خلاصة :
• لنسبة بين المفهومين النسبة بين نقيضيهما
1 ـ التساوي ...... التساوي
2 ـ العموم والخصوص من وجه ..
3 ـ التباين الکلي التباين الجزئي
4 ـ العموم والخصوص مطلقا ... العموم والخصوص مطلقا بالعکس
تمرينات
أ ـ بين ماذا بين الأمثلة الآتية من النسب الاربع وماذا بين نقيضهما :
1 ـ الکاتب والقاريء
2 ـ الشاعر والکاتب
3 ـ الشجاع والکريم
4 ـ السيف والصارم
5 ـ المايع والماء
6 ـ المشترک والمترادف
7 ـ السواد والحلاوة
8 ـ الأسود والحلو
9 ـ النائم والجالس
10 ـ اللفظ والکلام
ب ـ اشرح البراهين على کل واحدة من النسب بين نقيضي الکليين بعبارة واضحة مع عدم استعمال الرموز والاشارات.
ج ـ اذکر مثالين من غير ما مر عليک لکل من النسب الاربع.
الكليات الخمس
الکلي : ذاتي وعرضي.
الذاتي : نوع وجنس وفصل.
العرضي : خاصة وعرض عام.
قد يسأل سائل عن شخص انسان (من هو؟).
وقد يسأل عنه ..... (ما هو؟).
فهل تجد فرقا بين السؤالين؟ ـ لا شک ان الاول سؤال عن مميزاته الشخصية. والجواب عنه : (ابن فلان) أو مؤلف کتاب کذا أو صاحب العمل الکذائي او ذو الصفة الکذائية ... وامثال ذلک من الاجوبة المقصود بها تعيين المسؤول عنه من بين الاشخاص امثاله. ويغلط المجيب لو قال : (انسان لا نه لا يميزه عن امثاله من أفراد الانسان. ويصطلح في هذا العصر على الجواب عن هذا السؤال بـ (الهوية الشخصية) مأخوذة من کلمة (هو) کالمعلومات التي تسجل عن الشخص في دفتر النفوس.
اما السؤال الثاني فانما يسأل به عن حقيقة الشخص التي يتفق بها مع الاشخاص الآخرين امثاله والمقصود بالسؤال تعيين تمام حقيقته بين
الحقائق لا شخصه بين الاشخاص. ولا يصلح للجواب الا کمال حقيقته فتقول : (انسان) دون ابن فلان ونحوه. ويسمي الجواب عن هذا السؤال :
النوع
وهو أول الکليات الخمسة وسيأتي قريبا تعريفه.
وقد يسأل السائل عن زيد وعمر ووخالد ..... (ما هي؟).
وقد يسأل السائل عن زيد وعمر ووخالد وهذه الفرس وهذا الاسد (ما هي).
فهل تجد فرقا بين السؤالين؟ ـ تأمل فيهما فستجد ان (الاول) سؤال عن حقيقة جزئيات متفقة بالحقيقة مختلفة بالعدد. و (الثاني) سؤال عن حقيقة جزئيات مختلفة بالحقيقة والعدد.
والجواب عن الاول بکمال الحقيقة المشترکة بينها فتقول : انسان. وهو (النوع) المتقدم ذکره.
وعن الثاني أيضا بکمال الحقيقة المشترکة بينها فتقول : حيوان ويسمي :
الجنس
وهو ثاني الکليات الخمسة. وعليه يمکن تعريفهما بما يأتي :
1 ـ (النوع) (1) هو تمام الحقيقة المشترکة بين الجزئيات المتکثرة بالعدد فقط في جواب ما هو؟.
________________
(1) راجع الحاشية : ص 39 وحواشيها في المقام ، وشرح الشمسية : ص 46 ، والقواعد الجلية : ص 209 ، والجوهر النضيد : ص 12 ، وأساس الإقتباس : ص 27 والإشارات وشرحه : ص 79 ـ 69 والنجاة : ص 9 ، والتحصيل : ص 17 ، ونهاية الحكمة : ص 78685 ، وبداية الحكمة : ص 59 ـ 62.
2 ـ (الجنس) هو تمام الحقيقة المشترکة بين الجزئيات المتکثرة بالحقيقة في جواب ما هو؟.
ـ واذا تکثرت الجزئيات بالحقيقة فلا بد ان تتکثر بالعدد قطعا.
* * *
وقد يسأل السائل عن الانسان والفرس ..... والقرد (ما هي؟)
وقد يسأل السائل عن الانسان فقط ..... (ما هو؟)
لا حظ ان (الکليات) هي المسؤول عنها هذه المرة! فماذا تري ينبغي ان يکون الجواب عن کل من السؤالين؟ ـ نقول : اما الاول فهو سؤال عن کليات مختلفة الحقائق فيجاب عنه بتمام الحقيقة المشترکة بينها. وهو الجنس فتقول في المثال (حيوان). ومنه يعرف ان الجنس يقع أيضا جوابا عن السؤال بما هو عن الکليات المختلفة بالحقائق التي تکون أنواعا له کما يقع جوابا عن السؤال بما هو الجزئيات المختلفة بالحقائق.
وأما الثاني. فهو سؤال بما هو عن کلي واحد. وحق الجواب الصحيح الکامل أن نقول في المثال : (حيوان ناطق) فيتکفل الجواب بتفصيل ماهية الکلي المسؤول عنه وتحليلها التي تمام الحقيقة التي يشارکه فيها غيره
________________
(1) راجع الحاشية : ص 36 ، وشرح الشمسية : ص 49 ، وشرح المنظومة : ص 23 ، والقواعد الجلية : ص 209 ، والجوهر النضيد : ص 13 ، وأساس الاقتباس : ص 24 ـ 27 ، والإشارات وشرحه : ص 70 ـ 79 ، والتحصيل : ص 16 ، ونهاية الحكمة : ص 78 ، وبداية الحكمة : ص 59.
(2) سيأتي منه (قدس سره) : أن الجنس يقع جوابا عن السؤال عن الكليات المتكثرة بالحقيقة أيضا ، فكان اللازم أن يقال في تعريفه ـ كما في سائر كتب المنطق ـ : «هو المقول على الكثرة المختلفة الحقيقة في جواب ما هو» اللهم إلا أن يراد بالجزئي الجزئي الإضافي حتى يشمل الكلي. أو يوجه بأن الاشتراك بين الجزئيات المتكثرة بالحقيقة والاشتراك بين الأنواع كذلك متلازمان ، فاكتفى بأحدهما عن الآخر. هذا ، ولكن بعد اللتيا والتي ، لا يسلم التعريف ـ كسابقة ـ عن محذور استعمال المشترك فيه ، فإن الجزئي قد مر أنه مشترك لفظا بين الحقيقي والإضافي ، أو محذور عدم صراحة التعريف.
والى الخصوصية التي بها يمتاز عن مشارکاته في تلک الحقيقة. ويسمي مجموع الجواب (الحد التام) کما سيأتي في محله. وتمام الحقيقة المشترکة التي هي الجزء الاول من الجواب هي (الجنس) وقد تقدم. والخصوصية المميزة التي هي الجزء الثاني من الجواب هي :
الفصل
وهو ثالث الکليات. ومن هذا يتضح ان الفصل جزء من مفهوم الماهية ولکنه الجزء المختص بها الذي يميزها عن جميع ما عداها کما ان الجنس جزؤها المشترک الذي أيضا يکون جزءاً للماهيات الأخري.
ويبقي شيء ينبغي ذکره.
وهو أنا کيف نسأل ليقع الفصل وحده جوابا؟ وبعبارة أوضح : ان الفصل وحده يقع في الجواب عن اي سؤال؟
نقول : يقع الفصل جوابا عما اذا سألنا عن خصوصية الماهية التي بها تمتاز عن اغيارها بعد أن نعرف تمام الحقيقة المشترکة بينها وبين اغيارها. فاذا رأينا شبحا من بعيد وعرفنا انه حيوان وجهلنا خصوصيته فبطبيعتنا نسأل فنقول : (أي حيوان هو في ذاته). ولو عرفنا انه جسم فقط لقلنا : (أي جسم هو في ذاته). وان شئت قلت بدل في ذاته : في جوهره أو حقيقته فان المعني واحد. والجواب عن الاول (ناطق) فقط وهو فصل الانسان أو (صاهل) وهو فصل الفرس. وعن الثاني (حساس) مثلا وهو فصل الحيوان.
اذن يصح أن نقول ان الفصل يقع في جواب (أي شيء) وشيء کناية عن الجنس الذي عرف قبل السؤال عن الفصل. وعليه يصح تعريف الفصل بما يأتي :
«هو جزء الماهية المختص بها (1) الواقع في جواب أي شيء هو في ذاته»(2).
تقسيمات
(1) النوع : حقيقي واضافي (3)
(2) الجنس : قريب وبعيد ومتوسط(4).(5)
(3) النوع الاضافي : عال وسافل ومتوسط(6)
(4) الفصل : قريب وبعيد(7). مقوّم ومقسّم.(
________________
(1) راجع الحاشية : ص 42 ، وشرح الشمسية : ص 52 ، والجوهر النضيد : ص 15 ، وأساس الإقتباس : ص 28 ـ 22 ، والإشارات وشرحه : ص 88 ـ 84 والنجاة : ص 8 ، والتحصيل : ص 18 ، ونهاية الحكمة : ص 82 ، وبداية الحكمة : ص 59.
(2) لا يخفى أنه جمع بين تعريفين للفصل ، فإن جزء الماهية المختص بها ، تعريف تام والباقي أيضا تعريف تام.
(3) لا يخفى عليك : أنه بعد ما لم يكن النوع بمعنى واحد منقسما إلى الحقيقي والإضافي بل كان مشتركا لفظيا بين الأمرين ـ كما سيصرح هو أيضا به بعد أسطر ـ لا يصح عده من التقسيمات.
(4) الصحيح ـ كما عليه الجمهور ـ أن يقال : الجنس : عال ومتوسط وسافل ، وذلك لأن كلا من القريب والبعيد إضافي (نسبي) فالجنس السافل قريب بالإضافة إلى النوع ، والجنس المتوسط الأول قريب بالنسبة إلى الجنس السافل وبعيد بالنسبة إلى النوع ، والجنس المتوسط الثاني قريب بالنسبة إلى الجنس المتوسط الأول وبعيد بالنسبة إلى النوع والجنس السافل ، وجنس الأجناس قريب بالنسبة إلى ما يندرج تحته مباشرة وبعيد بالنسبة إلى غيره.
(5) راجع الحاشية : ص 41 ، وشرح الشمسية : ص 50 ، وشرح المنظومة : ص 23 وشرح المطالع : ص 82 ، واللمعات (منطق نوين) : ص 9 ، والجوهر النضيد : ص 14 ، والإشارات وشرحه : ص 82 ، والتحصيل : ص 17.
(6) راجع شرح المطالع : ص 86 ، والجوهر النضيد : ص 14 ، وأساس الإقتباس : ص 29.
(7) راجع الحاشية ص 43 ، وشرح الشمسية : ص 55 ، والإشارات ص 88.
(
راجع الحاشية : ص 44 ، وشرح المطالع : ص 91 ، والجوهر النضيد : ص 16 ، والإشارات وشرحه : ص 89.
(1) لفظ النوع مشترک(1) بين معنيين احدهما (الحقيقي) وهو أحد الکليات الخمسة وقد تقدم. وثانيهما (الاضافي). والمقصود به الکلي الذي فوقه جنس. فهو نوع بالاضافة الى الجنس(2) الذي فوقه سواء کان نوعا حقيقيا او لو يکن کالانسان بالاضافة الى جنسه وهو الحيوان وکالحيوان بالاضافة الى جنسه وهو الجسم النامي وکالجسم النامي بالاضافة الى الجسم المطلق وکالجسم المطلق بالاضافة الى الجوهر
(2) قد تتألف سلسلة من الکليات يندرج بعضها تحت بعض کالسلسلة المتقدمة التي تبتديء بالانسان وتنتهي بالجوهر. فاذا ذهبت بها (متصاعدا) من الانسان فمبدؤها (النوع) وهو الانسان في المثال وبعده الجنس الادني الذي هو مبدأ سلسلة الاجناس. ويسمي (الجنس القريب)(3) لانه أقربها الى النوع. ويسمي أيضا (الجنس السافل). وهو الحيوان في المثال.
ثم هذا الجنس فوقه جنس أعلي(4) ... حتي تنتهي الى الجنس الذي ليس فوقه جنس. ويسمي (الجنس البعيد) و (الجنس العالي) و (الجنس الأجناس). وهو الجوهر في المثال. أما ما بين السافل والعالي فيسمّى
________________
(1) راجع الحاشية : ص 40 ، وشرح الشمسية : ص 71 ، وشرح المنظومة : ص 25 ، وتعليقة الأستاذ حسن زادة في المقام والجوهر النضيد : ص 15 ، والإشارات وشرحه : ص 79 ـ 81.
(2) أي الكلي الذاتي الذي فوقه جنس ، أو يراد ما يكون فوقه جنس بلا واسطة ، فلا يكون إلا ذاتيا. كل ذلك لأن الصنف ليس من النوع الإضافي في شئ.
(3) لا يخفى عليك : أن كلا من الجنس القريب والبعيد إضافي ، فالجنس السافل قريب
بالإضافة إلى النوع ، والجنس المتوسط الأول قريب بالنسبة إلى الجنس السافل وبعيد بالنسبة إلى النوع ، والجنس المتوسط الثاني قريب بالنسبة إلى المتوسط الأول وبعيد بالنسبة إلى النوع والجنس السافل ، وجنس الأجناس قريب بالنسبة إلى ما يكون دونه مباشرة وبعيد
بالنسبة إلى غيره.
(4) الظاهر كلمة «أعلى» زائدة.
«الجنس المتوسط» ويسمي (بعيدا) أيضا کالجسم المطلق والجسم النامي.
فالجنس عليه هذا قريب وبعيد ومتوسط أو سافل وعال ومتوسط.
(3) واذا ذهبت في السلسلة متنازلا مبتدئا من جنس الاجناس الى ما دونه حتي تنتهي الى النوع الذي ليس تحته نوع. فما کان بعد جنس الاجناس يسمي (النوع العالي) وهو مبدأ سلسلة الانواع الاضافية وهو الجسم المطلق في المثال. واخيرها أي منتهي السلسلة يسمي (نوع الانواع) أو (النوع السافل) وهو الانسان في المثال. اما ما يقع بين العالي والسافل فهو (المتوسط) کالحيوان والجسم النامي. فالجسم النامي جنس متوسط ونوع متوسط.
اذن النوع الاضافي : عال ومتوسط وسافل.
(تنبيه)
يتضح مما سبق ان کلا من المتوسطات لا بد أن يکون نوعا لما فوقه وجنسا لما تحته. والمتوسط النوع والجنس قد يکون واحد اذا تألفت سلسلة الکليات من أربعة وقد يکون أکثر اذا کانت السلسلة أکثر من اربعة.
فمثال الاول : (الماء) المندرج تحت (السائل) المندرج تحت (الجسم) المندرج تحت (الجوهر). أو (البياض) المندرج تحت (اللون) المندرج تحت (الکيف المحسوس) المندرج تحت (الکيف).
ومثال الثاني : سلسلة الانسان الى الجوهر المؤلفة من خمسة کليات کما تقدم أو (متساوي الساقين) المندرج تحت (المثلث) المندرج تحت (الشکل (1) المستقيم الاضلاع) المندرج تحت (الشکل المستوي)
________________
(1) الصحيح أن يقال بدله : «السطح المستقيم الأضلاع ، المندرج تحت السطح المستوي ، المندرج تحت السطح المندرج تحت الكم» فإن الشكل ليس من مقول الكم ، وإنما هو
المندرج تحت (الشکل) المندرج تحت (الکم). وهذه السلسلة مؤلفة من ستة کليات والانواع المتوسطة ثلاثة (المثلث والشکل المستقيم الاضلاع والشکل المستوي). والاجناس المتوسطة ثلاثة أيضا (الشکل المستقيم الاضلاع والشکل المستوي والشکل.
(4) وکل نوع اضافي لا بد له من فصل يکون جزءاً من ماهيته يقومها ويميزها عن الانواع الاخر التي في عرضه المشترکة معه في الجنس الذي فوقه کما يقسم الجنس الى قسمين احدهما نوع ذلک الفصل وثانيهما ما عداه کالحساس المقوم للحيوان والمقسم للجسم النامي الى حيوان وغير حيوان فيقال : الجسم النامي حساس وغير حساس.
ولکن الفصل الذي يقوّم نوعه المساوي له لا بد أن يقوّم أيضا ما تحته من الانواع. فالحساس المقوم للحيوان يقوم الانسان وغيره من أنواع الحيوان أيضا. لان الفصل للعالي لا بد ان يکون جزءا من العالي والعالي جزء من السافل وجزء الجزء جزء. فيکون الفصل المقوم للعالي جزءا من السافل فيقومه.
والقاعدة العامة أن نقول : «مقوم العالي مقوم السافل» ولا عکس.
والفصل أيضا اذا لوحظ بالقياس الى نوعه المساوي له قيل له
________________
من الكيفيات المختصة بالكميات. هذا إذا كان المثلث من أقسام السطح وإن كان من أقسام الشكل فما ذكره ـ أعلى الله مقامه ـ هو في محله ، إلا قوله الأخير : «المندرج تحت الكم» فإنه لابد أن يبدل بقولنا : «المندرج تحت الكيف».
(1) وذلك لأن له جنسا ، فبالضرورة لابد له من فصل يقومه ويميزه عن مشاركاته في الجنس. وأما النوع الحقيقي فهو على قسمين : مركب لابد له من الفصل لأنه جزؤه ، وبسيط لا فصل له.
(2) لا يخفى عليك : أن كلا من العالي والسافل هنا أريد منه معناه اللغوي ، لا العالي والسافل المصطلحين في ترتب الأجناس والأنواع.
(الفصل القريب) کالحساس بالقياس الى الحيوان والناطق بالقياس الى الانسان. واذا لو حظ بالقياس الى النوع الذي تحت توعه قيل له (الفصل البعيد) کالحساس بالقياس الى الانسان.
والخلاصة : ان الفصل الواحد يسمي قريبا وبعيدا باعتبارين. ويسمي مقوما ومقسما باعتبارين.
الذاتي والعرضي (1)
للذاتي والعرضي اصطلاحات في المنطق تختلف معانيها. ولا يهمنا الآن التعرض الا لاصطلاحهم في هذا الباب وهو الذي يسمونه بکتاب (ايساغوجي) أي کتاب الکليات الخمسة حسب وضع مؤسس المنطق الحکيم (ارسطو). وکان علينا أن نتعرض لهذا الاصطلاح في أول بحث الکليات الخمسة لولا انا اردنا ايضاح المعني المقصود منه بتقديم شرح الکليات الثلاثة المتقدمة فنقول :
1 ـ (الذاتي) : هو المحمول الذي تتقوم ذات الموضوع به غير خارج عنها. ونعني (بما تتقوم ذات الموضوع به) ان ماهية الموضوع لا تتحقق الا به فهو قوامها سواء کان هو نفس الماهية کالانسان المحمول على زيد وعمر واو کان جزءاً منها کالحيوان المحمول على الانسان أو الناطق المحمول عليه فان نفس الماهية أو جزأها يسمي (ذاتيا).
وعليه فالذاتي يعم النوع والجنس والفصل لان النوع نفس الماهية الداخلة في ذات الافراد والجنس والفصل جزآن داخلان في ذاتها.
2 ـ (العرضي) هو المحمول الخارج عن ذات الموضوع لا حقاله بعد
________________
(1) راجع شرح المنظومة : ص 29 ، وشرح المطالع : ص 63 ، والجوهر النضيد : ص 10 ، وأساس الاقتباس : ص 21 ، والإشارات وشرحه : ص 38 وص 65 ، والتحصيل : ص 9.
(2) كان الأولى أن يقول : المحمول على نفسه حيث يقال : الإنسان إنسان.
تقومه بجميع ذاتياته کالضاحک اللاحق للانسان والماشي اللاحق للحيوان.
وعند ما يتضح هذا الاصطلاح ندخل الآن في بحث باقي الکليات الخمسة وقد بقي منها اقسام العرضي فان العرضي ينقسم الي :
الخاصة والعرض العام
لان العرضي : وإما ان يختص بموضوعه الذي حمل عليه أي لا يعرض لغيره فهو (الخاصة) سواء کانت مساوية لموضوعها کالضاحک (1) بالنسبة الى الانسان او کانت مختصة ببعض افراده کالشاعر والخطيب والمجتهد العارضة على بعض أفراد الانسان. وسواء کانت خاصة للنوع الحقيقي کالامثلة السابقة او للجنس المتوسط کالمتحيز خاصة الجسم والماشي خاصة الحيوان او لجنس الاجناس کالموجود (3) لا في موضوع خاصة الجوهر.
وإما ان يعرض لغير موضوعه أيضا أي لا يختص به فهو (العرض العام) کالماشي بالقياس الى الانسان والطائر بالقياس الى الغراب والمتحيز بالقياس الى الحيوان او بالقياس الى الجسم النامي.
وعليه يمکن تعريف الخاصة والعرض العام بما يأتي :
________________
(1) بالقوة.
(2) يفهم من هذا المثال وجود سقط في العبارة لابد من الإتيان به لاستيفاء الأقسام ولتحقق ممثل لهذا المثال ، وذلك بأن يزاد بعد قوله : «أو للجنس» قولنا : «أو للنوع» أو يزاد بعد قوله : «المتوسط» قولنا : «أو القريب».
ثم لا يخفى عليك ما في عطف هذا على ما قبله فإن الحيوان ليس جنسا متوسطا فكان اللازم أن يقول : أو للجنس السافل كالماشي خاصة الحيوان.
(3) منه يعلم أن مقسم الكليات الخمسة ليس هي الماهية ، بل أعم منها.
(الخاصة) (1) : الکلي الخارج المحمول الخاص بموضوعه.
(العرض العام) (2) : الکلي الخارج المحمول على موضوعه وغيره.
تنبيهات وتوضيحات
1 ـ قد يکون الشيء الواحد خاصة بالقياس الى موضوع وعرضا عاما بالقياس الى آخر کالماشي فانه خاصة للحيوان وعرض عام للانسان. ومثله الموجود لا في موضوع والمتحيز ونحوها مما يعرض الاجناس(3).
2 ـ وقد يکون الشيء الواحد عرضيا بالقياس الى موضوع وذاتيا بالقياس الي آخر کالملون (4) فانه عرضي بالقياس مع انه جنس للابيض والاسود ونحوهما. ومثله مفرق البصر فانه عرضي بالقياس الى الجسم مع انه فصل للابيض لان الابيض (ملون مفرق البصر) (5).
3 ـ کل من الخاصة والفصل قد يکون مفردا وقد يکون مرکبا (6).
________________
(1) راجع الحاشية : ص 46 ، وشرح الشمسية : ص 59 ، وشرح المطالع : ص 96 ، الإشارات وشرحه : ص 90 ، والتحصيل : ص 18.
(2) راجع شرح الشمسية : ص 59 ، وشرح المطالع : ص 96 ، والجوهر النضيد : ص 17 ، والإشارات ، ص 90 ، والتحصيل ، ص 19.
(3) وأما ما يعرض النوع الحقيقي من الخواص فهي خاصته ، ولا يتصور كونها عرضا عاما أيضا ، اللهم إلا بالنسبة إلى الصنف.
(4) بضم الميم وسكون اللام وفتح الواو وتشديد النون ، أي : ذي اللون.
(5) أي مفرق نور البصر. ولا يخفى عليك أن تعريف الأبيض هذا مبتن على ما كان يراه بعض الطبيعيين القدماء من أن الرؤية إنما هي بخروج الشعاع من العين ووقوعه على المرئي.
(6) لا يخفى : أنه يختلف الوجه في الإتيان به مركبا بحسب الأمثلة. فقد يكون الوجه فيه عدم كون كل من الجزءين بمفرده مساويا للموضوع ، وبالتالي لا يمكن أن يكون بمفرده خاصة أو فصلا ـ كما في المثال الأول ـ فيركب عرضيان عامان ـ مثلا ـ للحصول على الخاصة. وقد يكون الوجه فيه ـ ويبدو أن هذا الوجه مختص بالفصل ، كما أن الوجه السابق مختص
مثال المفرد منهما الضاحک والناطق. ومثال المرکب من الخاصة قولنا للانسان : «منتصب القامة بادي البشرة». ومثال المرکب من الفصل قولنا للحيوان : «حساس متحرک بالارادة».
الصنف
4 ـ تقدم ان الفصل يقوم النوع ويميزه عن أنواع جنسه أي يقسم ذلک الجنس أو فقل (ينوع) الجنس. اما الخاصة فانها لا تقوّم لاکلي الذي تختص به قطعا الا انها تميزه عن غيره أي انها تقسم ما فوق ذلک الکلي. فهي کالفصل من هذه الناحية في کونها تقسم الجنس وتزيد عليه (1) بأنها تقسم العرض العام أيضا کالموجود لا في موضوع الذي يقسم (الموجود) (2) الى جوهر وغير جوهر.
وتزيد عليه أيضا بأنها تقسم کذلک النوع وذلک عندما تختص ببعض أفراد النوع کما تقدم کالشاعر المقسم للانسان. وهذا التقسيم للنوع يسمي في الصطلاح المنطقيين (تصنيفا) وکل قسم من النوع يسمي (صنما).
فالصنف کل کلي اخص من النوع (3) ويشترک مع باقي اصناف النوع
________________
بالخاصة ـ أن الفصل الحقيقي لما كان مجهولا فيؤخذ لازمه ويذكر مقامه ، فربما كان اللازم أكثر من واحد فيوضع جميعا مقام الفصل الحقيقي ـ كما في المثال الثاني ـ راجع بداية الحكمة ، الفصل الخامس من المرحلة الخامسة.
(1) أي تزيد الخاصة على الفصل كما هو الظاهر ، ويؤيده ما سيأتي بعد سطرين من قوله : «وتزيد عليه أيضا» هذا ، ولكن لا يخفى أن هذا ـ على خلاف ما سيأتي ـ ليس زيادة للخاصة على الفصل ، فإن الفصل أيضا يقسم العرض العام ، فإن الناطق ـ مثلا ـ يقسم الماشي والمتحيز والموجود لا في موضوع ، والموجود ، وهي أعراض عامة للإنسان والجسم النامي والجسم والجوهر.
(2) أيضا منه يعلم ، أن مقسم الكليات الخمسة ليست هي الماهية.
(3) لا يخفى عليك التهافت بين ما ذكره هنا في تعريف الصنف وبين ما يأتي في مبحث القسمة ص 112 ـ 113 والصحيح ما ذكره هناك من أن الصنف بعد كل كلي ذاتي قيد بخاصة
في تمام حقيقتها ويمتاز عنها بأمر عارض خارج عن الحقيقة.
والتصنيف کالتنويع الا ان التنويع للجنس باعتبار الفصول الداخلة في حقيقة الاقسام. والتصنيف للنوع باعتبار الخواص الخارجة عن حقيقة الاقسام کتصنيف الانسان الى شرقي وغربي والى عالم وجاهل والى ذکر وانثي ... وکتصنيف الفرس الى أصيل وهجين وتصنيف النخل الى ذهدي وبربن وعمراني ... الى ما شاء الله من التقسيمات للانواع باعتبار أمور عارضة خارجة عن حقيقتها.
الحمل وانواعه
5 ـ وصفنا کلا من الکليات الخمسة (بالمحمول). وأشرنا الى ان الکلي المحمول ينقسم الى الذاتي والعرضي. وهذا امر يحتاج الى التوضيح والبيان.
لان سائلا قد يسأل فيقول : ان النوع قد يحمل على الجنس کما يقال مثلا : الحيوان النسان وفرس وجمل ... الى آخره مع ان الانسان بالقياس الى الحيوان ليس ذاتيا له لانه ليس تمام الحقيقة ولا جزأها ولا عرضيا خارجا عنه (1). افهناک واسطة بين الذاتي والعرضي ام ماذا؟
وقد يسأل ثانيا فيقول : ان الحد التام يحمل على النوع والجنس (2) کما يقال : الانسان حيوان ناطق. والحيوان جسم تام حساس متحرک
________________
أخص ، أو فقل هو الخاصة الأخص سواء كانت خاصة النوع أو خاصة الجنس.
(1) فيه : أنه عرضي خارج ، فإن الإنسان ليس من مقومات الحيوان ، بل خارج عن حقيقة محمول عليه ولا نعني بالعرضي إلا هذا. فما تكلفه من تقسيم الحمل إلى طبعي ووضعي وتخصيص المقصود بالأول لا وجه له ، سيما بالالتفات إلى أن الذاتي والعرضي في معنى الداخل في حقيقة الشئ وغير الداخل فيها ، فلا يخلو محمول ـ بأي حمل حمل ـ منهما ، وإلا لزم ارتفاع النقيضين فيه.
(2) غير الجنس العالي ، إذ لا جنس للعالي فلا فصل له أيضا ، فلا حد له.
بالارادة. وعليه فالحد التام کلي محمول وهو تمام حقيقة موضوعه مع انه ليس نوعا له (1) ولا جنسا ولا فصلا فينبغي ان يجعل للذاتي قسما رابعا. بل لا ينبغي تسميته بالذاتي لا نه هو نفس الذات (2) والشيء لا ينسب الى نفسه ولا بالعرضي لانه ليس بخارج عن موضوعه فيجب ان يکون واسطة بين الذاتي والعرضي.
وقد يسأل ثالثا فيقول : ان المنطقيين يقولون ان الضحک خاصة الانسان والمشي عرض عام له مثلا مع ان الضحک والمشي لا يحملان على الانسان فلا يقال الانسان ضحک وقد ذکرتم ان الکليات کلها محمولات على موضوعاتها فما السر في ذلک؟
ولکن هذا السائل اذا اتضح له المقصود من (الحمل) ينقطع لديه الکلام (3) فان الحمل له ثلاثة تقسيمات. والمراد منه هنا بعض اقسامه في کل من التقسيمات فنقول :
1 ـ الحمل : طبعي ووضعي
اعلم ان کل محمول فهو کلي حقيقي لان الجزئي الحقيقي بما هو جزئي لا يحمل على غيره (4). وکل کلي أعم بحسب المفهوم فهو محمول
________________
(1) فيه : أنه نوع ، لأنه هو نفس مفهوم الإنسان كما سيصرح به في أحكام الحد التام. وأيضا النوع هو المقول على الكثرة المتفقة الحقيقة في جواب ما هو ، وهذا التعريف كما يصدق على الإنسان يصدق على حده التام ، فإنه إذا لم يعلم الإنسان وجب الجواب بحده التام في جواب زيد وعمرو وبكر ما هو.
(2) أقول قد مر في ص 93 منه (قدس سره) : أن الذاتي يراد به هنا ما يعم الذات والذاتي.
(3) أقول قد عرفت الجواب عن السؤالين الأول والثاني ، والأولى في الجواب عن الثاني أن المراد بالحمل أعم من المواطاة والاشتقاق ، هذا ويبدو أن الأولى حذف هذه الأسئلة وأجوبتها من الكتاب بل لابد من حذف العنوان السابق وما بعده إلى عنوان «العروض ومعناه الحمل».
(4) هذا ما اختاره هو (قدس سره) تبعا لجمع من المحققين ، وخالفهم جمع آخر وجوزوا حمل الجزئي على الجزئي ، بل على الكلي. فلا تغفل.
بالطبع على ما هو أخص منه مفهوما کحمل الحيوان على الانسان والانسان على محمد بل وحمل الناطق على الانسان. ويسمي مثل هذا (حملا طبعيا) أي اقتضاه الطبع ولا يأباه.
واما العکس وهو حمل الأخص مفهوما على الاعم فليس هو حملا طبعيا بل بالوضع والجعل لانه يأباه الطبع ولا يقبله فلذلک يسمي (حملا وضعيا) أو جعليا.
ومرادهم بالاعم بحسب المفهوم غير الاعم بحسب المصداق الذي تقدم الکلام عليه في النسب : فان الاعم قد يراد منه الاعم باعتبار وجوده في أفراد الاخص وغير افراده کالحيوان بالقياس الى الانسان وهو المعدود في النسب. وقد يراد منه الاعم باعتبار المفهوم فقط (1) وان کان مساويا بحسب الوجود کالناطق بالقياس الى الانسان فان مفهومه انه شيء ما له النطق من غير التفات الى کون ذلک الشيء انسانا أو لم يکن (2) وانما يستفاد کون الناطق انسانا دائما من خارج المفهوم.
فالناطق بحسب المفهوم أعم من الانسان وکذلک الضاحک وان کانا بحسب الوجود مساويين له ... وهکذا جميع المشتقات لا تدل على خصوصية ما تقال عليه کالصاهل بالقياس الى الفرس والباغم للغزال والصادح للبلبل والماشي للحيوان.
واذا اتضح ذلک يظهر الجواب عن السؤال الاول لان المقصود من المحمول في الکليات الخمسة المحمول بالطبع لا مطلقا.
________________
(1) والملاك في الأعم والأخص مفهوما هو أخذ مفهوم آخر في مفهومه وعدمه ، فكل مفهوم اخذ فيه مفهوم آخر فهو أخص منه ، وكل مفهوم لم يؤخذ فيه مفهوم آخر فهو أعم. فالإنسان أخص مفهوما من الحيوان ، لأنه أخذ في مفهومه الحيوان ، وكذا الإنسان بالنسبة إلى الناطق. وأما الناطق والحيوان فكل منهما أعم من الإنسان ، لعدم كون الإنسان مأخوذا فيهما جزءا من مفهومهما. ومن هنا يعلم أن كلا من الضاحك والناطق أعم من الآخر ، كما يعلم أن كل مفهوم بالنسبة إلى مفهوم آخر لا يخلو من كونه أعم أو أخص.
(2) أو عدمه ، ظ.
2 ـ الحمل : ذاتي اولي وشايع صناعي
واعلم ان معني الحمل هو الاتحاد بين شيئين لان معناه ان هذا ذلک. وهذا المعني کما يتطلب الاتحاد بين الشيئين يستدعي المغايرة بينهما ليکونا حسب الفرض شيئين. ولولاها لم يکن الا شيء واحد لا شيئان.
وعليه لا بد في الحمل من اتحاد من جهة والتغاير من جهة أخري کيما يصح الحمل. ولذا لا يصح الحمل بين المتباينين اذ لا اتحاد بينهما. ولا يصح حمل الشيء على نفسه (1) اذ الشيء لا يغاير نفسه.
ثم ان هذا الاتحاد اما أن يکون في المفهوم فالمغايرة لا بد أن تکون اعتبارية (2). ويقصد بالحمل حينئذ ان مفهوم الموضوع هو بعينه نفس مفهوم المحمول وماهيته (3) بعد ان يلحظا متغايرين بجهة من الجهات. مثل قولنا : (الانسان حيوان ناطق) فان مفهوم الانسان ومفهوم حيوان ناطق واحد الا ان التغاير بينهما بالاجمال والتفصيل وهذا النوع من الحمل يسمي (حملا ذاتيا اوليا)(4).
واما ان يکون الاتحاد في الوجود والمصداق والمغايرة بحسب
________________
(1) أي لا يصح الحمل إذا لم يكن هناك إلا شئ واحد ، فإنه لا يصح إلا لواحد من الموضوع والمحمول ، مع أن الحمل يحتاج إلى أمرين : موضوع ومحمول.
(2) أي : تكون بحسب ملاحظة القاصد للحمل كأن يلاحظ الشئ تارة إجمالا ، وأخرى تفصيلا كقولنا : الإنسان حيوان ناطق ، أو يلاحظه تارة موضوعا وأخرى محمولا كما في قولنا : الإنسان إنسان.
(3) لا يخفى أنه ليس مفاد هذا الحمل ، أن مفهوم الموضوع هو بعينه نفس مفهوم المحمول ، بل مفاده أن الموضوع والمحمول متحدان مفهوما سواء كان الحكم على المفهوم أو على المصداق ، وبعبارة أخرى هو أعم من أن يراد به أن مفهوم الموضوع هو مفهوم المحمول ، أو يراد به أن حقيقة مصداق الموضوع هو حقيقة مصداق المحمول ، أي أن ذاتيهما واحد.
(4) يسمى ذاتيا لاختصاص عمل الذات على نفسه ، وأوليا لكون القضايا المشتملة عليه من الأوليات لا تحتاج إلى شئ سوى تصور الموضوع والمحمول والنسبة.
المفهوم. ويرجع الحمل حينئذ الى کون الموضوع من أفراد مفهوم المحمول ومصاديقه (1). مثل قولنا : (الانسان حيوان) فان مفهوم انسان غير مفهوم حيوان ولکن کل ما صدق عليه الانسان صدق عليه الحيوان. وهذا النوع من الحمل يسمي (الحمل الشايع الصناعي) أو (الحمل المتعارف) لانه هو الشايع في الاستعمال المتعارف في صناعة العلوم.
واذا اتضح هذا البيان يظهر الجواب عن السؤال الثاني أيضا لان المقصود من المحمول في باب الکليات هوالمحمول بالحمل الشايع الصناعي. وحمل الحد التام من الحمل الذاتي الاولي.
3 ـ الحمل : مواطاه واشتقاق
اذا قلنا : الانسان ضاحک فمثل هذا الحمل يسمي (حمل مواطاة) أو (حمل هوهو) ومعناه ان ذات الموضوع نفس المحمول. واذا شئت فقل معناه. هذا ذاک. والمواطاة معناها الاتفاق. وجميع الکليات الخمسة يحمل بعضها على بعض وعلى أفرادها بهذا الحمل.
وعندهم نوع آخر من الحمل يسمي (حمل اشتقاق) او حمل (ذو هو) کحمل الضحک على الانسان فانه لا يصح أن تقول الانسان ضحک بل ضاحک أو ذو ضحک. وسمي حمل اشتقاق وذو هو لان هذا المحمول بدون أن يشتق منه اسم كالضاحك أو يضاف اليه (ذو) لا يصح حمله على موضوعه ، فيقال للمشتق كالضاحك محمولا بالمواطاة ،
________________
(1) لا يخفى عليك : أن مفاد الحمل الشائع هو كون الموضوع هو المحمول مصداقا ، فتارة يكون الموضوع من مصاديق المحمول كقولنا : «زيد إنسان» واخرى يكون المحمول من مصاديق الموضوع كقولنا : «الإنسان زيد» وثالثة يكونان ذوي مصداق واحد كقولنا : «الإنسان ناطق» «الناطق إنسان».
وللمشتق منه كالضاحك محمولا (1) بالاشتقاق.
والمقصود بيانه ان المحمول بالاشتقاق كالضحك والمشي والحس لا يدخل (2) في اقسام الكليات الخمسة ، فلا يصح أن يقال : الضحك خاصة للانسان ، ولا اللون خاصة للجسم ، ولا الحس فصل للحيوان ، بل الضاحك والملون هو الخاصة ، والحساس هو الفصل ... وهكذا. واذا وقع في كلمات القوم شيء من هذا القبيل فمن التساهل في التعبير الذي قد يشوش افكار المبتدئين ، اذ ترى بعضهم يعبر بالضحك ويريد منه الضاحك. وبهذا يظهر الجواب عن السؤال الثالث.
نعم (اللون) بالقياس الى البياض كلي وهو جنس له ، لانك تحمله عليه حمل مواطاة ، فتقول : البياض لون. اما اللون والبياض بالقياس الى الجسم فليسا من الكليات المحمولة عليه.
العروض مناه الحمل
6 ـ ثم لا يشتبه عليک الامر فتقول : انکم قلتم الکلي الخارج ان عرض على موضوعه فقط فهو الخاصة والا فالعرض العام. والضحک لاشک يعرض على الانسان ومختص به. فاذن يجب أن يکون خاصة.
فانا نرفع هذا الاشتباه ببيان العروض المقصود به في الباب فان المراد منه هو الحمل حملا عرضيا لا ذاتيا. وعليه فالضحک لا يعرض على الانسان بهذا المعني. واذا قيل يعرض على الانسان فبمعني آخر للعروض وهو الوجود فيه.
وعندهم تعبير آخر يسبب الاشتباه وهو قولهم الکلي الخارج
________________
(1) لا يخفى أنه لا وجه لنصب «محمولا» في شئ من الموضوعين ، بل لابد من رفعه على أنها نائبة عن فاعل يقال.
(2) لا يخفى عليك : أنه لا يدخل بما هو محمول بالاشتقاق ، وإلا فالمشي والحس محمولان بالمواطاة على أفرادهما ، فكل منهما نوع أو جنس لهما.
عرض خاص وعرض عام فيطلقون العرض على الکلي الخارج ثم يقولون لمثل الضحک انه عرض. والمقصود بالعرض في التعبير الاول هو العرضي مقابل الذاتي والمقصود بالعرض في الثاني هو الموجود في الموضوع مقابل الجوهر الموجود لا في موضوع.
ومثل اللون يسمي عرضا بالمعني الثاني لانه موجود في موضوع ولکن لا يصح أن يسمي عرضا بالمعني الاول أبدا لانه بالقياس الى الجسم لايحمل عليه حمل مواطاة وبالقياس الى ما تحته من الانواع کالسواد والبياض هو جنس لها کما تقدم فهو حينئذ ذاتي لا عرضي.
تقسيمات العرضي
العرضي : لازم ومفارق (1)
1 ـ (اللازم) ما يمتنع انفکاکه عقلا عن موضوعه کوصف (الفرد) للثلاثة و (الزوج) للاربعة و (الحارة) للنار ...
2 ـ (المفارق) : ما (لا) يمتنع انفکاکه عقلا عن موضوعه کأوصاف الانسان المشتقة من افعاله واحواله مثل قائم وقاعد ونائم وصحيح وسقيم وما الى ذلک وان کان لا ينفک أبدا : فانک تري ان وصف العين (بالزرقاء) لا ينفک عن وجود العين ولکنه مع ذلک يعد عرضيا مفارقا لانه لو امکنت حيلة لازالة الزرقة لما امتنع ذلک وتبقي العين عينا. وهذا لا يشبه اللازم فلو قدرت حيلة لسلخ وصف الفرد عن الثلاثة لما أمکن ان تبقي الثلاثة ثلاثة ولو قدر سلخ وصف الحرارة عن النار لبطل وجود النار. وهذا معني امتناع الانفکا ک عقلا.
اللازم : بيّن وغير بيّن (2)
________________
(1) راجع الحاشية : ص 47 ، وشرح الشمسية : ص 56 ، والتحصيل : ص 12.
(2) راجع الحاشية : ص 47 ، وشرح الشمسية : ص 56 ، وشرح المطالع : ص 70 ، والجوهر النضيد : ص 11 ، والإشارات وشرحه : ص 50.
البيّن : بيّن (1) بالمعني الاخص وبيّن (2) بالمعني الاعم.
1 ـ (البين بالمعني الاخص) : ما يلزم من تصور ملزومه تصوره بلا حاجة الى توسط شيء آخر.
2 ـ (البين بالمعني الاعم) : ما يلزم من تصوره وتصور الملزوم وتصور النسبة بينهما الجزم بالملازمة. مثل : الاثنان (3) نصف الاربعة أو ربع الثمانية فانک اذا تصورت الاثنين قد تغفل عن انها نصف الاربعة اوربع الثمانية ولکن اذا تصورت ايضا الثمانية مثلا وتصورت النسبة بينهما تجزم انها ربعها. وکذا اذا تصورت الاربعة والنسبة بينهما تجزم انها نصفها ... وهکذا في نسبة الاعداد بعضها الى بعض. ومن هذا الباب لزوم وجوب المقدمة لوجوب ذي المقدمة فانک اذا تصورت وجوب الصلاة وتصورت الوضوء وتصورت النسبة بينه وبين الصلاة وهي توقف الصلاة الواجبة عليه حکمت بالملازمة بين وجوب الصلاة ووجوبه.
وانما کان هذا القسم من البين أعم لانه لا يفرق فيه بين أن يکون تصور الملزوم کافيا في تصور اللازم وانتقال الذهن اليه وبين الا يکون کافيا بل لا بد من تصور اللازم وتصور النسبة للحکم بالملازمة. وانما
________________
(1) يظهر منه (قدس سره) أن البين ينقسم إلى قسمين ، وهو يستلزم كون النسبة بين القسمين هو التباين ، وسيأتي ص 131 الشرط في كل تقسيم ، وليس هنا كذلك. والذي عليه المصنف ـ قد صرح به المولى عبد الله (قدس سره) في الحاشية والخبيصي في شرحه وكذا في الشمسية وشرحها ـ أن البين يطلق بالاشتراك اللفظي على معنيين ، ويقابله في كل من معنييه غير البين. وعليه يكون تقسيم اللازم إلى البين وغير البين تقسيمين في الحقيقة. ولا يبقى معه محل لإشكال أعمية أحد القسمين من الآخر.
(2) راجع الحاشية : ص 47 ، وشرح الشمسية : ص 56 ، وشرح المطالع : ص 72.
(3) لا يخفى عليك : أن اللازم للاثنين ليس هو الثمانية بل هو كونه ربع الثمانية ، فكان عليه أن يقول : وتصورت ربع الثمانية ، وهكذا في الأربعة.