النّجف.
    (4) عن الحجّاج عن عبد الله بن عمّار البارقي 5 / 451. ورواه المفيد في الإرشاد ، عن حميد بن مسلم / 241.

    عليكم لقتله منّي! وأيم الله ، إني لأرجوأنْ يُكرمني الله بهوانكم ، ثمّ ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون (1) أمَا والله ، لوقد قتلتموني لقد ألقى الله بأسكم بينكم وسفك دمائكم ، ثمّ لا يرضى لكم حتّى يُضاعف لكم العذاب الأليم» (2).
    ثمّ إنّ شمر بن ذي الجوشن أقبل في الرجّالة نحوالحسين [(عليه السّلام) ، وفيهم] سنان بن أنس النّخعي وخوْليّ بن يزيد الأصبحي (3) ، وصالح بن وهب اليزني والقشعم بن عمروالجُعفي ، وعبد الرحمن الجُعفي (4) ، فجعل شمر بن ذي الجوشن يحرّضهم [فـ] ـأحاطوا [بالحسين (عليه السّلام)] أحاطةً.
    وأقبل إلى الحسين (عليه السّلام) غلام من أهله (5) ، فقال الحسين [(عليه السّلام) لـ] أخته زينب ، ابنة علي (ع) : «احبسيه». فأخذته أخته زينب ابنة علي (ع) لتحبّسه ، فأبى الغلام وجاء يشتدّ إلى الحسين (عليه السّلام).
    _________________
    (1) ولقد أُجيبت دعوة الإمام (عليه السّلام). فأصبح المختار وبعث أبا عمرة إلى عمر بن سعد وأمره أنْ يأتيه به ، فجاءه حتّى دخل عليه. فقال : أجبْ الأمير. فقام عمر فعثر في جبّة له ، فضربه أبوعمرة بسيفه فقتله. وجاء برأسه في أسفل قبائه حتّى وضعه بين يدي المختار.
    وكان حفص بن عمر بن سعد جالسّا عند المختار ، فقال له المختار : أتعرف هذا الرأس؟! فاسترجع ، وقال : نعم ، ولا خير في العيش بعده. فقال المختار : فإنّك لا تعيش بعده. وأمر به فقتل ، وجعل رأسه مع رأس أبيه 6 / 61.
    (2) حدّثني الصقعب بن زهير ، عن حميد بن مسلم ، قال 5 / 452.
    (3) بعث المختار إليه معاذ بن هانئ بن عدي الكندي ، ابن أخى حجر ، ومعه أبا عمرة صاحب حرسه ، فاختبأ خوْليّ في مخرجه ، فأمر معاذ أبا عمرة أنْ يطلبه في الدار فدخلوا فخرجت إليهم امرأته. فقالوا لها : أين زوجك؟ قالت : لا أدري ، وأشارت بيدها إلى المخرج. فدخلوا فوجدوه قد وضع على رأسه قوصرة التمر فأخرجوه ، فأحرقوه 6 / 59.
    (4) كان من الشهود على حجر بن عدي الكندي 5 / 270. وكان يوم عاشوراء على ربع مذحج وأسد لعسكر عمر بن سعد 5 / 422 ، كما سبق.
    (5) ذكره المفيد في الإرشاد / 241 أنّه : عبد الله بن الحسن ، وموارد الإشارة تُشير إلى ذلك. وقد سبق عن أبي مِخْنَف : أنّه رماه حرملة بن كأهل بسهم ، فقتله. وروى هذه الرواية ـ هنا ـ أبو الفرج ، عن أبي مِخْنَف ، عن سليمان بن أبي راشد ، عن حميد بن مسلم ، قال / 77 ، ط النّجف.

    وقد أهوى بحر بن كعب إلى الحسين (عليه السّلام) بالسّيف ، فقال الغلام : يابن الخبيثة! أتقتل عمّي (1)! فضربه بالسّيف فاتّقاه الغلام بيده فأطنّها إلى الجلدة ، فإذا يده معلّقة ، فنادى الغلام : يا ُامّتاه!
    فأخذه الحسين (عليه السّلام) فضمه إلى صدره ، وقال (ع) : «يابن أخي (2) اصبر على ما نزل بك ، واحتسب في ذلك الخير ؛ فإنّ الله يُلحقك بآبائك الصالحين ، برسول الله وعلي بن أبي طالب وحمزة ، والحسن بن علي (3) ، (4) صلّى الله عليهم أجمعين.
    اللهمّ ، أمسك عنهم قطر السّماء وأمنعهم بركات الأرض ، اللهمّ ، فإنْ متّعتهم إلى حين ، ففرّقهم فرقاً وأجعلهم طرائق قدداً ، ولا تُرضي عنهم الولاة أبداً ؛ فإنّهم دعونا لينصرونا ، فعدوا علينا فقتلونا» (5).
    ولقد مكث طويلاً من النّهار ولوشاء النّاس أنْ يقتلوه لفعلوا ، ولكنّهم كان يتّقي بعضهم ببعض ويُحبّ هؤلاء أنْ يكفيهم هؤلاء.
    فنادى شمر في النّاس : ويحكم! ماذا تنظرون بالرجل؟ أقتلوه ، ثكلتكم اُمّهاتكم! فحُمِل عليه من كلّ جانب.
    [مصرع الحسين (عليه السّلام)]
    فضرب زُرعة بن شرّيك التميمي ضربة [على] كفّه اليسرى (6) ، وضرب [ضربة أخرى] على عاتقه ، [فأخذ] ينوء ويكبو [على وجهه الشريف]. وفي تلك الحال حمل عليه سنان بن أنس النّخعي فطعنه بالرمح ، فوقع (عليه السّلام)
    _________________
    (1) و (2) و (3) راجع : هامش رقم / 5 من الصفحة السّابقة.
    (4) قال أبومِخْنَف في حديثه 5 / 450. ورواها أبو الفرج ، عن أبي مِخْنَف ، عن سليمان بن أبي راشد ، عن حميد بن مسلم / 77 ، ط النّجف.
    (5) حدّثنى ، سليمان بن أبي راشد ، عن حميد بن مسلم ، قال 5 / 451. وفي الإرشاد / 241.
    (6) وفي الإرشاد : كتفه اليسرى / 242 ، وفي الخواص : كتفه الأيسر / 253. ونقله المقرّم عن الإتحاف

    فجعل لا يدنوأحد من الحسين (عليه السّلام) ، إلاّ شدّ عليه سنان بن أنس مخافة أنْ يغلب على رأس [الحسين (عليه السّلام) حتّى] نزل إليه ، فذبحه واحتزّ رأسه (1) ودفعه إلى خوْليّ بن يزيد [الأصبحي].
    وسُلب ما كان على الحسين (عليه السّلام) ؛ فأخذ فيس ابن الأشعث (2) : قطيفته (3) ، وسلب إسحاق بن حَيْوة الحضرمي : قميص الحسين (ع) (4). وأخذ سيفه رجل من بني نهشل ، وأخذ نعله الأسود [الأودي] ، وأخذ بحر بن كعب سراويله (5) وتركه مجرداً (6).
    _________________
    بحبّ الأشراف / 16.
    (1) ونقل السّبط : خمسة أقوال في قاتله (عليه السّلام) ، ورجّح أنّه سنان. ثمّ روى أنّه دخل على الحجّاج فقال له : أنت قاتل الحسين (ع)؟ قال : نعم. قال : أبشر ، فإنّك أنت وإيّاه لا تجتمعان في دار أبداً. قالوا : فما سُمع من الحجّاج كلمة خيراً منها. قال : ثمّ عدّوا ما في جسده ، فوجدوه : ثلاثاً وثلاثين طعنة برمح ، وأربعاً وثلاثين ضربة بسيف. ووجدوا في ثيابه : مئة وعشرين رمية بسهم.
    (2) مضت ترجمته في حوادث ليلة العشر.
    (3) حدّثني الصقعب بن زهير ، عن حميد بن مسلم ، قال 5 / 453.
    (4) حدّثني سليمان بن أبي راشد ، عن حميد بن مسلم ، قال 5 / 455.
    (5) حدّثني الصقعب بن زهير ، عن حميد بن مسلم ، قال 5 / 452.
    (6) حدّثني سليمان بن أبي راشد ، عن حميد بن مسلم ، قال 5 / 451. وكذلك صرح به السّبط : سلبوه جميع ما كان عليه حتّى سرواله أخذه بحر بن كعب التميمي / 253. والمفيد في الإرشاد ، وزاد : وكانت يدا بحر بن كعب (لعنه الله!) بعد ذلك تيبسان في الصيف حتّى كأنّهما عودان ، وتترطّبان في الشتاء فتنضحان دماً وقيحاً إلى أنْ أهلكه الله / 241 ـ 242.

    [نهب الخيام]
    ومال النّاس على نساء الحسين (عليه السّلام) وثقله ومتاعه ، [و] الورس (1) والحلل والإبل فانتهبوها ، [و] إنْ كانت المرأة تنازع ثوبها عن ظهرها حتّى تغلب عليه ، فيُذهب به منها (2).
    [و] قال النّاس لسنان بن أنس : قتلت حسين (ع) بن علي وابن فاطمة ابنة رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) ، قتلت أعظم العرب خطراً جاء إلى هؤلاء يُريد أنْ يُزيلهم عن ملكهم ، فأتِ امرءك فاطلب ثوابك منهم! لوأعطوك بيوت أموالهم في قتل الحسين (ع) كان قليلاً.
    وكانت به لوُثة (3) ، فأقبل على فرسه حتّى وقف على باب فسطاط عمر بن سعد ، ثمّ نادى بأعلى صوته :
    أوقر ركأبي فضّة وذهبا
    أنا قتلت الملك المحجّبا

    _________________
    (1) هو : ورد أصفر مثل الزعفران ، طيب الرائحة ، كان يُؤتى به من اليمن. وقد أخذها الإمام (عليه السّلام) من الركب الذين كانوا يحملونها إلى يزيد ، في منزل التنعيم مبتدأ خروجه من مكّة. وكان ممّن أصاب من هذا الورس يوم عاشوراء : زياد بن مالك الضبيعي وعمران بن خالد العنزي ، وعبد الرحمن البجلي وعبد الله بن قيس الخولاني. فدلّ عليهم المختار فطلبهم فجاؤوا بهم إليه ، فقال لهم : يا قتلة الصالحين ، وقتلة سيّد شباب أهل الجنّة ، ألاَ تَرون الله قد أقاد منكم اليوم! لقد جاءكم الورس بيوم نحس. فأخرجهم إلى السّوق فضرب رقابهم 6 / 58.
    (2) حدّثني القعب بن زهير ، عن حميد بن مسلم ، قال 5 / 453. وقال اليعقوبي : وانتهبوا مضاربه وابتزوا حرمه 2 / 232. وروى المفيد الخبر / 242. وقال السّبط : وعرّوا نساءه وبناته من ثيابهن / 254.
    (3) بالضّم : البطْء والاسترخاه ، مجمع البحرين.


    قتلت خير النّاس أمّاً وأبا
    وخيرهم اذ ينسبون نسبا (1)

    فقال عمر بن سعد : أدخلوه عليّ. فلمّا أدخل خذفه بالقضيب ، ثمّ قال :
    يا مجنون ، أشهد أنّك لمجنون ما صححت قط ، أتتكلم بهذا الكلام! أمَا والله ، لوسمعك ابن زياد لضرب عنقك.
    [وحمل] شمر بن ذي الجوشن في رجّالة معه [على ثقل الحسين (عليه السّلام) ، فانتهو] إلى علي بن الحسين الأصغر (ع) ، وهومريض منبسط على فراش له ، [والـ] ـرجّالة معه يقولون : ألاَ نقتل هذا؟
    قال حميد بن مسلم ، فقلت : سبحان الله! أنقتل الصبيان؟ إنّما هذا صبيّ (2).
    حتّى جاء عمر بن سعد ، فقال : ألاَ ، لا يعرضنّ لهذا الغلام المريض أحد ، ولا يدخلنّ بيت هؤلاء النّسوة ، ومن أخذ من متاعهم شيئاً فليردّه عليهم ، فما ردّ أحد شيئاً. وأخذ عمر بن سعد : عقبة بن سمعان ، فقال له : ما أنت؟
    قال : أنا عبد مملوك ، فخلّى سبيله ، فلمْ ينجُ أحد منهم غيره (3).
    _________________
    (1) ورواها أبو الفرج / 80 ط النّجف ، وسبط ابن الجوزي / 254 ط النّجف ، والمسعودي 3 / 70.
    (2) وقال الطبري في كتابه ذيل المذيل : وشهد علي بن الحسين الأصغر (ع) معه أبيه كربلاء ، وهوابن ثلاث وعشرين سنة ، وكان مريضاً نائماً على فراش ، فلمّا قُتل الحسين (عليه السّلام) ، قال شمر بن ذي الجوشن : اقتلوا هذا. فقال له رجل من أصحابه : سبحان الله! أتقتل فتىً حدًثاً مريضاً لمْ يُقاتل؟! وجاء عمر بن سعد ، فقال : لا تعرّضوا لهؤلاء النّسوة ، ولا لهذا المريض / 630 ، ط دار المعارف ، بتحقيق محمّد أبوالفضل إبراهيم. وقريباً منه المفيد / 242 ، والسّبط / 256 ـ 258 ، ط النّجف.
    (3) إلاّ أنّ المرقع بن ثُمامة الأسدي كان قد نثر نبله وجثا على ركبتيه فقاتل ، فجاءه نفر من قومه ، فقالوا له : أنت آمن ، أخرج إلينا. فخرج إليهم. فلمّا قدم بهم عمر بن سعد على ابن زياد وأخبره خبره ، سيّره إلى الزارة 5 / 454 ، والزارة : موضع حار بعمّان الخليج ، كان منفىً ينفون إليها المحكومين عليهم بالنّفي. وقد سبق قبل هذا خبر خروج الضحاك بن عبد الله المشرّقي الهمداني بإذن الإمام (عليه السّلام) حسب شرطه على الإمام. وأما النّجاة من القتل ، فلفظ أبي مِخْنَف : استُصغر علي بن الحسين (ع) ، فلمْ يُقتل 5 / 468. واستُصغر الحسن بن الحسن بن علي ، وعمر بن الحسن بن علي (عليهم السّلام) فتركا ، ولمْ يُقتلا 5 / 469 ؛ وأما عبد الله بن الحسن ، فقد قُتل أيضاً 5 / 468. وقال أبو الفرج : وكان الحسن بن الحسن بن علي (عليهما السّلام) قد أرتث جريحاً ، فحمل / 79 ، ط النّجف.

    [وطئ الخيل]
    ثمّ إنّ عمر بن سعد نادى في أصحابه : مَن ينتدب للحسين (ع) ويوطئه فرسه؟ فانتدب عشرة ، منهم : إسحاق بن حَيْوة الحضرمي وأحبش بن مرثد الحضرمي ، فأتوا فداسوا الحسين (عليه السّلام) بخيولهم حتّى رضّوا ظهره وصدره (1).
    وصلّى عمر بن سعد على [مَن] قُتل من أصحاب [ـه] ودفنهم.
    وسرّح برأس [الإمام (عليه السّلام)] من يومه ذلك مع خوْليّ بن يزيد إلى عبيد الله بن زياد ، فأقبل خوْليّ دار القصر فوجد باب القصر مغلقاً ، فأتى منزله فوضعه تحت إجانة في منزله (2). فلمّا أصبح غدا بالرأس إلى عبيد الله بن زياد.
    _________________
    (1) فبرص إسحاق بن حيوة الحضرمي. وبلغني أنّ أحبش بن مرثد الحضرمي كان واقفاً في قتال بعد ذلك ، فأتاه سهم غرب [لا يُعرف راميه] ففلق قلبه فمات. وروى وطئ الخيل أبو الفرج / 79 ، والمسعودى 3 / 72 ، والمفيد في الإرشاد / 242 ـ ط النّجف ـ ، وسبط ابن الجوزي / 254 ، ثمّ قال : ووجدوا في ظهره آثاراً سوداً فسألوا عنها ، فقِيل : كان ينقل الطعام على ظهره في اللّيل إلى مساكين أهل المدينة ... وإنّما ارتكب بن سعد هذا الشقاء لقول ابن زياد في كتابه إليه : فإنّ قُتل حسين (ع) فأوطئ الخيل صدره وظهره ؛ فإنّه عاقّ شاقّ ، قاطع ظلوم ؛ وليس دهري في هذا أن يضرّ بغد الموت شيئاً ، ولكن عليّ قول لوقد قتلته فعلت به هذا 5 / 415.
    (2) قال هشام : فحدّثني أبي ، عن النّوار بنت مالك بن عقرب من الحضرميّين [، وهي امرأة خوْلّى] ، قالت : أقبل خوْلّى برأس الحسين (عليه السّلام) فوضعه تحت إجانة في الدار ، ثمّ دخل البيت فأوى إلى فراشه. فقلت له : ما الخبر؟ ما عندك؟ قال : جئتك بغنى الدّهر ، هذا رأس الحسين (ع) معكِ في الدار.
    فقلت : ويلك! جاء النّاس بالذهب والفضة وجئت برأس ابن رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) ، لا والله ، لا يجمع رأسي ورأسك بيت أبداً.
    فهممت من فراشي فخرجت إلى الدار ، وجلست أنظر ، فوالله ، مازلت أنظر إلى نور يسطع مثل العمود من السّماء إلى الإجانة ، ورأيت طيراً أبيضَ ترفرف حولها 5 / 455.

    [حمل عيال الإمام (ع) إلى الكوفة]
    وأقام عمر بن سعد يومه ذلك والغداة (1).
    وقطف رؤوس الباقين فسرّح باثنين وسبعين رأساً (2) ، مع شمر بن ذي الجوشن وقيس بن الأشعث ، وعمروبن الحجّاج وعزرة بن قيس ، فأقبلوا حتّى قدموا بها على عبيد الله بن زياد.
    ثمّ أمر حُميد بن بُكير الأحمري (3) فأذّن في النّاس بالرّحيل إلى الكوفة.
    وحُمل معه بنات الحسين (ع) وأخواته ومن كان من الصبيان ، وعلي بن الحسين (ع) مريضاً (4).
    قال قرّة بن قيس التميمي : لا أنسى زينب ابنة فاطمة (ع) حين مرّت بأخيها الحسين (عليه السّلام) صريعاً ، وهي تقول : يا محمّداه! يا محمّداه! صلّى عليك ملائكة السّماء ، هذا الحسين بالعراء ، مرمّل بالدماء مقطّع الأعضاء ، يا محمّداه! وبناتك سبايا ، وذرّيّتك مقتلة تسغى عليها الصبا. فأبكت والله ، كلّ
    _________________
    (1) وكذلك في الإرشاد / 243.
    (2) والإرشاد / 243. وقال السّبط : اثنان وتسعون رأساً / 256. ولعله مصحّف عن : سبعين. ويدلّ عليه أنّه بنفسه ، قال : وكانت زيادة على سبعين رأساً / 259 ، ط النّجف.
    (3) كان من شرطة ابن زياد ممّن يقوم على رأسه ، وقد بعثه ابن زياد مع شريح القاضي ناظراً مراقباً له مشرفاً عليه ، حينما أرسله ليشاهد هانئاً ويُخبر قومه بسلامته ، فكان شريح يقول : أيم الله ، لولا مكانه معى لكنت أبلغت أصحاب هانئ بما أمرني هانئ به 5 / 368.
    (4) 5 / 453 ـ 455. حدثني سليمان بن أبي راشد ، عن حميد بن مسلم قال.

    عدوّ وصديق (1) وصحن النّسوة ولطمن وجوههنّ (2).
    ودفن الحسين (ع) وأصحابه أهل الغاضريّة من بني أسد ، بعد ما قُتلوا بيوم (3) و (4).
    [رأس الامام عند ابن زياد]
    قال حميد بن مسلم : دعاني عمر بن سعد فسرّحني إلى أهله لأبشرّهم بفتح الله عليه وبعافيته.
    فأقبلت حتّى أتيت أهله فأعلمتهم بذلك.
    [ثمّ وجدت] ابن زياد قد جلس ، وقد قدم الوفد [بالرؤوس] عليه.
    فجاءت كندة : بثلاثة عشر رأساً ، وصاحبهم قيس بن الأشعث ، وجاءت هوازن : بعشرين رأساً ، وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن ، وجاءت تميم : بسبعة عشر رأساً ، وجاءت بنوأسد : بستّة أرؤس ، وجاءت مذحج : بسبعة أرؤس ، وجاء سائر الجيش : بسبعة أرؤس فذلك سبعون رأساً.
    فأدخلهم وأذن للنّاس فدخلت فيمَن دخل ، فإذا رأس الحسين (عليه السّلام) موضوع بين يديه ، وإذا هو ينكت بقضيب بين ثنيّتيه.
    فلمّا رآه زيد بن أرقم (5) لا ينجم عن نكته بالقضيب ، قال له : أعْلُ بهذا
    _________________
    (1) ورواه السّبط / 256.
    (2) فحدّثني أبو زهير العبسي ، عن قرّة بن قيس التميمي 5 / 455.
    (3) حدّثني سليمان بن أبي راشد ، عن حميد بن مسلم ، قال 5 / 453 ـ 455.
    (4) والمفيد في الإرشاد / 243 ـ 249 ، والمسعودي في مروج الذهب 3 / 72. والمشهور : أنّه كان بعد ما قُتلوا بثلاثة أيّام ، وذلك مع الإمام السجّاد (عليه السّلام) ، كما تشهد به مناظرة علي بن حمزة مع الرضا (عليه السّلام) ، فراجع مقتل الحسين للمقرّم / 415.
    (5) مضت ترجمته في خطبة الحسين (عليه السّلام) على أهل الكوفة يوم عاشوراء. وروى السّبط عن البخارى عن ابن سيرين ، أنّه قال : لمّا وُضع رأس الحسين (ع) بين يدي ابن زياد ، جُعل في طست وجعل يضرب ثناياه بالقضيب ، وكان عنده أنس بن مالك ، فبكى وقال : أشبههم برسول الله / 257.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    وقعة الطف لابو مخنف Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة الطف لابو مخنف   وقعة الطف لابو مخنف Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 4:47 pm

    القضيب عن هاتين الثنيّتين ، فوالذي لا إله غيره ، لقد رأيت شفتي رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) على هاتين الشفتين يقبّلهما. ثمّ انفضخ الشيخ يبكي.
    فقال له ابن زياد : أبكى الله عينيك! فوالله ، لولا أنّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك ، لضربت عنقك. فنهض [زيد بن أرقم] فخرج (1) ، وهويقول : ملّك عبد عبداً ، فاتخذهم تلداً ، أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم ، قتلتم ابن فاطمة (عليه السّلام) وأمّرتم ابن مرجانة ، فهو يقتل خياركم ويستعبد شراركم ، فرضيتم بالذلّ فبعداً لمَن رضي بالذّل! (2).
    فلمّا فخرج سمعت النّاس يقولون : والله ، لقد قال زيد بن أرقم قولاً لوسمعه ابن زياد ، لقتله.
    [السّبايا في مجلس ابن زياد]
    فلمّا أُدخل أخواته ونساؤه وصبيانه على عبيد الله بن زياد ، لبست زينب
    _________________
    (1) ورواه المفيد في الإرشاد / 243.
    (2) ورواه سبط ابن الجوزي / 257 وزاد ، ثمّ قال : يابن زياد ، لا حدّثنّك حديثاً أغلظ عليك من هذا؟ رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أقعد حسناً (ع) على فخذه اليمنى وحسيناً (ع) على فخذه اليسرى ، ثمّ وضع يده على يافوخيهما ، ثمّ قال (ص) : «اللهمّ ، إنّي استودعك إيّاهما وصالح المؤمنين». فكيف كانت وديعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عندك يابن زياد؟!
    ثمّ قال ، وقال هشام بن محمّد : لمّا وُضع الرأس بين يدي ابن زياد ، قال له كاهنه : قُمْ فضع قدمك على فم عدوّك. فقام فوضع قدمه على فيه ، ثمّ قال لزيد بن أرقم : كيف ترى؟ قال : والله ، لقد رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) واضعاً فاه حيث وضعت قدمك.
    ثمّ قال ، وقال الشّعبي : كان عند ابن زياد قيس بن عباد ، فقال له : ما تقول فيًّ وفي حسين (ع)؟ فقال : يأتي يوم القيامة جدّه وأبوه واُمّه (عليهم السّلام) فيشفعون فيه ، ويأتي جدّك واُمّك فيشفعون فيك! فغضب ابن زياد وأقامه من المجلس.
    وروى السّبط عن طبقات ابن سعد ، أنّه قال ، قالت مرجانة اُمّ ابن زياد لابنها : يا خبث! قتلت ابن رسول الله! والله ، لا ترى الجنّة أبداً / 259. ورواه ابن الأثير في الكامل 4 / 265.

    ابنة فاطمة (عليها السّلام) أرذل ثيابها وتنكّرت وحفّت بها إماؤها ، [و] جلست.
    فقال عبيد الله بن زياد : من هذه الجالسة؟ فلمْ تكلّمه. فقال ذلك ثلاثاً ، كلّ ذلك لا تكلّمه.
    فقال بعض إمائها : هذه زينب ابنة فاطمة (عليها السّلام).
    فقال لها عبيد الله : الحمد الذي فضحكم وقتلكم ، وأكذب أحدوثتكم.
    فقالت : الحمد لله الذي أكرمنا بمحمّد (صلّى الله عليه [وآله]) وطهّرنا تطهيراً ، لا كما تقول أنت ، إنّما يُفتضح الفاسق ويُكذّب الفاجر.
    قال : فكيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟
    قالت : (كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ) [ال عمران / 154] ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّون إليه وتخاصمون عنده (1).
    فغضب ابن زياد واستشاط ، فقال لها :
    قد أشفى الله نفسي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك.
    فبكت ، ثمّ قالت : لعمري لقد قتلت كهلي وأبرت أهلي ، وقطعت فرعي واجتثثت أصلى ، فإنْ يشفيك هذا ، فقد اشتفيت.
    فبكت ثم قالت : لعمري لقد قتلت كهلي ، وأبَرْت اهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي! فان يشفيك هذا فقد اشتفيت!
    فقال عبيد الله : هذه سجّاعة (2) ، [و] لعمري قد كان أبوك شاعراً سجّاعا (3).
    [ثمّ] نظر عبيد الله بن زياد إلى علي بن الحسين (ع) ، فقال له : ما اسمك؟
    _________________
    (1) ورواه المفيد في الإرشاد / 243 ، والسّبط / 258 ـ 259 ، ط النّجف.
    (2) وردت الكلمة في الطبري : شجاعة وشجاعاً ، ورواها المفيد في الإرشاد كما ذكرناه / 244 ، ط النّجف. وهوالنّسب الأوفق بالسّياق.
    (3) حدّثني سليمان بن أبي راشد ، عن حميد بن مسلم ، قال 5 / 456 ـ 457.

    قال (ع) : «أنا علي بن الحسين».
    قال : ولمْ يقتل الله عليّ بن الحسين؟
    فسكت.
    فقال له ابن زياد : مالك لا تتكلّم؟
    قال (ع) : «قد كان لي أخ يُقال له أيضاً : عليّ ، فقتله النّاس».
    قال : إنّ الله قد قتله.
    فسكت علي [بن الحسين (عليه السّلام)].
    فقال له : مالك لا تتكلّم؟
    قال (ع) : (اللّهُ يَتَوَفّى النّفس حِينَ مَوْتِهَا) (1) (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلّا بِإِذْنِ اللّهِ) (2).
    قال : أنت والله ، منهم.
    [ثم قال لمريّ بن معاذ الأحمري] : ويحك أقتله!
    [فـ] ـتعلّقت به عمّته زينب ، فقالت : يابن زياد ، حسبك منّا ، أمَا رُويت من دمائنا؟! وهل أبقيت منّا أحداً. [و] اعتنقته [و] قالت : أسألك بالله ـ إنْ كنت مؤمناً ـ إنْ قتلته ، لمّا قتلتني معه.
    وناداه علي [بن الحسين] (ع) : «إنْ كانت بينك وبينهنّ قرابة ، فابعث معهنّ رجلاً تقيّاً يصحبهن بصحبة السّلام».
    فنظر إليهما ، ثمّ قال : عجباً للرّحم! والله ، ودّت لو أنّي قتلته أنّي قتلتها معه ، دعوا الغلام (3) و (4).
    _________________
    (1) سورة الزمر / 42.
    (2) سورة آل عمران / 145.
    (3) وأمّا سليمان بن أبي راشد فحدثني عن حميد بن سلم ، قال 5 / 457.
    (4) قال الطبري في ذيل المذيّل : قال علي [ابن الحسين الأصغر (ع)] : «فلمّا أُدخلت على ابن زياد ، قال :

    ثمّ إنّ عبيد الله بن زياد نصب رأس الحسين [(عليه السّلام) على رمح] ، فجعل يداريه في الكوفة (1).
    _________________
    ما اسمك؟ قلت : علي بن حسين ز قال : ولمْ يقتل الله عليّاً؟ قلت : كان لي أخ أكبر منّي ، قتله النّاس. قال : بل قتله الله. قلت : (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا) [الزمر / 42]. فأمر بقتلي ، فقالت زينب بنت علي (عليه السّلام) : يابن زياد ، حسبك من دمائنا ، أسألك بالله إنْ قتلته إلاّ قتلتني معه». فتركه.
    ثمّ نقل عن ابن سعد صاحب الطبقات : أنّه رُوى عن مالك بن إسماعيل ، عن سهل بن شعيب النّهمي ، عن أبيه شعيب ، عن المنهال بن عمرو ، أنّه قال : دخلت على عليّ بن الحسين (عليه السّلام) ، فقلت : كيف أصبحت أصلحك الله؟ قال (ع) : «ما كنت أرى شيخاً من أهل المصر مثلك لا يدري كيف أصبحنا! فأمّا إذا لمْ تدرِ ـ وتعلم ـ فسأخبرك : أصبحنا في قومنا بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون : (يُذَبّحُونَ أبناءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ) [البقرة / 49]. وأصبح شيخنا وسيّدنا [علي بن أبي طالب (ع)] يتقرّب إلى عدوّنا بشتمه وسبّه على المنابر ، وأصبحت قريش تعدّ أنّ لها الفضل على العرب ؛ لأنّ محمّداً منها ، لا تعدّ لها فضلاً إلاّ به ، وأصبحت العرب مقرّة لهم لذلك ، وأصبحت العرب تعدّ أنّ لها فضلاً على العجم ؛ لأنّ محمّداً منها ، لا تعدّ لها فضلاً إلاّ به ، وأصبحت العجم مقرّة لهم بذلك ، فلئن كانت العرب صدقت أنّ لها فضلاً على العجم ، وصدقت قريش أنّ لها الفضل على العرب ـ لأنّ محمّداً منها ـ فإنّ لنا أهل البيت الفضل على قريش ؛ لانّ محمّداً منّا ، فأصبحوا يأخذون بحقّنا ولا يعرفون لنا حقّاً ، فهكذا أصبحنا إذا لمْ تعلم كيف أصبحنا».
    قال ابن سعد : وأخبرنا عبد الرحمن بن يونس ، عن سفيان ، عن جعفر بن محمّد (عليه السّلام) قال : «مات علي بن الحسين ، وهو ابن ثمانٍ وخمسين سنة». وهذا يدلّك : على أنّ علي بن الحسين (ع) كان مع أبيه ، وهوابن ثلاث وأربع وعشرين سنة ، وليس قول من قال : أنّه كان صغيراً ولمْ يكن أنبت بشيء ، ولكنّه كان يومئذٍ مريضاً ، فلم يُقاتل. وكيف يكون يومئذٍ لمْ يُنبت وقد وُلد له أبوجعفر محمّد بن علي (عليه السّلام)؟ ذيل المذيل / 630 ـ ط دار المعارف ـ ، عن طبقات ابن سعد 5 / 211 ـ 218 ، والإرشاد / 244 ، وروى السّبط خبر الأصل مختصراً / 258 ، ط النّجف.
    (1) قال أبومِخْنَف 5 / 459.

    [موقف عبد الله بن عفيف]
    [و] نُودي : الصلاة جامعة. فاجتمع النّاس في المسجد الأعظم فصعد ابن زياد المنبر ، فقال :
    الحمد لله الذي أظهر الحقّ وأهله ، ونصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وحزبه ، وقتل الكذّاب ابن الكذّاب : الحسين بن علي (ع) وشيعته.
    فلمْ يفرغ ابن زياد من مقالته حتّى وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي الغامدي ـ وكان من شيعة علي كرّم الله وجهه ، [و] كان لا يكاد يُفارق المسجد الأعظم يصلّي فيه إلى اللّيل (1) ـ فلمّا سمع مقالة ابن زياد ، قال :
    إنّ الكذّاب ابن الكذّاب أنت وأبوك ، والذي ولاّك وأبوه يابن مرجانة (2) ، أتقتلون أبناء النّبيّين وتتكلّمون بكلام الصدّيقين؟!
    فقال ابن زياد : عليّ به.
    فوثبت عليه الجلاوزة (3) فأخذوه.
    _________________
    (1) كانت عينه اليسرى ذهبت يوم الجمل مع علي (عليه السّلام) ، وفي صفّين ضُرب ضربةً على رأسه وأخرى على حاجبه ، فذهبت عينه الأخرى 5 / 458 ، والإرشاد / 244. وروى السّبط خبره مختصراً / 259.
    (2) مرجانة ، معرّب : (مهرگان بالفارسيّة) ، اُمّ ابن زياد سبيّة. قِيل من : خوزستان.
    (3) الجلاوزة جمع : الجلواز ، معرّب : (گلوباز) ، الشرّطي كان يفتح صدره استعداداً للأمر.

    فنادى بشعار الأزد : يا مبرور. فوثب إليه فتية من الأزد فانتزعوه ، فأتوا به أهله (1).
    فارسل إليه [ابن زياد] مَن أتاه به فقتله وأمر بصلبه في السّبخة ، فصُلب هنالك (2).
    _________________
    (1) وكان عبد الرحمن بن مِخْنَف الأزدي جالسّا ، فقال : ويح غيرك! أهلكت نفسك وأهلكت قومك 5 / 459. وهوعمّ والد أبي مِخْنَف ، إذ هو أخو سعيد جدّ : أبي مِخْنَف. وقد شرك بن قبل في صفّين ودفع غارات معاوية كما في 5 / 133.
    وكان في قيام المختار سنة (66 هـ) مع عبد الله بن المطيع العدوي ، عامل ابن الزبير على الكوفة فبعثه في خيل إلى جبّانة الصائديّين 6 / 18. وكان من أصحاب المشورة معه الذين أشاروا عليه بذهابه من الكوفة إلى الحجاز 6 / 31. وكان يكره الخروج على المختار ، ولكنّه خرج فيمَن خرج عليه لمّا ألحّوا عليه 6 / 44 ، فقاتل على الفرات حتّى أرتث ، وحملته الرجال 6 / 51. فلحق بمصعب بن الزبير بالبصرة فيمَن خرج من أشراف الكوفة 6 / 55 ، فبعثه المصعب إلى الكوفة سنة (67 هـ) ؛ ليدعوهم إلى بيعة ابن الزبير ويخرجهم إلى المصعب 6 / 95. وكان مع المصعب في حربه مع المختار 6 / 104. وفي أيّام عبد الملك بن مروان سنة (74) حارب الأزارقة من الخوارج من قبل بشر بن مروان ، والي البصرة 6 / 197. وطاردهم إلى : كازرون ، فقاتلوه فانهزم أصحابه إلاّ أناس منهم ، فقاتل حتّى قُتل سنة (75 هـ) 6 / 212.
    (2) قال حميد بن مسلم 5 / 458.

    [الرؤوس والسّبايا إلى الشام]
    ثمّ دعا [ابن زياد : زحْر بن قيس (1) ، ومعه] أبو بردة بن عوف الأزدي وطارق بن ظبيان الأزدي ، فسرّح معه [ـهم] برأس الحسين (عليه السّلام) ورؤوس أصحابه إلى يزيد بن معاوية (2).
    ثمّ أمر بنساء الحسين (ع) وصبيانه فجُهّزن ، وأمر بعلي بن الحسين (عليه السّلام)
    _________________
    (1) الجُعفي الكندي ، هو ممّن شهد على حجر بن عدي الكندي 5 / 270. وكان مع ابن المطيع على المختار سنة (66 هـ) فبعثه إليه في خيل إلى جبّانة كندة 6 / 18 ، فقاتل حتّى أرتث هو وابنه الفرات 6 / 51. وفي سنة (67 هـ) كان مع المصعب بن الزبير في حرب المختار ، فبعثه في خيل إلى جبّانة مراد 6 / 105 ، فنزل عند الحدّادين حيث تكرى الدواب 6 / 106. وكان سنة (71 هـ) ممّن كتب إليهم عبدالملك من المروانيّة من أهل العراق فأجابوه ، وخذلوا المصعب 6 / 156. وفي سنة (74 هـ). كان على ربع مذحج وأسد في حرب الخوارج 6 / 197. وفي سنة (76 هـ) وجهّه الحجّاج في جريدة خيل نقاوة : ألف وثمانمئة فارس لقتال شبيب الخارجي ، فالتقيا وقاتله شبيب فجرحه وصرعه ، ورجع إلى الحجّاج جريحاً 6 / 242 ، وهذا آخر عهدنا به (لعنه الله!).
    (2) قال هشام : فحدّثني عبد الله بن يزيد بن روح بن زنباغ الجذامي عن أبيه ، عن الغاز بن ربيعة الجرشيّ من حمير ، قال : والله ، أنا لعند بزيد بن معاوية بدمشق ، إذا قبل زجر بن قيس حتّى دخل على يزيد بن معاوية ، فقاله له يزيد : ويلك ما وراءك؟! وما عندك؟
    فقال : أبشر ـ يا أمير المؤمنين ـ بفتح الله ونصره! ورد علينا الحسين بن علي (عليه السّلام) في ثمانية عشر من أهل بيته وستّين من شيعته ، فسرنا إليهم فسألناهم أنْ يستسلموا وينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد أو والقتال ، فاختاروا القتال على الاستسلام ، فعدونا عليهم مع شروق الشمس فأحطنا بهم من كلّ ناحية ، حتّى إذا أخذت السّيوف مأخذها من هام القوم حتّى أتينا على آخرهم ؛ فهاتيك أجسادهم مجردّة وثيابهم مرمّلة ، وخدودهم معفّرة تصهرهم الشمس ، وتسفى عليهم الريح زوّارهم العقبان والرخم ، بِقيّ سَبْسَب 5 / 460. والمفيد في الإرشاد / 254 ، والسّبط في التذكرة / 260.

    فغُلّ بُغلّ إلى عنقه ، ثمّ سرّح بهنّ مع محفّز بن ثعلبة العائذي [القرشي] (1) وشمر بن ذي الجوشن ، فانطلقا بهم حتّى قدموا على يزيد (2).
    [و] لمّا وضُعت الرؤوس ـ رأس الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه ـ بين يدي يزيد ، قال :
    يفلّقن هاماً من رجال اعزّة
    علبنا وهم كانوا أعقّ وأظلما (3) و (4)

    فقال يحيى بن الحكم أخومروان بن الحكم (5) :
    _________________
    (1) كان في حروب القادسيّة وقبلها من سنة (13 هـ). ويُروى عنه أخبارها 3 / 465 ـ 477. والمفيد في الإرشاد / 254.
    (2) قال أبومِخْنَف 5 / 459.
    (3) من القصائد المفضليّات للحصين بن همام المري ، كما في ديوان الحماسة 1 / 193.
    (4) حدّثني الصقعب بن زهير ، عن القاسم بن عبد الرحمن مولى يزيد 5 / 460 ، والمفيد في الإرشاد / 246 ، ط النّجف ، والمسعودي 3 / 70 ، والخواص / 262. وروى السّبط عن الزهري ، أنّه قال : لمّا جاءت الرؤوس كان يزيد في منظره على جيرون ، فأنشد لنفسه :
    لما بدت تلك الحمول واشرّقت
    تلك الشموس على ربي جيرود

    نعب الغراب فقتل نح أولا تنح
    فلقد قضيت من الغريم ديوني!

    وقال : والمشهور عن يزيد في جميع الروايات : أنّه لما حضر الرأس بين يديه جمع أهل الشام ، وجعل يُنكت عليه بالخيزران ، ويقول بأبيات ابن الزبعرى :
    ليت أشياخى ببدر شهدوا
    جزع الخزرج من وقع السّل

    قد قتلنا القرن من ساداتهم
    وعدلناه ببدر فاعتدلّ

    قال ، وزاد الشعبي :
    لعبت هاشم بالملك فلا
    خبر جاء ولا وحي نزل

    لست من خندف ان لم انتقم
    من بني أحمد ما كان فعل

    ثمّ حكى عن القاضى ابن يعلى ، عن أحمد بن حنبل ، أنّه قال : إنْ صحّ ذلك عن يزيد ، فقد فسق. وقال مجاهد : قد نافق / 261.
    (5) كان مع أخيه مروان بن الحكم حاضراً في حرب الجمل بالبصرة ، وجُرح وفرّ منهزماً حتّى لحق بمعاوية في الشام سنة (37 هـ) 4 / 535. وتولّى المدينة / لابن أخيه عبدالملك بن مروان سنة (75 هـ) 6 / 202 ، فكان عليها حتّى سنة (78 هـ) ، ثمّ بعثه عبدالملك في غزاة 6 / 321 ، وهذا آخر عهدنا به. وقد تزوّج هشام بن


    هام بجنب الطفّ أدنى قرابة
    من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل

    سميّة أمسى نسلها عدد الحصى
    وبنت رسول الله ليس لها نسل

    فضرب يزيد بن معاوية في صدر يحيى بن الحكم ، وقال : اسكت (1).
    ثمّ أذن للنّاس فدخلوا والرأس بين يديه ، ومع يزيد قضيب فهو ينكت به في ثغره.
    فقال أبو برزة السّلمي (2) من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) :
    أتنكت بقضيبك في ثغر الحسين! (ع) أما لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذاً ، لربّما رأيت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) يرشفه! أمَا إنّك يا يزيد تجيء يوم القيامة وشفيعك ابن زياد ، ويجيء هذا يوم القيامة وشفيعه محمّد (صلّى الله عليه [وآله]). ثمّ قام فولّى.
    فسمعت دَور الحديث هند بنت عبد الله بن عامر بن كريز (3) [، وهي]
    _________________
    عبد الملك ، ابنته : اُمّ حكم 7 / 67.
    (1) حدّثني أبوجعفر العبسي ، عن أبي عمّارة العبسي ، قال 5 / 460. ورواها أبو الفرج في الأغاني 12 / 74. والمفيد في الإرشاد / 246 ، ط النّجف.
    وروى السّبط / 262 ، عن الحسن البصري ، أنّه قال : ضرب يزيد رأس الحسين (ع) ومكاناً كان يقبّله رسول الله (صلّى الله عليه وآله). ثمّ تمثّل الحسن البصري :
    سميّة امسى نسلها عدد الحصى
    وبنت رسول الله ليس لها نسل

    (2) كان مع رسول الله (ص) في فتح مكّة فشرك في قتل عبد الله بن خطل المرتد الذي كان ممّن أهدر دمه الرسول (ص) 3 / 60. وكان مع عمرو العاص في فتح مصر سنة (20 هـ) 4 / 11. وقد روى الطبري خبر اعتراضه على يزيد أيضاً ، عن أبي جعفر الباقر (عليه السّلام) برواية عمّار الدهني 5 / 390. ورواه المسعودي 3 / 71 ، أنّه قال : ارفع قضيبك ، فطال والله ، ما رأيت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) يضع فمه على فمه يلثمه. ورواه سبط ابن الجوزي ، ثمّ ذكر عن البلاذري : أنّ الذي كان عند يزيد ، وقال هذه المقالة : أنس بن مالك. ثمّ قال : وهوغلط ؛ لأنّ أنساً كان بالكوفة عند ابن زياد ، كما ذكرناه / 262 ، ط النّجف.
    (3) بعثه عثمان من سجستان إلى كابل ، ففتحها سنة (24 هـ) 4 / 244 ، ثمّ عزله عنها وولاّه البصرة بعد

    زوجة] يزيد فتقنّعت بثوبها وخرجت ، فقالت :
    يا أمير المؤمنين ، أرأس الحسين بن فاطمة بنت رسول الله (عليهم السّلام)؟
    قال : نعم ، فأعولي عليه وحُدّي على ابن بنت رسول الله وصريخة قريش ، عجّل عليه ابن زياد فقتله ، قتله الله!
    [و] قال يحيى بن الحكم : حُجبتم عن محمّد يوم القيامة ، لن أجامعكم على أمر أبداً ، ثمّ قام فانصرف (1).
    ولمّا جلس يزيد بن معاوية ، دعا أشراف أهل الشام فأجلسهم حوله ، ثمّ
    _________________
    أبوموسى الأشعري سنة (29 هـ) ، وهو يومئذٍ ابن خمس وعشرين سنة ، وهوابن خال عثمان بن عفّان 4 / 264 ، ففتح فارس 4 / 265. وفي سنة إحدى وثلاثين شخص إلى خراسان ففتح : أبرشهو وطوس وأبيورد ، ونسّا حتّى بلغ سرخس وصالح أهل مرو 4 / 300. واستخلف على البصرة زياد بن سميّة 4 / 301. وفي سنة (23 هـ) فتح ابن عامر : مرو والطالقان والفارياب ، والجوزجان وطخارستان 4 / 309. وفتح : هراة وبادغيس 4 / 314. واستشاره عثمان سنة (34 هـ) في أمر الثائرين عليه فأشار عليه ببعثهم في الحروب 4 / 333. وفي سنة (35 هـ) كتب إليه عثمان : أنّ يندب له أهل البصرة للدفاع عنه. فقرأ ابن عامر كتابه عليهم فسارع النّاس إلى ذلك فساروا حتّى نزلوا الربذة ، فأتاهم قتل عثمان فرجعوا 4 / 368. وقُتل عثمان سنة (35 هـ) ، وابن عامر على البصرة 4 / 421 ، وقدم الحجاز ، وقدم طلحة والزبير وسعيد بن العاص ، والوليد بن عقبة وسائر بني اُميّة. وبعد نظر طويل في أمرهم اجتمع رأي ملأهم على أنْ يأتوا البصرة ، وقد كانوا يرون أنْ يذهبوا إلى الشام فردّهم ابن عامر ، وقال : قد كفاكم الشام من يستمر في حوزته ، واتوا البصرة ؛ فإنّ لي بها صنائع ولهم في طلحة هوى.
    وأجابتهم عائشة وحفصة ، ولكن منعها عبد الله بن عمر ، وقال ابن عامر : معي كذا وكذا ، فتجهّزوا به 4 / 451. فجرح في حرب الجمل وفرّ إلى الشام 4 / 536 ، وهوالذي وفده معاوية إلى المدائن لصلح الحسن (عليه السّلام) 5 / 159 ، فردّه معاوية والياً على البصرة 5 / 212 ، وزوّجه ابنته هند بنت معاوية. وعاب زياداً في نسبه فغضب عليه معاوية ، فشفع له يزيد 5 / 214. ولمْ يذكر الطبري متى تزوّج يزيد ابنته هند؟ ولكن الظاهر : أنّ ذلك كان حينما تزوّج بأخته هند. وليزيد منها عبد الله ، وكانت تكنّى : اُمّ كلثوم 5 / 500.
    وفي سنة (64 هـ) بعد هلاك يزيد وفرار ابن زياد ، اختار جمع من أهل البصرة عليهم ابنه عبد الملك بن عبد الله بن عامر شهراً ، قبل ولاية ابن الزبير 5 / 527.
    (1) حدّثني أبوحمزة الثمالي ، عن عبيد الله الثمالي ، عن القاسم بن بخيت 5 / 465.

    دعا بعلي بن الحسين (ع) وصبيان الحسين (ع) ونسائه ، فأُدخلوا عليه والنّاس ينظرون ، فأُجلسوا بين يديه فرأى هيئةً قبيحةً ، فقال : قبّح الله ابن مرجانة! لوكانت بينه وبينكم رحم وقرابة ما فعل هذا بكم ، ولا بعث بكم هكذا.
    [ثمّ] قال يزيد لعليّ [ابن الحسين (ع)] : يا علي ، أبوك الذي قطع رحمي وجهل حقّي ونازعني سلطاني ، فصنع الله به ما قد رأيت.
    فقال علي (عليه السّلام) : (مَا أَصَابَ مِن مُصِيَبةٍ فِي الأرض وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتَابٍ مِن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا) (1).
    فقال له يزيد : (وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَن كَثِيرٍ) (2) و (3).
    عن فاطمة بنت علي (عليه السّلام) (4) ، قالت : لمّا أجلسنا بين يدي يزيد بن معاوية ، قام رجل أحمر من أهل الشام إلى يزيد ، فقال : يا أمير المؤمنين! هب لي هذه [وهو] يعنّيني! فأرعدت وفرقت ، وظننت أن ذلك جائز لهم ، وأخذت بثياب أختي زينب ، وكانت أكبر منّي وأعقل وتعلم أن ذلك لا يكون ، فقالت [له] :
    كذبت والله ، ، ولؤمت! ما ذلك لك ولا له!
    فغضب يزيد فقال : كذبت والله ،! إن ذلك لي ولوشئت أن أفعله لفعلت!
    _________________
    (1) سورة الحديد / 22. وتمامها : (إِنّ ذلِكَ عَلَى‏ اللّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى‏ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ والله ، لاَ يُحِبّ كلّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ). ورواها أبو الفرج بتمامها / 80. ورواها السّبط ، ثمّ قال : وكان علي بن الحسين (ع) والنّساء موثقين في الحبال ، فناداه علي (ع) : «يا يزيد ، ما ظنّك برسول الله (ص) لو رآنا موثقين في الحبال ، عرايا على أقتاب الجمال؟». فلمْ يبقَ في القوم إلاّ مَن بكى / 262.
    (2) سورة الشورى / 30. وروى أبو الفرج : أنّ يزيد بدأ بهذه الآية ، فأجابه الإمام (عليه السّلام) بآية سورة الحديد ، وهوالأنسب.
    (3) قال أبومِخْنَف 5 / 461 ، والإرشاد / 246 ، ط النّجف.
    (4) هكذا النّص ، والمفيد في الإرشاد / 246 ، والسّبط في التذكرة / 264 ذكراها : بنت الحسين (ع).

    قالت : كلاّ والله ، ما جعل الله ذلك لك إلاّ أنْ تخرج من ملّتنا وتدين بغير ديننا.
    فغضب يزيد واستطار ، تمُ قال : إيّاى تستقبلين بهذا! إنّما خرج من الدّين أبوك وأخوك.
    فقالت زينب : بدين الله ودين أبي وأخي وجدّي (عليهم السّلام) ، اهتديت أنت وأبوك وجدّك!
    قال : كذبت ، يا عدوّة الله.
    قالت : أنت أمير مُسلّط تشتم ظالماً ، تقهر بسلطانك. فسكت.
    ثمّ عاد الشامي ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هب لي هذه الجارية؟
    قال : اعزب ، وهب الله لك حتفاً قاضياً! (1).
    ثمّ أمر بالنّسوة أنْ يُنزّلن في دار على حدة ، [و] معهنّ علي بن الحسين [(عليه السّلام) ، و] معهنّ ما يصلحهنّ ، فخرجن حتّى دخلن [تلك الدار] ، فلمْ تبقَ من آل معاوية امرأة إلاّ استقبلتهنّ تبكي وتنوح على الحسين (عليه السّلام) ، فأقاموا عليه المناحة ثلاثاً.
    ولمّا أرادوا أنْ يخرجوا ، قال يزيد بن معاوية : يا نعمان بن بشير ، جهّزهم بما يصلحهم وابعث معهم رجلاً من أهل الشام أميناً صالحاً ، وابعث معه خيلاً وأعوانًا ، فسيّر بهم إلى المدينة فخرج بهم. وكان يُسايرهم باللّيل فيكونون أمامه حيث لا يفوتون طرفه ، فإذا نزلوا تنحّى عنهم وتفرّق هوأصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم ، وينزل منهم بحيث إذا أراد إنسان منهم وضوأ وقضاء حاجة لمْ يحتشم. فلمْ يزل ينازلهم في الطريق هكذا ، ويلطّفهم ويُسألهم عن حوائجهم حتّى دخلوا المدينة (2).
    _________________
    (1) وروى هذا الخبر الطبري ، عن عمّار الدهني عن الباقر (عليه السّلام) 5 / 390.
    (2) عن الحارث بن كعب ، عن فاطمة 5 / 461. ورواه أبو الفرج / 80 ، والسّبط / 264.

    [أهل البيت في المدينة]
    ولمّا أتى أهل المدينة مقتل الحسين (ع) ، خرجت [اُمّ لقمان] (1) بنت عقيل بن أبي طالب (ع) ومعها نساؤها ، وهي حاسرة تلوي بثوبها ، وهي نقول :
    ماذا تقولون إن قال النّبيّ لكم
    ما ذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

    بعترتي وبأهل بعد مفتقدي
    منهم أسارى ومنهم ضرّجوا بدم (2)

    [و] لمّا بلغ عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (3) مقتل ابنيه [: محمّد وعون] مع
    _________________
    (1) قال الشيخ المفيد : فخرجت اُمّ لقمان بنت عقيل بن أبي طالب (رحمة الله عليهم) ، حين سمعت نعي الحسين (عليه السّلام) حاسرة ، ومعها أخواتها : اُمّ هانئ وأسماء ، ورملة وزينب بنات عقيل بن أبي طالب (رحمة الله عليهم) ، تبكي قتلاها بالطفّ ، وهي تقول الإرشاد / 248.
    ورواها السّبط في تذكرته ، عن الواقدي ، عن زينب بنت عقيل / 267.
    (2) وروى الطبري : الأبيات عن عمّار الدّهني عن الإمام الباقر (عليه السّلام) ، قال : «فجهّزهم وحملهم إلى المدينة ، فلمّا دخلوها خرجت امرأة من بني عبد المطلب ناشرةً شعرها ، واضعةً كمّها على رأسها تتلقّاهم وهي تبكي ، وتقول :»
    ماذا تقولون ان قال النّبيّ لكم
    ما ذا فعلتم وأنتم آخر الأمم!

    بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي
    منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم

    ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم
    أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

    (3) هو الذي روى خبر حليمة السّعديّة 2 / 158. وفي سنة (8 هـ) ، حيث رجع الباقون من غزوة مؤتة ، طلبه رسول الله (ص) فأخذه وحمله على يديه 3 / 42. وهوالذي أشار على علي (عليه السّلام) بعزل قيس بن سعد عن مصر ، وتولية أخيه من اُمّه محمّد بن أبي بكر عليه ، ففعل (عليه السّلام) 4 / 36. وكان مع علي (عليه السّلام) بصفّين 5 / 61. وتولّى تجهيز علي (عليه السّلام) ودفنه مع الحسن والحسين (عليهما السّلام) ، ثمّ عاد معهم إلى المدينة 5 / 165 ، وقد مضت ترجمته في كتابه ، مع ولديه : محمّد وعون من مكّة إلى الحسين (عليه السّلام).

    الحسين (عليه السّلام) دخل عليه النّاس يعزّونه [فـ] أقبل على جلسائه ، فقال :
    الحمد لله عزّ وجلّ على مصرع الحسين (عليه السّلام) إنْ لا تكن آستْ حسيناً (ع) يديّ ، فقد آساه ولديّ والله ، لوشهدته لا حببت أنْ لا أفارقه حتّى أُقتل معه ، والله ، أنّه لممّا يسخّي بنفسي عنهما ، ويهوّن عليّ المصاب بهما ؛ أنّهما أُصيبا مع أخي وابن عمّي مواسيين له ، صابرين معه (1) و (2).
    _________________
    (1) عن سليمان بن أبي راشد ، عن عبد الرحمن بن عبيد أبي الكنود ، قال 5 / 466.
    (2) قال هشام : حدّثني عوانة بن الحكم ، قال : لمّا قتل عبيد الله بن زياد الحسين بن علي (ع) ، دعا عبد الملك بن أبي الحارث السّلمي ، فقال : انطلق حتّى تقدم المدينة على عمروبن سعيد بن العاص ـ وكان يومئذٍ أمير المدينة ـ فبشّره بقتل الحسين (عليه السّلام) ولا يسبقك الخبر ولا تعتلّ ، وإنْ قامت بك راحتلك فاشتر راحلة ، وأعطاه دنانير.
    قال عبد الملك : فقدمت المدينة فدخلت على عمروبن سعيد ، فقال : ما وراك؟
    فقلت : ما سرّ الأمير ، قُتل الحسين بن علي (ع)
    فقال : نادِ بقتله. فناديت بقتله.
    فلمْ اسمع واعية قطّ مثل واعية نساء بني هاشم في دورهنّ على الحسين [(عليه السّلام) ، فـ] ـضحك عمروبن سعيد [، و] قال :
    عجّت نساء بني زياد عجّة
    كعجيج نسوتنا غداة الارنب *

    ثمّ قال عمرو : هذه واعية بواعية عثمان بن عفّان.
    ثمّ صعد المنبر فأعلم النّاس قتله. ورواه المفيد في الإرشاد / 247 ، ط النّجف.
    _________________
    (*) البيت لعمر بن معد يكرب الزبيدي. وكانت لهم وقعة على بنى زياد انتقاماً منهم لوقعة لهم على بني زبيد. ورواها السّبط مختصراً / 266. وذُكر عن الشعبي : أنّ مروان بن الحكم كان بالمدينة فأخذ الرأس ، وتركه بين يديه وتناول أرنبة أنفه ، وقال :
    يا حبذا بردك في اليدين
    ولونك الاحمر في الخدّين

    ثمّ قال : والله ، لكأنّي أنظر إلى أيّام عثمان.
    وقال ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة 4 / 72 : والصحيح ، أنّ عبيد الله بن زياد كتب إلى عمروبن سعيد بن العاص يبشّره بقتل الحسين (عليه السّلام) ، فقرأ كتابه على المنبر وأنشد الرجز المذكور وأومى إلى القبر ، وقال : يوم بيوم بدر. فأنكر عليه قوم من الأنصار. ذكر ذلك أبوعبيدة في كتاب المثالب.

    _________________
    قال هشام : عن عوانة قال ، قال عبيد الله بن زياد لعمر بن سعد : يا عمر ، أين الكتاب الذي كتبتُ به إليك في قتل الحسين (ع)؟
    قال : مضيتُ لأمرك وضاع الكتاب. قال : لتجيئنّ به. قال : ضاع. قال : والله ، لتجيئني به. قال : تُرك والله ، يُقرأ على عجائز قريش اعتذاراً إليهن بالمدينة. أمّا والله ، لقد نصحتك في حسين نصيحة (*) لو نصحتها أبي سعد بن أبي وقاص ، كنت قد أدّيت حقّه.
    قال عثمان بن زياد ـ أخوعبيد الله ـ : صدق والله ، لوددت أنّه ليس من بني زياد رجل إلاّ وفي أنفه خزامة إلى يوم القيامة ، وأنّ حسيناً لمْ يُقتل.
    قال هشام : حدّثني عمروبن حيزوم الكلبي ، عن أبيه أنّه سمع منادياً ينادي ، يقول :
    أيّها القاتلون جهلاً حسينا
    أبشروا بالعذاب والتنكيل

    كل أهل السّماء يدعوا عليكم
    من نبيّ وملاك وقبيل

    قد لعنتم على لسان ابن داو
    دوموسى وحامل الانجيل

    وروى الخبر المفيد في الإرشاد / 248 ، والسّبط في تذكرته / 270 ، ط النّجف.
    _________________
    (*) المقصود بالنّصيحة هنا ، هو : النّصح بمعنى الإخلاص ، لا الإرشاد.

    [أوّل زائر للحسين (عليه السّلام) من أهل الكوفة]
    [ثمّ] إنّ عبيد الله بن زياد تفقّد أشراف أهل الكوفة ، فلمْ يرَ عبيد الله بن الحرّ [الجُعفي]. ثمّ جاءه بعد أيّام حتّى دخل عليه ، فقال : أين كنت يابن الحرّ؟ قال : كنت مريضاً. قال : مريض القلب ومريض البدن. قال : أمّا قلبي ، فلمْ يمرض ؛ وأمّا بدني ، فقد منّ الله عليّ بالعافية.
    فقال له ابن زياد : كذبت ، ولكنّك كنت مع عدوّنا.
    قال : لو كنت مع عدوّك لرُئي مكاني ، وما كان مثل مكاني يُخفى.
    وغفل عنه ابن زياد غفلةً فخرج ابن الحرّ ، فقعد على فرسه.
    فقال ابن زياد : أين ابن الحرّ؟ قالوا : خرج السّاعة. قال : عليّ به.
    فاحضرته الشرطة ، فقالوا له : أجب الأمير. فدفع فرسه ، ثمّ قال : أبلغوه أنّي لا آتيه والله ، طائعاً أبداً.
    ثمّ خرج حتّى أتى كربلاء ، وقال في ذلك :
    يقول أمير غادر وابن غادر :
    ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمة

    فياندمي أن لا اكون نصرته
    ألا كلّ نفس لا تسدّد نادمة

    وإنيّ لانيّ لم اكن من حماته
    لذوحسرة ما إن تفارق لازمة

    سقى الله ارواح الذين تأزّروا
    على نصره ، سقياً من الغيث دائمة

    وقفت على اجداثهم ومجالهم
    فكاد الحشا ينقضّ والعين ساجمة

    لمري لقد كانوا مصاليت في الوغى
    سراعاً إلى الهيجا ، حماةً ضراغة



    فان يقتلوا فكل نفس تقيةٍ
    على الأرض قد اضحت لذلك واجمة

    وما إن رأى الرّاؤون أفضل منهم
    لدى الموت سادات وزهرا قماقمة

    أتقتلهم ظلماً وترجو ودادنا
    فدع خطّة ليست لنا بملائمة

    لعمري لقد راغمتمونا بقتلهم
    فكم ناقم منّا عليكم وناقمة

    أهمّ مراراً أن أسير بجحفل
    إلى فئة زاغت عن الحقّ ظالمة

    فكفّوا وإلا ذدتكم في كتائب
    اشدّ عليكم من زحوف الديالمة (1) و (2)

    _________________
    (1) حدّثني عبد الرحمن بن جندب الأزدي ، قال 5 / 469.
    (2) وإنّما كان يُضرب المثل بالدّيالمة لشدّة بطشهم في حروب المقاومة بعد سقوط السّاسانيّين. وكان ابن الحرّ من شيعة عثمان ، فلمّا قُتل خرج من الكوفة إلى معاوية ، ولمّ يزل معه حتّى قُتل علي (عليه السّلام) 5 / 128 ، فقدم الكوفة.
    وكان عند أخذ حجر ، يتمنّى لوساعده عشرة وخمسة ؛ ليستنقذ بهم حجراً وأصحابه 5 / 271. ودعاه الحسين (عليه السّلام) إلى الخروج معه ، فقال : والله ، ما خرجت من الكوفة إلاّ كراهة أنْ تدخلها وأنا بها. فقال الحسين (عليه السّلام) : «فإنْ لا تنصرنا ، فاتّقِ الله أنْ تكون ممّن يُقاتلنا ، فوالله ، لا يسمع واعيتنا أحد ثمّ لا ينصرنا إلاّ هلك» 5 / 407.
    فلمّا مات يزيد وهرب ابن زياد وثار المختار ، خرج في سبعمئة فارس إلى المدائن فكان يأخذ الأموال ، فحبس المختار امرأته بالكوفة ، وقال : لأقتلنّ أصحابه 5 / 129. فلحق ابن الحرّ بمصعب بن الزبير وحارب المختار 5 / 105. وهوالذي أشار على مصعب بعد قتل المختار ، بقتل الموالي من أصحابه وترك العرب ، ففعل 5 / 116. ثمّ خافه مصعب على نفسه فحبسه ، فشفع فيه قوم من مذحج فأطلقه فخرج عليه 5 / 131. ثمّ لحق بعبدالملك بن مروان فأرجعه إلى الكوفة ، وعليها عامل ابن الزبير فحاربه حتّى قتله سنة (68 هـ) 5 / 135 وقد سبقت ترجمته عند ذكر خبر ملاقاته الإمام (عليه السّلام) له في قصر بني مقاتل ، في الطريق إلى كربلاء.
    خاتمة :
    برحمته تعإلى ـ ذكره ـ انتهت أخبار الإمام الحسين (عليه السّلام) الموجودة في تاريخ الطبري ، عن هشام الكلبي ، عن أبي مِخْنَف ، عن رواته ومحدّثيه مع تحقيقها والتعليق عليها. واتّفق أنْ جعلنا المصدر الأوّل للتعليق : تاريخ الطبري ـ أيضاً ـ إلاً ما لمْ نجده فيه ، والحمد لله ربِّ العالمين.

    فهرس الكتاب
    تقديم 5 موقف ابن الزبير 82
    كربلاء 8 موقف محمَّد بن الحنيفة 83
    أبو مخنف 11 الإمام عليه السَّلام في مكّة 87
    ما يرويه الطبري في آل أبي مخنف 12 كتب أهل الكوفة 89
    ما يرويه نصربن مزاحم في آل أبي مخنف 14 جواب الإمام عليه السَّلام 96
    كتب أبي مخنف 17 سفر مسلم عليه السَّلام 96
    مذهب أبي مخنف ووثاقته 18 كتاب مسلم الي الإمام وجوابه 97
    هشام الكلبي 21 دخول مسلم عليه السَّلام الكوفة 99
    المقتل المتداول 22 خطبة النعمان بن بشير 101
    أسناد أبي مخنف 29 كتب الإمام (ع) الي أهل البصرة 103
    الحسين عليه السَّلام في المدينة 67 خطبة ابن زياد بالبصرة 108
    وصية معاوية 67 خطبة ابن زياد بالكوفة 110
    هلاك معاوية 70 تجسّس معقل الشامي علي مسلم (ع) 112
    كتاب يزيد الي الوليد 72 مؤتمر قتل ابن زياد في دار هانئ 113
    استشارة الوليد من مروان 77 هانئ يُدعي الي ابن زياد 117
    رسول الوليد الي الإمام للبيعة 77 هانئ عند ابن زياد 118
    مطالبة الإمام (ع) بالبيعة 78 خروج مسلم عليه السَّلام 122
    الإمام (ع) في مسجد المدينة 82 اجتماع الأشراف بابن زياد 123


    رايات الإمان 125 خبر مقتل مسلم (ع) 165
    غربة مسلم عليه السَّلام 126 ملاقاة الحرّ وخطبة الإمام (ع) 169
    موقف ابن زياد 129 مضايقة الحرّ للإمام عليه السَّلام 171
    خطبة ابن زياد بعد غربة مسلم (ع) 130 خطبة الإمام بالبيضة 172
    ابن زياد في طلب مسلم (ع) 131 الطرمّاح بن عدي وأصحابه 173
    موقف المختار 132 خبر مقتل قيس بن مسهر الصيداوي 175
    مقاتلة مسلم (ع) 133 نينوي وكتاب ابن زياد 177
    تأمين مسلم (ع) 134 نزول الإمام عليه السَّلام 179
    أسر مسلم (ع) 135 خروج ابن سعد الي الحسين (ع) 181
    مسلم علي باب القصر وفي دارالإمارة 136 كتاب ابن سعد الي ابن زياد وجوابه 185
    وصية مسلم (ع) الي ابن سعد 138 لقاء ابن سعد بالإمام عليه السَّلام 186
    مسلم (ع) أمام ابن زياد 139 زحف ابن سعد الي الحسين (ع) 193
    مقتل مسلم (ع) 140 إمهالهم ليلة عاشوراء 196
    مقتل هانئ (ره) 141 خطبة الإمام ليلة عاشوارء 197
    حبس المختار 143 موقف الهاشميين والأنصار 198
    رئاه مسلم وهانئ (ره) 145 الإمام عليه السَّلام ليلة عاشوراء 200
    خروج الإمام (ع) من مكّة وموقف ابن الزيبر 147 الإمام وأصحابه ليلة عاشوراء 202
    محادثة ابن عبّاس للإمام (ع) 150 صبيحة عاشوراء 204
    محادثة عمر المخزومي مع الإمام (ع) 151 خطبة الإمام الاُولي 206
    محادثة ابن الزبير الأخيرة 152 خطبة زهير بن القين 209
    موقف عمرو بن سعيد الأشدق 153 توبة الحرّ الرياحي 213
    موقف عبدالله بن جعفر (ره) 154 خطبة الحرّ الرياحي 215
    أمان الأشدق للإمام (ع) 155 بدء القتال 217
    منازل الطريق 157 كرامة ، وهداية في الحملة الاُولي 219
    لحوق زهير بالإمام (ع) 161 مباهلة برير ومقتله 221
    خبر مقتل عبدالله بن بُقطر 163 الحملة الثانية 224


    مسلم بن عوسجة 225 قتال الإمام عليه السَّلام 250
    الحملة الثالثة 226 مقتل الإمام عليه السَّلام 255
    الحملة الرابعة 228 نهب الخيام 256
    الاستعداد لصلاة الظهر 229 الهجوم علي مخيّم الإمام (ع) 257
    مقتل حبيب بن مُظاهر الأسدي 230 وطئ الخيل 258
    مقتل الحرّ الرياحي 231 حمل عيال الإمام الي الكوفة 259
    صلاة الظهر ومقتل زهير 232 رأس الإمام عند ابن زياد 260
    مقتل نافع بن هلال الجملي 232 السبايا في مجلس ابن زياد 261
    الغفاريّان والجابريّان 234 زينب (ع) في مجلس ابن زياد 262
    مقتل حنظلة الشبامي 235 الإمام السجاد (ع) وابن زياد 263
    مقتل عابس الشاكري ومولاهم شوذب 236 موقف عبدالله بن عفيف الأزدي 265
    مقتل الرجال الأربعة أصحاب الطرمّاح 238 الرؤوس والسبايا الي الشام 267
    مقتل علي الاكبر عليه السَّلام 241 مجلس يزيد وزوجته 270
    مقتل القاسم بن الحسين عليه السَّلام 243 الإمام السجاد (ع) ويزيد العناد 271
    مقتل العبّاس وإخوته ورضيع الحسين 245 السيدة زينب ، ويزيد 272
    مقتل إبني عبدالله بن جعفر 246 أهل البيت في المدينة 273
    مقتل آل عقيل 247 أول زائر للإمام عليه السَّلام 276
    مقتل أبناء الإمام الحسن (ع) 248 أبيات الحرّ الجعفي 276

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
     
    وقعة الطف لابو مخنف
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    » ادب الطف ج1
    » ادب الطف ج3
    » ادب الطف ج2
    » وقعة الجمل
    » ( وقعة الضحاك بن قيس )

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: -28- منتدى موسوعة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام-
    انتقل الى: