فلما اتى الى امير المؤمنين 7 قال له : جعلت فداك ، انظرني امرك واجمع اصحابك وانصارك ، فإنه ليس لك عند القوم إلا الحرب.
فقال 7 لاصحابه :
« ايّها الناسُ : صافوهم ولا تبدوهم البراز ، ولا ترموهم بالسهام ، ولا تضربوهم بالسيفِ ، ولا تطعنوهم بالرماحِ ، حتى يبدوكم فإذا هزمتموهم فلا تجهزوا على جريح ، ولا تقتلوا اسيراً ، ولا تتبعوا مولياً ، ولا تقبلوا شيئاً من اموالهم ، إلا ما تجدونه في معسكرهم من كراعٍ أو سلاحٍ أو عبيد أو إماء ، وما عدا ذلك فهو ميراثٌ لورثتهم » (1).
* * *
__________________
فقال لها ابن ام كلاب :
فمنكِ البداءُ ومنكِ الغِيَر
ومنكِ الرّياحُ ومنكِ المطَرْ
وانتِ أمرتِ بقتلِ الامامِ
وقلت لنا إنّهُ قد كَفَرْ
فهبنا أطعناكِ في قتلِهِ
وقاتِلُهُ عندنا من أمَرْ
ولم يسقط السقفُ من فوقنا
ولم ينكسف شمسنا والقمَرْ
وقد بايع الناس ذا تدرء
يزيلُ الشبا ويقيمُ الصّعرْ
ويلبس للحربِ اثوابها
وما من وفى مثلُ من قد غدرْ
انظر : الكامل في التاريخ 3 : 206.
(1) مروج الذهب 3 : 371.
مناشدة امير المؤمنين 7 الزبير بن العوام (1)
ثم انه 7 خرج على بغلةِ رسولِ اللهِ 6 ، ونادى بالزبير بن العوام ، فجاءهُ مكملاً بالسّلاح.
فقالت عائشة رضي الله عنها : واحزنكِ يا اسماء !
فقيل لها : إنّ علياً 7 خرج حاسراً من السلاح ، فطمأنت نفسها. فتقاربا حتى اختلفت اعناق خيلهما.
فقال امير المؤمنين 7 له : يا أبا عبدالله ، انما دَعَوتك لاذكرك حديثاً قال لي ولك رسول الله 6 : أتذكر يوماً رآك [ اي رسول الله 6 ] وانتَ تعنقني في بني عوف ، إذ قال لك : أتحبّ يا زبير علياً ؟
__________________
(1) ذكر ابن الاثير في الكامل 3 : 239 ، قال : فلما تراءى الجمعان خرج الزبير على فرس عليه سلاح ، وخرج طلحة فخرج إليهما عليّ [ 7 ] حتى اختلفت اعناق دوابهم ، فقال عليّ [ 7 ] : لعمري قد اعددتما سلاحاً وخيلاً ورجالاً ، إن كنتما اعددتما عند الله عذراً ، فأتقيا الله ولا تكونا ( كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ) ، الم أكن أخاكما في دينكما تحرمان دمي وأحرم دمكما ، فهل من حدث أحلّ لكما دمي ؟ قال : طلحة : ألبت على عثمان. قال [ 7 ] : ( يَوْمَئِذٍٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الحَقَّ ). يا طلحة ، تطلب بدم عثمان فلعن الله قتلة عثمان ! يا طلحة أجئت بعرس رسول الله 6 ، تقاتل بها وخبأت عرسك في البيت ! أما بايعتني ؟ قال : بايعتك والسيف على عنقي فقال [ 7 ] للزبير : يا زبير ما اخرجك ؟ قالت : انتَ ، ولا أراك لهذا الامر اهلاً ولا ولي به منا.
فقلت : اي والله إنّي لأحبه ، وما يمنعني يا رسول الله عن حبهِ وهو اخي وابنُ خالي.
فقال 6 لك : إنّك ستخرج عليه وانت ظالمٌ له !
قال : بلى ، قد كان ذلك !
فقال 7 : انشدك الله ثانياًً ، يوم جاء رسول الله 6 من عند بني عوف وانت معه آخذ بيدي ، فأستبقلته وسلمت عليه ، فضحك في وجهك ، وضحكت إليه ، فقلت له :
يا رسول الله ، لا يدع ابن ابي طالب زهوه.
فقال 6 لك : يا زبير ليس بعلي زهو ، ولتخرجن عليه وتحاربه وانت ظالم له.
قال : اللهم ، نعم لقد كان ذلك ، ولكني نسيتُ وما ذكرتني انسانيه الدهر !! ولو ذكرته لما خرجتُ عليك.
فكيف أرجع وقد التقت حلقتا البطان ، والله ان هذا هو العار الذي ليس له مثيل.
فقال 7 : يا زبير ارجع ، قبل ان تجمع العار والنار.
قال : اذن ، لامضين وانا استغفر الله تعالى ، فكر راجعاً وهو يقول هذه الابيات شعراً (1) :
اخترتُ عاراً على نارٍ مؤجَّجَةٍ
[ الى خلقٍ بها قوم من الطّين ] (2)
__________________
(1) مروج الذهب م 2 : 372.
(2) في مروج الذهب : ما إن يقوم لها خلق من الطين.
نادى عليٌّ بأمرٍ لستُ اجهلهُ
عارٌ لعمرك في الدّنيا وفي الدين
فقلتُ : حسبُك من عذلٍ ابا حسنٍ
فبعض هذا الذي قد قلت يكفيني
فقالت له عائشة 2 : ما خلفت وراءك يا با عبدالله ؟
قال : والله ، ما وقفت موقفاً ، ولا شهدتُ مشهداً في شركٍ ولا اسلام إلا ولي فيه بصيرةٌ ، وانا اليوم على شكٍ من أمري ، فما كدتُ ان ابصر موضع قدمي.
وقال له ابنهُ عبدُالله : يا ابتِ لقد رجعت الينا بغير الوجه الذي مضيتَ به عنّا.
قال : نعم والله ، لقد ذكرني عليٌّ [ 7 ] حديثاً عن رسول الله 6 قد انسانيه الدهر فلا حاجةَ لي في محاربته ابداً. فرجعتُ مستغفراً للهِ عزّوجلّ ، وتارككم منذ اليوم ، فيفعل الله ما يشاء.
قال : بلى ، انّي اراك فررت من عيون بني هاشم حين رأيتها تحت المغافر ، وبأيديهم سيوف حداد ، وتحملها فتية امجاد.
قال : ويلك ، يا بني اتهيجني على حربه ، اما اني قد حلفتُ ان لا أحاربه (1).
__________________
(1) روى الحارث بن الفضل عن عبدالله الاغر ، ان الزبير بن العوام قال لابنه يومئذٍ : ويلك ، لا تدعنا على حال ، انت والله قطعت بيننا وفرقت الفتنا بما بليتُ به من هذا المسير ، وما كنت متولياً من ولي هذا الامر واقام به ، والله لا يقوم احد من الناس مقام عمر بن الخطاب فيهم فمن ذا يقوم مقام عمر بن الخطاب ، وان سرنا بسيرة
فقال : كفر عن يمينك ، لئلا يتحدثنّ نساءُ قريش ، إنّك جبنتَ ، وما كنت بجبان.
قال : صدقت إذاً ، فغلامي مكحول هو حرٌّ كفارة عن يميني (1).
ثم انّه نصلَ سنان رمحه ، وكر راجعاً.
فقال امير المؤمنين 7 : أفرجوا له ، فأنه مُحرج.
فلم يزل يجول في المعركة يميناً وشمالاً ، يشقُّ الصفوف ، حتى اتى وادي السّباع ، ثمّ عاد الى أصحابه ، ثمّ حمل مرةً ثانيةً وثالثة ، فقال
__________________
عثمان قتلنا ، فما اصنع بهذا المسير ، وضرب الناس بعضهم بعض.
فقال له عبدالله ابنه : افتدع علياً يستولي على الامر ؟ وانت تعلم انه كان احسن اهل الشورى عند عمر بن الخطاب ، ولقد اشار عمر وهو مطعون يقول لاصحابه اهل الشورى : ويلكم أطمعوا علياً فيها لا يفتق في الاسلام فتقاً عظيماً ومنّوه حتى تجمعوا على رجل سواه.
انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 289.
(1) فقال عبد الرحمن بن سليمان التميمي :
لم أرَ كاليومِ أخا إخوانِ
أعجب مِن مُكفّر الايمانِ
انظر : الكامل في التاريخ 3 : 240.
وقال همام الثقفي في فعل الزبير وما فعل وعتقه عبده في قتال عليّ 7 :
أيعتق مكحولاً ويعصي نبيّه
لقد تاه عن قصد الهدى ثمّ عوّق
أينوي بهذا الصدق والبرّ والتقى
سيعلم يوماً من يبرّ ويصدقُ
لشتان ما بين الضلالة والهدى
وشتّان من يعصي النبيّ ويعتقُ
ومن هو في ذات الاله مشمر
يكبر برّاً وبه يصدقُ
أفي الحقّ أن يعصي النبيّ سفاهة
ويعتق من عصيانه ويطلّقُ
كدافق ماء للسراب يؤمّه
ألا في ضلال ما يصبّ ويدفقُ
انظر : نهج البلاغة 1 : 234. بشارة المصطفى : 247. بحار الانوار 32 : 205.
لابنه : ويلك ، اترى ما فعلتُ ، أهذا جبنٌ ؟
قال : حاشا ، لقد اعذرت بما فعلت.
قال [ المصنف في رواية اخرى ] :
فلما خرج امير المؤمنين 7 لطلب الزبير ، خرج حاسراً والزبير دارعاً مدججاً.
فقال له 7 : يا ابا عبدالله ، لعمري لقد اعددت سلاحاً وجنداً ، فهل اعددت لله عزّوجلّ بعذرٍ ؟
قال : ان مردنا الى الله عزّوجلّ يفعل ما يشاء.
فقال 7 : ( يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ الْمُبِينُ ) (1).
فكرّ عنه راجعاً نادما (2) ، ورجع امير المؤمنين 7 الى أصحابه فرحاً مسروراً.
فقالوا له : يا امير المؤمنين ، أتبرز الى الزبير حاسراً وهو مستعدٌ بالسلاحِ ، ألست تعلم بشجاعته ؟
قال : بلى ، ولكنّه ليس بقاتلي ، وانما يقتلني رجلٌ خامل الذكر غيلةً.
__________________
(1) النور 24 : 25.
(2) وقيل : انما عاد الزبير عن القتال لما سمع ان عمّار بن ياسر مع عليّ [ 7 ] ، وقد قال النبيّ 6 : ( يا عمّار تقتلك الفئة الباغية ). انظر : الكامل في التاريخ 3 : 240.
مقتل الزبير بن العوام
قال [ المصنف ] :
ولمّا انصرف الزبيرُ الى وادي السّباع (1) ، وكان به الاحنف بن قيس في جمع من بني تميم ، فأخبر به فرفع صوته ، وقال : ما معشر بني تميم هذا الزبير بن العوام فما أصنع به ؟ اما انه احق بالقتل.
__________________
(1) وادي السباع : جمع سبع ، الذي قُتل فيه الزبير بن العوام ، بين البصرة ومكة ، بينه وبين البصرة خمسة أميال.
معجم البلدان 5 : 343.
ذكر الشيخ المفيد 2 بعض ما روي في قتل الزبير بن العوام ، فقال : روى المفضل بن فضالة عن يزيد بن الهاد ، عن محمد بن ابراهيم ، قال : هرب الزبير على فرس له يدعى ( ذا الحمار ) حتى وقع بسفوان ، فمر بعبدالله بن سعيد المجاشعي ، وابن مطرح السعدي ، فقالا له : يا حواري رسول الله [ 6 ] انت في ذمتنا لا يصل إليك أحد ، فأقبل معهما فهو يسير مع الرجلين إذ أتى الاحنف بن قيس برجل فقال : أريد ان أسر اليك سراً ادن مني ، فدنا منه ، فقال : يا هذا الزبير قد هرب واني رأيته بين رجلين من بني مجاشع ومنقر اظنه يريد التوجه الى المدينة. فرفع الاحنف صوته وقال : ما اصنع ان كان الزبير قد القى الفتنة بين المسلمين حتى ضرب بعضهم بعضاً ، ثمّ هو يريد ان يرجع الى اهله الى المدينة سالماً ، فسمعه ابن جرموز فنهض ومعه رجل يقال له فضالة بن محابس ، وعلما ان الاحنف انما رفع صوته يذكر ابن الزبير لكراهته ان يسلم وإيثاره ان يقتل ، فأتبعاه جميعاً ، فلما رآهما من كان مع الزبير ، قالوا له : هذا ابن جرموز ، وانا نخاف عليك. فقال لهم الزبير : انا اكفيكم ابن جرموز وأنتم اكفوني ابن محابس ، فحمل عمير على الزبير وعطف عليه ، وقال يا فضالة أعنّي فإنّ الرجل قاتلي ، فأعانه وحمل ابن جرموز فقتله وأحتز رأسه.
انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 387.
قالوا : بلى والله ، فركب فرسه في الف فارس ، وتبعه عمرو بن جرموز ، [ و ] كان مشهوراً [ بالفروسية ] والشجاعة ، فوقف له الزبير وقال : ما شأنك ؟
قال : جئت لأسألك عن أمر الناس.
قال : تركتهم قياماً في الركب ، يضربُ بعضهم وجه بعضٍ بالسيف ! فسارا معاً يتحدثان ، وكل واحدٍ على حذرٍ من صاحبه حتى دخل وقتُ الصلاة.
فقال الزبير : يا هذا انا نُريد ان نُصلّي.
قال : احسنت فيما تقول ، إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً ، وقد أردتُ ان اقولَ لك ذلك.
قال : أفتؤمنني وأومنك.
قال : نعم.
فحولا عن خيلهما ، واسبغا الوضوء ، وقام الزبير للصلاة فشدّ عليه عمرو بن جرموز فقتله ، وجزّ رأسه ، وانتزع خاتمه وسيفه ، وحثا عليه التراب ، واتى بهم الى الاحنف بن قيس.
فقال له : والله ما ادري بك ، هل اسأت ام أحسنت ؟ ولكن اذهب بهم الى أمير المؤمنين 7 ، واخبره بخبرك ، فمضى إليه وأخبره.
فقال 7 له : « انت قتلته ؟ »
قال : نعم.
قال [ المصنف ; ] :
وفي كثير من الروايات انه لم يأتهِ بالرأس.
فقال 7 : « والله ما كان ابنُ صفية جباناً ولا لئيماً ، ولكن الحين ومصارع السوء » (1). ثمّ قال 7 : « ناولني سيفه » فناوله اياه ، فأخذه وهزّه ، ثمّ قال 7 :
« اما اني سَمعتُ رسول الله 6 يقول : بَشِّر قاتِل أبن صَفيةُ بالنار ».
وقال في حديث آخر : « الزبير وقاتله في النار ».
فخرج ابن جرموز خائباً وهو يقول هذه الابيات شعراً (2) :
اتيتُ عليّاً برأسِ الزبير
ابغي به عنده الزلفهْ
فبشر بالنّار يومَ الحساب
فبئس بشارةً ذي التحفهْ
فقلت له ان قَتلَ الزبير
لولا رضاك من الكلفهْ
فان ترضَ ذاكَ فمنك الرضا
ولا فدونك لي حلفهْ
وربّ المحلّين والمحرمين
ورب الجماعة والالفهْ
لسيّان عندي قتل الزبير
وضرطة عنز بذي الجحفهْ
ثم ان عمرو بن جرموز مضى عن امير المؤمنين 7 ، وخرج عليه مع اهل النهروان ، فَقُتِلَ مع من قتلِ منهم.
وفي رواية قال [ المصنف ; ] :
__________________
(1) طبقات ابن سعد 3 : 110 ، العقد الفريد 4 : 323 ، الفصول المختارة : 108.
(2) مروج الذهب م 2 : 373.
فبرز له عمرو بن جرموز فقتله ، وقيل الاحنف بن قيس ، فقال عمرو بن جرموز في قتله له هذه الابيات :
اتيتُ عليّاً برأسِ الزبير
لشتان عندي قتل الزبيرْ
فبشّر بالنّار يومَ الحساب
وبُشّرتُ بشارةً ذي التحفهْ
لشتّان عندي قتل الزبير
وضرطةُ نمر بذي الجحفهْ
مناشدة امير المؤمنين 7 طلحة بن عبيد الله
ثم ان امير المؤمنين 7 استدعى طلحة بن عبيدالله ، فقال له : انما دعوتك يا أبا عبدالله لأُذكرك ما قاله رسول الله 6 ، أما سمعته يقول : « اللهم والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ؟ »
وانت أوّل من بايعني ، ثمّ نكثت بيعتك لي ، وقد قال الله تعالى ( فمن نكث فأنما ينكث على نفسه ) (1) فقال : استغفر الله ، وكان امر الله قدراً مقدوراً.
فرجع وهو يقول هذه الابيات (2) :
ندمتُ وظلّ لحمي
ولهفي مثل لهف ابي وامي
ندمتُ ندامة الكُسَعيِّ
طلبتُ رضا بني جرم بزعمي
__________________
(1) الفتح : 10.
(2) مروج الذهب م 2 : 374.
قال [ المصنف ; ] :
ثم برز فقتله مروان بن الحكم (1) ، فقال 7 : انا لله وانا إليه راجعون ، والله لقد كنت اكره ان أراه صريعاً تحت بطون الكواكب ، والله انه لقد كان كما قال الشاعر : (2)
__________________
(1) ذكر الشيخ المفيد ( اعلا الله مقامه ) عدة روايات في قضية مقتل طلحة بن عبيدالله ، قال ; : وروى اسماعيل بن عبد الملك ، عن يحيى بن شبل ، عن جعفر بن محمد ، عن ابيه 7 ، قال : حدثني ابي عليّ زين العابدين 7 ، قال : قال لي مروان بن الحكم : لما رأيت الناس يوم الجمل قد كشفوا ، قلت : والله لادركن ثأري ولافوزن منه الان ، فرميت طلحة فأصبت نساه فجعل الدم ينزف ، فرميته ثانية فجاءت به ، فأخذوه حتى وضعوه تحت شجرة فبقي تحتها ينزف منه الدم حتى مات.
وروى ابن سليمان ، عن ابن خيثمة قال : قال عبد الملك بن مروان يوماً وقد ذكر عثمان وقتل طلحة : ولولا ابي قتله لم يزل في قلبي جرحه الى اليوم.
وقال عبد الملك : سمعت ابي يقول : نظرت الى طلحة يوم الجمل وعليه درع ومغفر لم أر منه إلا عينيه ، فقلت : كيف لي به ؟ فنظرت الى فتق في درعه فرميته فأصبت نساه فقطعته ، فأني انظر الى مولى له يحمله على ظهره موليا فلم يلبث ان مات.
وروى أبو سهل عن الحسن ، قال : لما رمي طلحة ركب بغلا ، وقال لغلامه :
التمس لي مكاناً أدخل فيه. فقال الغلام : ما أدري اين ادخلك. فقال طلحة : وما رأيت كاليوم أضيع من دم شيخ مثلي. وقال الحسن وكان امر الله قدرا مقدوراً.
قال الشيخ المفيد : فهذه الاخبار مختصرة صحيحة في مقتل طلحة بن عبيدالله طريقها من العامة من أوضح طريق ، وسندها اصح اسانيد ، وليس بين فيها اختلاف ، وكل ما يدل ان طلحة قتل وهو مصر على الحرب غير نادم ولا مرعو عن ذلك وفاقا لمذهب الحشوية ، وخلافا لمذهب المعتزلة ، وشاهدا ببطلان ما ادعوه من توبته.
انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 383 ، 384.
(2) مروج الذهب م 2 : 373.
فتىً كان يُدنيه الغنى من صديقه
إذا ما هو استغنى ويَبعِد الفقرُ
كان الثريَّا عُلُقت بجبينه
وفي خدّهِ الشعرا وفي جبينه البدرُ
نشوب القتال بين الفريقين
قال المسعودي (1) : وذكره ابنُ ابي الحديد ، ان اصحاب الجمل حملوا على ميمنة عسكر امير المؤمنين 7 حتى كشفوها على الميسرة ، فأتى بعض ولد عقيل الى امير المؤمنين 7 فوجده [ يخصف نعلاً ] (2) ، فقال له : يا أمير المؤمنين !
فقال 7 : « اسكت يا ابن اخي ، انّ لِعمّكَ يوماً لا يعدوه (3) ، والله لا يبالي عمّك [ وقع على الموت ام الموت وقع عليه ] (4) ،
قال : جعلت فداك ، ان القوم قد بلغت من القوم مرادها من ميمنتك حتى كشفتها على الميسرة بحيث لم تر ، [ وانت جالس تخصف نعلاً ] (5).
فقال 7 : اُسْكُت يا ابن اخي ، انّ لعمك يوماً لا يتعداه ، والله لا
__________________
(1) مروج الذهب م 2 : 375.
(2) في مروج الذهب : يخفق نعاساً على قربوس فرسه.
(3) في النسخة الخطية : لا بعده والصواب كما اثبت من مروج الذهب.
(4) في النسخة : على فرسه من سرجه ، وهذا تصحيف ربما من الناسخ والصواب كما ذكره المسعودي.
(5) في مروج الذهب : وانت تخفق نعاساً.
يبالي عمك أوقع على الموت أو الموت وقع عليه.
ثم انه 7 بعث الى صاحب الراية ، وهو ولده محمّد بن الحنفية (1) ، يأمره ان يحمل على القوم ، فأبطأ بالحملة عليهم ، وكان بأزائه [ قومٌ من الرماة قد نفذت سهامهم ] (2).
فأتاه 7 وقال له : « لِمَ لا حملت على القوم ؟ ».
قال : لم أجد متقدماً [ إلا الرماة ، وقد نفدت سِهامهم ] (3).
فضربه بقائِم سيفهِ ، وقال : [ ما ادركك عِرقٌ من ابيك ] (4).
أحمل بين الاسنة ، [ فإنّ الموت عليك جنة ] (5) ...
فحمل حتى شبك بين الرماح والسّهام ، وقد اخذ منه الراية وحمل عليّ 7 على القوم.
وطاف بنو ضبّة بالجمل وهم يرتجزون بهذه الابيات (6) :
__________________
(1) كان لمحمد يوم البصرة عشرون سنة لان ولادته سنة 16 للهجرة ، وتوفي سنة احدى وثمانين عن خمس وستين سنة.
اُنظر : تذكرة الخواص : 169 ، البداية والنهاية 9 : 38.
(2) في مروج الذهب : قوم من الرماة ينتظر نفاد سهامهم.
(3) في مروج الذهب : الا على سهم أو سنان ، واني منتظر نفاد سهامهم واحمل.
(4) في مروج الذهب : ادركك عِرق من امك.
(5) في مروج الذهب : فإنّ الموت أحب اليك من.
(6) ذكر المسعودي في مروج الذهب م 2 : 375 ، وطافت بنو ضبة بالجمل واقبلوا يرتجزون ويقولون :
نحن بنو ضبة اصحاب الجمل
ننازل الموت إذا الموت نزل
رُدُّوا علينا شيخنا ثمّ بَجَلْ
ننعي ابْنَ عفان بأطراف الاسل
والموت أحلى عندنا من العسلِ
نحن بنو ضبة اصحاب الجمل
ردوا علينا شيخنا ثمّ حبل
عثمان ردوه علينا بأطراف الاسل
الموت أحلى عندنا من العسل
وكانوا بنو ضبّة سبعين رجلاً ، فكلّما لزم خطامَ الجمل رجل منهم قطعت يداه (1) ، حتى لم يبق منهم أحد وعرقب الجمل ، ولم يقع حتى قطعت قوائمه الاربع ، فأخذوه بالسيوف قطعاً ، وكان المعرقب له أبو جعدة بن غوبة الانصاري.
فمن قتل عنده محمد بن طلحة السجّاد (2) ، قتله عاصمُ بن الغيث ،
__________________
(1) قال المسعودي : قطع على خطام الجمل سبعون يداً ، من بني ضبة منهم سعد بن سود القاضي متقلداً مصحفاً ، كُلما قطعت يد واحد منهم فصُرع قام آخر فأخذ الخطام وقال : انا الغلام الضبي.
وذكر ابن الاثير : ربيعة العقيلي من اصحاب الامام علي 7 برز الى العدوي بعد ان تولى زمام الجمل ، فبرز له العقيلي وهو يقول :
يا اُمّنا أعقَّ أمٍ نعلمُ
والأمُّ تغذو ولداً وترحمُ
ألا ترين كم شجاعٍ يُكلمُ
وتُحتلى منه يدٌ ومعصمُ
انظر : الكامل في التاريخ 3 : 248.
(2) ذكر ابن الاثير في الكامل في التاريخ 3 : 249 ، وكان ممن أخذ بزمام الجمل محمد بن طلحة ، وقال : يا امّتاه مريني بأمرك. قالت : آمرك ان تكون خير بني آدم ان تركت ، فجعل لا يحمل عليه احد الا حمل عليه ، وقال : حاميم لا ينصرون ، واجتمع عليه نفر كلهم ادعى قتله ، المكعبر الاسدي ، والمكعبر الضبي ، ومعاوية بن شداد ، وعفار السعدي النّصري ، فأنفذه بعضهم بالرمح ، ففي ذلك يقول :
وأشعَثَ قوّامٍ بآياتِ رَبّهِ
قليل الاذى فيما ترى العينُ مسلمِ
هتكتُ له بالرمح جيبَ قميصهِ
فخرّ صريعاً لليدينِ وللفمِ
يذكّرني حاميم والرّمحُ شاجرٌ
فهلا تلا حاميم قبل التقدمِ
على غير شيءٍ غير ان ليس تابعاً
علياً ومن لا يتبعِ الحقّ يندمِ
وطلحةُ بن عبد الله.
قال [ المصنف ; ] :
فجاء خُزيمة بن ثابت ذو الشهادتين الى امير المؤمنين 7 ، وقال : جعلتُ فداك ، لا تنكس رأس محمد ، فأردد الراية إليه ، فدعاه وردها عليه ، فأخذها وقال :
أطعن بها طعن ابيك تحمدِ
لا خير في الحرب إذ لم توقدِ
بالمشرفي والقنا المسددِ
قال : والذي قتل من اصحاب الجمل ستة عشر الف وسبعمائة وسبعون رجلاً (1) ، والذي قتل من أصحاب امير المؤمنين أربعة آلاف رجل وقيل ان عبدالله بن الزبير قبض على خطام الجمل ، فصرخت به عائشة 2 تقول : واثكل اسماء !
__________________
(1) ذكر المدائني أنه رأى بالبصرةِ رجلاً مصطلم الاذن ، فسألته عن قصته ، فذكر أنه خرج يوم الجمل ينظر الى القتلى ، فنظر الى رجل منهم يخفض رأسه ويرفعه وهو يقول :
لقد أوردتنا حومة الموتِ أُمُّنا
فلم تنصرف إلا ونحن رَواءُ
أطعنا بني تيمٍ لشقوة جدنا
وما تيم إلا أعبدٌ وإماءُ
فقلت : سبحان الله ! أتقول هذا عند الموت ؟ قل لا اله الا الله ، فقال : يا ابن اللخناء ، إياي تأمر بالجزع عند الموت ؟ فوليت عنه متعجباً منه ، فصاح لي ادنُ مني ولقّنّي الشهادة ، فصرتُ إليه ، فلما قربت منه استدناني ، ثمّ التقم أذني فذهب بها ، فجعلت ألعنه وأدعو عليه ، فقال : إذا صرت الى امك فقالت مَنْ فعل هذا بك ؟ فقل : عمير بن الاهلب الضبي مخدوع المرأة التي أرادت ان تكون امير المؤمنين.
انظر : مروج الذهب م 2 : 379.
خلِّ عن الخطام ودونك القوم ، خلاه والتقى بمالك النخعي الاشتر ، فاعتركا ملياً حتى سقطاً الى الارض ، فعلاه مالك بالسيف ، فلم يجد له سبيلاً الى قتلهِ ، وعبدالله ينادي من تحته :
اقتلوني ومالكاً واقتلوا مالكاً معي.
فلم يجبه أحد ، ولا احد يعلم من الذي يعنيه لشدة اختلاط الناس ببعضهم ، وثور النقع ، فلو قال اقتلوني ومالك الاشتر ، لقتلا جميعاً (1) ، فقال مالك هذه الابيات (2) :
أعايشُ لَوْلا أنني كُنتُ طاوياً
ثلاثاً لالفَيتِ ابْنَ أختِكِ هالِكاً
غداة يُنادي والرماحُ تنُوشُهُ
كوقعِ الضَياحي اُقتُلُوني ومالِكاً
فنجاه منّي أكلُه (3) وشبابُهُ
وأنّي شيخٌ لم اكُنْ مُتماسَكاً
__________________
(1) الكامل في التاريخ 3 : 251.
(2) ذكره الشيخ المجلسي في بحار الانوار 32 : 192 ، وزاد فيه
فلم يعرفوه إذْ دعاهم وغمّهُ
خدبٌّ عليه في العَجاجَةِ باركاً
وذكر المناسبة التي قال فيها مالك الاشتر هذه الابيات ، قال :
فلما وضعت الحرب أوزارها ، ودخلت عائشة الى البصرة ، دخل عليها عمّار بن ياسر ومعه الاشتر ، فقالت : من معك يا ابا اليقظان ؟ فقال : مالك الاشتر.
فقالت : انت فعلت بعبدالله ما فعلت ؟ فقال : نعم ولولا كوني شيخاً كبيراً وطاوياً لقتلته وأرحت المسلمين منه. قالت : أوما سمعت قول النبيّ ( 9 ) : ان المسلم لا يقتل إلا عن كفر بعد ايمان ، أو زنى بعد أحصان ، أو قتل النفس التي حرم الله قتلها ؟
فقال : يا ام المؤمنين على أحد الثلاثة قاتلناه ، ثمّ انشد الشعر.
انظر : بحار الانوار 32 : 191.
(3) في الاصل : سيفه والصواب كما ورد في بحار الانوار.
ولمّا سقط الجمل بالهودج ، انهزم القوم عنهُ ، فكانوا كرمادٍ اشتدت به الريح في يوم عاصف (1).
فجاء محمدُ بنُ ابي بكر 2 وادخل يده الى اختهِ ، فقالت له : من هذا المتهجم على حرم رسول الله 6 ؟
قال : انا اقرب الناس اليك ، وابغضهم لكِ ، انا أخوك محمد بعثني اليك أمير المؤمنين ، يقول لك ، هل اصابك شيء من السلاح ؟
__________________
(1) قال الشيخ المفيد ; : ولمّا رأى أمير المؤمنين 7 جُرأة القوم على القتال وصبرهم على الهلاك ، نادى أصحاب ميمنته ان يميلوا على ميسرة القوم ، ونادى اصحاب ميسرته ان يميلوا على ميمنتهم ، ووقف 7 في القلب فما كان بأسرع من ان تضعضع القوم ، واخذت السيوف من هاماتهم مأخذها ، فأنكشفوا وقد قتل منهم ما لا يحصى كثرة ، واصيب من اصحاب امير المؤمنين نفرٌ كثير ، وأحاطت الازَدُ بالجمل يقدُمُهُم كعبُ بن سُور ، وخطام الجمل بيده ، واجتمع إليه من كان أنفل بالهزيمة ونادت عائشة :
يا بنيَّ الكرَّة الكرةَّ ! اصبروا فإنّي ضامنةٌ لكم الجنّة ؛ فحفُّوا بها من كل جانب واستقدموا بُردة كانت معها ، وقلبت يمينها على منكبها الايمن الى الايسر ، والايسر الى الايمن ، كما كان رسول الله 6 يصنع عند الاستسقاء ؛
ثم قالت : ناولوني كفاً من تُرابٍ ؛ فناولوها ، فحثت به وجُوه أصحاب امير المؤمنين 7 وقالت : شاهت الوُجُوهُ ! كما فعل رسول الله 6 بأهل بَدْرٍ ، قال : وجرَّ كعبُ بنُ سُورٍ بالخطام ، وقال : اللهم إن تحقن الدِماءَ وتُطفي هذه الفتنة فاقْتُلْ علياً ، ولما فعلت عائشة ما فعلت من قلب البرد وحصبِ اصحاب أمير المؤمنين 7 بالتراب ، قال 7 :
« ما رَمَيْتِ إذ رَمَْتِ يا عائشةُ ولكنّ الشيطانَ رمى وليعُودنَّ وبالُكِ عليك إنْ شاء الله ».
انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 328 ، الفتوح م 1 : 484.
قالت : ما اصابني إلا سهم لم يضرّني (1).
ثم جاء إليها امير المؤمنين 7 بذاته ، حتى وقف عليها ، وضرب الهودج بالقضيب ، وقال :
« يا حميراء ! هل رسول الله 6 أمرك بهذا الخروج عليّ ؟ ألم يأمرك ان تقري في بيتك ؟ والله ما انصفكِ الذين أخرجوكِ من بيتكِ ، إذ صانوا حلائلهم وابرزوكِ !! »
ثم انه 7 أمر اخاها محمداً ان يُنزلها في دار آمنة بنت الحارث [ ابن طلحة الطلحات ] ، فرفع الهودج وجعل يضرب الجمل بسيفهِ.
[ امير المؤمنين 7 يأمر بأعادة عائشة الى المدينة ]
قال المسعودي (2) : ثمّ انّ اميرَ المؤمنين 7 بعث عبدالله بن العبّاس الى عائشة يأمرها بالذهاب الى المدينة المنورة ، فدخل عليها بغير اذنها ، فاجتذب وسادةً وجلس عليها.
فقالت له : يا ابن عباس ، لقد أخطأت السُّنة المأمور بها بدخولك
__________________
(1) روى بن ابي سبرة عن علقمه ، عن امه ، قال : سمعت عائشة تقول : لقد رأيتني يوم الجمل وانّه على هودجي الدروع الحديدية ، والنبل يخلص اليّ منها وانا في الهودج ، فهوّن ذلك عليّ ما صنعنا بعثمان ، ألبنا عليه حتى قتلناه ، وجرينا عليه الغواة ، فنعوذ بالله من الفرقة بين المسلمين.
انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 381.
(2) مروج الذهب م 2 : 376.
علينا بغير اذنٍ منّا ، وجلوسك على رَحْلِنا بغير إذننا (1) !
فقال : نعم ، لو كُنْتِ في البيتِ الذي تَرَكَكِ فيهِ رسول الله 6 لما دخلتُ (2) عَلَيكِ إلا بأذنِكِ ، ولا جلستُ (3) على رَحْلِكِ إلا بأمركِ ، بعثني امير المؤمنين 7 إليك يَأمُركِ بسُرعة الاوبة ، والتأهب للذهاب الى المدينة.
قالت : أبَيتُ عمّا قلت ، وخالفتُ امرَ من وصفت (4) ، فمضى إليه واخبره بأمتناعها ، [ فبعثه 7 إليها ثانية ] (5) ، وقال : ان امير المؤمنين يعزم عليك ان ترجعي (6).
فأمنعت بالاجابة للامر فجهزها 7 ، واتاها في اليوم الثاني ، ومعه بنوه الحسنُ والحسين واولاده جميعاً واخوته وبنو هاشم (7) ، فدخلوا عليها فلما [ ابصرته صاحت مع من عندها من النسوة ] (
في وجهه 7 ، يا قاتل الاحبة !
فقال 7 : « لو كنت قاتل الاحبةِ لقتلتُ من في هذا البيت ».
__________________
(1) في مروج الذهب : وجلست على رحلنا بغير امرنا.
(2) في مروج الذهب : دخلنا.
(3) في مروج الذهب : جلسنا.
(4) في مروج الذهب : وخالفت ما من وصفت.
(5) في مروج الذهب : فرده إليها.
(6) في مروج الذهب : وقال : قل لها : ان أبيتِ عمّا قلتُ لكِ ، ما تعلمين.
(7) في مروج الذهب : وغيرهم وشيعته من همدان.
(
وفيه أيضاً : ابصرت به النسوان صحن.
وهو يشير الى احدِ تلك البيوت ، قد اختلى فيه مروان بن الحكم ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عامر ، [ وجماعة من بني اميّة ] (1) ، فضرب كل من كان معه على قائم سيفهِ ، لما علموا منه 7 ، مخافة من خروجهم عليهم فيغتالونهم.
فقالت عائشة [ بعد كلام بينهما ] (2) : قد صار ما صار ، فأحب الآن ان اقيمَ معك لعلي اسيرُ لقتال عدوك.
فقال : « بل ارجعي الى البيت الذي ترككِ فيه رسول الله 6.
فسألته ان يؤمن ابن اختها عبدالله بن الزبير ، فأمنه ، وتكلم الحسن والحسين 8 في مروان ، فأمنه (3).
فقالت : والله ، اني قد ازددت يا ابن ابي طالب كرباً ، ووددت اني
__________________
(1) سقطت من مروج الذهب.
(2) في مروج الذهب : بعد خطب طويل كان بينهما.
(3) في مروج الذهب م 2 : 378 وأمن الوليد بن عقبة وولد عثمان وغيرهم من بني اميّة ، وأمّن الناس جميعاً ، وقد كان نادى يوم الوقعة ، من ألقى سلاحه فهو آمن ، ومن دخل داره فهو آمن.
وخرجت امرأة من عبد القيس تطوف في القتلى ، فوجدت ابنين لها قد قتلا ، وقد كان قُتل زوجها وأخوان لها فيمن قتل قبل مجيء عليّ البصرة ، فأنشأت تقول :
شهدت الحروب فشيبتني
فلم أر يوماً كيوم الجمل
أضرّ على مؤمنٍ فتنةً
وأقتله لشجاع بطل
فليت الظعينة في بيتها
وليتك عسكر لم ترحل
مروج الذهب م 2 : 378.
لم اخرج هذا المخرج ، ولقد علمت بما قد اصابني فيه.
وقال له مروان بن الحكم : يا امير المؤمنين ، اني احبّ ان ابايعَكَ ، واكون في خدمتك !
فقال 7 : « اولم تبايعني ، بعد ان قتل عثمان ، ثمّ نكثت ، فلا حاجة لي ببيعتك ، انها كف يهودية.
لو بايعني بيده لغدر بأسته ، اما ان له امرةً كلعقة الكلب انفه ، وهو ابن الاكبش الاربعة ، وستلقى الامة منه ، ومن ولده يوماً احمر ».
قال المسعودي : ولمّا توجهت عائشة 2 الى المدينة ، بعث امير المؤمنين 7 معها اخاها عبد الرحمن بن ابي بكر (1) ، وثلاثين رجلاً ، وعشرين امرأةً من ذوات الدّين من آل عبد قيس وهمدان ، ولزم عليهم بخدمتِها (2) ، فلما وصلت المدينة ، قيل لها : كيف رأيت مسيرك وما صنع معكِ عليّ 7 ؟
قالت : والله ، لقد كنت بخير ، ولقد اجاد ابن ابي طالب واكثر بالعطاء (3) ، [ ولكنّه بعث معي رجالاً انكرتهم ، فعرفها النسوة امرهن ،
__________________
(1) مروج الذهب م 2 : 379.
(2) في مروج الذهب : ألبسهن العمائم وقلدهن السيوف ، وقال لهن : لا تعلمن عائشة أنكن نسوة وتلثمن كأنكن رجال.
(3) في مستدرك احقاق الحقّ وبالاسناد عن العوام بن حوشب قال : حدثني ابن عمّ لي من بني الحارث بن تيم الله يقال له مجمع قال : دخلت مع أمي على عائشة.
فسجدت وقالت : ما ازددت والله يابن ابي طالب الا كرماً ، ووددت اني لم اخرج ، وان اصابتني كيت وكيت من امور ذكرتها ] (1).
قال [ المصنف ; ] ؛ ومن كلام امير المؤمنين 7 ، لما أظفره الله تعالى على اصحاب الجمل ، بعد ان حمد الله عزّوجلّ واثنى عليه ، صلى على النبيّ 6 ، قال : « اما بعدُ ، ايّها الناسُ :
انّ الله عزّوجلّ ، ذو رحمةٍ واسعةٍ ، ومغفرةٍ دائمة ، وعفوٍ جم ، وعقابٍ اليمٍ ، قضى ان رحمتهُ وسعت كل شيء ، ومغفرتهُ لأهل طاعتهِ من خلقه ، وبرحمتهِ اهتدى المهتدون ، وقضى ان نقمتهُ وسطواته وعقابهُ على اهل معصيته من خلقه ، وبعد الهُدى والبينات ما ضلّ الضّالُّون ، فما ظنكم يا اهل البصرة وقد نكثتُم بيعتي ، وظاهرتُم على عدوِّي (2) ». « وقمتُ بالحجةِ واقلتُ العثرة ، والزلة من اهل الردة ،
__________________
فسألتها امي قالت : كيف رأيت خروجك يوم الجمل ؟ قالت : انه كان قدراً من الله تعالى. فسألتها عن علي قالت : سألتني عن أحب الناس كان الى رسول الله 6. لقد رأيت علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً وقد جمع رسول الله 6 لفوعاً عليهم ثمّ قال : هؤلاء اهل بيتي وخاصتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
انظر : احقاق الحقّ 2 : 546.
(1) نص ما ذكره المسعودي في مروج الذهب وقد سقط من النسخة.
(2) الارشاد 1 : 257 ، بحار الانوار 32 : 230 ، « خطبة الامام 7 المحصورة بين الاقواس كما جاء في الارشاد وبحار الانوار ».
اما ما زاده المصنف وقد حصرناه أيضاً بين قوسين فهو ما ورد في كتاب الامام عليّ 7 الى اهل الكوفة عندما تحقق النصر على اصحاب الجمل وفتح البصرة ، وربما وقع المصنف في وهمٍ ، فنبهنا عنه ».
فأستتبت من نكث فيهم بيعتي ، فلم يرجع عمّا اصرّ عليه ، فقَتل الله تعالى من قتل منهم الناكث ، وولى الدبر الى مصيرهم بشقائِهم ، فكانت المرأة عليها اشأم من ناقة الحجر ، فخذلوا وأدبروا دبراً ، فقطعت بهم الاسباب فلما حَل بهم ما قدروا سألوني العفو ، فقبلتُ منهم القول وغمدتُ عنهم السيف ، واجريت الحقّ والسنّة بينهم ، واستعملت عبدالله بن العبّاس عليهم » (1).
فقام إليه رجل منهم ، وقال : نظُنُّ خيراً ، ونراك قد ظفرت وقدرت ، فإنّ عاقبت فقد اجترمنا ذلك ، وان عفوت [ فأنت محلُ العفو ، والعفو أحبُّ الى الله عزّوجلّ ، والينا ] (2).
فقال 7 : « قد عفوتُ عنكم ، فإيّاكم والفتنة فأنها أشدّ من القتل ، فأنّكم اوّل الرّعيةِ لنكث البيعة ، وشقَّ عصا هذه الامة » (3).
__________________
(1) لم تردك تكملة الخطبة في الارشاد أو في بحار الانوار.
(2) في الارشاد : وإن عفوت فالعفو أحبُّ الى الله.
(3) قال الواقدي : ولما فرغَ امير المؤمنين 7 من أهل الجمل جاءهُ قومٌ من فتيان قريش يسألونه الامان وأن يقبل منهم البيعة ، فأستشفعوا إليه بعبدالله بن عباس ، فشفعه وأمرهم في الدخول عليه ، فلما مثلوا بين يديه قال لهم : « ويلكم يا معشر قريش علام تقاتلونني ! على أنْ حكمت فيكم بغير عدلٍ ! أو قسمت بينكم بغير سويّةٍ ! أو استأثرت عليكم ! أو تبعدي عن رسول الله 6 ، أو لقلة بلاءٍ في الاسلام ! ». فقالوا : يا امير المؤمنين نحن إخوة يوسف 7 فأعفُ عنّا ، واستغفر لنا ، فنظر الى أحدهم فقال له : « من انت ؟ ». قال : أنا مساحق بن مخرمة معترف بالزلة ، مقرٌّ بالخطيئة ، تائب من ذنبي. فقال 7 : « قد صفحت عنكم ». وتقدم إليه مروان بن
ثم جلس ، فأتاه الناس وبايعوه.
من كلامه 7 حين قتل طلحة وانفضّ اهل البصرة
ومن كلامه 7 ، لمّا طاف على القتلى يوم الجمل ، قال الشيخ المفيد ; في ارشاده (1) :
قال امير المؤمنين 7 : « بنا [ تسنّمتم ] (2) الشرف ، وبنا [ انفجرتم ] (3) عن السّرار ، وبنا اهتديتم في الظلماءِ ، [ وقر ] (4) سمعٌ لم يفقهِ الواعية للنبأة كيف يُراعُ من أصمَّتهُ الصَّيحةُ ، رُبط جنانُ لم يُفارقهُ الخَفَقان ، ما زَلتُ أتوقعُ بكم عواقِبَ الغدْر ، وأتوسَّمكم بحيلةِ المغترِّين ، سترني عنكم جلبابُ الدّينِ ، وبصَّرنيكم صدق النية ، اقمت لكم الحقّ حيث تعرفون ، ولا دليل وتحتفرون ولا تُميهون (5) اليوم ،
__________________
الحكم وهو متكئ على رجل ، فقال 7 : « أبك جراحة ؟ ». قال : نعم يا امير المؤمنين وما أراني لما بي إلا ميتاً ! فتبسم أمير المؤمنين 7 وقال : « لا والله ما انت لِما بك ميّتٌ ، وستلقى هذه الامة منك ومن ولدك يوماً أحمر ».
انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 413.
(1) الارشاد 1 : 253 ، بحار الانوار 32 : 236 ح 190.
(2) في النسخة : اكتسبتم ، والصواب كما جاء في الارشاد.
(3) في النسخة : افتخرتم من السراء.
(4) في النسخة : وقرع.
(5) أماه الحافر يميه : إذا أنبط الماء ووصل إليه عند حفره البئر.
انظر : الصحاح ـ موه ـ 6 : 225.
نطق لكم العجماء ذات البيان ، عزبَ فهمّ امرءٍ تخلف عني ، ما شككت في الحقّ منذ أريته ] (1) ، كان بنو يعقوب على المحجة العظمى حتى عقوا اباهم ، وباعوا أخاهم ، وبعد الاقرار كانت توبتهم ، وباستغفار ابيهم واخيهم غُفِرَ لهم ».
من كلامه 7 عندما طاف بالقتلى (2)
« هذه قُرَيْشٌ ، جَدَعْتَ أنفي ، وشَفَيْتَ نَفْسي ؛ لقد تقدَّمتُ اليكم (3) احذِّرُكم عضَّ السّيوفِ ، فكُنتُم أَحداثاً لا عِلمَ لكم بما تَرونَ ، [ فَناشَدتُكم العهدَ والميثاق ، فتماديتُمْ في الغي والطُغيان ، وأبيتُمْ إلا القتالَ ، فناهضتُكمْ بالجهادِ ] (4).
ولكنَّه الحَيْنُ (5) وسُوء المَصرع ، فأَعوذُ بالله مِن سوء المصرع ».
فمرَّ 7 [ بمعبد بن المقداد ] (6) ، فقال 7 :
« رَحِمَ الله أبا هذا ، أَمَا إنّه لو كان حيّاً لكانَ رأيُهُ أحسن من رأي هذا ».
__________________
(1) في النسخة : رأيته.
(2) انظر : الارشاد 1 : 254 ـ 256 ، بحار الانوار 32 : 207 ح 163. مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 391 ، 392 ، 394.
(3) سقطت من النسخة الخطية واثبتناها من الارشاد.
(4) سقطت من الارشاد.
(5) الحين : الهلاك.
(6) في الاصل : سعيد ، وصوابه كما في الارشاد.
فقال عمّار بن ياسر : الحمدُللهِ الذي [ رَفَعَكَ ] (1) يا امير المؤمنين (2) ، وجَعَلَ خدَّهُ الأسفلَ ، إنّا واللهِ يا أميرَ المؤمنين [ ما نُبالي مَنْ عَنَدَ عَنِ الحقِّ مِنْ ولَدٍ ووالدٍ. فقال أميرُ المؤمنين ] (3) : « رحمِكَ اللهُ وجَزاكَ عنِ الحقِّ خيراً ».
ثم انه 7 مرّ بعبدِاللهِ بن رَبْيعَة بن دَرَّاجٍ ، فقال 7 : « هذا البائسُ ما كانَ أخرجَهُ ؟ أدينُ أخرجهُ أمْ نَصْرٌ لعُثمان ؟! واللهِ ما كان رأيُ عُثمان فيهِ ولا في [ ابيه ] (4) لحسنٍ ».
ثمَّ إنهُ 7 مرّ بمَعْبدِ بن زُهَير بن أبي اميّة (5) ، فقال 7 : « لو كانت الفتنةُ برأسِ الثريّا لَتَنَاولها هذا الغُلامُ ، واللهِ ما كان فيها بذي نحيزة (6) ، ولقد أخبرني مَنْ أَدركهُ إنّه لَيُولْولَ فرقاً من السَّيف ».
ثم مرّ 7 بمسلمة بن قَرَظَةَ ، فقال 7 : « البرُّ أخرجَ هذا ! والله لَقد كلَّمني أن أكلِّمَ له عُثمانَ في شيءٍ كان يدَّعيه قَبلَهُ بمكة ، [ فأعطاهُ
__________________
(1) في الارشاد : أوقعه.
(2) سقط من الارشاد.
(3) سقطت من النسخة واثبتناها من الارشاد.
(4) في النسخة : ابنه.
(5) في الاصل ( اميّة ) ، والصواب هو : معبد بن زهير بن ابي اُميّة بن عبدالله بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي ابن أخي ام سلمة زوج النبيّ 6.
انظر : اسد الغابة 4 : 391 ، الاصابة 3 : 479/4327.
(6) النحيزة : الطبيعة. الصحاح ـ نحز ـ 3 : 898.
ايّاه ] (1) ، ثمّ قال [ لي ] (2) لَولا أنتَ ما اعطيتهُ [ اياه ] (3) ، إنّ هذا [ ما علمت ] (4) بئسَ أخو العشِيرةِ ، ثمّ جاءَ المشُومُ لِلحَين (5) ، [ ناصراً يُطالب دم عُثمان ] » (6).
ثمَّ مرّ 7 بعبدِاللهِ بن حميدِ بن زُهَير ، فقال 7 : « إنّ هذا أيضاً ممّن أوضَعَ في قتالنا ، [ ثمّ أنَّه يزعمُ إنّهُ يطلبُ رِضاءَ اللهِ بذلك ] (7) ، ولقد كَتَبَ اليَّ كتاباً يُؤذي عُثمان فيه ، فأعطاهُ شيئاً فَرضِي عنه ».
ثمَّ مَرّ 7 بعبداللهِ بن حَكيم بنِ حزام ، فقال 7 : « إنَّ هذا قد خَالفَ أباه في الخروج ، وأبوهُ حيثُ لم ينصُرنا وقد أَحسن في بيعته لنا ، وإن كان قد كَفَّ وجَلسَ حيثُ شكَّ في القتال ، وما ألوم اليوم مَنْ كفَّ عنّا وعن غيرنا ، ولكنَّ [ اللوم على ] (
الذي قاتلنا ».
ثمَّ مرّ 7 بعبدالله بنِ المغيرةِ بن الأخْنَس بن [ شريق ] (9) ،
__________________
(1) في الارشاد : فأعطاه عثمان.
(2) سقطت من الارشاد.
(3) سقطت من الارشاد.
(4) في النسخة الخطية : اما علمت ان هذا ، والصواب كما اثبت من الارشاد.
(5) في النسخة الخطية : لحينه.
(6) في الارشاد : ينصر عثمان.
(7) في الارشاد : زعم يطلب الله بذلك.
(
في الارشاد : المليم.
(9) سقطت من الارشاد.
فقال 7 : « وأما هذا [ فقتل ابوه ] (1) يَوم قُتِلَ عُثمان [ في الدار ] (2) خَرَجَ مُغْضَباً لقتلَ أبيهِ ، وهو غُلامٌ حَدَثٌ [ حينَ قتله ] (3) ».
ثم مرَّ 7 [ بعبدالله بن عُثمان ] (4) بن الأخْنَس بن شريق ، فقال 7 : « وأمَّا هذا فكأنّي أنظُرُ إليه ، وقد أخذ القومَ السُّيوفُ هارباً يغدو من الصَّفِّ ، [ فَنْهنَهْتُ ] (5) عنهُ فلم يَسمعْ مَنْ [ نَهْنَهْتُ ] (6) ، حتى قتل ، وكان هذا ممّا خَفِيَ على فتيان قُريش ، أغمار لا عِلمَ لهم بالحربِ ، خُدِعوا [ واستُزِلُّوا ] (7) ، فلمّا وقفوا [ وَقَعوا ] (
فقتلوا ».
ثمَّ مرَّ 7 [ بكَعبِ بن سُور ] (9) ، فقال 7 : « وأمّا هذا الَّذي خَرَجَ علينا ، وفي عُنُقِه المُصحَفُ ، يزعُمُ أنّه ناصرُ [ أمِّهِ ] (10) ، يدعو الناسَ الى ما فيه وهو لا يعلَمُ بما فيهِ ، ثمَّ استفتح [ وخابَ كُلّ ] (11) جبّار عَنيدٍ ، أمَّا
__________________
(1) سقطت من المخطوطة واثبتناها من الارشاد.
(2) سقطت أيضاً واثبتناها من الارشاد.
(3) في النسخة : حين قتل ، والصواب كما في الارشاد.
(4) في النسخة الاصلية : عبدالله بن ابي عثمان ، وهذا تصحيف ربما من الناسخ واثبتت الصواب من الارشاد.
(5) في النسخة الاصلية : فنهيت.
(6) في النسخة كلمة مبهمة ويحتمل من تصحيفات الناسخ.
(7) في النسخة : يستنبزوا.
(
في النسخة الكلمة غير واضحة واثبتناها من الارشاد.
(9) في النسخة : كعب بن ثور ، وهو تصحيف والصواب كما في الارشاد.
(10) سقطت من النسخة واثبتت من الارشاد.
(11) في النسخة [ وجاء معه ] وهو تصحيف والصواب كما في الارشاد.
إنه دعا الله أَن يقتُلني فقتلهُ اللهُ تعالى ».
أجلِسُوا [ كَعبَ بن سُورٍ ] (1) فأجلسَ ، فقالَ لَهُ 7 : « يا كعبُ ، قد وَجدْتُ ما وَعَدَني ربي حَقّاً ، فَهَل وَجدْتَ ما وَعَدَك ربُّكَ حقّاً ؟ ».
ثم قال 7 : « أضجعُوهُ ».
ثمَّ مرّ 7 بطلحة بن عُبيدِاللهِ (2) ، فقال 7 : « وأمَّا هذا فَهو النّاكثُ لبيعتي ، والمُنْشئ الفِتنَة في الأمّةِ ، والمُجلُبِ عَلَيَّ ، والدّاعي إلى قَتْلي وقتل عترتي ».
اجلسوا [ طلحة بن عبيدالله ] (3) فأُجلِس ، ثمَّ قالَ 7 له : « يا طلحة ، قد وجدْتُ ما وَعَدَني ربّي حقّاً ، فهلْ وجدْتَ ما وَعَدَك ربُّكَ حقّاً ؟! » ثمّ قال 7 : « أضجعُوه » ، فأُضجع.
وسارَ 7 ، فقالَ لهُ بعضَ أصحابه : يا امير المؤمنين ، رأيتك تُكلّمُ كعباً وطلحة بعد أنْ قُتِلا ، فَهل يفْقَهان ما قلت لهُما ؟!
فقال 7 : « [ أمَ ] (4) وَاللهِ ، إنّهما لقد سَمِعا كلامي ، كما سَمِعَ أهلُ
__________________
(1) سقطت من الاصل.
(2) هو طلحة بن عبيدالله بن عثمان بن عبيدالله بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ، وهو ابن عمّ أبي بكر الصديق ، ويكنى ابا محمد ، وأمه الصعبة ، وكانت تحت ابي سفيان بن حرب ، وقتل وهو ابن اربع وستين ، وقيل غير ذلك ، ودفن بالبصرة ، وقبره فيها الى هذه الغالية ، وقبر الزبير بوادي السباع.
انظر : مروج الذهب م 2 : 374.
(3) سقطت من الاصل.
(4) في النسخة : ايم.
القَلِيب كلامَ رسولِ الله 6 يومَ بَدْرِ » (1).
قال المسعودي : ولمّا ان مَنَّ الله تعالى عليهِ بما هو اهله من الظفرِ على أصحاب الجمل ، دخل عليه بجماعةٍ من اصحابه الى بيت مالَ المسلمين بالبصرة ، فنظر الى ما فيه من العينِ والورق ، فأدام انظر إليه ، فجعل يقول : « يا صفراء ويا بيضاء ، غُرِّي غيري » (2).
ثم قال 7 : « اقسموه بين اصحابي ، خمسمائة خمسمائة » ،
__________________
(1) عن محمد بن الحنفية ; ، قال : فوالله لقد رأيتُ أوّل قتيل من القوم كعب بن سُور بعدَ ان قُطِعت يمينهُ التي كان الخِطام بها ، فأخذه بشماله وقُتل بعد ذلك ، وقُتِلَ معه أخوهُ وابناه. ثمّ اخذ خطام الجمل بعده رجل منهم وهو يقول :
يا اُمَّنا عائِشَ لا تُراعِي
كُلُّ بَنيكِ بَطَلٌ شُجاعُ
فما بَرَحَ حتى قطعت يداهُ وطُعِنَ فهلك ؛ فقام مقامه آخر منهم فقطعت يمينه وضُرِبَ على رأسه فهلَكَ ؛ فما زال كل منّ اخذ بخطام الجمل قُطِعتُ يداهُ أو جُذَّ ساقه حتى هلَكَ منهم ثمانمائةِ رجلٍ ، وقبل ذلك قُتِلَ حول الجمل سبعون رجلاً من قريش.
مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 349 ، تاريخ الطبري 4 : 518.
(2) قال الشيخ المفيد ( رضي الله تعالى عنه ) : ورجع طلحة والزبير ، ونزلا دار الاماره ، وغلبا على بيت المال ، فتقدمت عائشة وحملت مالاً منه لتفرقه على انصارها فدخل عليها طلحة والزبير في طائفة معهما واحتملا منه شيئاً كثيراً ، فلما خرجا جعلا على ابوابه الاقفال ، ووكلا به من قبلهما قوماً ، فأمرت عائشة بختمه ، فبرز لذلك طلحة يختمه فمنعه الزبير ، وأراد ان يختمه الزبير دونه فتدافعا ! فبلغ عائشة ذلك فقالت : يختمها عني ابن اختي عبدالله بن الزبير ، فختم يومئذٍ بثلاثة ختوم.
وقال أيضاً : ولمّا خرج عثمان بن حنيف من البصرة ، وعاد طلحة والزبير الى بيت المال ، فتأملاً الى ما فيه من الذهب والفضة قالوا : هذه الغنائم التي وعدنا الله بها ، واخبرنا انه يجعلها لنا !!
انظر : مصنفات الشيخ المفيد م 1 : 284 ، 285.