الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
اهل البيت
المواضيع الأخيرة
» مقاتل الطالبيّين مقاتل الطالبيّين المؤلف :أبي الفرج الاصفهاني
        وقعة صفين Emptyأمس في 11:42 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج1
        وقعة صفين Emptyأمس في 10:27 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج2
        وقعة صفين Emptyأمس في 9:59 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج3
        وقعة صفين Emptyأمس في 9:34 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  كلام جميل عن التسامح
        وقعة صفين Emptyأمس في 8:57 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  مفهوم التسامح مع الذات
        وقعة صفين Emptyأمس في 8:48 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» أقوال الحكماء والفلاسفة
        وقعة صفين Emptyأمس في 10:01 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» أقوال وحكم رائعة
        وقعة صفين Emptyأمس في 9:55 am من طرف الشيخ شوقي البديري

»  أحاديث / شرح حديث (إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا) شرح حديث (إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا)
        وقعة صفين Emptyأمس في 9:50 am من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

      وقعة صفين

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

            وقعة صفين Empty
    مُساهمةموضوع: وقعة صفين           وقعة صفين Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 9:48 am

    أخبرنا الشيخ الحافظ شيخ الإسلام أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك ابن أحمد بن الحسن الأنماطي (1) قال : أخبرنا الشيخ أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي (2) بقراءتي عليه في شهر ربيع الآخر من سنة أربع وثمانين وأربعمائة ، وقال : أخبرنا أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد ابن جعفر الوكيل (3) قراءة عليه وأنا أسمع ، في رجب من سنة ثمان وثلاثين
    __________________
    (1) كان أبو البركات محدث بغداد ، وهو أحد حفاظ الحنابلة ، ولد سنة 462 وقرأ على ابن الطيوري جميع ما عنده. وقال ابن الجوزي : « كنت أقرأ عليه الحديث وهو يبكي ، فاستفدت ببكائه أكثر من استفادتي بروايته ». وتوفى سنة 538. انظر المنتظم ( 10 : 108 ـ 109 ) وصفة الصفوة ( 2 : 281 ) وتذكرة الحفاظ ( 4 : 75 ـ 76 ) وشذرات الذهب ( 4 : 116 ـ 117 ).
    (2) هو أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد بن القاسم بن أحمد الصيرفي الطيوري ، ويعرف أيضا بابن الحمامي ، والمحدث البغدادي ، سمع أبا علي بن شاذان ، وأبا الفرج الطناجيري وأبا الحسن العتيقي ، وأبا محمد الخلال. وكان عنده ألف جزء بخط الدارقطني. وأكثر عنه السلفي ، وانتقى عليه مائة جزء تعرف بالطيوريات. وابن الحمامي بتخفيف الميم ، كما في لسان الميزان ( 5 : 11 ). ولد سنة 411 وتوفى سنة 500. انظر المنتظم ( 9 : 154 ) ولسان الميزان ( 5 : 9 ـ 11 ) وشذرات الذهب ( 3 : 412 ).
    (3) هو أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر بن أحمد بن جعفر بن الحسن بن وهب ، أبو يعلى ، المعروف بابن زوج الحرة. سمع موسى بن جعفر ، وأبا الحسن الدارقطني. قال الطيب البغدادي : « كتبت عنه ، وكان صدوقا يسكن درب المجوس من نهر طابق. وسألته عن مولده فقال : ولدت بعد أن استخلف القادر بالله بأربعين يوما ، وكان

    وأربعمائة ، قال : أخبرنا أبو الحسن محمد بن ثابت بن عبد الله بن محمد بن ثابت الصيرفي (1) ، قراءة عليه وأنا أسمع ، قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد [ ابن محمد (2) ] بن عقبة بن الوليد بن همام بن عبد الله بن الحمار بن سلمة ابن سمير (3) بن أسعد بن همام (4) بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة ابن صعب بن علي بن بكر بن وائل ، قراءة عليه في سنة أربعين وثلاثمائة ، قال : أخبرنا أبو محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز (5) ، قال :
    __________________
    استخلاف القادر بالله في يوم السبت الحادي عشر من شهر رمضان سنة إحدى وثمانين وثلثمائة. ومات أبو يعلى في يوم الخميس الرابع والعشرين من شهر شوال سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة ، ودفن من يومه بباب الدير قريبا من قبر معروف الكرخي ». انطر تاريخ بغداد ( 4 : 270 ).
    (1) ترجم له الخطيب في تاريخ بغداد ( 2 : 111 ) وقال : سمع إسماعيل بن محمد الصفار ، وأبا عمرو بن السماك ، وعبد الصمد بن علي الطستي. وذكر أن وفاته في سنة 393. وهي السنة التي توفى فيها أبو الفتح عثمان بن جني ، والقاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني.
    (2) هذه التكملة ثابتة في سائر أسانيد أجزاء الكتاب ، وكذلك في ترجمته من منتهى المقال ص 225 ، قال : « سمع منه التلعكبري بالكوفة وببغداد ، وله منه إجازة ». والتلعكبري الذي يشير إليه هو أبو محمد هارون بن موسى بن أحمد بن سعيد الشيباني ، ترجم له صاحب منتهى المقال في ص 320 ـ 321.
    (3) ما بعد « الوليد » إلى هنا لم أجده فيما لدي من المراجع.
    (4) ذكر في نهاية الأرب ( 2 : 333 ) : « الأسعد بن همام ». وانظر لإدخال أل على الأعلام التي هي في الأصل صفات ما كتبت في حواشي الحيوان ( 3 : 382 ) ومجلة الثقافة 2152.
    (5) هو أبو محمد سليمان بن الربيع بن هشام بن عزور بن مهلهل ، النهدي الكوفي. قدم بغداد وحدث بها عن حصين بن مخارق ، وهمام بن مسلم الزاهد ، وأبي نعيم الفضل بن دكين ، وروي عنه محمد بن جرير الطبري ، ويحيى بن صاعد ، ومحمد بن مخلد العطار. توفى بالكوفة سنة 274. انظر تاريخ بغداد ( 9 : 54 ـ 55 ) ولسان الميزان ( 3 : 91 ).

    أنبأنا نصر بن مزاحم التميمي ، قال عمر بن سعد بن أبي الصيد الأسدي (1) عن الحارث بن حصيرة (2) عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود وغيره قالوا :
    لما قدم علي بن أبي طالب من البصرة إلى الكوفة يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة مضت من رجب سنة ست وثلاثين ، وقد أعز الله نصره وأظهره علي عدوه ، ومعه أشراف الناس وأهل البصرة ، استقبله أهل الكوفة وفيهم قراؤهم وأشرافهم ، فدعوا له بالبركة وقالوا : يا أمير المؤمنين ، أين تنزل؟ أتنزل القصر؟ فقال : لا ، ولكني أنزل الرحبة. فنزلها وأقبل حتى دخل المسجد الأعظم فصلى فيه ركعتين ، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله وقال : « أما بعد يا أهل الكوفة فإن لكم في الإسلام فضلا ما لم تبدلوا وتغيروا. دعوتكم إلى الحق فأجبتم ، وبدأتم بالمنكر فغيرتم. ألا إن فضلكم فيما بينكم وبين الله في الأحكام والقسم. فأنتم أسوة من أجابكم ودخل فيما دخلتم فيه. ألا إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى ، وطول الأمل. فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق ، وأما طول الأمل فينسي الآخرة. ألا إن الدنيا قد ترحلت مدبرة ، والآخرة ترحلت مقبلة ، ولكل واحدة منها بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة. اليوم عمل ولا حساب ، وغدا حساب ولا عمل.
    __________________
    (1) في ميزان الاعتدال ( 2 : 258 ) : « عمر بن سعد. عن الأعمش. شيعي بغيض. قال أبو حاتم : متروك الحديث ».
    (2) هو الحارث بن حصيرة الأزدي ، أبو النعمان الكوفي. روى عن زيد بن وهب وأبي صادق الأزدي ، وجابر الجعفي. وعنه : عبد الواحد بن زياد ، والثوري ، ومالك بن مغول ، وعبد السلام بن حرب. قال ابن عدي : عامة روايات الكوفيين عنه في فضائل أهل البيت. وهو يعد من المحترفين بالكوفة في التشيع. وحصيرة ، بفتح المهملة وكسر المهملة بعدها. وفي الأصل : ( حضيرة ) بالضاد المعجمة ، تحريف. انظر تهذيب التهذيب ( 2 : 140 ) وتقريب التهذيب 87.

    الحمد لله الذي نصر وليه ، وخذل عدوه ، وأعز الصادق المحق ، وأذل الناكث المبطل. عليكم بتقوى الله وطاعة من أطاع الله من أهل بيت نبيكم ، الذين هم أولى بطاعتكم فيما أطاعوا الله فيه ، من المنتحلين المدعين المقابلين إلينا (1) ، يتفضلون بفضلنا ، ويجاحدونا أمرنا ، وينازعونا حقنا ، ويدافعونا عنه (2). فقد ذاقوا وبال ما اجترحوا فسوف يلقون غيا. ألا إنه قد قعد عن نصرتي منكم رجال فأنا عليهم عاتب زار. فاهجروهم وأسمعوهم ما يكرهون حتى يعتبوا (3) ، ليعرف بذلك حزب الله عند الفرقة ».
    فقام إليه مالك بن حبيب اليربوعي ـ وكان صاحب شرطته ـ فقال : والله إني لأرى الهجر وإسماع المكروه لهم قليلا. والله لئن أمرتنا لنقتلنهم. فقال علي : سبحان الله يا مال ، جزت المدى ، وعدوت الحد ، وأغرقت في النزع! فقال : يا أمير المؤمنين ، لبعض الغشم أبلغ في أمور تنو بك من مهادنة الأعادي. فقال علي : ليس هكذا قضى الله يا مال ، قتل النفس بالنفس فما بال الغشم (4). وقال : ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا ). والإسراف في القتل أن تقتل غير قاتلك ، فقد نهى الله عنه ، وذلك هو الغشم.
    فقام إليه أبو بردة بن عوف الأزدي ـ وكان ممن تخلف عنه ـ فقال :
    __________________
    (1) في ح ( 1 : 256 ) : ( القائلين إلينا ).
    (2) كذا وردت الأفعال الثلاثة هنا وفي ح بحذف نون الرفع لغير ناصب أو جازم ، وهي لغة صحيحة. انظر خزانة الأدب ( 3 : 525 ـ 526 ).
    (3) الإعتاب : إعطاء العتبى ، وهي الرضا. وأعتبني فلان : ترك ما كنت أجد عليه من أجله.
    (4) في ح ( 1 : 257 ) « قال سبحانه النفس بالنفس فما بال ذكر النفس ».

    يا أمير المؤمنين ، أرأيت القتلى حول عائشة والزبير وطلحة ، بم قتلوا (1)؟ قال : « قتلوا شيعتي وعمالي ، وقتلوا أخا ربيعة العبدي ، رحمة الله عليه ، في عصابة من المسلمين قالوا : لا ننكث كما نكثتم ، ولا نغدر كما غدرتم. فوثبوا عليهم فقتلوهم ، فسألتهم أن يدفعوا إلى قتلة إخواني أقتلهم بهم ، ثم كتاب الله حكم بيني وبينهم ، فأبوا علي ، فقاتلوني وفي أعناقهم بيعتي ، ودماء قريب من ألف رجل من شيعتي ، فقتلتهم بهم ، أفي شك أنت من ذلك؟ ». قال : قد كنت في شك ، فأما الآن فقد عرفت ، واستبان لي خطأ القوم ، وأنك أنت المهدي المصيب.
    وكان أشياخ الحي يذكرون أنه كان عثمانيا ، وقد شهد مع علي على ذلك صفين ، ولكنه بعد ما رجع كان يكاتب معاوية ، فلما ظهر معاوية أقطعه قطيعة بالفلوجة (2) ، وكان عليه كريما.
    ثم إن عليا تهيأ لينزل ، وقام رجال ليتكلموا ، فلما رأوه نزل جلسوا وسكتوا.
    نصر : أبو عبد الله سيف بن عمر ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة ، أن عليا لما دخل الكوفة قيل له : أي القصرين ننزلك؟ قال : « قصر الخبال لا تنزلونيه ». فنزل على جعدة بن هبيرة المخزومي (3).
    نصر ، عن الفيض بن محمد ، عن عون بن عبد الله بن عتبة ، قال : لما قدم
    __________________
    (1) في ح : « علام قتلوا. أو قال : بم قتلوا؟ ».
    (2) الفلوجتان : قريتان كبيرتان من سواد بغداد والكوفة قرب عين التمر. ويقال الفلوجة الكبرى والفلوجة الصغرى والفلوجة العليا والفلوجة السفلى أيضا.
    (3) قال ابن أبي الحديد : « قلت : جعدة ابن أخت هانئ بنت أبي طالب ، كانت تحت هبيرة بن أبي وهب المخزومي ، فأولدها جعدة ».

    علي الكوفة نزل على باب المسجد فدخل وصلي ، ثم تحول فجلس إليه الناس ، فسأل عن رجل من أصحابه كان ينزل الكوفة ، فقال قائل : استأثر الله به. فقال : « إن الله لا يستأثر بأحد من خلقه » ، وقرأ : ( وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ). قال : فلما لحق الثقل قالوا : أي القصرين تنزل؟ فقال : « قصر الخبال لا تنزلونيه (1) ».
    نصر ، عن سيف قال : حدثني إسماعيل بن أبي عميرة ، عن عبد الرحمن ابن عبيد بن أبي الكنود ، أن سليمان بن صرد الخزاعي (2) دخل على علي ابن أبي طالب بعد رجعته من البصرة ، فعاتبه وعذله وقال له : « ارتبت وتربصت وراوغت ، وقد كنت من أوثق الناس في نفسي وأسرعهم ـ فيما أظن ـ إلى نصرتي ، فما قعد بك عن أهل بيت نبيك ، وما زهدك في نصرهم؟ ». فقال يا أمير المؤمنين ، لا تردن الأمور على أعقابها ، ولا تؤنبني بما مضى منها واستبق مودتي يخلص (3) لك نصيحتي. وقد بقيت أمور تعرف فيها وليك من عدوك. فسكت عنه وجلس سليمان قليلا ، ثم نهض فخرج إلى الحسن بن علي وهو قاعد في المسجد ، فقال : ألا أعجبك من أمير المؤمنين وما لقيت
    __________________
    (1) ح : « قالوا انزل القصر. فقال : قصر الجبال لا تنزلوا فيه ». ولم أجد ذكرا لهذا القصر برسميه اللذين وردا في الأصل وح. لكن وجدت السيد فرج الله الحسيني قد كتب « أراد منه 7 قصر دار الامارة ؛ فكأنه سماها به لما وقع فيها قبله من أمراء الجور وعمال أهل النفاق والشقاق ، من الهلكة والنقصان ».
    (2) هو سليمان بن صرد ، المهملة وفتح الراء ، بن الجون الخزاعي ، أبو مطرف الكوفي. صحابي جليل. قال ابن حجر : وكان خيرا فاضلا شهد صفين مع علي وقتل حوبشا مبارزة ، ثم كان ممن كاتب الحسين ثم تخلف عنه ، ثم قدم هو والمسيب بن نجبة في آخرين فخرجوا في الطلب بدمه وهم أربعة آلاف ، فالتقاهم عبيد الله بن زياد بعين الوردة بعسكر مروان ، فقتل سليمان ومن معه ، وذلك في سنة خمس وستين. انظر الإصابة وتهذيب التهذيب.
    (3) ح : « تخلص ».

    منه من التبكيت والتوبيخ؟ فقال له الحسن : إنما يعاتب من ترجى مودته ونصيحته. فقال : إنه بقيت أمور سيستوسق فيها القنا (1) ، وينتضي فيها السيوف ويحتاج فيها إلى أشباهي ، فلا تستغشوا عتبي (2) ، ولا نتهموا نصيحتي. فقال له الحسن : رحمك الله : ما أنت عندنا بالظنين.
    نصر ، عن عمر ـ يعني ابن سعد ـ عن نمير بن وعلة (3) عن الشعبي (4) ، أن سعيد بن قيس دخل على علي بن أبي طالب فسلم عليه ، فقال له علي : « وعليك ، وإن كنت من المتربصين ». فقال : حاش لله يا أمير المؤمنين لست من أولئك. قال : فعل الله ذلك ».
    نصر ، عن عمر بن سعد ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن مخنف قال : دخلت مع أبي على علي 7 حين قدم من البصرة ، وهو عام بلغت الحلم ، فإذا بين يديه رجال يؤنبهم ويقول لهم : ما بطأ بكم عني وأنتم أشراف قومكم؟ والله لئن كان من ضعف النية وتقصير البصيرة؟ إنكم لبور (5). والله لئن كان من شك في فضلي ومظاهرة على إنكم لعدو ». قالوا : حاش لله يا أمير المؤمنين ، نحن سلمك وحرب عدوك. ثم اعتذر القوم ، فمنهم من
    __________________
    (1) القنا : الرماح. والاستيساق : الاجتماع ، وفعله لازم. وفي حديث أحد : « استوسقوا كما يستوسق جرب الغنم » ، أي استجمعوا وانضموا. وبدلها في ح : « سيسرع فيها القتال ».
    (2) استغشه واغتشه : ظن به الغش ، وهو خلافه استنصحه. وفي الأصل : « لا تستبشعوا غيبتي » صوابها في ح.
    (3) ذكره في لسان الميزان مصحفا برسم نمير بن دعلمة.
    (4) هو عامر بن شراحيل الحميري أبو عمرو الكوفي ، ثقة مشهور. روى عن أبي هريرة ، وعائشة ، وابن عباس وغيرهم. أو عنه ابن سيرين ، والأعمش ، وشعبة ، وجابر الجعفي. لسان الميزان ( 6 : 840 ).
    (5) البور بالضم : الهالك ، يقال رجل بور ، ورجلان بور ، وقوم بور ، وكذلك الأنثى .... اللسان.

    ذكر عذره ، ومنهم من اعتل بمرض ، ومنهم من ذكر غيبة. فنظرت إليهم فإذا عبد الله بن المعتم العبسي (1) ، وإذا حنظلة بن الربيع التميمي ـ وكلاهما كانت له صحبة ـ وإذا أبو بردة بن عوف الأزدي ، وإذا غريب بن شرحبيل الهمداني. قال : ونظر علي إلى أبى فقال : « لكن مخنف بن سليم وقومه لم يتخلفوا ، ولم يكن مثلهم مثل القوم الذين قال الله تعالى : ( وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معكم شهيدا. ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما (2) ) ».
    ثم إن عليا مكث بالكوفة ، فقال الشني في ذلك (3) شن بن عبد القيس :
    قل لهذا الإمام قد خبت الحر
    ب وتمت بذلك النعماء

    وفرغنا من حرب من نقض العه‍
    د وبالشام حية صماء

    تنفث السم ما لمن نهشته
    فارمها قبل أن تعض ، شفاء

    إنه والذي يحج له النا
    س ومن دون بيته البيداء

    __________________
    (1) هو عبد الله بن المعتم ، بضم الميم وسكون المهملة وفتح المثناة وتشديد الميم ، قال ابن حجر : « له صحبة ، وهو ممن تخلف عن علي يوم الجمل ... وقال أبو زكريا الموصلي في تاريخ الموصل : هو الذي فتح الموصل ». وفي ح : « عبيد الله » بالتصغير ، محرف. انظر الإصابة 4957.
    (2) الآيتان 72 ، 73 من سورة النساء.
    (3) هو الأعور الشني ، بشر بن منقذ ، أحد بني شن بن أفصي بن عبد القيس بن أفصي بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار. قال الآمدي : « شاعر خبيث ، وكان مع علي رضي الله عنه يوم الجمل ». انظر المؤتلف 38 ، 60.


    لضعيف النخاع إن رمي اليو
    م بخيل كأنها الأشلاء (1)

    جانحات تحت العجاج سخالا
    مجهضات تخالها الأشلاء (2)

    تتبارى بكل أصيد كالفح‍
    ل بكفيه صعدة سمراء

    ثم لا ينثني الحديد ولما
    يخضب العاملين منها الدماء

    إن تذره (3) فما معاوية الده‍
    ر بمعطيك ما أراك تشاء

    ولنيل السماك أقرب من ذا
    ك ونجم العيوق والعواء (4)

    فاضرب الحد والحديد (5) إليهم
    ليس والله غير ذاك دواء

    حدثنا نصر عن أبي عبد الله سيف بن عمر ، عن الوليد بن عبد الله ، عن أبي طيبة (6) ، عن أبيه قال : أتم على الصلاة يوم دخل الكوفة ، فلما كانت الجمعة وحضرت الصلاة صلى بهم وخطب خطبة.
    __________________
    (1) أشلاء الانسان : أعضاؤه بعد البلى والتفرق. وقد مثل الخيل في تفرقها للغارة بالأعضاء المتناثرة.
    (2) جانحات : أراد أنها تكسر جوانح هذه السخال. والجوانح : الضلوع القصار التي في مقدم الصدر ، والواحدة جانحة ، يقال جنح البعير : انكسرت جوانحه من الحمل الثقيل. والسخال : جمع سخلة ، وهي ولد الشاة من المعز والضأن ذكرا كان أو أنثى. ويقال أيضا في الخيل ، كما هنا وكما في قول عبد الله بن عنمة :
    يطرحن سخل الخيل في كل منزل
    تبين منه شقرها وورادها.

    انظر المفضلية ( 114 : 9 طبع المعارف ). وفي الأصل وح : « سحال » محرفة. والمجهضات : التي ألقيت لغير تمام ولما يستبن خلقها. والأسلاء : جمع سلى ، وهو الجلدة الرقيقة التي يكون فيها الولد. وفي البيت إقواء.
    (3) في الأصل : « أو تذره » ، صوابه من ح.
    (4) السماك والعيون والعواء : نجوم في السماء. ح : « ولنيل السماء ».
    (5) ح : « فأعد بالجد والحديد » ، صواب هذه : « فاغد بالجد والحديد ».
    (6) أبو طيبة ، بفتح المهملة بعدها مثناة تحتة ساكنة ثم باء موحدة ، واسمه عبد الله بن مسلم السلمي المروزي ، كان قاضيا بمرو.

    نصر : قال أبو عبد الله ، عن سليمان بن المغيرة ، عن علي بن الحسين : خطبة علي بن أبي طالب في الجمعة بالكوفة والمدينة :
    « إن الحمد لله ، أحمده (1) وأستعينه وأستهديه ، وأعوذ بالله من الضلالة. من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، انتجبه (2) لأمره ، واختصه بالنبوة ، أكرم خلقه وأحبهم إليه ، فبلغ رسالة ربه ، ونصح لأمته ، وأدى الذي عليه. وأوصيكم بتقوى الله ، فإن تقوى الله خير ما تواصي به عباد الله وأقربه لرضوان الله ، وخيره في عواقب الأمور عند الله. وبتقوى الله أمرتم ، وللإحسان والطاعة خلقتم. فاحذروا من الله ما حذركم من نفسه ، فإنه حذر بأسا شديدا. واخشوا الله خشية ليست بتعذير (3) ، واعملوا في غير رياء ولا سمعة ، فإن من عمل لغير الله وكله الله إلى ما عمل له ، ومن عمل لله مخلصا تولى الله أجره. وأشفقوا من عذاب الله ، فإنه لم يخلقكم عبثا ، ولم يترك شيئا من أمركم سدى ، قد سمى آثاركم ، وعلم أعمالكم ، وكتب آجالكم. فلا تغروا بالدنيا فإنها غرارة بأهلها ، مغرور من اغتر بها ، وإلى فناء ما هي. وإن الآخرة هي دار الحيوان لو كانوا يعلمون. أسأل الله منازل الشهداء ، ومرافقة الأنبياء ، ومعيشة السعداء ، فإنما نحن له وبه ».
    ثم إن عليا 7 أقام بالكوفة ، واستعمل العمال.
    __________________
    (1) ح : « الحمد الذي أحمده ».
    (2) في اللسان : « انتجب فلان فلانا ، إذا استخلصه واصطفاه اختيارا على غيره ». ح : « انتخبه ». والانتخاب بالخاء : الاختيار.
    (3) التعذير : التقصير مع إظهار الاجتهاد. وفي الحديث : « جاء بطعام جشيب فكنا نعذر » ، أي نقصر ونظهر أننا مجتهدون.

    نصر ، عن عمر بن سعد قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، والصقعب بن زهير عن يوسف وأبي روق ، أن عليا حين قدم من البصرة إلى الكوفة بعث يزيد بن قيس الأرحبي على المدائن وجوخا كلها.
    وقال أصحابنا : وبعث مخنف بن سليم على أصبهان وهمدان.
    نصر ، عن محمد بن عبيد الله ، عن الحكم ، قال : لما هرب مخنف بالمال قال علي 7 : « عذرت القردان فما بال الحلم (1)؟ ».
    ثم رجع إلى حديث عمر بن سعد ، قال : وبعث قرظة بن كعب على البهقباذات (2) ، وبعث قدامه بن مظعون الأزدي على كسكر ، وعدى بن الحارث على مدينة بهرسير وأستانها (3) ، وبعث أبا حسان البكري على أستان العالي (4) ، وبعث سعد بن مسعود الثقفي على أستان الزوابي (5) ،
    __________________
    (1) القردان : جمع قراد ، بالضم. والحلم جنس منه صغار. قال الميداني : « وهذا قريب من قولهم : « استنت الفصال حتى القرعي ». وفي الأصل : « غددت القردان فما بال الحكم » محرف ، وصواب النص من مجمع الأمثال ( 1 : 443 ) ، ولم يذكر نسبته إلى علي.
    (2) هن ثلاث بهقباذات ذكرها ياقوت في معجمه. وبهقباذ ، بالكسر ثم السكون وضم القاف وباء موحدة وألف وذال معجمة. ثلاث كور ببغداد منسوبة إلى قباذ بن فيروز والد أنو شروان. وفي الأصل : « البهقياذات » محرفة.
    (3) بهرسير ، بالفتح ثم الضم وفتح الراء وكسر السين المهملة : من نواحي سواد بغداد. والأستان ، قال العسكري : مثل الرستاق بالضم : السواد والقرى. انظر معجم البلدان ( 1 : 223 س 12 ) والقاموس ( رزدق ورستق ). والأستان ، بالضم ، كما في القاموس.
    (4) في معجم البلدان : « الأستان العالي » وقال : كورة في غربي بغداد من السواد تشتمل على أربعة طساسيج : وهي الأنبار ، وبادرويا ، وقضربل ، ومسكن.
    (5) الزوابي ، بالزاي المعجمة ، قال ياقوت : « في العراق أربعة أنهر ، نهران فوق بغداد ونهران تحتها ، يقال لكل واحد منها الزاب ». وقال في مادة « الزاب » : « وربما قيل لكن واحد زابي والتثنيه زابيان ... وإذا جمعت قيل لها الزوابي ». وقد تكون : الروابي « ، ففي المعجم : » روابي بني تميم من نواحي الرقة. عن نصر ».

    واستعمل ربعي بن كاس على سجستان ـ وكاس أمه يعرف بها ـ وهو من بني تميم. وبعث خليدا إلى خراسان ، فسار خليد حتى إذا دنا من نيسابور بلغه أن أهل خراسان قد كفروا ونزعوا يدهم من الطاعة ، وقدم عليهم عمال كسرى من كابل ، فقاتل أهل نيسابور فهزمهم وحصر أهلها وبعث إلى على بالفتح والسبي ، ثم صمد لبنات كسرى فنزلن على أمان ، فبعث بهن إلى علي 7 ، فلما قدمن عليه قال : أزوجكن؟ قلن : لا ، إلا أن تزوجنا ابنيك ، فإنا لا نرى لنا كفوا غيرهما. فقال علي 7 : اذهبا حيث شئتما. فقام نرسا فقال : مر لي بهن ، فإنها منك كرامة ، فبيني وبينهن قرابة (1). ففعل فأنزلهن نرسا معه ، وجعل يطعمهن ويسقيهن في الذهب والفضة ، ويكسوهن كسوة الملوك ، ويبسط لهن الديباج.
    وبعث علي الأشتر على الموصل ونصيبين ، ودارا ، وسنجار ، وآمد ، وهيت ، وعانات ، وما غلب عليه من تلك الأرضين من أرض الجزيرة.
    وبعث معاوية بن أبي سفيان الضحاك بن قيس على ما في سلطانه من أرض الجزيرة ، وكان في يديه حران والرقة والرها وقر قيسيا. وكان من كان بالكوفة والبصرة من العثمانية قد هربوا فنزلوا الجزيرة في سلطان معاوية ، فخرج الأشتر وهو يريد الضحاك بن قيس بحران ، فلما بلغ ذلك الضحاك بعث إلى أهل الرقة فأمدوه ، وكان جل أهلها يومئذ عثمانية ، فجاءوا وعليهم سماك بن مخرمة ، وأقبل الضحاك يستقبل الأشتر ، فالتقى الضحاك وسماك بن مخرمة ، بمرج مرينا بين حران والرقة ، فرحل الأشتر حتى نزل عليهم فاقتتلوا اقتتالا شديدا حتى كان عند المساء ، فرجع الضحاك بمن معه فسار ليلته كلها حتى
    __________________
    (1) أشار ناسخ الأصل إلى أن في بعض النسخ : « لأن بيني وبينهن قرابة ».

    صبح بحران فدخلها ، وأصبح الأشتر فرأى ما صنعوا فتبعهم حتى نزل عليهم بحران فحصرهم ، وأتى الخبر معاوية فبعث إليهم عبد الرحمن بن خالد في خيل يغيثهم ، فلما بلغ ذلك الأشتر كتب كتائبه ، وعبى جنوده وخيله ، ثم ناداهم الأشتر : ألا إن الحي عزيز ، ألا إن الذمار منيع ، ألا تنزلون أيها الثعالب الرواغة؟ احتجرتم احتجار الضباب. فنادوا : يا عباد الله أقيموا قليلا ، علمتم والله أن قد أتيتم. فمضى الأشتر حتى مر على أهل الرقة فتحرزوا منه ، ثم مضى حتى مر على أهل قرقيسيا فتحرزوا منه ، وبلغ عبد الرحمن بن خالد انصراف الأشتر فانصرف. فلما كان بعد ذلك عاتب أيمن بن خريم الأسدي معاوية ، وذكر بلاء قومه بني أسد [ في مرج (1) ] مرينا. وفي ذلك يقول :
    أبلغ أمير المؤمنين رسالة
    من عاتبين مساعر أنجاد

    منيتهم ، أن آثروك ، مثوبة
    فرشدت إذ لم توف بالميعاد

    أنسيت إذ في كل عام غارة
    في كل ناحية كرجل جراد (2)

    غارات أشتر في الخيول يريدكم
    بمعرة ومضرة وفساد

    وضع المسالح مرصدا لهلاككم
    ما بين عانات إلى زيداد (3)

    وحوى رساتيق الجزيرة كلها
    غصبا بكل طمرة وجواد

    لما رأى نيران قومي أوقدت
    وأبو أنيس فاتر الإيقاد

    أمضى إلينا خيله ورجاله
    وأغذ لا يجرى لأمر رشاد

    __________________
    (1) الكلمتان ساقطتان من الأصل.
    (2) الرجل ، بالكسر : الجراد الكثير ، وجمعه أرجال.
    (3) زيداد ، لم أجد لها ذكرا في كتب البلدان ، ولعلها « سنداد ».


    ثرنا إليهم عند ذلك بالقنا
    وبكل أبيض كالعقيقة صاد (1)

    في مرج مرينا (2) ألم تسمع بنا
    نبغي الإمام به وفيه نعادي

    لو لا مقام عشيرتي وطعانهم
    وجلادهم بالمرج أي جلاد

    لأتاك أشتر مذحج لا ينثني
    بالجيش ذا حنق عليك وآد (3)

    نصر : عبد الله بن كردم بن مرثد ، قال : لما قدم علي 7 حشر أهل السواد ، فلما اجتمعوا أذن لهم ، فلما رأى كثرتهم قال : إني لا أطيق كلامكم ، ولا أفقه عنكم ، فأسندوا أمركم إلى أرضاكم في أنفسكم ، وأعمه نصيحة لكم. قالوا : نرسا ، ما رضى فقد رضيناه ، وما سخط فقد سخطناه. فتقدم فجلس إليه فقال : أخبرني عن ملوك فارس كم كانوا؟ قال : كانت ملوكهم في هذه المملكة الآخرة اثنين وثلاثين ملكا (4). قال : فكيف كانت سيرتهم؟ قال : ما زالت سيرتهم في عظم أمرهم واحدة (5) ، حتى ملكنا كسرى بن هرمز ، فاستأثر بالمال والأعمال ، وخالف أولينا ، وأخرب الذي للناس ، وعمر الذي له ، واستخف بالناس ، فأوغر نفوس فارس ، حتى ثاروا عليه فقتلوه ، فأرملت نساؤه ويتم أولاده. فقال : يا نرسا ، إن الله عز وجل خلق الخلق بالحق ، ولا يرضى من أحد إلا بالحق ، وفي سلطان الله
    __________________
    (1) العقيقة : البرق إذا رأيته في وسط السحاب كأنه سيف مسلول.
    (2) شدد راء « مرينا » للشعر ، وأصلها التخفيف كما في القاموس. ومرينا : فوم من أهل الحيرة من العباد. قال الجواليقي : « وليس مرينا بكلمة عربية ». وأنشد لامرئ القيس :
    فلو في يوم معركة أصيبوا
    ولكن في ديار بني مرينا

    (3) الآد والأيد : القوة
    (4) جعلهم المسعودي في التنبيه والإشراف 87 ـ 90 ثلاثين ملكا. وهم الساسانيون.
    (5) عظم الأمر بالضم والفتح : معظمه.

    تذكرة مما خول الله ، وإنها لا تقوم مملكة إلا بتدبير ، ولا بد من إمارة ، ولا يزال أمرنا متماسكا ما لم يشتم آخرنا أولنا ، فإذا خالف آخرنا أولنا وأفسدوا ، هلكوا وأهلكوا.
    ثم أمر عليهم أمراءهم. ثم إن عليا 7 بعث إلى العمال في الآفاق ، وكان أهم الوجوه إليه الشام.
    نصر ، عن محمد بن عبيد الله القرشي ، عن الجرجاني قال : لما بويع علي وكتب إلى العمال في الآفاق كتب إلى جرير بن عبد الله البجلي ، وكان جرير عاملا لعثمان على ثغر همدان (1) ، فكتب إليه مع زحر بن قيس الجعفي (2) :
    « أما بعد فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال. وإني أخبرك عن نبأ (3) من سرنا إليه من جموع طلحة والزبير ، عند نكثهم بيعتهم (4) ، وما صنعوا بعاملي عثمان بن حنيف (5). إني هبطت من المدينة بالمهاجرين والأنصار ، حتى إذا كنت بالعذيب بعثت إلى أهل الكوفة بالحسن بن علي ، وعبد الله بن عباس ، وعمار بن ياسر ، وقيس بن سعد بن عبادة ، فاستنفروهم
    __________________
    (1) همدان ، كذا وردت في الأصل وفي ح ( 1 : 246 ). وهما لغتان في همذان. ولغة الإهمال هي الفارسية ، وبالإعجام معربة. انظر معجم استينجاس 1509.
    (2) زحر ، بفتح الزاي وسكون الحاء المهملة. وهو زحر بن قيس الكوفي الجعفي ، أحد أصحاب علي بن أبي طالب ، أنزله المدائن في جماعة جعلهم هناك رابطة ، روي عنه عامر الشعبي ، وحصين بن عبد الرحمن. انظر تاريخ بغداد 4605. ح : « زجر » محرف.
    (3) ح : « عن أنباء ».
    (4) ح : « بيعتي ».
    (5) حنيف ، بهيئة التصغير. وعثمان بن حنيف صحابي أنصاري ، شهد أحدا ، وكان علي استعمله على البصرة قبل أن يقدم عليها فغلبه عليها طلحة والزبير. ومات في خلافة معاوية. الاصابة 5427.

    فأجابوا ، فسرت بهم حتى نزلت بظهر البصرة فأعذرت في الدعاء ، وأقلت العثرة ، وناشدتهم عقد بيعتهم (1) فأبوا إلا قتالي ، فاستعنت بالله عليهم ، فقتل من قتل وولوا مدبرين إلى مصرهم ، فسألوني ما كنت دعوتهم إليه قبل اللقاء ، فقبلت العافية ، ورفعت السيف ، واستعملت عليهم عبد الله بن عباس ، وسرت إلى الكوفة. وقد بعثت إليكم زحر (2) بن قيس ، فاسأل (3) عما بدا لك».
    قال : فلما قرأ جرير الكتاب قام فقال : أيها الناس ، هذا كتاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وهو المأمون على الدين والدنيا ، وقد كان من أمره وأمر عدوه ما نحمد الله عليه. وقد بايعه السابقون الأولون (4) من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان. ولو جعل هذا الأمر شورى بين المسلمين كان أحقهم بها. ألا وإن البقاء في الجماعة ، والفناء في الفرقة. وعلى (5) حاملكم على الحق ما استقمتم ، فإن ملتم أقام ميلكم.
    فقال الناس : سمعا وطاعة ، رضينا رضينا. فأجاب جرير وكتب جواب كتابه بالطاعة. وكان مع علي رجل من طيئ ، ابن أخت لجرير ، فحمل زحر بن قيس شعرا له إلى خاله جرير ، وهو :
    جرير بن عبد الله لا تردد الهدى
    وبايع علينا إنني لك ناصح

    فإن عليا خير من وطئ الحصى
    سوى أحمد والموت غاد ورائح

    __________________
    (1) ح :«عهد بيعتهم».
    (2) في الأصل وح :«زجر»بالجيم ، محرفة.
    (3) في ح : « فاسأله » ، وفي الإمامة والسياسة ( 1 : 78 ) : « فاسأله عنا وعنهم ».
    (4) ح : « الناس الأولون ».
    (5) ح : « وإن عليا ».


    ودع عنك قول الناكثين فإنما
    اك ، أبا عمرو ، كلاب نوابح

    وبايعه إن بايعته بنصيحة
    ولا يك معها في ضميرك قادح (1)

    فإنك إن تطلب به الدين تعطه
    وإن تطلب الدنيا فبيعك رابح

    وإن قلت عثمان بن عفان حقه
    على عظيم والشكور مناصح

    فحق على إذ وليك كحقه ،
    وشكرك ما أوليت في الناس صالح (2)

    وإن قلت لا نرضى عليا إمامنا
    فدع عنك بحرا ضل فيه السوائح

    أبى الله إلا أنه خير دهره
    وأفضل من ضمت عليه الأباطح

    ثم قام زحر بن قيس خطيبا (3) ، فكان مما حفظ من كلامه أن قال : « الحمد لله الذي اختار الحمد لنفسه وتولاه دون خلقه ، لا شريك له في الحمد ، ولا نظير له في المجد ، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له ، القائم الدائم ، إله السماء والأرض ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالنور الواضح (4) والحق الناطق ، داعيا إلى الخير ، وقائدا إلى الهدى ». ثم قال : « أيها الناس ، إن عليا قد كتب إليكم كتابا لا يقال بعده إلا رجيع من القول ، ولكن لا بد من رد الكلام. إن الناس بايعوا عليا بالمدينة من غير محاباة له بيعتهم ؛
    __________________
    (1) القادح ، بالتاف : أصله الاكل يقع في الشجر والأسنان ، والمراد به الغش والدخل. وفي اللسان : « قدح في ساق أخيه : غشه وعمل في شيء يكرهه ». وفي الأصل : « فادح » بالفاء ، وهو الحمل الثقيل والنازلة تنزل بالمرء. والوجه ما أثبت من ح.
    (2) وليه ، كرضيه : صار وليا له. وسكن الياء للشعر.
    (3) كذا في الأصل. وفي ح : « قال نصر : ثم إن جرير قام في أهل همدان خطيبا ». وعقب ابن أبي الحديد على هذه الخطبة والشعر الذي بعدها بقوله : « قال نصر : فسر الناس بخطبة جرير وشعره ». انظر ح ( 1 : 247 ). وقد مضت خطبة لجرير في الصفحة السابقة فيصح ما هنا إن كان قد أشار إلى تلك الخطبة.
    (4) في الأصل : « بالحق الواضح » وأثبت ما في ح.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

            وقعة صفين Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة صفين           وقعة صفين Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 9:51 am

    لعلمه بكتاب الله وسنن الحق ، وإن طلحة والزبير نقضا بيعته علي غير حدث ، وألبا عليه الناس ، ثم لم يرضيا حتى نصبا له الحرب ، وأخرجا أم المؤمنين ، فلقيهما فأعذر في الدعاء ، وأحسن في البقية ، وحمل الناس على ما يعرفون. هذا عيان ما غاب عنكم. ولئن سألتم الزيادة زدناكم ، ولا قوة إلا بالله ».
    وقال جرير في ذلك :
    أتانا كتاب علي فلم
    نرد الكتاب ، بأرض العجم

    ولم نعص ما فيه لما أتى
    ولما نذم (1) ولما نلم

    نحن ولاة على ثغرها
    نضيم العزيز ونحمي الذمم

    نساقيهم الموت عند اللقاء
    بكأس المنايا ونشفي القرم

    طحناهم طحنة بالقنا
    وضرب سيوف تطير اللمم

    مضينا يقينا على ديننا
    ودين النبي مجلى الظلم

    أمين الإله وبرهانه
    وعدل البرية والمعتصم

    رسول المليك ، ومن بعده
    خليفتنا القائم المدعم

    عليا عنيت وصي النبي
    نجالد عنه غواة الأمم

    له الفضل والسبق والمكرمات
    وبيت النبوة لا يهتضم (2)

    وقال رجل (3) :
    لعمر أبيك والأنباء تنمى
    لقد جلى بخطبته جرير

    __________________
    (1) في الأصل : « ولما نضام » ، صوابه من ح.
    (2) بعد هذا في ح ، كما سبق : « قال نصر : فسر الناس بخطبة جرير وشعره ».
    (3) ح : « وقال ابن الازور القسري في جرير يمدحه بذلك ».


    وقال مقالة جدعت رجالا
    من الحيين خطبهم كبير

    بدا بك قبل أمته على
    ومخك إن رددت الحق رير (1)

    أتاك بأمره زحر بن قيس
    وزحر بالتي حدثت خبير

    فكنت بما أتاك به سميعا
    وكدت إليه من فرح تطير

    فأنت بما سعدت به ولي
    وأنت لما تعد له نصير (2)

    ونعم المرء أنت له وزير
    ونعم المرء أنت له أمير

    فأحرزت الثواب ، ورب حاد
    حدا بالركب ليس له بعير

    ليَهنِكَ ما سَبقْتَ به رجالاً
    من العلياء والفضل الكبير (3)

    وقال النهدي في ذلك :
    أتانا بالنبا زحر بن قيس
    عظيم الخطب من جعف بن سعد (4)

    تخيره أبو حسن علي
    ولم يك زنده فيها بصلد

    رمى أعراض حاجته بقول
    أخوذ للقلوب بلا تعد

    فسر الحي من يمن وأرضى
    ذوي العلياء من سلفى معد (5)

    __________________
    (1) مخ رير : ذائب فاسد من الهزال. يقال مخ رار ، ورير بالكسر ، ورير بالفتح. وفي الأصل : « يزير » وفي ح : « وتفخر إن رددت الحق زير » كلاهما محرف ، والصواب ما أثبت.
    (2) في الأصل : « بصير » بالباء ، صوابه من ح.
    (3) تقرأ بالرفع عطفا على : « ما سبقت » ، وبالجر عطفا على « العلياء » ، وفي القراءة الأخيرة إقواء.
    (4) جعف ، أراد « جعفي » وحقها أن تنتهي في الرسم بالياء ، لكن كذا وردت في الأصل وح. وجعفي ، بتشديد الياء ، هم بنو سعد العشيرة بن مذحج ، حي من اليمن.
    (5) يعني ربيعة ومضر ابني نزار بن عدنان.


    ولم يك قبله فينا خطيب
    مضى قبلى ولا أرجوه بعدي

    متى يشهد فنحن به كثير
    وإن غاب ابن قيس غاب جدي (1)

    وليس بموحشي أمر إذا ما
    دنا مني وإن أفردت وحدي

    له دنيا يعاش بها ودين
    وفي الهيجا كذي شبلين ورد

    قال : ثم أقبل جرير سائرا من ثغر همدان (2) حتى ورد على علي 7 بالكوفة ، فبايعه ودخل فيما دخل فيه الناس ، من طاعة علي ، واللزوم لأمره.
    ثم بعث إلى الأشعث بن قيس الكندي.
    نصر : محمد بن عبيد الله ، عن الجرجاني قال : لما بويع علي وكتب إلى العمال ، كتب إلى الأشعث بن قيس مع زياد بن مرحب الهمداني ، والأشعث على أذربيجان عامل لعثمان ، وقد كان عمرو بن عثمان تزوج ابنة الأشعث بن قيس قبل ذلك ، فكتب إليه علي :
    « أما بعد ، فلولا هنات كن فيك كنت المقدم في هذا الأمر قبل الناس ، ولعل أمرك يحمل بعضه بعضا إن اتقيت الله ثم إنه كان من بيعة الناس إياي ما قد بلغك ، وكان طلحة والزبير ممن بايعاني ثم نقضا بيعتي على غير حدث وأخرجا أم المؤمنين وسارا إلى البصرة ، فسرت إليهما فالتقينا ، فدعوتهم إلى أن يرجعوا فيما خرجوا منه فأبوا ، فأبلغت في الدعاء وأحسنت في البقية. وإن عملك ليس لك بطعمة ، ولكنه أمانة. وفي يديك
    __________________
    (1) الجد ، ها هنا : الحظ.
    (2) كذا وردت بإهمال الدال ، كما هو أصلها الفارسي. انظر التنبيه 1 ص 15.

    مال من مال الله ، وأنت من خزان الله عليه حتى تسلمه إلى ، ولعلي ألا أكون شر ولاتك لك إن استقمت. ولا قوة إلا بالله ».
    فلما قرأ الكتاب قام زياد بن مرحب (1) فحمد الله وأثني عليه ثم قال :
    « أيها الناس ، إن من لم يكفه القليل لم يكفه الكثير ، إن أمر عثمان لا ينفع فيه العيان ، ولا يشفي منه الخبر ، غير أن من سمع به ليس كمن عاينه. إن الناس بايعوا عليا راضين به ، وأن طلحة والزبير نقضا بيعته على غير حدث ، ثم أذنا بحرب فأخرجا أم المؤمنين ، فسار إليهما فلم يقاتلهم وفي نفسه منهم حاجة ، فأورثه الله الأرض وجعل له عاقبة المتقين ».
    ثم قام الأشعث بن قيس ، فحمد الله وأثني عليه ثم قال :
    « أيها الناس إن أمير المؤمنين عثمان ولاني أذربيجان ، فهلك وهي في يدي ، وقد بايع الناس عليا ، وطاعتنا له كطاعة من كان قبله. وقد كان من أمره وأمر طلحة والزبير ما قد بلغكم. وعلي المأمون علي ما غاب عنا وعنكم من ذلك الأمر ».
    فلما أتى منزله دعا أصحابه فقال : إن كتاب علي قد أوحشني ، وهو آخذ بمال أذربيجان (2) ، وأنا لاحق بمعاوية. فقال القوم : الموت خير لك من ذلك. أتدع مصرك وجماعة قومك وتكون ذنبا لأهل الشام؟! فاستحيا فسار حتى قدم على علي ، فقال السكوني ـ وقد خاف أن يلحق بمعاوية :
    إني أعيذك بالذي هو مالك
    بمعاذة الآباء والأجداد

    __________________
    (1) في الإمامة والسياسة 1 : 79 : « زياد بن كعب ».
    (2) في الإمامة والسياسة : « وهو آخذي بمال أذربيجان ».


    مما يظن بك الرجال ، وإنما
    ساموك خطة معشر أوغاد

    إن اذربيجان التي مزقتها
    ليست لجدك فاشنها ببلاد (1)

    كانت بلاد خليفة ولا كها
    وقضاء ربك رائح أو غاد

    فدع البلاد فليس فيها مطمع
    ضربت عليك الأرض بالأسداد (2)

    فادفع بمالك دون نفسك إننا
    فادوك بالأموال والأولاد

    أنت الذي تثني الخناصر دونه
    وبكبش كندة يستهل الوادي

    ومعصب بالتاج مفرق رأسه
    ملك لعمرك راسخ الأوتاد

    وأطع زيادا إنه لك ناصح
    لا شك في قول النصيح زياد

    وانظر عليا إنه لك جنة
    ترشد ويهدك للسعادة هاد (3)

    ومما كتب به إلى الأشعث :
    أبلغ الأشعث المعصب بالتا
    ج غلاما حتى علاه القتير (4)

    يا ابن آل المرار من قبل الأ
    م وقيس أبوه غيث مطير(5)

    قد يصيب الضعيف ما أمر
    الله ويخطي المدرب النحرير

    قد أتى قبلك الرسول جريرا
    فتلقاه بالسرور جرير

    وله الفضل في الجهاد وفي الهج‍
    رة والدين ، كل ذاك كثير

    إن يكن حظك الذى أنت فيه
    فحقير من الحظوظ صغير

    __________________
    (1) اشنها ، أراد اشنأها ثم حذف الهمزة وعامله معاملة المعتل. والشناءة والشنآن : البغض
    (2) أي سد عليه الطريق فعميت مذاهبه ، وواحد الأسداد سد.
    (3) في الأصل : « يرشد ويهديك للسعادة » محرف.
    (4) القتير : الشيب ، أو أول ما يظهر منه. يقول : كان ملكا من صباه إلى مشيبه.
    (5) أبوه ، على الالتفات. ولو لم يلتفت لقال : « أبوك ».


    يا ابن ذي التاج والمبجل من كن‍
    دة ، ترضى بأن يقال أمير؟

    أذربيجان حسرة فذرنها
    وابغين الذي إليه تصير

    واقبل اليوم ما يقول علي
    ليس فيما يقوله تخيير

    واقبل البيعة التي ليس للنا
    س سواها من أمرهم قطمير

    عمرك اليوم قد تركت عليا
    هل له في الذي كرهت نظير

    ومما قيل على لسان الأشعث :
    أتانا الرسول رسول علي
    فسر بمقدمه المسلمونا

    رسول الوصي وصي النبي
    له الفضل والسبق في المؤمنينا

    بما نصح الله والمصطفى
    رسول الإله النبي الأمينا

    يجاهد في الله ، لا ينثني ،
    جميع الطغاة مع الجاحدينا (1)

    وزير النبي وذو صهره
    وسيف المنية في الظالمينا

    وكم بطل ماجد قد أذاق
    منية حتف ، من الكافرينا

    وكم فارس كان سال النزال
    فآب إلى النار في الآئبينا (2)

    فذاك على إمام الهدى
    وغيث البرية والمقحمينا (3)

    وكان إذا ما دعا للنزال
    كليث عرين يزين العرينا (4)

    __________________
    (1) جاهد العدو : قاتله. وفي الكتاب : ( جاهد الكفار والمنافقين ).
    (2) سال : مخفف سأل. قال حسان ( انظر ديوانه 67 والكامل 288 ليبسك ) :
    سالت هذيل رسول الله فاحشة
    ضلت هذيل بما سالت ولم تصب

    (3) المقحمون : الذين أصابتهم السنة والجدب ، فأخرجتهم من البادية وأقحمتهم الحضر. وفي الأصل : « المفخمينا » محرفة.
    (4) في الأصل : « بن ليث العرينا » وهو تحريف.


    أجاب السؤال بنصح ونصر
    وخالص ود على العالمينا

    فما زال ذلك من شأنه
    ففاز وربي مع الفائزينا

    ومما قيل على لسان الأشعث أيضا :
    أتانا الرسول رسول الوصي
    علي المهذب من هاشم

    رسول الوصي وصي النبي
    وخير البرية من قائم

    وزير النبي وذو صهره
    وخير البرية في العالم

    له الفضل والسبق بالصالحات
    لهدى النبي به يأتمى (1)

    محمدا اعني رسول الإله
    وغيث البرية والخاتم

    أجبنا عليا بفضل له
    وطاعة نصح له دائم

    فقيه حليم له صولة
    كليث عرين بها سائم

    حليم عفيف وذو نجدة
    بعيد من الغدر والماثم

    وأنه قدم على علي بن أبي طالب 7 بعد قدومه الكوفة ، الأحنف بن قيس ، وجارية بن قدامة ، وحارثة بن بدر ، وزيد بن جبلة ، وأعين بن ضبيعة ، وعظيم الناس بنو تميم ، وكان فيهم أشراف ، ولم يقدم هؤلاء على عشيرة من أهل الكوفة ، فقام الأحنف بن قيس ، وجارية بن قدامة ، وحارثة بن بدر ، فتكلم الأحنف فقال : « يا أمير المؤمنين ، إنه إن تك سعد لم تنصرك يوم الجمل فإنها لم تنصر عليك. وقد عجبوا أمس ممن نصرك وعجبوا اليوم ممن خذلك ، لأنهم شكوا في طلحة والزبير ، ولم يشكوا في معاوية. وعشيرتنا بالبصرة ، فلو بعثنا إليهم فقدموا إلينا فقاتلنا بهم العدو
    __________________
    (1) يأتمي ، أراد يأتمم أي يأتم ، فقلب إحدى الميمين ياء ، وكذلك يفعلون ، كما قالوا في التظنن التظني ، وفي التنصص التقصي. وفي الأصل : « يأتم » محرفة.

    وانتصفنا بهم ، وأدركوا اليوم ما فاتهم أمس! ». قال علي لجارية بن قدامة ـ وكان رجل تميم بعد الأحنف ـ : ما تقول يا جارية؟ قال : « أقول هذا جمع حشره الله لك بالتقوى ، ولم تستكره فيه شاخصا ، ولم تشخص فيه مقيما. والله لو لا ما حضرك فيه من الله لغمك سياسته ، وليس (1) كل من كان معك نافعك ، ورب مقيم خير من شاخص ، ومصراك خير لك ، وأنت أعلم ».
    فكأنه [ بقوله ] : « كان معك » ربما كره إشخاص قومه عن البصرة (2).
    وكان حارثة بن بدر أسد الناس رأيا عند الأحنف (3) ، وكان شاعر بني تميم وفارسهم ، فقال علي : ما تقول يا حارثة؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، إنا نشوب الرجاء بالمخافة. والله لوددت أن أمواتنا (4) رجعوا إلينا فاستعنا بهم على عدونا. ولسنا نلقى القوم بأكثر من عددهم ، وليس لك إلا من كان معك ، وإن لنا في قومنا عددا لا نلقى بهم عدوا أعدى من معاوية ، ولا نسد بهم ثغرا أشد من الشام ، وليس بالبصرة بطانة نرصدهم لها ، ولا عدو نعدهم له.
    ووافق الأحنف في رأيه ، فقال علي للأحنف : اكتب إلى قومك. فكتب الأحنف إلى بني سعد :
    __________________
    (1) في الأصل : « وليس كل من كان معك » والتكملة من الإمامة والسياسة لابن تتيبة 1 : 75 ، وقد سقطت منها كلمة « ليس ».
    (2) في الأصل : « فكأنه كان معك وربما كره ... الخ » ، والوجه فيما أثبت.
    (3) أسد ، من سداد الرأى ، وهو استتامته وصحته. وفي الأصل : « أشد » بالمعجمة ، تحريف.
    (4) في الأصل : « أمراءنا » وصوابه من الإمامة والسياسة.

    « أما بعد فإنه لم يبق أحد من بني تميم إلا وقد شقوا برأي سيدهم غيركم شقيت سعد بن خرشة برأي ابن يثربي ، وشقيت حنظلة برأي لحيان (1) ، وشقيت عدي برأي زفر ومطر ، وشقيت بنو عمرو بن تميم برأي عاصم بن الدلف ، وعصمكم الله برأيي لكم حتى نلتم ما رجوتم ، وأمنتم ما خفتم ، وأصبحتم منقطعين من أهل البلاء ، لاحقين بأهل العافية. وإني أخبركم أنا قدمنا على تميم الكوفة فأخذوا علينا بفضلهم مرتين : بمسيرهم إلينا مع علي ، وميلهم إلى المسير إلى الشام. ثم أخمروا (2) حتى صرنا كأنا لا نعرف إلا بهم ، فأقبلوا إلينا ولا تتكلوا عليهم ، فإن لهم أعدادنا من رؤسائهم ، وحنانا أن تلحق (3) فلا تبطئوا ، فإن من العطاء حرمانا ، ومن النصر خذلانا. فحرمان العطاء القلة ، وخذلان النصر الإبطاء ، ولا تقضي الحقوق إلا بالرضا ، وقد يرضي المضطر بدون الأمل ».
    وكتب معاوية بن صعصعة ، وهو ابن أخي الأحنف :
    تميم بن مر إن أحنف نعمة
    من الله لم يخصص بها دونكم سعدا

    وعم بها من بعدكم أهل مصركم
    ليالي ذم الناس كلهم الوفدا

    سواه لقطع الحبل عن أهل مصره
    فأمسوا جميعا آكلين بن رغدا

    وإعظامه الصاع الصغير وحذفه
    من الدرهم الوافي يجوز له النقدا

    وكان لسعد رأيه أمس عصمة
    فلم يخط لا الإصدار فيهم ولا الوردا

    __________________
    (1) في الأصل : « الحيان ».
    (2) أخمروا ، من الإخمار ، وهو الستر. أي غلبوا عليهم. وفي الأصل : « ثم أحمسوا » ، وفي الإمامة والسياسة : « ثم انحشرنا معهم ».
    (3) كذا. ولعلها : « وجنانا لن نلحق ». جعلهم كالجن. والجنان : جمع جان.


    وفي هذه الأخرى له مخض زبدة
    سيخرجها عفوا فلا تعجلوا الزبدا

    ولا تبطئوا عنه وعيشوا برأيه
    ولا تجعلوا مما يقول لكم بدا

    أليس خطيب القوم في كل وفدة
    وأقربهم قربا وأبعدهم بعدا

    وإن عليا خير حاف وناعل
    فلا تمنعوه اليوم جهدا ولا جدا

    يحارب من لا يحرجون بحربه
    ومن لا يساوى دينه كله ردا (1)

    ومن نزلت فيه ثلاثون آية
    تسمية فيها مؤمنا مخلصا فردا

    سوى موجبات جئن فيه وغيرها
    بها أوجب الله الولاية والودا

    فلما انتهى كتاب الأحنف وشعر معاوية بن صعصعة إلى بني سعد ساروا بجماعتهم حتى نزلوا الكوفة ، فعزت بالكوفة وكثرت ، ثم قدمت عليهم ربيعة ـ ولهم حديث ـ وابتدأ خروج جرير إلى معاوية.
    نصر : عمر بن سعد ، عن نمير بن وعلة ، عن عامر الشعبي ، أن عليا 7 حين قدم من البصرة نزع جريرا همدان ، فجاء حتى نزل الكوفة ، فأراد علي أن يبعث إلى معاوية رسولا فقال له جرير : ابعثني إلى معاوية ، فإنه لم يزل لي مستنصحا وودا (2) ، فآتيه (3) فأدعوه على أن يسلم لك هذا الأمر ، ويجامعك على الحق ، على أن يكون أميرا من أمرائك ، وعاملا من عمالك ، ما عمل بطاعة الله ، واتبع ما في كتاب الله ، وأدعو أهل الشام إلى طاعتك
    __________________
    (1) الرد : الزائف من الدراهم. وفي الأصل : « ريدا » ، ولا وجه له.
    (2) الود ، بكسر الواو : الصديق ، كالحب بمعنى المحبوب. والود ، بضم الواو : الصديق ، على حذف المضاف. وجاء في اللسان : « وفي حديث ابن عمر : إن أبا هذا كان ودا لعمر. هو على حذف المضاف ، تقديره كان ذا ود لعمر ، أي صديقا ».
    (3) في الأصل : « نأتيه » ، تحريف. وفي ح ( 1 : 247 ) : « آتيه ».

    وولايتك ، وجلهم (1) قومي وأهل بلادي ، وقد رجوت ألا يعصوني. فقال له الأشتر : لا تبعثه ودعه ، ولا تصدقه ، فو الله إني لأظن هواه هواهم ، ونيته نيتهم. فقال له علي : دعه حتى ننظر ما يرجع به إلينا. فبعثه على 7 وقال له حين أراد أن يبعثه : إن حولي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الدين والرأي من قد رأيت ، وقد اخترتك عليهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيك : « إنك من خير ذي يمن (2) ». ايت معاوية بكتابي ، فإن دخل فيما دخل فيه المسلمون وإلا فانبذ إليه (3) ، وأعلمه أني لا أرضى به أميرا ، وأن العامة لا ترضى به خليفة ».
    فانطلق جرير حتى أتى الشام ونزل بمعاوية ، فدخل عليه فحمد الله وأثنى عليه وقال : « أما بعد يا معاوية فإنه قد اجتمع لابن عمك أهل الحرمين وأهل المصرين (4) وأهل الحجاز ، وأهل اليمن ، وأهل مصر ، وأهل العروض وعمان ، وأهل البحرين واليمامة ، فلم يبق إلا أهل هذه الحصون التي أنت فيها ، لو سال عليها سيل من أوديته غرقها. وقد أتيتك أدعوك إلى ما يرشدك ويهديك إلى مبايعة هذا الرجل ».
    ودفع إليه كتاب علي بن أبي طالب ، وفيه :
    __________________
    (1) ح : « فجلهم » بالفاء.
    (2) من خير ذي يمن : أي من خير اليمن. وفي اللسان ( 20 : 349 ) : « ويقال أتينا ذا يمن ، أي أتينا اليمن ».
    (3) النبذ : أن يكون بينه وبين قوم هدنة فيخاف منهم نقض العهد ، فيلقي إليهم أنه قد نقض ما بينه وبينهم قبل أن يفجأهم بالقتال. ومنه قول الله : ( وإما تخافن من قوم خيانة فانيذ إليهم على سواء ).
    (4) الحرمان : مكة والمدينة. والمصران : البصرة والكوفة.

    بسم الله الرحمن الرحيم.
    أما بعد فإن بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام (1) ؛ لأنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان علي ما بويعوا عليه ، فلم يكن للشاهد أن يختار ، ولا للغائب أن يرد. وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فإذا اجتمعوا على رجل فسموه إماما (2) كان ذلك لله رضا ، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة ردوه إلى ما خرج منه ، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين ، وولاه (3) الله ما تولى ويصليه جهنم وساءت مصيرا. وإن طلحة والزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي ، وكان نقضهما كردهما ، فجاهدتهما. على ذلك حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون. فادخل فيما دخل فيه المسلمون ، فإن أحب الأمور إلى فيك العافية ، إلا أن تتعرض للبلاء. فإن تعرضت له قاتلتك واستعنت الله (4) عليك. وقد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه المسلمون ، ثم حاكم القوم إلى أحملك وإياهم على كتاب الله. فأما تلك التي تريدها فخدعة الصبي عن اللبن. ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ قريش من دم عثمان. واعلم أنك من الطلقاء (5) الذين لا تحل لهم الخلافة ، ولا تعرض فيهم الشورى. وقد أرسلت إليك
    __________________
    (1) في الأصل : « .. بيعتي لزمتك بالمدينة وأنت بالشام » ، والوجه ما أثبت من ح. ( 1 : 248 ).
    (2) ح : « إذا اجتمعوا على رجل وسموه إماما ».
    (3) في الأصل : « ووليه » ، وأثبت الصواب من ح.
    (4) ح : « بالله ».
    (5) الطلقاء : جمع طليق ، وهو الأسير الذي أطلق عنه إساره وخلى سبيله. ويراد بهم الذين خلى عنهم رسول الله يوم فتح مكة وأطلقهم ولم يسترقهم.

    وإلى من قبلك (1) جرير بن عبد الله ، وهو من أهل الإيمان والهجرة. فبايع ولا قوة إلا بالله ».
    فلما قرأ الكتاب قام جرير فقال :
    الحمد لله المحمود بالعوائد (2) ، المأمول منه الزوائد ، المرتجى منه الثواب المستعان على النوائب. أحمده وأستعينه في الأمور التي تخير دونها الألباب ، وتضمحل عندها الأسباب (3). وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، كل شئ هالك إلا وجهه ، له الحكم وإليه ترجعون. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بعد الفترة ، وبعد الرسل الماضية (4) والقرون الخالية (5) ، والأبدان البالية ، والجبلة الطاغية ، فبلغ الرسالة ، ونصح الأمة ، وأدى الحق الذي استودعه الله وأمره بأدائه إلى أمته. صلى الله عليه وسلم من مبتعث ومنتجب (6).
    ثم قال : أيها الناس ، إن أمر عثمان قد أعيا من شهده ، فما ظنكم بمن غاب عنه. وإن الناس بايعوا عليا غير واتر ولا موتور ، وكان طلحة والزبير ممن بايعه ثم نكثا بيعته على غير حدث. ألا وإن هذا الدين لا يحتمل الفتن
    __________________
    (1) كلمة : « وإلى من قبلك » ساقطة من ح.
    (2) العوائد : جمع عائدة ، وهي المعروف ، والصلة ، والفضل.
    (3) الأسباب : جمع سبب ، وهو كل ما يتوصل به إلى غيره. وفي الأصل : « الأرباب » ولا وجه له. وهذه الجملة ساقطة من ح.
    (4) ح : « بعد فترة من الرسل الماضية ».
    (5) الكلام بعد هذه الكلمة إلى : « الطاغية » ليس في ح.
    (6) منتجب ، بالجيم : مختار. وانظر ما سبق فى ص 10. ح : « من رسول ومبتعث ومنتخب ».

    ألا وإن العرب لا تحتمل السيف (1). وقد كانت بالبصرة أمس ملحمة إن يشفع البلاء بمثلها فلا بقاء للناس. وقد بايعت العامة (2) عليا. ولو ملكنا الله أمورنا (3) لم نختر لها غيره ، ومن خالف هذا استعتب (4). فادخل يا معاوية فيما دخل فيه الناس. فإن قلت : استعملني عثمان ثم لم يعزلني ، فإن هذا أمر لو جاز لم يقم لله دين ، وكان لكل امرئ ما في يديه. ولكن الله لم يجعل للآخر من الولاة حق الأول ، وجعل تلك أمورا موطأة ، وحقوقا ينسخ بعضها بعضا.
    [ ثم قعد ] ، فقال معاوية : انظر وننظر ، واستطلع رأي أهل الشام.
    فلما فرغ جرير من خطبته أمر معاوية (5) مناديا فنادى : الصلاة جامعة. فلما اجتمع الناس صعد المنبر ثم قال :
    الحمد لله الذي جعل الدعائم للإسلام أركانا ، والشرائع للإيمان برهانا ، يتوقد قبسه (6) في الأرض المقدسة التي جعلها الله محل الأنبياء والصالحين من عباده ، فأحلها أهل الشام (7) ، ورضيهم لها ورضيها لهم ، لما سبق من مكنون علمه من طاعتهم ومناصحتهم خلفاءه والقوام بأمره ، والذابين عن دينه
    __________________
    (1) ما بعد : « الفتن » إلى هنا ليس في ح.
    (2) ح : « الأمة ».
    (3) ح : « ولو ملكنا الله الأمور ».
    (4) استعتب : استقال مما فرط منه.
    (5) بدلها في ح : « فمضت أيام وأمر معاوية ».
    (6) القبس : النار ، أو الشعلة منها. وفي الأصل : « قابسه » صوابه من ح.
    (7) أي أحل الأرض المقدسة أهل الشام. وفي ح : « فأحلهم أرض الشام ». وما في الأصل أولى وأقوى.

    وحرماته. ثم جعلهم لهذه الأمة نظاما ، وفي سبيل الخيرات أعلاما ، يردع الله بهم الناكثين ، ويجمع بهم ألفة المؤمنين. والله نستعين على ما تشعب من أمر المسلمين بعد الالتئام ، وتباعد بعد القرب. اللهم انصرنا على أقوام يوقظون نائمنا ، ويخيفون آمننا ، ويريدون هراقة دمائنا (1) ، وإخافة سبيلنا وقد يعلم الله أنا لم نرد بهم عقابا (2) ، ولا نهتك لهم حجابا ، ولا نوطئهم زلقا. غير أن الله الحميد كسانا من الكرامة ثوبا لن ننزعه طوعا ما جاوب الصدى ، وسقط الندى ، وعرف الهدى. حملهم على خلافنا البغي والحسد ، فالله نستعين عليهم (3). أيها الناس ، قد علمتم أني خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، وأني خليفة عثمان بن عفان عليكم (4) ، وأني لم أقم رجلا منكم على خزاية قط (5) ، وأني ولي عثمان وقد قتل مظلوما. والله يقول : ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا ). وأنا أحب أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان ».
    فقام أهل الشام بأجمعهم فأجابوا إلى الطلب بدم عثمان (6) ، وبايعوه على ذلك ، وأوثقوا له على أن يبذلوا أنفسهم وأموالهم أو يدركوا بثأره ، أو يفني الله أرواحهم (7). فلما أمسى معاوية وكان قد اغتم بما هو فيه ، قال نصر :
    __________________
    (1) الهراقة ، بكسر الهاء : الإراقة ، كما في نص القاموس. وضبطت في اللسان ضبط قلم مرة بالكسر ومرة بالفتح ، والأخيرة ليست من الصواب.
    (2) ح : « لا نريد لهم عقابا ».
    (3) ح : « حملهم على ذلك البغي والحسد فتستعين الله عليهم ».
    (4) ح : « وأمير المؤمنين عثمان بن عفان عليكم ».
    (5) الخزاية ، بالفتح : الاستحياء. أراد عمل ما يستحيا منه.
    (6) في الأصل : « إلى دم عثمان » وأنبت ما في ح.
    (7) في الأصل : « يغني » ، بالغين المعجمة ، تحريف. وفي ح : « أو تلحق أرواحهم بالله ».

    فحدثني محمد بن عبيد الله عن الجرجاني قال : لما جن معاوية الليل واغتم وعنده أهل بيته ، قال :
    تطاول ليلى واعترتني وساوسي
    لات أتى بالترهات البسابس (1)

    أتانا جرير والحوادث جمة
    بتلك التي فيها اجتداع المعاطس (2)

    أكابده والسيف بيني وبينه
    ولست لأثواب الدني بلابس (3)

    إن الشام أعطت طاعة يمنية
    تواصفها أشياخها في المجالس

    فإن يجمعوا أصدم عليا بجبهة (4)
    تفت عليه كل رطب ويابس

    وإني لأرجو خير ما نال نائل
    وما أنا من ملك العراق بآيس

    وإلا يكونوا عند ظني بنصرهم
    وإن يخلفوا ظني كف عابس (5)

    نصر ، قال : حدثني محمد بن عبيد الله ، عن الجرجاني قال : واستحثه جرير بالبيعة ، فقال : يا جرير ، إنها ليست بخلسة ، وإنه أمر له ما بعده ، فأبلعني ريقي حتى أنظر. ودعا ثقاته فقال له عتبة بن أبي سفيان ـ وكان نظيره ـ : اجتمعن على هذا الأمر بعمرو بن العاص ، وأثمن له بدينه فإنه من قد عرفت ، وقد اعتزل أمر عثمان في حياته وهو لأمرك أشد اعتزالا إن ير فرصة (6).
    __________________
    (1) الترهات البسابس : الباطل. وربما قالوا ترهات البسابس ، بالإضافة.
    (2) اجتداع المعاطس : أي قطع الأنوف ، وذاك علامة الإذلال.
    (3) أكابده : من قولهم كابد الأمر مكابدة وكبادا : قاساه. ح : « أكايده » بالمثناة التحتية. وفي اللسان : « وكل شيء تعالجه فأنت تكيده ».
    (4) قال ابن أبي الحديد : « الجبهة ههنا الخيل ». وقال ابن منظور : « الجبهة الخيل لا يفرد لها واحد ».
    (5) كذا ورد البيت في الأصل. وهو ساقط من ح.
    (6) ح : « أشد اعتزالا إلا أن يثمن له دينه ».

    مبتدأ حديث عمرو بن العاص
    نصر ، عن عمر بن سعد ومحمد بن عبيد الله قالا : كتب معاوية إلى عمرو وهو بالبيع (1) من فلسطين : « أما بعد فإنه كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك. وقد سقط إلينا مروان بن الحكم في رافضة أهل البصرة (2) ، وقدم علينا جرير بن عبد الله في بيعة علي ، وقد حبست نفسي عليك حتى تأتيني. أقبل أذاكرك أمرا (3) ».
    قال : فلما قرئ الكتاب على عمرو استشار ابنيه عبد الله ومحمدا فقال : ابني ، ما تريان؟ فقال عبد الله : أرى أن نبي الله 9 قبض وهو عنك راض ، والخليفتان من بعده ، وقتل عثمان وأنت عنه غائب. فقر في منزلك فلست مجعولا خليفة ، ولا تريد أن تكون (4) حاشية لمعاوية على دنيا قليلة ، أوشك أن تهلك فتشقى فيها (5). وقال محمد : أرى أنك شيخ قريش وصاحب أمرها ، وإن تصرم هذا الأمر وأنت فيه خامل (6) تصاغر أمرك ، فالحق بجماعة أهل الشام فكن يدا من أياديها ، واطلب بدم عثمان ، فإنك قد استنمت فيه إلى بني أمية (7). فقال عمرو : أما أنت
    __________________
    (1) كذا في الأصل.
    (2) ح ( 1 : 136 ) : « في نفر من أهل البصرة ».
    (3) ح : « أذا كرك أمورا لا تعدم صلاح مغبتها إن شاء الله ».
    (4) ح : « ولا تزيد على أن تكون حاشية ».
    (5) ح : « أوشكتما أن تهلكا فتساويا في عقابها ».
    (6) ح : « غافل ».
    (7) استنام : سكن. وفي الأصل : « استلمت » ، وفي ح : « فإنه سيقوم بذلك بنو أمية ».

    يا عبد الله فأمرتني بما هو خير لي في ديني ، وأما أنت يا محمد فأمرتني بما هو خير لي في دنياي ، وأنا ناظر فيه ، فلما جنة الليل رفع صوته وأهله ينظرون (1) إليه فقال :
    تطاول ليلى للهموم الطوارق
    وخول التي تجلو وجوه العواتق (2)

    وإن ابن هند سائلي أن أزوره
    وتلك التي فيها بنات البوائق (3)

    أتاه جرير من على بخطة
    أمرت عليه العيش ذات مضائق

    فإن نال مني ما يؤمل رده
    وإن لم ينله ذل ذل المطابق (4)

    فوالله ما أدري وما كنت هكذا
    أكون ، ومهما قادني فهو سابقي (5)

    أخادعه إن الخداع دنية
    أم اعطيه من نفسي نصيحة وامق

    أو اقعد في بيتي وفي ذاك راحة
    لشيخ يخاف الموت في كل شارق

    وقد قال عبد الله قولا تعلقت
    به النفس إن لم يعتلقني عوائقي (6)

    وخالفه فيه أخوه محمد
    وإني لصلب العود عند الحقائق (7)

    فقال عبد الله : ترحل الشيخ (Cool. قال : ودعا عمرو غلاما له يقال له وردان ، وكان داهيا ماردا ، فقال : ارحل يا وردان. ثم قال : حط يا وردان
    __________________
    (1) ح : « وأهله يسمعون ».
    (2) خول : ترخيم خولة لغير نداء ، وهي من أعلامهن. والعانق : الشابة أول ما تدرك.
    (3) البوائق : الدواهي ، جمع بائقة. ح : « سألني أن أزوره ».
    (4) المطابق من المطابقة ، وهي المشى في القيد.
    (5) ح : « فهو سابقي ».
    (6) ح : « تقتطعني عوائقي ».
    (7) الحقيقة : ما يحق على المرء أن يحميه.
    (Cool ترحل : ارتحل. أراد أنه استعد للرحيل إلي الدار الآخرة. ح : « رحل الشيخ ».

    [ ثم قال : ارحل يا وردان ، احطط يا وردان (1) ]. فقال له وردان : خلطت أبا عبد الله ، أما إنك إن شئت أنبأتك بما نفسك. قال : هات ويحك. قال : اعتركت الدنيا والآخرة على قلبك ، فقلت : علي معه الآخرة في غير دنيا ، وفي الآخرة عوض الدنيا ، ومعاوية معه الدنيا بغير آخرة ، وليس في الدنيا عوض من الآخرة ، فأنت واقف بينهما. قال : فإنك والله (2) ما أخطأت ، فما ترى يا وردان؟ قال : أرى أن تقيم في بيتك ، فإن ظهر أهل الدين عشت [ في ] عفو دينهم (3) وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا عنك. قال : الآن لما شهدت العرب مسيري إلى معاوية (4)؟ فارتحل وهو يقول :
    يا قاتل الله وردانا وقدحته
    أبدى لعمرك ما في النفس وردان (5)

    لما تعرضت الدنيا عرضت لها
    بحرص نفسي وفي الأطباع إدهان (6)

    نفس تعف وأخرى الحرص يغلبها؟ (7)
    والمرء يأكل تبنا وهو غرثان

    أما علي فدين ليس يشركه
    دنيا وذاك له دنيا وسلطان

    فاخترت من طمعي دنيا على بصر
    وما معي بالذي أختار برهان

    إني لأعرف ما فيها وأبصره
    وفي أيضا لما أهواه ألوان

    لكن نفسي تحب العيش في شرف
    وليس يرضى بذل العيش إنسان

    أمر لعمر أبيكم غير مشتبه
    والمرء يعطس والوسن وسنان

    __________________
    (1) التكملة من ح والإمامة والسياسة ( 1 : 83 ).
    (2) ح : « قاتلك الله ». ,لق. (3) العفو : الفضل. وكلمة : « في » ليست في الأصل ، وهي ثابتة في ح.
    (4) في الإمامة والسياسة : « الآن حين شهرتني العرب بمسيري إلى معاوية ».
    (5) في الأصل : « ومزحته » ، صوابه من ح واللسان « قدح ». والقدحة ، بالكسر. من قولهم اقتدح الأمر : دبره ونظر فيه.
    (6) الإدهان : المصانعة والغش واللين.
    (7) في الأصل : « يقلبها » ، والصواب من ح.

    فسار حتى قدم إلى معاوية وعرف حاجة معاوية إليه ، فباعد [ ه من نفسه ] وكايد كل واحد منهما صاحبه ، فلما دخل عليه قال : يا أبا عبد الله ، طرقتنا في ليلتنا هذه ثلاثة أخبار ليس منها ورد ولا صدر. قال : وما ذاك؟ قال : ذاك أن محمد بن أبي حذيفة قد كسر سجن مصر فخرج هو وأصحابه ، وهو من آفات هذا الدين. ومنها أن قيصر زحف بجماعة الروم إلى ليتغلب على الشام. ومنها أن عليا نزل الكوفة متهيئا للمسير إلينا. قال : ليس كل ما ذكرت عظيما. أما ابن أبي حذيفة فما يتعاظمك من رجل خرج في أشباهه أن تبعث إليه خيلا تقتله أو تأتيك به ، وإن فاتك لا يضرك. وأما قيصر فأهد له من وصفاء الروم ووصائفها ، وآنية الذهب والفضة ، وسله الموادعة ، فإنه إليها سريع. وأما على فلا والله يا معاوية ما تسوي (1) العرب بينك وبينه في شيء من الأشياء ، وإن له في الحرب لحظا (2) ما هو لأحد من قريش ، وإنه لصاحب ما هو فيه إلا أن تظلمه.
    نصر : عمر بن سعد بإسناده قال : قال معاوية لعمرو : يا أبا عبد الله ، إني أدعوك إلى جهاد هذا الرجل الذي عصى ربه وقتل الخليفة (3) ، وأظهر الفتنة ، وفرق الجماعة ، وقطع الرحم. قال عمرو : إلى من؟ قال : إلى جهاد علي ، قال : فقال عمرو : والله يا معاوية ما أنت وعلي بعكمي بعير (4) ، مالك هجرته
    __________________
    (1) في الأصل : « تستوي » والوجه ما أثبت.
    (2) وقد تقرأ : « لحظا » باللام الداخلة على : « حظا » ، وانظر ما سيأتي في كلام عمرو لمعاوية ص 38 س 2.
    (3) يعني عثمان بن عفان.
    (4) يقال : هما كعكمي البعير ، للرجلين يتساويان في الشرف. والعكمان : عدلان يشدان على جانبي الهودج بثوب. وفي اللسان ( 15 : 309 ) وأمثال الميداني ( 2 : 289 ) والحيوان ( 3 : 10 ) : « كعكمي بعير ».
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

            وقعة صفين Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة صفين           وقعة صفين Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 9:53 am

    ولا سابقته ، ولا صحبته ولا جهاده ، ولا فقهه وعلمه .. والله إن له مع ذلك حدا وجدا (1) ، وحظا وحظوة ، وبلاء من الله حسنا ، فما تجعل لي إن شايعنك على حربه ، وأنت تعلم ما فيه من الغرر والخطر؟ قال : حكمك. قال : مصر طعمة. قال : فتلكأ عليه معاوية.
    قال نصر : وفي حديث غير عمر قال : قال له معاوية : يا أبا عبد الله ، إني أكره أن يتحدث العرب عنك أنك إنما دخلت في هذا الأمر لغرض الدنيا. قال : دعني عنك. قال معاوية : إني لو شئت أن أمنيك وأخدعك لفعلت. قال عمرو : لالعمر الله ، ما مثلي يخدع ، لأنا أكيس من ذلك. قال له معاوية : ادن مني برأسك أسارك. قال : فدنا منه عمرو يساره ، فعض معاوية أذنه وقال : هذه خدعة ، هل ترى في بيتك أحدا غيري وغيرك؟ (2)
    ثم رجع إلى حديث عمر (3) ، قال : فأنشأ عمرو يقول (4) :
    __________________
    (1) الحد : الحدة والنشاط والسرعة في الأمور والمضاء فيها. والجد ، بفتح الجيم : الحظ. وبالكسر : الاجتهاد. وفي الأصل : « وحدودا » ولا وجه له. وفي ح : « ووالله إن له مع ذلك لحظا في الحرب ليس لأحد من غيره ، ولكني قد تعودت من الله تعالى إحسانا وبلاء جميلا ».
    (2) قال ابن أبي الحديد بعد هذا : « قلت : قال شيخنا أبو القاسم البلخي رحمه الله تعالى : قول عمرو له : دعنا عنك ، كناية عن الإلحاد بل تصريح به. أي دع هذا الكلام الذي لا أصل له فإن اعتقاد الآخرة وأنها لا تباع بعرض الدنيا من الخرافات. قال ; : وما زال عمرو بن العاص ملحدا ما تردد قط في الإلحاد والزندقة ، وكان معاوية مثله. ويكفي من تلاعبهما بالإسلام حديث السرار المروي ، وأن معاوية عض أذن عمرو. أين هذا من أخلاق علي 7 وشدته في ذات الله ، وهما مع ذلك يعيبانه بالدعابة ».
    (3) يعني عمر بن سعد الراوي.
    (4) في الأصل : « فأنشأ وهو يقول » ، صوابه في ح.


    معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل
    بذلك دنيا (1) فانظرن كيف تصنع

    فان تعطني مصرا فأربح بصفقة
    أخذت بها شيخا يضر وينفع

    وما الدين والدنيا سواء وإنني
    لآخذ ما تعطي ورأسي مقنع

    ولكني أغضى الجفون وإنني
    لأخدع نفسي والمخادع يخدع

    وأعطيك أمرا فيه للملك قوة
    وإني به إن زلت النعل أضرع (2)

    وتمنعني مصرا وليست برغبة (3)
    وإني بذا الممنوع قدما لمولع

    قال : أبا عبد الله ، ألم تعلم أن مصرا مثل العراق؟ قال : بلى ، ولكنها إنما تكون لي إذا كانت لك ، وإنما تكون لك إذا غلبت عليا على العراق وقد كان أهلها بعثوا بطاعتهم إلى علي. قال : فدخل عتبة بن أبي سفيان فقال : أما ترضى أن نشتري عمرا بمصر إن هي صفت لك. فليتك لا تغلب على الشام. فقال معاوية : يا عتبة ، بت عندنا الليلة. قال : فلما جن على عتبة الليل رفع صوته ليسمع معاوية ، وقال :
    أيها المانع سيفا لم يهز
    إنما ملت علي خز وقز (4)

    __________________
    (1) ح ( 1 : 137 ) : « ولم أنل به منك دنيا ».
    (2) ح : « وألفي به أن زلت النعل أصرع ».
    (3) في الأصل : « ولست نزعته » والصواب من ح. قال ابن أبي الحديد تعليقا على هذا البيت : « قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ : كانت مصر في نفس عمرو بن العاص لأنه هو الذي فتحها في سنة تسع عشرة من الهجرة في خلافة عمر ، فكان لعظمها في نفسه وجلالتها في صدره وما قد عرفه من أموالها وسعة الدنيا لا يستعظم أن يجعلها ثمنا من دينه ».
    (4) القز من الثياب أعجمي معرب ، وهو الذي يسوى منه الإبريسم. وفي الأصل : ( بز ) ، والبز : الثياب ، أو ضرب منها. وأثبت ما في ح.


    إنما أنت خروف ماثل (1)
    بين ضرعين وصوف لم يجز

    أعط عمرا إن عمرا تارك
    دينه اليوم لدنيا لم تحز (2)

    يا لك الخير فخذ من دره
    شخبه الأولى وأبعد ما غرز

    واسحب الذيل وبادر فوقها (3)
    وانتهزها إن عمرا ينتهز

    أعطه مصرا وزده مثلها
    إنما مصر لمن عز وبز

    واترك الحرص عليها ضلة
    واشبب النار لمقرور يكز (4)

    إن مصرا لعلى أو لنا
    يغلب اليوم عليها من عجز (5)

    فلما سمع معاوية قول عتبة أرسل إلى عمرو وأعطاها إياه. قال : فقال له عمرو : ولي الله عليك بذلك شاهد؟ قال له معاوية : نعم لك الله على بذلك ، لئن فتح الله علينا الكوفة. قال عمرو : ( والله على ما نقول وكيل ). قال : فخرج عمرو ومن عنده فقال له ابناه : ما صنعت؟ قال : أعطانا مصر [ طعمة ]. قالا : وما مصر في ملك العرب؟ قال : لا أشبع الله بطونكما إن لم يشبعكما مصر. قال : فأعطاها إياه ، وكتب له كتابا ، وكتب معاوية : « على أن لا ينقض شرط طاعة » ، وكتب عمرو : « على ألا تنقض طاعة شرطا (6) ». وكايد كل
    __________________
    (1) ماثل : قائم. وفي الأصل وح : « مائل ».
    (2) في الأصل : « لم تجز » والصواب من ح.
    (3) الفوق ، بالضم ، هنا : الطريق الأول.
    (4) الكزاز : داء يأخذ من شدة البرد وتعتري منه رعدة. وفي الأصل : « يكن » محرفة.
    (5) في الأصل : « ولنا » وأثبت ما في ح. وفي الأصل : « من عجن » تحريف.
    (6) في الأصل : « ولا ينقض طاعة شرطا » وأثبت ما في ح. وانظر الكامل للمبرد 184 ليبسك.

    واحد منهما صاحبه (1).
    وكان مع عمرو ابن عم له فتي شاب ، وكان داهيا حليما (2) ، فلما جاء عمرو بالكتاب مسرورا عجب الفتي وقال : ألا تخبرني يا عمرو بأي رأي تعيش في قريش؟ أعطيت دينك ومنيت دنيا غيرك. أترى أهل مصر ـ وهم قتلة عثمان ـ يدفعونها إلى معاوية وعلي حي؟ وتراها إن صارت إلى معاوية لا يأخذها بالحرف الذي قدمه في الكتاب؟ فقال عمرو : يا ابن الأخ ، إن الأمر لله دون علي ومعاوية. فقال الفتى في ذلك شعرا :
    ألا يا هند أخت بني زياد
    دهى عمرو بداهية البلاد (3)

    رمى عمرو بأعور عبشمي
    بعيد القعر مخشى الكياد (4)

    له خدع يحار العقل فيها
    مزخرفة صوائد للفؤاد

    __________________
    (1) قال ابن أبي الحديد ( 1 : 138 ) : « تفسيره أن معاوية قال للكاتب اكتب على ألا ينتقض شرط طاعة ، يريد أخذ إقرار عمرو له أنه قد بايعه على الطاعة بيعة مطلقة غير مشروطة بشيء. وهذه مكايدة له ، لأنه لو كتب ذلك لكان لمعاوية أن يرجع في إعطائه مصرا ولم يكن لعمرو أن يرجع عن طاعته ويحتج عليه برجوعه عن إعطائه مصرا ، لأن مقتضى المشارطة المذكورة أن طاعة معاوية واجبة عليه مطلقا سواء كانت مصر مسلمة إليه أو لا. فلما انتبه عمرو على هذه المكيدة منع الكاتب من أن يكتب ذلك وقال : بل اكتب : على أن لا تنقض طاعة شرطا يريد أخذ إقرار معاوية له بأنه إذا كان أطاعه لا تقض طاعته إياه ما شارطه عليه من تسليم مصر إليه. وهذا أيضا مكايدة من عمرو لمعاوية ، ومنع له من أن يغدر بما أعطاه من مصر ».
    (2) الحليم : ذو الأناة والعقل. وفي ح : « وكان لعمرو بن العاص ابن عم من بني سهم أريب ». وفي الإمامة والسياسة : « وكان مع عمرو بن العاص ابن أخ له جاءه من مصر ». وانظر ما سيأتي في س 5 هذه الصفحة من قوله : « يا ابن الأخ » وما سيأتي بعد القصيدة في الصفحة التالية.
    (3) أراد : دهي ، فسكن آخره للشعر. وفي ح : « رمى » وكلاهما بالبناء للمفعول.
    (4) في الأصح وح : « محش الكباد » ، وإنما يريد أنه يخشى كيده.


    فشرط في الكتاب عليه حرفا
    يناديه بخدعته المنادي

    وأثبت مثله عمرو عليه
    كلا المرأين حية بطن واد

    ألا يا عمرو ما أحرزت مصرا
    وما ملت الغداة إلى الرشاد

    وبعت الدين بالدنيا خسارا
    فأنت بذاك من شر العباد

    فلو كنت الغداة أخذت مصرا
    ولكن دونها خرط القتاد

    وفدت إلى معاوية بن حرب
    فكنت بها كوافد قوم عاد

    وأعطيت الذي أعطيت منه
    بطرس فيه نضح من مداد

    ألم تعرف أبا حسن عليا
    وما نالت يداه من الأعادي

    عدلت به معاوية بن حرب
    فيا بعد البياض من السواد

    ويا بعد الأصابع من سهيل
    ويا بعد الصلاح من الفساد

    أتأمن أن تراه على خدب
    يحث الخيل بالأسل الحداد (1)

    ينادي بالنزال وأنت منه
    بعيد فانظرن من ذا تعادي

    فقال عمرو : يا ابن أخي ، لو كنت مع علي وسعني بيتي ، ولكني الآن مع معاوية (2). فقال له الفتى : إنك إن لم ترد معاوية لم يردك ، ولكنك تريد دنياه و [ هو ] يريد دينك. وبلغ معاوية قول الفتى فطلبه فهرب فلحق بعلي فحدثه بأمر عمرو ومعاوية. قال : فسر ذلك عليا وقر به. قال : وغضب مروان وقال : ما بالي لا أشتري كما اشترى عمرو؟ قال : فقال له معاوية : إنما تبتاع الرجال لك. قال : فلما بلغ عليا ما صنعه معاوية وعمرو قال :
    __________________
    (1) الخدب : الضخم من كل شيء.
    (2) ح : « لو كنت عند علي لوسعني ، ولكني الآن عنده ».


    يا عجبا لقد سمعت منكرا
    كذبا على الله يشيب الشعرا

    يسترق السمع ويغشى البصرا
    ما كان يرضى أحمد لو خبرا

    أن يقرنوا وصيه والأبترا
    شاني الرسول واللعين الأخزرا (1)

    كلاهما في جنده قد عسكرا
    قد باع هذا دينه فأفجرا (2)

    من ذا بدنيا بيعه قد خسرا
    بملك مصر أن أصاب الظفرا (3)

    إني إذا الموت دنا وحضرا
    شمرت ثوبي ودعوت قنبرا (4)

    قدم لوائي لا تؤخر حذرا
    لن يدفع الحذار ما قد قدرا (5)

    لما رأيت الموت موتا أحمرا
    عبأت همدان وعبوا حميرا

    حي يمان يعظمون الخطرا
    قرن إذا ناطح قرنا كسرا

    قل لابن حرب لا تدب الخمرا (6)
    أرود قليلا أبد منك الضجرا

    لا تحسبني يا ابن حرب غمرا (7)
    وسل بنا بدرا معا وخيبرا

    __________________
    (1) يعني بالأبتر العاص بن وائل ، والد عمرو بن العاص ، وفيه نزل قول الله : ( إن شانئك هو الأبتر ). وبالأخزر عمرو بن العاص ، وكأنه كان أخزر ينظر بمؤخر عينيه.
    (2) أفجر : كذب ، أو عصى ، أو كفر. ومثله فجر.
    (3) ح : « بيعة قد خسرا ».
    (4) قنبر بفتح القاف والباء : مولى علي. وإليه ينسب المحدثان العباس بن الحسن وأحمد ابن بشر القنبريان.
    (5) الحذار : الحذر. وفي الأصل : « لن ينفع » صوابه في ح.
    (6) الخمر ، بفتح الخاء المعجمة والميم : ما واراك من الشجر والجبال ونحوها. والدبيب : المشى على هينة. يقال للرجل إذا ختل صاحبه : هو يدب له الضراء ، ويمشي له الخمر. وفي الأصل : « لا ندب الحمرا » والكلمتان محرفتان ، والصواب في ح. والإرواد : الإمهال.
    (7) الغمر ، بتثليث أوله وبفتح أوله وثانيه : من لم يجرب الأمور. وفي الأصل : « عمرا » محرف.


    كانت قريش يوم بدر جزرا (1)
    إذ وردوا الأمر فذموا الصدرا

    لو أن عندي يابن حرب جعفرا
    أو حمزة القرم الهمام الأزهرا

    رأت قريش نجم ليل ظهرا
    نصر : محمد بن عبيد الله ، عن الجرجاني قال : لما بات عمرو عند معاوية وأصبح أعطاه مصر طعمة له ، وكتب له بها كتابا وقال : ما ترى؟ قال : أمض الرأي الأول. فبعث مالك بن هبيرة الكندي في طلب [ محمد ] بن أبي حذيفة فأدركه فقتله ، وبعث إلى قيصر بالهدايا فوادعه. ثم قال : ما ترى في علي؟ قال : أرى فيه خيرا ، أتاك في هذه البيعة خير أهل العراق ، ومن عند خير الناس في أنفس الناس ، ودعواك أهل الشام إلى رد هذه البيعة خطر شديد ، ورأس أهل الشام شرحبيل بن السمط الكندي ، وهو عدو لجرير المرسل إليك ، فأرسل إليه ووطن له ثقاتك فليفشوا في الناس أن عليا قتل عثمان ، وليكونوا أهل الرضا عند شرحبيل ؛ فإنها كلمة جامعة لك أهل الشام على ما تحب ، وإن تعلقت بقلب شرحبيل لم تخرج منه بشيء أبدا (2).
    فكتب إلى شرحبيل : « إن جرير بن عبد الله قدم علينا من عند علي ابن أبي طالب بأمر فظيع ، فاقدم ». ودعا معاوية يزيد بن أسد ، وبسر بن أرطاة ، وعمرو بن سفيان ، ومخارق بن الحارث الزبيدي ، وحمزة بن مالك ، وحابس بن سعد الطائي ـ وهؤلاء رءوس قحطان واليمن ، وكانوا ثقات معاوية وخاصته ـ وبني عم شرحبيل بن السمط ، فأمرهم أن يلقوه ويخبروه أن عليا قتل عثمان. فلما قدم كتاب معاوية على شرحبيل وهو بحمص استشار أهل
    __________________
    (1) الجزر بفتحتين : اللحم الذي تأكله السباع ، يقال تركوهم جزرا إذا قتلوهم.
    (2) في الأصل : « وإن تعلق يقلبه لم يخرجه شيء أبدا » ، وأثبت الصواب من ح.

    اليمن فاختلفوا عليه ، فقام إليه عبد الرحمن بن غنم الأزدي ، وهو صاحب معاذ بن جبل وختنه (1) ، وكان أفقه أهل الشام ، فقال : يا شرحبيل بن السمط ، إن الله لم يزل يزيدك خيرا مذ هاجرت إلى اليوم ، وإنه لا ينقطع المزيد من الله حت ينقطع الشكر من الناس ، ولا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. إنه قد ألقى إلينا قتل عثمان ، وأن عليا قتل عثمان (2) ، فإن يك قتله فقد بايعه المهاجرون والأنصار ، وهم الحكام على الناس ، وإن لم يكن قتله فعلام تصدق معاوية عليه؟ لا تهلك نفسك وقومك. فإن كرهت أن يذهب بحظها جرير فسر إلى علي فبايعه على شامك وقومك (3). فأبى شرحبيل إلا أن يسير إلى معاوية ، فبعث إليه عياض الثمالي (4) ، وكان ناسكا :
    يا شرح يا ابن السمط إنك بالغ
    بود علي ما تريد من الأمر (5)

    ويا شرح إن الشام شامك ما بها
    سواك فدع قول المظل من فهر

    فإن ابن حرب ناصب لك خدعة
    تكون علينا مثل راغية البكر (6)

    __________________
    (1) عبد الرحمن بن غنم ، أحد الرجال المختلف في صحبتهم للرسول. ومات سنة 78. انظر الإصابة 5173 و 6371. في الأصل : « وحنثه » وإنما هي « وختنه » كما جاء في ح.
    (2) بدلها في ح : « إنه قد ألقى إلى معاوية أن عليا قتل عثمان ، ولهذا يريدك ».
    (3) ح : « عن شامك وقومك ».
    (4) الثمالي : نسبة إلى ثمالة ، بطن من بطونهم. وفي الأصل : « اليماني » صوابه في ح ومعجم المرزباني 269. قال المرزباني : « شامي. يقول لشرحبيل بن السمط لما بويع معاوية ... » وأنشد بعض أبيات القصيدة التالية.
    (5) شرح : مرخم شرحبيل ، وهذا بضم الشين وفتح الراء وسكون الحاء ، ولكنه سكن الراء للشعر. وفي الأصل : « شرخ » بالخاء صوابه في ح.
    (6) الراغية : الرغاء. والبكر ، بالفتح : ولد الناقة. انظر أمثال الميداني ( 2 : 78 ). وهذا مثل يضرب في التشاؤم ، يشار به إلى ما كان من رغاء بكر ثمود حين عقر قدار ناقة صالح فأصاب ثمود ما أصاب. انظر ثمار الفلوب 282 والمفضليات ( 2 : 195 طبع المعارف ).


    فإن نال ما يرجو بنا كان ملكنا
    هنيئا له ، والحرب قاصمة الظهر

    فلا تبغين حرب العراق فإنها
    تحرم أطهار النساء من الذعر

    وإن عليا خير من وطئ الحصى
    من الهاشميين المداريك للوتر (1)

    له في رقاب الناس عهد وذمة
    كعهد أبي حفص وعهد أبي بكر

    فبايع ولا ترجع على العقب كافرا
    أعيذك بالله العزيز من الكفر (2)

    ولا تسمعن قول الطغام فإنما
    يريدون أن يلقوك في لجة البحر

    وماذا عليهم أن تطاعن دونهم
    عليا بأطراف المثقفة السمر

    فإن غلبوا كانوا علينا أئمة
    وكنا بحمد الله من ولد الظهر (3)

    وإن غلبوا لم يصل بالحرب غيرنا
    وكان على حربنا آخر الدهر

    يهون على عليا لؤي بن غالب
    دماء بني قحطان في ملكهم تجري

    فدع عنك عثمان بن عفان إننا ،
    لك الخير ، لا ندري وإنك لا تدري

    على أي حال كان مصرع جنبه
    فلا تسمعن قول الأعيور أو عمرو

    نصر بن مزاحم ، في حديث محمد بن عبيد الله ، عن الجرجاني قال : لما قدم شرحبيل على معاوية تلقاه الناس فأعظموه ، ودخل على معاوية فتكلم معاوية فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا شرحبيل ، إن جرير بن عبد الله يدعونا إلى بيعة علي ، وعلى خير الناس لولا أنه قتل عثمان بن عفان ، و [ قد ] حبست نفسي
    __________________
    (1) المداريك : المدركون ، جمع مدراك. والوتر ، بالكسر : الثأر والذحل.
    (2) على العقب ، فيه إشارة إلى قول الله : ( يردوكم على أعقابكم ). وفي الأصل : « العقد » بالدال ، صوابه في ح.
    (3) يقال فلان من ولد الظهر ، بالفتح : أي ليس منها. وقيل معناه أنه لا يلتفت إليه ، قال أرطاة بن سهية :
    فمن مبلغ أبناء مرة أننا
    وجدنا بني البرصاء من ولد الظهر


    عليك ، وإنما أنا رجل من أهل الشام ، أرضى ما رضوا ، وأكره ما كرهوا. فقال شرحبيل : أخرج فانظر. فخرج فلقيه هؤلاء النفر الموطؤون له ، فكلهم يخبره بأن عليا قتل عثمان بن عفان. فخرج مغضبا إلى معاوية فقال : يا معاوية ، أبى الناس إلا أن عليا قتل عثمان ، ووالله لئن بايعت له لنخرجنك من الشام أو لنقتلنك. قال معاوية : ما كنت لأخالف عليكم ، وما أنا إلا رجل من أهل الشام. قال : فرد هذا الرجل إلى صاحبه إذا. قال : فعرف معاوية أن شرحبيل قد نفذت بصيرته في حرب أهل العراق ، وأن الشام كله مع شرحبيل (1). فخرج شرحبيل فأتى حصين بن نمير فقال : ابعث إلى جرير [ فليأتنا ]. فبعث إليه حصين : أن زرنا ، فإن عندنا شرحبيل بن السمط. فاجتمعا عنده ، فتكلم شرحبيل فقال : يا جرير ، أتيتنا بأمر ملفف (2) لنلقينا في لهوات الأسد ، وأردت أن تخلط الشام بالعراق ، وأطرأت عليا (3) وهو قاتل عثمان ، والله سائلك عما قلت يوم القيامة. فأقبل عليه جرير فقال : يا شرحبيل ، أما قولك إني جئت بأمر ملفف فكيف يكون أمرا ملففا (4) وقد اجتمع عليه المهاجرون والأنصار ، وقوتل على رده طلحة والزبير. وأما قولك إني ألقيتك في لهوات الأسد ففي لهواتها ألقيت نفسك. وأما خلط العراق بالشام فخلطهما على حق خير من فرقتهما على باطل. وأما قولك إن عليا قتل عثمان فوالله ما في يديك من ذلك إلا القذف
    __________________
    (1) إلى هنا ينتهي اقتباس ح في ( 1 : 140 ) وينتقل إلى ( 1 : 249 ).
    (2) في اللسان : « اللفف : ما لففوا من ها هنا وها هنا ، كما يلفف الرجل شهادة الزور ». وفي اللسان أيضا : « أحاديث ملففة : أي أكاذيب مزخرفة ». ح : « ملفق » بالقاف في آخره ، وهما وجهان صالحان كما رأيت.
    (3) قال ابن منظور : « أطرأ القوم : مدحهم ، نادرة ، والأعرف بالياء » ، ح : « أطريت » بالياء.
    (4) ح : « ملفقا » بقاف بعد الفاء ، وانظر الحاشية الثانية من هذه الصفحة.

    بالغيب من مكان بعيد (1) ، ولكنك ملت إلي الدنيا ، وشئ كان في نفسك على زمن سعد بن أبي وقاص.
    فبلغ معاوية قول الرجلين ، فبعث إلى جرير فزجره (2) ولم يدر ما أجابه أهل الشام ، وكتب جرير إلى شرحبيل (3) :
    شرحبيل يا ابن السمط لا تتبع الهوى
    فما لك في الدنيا من الدين من بدل

    وقل لابن حرب مالك اليوم حرمة
    تروم بها ما رمت ، فاقطع له الأمل (4)

    شرحبيل إن الحق قد جد جده
    وإنك مأمون الأديم من النغل

    فأرود ولا تفرط بشئ نخافه
    عليك ، ولا تعجل فلا خير في العجل (5)

    ولا تك كالمجرى إلى شر غاية
    فقد خرق السربال واستنوق الجمل

    وقال ابن هند في علي عضيهة
    ولله في صدر ابن أبي طالب أجل

    وما لعلي في ابن عفان سقطة
    بأمر ، ولا جلب عليه ، ولا قتل (6)

    __________________
    (1) انظر الآية 53 من سورة سبأ وأقوال أصحاب التفسير فيها.
    (2) في الأصل : « فزجوه » صوابه في ح.
    (3) ح : « وكتب كتاب لا يعرف كاتبه إلى شرحبيل يقول ».
    (4) ح : « مالك اليوم ... فاقطع ».
    (5) الإرواد : الإمهال. والفرط : السبق.
    (6) خ : « ولا مالا عليه ولا قتل ». والممالاة : المساعدة والمعاونة.


    وما كان إلا لازما قعر بيته
    إلى أن أتى عثمان في بيته الأجل

    فمن قال قولا غير هذا فحسبه
    من الزور والبهتان قول الذي احتمل (1)

    وصي رسول الله من دون أهله
    وفارسه الأولى به يضرب المثل (2)

    فلما قرأ شرحبيل الكتاب ذعر وفكر ، وقال : هذه نصيحة لي في ديني ودنياي. [ و ] لا والله لا أعجل في هذا الأمر بشئ وفي نفسي منه حاجة. فاستتر له القوم ، ولفف له معاوية الرجال يدخلون إليه ويخرجون ، ويعظمون عنده قتل عثمان ويرمون به عليا ، ويقيمون الشهادة الباطلة والكتب المختلفة ، حتى أعادوا رأيه وشحذوا عزمه ، وبلغ ذلك قومه فبعث ابن أخت له من بارق ـ وكان يرأى رأي علي بن أبي طالب فبايعه بعد ، وكان ممن لحق من أهل الشام ، وكان ناسكا ـ فقال :
    لعمر أبي الأشقى ابن هند لقد رمى
    شرحبيل بالسهم الذي هو قاتله

    ولفف قوما يسحبون ذيولهم
    جميعا وأولى الناس بالذنب فاعله

    فألفى يمانيا ضعيفا نخاعه
    إلى كل ما يهوون تحدي رواحله

    فطاطا لها لما رموه بثقلها
    ولا يرزق التقوى من الله خاذله

    ليأكل دنيا لابن هند بدينه(3)
    ألا وابن هند قبل ذلك آكله

    __________________
    (1) أي الذي احتمله. ح : « بعض الذي احتمل ».
    (2) ح : « ومن باسمه في فضله يضرب المثل ».
    (3) في الأصل : « ليأكل به دنيا ابن هند ».


    وقالوا علي في ابن عفان ، خدعة
    ودبت إليه بالشنان غوائله (1)

    ولا والذي أرسى ثبيرا مكانه
    لقد كف عنه كفه ووسائله

    وما كان إلا من صحاب محمد
    وكلهم تغلي عليه مراجله

    فلما بلغ شرحبيل هذا القول قال : هذا بعيث الشيطان ، الآن امتحن الله قلبي. والله لأسيرن صاحب هذا الشعر أو ليفوتنني. فهرب الفتى إلى الكوفة وكان ـ أصله منها ـ وكاد أهل الشام أن يرتابوا.
    نصر : محمد بن عبيد الله ، وعمر بن سعد بإسناده قال : وبعث معاوية إلى شرحبيل بن السمط فقال : « إنه كان من إجابتك الحق ، وما وقع فيه أجرك على الله وقبله عنك صلحاء الناس ، ما علمت ، وإن هذا الأمر الذي قد عرفته لا يتم إلا برضا العامة ، فسر في مدائن الشام ، وناد فيهم بأن عليا قتل عثمان ، وأنه يجب على المسلمين أن يطلبوا بدمه ». فسار فبدأ بأهل حمص فقام خطيبا ، وكان مأمونا في أهل الشام ناسكا متألها ، فقال : « يا أيها الناس ، إن عليا قتل عثمان بن عفان ، وقد غضب له قوم فقتلهم ، وهزم الجميع وغلب على الأرض فلم يبق إلا الشام. وهو واضع سيفه على عاتقه ثم خائض به غمار الموت (2) حتى يأتيكم (3) أو يحدث الله أمرا ، ولا نجد أحدا أقوى على قتاله من معاوية ، فجدوا [ وانهضوا ] ». فأجابه الناس إلا نساك أهل حمص (4) ، فإنهم قاموا إليه فقالوا : بيوتنا قبورنا ومساجدنا ، وأنت أعلم بما ترى. وجعل
    __________________
    (1) الشنان ، كسحاب : لغة في الشنآن ، وهو البغض. وأنشد للأحوص :
    وما العيش إلا ما تلذ وتشتهى
    وإن لام فيه ذو الشنان وفندا

    (2) ح : « غمرات الموت ».
    (3) في الأصل : « بيكم » وإعجامه وإكماله من ح.
    (4) ح : « إلا نساكا من أهل حمص ».

    شرحبيل يستنهض مدائن الشام حتى استفرغها ، لا يأتي على قوم إلا قبلوا ما أتاهم به ، فبعث إليه النجاشي بن الحارث (1) ، وكان صديقا له :
    شرحبيل ما للدين فارقت أمرنا
    ولكن لبغض المالكي جرير

    وشحناء دبت بين سعد وبينه
    فأصبحت كالحادي بغير بعير

    وما أنت ، إذ كانت بجيلة عاتبت
    قريشا فيالله بعد نصير

    أتفصل أمرا غبت عنه بشبهة
    وقد حار فيها عقل كل بصير

    بقول رجال لم يكونوا أئمة
    ولا للتي لقوكها بحضور (2)

    وما قول قوم غائبين تقاذفوا
    من الغيب ما دلاهم بغرور

    وتترك أن الناس أعطوا عهودهم
    عليا على أنس به وسرور

    إذا قيل هاتوا واحدا تقتدونه
    نظيرا له لم يفصحوا بنظير (3)

    لعلك أن تشقى الغداة بحربه
    شرحبيل ما ما جئته بصغير (4)

    نصر : عمر بن سعد ، عن نمير بن وعلة ، عن عامر الشعبي ، أن شرحبيل ابن السمط بن جبلة الكندي دخل على معاوية فقال : أنت عامل أمير المؤمنين وابن عمه ، ونحن المؤمنون ، فإن كنت رجلا تجاهد عليا وقتلة عثمان حتى ندرك بثأرنا أو تفنى أرواحنا استعملناك علينا ، وإلا عزلناك واستعملنا غيرك
    __________________
    (1) وكذا ورد في ح. والمعروف في شعرائهم النجاشي الحارثي ، واسمه قيس بن عمرو ابن مالك ، من بني الحارث بن كعب. وهو ممن حده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لشربه الخمر. انظر الشعراء 68 والخزانة ( 4 : 368 ).
    (2) في الأصل : « ولا بالتي لقوكها » ، والصواب من ح ( 1 : 250 ).
    (3) تقتدونه ، المعروف تعديته بالباء ، فقد عداه بتضمينه معنى تتبعونه ، وفي ح : « يقتدي به ».
    (4) أي ليس الذي جئته بصغير. وفي ح : « فليس الذي قد جئته بصغير ».

    ممن نريد ، ثم جاهدنا معه حتى ندرك بدم عثمان أو نهلك. فقال جرير : يا شرحبيل ، مهلا فإن الله قد حقن الدماء ، ولم الشعث ، وجمع أمر الأمة ، ودنا من هذه الأمة سكون ، فإياك أن تفسد بين الناس ، وأمسك عن هذا القول قبل أن يظهر منك قول لا تستطيع رده. قال : لا والله لا أسره أبدا. ثم قام فتكلم ، فقال الناس : صدق صدق ، القول ما قال ، والرأي ما رأى. فأيس جرير عند ذلك عن معاوية وعن عوام أهل الشام.
    نصر ، عن محمد بن عبيد الله ، عن الجرجاني قال : كان معاوية أتى جريرا في منزله فقال : يا جرير ، إني قد رأيت رأيا. قال : هاته. قال : اكتب إلى صاحبك يجعل لي الشام ومصر جباية ، فإذا حضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده بيعة في عنقي ، وأسلم له هذا الأمر ، وأكتب إليه بالخلافة. فقال جرير : اكتب بما أردت ، وأكتب معك. فكتب معاوية بذلك إلى علي فكتب علي إلى جرير :
    « أما بعد فإنما أراد معاوية ألا يكون لي في عنقه بيعة ، وأن يختار من أمره ما أحب ، وأراد أن يريثك حتى يذوق أهل الشام ، وإن المغيرة بن شعبة قد كان أشار على أن أستعمل معاوية على الشام وأنا بالمدينة ، فأبيت ذلك عليه ، ولم يكن الله ليراني أتخذ المضلين عضدا. فإن بايعك الرجل ، وإلا فأقبل ».
    وفشا كتاب معاوية في العرب فبعث إليه الوليد بن عقبة :
    معاوي إن الشام شامك فاعتصم
    بشامك لا تدخل عليك الأفاعيا

    وحام عليها بالقنابل والقنا
    ولا تك محشوش الذراعين وانيا (1)

    __________________
    (1) حام : أمر من المحاماة. والقنابل : الجماعة من الناس ، الواحدة قنبلة وقنبل بفتح


    وإن عليا ناظر ما تجيبه
    فأهد له حربا تشيب النواصيا

    وإلا فسلم إن في السلم راحة
    لمن لا يريد الحرب فاختر معاويا

    وإن كتابا يا ابن حرب كتبته
    على طمع ، يزجى إليك الدواهيا

    سألت عليا فيه ما لن تناله
    ولو نلته لم يبق إلا لياليا

    وسوف ترى منه الذي ليس بعده
    بقاء فلا تكثر عليك الأمانيا

    أمثل علي تعتريه بخدعة
    وقد كان ما جربت من قبل كافيا

    ولو نشبت أظفاره فيك مرة
    حذاك ، ابن هند ، منه ما كنت حاذيا (1)

    قال : وكتب إليه أيضا :
    معاوي إن الملك قد جب غاربه
    وأنت بما في كفك اليوم صاحبه

    أتاك كتاب من علي بخطة
    هي الفصل فاختر سلمه أو تحاربه

    ولا ترج عند الواترين مودة
    ولا تأمن اليوم الذي أنت راهبه

    فحاربه إن حاربت حرب ابن حرة
    وإلا فسلم لا تدب عقاربه (2)

    فإن عليا غير ساحب ذيله
    على خدعة ما سوغ الماء شاربه (3)

    ولا قابل ما لا يريد وهذه
    يقوم بها يوما عليك نوادبه

    __________________
    القاف والباء فيهما. ح : « بالصوارم ». محشوش ، في اللسان : « حشت اليد وأحشت وهي محش : يبست ، وأكثر ذلك في الشلل. وحكى عن يونس حشت على صيغة ما لم يسم فاعله ». وفي ح : « موهون الذراعين ».
    (1) حذاه حذوا : أعطاه. والبيت لم يرو في ح. وفي الأصل : « حداك » و « حاديا » بالدال المهملة ، تحريف.
    (2) في الأصل وح : « حربن حرة ».
    (3) يقال ساغ الطعام والشراب وأساغه : إذا ألفاه سائغا سهل المدخل في الحلق. ولم أجد هذه الصيغة من التضعيف في المعاجم.


    ولا تدعن الملك والأمر مقبل
    وتطلب ما أعيت عليك مذاهبه

    فإن كنت تنوي أن تجيب كتابه
    فقبح ممليه وقبح كاتبه

    فألق إلى الحي اليمانين كلمة
    تنال بها الأمر الذي أنت طالبه

    تقول : أمير المؤمنين أصابه
    عدو ومالاهم عليه أقاربه (1)

    أفانين منهم قاتل ومحضض
    بلا ترة كانت وآخر سالبه

    وكنت أميرا قبل بالشام فيكم
    فحسبي وإياكم من الحق واجبه (2)

    فجيئوا ، ومن أرسى ثبيرا مكانه
    ندافع بحرا لا تردد غواربه (3)

    فأقلل وأكثر مالها اليوم صاحب
    سواك فصرح لست ممن تواربه

    قال : فخرج جرير يتجسس الأخبار ، فإذا هو بغلام يتغنى على قعود له وهو يقول :
    حكيم وعمار الشجا ومحمد
    وأشترو المكشوح جروا الدواهيا (4)

    وقد كان فيها للزبير عجاجة
    وصاحبه الأدنى أشاب النواصيا (5)

    __________________
    (1) الممالاة : المعاونة والمساعدة. ويعني بأمير المؤمنين عثمان.
    (2) في الأصل : « فحبلي » صوابه في ح.
    (3) في الأصل وح : « تجيبوا » تحريف. والغوارب : أعالي الموج. يستحلفهم بمن أرسى جبل ثبير في مكانه أن ينهضوا لمعاونته على عدوه لكثير العدد.
    (4) حكيم ، بهيئة التصغير ، هو ابن جبلة بن حصن العبدي ، وكان من عمال عثمان على السند ثم البصرة. انظر مروج الذهب ( 1 : 440 ) والإصابة 1991. وعمار ، هو عمار ابن ياسر الصحابي. ومحمد ، هو ان أبي بكر الصديق. انظر مروج الذهب ( 1 : 440 ـ 442 ). والأشتر : لقب مالك بن الحارث الشاعر التابعي ، وكان قد قدم في نفر من أهل الكوفة. انظر المعارف 84. والمكشوح ، هو المرادي. وقد اختلف في اسمه. انظر الإصابة 7307.
    (5) يعني بصاحبه الأدنى « الزبير بن العوام ». وقد قتل طلحة والزبير يوم الجمل.


    فأما علي فاستغاث ببيته
    فلا آمر فيها ولم يك ناهيا

    وقل في جميع الناس ما شئت بعده
    وإن قلت أخطا الناس لم تك خاطيا

    وإن قلت عم القوم فيه بفتنة
    فحسبك من ذاك الذي كان كافيا

    فقولا لأصحاب النبي محمد
    وخصا الرجال الأقربين المواليا

    أيقتل عثمان بن عفان وسطكم
    على غير شيء ليس إلا تماديا (1)

    فلا نوم حتى نستبيح حريمكم
    ونخضب من أهل الشنان العواليا (2)

    قال جرير : يا ابن أخي ، من أنت؟ قال : أنا غلام من قريش وأصلى من ثقيف ، أنا ابن المغيرة بن الأخنس [ بن شريق ] ، قتل أبي مع عثمان يوم الدار. فعجب جرير من قوله وكتب بشعره إلى علي (3) ، فقال علي : والله ما أخطأ الغلام شيئا.
    وفي حديث صالح بن صدقة قال : أبطأ جرير عند معاوية حتى اتهمه الناس وقال علي : وقت لرسولي وقتا لا يقيم بعده إلا مخدوعا أو عاصيا! وأبطأ على علي حتى أيس منه.
    وفي حديث محمد وصالح بن صدقة قالا : وكتب علي إلى جرير بعد ذلك :
    « أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فاحمل معاوية على الفصل ، وخذه بالأمر الجزم ، ثم خيره بين حرب مجلية ، أو سلم محظية (4). فإن اختار الحرب فانبذ له (5) ، وإن اختار السلم فخذ بيعته ».
    __________________
    (1) ح : « إلا تعاميا ».
    (2) الشان لغة في الشنآن وهو البغض. انظر ما سبق في ص 50. والعوالي : عوالي الرماح.
    (3) ح : « من شعره وقوله وكتب بذلك إلى على 7 ».
    (4) ح : « مخزبة ».
    (5) انظر التنبيه الثالث من ص 28.

    فلما انته الكتاب إلى جرير أتى معاوية فأقرأه الكتاب ، فقال : [ له ] يا معاوية ، إنه لا يطبع علي قلب إلا بذنب ، ولا يشرح [ صدر ] إلا بتوبة (1) ، ولا أظن قلبك إلا مطبوعا. أراك قد وقفت بين الحق والباطل كأنك تنتظر شيئا في يدي غيرك ». فقال معاوية : « ألقاك بالفيصل أول مجلس إن شاء الله ». فلما بايع معاوية أهل الشام وذاقهم قال : « يا جرير الحق بصاحبك ». وكتب إليه بالحرب (2) ، وكتب في أسفل كتابه بقول كعب بن جعيل :
    أرى الشام تكره ملك العراق
    وأهل العراق لها كارهونا (3)

    وكل لصاحبه مبغض
    يرى كل ما كان من ذاك دينا

    __________________
    (1) في الأصل : « ولا ينشرح إلا بتوبة » وأثبت ما في ح.
    (2) لم يذكر لنا نصر نص رسالة معاوية ، وهي كما جاءت في كامل المبرد 184 : « بسم الله الرحمن الرحيم من معاوية بن صخر إلى علي بن أبي طالب. أما بعد فلعمري لو بايعك القوم الذين بايعوك وأنت برئ من دم عثمان كنت كأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين ، ولكن أغريت بعثمان المهاجرين ، وخذلت عنه الأنصار ، فأطاعك الجاهل وقوي بك الضعيف. وقد أبي أهل الشام إلا قتالك حت تدفع إليهم قتلة عثمان ، فإن فعلت كانت شورى بين المسلمين. ولعمري ما حجتك على كحجتك على طلحة والزبير ، لأنهما بايعاك ولم أبايعك. وما حجتك على أهل الشام كحجتك على أهل البصرة ، لأن أهل البصرة أطاعوك ولم يطعك أهل الشام. وأما شرفك في الإسلام وقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضعك من قريش فلست أدفعه ». وقد روى هذه الرسالة صاحب الإمامة والسياسة ( 1 : 87 ) وزاد بعد قوله : « كانت شورى بين المسلمين » هذا الكلام : « وقد كان أهل الحجاز أعلى الناس وفي أيديهم الحق ، فلما تركوه صار الحق في أيدى أهل الشام ». وهذه العبارة الأخيرة توضح لنا السر في ارتياب ابن أبي الحديد في آخر الصفحة 252 من الجزء الأول ، في تمام الرواية التي رواها المبرد. وقال في أول 253 : « وما وجدنا هذا الكلام في كتابه ». وما هو ذا الكلام بتمامه بين يدي القارئ.
    (3) ح ( 1 : 158 ) : « تكره أهل العراق * وأهل العراق لهم ». وفي كامل المبرد 184 : « تكره ملك العراق * وأهل العراق لهم ».


    إذا ما رمونا رميناهم
    ودناهم مثل ما يقرضونا (1)

    وقالوا علي إمام لنا
    فقلنا رضينا ابن هند رضينا

    وقلنا نري أن تدينوا لنا
    فقالوا لنا لا نري (2)

    أن ندينا ومن دون ذلك خرط القتاد
    وضرب وطعن يقر العيونا (3)

    وكل يسر بما عنده
    يرى غث ما في يديه سمينا

    وما في علي لمستعتب
    مقال سوى ضمه المحدثينا

    وإيثاره اليوم أهل الذنوب
    ورفع القصاص عن القاتلينا

    إذا سيل عنه حدا شبهة
    وعمى الجواب على السائلينا (4)

    فليس براض ولا ساخط
    ولا في النهاة ولا الآمرينا

    ولا هو ساء ولا سره
    ولا بد من بعض ذا أن يكونا

    قال : فكتب إليه :
    « من علي إلى معاوية بن صخر. أما بعد فقد أتاني كتاب امرئ ليس له نظر يهديه ، ولا قائد يرشده ، دعاه الهوى فأجابه ، وقاده فاتبعه. زعمت أنه أفسد عليك بيعة خطيئتي في عثمان. ولعمري ما كنت إلا رجلا من المهاجرين أوردت كما أوردوا ، وأصدرت كما أصدروا. وما كان الله ليجمعهم
    __________________
    (1) دناهم ، من الدين ، وهو القرض ، وفي قول الحماسي : « دناهم كما دانوا ». يقرضونا ، من الإقراض. وقد حذف نون الرفع ، وهو وجه جائز في العربية. انظر التنبيه رقم 2 ص 4. وفي الأصل : « يعرضونا » صوابه في ح والكامل.
    (2) ح : « ألا لا نرى ».
    (3) قال المبرد : « وأحسن الروايتين : يفض الشؤونا. وفي آخر هذا الشعر ذم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، أمكنا عن ذكره ».
    (4) سيل : سئل. حدا شبهة : ساقها في الأصل : « عن السائلينا » صوابه في ح.

    على ضلالة ، ولا ليضربهم بالعمى ، وما أمرت (1) فيلزمني خطيئة الآمر ، ولا قتلت فيجب على القصاص. وأما قولك أن أهل الشام هم الحكام على أهل الحجاز فهات رجلا من قريش الشام يقبل في الشورى أو تحل له الخلافة. فإن زعمت ذلك كذبك المهاجرون والأنصار ، وإلا أتيتك به من قريش الحجاز. وأما قولك : ادفع إلينا قتلة عثمان ، فما أنت وعثمان؟ إنما أنت رجل من بني أمية ، وبنو عثمان أولى بذلك منك. فإن زعمت أنك أقوى على دم أبيهم منهم فادخل في طاعتي ثم حاكم القوم إلى أحملك وإياهم على المحجة. وأما تمييزك بين الشام والبصرة وبين طلحة والزبير فلعمري ما الأمر فيما هناك إلا واحد (2) ؛ لأنها بيعة عامة لا يثني فيها النظر ، ولا يستأنف فيها الخيار (3). وأما ولوعك بي في أمر عثمان فما قلت ذلك عن حق العيان ، ولا يقين الخبر (4). وأما فضلى في الإسلام وقرابتي من النبي صلى الله عليه وسلم وشرفي في قريش فلعمري لو استطعت دفع ذلك لدفعته ».
    وأمر النجاشي فاجابه في الشعر فقال (5) :
    دعن يا معاوى ما لن يكونا
    فقد حقق الله ما تحذرونا

    أتاكم علي بأهل الحجاز
    وأهل العراق فما تصنعونا (6)

    __________________
    (1) ح : « وما ألبت ». والتأليب : التحريض.
    (2) ح والكامل : « إلا سواء ». وما في ح هنا نقل عن الكامل لا عن كتاب نصر.
    (3) ح والكامل : « لأنها بيعة شاملة لا يستثني فيها الخيار ولا يستأنف فيها النظر ».
    (4) الخبر : العلم ، والاختبار. وفي الأصل : « ولا بعين الخير » والصواب من ح.
    (5) ح والكامل : « ثم دعا النجاشي أحد بني الحارث بن كعب فقال له : إن ابن جعيل شاعر أهل الشام ، وأنت شاعر أهل العراق ، فأجب الرجل. فقال : يا أمير المؤمنين ، أسمعني قوله. قال : إذا أسمعك شعر شاعر. فقال النجاشي يجيبه ».
    (6) روي المبرد هذين البيتين ، وقال في إثرهما : « وبعد هذا ما نمسك عنه ».


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

            وقعة صفين Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة صفين           وقعة صفين Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 9:54 am

    علي كل جرداء خيفانة
    وأشعث نهد يسر العيونا (1)

    عليها فوارس مخشية (2)
    كأسد العرين حمين العرينا

    يرون الطعان خلال العجاج
    وضرب الفوارس في النقع دينا

    هم هزموا الجمع جمع الزبير
    وطلحة والمعشر الناكثينا

    وقالوا يمينا علي حلفة
    لنهدي إلى الشام حربا زبونا (3)

    تشيب النواصي قبل المشيب
    وتلقى الحوامل منها الجنينا (4)

    فإن تكرهوا الملك ملك العراق
    فقد رضي القوم ما تكرهونا

    فقل للمضلل من وائل
    ومن جعل الغث يوما سمينا

    جعلتم عليا وأشياعه
    نظير ابن هند ألا تستحونا

    إلى أول الناس بعد الرسول
    وصنو الرسول من العالمينا

    وصهر الرسول ومن مثله
    إذا كان يوم يشيب القرونا (5)

    نصر : صالح بن صدقة بإسناده قال : لما رجع جرير إلي على كثر قول الناس في التهمة لجرير في أمر معاوية ، فاجتمع جرير والأشتر عند علي فقال الأشتر : أما والله يا أمير المؤمنين لو كنت أرسلتني إلى معاوية لكنت خيرا لك من هذا الذي أرخى من خناقه ، وأقام [ عنده ] ، حتى لم يدع بابا يرجو
    __________________
    (1) الجرداء : الفرس القصيرة الشعر. والخيفانة : الخفيفة الوثابة. والنهد ، من الخيل : الجسيم المشرف.
    (2) مخشية : مخوفة. وفي الأصل : « تحسبهم » ، صوابه في ح ( 1 : 252 ).
    (3) ح : « آلوا » ، أي حلفوا.
    (4) ح : « تشيب النواهد ».
    (5) قال ابن أبي الحديد : « أبيات كعب بن جعيل خير من هذه الأبيات ، وأخبث مقصدا وأدمى وأحسن ».

    روحه إلا فتحه (1) ، أو يخاف غمه إلا سده. فقال جرير : « والله لو أتيتهم لقتلوك ـ وخوفه بعمرو ، وذي الكلاع ، وحوشب ذي ظليم (2) ـ وقد زعموا أنك من قتلة عثمان ».
    فقال الأشتر : « لو أتيته والله يا جرير لم يعيني جوابها ، ولم يثقل على محملها ، ولحملت معاوية على خطة أعجله فيها عن الفكر ». قال : فائتهم إذا. قال : الآن وقد أفسدتهم ووقع بينهم الشر؟
    نصر : عمر بن سعد ، عن نمير بن وعلة ، عن عامر الشعبي قال : اجتمع جرير والأشتر عند علي فقال الأشتر : أليس قد نهيتك يا أمير المؤمنين أن تبعث جريرا ، وأخبرتك بعداوته وغشه؟ وأقبل الأشتر يشتمه ويقول : يا أخا بجيلة ، إن عثمان اشتري منك دينك بهمدان. والله ما أنت بأهل أن تمشي فوق الأرض حيا (3). إنما أتيتهم لتتخذ عندهم يدا بمسيرك إليهم ، ثم رجعت إلينا من عندهم تهددنا بهم. وأنت والله منهم ، ولا أري سعيك إلا لهم ، ولئن أطاعني فيك أمير المؤمنين ليحبسنك وأشباهك في محبس لا تخرجون منه ، ، حتى تستبين هذه الأمور ويهلك الله الظالمين.
    قال جرير : وددت والله أنك كنت مكاني بعثت ، إذا والله لم ترجع. قال : فلما سمع جرير ذلك لحق بقرقيسيا ، ولحق به أناس من قسر من قومه (4) ، ولم يشهد صفين من قسر (5) غير تسعة عشر ، ولكن
    __________________
    (1) روحه ، أي ما فيه من روح. والروح ، بالفتح : الراحة. وفي ح ( 1 : 260 ) : « يرجو فتحه ».
    (2) ظليم ، بهيئة التصغير ، كما في القاموس. وهو حوشب بن طخمة.
    (3) ح : « بأهل أن تترك تمشى فوق الأرض ».
    (4) قسر ، بفتح القاف ، هم بنو بجيلة رهط جرير بن عبد الله البجلي. وفي الأصل : « ولحق به أناس من قيس فسر من قومه » ، صوابه في ح.
    (5) في الأصل : « قيس » والكلام يقتضي ما أثبت من ح.

    أحمس (1) شهدها منهم سبعمائة رجل ، وخرج عليٌّ إلى دار جرير فشعث منها وحرق مجلسه ، وخرج أبو زرعة بن عمر بن جرير فقال : أصلحك الله ، إن فيها أرضا لغير جرير. فخرج علي منها إلي دار ثوير بن عامر فحرقها وهدم منها ، وكان ثوير رجلا شريفا ، وكان قد لحق بجرير.
    وقال الأشتر فيما كان من تخويف جرير إياه بعمرو ، وحوشب ذي ظليم ، وذي الكلاع (2) :
    لعمرك يا جرير لقول عمرو
    وصاحبه معاوية الشامي

    وذي كلع وحوشب ذي ظليم
    أخف على من زف النعام (3)

    ذا اجتمعوا علي فخل عنهم
    وعن باز مخالبه دوام (4)

    فلست بخائف ما خوفوني
    وكيف أخاف أحلام النيام

    وهمهم الذين حاموا عليه
    من الدنيا وهمي ما أمامي (5)

    فإن أسلم أعمهم بحرب
    يشيب لهولها رأس الغلام

    وإن أهلك فقد قدمت أمرا
    أفوز بفلجه يوم الخصام (6)

    وقد زأروا إلى وأوعدوني
    ومن ذا مات من خوف الكلام

    __________________
    (1) بنو أحمس ، هم من بطون بجيلة بن أنمار بن نزار. وكانت بجيلة في اليمن. انظر المعارف 29 ، 46.
    (2) انظر ما سبق في ص 60.
    (3) أي قول هؤلاء أخف من زف النعام. والزف ، بالكسر : صغار ريش النعام.
    (4) دوام : داميات. وقد عني بالبازي نفسه.
    (5) حاموا ، من الحوم ، وهو الدوران ، يقال لكل من رام أمرا : حام عليه حوما وحياما وحؤوما وحومانا. وحاموا ، بفتح الميم ، من المحاماة والمدامعة.
    (6) الفلج : الظفر والنصر. وعني بيوم الخصام اليوم الآخر.

    وقال السكوني :
    تطاول ليلى يا لحب السكاسك
    لقول أتانا عن جرير ومالك (1)

    أجر عليه ذيل عمرو عداوة
    وما هكذا فعل الرجال الحأوانك (2)

    فأعظم بها حري عليك مصيبة
    وهل يهلك الأقوام غير التماحك (3)

    فإن تبقيا تبق العراق بغبطة
    وفي الناس مأوى للرجال الصعالك

    وإلا فليت الأرض يوما بأهلها
    تميل إذا ما أصبحا في الهوالك

    فإن جريرا ناصح لإمامه
    حريص على غسل الوجوه الحوالك

    ولكن أمر الله في الناس بالغ
    يحل منايا بالنفوس الشوارك

    قال نصر : وفي حديث صالح بن صدقة قال : لما أراد معاوية السير إلى صفين قال لعمرو بن العاص : إني قد رأيت أن نلقى إلى أهل مكة وأهل
    __________________
    (1) السكاسك : حي من اليمن ، أبوهم سكسك بن أشرس بن ثور بن كندي. انظر اللسان ( 12 : 327 ) والاشتقاق 221.
    (2) الحوانك : جمع حانك على غير قياس ، فهو من إخوان الفوارس. واشتقاق الحانك من قولهم : « حنكت الشيء فهمته ». انظر اللسان ( 12 : 299 س 19 ـ 20 ).
    (3) أراد : أعظم بها مصيبة حري. والحري : الحارة. والتماحك : اللجاج والمشارة.

    المدينة كتابا نذكر لهم فيه أمر عثمان ، فاما أن ندرك حاجتنا ، وإما أن يكف القوم عنا. قال عمرو : إنما نكتب إلى ثلاثة نفر : راض بعلي فلا يزيده ذلك إلا بصيرة ، أو رجل يهوى عثمان فلن نزيده على ما هو عليه ، أو رجل معتزل فلست بأوثق في نفسه من علي. قال : على ذلك. فكتبا :
    « أما بعد فإنه مهما غابت عنا من الأمور فلن يغيب عنا أن عليا قتل عثمان. والدليل على ذلك مكان قتلنه منه. وإنما نطلب بدمه حتى يدفعوا إلينا قتلته فنقتلهم بكتاب الله ، فإن دفعهم على إلينا كففنا عنه ، وجعلناها شورى بين المسلمين على ما جعلها عليه عمر بن الخطاب. وأما الخلافة فلسنا نطلبها ، فأعينونا على أمرنا هذا وانهضوا من ناحيتكم ، فإن أيدينا وأيديكم إذا اجتمعت على أمر واحد ، هاب على ما هو فيه.
    قال : فكتب إليهما عبد الله بن عمر (1) :
    أما بعد فلعمري لقد أخطأتما موضع البصيرة ، وتناولتماها من مكان بعيد وما زاد الله من شاك في هذا الأمر بكتابكما إلا شكا. وما أنتما والخلافة؟ وأما أنت يا معاوية فطليق (2) ، وأما أنت يا عمرو فظنون (3). ألا فكفا عني أنفسكما ، فليس لكما ولا لي نصير.
    وكتب رجل من الأنصار مع كتاب عبد الله بن عمر :
    معاوي إن الحق أبلج واضح
    وليس بما ربصت أنت ولا عمرو

    __________________
    (1) في الإمامة والسياسة ( 1 : 85 ) أن صاحب الكتاب هو المسور بن مخرمة.
    (2) الطليق : واحد الطلقاء ، وهم « اللين »؟ أطلقهم الرسول يوم الفتح. انظر ص 29. وزاد في الإمامة والسياسة : « وأبوك من الأحزاب ».
    (3) الظنون ، بالفتح : المتهم ومن لا يوثق به. ومثله الظنين. ح : « فظنين ».


    نصبت ابن عفان لنا اليوم خدعة
    كما نصب الشيخان إذ زخرف الأمر (1)

    فهذا كهذاك البلا حذو نعله
    سواء كرقراق يغر به السفر (2)

    رميتم عليا بالذي لا يضره (3)
    وإن عظمت فيه المكيدة والمكر

    وما ذنبه أن نال عثمان معشر
    أتوه من الأحياء يجمعهم مصر

    فصار إليه المسلمون ببيته
    علانية ما كان فيها لهم قسر

    فبايعه الشيخان ثم تحملا
    إلى العمرة العظمى وباطنها الغدر

    فكان الذي قد كان مما اقتصاصه
    رجيع فيالله ما أحدث الدهر (4)

    فما أنتما والنصر منا وأنتما
    بعيثا حروب ما يبوخ لها الجمر (5)

    وما أنتما لله در أبيكما
    وذكر كما الشورى وقد فلج الفجر

    قال : وقال نصر : وفي حديث صالح بن صدقة بإسناده قال : قام عدي بن حاتم إلى علي 7 فقال : يا أمير المؤمنين ، إن عندي رجلا من قومي لا يجاري به (6) ، وهو يريد أن يزور ابن عم له ، حابس بن سعد (7) الطائي ، بالشام ـ فلو أمرناه أن يلقى معاوية لعله أن يكسره ويكسر أهل
    __________________
    (1) يعني بالشيخين طلحة والزبير. انظر ح ( 1 : 258 ).
    (2) يعني بالرقراق السراب ، ترقرق : تلألأ ، وجاء وذهب.
    (3) ح : « لا يضيره ».
    (4) اقتصاصه : روايته وحكايته. والرجيع : المكرر المعاد من القول. ح : « مما اقتصاصه يطول ».
    (5) فما أنتما والنصر ، يجوز في نحو هذا التركيب الرفع على العطف ، والنصب على أنه مفعول معه انظر همع الهوامع ( 1 : 221 ).
    (6) ح : « لا يوازي به رجل ».
    (7) حابس بن سعد ، قيل كانت له صحبة ، وقتل بصفين. انظر تهذيب التهذيب ( 2 : 127 ). وقال ابن دريد في الاشتقاق 235 : « كان علي طيئ الشام مع معاوية ، وقتل. وكان عمر رضي الله عنه ولاه قضاء مصر ثم عزله ». ح : « حابس بن سعيد » محرف.

    الشام. فقال له علي : نعم ، فمره بذلك ـ وكان اسم الرجل خفاف بن عبد الله ـ فقدم على ابن عمه حابس بن سعد بالشام ، وكان حابس سيد طيئ فحدث خفاف حابسا أنه شهد عثمان بالمدينة ، وسار مع علي إلى الكوفة. وكان لخفاف لسان وهيئة وشعر. فغدا حابس وخفاف إلى معاوية فقال حابس : هذا ابن عمي قدم الكوفة مع علي ، وشهد عثمان بالمدينة ، وهو ثقة. فقال له معاوية : هات يا أخا طيئ ، حدثنا عن عثمان. قال : حصره المكشوح ، وحكم فيه حكيم ، ووليه محمد وعمار (1) ، وتجرد في أمره ثلاثة نفر : عدي بن حاتم ، والأشتر النخعي ، وعمرو بن الحمق ؛ وجد في أمره رجلان ، طلحة والزبير (2) وأبرأ الناس منه علي. قال : ثم مه؟ قال : ثم تهافت الناس على علي بالبيعة تهافت الفراش ، حتى ضلت النعل (3) وسقط الرداء ، ووطئ الشيخ ، ولم يذكر عثمان ولم يذكر له ، ثم تهيأ للمسير وخف معه المهاجرون والأنصار ، وكره القتال معه ثلاثة نفر : سعد بن مالك ، وعبد الله بن عمر ، ومحمد بن مسلمة. فلم يستكره أحدا ، واستغنى بمن خف معه عمن ثقل. ثم سار حتى أتى جبل طيئ ، فأتاه منا جماعة كان ضاربا بهم الناس ، حتى إذا كان في بعض الطريق أتاه مسير طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة ، فسرح رجالا إلى الكوفة فأجابوا دعوته ، فسار إلى البصرة فهي في كفه (4) ، ثم قدم إلى الكوفة ، فحمل إليه الصبي ، ودبت (5)
    __________________
    (1) انظر التنبيه الرابع من ص 54.
    (2) ح : « حصره المكشوح والأشتر النخعي وعمرو بن الحمق ، وجد في أمره طلحة والزبير ». وفيه سقط كما ترى.
    (3) ح : « ضاعت النعل ».
    (4) ح : « فإذا هي في كفه ».
    (5) في الأصل : « دنت » والوجه ما أثبت من ح. والدبيب : المشى على هينة.

    إليه العجوز ، وخرجت إليه العروس فرحا به ، وشوقا إليه ، فتركته وليس همه إلا الشام ».
    فذعر معاوية من قوله ، وقال حابس : أيها الأمير لقد أسمعني شعرا غير به حالى في عثمان ، وعظم به عليا عندي. قال معاوية : أسمعنيه يا خفاف. فأسمعه قوله شعرا :
    قلت والليل ساقط الأكناف
    ولجنبي عن الفراش تجاف

    أرقب النجم مائلا ومتى الغمـ
    ـض بعين طويلة التذارف

    ليت شعري وإنني لسؤول
    هل لي اليوم بالمدينة شاف

    من صحاب النبي إذ عظم الخط
    ـب وفيهم من البرية كاف

    أحلال دم الإمام بذنب
    أم حرام بسنة الوقاف (2)

    قال لي القوم لا سبيل إلى ما
    تطلب اليوم قلت حسب خفاف

    عند قوم ليسوا بأوعية العلـ
    ـم ولا أهل صحة وعفاف

    قلت لما سمعت قولا دعوني
    إن قلبي من القلوب الضعاف

    قد مضى ما مضى ومر به الده‍
    ـر كما مر ذاهب الأسلاف

    إنني والذي يحج له النا
    س على لحق البطون العجاف (3)

    __________________
    (1) مائلا ، أي إلى الغيب. والغمض ، بالضم : النوم. في الأصل : « راقب الليل » تحريف. هذا والبيت والستة الأبيات التي بعده لم ترو في ح.
    (2) الوقاف : المتأني الذي لا يعجل. وفي حديث الحسن : « إن المؤمن وقاف متأن ، وليس كحاطب الليل ». والوقاف أيضا : المحجم عن القتال.
    (3) لحق البطون ، عني بها الإبل. ولحق : جمع لاحق ولاحقة ، واللاحق : الضامر. وفي ح : « لحق البطون عجاف ».


    تتبارى مثل القسى من النبـ‍
    ـع بشعث مثل الرصاف نحاف (1)

    ارهب اليوم ، إن أتاك علي ،
    صيحة مثل صيحة الأحقاف (2)

    إنه الليث عاديا وشجاع
    مطرق نافث بسم زعاف (3)

    فارس الخيل كل يوم نزال
    ونزال الفتي من الإنصاف

    واضع السيف فوق عاتقه الأيـ‍
    من يذرى به شؤون القحاف (4)

    لا يرى القتل في الخلاف عليه
    ألف ألف كانوا من الإسراف

    سوم الخيل ثم قال لقوم
    تابعوه إلى الطعان خفاف :

    استعدوا لحرب طاغيه الشا
    م ، فلبوه كالبنين اللطاف

    ثم قالوا أنت الجناح لك الريـ‍
    ش القدامى ونحن منه الخوافى

    أنت وال وأنت والدنا البـ‍
    ر ونحن الغداة كالأضياف

    وقرى الضيف في الديار قليل
    قد تركنا العراق للإتحاف (5)

    __________________
    (1) شبه الإبل بالقسى في تقوسها. والشعث ، عنى بهم الحجاج الذين قد شعثت رؤوسهم أي تلبد شعرها واغبر. والرصاف : العقبة التي تلوى فوق رعظ السهم إذا انكسر. ورعظ السهم : مدخل سنخ النصل. وفي ح : « مثل السهام ».
    (2) الصيحة : العذاب والهلكة. وقوم الأحقاف هم عاد قوم هود. انظر الآيات 21 ـ 26 من سورة الأحقاف. والأحقاف : رمل فيما بين عمان إلى حضر موت. ح : « إن أتاكم علي * صبحة مثل صبحة ». والصبحة : المرة من صبح القوم شرا : جاءهم به صباحا.
    (3) عاديا ، ينظر فيه إلى قوم عبد يغوث بن وقاص في المفضليات ( 1 : 156 ) : « أنا الليث معدوا عليه وعاديا ». وعدا الليث : وثب. وفي الأصل : « غازيا » وفي ح : « غاديا ». والشجاع ، بالضم والكسر : الحية الذكر.
    (4) يذرى : يطيح ويلقي ويطير. والشؤون : مواصل قبائل الرأس. ح : « يفري به ».
    (5) الإتحاف : أن يتحفه بتحفة ، وهي ما تتحف به الرجل من البر واللطف. في الأصل : « للانحاف » ، تحريف. والبيت لم يرو في ح.


    وهم ما هم إذا نشب البأ
    س ذووالفضل والأمور الكوافي

    وانظر اليوم قبل نادية القوم
    بسلم أردت أم بخلاف (1)

    إن هذا رأي الشفيق على الشا
    م ولولاه ما خشيت مشاف

    فانكسر معاوية وقال : يا حابس ، إني لا أظن هذا إلا عينا لعلي ، أخرجه عنك لا يفسد أهل الشام ـ وكنى معاوية بقوله ـ ثم بعث إليه بعد فقال : يا خفاف ، أخبرني عن أمور الناس. فأعاد عليه الحديث ، فعجب معاوية من عقله وحسن وصفه للامور.
    آخر الجزء الأول من الأصل ، والحمد لله وصلواته على رسوله
    سيدنا محمد النبي وآله وسلم
    ويتلوه الجزء الثاني
    __________________
    (1) نادية القوم : دعوتهم. وفي الحديث : « فبينما هم كذلك إذ نودوا نادية ». في الأصل : « نادبة » بالباء الموحدة ، تحريف. وفي ح : « قبل بادرة القوم ». والبادرة : ما يبدر حين النضب من قول أو فعل. ح : « بسلم تهم ».

    الجزء الثاني
    من كتاب صفين
    لنصر بن مزاحم
    رواية أبي محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز
    رواية أبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة بن الوليد
    رواية أبي الحسن محمد بن ثابت بن عبد الله بن محمد بن ثابت الصيرفي
    رواية أبي يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر الحريري
    رواية أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي
    رواية أبي البركات عبد الواهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي
    سماع مظفر بن علي بن محمد المعروف بابن المعجم ـ غفر الله له


    بسم الله الرحمن الرحيم
    أخبرنا الشيخ الثقة شيخ الإسلام أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي ، قال : أخبرنا أبو الحسن المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي بقراءتي عليه في ربيع الآخر من سنة أربع وثمانين وأربعمائة ، قال أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر قال : أخبرنا أبو الحسن محمد بن ثابت بن عبد الله بن محمد بن ثابت الصيرفي ، قال أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة ، قال أبو محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز ، قال أبو الفضل نصر بن مزاحم ، عن عطية بن غنى (1) ، عن زياد بن رسم قال :
    كتب معاوية بن أبي سفيان إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب خاصة ، وإلى سعد بن أبي وقاص ، ومحمد بن مسلمة ، دون كتابه إلى أهل المدينة ، فكان في كتابه إلي ابن عمر :
    أما بعد فإنه لم يكن أحد من قريش أحب إلى أن يجتمع عليه الأمة (2) بعد قتل عثمان منك. ثم ذكرت خذلك إياه وطعنك على أنصاره فتغيرت لك ، وقد هون ذلك علي خلافك على علي ، ومحا عنك بعض ما كان منك (3) فأعنا ـ رحمك الله ـ على حق هذا الخليفة المظلوم ، فإني لست أريد
    __________________
    (1) ح ( 1 : 259 ) : « عطية بن غناء ».
    (2) ح : « الناس ».
    (3) في الأصل : « وجزني إليك بعض ما كانت منك » ، وأثبت ما في ح.

    الإمارة عليك ، ولكني أريدها لك. فإن أبيت كانت شورى بين المسلمين ».
    وكتب في أسفل كتابه :
    ألا قل لعبد الله واخصص محمدا
    وفارسنا المأمون سعد بن مالك (1)

    ثلاثة رهط من صحاب محمد
    نجوم ومأوى للرجال الصعالك (2)

    ألا تخبرونا والحوادث جمة
    وما الناس إلا بين ناج وهالك

    أحل لكم قتل الإمام بذنبه
    فلستم لأهل الجور أول تارك

    وإلا يكن ذنبا أحاط بقتله
    ففي تركه والله إحدى المهالك

    وإما وقفتم بين حق وباطل
    توقف نسوان إماء عوارك (3)

    وما القول إلا نصره أو قتاله
    أمانة قوم بدلت غير ذلك

    فإن تنصرونا تنصروا أهل حرمة
    وفي خذلنا يا قوم جب الحوارك (4)

    قال : فأجابه ابن عمر :
    « أما بعد فإن الرأي الذي أطمعك في هو الذي صيرك إلى ما صيرك إليه. أني تركت عليا في المهاجرين والأنصار ، وطلحة والزبير ، وعائشة أم المؤمنين ، واتبعتك (5). أما زعمك أني طعنت علي على فلعمري ما أنا
    __________________
    (1) هو الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص ، واسمه سعد بن مالك بن أهيب ـ وقيل وهيب ـ بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري. وهو أحد الستة أهل الشورى ، وولي الكوفة لعمر ، وهو الذي بناها ، ثم عزل ووليها لعثمان. توفى سنة 55. الإصابة 3187.
    (2) الصعالك : جمع صعلوك. وحذف الياء في مثله جائز. والصعلوك : الفقير الذي لا مال له.
    (3) العوارك : الحوائض من النساء ، جمع عارك.
    (4) الحوارك : جمع حارك ، وهو أعلى الكاهل.
    (5) ح : « أترك » مع إسقاط كلمة : « أني » قبلها. وفي ح أيضا « وأتبعك » بدل : « واتبعتك ».

    كعلي في الإيمان والهجرة ، ومكانه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونكايته في المشركين. ولكن حدث أمر لم يكن من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فيه عهد ، ففزعت فيه إلى الوقوف (1) ، وقلت : إن كان هدى ففضل تركته ، وإن كان ضلالة فشر نجوت منه. فأغن عنا نفسك (2)».
    ثم قال لابن أبي غزية : أجب الرجل ـ وكان أبوه ناسكا ، وكان أشعر قريش ـ فقال :
    معاوي لا ترج الذي لست نائلا
    وحاول نصيرا غير سعد بن مالك (3)

    ولا ترج عبد الله واترك محمدا
    ففي ما تريد اليوم جب الحوارك

    تركنا عليا في صحاب محمد
    وكان لما يرجى له غير تارك

    نصير رسول الله في كل موطن
    وفارسه المامون عند المعارك

    وقد خفت الأنصار معه وعصبة
    مهاجرة مثل الليوث الشوابك (4)

    __________________
    (1) ح : « ولكن عهد إلى في هذا الأمر عهد ففرغت فيه الوقوف » ، تحريف ونقص.
    (2) أغن نفسك : اصرفها وكفها. ومنه قول الله : ( لن يغنوا عنك من الله شيئا ). وفي الأصل : « فاعزل عنا نفسك » ، صوابه من ح.
    (3) انظر ما مضى في الصفحة السابقة.
    (4) أسد شابك : مشتبك الأنياب مختلفها. والشابك أيضا من أسماء الأسد. وفي الأصل : « الشوائك » تحريف.


    وطلحة يدعو والزبير وأمنا
    فقلنا لها قولي لنا ما بدا لك

    حذار أمور شبهت ولعلها
    موانع في الأخطار إحدى المهالك

    وتطمع فينا يا ابن هند سفاهة
    عليك بعليا حمير والسكاسك (1)

    وقوم يمانيون يعطوك نصرهم
    بصم العوالي والسيوف البواتك

    قال : وكان من كتاب معاوية إلى سعد :
    « أما بعد فإن أحق الناس بنصر عثمان أهل الشورى من قريش ، الذين أثبتوا حقه واختاروه على غيره ، وقد نصره طلحة والزبير وهما شريكاك في الأمر ، ونظيراك في الإسلام ، وخفت لذلك أم المؤمنين. فلا تكرهن ما رضوا ، ولا تردن ما قبلوا ، فإنا نردها شورى بين المسلمين ».
    وقال شعرا :
    يا سعد قد أظهرت شكا
    وشك المرء في الأحداث داء

    على أي الأمور وقفت حقا
    يرى أو باطلا فله دواء

    وقد قال النبي وحد حدا
    يحل به من الناس الدماء

    ثلاث : قاتل نفسا ، وزان
    ومرتد مضى فيه القضاء

    فإن يكن الإمام يلم منها
    بواحدة فليس له ولاء

    __________________
    (1) انظر ما سبق في ص 62.


    وإلا فالتي جئتم حرام (1)
    وقاتله وخاذله سواء

    وهذا حكمه لا شك فيه
    كما أن السماء هي السماء

    وخير القول ما أوجزت فيه
    وفي إكثارك الداء العياء

    أبا عمرو دعوتك في رجال
    فجاز عراقي الدلو الرشاء (2)

    فأما إذ أبيت فليس بيني
    وبينك حرمة ، ذهب الرجاء

    سوى قولي ، إذا اجتمعت قريش :
    على سعد من الله العفاء

    فأجابه سعد :
    « أما بعد فإن عمر لم يدخل في الشورى إلا من يحل له الخلافة من قريش ، فلم يكن أحد منا أحق بها (3) من صاحبه [ إلا ] باجتماعنا عليه ، غير أن عليا قد كان فيه ما فينا ولم يك فينا ما فيه. وهذا أمر قد كرهنا أوله وكرهنا آخره (4). فأما طلحة والزبير فلو لزما بيوتهما كان خيرا لهما. والله يغفر لأم المؤمنين ما أتت ».
    ثم أجابه في الشعر :
    معاوي داؤك الداء العياء
    فليس لما تجئ به دواء

    طمعت اليوم في يا ابن هند
    فلا تطمع فقد ذهب الرجاء

    عليك اليوم ما أصبحت فيه
    فما يكفيك من مثلي الإباء (5)

    __________________
    (1) في الأصل : « حراما ».
    (2) أراد انقطع الأمل. وعراقي الدلو : جمع عرقوة ، قال الأصمعي : يقال للخشبتين اللتين تعترضان على الدلو كالصليب : العرقوتان ، وهي العراقي. وفي الأصل : « عوالي الدلو » ولا وجه له. وهذه القصيدة وسابقتها لم أجدهما في كتاب ابن أبي الحديد.
    (3) في الأصل : « به » صوابه في ح ( 1 : 260 ).
    (4) ح : « قد كرهت أوله وكرهت آخره ».
    (5) أي الذي يكفيك مني الإباء.


    فما الدنيا بباقية لحي
    ولا حي له فيها بقاء

    وكل سرورها فيها غرور
    وكل متاعها فيها هباء

    أيدعوني أبو حسن علي
    فلم أردد عليه بما يشاء

    وقلت له اعطني سيفا بصيرا
    تمر به العداوة والولاء

    فإن الشر أصغره كبير
    وإن الظهر تثقله الدماء

    أتطمع في الذي أعيا عليا
    على ما قد طمعت به العفاء

    ليوم منه خير منك حيا
    وميتا ، أنت للمرء الفداء

    فأما أمر عثمان فدعه
    فإن الرأي أذهبه البلاء

    وكان كتاب معاوية إلى محمد بن مسلمة :
    « أما بعد فإني لم أكتب إليك وأنا أرجو متابعتك (1) ، ولكني أردت أن أذكرك النعمة التي خرجت منها والشك الذي صرت إليه. إنك فارس الأنصار ، وعدة المهاجرين ، ادعيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا لم تستطع إلا أن تمضي عليه ، فهذا نهاك عن قتال أهل الصلاة ، فهلا نهيت أهل الصلاة عن قتال بعضهم بعضا. وقد كان عليك أن تكره لهم ما كره لك رسول الله صلى الله عليه وسلم. أو لم تر عثمان وأهل الدار من أهل الصلاة (2)؟ فأما قومك فقد عصوا الله وخذلوا عثمان ، والله سائلك وسائلهم عن الذي كان ، يوم القيامة ».
    فكتب إليه محمد [ بن مسلمة ] :
    « أما بعد فقد اعتزل هذا الأمر من ليس في يده من رسول الله صلى الله
    __________________
    (1) ح : « مبايعتك ».
    (2) ح : « أهل القبلة » في المواضع الثلاثة.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

            وقعة صفين Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة صفين           وقعة صفين Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 9:56 am

    عليه وآله وسلم مثل الذي في يدي. فقد أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو كائن قبل أن يكون ، فلما كان كسرت سيفي ، وجلست في بيتي (1) واتهمت الرأي على الدين ، إذ لم يصح لي معروف آمر به ، ولا منكر أنهى عنه. وأما أنت فلعمري ما طلبت إلا الدنيا ، ولا اتبعت إلا الهوى. فإن تنصر عثمان ميتا فقد خذلته حيا (2). فما أخرجني الله من نعمة ولا صيرني إلى شك. إن كنت أبصرت خلاف ما تحبني به ومن قبلنا من المهاجرين والأنصار ، فنحن أولى بالصواب منك ».
    ثم دعا محمد بن مسلمة رجلا من الأنصار ، وكان فيمن يرى رأي محمد في الوقوف ، فقال : أجب يا مروان بجوابه فقد تركت الشعر. فقال مروان. لم يكن عند ابن عقبة الشعر (3).
    وفي حديث صالح بن صدقة بإسناده قال : ضربت الركبان إلى الشام بقتل عثمان ، فبينما معاوية [ يوما ] إذ أقبل رجل متلفف ، فكشف عن وجهه فقال : يا أمير المؤمنين ، أتعرفني؟ قال : نعم ، أنت الحجاج بن خزيمة بن الصمة فأين تريد؟ قال : إليك القربان (4) ، أنعى إليك ابن عفان. ثم قال :
    إن بني عمك عبد المطلب
    هم قتلوا شيخكم غير الكذب

    وأنت أولى الناس بالوثب فثب
    واغضب معاوي للإله واحتسب

    __________________
    (1) يروى عن محمد بن مسلمة أنه قال : « أعطاني رسول الله 9 سيفا فقال : قاتل به المشركين ما قوتلوا ، فإذا رأيت أمتي يضرب بعضهم بعضا فائت به أحدا فاضرب به حتى ينكسر ، ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية خاطئة. انظر الإصابة 7800.
    (2) ح : « فقد خذلته حيا. والسلام » وبذلك تنتهي هذه الرسالة في ح.
    (3) يفهم من هذا أن اسم هذا الأنصاري مروان بن عقبة.
    (4) القربان ، بالضم والكسر : الدنو.


    وسر بنا سير الجرئ المتلئب (1)
    وانهض بأهل الشام ترشد وتصب (2)

    ثم اهزز الصعدة للشأس الكلب (3)
    يعني « عليا ». فقال له : عندك مهز (4)؟ قال : نعم. ثم أقبل الحجاج بن الصمة على معاوية فقال : يا أمير المؤمنين (5) ، إني كنت فيمن خرج مع يزيد بن أسد [ القسري ] مغيثا لعثمان ، فقدمنا أنا وزفر بن الحارث فلقينا رجلا زعم أنه ممن قتل عثمان ، فقتلناه. وإني أخبرك يا أمير المؤمنين أنك تقوي على علي بدون ما يقوي به عليك ، لأن معك قوما لا يقولون إذا قلت ، ولا يسألون إذا أمرت. وإن مع علي قوما يقولون إذا قال ، ويسألون إذا أمر ؛ فقليل ممن معك خير من كثير ممن معه. واعلم أنه لا يرضى علي إلا بالرضا ، وإن رضاه سخطك. ولست وعلي سواء (6) : لا يرضى علي بالعراق دون الشام ، ورضاك الشام دون العراق.
    __________________
    (1) قال ابن أبي الحديد في ( 1 : 253 ) : « المتلئب : المستقيم المطرد ». وفي اللسان أيضا : اتلأب : أقام صدره ورأسه. وفي الأصل : « الملتبب » ولا وجه له.
    (2) في الأصل : « وجمع أهل الشام » ، صوابه من ح.
    (3) الصعدة ، بالفتح : القناة المستوية. والشأس ، أصل معناه المكان الغليظ الخشن. قال ابن أبي الحديد : « ومن رواه : للشاسي ، بالياء فأصله الشاصي بالصاد ، وهو المرتفع ، يقال شصا السحاب إذا ارتفع ، فأبدل الصاد سينا. ومراده هنا نسبة علي 7 إلى التيه والرفع عن الناس ». قلت : قد أبعد ابن أبي الحديد في التخريج ، إنما يكون : « الشاسي » مخفف « الشاسيء » وهو من المقلوب. وفي اللسان ( مادة شأس ) : « ويقال مقلوبا : مكان شاسيء وجاسيء : غليظ ».
    (4) مهز : مصدر ميمي من الهز. يقال هززت فلانا لخير فاهتز. ح : « أفيك مهز ».
    (5) زاد ابن أبي الحديد : « ولم يخاطب معاوية بأمير المؤمنين قبلها » أي قبل هذه الزيارة. وهذه العبارة تعليق من ابن أبي الحديد. وتقرأ بفتح الطاء من « يخاطب » وإلا فإن الحجاج خاطبه قبلها بأمير المؤمنين في أول الحديث. وانظر ص 80 س 6.
    (6) كذا وردت العبارة في الأصل ، وح. وهو وجه ضعيف في العربية ، إذ لا يحسن العطف على الضمير المرفوع المتصل إلا بعد توكيده بالضمير المنفصل ، أو وجود فاصل بين المتبوع والتابع.

    فضاق معاوية [ صدرا ] بما أتاه ، وندم على خذلانه عثمان (1).
    وقال معاوية حين أتاه قتل عثمان :
    أتاني أمر فيه للنفس غمة
    وفيه بكاء للعيون طويل

    وفيه فناء شامل وخزاية
    وفيه اجتداع للأنوف أصيل

    مصاب أمير المؤمنين وهدة
    تكاد لها صم الجبال تزول (2)

    فلله عينا من رأي مثل هالك
    أصيب بلا ذنب وذاك جليل

    تداعت عليه بالمدينة عصبة
    فريقان منها قاتل وخذول (3)

    دعاهم فصموا عنه عند جوابه
    وذاكم على ما في النفوس دليل (4)

    ندمت على ما كان من تبعي الهوى
    وقصري فيه حسرة وعويل (5)

    سأنعى أبا عمرو بكل مثقف
    وبيض لها في الدار عين صليل (6)

    تركتك للقوم الذين هم هم
    شجاك فماذا بعد ذاك أقول

    فلست مقيما ما حييت ببلدة
    أجر بها ذيلي وأنت قتيل

    __________________
    (1) في الأصل : « وهذه » ، صوابها من ح.
    (2) ح : « على خذلان عثمان ».
    (3) ح : « منهم قاتل ».
    (4) أي عند طلبه الجواب. وفي ح : « عند دعائه ».
    (5) يقال : قصرك أن تفعل كذا ، أي حسبك وكفايتك وغايتك ، كما تقول : قصارك وقصاراك. الأولى بفتح القاف والأخريان بضمها.
    (6) أبو عمرو : كنية عثمان بن عفان. وفي رثائه تقول زوجه نائلة بنت الفرافصة :
    ومالي لا أبكي وتبكي قرابتي
    وقد غيبوا عنا فضول أبي عمرو

    ح : « سأبغي » أي سأطلب ثاره. والبيض ، بالكسر : السيوف ، جمع أبيض. والدارع : لابس الدرع.


    فلا نوم حتى تشجر الخيل بالقنا
    ويشفى من القوم الغواة غليل (1)

    ونطحنهم طحن الرحى بثفالها
    وذاك بما أسدوا إليك قليل (2)

    فأما التي فيها مودة بيننا
    فليس إليها ما حييت سبيل

    سألقحها حربا عوانا ملحة
    وإني بها من عامنا لكفيل (3)

    نصر : وافتخر الحجاج على أهل الشام بما كان من تسليمه على معاوية بإمرة المؤمنين.
    نصر : صالح بن صدقة ، عن إسماعيل بن زياد ، عن الشعبي ، أن عليا قدم من البصرة مستهل رجب الكوفة ، وأقام بها سبعة عشر شهرا يجري الكتب فيما بينه وبين معاوية وعمرو بن العاص.
    قال : وفي حديث عثمان بن عبيد الله الجرجاني قال :
    بويع معاوية على الخلاف ، فبايعه الناس على كتاب الله وسنة نبيه ، فأقبل مالك بن هبيرة الكندي ـ وهو يومئذ رجل من أهل الشام ـ فقام خطيبا وكان غائبا من البيعة ، فقال : « يا أمير المؤمنين ، أخدجت هذا الملك (4) ، وأفسدت الناس ، وجعلت للسفهاء مقالا. وقد علمت العرب أنا حي فعال ، ولسنا بحي مقال ، وإنا نأتي بعظيم فعالنا على قليل مقالنا. فابسط
    __________________
    (1) الشجر : الطعن بالرمح. وفي حديث الشراة : « فشجرناهم بالرماح ، أي طعناهم بها حتى اشتبكت فيهم ». وعنى بالخيل الفرسان.
    (2) الثفال ، بالكسر ، جلد يبسط تحت الرحى ليقي الطحين من التراب ، ولا تثفل الرحى إلا عند الطحن. في الأصل : « وأطحنهم » وأثبت ما في ح ، وفي الأصل أيضا : « بما أسدى إلي » ، والوجه ما أثبت من ح.
    (3) في الأصل : « من عامها ».
    (4) الإخداج : النقص ، وفي الأصل : « أخرجت » بالراء ، تحريف.

    يدك أبايعك على ما أحببنا وكرهنا ». فكان أول العرب بايع عليها مالك ابن هبيرة.
    وقال الزبرقان بن عبد الله السكوني :
    معاوي أخدجت الخلافة بالتي
    شرطت فقد بوالك الملك

    مالك ببيعة فصل ليس فيها غميزة
    ألا كل ملك ضمه الشرط هالك

    وكان كبيت العنكبوت مذبذبا
    فأصبح محجوبا عليه الأرائك

    وأصبح لا يرجوه راج لعلة
    ولا تنتحي فيه الرجال الصعالك

    وما خير ملك يا معاوي مخدج
    تجرع فيه الغيظ والوجه حالك

    إذا شاء ردته السكون وحمير
    وهمدان والحي الخفاف السكاسك

    نصر : صالح بن صدقة ، عن ابن إسحاق ، عن خالد الخزاعي وغيره عمن لا يتهم (1) ، أن عثمان لما قتل وأتى معاوية كتاب علي بعزله عن الشام خرج حتى صعد المنبر ثم نادى في الناس أن يحضروا ، فحضروا المسجد فخطب الناس معاوية فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم قال :
    « يا أهل الشام ، قد علمتم أني خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، وخليفة عثمان وقتل مظلوما ، وقد تعلمون أني وليه (2) ، والله يقول في كتابه : ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ) : وأنا أحب أن تعلموني ما في أنفسكم من قتل عثمان ».
    قال : فقام كعب بن مرة السلمي ـ وفي المسجد يومئذ أربعمائة رجل
    __________________
    (1) ح ( 1 : 253 ) : « ممن لا يتهم ».
    (2) ح : « وخليفة عثمان وقد قتل وأنا ابن عمه ووليه ».

    أو نحو ذلك من أصحاب رسول الله 9 ـ فقال :
    « والله لقد قمت مقامي هذا وإني لأعلم أن فيكم من هو أقدم صحبة لرسول الله 9 مني ، ولكني قد شهدت من رسول الله مشهدا لعل كثيرا منكم لم يشهده. وإنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف النهار في يوم شديد الحر فقال : « لتكونن فتنة حاضرة ». فمر رجل مقنع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا المقنع يومئذ على الهدى قال : فقمت فأخذت بمنكبيه (1) وحسرت عن رأسه فإذا عثمان ، فأقبلت بوجهه إلى رسول الله فقلت : هذا يارسول الله؟ قال : « نعم ».
    فأصفق أهل الشام على معاوية ، وبايعوه على الطلب بدم عثمان أميرا لا يطمع في الخلافة ، ثم الأمر شورى.
    وفي حديث محمد بن عبيد الله عن الجرجاني قال :
    لما قدم عبيد الله بن عمر بن الخطاب على معاوية بالشام ، أرسل معاوية إلى عمرو بن العاص فقال :
    « يا عمرو ، إن الله قد أحيا لك عمر بن الخطاب بالشام بقدوم عبيد الله ابن عمر ، وقد رأيت أن أقيمه خطيبا فيشهد على علي بقتل عثمان ، وينال منه ».
    فقال : الرأي ما رأيت. فبعث إليه فأتى ، فقال له معاوية : يا ابن أخي ، إن لك اسم أبيك ، فانظر بملء عينيك ، وتكلم بكل فيك (2) فأنت المأمون المصدق! فا [ صعد المنبر ، وا ] شتم عليا واشهد عليه أنه قتل عثمان. فقال : يا أمير المؤمنين (3) أما شتميه فإنه علي بن أبي طالب ، وأمه فاطمة بنت أسد بن
    __________________
    (1) ح : « بمنكبه ».
    (2) ح ( 1 : 256 ) : « وانطق بملء فيك ».
    (3) ح : « أيها الأمير ».

    هاشم ، فما عسى أن أقول في حسبه. وأما بأسه فهو الشجاع المطرق. وأما أيامه فما قدمت عرفت : ولكني ملزمه دم عثمان. فقال عمرو [ بن العاص ] : إذا والله قد نكأت القرحة (1).
    فلما خرج عبيد الله قال معاوية : أما والله لولا قتله الهرمزان ، ومخافة علي على نفسه (2) ما أتانا أبدا. ألم تر إلى تقريظه عليا؟! فقال عمرو : « يا معاوية ، إن لم تغلب فاخلب ». فخرج حديث إلى عبيد الله ، فلما قام خطيبا تكلم بحاجته ، حتى إذا أتى إلى أمر علي أمسك [ ولم يقل شيئا ] ، فقال له معاوية (3) : ابن أخي (4) ، إنك بين عي أو خيانة! فبعث إليه : » كرهت أن أقطع الشهادة على رجل لم يقتل عثمان ، وعرفت أن الناس محتملوها عني [ فتركتها ] ». فهجره معاوية ، واستخف بحقه ، وفسقه فقال عبيد الله :
    معاوي لم أخرص بخطبة خاطب
    ولم أك عيا في لؤى بن غالب (5)

    ولكنني زاولت نفسا أبية
    على قذف شيخ بالعراقين غائب

    __________________
    (1) ح : « قد وأبيك إذن نكأت القرحة ».
    (2) ح : « ومخافته عليا على نفسه ».
    (3) ح : « فلما نزل بعث إليه معاوية ».
    (4) في الأصل : « ابن أخ » تحريف ، والمنادي إذا كان مضافا إلى مضاف إلى الياء فالياء ثابتة لا غير كقولك : « يا ابن أخي » و « يا ابن خالي » إلى إن كان « ابن أم » أو « ابن عم » ففيهما مذاهب.
    (5) لم أخرص : لم أكذب. وفي الأصل وح : « لم أحرص » تحريف.


    وقذفي عليا بابن عفان جهرة
    يجدع بالشحنا أنوف الأقارب (1)

    فأما انتقافي أشهد اليوم وثبة
    فلست لكم فيها ابن حرب بصاحب (2)

    ولكنه قد قرب القوم جهده
    ودبوا حواليه دبيب العقارب (3)

    فما قال أحسنتم ولا قد أسأتم
    وأطرق إطراق الشجاع المواثب

    فأما ابن عفان فأشهد أنه
    أصيب بريئا لابسا ثوب تائب

    حرام على آهاله نتف شعره
    فكيف وقد جازوه ضربة لازب (4)

    وقد كان فيها للزبير عجاجة
    وطلحة فيها جاهد غير لاعب

    وقد أظهرا من بعد ذلك توبة
    فياليت شعري ما هما في العواقب

    __________________
    (1) الشحناء : البغض والعداوة ، وفي الأصل : « أجدع بالشحناء » : وفي ح : « كذاب وما طبعي سجايا المكاذب » ، وجه هذه « وما طبي ».
    (2) البيت لم يرو في ح ، وفي صدره تحريف.
    (3) ح : « ولكنه قد حزب القوم حوله ».
    (4) الآهال : جمع أهل ، وأنشد الجوهري : * وبلدة ما الجن من آهالها *

    فلما بلغ معاوية شعره بعث إليه فأرضاه وقربه وقال : « حسبي هذا منك ».
    نصر ، عن عمر بن سعد عن أبي ورق ، أن ابن عمر بن مسلمة الأرحبي أعطاه كتابا في إمارة الحجاج بكتاب من معاوية إلى علي. قال : وإن أبا مسلم الخولاني (1) قدم إلى معاوية في أناس من قراء أهل الشام ، [ قبل مسير أمير المؤمنين 7 إلى صفين ، ] فقالوا [ له ] : يا معاوية علام تقاتل عليا ، وليس لك مثل صحبته ولا هجرته ولا قرابته ولا سابقته؟ قال لهم : ما أقاتل عليا وأنا أدعى أن لي في الإسلام مثل صحبته ولا هجرته ولا قرابته ولا سابقته ، ولكن خبروني عنكم ، ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما؟ قالوا : بلى. قال : فليدع إلينا (2) قتلته فنقتلهم به ، ولا قتال بيننا وبينه. قالوا : فاكتب [ إليه ] كتابا يأتيه [ به ] بعضنا. فكتب إلى علي هذا الكتاب مع أبي مسلم الخولاني ، فقدم به على علي ، ثم قام أبو مسلم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
    « أما بعد فإنك قد قمت بأمر وتوليته (3) ، والله ما أحب أنه لغيرك إن أعطيت الحق من نفسك ، إن عثمان قتل مسلما محرما (4) مظلوما ، فادفع
    __________________
    (1) أبو مسلم الخولاني الزاهد الشامي هو عبد الله بن ثوب ، بضم المثلثة وفتح الواو ، وقيل بإشباع الواو ، وقيل ابن أثوب بوزن أحمر ، ويقال ابن عوف وابن مشكم ، ويقال اسمه يعقوب بن عوف ، وكان ممن رحل إلى النبي فلم يدركه ، وعاش إلى زمن يزيد بن معاوية. انظر تقريب التهذيب 612 والمعارف 194. وفي الأصل : « الحولاني » بالمهملة ، صوابه بالخاء المعجمة ، كما في ح ( 3 : 407 ) نسبة إلى خولان ، بالفتح ، إحدى قبائل اليمن.
    (2) ح ( 3 : 407 ) : « فليدفع إلينا ».
    (3) ح : ( 3 : 408 ) : « وليته ».
    (4) محرما : أي له حرمة وذمة ، أو أراد أنهم قتلوه في آخر ذي الحجة ، وقال أبو عمرو :

    إلينا قتلته ، وأنت أميرنا ، فإن خالفك أحد من الناس كانت أيدينا لك ناصرة ، وألسنتنا لك شاهدة ، وكنت ذا عذر وحجة ».
    فقال له على : اغد على غدا ، فخذ جواب كتابك. فانصرف ثم رجع من الغد ليأخذ جواب كتابه فوجد الناس قد بلغهم الذي جاء فيه ، فلبست الشيعة أسلحتها ثم غدوا فملؤوا المسجد وأخذوا ينادون : كلنا قتل ابن عفان [ وأكثروا من النداء بذلك ] ، وأذن لأبي مسلم فدخل على علي أمير المؤمنين فدفع إليه جواب كتابه معاوية ، فقال له أبو مسلم : قد رأيت قوما ما لك معهم أمر. قال : وما ذاك؟ قال : بلغ القوم أنك تريد أن تدفع إلينا قتلة عثمان فضجوا واجتمعوا ولبسوا السلاح وزعموا أنهم كلهم قتلة عثمان. فقال علي : « والله ما أردت أن أدفعهم إليك طرفة عين ، لقد ضربت هذا الأمر أنفه وعينيه ما رأيته ينبغي لي أن أدفعهم إليك ولا إلى غيرك ».
    فخرج بالكتاب وهو يقول : الآن طاب الضراب.
    وكان كتاب معاوية إلى علي 7 (1) :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب. سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد فإن الله اصطفى محمدا بعلمه ، وجعله الأمين على وحيه ، والرسول إلى خلقه ، واجتبى له من المسلمين أعوانا أيده الله بهم ،
    __________________
    أي صائما ، ويقال أراد لم يحل بنفسه شيئا يوقع به ، فهو محرم. وبكل هذه التأويلات فسر بيت الراعي ، الذي أنشده صاحب اللسان ( 15 : 13 ) :
    قتلوا ابن عفان الخليفة محرما
    ودعا فلم أر مثله مقتولا

    وانظر خزانة الأدب ( 1 : 503 ـ 504 ).
    (1) انظر هذا الكتاب أيضا في العقد ( 3 : 107 ).

    فكانوا في منار لهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام. فكان أفضلهم في إسلامه ، وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة من بعده ، وخليفة خليفته ، والثالث الخليفة المظلوم عثمان ، فكلهم حسدت ، وعلى كلهم بغيت. عرفنا ذلك في نظرك الشزر ، وفي قولك الهجر ، وفي تنفسك الصعداء ، وفي إبطائك عن الخلفاء ، تقاد إلى كل منهم كما يقاد الفحل المخشوش (1) حتى تبايع وأنت كاره. ثم لم تكن لأحد منهم بأعظم حسدا منك لابن عمك عثمان ، وكان أحقهم ألا تفعل به ذلك في قرابته وصهره ، فقطعت رحمه ، وقبحت محاسنه ، وألبت الناس عليه ، وبطنت وظهرت ، حتى ضربت إليه آباط الإبل ، وقيدت إليه الخيل العراب ، وحمل عليه السلاح في حرم رسول الله ، فقتل معك في المحلة وأنت تسمع في داره الهائعة (2) ، لا تردع الظن والتهمة عن نفسك فيه بقول ولا فعل. فأقسم صادقا أن لو قمت فيما كان من أمره مقاما واحدا تنهنه الناس عنه ما عدل بك من قبلنا من الناس أحدا ، ولمحا ذلك عندهم ما كانوا يعرفونك به من المجانبة لعثمان والبغي عليه. وأخرى أنت بها عند أنصار عثمان ظنين : إيواؤك قتلة عثمان ، فهم عضدك وأنصارك ويدك وبطانتك (3). وقد ذكر لي أنك تنصل من دمه ، فإن كنت صادقا فأمكنا من قتلته نقتلهم به ، ونحن أسرع [ الناس ] إليك. وإلا فإنه فليس لك ولا لأصحابك إلا السيف. والذي لا إله إلا هو لنطلبن قتلة عثمان في الجبال والرمال ، والبر والبحر ، حتى يقتلهم الله ، أو لتلحقن أرواحنا بالله. والسلام.
    __________________
    (1) المخشوش : الذي جعل في عظم أنفه الخشاش ، وهو بالكسر ، عويد يجعل في أنف البعير يشد به الزمام ليكون أسرع في انقياده.
    (2) الهائعة : الصوت الشديد.
    (3) بطانة الرجل : خاصته وصاحب سره. وفي الأصل : « بطاشك » صوابه في ح.

    فكتب إليه علي 7 :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان. أما بعد فإن أخا خولان قدم على بكتاب منك تذكر فيه محمد 9 وسلم ، وما أنعم الله عليه به من الهدى والوحي. والحمد لله الذي صدقه الوعد ، وتمم له النصر (1) ، ومكن له في البلاد ، وأظهره على أهل العداء (2) والشنآن ، من قومه الذين وثبوا به ، وشنفوا له (3) ، وأظهروا له التكذيب ، وبارزوه بالعداوة ، وظاهروا على إخراجه وعلى إخراج أصحابه [ وأهله ] ، وألبوا عليه العرب ، وجامعوهم على حربه ، وجهدوا في أمره كل الجهد ، وقلبوا له الأمور حتى ظهر أمر الله وهم كارهون. وكان أشد الناس عليه ألبة (4) أسرته والأدنى فالأدنى من قومه إلا من عصمه الله (5) يا ابن هند. فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا ، ولقد قدمت فأفحشت ، إذ طفقت تخبرنا عن بلاء الله تعالى في نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وفينا ، فكنت في ذلك كجالب التمر إلى هجر ، أو كداعي مسدده إلى النضال (6). وذكرت أن الله اجتبى له من المسلمين أعوانا أيده الله بهم ، فكانوا في منازلهم عنده عل قدر فضائلهم في الإسلام ،
    __________________
    (1) ح : « وأيده بالنصر ».
    (2) في الأصل : « العدى » تحريف. وفي ح : « العداوة ».
    (3) شنف له يشنف شنفا ، من باب تعب : أبغضه. وفي الحديث في إسلام أبي ذر : « فإنهم قد شنفوا له » ، أي أبغضوه.
    (4) الألبة : المرة من الألب ، وهو التحريض. والذي في ح : « تأليبا وتحريضا ».
    (5) الكلام بعد هذه إلى كلمة : « النضال » لم يرد في ح.
    (6) التسديد : التعليم. أي كمن يدعو من علمه النضال إلى النضال.

    فكان أفضلهم ـ زعمت ـ في الإسلام ، وأنصحهم لله ورسوله الخليفة ، وخليفة الخليفة. ولعمري إن مكانهما من الإسلام لعظيم ، وإن المصاب بهما لجرح في الإسلام شديد. رحمهما الله وجزاهما بأحسن الجزاء (1). وذكرت أن عثمان كان في الفضل ثالثا (2) ، فإن يكن عثمان محسنا فسيجزيه الله بإحسانه ، وإن يك مسيئا فسيلقي ربا غفورا لا يتعاظمه ذنب أن يغفره. ولعمر الله إني لأرجو إذا أعطى الله الناس على قدر فضائلهم في الإسلام ونصيحتهم لله ورسوله أن يكون نصيبنا في ذلك الأوفر. إن محمدا صلى الله عليه وسلم لما دعا إلى الإيمان بالله والتوحيد كنا ـ أهل البيت ـ أول من آمن به ، وصدق بما جاء به ، فلبثنا أحوالا مجرمة (3) وما يعبد الله في ربع ساكن من العرب غيرنا ، فأراد قومنا قتل نبينا ، واجتياح أصلنا ، وهموا بنا الهموم ، وفعلوا بنا الأفاعيل ، فمنعونا الميرة ، وأمسكوا عنا العذب (4) ، وأحلسونا الخوف (5) ، وجعلوا علينا الأرصاد والعيون ، واضطرونا إلى جبل وعر ، وأوقدوا لنا نار الحرب ، وكتبوا علينا بينهم كتابا لا يواكلونا ولا يشاربونا ولا يناكحونا ولا يبايعونا ولا نأمن فيهم حتى ندفع النبي 9 وسلم فيقتلوه ويمثلوا به. فلم نكن نأمن فيهم إلا من موسم إلى موسم ، فعزم الله لنا على منعه ، والذب عن حوزته ، والرمي من وراء حرمته ، والقيام
    __________________
    (1) ح : « وجزاهما أحسن ما عملا ».
    (2) ح : « تاليا » :
    (3) أي سنين كاملة. والمجرمة ، بتشديد الراء المفتوحة.
    (4) الميرة ، بالكسر : ما يجلب من الطعام. والعذب ، عنى به الماء العذب.
    (5) أي ألزموناه. انظر ح ( 3 : 304 ). وفي الأصل : « وأحلسوا » صوابه في ح ( 3 : 303 ، 408 ).

    بأسيافنا دونه في ساعات الخوف بالليل والنهار (1) ، فمؤمننا يرجو بذلك الثواب ، وكافرنا يحامي به عن الأصل. فأما من أسلم من قريش بعد فإنهم مما نحن فيه أخلياء ، فمنهم حليف ممنوع ، أو ذو عشيرة تدافع عنه فلا يبغيه أحد بمثل ما بغانا به قومنا من التلف ، فهم من القتل بمكان نجوة وأمن. فكان ذلك ما شاء الله أن يكون ، ثم أمر الله رسوله بالهجرة ، وأذن له بعد ذلك في قتال المشركين ، فكان إذا احمر البأس ودعيت نزال أقام أهل بيته فاستقدموا ، فوقى بهم أصحابه حر الأسنة والسيوف ، فقتل عبيدة (2) يوم بدر ، وحمزة يوم أحد ، وجعفر وزيد يوم مؤتة ، وأراد لله من لو شئت ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة مع النبي 9 وسلم غير مرة ، إلا أن آجالهم عجلت ، ومنيته أخرت. والله مولى الإحسان إليهم ، والمنان عليهم ، بما قد أسلفوا من الصالحات. فما سمعت بأحد ولا رأيت فيهم من هو أنصح لله في طاعة رسوله ، ولا أطوع لرسوله في طاعة ربه ، ولا أصبر على اللأواء والضراء وحين البأس ومواطن المكروه مع النبي 6 من هؤلاء النفر الذين سميت لك. وفي المهاجرين خير كثير نعرفه (3) ، جزاهم الله بأحسن أعمالهم. وذكرت (4) حسدي الخلفاء ، وإبطائي عنهم ، وبغيي عليهم. فأما البغي فمعاذ الله أن يكون ، وأما الإبطاء عنهم والكراهة لأمرهم فلست أعتذر منه إلى الناس ، لأن الله جل ذكره لما قبض نبيه
    __________________
    (1) في الأصل : « والليل والنهار » ، وأثبت ما في ح.
    (2) هو عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف. وهو أول من عقدت له راية في الإسلام. انظر الإصابة 5367. وقد تزوج الرسول الكريم زوجته زينب بنت خزيمة بعده. انظر المعارف 59.
    (3) ح ( 3 : 409 ) : « خير كثير يعرف ».
    (4) في الأصل : « فذكرت » صوابه بالواو ، كما في ح.

    صلى الله عليه وسلم قالت قريش : منا أمير ، وقالت الأنصار : منا أمير. فقالت قريش : منا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنحن أحق بذلك الأمر. فعرفت ذلك الأنصار فسلمت لهم الولاية والسلطان. فإذا استحقوها بمحمد 6 دون الأنصار فإن أولى الناس بمحمد 6 أحق بها منهم. وإلا فإن الأنصار أعظم العرب فيها نصيبا فلا أدري أصحابي سلموا من أن يكونوا حقي أخذوا ، أو الأنصار ظلموا. [ بل ] عرفت أن حقي هو المأخوذ ، وقد تركته لهم تجاوز الله عنهم. وأما ما ذكرت من أمر عثمان وقطيعتي رحمه ، وتأليبي عليه فإن عثمان عمل ما [ قد ] بلغك ، فصنع الناس [ به ] ما قد رأيت وقد علمت. إني كنت في عزلة عنه ، إلا أن تتجني ، فتجن ما بدا لك. وأما ما ذكرت من أمر قتله عثمان فإني نظرت في هذا الأمر وضربت أنفه وعينيه فلم أر دفعهم إليك ولا إلى غيرك. ولعمري لئن لم تنزع عن غيك وشقاقك لتعرفنهم عن قليل يطلبونك ، ولا يكلفونك أن تطلبهم في بر ولا بحر ، ولا جبل ولا سهل. وقد كان أبوك أتاني حين ولي الناس أبا بكر فقال : أنت أحق بعد محمد 6 بهذا الأمر ، وأنا زعيم لك بذلك على من خالف عليك. ابسط يدك أبايعك. فلم أفعل. وأنت تعلم أن أباك قد كان قال ذلك وأراده حتى كنت أنا الذي أبيت ؛ لقرب عهد الناس بالكفر ، مخافة الفرقة بين أهل الإسلام. فأبوك كان أعرف بحقي منك. فإن تعرف من حقي ما كان يعرف أبوك تصب رشدك ، وإن لم تفعل فسيغني الله عنك والسلام.
    آخر الجزء الثاني من أضل عبدالوهاب

    نصر بن مزاحم ، عن عمر بن سعد ، عن إسماعيل بن يزيد ، والحارث بن حصيرة ، عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود قال :
    لما أراد علي المسير إلى أهل الشام دعا إليه من كان معه من المهاجرين والأنصار ، فحمد الله وأثنى عليه وقال : « أما بعد فإنكم ميامين الرأي ، مراجيح الحلم ، مقاويل بالحق ، مباركو الفعل والأمر. وقد أردنا المسير إلى عدونا ، وعدوكم فأشيروا علينا برأيكم ».
    فقام هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال : « أما بعد يا أمير المؤمنين فأنا بالقوم جد خبير ، هم لك ولأشياعك أعداء ، وهم لمن يطلب حرث الدنيا أولياء ، وهم مقاتلوك ومجاهدوك (1) لا يبقون (2) جهدا ، مشاحة على الدنيا ، وضنا بما في أيديهم منها. وليس لهم إربة غيرها إلا ما يخدعون به الجهال من الطلب بدم عثمان بن عفان (3). كذبوا ليسوا بدمه يثأرون (4) ولكن الدنيا يطلبون. فسر بنا إليهم (5) ، فإن أجابوا إلى الحق فليس بعد الحق إلا الضلال. وإن أبو إلا الشقاق فذلك الظن بهم (6). والله ما أراهم يبايعون وفيهم أحد ممن يطاع إذا نهى ، و [ لا ] يسمع إذا أمر ».
    نصر : عمر بن سعد ، عن الحارث بن حصيرة ، عن عبد الرحمن بن عبيد ابن أبي الكنود ، أن عمار بن ياسر قام فذكر الله بما هو أهله ، وحمده وقال : يا أمير المؤمنين ، إن استطعت ألا تقيم يوما واحدا فا [ فعل. ا ] شخص بنا
    __________________
    (1) ح ( 1 : 278 ) : « ومجادلوك » لعل هذه : « ومجالدوك ».
    (2) ح : « لا يبغون » تحريف.
    (3) ح : « من طلب دم ابن عفان ».
    (4) ح : « ليسوا لدمه ينفرون ».
    (5) ح : « انهض بنا إليهم ».
    (6) ح : « فذاك ظني بهم ».

    قبل استعار نار الفجرة ، واجتماع رأيهم على الصدود والفرقة ، وادعهم إلى رشدهم وحظهم. فإن قبلوا سعدوا ، وإن أبوا إلا حربنا فوالله إن سفك دمائهم ، والجد في جهادهم ، لقربة عند الله ، وهو كرامة منه ».
    وفي هذا الحديث : ثم قام قيس بن سعد بن عبادة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : « يا أمير المؤمنين ، انكمش بنا إلى عدونا ولا تعرد (1) ، فوالله لجهادهم أحب إلى من جهاد الترك والروم ؛ لإدهانهم في دين الله (2) ، واستذلالهم أولياء الله من أصحاب محمد 9 ، من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان. إذا غضبوا على رجل حبسوه أو ضربوه أو حرموه أو سيروه (3). وفيئنا لهم في أنفسهم حلال ، ونحن لهم ـ فيما يزعمون ـ قطعين (4). قال : يعني رقيق.
    فقال أشياخ الأنصار ، منهم خزيمة بن ثابت ، وأبو أيوب الأنصاري وغيرهما : لم تقدمت أشياخ قومك وبدأتهم يا قيس بالكلام؟ فقال : أما إني عارف بفضلكم ، معظم لشأنكم ، ولكني وجدت في نفسي الضغن الذي جاش في صدوركم حين ذكرت الأحزاب.
    فقال بعضهم لبعض : ليقم رجل منكم فليجب أمير المؤمنين عن جماعتكم. فقالوا : قم يا سهل بن حنيف. فقام سهل فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : « يا أمير المؤمنين ، نحن سلم لمن سالمت ، وحرب لمن حاربت ، ورأينا رأيك ونحن كف يمينك. وقد رأينا أن تقوم بهذا الأمر في أهل الكوفة ، فتأمرهم بالشخوص ، وتخبرهم بما صنع الله لهم في ذلك من الفضل ؛ فإنهم هم أهل البلد
    __________________
    (1) الانكماش : الإسراع والجد. والتعريد : الفرار والإحجام والانهزام. ح : « ولا تعرج ».
    (2) الإدهان : الغش والمصانعة. وفي التنزيل العزيز : ( ودوا لو تدهن فيدهنون ).
    (3) في اللسان : « سيره من بلده : أخرجه وأجلاه ».
    (4) القطين : الخدم والأتباع والحشم والمماليك.

    وهم الناس. فإن استقاموا لك استقام لك الذي تريد وتطلب. وأما نحن فليس عليك منا خلاف ، متى دعوتنا أجبناك ، ومتى أمرتنا أطعناك ».
    نصر : عمر بن سعد ، عن أبي مخنف ، عن زكريا بن الحارث ، عن أبي حشيش (1) ، عن معبد قال : قام علي خطيبا على منبره ، فكنت تحت المنبر حين حرض الناس وأمرهم بالمسير إلى صفين لقتال أهل الشام. فبدأ فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
    « سيروا إلى أعداء [ الله. سيروا إلى أعداء ] السنن والقرآن ، سيروا إلى بقية الأحزاب ، قتلة المهاجرين والأنصار ».
    فقام رجل من بني فزارة يقال له أربد فقال : أتريد أن تسيرنا إلى إخواننا من أهل الشام فنقتلهم لك ، كما سرت بنا إلى إخواننا من أهل البصرة فقتلناهم. كلا ، ها الله إذا لا نفعل ذلك (2). فقام الأشتر فقال : من لهذا إيها الناس (3)؟ وهرب الفزاري واشتد الناس على أثره ، فلحق بمكان من السوق تباع فيه البراذين ، فوطئوه بأرجلهم وضربوه بأيديهم ونعال سيوفهم (4) حتى قتل ، فأتى علي فقيل : يا أمير المؤمنين ، قتل الرجل. قال : ومن قتله؟ قالوا : قتلته همدان وفيهم شوبة من الناس (5). فقال : قتيل عمية لا يدري
    __________________
    (1) ح ( 1 : 279 ) : « أبي خشيش ».
    (2) ها التنبيه ، قد يقسم بها ، كما هنا. قال ابن منظور : « إن شئت حذفت الألف التي بعد الهاء ، وإن شئت أثبت ».
    (3) ح : « من هذا المأزق ».
    (4) نعل السيف : ما يكون في أسفل جفنه من حديدة أو فضة.
    (5) ح : « ومعهم شوب من الناس ».

    من قتله (1) ، ديته من بيت مال المسلمين. وقال علاقة التيمي (2) :
    أعوذ بربي أن تكون منيتي
    كما مات في سوق البراذين أربد

    تعاوره همدان خفق نعالهم
    إذا رفعت عنه يد وضعت يد

    قال : وقام الأشتر فحمد الله وأثنى عليه فقال : « يا أمير المؤمنين ، لا يهدنك ما رأيت ، ولا يؤيسنك من نصرنا ما سمعت من مقالة هذا الشقي الخائن. جميع من ترى من الناس شيعتك ، وليسوا يرغبون بأنفسهم عن نفسك ، ولا يحبون بقاء بعدك. فإن شئت فسر بنا إلى عدوك. والله ما ينجو من الموت من خافه ، ولا يعطى البقاء من أحبه ، وما يعيش بالآمال إلا شقى. وإنا لعلى بينة من ربنا أن نفسا لن تموت حتى يأتي أجلها ، فكيف لا نقاتل قوما هم كما وصف أمير المؤمنين ، وقد وثبت عصابة منهم على طائفة من المسلمين [ بالأمس ] فأسخطوا الله ، وأظلمت بأعمالهم الأرض ، وباعوا خلاقهم (3) بعرض من الدنيا يسير ».
    فقال علي 7 : « الطريق مشترك ، والناس في الحق سواء ، ومن اجتهد رأيه في نصيحة العامة فله ما نوى وقد قضى ما عليه ». ثم نزل فدخل منزله.
    نصر : عمر بن سعد قال : حدثني أبو زهير العبسي ، عن النضر بن صالح ، أن عبد الله بن المعتم العبسي ، وحنظلة بن الربيع التميمي ، لما أمر علي 7 الناس بالمسير إلى الشام ، دخلا في رجال كثير من غطفان وبني تميم على
    __________________
    (1) العمية ، بكسر العين وتشديد الميم المكسورة والياء المفتوحة المشددة ، ويقال أيضا « عميا » بوزنه مع القصر ، أي ميتة فتنة وجهالة.
    (2) بدلها في ح : « فقال بعض بني تيم اللات بن ثعلبة ».
    (3) الخلاق ، بالفتح : الحظ والنصيب من الخير.

    أمير المؤمنين ، فقال له التميمي : « يا أمير المؤمنين ، إنا قد مشينا إليك بنصيحة فاقبلها منا ، ورأينا لك رأيا فلا ترده علينا ، فإنا نظرنا لك ولمن معك. أقم وكاتب هذا الرجل ، ولا تعجل إلى قتال أهل الشام ، فإني والله ما أدري ولا تدري لمن تكون إذا التقيتم الغلبة ، وعلى من تكون الدبرة ».
    وقام ابن المعتم فتكلم ، وتكلم القوم الذين دخلوا معهما بمثل ما تكلم به ، فحمد على الله وأثنى عليه ، وقال :
    « أما بعد فإن الله وارث العباد والبلاد ، ورب السموات السبع والأرضين السبع ، وإليه ترجعون. يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء ، ويعز من يشاء ويذل من يشاء. أما الدبرة فإنها على [ الضالين ] العاصين ، ظفروا أو ظفر بهم. وايم الله إني لأسمع كلام قوم ما أراهم يريدون أن يعرفوا معروفا ، ولا ينكروا منكرا ».
    فقام إليه معقل بن قيس اليربوعي ثم الرياحي فقال :
    « يا أمير المؤمنين ، إن هؤلاء والله ما أتوك بنصح ، ولا دخلوا عليك إلا بغش ، فاحذرهم فإنهم أدنى العدو ».
    فقال له مالك بن حبيب : يا أمير المؤمنين ، إنه بلغني أن حنظلة هذا يكاتب معاوية ، فادفعه إلينا نحبسه حتى تنقضي غزاتك ثم تنصرف.
    وقام إلى علي عياش بن ربيعة ، وقائد بن بكير العبسيان ، فقالا : يا أمير المؤمنين ، إن صاحبنا عبد الله بن المعتم قد بلغنا أنه يكاتب معاوية ، فأحبسه أو أمكنا منه نحبسه حتى تنقضي غزاتك وتنصرف. فأخذا يقولان : هذا جزاء من نظر لكم (1) وأشار عليكم بالرأي فيما بينكم وبين عدوكم. فقال
    __________________
    (1) في الأصل : « من نصركم » صوابه من ح ( 1 : 280 ).

    لهما علي : « الله بيني وبينكم ، وإليه أكلكم ، وبه أستظهر عليكم. اذهبوا حيث شئتم ». ثم بعث علي إلى حنظلة بن الربيع ، المعروف بحنظلة الكاتب (1) ، وهو من الصحابة ، فقال : يا حنظلة ، أعلي أم لي؟ قال : لا عليك ولا لك. قال : فما تريد؟ قال : اشخص إلى الرها (2) ، فإنه فرج من الفروج ، اصمد له حتى ينقضى هذا الأمر. فغضب من ذلك خيار بني عمرو بن تميم ـ وهم رهطه ـ فقال : إنكم والله لا تغروني من ديني. دعوني فأنا أعلم منكم. فقالوا : والله لئن لم تخرج مع هذا الرجل لا ندع فلانة تخرج معك ـ لأم ولده ـ ولا ولدها. ولئن أردت ذلك لنقتلنك. فأعانه ناس من قومه فاخترطوا سيوفهم ، فقال : أجلوني [ حتى ] أنظر. فدخل منزله وأغلق بابه حتى إذا أمسى هرب إلى معاوية ، وخرج من بعده إليه من قومه رجال كثير ، ولحق ابن المعتم أيضا حتى أتى معاوية ، وخرج معه أحد عشر رجلا من قومه. وأما حنظلة فخرج بثلاثة وعشرين رجلا من قومه ، ولكنهما لم يقاتلا مع معاوية واعتزلا الفريقين جميعا ، فقال حنظلة حين خرج إلى معاوية :
    يسل غواة عند بابي سيوفها
    ونادى مناد في الهجيم لأقبلا

    سأترككم عودا لأصعب فرقة
    إذا قلتم كلا يقول لكم بلى

    قال : فلما هرب حنظلة أمر علي بداره فهدمت ، هدمها عريفهم بكر بن تميم ، وشبث بن ربعي ، فقال في ذلك :
    __________________
    (1) هو حنظلة بن الربيع ـ ويقال ابن ربيعة ـ بن صيفي ، ابن أخي أكثم بن صيفي حكيم العرب. وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم مرة كتابا فسمى بذلك « الكاتب ». وكانت الكتابة قليلة في العرب. وكان ممن تخف عن علي 7 يوم الجمل. وهو الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : « لليهود يوم وللنصارى يوم ، فلو كان لنا يوم » فنزلت سورة الجمعة. انظر الإسابة 1855 والمعارف 130.
    (2) الرها ، بضم أوله والمد والقصر : مدينة بالجزيرة بين الموصل والشام


    أيا راكبا إما عرضت فبلغن
    مغلغلة عني سراة بني عمرو

    فأوصيكم بالله والبر والتقي
    ولا تنظروا في النائبات إلى بكر

    ولا شبث ذي المنخرين كأنه
    أزب جمال في ملاحية صفر (1)

    وقال أيضا يحرض معاوية بن أبي سفيان :
    أبلغ معاوية بن حرب خطة
    ولكل سائلة تسيل قرار

    انقبلن دنية تعطونها
    في الأمر حتى تقتل الأنصار

    وكما تبوء دماؤهم بدمائكم
    وكما تهدم بالديار ديار (2)

    وترى نساؤهم يجلن حواسرا
    ولهن من علق الدماء خوار (3)

    نصر : عمر بن سعد ، عن سعد بن طريف ، عن أبي المجاهد ، عن المحل ابن خليفة قال : قام عدي بن حاتم الطائي [ بين يدي علي 7 ] فحمد الله بما هو أهله وأثنى عليه ثم قال : « يا أمير المؤمنين ، ما قلت إلا بعلم ، ولا دعوت إلا إلى حق ، ولا أمرت إلا برشد. فإن رأيت (4) أن تستأني هؤلاء القوم وتستديمهم حتى تأتيهم كتبك ، ويقدم عليهم ررسلك ـ فعلت.
    __________________
    (1) الأزب من الإبل : الكثير شعر الوجه والعثنون. والملاحي ، بضم الميم وتخفيف اللام ، هو من الأراك ما فيه بياض وشهبة وحمرة. وفي ح : « قد غار ليلة النفر » ، وفي هامش الأصل : « قد دعا ليلة النفر » إشارة إلى أنه كذلك في نسخة أخرى. صواب هذين : « قد رغا ».
    (2) في الأصل :
    وتجر قتلاهم بقتلى حروب
    وكما يقدم بالديار ديار

    وأثبت ما في ح ( 1 : 280 ). وكتب في حاشية الأصل : « وكما تبوء دماؤهم بدمائكم » إشارة إلى أن صدره كذلك في نسخة أخر.
    (3) أصل الخوار صوت البقر والغنم والظباء. وفي ح : « من ثكل الرجال خوار ».
    (4) ح : ( 1 : 280 ) : « ولكن إذا رأيت ».

    فإن يقبلوا يصيبوا ويرشدوا (1) ، والعافية أوسع لنا ولهم. وإن يتمادوا في الشقاق ولا ينزعوا عن الغي فسر إليهم. وقد قدمنا إليهم العذر (2) ودعوناهم إلى ما في أيدينا من الحق ، فوالله لهم من الله أبعد ، وعلى الله أهون ، من قوم قاتلناهم بناحية البصرة أمس ، لما أجهد لهم الحق (3) فتركوه ، ناوخناهم براكاء (4) القتال حتى بلغنا منهم ما نحب ، وبلغ الله منهم رضاه فيما يرى ».
    فقام زيد بن حصين الطائي ـ وكان من أصحاب البرانس (5) المجتهدين فقال : الحمد لله حتى يرضى ، ولا إله إلا الله ربنا ، ومحمد رسول الله نبينا. إما بعد فوالله لئن كنا في شك من قتال من خالفنا ، لا يصلح لنا النية في قتالهم حتى نستديمهم ونستأنيهم. ما الأعمال إلا في تباب ، ولا السعي إلا في ضلال. والله يقول : ( وأما بنعمة ربك فحدث ). إنا والله ما ارتبنا طرفة عين فيمن يبتغون دمه (6) ، فكيف بأتباعه القاسية قلوبهم ، القليل في الإسلام حظهم ، أعوان الظلم ومسددي أساس الجور والعدوان (7). ليسوا من المهاجرين ولا الأنصار ، ولا التابعين بإحسان.
    __________________
    (1) ح : « يصيبوا رشدهم ».
    (2) ح : « بالعذر ».
    (3) في اللسان : « أجهد لك الطريق وأجهد لك الحق : برز وظهر ووضح ». وفي الأصل « أجهدنا » والفعل لازم كما رأيت. كما رأيت. وفي ح : « لما دعوناهم إلى الحق ».
    (4) البراكاء ، بضم الراء وفتحها : الابتراك في الحرب ، وهو أن يجثو القوم على ركبهم. والمناوخة : مفاعله من النوخ ، وهو البروك. وفي الأصل : « ناوحناهم » بالمهملة ، صوابه في ح.
    (5) البرنس ، بالضم : قلنسوة طويلة ، أو كل ثوب رأسه منه.
    (6) ح : « فيمن يتبعونه ».
    (7) ح : « وأصحاب الجور والعدوان ».
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

            وقعة صفين Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة صفين           وقعة صفين Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 9:58 am

    فقام رجل من طيئ فقال : يا زيد بن حصين ، أكلام سيدنا عدي بن حاتم تهجن؟ قال : فقال زيد : ما أنتم بأعرف بحق عدي مني ، ولكني لا أدع القول بالحق وإن سخط الناس. قال : فقال عدي بن حاتم : الطريق مشترك ، والناس في الحق سواء. فمن اجتهد رأيه في نصيحة العامة فقد قضى الذي عليه (1).
    نصر : عمر بن سعد ، عن الحارث بن حصيرة (2) قال : دخل أبو زبيب (3) بن عوف على علي فقال : « يا أمير المؤمنين ، لئن كنا على الحق لأنت أهدانا سبيلا ، وأعظمنا في الخير نصيبا ، ولئن كنا في ضلالة إنك لأثقلنا ظهرا وأعظمنا وزرا : أمرتنا بالمسير إلى هذا العدو وقد قطعنا ما بيننا وبينهم من الولاية ، وأظهرنا لهم العداوة ، نريد بذلك ما يعلم الله [ من طاعتك ] ، وفي أنفسنا من ذلك ما فيها. أليس الذي نحن عليه الحق المبين ، والذي عليه عدونا الغي والحوب الكبير؟ ».
    فقال علي : « [ بلى ] ، شهدت أنك إن مضيت معنا ناصرا لدعوتنا ، صحيح النية في نصرتنا ، قد قطعت منهم الولاية ، وأظهرت لهم العداوة كما زعمت ، فإنك ولي الله تسيح (4) في رضوانه ، وتركض في طاعته : فأبشر أبا زبيب ».
    __________________
    (1) ما بعد : « سخط الناس » ساقط من ح ، فهو إما دخيل على النسخة ، أو تمثل من عدي بقول علي 7 ، الذي سبق في ص 95.
    (2) سبقت ترجمته في ص 3. وفي الأصل : « حضيرة » بالضاد المعجمة ، تحريف. وفي هامش الأصل « خ : حصين » إشارة إلى أنه « حصين » في نسخة أخرى. وهذه الأخيرة توافق ما ورد في ح ( 1 : 280 ). وليس بشيء.
    (3) ح : « أبو زينب » في جميع المواضع.
    (4) ح : « تسبح » من السباحة.

    فقال له عمار بن ياسر : اثبت أبا زبيب ولا تشك في الأحزاب عدو الله ورسوله (1).
    قال : فقال أبو زبيب : ما أحب أن لي شاهدين من هذه الأمة فيشهدا لي على ما سألت عنه من هذا الأمر الذي أهمني مكانكما. قال : وخرج عمار [ بن ياسر ] وهو يقول :
    سيروا إلى الأحزاب أعداء النبي
    سيروا فخير الناس اتباع علي

    هذا أوان طاب سل المشرفي
    وقودنا الخيل وهز السمهري

    عمر بن سعد عن أبي روق قال : دخل يزيد بن قيس الأرحبي على علي بن أبي طالب فقال : يا أمير المؤمنين ، نحن على جهاز وعدة (2) ، وأكثر الناس أهل قوة (3) ومن ليس بمضعف وليس به علة. فمر مناديك فليناد الناس يخرجوا إلى معسكرهم بالنخيلة ، فإن أخا الحرب ليس بالسؤوم ولا النؤوم ، ولا من إذا أمكنه الفرص أجلها واستشار فيها ، ولا من يؤخر الحرب في اليوم إلى غد وبعد غد.
    فقال زياد بن النضر : لقد نصح لك يا أمير المؤمنين يزيد بن قيس ، وقال ما يعرف ، فتوكل على الله وثق به ، واشخص بنا إلى هذا العدو راشدا معانا ، فإن يرد الله بهم خيرا لا يدعوك رغبة عنك إلى من ليس مثلك في السابقة
    __________________
    (1) عدو ، يقال للمفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحدا ، ويقال أيضا عدوة وعدوان وأعداء.
    (2) الجهاز : ما يحتاج إليه المسافر والغازي. ح : « أولو جهاز وعدة ».
    (3) أي أصحاب قوة. وفي الأصل : « القوة » وأثبت ما في ح ( 1 : 281 ).

    مع النبي 9 ، والقدم (1) في الإسلام ، والقرابة من محمد 9. وإلا ينيبوا ويقبلوا ويأبوا إلا حربنا نجد حربهم علينا هينا ، ورجونا أن يصرعهم الله مصارع إخوانهم بالأمس.
    ثم قام عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي فقال : « يا أمير المؤمنين ، إن القوم لو كانوا الله يريدون أو لله يعملون ، ما خالفونا. ولكن القوم إنما يقاتلون فرارا من الأسوة (2) ، وحبا للأثرة ، وضنا بسلطانهم ، وكرها لفراق دنياهم التي في أيديهم ، وعلي إحن في أنفسهم ، وعداوة يجدونها في صدورهم ، لوقائع أوقعتها يا أمير المؤمنين بهم قديمة ، قتلت فيها أباءهم وإخوانهم (3) ».
    ثم التفت إلى الناس فقال : فكيف يبايع معاوية عليا وقد قتل أخاه حنظلة ، وخاله الوليد ، وجده عتبة في موقف واحد. والله ما أظن أن يفعلوا (4) ، ولن يستقيموا لكم دون أن تقصد فيهم المران (5) ، وتقطع على هامهم السيوف ، وتنثر حواجبهم بعمد الحديد ، وتكون أمور جمة بين الفريقين.
    نصر : عمر بن سعد ، عن عبد الرحمن ، عن الحارث بن حصيرة (6) ،
    __________________
    (1) القدم ، بفتحتين : السبق والتقدم في الإسلام.
    (2) الأسوة ، ها هنا : التسوية بين المسلمين في قسمة المال. انظر ح ( 3 : 4 ).
    (3) ح : « وأعوانهم ».
    (4) ح : « ما أظنهم يفعلون ».
    (5) تقصد : تكسر. والمران : الرماح الصلبة اللينة. والمران أيضا : نبات الرماح. ح : « دون أن تقصف فيهم قنا؟؟ المران ».
    (6) ح : « حصين » وانظر ما سبق في ص 3.

    عن عبد الله بن شريك قال : خرج حجر بن عدي ، وعمرو بن الحمق ، يظهران البراءة واللعن من أهل الشام ، فأرسل إليهما علي : أن كفا عما يبلغني عنكما فأتياه فقالا : يا أمير المؤمنين ؛ ألسنا محقين؟ قال : بلى. [ قالا : أو ليسوا مبطلين؟ قال : بلى ]. قالا : فلم منعتنا من شتمهم؟ قال : « كرهت لكم أن تكونوا لعانين شتامين ، تشتمون وتتبرءون. ولكن لو وصفتم مساوي أعمالهم فقلتم : من سيرتهم كذا وكذا ، ومن عملهم كذا وكذا ، كان أصوب في القول ، وأبلغ في العذر. و [ لو (1) ] قلتم مكان لعنكم إياهم وبراءتكم منهم : اللهم احقن دماءنا ودماءهم ، وأصلح ذات بيننا وبينهم ، واهدهم من ضلالتهم ، حتى يعرف الحق منهم من جهله ، ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به ، كان هذا أحب إلى وخيرا لكم ». فقالا : يا أمير المؤمنين ، نقبل عظتك ، ونتأدب بأدبك. وقال عمرو بن الحمق : إني والله يا أمير المؤمنين ما أجبتك ولا بايعتك على قرابة بيني وبينك ، ولا إرادة مال تؤتينيه ، ولا التماس سلطان يرفع ذكرى به ، ولكن أجبتك لخصال خمس : أنك ابن عم رسول الله 9 ، وأول من آمن به ، وزوج سيدة نساء الأمة فاطمة بنت محمد 9 ، وأبو الذرية التى بقيت فينا من رسول الله 9 ، وأعظم رجل من المهاجرين سهما في الجهاد. فلو أني كلفت نقل الجبال الرواسي ، ونزح (2) البحور الطوامي حتى يأتي على يومي في أمر أقوى به وليك وأوهن به عدوك ، ما رأيت أنى قد أديت فيه كل الذي يحق على من حقك.
    فقال أمير المؤمنين علي : اللهم نور قلبه بالتقى ، واهده إلى صراط
    __________________
    (1) ليست في الأصل ولا في ح ، وبها يلتئم الكلام.
    (2) في الأصل : « وأنزح » صوابه في ح ( 1 : 281 ).

    مستقيم (1) ، ليت أن في جندي مائة مثلك ، فقال حجر : إذا والله يا أمير المؤمنين صح جندك ، وقل فيهم من يغشك.
    ثم قال حجر فقال : يا أمير المؤمنين ، نحن بنو الحرب وأهلها ، الذين نلقحها وننتجها ، قد ضارستنا وضارسناها (2) ، ولنا أعوان ذو وصلاح ، وعشيرة ذات عدد ، ورأي مجرب وبأس محمود ، وأزمتنا منقادة لك بالسمع والطاعة ؛ فإن شرقت شرقنا ، وإن غربت غربنا ، وما أمرتنا به من أمر فعلناه. فقال علي : « أكل قومك يرى مثل رأيك؟ » قال : « ما رأيت منهم إلا حسنا ، وهذه يدى عنهم بالسمع والطاعة ، وبحسن الإجابة ». فقال له علي خيرا.
    قال نصر : وفي حديث عمر بن سعد قال : وكتب علي إلى عماله ، فكتب إلى مخنف بن سليم :
    سلام عليك ، فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو. أما بعد فإن جهاد من صدف عن الحق رغبة عنه ، وهب في نعاس العمي والضلال اختيارا له ـ فريضة على العارفين. إن الله يرضى عمن أرضاه ، ويسخط على من عصاه. وإنا قد هممنا بالمسير إلى هؤلاء القوم الذين عملوا في عباد الله بغير ما أنزل الله ، واستأثروا بالفئ ، وعطلوا الحدود ، وأماتوا الحق ، وأظهروا في الأرض الفساد ، واتخذوا الفاسقين وليجة من دون المؤمنين ، فإذا ولي لله أعظم أحداثهم أبغضوه وأقصوه وحرموه ، وإذا ظالم ساعدهم على ظلمهم أحبوه وأدنوه وبروه فقد أصروا على الظلم ، وأجمعوا على الخلاف. وقديما ما صدوا عن الحق ، وتعاونوا على الإثم وكانوا ظالمين. فإذا أتيت بكتابي هذا فاستخلف علي عملك
    __________________
    (1) ح : « صراطك المستقيم ».
    (2) في اللسان ( 8 : 424 ) : « وضارست الأمور : جربتها وعرفتها ».

    أوثق أصحابك في نفسك ، وأقبل إلينا لعلك تلقى هذا العدو المحل فتأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر ، وتجامع الحق وتباين الباطل ؛ فإنه لا غناء بنا ولا بك عن أجر الجهاد. وحسبنا الله ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وكتب عبد الله بن أبي رافع سنة سبع وثلاثين.
    فاستعمل مخنف على أصبهان الحارث بن أبي الحارث بن الربيع ، واستعمل على همدان سعيد بن وهب ـ وكلاهما من قومه ـ وأقبل حتى شهد مع علي صفين.
    وكان علي قد استخلف ابن عباس على البصرة ، فكتب عبد الله بن عباس إلى علي يذكر له اختلاف أهل البصرة ، فكتب إليه علي :
    من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن عباس. أما بعد فالحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد عبده ورسوله. أما بعد (1) فقد قدم على رسولك وذكرت ما رأيت وبلغك عن أهل البصرة بعد انصرافي (2) وسأخبرك عن القوم : هم بين مقيم لرغبة يرجوها ، أو عقوبة يخشاها (3). فأرغب راغبهم بالعدل عليه ، والإنصاف له والإحسان إليه ؛ وحل عقدة الخوف عن قلوبهم ، فإنه ليس لأمراء أهل البصرة في قلوبهم عظم (4) إلا قليل منهم. وانته إلى أمرى ولا تعده ، وأحسن إلى هذا الحي من ربيعة ، وكل من قبلك فأحسن إليهم ما استطعت إن شاء الله. والسلام. وكتب عبد الله بن أبي رافع في ذي القعدة سنة سبع وثلاثين.
    __________________
    (1) كذا جاءت « أما بعد » مكررة .. وأول الرسالة في ح : « أما بعد فقد قدم على رسولك » بإهمال ما قبلها من الكلام.
    (2) ح : « وقرأت كتابك تذكر فيه حال أهل البصرة واختلافهم بعد انصرافي عنهم ».
    (3) ح : « أو خائف من عقوبة يخشاها ».
    (4) كذا في الأصل وح. ولعلها : « عصم » جمع عصام ، وهو الحبل يشد به.

    وكتب : من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى الأسود بن قطنة. أما بعد فإنه من لم ينتفع بما وعظ لم يحذر ما هو غابر (1) ومن أعجبته الدنيا رضي بها ، وليست بثقة. فاعتبر بما مضى تحذر ما بقى ، واطبخ للمسلمين قبلك من الطلاء ما يذهب ثلثاه (2) ، وأكثر لنا من لطف الجند ، واجعله مكان ما عليهم من أرزاق الجند ، فإن للولدان علينا حقا ، وفي الذرية من يخاف دعاؤه ، وهو لهم صالح. والسلام.
    وكتب :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن عامر. أما بعد فإن خير الناس عند الله عز وجل أقومهم لله بالطاعة فيما له وعليه ، وأقولهم بالحق ولو كان مرا ، فإن الحق به قامت السماوات والأرض. ولتكن سريرتك كعلانيتك ، وليكن حكمك واحدا ، وطريقتك مستقيمة ، فإن البصرة مهبط الشيطان. فلا تفتحن على يد أحد منهم بابا لا نطيق سده نحن ولا أنت. والسلام.
    وكتب :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن عباس. أما بعد فانظر ما اجتمع عندك من غلات المسلمين وفيئهم ، فاقسمه من قبلك حتى تغنيهم ، وابعث إلينا بما فضل نقسمه فيمن قبلنا. والسلام.
    __________________
    (1) في اللسان : الغابر : الباقي. قال : وقد يقال للماضي غابر.
    (2) الطلاء ، بالكسر : ما طبخ من عصير العنب.

    وكتب :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن عباس. أما بعد فإن الإنسان قد يسره ما لم يكن ليفوته ، ويسوءه فوت ما لم يكن ليدركه وإن جهد. فليكن سرورك فيما قدمت من حكم أو منطق أو سيرة ، وليكن أسفك على ما فرطت لله فيه من ذلك. ودع ما فاتك من الدنيا فلا تكثر به حزنا ، وما أصابك فيها فلا تبغ به سرورا. وليكن همك فيما بعد الموت. والسلام (1).
    وكتب إلى أمراء الجنود :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من عبد الله علي أمير المؤمنين. أما بعد فإن حق الوالي ألا يغيره على رعيته أمر ناله ولا أمر خص به ، وأن يزيده ما قسم الله له دنوا من عباده وعطفا عليهم. ألا وإن لكم عندي ألا أحتجز دونكم سرا إلا في حرب ، ولا أطوي عنكم أمرا إلا في حكم ، ولا أؤخر حقا لكم عن محله ، ولا أرزأكم شيئا ، وأن تكونوا عندي في الحق سواء. فإذا فعلت ذلك وجبت عليكم النصيحة والطاعة. فلا تنكصوا عن دعوتي ، ولا تفرطوا في صلاح دينكم من دنياكم ، وأن تنفذوا لما هو لله طاعة ، ولمعيشتكم صلاح ، وأن تخوضوا الغمرات إلى الحق ولا يأخذكم في الله لومة لائم. فإن أبيتم أن تستقيموا لي على ذلك لم يكن أحد أهون علي ممن فعل ذلك منكم ، ثم أعاقبه عقوبة لا يجد عندي فيها هوادة. فخذوا هذا من أمرائكم ، وأعطوهم من أنفسكم ، يصلح الله أمركم. والسلام.
    __________________
    (1) انظر مجالس ثعلب 186.

    وكتب إلى أمراء الخراج :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى أمراء الخراج (1). أما بعد فإنه من لم يحذر ما هو صائر إليه لم يقدم لنفسه ولم يحرزها. ومن اتبع هواه وانقاد له على ما يعرف نفع عاقبته عما قليل ليصبحن من النادمين. ألا وأن أسعد الناس في الدنيا من عدل عما يعرف ضره ، وإن أشقاهم من اتبع هواه. فاعتبروا واعلموا أن لكم ما قدمتم من خير ، وما سوى ذلك وددتم لو أن بينكم وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف ورحيم بالعباد. وإن عليكم ما فرطتم فيه ، وإن الذي طلبتم ليسير ، وإن ثوابه لكبير. ولو لم يكن فيما نهى عنه من الظلم والعدوان عقاب يخاف ، كان في ثوابه مالا عذر لأحد بترك طلبته (2) فارحموا ترحموا ، ولا تعذبوا خلق الله ولا تكلفوهم فوق طاقتهم ، وأنصفوا الناس من أنفسكم ، واصبروا لحوائجهم فإنكم خزان الرعية. لا تتخذن حجابا ، ولا تحجبن أحدا عن حاجته حتى ينهيها إليكم. ولا تأخذوا أحدا بأحد إلا كفيلا عمن كفل عنه ، واصبروا أنفسكم على ما فيه الاغتباط ، وإياكم وتأخير العمل ودفع الخير ، فإن في ذلك الندم. والسلام.
    وكتب إلى معاوية :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان. سلام على من اتبع الهدى ، فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو. أما بعد فإنك قد رأيت من الدنيا وتصرفها بأهلها وإلى ما مضى منها ، وخير ما بقى من الدنيا ما أصاب
    __________________
    (1) في نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد ( 4 : 115 ) : « أصحاب الخراج ».
    (2) الطلبة ، بالكسر : الطلب.

    العباد الصادقون فيما مضى. ومن نسي الدنيا نسيان الآخرة يجد بينهما بونا بعيدا. واعلم يا معاوية أنك قد ادعيت أمرا لست من أهله لا في القدم ولا في الولاية (1) ، ولست تقول فيه بأمر بين تعرف لك به أثرة ولا لك عليه شاهد من كتاب الله ، ولا عهد تدعيه من رسول الله ، فكيف أنت صانع إذا انقشعت عنك جلابيب ما أنت فيه من دنيا أبهجت بزينتها (2) وركنت إلى لذتها ، وخلى فيها بينك وبين عدو جاهد ملح ، مع ما عرض في نفسك من دنيا قد دعتك فأجبتها ، وقادتك فاتبعتها ، وأمرتك فأطعتها. فاقعس عن هذا الأمر (3) ، وخذ أهبة الحساب ، فإنه يوشك أن يقفك واقف على ما لا يجنك منه مجن (4). ومتى كنتم يا معاوية ساسة للرعية ، أو ولاة لأمر هذه الأمة بغير قدم حسن ، ولا شرف سابق على قومكم. فشمر لما قد نزل بك ، ولا تمكن الشيطان من بغيته فيك ، مع أني أعرف أن الله ورسوله صادقان. فنعوذ بالله من لزوم سابق الشقاء. وإلا تفعل أعلمك ما أغفلك من نفسك (5) ، فإنك مترف قد أخذ منك الشيطان مأخذه ، فجرى منك مجرى الدم في العروق ، واعلم أن هذا الأمر لو كان إلى الناس أو بأيديهم لحسدونا وامتنوا به علينا ، ولكنه
    __________________
    (1) انظر ما سبق في التنبيه الأول ص 102.
    (2) في اللسان : « أبهجت الأرض : بهج نباتها ». وفي الأصل : « انتهت » تحريف. وفي ح ( 3 : 410 ) : « تبهجت » قال ابن أبي الحديد : « وتبهجت بزينتها : صارت. ذات بهجة ». ولم أجد هذه الصيغة في المعاجم.
    (3) القعس : التأخر والرجوع إلى الخلف ، كما في اللسان. وفي الأصل : « فايس من هذا الأمر » صوابه في ح ( 3 : 409 ).
    (4) رواه ح : « ما لا ينجيك منه منج » ، وقال : « ويروى : ولا ينجيك مجن. وهو الترس : والرواية الأولى أصح ».
    (5) ح : « ما أغفلت ».

    قضاء ممن امتن به علينا على لسان نبيه الصادق المصدق. لا أفلح من شك بعد العرفان والبينة. اللهم احكم بيننا وبين عدونا بالحق وأنت خير الحاكمين.
    فكتب معاوية :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب. أما بعد فدع الحسد فإنك طالما لم تنتفع به ، ولا تفسد سابقة قدمك بشره نخوتك ، فإن الأعمال بخواتيمها ، ولا تمحق سابقتك في حق من لا حق لك في حقه (1) ، فإنك إن تفعل لا تضر بذلك إلا نفسك ، ولا تمحق إلا عملك ، ولا تبطل إلا حجتك. ولعمري ما مضى لك من السابقات لشبيه أن يكون ممحوقا ؛ لما اجترأت عليه من سفك الدماء ، وخلاف أهل الحق. فاقرأ سورة الفلق ، وتعوذ بالله من شر نفسك ، فإنك الحاسد إذا حسد.
    وكتب إلى عمرو بن العاص :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص. أما بعد فإن الدنيا مشغلة عن غيرها ، وصاحبها مقهور فيها (2) ، لم يصب منها شيئا قط إلا فتحت له حرصا ، وأدخلت عليه مؤونة تزيده رغبة فيها ، ولن يستغني صاحبها بما نال عما لم يبلغه ، ومن وراء ذلك فراق ما جمع ، والسعيد من وعظ بغيره. فلا تحبط أجرك أبا عبد الله ، ولا تجارين معاوية في باطله (3) فإن معاوية غمص الناس
    __________________
    (1) حق الرجل وأحقه : إذا غلبه على الحق.
    (2) ح ( 4 : 114 ) : « وصاحبها منهوم عليها ».
    (3) ح : « ولا تشرك معاوية في باطله ».

    وسفه الحق (1). [ والسلام (2) ].
    وكتب إليه عمرو بن العاص :
    من عمرو بن العاص إلى علي بن أبي طالب. أما بعد فإن الذي فيه صلاحنا وألفة ذات بيننا أن تنيب إلى الحق (3) ، وأن تجيب إلى ما تدعون إليه من شورى (4). فصبر الرجل منا نفسه على الحق ، وعذره الناس بالمحاجزة. والسلام.
    فجاء الكتاب إلى علي قبل أن يرتحل من النخيلة.
    نصر : عمر بن سعد ، عن أبي روق قال : قال زياد بن النضر الحارثي لعبد الله بن بديل بن ورقاء : إن يومنا ويومهم ليوم عصيب ، ما يصبر عليه إلا كل مشيع القلب (5) ، صادق النية ، رابط الجأش. وايم الله ما أظن ذلك اليوم يبقى منا ومنهم إلا الرذال (6). قال عبد الله بن بديل : والله أظن ذلك. فقال علي : ليكن هذا الكلام مخزونا في صدوركما ، لا تظهراه ولا يسمعه منكما سامع. إن الله كتب القتل على قوم والموت على آخرين ، وكل آتيه منيته كما كتب الله له. فطوبى للمجاهدين في سبيل الله ، والمقتولين في طاعته.
    __________________
    (1) غمص الناس : احتقرهم ولم يرهم شيئا. وسفه الحق ، مختلف في تأويله ، قيل معناه سفه الحق تسفيها. وقال الزجاج : سفه في معنى جهل. وهو اقتباس من حديث لرسول الله رواه ابن منظور في اللسان « غمص ».
    (2) زاد ان أبي الحديد بعد هذه الكلمة : « قال نصر : وهذا أول كتاب كتبه علي 7 إلى عمرو بن العاص ».
    (3) أناب : رجع.
    (4) ح : « إلى ما ندعوكم إليه من الشورى ».
    (5) المشيع القلب : الشجاع.
    (6) الرذل ، والرذال ، والرذيل ، والأرذل : الدون الخسيس.

    فلما سمع هاشم بن عتبة (1) مقالتهم [ قام (2) ] فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : سربنا يا أمير المؤمنين إلى هؤلاء القوم القاسية قلوبهم ، الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ، وعملوا في عباد الله بغير رضا الله ، فأحلوا حرامه وحرموا حلاله ، واستولاهم الشيطان (3) ووعدهم الأباطيل ومناهم الأماني ، حتى أزاغهم عن الهدى وقصد بهم قصد الردى ، وحبب إليهم الدنيا ، فهم يقاتلون على دنياهم رغبة فيها كرغبتنا في الآخرة إنجاز موعود ربنا. وأنت يا أمير المؤمنين أقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه رحما ، وأفضل الناس سبقة وقدما. وهم يا أمير المؤمنين منك مثل الذي علمنا. ولكن كتب عليهم الشقاء ، ومالت بهم الأهواء وكانوا ظالمين. فأيدينا مبسوطة لك بالسمع والطاعة ، وقلوبنا منشرحة لك ببذل النصيحة ، وأنفسنا تنصرك (4) جذلة على من خالفك وتولى الأمر دونك. والله ما أحب أن لي ما في الأرض مما أقلت ، وما تحت السماء مما أظلت ، وأني واليت عدوا لك ، أو عاديت وليا لك.
    فقال علي : اللهم ارزقه الشهادة في سبيلك ، والمرافقة لنبيك 6.
    ثم إن عليا صعد المنبر فخطب الناس ودعاهم إلى الجهاد ، فبدأ بالحمد لله والثناء عليه ثم قال :
    إن الله قد أكرمكم بدينه ، وخلقكم لعبادته ؛ فانصبوا أنفسكم في أداء
    __________________
    (1) هو هاشم بن عتبة بن أبي وقاص. وكان معه لواء علي رضي الله عنه يوم صفين ، وقتل في آخر أيامها. انظر الإصابة 8913 والاشتقاق 96.
    (2) ليست في الأصل. وفي ح : « ... ما قالاه أتى عليا 7 فقال : سر بنا ».
    (3) كذا في الأصل. وفي ح ( 1 : 282 ) : « واستهوى بهم الشيطان » وظني بها « استهواهم ».
    (4) في الأصل : « بنورك » ، صوابها في ح.

    حقه ، وتنجزوا موعوده ، واعلموا أن الله جعل أمراس الإسلام متينة ، وعراه وثيقة ، ثم جعل الطاعة حظ الأنفس برضا الرب ، وغنيمة الأكياس عند تفريط الفجرة. وقد حملت أمر أسودها وأحمرها (1) ، ولا قوة إلا بالله. ونحن سائرون إن شاء الله إلى من سفه نفسه ، وتناول ما ليس له وما لا يدركه : معاوية وجنده ، الفئة الباغية الطاغية ، يقودهم إبليس ، ويبرق لهم ببارق تسويفه ، ويدليهم بغروره (2). وأنتم أعلم الناس بحلاله وحرامه ، فاستغنوا بما علمتم ، واحذروا ما حذركم الله من الشيطان ، وارغبوا فيما أنالكم من الأجر والكرامة ، واعلموا أن المسلوب من سلب دينه وأمانته ، والمغرور من آثر الضلالة على الهدى. فلا أعرف أحدا منكم تقاعس عني وقال : في غيري كفاية ، فإن الذود إلى الذود إبل ، ومن لا يذد عن حوضه يتهدم. ثم إني آمركم بالشدة في الأمر ، والجهاد في سبيل الله ، وألا تغتابوا مسلما. وانتظروا النصر العاجل من الله إن شاء الله.
    ثم قام الحسن بن علي خطيبا فقال :
    الحمد لله لا إله غيره ، وحده لا شريك له ، وأثنى عليه بما هو أهله.
    ثم قال :
    إن مما عظم الله عليكم من حقه ، وأسبغ عليكم من نعمه ما لا يحصى ذكره ، ولا يؤدي شكره ، ولا يبلغه (3) صفة ولا قول. ونحن إنما غضبنا
    __________________
    (1) يعني العرب والعجم ، ولغالب على ألوان العرب السمرة والأدمة ، وعلى ألوان العجم البياض والحمرة. في الأصل : « أمركم أسودها وأحمرها » ، صوابه في ح.
    (2) أي يوقعهم فيما أراد من تغريره. وفي الكتاب : ( فدلاهما بغرور ).
    (3) في الأصل : « تبلغها » ، والوجه ما أثبت من ح.

    لله ولكم ؛ فإنه من علينا بما هو أهله أن نشكر فيه آلاءه وبلاءه ونعماءه قولا (1) يصعد إلى الله فيه الرضا ، وتنتشر فيه عارفة الصدق ، يصدق الله فيه قولنا ، ونستوجب فيه المزيد من ربنا ، قولا يزيد ولا يبيد ؛ فإنه لم يجتمع قوم قط على أمر واحد إلا اشتد أمرهم ، واستحكمت عقدتهم. فاحتشدوا في قتال عدوكم : معاوية وجنوده ؛ فإنه قد حضر. ولا تخاذلوا ؛ فإن الخذلان يقطع نياط القلوب ؛ وإن الإقدام على الأسنة نجدة وعصمة ؛ لأنه لم يمتنع (2) قوم قط إلا رفع الله عنهم العلة ، وكفاهم جوائح الذلة (3) ، وهداهم إلى معالم الملة.
    والصلح تأخذ منه ما رضيت [ به ]
    والحرب يكفيك من أنفاسها جرع (4)

    ثم قام الحسين بن علي خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : يا أهل الكوفة أنتم الأحبة الكرماء ، [ و ] الشعار دون الدثار ؛ جدوا في إحياء ما دثر بينكم ، وإسهال ما توعر عليكم ، وألفة ما ذاع منكم (5).
    __________________
    (1) في الأصل : « قوك ». والكلام بعد : « إنما غضبنا لله ولكم » إلى : « ولا يبيد » لم يرد في ح.
    (2) الامتناع : العزة والقوة. وفي القاموس : « والممتنع الأسد القوي العزيز في نفسه ». ح : « يتمنع ». وفي اللسان : « منع الشيء مناعة : اعتز وتعسر. وقد تمنع ».
    (3) الجوائح : الدواهي والشدائد ، واحدتها جائحة. وفي الأصل : « حوائج » ، والوجه ما أثبت من ح.
    (4) البيت للعباس بن مرداس السلمي ، كما في الخزانة ( 2 : 82 ) والرواية. المعروفة : « السلم تأخذ منها ». ويستشهد بهذه الرواية اللغويون على أن « السلم » تؤنث. قال التبريزي : « الجرع : جمع جرعة ، وهي ملء الفم. يخبره أن السلم هو فيها وادع ينال من مطالبه ما يريد فإذا جاءت الحرب قطعته عن لذاته وشغلته بنفسه ». وهو تحريض على الصلح. وأنفاس الحرب ، أراد بها أوائلها.
    (5) ليست في ح. وذاع : انتشر وتفرق. وفي الأصل : « أذاع ».

    ألا إن الحرب شرها ذريع ، وطعمها فظيع ، وهي جرع متحساة ، فمن أخذ لها أهبتها ، واستعد لها عدتها ، ولم يألم كلومها عند حلولها ، فذاك صاحبها. ومن عاجلها قبل أوان فرصتها واستبصار سعيه فيها ، فذاك قمن ألا ينفع قومه : و [ أن ] يهلك نفسه. نسأل الله بعونه أن يدعمكم بألفته (1).
    ثم نزل. فأجاب عليا إلى السير (2) والجهاد جل الناس ، إلا أن أصحاب عبد الله بن مسعود أتوه ، وفيهم عبيدة السلماني (3) وأصحابه ، فقالوا له : إنا نخرج معكم ، ولا ننزل عسكركم ، ونعسكر على حدة حتى ننظر في أمركم وأمر أهل الشام ، فمن رأيناه أراد ما لا يحل له ، أو بدا منه بغي ، كنا عليه. فقال علي : مرحبا وأهلا ، هذا هو الفقه في الدين ، والعلم بالسنة ، من لم يرض بهذا فهو جائر خائن. وأتاه آخرون من أصحاب عبد الله بن مسعود ، فيهم ربيع بن خشيم (4) وهم يومئذ أربعمائة رجل ، فقالوا : يا أمير المؤمنين إنا شككنا في هذا القتال على معرفتنا بفضلك ، ولا غناء بنا ولا بك ولا المسلمين عمن يقاتل العدو ، فولنا بعض الثغور نكون به (5) تم نقاتل عن أهله. فوجهه علي (6) على ثغر الرى ، فكان أول لواء عقده بالكوفة لواء ربيع بن خثيم.
    __________________
    (1) ح : « بالفيئة ».
    (2) في الأصل : « فأجابه إلى السير » ، والوجه ما أثبت من ح.
    (3) عبيدة ، بفتح أوله. وهو عبيدة بن عمرو ويقال ابن قيس بن عمرو السلماني ، بفتح السين المهملة وسكون اللام ، نسبة إلى سلمان بن يشكر بن ناجية بن مراد. أسلم قبل وفاة النبي بسنتين ولم يلقه. روى عن ابن مسعود وعلي ، وروى عنه محمد بن سيرين ، وأبو إسحاق السبيعي ، وإبراهيم النخعي وغيرهم. وقال ابن نمير : كان شريح إذا أشكل عليه شئ كتب إلى عبيدة. توفى سنة 72 وقيل ثلاث ، وقيل أربع. الإصابة 6401 والمعارف 188 وتقريب التهذيب ، ومختلف القبائل ومؤتلفها لمحمد بن حبيب ص 30.
    (4) خثيم ، بهيئة التصغير. انظر الاشتقاق 112 وشرح الحيوان ( 4 : 292 ).
    (5) ح ( 1 : 283 ) : « نكمن به ».
    (6) ح : « فوجه علي 7 بالربيع بن خثيم ».

    نصر : عمر بن سعد ، عن ليث بن سليم قال : دعا علي باهلة فقال : يا معشر باهلة ، أشهد الله أنكم تبغضوني وأبغضكم ، فخذوا عطاءكم واخرجوا إلى الديلم. وكانوا قد كرهوا أن يخرجوا معه إلى صفين.
    نصر ، عن عمر بن سعد ، عن يوسف بن يزد عن عبد الله بن عوف ابن الأحمر ، أن عليا لم يبرح النخيلة حتى قدم عليه ابن عباس بأهل البصرة ، وكان كتب علي إلى ابن عباس وإلى أهل البصرة :
    « أما بعد فأشخص إلي من قبلك من المسلمين والمؤمنين ، وذكرهم بلائي عندهم ، وعفوي عنهم ، واستبقائي لهم ، ورغبهم في الجهاد ، وأعلمهم الذي لهم في ذلك من الفضل ».
    فقام فيهم ابن عباس فقرأ عليهم كتاب علي ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، استعدوا للمسير إلى إمامكم ، وانفروا في سبيل الله خفافا وثقالا ، وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم ؛ فإنكم تقاتلون المحلين القاسطين ، الذين لا يقرءون القرآن ولا يعرفون حكم الكتاب ، ولا يدينون دين الحق ، مع أمير المؤمنين وابن عم رسول الله 6 ، الآمر بالمعروف ، والناهي عن المنكر والصادع بالحق ، والقيم بالهدى ، والحاكم بحكم الكتاب ؛ الذي لا يرتشي في الحكم ، ولا يداهن الفجار ، ولا تأخذه في الله لومة لائم.
    فقام الأحنف بن قيس فقال : نعم ، والله لنجيبنك ، ولنخرجن معك على العسر واليسر ، والرضا والكره ، نحتسب في ذلك الخير ، ونأمل من الله العظيم من الأجر (1).
    __________________
    (1) ح : « نحتسب في ذلك الأجر ، ونأمل به من الله العظيم حسن الثواب ».

    وقام إليه خالد بن المعمر السدوسي (1) فقال : سمعنا وأطعنا ، فمتى استنفرتنا نفرنا ، ومتى دعوتنا أجبنا.
    وقام إليه عمرو بن مرجوم العبدي (2) ، فقال : وفق الله أمير المؤمنين ، وجمع له أمر المسلمين ، ولعن المحلين القاسطين ، الذين لا يقرءون القرآن ، نحن والله عليهم حنقون ، ولهم في الله مفارقون. فمتى أردتنا صحبك خيلنا ورجلنا.
    وأجاب الناس إلى المسير ، ونشطوا وخفوا ، فاستعمل ابن عباس على البصرة أبا الأسود الدئلي ، وخرج حتى قدم على على ومعه رءوس الأخماس : خالد بن المعمر السدوسي على بكر بن وائل ، وعمرو بن مرجوم العبدي على عبد القيس ، وصبرة بن شيمان الأزدي (3) على الأزد ، والأحنف بن قيس على تميم وضبة والرباب ، وشريك بن الأعور الحارثي على أهل العالية. فقدموا على علي 7 بالنخيلة. وأمر الأسباع من أهل الكوفة : سعد بن مسعود الثقفي على قيس وعبد القيس ، ومعقل بن قيس اليربوعي على تميم وضبة والرباب وقريش وكنانة وأسد ، ومخنف بن سليم على الأزد وبجيلة وخثعم والأنصار وخزاعة ، وحجر بن عدي الكندي على كندة وحضر موت وقضاعة ومهرة ، وزياد بن النضر على مذحج والأشعريين ، وسعيد بن قيس بن مرة الهمداني على همدان ومن معهم من حمير ، وعدي بن حاتم على طيئ ، ويجمعهم
    __________________
    (1) ترجم له في الإصابة 2317 فيمن له إدراك.
    (2) مرجوم ، بالجيم ، كان من أشراف عبد القيس ورؤسائها في الجاهلية ، وقد مدحه المسيب بن عباس. وكان ابنه عمرو سيدا شريفا في الإسلام. ذكره ابن حجر في الصحابة. انظر الإصابة 5954.
    (3) في الأصل : « سيمان » صوابه بالشين كما في الاشتقاق 299.

    الدعوة مع مذحج وتختلف الرايتان : راية مذحج مع زياد بن النضر ، وراية طيئ مع عدي بن حاتم.
    وكتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية.
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من محمد بن أبي بكر إلى الغاوي بن صخر. سلام على أهل طاعة الله ممن. هو مسلم لأهل ولاية الله. أما بعد فإن الله بجلاله وعظمته وسلطانه وقدرته خلق خلقا بلا عنت (1) ولا ضعف في قوته ، ولا حاجة به إلى خلقهم ، ولكنه خلقهم عبيدا ، وجعل منهم شقيا وسعيدا ، وغويا ورشيدا ، ثم اختارهم على علمه ، فاصطفى وانتخب منهم محمدا 6 ، فاختصه برسالته ، واختاره لوحيه ، وائتمنه على أمره ، وبعثه رسولا مصدقا لما بين يديه من الكتب ، وذليلا على الشرائع ، فدعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، فكان أول من أجاب وأناب ، وصدق ووافق ، وأسلم وسلم ـ أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب 7 ، فصدقه بالغيب المكتوم ، وآثره على كل حميم ، فوقاه كل هول ، وواساه بنفسه في كل خوف ، فحارب حربه ، وسالم سلمه (2) فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات ، الأزل (3) ومقامات الروع ، حتى برز سابقا لا نظير له في جهاده ، ولا مقارب له في فعله. وقد رأيتك تساميه وأنت أنت. وهو هو المبرز السابق في كل خير ، أول الناس إسلاما ، وأصدق الناس نية ، وأطيب الناس ذرية ، وأفضل الناس زوجة ، وخير الناس ابن عم. وأنت اللعين ابن
    __________________
    (1) العنت : المشقة.
    (2) الحرب : العدو المحارب. والسلم : المسلم.
    (3) الأزل : الضيق والشدة.

    اللعين. ثم لم تزل أنت وأبوك تبغيان الغوائل لدين الله ، وتجهدان على إطفاء نور الله ، وتجمعان على ذلك الجموع ، وتبذلان فيه المال ، وتخالفان فيه القبائل. على ذلك مات أبوك ، وعلى ذلك خلفته ، والشاهد عليك بذلك من يأوي ويلجأ إليك من بقية الأحزاب ، ورؤوس النفاق والشقاق لرسول الله 6. والشاهد لعلي مع فضله المبين وسبقه القديم ، أنصاره الذين ذكروا بفضلهم في القرآن فأثنى الله عليهم ، من المهاجرين والأنصار ، فهم معه عصائب وكتائب حوله ، يجالدون بأسيافهم ، ويهريقون دماءهم دونه ، يرون الفضل في اتباعه ، والشقاء في خلافه ، فكيف ـ يا لك الويل ـ تعدل نفسك بعلي ، وهو وارث رسول الله 6 ، ووصيه وأبو ولده وأول الناس له اتباعا ، وآخرهم به عهدا ، يخبره بسره ويشركه في أمره ؛ وأنت عدوه وابن عدوه؟! فتمتع ما استطعت بباطلك ، وليمدد لك ابن العاص في غوايتك ، فكأن أجلك قد انقضى ، وكيدك قد وهي. وسوف يستبين لمن تكون العاقبة العليا. واعلم أنك [ إنما ] تكايد ربك الذي قد أمنت كيده ، وأيست من روحه. وهو لك بالمرصاد ، وأنت منه في غرور ، وبالله وأهل رسوله عنك الغناء ، والسلام على من اتبع الهدى.
    فكتب إليه معاوية :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من معاوية بن أبي سفيان إلى الزاري على أبيه محمد بن أبي بكر. سلام على أهل طاعة الله. أما بعد فقد أتاني كتابك ، تذكر فيه ما الله أهله في قدرته وسلطانه ، وما أصفى به نبيه (1) ، مع كلام ألفته ووضعته ، لرأيك فيه تضعيف ،
    __________________
    (1) أصفاه بالشيء : آثره به. وفي الكتاب : ( أفأصفاكم ربكم بالبنين ) وفي الأصل : « وما اصطفاه به نبيه » ، صوابه في ح ( 1 : 284 ).

    ولأبيك فيه تعنيف. ذكرت حق ابن أبي طالب ، وقديم سوابقه وقرابته من نبي الله صلى الله عليه ، ونصرته له ومواساته إياه في كل خوف وهول ، واحتجاجك علي بفضل غيرك لا بفضلك. فاحمد إلها صرف الفضل عنك وجعله لغيرك. وقد كنا وأبوك معنا في حياة من نبينا صلى الله عليه ـ نرى حق ابن أبي طالب لازما لنا ، وفضله مبرزا علينا ، فلما اختار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ما عنده ، وأتم له ما وعده ، وأظهر دعوته وأفلج حجته. قبضه الله إليه ، فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه وخالفه. على ذلك اتفقا واتسقا (1) ، ثم دعواه إلى أنفسهم فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما ، فهما به الهموم ، وأرادا به العظيم ، فبايع وسلم لهما ، لا يشركانه في أمرهما ، ولا يطلعانه على سرهما ، حتى قبضا وانقضى أمرهما. ثم قام بعدهما ثالثهما عثمان بن عفان ، يهتدي بهديهما ، ويسير بسيرتهما ، فعبته أنت وصاحبك ، حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي ، وبطنتما له وأظهرتما (2) ، [ وكشفتما ] عداوتكما وغلكما ، حتى بلغتما منه منا كما. فخذ حذرك يا ابن أبي بكر ، فسترى وبال أمرك. وقس شبرك بفترك (3) تقصر عن أن تساوي أو توازي من يزن الجبال حلمه ، [ و ] لا تلين على قسر قناته (4) ، ولا يدرك ذو مدى أناته. أبوك مهد مهاده ، وبني ملكه وشاده ، فإن يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك أوله ، وإن يك جورا فأبوك أسسه (5). ونحن شركاؤه ، وبهديه أخذنا ، وبفعله اقتدينا.
    __________________
    (1) في الأصل : « وانشقا » وأثبت ما في ح.
    (2) ح ( 1 : 284 ) : « وظهرتما ».
    (3) الشبر ، بالكسر : ما بين أعلى الإبهام وأعلى الخنصر. والفتر ، بالكسر أيضا : ما بين طرف السبابة والإبهام إذا فتحهما.
    (4) القسر : القهر والإ كراه. وفي الأصل « قصر » ، صوابه في ح.
    (5) الأسس ، بالتحريك : الأساس ، ومثلها الأس ، بالضم. ح : « أسه ».

    ولولا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا ابن أبي طالب وأسلمنا له ، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك فاحتذينا بمثاله (1) ، واقتدينا بفعاله. فعب أباك ما بدا لك أودع ، والسلام على من أناب ، ورجع عن غوايته وتاب.
    قال : وأمر على الحارث الأعور ينادي في الناس : أن اخرجوا إلى معسكركم بالنخيلة. فنادى : أيها الناس ، اخرجوا إلى معسكركم بالنخيلة. وبعث علي إلى مالك بن حبيب اليربوعي صاحب شرطته ، فأمره أن يحشر الناس إلى المعسكر (2). ودعا عقبة بن عمرو الأنصاري فاستخلفه علي الكوفة ، وكان أصغر أصحاب العقبة السبعين. ثم خرج علي وخرج الناس معه.
    نصر : عمر حدثني عبد الرحمن عن الحارث بن حصيرة ، عن عبد الله ابن شريك ، أن الناس لما توافوا بالنخيلة قام رجال ممن كان سير عثمان (3) فتكلموا ، فقام جندب بن زهير ، والحارث الأعور ، ويزيد بن قيس الأرحبي فقال جندب : قد آن للذين أخرجوا من ديارهم (4).
    نصر : عمر بن سعد ، حدثني يزيد بن خالد بن قطن ، أن عليا حين أراد المسير إلى النخيلة دعا زياد بن النضر ، وشريح بن هانئ ـ وكانا على مذحج والأشعريين ـ قال : يا زياد ، اتق الله في كل ممسى ومصبح ، وخف (5) على نفسك الدنيا الغرور ، ولا تأمنها على حال من البلاء واعلم أنك إن لم تزع
    __________________
    (1) ح : « رأينا أباك فعل ما فعل فاحتذينا مثاله ».
    (2) في الأصل : « العسكر » ، وأثبت ما في ح.
    (3) أي سيرهم عثمان. والتسيير : الإجلاء والإخراج من البلد.
    (4) كذا وردت العبارة. أي آن لهم أن يقاتلوا. وفي الكتاب : ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم ).
    (5) في الأصل : « خفف » ، صوابه في ح.

    نفسك عن كثير مما يحب (1) مخافة مكروهة ، سمت بك الأهواء إلى كثير من الضر. فكن لنفسك مانعا وازعا (2) من البغي والظلم والعدوان ؛ فإني قد وليتك هذا الجند ، فلا تستطيلن عليهم ، وإن خيركم عند الله أتقاكم. وتعلم من عالمهم ، وعلم جاهلهم ، واحلم عن سفيههم ، فإنك إنما تدرك الخير بالحلم ، وكف الأذى والجهل (3).
    فقال زياد : أوصيت يا أمير المؤمنين حافظا لوصيتك ، مؤدبا بأدبك ، يرى الرشد في نفاذ أمرك ، والغي في تضييع عهدك.
    فأمرهما أن يأخذا في طريق واحد ولا يختلفا ، وبعثهما في اثني عشر ألفا على مقدمته (4) شريح بن هانئ على طائفة من الجند ، وزياد على جماعة. فأخذ شريح يعتزل بمن معه من أصحابه على حدة ، ولا يقرب زياد بن النضر (5) ، فكتب زياد [ إلى علي 7 ] مع غلام له أو مولى يقال له شوذب :
    لعبد الله علي أمير المؤمنين من زياد بن النضر ، سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد فإنك وليتني أمر الناس ، وإن شريحا لا يرى لي عليه طاعة ولا حقا ، وذلك من فعله بي استخفاف بأمرك ، وترك لعهدك (6). [ والسلام ].
    __________________ (1) في الأصل : « يجب » ، صوابه في ح.
    (2) في الأصل : « وادعا » صوابه في ح. وجاء في نهج البلاغة ( 4 : 161 ) بشرح ابن أبي الحديد : « رادعا ».
    (3) الجهل : نقيض الحلم. وفي الأصل : « الجهد » ، والصواب في ح.
    (4) مقدمة الجيش ، بكسر الدال المشددة ، وعن ثعلب فتح داله.
    (5) في الأصل : « بزياد » تحريف. وفي ح : « زيادا » فقط.
    (6) في الأصل : « استخفافا » و : « تركا » ، صوابه في ح ( 1 : 285 ).

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

            وقعة صفين Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة صفين           وقعة صفين Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 10:02 am

    وكتب شريح بن هانئ :
    سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد فإن زياد ابن النضر حين أشركته في أمرك ، ووليته جندا من جنودك ، تنكر واستكبر ومال به العجب والخيلاء والزهو إلى ما لا يرضاه الرب تبارك وتعالى (1) من القول والفعل. فإن رأي أمير المؤمنين أن يعزله عنا ويبعث مكانه من يحب فليفعل ، فإنا له كارهون. والسلام.
    فكتب إليهما علي :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى زياد بن النضر وشريح بن هانئ : سلام عليكما ، فإني أحمد إليكما الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد فإني قد وليت مقدمتي زياد بن النضر وأمرته عليها ، وشريح على طائفة منها أمير ، فإن أنتما جمعكما بأس فزياد بن النضر على الناس ، وإن افترقتما فكل واحد منكما أمير الطائفة (2) التي وليناه أمرها. واعلما أن مقدمة القوم عيونهم وعيون المقدمة طلائعهم ، فإذا أنتما خرجتما من بلادكما فلاتسأما من توجيه الطلائع ، ومن نقض الشعاب والشجر والخمر في كل جانب (3) كي لا يغتر كما عدو ، أو يكون لكم كمين. ولا تسيرن الكتائب [ والقبائل ] من لدن
    __________________
    (1) ح : « إلى ما لا يرضى الله تعالى به ».
    (2) في الأصل : « علي أمير الطائفة » وكلمة : « علي » مقحمة.
    (3) النفيضة : الجماعة يبعثون في الأرض متجسسين لينظروا هل فيها عدو أو خوف. والشعاب : جمع شعبة ، وهو ما انشعب من التلعة والوادي ، أي عدل عنه وأخذ في طريق غير طريقه. والخمر ، بالتحريك : ما واراك من الشجر والجبال ونحوها. في الأصل وح : « نقض الشعاب » بالقاف ، صوابه بالفاء.

    الصباح إلى المساء إلا على تعبية (1). فإن دهمكم داهم أو غشيكم مكروه كنتم قد تقدمتم في التعبية. وإذا نزلتم بعدو أو نزل بكم فليكن معسكركم في قبل الأشراف أو سفاح الجبال (2) ، أو أثناء الأنهار ، كي ما يكون ذلك لكم ردءا (3) ، وتكون (4) مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين. واجعلوا رقباءكم في صياصي الجبال ، وبأعالى الأشراف ، ومناكب الهضاب (5) يرون لكم لئلا يأتيكم عدو من مكان مخافة أو أمن. وإياكم والتفرق ، فإذا نزلتم فانزلوا جميعا ، وإذا رحلتم فارحلوا جميعا ، وإذا غشيكم ليل فنزلتم فحفوا عسكركم بالرماح والأترسة (6) ، ورماتكم يلون ترستكم ورماحكم. وما أقمتم فكذلك فافعلوا كي لا تصاب لكم غفلة ، ولا تلفي منكم غرة ، فما قوم حفوا عسكرهم برماحهم وترستهم من ليل أو نهار إلا كانوا كأنهم في حصون. واحرسا عسكركما بأنفسسكما ، وإياكما أن تذوقا نوما حتى تصبحا إلا غرارا أو مضمضة (7) ثم ليكن ذلك شأنكما ودأبكما حتى تنتهيا إلى عدوكما.
    __________________
    (1) في الأصل : « إلا من لدن » الخ. وكلمة : « إلا » مقحمة.
    (2) الأشراف : الأماكن العالية ، جمع شرف. وقبلها : ما استقبلك منها. وسفاح الجبال : أسافلها ، حيث يسفح منها الماء. ولم أجد هذا الجمع في المعاجم. والمعروف سفوح.
    (3) قال ابن أبي الحديد في ( 3 : 413 ) : « المعنى أنه أمرهم أن ينزلوا مسندين ظهورهم إلى مكان عال كالهضاب العظيمة أو الجبال أو منعطف الأنهار التي تجري مجرى الخنادق على العسكر ، ليأمنوا بذلك من البيات ، وليأمنوا من إتيان العدو لهم من خلفهم ».
    (4) في نهج البلاغة : « ولتكن ».
    (5) المنكب من الأرض : الموضع المرتفع. في الأصل : « ومناكب الأنهار » ، صوابه من نهج البلاغة بشرح ابن الحديد ( 3 : 412 ).
    (6) الترس من السلاح تلك التي يتوقى بها ، وتجمع على أتراس وتراس وترسة وتروس. وفي اللسان : « قال يعقوب : ولا نقل أترسة ». وفي ح ( 1 : 285 ) : « والترسة ».
    (7) في اللسان : « لما جعل للنوم ذوقا أمرهم أن لا ينالوا منه إلا بألسنتهم ولا يسيغوه. فشبهه بالمضمضة بالماء وإلقائه من الفم من غير ابتلاع ».

    وليكن عندي كل يوم خبركما ورسول من قبلكما ؛ فإني ـ ولا شيء إلا ما شاء الله ـ حثيث السير في آثاركما. عليكما في حربكما بالتؤدة ، وإياكم والعجلة إلا أن تمكنكم فرصة بعد الإعذار والحجة. وإياكما أن تقاتلا حتى أقدم عليكما إلا أن تبدأ أو يأتيكما أمري إن شاء الله. والسلام.
    وفي حديث عمر أيضا بإسناده ، ثم قال : إن عليا كتب إلى أمراء الأجناد :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    من عبد الله علي أمير المؤمنين ، أما بعد فإني أبرأ إليكم وإلى أهل الذمة من معرة الجيش (1) ، إلا من جوعة إلى شبعة ، ومن فقر إلى غنى ، أو عمى إلى هدى ، فإن ذلك عليهم. فاعزلوا الناس عن الظلم والعدوان ، وخذوا على أيدي سفهائكم ، واحترسوا أن تعملوا أعمالا لا يرضى الله بها عنا فيرد علينا وعليكم دعاءنا ، فإن الله تعالى يقول : ( قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم. فسوف يكون لزاما ). فإن الله إذا مقت قوما من السماء هلكوا في الأرض ، فلا تألوا أنفسكم خيرا (2) ، ولا الجند حسن سيرة ، ولا الرعية معونة ، ولا دين الله قوة ، وأبلوا في سبيله (3) ما استوجب عليكم ، فإن الله قد اصطنع عندنا وعندكم ما [ يجب علينا أن ] نشكره بجهدنا ؛ وأن ننصره ما بلغت قوتنا. ولا قوة إلا بالله. وكتب أبو ثروان.
    __________________
    (1) معرة الجيش : أن ينزلوا بقوم فيأكلوا من زروعهم شيئا بغير علم.
    (2) يقال فلان لا يألو خيرا : أي لا يدعه ولا يزال يفعله. وفي الأصل : « لا تدخروا أنفسكم » ، صوابه في ح.
    (3) في الأصل : « وأبلوه » ، صوابه في ح.

    قال : وفي كتاب عمر بن سعد أيضا : وكتب إلى جنوده يخبرهم بالذي لهم والذي عليهم :
    من عبد الله علي أمير المؤمنين. أما بعد فإن الله جعلكم في الحق جميعا سواء ، أسودكم وأحمركم (1) ، وجعلكم من الوالي وجعل الوالي منكم بمنزلة الوالد من الولد ، وبمنزلة الولد من الوالد الذي لا يكفيهم منعه إياهم طلب عدوه والتهمة به ، ما سمعتم وأطعتم وقضيتم الذي عليكم (2). وإن حقكم عليه إنصافكم والتعديل بينكم ، والكف عن فيئكم. فإذا فعل ذلك معكم وجبت عليكم طاعته بما وافق الحق ، ونصرته على سيرته ، والدفع عن سلطان الله ، فإنكم وزعة الله في الأرض ـ قال عمر : الوزعة الذين يدفعون عن الظلم ـ فكونوا له أعوانا ولدينه أنصارا ، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها. إن الله لا يحب المفسدين.
    قال : ومرت جنازة على علي وهو بالنخيلة.
    نصر : عمر بن سعد ، حدثني سعد بن طريف عن الأصبغ بن نبانة عن علي قال : قال علي : ما يقول الناس في هذا القبر؟ ـ وفي النخيلة قبر عظيم يدفن اليهود موتاهم حوله ـ فقال الحسن بن علي : يقولون هذا قبر هود النبي صلى الله عليه وسلم لما أن عصاه قومه جاء فمات هاهنا. قال : كذبوا ، لأنا ، أعلم به منهم ، هذا قبر يهودا (3) بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، بكر يعقوب (4). ثم قال
    __________________
    (1) انظر ما مضى ص 113.
    (2) الكلام بعد « الولد » إلى هنا ليس في ح.
    (3) في الأصل : « يهود » وفي ح ( 1 : 286 ) : « يهوذا » صوابهما ما أثبت كما في القاموس مادة ( هود ). وفي شفاء الغليل للخفاجي : « يهودا معرب يهوذا بذال معجمة ، ابن يعقوب 7 ».
    (4) الحق أن بكر يعقوب هو « رأوبين » وأمه ليئة. انظر التكوين ( 35 : 23 27 ).

    هاهنا أحد من مهرة (1)؟ قال : فأتى بشيخ كبير ، فقال : أين منزلك؟ قال : علي شاطئ البحر. قال : أين من الجبل الأحمر (2)؟ قال : [ أنا ] قريب منه. قال : فما يقول قومك فيه؟ قال : يقولون : قبر ساحر. قال : كذبوا ، ذاك قبر هود ، وهذا قبر يهودا (3) بن يعقوب بكره. [ ثم قال 7 ] : يحشر من ظهر الكوفة سبعون ألفا على غرة الشمس (4) يدخلون الجنة بغير حساب.
    قال نصر : وفي حديث عمر بن سعد قال : بعث قيس بن سعد الأنصاري من الكوفة إلى مصر أميرا عليها.
    فلما بلغ معاوية بن أبي سفيان مكان على بالنخيلة ومعسكره بها ـ ومعاوية بدمشق قد ألبس منبر دمشق قميص عثمان وهو مخضب بالدم ، وحول المنبر سبعون ألف شيخ يبكون [ حوله ] لا تجف دموعهم على عثمان ـ خطب معاوية أهل الشام فقال :
    يا أهل الشام ، قد كنتم تكذبوني في علي ، وقد استبان لكم أمره ، والله ما قتل خليفتكم غيره ، وهو أمر بقتله ، وألب الناس عليه ، وآوى قتلته ، وهم جنده وأنصاره وأعوانه ، وقد خرج بهم قاصدا بلادكم [ ودياركم ] لإبادتكم. يا أهل الشام ، الله الله في عثمان ، فأنا ولي عثمان وأحق من طلب بدمه ، وقد جعل الله لولي المظلوم سلطانا (5). فانضروا خليفتكم [ المظلوم ] ؛ فقد صنع
    __________________
    (1) مهرة ، بالفتح ، ابن حيدان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. وهم حي من اليمن.
    (2) ح : « أين أنت من الجبل » فقط.
    (3) في الأصل : « يهود » وانظر التنبيه رقم 3 من الصفحة السابقة.
    (4) أي مطلعها. وغرة كل شيء : أوله. وفي الأصل : « الشمس والقمر » ، وأثبت ما في ح.
    (5) ح : « لولى المقتول ظلما سلطانا ».

    به القوم ما تعلمون ، قتلوه ظلما وبغيا ، وقد أمر الله بقتال الفئة الباغية حتى تفئ إلى أمر الله. [ ثم نزل ].
    فأعطوه الطاعة ، وانقادوا له وجمع إليه أطرافه ، واستعمل على فلسطين ثلاثة رهط فجعلهم بإزاء أهل مصر ليغيروا عليهم من خلفهم ، وكتب إلى معتزلة أهل مصر ، وهم يومئذ يكاتبون معاوية ولا يطيقون مكاثرة أهل مصر ، إن تحرك قيس عامل علي على مصر أن يثبتوا له. وفيها معاوية بن خديج ، وحصين بن نمير. وأمراء فلسطين الذين أمرهم معاوية عليها : حباب بن أسمر ، وسمير بن كعب بن أبي الحميري ، وهيلة بن سحمة. واستعمل على أهل حمص محول بن عمرو بن داعية ، واستخلف على أهل دمشق عمار بن السعر ، واستعمل على أهل قنسرين صيفي بن علية بن شامل (1).
    ـــــــــ آخر الجزء الثاني من الأصل ، ويتلوه في الجزء الثالث خروج
    علي رضي الله عنه إلى النخيلة. وصلى الله على
    سيدنا محمد النبي وآله وسلم
    __________________
    (1) ترجم له ابن عساكر في تاريخه ( 18 : 64 ) النسخة التيمورية ، وقيده بالضبط الذي أثبت. ‏وفي الأصل : « صيفي بن عيلة بن سائل » ، تحريف.

    الجزء الثالث
    من كتاب صفين
    لنصر بن مزاحم
    رواية أبي محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز
    رواية أبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة بن الوليد
    رواية أبي الحسن محمد بن ثابت.
    رواية أبي يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر الحريري
    رواية أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي
    رواية أبي البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي
    سماع مظفر بن علي بن محمد بن زيد بن ثابت المعروف بابن المنجم ـ غفر الله له


    بسم الله الرحمن الرحيم
    أخبرنا الشيخ الثقة شيخ الإسلام أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي ، قال : أخبرنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي بقراءتي عليه في ربيع الآخر من سنة أربع وثمانين وأربعمائة ، قال أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر ، قال أبو الحسن محمد بن ثابت ابن عبد الله بن محمد بن ثابت الصيرفي ، قال أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة ، قال أبو محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز قال أبو الفضل نصر بن مزاحم :
    خروج علي رضي الله عنه من النخيلة
    عمرو بن شمر ، وعمر بن سعد ، ومحمد بن عبد الله ، قال عمر : حدثني رجل من الأنصار عن الحارث بن كعب الوالبي ، عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود ، قال : لما أراد علي الشخوص من النخيلة قام في الناس لخمس مضين من شوال يوم الأربعاء فقال :
    الحمد لله غير مفقود النعم (1) ولا مكافأ الإفضال ، وأشهد ألا إله إلا الله ونحن على ذلكم من الشاهدين ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله 6. أما بعد ذلكم فإني قد بعثت مقدماتي ، وأمرتهم بلزوم هذا
    __________________
    (1) في الأصل : « غير معقود النعم » صوابه في نهج البلاغة ( 1 : 287 ) بشرح ابن أبي الحديد.

    الملطاط (1) حتى يأتيهم أمري ، فقد أردت أن أقطع هذه النطفة (2) إلى شرذمة منكم موطنين بأكناف دجلة (3) ، فأنهضهم معكم إلى أعداء الله ، إن شاء الله ، وقد أمرت على المصر عقبة بن عمرو الأنصاري ، ولم الكم (4) ولا نفسي. فإياكم والتخلف والتربص ؛ فإني قد خلفت مالك بن حبيب اليربوعي ، وأمرته ألا يترك متخلفا إلا ألحقه بكم عاجلا إن شاء الله.
    فقام إليه معقل بن قيس الرياحي فقال : يا أمير المؤمنين ، والله لا يتخلف عنك إلا ظنين ، ولا يتربص بك إلا منافق. فأمر مالك بن حبيب أن يضرب أعناق المتخلفين. قال علي : قد أمرته بأمرى ؛ وليس مقصرا في أمري إن شاء الله. وأراد قوم أن يتكلموا فدعا بدابته فجاءته ، فلما أراد أن يركب وضع رجله في الركاب وقال : « بسم الله ». فلما جلس (5) على ظهرها قال : ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين. وإنا إلى ربنا لمنقلبون ). ثم قال : اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، والحيرة بعد اليقين ، وسوء المنظر في الأهل والمال والولد. اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل ، ولا يجمعهما غيرك ، لأن المستخلف
    __________________
    (1) قال الرضي في تعليقه على نهج البلاغة : « أقول : يعنى 7 بالملطاط ها هنا : السمت الذي أمرهم بلزومه ، وهو شاطئ الفرات. ويقال ذلك أيضا لشاطئ البحر. وأصله ما استوى من الأرض ».
    (2) قال الرضي : « يعني بالنطفة ماء الفرات. وهو من غريب العبارات وعجيبها ».
    (3) يقال وطن بالمكان وأوطن والأخيرة أعلى.
    (4) يقال ما يألو الشيء : أي ما يتركه. في الأصل : « ولم آلوكم » ، صوابه في ح ( 1 : 287 ).
    (5) في الأصل : « ملس » تحريف.

    لا يكون مستصحبا ؛ والمستصحب لا يكون مستخلفا (1).
    ثم خرج وخرج أمامه الحر بن سهم بن طريف الربعي ( ربيعة تميم ) وهو يقول :
    يا فرسي سيري وأمي الشاما
    وقطعي الحزون والأعلاما (2)

    ونابذى من خالف الإماما
    إنى لأرجو إن لقينا العاما

    جمع بني أمية الطعاما
    أن نقتل العاصي والهماما

    وأن نزيل من رجال هاما
    قال : وقال مالك بن حبيب ـ وهو على شرطة علي ـ وهو آخذ بعنان دابته 7 : يا أمير المؤمنين ، أتخرج بالمسلمين فيصيبوا أجر الجهاد والقتال وتخلفني في حشر الرجال؟ فقال له علي : إنهم لن يصيبوا من الأجر شيئا إلا كنت شريكهم فيه ، وأنت هاهنا أعظم غناء منك عنهم (3) لو كنت معهم. فقال : سمعا وطاعة يا أمير المؤمنين. فخرج علي حتى إذا جاز حد الكوفة صلى ركعتين.
    نصر : إسرائيل بن يونس ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، أن عليا صلى بين القنطرة والجسر ركعتين.
    __________________
    (1) قال الرضي في نهج البلاغة : « وابتداء هذا الكلام مروي عن رسول الله 9. وقد قفاه أمير المؤمنين 7 بأبلغ كلام ، وتممه بأحسن تمام ، من قوله : ولا يجمعهما غيرك ، إلى آخر الفصل ». ووعثاء السفر : مشقته. والمنقلب : الرجوع.
    (2) انظر الأغاني ( 11 : 130 ).
    (3) ح ( 1 : 277 ) : « عنهم منك ».

    نصر : عمرو بن خالد ، عن أبي الحسين زيد بن علي ، عن آبائه عن علي 7 قال. خرج علي وهو يريد صفين حتى إذا قطع النهر أمر مناديه فنادى بالصلاة. قال : فتقدم فصلى ركعتين ، حتى إذا قضى الصلاة أقبل علينا فقال :
    يأيها الناس ، ألا من كان مشيعا أو مقيما فليتم الصلاة فإنا قوم على سفر (1) ، ومن صحبنا فلا يصم المفروض (2). والصلاة [ المفروضة ] ركعتان.
    قال : ثم رجع إلى حديث عمر بن سعد ، قال :
    ثم خرج حتى أتى دير أبي موسى ، وهو من الكوفة على فرسخين (3) ، فصلى بها العصر (4) ، فلما انصرف من الصلاة قال : « سبحان ذي الطول والنعم ، سبحان ذي القدرة والإفضال. أسأل الله الرضا بقضائه ، والعمل بطاعته ، والإنابة إلى أمره ، فإنه سميع الدعاء ». ثم خرج حتى نزل على شاطئ نرس (5) ، بين موضع حمام أبى بردة وحمام عمر ، فصلى بالناس المغرب فلما انصرف قال :
    « الحمد لله الذي يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ، [ و ] الحمد لله كلما وقب ليل وغسق ، والحمد لله كلما لاح نجم وخفق ».
    __________________
    (1) ح : « قوم سفر ». وسفر ، بالفتح : أي مسافرون.
    (2) ح ( 1 : 277 ) : « فلا يصومن المفروض ».
    (3) لم يذكره ياقوت.
    (4) ح : « به العصر » التذكير للدير ، والتأنيث للبقعة.
    (5) نرس ، بفتح النون في أوله : نهر حفره نرسي بن بهرام بنواحي الكوفة ، مأخذه من الفرات. وفي الأصل : « البرس » بالباء. صوابه ما أثبت من ح ومعجم البلدان.

    ثم أقام حتى صلى الغداة ، ثم شخص حتى بلغ قبة قبين (1) ، [ و ] فيها نخل طوال إلى جانب البيعة من وراء النهر. فلما رآها قال : ( والنخل باسقات لها طلع نضيد ). ثم أقحم دابته النهر فعبر إلى تلك البيعة فنزلها فمكث بها قدر الغداة.
    نصر : عمر ، عن رجل ـ يعني أبا مخنف (2) ـ عن عمه ابن مخنف (3) قال : إني لأنظر إلى أبي ، مخنف بن سليم (4) وهو يساير عليا ببابل ، وهو يقول. إن ببابل أرضا قد خسف بها ، فحرك دابتك لعلنا أن نصلى العصر خارجا منها. قال : فحرك دابته وحرك الناس دوابهم في أثره ، فلما جاز جسر الصراة (5) نزل فصلى بالناس العصر.
    نصر : عمر ، حدثني عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة الثقفي ، عن أبيه
    __________________
    (1) قبين ، بضم القاف وتشديد الباء المكسورة بعده. وفي ح : « يبين » محرف.
    (2) أبو مخنف ، هو لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم الأزدي الغامدي ، شيخ من أصحاب الأخبار بالكوفة. روي عن الصعق بن زهير ، وجابر الجعفي ، ومجالد ، وروي عنه المدائني ، وعبد الرحمن بن مغراء. ومات قبل السبعين ومائة. منتهي المقال 248 ولسان الميزان ( 4 : 292 ) وابن النديم 93 ليبسك.
    (3) لمخنف أولاد ، أحدهم أبو رملة عامر بن مخنف بن سليم الأزدي. ذكره صاحب منتهى المقال في 299 وقال إنه روى عن أبيه مخنف. والآخر حبيب بن مخنف ذكره الحافظ أبو عمرو. وثالث ذكره صاحب لسان الميزان ( 5 : 375 ) وهو محمد بن مخنف.
    (4) مخنف ، بكسر الميم ، وسليم ، بضم السين ، كما في الاشتقاق 289 ومنتهى المقال 299. وهو صحابي ترجم له في الإصابة 7842.
    (5) الصراة ، بالفتح : نهر يأخذ من نهر عيسى من بلدة يقال لها المحول ، بينها وبين بغداد فرسخ. وهو من أنهار الفرات. وفي الأصل : « الصراط » تحريف. وفي ح : « الفرات ».

    عن عبد خير (1) قال : كنت مع علي أسير في أرض بابل. قال : وحضرت الصلاة صلاة العصر. قال : فجعلنا لا نأتي مكانا إلا رأيناه أفيح (2) من الآخر. قال : حتى أتينا على مكان أحسن ما رأينا ، وقد كادت الشمس أن تغيب. قال : فنزل علي ونزلت معه. قال : فدعا الله فرجعت الشمس كمقدارها من صلاة العصر. قال : فصلينا العصر ، ثم غابت الشمس ، ثم خرج حتى أتى دير كعب ، ثم خرج منها (3) فبات بساباط ، فأتاه دهاقينها يعرضون عليه النزل (4) والطعام ، فقال : لا ، ليس ذلك لنا عليكم. فلما أصبح وهو بمظلم (5) ساباط قال : ( أتبنون بكل ريع آية تعبثون ).
    قال : وبلغ عمرو بن العاص مسيره فقال :
    لا تحسبني يا علي غافلا
    لأوردن الكوفة القنابلا (6)

    بجمعي العام وجمعي قابلا
    فقال علي :
    لأوردن العاصي بن العاصي
    سبعين ألفا عاقدي النواصي

    __________________
    (1) هو عبد خير بن يزيد الهمداني ، أبي عمارة الكوفي. أدرك الجاهلية وأدرك زمن النبي ولم يسمع منه. الإصابة 6360 وتهذيب التهذيب.
    (2) أفيح من الفيح وهو الخصب والسعة. وفي الأصل وح : « أقبح ».
    (3) ح ( 1 : 277 ) : « ثم خرج منه ».
    (4) النزل ، بضم وبضمتين : ما يهيأ للضيف. وفي الأصل : « النزول » ، وأثبت ما في ح.
    (5) قال ياقوت : مضاف إلى ساباط التي قرب المدائن.
    (6) القنابل : جمع قنبلة ، بالفتح ، وهي جماعة الخيل.


    مستحقبين حلق الدلاص
    قد جنبوا الخيل مع القلاص (1)

    أسود غيل حين لا مناص (2)
    قال : وكتب علي إلى معاوية :
    أصبحت منى يا ابن حرب جاهلا
    إن لم نرام منكم الكواهلا

    بالحق والحق يزيل الباطلا
    هذا لك العام وعام قابلا

    قال : وبلغ أهل العراق مسير معاوية إلى صفين ونشطوا وجدوا ، غير أنه كان من الأشعث بن قيس شئ عند عزل علي إياه عن الرياسة ، وذلك أن رياسة كندة وربيعة كانت للأشعث ، فدعا علي حسان بن مخدوج ، فجعل له تلك الرياسة ، فتكلم في ذلك أناس من أهل اليمن ، منهم الأشتر ، وعدي الطائي ، وزحر بن قيس (3) وهانئ بن عروة ، فقاموا إلى علي فقالوا : يا أمير المؤمنين ، إن رياسة الأشعث لا تصلح إلا لمثله ، وما حسان بن مخدوج مثل الأشعث. فغضب ربيعة ، فقال حريث بن جابر : يا هؤلاء رجل برجل ، وليس بصاحبنا عجز في شرفه وموضعه ، ونجدته وبأسه ، ولسنا ندفع فضل صاحبكم وشرفه. فقال النجاشي في ذلك :
    رضينا بما يرضى علي لنا به
    وإن كان فيما يأت جدع المناخر

    وصي رسول الله من دون أهله
    ووارثه بعد العموم الأكابر (4)

    __________________
    (1) كانت العرب إذا أرادت حربا فساروا إليها ركبوا الإبل وقرنوا إليها الخيل لإراحة الخيل وصيانتها. انظر المفضليات الخمس 39.
    (2) انظر لأقوال النحاة في مثل هذه العبارة خزانة البغدادي ( 2 : 90 بولاق ).
    (3) في الأصل : « زجر » بالجيم ، صوابه بالحاء كما سبق في ص 15.
    (4) جمع العم أعمام وعموم وعمومة.


    رضى بابن مخدوج فقلنا الرضا به
    رضاك وحسان الرضا للعشائر

    وللأشعث الكندي في الناس فضله
    توارثه من كابر بعد كابر

    متوج آباء كرام أعزة
    إذ الملك في أولاد عمرو بن عامر

    فلولا أمير المؤمنين وحقه
    علينا لأشجينا حريث بن جابر

    فلا تطلبنا يا حريث فإننا
    لفومك؟؟ ردء في الأمور الغوامر

    وما بابن مخدوج بن ذهل نقيصة
    ولا قومنا في وائل بعوائر (1)

    وليس لنا إلا الرضا بابن حرة
    أشم طويل الساعدين مهاجر

    على أن في تلك النفوس حزازة
    وصدعا يؤتيه أكف الجوابر (2)

    قال : وغضب رجال اليمنية ، فأتاهم سعيد بن قيس الهمداني فقال : ما رأيت قوما أبعد رأيا منكم ، أرأيتم إن عصيتم على علي هل لكم إلي عدوه وسيلة؟ وهل في معاوية عوض منه ، أو هل لكم بالشام من بدله (3) بالعراق ، أو تجد ربيعة ناصرا من مضر؟ القول ما قال ، والرأي ما صنع.
    قال : فتكلم حريث بن جابر فقال : يا هؤلاء ، لا تجزعوا ؛ فإنه إن كان الأشعث ملكا في الجاهلية وسيدا في الإسلام فإن صاحبنا أهل هذه الرياسة وما هو أفضل منها. فقال حسان للأشعث : لك راية كندة ، ولي راية
    __________________
    (1) العوائر : جمع عائر ، وهو الذي لا يدري من أين أتى ، وأصل ذلك في السهام.
    (2) يؤتيه : يهيئه ويصلحه. وفي اللسان : « أتيت الماء : أصلحت مجراه ». وفيه : « وأتاه الله : هيأه ». وفي الأصل : « يأبيه » مع ضبطها بضم الياء وفتح الهمزة. والوجه ما أثبت.
    (3) في الأصل : « أو هل لك بالشام من بدلة بالعراق ».

    ربيعة. فقال : معاذ الله ، لا يكون هذا أبدا ، ما كان لك (1) فهو لي ، وما كان لي فهو لك.
    وبلغ معاوية ما صنع بالأشعث فدعا مالك بن هبيرة فقال : اقذفوا إلى الأشعث شيئا تهيجونه على علي. فدعوا شاعرا لهم فقال هذه الأبيات ، فكتب بها مالك بن هبيرة إلى الأشعث ، وكان له صديقا ، وكان كنديا :
    من كان في القوم مثلوجا بأسرته
    فالله يعلم أني غير مثلوج

    زالت عن الأشعث الكندي رياسته
    واستجمع الأمر حسان بن مخدوج

    يا للرجال لعار ليس يغسله
    ماء الفرات وكرب غير مفروج

    إن ترض كندة حسانا بصاحبها
    يرض الدناة وما قحطان بالهوج

    هذا لعمرك عار ليس ينكره
    أهل العراق وعار غير ممزوج

    كان ابن قيس هماما في أرومته
    ضخما يبوء بملك غير مفلوج

    ثم استقل بعار في ذوي يمن
    والقوم أعداء ياجوج وماجوج

    إن الذين تولوا بالعراق له
    لا يستطيعون طرا ذبح فروج

    ليست ربيعة أولى بالذي حذيت
    من حق كندة ، حق غير محجوج (2)

    قال : فلما انتهى الشعر إلى أهل اليمن قال شريح بن هانئ : يا أهل اليمن ما يريد صاحبكم إلا أن يفرق بينكم وبين ربيعة. وإن حسان بن مخدوج مشى إلى الأشعث بن قيس برايته حتى ركزها في داره ، فقال الأشعث : إن
    __________________
    (1) في الأصل : « ذلك ».
    (2) حذيت : أعطيت. والحذوة : العطية.

    هذه الراية عظمت على علي ، وهو والله أخف علي من زف النعام (1) ، ومعاذ الله أن يغيرني ذلك لكم. قال : فعرض عليه علي بن أبي طالب أن يعيدها عليه فأبي وقال : يا أمير المؤمنين ، إن يكن أولها شرفا فإنه ليس آخرها بعار. فقال له علي : أنا أشركك فيه. فقال له الأشعث : ذلك إليك. فولاه على ميمنته ، وهي ميمنة أهل العراق.
    وقال : وأخذ مالك بن حبيب رجلا وقد تخلف عن علي فضرب عنقه فبلغ ذلك قومه فقال بعضهم لبعض : انطلقوا بنا إلى مالك فنتسقطه (2) لعله أن يقر لنا بقتله ؛ فإنه رجل أهوج. فجاءوا فقالوا : يا مالك ، قتلت الرجل؟ قال : أخبركم أن الناقة ترأم ولدها. اخرجوا عني قبحكم الله. أخبرتكم أني قتلته.
    قال : حدثني مصعب بن سلام (3) ، قال أبو حيان التميمي ، عن أبي عبيدة ، عن هرثمة بن سليم قال : غزونا مع علي بن أبي طالب غزوة صفين ، فلما نزلنا بكربلا صلى بنا صلاة ، فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ثم قال : واها لك أيتها التربة ، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب. فلما رجع هرثمة من غزوته (4) إلى امرأته ـ وهي جرداء بنت سمير ، وكانت شيعة لعلي ـ فقال لها زوجها هرثمة : ألا أعجبك من صديقك أبي الحسن؟ لما نزلنا كربلا رفع إليه من تربتها فشمها وقال : واها لك يا تربة ، ليحشرن منك قوم
    __________________
    (1) زف النعام ، بالكسر : ريشه الصغير.
    (2) في اللسان : « وتسقطه واستسقطه : طلب سقطه وعالجه على أن يسقط فيخطئ ، أو يكذب ، أو يبوح بما عنده ». وفي الأصل : « فنسقطه » تحريف :
    (3) في الأصل : « سلم » تحريف. وترجمة مصعب في تاريخ بغداد ( 13 : 108 ).
    (4) ح ( 1 : 278 ) : « من غزاته ».

    يدخلون الجنة بغير حساب وما علمه بالغيب؟ فقالت : دعنا منك أيها الرجل ، فإن أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا. فلما بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين بن علي وأصحابه ، قال : كنت فيهم في الخيل التي بعث إليهم ، فلما انتهيت إلى القوم وحسين وأصحابه عرفت المنزل الذي نزل بنا علي فيه والبقعة التي رفع إليه من ترابها ، والقول الذي قاله ، فكرهت مسيري ، فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسين ، فسلمت عليه ، وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل ، فقال الحسين : معنا أنت أو علينا؟ فقلت : يا ابن رسول الله. لا معك ولا عليك. تركت أهلي وولدي (1) أخاف عليهم من ابن زياد. فقال الحسين : فول هربا حتى لا ترى لنا مقتلا ، فوالذي نفس محمد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل ولا يغيثنا (2) إلا أدخله الله النار. قال : فأقبلت في الأرض هاربا حتى خفي علي مقتله (3).
    نصر : مصعب بن سلام قال : حدثنا الأجلح بن عبد الله الكندي عن أبي جحيفة قال جاء عروة البارقي إلى سعيد بن وهب. فسأله وأنا أسمع فقال : حديث حدثتنيه (4) عن علي بن أبي طالب. قال : نعم ، بعثني مخنف بن سليم إلى علي. فأتيته بكربلاء : فوجدته يشير بيده ويقول : هاهنا هاهنا. فقال له رجل : وما ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال : ثقل لآل محمد ينزل هاهنا فويل لهم منكم ، وويل لكم منهم. فقال له الرجل : ما معنى هذا الكلام
    __________________
    (1) ح : « ولدي وعيالي ».
    (2) ح : « ثم لا يعيننا ».
    (3) ح : « مقتلهم ».
    (4) في الأصل : « حدثنيه » محرف. وفي ح : « حدثتناه ».

    يا أمير المؤمنين؟ قال : ويل لهم منكم : تقتلونهم ، وويل لكم منهم : يدخلكم الله بقتلهم إلى النار.
    وقد روى هذا الكلام على وجه آخر : أنه 7 قال : فويل [ لكم منهم ، وويل ] لكم عليهم. قال الرجل : أما ويل لنا منهم فقد عرفت (1) : وويل لنا عليهم ما هو؟ قال : ترونهم يقتلون ولا تستطيعون نصرهم.
    نصر : سعيد بن حكيم العبسي : عن الحسن بن كثير عن أبيه : أن عليا أتى كربلاء فوقف بها ، فقيل يا أمير المؤمنين ، هذه كربلاء. قال : ذات كرب وبلاء. ثم أومأ بيده إلى مكان فقال : هاهنا موضع رحالهم ، ومناخ ركابهم وأومأ بيده إلى موضع آخر فقال : هاهنا مهراق دمائهم.
    ثم رجع إلى حديث عمر بن سعد ، قال : ثم مضى نحو ساباط حتى انتهى إلى مدينة بهر سير ، وإذا رجل من أصحابه يقال له حر (2) بن سهم بن طريف من بني ربيعة بن مالك (3) ، ينظر إلى آثار كسرى ، وهو يتمثل قول ابن يعفر التميمي (4) :
    جرت الرياح على مكان ديارهم
    فكأنما كانوا على ميعاد

    __________________
    (1) ح : « عرفناه ».
    (2) في الأصل : « حريز » وأثبت ما في ح ( 1 : 288 ).
    (3) ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. انظر 133 ونهاية الأرب ( 2 : 344 ).
    (4) هو الأسود بن يعفر بن عبد الأسود بن جندل بن نهشل بن دارم بن مالك بن زيد مناة بن تميم. شاعر جاهلي مقدم ، كان ينادم النعمان بن المنذر. والبيت من قصيدة له في المفضليات ( 2 : 15 ـ 20 طبع المعارف ). وفي الأصل : « ابن يعقوب التميمي » والصواب ما أثبت. وفي ح : « بقول الأسود بن يعفر ».

    فقال علي : أفلا قلت : ( كم تركوا من جنات وعيون. وزروع ومقام كريم. ونعمة كانوا فيها فاكهين. كذلك وأورثناها قوما آخرين. فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ). إن هؤلاء كانوا وارثين فأصبحوا موروثين ، إن هؤلاء لم يشكروا النعمة فسلبوا دنياهم بالمعصية. إياكم وكفر النعم لا تحل بكم النقم. ثم قال : انزلوا بهذه النجوة (1).
    نصر : عمر بن سعد ، حدثني مسلم الأعور ، عن حبة العرني (2) ( رجل من عرينة ) قال : أمر علي بن أبي طالب الحارث الأعور فصاح في أهل المدائن : من كان من المقاتلة فليواف أمير المؤمنين صلاة العصر. فوافره في تلك الساعة ، فحمد الله وأثنى عليه وقال :
    أما بعد فإني قد تعجبت من تخلفكم عن دعوتكم ، وانقطاعكم عن أهل مصركم في هذه المساكن الظالم أهلها ، والهالك أكثر سكانها لا معروفا تأمرون به ، ولا منكرا تنهون عنه. قالوا : يا أمير المؤمنين ، إنا كنا ننتظر أمرك ورأيك ، مرنا بما أحببت. فسار وخلف عليهم عدي بن حاتم ، فأقام عليهم ثلاثا ثم خرج في ثمانمائة ، وخلف ابنه يزيد فلحقه في أربعمائة رجل منهم ، ثم لحق عليا ، وجاء علي حتى مر بالأنبار ، فاستقبله بنو خشنوشك دهاقنتها.
    __________________
    (1) النجوة : المكان المرتفع. ح : « الفجوة ». والفجوة : ما اتسع من الأرض ، وقيل ما اتسع منها وانخفض.
    (2) هو حبة ، بفتح أوله ثم موحدة ثقيلة ، بن جوين بجيم مصغر ، العرني ، أبو قدامة الكوفي ، كان غاليا في التشيع. قال في تقريب التهذيب : « أخطأ من زعم أن له صحبة ». ح : « حية » بالياء ، تحريف.

    قال سليمان (1) : « خش : طيب. نوشك : راض. يعني بني الطيب الراضي ، بالفارسية ».
    فلما استقبلوه نزلوا ثم جاءوا يشتدون معه قال : ما هذه الدواب التي معكم؟ وما أردتم بهذا الذي صنعتم؟ قالوا : أما هذا الذي صنعنا فهو خلق منا نعظم به الأمراء. وأما هذه البراذين فهدية لك. وقد صنعنا لك وللمسلمين طعاما ، وهيأنا لدوابكم علفا كثيرا. قال : أما هذا الذي زعمتم أنه منكم خلق تعظمون به الأمراء فوالله ما ينفع هذا الأمراء ، وإنكم لتشقون به على أنفسكم وأبدانكم ، فلا تعودوا له. وأما دوابكم هذه فإن أحببتم أن نأخذها منكم فنحسبها من خراجكم أخذناها منكم. وأما طعامكم الذي صنعتم لنا فإنا نكره أن نأكل من أموالكم شيئا إلا بثمن. قالوا : يا أمير المؤمنين ، نحن نقومه ثم نقبل ثمنه. قال : إذا لا تقومونه قيمته ، نحن نكتفي بما دونه. قالوا : يا أمير المؤمنين فإن لنا من العرب موالي ومعارف ، فتمنعنا أن نهدى لهم وتمنعهم أن يقبلوا منا؟ قال : كل العرب لكم موال ، وليس ينبغي لأحد من المسلمين أن يقبل هديتكم. وإن غصبكم أحد فأعلمونا. قالوا : يا أمير المؤمنين ، إنا نحب أن تقبل هديتنا وكرامتنا. قال لهم : ويحكم ، نحن أغنى منكم. فتركهم ثم سار.
    نصر : عبد العزيز بن سياه (2) ، عن حبيب بن أبي ثابت ، قال أبو سعيد
    __________________
    (1) هو أبو محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي ، أحد رواة هذا الكتاب.
    (2) عبد العزيز بن سياه ، بكسر المهملة بعدها تحتانية خفيفة ، الأسدي الكوفي. صدوق يتشيع من كبار أتباع التابعين. انظر تهذيب التهذيب والتقريب. وفي ح ( 1 : 288 ) : « بن سباع » تحريف.

    التيمي ، المعروف بعقيصا (1) ، قال : كنا مع علي في مسيره إلى الشام ، حتى إذا كنا بظهر الكوفة من جانب هذا السواد ـ قال : ـ عطش الناس واحتاجوا إلى الماء ، فانطلق بنا على حي أتى بنا (2) على صخرة ضرس من الأرض (3) ، كأنها ربضة عنز (4) ، فأمرنا فاقتلعناها فخرج لنا ماء ، فشرب الناس منه وارتووا. قال : ثم أمرنا فأكفأناها عليه. قال : وسار الناس حتى إذا مضينا قليلا قال علي : منكم أحد يعلم مكان هذا الماء الذي شربتم منه؟ قالوا : نعم يا أمير المؤمنين. قال : فانطلقوا إليه. قال : فانطلق منا رجال ركبانا ومشاة ، فاقتصصنا الطريق [ إليه ] حتى انتهينا إلي المكان الذي نرى أنه فيه. قال : فطلبناها (5) فلم نقدر على شيء ، حثى إذا عيل علينا انطلقنا إلى دير قريب منا فسألناهم : أين الماء الذي هو عندكم؟ قالوا : ما قربنا ماء. قالوا : بلى ، إنا شربنا منه. قالوا : أنتم شربتم منه؟ قلنا : نعم : قال [ صاحب الدير ] : ما بني هذا الدير إلا بذلك الماء (6) ، وما استخرجه إلا نبي أو وصي نبي.
    ثم رجع إلى الحديث. قال ثم مضى أمير المؤمنين حتى نزل بأرض
    __________________
    (1) في القاموس : « وعقيصى مقصورا : لقب أبي سعيد التيمي التابعي ». وفي منتهى المقال 132 : « دينار ، يكنى أبا سعيد ، ولقبه عقيصا ، وإنما لقب بذلك لشعر قاله » فجعل اسمه « دينارا ». في الأصل : « التميمي » تحريف. وفي ح : « حدثنا سعيد التيمي المعروف يعقيصاء » ، نقص وتحريف.
    (2) في الأصل : « أتانا » وفي ح : « أتى » فقط.
    (3) الضرس ، بالكسر : الأرض الخشنة.
    (4) ربضة العنز ، بالضم : أي جثتها إذا بركت. وروى في الحديث : « كربضة العنز » بكسر الراء. اللسان ( 9 : 13 ).
    (5) أي الصخرة. وفي ح : « فطلبناه » ، أي الماء.
    (6) في الأصل : « لذلك الماء » ، وأثبت ما في ح.

    الجزيرة ، فاستقبله بنو تغلب والنمر بن قاسط بالجزيرة (1). قال : قال علي ليزيد ابن قيس لأرحبي : يا يزيد بن قيس. قال : لبيك يا أمير المؤمنين. قال : هؤلاء قومك ، من طعامهم فاطعم ، ومن شرابهم فاشرب.
    نصر : عمر بن سعد ، عن الكلبي ، عن الأصبغ بن نباتة ، أن رجلا سأل عليا بالمدائن عن وضوء رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فدعا بمخضب من برام (2) قد نصفه الماء (3). قال علي : من السائل عن وضوء رسول الله 6؟ فقام الرجل ، فتوضأ علي ثلاثا ثلاثا ، ومسح برأسه واحدة ، وقال : هكذا رأيت رسول الله يتوضأ.
    ثم رجع إلى الحديث الأول ، حديث يزيد بن قيس الأرحبي. ثم قال : والله إني لشاهد إذ أتاه وفد بني تغلب فصالحوه على أن يقرهم على دينهم ، ولا يضعوا أبناءهم في النصرانية. قال : وقد بلغني أنهم قد تركوا ذلك ، وايم الله لئن ظهرت عليهم لأقتلن مقاتلتهم ، ولأسبين ذراريهم. فلما دخل بلادهم استقبلته مسلمة لهم كثيرة ، فسر بما رأى من ذلك ، وثناه عن رأيه. ثم سار أمير المؤمنين حتى أتى الرقة وجل أهلها العثمانية الذين فروا من الكوفة برأيهم وأهوائهم إلى معاوية فغلقوا أبوابها وتحصنوا فيها ، وكان أميرهم سماك بن مخرمة الأسدي في طاعة معاوية ، وقد كان فارق عليا في نحو من مائة رجل من بني أسد ، ثم أخذ يكاتب قومه حتى لحق به منهم سبعمائة رجل.
    __________________
    (1) ح : « ابن قاسط بن محرز » تحريف. وهو النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.
    (2) المخضب ، بالكسر : شبه الإجانة يغسل فيها الثياب ، والمركن. والبرام : جمع برمة ، بالضم ، وهي قدر من حجارة.
    (3) نصفه الماء : بلغ نصفه. وفي الأصل : « قدر نصفه الماء ». محرف. وهذا الخبر لم يرد في مظنه من ح.

    نصر : عمر بن سعد ، حدثني مسلم الملائي (1) عن حبة (2) عن علي قال : لما نزل علي الرقة [ نزل ] بمكان يقال له بليخ على جانب الفرات ، فنزل راهب [ هناك ] من صومعته فقال لعلي : إن عندنا كتابا توارثناه عن آبائنا ، كتبه [ أصحاب ] عيسى بن مريم ، أعرضه عليك. قال علي : نعم فما هو؟ قال الراهب :
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الذي قضى فيما قضى ، وسطر فيما سطر ، أنه باعث في الأميين رسولا منهم يعلمهم الكتاب والحكمة ، ويدلهم على سبيل الله ، لا فظ ولا غليظ ، ولا صخاب في الأسواق ، ولا يجزى بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح (3) ، أمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل نشز ، وفي كل صعود وهبوط (4) ، تذل ألسنتهم (5) بالتهليل والتكبير [ والتسبيح ] ، وينصره الله على كل من ناواه ، فإذا توفاه الله اختلفت أمته ثم اجتمعت ، فلبثت بذلك ما شاء الله ثم اختلفت ، فيمر رجل من أمته بشاطئ هذا الفرات ، يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ، ويقضي بالحق ، ولا يرتشي في الحكم (6). الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت [ به ] الريح ، والموت أهون عليه من شرب الماء
    __________________
    (1) هو مسلم بن كيسان الضبي الملائي البراد ، أبو عبد الله الكوفي. انظر تهذيب التهذيب والتقريب.
    (2) سبقت ترجمته في ص 143.
    (3) ح ( 1 : 289 ) : « بل يعفو ويصفح ».
    (4) النشز ، بالفتح والتحريك : المتن المرتفع من الأرض. والصعود والهبوط ، بفتح أولهما : ما ارتفع وما انخفض من الأرض.
    (5) يذل ، من الذل ، بالكسر والضم ، وهو اللين.
    (6) ح : « ولا يركس الحكم ». والركس : رد الشيء مقلوبا.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

            وقعة صفين Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة صفين           وقعة صفين Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 10:04 am

    على الظماء (1) ، يخاف الله في السر ، وينصح له في العلانية ، ولا يخاف في الله لومة لائم. من أدرك ذلك النبي صلى الله عليه وسلم من أهل هذه البلاد فآمن به كان ثوابه رضواني والجنة ، ومن أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره ؛ فإن القتل معه شهادة ». [ ثم قال له ] : فأنا مصاحبك غير مفارقك حتى يصيبني ما أصابك. قال : فبكي علي ثم قال : الحمد لله الذي لم يجعلني عنده منسيا (2) ، الحمد لله الذي ذكرني في كتب الأبرار. ومضى الراهب معه ، وكان ـ فيما ذكروا ـ يتغدى مع علي ويتعشى حتى أصيب يوم صفين ، فلما خرج الناس يدفنون قتلاهم قال علي : اطلبوه. فلما وجدوه صلى عليه ودفنه ، وقال : هذا منا أهل البيت. واستغفر له مرارا.
    نصر : عمر عن رجل ـ وهو أبو مخنف ـ عن نمير بن وعلة ، عن أبي الوداك (3) أن عليا بعث من المدائن معقل بن قيس [ الرياحي ] في ثلاثة آلاف رجل ، وقال له : « خذ على الموصل ، ثم نصيبين ، ثم القني بالرقة ؛ فإني موافيها ، وسكن الناس وأمنهم ، ولا تقاتل إلا من قاتلك ، وسر البردين (4) ، وغور بالناس (5) ، وأقم الليل ، ورفه في السير ، ولا تسر في
    __________________
    (1) الظمء ، بالفتح ، والظمأ ، بالتحريك ، والظماء والظماءة ، كسحاب وسحابة : العطش : ح : « الظمآن »
    (2) ح : « الذي لم أكن عنده منسيا ».
    (3) هو جبر بن نوف ـ بفتح النون وآخره فاء ـ الهمداني ـ بسكون الميم ـ البكالي ـ بكسر الباء الموحدة وتخفيف الكاف ـ أبو الوداك ـ بفتح الواو وتشديد الدال. انظر تهذيب التهذيب والتقريب.
    (4) البردان : الصبح والعصر ، كالأبردين. انظر جي الجنتين 26.
    (5) التغوير : النزول في القائلة نصف النهار. يقال « غوروا بنا فقد أرمضتمونا » أي انزلوا بنا وقت الهاجرة حتى تبرد.

    الليل (1) فإن الله جعله سكنا ، أرح فيك بدنك وجندك وظهرك. فإذا كان السحر أو حين ينبطح الفجر (2) فسر ». فخرج حتى أتى الحديثة ، وهي إذ ذاك منزل الناس ـ إنما بنى مدينة الموصل بعد ذلك محمد بن مروان ـ فإذا هم بكبشين ينتطحان ، ومع معقل بن قيس رجل من خثعم يقال له شداد بن أبي ربيعة (3) قتل بعد ذلك مع الحرورية (4) ، فأخذ يقول : إيه إيه. فقال معقل : ما تقول : قال : فجاء رجلان نحو الكبشين فأخذ كل واحد منهما كبشا ثم انصرفا ، فقال الخثعمي لمعقل : لا تغلبون ولا تغلبون. قال له : من أين علمت ذلك؟ قال : أما أبصرت الكبشين ، أحدهما مشرق والآخر مغرب ، التقيا فاقتتلا وانتطحا ، فلم يزل كل واحد منهما من صاحبه منتصفا حي أتى كل واحد منهما صاحبه فانطلق به. فقال له معقل : أو يكون خيرا مما تقول يا أخا خثعم؟ ثم مضوا حتى أتوا عليا بالرقة.
    نصر : عمر بن سعد ، عن رجل ، عن أبي الوداك ، أن طائفة من أصحاب علي قالوا له : اكتب إلى معاوية وإلى من قبله من قومك بكتاب تدعوهم فيه إليك ، وتأمرهم بترك ما هم فيه من الخطأ (5) ؛ فإن الحجة لن تزداد عليهم بذلك إلا عظما. فكتب إليهم :
    __________________
    (1) ح ( 1 : 290 ) : « اول الليل ».
    (2) انبطح الفجر : ذهب هاهنا وهاهنا. وإنما سمي بطن المسيل أبطح لأن الماء ينبطح فيه أي يذهب يمينا وشمالا. ح : « ينبلج الفجر ».
    (3) ح : « شرار بن شداد بن أبي ربيعة ».
    (4) هنا ضبط ياقوت. وضبط في اللسان والقاموس والوفيات ( 1 : 224 ) بفتح أوله وضم ثانيه.
    (5) في الأصل : « وتأمرهم بما لهم فيه من الخطأ ».

    بسم الله الرحمن الرحيم
    من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية وإلى من قبله من قريش سلام عليكم فإني أحمد الله إليكم الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد فإن لله عبادا آمنوا بالتنزيل ، وعرفوا التأويل ، وفقهوا في الدين ، وبين الله فضلهم في القرآن الحكيم ، وأنتم في ذلك الزمان أعداء لرسول الله صلى الله عليه ، تكذبون بالكتاب ، مجمعون على حرب المسلمين ، من ثقفتم منهم حبستموه أو عذبتموه أو قتلتموه ، حتى أراد الله إعزاز دينه وإظهار رسوله (1) ، ودخلت العرب في دينه أفواجا ، وأسلمت [ له ] هذه الأمة طوعا وكرها ، وكنتم ممن دخل في هذا الدين إما رغبة وإما رهبة ، على حين فاز أهل السبق بسبقهم وفاز المهاجرون الأولون بفضلهم. فلا ينبغي لمن ليست له مثل سوابقهم في الدين ولا فضائلهم في الإسلام ، أن ينازعهم الأمر الذي هم أهله وأولى به ، فيحوب بظلم (2). ولا ينبغي لمن كان له عقل أن يجهل قدره ، ولا أن يعدو طوره ، ولا أن يشقي نفسه بالتماس ما ليس له. ثم إن أولى الناس بأمر هذه الأمة قديما وحديثا ، أقربها من رسول الله صلى الله عليه ، وأعلمها بالكتاب وأفقهها في الدين ، وأولها إسلاما وأفضلها جهادا وأشدها بما تحمله الرعية من أمورها اضطلاعا. فاتقوا الله الذي إليه ترجعون ، ( ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ). واعلموا أن خيار عباد الله الذين يعملون بما يعلمون (3) ، وأن شرارهم الجهال الذين ينازعون بالجهل أهل العلم ؛ فإن للعالم بعلمه فضلا ، وإن الجاهل لن يزداد بمنازعة العالم إلا جهلا. ألا
    __________________ (1) ح : « وإظهار أمره ».
    (2) حاب يحوب حوبا : أثم.
    (3) في الأصل : « بما يعطون » ، صوابه في ح.

    وإني أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه ، وحقن دماء هذه الأمة. فإن قبلتم أصبتم رشدكم ، وأهتديتم لحظكم. وإن أبيتم إلا الفرقة وشق عصا هذه الأمة فلن (1) تزدادوا من الله إلا بعدا ، ولن يزداد الرب عليكم إلا سخطا. والسلام.
    فكتب إليه معاوية :
    « أما بعد فإنه :
    ليس بيني وبين قيس عتاب
    غير طعن الكلى وضرب الرقاب »

    فقال علي : ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ).
    نصر : عمر ، عن الحجاج بن أرطاة ، عن عبد الله بن عمار بن عبد يغوث أن عليا قال لأهل الرقة : اجسروا لي جسرا لكي أعبر من هذا المكان إلى الشام. فأبوا وقد كانوا ضموا السفن عندهم ، فنهض من عندهم ليعبر على جسر منبج ، وخلف عليه الأشتر ، فناداهم فقال : يا أهل هذا الحصن ، إني أقسم بالله لئن مضى أمير المؤمنين ولم تجسروا له عند مدينتكم حتى يعبر منها لأجردن فيكم السيف ، ولأقتلن مقاتلتكم ، ولأخربن أرضكم ، ولآخذن أموالكم. فلقى بعضهم بعضا فقالوا : إن الأشتر يفي بما يقول (2) ، وإن عليا خلفه علينا ليأتينا منه الشر (3). فبعثوا إليه : إنا ناصبون لكم جسراً
    __________________ (1) في الأصل : « لن » والصواب دخول الفاء. وفي ح : « لم ». وهذه لا تطلب الفاء.
    (2) ح : « بما حلف عليه ».
    (3) ح : « وإنما خلفه علي عندنا ليأتينا بشر ».

    فأقبلوا. فأرسل الأشتر إلى علي فجاء ونصبوا له الجسر ، فعبر الأثقال والرجال (1) ، ثم أمر الأشتر فوقف في ثلاثة آلاف فارس ، حتى لم يبق أحد من الناس إلا عبر ؛ ثم إنه عبر آخر الناس رجلا.
    وذكر الحجاج أن الخيل ازدحمت حين عبرت ، وزحم بعضها بعضا وهي تعبر ، فسقطت قلنسوة عبد الله بن أبي الحصين (2) فنزل فأخذها وركب ، وسقطت قلنسوة عبد الله بن الحجاج فنزل فأخذها ثم ركب ، فقال لصاحبه :
    إن يك ظن الزاجري الطير صادقا
    كما زعموا أقتل وشيكا وتقتل (3)

    قال عبد الله بن أبي الحصين : ما شيء أوتاه هو أحب إلى مما ذكرت. فقتلا جميعا يوم صفين.
    وقال خالد بن قطن : فلما قطع علي الفرات دعا زياد بن النضر ، وشريح بن هانئ ، فسرحهما أمامه نحو معاوية على حالهما الذي كانا عليه حين خرجا من الكوفة ، في اثني عشر ألفا. وقد كانا حين سرحهما من الكوفة [ مقدمة له ] أخذا على شاطئ الفرات ، من قبل البر مما يلي الكوفة ، حتى بلغا عانات ، فبلغهما أخذ علي على طريق الجزيرة ، وبلغهما أن معاوية أقبل في جنود الشام من دمشق لاستقبال علي فقالا : لا والله ما هذا لنا برأي : أن
    __________________
    (1) في الأصل : « فعبر على الأثقال والرحال » بالحاء وبزيادة « علي » ، وأثبت صوابه من ح ( 1 : 290 ). وفي الطبري ( 5 : 237 ) : « فعبر عليه بالأثقال والرحال ».
    (2) في الأصل : « عبد الرحمن بن أبي الحصين » في هذا الموضع وتاليه ، وصوابه في ح والطبري.
    (3) رسم في الأصل بصورة النثر؟ وبلفظ : « الزاجر » و « يزعمون » ، صوابه في الطبري.

    نسير وبيننا وبين أمير المؤمنين هذا البحر : ما لنا خير أن نلقى جموع أهل الشام بقلة من عددنا منقطعين من العدد والمدد. فذهبوا ليعبروا من عانات فمنعهم أهل عانات ، وحبسوا عندهم السفن (1) ، فأقبلوا راجعين حتى عبروا من هيت ثم لحقوا عليا بقرية دون قرقيسيا وقد أرادوا أهل عانات فتحصنوا منهم ، فلما لحقت المقدمة عليا قال : مقدمتي تأتى [ من ] ورائي؟ فتقدم إليه زياد وشريح فأخبراه [ بالرأي ] الذي رأيا ، فقال : قد أصبتما رشدكما. فلما عبر الفرات قدمهما أمامه نحو معاوية ، فلما انتهوا إلى معاوية لقيهم أبو الأعور [ السلمى ] في جند أهل الشام ، فدعوهم إلى الدخول في طاعة أمير المؤمنين فأبوا ، فبعثوا إلى علي : إنا قد لقينا أبا الأعور السلمي بسور الروم في جند من أهل الشام فدعوناه (2) وأصحابه إلى الدخول في طاعتك فأبوا علينا ، فمرنا بأمرك. فأرسل علي إلى الأشتر فقال :
    « يا مال ، إن زيادا وشريحا أرسلا إلى يعلماني أنهما لقيا أبا الأعور السلمي في جند من أهل الشام بسور الروم فنبأني الرسول أنه تركهم متواقفين (3). فالنجاء إلى أصحابك النجاء. فإذا أتيتهم فأنت عليهم ، وإياك أن تبدأ القوم بقتال ، إلا أن يبدءوك ، حتى تلقاهم وتسمع منهم ، ولا يجرمنك شنآنهم على قتالهم (4) قبل دعائهم والإعذار إليهم مرة بعد مرة. واجعل على ميمنتك زيادا ، وعلى ميسرتك شريحا ، وقف بين أصحابك وسطا ، ولا تدن
    __________________
    (1) ح ( 1 : 291 ) : « عنهم السفن ».
    (2) في الأصل : « فدعوناهم » صوابه من ح.
    (3) متواقفين : وقف بعضهم أمام بعض في الحرب.
    (4) أي لا يحملنك بغضهم على قتالهم.

    منهم دنو من يريد أن ينشب الحرب ، ولا تباعد منهم تباعد من يهاب البأس ، حتى أقدم عليك (1) ، فإني حثيث السير إليك إن شاء الله ».
    وكان الرسول الحارث بن جمهان الجعفي (2).
    وكتب إليهما :
    « أما بعد ، فإني قد أمرت عليكما مالكا ، فاسمعا له وأطيعا أمره ؛ فإنه ممن لا يخاف رهقه ولا سقاطه (3) ، ولا بطؤه عن ما الإسراع إليه أحزم ، ولا الإسراع إلى ما البطء عنه أمثل. وقد أمرته بمثل الذي أمرتكما : ألا يبدأ القوم بقتال حتى يلقاهم فيدعوهم ويعذر إليهم (4) [ إن شاء الله ] ». فخرج الأشتر حتى قدم على القوم فاتبع ما أمره به علي ، وكف عن القتال. فلم يزالوا متواقفين حتى إذا كان عند المساء حمل عليهم أبو الأعور السلمي فثبتوا [ له ] واضطربوا ساعة. ثم إن أهل الشام انصرفوا ، ثم خرج هاشم بن عتبة في خيل ورجال حسن عدتها وعددها ، وخرج إلهيم أبو الأعور السلمي ، فاقتتلوا يومهم ذلك ، تحمل الخيل على الخيل (5) ، والرجال على الرجال ، فصبر القوم بعضهم لبعض ثم انصرفوا. وبكر عليهم الأشتر فقتل منهم (6) عبد الله بن المنذر
    __________________
    (1) في الأصل : « إليك » وأثبت ما في ح.
    (2) ذكره في لسان الميزان ( 2 : 149 ) بدون نسبته ، وقال : « ذكره الطوسي في رجال الشيعة ». وقد ضبط في تاريخ الطبري ( 5 : 238 ) بضم الجيم.
    (3) الرهق : الجهل وخفة العقل ، وهو أيضا الكذب ، والعربدة. والسقاط ، بالكسر : الخطأ والعثرة والزلة.
    (4) في الأصل : « ألا تبدءوا القوم بقتال حتى تلقاهم فتدعوهم وتعذر إليهم » وأثبت ما في ح.
    (5) في الأصل : « فحمل الخيل على الخيل » وأثبت ما في ح والطبري ( 5 : 239 ).
    (6) ح : « فقتل من أهل الشام ».

    التنوخي ، قتله ظبيان بن عمارة التميمي ، وما هو يومئذ إلا فتى حديث السن. وإن كان الشامي لفارس أهل الشام. وأخذ الأشتر يقول : ويحكم ، أروني أبا الأعور. ثم إن أبا الأعور دعا الناس فرجعوا نحوه ، فوقف على تل من وراء المكان الذي كان فيه أول مرة ، وجاء الأشتر حتى صف أصحابه في المكان الذي كان فيه أبو الأعور أول مرة ، فقال الأشتر لسنان بن مالك النخعي : انطلق إلى أبي الأعور فادعه إلى المبارزة. فقال : إلى مبارزتي أو مبارزتك؟ فقال : إلى مبارزتي. فقال الأشتر : [ أو ] لو أمرتك بمبارزته فعلت؟ قال : نعم ، والذي لا إله إلا هو لو أمرتني أن أعترض صفهم بسيفي فعلته (1) حتى أضربه بالسيف. فقال : يا ابن أخي ، أطال الله بقاءك ، وقد والله ازددت فيك رغبة ، لا ، ما أمرتك بمبارزته ، إنما أمرتك أن تدعوه إلى مبارزتي ، لأنه لا يبارز ـ إن كان ذلك من شأنه ـ إلا ذوي الأسنان (2) والكفاءة والشرف ، وأنت بحمد الله من أهل الكفاءة والشرف ، ولكنك حديث السن ، [ و ] ليس يبارز الأحداث ، فاذهب فادعه إلى مبارزتي. فأتاهم فقال (3) : أمنوني فإني رسول (4). فأمنوه حتى انتهى إلى أبي الأعور.
    نصر : عمر بن سعد ، رجل (5) ، عن أبي زهير العبسي ، عن صالح بن سنان بن مالك ، عن أبيه قال : قلت له : إن الأشتر يدعوك إلى مبارزته. فسكت عني طويلا ثم قال : إن خفة الأشتر وسوء رأيه هو الذي دعاه إلى
    __________________
    (1) ح ( 1 : 291 ) : « لفعلت ».
    (2) في الأصل : « لذوي الأسنان » والوجه ما أثبت في ح. وانظر الطبري.
    (3) في الأصل : « فأتاه فقال » ، صوابه في ح.
    (4) ح : « أنا رسول فأمنوني ».
    (5) كذا في الأصل ، وليست في ح. ومعناه حدثني رجل.

    إجلاء عمال عثمان من العراق ، وافترائه عليه يقبح محاسنه ، ويجهل حقه ، ويظهر عداوته. ومن خفة الأشتر وسوء رأيه أنه سار إلى عثمان في داره وقراره ، فقتله فيمن قتله ، فأصبح مبتغى بدمه (1). لا حاجة لي في مبارزته. قال : قلت له : قد تكلمت فاستمع مني حتى أخبرك (2). قال : فقال : لا حاجة لي في جوابك ، ولا الاستماع منك. اذهب عني. وصاح بي أصحابه فانصرفت عنه. ولو سمع مني لأخبرته بعذر صاحبي وحجته. فرجعت إلى الأشتر فأخبرته أنه قد أبي المبارزة ، فقال : لنفسه نظر. قال : فتواقفنا حتى حجز بيننا وبينهم الليل ، وبتنا متحارسين. فلما أن أصبحنا نظرنا فإذا هم قد انصرفوا (3). قال : وصبحنا (4) على غدوة فسار نحو معاوية ، فإذا أبو الأعور السلمى قد سبق إلى سهولة الأرض ، وسعة المنزل ، وشريعة الماء ، مكان أفيح (5) ، وكان على مقدمة معاوية.
    نصر : عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن محمد بن علي ، وزيد بن حسن ، ومحمد ـ يعني ابن المطلب ـ قالوا : استعمل علي 7 ، على مقدمته الأشتر بن الحارث النخعي ، وسار علي في خمسين ومائة ألف من أهل العراق وقد خنست طائفة من أصحاب علي ، وسار معاوية في نحو من ذلك من أهل الشام ، واستعمل معاوية على مقدمته سفيان بن عمرو : أبا الأعور السلمي. فلما بلغ معاوية أن عليا يتجهز أمر أصحابه بالتهيوء. فلما استتب لعلي أمره
    __________________
    (1) مبتغى : مطلوبا. وفي ح والطبري : « متبعا ».
    (2) ح والطبري : « فاسمع حتى أجيبك ».
    (3) في الطبري : « قد انصرفوا من تحت؟؟ ليلتهم ».
    (4) في الأصل : « وأصبحنا » تحريف. وفي ح والطبري : « ويصبحنا على غدوة ».
    (5) الأفيح : الواسع. ح : « مكانا أفسح » ، محرف.

    سار بأصحابه ، فلما بلغ معاوية مسيره إليه سار بقضه وقضيضه نحو علي 7 ، واستعمل على مقدمته سفيان بن عمرو ، وعلى ساقته ابن أرطاة العامري ـ يعني بسرا (1) ـ فساروا حتى توافوا جميعا بقناصرين (2) إلى جنب صفين. فأتى الأشتر صاحب مقدمة معاوية وقد سبقه إلى المعسكر على الماء ، وكان الأشتر في أربعة آلاف من متبصري أهل العراق ، فأزالوا أبا الأعور عن معسكره ، وأقبل معاوية في جميع الفيلق (3) [ بقضه وقضيضه ] ، فلما رأى ذلك الأشتر انحاز إلى علي 7 وغلب معاوية على الماء ، وحال بين أهل العراق وبينه ، وأقبل علي 7 حتى إذا أراد المعسكر إذا القوم قد حالوا بينه وبين الماء.
    ثم رجع إلى الحديث بإسناده إلى الأول. ثم إن عليا 7 طلب موضعا لعسكره ، وأمر الناس أن يضعوا أثقالهم ـ وهم مائة ألف أو يزيدون ـ فلما نزلوا تسرع فوارس من فوارس علي على خيلهم إلى معاوية وكانوا في ثلاثين ومائة ـ ولم ينزل بعد معاوية ، فناوشوهم القتال واقتتلوا هويا (4).
    __________________
    (1) بعده في ح ( 1 : 291 ) : « وعلى الخيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، ودفع اللواء إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، وجعل على الميمنة حبيب بن مسلمة الفهري ، وعلى الميسرة عبد الله بن عمرو بن العاص ، وعلى الرجالة من الميسرة حابس بن سعيد الطائي وعلى خيل دمشق الضحاك بن قيس الفهري ، وعلى رجالة أهل دمشق يزيد بن أسد بن كرز البجلي ، وعلى أهل حمص ذا الكلاع ، وعلى أهل فلسطين مسلمة بن مخلد ». وسيأتي هذا الكلام في نهاية هذا الجزء الثالث من الكتاب.
    (2) لم يذكره ياقوت. وفي القاموس : « وقناصرين بالضم : موضع بالشام ».
    (3) في الأصل : « جمع الفيلق » صوابه في ح ( 1 : 325 ).
    (4) الهوى ، بفتح الهاء وكسر الواو وتشديد الياء : الحين الطويل من الزمان. وبالضم : السرعة ، يقال هوت الناقة تهوى هويا ، إذا عدت عدوا شديدا أرفع العدو.

    نصر : عمر بن سعد ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : كتب معاوية إلى علي 7 :
    « عافانا الله وإياك.
    ما أحسن العدل والإنصاف من عمل
    وأقبح الطيش ثم النفش في الرجل (1)

    [ وكتب بعده (2) ] :
    اربط حمارك لا ينزع سويته
    إذا يرد وقيد العير مكروب (3)

    ليست ترى السيد زيدا في نفوسهم
    كما تراه بنو كوز ومرهوب

    إن تسألوا الحق يعطى الحق سائله
    والدرع محقبة والسيف مقروب

    أو تأنفون فإنا معشر أنف
    لا نطعم الضيم إن السم مشروب »

    قال : وأمر علي 7 الناس ، فوزعوا عن القتال (4) حتى تأخذ
    __________________
    (1) قال ابن أبي الحديد في ( 1 : 326 ) : « والنفش كثرة الكلام والدعاوى. وأصله من نفش الصوف ».
    (2) التكملة من ح ( 1 : 325 ).
    (3) الأبيات لعبد الله بن عنمة الضبي : انظر الشعر وشرحه وترجمة قائله وجو الأبيات في المفضليات ( 2 : 182 طبع المعارف ).
    (4) وزعوا : كفوا.

    أهل المصاف مصافهم (1) ، ثم قال :
    أيها الناس ، هذا موقف من نطف فيه نطف يوم القيامة (2) ، ومن فلج فيه فلج يوم القيامة.
    ثم قال علي ، لما نزل معاوية بصفين :
    لقد أتاكم كاشرا عن نابه
    يهمط الناس على اعتزا به (3)

    فليأتنا الدهر بما أتى به
    وكتب علي إلى معاوية :
    فإن للحرب عراما شررا
    إنَّ عليها قائداً عَشَنْزَرا (4)

    ينصف من أجحر أو تنمرا
    على نواحيها مزجا زمجرا (5)

    __________________
    (1) ح ( 1 : 326 ) : « حتى أخذ أهل الشام مصافهم ».
    (2) يقال نطف ، كعلم ، ونطف بالبناء للمجهول : أي اتهم بريبة.
    (3) يهمط الناس ، أي يقهرهم ويخطبهم. والاعتزاب ، قال ابن أبي الحديد في ( 1 : 327 ) : « أي على بعده عن الإمارة والولاية على الناس ». وفي الأصل : « اغترابه » تحريف.
    (4) العشنزر : الشديد.
    (5) قال ابن أبي الحديد : « أجحر : ظلم الناس حتى ألجأهم إلى أن دخلوا جحرتهم أو بيوتهم. وتنمر : أي تنكر حتى صار كالنمر. يقول : هذا القائد الشديد القوى ينصف من يظلم الناس ويتنكر لهم ، أي ينصف منه. فحذف حرف الجر كقوله ( واختار موسى قومه ) أي من قومه. والمزج ، بكسر الميم : السريع النفوذ ، وأصله الرمح القصير كالمزراق. ورجل زمجر أي مانع حوزته ، والميم زائدة. ومن رواها : زمخرا ، بالخاء ، عني به المرتفع العالي الشأن ». في الأصل : « أحجم » وفي ح : « أحجر » بتقديم الحاء على الجيم في الرجز وفي شرحه ، وصوابهما بتقديم الجيم على الحاء وآخره راء كما أثبت.

    إذا ونين ساعة تغشمرا (1)
    وقال أيضا (2) :
    ألم تر قومي إذ دعاهم أخوهم
    أجابوا وإن يغضب على القوم يغضبوا

    هم حفظوا غيبي كما كنت حافظا
    لقومي أخرى مثلها إذ تغيبوا

    بنو الحرب لم يقعد بهم أمهاتهم ،
    وآباؤهم آباء صدق فأنجبوا

    فتراجع الناس إلى معسكرهم ، وذهب شباب من الناس وغلمانهم يستقون ، فمنهم أهل الشام.
    نصر ، عن عمر بن سعد ، عن يوسف بن يزيد ، عن عبد الله بن عوف ابن الأحمر قال : لما قدمنا على معاوية وأهل الشام بصفين ، وجدناهم قد نزلوا منزلا اختاروه ، مستويا (3) بساطا واسعا ، وأخذوا الشريعة فهي في أيديهم ، وقد صف أبو الأعور عليها الخيل والرجالة ، وقدم المرامية ومعهم أصحاب الرماح والدرق ، وعلى رؤوسهم البيض ، وقد أجمعوا أن يمنعونا الماء ، ففزعنا إلى أمير المؤمنين فأخبرناه بذلك ، فدعا صعصعة بن صوحان فقال :
    __________________
    (1) تغشمر : تنمر وأخذهم بالشدة لا يبالي.
    (2) الشعر لربيعة بن مشروم الطائي ، كما في ح ( 1 : 327 )
    (3) في الأصل : « اختار ولا مستويا » ، صوابه في ح.

    ائت معاوية فقل : إنا سرنا مسيرنا هذا ، وأنا أكره قتالكم قبل الإعذار إليكم ، وإنك قد قدمت بخيلك (1) فقاتلتنا قبل أن نقاتلك ، وبدأتنا بالقتال ، ونحن من رأينا (2) الكف حتى ندعوك ونحتج عليك. وهذه أخرى قد فعلتموها ، حتى حلتم بين الناس وبين الماء ، فخل بينهم وبينه حتى ننظر فيما بيننا وبينكم ، وفيما قدمنا له وقدمتم. وإن كان أحب إليك أن ندع ما جئنا له وندع الناس يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا. فقال معاوية لأصحابه (3) : ما ترون؟ قال الوليد بن عقبة : امنعهم الماء كما منعوه ابن عفان : حصروه أربعين يوما يمنعونه برد الماء ولين الطعام ، اقتلهم عطشا قتلهم الله! قال عمرو : خل بين القوم وبين الماء ؛ فإنهم لن يعطشوا وأنت ريان ، ولكن لغير الماء فانظر فيما بينك وبينهم. فأعاد الوليد مقالته ، وقال عبد الله ابن أبي سرح (4) ـ وهو أخو عثمان من الرضاعة ـ : امنعهم الماء إلى الليل ؛ فإنهم إن لم يقدروا عليه رجعوا ، وكان رجوعهم هزيمتهم. امنعهم الماء منعهم الله يوم القيامة. فقال صعصعة بن صوحان : إنما يمنعه الله يوم القيامة الكفرة الفجرة شربة الخمر ، ضربك وضرب هذا الفاسق (5) ـ يعني الوليد ابن عقبة ـ فتواثبوا إليه يشتمونه ويتهددونه. فقال معاوية : كفوا عن الرجل فإنه رسول.
    نصر : عمر بن سعد ، عن يوسف بن يزيد ، عن عبد الله بن عوف بن
    __________________
    (1) ح : « قدمت خيلك ».
    (2) ح : « ممن رأينا ».
    (3) ح : « فلما مضى صعصعة برسالته إلى معاوية قال معاوية لأصحابه ».
    (4) هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث بن حبيب ـ بالتصغير ـ بن حذافة ابن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي. وهو الذي افتتح إفريقية زمن عثمان وولي مصر بعد ذلك. ومات سنة تسع وخمسين في آخر عهد معاوية. الإصابة 4702. ح : « بن سعيد » تحريف.
    (5) الضرب ، هاهنا : المثل والشبيه.

    الأحمر ، أن صعصعة رجع إلينا فحدثنا بما قال معاوية وما كان منه وما رد عليه ، فقلنا : وما رد عليك معاوية؟ قال : لما أردت الانصراف من عنده قلت : ما ترد علي؟ قال : سيأتيكم رأيي. قال : فوالله ما راعنا إلا تسوية الرجال والخيل والصفوف ، فأرسل إلى أبي الأعور : امنعهم الماء. فازدلفنا والله إليهم ، فارتمينا واطعنا بالرماح ، واضطربنا بالسيوف فطال ذلك بيننا وبينهم ، فضاربناهم فصار الماء في أيدينا ، فقلنا : والله لا نسقيهم. فأرسل إلينا علي : خذوا من الماء حاجتكم ، وارجعوا إلى عسكركم (1) وخلوا بينهم وبين الماء ؛ فإن الله قد نصركم ببغيهم وظلمهم.
    نصر : عمر بن سعد ، عن رجل ، عن أبي حرة أن عليا قال : هذا يوم نصرتم فيه بالحمية.
    نصر ، محمد بن عبيد الله ، عن الجرجاني ، قال : فبقي أصحاب علي يوما وليلة ـ يوم الفرات ـ بلا ماء. وقال رجل من السكون من أهل الشام ، يعرف بالسليل بن عمرو (2) : يا معاوية :
    اسمع اليوم ما يقول السليل
    إن قولي قول له تأويل

    امنع الماء من صحاب علي
    أن يذوقوه ، والذليل ذليل

    واقتل القوم مثل ما قتل الشي‍
    خ ظما والقصاص أمر جميل (3)

    فوحق الذي يساق له البد
    ن هدايا لنحرها تأجيل (4)

    __________________
    (1) ح : « معسكركم » وهما سيان ، فإن العسكر كما يقال للجيش يقال أيضا لمجتمع الجيش كالمعسكر.
    (2) ح : « بالشليل بن عمرو » ، وكذا جاءت في الشعر.
    (3) ح : « صدى فالقصاص أمر جميل ».
    (4) التأجيل : تحديد الأجل. وفي التنزيل : ( كتابا مؤجلا ). ح : « هدايا كأنهن الفيول ».


    لو علي وصحبه وردوا الما
    ء لما ذقتموه حتى تقولوا : (1)

    قد رضينا بما حكمتم علينا
    بعد ذاك الرضا جلاد ثقيل

    فامنع القوم ماءكم ، ليس للقو
    م بقاء وإن يكن فقليل

    فقال معاوية : الرأي ما تقول ، ولكن عمرو لا يدعني (2). قال عمرو : خل بينهم وبين الماء ؛ فإن عليا لم يكن ليظمأ وأنت ريان ، وفي يده أعنة الخيل وهو ينظر إلى الفرات حتى يشرب أو يموت ، وأنت تعلم أنه الشجاع المطرق (3) ، ومعه أهل العراق وأهل الحجاز ، وقد سمعته أنا وأنت (4) وهو يقول : لو استمكنت من أربعين رجلا. فذكر أمرا. يعنى لو أن معي أربعين رجلا يوم فتش البيت. يعني بيت فاطمة.
    وذكروا أنه لما غلب أهل الشام على الفرات فرحوا بالغلبة فقال معاوية : يا أهل الشام ، هذا والله أول الظفر ، سقاني الله ولا سقى أبا سفيان إن شربوا منه أبدا حتى يقتلوا بأجمعهم عليه. وتباشر أهل الشام ، فقام إلى معاوية رجل من أهل الشام [ همداني ناسك ] ، يقال له المعري بن الأقبل وكان ناسكا ، وكان له ـ فيما تذكر همدان ـ لسان ، وكان صديقا ومواخيا لعمرو بن العاص ، فقال : يا معاوية ، سبحان الله ، ألان سبقتم القوم (5) إلى الفرات فغلبتموهم عليه تمنعونهم عنه؟ أما والله لو سبقوكم إليه لسقوكم منه. أليس أعظم ما تنالون من القوم أن تمنعونهم الفرات فينزلوا على فرضة أخرى فيجازوكم بما صنعتم؟ أما تعلمون أن فيهم العبد والأمة والأجير
    __________________
    (1) هذا البيت ساقط من ح.
    (2) ح : « ولكن عمرا يدري ».
    (3) انظر ما سبق ص 67 س 3.
    (4) ح ( 1 : 328 ) : وقد سمعته أنا مرارا.
    (5) في الأصل : « إن سبقتم القوم ». وأثبت ما في ح.

    والضعيف ومن لا ذنب له. هذا والله أول الجور. لقد شجعت الجبان ، وبصرت المرتاب ، وحملت من لا يريد قتالك على كتفيك. فأغلظ له معاوية ، وقال لعمرو : اكفني صديقك. فأتاه عمرو فأغلظ ، فقال الهمداني في ذلك :
    لعمرو أبي معاوية بن حرب
    وعمرو ما لدائهما دواء

    سوى طعن يحار العقل فيه
    وضرب حين يختلط الدماء

    فلست بتابع دين ابن هند
    طوال الدهر ما أرسى حراء

    لقد ذهب العتاب فلا عتاب
    وقد ذهب الولاء فلا ولاء

    وقولي في حوادث كل أمري (1)
    علي عمرو وصاحبه العفاء

    ألا لله درك يا ابن هند
    لقد برح الخفاء فلا خفاء (2)

    أتحمون الفرات على رجال
    وفي أيديهم الأسل الظماء

    وفي الأعناق أسياف حداد
    كأن القوم عندهم نساء (3)

    فترجو أن يجاوركم علي
    بلا ماء وللأحزاب ماء

    دعاهم دعوة فأجاب قوم
    كجرب الإبل خالطها الهناء

    قال : ثم سار الهمداني في سواد الليل ، فلحق بعلي. قال : ومكث أصحاب علي يوما وليلة بغير ماء ، واغتم علي بما فيه أهل العراق.
    نصر : محمد بن عبيد الله ، عن الجرجاني ، قال : خرج علي لما اغتم بما فيه أهل العراق من العطش قبل رايات مذحج ، وإذا رجل ينادي :
    أيمنعنا القوم ماء الفرات
    وفينا الرماح وفينا الحجف (4)

    __________________
    (1) ح : « كل خطب ».
    (2) يقال برح الخفاء بكسر الراء وفتحها : أي ظهر ما كان خافيا وانكشف. وفي الأصل : « ذهب الحياء فلا حياء » ، وأثبت ما في ح.
    (3) في الأصل : « عندكم » ، والصواب ما أثبت من ح.
    (4) الحجف : جمع حجفة ، وهي الترس من جلود الإبل يطارق بعضها ببعض. وانظر مقاييس اللغة ( حجف ).


    وفينا الشوازب مثل الوشيج
    وفينا السيوف وفينا الزغف (1)

    وفينا علي له سورة
    إذا خوفره الردى لم يخف

    فنحن الذين غداة الزبير
    وطلحة خضنا غمار التلف (2)

    فما بالنا أمس أسد العرين
    وما بالنا اليوم شاء النجف (3)

    فما للعراق وما للحجاز
    سوى اليوم يوم فصكوا الهدف (4)

    فدبوا إليهم كبزل الجمال
    دوين الذميل وفوق القطف (5)

    فإما تحلوا بشط الفرات
    ومنا ومنهم عليه الجيف

    وإما تموتوا على طاعة
    تحل الجنان وتحبو الشرف

    وإلا فأنتم عبيد العصا
    وعبد العصا مستذل نطف (6)

    قال : فحرك ذلك عليا ، ثم مضى إلى راية كندة (7) ، فإذا مناد ينادي إلى جنب منزل الأشعث (Cool وهو يقول :
    __________________
    (1) الشوازب : الخيل الضامرة. وفي الأصل : « الشوارب » وفي ح : « الشواذب » صوابه بالزاي كما أثبت. والوشيج : أراد به الرماح ، وأصل الوشيج شجر الرماح. وشبه الخيل بالرماح في دقتها وضمرها. انظر المفضليات ( 2 : 180 ). والزغف : جمع زغفة ، وهي الدرع الواسعة الطويلة ، والغين تسكن وتحرك في المفرد والجمع.
    (2) يشير إلى وقعة الجمل.
    (3) النجف ، بفتح النون والجيم ، قال ابن الأعرابي. « هو الحلب الجيد حتى ينفض الضرع » انظر خزانة البغدادي ( 1 : 529 ) ومروج الذهب ( 2 : 18 ) حيث أنشد بعض هذه الأبيات.
    (4) الصك : الضرب. ح : « سوا الشام خصم ».
    (5) الذميل والقطف : ضربان من السير.
    (6) عبيد العصا ، يقال للقوم إذا استذلوا. قال امرؤ القيس :
    قولا لدودان عبيد العصا
    ما غركم بالأسد الباسل

    وفي الأصل : « عبيد الرشاء * وعبد الرشا » صوابه في ح ( 1 : 328 ). والنطف : المريب المعيب.
    (7) ح : « رايات كندة ».
    (Cool في مروج الذهب ( 2 : 18 ) : « وألقى في فسطاط الأشعث بن قيس رقعة فيها » وأنشد البيتين الأولين.


    لئن لم يجل الأشعث اليوم كربة
    من الموت فيها للنفوس تعنت (1)

    فنشرب من ماء الفرات بسيفه
    فهبنا أناسا قبل كانوا فموتوا

    فإن أنت لم تجمع لنا اليوم أمرنا
    وتلق التي فيها عليك التشتت (2)

    فمن ذا الذي تثني الخناصر باسمه
    سواك ومن هذا إليه التلفت

    وهل من بقاء بعد يوم وليلة
    نظل عطاشا والعدو يصوت (3)

    هلموا إلى ماء الفرات ودونه
    صدور العوالي والصفيح المشتت

    وأنت امرؤ من عصبة يمنية
    وكل امرئ من غصنه حين ينبت

    فلما سمع الأشعث قول الرجل أتى عليا من ليلته ، فقال : يا أمير المؤمنين أيمنعنا القوم ماء الفرات وأنت فينا ، ومعنا السيوف؟ خل عنا وعن القوم ، فوالله لا نرجع حتى نرده أو نموت. ومر الأشتر فليعل بخيله فيقف حيث تأمره (4). فقال : ذاك إليكم (5). فرجع الأشعث ، فنادى في الناس : من كان يريد [ الماء أو ] الموت فميعاده الصبح (6) ؛ فإني ناهض إلى الماء. فأتاه من ليلته اثنا عشر ألف رجل (7) وشد عليه سلاحه وهو يقول :
    ميعادنا اليوم بياض الصبح
    هل يصلح الزاد بغير ملح

    لا لا ، ولا أمر بغير نصح
    دبوا إلى القوم بطعن سمح

    __________________
    (1) التعنت ، من قولهم تعنت فلان فلانا : إذا أدخل عليه الأذى. وفي الأصل : « تفتت » ، وفي مروج الذهب : « تعلت » صوابهما ما أثبت.
    (2) ح : « المذلة ».
    (3) ح « نظل خفوتا ».
    (4) في الأصل : « ومر الأشتر فليعلو بخيله فيقف حين أمره » ، صوابه من ح.
    (5) في الأصل : « إليك » وأثبت ما في ح.
    (6) ح : « فميعاده موضع كذا ».
    (7) ح : « فأتاه اثنا عشر ألفا من كندة وأفناء قحطان واضعي سيوفهم على عواتقهم ».


    مثل العزالى بطعان نفح (1)
    لا صلح للقوم وأين صلحي

    حسبي من الإقحام قاب رمح
    فلما أصبح دب في الناس وسيوفهم على عواتقهم ، وجعل يلقى رمحه ويقول : بأبي أنتم وأمي ، تقدموا قاب رمحي (2) [ هذا ]. فلم يزل ذلك دأبه حتى خالط القوم وحسر عن رأسه ونادى : أنا الأشعث بن قيس ، خلوا عن الماء. فنادى أبو الأعور السلمي : أما والله لا ، حتى تأخذنا وإياكم السيوف. فقال : قد والله أظنها دنت منا. وكان الأشتر قد تعالى بخيله حيث أمره علي ، فبعث إليه الأشعث أن أقحم الخيل. فأقحمها حتى وضع سنابكها في الفرات ، وأخذت القوم السيوف فولوا مدبرين.
    نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر ، عن زيد بن حسين (3) قال : نادى الأشعث عمرو بن العاص ، قال : ويحك يا ابن العاص ، خل بيننا وبين الماء ، فوالله لئن لم تفعل ليأخذنا وإياكم السيوف. فقال عمرو : والله لا نخلي عنه حتى تأخذنا السيوف وإياكم ، فيعلم ربنا أينا اليوم أصبر. فترجل الأشعث والأشتر (4) وذوو البصائر من أصحاب علي ، وترجل معهما اثنا عشر ألفا ، فحملوا على عمرو ومن معه من أهل الشام (5) فأزالوهم عن الماء حتى غمست خيل علي سنابكها في الماء.
    نصر : روى سعد أن عليا قال ذلك اليوم : هذا يوم نصرتم فيه بالحمية (6). ثم إن عليا عسكر هناك. وقبل ذاك قال شاعر أهل العراق :
    __________________
    (1) العزالي : جمع عزلاء ، بالفتح ، وهي فم المزادة. شبه بها اتساع الطعنة واندفاق الدماء منها. والنفح : الدفع. وطعنة نفاحة : دفاعة بالدم.
    (2) في الأصل : « قاب رمح » وأثبت ما في ح. قاب رمحي : أي قدره.
    (3) ح : « عن أبي جعفر وزيد بن الحسن ».
    (4) ح : « فالأشتر » بالفاء.
    (5) ح : « على عمرو وأبي الأعور ومن معهما من أهل الشام ».
    (6) انظر ما سبق في ص 162 س 9 ـ 10.



    ألا يتقون الله أن يمنعوننا الـ
    فرات وقد يروي الفرات الثعالب

    وقد وعدونا الأحمرين فلم نجد
    لهم أحمرا إلا قراع الكتائب (1)

    إذا خفقت راياتنا طحنت لها
    رحى تطحن الأرحاء والموت طالب (2)

    فتعطي إله الناس عهدا نفي به
    لصهر رسول الله حتى نضارب

    وكان بلغ [ أهل ] الشام أن عليا جعل للناس إن فتحت الشام أن يقسم بينهم البر والذهب ـ وهما الأحمران (3) ـ وأن يعطيهم خمسمائة كما أعطاهم بالبصرة (4) ، فنادى منادي أهل الشام (5) ؛ يا أهل العراق [ لماذا نزلتم بعجاج من الأرض (6)؟ نحن أزد شنوءة لا أزد عمان. يا أهل العراق ] :
    لا خمس إلا جندل الإحرين (7)
    والخمس قد يحمل الأمرين (Cool

    __________________
    (1) الأحمران ، سيأتي تفسيرهما بعد الشعر.
    (2) الأرحاء ، هاهنا : القبائل المستقلة ، واحدتها رحى.
    (3) فسرا في المعاجم بأنهما اللحم والخمر ، أو الذهب والزعفران. أما تفسيرهما بالبر والذهب فلم أجده إلا هاهنا. وفي ح : « التبر والذب » ولا إخال « التبر » إلا تحريفا.
    (4) لما فرغ علي من بيعة أهل البصرة بعد وقعة الجمل نظر في بيت المال فإذا فيه ستمائة ألف وزيادة ، فقسمها على من شهد معه ، فأصاب كل رجل منهم خمسمائة خمسمائة ، وقال : لكم إن أظفركم الله عز وجل بالشام مثلها إلى أعطياتكم ، انظر الطبري ( 4 : 223 ).
    (5) في اللسان ( حرر ) : « أنشد ثعلب لزيد بن عتاهية التميمي ، وكان زيد المذكور لما عظم البلاء بصفين قد انهزم ولحق بالكوفة .... فلما قدم زيد على أهله قالت له ابنته : أين خمس المائة؟ فقال :
    إن أباك فر يوم صفين
    لما رأى عكا والأشعريين

    وقيس عيلان الهوازنيبن؟؟
    وابن نمر في سراة الكنديين

    وذا الكلاع سيد اليمانين
    وحابسا يستن في الطائيين

    قال لنفس السوء هل تفرين
    لا خمس إلا جندل الإحرين

    والخمس قد جشمك الأمرين
    جمزا إلى الكوفة من قنسرين ».

    (6) العجاج ، أراد به الأرض الخبيثة. وأصل العجاج من الناس الغوغاء والأراذل ومن لا خير فيه.
    (7) لا خمس ، أراد لا خمسمائة. والجندل : جمع جندلة ، وهي الحجارة يقلها الرجل. والإحرين بكسر أوله وفتح ثانيه : الحرار من الأرض ، كأنها جمع إحرة ، ولم يتكلموا بهذه. وهي من ملحقات الجمع السالم كالإوزين والأرضين والسنين. والحرار : جمع حرة ، وهي أرض ذات حجارة سود نخرات. والمعنى : ليس لك اليوم إلا الحجارة والخيبة.
    (Cool الأمرين : الشعر والأمر العظيم ، يقال بكسر الراء وفتحها ، كما في القاموس.

    جمزا إلى الكوفة من قنسرين (1)
    نصر : أبو عبد الرحمن المسعودي ، عن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه ، عن عمرو بن العاص :
    لا خمس إلا جندل الإحرين
    والخمس قد يجشمك الأمرين (2)

    نصر : قال عمرو بن شمرو (4) ، عن جابر قال : سمعت تميما الناجي (3) قال سمعت الأشعث بن قيس يقول ـ يوم حال عمرو بن العاص بيننا وبين الفرات ـ : ويحك يا عمرو ، والله إن كنت لأظن لك رأيا فإذا أنت لا عقل لك ، أترانا نخليك والماء ، تربت يداك وفمك ، أما علمت أنا معشر عرب ، ثكلتك أمك وهبلتك ، لقد رمت أمر عظيما. فقال له عمرو : أما والله لتعلمن اليوم أنا سنفي بالعهد ، ونقيم على العقد ، ونلقاك بصبر وجد (5). فناداه الأشتر : والله لقد نزلنا هذه الفرضة يابن العاص ، والناس تريد القتال ، على البصائر والدين ، وما قتالنا سائر اليوم إلا حمية.
    ثم كبر الأشعث وكبر الأشتر ، ثم حملا فما ثار الغبار حتى انهزم أهل الشام.
    __________________
    (1) الجمز : ضرب من السير السريع. وفي الأصل : « حمزك من الكوفة إلى قنسرين » وكتب بجواره : « خ : يجزيك من كوف إلى قنسرين » إشارة إلى أنه كذلك في نسخة أخرى. وصواب هذه الأخيرة : « جمزك » وهذا البيت الأخير ساقط من ح ( 1 : 329 ). وانظر الاشتقاق لابن دريد 85 جوتنجن 136 من تحقيقنا.
    (2) كتب إلى جوارها في الأصل : « خ : قد يحمل الأمرين ».
    (3) هو عمرو بن شمر الجعقي الكوفي الشيعي ، أبو عبد الله. يروى عن جعفر بن محمد وجابر الجعفي ، والأعمش. انظر لسان الميزان ( 4 : 366 ). ح : « عمر بن شمر » تحريف.
    (4) هو تميم بن حذلم بالحاء المهملة والذال المعجمة وزان جعفر ـ ويقال حذيم ـ الناجي الضبي. الكوفي ، أبو سلمة ، شهد مع علي وكان من خواصه. قال ابن حجر : « ثقة ، مات سنة مائة ». انظر منتهى المقال 70 والقاموس « حذلم » وتهذيب التهذيب والتقريب.
    (5) ح ( 1 : 329 ) : « ونحكم العقد ونلقاهم بصبر وجد ».

    [ قالوا ] : فلقى عمرو بن العاص بعد ذلك (1) الأشعث بن قيس فقال : أي أخا كندة ، أما والله لقد أبصرت صواب قولك يوم الماء ، ولكني كنت مقهورا على ذلك الرأي ، فكايدتك بالتهدد ، والحرب خدعة.
    ثم إن عمرا أرسل إلى معاوية : أن خل بين القوم وبين الماء ، أترى القوم يموتون عطشا وهم ينظرون إلى الماء؟ فأرسل معاوية إلى يزيد بن أسد [ القسري ] : أن خل بين القوم وبين الماء يا أبا عبد الله. فقال يزيد ـ وكان شديد العثمانية ـ كلا والله (2) ، لنقتلنهم عطشا كما قتلوا أمير المؤمنين.
    نصر ، عمرو بن شمر ، عن إسماعيل السدي قال : سمعت بكر بن تغلب السدوسي يقول : والله لكأني أسمع الأشتر وهو يحمل على عمرو بن العاص يوم الفرات ، وهو يقول :
    ويحك يا ابن العاصي
    تنح في القواصي

    واهرب إلى الصياصي (3)
    اليوم في عراص (4)

    نأخذ بالنواصي
    لا نحذر التناصي (5)

    نحن ذوي الخماص (6)
    لا نقرب المعاصي

    في الأدرع الدلاص
    في الموضع المصاص (7)

    __________________
    (1) ح : « بعد انقضاء صفين ».
    (2) في الأصل : « كلا والله يا أم عبد الله ». وهي عبارة تحتمل أن تكون من إقحام الناسخ ، أو من تهكم يزيد بن أسد بمعاوية ، كما أشار إلى ذلك ناشر الأصل. لكن عدم إثباتها في ح يؤيد أنها مقحمة في الكتاب.
    (3) الصياصي : الحصون وكل شيء امتنع به.
    (4) العراص ، بالكسر : جمع عرصة ، بالفتح ، وهي الساحة.
    (5) التناصي : أن يأخذ كل منهما بناصية الآخر. وفي الأصل : « القصاص » تحريف.
    (6) الخماص : الضوامر ، أراد بها الخيل.
    (7) الدلاص : البراقة الملساء اللينة ، تقال للواحد والجمع. والمصاص ، بالضم : أخلص كل شيء.

    فأجابه عمرو بن العاص :
    ويحك يا ابن الحارث (1)
    أنت الكذوب الحانث

    أنت الغرير الناكث (2)
    أعد مال الوارث

    وفي القبور ماكث
    عمرو بن شمر (3) ، عن إسماعيل السدي ، عن بكر بن تغلب (4) قال : حدثني من سمع الأشتر يوم الفرات ، وقد كان له يومئذ غناء عظيم من أهل العراق (5) ، وهو يقول :
    اليوم يوم الحفاظ
    بين الكماة الغلاظ

    نحفزها والمظاظ (6)
    قال : ثم قال : وقد قتل من آل ذي لقوة (7) ، وكان يومئذ فارس أهل الأردن ، وقتل رجال من آل ذي يزن.
    نصر : فحدثني عمرو بن شمر ، عن إسماعيل السدي ، عن بكر بن تغلب قال : حدثني من سمع الأشعث يوم الفرات وقد كان له غناء عظيم من أهل العراق وقتل رجالا من أهل الشام بيده ، وهو يقول : والله إن كنت لكارها قتال أهل الصلاة ، ولكن معي من هو أقدم مني في الإسلام ، وأعلم بالكتاب
    __________________
    (1) ابن الحارث ، هو الأشتر. واسمه مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن مسلمة بن ربيعة بن الحارث بن جذيمة ، تنتهي نسبته إلى النخع. انظر الاشتقاق ص 241 والمعارف 84.
    (2) الغرير : الدي لم يجرب الأمور. وفي الأصل : « العزيز » تحريف.
    (3) في الأصل : « عمر بن شمر » تحريف. وقد تقدمت ترجمة عمرو في ص 169.
    (4) في الأصل : « بحر بن تغلب » وأثبت ما اتفق عليه الأصل وح في الموضع التالي.
    (5) في الأصل : « من أهل العراق » والوجه ما أثبت من ح ( 1 : 329 ).
    (6) الحفز : الطعن بالرمح. والمظاظ : المخاصمة والمنازعة.
    (7) كذا وردت العبارة ناقصة في الأصل ، ولم ترد في مظنها من ح.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

            وقعة صفين Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة صفين           وقعة صفين Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 10:05 am

    والسنة ، وهو الذي يسخي بنفسه (1).
    نصر ، عن عمر بن سعد ، عن رجل من آل خارجة بن الصلت ، أن ظبيان بن عمارة التميمي ، جعل يومئذ يقاتل وهو يقول (2) :
    مالك يا ظبيان من بقاء
    في ساكن الأرض بغير ماء (3)

    لا ، وإله الأرض والسماء
    فاضرب وجوه الغدر الأعداء

    بالسيف عند حمس الوغاء (4)
    حتى يجيبوك إلى السواء

    قال : فضربناهم والله حتى خلونا وإياه.
    نصر : عمر بن سعد بإسناده قال. طال بيننا وبين أهل الشام القتال ، فما أنسى قول عبد الله بن عوف [ بن ] الأحمر (5) ، يوم الفرات ، وكان من فرسان علي ، وهو يضربهم بالسيف وهو يقول :
    خلوا لنا عن الفرات الجاري
    أو اثبتوا للجحفل الجرار

    لكن قرم مستميت شار (6)
    مطاعن برمحه كرار

    ضراب هامات العدى مغوار
    قال : ثم إن الاشتر دعا الحارث بن همام النخعي ثم الصهباني (7) فأعطاه
    __________________
    (1) السخاء : الجود ، يقال سخي كسعى ودعا ورضى. وفي الأصل : « بنفسي » وأثبت ما في ح (1 : 330 ).
    (2) الرجز في تاريخ الطبري ( 5 : 240 ) مطابق لهذه الرواية.
    (3) ح ( 1 : 33 ) : « وحمل ظبيان بن عمارة التيمي على أهل الشام وهو يقول :
    هل لك يا ظبيان من بقاء
    في ساكني الأرض بغير ماء ».

    (4) الوغى : الحرب ، مقصور ، وقد مده هنا للشعر. ح : « الهيجاء ».
    (5) في الطبري : « عبد الله بن عوف بن الأحمر الأزدي » ، والتكملة هاهنا من الطبري ومما سبق في 160 ، 161.
    (6) القرم بالفتح ، هو من الرجال السيد المعظم. وفي الأصل : « قوم » صوابه في الطبري. والشاري : البائع ، أي الذي يبيع نفسه لله ، ومن ذلك سمي الخوارج شراة لأنهم زعموا أنهم باعوا أنفسهم لله بالجنة.
    (7) الصهباني ، نسبة إلى صهبان بالضم ، وهم قبيلة من النخع ، منهم كميل بن زياد صاحب علي بن أبي طالب. انظر الاشتقاق 242.

    لواءه ثم قال : يا حارث ، لولا أتى أعلم أنك تصبر عند الموت لأخذت لوائي. منك ولم أحبك بكرامتي (1). قال : والله يا مالك لأسرنك اليوم أو لأموتن ، فاتبعني فتقدم [ باللواء ] وهو يقول (2) :
    يا أشتر الخير ويا خير النخع
    وصاحب النصر إذا عم الفزع (3)
    وكاشف الأمر إذا الأمر وقع
    ما أنت في الحرب العوان بالجذع (4)
    قد جزع القوم وعموا بالجزع
    وجرعوا الغيظ وغصوا بالجرع
    إن تسقنا الماء فما هي بالبدع (5)
    أو نعطش اليوم فجند مقتطع (6)
    ما شئت خذ منها وما شئت فدعفقال الأشتر : ادن مني يا حارث. فدنا منه فقبل رأسه وقال : لا يتبع رأسه اليوم إلا خير (7). ثم قام الأشتر يحرض أصحابه يومئذ ويقول :
    __________________
    (1) الحباء : ما يحبو به الرجل صاحبه ويكرمه به ، تقول : حبوته أحبوه حباء. وفي الأصل : « لم أجبك ». وفي ح : « لم أحيك » صوابهما ما أثبت.
    (2) القائل هو الحارث بن همام النخعي. وفي مروج الذهب ( 2 : 18 ) : « فصار يؤم الأشعث صاحب رايته ، وهو رجل من النخع ، يرتجز ويقول ».
    (3) في مروج الذهب : « إذا عال الفزع ».
    (4) الحرب العوان : التي حورب فيها مرة بعد مرة. والجذع : الصغير السن. قال الليث : « الجذع من الدواب والأنعام قبل أن يثني بسنة ». وفي الأصل : « بالخدع » ، والخدع بفتح فكسر : الكثير الخداع. ولا وجه له هنا. وأثبت ما في ح.
    (5) في مروج الذهب : « فما هو بالبدع ».
    (6) في الأصل : « فجد يقتطع » صوابه في ح.
    (7) الخير ، بالفتح وكسيد : الكثير الخير. في الأصل : « لا يتبع هذا اليوم إلا خيرا » وأثبت ما في ح.

    فدتكم نفسي ، شدوا شدة المحرج الراجي الفرج ، فإذا نالتكم الرماح فالتووا فيها ، وإذا عضتكم السيوف فليعض الرجل نواجذه فإنه أشد لشئون الرأس ، ثم استقبلوا القوم بهاماتكم. قال : وكان الأشتر يومئذ على فرس له محذوف أدهم كأنه حلك الغراب (1).
    نصر ، عن عمرو بن شمر (2) ، عن جابر ، عن عامر ، عن الحارث بن أدهم ، عن صعصعة بن صوحان قال : قتل الأشتر في تلك المعركة سبعة ، وقتل الأشعث فيها خمسة ، ولكن أهل الشام لم يثبتوا. فكان الذين قتلهم الأشتر صالح بن فيروز العكي ، ومالك بن أدهم السلماني ، ورياح بن عتيك الغساني (3) ، والأجلح بن منصور الكندي ـ وكان فارس أهل الشام ـ وإبراهيم بن وضاح الجمحي ، وزامل بن عبيد الحزامي ، ومحمد بن روضة الجمحي.
    نصر : فأول قتيل قتل الأشتر ذلك اليوم بيده من أهل الشام رجل يقال له صالح بن فيروز ، وكان مشهورا بشدة البأس ، فقال وارتجز على الأشتر :
    يا صاحب الطرف الحصان الأدهم
    أقدم إذا شئت علينا أقدم

    أنا ابن ذي العز وذي التكرم
    سيد عك كل عك فاعلم

    فبرز إليه الأشتر وهو يقول :
    آليت لا أرجع حتى أضربا
    بسيفي المصقول ضربا معجبا

    أنا ابن خير مذحج مركبا
    من خيرها نفسا وأما وأبا (4)

    قال : ثم شد عليه بالرمح فقتله وفلق ظهره ، ثم رجع إلى مكانه ،
    __________________
    (1) المحذوف : المقطوع الذنب. وحلك الغراب : شدة سواده.
    (2) في الأصل : « عمر بن شمر » تحريف. وانظر ترجمته في ص 169.
    (3) في الأصل : « رماح بن عتيك الغساني » وأثبت ما في ح.
    (4) روى هذا البيتان في ح ( 1 : 330 ) مقدمين على البيتين السابقين.

    ثم خرج إليه فارس آخر يقال له مالك بن أدهم السلماني ـ وكان من فرسان أهل الشام ـ وهو يقول :
    إني منحت مالكا سنانيا (1)
    أجيبه بالرمح إذ دعانيا

    لفارس أمنحه طعانيا
    ثم شد على الأشتر فلما رهقه (2) التوى الأشتر على الفرس ، ومار السنان فأخطأه (3) ، ثم استوى على فرسه وشد عليه بالرمح وهو يقول :
    خانك رمح لم يكن خوانا
    وكان قدما يقتل الفرسانا

    لويته لخير ذي قحطانا
    لفارس يخترم الأقرانا

    أشهل لا وغلا ولا جبانا (4)
    فقتله ثم خرج فارس آخر يقال له رياح بن عتيك (5) وهو يقول :
    إني زعيم مالك بضرب
    بذي غرارين ، جميع القلب (6)

    عبل الذراعين شديد الصلب
    وقال بعضهم : « شديد العصب ». فخرج إليه الأشتر وهو يقول :
    رويد لا تجزع من جلادي
    جلاد شخص جامع الفؤاد (7)

    يجيب في الروع دعا المنادي
    يشد بالسيف على الأعادي

    __________________
    (1) في الأصل : « منحت صالحا » تحريف. ومالك ، هو مالك بن الحارث ، المعروف بالأشتر النخعي. الإصابة 8335 وتهذيب التهذيب ومعجم المرزباني 362.
    (2) رهقه : غشيه أو لحقه أو دنا منه.
    (3) مار يمور مورا : اضطرب.
    (4) الأشهل ، من الشهلة وهي أقل من الزرق في الحدقة وأحسن منه. والوغل : الضعيف النذل الساقط.
    (5) في الأصل : « رياح بن عبيدة » ، وفي ح : « رياح بن عقيل » وأثبت ما سبق في ص 174.
    (6) جميع القلب : مجتمعه لم يتفرق عليه.
    (7) لا تجزع ، أراد لا تجزعن ، بنون التوكيد الخفيفة.

    فشد عليه فقتله. ثم خرج إليه فارس آخر يقال له إبراهيم بن الوضاح وهو يقول :
    هل لك يا أشتر في برازي
    براز ذي غشم وذي اعتزاز

    مقاوم لقرنه لزاز (1)
    فخرج إليه الأشتر وهو يقول :
    نعم نعم أطلبه شهيدا
    معي حسام يقصم الحديدا

    يترك هامات العدى حصيدا
    فقتله. ثم خرج إليه فارس آخر يقال له زامل بن عتيك الحزامي (2) ، وكان من أصحاب الألوية ، فشد عليه وهو يقول :
    يا صاحب السيف الخضيب المرسب (3)
    وصاحب الجوشن ذاك المذهب (4)
    هل لك في طعن غلام محرب (5)
    يحمل رمحا مستقيم الثعلب
    ليس بحياد ولا مغلب
    __________________
    (1) اللزاز : الشديد الخصومة ، اللزوم لما يطالب. ويقال أيضا لزه لزا : طعنه.
    (2) في الأصل : « أزمل » تحريف. وسبق في ص 174 : « زامل بن عبيد » وفي ح : « زامل بن عقيل ».
    (3) المرسب ، من قولهم سيف رسب ورسوب : ماض يغيب في الضريبة « وكان سيف خالد بن الوليد يسمى مرسبا ». وفي الأصل : « المرزبي » ولا وجه له.
    (4) الجوشن : زرد يلبس على الصدر والحيزوم.
    (5) المحرب والمحراب : الشديد الحرب الشجاع.

    فطعن الأشتر في موضع الجوشن فصرعه عن فرسه ولم يصب مقتلا ، وشد عليه الأشتر [ راجلا ] فكسف قوائم الفرس بالسيف (1) وهو يقول :
    لا بد من قتلي أو من قتلكما
    قتلت منكم خمسة من قبلكما

    وكلهم كانوا حماة مثلكا
    ثم ضربه بالسيف وهما رجلان (2) ، ثم خرج إليه فارس يقال له الأجلح ، وكان من أعلام العرب وفرسانها ، وكان على فرس يقال له لاحق ، فلما استقبله الأشتر كره لقاءه واستحيا أن يرجع ، فخرج إليه وهو يقول :
    أقدم باللاحق لا تهلل (3)
    على صمل ظاهر التسلل (4)

    كأنما يقشم مر الحنظل (5)
    إن سمته خسفا أبي أن يقبل

    وإن دعاه القرن لم يعول (6)
    يمشي إليه بحسام مفصل

    مشيا رويدا غير ما مستعجل
    يخترم الآخر بعد الأول

    فشد عليه الأشتر وهو يقول :
    بليت بالأشتر ذاك المذحجي
    بفارس في حلق مدجج

    __________________
    (1) الكسف : القطع. وفي الحديث « أن صفوان كسف عرقوب راحلته » ، أي قطعه بالسيف. وفي الأصل : « فكتف » بالتاء ، وفي ح : « فكشف » بالشين ، صوابهما بالسين المهملة كما أثبت.
    (2) الرجل ، بالفتح وكمفرح وندس : الراجل ، وهو خلاف الراكب. ح : « وهما راجلان » وكلاهما صحيح.
    (3) أقدم : أمر من الإقدام ، وأصله أقدمن بنون التوكيد الخفيفة حذفت للضرورة وبقيت الفتحة ، كما في قول طرفة :
    اضرب عنك الهموم طارقها
    ضربك بالسيف قونس الفرس

    انظر شرح شواهد المغني 315. والتهليل : النكوص والإحجام.
    (4) الصمل ، كعتل : الشديد الخلق العظيم.
    (5) القشم ، بالشين المعجمة : الأكل. وفي الأصل : « يقسم » تحريف. وأكل الحنظل مثل في شدة العداوة. انظر البيت 13 من المفضلية 40 طبع المعارف.
    (6) التعويل : رفع الصوت بالبكاء والصياح. وفي الأصل : « لم يقول » ولا وجه له.


    كالليث ليث الغابة المهيج
    إذا دعاه القرن لم يعرج

    فضربه. ثم خرج إليه محمد بن روضة ، وهو يضرب في أهل العراق ضربا منكرا ، وهو يقول :
    يا ساكني الكوفة يا أهل الفتن
    يا قاتلي عثمان ذاك المؤتمن

    ورث صدري قتله طول الحزن (1)
    أضربكم ولا أرى أبا حسن

    فشد عليه الأشتر وهو يقول :
    لا يبعد الله سوى عثمانا
    وأنزل الله بكم هوانا

    ولا يسلي عنكم الأحزانا
    مخالف قد خالف الرحمانا

    نصرتموه عابدا شيطانا
    ثم ضربه فقتله. وقالت أخت الأجلح بن منصور الكندي حين أتاها مصابه ، وكان اسمها حبلة بنت منصور :
    ألا فابكي أخا ثقة
    فقد والله أبكينا (2)

    لقتل الماجد القمقا
    م لا مثل له فينا

    أتانا اليوم مقتله
    فقد جزت نواصينا

    كريم ماجد الجدي‍
    ن يشفي من أعادينا

    وممن قاد جيشهم
    على والمضلونا (3)

    شفانا الله من أهل ال‍
    عراق فقد أبادونا (4)

    أما يخشون ربهم
    ولم يرعوا له دينا

    __________________
    (1) ح ( 1 : 330 ) : « أورث قلبي قتله طول الحزن ».
    (2) في الأصل : « أبلينا » صوابه في ح ( 1 : 331 ).
    (3) البيت لم يرو في ح. وفي الأصل : « والمصلونا » وهي إنما تهجو أصحاب علي رضي الله عنه.
    (4) في الأصل : « قد أبادونا » ، وأثبت ما في ح.

    نصر ، قال : قال عمرو قال جابر : بلغني أنها ماتت حزنا على أخيها. وقال أمير المؤمنين حين بلغه مرثيتها أخاها : أما إنهن ليس بملكهن ما رأيتم من الجزع (1) ، أما إنهم قد أضروا بنسائهم فتركوهن [ أيامي ] خزايا (2) [ بائسات ] ، من قبل ابن آكلة الأكباد (3). اللهم حمله آثامهم وأوزارهم وأثقالا مع أثقالهم (4).
    وأصيب يوم الوقعة العظمى حبيب بن منصور ، أخو الأجلح ـ وكان من أصحاب الرايات ـ وجاء برأسه رجل من بجيلة قد نازعه في سلبه رجل من من همدان ، كل واحد منها يزعم أنه قتله ، فأصلح علي بينهما وقضى بسلبه للبجلي ، وأرضى الهمداني.
    نصر ، عن عمرو بن [ شمر ، عن ] جابر ، عن الشعبي ، عن الحارث بن أدهم ، عن صعصعة قال : ثم أقبل الأشتر يضرب بسيفه جمهور الناس حتى كشف أهل الشام عن الماء وهو يقول :
    لا تذكروا ما قد مضى وفاتا
    والله ربي باعث أمواتا (5)

    من بعد ما صاروا صدى رفاتا (6)
    لأوردن خيلي الفراتا

    شعث النواصي أو يقال ماتا (7)
    __________________
    (1) ليس بملكهن : أي إن ما بدا عليهن من الجزع خارج عن إرادتهن. وفي الأصل : « ليس يملكن » وأثبت ما في ح.
    (2) الخزايا : جمع خزيا ، وهي التي عملت قبيحا فاشتد لذلك حياؤها. ح : « حزاني ».
    (3) آكلة الأكباد يعني بها هندا بنت عتبة بن ربيعة. وهي أم معاوية. يروى أنها بقرت عن كبد حمزة فلاكتها ، وقالت :
    شفيت من حمزة نفسي بأحد
    حتى بقرت بطنه عن الكبد

    انظر السيرة 581 جوتنجن.
    (4) ح : « مع أثقاله ».
    (5) في ح : « باعث الأمواتا ».
    (6) الصدى : ما يبقى من الميت في قبره. وفي الأصل : « كذا ».
    (7) انظر مروج الذهب ( 2 : 18 ).

    وكان لواء الأشعث مع معاوية بن الحارث ، فقال له الأشعث : لله أنت! ليس النخع بخير من كندة ، قدم لواءك [ فإن الحظ لمن سبق ]. فتقدم صاحب اللواء ، وهو يقول :
    أنعطش اليوم وفينا الأشعث
    والأشعث الخير كليث يعبث

    فأبشروا فإنكم لن تلبثوا
    أن تشربوا الماء فسبوا وارفثوا

    من لا يرده والرجال تلهث
    وقال الأشعث : إنك لشاعر ، وما أنعمت لي بشرى. وكره أن يخلط الأشتر به ، فنادى الأشعث : أيها الناس ، إنما الحظ لمن سبق.
    قال : وحمل عمرو العكى من أصحاب معاوية ، وهو يقول :
    ابرز إلى ذا الكبش يا نجاشي
    اسمى عمرو وأبو خراش

    وفارس الهيجاء ، بانكماشي
    تخبر عن بأسي واحر نفاشي (1)

    فشد عليه النجاشي وهو يقول :
    أرود قليلا فأنا النجاشي
    من سرو كعب ليس بالرقاشي

    أخو حروب في رباط الجاش
    ولا أبيع اللهو بالمعاش

    أنصر خير راكب وماش
    أعني عليا بين الرياش

    من خير خلق الله في نشناش (2)
    مبرأ من نزق الطياش

    بيت قريش لا من الحواشي
    ليت عرين للكباش غاش (3)

    __________________
    (1) الاحر نفاش : التقبض والتهيؤ للشر. وفي الأصل : « يخبر باني من أحرناشي ». تحريف.
    (2) النشناش : مصدر نشنش الرجل الرجل إذا دفعه وحركه ، ونشنش السلب : أخذه. ولم تذكر هذا المصدر المعاجم ، وهذا الوزن من المصادر سماعي. انظر شرح الشافية ( 1 : 178 ).
    (3) كبش القوم : رئيسهم وسيدهم ، وقائدهم.


    يقتل كبش القوم بالهراش
    وذي حروب بطل وناش

    خف له أخطف في البطاش (1)
    من أسد خفان وليث شاش (2)

    فضربه ضربة ففلق هامته بالسيف. وحمل أبو الأعور وهو يقول :
    أنا أبو الأعور واسمى عمرو (3)
    أضرب قدما لا أولى الدبر

    ليس بمثلي يا فتى يغتر
    ولا فتى يلاقيني يسر (4)

    أحمي ذماري وللحامي حر
    جرى إلى الغايات فاستمر (5)

    فحمل عليه الأشتر وهو يقول :
    لست ـ وإن يكره ـ ذا الخلاط
    ليس أخو الحرب بذي اختلاط

    لكن عبوس غير مستشاط
    هذا علي جاء في الاسباط

    وخلف النعيم بالإفراط
    بعرصة في وسط البلاط

    منحل الجسم من الرباط (6)
    يحكم حكم الحق لا اعتباط

    وحمل شرحبيل بن السمط فقال :
    أنا شرحبيل أنا ابن السمط
    مبين الفعل بهذا الشط

    بالطعن سمحا بقناة الخط
    أطلب ثارات قتيل القبط (7)

    جمعت قومي باشتراط الشرط
    على ابن هند وأنا الموطى

    __________________
    (1) خف له : أسرع. والبطاش : مصدر باطشه ، والبطش : التناول بشدة عند الصولة. وفي الأصل : « كف له يخطف بالنهاس ».
    (2) خفان ، ككتان : مأسدة قرب الكوفة. وشاش : مدينة بما وراء النهر.
    (3) هذا يؤيد ما قيل من أن اسمه « عمرو بن سفيان السلمي ».
    (4) في الأصل : « ولا فتى بلا فتى يسر ».
    (5) الغايات : غايات السبق ينتهي إليها. وفي الأصل : « جرى على الغايات ».
    (6) الرباط والمرابطة : ملازمة ثغر العدو.
    (7) يعني عثمان ، وعني بالقبط أهل مصر.


    حتى أناخوا بالمحامي الخط
    جند يمان ليس هم بخلط

    فأجابه الأشعث بن قيس :
    إني أنا الأشعث وابن قيس
    فارس هيجاء قبيل دوس

    لست بشكاك ولا ممسوس (1)
    كندة رمحي وعلى قوسي

    وقال حوشب ذو ظليم (2) :
    يا أيها الفارس ادن لا ترع
    أنا أبو مر وهذا ذو كلع (3)

    مسود بالشام ما شاء صنع
    أبلغ عني أشترا أخا النخع (4)

    والأشعث الغيث إذا الماء امتنع (5)
    قد كثر الغدر لديكم لو نفع

    فأجابه الأشعث :
    أبلغ عني حوشبا وذا كلع
    وشرحبيل ذاك أهلك الطمع (6)

    قوم جفاة لا حيا ولا ورع
    يقودهم ذاك الشقي المبتدع

    إني إذا القرن لقرن يختضع
    وأبرقوها في عجاج قد سطع (7)

    أحمي ذماري منهم وأمتنع
    وقال الأشتر أيضا فجال :
    يا حوشب الجلف ويا شيخ كلع
    أيكما أراد أشتر النخع

    __________________
    (1) الممسوس : الذي به مس من الجنون. وفي هذا البيت سناد الحذو ، وهو اختلاف حركة ما قبل الردف. وفي الأصل : « مملوس » ولا وجه له.
    (2) سبقت ترجمته في ص 66.
    (3) ذو كلع ، هو ذو الكلاع. انظر ص 60 ، 61.
    (4) أبلغ : أي أبلغا ، بنون التوكيد الخفيفة ، حذفها وأبقي الحركة قبلها. انظر ما مضى ص 177.
    (5) في الأصل : « منع ».
    (6) أي أهلكه الطمع. وقد غير ضبط شرحبيل للشعر.
    (7) العجاج ، كسحاب : الغبار. أبرقوها : أي أبرقوا السيوف. وفي اللسان : « وأبرق بسيفه يبرق : إذا لمع به ».


    ها أنا ذا وقد يهولك الفزع
    في حومة وسط قرار قد شرع

    ثم تلاقي بطلا غير جزع
    سائل بنا طلحة وأصحاب البدع

    وسل بنا ذات البعير المضطجع (1)
    كيف رأوا وقع الليوث في النقع (2)

    تلقى أمرأ كذاك ما فيه خلع
    وخالف الحق بدين وابتدع (3)

    نصر : عمر بن سعد ، عن رجل قد سماه (4) عن أبيه ، عن عمه محمد بن مخنف (5) قال : كنت مع أبي يومئذ وأنا ابن سبع عشرة سنة ، ولست في عطاء (6) ، فلما منع الناس الماء قال لي : لا تبرح. فلما رأيت الناس يذهبون نحو الماء لم أصبر ، فأخذت سيفي فقاتلت ، فإذا أنا بغلام مملوك لبعض أهل العراق ، ومعه قربة له ، فلما رأى أهل الشام قد أفرجوا عن الماء شد (7) فملأ قربته ثم أقبل بها ، وشد عليه رجل من أهل الشام (Cool فضربه فصرعه ، ووقعت القربة منه ، وشددت على الشامي فضربته وصرعته ، وعدا أصحابه فاستنقذوه. قال : وسمعتهم يقولون : لا بأس عليك. ورجعت إلى المملوك فأجلسته (9) فإذا هو يكلمني وبه جرح رحيب (10) ، فلم يكن أسرع من أن
    __________________
    (1) ذات البعير ، يعني بها عائشة رضي الله عنها. وقد عرقب بعيرها يوم الجمل وأخذته السيوف حتى سقط واضطجع.
    (2) النقع ، بالفتح : الغبار ، وحركه للشعر.
    (3) أي وما خالف الحق.
    (4) هو أبو مخنف. وقد سبق نظير هذا الصنيع في ص 135.
    (5) ذكره في لسان الميزان ( 5 : 375 ) وقال : « روى يحيى بن سعيد عنه أنه قال : دخلت مع أبي على علي رضي الله عنه عام بلغت الحلم ». وهذا يضم إلى أولاد مخنف. انظر ص 135.
    (6) العطاء : اسم لما يعطي. يقول : لم أكن في الجند فيفرض لي عطاء. وفي الأصل : « في غطاء » بالمعجمة ، تحريف.
    (7) شد : أسرع في عدوه ، كاشتد.
    (Cool شد عليه ، هنا ، بمعنى حمل عليه.
    (9) في الطبري ( 5 : 241 ) : « فاحتملته » أي حملته.
    (10) في الطبري. « رغيب » وهو الأكثر في كلامهم. انظر المفضليات ( 2 : 55 ).

    جاء مولاه فذهب به ، وأخذت قربته وهي مملوءة ماء ، فجئت بها إلى أبي ، فقال : من أين جئت بها؟ فقلت : اشتريتها. وكرهت أن أخبره الخبر فيجد علي ، فقال : اسق القوم. فسقيتهم وشربت آخرهم ، ونازعتني نفسي والله القتال ، فانطلقت أتقدم فيمن يقاتل. قال : فقاتلتهم ساعة ، ثم أشهد أنهم خلوا لنا عن الماء. قال : فما أمسيت حتى رأيت سقاتهم وسقاتنا يزدحمون على الماء ، فما يؤذي إنسان إنسانا. قال : وأقبلت راجعا فإذا أنا بمولى صاحب القربة فقلت : هذه قربتك فخذها ، أو ابعث معي من يأخذها ، أو أعلمني مكانك. فقال : رحمك الله ، عندنا ما يكتفي به. فانصرفت وذهب ، فلما كان من الغد مر على أبي ، فوقف فسلم ، ورأني إلى جنبه فقال : من هذا الفتى منك؟ قال : ابني. قال : أراك الله فيه السرور ، استنقذ والله غلامي أمس ، وحدثني شباب الحي أنه كان من أشجع الناس. قال : فنظر إلى أبي نظرة عرفت [ منها (1) ] الغضب في وجهه ، ثم سكت حتى مضى الرجل ثم قال : هذا ما تقدمت إليك فيه (2)؟ قال : فحلفني ألا أخرج إلى قتال إلا بإذنه. فما شهدت لهم قتالا حتى كان آخر يوم من أيامهم ، إلا ذلك اليوم.
    نصر ، عن يونس بن [ أبي (3) ] إسحاق السبيعي ، عن مهران مولى يزيد ابن هانئ السبيعي قال : والله إن مولاي ليقاتل على الماء ، وإن القربة لفي يدي ، فلما انكشف أهل الشام عن الماء شددت حتى أستقي ، وإني فيما بين ذلك لأرمي وأقاتل.
    __________________
    (1) التكمله من الطيري ( 5 : 241 ) ، وحذف العائد على الموصوف قليل في كلامهم. انظر حواشي الحيوان ( 6 : 241 ).
    (2) تقدم إليه في كذا : أمره وأوصاه به. وفي الأصل : « قدمت » صوابه من الطبري.
    (3) التكملة من الطبري. وانظر منتهى المقال 336.

    نصر ، عن عبد الله بن عبد الرحمن ، عن أبي عمرة (1) عن أبيه سليمان الحضرمي (2) ، قال : لما خرج علي من المدينة خرج معه أبو عمرة بن عمرو بن محصن (3) قال : فشهدنا مع علي الجمل ثم انصرفنا إلى الكوفة ، ثم سرنا إلى أهل الشام ، حتى إذا كان بيننا وبين صفين ليلة دخلني الشك فقلت : والله ما أدري علام أقاتل؟ وما أدري ما أنا فيه. قال : واشتكى رجل منا بطنه من حوت أكله ، فظن أصحابه أنه طعين (4) فقالوا : نتخلف على هذا الرجل. فقلت : أنا أتخلف عليه. والله ما أقول ذلك إلا مما دخلني من الشك. فأصبح الرجل ليس به بأس ، وأصبحت قد ذهب عني ما كنت أجد ، ونفذت لي بصيرتي ، حتى إذا أدركنا أصحابنا ومضينا مع علي إذا أهل الشام قد سبقونا إلى الماء ، فلما أردناه منعونا ، فصلتنا لهم بالسيف فخلونا وإياه ، وأرسل أبو عمرة إلى أصحابه : قد والله جزناهم فهم يقاتلونا ، وهم في أيدينا ، ونحن دونه إليهم كما كان في أيديهم قبل أن نقاتلهم. فأرسل معاوية إلى أصحابه : لا تقاتلوهم وخلوا بينهم وبينه. فشربوا فقلنا لهم : قد كنا عرضنا عليكم هذا أول مرة فأبيتم حتى أعطانا الله وأنتم غير محمودين. قال : فانصرفوا عنا وانصرفنا عنهم ، ولقد رأيت روايانا ورواياهم بعد ، وخيلنا وخيلهم ترد ذلك الماء جميعا ، حتى ارتووا وارتوينا.
    نصر : محمد بن عبيد الله ، عن الجرجاني ، أن عمرو بن العاص قال :
    __________________
    (1) في التقريب 603 : « أبو عمرة عن أبيه ، في سهم الفارس. مجهول من السادسة ». وفي الأصل : « عن أبيه عمرة » تحريف.
    (2) في التقريب : « سليمان بن زياد الحضرمي المصري ، ثقة من الخامسة ».
    (3) هو أبو عمرة الأنصاري ، قيل اسمه بشر وقيل بشير ، وكان زوج بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم المقوم بن عبد المطلب. انظر قسم الكني من الإصابة 805 ، 801. وفي الاشتقاق 269 : « وأبو عمرة بشير بن عمرو ، قتل بصفين ».
    (4) الطعين ، هنا : الذي أصابه الطاعون.

    يا معاوية ما ظنك بالقوم إن منعوك الماء اليوم كما منعتهم أمس ، أتراك تضاربهم عليه (1) كما ضاربوك عليه. وما أغني عنك أن تكشف لهم السوءة. قال : دع عنك ما مضى منه ، ما ظنك بعلي؟ قال : ظني أنه لا يستحل منك ما استحللت منه ، وأن الذي جاء له غير الماء. فقال له معاوية قولا أغضبه. فأنشأ عمرو يقول :
    أمرتك أمرا فسخفته
    وخالفني ابن أبي سرحه (2)

    فأغمضت في الرأي إغماضة
    ولم تر في الحرب كالفسحه

    فكيف رأيت كباش العراق
    ألم ينطحوا جمعنا نطحه

    أظن لها اليوم ما بعدها
    وميعاد ما بيننا صبحه

    فإن ينطحونا غدا مثلها
    نكن (3) كالزبيري أو طلحه

    وإن أخروها لما بعدها
    فقد قدموا الخبط والنفحة (4)

    وقد شرب القوم ماء الفرات
    وقلدك الأشتر الفضحه

    قال : ومكث علي يومين لا يرسل إلى معاوية ولا يأتيه من قبل معاوية أحد ، وجاء عبيد الله بن عمر فدخل على علي في عسكره فقال : أنت قاتل الهرمزان ، وقد كان أبوك فرض له في الديوان وأدخله في الإسلام؟ فقال له ابن عمر : الحمد لله الذي جعلك تطلبني بدم الهرمزان وأطلبك بدم عثمان بن عفان. فقال له علي : لا عليك ، سيجمعني وإياك الحرب غدا. ثم مكث علي يومين لا يرسل إلى معاوية ولا يرسل إليه معاوية (5).
    __________________
    (1) في الأصل : « ضاربهم عليه » صوابه من ح ( 1 : 331 ).
    (2) يريد به عبد الله بن سعد بن أبي سرح. وقد تصرف في الاسم للشعر. انظر ما سبق في ص 161.
    (3) ح : « فكن ».
    (4) الخبط : الضرب الشديد. والنفحة : الدفعة من العذاب. ح : « الخيط » تحريف.
    (5) انظر أول هذا الكلام.

    ثم إن عليا دعا بشير بن عمرو بن محصن الأنصاري (1) ، وسعيد بن قيس الهمداني ، وشبث بن ربعي التميمي فقال : ائتوا هذا الرجل فادعوه إلى الله عز وجل وإلى الطاعة والجماعة ، وإلى اتباع أمر الله تعالى. فقال له شبث : ألا نطمعه (2) في سلطان توليه إياه ومنزلة تكون به له أثرة عندك إن هو بايعك؟ قال علي : ائتوه الآن فالقوه واحتجوا عليه وانظروا ما رأيه ـ وهذا في شهر ربيع الآخر ـ فأتوه فدخلوا عليه ، فحمد أبو عمرة بن محصن الله وأثنى عليه وقال : « يا معاوية ، إن الدنيا عنك زائلة ، وإنك راجع إلى الآخرة ، وإن الله عز وجل مجازيك بعملك ، ومحاسبك بما قدمت يداك ، وإني أنشدك بالله أن تفرق جماعة هذه الأمة ، وأن تسفك دماءها بينها ». فقطع معاوية عليه الكلام ، فقال : هلا أوصيت صاحبك؟ فقال : سبحان الله ، إن صاحبي ليس مثلك ، إن صاحبي أحق البرية في هذا الأمر في الفضل والدين والسابقة والإسلام ، والقرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال معاوية : فتقول ماذا؟ قال : أدعوك إلى تقوى ربك وإجابة ابن عمك إلى ما يدعوك إليه من الحق ، فإنه أسلم لك في دينك ، وخير لك في عاقبة أمرك. قال : ويطل دم عثمان؟ لا والرحمن لا أفعل ذلك أبدا. قال : فذهب سعيد يتكلم ، فبدره شبث فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
    يا معاوية ، قد فهمت ما رددت على ابن محصن ، إنه لا يخفى علينا ما تقرب وما تطلب ، إنك لا تجد شيئا تستغوي به الناس وتستميل به أهواءهم وتستخلص به طاعتهم إلا أن قلت لهم قتل إمامكم مظلوما فهلموا نطلب بدمه ، فاستجاب لك سفهاء طغام رذال ؛ وقد علمنا أنك قد أبطأت عنه بالنصر ،
    __________________
    (1) هو أبو عمرة بن عمرو بن محصن ، وقد سبقت ترجمته في ص 185.
    (2) في الأصل : « لا نطعمه ».

    وأحببت له القتل بهذه المنزلة التي تطلب. ورب مبتغ أمرا وطالبه يحول الله دونه. وربما أوتي المتمنى أمنيته ، وربما لم يؤتها. ووالله مالك في واحدة منها خير. والله لئن أخطأك ما ترجو إنك لشر العرب حالا ، ولئن أصبت ما تتمناه لا تصيبه حتى تستحق صلى النار. فاتق الله يا معاوية ، ودع ما أنت عليه ، ولا تنازع الأمر أهله.
    قال : فحمد الله معاوية وأثنى عليه ثم قال :
    « أما بعد فإن أول (1) ما عرفت به سفهك وخفة حلمك ـ قطعك على هذا الحسيب الشريف سيد قومه منطقه ، ثم عتبت بعد فيما لا علم لك به. ولقد كذبت ولويت (2) أيها الأعرابي الجلف الجافي في كل ما وصفت وذكرت. انصرفوا من عندي فليس بيني وبينكم إلا السيف ». قال : وغضب فخرج القوم وشبث يقول : أفعلينا تهول بالسيف ، أما والله لنعجلنه إليك. فأتوا عليا 7 فأخبروه بالذي كان من قوله ـ وذلك في شهر ربيع الآخر ـ قال : وخرج قراء أهل العراق وقراء أهل الشام ، فعسكروا ناحية صفين في ثلاثين ألفا ، وعسكر علي على الماء ، وعسكر معاوية فوق ذلك ، ومشت القراء فيما بين معاوية وعلي ، فيهم عبيدة السلماني (3) ، وعلقمة بن قيس النخعي ، وعبد الله بن عتبة ، وعامر بن عبد القيس ـ وقد كان في بعض تلك السواحل ـ قال : فانصرفوا من عسكر علي (4) فدخلوا على معاوية فقالوا :
    __________________
    (1) في الأصل : « فإني أول » تحريف.
    (2) وردت هذه الكلمة في الأصل غير واضحة هكذا : « و ـ وت ».
    (3) هو عبيدة ـ بفتح أوله ـ بن عمرو ، ويقال ابن قيس بن عمرو السلماني ، بفتح المهملة وسكون اللام ، وفتحها بعضهم. قال ابن الكلبي : أسلم قبل وفاة النبي بسنتين ولم يلقه. وكان شريح إذا أشكل عليه شيء كتب إلى عبيدة. والسلماني نسبة إلى سلمان بن يشكر بن ناجية بن مراد. انظر مختلف القبائل ومؤتلفها لمحمد بن حبيب ص 30 جوتنجن والإصابة 6401 والمعارف 188 وتهذيب التهذيب والتقريب.
    (4) في الأصل : « إلى عسكر علي ».

    يا معاوية ، ما الذي تطلب؟ قال : أطلب بدم عثمان. قالوا : ممن تطلب بدم عثمان. قال : من علي 7. قالوا : وعلي 7 قتله؟ قال : نعم ، هو قتله وآوى قاتليه. فانصرفوا من عنده فدخلوا على علي فقالوا : إن معاوية يزعم أنك قتلت عثمان. قال : اللهم لكذب فيما قال ، لم أقتله. فرجعوا إلى معاوية فأخبروه فقال لهم معاوية : إن لم يكن قتله بيده فقد أمر ومالا. فرجعوا إلى علي 7 فقالوا : إن معاوية يزعم أنك إن لم تكن فتلت بيدك فقد أمرت ومالأت على قتل عثمان. فقال : اللهم كذب فيما قال. فرجعوا إلى معاوية فقالوا : إن عليا 7 يزعم أنه لم يفعل. فقال معاوية : إن كان صادقا فليمكنا من قتلة عثمان ، فإنهم في عسكره وجنده وأصحابه وعضده. فرجعوا إلى علي 7 فقالوا : إن معاوية يقول لك إن كنت صادقا فادفع إلينا قتلة عثمان أو أمكنا منهم. قال لهم علي : تأول القوم عليه القرآن ووقعت الفرقة ، وقتلوه في سلطانه وليس على ضربهم قود. فخصم على معاوية (1). فقال معاوية : إن كان الأمر كما يزعمون فما له ابتز الأمر دوننا على غير مشورة منا ولا ممن هاهنا معنا. فقال علي 7 : إنما الناس تبع المهاجرين والأنصار ، وهم شهود المسلمين في البلاد على ولايتهم وأمر دينهم ، فرضوا بي وبايعوني ، ولست أستحل أن أدع ضرب معاوية (2) يحكم على الأمة ويركبهم ويشق عصاهم. فرجعوا إلى معاوية فأخبروه بذلك فقال : ليس كما يقول ، فما بال من هاهنا من المهاجرين والأنصار لم يدخلوا في هذا الأمر فيؤامروه (3). فانصرفوا إلى علي 7 فقالوا له ذلك وأخبروه. فقال علي 7 : ويحكم ، هذا للبدريين دون الصحابة ، ليس في الأرض
    __________________
    (1) خصمه : غلبه في الخصومة بالحجة.
    (2) أي مثل معاوية. والضرب : المثل والشبيه.
    (3) المؤامرة : المشاورة.

    بدري إلا قد بايعني وهو معي ، أو قد أقام ورضي ، فلا يغرنكم معاوية من أنفسكم ودينكم. فتراسلوا ثلاثة أشهر ، ربيعا الآخر وجماديين ، فيفزعون الفزعة (1) فيما بين ذلك ، فيزحف بعضهم إلى بعض ، وتحجز القراء بينهم. ففزعوا في ثلاثة أشهر خمسة وثمانين فزعة ، كل فزعة يزحف بعضهم إلى بعض ويحجز القراء بينهم ، ولا يكون بينهم قتال.
    قال : وخرج أبو أمامة الباهلي ، وأبو الدرداء ؛ فدخلا على معاوية وكانا معه ، فقالا : يا معاوية : علام تقاتل هذا الرجل ، فوالله لهو أقدم منك سلما (2) ، وأحق بهذا الأمر منك ، وأقرب من النبي صلى الله عليه وسلم ، فعلام تقاتله؟ فقال : أقاتله على دم عثمان ، وأنه آوى قتلته ؛ فقولوا له فليقدنا من قتلته ، فأنا أول من بايعه من أهل الشام. فانطلقوا إلى علي فأخبروه بقول معاوية ، فقال : هم الذين ترون. فخرج عشرون ألفا أو أكثر مسر بلين في الحديد ، لا يرى منهم إلا الحدق ، فقالوا : كلنا قتله ، فإن شاءوا فليروموا ذلك منا. فرجع أبو أمامة ، وأبو الدرداء فلم يشهدا شيئا من القتال حتى إذا كان رجب وخشى معاوية أن يبايع القراء عليا على القتال أخذ في المكر ، وأخذ يحتال للقراء لكيما يحجموا عنه (3) ويكفوا حتى ينظروا. قال : وإن معاوية كتب في سهم : « من عبد الله الناصح ، فإني أخبركم أن معاوية يريد أن يفجر عليكم الفرات فيغرقكم. فخذوا حذركم ». ثم رمى معاوية بالسهم في عسكر علي 7 ، فوقع السهم في يدي رجل من أهل الكوفة ، فقرأه ثم اقرأه صاحبه ، فلما قرأه وأقرأه الناس ـ أقرأه من أقبل وأدبر ـ قالوا : هذا أخر ناصح كتب إليكم يخبركم بما أراد معاوية. فلم يزل السهم يقرأ ويرتفع
    __________________
    (1) في الأصل : « فيقرعون القرعة » وبنى سائر العبارة على ذلك ، تحريف.
    (2) السلم : الإسلام.
    (3) في الأصل : « عليه ».

    حتى رفع (1) إلى أمير المؤمنين ، وقد بعث معاوية مائتي رجل من الفعلة إلى عاقول من النهر (2) ، بأيديهم المرور والزبل (3) يحفرون فيها بحيال عسكر علي ابن أبي طالب ، فقال علي 7 : ويحكم ، إن الذي يعالج معاوية لا يستقيم له ولا يقوم عليه (4) ، وإنما يريد أن يزيلكم عن مكانكم ، فالهوا عن ذلك ودعوه. فقالوا له : لا ندعهم (5) والله يحفرون الساعة. فقال علي : يا أهل العراق لا تكونوا ضعفي (6) ، ويحكم لا تغلبوني على رأيي. فقالوا : والله لنرتحلن ، فإن شئت فارتحل ، وإن شئت فأقم. فارتحلوا وصعدوا بعسكرهم مليا (7) ، وارتحل علي في أخريات الناس ، وهو يقول :
    ولو أني أطعت عصبت قومي
    إلى ركن اليمامة أو شمام (Cool

    ولكني إذا أبرمت أمرا
    منيت بخلف آراء الطغام

    وارتحل معاوية حتى نزل على معسكر علي الذي كان فيه ، فدعا على الأشتر ، فقال : ألم تغلبني على رائي (9) أنت والأشعث؟ فدونكما. فقال الأشعث : أنا أكفيك يا أمير المؤمنين ، سأداوي ما أفسدت اليوم من ذلك. فجمع بني كندة ، وقال : يا معشر كندة ، لا تفضحوني اليوم ولا تخزوني ،
    __________________
    (1) في الأصل : « دفع » بالدال ، وأثبت ما في ح ( 1 : 343 ).
    (2) عاقول النهر والوادي والرمل : ما اعوج منه.
    (3) المرور : جمع مر ، بالفتح ، وهو المسحاة. والزبل ، بضمتين : جمع زبيل ، وهو الجراب والقفة. في الأصل : « الزبيل » والوجه الجمع. وفي ح : « المزور والرمل » تحريف.
    (4) ح : « ولا يقوى عليه ».
    (5) في الأصل : « هم » بدل : « لا ندعهم » صوابه في ح.
    (6) كذا في الأصل. ولعلها : « خلفي » وهو بالكسر : المخالف.
    (7) مليا : طويلا. ومنه : ( واهجرني مليا ) وفي الأصل : « عليا » صوابه في ح.
    (Cool ح : « عصمت قومي ». وشمام : جبل لباهلة. وفي الأصل : « شآم » وجهه في ح.
    (9) الراء : الرأي. وفي ح : « رأيي ».

    إنما أقارع بكم أهل الشام. فخرجوا معه رجلا يمشون (1) وبيد الأشعث رمح له يلقيه على الأرض ، ويقول : امشوا قيس رمحي [ هذا ]. فيمشون ، فلم يزل يقيس لهم الأرض برمحه ذلك ويمشون معه رجالة قد كسروا جفون سيوفهم حتى لقوا معاوية وسط بني سليم واقفا على الماء ، وقد جاءه أداني عسكره ، فاقتتلوا قتالا شديدا على الماء ساعة ، وانتهى أوائل أهل العراق فنزلوا ، وأقبل الأشتر في خيل من أهل العراق ، فحمل على معاوية حملة ، والأشعث يحارب في ناحية [ أخرى ] ، فانحاز معاوية في بني سليم فردوا وجوه إبله قدر ثلاثة فراسخ. ثم نزل ووضع أهل الشام أثقالهم ، والأشعث يهدر ويقول : أرضيتك يا أمير المؤمنين! ثم تمثل [ بقول طرفة بن العبد ] :
    ففداء لبني سعد على
    ما أصاب الناس من خير وشر (2)

    ما أقلت قدماي ، إنهم
    نعم الساعون في الحي الشطر (3)

    ولقد كنت عليكم عاتبا
    فعقبتم بذنوب غير مر (4)

    كنت فيكم كالمغطى رأسه
    فانجلى اليوم قناعي وخمر

    سادرا أحسب غيي رشدا
    فتناهيت وقد صابت بقر (5)

    __________________
    (1) ح : « رجالة » والرجالة والرجل والراجلون بمعنى.
    (2) رواية « فداء » بالرفع ، أي نفسي فداء أو أنا فداء. وفي ديوان طرفة 82 والخزانة ( 4 : 101 بولاق ) : « لبني قيس » وفي الديوان والخزانة : « من سر وضر » وهما بضم أولهما السراء والضراء.
    (3) أقلت : حملت أي ما أقلتني قدماي ، أي طول الحياة. ونعم ، بكسرتين ففتح : لغة في نعم. والشطر بضمتين : جمع شطير ، وهو الغريب البعيد ويروى : « خالتي والنفس قدما » على أن تكون « خالتي » مبتدأ خبره « فداء » في البيت السابق.
    (4) عقبتم : أي وجدتم عقب ذلك. والذنوب ، بالفتح : النصيب والحظ. وفي الكتاب : ( فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم ). والمر : نقيض الحلو.
    (5) تناهيت أي انتهيت من سفهي. ويقال للأمر إذا وقع في مستقره : « صابت بقر » بضم القاف ، أي نزل الأمر في مستقره فلا يستطاع له تحويل. وفي الأصل : وقد كادت ثفر ، صوابه في ح والديوان.

    قال : وقال الأشعث : يا أمير المؤمنين ، قد غلب الله لك على الماء. قال علي : أنت كما قال الشاعر :
    تلاقين قيسا وأتباعه
    فيشعل للحرب نارا فنارا

    أخو الحرب إن لقحت بازلا
    سما للعلي وأجل الخطارا (1)

    فلما غلب علي علي الماء فطرد عنه أهل الشام بعث إلي معاوية : « إنا لا نكافيك بصنعك ، هم إلي الماء فنحن وأنتم فيه سواء ». فأخذ كل واحد منهما بالشريعة مما يليه ، وقال علي 7 لأصحابه : أيها الناس ، إن الخطب أعظم من منع الماء. وقال معاوية : لله در عمرو ، ما عصيته في أمر قط إلا أخطأت الرأي فيه. قال : فمكث معاوية أياما لا يكلم عمرا ، ثم بعث إليه ، فقال : يا عمرو ، كان فلتة من رأي أعقبتني بخطائها (2) وأمت ما كان قبلها من الصواب ، أما والله لو تقايس [ صوابك (3) ] بخطائك لقل صوابك. فقال عمرو : قد كان كذا فرأيت احتجت إلى رأيك ، وما خطاؤك اليوم حين أعذرت إليك أمس ، وكذلك أنالك غدا إن عصيتني اليوم. فعطف عليه معاوية ، ورضي عنه ، وبات على مشق الحيل (4) حتى أصبح ، ثم غاداهم على القتال ، وعلى رايته يومئذ هاشم بن عتبة المرقال. قال : ومعه الحدل التي يقول فيها الأشتر :
    إنا إذا ما احتسبنا الوغى
    أدرنا الرحى بصنوف الحدل (5)

    __________________
    (1) أي إن لقحت الحرب وهي بازل. والبزول : أقصى أسنان البعير إذا طعن في التاسعة. يقول : إذ تجددت الحرب بعد ما طال عهدها وقوتل فيها مرات دخل في غمارها ولم يتهيب. أجل : أعظم. والخطار : مصدر كالمخاطرة ، يقال خاطر بنفسه : أشفى بها على خطر هلك أو نيل ملك. وفي الأصل : « لحقت بازلا » ، صوابه في ح.
    (2) الخطاء : الخطأ. وفي الأصل : « يخطاؤها » تحريف.
    (3) تكملة يقتضيها السياق.
    (4) كذا في الأصل.
    (5) الحدل : جمع حدلاء ، وهي القوس قد حدرت إحدى سيتيها ورفعت الأخرى. وفي الأصل : « الجدل » في هذا الموضع وسابقه ، جمع جدلاء للدرع المجدولة. ولا وجه لها هنا.


    وضربا لهاماتهم بالسيوف
    وطعنا لهم بالقنا والاسل

    عرانين من مذحج وسطها
    يخوضون أغمارها بالهبل (1)

    ووائل تسعر نيرانها
    ينادونهم أمرنا قد كمل

    أبو حسن صوت خيشومها
    بأسيافه كل حام بطل (2)

    على الحق فينا له منهج
    علي واضح القصد لا بالميل

    قال : وبرز يومئذ عوف من أصحاب معاوية وهو يقول :
    إني أنا عوف أخو الحروب
    عند هياج الحرب والكروب

    صاحب لا الوقاف والهيوب (3)
    عند اشتعال الحرب باللهيب

    ولست بالناجي من الخطوب
    ومن رديني مارن الكعوب

    إذ جئت تبغي نصرة الكذوب
    ولست بالعف ولا النجيب

    فبرز إليه علقمة بن عمرو ، من أصحاب علي ، وهو يقول :
    يا عجبا للعجب العجيب
    قد كنت يا عوف أخا الحروب

    وليس فيها لك من نصيب
    إنك ، فاعلم ، ظاهر العيوب

    في طاعة كطاعة الصليب
    في يوم بدر عصبة القليب (4)

    فدونك الطعنة في المنخوب (5)
    قلبك ذو كفر من القلوب

    فطعنه علقمة فقتله ، فقال علقمه في ذلك :
    __________________
    (1) الهبل : الثكل ، هبلته أمه ثكلته.
    (2) في الأصل : « أبا حسن ».
    (3) أي أنا صاحب من ليس بوقاف ولا هيوب. والوقوف : المحجم عن القتال. والهيوب : الجبان. وفي الأصل : « صاحبها الوقاف لا الهيوب » محرف.
    (4) القليب : قليب بدر.
    (5) المنخوب : الجبان ، أراد به قلبه. وفي الأصل : « النخوب » ولا وجه له.


    يا عوف لو كنت امرأ حازما
    لم تبرز الدهر إلى علقمه

    لاقيت ليثا أسدا باسلا
    يأخذ بالأنفاس والغلصمه

    لاقيته قرنا له سطوة
    يفترس الأقران في الملحمه

    ما كان في نصر امرئ ظالم
    ما يدرك الجنة والمرحمه

    ما لابن صخر حرمة ترتجى
    لها ثواب الله بل مندمه

    لاقيت ما لاقى غداة الوغى
    من أدرك الأبطال يا ابن الأمه

    ضيعت حق الله في نصرة
    للظالم المعروف بالمظلمة

    إن أبا سفيان من قبله
    لم يك مثل العصبة المسلمه

    لكنه نافق في دينه
    من خشية القتل على المرغمة

    بعدا لصخر مع أشياعه
    في جاحم النار لدى المضرمه (1)

    فمكثوا على ذلك حتى كان ذو الحجة ، فجعل علي يأمر هذا الرجل الشريف فيخرج معه جماعة فيقاتل ، ويخرج إليه من أصحاب معاوية رجل معه آخر ، فيقتتلان في خيلها ورجلهما ثم ينصرفان ، وأخذوا يكرهون أن يتراجعوا بجميع الفيلق من العراق وأهل الشام ، مخافة الاستئصال والهلاك. وكان علي 7 يخرج الأشتر مرة في خيله ، وحجر بن عدي مرة ، وشبث بن ربعي التميمي مرة ، ومرة خالد بن المعمر السدوسي ، ومرة زياد بن النضر الحارثي ، ومرة زياد بن جعفر الكندي ، ومرة سعد بن قيس الهمداني ، ومرة معقل بن قيس الرياحي ومرة قيس بن سعد بن عبادة. وكان أكثر القوم حروبا الأشتر.
    وكان معاوية يخرج إليهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي ،
    __________________
    (1) جاحم النار : معظمها وموضع الشدة فيها. والمضرمة : مصدر ميمي من الضرم ، وهو اشتعال النار والتهابها.

    ومرة أبا الأعور السلمي ، ومرة حبيب بن مسلمة الفهري ، ومرة ابن ذي الكلاع ، ومرة عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، ومرة شرحبيل بن السمط ، ومرة حمزة بن مالك الهمداني. فاقتتلوا ذا الحجة ، وربما اقتتلوا في اليوم الواحد مرتين : أوله وآخره.
    نصر بن مزاحم ، عن عمر بن سعد ، عن عبد الله بن عاصم قال : حدثني رجل من قومي ، أن الأشتر خرج يوما فقاتل بصفين في رجال من القراء ، ورجال من فرسان العرب ، فاشتد قتالهم ، فخرج علينا رجل لقل والله ما رأيت رجلا قط هو أطول ولا أعظم منه ، فدعا إلى المبارزة فلم يخرج إليه إنسان ، وخرج إليه الأشتر فاختلفا ضربتين ، وضربه الأشتر فقتله. وايم الله لقد كنا أشفقنا عليه ، وسألناه ألا يخرج إليه. فلما قتله نادى مناد من أصحابه :
    يا سهم سهم بن أبي العيزار
    يا خير من نعلمه من زار (1)

    وجاء رجل من الأزد فقال : أقسم بالله لأقتلن قاتلك. فحمل على الأشتر [ وعطف عليه الأشتر (2) ] فضربه فإذا هو بين يدي فرسه ، وحمل أصحابه فاستنقذوه جريحا ، فقال أبو رقيقة السهمي (3) : « كان هذا نارا فصادفت إعصارا ».
    فاقتتل الناس ذا الحجة كله ، فلما مضى ذو الحجة تداعى الناس أن يكف بعضهم عن بعض إلى أن ينقضي المحرم ، لعل الله أن يجري صلحا واجتماعا. فكف الناس بعضهم عن بعض.
    __________________
    (1) زار : مرخم زارة ، وهم بطن من الأزد. انظر الاشتقاق 288. وقد أنشد الطبري الرجز في ( 5 : 243 ) وعقب عليه بقوله : « وزارة حي من الأزد ». وفي الأصل « من نعلم من نزار » ، صوابه من الطبري.
    (2) التكملة من الطبري ( 5 : 243 )
    (3) في الطبري : « أبو رفيقة الفهمي ».

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

            وقعة صفين Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة صفين           وقعة صفين Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 10:07 am

    نصر : عمر بن سعد ، عن أبي المجاهد ، عن المحل بن خليفة قال : لما توادع علي 7 ومعاوية بصفين اختلفت الرسل فيما بينهما رجاء الصلح ، فأرسل علي بن أبي طالب إلى معاوية عدي بن حاتم ، وشبث بن ربعي ، ويزيد بن قيس ، وزياد بن خصفة ، فدخلوا على معاوية ، فحمد الله عدي بن حاتم وأثنى عليه ثم قال :
    أما بعد فإنا أتيناك لندعوك إلى أمر يجمع الله به كلمتنا وأمتنا ، ويحقن الله به دماء المسلمين (1) ، وندعوك إلى أفضلها سابقة وأحسنها في الإسلام آثارا (2) ، وقد اجتمع له الناس (3) ، وقد أرشدهم الله بالذي رأوا فأتوا ، فلم يبق أحد غيرك وغير من معك ، فانته يا معاوية من قبل أن يصيبك الله وأصحابك بمثل يوم الجمل.
    فقال له معاوية : كأنك إنما جئت متهددا ولم تأت مصلحا. هيهات يا عدي. كلا والله إني لابن حرب ، ما يقعقع لي بالشنان (4). أما والله إنك لمن المجلبين علي ابن عفان ، وإنت لمن قتلته ، وإني لأرجو أن تكون ممن يقتله الله (5). هيهات يا عدي ، قد حلبت بالساعد الأشد (6).
    وقال له شبث بن ربعي وزياد بن خصفة ـ وتنازعا كلاما واحدا (7) ـ :
    __________________
    (1) زاد الطبري في ( 6 : 2 ) : « ويأمن به السبل ويصلح به البين ».
    (2) أفضلها : أي أفضل الناس. وفي تاريخ الطبري : « إن ابن عمك سيد المسلمين أفضلها سابقة وأحسنها في الإسلام آثارا ». وفي ح ( 1 : 344 ) : « ندعوك إلى أفضل الناس سابقة وأحسنهم في الإسلام آثارا ».
    (3) ح : « إليه الناس » ، الطبري : « استجمع له الناس ».
    (4) الشنان : جمع شن ، وهو القربة الخلق. وهم يحركون القربة البالية إذا أرادوا حث الإبل على السير لتفزع فتسرع. انظر الميداني ( 2 : 191 ).
    (5) الطبري : « ممن يقتل الله عز وجل به ».
    (6) في الميداني ( 1 : 176 ) : « حلبتها بالساعد الأشد. أي أخذتها بالقوة إذا لم يتأت الرفق ». وفي الأصل : « قد جئت » ، والصواب من الطبري ( 6 : 3 ). وهذه العبارة لم ترد في ح.
    (7) الطبري : « جوابا واحدا ».

    أتيناك فيما يصلحنا وإياك ، فأقبلت تضرب الأمثال لنا. دع مالا ينفع من القول والفعل ، وأجبنا فيما يعمنا (1) وإياك نفعه.
    وتكلم يزيد بن قيس الأرحبي فقال : إنا لم نأتك إلا لنبلغك ما بعثنا به إليك ، ولنؤدي عنك ما سمعنا منك ، لن ندع أن ننصح لك ، وأن نذكر ما ظننا أن لنا به عليك حجة ، أو أنه راجع بك إلى الألفة والجماعة. إن صاحبنا لمن قد عرفت وعرف المسلمون فضله ، ولا أظنه يخفى عليك : أن أهل الدين والفضل لن يعدلوك بعلي 7 ، ولن يميلوا بينك وبينه (2). فاتق الله يا معاوية ، ولا تخالف عليا ، فإنا والله ما رأينا رجلا قط أعمل بالتقوى ، ولا أزهد في الدنيا ، ولا أجمع لخصال الخير كلها منه.
    فحمد الله معاوية وأثنى عليه وقال : أما بعد فإنكم دعوتم إلى الطاعة والجماعة. فأما الجماعة التي دعوتم إليها فنعما هي. وأما الطاعة لصاحبكم فإنا لا نراها. إن صاحبكم قتل خليفتنا ، وفرق جماعتنا ، وآوى ثأرنا وقتلتنا ، وصاحبكم يزعم أنه لم يقتله ، فنحن لا نرد ذلك عليه ، أرأيتم قتلة صاحبنا؟ ألستم تعلمون أنهم أصحاب صاحبكم؟ فليدفعهم إلينا فلنقتلهم به ونحن نجيبكم إلى الطاعة والجماعة.
    فقال له شبث بن ربعي : أيسرك بالله يا معاوية أن أمكنت (3) من عمار ين ياسر فقتلته؟ قال : وما يمنعني من ذلك؟ والله لو أمكنني صاحبكم
    __________________
    (1) في الأصل : « يصيبنا » وكتب فوقه : « خ : يعمنا » وهو ما في ح والطبري.
    (2) التمييل بين الشيئين : الترجيح بينهما. تقول العرب : إني لأميل بين ذينك الأمرين وأمايل بينهما أيهما آتي. وفي الأصل : « يمثلوا » تحريف. وفي ح : « ولا يميلون ».
    (3) في الأصل : « أنك إن أمكنت » صوابه في ح. وفي الطبزي : « أنك أمكنت ».


    من ابن سمية (1) ما قتلته بعثمان ، ولكن كنت أقتله بنائل (2) مولى عثمان ابن عفان ، فقال له شبث : وإله السماء ما عدلت معدلا ، لا والله الذي لا إله إلا هو لا تصل إلى قتل ابن ياسر حتى تندر الهام عن كواهل الرجال وتضيق الأرض الفضاء عليك برحبها ، فقال له معاوية : إنه لو كان ذلك كانت عليك أضيق (3). ورجع القوم عن معاوية ، فلما رجعوا من عنده بعث إلى زياد بن خصفة التيمي فدخل عليه ، فحمد الله معاوية وأثنى عليه ثم قال :
    أما بعد يا أخا ربيعة فإن عليا قطع أرحامنا ، وقتل إمامنا ، وآوى قتلة صاحبنا ، وإني أسألك النصرة عليه (4) بأسرتك وعشيرتك ، ولك علي عهد الله وميثاقه إذا ظهرت أن أوليك أي المصرين أحببت.
    قال أبو المجاهد (5) : سمعت زياد بن خصفة يحدث بهذا الحديث. قال : فلما قضى معاوية كلامه حمدت الله وأثنيت عليه ثم قلت له : « أما بعد فإني لعلى بينة من ربي ، وبما أنعم علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين ». قال : ثم قمت ، فقال معاوية لعمرو بن العاص ـ وكان إلى جانبه جالسا ـ : ليس يكلم رجل
    __________________
    (1) سمية ، هي سمية بنت خباط ، بمعجمة مضمومة وموحدة ثقلية ، وهي أم عمار بن ياسر ، وكانت أمة لأبي حذيفة بن المغيرة المخزومي ، ثم زوجها ياسرا فولدت له عمارا. وهي أول شهيدة استشهدت في الإسلام ، وجأها أبو جهل بحربة فماتت. المعارف 111 ـ 112 والإصابة 582.
    (2) في الطبري : « بناتل ».
    (3) الطبري : « إنه لو قد كان ذلك كانت الأرض عليك أضيق ».
    (4) في الأصل : « عليك » صوابه في ح والطبزي.
    (5) أبو المجاهد ، هو سعد الطائي الكوفي ، وثقة وكيع وابن حبان ، وقال ابن حجر : « لا بأس به. من السادسة ». انظر التقريب وحواشيه.

    منا رجلا منهم بكلمة فيجيب بخير (1) ، ما لهم عضبهم الله (2) ، ما قلوبهم إلا قلب رجل واحد.
    نصر : حدثنا سليمان بن أبي راشد (3) ، عن عبد الرحمن بن عبيد أبي الكنود ، أن معاوية بعث إلى حبيب بن مسلمة الفهري ، وشرحبيل بن السمط ، ومعن بن يزيد بن الأخنس السلمي ، فدخلوا على علي 7 وأنا عنده ، فحمد الله حبيب بن مسلمة وأثنى عليه ثم قال :
    أما بعد فإن عثمان بن عفان كان خليفة مهديا ، يعمل بكتاب الله ، وينيب إلى أمر الله ، فاستثقلتم حياته ، واستبطأتم وفاته ، فعدوتم عليه فقتلتموه ، فادفع إلينا قتلة عثمان نقتلهم به. فإن قلت إنك لم تقتله فاعتزل أمر الناس فيكون أمرهم هذا شورى بينهم ، يولى الناس أمرهم من أجمع عليه رأيهم.
    فقال له علي 7 : وما أنت لا أم لك والولاية والعزل والدخول في هذا الأمر. اسكت فإنك لست هناك ، ولا بأهل لذاك.
    فقام حبيب بن مسلمة فقال : أما والله لتريني حيث تكره. فقال له علي : وما أنت ولو أجلبت بخيلك ورجلك؟! اذهب فصوب وصعد ما بدا لك ، فلا أبقى الله عليك إن أبقيت. فقال شرحبيل بن السمط : إن كلمتك فلعمري ما كلامي إياك إلا كنحو من كلام صاحبي قبلي ، فهل لي عندك جواب غير الجواب الذي أجبته به؟ فقال علي 7 : عندي جواب غير الذي أجبته به ، لك ولصاحبك (4). فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
    __________________
    (1) في الأصل : « ليس يتكلم رجل منهم بكلمة » بهذا التحريف والنقص. وتصحيحه وإكماله من الطبري. وهذه العبارة لم ترد في ح.
    (2) العضب : القطع. وفي اللسان : « وتدعو العرب على الرجل فتقول : ماله عضبه الله. يدعون عليه بقطع يده ورجله ». وفي الأصل : « غصبهم » صوابه في ح والطبري.
    (3) وكذا في ح. وفي الطبري : « سليمان بن راشد الأزدي ».
    (4) بدل هذه العبارة في ح : « قال نعم ». وفي الطبري ( 6 : 4 ) : « نعم لك ولصاحبك جواب غير الذي أجبته به ».

    أما بعد فإن الله بعث النبي صلى الله عليه وسلم فأنقذ به من الضلالة ، ونعش به من الهلكة (1) ، وجمع به بعد الفرقة ، ثم قبضه الله إليه وقد أدى ما عليه ، ثم استخلف الناس (2) أبا بكر ، ثم استخلف أبو بكر عمر ، وأحسنا السيرة ، وعدلا في الأمة ، وقد وجدنا عليهما أن توليا الأمر دوننا ونحن آل الرسول وأحق بالأمر ، فغفرنا ذلك لهما ، ثم ولى أمر الناس عثمان فعمل بأشياء عابها الناس عليه ، فسار إليه ناس فقتلوه ، ثم أتاني الناس وأنا معتزل أمرهم فقالوا لي : بايع. فأبيت عليهم ، فقالوا لي : بايع فإن الأمة لا ترضى إلا بك ، وإنا نخاف إن لم تفعل أن يفترق الناس. فبايعتهم ، فلم يرعني إلا شقاق رجلين قد بايعاني (3) ، وخلاف معاوية إياك ، الذي لم يجعل الله له سابقة في الدين ، ولا سلف صدق في الإسلام ، طليق ابن طليق ، وحزب من الأحزاب ، لم يزل لله ولرسوله وللمسلمين عدوا هو وأبوه ، حتى دخلا في الإسلام كارهين مكرهين ؛ فعجبنا لكم (4) ولإجلابكم معه ، وانقيادكم له ، وتدعون أهل بيت نبيكم 6 ، الذين لا ينبغي لكم شقاقهم ولا خلافهم ، ولا أن تعدلوا بهم أحدا من الناس. إني أدعوكم إلى كتاب الله عز وجل وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم ، وإماتة الباطل ، وإحياء معالم الدين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لنا ولكل مؤمن ومؤمنة ، ومسلم ومسلمة.
    فقال له شرحبيل ومعن بن يزيد : أتشهد أن عثمان قتل مظلوما؟ فقال
    __________________
    (1) في الأصل : « وأنعش » صوابه في ح. ولا يقال أنعشه فهو من كلام العامة. نعشه : تداركه. وفي الطبري : « وانتاش به من الهلكة ». والانتياش : الاستدراك والاستنقاذ.
    (2) ح ( 1 : 345 ) : « فاستخاف الناس ».
    (3) ح فقط : « قد بايعا ».
    (4) ح : « فيا عجبا لكم ». الطبري : « فلا غرو إلا خلافكم معه ».

    لهما : إني لا أقول ذلك. قالا : فمن لم يشهد أن عثمان قتل مظلوما فنحن برآء منه. ثم قاما فانصرفا. فقال 7 : ( إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين. وما أنت بهادي العمى عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ). ثم أقبل على أصحابه فقال : لا يكون هؤلاء بأولى في الجد في ضلالتهم منكم في حقكم وطاعة إمامكم (1).
    ثم مكث الناس حتى دنا انسلاخ المحرم.
    نصر : عمرو بن شمر ، عن جابر عن أبي الطفيل ، أن حابس بن سعد الطائي (2) كان صاحب لواء طيئ مع معاوية ، فقال :
    أما بين المنايا غير سبع
    بقين من المحرم أو ثمان

    أما يعجبك أنا قد كففنا
    عن اهل الكوفة الموت العياني (3)

    أينهانا كتاب الله عنهم
    ولا ينهاهم السبع المثاني (4)

    فقتل بعد ، وكان مع معاوية. فلما انسلخ المحرم واستقبل صفر ، وذلك في سنة سبع وثلاثين ، بعث علي نفرا من أصحابه حتى إذا كانوا من عسكر معاوية حيث يسمعونهم الصوت قام مرثد بن الحارث الجشمي فنادى عند غروب الشمس : يا أهل الشام ، إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون لكم : إنا والله ما كففنا عنكم شكا في أمركم ، ولا بقيا عليكم ، وإنما كففنا عنكم لخروج المحرم ، ثم انسلخ ، وإنا
    __________________
    (1) الطبري فقط : « وطاعة ربكم ».
    (2) سبقت ترجمته في ص 64. وفي الأصل : « بن سعيد » تحريف.
    (3) العياني : منسوب إلى العيان. وفي الأصل : « العيان ».
    (4) السبع المثاني : السور الطوال من البقرة إلى التوبة ، على أن تحسب التوبة والأنفال سورة واحدة ، ولذلك لم يفصل بينهما في المصحف بالبسملة.

    قد نبذنا إليكم على سواء (1) ، إن الله لا يحب الخائنين.
    قال : فتحاجز الناس (2) وثاروا إلى أمرائهم.
    نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي الزبير قال : كانت وقعة صفين في صفر.
    قال نصر : في حديث عمر ـ يعني ابن سعد (3) ـ إن عليا 7 لما انسلخ المحرم أمر مرثد بن الحارث الجشمي فنادى عند غروب الشمس : يا أهل الشام ، ألا إن أمير المؤمنين يقول لكم : إني قد استدمتكم واستأنيت بكم (4) لتراجعوا الحق وتنيبوا إليه ، واحتججت عليكم بكتاب الله ودعوتكم إليه ، فلم تتناهوا عن طغيان ، ولم تجيبوا إلى حق. وإني قد نبذت إليكم على سواء ، إن الله لا يحب الخائنين.
    فثار الناس إلى أمرائهم ورؤسائهم. قال : وخرج معاوية وعمرو بن العاص يكتبان الكتائب ، ويعبيان العساكر ، وأوقدوا النيران ، وجاءوا بالشموع (5) ، وبات علي 7 ليلته كلها يعبي الناس ، ويكتب الكتائب ، ويدور في الناس يحرضهم.
    نصر : عمر بن سعد ، وحدثني رجل عن عبد الله بن جندب عن أبيه أن عليا 7 كان يأمرنا في كل موطن لقينا معه عدوه يقول :
    لا تقاتلوا القوم حتى يبدءوكم ؛ فإنكم بحمد الله على حجة ، وترككم إياهم
    __________________
    (1) انظر ما سبق في ص 28.
    (2) تحاجز القوم : أخذ بعضهم بحجز بعض.
    (3) خلط ابن أبي الحديد بين هذا الإسناد وسابقه فجعلهما لعمرو بن شمر.
    (4) في الأصل : « قد استنبذتكم واستأناتكم » ، صوابه في ح. وفي الطبري ( 6 : 5 ) : « قد استدمتكم » فقط.
    (5) وجاءوا بالشموع ، ليست في الطبري.

    حتى يبدءوكم حجة أخرى لكم عليهم ، فإذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا ، ولا تجهزوا على جريح ، ولا تكشفوا عورة ، ولا تمثلوا بقتيل. فإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا ولا تدخلوا دارا إلا بإذني ، ولا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم ، ولا تهيجوا امرأة بأذى (1) ، وإن شتمن أعراضكم وتناولن أمراءكم وصلحاءكم ؛ إنهن ضعاف القوى والأنفس والعقول. ولقد كنا وإنا لنؤمر بالكف عنهن وإنهن لمشركات ، وإن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالهراوة أو الحديد فيعير بها عقبه من بعده.
    نصر ، عن عمر بن سعد ، عن إسماعيل بن يزيد [ يعني ابن أبي خالد (2) ] ، عن أبي صادق ، عن الحضرمي قال : سمعت عليا 7 حرض في الناس (3) في ثلاثة مواطن : في يوم الجمل ، ويوم صفين ، ويوم النهروان ، فقال :
    عباد الله ، اتقوا الله عز وجل ، وغضوا الأبصار ، واخفضوا الأصوات ، وأقلوا الكلام ، ووطنوا أنفسكم على المنازلة والمجاولة ، والمبارزة والمعانقة والمكادمة (4) ، واثبتوا ( واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ). ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ) اللهم ألهمهم الصبر ، وأنزل عليهم النصر ، وأعظم لهم الأجر.
    نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن محمد بن علي ، وزيد بن حسن ،
    __________________
    (1) في الأصل وح ( 1 : 346 ) : « إلا باذني » صوابه من الطبري ( 6 : 6 ).
    (2) إسماعيل بن أبي خالد ، أبو عبد الله ، أحد التابعين ، رأي سعيد من رأي النبي ، منهم أنس بن مالك. توفى بالكوفة سنة 146. انظر المعارف 211 وتهذيب التهذيب.
    (3) في الأصل : « عرض في الناس » صوابه في ح. وفي الطبري : « يحرض الناس ».
    (4) المكادمة : مفاعلة من الكدم ، وهو العض ، والتأثير بالحديد ، وهذا هو الأقرب. وفي اللسان : « رجل مكدم : إذا لقى قتالا فأثرت فيه الجراح ». وفي الأصل : « المكارمة » بالراء ، صوابه في الطبري ( 6 : 6 ).

    ومحمد بن المطلب (1) ، أن عليا 7 ومعاوية عقدا الأولوية ، وأمرا الأمراء ، وكتبا الكتائب ، واستعمل علي على الخيل عمار بن ياسر ، وعلى الرجالة عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، ودفع اللواء إلى هاشم بن عتبة ابن أبي وقاص الزهري ، وجعل على الميمنة الأشعث بن قيس ، وعلى الميسرة عبد الله بن العباس ، وجعل على رجالة الميمنة سليمان بن صرد الخزاعي ، وجعل على رجالة الميسرة الحارث بن مرة العبدي ، وجعل القلب مضر الكوفة والبصرة ، وجعل الميمنة اليمن ، وجعل الميسرة ربيعة ، وعقد ألوية القبائل فأعطاها قوما منهم بأعيانهم جعلهم رؤساءهم وأمراءهم ، وجعل على قريش وأسد وكنانة عبد الله بن عباس ، وعلى كندة حجر بن عدي ، وعلى بكر البصرة حضين بن المنذر. وعلى تميم البصرة الأحنف بن قيس ، وعلى خزاعة عمرو بن الحمق ، وعلى بكر الكوفة نعيم بن هبيرة ، وعلى سعد ورباب البصرة جارية بن قدامة السعدي ، وعلى بجيلة رفاعة بن شداد ، وعلى ذهل الكوفة يزيد بن رويم الشيباني (2) ، وعلى عمرو وحنظلة البصرة (3) أعين بن ضبيعة ، وعلى قضاعة وطيئ عدي بن حاتم ، وعلى لهازم الكوفة عبد الله بن حجل العجلي ، وعلى تميم الكوفة عمير بن عطارد ، وعلى الأزد واليمن جندب ابن زهير ، وعلى ذهل البصرة خالد بن المعمر السدوسي ، وعلى عمرو وحنظلة الكوفة (4) شبث بن ربعي ، وعلى همدان سعيد بن قيس ، وعلى لهازم البصرة حريث بن جابر الحنفي (5) ، وعلى سعد ورباب الكوفة الطفيل أبا صريمة ،
    __________________
    (1) ذكره في لسان الميزان ( 5 : 383 ) وقال : « روى عن أبان بن بشير ، وعنه وهب بن كعب. مجهول ». ح : « بن عبد المطلب » تحريف.
    (2) ح ( 1 : 346 ) : « رويما الشيباني أو يزيد بن رويم ».
    (3) ح : « وعلى عمرو البصرة وحنظلتها ».
    (4) ح : « وعلى عمرو الكوفة وحنظلتها ».
    (5) ح : « الجعفي ».

    وعلى مذحج الأشتر بن الحارث النخعي ، وعلى عبد القيس الكوفة صعصعة بن صوحان ، وعلى قيس الكوفة عبد الله بن الطفيل البكائي (1) ، وعلى عبد القيس البصرة عمرو بن حنظلة ، وعلى قريش البصرة الحارث بن نوفل الهاشمي ، وعلى قيس البصرة (2) قبيصة بن شداد الهلالي ، وعلى اللفيف من القواصي القاسم بن حنظلة الجهني.
    واستعمل معاوية على الخيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، وعلى الرجالة مسلم بن عقبة المري (3) ، وعلى الميمنة عبد الله بن عمرو بن العاص ، وعلى الميسرة حبيب بن مسلمة القهري ، وأعطى اللواء عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، وعلى أهل دمشق ـ وهم القلب ـ الضحاك بن قيس القهري ، وعلى أهل حمص ـ وهم الميمنة ـ ذا الكلاع الحميري ، وعلى أهل قنسرين ـ وهم [ في ] الميمنة [ أيضا ] زفر بن الحارث ، وعلى أهل الأردن ـ وهم الميسرة ـ سفيان بن عمرو الأعور السلمي ، وعلى أهل فلسطين ـ وهم في الميسرة ـ أيضا مسلمة بن مخلد ، وعلى رجالة أهل حمص حوشبا ذا ظليم (4) ، وعلى رجالة قيس طريف بن حابس الألهاني (5) ، وعلى رجالة أهل الأردن عبد الرحمن بن قيس القيني ، وعلى رجالة
    __________________
    (1) هو عبد الله بن الطفيل بن ثور بن معاوية بن عبادة بن البكاء ، العامري ثم البكائي ، له إدراك ، وقد شهد مشاهد علي. والعامري : نسبة إلى عامر بن صعصعة. والبكائي ، بفتح الباء وتشديد الكاف : نسبة إلى البكاء ، وبنو البكاء من قبائل ربيعة بن عامر بن صعصعة. انظر الاشتقاق 179. وفي الأصل : « الكناني » تحريف ، صوابه في ح والإصابة 6328.
    (2) الكلام بعد : « البكائي » إلى هنا ساقط من ح.
    (3) المري : نسبة إلى مرة بن عوف. قال ابن دريد في الاشتقاق 174 : « فمن قبائل مرة بن عوف مسلم بن عقبة الدي اعترض أهل المدينة فقتلهم يوم الحرة في طاعة يزيد بن ومعاوية ». انظر المعارف 153. ح : « المزني » تحريف.
    (4) سبقت ترجمته في ص 60.
    (5) الألهاني ، بالفتح : نسبة إلى ألهان ، وهم إخوة همدان بن مالك بن زيد بن كهلان. انظر الاشتقاق 250.

    أهل فلسطين الحارث بن خالد الأزدي ، وعلى رجالة قيس دمشق همام بن قبيصة ، وعلى قيس وإياد حمص (1) بلال بن أبي هبيرة الأزدي وحاتم بن المعتمر الباهلي (2) ، وعلى رجالة الميمنة حابس بن سعد الطائي ، وعلى قضاعة دمشق حسان بن بحدل الكلبي (3) ، وعلى قضاعة الأردن حبيش بن دلجة القيني ، وعلى كنانة فلسطين شريكا الكناني (4) ، وعلى مذحج الأردن المخارق بن الحارث الزبيدي ، وعلى لخم وجذام فلسطين (5) ناتل بن قيس الجذامي (6) ، وعلى همدان الأردن حمزة بن مالك الهمداني ، وعلى خثعم اليمن حمل بن عبد الله الخثعمي (7) ، وعلى غسان الأردن يزيد بن الحارث ، وعلى جميع القواصى القعقاع بن أبرهة الكلاعى (Cool ـ وأصيب في المبارزة أول يوم تراءت فيه الفئتان.
    __________________
    (1) ح : « وعلى قيس حمص وإيادها ».
    (2) ما بعد « الأزدي » ليس في ح.
    (3) بحدل ، بالحاء المهملة وزان جعفر. وفي الأصل وح : « بجدل » بالجيم ، تحريف. وهو حسان بن مالك بن بحدل أبو سليمان الكلبي ، زعيم بني كلب ومقدمهم. ويروون أنه سلم عليه بالخلافة أربعين ليلة. انظر تاريخ ابن عساكر ( 9 : 342 ) المخطوطة التيمورية وكذا الأغاني ( 11 : 114 ).
    (4) في الأصل : « شريك البكائي » ، وأثبت ما في ح ( 1 : 346 ).
    (5) ح : « وعلى جذام فلسطين ولخمها ».
    (6) ناتل ، بمثناة ، ابن قيس بن زيد الشامي الفلسطيني أحط أمراء معاوية ، قتل سنة ست وستين. وفي الأصل : « نائل » وفي ح : « نابل » صوابهما ما أثبت من تهذيب التهذيب والاشتقاق 225 والمشتبه للذهبي 514.
    (7) ترجم له ابن عساكر في تاريخ دمشق ، في حرب الحاء المهملة. قال : « حمل بن عبد الله الخثعمي ، شهد صفين مع معاوية ، وكان يومئذ أميرا على خثعم ». وفي ح : « جمل » بالجيم ، تحريف ، صوابه في ابن عساكر ( 11. 551 ) مخطوطة التيمورية.
    (Cool ترجم له ابن عساكر في ( 35 : 369 ). وفي ح : « الكلابي » تحريف.

    نصر : إسماعيل بن أبي عميرة (1) عن الشعبي أن عليا 7 بعث على ميمنته عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، وعلى ميسرته عبد الله بن العباس.
    وذكر عن فضيل بن خديج (2) أن عليا 7 بعث على خيل أهل الكوفة الأشتر ، وعلى خيل أهل البصرة سهل بن حنيف ، وعلى رجالة أهل الكوفة عمار بن ياسر ، وعلى رجالة أهل البصرة قيس بن سعد ـ وكان قد أقبل من مصر إلى صفين ـ وجعل معه هاشم بن عتبة ، وابنه ، و [ جعل ] مسعود بن فدكي التميمي على قراء أهل البصرة. فصار قراء أهل الكوفة إلى ابن بديل وعمار بن ياسر.
    آخر الجزء الثالث من أجزاء ابن الطيوري
    والحمد لله وصلواته على سيدنا محمد النبي وآله وسلم. ويتلوه الجزء الرابع [ وأوله (3) ] :
    « نصر ، عن عمر قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن القاسم مولى يزد بن معاوية ».
    وجدت في الجزء الخامس من نسخة عبد الوهاب بخطه :
    « سمع جميعه على الشيخ أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار ، الأجل
    __________________
    (1) في الأصل : « بن أبي عمرة » ، وأثبت ما في ح ( 1 : 347 ) كما سبق ص 22.
    (2) ذكره الذهبي في المشتبه 151 قال : « وفضيل بن خديج شيخ لأبي مخنف لوط الأخباري ». وترجم له ابن حجر في لسان الميزان. وفي الأصل : « فضل بن خديج » ، صوابه في المراجعين المذكورين.
    (3) تكملة يستقيم بها الكلام. وانظر أول الجزء التالي.

    السيد الأوحد قاضي القضاة أبو الحسن علي بن محمد الدامغاني ، وابناه القاضيان أبو عبد الله محمد (1) وأبو الحسين أحمد ، وأبو عبد الله محمد بن القاضي أبي الفتح بن البيضاوي ، والشريف أبو الفضل محمد بن علي بن أبي يعلى الحسني ، وأبو منصور محمد بن محمد بن قرمي ، بقراءة عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي في شعبان سنة أربع وتسعين وأربعمائة ».
    __________________
    (1) ترجم له السمعاني في الورقة 219 وياقوت في معجم البلدان. ولي القضاء ببغداد مدة. وكانت ولادته بالدامغان سنة 400 ووفاته سنة 498. والدامغاني : نسبة إلى الدامغان ، بفتح الميم ، وهي قصبة بلاد قومس.


    الجزء الرابع
    من كتاب صفين
    لنصر بن مزاحم
    رواية أبي محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز
    رواية أبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة بن الوليد
    رواية أبي الحسن محمد بن ثابت بن عبد الله بن محمد بن ثابت
    رواية أبي يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر الحريري
    رواية أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي
    رواية الشيخ الحافظ أبي البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي
    ـ سماع مظفر بن على بن محمد بن زيد بن ثابت المعروف بابن المنجم ـ غفر الله له


    بسم الله الرحمن الرحيم
    أخبرنا الشيخ الثقة شيخ الإسلام أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي ، قال : أخبرنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي بقراءتي عليه قال : أخبرنا أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر ، قال أبو الحسن محمد بن ثابت بن عبد الله بن محمد بن ثابت الصيرفي ، قال أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة ، قال أبو محمد سليمان بن الربيع بن هشام النهدي الخزاز ، قال أبو الفضل نصر بن مزاحم :
    عن عمر قال : عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن القاسم مولى يزيد بن معاوية ، أن معاوية بعث على ميمنته ذا الكلاع ، وعلى ميسرته حبيب بن مسلمة الفهري ، وعلى مقدمته من يوم أقبل من دمشق أبا الأعور السلمي ، وكان على خيل أهل دمشق ، وعمرو بن العاص على خيول أهل الشام كلها (1) ؛ و [ جعل ] مسلم بن عقبة المري على رجالة أهل دمشق ، والضحاك بن قيس على رجالة الناس كلهم (2) ، وبايع رجال من أهل الشام على الموت ، فعقلوا أنفسهم بالعمائم (3) ، فكانوا خمسة صفوف معقلين (4) ، وكانوا يخرجون
    __________________
    (1) وكذا في الطبري ( 6 : 6 ) لكن في ح ( 1 : 347 ) : « أبا الأعور السلمي وكان على خيل دمشق كلها عمرو بن العاص ومعه خيول الشام بأسرها » ، تحريف.
    (2) وكذا في الطبري. لكن في ح : « على سائر الرجالة بعد ».
    (3) أي جعلوا العمائم لهم بمثابة العقل ـ جمع عقال. وفي الأصل : « فعلقوا » تحريف صوابه في ح والطبري. وسيأتي في هذا الكتاب قوله : « وقد قيدت عك أرجلها بالعمائم ».
    (4) في الأصل : « معلقين » ، صوابه في ح والطبري.

    فيصطفون أحد عشر صفا (1) ويخرج أهل العراق فيصطفون أحد عشر صفا. فخرجوا أول يوم من صفر ( من سنة سبع وثلاثين ) ، وذلك يوم الأربعاء ، فاقتتلوا ، وعلى من خرج يومئذ من أهل الكوفة الأشتر ، وعلى أهل الشام حبيب بن مسلمة ، فاقتتلوا قتالا شديدا جل النهار ، ثم تراجعوا وقد انتصف بعضهم من بعض. ثم خرج ( في اليوم الثاني ) هاشم بن عتبة في خيل ورجال.حسن عددها وعدتها ، وخرج إليه من أهل الشام أبو الأعور السلمي فاقتتلوا يومهم ذلك ، تحمل الخيل على الخيل ، والرجال على الرجال ، ثم انصرفوا وقد صبر القوم بعضهم لبعض. وخرج اليوم الثالث عمار بن ياسر ، وخرج إليه عمرو بن العاص فاقتتل الناس كأشد القتال ، وجعل عمار يقول : « يا أهل الإسلام (2) ، أتريدون أن تنظروا إلى من عادى الله ورسوله وجاهدهما وبغى على المسلمين وظاهر المشركين ، فلما أراد الله أن يظهر دينه وينصر رسوله أتى النبي صلى الله عليه ، فأسلم وهو والله فيما يرى (3) راهب غير راغب ، وقبض الله رسوله صلى الله عليه وإنا والله لنعرفه بعداوة المسلم ومودة المجرم؟ ألا وإنه معاوية ، فالعنوه لعنه الله ، وقاتلوه فإنه ممن يطفيء نور الله ، ويظاهر أعداء الله ».
    وكان مع عمار زياد بن النضر على الخيل ، فأمره أن يحمل في الخيل ، فحمل وصبروا له ، وشد عمار في الرجالة فأزال عمرو بن العاص عن موقفه ، وبارز يومئذ زياد بن النضر أخا له [ لأمه (4) ] من بني عامر يقال له معاوية بن عمرو
    __________________
    (1) الطبري : « وكانوا يخرجون ويصفون عشرة صفوف ».
    (2) في ح : « يا أهل الشام » ، فقد يكون ذلك إغراء لهم بصاحبهم وحثا لهم على الخلاف عليه. وعند الطبري : « يا أهل العراق » يخاطب أصحابه.
    (3) الطبري : « نرى ».
    (4) هذه التكملة من الطبري.

    العقيلي (1) ـ وكانت أمهما هند امرأة من بني زبيد ـ فلما التقيا تساءلا (2) وتواقفا ، ثم انصرف كل واحد منها عن صاحبه ، ورجع الناس يومهم ذاك.
    نصر : أبو عبد الرحمن المسعودي ، حدثني يونس بن الأرقم بن عوف ، عن شيخ من بكر بن وائل قال :
    كنا مع علي بصفين ، فرفع عمرو بن العاص شقة خميصة سوداء في رأس رمح ، فقال ناس : هذا لواء عقده له رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلم يزالوا كذلك حتى بلغ عليا ، فقال : هل تدرون ما أمر هذا اللواء؟ إن عدو الله عمرو بن العاص أخرج له رسول الله هذه الشقة فقال : « من يأخذها بما فيها؟ » ، فقال عمرو : وما فيها يا رسول الله؟ قال : « فيها أن لا تقاتل به مسلما ، ولا تقربه من كافر (3) » فأخذها ، فقد والله قربه من المشركين ، وقاتل به اليوم المسلمين (4) : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أسلموا ولكن استسلموا ، وأسروا الكفر ، فلما وجدوا أعوانا رجعوا إلى عدواتهم منا (5) ، إلا أنهم لم يدعوا الصلاة.
    نصر : أخبرني عبد العزيز بن سياه ؛ عن حبيب بن أبي ثابت قال : لما كان قتال صفين قال رجل لعمار : يا أبا اليقظان : ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : « قاتلوا الناس حتى يسلموا ، فإذا أسلموا عصموا منى دماءهم وأموالهم »؟ قال : بلى ولكن والله ما أسلموا ولكن استسلموا ، وأسروا الكفر حتى وجدوا عليه أعوانا (6).
    __________________
    (1) الطبري : « يقال له عمرو بن معاوية بن المنتفق بن عامر بن عقيل ».
    (2) ليست في ح. وفي الطبري : « تعارفا » وفي الأصل : « تسايلا »
    (3) الضمير للواء. وفي ح : « بها » في الموضعين ، أي الشقة.
    (4) ح : « قربها » و « قاتل بها ».
    (5) ح : « فلما وجدوا عليه أعوانا أظهروه ». ولم يرو سائر هذه الفقرة.
    (6) في الأصل : « أهوانا » صوابه في ح.

    نصر : عبد العزيز ، قال حبيب بن أبي ثابت قال : حدثني منذر الثوري (1) قال : قال محمد بن الحنفية : لما أتاهم [ رسول ] الله من أعلى الوادي ومن أسفله ، وملأ الأودية كتائب (2) استسلموا حتى وجدوا أعوانا.
    نصر ، عن فطر بن خليفة (3) ، عن منذر الثوري قال عمار بن ياسر : والله ما أسلم القوم ولكن استسلموا وأسروا الكفر حتى وجدوا عليه أعوانا.
    نصر ، عن الحكم بن ظهير ، عن إسماعيل ، عن الحسن ، و [ قال : وحدثنا ] الحكم [ أيضا ] ، عن عاصم بن أبي النجود (4) ، عن زر بن حبيش (5) ، عن عبد الله بن مسعود قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. « إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان يخطب على منبري فاضربوا عنقه ». قال الحسن : فما فعلوا ولا أفلحوا.
    نصر : عمرو بن ثابت ، عن إسماعيل ، عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقتلوه ». قال : فحدثني بعضهم قال : قال أبو سعيد الخدري : فلم نفعل ولم نفلح.
    __________________
    (1) هو المنذر بن يعلى الثوري ، أبو يعلى الكوفي. ترجم له في تهذيب التهذيب. وفي الأصل : « منذر العلوي » لعلها « الكوفي » وأثبت ما في ح.
    (2) في الأصل : « وملؤوا ». ح : « وملأ الأودية كتائب ـ يعني يوم فتح مكة ».
    (3) فطر بكسر الفاء ، بن خليفة المخزومي مولاهم ، أبو بكر الحناط. انظر تهذيب التهذيب والمعارف ومشارق الأنوار ( 2 : 168 ). وفي الأصل : « قطرب » تحريف.
    (4) هو عاصم بن بهدلة الأسدي مولاهم الكوفي المقرئ ، كان حجة في القراءة ، قرأ على عبد الرحمن السلمي ، وزر بن حبيش. ويعرف بابن أبي النجود ، بفتح النون. وبهدلة أمه كما في القاموس. توفى سنة 128. انظر تهذيب التهذيب والمعارف 231.
    (5) زر ، بكسر أوله وتشديد الراء ، بن حبيش ، بالتصغير ، بن حباشة ، بالضم ، الأسدي الكوفي ، كان أعرب الناس ، وكان عبد الله بن مسعود يسأله عن العربية. مات سنة إحدى أو ثنتين أو ثلاث وثمانين وهو ابن مائة وعشرين سنة. انظر تهذيب التهذيب والمعارف 188 والإصابة 2965.

    نصر ، عن يحيى بن يعلى ، عن الأعمش ، عن خيثمة قال : قال عبد الله بن عمر (1) : إن معاوية في تابوت في الدرك الأسفل من النار. ولولا كلمة فرعون : ( أنا ربكم الأعلى ) ما كان أحدا أسفل من معاوية.
    نصر ، عن يحيى بن سلمة بن كهيل ، عن أبيه ، عن سالم بن أبي الجعد (2) عن أبي حرب بن أبي الأسود (3) عن رجل من أهل الشام عن أبيه قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « شر خلق الله خمسة : إبليس ، وإبن آدم الذي قتل أخاه ، وفرعون ذو الأوتاد ، ورجل من بني إسرائيل ردهم عن دينهم ، ورجل من هذه الأمة يبايع على كفره عند باب لد (4) ». قال الرجل : إني لما رأيت معاوية بايع عند باب لد ذكرت قول رسول الله ، فلحقت بعلي فكنت معه.
    نصر ، عن جعفر الأحمر ، عن ليث عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يموت معاوية على غير الإسلام ».
    عن جعفر الأجمر ، عن ليث ، عن محارب بن زياد ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يموت معاوية على غير ملتي ».
    نصر ، عن عبد الغفار بن القاسم ، عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال : أقبل أبو سفيان ومعه معاوية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    __________________
    (1) في الأصل : « عبد الله بن عمرو » ، تحريف.
    (2) هو سالم بن أبي الجعد رافع الغطفاني الأشجعي مولاهم. مات سنة سبع أو ثمان وتسعين ، وقيل مائة. تهذيب التهذيب.
    (3) هو أبو حرب بن أبي الأسود الديلي البصري ، ثقة ، قيل اسمه محجن ، وقيل عطاء. مات سنة 108. تهذيب التهذيب.
    (4) لد ، بالضم والتشديد : قرية قرب بيت المقدس من نواحي فلسطين.


    « اللهم العن التابع والمتبوع. اللهم عليك بالأقيعس ». فقال ابن البراء لأبيه : من الأقيعس؟ قال معاوية.
    نصر ، عن قيس بن الربيع وسليمان بن قرم (1) ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن الحارث بن سعيد ، عن علي قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ، فشكوت إليه ما لقيت من أمته من الأود واللدد ، فقال : « انظر! » ، فإذا عمرو بن العاص ومعاوية معلقين منكسين تشدخ رؤوسهما بالصخر.
    نصر ، عمر حدثني يحيى بن يعلى بن عبد الجبار بن عباس ، عن عمار الدهني (2) ، عن أبي المثنى ، عن عبد الله بن عمر قال : ما بين تابوت معاوية وتابوت فرعون إلا درجة؟ وما انخفضت تلك الدرجة إلا أنه قال : ( أنا ربكم الأعلى ).
    نصر ، عن أبي عبد الرحمن قال : حدثني العلاء بن يزيد القرشي ، عن جعفر بن محمد قال : دخل زيد بن أرقم على معاوية ، فإذا عمرو بن العاص جالس معه على السرير ، فلما رأى ذلك زيد جاء حتى رمى بنفسه بينهما ، فقال له عمرو بن العاص : أما وجدت لك مجلسا إلا أن تقطع بيني وبين أمير المؤمنين؟ فقال زيد : إن رسول الله غزا غزوة وأنتما معه ، فرأكما مجتمعين فنظر إليكما نظرا شديدا ، ثم رأكما اليوم الثاني واليوم الثالث ، كل ذلك يديم النظر إليكما ، فقال في اليوم الثالث : « إذا رأيتم معاوية وعمرو بن العاص
    __________________
    (1) هو سليمان بن قرم ـ بفتح القاف وسكون الراء ـ بن معاذ أبو داود البصري. النحوي. قال ابن حجر : « سيء الحفظ ، يتشيع من السابعة ». تقريب التهذيب. وفي الأصل : « بن قوم » تحريف.
    (2) هو عمار بن معاوية الدهني ، بضم الدال المهملة وسكون الهاء بعدها نون ، أبو معاوية البجلي الكوفي ، صدوق يتشيع من الخامسة. تقريب التهذيب.

    مجتمعين ففرقوا بينهما ؛ فإنهما لن يجتمعا على خير (1) ».
    نصر ، عن محمد بن فضيل (2) ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص الأزدي قال : أخبرني أبو هلال أنه سمع أبا برزة الأسلمي يقول : إنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعوا غناء فتشرفوا له ، فقام رجل فاستمع له ، وذاك قبل أن تحرم الخمر ، فأتاهم ثم رجع فقال : هذا معاوية وعمرو بن العاص يجيب أحدهما الآخر وهو يقول :
    يزال حواري تلوح عظامه
    زوى الحرب عنه أن يحس فيقبرا (3)

    فرفع رسول الله يديه فقال : « اللهم أركسهم في الفتنة ركسا. اللهم دعهم إلى النار دعا (4) ».
    نصر ، عن محمد بن فضيل ، ، عن أبي حمزة الثمالي (5) ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن عبد الله بن عمر قال : إن تابوت معاوية في النار فوق تابوت فرعون ، وذلك بأن فرعون قال : ( أنا ربكم الأعلى ).
    نصر : شريك ، عن ليث ، عن طاوس ، عن عبد الله بن عمر قال :
    __________________
    (1) الكلام التالي إلى كلمة : « فاقتلوه » التي ستأتي في ص 221 محذوف من طبعة بيروت.
    (2) هو محمد بن فضيل بن غزوان الضبي مولاهم ، أبو عبد الرحمن الكوفي صدوق رمى بالتشييع. مات سنة خمس وتسعين ومائة. تهذيب التهذيب.
    (3) في اللسان : « وحكى بعضهم زلت أفعل ، أي ما زلت ». والحس : القتل الشديد. وفي الكتاب : ( إذ تحسونهم بإذنه ).
    (4) الإركاس والركس : الرد والإرجاع. وفي التنزيل : ( والله أركسهم بما كسبوا ). والدع : الدفع الشديد. وفي الكتاب : ( يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ). وقد ورد الحديث في اللسان ( ركس ) بلفظ : « اللهم أركسهما في الفتنة ركسا ». وجاء في اللسان ( دعع ) : « اللهم دعها إلى النار دعا » صوابه : « دعهما ».
    (5) هو ثابت بن أبي صفية الثمالي ، بضم المثلثة ، أبو حمزة. واسم أبيه دينار وقيل سعيد ، كوفي ضعيف رافضي من الخامسة ، مات في خلافة أبي جعفر. تقريب التهذيب.

    أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول : « يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت حين يموت وهو على غير سنتي ». فشق علي ذلك وتركت أبي يلبس ثيابه ويجيء ، فطلع معاوية.
    نصر ، عن بليد بن سليمان (1) ، حدثني الأعمش ، عن علي بن الأقمر (2) قال : وفدنا على معاوية وقضينا حوائجنا ثم قلنا : لو مررنا برجل قد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاينه. فأتينا عبد الله بن عمر فقلنا : يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حدثنا ما شهدت ورأيت. قال : إن هذا أرسل إلي ـ يعني معاوية ـ فقال : لئن بلغني أنك تحدث لأضربن عنقك. فجثوت على ركبتي بين يديه ثم قلت : وددت أن أحد سيف في جندك (3) على عنقي. فقال : والله ما كنت لأقاتلك ولا أقتلك. وأيم الله ما يمنعني أن أحدثكم ما سمعت (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه. رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليه يدعوه ـ وكان يكتب بين يديه ـ فجاء الرسول فقال : هو يأكل. فقال : لا أشبع الله بطنه فهل ترونه يشبع؟ قال : وخرج من فج فنظر رسول الله إلى أبي سفيان وهو راكب ومعاوية وأخوه ، أحدهما قائد والآخر سائق ، فلما نظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « اللهم العن القائد والسائق والراكب ». قلنا : أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : نعم ، وإلا فصمتا أذناي ، كما عميتا عيناي.
    __________________
    (1) هو تليد ، بفتح التاء المثناة ، بن سليمان المحاربي ، أبو سليمان أو أبو إدريس الكوفي الأعرج ، رافضي ضعيف. قال صالح جزرة : كانوا يسمونه « بليدا » يعني بالموحدة. مات سنة تسعين ومائة. تقريب التهذيب. وقد ورد « بليد » هاهنا بالموحدة فأثبته كما هو.
    (2) هو علي بن الأقمر بن عمرو الهمداني الوادعي ، كوفي ثقة. تقريب التهذيب.
    (3) في الأصل : « جسدك ».
    (4) في الأصل : « ما سمعت من » وكلمة « من » مقحمة.

    نصر ، عن عبد العزيز بن الخطاب ، عن صالح بن أبي الأسود ، عن إسماعيل ، عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا رأيتم معاوية على منبري يخطب فاقتلوه ».
    قال نصر : ثم رجع إلى حديث عمرو بن شمر ، قال :
    فلما كان من الغد خرج محمد بن علي بن أبي طالب ، وخرج إليه عبيد الله بن عمر بن الخطاب في جمعين عظيمين فاقتتلوا كأشد القتال. ثم إن عبيد الله بن عمر أرسل إلى محمد بن الحنفية (1) : أن اخرج إلى أبارزك. قال له : نعم. ثم خرج إليه يمشي ، فبصر به علي فقال : من هذان المتبارزان؟ فقيل له : ابن الحنفية وابن عمر. فحرك علي دابته ثم دعا محمدا فوقف له فقال : أمسك دابتي. فأمسكها له ثم مشى إليه فقال : أنا أبارزك فهلم إلى. قال : ليس لي في مبارزتك حاجة. قال : فرجع ابن عمر وأخذ ابن الحنفية يقول لأبيه : منعتني من مبارزته ، فوالله لو تركتني لرجوت أن أقتله. قال : يا بني ، لو بارزته أنا لقتلته ، ولو بارزته أنت لرجوت أن تقتله ، وما كنت آمن أن يقتلك. ثم قال : يا أبه أتبرز بنفسك إلى هذا الفاسق اللئيم عدو الله؟ والله لو أبوه يسألك المبارزة لرغبت بك عنه. فقال : يا بنى [ لا تذكر أباه ولا ] تقل فيه إلا خيرا (2). يرحم الله أباه.
    ثم إن الناس تحاجزوا وتراجعوا. فلما أن كان اليوم الخامس خرج عبد الله بن العباس والوليد بن عقبة فاقتتلوا قتالا شديدا ، ودنا ابن عباس
    __________________
    (1) هو محمد بن علي بن أبي طالب ، وهو أخو الحسن والحسين ابني علي ، بيد أن والدة. هذين هي فاطمة الزهراء ، وأم ذاك هي خولة بنت جعفر الحنفية ، فنسب إليها تمييزا له. كان ابن الحنفية أحد أبطال صدر الإسلام ، وكان ورعا واسع العلم. توفى سنة 81. وفيات الأعيان ( 1 : 449 ) وطبقات ابن سعد ( 5 : 66 ).
    (2) ح ( 1 : 480 ) : « لأبيه إلا خيرا ».

    من الوليد بن عقبة ، فأخذ الوليد يسب بني عبد المطلب (1) وأخذ يقول : يا ابن عباس قطعتم أرحامكم ، وقتلتم إمامكم ، فكيف رأيتم صنع الله بكم ، لم تعطوا ما طلبتم ، ولم تدركوا ما أملتم ، والله ـ إن شاء الله ـ مهلككم وناصرنا عليكم (2). فأرسل إليه ابن عباس : أن ابرز إلى. فأبي أن يفعل ، وقاتل ابن عباس يومئذ قتالا شديدا. ثم انصرفوا عند الظهر وكل غير غالب. وذلك يوم الأحد (3).
    نصر ، عن عمر بن سعد ، قال : أبو يحيى عن الزهري قال :
    وخرج في ذلك اليوم شمر بن أبرهة بن الصباح الحميري ، فلحق بعلي 7 في ناس من قراء أهل الشام ، ففت ذلك في عضد معاوية وعمرو بن العاص ، وقال عمرو : يا معاوية ، إنك تريد أن تقاتل بأهل الشام رجلا له من محمد صلى الله عليه وسلم قرابة قريبة ، ورحم ماسة ، وقدم في الإسلام لا يعتد أحد بمثله ، ونجدة في الحرب لم تكن لأحد من أصحاب محمد 9 (4) ، وإنه قد سار إليك بأصحاب محمد صلى الله عليه المعدودين ، وفرسانهم وقرائهم وأشرافهم وقدمائهم في الإسلام ، ولهم في النفوس مهابة. فبادر بأهل الشام مخاشن الوعر ، ومضايق الغيض (5) ؛ واحملهم على الجهد ، وأتهم من باب الطمع
    __________________
    (1) ح : « فأكثر من سبب بني عبد المطلب ».
    (2) ح : « والله إن شاء أمهلكم وناصر عليكم ». وما في الأصل يوافق ما في الطبري ( 6 : 7 ).
    (3) بعد هذه الكلمة في الأصل كلام ناقص لم يرد في ح وهو : « وخرج شمر بن أبرهة ابن الصباح الحميري فلحق بعلي في ناس من قراء أهل الشام ، فلما رأى ذلك معاوية وعمرو وما خرج إلى علي من قبائل أهل الشام وأشرافهم ». وانظر ما يلي.
    (4) النجدة : الشجاعة وشدة البأس.
    (5) الغيض : القليل ، ومنه : فلان يعطي غيضا من فيض. ح : ( 1 : 481 ). « مخاشن الأوعار ومضايق الغياض ».

    قبل أن ترفههم فيحدث عندهم طول المقام مللا ، فيظهر فيهم كآبة الخذلان. ومهما نسيت فلا تنس أنك على باطل.
    فلما قال عمرو لمعاوية ذلك زوق معاوية خطبة ، وأمر بالمنبر فأخرج ، ثم أمر أجناد أهل الشام فحضروا خطبته ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
    أيها الناس أعيرونا أنفسكم وجماجمكم ، لا تفشلوا ولا تخاذلوا (1) ؛ فإن اليوم يوم خطار ، ويوم حقيقة وحفاظ ؛ فإنكم على حق وبأيديكم حجة (2) وإنما تقاتلون من نكث البيعة ، وسفك الدم الحرام ، فليس له في السماء عاذر.
    ثم صعد عمرو بن العاص مرقاتين من المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال (3) : أيها الناس ، قدموا المستلئمة ، وأخروا الحاسر ، وأعيروا جماجمكم ساعة ؛ فقد بلغ الحق مقطعه ، وإنما هو ظالم ومظلوم (4).
    نصر : عمر بن سعد ، عن أبي يحيى ، عن محمد بن طلحة ، عن أبي سنان الأسلمي قال : لما أخبر علي بخطبة معاوية وعمرو ، وتحريضهما الناس عليه أمر الناس فجمعوا. قال : وكأني أنظر إلى علي متوكئا على قوسه ، وقد جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه عنده ، فهم يلونه. و [ كأنه ] أحب أن يعلم الناس أن أصحاب رسول الله متوافرون عليه (5) ، فحمد الله ثم قال :
    أيها الناس ، اسمعوا مقالتي ، وعوا كلامي ؛ فإن الخيلاء من التجبر ،
    __________________
    (1) ح : « لا تقتتلوا ولا تتجادلوا ».
    (2) في الأصل : « ولكم حجة » ، وأثبت ما في ح.
    (3) الكلام من : « ثم صعد » إلى هنا ، ليس في ح ، فإن ابن أبي الحديد جعل كلام عمرو من بقية خطبة معاوية. والحق أنهما خطبتان كما سيظهر مما يلي. وانظر البيان والتبيين 2 : 285.
    (4) في الأصل : « فإنه هو ظالم أو مظلوم » وأثبت ما في ح.
    (5) ح : « متوافرون معه ».

    وإن النخوة من التكبر ، وإن الشيطان
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

            وقعة صفين Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة صفين           وقعة صفين Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 10:08 am

    وإن النخوة من التكبر ، وإن الشيطان عدو حاضر ، يعدكم الباطل. ألا إن المسلم أخو المسلم ، [ ف‍ ] لا تنابذوا ولا تخاذلوا ؛ فإن شرائع الدين واحدة وسبله قاصدة ، من أخذ بها لحق ، ومن تركها مرق ، ومن فارقها محق. ليس المسلم بالخائن إذا اؤتمن ولا بالمخلف إذا وعد ، ولا بالكذاب إذا نطق. نحن أهل بيت الرحمة ، وقولنا الصدق ، ومن فعالنا القصد (1) ، ومنا خاتم النبيين ، وفينا قادة الإسلام ، ومنا قراء الكتاب (2) ، ندعوكم إلى الله وإلى رسوله ، وإلى جهاد عدوه ، والشدة في أمره ، وابتغاء رضوانه ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصيام شهر رمضان ، وتوفير الفئ لأهله (3). ألا وإن من أعجب العجائب أن معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص السهمي ، أصبحا يحرضان الناس على طلب الدين بزعمهما. وقد علمتم أني لم أخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم قط ، ولم أعصه في أمر قط. أقيه بنفسي في المواطن التي ينكص فيها الأبطال ، وترعد فيها الفرائص. نجدة (4) أكرمني الله بها ، فله الحمد ولقد قبض رسول الله 9 وإن رأسه لفي حجري ، ولقد وليت غسله بيدي وحدي ، تقلبه الملائكة المقربون معي. وايم الله ما اختلفت أمة قط بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على [ أهل ] حقها ، إلا ما شاء الله.
    قال : فقال أبو سنان الأسلمي (5) : فسمعت عمار بن ياسر يقول : أما أمير المؤمنين فقد أعلمكم أن الأمة لن تستقيم عليه [ أولا ، وأنها لن تستقيم
    __________________
    (1) ح : « وفعلنا الفضل ».
    (2) ح : « وفينا حملة الكتاب ».
    (3) ح : « علي أهله ».
    (4) ح :« بنجدة ».
    (5) في الأصل : « الأسدي » وأثبت ما في ( 1 : 481 ) مطابقا ما مضى في ص 223.

    عليه آخرا ]. ثم تفرق الناس وقد نفذت بصائرهم في قتال عدوهم ، [ فتأهبوا واستعدوا ].
    نصر : عمرو بن شمر (1) ، عن مالك بن أعين ، عن يزيد بن وهب ، أن عليا قال في هذه الليلة : « حتى متى لا نناهض القوم بأجمعنا؟ ». قال : فقام في الناس عشية الثلاثاء ليلة الأربعاء بعد العصر فقال :
    الحمد لله الذي لا يبرم ما نقض ، ولا ينقض ما أبرم. ولو شاء ما اختلف اثنان من هذه الأمة ولا من خلقه ، ولا تنازعت الأمة (2) في شئ من أمره ، ولا جحد المفضول ذا الفضل فضله. وقد ساقتنا وهؤلاء القوم الأقدار حتى لفت (3) بيننا في هذا المكان ، فنحن من ربنا بمرأى ومسمع ، فلو شاء لعجل النقمة ولكان منه التغيير (4) حتى يكذب الله الظالم ويعلم الحق (5) أين مصيره ، ولكنه جعل الدنيا دار الأعمال ، وجعل الآخرة عنده دار [ الجزاء ] والقرار ، ( ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ). ألا إنكم لاقو العدو غدا إن شاء الله. فأطيلوا الليلة القيام ، وأكثروا تلاوة القرآن ، واسألوا الله الصبر والنصر ، والقوهم بالجد والحزم ، وكونوا صادقين.
    ثم انصرف ووثب الناس إلى سيوفهم ورماحهم ونبالهم يصلحونها ، فمر عليهم كعب بن جعيل التغلبي وهو يقول :
    أصبحت الأمة في أمر عجب
    والملك مجموع غدا لمن غلب

    __________________
    (1) ح : « عمر بن سعد ».
    (2) ح « ولا تنازع البشر ».
    (3) في الأصل : « ألفت » وأثبت ما في ح. الطبري ( 6 : 8 ) : « فلفت ».
    (4) فيه إشارة إلى قول الله : ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) وفي ح : « النصر » وأثبت ما في الأصل مطابقا ما في الطبري.
    (5) ح فقط : « المحق ».


    فقلت قولا صادقا غير كذب
    إن غدا يهلك أعلام العرب

    غدا نلاقي ربنا فنحتسب
    يا رب لا تشمت بنا ولا تصب

    من خلع الأنداد كلا والصلب
    غدا يكونون رمادا قد كثب

    بعد الجمال والحياء والحسب
    فلما كان الليل خرج علي فعبأ الناس ليلته كلها حتى أصبح ، وعقد الأولوية وأمر الأمراء ، وكتب الكتائب. وبعث علي مناديا فنادى : يا أهل الشام ، اغدوا على مصافكم. فضج (2) أهل الشام في عسكرهم ، واجتمعوا إلى معاوية ، فعبأ خيله وعقد الألوية وأمر الأمراء ، وكتب الكتائب ، ثم نادى معاوية : أين الجند المقدم؟ فخرج أهل حمص في رايتهم عليهم ذو الكلاع الحميري (3). ثم نودي : أين أهل الأردن؟ فخرجوا في راياتهم عليهم [ أبو الأعور ] سفيان بن عمرو السلمي. ثم نودي : أين أهل قنسرين؟ فجاءوا في راياتهم عليهم زفر بن الحارث. ثم نودي : أين جند الأمير؟ فجاء أهل دمشق على راياتهم وهم القلب ، وعليهم الضحاك بن قيس الفهري ، فأطافوا بمعاوية. وسار أبو الأعور وسار عمرو بن العاص [ ومن معهما ] حتى وقفوا قريبا من أهل العراق ، فنظر إليهم عمرو فاستقلهم وطمع فيهم ، وكان أهل الشام أكثر من أهل العراق بالضعف. ثم رجع عمرو بن العاص إلى معاوية فقال : قد عرفت وعلمت ما بيننا من العهد والعقد ، فاعصب هذا الامر برأسي ، وأرسل إلى أبي الأعور [ فنحه عني ودعني والقوم. فأرسل معاوية إلى أبي الأعور ] : إن لأبي عبد الله رأيا
    __________________
    (1) في الأصل : « لا تعب » صوابه في ح ( 1 : 482 ).
    (2) في الأصل : « فصبح » صوابه في ح ( 1 : 481 ).
    (3) في الأصل : « أبو الأعور السلمي » ، وهو تحريف فإن أبا الأعور السلمي هو سفيان بن عمرو والسلمي الذي سيأتي ذكره. وأما من كان على أهل حمص فهو ذو الكلاع الحميري كما سبق في ص 206.

    وتجربة ليست لي ولا لك ، وقد وليته أعنة الخيل ، فسر حتى تقف أنت وخيلك على تل كذا ، [ ودعه والقوم. فسار أبو الأعور ] ، فأقبل عمرو بن العاص ثم نادى ابنه : يا عبد الله بن عمرو. قال : لبيك. وقال : يا محمد بن عمرو. قال : لبيك. قال : قدما لي هذه الدرع وأخرا عني هذه الحسر ، وأقيما الصف قص الشارب ؛ فإن هؤلاء قد جاءوا بخطة بلغت السماء. فمشيا براياتهما وعدلا الصفوف ، وسار بينهما عمرو حتى عدل الصفوف ، وأحسن الصف ثانية ، ثم حمل قيسا وكلبا وكنانة على الخيول ، ورجل سائر الناس ؛ وقعد على منبره وأحاط به أهل اليمن وقال : لا يقربن هذا المنبر أحد إلا قتلتموه كائنا من كان.
    نصر ، عن عمر ، عن الحارث بن حصيرة وغيره قال : لما قام أهل الشام وأهل العراق وتواقفوا وأخذوا مصافهم للقتال ، قال معاوية : من هؤلاء في الميسرة؟ ميسرة أهل العراق. قالوا : ربيعة. فلم يجد في أهل الشام ربيعة. فجاء بحمير فجعلهم بإزاء ربيعة على قرعة أقرعها من حمير وعك ، فقال ذو الكلاع : « باستك من سهم لم تبغ الضراب (1) ». كأنه أنف من أن تكون حمير بإزاء ربيعة ، فبلغ ذلك الخندف الحنفي (2) ، فحلف بالله لئن عاينه ليقتلنه أو ليموتن دونه. فجاءت حمير حتى وقفت بإزاء ربيعة ، وجعل السكون والسكاسك بإزاء كندة وعليها الأشعث ، وجعل بإزاء همدان من أهل العراق الأزد وبجيلة ، وبإزاء مذحج من أهل العراق عكا. فقال راجز من * أهل الشام :
    ويل لام مذحج من عك
    وأمهم قائمة تبكي

    نصكهم بالسيف أي صك
    فلا رجال كرجال عك

    __________________
    (1) ينعي على سهام القرعة التي لم تأت بما أتت به مريدة.
    (2) ح ( 1 : 482 ) : « جحدرا الحنفي ».

    وجعل بإزاء التيم (1) من أهل العراق هوازن وغطفان وسليما ، وقد قيدت عك أرجلها بالعمائم ، ثم طرحوا حجرا بين أيديهم وقالوا : لا نفر حتى يفر هذا الحكر ( بالكاف ). وعك تقلب الجيم كافا. وصف القلب خمسة صفوف ، وفعل أهل العراق أيضا كذلك (2). قال : ثم قال عمرو بن العاص :
    يأيها الجند الصليب الإيمان
    قوموا قياما واستعينوا الرحمن

    إني أتاني خبر فأشجان (3)
    أن عليا قتل ابن عفان

    ردوا علينا شيخنا كما كان
    فرد عليه [ أهل العراق وقالوا (4) ] :
    أبت سيوف مذحج وهمدان
    بأن نرد نعثلا كما كان (5)

    خلقا جديدا مثل خلق الرحمن
    [ ذلك شأن قد مضى وذا شأن ]

    وصاح رجل من أهل الشام (6) :
    ردوا علينا شيخنا ثم بجل (7)
    أولا تكونوا جزرا من الأسل (Cool

    فقال رجل من أهل العراق :
    __________________
    (1) في الأصل :« التميم ».
    (2) في الأصل : « كك » وهو رمز إلى كلمة « كذلك ». وفي ح : « مثل ذلك ».
    (3) أي فأشجاني. وفي ح : « ذو ألوان ».
    (4) التكملة من ح ( 1 : 482 ).
    (5) نعثل : رجل من أهل مصر كان طويل اللحية. وكان عثمان إذا نيل منه وعيب ، شبه بهذا الرجل المصري لطول لحيته ، ولم يكونوا يجدون فيه عيبا غير هذا. انظر اللسان « نعثل ».
    (6) ح : « ثم نادى عمرو بن العاص ثانية يرفع صوته ».
    (7) بجل بمعنى حسب. وقبل البيت كما في اللسان ( 14 : 70 ) :
    نحن بني ضبة أرباب الجمل
    الموت أحلى عندنا من العسل

    (Cool الجزر : قطع اللحم تأكله السباع. والأسل : الرماح. ح : « حرزا » تحريف.


    كيف نرد نعثلا وقد قحل (1)
    نحن ضربنا رأسه حتى انجفل (2)

    لما حكى حكم الطواغيت الأول
    وجار في الحكم وجار في العمل (3)

    وأبدل الله به خير البدل
    أقدم للحرب وأنكى للبطل (4)

    وقال إبراهيم بن أوس بن عبيدة السلمي ، من أهل الشام :
    لله در كتائب جاءتكم
    تبكي فوارسها على عثمان

    سبعون ألفا ليس فيهم قاسط
    يتلون كل مفصل ومثان

    يسلون حق الله لا يعدونه
    ومجيئكم للملك والسلطان (5)

    فأتوا ببينة على ما جئتم
    أولا فحسبكم من العدوان

    وأتوا بما يمحو قصاص خليفة
    لله ، ليس بكاذب خوان

    قال : وبات على ليلته كلها يعبي الناس ، حتى إذا أصبح زحف بالناس وخرج إليه معاوية في أهل الشام ، فأخذ علي يقول : من هذه القبيلة؟ ومن هذه القبيلة؟ يعني قبائل أهل الشام ـ فيسمون له. حتى إذا عرفهم وعرف مراكزهم قال للأزد : اكفوني الأزد. وقال لخثعم : اكفوني خثعما. وأمر كل قبيلة من أهل العراق أن تكفيه أختها من أهل الشام ، إلا قبيلة ليس منهم بالشام أحد (6) ، مثل بجيلة لم يكن بالشام منهم إلا عدد يسير ، فصرفهم إلى لخم (7).
    __________________
    (1) قحل : أي مات وجف جلده
    (2) انجفل : انقلب وسقط.
    (3) هذا البيت وسابقة لم يرويا في ح. وفي الأصل : « لما حكم »
    (4) أنكى : تفضيل من النكاية ، وهي الهزيمة والغلبة. وفي الأصل : « وألظي » ولا وجه له إلا أن جعل مقلوبا من ألظ ، ومورد هذا السماع.
    (5) يسلون : يسألون ، بإسقاط الهمزة وإلقاء حركتها على السين.
    (6) ح ( 1 : 283 ) : « إلا قبيلة ليس منهم بالعراق إلا القليل » صوابه « بالشام ».
    (7) ح : مثل بجيلة فإن لخما كانت بإزائها ». وفي الطبري ( 6 : 8 ) : « إلا أن تكون قبيلة ليس منها بالشام أحد فيصرفها إلى قبيلة أخرى تكون بالشام ليس منهم بالعراق واحد ، مثل بجيلة لم يكن منهم بالشام إلا عدد قليل ، فصرفهم إلى لخم ». وفي الأصل : « ففرقهم إلى لخم » ، صوابه من الطبري.

    ثم تناهض القوم يوم الأربعاء فاقتتلوا اقتتالا شديدا نهارهم كله ، وانصرفوا عند المساء وكل غير غالب. وكان علي يركب بغلا له يستلذه (1) ، فلما حضرت الحرب قال : ائتوني بفرس. [ فأتوه بفرس ] له ذنوب أدهم (2) يقاد بشطنين (3) يبحث الأرض بيديه جميعا (4) ، له حمحمة وصهيل ، فركبه وقال : ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ) ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
    نصر : عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن تميم ، قال : كان علي إذا سار إلي القتال ذكر اسم الله حين يركب ، ثم يقول : الحمد لله على نعمه علينا وفضله العظيم ، ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين. وإنا إلى ربنا لمنقلبون ). ثم يستقبل القبلة ويرفع يديه إلى الله ثم يقول : اللهم إليك نقلت الأقدام ، وأتعبت الأبدان ، وأفضت القلوب ، ورفعت الأيدي ، وشخصت الأبصار. ( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ). سيروا علي بركة الله. ثم يقول : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله والله أكبر. يا الله يا أحد يا صمد ، يا رب محمد. بسم الله الرحمن الرحيم ، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ( [ الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم. مالك يوم الدين ]. إياك نعبد وإياك نستعين ). اللهم كف عنا بأس الظالمين. فكان هذا شعاره بصفين.
    __________________
    (1) ح ( 1 : 479 ) : « بغلة له يستلذها ».
    (2) الذنوب : الوافر الذنوب الطويلة.
    (3) الشطن : الحبل. وفي اللسان : « وفي حديث البراء : وعنده فرس مربوطة بشطنين. الشطن : الحبل ، وقبل هو الطويل منه. وإنما شده بشطنين لقوته وشدته ». ح : « نفار شطين » محرف.
    (4) في الأصل : « يبحث بيديه الأرض جميعا » والوجه ما أثبت من ح.

    نصر : الأبيض بن الأغر (1) عن سعد بن طريف (2) ، عن الأصبغ قال : ما كان علي في قتال قط إلا نادى : كهيعص.
    نصر : قيس بن الربيع ، عن عبد الواحد بن حسان العجلي ، عمن حدثه عن على أنه سمع يقول يوم صفين : اللهم إليك رفعت الأبصار ، وبسطت الأيدي [ ونقلت الأقدام ] ، ودعت الألسن ، وأفضت القلوب ، وتحوكم إليك في الأعمال ، فاحكم بيننا وبينهم بالحق وأنت خير الفاتحين (3). اللهم إنا نشكو إليك غيبة نبينا ، وقلة عددنا ، وكثرة عدونا وتشتت أهوائنا ، وشدة الزمان ، وظهور الفتن. أعنا عليهم بفتح تعجله ، ونصر تعز به سلطان الحق وتظهره.
    نصر : عمرو بن شمر ، عن عمران ، عن سلام بن سويد قال : كان علي إذا أراد أن يسير إلى الحرب قعد على دابته وقال : « الحمد لله رب العالمين على نعمه علينا وفضله العظيم. ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين. وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) ». ثم يوجه دابته إلى القبيلة ، ثم يرفع يديه إلى السماء ثم يقول : « اللهم إليك نقلت الأقدام ، وأفضت القلوب ورفعت الأيدي ، وشخصت الأبصار. نشكو إليك غيبة نبينا ، وكثرة عدونا ، وتشتت أهوائنا. ( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ). سيروا على بركة الله ». ثم [ يحمل ف‍ ] يورد والله من اتبعه [ ومن حاده (4) ] حياض الموت.
    __________________
    (1) هو الأبيض بن الأغر بن الصباح الكوفي ، ذكره ابن حبان في الثقات. روي عن صالح بن حيان ، ومجالد ، وعبيدة الضبي ، وروى عنه مروان بن معاوية ، ويحيي بن حسان التميمي. لسان الميزان.
    (2) سعد بن طريف الإسكاف الحنظلي الكوفي ، كان رافضيا ، وترجم له في تهذيب التهذيب. وفي الأصل. « بن سعد بن ظريف » كأنه تتمة للرجل قبله. والصواب ما أثبت.
    (3) الفاتح : القاضي الحاكم. وفي اللسان. « ويقال للقاضي الفتاح لأنه يفتح مواضع الحق. وقوله تعالي : ربنا افتح بيننا : أي اقض بيننا ».
    (4) المحادة : المعاداة والمخالفة.

    نصر ، عن عمر بن سعد ، عن عبد الرحمن بن جندب ، عن أبيه قال : لما كان غداة الخميس [ لسبع خلوان من صفر من سنة سبع وثلاثين ] صلى علي فغلس بالغداة ، ما رأيت عليا غلس بالغداة أشد من تغليسه يومئذ ، ثم خرج بالناس إلى أهل الشام فزحف إليهم ، وكان هو يبدؤهم فيسير إليهم ، فإذا رأوه وقد زحف استقبلوه بزحوفهم.
    قال : نصر فحدثني [ عمر بن سعد ، عن ] مالك بن أعين ، عن زيد بن وهب أن عليا خرج إليهم فاستقبلوه فقال : « اللهم رب [ هذا ] السقف المحفوظ [ المكفوف ] ، الذي جعلته مغيضا لليل والنهار (1) ، وجعلت فيه مجري الشمس والقمر ، ومنازل الكواكب والنجوم ، وجعلت سكانه سبطا (2) من الملائكة لا يسأمون العبادة ؛ ورب هذه الأرض التي جعلتها قرارا للأنام والهوام والأنعام وما لا يحصى مما يرى ومما لا يرى من خلقك العظيم ؛ ورب الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ؛ ورب السحاب المسخر بين السماء والأرض ، ورب البحر المسجور [ المحيط ] بالعالمين ، ورب الجبال الرواسي التي جعلتها للأرض أوتادا وللخلق متاعا ؛ إن أظهرتنا على عدونا فجنبنا البغي ، وسددنا للحق ؛ وإن أظهرتهم علينا فارزقنا الشهادة ، واعصم بقية أصحابي من الفتنة ».
    قال : فلما رأوه وقد أقبل خرجوا إليه بزحوفهم (3) ، وكان على ميمنته يومئذ عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، وعلى ميسرته عبد الله بن العباس وقراء العراق مع ثلاثة نفر : مع عمار بن ياسر ، ومع قيس بن سعد ، ومع عبد الله
    __________________
    (1) أي يغبض فيه الليل والنهار. في الأصل : « مغيضا الليل » ، صوابه من الطبري ( 6 : 8 ). وفي ح : « محيطا بالليل والنهار ».
    (2) السبط : الأمة. وهذه الكلمة ساقطة من ح
    (3) ح : « تقدموا إليه بزحوفهم ».

    بن بديل. والناس على راياتهم ومراكزهم ، وعلي في القلب في أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة ، وعظم من معه من [ أهل (1) ] المدينة الأنصار ، ومعه من خزاعة عدد حسن ، ومن كنانة وغيرهم من أهل المدينة.
    وكان علي رجلا دحداحا (2) ، أدعج العينين ، كأن وجهه القمر ليلة البدر حسنا ، ضخم البطن ، عريض المسربة (3) ، شثن الكفين ، ضخم الكسور (4) ، كأن عنقه إبريق فضة ، أصلع ليس في رأسه شعر إلا خفاف من خلفه (5) ؛ لمنكبيه مشاش كمشاش السبع الضاري (6) ، إذا مشى تكفأ به ومار به جسده (7) ؛ له سنام كسنام الثور (Cool ، لا تبين عضده من ساعده (9) ، قد أدمجت إدماجا ، لم يمسك بذراع رجل قط إلا أمسك بنفسه فلم يستطع أن يتنفس. وهو إلى السمرة ، أذلف الأنف (10) ، إذا مشى إلى الحرب هرول ، وقد أيده الله بالعز والنصر.
    ثم زحف علي بالناس إليهم ، ورفع معاوية قبة له عظيمة قد ألقى عليها
    __________________
    (1) هذه التكملة من الطبري.
    (2) الدحداح : القصير السمين. وفي ح : « ربعة ».
    (3) المسربة : الشعر وسط الصدر إلى البطن.
    (4) شثن : غليظ. والكسور : الأعضاء.
    (5) الخفاف ، بالضم : الخفيف ، وبالكسر : جمع خفيف.
    (6) المشاش ، بالضم : رءوس العظام ، مثل المنكبين والمرفقين والركبتين.
    (7) تكفأ جسده : تمايل. والمور : التحرك والمجئ والذهاب ، كما تتكفأ النخلة العيدانة.
    (Cool في الأصل : « البعير » والوجه ما أثبت من ح ( 1 : 48 ). وسنام كل شيء : أعلاه.
    (9) العضد : ما بين المرفق إلى الكتف ، يذكر ويؤنث. والساعد : الذراع.
    (10) الذلف : قصر الأنف وصغره.


    الكرابيس (1) وجلس تحتها ، وزحف عبد الله بن بديل في الميمنة نحو حبيب بن مسلمة [ وهو على ميسرة أهل الشام ] ، فلم يزل يحوزه (2) ، ويكشف خيله من الميسرة حتى اضطرهم إلى قبة معاوية عند الظهر.
    نصر ، عن عمر ، عن مالك بن أعين ، عن زيد بن وهب ، أن عبد الله بن بديل قام في أصحابه فقال : إن معاوية ادعى ما ليس له ، ونازع الأمر أهله ومن ليس مثله ، وجادل بالباطل ليدحض به الحق ، وصال عليكم بالأعراب والأحزاب ، وزين لهم الضلالة (3) ، وزرع في قلوبهم حب الفتنة ، ولبس عليهم الأمر ، وزادهم رجسا إلى رجسهم ، وأنتم والله على نور من ربكم وبرهان مبين. قاتلوا الطغام الجفاة ولا تخشوهم. وكيف تخشونهم وفي أيديكم كتاب من ربكم ظاهر مبروز (4)؟! ( أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين. قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ). وقد قاتلتهم مع النبي صلى الله عليه (5) والله ما هم في هذه بأزكى ولا أتقى ولا أبر. قوموا إلى عدو الله وعدوكم (6).
    __________________
    (1) الكرابيس : ضرب من الثياب ، فارسي معرب.
    (2) حازهم يحوزهم : نحاهم فانحازوا ، أي تركوا مركزهم ومعركه قتالهم ، والحوزاء : الحرب تحوز القوم. في الأصل : « يجوره ». وفي ح ( 1 : 483 ) : « يجوزه » ، صوابه بالحاء والزاي. وقد جاءت على هذا الصواب الذي أثبت ، في الطبري ( 6 : 9 ).
    (3) في الأصل : « الضلال » وأثبت ما في ح والطبري.
    (4) المبروز : الظاهر المنشور. انظر اللسان « برز ». وفي الأصل : « مبرور ». وفي الطبري : « طاهرا مبرورا » ح : « ظاهر مبين ». وبعد هذه الكلمة في الأصل وح لفظة : « قوله » وليست في الطبري.
    (5) الطبري : « وقد قاتلناهم مع النبي صلى الله عليه وسلم مرة ، وهذه ثانية ».
    (6) الطبري : « قوموا إلى عدوكم بارك الله عليكم ».

    نصر ، قال : قال عمر بن سعد ، عن عبد الرحيم بن عبد الرحمن (1) ، عن أبيه (2) أن عليا أمير المؤمنين حرض الناس فقال : إن الله عز وجل قد دلكم على تجارة تنجيكم من العذاب ، وتشفي بكم على الخير (3) إيمان بالله ورسوله ، وجهاد في سبيله ؛ وجعل ثوابه مغفرة الذنوب ، ومساكن طيبة في جنات عدن ، ورضوان من الله أكبر (4) ، فأخبركم بالذي يحب فقال : ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ). فسووا صفوفكم كالبنيان المرصوص ، وقدموا الدارع ، وأخروا الحاسر ، وعضوا على الأضراس ؛ فإنه أنبى للسيوف عن الهام (5) ، وأربط للجأش ، وأسكن للقلوب. وأميتوا الأصوات ؛ فإنه أطرد للفشل ، وأولى بالوقار. والتووا في أطراف الرماح ؛ فإنه أمور للأسنة (6). وراياتكم فلا تميلوها ولا تزيلوها ، ولا تجعلوها إلا في أيدي شجعانكم المانعي الذمار ، والصبر عند نزول الحقائق ، أهل الحفاظ ، الذين يحفون براياتكم ويكتنفونها ، يضربون خلفها وأمامها ، ولا تضيعوها (7) أجزأ كل امرئ منكم ـ رحمه الله ـ [ وقذ (Cool ] قرنه ، وواسى أخاه بنفسه ، ولم يكل قرنه إلى أخيه ، فيجتمع عليه قرنه وقرن أخيه ، فيكتسب بذلك لأئمة ، ويأتي به دناءة. وأني هذا ، وكيف يكون هكذا؟! هذا يقاتل اثنين
    __________________
    (1) هو عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن محمد المحاربي أبو زياد الكوفي توفى سنة 111. انظر تهذيب التهذيب.
    (2) أبوه هو عبد الرحمن بن محمد بن زياد المحاربي أبو محمد الكوفي ، توفى سنه 95. وفي ح : « عن أبي عمرو عن أبيه ».
    (3) أشفي على الشيء : أشرف. وفي الحديث : « فأشفوا على المرج ».
    (4) كذا في الأصل وح. ورفعه على الاستئناف. وهذه الجملة لم ترد في الطبري.
    (5) أنبي : أبعد. والهام : الرؤوس.
    (6) أمور : تفضيل من المور ، وهو الاضطراب والمجئ والذهاب. في الطبري : « أصون للأسنة ».
    (7) ح : « ولا يضيعوها » تحريف. وفي الطبري : « ولا يضعونها ».
    (Cool هذه التكملة من الطبري. وقذه : ضربه شديدا.

    وهذا ممسك يده ، قد خلى قرنه على أخيه هاربا منه ، وقائما ينظر إليه. من يفعل هذا يمقته الله. فلا تعرضوا لمقت الله ؛ فإنما مردكم إلى الله. قال الله لقوم : ( قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا ). وايم الله لئن فررتم من سيف العاجلة لا تسلمون من سيف الآخرة. استعينوا بالصدق والصبر ؛ فإنه بعد الصبر ينزل النصر.
    نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن الشعبي ، عن مالك بن قدامة الأرحبي (1) قال : قام سعيد بن قيس يخطب أصحابه بقناصرين (2) فقال : « الحمد لله الذي هدانا لدينه ، وأورثنا كتابه ، وامتن علينا بنبيه صلى الله عليه فجعله رحمة للعالمين ، وسيدا للمسلمين ، وقائدا للمؤمنين ، وخاتم النبيين ، وحجة الله العظيم على الماضين والغابرين. وصلوات الله عليه ورحمة الله وبركاته. ثم كان مما قضى الله وقدره ـ والحمد لله على ما أحببنا وكرهنا ـ أن ضمنا وعدونا بقناصرين ، فلا يحمد بنا اليوم الحياص (3). وليس هذا بأوان انصراف ، ولات حين مناص. وقد اختصنا الله منه بنعمة فلا نستطيع أداء شكرها ، ولا نقدر قدرها : أن أصحاب محمد المصطفين الأخيار معنا ، وفي حيزنا. فوالله الذي هو بالعباد بصير أن لو كان قائدنا حبشيا مجدعا (5) إلا أن معنا من البدريين (4) سبعين رجلا ، لكان ينبغي لنا أن تحسن بصائرنا
    __________________
    (1) ح : « الأزدي ».
    (2) في القاموس : « قناصرين بالضم : موضع بالشام ».
    (3) الحياص : العدول والهرب. ح ( 1 : 483 ) : « فلا يجمل بنا ».
    (4) ح : « رجلا مخدوعا » محرف. وهو إشارة إلى حديث أبي ذر ، قال : « إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف ». انظر صحيح مسلم ( 2 : 85 ).
    (5) البدريون : الذي حضروا وقعة بدر. وفي الأصل : « البدوبين » ، صوابه في ح.

    وتطيب أنفسنا. فكيف وإنما رئيسنا ابن عم نبينا ، بدري صدق ، صلى صغيرا ، وجاهد مع نبيكم كبيرا. ومعاوية طليق من وثاق الإسار ، وابن طليق. ألا إنه أغوى جفاة فأوردهم النار ، وأورثهم العار ، والله محل بهم الذل والصغار. ألا إنكم ستلقون عدوكم غدا ، فعليكم بتقوى الله والجد والحزم ، والصدق والصبر ؛ فإن الله مع الصابرين. ألا إنكم تفوزون بقتلهم ويشقون بقتلكم. والله لا يقتل رجل منكم رجلا منهم إلا أدخل الله القاتل جنات عدن ، وأدخل المقتول نارا تلظى ، ( لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون ). عصمنا الله وإياكم بما عصم به أولياءه ، وجعلنا وإياكم ممن أطاعه واتقاه ، وأستغفر الله لنا ولكم وللمؤمنين.
    ثم قال الشعبي : لعمري لقد صدق بفعله ، وبما قاله في خطبته (1).
    نصر : عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر وزيد بن حسن قالا : طلب معاوية إلى عمرو بن العاص أن يسوى صفوف أهل الشام ، فقال له عمرو : على أن لي حكمي إن قتل الله ابن أبي طالب ، واستوسقت لك البلاد (2). قال : أليس حكمك في مصر؟ قال : وهل مصر تكون عوضا عن الجنة ، وقتل ابن أبي طالب ثمنا لعذاب النار الذي لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون؟ فقال معاوية : إن لك حكمك أبا عبد الله إن قتل ابن أبي طالب. رويدا لا يسمع الناس كلامك. فقال لهم عمرو : « يا معشر أهل الشام ، سووا صفوفكم ، وأعيروا ربكم جماجمكم ، واستعينوا بالله إلهكم ، وجاهدوا عدو الله وعدوكم ، واقتلوهم قتلهم الله وأبادهم ، ( واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) ».
    __________________
    (1) ح : « صدق فعله ما قال في خطبته ».
    (2) استوسقت البلاد : اجتمعت على الطاعة واستقر فيها الملك. ح : « استوثقت » تحريف.

    نصر. عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن الفضل بن أدهم قال : حدثني أبي أن الأشتر قام يخطب الناس بقناصرين ، وهو يومئذ على فرس أدهم مثل [ حلك (1) ] الغراب ، فقال :
    الحمد لله الذي خلق السموات العلى ، ( الرحمن على العرش استوى. له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ). أحمده على حسن البلاء ، وتظاهر النعماء ، حمدا كثيرا بكرة وأصيلا. من يهده الله فقد اهتدى ، ومن يظلل الله فقد غوى. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالصواب والهدى ، وأظهره على الدين كله ولو كره المشركون. صلى الله عليه وسلم. ثم كان مما قضى الله وقدر أن ساقتنا المقادير إلى هذه البلدة من الأرض (2) ، ولف بيننا وبين عدونا ، فنحن بحمد الله ونعمته ومنه وفضله قريرة أعيننا ، طيبة أنفسنا ، ونرجو في قتالهم حسن الثواب ، والأمن من العقاب ، معنا ابن عم نبينا ، وسيف من سيوف الله ، علي بن أبي طالب ، صلى مع رسول الله صلى الله عليه ، لم يسبقه بالصلاة ذكر حتى كان شيخا ؛ لم يكن له صبوة ولا نبوة ولا هفوة. فقيه في دين الله ، عالم بحدود الله ، ذو رأي أصيل ، وصبر جميل ، وعفاف قديم. فاتقوا الله ، وعليكم بالحزم والجد ، واعلموا أنكم على الحق ، وأن القوم على الباطل يقاتلون مع معاوية ، وأنتم مع البدريين قريب من مائة بدري ، ومن سوى ذلك (3) من أصحاب محمد صلى الله عليه ، أكثر ما معكم رايات قد كانت مع رسول الله صلى الله عليه ، ومع معاوية رايات قد كانت مع المشركين
    __________________
    (1) وردت الكلمة محرفة في ح ( 1 : 484 ) بلفظ : « حثل » والصواب ما أثبت. وحلك الغراب : شدة سواده ، انظر ما مضى في ص 174.
    (2) في هامش الأصل : « خ : البقعة » ، أي في نسخة.
    (3) أي ومع من سوى ذلك. وفي ح : « سوى من حولكم ».

    على رسول الله صلى الله عليه. فما يشك في قتال هؤلاء إلا ميت القلب. فإنما أنتم على إحدى الحسنيين : إما الفتح ، وإما الشهادة. عصمنا الله وإياكم بما عصم به من أطاعة واتقاه ، وألهمنا وإياكم طاعته وتقواه. وأستغفر الله لي ولكم (1).
    نصر : عمرو بن شمر ، عن جابر عن الشعبي ، عن صعصعة بن صوحان العبدي قال : سمعت زامل بن عمرو الجذامي يقول : طلب معاوية إلى ذي الكلاع أن يخطب الناس ويحرضهم على قتال علي ومن معه من أهل العراق ، فعقد فرسه ـ وكان من أعظم أصحاب معاوية خطرا ـ ثم قال :
    الحمد لله حمدا كثيرا ، ناميا جزيلا ، واضحا منيرا ، بكرة وأصيلا. أحمده وأستعينه ، وأومن به وأتوكل عليه ، وكفى بالله وكيلا. ثم إني أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالفرقان حين ظهرت المعاصي ودرست الطاعة ، وامتلأت الأرض جورا وضلالة ، واضطرمت الدنيا كلها نيرانا وفتنة ، وورك (2) عدو الله إبليس على أن يكون قد عبد في أكنافها ، واستولى بجميع أهلها ، فكان الذي أطفأ الله به نيرانها ، ونزع به أوتادها وأوهى به قوى إبليس ، وآيسه مما كان قد طمع فيه من ظفره بهم ـ رسول الله محمد بن عبد الله ، صلى الله عليه ، فأظهره على الدين كله ولو كره المشركون. ثم كان مما قضى الله أن ضم بيننا وبين أهل ديننا بصفين ، وإنا لنعلم أن فيهم قوما كانت لهم مع رسول الله صلى الله عليه سابقة ذات شأن وخطر ، ولكني ضربت الأمر ظهرا وبطنا فلم أر يسعني أن يهذر
    __________________
    (1) في الأصل : « واستعفروا » والوجه ما أثبت من ح.
    (2) ورك بالمكان وروكا : أقام.

    دم عثمان صهر رسول الله صلى الله عليه نبينا ، الذي جهز جيش العسرة (1) ، وألحق في مسجد رسول الله بيتا وبنى سقاية ، وبايع له نبي الله صلى الله عليه بيده اليمني [ على اليسرى ] ، واختصه رسول الله بكريمتيه : أم كلثوم ورقية ، ابنتي رسول الله 9. فإن كان أذنب ذنبا فقد أذنب من هو خير منه. وقد قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه : ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ). وقتل موسى نفسا ثم استغفر الله فغفر له ، ولم يعر أحد من الذنوب! وأنا لنعلم أنه قد كانت لابن أبي طالب سابقة حسنة مع رسول الله ، فإن لم يكن مالا على قتل عثمان فقد خذله ، وإنه لأخوه في دينه وابن عمه (2) ، وسلفه (3) ، وابن عمته (4). ثم قد أقبلوا من عراقهم حتى نزلوا في شامكم وبلادكم ، وإنما عامتهم بين قاتل وخاذل. فاستعينوا بالله واصبروا ، فلقد ابتليتم أيتها الأمة والله. ولقد رأيت في منامي في ليلتي هذه ، لكأنا وأهل العراق اعتورنا مصحفا نضربه بسيوفنا ، ونحن في ذلك جميعا ننادي : « ويحكم الله ». ومع أنا والله ما نحن لنفارق العرصة (5) حتى نموت. فعليكم بتقوى الله ، ولتكن النيات لله (6) ؛ فإني سمعت عمر بن الخطاب يقول سمعت : رسول الله صلى الله عليه يقول : « إنما يبعث المقتتلون على
    __________________
    (1) وذلك في غزوة تبوك ، إذ حدثت عسرة في الظهر ، وعسرة في الزاد ، وعسرة في الماء ، فكان العشرة يعتقبون على بعير ، وكانت الجماعة تتعاور التمرة الواحدة ، وكان الرجل ينحر بعيره فيعصر فرثه ويشربه. وقد أنفق عثمان في جيش العسرة ألف دينار. انظر تفسير الآية 117 من سورة التوبة وكتب السير.
    (2) يعني بذلك العمومة البعدى لا الدنيا ، فإن عبد شمس جد عثمان الأعلى ، وهاشما جد علي الأعلى ـ هما ولدا عبد مناف بن قصي بن كلاب.
    (3) السلفان : الرجلان يتزوجان بأختين ، كل منهما سلف صاحبه.
    (4) أم عثمان هي أروى بنت كريز ، وأم أمه هي البيضاء بنت عبد المطلب.
    (5) أي عرصة الحرب ، وهي ساحتها. ح ( 1 : 485 ) : « ومع أنا والله لا نفارق العرصة ».
    (6) ح ( 1 : 485 ) : « وليكن الثبات لله ». تحريف.

    النيات (1) » ، أفرغ الله علينا وعليكم الصبر ، وأعزلنا ولكم النصر ، وكان لنا ولكم في كل أمر. وأستغفر الله لي ولكم.
    نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن عامر (2) ، عن صعصعة العبدي (3) [ عن أبرهة بن الصباح ] قال : قام يزيد بن أسد البجلي [ في أهل الشام ] يخطب الناس بصفين ، وعليه يومئذ قباء خز ، وعمامة سوداء ، آخذا بقائم سيفه ، واضعا نعل السيف (4) على الأرض متوكئا عليه. قال صعصعة : فذكر لي أبرهة (5) أنه [ كان ] يومئذ من أجمل العرب وأكرمه وأبلغه (6) فقال :
    « الحمد لله الواحد القهار ، ذي الطول والجلال ، العزيز الجبار ، الحليم الغفار ، الكبير المتعال ، ذي العطاء والفعال ، والسخاء والنوال ، والبهاء والجمال ، والمن والإفضال. مالك اليوم الذي لا ينفع فيه بيع ولا خلال (7). أحمده على حسن البلاء ، وتظاهر النعماء ، وفي كل حالة من شدة أو رخاء. أحمده على نعمه التؤام (Cool ، وآلائه العظام ، حمدا قد استنار ، بالليل والنهار. ثم
    __________________
    (1) ح : « على الثبات » تحريف. وانظر لسان الميزان ( 4 : 367 ). والحديث رواه السيوطي في الجامع الصغير ( 1 : 351 ) من رواية ابن عساكر عن عمر. وروى السيوطي أيضا نظيرا لهذا الحديث وهو : « إنما يبعث الناس على نياتهم ». رواه ابن ماجه عن أبي هريرة.
    (2) هو عامر بن شراحيل الشعبي ، المترجم في ص 23.
    (3) هو صعصعة بن صوحان العبدي ، تابعي كبير مخضرم فصيح ثقة. مات في خلافه معاوية. وصوحان ، بضم الصاد. تهذيب التهذيب. وفي الأصل : « بن عامر بن صعصعة العبدي » ، والصواب : « عن عامر عن صعصعة » كما أثبت.
    (4) نعل السيف : حديدة في أسفل غمده. ح : « نصل السيف »تحريف.
    (5) هو أبرهة بن الصباح الحبشي ، أو الحميري. ذكره ابن حجر في الإصابة 15. وفي الأصل : « ابن أبرهة » صوابه في ح.
    (6) أي من أجمل من وجد من العرب ، فلذا وحد الضمير ذهابا إلى المعنى. انظر اللسان ( 18 : 221 س 21 ـ 25 ). وفي ح : « وأكرمها وأبلغها ».
    (7) في الأصل : « يملك يوم لا ينفع فيه بيع ولا خلال » ، صوابه من ح.
    (Cool التؤام ، كغراب : جمع توأم. ح : « التوام » : جمع تامة.

    إني أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، كلمة النجاة في الحياة ، وعند الوفاة ، وفيها الخلاص ، يوم القصاص. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المصطفى ، وإمام الهدى ، صلى الله عليه وسلم كثيرا. ثم قد كان مما قضى الله (1) أن جمعنا وأهل ديننا في هذه الرقعة من الأرض ، والله يعلم أني كنت لذلك كارها ، ولكنهم لم يبلعونا ريقنا ، ولم يتركونا نرتاد لأنفسنا ، وننظر لمعادنا حتى نزلوا بين أظهرنا ، وفي حريمنا وبيضتنا. وقد علمنا أن في القوم أحلاما وطغاما ، فلسنا نأمن طغامهم على ذرارينا ونسائنا. وقد كنا نحب ألا نقاتل أهل ديننا ، فأخرجونا حتى صارت الأمور إلى أن قاتلتاهم كراهية (2) فإنا لله وإنا إليه راجعون ، والحمد لله رب العالمين. أما والله الذي بعث محمدا بالرسالة لوددت أني مت منذ سنة ؛ ولكن الله إذا أراد أمرا لم يستطع العباد رده. فنستعين بالله العظيم ؛ وأستغفر الله لي ولكم ». ثم انكفأ.
    قال نصر : وفي حديث عمر ، عن مالك بن أعين ، عن زيد بن وهب ، أن عمرو بن العاص قال يومئذ :
    لا تأمننا بعدها أبا حسن (3)
    إنا نمر الحرب إمرار الرسن (4)

    لتصبحن مثلها أم لبن (5)
    طاحنة تدقكم دق الحفن (6)

    فأجابه شاعر من شعراء أهل العراق :
    __________________ (1) ح : « من قضاء الله ».
    (2) في الأصل وح ( 1 : 485 ) : « غدا حمية » والوجه ما أثبت.
    (3) في الأصل : « بعده أبا الحسن » وأثبت ما في ح. وكتب ناسخ الأصل : « ويروي : خذها إليك فاعلمن أبا حسن ».
    (4) الرسن : الحبل. وإمراره : إحكام قتله. ح : « تمر الأمر ».
    (5) اللبن : جمع لبون ، وهي ذات اللبن من الإبل. عني كثرة ما بهذه الحرب من الإبل وركبانها.
    (6) الحفن : جمع حفنة ، بالفتح ، وهي ملء الكفين من طعام ، ولا يكون إلا من شيء يابس كالدقيق ونحوه.


    ألا احذروا في حربكم أبا الحسن
    ليثا أبا شبلين محذورا فطن

    يدقكم دق المهاريس الطحن (1)
    لتغبنن يا جاهلا أي غبن (2)

    حتى تعض الكف أو تقرع سن
    ندامة أن فاتكم عدل السنن (3)

    نصر : عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن الشعبي ، أن أول فارسين التقيا في هذا اليوم ـ وهو اليوم السابع من صفر ، وكان من الأيام العظيمة في صفين ، ذا أهوال شديدة ـ حجر الخير وحجر الشر. أما حجر الخير فهو حجر بن عدي صاحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. وحجر الشر ابن عمه. وذلك أن حجر الشر دعا حجر بن عدي (4) إلى المبارزة ، وكلاهما من كندة ، فأجابه فاطعنا برمحيهما ، ثم حجز بينهما امرؤ من بني أسد ، وكان مع معاوية (5) ، فضرب حجرا ضربة برمحه (6) ، وحمل أصحاب علي فقتلوا الأسدي ، وأفلتهم حجر بن يزيد (7) [ حجر (Cool ] الشر هاربا ، وكان اسم الأسدي خزيمة بن ثابت.
    نصر : عمرو بن شمر ، عن عطاء بن السائب قال : أخبرني مروان بن الحكم أن حجرا يوم قتل الحكم بن أزهر جعل يرتجز ويقول :
    __________________
    (1) المهاريس : جمع مهراس ، وهو حجر مستطيل منقور يهرس به الحب.
    (2) في الأصل : « لتغبنن راكبا » صوابه في ح ( 1 : 485 ).
    (3) عدل السنن ، أي الطريق العادل المستقيم. وهذا البيت لم يرو في ح. وفي الأصل : « إن فاته ».
    (4) هو حجر بن عدي بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين الكندي ، وفد على النبي فأسلم. وقتل سنة 51 أو 53. انظر الإصابة 1624.
    (5) ح ( 1 : 486 ) : « من عسكر معاوية ».
    (6) في الأصل : « رمخه » صوابه في ح.
    (7) هو حجر بن يزيد بن سلمة بن مرة بن حجر بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين الكندي. وفد على النبي فأسلم ، وكان شريفا ، وكان مع علي يوم الجمل ، واتصل بعد بمعاوية فاستعمله على أرمينية. انظر الإصابة 1626. وقد ورد ذكره في حواشي الاشتقاق ص 219 أنه حجر بني زيد ، صوابه « بن يزيد ».
    (Cool تكملة يقتضيها السياق.


    أنا الغلام اليمني الكندي
    قد لبس الديباج والإفرندي (1)

    أنا الشريف الأريحي المهدي
    يا حكم بن أزهر بن فهد

    لقد أصبت غارتي وحدي
    وكرتي وشدتي وجدي

    أثبت أقاتلك الغداة وحدي
    فلما أن أصاب الحكم بن أزهر حمل عليه رفاعة بن ظالم الحميري وهو يقول :
    أنا ابن عم الحكم بن أزهر
    الماجد القمقام حين يذكر

    في الذروتين من ملوك حمير
    يا حجر الشر تعالى فانظر

    أنا الغلام الملك المحبر
    الواضح الوجه كريم العنصر

    أقدم إذا شئت ولا تأخر
    والله لا ترجع ولا تعثر

    في قاع صفين بواد معفر
    ثم إن رفاعة حمل على حجر الشر فقتله فقال علي : الحمد لله الذي قتل حجرا بالحكم بن أزهر.
    نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن تميم ، أن عليا قال : من يذهب بهذا المصحف إلى هؤلاء القوم فيدعوهم إلى ما فيه؟ فأقبل فتى اسمه سعيد فقال : أنا صاحبه. ثم أعادها فسكت الناس وأقبل الفتى (2) فقال : أنا صاحبه. فقال علي دونك. فقبضه [ بيده ] ثم أتى معاوية فقرأه عليهم ودعاهم إلى
    __________________
    (1) في اللسان والقاموس أن « الفرند » ضرب من الثياب ، دخيل معرب. وفي المعرب 135 ، 243 أن الفرند الحرير ، وأنشد للفرزدق :
    ليسن الفرند الخسرواني فوقه
    مشاعر من خز العراق المفوف

    ولذي الرمة :
    كأن الفرند الخسرواني لثنه
    بأعطاف أنقاء العقوق العواتك

    وأما الإفرندي ، فلم أجده إلا المنسوب إلى الإفرند ، لغة في فرند السيف.
    (2) ح : « وتقدم الفتى ».

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

            وقعة صفين Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة صفين           وقعة صفين Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 10:09 am

    ما فيه فقتلوه. وزعم تميم (1) أنه سعيد بن قيس.
    نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر (2) قال : سمعت الشعبي يقول : كان عبد الله بن بديل الخزاعي مع علي يومئذ ، وعليه سيفان ودرعان ، فجعل يضرب الناس بسيفه قدما وهو يقول :
    لم يبق إلا الصبر والتوكل
    وأخذك الترس وسيفا مقصل (3)

    ثم التمشي في الرعيل الأول (4)
    مشى الجمال في حياض المنهل (5)

    والله يقضي ما يشا ويفعل
    فلم يزل يحمل حتى انتهى إلى معاوية [ والذين بايعوه على الموت ، فأمرهم أن يصمدوا لعبد الله بن بديل ، وبعث إلى حبيب بن مسلمة الفهري وهو في الميسرة أن يحمل عليه بجميع من معه ، واختلط الناس واضطرم الفيلقان : ميمنة أهل العراق ، وميسرة أهل الشام. وأقبل عبد الله بن بديل يضرب الناس بسيفه قدما ] حتى أزال معاوية عن موقفه (6) ، وجعل ينادي : يا لثارات عثمان! ـ يعني أخا كان له قد قتل ـ وظن معاوية وأصحابه أنه إنما يعني
    __________________
    (1) هو تميم بن حذلم ـ بكسر المهملة وسكون المعجمة وفتح اللام ـ الضبي ، أبو سلمة الكوفي ، ثقة مات سنة 100. وقد اختلف في اسم أبيه فقيل « خزيم » و « حذيم » والصواب « حذلم ». انظر تقريب التهذيب ومنتهى المقال.
    (2) هو جابر بن يزيد الجعفي ، ثقة في نفسه ، ولكن جل من روى عنه ضعيف فمن أكثر عنه من الضعفاء عمرو بن شمر الجعفي ، ومفضل بن صالح السكوني. وفي الميزان أنه روى عن أبي الطفيل الصحابي. مات سنة 127 أو 132. تهذيب التهذيب ، وميزان الاعتدال ، ومنتهى المقال.
    (3) ح ( 1 : 486 ) : « والترس والرمح » ، وفي الأصل وح : « وسيف مصقل » تحريف ، وإنما هو « مقصل » يقال سيف قاصل ومقصل وقصال : قطاع. وانظر للرجز الإصابة. 455 في ترجمة عبد الله بن بديل حيث نقل الخبر عن وقعه صفين.
    (4) التمشي : المشي. وفي الأصل : « التمسني » صوابه في ح.
    (5) في الأصل : « في الحياض » صوابه في ح.
    (6) في الأصل : « فأزاله عن موقفه » وأثبت ما في ح لتلتئم التكملة السابقة بالكلام.

    عثمان بن عفان (1). [ وتراجع معاوية عن مكانه القهقري كثيرا ، وأشفق على نفسه ، وأرسل إلى حبيب بن مسلمة مرة ثانية وثالثة يستنجده ويستصرخه. ويحمل حبيب حملة شديدة بميسرة معاوية على ميمنة العراق فكشفها ، حتى لم يبق مع ابن بديل إلا نحو مائة إنسان من القراء ، فاستند بعضهم إلى بعض يحمون أنفسهم ، ولجج ابن بديل في الناس وصمم على قتل معاوية ، وجعل يطلب موقفه ويصمد نحوه حتى انتهى إليه ] عبد الله بن عامر واقفا ، [ فنادى معاوية بالناس : ويلكم! الصخر والحجارة إذا عجزتم عن السلاح ]. فأقبل أصحاب معاوية على عبد الله بن بديل يرضخونه بالصخر (2) حتى أثخنوه وقتل الرجل ، وأقبل إليه معاوية وعبد الله بن عامر [ حتى وقفا عليه ]. فأما عبد الله ابن عامر فألقى عمامته على وجهه وترحم عليه ، وكان له [ من قبل ] أخا وصديقا ، فقال معاوية : اكشف عن وجهه. [ فقال : لا والله ، لا يمثل به وفي روح. فقال معاوية : اكشف عن وجهه ، فإنا لا نمثل به ] ، فقد وهبته لك (3). فكشف [ ابن عامر ] عن وجهه فقال معاوية : هذا كبش القوم ورب الكعبة اللهم أظفرني بالأشتر النخعي والأشعث الكندي. والله ما مثل هذا إلا كما قال الشاعر (4) :
    أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها
    وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا

    __________________
    (1) بعد هذا في الأصل : « حتى إذا أزال معاوية عن موقفه » وهي عبارة مقحمة.
    (2) ح : « فرضخه الناس بالصخر والحجارة ».
    (3) ح : « قد وهبناه لك ».
    (4) هو حاتم الطائي من قصيدة له في ديوانه ( خمسة دواوين العرب 121 ـ 122 ).


    ويحمي ، إذا ما الموت كان لقاؤه
    قدي الشبر ، يحمي الأنف أن يتأخرا (1)

    كليث هزبر كان يحمي ذماره
    رمته المنايا قصدها فتقطرا (2)

    مع أن نساء خزاعة لو قدرت على أن تقاتلني فضلا عن رجالها فعلت. نصر : عمرو ، عن أبي روق الهمداني أن يزيد بن قيس الأرحبي حرض الناس بصفين. قال : فقال :
    « إن المسلم السليم (3) من سلم دينه ورأيه. إن هؤلاء القوم والله ما إن يقاتلونا (4) على إقامة دين رأونا ضيعناه ، ولا إحياء عدل رأونا أمتناه ، ولا يقاتلونا (5) إلا على إقامة الدنيا ؛ ليكونوا جبابرة فيها ملوكا ، فلو ظهروا عليكم ـ لا أراهم الله ظهورا ولا سرورا ـ إذا ألزموكم (6) مثل سعيد والوليد (7)
    __________________
    (1) قدى الشبر ، بكسر القاف والقصر ، أي قدره ، كأنه مقلوب من قيد ، بالكسر. يقال قدى رمح وقد رمح وقاد رمح. وأنشد :
    ولكن إقدامي إذا الخيل أحجمت
    وصبري إذا ما الموت كان قدى الشبر

    وقد نسب بيت حاتم هذا في اللسان ( 20 : 32 ) إلى هدبة بن الخشرم. وروايته فيه :
    وإني إذا ما الموت لم يك دونه
    قدى الشبر أحمي الأنف أن يتأخرا

    وفي اللسان : « أتأخرا ». في الأصل : « لدى الشر » وفي ح : « قدى السير » صوابهما ما أثبت.
    (2) تقطر : سقط صريعا. وهذا البيت لم يرو في الديوان.
    (3) هذه الكلمة ليست في ح.
    (4) في الأصل : « يقاتلوا » صوابه في ح ( 1 : 485 ).
    (5) في الأصل : « ولن يقاتلونا » وأثبت ما في ح.
    (6) ح ( 1 : 485 ) : « إذا لوليكم » والعبارتان متقاربتان.
    (7) يعني سعيد بن العاص ، والوليد بن عقبة. أما سعيد فكان واليا لعثمان على الكوفة بعد الوليد بن عقبة ، وولاه معاوية المدينة وتوفى سنة 53. وأما الوليد بن عقبة بن أبي معيط فكان أخا عثمان لأمه ، وولاه الكوفة ثم عزله عنها وجلده لشربه الخمر. وكان ممن يحرض معاوية على قتال علي. انظر ما سبق في ص 52 ـ 54.

    وعبد الله بن عامر (1) السفيه ، يحدث (2) أحدهم في مجلسه بذيت وذيت ، ويأخذ مال الله ويقول : هذا لي ولا إثم علي فيه ، كأنما أعطى تراثه من أبيه ، وإنما هو مال الله أفاءه الله علينا بأسيافنا ورماحنا. قاتلوا ، عباد الله ، القوم الظالمين ، الحاكمين بغير ما أنزل الله ، ولا تأخذكم في جهادهم لومة لائم ، إنهم إن يظهروا عليكم يفسدوا دينكم ودنيا كم ، وهم من قد عرفتم وجربتم. والله ما أرادوا إلى هذا إلا شرا (3). [ وأستغفر الله العظيم لي ولكم ] ».
    فقاتلهم عبد الله بن بديل في الميمنة حتى انتهى إلى معاوية مع الذين بايعوه على الموت. فأقبلوا إلى معاوية فأمرهم أن يصمدوا لعبد الله بن بديل في الميمنة ، وبعث معاوية إلى حبيب بن مسلمة في الميسرة ، فحمل بمن كان معه على ميمنة الناس فهزمهم ، وكشف أهل العراق ميلا من قبل الميمنة ، حتى لم يبق مع ابن بديل إلا نحو مائة من القراء ، واستند بعضهم إلى بعض ، وانجفل الناس عليهم (4) ، فأمر على سهل بن حنيف فاستقدم فيمن كان مع علي من أهل المدينة ، فاستقبلتهم جموع أهل الشام في خيل عظيمة ، فحملوا عليهم وألحقوهم بالميمنة ، وكانت الميمنة متصلة إلى موقف علي في القلب في أهل اليمن ، فلما انكشفوا انتهت الهزيمة إلى علي ؛ فانصرف علي يمشي نحو
    __________________
    (1) هو عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس ، ابن خال عثمان ابن عفان ، ولاه عثمان البصرة ثم وليها لمعاوية. وكان قد فتح خراسان في أيام عثمان ، فأحرم من نيسابور وقدم عليه ، فلامه على ما صنع وقال : « غررت بنسكك ». الإصابة 6175 والمعارف 139 ـ 140.
    (2) في الأصل : « الذي يحدث » وكلمة : « الذي » مقحمة.
    (3) ح ( 1 : 485 ) : « ما أرادوا باجتماعهم عليكم إلا شرا ».
    (4) انجفلوا عليهم : ذهبوا مسرعين نحوهم. وفي الحديث : « لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس قبله » ، أي ذهبوا مسرعين نحوه. وفي الأصل : « انحفل » صوابه بالجيم.

    الميسرة ، فانصرف عنه مضر من الميسرة ، وثبت ربيعة.
    نصر : عن عمر بن سعد ، عن مالك بن أعين ، عن زيد بن وهب قال : مر علي يومئذ ومعه بنوه نحو الميسرة [ ومعه ربيعة وحدها ] وإني لأرى النبل بين عاتقه ومنكبيه ، وما من بنيه أحد إلا يقيه بنفسه ، فيكره علي ذلك ، فيتقدم (1) عليه فيحول بينه وبين أهل الشام ، ويأخذ بيده إذا فعل ذلك فيلقيه بين يديه ، أو من ورائه. فبصر به أحمر ـ مولى أبي سفيان ، أو عثمان ، أو بعض بني أمية ـ فقال علي : ورب الكعبة قتلني الله إن لم أقتلك أو تقتلني! فأقبل نحوه ، فخرج إليه كيسان مولى علي ، فاختلفا ضربتين ، فقتله مولى بني أمية وخالط عليا ليضربه بالسيف ، فانتهزه علي (2) فتقع يده في حبيب درعه (3) فجذبه ثم حمله على عاتقه ، فكأني أنظر إلى رجليه تختلفان على عنق علي ، ثم ضرب به الأرض فكسر منكبه وعضده ، وشد ابنا علي عليه : الحسين ومحمد ، فضرباه بأسيافهما [ حتى برد (4) ] ، فكأني أنظر إلى علي قائما وشبلاه يضربان الرجل ، حتى إذا أتيا عليه (5) أقبلا إلى أبيهما والحسن معه قائم ، قال : يا بني ، ما منعك أن تفعل كما فعل أخواك؟ قال : كفياني يا أمير المؤمنين.
    ثم إن أهل الشام دنوا منه ـ والله ما يزيده قربهم منه [ ودنوهم إليه ] سرعة في مشية (6) ـ فقال له الحسن : ما ضرك لو سعيت حتى تنتهى إلى هؤلاء
    __________________
    (1) في الأصل : « فيقدم » وأثبت ما في ح ( 1 : 486 ).
    (2) انتهزه ، بالزاي : بادر إليه وأسرع. قال :
    * وانتهز الحق إذا الحق وضح *
    (3) أي يد علي. في الأصل : « فوقع يده » وأثبت ما في ح.
    (4) برد : مات.
    (5) في الأصل : « قتلاه » وأثبت ما في ح.
    (6) في الأصل : « إلا سرعة في مشيه » والوجه حذف ( لا ) كما في ح ، وهو ما يقتضيه السياق.

    الذين صبروا لعدوك من أصحابك؟ ـ [ قال : يعني ربيعة الميسرة ] ـ قال : يا بني [ إن ] لأبيك يوما لن يعدوه ، ولا يبطئ به عنه السعي ، ولا يعجل به إليه المشي. إن أباك والله ما يبالي وقع على الموت أو وقع الموت عليه.
    نصر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي إسحاق ، قال : خرج علي يوم صفين وفي يده عنزة (1) ، فمر على سعيد بن قيس الهمداني ، فقال له سعيد : أما تخشى يا أمير المؤمنين أن يغتالك أحد وأنت قرب عدوك؟ فقال له علي : « إنه ليس من أحد إلا عليه من الله حفظة يحفظونه من أن يتردى في قليب ، أو يخر عليه حائط ، أو تصيبه آفة ، فإذا جاء القدر خلوا بينه وبينه ».
    نصر ، عن عمر ، عن فضيل بن خديج ، عن مولى الأشتر قال : لما انهزمت ميمنة أهل العراق أقبل علي يركض نحو الميسرة يستثيب الناس (2) ويستوقفهم ويأمرهم بالرجوع نحو الفزع ، حتى مر بالأشتر فقال له : يا مالك. قال : لبيك يا أمير المؤمنين ، قال : ائت [ هؤلاء ] القوم فقل لهم : أين فراركم من الموت الذي لن تعجزوه إلى الحياة التي لا تبقى لكم؟ فمضى الأشتر فاستقبل الناس منهزمين فقال لهم هؤلاء الكلمات التي أمره علي بهن (3) وقال : أيها الناس ، أنا مالك بن الحارث ـ [ يكررها ـ فلم يلو أحد منهم عليه ]. ثم ظن أنه بالأشتر أعرف في الناس فقال : أيها الناس ، أنا الأشتر ، إلى أيها الناس. فأقبلت إليه طائفة وذهبت عنه طائفة فقال : عضضتم بهن أبيكم ،
    __________________
    (1) العنزة ، بالتحريك : رميح بين العصا والرمح في أسفله زج.
    (2) يستثيب الناس : يسترجعهم ؛ ثاب : رجع. وفي الأصل : « يستئيب » وفي ح : « يستتب » ووجههما ما أثبت.
    (3) ح : « فقال لهم الكلمات » وفي الطبري ( 6 : 11 ) : « هذه الكلمات التي قالها له علي ».

    ما أقبح [ والله ] ما قاتلتم اليوم (1) يأيها الناس ، غضوا الأبصار ، وعضوا على النواجذ ، واستقبلوا القوم بهامكم ، ثم شدوا شدة قوم موتورين بآبائهم وأبنائهم وإخوانهم ، حنقا على عدوهم ، وقد وطنوا على الموت أنفسهم ، كي لا يسبقوا بثأر. إن هؤلاء القوم والله لن يقارعوكم إلا عن دينكم ، ليطفئوا السنة ، ويحيوا البدعة ، ويدخلوكم في أمر قد أخرجكم الله منه بحسن البصيرة. فطيبوا عباد الله نفسا بدمائكم دون دينكم ؛ فإن الفرار فيه سلب العز ، والغلبة على الفيء ، وذل المحيا والممات ، وعار الدنيا والآخرة ، وسخط الله وأليم عقابه.
    ثم قال : أيها الناس ، أخلصوا إلى مذحجا. فاجتمعت إليه مذحج ، فقال لهم : عضضتم بصم الجندل! والله ما أرضيتم اليوم ربكم ، ولا نصحتم له في عدوه ، فكيف بذلك وأنتم أبناء الحرب وأصحاب الغارات ، وفتيان الصباح (2) ، وفرسان الطراد ، وحتوف الأقران ، ومذحج الطعان (3) ، الذين لم يكونوا يسبقون بثأرهم ولا تطل دماؤهم ، ولا يعرفون في موطن من المواطن بخسف وأنتم أحد أهل مصركم (4) ، وأعد حي في قومكم (5) وما تفعلوا في في هذا اليوم فإنه مأثور بعد اليوم. فاتقوا مأثور الحديث في غد (6) واصدقوا
    __________________
    (1) وسيأتي في ص 252 قوله : « والله ما أحسنتم اليوم القراع ». في ح : « ما فعلتم ».
    (2) فتيان الصباح : فتيان الغارة ، وكانوا يسمون يوم الغارة يوم الصباح.
    (3) في المعارف 49 والعمدة ( 2 : 156 ) : « كان يقال : مازن غسان أرباب الملوك ، وحمير أرباب العرب ، وكندة كندة الملك ، ومذحج مذحج الطعان ، وهمدان أحلاس الخيل ».
    (4) ح : « وأنتم سادة مصركم ».
    (5) أعد : أكثر عددا. وفي الحديث : « يخرج جيش من المشرق آدى شيء وأعده » أي أكثره استعدادا وعددا. وفي ح : « وأعز حي » من العزة ، وما أثبت من الأصل يوافق ما في الطبري.
    (6) مأثور الحديث : ما يؤثر ويروى ويخبر الناس به بعضهم بعضا. وفي الأصل : « وأبقوا مآثر الحديث في غد » صوابه في ح والطبري.

    عدوكم اللقاء ؛ فإن الله مع الصابرين. والذي نفس مالك بيده ما من هؤلاء ـ وأشار بيده إلى أهل الشام ـ رجل علي مثل جناح بعوضة من دين الله. والله ما أحسنتم اليوم القراع. اجلوا سواد وجهي يرجع في وجهي دمي. عليكم بهذا السواد الأعظم ، فإن الله لو [ قد ] فضه تبعه من بجانبيه كما يتبع [ مؤخر (1) ] السيل مقدمه.
    قالوا : خذ بنا حيث أحببت. فصمد بهم نحو عظمهم مما نحو الميمنة ، وأخذ يزحف إليهم الأشتر ويردهم ، ويستقبله شباب من همدان (2) وكانوا ثماني مائة مقاتل يومئذ وقد انهزموا آخر الناس ، وكانوا قد صبروا في ميمنة علي 7 حتى أصيب منهم ثمانون ومائة رجل ، وقتل منهم أحد عشر رئيسا ، كلما قتل منهم رجل أخذ الراية آخر. فكان أولهم كريب بن شريح ، وشرحبيل بن شريح ، ومرثد بن شريح ، وهبيرة بن شريح ، ثم يريم بن شريح (3) ، [ ثم شمر بن شريح (4) ] ، قتل هؤلاء الإخوة الستة جميعا ، ثم أخذ الراية سفيان بن زيد ، ثم عبد بن زياد ، ثم كرب بن زيد (5) فقتل هؤلاء الإخوة الثلاثة جميعا. ثم أخذ الراية عمير بن بشر (6) ، والحارث بن بشر ، فقتلا. ثم أخذ الراية وهب بن كريب (7) أبو القلوص ، فأراد أن يستقبل
    __________________
    (1) هذه من الطبري.
    (2) في الأصل : « واستقبله سنام من همدان ». ح ( 1 : 487 ) : « واستقبله أشباههم من همدان ». وأثبت ما في الطبري.
    (3) في الأصل : « بريم » صوابه من الطبري. وفي ح : « هريم ».
    (4) التكملة من ح والطبري. لكن في الطبري : « سمير ».
    (5) الطبري : « كريب بن زيد » وفي ح : « سفيان بن زيد ، ثم كرب بن زيد ، ثم عبد الله بن زيد ».
    (6) في الأصل : « عميرة بن بشر » وأثبت ما في ح. وفي الطبري : « عمير بن بشير ».
    (7) في الأصل : « وهيب » وأثبت ما في ح والطبري.

    فقال له رجل من قومه : انصرف [ يرحمك الله ] بهذه الراية ترحها الله (1) من راية ، فقد قتل أشراف قومك حولها ، فلا تقتل نفسك ولا من بقي ممن معك. فانصرفوا وهم يقولون : ليت لنا عديدا من العرب يحالفوننا ثم نستقدم نحن وهم ، فلا ننصرف حتى نقتل أو نظهر (2). فمروا بالأشتر وهم يقولون هذا القول ، فقال لهم الأشتر : إلى ، أنا أحالفكم وأعاقدكم على أن لا نرجع أبدا حتى نظهر أو نهلك (3) فوقفوا معه [ على هذه النية والعزيمة ]. ففي هذا القول قال كعب ابن جعيل (4) :
    * وهمدان زرق تبتغي من تحالف (5) *
    وزحف الأشتر نحو الميمنة ، وثاب إليه أناس تراجعوا من أهل البصيرة والحياء والوفاء (6) ، فأخذ لا يصمد لكتيبة إلا كشفها ، ولا لجمع إلا حازه ورده (7). فإنه لكذلك إذ مر بزياد بن النضر يحمل إلى العسكر فقال : من هذا؟ قيل : « زياد بن النضر ، استلحم [ عبد الله بن بديل (Cool ] وهو وأصحابه في الميمنة ، فتقدم زياد فرفع لأهل الميمنة رايته فقاتل حتى صرع ». ثم لم
    __________________
    (1) ترحها الله ، دعاء عليها بالترح ، وهو الحزن والهم. وفي اللسان : « ترحه الأمر تتريحا : أي أحزنه ». وهذه الكلمة ليست في الطبري وفي ح : « نزحها الله » تحريف.
    (2) الظهور : الظفر ، ظهر عليه ظهورا وأظهره الله عليه ح : « حتى نظفر أو نقتل » الطبري : « حتى تقتل أو نظفر ».
    (3) ح والطبري : « حتى نظفر أو نهلك ».
    (4) في الأصل : « في هذا القول فقال كعب بن جعيل » وأثبت ما في الطبري. وفي ح : « فهذا معنى قول كعب بن جعيل ».
    (5) المراد بالزرق زرق العيون ، والعرب يتهاجون بذلك ، ويعدونه من اللؤم. انظر الحيوان ( 3 : 175 و 5 : 330 ـ 331 ).
    (6) ح : « أهل الصبر والوفاء والحياء ».
    (7) في الأصل وح : « جازه » صوابه بالحاء كما في الطبري. انظر ما سبق ص 234.
    (Cool استلحم ، بالبناء للمفعول : احتوشه العدو في القتال. وهذه التكملة من الطبري ( 6 : 12 ). والكلام في ح محرف مبتور.

    يمكثوا إلا كلا شئ حتى مروا بيزيد بن قيس محمولا إلى العسكر ، فقال الأشتر : من هذا؟ قالوا : « يزيد بن قيس ، لما صرع زياد بن النضر رفع لأهل الميمنة رايته فقاتل حتى صرع ». فقال الأشتر : « هذا والله الصبر الجميل ، والفعل الكريم. ألا يستحيي الرجل أن ينصرف لم يقتل ولم يقتل ولم يشف به على القتل؟ ».
    نصر ، عن عمر ، عن الحر بن الصياح (1) [ النخعي (2) ] أن الأشتر كان يومئذ يقاتل على فرس له ، في يده صفيحة [ له ] يمانية إذا طأطأها خلت فيها ماء منصبا ؛ فإذا رفعها كاد يغشي البصر (3) شعاعها ، ويضرب بسيفه قدما وهو يقول :
    * الغمرات ثم ينجلينا (4) *
    قال : فبصر به الحارث بن جمهان الجعفي ، والأشتر مقنع في الحديد ، فلم
    __________________
    (1) الحر ، بضم الحاء المهملة وتشديد الراء ، بن الصياح ، كشداد ، النخعي الكوفي ، ثقة من الثالثة ، وروى عن ابن عمر وأنس وعبد الرحمن بن الأخنس ، وعنه شعبة والثوري وأبو خيثمة وعمرو بن قيس الملائي. انظر تهذيب التهذيب والمشتبه 310. وفي الأصل : « الحر بن الصباح » وأثبت ما في التهذيب والمشتبه مطابقا ما في الطبري. وفي ح : « الحارث ابن الصباح » وهو رجل شيعي آخر ذكره ابن حجر في لسان الميزان ( 6 : 153 ) وقال إنه تابعي روى عن علي.
    (2) هذه التكملة من الطبري ، وهي تعين أنه « الحر بن الصياح النخعي ».
    (3) يغشى البصر : يذهب به. وفي كتاب الله : ( فأغشيناهم فهم لا يبصرون ). وقد وردت هكذا بالغين المعجمة في الأصل وح والطبري. وهم يقولون كثيرا في نحو هذا المقام : « يعشى » بالعين المهملة ، والعشا : ضعف الإبصار.
    (4) هو للأغلب العجلي ، كما في أمثال الميداني. في الأصل : « غمرات » وفي أمثال الميداني : « غمرات ثم ينجلين » ويروى : « الغمرات ثم ينجلين ». وهذا الأخير هو الوجه في الإنشاد ، ففي جمهرة العسكري 150 عند الكلام على المثل : هو من قول الراجز :
    الغمرات ثم ينجلين
    عنا وينزلن بآخرين

    شدائد يتبعهن لين
    وانظر مقاييس اللغة ( غمر ).

    يعرفه ، فدنا منه وقال له : جزاك الله منذ اليوم عن أمير المؤمنين 7 وجماعة المسلمين خيرا. فعرفه الأشتر فقال : يا ابن جمهان ، أمثلك يتخلف اليوم عن مثلى موطني هذا الذي أنا فيه؟ فتأمله ابن جمهان فعرفه ، وكان الأشتر من أعظم الرجال وأطوله (1) ، إلا أن في لحمه خفة قليلة ـ قال : جعلت فدك ، لا والله ما علمت مكانك حتى الساعة ، ولا أفارقك حتى أموت. قال : ورآه (2) منقذ وحمير ابنا قيس الناعطيان (1) فقال منقذ لحمير : ما في العرب رجل مثل هذا إن كان ما أرى من قتاله على نيته. فقال له حمير : وهل النية إلا ما ترى؟ قال : إني أخاف أن يكون يحاول ملكا.
    نصر ، عن عمر (4) ، عن فضيل بن خديج ، عن مولي الأشتر قال : لما اجتمع إلى الأشتر عظم من كان انهزم من الميمنة حرضهم فقال لهم : « عضوا على النواجذ من الأضراس ، واستقبلوا القوم بهامكم ، فإن الفرار من الزحف فيه سلب العز ، والغلبة علي الفيء ، وذل المحيا والممات ، وعار الدنيا والآخرة (5) ». ثم حمل عليهم حتى كشفهم فألحقهم بصفوف معاوية (6) بين صلاة العصر والمغرب.
    نصر ، عن عمر ، عن محمد بن إسحاق ، أن عمرو بن حمية الكلبي خرج يوم صفين وهو مع معاوية يدعو للبراز.
    __________________
    (1) في الأصل وح : « وأطولهم » وأثبت ما في الطبري. وانظر التنبيه السادس من ص 241.
    (2) في الأصل : « ورأى » وفي ح : « رأى الأشتر يومئذ منقذا وحميرا ابنا قيس » تحريف ، صوابه من الطبري.
    (3) بنو ناعط : قبيلة في اليمن. انظر الاشتقاق 251. وفي الأصل : « البعطبان » ح ( 1 : 488 ) : « اليقظيان » والأشبه ما أثبت من الطبري.
    (4) ح : « عمرو ».
    (5) الخطبة في تاريخ الطبري ( 6 : 12 ) مسهبة.
    (6) ح : « بمضارب معاوية ».

    نصر ، عن عمر (1) ، عن مالك بن أعين ، عن زيد بن وهب ، أن عليا لما رأى ميمنته قد عادت إلى موقفها ومصافها وكشف من بإزائها حتى ضاربوهم في مواقفهم ومراكزهم ، أقبل حتى انته إليهم فقال : إني قد رأيت جولتكم وانحيازكم عن صفوفكم ، يحوزكم (2) الجفاة الطغام وأعراب أهل الشام ، وأنتم لهاميم العرب ، والسنام الأعظم ، وعمار الليل بتلاوة القرآن ، وأهل دعوة الحق إذ ضل الخاطئون (3). فلولا إقبالكم بعد إدباركم وكركم بعد انحيازكم ، وجب عليكم ما وجب على المولى يوم الزحف دبره ، وكنتم فيما أرى من الهالكين. ولقد هون علي بعض وجدي ، وشفي بعض أحاح نفسي (4) أني رأيتكم بأخرة حزتموهم كما حازوكم ، وأزلتموهم عن مصافهم كما أزالوكم ، تحوزونهم بالسيوف ليركب أولهم آخرهم ؛ كالإبل المطردة الهيم (5). فالآن فاصبروا ، أنزلت عليكم السكينة ، وثبتكم الله باليقين. وليعلم المنهزم أنه مسخط لربه ، وموبق نفسه ؛ وفي الفرار موجدة الله عليه ، والذل اللازم [ له ، والعار الباقي ، واعتصار الفيء من يده (6) ] ، وفساد العيش ، وإن الفار لا يزيد الفرار في عمره ، ولا يرضى ربه. فموت الرجل محقا قبل إتيان هذه الخصال خير من الرضا بالتلبس بها (7) والإقرار عليها.
    __________________
    (1) ح ( 1 : 488 ) : « عمرو ».
    (2) يحوزكم : ينحيكم عن مراكزكم. في الأصل : « وتحززكم » صوابه في ح والطبري ( 6 : 14 ). وانظر ما مضى ص 234.
    (3) في الأصل : « إذا ضل » وأثبت ما في ح والطبري.
    (4) الأحاح ، بالضم : اشتداد الحزن والغيظ. وفي الأصل : « حاج » صوابه في الطبري. وفي ح : « لاعج ».
    (5) الهيم : العطاش. في الأصل وح : « المطرودة » وأثبت ما في الطبري.
    (6) كلمة : « له » من ح. وباقي التكملة من الطبري.
    (7) الطبري : « بالتأنيس لها ».

    نصر ، عن عمر [ قال : حدثنا ] أبو علقمة الخثعمي ، أن عبد الله بن حنش الخثعمي رأس خثعم مع معاوية ، أرسل إلي أبي كعب رأس خثعم مع علي : أن لو شئت لتواقفنا فلم نقتتل ، فإن ظهر صاحبك كنا معكم ، وإن ظهر صاحبنا كنتم معنا ولم يقتل بعضنا بعضا ، فأبي أبو كعب ذلك ، فلما التقت خثعم وخثعم وزحف الناس بعضهم إلي بعض ، قال رأس خثعم الشام لقومه : يا معشر خثعم ، قد عرضنا (1) على قومنا من أهل العراق الموادعة صلة لأرحامهم ، وحفظا لحقهم ، فأبوا إلا قتالنا ، فقد بدءونا بالقطيعة فكفوا أيديكم عنهم حفظا لحقهم أبدا ما كفوا عنكم ؛ فإذا قاتلوكم فقاتلوهم. فخرج رجل من أصحابه فقال : [ إنهم ] قد ردوا عليك رأيك وأقبلوا يقاتلونك. ثم برز فنادى : رجل لرجل يا أهل العراق. فغضب رأس خثعم من أهل الشام ، فقال : اللهم قيض له وهب بن مسعود ـ رجلا من خثعم من أهل الكوفة ، وقد كانوا يعرفونه في الجاهلية ، لم يبارزه رجل قط إلا قتله ـ فخرج إليه وهب بن مسعود فحمل على الشامي فقتله ، ثم اضطربوا [ ساعة ] فاقتتلوا أشد القتال ، وأخذ أبو كعب يقول لأصحابه : يا معشر خثعم : خدموا (2). وأخذ صاحب الشام يقول : يا أبا كعب ، [ الكل ] قومك فأنصف! فاشتد قتالهم ، فحمل شمر بن عبد الله الخثعمي من أهل الشام على أبي كعب رأس خثعم الكوفة فطعنه ، فقتله ، ثم انصرف يبكي ويقول : رحمك الله يا أبا كعب ، لقد قتلتك في طاعة قوم أنت أمس بي رحما منهم وأحب إلى نفسا منهم. ولكن والله ما أدرى ما أقول ، ولا أري (3) الشيطان إلا قد فتننا ، ولا أرى قريشا إلا قد لعبت بنا. ووثب كعب بن أبي كعب
    __________________
    (1) في الأصل : « عرضت » ، وأثبت ما في ح.
    (2) فسره ابن أبي الحديد في ( 1 : 489 ) بقوله : « أي اضربوا موضع الخدمة وهي الخلخال. يعني اضربوهم في سوقهم ».
    (3) في الأصل : « أدري » ، صوابه في ح.

    إلى راية أبيه فأخذها ، ففقئت عينه وصرع ، ثم أخذها شريح بن مالك فقاتل القوم تحتها ، حتى صرع منهم حول رايتهم ثمانون رجلا ، وأصيب من خثعم الشام نحو منهم. ثم إن شريح بن مالك ردها بعد ذلك إلى كعب بن أبي كعب.
    نصر ، عن عمرو (1) ، عن عبد السلام بن عبد الله بن جابر (2) ، أن راية بجيلة في صفين كانت في أحمس مع أبي شداد ـ وهو قيس بن مكشوح بن هلال بن الحارث بن عمرو بن عامر (3) بن علي بن أسلم بن أحمس بن الغوث بن أنمار. فقالت له بجيلة : خذ رايتنا. فقال : غيري خير لكم مني. قالوا : ما نريد غيرك. قال : فوالله لئن أعطيتمونيها لا أنتهى (4) بكم دون صاحب الترس المذهب ـ قال : وعلى رأس معاوية رجل قائم معه ترس مذهب ، يستره من الشمس ـ قالوا : اصنع ما شئت. فأخذها ثم زحف وهو يقول :
    إن عليا ذو أناة صارم
    جلد إذا ما حضر العزائم

    لما رأى ما تفعل الأشائم
    قام له الذروة والأكارم

    الأشيبان مالك وهاشم
    ثم زحف بالراية حتى انتهى إلى صاحب الترس المذهب ، وكان في خيل عظيمة من أصحاب معاوية ـ وذكروا أنه عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ـ قال : فاقتتل الناس هنالك قتالا شديدا. قال : وشد أبو شداد بسيفه نحو
    __________________
    (1) في الأصل : « عمر » ، وأثبت ما في ح.
    (2) هو عبد السلام بن عبد الله بن جابر الأحمسي ، كما في الطبري. ذكره في لسان الميزان ( 4 : 13 ) وقال : إنه روي عن أبيه. وذكر في ترجمة أبيه أنه لم يرو عنه إلا ابنه. انظر ( 3 : 265 ). وفي الأصل : « عبد السلام بن عبد الله عن جابر » وكلمة « عن » محرفة. (3) في ح : « بن عمرو بن عوف بن عامر » ، وما أثبت من الأصل يطابق ما في الإصابة 7307. وفي تاريخ الطبري : « بن عمرو بن جابر ».
    (4) في الأصل : « لانتهى » صوابه في ح.

    صاحب الترس ، فتعرض له رومى من دونه لمعاوية ، فضرب قدم أبي شداد فقطعها وضربه أبو شداد فقتله ، وأشرعت إليه الأسنة فقتل ، وأخذ الراية عبد الله بن قلع الأحمسي وهو يقول :
    لا يبعد الله أبا شداد
    حيث أجاب دعوة المنادى

    وشد بالسيف على الأعادي
    نعم الفتى كان لدى الطراد

    وفي طعان الخيل والجلاد
    ثم قاتل حتى قتل ، ثم أخذ الراية أخوه عبد الرحمن بن قلع فقاتل فقتل ، ثم أخذها عفيف بن إياس [ الأحمسي ] ، فلم تزل بيده حتى تحاجز الناس.
    [ قال نصر ] : و [ حدثنا عمرو قال : حدثنا عبد السلام قال ] : قتل حازم بن أبي حازم ، أخو قيس بن أبي حازم ، يومئذ ، وقتل نعيم بن صهيب بن العلية [ البجلي (1) ] ، فأتى ابن عمه وسميه نعيم بن الحارث بن العلية (2) معاوية ـ وكان معه ـ فقال : إن هذا القتيل ابن عمى فهبه لي أدفنه. فقال : لا تدفنهم فليسوا أهلا لذلك ، فوالله ما قدرنا (3) على دفن عثمان معهم إلا سرا. قال : والله لتأذنن لي في دفنه أو لا لحقن بهم ولأدعنك. فقال له معاوية : [ ويحك ] ترى أشياخ العرب لا نواريهم (4) وأنت تسألني دفن ابن عمك؟ ثم قال له : ادفنه إن شئت أو دع (5). فأتاه فدفنه.
    نصر ، عن عمر (6) ، عن أبي زهير العبسي ، عن النضر بن صالح أن راية
    __________________
    (1) في الأصل : « نعيم بن سهيل بن الثعلبة » وأثبت ما في الطبري مع هذه التكملة. وفي ح ( 1 : 489 ) : « نعيم بن شهد بن التغلبية ».
    (2) في الأصل : « الثعلبة » وفي ح : « الثعلبية » وأثبت ما في الطبري.
    (3) في الأصل : « ما قدر » وأثبت ما في ح والطبري.
    (4) ح : « ترى أشياخ العرب قد أجالتهم أمورهم ».
    (5) في الأصل وح : « أودعه » وأثبت ما في الطبري.
    (6) ح : « عمرو ».

    غطفان العراق كانت مع عياش بن شريك بن حارثة بن جندب (1) بن زيد بن خلف بن رواحة ، قال : فخرج رجل من آل ذي الكلاع يسأل المبارزة فبرز إليه قائد بن بكير العبسي ، فبارزه فشد عليه الكلاعي فأوهطه (2) ، فخرج إليه عياش بن شريك أبو سليم فقال لقومه : أنا مبارز الرجل ، فإن أصيب فرأسكم الأسود بن حبيب بن جمانة (3) بن قيس بن زهير ، فإن قتل فرأسكم هرم بن شتير (4) بن عمرو بن جندب ، فإن قتل فرأسكم عبد الله بن ضرار من بني حنظلة بن رواحة. ثم مشى نحو الكلاعي فلحقه هرم بن شتير (4) فأخذ بظهره فقال : ليمسك رحم (5) ، لا تبرز لهذا الطوال! قال : هبلتك الهبول (6) ، وهل هو إلا الموت. قال : وهل يفر إلا منه؟! قال : وهل منه بد؟ قال : والله لأفتلنه أو ليلحقني (7) بقائد بن بكير. فبرز له ومعه حجفة له من جلود الإبل ، فدنا منه فنظر عياش بن شريك فإذا الحديد عليه مفرغ لا يرى منه عورة (Cool إلا مثل شرائك النعل من عنقه بين بيضته ودرعه ، فضربه الكلاعي فقطع حجفته إلا نحوا من شبر ، ويضر به عياش على ذلك الموضع (9) فقطع نخاعه ، وخرج ابن الكلاعي ثائرا بأبيه ، فقتله بكير بن وائل.
    __________________
    (1) في الأصل : « بن جارية بن جنيدب » وأثبت ما في ح.
    (2) أوهطه : صرعه صرعة لا يقوم منها.
    (3) في الأصل : « الأسعد بن حبيب بن حمامة » وأثبت ما في ح.
    (4) في الأصل : « هرم بن شبير » وأثبت ما في ح.
    (5) الرحم : القرابة ، كأنه يتوسل إليه بحق القرابة. ح : « لتمسك » بالتاء.
    (6) في اللسان : « وفي حديث علي : هبلتهم الهبول. أي ثكلتهم الثكول ، وهي بفتح الهاء من النساء التي لا يبقى لها ولد ».
    (7) في الأصل : « ليقتلني أو ليلحقن » صوابه في ح ( 1 : 489 ).
    (Cool ح : « لا يبين من نحره ».
    (9) أي في الموضع الذي كانا فيه. وفي الأصل : « وضربه عياش على ذلك المكان ».

    نصر ، قال : عمر ، حدثني أبو الصلت التيمي أن زياد بن خصفة بارزه فقتله.
    نصر : عمر ، عن الصلت بن زهير النهدي أن راية بني نهد بن زيد أخذها مسروق بن الهيثم بن سلمة ، فقتل وأخذ الراية صخر بن سمى فارتث (1) ثم أخذها علي بن عمير فقاتل حتى ارتث ، ثم أخذها عبد الله بن كعب فقتل ، ثم رجع إليهم سلمة بن خذيم (2) بن جرثومة وكان يحرض الناس ، فوجد عبد الله بن كعب قد قتل ، فأخذ رايته فارتث وصرع ، فأخذها عبد الله بن عمرو بن كبشة (3) فارتث ، ثم أخذها أبو مسبح (4) بن عمرو الجهني فقتل ، ثم أخذها عبد الله بن النزال فقتل ، ثم أخذها ابن أخيه عبد الرحمن بن زهير فقتل ، ثم أخذها مولاه مخارق فقتل ، حتى صارت إلى عبد الرحمن بن مخنف الأزدي (5).
    [ قال نصر : فحدثنا عمر ، وقال : حدثنا الصلت بن زهير قال : حدثني عبد الرحمن بن مخنف ] قال : صرع يزيد بن المغفل إلى جنبي فقتلت صاحبه وقمت على رأسه (6) ، وقتل أبو زبيب بن عروة فقتلت صاحبه ، وجاءني سفيان بن عوف فقال : أقتلتم (7) يا معشر الأزد يزيد بن المغفل؟ فقلت له : [ إي والله إنه لهذا الذي تراني قائما على رأسه. قال : ومن أنت حياك الله؟ قلت : أنا عبد الرحمن بن مخنف. فقال : الشريف الكريم ، حياك الله ومرحبا بك
    __________________
    (1) ارتث ، على ما لم يسم فاعله : ضرب في الحرب فأثخن وحمل وبه رمق ثم مات من بعد.
    (2) خذيم ، بالذال المعجمة كما في ح. وفي الأصل : « خديم » تحريف.
    (3) ح : « كنيسة » تحريف.
    (4) في الأصل : « أبو مسيح » صوابه بالباء الموحدة. ح : « أبو سنخ ».
    (5) في الأصل : « ثم أخذها مولاه مخارق فقتل ثم أخذها ابن أخيه عبد الرحمن بن مخنف الأزدي » ورددت الكلام إلى نصابه وتمامه من ح.
    (6) الكلام بعدها إلى كلمة « صاحبه » ساقط من ح.
    (7) في الأصل : « أفيكم » وأثبت ما في ح.

    يا ابن عم ، أفلا تدفعه إلى فأنا عمه سفيان بن عوف بن المغفل؟ فقلت ] : مرحبا بك ، أما الآن فنحن أحق به منك ، ولسنا بدافعيه إليك ، وأماما عدا ذلك فلعمري أنت عمه ووارثه (1).
    نصر قال : قال عمر ، عن الحارث بن حصيرة عن أشياخ من النمر من الأزد (2) أن مخنف بن سليم لما ندب أزد العراق إلى أزد الشام حمد الله وأثنى عليه ثم قال : « إن من الخطب الجليل والبلاء العظيم أنا صرفنا إلى قومنا وصرفوا إلينا ، فوالله ما هي إلا أيدينا [ نقطعها بأيدينا (3) ] ، وما هي إلا أجنحتنا نحذفها بأسيافنا ، فإن نحن لم نفعل لم نناصح صاحبنا ، ولم نواس جماعتنا ، وإن نحن فعلنا فعزنا أبحنا (4) ، ونارنا أخمدنا ». فقال جندب بن زهير : « والله لو كنا آباءهم ولدناهم أو كنا أبناءهم ولدونا ، ثم خرجوا من جماعتنا وطعنوا على إمامنا ، وآزروا الضالمين والحاكمين بغير الحق ، على أهل ملتنا ودمتنا (5) ، ما افترقنا بعد أن اجتمعنا (6) حتى يرجعوا عما هم عليه ، ويدخلوا فيما ندعوهم إليه ، أو تكثر القتلى بيننا وبينهم ».
    فقال مخنف : « أعز بك الله في التيه (7). أما والله ما علمتك صغيرا و [ لا ] كبيرا إلا مشؤوما ، والله ما ميلنا الرأي بين أمرين قط (Cool أيهما نأتي
    __________________
    (1) في الأصل : « وأما بعد ذلك فأنت عمه وأحق به » وأثبت ما في ح ( 1 : 490 )
    (2) هم بنو النمر بن عثمان بن نصر بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن الأزد. انظر مختلف القبائل ومؤتلفها ص 19. وفي الأصل : « أشياخ النمر » وفي ح : « أشياخ الأزد » وأثبته كاملا من الطبري ( 6 : 15 ).
    (3) التكملة من ح والطبري.
    (4) ح : « آلمنا ».
    (5) ح : « وديننا ».
    (6) في الأصل : « إذا اجتمعنا » وأثبت ما في ح.
    (7) هذه الجملة ساقطة من ح. وهي في أصلها : « اغر الله بك في النية » وفي الطبري : « أعز الله بك النية ». ورأيت صوابهما فيما أثبت. الإعزاب : الإبعاد. والتيه : الضلال.
    (Cool التمييل : الترجيح. في الأصل : « في أمرين قط » وأثبت ما في ح. وفي اللسان :

    وأيهما ندع ، في الجاهلية ولا بعد ما أسلمنا ، إلا اخترت أعسرهما وأنكدهما. اللهم فأن نعافي أحب إلينا من أن نبتلى (1). فأعط كل رجل منا ما سألك ».
    فقال أبو بردة بن عوف : « اللهم احكم بيننا بما هو أرضى لك. يا قوم إنكم سترون ما يصنع الناس ، وإن لنا الأسوة (2) بما اجتمعت عليه الجماعة إن كنا على حق [ وإن يكونوا (3) ] صادقين ؛ فإن أسوة في الشر ، والله ، ما علمنا ضرر في المحيا والممات (4) ».
    وتقدم جندب بن زهير فبارز رأس أزد الشام ، فقتله الشامي ، وقتل من رهط عبد الله بن ناجد عجلا وسعيدا ابني عبد الله (5) ، وقتل مع مخنف من رهطه عبد الله بن ناجد ، [ و ] خالد بن ناجد (6) ، وعمرو وعامر ابنا عريف ، وعبد الله بن الحجاج ، وجندب بن زهير ، وأبو زينب بن عوف. وخرج عبد الله ابن أبي الحصين [ الأزدي ] في القراء الذين كانوا مع عمار بن ياسر فاصيب معه. وقد كان مخنف قال له : نحن أحوج إليك من عمار. فأبي عليه ، فأصيب مع عمار.
    نصر : عمر ، عن الحارث بن حصيرة ، عن أشياخ النمر (7) أن عتبة
    __________________
    « تقول العرب : إني لأميل بين ذينك الأمرين وأمايل بينهما أيهما آتى » وفي ح : « والله ما دفعنا في الرأي » تحريف.
    (1) ح : « أن تعافينا أحب إلى من أن تبتلينا ».
    (2) في الأصل : « وإن كنا الاسوة » صوابه في الطبري. وكلام أبي بردة لم يرد في مظنه من ح.
    (3) التكملة من الطبري.
    (4) في الأصل : « وإن كنا الأسوة » صوابه في الطبري.
    (5) الطبري : « وقتل من رهطه عجل وسعد ابنا عبد الله من بني ثعلبة ».
    (6) في الأصل : « من رهط عبد الله بن ناجد بن خالد بن ناجد ». وصواب العبارة من الطبري. وفي الطبري : « عبد الله وخالد ابنا ناجد ».
    (7) انظر ما سبق ص 262.


    بن جويرية (1) قال يوم صفين : « ألا إن مرعى الدنيا قد أصبح هشيما (2) ، وأصبح زرعها حصيدا ، وجديدها سملا ، وحلوها مر المذاق. ألا وإنى أنبئكم نبأ امرئ صادق ، إنى سئمت الدنيا ، وعزفت نفسي عنها. وقد كنت أتمنى الشهادة ، وأتعرض لها في كل حين (3) ، فأبى الله إلا أن يبلغني هذا اليوم. ألا وإنى متعرض ساعتي هذه لها ، وقد طمعت ألا أحرمها. فما تنتظرون عباد الله من جهاد أعداء الله؟ أخوف الموت القادم عليكم ، الذاهب بأنفسكم لا محالة ، أو من ضربة كف أو جبين بالسيف؟! أتستبدلون الدنيا بالنظر إلى وجه الله عز وجل ، أو مرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في دار القزار. ما هذا بالرأى السديد ». ثم قال : « يا إخوتاه ، إنى قد بعت هذه الدار بالدار التى أمامها. وهذا وجهى إليه ، لا يبرح الله وجوهكم (4) ولا يقطع الله أرحامكم ».
    فتبعه إخوته عبيد الله وعوف ومالك وقالوا (5) : « لا نطلب رزق الدنيا بعدك. قبح الله العيش بعدك. اللهم إنا نحتسب أنفسنا عندك ». فاستقدموا [ جميعا ] فقاتلوا حتى قتلوا.
    نصر : عمر ، حدثنى رجل من آل الصلت بن خارجة ، أن تميما لما ذهبت لتنهزم [ ذلك اليوم ] ناداهم مالك بن حرى النهشلي (6) : « ضاع الضراب اليوم
    __________________
    (1) ح ( 1 : 490 ) : « عقبة بن خوبة » وفي الطبري : « عقبة بن حديد النمري ».
    (2) في الأصل : « أصبح شجرها هشيما » والوجه حذف « شجرها » كما في ح والطبري.
    (3) وكذا في ح. لكن في الطبري : « في كل جيش وغارة ».
    (4) البرح : الشدة والأذى.
    (5) في الأصل : « فتبعه أخواه عبيد الله وعوف ابنا مالك وقالا » والوجه ما أثبت من الطبري.
    (6) في الأصل : « مالك بن مر النهشلي » صوابه في ح ( 1 : 490 ). وقد ذكره ابن حجر في أثناء ترجمته لأخيه نهشل بن حرى 8878.

    والذى أنا له وسائر القوم عبد ، يا بنى تميم ». قالوا : ألا ترى الناس قد انهزموا؟ قال لهم : أفرارا واعتذارا؟! (1) [ ثم نادى بالأحساب ، فجعل يكررها ، ف‍ ] قالت له بنو تميم : أفتنادى بنداء الجاهلية؟! إن ذا لا يحل. قال : فالفرار ويلكم أقبح. إن لم تقاتلوا على الدين واليقين فقاتلوا على الأحساب. ثم أقبل يقاتل ويرتجز وهو يقول :
    إن تميما أخلفت عنك ابن مر (2)
    وقد أراهم وهم الحى الصبر

    فإن تخيموا أو تفروا لا نفر (3)
    وقال أخوه نهشل بن حرى (4) التميمي يرثيه :
    تطاول هذا الليل ما كاد ينجلى
    كليل التمام ما يريد انصراما

    فبت لذكرى مالك بكآبة
    أؤرق من بعد العشاء نياما

    أبى جزعى في مالك غير ذكره
    فلا تعذليني أن جزعت أماما

    سأبكى أخى ما دام صوت حمامة
    يؤرق (5) من وادى البطاح حماما

    وأبعث أنواحا عليه بسحرة (6)
    وتذرف عيناى الدموع سجاما

    وأدعو سراة الحى يبكون مالكا
    وأبعث نوحا يلتدمن قياما

    __________________
    (1) في الأصل : « أفرار واعتذار » وأثبت ما في ح.
    (2) يقول : إن تميم بن مر أخلفت عنك. وهم تميم بن مر بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر. والإخلاف : التخلف ، قال الأسود بن يعفر ( اللسان 10 : 443 ) :
    بيض مساميح في الشتاء وإن
    أخلف نجم عن نوئه وبلوا

    (3) خام يخيم خيما وخيمانا وخيوما وخيومة وخيمومة وخياما : نكص وجبن.
    (4) هو نهشل بن حرى بن ضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، وهو من الشعراء المخضرمين. انظر الإصابة والخزانة ( 1 : 151 ). وحرى ، بفتح الحاء وتشديد الراء المكسورة كالمنسوب إلى الحر أو الحرة. وفي الأصل : « نهشل بن مر » صوابه في ح.
    (5) ح : « تؤرق » أي الحمامة.
    (6) الأنواح : جمع نوح ، بالفتح ، للنسوة النائحات. والسحرة ، بالضم : السحر ، وقيل هو من ثلث الليل الآخر إلى طلوع الفجر. وفي الأصل : « بشجوة » صوابه في ح.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

            وقعة صفين Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة صفين           وقعة صفين Emptyالأحد أكتوبر 20, 2024 10:12 am

    يقلن ثوى رب السماحة والندى
    وذو عزة يأبى بها أن يضاما

    وفارس خيل لا تساير خيله
    إذا اضطرمت نار العدو ضراما

    وأحيا عن الفحشاء من ذات كلة
    يرى ما يهاب الصالحون حراما

    وأجرأ من ليث بخفان مخدر
    وأمضى إذ رام الرجال صداما

    فلا ترجون ذا إمة بعد مالك
    ولا جازرا للمنشئات غلاما (1)

    وقل لهم لا يرحلوا الأدم بعده
    ولا يرفعوا نحو الجياد لجاما (2)

    وقال أيضا فيه :
    أبكى الفتى الأبيض البهلول سنته
    عند النداء ، فلا نكسا ولا ورعا (3)

    أبكى على مالك الأضياف إذ نزلوا
    حين الشتاء وعز الرسل فانجدعا (4)

    ولم يجد لقراهم غير مربعة
    من العشار تزجى تحتها ربعا (5)

    أهوى لها السيف ترا وهى راتعة
    فأوهن السيف عظم الساق فانقطعا (6)

    __________________
    (1) الإمة ، بالكسر : النعمة. وفي الأصل : « فلا يرجعون ». والمنشئات : النوق اللواقح ، أنشأت الناقة فهى منشئ : لقحت. والغلام : الطار الشارب ، والكهل ، أو من حين يولد إلى أن يشب. وهذا البيت وتاليه لم يرويا في ح. وفي الأصل : « ولا جار إلا المنشآت علاما ».
    (2) الأدم : جمع آدم وأدماء ، وهى الإبل الخالصة البياض. رحل البعير ، كمنع : حط عليه الرحل.
    (3) السنة : الوجه. وفي الأصل : « شبيه » صوابه في ح ( 1 : 491 ) ، وفي ح : « بكى » في هذا البيت وتاليه على الأمر.
    (4) نسبه إلى الأضياف. والرسل ، بالكسر : اللبن.
    (5) المربعة : ذات الربع ، بضم ففتح ، وهو ما ولد من الإبل في الربيع. والمذكور في المعاجم : « مربع » بدون تاء ، و « مرباع ». تزجى : تسوق ، وفي الأصل : « يرجى » صوابه في ح.
    (6) التر : القطع والإبانة. ح : « صلتا ».


    فجاءهم بعد رقد الحى أطيبها
    وقد كفى منهم من غاب واضطجعا (1)

    يا فارس الروع يوم الروع قد علموا
    وصاحب العزم لا نكسا ولا طبعا (2)

    ومدرك التبل في الأعداء يطلبه
    وإن طلبت بتبل عنده منعا (3)

    قالوا : أخوك أتى الناعي بمصرعه
    فارتاع قلبي غداة البين فانصدعا

    ثم ارعوى القلب شيئا بعد طيرته
    والنفس تعلم أن قد أثبتت وجعا (4)

    وقتل محيا بن سلامة بن دجاجة ، من تيم الرباب ، بصفين ، وقتل المسيب بن خداش من تيم الرباب ، ودينار عقيصا (5) مولاه.
    نصر : عمر بن سعد ، حدثنى يونس بن أبى إسحاق قال : قال [ لنا ] أدهم بن محرز [ الباهلى ] ونحن معه بأذرح (6) : هل رأى أحد منكم شمر بن
    __________________
    (1) الرقد ، بالفتح : النوم كالرقاد والرقود. وفي ح : « رفد الناس » بالفاء ، وهو بالكسر : الصلة والعطاء ، وبالفتح ، المصدر. من غاب : أي من غاب وقعد عن بر الأضياف. ومثله قول متمم بن نويرة في المفضلية 67 :
    إذا جرد القوم القداح وأوقدت
    لهم نار أيسار كفى من تضجعا

    وفي الأصل : « من غار » صوابه ما أثبت. وفي ح : « وأشبعت منهم من نام » وهى رواية مصنوعة فيما أرى.
    (2) النكس ، بالكسر : المقصر عن غاية النجدة والكرم ، والطبع ، بفتح فكسر : الدنيء الخلق الدنس.
    (3) التبل ، بالفتح : الثأر والذحل. وفي الأصل : « ومدرك النيل » و : « بنيل » صوابهما ما أثبت من ح ( 1 : 491 ).
    (4) الطيرة : المرة من الطيران. ح : « طربته » والطربة المرة من الطرب ، والطرب يقال في السرور والحزن معا. وفي الأصل : « قد أثبتت » صوابه في ح. وفي اللسان : « أثبته السقم ، إذا لم يفارقه ».
    (5) سبقت ترجمته في 145. وعقيصا لقب لدينار. والبصريون يوجبون الإضافة في مثل هذا. والكوفيون يجيزون الإتباع والقطع إلى النصب وإلى الرفع. الأشموني ( 1 : 143 ـ 144 ).
    (6) أذرح ، بضم الراء وفي آخرة حاء مهملة : اسم بلد في أطراف الشام. وفي الأصل : « باددخ » وفي ح : « بأدرج » صوابهما ما أثبت.

    ذى الجوشن؟ فقال عبد الله بن كبار النهدي ، وسعيد بن خازم السلولى (1) : نحن رأيناه. قال : فهل رأيتما ضربة بوجهه؟ قالا : نعم. قال : أنا والله ضربته تلك الضربة بصفين.
    نصر : عمر ، عن الصلت بن زهير (2) النهدي ، عن مسلم قال : خرج أدهم بن محرز من أصحاب معاوية بصفين إلى شمر بن ذى الجوشن فاختلفا ضربتين ، فضربه أدهم على جبينه فأسرع فيه السيف حتى خالط العظم ، وضربه شمر فلم يصنع سيفه شيئا ، فرجع إلى عسكره فشرب من الماء وأخذ رمحا ، ثم أقبل وهو يقول :
    إنى زعيم لأخي باهله
    بطعنة إن لم أمت عاجله (3)

    وضربة تحت الوغى فاصله (4)
    شبيهة بالقتل أو قاتله

    ثم حمل على أدهم وهو يعرف وجهه ، وأدهم ثابت له لم ينصرف ، فطعنه فوقع عن فرسه ، وحال أصحابه دونه فانصرف ، فقال [ شمر ] : هذه بتلك. وخرج سويد [ بن قيس ] بن يزيد الأرحبي من عسكر معاوية يسأل المبارزة ، فخرج إليه من عسكر العراق أبو العمرطة قيس [ بن عمرو بن عمير ] بن يزيد ، وهو ابن عم سويد ، وكل منهما لا يعرف صاحبه ، فلما تقاربا تعارفا وتواقفا وتساءلا ، ودعا كل واحد منهما صاحبه إلى ما هو عليه (5) ، فقال أبو العمرطة : أما أنا فوالله الذى لا إله إلا هو لئن استطعت لأضربن بسيفي هذه القبة البيضاء ـ يعنى قبة معاوية التى هو فيها ـ ثم انصرف كل منهما إلى أصحابه. فقال في ذلك همام :
    __________________
    (1) ح : « سعيد بن حازم البلوى ».
    (2) في الأصل : « عمر بن الصلت بن زهير ».
    (3) في الطبري ( 6 : 16 ) : « إن لم اصب ».
    (4) الطبري : « أو ضربة تحت القنا والوغى ».
    (5) ح : « إلى دينه ».


    ألوم بن لوم ما غدا بك حاسرا
    إلى بطل ذى جرأة وشكيم (1)

    معاود ضرب الدارعين بسيفه
    على الهام عند الهيج غير لئيم

    إلى فارس الغاوين حيث تلاقيا
    بصفين قرم نجل خير قروم (2)

    قال : وخرج بشر بن عصمة المزني (3) يسأل المبارزة ـ وكان من أهل الكوفة فلحق بمعاوية ـ فخرج إليه مالك بن الجلاح (4) ، وكان يقال له ابن العقدية (5) وكان رجلا ناسكا ، فأقبلا في خيلهما ، فتغفله بشر بن عصمة فطعنه ، فصرع ابن العقدية ، فقال بشر بن عصمة :
    إنى لأرجو من مليكى وخالقي
    ومن فارس الموسوم في الصدر هاجس (6)

    دلفت له تحت الغبار بطعنة
    على ساعة فيها الطعان يخالس (7)

    __________________
    (1) هذه الأبيات لم ترو في ح. وفي الأصل : « ذى جرة » والوجه ما أثبت. والشكيم ، في اللسان : « يجوز أن يكون لغة في الشكيمة ». وأنشد :
    * أنا ابن سيار على شكيمه *
    والشكيمة : الصرامة والحزم والأنفة والانتصار من الظلم.
    (2) الغاوين ، كذا وردت. والقرم ، بالفتح : السيد المعظم.
    (3) بشر بن عصمة المزني ، أحد الصحابة ، ترجم له في الاستيعاب والإصابة ولسان الميزان. وفي الأصل : « المرى » صوابه في الطبري ومراجع ترجمته. وهذا الخبر لم يرد في مظنه من ح.
    (4) هو مالك بن الجلاح بن صامت بن سدوس بن إنسان بن عتوارة ، أحد بن جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن. ذكره المرزبانى في معجمه 363. وفي الأصل : « مالك بن اللجلاج » ، صوابه في الطبري ومعجم المرزبانى.
    (5) العقدية أمه ، غلبت عليه. وعقد ، بالتحريك : قبيلة من بجيلة أو اليمن. انظر الطبري والقاموس ( عقد ).
    (6) في القاموس : « موسوم فرس مالك بن الجلاح ». ورواية الطبري : « من مليكى تجاوزا ».
    (7) الطبري : « الطعان تخالس ».

    فرد عليه ابن العقدية :
    ألا أبلغا بشر بن عصمة أننى
    شغلت وألهاني الذين أمارس

    وصادفت منى غرة فأصبتها
    كذا كانت الأبطال ماض وحابس (1)

    قال : وخرج ذو نواس بن هذيم بن قيس العبدى ـ وكان ممن لحق بمعاوية ـ يسأل المبارزة ، فخرج إليه ابن عمه الحارث بن منصور فاضطربا بسيفهما وانتميا إلى عشائرهما (2) ، فعرف كل منهما صاحبه فتتاركا (3). ثم خرج مالك بن يسار الحضرمي يسأل المبارزة ، فخرج إليه الجون بن مالك الحضرمي من أهل الشام فقتل الشامي الكوفى ، وخرج زياد بن النضر الحارثى يسأل المبارزة ، فخرج إليه رجل من أهل الشام من بنى عقيل فلما عرفه انصرف عنه ، ثم خرج رجل من أزد شنوءة يسأل المبارزة ، فخرج إليه رجل من أهل العراق فقتله ، فخرج إليه الأشتر فما لبث أن قتله ، فقال رجل : « كان هذا نارا فصادفت إعصارا ». فاقتتل الناس قتالا شديدا يوم الأربعاء ، فقال رجل من أصحاب على : والله لأحملن على معاوية حتى أقتله! فأخذ فرسا فركبه ثم ضربه حتى إذا قام على سنابكه دفعه فلم ينهنهه شيء عن الوقوف على رأس معاوية ، ودخل معاوية خباء (4) فنزل الرجل عن فرسه ودخل عليه ، فخرج معاوية من [ جانب ] الخباء [ الآخر ] ، وطلع
    __________________
    (1) الطبري : « كذلك والأبطال ماص وخالس ». وفي معجم المرزبانى : « كذلك والأبطال ماض وجالس ».
    (2) انتميا : ارتفعا في النسب. وفي الأصل : « فانتهبا » تحريف. والخبر لم يرد في في مظنه من ح ولا في الطبري.
    (3) أي ترك كل منهما صاحبه. وفي الأصل : « تشاركا » تحريف.
    (4) ح : « فهرب معاوية ودخل خباء ».

    الرجل في إثره ، فخرج معاوية وهو يقول (1) :
    أقول لها وقد طارت شعاعا
    من الأبطال إنك لن تراعى

    فإنك لو سألت خلاء يوم
    على الأجل الذى لك لم تطاعى

    فأحاط به الناس فقال : ويحكم ، إن السيوف لم يؤذن لها في هذا ، ولولا ذلك لم يصل إليكم. عليكم بالحجارة. فرضخوه بالحجارة حتى همد الرجل ، ثم عاد معاوية إلى مجلسه وهو يقول : هذا كما قال الآخر (2) :
    أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها
    وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا

    نصر ، عن عمر ، عن أبى روق ، عن أبيه ، عن عم له يدعى أبا أيوب قال : حمل يومئذ أبو أيوب على صف أهل الشام ثم رجع فوافق رجلا [ من أهل الشام ] صادرا قد حمل على صف أهل العراق ثم رجع ، فاختلفا ضربتين ، فنفحه أبو أيوب فأبان عنقه ، فثبت رأسه على جسده كما هو ، وكذب الناس أن يكون ضربه وأرابهم ، حتى إذا دخل في أهل الشام (3) وقع ميتا وندر رأسه ، فقال على : والله لأنا من ثبات رأس الرجل أشد تعجبا منى لضربته ، وإن كان إليها ينتهى وصف الضارب (4). وغدا أبو أيوب إلى القتال فقال له على : أنت والله كما قال القائل :
    وعلمنا الضرب آباؤنا
    فسوف نعلم أيضا بنينا

    نصر : قال عمر : وخرج رجل يسأل المبارزة ، من أهل الشام ، فنادى
    __________________
    (1) المعروف أن البيتين التاليين هما من أبيات لقطرى بن الفجاءة المتوفى سنة 78 أو 79. انظر الحماسة ( 1 : 24 ) وابن خلكان ( 1 : 430 ). وقد كانت وفاة معاوية سنة 60.
    (2) هو حاتم الطائى ، كما سبق في حواشى ص 246.
    (3) ح ( 1 : 491 ) : « حتى إذا أدخلته فرسه في صف أهل الشام ».
    (4) كذا. وفي ح : ( 1 : 491 ) : « وصف الواصفين ».

    من يبارز؟ ـ وهو بين الصفين ـ فخرج إليه رجل من أهل العراق فاقتتلا بين الصفين قتالا شديدا ، ثم إن العراقى اعتنقه فوقعا جميعا تحت قوائم فرسيهما ، فجلس على صدره وكشف المغفر عنه يريد ذبحه ، فلما رآه عرفه فإذا هو أخوه لأبيه وأمه ، فصاح به أصحاب على : أجهز على الرجل! فقال : إنه أخى قالوا : قاتركه. قال : لا ، حتى يأذن لى أمير المؤمنين. فأخبر على بذلك ، فأرسل إليه : دعه. فتركه ، [ فقام فعاد إلى صف معاوية ].
    نصر ، عن محمد بن عبيد الله (1) ، عن الجرجاني قال : كان فارس معاوية الذى يعده لكل مبارز ولكل عظيم حريث مولاه ، وكان يلبس سلاح معاوية متشبها به ، فإذا قاتل (2) قال الناس : ذاك معاوية. وإن معاوية دعاه فقال : يا حريث ، اتق عليا ، وضع رمحك حيث شئت! فأتاه عمرو بن العاص فقال : يا حريث ، إنك والله لو كنت قرشيا (3) لأحب معاوية أن تقتل عليا ولكن كره أن يكون لك حظها ، فإن رأيت فرصة فاقحم. وخرج على [ 7 في هذا اليوم ] أمام الخيل ، وحمل عليه حريث.
    قال نصر : فحدثنا عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن تميم قال : نادى حريث مولى معاوية [ هذا اليوم ] ، وكان شديدا ذا بأس ، فقال : يا على ، هل لك في المبارزة ، فأقدم أبا حسن إذا شئت. قأقبل على وهو يقول :
    أنا على وابن عبد المطلب
    نحن لعمر الله أولى بالكتب

    منا النبي المصطفى غير كذب
    أهل اللواء والمقام والحجب

    __________________
    (1) في الأصل : « عبد الله » تحريف.
    (2) في الأصل : « قابل » صوابه في ح.
    (3) في الأصل : « قريشا » صوابه في ح.


    نحن نصرناه على جل العرب (1)
    يأيها العبد الغرير المنتدب (2)

    أثبت لنا يأيها الكلب الكلب
    ثم خالطه فما أمهله أن ضربه ضربة واحدة فقطعه نصفين (3).
    قال نصر : قال محمد بن عبيد الله ، [ عن ] الجرجاني (4) : إن معاوية جزع عليه جزعا شديدا ، وعاتب عمرا. قال معاوية :
    حريث ألم تعلم وجهلك ضائر
    بأن عليا للفوارس قاهر

    وأن عليا لم يبارزه فارس
    من الناس إلا أقصدته الأظافر

    أمرتك أمرا حازما فعصيتني
    فجدك إذ لم تقبل النصح عاثر

    ودلاك عمرو والحوادث جمة
    غرورا وما جرت عليك المقادر

    وظن حريث أن عمرا نصيحه
    وقد يهلك الإنسان من لا يحاذر

    أيركب عمر رأسه خوف سيفه
    ويصلى حريثا إنه لفرافر (5)

    نصر : عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن تميم قال : فلما قتل على حريثا برز عمرو بن حصين السكسكي فنادى : يا أبا حسن هلم إلى المبارزة. فأنشأ على يقول :
    ما علتى وأنا جلد حازم
    وعن يمينى مذحج القماقم

    وعن يسارى وائل الخضارم
    والقلب حولي مضر الجماجم

    وأقبلت همدان في الخضارم
    مشى الجمال البزل الخلاجم

    __________________
    (1) ح ( 1 : 492 ) : « كل العرب ».
    (2) الغرير : المخدوع. وفي الأصل : « العزيز » وهذا البيت وتاليه لم يرويا في ح.
    (3) في الأصل : « ثم ضربه على فقتله » وأثبت بدلها ما ورد في ح.
    (4) في الأصل : « محمد بن عبد الله الجرجاني » والوجه ما أثبت.
    (5) الفرافر ، بفاءين أولاهما مضمومة : الأخرق الأحمق. وفي الأصل : « قراقر » بقافين ، ووجهه ما أثبت. وهذا البيت لم يرد في ح.


    أقسمت بالله العلى العالم
    لا أنثنى إلا برغم الراغم

    وحمل عليه عمرو بن الحصين ليضربه ، فبادره إليه سعيد بن قيس ففلق صلبه.
    نصر ، عن عمرو بن شمر قال : حدثنى السدى عن أبى أراكة أن عليا قال يومئذ :
    دعوت فلباني من القوم عصبة
    فوارس من همدان غير ، لئام

    فوارس من همدان لبسوا بعزل
    غداة الوغى من شاكر وشبام (1)

    بكل ردينى وعضب تخاله
    إذا اختلف الأقوام شعل ضرام (2)

    لهمدان أخلاق ودين يزينهم
    وبأس إذا لا قوا وحد خصام (3)

    قال : قال نصر : وفي حديث عمر بن سعد :
    وجد وصدق في الحروب ونجدة
    وقول إذا قالوا بغير أثام

    متى تأتهم في دارهم تستضيفهم
    تبت ناعما في خدمة وطعام

    جزى الله همدان الجنان فإنها
    سمام العدى في كل يوم زحام (4)

    فلو كنت بوابا على باب جنة
    لقلت لهمدان ادخلي بسلام

    نصر قال : عمرو بن شمر في حديثه : ثم قام على بين الصفين ثم نادى : يا معاوية! ـ يكررها ـ فقال معاوية : اسألوه ، ما شأنه؟ قال : أحب أن يظهر لى فأكلمه كلمة واحدة. فبرز معاوية ومعه عمرو بن العاص ، فلما قارباه
    __________________
    (1) بنو شاكر وشبام : بطنان من همدان. انظر الاشتقاق 257 ، 250. وشبام ، بكسر الشين ، وأصل معناه الخشبة تعرض في فم الجدى لثلا يرتضع ، وشباما البرقع : الخيطان اللذان يشدان في القفا.
    (2) في الأصل : « وكل » والوجه ما أثبت من ح ( 1 : 492 ).
    (3) الحد ، بفتح الحاء : الحدة. وفي الأصل : « وجد » ووجهه في ح.
    (4) لسمام. جمع سم : في الأصل. « يوم سمام » صوابه في ج.

    لم يلتفت إلى عمرو ، وقال لمعاوية : ويحك ، علام يقتتل الناس بينى وبينك ، ويضرب بعضهم بعضا؟! ابرز إلى فأينا قتل صاحبه فالأمر له. فالتفت معاوية إلى عمرو فقال : ما ترى يا أبا عبد الله فيما ها هنا ، أبارزه؟ فقال عمرو : لقد أنصفك الرجل ، واعلم أنه إن نكلت عنه لم تزل (1) سبة عليك وعلى عقبك ما بقى عربي فقال معاوية : يا عمرو بن العاص ، ليس مثلى يخدع عن نفسه. والله ما بارز ابن أبى طالب رجلا قط إلا سقى الأرض من دمه. ثم انصرف راجعا حتى انتهى إلى آخر الصفوف وعمرو معه. [ فلما رأى على 7 ذلك ضحك وعاد إلى موقفه ]
    وفي حديث عمر قال : قال معاوية : ويحك يا عمرو ، ما أحمقك ، أتراني أبرز إليه ودوني عك والأشعرون وجذام؟! قال : وحقدها معاوية على عمرو [ باطنا ] وقال له [ ظاهرا ] : ما أظنك [ قلت ما قلته ] يا عمرو (2) إلا مازحا. فلما جلس معاوية مجلسه مع أصحابه أقبل عمرو يمشى حتى جلس فقال معاوية :
    يا عمرو إنك قد قشرت لى العصا
    برضاك في وسط العجاج برازى

    يا عمرو إنك قد أشرت بظنة
    إن المبارز كالجدي النازى

    ما للملوك وللبراز وإنما
    حتف المبارز خطفة للبازى (3)

    ولقد أعدت فقلت مزحة مازح
    والمزح يحمله مقال الهازى

    فإذا الذى منتك نفسك خاليا
    قتلى ، جزاك بما نويت الجازى

    فلقد كشفت قناعها مذمومة
    ولقد لبست بها ثياب الخازى (4)

    __________________
    (1) ح : « لم يزل » بالياء.
    (2) ح : « أبا عبد الله ».
    (3) في الأصل : « حسب المبارز حفظه من بازى » وأثبت ما كتب في هامش الأصل مشارا إليه بأنه كذلك في نسخة أخرى. وقد لفق من عجز هذا البيت وصدر سابقة بيت واحد في ح فأسقط صدر هذا وعجز سابقه.
    (4) في الأصل : « لبست بنا » صوابه في ح ( 1 : 493 ).

    فقال له عمرو : إيها أيها الرجل ، أتجبن عن خصمك وتتهم نصيحك؟! وقال مجيبا له :
    معاوى إن نكلت عن البراز
    لك الويلات فانظر في المخازى (1)

    معاوى ما اجترمت إليك ذنبا
    وما أنا في التى حدثت بخازى (2)

    وما ذنبي بأن نادى على
    وكبش القوم يدعى للبراز

    فلو بارزته بارزت ليثا
    حديد الناب يخطف كل بازى (3)

    ويزعم أننى أضمرت غشا
    جزاني بالذى أضمرت جازى

    أضبع في العجاجة يا ابن هند
    وعند الباه كالتيس الحجازى

    نصر ، عن عمر قال : حدثنى فضيل بن خديج قال : خرج رجل من أهل الشام يدعو إلى المبارزة ، فخرج إليه عبد الرحمن بن محرز (4) الكندى ثم الطمحى (5) ، فتجاولا ساعة ، ثم إن عبد الرحمن حمل على الشامي فطعنه في نقرة نحره (6) فصرعه ، ثم نزل إليه فسلبه درعه وسلاحه ، فإذا هو عبد أسود (7) ، فقال : يا لله ، لقد أخطرت نفسي لعبد أسود. قال : وخرج رجل من عك ليسأل المبارزة ، فخرج إليه قيس بن فهدان الكنانى ثم
    __________________
    (1) ح : « وخفت فإنها أم المخازى ».
    (2) في الأصل : « بخاذى » تحريف ، وفي ح : « خازى » مع قراءة « حدثت » بتشديد الدال.
    (3) في الأصل : « ينفذ كل بازى » وأثبت ما في ح.
    (4) في الأصل : « بن نجم » صوابه في ح والطبري ( 6 : 16 ).
    (5) هذه الكلمة ساقطة من ح ، وفي الطبري : « الطحمى » بتقديم الحاء ، تحريف. والطمحى : نسبة إلى « طمح » ، وضبطت في القاموس ضبط نص بالتحريك ، وفي اللسان ضبط قلم بفتحتين أيضا. وفي الاشتقاق 218 ، 317 بضم الطاء وفتح الميم. وهى بطن من بطون كندة.
    (6) الطبري : « ثغرة نحره » وما أثبت من الأصل يطابق ما في ح. والثغرة ، بالضم : نقرة النحر.
    (7) الطبري « فإذا هو حبشي ».

    البدني (1) فما لبث العكى أن طعنه فقتله ، فقال قيس :
    لقد علمت عك بصفين أننا
    إذا ما نلاقى الخيل نطعنها شزرا

    ونحمل رايات القتال بحقها
    فنوردها بيضا ونصدرها حمرا (2)

    وحمل عبد الله بن الطفيل البكائى (3) على صفوف أهل الشام ، فلما انصرف حمل عليه رجل من بنى تميم يقال له قيس بن نهد (4) الحنظلي اليربوعي ـ وهو ممن لحق بمعاوية من أهل العراق ـ فوضع الرمح بين كتفي عبد الله فاعترضه يزيد بن معاوية البكائى ، ابن عم عبد الله بن الطفيل ، فوضع الرمح بين كتفي التميمي وقال : والله لئن طعنته لأطعننك. قال : عليك عهد الله لئن رفعت السنان عن ظهر صاحبك لترفعنه عنى. قال : نعم لك العهد والميثاق بذلك. فرفع السنان عبد الله بن طفيل ، ورفع يزيد الرمح عن التميمي ، فوقف التميمي فقال [ ليزيد ] : من أنت؟ قال : أحد بنى عامر. قال : جعلني الله فداكم ، أينما لقيناكم وجدناكم كراما ، والله إنى لآخر أحد عشر رجلا من بنى تميم قتلتموهم (5) اليوم. فلما تراجع الناس عن صفين عتب يزيد على عبد الله بن الطفيل في بعض ما يعتب الرجل على ابن عمه فقال :
    ألم ترنى حاميت غنك مناصحا
    بصفين إذ خلاك كل حميم

    ونهنهت عنك الحنظلي وقد أتى
    على سابح ذى ميعة وهزبم

    ثم خرج ابن مقيدة الحمار الأسدى ، [ وكان ذا بأس وشجاعة ] وهو مع
    __________________
    (1) في الأصل : « بن فهد بن الكندى » وأثبت ما في الطبري. وفي ح : « قيس ابن فهران ».
    (2) في الأصل : « ونوردها » وأثبت ما في ح والطبري.
    (3) سبقت ترجمته في ص 206. ح : « البكالى » تحريف.
    (4) ح : « بن فهد » بالفاء ، وفي الطبري ( 6 : 16 ) : « بن قرة ».
    (5) في الأصل : « قتلتموه » وأثبت ما في ح والطبري.

    أهل الشام ، وكان في الناس ردف بشر بن عصمة وهو الثاني في الناس ، فنادى : ألا من مبارز؟ فأحجم الناس عنه ، فقام المقطع العامري وكان شيخا كبيرا ، فقال له علي : اقعد إنك شيخ كبير وليس معه من رهطه أحد غيره ، ما كنت لأقدمك. فجلس. ثم إنه نادى ابن مقيدة الحمار : ألا من مبارز؟ الثانية. فقام المقطع ، فأجلسه على أيضا. ثم نادى الثالثة : ألا من مبارز؟ فقام المقطع فقال : يا أمير المؤمنين ، والله لا تردني ، إما أن يقتلنى فأتعجل الجنة ، وأستريح من الحياة الدنيا في الكبر والهرم ، أو أقتله فأريحك منه. فقال له على : ما اسمك؟ قال : أنا المقطع ، قد كنت أدعى هشيما فأصابتني جراحة فسميت مقطعا منها. فقال له : اخرج [ إليه ، وأقدم عليه ] ، اللهم انصره! فحمل عليه المقطع ، فأجهش ابن مقيده الحمار ، وكان ذكيا مجربا ، فلم يجد شيئا خيرا من الهرب ، فهرب حتى مر بمضرب معاوية (1) والمقطع على أثره فجاز معاوية فناداه معاوية : لقد شمص بك العراقى (2). قال : لقد فعل! ثم رجع المقطع حتى وقف في موقفه : فلما كان عام الجماعة [ و ] بايع الناس معاوية سأل عن المقطع العامري حتى نزل عليه ، فدخل عليه فإذا هو شيخ كبير ، فلما رآه قال : أوه ، لولا (3) أنك في هذا الحال ما أفلتني. قال : نشدتك الله إلا قتلتنى وأرحتني (4) من بؤس الحياة ، وأدنيتني إلى لقاء الله. قال : إنى لا أقتلك ، وإن لى إليك لحاجة. قال : فما حاجتك؟ قال : جئت لا واخيك. قال : إنا وإياكم قد افترقنا في الله ، أما أنا فأكون على حالى حتى يجمع الله بيننا في الآخرة.
    __________________
    (1) المضرب ، بكسر الميم : الفسطاط العظيم.
    (2) في الأصل : « شخص » وأثبت ما في ح. الشمص : الإعجال ؛ والتشميص : السوق والطرد العنيف.
    (3) في الأصل : « لو علمت » والوجه ما أثبت من ح.
    (4) في الأصل : « إلا قتلت وأرحت » وأثبت ما في ح.

    قال : فزوجني ابنتك. قال : قد منعتك ما هو أهون على من ذلك ، قال : فاقبل منى صلة. قال : فلا حاجة لى في ما قبلك فتركه فلم يقبل منه شيئا قال : فاقتتل الناس قتالا شديدا فعبت لطيئ جموع أهل الشام ، فجاءهم حمزة بن مالك [ الهمداني (1) ] فقال : من ، أنتم ، لله أبوكم! فقال عبد الله بن خليفة الطائى (2) : نحن طى السهل وطى الجبل ، وطى الجبل الممنوع بالنحل (3) ، ونحن حماة الجبلين ، ما بين العذيب إلى العين ، طى الرماح وطى البطاح ، وفرسان الصباح. فقال له : بخ بخ ما أحسن ثناءك على قومك! فقال :
    إن كنت لم تشعر بنجدة معشر
    فاقدم علينا ويل غيرك تشعر (4)

    ثم اقتتلوا وأنشأ يقول : يا طي ، فدى لكم طارفى وتلادى ، قاتلوا على الدين والأحساب. ثم أنشأ يقول :
    يا طيء الجبال والسهل معا
    إنا إذا داع دعا مضطجعا

    ندب بالسيف دبيبا أروعا
    فننزل المستلئم المقنعا (5)

    ونقتل المنازل السميدعا
    وقال بشر بن العشوش الطائى [ ثم الملقطى (6) ] :
    يا طيء السهول والجبال
    ألا انهضوا بالبيض والعوالى

    __________________
    (1) هذه من الطبري ( 6 : 17 ).
    (2) في الطبري : « البولانى » ، وبولان : إحدى قبائل طيء.
    (3) كذا. وفي الطبري : « الممنوع ذى النخل ».
    (4) البيت لم يرو في ح. وفي الطبري : « ويب غيرك ».
    (5) في الأصل : « فنترك ». وقد روى الرجز في الطبري على الوجه التالى :
    أنا الذى كنت إذا الداعي دعا
    مصمما بالسيف ندبا أروعا

    فأنزل المستلئم المقنعا
    وأقتل المبالط السميدعا

    (6) التكملة من الطبري. وفيه : « بن العسوس » بمهملتين.


    وبالكماة منكم الأبطال
    فقارعوا أئمة الضلال

    السالكين سبل الجهال
    قال : ففقئت عينه فقال :
    ألا ياليت عيني هذه مثل هذه
    ولم أمش بين الناس إلا بقائد

    ويا ليت رجلي ثم طنت بنصفها (1)
    ويا ليت كفي ثم طاحت بساعدي

    ويا ليتني لم أبق بعد مطرف
    وسعد وبعد المستنير بن خالد

    فوارس لم تغذ الحواضن مثلهم
    إذا هي أبدت عن خدام الخرائد (2)

    آخر الجزء الرابع من أجزاء ابن الطيوري ، يتلوه في الخامس : « نصر ابن مزاحم ، عن عمر ، عن فضيل بن خديج أن قيس بن فهدان كان يحرض أصحابه ويقول : إذا شددتم فشدوا جميعا ». وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله وسلم تسليما كثيرا.
    وجدت في الجزء السادس من أجزاء عبد الوهاب بخطه : « سمع جميعه على الشيخ أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار ، الأجل السيد الأوحد الإمام قاضي القضاة أبو الحسن علي بن محمد الدامغاني ، وابناه القاضيان أبو عبد الله محمد
    __________________
    (1) طنت : قطعت وسقطت فكان لذلك صوت. وفي الأصل : « طلت » صوابه في الطبري.
    (2) الحواضن : الأمهات. وفي الأصل : « لم تعر الحواضر » صوابه من الطبري. هي : أي الحرب ، وفي الطبري : « إذا الحرب ». والخدام : السيقان ، واحدتها خدمة. ومثله قوله :
    تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي
    عن خدام العقيلة العذراء


    وأبو الحسين أحمد ، وأبو عبد الله محمد بن القاضي أبي الفتح بن البيضاوي ، والشريف أبو الفضل محمد بن علي بن أبي يعلى الحسيني ، وأبو منصور محمد بن محمد بن قرمي ، بقراء عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد بن الحسن الأنماطي في شعبان من سنة أربع وتسعين وأربعمائة.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
     
    وقعة صفين
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    » الجزء الخامس من كتاب صفين
    »  الجزء السادس من كتاب صفين
    » الجزء السابع من كتاب صفين
    » وقعة الجمل
    » ( وقعة الضحاك بن قيس )

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: 34- منتدى الاحداث التي وقعة في خلافة الامام علي عليه السلام-
    انتقل الى: