الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
البيت اهل
المواضيع الأخيرة
» مقاتل الطالبيّين مقاتل الطالبيّين المؤلف :أبي الفرج الاصفهاني
وقعة النهروان او الخوارج Emptyأمس في 11:42 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج1
وقعة النهروان او الخوارج Emptyأمس في 10:27 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج2
وقعة النهروان او الخوارج Emptyأمس في 9:59 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج3
وقعة النهروان او الخوارج Emptyأمس في 9:34 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  كلام جميل عن التسامح
وقعة النهروان او الخوارج Emptyأمس في 8:57 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  مفهوم التسامح مع الذات
وقعة النهروان او الخوارج Emptyأمس في 8:48 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» أقوال الحكماء والفلاسفة
وقعة النهروان او الخوارج Emptyأمس في 10:01 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» أقوال وحكم رائعة
وقعة النهروان او الخوارج Emptyأمس في 9:55 am من طرف الشيخ شوقي البديري

»  أحاديث / شرح حديث (إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا) شرح حديث (إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا)
وقعة النهروان او الخوارج Emptyأمس في 9:50 am من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     وقعة النهروان او الخوارج

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    وقعة النهروان او الخوارج Empty
    مُساهمةموضوع: وقعة النهروان او الخوارج   وقعة النهروان او الخوارج Emptyالسبت أكتوبر 19, 2024 4:32 pm



    بسم الله الرحمن الرحيم

    نحمدك اللهم. فاطر الخليقة. اذ هديتنا إلى السراط السوى فسلكناه ، وبصرتنا نهج الصواب فاتبعناه ، ولم نكن من الضالين ، الخارجين عن جدد الهداية ، والمحجة الواضحة ، فأجبنا اللهم داعيك واهتدينا بهدى كتابك المنزل على رسولك سيد الرسل ـ محمد مصطفى ـ صلى الله عليه وآله الذين طهرتهم من الرجس فقلت عز اسمك وعظمت آلاؤك ، ( انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيراً ).
    ٤

    بسم الله الرحمن الرَّحيم

    ( وَلَو شاء الله مَا اقتَتَل الذينَ مِن بَعدهْم مِنْ بَعدِ ما جاءَتهُمُ البيِّناتُ وَلِكنْ اختلفُوا فَمِنهُم من آمَن وَمِنهم مَن كفرَ وَلَو شاءَ الله مَا اقْتَتَلوا ولكِنَ الله يَفعلُ ما يُريد )(١).

    ( فَامّا نَذهبّن بك فَانّا منهُم مُنتقمُونْ أو نُرينَّكَ الذي وَعَدناهُمْ فَانا عَلِيهمْ مُقتدرُون ) (٢).

    ( وإنْ طائفتان مِن المُؤمنينَ اقْتَتَلوا فأصلحوا بَينهما فاِن بَغت اِحداهُما عَلى الاخرى فَقاتلوا الْتي تَبغي حَتّى تفيىءَ اِلى امر الله فإنْ فاءَت فَأصلحوا بَينهُما بالعدلِ وَاقسطوا إنَّ الله يُحِبُ المُقسِطينْ ) (٣).

    ( صدق الله العلي العظيم )

    _________________

    (١) سورة البقرة.

    (٢) سورة الزخرف.

    (٣) سورة الحجرات.
    ٥
    ٦

    « الاحاديث والخوارج »

    ذكر علي بن عيسى الاربلي. في كتابه كشف الغمة. قال البغوي في شرح السنة عن ابن مسعود. قال خرج رسول الله (ص) فأتى منزل أم سلمة فجاءه علي (عليه السلام ) فقال رسول الله (ص) يا أم سلمة هذا والله قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين والمارقين من بعدي.

    وذكر الخوارزمي. في « الفائق » في باب قال. وقال : يعني النبي (ص) في ذكر بيان معجزاته ». قال. وقال : يعني النبي (ص) لعلي ستقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. فقاتل (ع) طلحة والزبير. بعدما نكثا بيعته ، وقاتل معاوية وأشياعه. وهم القاسطون ـ أي الظالمون وقاتل ـ الخوارج وهم المارقون ، هذا لفظ الخوارزمي.

    وذكر الخوارزمي أيضاً في « الفائق » من قصة ذي الثدية. الذي قتل مع الخوارج ، وقد رواها ( الحميدي ) في الحديث الرابع من المتفق عليه. من مسند ابي سعيد
    ٧

    الخدري. في حديث. ذي الثدية وأصحابه الذين قتلهم علي بن أبي طالب (ع) بالنهروان. قال. قال رسول الله (ص) تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق ، قال أبو سعيد الخدري. فاني أشهد اني سمعت هذا من رسول الله (ص) وأشهد أن علي بن ابي طالب (ع) قاتلهم وأنا معه. وأمر بذلك الرجل فالتمس فوجد فاتى به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله (ص) الذي نعت.

    وعن أبي ذر الغفاري ، بحذف سنده. قال. كنت مع رسول الله (ص) وهو في بقيع الغرقد (١) فقال والذي نفسي بيده ان فيكم رجلاً. يقاتل الناس على تأويل القرآن. كما قاتلت المشركين على تنزيله. وهم في ذلك يشهدون ـ ان لا إله إلا الله ـ وما يؤمن اكثرهم بالله. الا وهم مشركون. فيكبر قتلهم على الناس. حتى يطعنوا على ولي الله. ويسخطوا عمله كما سخط موسى بن عمران خرق السفينة. وقتل الغلام. واقامة الجدار. وكان خرق السفينة وقتل الغلام واقامة الجدار لله رضا وسخط موسى.

    وفي صحيح الترمذي. ان النبي (ص) قال يوم

    _________________

    (١) الغرقد ، شجر. والبقيع المدينة حتى اليوم.
    ٨

    الحديبية لسهل بن عمرو. وقد سأله رد جماعته. فروى ان النبي (ص) قال يا معشر قريش لتنتهوا او ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم على الدين امتحن الله قلبه بالإيمان فقالوا من هو يا رسول الله (ص)؟ قال : هو خاصف النعل ، وكان اعطى علياً يخصفها حينذاك.
    ٩
    ١٠

    ( بذرة الخوارج )

    عندما قتل عثمان (رض) بايع المسلمون علياً (ع) وهدأت القلاقل ـ بالمدينة. وهناك ظن الناس ان الفتن اطفأت نائرتها ورجع الحق إلى أهله. باسناد الخلافة الى « علي (ع).

    علي (ع) الذي عرف بصلابة ايمانه وقوة جنانه.

    علي (ع) الذي لا تأخذه في الله لومة لائم.

    اول الناس إسلاماً وتصديقاً بابن عمه رسول الله (ص) آمن بالله وصدق رسوله والناس عكف على أربابها. اللات والعزى وهبل يعبدونها.

    فكان علي (ع) يحامي عن رسول الله (ص) وينصره في مواقفه كلها حتى دانت قريش الطاغية لكلمة التوحيد. كلمة ـ لا إله الا الله.

    نعم ناضل علي (ع) المشركين ولم يتأخر عن غزوات
    ١١

    النبي (ص) الا غزوة واحدة. وأبلى فيها البلاء الحسن وكان الفتح في الحروب والوقائع يكون على يده ، ناضل المشركين وجاهدهم وهو لم يبلغ العشرين من عمره.

    ولقد وجده الرسول الأعظم. كفأً لسيدة النساء ـ فاطمة ـ فزوجه منها ، واختاره اخاً له دون المسلمين عندما أمر (ص) بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ، ونوه باسمه في حشد بعد حشد منادياً على رؤس الأشهاد من المهاجرين وأنصار ( على أقضاكم ) علي (ع) مني بمنزلة هرون من موسى إلى أنه لا نبي بعدي ، علي اخي ووزيري وقاضي ديني وخليفتي عليكم من بعدي.

    ويحدثنا التاريخ ما صدر منه (ص) في حجة الوداع. عندما قفل راجعاً الى المدينة. وانتهى به السير الى ـ غدير خم ـ فأمر الناس حينذاك بالكف عن السير. ونزل ونزل الناس مؤتمرين لأوامره على غير ماء وكلاء في بلقع من الأرض قاحلة ماحلة نبتها الصخور والحجر الصلد. غديرها لعاب الشمس ووهج الرمضاء.

    نزل الناس هناك. وصاروا يستظلون عن أشعة الشمس برواحلهم وربما كان الرجل منهم يجمع ثيابه تحت قدميه يقي بها حر الصفا اللاذعة.
    ١٢

    لماذا أمر النبي بحط الرحال في ذلك المحل ـ لأنه مفرق الطرق ولئلا يتفرق الحاج.

    صعد (ص) على الصخور والأحجار والاحداج التي أمر بجمعها وقام خطيباً وأمر الناس ان يبلغ الشاهد منهم الغائب. والناس كلهم آذان صاغية حتى انتهى في خطبته الى قوله (ص) أيها الناس ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم فصاحوا اللهم نعم. قال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وانصر من نصره واخذل من خذله وادر الحق معه حيث ما دار إلى آخر خطبته.

    نعم وعى المسلمون هذه الأحاديث من رسول الله (ص) وشهدوا مشاهده المعجبة ومواقفه الجليلة من تفانيه دون الدين وجهده العظيم ومنازلته الأقران من اليهود ومشركي قريش في عهد الرسالة ، وصبره وتسليمه بعد وفاة النبي (ص) لئلا ينكص الناس على الأعقاب وعقائد الجاهلية وعاداتها بعد راسخة في أذهانهم ، وهكذا شاهد المسلمون علياً (ع) ابن عم النبي (ص) حتى جاء اليوم الذي انثالوا عليه كعرف الضبع للبيعة ، وبايع المهاجرون والأنصار في ذلك اليوم بالمدينة علياً (ع) ولم يتخلف عن بيعته كما تخلف عن من قبله أحد.
    ١٣

    ظن المسلمون عندما بويع علي (ع) انهم تخلصوا من الفتن والأراجيف التي كانت من قبل ، ولكنهم ما كانوا يحلمون بأن طلحة والزبير ينكثا البيعة يوماً ما ، لحطام الدنيا الدنية ، ويثيراها حرباً دامية ـ بالبصرة ـ وكان النصر لعلي على اعدائه ، وهناك نعر معاوية بالشام معلناً حربه على خليفة المسلمين فكانت الواقعة بصفين اعظم منها بالبصرة ، وكاد معاوية أن يستسلم لعلي في صبيحة ليلة الهرير لولا مكيدة عمرو بن العاص ، وإشارته برفع المصاحف على الرماح ، ومن هناك بدأت الفتنة على ما ذكره المؤرخون فتنة ـ الخوارج ـ.

    وقعت الفتنة في جيش أهل العراق ، وذلك لسماع الهتافات من جيش الشام ـ لا حكم إلا لله ـ كلمة حق أريد بها باطلاً ، فانحازت وقتئذ طائفة من عسكر علي (ع) وهي تقول. جعلوا الكتاب حكماً بيننا وبينهم. وارتفعت أصواتهم يا علي أجب القوم إلى كتاب الله وهذه الطائفة كانت تضمر غير ما تظهره من قل على علي (ع) فظهر منها في هذا الموقف ما ظهر من الحقد والمروق ، أمثال الأشعث بن قيس ، وحرقوص الخارجي ونظائرهما ممن اندس في جيش علي (ع) حتى اجبروا خليفتهم على المهادنة وإجابة القوم ـ إلى حكم الكتاب ـ فكأنهم لم يقرؤا
    ١٤

    قوله تعالى : ( اطيعوا الله والرسول وأولوا الأمر منكم ) فمن ذلك اليوم بدأت فتنة الخوارج كما ذكر المؤرخون.

    ولكنا لو أمعنا النظر لرأينا فتنة الخوارج لم تكن وليدة صفين بل كانت نواة هذه الطائفة من عهد النبي الأعظم.

    نعم البدزة كانت من عهد النبي ومن اليوم الذي عارض ذلك الرجل رسول الله (ص) بقوله ( اعدل يا رسول الله ) من هو ذلك الرجل يا ترى؟ هو حرقوص بن زهير التميمي ـذو الخويصرة (١).

    ذكر ارباب التاريخ أن النبي (ص) لما رجع من الجعرانة ، بعد أن فرغ من غزوة حنين. صار يقسم الغنائم. فآثر نفراً تألفاً لقلوبهم في الإسلام. فصاح به الرجل ـ اعدل يا رسول الله ـ فقال (ص) : ( ويحك ومن يعدل إذا لم اعدل ). ثم التفت النبي (ص) الى اصحابه وقال : ( انه يخرج من ضئضىء هذا قوم يتلون كتاب الله رطباً لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية وآيتهم رجل احدى يديه كثدي المرأة ) فقام اليه عمر بن الخطاب (رض) وقال : يا رسول الله اقتله؟ فقال (ص) دعه فان له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع

    __________________

    (١) هو الذي صار اماماً للخوارج يأتمون به في الصلوات.
    ١٥

    صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم. يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية انه سيقتلهم (١) قتل عادان أدركهم ) فكأن كلمة هذا الرجل صارت بذرة يسقيها النفاق وينميها الحقد والشغب على النبي وآله ، حتى كانت من جرائها واقعة النهروان. والحروب التي من بعدها والفتن والأراجيف بين عامة المسلمين.

    _________________

    (١) الضمير في يقتلهم يرجع إلى علي (ع) وإنما لم ينوه النبي باسم علي (ع) لمصلحة هناك يعرفها ، وكل هذه الأحاديث التي تكلم بها فهي من مغيباته (ص).
    ١٦

    ( الخوارج وأسماؤهم )

    « الخوراج » اسم يشمل جميع فرقهم. وانما سموا ـ بالخوارج ـ لأنهم خرجوا عن الدين. وعلى خليفتهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

    « المحمة » عرفوا ـ بالمحكمة. لأنهم نادوا يوم صفين لا حكم إلا لله ، وهي كلمة حق يراد بها باطل.

    « الحرورية ». سموا بهذا الإسم لأنهم خرجوا الى حرورآء قرية من قرى الكوفة واجتمعوا فيها وأظهروا العداء لعلي بن ابي طالب (ع).

    « المارقة سماهم بهذا الاسم ـ رسول الله (ص) عندما قال (ص) لعمر بن الخطاب ( انهم يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية ) وقوله ( ص) لعلي (ع) يا علي. ( انك ستقاتل الناكثين. والقاسطين. والمارقين ) وهم ـ الخوارج ـ.
    ١٧

    « أصحاب جباه السود ». سماهم بهذا الإسم ـ مالك الأشتر النخعي (رض) وذلك لما رفع أهل الشام المصاحف ، وخالفوا أمر الإمام علي (ع) وأجبروه على وضع الحرب وكف القتال ، فرجع مالك من ساحة الوغى ورأى اجتماعهم على علي (ع) فخاطبهم آنذاك ـ يا أهل جباه السود.

    « المخدوعين » عرفوا بهذا الاسم لأنهم انخدعوا برفع المصاحف في صفين. صبيحة ليلة الهرير.

    « النروانية ». سموا بالنهروانية. لأنهم خرجوا من الكوفة وقصدوا النهروان وحاربوا علياً (ع) هناك فنصره الله عليهم وما نجا منهم إلا تسعة أنفار وهلك الباقون فكانت مصارعهم على ذلك النهر. وهناك تجد اسماء لهم في كتابنا هذا غير ما ذكرناه. حدثت بتطورات حوادثهم ، وأهوائهم. حيث تشعبوا شعباً وتفرقوا فرقاً وكل طائفة منهم كانت تنشق الى طائفتين أو أكثر فتكفر الثانية الأولى وتتسمى باسم رئيسها أو لقبه.
    ١٨

    ( الفتنة ورفع المصاحف )

    ان اعظم ساعة مرت على معاوية بن ابي سفيان. هي الساعة التي ضاق به الخناق. وكادت روحه أن تفارق جسده. وذلك لإنكسار جيشه بصفين صبيحة ليلة الهرير ، وطلوع فجر النصر على جيش علي (ع) جيش العراق فالتفت عندئذ الى عمرو بن العاص قائلاً له وهو في رعدة واضطراب أنفر أم نستأمن؟ فقال ابن العاص أؤمر برفع المصاحف ، فان قبلوا حكم القرآن أوقفنا الحرب. ورافعنا بهم الى أجل. وان أبى بعضهم إلا القتال الحرب. ورافعنا بهم الى أجل. وان أبى بعضهم إلا القتال فللنا شوكتهم ووقعت الفرقة بينهم. فصوب معاوية هذا الرأي وأمر برفع المصاحف فرفعت على أطراف الرماح.

    ذكر نصر بن مزاحم عن جابر. قال سمعت تميم بن جذيم يقول : لما أصبحنا من ليلة الهرير. نظرنا فاذا أشباه الرايات أمام صف أهل الشام وسط الفيلق من حيال معاوية ، فلما أسفرنا فاذا هي المصاحف قد ربطت على أطراف
    ١٩

    الرماح ، وهي عظام مصاحف العسكر ، وقد شدوا ثلاثة أرماح جميعاً. وقد رطوا عليها مصحف المسجد الأعظم يمسكه عشر رهط.

    قال ابو جعفر وأبو الطفيل. استقبلوا علياً بمائة مصحف ، ووضعوا في كل مجنبة مأتي مصحف. وكان جميعها خمسمائة مصحف. قال : ابو جعفر. ثم قام الطفيل بن أدهم حيال على (ع) وقام أبو شريح الجذامي حيال الميمنة. وقام ورقاء بن معمر حيال الميسرة. ثم نادوا يامعشر العرب الله الله في نسائكم وبناتكم. فمن للروم والأتراك. وأهل فارس غداً إذا فنيتم. الله الله في دينكم. هذا كتاب الله بيننا وبينكم. فقال علي (ع) : اللهم انك تعلم انهم ما لكتاب يريدون. فاحكم بيننا وبينهم انك انت الحكيم الحق المبين. قال فاختلف أصحاب علي في الرأي ،فطائفة قالت القتال وطائفة قالت المحاكمة الى الكتاب ، ولا يحل لنا الحرب وقد دعينا الى حكم الكتاب : فعند ذلك بطلت الحرب ووضعت اوزارها ، وذكر نصر انهم رفعوا المصاحف على رؤوس الرماح وقلدوها الخيل. ورفع مصحف دمشق الأعظم تحمّله عشرة رجال على رؤوس الرماح ، ونادوا : يا أهل العراق كتاب الله بيننا وبينكم.

    وأقبل أبو الأعور السلمي على برذون له أبيض. وقد
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    وقعة النهروان او الخوارج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة النهروان او الخوارج   وقعة النهروان او الخوارج Emptyالسبت أكتوبر 19, 2024 4:34 pm



    وضع المصحف على رأسه ينادي : يا أهل العراق كتاب الله بيننا وبينكم.

    ومن ثم وقعت الفتنة بين أصحاب علي (ع) : وشك فريق من أصحابه ولجؤا الى المسالمة. ودعوه اليها ـ وهم أصحاب جباه السود ـ فقال لهم علي (ع) ويلكم ان هذه خديعة. وما يريد القوم القرآن لأنهم ليسوا بأهل القرآن فاتقوا الله وامضوا على بصائركم في قتالهم. فان لم تفعلوا تفرقت بكم السبل وندمتم حيث لا تنفعكم الندامة.

    قال : وحضر عند علي (ع) مسعر بن فدكي. وزيد بن حصين الطائي والأشعث بن قيس الكندي. فقالوا له أجب القوم إلى كتاب الله فقال أمير المؤمنين (ع) ويحكم والله انهم ما رفعوا المصاحف الا خديعة ومكيدة حين علوتموهم. فأجابه خالد بن معمر السدوسي قائلاً : يا أمير المؤمنين احب الأمور الينا ما كفينا مؤنته. وابتدر رفاعة بن شداد البجلي قائلاً :

    وان حكموا بالعدل كانت سلامة




    والا اثرناها بيوم قماطر

    واجتمع حول علي (ع) عشرون ألف رجل. ينادون يا علي. اجب الى كتاب الله اذا دعيت وإلا دفعناك برمتك الى القوم ، أو نفعل بك ما فعلنا بعثمان ، فقال (ع)
    ٢١

    فاحفظوا عني مقالتي فاني آمركم بالقتال. فان تعصوني فافعلوا ما بدأ لكم ، قالو فابعث إلى الأشتر ليأتيك ، فبعث يزيد بن هاني السبعي يدعوه. فقال الأشتر قد رجوت أن يفتح الله لا تعجلني. وشدد مالك في القتال فقالوا حرضه في الحرب ، فابعث اليه بعزيمتك ليأتيك والا والله اعتزلناك ، قال يا يزيد عد إليه. وقل له اقبل الينا ، فان الفتنة قد وقعّت. فاقبل الأشتر عليهم يقول. لأهل العراق يا أهل الذل والوهن : أحين علوتم القوم. وعلموا انكم قاهرون رفعوا لكم المصاحف خديعة ومكراً. فقالوا قاتلناهم في الله. فقال : امهلوني ساعة احسست بالفتح وايقنت بالظفر. قالوا لا. قال : امهلوني عدوة فرسي. قالوا : انا لسنا نطيعك ولا لصاحبك. ونحن نرى المصاحف على رؤوس الرماح تدعي اليها. فقال خدعتم والله فانخدعتم. ودعيتم الى وضع الحرب فأجبتم ، فقال جماعة من بكر بن وائل. فقالوا يا أمير المؤمنين (ع) ان أجبت القوم أجبنا وان أبيت أبينا فقال : نحن احق من أجاب الى كتاب الله. وان معاوية وعمرو بن العاص. وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة. وابن أبي سرح. والضحاك بن قيس ليسوا بأصحاب دين وقرآن. أنا أعرف بهم منكم قد صحبتهم أطفالاً ورجالاً فهم شر أطفال ورجال (١).

    __________________

    (١) مروج الذهب ج ٢ (ص) ٢٧ طبع دار الرجاء.
    ٢٢

    قال نصر. وأقبل عدي بن حاتم. فقال يا أمير المؤمنين (ع) ان كان أهل الباطل لا يقومون بأهل الحق فانه لم يصب عصبة منا الا وقد أصيب مثلها منهم ، وكل مقروح. ولكنا أمثل بقية منهم. وقد جزع القوم وليس بعد الجزع إلا ما تحب فناجز القوم : وقام مالك الأشتر النخعي (رض) فقال يا أمير المؤمنين (ع) إن معاوية لأخلف له من رجاله. ولك بحمد الله الخلف. ولو كان مثل رجالك لم يكن مثل صبرك ولا بصرك فأقرع الحديد بالحديد واستعن بالله الحميد.

    وقام عمرو بن الحمق الخزاعي. فقال يا أمير المؤمنين (ع) انا والله ما أجبناك. ولا نصرناك عصبية على الباطن. ولا أجبنا إلا الله عزّ وجلّ ، ولا طلبنا إلا الحقّ : ولا دعانا غيرك إلى ما دعوت إليه لاستشرى (١) فيه اللجاج. وطالت فيه النجوى. وقد بلغ الحق مقطعه. وليس لنا معك رأى.

    قال : فقال الأشعث بن قيس مغضباً. فقال يا أمير المؤمينين (ع) أنالك اليوم على ما كنا عليه بالأمس. وليس آخر أمرنا كأوله ، وما من القوم أحد احنى على أهل

    __________________

    (١) استشرى. اي اشتد وقوي.
    ٢٣

    العراق ولا اوتر لأهل الشام مني. فأجب القوم إلى كتاب الله. فانك أحق به منهم ، وقد أحب الناس البقاء وكرهوا القتال. فقال علي (ع) ان هذا أمر ينظر فيه ، وسمع من أهل الشام صائح يصيح :

    رؤوس العراق اجيبوا الدعاء




    فقد بلغت غاية الشدة

    وقد أودت الحرب بالعالمين




    واهل الحفائظ والنجده

    فلسنا ولستم من المشركين




    ولا المجمعين على الردة

    ولكن اناس لقوا مثلهم




    لنا عدة ولهم عده

    فقاتل كل على وجهه




    يقحمه الجد والحده

    فان تقبلوها ففيها البقا




    ء وامن الفريقين والبلدة

    وان تدفعوها ففيها الفناء




    وكل بلاء الى مده

    وحتى متى مخض هذا السقاء




    ولابدان يخرج الزبده

    ثلاثة رهط هم أهلها




    وان يسكنوا تخمد الوقده

    سعيد بن قيس وكبش العرا




    ق وذاك المسود من كنده (٢)

    قال : وتداعى الناس على علي (ص) وكثر الصياح ، فلا نسمع إلا النداء من أصحابه أكلتنا الحرب وقتلت

    __________________

    (٢) أراد الشاعر : بالثلاثة هم الأشعث فانه لم يرض بالسكوت. بل كان اعظم الناس قولا في اطفاء الحرب والركون الى الموادعة وكبش العراق هو الأشتر فلم يكن يرى الا الحرب ولكنه سكت على مضض ، وسعيد بن قيس فتارة هكذا وتارة هكذا.
    ٢٤

    الرجال (١) : الا نفر يسير ينادون نقاتل القوم على ما قاتلناهم عليه بالأمس. ثم رجعوا عن قولهم مع الجماعة (٢) وثارت الجماعة بالموادعة ، قال فقام علي (ع) وقال : أنه لم يزل امري معكم على ما أحب الي ان أخذت منكم الحرب وقد والله أخذت منكم وتركت ، وأخذت من عدوكم فلم تترك. وانهافيهم أنكى وانهك. الا اني كنت أمس أمير المؤمنين فأصبحت اليوم مأموراً. وكنت ناهياً فأصبحت منهياً. وقد احببتم البقاء وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون » ثم جلس (ع) وكثر اللغط بين أصحابه ، تهددوه ان يصنع به ما صنع بعثمان (ع) وكثر الهرج والمرج حتى أسفر هذا كله عن الرضا والتحاكم الى كتاب الله من العسكرين.

    قال وسأل مصعب ابن الزبير ابراهيم بن الأشتر. حين دخل عليه عن الحال فقال كنت عند علي حين بعث الى الأشترياتية. وقد كان أشرف على معسكر معوية ليدخله. فأرسل اليه يزيد بن هاني أن أئتني. فأتاه وبلغه. فقال الأشتر. ائته فقل له ليس هذه بالساعة التي ينبغي لك أن

    __________________

    (١) نصر بن مزاحم ص ٥٥٢ طبع مصر.

    (٢) مروج الذهب ج ٢ ، ص ٢٧٢ طبع دار الرجاء.
    ٢٥

    تزيلني فيها عن موقفي. اني قد رجوت الله أن يفتح لي فلا تعجلني. فرجع يزيد بن هاني الى علي وأخبره فما هو إلا أن انتهى الينا. حتى ارتفع الرهج وعلت الأصوات من قبل الأشتر. وظهرت دلائل الفتح والنصر لأهل العراق ، ودلائل الخذلان والأدبار على أهل الشام ، فقال له القوم. والله ما نراك الا أمرته بقتال القوم. فقال ارأيتموني ساررت رسولي؟ أليس اني كلمته على رؤسكم علانية وانتم تسمعون. قالوا : فابعث اليه فليأتك. والا فوالله اعتزلناك. قال : ويحك يا يزيد قل له أقبل الي. فان الفتنة قد وقعت فأتاه وأخبره فقال : الأشتر. الرفع هذه المصاحف؟ قال نعم. قال اما والله لقد ظننت أنها حين رفعت ستوقع اختلافاً وفرقة. انها من مشورة ابن النابغة ـ يعني عمرو بن العاص ـ قال : ثم قال ليزيد ( ويحك ) ألا ترى الى الفتح. الا ترى الى ما يؤلون. الا ترى الى الذي يصنع الله لنا ، أينبغي أن ندع هذا وننصرف عنه؟ فقال له يزيد. أتحب أنك ظفرت ها هنا. وان أمير المؤمنين (ع) بمكانه الذي هو به يفرج عنه ويسلم الى عدوه؟ فقال سبحان الله (لا) والله ما احب ذالك. قال فانهم قالوا. لترسلن الى الأشتر فليأتيك أو لنقتلنك بأسيافنا. كما قتلنا عثمان ، أو لنسلمنك الى عدوك. قال. فاقبل الأشتر حتى انتهى اليهم فصاح : يا أهل الذل والوهن ، أحين علوتم
    ٢٦

    القوم فظنوا انكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف يدعونكم الى ما فيها ، وقد والله تركوا ما امر الله به فيها. وسنة من انزلت عليه. فلا تجيبوهم امهلوني فواقا فاني قد أحسست بالفتح. قالوا لا. قال : فامهلوني عدوة الفرس. فاني قد طمعت في النصر. قالوا : اذن ندخل معك في خطيئتك قال : فحدثوني عنكم. وقد قتل اماثلكم وبقي اراذلكم.

    متى كنتم محقين احين كنتم تقتلون أهل الشام. فانتم الآن حين امسكتم عن القتال مبطلون. ام انتم الآن ( في مساككم عن القتال ) محقون؟ فقتلاكم اذن الذي لا تنكرون فضلهم وكانوا خيراً منكم في النار ، قالوادعنا منك يا اشتر. قاتلناهم في الله وندع قتالهم في الله. انا لسنا نطيعك فاجتنبنا. قال : خدعتم والله فانخدعتم ، ودعيتم الى وضع الحرب فأجبتم. يا أصحاب الجباه السود كنا نظن ان صلاتكم زهادة في الدنيا وشوق إلى لقاء الله. فلا أرى فراركم الا الى الدنيا من الموت. ألا فقبحاً لكم يا أشباه النيب الجلالة ما أنتم برائين بعدها عزاً ابداً. فابعدوا كما بعد القوم الظالمون ، قال فسبوه وسبهم ، وضرب بسوطه وجوه دوابهم. فصاح بهم على (ع) فكفوا. وقال : الأشتر يا أمير المؤمنين (ع) احمل الصف يصرع القوم. فتصايحوا. ان أمير المؤمنين قد قبل
    ٢٧

    الحكومة. ورضي بحكم القرآن هذا وعلي ساكت لا ينبس بكلمة مطرق الى الأرض (١).

    وجاء الأشعث بن قيس الى علي (ع) وقال : يا أمير المؤمنين (ع) ما أرى الناس الا وقد رضوا وسرهم ان يجيبوا القوم الى ما دعوهم اليه من حكم القرآن. قان شئت أتيت معوية فسألته ما يريد. نظرت ما الذي يسأل فقال (ع) ائته ان شئت. فأتاه فسأله. فقال : يا معوية لأي شيء رفعتم هذه المصاحف؟ قال : لنرجع نحن وأنتم الى ما أمر الله في كتابه فابعثوا منكم رجلاً ترضون به. ونبعث منا رجلاً ، ثم نأخذ عليهما ان يعملا بما في كتاب الله ولا يعدوانه ثم نتبع ما اتفقا عليه. فقال. الأشعث هذا هو الحق ، فانصرف الى علي وأخبره بالذي قال ، وقال الناس قد رضينا. وقبلنا. فبعث علي (ع) قراءاً من أهل العراق.

    وبعث معاوية قراءاً من أهل الشام ، فاجتمعوا بين الصفين ومعهم المصحف فنظروا فيه وتدارسوه. واجمعوا على أن يحيوا ما أحيا القرآن ، وأن يميتوا ما أمات القرآن.

    __________________

    (١) نصر بن مزاحم ص ٥٦٢ وص ٥٦٣ ، طبع مصر.
    ٢٨

    ثم رجع كل فريق الى أصحابه ، وقال الناس. قد رضينا بحكم القرآن. فقال أهل الشام. فأنا قد رضينا واخترنا عمرو بن العاص. وقال الأشعث والقرآء ـ الذين صاروا خوارج فيما بعد ـ فانا قد رضينا واخترنا أبا موسى الاشعري. فقال لهم علي (ع) اني لا أرضى بأبي موسى ولا أرى ان أوليه. فقال الأشعث. وزيد بن حصين ، ومسعر بن فدكي. في عصابة من القرآء. انا لا نرضى الا به ، فانه قد حذرنا ما وقعنا فيه (٢) قال (ع) فانه ليس لي برضاً. وقد فارقني وخذل الناس عني ثم هرب حتى أمنته بعد أشهر. ولكن هذا ابن عباس أوليه ذلك ، قالوا والله لا نبالي أكنت أنت او ابن عباس ، ولا نريد الا رجلاً هو منك ومن معاوية سواء. ليس الى واحد منكما بادني من الآخر. قال علي (ع) فاني اجعل الأشتر. فقال الأشعث وهل سعر

    __________________

    (٢) كان ابو موسى يحدث قبل وقعة صفين ويقول : ان الفتن لم تزل في بني اسرائيل ترفعهم وتخفضهم. حتى بعثوا الحكمين يحكمان بما لا يرضى به من اتبعهما ، فقال سويد بن علقمة. إياك ان أدركت ذلك الزمان ان تكون أحد الحكمين. قال : انا؟. قال نعم انت. فكان يخلع قميصه ويقول : لا جعل الله لي اذا في السماء مصعداً ولا في الأرض مقعداً ، فلقيه سويد بن علقمة بعد ذلك. فقال : يا أبا موسى اتذكر مقالتك؟. قال : سل ربك العافية.
    ٢٩

    الأرض علينا غير الأشتر. وهل نحن الا في حكم الأشتر. فقال علي (ع) وما حكمه قال. حكمه أن يضرب بعضنا بعضاً بالسيوف حتى يكون ما أردت وما أراد. فأجابه علي (ع) ان معاوية لم يكن ليضع لهذا الأمر أحداً هو أوثق برأيه. ونظره من عمرو بن العاص. وانه لا يصلح للقرشي الا مثله ، فعليكم بعبدالله بن عباس فارموه به. فان عمرو ألا يعقد عقدة الا حلها عبدالله. ولا يحل عقدة الا عقدها ولا يبرم امرأ الا نقضه. ولا ينقض امرأ الا أبرمه فقال الأشعث. لا والله لا يحكم فيها مضريان حتى تقوم الساعة ، ولكن اجعله رجلاً من أهل اليمن. اذ جعلوا من مضر. فقال علي اني أخاف أن يخدع يمنيكم (١) فان عمرواً ليس من الله في شيء اذا كان له في أمر هوى. فقال الأشعث. والله لأن يحكما ببعض ما نكره. وأحدهما من أهل اليمن. أحب الينا من أن يكون بعض ما نحب في حكمهما وهما مضريان ، فقال علي (ع) فالأحنف بن قيس التميمي فقالوا لا يكون الا أبا موسى. فقال (ع) قد أبيتم الا أبا موسى؟ قالوا نعم. قال فاصنعوا ما أردتم.

    قال : نصر وقال علي (ع) للحكمين حين أكره على

    __________________

    (١) هذه الكلمة وأمثالها من مغيباته (ع).
    ٣٠

    امرهما ، على أن تحكما بما في كتاب الله ، وكتاب الله كله لي ، فان لم تحكما بما في كتاب الله فلا حكم لكما ، وصيروا الأجل الى شهر رمضان. على أن يجتمع الحكمان في موضع بين الكوفة والشام.

    وقيل اتعد الحكمان اذرح (١) وأن يجىء علي (ع) باربعماءة من أصحابه ، ويجىء معوية بأربعمائة من أصحابه ، فكتبت صحيفتهم بذلك.

    قال وجاء الاشعث بالصحيفة يقرؤها على الناس فرحاً مسروراً. حتى انتهى الى مجلس لبني تميم فيه جماعة من زعمائهم. منهم عروة بن الزبير التميمي ، وهو أخو مرداس الخارجي. فقرأ عليهم. فجرى بين الاشعث وبين أناس منهم كلام طويل. وأن الاشعث كان بدء هذا الأمر. والمانع لهم من قتال عدوهم حتى يفيئوا الى أمر الله ، وقال عروة ابن أدية. أتحكمون في دين الله وأمره ونهيه الرجال؟ لا حكم إلا لله ، فكان أول من قالها وحكم بها ، وقد تنوزع في ذلك ، وشد بسيفه على الأشعث فضم فرسه من الضربة فوقعت في عجز الفرس. ونجا الأشعث ، وكادت العصبية

    __________________

    (١) أذرح. بفتح أوله وسكون الذال المعجمة وضم الرآء ، بلاد في أطراف الشام مجاور لأرض الحجاز.
    ٣١

    أن تقع بين النزارية واليمانية ، لولا اختلاف كلمتهم في الديانة والتحكيم. وارتجل صالح بن شقيق ، وكان من رؤساء مراد فقال :

    ما لعلي في الدماء قد حكم




    لو قاتل الأحزاب يوماً لظلم

    وصاح ، لا حكم إلا لله ولو كره المشركون ، وصاح قومه بمثل ما صاح به ، ونادى فتيان من غزة ، لا حكم إلا لله ، وكان عددهم أربعة آلاف مجفف (٢) وخرج منهم فتيان. وحملاً على أهل الشام بسيفيهما. فقاتلا حتى قتلا على باب رواق معاوية ، وأسماهما. معدان وجعد. وهما اخوان. وصاحب تميم ـ لا حكم إلا لله يقضي بالحق وهوخير الفاصلين ، وصاحت بنور اسب. لا حكم إلا لله ـ لا نرضى ولا نحكم الرجال في دين الله.

    قال : وكثر اللغط. وتباغض القوم جميعاً. وصار يبرأ الأخ من أخيه والابن من أبيه ، وأمر علي (ع) بالرحيل لما رأى الحال هذه ، وتفاوت الرأي وعدم النظام لأمورهم. وما لحقه من الخلاف منهم ، وكثرة التحكيم في جيش أهل العراق ، وتضارب القوم وبالمقارع ونعال السيوف

    __________________

    (٢) هو الذي لبس التجفاف ، وهو ما يجلل به الفرس من سلاح وآلة تقية الجراحة.
    ٣٢

    وتساببهم. ولام كل منهم الآخر في رأيه. وصاح جماعة الحكم لله يا علي لا لك. لا نرضى بأن تحكم الرجال في دين الله أن الله قد امضى حكمه في معوية وأصحابه ان يقتلوا أو يدخلوا في حكمنا عليهم ، وقد كانت منازلة حين رضينا بالحكمين. فرجعنا عليهم ، وقد كانت منازلة حين رضينا بالحكمين. فرجعنا وتبنا فارجع انت يا علي كما رجعنا. وتب إلى الله كاتبنا وإلا برئنا منك. فقال (ع) ويحكم أبعد الرضا والميثاق والعهد نرجع. أوليس الله تعالى قال : ( اوفوا بالعهود ) وقال : ( واوفوا بعهد الله اذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً ان الله يعلم ما تفعلون ) (١) فأبى على أن يرجع وأبت الخوارج الا تضليل التحكيم والطعن فيه. وبرأت من علي (ع) وبرىء منهم.

    __________________

    (١) سورة المائدة.
    ٣٣
    ٣٤

    ( المكاتبة )

    لما وقع اختيار معوية على عمرو بن العاص ، ورضي أهل العراق بأبي موسى أخذ وافي تنظيم الكتاب فكتب.

    هذا ما تقاضى عليه ( علي أمير المؤمنين (ع) ) فقال معاوية بئس الرجل انا ان أقررت انه أمير المؤمنين. ثم قاتلته. وقال عمرو : للكاتب اكتب اسمه واسم ابيه. انما هو أميركم. وأما أميرنا فلا. فلما أعيد اليه الكتاب أمر بمحوه. وقال : لا إله إلا الله والله أكبر سنته بسنة. أما والله لعلى يدي دار هذا الأمر يوم الحديبية. حين كتب الكتاب عن رسول الله (ص) ( هذا ما صالح عليه محمد رسول الله (ص) وسهيل بن عمرو ) فقال : سهيل لا أجيبك الى كتاب تسمى فيه رسول الله (ص) ولو أعلم أنك رسول الله لم أقاتلك ، اني أذن ظلمتك أن منعتك أن تطوت ببيت الله وأنت رسول الله (ص) ولكن أكتب ( محمد بن
    ٣٥

    عبدالله ) اجبك. فقال (ص) يا علي اني لرسول الله ، واني لمحمد بن عبدالله ، ولم يمحو عني الرسالة كتابي عليهم من محمد بن عبدالله ، فاكتب : محمد بن عبدالله (ص) فراجعني المشركون في هذا الى مدة. فاليوم اكتبها الى ابنائهم. كما كتبها رسول الله (ص) الى آبائهم سنة ومثلاً ، فقال عمرو بن العاص سبحان الله ومثل هذا شبهتنا بالكفار ونحن مؤمنون؟ فقال له علي (ع) يا بن النابغة. ومتى لم تكن للكافرين ولياً وللمسلمين عدواً. وهل تشبه إلا أمك التي وضعت بك. فقام عمرو. وقال : والله لا يجمع بيني وبينك مجلس ابداً بعد هذا اليوم. فقال علي (ع) والله اني لأرجو أن يظهر الله عليك وعلى أصحابك. قال : وجاءت عصابة قد وضعوا سيوفهم على عواتقهم. فقالوا : يا أمير المؤمنين. مرنا بما شئت. فقال لهم ابن حنيف. أيها الناس اتهموا اراءكم فوالله لقد كنا مع رسول الله (ص) يوم الحديبية. ولو نرى قتالاً لقاتلنا. وذلك في الصلح الذي صالح عليه النبي (ص) قال : ودعا على الأشتر ليكتب. فقال قائل اكتب بينك وبين معاوية. قال (ع) اني والله لا أكتب الكتاب بيدي يوم الحديبية. وكتبت ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فقال سهيل : لا أرضى. اكتب ( باسمك اللهم ) فكتبت : ( هذا
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    وقعة النهروان او الخوارج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة النهروان او الخوارج   وقعة النهروان او الخوارج Emptyالسبت أكتوبر 19, 2024 4:36 pm



    ما صالح عليه محمد رسول الله (ص) وسهيل بن عمرو ) فقال : لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك. قال علي : فغضبت. فقلت بلى والله انه لرسول الله وان رغم أنفك. فقال رسول الله (ص) اكتب ما يأمرك. ان لك مثلها. ستعطيها وأنت مضطهد.

    قال : نصر. وقيل لعلي حين أراد أن يكتب الكتاب بينه وبين معاوية. وأهل الشام. أتقر أنهم مؤمنون مسلمون؟ فقال علي (ع) ما أقر لمعاوية وأصحابه انهم مؤمنون ولا مسلمون ، ولكن يكتب معوية بما شاء ويقرء بما شاء لنفسه وأصحابه. ويسمى نفسه وأصحابه ما شاء فكتبوا.
    ٣٧

    ( صورة الكتاب )

    بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما تقاضى عليه على بن ابي طالب ومعاوية بن ابي سفيان. قاضي علي بن ابي طالب على أهل العراق ومن كان من شيعته من المؤمنين والمسلمين : وقاضي معاوية بن ابي سفيان على أهل الشام ومن كان معه من شيعته من المؤمنين والمسلمين. انا ننزل عند حكم الله وكتابه ولا يجمع بيننا إلا اياه. وان كتاب الله بيننا وبينكم من فاتحته الى خاتمته ، نحي ما احيا القرآن ونميت ما أمات القرآن. فما وجد الحكمان في كتاب الله بيننا وبينكم فانهما يتبعانه. وما لم يجداه في كتاب الله اخذا بالنسة العادلة الجامعة غير المفرقة. والحمان عبدالله بن قيس. وعمرو بن العاص. وأخذنا عليهما عهد الله وميثاقه ليقضيا بما وجداً في كتابالله فالسنة الجامعة غير المفرقة.

    وأخذ الحكمان من علي ومعاوية ومن الجندين : مما هما
    ٣٨

    عليه من أمر الناس بما يرضيان به من العهد والميثاق والثقة من الناس. انهما آمنان على أموالهما وأهليهما. والأمة لهما انصار علي الذي يقضيان به عليهما وعلى المؤمنين والمسلمين من الطائفتين كلتيهما عهد الله انا على ما في هذه الصحيفة ولنقر من عليه. وأنا عليه لانصار وانهما قد وجبت القضية بين المؤمنين بالأمن والاستقامة ووضع السلاح. اينما ساروا على أنفسهم وأموالهم وأهليهم وأرضيهم وشاهدهم وغائبهم. وعلى عبدالله بن قيس وعمرو بن العاص عهد الله وميثاقه ليحكمان بين الأمة بالحق. ولا يردانها في فرقة ولا بحرب حتى يقضيا ، أجل القضية الى شهر رمضان فان احبا أن يعجلا عجلا. وان توفي واحد من الحكمين فان أمير شيعته يختار مكانه رجلاً لا يألو عن المعدلة والقسط. وأن ميعاد قضائهما الذي يقضيان فيه مكان عدل بين أهل الشام وأهل الكوفة. فان رضيا مكاناً غيره فحيث رضيا لا يحضرهما فيه إلا من أراد. وأن يأخذ الحكمان من شاءاً من الشهود. ثم يكتبوا شهادتهم على ما في الصحيفة. ونحن برآء من حكم بغير ما أنزل الله ، الله انا نستعينك على من ترك ما في هذه الصحيفة أو أراد فيها الحاداً وظلماً.
    ٣٩

    ( شهود الكتاب )

    عبدالله بن عباس. الأشعث بن قيس. سعيد بن قيس. ورقاء بن سمى عبدالله بن الطفيل. حجر بن يزيد. عبدالله بن جمل. عقبة بن جارية. يزيد بن حجية. ابو الأعور السلمي. حبيب بن مسلمة. المخارق بن الحارث. زمل بن عمر. حمزة بن مالك. عبد الرحمن بن خالد. سبيع بن الحر ، كتبه. عميرة. يوم الأربعاء لثلاث عشرة بقيت من صفر سنة سبع وثلاثين ، وذكر نصر بن مزاحم بحذف السند. عن عمارة بن ربيعة الجرمي. قال. لما كتبت الصحيفة. دعي لها الأشتر فقال : لا صحبتني يميني ولا نفعتني بعدها شمالي ان كتب ولي في هذه الصحيفة اسم على صلح معاوية ولا موادعة اولست على بينة من ربي ويقين من ضلالة عدوي ألستم قد رأيتم الظفر ان لم تجمعوا على الخور؟؟ فقال له رجل من الناس انك
    ٤٠

    والله ما رأيت ظفراً ولا خوراً ، هلم فاشهد على نفسك. واقرر بما كتب في هذه الصحيفة. فانه لا رغبة بك عن الناس قال بلى والله ان بي لرقبة عنك في الدنيا ، وفي الآخرة. ولقد سفك الله بسيفي هذا دماء رجال ما أنت بخير منهم عندي ولا احرم دماً قال عمار بن ربيعة. فنظرت الى ذالك الرجل وكأنما قصع على أنفه الحمم (١) وهو الأشعث بن قيس. ثم قال : ولكن قد رضيت بما صنع علي أمير المؤمنين (ع) ودخلت فيما دخل ، فيه ، وخرجت مما خرج منه فانه لا يدخل الا في هدى وصواب.

    ( التقاء الحكمين )

    كان التقاء الحكمين. بدومة الجندل. وقيل بغيرها ، في سنة ثمان وثلاثين ، وكان قد بعث علي (ع) بعبدالله بن العباس وشريح بن هاني الهمداني. في أربعماءة رجل فيهم أبو موسى الأشعري. وبعث معوية بعمرو بن العاص. ومعه شرحبيل بن الصمة. في أربعماءة. واجتمع الكل في صعيد واحد.

    __________________

    (١) القصع : الضرب والدلك. والحمم. الرماد والفحم. وكل ما احترق من النار واحدته حمة.
    ٤١

    ( وصية ابن عباس لأبي موسى )

    ذكر المسعودي. قال : ابن عباس لأبي موسى. ان الناس أبوا غيرك. واني لأظن ذلك لشرير أدبهم. وقد ضم داهية العرب معك. ان نسيت فلا تنس ان علياً بايعه الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان. وليس فيه خصلة تباعده من الخلافة ، وليس في معوية خصلة تقربه من الخلافة (٢).

    ( معوية يوصي عمرو بن العاص )

    ذكر المسعودي. قال : وصى معوية عمرواً حين فارقه. وهو يريد الاجتماع بأبي موسى. فقال : يا عبدالله ، ان أهل العراق قد أكرهوا علياً على أبي موسى. وأنا وأهل الشام راضون بك. وقد ضم اليك رجل طويل اللسان قصير الرأي. فخذ الجد ، وطبق المفصل. ولا تلقه بأريك كله.

    __________________

    (٢) مروج الذهب ج ٢ ص ٢٧٦.
    ٤٢

    ( أوان المكر والخديعة )

    عندما التقى الحكمان. ابو موسى الأشعري. وعمرو بن العاص. قال : عمرو لأبي موسى تكلم وقل خيراً فقال أبو موسى. بل تكلم أنت يا عمرو. فقال عمرو. ما كنت لأفعل وأقدم نفسي قبلك ولك حقوق كلها واجبة. لسنك وصحبتك رسول الله (ص) وانت ضيف. فحمد الله أبو موسى واثنى عليه. وذكر ما حل بالإسلام. والخلاف الواقع بأهله. فقال إليه عمرو. وقال : ان للكلام أولا وآخراً. ومتى تنازعنا الكلام خطباً لم نبلغ آخره حتى ننسى أوله ، فاجعل ما كان من كلام نتصادر عليه في كتاب يصير اليه أمرنا ، قال : فاكتب. فدعا عمرو بصحيفة وكاتب ، وكان الكاتب غلاماً لعمرو. فتقدم اليه ليبدأ به اولاً دون ابي موسى. لما أراد المكر به. ثم قال له بحضرة الجماعة : اكتب فانك شاهد علينا. ولا تكتب شيئاً يأمرك به أحدنا حتى تستأمر الآخر فيه. فاذا أمرك فأكتب. واذا
    ٤٣

    نهاك فانته حتى يجتمع رأينا. اكتب بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما تقاضى عليه فلان وفلان. فكتب وبدأ لعمرو. فقال له عمرو. لا أم لك اتقدمني قبله. كأنك جاهل بحقه؟ فبدأ باسم عبدالله بن قيس.

    قال : ثم بدا لها رأي آخر فتركوا الصحيفة فأخذها عمرو : ووضعها تحت قدمه. واتفقا على خلع علي (ع) ومعوية. وأن يجعلا الأمر بعد ذلك شورى. يختار الناس رجلاً يصلح لها ، فقدم عمرو. أبا موسى ، فقال أبو موسى ، اني خلعت علياً ومعوية. فاستقبلوا امركم وتنحى. فقام عمرو من مكانه وقال : ان هذا قد خلع صاحبه وأنا أخلع صاحبه كما خلعه وأثبت صاحبي معوية. فقال أبو موسى مالك لا وفقك الله غدرت وفجرت. انما مثلك كمثل الحمار يحمل اسفاراً ، فقال عمرو. بل إياك يلعن الله. كذبت وغدرت. انما مثلك مثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث. ثم وكز أبا موسى فألقاه لجنبه. فلما رأى ذلك شريح بن هاني قنع عمرواً بالسوط (١) وتحول أبو موسى فاستوى على راحلته ولحق

    __________________

    (١) فكان شريح يقول : بعد ذلك. اني ما ندمت على شيء ندامتي اني ما ضربته بالسيف بدل السوط.
    ٤٤

    بمكة. ولم يعد الى الكوفة (٢).

    وانصرف عمرو. وأهل الشام الى معوية فسلموا عليه بالخلافة. ورجع ابن عباس. وشريح بن هاني الى علي (ع).

    ولما بلغ علي ما كان من أمر ابي موسى وعمرو. قال : اني كنت تقدمت اليكم في هذه الحكومة. ونهيتكم عنها. فأبيتهم الا عصياني. فكيف رأيتم عاقبة أمركم اذ أبيتم علي؟ والله اني لأعرف من حملكم على خلافي والترك لأمري. ولو أشاء آخذه لفعلت ، ولكن الله من ورائه. وكنت أمرت به كما قال. اخو بيني خثعم.

    أمرتهم أمري بمنعرج اللوى




    فلم يستبينوا الرشد الاضحى الغد

    من دعا إلى هذه الخصومة فاقتلوه قتله الله. ولو كان تحت عمامتي هذه الا أن هذين الرجلين الخاطئين الذين اخترتموهما حكمين. قد تركا حكم الله. وحكما أنفسهما بغير حجة ولا حق معروف. فأماتا. ما أحيا القرآن. واحييا ما أماته ، وأختلف في حكمهما كلامهما. ولم يرشدهما

    __________________

    (٢) وكان ابن عباس يقول : قبح الله ابا موسى. وامرته بالرأي فما عقل ، وكان ابو موسى يقول. قد حذرني ابن عباس غدرة الفاسق ولكن اطمأننت اليه. وظننت انه لن يؤثر شيئاً على نصيحة الأمة.
    ٤٥

    الله. ولم يوفقهما. فبرىء الله منهما ورسله وصالح المؤمنين. فتأهبوا للجهاد. واستعدوا للمسير. واصبحوا في عسكرهم ان شاء الله تعالى وقال : أيمن بن خزيم في أمر الحكمين مخاطباً أهل الشام (١).

    لو كان للقوم رأي يعصمون به




    من الضلال رموكم بابن عباس

    لله در أبيه أيما رجل




    ما مثله لفصال الخطب في الناس

    لكن رموكم بشيخ من ذوي يمن




    لم يدر ما ضرب اخماس لاسداس

    ان يخل عمرو به يقذفه في لجج




    يهوى به النجم تيساً بين أتياس

    أبلغ لديك ـ علياً ـ غير عاتبه




    قول امرىء لا يرى بالحق من باس

    ما الاشعري بمأمون أبا حسن




    فاعلم هديت وليس العجز كالراس

    فاصدم بصاحب الادنى زعيمهم




    ان ابن عمك عباس هو الاسى

    _________________

    (١) كان ايمن معتزلاً لمعاوية. وكان هواه أن يكون هذا الأمر لأهل العراق.
    ٤٦

    وقال : ابن عم لابي موسى حين شاهد شتم احدهما للآخر.

    أبا موسى خدعت وكنت شيخاً




    قريب القعر مدهوش الجنان

    رمى عمرو. صفاتك يا بن قيس




    بأمر لا تنوء به اليدان

    وقد كنا نجمجم عن ظنون




    فصرحت الظنون عن العيان

    فعض الكف من ندم وماذا




    يرد عليك عضك للبنان

    وقال عمرو بن العاص لما خدع أبا موسى :

    خدعت أبا موسى خديعة شيظم




    يخادع شقباً في فلاة من الأرض (٢)

    فقلت له أنا كرهنا كليهما




    فنخلعهما قبل التلاتل والدحض (٣)

    فطاوعني حتى خلعت اخاهم




    وصار أخونا مستقيماً لدى القبض

    وقال الراسبي : وهو من أهل حروراء ـ

    ندمنا على ما كان منا ومن يرد




    _________________

    (٢) الشيظم : الطويل الجسم. الفتي من الناس والخيل والابل. والسقب ولد الناقة.

    (٣) التلاتل : الشدائد ، والدحض الزلق والزلل.
    ٤٧





    سوى الحق لا يدرك هواه ويندم

    خرجنا على أمر فلم يك بينا




    وبين علي غير غاب مقوم

    وضرب يزيل الهام عن مستقره




    كفاحاً كفاحاً بالصفيح المصمم

    فجاء علي بالتي ليس بعدها




    مقال لذي حلم ولا متحلم

    رمانا بمر الحق اذ قال جئتم




    الي بشيخ للأشاعر قشعم

    فقلتم رضينا بابن قيس وما لنا




    رضاً غير شيخ ناصح الجيب مسلم

    وقال : ابن عباس يكون مكانه




    فقالوا له لا لا إلا بالتهجم

    فما ذنبه فيه وأنتم دعوتم




    اليه علياً بالهوى والتقحم

    فاصبح عبدالله بالبيت عائذاً




    يريد المنى بين الحطيم وزمزم

    ٤٨

    ( علي (ع) والحرورية )

    لما رجع علي (ع) من صفين الى الكوفة ، أقام الخوارج فيها حتى اجتمعوا وخرجوا الى حروراء. فتنادوا ـ لا حكم إلا لله ـ ولو كره المشركون الا ان علياً ومعوية أشركا في حكم الله. فارسل اليهم علي (ع) عبدالله بن عباس فناظرهم وكلمهم فلم يرجعوا عما هم عليه فرجع إلى علي (ع) وأخبره بخبرهم ، فقال (ع) ما رأيتهم؟ فقال ابن عباس والله ما أدري ما هم ، فقال (ع) : أرأيتهم منافقين. فقال ما سيماهم سيماء منافقين ان بين أعينهم لأثر السجود يتأولون القرآن. فقال (ع) دعوهم ما لم يسفكوا دماً أو يغصبوا مالاً ، قال أرباب التاريخ وكانوا اثني عشر الفاً. فخرج اليهم علي (ع) في ازار ورداء راكباً بغلته. فقيل له يا أمير المؤمنين القوم شاكون في السلاح. تخرج اليهم وأنت اعزل ، فقال (ع) انه ليس بيوم قتالهم.
    ٤٩

    حتى اذا وصل الى حروراء ، اجتمعوا عليه. فأول ما قال لهم. يا قوم. ليس اليوم أوان قتالكم. وستفترقون. حتى تصيروا أربعة آلاف. فتخرجون علي في مثل هذا اليوم وفي مثل هذا الشهر فأخرج اليكم بأصحابي فأقاتلكم حتى لا يبقى منكم الا دون عشرة. ويقتل من أصحابي يومئذ دون عشرة هكذا أخبرني رسول الله (ص) قال : فلم يبرح من مكانه حتى تبرأ بعضهم من بعض. وتفرقوا الى أن صاروا أربعة آلاف بالنهروان ، وكان مما قال لهم في ذلك اليوم ما هذا الذي أحدثتم وما تريدون قالوا نريد أن نخرج نحن وأنت ومن كان معنا بصفين ثلاث ليال ونتوب إلى الله من أمر الحكمين. ثم نسيرك الى معوية فنقاتله. حتى يحكم الله بيننا وبينه. فقال علي (ع) فهلا قلتم هذا حين بعثنا الحكمين. وأخذنا منهم العهد واعطينا هموه الا قلتم هذا ، قالوا كنا رأينا قد طالت الحرب علينا واشتد البأس وكثر الجراح. وكل الكراع والسلاح. فقال لهم أفحين اشتد البأس عليكم عاهدتم. فلما وجدتم الجمام قلتم ننقض العهد. ان رسول الله (ص) كان يفي للمشركين بالعهد. أفتأمرونني بنقصه. فمكثوا مكانهم لا يزال الرجل منهم يرجع الى علي (ع) والآخر يخرج من عند علي لهم ، حتى اذا جاء أحدهم ذات يوم الى المسجد وعلي (ع)
    ٥٠

    جالس وحوله أصحابه. فصاح ـ لا حكم إلا لله ولو كره المشركون ـ فتلفت الناس ، ثم صاح لا حكم إلا لله ولو كره المنافقون ، فرفع علي رأسه إليه ، ثم صاح الرجل ، لا حكم إلا لله ولو كره أبو حسن ، فقال (ع) ان أبا حسن لا يكره أن يكون الحكم لله. ثم قال حكم الله انتظر فيكم ، فقال له الناس هلا ملت يا أمير المؤمنين (ع) فأفنيتم؟ فقال انهم لا يفنون وان منهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة.

    وذكر الطبري أيضاً. ان علياً لما دخل الكوفة. دخلها ومعه كثير من الخوارج ـ ( المحكمة ) وقد تخلف منهم في النخيلة وغيرها خلق كثير لم يدخلوا الكوفة فدخل حرقوص بن زهير السعدي. وزرعة بن برج الطائي. وهما من رؤوس الخوارج على علي (ع) فقال له حرقوص تب من خطيئتك. وأخرج بنا الى معوية نجاهده. فقال (ع) اني كنت نهيت عن الحكومة فأبيتم ثم الآن تجعلونها ذنباً اما أنها ليست بمعصية ولكنها عجز من الرأي وضعف في التدبير وقد نهيتكم عنه ، فقال له زرعة أما والله لئن لم تتب من تحكيمك الرجال لأقتلنك اطلب بذلك وجه الله ورضوانه. فقال له علي (ع) بؤساً لك ما أشقاك كأني بك قتيلاً تسفى عليك الرياح قال زرعة وددت انه ذلك.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    وقعة النهروان او الخوارج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة النهروان او الخوارج   وقعة النهروان او الخوارج Emptyالسبت أكتوبر 19, 2024 4:37 pm



    قال : وخرج علي (ع) يخطب الناس فصاح به الخوارج من جوانب المسجد لا حكم إلا لله ، وصاح به خارجي ( ولقد أوحى اليك والى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ) فقال علي (ع) ( فاصبر ان وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ).

    قال وانصرفت الخوارج. وقد فارقوا الكوفة يريدون النهروان. وصاروا يعبثون في الأرض فساداً يقتلون البريء والضعيف.
    ٥٢

    ( الخوراج في النهروان )

    قال المبرد. ثم مضى القوم إلى « النهروان ». وقد كانوا ارادوا المضي الى المدائن. فمن طريف أخبارهم انهم أصابوا في طريقهم مسلماً ونصرانياً فقتلوا المسلم لأنه عندهم كافر. واستوصوا بالنصراني. وقالوا احفظوا ذمته بينكم ، ووثب رجل منهم على رطبة كانت قد سقطت من نخلة فأخذها ووضعها في فيه فصاحوا به فلفظها تورعاً ، وعرض لرجل منهم خنزير فضربه فقتله. غضبوا عليه وقالوا له هذا فساد في الأرض. وانكر واقتل الخنزير وجاء لأمير المؤمنين (ع) كتاب من قرظة بن كعب الأنصاري ، وكان أحد عماله يخبره بأن خيلاً مرت من قبل الكوفة متوجهة ، وأن رجلاً من دهاقين أسفل الفرات كان هناك وقد مروا به. فقالوا له أمسلم أنت؟ قال الحمد لله ، فقالوا له ما تقول في علي (ع) قال : أقول أنه أمير المؤمنين وسيد
    ٥٣

    البشر ووصي رسول الله (ص) فقالوا له كفرت يا عدو الله. ثم حملت عليه عصابة منهم فقطعوه بأسيافهم ، : قال. ولقيهم عبدالله بن خباب في عنقه مصحف على حمار ومعه امرأته وهي حامل ، فقالوا له ان هذا الذي في عنقك ليأمرنا بقتلك. فقال لهم ما أحياه القرآن فأحيوه. وما أماته فأميتوه ، فقالوا له حدثنا عن أبيك قال سمعت أبي يقول. قال : رسول الله (ص) ستكون بعدي فتنة يموت قلب الرجل كما يموت بدنه يمسي مؤمناً ويصبح كافراً. فكن عبدالله المقتول ولا تكون القاتل. قالوا فما تقول في أبي بكر وعمر فأثنى عليهما خيراً ، قالوا فما تقول في علي (ع) بعد التحكيم. وفي عثمان في السنين الست الأخيرة فأثنى خيراً قالوا فما تقول في التحكيم والحكومة. قال ان علياً أعلم بالله منكم وأشد توقياً عن دينه. وأنفذ بصيرة. فقالوا له انك لست بمتبع الهدى. انما تتبع الرجال على ايمانهم ، قال ثم قربوه إلى شاطىء النهر فأضجعوه وذبحوه ، وجاؤا الى زوجته ، وكانت حبلى فشقوا بطنها واستخرجوا جنينها فذبحوه.
    ٥٤

    ( المنجم )

    قال : وعزم علي (ع) على الخروج لحربهم ، وكان ابو أيوب الأنصاري على ميمنته فجاءه رجل منجم كان في أصحابه فقاله يا أمير المؤمنين (ع) لا تسر في هذه الساعة. وسر على ثلاث ساعات مضين من النهار ، فانك ان سرت في هذه الساعة أصابك وأصاب أصحابك أذى وضر شديد. وان سرت في الساعة التي أمرتك بها ظهرت وظفرت وأصبت ما طلبت ، فقال له أتدري ما في بطن فرسي هذه أذكر أم أنثى؟؟. قال ان حسبت علمت. فقال (ع) من صدقك بهذا فقد كذب بالقرآن. قال الله تعالى : ( ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام ) ثم قال : ان محمداً (ص) ما كان يدعي علم ما أدعيت علمه. تزعم انك تهدي الى الساعة التي يصيب النفع من سار فيها وتصرف عن الساعة التي يحيق
    ٥٥

    السوء بمن سار فيها فمن صدقك بهذا فقد استغنى عن الاستعانة بالله جل وعز في صروف المكروه عنه. وينبغي للموقن بأمرك ان يوليك الحمد دون الله جل جلاله. لأنك بزعمك هديته إلى الساعة التي يصيب النفع من سار فيها. وصرته عن الساعة التي يحيق السوء بمن سار فيها فمن آمن بك في هذا لم آمن عليه أن يكون كمن اتخذ من دون الله ضداً ونداً ، اللهم لا طير إلا طيرك. ولا ضير الا ضيرك ولا إله غيرك ثم نخالف ونسير في الساعة التي نهيتنا عنها. ثم اقبل على الناس فقال : أيها الناس. إياكم والتعلم للنجوم. إلا ما يهتدي به في ظلمات البر والبحر إنما المنجم كالكاهن والكاهن كالكافر والكافر في النار ، أما والله ان بلغني انك تعمل بالنجوم لأخلدنك السجن أبداً ما بقيت ولأحرمنك العطاء قال ثم سار في الساعة التي نهاه عنها المنجم. فظفر بأهل النهروان وظهر عليهم ثم قال. لو لم نسر في الساعة التي نهانا عنها المنجم. لقال الناس. سار في الساعة التي أمر بها المنجم فظفر وظهر. أما أنه ما كان لمحمد (ص) ولا لنا من بعده حتى فتح الله علينا بلاد كسرى وقيصر. أيها الناس توكلوا على الله وثقوا به فانه يكفي من سواه.
    ٥٦

    ( وقعة النهروان (١) )

    كانت وقعة النهروان ثالثة الوقايع في خلافة علي أمير المؤمنين (ع) بعد وقعة الجمل. وصفين. لها أهميتها في تاريخ فجر الإسلام والصدر الأول كانت تلك الوقعة بين علي أمير المؤمنين (ع) وبين طائفة يقال لهم. الخوارج. أو المارقة. أو الشراة. تلك الطائفة التي تعصبت بعصابة الجهل والغرور. وقد أظهرت الشغب والفساد في المجموعة الإسلامية حينذاك. وكان محورها شرذمة من المنافقين. من الذين يضمرون الغل على علي أمير المؤمنين (ع) دأبها النفاق والانشقاق عليه. والتخاذل

    __________________

    (١) النهروان بفتح النون والراء. ثلاث قوى. اعلا وأوسط وأسفل. وبين واسط وبغداد وقيل : هو النهر الذي كانت عليه الواقعة. قرب المدائن ، وكانت الواقعة في التاسع من شهر صفر سنة ثمان وثلاثين ، وصادف ذلك اليوم يوم النيروز.
    ٥٧

    والتخادع بين أصحابه (ع) فسمموا أفكار تلك الطائفة المغرورة بآرائها الشيطانية. حتى صارت تعتقد أنها هي الطائفة المسلمة ليس إلا. والمسلمون كلهم كفار مشركون. وصاروا الى النهروان. فمشى اليهم علي (ع) بجيشه حينذاك فوعظهم وحذرهم سوء المصير. فما رجعوا ولا ارتدعوا بل شرعوا الرماح وسلوا السيوف في وجهه (ع) وقالوا الحرب الحرب. يا علي لا نريد الا قتلك كما قتلنا عثمان ، فأفلجهم (ع) بالحجج والأدلة من الكتاب والسنة فما ازدادوا الا غياً ، فعند ذلك زحف اليهم بجيشه حتى أتى على آخرهم فملأ النهر من دمائهم والموقع من أشلائهم. وكان عددهم أربعة آلاف ولا يحيط المرك السيء ، إلا بأهله.

    ذكر أرباب التاريخ. انه لما وصل علي (ع) بجيشه الى ـ النهروان ـ قال : اقبل اليه رجل من أصحابه. وكان على مقدمته. يركض. وقال له : يا أمير المؤمنين (ع) البشرى. قال (ع) ما بشراك قال : ان القوم عبروا النهر لما بلغهم وصولك. فابشر فقد منحك الله أكتافهم. فقال (ع) الله أنت رأيتهم قد عبروا. قال نعم. فاحلفه ثلاثاً. وفي كلها يقول نعم. فقال (ع) والله ما عبروا ولن يعبروه. وان مصارعهم لدون النطفة. والذي فلق الحبة
    ٥٨

    وبرأ النسمة. لن يبلغوا الا ثلث ولا قصر بوران حتى يقتلهم الله. وقد خاب من افترى. قال : ثم أقبل فارس آخر يركض. فقال كقول الأول. فلم يكترث (ع) بقوله. وجاءت الفرسان كلها تركض. وتقول مثل ذلك. فقام علي (ع) واعتلى متن بغلته. قال : فقال شاب من الناس قلت في نفسي والله لأكونن قريباً منه. فان كانوا قد عبروا النهر لأجعلن سنان رمحي في صدره. أيدعي علم الغيب ولا يصدق بهذا الجمع. قال : فما انتهى علي (ع) الى النهر وجد القوم لم يعبروه. وقد كسروا جفون سيوفهم. وعرقبوا خيلهم. وجثوا على ركبهم. وتحكموا تحكيمة واحدة بصوت له زجل. قال : فنزل ذلك الشاب إلى أمير المؤمنين (ع) وقبل رجله. وقال : يا أمير المؤمنين (ع) اني قد شككت فيك آنفاً. واني تائب الى الله واليك فاغفر لي. فقال : علي (ع) ان الله هو يغفر الذنوب فاستغفره (١).

    وذكر المبرد في الكامل. قال لما وافقهم علي (ع) بالنهروان. قال (ع) لأصحابه لا تبدؤهم بقتال حتى يبدؤكم. قال فحمل منهم رجل على جيش علي (ع) فقتل

    __________________

    (١) البحار ج الثامن طبع كمباني.
    ٥٩

    منهم ثلاثة. فخرج عليه علي (ع) فضربه فقتله. فلما خالطه سيفه. قال : يا حبذا الروحة الى الجنة فقال عبدالله بن وهب الراسبي والله ما أدري الى الجنة أم إلى النار ، فقال رجل منهم من بني سعد إنما حضرت اغتراراً بهذا الرجل ـ يعني عبدالله بن وهب ـ وأراه الآن قد شك واعتزل عن الحرب بجماعة من الناس. قال ومال ألف منهم إلى جهة أبي أيوب الأنصاري. وكان على ميمنة علي (ع) قال ثم استنطقهم علي (ع) بقتل ابن خباب فأقروا به. فقال (ع) انفردوا كتائب لأسمع قولكم كتيبة كتيبة فتكبتوا كتائب وأقرت كل كتيبة بما أقرت به الأخرى. من قتل ابن خباب وقالوا : لنقتلنك كما قتلناه فقال : والله لو أقر أهل الدنيا كلهم بقتله هكذا وأنا أقدر على قتلهم به لقتلتهم : ثم التفت إلى أصحابه. وقال : شدوا عليهم فأنا أول من يشد عليهم ، قال ثم رفع يديه ورأسه الى السمآء وقال : اللهم اشهد ـ ثلاثاً ـ اني قد أنذرتهم. وقد أعذر من أنذر. اللهم وبك العون وإليك المشتكى. وعليك التكلان وإياك نذرأ في نحورهم. أبى القوم إلا تمادياً في الباطل ويأبى الله إلا الحق. فأين يذهب بكم عن حطب جهنم وعن طيب المغنم. التفت الى أصحابه. وقال : فاستعدوا لعدوكم فانكم غالبوهم باذن الله تعالى. ثم قرأ عليهم آخر سورة آل عمران.
    ٦٠

    قال : أرباب التاريخ. وحمل علي (ع) ذلك اليوم ثلاث حملات فكان في كل حملة يقتل منهم مقتلة عظيمة حتى يعوج سيفه ذا الفقار فكان (ع) يخرج من بين الجموع ويسويه بركبته. ثم يحمل ثانية.

    وعن جندب بن الأزدي. قال : لما فارقت الخوارج علياً (ع) وخرجنا معه فانتهينا الى معسكرهم. فاذا لهم دوي كدوي النحل وفيهم أصحاب البرانس وذوا الثفنات. فلما رأيت ذلك دخلني شك فتنحيت ونزلت عن فرسي وركزت رمحي ووضعت ترسي ونثرت عليه درعي وقمت أصلي وأنا أقول في دعائي. الله ان كان قتال هؤلاء القوم رضاً لك فأرني من ذلك ما أعرف به انه الحق. وان كان لك سخطاً فاصرف عني الشك. قال فبينا أنا على هذا ونحوه اذ أقبل علي (ع) وهو على بغلته ( وكانت بغلة رسول الله (ص) فنزل عن بغلته وقام يصلي. حتى اذا فرغ من صلوته. جاءه رجل من أصحابه فقال يا أمير المؤمنين (ع) انهم قطعوا النهر. ثم جاء آخر تشتد به دابته. فقال قطعوه وذهبوا فقال : أمير المؤمنين (ع) ما قطعوه ولن يقطعوه وليقتلن دون النطفة عهد من الله ورسوله (ص) وقال لي يا جندب. ترى التل. قلت نعم يا أمير المؤمنين (؛ ع) قال : قال حدثني (ص) أنهم يقتلون عنده. ثم قال انا نبعث رسولاً يدعوهم الى كتاب الله
    ٦١

    وسنة نبيه. فيرشقونه بالنبل ويقتلونه. قال : ولما انتهينا الى القوم فإذا هم في معسكرهم لم يبرحوا ولم يترحلوا. فنادى الناس وضمهم ثم اتى الصف. وقال (ع) من يأخذ هذا المصحف فيمشي به الى هؤلاء القوم. فيدعوهم الى كتاب الله وسنة نبيه وهو مقتول وله الجنة فما أجابه أحد إلا شاب من بني عامر بن صعصعة فلما رأى حداثة سنه قال : له ارجع إلى موقفك ثم أعاد القول فما أجابه أحد إلا ذلك الشباب فقال له (ع) أما أنك مقتول قال فمشى بالمصحف حتى إذا دنا من القوم بحيث يسمعهم فناداهم فعطفوا عليه وجعلوا يرمونه بالنبل وصار وجهه كالقنفذ وحمل عليه أحدهم وضربه بسيفه فقتله فقال (ع) دونكم لاقوم قال فحملنا عليهم وقد ذهب الشك عني وقتلت بيدي ثمانية من الخوارج.

    هذا وقد كان حمل فارس من الخوارج في تلك الساعة. يقال له الأخنس الطائي. وكان شهد صفين مع علي (ع) فحمل وشق الصفوف يطلب علياً (ع) فبدره علي بضربة فقتله. ثم حمل ذو الثدية ليضرب علياً فسبقه علي (ع) وضربه ففلق البيضة ورأسه. ومضى به الفرس يعدوا حتى ألقاه في آخر المعركة في جرف دالية على شاطىء النهروان وخرج ابن عمه. مالك بن الوضاح. وحمل على أمير المؤمنين (ع) فضربه علي بسيفة وقتله.
    ٦٢

    وتقدم عبدالله بن وهب الراسبي. وصاح يا بن أبي طالب. لا نبرح من هذه المعركة أو تأتي على أنفسنا أو نأتي على نفسك. فابرز الي. وأبرز اليك. وذر الناس جانباً. فلما سمع علي (ع) كلامه تبسم. وقال : قاتله الله من رجل ما أقل حياءه أما انه ليعلم اني حليف السيف وخدين الرمح. ولكنه قد يئس من الحياة أو انه ليطمع طمعاً كاذباً. قال ثم حمل الرجل على علي (ع) وحمل علي عليه فضربه علي بسيفه وقتله ، وألحقه بأصحابه ، قال : ثم التقى الجمعان وحمي الوطيس. واشتد الجلاد. فما كانت إلا ساعة. حتى صارت ـ الحرورية ـ كرماد اشتد به الريح في يوم عاصف. هذا وقد قتل من أصحاب علي (ع) في ذلك اليوم تسعة منهم رؤبة البجلي. ورفاعة بن وايل الأرحبي. والفياض بن خليل الأزدي. وكيسوم بن سلمة الجهني. وحبيب بن عاصم الأزدي وأربعة آخرون رضي الله عنهم.

    قال الراوي : قال علي (ع) في ذلك اليوم بعد أن أفنى القوم اطلبوا ذا الثدية. فطلبوه فلم يجدوه. فقال (ع) اطلبوه. فوالله ما كذبت ولا كذبت ثم قام (ع) وركب بغلته ـ وهي بغلة رسول الله (ص) ومضى نحو القتلى. فقال : اقلبوا هذه الأشلاء فقلبوا تلك الجيف ونحوها جانباً. حتى عثروا عليه فاستخرجوه. فإذا هو
    ٦٣

    حبشي. احدى عضديه مثل ثدي المرأة عليه شعرات كسبال السنور. فكبر (ع) وكبر الناس معه. ثم سجد (ع) شكراً ولما رفع رأسه من السجود قال : الحمد لله الذي عجل بك إلى النار ، وقال : هذا شيطان لولا أن تتكلموا لحدثتكم بما أعد الله على لسان نبيكم لمن قاتل هؤلاء.

    قال أرباب التاريخ وما أفلت من ـ الخوارج ـ في ذلك اليوم الا تسعة أنفار ، هرب رجلان الى خراسان وأرض سجستان. وبها نسلهما ، وهرب رجلان الى بلاد عمان وبها نسلهما ، وهرب رجلان إلى اليمن وفيها نسلهما ، ورجلان صارا الى بلاد الجزيرة. بموضع يعرف بالسن والبوازيخ (١). وصار الآخر منهم إلى تل موزن.

    قال : المؤرخون وحصل أصحاب علي (ع) على غنائم كثيرة في ذلك اليوم.

    __________________

    (١) السن : بلد على الدجلة ، البوازيخ. بلد. قريب تكريت ( القاموس ).
    ٦٤

    ( عبدالله بن خباب )

    هو عبدالله بن خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد من بني سعد بن زيد مناة بن تيم ، وأصاب خباباً سباء في الجاهلية. فصار الى أم أنمار بنت سباع الخزاعية حلفاء بني زهرة بن كلاب فأعتقته.

    بحذف السند عن رجل من عبد القيس. قال : كان عبدالله مع الخوراج ثم فارقهم ، قال : ودخلوا ـ أي الخوارج ـ قرية. فخرج عليهم عبدالله بن خباب ذعراً قالوا لن ترع. قال : والله لقد رعتموني. قالوا لن ترع. قال والله لقد رعتموني. قالوا : أنت عبدالله بن خباب صاحب رسول الله (ص) قال نعم قالوا فهل سمعت من أبيك حديثاً يحدثه عن رسول الله (ص) تحدثنا به قال نعم سمعت أبي يحدث عن رسول الله (ص) ذكر فتنه. القاعد فيها خير من القائم. والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي. قال فان أدركت ذلك فكن عبدالله المقتول.
    ٦٥

    قال ابو أيوب. ولا اعلمه الا قال ولا تكن عبدالله القاتل قالوا سمعت هذا من ابيك يحدثه عن رسول الله (ص) : قال نعم. قال فقدموه على ضفة النهر فضربوا عنقه فسال دمه كأنه شراك نعل أحمر ( فامذقر (١) وبقروا بطن أم ولده فبهذا استحل علي (ع) قتالهم (٢).

    __________________

    (١) ذكر المبرد في الكامل هذا الحديث. قال فأخذوه وقربوه الى شاطىء النهر فذبحوه. فامذقر دمه اي جرى مستطيلاً متفرقاً هكذا رواه بغير حرف.

    (٢) طبقات ابن سعد الكبرى ج ٥ ص ١٨٢ طبع ليدن.
    ٦٦

    ( وقعة النخيلة )

    قال ابو العباس بعد ان. فارق جماعة من الخوارج عبدالله بن وهب ، ولجأ بعضهم يوم النهروان الى راية ابي أيوب الأنصاري. والبعض الذي تخلف منهم بالكوفة لم يخرجوا الى النهروان. اجتمع هؤلاء كلهم وتواصوا فيما بينهم. وتعاضدوا وتأسفوا على خذلانهم أصحابهم بالنهروان. وكان خطيبهم يؤمئذ المستورد. من بني سعد بن زيد مناة ، وخرجوا الى النخيلة. فوجه اليهم علي بن أبي طالب (ع) ابن عمه عبدالله بن العباس داعياً فقالوا له يا بن عباس اذا كان علي (ع) على حق لم يشكك فيه. وحكم مضطراً فما باله حيث ظفر لم يسب فقال لهم ابن عباس قد سمعتم الجواب في التحكيم فأما قولكم في السباء أفكنتم سابين أمكم عائشة. فوضعوا أصابعهم في آذانهم وقالوا أمسك عنا غرب لسانك يا بن عباس. فانه طلق ذلق غواص على موضع الحجة ، قال : وأبوا الا الإنشقاق.
    ٦٧

    فلما رأى ابن عباس ذلك رجع الى أمير المؤمنين (ع) وأخبره.

    قال : ولما أراد علي المسير اليهم. جاءه عفيف بن قيس. وقال له يا أمير المؤمنين (ع) لا تخرج في هذه الساعة. فانها ساعة نحس لعدوك عليك فقال له (ع) توكلت على الله وحده. وعصيت رأي كل متكهن. انت تزعم أنك تعرف وقت الظفر من وقت الخذلان ( اني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم ). ثم سار اليهم فطحنهم جميعاً لم يفلت منهم إلا خمسه. منهم المستورد ابن جوين الطائي (١) وفروة بن شريك الأشجعي ، وهم الذي ذكرهم الحسن البصري. فقال دعاهم الى دين الله. فجعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم. وأصروا واستكبروا استكباراً فسار اليهم أبو حسن فطحنهم طحناً. وفيهم يقول عمران بن حطان الفاسق.

    __________________

    (١) خرج المستورد هذا بعد ذلك على المغيرة بن شعبة وهو وإلى الكوفة فوجه إليه معقل بن قيس الرياحي. فاستدعاه المستورد إلى المبارزة وقال له علام يقتل الناس بيني وبينك. فقال له معقل النصف سألت فأقسم عليه أصحابه فقال ما كنت لا أبى عليه. فاختلفا بضربتين فخر كل واحد منها ميتاً.
    ٦٨

    اني ادين بما دان الشراة به




    يوم النخيلة عند الجوسق الخرب

    وقال الحميري رحمه الله يعارض هذا المذهب المزيف.

    اني أدين بما دان الوصي به




    يوم النخيلة من قتل المحلينا

    وبالذي دان يوم النهر دنت به




    وشاركت كفه كفي بصفينا

    تلك الدماء معا يا رب في عنقي




    ومثلها فاسقني آمين آمينا (٢)

    __________________

    (٢) الكامل للمبرد. ج ٢ ص ١٤٨ و ١٤٩ طبع المكتبة التجارية.
    ٦٩

    ( أحاديث تروى عن عائشة )

    ذكر احمد بن مردويه في مناقبه. عن أبي اليسر الأنصاري. عن ابيه. قال دخلت على أم المؤمنين عايشة. قال : فقالت : من قتل الخارجية؟ قلت قتلهم علي (ع). قالت ما يمنعني الذي في نفسي على علي (ع) ان أقول الحق سمعت رسول الله (ص) يقول : يقتلهم خير امتي من بعدي. وسمعته يقول علي مع الحق. والحق مع علي (ع).

    وعن مسروق ، قال : قالت لي عائشة. يا مسروق. انك من أكرم بني علي وأحبهم الي فهل ، عندك علم من ـ المخد ـ (١)؟ قال قلت : نعم. قتله علي (ع) على نهر يقال لأسفله ـ تامراء وأعلاه النهروان. بين

    __________________

    (١) المخدج .. هو ناقص الخلقة ـ النهاية.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    وقعة النهروان او الخوارج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة النهروان او الخوارج   وقعة النهروان او الخوارج Emptyالسبت أكتوبر 19, 2024 4:38 pm



    أخاقيق (٢) وطرفاء ، قال : فقالت : فائتني معك بمن يشهد في ذلك ، فاتيتها بسبعين رجلاً فشهدوا عندها أن علياً (ع) قتله على نهر يقال لأسفله تامراء وأعلاه النهروان ، بين أخاقيق وطرفاء. فقالت لعن الله عمرو بن العاص فانه كتب الي انه قتل على نيل مصر ، قال : فقلت لها : يا ام اخبريني اي شيء سمعت من رسول الله (ص) يقول فيهم. قالت : سمعت رسول الله (ص) يقول هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق وأقربهم عند الله وسيلة يوم القيامة.

    __________________

    (٢) الأخاقيق شقوق الأرض.
    ٧١

    ( مقتل الإمام علي (ع) )

    خرجت طائفة من الخوارج بعد واقعة النخيلة الى مكة فوجه معوية بن ابي سفيان من يقيم الحج للناس. فناوشه هؤلاء الخوراج. فبلغ معاوية ذلك فوجه بسر بن أرطأة. على عسكر له فتوافقوا وتراضوا بعد الحرب بأن يصلي بالناس رجل من بني شيبة لئلا يفوت الناس الحج. فلما انقضى الحج نظرت الخوارج في أمرها. وقالوا ان علياً ومعاوية قد أفسدا أمر هذه الأمة فلو قتلناهما لعاد الأمر الى حقه. وقال رجل من أشجع والله ما عمرو دونهما. وانه لأصل هذا الفساد. فقال عبد الرحمن بن ملجم. انا اقتل علياً. فقالوا وكيف لك به. قال اغتاله. فقال الحجاج بن عبدالله الصريمي. وهو البرك. وأنا اقتل معاوية. وقال راذويه مولى بني العنبر بن عمرو بن تميم. وأنا اقتل عمرواً. فأجمع رأيهم على أن يكون قتلهم في ليلة واحدة فجعلوا تلك الليلة. ليلة احدى وعشرين من
    ٧٢

    شهر رمضان (١) فخرج كل واحد منهم الى ناحية. فأتى ابن ملجم الكوفة فأخفى نفسه وتزوج بامرأة عاهر. يقال لها قطام بنت علقمة من تيم الرباب. وكانت خارجية وكانت. قد طلبت منه الصداق وهو ثلاثة آلاف درهم وعبد وأمة. ثم قالت له لا أقنع منك إلا بقتل علي بن ابي طالب (ع) فقال لها لك ما سألت. فكيف لي به. قالت تروم ذلك غيلة. فان سلمت ارحت الناس من شر. وأقمت مع أهلك. وان أصبت سرت إلى الجنة ونعيم لا يزول فانعم لها. وفي ذلك يقول :

    ثلاثة آلاف وعبد وقينة




    وقتل علي بالحسام المسمم

    فلا مهر اغلى من علي وان غلا




    ولا فتك الا دون فتك ابن ملجم

    قال : فأقام ابن ملجم عندها. ثم قالت له بعد أيام الا تمضي لما قصدت لشد ما أحببت أهلك. قال اني وعدت صاحبي وقتاً بعينه. وكان هناك رجل من أشجع يقال له شبيب. فواطأه عبد الرحمن على ما أضمره ، : فلما كانت ليلة احدى وعشرين من شهر رمضان. خرج ابن ملجم

    __________________

    (١) وهناك اختلاف في الليلة. يروى جعلوا لليلة تسعة عشر من شهر رمضان.
    ٧٣

    وشبيب الأشجعي. فاعتورا الباب الذي يدخل منه علي (ع) وكان مغلساً ويوقظ الناس للصلاة. فخرج كما كان يفعل فضربه شبيب فأخطأه. وأصاب سيفه الباب وربه ابن ملجم على رأسه فقال علي (ع) فزت ورب الكعبة (١) شأنكم بالرجل ، يروى عن بعض من كان بالمسجد من الأنصار. قال سمعت كلمة علي (ع) ورأيت بريق السيف. فأما ابن ملجم فحمل على الناس بسيفه فأفرجوا له. وتلقاه المغيرة بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب بقطيفة فرمى بها عليه واحتمله فضرب به الأرض. وكان المغيرة أيداً فقعد على صدره. وأما شبيب فانتزع السيف منه رجل من حضرموت وصرعه وقعد على صدره. وكثر الناس فجعلوا يصيحون صاحب السيف فخاف الحضرمي ان يكبوا عليه. ولا يسمعوا عذره فرمى بالسيف. وانسل شبيب بين الناس ، وجيىء بعبد الرحمن

    __________________

    (١) هذه رواية المبرد. أما الأخبار الواردة والمعول عليها. هو ان ابن ملجم كان قد أخفى سيفه تحت ثيابه. حتى اذا صلى علي (ع) في محرابه صلاة الفجر. قام إليه ووقف خلف الأسطوانة حتى اذا سجد السجدة الأولى ورفع رأسه من السجود أهوى بالسيف عليه فشق رأسه الى موضع سجوده فصاح علي (ع) فزت ورب الكعبة. قتلني اللعين ابن اليهودية. ثم جعل يأخذه التراب ويضعه على الجرح وهو يقول : منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى الخ.
    ٧٤

    بين أناس يقودونه. فأمر علي (ع) بسجنه فسجن. فقال علي (ع) ان أعش فالأمر الي وان أصب فالأمر لكم. فان آثرتم أن تقتصوا فضربة بضربه. وان تعفوا أقرب للتقوى قال الراوي. وسمع ابن ملجم الرنة من الدار فقال له من حضره أي عدو الله انه لا بأس على امير المؤمنين (ع) فقال أعلى من تبكي أم كلثوم. أما والله لقد اشتريت سيفي بألف درهم وما زلت أعرضه فما يعيبه أحد الا أصلحت ذلك العيب ولقد أسقيته السم حتى لفظه. ولقد ضربته ضربة لو قسمت على من بالمشرق والمغرب لأتت عليهم (٢). وقضى صلوات الله وسلامه عليه في آخر اليوم الثالث في الواحد والعشرين من شهر الله سنة أربعين من الهجرة. ورثاه ابو زبيد الطائي :

    ان الكرام على ما كان من خلق




    رهط امرىء خاره للدين مختار

    طب بصير باضغان الرجال ولم




    يعدل بحبر رسول الله احبار

    وقطرة قطرت اذ حان موعدها




    وكل شيء له وقت ومقدار

    حتى تنصلها في مسجد طهر




    على امام هدى ان معشر جاروا

    __________________

    (٢) الكامل للمبرد ج ٢ ص ١٢٨ ، طبع المكتبة التجارية.
    ٧٥

    حمت ليدخل جنات ابو حسن




    وأوجبت بعده للقاتل النار

    وقال الكميت رحمه الله :

    والوصي الذي أمال التجو




    بي به عرش امة لانهدام

    قتلوا يوم ذاك اذ قتلوه




    حكماً لا كغابر الحكام

    الإمام الزكي والفارس المعـ




    ـلم تحت العجاج غير الكهام

    راعياً كان مسجعاً ففقدنا




    ه وفقد المسيم هلك السوام (١)

    __________________

    (١) أما صاحب معاوية. وهو الحجاج بنت عبدالله الصريمي ـ البرك ـ فانه جاء الى معاوية وهو يصلي فأصاب مأكمته. وكان معاوية عظيم الاوراك. فقطع منه عرقاً يقال له عرق النكاح. فلم يولد لمعاوية بعد ذلك ولد ، فلما ألقى القبض على البرك وجيء به الى معاوية. صاح الأمان والبشارة. قتل علي (ع) في هذه الصبيحة. فاستؤني به حتى جاء الخبر فقطع معاوية يديه ورجليه. وأمر معاوية. بعد هذا الحادث باتخاذ المقصورة.

    وأما صاحب عمرو بن العاص ، وهو ـ زاذويه. فانه أرصد لعمرو. وكان عمرو قد اشتكى تلك الليلة بطنه فلم يخرج للصلاة. وأمر خارجة ـ وهو رجل من رهطه ـ أن يخرج للصلاة. فجاء الرجل وضربه فقتله. ولما ألقى القبض عليه وأدخل على عمرو. سمع الناس يخاطبونه بالأمرة. قال أوما قتلت عمرواً؟ قيل له انما قتلت خارجة. فقال أردت عمرواً والله أراد خارجة. فقال الشاعر. :

    فليتها اذا فدت عمرواً بخارجة




    فدت علياً بمن شاءت من البشر

    ٧٦

    ( الخوارج ومعوية )

    قال : ابو العباس. وخرج من الخوارج على معاوية بعد قتل علي (ع) حوثرة الأسدي. وحابس الطائي. خرجا في جمعهما. فصادراً الى موضع أصحاب النخيلة. ومعاوية يومئذ بالكوفة. قد دخلها عام الجماعة. وكان الحسن بن علي (ع) قد خرج يريد المدينة. فوجه اليه معاوية ـ وقد تجاوز في طريقه ـ يسأله. أن يكون المتولي لمحاربة الخوارج. فكان جواب الحسن. والله لقد كففت عنك لحقن دماء المسلمين. وما أحسب ذلك يسعني افأقاتل عنك قوماً أنت والله أولى بالقتال منهم ، قال ابن ابي الحديد وهذا موافق لقول ابيه لا تقاتلوا الخوارج بعدي فليس من طلب الحق فأخطأه مثل من طلب الباطل فأدركه. وهو الحق الذي لا يعدل عنه ، قال ابن ابي الحديد. وبه يقول أصحابنا فان الخوراج عندهم أعذر من معاوبة. وأقل ضلالاً. ومعاوية أولى بأن يحارب منهم.
    ٧٧

    قال : ابو العباس. فلما رجع الجواب ـ اي جواب الحسن (ع) ارسل الى حوثرة الأسدي أباه. وقال له اذهب فاكفني أمر ابنك. فصار اليه ابوه فدعاه الى الرجوع فأبى فاداره فصمم ، فقال يا بني اجيك بابنك فلعلك تراه فتحن اليه. فقال : يا أبت انا والله الى طعنة نافذة انقلب فيها على كعوب الرمح أشوق مني الى ابني فرجع إلى معاوية فأخبره. فقال يا أبا حوثرة لقد عتى هذا جداً. ثم وجه اليه جيشاً اكثره أهل الكوفة. فلما نظر اليهم حوثرة. قال : لهم يا اعداء الله. أنتم بالأمس تقاتلون معاوية لتهدوا سلطانه. وانتم اليوم تقاتلون معه لتشدوا سلطانه. فخرج اليه ابوه فدعاه الى البراز. فقال يا أبت لك في غيري مندوحة. ولي في غيرك مذهب. ثم حمل على القوم وهو يقول :

    اكرر على هذي الجموع حوثرة




    فعن قليل ستنال المغفرة

    فحمل عليه رجل من طي فقتله.
    ٧٨

    [ الخوارج وابن زياد ]

    نكل ابن زياد بالخوارج أشد تنكيل. اذ أنهم اقلقوه وراحوا يقاومونه بكل قواهم. حتى ملىء السجون بهم وقتلهم وصلبهم. فكانوا لا يزدادون الا شدة وتعصباً ، وعندما قتلوا قائد جيشه عباد بن أدية. انزل عليهم سخطه. وجد في استأصالهم ولم يترك في القوس مدفعاً في أمرهم. غير انه لم يحصل على بغيته ، وكانوا لا يتقاعسون عن أخذ ثأر قتيل لهم حتى يطلبوا القاتل فيقتلوه أياً كان. ولن يفوتهم ثأر قط ، قال : أبو العباس. وأكثرهم لم يكن يبالي بالقتل وشيمتهم استعذاب الموت والاستهانة بالمنية.

    قال أبو العباس كان قتل عباد ، وعبيد الله بن زياد بالكوفة وخليفته على البصرة عبيد الله بن أبي بكرة ، فكتب
    ٧٩

    اليه يأمره أن لا يدع أحداً يعرف بهذا الرأي الا حبسه (١) ، قال : فجد ابن ابي بكرة في طلب من تغيب عنه وجعل يتبعهم ويأخذهم. فاذا شفع اليه في أحد منهم كفله الى ان يقدم به علس ابن زياد. حتى أتوه بعروة بن اذينة فأطلقه وقال أنا كفيلك. فلما قدم ابن زياد أخذ من في الحبس فقتلهم جميعاً وطالب الكفلاء بمن كفلوا به فكل من جاء بصاحبه اطلقه وقتل الخارجي. ومن لم يأت بمن كفل به منهم قتله. ثم قال ابن زياد. لأبي بكرة هات عروة بن اذينة. قال : لا اقدر عليه قال : اذا والله اقتلك فانك كفيله. فلم يزل يطلبه حتى دل عليه في سرب العلاء بن موتة المنقري : فكتب بذلك إلى عبيد الله بن زياد فقرء عليه كتابه فقال انا قد أصبناه في سرب العلاء ولوددت انه كان ممن شرب النبيذ. فلما أقيم عروة بين يديه قال : لم جهزت أخاك علي يعني أبا بلال؟ فقال والله لقد كنت به ضنيناً ، وكان لي عزاء ولقد أردت له ما أريد لنفسي فعزم عزماً فمضى عليه. وما احب لنفسي الا المقام وترك

    __________________

    (١) قيل ان ابن زياد كان قد حبس من الخوارج زهاء اربعماءة ولما هلك يزيد اطلقهم من السجن وكان يروم البيعة لنفسه فمن جملة من افسد عليه امره هؤلاء الخوارج.
    ٨٠

    الخروج. فقال له : أفأنت على رأيه. قال كنا نعبد رباً واحداً. قال : أما والله لأمثلن لك. قال اختر لنفسك من القصاص ما شئت فأمر به فقطعوا يديه ورجليه. ثم قال كيف ترى قال : افسدت علي دنياي. وأفسدت عليك آخرتك. قال فأمر بصلبه على باب داره.

    قال : أبو العباس : كان ابو الوازع الراسبي من مجتهدي الخوارج وهذا ابو وازع اشترى سيفاً. وأتى صيقلاً ، كان يذم الخوارج ويدل على عوراتهم. فشاوره في السيف فحمد ثم اشحذه فشحذه حتى اذا رضيه خبط به الصيقل فقتله. وحمل على الناس فهربوا منه حتى أتى مقبرة بني يشكر. فدفع عليه رجل حايطاً ستره فشدخه. وأمر ابن زياد بصلبه فصلب.
    ٨١

    [ الخوراج وابن الزبير ]

    لما هلك يزيد بن معاوية اجتمع الخوارج فيما بينهم وتذاكروا أمر ابن الزبير وقالوا ندخل على هذا الرجل فننظر ما عنده فان قدم أبا بكر وعمر وبرىء من عثمان ومن علي وكفر أباه وطلحة بايعناه. وان تكن الأخرى ظهر لنا ما عنده فتشاغلنا بما يجدي علينا. قال فدخلوا على ابن الزبير وهو متبذر وأصحابه متفرقون عنه. فقالوا انا جئناك لتخبرنا رأيك فان كنت على الصواب بايعناك. وان كنت على غيره دعوناك الى الحق ما تقول في الشيخين. قال خيراً. قالوا ما تقول في عثمان الذي احمى الحمى وآوى الطريد وأظهر لأهل مصر شيئاً وكتب بخلافه وأوطأ آل أبي معيط رقاب الناس وآثرهم بفيىء المسلمين وفي الذين بعده ـ أي علي بن ابي طالب (ع) ـ الذي حكم في دين الله الرجال وأقام علي (ع) غير تائب ولا نادم ، وفي ابيك وصاحبه وقد بايعا علياً. وهو امام عادل مرضي لم يظهر منه كفر. ثم نكثا
    ٨٢

    بعرض من أعراض الدنيا وأخرجا عائشة تقاتل وقد أمرها الله وصواحبها أن يقرن في بيوتهن. وكان لك في ذلك ما يدعوك إلى التوبة فان أنت قلت كما نقول فلك الزلفة عند الله والنصر على ايدينا ونسأل الله لك التوفيق. وان أبيت الا نصر رأيك الأول وتصويب ابيك وصاحبه. والتحقيق بعثمان والتولي وفي السنين الست التي أحلت دمه ونقضت أمره وأفسدت إمامته خذلك الله وانتصر منك بأيدينا. قال ابن الزبير ان الله أمر وله العزة والقدرة في مخاطبة اكفر الكافرين واعتى العتاة بأرأف من هذا القول. فقال لموسى ولأخيه صلى الله عليهما في فرعون : ( فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى ) (١). وقال رسول الله (ص) لا تؤذوا الأحياء بسبب الموتى ، فنهى عن سب ابي جهل من أجر عكرمة ابنه. وأبو جهل عدو الله وعدو الرسول والمقيم على الشرك والجاد في المحاربة والمتبغض الى رسول الله (ص) قبل الهجرة والمحارب له بعدها وكفى بالشرك ذنباً. وقد كان يغنيكم عن هذا القول الذي سميتم فيه طلحة وأبى أن تقولوا أتبرأ من الظالمين؟ فان كانا منهم دخلاً في غمار الناس وإن لم يكونا منهم لم تحفظوني بسب أبي وصاحبه. وأنتم تعلمون ان الله جل وعز. قال للمؤمن

    __________________

    (١) سورة طه.
    ٨٣

    في أبويه ( وان تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً ). وقال جل ثناؤه ( وقولوا للناس حسناً ) وهذا الذي دعوتهم اليه أمر له ما بعده وليس يقنعكم الا التوقيف والتصريح ولعمري ان ذلك لأحرى بقطع الحجج وأوضح لمنهاج الحق. وأولى بأن يعرف كل صاحبه من عدوه. فروحوا الي من عشيتكم هذه اكشف لكم ما أنا عليه ان شاء الله.

    قال الراوي فلما كان العشي راحوا اليه فخرج اليهم وقد لبس سلاحه فلما رأى ذلك ـ نجدة ـ قال : هذا خروج منا بذلكم فجلس على رفع من الأرض وخطبهم وأثنى على ابي بكر وعلى عمر وعلى عثمان فلما سمعوا ذلك منه تفرقوا عنه.
    ٨٤

    [ وقعة دولاب ]

    اجتمع الخوارج بالأهواز. ورئيسهم يومئذ نافع بن الأزرق الحنفي ، وصاروا يقتلون الأطفال. ويريعون النساء. فارتاع لذلك أهل البصرة. فاجتمعوا الى الأحنف بن قيس فشكوا ذلك اليه. وقالوا ليس بيننا وبين العدو الا ليلتان. وسيرتهم ما ترى فقال الأحنف. ان فعلهم في مصركم ان ظفروا به كفعلهم في سوادكم فجدوا في جهاد عدوكم. فاجتمع اليه عشرة آلاف. فأتى عبدالله بن الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبدالمطلب وهو ( ببة ). فسأله ان يؤمر عليهم فاختار لهم ابن عبيس ابن كريز. وكان ديناً شجاعاً. فأمره عليهم وشيعه. فلما نفد من جسر البصرة أقبل على الناس. فقال اني ما خرجت لأمتار ذهب ولا فضة واني لأحارب قوماً ان ظفرت بهم فما ورآءهم الا سيوفهم ورماحهم فمن كان شأنه الجهاد فلينهض ومن أحب الحياة فليرجع فرجع نفر يسير ومضى الباقون معه. فلما
    ٨٥

    صاروا. بدولاب. خرج اليهم نافع فاقتتلوا قتالاً شديداً حتى تكسرت الرماح وعقرت الخيل وكثرت الجراح والقتل وتضاربوا بالسيوف والعمد ، فقتل في المعركة ابن عبيس ونافع بن الأزرق. وكان ابن عبيس تقدم الى أصحابه. فقال ان اصبت. فأميركم الربيع بن عمر. والأجدم الغداني. فلما أصيب بن عبيس اخذ الربيع الراية. وكان نافع قد استخلف عبيد الله بن بشير بن الماحوز السليطي فكان الرئيسان من بني يربوع رئيس المسلمين من بني غدانة بن يربوع ورئيس الخوارج من بني سليط بن يربوع. فاقتتلوا قتالاً شديداً. فلم يزل الربيع بن الأجذم يقاتلهم نيفاً وعشرين يوماً. حتى قال : يوماً أنا مقتول لا محالة. قالوا وكيف قال لأني رأيت البارحة كأن يدي التي أصيبت بكابل انحطت من السماء فاستشلتني (١) فلما كان الغد قاتل الى الليل. ثم غاداهم فقتل فتدافع أهل البصرة الراية حتى خافوا العطب. اذ لم يكن لهم رئيس. ثم اجمعوا على الحجاج بن باب الحميري. فأباها. فقيل له ألا ترى ان رؤساء العرب بالحضرة وقد اختاروك من بينهم؟ فقال : مشؤمة ما يأخذها أحد الا قتل. ثم أخذها فلم يزل يقاتل

    __________________

    (١) استشلتني. اي اخذتني اليها.
    ٨٦

    الخوارج بدولاب والخوارج اعد بالألات والدروع والجواشن. فالتقى الحجاج بن باب : وعمران بن الحرث الراسبي وذلك بعد ان اقتتلوا ، زهاء شهر فاختلفا بضربتين فسقطا ميتين.
    ٨٧

    [ حروب أهل البصرة مع الخوراج ]

    قال الراوي. وكره ( ببة ) القتال ، وأقام حارثة بن بدر القداني بازاء الخوارج يناوشهم على غير ولاية. وكان يقول ما عذرنا عند اخواننا من أهل البصرة ان وصل اليهم الخوارج ونحن دونهم فكتب اهل البصرة الى ابن الزبير يخبرونه بقعود ( ببة ) ويسألونه ان يولي والياً فكتب الى أنس بن مالك أن يصلي بالناس فصلى بهم أربعين يوماً وكتب إلى عمر بن عبيد الله بن معمر فولاه البصرة فلقيه الكتاب وهو يريد الحج وهو في بعض الطريق فرجع فأقام بالبصرة. وولى اخاه عثمان محاربة الأزارقة. فخرج اليهم في اثني عشر الفاً ولقيه حارثة فيمن كان معه وعبيد الله بن الماحوز في الخوارج بسوق الأهواز. فلما عبروا اليهم دجيلا نهض اليهم الخوارج. وذلك قبيل الظهر فقال عثمان بن عبيد الله لحارثة بن بدر. أما الخوارج الا ما أرى فقال له حارثة حسبك بهؤلاء. فقال لا جرم والله لا اتغدى حتى
    ٨٨

    أناجزهم. فقال له حارثة ان هؤلاء لا يقاتلون بالتعسف فابق على نفسك وجندك. فقال أبيتم أهل العراق الا جبناً وانت يا حارثة ما علمك بالحرب انت والله بغير هذا أعلم ـ يعرض له بالشراب ـ فغضب حارثة فاعتزل. وحاربهم عثمان يومه الى ان غابت الشمس فأجلت الحرب عنه قتيلاً. وانهزم الناس وأخذ حارثة الراية. وصاح بالناس انا حارثة بن بدر. فثاب اليه قومه فعبر بهم دجيلاً. وبلغ فل عثمان البصرة وخاف الناس الخوارج خوفاً شديداً. وعزل ابن الزبير عمر بن عبيد الله وولى الحرث بن عبدالله بن ابي ربيعة المعروف بالقباع احد بني مخزوم. وهو اخو عمر بن عبدالله بن ابي ربيعة المخزومي الشاعر ، فقدم البصرة. فكتب اليه حارثة بن بدر يسأله الولاية والمدد. فاراد أن يوليه فقال له رجل من بكر بن وايل. ان حارثة ليس بذلك. انما هو صاحب شراب فكتب اليه القباع تكفي حربهم انشاء الله فأقام حارثة يدافعهم حتى تفرق عنه الناس ، واقام بنهر تيري فعبرت اليه الخوارج فهرب وأصحابه حتى أتى دجيلاً فجلس في سفينة واتبعه جماعة من أصحابه كانوا معه. وأتاه رجل من بني تميم وعليه سلاحه والخوارج وراءه. وقد توسط حارثة فصاح به يا حارث ليس مثلي ضيع. فقال للملاح قرب فقرب الى جرف ولا فرصة هناك فطفر بسلاحه في السفينة فساخت بالقوم جميعاً. وأقام ابن
    ٨٩

    المأحوز يجبي كور الأهواز ثلاثة اشهر. ثم وجه الزبير بن علي نحو البصرة فضج الناس الى الأحنف فأتى القباع فقال أصلح الله الأمير ، ان هذا العدو قد غلبنا على سوادنا وفيئنا فلم يبق الا أن يحصرنا في بلدنا حتى نموت هزلا. قال فسموا رجلاً فقال أحنف الرأي ما يخيل ما أرى لها الا المهلب بن أبي صفرة. فقال أو هذا رأي جميع أهل البصرة اجتمعوا الي في غد. وجاء الزبير حتى نزل الفرات وعقد الجسر ليعبر الى ناحية البصرة. فخرج اكثر أهل البصرة اليه. وقد اجتمع للخوارج أهل الأهواز وكورها رغبة ورهبة. فأتاه البصريون في السفن وعلى الدواب ورجالة ، فاسودت بهم الأرض فقال : الزبير لما رآهم أبى قومنا الا كفراً. فقطعوا الجسر وأقام الخوارج بالفراق بازائهم. واجتمع الناس عند القباع وخافوا الخوارج خوفاً شديداً. وكانوا ثلاث فرق فسمى قوم المهلب. وسمى قوم مالك بن مسمع. وسمى قوم زياد بن عمرو بن الاشرف العتكي. فصرفهم. ثم اختبر ما عند مالك وزياد فوجدهما متثاقلين عن ذاك. ثم اختبر ما عند مالك وزياد فوجدهما متثاقلين عن ذاك. وعاد اليه من أشار بهما. وقالوا قد رجعنا عن رأينا ما نرى لها الا المهلب. فوجه الحرث اليه فأتاه فقال له يا أبا سعيد. انا والله ما آثرناك بها. ولكننا لم نر من يقوم مقامك فقال له الحرث. وأومأ الى الأحنف ان هذا الشيخ لم يسمك الا ايثاراً للدين. وكل من في مصرك ماد عينيه
    ٩٠

    اليه راج أن يكشف الله عز وجل هذه الغمة بك. فقال : المهلب لا حول ولا قوة إلا بالله اني عند نفسي لدون ما وصفتم. ولست آبيا ما دعوتم اليه على شروط اشترطها. قال الأحنف قل : قال على أن أنتخب من احببت. قال ذاك لك. قال : ولي امرة كل بلد أغلب عليه. قال وذاك لك. قال : ولي فيىء كل بلد اظفر به .. قال : الأحنف ليس ذاك لك ولا لنا انما هو فيىء المسلمين. فان سلبتهم اياه كنت عليهم كعدوهم. ولكن لك أن تعطي أصحابك من فيىء كل بلد تغلب عليه ما شئت. تنفق على محاربة عدوك. فما فضل عنكم كان للمسلمين. فقال المهلب فمن لي بذلك. قال : الأحنف نحن وأميرك وجماعة أهل مصرك. قال : قد قبلت. فكتبوا بذلك كتاباً. ووضع على يدي الصلت بن حريث بن جابر الحنفي. وانتخب المهلب من جميع الأخماس فبلغت نخبته اثني عشر الفاً. ونظروا ما في بيت المال فلم يكن إلا مأتي الف درهم فعجزت. فبعث الملهب الى التجار. ان تجارتكم مذحول قد كسدت عليكم بانقطاع مواد الأهواز وفارس عنكم. فهلم فبايعوني واخرجوا معي أو فكم انشاء الله حقوقكم فتاجروه فأخذ من المال ما يصلح به عسكره. واتخذ لأصحابه : الخفاتين. والرانات. المحشوة بالصوف. ثم نهض وأكثر أصحابه رجاله. حتى اذا صار بحذاء القوم أمر بسفن فاحضرت
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    وقعة النهروان او الخوارج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة النهروان او الخوارج   وقعة النهروان او الخوارج Emptyالسبت أكتوبر 19, 2024 4:44 pm



    وأصلحت ، فما ارتفع النهار حتى فرغ منها. ثم أمر الناس بالعبور الى الفرات. وأمر عليهم ابنه المغيرة فخرج الناس. فلما قاربوا الشاطىء فحاربوهم فكشفوهم وشغلوهم حتى عقد المهلب الجسر وعبر والخوارج منهزمون فنهى الناس عن أتباعهم. ففي ذلك يقول الأزدي.

    ان العراق واهلـه لـم يخبروا




    مثل المهلب في الحروب فسلموا

    أمضى وايمن فـي اللقاء نقيبة




    واقـل تهليلاً اذا مـا أحجمـوا

    ٩٢

    [ وقائع المهلب والخوارج ]

    قال : المبرد. لما انهزم الخوارج من المهلب. اقام المهلب اربعين يوماً بكور دجلة ، والخوارج بنهر تيري. والزبير بن علي منفرد بعسكره عن عسكر ابن الماحوز. وهناك قضى المهلب التجار واعطى أصحابه فاسرع اليه الناس رغبة مجاهدة الخوارج ، ثم صار المهلب الى نهر تيري فتنحوا عنه الى الأهواز. وأقام المهلب يجبي ما حواليه من الكور.

    قال : ودس المهلب الجواسيس الى عسكر الخوارج فأتوه بأخبارهم ومن في عسكرهم. فاذا حشوة ما بين قصار. وصباغ وداعر وحداد. فخطب المهلب الناس. فذكر من هناك. وقال للناس امثل هؤلاء يغلبونكم على فيئكم. فلم يزل مقيماً حتى فهمهم أمره وقوى أصحابه وكثرت الفرسان في عسكره وتتام اليه زهاء عشرين الفاً. ثم مضى يؤم الأهواز. واستخلف اخاه ـ المعارك ـ بن ابي
    ٩٣

    صفرة على نهر تيري ، وفي مقدمته المغيرة بن المهلب. حتى قاربهم المغيرة فناوشوه فانكشف عنه بعض أصحابه. وثبت المغيرة بقية يومه وليلته يوقد النيران. ثم غاداهم القتال. فاذا القوم قد أوقدوا النيران. في ثقلة متاعهم. وارتحلوا عن سوق الأهواز. فدخلها المغيرة. وقد جاءت اوائل خيل المهلب. فأقام بسوق الأهواز. وكتب بذلك الى الحرث بن عبد الله بن أبي ربيعة كتاباً يقول فيه.

    بسم الله الرحمن الرحيم. اما بعد فانا منذ خرجنا نؤم هذا العدو في نعم من الله متصلة علينا. ونقمة من الله متتابعة عليهم. نقدم ويحجمون ونحل ويرتحلون الى أن حللنا سوق الأهواز. والحمد لله رب العالمين الذي ما عنده النصر وهو العزيز الحكيم ، فكتب اليه الحرث هنيئاً لك أخا الأزد الشرف في الدنيا والذخر في الآخرة ان شاء الله. فقال : المهلب لأصحابه ما أجفى أهل الحجاز أما ترونه يعرف اسمي واسم ابي وكنيتي ، وكان المهلب. يبث الأحراس في الأمن كما يبثهم في الخوف. ويذكي العيون في الأمصار كما يذكيها في الصحارى. ويأمر أصحابه بالتحرز ويخوفهم البيات. وان بعد منهم العدو. ويقول احذروا ان تكادوا كما تكيدون. ولا تقولوا هزمنا وغلبنا. فان القوم خائفون وجلون والضرورة تفتح باب
    ٩٤

    الحيلة. ثم قام فيهم خطيباً. وقال أيها الناس انكم قد عرفتم مذهب هؤلاء الخوارج وانهم ان قدروا عليكم فتنوكم في دينكم وسفكوا دماءكم. فقاتلوهم على ما قاتل عليه أولهم. علي بن ابي طالب صلوات الله عليه. فلقد لقيهم قبلكم. الصابر المحتسب مسلم بن عبيس. والعجل المفرط عثمان بن عبيد الله. والمعصي المخالف حارثة بن بدر فقتلوا جمعياً. وقتلوا فألقوهم بجد وحد. فانما هم مهنتكم وعبيدكم وعار عليكم ونقص في أحسابكم وأديانكم ان يغلبكم هؤلاء على فيئكم ويوطئوا حريمكم. ثم سار يريدهم. وهم بمناذر الصغرى. فوجه عبيد الله ابن بشير بن الماحوز ـ رئيس الخوارج ـ رجلاً يقال له واقد مولى لآل ابي صفرة من سبى الجاهلية في خمسين رجلاً. فيهم صالح بن مخراق الى نهر تيري. وبها المعارك بن أبي صفرة. فقتلوه وصلبوه. فنمى الخبر الى المهلب. فوجه ابنه المغيرة. فدخل نهر تيري. وقد خرج واقد منها فاستنزله ودفنه وسكن الناس. واستخلف بها ورجع الى أبيه. وقد حل بسولاف. والخوارج بها. فواقعهم وجعل على بني تميم الحريش بن هلال فخرج رجل من أصحاب المهلب. يقال له عبد الحمن الاسكاف فجعل يحض الناس وهو على فرس له صفراء. فجعل يأتي الميمنة والميسرة والقلب فيحض الناس ويهون أمر الخوارج ويختال
    ٩٥

    بين الصفين. فقال رجل من الخوارج لأصحابه يا معشر المهاجرين هل لكم في فتكه فيها أريحية فحمل جماعة منهم على الاسكاف فقاتلهم وحده فارساً. ثم كبا به فرسه. فقاتلهم راجلاً قائماً وباركاً. ثم كثرت به الجراحات. فذبب بسيفه وجعل يحثوا التراب في وجوههم والمهلب غير حاضر. ثم قتل. وحضر المهلب فأخبر. فقال للحريش. وعطية العنبري أأسلمتما سيد أهل العسكر لم تعيناه. ولم تستنقذاه حسداً له لأنه رجل من أصحابه ووبخهما. وحمل رجل من الخوارج على رجل من أصحابه فقتله فحمل عليه المهلب فطعنه وقتله. ومال الخوارج بأجمعهم على العسكر. فانهزم الناس وقتلوا سبعين رجلاً. وثبت المهلب وأبلى المغيرة يومئذ وعرف مكانه. يقال حاص المهلب وأبلى المغيرة يومئذ وعرف مكانه. يقال حاص المهلب يومئذ حيصة. وتقول الأزد. كان يرد المنهزمة ويحمي أدبارهم ، قال الراوي. وبات المهلب في الفين. فلما أصبح رجع بعض المنهزمة فصار في أربعة آلاف فخطب أصحابه. فقال : والله ما بكم من قلة. وما ذهب عنكم إلا أهل الجبن والضعف والطمع والطبع. فان يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله. فسيروا الى عدوكم على بركة الله. فقام اليه الحريش بن هلال. فقال انشدك الله أيها الأمير ان تقاتلهم الا ان يقاتلوك فان بالقوم جراحاً. وقد اثخنتهم هذه الجولة فقبل منه. ومضى
    ٩٦

    المهلب في عشرة فأشرف على عسكر الخوارج. فلم ير منهم احداً يتحرك. فقال له الحريش ارتحل عن هذا الموضع فارتحل فعبر دجيلا. وصار الى عاقول لا يؤتى إلا من وجه واحد.

    قال : وأقام في العاقول ثلاثة أيام. ثم ارتحل والخوارج بسلى وسلبرى (١) فنزل قريباً منهم. فقال ابن الماحوز لأصحابه ما تنتظرون بعدوكم وقد هزمتموهم بالأمس وكسرتم حدهم؟ فقال له وافد مولى أبي صفرة. يا أمير المؤمنين. انما تفرق عنهم أهل الضعف والجبن وبقي أهل النجدة والقوة. فان أصبتم لم يكن ظفراً هيناً لأني أراهم لا يصابون حتى يصيبوا فان غلبوا ذهب الدين فقال أصحابه نافق وافد. فقال ابن الماحوز لا تعجلوا على أخيكم فانه انما قال هذا نظراً لكم. ثم توجه الزبير بن علي الى عسكر المهلب لينظر ما حالهم. فأتاهم في مائتين فحزرهم ورجع. وأمر المهلب أصحابه بالتحارس. حتى اذا أصبح ركب اليهم على تعبية صحيحة فالتقوا بسلى وسلبرى.

    __________________

    (١) سلى وسلبرى قال الأخفش بفتح السين موضعان بالأهواز.
    ٩٧

    ( وقعة سلى وسلبرى )

    لما تقابل الفريقان. بسلى وسلبرى. خرج من الخوارج مائة فارس فركزوا رماحهم بين الصفين واتكئوا عليها. وأخرج اليهم المهلب عدادهم. ففعلوا مثل ما فعلوا لا يريمون الا الصلاة حتى أمسوا فرجع كل فريق الى معسكرهم. ففعلوا هذا ثلاثة أيام. قال فحمل المهلب وحملوا فاقتتلوا قتالاً شديداً فجهد الخوارج فنادى مناديهم الا أن المهلب قد قتل فركب المهلب بذوناً قصيراً أشهب وأقبل يركض بين الصفين وان احدى يديه لفي القباء وما يشعر بها. وهو يصيح أنا المهلب فسكن الناس بعد ان كانوا قد ارتاعوا وظنوا أن أميرهم قد قتل. وكل الناس مع العصر فصاح المهلب بابنه المغيرة تقدم ففعل وصاح بذكوان مولاه قدم رايتك ففعل. فقال له رجل من ولده انك تغرر بنفسك فذمره. ثم صاح يا بني تميم أمركم فتعصونني فتقدم وتقدم الناس. واجتلدوا أشد جلاد حتى إذا كان مع
    ٩٨

    المساء. قتل ابن الماحوز. وانصرف الخوارج. ولم يشعر المهلب بقتله. فقال لأصحابه ابغوني رجلاً جلداً يطوف في القتلى فأشاروا عليه برجل من جرم وقالوا أنا لم نر رجلاً قط أشد منه فطوف ومعه النيران فجعل اذا مر بجريح من الخوارج قال كافر ورب الكعبة فأجهز عليه. وإذا مر بجريح من المسلمين أمر بسقيه وحمله. وقام المهلب في عسكره يأمرهم بالاحتراس. حتى إذا كان نصف الليل وجه رجلاً من اليحمد (١) في عشرة فصاروا الى عسكر الخوارج فإذا القوم قد تحملوا إلى ـ أرجان ـ فرجع إلى المهلب فأعلمه. فقال أنا لهم الساعة أشد خوفاً. فاحذروا البيات. قال : أبو العباس. ويروى عن شعبة بن الحجاج أن المهلب. قال لأصحابه يوماً. أن هؤلاء الخوارج قد يئسوا من ناحيتكم الا من جهة البيات فان كان ذلك فاجعلوا شعاركم ـ حم لا ينصرون ـ فان رسول الله (ص) كان يأمر بها. ويروى أنه

    __________________

    (١) قال الأخفش : اليحمد من الازد. والخليل من بطن منهم. يقال لهم الفراهيد والفرهود في الأصل الحمل. فان نسبت الى الحي قلت فراهيدي. وان نسبت الى الحملان قلت فرهودي لا غير.
    ٩٩

    كان شعار أصحاب علي بن أبي طالب صلوات الله عليه. قال : ولما أصبح المهلب غدا على القتلى فأصاب ابن الماحوز فيهم ففي ذلك يقول رجل من الخوارج :

    بسلى وسلبرى مصـارع فتية




    كرام وجرحى لم توسد خدودها

    ١٠٠

    ( وقائع أرجان )

    قال المبرد. واجتمع الخوارج بأرجان. فبايعوا الزبير بن علي وهو من بني سليط بن يربوع من رهط ابن الماحوز. فرأى فيهم انكساراً شديداً وضعفاً بيناً فخطبهم وحرضهم على القتال : قال : ثم تحمل لمحاربة المهلب فنفحهم المهلب نفحة فرجعوا فأكمن للمهلب في غمض من غموض الأرض يقرب من عسكره مائة فارس ليغتالوه. فسار المهلب يوماً يطوف بعسكره ويتفقد سواده فوقف على جبل. فقال ان من التدبير لهذه المارقة أن تكون قد أكمنت في سفح هذا الجبل كمناً. فبعث عشرة فوارس فاطلعوا على المائة فلما علموا أنهم قد علموا بهم قطعوا القنطرة ونجوا وكسفت الشمس فصاحوا بهم يا أعداء الله لو قامت القيامة لجددنا في جهادكم. ثم يئس الزبير من ناحية المهلب فضرب إلى ناحية اصفهان. ثم كر راجعاً الى أرجان. وقد جمع جموعاً ، فكانت الوقعة. وقتل ابن
    ١٠١

    الماحوز. قال : ووجه المهلب بعقب هذه الوقعة رجلاً من الازد برأس عبيد الله بن بشير بن الماحوز الى الحرث بن عبدالله بن أبي ربيعة القباع ، فلما صار بكربج دينار لقيه حبيب وعبد الملك وعلي بنو بشير (١) بن الماحوز. فقالوا له ما الخبر ولا يعرفهم. فقال قتل الله المارق ابن الماحوز وهذا رأسه معي فوثبوا عليه فقتلوه وصلبوه. ودفنوا الرأس.

    __________________

    (١) كان علي بن بشير وسيماً جسيماً. دخل على الحجاج فعرفه فأمر بقتله ووهب ابنه الأزهر وابنته لأهل الأزدي المقتول. ثم وهبوهما لزينب بنت أمير.
    ١٠٢

    [ وقائع الخوارج في فارس ]

    قال الراوي : ما زال المهلب دائباً في قتال الخوارج في ولاية الحرث بن القباع حتى عزل الحرث وولى مصعب بن الزبير. فكتب اليه ان أقدم علي واستخلف ابنك المغيرة ففعل ثم مضى الى مصعب وكتب مصعب إلى المغيرة بولايته. وكتب إليه انك لم تكن كأبيك فانك كاف لما وليتك فشمر واتزر وجد واجتهد ، ثم اشخص المهلب الى الموصل. هذا والخوارج يغيرون ويعيثون وكثر فسادهم ، فسال مصعب أصحابه وشاورهم. قال من يستكفي امر الخوارج. فقال : قوم ول عبيد الله بن ابي بكرة. وقال : قوم ول عمر بن عبيد بن معمر ، وقال : قوم ليس لهم الا المهلب فأردده اليهم.

    قال وولي عليهم عمر بن عبيد الله وولاه فارساً. والخراج بارجان وعليهم الزبير بن علي السليطي فشخص
    ١٠٣

    اليهم فقاتلهم. وألح عليهم حتى أخرجهم عنها فألحقهم بأصبهان ، ثم اتوا سابور فقصدهم فأقام هناك. فلما كان ذات ليلة بيته الخوارج. فخرج اليهم فحاربهم حتى أصبح فلم يظفروا منه بشيء فأقبل على ملك بن حسان. فقال كيف رأيت؟. قال قد سلم الله عز وجل. ولم يكونوا يطمعون من المهلب بمثلها. فقال أما انكم لو ناصحتموني مناصحتكم المهلب لرجوت أن أنفي هذا العدو ولكنكم تقولون قرشي حجازي بعيد الدار خيره لغيرنا فتقاتلون معي تعذيراً.

    قال الراوي : ثم زحف الى الخوارج من غد ذلك اليوم فقاتلهم قتالاً شديداً حتى ألجأهم الى قنطرة فتكاثف الناس عليها حتى سقطت فأقام حتى أصلحها. ثم عبروا. وتقدم ابنه عبيد الله بن عمر وأمه من بني سهم بن عمرو ابن هصيص بن كعب فقاتلهم حتى قتل. فقال قطري لا تقاتلوا عمر اليوم فانه موتور. ولم يعلم عمر بقتل ابنه حتى أفضى الى القوم ، وكان مع ابنه النعمان بن عباد. فصاح به يا نعمان أين ابني. فقال احتسبه فقد استشهد رحمه الله صابراً مقبلاً غير مدبر. فقال انا الله وإنا اليه راجعون. ثم حمل على الخوارج حملة لم ير مثلها وحمل أصحابه بحملته فقتلوا في وجههم ذلك تسعين رجلاً من
    ١٠٤

    الخوارج ، وحمل على قطري فضربه على جبينه ففلقه. وانهزمت الخوارج وانتهبها. فلما استقروا. قال لهم قطري أما أشرت عليكم بالإنصراف. فجعلوه وجوههم حتى خرجوا من فارس فتلقاهم في ذلك الوقت. الفزر بن مهزم العبدي فسألوه عن خبره وأرادوا قتله. فأقبل على قطري. فقال اني مؤمن مهاجر. فسأله عن أقاويلهم فأجاب اليها عنه ففي ذلك يقول في كلمة له :

    وشدوا وثاقي ثم ألجوا خصومتي




    الـى قطري ذي الـجبين المفلق

    وحاججتهم فـي دينهم وحججتهم




    ومـا دينهم غيـر الهوى والتخلق

    ثم أن الخوارج تراجعوا وتكاتفوا وعادوا الى ناحية أرجان. فسار اليهم عمر وكتب الى مصعب. أما بعد فاني قد لقيت الأزارقة. رزق الله عبيد الله بن عمر الشهادة ووهب له السعادة ورزقنا عليهم الظفر فتفرقوا شذر مذر. وبلغتني عنهم عودة. فيممتهم وبالله أستعين وعليه أتوكل. قال : ثم سار اليهم ومعه عطية بن عمر ومجاعة بن سعيد. فالتقوا فألح عليهم حتى أخرجهم وانفرد من أصحابه فعمد له أربعة عشر رجلاً منهم. من شجعانهم وفي يده عمود فجعل لا يضرب رجلاً منهم ضربة إلا صرعه فركض اليه ـ قطري ـ على فرس طمر. وعمر على مهر فاستعلاه قطري
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    وقعة النهروان او الخوارج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة النهروان او الخوارج   وقعة النهروان او الخوارج Emptyالسبت أكتوبر 19, 2024 4:46 pm



    بقوة فرسه حتى كاد يصرعه فبصر به مجاعة. فاسرع اليه فصاحت الخوارج بقطري يا أبا نعامة ان عدو الله قد رهقك فانحط قطري عن قربوسه فطعنه مجاعة وعلى قطري درعان فهتكهما وأسرع السنان في رأس قطري فكشط عنه جلده ونجا. وارتحل القوم الى أصفهان فأقاموا برهة ثم رجعوا الى الأهواز ، وقد ارتحل عمر بن عبيد الله الى اصطخر.
    ١٠٦

    [ غارات الخوارج ]

    قال الراوي : وعاد المهلب الى الأهواز وحارب ـ الخوارج ـ حتى أخرجهم منها وفروا الى أصبهان. والوالي عليها عتاب بن ورقاء الرياحي. فأقام الخوارج هناك يجبون القرى ، قال وخرج مصعب من البصرة يريدهم. وأقبل عمر بن عبيد الله يريدهم. فتنحى الخوارج الى السوس. ثم أتوا المدائن. فقتلوا أحمر طي. وكان شجاعاً. وكان من فرسان عبيد الله بن الحر ففي ذلك يقول الشاعر :

    تركتم فتى الفتيان أحمر طيء




    بساباط لـم يعطف عليه خليل

    ثم ان الخوارج رجعوا عامدين الى الكوفة فلما خالطوا سوادها وواليها الحرث بن عبدالله القباع فتثاقل عن الخوارج. وكان جباناً فذمره ابراهيم بن الأشتر ولامه الناس فخرج متحاملا حتى أتي النخيلة ففي ذلك يقول الشاعر :
    ١٠٧

    ان القباع سار سيراً نكراً




    يسير يـوماً ويقيم شهراً

    وجعل يعد الناس بالخروج ولا يخرج. والخوارج يعيثون. حتى أنهم أخذوا امرأة فقتلوا أباها بين يديها. وكانت جميلة. ثم أرادوا قتلها فقالت أتقتلون من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين. فقال قائل منهم دعوها. فقالوا قد قتنتك؟ ثم قدموها فقتلوها. ثم قربوا اخرى وهم بحذاء القباع والجسر معقود بينهما فقطعه القباع وهو في ستة آلاف والمرأة تستغيث به وتقول : علام تقتلونني؟ فوالله ما فسقت ولا كفرت ولا ارتددت. والناس يتفلتون الى الخوارج والقباع يمنعهم فلما خاف أن يعصوه. أمر عند ذلك بقطع الجسر. فأقام بين دهاباً ودبيري خمسة أيام والخوارج بقربه. وهو يقول للناس في كل يوم. اذا لقيتم العدو غداً فأثبتوا أقدامكم واصبروا. فان اول الحرب الترامي. ثم اشراع الرماح ثم السلة فثكلت رجلاً امه فر من الزحف. فقال بعضهم لما أكثر عليهم أما الصفة فقد سمعناها فمتى يقع الفعل. وقال الراجز :

    ان القباع سار سيراً ملسا




    بين دبـاها ودبيري خمساً

    قال : واخذ الخوارج حاجتهم. وكان شأن القباع التحصن منهم. ثم انصرفوا. وساروا من فورهم الى
    ١٠٨

    اصفهان. ورجع القباع الى الكوفة. وكان على اصبهان عتاب بن ورقاء. قال وأقام الخوارج يغادون عتاب بن ورقاء الحرب ويراوحونه حتى اطال عليهم المقام. ولم يظفروا منه بكبير. فلما كثر ذلك عليهم انصرفوا. وصاروا لا يمرون بقرية بين اصفهان والأهواز. الا استباحوها وقتلوا من فيها. وعزم مصعب ابن يرسل اليهم المهلب. فلما أحس به الزبير بن علي. خرج الى الري. وبها يزيد بن الحرث بن رؤيم فحاربه ثم حصره. فلما طال عليه الحصار خرج اليه فكان الظفر للخوارج. وقتل يزيد بن الحرث بن رؤيم. ونادى يؤمئذ ابنه حوشباً ففر عنه وعن امه لطيفة.

    قال ثم انحط الزبير بن علي على اصفهان فحصر بها عتاب بن ورقاء الرياحي سبعة أشهر ، وعتاب يحاربه في بعضهن. فلما طال به الحصار قال لأصحابه ما تنظرون؟ والله ما تؤتون من قلة. وانكم لفرسان عشائركم. ولقد حاربتموهم مراراً فنتصفتم منهم وما بقي مع هذا الحصار الا أن تفنى ذخائركم فيموت احدكم فيدفنه أخوه. ثم يموت أخوه فلا يجد من يدفنه فقاتلوا القوم. وبكم قوة من قبل أن يضعف أحدكم عن أن يمشي الى قرنه. فلما أصبح الغد. صلى بهم الصبح. ثم خرج الخوارج. وهم غارون. وقد نصب لواء لجاربة يقال لها ياسمين. فقال من أراد البقاء فليلحق بلواء ياسمين. ومن أراد الجهاد فيخرج معي.
    ١٠٩

    فخرج في الفين وسبعمائة فارس. فلم يشعر بهم الخوارج حتى غشوهم فقاتلوهم بجد لم ير الخوارج منهم مثله فعقروا خلقاً. وقتلوا الزبير بن علي رئيسهم. وانهزمت الخوارج فلم يتبعهم عتاب.

    ثم ان الخوارج أداروا أمرهم بينهم. فارادوا تولية عبيدة بن هلال فقال أدلكم على من هو خير لكم مني من يطاعن في قبل ويحمي في دبر. عليكم بقطري بن الفجـأة المازني. فبايعوه. فوقف بهم وقالوا له يا أمير المؤمنين امض بنا الى فارس. فقال : ان بفارس عمر بن عبيد الله بن معمر ولكن نصير الى الأهواز. فان خرج مصعب بن الزبير دخلناها. فأتوا الأهواز. ثم ترفعوا عنها الى ايذج. وكان مصعب قد عزم على الخروج الى باجمير. فقال : لأصحابه. ان قطرياً قد أطل علينا وان خرجنا عن البصرة دخها. فبعث الى المهلب فقال. اكفنا هذا العدو. فخرج اليهم المهلب فلما أحس به قطري تيمم نحو كرمان. فأقام المهلب بالأهواز ثم كر قطري عليه وقد استعد. فكان الخوارج في جميع حالاتهم أحسن عدة ممن يقاتلهم بكثرة السلاح وكثرة الدواب وحصانة الجنن. فحاربهم المهلب فنفاهم الى رام هرمز ، وكان مصعب قد خرج الى باجمير او قتل فأتى خبر مقتله الخوارج بمسكن. ولم يأت المهلب
    ١١٠

    وأصحابه فتواقفوا يوماً على الخندق. فناداهم الخوارج ما تقولون في مصعب؟ قالوا : امام هدى. قالوا فما تقولون في عبد الملك؟ قالوا ضال مضل. فلما كان بعد يومين أتى المهلب قتل مصعب. وان أهل الشام اجتمعوا على عبد الملك وورد عليه كتاب عبد الملك بولايته. فلما تواقفوا ناداهم الخوارج ما تقولون في مصعب؟ قالوا : لا نخبركم. قالوا فما تقولون في عبد الملك؟ قالوا إمام هدى. قالوا : يا اعداء الله. بالأمس ضال مضل. واليوم امام هدى. يا عبيد الدنيا عليكم لعنة الله.
    ١١١

    ( واقعة الأهواز )

    قال الراوي : ولما ولي خالد بن عبدالله بن أسيد وقدم البصرة فأراد عزل المهلب ، فأشير عليه بأن لا يفعل. وقيل له انما أمن أهل هذا المصر بأن المهلب بالأهواز. وعمر بن عبيد الله بفارس. فقد المهلب تنحى عمر. وان نحيت المهلب لم تأمن على الصرة فابي الا عزله. فقدم المهلب البصرة. وخرج خالد إلى الأهواز. فأشخصه. فلما صار بكربج دينار لقيه قطري فمنعه حط أثقاله وحاربه ثلاثين يوماً. أقام قطري بازائه وخندق على نفسه. فقال المهلب ان قطرياً ليس بأحق بالخندق منك فعبر دجيلاً الى شق نهر تيري. واتبعه قطري فصار إلى مدينة نهر تيري فبنى سورها وخندق عليها. فقال المهلب لخالد خندق على نفسك. فاني لا آمن عليك البيات. فقال : يا أبا سعيد الأمر أعجل من ذلك. فقال المهلب لبعض ولده اني أرى أمراً ضايعاً. ثم قال لزياد بن عمرو خندق علينا. فخندق المهلب وأمر
    ١١٢

    بسفنه ففرغت وأبى خالد أن يفرغ سفنه. فقال المهلب لفيروز حصين سر معنا فقال : يا أبا سعيد الحزم ما تقول غير أني أكره أن افارق اصحابي. قال فكن بقربنا. قال : أما هذه فنعم وقد كان عبد الملك كتب الى بشر بن مروان يأمره أن يمد خالداً بجيش كثيف. أميره عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث لعنه الله. ففعل فقدم عليه عبد الرحمن. فأقام قطري يغاديهم القتال ويراوحهم أربعين يوماً فقال المهلب لمولى لأبي عيينة انتبذ لي ذلك النأوس فبت عليه في كل ليلة فمتى أحسست خبراً من الخوارج أو حركة أو صهيل خيل فاعجل الينا فجاءه ذات ليلة. فقال قد تحرك القوم. فجلس المهلب بباب الخندق وأعد قطري سفناً فيها حطب فاشعلها ناراً وأرسلها على سفن خالد ، وخرج في أدبارها. حتى خالطهم. فجعل لا يمر برجل الا قتله. ولا بدابة إلا عقرها. ولا بقسطاط الا هتكه. فأمر المهلب يزيد فخرج في مائة فارس. يقاتل وأبلى يومئذ وخرج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فأبلى بلاء حسناً ، وخرج فيروز حصين في مواليه فلم يزل يرميهم بالنشاب هو ومن معه فأثر أثراً جميلاً. فصرع يزيد بن المهلب يؤمئذ وصرع عبد الرحمن فحامى عنهما اصحابهما حتى ركبا. وسقط فيروز حصين في الخندق فأخذ بيد رجل من الأزد فاستنقذه. فوهب له فيروز حصين عشرة آلاف
    ١١٣

    درهم. وأصبح عسكر خالد كأنه حرة سوداء فجعل لا يرى الا قتيلاً أو صريعاً. فقال للمهلب يا أبا سعيد كدنا تفتضح. فقال خندق على نفسك فان لا تفعل عادوا اليك ، فقال اكفني أمر الخندق. فجمع له الأخماس فلم يبق شريف الا عمل فيه. فصاح بهم الخوارج والله لولا هذا الساحر المزوني. لكان الله قد دمر عليكم. وكانت الخوارج تسمى المهلب الساحر لأنهم كانوا يدبرون الأمر فيجونه قد سبق الى نقض تدبيرهم فقال فيه أعشى همدان.

    ويوم أهوازك لا تنسه




    ليس الثنا والذكر بالدائر

    قال : ومضى قطري الى كرمان وانصرف خالد الى البصرة. وأقام قطري بكرمان أشهراً ثم عمد لفارس. وخرج خالد الى الأهواز. وندب للناس رجلاً فجعلوا يطلبون المهلب. فقال خالد ذهب المهلب بحظ هذا المصر ، اني قد وليت أخي قتال الأزارقة. فولى أخاه عبد العزيز ، واستخلف المهلب على الأهواز في ثلثمائة ومضى عبد العزيز في ثلاثين الفاً ، والخوارج بدر ابجرد. فجعل عبد العزيز ، يقول في طريقه يزعم أهل البصرة أن هذا الأمر لا يتم إلا بالمهلب فسيعلمون ، قال ـ صعب بن زيد. فلما خرج عبد العزيز عن الأهواز جاءني كردوس حاجب المهلب. فقال أجب الأمير. فجئت الى المهلب
    ١١٤

    وهو في سطح وعليه ثياب هروية فقال : يا صعب أنا ضائع كأني انظر الى هزيمة عبد العزيز واخشى أن توافيني الأزارقة ولا جند معي. فابعث رجلاً من قبلك يأتيني بخبرهم سابقاً به الي. فوجهت رجلاً يقال له عمران بن فلان. فقلت أصحب عسكر عبد العزيز. واكتب الي بخبر يوم يوم. فجعلت أورده على المهلب. فلما قاربهم عبد العزيز وقف وقفة. فقال له الناس. هذا يوم صالح فينبغي أن تترك أيها الأمير حتى نطمئن ثم نأخذ اهبتنا فقال كلا. الأمر قريب. فنزل الناس على غير امره. فلم يستتم النزول حتى ورد عليهم سعد الطلايع في خمسمائة فارس. كأنهم خيط ممدود فناهظهم عبد العزيز فواقفوه ساعة ثم انهزموا عنه مكيدة فأتبعهم فقال له الناس لا تتبعهم فانا على غير تعبية فأبى لفم يزل في آثارهم حتى اقتحموا عقبة فاقتحمها وراءهم والناس ينهونه ويأبى ، وكان لهم كمين فخرج الكمين واقتتلوا فقتل عبس بن طلق وقتل مقاتل وقتل الضبيعي صاحب الشرطة.

    فانحاز عبد العزيز واتبعهم الخوارج على فرسخين يقتلونهم كيف شاؤا. وكان عبد العزيز قد خرج معه بأم حفص ابنة المنذر بن الجارود امرأته فسبوا النساء يومئذ واخذوا أسرى لا تحصى فقذفوهم في غار بعد أن شدوهم وثاقاً ثم سدوا عليهم بابه حتى ما توافيه.

    قال : ونودي على السبي يومئذ فغولي بأم حفص فبلغ بها رجل سبعين الفاً. وذلك الرجل من مجوس كانوا أسلموا
    ١١٥

    ولحقوا بالخوارج ففرض لكل واحد منهم خمسمائة فكاد يأخذها. فشق ذلك على قطري. وقال ما ينبغي لرجل مسلم أن يكون عنده سبعون الفاً. ان هذه فتنة فوثب اليها أبو الحديد العبدي فقتلها ، فأتى به قطري فقال يا أبا الحديد مهيم (١) فقال يا أمير المؤمنين رأيت المؤمنين قد تزايدوا في هذه المشركة فخشيت عليهم الفتنة. فقال قطري أصبت وأحسنت فقال رجل من الخوارج :

    كفانا فتنـة عظمت وجـلت




    بـحمد الله سيف ابـي الحديد

    اهـاب المسلمون بها وقالوا




    على فرط الهوى هل من مزيد

    فزاد ابو الحديد بنصل سيف




    رقيـق الحـد فعل فتى رشيد

    قال : صعب بن يزيد بعثني المهلب لآتيه بالخبر فصرت الى قنطرة أربك. فلم احس خبراً فسرت مهجراً إلى أن أمسيت فلما أظلمنا سمعت كلام رجل عرفته من الجهاضم فقلت ما وراءك؟. فقال الشر. قلت فأين عبد العزيز؟ قال امامك. فلما كان آخر الليل اذا أنا بزهاء خمسين فارساً معهم لواء. فقلت من هذا فقالوا هذا لواء عبد العزيز. فتقدمت اليه وسلمت عليه وقلت أصلح الله

    __________________

    (١) قوله مهيم حرّف استفهام معناه ما الخبر وما الأمر؟
    ١١٦

    الأمير لا يكبرن عليك ما كان. فانك كنت في شر جند وأخبثه. قال لي أو كنت معنا؟ قلت لا ولكن كأني شاهد امرك. قال كأنك كنت معنا؟ قلت أرسلني المهلب لآتيه بخبرك ، ثم تركته وأقبلت الى المهلب فقال لي ما وراءك؟ قلت ما يسرك. , قد هزم وفل جيشه ، فقال ويحك وما يسرني من هزيمة رجل من قريش وفل جيش من المسلمين. قلت قد كان ذاك ساءك. أو سرك. فوجه رجلاً الى خالد يخبره. قال الرجل فلما أخبرت خالداً. قال كذبت ولؤمت. ودخل رجل من قريش فكذبني وقال لي خالد. والله لهممت ان اضرب عنقك. قلت أصلح الله الأمير ان كنت كاذباً فاقتلني. وان كنت صادقاً فأعطني مطرف هذا المتكلف فقال خالد لبئسما أخطرت به دماك. قال فما برحت حتى دخل بعض الفل ، وقدم عبد العزيز سوق الأهوازا. فأكرمه المهلب وكساه وقدم معه على خالد واستخلف ابنه حبيباً. وقال له تحسس عن الأخبار. فان أحسست بخبر الأزارقة قريباً منك فانصرف الى البصرة فلم يزل حبيب مقيماً والأزارقة تدنوا منه حتى بلغوا قنطرة أربك. فانصرف الى البصرة على نهر تيري فلما دخلها أعلم خالد. فغضب عليه واستتر جيب في بني هلال بن عامر بن صعصعة. وتزوج هناك امرأة هلالية.

    وكتب خالد الى عبد الملك يعذر عبد العزيز. وقال للمهلب ما ترى عبد الملك صانعاً بي؟ قال يعز لك. قال أتراه قاطعاً رحمي؟ قال نعم اتته هزيمة أمية اخيك من
    ١١٧

    البحرين وتأتيه هزيمة اخيك عبد العزيز من فارس. وكتب عبد الملك الى خليفته بالكوفة أن يعقد لعبد الرحمن بن مخنف على ثمانية آلاف من كل ربع الفين. ويوجه مدداً الى المهلب. فلحق بالمهلب. فلما أحس الأزارقة بدنوه منهم انكشفوا عن الفرات فأتبعهم المهلب الى سوق الأهواز فنفاهم عنها. ثم تبعهم الى رامهرمز فهزمهم منها. فدخلوا فارس. وأبى يزيد ابنه في وقايعه هذه بلاء حسناً تقدم فيه. وهز ابن احدى وعشرين سنة. فلما صار القوم بفارس. وجه اليهم ابنه المغيرة فقال له عبد الرحمن بن صبح. أيها الأمير ليس برأي قتل هذه الاكلب. ولئن والله قتلتهم لتقعدن في بيتك. ولكن طاولهم وكل بهم. فقال ليس هذا من الوفاء. فلم يلبث برام هرمز الا شهراً حتى أتاه موت بشر. فاضطرب الجند على ابن مخنف. فوجه الى محمد بن اسحق بن الأشعث وابن زحر واستحلفهما أن لا يبرحا فحلفا به ولم يفيا ، فجعل الجند من أهل الكوفة يتسللون. حتى اجتمعوا بسوق الأهواز. وأراد أهل البصرة الإنسلال من المهلب. فخطبهم. فقال : انكم لستم كأهل الكوفة. انما تذبون عن مصركم وأموالكم وحرمكم. فأقام منهم قوم وتسلل منهم ناس كثير. وكان خالد بن عبدالله خليف بشر بن مروان. فوجه مولى به بكتاب منه إلى من بالأهواز يحلف فيه بالله مجتهداً لئن لم يرجعوا الى مراكزهم
    ١١٨

    عصاة لا يظفر بأحد منهم الا قتله. فجاء مولاه فجعل يقرأ الكتاب عليهم ولا يرى في وجوههم قبوله. فقال اني لأرى وجوهاص ما القبول من شأنها. فقال له ابن زحرايها العبد اقرأ ما في الكتاب وانصرف إلى صاحبك فانك لا تدري ما في أنفسنا. وجعلوا يستعجلونه في قراءته. ثم قصد واقصد الكوفة. فنزلوا النخيلة وكتبوا إلى خليفة بشر يسألونه أن يأذن لهم في الدخول فأبى فدخلوها بغير اذن. فلم يزل المهلب ومن معه من قواده وابن مخنف في عدد قليل. فلم ينشبوا الى أن ولى الحجاج العراق. فدخل الكوفة قبل البصرة وذلك في سنة خمس وسبعين.

    قال الراوي : ولما رأى المهلب كثرة الناس عليه. قال اليوم قوتل هذا العدو. ولما رأى ذلك قطري. قال : انهضوا بنا نريد السردان فتحصن فيها. فقال عبيدة بن هلال أو نأتي سابور ، وخرج المهلب في آثارهم. فأتى أرجان. وخاف أن يكونوا قد تحصنوا بالسردان. وليست بمدينة. ولكن محدقة منيعة. فلم يصب بها أحداً. فخرج نحوهم فعسكر بكازرون. واستعدوا لقتاله. وخندق على نفسه. ثم وجه إلى عبد الرحمن بن مخنف. خندق على نفسك فوجه إليه خنادقنا سيوفنا. فوجه إليه المهلب أني لا آمن عليك البيات. فقال ابنه جعفر ذاك أهون علينا من ضرطة جمل. فأقبل المهلب على ابنه المغيرة. فقال لم يصيبوا
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    وقعة النهروان او الخوارج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة النهروان او الخوارج   وقعة النهروان او الخوارج Emptyالسبت أكتوبر 19, 2024 4:48 pm



    الرأي ولم يأخذوا بالوثيقة ، فلما أصبح القوم غادوه الحرب. فبعث الى ابن مخنف يستمده فأمده بجماعة وجعل عليهم ابنه جعفراً. فجاؤا وعليهم أقبية بيض جدد. فقاتلوا يومئذ حتى عرف مكانهم. وحاربهم المهلب وأبلى بنوه يومئذ كبلاء الكوفيين أو أشد. ثم نظر الى رئيس منهم. يقال له صالح بن مخراق. وهو ينتخب قوماً من جلة العسكر. حتى بلغوا اربعمائة. فقال لابنه المغيرة ما يعد هؤلاء الا للبيات ، وانكشف الخوارج. والأمر للمهلب عليهم. وقد كثر فيهم القتل والجراح ، فقال المهلب لابنه المغيرة اني اخاف البيات على بني تميم. فانهض اليهم وكن فيهم. فأتاهم المغيرة. فقال له الحريش بن هلال يا أبا حاتم. ايخاف الأمير أن يؤتى من ناحيتنا. قل له فليلبث آمناً فانا كافوه ما قبلنا انشاء الله.

    قال الراويي : ولما انتصف الليل وقد رجع المغيرة الى ابيه سرى صالح بن مخراق في القوم الذين اعدهم الى ناحية بني تميم ومعه عبيدة بن هلال وهو يقول :

    اني لمذك للشراة نارها




    ومانع ممن أتاها دارها

    فوجد بني تميم ايقاظاً متحارسين. فخرج اليهم الحريش بن هلال وهو يقول :

    لقد وجدتم وقـراً انجاداً



    ١٢٠





    لا كشفاً ميلا ولا اوغاداً

    هيهات لا تلفوننا رقـاداً




    لا بل اذا صيح بنا آسادا

    ثم حمل على القوم فرجعوا عنه. فاتبعهم وصاح بهم الى اين يا كلاب النار فقالوا انما اعدت النار لك ولأصحابك. فقال الحريش كل مملوك لي حر ان لم تدخلوا النار ان دخلها مجوسي فيما بين سفوان وخراسان ، ثم قال بعضهم لبعض نأتي عسكر ابن مخنف (١) فانه لا خندق عليهم وقد تعب فرسانهم اليوم مع المهلب. وقد زعموا انا أهون عليهم من ضرطة جمل. فأتوهم فلم يشعر ابن مخنف وأصحابه بهم الا وقد خالطوهم في عسكرهم. فترجل عند ذلك عبد الرحمن بن مخنف فجالدهم فقتل ، وقتل معه سبعون من القراء. فيهم نفر من أصحاب علي بن ابي طالب صلوات الله عليه ، ونفر من أصحاب ابن مسعود. وبلغ الخبر الى المهلب وجعفر بن عبد الرحمن بن مخنف عند المهلب. فجاءهم مغيثاً فقاتلهم حتى ارتث وصرع ، ووجه المهلب اليهم ابنه حبيباً فكفهم ، ثم جاء المهلب حتى صلى على ابن مخنف وأصحابه. وصار جنده في جند المهلب فضمهم الى ابنه حبيب فعيرهم البصريون. فقال رجال لجعفر بن عبد الرحمن :

    __________________

    (١) قال المبرد : في الكامل. كان ابن مخنف شريفاً يقول رجل من عامد لرجل يعاتبه ويضرب بابن مخنف المثل.

    تروح وتغدو كل يوم معظماً




    كانك فينا مخنف وابن مخنف
    ١٢١

    تـركت أصحابنـا تـدمى نحورهم




    وجئت تسعى الينا خضفة الجمل (٢)

    فلا مهم المهلب. وقال بئسما قلتم. والله ما فروا ولا جبنوا ولكن خالفوا اميرهم أفلا تذكرون فراركم يوم دولاب ، وفراركم بدارس ، عن عثمان وفراركم عني.

    قال ارباب التاريخ : ووجه الحجاج البراء بن قبيصة المهلب يستحثه في مناجزة القوم. وكتب اليه انك لتحب بقاءهم لتأكل بهم. فقال المهلب لأصحابه حركوهم ، فخرج فرسان من أصحابه اليهم فخرج اليهم من الخوارج جمع فاقتتلوا الى الليل ، فقال لهم الخوارج ويلكم أما تملون؟ فقالوا لا حتى تملوا. قالوا : فمن انتم؟ قالوا تميم. قالت الخوارج ونحن بنو تميم. فلما امسوا افترقوا فلما كان الغد خرج عشرة من أصحاب المهلب. وخرج اليهم عشرة من الخوارج فاحتفر كل واحد منهم حفيرة وأثبت قدمه فيها فكلما قتل رجل جاء رجل من أصحابه فاجتره ووقف مكانه حتى اعتموا. فقال لهم الخوارج ارجعوا فقالوا بل ارجعوا انتم. فقالوا : ويلكم من أنتم؟ فقالوا تميم قالوا : ونحن تميم فرجع البراء بن قبيصة الى الحجاج. فقال مه. قال رأيت قوماً لا يعين عليهم الا الله ، وكتب اليه المهلب اني منتظر بهم احدى ثلاث موت ذريع أو جوع مضر أو اختلاف من اهوائهم.

    __________________

    (٢) قوله خضفة الجمل ـ أي ضرطة الجمل ـ.
    ١٢٢

    قال : ولما كان يوم النحر والمهلب على المنبر يخطب الناس اذا الشراة قد تألبوا. فقال المهلب سبحان الله افي مثل هذا اليوم ، يا مغيرة اكفنيهم. فخرج اليهم المغيرة بن المهلب. وأمامه سعد بن نجد الفردوسي (١) وتبع المغيرة جماعة من فرسان المهلب فالتقوا ، وامام الخوارج غلام جامع السلاح مديد القامة كريه الوجه شديد الحملة صحيح الفروسية. فأقبل يحمل على الناس وهو يقول :

    نحن صبحناكم غداة النحـر




    بالخيل أمثال الوشيج تجري

    فخرج اليه سعد بن نجد الفردوسي من الأزد. ثم تجاولا ساعة فطعنه سعد فقتله ، والتقى الناس فصرع يومئذ المغيرة فحامى عليه سعد بن نجد. وذبيان السختياني وجماعة الفرسان. حتى ركب وانكشف الناس عند سقطة المغيرة. حتى صاروا الى أبيه المهلب. فقالوا قتل المغيرة. ثم أتاه ذبيان السختياني فأخبره بسلامته. فأعتق كل مملوك بحضرته وصار يناهضهم ثلاثة أيام يعاديهم القتل ولا يزالون كذلك الى العصر. وينصرف أصحابه وبهم قرح والخوارج قرح وقتل قال وكتب الحجاج الى عتاب بن ورقاء الرياحي من بني رياح بن يربوع بن حنظلة. وهو والي أصفهان يأمره بالمسير الى المهلب. وأن يضم جند

    ____________

    (١) كان سعد بن نجد القردوسي شجاعاً متقدماً في شجاعته ، وكان المهلب اذا ظن برجل ان نفسه قد اعجبته. قال له لو كنت سعد بن نجد القردوسي ما هذا. ( وقردوس من الأزد ).
    ١٢٣

    عبد الرحمن بن مخنف فكل بلد تدخلانه من فتوح أهل البصرة. فالمهلب امير الجماعة فيه وأنت على أهل الكوفة ، فاذا دخلتم بلداً فتحه لأهل الكوفة فأنت أمير الجماعة والمهلب على أهل البصرة. فقدم عتاب في احدى جمادى من سنة ست وسبعين على المهلب وهو بسابور ، وهي من فتوح أهل البصرة. فكان المهلب أمير الناس على أصحاب ابي مخنف ، والخوارج في أيديهم كرمان وهم بازاء المهلب بفارس يحاربونه من جميع النواحي. فوجه الحجاج الى المهلب رجلين يستحثانه مناجزة القوم. فغادوا الخوارج. فاقتتلوا أشد قتال فقتل الرجلان ، ثم باكروهم في اليوم الثاني بالحرب ، وأقام المهلب على حربهم. فلما انقضى من مقامه ثمانية عشر شهراً اختلفوا ، وكان سبب اختلافهم أن رجلاً حداداً من الأزارقة كان يعمل نصالاً مسمومة فيرمى بها أصحاب المهلب فرفع ذلك الى المهلب ، فقال : انا اكفيكموه إنشاء الله فوجه رجلاً من أصحابه بكتاب وألف درهم الى عسكر قطري. فقال ألق هذا الكتاب في عسكر قطري واحذر على نفسك ، وكان الحداد يقال له : أبزي. فمضى الرسول ، وكان في الكتاب. أما بعد فان نصالك قد وصلت الي وقد وجهت اليك بألف درهم فاقبضها وزدنا من هذه النصال ، فوقع الكتاب والدراهم الى قطري. فدعا بأبزي ، فقال ما هذا الكتاب؟ قال لا أدري. قال فهذه الدراهم. قال ما أعلم علمها. فأمر به فقتل فجاءه عبد ربه الصغير مولى بني
    ١٢٤

    قيس بن ثعلبة فقال له أقتلت رجلاً على غير ثقة ولا تبين؟؟ فقال : له ما هذه الدراهم. قال يجوز أن يكون أمرها كذباً ، ويجوز أن يكون حقاً ، فقال قطري قتل رجل في صلاح الناس غير منكر. وللإمام أن يحكم بما رآه صلاحاً. وليس للرعية أن تعترض عليه ، فتنكر له عبد ربه في جماعة ولم يفارقوه. فبلغ ذلك المهلب. فدس اليه رجلاً نصرانياً. فقال له اذا رأيت قطرياً فاسجد له فاذا نهاك فقل انما سجدت لك ، ففعل النصراني فقال له قطري انما السجود لله. فقال ما سجدت الا لك. فقال له رجل من الخوارج قد عبدك من دون الله وتلا ( انكم وما تعبدون من دون الله حطب جهنم انتم لها واردون ) فقال : قطري ان هؤلاء النصارى قد عبدوا عيسى بن مريم فما ضر ذلك عيسى شيئاً. فقام رجل من الخوارج الى النصراني فقتله فأنكر ذلك عليه ، وقال قتلت ذمياً فاختلفت الكلمة. فبلغ ذلك المهلب. فوجه اليهم رجلاً يسألهم عن شيء تقدم به اليه. فأتاهم الرجل. فقال أرأيتم رجلين خرجا مهاجرين اليكم فمات أحدهما في الطريق وبلغكم الآخر فامتحنتموه فلم يجز المحنة ما تقولون فيهما؟ فقال بعضهم : أما الميت فمؤمن من أهل الجنة وأما الآخر الذي لم يجز المحنة فكافر حتى يجيزها ، وقال قوم آخرون بل هما كافران حتى يجيزا المحنة فكثر الاختلاف. فخرج قطري الى حدود اصطخر فأقام شهراً والقوم في اختلافهم ، ثم أقبل فقال لهم صالح بن مخراق يا قوم انكم قد أقررتم أعين عدوكم وأطمعتموهم
    ١٢٥

    فيكم. لما ظهر من اختلافكم فعودوا الى سلامة القلوب واجتماع الكلمة وخرج عمرو القنافنادي ايها المحلون هل لكم في الطراد فقد طال العهد به ثم قال :

    الم ترانـا مـذ ثلاثـون ليلـة




    قريب واعداء الكتاب على خفض

    فتهايج القوم وأسرع بعضهم الى بعض فأبلى يومئذ المغيرة بن المهلب. وصار في وسط الأزارقة فجعلت الرماح تحطه وترفعه واعتورت رأسه السيوف وعليه ساعد حديد فوضع يده على رأسه فجعلت السيوف لا تعمل شيئاً واستنقذه فرسان من الأزد بعد أن صرع وكان الذي صرعه عبيده بن هلال وهو يقول :

    أنا ابن خير قومه هلال




    شيخ على دين ابي بلال

    وذاك ديني آخر الليالي

    فقال

    رجل للمغيرة كنا نعجب كيف تصرع. والآن نعجب كيف تنجو ، وقال المهلب لبنيه ان سر حكم لغار ولست آمنهم عليه أفوكلتم به أحداً » قالوا لا. فلم يستتم الكلام حتى أتاه آت فقال ان صالح بن مخراق قد أغار على السرح فشق ذلك على المهلب ، وقال كلو أمر لا أليه بنفسي فهو ضائع وتذمر عليهم. فقال له بشر بن المغيرة. أرح نفسك فان كنت انما تريد مثلك فوالله لا يعدل أحدنا شسع نعلك. فقال خذوا عليهم الطريق فثار بشر بن المغيرة ومدرك.
    ١٢٦

    والمفضل ابنا المهلب. فسبق بشر الى الطريق فاذا اسود من الأزارقة يشل السرح (١) وهو يقول :

    نحن قمعناكم بـشل السرح




    وقد نكأنا القرح بعد القرح

    ولحقه المفضل ومدرك فصاحا برجل من طيء اكفنا الأسود فاعتوره الطائي وبشر بن المغيرة وأسرا رجلاً من الازارقة. فقال له المهلب ممن الرجل؟ قال رجل من همدان. قال : انك لشين همدان. وخلى سبيله وكان عياش الكندي شجاعاً بئيساً فأبلى يومئذ. ثم مات على فراشه بعد ذلك فقال المهلب لا وألت نفس الجبان بعد عياش ، وقال المهلب ما رأيت كهؤلاء كلما ينقص منهم يزيد فيهم ، قال ووجه الحجاج الى المهلب رجلين احدهما من كلب والآخر من سليم يستحثانه بالقتال فقال المهلب متمثلاً.

    ومستعجب مما يرى من أناتنا




    ولو زبنته الحرب لم يترمرم (٢)

    وقال ليزيد حركهم فتهايجوا. وذلك في قرية من قرى اصطخر فحمل رجل من الخوارج على رجل من أصحاب المهلب فطعنه فشك فخذه بالسرج. فقال المهلب للسلمي

    __________________

    (١) يشل السرح اي يطرده.

    (٢) لم يترمرم : اي لم يتحرك. من قصيدة اوس بن حجر.
    ١٢٧

    والكلبي كيف نقاتل قوماً هذا طعنهم وحمل يزيد عليهم. وقد جاء الرقاد وهو من فرسان المهلب. وهو أحد بني مالك بن ربيعة على فرس له أدهم وبه نيف وعشرون جراحة وقد وضع عليها القطن. فلما حمل يزيد ولى الجمع وحماهم فارسان. فقال يزيد لقيس الخشني مولى العتيك من لهذين؟ فقال انا فحمل عليهما فعطف عليه أحدهما فطعنه قيس الخشني فصرعه. وحمل عليه الآخر فعانقه فسقط جميعاً الى الأرض فصاح قيس الخشني اقتلونا جميعاً فحملت خيل هؤلاء وخيل هؤلاء فحجزوا بينهما فإذا معانقة امرأة فقام قيس مستحيياً. فقال له يزيد أما أنت قبارزتها على أنها رجل. فقال أرأيت لو قتلت. أما كان يقال قتلته امرأة. وأبلى يومئذ ابن المنجب السدوسي. فقال له غلام له يقال له خلاج والله لوددنا انا فضضنا عسكرهم حتى اسير الى مستقرهم فاستلب مما هناك جاريتين. فقال له مولاه وكيف تمنيت اثنتين. قال لاعطيك احداهما وآخذ الأخرى فقال ابن المنجب.

    اخلاج انك لـن تعانق طفلة




    شرقاً بها الجادي كالتمثال (٣)

    حتى تلاقى في الكتيبة معلماً




    عمرو القنا وعبيدة بن هلال

    __________________

    (٣) بفتح الطاء الناعمه. والجادي الزعفران.
    ١٢٨

    وترى المقطر في الكتيبة مقدماً




    في عصبة قسطوا مع الضلال

    أو وان يـعلمك المهلب غزوة




    وتـرى جبالا قـد دنت لجبال

    قال الراوي : وكان بشر بن المغيرة ابلى يومئذ بلاء حسناً عرف مكانه فيه. وكانت بينه وبين بني المهلب جفوة. فقال لهم يا بني عم اني قد قصرت عن شكاة العاتب وجاوزت شكاة المستعتب حتى كأني لا موصول ولا محروم فاجعلوا الى فرجة اعش بها وهبوني امراً رجوتم نصره او خفتم لسانه فرجعوا له ووصلوه وكلموا فيه المهلب فوصله ، قال وولي الحجاج كردماً فارس فوجهه الحجاج اليها والحرب قائمة فقال رجل من أصحاب المهلب.

    ولـو رآهـا كردماً لكردما




    كردمة العير أحس الضيغما

    قال : وكتب المهلب الى الحجاج يسأله أن يتجافى له عن اصطخر ودر ابجرد لارزاق الجند ففعل ، وكان قطري هدم مدينة اصطخر لأن أهلها كانوا يكاتبون المهلب بأخباره. وأراد مثل ذلك بمدينة فسا فاشتراها منه آزاد مرد بن الهربذ بمائة الف درهم فلم يهدمها فواقعه المهلب فهزمه ونفاه الى كرمان واتبعه ابنه المغيرة. وقد كان دفع اليه سيفاً وجه به الحجاج الى المهلب وأقسم عليه أن يتقلده فدفعه الى المغيرة بعدما تقلد به فرجع به المغيرة اليه وقد دماه فسر المهلب بذلك. وقال ما يسرني ان اكون كنت دفعته الى
    ١٢٩

    غيرك من ولدي. اكفني جباية خراج هاتين الكورتين وضم اليه الرقاد فجعلاً يجبيان ولا يعطيان الجند شيئاً ، قال : وحاربهم المهلب بالسيرجان حتى نفاهم عنها إلى جيرفت. واتبعهم فنزل قريباً منهم. واختلفت كلمتهم ، وكان سبب ذلك أن عبيدة بن هلال اليشكري اتهم بامرأة رجل حداد رأوه مراراً يدخل منزله بغير اذن. فأتوا قطرياً فذكروا ذلك له. فقال لهم ان عبيدة من الدين بحيث علمتم ومن الجهاد بحيث رأيتم. فقالوا انا لا نقاره على الفاحشة فقال انصرفوا. ثم بعث الى عبيدة فأخبره وقال انا لا نقار على الفاحشة فقال بهتوني يا أمير المؤمنين فما ترى؟ قال اني جامع بينك وبينهم فلا تخضع خضوع المذنب ولا تتطاول تطاول البريء فجمع بينهم فتكلموا فقام عبيدة فقال بسم الله الرحمن الرحيم. ان الذين جاؤا بالافك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم. الآيات ، فبكوا وقاموا اليه فاعتقوه وقالوا استغفر لنا ففعل ، فقال لهم عبد ربه الصغير. مولى بني قيس بن ثعلبة والله لقد خدعكم فبايع عبد ربه منهم ناس كثير لم يظهروا ولم يجدوا على عبيدة في اقامة الحد ثبتاً ، وكان قطري قد استعمل رجلاً من الدهاقين فظهرت له اموال كثيرة فأتوا قطرياً فقالوا ان عمر بن الخطاب لم يكن يقار عماله على مثل هذا. فقال قطري اني استعملته وله ضياع وتجارات فأوغر ذلك صدورهم. وبلغ ذلك المهلب. فقال ان اختلافهم أشد عليهم مني. وقالوا لقطري ألا تخرج بنا إلى عدونا فقال لا. ثم خرج
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    وقعة النهروان او الخوارج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة النهروان او الخوارج   وقعة النهروان او الخوارج Emptyالسبت أكتوبر 19, 2024 4:49 pm



    فقالوا قد كذب وارتد فاتبعوه يوماً فأحس بالشر. فدخل دار امن جماعة من أصحابه فصاحوا به يا دابةٍ اخرج الينا. فخرج اليهم. فقال رجعتم بعدي كفاراً فقالوا أولست دابة؟. قال : الله عز وجل وما من دابة في الأرض الا على الله رزقها ، ولكنك كفرت بقولك انا قد رجعنا كفاراً فتب الى الله عز وجل. فشاور عبيدة. فقال ان تبت لم يقبلوا منك. ولكن قل انما استفهمت فقلت أرجعتم بعدي كفاراً. فقال ذلك لهم فقبلوه منه فرجع الى منزله وعزم أن يبايع المقعطر العبدي فكرهه القوم وأبوه. فقال له صالح بن مخراق عنه وعن القوم ابغ لنا غير المقعطر. فقال قطري ألى طول العهد قد غيركم وأنتم بصدد عدوكم فاتقوا الله واقبلوا على شأنكم واستعدوا للقاء القوم. فقال له صالح بن مخراق ان الناس قبلنا ساموا عثمان بن عفان أن يعزل عنهم سعيد بن العاصي ففعل. ويجب على الامام أن يعفي الرعية مما كرهت. فأبى قطري أن يعزله. فقال له القوم انا خلعناك وولينا عبد ربه الصغير ، فانفصل الى عبد ربه اكثر من الشطر وجلهم الموالي والعجم. وكان هناك منهم ثمانية آلاف وهم القراء. ثم ندم صالح بن مخراق فقال لقطري هذه نفحة من نفحات الشيطان فأعفنا من المقعطر. وسر بنا. الى عدوك فأبى قطري الا المقعطر فحمل فتى من العرب على صالح بن مخراق فطعنه فأنفذه وأجره الرمح فقتله. فنشبت الحرب بينهم فتهايجوا ثم انحاز كل قوم الى صاحبهم. فلما كان الغد اجتمعوا فاقتتلوا قتالاً شديداً
    ١٣١

    فأجلت الحرب عن ألفي قتيل. فلما كان الغد باكروهم القتال فلم ينتصف النهار حتى أخرجت العجم العرب من المدينة. وأقام عبد ربه بها وصار قطري خارجاً من مدينة جيرفت بازائهم. فقال له عبيدة يا أمير المؤمنين ان أقمت لم آمن هذه العبيد عليك الا أن تخندق فخندق على باب المدينة وجعل يناوشهم. وارتحل المهلب فكان منهم على ليلة فدس رجلاً من أصحابه فقال أئت عسكر قطبي. فقل اني لم ازل أرى قطرياً يصيب الرأي حتى نزل منزله هذا فبان خطؤه. أنقيم بين المهلب وعبد ربه يغاديه هذا القتال ويراوحه هذا. فنما الكلام الى قطري. فقال صدق. تنحوا بنا عن هذا الموضع. فان اتبعنا المهلب قاتلناه. وأن أقام على عبد ربه رأيتم فيه ما تحبون فقال له الصلت بن مرة يا أمير المؤمنين ان كنت تريد الله فاقدم على القوم. وان كنت تريد الدنيا فاعلم اصحابك حتى يستأمنوا.

    وانشأ الصلت يقول :

    قـل للمحلين قـد قـرت عيونكم




    بفـرقة القـوم والبغضاء والهرب

    كنـا انـاساً علـى ديـن فغيرنـا




    طـول الجدال وخـلط الجد باللعب

    ما كان أغنـى رجالاً ضل سعيهم




    عـن الجدال وأغناهم عن الخطب

    اني لاهونكم في الأرض مضطرباً




    مالي سوى فرسي والرمح من نشب

    ١٣٢

    ثم قال : أصبح المهلب يرجو منا ما كنا نطمع فيه منه. فارتحل قطري وبلغ ذلك المهلب. فقال لهريم بن عدي بن ابي طحمة المجاشعي اني لا آمن أن يكون قطري كاذباً بترك موضعه. فاذهب فتعرف الخبر فمضى هريم في اثني عشر فارساً فلم ير في العسكر الا عبداً وعلجاً فسألهما عن قطري وأصحابه فقالا مضوا يرتادون غير هذا المنزل. فرجع هريم الى المهلب فأخبره فارتحل المهلب حتى نزل خندق قطري فجعل يقاتلهم أحياناً بالغداة وأحياناً بالعشي قال : ولما كان العشي خرج الأزارقة وقد حملوا حرمهم وأموالهم وخف متاعهم لينتقلوا فقال المهلب لأصحابه الزموا مصافكم واشرعوا رماحكم ودعوهم والذهاب ، فقال له عبيد هذا لعمري أيسر عليك فقال للناس ردوهم عن وجهتهم وقال لبنيه تفرقوا في الناس ، وقال لعبيد بن ابي ربيعة كن مع يزيد فخذه بالمحاربة أشد الأخذ ، وقال لأحد الامينين كن مع المغيرة ولا ترخص له في الفتور. فاقتتلوا قتالاً شديداً حتى عقرت الدواب. وصرع الفرسان وقتلت الرجال فجعلت الخوارج تقاتل على القدح يؤخذ منها والسوط والعلق الخسيس أشد قتال. وسقط رمح لرجل من مراد من الخوارج فقاتلوا عليه حتى كثر الجراح والقتل وذلك مع المغرب والمرادي يقول :

    الليل ليل فيـه ويل ويل




    وسال بالقوم الشراة السيل

    ان جاز للأعداء فينا قول
    ١٣٣

    فلما عظم الخطب فيه بعث المهلب الى المغيرة خل عن الرمح عليهم لعنة الله فخلوا لهم عنه. ثم مضت الخوارج حتى نزلوا على اربعة فراسخ من جيرفت ودخلها المهلب وأمر بجمع ما كان لهم فيها من المتاع وما خلفوه من رقيق وختم عليه هو والثقفي والامينان. ثم أتبعهم فاذا هم قد نزلوا على عين لا يشرب منها الأقوى. يأتي الرجل بالدلو قد شدها في طرف رمحه فيستقي بها وهناك قرية فيها أهلها فغاداهم القتال إلى نصف النهار ، فقال المهلب لأبي علقمة العبدي. وكان شجاعاً عانياً أمدد بخيل اليحمد وقل لهم فليعيرونا جماجمهم ساعة فقال له ان جماجمهم ليس بفخار فتعار وليست أعناقهم كرادي فتنبت ، وقال لحبيب بن أوس كر على القوم فلم يفعل وقال :

    يقول لي الأمير بغيـر علـم




    تقـدم حين جـد به المراس

    فمـالي ان اطعتك مـن حياة




    ومالي غير هذا الرأس راس

    وقال لمعن بن المغيرة بن ابي صفرة احمل. فقال لا الا ان تزوجني ام مالك بنت المهلب ففعل فحمل على القوم فكشفهم وطعن فيهم وقال :

    ليست من يشتري الغداة بمال




    هلكـه اليوم عنـدنا فيرانا

    نصل الكر عنـد ذاك بطعن




    ان للمـوت عندنـا الوانا

    ١٣٤

    ثم جال الناس جولة عند جملة حملها عليهم الخوارج فم يزالوا على ذلك حتى ضعف الفريقان ، فلما كانت الليلة التي قتل في صبيحتها عبد ربه جمع أصحابه ، وقال يا معشر المهاجرين ان قطرياً وعبيدة هرباً طلب البقاء ولا سبيل اليه فالقوا عدوكم فان غلبوكم على الحياة فلا يغلبنكم على الموت فتلقوا الرماح بنحوركم والسيوف بوجوهكم وهبوا أنفسكم لله في الدنيا يهبها لكم في الآخرة ، قال ولما أصبحوا غادوا المهلب فقاتلوه قتالا شديداً انسى به ما كان قبله.

    وقال عبدالله بن رزام الحارثي لأصحاب المهلب احملوا. فقال المهلب أعرابي مجنون. وكان من أهل نجران فحمل وحده فاخترق القوم حتى نجم من ناحية اخرى. ثم رجع ثم كر ففعل فعلته الأولى وتهايج الناس فترحلت الخوارج وعقروا دوابهم فناداهم عمرو القنا ولم يترجل هو وأصحابه من العرب ، وكانوا زهاء أربعمائة موتوا على ظهور دوابكم ولا تعقروها فقالوا انا اذا كنا على الدواب ذكرنا الفرار فاقتتلوا ونادى المهلب بأصحابه الأرض الأرض ، وقال لبنيه تفرقوا في الناس ليروا وجوهكم. ونادى الخوارج إلا أن العيال لمن غلب فصبر بنوا المهلب وصبر يزيد بين يدي ابيه وقاتل قتالاً شديداً أبلى فيه. فقال له ابوه يا بني اني أرى موطناً لا ينجو فيه إلا من صبر وما مر بي يوم مثل هذا منذ مارست الحروب ، وكسرت الخوارج أجفان سيوفها وتجاولوا فأجلت جولتهم عن عبد ربه مقتولاً.
    ١٣٥

    فهرب عمرو القنا وأصحابه واستأمن قوم وأجلت الحرب عن أربعة آلاف قتيل وجرحى كثير من الخوارج. فأمر المهلب بأن يدفع كل جريح الى عشيرته. وظفر بعسكرهم فحوى ما فيه. ثم انصرف الى جيرفت. فقال الحمد لله الذي ردنا الى الخفض والدعة فما كان عيشنا بعيش ، ثم نظر الى قوم في عسكره لم يعرفهم فقال ما أشد عادة السلاح ناولوني درعي فلبسها. ثم قال خذوا هؤلاء فلما صير بهم اليه. قال ما أنتم؟ قالوا نحن جئنا لنطلب غرتك لنفتك بك فأمر بهم فقتلوا قاب وكتب الحجاج الى المهلب. أما بعد فان الله عز وجل قد فعل بالمسلمين خيراً. وأراحهم من حد الجهاد. وكنت أعلم بما قبلك والحمد لله رب العالمين. فاذا ورد عليك كتابي هذا فأقسم في المجاهدين فيئهم ونفل الناس على قدر بلائهم. وفضل من رأيت تفضيله وان كانت بقيت من القوم بقية فخلف خيلاً تقوم بازائهم. واستعمل على كرمان من رأيت. وول الخيل شهماً من ولدك. ولا ترخص لأحد في اللحاق بمنزله دون أن تقدم بهم علي. وعجل القدوم ان شاء الله. فولى المهلب ابنه يزيد كرمان. وقال له يا بني انك اليوم لست كما كنت انما لك من مال كرمان ما فضل عن الحجاج ولن تحتمل الا على ما احتمل عليه أبوك. فأحسن الى من معك. وان انكرت من انسان شيئاً وجهه الي وتفضل على قومك. وقدم المهلب على الحجاج فأجلسه الى جانبه وأظهر اكرامه وبره ، وقال يا أهل العراق
    ١٣٦

    أنتم عبيد المهلب. ثم قال انت والله كما قال لقيط الأيادي :

    وقلـدوا أمـركم لله دركم




    رحب الذراع بامر الحرب مضطلعاً

    لا يطعـم النـوم الا ريث يبعثـه




    هـم يكـاد حـشاه يـقصم الضلعا

    لا مترفاً ان رخاء العيش ساعـده




    ولا اذا عـض مكـروه بـه خشعاً

    ما زال يحلب هذا الدهر اشطـره




    يكـون متبعـاً طـوراً ومتبعاً

    حتى استمرت على شزر مريرته




    مستحكم الرأي لا قحماً ولا ضرعاً

    ١٣٧

    [ واقعة صالح بن مسرح ]

    كان صالح بن مسرح من رؤساء الخوارج. وكان بدارات أرض الموصل. فخرج بأصحابه على عبد الملك بن مروان. ليلة الأربعاء هلال صفر سنة ست وتسعين. وكان أحد قواده شبيب بن يزيد الشيباني فأول ما عملوه وقعوا على دواب لمحمد بن مروان في رستاق فنهبوها وحملوا عليها أثقالهم. وتحصن منهم أهل دارات. فبلغ خبرهم محمد بن مروان وهو يومئذ امير الجزيرة. فاستخف بأمرهم وبعث اليهم عدي بن عميرة في خمسمائة. وكان صالح في مائة وعشرة. فقال عدي أصلح الله الأمير تبعثني الى رأس الخوارج. ومعه رجال سمعوا لي وان الرجل منهم خير من مائة فارس في خمسمائة فقال له اني ازيدك خمسمائة فسر اليهم في ألف فارس. فسار من حران في ألف رجل. وكأنما يساقون الى الموت. وكان عدي رجلاً ناسكاً فلما نزل ذرعان نزل بالناس وأنفذ إلى صالح بن مسرح رجلاً
    ١٣٨

    دسه اليه فقال : ان عدياً بعثني اليك يسألك أن تخرج عن هذا البلد. وتأوي الى بلد آخر فتقاتل أهله فاني للقتال كاره. فقال له صالح ارجع اليه فقل له ان كنت ترى رأينا فأرنا من ذلك ما نعرف ثم نحن مدلجون عنك. وان كنت على رأي الجبابرة وأئمة السوء رأينا رأينا فأما بدأنا بك وإلا رحلنا الى غيرك. فانصرف اليه الرسول فأبلغه. فقال له عدي ارجع اليه فقال له اني والله لا أرى رأيك ولكني اكره قتالك وقتال غيرك من المسلمين. فقال صالح لاصحابه اركبوا واحتبس الرجل عنده ومضى بأصحابه حتى اتي عدياً في سوق ذرعان وهو قائم يصلي الضحى فلم يشعر الا بالخيل طالعة عليهم فلما دنا صالح منهم رأهم على غير تعبئة وقد تنادوا وبعضهم يجول في بعص. فأمر شبيباً فحمل عليهم. في كتيبة ثم أمر سويداً فحمل في كتيبة. فكانت هزيمتهم. وأتى عدي بدابته فركبها ومضى على وجهه. واحتوى صالح على عسكره وما فيه. وذهب فل عدي حتى لحقوا بمحمد بن مروان فغضب. ثم دعا بخالد بن جزء السلمي فبعثه في ألف وخمسماية. ودعا الحرث بن جعوية في ألف وخمسماية. وقال لهما اخرجا الى هذه الخارجة القليلة الخبيثة وعجلا فأيكما سبق فهو الأمير على صاحبه فخرج واجداً في السير وجعلاً يسألان عن صالح. فقيل لهما توجه نحو آمد فأتبعاه حتى انتهيا اليه بآمد فنزلا
    ١٣٩

    ليلاً وخندقا وهما متساندان كل واحد منهما على حدته فوجه صالح شبيباً الى الحرث بن جعوبة في شطر أصحابه وتوجه هو نحو خالد السلمي. فاقتتلوا أشد قتال اقتتله قوم حتى حجر بينهم الليل وقد انتصف بعضهم من بعض. فتحدث بعض أصحاب صالح قال كنا اذا حملنا عليهم استقبلنا رجالهم بالرماح ونضحنا رماتهم بالنبل وخيلهم تطاردنا في خلال ذلك. فانصرفنا عند الليل وقد كرهناهم وكرهونا فما رجعنا وصلينا وتروحنا وأكلنا من الكسر دعانا صالح. وقال : يا اخلائي ماذا ترون؟ فقال شبيب : انا ان قاتلنا هؤلاء القوم وهم معتصمون بخندقهم لم ننل منهم طائلاً. والرأي أن نرحل عنهم. فقال صالح وأنا ارى ذلك فخرجوا من تحت ليلتهم حتى قطعوا أرض الجزيرة وأرض الموصل ومضوا حتى قطعوا أرض الدسكرة. فلما بلغ ذلك الحجاج سرح عليهم الحارث بن عميرة في ثلاثة آلاف. فسار اليهم وخرج صالح نحو كلولاء وخانقين واتبعه الحرث. حتى انتهى الى قرية يقال لها الريح وصالح يومئذ في تسعين رجلاً فعبى الحرث بن عميرة أصحابه ميمنة وميسرة. وجعل صالح أصحابه ثلاثة كراديس. وهو في كردوس. وشبيب في ميمنته في كردوس وسويد بن سليم في كردوس في ميسرته في كل كردوس منهم ثلاثون رجلاً فلما شد عليهم الحرث بن عميرة انكشف سويد بن سليم. وثبت صالح
    ١٤٠

    فقتل. وضارب شبيب حتى صرع عن فرسه فوقع بين رجاله فجاء حتى انتهى الى موقف صالح فوجده قتيلاً فنادى الي يا معشر المسلمين فلاذوا به فقال لأصحابه ليجعل كل رجل منكم ظهره الى ظهر صاحبه وليطاعن عدوه اذا قدم عليه حتى ندخل هذا الحصن ونرى راينا ففعلوا ذلك. حتى دخلوا الحصن وهو سبعون رجلاً مع شبيب. وأحاط بهم الحرث بن عميرة ممسياً. وقال لأصحابه احرقوا الباب فاذا صار جمراً فدعوه فانهم لا يقدرون على الخروج حتى نصبح فنقتلهم ففعلوا ذلك بالباب. ثم انصرفوا الى معسكرهم فقال شبيب لاصحابه يا هؤلاء ما تنتظرون؟ فوالله ان اصبحوكم انه لهلاككم. فقالوا له مرنا بأمرك. فقال لهم بايعوني ان شئتم أو بايعوا من شئتم منكم. ثم اخرجوا بنا حتى نشد عليهم في عسكرهم فانهم آمنون منكم. واني أرجو أن ينصركم الله عليهم. قالوا ابسط يدك فبايعوه. فلما جاؤا الى الباب وجدوه جمراً فأتوه باللبود فبلوها بالمآء ثم القوها عليه وخرجوا فلم يشعر الحرث بن عميرة الا وشبيب وأصحابه يضربونهم بالسيوف في جوف عسكرهم فضارب الحرث حتى صرع واحتمله أصحابه وانهزموا وخلوا لهم المعسكر وما فيه ومضوا حتى نزلوا المدائن. وكان ذلك أول جيش هزمه شبيب.
    ١٤١

    [ وقائع شبيب بن يزيد الشيباني ]

    كان شبيب يكنى بأبي الصحارى. وكان بأرض الموصل والجزيرة فقصد عبد الملك بن مروان بالشام وطلب منه أن يساوي عطاءه وعطاء الأشراف فأنكره عبد الملك. فقال شبيب يوشك أن يعرفني فخرج من وقته الى صالح بن مسرح رأس الخوارج. فجعله صالح من قواده وحارب معه الأمويين. حتى اذا قتل صالح بن مسرح. جمع شبيب الصالحية وأصحابه من بني شيبان وغلب على حد كسكران المدائن فتحصن منه أهلها. فأنتهب المدائن الا الاولى واصاب دواب من دواب الجند وقتل من ظهر له ولم يدخل البيوت. ثم أتى فقيل له هذا سورة قد أقبل اليك فخرج في أصحابه حتى أتوا مصارع اخوانهم الذين قتلهم علي بن ابي طالب (ع) فاستغفروا لهم وتبرؤا من علي وأصحابه وبكوا فأطالوا البكاء ثم عبروا جسر النهروان فنزلوا من جانبه الشرقي وجاء سورة حتى نزل بنفطر انا وجاءته
    ١٤٢

    عيونه فأخبروه بمنزل شبيب بالنهروان. فدعا سورة رؤوس أصحابه. فقال لهم ان الخوراج قلما يلقون في صحراء وعلى ظهر الا انتصفوا وقد حدثت انهم لا يزيدون على مائة رجل وقد رأيت أن أنتخبكم وأسير في ثلثمائة رجل منكم من أقويائكم وشجعانكم فأبيتهم فانهم آنسون من بياتكم واني والله ارجوا ان يصرعهم الله مصارع اخوانهم في النهروان من قبل. فقالوا اصنع ما أحببت. فاستعمل على عسكره حازم بن قدامة. وانتخب ثلاثمائة من شجعان أصحابه ثم أقبل بهم حتى قرب من النهروان وبات وقد أذكى الحرس ثم بيتهم. فلما دنا أصحاب سورة منهم نذروا بهم فاستووا على خيولهم وتعبوا تعبيتهم. فلما انتهى اليهم سورة وأصحابه اصابوهم ، وقد نذروا فحمل عليهم سورة فصاح شبيب بأصحابه فحمل عليهم حتى تركوا له العرصة. وحمل شبيب وجعل يضرب ويقول : من ينك العيرينك نياكاً. فرجع سورة مفلولاً قد هزم فرسانه وأهل القوة من أصحابه وأقبل نحو المدائن وتبعه شبيب حتى انتهى سورة الى بيوت المدائن والنتهى شبيب اليهم وقد دخل الناس البيوت وخرج ابن ابي عصيفر وهو امير المدائن يومئذ في جماعة فلقيهم في شوارع المدائن ورماهم الناس بالنبل والحجارة من فوق البيوت. ثم سار شبيب الى تكريت.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    وقعة النهروان او الخوارج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة النهروان او الخوارج   وقعة النهروان او الخوارج Emptyالسبت أكتوبر 19, 2024 4:51 pm



    لما صار شبيب الى تكريت وجه الحجاج الجزل وهو عثمان بن سعيد في أربعة آلاف فسار الجزل نحو المدائن وهو يظن أن شبيباً هناك حتى اذا وصلها لم يجد فسأل عنه فأخبرانه توجه الى تكريت فلحقه والتقى معه في أرض خوخي. ووقعت بينهما المعركة فهرب شبيب بأصحابه وصار الجزل يطارده بكتائبه وجاء كتاب من الحجاج الى الجزل يحضه على قتالهم وكان قد سمع الحجاج أن الجزل يراوغ الخوارج. قال : فارسل الحجاج سعيد بن المجالد اميراً بدله وعهد اليه اذا التقى بالمارقة أن يزحف عليهم ولا يناظرهم ولا يطاولهم ولا يصنع صنع الجزل. وكان الجزل يومئذ قد انتهى في طلب شبيب الى النهروان. وقد لزم عسكره وخندق عليهم. فجاء سعيد حتى دخل عسكر أهل الكوفة اميراً. فقام فيهم خطيباً. فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال : يا أهل الكوفة انكم قد عجزتم ووهنتم وأغضبتم عليكم أميركم أنتم في طلب هذه الأعاريب العقف منذ شهرين قد أخربوا بلادكم وكسروا خراجكم وأنتم حذرون في جوف هذه الخنادق ولا تزايلونها الا أن تبلغكم أنهم قد ارتحلوا عنكم ونزلوا بلداً سوى بلدكم اخرجوا على اسم الله اليهم. ثم خرج وخرج الناس معه. فقال الجزل ما تريد أن تصنع قال : اقدم على شبيب وأصحابه في هذه الخيل فقال له الجزل أقم أنت في جماعة الناس فارسهم وراجلهم ولا
    ١٤٤

    تفرق أصحابك ودعني اصحر له فان ذلك خير لك وشر لهم فقال سعيد بل تقف أنت في الصف وأنا اصحر له. فقال الجزل اني بريء من رأيك هذا سمع الله ومن حضر من المسلمين. فقال سعيد هو رأيي ان أصبت فيه فالله وفقني وان أخطأت فيه فأنتم براء. فوقف الجزل في صف الكوفة. وقد جعل على ميمنتهم عياض بن ابي ليينة الكندي وعلى وعلى ميسرتهم عبد الرحمن بن عوف وأبا حميد الراسبي ووقف الجزل في جماعتهم واستقدم سعيد بن مجالد والناس معه. وقد أخذ شبيب الى نزار الدور فنزل قطيطاً وأمر دهقانها أن يشوي لهم غنماً ويعدلهم غذاء ففعل. وأغلق مدينة قطيطاً ولم يفرغ الدهقان من طعامه حتى أحاط ابن مجالد فصعد الدهقان ثم نزل وقد تغير لونه. فقال شبيب ما بالك؟ قال قد جاءك جمع عظيم. قال ابلغ شواؤك؟ قال لا. قال دعه يبلغ ثم أشرف الدهقان اشرافة اخرى ثم نزل فقال قد أحاطوا بالجوسى. قال هات شواءك فجعل يأكل غير مكترث بهم. ولا فزع (١) فلما فرغ. قال لأصحابه قوموا الى الصلاة وقام فتوضأ فصلى بأصحابه صلاة الأولى ولبس درعه وتقلد سيفه وأخذ عموده الحديد. ثم قال اسرجوا لي بغلتي فقال أخوه أفي مثل هذا اليوم

    __________________

    (١) اراد أن يريه ثبات جنانه.
    ١٤٥

    تركب بغلة؟ قال نعم أسرجوها فركبها. ثم قال : يا فلان انت على الميمنة. وأنت يا فلان على الميسرة. وانت يا مضاد يعني أخاه على القلب وأمر الدهقان ففتح الباب في وجوههم فخرج اليهم وهو يحكم وحمل حملة عظيمة فجعل سعيد وأصحابه يرجعون القهقري حتى صار بينهم وبين الدير ميل. وشبيب يصيح اتاكم الموت الزؤام فاثبتوا وسعيد يصيح يا معشر همدان الي اي انا ابن ذي مران. فقال شبيب لمضاد ويحك استعرضهم استعراضاً فانهم قد تقطعوا واني حامل على أميرهم وأثكلنيك الله ان لم اثكل ولده.ثم حمل على سعيد فعلاه بالعمود ثم سقط ميتاً. وانهزم أصحابه ولم يقتل يومئذ من الخوارج الا رجل واحد وانتهى قتل سعيد الى الجزل. فناداهم ايها الناي الي الي وصاح عياض بن ابي ليينة أيها الناس ان يكن اميركم هذا القادم هلك فهذا اميركم الميمون النقيبة أقبلوا اليه فمنهم من أقبل اليه ومنهم من ركب فرسه منهزماً. وقاتل الجزل يومئذ قتالاً شديداً حتى صرع وحامى عنه خالد بن نهيك وعياض بن ابي ليينة حتى استنقذاه مرتثاً. وأقبل الناس منهزمين حتى دخلوا الكوفة وأتى بالجزل جريحاً حتى دخل المدائن. فكتب الجزل الى الحجاج ما كان من أمر سعيد ومقتله وفل عسكره. فأجابه الحجاج شاكراً له صنعه وأرسل
    ١٤٦

    اليه جبار بن الاعز الطبيب ليداويه ويعالج جراحاته : قال ابن ابي الحديد وأما شبيب فاقبل حتى قطع دجلة عند الكرخ وأخذ بأصحابه نحو الكوفة. وبلغ الحجاج مكانه بحمام أعين فبعث اليه سويد بن عبد الرحمن السعدي وجهزه بألفي فارس منتخبين. وقال اخرج الى شبيب فالقه ولا تتبعه فخرج بالناس بالسبخة وبلغه أن شبيباً قد أقبل فسار نحوه كأنما يساق الى الموت هو وأصحابه. وأمر الحجاج عثمان بن قطن فعسكر بالناس في السبخة ونادى الا برأت الذمة من رجل من هذا الجند بات الليلة بالكوفة ولم يخرج الى عثمان بن قطن بالسبخة. فبينا سويد بن عبد الرحمن يسر في الألفين الذين معه وهو يعبيهم ويحرضهم اذ قيل قد غشيك شبيب. فنزول ونزل معه جل أصحابه وقدم رايته. فأخبر أن شبيباً لما علم بمكانه تركه ووجد مخاضة فعبر الفرات يريد الكوفة من غير الوجه الذي سويد بن عبد الرحمن به. ثم قيل أما تراهم فنادى في أصحابه فركبوا في آثارهم. فأتى شبيب دار الرزق فنزلها. وقيل له أن أهل الكوفة بأجمعهم معسكرون. فلما بلغهم مكان شبيب ماج الناس بعضهم الى بعض وجالوا وهموا بدخول الكوفة حتى قيل هذا سويد بن عبد الرحمن في آثارهم قد لحقهم وهو يقاتلهم في الخيل. ومضى شبيب حتى أخذ على شاطىء الفرات. ثم أخذ على الأنبار. ثم دخل دقوقاً. ثم ارتفع
    ١٤٧

    الى أداني آذربيجان. وخرج الحجاج من الكوفة الى البصرة حيث فقد شبيب. واستخلف على الكوفة عروة بن المغيرة بن شعبة. فما شعر الناس الا بكتاب ما دارست دهقان بابل مهروذ الى عروة بن المغيرة بن شعبة. ان تاجراً من تجار أهل بلادي أتاني يذكر أن شبيباً يريد أن يدخل الكوفة في أول هذا الشهر المستقبل واحببت اعلامك لترى رأيك واني لم ألبث بعد ذلك اذ جاءني اثنان من جيراني فحدثاني أن شبيباً قد نزل خازبار. فأخذ عروة كتابه وأدرجه وسرح به الى الحجاج الى البصرة فلما قرأه الحجاج أقبل جاداً الى الكوفة واقبل شبيب حتى انتهى الى قرية ـ حربي ـ على شاطىء دجلة فعبرها. وقال لأصحابه يا هؤلاء ان الحجاج ليس بالكوفة وليس دون أخذها شيء ان شاء الله. فسيروا بنا نبادر الحجاج الى الكوفة فالعجل العجل. فطوى الحجاج المنازل مسابقاً لشبيب الى الكوفة فسبقه ونزلها صلاة العصر. ونزل شبيب السبخة صلاة العشاء الآخرة فأصاب هو وأصحابه من الطعام شيئاً يسيراً. ثم ركبوا خيولهم فدخل شبيب الكوفة في أصحابه حتى انتهى الى السوق. وشد حتى ضرب القصر بعموده. فحدث جماعة أنهم رأوا أثر ضربة شبيب بالعمود بباب القصر. ثم اقبل حتى وقف عند باب المصطبة وأنشد.
    ١٤٨

    وكأن حافرها بـكل ثنية




    فرق يكيل به شحيح معدم

    ثم أقحم هو وأصحابه المسجد الجامع ولا يفارقه قوم يصلون

    فيه فقتل منهم جماعة. ثم خرج ومر بطريقه بدار حوشب. وكان على شرطة الحجاج فوقف على بابه ومعه جماعته فصاحوا ان الأمير يدعوك فظن أن الحجاج يدعوه فخرج غلامه وأخرج برذونه ليركبه ونزل حوشب فاذا هو بشبيب واصحابه فعلجوا اليه فغلق الباب في وجوههم وقتلوا غلامه وأخذوا برذونه وانصرفوا. ثم مروا بمسجد بني ذهل فلقوا ذهل ابن الحرث وكان يصلي في مسجد قومه فصادفوه منصرفاً الى منزله فقتلوه. ثم خرجوا متجهين الى الردمة. وأمر الحجاج فنودي يا خيل الله اركبي وابشري وهو فوق القصر ينادي وهناك مصباح مع غلام له قائم. وكان أول من جاء من الناس عثمان بن قطن ومعه مواليه وناس من أهله. وقال اعلموا الأمير مكاني أنا عثمان بن قطن فيأمرني بأمره. وجاء بعض الناس حتى الصباح. وكان عبد الملك بن مروان بعث محمد بن موسى بن طلحة على سجستان وكتب له عهده اليها. وكان قد أمر والحجاج أن يسرح له الفي فارس. فهيأ له العسكر وقال له أن شبيباً في طريقك فناجزه فاستجاب له وبعث الحجاج بشر بن غالب الأسدي في ألفي رجل وزياد بن قدامة في ألفين. وأبا الضرّيس مولى تميم في ألف من الموالي وأعين صاحب حمام أعين ـ مولى لبشر
    ١٤٩

    بن مروان في ألفين رجل. وجماعة غيرهم. فاجتمعت تلك الامراء في أسفل الفرات. وترك شبيب الوجه الذي فيه جماعة هؤلاء القواد وأخذ نحو القادسية فوجه الحجاج زجر بن قيس في جريدة خيل تقاوم عدتها ألف وثمانمائة ، فارس. وقال له اتبع شبيباً حتى تواقعه حيثما أدركته فخرج زجر بن قيس حتى انتهى الى السليحين وبلغ شبيباً مسيره اليه. فاقبل نحوه فالتقيا وقد جعل زجر على ميمنته عبيد الله بن كنار. وكان شجاعاً. وعلى ميسرته عدي بن عدي بن عميرة الكندي. وجمع شبيب خيله كلها كبكبة واحدة. ثم اعترض بها الصف يوجف وجيفاً حتى انتهى الى زجر فنزل زجر فقاتل حتى صرع. وانهزم أصحابه وظن انه قد قتل. فلما كان الليل وأصابه البرد قام يمشي حتى دخل قرية فبات بها وحمل منها الى الكوفة وبوجهه أربع عشرة ضربة فمكث أياماً حتى أتى الحجاج وعلى وجهه القطن فأجلسه معه على السرير. وقال أصحاب شبيب لشبيب وهم يظنون أنهم قد قتلوا زجراً. قد هزمنا جندهم وقتلنا اميرهم. فانصرف بنا الآن موفورين. فقال لهم ان قتلكم هذا الرجل وهزيمتكم هذا الجند قد أرعب هؤلاء الامراء. فاقصدوا بنا قصدهم فوالله لئن نحن قتلناهم ما دون قتل الحجاج وأخذ الكوفة شيء. فقالوا له نحن طوع لأمرك ورأيك. قال الراوي فانقض بهم جاداً نحو عين التمر واستخبر عن القوم فعرف اجتماعهم في رود آباد في أسفل الفرات على أربعاً وعشرين فرسخاً من الكوفة.
    ١٥٠

    [ من وقايع شبيب ]

    قصد شبيب بأصحابه روذ آباد حيث اجتمع هناك قواد الحجاج ولما بلغ الحجاج مسير شبيب اليهم بعث اليهم ان جمعكم قتال فأمير الناس زائدة بن قدامة. فانتهى اليهم شبيب. وفيهم سبعة امراء ، على جماعتهم زائدة بن قدامه. وقد عبىء كل أمير أصحابه على حدة وهو واقف في أصحابه فاشرف شبيب على الناس وهو على فرس له أغر كميت فنظر الى تعبيتهم. ثم رجع إلى أصحابه وأقبل في ثلاث كتائب يزحف بها. حتى اذا دنا من الناس مضت كتيبة فيها سويد بن سليم فوقفت بازاء ميمنة زائدة بن قدامة وفيهما زياد بن عمرو العتكي. ومضت كتيبة فيها مضاد أخو شبيب فوقفت بازاء الميسرة وفيها بشر بن غالب الأسدي. وجاء شبيب في كتيبة حتى وقف مقابل القوم في القلب فخرج زائدة بن قدامة يسير في الناس بين الميمنة والميسرة. يحرض الناس ويقول عباد الله انكم الطيبون الكثيرون. وقد
    ١٥١

    نزل بكم الخبيثون القليلون فاصبروا جعلت لكم الفداء انما حملتان أو ثلاث ثم هو النصر ليس دونه شيء الا ترونهم والله لا يكونون مائتي رجل انما هم أكلة رأس وهم السراق المراق انما جاؤكم ليهريقوا دماءكم. وياخذوا فيئكم. فلا يكونوا على أخذه أقوى منكم على معه وهم قليل. وانتم كثير وهم أهل فرقة وانتم اهل جماعة. فضوا الأبصار واستقبلوهم بالأسنة ، ولا تحملوا عليهم حتى آمركم ثم انصرف الى موقفه. فحمل سويد بن سليم على زياد بن عمرو العتكي فكشف صفة وثبت زياد قليلاً ثم ارتفع سويد عنهم يسيراً ثم كر علهم ثانية. فقال فروة بن لقسط الخارجي اطعنا ذلك اليوم ساعة فصبروا لنا حتى ظننت انهم لن يزولوا. وقاتل زياد بن عمرو قالاً شديداً. ولقد رأيت سويد بن سليم يومئذ وانه لأشد العرب قتالاً وأشجعهم. وهو واقف لا يعرض لهم. ثم ارتفعنا عنهم فاذا هم يتقوضون احملوا عليهم. فارسل الينا شبيب خلوهم لا تحلموا عليهم حتى يخفوا فتركناهم قليلاً. ثم حملنا عليهم الثلاثة فانهزموا فنظرت الى زياد بن عمرو وانه ليضرب بالسيوف وما من سيق يضرب به الا نبا عنه ولقد اعتروه اكثر من عشرين سيفاً وهو محفف فما ضره شيء منها. ثم انهزم وانتهينا الى محمد بن موسى بن طلحة أمير سجستان عند المغرب وهو
    ١٥٢

    قائم في أصحابه فقابلناه قتالاً شديداً وصبر لنا. ثم أن مضاداً. حمل على بشر بن غالب في اليسرة فصبر وكرم وابلى ونزل معه رجال من اهل البصرة نحو خمسين فضاربوا بأسيافهم. ثم انهزم أصحابه فشددنا على أبي الضريس فهزمناه. ثم انتهينا الى موقف أعين ثم شددنا على اعين فهزمناهم حتى انتهينا الى زائدة بن قدامة. فلما انتهوا اليه نزل ونادى يا اهل الاسلام الأرض الأرض. الا لا يكونوا على كفرهم اصبر منكم على ايمانكم. فقاتلوا عامة الليل الى السحر. ثم أن شبيباً شد على زائدة بن قدامة في جماعة من أصحابه فقتله. وقتل ربضة حوله من أهل الحفاظ. ونادى شبيب في أصحابه ارفعوا السيف وادعوهم الى البيعة فدعوهم عند الفجر الى البيعة. قال عبد الرحمن بن جندب فكنت فيمن تقدم فبايعه بالخلافة وهو واقف على فرس اغر كميت وخيله واقفة دونه. وكل من جاء ليبايعه ينزع سيفه عن عاتقه ويؤخذ سلاحه ثم يدنو من شبيب فيسلم عليه بأمرة المؤمنين. ثم يبايع فانا كذلك حتى اذا ضاء الفجر ومحمد بن موسى بن طلحة في أقصى العسكر مع أصحابه. وكان الحجاج قد جعل موقفه آخر الناس. وزائدة بن قدامة بين يديه. ومقام محمد بن موسى مقام الأمير على الجماعة كلها. فأمر محمد مؤذنه فاذن. فلما سمع شبيب الاذان. قال ما هذا؟ قيل هذا ابن طلحة لم يبرح قال : ظننت أن
    ١٥٣

    حمقه وخيلاءه سيحملانه على هذا ؛ نحوا هؤلاء عنا وانزلوا بنا. فلنصل فنزل وأذن هو ثم استقدم فصلى بأصحابه وقرأ ( ويل لكل همزة لمزة ) و ( أرأيت الذي يكذب بالدين ). ثم سلم وركب وأرسل الى محمد بن موسى بن طلحة انك امرؤ مخدوع قد اتقى بك الحجاج المنية وانت لي جار بالكوفة ولك حق فانطلق لما أمرت به ولك الله أن لا اسوءك فأبى الا محاربته فأعاد عليه الرسول فأبى الا قتاله : فقال شبيب كأني بأصحابك لو التقت حلقتا البطان لأسلموك وصرعت مصرع أمثالك فاطعني وانصرف لشأنك فاني انفس بك عن القتل. فأبى وخرج بنفسه ودعا الى البراز فبرز له البطين ثم قعنب بن سويد وهو يأبى الا شبيباً. فقالوا لشبيب انه قد رغب عنا اليك. قال فما ظنكم بمن يرغب عن الاشراف. ثم برز له وقال له انشدك الله يا محمد في دمك فان لك جواراً فأبى الا قتاله فحمل عليه بعموده الحديدي وكان في اثنا عشر رطلاً فهشم رأسه وبيضة كانت عليه فقتله ونزل اليه فكفنه ودفنه وتتبع ما غنم الخوارج من عسكره فبعث به الى أهله. واعتذر الى أصحابه. وقال هو جاري بالكوفة ولي ان أهب ما غنمت فقال له أصحابه ما دون الكوفة الآن احد يمنعك فنظر فاذا أصحابه قد فشا فيهم الجراح فقال ليس عليكم اكثر مما قد فعلتم. وخرج على نفر ثم خرج بهم نحو بغداد يطلب جانباً.
    ١٥٤

    ( من وقائع شبيب )

    قال ابن ابي الحديد وسار شبيب الى نفر فظن الحجاج انه قصد المدائن وهي باب الكوفة. ومن أخذ المدائن كان ما في يديه من أرض الكوفة اكثر. وقد هاله ذلك فبعث الى عثمان بن قطن فسرحه الى المدائن وولاه منبرها والصلاة ومعونة خوخى كلها وخراج الاستان فجاء مسرعاً حتى نزل المدائن وعزل الحجاج ابن عصيقر عن المدائن وكان الجزل مقيماً بها يداوي جراحاته. ودعى الحجاج عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث. فقال له انتخب الناس فأخرج ستمائة من قومه من كندة. واخرج من سائر الناس ستة آلاف. واستحثه الحجاج على الشخوص فخرج بعسكره يدبر بدير عبد الرحمن. فلما استتموا هناك كتب اليهم الحجاج كتاباً قرىء عليهم. والكتاب فيه تهديد ووعيد وحث على القتال. قال وارتحل عبد الرحمن بالناس حتى مر بالمدائن فنزل بها يوماً ليشتري اصحابه منها
    ١٥٥

    حوائجهم. ثم خرج بالناس نحو شبيب. فلما دنا منه ارتفع شبيب عنه الى دقوقاء وشهر زور فخرج عبد الرحمن في طلبه. حتى اذا كان على تخوم تلك الأرض أقام. وقال انما هو في أرض الموصل فليقاتل امير الموصل وأهلها عن بلادهم او فليدعوا. وبلغ ذلك الحجاج فكتب اليه أما بعد فاطلب شبيباً واسلك في اثره اين سلك حتى تدركه فتقتله. أو تنفيه عن الأرض. فانما السلطان سلطان امير المؤمنين والجند جنده والسلام. فلما قرأ عبد الرحمن الكتاب خرج في طلب شبيب فكان شبيب يدعه حتى اذا دنا منه ليبيته تركه فيتبعه عبد الرحمن. فاذا بلغ شبيباً انه قد تحمل وسار يطلبه. كر في الخيل نحوه فاذا انتهى اليه وجده قد صف خيله ورجاله المرامية فلا يصيب له غرة ولا غفلة. فيمضي ويدعه وكان شبيب يسير في الأرض الغليظة الوعرة وعبد الرحمن يتبعه فاذا دنا منه سار شبيب حتى صار الى خانقين وجلولاء. ثم اقبل على تامراً فصار الى التبت ونزل على تخوم الموصل. ثم اقبل على تامراً فصار الى التبت ونزل على تخوم الموصل. ليس بينه وبين الكوفة الا نهر حولايا وجاء عبد الرحمن حتى نزل بشرقي حولايا. وهم في ذادان الاعلى من ارض خوخى. ونزل في غوامير من النهر ونزلها عبد الرحمن حيث نزلها وهي تعجبه. يرى انها مثل الخندق الحصين. فأرسل شبيب الى عبد الرحمن ان هذه الايام أيام عيد لنا ولكم : فان رأيتم ان توادعونا حتى تمضي هذه الأيام
    ١٥٦

    فعلتم. فأجابه عبد الرحمن الى ذلك. ولم يكن شيء احب الى عبد الرحمن من المطاولة والموادعة. فكتب عثمان بن قطن الى الحجاج يخبره. فأجابه الحجاج انك أنت الأمير. فسر الى الناس فانت اميرهم وعاجل المارقة حتى تلقاهم والسلام. فخرج عثمان حتى قدم على عبد الرحمن ومن معه وهم معسكرون علىنهر حولايا قريباً من التبت. وذلك يوم التروية فباتوا ليلتهم حتى اذا أصبحوا صار عثمان يعبىء الناس. ثم أقام حتى صلى بالناس الغداء. ثم خرج بالخيل فنلز يمشي بالرجال. وخرج شبيب ومعه يومئذ مائة واحد وثمانون رجلاً. فقطع اليهم النهر. وكان في ميمنة أصحابه. وجعل على الميسرة سويد بن سليم وجعل في القلب مضاداً أخاه وزحفوا. وكان عثمان بن قطن يقول لأصحابه فيكثر. قل لن ينفعكم الفرار ان فررتم من الموت أو القتل واذاً لا تمتعون الا قليلاً. ثم قال شبيب لاصحابه اني حامل على ميسرتهم مما يلي النهر فاذا هزمتها. فتحمل صاحب ميسرتي على ميمنتهم ولا يبرح صاحب القلب حتى يأتيه امري. ثم حمل في ميمنة أصحابه مما يلي النهر على ميسرة عثمانبن قطن. انهزموا. ونزل عقيل بن شداد مع طائفة من أهل الحفاظ فقاتل حتى قتل وقتلوا معه. ودخل شبيب عسكرهم وحمل سويد بن سليم في ميسرة شبيب على عثمان بن قطن فهزمها. وعليها خالد بن نهيك
    ١٥٧

    الكندي. فنزل خالد وقاتل قتالاً شديداً فحمل عليه شبيب من ورائه فلم يثن حتى علاه بالسيف فقتله ومشى عثمان بن قطن وقد نزلت معه العرفاء والفرسان واشراف الناس نحو القلب وفيه اخو شبيب في نحو من ستين رجلاً فلما دنا منهم وأصحابه حتى فرقوا بينهم. وحمل شبيب ورائهم بالخيل فما شعروا الا والرماح في أكتافهم تكبهم لوجوههم وعطف عليهم سويد بن سليم ايضاً في خيله وقاتل عثمان فأحسن القتال. ثم ان الخوارج شدوا عليهم فأحاطوا بعثمان وحمل عليه مضاد اخو شبيب فضربه ضربة بالسيف فاستدار لها وسقط وهو يقول : وكان أمر الله قدراً مقدوراً فقتل وقتل معه العرفاء ووجوه الناس وقتل من كنده يومئذ مائة وعشرون رجلاً. وقتل ما سائر الناس نحو الف. ووقع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الى الأرض فعرفه ابن ابي سبرة. فنزل واركبه وصار رديفاً له ودخل بعدها الكوفة مستتراً من الحجاج الى أن أخذ له الأمان؟
    ١٥٨

    [ وقعة الأنبار ]

    قال : وقصد شبيب بعد ان اشتد عليه الحر. ماء النهروان. فصيف بها ثلاثة اشهر. وبعدها قصد المدائن في نحو من ثلثمائة رجل وعلى المدائن يومئذ المطرف بن المغيرة بن شعبة فجاء حتى نزل قناطر حذيفة بن اليمان. فبلغ الحجاج ذلك فكتب الى عبد الملك. اما بعد فان شبيباً قد شارف المدائن وإنما يريد الكوفة. وقد عجز أهل العراق عن قتاله في مواطن كثيرة في كلها تقتل امراءهم. وتفل خيولهم. وأجنادهم. فان رأى أمير المؤمنين أن يبعث الي حنداً من جند الشام ليقاتلوا عدوهم ويأكلوا بلادهم فعل ان شاء الله. فلما اتى عبد الملك كتابه بعث الى سفيان بن الأبرد في اربعة آلاف وبعث اليه حبيب بن عبد الرحمن بن مذحج في الفين وسرحهم نحوه حين أتاه الكتاب. وقد كان الحجاج بعث الى عتاب بن ورقاء الرياحي ليأتيه. وكان على خيل الكوفة مع المهلب ـ ودعا الحجاج أشراف أهل
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2973
    نقاط : 4624
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    وقعة النهروان او الخوارج Empty
    مُساهمةموضوع: رد: وقعة النهروان او الخوارج   وقعة النهروان او الخوارج Emptyالسبت أكتوبر 19, 2024 4:52 pm



    الكوفة منهم زهرة بن جوية وقبيصة بن والق. فقال متى ترون ان ابعث على هذا الجيش؟ قالوا رأيك ايها الأمير افضل. قال : اني قد بعثت الى عتاب بن ورقاء وهو قادم عليكم الليلة فيكون هو الذي يسير بالناس. فقال زهرة بن جوية اصلح الله الامير رميتهم بحجرهم لا والله لا يرجع اليك حتى يظفرا ويقتل. فقال قبيصة بن والق واني مشير عليك أيها الأمير بأي اجتهدته نصيحة لك ولأمير المؤمنين ولعامة المسلمين. ان الناس قد تحدثوا ان جيشاً قد وصل اليك من الشام لأن أهل الكوفة قد هزموا. وهان عليهم الفرار والعار من الهزيمة فكأنما قلوبهم في صدور قوم آخرين فان رأيت أن تبعث الى الجيش الذي قد أمددت به من أهل الشام فليأخذوا حذرهم ولا يثبتوا بمنزل الا وهم يرون أنهم يبيتون فان فعلت فانك انما تحارب حولاً قلباً محلالاً مظعاناً. ان شبيباً بينا هو في أرض اذا هو في اخرى ولا آمن ان يأتيهم وهم غارون فان يهلكوا يهلك العراق كله. فقال الحجاج الله أبوك ما احسن ما رأيت : وما أصح ما أشرت به فبعث الى الجيش الورد عليه من الشام كتاباً قرؤه. وقد نزلوا هيت. وهو أما بعد. فاذا حاذيتم هيت فدعوا طريق الفرات والأنبار وخذوا على عين التمر حتى تقدموا الكوفة إن شاء الله. فاقبل القوم سراعاً. وقدم عتاب بن ورقاء في الليلة التي قال الحجاج انه فيها قادم. فأمره الحجاج
    ١٦٠

    فخرج بالناس وعسكر بحمام اعين. وأقبل شبيب حتى انتهى الى كلواذى فقطع منها دجلة واقبل حتى نزل نهر سير وصار بينه وبين مطرف بن المغيرة بن شعبة جسر دجلة فقطع مطرف الجسر ورأى رأياً صالحاً كاد به شبيباً حتى حسبه عن وجهه. وذلك انه بعث اليه أن ابعث الي رجالاً من فقهاء اصحابك وقرائهم وأظهر له انه يريد أن يدارسهم القرآن وينظر فيما يدعون اليه. قال وجد حقاً اتبعه. فبعث اليه شبيب رجالاً فيهم قعنب وسويد والمجلل. ووصاهم ان لا يدخلوا السفينة حتى يرجع رسوله من عند مطرف. وأرسل الى مطرف ان ابعث الي من أصحابك ووجوه فرسانك بعدة أصحابي ليكونوا رهناً في يدي حتى ترد على أصحابي فقال مطرف لرسوله القه وقل له كيف آمنك الآن على أصحابي اذ ابعثهم اليك وأنت لا تأمنني على أصحابك فابلغه الرسول فقال قل له قد علمت انا لا نستحل الغدر في ديننا وأنتم قوم غدر تستحلون الغدر وتفعلونه. فبعث اليه مطرف جماعة من وجوه أصحابه فما صاروا في يد شبيب سرح اليه أصحابه فعبروا اليه في السفينة فأتوه فمكثوا أربعة أيام يتناظرون ولم يتنقوا على شيء فلما تبين لشبيب ان مطرفاً كاده وانه غير متابع له تعبىء للمسير وجمع أصحابه. وقال لهم ان هذا الثقفي قطعني عن رأيي منذ اربعة أيام. وذاك اني هممت ان أخرج في جريدة من الخيل حتى القى هذا
    ١٦١

    الجيش المقبل من الشام. وأرجو أن أصادف غرتهم قبل أن يحذروا وكنت ألقاهم منقطعين عن المصر ليس عليهم امير كالحجاج يستندون اليه. ولا لهم مصر كالكوفة يعتصمون به. وقد جاءني عيون ان اوائلهم قد دخلوا عين التمر. فهم الآن قد شارفوا الكوفة وجاءني أيضاً عيون من نحو عتاب انه نزل بحمام أعين بجماعة أهل الكوفة واهل البصرة فما اقرب ما بيننا وبينهم فتيسروا بنا للمسير الى عتاب وكان عتاب حينئذ قد أخرج معه خمسين الفاً من المقاتلة وهددهم الحجاج ان هربوا كعادة اهل الكوفة. وعرض شبيب أصحابه بالمدائن فكانوا الف رجل فخطبهم. وقال يا معشر المسلمين ان الله عز وجل كان ينصركم وأنتم مائة ومائتان. واليوم والنتم مئون الا واني مصلي الظهر. ثم سائر بكم ان شاء الله. فصلى الظهر. ثم نادى في الناس فتخلف عنه بعضهم. قال فروة بن لقيط. فلما جاز ساباط ونزلنا معه قص علينا. وذكرنا بأيام الله. وزهدنا في الدنيا ورغبنا في الآخرة. ثم أذن مؤذنه فصلى بنا العصر. ثم أقبل حتى اشرف على عتاب بن ورقاء فلما رأى جيش عتاب نزل من ساعته وأمر مؤذنه فأذن ثم تقدم فصلى بأصحابه صلاة المغرب وخرج عتبا بالناس كلهم فعبأهم. وكان قد خندق على نفسه مذ يوم نزل وجعل على ميمنته محمد بن سعيد بن قيس الهمداني. قال له يا ابن اخي انك شريف فاصبر
    ١٦٢

    وصابر. فقال اما انا فوالله لاقاتلن ما ثبت معي انسان. وقال لقبيصة بن والق الثعلبي اكفني الميسرة فقال أنا شيخ كبير غايتي ان أثبت تحت رايتي أما تراني لا استطيع القيام الا أقام وأخي نعيم بن عليم. ذو عناء فابعثه على الميسرة فبعثه عليها. وبعث حنظلة بن الحارث الرياحي ابن عمه وشيخ اهل بيته على الرجالة وبعث معه ثلاثة صفوف فيه الرجالة ومعهم السيوف. وصف هم اصحاب الرماح. وصف فيه المرامية. ثم سار عتاب بين الميمنة والميسرة يمر براية فيحرض من تحتها على الصبر. ومن كلامه يومئذ ان اعظم الناس نصيباً من الجنة الشهداء وليس الله لاحد أمقت منه لأهل البغي الا ترون عدوكم هذا يستعرض المسلمين بسيفه لا يرى ذلك الا قربة لهم فهم شرار أهل الارض وكلاب اهل النار. فلم يجبه أحد فقال اين القصاص يقصون على الناس ويحرضونهم فلم يتكلم أحد. فقال اين من يروي شعر عنترة فتحرك الناس فلم يجبه أحد ولا رد عليه كلمة فقال لا حول ولا قوة إلا بالله. والله لكأني بكم وقد تفرقتم عن عتاب وتركتموه يسفي في استه الريح. ثم أقبل حتى جلس في القلب. ومعه زهرة بن جوية وعبد الرحمن بن محمد بن الاشعث. وأقبل شبيب في ستمائة. وقد تخلف عنه من الناس فبعث سويد بن سليم في مائتين الى الميسرة. وبعث المجلل بن وائل في مائتين
    ١٦٣

    الى القلب ومضى هو في مائتين الى الميمنة. وذلك بين المغرب والعشاء الآخرة حين أضاء القمر. فناداهم فمن هذه الرايات؟ قالوا رايات همدان. فقال : رايات طالما نصرت الحق وطالما نصرت الباطل. لها في كل نصيب انا أبو المذلة اثبتوا ان شئتم. ثم حمل عليهم وهم على مسناة امام الخندق ففضهم. وثبت أصحاب رايات قبيصة بن والق. فجاء شبيب فوقف عليه. وقال لأصحابه مثل هذا قوله تعالى ( واتل عليهم نبأ الذي آتينا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ) ثم حمل على الميسرة ففضها وصمد نحو القلب. وعتاب جالس على طنفسة هو وزهرة بن جوية فغشيهم شبيب فانفض الناس عن عتاب وتركوه. فقال عتاب يا زهرة هذا يوم كثر في العدد وقل فيه الغناء. لهفي على خمسمائة فارس من وجوه الناس الا صابر لعدوه. الا مواس بنفسه فمضى الناس على وجوههم. فلما دنا شبيب وثب اليه في عصابة قليلة صبرت معه. فقال له بعضهم ان عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث قد هرب وانصفق معه ناس كثير. فقال اما انه قد فر قبل اليوم. وما رأيت مثل ذلك الفتى ما يبالي ما صنع. ثم قاتلهم ساعة. وهو يقول ما رأيت كليوم قط موطناً لم ابل بمثله أقل ناصراً ولا أكثر هارباً خاذلاً. فرآه رجل من بني تغلب من أصحاب شبيب. وكان أصاب دماً في قومه والتحق بشبيب فقال اني
    ١٦٤

    لأظن هذا المتكلم عتاب بن ورقاء. فحمل عليه فطعنه فوقع وقتل ووطأت الخيل زهرة بن جوية فأخذ يذبب بسيفه وهو شيخ كبير لا يستطيع ان ينهض فجاءه الفضل بن عامر الشيباني فقتله وانتهى اليه شبيب فوجده صريعاً فعرفه. فقال من قتل هذا؟ قال الفضل أنا قتلته. فقال شبيب هذا زهرة بن جوبة أما والله لئن كنت قتلت على ضلالة. لرب يوم من أيام المسلمين قد حسن فيه بلاؤك ولرب خيل للمشركين هزمتها وسرية لهم ذعرتها ومدينة لهم فتحتها. ثم كان في علم الله ان تقتل ناصراً للظالمين. وقتل يومئذ وجوه العرب من عسكر العراق في المعركة. واستمكن شبيب من اهل العسكر. فقال ارفعوا عنهم السيف. ودعاهم الى البيعة فبايعه الناس عامة من ساعتهم واحتوى على جميع ما في العسكر وبعث الى اخيه وهو بالمدائن فأتاه بموضع المعركة يومين. ودخل سفيان بن الابرد الكلبي وحبيب بن عبد الرحمن فيمن معهما الى الكوفة فشدوا ظهر الحجاج واستغنى بهم عن أهل العراق ووصلته اخبار عتاب وعسكره فصعد المنبر. فقال يا أهل الكوفة لا اعز الله من اراد بكم العز ولا نصر من اراد منكم النصر اخرجوا عنا فلا تشهدوا معنا قتال عدونا والحقوا بالحيرة فانزلوا مع اليهود والنصارى ولا يقاتلن معنا الى من لم يشهد قتال عتاب بن ورقاء ، قال ارباب التاريخ. وقصد شبيب بن يزيد يريد الكوفة فانتهى
    ١٦٥

    الى سوراء فقال لأصحابه أيكم يأتيني برأس عاملها فانتدب اليه خمسة من أصحابه فمضوا وقتلوه وجاؤا برأسه فبلغ الحجاج ذلك. فقال سيفان بن الأبرد للحجاج ابعثني الى شبيب استقبله قبل ان يرد الكوفة. فقال لا ما أحب أن نفترق حتى ألقاه في جماعتكم والكوفة في ظهرنا. قال واقبل شيب حتى نزل حمام اعين ودعا الحجاج الحرث بن معاوية بن أبي زرعة بن مسعود الثقفي فوجهه في ناس لم يكونوا شهدوا يوم عتاب فخرج في ألف رجل حتى انتهى الى شبيب ليدفعه عن الكوفة فلما رآه شبيب حمل عليه فقتله وفل أصحابه فجاؤا حتى دخلوا الكوفة. وبعث شبيب البطين في عشرة فوارس يرتادون له منزلاً على شاطىء الفرات في دار الرزق. فوجه الحجاج حوشب بن يزيد في جمع من أهل الكوفة فأخذوا بأفواه السكك فقاتلهم البطين فلم يقو عليهم فبعث الى شبيب فأمده بفوارس من اصحابه فعقروا فرس حوشب وهزموه فنجا بنفسه ومضى البطين الى دار الرزق في أصحابه. ونزل شبيب بها ولم يوجه الحجاج أحداً حتى ابتنى مسجداً في أقصى السبخة واقام ثلاثا لم يوجه اليه الحجاج أحداً ولا يخرج اليه من أهل الكوفة ولا من أهل الشام أحد وكانت امرأته غزالة نذرت أن تصلي في مسجد الكوفة ركعتين تقرأ فيهما البقرة وآل عمران : فجاء شبيب مع امرأته حتى أوفت بنذرها في المسجد وأشير على
    ١٦٦

    الحجاج أن يخرج بنفسه إليه. فقال لقتيبة بن مسلم اني خارج فاخرج أنت فارتد لي معسكراً فخرج وعاد. فقال وجدت المدى سهلاً. فسر أيها الأمير على اسم الله والطائر الميمون. فخرج الحجاج بنفسه ومر على مكان فيه كناسة وأقذار فقال القوا لي هنا بساطاً. فقيل له ان الموضع قذر. فقال ما تدعوني اليه أقذر الارض تحته طيبة والسماء فوقه طيبة ووقف هناك وأخرج مولى له يعرف بأبي الورد وعليه تجافيف وأحاط به غلمان كثير. وقيل هذا الحجاج فحمل عليه شبيب فقتله. وقال ان يكن الحجاج فقد أرحت الناس منه ودلف الحجاج نحوه حينئذ وعلى ميمنته مطرف بن ناجية وعلى ميسرته خالد بن عتاب بن ورقاء وهو في زهاء أربعة آلاف. فقيل له أيها الأمير لا تعرف شبيباً بمكانك فتنكر وأخفى مكانه وتشبه به مولى آخر للحجاج في هيئته وزيه. فحمل عليه شبيب فضربه بالعمود فقتله. ويقال انه قال لما سقط أخ بالخاء المعجمة. فقال شبيب قاتل الله بن أم الحجاج اتقى الموت بالعبيد. وذلك ان العرب تقول عند التاؤه بالحاء المهملة ـ ثم تشبه بالحجاج أعين صاحب حمام أعين ولبس لبسته. فحمل عليه شبيب فقتله. فقال الحجاج علي بالبغل لأركبه فأتى ببغل محجل : وقيل أيها الأمير أصلحك الله أن الأعاجم كانت تتطير أن تركب مثل هذا البغل في مثل هذا اليوم. فقال ادنوه مني فانه أعز
    ١٦٧

    محجل. فركبه وسار في الناس يمينا وشمالاً. ثم قال اطرحوا لي عباءة فطرحت له فنزل فجلس عليها ، ثم قال ائتوني بكرسي فأتي به فجلس عليه ثم نادى اهل الشام. فقال أهل الشام يا أهل السمع والطاعة لا يغلبن باطل هؤلاء الأرجاس حقكم غضوا الأبصار واجثوا على الركب واستقبلوا

    القوم بأطراف الأسنة

    . فجثوا على الركب وكأنهم حرة سوداء ومنذ هذا الوقت ركدت ريح شبيب وأذن الله تعالى في أدبار أمره وانقضاء إيامه. فاقبل حتى إذا دنا من أهل الشام عبىء أصحابه ثلاثة كراديس معه وكتيبة مع سويد بن سليم وكتيبة مع المجلل بن وائل. وقال لسويد احمل عليهم في خيللك فحمل عليهم فثبتوا له حتى اذا غشي أطراف أسنتهم فوثبوا في وجهه فقاتلهم طويلاً فصبروا له ثم طاعنوه قدماً قدما حتى الحقوه بأصحابه. فلما رأى شبيب صبرهم نادى يا سويد احمل في خيلك في هذه الرايات الأخرى لعلك تزيل أهلها فتأتي من ورائه ونحمل نحن عليه من أمامه. فحمل سويد على تلك الرايات وهي بين جدران الكوفة فرمى بالحجارة من سطوح البيوت ومن أفواه السكك فانصرف ولم يظفر. ورماه عروة بن المغيرة بن شعبة بالسهام وقد كان الحجاج جعله في ثلثمائة رام من أهل الشام رداً له كي لا يؤتى من ورائه. فصاح شبيب في أصحابه يا أهل الإسلام انما شريتم لله ومن
    ١٦٨

    يكن شراؤه لله لم يضره ما أصابه من ألم وأذى لله ابوكم الصبر الصبر شدة كشداتكم الكريمة في مواطنكم المشهورة. فشدوا شدة عظيمة فلم يزل أهل الشام عن مراكزهم. فقال شبيب الأرض دبوا دبيباً تحت تراسكم حتى إذا صارت أسنة أصحاب الحجاج فوقها فادلفوها صمداً وأدخلوا تحتها واضربوا سوقهم وأقدامهم وهي الهزمية باذن الله فأقبلوا يدبون دبيباً تحت الجحف صمداً صمدا نحو أصحاب الحجاج. فقال خالد بن عتاب بن ورقاء أيها الأمير أنا موتور ولا أتهم في نصيحتي فأذن لي حتى آتيهم من ورائهم فأغير على معسكرهم وثقلهم. فقال افعل ذلك فخرج في جمع من موالية وشاكرية وبني عمه حتى صار من ورائهم. فالتقى بمضاد أخي شبيب فقتله وقتل غزالة امرأه شبيب وألقى النار في معسكرهم والتفت شبيب والحجاج فشاهدا النار. فأما الحجاج فكبر وكبر أصحابه. وأما شبيب فوثب هو وكل راجل من أصحابه على خيولهم مرعوبين. فقال الحجاج لأصحابه شدوا عليهم فقد أتاهم ما أرعبهم فشدوا عليهم فهزموهم. وتخلف شبيب في خاصة الناس حتى خرج من الجسر وتبعه خيل الحجاج وغشيه النعاس فجعل يخفق برأسه والخيل تطلبه. قال أرباب التاريخ لما فل عسكر شبيب بالكوفة وقتل أخوه مضاد وزوجته غزالة. مضى ببقية من معه حتى قطعوا جسر
    ١٦٩

    المدائن فدخلوا ديراً هناك هذا وخالد بن عتاب يقفوهم فحصرهم في الدير فخرج شبيب اليه فهزمه وأصحابه نحواً في فرسخين حتى ألقى خالد نفسه في دجلة هو وأصحابه بخيولهم فمر به شبيب فرآه في دجلة ولواؤه في يده فقال قاتله الله فارساً وقتل فرسه. هذا فارس أشد الناس قوة وفرسه أقوى فرس في الارض وانصرف. فقيل له بعد انصرافه ان الفارس الذي رأيت هو خالد بن عتباً بن ورقاء. فقال معرق في الشجاعة لو علمت به لأقحمت خلفه ولو دخل النار. ثم دخل الكوفة بعد هزيمة شبيب فصعد المنبر. وقال والله ما قوتل شبيب قط قبل اليوم وولى هارباً وترك امرأته تكسر في استها القصب. ثم دعا حبيب ، عبد الرحمن فبعثه في أثره في ثلاثة آلاف من أهل الشام. وقال احذر بياته وحيثما لقيته فنازله فان الله تعالى قد فل حده وقصم نابه. فخرج حبيب في أثره حتى نزل الأنبار. وبعث الحجاج الى العمال أن دسوا الى اصحاب شبيب من جاءنا منكم آمن. فكان كل من ليست له بصيرة في دين الخوارج ممن هزه القتال وكره ذلك اليوم يجبىء فيؤمن. وقبل ذلككان الحجاج نادى يوم هزيمة شبيب من جاءنا فهو آمن فتفرق عن شبيب ناس كثير من اصحابه. وبلغ شبيباً منزل حبيب بن عبد الرحمن بالأنبار فأقبل بأصحابه حتى دنا منه. فقال يزيد السكسكي كنت مع أهل الشام بالأنبار ليلة جاءنا
    ١٧٠

    شبيب. فبيتنا فلما أمسينا جمعنا حبيب بن عبد الرحمن فجعلنا أرباعاً. وجعل على كل ربع اميراً. وقال لنا ليحم كل ربع منكم جانبه. فان قتل هذا الربع فلا يعنهم الربع الآخر. فانه. بلغني ان الخوارج منكم قريب فوطنوا أنفسكم على أنكم مبيتون فمقاتلون. قال فما زلنا على عتبيتنا حتى جاءنا شبيب. تلك الليلة فبيتنا فشد على ربع منا فصابرهم طويلاً فما زالت قدم انسان منهم. ثم تركهم وأقبل الى ربع آخر فقاتلهم طويلاً فلم يظفر بشيء. ثم طاف بنا حتى قلنا لا يفارقنا ثم ترجل فنازلنا راجلاً نزالاً طويلاً هو وأصحابه. فسقطت والله بيننا وبينهم الأيدي والأرجل وفقئت الأعين وكثرت القتلى فقتلنا منهم نحو ثلاثين وقتلوا منا نحو مائة وأيم الله لو كانوا أكثر من مائتي رجل لأهلكونا. ثم فارقونا وقد مللناهم وملونا وكرهناهم وكرهونا. ولقد رأيت الرجل منا يضرب الرجل منهم بالسيف فما يضره من الأعياء والضعف. ولقد رأيت الرجل منا يقاتل جالساً ينفخ بسيفه ما يستطيع أن يقوم من الاعياء والبهر. حتى ركب شبيب وقال لأصحابه الذين معه اركبوا وتوجه بهم من منصرفاً يجوز الفيافي حتى لحق بكرمان.
    ١٧١

    ( وقعة الاهواز وهلاك شبيب )

    قال أرباب التاريخ مكث شبيب بكرمان بعد واقعة الأنبار. حتى جبر واستراش هو وأصحابه. وقد وجه الحجاج سفيان بن الأبرد على الناس وكان قد قسم فيهم اموالاً عظيمة واعطى الجرحى وكل ذي بلاء فأقبل سفيان بالعسكر واستقبله شبيب وأصحابه بدجيل الاهواز وعليه جسر معقود : فعبر الى سفيان فوجده قد نزل بالرجال. وجعل مضاض بن صيفي على خيل. وبشر بن حيان الفهري على ميمنته. وعمر بن هبيرة الفزاري على ميسرته. وأقبل شبيب في ثلاثة كراديس هو في كتيبة وسويد بن سليم في كتيبة وقعنب في كتيبة وخلف المجلل في عسكره. فلما حمل سويد وهو في ميمنته على ميسرة سفيان. وقعنب وهو في ميسرته على ميمنة سفيان. وحمل هو على سفيان. ثم اضطربوا ملياً حتى رجعت الخوارج الى مكانها الذي كانوا فيه. فقال يزيد السكسكي. وكان
    ١٧٢

    من أصحاب سفيان يؤمئذ كر علينا شبيب وأصحابه اكثر من ثلاثين كرة ولا يزول من صفنا أحد. فقال لنا سفيان لا تحملوا عليهم متفرقين ولكن لتزحف عليهم الرجال زحفاً ففعلنا وما زلنا نطاعنهم حتى اضطررناهم الى الجسر فقاتلونا عليه أشد قتال ما يكون لقوم قط. ثم نزل شبيب ونزل معه نحو مائة رجل فما هو الا أن نزلوا حتى أوقعوا بنا من الضرب والطعن شيئاً ما رأينا مثله قط ولا ظنناه يكون. فلما رأى سفيان انه لا يقدر عليهم ولا يأمن ظفرهم دعا الرماة فقال ارشقوهم بالنبل فرشقوهم بالنبل. وذلك عند السماء. وكان الالتقاء ذلك اليوم نصف النهار فرشقهم أصحابه. وقد كان سفيان صفهم على حدة وعليهم أمير فلما رشقوهم شدوا عليهم فشددنا نحن وشغلناهم عنهم. فلما رأوا ذلك ركب شبيب واصحابه وكروا على أصحابه النبل كرة شديدة صرعوا منهم فيها أكثر من ثلاثين رامياً. ثم عطف علينا يطاعننا بالرماح حتى اختلط الظلام ثم انصرف عنا فقال سفيان بن الأبرد لاصحابه يا قوم دعوهم لا تتبعوهم يا قوم دعوهم لا تتبعوهم حتى نصبحهم. قال فكففنا عنهم وليس شىء أحب الينا من أن ينصرفوا عنا. قال زفر بن لقيط الخارجي. فلما انتهينا الى الجسر. قال شبيب اعبروا معاشر المسلمين فاذا أصبحنا باكرناهم ان شاء الله تعالى. قال : فعبرنا أمامه وتخلف في آخرنا وأقبل يعبر الجسر وتحته
    ١٧٣

    حصان جموح وبين يديه فرس أنثى ما ذيانة فنزا حصانه عليها وهو على الجسر فاضطربت الماذيانة وزن حافر فرس شبيب عن جرف السفينة فسقط في الماء فسمعناه يقول لما سقط ( ليقضي الله امراً كان مفعولاً ) واغتمس في الماء ثم ارتفع فقال ( ذلك تقدير العزيز العليم ) ثم اغتمس في الماء فلم يرتفع وغرق. وحدث قوم من أصحاب سفيان قالوا سمعنا صوت الخوارج يقولون غرق امير المؤمنين. فعبرنا الى عسكرهم فاذا هو ليس فيه صافر ولا اثر. فنزلنا فيه. وطلبنا شبيباً حتى استخرجناه من الماس وعليه الدرع فيزعم الناس أنهم شقوا بطنه وأخرجوا قلبه فكان مجتمعاً صلباً كالصخرة وانه كان يضرب به الأرض فينبو ويثب قامة الانسان وبعث برأسه وبمن كان قد أسر من أصحابه الى الحجاج فقال بعض اولئك الأسرى.

    ابرأ الى الله من عمر وشيعته




    ومن علي ومن اصحاب صفين

    ومن معاوية الطاغي وشيعته




    لا بارك الله في القوم الملاعين

    قال فأمر الحجاج بقتله. ويحكى ان أم شبيب كانت لا تصدق أحداً نعاه اليها. وقد كان قيل لها مراراً انه قد قتل فلا تقبل. فلما قيل لها انه قد غرق بكت فقيل لها في ذلك فقالت رأيت في المنام حين ولدته انه خرجت من فرجي نار
    ١٧٤

    ملأت الافاق. ثم سقطت في ماء فخمدت فعلمت انه لا يهلك الا بالغرق.

    قال أرباب التاريخ. ثم أمر سفيان باعادة الجسر وعبره وقصد من بقي من أصحابه. وكانوا قد بايعوا أم شبيب. فلم يزل بهم حتى قتل اكثرهم ، وقتلت ام شبيب. قال الاسفراييني. ومن عجائب حال الخوارج انهم خرجوا على أم المؤمنين عائشة وقالوا لم خرجت من بيتها والله تعالى يقول ( وقرن في بيوتكن ) ثم صاروا تبعاً لغزالة وجهيزة وجوزوا إمامتهن.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
     
    وقعة النهروان او الخوارج
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    »  وقعة صفين
    » وقعة الجمل
    » ( وقعة الضحاك بن قيس )
    » وقعة الطف لابو مخنف

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: 34- منتدى الاحداث التي وقعة في خلافة الامام علي عليه السلام-
    انتقل الى: