مقدّمة المركز :
لا يخفى أنّنا لازلنا بحاجة إلىٰ تكريس الجهود ومضاعفتها نحو
الفهم الصحيح والإفهام المناسب لعقائدنا الحقّة ومفاهيمنا الرفيعة ،
ممّا يستدعي الالتزام الجادّ بالبرامج والمناهج العلمية التي توجد
حالة من المفاعلة الدائمة بين الأُمّة وقيمها الحقّة ، بشكل يتناسب
مع لغة العصر والتطوّر التقني الحديث.
وانطلاقاً من ذلك ، فقد بادر مركز الأبحاث العقائدية التابع
لمكتب سماحة آية الله العظمىٰ السيد السيستاني ـ مدّ ظلّه ـ إلىٰ
اتّخاذ منهج ينتظم علىٰ عدّة محاور بهدف طرح الفكر الإسلامي
الشيعي علىٰ أوسع نطاق ممكن.
ومن هذه المحاور : عقد الندوات العقائديّة المختصّة ، باستضافة
نخبة من أساتذة الحوزة العلمية ومفكّريها المرموقين ، التي تقوم
نوعاً على الموضوعات الهامّة ، حيث يجري تناولها بالعرض والنقد
والتحليل وطرح الرأي الشيعي المختار فيها ، ثم يخضع ذلك
الموضوع ـ بطبيعة الحال ـ للحوار المفتوح والمناقشات الحرّة
لغرض الحصول على أفضل النتائج.
ولأجل تعميم الفائدة فقد أخذت هذه الندوات طريقها إلىٰ
شبكة الإنترنت العالمية صوتاً وكتابةً.
كما يجري تكثيرها عبر التسجيل الصوتي والمرئي وتوزيعها
على المراكز والمؤسسات العلمية والشخصيات الثقافية في شتىٰ
أرجاء العالم.
وأخيراً ، فإنّ الخطوة الثالثة تكمن في طبعها ونشرها علىٰ
شكل كراريس تحت عنوان « سلسلة الندوات العقائدية » بعد
إجراء مجموعة من الخطوات التحقيقية والفنيّة اللازمة عليها.
وهذا الكرّاس الماثل بين يدي القارئ الكريم واحدٌ من
السلسلة المشار إليها.
سائلينه سبحانه وتعالىٰ أن يناله بأحسن قبوله.
مركز الأبحاث العقائدية
فارس الحسّون
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد
وآله الطيبين الطاهرين ، ولعنة الله علىٰ أعدائهم أجمعين من الأولين
والآخرين.
قال الله تعالىٰ : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ
يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1).
هذه الآية المباركة تسمّىٰ في الكتب ب « آية الولاية » ، استدلّ
بها الإماميّة علىٰ إمامة أمير المؤمنين سلام الله عليه ، وكما ذكرنا من
قبل ، لا بدّ من الرجوع إلىٰ السنّة لتعيين مَن نزلت فيه الآية المباركة ،
وبعبارة أُخرىٰ لمعرفة شأن نزول الآية.
__________________
(1) سورة المائدة : 55.
ثمّ بعد معرفة شأن نزول الآية المباركة ، لا بدّ من بيان وجه
الإستدلال بها على إمامة أمير المؤمنين ، ثمّ يأتي دور الإشكالات
والإعتراضات والمناقشات التي نجدها في كتب الكلام والعقائد
من قبل علماء السنّة في الإستدلال.
فالبحث إذن يكون في جهات :
الجهة الأُولىٰ :
في شأن نزول هذه الآية المباركة
أجمعت الطائفة الإماميّة ، ورواياتهم بهذا الأمر متواترة ، بأنّ
الآية المباركة نزلت عندما تصدّق أمير المؤمنين سلام الله عليه
بخاتمه على السائل ، وهو في أثناء الصلاة وفي حال الركوع.
فالأمر مفروغ منه من جهة الشيعة الإماميّة.
إلاّ أنّ هذا المقدار لا يكفي للاستدلال علىٰ الطرف المقابل ،
كما ذكرنا من قبل ، فله أن يطالب برواة هذا الخبر من أهل السنّة ،
من المحدّثين والمفسّرين ، وله أيضاً أن يطالب بصحّة سند هذا
الخبر في كتب السنّة ، ليكون حجّة عليه.
ونحن على طبق هذه القاعدة المقرّرة في أُصول البحث
والمناظرة ، نذكر في الجهة الاُولىٰ أسماء بعض من روىٰ هذه
القضيّة ، ونزول هذه الآية المباركة في أمير المؤمنين ، في خصوص
تصدّقه في حال الركوع بخاتمه علىٰ الفقير ، علىٰ السائل ، لتتمّ
الحجّة حينئذ علىٰ من يرىٰ حجيّة كتبه ، علىٰ من يرىٰ اعتبار
رواياته ، علىٰ من يلتزم بلوازم مذهبه ، فحينئذ تتمّ الجهة الأُولىٰ ،
ويتعيّن مَن نزلت فيه الآية المباركة ، ويكون الخبر متّفقاً عليه بين
الطرفين ، ومقبولاً بين الخصمين أو المتخاصمين.
قول المفسّرين :
1 ـ يعترف القاضي الإيجي في كتابه المواقف في علم الكلام
وهو من أهم متون أهل السنّة في علم الكلام وأصول الدين ،
فالقاضي الإيجي المتوفّىٰ سنة 756 ه يعترف بإجماع المفسّرين
علىٰ نزول الآية المباركة في هذه القضيّة الخاصّة المتعلّقة بأمير
المؤمنين 7 (1).
2 ـ وأيضاً يعترف بهذا الإجماع : الشريف الجرجاني المتوفّىٰ
سنة 816 ه ، في كتابه شرح المواقف في علم الكلام ، وهذا
الكتاب متناً وشرحاً مطبوع وموجود الآن بين أيدينا (2).
3 ـ وممّن يعترف بإجماع المفسّرين علىٰ نزول الآية المباركة
__________________
(1) المواقف في علم الكلام : 405.
(2) شرح المواقف 8 / 360.
في شأن علي 7 : سعد الدين التفتازاني المتوفّىٰ سنة 793 ه ، في
كتابه شرح المقاصد (1) ، وشرح المقاصد أيضاً من أهم كتب القوم
في علم الكلام ، ومن شاء فليرجع إلىٰ كتاب كشف الظنون ليجد
أهميّة هذا الكتاب بين القوم ، وفي أوساطهم العلميّة ، حيث كان هذا
الكتاب من جملة كتبهم التي يتدارسونها في حوزاتهم العلميّة ،
لذلك كثر منهم الشرح والتعليق علىٰ هذا الكتاب.
4 ـ وممّن يعترف بإجماع المفسّرين من أهل السنّة علىٰ نزول
الآية المباركة في أمير المؤمنين ، في هذه القضيّة الخاصّة : علاء
الدين القوشجي السمرقندي في كتابه شرح التجريد ، وهذا الكتاب
أيضاً مطبوع وموجود بين أيدينا (2).
فعلماء الكلام الذين يبحثون عن أدلة الإمامة ، وعمّا يقول
الطرفان في مقام الإستدلال ، وعمّا يحتجّ به كلّ من الطرفين علىٰ
مدّعاه ، يقولون بنزول الآية المباركة في هذه القضيّة الخاصّة.
إذن ، فالمفسّرون من أهل السنّة مجمعون علىٰ نزول الآية
المباركة في هذه القضيّة ، والمعترِف بهذا الإجماع كبار علماء القوم
في علم الكلام ، الذين يرجع إليهم ويعتمد علىٰ أقوالهم ويستند إلىٰ
كتبهم.
__________________
(1) شرح المقاصد 5 / 170.
(2) شرح التجريد للقوشجي : 368.
قول المحدّثين :
فقد رأيت من رواة هذا الحديث في كتبهم :
1 ـ الحافظ عبد الرزّاق الصنعاني ، صاحب كتاب المصنّف ،
وهو شيخ البخاري صاحب الصحيح.
2 ـ الحافظ عبد بن حميد ، صاحب كتاب المسند.
3 ـ الحافظ رزين بن معاوية العبدري الأندلسي ، صاحب
الجمع بين الصحاح الستّة.
4 ـ الحافظ النسائي ، صاحب الصحيح ، روىٰ هذا الحديث في
صحيحه.
5 ـ الحافظ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري ، صاحب
التاريخ المعروف والتفسير المعروف المشهور.
6 ـ ابن أبي حاتم الحافظ الرازي المحدّث المفسّر المشهور ،
الذي يعتقد ابن تيميّة في منهاج السنّة بأنّ تفسير ابن أبي حاتم خال
من الموضوعات.
7 ـ الحافظ أبو الشيخ الإصفهاني.
8 ـ الحافظ ابن عساكر الدمشقي.
9 ـ الحافظ أبو بكر ابن مردويه الإصفهاني.
10 ـ الحافظ أبو القاسم الطبراني.
11 ـ الحافظ الخطيب البغدادي.
12 ـ الحافظ أبو بكر الهيثمي.
13 ـ الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي.
14 ـ الحافظ المحبّ الطبري شيخ الحرم المكّي.
15 ـ الحافظ جلال الدين السيوطي ، المجدّد في القرن العاشر
عند أهل السنّة.
16 ـ الحافظ الشيخ علي المتّقي الهندي ، صاحب كتاب كنز
العمّال.
هؤلاء جماعة من أعلام الأئمّة في القرون المختلفة ، يروون
هذا الحديث في كتبهم.
يقول الآلوسي صاحب التفسير المسمّىٰ بروح المعاني : غالب
الأخباريين علىٰ أنّ هذه الآية نزلت في علي كرّم الله وجهه (1).
فالقضيّة بين المفسّرين مجمع عليها ، وغالب المحدّثين
والأخباريين ينصّون علىٰ هذا ، ويقولون بنزول الآية في علي
ويروون هذا الحديث. وذكرت لكم أسماء جماعة من أعلامهم ،
__________________
(1) روح المعاني 6 / 168.
منذ زمن البخاري إلىٰ القرن الحادي عشر.
ولو أنّك تراجع تفسير ابن كثير في ذيل هذه الآية المباركة (1) ،
تجده يعترف بصحّة بعض أسانيد هذه الاخبار ، واعتراف ابن كثير
بصحّة بعض هذه الأسانيد يمكن أن يكون لنا حجة على الخصوم ،
لأنّ اعتراف مثل ابن كثير بصحّة هذه الروايات ، وهو ممّن لا
نرتضيه نحن ونراه رجلاً متعصّباً في تفسيره وتاريخه ، هذا
الإعتراف له قيمته العلميّة.
وأنا شخصيّاً راجعت عدّة من أسانيد هذه الرواية ، ولاحظت
كلمات علماء الجرح والتعديل من كبار علمائهم في رجال هذه
الروايات والأسانيد ، ورأيت تلك الأسانيد صحيحة علىٰ ضوء
كلمات علمائهم.
منها هذا الحديث الذي أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (2) ،
فإنّه يرويه عن أبي سعيد الاشج ، عن الفضل بن دكين ، عن موسىٰ
بن قيس الحضرمي ، عن سلمة بن كهيل قال : تصدّق علي بخاتمه
وهو راكع فنزلت الآية : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) إلىٰ آخرها.
فإذن ، هذا الخبر مجمع عليه بين المفسّرين ، وعليه غالب
__________________
(1) تفسير ابن كثير 2 / 64.
(2) تفسير ابن أبي حاتم 4 / 1162.
المحدّثين باعتراف الآلوسي ، وذكرت لكم أسامي عدّة من رواته
من الأعلام ، وذكرت لكم اعتراف ابن كثير بصحّة بعض أسانيده ،
كما أنّي شخصيّاً حقّقت بعض الأسانيد علىٰ ضوء كلمات علمائهم
وصحّحتها على طبق قواعدهم.
وقد اشتهر هذا الخبر وثبت ، بحيث يروىٰ أنّ حسّان بن ثابت
الشاعر الأنصاري الصحابي المعروف ، قد نظم هذه المنقبة وهذه
القضيّة في شعر له ، ـ ومن الناقلين لهذا الشعر هو الآلوسي البغدادي
صاحب روح المعاني (1) ـ يقول في شعر له :
فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً
زكاةً فدتك النفس يا خيرَ راكعِ
فأنزل فيك الله خيرَ ولاية
وأثبتها أثنىٰ كتاب الشرايع
إذن ، هذه القضيّة لا يمكن المناقشة في سندها بشكل من
الأشكال ، ولا مجال لأن تكذّب هذه القضيّة. أو تضعّف روايات
هذه القضيّة.
__________________
(1) روح المعاني 6 / 168.
مع ابن تيمية :
وإذا بلغ الأمر إلىٰ هذه المرحلة ، فلا بأس لو أقرأ لكم عبارة
ابن تيميّة حول هذا الحديث وهذا الإستدلال ، نصّ عبارته هكذا ،
يقول هذا الرجل :
قد وضع بعض الكذّابين حديثاً مفترى أنّ هذه الآية نزلت في
علي لمّا تصدّق بخاتمه في الصلاة ، وهذا كذب بإجماع أهل العلم
بالنقل ، وكذبه بيّن.
ويضيف هذا الرجل : وأجمع أهل العلم بالنقل علىٰ أنّها لم
تنزل في علي بخصوصه ، وأنّ عليّاً لم يتصدّق بخاتمه في الصلاة ،
وأجمع أهل العلم بالحديث علىٰ أنّ القصّة المروية في ذلك من
الكذب الموضوع ، وأنّ جمهور الأُمّة لم تسمع هذا الخبر (1).
فليسمع المقلّدون لابن تيميّة في بحوثهم العلميّة ، ولينتبه
أُولئك الذين يأخذون من مثل هذا الرجل عقائدهم وأحكامهم
وسننهم وآدابهم.
فالقاضي الإيجي والشريف الجرجاني وكبار علماء الكلام ـ
__________________
(1) منهاج السنّة 2 / 30.
وهذه كتبهم موجودة ـ ينصّون علىٰ إجماع المفسّرين بنزول الآية
المباركة في علي في القصّة الخاصّة هذه ، ويقول هذا الرجل : إنّ
بعض الكذّابين قد وضع هذا الخبر المفترىٰ ، وعلي لم يتصدّق
بخاتمه ، وأجمع أهل العلم في الحديث !!
أتصوّر أنّه يقصد من أهل العلم حيث يدّعي الإجماع يقصد
نفسه فقط أو مع بعض الملتفّين حوله ، فإذا رأىٰ نفسه هذا الرأي ،
ورأىٰ اثنين أو ثلاثة من الأشخاص يقولون برأيه ، فيدّعي إجماع
أهل الحديث وأهل النقل وإجماع الاُمّة كلّهم علىٰ ما يراه هو ، وكأنّ
الإجماع في كيسه ، متىٰ ما أراد أن يخرجه من كيسه أخرجه
وصرفه إلى الناس ، وعلىٰ الناس أن يقبلوا منه ما يدّعي.
وعلىٰ كلّ حال ، فهذه القضيّة واردة في كتبهم وكتبنا ، في
تفاسيرهم وتفاسيرنا ، في كتبهم في الحديث وكتبنا.
مثلاً : لو أنّكم تراجعون من التفاسير : تفسير الثعلبي وهو
مخطوط ، تفسير الطبري ، وأسباب النزول للواحدي ، وتفسير الفخر
الرازي ، وتفسير البغوي ، وتفسير النسفي ، وتفسير القرطبي ،
وتفسير أبي السعود ، وتفسير الشوكاني ، وتفسير ابن كثير ، وتفسير
الآلوسي ، والدر المنثور للسيوطي.
لرأيتم كلّهم ينقلون هذا الخبر ، بعضهم يروي بالسند ، وبعضهم
يرسل الخبر (1) ، وكأنّ هؤلاء كلّهم ليسوا من هذه الأُمّة.
وعلىٰ كلّ حال ، فالقضيّة لا تقبل أيّ شك وأيّ مناقشة من
جهة السند ، ومن ناحية شأن النزول ، وحينئذ ينتهي بحثنا عن
الجهة الاُولىٰ ، أي جهة شأن نزول الآية المباركة وقضيّة أمير
المؤمنين وتصدّقه بخاتمه وهو راكع.
__________________
(1) تفسير ابن أبي حاتم 4 / 1162، تفسير الطبري 6 / 186، تفسير السمعاني 2 / 47،
أسباب النزول : 113 ، تفسير العز الدمشقي 1 / 393 ، تفسير ابن كثير 2 / 64 ،
الكشاف 1 / 649 ، الدرّ المنثور 3 / 105.
وراجع من كتب الحديث مثلاً : جامع الاصول 9 / 478 ، المعجم الاوسط 7 / 129 ،
تاريخ دمشق 42 / 356.
الجهة الثانية
وجه الإستدلال بالآية المباركة علىٰ الإمامة
وجه الإستدلال يتوقّف علىٰ بيان مفردات الآية المباركة
( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ).
فكلمة ( إِنَّمَا ) تدلّ علىٰ الحصر ، لم ينكر أحد منهم دلالة إنّما
علىٰ الحصر.
( وَلِيُّكُمُ ) هذه الولاية بأيّ معنىٰ ؟ سنبحث عن معنىٰ الولاية
في حديث الغدير بالتفصيل ، وأيضاً في حديث الولاية ، عندنا آية
الولاية وهي هذه الآية التي هي موضوع بحثنا في هذه الليلة ،
وعندنا حديث الولاية وهو قوله 6 : « علي منّي وأنا من علي
وهو وليّكم من بعدي » ، فكلمة « الولاية » موجودة في هذه الآية
المباركة بعنوان « وليّكم » ، وأيضاً في ذلك الحديث بعنوان
« وليّكم ».
معنىٰ الولاية :
الولاية : مشترك ، إمّا مشترك معنوي ، وإمّا مشترك لفظي ، نحن
نعتقد بالدرجة الاُولىٰ أن تكون الولاية مشتركاً معنويّاً ، فمعنىٰ
الولاية إذا قيل : فلان وليّ فلان ، أي فلان هو القائم بأمر فلان ، فلان
ولي هذه الصغيرة ، أي القائم بشؤون هذه الصغيرة ، فلان وليّ الأمر
أي القائم بشؤون هذا الأمر ، ولذا يقال للسلطان ولي ، هذا المعنىٰ
هو واقع معنىٰ الولاية.
ونجد هذا المعنىٰ في كلّ مورد ذكر مورداً للولاية مثلاً :
الصديق وليّ ، الجار وليّ ، الحليف وليّ ، الأب وليّ ، الله وليّ ،
ورسوله وليّ ، وهكذا في الموارد الأُخرىٰ من الأولياء.
هذا المعنىٰ موجود في جميع هذه الموارد ، وهو القيام بالأمر ،
هذا هو معنىٰ الولاية علىٰ ضوء كلمات علماء اللغة ، فلو تراجعون
كتب اللغة تجدون أنّ هذه الكلمة يذكرون لها هذا المعنىٰ الأساسي ،
وهذا المعنىٰ موجود في جميع تلك الموارد المتعددة مثلاً : الجار له
الولاية أي الجار له الأولويّة في أن يقوم بأمور جاره ، يعني لو أنّ
مشكلة حدثت لشخص فأقرب الناس في مساعدته في تلك
المشكلة والقيام بشؤون هذا الشخص يكون جاره ، هذا حقّ
الجوار ، مثلاً الحليف كذلك ، مثلاً الناصر أو الاخ ، هذه كلّها
ولايات ، لكن المعنىٰ الوحداني الموجود في جميع هذه الموارد هو
القيام بالأمر.
هذا بناء علىٰ أن تكون الولاية مشتركاً معنويّاً.
وأمّا إذا جعلنا الولاية مشتركاً لفظيّاً ، فمعنىٰ ذلك أن يكون
هناك مصاديق متعدّدة ومعاني متعدّدة للّفظ الواحد ، مثل كلمة
العين ، كلمة العين مشترك لفظي ، ويشترك في هذا : العين الجارية ،
والعين الباصرة ، وعين الشمس ، وغير ذلك كما قرأتم في الكتب
الأُصوليّة.
فالاشتراك ينقسم إلىٰ اشتراك معنوي واشتراك لفظي ، في
الدرجة الأُولىٰ نستظهر أن تكون الولاية مشتركاً معنويّاً ، وعلىٰ
فرض كون المراد من الولاية المعنىٰ المشترك بالاشتراك اللفظي ،
فيكون من معاني لفظ الولاية : الأحقية بالأمر ، الأولويّة بالأمر ،
فهذا يكون من جملة معاني لفظ الولاية ، وحينئذ لتعيين هذا المعنىٰ
نحتاج إلىٰ قرينة معيّنة ، كسائر الألفاظ المشتركة بالاشتراك
اللفظي.
وحينئذ لو رجعنا إلىٰ القرائن الموجودة في مثل هذا المورد ،
لرأينا أنّ القرائن الحاليّة والقرائن اللفظيّة ، وبعبارة أُخرىٰ القرائن
المقاميّة والقرائن اللفظيّة كلّها تدلّ علىٰ أنّ المراد من الولاية في
هذه الآية المعنىٰ الذي تقصده الإماميّة ، وهو الأولويّة والأحقيّة
بالأمر.
ومن جملة القرائن اللفظيّة نفس الروايات الواردة في هذا
المورد.
يقول الفضل ابن روزبهان في ردّه (1) على العلاّمة الحلّي رحمة
الله عليه : إنّ القرائن تدلّ علىٰ أنّ المراد من الولاية هنا النصرة ،
ف ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) ، أي إنّما ناصركم الله
ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة إلىٰ آخر الآية
المباركة.
فابن روزبهان يجعل الولاية بمعنىٰ النصرة ، والنصرة أحد
معاني لفظ الولاية كما في الكتب اللغويّة ، لكن الروايات أنفسها
ونفس الروايات الواردة في القضيّة تنفي أن يكون المراد من الولاية
هنا النصرة.
مثلاً هذه الرواية ـ وهي موجودة في تفسير الفخر الرازي ،
موجودة في تفسير الثعلبي ، موجودة في كتب أُخرىٰ (1) ـ : أنّ
__________________
(1) إحقاق الحقّ 2 / 408.
(2) تفسير الرازي11 / 25 ، تفسير الثعلبي ـ مخطوط.
النبيّ 6 لمّا علم بأنّ عليّاً تصدّق بخاتمه للسائل ، تضرّع إلى الله
وقال : « اللهمّ إنّ أخي موسىٰ سألك قال : ( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي
* وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي
وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ
نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا ) فأوحيت إليه :
( قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ ) (1) ، اللهمّ وإنّي عبدك ونبيّك فاشرح
لي صدري ويسّر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي عليّاً أُشدد به
ظهري ... » قال أبو ذر : فوالله ما استتمّ رسول الله 6 الكلمة حتّىٰ
هبط عليه الأمين جبرائيل بهذه الآية : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ )
إلىٰ آخر الآية.
فهل يعقل وهل يرتضي عاقل فاهم له أدنىٰ إلمام بالقضايا ،
وباللغة ، وبأُسلوب القرآن ، وبالقضايا الواردة عن رسول الله ، هل
يعقل حمل الولاية في هذه الآية مع هذه القرائن على النصرة ؟ بأن
يكون رسول الله يطلب من الله سبحانه وتعالىٰ أن يعلن إلىٰ الملأ ،
إلىٰ الناس ، بأنّ عليّاً ناصركم ، فيتضرّع رسول الله بهذا التضرّع إلىٰ
الله سبحانه وتعالىٰ في هذا المورد ، فيطلب من الله نزول آية تفيد