تغدو الكتائب حوله ويسوقهم
مثل الاسود بكـل لدن ذابـل
خزر العيون من الوفود لدى الوغى
بالبيض تلمع كالشرار الطاسـل (1)
قالوا معاوية بن حـرب بايعوا
والحرب شائلة كظهـر البازل
فخرجت مخترما أجر فضولها
حتى خلصت إلى مقام القاتل (2)
وقال عمرو بن العاص :
إذا تحازرت وما بي مـن خـزر (3)
ثم خبأت العين من غير عور (4)
ألفيتني ألـوى بعيد المستمر (5)
ذا صولة في المصمئلات الكبر
أحمل ما حلمت من خير وشـر
كالحية الصمـاء في أصل الصخر
وقال محمد بن عمرو بن العاص :
لو شهدت جمل مقامي وموقفي
بصفين يوما شاب منها الذوائب
غداة غدا أهل العراق كأنهم
من البحر موج لجـه متراكب
وجئناهم نمشي صفوفا كأننا
سحاب خريف صفقته الجنائب
فطار إلينا بالرمـاح كماتهم
وطرنا إليهم والسيوف قواضب
فدارات رحانا واستدارت رحاهم
سراة النهار ما تولى المناكب
__________________
(1) الطاسل : الجاري المضطرب ، من قولهم طسل السراب : اضطرب.
(2) مخترما : يخترم الأقران ، أي يستأصلهم. وفي الأصل : « محترما ». فضولها : أي فضول الدرع السابغة. مقام القاتل ، يعني نفسه. وبعده في الأصل : « ويقرقعونه كقرن الحائل » ، ولعلها رواية محرفة لعجز أحد الأبيات السابقة.
(3) التخازر : إظهار الخزر ، وهو ضيق العين وصغرها.
(4) ح ( 2 : 281 ) : « ثم كسرت العين ».
(5) الألوى : الشديد الخصومة.
إذا قلت يوما قد ونوا برزت لنا
كتائب حمر وارجحنت كتـائب (1)
فقالوا : نرى من رأينا أن تبايعـوا
عليا فقلنا بل نرى أن تضاربوا
فأبنا وقد نالوا سراة رجالنا
وليس لما لاقوا سوى الله حاسب
فلم أر يوما كان أكثر باكيا
ولا عارضا منهم كميا يكالـب
كأن تلالي البيض فينا وفيهـم
تلألؤ برق في تهامة ثاقب (2)
فرد عليه محمد بن علي بن أبي طالب :
لو شهدت جمل مقامك أبصـرت
مقام لئيم وسط تلك الكتائـب
أتذكر يوما لم يكن لك فخره
وقد ظهرت فيها عليـك الجلائب (3)
وأعطيتمونا ما نقمتـم أذلة
على غير تقوى الله والدين واصب (4)
وروى : « خوف العواقب »
نصر : عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن تميم قال : والله إني مع علي حين أتاه علقمة بن زهير الأنصاري فقال : يا أمير المؤمنين ، إن عمرو بن العاص ينادي ثم :
أنا الغلام القرشي المؤتمن
الماجد الأبلج ليث كالشطن
يرضى به الشام إلى أرض عدن
يا قادة الكوفة من أهل الفتـن
يأيها الأشراف من أهل اليمن
أضربكم ولا أرى أبا حسن
__________________
(1) في الأصل : « إذا قلت قد استهزموا » وأثبت ما في ح. كتائب حمر ، لما علاها من صدأ الحديد. ح : « كتائب منهم ».
(2) تلالي ، مصدر من تلالا المسهلة ، كما تقول : تراضى تراضيا.
(3) الجلائب : العبيد يجلبون من بلد إلى غيره.
(4) واصب ، أي طاعته دائمة واجبة أبدا. وفي الكتاب : ( وله الدين واصبا ).
أعني عليا وابن عم المؤتمن
كفى بهذا حزنا من الحـزن
فضحك علي ثم قال : أما والله لقد حاد عدى الله عني ، وإنه بمكاني لعالم ، كما قال العربي : « غير الوهي ترقعين وأنت مبصرة (1) » ، ويحكم ، أروني مكانه لله أبوكم ، وخلا كم ذم.
وقال النجاشي يمدح عليا :
إني إخال عليا غير مرتدع
حتى يؤدى كتاب الله والذمم (2)
حتى ترى النقع معصوبا بلمته
نقع القبائل ، في عرنينه شمـم (3)
غضبان يحرق نابيه بحرتـه
كما يغظ الفنيق المصعـب القطم (4)
حتى يزيل ابن حرب عن إمارته
كما تنكب تيس الحبلـة الحلـم (5)
أو أن تروه كمثل الصقر مرتبئا
يخفقن من حـوله العقبان والرخـم
وقال النجاشي أيضا يمدح عليا ويهجو معاوية وقد بلغه أنه يتهدده (6) :
يأيها الرجل المبدي عداوته
رو لنفسك أي الأمر تأتمـر
__________________
(1) في الأصل : « عين الوهي » صوابه في ح ( 2 : 282 ). والوهي ، بالفتح : الشق في الشيء.
(2) في الأصل : « غير منتهى » وهي من ضرورة الشعر ، لكن كتب بجوارها « ن : مرتدع » أي إنها كذلك في نسخة أخرى ، وهذه الأخيرة رواية ح.
(3) في الأصل : « حتى ترى النقع » وفي ح : « أما ترى النقع ».
(4) حرق نابيه يحرقهما ، بالضم والكسر : سحقهما حتى سمع لهما صريف. المصعب : الفحل. والقطم : المشتهي للضراب. وفي الأصل : « المغضب القطم » والوجه ما أثبت من ح.
(5) الحبلة ، بالضم : ثمر عامة العضاه. وهم ينسبون التيس أيضا فيقولون : « تيس الربل » وهو ضروب من الشجر إذا برد الزمان عليها وأدبر الصيف تفطرت بورق أخضر. انظر الحيوان ( 4 : 134 / 6 : 123 ). وفي الأصل : « الجلة » وفي ح : « الخلة » ولا وجه لهما.
(6) ح : « قال نصر : » وحدثنا عمر بن سعد عن الشعبي قال : « بلغ النجاشي أن معاوية تهدده فقال ».
لا تحسبني كأقوام ملكتهم
طوع الأعنة لما ترشح العـذر
وما علمت بما أضمرت من حنق
حتى أتتني به الركبان والنـذر
فإن نفست على الأمجـاد مجدهم
فابسط يديك فإن الخيـر مبتـدر
واعلم بأن على الخير من نفـر
مثل الأهلة لا يعلوهم بشر
لا يرتقي الحاسد الغضبان مجدهم (1)
ما دام بالحزن من صمائها حجر
بئس الفتى أنت إلا أن بينكما
كما تفاضل ضوء الشمس والقمر
ولا إخالك إلا لست منتهيا
حتى يمسك من أظفاره ظفر
لا تحمدن أمرأ حتى تجربـه
ولا تذمن من لم يبله الخبر
إني امرؤ قلما أثني على أحد
حتى أرى بعض ما يأتي وما يذر
إني إذا معشر كانت عداوتهم
في الصدر أو كان في أبصارهم خزر
جمعت صبرا جراميزي بقافيـة (2)
لا يبرح الدهر منها فيهم أثر
فلما بلغ هذا الشعر معاوية قال : « ما أراه إلا قد قارب ».
نصر ، عن عمر بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الملك بن عبد الله ، عن ابن أبي شقيق ، أن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين كان يحمل على الخيل بصفين ، إذا جاء رجل من خزيمة فقال : هل من فرس؟ قال : نعم ، خذ أي الخليل شئت. فلما ولى قال ابن جعفر : إن يصب أفضل الخيل يقتل. قال : فما عتم أن أخذ أفضل الخيل فركبه ، وحمل على الذي دعاه إلى البراز ، فقتله الشامي.
وحمل غلامان من الأنصار جميعا أخوان ، حتى انتهيا إلى سرادق معاوية
__________________
(1) ح : « لا يجحد الحاسد الغضبان فضلهم ».
(2) جمع جراميزه ، إذا تجمع ليثب. في الأصل : « بعافية » صوابه في ح. وأراد بالقافية الشعر يقوله في الهجو.
فقتلا عنده ، وأقبلت الكتائب بعضها نحو بعض ، فاقتتلت قياما في الركب لا يسمع السامع إلا وقع السيوف على البيض والدرق.
وقال عمرو بن العاص :
أجئتم إلينـا تسفكون دماءنا
وما رمتم وعر من الأمر أعسـر
لعمري لما فيه يكون حجاجنا (1)
إلى الله أدهى لو عقلتم وأنكر
تعاورتم ضربا بكل مهند
إذا شد وردان تقدم قنبر (2)
كتائبكم طورا تشد وتارة
كتائبنا فيها القنا والسنور (3)
إذا ما التقوا يوما تدارك بينهـم
طعان وموت في المعارك أحمـر (4)
وقال مرة بن جنادة العليمي :
لله در عصابة في مأقط
شهدوا مجـال الخيل تحت قتامهـا
شهدوا ليوثا ليس يدرك مثلهـم
عنـد الهياج تذب عن آجامهـا (5)
خزر العيـون ، إذا أردت قتالهـم
برزوا سماحـا كلهـم بحمـامهـا (6)
لا ينكلون إذا تقوض صفهـم
جزعا على الإخوان عند جلامها
فوق البراح من السوابح بالقنـا
يرديـن مهيعة الطريق بهـامهـا (7)
__________________
(1) في الأصل : « حجامنا » صوابه في ح.
(2) وردان : غلام عمرو بن العاص. انظر ص 35 ، 36. وقنبر ، بوزن جعفر : مولى علي. انظر الحاشية الرابعة من ص 43.
(3) السنور : جملة السلاح ، وخص به بعضهم الدروع.
(4) في الأصل : « إذا ما التقوا حربا » و : « في المبارك » صوابهما في ح.
(5) الأجمة : الشجر الكثير الملتف. في الأصل : « يذب عند إجامها » والصواب ما أثبت. وهذه المقطوعة لم ترد في ل.
(6) السماح : جمع سمح ، وهو الجواد. بحمامها ، بحمام النفوس أي موتها المقدر لها.
(7) السوابح : الخيل تسبح في جريها. يردين من الرديان ، وهو ضرب من السير.
وقال العليمي :
يا كلب ذبوا عن حريم نسائكـم
كما ذب فحل الشول بين عشارهـا
ولا تجزعوا إن الحروب لمرة
إذا ذيق منها الطعم عند زيارها
فإن عليا قد أتاكم بفتية
محددة أنيابها مـع شفارها
إذا ندبوا للحرب سارع منهم
فوارس حـرب كالأسـود ابتكارها
يخفون دون الروع في جمع قومهم
بكل قضـوب مقصـل في حذارهـا (1)
وقال سماك (2) بن خرشة الجعفي ، من خيل علي :
لقد علمت غسان عند اعتزامها
بأنا لدي الهيجاء مثل السعائـر
مقاويل أيسار لهاميم سادة
إذا سال بالجريال شعـر البياطر
مساعير لم يوجد لهم يوم نبوة
مطاعين أبطال غداة التناحر
ترانا إذا ما الحرب درت وأنشبـت
رواسيها ، في الحرب مثـل الضباطر (3)
فلم نر حيا دافعوا مثل دفعنا
غداة قتلنا مكنفـا وابن عـامـر
أكر وأحمى عند وقع سيوفها
إذا سـافت العقبان تحـت الحوافر
هم ناوشونا عن حريم ديارهـم
غـداة التقينا بالسيـوف البواتر
وقال رجل من كلب مع معاوية ، يهجو أهل العراق ويوبخهم :
لقد ضلت معاشر من نـزار
إذا انقادوا لمثل أبي تراب
وإنهم وبيعتهم عليا
كواشمـة التغضن بالخضاب (4)
__________________
(1) القضوب : القاطع ، يعني السيف. وفي الأصل : « صعوب ». وهذه المقطوعة لم ترد في ح.
(2) سماك ، بوزن كتاب ، كما في القاموس والإصابة. وخرشة ، بالتحريك. وهما صحابيان يقال لكل منهما سماك بن خرشة ، ويفرق بينهما بالكنية. أما أحدهما وهو أبو دجانة فلم يشهد صفين ، وشهدها الآخر. انظر الإصابة 3458.
(3) الضباطر : جمع ضبطر ، وهو الأسد الماضي الشديد. وفي الأصل : « الصياخر ».
(4) التغضن : تكسر الجلد وتثنيه. في الأصل : « تغضر » صوابه في ح.
تزين من سفاهتها يديها
وتحسر باليدين عن النقاب
فإياكم وداهية نؤودا
تسير إليكم تحت العقاب (1)
إذا هشـوا سمعت لحافتيهم
دويا مثـل تصفيق السحاب (2)
يجيبون الصريخ إذا دعاهم
إلى طعن الفـوارس بالحراب
عليهم كل سابغة دلاص
وأبيض صارم مثل الشهاب
وقال الأحمر ـ وقتل مع علي :
قد علمت غسان مع جذام
إني كريم ثبت المقام (3)
أحمى إذا ما زيل بالأقدام
والتقت الجريال بالأهـدام
إني ورب البيت والإحـرام
لست أحـامي عورة القمقام
وقال الشيخ بن بشر الجذامي :
يا لهف نفسي على جذام وقـد
هزت صدور الرماح والخـرق
كانوا لدى الحرب في مواطنهـم
أسدا إذا انساب سائـل العلـق
فاليوم لا يدفعون إن دهمـوا
ولا يـردون شامة الغلق (4)
فاليوم لا ينصفون إخوتهـم
عند وقوع الحروب بالحـق
وقال الأشتر :
وسار ابن حرب بالغواية يبتغي
قتال علي والجيوش مع الحفل
__________________
(1) النؤود : الداهية. وفي الأصل : « تروها » صوابه في ح ( 2 : 283 ). والعقاب : راية معاوية ، كما سيأتي في قول النجاشي :
رأيت اللواء لواء العقاب
يقحمه الشانئ الأخزر
(2) في ح : « إذا ساروا ».
(3) الثبت ، بالفتح : الذي لا يبرح. وحرك الباء للشعر.
(4) الشامة : الناقة السوداء. والغلق : الجاني ، والأسير. وفي الأصل : « العلق ».
فسرنا إليهم جهرة في بلادهم
فصلنا عليهم بالسيوف وبالنبل
فأهلكهم ربي وفرق جمعهم
وكان لنا عونا وذاقوا ردى الخبل
ثم إن معاوية أرسل عمرو بن العاص في خيل عظيمة ، فلقيه حمزة بن عتبة بن أبي وقاص ، فقاتله حمزة ، وجعل حمزة يطعن بالرمح ويقول :
ماذا يرجى من رئيس ملا
لست بفرار ولا زميلا (1)
في قومه مستبدلا مدلا
قد سئم الحيـاة واستملا
وكل أغراض له تملا (2)
وذلك عند غروب الشمس. وقال حمزة :
دعاني عمرو للقاء فلم أقل
وأي جواد لا يقال لـه هنى (3)
وولي على طرف يجول بشكة
مقلصة أحشاؤه ليس ينثنى (4)
فلو أدركته البيض تحت لوائه
لغودر مجدولا تعـاوره القنى (5)
عليه نجيع من دمـاء تنوشـه
قشاعم شهب في السباسب تجتنـى
فرجع عمرو إلى معاوية فحدثه فقال : لقد لقيت اليوم رجلا [ هو (6) ] خليق أن تدرسه الخيل بسنابكها ، أو تذريه في مداركها ، كدوس الحصرم ،
__________________
(1) الزميل : الضعيف الجبان الرذل. وفي الأصل : « زملا » تحريف.
(2) تملي العيش : استمتع به طويلا.
(3) هني ، أي ياهني. أراد أن كل جواد يستدعي ويطلب. وفي الأصل : « وإني جواد ». ونحوه في الأسلوب قول ليلي الأخيلية :
تعيرنا داء بأمك مثله
وأي حصان لا يقال لها هلا
الحصان ، بالفتح : المرأة العفيفة. وهلا بمعنى أسرعي.
(4) الطرف : الفرس الكريم الطرفين ، أي الأبوين. ويجول ، من الجولة في الحرب. وفي الأصل : « يجوب ». والشكة : السلاح.
(5) مجدولا : صريعا. وفي الأصل : « مخذولا ». والقنى ، على وزن فعول : الرماح ، واحدها قناة.
(6) ليست في الأصل. والخبر لم يرو في مظنه من ح.
وهو ضعيف الكبد ، شديد البطش ، يتلمظ تلمظ الشمطاء المفجعة ، فأتاه غمر ـ فقال ـ إذ به عندنا والله ضرب كضرب القدار (1) ، مرن الشراسيف ، بالشفار الواقع ، تشمص له النشوز في سراعيف الخيل ، فحمل عليه فدخل تحت. بطن فرسه فطعنه حتى جدله عن فرسه ، وجاء أصحابه فحملوه فعاش ثلاثة أيام ثم مات (2).
وهو الذي جعل معاوية ابنه على عطائه. وقتل حمزة يوم التليل المنفرد. وقال حمزة :
بلغا عني السكون وهل لي
من رسول إليهم غير آن
لم أصد السنان عن سبق الخيل
ولم أتقي هذام السنان (3)
حين ضج الشعاع من ندب الخيـ
ل لحرب وهر الكماة وقع اللـدان (4)
ومشى القوم بالسيوف إلى القو
م كمشى الجمال بين الإران
وقال عمرو بن العاص :
أن لو شهدت فوارسا في قومنا
يوم القوارع مر مر الأجهل
لرأيت مأسدة شوارع بالقنا
جون الجلود من الحديد المرسـل (5)
__________________
(1) القدار ، بالضم : الجزار. وفي الأصل : « القداد » تحريف. قال مهلهل :
إنا لنضرب بالصوارم هامها
ضرب القدار نقيعة القدام
(2) في هذا الكلام تحريف لم أجد مرجعا لتحقيقه.
(3) سنان هذام : حديد قاطع.
(4) الشعاع ، بالفتح : ما تفرق وانتشر من الدم إثر الطعنة. والندب. آثار الجراحات. والدان : جمع لدن ، وهو اللين من الرماح. وفي الأصل : « الجبان » ولا وجه له.
قال المفضل بن المهلب :
ومن هر أطراف القنا خشية الردى
فليس لمجد صالح بكسوب
وقال عنترة :
حلفنا لهم والخيل تردي بنا معا
نزايلكم حتى تهروا العواليا
(5) أي اسودت جلودهم من لبس الحديد والسلاح. والجون بالضم : جمع جون ، بالفتح ، وهو الأسود. وفي الأصل : « دون » تحريف.
متسربليـن سوابغا عادية
ادفوا الملوك بكل عضب مقصل (1)
يمشون في عنت الطريق كأنهم
أسد تقلقل في غريف الحسكل
يحمون إذ دهموا وذاك فعـالهم
عند البديهة في عجاج القسطل
النازلون أمام كل كريهـة
تخشى عوائدها غداة الفيصل
والخيل غائرة العيون كأنما
كحلت مآقيهـا بزرق الكعطل (2)
يعدون إذ ضج المنادي فيهـم
نحو المنادي بذخة في القنبل (3)
ودنا الكماة من الكماة وأعملت
زرقا تعم سراتهم كالمشعـل (4)
وقال الأحمر :
كل امرئ لابد يوما ميـت
والموت حق فاعرفن وصيـه
وجاء عدي بن حاتم يلتمس عليا ، ما يطأ إلا على إنسان ميت أو قدم أو ساعد ، فوجده تحت رايات بكر بن وائل ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ألا نقوم حتى نموت؟ فقال علي : ادنه. فدنا حتى وضع أذنه عند أنفه فقال : ويحك ، إن عامة من معي يعصيني ، وإن معاوية فيمن يطيعه ولا يعصيه.
وقال أبو حبة بن غزية الأنصاري ، واسمه عمرو (5) ، وهو الذي عقر الجمل ، فقال بصفين :
سائل حليلة معبد عن فعلنا
وحليلة اللخمي وابن كلاع
__________________
(1) ادفوا ، كذا وردت. والمقصل : القطاع.
(2) كذا ورد هذا اللفظ.
(3) البذخة : المرة من البذخ وهو الكبر. والقنبل ، بالفتح : الطائفة من الناس ومن الخيل.
(4) الزرق : الأسنة. في الأصل : « وأهملت زرقا » والوجه ما أثبت.
(5) هو عمرو بن غزية ، بفتح العين وكسر الزاي وتشديد الياء ، بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري ، ترجم له ابن حجر في الإصابة 5922.
واسأل عبيد الله عن أرماحنا
لما ثوى متجـدلا بـالقاع
وأسأل معاوية المـولى هاربا
والخيل تعدو وهي جـد سراع (1)
ماذا يخبرك المخبر منهم
عنا وعنهم عند كل وقـاع (2)
إن يصدقوك يخبـروك بأننا
أهل الندى قدمـا مجيبو الداعي (3)
ندعو إلى التقوى ونرعى أهلها
برعاية المأمون لا المضياع
إن يصدقوك يخبروك بأننا
نحمى الحقيقة عند كل مصـاع
ونسن للأعداء كل مثقف
لدن وكل مشطب قطاع
وقال عدي بن حاتم بصفين :
أقول لما أن رأيت المعمعه
واجتمع الجندان وسط البلقعه
هذا علي والهدى حقا معه
يا رب فاحفظه ولا تضيعـه
فإنه يخشاك ربي فارفعـه
ومن أراد عيبه فضعضعـه (4)
وقال النعمان بن عجلان الأنصاري (5) يوم صفين :
سائل بصفين عنا عند وقعتنا
وكيف كنا غداة المحك نبتدر (6)
واسأل غداة لقينا الأزد قاطبة
يوم البصيرة لما استجمعت مضر
__________________
(1) ح ( 2 : 283 ) : « والخيل تمعج ».
(2) الوقاع : المواقعة في الحرب. وفي الأصل : « دفاع » وأثبت ما في ح.
(3) في الأصل : « مستسمعون الداعي » صوابه في ح.
(4) في الأصل : « ومن أراد غيه » صوابه في ح.
(5) هو النعمان بن عجلان بن النعمان بن عامر بن زريق الأنصاري ، كان لسان الأنصار وشاعرهم. وذكر المبرد أن عليا استعمله على البحرين فجعل يعطى كل من جاءه من بني زريق ، فقال فيه الشاعر ، وهو أبو الأسود الدئلي :
أري فتنة قد ألهت الناس عنكم
فندلا زريق المال ندل الثعالب
فإن ابن عجلان الذي قد علمتم
يبدد مال الله فعل المناهب
انظر الإصابة 8747. ح : « بن جعلان » تحريف.
(6) ح : « أم كيف كنا إلى العلياء ».
لولا الإله وقوم قد عرفتهم
فيهم عفاف ، وما يأتي به القدر (1).
لما تداعت لهم بالمصر داعية
إلا الكلاب ، وإلا الشاء والحمر (2)
كم مقعص قد تركناه بمقفـرة
تعوي السباع لديه وهـو منعفر
وما إن تراه ولا يبكي علانية
إلى القيامة حتى تنفخ الصـور (3)
وقال عمرو بن الحمق الخزاعي :
تقول عرسي لمـا أن رأت أرقي
ماذا يهيجك من أصحاب صفينا
ألست في عصبة يهدي الإله بهم
لا يظلمون (4) ولا بغيا يريدونا
فقلت إني على ما كان من سدر
أخشى عواقب أمر سوف يأتينا (5)
إدالة القوم في أمر يراد بنا
فاقني حياء وكفي ما تقولينا
وقال حجر بن عدي الكندي :
يا ربنا سلم لنا عليا
سلم لنا المهـذب النقيا
المؤمن المسترشد المرضيا
واجعله هادي أمة مهديـا
لا أخطل الرأي ولا غبيا (6)
واحفظه ربي حفظك النبيا
فإنه كـان له وليا
ثم ارتضاه بعده وصيا
وقال معقل بن قيس التميمي :
__________________ (1) ح :
« وعفو من أبي حسن
عنهم وما زال منه العفو ينتظر »
(2) ح ( 2 : 284 ) : « ما إن يؤوب ولا ترجوه أسرته ».
(3) الصور ، بضم ففتح : جمع صورة ، وبها قرأ الحسن في كل موضع من الكتاب جاء فيه لفظ « الصور » بالضم. انظر إتحاف فضلاء البشر ص 211. على أن بعض من قرأ « الصور » بالضم جعله أيضا جمعا لصورة كصوف وصوفة ، وثوم وثومة. انظر اللسان ( 6 : 146 ).
(4) في الأصل : « أهل الكتاب » وأثبت ما في ح.
(5) السدر ، بالتحريك : الحيرة. وفي ح : « رشد ».
(6) في الأصل : « بغيا » ولا وجه له ، وقال اللحياني : « لا يقال رجل بغي ».
يأيها السائل عن أصحابي
إن كنت تبغي خبر الصواب
أخبر عنهم غير ما تكذاب
بأنهم أوعية الكتاب
صبر لدى الهيجاء والضراب (1)
وسل جمـوع الأزد والرباب
وسل بذاك معشر الأحزاب
وقال أبو شريح الخزاعي :
يا رب قاتل كل من يريدنا
وكد إلهي كل من يكيدنا
حتى يرى معتدلا عمودنا
إن عليا للذي يقودنـا
وهو الذي بفقهه يؤودنا (2)
عن قحم الفتنة إذ تريدنا
وقال عبد الرحمن بن ذؤيب الأسلمي :
ألا أبلغ معاوية بن حرب
أمالك لا تنيب إلى الصواب
أكل الدهر مرجوس لغير
تحارب من يقوم لدي الكتاب
فإن تسلم وتبقي الدهر يومـا
نزرك بجحفل شبه الهضاب
يقودهم الوصي إليك حتى
يردك عن عوائك (3) وارتياب
وإلا فالتـي جربت منا
لكم ضـرب المهند بالذؤاب
وقال أبو واقد الحارث بن عوف الخشني :
سائل بنا يوم لقينا الأزدا
والخيل تعدو شقـرا ووردا (4)
لما قطعنا كفهم والزندا
واستبدلوا بغيا وباعوا الرشدا
__________________
(1) في الأضل : « صبرا » وهذه المقطوعة لم ترد في مظنها من ح.
(2) آده : عطفه وثناه.
(3) من العواء اشتق اسم « معاوية » ، فإن المعاوية الكلبة تعاوي الكلاب. وفي الأصل : « غواتك » تحريف.
(4) شقرا : جمع أشقر وشقراء ، وهو الأحمر ، وهن أكرم الخيل. والورد ، بالضم : جمع ورد ، بالفتح ، وهو ما لونه أحمر يضرب إلى صفرة حسنة. وفي الأصل : « تفدو سفرا ووردا » وإنما هما من العدو والشقرة. وهذه المقطوعة ترد في مظنها من ح.
وضيعوا فيما أرادوا القصدا
سحقا لهم في رأيهم وبعدا (1)
وقال همام بن الأغفل الثقفي :
قد قرت العين مـن الفساق (2)
ومن رءوس الكفر والنفاق
إذ ظهرت كتائب العراق
نحن قتلنـا صاحب المـراق (3)
وقائـد البغاة والشقاق
عثمان يوم الدار والإحراق (4)
لما لففنا ساقهـم بساق
بـالطعن والضرب مع العناق
وسل بصفين لدي التلاقي
تنبأ بتبيان مع المصداق (5)
أن قد لقوا بالمارق الممراق (6)
ضربا يدمي عقر الأعناق (7)
وقال محمد بن أبي سبرة بن أبي زهير القرشي :
نحن قتلنا نعثلا بالسيرة (
إذ صد عن أعلامنا المنيرة
يحكم بالجور على العشيـره
نحن قتلنا قبلـه المغيره
نالته أرماح لنا موتـوره
إنا أنـاس ثابتو البصيره
إن عليا عالم بالسيرة
وقال حويرثة بن سمي العبدي :
سائل بنا يوم التقينا الفجـرة
والخيل تغدو في قتـام الغبره
__________________ (1) سحقا ، بالضم : بعدا. وفي الكتاب : ( فسحقا لأصحاب السعير ).
(2) في الأصل : « المساق ) وهذه المقطوعة لم ترد في مظنها من ح.
(3) المراق : جمع مارق. وفي الأصل : « المراقي » تحريف.
(4) يشير إلى ما كان من إحراق باب دار عثمان في أثناء حصاره. انظر الطبري ( 5 : 131 ).
(5) في الأصل : « ثبنا بتبيان ».
(6) المارق : السهم يمرق من الرمية ، أي ينفذ ، وقد عني به السيف.
(7) عقر الأعناق : أصلها ، وهو بضم العين ، وضم القاف للعشر. وفي الأصل : « عكر » تحريف.
(
نعثل : نبز لعثمان بن عفان. انظر ما سبق في ص 229.
تنبأ بأنا أهل حـق نعمره (1)
كم من قتيل قـد قتلنا تخبره
ومن أسير قد فككنا مأسـره
بالقاع من صفين يوم عسكـره
وقال عمرو :
لعمري لقد لاقت بصفين خيلنـا
سميرا فلم يعدلن عنه تخوفا
قصدت له في وائـل فسقيتـه
سمام زعاف يترك اللون أكلفا
فما جبنت بكر عـن ابن معمر
ولكن رجا عود الهوادة فانكفا
وخاف الذي لاقى الهجيمي قبله
تفرق عنه جمعه فتخطفا
ونحن قتلنا هاشما وابن ياسـر
ونحن قتلنا ابني بديل تعسفا
وهذا سمير ، ابن الحارث العجلي. وقال عرفجة بن أبرد الخشني :
ألا سألت بنا والخيل شاحبة (2)
تحت العجاجة والفرسان تطرد
وخيل كلب ولخم قـد أضربهـا
وقاعنا (3) إذ غدوا للموت واجتلدوا
من كان أصبر فيها عنـد أرْمتها
إذ الدماء على أبدنها جسد (4)
وقال أيضا :
سائل بنا عكا وسائل كلبا
والحميريين وسائل شعبـا (5)
__________________
(1) في الأصل : « ثبنا بأنا » والوجه ما أثبت. وفي هذا البيت وتاليه إقواء.
(2) الشحوب : التغير من هزال أو عمل أو جوع أو سفر. وفي الأصل : « ساجية ». وهذه المقطوعة لم ترد في مظنها من ح.
(3) الوقاع ، بالكسر : المقاتلة. وفي الأصل : « في قاعنا ».
(4) الجسد : جمع جساد ، وهو بالكسر : الزعفران. وفي الأصل : « جسدوا » تحريف.
(5) أي أهل شعب ، وهو جبل باليمن نزله حسان بن عمرو والحميري ، فمن كان منهم بالكوفة يقال لهم شعبيون ، منهم الشعبي الفقيه ، ومن كان منهم بالشام يقال لهم الشعبانيون ، ومن كان باليمن يقال لهم آل ذي شعبين ، ومن كان بمصر يقال لهم الأشعوب. وقالوا في قوله : * جارية من شعب ذي رعين * : ليس يراد به الموضع ، بل القبيلة.
كيف رأونا إذ أرادوا الضربا
ألم نكن عند اللقاء غلبا (1)
لما ثوي معبدهم منكبا
وقال المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب :
يا شرطة الموت صبرا لا يهولكم
دين ابن حرب فإن الحق قد ظهرا
وقاتلوا كل من يبغي غوائلكم
فإنما النصر في الضرا لمن صبرا
سيفوا الجوارح حد السيف واحتسبوا (2)
في ذلك الخير وارجوا الله والظفرا
وأيقنوا أن من أضحى يخالفكم
أضحى شقيا وأضحى نفسـه خسرا
فيكم وصي رسول الله قائدكم
وأهله وكتاب الله قد نشرا
ولا تخافوا ضلالا لا أبا لكم
سيحفظ الدين والتقوى لمـن صبرا
وكتب علي إلى معاوية : أما بعد فإنك قد ذقت ضراء الحرب وأذقتها ، وإني عارض عليكم ما عرض المخارق على بني فالج (3) :
أيا راكبا إما عرضت فبلغن
بني فالج حيث استقر قرارها (4)
هلموا إلينا لا تكونوا كأنكـم
بلاقع أرض طار عنهـا غبارها
سليم بن منصور أناس بحـرة
وأرضهم أرض كثير وبارها (5)
__________________
(1) الأغلب : الأسد الغليظ الرقبة.
(2) سافه يسيفه : ضربه بالسيف. حد السيف ، أي بحد السيف ، فنزع الخافض.
(3) في الأصل : « فاتح » تحريف. وانظر الحيوان ( 6 : 369 ).
(4) في الأصل : « بني فاتح » وانظر التنبيه السابق.
(5) الحرة ، بالفتح : أرض ذات حجارة سود نخرة كأنما أحرقت بالنار. وفي معجم البلدان : « حرة سليم ، هو سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان. قال أبو منصور : حرة النار لبني سليم ، وتسمى أم صبار ». وفي الأصل : « تجرة » صوابها ما أثبت. وانظر الحيوان ( 4 : 71 ). والوبار : جمع وبر ، بالفتح : دويبة كالسنور.
فأجابه معاوية : من معاوية إلى علي : أما بعد ـ عافانا الله وإياك ـ فإني إنما قاتلت على دم عثمان ، وكرهت التوهين (1) في أمره وإسلام حقه ، فإن أدرك به فبها ، وإلا فإن الموت على الحق أجمل من الحياة على الضيم. وإنما مثلي ومثل عثمان كما قال المخارق :
متى تسلي عن نصرتي السيد لا يجد
لك السيد بيت السيد عندي مسلما (2)
إذا حل بيتي عند جاري لم يخف
غوائل ما يسري إذا الليل أظلما
وقلت له في الرحب وجهك إنني
سأمسك عنك الدار أن يتهدما (3)
فكتب إليه علي بن أبي طالب : أما بعد فإنك وما ترى كما قال أوس ابن حجر :
وكائن يرى من عاجز متضعف
جنى الحرب يوما ثم لم يغن ما يجني
ألم يعلم المهدي الوعيـد بأنني
سريع إلى ما لا يسر له قرني
وإن مكاني للمريدين بارز
وإن برزوني ، ذو كؤود وذو حضن (4)
فكتب إليه معاوية : عافانا الله وإياك. إنا لم نزل للحرب قادة وأبناء. لم تصب مثلنا ومثلك ، ولكن مثلنا كما قال أوس :
__________________
(1) التوهين : الإضعاف. وفي الأصل : « التدهين ».
(2) السيد ، بالكسر : قبيلة من قبائلهم ، من بني ضبة.
(3) وجهك : أي الجهة التي تنتويها في السفر. والدار مؤنثة ، وقد تذكر.
(4) الكؤود : العقبة الشاقة المصعد ، الصعبة المرتقى.
إذا الحرب حلت ساحة القوم أخرجت
عيوب رجال يعجبونك في الأمر
وللحرب يجنيها رجال ومنهم
إذا ما جناها من يعيد ولا يغني
وقال الأحنف بن قيس التميمي بصفين وهو مع علي : هلكت العرب! فقال له أصحابه : وإن غلبنا أبا بحر؟ قال : نعم. قالوا : وإن غلبنا؟ قال : نعم. قالوا : والله ما جعلت لنا مخرجا. قال الأحنف : إن غلبنا لم نترك بها رئيسا إلا ضربنا عنقه ، وإن غلبنا لم يعرج [ بعدها ] رئيس عن معصية الله أبدا.
نصر : وحدثنا عمر بن سعد ، عن الشعبي قال : ذكر معاوية يوما صفين بعد عام الجماعة وتسليم الحسن 7 الأمر إليه ، فقال للوليد بن عقبة : أي بني عمك كان أفضل يوم صفين يا وليد ، عن وقدان الحرب واستشاطة لظاها ، حين قاتلت الرجال على الأحساب؟ قال : « كلهم قد وصل كنفتها (1) ، عند انتشار وقعتها ، حتى ابتلت أثباج الرجال ، من الجريال ، بكل لدن عسال ، وكل عضب قصال ». ثم قال عبد الرحمن بن خالد بن الوليد : « أما والله لقد رأيتنا (2) يوما من الأيام وقد غشينا ثعبان مثل الطود الأرعن قد أثار قسطلا حال بيننا وبين الأفق ، وهو على أدهم شائل ، يضربهم بسيفه ضرب غرائب الإبل ، كاشرا عن أنيابه ، كشر المخدر الحرب. فقال معاوية : والله إنه كان يجالد ويقاتل عن ترة له وعليه. أراه يعني عليا (3).
نصر : وحدثنا عمر بن سعد ، عن الشعبي قال : أرسل علي إلى معاوية : ان ابرز لي وأعف الفريقين من القتال ، فأينا قتل صاحبه كان الأمر له. قال
__________________
(1) الكنف والكنفة : جانب الشئ. ح ( 2 : 284 ) : « كنفيها ».
(2) في الأصل : « رأيت » وأثبت ما في ح.
(3) هذه العبارة ليست في ح.
عمرو : لقد أنصفك الرجل. فقال معاوية : إني لا كره أن أبارز الأهوج الشجاع (1) ، لعلك طمعت فيها يا عمرو. [ فلما لم يجب ] قال علي : « وانفساه ، أيطاع معاوية وأعصى؟ ما قاتلت أمة قط أهل بيت نبيها وهي مقرة بنبيها إلا هذه الأمة ».
ثم إن عليا أمر الناس أن يحملوا على أهل الشام ، فحملت خيل علي على صفوف أهل الشام ، فقوضت صفوفهم. قال عمرو يومئذ : على من هذا الرهج الساطع؟ فقيل : على ابنيك عبد الله ومحمد. فقال عمرو : يا وردان ، قدم لواءك. فتقدم فأرسل إليه معاوية : « إنه ليس على ابنيك بأس ، فلا تنقض الصف والزم موقعك ». فقال عمرو : هيهات هيهات!
الليث يحمي شبليه
ما خيره بعد ابنيـه
فتقدم [ باللواء ] فلقى الناس وهو يحمل ، فأدركه رسول معاوية فقال : إنه ليس على ابنيك بأس فلا تحملن. فقال له عمرو : قل له : إنك لم تلدهما ، وإني أنا ولدتهما. وبلغ مقدم الصفوف فقال له الناس : مكانك ، إنه ليس على ابنيك بأس ، إنهما في مكان حريز. فقال : أسمعوني أصواتهما حتى أعلم أحيان هما أم قتيلان؟ ونادى : يا وردان ، قدم لواءك قدر قيس قوسي (2) ، ولك فلانة ـ جارية له ـ فتقدم بلوائه.
فأرسلي علي إلى أهل الكوفة : أن أحملوا. وإلى أهل البصرة : أن احملوا. فحمل الناس من كل جانب فاقتتلوا قتالا شديدا ، فخرج رجل من أهل الشام فقال : من يبارز؟ فخرج إليه رجل من أصحاب علي فاقتتلا ساعة ، ثم إن العراقي
__________________
(1) ح : « الشجاع الأخرق ».
(2) القيس ، بالكسر ، هو القدر. ونحو هذه الإضافة : دار الآخرة ، وحق اليقين ، وحبل الوريد ، وحب الحصيد. وفي ح : « قيس قوس ».
ضرب رجل الشامي فقطعها ، فقاتل ولم يسقط إلى الأرض ، ثم ضرب يده فقطعها ، فرمى الشامي بسيفه بيده اليسرى إلى أهل الشام ثم قال : يا أهل الشام ، دونكم سيفي هذا فاستعينوا به على عدوكم. فأخذوه ، فاشترى معاوية ذلك السيف من أولياء المقتول بعشرة آلاف.
وقال أبو زبيد الطائي يمدح عليا ويذكر بأسه :
إن عليا ساد بالتكرم
والحلم عند غاية التحلم
هداه ربي للصراط الأقوم
بأخذه الحل وترك المحرم
كالليث عند اللبوات الضيغم (1)
يرضعن أشبالا ولما تفطم
فهو يحمي غيرة ويحتمـي
عبل الذراعين كريـه شدقم (2)
مجوف الجوف نبيل المحزم
نهد كعادي البناء المبهم
يزدجر الوحي بصوت أعجم
تسمع بعد الزبر والتقحم
منه إذا حش له ترمرم (3)
مندلق الوقع جرى المقدم (4)
ليث الليوث في الصـدام مصدم
وكهمس الليل مصك ملـدم (5)
عفروس آجام عقار الأقـدم (6)
كروس الذفرى أغم مكدم (7)
__________________
(1) في الأصل : « عنده الليوث ».
(2) شدقم : واسع الشدق. وفي الأصل : « كريه الشدقم » تحريف.
(3) كذا ورد هذا البيت.
(4) الاندلاق : الهجوم والتقدم. وفي الأصل : « مندلف » تحريف.
(5) الكهمس : اسم من أسماء الأسد.
(6) العفروس ، من أسماء الأسد ، واشتقاقه من العفرسة وهو الصرع والغلبة ، ولم يذكر هذه اللغة ـ صاحب اللسان. وفي القاموس : « العفرس : بالكسر ، والعفريس والعفراس والعفروس والمفرنس كسفرجل : الأسد ». والعقار ، بالضم : القاتل ، وهو من قولهم : كلأ عقار ، أي قاتل للماشية. وفي الأصل : « عفار ». والأقدم ، بفتح الدال : الأسد.
(7) الكروس : الضخم. والذفري ، بالكسر : عظم شاخص خلف الأذن. والأغم : الذي سال شعره فضاق وجهه وقفاه. والمكدم : الغليظ الشديد. وفي الأصل : « كروس الذفرين عم المكرم ».