الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
البيت اهل
المواضيع الأخيرة
» المحكم في أصول الفقه [ ج2
افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Emptyاليوم في 10:46 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» المحكم في اصول الفقه ج3
افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Emptyاليوم في 8:41 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» المحكم في أصول الفقه [ ج4
افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Emptyاليوم في 7:55 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» الصحيفه السجاديه كامله
افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Emptyأمس في 9:49 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» القول الرّشيد في الإجتهاد والتقليد [ ج ١ ]
افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Emptyأمس في 3:11 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه
افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Emptyأمس في 2:36 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» قاعدة لا ضرر ولا ضرار
افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Emptyأمس في 8:51 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» القول المبين
افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:46 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» ------التقيه
افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:37 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     افادات من ملفات التاريخ محمد سليم

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Empty
    مُساهمةموضوع: افادات من ملفات التاريخ محمد سليم   افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Emptyالثلاثاء أكتوبر 22, 2024 4:16 pm

    دليل الكتاب
    مقدّمة المركز 7
    المقدّمة 11
    كيف عرفتُ طريق الحقّ وركبتُ سفينة النجاة؟ 21
    رحلتي مع الكتب 22
    البداية 25
    البحث عن الحقيقة 27
    حديث الغدير 29
    حديث الثقلين 30
    أصنام تواجهني 32
    منهجي في هذا الكتاب 38
    حوار مع أبي بكر ( الخليفة الأوّل ) 43
    السقيفة 46
    اجتماع الأنصار 49
    أخذ البيعة من قريش 50
    محاولة أخذ البيعة من سيّد أهل البيت عليهم‌السلام 53

    منع إرث فاطمة عليها‌السلام ونحلتها 59
    موت فاطمة عليها‌السلام وهي غاضبة على أبي بكر 64
    حرق الأحاديث ومنع روايتها 68
    حروب الردّة 71
    عهد أبي بكر باستخلاف عمر 79
    حوار مع عمر بن الخطّاب ( الخليفة الثاني ) 85
    رزيّة الخميس 86
    منع إعلان وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله 99
    أحداث السقيفة 100
    الخليفة الأوّل صورة 103
    كراهيّة جمع النبوّة والخلافة لبني هاشم 106
    منع رواية الحديث 109
    حجر الأساس لبني أُميّة 125
    شورى عمر 127
    حوار مع عثمان بن عفان ( الخليفة الثالث ) 135
    شورى عمر المعهودة 137
    معارضة الصحابة 140
    أبرز معارضي عثمان 145
    ابن السوداء 149

    نهاية أمر عثمان 153
    حوار مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام الخليفة الرابع 157
    استسلام عائشة لعواطفها 167
    آية الإنذار 172
    حديث الثقلين 174
    آية المودة 178
    آية المباهلة 179
    حديث المنزلة 180
    حديث السفينة 181
    آية التبليغ 182
    آية الولاية 184
    انقسام الأُمّة الإسلاميّة 214
    لمحات عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام 223
    رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعين أوصياءه وأئمة المسلمين من بعده 227
    نص الفتوى مكتب شيخ جامع الأزهر المسجّل بدار التقريب 254
    مصادر الكتاب 259



    مقدّمة المركز :
    إنّ أكبر عقبة يواجهها المستبصر خلال بحثه في التاريخ الإسلامي هي الخطوط الحمراء التي جعلها علماء أهل السنّة حول الصحابة ، ومنعهم الآخرين من تخطّي هذه الخطوط وتحريمهم البحث حول ما ارتكبوه من أفعال منافية للشرع ، لئلاّ تتبدّد الهالة المقدّسة التي أضفوها على هؤلاء ، ولا سيّما الخلفاء الثلاثة.
    ولكنّ المستبصر يقتحم هذه العقبة ، ولا يسمح لنفسه أن يمنعه شيء عن بحثه الحرّ والموضوعي في التاريخ الإسلامي.
    ومن هذا المنطلق يتعرّف المستبصر على حقائق مذهلة تدفعه إلى إعادة رؤاه الفكريّة وتجديد نظره حول الصحابة ولا سيما الخلفاء الثلاثة الذين استلموا زمام الحكم بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن طريق اتّباع سبل غير مشروعة.
    ويكون هذا الأمر هو البوابة التي يدخل منها المستبصر في رحاب التشيّع; لأنّه يعي بعد ذلك عظمة أهل البيت عليهم‌السلام ، ويدرك المكانة التي جعلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لهم بأمر الله سبحانه وتعالى.

    واجتياز هذه الخطوط الحمراء هو سبيل الأحرار الذين يعرفون الحقّ بالحقّ ولا يعرفون الحقّ بالرجال ، وهذا ديدن الذين لا يتهيّبون بعد معرفة الحقّ أن ينزلوا من أضفى عليهم المجتمع هالة من القداسة إلى منزلتهم الواقعيّة; لأنّ أمثال هؤلاء الباحثين يتّبعون الحقّ أينما وجدوه ولا تأخذهم في الله لومة لائم.
    ويمكننا عدّ الأُستاذ محمّد سليم عرفه من هؤلاء الذين اجتازوا هذه الخطوط الحمراء ولم يمنعه شيء من معرفة الحقيقة مع الخلفاء الثلاثة ، وقام بعمليّة استجوابيّة افتراضيّة ، ليتعرّف على دوافع اجتهاداتهم في مقابل النصّ ، وكذلك أجرى حواراً افتراضيّاً مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ليتعرّف على مظلوميّته من لسانه ، فكانت النتيجة أن أخذت الأدلّة بيده إلى ترك مدرسة الخلفاء والالتجاء إلى مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام.
    وقام مركز الأبحاث العقائدية ـ مواصلة للمهمة التي تلقّاها على عاتقه ـ بنشر هذا البحث من أجل إيصاله إلى كافة الباحثين ، ولا سيما أصحاب العقول المتعطّشة التي تحاول الخروج من نطاق التعميم المفروض عليها في مجتمعاتها لتنال الرؤية الشمولية في معرفة الحقيقة.
    محمّد الحسّون
    مركز الأبحاث العقائديّة
    1 محرّم 1427 هـ
    Muhammad@aqaed.com


    بِسمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
    الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ
    نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنا الصِّراطَ الْمُسْتَقيمَ * صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ
    عَلـيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالـينَ
    صَدَقَ اللهُ العَلىُّ الْعَظيمِ


    المقدّمة :
    الحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آله الطيّبين الطاهرين ، وصحبه الذين اتّبعوه بإحسان ولم يبدّلوا تبديلاً.
    كثيراً ما راودتني فكرة تأليف كتاب أشرح فيه لماذا اخترتُ مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، ولكن كنت أقف وأتريّث لأنّي لا أريد أن أُكرّر ما كتبه المئات من قبلي في هذا الموضوع المتشابه في أكثر خطوات الهداية ، مع ما في كلّ تجربة من فكر جديد يستفيد منه المسلمون عامّة وكنت أطرح على نفسي هذا السؤال :
    ما الجديد الذي تود أن توصله إلى إخوانك من المسلمين؟
    فإذا كان الكتاب لن يوصل فكرة جديدة تساهم في كشف الغموض والتعتيم الذي لاقته مدرسة أهل البيت من قبل الحكّام والدائرين في فلكهم من علماء ، ووعّاظ سلاطين ، وكتّاب مأجورين; فلا فائدة من كتابته.
    ولكن كان بعض الإخوة دائماً يدفعني لكتابة كتاب أشرح فيه : لماذا وكيف هداني الله لمذهب أهل البيت عليهم‌السلام الذين أذهب الله عنهم

    الرجس وطهّرهم تطهيراً؟
    وما الصعوبات التي واجهتني في هذا السبيل؟
    والشيء الآخر الذي دفعني للكتابة هو : ما نراه من الهجمة الوهابية الشرسة على المذاهب الإسلامية عامة ومذهب أهل البيت عليهم‌السلام خاصّة؛
    فهؤلاء مع اختلافهم مع أهل السنّة وتكفيرهم لهم إلاّ أنّهم يوادعونهم ويندسون بينهم ، ليمرّروا لهم بعض أفكارهم ، ويصوغون هذه الأفكار وكأنّها من مذاهب أهل السنّة ، وترى بعض المفكّرين والكتّاب ـ ممّن أعمتهم عصبيتهم وما يغدقه عليهم هؤلاء من عائدات الذهب الأسود ـ يهرولون نحوهم ويتبنون أفكارهم.
    وقد انتشرت المعاهد التي يدعمها هؤلاء على أنّها معاهد للعلوم الشرعيّة ، بينما هي معاهد لترويج فكر الوهابيّة مقابل ما يأخذه هؤلاء من الإعانات والتبرّعات.
    وأنا لا أُريد هنا أن أشرح عقائدهم وما يروّجون له ويسمّمون أفكار العوام ، ولمن أراد أن يعرف عنهم أكثر فعليه بقراءة كتاب : ( السلفية بين أهل السنّة والإماميّة ) للكاتب السيّد محمّد الكثيري ، جزاه الله كلّ الخير عن الإسلام والمسلمين.
    وإنّ خطر هؤلاء يأتي من أنّهم قد أوهموا أهل السنّة بأنّهم يتبعون السلف الصالح ، وقد ذاب فيهم الكثير من أهل السنّة ، فأصبحوا

    يتكلّمون بكلامهم ، وقد نسوا أنّ المذهب الوهابي يكفّرهم ويكفّر كلّ من يعارضه في الرأي!
    فانظر إلى ما يفعل هؤلاء في الجزائر وباكستان وفي أفغانستان وفي أي بلد يصلون إليه ، وبما أنّهم لا يملكون أيّة حجّة فإنّهم لا يوافقون على الحوار العلمي ، بل يقفون من بعيد حاملين سيف التكفير على كلّ من يحمل فكراً يخالف فكرهم ، وليتهم يوظّفون أقلامهم وطاقاتهم وأموالهم ضدّ الكفر والإلحاد ، ولكنّهم على العكس لا يحملون إلاّ على إخوانهم المسلمين ، بينما يوادعون أصحاب الدولار وتراهم يقفون بوجه أيّ فكر لتوحيد المسلمين.
    فعندما قامت جمعية التقريب بين المذاهب على أيدي بعض الصلحاء من هذه الأُمّة ، قامت قيامتهم ، وكفّروا كلّ من اشترك في هذه الجمعية.
    وكما قال السيّد محمّد الكثيري في كتابه ( السلفية ) :
    « لو علم أبناء الصحوة أنّ مجمل ما يصلهم اليوم وبشكل عام ويقرؤونه ويؤمنون به على أنّه رأي الصحابة وعمل السلف الصالح ، ليس سوى اختيار المذهب الحنبلي في العقائد والفقه واجتهادات رجالاته عبر التاريخ ، في مقابل آراء واجتهادات واختيارات المذاهب الأُخرى التي ظهرت للوجود قبل المذهب الحنبلي ، بل وقبل أن يولد مجتهدوه الكبار بقرون عدّة ، والكلّ يدّعي الارتباط

    بالسلف الصالح والصحابة ويسند أقواله وأفعاله لهم؟!
    ولو أتيح لغالبية أبناء الصحوة سبيل الاطلاع ومعرفة آراء وأفكار مذاهب أُخرى لا يعرفون عنها شيئاً ، فممّا لا شكّ فيه أنّهم سيراجعون عدداً لا بأس به من أفكار قدّمت لهم على أنّها عمل السلف الصالح ومعتقد صحابة رسول الله ، وبالتالي الحقيقة الإسلامية ».
    لذلك نرى أنّ هؤلاء العلماء والكتّاب المأجورين يمنعون أبناء الصحوة من التعرّف على الفكر الآخر ، ويمنعونهم من المطالعة والحوار الحرّ.
    وحتى الآن بعد أن أصبح هذا العالم كقرية صغيرة بفضل التكنولوجيا الحديثة ، وصار الاطلاع ممكن بضغطة زر واحد.
    فلا يزال هؤلاء يعيشون في العصور المظلمة ، ويمنعون هذه الأجيال من معرفة النور ، فمن يدخل إلى أي مسجد من مساجد عامة المسلمين ويستمع إلى خطبة من خطب الجمعة ، يرى أن الخطيب يتحدّث عن فضائل مزعومة لكثير من الصحابة وكثير من حكّام الجور الذين توالوا على سدّة الحكم في الدولة الإسلامية منذ وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحتى يومنا هذا ، ولا تجد أحدهم يذكر مكانة أهل البيت عليهم‌السلام وفضائلهم رغم كثرتها!!
    وإذا أرادوا أن يتكلّموا عن أهل البيت عليهم‌السلام تراهم يصوّرون لنا

    الإمامين الحسن والحسين على أنّهما طفلان صغيران كان جدهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يحبهما ، وقد كان يوماً من الأيام على المنبر فدخلا وتعثّرا بثيابهما ، فنزل من المنبر وحملهما معه ، وبذلك يتصوّر العوام بأنّ هذين الإمامين عاشا وماتا صغيرين ولم يكن لهما أي دور في هذه الرسالة العظيمة!
    وإذا ذكروا الإمام علي عليه‌السلام فلا يذكرون له إلاّ أنّه أوّل صبيّ أسلم; وكأنّه توقّف عند هذا العمر ولم يكبر ولم يشارك في المعارك الإسلامية ، في حين أنّ هذه المعارك لم تقم إلاّ على سيفه عليه‌السلام لهذا ورد : « لولا مال خديجة وسيف علي لم تقم للإسلام قائمة » (1).
    وعندما يذكرون السيّدة فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، يروون حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فاطمة بضعة منِّي فمن أغضبها فقد أغضبني » (2).
    ____________
    1 ـ نحوه في شجرة طوبى للحائري 2 : 233.
    2 ـ صحيح البخاري 4 : 210 ، كتاب بدأ الخلق ، باب مناقب قرابة رسول اللّه ، وفي صحيح مسلم 7 : 141 ، كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل فاطمة : « فاطمة بضعة منِّي يؤذيني ما آذاها » ، وفي سنن الترمذي 5 : 360 : « فاطمة بضعة منِّي ، يؤذيني ما آذاها ، وينصبني ما أنصبها » وقال : « هذا حديث حسن صحيح » ، وفي مستدرك الحاكم 3 : 158 : « فاطمة بضعة منِّي يقبضني ما يقبضها ، ويبسطني ما يبسطها » ، وعلّق عليه بقوله : « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه » ، وفي مجمع الزوائد للهيثمي 9 : 203 : « إنّ اللّه يغضب لغضبك ويرضى لرضاك » وعلّق عليه : « رواه الطبراني وإسناده حسن » وغيرها من المصادر الكثيرة.

    فيقولون بأنّ سبب هذا الحديث هو : إنّ علي بن أبي طالب عليه‌السلام قد همّ بأن يخطب بنت أبي جهل ، فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وصعد المنبر وقال هذا الكلام.
    هذا ما يتشدّق به هؤلاء! ( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاّ كَذِباً ) (1).
    قال ابن عرفة المعروف بنفطويه ـ وهو من أكابر المحدّثين وأعلامهم ـ في تاريخه : ( إنّ أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أُميّة تقرّباً إليهم بما يظنّون يرغمون به أُنوف بني هاشم .. » (2).
    وهم يخشون أن يتحدّثون بفضائل أهل البيت عليهم‌السلام لأنّهم كما قال أحدهم عندما سأله أحد الإخوة : ولماذا لا تذكرون فضائل أهل البيت عليهم‌السلام على المنابر ، بينما خطبكم تعج بذكر فضائل الصحابة؟
    فقال : « وهل تريد أن يتشيّع الناس! ».
    إذن ، هو يعرف بأنّ الناس إذا عرفوا هذه الفضائل الموجودة ـ والحمد لله ـ في كتبهم ومسانيدهم ، فإنّهم سوف يتخذون مذهبهم ، وهذا ما يخشاه.
    وقد نسي قول الله تعالى : ( لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ
    ____________
    1 ـ الكهف : 5.
    2 ـ شرح نهج البلاغة 11 : 46 ، النصائح الكافية لابن عقيل : 99.

    الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) (1).
    ألم يقل لهم ربّ العزّة على لسان الحبيب المصطفى : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقرْبى ) (2).
    فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يطلب منّا أجر الرسالة الإسلامية إلاّ مودّة أهل بيته ، ولا يتحقّق ذلك إلاّ بمعرفة حقّهم واتباعهم; لأنّ المحبّة تعني الاتباع ، ولهذا قال تعالى على لسان رسوله الكريم : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) (3).
    وقد جاء في تفسير الكشّاف : 467 ، وفي التفسير الكبير للفخر الرازي : ج27 : 166 عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال :
    ـ « من مات على حبِّ آل محمّد مات شهيداً ... ».
    ـ « ألا ومن مات على حبِّ آل محمّد مات مغفوراً له ... ».
    ـ « ألا ومن مات على حبِّ آل محمّد مات تائباً ... ».
    ـ « ألا ومن مات على حبِّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ... ».
    ـ « ألا ومن مات على حبِّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنة ثمّ منكر ونكير ».
    ____________
    1 ـ البقرة : 42.
    2 ـ الشورى : 23.
    3 ـ آل عمران : 31.

    ـ « ألا ومن مات على حبِّ آل محمّد يُزفّ إلى الجنّة كما تُزفّ العروس إلى بيت زوجها ».
    ـ « ألا ومن مات على حبِّ آل محمّد فتح له في قبره بابان إلى الجنّة .. ».
    ـ « ألا ومن مات على حبِّ آل محمّد مات على السنّة والجماعة .. ».
    ـ « ألا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله ... ».
    ـ « ألا ومن مات على بغض آل محمّد مات كافراً .. ».
    ـ « ألا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشم رائحة الجنة .. ».
    اللهمّ امتنا على حبّ محمّد وآل محمّد آمين ربّ العالمين.
    محمّد سليم عرفة

    كيف عرفتُ طريق الحقّ
    وركبتُ سفينة النجاة؟
    رحلتي مع الكتب.
    البداية.
    البحث عن الحقيقة
    1 ـ حديث الغدير.
    2 ـ حديث الثقلين.
    أصنام تواجهني.
    منهجي في هذا الكتاب.


    كيف عرفتُ طريق الحقّ وركبتُ سفينة النجاة؟
    قال تعالى :
    ( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا .. ) (1).
    ومعنى هذه الآية أنّ كلّ من حاول الوصول إلى الحقيقة بقلب صادق ساعده الله تعالى وسدد خطاه.
    وقد وفّقني الله تعالى وعائلتي ـ والحمد لله ـ بعد البحث والعناء أن نعرف طريق أهل البيت عليهم‌السلام ونركب سفينتهم.
    عن أبي ذر الغفاري ( رضي الله عنه ) قال : « أيّها الناس سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :
    « مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له » (2).
    ____________
    1 ـ العنكبوت : 69.
    2 ـ مجمع الزوائد للهيثمي 9 : 168 ، المعجم الصغير للطبراني 1 : 139 و 2 : 22 ، المعجم الأوسط للطبراني 4 : 10 و 6 : 85 ، المعجم الكبير للطبراني 3 : 46 ، نظم درر السمطين للزرندي : 235.

    رحلتي مع الكتب :
    لقد كنت شغوفاً بقراءة الكتب الدينية ، فبعد أن أنهيت دراستي تخرّجت من معهد متوسط للالكترون ، ولكنّي لم أجد أي رغبة في مواصلة هذا المجال; لأنّني كنت أرغب في دراسة القانون ، ولكن لأسباب قاهرة لم أستطع أن أدخل هذا الفرع ، لذلك كنت أحبّ مطالعة الكتب القانونية والدينية.
    وبما أنّي كنت ملتزماً بحضور الدروس الدينية في المساجد من صغري ، فقد كنت أقرأ الكتب الدينية أكثر ، وقد استهوتني منذ البداية الكتب التي تبحث في الخلافات الدينية بين الديانات السماوية الثلاث.
    وقد كنت معجباً بالشيخ أحمد ديدات ، والشيخ عبد المجيد الزنداني ، وقد قرأت كتبهم ، وشاهدت عدّة مناظرات لهم على أفلام الفيديو كانت بينهم وبين أصحاب الديانات الأُخرى ، وقد كنت أفرح عندما أرى انتصار هؤلاء على مناظريهم ، لأنّني كنت أشعر بانتصار الدين الإسلامي مقابل هذه الديانات.
    وقد كنت أحفظ الكثير من هذه المناظرات ، لذلك عندما بدأت حياتي العملية وباشرت بالعمل في محل للألبسة ، كان يقع هذا المحل في منطقة ( القصاع ) ، وهي منطقة أغلب ساكنيها من النصارى ، فكان يجري بيني وبين البعض منهم حوارات ومناقشات أحاول فيها

    تبيين أوجه الخلاف وخاتمية الدين الإسلامي ، وكنت أُبيّن لهم بأنّ الله قد تكفّل بحفظ الدين الإسلامي ولم يطرأ عليه أيّ تحريف كما طرأ على الديانات الأُخرى.
    وكان هؤلاء الذين يحاوروني عندما تعييهم الحيلة ينسحبون على أمل أن يسألوا أو يستشيروا رجال دينهم ، وكنت أتفاجأ عندما كانوا يقولون بأنّهم لا يعلمون هذه الأُمور وأنّ رجال دينهم يمنعونهم من قراءة كتب المسلمين ، وكانوا يقولون لهم : يكفيكم إيمانكم بأن يسوع ابن الله ـ معاذ الله ـ وأنّه صلب ليحمل خطايا الناس!
    وقد كانوا يمنعونهم من قراءة الكتب التي أُعطيهم إياها ، ويقولون لهم : لا تناقشوا هذا المسلم ، فكنت أقول في نفسي : الحمد لله على دين الإسلام الذي حرّر عقلنا ، ولم يجعل علينا في الدين من حرج ، فنحن نستطيع أن نقرأ ما نشاء ونسأل عن أيّ شيء.
    وقد وفّقني الله لهداية البعض منهم من الذين كانوا يملكون فكراً حرّاً ويحاكمون الأدلة التي أُبرزها لهم محاكمة عقلية.
    ومن هؤلاء فتاة كانت تعمل في نفس المحل الذي أعمل فيه ، وقد شرح الله صدرها للإيمان بعدما سمعت مناقشاتي لبعض إخوانها من النصارى ، وصارت بالفعل تقرأ الكتب التي كنت أتركها في المحل ، وكانت تسألني وتستفسر عن الأمور التي تتعذّر عليها ، والحمد لله فقد أسلمت وحسن إسلامها ، وقد حاول أهلها منعها وإبعادها عن

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Empty
    مُساهمةموضوع: رد: افادات من ملفات التاريخ محمد سليم   افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Emptyالثلاثاء أكتوبر 22, 2024 4:17 pm

    المحلّ ، ولكن بفضل الله تعالى كان إيمانها قويّ وقد دخلت في الإسلام عن قناعة ، فما كان منّي إلاّ أن تزوّجتها والحمد لله.
    ولو أنّ النصارى انفتحوا على المسلمين وسمعوا ما عندهم وقرأوا كتبهم لهداهم الله إلى الإسلام ، لذلك يحاول رجال دينهم منعهم من هذا لأنّهم سوف يتركونهم.

    البداية
    بسبب زواجي اضطررت لترك العمل في هذا المجال ، وعملت لدى خال لي عنده مكتب عقاري ، وخلال عملي في هذا المكتب كنت التقي بعض رجال الشيعة الوافدين من القطر العراقي الشقيق لزيارة السيّدة زينب عليها‌السلام ، وقد كان المكتب العقاري في منطقة قريبة من مكان انطلاق السيارات المتوجهة للسيدة زينب عليها‌السلام.
    لذلك كان يتردّد الكثير منهم لاستئجار بيوت قريبة من هذه المنطقة ، فيدخلون هذا المكتب ليسألوا عن البيوت.
    وقد كلّمني أحدهم وكان قادماً إلى المكتب ليستأجر داراً للسكن ، وأخبرني أنّه يدرس في الحوزة (1) ، ولم أكن قد سمعت بهذا التعبير من قبل ، فسألته ماذا تعني ( الحوزة )؟! فوضّح لي وسألني : ماذا تعرف عن الشيعة؟
    فقلت له : لا أعرف إلاّ أنّه مذهب من المذاهب الإسلامية ، وأنّهم يقدّسون سيّدنا علياً ـ رضي الله عنه ـ وأهل بيته ، ويرون أنّه أفضل
    ____________
    1 ـ الحوزة : مكان يدرس فيه العلوم الدينيّة من الأُصول والفروع كالمعاهد الشرعيّة.

    من كلّ الصحابة ، هذا ما أخبرته به فقط ، مع أنّي أخفيت في قرارة نفسي ما سمعته من مشايخي ومن العوام من تشنيع على الشيعة وذلك منعاً للإحراج ، ولكنّه بدأ يكلّمني عن بعض الأُمور الخلافية بين الشيعة والسنّة ، فاندهشت; لأنّ ما سمعته منه لم أسمع به من قبل ، وعندما رآني غير مصدّق لكلامه ، قال لي : ألست تقول بأنّك تحبّ المطالعة ، وأنّك لا مانع عندك من قراءة أيّ كتاب؟
    فقلت : نعم.
    فنصحني بقراءة كتاب ( المراجعات ) ، وقال لي : إنّ هذا الكتاب حوار بين شيخ سنّي وآخر شيعي وأنّ كلّ ما فيه هو من كتب وصحاح أهل السنّة.
    حاولت جاهداً أن أجد هذا الكتاب في المكتبات التي أعرفها في دمشق فلم أظفر به ، وفي هذه الفترة جلب لي شقيقي كتاب ( المئة الأوائل من النساء ) ، وكان قد قرأه واستوقفته خطبة السيّدة زينب عليها‌السلام وهي في بلاط الطاغية يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، وذلك بعد واقعة كربلاء ، ولم أكن ملم بهذه الحادثة شيئاً ، ولم أسمعها من أحد من قبل ، مع أنّي كما قلت سابقاً : كنت ومنذ طفولتي أتردّد على المساجد وأحضر حلقات الدروس ولكن لم أسمع عن هذه الحادثة.
    وقد علمت بعد ذلك أنّ الكتب التي كنت أقرؤها كانت كتباً تحاول أن تمنع اطلاعنا على مثل هذه الأمور.

    البحث عن الحقيقة :
    بعد قراءتي لهذه الخطبة حاولت أن أبحث في الكتب عن واقعة كربلاء ، واندهشت عندما قرأتها في تاريخ الطبري.
    فسيّدنا الإمام الحسين عليه‌السلام سيّد شباب أهل الجنّة كما جاء في الحديث الشريف : « الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة » (1).
    قد قتل هو وأهل بيته وأصحابه في هذه الحادثة أمام أعين المسلمين ، وقاتلهم يزيد وجيشه ، وهذا الطاغية كان خليفة المسلمين في ذلك الوقت ، فهذه الحادثة جعلتني أعزم على أن أعرف كيف وصل هذا الطاغية إلى الحكم ، فتحكّم بالإسلام والمسلمين ، وتجرّأ على ريحانة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.
    ومن حسن الحظّ أن التقيت صدفة بأحد أصدقائي عند خروجي من صلاة الجمعة ، يحمل كتاباً ، فقلت له : ما هذا الكتاب؟
    ____________
    1 ـ مسند أحمد بن حنبل 3 : 3 و 62 ، 64 ، 82 ، سنن الترمذي 5 : 321 وقال : « حديث حسن صحيح » ، خصائص النسائي : 104 ـ 105 ، مستدرك الحاكم 3 : 154 وقال : « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه » ، ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك ، والسلسلة الصحيحة للألباني 3 : 243 ح796 ، وغيرها من المصادر.

    فقال : كتاب عن الشيعة ، وقالها ( بنفور ).
    فقلت له : هاته. وكم كانت فرحتي شديدة عندما قرأت عنوان الكتاب ( المراجعات ) ، وهو مناظرة بين السيّد شرف الدين والشيخ سليم البشري ، فهذا ما كنت أبحث عنه ، وقد حاول صديقي منعي من أخذه بحجّة أنّه مختلق ، وأن شيخه نصحه بعدم قراءته لذلك ، وهو لم يقرأه ، ويريد أن يعيده إلى الشخص الذي أعاره إياه.
    فقلت له : لا عليك ، سوف أقرؤه بسرعة ، وأُعيده إليك غداً ، وفعلا قرأت الكتاب وأنهيته في ساعة متأخّرة من تلك الليلة ، ثمّ أعدت قراءته لأتأكد مرّة ثانية من حقيقة الروايات والأحاديث المثبتة في هامش الكتاب والتي استشهد بها السيّد شرف الدين.
    وقلت في نفسي : إن كانت هذه الروايات موجودة في كتب أهل السّنة وتواريخهم وتفاسيرهم ، فسوف أُعيد النظر في قناعاتي ، فلا يهم إن كان هذا الكتاب ملفّقاً أو صحيحاً; لأنّ الغاية هي ما جاء فيه وليس غير ذلك.
    وبالفعل ، تأكدت بعد ذلك من وجود هذه الأحاديث في الصحاح وكتب التفسير والتاريخ ، وكلّ ما قاله واحتجّ به السيّد عبد الحسين شرف الدين من حجج باهرة لا يمكن نكرانها إلاّ على من لا يريد أن يرى ضوء الشمس.
    لا أُريد في هذه المقدّمة أن أذكر الآيات والأحاديث التي

    تتحدّث عن إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام والأئمة من ولده عليهم‌السلام ; لأنّها سوف تذكر في طيّات هذا الكتاب ، ولكن سوف أذكر هنا حديثين فقط ، نالهما الكثير من التعتيم والتجاهل ، مع وجودهما في صحاح المسلمين وكتبهم المعتبرة.
    1 ـ حديث الغدير :
    قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فينا خطيباً بماء خماً ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : « أيّها الناس ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟
    قالوا : بلى يا رسول الله ، فأخذ بضبعي علي ورفع يديه حتى بان بياض إبطيه وقال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللّهم والي من والاه ، وعادي من عاداه ، وأنصر من نصره ، وأخذل من خذله ، وأدر الحقّ معه حيث دار ».
    ذكر هذا الحديث في كثير من كتب المسلمين وبطرق عديدة وبألفاظ مختلفة تؤدّي الغرض نفسه ، وأجمع علماء السنّة والشيعة على أنّه كان بعد العودة من حجّة الوداع (1).
    ____________
    1 ـ مسند أحمد 1 : 118 وصحّحه المعلّق على المسند الشيخ أحمد شاكر ، مجمع الزوائد للهيثمي 9 : 104 وصحّح الحديث ، السنن الكبرى للنسائي 5 : 136 ، خصائص النسائي : 103 ، المعجم الكبير للطبراني 4 : 17 و 5 : 192 ، كنز العمّال للهندي 11 : 609 و 11 : 610 و 13 : 131 ، فيض القدير 6 : 282

    2 ـ حديث الثقلين :
    قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنا تارك فيكم ثقلين : أوّلهما كتاب اللّه فيه الهدى والنور .. وأهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في
    ____________
    وعلّق عليه بقوله : « قال ابن حجر : حديث كثير الطرق جدّاً ، استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد ، منها صحاح ، ومنها حسان ، وفي بعضها قال ذلك يوم غدير خم ، وزاد البزار في رواية : اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وأحّب من أحبّه ، وأبغض من أبغضه ، وأنصر من نصره ، واخذل من خذله » ولما سمع أبو بكر وعمر ذلك قالا ـ فيما أخرجه الدار قطني عن سعيد بن أبي وقاص ـ : « أمسيت يابن أبي طالب مولى كلّ مؤمن ومؤمنة » ، وأخرج أيضاً : قيل لعمر : إنّك تصنع بعليّ شيئاً لا تصنعه بأحد من الصحابة؟
    قال : إنّه مولاي ».
    وفي تفسير الثعلبي عن ابن عيينة أن النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لما قال ذلك طار في الآفاق ، فبلغ الحارث بن النعمان ، فأتى رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : يا محمّد أمرتنا عن اللّه بالشهادتين ، فقبلنا ، وبالصلاة والزكاة والصيام والحجّ ، فقبلنا ، ثمّ لم ترض حتّى رفعت بضبعي ابن عمّك تفضّله علينا؟! فهذا شيء منك أم من اللّه؟ فقال : « والذي لا إله إلاّ هو إنّه من اللّه » ، فولى وهو يقول : اللهمّ إن كان ما يقول محمّد ـ ( صلى الله عليه وسلم ) ـ حقّاً; فأمطر علينا حجارة من السماء أو ايتنا بعذاب أليم ، فما وصل لراحلته حتّى رماه اللّه بحجر فسقط على هامته فخرج من دبره وقتله ».
    مستدرك الحاكم 3 : 109 وقال : « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه » ، البداية والنهاية لابن كثير 5 : 228 وقال شيخنا أبو عبد اللّه الذهبي : وهذا حديث صحيح ، سسلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني 4 : 331.

    أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي » (1).
    كما قلت : لن نناقش هذين الحديثين الآن ، ولكن ما أُريد أن أقوله : إنّه لو لم يوجد في كتب الحديث عند أهل السنّة إلاّ هذين الحديثين لكفى في إثبات إمامة الإمام علي والأئمة من ولده عليهم‌السلام.
    لذلك انتبه لهذه المسألة الكثير من كتّاب وخطباء المساجد وأساتذة الفقه من أهل السنّة ، فاستعاضوا عن كلمة ( وعترتي ) بكلمة ( وسنّتي )! مع أنّها غير موجودة في الكتب المعتبرة والصحيحة عندهم ، وتراهم لا يذكرون في خطبهم هذا الحديث إلاّ ويغيرون هذه الكلمة إلى كلمة ( وسنّتي ).
    ____________
    1 ـ صحيح مسلم 7 : 923 كتاب الفضائل ، باب فضائل علي ( رضي الله عنه ) ، سنن الدارمي 2 : 432 ، فضائل الصحابة للنسائي : 22 ، مسند أحمد 4 : 267 ، السنن الكبرى للبيهقي 2 : 148 و 7 : 31 و 10 : 41 ، سنن الترمذي 5 : 329 ، صحيح الجامع الصغير للألباني 1 : 482 ، مجمع الزوائد للهيثمي 9 : 162 وقال عنه : « رواه أحمد وإسناده جيّد » ، البداية والنهاية لابن كثير 5 : 228 ، وقال : « قال شيخنا أبو عبد اللّه الذهبي ، وهذا حديث صحيح » ، سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني 4 : 357 ، والحديث متواتر لا غبار عليه قال سامي بن أنور المصري الشافعي في كتابه الزهرة العطرة من حديث العترة : 79 : « فحديث العترة بعد ثبوته من أكثر من ثلاثين طريقاً ، وعن سبعة من صحابة سيّدنا رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه وآله ورضي اللّه عنهم ـ وصحته التي لا مجال للشكّ فيها يمكننا أن نقول : إنّه بلغ حدّ التواتر ».

    أصنام تواجهني :
    إنّ ما كان يواجهني مع النصارى عندما كنت أحاورهم حول الإسلام من منع رهبانهم لهم من القراءة ودراسة الأُمور بتعقّل وحكمة ، صار يوجّه لي من علماء أهل السنّة الذين جعلوا الصحابة عدول ولا يجوز التعرّض لهم ، وإنّ الكتب فيها الغث والسمين ، ولا يصح أن يقرأها كلّ من هبّ ودب ، ولا يجب أن نناقش مثل هذه الأُمور.
    وعندما رفضت أن أحجز عقلي حكموا عليّ بالضلالة ، كما صرّح أحد المشايخ الذين كنت أحضر دروسهم وحتى إنّه رفض مناقشتي في هذه الأُمور.
    وشيخ آخر نصح الناس بالابتعاد عنِّي ، وذلك عندما نقل له أحد من كان يحضر عندي من تلاميذه بأنّي أعطيهم بعض الكتب لكي يقرأوها مثل كتاب ( ثم اهتديت ) للدكتور محمّد التيجاني ، وكتاب ( المراجعات ) ، وكتب كلّ الذين كتب الله لهم الهداية إلى مذهب أهل البيت عليهم‌السلام.
    فما كان من هذا الشيخ إلاّ أن قال في خطبة يوم الجمعة وعلى المنبر : إنّ أحد الزنادقة يوزّع كتباً فيها سبّ وشتم للصحابة ، فننصح

    الإخوة عدم قراءة هذه الكتب ، وعوضاً عنها أنصحهم بقراءة كتاب العواصم من القواصم!
    هذا كلّ ما عنده وعند أمثاله ، فأيّ إنسان يخالفه في الرأي سيصبح زنديقاً يسبّ الصحابة ولا يصحّ أن يكلّمه أحد!
    وعندها آثرت أن أقرأ كتاب العواصم من القواصم لأرى ما فيه ، ففوجئت عندما وجدت فيه من سبّ وشتم للصحابة وانتقاص لهم ، وفي نهاية الكتاب وجدت فتوى بقتل الشيعة وكلّ من يخالف مذهب العامة.
    لذلك قرّرت أن أذهب إلى هذا الشيخ وذلك في يوم الجمعة ، وقد أخذت معي كتاب العواصم من القواصم ، بعد أن همشّته ووضعت علامات على المواضيع التي ينتقص فيها مؤلّف الكتاب من الصحابة ، وأخذت معي أيضاً كتاب التشيّع للسيد عبد الله الغريفي ( حفظه الله ).
    وفي يوم الجمعة دخلت إلى مسجد الزهراء عليها‌السلام في منطقة المزة واستمعت إلى الخطبة ، ثمّ صلّيت معهم صلاة الجمعة ، وبعد الانتهاء التفت الشيخ إلى الحضور ، وبدأ يجيب عن أسئلتهم ، فلمّا شارف الشيخ على الانتهاء وعندما هم بالوقوف ، قمت له سائلاً وقلت له : إذا سمحت يا شيخ عندي بعض الأسئلة.
    وهنا بادرني بالسؤال عندما رأى كتاب العواصم من القواصم

    بيدي قائلاً : هل اشتريت الكتاب؟
    فقلت له : نعم ، حسب ما طلبت أنت من الإخوة ، فطلب منّي أن أعطيه الكتاب ليتأمّله ، وبالفعل أخذه من يدي ، وبدأ يتصفحه ويبدي سروره عند كلّ صفحة ، وعندما قال لي ما سؤالك؟
    فقلت له : إن كان يوجد هنا مكتبة أو مكتب لندخل له حتى يتسنّى لنا الحديث بهدوء.
    فقال : لا ، أسأل هنا أمام الإخوة.
    فقلت له : يا سماحة الشيخ ، ألم يأمرنا الله بالاعتصام بحبل الله جميعاً ، وأمرنا رسول الله الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله بعدم تكفير بعضنا البعض ، وقال : من كفّر مسلماً فقد كفر ، فكيف تأمر الناس بقراءة كتاب يفتي بقتل نصف المسلمين ممّن يشهدون الشهادتين ويقيمون الصلاة ويصومون شهر رمضان؟!
    وهذا الكتاب أيضاً يسبّ الصحابة ويقول : إنّ بعض هؤلاء مثل عمّار بن ياسر وأبي ذر الغفاري وكنانة بن بشر التُجيبي ، وعبد الرحمن بن عديس البلوي قد لعب فيهم ابن اليهوديّة ( عبد الله ابن سبأ ) فكادوا لدولة الإسلام وأججوا الفتنة التي أدّت إلى مقتل عثمان بن عفان.
    فقاطعني هنا الشيخ وقال : تفضل لنتكلّم في الداخل.
    فقلت له : أنت قلت : أسأل هنا أمام الإخوة.

    وكان المصلّون قد تجمّعوا حولنا ، فقادني إلى غرفة بجانب المصلّى وقد دخل معنا جمع غفير من المصلين ، فالتفت إلىّ قائلاً : أنا لم أقرأ الكتاب! ولعلّ ما فيه مدسوس.
    فقلت له : هذا هو الكتاب ، وفتحت له الصفحة التي فيها الفتوى بقتل الشيعة ، وقال كاتب الكتاب في الصفحة (259) :
    « وأكثر الملحدة على التعلّق بأهل البيت ، وتقدّمة علي على جميع الخلق ، حتى إنّ الرافضة انقسمت إلى عشرين فرقة أعظمهم بأساً من يقول : إنّ علياً هو الله ، والغرابيّة يقولون : إنّه رسول الله ، لكن جبريل عدل بالرسالة عنه إلى محمّد حميّة منه معه!! في كفر بارد لا تسخنه إلاّ حرارة السيف ، أمّا دفء المناظرة فلا يؤثّر فيه » (1).
    وأريته في صفحة أُخرى كيف حاول المؤلّف تنزيه من غضب عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمر بقتله حتى ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة وطعن بغيره ، فقد قال الكاتب :
    « وأمّا الوليد بن عقبة فقد روى بعض المفسّرين أنّ اللّه سمّاه فاسقاً في قوله : ( اِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإ ) .. وقيل في علي والوليد في قصّة أُخرى » ، وقال محقّق الكتاب : « كنت فيما مضى أعجب كيف تكون هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة ، ويسمّيه اللّه فاسقاً ، ثمّ
    ____________
    1 ـ العواصم من القواصم : 259 ، تحقيق محبّ الدين الخطيب.

    يبقى له في نفس خليفتي رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أبي بكر وعمر المكانة التي سجّلها التاريخ » (1).
    وكأنّه يوحي بأنّ هذه الآية نزلت في ( علي ) معاذ الله.
    وهنا التفت إلي الشيخ قائلاً : أنا لم أقرأ الكتاب.
    فقلت له : إذن كيف تأمر الناس بقراءة الكتاب وأنت لا تعرف ما فيه؟! وكيف نصحت الناس بعدم قراءة كتب الشيعة وكتب أُخرى تزعم أنّها تسبّ الصحابة وأنت لم تقرأها أيضاً؟!
    وعلى كلٍّ أقول لك قول الإمام علي عليه‌السلام؟
    فقاطعني قائلاً : ماذا تعمل أنت؟
    قلت له : ليس هذا محل الموضوع.
    على كلّ ، يقول الإمام علي عليه‌السلام : « الناس أعداء ما جهلوا » (2) ، وأنت تجهل كل شيء عن الشيعة ، إلاّ ما يقوله الواشون المغرضون والمشنّعون ، وقد أتيتك بكتاب يشرح منشأهم وأُصول المذهب عندهم ، وأتمنى منك أن تقرأ بعين المنصف ، وسوف آتي إليك في الأسبوع المقبل لأعرف رأيك ، وهذا رقم هاتفي واسمي وعنواني ، فبان عليه الاستغراب عند سماع اسمي ، فعرفت ما يدور في ذهنه ، فقلت له : إنّي كنت حنفي المذهب ، والآن أتبع مذهب أهل البيت عليهم‌السلام.
    ____________
    1 ـ العواصم من القواصم : 102 ، تحقيق محبّ الدين الخطيب.
    2 ـ نهج البلاغة 4 : 42 ، باب المختار من حكم أمير المؤمنين عليه‌السلام.

    فأعطيته كتاب ( التشيع ) للسيد عبد الله الغريفي ـ حفظه الله ـ وطلبت منه أن يتصل بي إن أشكل عليه أمر ما ، وودعته على أمل اللقاء به بعد أسبوع.
    وعندما أتى الموعد ذهبت إلى المسجد ولم يكن قد اتصل بي خلال هذا الأسبوع ، وعندما قابلته بعد الصلاة اعتذر وقال : إنّه لم يقرأ الكتاب لأنّه مشغول ، وعنده دورة لتحفيظ القرآن الكريم ، وواعدته في الأسبوع الذي يليه ، ولكنّه للأسف خرج من المسجد عندما رآني وأنا أصلي ، ولم يلتفت إليّ.
    فعرفت أنّه لم ولن يقرأ الكتاب ، فلم أعد له ولم يتصل بي ، ولكنّي عرفت رأيه من نظرة بعض الأصدقاء لي ونفورهم منِّي ، وكانوا يقولون لي : لماذا تركت مذهبك واعتقادك السابق ، وكنت دائماً أشرح لهم وأعرَّفهم الحقّ وقد اهتدى البعض ، واستنكف آخرون; لأنّهم كانوا يأخذون بكلام مشايخهم وإن كان بلا دليل ، ويرفضون كلامي وإن أتيت عليه بألف دليل من الكتاب والسنّة. وقد نسوا قول الله تعالى : ( اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ ... ) (1).
    ومن المعلوم أنّ النصارى لا يعبدون أحبارهم ولا رهبانهم ، بل يطيعونهم فيما يقولون ويصدّقونهم ويسلّموا لهم دون دليل ودون تعقّل أو تفهّم ، لذلك وصفهم الله بأنّهم يعبدونهم من دون الله.
    ____________
    1 ـ التوبة : 31.

    فهل يريد منّا هؤلاء أن نكون مثلهم ، وقد أمرنا الله أن نحكّم عقلنا من بعد الكتاب وسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟
    قال تعالى : ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوب أَقْفالُها ... ) (1).
    ولهذا حرّرت عقلي ، ومضيت في سبيل الله لا أخشى لومة لائم ، وبذلك نزعت التعصّب الأعمى وما أورثه لي أسلافي ، فانكشف لي ما حاولوا تغطيته والتعتيم عليه عبر العصور.
    وما أحوجنا الآن إلى دراسة هذا التاريخ الذي اختفى من ورائه النزاع السياسي والصراع الطائفي ، دراسة واقعية على ضوء التحقيق العلمي المجرّد عن التعصّب والتحيز ليظهر الحقّ ، والحقّ أحقّ أن يتّبع.
    والحمد لله على ما هدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
    منهجي في هذا الكتاب :
    سوف أُحاول في هذا الكتاب ـ واعتماداً على أبواب عدّة ـ أن أميط اللثام عن الكثير من الحوادث التاريخية التي حصلت بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أُمور الخلافة وما تبعها من حوادث وحروب وفتن ومؤامرات.
    وقد وضعتُ هذه الأبواب على طريقة إفادات ، أي أن أحضر الشخصيّات التي لعبت دوراً في هذا التاريخ ، وكان لهم الأثر الكبير
    ____________
    1 ـ محمّد : 24.

    فيما حدث حتى الآن ، وأسألهم عمّا حصل ، وأتأمّل في أقوالهم وأعمالهم ، وأكتب الردّ على لسانهم واعتماداً على كتب التاريخ والحديث والتفسير عند أهل السنّة.
    وقد اعتمدتُ في هذا الكتاب على كتب عدّة ، وقد سجّلت أسماءها ، وأين يوجد كلّ جواب أو مسألة في الهامش.
    ولم اعتمد إلاّ على الروايات من كتب أهل السنّة ، وطرحت الآراء التي يتبناها الشيعة مع صحتها وثقتي بها ، ولكن الاحتجاج على أهل السنّة بما ألزموا به أنفسهم أجدى وأنفع وأقوى; اعتماداً على المقولة : « ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم » ، و « من فمك أدينك ».
    وقد يكون للحادثة التاريخية ألفاظ عدّة ، ورواة عدة ، ومعان عدّة ، ولكني لن أنتقي ما يؤكّد ما أرمي إليه في رأيي ، وأطرح الباقي كما يفعل الكثيرون من الكُتّاب من أهل الخلاف ، إذ إنّهم يأخذون ما يوافق منهجهم ويتركون ما يناقضه ، بل اعتمدتُ ـ قدر الإمكان ـ في أخذي للأحاديث والروايات ما هومقبول عند الفريقين ، وذلك أنجع للحجّة وأكثر تطبيقاً لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ أُمتي لا تجتمع على ضلالة » (1).
    ____________
    1 ـ سنن ابن ماجه 2 : 1303 ، ونحوه في مسند أحمد 6 : 396 ، سنن الدارمي : 1 : 29 ، سنن الترمذي 3 : 315 ، مستدرك الحاكم 1 : 115 ، السنن الكبرى للبيهقي 2 : 454 ، مجمع الزوائد للهيثمي 5 : 218 ، وغيرها من المصادر.


    حوار مع أبي بكر ( الخليفة الأول )
    السقيفة.
    اجتماع الأنصار.
    أخذ البيعة من قريش.
    محاولة أخذ البيعة من سيّد أهل البيت عليهم‌السلام.
    منع إرث فاطمة عليها‌السلام ونحلتها.
    موت فاطمة عليها‌السلام وهي غاضبة على أبي بكر.
    حرق الأحاديث ومنع روايتها.
    حروب الردّة.
    عهد أبي بكر باستخلاف عمر.


    حوار مع أبي بكر ( الخليفة الأوّل )
    س 1 ـ هل يمكننا أن نتعرّف عليك؟
    ج ـ اسمي أبو بكر عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب ابن سعد بن تيم بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك.
    وأمّي أمّ الخير بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة (1).
    وكنت أعمل في التجارة وأعرف علم الأنساب.
    أسلمت بعد أربعة أو خمسة من الصحابة ، فأوّل من أسلم خديجة وعلي وزيد بن الحارثة ثمّ خالد بن سعيد بن العاص وأبو ذر وأنا (2).
    رافقت رسول الله في كلّ غزاوته ، وكنت أجلس معه في العريش ، ولم أشارك في القتال ولم أبارز أحداً خلال معارك الرسول (3).
    س 2 ـ يقول البعض من أهل السنّة بأنّك وصلت إلى الخلافة
    ____________
    1 ـ تاريخ الطبري 2 : 615.
    2 ـ تاريخ الطبري 1 : 615.
    3 ـ تاريخ الطبري 2 : 33.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Empty
    مُساهمةموضوع: رد: افادات من ملفات التاريخ محمد سليم   افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Emptyالثلاثاء أكتوبر 22, 2024 4:20 pm

    برضى من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويستشهدون على ذلك بأنّك صلّيت بالناس عند مرض الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبأنّك أوّل من أسلم من الرجال ، وأنّك صديقه في الغار فما ردّك على ذلك؟
    ج ـ أولا : لم يكن معي من رسول الله أيّ نصّ ، ولو كان معي مثل هذا النصّ لاحتججت به يوم السقيفة; لأنّي كنت في أشد الحاجة إلى ما أثبت به أمري يوم ذاك.
    ـ ثانياً : أمّا بشأن ما يدّعيه البعض من موضوع الصلاة ، فهي لم تكن إلاّ مرّة واحدة. وقصتها : إنّ ابنتي عائشة بعثت لي وقالت : إنّ رسول الله مريض فصلّ بالناس ، وما إن بدأت بالصلاة حتى خرج رسول الله يتهادى من شدّة مرضه بين الفضل بن العباس وعلي ودخل المسجد وصلّى عن يميني قاعداً وصلّى الناس ، فلمّا فرغ من الصلاة أقبل على الناس وكلّمهم رافعاً صوته حتى خرج صوته من باب المسجد يقول : « يا أيّها الناس سُعرت النار ، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، وإنّي والله لا تمسكوا عليّ شيئاً. إنّي لم أُحلّ لكم إلاّ ما أحلّ لكم القرآن ، ولم أُحرّم لكم إلاّ ما حرّم عليكم القرآن » (1).
    وعليه فإنّ رسول الله لم يأمرني بالصلاة بالناس ، ولو كان فعل لما
    ____________
    1 ـ تاريخ الطبري 7 : 441.

    خرج على هذا الحال وصلّى هو بالناس.
    وكيف يأمرني بذلك وقد كان جنّدني في جيش أُسامة بن زيد وقد كان معسكراً خارج المدينة ، وكنت معهم ، وإنّما كنت أتردّد على المدينة لعيادة رسول الله ، ومن المعلوم أنّ قائد الجيش هو الإمام في الصلاة ، وقد كان أُسامة بن زيد هو إمامنا في الصلاة؟
    وقبل وفاته استأذنته بالذهاب إلى أهلي بالسنح (1) ، فأذن لي ، لذلك عندما توفّي رسول الله لم أكن في المدينة.
    وأيضاً لم احتج بقصة الصلاة في السقيفة لأنّها عليّ لا لي.
    ـ وأمّا بشأن أنّي كنت صديقه في الغار ، فقصته أنّني أتيت في يوم هجرة رسول الله إلى داره ، فوجدت علياً ، فسألته عن نبيّ الله فأخبرني أنّه لحق بالغار من ثور ، فخرجت مسرعاً ، فلحقت نبيّ الله في الطريق ، فسمع رسول الله جرسي في ظلمة الليل ، فحسبني من المشركين ، فأسرع في المشي ، فانقطع قبال نعله ، ففلق إبهامه حجر ، فكثر دمها ، وأسرع السعي ، فخفت أن يشقّ على رسول الله ، فرفعت صوتي وتكلّمت ، فعرفني رسول الله ، فقام حتى أتيته ، فانطلقنا ورجل رسول الله تستن دماً حتى انتهينا إلى الغار في الصبح (2).
    ____________
    1 ـ السنح : أرض قريبة من المدينة.
    2 ـ تاريخ الطبري 2 : 100.

    السقيفة :
    س 3 ـ كيف علمتَ بوفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ وما قصة اجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة؟
    ج ـ أخبرتك آنفاً أنّني كنت في داري عند أهلي في ( السنح ) ، وعند عودتي إلى المدينة لعيادة رسول الله وجدت عمر على باب المسجد واقفاً شاهراً سيفه يتهدّد ويتوعّد الناس ، وهو يقول : إنّ رسول الله لم يمت ، ولكنّه ذهب إلى ربِّه كما ذهب نبّي الله موسى عليه‌السلام ، وإنّه سيعود ويقطع أيدي وأرجل رجال يزعمون أنّه مات. وكان لا يدع أحداً يدخل إلى الدار ، فقلت له : على رسلك يا عمر أنصت ، فأبى إلاّ أن يتكلّم ، فلمّا رأيته لا ينصت دخلت ، وكان رسول الله مسجّى في ناحية البيت عليه برد حبرة ، فكشفت عن وجهه وقبّلته ، وقلت : بأبي أنت وأمي ، أمّا الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها ، ثمّ لن يصيبك بعدها موتة أبداً ، ثمّ رددت الثوب على وجهه ، ثمّ خرجت وأقبلت على الناس ، فحمدت الله وأثنيت عليه ثمّ قلت :
    ـ « أيّها الناس ، من كان يعبد محمّداً فإنّ محمّداً قد مات ، ومن وكان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت ، ثمّ تلوت هذه الآية : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ

    عَلى أَعْقابِكُمْ ... ) إلى آخر الآية (1).
    فوالله لكأن الناس لم يعلموا أنّ هذه الآية نزلت على رسول الله ، فأتاني عمر وأخبرني أن أخرج إليه ، وعندما خرجت أخبرني أنّ بعض الأنصار مجتمعون في سقيفة بني ساعدة لأمر ، ولابدّ أن نكون هناك حتى لا يقطع أمر لا نكون فيه ، فذهبنا وأخذنا معنا أبا عبيدة بن الجراح ، وفي طريقنا باتجاه السقيفة وجدنا ( عويم بن ساعدة الأنصاري ومعن بن عدي ) وهما من صفوة الأنصار وممّن شهدوا بدراً ، وقالوا لنا : ارجعوا واقضوا أمركم بينكم.
    فلم نلتفت إليهم وتابعنا مسيرنا إلى السقيفة ، وعندما وصلنا وجدنا جماعة من الأنصار ويوجد بينهم رجل مزّمل.
    فقلنا لهم : من هذا الرجل؟
    فقالوا : سعد بن عبادة ، وقد كان مريضاً لا يقوى على الوقوف.
    وهنا حاول عمر أن يتكلّم ، ولكنّي منعته وبدأت الكلام ، فحمدت الله وأثنيت عليه ، ثمّ ذكرت ما للأنصار من فضل فلم أترك شيئاً إلاّ قلته ، ثمّ قلت : كنا معاشر المسلمين المهاجرين أوّل الناس إسلاماً ، والناس لنا في ذلك تبع ، ونحن عشيرة رسول الله ، وأوسط العرب أنساباً. ليس من قبائل العرب إلاّ ولقريش فيها ولادة.
    وبعد أن أنهيت كلامي وقف عمر ، وقد كان قد زوّر مقالة قبل أن
    ____________
    1 ـ آل عمران : 144.

    يأتي إلى السقيفة ، وكان يريد أن يقولها قبلي ولكن منعته (1).
    فقال عمر : إنّه والله لا ترضى العرب أن تؤمرّكم ونبيّها من غيركم ، ولكنّ العرب لا ينبغي أن تولي هذا الأمر إلاّ من كانت فيها وأولوا الأمر منهم ، لنا بذلك على من خالفنا من العرب الحجّة الظاهرة والسلطان المبين ، من ينازعنا سلطان محمّد وميراثه ونحن أولياؤه وعشيرته ، إلاّ مدل بباطل أو متجانف لإثم أو متورّط في هلكة.
    فقالت الأنصار : لا نبايع إلاّ علياً.
    فقلت لهم : إنّي ناصح لكم في أحد هذين الرجلين أبي عبيدة بن الجرّاح ، أو عمر بن الخطاب ، فبايعوا من شئتم.
    فقال عمر : معاذ الله أن يكون ذلك وأنت بين أظهرنا ، أبسط يدك أُبايعك.
    فبايعني عمر وأبو عبيدة وتتابع الأنصار على مبايعتي ، وتخلّف سعد وأولاده.
    فقال عمر : اقتلوا سعداً قتله الله.
    وتمّت البيعة ، ثمّ ذهبنا إلى المسجد فقال عمر للناس :
    مالي أراكم حلقاً شتى قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعته وبايعه الأنصار ، فقام عثمان ومن معه من بني أُميّة فبايعوا ، وقام سعد بن أبي
    ____________
    1 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6 : 7 ، الإمامة والسياسة لابن قتيبة : 13 ، ونحوه في تاريخ تاريخ الطبري 2 : 458.

    وقاص وعبد الرحمن بن عوف ومن معهما من بني زهرة فبايعوا ، وأيضاً بايع كلّ من كان من الأنصار في المسجد بعدما قال عمر : إنّ كلّ الأنصار بايعوا (1).
    اجتماع الأنصار :
    س 4 ـ هذا يعني أنّ الأنصار لم يكونوا مجتمعين من أجل أن يبايعوا سعد بن عبادة كما يزعم البعض; لأنّه كما ذكرت كان مريضاً ولا يقوى على الوقوف ، وإنّ جماعة من الأنصار كانوا يعودونه ، وأيضاً في معرض حديثك قلت : أنّكم صادفتم عند مجيئكم إلى السقيفة ( عويم بن ساعدة ومعن بن عدي ) وهما باتجاه المسجد ، أي خارجين من السقيفة وغير هذا ، فكيف يكونون مجتمعين من أجل البيعة مع أنّ عمر قد منع الناس من أن يقولوا : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد مات؟ أي إنّ الذين كانوا خارج المسجد لا يعلمون حقيقة الموقف ..؟
    ج ـ هذا صحيح ، ولكن عندما علم عمر باجتماع الناس في السقيفة ، تبادر إلى ذهنه أنّهم لابدّ أن يذكروا أمر الخلافة من بعد الرسول بناءً على مرض الرسولَ وهذا ما حصل.
    س 5 ـ من هو الشخص الذي أخبر عمر باجتماع السقيفة كما
    ____________
    1 ـ الإمامة والسياسة : 18.

    تسمّيه؟ مع أهمية هذا الشخص; لأنّ عمر صدّقه وأخبرك بذلك وذهبتم بناءً على هذا الخبر ودون أن تنتظرون الانتهاء من تجهيز رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ودفنه ممّا أخّر دفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثة أيام (1)؟
    ج ـ لا أعرف بالضبط من هو المخبر ، ولكن من أخبرني هو عمر.
    أخذ البيعة من قريش :
    س 6 ـ هل كانت البيعة عامة؟ أي هل كانت بالإجماع أم أنّه امتنع أحد عن هذه البيعة؟
    ج ـ لم تكن هذه البيعة عامة في أوّل الأمر ، بل امتنع عن البيعة من الأنصار سعد بن عبادة ، وعند دخولنا إلى المسجد وقول عمر للناس أن يقوموا للبيعة خرج من المسجد علي ومعه بنو هاشم وأبو ذر الغفاري وطلحة والزبير بن العوّام والمقداد بن الأسود وعمّار بن ياسر وآخرون من المهاجرين (2).
    س 7 ـ ماذا فعلتم بعد ذلك بمن امتنع عن البيعة؟
    ج ـ في أوّل الأمر لم نهتم بمن امتنع عن البيعة ، لكن عندما بدأ خروج علي يحمل فاطمة بنت محمّد عليها‌السلام على دابة ليلا في مجالس الأنصار تسألهم النصرة ، وكانوا يقولون : يا بنت رسول الله قد مضت
    ____________
    1 ـ تفسير القرطبي 4 : 224.
    2 ـ الإمامة والسياسة : 28.

    بيعتنا لهذا الرجل ، ولو أنّ زوجك وابن عمّك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به ، فكانت تقول لهم فاطمة عليها‌السلام ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له ، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم (1).
    وعند عودة أبي سفيان حاول أيضاً أن يستنهض علياً بقوله :
    أين الأذلاّن علي والعباس؟ وما لهذا الحيّ من قريش بهذا الأمر؟ وقال لعلي : امدد يدك أُبايعك ، ولكنّ عليّاً رفض ذلك ، وقال له : إنّك واللّه ما أردت إلاّ الفتنة وإنّك واللّه طالما بغيت للإسلام شرّاً.
    وهنا كلّمني عمر قائلا :
    إنّ أبا سفيان قادم ، وإنّا لا نأمن شرّه ، فدع له ما بيده من الصدقات.
    ( وقد كان أبو سفيان يجمع الصدقات بناءً على أمر رسول الله ).
    فتركنا له ما بيده من الصدقات ، وعيّنت ابنه معاوية قائداً آخر بنفس الجيش تحت إمرة أخيه يزيد ، فكان معاوية على مقدّمة جيش يزيد في فتح صيدا وعرفة وجبيل وبيروت. وهكذا رضي أبو سفيان وامتنّ لنا وقال : وصلته رحم (2).
    وأمّا بالنسبة للعباس ، فقد أشار عليّ المغيرة بن شعبة بقوله :
    إنّ الرأي أن تلقوا العباس فتجعلوا له في أمر الخلافة نصيباً يكون
    ____________
    1 ـ الإمامة السياسة : 19 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6 : 13.
    2 ـ نظام الحكم للقاسمي : 152 ، تاريخ الطبري 2 : 449.

    له ولعقبه ، وتكون لكما الحجّة على عليّ وبني هاشم إذا كان العباس معكم ، فانطلقت مع عمر وأبي عبيدة والمغيرة حتى دخلنا على العباس فحمدت الله وأثنيت عليه ثمّ قلت :
    إنّ الله بعث محمّداً نبياً وللمؤمنين ولياً ، فمّن الله تعالى بمقامه بين أظهرنا حتى اختار له الله ما عنده ، فخلى على الناس أمرهم ليختاروا لأنفسهم في مصلحتهم متّفقين غير مختلفين ، فاختاروني عليهم وليّاً ولأمورهم راعياً ، وما أخاف بعون الله وهناً ولا حيرة ولا جبناً وما توفيقي إلاّ باللّه عليه توكّلت وإليه أنيب ، وما أزال يبلغني عن طاعن يطعن بخلاف ما أجمعت عليه عامة المسلمين ويتخذوكم لجأ فتكونوا حصنه المنيع ، فإمّا دخلتم فيما دخل فيه العامة أو دفعتموهم عمّا قالوا إليه ، وقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيباً يكون لك ولعقبك من بعدك ، إذ كنت عمّ رسول اللّه ، وإن كان الناس قد رأوا مكانك ومكان أصحابك فعدلوا الأمر عنكم ، وعلى رسلكم يا بني عبد المطلب فإنّ رسول الله منا ومنكم.
    ثمّ قال عمر : أي والله ، وأُخرى أنا لم نأتكم حاجة منّا إليكم ، ولكن كرهنا أن يكون الطعن منكم فيما أجمع عليه العامة فيتفاقم الخطب بكم وبهم ، فانظروا لأنفسكم وعامتكم.
    ولكن كان ردّ العباس حاسماً ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال :
    إنّ الله بعث محمّداً كما زعمت نبياً ، وللمؤمنين ولياً ، فمّن الله

    بمقامه بين أظهرنا حتى اختار الله له ما عنده ، فخلى على الناس أمرهم ، ليختاروا لأنفسهم ، مصيبين للحقّ ، لا مائلين عنه بزيغ الهوى ، فإن كنت برسول الله طلبت فحقّنا أخذت ، وإن كنت بالمؤمنين طلبت فنحن منهم ، متقدّمون فيهم ، وإن كان هذا الأمر إنّما يجب لك بالمؤمنين ، فما وجب إن كنا كارهين ، فأمّا ما بذلت لنا ، فإنّ يكن حقّاً لك فلاحاجة لنا به ، وإن يكن حقّاً للمؤمنين فليس لك أن تحكم عليهم ، وإن كان حقّنا لم نرض عنك فيه ببعض دون بعض.
    وأمّا قولك إنّ رسول الله منّا ومنكم ، فإنّه من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها .. (1).
    س 8 ـ إذن لم تصيبوا هدفكم بأن تجعلوا العباس ( رضي الله عنه ) من طرفكم؟!
    ج ـ نعم ، لأنّه رفض وامتنع عن البيعة ، وكان ردّه حاسماً ، وانضم إلى عليّ ، ولم يبايع إلاّ بعد ستّة أشهر ، أيّ بعد موت فاطمة بنت محمّد.
    محاولة أخذ البيعة من سيّد أهل البيت عليهم‌السلام :
    س 9 ـ ماذا حصل بعد ذلك بالآخرين الذين امتنعوا عن البيعة؟
    ج ـ تفقدّت يوماً قوماً تخلّفوا عن البيعة فقالوا لي : إنهم في دار
    ____________
    1 ـ الإمامة والسياسة : 32 ـ 33.

    عليّ ، فبعثت عمر ، فجاء فناداهم وهم في دار عليّ ، فأبوا أن يخرجوا فدعا عمر بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها.
    فقيل له : يا أبا حفص إنّ فيها فاطمة؟
    فقال : وإن! فخرجوا فبايعوا إلاّ علياً فإنّه قال : « حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن ».
    فوقفت فاطمة على بابها ، فقالت : « لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم ، تركتم رسول الله جنازة بين أيدينا ، وقطعتم أمركم بينكم ، لم تستأمرونا ، ولم تردّوا لنا حقّنا ».
    فأتى عمر إليّ ، وقال : ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة؟
    فقلت لقنفذ ( وهو مولى ) : اذهب فادع لي عليّاً ، فذهب إلى عليّ فقال له : ما حاجتك؟
    فقال : يدعوك خليفة رسول الله.
    فقال عليّ : لسريع ما كذبتم على رسول الله ، فرجع فأبلغني الرسالة فبكيت طويلا.
    فقال عمر الثانية : لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة.
    فقلت لقنفذ : عد إليه ، فقل له : خليفة رسول الله يدعوك لتبايع.
    فجاءه قنفذ ، فأدى ما أمرته به ، فرفع عليّ صوته فقال : سبحان الله! لقد ادّعى ما ليس له.

    فرجع قنفذ فأبلغني الرسالة فبكيت طويلا.
    ثمّ قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة ، فدقّوا الباب ، فلمّا سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها : يا أبت يا رسول الله ، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب وابن أبي قحافة ، فلمّا سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين ، وكادت قلوبهم تنصدع ، وأكبادهم تنفطر ، وبقي عمر ومعه قوم آخرون ، فأخرجوا عليّاً ، فمضوا به إلي.
    فقالوا له : بايع.
    فقال : إن أنا لم أفعل فمه؟
    قالوا : إذاً والله الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك.
    فقال : إذاً تقتلون عبد الله وأخا رسوله.
    فقال عمر : أما عبد الله فنعم ، وأمّا أخو رسوله فلا ، ( وقد كنت ساكتاً لا أتكلّم ).
    فقال له عمر : بايع أبا بكر.
    فقال : « أنا أحقّ بهذا الأمر منكم ، لا أُبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله ، وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً؟
    ألستم زعمتم للأنصار أنّكم أولى بهذا الأمر منهم لمّا كان محمّد منكم ، فأعطوكم المقادة وسلّموا إليكم الإمارة؟ وأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار ، نحن أولى برسول الله حيّاً وميّتاً ،

    فأنصفونا إن كنتم تؤمنون ، وإلاّ فبوؤوا بالظلم وأنتم تعلمون.
    فقال عمر : إنّك لست متروكاً حتى تبايع.
    فأجابه الإمام علي : « احلب حلباً لك شطره ، واشدد له اليوم أمره يردده عليك غداً ».
    والله يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايع.
    فقلت له : إن لم تبايع فلا أكرهك.
    فقال أبو عبيدة لعلي : يا بن عم ، إنّك حديث السن وهؤلاء مشيخة قومك ، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأُمور ، ولا أرى أبا بكر إلاّ أقوى على هذا الأمر منك ، وأشد احتمالا واضطلاعاً به ، فسلّم لأبي بكر هذا الأمر ، فإنّك إن تعش ويطل بك بقاء فأنت لهذا الأمر خليق ، وبه حقيق في فضلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك.
    فقال علي : « الله الله يا معشر المهاجرين ، لا تخرجوا سلطان محمّد في العرب عن داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم ، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه ، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أحق الناس به; لأنّا أهل البيت ، ونحن أحقّ بهذا الأمر منكم ، ما كان فينا القارئ لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ، العالم بسنن رسول الله ، المضطلع بأمر الرعية ، المدافع عنهم الأُمور السيئة ، القاسم بينهم بالسوية؟! والله إنّه لفينا ، فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله

    فتزدادوا من الحقّ بعداً ».
    فلمّا سمع بشير بن سعد الأنصاري ـ الذي شقّ جمع الأنصار وبايعني في السقيفة ـ قال : لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا عليّ قبل بيعتها لأبي بكر ـ ما اختلف عليك اثنان.
    أمام إصرار عليّ قال عمر لي : ألا تأمر فيه بأمرك.
    فقلت : لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه.
    فلحق عليّ بقبر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يصيح ويبكي وينادي :
    « يا بن أمّ إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلوني » (1).
    س 10 ـ بعد أن استتب لك أمر الخلافة بعثت إلى أبيك رسالة فما نصها؟
    ج ـ نعم ، لقد بعثت لوالدي رسالة ليدخل فيما دخل الناس فيه ، وقلت له فيها :
    من خليفة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى أبيه أبي قحافة.
    أما بعد; فإنّ الناس تراضوا بي فإنّي اليوم خليفة الله ، فلو قدمت علينا لكان أحسن بك.
    فلمّا قرأ أبي أبو قحافة الكتاب ، قال :
    إن كان الأمر في ذلك بالسنّ ، فأنا أحقّ من أبي بكر ، لقد ظلموا
    ____________
    1 ـ الإمامة والسياسة : 28 ـ 31.

    عليّاً حقّه ، وقد بايع له النبيّ وأمرنا ببيعته ، ثم كتب لي :
    من أبي قحافة إلى أبي بكر ، أما بعد :
    فقد أتاني كتابك ، فوجدته كتاب أحمق ينقض بعضه بعضاً ، مرّة تقول : خليفة رسول الله ، ومرّة تقول : خليفة الله ، ومرّة تقول : تراضى بي الناس ، وهو أمر ملتبس ، فلا تدخلن في أمر يصعب عليك الخروج منه غداً ، ويكون عقابك منه إلى الندامة وملامة النفس اللوامة لدى الحساب يوم القيامة ، فإنّ للأُمور مداخل ومخارج ، وأنت تعرف من هو أولى بهامتك ، فراقب الله كأنّك تراه ، ولا تدعنّ صاحبها ، فإنّ تركها اليوم أخف عليك وأسلم لك (1).
    س 11 ـ هذا يعني أنّكم استعملتم سياسة الترغيب والترهيب ، ولم يكن الموضوع موضوع بيعة ونصّ ومشورة؟
    فقد حاولتم استخدام القوّة بعد أن أعيتكم الحجّة في السقيفة على سعد بن عبادة ومن معه ، فعند امتناعه عن البيعة حاول عمر في السقيفة تحريض الناس على قتله بقوله : اقتلوا سعداً قتله الله.
    ورغّبتم أبا سفيان واستملتموه بعدما حاول مبايعة عليّ لغرض في نفسه ، ورفض عليّ ذلك بقوله : والله ما أردت بهذا إلاّ الفتنة ، والله طالما بغيت للإسلام شرّاً ، لا حاجة لنا بنصيحتك.
    ____________
    1 ـ الاحتجاج للطبرسي 1 : 115.

    فقد تركتم له ما بيده من الصدقات كما أشار عمر.
    وحاولتم استمالة العباس بأن تجعلوا له في الأمر شيئاً له ولعقبه من بعده ، لكنّه رفض.
    وأيضاً حاولتم أخذ البيعة من عليّ بالقوّة وعندما خشيتم انقلاب الناس عليكم عند سماع حجّته وقول الأنصار : لو سمعت الأنصار منك هذا قبل بيعتها لأبي بكر لم يختلف عليك اثنان ، فتركتموه ، أو كما قلت أنت لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جانبه؟
    ج ـ نعم ، هذا صحيح ، ولكن كان كلّ هذا من أجل حفظ بيضة الدين ولكي نلتفت إلى الأُمور الأُخرى ، فقد كانت بعض القبائل قد بدأت بالارتداد ، فكان لابدّ من أن نسرع في إتمام البيعة.
    منع إرث فاطمة عليها‌السلام ونحلتها :
    س 12 ـ وهل من أجل حفظ الدين أيضاً قمتَ بمنع فاطمة عليها‌السلام إرثها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومصادرة ( فدك ) ، وهي الأرض التي كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد نحلها إياها ، وقد أخرجت عمّالها منها بعد أن استتب لك الأمر؟
    أم أنّه كان من قبيل منع ما كان في يد عليّ وفاطمة عليها‌السلام وما تدرّه هذه الأرض من مال; لأنّه يمكن أن يميل الناس لهم؟
    ج ـ لما بلغ فاطمة من إجماعنا على منعها إرثها وفدك نحلتها ،

    لاثت خمارها على رأسها واشتملت بجلبابها ، وأقبلت في لمّة من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها ، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله حتى دخلت عليَّ وأنا في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم ، فنيطت دونها ملاءة.
    ثمّ أجهشت وأجهش لها القوم بالبكاء ، وارتجّ المجلس ، ثمّ أمهلت هنيهة حتى إذا سكن نشيج القوم ، وهدأت فورتهم ، افتتحت كلامها بالحمد لله عزّ وجلّ والثناء عليه ، والصلاة على رسول الله ، ثمّ قالت :
    ( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيم ).
    فإن تعزّوه تجدوه أبي دون آبائكم ، وأخا ابن عمّي دون رجالكم ، فبلّغ الرسالة صادعاً بالنذارة ، مائلا عن سنن المشركين ، ضارباً ثبجهم ، يدعوا إلى سبيل ربِّه بالحكمة والموعظة الحسنة ، آخذ بأكظام المشركين ، يهشم الأصنام ، ويفلق الهام ، حتى انهزم الجمع وولوا الدبر ، وحتى تفرى الليل عن صبحه ، وأسفر الحقّ عن محضه ، ونطق زعيم الدين ، وخرست شقائق الشياطين ، وتمّت كلمة الإخلاص ، وكنتم على شفا حفرة من النار ، نهزة الطامع ، ومذقة الشارب ، وقبسة العجلان ، وموطىء الأقدام ، تشربون الطرق وتقتاتون القد والورق ، أذلّة خاسئين ، يختطفكم الناس من حولكم ،

    حتى أنقذكم الله برسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد اللتيا والتي ، وبعد أن مُني ببهم الرجال ، وذؤبان العرب ، ومردة أهل الكتاب ، ( كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ ) (1) ، أو نجم قرن الشيطان ، أو فغرت فاغرة قذف أخاه عليّاً في لهواتها ، ولا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه ، ويطفئ عادية لهبها بسيفه ، مكدوداً في ذات الله ، وأنتم في رفاهية من العيش فكهون آمنون وادعون (2) ، حتى اختار الله لنبيّه دار أنبيائه ، ظهرت فيكم حسيكة النفاق ، وشمل جلباب الدين ، ونطق كاظم الغاوين ، ونبغ خامل الأفكين ، وهدر فنيق المبطلين ، فخطر في عرصاتكم ، وأطلع الشيطان رأسه صارخاً فيكم ، فدعاكم فألفاكم لدعوته مستجيبين ، ولقربه متلاحقين ، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً ، وأحمشكم فألفاكم غضاباً ، فوسمتم غير إبلكم ، ووردتم غير شربكم ، هذا والعهد قريب ، والكلم رحيب ، والجرح لما يندمل ، إنما زعمتم خوف الفتنة ( أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ ) (3).
    فهيهات! وأنّى بكم وأنّى تؤفكون ، وكتاب الله بين أظهركم ،
    ____________
    1 ـ المائدة : 64.
    2 ـ إلى هنا انتهى خبر أبي العيناء عن عائشة ، ومن بعده رواية عروة عن عائشة.
    3 ـ التوبة : 49.

    زواجره بيّنة ، وشواهده لائحة ، وأوامر واضحة ، أرغبة عنه تريدون ، أم لغيره تحكمون؟! بئس للظالمين بدلا! ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ ).
    ثمّ لم تلبثوا إلاّ ريث أن تسكن نفرتها ، تسرون حسواً في ارتغاء ، ونحن نصبر منكم على مثل حز المدى ، وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا ( أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْم يُوقِنُونَ ) (1)؟
    يا بن أبي قحافة : أترث أباك ولا أرث أبي؟! لقد جئت شيئاً فرياً إدّاً! فدونكها مخطومه مرحولة ، تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، والزعيم محمّد ، والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون »!
    ثم قُمت خطيباً ، فحمدتُ الله وأثنيت عليه وصليت على محمّد وقلت :
    يا خير النساء وابنة خير الآباء ، والله ما عدوت رأي رسول الله ولا عملت إلاّ بإذنه ، وإنّ الرائد لا يكذب أهله ، وإنّي أشهد الله وكفى بالله شهيداً ، إنّي سمعت رسول الله يقول : « نحن معاشر الأنبياء لا نورث » (2).
    ____________
    1 ـ المائدة : 50.
    2 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16 : 252.

    هذا الحديث لم يروه إلاّ أبو بكر ، ولا يحقّ له الاستشهاد به; لأنّه لو كان هذا الحديث صحيحاً لكان عرفه أكثر الصحابة ، وأيضاً الإمام علي عليه‌السلام باب مدينة العلم الذي كان يلازم رسول الله دائماً ، وكتاب الله أيضاً يشهد بأنّ الأنبياء يورثون كما استشهدت سيّدة نساء العالمين عندما قالت لأبي بكر :
    ـ ( وَوَرِثَ سـلَيْمانُ داوُدَ ) (1).
    ـ ( يرِثُنِي وَيـرِثُ مِنْ آلِ يَعْقـوبَ ) (2).
    ـ ( يُوصِـيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيـيْنِ ) (3).
    ثمّ قالت لي : لئن مُت اليوم من كان يرثك؟
    قلت : ولدي وأهلي.
    قالت : فلم ورَثت أنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دون ولده وأهله؟
    فقلت : فما فعلت يا بنت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ).
    قالت : بلى ، إنّك عمدت إلى فدك ، وكانت صافية لرسول الله وآله فأخذتها ، وعمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته عنّا.
    فقلت لها : يا بنت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، لم أفعل (4)!
    ____________
    1 ـ النمل : 16.
    2 ـ مريم : 5 ـ 6.
    3 ـ النساء : 11.
    4 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16 : 232.

    قلت لها : من يشهد بأنّ رسول الله قد أنحلك فدك؟ فجاءت بعليّ وأُمّ أيمن والحسنين وشهدوا لها بذلك.
    فجاء عمر بن الخطّاب وعبد الرحمن بن عوف فشهدوا أنّ رسول الله كان يقسّمها ، فصدّقت كلام عمر وعبد الرحمن بن عوف وصدقت كلامها.
    وقلت لها : كان رسول الله يأخذ من فدك قوتكم ويقسّم الباقي ويحمل منه في سبيل الله ، فما تصنعين بها؟
    قالت : أصنع بها كما صنع بها أبي.
    فقلت : فلك عليّ الله أن أصنع فيها كما صنع فيها أبوك ، فهجرتني فاطمة فلم تكلّمني حتى ماتت (1).
    موت فاطمة عليها‌السلام وهي غاضبة على أبي بكر :
    س 13 ـ هل حاولت إرضاء فاطمة عليها‌السلام بعد ذلك؟
    ج ـ لقد حاولت ، وجاءني عمر ، فقلت له : انطلق بنا إلى فاطمة ، فإنّا قد أغضبناها ، فانطلقنا جميعاً إلى فاطمة ، فلم تأذن لنا ، فأتينا عليّاً فكلّمناه ، فأدخلنا عليها ، فلمّا قعدنا عندها حوّلت وجهها إلى الحائط ، فسلّمنا عليها فلم ترّد السلام.
    ____________
    1 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16 : 216 218.

    ثمّ قالت : « أرأيتكما إن حدّثتكما حديثاً عن رسول الله تعرفانه وتفعلان به »؟
    قلنا : نعم.
    فقلت : « نشدتكم الله ، ألم تسمعا رسول الله يقول رضى فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحبّ فاطمة أبنتي فقد أحبّني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني »؟
    قلنا : نعم ، سمعناه من رسول اللّه ( صلى الله عليه وسلم ).
    قالت : « فإنّي أشهد الله وملائكته أنّكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيت أبي لأشكونكما إليه ، ثمّ قالت : والله لأدعون الله عليكم في كلّ صلاة أُصليها » (1).
    س 14 ـ هذا يعني أنّ فاطمة ماتت وهي ساخطة عليك وعلى عمر؟!
    ج ـ نعم ، حتى إنّها أوصت عليّاً أن يدفنها ليلا ويخفي قبرها (2).
    س 15 ـ هل طالبتك فاطمة عليها‌السلام بشي آخر؟
    ج ـ بعد منعي فاطمة من إرثها من رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأرض فدك
    ____________
    1 ـ الإمامة والسياسة : 31.
    2 ـ صحيح البخاري 5 : 83 ، كتاب المغازي ، باب غزوة خيبر.

    طالبتني فاطمة بسهم ذوي القربى (1) ، قائلة : لقد حرمتنا أهل البيت ، فأعطنا سهم ذوي القربى ، وقرأت آية : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ) (2).
    فقلت لها : سمعت رسول الله يقول : سهم ذي القربى لهم في حال حياتي وليس لهم بعد موتي (3).
    ولكني أعطيت عليّاً وفاطمة دابة رسول الله وحذاءه (4).
    س 16 ـ لا أعرف سبب إعطائكم دابة الرسول وحذائه لعليّ وفاطمة عليهما‌السلام وهي من الإرث مع ما تقول من منع الإرث لهم ، وهذا يؤكّد أنّ ما ذهبتم إليه هو المنع الاقتصادي فقط ، وكان قصدك من هذه القرارات التي اتخذتها أنّك منعت آل البيت من كلّ الموارد التي كانت مخصّصة لهم حال حياة الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله.
    وهكذا حرم أهل البيت عليهم‌السلام من إرث النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن المنح ومن الخمس الوارد في القرآن ، والصدقة محرمة عليهم فمن أين يأكلون بحقّ الله؟
    فقد روى مسلم : إنّ النبيّ كان إذا أُتي بطعام سأل عنه ، فإن كان
    ____________
    1 ـ تاريخ الذهبي 1 : 347.
    2 ـ الأنفال : 41.
    3 ـ مسند ابن راهوية 5 : 27.
    4 ـ شرح نهج البلاغة لابن الحديد 16 : 214 ، بلاغات النساء : 12 ـ 15.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Empty
    مُساهمةموضوع: رد: افادات من ملفات التاريخ محمد سليم   افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Emptyالثلاثاء أكتوبر 22, 2024 4:21 pm

    هدية أكل منها ، وإن كان صدقة لم يأكل منها وردّ الصدقة .. ومرّ النبيّ بتمرة بالطريق فقال : « لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها ».
    وإنّ الحسن بن علي عليه‌السلام أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « كخ كخ ، إرم بها ، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة ».
    وفي رواية : « إنّا لا تحلّ لنا الصدقة » (1).
    ج ـ إنّي أعول من كان رسول الله يعول ، وأنفق على من كان رسول الله ينفق عليه (2) ، فآل محمّد يأكلون ، ليس لهم أن يزيدوا على المأكل! (3)
    س 17 ـ هذا يعني أنّك اتّبعت سياسة تفقير المعارضة لكي لا يلتفت إليهم أحد ولا يفكروا بمعارضتك؟
    ج ـ لقد أحسست بعد فترة بهذا الإجحاف الذي طال آل البيت ، وكان كلّه بسبب الخلافة ، وإنّ غضب فاطمة وسخطها عليّ وقولها إنّها ستدعوا عليّ في كلّ صلاة ، وأدركت أنّي أوّل الضحايا من هذه
    ____________
    1 ـ صحيح مسلم 3 : 117 ، كتاب الزكاة ، باب تحريم الزكاة على رسول اللّه ( صلى الله عليه وسلم ) وعلى آله ، مسند أحمد 1 : 20 ، سنن أبي داود 1 : 373 ، مجمع الزوائد للهيثمي 3 : 89.
    2 ـ سنن الترمذي 3 : 81.
    3 ـ صحيح ابن حبان 11 : 153 ، مسند الشامين للطبراني 4 : 198 ، سنن أبي داود 2 : 23.

    البيعة فخرجت قائلا : « يبيت كلّ واحد منكم معانقاً حليلته مسروراً في أهله ، وتركتموني وما أنا فيه ، أقيلوني بيعتي » (1).
    ولكنّ القوم أمروني بالبقاء ، وتعلّلوا بسبب ظاهري مفاده : خشيتهم من عدم استقامة الأمر ورخاوة العروة ، فاضطررت للبقاء مرغماً.
    حرق الأحاديث ومنع روايتها :
    س 18 ـ لماذا قُمتَ بجمع ما كُتب من الأحاديث الشريفة وقُمتَ بإحراقها ، وأمرتَ الناس ألاّ يحدّثوا عن النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وآله؟
    ج ـ كنت قد جمعت في كتاب خمسمائة حديث ، وبعد وفاة الرسول قمت بإحراقها مخافة أن أكون قد أخذت هذه الأحاديث عن رجل قد ائتمنت ووثقت به ولم يكن كما حدّثني فأكون قد نقلت ذلك (2).
    ثمّ جمعت الناس وقلت : إنّكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها ، والناس بعدكم أشدّ اختلافاً ، فلا تحدّثوا عن رسول الله ، فمن سألكم قولوا : بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلّوا حلاله
    ____________
    1 ـ الإمامة والسياسة : 31.
    2 ـ تذكرة الحفّاظ 1 : 5.

    وحرّموا حرامه (1).
    س 19 ـ هل منعك رواية الحديث كان برأيك ، أم أنّه كان لديك نصّ من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك؟
    ج ـ كان برأيي ولم يكن لدي أي نصّ بذلك ، وإنّما خشيت من اختلاف الناس في رواية الحديث; لأنّهم بدأوا في الاختلاف في بداية عهدي.
    س 20 ـ على ماذا اختلف المسلمون وقد كنتم قريبي عهد برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، هل اختلفوا في عدد ركعات الصلاة أم على صيام شهر رمضان؟
    ج ـ لا ، كان جلّ خلافهم في مسألة الخلافة بعد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ).
    س 21 ـ يتبادر هنا سؤالان؟
    1 ـ إمّا أن تكون الأحاديث التي انتشرت في بداية عهدك تؤكّد النصّ على خلافتك ، أو كما تدّعي ترك الأمر شورى بين الناس. ولو كانت كذلك لما كان هناك داع لمنع رواية أو كتابة هذه الأحاديث؟!!
    2 ـ وإمّا أن تكون في خلاف ما ذهبتم إليه من البيعة ونصر لمخالفيك وفي إبراز فضائلهم وأحقيّتهم في هذا الأمر ، فأحببت صرف الناس عن الخوض في ذلك الأمر وتوجيههم إلى القرآن؟
    ج ـ نعم ، هذا صحيح; لأنّ الناس بعد أن سمعوا بمقالة عليّ وأنّه
    ____________
    1 ـ تذكرة الحفّاظ 1 : 3.

    أحقّ منّي بهذا الأمر ، بدأوا برواية أحاديث تؤيّده ، لذلك أمرت بحرق الأحاديث وعدم كتابتها أو التحدّث بها والاكتفاء بالقرآن (1).
    ____________
    1 ـ إنّ ما يؤكّد هذا الهدف الذي سنّه أبو بكر ومَن جاء بعده ما رواه الزبير بن بكّار ( ت256 ) بسنده عن عبد الرحمن بن يزيد قال :
    قدم علينا سليمان بن عبد الملك حاجّاً سنة ( 82 هـ ) وهو ولي عهد ، فمرّ بالمدينة ، فدخل عليه الناس فسلّموا عليه ، وركب إلى مشاهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله التي صلّى فيها وحيث أصيب أصحابه بأُحد ، ومعه أبان بن عثمان وعمرو بن عثمان وأبو بكر بن عبد اللّه ، فأتوا قباء ومسجد الفضيخ ومشربة أُمّ إبراهيم وأُحد ، وكلّ ذلك يسألهم ، ويخبرونه عمّا كان.
    ثمّ أمر أبان بن عثمان أن يكتب به سيرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومغازيه.
    فقال أبان : هي عندي ، وقد أخذتها مصحّحة ، ممّن أثق فيه.
    فأمر بنسخها ، وألقى إلى عشرة من الكتاب فكتبوها في رق.
    فلمّا صارت إليه نظر فإذا فيها ذكر الأنصار في العقبتين وذكر الأنصار في بدر فقال : ما كنت أرى لهؤلاء القوم هذا الفضل ، فإمّا أن يكون أهل بيتي غمضوا عليهم ، وإمّا أن يكونوا ليس هكذا.
    فقال أبان : أيها الأمير لا يمنعنا ما صنعوا ... أن نقول بالحقّ ، هم ما وصفنا لك في كتابنا هذا.
    قال سليمان : ما حاجتي إلى أن أنسخ ذاك حتى أذكره لأمير المؤمنين لعلّه يخالفه ، فأمر بذلك الكتاب فخرق وقال : أسأل أمير المؤمنين إذا رجعتُ ، فإن يوافقه فما أيسر نسخه.
    فرجع سليمان بن عبد الملك ، فأخبر أباه بالذي كان من قول أبان ، فقال عبد الملك : وما حاجتك أن تقدّم بكتاب ليس لنا فيه فضل؟ تعرّف أهل

    حروب الردّة :
    س 22 ـ بعد أن سكن لك الأمر في المدينة وبايعك الناس ، إمّا رغبة أو رهبة أو طمعاً ، ماذا فعلت بمن عارضك من خارج المدينة من القبائل؟
    ج ـ لقد انتظرت حتى عاد جيش أُسامة بن زيد الذي كنت قد سيّرته كما أمر رسول الله ، وعندما عاد عزمت على مقاتلة المرتدين من القبائل وهم كانوا على فئتين :
    ____________
    الشام أموراً لا نريد أن يعرفوها!
    قال سليمان : فلذلك يا أمير المؤمنين أمرتُ بتخريق ما كنتُ نسخته حتى استطلع رأي أمير المؤمنين.
    فصوّب رأيه.
    راجع الموفقيات للزبير بن بكار : 332 نقلا عن معالم المدرستين للعسكري : 261.
    ذكرتُ ذلك لأقول : إن كان بنو أميّة وبعد أن استتب لهم الأمر لا يتحمّلون ذكر فضل الأنصار ، فكيف يتحملون ذكر فضل أهل البيت وسيدهم أمير المؤمنين؟!
    ويدلّ عليه ما روي : أنّ خالد القسري ـ أحد ولاة بني أُميّة ـ طلب من أحدهم أن يكتب له سيرة النبيّ.
    فقال الكاتب : فإنّه يمرّ بي الشيء من سيرة علي بن أبي طالب أفأذكره؟
    فقال خالد : لا ، إلاّ أن تراه في قعر جهنم ..
    راجع الأغاني : 19 : 59 نقلا عن الصحيح من سيرة النبيّ للعاملي : 358.

    ـ فئة أعلنوا الردّة جهرة عن الإسلام ، وهؤلاء بعضهم ادّعى رؤساؤهم النبوّة.
    أوّلهم ـ مسيلمة الكذّاب وكان على قبيلة بني حنيفة شرقي جزيرة العرب ، وهذا ادّعى النبوّة قبل وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.
    وثانيهم ـ الأسود العنسي بصنعاء كلاهما ادّعى النبوّة إمّا قبيل حجّة الوداع أو بعدها في مرض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي مات فيه.
    ثالثهم ـ طليحة بن خويلد الأسدي ، الذي ادّعى النبوّة أيضاً في بلاد بني أسد في مرض الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.
    رابعهم ـ ادّعت النبوّة سجاح بنت الحارث التميمية بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.
    ـ وفئة من قبائل العرب المسلمين امتنعوا عن أداء الزكاة. فبعضهم حبسها ، وبعضهم توّقف يترقّب ما يصير إليه أمر الخلافة ، وبعضهم قال : نأخذها من أغنيائنا ونعطيها فقراءنا ، وإعلاني الحرب على هذه القبائل المرتدة كان فيه أهم داع إلى توحيد الكلمة في المدينة ، حتّى إنّ علي بن أبي طالب أنهى عزلته ودعاني إلى بيته للبيعة.
    وقد قال في ذلك : « فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام ، يدعون إلى محق دين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله ، أن أرى فيه ثلمة أو هدماً تكون المصيبة به

    عليَّ أعظم من فوت ولايتكم التي إنّما هي متاع أيام قلائل » (1).
    س 23 ـ لا خلاف في ضرورة الحروب التي قمت فيها ضدّ القبائل التي جهرت في ردّتها عن الإسلام ، لكن السؤال عن القبائل التي أمسكت الزكاة فهؤلاء لم يرتدّوا عن الدين ، بل منعوا الزكاة ، لذلك نريد أن نسمع منك عن حالهم ، وما كانت حجّتهم لمنع الزكاة؟
    ج ـ هؤلاء كانت حجّتهم أنّهم كانوا يدفعون الزكاة لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حال حياته ، وأمّا بعد موته فإنّهم لن يدفعوها لي ، بل سيأخذونها من أغنيائهم ويردّونها على فقرائهم.
    س 24 ـ لم تقل كلّ أعذارهم ، لذلك سأعرض عليك حججهم!
    فهذا الحارث بن سراق ، أحد شيوخ كندة في حضرموت يقول :
    نحن إنّما أطعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كان حيّاً ، ولو قام رجل من أهل بيته لأطعناه ، وأمّا ابن أبي قحافة فلا ، والله ما له في رقابنا طاعة ولا بيعة!
    ثم قال :
    أطعنا رسولَ اللهِ إذ كانَ بيننا فيا عَجَباً ممّن يطيع أبا بكر (2)
    والأشعث بن قيس ، زعيم كندة كان يقول لقومه :
    إن كنتم على ما أرى فلتكن كلمتكم واحدة ، إلزموا بلادكم ،
    ____________
    1 ـ نهج البلاغة 3 : 119 ، من كتاب له عليه‌السلام.
    2 ـ الفتوح لابن أعثم 1 : 47.

    وحوطوا حريمكم ، وامنعوا زكاة أموالكم ، فإنّي أعلم أنّ العرب لا تقرّ بطاعة بني تيم بن مرة ، وتدع سادات البطحاء من بني هاشم (1).
    وبنو ذهل ، من كنده ، سار إليهم زياد بن لبيد أمير حضر موت ، يدعوهم إلى السمع والطاعة ، فقالوا له : وإنّك لتدعوا إلى طاعة رجل لم يعهد إلينا ولا إليكم فيه عهد!
    قال زياد : صدقتم ، فإنّه لم يُعهد إلينا ولا إليكم فيه عهد ، ولكنّا اخترناه لهذا الأمر.
    فقالوا له : أخبرنا لم نحيتم عنها أهل بيته وهم أحقّ الناس بها والله تعالى يقول : ( وَأُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْض فِي كِتابِ اللّهِ ) (2)؟
    فقال زياد لمتكلّمهم : إنّ المهاجرين والأنصار أنظر لأنفسهم منك.
    فقال له الحارث بن معاوية الذهلي الكندي : لا والله ، ما أزلتموها عن أهلها إلاّ حسداً منكم لهم! وما يستقرّ في قلبي أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج من الدنيا ولم ينصب للناس علماً يتبعونه!! فارحل عنا أيّها الرجل فإنّك تدعوا إلى غير رضى.
    فوثب آخر من القوم فقال : صدق والله الحارث ، أخرجوا هذا الرجل عنكم ، فما صاحبه بأهل للخلافة ، ولا يستحقّها بوجه من
    ____________
    1 ـ الفتوح لابن أعثم 1 : 48.
    2 ـ الأنفال : 75.

    الوجوه ، وما المهاجرون والأنصار بأنظر لهذه الأُمّة من نبيّها محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله!! (1)
    مالك بن نويرة : وكان النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قد استعمل مالكاً على صدقات قومه ، فلمّا بلغه وفاة النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فرّق الصدقات على فقراء قومه ، ولم يبعث بها إليك ، وقال :
    فقلت خذوا أموالكم غـير خـائف
    ولا نظر فيما يجيء من الغدِ

    فإن قام بالدين المحقوق قائمٌ أطعنا
    وقـلـنـا الـدين دينُ محمّدِ

    وقد أمر مالك رجال قبيلته بعدم التحزب وعدم رفع السلاح ، وعندما دخل عليهم خالد بن الوليد بجيشه وخيله فدهشوا لذلك وقالوا لهم : من أنتم؟
    فأجابهم خالد نحن مسلمون.
    فقال مالك وأصحابه : ونحن مسلمون!
    فقال لهم خالد : فضعوا أسلحتكم ، وأذّن أصحاب خالد وأذّن أصحاب مالك وصلّى القوم صلاة واحدة.
    بعد ذلك ماذا حصل؟
    ساقهم أصحاب خالد أسارى ووضعوا القيود في أيديهم ، فأمر
    ____________
    1 ـ الفتوح لابن أعثم 1 : 49.

    خالد أن يُقتل رجالهم صبراً أمام مالك! فصاحوا : إنّا مسلمون فعلى ماذا تأمر بقتلنا؟!
    قال : والله لأقتلنكم!! فضربت أعناقهم صبراً واحداً بعد واحد ، ثمّ جاء الدور لمالك ، فلم يشفع له عند خالد احتجاجه بإسلامه وصلاته ، ولا شفع له شهادة أبي قتادة الأنصاري بإسلامه ، الذي كان على الخيل التي حصرتهم.
    وبعد أن أكثر فيهم القتل وسبى نساءهم ، دخل على زوجة مالك ابن نويرة من ليلته ، فعندها أقبل أبو قتادة بالنبأ إليك يا خليفة ، وكان قد عاهد الله ألاّ يشهد مع خالد حرباً بعد هذه! وتكلّم عمر عندك يا أبا بكر في خالد رجاء أن تقيم عليه حدّ الله ، لقتله هؤلاء المسلمين ، ودخوله بزوجة المقتول من ليلتها.
    وقال عمر : عدو الله ، عدا على امرئ مسلم ، فقتله ونزا على امرأته!
    لكنّك قلت له : هيه يا عمر! تأوّل فأخطأ ، فارفع لسانك عن خالد.
    ولذلك وديت قوم مالك ورددت سباياهم (1).
    ____________
    1 ـ تاريخ الطبري 2 : 504 ، أُسد الغابة لابن الأثير : 95 ، والاصابة لابن حجر 5 : 560 ، سير أعلام النبلاء 1 : 337 ، تاريخ الإسلام للذهبي 3 : 32 ، فوات الوفيات للكتبي 2 : 242 ، البداية والنهاية لابن كثير 6 : 355 ، الإكمال في أسماء الرجال للتبريزي : 56.

    ـ وهل هذا يكفي؟ ألم تسمع قول الله تعالى : ( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى اِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا ) (1).
    وقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لخالد عندما قتل أحد المشركين بعد أن أطلق الشهادتين : « اللهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا صنع خالد » (2).
    س 25 ـ هل أنت نادم على شيء بعد كلّ الذي حصل؟
    ج ـ أجل والله ، ما آسى إلاّ على ثلاث فعلتهن ليتني كنت تركتهن :
    ـ ليتني تركت بيت علي ، وليتني لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وإن كانوا قد أعلنوا علي الحرب.
    ـ وليتني يوم سقيفة بني ساعدة كنت ضربت على يد أحد الرجلين أبي عبيدة أو عمر فكان هو الأمير وكنت أنا الوزير.
    ـ وليتني حين أُتيت بالفجاءة السلمي أسيراً أنّي قتلته ذبيحاً أو أطلقته نجيحاً ولم أكن أحرقته بالنار (3).
    ____________
    1 ـ النساء : 94.
    2 ـ صحيح البخاري 7 : 154 ، كتاب الدعوات ، باب رفع الأيدي في الدعاء ، سنن النسائي 8 : 237 ، مسند أحمد 2 : 151.
    3 ـ مجمع الزوائد للهيثمي 5 : 203 ، الاكمال في أسماء الرجال للتبريزي : 21.
    وقال : « والخبر صحيح ، وقال الطرابلسي في فضائل الصحابة : إنّه حديث حسن. كذا في منتخب كنز العمال ( 2 / 172 ) » ، تاريخ الطبري 2 : 619 ، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 30 : 420 ، كنز العمال للهندي 5 : 632 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6 : 51.

    وأنا أقول لك : ليتك يا أبا بكر لم تظلم الزهراء عليها‌السلام ولم تؤذها ولم تغضبها ، فقد أغضبت بضعة المصطفى ، والله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها ، فمن آذاها فقد آذى أباها بنصّ الحديث ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني » (1).
    وقال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (2).
    وليتك تركت صاحبيك وعضديك أبا عبيدة وعمر وبايعت علياً عليه‌السلام الذي استخلفه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد باركت له بإمرة المسلمين بغدير خم بقولك وصاحبك عمر : بخِ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولانا ومولى كلّ مسلم ومسلمة (3).
    وليتك لم تحرق السنة النبوية الشريفة قبل أن تحرق الفجاءة السلمي حتى لا تجتهد بالرأي مقابل النصوص.
    ____________
    1 ـ مسند أحمد 4 : 5 بلفظ « فاطمة بضعة منِّي يؤذيني ما آذاها ، وينصبني ما أنصبها » ، صحيح البخاري 4 : 210 ، كتاب المناقب ، باب مناقب المهاجرين باللفظ المذكور ، صحيح مسلم 7 : 141 ، كتاب المناقب ، باب مناقب فاطمة ، سنن ابن ماجه 1 : 644 ، سنن أبي داود 1 : 460 ، سنن الترمذي 5 : 359 ، وغيرها من المصادر الأخرى الكثيرة.
    2 ـ التوبة : 61.
    3 ـ هذه المقولة لعمر بن الخطّاب كما في مسند أحمد 4 : 281 ، المصنّف لابن أبي شيبة الكوفي 7 : 503 ، نظم درر السمطين للحنفي : 109.

    عهد أبي بكر باستخلاف عمر :
    س 26 ـ ماذا حصل عند مرض موتك ولمن أوصيت بالخلافة؟
    ج ـ عندما أحسست بدنوّ أجلي دعوت عثمان بن عفان وقلت له : اكتب عهدي ، فكتب عثمان وأمليت عليه :
    « بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة آخر عهد في الدنيا نازحاً عنها ، وأوّل عهده بالآخرة داخلا فيها ، إنّي أستخلف عليكم عمر بن الخطاب ، فإن تروه عدلا فيكم ، فذلك ظنّي به ورجائي فيه. وإن بدلّ وغيّر فالخير أردت ، ولا أعلم الغيب ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون » (1).
    س 27 ـ ولكن يقولون : إنّك عندما بدأت إملاء الكتاب أُغمي عليك ، وإنّ عثمان هو الذي كتب اسم عمر فيه.
    ج ـ نعم ، فعندما وصلت إلى قولي : إنّي أستخلف عليكم ، أُغمي عليَّ ، فكتب عثمان ـ عمر بن الخطاب ، وعندما أفقت قلت له اقرأ : وذكر اسم عمر.
    فقلت : أنى لك هذا؟
    قال : ما كنت لتعدوه.
    ____________
    1 ـ الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1 : 37 ، الطبقات الكبرى لابن سعد 3 : 200 ، الثقات لابن حبان 2 : 192 ، تاريخ الطبري 2 : 618.

    فقلت له : أصبت (1).
    س 28 ـ عندما دفعت الكتاب وعلم الصحابة بهذا ، هل وافقوا عليه ، أم تحفّظوا أم عارضوا؟
    ج ـ بعدما فرغت من كتابة الكتاب دخل علىّ قوم من الصحابة منهم طلحة فقال : ما أنت قائل لرِّبك غداً وقد ولّيت علينا فظّاً غليظاً ، تفرق منه النفوس ، وتنفض عنه القلوب.
    فقلت : أسندوني ـ وقد كنت مستلقياً ـ فأسندوني.
    فقلت لطلحة : أبالله تخوّفني؟! إذا قال لي ذلك غداً قلت له : ولّيت عليهم خير أهلك (2).
    س 29 ـ هذا يعني أنّ الصحابة لم يكونوا راضين عن استخلاف عمر وقد فرضته عليهم فرضاً بدون استشارتهم ، والنتيجة هي التي تنبّأ بها الإمام علي عليه‌السلام عندما قال لعمر : « احلب حلباً لك شطره ، واشدد له اليوم أمره يردده عليك غداً » (3).
    وهذا بالضبط ما قاله أحد الصحابة لعمر بن الخطّاب عندما خرج
    ____________
    1 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 : 163 ، كنز العمال للمتقي الهندي 5 : 676 ، الطبقات الكبرى لابن سعد 3 : 300 ، الثقات لابن حبان 2 : 192 وغيرها من المصادر.
    2 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 : 164.
    3 ـ الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1 : 29.

    بالكتاب الذي فيه عهد الخلافة ، فقال له : ما في الكتاب يا أبا حفص؟
    قال : لا أدري ، ولكنّي أوّل من سمع وأطاع.
    فقال الرجل : لكنّي والله أدري ما فيه ، أمرّته عام أوّل ، وأمّرك العام (1).
    فما قولك في ذلك؟
    ج ـ لو شاء عمر بن الخطاب لكان الخليفة الأوّل ، فقد قلت له يوم السقيفة : أبسط يدك أُبايعك ، ولكن هو قدّمني ، وقد حفظت له هذه ، ثمّ هو الذي ركز البيعة فينا ، أي المهاجرين في السقيفة ، وهو صاحب المقالة : إنّه لا ترضى العرب أن تؤمّركم ونبيها من غيركم ، ولكنّ العرب لا ينبغي أن تولي هذا الأمر إلاّ من كانت النبوّة فيهم ، من ينازعنا سلطان محمّد ونحن أهله وعشيرته إلاّ مدل بباطل ، أو متجانف لإثم ، أو متورّط في هلكه (2).
    وهو الذي أخذ عصابة وذهب إلى بيت عليّ وأخرج الممتنعين عن البيعة من بني هاشم والزبير.
    وهو الذي أمر بإحراق بيت فاطمة وعليّ إن لم يخرجوا للبيعة.
    وهو الذي طالب المجتمعين في المسجد لمبايعتي بقوله : مالي
    ____________
    1 ـ الإمامة والسياسة 1 : 38.
    2 ـ تاريخ الطبري 2 : 457 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6 : 9 ، الإمامة والسياسة 1 : 25.

    أراكم حلقاً شتى ، قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعته وبايعه الأنصار.
    وهو الذي أصدر أمراً بقتل سعد بن عبادة في السقيفة.
    وهو الذي هدّد عليّ بن أبي طالب بضرب العنق إن لم يبايع.
    وهو الذي ضمّ أبا سفيان إلينا بأن نصحني بترك ما بيده من الصدقات ، ثمّ ولّى ابنيه يزيد ومعاوية على الجيش.
    باختصار : إنّ عمر كان الرجل الثاني في الدولة في خلافتي ، وقد كنت أسمع رأيه وآخذ به.
    وقد كان أكثر من ذلك ، فقد كان يحلّ ويبرم في خلافتي وكأنّه الأمير ، فقد كتبت لعيينه بن حصن والأقرع بن حابس كتاباً ، فأخذاه إلى عمر ليشهد ، فما أن شاهد عمر الكتاب لم يعجبه ، فتفل فيه فوراً ومحاه ، فرجعا إليَّ وقالا لي : والله لا ندري أأنت الأمير أم عمر؟
    فقلت لهم : بل هو لو شاء كان.
    فجاء عمر إليَّ وقرّعني بشدّة على هذا الكتاب.
    فقلت له : فلقد قلت لك : إنّك أقوى منّي على هذا الأمر لكنّك غلبتني (1).
    ____________
    1 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12 : 59 ، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 9 : 196 ، الإصابة لابن حجر 4 : 640.

    حوار مع عمر بن الخطاب ( الخليفة الثاني )
    رزيّة الخميس.
    منع إعلان وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    أحداث السقيفة.
    الخليفة الأوّل صورة.
    كراهيّة جمع النبوّة والخلافة لبني هاشم.
    منع رواية الحديث.
    حجر الأساس لبني أُميّة.
    شورى عمر.


    حوار مع عمر بن الخطّاب ( الخليفة الثاني )
    س 1 ـ هل يمكننا أن نتعرّف عليك؟
    ج ـ اسمي عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رازح بن عدي بن كعب بن لؤي ، وكنيتي ( أبو حفص ).
    وأمي : حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وأوّل من كنّاني بالفاروق هم أهل الكتاب! (1)
    أسلمت بعد خمسة وأربعين رجلاً وإحدى وعشرين امرأة ، أي بعد ستّة وستّين شخصاً! (2)
    واشتركت في كلّ غزوات الرسول.
    س 2 ـ ولكن يقال : إنّك لم تثبت في معركة ، ولم تبارز أحداً من المشركين ، ولم تقتل أو تجرح أحداً ، فقد ثبت أنّك هربت مع عثمان
    ____________
    1 ـ تاريخ الطبري 3 : 267 ، تاريخ المدينة لابن شبية 2 : 654 ، الطبقات الكبرى لابن سعد 3 : 190.
    2 ـ تاريخ الطبري 3 : 270 ، تاريخ المدينة لابن شيبة 2 : 660 ، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 44 : 40.

    يوم أحد (1).
    وانهزمت يوم حنين (2).
    وأيضاً يوم خيبر (3).
    ولم يُذكر عنك يوم الخندق شيء ما.
    فأين أنت ممّا يدّعيه البعض من أنّ الله قد أعزّ بك الإسلام؟
    ج ـ لأنّني ليس لي من يحميني ، فقبيلتي بنو عدي قبيلة ضعيفة ، لذلك لم أقتل أحداً أو أبارز في أيّ معركة حتى لا يكون عليّ دم لأي عشيرة ، ولئلا يعاديني أحد من قريش.
    رزيّة الخميس :
    س 3 ـ لقد منعتَ رسول الله من كتابة كتاب يحفظ فيه المسلمين من الضلالة ، فلماذا فعلت ذلك؟ وسنذكر الحادثة كما جاءت في كتب الحديث والسير.
    قال ابن عباس : « يوم الخميس ، وما يوم الخميس ، ثمّ بكى حتى
    ____________
    1 ـ كنز العمال للمتقي الهندي 2 : 376 ، جامع البيان لابن جرير 4 : 193 ، الدر المنثور للسيوطي 2 : 88 ، الاكمال في أسماء الرجال للتبريزي : 122.
    2 ـ صحيح البخاري 5 : 99 ، كتاب التفسير ، باب قوله تعالى : ( ويوم حنين .. ).
    3 ـ المستدرك للحاكم 3 : 38 وقال : « هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه » ، مجمع الزوائد للهيثمي 9 : 124 ، المصنّف لابن أبي شيبة 8 : 521 ، كنز العمال للمتقي الهندي 10 : 463.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Empty
    مُساهمةموضوع: رد: افادات من ملفات التاريخ محمد سليم   افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Emptyالثلاثاء أكتوبر 22, 2024 4:23 pm

    بل دمعه الحصى.
    فقلت : يا بن عباس ، وما يوم الخميس؟
    قال : اشتدّ برسول الله وجعه ، فقال : « ائتوني أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعدي » فتنازعوا وما ينبغي عند نبيّ تنازع ، وقالوا : ما شأنه أهجر؟ استفهموه!
    قال : « دعوني فالذي أنا فيه خير » (1).
    وفي رواية البخاري : فقال عمر : إنّ رسول الله قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله.
    فقال رسول الله : « قوموا ... ».
    فكان ابن عباس يقول : إنّ الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم هذا الكتاب من اختلافهم ولغطهم » (2).
    وفي مسند أحمد ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : إنّ النبيّ دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتاباً لا يضلّون بعده ، فخالف عمر ابن الخطاب حتى رفضها (3) حتى قال رسول الله : « قوموا عنّي
    ____________
    1 ـ صحيح البخاري 4 : 31 ، كتاب الجهاد ، باب هل يستشفع إلى أهل الذمّة ، صحيح مسلم 5 : 275 ، كتاب الوصية ، باب ترك الوصية ، مسند أحمد 1 : 222.
    2 ـ صحيح البخاري 7 : 19 ، كتاب المرضى ، باب قول المريض قوموا ، صحيح مسلم 5 : 76 ، كتاب النذر ، باب الأمر بقضاء النذر ، مسند أحمد 1 : 325 ، صحيح ابن حبان 14 : 562.
    3 ـ مسند أحمد 3 : 346 ، مجمع الزوائد 9 : 33.

    والذي أنا فيه خيرٌ مما تدعوني ، اخرجوا ».
    فما الذي حملك على منع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من كتابة الكتاب؟
    ج ـ عند عودتنا من حجّة الوداع عرفنا أنّ أجل رسول الله قد دنا ، فقد استوقفنا رسول الله بعدما صدر من حجّته في مكان يدعى غدير خُم فنادى الصلاة جامعة ، فاجتمعنا المهاجرون والأنصار ، وقام رسول الله وسطنا فقال : « كأنّي قد دُعيت فأجبت ، وإنّي قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله تعالى ، وعترتي أهل بيتي. فانظروا كيف تخلّفوني فيهما ، فقد أنبأني العلي القدير بأنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض وإنّي سأسألكم عنهما ».
    ثمّ ضرب بيده إلى عضد عليّ فأقامه فنزع عضده فأخذ بذراعه فقال : « أتعلمون إنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم »؟
    قالوا : نعم ، يا رسول الله.
    فقال رسول الله : « فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وأحبّ من أحبّه وأبغض من أبغضه ، وانصر من نصره واخذل من خذله ، وأدر الحقّ معه حيث دار ».
    فلقيته بعد ذلك فقلت له : هنيئاً لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة (1).
    ____________
    1 ـ مصادر هذا الحديث كثيرة جداً وبألفاظ مختلفة ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :

    ____________
    1 ـ مسند أحمد بن حنبل 4 : 281.
    2 ـ سنن الترمذي 5 : 633 ح297.
    3 ـ سنن ابن ماجة 1 : 43 ـ 45.
    4 ـ المستدرك للحاكم النيسابوري 3 : 109 و 110 و 116 و 371.
    5 ـ مجمع الزوائد للهيثمي 9 : 104 ـ 106.
    6 ـ ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق لابن عساكر 2 : 13 و 45 و 47.
    7 ـ فتح الباري لابن حجر 7 : 61 وقال : « حديث من كنت مولاه فعلي مولاه ، فقد أخرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جداً وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد ، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان ».
    8 ـ البداية والنهاية لابن كثير 5 : 228.
    9 ـ تاريخ الإسلام للذهبي 3 : 629.
    10 ـ خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ح50 و 64 و 94 و 95 و 96 و 100.
    11 ـ المصنّف لابن أبي شيبة 7 : 495 و 496 و 499 و 503 و 506.
    12 ـ المصنّف للصنعاني 11 : 225.
    13 ـ كتاب السنّة لابن أبي عاصم : 552 و 590 و 591 و 592 و 596.
    14 ـ البداية والنهاية لابن كثير 5 : 228 و 229 و 7 : 370 و 374 و 376 و 380 و 383.
    15 ـ السنن الكبرى للنسائي 5 : 45 و 108 و 130 و 131 و 132 و 134.
    16 ـ مسند أبي يعلى 1 : 429 و 11 : 307.

    وقبل أن يقف رسول الله هذا الموقف نزلت الآية 67 من سورة المائدة :
    آية التبليغ :
    ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ
    ____________
    17 ـ صحيح ابن حبان 5 : 376.
    18 ـ المعجم الأوسط للطبراني 1 : 112 و 2 : 24 و 6 : 218 و 7 : 70 و 8 : 213.
    19 ـ المعجم الصغير للطبراني 1 : 65 و 71.
    20 ـ موارد الضمآن للهيثمي 7 : 136 و 138.
    21 ـ الاستذكار لابن عبد البرّ 8 : 239.
    22 ـ الجامع الصغير للسيوطي 2 : 177 و 642.
    23 ـ كنز العمال للمتقي الهندي 1 : 187 و 11 : 337 و 603 و 608 و 609 و 610 و 13 : 105 و 131 و 134 و 136 و 137 و 154 و 157 و 158 و 163 و 169 و 170.
    24 ـ كشف الخفاء للعجلوني 2 : 274 وقال : « .. الحديث متواتر ومشهور ».
    25 ـ أسد الغابة لابن الأثير 1 : 367 ، 3 : 92 ، 4 : 28 ، 5 : 205.
    وللحصول على مصادر هذا الحديث الأُخرى راجع الغدير للعلامة الأميني 1 : 152.

    الْكـافِرِينَ ... ) (1) (2).
    ____________
    1 ـ المائدة : 67.
    2 ـ تنبيه : أكّدت الكثير من المصادر على نزول هذه الآية على رسول الله حينما كان في طريق العودة من حجّة الوداع في مكان ( غدير خمّ ) وأنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب ، ومن هذه المصادر :
    1 ـ السيوطي في الدر المنثور 2 : 298 عن أبي سعيد الخدري قال : « نزلت هذه الآية ( يا أيُّها الرَّسُولُ ... ) على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خمّ في علي ابن أبي طالب عليه‌السلام ».
    2 ـ الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل 1 : 251 بإسناده عن ابن عباس في قوله تعالى الآية : ...
    قال : « نزلت في علي ، أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبلّغ فيه ، فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيد علي عليه‌السلام فقال من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ والِ من والاه وعاد من عاداه ».
    3 ـ الواحدي في أسباب النزول : 135 : بالإسناد عن أبي سعيد الخدري قال : « نزلت هذه الآية ... يوم غدير خمّ في علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) ».
    4 ـ الفخر الرازي في التفسير الكبير 12 : 49 ـ 50 قال في سياق تعداد الوجوه الواردة في سبب نزول هذه الآية :
    « العاشر : نزلت الآية في فضل علي بن أبي طالب عليه‌السلام ولمّا نزلت هذه الآية أخذ بيده وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ».
    فلقيه عمر فقال : هنيئاً لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة ، وهو قول ابن عباس والبرّاء بن عازب ومحمّد بن علي ».

    ولم يكد ينتهي من خطبته حتى نزلت هذه الآية من سورة المائدة :
    آية إكمال الدين :
    ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ) (1).
    ____________
    5 ـ فتح القدير للشوكاني 2 : 60 قال : « أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : كنّا نقرأ على عهد رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا أيّها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك أن عليّاً مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته ».
    (1) توضيح : أشارت الكثير من مصادر التفسير والتاريخ إلى نزول هذه الآية بعد الانتهاء من الخطبة في غدير خم ومن هذه المصادر :
    1 ـ السيوطي في الدر المنثور 2 : 259 ذكر عن ابن مردويه وابن عساكر ، كلاهما عن أبي سعيد الخدري قال : « لما نصب رسول الله عليّاً يوم غدير خم فنادى له بالولاية هبط [ جبرئيل ] بهذه الآية .. ».
    وذكر عن ابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن أبي هريرة قال : « لما كان يوم غدير خم وهو يوم ثمانية عشر من ذي الحجّة قال النبيّ : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) ، فأنزل الله هذه الآية ».
    2 ـ الحمويني في فرائد السمطين : 1 : 74 ح40 روى بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال : « إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لما دعا الناس إلى علي عليه‌السلام في غدير خم وأمر بما تحت الشجرة من الشوك فقمّ ، [ قُمَّ : أي أزيل ] وذلك يوم الخميس ،

    وهنا وعند نزول هذه الآية وما قال رسول الله تأكدتُّ أنّ هذا الأمر أصبح لعليّ بن أبي طالب ، ولكنّي كنت أعلم أنّ قريش لن ترضى به; لأنّه قتل ساداتها في حروب الرسول ، وأيضاً فقريش لن ترضى أن تجتمع النبوّة والخلافة في بني هاشم ، وهذا ما صرّحت به
    ____________
    فدعا علياً فأخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله ، ثمّ لم يتفرّقوا حتى نزلت هذه الآية ( اليوم أكملت .. ) فقال رسول الله : « الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الربّ برسالتي والولاية لعليّ من بعدي ».
    3 ـ ابن عساكر في ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام من تاريخ دمشق : 42 : 233 روى بإسناده عن أبي هريرة قال : « من صام ثمانية عشر من ذي الحجّة كتب له صيام ستين شهراً ، وهو يوم غدير خمّ لمّا أخذ النبيّ بيد علي فقال : ألست ولي المؤمنين؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فقال عمر بن الخطاب : بخ بخ يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم ، فأنزل الله الآية ».
    4 ـ الحاكم الحسكاني الحنفي أيضاً في شواهد التنزيل 1 : 201 ح 211 روى بإسناده عن أبي سعيد الخدري ، قال : « إن رسول الله لما نزلت هذه الآية قال : ( الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الربّ برسالتي وولاية علي اللهمّ والي من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ».
    5 ـ تاريخ بغداد 8 : 284 ، وذكر نحو ما تقدّم.
    6 ـ البداية والنهاية لابن كثير 7 : 386.

    عندما أصبحت الخليفة واستتب لي الأمر فقد قلت لابن عباس : يا بن عباس ، أتدري ما منع قومكم منكم بعد محمّد؟
    قال ابن عباس : فكرهت أن أُجيبه ، فقلت : إن لم أكن أدري ، فإنّ أمير المؤمنين يدري.
    فقلت : كرهوا أن يجمعوا لكم النبوّة والخلافة فتجحّفوا على قومكم بجحاً بجحاً ، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفّقت.
    فقال ابن عباس : يا أمير المؤمنين ، إن تأذن لي في الكلام وتحطّ عنّي الغضب تكلّمت.
    فقلت له : تكلّم.
    قال ابن عباس : أمّا قولك يا أمير المؤمنين : ( اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفّقت ) ، فلو أنّ قريشاً اختارت من حيث اختار لها الله لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود ، وأمّا قولك : ( إنّهم أبو أن تكون لنا النبوّة والخلافة ) فإنّ الله عزّ وجلّ وصف قوماً بالكراهيّة فقال : ( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالـهُمْ ) (1).
    فقلت له : هيهات يا بن عباس ، قد كانت تبلغني عنك أشياء أكره أن أقرّك عليها فتزيل منزلتك منّي.
    ____________
    1 ـ محمّد : 9.

    فقال ابن عباس : يا أمير المؤمنين ، فإن كانت حقّاً فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك ، وإن كانت باطلاً فمثلي أماط الباطل عن نفسه.
    فقلت له : بلغني أنّك تقول : صرفوها عنا حسداً وبغياً وظلماً.
    قال ابن عباس : أمّا قولك يا أمير المؤمنين : ( ظلماً ) فقد تبين للجاهل والحليم ، وأمّا قولك : ( حسداً ) فأنّ آدم حُسد ونحن ولده المحسودون.
    فقلت ( عمر ) : هيهات هيهات ، أبت والله قلوبكم يا بني هاشم إلاّ حسداً لا يزول.
    فقال ابن عباس : يا أمير المؤمنين مهلاً ، لا تصف بهذا قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً بالحسد والغش ، فإنّ قلب رسول اللّه من قلوب بني هاشم.
    فقلت له : إليك عني يا بن عباس (1).
    ومنذ عاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من حجّة الوداع فقد كان يحاول أن يثبت هذا الأمر لعليّ لعلمه من أنّ قومه لن يرضوا به بعد وفاته ، لذلك حاول إبعاد كلّ كبار الصحابة وذلك بتجهيز جيش جعل جل الصحابة فيه ، وقد جنّدني فيه مع أبي بكر وأبي عبيدة وعثمان ، وأمّر علينا أُسامة بن زيد ، وهو شاب لم يتجاوز السابعة عشر من العمر ، وقد
    ____________
    1 ـ تاريخ الطبري 3 : 289 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 : 189.

    عرفت مقصد الرسول من هذا الأمر ، لذلك حاولت تعطيل خروج الجيش بعدّة وسائل :
    أولها :
    طعني بأُسامة بن زيد لصغر سنه ونحن كبار الصحابة مجنّدون في جيشه ، وقد راقت هذه الفكرة للكثيرين ، لذلك تأخّر البعث ، وقد بلغ رسول الله ذلك ، فخرج معصّب الرأس محموماً يتهادى بين رجلين ورجلاه تخطّان الأرض من شدّة ما به من لغوب ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :
    « أيّها الناس ، ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أُسامة ، ولئن طعنتم في تأميري أُسامة فقد طعنتم في تأميري أباه من قبله ، وأيم والله إنّه خليقاً بالإمارة ، وإنّ ابنه من بعده لخليق بها » (1).
    « لعن الله من تخلّف عن جيش أسامة بن زيد » (2).
    ومع ذلك تشدّدنا في الأمر ، ولم ينفذ البعث ريثما نرى ما تنجلي عنه الأُمور.
    ____________
    1 ـ ورد بألفاظ مختلفة في مسند أحمد 2 : 20 ، صحيح البخاري 5 : 84 ، كتاب المغازي ، باب عمرة القضاء ، صحيح ابن حبان 15 : 535 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 : 159.
    2 ـ الملل والنحل للشهرستاني 2 : 173 ، شرح المواقف للجرجاني : 619 نقلا عن جواهر المطالب في مناقب الإمام علي 2 : 173.

    س 4 ـ كيف علمت بأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يريد أن يصرح باسم علي عليه‌السلام في كتابة الوصيّة ، وماذا فعلت؟
    ج ـ قلت لك : إنّنا أخّرنا بعث جيش أسامة ، وفي هذا الوقت كنّا لا نغادر المسجد ودار الرسول ، لذلك عندما طلب رسول الله أن يكتب الكتاب بقوله : « هلمّ أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً ».
    فقد تبادر إلى ذهني ما حصل في غدير خمّ ، فعلمت أنّه يريد أن يصرّح باسم عليّ بكتاب ، فإنّه قال في خطبته : « تركت فيكم ما إن تمسّكت بهما لن تضلّوا أبداً : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي » ، وقال : « فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه ».
    وهنا يقول : « اكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً ».
    إذاً الأمر واضح لذلك ودون أي تمهل قلت : إنّ رسول الله يهجر. أو إنّ رسول الله غلب عليه الوجع ، وقد صرّحت بذلك في كلام لي مع عبد الله ابن عباس في زمن خلافتي.
    فقد سألت يوماً عبد الله ابن عباس ونحن نتحدث ، فقلت له : يا عبد اللّه ، عليك دماء البدن إن كتمتها ، هل بقي في نفس عليّ شيء من أمر الخلافة؟
    قال ابن عباس : نعم.
    قلت له : أيزعم أنّ رسول الله نصّ عليه؟
    قال : نعم ، وأزيدك : إنّي سألت أبي عمّا يدّعيه فقال : صدق.

    فقلت له : لقد كان في رسول الله من أمره ذروٌ من قول ( طرف من قول ) لا يثبت حجّة ولا يقطع عذراً ، ولقد كان يربع في أمره وقتاً ما ، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه فمنعته من ذلك اشفاقاً وحيطة على الإسلام! وربّ هذه البنية ( يعني الكعبة ) لا تجتمع عليه قريش أبداً! فعلم رسول الله أنّي علمت ما في نفسه فأمسك (1).
    س 5 ـ هل قلت وحدَك : إنّ رسول الله يهجر ( معاذ الله )؟
    ج ـ عندما قلت : إنّ رسول الله يهجر ، انقسم الناس فقوم يقولون : قرّبوا لرسول الله يكتب لكم ، وقوم يقولون ما قلت ، وعندما كثر اللغط قال رسول الله : قوموا عنّي ، فقد علم رسول الله أنّه لم يعد هناك داع من كتابة الكتاب لما سوف يوجب الطعن في مقام النبوّة.
    وخرجنا من عند رسول الله بعدما قال قوموا عني ، وكان هذا آخر عهدي برسول الله.
    س 6 ـ هذا يعني أنّ رسول الله مات وهو غاضب منك وممّن كان معك ، ووقف موقفك في ذلك اليوم؟
    ج ـ هذا صحيح ، ولكن كان قصدي هو فقط عدم التصريح لعليّ بالخلافة مخافة أن ينقسم المسلمون; لأنّ قريشاً لن ترضى به خليفة كما قلت آنفاً ، وهذا سبب مقالتي التي قلتها.
    ____________
    1 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12 : 21.

    منع إعلان وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله :
    س 7 ـ ماذا فعلتَ بعد ذلك ، وما كانت خطّتك؟
    ج ـ أوّلا ، كان يجب أن أبقى في المدينة قريباً من المسجد ودار رسول الله ، لذلك كما قلت لك : أخّرت جيش أُسامة بن زيد ، وبما أنّي كنت قريباً من دار الرسول ، فكنت أوّل من علم بوفاة الرسول ، ولكن أبا بكر لم يكن موجوداً بسبب ذهابه إلى أهله في السنح ، فكان لابدّ أن أنتظره ريثما يحضر لنتابع الخطّة معاً ، ولذلك حملت سيفي ، ووقفت على باب المسجد ومنعت الدخول والخروج من المنزل ، وكنت أقول : إنّ رسول الله لم يمت وإنّما ذهب إلى ربّه كما ذهب موسى ، وإنّه سوف يعود ويقطع أيدي وأرجل رجال يقولون إنّه مات ، وقد أرسلت إلى أبي بكر لكي يأتي ، وانتظرت على هذه الحالة حتى وصل أبو بكر ، وعندما خرج وقال قولته الشهيرة : من كان يعبد محمّداً فإنّ محمّداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت.
    وبينما الناس بين مصدّق ومكذّب ، انتهزت هذه الفرصة وقلت لأبي بكر : هيا بنا إلى سقيفة بني ساعدة; لأنّ الأنصار مجتمعون عند رئيسهم سعد بن عبادة وقد كان مريضاً ، ولا بدّ أن نصل هناك لننفذ خطتنا ، وفعلا ذهبنا وأخذنا معنا أبا عبيدة بن الجرّاح ، وفي طريقنا رأينا ( عويم بن ساعدة الأنصاري ومعن بن عدي ) ، وهما من صفوة

    الأنصار ، وقد شهدا بدراً وكانا ذاهبين إلى المسجد ليستعلما عن حال رسول الله ، وعندما أخبرناهما أنّ رسول الله توفي قالا لنا : عودوا واقضوا أمركم بينكم ، وافترقنا ، هما ذهبا إلى المسجد ونحن ذهبنا إلى السقيفة (1).
    أحداث السقيفة :
    س 8 ـ ماذا حصل عند وصولكم إلى السقيفة ، ومن بدأ الكلام؟
    ج ـ أتيناهم وهم مجتمعون في سقيفة بني ساعدة ، وإذا بين أظهرهم رجل مزمل ، فقلت : من هذا؟
    قالوا : سعد بن عبادة.
    فقلت : ما شأنه؟
    قالوا : وجع.
    فقام رجل منهم فحمد الله وقال : أمّا بعد فنحن الأنصار كتيبة الإسلام ، وأنتم يا معشر قريش رهط بيننا ، وقد دفت إلينا من قومكم دافة.
    فلما رأيتهم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ، ويغصبونا الأمر ، وقد
    ____________
    1 ـ صحيح البخاري 8 : 27 ، كتاب المحاربين ، الإمامة والسياسة لابن قتيبة : 23.

    كنت زوّرت في نفسي مقالة أُقدمها بين أيدي أبي بكر ، وقد كنت أداري منه بعض الحدّ.
    وكان هو أوقر منّي وأحلم ، فلمّا أردت أن أتكلّم قال : على رسلك! فكرهت أن أعصيه.
    فقام فحمد الله وأثنى عليه ، فما ترك شيئاً كنت زوّرت في نفسي أن أتكلّم به لو تكلّمت إلاّ قد جاء به أو أحسن منه.
    وقال : أمّا بعد يا معشر الأنصار ، فإنّكم لا تذكرون منكم فضلاً إلاّ وأنتم له أهل ، وإنّ العرب لا تعرف هذا الأمر إلاّ لهذا الحيّ من قريش ، وهم أوسط العرب داراً ونسباً ، ولكن رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم ، فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة الجرّاح.
    فلمّا قضى أبو بكر كلامه قام منهم رجل فقال : أنّا جذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب (1).
    فقالت الأنصار : لا نبايع إلاّ عليّاً (2).
    فارتفعت الأصوات وكثر اللغط ، فلمّا أشفقت الاختلاف قلت لأبي بكر : ابسط يدك أُبايعك ، فبسط يده فبايعته ، وبايعه أبو عبيدة ، وقام بشير بن سعد وكان من سادات الخزرج فبايع خشية أن يصل
    ____________
    1 ـ تاريخ الطبري 2 : 446 ، البداية والنهاية 5 : 266.
    2 ـ تاريخ الطبري 2 : 443 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 22.

    الأمر إلى الأوس ، وكانت بينهم خلافات متجذّرة ، فقام الحباب بن المنذر إلى سيفه فأخذه ، فبادروا إليه ، فأخذوا سيفه منه فجعل يضرب بثوبه وجوههم حتى فرغوا من البيعة ، فقال : فعلتموها يا معشر الأنصار ، أمّا والله لكأنّي بأبنائكم على أبواب أبنائهم ، قد وقفوا يسألونهم بأكّفهم ولا يسقون الماء.
    قال أبو بكر : أمنا تخاف يا حباب؟
    قال : ليس منك أخاف ولكن ممّن يجيء بعدك.
    قال أبو بكر : فإذا كان ذلك كذلك فالأمر إليك وإلى أصحابك ، ليس لنا عليك طاعة.
    قال الحباب : هيهات يا أبا بكر ، إذا ذهبت أنا وأنت وجاءنا بعدك من يسومنا الضيم.
    فقال سعد بن عبادة يخاطبني : أمّا والله لو أنّ لي ما أقدر به على النهوض لسمعتم منّي في أقطارها زئيراً يخرجك أنت وأصحابك ، ولألحقتك بقوم كنت فيهم تابعاً غير متبوع ، خاملاً غير عزيز ، فبايعه الناس جميعاً حتى كادوا يطئون سعداً ، فقال سعد : قتلتوني.
    فقلت : اقتلوه ، قتله الله.
    فقال سعد : احملوني من هذا المكان ، فحملوه فأدخلوه داره وترك أياماً ، ثمّ بعث إليه أبو بكر أن أقبل فبايع فقد بايع الناس وبايع قومك.

    فقال : أمّا والله حتى أرميكم بكلّ سهم في كنانتي من نبل ، وأخضب منكم سناني ورمحي ، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي ، وأقاتلكم بمن معي من أهلي وعشيرتي ، ولا والله لو أنّ الجنّ اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربّي ، وأعلم حسابي ، فلمّا أتي بذلك أبا بكر من قوله قلت له : لا تدعه حتى يبايعك.
    فقال لنا بشير بن سعد : إنّه قد أبى ولجّ وليس يبابعك حتى يقتل ، وليس بمقتول حتى يقتل ولده معه ، وأهل بيته وعشيرته ، ولن تقتلوهم حتى تقتل الخزرج ، ولن تقتل الخزرج حتى تقتل الأوس ، فلا تفسدوا على أنفسكم أمراً قد استقام لكم ، فاتركوه فليس تركه بضاركم ، وإنّما هو رجل واحد ، فتركناه وقبلنا مشورة بشير بن سعد (1).
    وتمّ الأمر وخرجنا من السقيفة وأبو بكر هو الخليفة.
    الخليفة الأوّل صورة :
    س 9 ـ المتتبّع لأمر بيعة أبي بكر يرى أنّك كنت وراء كلّ ما حصل ، وكان بإمكانك أن تكون أوّل خليفة ، ولكنّك تركت الأمر
    ____________
    1 ـ الإمامة والسياسة : 17.

    لأبي بكر ، وفضّلت أن تكون القوة الضاربة في مواجهة ما سيحدث ، ويكون أبو بكر هو الذي في الصورة.
    ج ـ هذا صحيح ، والأمر يعود لأمرين.
    الأوّل : أنّني ذو طبع حاد وفىَّ غلظة ، وهذا مما كان يُنفّر القوم منّي ، وبذلك صرّح طلحة وبعض المهاجرين الذين دخلوا على أبي بكر في مرض موته بعد ما علموا بأمر استخلافه لي ، فقالوا له : ما أنت قائل لربّك غداً وقد وليت علينا فظاً غليظاً تنفر منه النفوس وتنفضّ عنه القلوب (1)؟
    وقد كان أبو بكر أوقر مني وأحلم.
    والثاني : كوني الرجل الثاني في خلافة أبي بكر يعطيني امتيازات ، فأنا كنت مدبّر كلّ الأُمور وخيوطها بيدي ، عاقبتها تكون لي آخراً ، وأمّا سخط الناس عن أعمالي إن أسأت فكان يأتي على الخليفة لا علي أنا ، لأنّي أمام الناس كنت أنفذ ما يطلبه هو ، لذلك كنت في خلافة أبي بكر نظريّاً الرجل الثاني وعمليّاً الخليفة ، فقد كنت أتخذ القرارات وأنفذ الخطط وأحلّ وأربط ، وحتى إنّي أرد
    ____________
    1 ـ الطبقات الكبرى لابن سعد 3 : 199 ، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 30 : 411 ، أُسد الغابة لابن الأثير 4 : 69 ، كنز العمال 5 : 675 ، تاريخ الإسلام للذهبي 3 : 116.

    قرارات قد يتخذها الخليفة فمثلا; كتب أبو بكر لعيينه بن حفص والأقرع بن حابس كتاباً ، فأخذاه إليّ لأشهد ، فلمّا شاهدت الكتاب لم يعجبني ، فتفلت فيه فوراً ومحوته ، فرجعا إلى أبي بكر وقالا له : والله لا ندري أأنت الأمير أم عمر؟
    فقال أبو بكر : بل هو ، لو شاء كان.
    ثمّ جئت إلى أبي بكر وقرعته بشدّة على هذا الكتاب.
    فقال لي أبو بكر : فلقد قلت لك : إنّك أقوى منّي على هذا الأمر لكنّك غلبتني (1).
    ولذلك فضّلت أن يكون هو الخليفة الأوّل ، وأنا معه أساعده وأُشير عليه ، ويكون الأمر لي من بعده ، وذلك بعد أن تكون الأُمور قد استقامت واستتبّت وسار كلّ شيء حسب ما خطّطت وبهدوء ، وأكون قد قمعت المعارضين ممّن لن يبايع واستملت البعض ، وكأنّ الأمر ليس لي وإنّما كنت أنفّذ ما يطلب منّي وحسب ، وقد فهم علىٌّ هذا منّي عندما أمرته أن يبايع أبا بكر فقال لي : « احلب حلباً لك شطره ، واشدد له اليوم أمره يردده عليك غداً » (2) ، وهذا ما كان.
    ____________
    1 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12 : 59 ، كنز العمال للمتقي الهندي 3 : 914 ، تاريخ مدينة دمشق 9 : 196.
    2 ـ الإمامة والسياسة لابن قتيبة : 18.

    كراهيّة جمع النبوّة والخلافة لبني هاشم :
    س 10 ـ تقول : إنّ قريشاً كانت تكره علياً ، وتكره أن تجمع لبني هاشم النبوّة والخلافة ، ولكن تشدّدك في أمر فرض بيعة أبي بكر على عليّ عليه‌السلام ومحاولتك إحراق بيت فاطمة عليها‌السلام وكلّ ما جرى بعد ذلك من منع الإرث ، وأُمور أُخرى ، تبيّن وكأنّ في الأمر شيئاً خاصّاً بينك وبين الإمام علي عليه‌السلام ، وكأنّك أنت من أصحاب هذه الفكرة؟
    ج ـ إنّ كره قريش لبني هاشم شيء مفروغ منه ، ولذلك استخدمت ذلك لصالحي ، فلم أكن قبل الإسلام بموقع اجتماعي مميّز ، ولم يكن لي شأن يذكر ، فقد كنت أعمل مبرطش أكتري للناس الإبل والحمير وآخذ عليه جعلا (1).
    وبنو عدي لم يكونوا مع العير ولا مع النفير ، ولم يقاتلوا محمّداً ولم يقاتلوا قريشاً كما قاتل أبو سفيان (2).
    ولم أقتل أو أجرح مشركاً في المعارك التي خاضها النبيّ.
    لذلك كان لا بدّ لكي أجمع كلمة قريش أن يكون هناك أمر مشترك بيننا ، ألا وهو إبعاد عليّ وبنيه عن الخلافة ، وبذلك يرتفع قدري عندهم ويصبح لهم مصلحة فىّ.
    ____________
    1 ـ تاج العروس 9 : 58 ، مادة برطش.
    2 ـ المغازي للواقدي 1 : 45.

    وهذا بالضبط ما حصل ، فإنّ إبعادي لعليّ عن الخلافة بمنع الرسول من كتابة العهد له رفع قدري إلى القمة ، وعلى هذا وحّدت كلمة قريش من المهاجرين والطلقاء لهدف محدّد ، وهو الحيلولة بين بني هاشم وبين أن يجمعوا النبوّة والخلافة بعد وفاة النبىّ (1).
    وبذلك سلّمت لي قريش عمليّاً رئاسة التحالف أو الحزب ، وكانت بيدي خيوط اللعبة السياسية ، وأخذت أواجه المعارضين للبيعة وأنا مستند إلى جدار قويّ من القوّة والمنعة ، وكيف ما أفعل فلن أجد منكراً أو مستنكراً.
    فلو هدّدت بقتل عليّ فالكلّ يسكت.
    ولو هممت بإحراق بيت فاطمة فالكلّ يسكت.
    والسكوت هنا أوضح بيان على موافقتهم على ما أقوم به.
    س 11 ـ ما الخطوات التي مرّرتها لأبي بكر لإقصاء أهل البيت عن أمرهم في الخلافة وإبعاد الناس عنهم؟
    ج ـ أوّلا : منع رسول الله من كتابة العهد لعليّ بن أبي طالب ، وذلك في رزيّة يوم الخميس (2).
    ثانياً : حرمان أهل بيت النبوّة من إرث النبيّ.
    ____________
    1 ـ تاريخ الطبري 3 : 289 ، الكامل في التاريخ 4 : 63.
    2 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12 : 21.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Empty
    مُساهمةموضوع: رد: افادات من ملفات التاريخ محمد سليم   افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Emptyالثلاثاء أكتوبر 22, 2024 4:24 pm

    فرأيت أنّ أوّل خطوة بعد وفاة النبيّ هي أن يُحرم عليّ وفاطمة وابناهما وآل محمّد من ميراث محمّد ، فلا يرثون من مال النبيّ شيئاً ، واستدللت على ذلك بأنّ رسول الله قال لأبي بكر : « إنّا معاشر الأنبياء لا نورث ».
    وعندما احتجّت فاطمة وقالت : « ومن يرثك إذا مت »؟
    قال أبو بكر : ولدي وأهلي.
    فقالت : « فما لنا لا نرث النبيّ »؟!
    فرددّ أبو بكر مقولته السابقة.
    فقال علي : ( وَوَرِثَ سـلَيْمانُ داوُدَ ) (1) ، ( يرِثُنِي وَيـرِثُ مِنْ آلِ يَعْقـوبَ ) (2).
    فسكت أبو بكر وانصرف مصراً على قوله (3).
    ثالثاً : حرمان أهل البيت من فدك ، وهي منحة من رسول الله لفاطمة ، ومع أنّ فاطمة احتجّت عند أبي بكر وقدّمت شهوداً على منحة رسول الله فشهدت على ذلك أم أيمن ورباح مولى الرسول وعليّ ، ولكن قرارنا كان قد أحكم قبل ذلك.
    ____________
    1 ـ النمل : 16.
    2 ـ مريم : 5 ـ 6.
    3 ـ الطبقات الكبرى لابن سعد 2 : 315 ، عنه في كنز العمال 5 : 625.

    رابعاً : حرمان أهل البيت من الخمس الوارد في القرآن ، فلمّا حرم أبو بكر فاطمة من إرثها ومن منح الرسول ، طالبتنا بسهم ذوي القربى.
    فقالت لأبي بكر : « لقد حرمتنا أهل البيت ، فأعطنا سهم ذوي القربى » ، وقرأت الآية : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ) (1).
    فقال لها أبو بكر : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : « سهم ذوي القربى للقربى حال حياتي وليس لهم بعد موتي » (2).
    خامساً : منع رواية الحديث وحرق ما كان مكتوباً منها; لأنّ الكثير منها يذكر عليّاً خاصة ، وأهل البيت عامة ، وفضائلهم ، وأحقيّتهم في هذا الأمر.
    منع رواية الحديث :
    س 12 ـ وهل وافقك الناس على منع رواية الحديث؟
    ج ـ إنّ منع كتابة الحديث لم أبتدعه أنا; لأنّ قريشاً كانت تنهى عن كتابة الحديث على عهد رسول الله ، فقد قال عبد الله بن عمرو بن
    ____________
    1 ـ الأنفال : 41.
    2 ـ كنز العمال 5 : 629.

    العاص : كنت أكتب كلّ شيء أسمعه من رسول الله ، فنهتني قريش ، وقالوا : تكتب كلّ شيء من رسول الله؟ ورسول الله بشر يتكلّم في الغضب والرضى ، فأمسكت عن الكتابة ، فذكرت ذلك لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأومأ إلى فيه وقال : « اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلاّ الحقّ » (1).
    س 13 ـ متى بدأتَ بمنع كتابة الحديث؟
    ج ـ بدأتُ بمنع كتابة الحديث منذ كان رسول الله على فراش الموت ، فمنعته من كتابة كتاب يعصم الناس من الضلالة; لأنّي علمت أنّ رسول الله سوف يذكر عليّاً.
    وبعدها أشرتُ على أبي بكر بمنع الحديث ، فحرق أبو بكر ما كان عنده من الحديث ، وقد بلغ خمسمائة حديث ، وأمر الناس إن اختلفوا أن يعودوا لكتاب الله ويدعوا حديث الرسول ، ولكنّه ترك ما بأيدي الناس من كتب.
    ولكن عندما وصلت الخلافة لي أمرتُ الناس بعدم رواية الحديث ، وهدّدت بالضرب كلّ من أكثر من رواية الحديث ، وقد خطبت الناس يوماً قائلا : أيّها الناس ، إنّه بلغني أنّه قد ظهرت في
    ____________
    1 ـ مسند أحمد 2 : 162 ، سنن الدارمي 1 : 125 ، سنن أبي داود 2 : 176 ، فتح الباري 1 : 185 ، المستدرك 1 : 105 وغيرها من المصادر.

    أيديكم كتباً ، فأحبها إلى الله أعدلها وأقومها ، فلا يبقين أحد عنده كتاباً إلاّ أتاني به فأرى فيه رأيي ، فظنّوا أنّي أريد النظر فيها لأقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف ، فأتوني بكتبهم فأحرقتها بالنار (1).
    أقول : لو أنّك وصاحبك أبا بكر وأنتما على منصّة الخلافة جمعتما السنّة النبويّة وحفظتماها في كتاب خاصّ بها لوفّرتم على أنفسكم وعلى الأُمّة الخير العميم ، ولما دخل في السنّة النبويّة ما ليس منها ، ولما احتجتم إلى الاجتهاد مقابل النصوص الصريحة ، ولكان الإسلام بكتابه وسنّته واحداً أُمّة وعقيدة.
    وأمّا ما فعلتموه من جمع السنن والأحاديث ، وإحراقها ومنع روايتها ونقلها ، وحبس من تخافون عدم امتثاله لأمركم ، فقد جرّ إلى هذه الأُمّة الويلات والاختلاف.
    وإنّ إزاحة أمر الخلافة عن صاحبها ، وضربكم بعرض الحائط الآيات والأحاديث الواردة فيه وفي العترة الطاهرة من أهل بيت النبوّة ، ومن أجل هذه اضطررتم إلى أن توحّدوا صفوفكم وتتحزّبوا أنتم والطلقاء من قريش ومن بني أُمّية لتبعدوا هذا الأمر عن أهله ، ممّا أسس لوصول بني أُميّة إلى سدّة الحكم ، وعزل أهل البيت عن هذا الأمر في البداية وقتلهم وتشريدهم بعد ذلك.
    ____________
    1 ـ الطبقات الكبرى لابن سعد 5 : 188 ، تاريخ الإسلام للذهبي 7 : 221.

    وهذا يفتح علينا السؤال التالي :
    س 14 ـ وهل اكتفيتَ بذلك ، أم كان لك تصرّف آخر؟
    ج ـ لمّا أعيتني الحيلة بالرغم من تهديدي ووعيدي وحرقي لكتب الأحاديث ، بقي بعض الصحابة يُحدّثون بما سمعوا من رسول الله عندما يلتقون في أسفارهم خارج المدينة بالناس الذين يسألونهم عمّا سمعوه من رسول الله ، فرأيت أن أحبس هؤلاء النفر في المدينة وضربت عليهم حصاراً وإقامة جبريّة (1).
    س 15 ـ وهل أدّى الحجز ومنع الحديث من كفّ الناس عن التحدّث بحديث رسول الله؟
    ج ـ إنّ منعي لرواية الحديث لم يكن ليعطي النتيجة المطلوبة ، إلاّ إذا استعضت ، عن رواية الحديث بشيء آخر يشغل المسلمين عنه وخاصّة عند اجتماعهم بعد الصلاة ، فإنّهم كانوا يتذاكرون ويتحدّثون
    ____________
    1 ـ توضيح : وروى ابن إسحاق عن عبدالرحمن بن عوف قال : « والله ما مات عمر حتى بعث إلى أصحاب رسول الله من الآفاق : عبدالله بن حذيفة وأبي الدرداء وأبي ذر الغفاري وعقبة بن عامر فقال : ما هذه الأحاديث التي أفشيتم عن رسول الله في الآفاق.
    قالوا : تنهانا؟
    قال : لا ، أقيموا عندي ، لا والله لا تفارقوني ما عشت » كنز العمال 10 : 293 ، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 40 : 500.

    بحديث رسول الله ، لذلك كلّفت تميم بن أوس الدارمي (1) أن يجلس لهم بعد الصلاة من كلّ يوم ليفسّر لهم القرآن بما عنده من علم أهل الكتاب ، أي يفسر القرآن بالإنجيل والتوراة ، وكنت أجالس كعب الأحبار (2) ووهب بن منبه (3) ، وآخذ عنهم بعض الأخبار.
    ____________
    1 ـ تميم بن أوس الداري : كان راهباً نصرانياً ، قدم المدينة بعد غزوة تبوك وأظهر الإسلام ، وفي عصر الخليفة الثاني عمر قرّبه وألحقه بأهل بدر في العطاء ، وخصص له ساعة في كل أسبوع يتحدّث فيها قبل الصلاة من يوم الجمعة بمسجد الرسول ، وجعلها عثمان على عهده ساعتين في يومين ، وقد بلغ من ثقة الخليفة عمر به أن عيّنه إماماً يصلّي بالناس صلاة التراويح. وبقي تميم الدارمي في المدينة إلى أن قتل عثمان ، فانتقل إلى الشام وعاش في كنف معاوية ومات سنة أربعين للهجرة ، روى عنه جماعة من الصحابة أمثال : أنس بن مالك ، وأبي هريرة ، ومعاوية ( معالم المدرستين ، مرتضى العسكري 2 : 48 ـ 49 ).
    2 ـ كعب الأحبار : كان من أحبار اليهود ، أظهر الإسلام على عهد الخليفة عمر ابن الخطّاب ، وطلب من عمر البقاء في المدينة ، وبواسطته وأمثاله تسرّبت إلى الحديث طائفة من أقاصيص اليهود والإسرائيليات ، وكان بعض الصحابة يسألونه عن مبدأ الخلق وقضايا المعاد وتفسير القرآن : وروى عنه أنس بن مالك ، وأبو هريرة ، ومعاوية ، وعبدالله بن عمر ، وعبدالله بن الزبير ، وأسلم مولى عمر ، وعطاء بن يسار ، وقد روى عنه الترمذي وأبو داوود والنسائي ( أضواء على السنّة المحمديّة ، محمود أبو رية : 146 ).
    3 ـ وهب بن منبه : كان فارسي الأصل ، هاجر جده إلى اليمن ، وهناك أخذ آباؤه

    س 16 ـ وماذا فعلتَ بمن خرج من المدينة للحرب؟
    ج ـ من كان يخرج من المدينة للغزو كنت أوصيه بعدم الحديث عن رسول الله والاكتفاء بكتاب الله.
    فمثلا بعثت بعثاً فيه قرظة بن كعب إلى الكوفة ، فشيعتهم فمشيت معهم إلى موضع حراء ، وقلت لهم : أتدرون لم مشيت معكم؟
    قالوا : لحقّ صحبة رسول الله ، ولحقّ الأنصار.
    فقلت : لكنّي مشيت معكم لحديث أردت أن أحدّثكم به ، فأردت أن تحفظوه لممشاي معكم ، إنّكم تقدمون على قوم للقرآن في صدورهم أزيز كأزير المرجل ، فإذا رأوكم مدّوا إليكم أعناقهم ، وقالوا : أصحاب محمّد ، فأقلوا الرواية عن رسول الله ثمّ أنا شريككم.
    فلما قدم قرظة بن كعب على القوم ، قالوا : حدّثنا.
    __________________
    آداب اليهود وتقاليدهم ، وقيل : إنّ والده منبهاً قد أسلم في اليمن ، وإنّ ابنه وهباً كان يختلف من بعده إلى بلاده بعد فتحها.
    وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ : « إنّه عالم أهل اليمن ، ولد سنة 34 هـ وتوفي بصنعاء سنة 110 هـ وقيل سنة 116 هـ ، أدرك بعض الصحابة وروى عنهم ، كما روى عنه كثير من الصحابة منهم : أبو هريرة ، وعبدالله بن عمر ومن أقواله : أنّي قرأت من كتب الله 72 كتاباً » أضواء على السنّة المحمديّة ، محمود أبو رية : 149 ـ 150.

    قال : نهانا عمر (1).
    فهذا كان لمن خرج ، ومن لم يستطع أن يحفظ لسانه ويطيع أمري أمرته بملازمة المدينة كما ذكرت لك آنفاً.
    س 17 ـ هل تعلم أنّ ما قمتم به أنت وأبو بكر من إحراق ما كتب من الحديث ، ومنع روايته ، فبسببه انتشرت بعد ذلك الكثير من الأحاديث الموضوعة المفتعلة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك كان له التأثير السلبي على حياة المسلمين في معرفة أحكام دينهم. وقد اضطررتم للاجتهاد مقابل النصوص الصريحة ، وبذلك عمّ الخلاف ونشأت الحركات والمذاهب الإسلامية؟!
    وقد جمعت لك عدّة اجتهادات مقابل النصوص الصريحة ، وقد كنت تجتهد برأيك ، ثمّ تجتهد بما يخالفه ، فلماذا هذا ، وهل كان عن قصد أم ماذا؟
    فمن اجتهاداتك :
    ـ أنّك أبطلت التيمّم لمن أجنب ولم يجد ماءً (2).
    ____________
    1 ـ سنن ابن ماجه 1 : 12 ، تذكرة الحفاظ للذهبي 1 : 7.
    2 ـ أخرج مسلم في صحيحه 1 : 193 ، كتاب الحيض ، باب التيمم ، أنّ رجلا أتى عمر فقال : إنّي أجنبت فلم أجد ماء.
    فقال : لا تصلِّ.

    ـ وكان من سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه يخصّ المؤلّفة قلوبهم بسهمهم الذي فرضه الله لهم كما أقره الله تعالى : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (1).
    ولكنّك أبطلت العطاء المفروض في خلافتك واجتهدت مقابل النصّ ، وقلت لهم : لا حاجة لنا بكم فقد أعزّ الله الإسلام وأغنى عنكم.
    وقد ذكرنا أنّ بعض المؤلّفة قلوبهم أتوا أبا بكر وطالبوه بسهمهم ، فكتب لهم أبو بكر ، ولكن عندما جاؤوا إليك مزّقت الكتاب ، فرجعوا إلى أبي بكر ، فقالوا : أأنت الخليفة أم هو؟
    فقال : بل هو إن شاء.
    ____________
    فقال عمّار بن ياسر : أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماءً فأمّا أنت فلم تصل ، وأمّا أنا فتمعكت في التراب وصلّيت.
    فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثمّ تمسح بهما وجهك وكفيك ».
    فقال عمر : اتق الله يا عمّار!
    قال عمّار : إن شئت لم أُحدث به.
    1 ـ التوبة : 60.

    وتراجع أبو بكر فيما كتب موافقاً لرأيك ( صاحبه عمر (1) ).
    ـ وقد بدّلت حكم الله في شأن الطلاق برأيك واجتهادك ، حيث جعلت الزوجة تحرم على زوجها إذا ذكر لفظ الطلاق ثلاث مرات في موقف واحد ، مع أنّه كان على عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي بكر يحسب طلقة واحدة (2).
    ____________
    1 ـ فقه السنّة للسيّد سابق 1 : 389 ، وفي الجوهرة النيرة في الفقه الحنفي 1 : 164 نقلا عن الفصول المهمّة للسيّد شرف الدين : 88.
    2 ـ جاء في صحيح مسلم 4 : 183 ، كتاب الطلاق باب الطلاق الثلاث ، عن ابن عباس قال : « كان الطلاق على عهد رسول الله وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاثة واحدة.
    فقال عمر بن الخطاب : إنّ الناس استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم ، فأمضاه عليهم ».
    وقد خالفت أيضاً في المتعتين متعة النساء ومتعة الحج وصلاة التراويح.
    صلاة التراويح : وهي نافلة شهر رمضان جماعة ، ولا يرتاب أحد في أنّها لم تكن أيام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا في خلافة أبي بكر ، وإنّما سنّها الخليفة الثاني عمر بن الخطاب سنة 14 هـ كما نصّ على ذلك البخاري 2 : 252 ، في كتاب صلاة التراويح من صحيحه ، قال : إن رسول الله قال : « من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه.
    قال : فتوفّي رسول الله والأمر على ذلك ، ثمّ كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر ».

    ____________
    وأخرج البخاري 2 : 252 ، كتاب صلاة التراويح أيضاً عن عبدالرحمن بن عبدالقادري ، قال : خرجت مع عمر ليلة رمضان إلى المسجد ، فإذا الناس أوزاع متفرّقون ، فقال عمر : إنّي أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد كان أمثل ، ثمّ عزم فجمعهم على أُبي بن كعب.
    قال : ثمّ خرجت معه ليلة أُخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم.
    قال عمر : نعم البدعة هذه »!
    قال القسطلاني في إرشاد الساري 4 : 656 : « سمّاها بدعة; لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يسنّ لهم الاجتماع لها ، ولا كانت في زمن الصديق ، ولا أوّل الليل ، ولا كلّ ليلة ولا هذا العدد »!
    ـ إسقاط ( حيّ على خير العمل ) من الأذان : قال الشوكاني : « وقد صح لنا أنّ ( حي على خير العمل ) كانت على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يؤذّن بها ، ولم تطرح إلاّ في زمن عمر » ، نيل الأوطار 2 : 19.
    وقد جعلت كلمة : ( الصلاة خير من النوم ) في الأذان ، جاء في الموطأ لمالك : أنّ المؤذّن جاء عمر بن الخطّاب يؤذنه لصلاة الصبح ، فوجده نائماً فقال المؤذن : الصلاة خير من النوم ، فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح » موطأ مالك 1 : 72.
    وأمّا ما يدّعى من أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بلالا أن يقول : ( الصلاة خير من النوم ) في الأذان فليس إلاّ تغطية لما فعله عمر بن الخطّاب من البدعة; لأنّ الذي روى عن بلال ذلك هو عبدالرحمن بن أبي ليلى ، وهذا غير صحيح ، لأنّ ولادة عبدالرحمن كانت سنة 17 هـ ، وتوفي سنة 84 هـ ، ووفاة بلال سنة 20 هـ فكيف يصحّ أن يروي عن بلال وعمره ثلاث سنوات؟ تهذيب الأسماء

    ____________
    واللغات للنووي 1 : 283.
    وادّعى أيضاً أن بلالا أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فوجده راقداً ، فقال : ( الصلاة خير من النوم ) فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أحسن هذا ، أجعله في أذانك ، وهذه الدعوة ليست إلاّ تغطية للباطل ، لأنّ الراوي هو عبدالرحمن بن زيد بن أسلم المتوفّى سنة 282 هـ عن أبيه زيد بن أسلم ، وعبدالرحمن ضعيف الحديث لا يعتمد عليه كما نصّ على ذلك أحمد وابن المديني والنسائي وغيرهم. هذا من جهة.
    ومن جهة أُخرى ، فإنّ زيداً لم يسمع من بلال; لأنّ ولادة زيد كانت سنة 66 هـ ووفاته سنة 136 هـ.
    فكيف يسمع من بلال وهو لم يولد إلاّ بعد وفاة بلال بستّ وأربعين سنة؟ سيرة أعلام النبلاء للذهبي 12 : 59 ، تذكرة الحفاظ للذهبي 1 : 133.
    فهذه الكلمة كانت في أيام عمر وهي من بدع عمر بن الخطّاب ، وبدون شكّ أن الأذان من فصوله : ( حيّ على خير العمل ... ) قد كان بأمر من الله ووحي أنزله على نبيّه.
    فقد أسقطها عمر بن الخطاب ، وتبعه في إسقاطها عامّة من تأخّر من المسلمين ، مع علمهم بأنّ عمر ليس نبيّاً ، كي يكون إسقاطه لها بوحي من الله ، نعم أتباع أهل البيت جعلوا ( حيّ على خير العمل ) شعاراً لهم ، فهم في الحقيقة أتباع الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث لم يرضَ أئمتهم تغيير حكم من أحكام الشريعة الغراء.
    ـ متعة الحج والنساء : وقد نهى عمر بن الخطاب عنها بعد أن أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بها عن الله عزّ وجلّ ، وهي ممّا نصّ الذكر الحكيم.
    قال تعالى : ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ

    ____________
    فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّام فِي الْحَجِّ ... ) البقرة : 196.
    أمّا صفة التمتّع بالعمرة إلى الحجّ ، فهي أن ينشئ المتمتّع بها إحرامه في أشهر الحجّ ـ وهي شوال وذو القعدة وذو الحجّة ـ من الميقات فيأتي مكّة ويطوف بالبيت ، ثمّ يسعى بين الصفا والمروة ، ثمّ يقصّر ويحلّ من إحرامه فيقيم بعد ذلك حلالا ، حتى ينشئ في تلك السنة نفسها إحراماً آخر للحجّ من مكّة ، والأفضل من المسجد ، ويخرج إلى عرفات ، ثمّ يفيض إلى المشعر الحرام ، ثمّ يأتي بأعمال الحجّ على ما هو مبيّن في الفقه ، وسمّي هذا القسم من الحجّ بحجّ التمتّع ، لما فيه من المتعة ، أي اللذة بإباحة محظورات الإحرام في المدّة المتخلّلة بين الإحرامين ، هذا ما كرهه عمر ، وقد أنكر عليه في هذا أهل البيت كافة ، ولم يقرّه عليه كثير من أعلام الصحابة ، وأخبارهم في ذلك متواترة ، وحسبك منها ما أخرجه مسلم في كتاب الحجّ باب جواز التمتّع من الحجّ عن شقيق ، قال : « كان عثمان ينهى عن المتعة ، وكان عليّ يأمر بها.
    قال عليّ : « يا عثمان إنّا تمتّعنا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » صحيح مسلم 4 : 46 ، كتاب الحجّ ، باب جواز التمتّع.
    وحرّم عمر متعة النساء وقد شرّعها الله ورسوله وعمل بها المسلمون على عهده حتى لحق بالرفيق الأعلى ، ثمّ تمتّع الصحابة على عهد أبي بكر وصدر من خلافة عمر ، ثمّ قام عمر على المنبر وقال : « متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما ، وأُعاقب عليهما. متعة النساء ومتعة الحجّ » التمهيد لابن عبد البرّ 10 : 113 ، تذكرة الحفاظ للذهبي 1 : 366.
    وحسبك من الكتاب في إباحة متعة النساء قوله تعالى : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) النساء : 24.

    ج ـ أقول لك بصراحة : إنّ بعض اجتهاداتي والتي تقول : إنّها تخالف النصوص الصريحة من الكتاب وسنّة رسول الله خلال حياته ، فقد كنت أسكن في عوالي المدينة وكان لي صديق من الأنصار من بني أُميّة وكنّا نتناوب النزول على رسول الله ، فينزل يوماً وأنزل يوماً ، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره ، وإذا نزل فعل مثل ذلك (1).
    ____________
    وقد أجمعت الأُمّة الإسلاميّة على أصل مشروعيّة متعة النساء بالآية المذكورة والسنّة النبويّة ، وما قولهم بنسخها إلاّ تغطية لما أحدثه عمر بن الخطاب من البدعة.
    ثم أكبر دليل على حليتها هو تحريم عمر لها بقوله :
    »متعتان كانتا على عهد رسول الله ... « فهو يؤكّد على مشروعيّتها ، وأنّها كانت على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه هو من يحرّمها.
    وقد ذكر القوشجي ـ وهو من متكلّمة الأشاعرة ـ نص عمر بن الخطّاب وهو على المنبر : « ثلاثة كنَّ على عهد رسول الله وأنّي أنهى عنهن وأحرمهنّ وأعاقب عليهن : متعة النساء ، ومتعة الحجّ وحيّ على خير العمل » شرح تجريد الاعتقاد : 484.
    ثمّ اعتذر القوشجي : « بأنّه ( أي عمر ) قد اجتهد في ذلك »!!
    وهذا الاعتذار ليس إلاّ تغطية لبدعة ببدعة مثلها; لأنّ الاجتهاد إنّما هو استنباط الأحكام من الأدلّة الشرعيّة ، وليس معنى الاجتهاد تحريم ما هو معلوم الحلّية!!
    هذا غيض من فيض من اجتهادات عمر مقابل النصوص.
    (1) صحيح البخاري 1 : 31 ، كتاب العلم باب التناوب في العلم.

    ومع ذلك فإنّ اليوم الذي أنزل فيه كان يلهيني فيه الصفق بالأسواق والتجارة ، فقد حدث في أثناء خلافتي أن استأذن أبو موسى عليّ وقد كنت مشغولا ، فرجع فقلت لحاجبي الموجود على الباب : ما الذي منع أبو موسى من الدخول ، ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس! ائذنوا له فدُعي له.
    فقلت له : ما حملك على ما صنعت؟
    فقال : إنّا كنا نؤمر بذلك.
    فقلت له : فائتني على هذا بينة أو لأوجعن ظهرك وبطنك أو تأتي بمن يشهد لك على ذلك ، فانطلق إلى مجلس الأنصار ، فقالوا : لا يشهد إلاّ أصغرنا.
    فقام أبو سعيد الخدري فقال : قد كنّا نؤمر بهذا.
    فقلت : خفي عليّ هذا من أمر النبيّ ، ألهاني الصفق بالأسواق (1).
    حتى إنّي كنت أغيب عن رسول الله في المناسبات الكبرى التي يجتمع فيها المسلمون كافة كيوم الفطر والأضحى ، لذلك كنت أسأل الصحابة عمّا كان يقرأ رسول الله في عيد الفطر والأضحى.
    فقد سألت مرّة أبا واقد الليثي : ما كان يقرأ رسول الله في الأضحى والفطر؟
    ____________
    1 ـ صحيح مسلم 6 : 179 ، كتاب الآداب ، باب الاستئذان.

    فقال : كان يقرأ فيهما بـ ( ق والقرآن المجيد ) و ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) (1).
    س 18 ـ عرفنا منك أنّك كنت تجهل الكثير من السنّة النبويّة الشريفة بسبب انشغالك بالصفق بالأسواق ، لكن يبدو أنّك كنت تخطئ كثيراً في الأحكام الموجودة في القرآن ، فما سبب ذلك؟
    ج ـ إنّي لم أكن أحفظ من القرآن الكريم إلاّ النزر اليسير ، لذلك فقد حكمت في الكلالة التي قضيت فيها بعدّة أحكام متناقضة ، رغم نزولها في كتاب الله ، وبالرغم ممّا جاء فيها من التفصيل والبيان في السنّة ، وقد سألت النبيّ عن ميراث الجدّ مع الإخوة.
    فقال لي النبيّ : ما سؤالك عن هذا يا عمر؟ إني أظنك تموت قبل أن تعلمه.
    قال سعيد بن المسيب : فمات عمر قبل أن يعلمه (2).
    وقد قامت لي مرّة امرأة في المسجد عندما حاولت أن أُحدد المهور وصححت لي ، وذكّرتني بآية من كتاب اللّه.
    فقلت : كلّ الناس أفقه من عمر حتى ربّات الحجال (3).
    ____________
    1 ـ صحيح مسلم 3 : 21 كتاب صلاة العيدين ، باب ما يقرأ في صلاة العيدين.
    2 ـ كنز العمال للمتقي الهندي 11 : 58.
    3 ـ مجمع الزوائد للهيثمي 4 : 284 ، كشف الخفاء للعجلوني 1 : 269.

    وفي أُمور كنت أرى أنّ النصوص الواردة هي اجتهادات من رسول الله ، قد اجتهد فيها لمصلحة ، فإذا رأيت مصلحة في مخالفتها اجتهدت بمخالفة تلك النصوص ، مثل منع الرسول من كتابة كتاب يعصم الناس من الضلالة ، وهو على فراش الموت ، وكنت أعلم أنّه سيوصي لعلي بناءً على المقدّمات والنصوص الكثيرة الموجودة; لأنّ قريشاً تكره أن تكون النبوّة والخلافة في بني هاشم.
    وتوجد اجتهادات اتخذتها وهي آنيّة لظرف حصل في وقتي ، ولكن الناس قد اتخذوها سنّة من بعدي وليس هذا ذنبي ، مثل صلاة التراويح والمتعتين ، فقد حرّمت المتعة من أجل قصة معروفة ، وهي قصة عمرو بن حريث ولم يكن تحريمي أبدياً أو بنصّ قد علمته وجهله كلّ الصحابة (1).
    ____________
    1 ـ صحيح مسلم 4 : 131 ، كتاب النكاح ، باب نكاح المتعة.
    بقي أن نقول للذين يجعلون من معارضتك لكتاب الله وسنّة رسوله ، يجعلون ذلك من مفاخرك ومناقبك التي يمدحونك لأجلها ، والذين يلتمسون لذلك أعذاراً وتأويلات لا يقبلها عقل ولا منطق ، وإلاّ كيف تكون معارضتك لكتاب الله وسنّة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله من المجتهدين والله يقول في كتابه الله العزيز :
    ( وَما كانَ لِمُؤْمِن وَلا مُؤْمِنَة إِذا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً ) الأحزاب : 36.
    فقد ربط الله عزّ وجلّ إرادته بإرادة رسوله وجعلهما واحدة ، أي : من يعص

    حجر الأساس لبني أُميّة :
    س 19 ـ من المعروف عنك ، أو بمعنى آخر ما وصلنا عنك ، أنّك كنت كثيراً ما تغيرّ الولاة ، وخاصّة الذين يغتنون أو يبدوا عليهم آثار
    ____________
    الرسول فقد عصى الله. وهذا واضح ولكن ( لا تَعْمَى الأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) الحجّ : 46.
    قال تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ) ، ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ ) ، ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) المائدة : 44 ـ 45 ـ 47.
    ثمّ كيف يدافعون عنك ويقولون : إنّك قد رأيت مصلحة في مخالفة ما أمر به الرسول وقد جاء في الحديث الذي ذكره البخاري : « ما كان النبيّ يسأل ممّا لم ينزل عليه الوحي فيقول : لا أدري ، أو لم يُجب حتى ينزل عليه الوحي » صحيح البخاري 8 : 148 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة ، باب ما يذكر من ذمّ الرأي وتكلف القياس.
    ولم يقل برأي ولا قياس لقوله تعالى : ( بما أراك الله ) ، وقد قال العلماء قولا واحداً : « إنّه من قال في كتاب الله برأيه فقد كفر » وهذا بديهي من خلال الآيات المحكمات ومن خلال أقوال وأفعال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فكيف ننسى هذه القاعدة إذا تعلق الأمر بك أو بأحد الصحابة أو أحد أصحاب المذاهب الأربعة فقط ، فيصبح القول بالرأي في معارضة أحكام الله اجتهاداً يؤجر عليه صاحبه أجراً إن أخطأ ، وأجران إن أصاب؟!
    فهل أن الله قد أنزل ديناً ناقصاً وترك لكم أن تكملوه معاذ الله ، فقد قال الله تعالى في سورة المائدة : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ) المائدة : 3.

    النعمة والتبذير ، فقد كنت تصادر منهم نصف أموالهم وتعزلهم عن ولاياتهم ، إلاّ معاوية بن أبي سفيان ، فقد تركته في ولايته على دمشق بعد أخيه يزيد مدّة حكم أبي بكر وحكمك ، بالرغم ممّا كان يأتيك من أخباره وتبذيره وما تراه أنت ، حتى وصفته أنت بـ ( كسرى العرب ) ، ولم تعزله حتى صار له نفوذ كبير ممّا أسّس فيما بعد لقيام دولة بني أُميّة؟
    ج ـ نعم ، هذا صحيح فقد كنت أعزل من تأتيني الأخبار عنهم بأنّهم قد خالفوا ما أمرتهم به من خشونة العيش ، ولكن من كنت أعزله كان ممّن لا أخاف منه الفتنة وتقليب الأُمور عليَّ ، أمّا معاوية فقد كنت أكسب به ولاء بني أُميّة أجمعين ، لذلك تركته في مقامه ، ولو أنّي وأبا بكر لم ندع ما في أيدي أبي سفيان من الصدقات وجعلنا ابنيه قادة للجيش الذاهب إلى الشام لما استقام لنا الأمر ، ولم نفز بهذا التحالف ضدّ عليّ وبنيه ، ولمّا استقام لنا الأمر.
    س 20 ـ لقد وصفت بيعة أبي بكر بأنها : « فلتة وقى الله المسلمين شرّها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه » (1).
    فلماذا قلت هذا الكلام مع أنّ هذا طعن منك في أبي بكر وفي وصيّته لك بالخلافة; لأنّ خلافتك وليدة تلك الفلتة التي تقولها أنت؟
    ____________
    1 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 31.

    ج ـ نعم ، أنا قلت ذلك على مسمع ومرأى من الناس في خلافتي ، وذلك لأنّي سمعت أحد الأصحاب يقول : لو مات عمر لبايعت فلاناً ( يعني عليّاً ) ، لذلك خفت إن حصل لي شيء ، وإن أنا أوصيت لأحد كما فعل رسول الله أن يأتي أحدهم بغتة والناس مشغولون في موتي ويبايع ( عليّاً ) من دون الالتفات إلى وصيّتي ، فيخرق ما أجمعت عليه أنا وقريش ، لذلك وقفت على المنبر وقلت : إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله المسلمين شرّها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه. وبذلك قطعت الطريق على من يريد أن يبايع أحداً وحصرت الخلافة من بعدي في من أوصي به (1).
    س 21 ـ هذا يعني أنّك كنت مصرّاً على عدم عودة هذا الأمر إلى صاحبه الشرعي وإن بايعه الناس ، لذلك هدّدت بالقتل كلّ من يحاول إعادة ما فعلتماه! ثمّ افتعلت شوراك التي لم يعهد بمثلها!
    فكيف كانت هذه الشورى ، وكيف ضمنت إقصاء الخلافة عن عليّ مع وجوده ضمن أصحاب الشورى الذين سمّيتهم؟
    شورى عمر
    ج ـ لما طعنني أبو لؤلؤة قال لي الناس : استخلف.
    ____________
    1 ـ المصدر السابق ، الكامل في التاريخ 2 : 326.

    وهنا رجعت بذاكرتي إلى السقيفة ، فقد كان ثالثنا أبو عبيدة بن الجراح ، فقلت لو كان أبو عبيدة حيّاً لاستخلفته ، وبقي أمامي أوّل من بايع من المهاجرين وهو عثمان بن عفان ، ولأنّه هو الذي كتب عهد أبي بكر وقد جعلني فيه وأمضاه أبو بكر ، فأردت أن أُوصي له ، فدبّرت الأمر بنفسي ورتّبته حيث ينتهي إليه ، وأكون أمام الصحابة وبني هاشم قد جعلتها شورى ، لذلك قلت لمن كان عندي : إنّ رسول الله مات وهو راض عن هؤلاء الستّة من قريش : علي ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وعبد الرحمن بن عوف.
    وقد رأيت أن أجعلها شورى بينهم على طريقتي ، ليختاروا بأنفسهم ، ثمّ قلت لهم : أكلكم يطمع في الخلافة بعدي! فوجموا ، فقلتها لهم ثانية ، فأجابني الزبير وقال : وما الذي يبعدنا منها! وليتها أنت فقمت بها ، ولسنا دونك في قريش ولا في السابقة ولا في القرابة.
    فغضبت منه; لأنّه ذكّرني بوضعي في قريش سابقاً ، وإنّهم أسمى منّي وأقدم مني إسلاماً.
    فقلت لهم : أفلا أخبركم عن أنفسكم!
    فقال الزبير : قل ، فإنّا لو استعفيناك لم تعفنا.
    فقلت : أمّا أنت يا زبير فوعق لَقِس ضجر مبرم لا تستقيم على وجه ، مؤمن الرضى ، كافر الغضب ، يوماً إنسان ويوماً شيطان ، ولعلّها

    لو أفضت إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مُدٍّ من شعير! أفرأيت إن أفضت إليك! فليت شعري ، من يكون للناس يوم تكون شيطاناً؟ ومن يكون يوم تغضب؟ وما كان الله ليجمع لك أمر هذه الأُمّة وأنت على هذه الصفة.
    ـ ثم أقبلت على طلحة ـ وكنت مبغضاً له منذ قال لأبي بكر يوم وفاته ما قاله عني ـ فقلت : أقول أم أسكت؟
    فقال : قل ، فإنّك لا تقول من الخير شيئاً.
    فقلت : أمّا أنّي أعرفك منذ أصيبت اصبعك يوم أحد والبأو ( الكبر والفخر ) الذي حدث لك ، ولقد مات رسول الله ساخطاً عليك بالكلمة التي قلتها يوم أنزلت آية الحجاب!
    فقد قال طلحة بمحضر ممّن نقل عنه إلى رسول الله : ما الذي يغنيه حجابهن اليوم! وسيموت غداً فننكحهن.
    ـ ثمّ قلت لعبد الرحمن بن عوف : وأمّا أنت يا عبد الرحمن ، فلو وزن نصف إيمان المسلمين بإيمانك لرجح إيمانك به ، ولكن ليس يصلح هذا الأمر لمن فيه ضعف كضعفك ، وما لزهرة وهذا الأمر!
    ـ ثمّ أقبلت على عليّ : فقلت له : لله أنت لولا دعابة فيك! أما والله لئن وليتهم لتحملنهم على الحقّ الواضح ، والمحجة البيضاء.
    ـ ثمّ أقبلت على عثمان فقلت له : هيهاً إليك! كأنّي بك قد قلدتك

    قريش هذا الأمر لحبها إياك ، فحملت بني أُميّة وبني أبي معيط على رقاب الناس ، وآثرتهم بالفيء.
    ثمّ قلت : ادعوا إليّ أبا طلحة الأنصاري ، فدعوه لي ، فقلت له : انظر يا أبا طلحة ، إذا عدتم من حفرتي ، فكن في خمسين رجلاً من الأنصار حاملي سيوفكم ، فخذ هؤلاء النفر بإمضاء الأمر وتعجيله ، واجمعهم في بيت ، وقف بأصحابك على باب البيت ليتشاوروا ويختاروا واحداً منهم ، فإن اتفق خمسة وأبى واحد فاضرب عنقه ، وإن اتفق أربعة وأبى اثنان فاضرب أعناقهما ، وإن اتفق ثلاثة وخالف ثلاثة فانظر الثلاثة التي فيها عبد الرحمن بن عوف ، فارجع إلى ما قد اتفقت عليه ، فإن أصرّت الثلاثة الأُخرى على خلافها فاضرب أعناقها ، وإن مضت ثلاثة أيام ولم يتفقوا على أمر فاضرب أعناق الستّة ودع المسلمين يختاروا لأنفسهم (1).
    وهنا وبهذا الترتيب قد أخرجت عليّاً من الخلافة وضمنتها لعثمان دون أن أذكره بالاسم!
    لأنّ طلحة من بني تيم ، وبني تيم صار بينها وبين بني هاشم ضغن من عدم مبايعة علي لأبي بكر وطعنه فيه.
    وسعد بن أبي وقاص ابن عمّ عثمان ، وسوف يقف معه.
    ____________
    1 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 8 : 187.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Empty
    مُساهمةموضوع: رد: افادات من ملفات التاريخ محمد سليم   افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Emptyالثلاثاء أكتوبر 22, 2024 4:25 pm

    وعبد الرحمن بن عوف صهر عثمان أيضاً.
    ولم يبق مع علي إلاّ الزبير! وحتى لو كان طلحة مع علي فلن يغني عنه شيئاً; لأنّ الغلبة تكون للجهة التي يكون فيها عبد الرحمن بن عوف.
    وإن اختلفوا جميعاً ولم يتفقوا قتلوا جميعاً وقتل عليّ ولم تصل له الخلافة ، وبذلك تكون الخلافة قد خرجت من بني هاشم أيضاً.
    ـ وهكذا تمّ الأمر ووصلت الخلافة إلى عثمان ( وبني أُميّة ) ، لذلك نكتفي بالأسئلة الموجهة لعمر بن الخطاب الخليفة الثاني ، ونأتي الآن إلى الخليفة الثالث الذي وصل إلى الخلافة بنصّ من عمر ، ولكن بعد أمر دبر بليل كما يقول المثل.


    حوار مع عثمان بن عفان ( الخليفة الثالث )
    شورى عمر المعهودة.
    معارضة الصحابة.
    أبرز معارضي عثمان.
    ابن السوداء.
    نهاية أمر عثمان.


    حوار مع عثمان بن عفان ( الخليفة الثالث )
    س 1 ـ هل يمكننا أن نتعرّف عليك؟
    ج ـ اسمي عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أُميّة بن عبد شمس ابن عبد مناف ، وكنيتي ( أبو عمرو ) ، وأُمّي أروى بنت كريز بن ربيعة ابن حبيب بن عبد شمس (1).
    أسلمتُ بعد ستة أو سبعة نفر من الصحابة; لأنّ أبا بكر بعد أن أسلم صحبني إلى الرسول وأسلمت على يديه.
    خرجت مع رسول الله في معظم غزواته.
    ولم أثبت في معركة!
    ولم أكن بالقوّي الذي يذكر في ميدان القتال!
    فقد هربت يوم أحد! ويوم حنين ، وقد عاتبني رسول الله لأنّي لم أعد إلاّ بعد ثلاثة أيام من انتهاء معركة أحد قائلا : لقد ذهبت بها
    ____________
    1 ـ الإصابة لابن حجر 4 : 378 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 : 198.

    عريضاً يا عثمان (1).
    س 2 ـ كيف وصلت إلى الخلافة؟
    ج ـ لقد وصلت إلى الخلافة بتدبير من عمر أو قُل : بوصيّة منه ولكن مموهة ، وكنت لا أشكّ بأنّي الخليفة الثالث منذ مات أبو عبيدة ابن الجراح; لأنّ المتتبع لأمر السقيفة يعلم أنّ الخطة كانت أن يتولوا الخلافة بالتتالي ، وأنا أوّل من بايع من المهاجرين عندما دخل أبو بكر وعمر إلى المسجد ، فبايع بنو أُميّة ، ثمّ تتابع الناس ولم أعارض أي عمل فعله صاحباي (2).
    وقد كنت موضع سرّ أبي بكر ، فأنا كاتب وصيته ، وقد قال لي أبو بكر عندما كتبت اسم عمر :
    « والله لو كتبت نفسك لكنت أهلاً لها » (3).
    وكنت موضع سرّ عمر أيضا ، فكان الناس إذا أرادوا أن يسألوا عمر شيئاً رموه بي ، كنت اُدعى في إمارة عمر بالرديف ، والرديف
    ____________
    1 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 : 21 ، الاستيعاب لابن عبد البرّ 3 : 1074 ، أسد الغابة لابن الأثير 3 : 419 ، البداية والنهاية لابن كثير 4 : 22.
    2 ـ تقدّم التخريج.
    3 ـ كنز العمال للمتقي الهندي 5 : 678 ، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 29 : 185 ، تاريخ المدينة لابن شيبة 2 : 667.

    بلسان العرب : الرجل الذي بعد الرجل ، والعرب تقول ذلك للرجل الذي يرجونه بعد زعيمهم.
    شورى عمر المعهودة :
    س 3 ـ ماذا حصل يوم الشورى المعهودة؟
    ج ـ بعد دفن عمر ، جمعنا أبو طلحة الأنصاري ووقف على باب البيت في خمسين من الأنصار حاملي السيوف كما أمرهم عمر ، ثمّ تكلّمنا وتنازعنا ، فأوّل ما عمل طلحة أنّه أشهدنا على نفسه أنّه وهب حقّه من الشورى لي ، وذلك لعلمه أنّ الناس لا يعدلون بعلي أو بي أحداً ، وأن الخلافة لا تخلص له ونحن موجودان ، فأراد تقوية أمري وإضعاف جانب عليّ بهبة أمر لا انتفاع به ولا تمكن له فيه.
    وهنا قال الزبير في معارضته : وأنا أشهدكم على نفسي أنّي قد وهبت حقّي من الشورى لعليّ.
    وإنّما فعل ذلك لما رأى عليّاً قد ضعف وانخذل بهبة طلحة حقّه لي. دخلته حمية النسب; لأنّه ابن عمّة علي وهي صفية بنت عبد المطلب وأبو طالب خاله. وإنّما مال طلحة لي لانحرافه عن علي ، باعتبار أنّه تيمي ، وابن عمّ أبي بكر ، وقد كان حصل في نفوس بني هاشم من بني تيم شق شديد لأجل الخلافة ، وكذلك صار في صدور

    تيم على بني هاشم ، وهذا مركوز في طبيعة البشر ، وخصوصاً طينة العرب وطباعها ، والتجربة إلى الآن تحقّق ذلك ، فبقي من الستّة أربعة.
    ـ فقال سعد بن أبي وقاص : وأنا قد وهبت حقّي من الشورى لابن عمّي عبد الرحمن ، وذلك لأنهما من بني زهرة ، ولعلم سعد أنّ الأمر لا يتمّ له. فلم يبقى إلاّ ثلاثة أنا وعلي وعبد الرحمن.
    فقال عبد الرحمن لعلّي ولي : أيكما يخرج نفسه من الخلافة ويكون إليه الاختيار في الاثنين الباقيين؟
    فلم يتكلّم منّا أحد.
    فقال عبد الرحمن : أشهدكم أنني أخرجت نفسي من الخلافة على أن أختار أحدكما ، فأمسكنا ، فبدأ بعليّ وقال له : أُبايعك على كتاب الله وسنّة نبيّه وسيرة الشيخين أبي بكر وعمر.
    فقال : بل على كتاب الله وسنّة رسوله واجتهاد رأيي.
    فعدل عنه إليّ فعرض ذلك عليَّ ، فقلت : نعم.
    فعاد إلى عليّ فأعاد قوله ، فعل ذلك عبد الرحمن ثلاثاً ، فلمّا رأى أنّ عليّاً غير راجع عمّا قاله وأنّي أنعم له بالإجابة ، صفق على يدي وقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين.
    فقال عليّ : والله ما فعلتها إلاّ لأنّك رجوت منه ما رجا صاحبكما

    من صاحبه ، دقّ الله بينكما عطر منشم.
    ( منشم : اسم امرأة كانت بمكّة عطّارة ، وكانت خزاعة وجرهم إذا أرادوا القتال تطيّبوا من طيبها ، وكانوا إذا فعلوا ذلك كثرت القتلى فيما بينهم ، فكان يقال أشأم من عطر منشم ) (1).
    قيل : ففسد بعد ذلك بين عثمان وعبد الرحمن ، فلم يكلّم أحدهما صاحبه حتى مات عبد الرحمن.
    س 4 ـ يقول الحسن البصري : إنّه شهدك تخطب على المنبر بعد أن تولّيت الخلافة تقول : أيّها الناس ، اغدوا على أعطياتكم فيأخذونها وافية ، أيها الناس اغدوا على كسوتكم فيغدون ، فيجاء بالحلل فتقسم بينهم ، حتى والله سمعت إذناي : يا معشر المسلمين اغدوا على السمن والعسل فيغدون فيقسمون بينهم السمن والعسل ، ثمّ يقول : يا معشر المسلمين اغدوا على الطيب وما على الطيب والمسك والعنبر ، والعدوان والله متّقي ، والأعطيات دارّة والخير كثير ، وما على الأرض مؤمن يخاف مؤمناً ... فماذا حصل بعد ذلك ، ولماذا أنكر عليك الناس ما يعدّ أشرا وبطرا؟ (2)
    ____________
    1 ـ لسان العرب 12 : 577.
    2 ـ الإمامة والسياسة 1 : 31 ، تاريخ المدينة لابن شيبة 3 : 1023 ، مجمع الزوائد للهيثمي 9 : 94.

    معارضة الصحابة :
    ج ـ عند وصولي إلى الخلافة وتوزيعي الأعطيات سُرّ الناس ، لأنّهم كانوا يعيشون شظف العيش على عهد أبي بكر وعمر ، ودخل السرور إلى قلوب قريش وفي مقدّمتهم بني أُميّة; لأنّها وصلت أخيراً إلى ما كانت تطمح له من قبل الرسالة ، وهو شرف قيادة العرب وإقصاء بني هاشم عن هذا الشرف ، وممّا يؤكد ذلك أنّ أبا سفيان دخل علىّ مرة وكان قد كفّ بصره ، فقال : هل هنا أحد.
    فقالوا له : لا.
    فقال : صارت إليك بعد تيم وعدي ، فأدرها كالكرة ، فإنّما هو الملك ، ولا أدري ما جنّة ولا نار!!
    وقال بعبارة أُخرى : « تلقفوها تلقف الكرة فما هناك جنة ولا نار » (1).
    « يا بني أُميّة تلقفوها تلقف الكرة ، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم ، ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة » (2).
    وقال بعبارة أُخرى : «اللهمّ اجعل الأمر أمر جاهلية ، والملك ملك
    ____________
    1 ـ تاريخ الطبري 8 : 185 ، النزاع والتخاصم للمقريزي : 59.
    2 ـ مروج الذهب 1 : 440 ، نقلا عن الغدير للأميني 8 : 278.

    غاصبية ، واجعل أوتاد الأرض لبني أُميّة » (1).
    وهذه كانت البداية ، وقد كان أبو سفيان مستشاري ، وقد استمعت لنصيحته فولّيت بني أُميّة الولايات فأعطيتهم الأعطيات فمثلا :
    ـ وهبت خمس أفريقيا لمروان بن الحكم.
    ـ وأدخلت الوليد بن عقبة الفاسق بنصّ الآية ( اِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإ ) (2) ، وولّيته على الكوفة.
    ـ وقربت بني عمومتي ، أنشأت لهم العمل والولايات وهم أحداث غلمة لا صحبة لهم مع رسول الله.
    ـ وتركت المهاجرين والأنصار لا أستعملهم على شيء ولا أستشيرهم واستغني برأيي عن رأيهم.
    وما كان من الحمى حول المدينة ، ومن إدارة القطائع والأرزاق والأعطيات على أقوام بالمدينة ليست لهم صحبة من النبيّ ولا يغزون ولا يذبون (3).
    وقد كان هذا لصلة رحمي ، وأني كنت كبير السنّ وقد قرّبتهم منّي لمشاورتي ، وليكن الأمر لهم من يحركون الأمور دون الرجوع إليّ ،
    ____________
    1 ـ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 23 : 471.
    2 ـ الحجرات : 6.
    3 ـ الإمامة والسياسة 1 : 35.

    وهذا لم يرق لكثير من الصحابة الذين هضم حقّهم ورأوا أنّني قد بدلّت ما كان من سيرة أبي بكر وعمر وبدأوا بالطعن عليَّ.
    س 5 ـ هذا يعني أنّهم لم يطعنوا عليك لتغييرك سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل لانحرافك عن سنّة الشيخين ، وبسبب تصرّفك في الأعطيات والمنح في بني عمومتك ومنعها عن الصحابة؟!
    ج ـ هذا صحيح; لأنّي لم أُخالف صاحبي في أمر سنّة رسول الله ، فقد كنت منعت كتابتها كما منعاها ، ولم تكن هناك سنّة مكتوبة على عهدي لكي أحرقها; لأنّ من كان قبلي قد سبقني إلى حرقها ، ولكن كنت قد خالفتهم في اجتهاداتهم ، ولكن طعنهم عليّ في أُمور قد فعلها عمر من قبلي ، ولكن لم يقفوا في وجهه; لأنّه كان يسكتهم ، فقد أعطى ومنع وحمل عليهم بالدرة.
    وقد قمت خطيباً بعدما طعنوا عليّ فقلت : أمّا بعد أيّها الناس ، فإنّ لكلّ شيء آفة ولكل نعمة عاهة ، وإنّ آفة هذا الدين وعاهة هذا الملّة قوم عيّابون طعّانون ، يرونكم ما تحبون ، ويسرون ما تكرهون ، أما والله يا معشر المهاجرين والأنصار ، لقد عبتم عليَّ أشياء ونقمتم أموراً قد أقررتم لابن الخطّاب مثلها ، ولكنّه وقمكم وقمعكم.
    ( وفي الطبري : ولكنّه وطأكم برجله وضربكم بيده وقمعكم بلسانه ، فدفعتم له على ما أحببتم أو تكرهون ).

    ولم يجترئ أحد يملأ بصره منه ولا يشير بطرفه إليه ، أما والله لأنا أكثر من ابن الخطاب عدداً ، وأقرب ناصراً وأجدر ... أتفقدون من حقوقكم شيئاً؟
    فما لي لا أفعل في الفضل ما أريد ، فلم كنت إماماً إذاً؟
    أما والله ما عاب عليَّ من عاب منكم أمراً أجهله ، ولا أتيت الذي أتيت إلاّ وأنا أعرفه (1).
    يعني أنّي كنت قد أعطيتهم ما كان يعطيهم عمر وأكثر ، وما بقي كنت أعطيه لقرابتي ، وهذا صلة لرحمي واجتهاد منّي.
    س 6 ـ هل تقصد أنّك لم تجتهد برأيك في مقابل النصوص ، وأنّ كلّ من وقف ضدّك كان من أجل توزيعك المال على أقربائك فقط؟
    ج ـ بلى ، كنت قد خالفت السنن المعروفة باجتهادات من عندي ، ولكن لم يقف في وجهي لمخالفتي هذه السنن إلاّ عليّ ومن شايعه; لأنّه كان يعلم بالسنن ، أمّا بقية الصحابة فلم يكترثوا باجتهاداتي; لأنّهم ألفوها على عهد أبي بكر وعمر ، وإنّما طعنوا بي لأنّي عزلتهم عن الأُمور السياسية وولّيت بني عمومتي.
    والدليل على ذلك أنّ هؤلاء الصحابة حضروا كثيراً من المواقف التي أحدثت فيها :
    ____________
    1 ـ تاريخ الطبري 3 : 377.

    ( كإتمام صلاة السفر ، ومنعي من التلبية ، وتركي للتكبير في الصلاة ، ومنعي من التمتع في الحجّ ) فلم ينكر عليَّ غير عليّ بن أبي طالب (1).
    ـ واعتللت وأنا بمنى ، فأتى عليّ ، فقيل له : صلّ بالناس.
    فقال علي : إن شئتم ، ولكن أُصلّي لكم صلاة رسول الله ، يعني ركعتين!
    فقالوا : لا ، إلاّ صلاة أمير المؤمنين عثمان أربعاً ، فأبى عليّ أن يصلي بهم (2).
    ـ واجتمعت أنا وعليّ في مكّة والمدينة ، وأنا أنهى عن المتعة وأن يجمع بينهم ( أي الحجّ والعمرة ) ، فلمّا رأى ذلك عليّ أهلّ بهما جميعاً قائلا : لبيك عمرة وحجّة معاً.
    ____________
    1 ـ قال عبدالرحمن بن يزيد : كنّا مع عبدالله بن مسعود ، فلمّا دخل مسجد منى قال : كم صلّى أمير المؤمنين عثمان؟ قال أربعاً ، فصلى أربعاً. قال : فقلنا : ألم تحدثنا أنّ النبيّ صلّى ركعتين وأبو بكر صلى ركعتين؟! فقال : بلى وأنا أحدّثكم الآن ، ولكن عثمان كان إماماً فما أخالفه والخلاف شرّ. السنن الكبرى للبيهقي 3 : 144 ، سنن أبي داود 1 : 438.
    يا للعجب من هذا الصحابي عبدالله بن مسعود إذ يرى في خلاف عثمان شرّاً ، ويرى في خلاف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّ الخير.
    2 ـ المحلّى لابن حزم 4 : 270.

    فقلت له : تراني أنهى الناس عن شيء وتفعله أنت؟
    فقال عليّ : لم أكن لأدع سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لقول أحد (1).
    لذلك ترى أن من وقف ضدّي من الصحابة غير عليّ لم يقفوا لتغييري في سنّة رسول الله كما قلت ، ولكن لتقصيري عليهم في المنح وعزلي لهم عن المناصب.
    أبرز معارضي عثمان :
    س 7 ـ من كان أبرز معارضيك ، ولماذا وقفوا ضدّك؟
    ج ـ 1 ـ عائشة بنت أبي بكر : لقد كانت عائشة على عهد أبيها وصاحبه شريكتهم في المشاورة بأمر السياسة والحكم ، فكلّ ما يقومان به لديها حديث يؤكّده أو تأويل يدعمه ، لذلك برزت في أيامهم وخبا نجم باقي نساء الرسول ، وقد زاد عمر في عطائها عن جميع نساء النبيّ ، فقسّم لكلّ واحدة بعشرة آلاف دينار وهي باثني عشر ألف دينار ، وأيضاً كانت في أوّل أمري تساعدني وتدافع عنّي وتتأوّل لي ، مثل إتمامها صلاة السفر (2).
    ____________
    1 ـ صحيح البخاري 2 : 151 ، كتاب الحجّ ، باب التمتع والأقران.
    2 ـ أخرج البخاري في صحيحه 2 : 36 ، كتاب الكسوف ، باب صلاة التطوع عن عائشة أنّها قالت : « الصلاة أوّل ما فرضت ركعتان فأقرت صلاة السفر

    حتى جاء يوم وأتتني طالبة إرثها من رسول الله وقد كنت مستلقياً في داري ، وعندما قالت : أنّها تريد إرثها من رسول الله ، عدلت جلستي وضربت على ركبتي وقلت : فلتعلمن فاطمة أي ابن عمّ أنا لها اليوم؟
    وقلت لها : إنّ فاطمة أتت أباك وطالبته فقال : إن رسول الله قال : نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، وقد أيدتِ ما فعلاه وكنت معهم فيه ، والآن تطلبين مني هذا؟ لا والله.
    فخرجت وأخرجت من دارها قميص رسول الله وقالت : لقد بدلّ عثمان وأبلى سنّة رسول الله قبل أن يبلى قميصه ، اقتلوا نعثلاً فقد كفر! (1)
    2 ـ طلحة بن عبد الله : لقد انضم طلحة إليَّ وبايعني بالخلافة ، وقد أغدقت عليه بالأعطيات والمنح بدون حساب ، فكثرت أمواله ومواشيه وعبيده ، حتى بلغ غلته من العراق وحده كلّ يوم ألف دينار (2).
    ____________
    وأتمت صلاة الحضر ، قال الزهري : فقلت لعروة : ما بال عائشة تتمّ؟
    قال : تأوّلت كما تأوّل عثمان.
    1 ـ الإمامة والسياسة : 70 ـ 71.
    2 ـ قال ابن سعد في طبقاته 3 : 222 ، كانت قيمة ما ترك طلحة بن عبد اللّه من

    لكلّ ذلك طغى طلحة وتجبّر وبدأ يؤلّب الناس ليطيح بي ويأخذ مكاني ، وقد كان من أشدّ المحرّضين عليّ ، حتى منعني من شرب الماء أيام الحصار وقد قلت في ذلك : « ويلي على ابن الحضرميّة ( طلحة ) أعطيته كذا وكذا بهاراً ذهباً وهو يروم دمي ويحرض على نفسي ، اللهمّ لا تمتّعه به واقب بغيه » (1).
    وقد كانت عائشة عندما بلغها مقتل عثمان وأنّ الناس قد بايعوا طلحة فرحت فرحاً شديداً.
    وقالت : « بعداً لنعثل وسحقاً ، إيه ذا الإصبع ، إيه أبا شبل ، إيه ابن عمّ ، لله أبوك ، أما إنّهم وجدوا طلحة لها كفؤاً » (2).
    3 ـ الزبير بن العوّام : لن أتكلم عنه كثيراً ، ولكن كان مرتبطاً مع طلحة ، فلا يُذكر طلحة إلاّ والزبير معه ولا الزبير إلاّ وطلحة معه ، وهو أيضاً ممّن تنافسوا في الدنيا وملؤوا منها البطون ، فقد بلغت تركته ألف دينار وألف فرس وألف عبد ، وضياعاً كثيرة في البصرة والكوفة وفي مصر ، ويروي البخاري أنّه خلّف في تركته خمسين ألف ألف
    ____________
    العقار والأموال وما ترك من الناضح ثلاثين ألف ألف درهم ، وترك من العين ألفي ألف ومائتي ألف درهم ومائتي ألف دينار ، والباقي عروض ».
    1 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9 : 35.
    2 ـ أنساب الأشراف للبلاذري : 217 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6 : 215.

    ومائتي ألف دينار (1).
    وقد كان مع طلحة في إمالة الناس عنّي.
    4 ـ عمرو بن العاص : وكان والياً لمصر بعهد عمر ، فأقريته كما أقريت غيره من عمّال عمر وقتاً ما ، ولكن العام الأوّل من ولايتي لم يكد ينتهي حتى جعلت قرابتي تنظر إلى مصر نظرة لا تخلو من طمع فيها وطموح إليها ، فقد أغار عمرو على إفريقية فأصاب شيئاً من غنيمة ثمّ رجع ، فكففت يده عن هذا الغزو وأرسلت إلى إفريقية جيشا لا يذعن لسلطان عمرو في مصر وإنّما يتصل مباشرة بالمدينة ، متخطياً عمراً على غير المألوف ، وأمرّت على هذا الجيش عبد الله ابن أبي سرح ، وقلت له : إن فتحت إفريقية فلك خمس الخمس من الغنيمة ، ولذلك غضب عمرو بن العاص ، لأنّي خسيت به عن نظرائه من العمال.
    وممّا أجج الموضوع أكثر توليتي لعبد الله بن سعد بن أبي سرح لخراج مصر وتركي لعمرو صلاتها وحربها ، وعندما نشب الخلاف بين الاثنين عزلت عمرو وجمعت لعبد الله صلاة مصر وحربها إلى ما كان عليه من الخراج ، لذلك أصبح عمرو بن العاص عدوا لدودا وممّن كان له الباع الأكبر في قتلي.
    ____________
    1 ـ صحيح البخاري 4 : 52 ، كتاب الجهاد والسير.

    وكان يحرّض الناس على قتلي والتشنيع عليَّ وكان يقول : والله إنّي كنت لألقى الراعي فأحرضه على عثمان.
    وعندما علم بقتلي قال : أنا أبو عبد الله ، ما حككت قرحة إلاّ أدميتها (1).
    على أي حال ، فإنّ من وقف ضدّي كان ممّن أغدقت عليه بالمنح والعطايا ، حتى معاوية الذي بسطت يده على بلاد الشام وما حولها وأطلقت يده فيها ، فعند علمه بمحاصرتي بعث بجيشه إلى المدينة وأمرهم ألاّ يدخلوا ، بل أن يعسكروا خارج المدينة ، وعندما علموا بموتي رجعوا إلى الشام ، فهو كان يريد موتي ليخلوا له الأمر من بعدي ، وإلاّ كان باستطاعته أن يدخل ويفكّ الحصار عنّي ويخلّصني (2).
    ابن السوداء :
    س 8 ـ من هو ابن السوداء ، والذي يقولون إنّه كان من المؤلّبين عليك؟
    ج ـ أطلق اسم : العبد الأسود أو ابن السوداء على عمّار بن ياسر ،
    ____________
    1 ـ تاريخ الطبري 3 : 392 ـ 395.
    2 ـ تاريخ الطبري 3 : 402.

    وأوّل من أطلقه هو مروان بن الحكم ، وذلك عندما اجتمع الناس من أصحاب الرسول وكتبوا كتاباً ذكروا فيه ما أنكر الناس عليَّ من الأُمور التالية :
    1 ـ هبتي خمس إفريقية لمروان بن الحكم ، وفيه حقّ الله والرسول ، وفيهم ذوو القربى واليتامى والمساكين.
    2 ـ التطاول في البنيان حتى عدوا سبع دور بنيتها في المدينة ، داراً لنائلة ، وداراً لعائشة وغيرهم من أهلي وبناتي.
    3 ـ بنيان مروان القصور بذي الخشب ( موضع بالمدينة ).
    4 ـ عمارة الأموال بها من الخمس الواجب لله ورسوله.
    5 ـ وما كان من إفشاء العمل والولاية في أهلي وبني عمومتي من بني أُميّة وهم غلمة لا صحبة لهم مع الرسول.
    6 ـ وما كان من الوليد بن عقبة إذ صلّى بهم الصبح وهو سكران أربع ركعات ، ثمّ قال لهم : إن شئتم أزيدكم صلاة زدتكم ، وإنّي لم أقم عليه الحدّ.
    7 ـ تركي المهاجرين والأنصار لا أستعملهم على شيء ولا أستشيرهم.
    8 ـ وما كان من الحمى الذي حمى حول المدينة ..
    9 ـ إدرار القطائع والأرزاق والأعطيات على أقوام بالمدينة

    ليست لهم صحبة من رسول الله ، ثمّ لا يغزون ولا يذبّون.
    10 ـ مجاوزتي الخيزران إلى السوط ، وإنّي أوّل من ضرب بالسياط ظهور الناس.
    ثمّ تعاهد القوم ليدفعن الكتاب في يدي ، وكان ممّن حضر عمّار ابن ياسر ، والمقداد بن الأسود ، وكانوا عشرة ، فلمّا خرجوا بالكتاب ليدفعوه لي والكتاب بيد عمّار ، جعلوا يتسللون عن عمّار حتى بقي وحده.
    فمضى حتى جاء إلى داري فأستأذن عليَّ فأذنت له في يوم شات ، فدخل عليَّ وعندي مروان بن الحكم وأهلي من بني أُميّة ، فدفع الكتاب فقرأته.
    فقلت له : أنت كتبت هذا.
    قال : نعم.
    قلت : ومن كان معك؟
    قال : كان معي نفر تفرّقوا خوفاً منك.
    قلت : من هم؟
    قال : لا أخبرك بهم.
    قلت : فلم اجترأت عليَّ من بينهم؟
    فقال مروان : يا أمير ، إنّ هذا العبد الأسود قد جرأ عليك ، وإنّك إن

    قتلته نكلت به من ورائه.
    فقلت : اضربوه فضربوه وضربته معهم حتى فتق بطنه ، فغشي عليه ، فجروه حتى طرحوه على باب الدار (1).
    وهكذا ، فإنّ مروان بن الحكم هو أوّل من أطلق هذا الاسم على عمّار بن ياسر.
    س 9 ـ لكن يقولون إنّ ابن السوداء هذا يهوديّ ، ويُدعى عبد الله ابن سبأ ، وقد كان يفتن الناس عنك في مصر والشام والعراق وأججّ الناس ثمّ أتى إلى المدينة ، فما تقول؟
    ج ـ أنا لم أسمع بوجود شخص يحمل هذا الاسم في أيامي ، ولو كان موجوداً لأحضره لي معاوية ، كما أحضر أبا ذر ونبذته إلى الربذة.
    فلن يكون هذا المزعوم أعظم عندي من صاحب رسول الله أو من عمّار بن ياسر الذي ضربته مع القوم حتى فتق بطنه ، أو من عبد الله ابن مسعود ، وقد قتله عبد الله بن أبي سرح في مصر ، فلن يكون هذا اليهودي الذي يزعم به أعزّ عليَّ من محمّد بن أبي بكر أو محمّد ابن أبي حذيفة الذي كان يريد أن يفتك بهما لولا منعي له.
    ____________
    1 ـ الإمامة والسياسة 1 : 51.

    نهاية أمر عثمان :
    س 10 ـ كيف كانت نهاية هذا الأمر؟
    ج ـ اشتدّ الطعن عليَّ ، وذلك بسبب عبد الله بن أبي سرح ، فقد طلب أهل مصر تغييره فقلت : اختاروا رجلاً نولّيه على مصر ، فاختاروا محمّد بن أبي بكر ، ورضي الناس ، وعندما أرسلت محمّد ابن أبي بكر برسالة إلى عبد الله بن أبي سرح بطلب منه أن يقتل محمّد بن أبي بكر ومن معه ويقرّه على عمله ، وأُلقي القبض على حامل الرسالة وكان الكتاب بخاتمي ، وطالبت الجماهير الثائرة بمروان ، فأبيت أن أُسلّمه وتجمّعوا حول الدار ومنعوا عنّي الماء ، وبعث لي علي بالحسنين ليوصلا الماء لي وليحمياني ، لكنّ الثائرين تسوّروا الدار ودخلوا عليّ وقتلوني (1).
    ____________
    1 ـ تاريخ الطبري 3 : 402 ـ 410.


    حوار مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام
    ( الخليفة الرابع )
    استسلام عائشة لعواطفها.
    آية الإنذار.
    حديث الثقلين.
    آية المودة.
    آية المباهلة.
    حديث المنزلة.
    حديث السفينة.
    آية التبليغ.
    آية الولاية.
    انقسام الأُمّة الإسلاميّة.


    حوار مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام الخليفة الرابع
    س 1 ـ هل يمكننا أن نتعرّف عليكم؟
    ج ـ أنا أبو الحسن علي بن أبي طالب ـ واسمه عبد مناف ـ بن عبد المطلب ـ واسمه شيبة الحمد ـ بن هاشم ( عمرو ) بن عبد مناف ابن قصي.
    وكان ابني الحسن يدعوني في حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أبا الحسين.
    ويدعوني الحسين أبا الحسن.
    وكانا يدعوان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أباهما.
    فلمّا توفّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دعواني بأبيهما.
    وكنّاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأبي تراب ، وكان قد وجدني نائماً على تراب قد سقط عنّي ردائي وأصاب التراب جسدي ، فجاء حتى أيقظني ، وجعل يمسح التراب عن ظهري.
    ويقول لي : اجلس ، إنّما أنت أبو تراب ، فكانت من أحبّ الأسماء

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Empty
    مُساهمةموضوع: رد: افادات من ملفات التاريخ محمد سليم   افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Emptyالثلاثاء أكتوبر 22, 2024 4:27 pm

    التي كنتُ أفرح إذا دُعيت بها (1).
    وكانت بنو أُميّة ترغّب خطباءها أن يسبّوني بها على المنابر ، وجعلوه نقيصة لي ووصمة عليَّ ، فكأنّما كسوني بها الحلي والحلل ، كما قال الحسن البصري (2).
    وكان اسمي الأوّل الذي سمّتني به أمي ( حيدرة ) باسم أبيها أسد بني هاشم.
    والحيدرة : هو الأسد ، فغيّر أبي اسمي وسمّاني عليّاً (3).
    ودُعيت بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بوصيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لوصيّته إليّ بما أراد.
    وأُمّي : فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ، وهي أوّل هاشمية ولدت لهاشمي ، وكنت أصغر بنيها ، وجعفر أسنّ منّي بعشر سنين ، وطالب أسنّ من عقيل بعشر سنين ، وفاطمة بنت أسد أُمّنا جميعاً.
    وأُمّي فاطمة أسلمت بعد عشرة من المسلمين ، فكانت الحادية
    ____________
    1 ـ صحيح البخاري 4 : 208 ، كتاب فضائل الصحابة ، باب مناقب علي بن أبي طالب.
    2 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 : 12.
    3 ـ شرح صحيح مسلم للنووي 12 : 185.

    عشرة ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يكرمها ويعظمها ويدعوها ( أُمّي ).
    وأوصت إليه حين حضرتها الوفاة ، فقبل وصيتها ، وصلّى عليها ونزل في لحدها وأضطجع فيه قبل دفنها ، ثمّ البسها قميصه.
    فقال له أصحابه : إنّا ما رأيناك صنعت يا رسول الله بأحد ما صنعت بها ، فقال : « إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرّ بي منها ، إنّما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة ، وأضطجعت معها ليهون عليها ضغطة القبر » (1).
    وفاطمة أُمّي هي أوّل امرأة بايعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من النساء (2) ، ولِدْتُ في الكعبة ، وأنا أوّل وآخر إنسان يولد بها منذ بناها نبيّ الله إبراهيم عليه‌السلام للناس.
    وعندما صار عمري ستّ سنوات أصاب قريشاً قحط ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعمّيه حمزة والعباس : « ألا نحمل ثقل أبي طالب في هذا المحل » ، فجاؤوا إليه وسألوه أن يدفع إليهم ولده ليكفّوا أمرهم ، فقال : دعوا عقيلا وخذوا من شئتم ، فأخذ العباس طالباً ، وأخذ حمزة جعفراً ، وأخذني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال لهم : « قد اخترت من
    ____________
    1 ـ الاستيعاب لابن عبد البرّ 4 : 189 ، أسد الغابة لابن الأثير 5 : 517 ، سير أعلام النبلاء للذهبي 2 : 119.
    2 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 : 14.

    اختاره الله لي عليكم ـ عليّاً » (1).
    فكنت في حجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منذ كان عمري ستّ سنوات.
    لذلك عبدت الله قبل أن يعبده أحد من هذه الأُمّة سبع سنين ، وقد كنت أسمع الصوت وأبصر الضوء سنين سبعاً ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حينئذ صامت ما أُذن له في الإنذار والتبليغ.
    وذلك لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أظهر دعوته وعمري ستّ سنوات ، لذلك عبدت الله قبل الناس أجمعهم ـ إلاّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخديجة ـ بسبع سنين (2).
    قاتلت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في كلّ معاركه وغزواته إلاّ غزوة تبوك ، فقد استخلفني في أهله فقلت : أتخلّفني في الصبيان والنساء؟
    فقال : « ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي » (3).
    س 2 ـ مولاي أمير المؤمنين ، سؤالي التالي ليس سؤال مستنكر
    ____________
    1 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 : 15.
    2 ـ سنن ابن ماجه 1 : 44 وقال المحقّق : « في الزوائد : هذا إسناد صحيح ، رجاله ثقات. رواه الحاكم في المستدرك عن المنهال وقال : صحيح على شرط الشيخين ».
    3 ـ صحيح البخاري 4 : 208 ، و 5 : 129 ، صحيح مسلم 7 : 120 و 121 ، كتاب الفضائل ، باب فضائل علي ( رضي الله عنه ).

    ولكن سؤال مستفهم ، وناقل الكفر ليس بكافر فبعد الإذن منك ، يقول إخواني من المسلمين بأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يوصِ لك بشيء ، ويستدلون على ذلك بحديث أُمّ المؤمنين عائشة وهي كما يقولون أحبّ زوجاته إليه وأفضلهن تقول : لقد رأيت النبيّ وإنّي لمسندته إلى صدري فدعا بالطست ، فأنخنث فمات .. فكيف أوصى إلى عليّ؟ (1)
    ج ـ أوّلا : إنّ لأُمّ المؤمنين عائشة فضلها ومنزلتها ، غير أنّها ليست بأفضل أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكيف تكون أفضل مع ما صح عنها إذ قالت : « ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، خديجة ذات يوم فتناولتها ، فقلت : عجوز حمراء الشدقين ، قد أبدلك الله خيراً منها.
    قال : ما أبدلني الله خيراً منها ، لقد آمنت بي حين كفر بي الناس ، وصدّقتني حين كذّبني الناس ، وأشركتني في مالها حين حرمني الناس ، ورزقني الله ولدها وحرمني ولد غيرها » (2).
    وقالت غير مرّة : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يكاد يخرج من البيت
    ____________
    1 ـ صحيح البخاري 5 : 143 ، كتاب المغازي ، باب مرض النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    2 ـ الاستيعاب لابن عبدالبر 4 : 1824 ، مجمع الزوائد للهيثمي 9 : 224 وقال : « رواه أحمد وإسناده حسن » ، الإصابة لابن حجر 8 : 103 ، وغيرها من المصادر.

    حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها ، فذكرها يوماً من الأيام فأدركتني الغيرة ، فقلت : هل كانت إلاّ عجوزاً ، قد أبدلك الله خيراً منها ، فغضب حتى أخذ مقدم شعره من الغضب.
    ثم قال : لا والله ما أبدلني الله خيراً منها ، آمنت بي إذ كفر الناس ، وصدّقتني إذ كذّبني الناس ، وواستني في مالها إذ حرمني الناس ، ورزقني الله منها أولاداً إذ حرمني أولاد النساء ... ) (1).
    وربما كانت ترى أنّها أفضل من غيرها ، فلا يقرّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما اتفق هذا مع أم المؤمنين صفية بنت حيي ، إذ دخل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عليها وهي تبكي ، فقال لها : « ما يبكيك »؟
    قالت : بلغني أنّ عائشة وحفصة تنالان منّي ، وتقولان : نحن خير من صفية.
    قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ألا قلت لهن : كيف تكّن خيراً منّي ، وأبي هارون ، وعمّي موسى ، وزوجي محمّد » (2).
    ____________
    1 ـ مسند أحمد 6 : 117 ، مجمع الزوائد للهيثمي 9 : 224 ، المعجم الكبير للطبراني 23 : 13 ، الإصابة لابن حجر 8 : 103 ، الوافي بالوفيات للصفدي 13 : 182 ، الاستيعاب لابن عبد البرّ 4 : 1824 ، أسد الغابة لابن الأثير 5 : 435.
    2 ـ سنن الترمذي 5 : 367 ، الاصابة لابن حجر 8 : 211 ، الاستيعاب لابن

    فأفضل أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله خديجة الكبرى صدّيقة هذه الأُمّة ، وأوّلها إيماناً بالله وتصديقاً بكتابه ، ومواساة لنبيّه.
    وقد أُوحي إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يبّشرها ببيت لها في الجنة من قصب (1) ، ونصّ على تفضيلها فقال : « أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد ، وآسية بنت مزاحم ، ومريم بنت عمران » (2).
    وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « خير نساء العالمين أربع » ثمّ ذكرهن (3).
    وقال : « حسبك من نساء العالمين : مريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد ، وآسية امرأة فرعون » (4).
    ____________
    عبدالبر 4 : 1872 ، أسد الغابة لابن الأثير 5 : 491 ، المستدرك للحاكم 4 : 29 ، سير أعلام النبلاء للذهبي 2 : 223.
    1 ـ صحيح البخاري 2 : 203 ، كتاب الكسوف ، باب طواف الوداع ، صحيح مسلم ، كتاب الفضائل ، باب فضائل خديجة.
    2 ـ مسند أحمد 3 : 135 ، مستدرك الحاكم 2 : 497 ، مجمع الزوائد للهيثمي 9 : 223 ، فتح الباري لابن حجر 6 : 321.
    3 ـ صحيح ابن حبان 15 : 402 ، المعجم الكبير للطبراني 22 : 402 ، الاستيعاب لابن عبد البرّ 4 : 1821 ، موارد الضمآن للهيثمي 7 : 168.
    4 ـ مسند أحمد 3 : 135 ، سنن الترمذي 5 : 367 ، مستدرك الحاكم 3 : 157 ، فتح الباري لابن حجر 6 : 340 ، المصنّف للصنعاني 11 : 430 ، صحيح ابن حبان 15 : 464.

    ثانياً : إنّ أُمّ المؤمنين عائشة لا تطيب لي نفساً بخير وهي التي قالت ذلك :
    لما ثقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واشتد وجعه خرج وهو بين رجلين تخطّ رجلاه في الأرض ، بين العباس بن عبد المطلب ورجل آخر ....
    قال المتحدث عنها ـ وهو عبد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ـ فأخبرت عبد الله بن عباس عمّا قالت عائشة ، فقال ابن عباس : هل تدري من الرجل الذي لم تسمّه عائشة؟
    قال : لا.
    قال ابن عباس : هو علي بن أبي طالب.
    ثمّ قال : إنّ عائشة لا تطيب له نفساً بخير (1).
    وكانت لا تمنع الناس من الوقوع فىّ :
    جاء رجل أعرابي فوقع فىّ عند عائشة ، فقالت : أمّا عليّ فلست قائلة لك فيه شيئاً وأمّا عمّار فإنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول فيه : لا يُخيّر بين أمرين إلاّ اختارا أشدهما (2).
    فالتي لا تطيب نفساً بذكري لسيري مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا تمنع
    ____________
    1 ـ إرواء الغليل 1 : 178 ، الطبقات الكبرى لابن سعد 2 : 232 ، مسند أحمد 6 : 228.
    2 ـ مسند أحمد 6 : 113 ، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 43 : 407.

    من يقع فىّ ، فهل تطيب نفسها بإفشاء الوصية وفيها كلّ الخير؟!
    ثمّ هل كان رأيها أنّ الوصية لا تصحّ إلاّ عند الموت; كلا ، ولكن حجّة من يكابر الحقيقة داحضة كائناً من كان ، وقد قال الله تعالى مخاطباً نبيه الكريم في محكم كتابه الحكيم : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصـيَّةُ ) (1).
    فهل كانت أم المؤمنين تراه لكتاب الله مخالفاً؟ أو لأحكامه صادفاً؟
    معاذ الله! وحاشا لله ، بل كانت تراه يقتفي أثره ، ويتبع سوره ، سباقاً إلى التعبّد بأوامره ونواهيه ، بالغاً كلّ غايات التعبّد بجميع ما فيه ، ولا شكّ في أنّها سمعته يقول : « ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به أن يبيت ليلتين إلاّ ووصيته مكتوبة عنده » (2).
    أو سمعت نحوه ، فإنّ أوامره الشديدة بالوصية ممّا لا ريب في صدوره منه ، ولا يجوز عليه ولا على غيره من الأنبياء ، أن يأمروا بالشيء ثمّ لا يأتمرون به أو يزجرون عن شيء ثمّ لا ينزجرون عنه ، تعالى الله عن إرسال من هذا شأنه علواً كبيراً.
    ____________
    1 ـ البقرة : 180.
    2 ـ صحيح البخاري 3 : 186 ، كتاب الوصية باب الوصايا ، صحيح مسلم 5 : 70 ، كتاب الوصية ، باب الوصية.

    على أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يستحيل أن يترك دين الله وهو في مهد نشأته إلى الأهواء ، ويترك حفظ الشرع على الآراء من غير أن يوصي بشؤون الدين والدنيا إلى أحد.
    وهم أهل الأرض في الطول والعرض كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية ، ليس لها من يرعاها حقّ رعايتها ، ومعاذ الله أن يترك الوصيّة بعد أن أوصي بها إليه فأمر أمته بها وضيّق عليهم بها.
    وقد أوصى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلىّ في مبدأ الدعوة الإسلاميّة قبل ظهورها في مكّة حين أنزل الله سبحانه : ( وَأَنْذِرْ عَشـيرَتَكَ الأَقْربـينَ ) (1).
    ولم يزل يكرّر وصيّتة لي ويؤكّدها مرّة بعد مرّة بأحاديثه ، حتى أراد وهو محتضر ـ بأبي هو وأُمّي ـ أن يكتب وصيّته لي تأكيداً لعهوده اللفظيّة وتوثيقاً لعرى نصوصه القولية ، فقال : « ائتوني أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً ، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبيّ تنازع ، فقالوا ( قال عمر ) : هجر رسول الله ـ معاذ اللّه ـ وعندها علم أنّه لم يبق ـ بعد كلمتهم هذه ـ أثر لذلك الكتاب إلاّ الفتنة ، فقال لهم : قوموا عنّي ، فمات وهو غاضب عليهم; لأنّهم منعوه من كتابة وصيّته واكتفى بعهوده اللفظية ، ومع ذلك فقد أوصاهم عند موته بوصايا
    ____________
    1 ـ الشعراء : 214.

    ثلاث : أن يولّوني عليهم ، وأن يخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأن يجيزوا الوفد بنحو ما كان يجيزه.
    لكن السلطة والسياسة وأُمّ المؤمنين يومئذ ما أباحت للمحدّثين أن يُحدّثوا بوصيّته الأولى ، فزعموا أنّهم نسوها (1).
    استسلام عائشة لعواطفها :
    س 3 ـ سيّدي ، عرفنا بأن أُمّ المؤمنين كانت لا تطيب لك ذكراً بخير ، ولكن ـ كما يقول أهل الخلاف ـ بأنّها لا يمكن أن تتحدث عن رسول اللّه بغير الواقع وتستسلم لعواطفها إيثاراً لغرض في نفسها ، وهي زوجة رسول الله وقد أمرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا تكتم ما ينزل في بيتها؟
    ـ إنّ الناس فهموا من كلمة ( أُمّ المؤمنين ) أنّها فضيلة تخصّ السيّدة عائشة من بين سائر أزواج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والحال أنّ الله حرّم على المؤمنين الزواج بنساء النبيّ بعد وفاته بقوله تعالى : ( وَما كانَ
    ____________
    1 ـ قال البخاري 4 : 31 ، كتاب الدعاء ، باب دعاء النبي ، في آخر الحديث المشتمل على قولهم : هجر رسول الله : « وأوصى عند موته بثلاث : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزه ، ثمّ قال : ونسيت الثالثة » ، صحيح مسلم 5 : 75 ، كتاب الوصية ، باب ترك الوصية.

    لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً ) (1) ، وقال أيضاً : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ) (2).
    وهذه الآية نزلت في طلحة عندما قال : « إذا مات رسول الله تزوّجت عائشة ابنة عمّي » (3).
    فأراد الله سبحانه أن يقول للمؤمنين بأنّ نساء الرسول حرام عليكم كحرمة أُمّهاتكم.
    وقد أعلم الله عباده وخاصّة زوجات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وخاصّة عائشة وحفصة عندما تظاهرتا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إِنْ تَتُوبا إِلَى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ ) (4).
    في سورة التحريم ليعلمها وبقية المسلمين الذين يعتقدون بأنّ أُمّ المؤمنين تدخل الجنّة بلا حساب ولا عقاب; لأنّها زوجة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأن الذي ينفع ويضرّ عند الله هو الأعمال فقط ، قال
    ____________
    1 ـ الأحزاب : 53.
    2 ـ الأحزاب : 6.
    3 ـ تفسير القرطبي 14 : 228 ، الدر المنثور للسيوطي 5 : 214.
    4 ـ التحريم : 4.

    تعالى ضارباً هذا المثل لهما أيضا : ( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوح وَامْرَأَتَ لُوط كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (1).
    وقال الله تعالى ضارباً مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قال : ( وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ ) (2).
    وبهذا يتبين بأنّ الزوجيّة ليست فضيلة في حدّ ذاتها ، إلاّ إذا اتسمت بالأعمال الصالحة ، وإلاّ سيكون العذاب مضاعفاً.
    ونعود لسؤالك ، فإنّ أُمّ المؤمنين السيّدة عائشة كانت تستسلم في معظم أمورها إلى العاطفة والغيرة كما تروي هي عن نفسها ، فقد قالت :
    « بعثت صفيّة زوج النبيّ إلى رسول الله بطعام قد صنعته له ، وهو عندي ، فلمّا رأيت الجارية أخذتني رعدة حتى استقلني أفكل ،
    ____________
    1 ـ التحريم : 10.
    2 ـ التحريم : 11 ـ 12.

    فضربت القصعة ورميت بها ، قالت : فنظر إلىّ رسول الله فعرفت الغضب في وجهه.
    فقلت : أعوذ برسول الله أن يلعنني اليوم.
    قالت : قال : أولي.
    قلت : وما كفّارته يا رسول الله؟
    قال : طعام كطعامها وإناء كإنائها » (1).
    ومرّة أُخرى تروي عن نفسها قالت : « قلت للنبيّ : حسبك من صفية كذا وكذا.
    فقال لي النبيّ : لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته » (2).
    وهاهي تحكي عن غيرتها مرّة أُخرى قائلة : « ما غرت على امرأة إلاّ دون ما غرت على مارية ، وذلك أنّها كانت جميلة جعدة ، وأعجب بها رسول الله ، وكان أنزلها أوّل ما قدم بها في بيت حارثة بن النعمان وفزعنا لها فجزعت ، فحوّلها رسول الله إلى العالية فكان يختلف إليها هناك ، فكان ذلك أشدّ علينا ، ثمّ رزقه الله الولد منها وحرمناه » (3).
    ____________
    1 ـ مسند أحمد بن حنبل 6 : 277 ، كنز العمال للمتقي الهندي 15 : 7.
    2 ـ سنن أبي داود 2 : 450 ، تفسير ابن كثير 4 : 229.
    3 ـ الإصابة لابن حجر 8 : 311 ، امتاع الاسماع للمقريزي 5 : 336.

    وقد تعدّت ذلك من غيرتها حتى طعنت في ولد رسول الله من مارية ، قالت : « لما ولد إبراهيم جاء رسول الله إلىّ ، فقال : انظري إلى شبهه بي.
    فقلت : ما أرى شبهاً.
    فقال رسول الله : ألا ترين إلى بياضه ولحمه؟
    قالت : فقلت : من سُقي ألبان الضان ابيضّ وسمن » (1).
    وعندما تزوّج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مليكه بنت كعب ، فدخلت عليها عائشة ، فقالت لها : أما تستحين أن تنكحي قاتل أبيك ، فاستعاذت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فطلّقها.
    وكما تدلّ هذه الروايات على الأساليب التي اتبعتها عائشة في الخداع والمكر للمؤمنات البريئات وحرمانهم من الزواج برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد سبق لها أن طلّقت أسماء بنت النعمان لما غارت من جمالها وقالت لها : إنّ النبيّ ليعجبه من المرأة إذا دخل عليها أن تقول له : أعوذ بالله منك (2).
    فكانت تستبيح مثل هذا الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ترويجاً
    ____________
    1 ـ الطبقات الكبرى لابن سعد 1 : 37 ، متاع الاسماع للمقريزي 5 : 336.
    2 ـ مستدرك الحاكم 4 : 37 ، عمدة القارئ للعيني 20 : 229 ، سير أعلام النبلاء للذهبي 2 : 259.

    لغرضها حتى لو كان تافهاً أو حراماً ، وكلّفها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالإطلاع على امرأة مخصوصة لتخبره بحالها فأخبرته ـ إيثاراً لغرضها ـ بغير ما رأت (1).
    وخاصمته يوماً إلى أبيها ـ نزولا على حكم العاطفة ـ فقالت له : اقصد ، فلطمها أبوها حتى سال الدم على ثيابها (2).
    وقالت له مرّة في كلام غضبت عنده : أنت الذي تزعم أنّك رسول الله (3) إلى الكثير من الأمثال ، وهذا بشكل عامّ.
    أمّا عن إعراضها عنّي ، فقد كانت كما ذكرت لك آنفاً ، أنّها لا تطيب لها نفساً لذكري بخير.
    آية الإنذار :
    س 4 ـ مولاي ، تقول : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أوصى لك منذ بدأ الدعوة الإسلاميّة عند الإيذان بالجهر بالدعوة وتعاهد ذلك حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى ، فهل لك أن تدلّنا على ذلك؟
    ____________
    1 ـ الطبقات الكبرى لابن سعد 8 : 161.
    2 ـ كنز العمال 13 : 696 ، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 30 : 215.
    3 ـ مجمع الزوائد للهيثمي 4 : 322.

    ج ـ لما نزل قوله تعالى : ( وَأَنْذِرْ عَشـيرَتَكَ الأَقْرَبِيـنَ ) (1) ، دعاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى دار عمّه أبي طالب ، وعرض عليهم الإسلام وفي آخر حديثه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « يا بني عبد المطلب ، إنّي والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به ، جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فأيكم يؤازرني على أمري هذا على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم »؟
    فأحجم القوم عنها غيري ، وكنت أصغرهم ، فقمت وقلت : « أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك عليه ، فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله برقبتي وقال : إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ».
    فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع (2).
    ____________
    1 ـ الشعراء : 214.
    2 ـ إنّ هذا الحديث قد جاء في مصادر كثيرة بهذه الصيغة أو قريب منها مثلا :
    1 ـ تاريخ الطبري 2 : 62 ـ 64.
    2 ـ الكامل في التاريخ لابن الأثير الشافعي 2 : 63.
    3 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 13 : 211.
    4 ـ البداية والنهاية لابن كثير 3 : 53.
    5 ـ كنز العمال للمتقي الهندي 13 : 133.
    6 ـ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 42 : 49.

    حديث الثقلين :
    وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجّته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء : « يا أيها الناس ، إنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي » (1).
    ____________
    7 ـ السنن الكبرى للبيهقي 5 : 126.
    8 ـ تفسير الثعلبي 7 : 182.
    9 ـ الدر المنثور للسيوطي 5 : 97.
    10 ـ جامع البيان للطبري 19 : 149.
    11 ـ خصائص أمير المؤمنين للنسائي : 8.
    12 ـ نظم درر السمطين للزرندي الحنفي : 83.
    13 ـ حياة محمّد لمحمد حسنين هيكل : 104 ، الطبعة الأولى سنة 1354 هـ لأنّه حذفها من الطبعة الثانية واستعاض عن « أخي ووصيي وخليفتي فيكم » بـ «كذا وكذا وكذا » وهذا من أمانته في سرد التاريخ!
    1 ـ وجاء هذا الحديث بعدّة صيغ منها :
    ـ جاء في سنن الترمذي 5 : 329 عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ».
    ـ جاء في مسند أحمد بن حنبل 5 : 182 عن زيد بن ثابت قال : قال رسول الله : « إنّي تارك فيكم خليفتين : كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء

    ____________
    والأرض ـ أو ما بين السماء إلى الأرض ـ وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ».
    ـ وجاء في مسند أحمد بن حنبل 3 : 17 عن أبي سعيد الخدري : قال عن النبيّ : قال : « إنّي أُوشك أن اُدعى فأُجيب ، وإنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله عزّ وجلّ وعترتي ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّ اللطيف الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ».
    ـ جاء في المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري 3 : 109 عن زيد ابن أرقم قال : لمّا رجع رسول الله من حجّة الوداع ، ونزل غدير خم ، أمر بدوحات فقمن ، فقال : « كأنّي دعيت فأجبت ، إنّي قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله تعالى وعترتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، ثم قال : إن الله عزّ وجلّ مولاي وأنا مولى كلّ مؤمن ـ ثمّ أخذ بيد عليّ فقال ـ : من كنت مولاه فهذا وليه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ».
    ـ جاء في صحيح مسلم 7 : 123 ، كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل علي ( رضي الله عنه ) عن زيد بن أرقم قال : قام رسول الله يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ووعظ وذكر ثمّ قال : « أما بعد ، ألا أيّها الناس ، فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأُجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين : أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به » ، فحثّ على كتاب الله ، ورغب فيه ثم قال : « وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Empty
    مُساهمةموضوع: رد: افادات من ملفات التاريخ محمد سليم   افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Emptyالثلاثاء أكتوبر 22, 2024 4:28 pm

    ____________
    أهل بيتي ».
    ـ وجاء في إحياء الميت للسيوطي : 145 ، أخرج البزار عن علي قال : قال رسول الله : « إنّي مقبوض ، وإنّي قد تركت فيكم الثقلين : كتاب الله وأهل بيتي ، وإنّكم لن تضلّوا بعدهما ».
    وفي نفس المصدر 57 ، 58 : أخرج الطبراني عن المطلب بن عبدالله بن حنطب عن أبيه قال : خطبنا رسول الله بالجمعة ، فقال : « ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : فإنّي سائلكم عن اثنين : عن القرآن ، وعترتي ».
    ـ وجاء في الصواعق المحرقة لابن حجر 2 : 368 ، الباب التاسع ، الفصل الثاني : عن رسول الله قال : « يوشك أن أقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي ، وقد قدمت إليكم القول معذرة اليكم ، إلاّ أنّي مخلّف فيكم كتاب ربّي عزّ وجلّ ، وعترتي أهل بيتي ، ثمّ أخذ بيد عليّ فرفعها فقال : هذا عليّ مع القرآن ، والقرآن مع عليّ لا يفترقان حتى يردا عليَّ الحوض ، فأسألهما ما خلّفت فيهما ».
    ـ وجاء في مجمع الزوائد للهيثمي عن أبي هريرة 9 : 163 : قال : قال رسول الله : « إنّي خلّفت فيكم اثنين ، لن تضلّوا بعدهما أبداً : كتاب الله ونسبي ، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ».
    وحديث الثقلين الآنف الذكر قد ذكرته جل كتب الحديث والتفسير وبلغ حدّ التواتر ، وقد سجّلت مصادره في إفادة عمر بن الخطاب ، فيمكن الرجوع إلى مصادره هناك أيضاً.
    ـ ومن النصوص التي قالها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والتي تضمنّت لفظ ( الإمام ) :

    ____________
    1 ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أُوحي إليّ في علي ثلاث : إنّه سيد المسلمين ، وإمام المتقين ، وقائد الغرّ المحجلين » مستدرك الحاكم 3 : 138 وقال : « هذا حديد صحيح الإسناد ولم يخرجاه ».
    2 ـ وقال أبو نعيم : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي : « مرحباً بسيّد المسلمين وإمام المتّقين » حلية الأولياء 1 : 63.
    ـ عن ابن عباس قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « من سرّه أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي ، فليوال عليّاً ، وليوال وليه ، وليقتدِ بالأئمة من ولده من بعده فإنّهم عترتي خلقوا من طينتي ورزقوا فهمي وعلمي ، فويلٌ للمكذبين بفضلهم من أُمّتي لا أنالهم الله شفاعتي » كنز العمال للمتقي الهندي 12 : 104 ، تاريخ مدينة دمشق 36 : 313.
    ـ عن ابن طفيل بن وائلة قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « يا علي أنت وصيّي ، حربك حربي ، وسلمك سلمي ، وأنت الإمام وأبو الأئمة الأحد عشر المطهرون » المصدر السابق 1 : 172.
    ومن النصوص التي تضمّنت لفظ الوصي :
    ـ عن محمّد بن حميد الرازي ، عن سلمة البرش ، عن ابن إسحاق ، عن شريك ، عن أبي الإيادي ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : « لكلّ نبيّ وصيّ ووارث ، وعليّ وصيّي ووارثي » ينابيع المودة 2 : 79.
    ـ عن أبي ذر قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
    « أنا خاتم النبيين وأنت يا علي خاتم الوصيين إلى يوم الدين » ينابيع المودة 1 : 236.
    ـ قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في المؤاخاة والمنزلة : « والذي بعثني بالحقّ ما

    آية المودة :
    قال تعالى : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (1).
    أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه من
    ____________
    أخّرتك إلاّ لنفسي ، أنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيّ بعدي ، وأنت أخي ووارثي ، فقلت : وما أرث منك؟ قال : ما ورث الأنبياء قبلي ، كتاب ربّهم وسنّة نبيهم » نظم درر السمطين للزرندي : 95 ، ينابيع المودة 1 : 160.
    ـ ونزلت بي وبأهل بيتي عدة آيات منها :
    1 ـ آية التطهير : ( إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) الأحزاب : الآية 33.
    ـ عن أم سلمة ( رض ) قالت : « إن النبيّ كان في بيتها فأتت فاطمة ببرمة فيها خزيرة فدخلت بها عليه فقال لها : ادعي زوجك وابنيك.
    قالت : فجاء عليّ والحسن والحسين فدخلوا عليه فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو على منامة له على مكان تحته كساء له خيبري.
    قالت : وأنا أُصلي في الحجرة فأنزل الله عزوجل هذه الآية : ( إنّما يريد الله ... ).
    قالت : فأخذ فضل الكساء فغشاهم به ، ثم أخرج يده فألوى بها السماء ثمّ قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
    قالت : فأدخلت رأسي البيت فقلت وأنا معكم يا رسول الله؟
    قال : إنك إلى خير ، إنك إلى خير » مسند أحمد 6 : 292 ، فتح القدير للشوكاني 4 : 279 ، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 13 : 205.
    1 ـ الأنعام : 90.

    طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية ، قالوا : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟
    قال : « علي وفاطمة وولدهما » (1).
    آية المباهلة :
    وقال تعالى : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (2).
    ولما نزلت هذه الآية دعاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفاطمة وحسناً وحسيناً ، فقال : « اللهمّ هؤلاء أهلي ».
    وقد أجاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حينما سُئل عن هذا الاختيار بقوله : « لو علم الله تعالى أنّ في الأرض عباداً أكرم من علي وفاطمة والحسن والحسين لأمرني أن أُباهل بهم ، ولكن بالمباهلة مع هؤلاء ، وهم أفضل الخلق ، فغلبت بهم النصارى » (3).
    ____________
    1 ـ مجمع الزوائد للهيثمي 11 : 351 ، شواهد التنزيل للحسكاني 2 : 191 ، الدر المنثور للسيوطي 6 : 7 ، فتح القدير للشوكاني 4 : 537.
    2 ـ آل عمران : 61.
    3 ـ ينابيع المودة 2 : 266.

    وقصة هذه الآية كما هو معروف أنّ وفد نجران أتى ليباهل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « موعدنا معكم الغد » ، فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد غدا محتضناً الحسين أخذ بيد الحسن ، وفاطمة تمشي خلفه ، وأنا خلفهما وهو يقول : « إذا أنا دعوت فأمّنوا ».
    فقال أسقف نجران : يا معشر النصارى إنّي لأرى وجوهاً لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها ، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصارى إلى القيامة ، ورضي أن يدفع الجزية (1).
    ودلالة الآية واضحة ، فأبناءنا : الحسن والحسين ، ونساءنا : فاطمة ، وأنفسنا : أنا ( علي ) ، أي جعلني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه بمحكم التنزيل من ربّ العالمين.
    حديث المنزلة :
    وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد خلّفني في أهله في غزوة تبوك :
    « أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي » (2).
    ____________
    1 ـ تحفة الأحوذي للمباركفوري 8 : 279.
    2 ـ صحيح مسلم 7 : 120 ، كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل علي ( رضي الله عنه ) ، سنن

    ودلالة هذا الحديث أنّ لي كلّ ما كان لنبيّ الله هارون إلاّ النبوّة ، يعني كان لي منه استخلافه من بعده كما لا يخفى على المتتبع.
    حديث السفينة :
    عن ابن إسحاق ، عن حنش الكناني قال : سمعت أبا ذر الغفاري يقول وهو آخذ بباب الكعبة : أيّها الناس من عرفني فأنا من عرفتم ، ومن أنكر فأنا أبو ذر ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق » (1).
    وقد عهد إلىّ النبيّ الأُمّي صلى‌الله‌عليه‌وآله « إنه لا يحبّني إلاّ مؤمن ، ولا يبغضني إلاّ منافق » (2).
    وقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد المدينة فليأت الباب » (3).
    ____________
    الترمذي 5 : 302 و 5 : 304 ، مستدرك الحاكم 2 : 337 ، و 3 : 109 ، السنن الكبرى للبيهقي 9 : 40 ، مجمع الزوائد للهيثمي 9 : 109.
    1 ـ مجمع الزوائد للهيثمي 9 : 168 ، المعجم الصغير للسيوطي 1 : 139 ، و 2 : 22 ، الجامع الصغير للسيوطي 1 : 373 ، كنز العمال للمتّقي الهندي 12 : 94.
    2 ـ سنن الترمذي 5 : 306 ، مسند أحمد 1 : 95 ، مجمع الزوائد للهيثمي 9 : 133 ، أسد الغابة لابن الأثير 4 : 26 ، تذكرة الحفاظ للذهبي 1 : 10.
    3 ـ المستدرك للحاكم 3 : 126 ، مجمع الزوائد للهيثمي 9 : 114 ، الجامع الصغير 1 : 415 ، كنز العمال للمتّقي الهندي 13 : 148 ، تذكرة الموضوعات للفتني : 95 ، كشف الخفاء للعجلوني 1 : 203 ، فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي ، للغماري ، وهو كتاب كامل في حديث الباب.

    وقد حاول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خلال مسيرته ودعوته أن يقرن دائماً بيني وبين القرآن وأهل البيت كما يعبر عن ذلك حديث الثقلين المروىّ عند المسلمين جميعاً ولزوم التمسّك بأهل البيت كما هو دلالة حديث السفينة.
    والموقع المتميز لنا أهل البيت واضح صريح في آية التطهير وحديث المنزلة والتأكيد على الولاء والحبّ لنا أهل البيت كما تفرض ذلك آية المودة : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (1).
    ولم يكتفِ الباري عزّ وجلّ بهذا ، بل أمر رسول الله بالتصريح بالولاية لي والخلافة من بعده في آخر حياته وهو في حجّة الوداع عندما نزلت آية التبليغ.
    آية التبليغ :
    قال تعالى : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ
    ____________
    1 ـ الشورى : 23.

    تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (1).
    نزلت هذه الآية أثناء العودة من حجّة الوداع.
    روى الطبراني عن حذيفة أنّه قال : لمّا صدر رسول الله من حجّة الوداع نهى أصحابه عن سمرات ( نوع من الشجر ) متفرّقات بالبطحاء أن ينزلوا تحتهن ، ثمّ بعث إليهن فقم ما تحتهن من الشوك وعمد إليهن فصلى عندهنّ ثمّ قام خطيباً فقال :
    « يا أيها الناس إنّه قد نبّأني اللطيف الخبير أنّه لم يعمّر نبيّ إلاّ نصف عمر الذي يليه من قبله ، وإنّي لأظنّ يوشك أن اُدعى فأُجيب ، وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون فماذا أنتم قائلون »؟
    قالوا : نشهد أنّك قد بلّغت وجهدت ونصحت فجزاك الله خيراً.
    قال : « أليس تشهدون أن لا إله إلاّ الله ، وإنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأنّ جنّته حقّ ، وناره حقّ ، وأنّ الموت حقّ ، وأنّ البعث حقّ بعد الموت ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث من في القبور ».
    قالوا : بلى نشهد بذلك.
    قال : « اللهمّ اشهد ».
    ثمّ قال : « يا أيّها الناس إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فهذا مولاه ( يعني أنا ) اللهمّ
    ____________
    1 ـ المائدة : 67.

    وال من والاه وعاد من عاداه » (1).
    وموارد أُخرى ذكرناها سابقاً.
    ثمّ لم يتفرّقوا حتى نزلت هذه الآية : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ) (2).
    فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الله اكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي من بعدي » (3).
    آية الولاية :
    قوله تعالى في سورة المائدة : الآية 55 :
    ( اِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) (4).
    س 5 ـ مولاي إنّ ما قلته وأوردته من النصوص ممّا لا شكّ فيه ولا يترك مجالا لمشكّك أو مرتاب ، ولكن يبقى أمر ، وهو أنّ أهل الخلاف يقولون : إنّ الولي في هذه الآية والحديث بمعنى المحبّ
    ____________
    1 ـ المعجم الكبير للطبراني 3 : 180.
    2 ـ المائدة : 3.
    3 ـ شواهد التنزيل للحسكاني 1 : 201.
    4 ـ المائدة : 55.

    والناصر لا بمعنى الإمام والخليفة فما قولك؟
    ج ـ للأسف إنّ علماء السوء وفقهاء البلاط على مرّ العصور حاولوا التعتيم على هذه النصوص ، ولمّا لم يجدوا ما يناقضها ولتواترها ، فقد حاولوا صرف معناها عن مدلولها ، وأقول لك : ليس من يقول بذلك بأفقه ولا أعلم ممّن كان على زمننا في عهد رسول الله ، فحتى من خالفني وابتزّني حقيّ لم ينكر هذه الصيغة ولم يحورها عن معناها ، فهذا عمر بن الخطّاب بعد حديث الغدير قال لي : هنيئاً لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة (1).
    وثانياً ـ إن نزول آية التبليغ ، وهي تبيّن أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان خائفاً يكتم أمراً فطالبه ربّ العزة أن يفصح عن هذا الأمر الذي أمره فيه وهو يعصمه من الناس ، فهل كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يخشى أن يقول للناس إنّ علياً محبّكم وناصركم ، وقد قالها في كلّ يوم من حياته وسيرته؟
    ولكن لا يقول ذلك إلاّ من أعمت العصبية بصيرته ، لذلك لا يرى إلاّ من حيث تريه نفسه الأمّارة بالسوء ، وياليتهم حفظوا لي حتى المحبّة والنصرة؟!
    ____________
    1 ـ مسند أحمد 4 : 281 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 : 503.

    س 6 ـ سيّدي ما معنى أنّهم لم يحفظوا لك المحبّة أو النصرة؟
    ج ـ ألم تقرأ التاريخ؟!
    هل حفظ عمر لي هذه عندما حاول حرق بيتي وفيه فاطمة والحسنان؟!
    وهل حفظها عندما قال لي عندما رفضت البيعة : إذاً تقتل؟!
    وهل حفظها معاوية عندما أعلن الخروج عليّ وعلى الشرعية ومن ثمّ قتل ولدي الحسن؟!
    وهل حفظها يزيد عندما قتل ابني الحسين وأهل بيته وأصحابه في كربلاء؟!
    أم أنّهم نسوا قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّه لا يحبّني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق (1)؟
    وقوله تعالى : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (2).
    وهل حفظتها عائشة أُمّ المؤمنين عندما منعت من دفن ابني الحسن بجوار جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قائلة : لا تدخلوا بيتي من لا أُحبّ؟
    ____________
    1 ـ صحيح مسلم 1 : 61 ، كتاب الفضائل ، باب مناقب علي ( رضي الله عنه ) ، سنن ابن ماجة 1 : 42 و 255 ، سنن الترمذي 5 : 306.
    2 ـ الشورى : 23.

    س 7 ـ مولاي يحتجّ أهل الخلاف على ثبوت خلافة الخلفاء بمبايعتك لهم ، ولو كان عندك نصّ لما بايعتهم؟
    ج ـ بشان النصّ فقد بيّنت لك النصوص والآيات الواردة في إمامتي ، ولو كان لمن سبقوني نصاً واحداً من هذه النصوص لما أحرقوا سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولكتبوها ودوّنوها وتوسّعوا واهتموا بها.
    وأمّا بشأن بيعتي للخلفاء فسأذكر لك :
    فبيعة أبي بكر تمّت وقد كنّا منشغلين بخطبنا الفادح بوفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم نعنَ إلاّ بتجهيزه ، وما إن واريناه في قبره حتى كان أهل السقيفة قد أكملوا أمرهم وانتهزوا فرصة انشغالنا ، فأبرموا البيعة وأحكموا العقدة وأجمعوا أخذاً بالحزم كلّ من يوهن بيعتهم أو يدخل التشويش إلى عامتهم.
    وعندما دخلوا إلى المسجد وقال عمر : قوموا بايعوا أبا بكر فقد بايعته وبايعته الأنصار ، فقام عثمان ومن معه من بني أُميّة فبايعوا ، وقام سعد بن أبي وقاص ومن معه من بني زهرة فبايعوا ، أمّا أنا والعباس ومن معنا من بني هاشم فقد انصرفنا إلى رحالنا ومعنا الزبير والمقداد وأبو ذر وعمّار بن ياسر وغيرهم.
    وعندما افتقدنا أبو بكر ، أمر عمر أن يأتي إلينا ، فما كان منه إلاّ أن أتى بعصابة فيها خالد بن الوليد وآخرون فدعا بالحطب وقال :

    والذي نفسي بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها فقيل له : يا أبا حفص ، إنّ فيها فاطمة الزهراء؟ فقال عمر : وإن!! فخرج من كان بالدار إلاّ أنا.
    ووقفت فاطمة ، فقالت : لا عهد لي بقوم أسوأ محضراً منكم ، تركتم رسول الله جنازة بين أيدينا ، وقطعتم أمركم بينكم تستأمرونا ولم تردّوا لنا حقّنا.
    وعندما حاولوا إخراجي بالقوة من الدار نادت بأعلى صوتها :
    « يا أبت يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب وابن أبي قحافة » (1).
    والخلاصة : فعندما قدمت على أبي بكر قال عمر : بايع.
    فقلت : أنا أحقّ بهذا الأمر منكم لا أُبايعكم ، وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً؟
    ألستم زعمتم للأنصار أنّكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمّد منكم فأعطوكم المقادة وسلّموا الإمارة ، وأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار ، نحن أولى برسول الله حيّاً وميّتاً فأنصفونا إن كنت تؤمنون ، وإلاّ فبوؤوا بالظلم وأنتم تعلمون.
    ____________
    1 ـ الإمامة والسياسة 1 : 30.

    فقال عمر : إنّك لست متروك حتى تبايع.
    فقلت له : احلب له حلباً لك شطره ، واشدد له اليوم أمره يرده عليك غدا (1).
    وما قلته بحقّ عمر قد تحقّق إذ عيّن أبو بكر عمر خليفة من بعده.
    ثمّ قلت : يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه.
    فقال عمر : إذاً نضرب عنقك.
    فقلت : إذاً تقتلون عبد الله وأخا رسوله.
    قال عمر : أمّا عبد الله فنعم ، وأمّا أخو رسوله فلا.
    فقال أبو بكر : لا أكرهه على شيء ما دامت فاطمة إلى جانبه.
    فقال أبو عبيدة ابن الجراح لي : يا بن عمّ رسول الله ، إنّك حديث السنّ وهؤلاء مشيخة قومك ، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأُمور.
    وهذا القول ( التبرير بكبر السنّ ) مردود بتعيين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أُسامة بن زيد قائداً للجيش ، وأمر مشيخة القوم وفيهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بإطاعته.
    فقلت لهم : الله الله يا معشر المهاجرين ، لا تخرجوا سلطان محمّد في العرب من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم ، ولا تدفعوا
    ____________
    1 ـ المصدر السابق.

    أهله عن مقامه في الناس وحقّه ، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أحقّ الناس به; لأنّنا أهل البيت ونحن أحق بهذا الأمر منكم ، ما كان فينا القارئ لكتاب الله الفقيه في دين الله ، العالم بسنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المضطلع بأمر الرعية ، المدافع عنهم الأُمور السيئة ، القاسم بينهم بالسوية؟!
    والله إنّه لفينا ، فلا تتبعوا الهوى فتضلّوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحقّ بعداً.
    فقال بشير بن سعد الأنصاري : لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا علي قبل بيعتها لأبي بكر ، ما اختلف عليك اثنان.
    فقلت : أفكنت أدع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيته لم يدفن وأخرج أنازع الناس سلطانه؟
    فقالت فاطمة عليها‌السلام : ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي ، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم.
    ثمّ لحقت بقبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يكن قد جفّ بعد وأنا أصيح وأبكي وأنادي :
    « يا بن أُمّ إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلوني » (1).
    وقد مرّ معنا احتجاج الإمام علي عند ذكرنا بيعة أبي بكر في أوّل
    ____________
    1 ـ الإمامة والسياسة 1 : 29.

    فصل ، ومصادرها هناك.
    وقد قلت في خطبتي الشقشقية أصف حالي بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :
    « أَمَا وَالله لَقَدْ تَقَمَّصَها فُلانٌ ، وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّيَ مِنهَا مَحَلُّ القُطْبِ مِنَ الرَّحَا ، يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ ، وَلا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ ، فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً ، وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً ، وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَد جَذَّاءَ ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَة عَمْيَاءَ ، يَهْرَمُ فيهَا الكَبيرُ ، وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ ، وَيَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ. فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى ، فَصَبَرتُ وَفي الْعَيْنِ قَذىً ، وَفي الحَلْقِ شَجاً ، أرى تُرَاثي نَهْباً » (1).
    وكم مرة قلت : « اللَّهُمَّ إنَّي أَسْتَعْدِيكَ عَلى قُرَيْش وَمَنْ أَعَانَهُمْ! فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا رَحِمِي ، وَصَغَّرُوا عَظِيمَ مَنْزِلَتِي ، وَأَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي أَمْراً هُوَ لِي .. وقد قال قائل إنك على هذا الأمر يابن أبي طالب لحريص : فقلت : بَلْ أَنْتُمْ وَاللهِ أحْرَصُ وَإِنَّمَا طَلَبْتُ حَقّاً لِي وَأَنْتُمْ تَحُولُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ » (2).
    ولم أُبايع أبا بكر إلاّ بعد أن توفّيت عنّي فاطمة عليها‌السلام ، أي بعد ستة
    ____________
    1 ـ نهج البلاغة 1 : 31 ، الخطبة : 3 المعروفة بالشقشقية.
    2 ـ نهج البلاغة 2 : 202 الخطبة : 217.

    أشهر من وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد ماتت كمداً وحسرة على أبيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وما حصل لها ولي بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من مخالفة قريش علينا ، وعندما رأيت الفتن تأتي كقطع الليل المظلم بايعت وقد قلت في ذلك : « فَمَا رَاعَنِي إِلاَّ انْثِيَالُ النَّاسِ عَلَى فُلاَن يُبَايِعُونَهُ ، فَأَمْسَكْتُ يَدِي حَتَّى رَأيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الإسلام ، يَدْعُونَ إلى مَحْقِ دِينِ مُحَمَّد فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الإسلام أَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً ، تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلاَيَتِكُمُ الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّام قَلاَئِلَ ، يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ ، كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ ، أَوْ كَمَا يَتَقَشَّعُ السَّحَابُ » (1).
    « ولاَ يُعَابُ الْمَرْءُ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ ، إِنَّمَا يُعَابُ مَنْ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ » (2).
    وقد وقفت يوم الشورى ( شورى عمر ) ثمّ قلت : « لأحتجنّ عليكم بما لا يستطيع عربيكم ولا عجميكم تغيير ذلك.
    فقلت : أُنشدكم الله أيها النفر جميعاً ، أفيكم أحد وحّد الله قبلي؟
    قالوا : لا.
    قلت : فأُنشدكم الله ، هل منكم أحد له أخ مثل جعفر يطير في الجنة مع الملائكة؟
    ____________
    1 ـ نهج البلاغة 3 : 119 الخطبة : 62.
    2 ـ نهج البلاغة 4 : 41 ، المختار من حكم أمير المؤمنين.

    قالوا : اللهمّ لا.
    قلت : أُنشدكم الله ، هل فيكم أحد له عمّ كعمي حمزة ، أسد الله وأسد رسوله سيّد الشهداء غيري؟
    قالوا : اللهمّ لا.
    قلت : أُنشدكم بالله ، هل فيكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت محمّد سيّدة نساء أهل الجنة غيري؟
    قالوا : اللهمّ لا.
    قلت : فأُنشدكم باللّه ، هل فيكم أحد ناجى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عشر مرّات وقدّم بين يدي نجواه صدقة قبلي؟
    قالوا : اللهمّ لا.
    قلت : فأُنشدكم بالله ، هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ليبلغ الشاهد الغائب ) غيري؟
    قالوا : اللهمّ لا.
    قلت : فأُنشدكم بالله ، هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك واليَّ وأشدّهم لك حبّاً ولي حبّاً ، يأكل معي من هذا الطير ، فأتاه وأكل معه ) غيري؟
    قالوا : اللهمّ لا.

    فقلت : فأُنشدكم الله ، هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( لأعطينّ الراية غداً رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، لا يرجع حتى يفتح الله على يده ، إذ رجع غيري منهزماً ) غيري؟
    قالوا : اللهمّ لا.
    قلت : فأُنشدكم الله ، هل فيكم أحد قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لوفد بني وليعة : ( لأبعثنّ إليكم رجلاً نفسه كنفسي ، وطاعته كطاعتي ، ومعصيته كمعصيتي ، يقتلكم بالسيف ) غيري؟
    قالوا : اللهمّ لا.
    قلت : فأُنشدكم بالله ، هل فيكم أحد قال فيه رسول الله : ( كذب من زعم أنّه يحبّني ويبغض هذا ) غيري؟
    قالوا : اللهمّ لا.
    قلت : فأُنشدكم الله ، هل فيكم أحد سلّم عليه في ساعة واحدة ثلاثة آلاف ملك من الملائكة منهم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، حيث جئت بالماء إلى رسول الله من القليب غيري؟
    قالوا : اللهمّ لا.
    قلت : فأُنشدكم الله ، هل فيكم أحد قال له جبرائيل : ( هذه هي المواساة ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّه منّي وأنا منه. وقال جبرائيل : وأنا منكما ) غيري؟

    قالوا : اللهمّ لا.
    قلت : فأُنشدكم الله ، هل فيكم أحد نودي من السماء : ( لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ علي ) غيري؟
    قالوا : اللهمّ لا.
    قلت : فأُنشدكم بالله ، هل فيكم أحد يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين على لسان النبيّ غيري؟
    قالوا : اللهمّ لا.
    قلت : فأُنشدكم الله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّي قاتلت على تنزيل القرآن وتقاتل على تأويل القرآن ) غيري؟
    قالوا : اللهمّ لا.
    قلت : فأُنشدكم الله ، هل فيكم أحد رُدّت عليه الشمس حتى صلّى العصر في وقتها غيري؟
    قالوا : اللهمّ لا.
    فقلت : هل فيكم أحد أمره رسول الله أن يأخذ براءة من أبي بكر ، فقال أبو بكر : يا رسول الله ، نزل فىّ شيء؟ فقال : ( إنّه لا يؤدّي عني إلاّ علي ) غيري؟
    قالوا : اللهمّ لا.
    قلت : فأُنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

    ( لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ كافر ) غيري؟
    قالوا : اللهمّ لا.
    قلت : فأُنشدكم بالله ، أتعلمون أنّه تعالى أمر بسدّ أبوابكم وفتح بابي ، فقلتم في ذلك فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما سددت أبوابكم ولا فتحت بابه ، بل الله سدّ أبوابكم وفتح بابه؟
    قالوا : اللهمّ نعم.
    قلت : فأُنشدكم بالله أتعلمون أنّه ناجاني يوم الطائف دون الناس ، فأطال ذلك فقلتم : ناجاه دوننا ، فقال : ( ما أنا أنتجيته ، بل الله انتجاه )؟
    قالوا : اللهمّ نعم.
    قلت : فأُنشدكم الله أتعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : الحقّ مع علي وعلي مع الحقّ ، يدور الحقّ مع علي كيف دار؟
    قالوا : اللهمّ نعم.
    قلت : فأُنشدكم بالله ، أتعلمون أنّ رسول الله قال : إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن تضلّوا ما إن تمسّكتم بهما ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض؟
    قالوا : اللهمّ نعم.
    قلت : فأُنشدكم الله ، هل فيكم أحد افتدى رسول الله من المشركين بنفسه واضطجع في مضجعه غيري؟

    قالوا : اللهمّ لا.
    قلت : فأُنشدكم الله هل فيكم أحد بارز عمرو بن عبد ودّ العامري ، حيث دعاكم إلى البراز غيري؟
    قالوا : اللهمّ لا.
    قلت : فأُنشدكم بالله هل فيكم أحد أنزل الله فيه آية التطهير حيث قال : ( اِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) غيري؟
    قالوا : اللهمّ لا.
    قلت : فأُنشدكم بالله ، هل فيكم أحد قال له رسول الله : ( أنت سيّد العرب ) غيري؟
    قالوا : اللهمّ لا.
    قلت : فأُنشدكم الله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ما سألت الله شيئاً إلاّ سألت لك ) غيري؟
    قالوا : اللهمّ لا (1).
    س 8 ـ مولاي إنّ من استبدّ عليكم بالخلافة كانت حجّته كما قال عمر لابن عباس بأنّ قريش قد كرهت أن تجمع لكم النبوّة والخلافة ، فنظرت قريش لنفسها فأصابت ، ولو أنّكم وليتموها لتداولها بنو
    ____________
    1 ـ شرح إحقاق الحقّ للمرعشي 5 : 28.

    هاشم ولما وصلت إلى قريش ، لذلك أزاحوا الأمر عنكم ، فما قولك في ذلك؟
    ج ـ نعم ، لقد صرّح عمر بن الخطّاب بذلك لابن عباس في حوار دار بينهما قائلا : إنّ قريشاً قد كرهت أن تجمع لنا النبوّة والخلافة فنجحف على قومنا بجحاً بجحاً ، وهم يعلمون بأنّ رسول الله قد قال : ( أنا سيّد النبيّين وعليّ سيّد الوصيّين ، وإنّ أوصيائي بعدي اثنا عشر ، أوّلهم عليّ وأخرهم القائم المهدي ) (1).
    لذلك أرادوا صرفها عنا ، وذلك لأنّ قريشاً كانت تنظر إلى الخلافة نظرة الرياسة والزعامة والقيادة ، وبنظرة جاهليّة قبليّة ، وقد توحّدت بطون قريش لوجود صراع قديم بين أُميّة وهاشم ، فقد ساد هاشم بعد أبيه ، فحسده أُميّة بن أخيه عبد شمس ، فتكلّف أن يصنع ما يصنع هاشم ، وقالوا : أنت تتشبه بهاشم وعجز عن مجاراته ، فعيّرته قريش ، فدعا هاشماً للمنافرة في نفر ونزلوا على الكاهن الخزاعي ، فقال الكاهن قبل أن يخبروه خبرهم : والقمر الباهر ، والكوكب الزاهر ، والغمام الماطر ، وما بالجو من طائر ، وما اهتدى بعلم مسافر ومن منحدر غائر ، لقد سبق هاشم أُميّة إلى المفاخر ... فبعد هذا عاد هاشم إلى مكّة ونحر الإبل وأطعم الناس ، وخرج أُميّة إلى الشام فأقام فيها
    ____________
    1 ـ ينابيع المودة للقندوزي الحنفي 2 : 316.

    عشر سنين ، فكانت هذه أوّل عداوة بينهما وتوارثها بنوهم بعد ذلك (1).
    وكان يقال لهاشم وإخوانه عبد شمس والمطلب ونوفل : أقداح النضار. ويقال لهم : المجبرون ، لكرمهم وفخرهم وسيادتهم على العرب.
    فقد حاز قصي شرف مكّة ، فكان بيده السقاية والرفادة والحجابة والندوة واللواء ، وإنّ أكبر أولاد قصي عبد الدار ، إذ شرف بزمان أبيه وذهب شرفه كلّ مذهب ، ثمّ صارت السقاية لعبد المطلب ، ومن بعده لأبي طالب ، والقيادة كانت لعبد مناف ، ومن بعده لولده عبد شمس ، ثمّ لابنه حرب ، ثمّ لابنه أبي سفيان ، فكان يقود الناس في غزواتهم ، ودار الندوة في يد عبد الدار ، وقصي هو جماع قريش لذلك سمّي مجمعاً (2).
    وكان الأمويون يعتقدون بأنّ مقاليد الأُمور بأيديهم ، وهم أصحاب الملك ، أليست القيادة في أيديهم؟
    وفي أحسن الظروف ، فإنّ بني هاشم وبني المطلب من جهة ، وبني أُميّة وبني نوفل من جهة أُخرى ، كانا كفرسي رهان يتعاوران
    ____________
    1 ـ الطبقات الكبرى لابن سعد 1 : 76.
    2 ـ الطبقات الكبرى لابن سعد 1 : 2.

    زعامة قريش ، وبالتالي زعامة العرب والسبق فيها.
    ولقد فضّل الله هاشماً على أُميّة ، وقدّم هاشماً وأخر أُميّة بفضله في ما بعد.
    وكان أبو سفيان يعلم مثل غيره أن سيأتي نبي فيأخذ منه شرف القيادة ، وهذا النبيّ سيكون من سلالة عبد مناف ، وبعد معاناة ، اقنع أبو سفيان نفسه بأنّه بالذات سيكون النبيّ; لأنّه لا يوجد ـ حسب رأيه ـ من هو جدير بالنبوّة سواه.
    وأفصح عن هاجسه لبعض الذين يرتاح إليهم.
    وأنّه لأمر مشين ـ حسب تفكير أبي سفيان ـ أن تراه بنيات ثقيف يتبع غلاماً من بني عبد مناف وعبثاً حاول ابن أُميّة أبي الصلت أن يغيّر طريقة تفكير أبي سفيان.
    فيقول أُميّة مشفقاً : كأنّي بك يا أبا سفيان إن خالفته قد ربطت كما يربط الجدي ، يؤتى بك إليه فيحكم فيك بما يريد ، وهذا ما حصل عند فتح مكّة.
    ومن سوء طالع أبي سفيان أنّ بني هاشم ـ كافرهم ومؤمنهم ـ احتضنوا محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعندما جهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالدعوة قاومه أبو سفيان وأركان القيادة في مكة بكل الأساليب.
    وعندما لم ينثن محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله واحتضنه الهاشميون اتفقت قريش

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Empty
    مُساهمةموضوع: رد: افادات من ملفات التاريخ محمد سليم   افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Emptyالثلاثاء أكتوبر 22, 2024 4:30 pm

    بزعامة أبي سفيان أن يقاطعوا بني هاشم ، فقاطعتهم قريش كلّها ومن لفّ لفّها ، بما فيهم بنو عدي قبيلة عمر ، وبني تيم قبيلة أبي بكر ، وتلك حقيقة كالشمس لا يجادل بها أحد.
    ولم يستسلم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا الهاشميون ، وأبطل الله كيد قريش وزعامتها بعد مقاطعة استمرت ثلاث سنوات.
    وتأجّجت الكراهيّة بنجاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالهجرة وفشلت قريش في قتله عندما دخلوا فوجدوني نائماً مكانه.
    وجنّ جنون قريش وزعيمهم أبو سفيان ، وأعلنت الجوائز لمن يقبض عليه حيّاً أو ميّتاً.
    وعندما اشتعلت الحرب الأُولى ببدر بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقريش قتل ثلاث من أجود وأروع شخصيات أُميّة وهم : عتبة ، وشيبة ، والوليد بن عتبة ، وهم سادات بني أُميّة.
    والمريع أن الذين قتلوهم من بني هاشم وهم : أنا ، وحمزة ، وعبيد الله بن الحارث.
    وبذلك أصبح محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وبنو هاشم الخطر الحقيقي على الزعامة الأموية; لأنّهم سادات بني أُميّة ، وتحوّل حقدهم على محمّد وعترته إلى سواد مظلم وملأ صدورهم وعطل أذهانهم.
    انظر إلى يزيد بن معاوية بن أبي سفيان كيف لعب برأس الحسين

    ابني الذي فصل عن جسده وأُحضر إليه في دمشق أنشد قائلا :
    ليت أشياخي ببدر شـهدوا
    جزع الخزرج من وقع الأسل

    قد قتلنا القرن من ساداتهم
    وعدلنا ميل بدر فاعتدل

    لعبت هاشم بالملك فلا
    خبر جاء ولا وحي نزل

    لست من خندف إن لم انتقم
    من بني أحمد ما كان فعل

    وانظر إلى جدّته هند أم معاوية زوجة أبي سفيان ، تأمر بقتل حمزة غدراً ، ولا تكتفي بالقتل بل تشقّ صدر حمزة عمّ النبيّ وأسد الله وتتناول كبده وتحاول أكلها من شدّة الحقد.
    وقد رفضت الزعامة الأمويّة الدين المحمدي ونبوّة محمّد بالذات; لأنّها تكره أن يأتي هذا الدين عن طريق بني هاشم.
    وعندما فوجئ أبو سفيان بجند الله قرب مكّة ، وذلك حينما أوقفه العباس ليرى جند الله ، فدخل الرعب في قلبه ، وأفصح قائد حزب الطلقاء عن حقيقة تصوراته لدعوة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيقول : ما رأيت ملكاً مثل هذا ، لا ملك كسرى وملك قيصر ولا ملك بني الأصفر.
    إذاً هو لا ينظر إلى النبوّة والدين بل إلى ملك!
    وجرّه العباس إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيقول : « ويحك يا أبا سفيان ألم يئن لك أنّ تعلم أنّه لا إله إلاّ الله »؟
    فقال أبو سفيان : بأبي أنت وأُمّي ما أحلمك وأكرمك ، لقد ظننت

    أنّه لو كان مع الله إلهاً غيره لما أغنى عني شيئاً.
    فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا أبا سفيان ألم يئن لك أن تعلم أنّي رسول الله ».
    فقال أبو سفيان : بأبي أنت وأُمّي ، أما والله فإنّ في النفس حتى الآن منها شيء.
    وهنا صاح العباس : ويحك يا أبا سفيان ، أسلم واشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله قبل أن تُضرب عنقك.
    وهنا فقط أسلم أبو سفيان بعد ذكر ضرب العنق.
    ودهش أبو سفيان وهو ينظر للنبيّ فقال في نفسه : ليت شعري بأيّ شيء غلبتني ، فأوحى الله إلى نبيه بما في صدر أبي سفيان.
    فقال له الرسول : « باللّه غلبتك » (1).
    وكان أبو سفيان ينتظر الفرصة السانحة للانقلاب على هذا الملك الذي تصوّره ، وكان ما أراد بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واستمالة الخلفاء له بتركهم له ما بيده من الصدقات وتوليه ابنه يزيد ومعاوية على الجيش الذاهب إلى الشام ، ومن ثمّ توليتهم ما فتح من بلاد الشام. وهذا ما أسّس لدولة بني أُميّة فيما بعد.
    قال الله تعالى : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ
    ____________
    1 ـ السيرة الحلبية 3 : 55.

    أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ) (1).
    ممّا جعل لأبي سفيان مصلحة بالوقوف ولو مؤقتاً مع السلطة القائمة ، وخاصة بعد أن تركوا ما بيده من الصدقات ، وعيّنوا ابنه يزيد قائداً عاماً للجيش الذاهب إلى الشام ومعاوية قائداً آخر في الجيش نفسه تحت إمرة يزيد.
    وأمّا ما فعلوه بزعمهم أنّه من قبيل حفظ الشرع وعدم وقوع الفتنة كما صرّح عمر; لأنّه كما يرى بأنّ قريش تأبى أن تجمع لبني هاشم النبوّة والخلافة خوفاً من إجحافهم ، ولكنّهم وقعوا في أشدّ من ذلك لكي يبعدوني ويبعدوا بني هاشم عن الخلافة ، فقد أحرقوا سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المكتوبة ، ومنعوا من رواية الحديث وقالوا : حسبنا كتاب الله.
    وعندما طالبتهم فاطمة عليها‌السلام بإرثها واستشهدت عليهم بكتاب الله نبذوه وراء ظهورهم واستشهدوا عليها بحديث لم يسمعه أحد من قبلهم وهو قولهم : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « نحن معاشر الأنبياء لا نورث ».
    فهم رفضوا سنّة رسول الله أن يحدّث فيها أحد لأنّ فيها الوصيّة لي ، وكان ذلك تمسّكاً بحديث موضوع ، فهم ينظرون إلى مصلحتهم
    ____________
    1 ـ آل عمران : 144.

    وما يؤدّي إلى غرضهم.
    وهم يعترفون بفضلي وعلمي وقوتي على هذا الأمر ، وذلك كما قال عمر لي في مرض موته :
    أما والله لئن وليتهم لتحملنهم على الحقّ الواضح والمحجّة البيضاء (1).
    فهو يعرف بأنّي سوف أُقيم الشرع إذا وليتها ، لأنّي لا أنظر إلى الخلافة مثل ما كانوا ينظرون إلى الخلافة ، بل أنظر إليها على أنّها إقامة للدين الحنيف واستمرار لنهج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكنّهم أعادوها جاهلية ، لذلك صبرت وفي الحلق شجا وفي العين قذى ، فاستغلوا صمتي وهضموا حقّي وتناقلوها بينهم.
    وعندما وصلت الخلافة إليّ وبايعني الناس بعد مقتل عثمان لم يرق لقريش ذلك ، فنكثت طائفة ، وقسطت أُخرى ، ومرق آخرون ، فتحقّق قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ستقاتل من بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين » ، فقامت عائشة تحرّض الناس ضدّي ، ووقف معها طلحة والزبير وكانا قد بايعاني ثم نكثا بيعتي ، وقد زعموا أنّهم يطالبون بدم عثمان ، وقد كانوا هم أوّل من حرّض الناس وقاموا ضدّه إلى أن
    ____________
    1 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 : 186 ، تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل للباقلاني : 510.

    وصل الأمر لقتله ، وعائشة كانت هي أوّل من أفتت بقتل عثمان بقولها : اقتلوا نعثلا فقد كفر.
    ثمّ قام معاوية معلناً أنّه يطالب بقتلة عثمان ، مع أنّه لم ينصره وقد كان يستطيع ذلك ، إلاّ أنّه آثر أن يقتل لينازع في أمر ليس هو أهله.
    وقد جمع حوله من باع دينه بدنياه ، مثل عمرو بن العاص وأمثاله.
    وكلّ ما فعلوه كان لخوفهم من أن يتمّ الأمر لي فأعيدهم إلى ما مضى من سيرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكنّهم أبوا إلاّ أن يجعلوها قبليّة جاهليّة.
    وبعد أن وصلوا إليها ظهر ما كانوا يخفون ، ولم يعد معاوية يطالب بقتلة عثمان بل وقف معاوية وقال : يا أهل العراق ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولكن قاتلتكم لأتأمّر عليكم (1).
    فهذا هو ما يريدون أن يتأمروا ليس إلاّ.
    وما عشت أراك الله العجب فيمن يصدقهم الآن في زمانكم ، بعدما وضحت الأُمور بأجلى صورها ، ويصوّروا هذا على أنّه اجتهاد مأجور صاحبه بأجر إن أخطأ وأجرين إن أصاب.
    ومنذ وصلت الخلافة إلى عثمان وجمع حوله بني أُميّة ، قال له أبو سفيان في مجلسه : تلقّفوها يا بني أُميّة تلقّف الصبيان للكرة ، فوالذي
    ____________
    1 ـ البداية والنهاية لابن كثير 8 : 140 ، سير أعلام النبلاء للذهبي 3 : 147.

    يحلف به أبو سفيان لا جنّة ولا نار (1).
    وهذا ما حصل منذ ولّى عثمان أقاربه وأبناء عمومته على رقاب الناس وقوّى سلطة معاوية في الشام ، فبسط يده عليها بعد ما أجازه عليها ، كما أجازه أبو بكر وعمر ، فصارت بيده يتصرّف بها تصرّف المالك المطلق.
    لذلك عندما بايعني الناس ، وأحسّ زعيم بني أُميّة معاوية أنّي إن تمّ لي هذا الأمر فسوف يعزل ويصبح كعامة المسلمين ، وسوف يخسر ما كان يجهز له منذ ربع قرن ، وهو أن يعيد مجد أُميّة ويكون هذا الملك له ولعقبه من بعده والانتقام منّي ومن بني هاشم عموماً; رفض بيعتي.
    انظر إلى رسالة محمّد بن أبي بكر إلى معاوية وردّ معاوية عليه :
    من محمّد بن أبي بكر إلى الغاوي معاوية بن صخر :
    سلام على أهل طاعة الله ، ممّن هو سلم لأهل ولاية الله.
    أما بعد ، فإن الله بجلالته وعظمته وسلطانه وقدرته ، خلق خلقه بلا عبث منه ولا ضعف في قوته ، ولا حاجة به إلى خلقهم ، لكنه خلقهم عبيداً وجعل منهم غوياً ورشيداً ، وشقيّاً وسعيداً ، ثمّ اختار على علم فاصطفى وانتخب محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله فاختصه برسالته واختاره لوحيه
    ____________
    1 ـ نحوه في الاستيعاب لابن عبد البرّ 4 : 1679.

    وإئتمنه على أمره ، وبعثه رسولا ومبشراً ونذيراً ، مصدّقاً لما بين يديه من الكتب ، ودليلا على الشرائع ، فدعا إلى سبيل أمره بالحكمة والموعظة الحسنة ، فكان أوّل من أجاب وأناب وآمن وصدّق وأسلم وسلّم أخوه وابن عمّه علي بن أبي طالب ، صدّقه بالغيب المكتوم وآثره على كلّ حميم ، ووقاه بنفسه كلّ هول وواساه بنفسه في كلّ خوف ، وحارب حربه وسالم سلمه ، فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الأزل ومقامات الردع ، حتى برز سابقاً لا نظير له في جهاده ، ولا مقارب له في فعله.
    وقد رأيتك تساميه ، وأنت أنت ، وهو هو ، السابق المبرز في كلّ خير ، أوّل الناس إسلاماً وأصدق الناس فيه ، وأفضل الناس ذرّية وخير الناس زوجة ، وأفضل الناس ابن عمّ ، أخوه الشاري لنفسه يوم مؤتة ، وعمّه سيّد الشهداء يوم أُحد ، وأبوه الذاب عن رسول الله وعن حوزته ، وأنت اللعين ابن اللعين ، لم تزل أنت وأبوك تبغيان لدين الله وتبذلان الغوائل ، وتجهدان في إطفاء نور الله ، تجمعان على ذلك الجموع ، وتبذلان فيه المال وتؤلّبان عليه القبائل ، على هذا مات أبوك وعلى ذلك خلّفته ، والشاهد عليك بذلك من تدُني ، ويلجأ إليك من بقية الأحزاب ورؤساء النفاق والشقاق لرسول الله.
    والشاهد لعليّ ـ مع فضله المبين ، وسابقته القديمة ـ أنصاره الذين

    معه ، الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن ففضلهم وأثنى عليهم من المهاجرين والأنصار منهم معه كتائب وعصائب يجادلون حوله بأسيافهم ، ويهرقون دماءهم دونه يرون في اتباعه والشقاء في خلافه.
    فكيف يالك الويل! تعدل نفسك بعلي وهو وارث رسول الله ووصيه وأبو ولده ، وأوّل الناس له اتباعاً وأقربهم به عهداً ، يخبره بسره ويطلعه على أمره ، وأنت عدوّه وابن عدوّه؟!
    فتمتع في دنياك ما استطعت بباطلك ، وليمددك ابن العاص في غوايتك ، فكأنّ أجلك قد انقضى ، وكيدك قد وهى ، وسوف تبين لك لمن تكون عاقبة العليا!
    واعلم أنّك إنّما تكايد ربّك الذي أمِنت كيده ، وآيست من روحه وهو لك بالمرصاد ، وأنت منه في غرور ، والسلام على من اتبع الهدى.
    ـ ردّ معاوية :
    من معاوية بن صخر إلى الزاري على أبيه محمّد بن أبي بكر :
    سلام على أهل طاعة الله.
    أما بعد ، فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في عظمته وقدرته وسلطانه ، وما احتفى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مع كلام كثير الفّته ، ووضعته

    لرأيك فيه تضعيف ولأبيك فيه تعنيف.
    ذكرت فيه فضل ابن أبي طالب وقديم سوابقه وقرابته من رسول الله ونصرته له ومواساته إياه في كلّ هول ، فكان احتجاجك علىَّ وفخرك بفضل غيرك لا بفضلك ، فاحمد رباً صرف هذا الفضل عنك وجعله لغيرك.
    فقد كنّا وأبوك معاً في حياة نبيّنا نرى حقّ ابن أبي طالب لازماً لنا ، وفضله مبرزاً علينا ، فلما اختار الله لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ما عنده ، وأتمّ له ما وعده ، وأظهر دعوته ، وأفلح محبّه ، وقبضه الله إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان أبوك وفاروقه أوّل من ابتزّه حقّه ، وخالفه على أمره ، على ذلك اتفقا واتسقا ، ثمّ إنّهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما وتلكّأ عليهما ، فهمّا به الهموم ، وأرادا به العظيم ثمّ إنّه بايعهما وسلم لهما ، وأقاما لا يشركانه في أمرهما ولا يطلعانه على سرّهما ، حتى قبضهما الله ، وانقضى أمرهما ، ثمّ قام ثالثهما عثمان فهدى بهديهما وسار بمسيرتهما ، فعبته أنت وصاحبك حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي ، فطلبتما له الغوائل حتى بلغتما فيه مناكما ، فخذ حذرك يا ابن أبي بكر ، فسترى وبال أمرك ، وقس شبرك بفترك تقصر عن أن توازي أو تساوي من يزيد الجبال حلمه ولا تلين على قسر قناته ولا يدرك ذو مدى أناته.
    أبوك مهّد له مهاده ، وبنى ملكه وشاده ، فإن يك ما نحن فيه صواباً

    فأبوك أوّله ، وإن يكن جوراً فأبوك استبدّ به ونحن شركاؤه. فبهديه أخذنا ، وبفعله اقتدينا ، ولولا ما فعل ذلك به قبلنا ، ما احتذينا واقتدينا بفعاله ، فعب أباك بما بدا لك أو دع ، والسلام على من أناب ورجع عن غوايته وتاب (1).
    ولمّا قتل الحسين ابني ، كتب عبد الله بن عمر رسالة إلى يزيد بن معاوية جاء فيها :
    أما بعد ، فقد عظمت الرزيّة وجلّت المصيبة ، حدث في الإسلام حدث عظيم ، ولا يوم كيوم قتل الحسين.
    فكتب إليه يزيد :
    أما بعد ، يا أحمق ، فإنّا جئنا إلى بيوت مجدّدة وفرش ممهّدة ، ووسائد منضّدة ، فقاتلنا عنها. فإن يكن الحقّ لنا فعن حقّنا قاتلنا ، وإن كان الحقّ لغيرنا ، فأبوك أوّل من سنّ هذا واستأثر بالحقّ على أهله.
    والغاية من إيرادي لرسالة محمّد بن أبي بكر ورد معاوية عليه ، ورسالة عبد الله بن عمر وردّ يزيد عليه ، إنّما هو لاعترافهم. بأنّ من أوصل لهم هذا الأمر هو من ابتزّني الخلافة وغصبني حقّي من بعد
    ____________
    1 ـ أنساب الأشراف للبلاذري : 394 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 : 189.

    وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا اعتراف من زعمائهم بذلك.
    س 9 ـ كيف وصل أمر الخلافة إلى معاوية؟
    ج ـ بعد الانتهاء من معركة صفّين وما جرى فيها من التحكيم وخداع معاوية وعمرو بن العاص لي وللناس (1).
    قتلني الخارجي عبد الرحمن بن ملجم وبايع الناس ابني الحسن ، بعد أن أوصيت له بناءً على أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعندما رأى ابني الحسن قلّة الناصر ، واستمالة معاوية للناس بالمال ، وكثرة القتلى بين أصحابه; آثر صلح معاوية ، ليحقن دماء المسلمين ، وليوقف ما كان يروّج له معاوية ورجاله من أكاذيب وسبّه لي على منابر المسلمين ، وتصالح معه على الشروط التالية :
    1 ـ أن يعمل معاوية بالمؤمنين بكتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله.
    2 ـ أن يكون الأمر للحسن من بعده وليس لمعاوية أن يعهد به إلى أحد.
    3 ـ أن يترك سبّ أمير المؤمنين والقنوت عليه بالصلاة وأن لا يذكر عليّاً إلاّ بخير.
    4 ـ أن يسلم ما في بيت مال الكوفة وله خراج دار أبجرد.
    ____________
    1 ـ لم نذكرها خوف الإطالة وهي موجود في كتب السير والتواريخ.

    5 ـ أن لا يأخذ أحداً من أهل العراق بأحنة ، وأن يؤمن الأسود والأحمر.
    ولكن معاوية ما إن استتبّ الأمر حتى خرج على أهل العراق وقام خطيباً ، وقال : يا أهل العراق لم أُقاتلكم لتصلّوا أو لتصوموا أو تحجّوا أو تزكّوا فإنّكم تفعلون ذلك ، ولكن قاتلتكم لأتأمّر عليكم ، وليس لكم عندي إلاّ السيف ، وكلّ شرط شرطته للحسن بن علي فهو تحت قدمي (1).
    ولكي يتمّ الأمر لعقبه من بعده كان لا بدّ من أن يقتل الحسن ، فبعث لزوجة الحسن جعدة بنت الأشعث ومنّاها بالمال وبالزواج من يزيد ، فوافقت ودسّت له السمّ في الطعام ولهذا كان يقول معاوية : لله جند من عسل.
    بعد هذا تتابعت المحن على آل البيت المحمدي ومن شايعهم ، فقتلوا تحت كلّ حجر ومدر بحجّة معارضتهم للحكومات الظالمة على مرّ التاريخ ، وحتى هذه الأيام ولكن بصورة مختلفة ، فالآن يعتبرونهم خارجين عن الإجماع لأنّهم لم يرضوا عن سنّة نبيّهم وآل البيت عليهم‌السلام بدلا ، وتركوا معاوية ومن شايعه من الحكام الذين
    ____________
    1 ـ الفتوح لابن أعثم 4 : 294 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16 : 15 ـ 46.

    توالوا على الدولة الإسلامية وظلّوا يوالون آل البيت عليهم‌السلام ويتبرأون ممّن نزى عليهم بحدّ السيف.
    انظر لقول الإمام علي بن الحسين يصف حالة آل بيت محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله :
    ـ في دمشق استقبل المنهال بن عمرو الصحابي ، علي بن الحسين بن علي ، فقال له : كيف أمسيت يا بن رسول الله؟
    فقال له الإمام علي بن الحسين : « أمسينا كبني إسرائيل في آل فرعون ، يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم ، يا منهال أمست العرب تفتخر على العجم بأن محمّداً منهم ، وأمست قريش تفتخر على سائر العرب بأنّ محمّداً منها ، وأمسينا أهل بيت محمّد ونحن مغصوبون مظلومون ، مقهورون ، مثبورون ، مطردون ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون على ما أمسينا فيه يا منهال »! (1)
    انقسام الأُمّة الإسلاميّة :
    س 10 ـ مولاي إنّ ما تفضلتم به من توضيح يبيّن أنّ الأُمّة قد انقسمت بعد توليك للخلافة إلى قسمين : قسم تابعك وشايعك ، وفيهم جل الصحابة الكرام وأولادهم ، وقسم آخر تابع معاوية ومن أتى بعده وشايعهم ، وبذلك شقّوا عصا الطاعة ، وخالفوا إمامهم ، وتمّ
    ____________
    1 ـ فتوح البلدان لابن الأعثم 5 : 133.

    الانقلاب على الشرعيّة بقيام دولة تأخذ الإسلام شعاراً لها ، بينما هي دولة أُمويّة جاهلية ترجع بجذورها إلى ما قبل الإسلام ، وبذلك تمّ الانقلاب على الشرعيّة ، وهي تعارض مبادئ حتى الذين أسّسوا ومهّدوا لها!!
    فهل يمكن يا سيّدي أن تبيّن لنا نظركم لذلك ، لتوضح للناس ما أبهم واُخفي عنهم؟
    ج ـ لا يختلف اثنان في أنّ أبا بكر كان الخليفة الأوّل بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا ممّا تتفق عليه المدارس الإسلامية بأجمعها سنّة وشيعة ، ولكنّ خلافهم بأحقيته بهذا الأمر من بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى كل فقد مضى لسبيله.
    ثمّ أدلى بها إلى عمر بن الخطّاب ، فانتقلت الخلافة له بوصيّة من أبي بكر الخليفة الأوّل ، وأصبح هو الخليفة الثاني ، وذلك أيضاً ممّا تتفق عليه المدارس الإسلامية بأجمعها سنّة وشيعة.
    ثمّ لمّا طعن عمر وأشرف على الموت جعلها في جماعة ، إلى أن قام ثالث القوم عثمان وقد بايعه الناس وأصبح الخليفة الثالث بوصيّة من عمر ، بغض النظر عن طريقته في الاختيار والتوصية ، وهذا أيضاً ممّا لا يختلف فيه أحد من المسلمين ، إلى أن أجهز

    عليه عمله وكبّت عليه بطنته.
    ـ فما راعني إلاّ والناس كعرف الضبع ينثالون عليّ من كلّ جانب ، حتى وطئ الحسنان ، وشقّ عطفاي ، مجتمعين حولي كربيضة الغنم ، وبايعوني وتمّ لي الأمر وأصبحت الخليفة الرابع ، وأيضاً برضى من الأُمّة الإسلامية آنذاك.
    وقد كانت خلافتي متصلة بخلافة من كان قبلي من الخلفاء الثلاثة الذين سبقوني أبي بكر وعمر وعثمان وصولا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.
    فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة ومرقت أُخرى وقسط آخرون ...
    وبذلك يكون كلّ من اتّبعني وشايعني قد مشى على نهج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.
    وإنّ من وقف ضدّي خرج عن الشرع وخالف الحقّ ، وعلى هذا يكون من وقف مع معاوية ، وشايعه ، ومشى على نهجه ، وصحّح له ، ودافع عنه ، فهو من شيعته ومن أعوانه ، ويكون خارجاً عن الشرعيّة المتمثلة بي وبالخلفاء الذين سبقوني في ضوء مبانيهم ، وهؤلاء هم أهل الخلاف من عامة المسلمين الذين وقفوا مع معاوية وقاتلوا معه ضدّي بالسيف في عصره ومن تبعه من بني أُميّة ، وهؤلاء كانوا ضدّ الخلافة الشرعيّة التي انتهت من بعدي بقتل الإمام الحسن.

    وقد حاولت السلطات الحاكمة ورجالهم المرتبطون معهم على مرّ العصور بتصوير شيعة محمّد وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله (1) على أنّهم ضدّ السلطة الحاكمة (2).
    ____________
    1 ـ ( شيعة ) المعنى اللغوي لهذه الكلمة : شيعة لغة تعني الفرقة ، أو الجماعة من الناس التي تجتمع أبناؤها على أمر واحد ويتبع بعضهم رأي بعض وهم متشابهون في آرائهم وأُمورهم وموالاتهم.
    وإذا أُضيفت كلمة ( شيعة ) لرجل كقولك : شيعة فلان فإنّها تعني : الأصحاب أو الأعوان أو المؤيدين. لسان العرب لابن منظور 8 : 188 مادة شيع ، تاج العروس للزبيدي 11 : 257.
    وورد لفظ شيعة في القرآن في عدّة مواضع منها قال سبحانه وتعالى : ( فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ ) القصص : 15.
    وهنا كان المقصد من كلمة ( شيعة ) أي من أتباع سيّدنا موسى ، وقال تعالى : ( وَإنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لاَبْراهِيم ) الصافات : 83.
    ومن معاني هذه الآية أنّ سيدنا إبراهيم من شيعة سيّدنا نوح.
    ومن هذا تعرف أنّ لفظ ( الشيعة ) يطلق على أتباع سيّدنا محمّد وآل بيته الأطهار ، وأوّل من أطلق لفظ ( شيعة علي ) على أتباع علي عليه‌السلام هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عندما نزل قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) البيّنة : 7 ، بقوله لعلي :

    بينما يظهر لنا أنّ الشرعيّة كانت ولا تزال معهم; لأنّهم اتبعوا محمّداً وآله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وإن من يعتقدون بأنّهم أصحاب الشرعيّة لأنّهم اتبعوا السلطة الغاشمة ، والتي نزت على هذه الأُمّة بالسيف ضدّ الحكم الإسلامي ، وهم أبعد ما يكونون عن الشرعيّة والإسلام.
    وهذا ما صوّره لهم معاوية بدهائه ومن تبعه من بني أُميّة وبني العباس ، وهؤلاء إنّما وقفوا أيضاً ضدّ الخلفاء الثلاثة الأوائل ، وشقّوا وحدة المسلمين ، وصنعوا لهم مذهباً سياسياً لا يعارض الحكم القائم ويعتبر طاعة الأمير براً كان أو فاجراً ، وقد وضعت الكثير من الأحاديث لتأكيد ذلك في العهدين الأموي والعباسي.
    لذلك كانت الحكومات تدعمه دائماً ، ولذلك ترى انتشار المذاهب الأربعة; لأنّها دعمت سياسياً الحكومات الجائرة أنذاك
    __________________
    « هم أنت وشيعتك يا علي وستقدم على الله وشيعتك راضيين مرضيين » مجمع الزوائد للهيثمي 9 : 131 ، الدر المنثور للسيوطي 6 : 379.
    وحول هذه المعاني يراجع : شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني 2 : 460 ، ينابيع المودة للقندوزي 2 : 357 ، روح المعاني للألوسي 30 : 207 ، نظم درر السمطين للزرندي : 92 ، المعجم الأوسط للطبراني 4 : 187 ، فتح القدير للشوكاني 5 : 477 ، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي : 576.

    وخططت لدعم كلّ حكومة جائرة تأتي بعدها ، بينما بقي أتباع مدرسة محمّد وآل بيته عليهم‌السلام ملاحقين مقتّلين مطرودين مقهورين في كلّ زمان ومكان ، لأنّهم لا يعتقدون بولاية الفاجر والطليق ومن اعتدى على هذه الأُمّة بالسيف ، ولا يرضون عن مذهب محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وآله الأطهار بدلاً ، وتمسّكوا بولايتنا آل البيت واستمروا على ذلك.


    الفصل الأخير
    لمحات عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام
    رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعيّن أوصياءه وأئمة المسلمين من بعده.
    ضوء من ضوء.
    نصّ فتوى مكتب شيخ الجامع الأزهر المسجّلة بدار التقريب.


    لمحات عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام
    الإمام الثاني : الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام.
    أُمّه فاطمة الزهراء ، سيّدة نساء العالمين ، بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.
    ولد بالمدينة المنوّرة ليلة النصف من رمضان سنة ( 2 هـ ).
    توفّي في المدينة المنورة 7 صفر سنة ( 50 هـ ) مسموماً ، سمّه معاوية بن أبي سفيان.
    ودفن في البقيع.
    الإمام الثالث : الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام.
    أُمّه فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، سيّدة نساء العالمين ، بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.
    ولد بالمدينة 3 شعبان سنة ( 3 هـ ).
    واستشهد في كربلاء في 10 محرّم سنة ( 61 هـ ) ودفن هناك.
    قتله جيش يزيد بن معاوية وكان عمره الشريف ( 58 سنة ).
    الإمام الرابع : علي بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام.
    أُمّه شاه زنان بنت يزدجرد ، وقيل اسمها شهربانو.
    ولد بالمدينة المنوّرة في 5 شعبان سنة ( 38 هـ ).

    توفّي بالمدينة في 25 محرّم سنة 95 هـ.
    ودفن في البقيع عن عمر ( 57 سنة ).
    الإمام الخامس : محمّد بن علي الباقر عليه‌السلام.
    أُمّه فاطمة بنت الإمام الحسن بن علي عليهما‌السلام.
    ولد بالمدينة المنورة في غرّة رجب سنة ( 57 هـ ).
    توفّي بالمدينة في 7 ذي الحجّة سنة ( 114 هـ ).
    ودفن بالبقيع عن عمر ( 57 سنة ).
    الإمام السادس : جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام.
    أُمّه فاطمة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر.
    ولد بالمدينة المنورة في 25 شوال سنة ( 83 هـ ).
    توفّي في المدينة سنة ( 148 هـ ).
    ودفن بالبقيع عن عمر يناهز ( 65 سنة ).
    الإمام السابع : موسي بن جعفر الكاظم عليه‌السلام.
    أُمّه حميدة المصفّاة.
    ولد بالأبواء ( موضع بين مكة والمدينة ) في 7 صفر ( 128 هـ ).
    توفّي ببغداد في 25 رجب سنة ( 183 هـ ).
    ودفن في مقابر قريش في الجانب الغربي من بغداد ـ مدينة الكاظمية ـ عن عمر ( 55 سنة ).

    الإمام الثامن : علي بن موسي الرضا عليه‌السلام.
    أُمّه أُمّ البنين وتسمّى ( تكتم ) وقيل : نجمة.
    ولد بالمدينة المنوّرة في 11 ذي القعدة سنة ( 148 هـ ).
    توفّي بطوس من أرض خراسان في 17 صفر سنة ( 203 هـ ).
    ودفن في طوس عن عمر ( 55 سنة ).
    الإمام التاسع : محمّد بن علي الجواد عليه‌السلام.
    أُمّه تدعى سبيكة من أهل بيت مارية القبطية زوجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.
    ولد في 10 رجب سنة ( 195 هـ ).
    توفّي ببغداد في أوّل ذي القعدة ، وقيل أواخره ، وقيل في الخامس من ذي الحجّة سنة ( 220 هـ ).
    ودفن في مقابر قريش غربي بغداد ـ مدينة الكاظمية ـ عن عمر ( 25 سنة ).
    الإمام العاشر : علي بن محمّد الهادي عليه‌السلام.
    أُمّه سمانة المغربية ، وقيل : جمانة.
    ولد في ( بصريا ) قريبة من نواحي المدينة المنوّرة في 1 رجب ، وقيل في النصف من ذي الحجّة سنة ( 212 أو 214 ).
    توفّي في سامراء عن عمر ( 42 سنة ).

    الإمام الحادي عشر : الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام.
    أُمّه سوسن أو حديثة أو سليل.
    ولد بالمدينة ، في 8 أو 10 من شهر ربيع الثاني سنة ( 232 هـ ).
    توفّي بسامراء في 8 ربيع الأوّل سنة ( 260 هـ ).
    ودفن بداره في سامراء عن عمر ( 28 سنة ).
    الإمام الثاني عشر : الإمام المهدى المنتظر ( عجلّ الله فرجه الشريف ).
    أبوه الإمام الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام.
    أُمّه نرجس.
    ولد بسامراء في 15 شعبان سنة ( 255 هـ ).
    له غيبتان :
    1 ـ الغيبة الصغرى : واستمرّت من260 حتى 329 هـ.
    2 ـ الغيبة الكبرى : من 329 هـ إلى أن يظهر.
    وقد استمرّت الشيعة في موالاة الأئمة من ولدي علي مرّ العصور ، وهم ينتظرون الفرج القادم على يدي آخر الأئمة من أهل البيت الإمام المهدي المنتظر الذي بشّر فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

    رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعين أوصياءه
    وأئمة المسلمين من بعده
    عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا جابر إنّ أوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي أوّلهم علي ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ علي بن الحسين ، ثمّ محمّد بن علي المعروف بالباقر ستدركه يا جابر فإذا لقيته فأقرأه منّي السلام ، ثمّ جعفر بن محمّد ، ثم موسى بن جعفر ، ثمّ علي بن موسى ، ثمّ محمّد بن علي ، ثمّ محمّد بن علي ، ثمّ الحسن بن علي ، ثمّ القائم اسمه اسمي وكنيته كنيتي محمّد ابن الحسن بن علي ، ذلك الذي يفتح الله تبارك وتعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها ، ذلك الذي يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للأيمان » (1).
    ـ عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ عليّاً وصيي من ولده القائم المنتظر المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً » (2).
    والعجيب والغريب ممّن يأتي الآن في عصرنا ، ويدافع عن هؤلاء
    ____________
    1 ـ ينابيع المودة للقندوزي الحنفي 3 : 399.
    2 ـ حياة الإمام المهدي للقرشي : 177.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3304
    نقاط : 4993
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Empty
    مُساهمةموضوع: رد: افادات من ملفات التاريخ محمد سليم   افادات من ملفات التاريخ محمد سليم Emptyالثلاثاء أكتوبر 22, 2024 4:31 pm

    الذين كانت خلافتهم هي خروج عن الخلافة الشرعيّة وعن الشرع الإسلامي ، ويطعنون في مذهب أهل البيت عليهم‌السلام الذي يعتمد في فقهه وأُصوله على كتاب الله وسنّة رسوله محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله المأخوذة من أعدال القرآن الأئمة من آل البيت عليهم‌السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً بنصّ القرآن.
    بينما هؤلاء الذين خرجوا عن السلطة الشرعيّة اعتمدوا في مذاهبهم على الرأي والقياس والاستحسان ووضع أحاديث تنتقص من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لتبرير ما يفعله الحكّام من ظلم وقتل واستبداد بالحكم.
    ( للمزيد من معرفة أسباب نشوء المذاهب ، راجع كتاب الإمام الصادق والمذاهب الأربعة لأسد حيدر ).
    لذلك يجب على المثقّفين المسلمين أن يعيدوا النظر بهذا التاريخ وينظروا لأنفسهم ، فإن كان معاوية ومن تبعه قد أكرهوا الناس على بيعتهم ، وقتلوا كلّ من وقف ضدّهم وحاولوا إطفاء نور محمّد وآل بيته الأطهار صلوات اللّه عليهم ، ومنعوا ذكر فضائلهم وأعلنوا سبّهم على منابر المسلمين ، وأجبروا الناس على ذلك وهم له كارهون ، فإنّ معاوية ومن ولاه قد هلك ، وهلك ذكره إلاّ في مفاسده ، فعلى علماء المسلمين الآن ليس التماس الأعذار له ولمن تابعه ، بل على

    العكس ، يجب أن يفضحوا ما فعله ويميطوا اللثام عن منكراته وينفتحوا على أصحاب الحقّ الشرعي ليكونوا معهم ويتمسّكوا بحبل الله ويعتصموا به ، وحبل الله هو محمّد وآل بيته الأطهار صلوات اللّه عليهم ليعُصموا من الضلالة كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي » (1).
    وقال تعالى : ( ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً ) (2).
    فإنّ معاوية تسلّط على رقاب الناس وأطلق على عام تسلطه ( عام السنّة والجماعة ) ، ومن هنا جاء اسم ( أهل السنّة والجماعة ) ، فقد كتب معاوية نسخة واحدة إلى جميع عماله : أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضائل أبي تراب ، وأهل بيته (3).
    وأيضاً كتب معاوية : إلاّ يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة. وكتب إليهم أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبّيه ، وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه ، فأدنوا مجالسهم وقرّبوه وأكرموهم ، واكتبوا لي بكلّ ما يروي كلّ رجل منهم ، واسمه
    ____________
    1 ـ تقدم تخريجه.
    2 ـ النساء : 109.
    3 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 11 : 44.

    واسم أبيه وعشيرته.
    ففعلوا ذلك حتى أكثروا من فضائل عثمان ومناقبه ، لما كان يبعث إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطايع ويفيضه في العرب منهم والموالي ، فكثر ذلك في كلّ مصر ، وتنافسوا في المنازل والدنيا (1).
    ثمّ كتب : إذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّليين ، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلاّ وأتوني بمناقض له ، فإنّ هذا أحب إلىّ وأقرّ إلى عيني وأدحض لحجّة أبي تراب وشيعته ، وأشدّ عليهم من مناقب عثمان وفضله.
    فقُرأت كتبه على الناس ، ورويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها ، وجرى الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر ، والقي إلى معلّمي الكتاتيب فعلّموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلّموه كما يتعلّمون القرآن ، وحتى علّموه بناتهم ونسائهم وخدمهم وحشمهم ، فلبثوا بذلك إلى ما شاء الله ، فظهر حديث كثير موضوع ،
    ____________
    1 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 11 : 44.

    وبهتان منتشر ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة (1).
    وقال ابن عرفة المعروف بنفطويه ، وهو من أكابر المحدّثين وأعلامهم عند أهل السنّة في تاريخه : إنّ أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتُعلت في أيام بني أُميّة تقريبا إليهم بما يظنون انهم يرغمون به أنوف بني هاشم (2).
    وإنّ ذلك قد وصل إلينا فأنت ترى أنّ الخطباء في المساجد يتبارون في ذكر فضائل الصحابة وقد يصلون إلى أنّهم أفضل من النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في الكثير من الأمور ( معاذ الله ).
    مثلا :
    ـ عن سعد بن أبي وقاص قال : استأذن عمر على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعنده نساء من قريش يكلّمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن ، فلمّا استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب فأذن له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يضحك.
    فقال عمر : أضحك الله سنّك يا رسول الله! فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « عجبت من هؤلاء اللاتي كُنَّ عندي ، فلمّا سمعن صوتك ابتدرن الحجاب ».
    ____________
    1 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 11 : 44.
    2 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 11 : 46.

    قال عمر : فأنت يا رسول الله أحقّ أن يهبن.
    ثمّ قال عمر : أي عدوات أنفسهن! أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟
    قلن : نعم ، أنت أغلظ وأفظ من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.
    قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « والذي نفسي بيده : ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجاً إلاّ سلك فجّ غير فجكّ » (1).
    وهنا أرادوا أن يجعلوا فضيلة لعمر وهي المهابة ، فأسقطوها عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.
    ولم يكتفوا بذلك بل سلبوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي كان يوصف بأنّه أشد حياءً من العذاري في خدورهن. سلبوه هذا الحياء ، أُنظر إلى هذا الحديث :
    عن عائشة : إنّ أبا بكر استأذن على رسول الله وهو مضطجع على فراشه ، لابساً مرط عائشة ، كاشفاً عن فخذيه ، فأذن لأبي بكر وهو كذلك ، فقضى إليه حاجته ثمّ انصرف.
    استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال فقضى له حاجته ، ثمّ انصرف.
    ____________
    1 ـ صحيح البخاري 7 : 93 ، كتاب الأدب ، باب التبسم والضحك.

    قال عثمان : ثمّ استأذنت عليه فجلس وقال لعائشة : « اجمعي عليك ثيابك » ، فقضى إليّ حاجتي ثمّ انصرفت.
    فقالت عائشة : يا رسول الله! مالي أراك ما فزعت لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان؟
    قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ عثمان رجل حيي ، وإنّي خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إليّ في حاجته » (1).
    وفي حديث آخر : « ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة » (2).
    النبيّ كاشف عن فخذيه ، عائشة غير جامعة لثيابها ، يدخل أبو بكر فلا يبالي رسول الله ولا يستحيي أن يراه أبو بكر على هذه الحالة مع زوجته.
    يدخل عمر فلا يبالي رسول الله ولا يستحيي أن يراه عمر على هذه الحالة مع زوجته.
    ولمّا يدخل عثمان ، فيأمر زوجته بأن تجمع عليها ثيابها ، ويسوّي جلسته ويستر عورته ، لماذا؟ لأنّ عثمان رجل تستحي منه الملائكة!!
    ____________
    1 ـ صحيح مسلم 7 : 117 ، كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل عثمان.
    2 ـ صحيح ابن حبان 15 : 336.

    وهذا شيء يسير ممّا تحتويه كتب الحديث والسير من أمثال هذه الموضوعات التي تجلّ الصحابة وتطعن برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولو أراد أحد أن يكتبها أو يجمعها لأفرد لها كتاباً خاصاً ، وهنا نكتفي منها بهذا القدر تجنباً للإطالة.
    وإنّنا نرى أنّ حقد معاوية ليس على الإمام عليّ وبنيه عليهم‌السلام فقط ، بل تعدّاه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فانظروا إلى هذا الخبر :
    روى الزبير بن بكار وقال : قال المطرف بن المغيرة بن شعبة : دخلت مع أبي إلى معاوية ، وكان أبي يأتيه فيتحدّث معه ثمّ ينصرف أبي ، فيذكر معاوية وعقله ، ويعجب بما يرى منه ، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء ورأيته مغتمّاً فانتظرته ساعة ، وظننت أنّه لأمر حدث فينا فقلت : مالي أراك مغتمّاً منذ الليلة؟
    فقال : يا بني! جئت من عند أكفر الناس وأخبثهم ( يعني معاوية ).
    قلت : وما ذاك؟
    قال : قلت له وقد خلوت به : إنّك قد بلغت سناً يا أمير المؤمنين ، فلو أظهرت عدلا ، وبسطت خيراً فإنّك قد كبرت ، ولو نظرت إلى إخوانك من بني هاشم ، فوصلت أرحامهم ، فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه ... وإنّ ذلك ممّا يبقى لك ذكره وثوابه.
    فقال : هيهات هيهات! أي ذكر أرجو بقاءه!

    ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل ، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلاّ أن يقول قائل : أبو بكر.
    ثمّ ملك أخو عدي فاجتهد وشمّر عشر سنين ، فما أخذ أن هلك حتى هلك ذكره ، إلاّ أن يقول قائل : عمر.
    وإن ابن أبي كبشة ليصاح به كلّ يوم خمس مرّات ( أشهد أنّ محمّداً رسول الله ) فأيّ عمل يبقى؟
    وأي ذكر يدوم بعد هذا لا أباً لك؟
    والله إلاّ دفناً دفناً (1) (2).
    وقد كان معاوية عندما يستعمل عمّاله لا يأمرهم بالعدل والإحسان بل كان يأمرهم بسبّ الإمام علي وذمّه ، اُنظر لما يروي الطبري وابن الأثير :
    قال : استعمل معاوية المغيرة بن شعبة على الكوفة سنة ( 42 هـ ) فلما أمّره عليها ، دعاه ، وقال له : قد أردتُ إيصاءك بأشياء أنا تاركها اعتماداً على بصرك ، ولست تاركاً إيصاءك بخصلة ، لا تترك شتم علي وذمّه ، والترحّم على عثمان والاستغفار له ، والعيب لأصحاب علي والإقصاء لهم ، والإطراء لشيعة عثمان والإدناء منهم.
    ____________
    1 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 5 : 130.
    2 ـ كانت قريش تكني رسول الله أبا كبشة استهزاء ، به لعنهم الله.

    فقال المغيرة : قد جَربت وجُربت وعملت قبلك لغيرك. فلم يزمني ، وستبلو فتحمد أو تذّم ، فقال له : بل نحمد إن شاء الله (1).
    ولذلك نرى الآن يذكر في الكتب فضائل كثيرة للصحابة ، وأكثرها موضوعة ليس لها أيّ أصل من الصحّة ، ويكفي أن أكثر هذه الفضائل المنتحلة يوجد فيها الانتقاص من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لتعلم بطلانها ، ولكنّ الناس لا يتدبّرونها ، بل يذكرونها كما يذكرها مشايخهم ، مع العلم أنّ أصحاب هذه الفضائل لم يكونوا قد سمعوا بها على زمانها وقد رأينا ذلك من خلال الإفادات السابقة.
    لذلك عظم شأن الكثير من الصحابة وأصبح لهم هالة من القداسة والعظمة المفتعلة التي تمنع الكثيرين من أهل الخلاف بالتصريح بأي هفوة وإن كانت صغيرة ، فكيف بعظائم الأُمور وفدائح الخطوب!!
    وكتب التاريخ والحديث والسير مليئة بالكثير من مثالبهم ، من أجل ذلك ترى أنّ علماءهم يمنعونهم من مطالعة كتب التاريخ والسير لأنّها مليئة بمثل هذه الأُمور التي تسيء للصحابة ، وتظهر مخالفتهم الصريحة لنصوص القرآن والسنّة النبويّة المطهّرة ، وعندما تواجه بعض هؤلاء الأشخاص وتذكر بعض مخالفات الأصحاب ،
    ____________
    1 ـ تاريخ الطبري 4 : 188.

    يقولون لك : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا ذكر أصحابي فأمسكوا ».
    وهل ما حصل من خلاف ونشوء المذاهب والفتن إلاّ من خلاف الصحابة وتحاربهم وسبّهم لبعضهم البعض ، وكتب التاريخ والسيَر مليئة بذلك.
    وقد نسوا أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « ألا وإنّه سيجاء برجال من أُمّتي فيؤخذ بهم ذات الشمال ( إلى النار ) فأقول : يا ربِّ أصحابي ، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ... إنّهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم » (1).
    ـ وعن عمّار بن ياسر قال : قال حذيفة : أخبرني عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « في أصحابي اثنا عشر منافقاً فيهم ثمانية لا يدخلون الجنّة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط; ثمانية منهم تكفكيهم الدبيلة ( داء في الجوف ) ، وأربعة لم أحفظ ما قال فيهم » (2).
    فإذا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد وصف بعض أصحابه بالمنافقين وعلى الأقل اثنا عشر منهم ، وإنّهم سوف يدخلون النار لأنّهم ارتدّوا من
    ____________
    1 ـ صحيح البخاري 4 : 110 و 5 : 192 ، كتاب بدء الخلق ، كتاب تفسير القرآن ، باب وكنت عليهم شهيداً ، صحيح مسلم 8 : 157 ، كتاب الجنّة ، باب صفة يوم القيامة ، سنن الترمذي 5 : 4 ، سنن النسائي 4 : 117.
    2 ـ مسند أحمد 4 : 320 ، صحيح مسلم 8 : 122 ، كتاب صفات المنافقين.

    بعده على أعقابهم ، فكيف تمنعون من ذكرنا لهم بما فعلوا من انقلابهم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد أخبر هو عنهم؟!
    وإن كنتم تنكرون ذلك فهذا من صحاحكم وليس من عند غيركم فلوموا أنفسكم.
    ومن المضحك المبكي ـ في نفس الوقت ـ ظهور بعض من يدّعي المشيخة والإفتاء على شاشة القناة الفضائية السعودية وهو يفتي ويحلل ويحرم ، فيسأله أحد المتّصلين قائلا : إنّ البعض يروي لنا أحاديث في فضائل سيّدنا علي ـ كرم الله وجهه ـ وهي كثيرة ، ونجدها في كتب الصحاح فما رأيك يا سيّدي؟
    فيجيبه قائلا :
    إنّ كلّ ما جاء في الصحيح صحيح إلاّ ما جاء في تفضيل علي على باقي الصحابة.
    ونحن نقول لك : يا حفيد معاوية ويزيد ، إن أكثر ما في الصحاح عندكم موضوع ويكفيك دليلاً على ذلك رضاعة الكبير ، والقول بنقص القرآن الكريم ، وفضائل الصحابة ، وتشبيه الله بمخلوقاته .. الخ.
    وأمّا ما جاء في تفضيل الإمام علي عليه‌السلام ، فهو نزر يسير ممّا قد سلم من بين أيدي الأمويين والعباسيين وأتباعهم وأحفادهم ، أمثالك اليوم ، وها أنتم الآن تحاولون أن تحذفوا الكثير من هذه الفضائل

    ومثالب الصحابة من صحاحكم.
    وإن الكثير من كتب الحديث الصحاح ـ كما يسمّونها ـ قد طبعت الآن ، وحذف منها كثيرٌ من فضائل أهل البيت عليهم‌السلام والكثير من مثالب الصحابة ، وهذه الأعمال تشرف عليها بعض الهيئات من السعودية ، وهي تدعم طباعة مختصرات الصحاح لكي يتمّ حذف ما يريدون.
    سئل الإمام الشافعي عن الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال : ماذا أقول برجل أنكر أعداؤه فضله حسداً وطمعاً ، وكتم أحباؤه فضله خوفاً وفرقاً ، وفاض ما بين هذين ما طبق الخافقين.
    وأمّا ما يقوله أهل الخلاف من أنّهم يحبّون عليّاً وأهل البيت عليهم‌السلام أكثر من الشيعة ، وأنّهم لا يبغضون أحداً من أهل البيت.
    فهو قول بلا دليل ، وترى عكس ما يقولون من تغافل علمائهم وأُدبائهم عن ذكر فضائل أهل البيت عليهم‌السلام ، وقولهم بأنّهم يذكرونهم بكلّ خطبة من خطب الجمعة بقولهم :
    اللهم ارض عن الأربعة الخلفاء السادة الحنفاء ذوي القدر العلي والفخر الجلي أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.
    فإنّما هو ذكر لترتيبهم حسب الخلافة لا أكثر ، وإنّ أوّل من قال بالتربيع ـ أي ذكر الإمام علي رابعاً ـ هو أحمد بن حنبل ، وإلاّ كانوا من قبل لا يذكرون إلاّ الثلاثة الذين سبقوه.

    وإن كان هذا الذكر يعني بأنّهم يحبون عليّاً عليه‌السلام ، فإنّ البعض من النصارى قد كتب الكتب في الإمام علي ، ونظم الشعراء منهم القصائد في فضله ، فانظر إلى الشاعر الأستاذ جوزيف هاشم وهو وزير لبناني سابق ، فقد نظم قصيدة بعنوان ( ضوء من ضوء ) يحيّي فيها الإمام علي عليه‌السلام في ذكرى ولادته وألقاها في مكتبة الأسد بدمشق يقول فيها :
    عرينة الشام ، غنّي يوم طلّته
    وسبّحي الله في ذكرى ولادته

    يطلُّ كالضوء من ضوء (1) وينشره
    كالبدر يعكس الشمس وهج جبهته

    هو الإمام « حسام الدين » فارسه
    ما زغرد السيف إلاّ بين قبضته

    يدُ النبوّة شدّت عزم ساعده
    وأطلقتهُ إماماً من طفولته

    فكان ظلّ رسول الله ، « كاتبه »
    وأوّل القوم إيماناً بدعوته

    سيد البيان ، وباب العلم (2) مشترعاً
    والفقه مذ كان (3) ، نهجٌ من بلاغته




    هو الفتى ، أم هو المفتىُّ قاصعةٌ (4)
    وقفاتُ منبره في شقشقيته (5)

    محجّةُ الشرع ، أقضاكم (6) وإن سلفت
    خلافةٌ ، هلكتْ (7) من دون حكمته

    يُعبُّ من منهل القرآن ، يحفظه
    والنهج (Cool كالبحر فاغرف من غزارته

    يغوص في موجه القرصان ، إن لمستْ
    يداه دُرّاً ، هوى في قعر لجّته

    أعماقه قُللٌ ، أغواره قممٌ
    إلى مدى الله ، توقٌ نحو رحمته

    أنّى التفتَّ نهىً أنّى اتجهت هدىً
    وحيث أبحرت ضوء من منارته

    هو الفتى ، نبوىُّ العبْقِ ، محتدهُ
    كالملح في الأرض (9) فاذكر بعض قصته

    أيام بدر ، حنين خندق ، أحد
    والبيدُ والصيدُ تحكي عن بطولته

    ويوم خيبرَ في حصن اليهود دوى
    لذي الفقار صليلٌ قبل صولته



    تزعزع الحصن من هول الدوىّ وما
    جادت بثانية نجلاء ضربته

    على يديه يتم الفتح (10) ، كم خفقت
    سيوف ربك (11) ظلا فوق جنته!

    يذود عن حُرمات الحوض ، يحرسها
    والحمد والحُلم بعضٌ من طهارته

    ما كفّ إلاّ مع التكبير ساعِدُه
    وللصلاة انحنت هيفاء قامته

    هذا الإمام ، فتى الإسلام ، ملحمةٌ
    أيامه الغرُّ ، ماذا عن خلافته؟

    يوم الغدير وقل من قبل ، كم طربتْ
    أذنُ النبيّ ، وزفّتْ همْسَ عزته؟

    أنذر عشيرتك القربى (12) فأنذرها
    فأطرقَ القومُ إلاّ زوجُ ابنته

    وزيره في حديث الدار وارثه
    وصيُّه ، وولىُّ بعد غربته

    كمثل ، هارون من موسى بمنزلة
    إلاّ النبوّة تبقى رهن ساعته (13)



    هلّ الغدير بأسراب الحجيج ، وما
    تباطأ الركبُ ، يشدو في مسيرته

    في صوته نغمات الحزن يخنقها
    رجْعُ التشهد ، إذعاناً لسنَّته

    دنا الوداع ، كما الروح الأمين دنا
    ينزّل الآيَ مغموراً بفرحته

    هو العلىُّ ، وصىُّ الإرث ، فابتهجوا
    ووزّعوا البُشْر ، واحكوا عن ولايته :

    ولي من كنتُ مولاهُ (14) وسيدهُ
    يا أيها القومُ سيروا تحت رايته

    يحبّه من أحب الله (15) يبغضه
    من أبغض الله ، يقضي في ضلالته

    اليومَ أكملت ، يا إسلام ، دينكم
    فسبِّحوا الله في إتمام نعمته (16)

    ما بالُ حزب قريش قام منتفضاً
    يوم « السقيفة » في إثبات حجّته؟

    إن يجهل الناس ، والتنزيل مرتسمٌ
    قمْ يا رسولُ وبلّغ وحي آيته (17)



    ما ثار في سيّد الزهّاد ثائرة
    سلامة الدين أشهى (18) من إمارته

    أعطاه كل نفيس ، كل تضحية
    وروحه لازمت أهوال راحته

    حباهُ فلذته ، والفلذتين وما
    عزّت عطاءاته من أجل أمته

    وسار في دربه السبطان (19) ما اخـ
    ـتلفت معالم الدرب ، حتى في شهادته

    كأنّها درب عيسى (20) طبتَ من مثل
    والجود بالروح قسطٌ من رسالته

    من أجل دينه ، لا دنياه ، كان فـ
    ـدىً والدين أسمى معاني هاشميته

    ليس الإمام فتى الإسلام وحدهُم
    وليس وقفاً على أبناء شيعته

    من كان بالشِّيم الغراء معتصماً
    بالبرّ ، بالرفق ، بالتقوى ، بخلته

    بالنبل بالحق ، بالأخلاق مكرمةً
    وبالشموخ ، فهذا ابن بيعته



    إلى آخر القصيدة.
    1 ـ قول للإمام علي « أنا من الرسول كالضوء من الضوء ».
    2 ـ إشارة إلى قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أنا مدينة العلم وعلي بابها ».
    3 ـ « لا يفتينّ أحد في المدينة وعلي حاضر » عمر بن الخطاب.
    4 ـ خطبة للإمام ، تضمّنت تكوين الخليقة وتحذير الناس من إبليس وهي تعني : القاطعة.
    5 ـ إحدى خطب الإمام جسدت لواعج نفسه ، تعني : « هادرة هدرت ثم قرت ».
    6 ـ قول للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أقضاكم علي ».
    7 ـ قول لعمر بن الخطاب : « لولا علي لهلك عمر ».
    8 ـ أبيات في نهج البلاغة « حتى كأنه دستور الوجود ».
    9 ـ من وصف للجاحظ في بني هاشم.
    10 ـ قال النبيّ يوم خيبر : « لاعطين الراية رجلا يفتح الله على يديه ».
    11 ـ من أقوال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الجنة تحت ظلال السيوف ».
    12 ـ ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) سورة الشعراء ، « يوم الدار » نزل قوله تعالى ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) وقد جمع النبيّ بني هاشم أنذرهم ، ثمّ قال في الإمام علي : « هذا أخي ووصيي ووزيري

    ووارثي وخليفتي من بعدي ، فاسمعوا له وأطيعوا ».
    13 ـ إشارة إلى قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله للإمام علي وقد خلّفه في غزوة تبوك : « أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ».
    14 ـ قول للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من كنت مولاه فعلي مولاه ».
    15 ـ من قول للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من أحبّ علياً فقد أحبّني ومن أحبّني فقد أحبّ الله ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله ».
    16 ـ أعلن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ولاية علي فنزلت عليه الآية : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) سورة المائدة : 3.
    17 ـ بعد « حجة الوداع » نزل قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) فأخذ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بيد علي فرفعها ثم قال : « من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه » ، ثمّ نزلت الآية ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) وجاء عن الطبراني وابن أبي حاتم عن ابن عباس للسيوطي : إن قوله تعالى ( اِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) إنما علي معني بها.
    18 ـ وضع علي يده في يد أبي بكر مبايعاً منعاً للفتنة والشقاق بين المسلمين وقال : « سلامة الدين أحبّ إلينا ».

    19 ـ الحسن والحسين حفيدا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.
    20 ـ من قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله للإمام علي « إنّ فيك مثلا من عيسى ، أبغضه اليهود وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزل الذي ليس به ».
    لقد جاء هذا الشاعر بقسم من فضائل الإمام علي ، وقد اعترف بفضله وإمامته أكثر من كثير من المسلمين ، ومع ذلك لم يتبعه ولو كان اتبعه لكان قد أسلم ودخل في دين الإسلام.
    لو كان حبّك صادقاً لأطعته
    إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع

    وهذا مصداق قول الله تعالى : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) (1).
    وهذا يعني أنّ المحبة لا تكفي ولكن يلزمها الاتباع ، وهذا ما يفتقر له أهل الخلاف من المسلمين ، فإن أهل الخلاف أخذوا أُصول الدين عن مذهب الأشعري والفروع عن المذاهب الأربعة وتركوا آل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.
    واحتجوا بكتب الحديث عندهم بالمارقين وهم الخوارج والفاسقين والناكثين ووثّقوهم ، وتركوا أحاديث آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وهذه كتبهم تفصح عن ذلك ، وعندما تذكر لهم أي حديث في فضائل
    ____________
    1 ـ آل عمران : 31.

    أهل البيت عليهم‌السلام أو حكمة من حكمهم فإنهم ينعتونك بالرفض.
    وقد حصل معي ومع أحد المشايخ هذه القصة :
    دخلت إلى مسجد في مدينة دمشق يوم الجمعة وقد كان الخطيب يفسر سورة النحل ومن ضمن ما قاله :
    إنّ الله عندما ضرب لنا مثل النحل ، ولم يضرب لنا هذا المثل لكي نعلم أنّ هذه النحلة لها هذه الفوائد الكثيرة فقط ، بل كي يعلّمنا كيفية إقامة مجتمع مبني على النظام والمحبة ، فإنّ النحلة إذا خرجت ووجدت حقلا للأزهار لا تأكل منه حتى تأتي وتخبر الخلية بأكملها كي تأتي وتأخذ من رحيق هذه الأزهار لكي تصنع العسل ، بينما نحن البشر إذا وجد أحدنا كنزاً أو مجالا من مجالات العمل ، فإنّه يعتّم عليه ولا يخبر أحداً به حتى وإن لم يستطع أن يستفيد منه ، لذلك تفشّى فينا حبّ النفس والتفرق ، بينما تبقى خلية النحل متماسكة متراصة ذات مجتمع منظم لكلّ فرد فيه عمل ولا يعتدي أحد على أحد فيه.
    وبعد أن أنهى هذا الخطيب خطبته وصلّى بالناس الجمعة وهمّ بالخروج من المسجد لحقت به ، وقلت له : يا شيخنا هل لي بسؤال.
    قال : تفضل.
    قلت له : إن ما قلته وشرحته يحتاج إلى تفصيل.

    قال : وكيف؟
    قلت له : هل النحل هو الذي يختار ملكته أم أنّ الله قد اختار له الملكة؟
    فسكت برهة ، ثم قال : بل الله هو الذي اختار له.
    فقلت له : وهذا بيت القصيد ، فإنّ النحل لا يختلف; لأنّ الله قد اختار له زعيمه ، ولأنّه ارتضى ما اختاره الله عاش هذه الحياة إلى الآن ، وإلى أن يأذن الله بنظام متكامل ، بينما نحن قد اختار لنا الله من يكون خليفتنا ، ولكن رفضنا ذلك ، ولذلك قد وقعنا في المحذور ووقعنا في الضلالة التي لا سبيل لها إلاّ في العودة إلى ما سنّه الله لنا.
    قال : وكيف ذلك وما تقصد؟
    قلت له : إن الله أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يولي الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام من بعده على الناس ، وقد قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بإعلان ذلك يوم غدير خم ، ولكن الناس لم يرتضوا ولم ينصاعوا لأمر الله ورسوله ، ونحّو الإمام عن مكانه ، ونزوا على أمر ليس لهم وتداولوها فيما بينهم حتى خرجت عن أهلها ووصلنا إلى ما وصلنا إليه ، وقد قالت السيّدة الزهراء عليها‌السلام في خطبتها أمام أبي بكر : « ويحهم أنّى زعزعوها ( أي الخلافة ) عن رواسي الرسالة ، وقواعد النبوّة ومهبط الروح الأمين ، والطبين بأُمور الدنيا والدين ، ألا ذلك الخسران

    المبين ، وما الذي نقموا من أبي الحسن؟
    نقموا والله منه نكير سيفه ، وقلّة مبالاته لحتفه ، وشدّة وطأته ، ونكال وقعته ، وتنمّره في ذات الله ، وتالله لو تكافؤوا على زمام نبذه إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لاعتقله وسار بهم سيراً سمجاً ، لا يكلم خشاشه ، ولا يتتعتع راكبه ، ولأوردهم منهلا رويا فضفاضا ، تطفح ضفتاه ، ولا يترنم جانباه ، ولأصدرهم بطانة ، ونصح لهم سراً وإعلانا ، غير متحل منهم بطائل إلاّ بعجز الناهل ، وردعة سورة الساغب ، ولو مالوا عن المحجّة اللائحة ، وزالوا عن قبول الحجّة الواضحة ، لردّهم إليها وحملهم عليها ولسار بهم سيراً سجحاً ، لا يكلم حشاشه ، ولا يكل سائره ، ولا يمل راكبه ، ولأوردهم منهلا نميراً صافياً روياً ، تطفح ضفتاه ، ولا يترنق جانباه ، ولأصدرهم بطانه ، ونصح لهم سراً وإعلاناً ، ولم يكن يتحلّى من الدنيا بطائل ، ولا يحظى منها بنائل ، غير ري الناهل ، وشبعة الكافل ، ولبان لهم الزاهد من الراغب ، والصادق من الكاذب. ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكات مِنَ السَّماءِ وَالأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ) » (1).
    وهنا قاطعني الشيخ قائلا : هذا كلام الشيعة.
    فقلت له : على افتراض أنّه كلام الشيعة ، ولكن أليس هذا الكلام
    ____________
    1 ـ أعيان الشيعة للأمين 1 : 320.

    صحيحاً وأنّ المسلمين لو اختاروا من حيث اختار لهم الله لعاشوا في عصمة من الضلالة وقد قال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي ».
    فقال الشيخ : بل وسنّتي.
    فقلت له : ائتني بمصادر هذا الحديث الذي يذكر وسنّتي.
    فسكت وقال : لا أحفظها الآن.
    فقلت له : ولن تجدها إلاّ في موطأ مالك وهي مرسلة ، وأنتم تتمسّكون بها وأنتم تعرفون ضعفها وعللها ، بينما حديث الثقلين مروي في كلّ كتب الصحاح.
    وأرجو منك أن تراجع مصادر هذا الحديث وتصلح موقفك.
    فتركني وهو يهمهم.
    نسأل الله له الهداية ، وهذا غيض من فيض ، وقد حدثت معي عدّة مناقشات بيني وبين بعض المشايخ ، ولكنّهم كانوا دائماً عندما تعييهم الحجّة يتركون النقاش ويرفضون المتابعة وتأخذهم العزّة بالإثم.
    وإن شاء الله سنفرد لهذه المناقشات كتاباً خاصاً لتعميم الفائدة.
    وقد يقول قائل : ما فائدة مثل هذه الكلام الآن ، ولماذا النبش والبحث في أُمور تاريخية قد عفا الزمان عنها وهؤلاء الذين

    تتكلّمون عنهم قد ماتوا وذهبوا إلى ربهم وقد قال تعالى : ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ ) (1).
    دعونا من الخلاف وتعالوا نتوحّد فإنّ ما يجمعنا أكثر ممّا يفرقنا.
    وهذا صحيح لو أنّهم يَصدقون به ، ولكن لماذا لا يقبل عامة المسلمين إخوانهم الشيعة على أنّهم مذهب خامس إضافة إلى مذاهبهم الأربعة وينتهي هذا الخلاف ، وقال تعالى : ( لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ ) (2).
    وإنّنا نجد أنّ شيعة آل محمّد منذ حوالي 1400 سنة وهم ملاحقون ومهددون ، ودائماً متّهمون ، ويقفون موقف المدافع عن دينهم وعقائدهم.
    ولا ترى الشيعة يقفون لإخوانهم من عامة المسلمين ليقولوا لهم : لماذا تتكتفون بالصلاة مع أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يضع اليمين على اليسرى؟
    ولماذا تصلّون على السجاد ورسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يصلّ إلاّ على التراب أو الحصى أو الحصير؟
    ____________
    1 ـ البقرة : 134.
    2 ـ غافر : 35.

    والكثير من المخالفات التي يفعلها عامة المسلمين ، ولكن حرصاً على الإخوة وعدم إثارة النعرات لا يتكلّم الشيعة بهذه الأُمور إلاّ إذا استفزهم إخوانهم من أهل الخلاف ودائماً ما يفعلون ذلك.
    وعندها يكون من واجب هذا الشيعي أن يعلن لإخوانه ، لماذا يصلّي هكذا ، ولماذا يفعل هذا ، وعندما يتفاجأ أهل الخلاف بحجّة أخيهم الشيعي تراهم يبدأون بأسئلة الغاية منها التجريح والتشهير وليس التعلّم والمعرفة!
    والعتب ليس على عوام المسلمين من أهل الخلاف ، بل على علمائهم الذين يعلمون الحقّ ويرونه ، وإن كان البعض منهم لا يعلمون فإنّ مثل هذه الكتب تميط اللثام عمّا جرى على مسار التاريخ الإسلامي ونشوء المذاهب.
    والواجب عليهم إن كانوا يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يوجّهوا العوام ، ويقولون لهم : إن المذاهب الإسلامية ليست فقط هذه المذاهب الأربعة ، وإنّه يوجد مذهب آخر هو مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، ويمكنكم أن تقلّدوه ، وبذلك يتوحّد المسلمون مثل ما فعل الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر بإصدار هذه الفتوة :

    نص الفتوى
    مكتب شيخ جامع الأزهر المسجّل بدار التقريب
    بسم الله الرحمن الرحيم
    نصّ الفتوى التي أصدرها السيّد صاحب الفضيلة الأُستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر ، في شأن جواز التعبّد بمذهب الشيعة الإماميّة :
    قيل لفضيلته :
    إنّ بعض الناس يرى : أنّه يجب على المسلم ـ لكي تقع عباداته ومعاملاته على وجه صحيح ـ أن يقلّد أحد المذاهب الأربعة المعروفة ، وليس من بينها مذهب الشيعة الإماميّة ولا الشيعة الزيديّة ، فهل توافقون فضيلتكم على هذا الرأي على إطلاقه فتمنعون تقليد مذهب الشيعة الإماميّة الإثنا عشرية مثلاً؟
    فأجاب فضيلته :
    1 ـ إنّ الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه اتباع مذهب معيّن ، بل نقول : إنّ لكلّ مسلم الحقّ في أن يقلّد بادئ ذي بدء أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلاً صحيحاً والمدوّنة أحكامها في كتبها الخاصّة ، ولمن قلّد مذهب من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره ـ أي مذهب كان ـ ولا حرج عليه في شيء من ذلك.

    2 ـ إنّ مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإماميّة الاثنا عشرية مذهب يجوز التعبّد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنّة.
    فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك ، وأن يتخلّصوا من العصبيّة بغير الحقّ لمذاهب معيّنة ، فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب ، أو مقصورة على مذهب ، فالكلّ مجتهدون مقبولون عند الله تعالى ، يجوز لمن ليس أهلا للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقرّرونه في فقههم ، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات.
    السيّد صاحب السماحة العلاّمة الجليل الأستاذ محمّد تقي القمّي ، السكرتير العام لجماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية.
    سلام الله عليكم ورحمته.
    أما بعد; فيسرّني أن أبعث إلى سماحتكم بصورة موقّع عليها بإمضائي من الفتوى التي أصدرتها في شأن جواز التعبّد بمذهب الشيعة الإمامية ، راجياً أن تحفظوها في سجلاّت دار التقريب بين المذاهب الإسلامية التي أسهمنا معكم في تأسيسها ، ووفّقنا الله لتحقيق رسالتها.
    والسلام عليكم ورحمة الله
    شيخ الجامع الأزهر


    وبدلاً من الطعن على مذهب أهل البيت عليهم‌السلام يجب على علماء ومشايخ المسلمين أن يفكّروا ماذا سوف يجيبون ربّ العزّة في يوم القيامة يوم لا ينفع لا مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم.
    ( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناس بِإِمامِهِمْ ) (1).
    ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) (2).
    عندما يسألهم الله تعالى لماذا اخترتم هذه المذاهب ، وهم واقفون من وراء أبي حنيفة إمامهم والمالكي والشافعي وابن حنبل.
    وهل عندكم وثيقة لتبرزوها ، وعندها سوف يتبرّأ منهم أئمتهم ويقولون نحن لم ندعهم لكي يتبعونا.
    فماذا سوف يجيبون الله عزّ وجلّ.
    وإن كان عندهم جواب فأرجوا أن يتحفونا به.
    وأمّا نحن إذا ما وقفنا بين يدي ربّ العزة يوم القيامة ونحن من وراء سيّد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغرّ المحجلين الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وسألنا ربّ العزّة لماذا اخترتم مذهب أهل البيت عليهم‌السلام؟
    فنقول : يا ربّ لقد سمعنا رسولك الكريم يقول لنا : « تركت فيكم
    ____________
    1 ـ الإسراء : 71.
    2 ـ الصافات : 24.

    ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي ».
    ـ « وأنا مدينة العلم وعلي بابها ، ومن أراد المدينة فليأتي من الباب ».
    ـ « ومن كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ».
    ونذكر الكثير من الأحاديث التي أوردناها سابقاً في ولاية أمير المؤمنين والأئمة من ولده عليهم‌السلام ، لذلك اتخذنا مذهب أهل البيت وتركنا المذاهب الأُخرى التي لم يأمرنا الله بها ولا رسوله لها ، ومعاذ الله أن يأمرنا الله بشيء ثمّ يعاقبنا على فعلنا له ، وينهاهم عن أمر ويثيبهم على فعلهم له ، إنّ في هذا لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
    وقد كتبت هذه الإفادات وأسباب أخذي بمذهب أهل البيت عليهم‌السلام لكي أعلن للناس ما قد أخفاه عنهم التعصّب الأعمى وحقد بعض الكتّاب الذين سلّطوا أقلامهم للنيل من الشيعة ، وذلك مرضاة لحكّام الجور الذين اتخذوهم أرباباً من دون الله والذين كانوا هم أوّل من سنّ سبّ الإمام علي عليه‌السلام ومنحوا الجوائز على من يسبّه ، ومنعوا العطاء على من شايعه أو من أحبه ، حتى ظلّ اللعن سنّة على منابر المسلمين مدّة سبعين عاماً ، وتبارى الشعراء والكتاب لكتابة الشعر

    ضدّ آل البيت عليهم‌السلام لكي ينالوا الحظوة عند الأمراء ، والكتب مليئة بهذه الأشعار والكتابات.
    ( رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا اِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا اِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ) (1).
    وآخر دعوانا إن الحمد لله رب العالمين.
    دمشق في 15 / 8 / 2000
    محمّد سليم عرفة
    ____________
    1 ـ البقرة : 286.

    مصادر الكتاب
    1 ـ إحياء الميّت في فضائل أهل البيت ، جلال الدين السيوطي ، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا ، دار الجيل بيروت.
    2 ـ إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ، شهاب الدين القسطلاني ، طبعة سنة 1421 هـ ـ 2000 م ، دار الفكر ـ بيروت.
    3 ـ إرواء الغليل ، محمّد ناصر الدين الألباني ، تحقيق زهير الشاويش ، طبعة سنة 1405 هـ ـ 1985 م ، دار المكتب الإسلامي ـ بيروت.
    4 ـ أسباب النزول ، علي بن أحمد النيسابوري ، الطبعة 1388 ، مؤسسة الحلبي وشركاؤه.
    5 ـ الاستذكار ، ابن عبد البرّ ، تحقيق سالم محمّد عطا ومحمّد علي ، سنة الطبع 2000 هـ ـ بيروت ، لبنان.
    6 ـ أُسد الغابة ، ابن الأثير ، انتشارات إسماعيليان ، طهران.
    7 ـ أُسد الغابة في معرفة الصحابة ، ابن الأثير ، دار الكتاب العربي ـ بيروت.

    8 ـ الإصابة في تمييز الصحابة ، ابن حجر العسقلاني ، تحقيق عادل أحمد وعلي محمّد ، طبعة 1415 هـ ، دار الكتاب العربي ـ بيروت.
    9 ـ الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة الدينوري ، تحقيق الزريني ، نشر مؤسسة الحلبي وشركاؤه.
    10 ـ أعيان الشيعة ، السيد محسن الأمين ، تحقيق حسن الأمين ، طبع سنة 1403 هـ ـ 1983 م ، دار التعارف ـ بيروت.
    11 ـ الإكمال في أسماء الرجال ، الخطيب التبريزي ، مؤسسة أهل البيت عليهم‌السلام.
    12 ـ البداية والنهاية ، ابن كثير الدمشقي ، تحقيق علي شيري ، الطبعة الاُولى 1408 هـ ـ 1988 م ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
    13 ـ تاج العروس ، الزبيدي ، طبع سنة 1414 هـ ـ 1994 م ، دار الفكر ـ بيروت.
    14 ـ تاريخ الإسلام ، شمس الدين الذهبي ، عمر عبد السلام ، الطبعة الأُولى 1407 هـ ـ 1987 م ، دار الكتاب العربي ـ بيروت.
    15 ـ تاريخ الطبري ، محمّد بن جرير الطبري ، تحقيق مجموعة من العلماء ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت.
    16 ـ تاريخ المدينة ، ابن شيبة النميري ، تحقيق فهيم محمّد شلتوت ، طبعة 1410 هـ ـ 1368ش ، دار الفكر ـ قم.

    17 ـ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر ، تحقيق علي شيري ، طبع عام 1415 ، دار الفكر للطباعة والنشر ـ بيروت.
    18 ـ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر ، طبع عام 1415 ، دار الفكر.
    19 ـ تحفة الأحوذي في شرح سنن الترمذي ، المباركفوري ، الطبعة الأُولى 1410 هـ ، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
    20 ـ تذكرة الحفاظ ، شمس الدين الذهبي ، نشر مكتبة الحرم المكي.
    21 ـ تذكرة الموضوعات ، محمّد طاهر الفتني.
    22 ـ تفسير ابن كثير ، ابن كثير الدمشقي ، طبع سنة 1412 هـ ـ 1992 ، دار المعرفة ـ بيروت.
    23 ـ تفسير الثعلبي ، الإمام الثعلبي ، مراجعة نظير الساعدي ، طبع سنة 1422 هـ ـ 2002 م ، دار إحياء التراث ـ بيروت.
    24 ـ التفسير الكبير ، الفخر الرازي ، الطبعة الثالثة.
    25 ـ تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل ، الباقلاني ، تحقيق عماد الدين أحمد ، طبع سنة 1414 هـ ـ 1993 م ، مؤسسة الكتب الثقافية ـ بيروت.
    26 ـ تهذيب الأسماء واللغات ، محي الدين النووي ، الطبعة الأُولى ، 1412 هـ ـ 2001 م ، دار الفكر ـ بيروت.
    27 ـ الثقات ، لابن حبان البستي ، الطبعة الأُولى سنة 1393 ، مؤسسة

    الكتب الثقافية.
    28 ـ جامع البيان ، ابن جرير الطبري ، طبعة 1415 هـ ـ 1995 م ، دار الفكر ـ بيروت.
    29 ـ جواهر المطالب في مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب ، محمّد بن أحمد الدمشقي الشافعي ، الطبعة الأُولى ، 1416 هـ ، مجمع إحياء التراث.
    30 ـ الاحتجاج ، الشيخ الطبرسي ، تحقيق السيّد محمّد باقر الخرسان ، منشورات دار النعمان ـ النجف.
    31 ـ حياة الإمام المهدي ، باقر شريف القرشي ، طبع سنة 1417 هـ ـ 1996 م.
    32 ـ خصائص النسائي ـ أحمد بن شعيب النسائي ، نشر مكتبة نينوى الحديثة.
    33 ـ الدر المنثور ، جلال الدين السيوطي ، الطبعة الأُولى 1365 ، دار المعرفة.
    34 ـ روح المعاني ، السيّد محمود الآلوسي ، الطبعة الأُولى عام 1415 دار الكتب العلمية.
    35 ـ الزهرة العطرة من حديث العترة ، سامي بن أنور الشافعي ، دار الفقيه ـ القاهرة.

    36 ـ سنن أبي داود ، سليمان بن الأشعث السجستاني ، الطبعة الثانية ، 1403 دار الفكر ـ بيروت.
    37 ـ سلسلة الأحاديث الصحيحة ، محمد ناصر الدين الألباني ، مكتبة المعارف ـ الرياض.
    38 ـ السنن الكبرى ، أحمد بن شعيب النسائي ، الطبعة الأُولى 1411 هـ ـ 1991 م ، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
    39 ـ سنن الدارمي ، عبد اللّه بن بهرام الدارمي ، مطبعة الاعتدال ـ دمشق.
    40 ـ سنن الترمذي ، محمّد بن عيسى الترمذي ، الطبعة الثانية ، عام 1403 دار الفكر ـ بيروت.
    41 ـ سنن ابن ماجة ، محمّد بن يزيد القزويني ، تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي ، دار الفكر للطباعة والنشر ـ بيروت.
    42 ـ سير أعلام النبلاء ، شمس الدين الذهبي ، تحقيق شعيب الارنؤوط ، طبعة سنة 1413 هـ ـ 1993 م ، مؤسسة الرسالة ـ بيروت.
    43 ـ السيرة الحلبية ، علي بن إبراهيم الحلبي ، طبع سنة 1400 هـ دار المعرفة ـ بيروت.
    44 ـ شرح إحقاق الحق ، السيد المرعشي ، منشورات مكتبة السيد

    المرعشي ـ قم ، إيران.
    45 ـ شرح التجريد ، القوشجي ، طبع ايران.
    46 ـ شرح مسلم ، النووي ، طبع سنة 1407 هـ ـ 1987 م ، دار الكتاب العربي ـ بيروت.
    47 ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد المعتزلي ، الطبعة الثانية 1387 ، دار إحياء التراث العربي.
    48 ـ شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني ، الطبعة الأُولى عام 1411 ، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية.
    49 ـ صحيح ابن حبّان بترتيب ابن بلبان ، علاء الدين بن بلبان الفاسي ، تحقيق شعيب الارنؤوط ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الثانية 1414 هـ ـ 1993 م.
    50 ـ صحيح البخاري ، محمّد بن إسماعيل البخاري ، طبع سنة 1401 هـ ـ 1981 م ، دار الفكر ـ بيروت.
    51 ـ صحيح الجامع الصغير ، محمد ناصر الدين الألباني ، دار المكتب الاسلامي.
    52 ـ صحيح مسلم ، مسلم بن حجاج النيسابوري ، نشر دار الفكر ـ بيروت.
    53 ـ الصحيح من سيرة النبي الأعظم ، جعفر مرتضى العاملي ، طبع

    سنة 1415 هـ ـ 1995 م ، دار الهادي للطباعة والنشر ـ بيروت.
    54 ـ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي ، تحقيق عبد الرحمن بن عبد اللّه وكامل محمّد مؤسسة الرسالة ـ بيروت.
    55 ـ الطبقات الكبرى ، لابن سعد ، دار صادر ـ بيروت.
    56 ـ عمدة القارئ ، العيني ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
    57 ـ العواصم من القواصم ، أبي بكر بن العربي المالكي ، تحقيق محب الدين الخطيب ، الطبعة الثالثة 1414 هـ ـ 1994 ، دار الجيل ـ بيروت.
    58 ـ الغدير ، عبد الحسين الأميني ، طبعة 1379 هـ ـ دار الكتاب العربي ـ بيروت.
    59 ـ الفتوح ، أحمد بن أعثم الكوفي ، تحقيق علي شيري ، طبعة 1411 هـ ، دار الأضواء للطباعة والنشر ـ بيروت.
    60 ـ فتح الباري ، ابن حجر العسقلاني ، الطبعة الثانية ، دار المعرفة للطباعة والنشر ـ بيروت.
    61 ـ فتح القدير ، محمّد بن علي بن محمّد الشوكاني ، طبعة عالم الكتاب.
    62 ـ فتح الملك العلي ، أحمد بن الصديق الغمارتي ، تحقيق محمّد هادي الأميني ، مكتبة أمير المؤمنين ـ أصفهان.

    63 ـ الفصول المهمة ، السيد شرف الدين ، الطبعة الأُولى ، قسم الاعلام الخارجي لمؤسسة البعثة.
    64 ـ فضائل الصحابة ، أحمد بن شعيب النسائي ، طبعة دار الكتب العلمية ـ بيروت.
    65 ـ فقه السنّة ، السيد سابق ، دار الكتاب العربي ـ بيروت.
    66 ـ فوات الوفيات ، الكتبي ، تحقيق علي محمّد وعادل أحمد ، الطبعة الأُولى 2000 م ، بيروت ـ لبنان.
    67 ـ فيض القدير شرح الجامع الصغير ، محمّد عبد الرؤوف المناوي ، الطبعة الأُولى 1415 ، دار الكتب العلمية.
    68 ـ كتاب السنّة ، عمرو بن أبي عاصم الضحاك ، تحقيق الشيخ الألباني ، طبع سنة 1413 هـ ـ 1993 م ، المكتب الإسلامي ـ بيروت.
    69 ـ الكشاف عن حقائق التنزيل ، الزمخشري ، طبع سنة 1385 هـ ـ 1966 م ، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبيوأولاده ـ مصر.
    70 ـ كشف الخفاء ، العجلوني ، سنة الطبع 1408 هـ ـ 1988 م ، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
    71 ـ كشف الخفاء ومزيل الالباس ، إسماعيل بن محمّد العجلوني ، الطبعة الأُولى 1418 ، دار الكتب العلمية.

    72 ـ كنز العمال ، المتقي الهندي ، تحقيق بكر حياني ، صفوة السقا ، مؤسسة الرسالة.
    73 ـ مسند أحمد ، بتحقيق أحمد شاكر ، طبعة سنة 1414 هـ ، مكتبة التراث الإسلامي.
    74 ـ المسند ، أحمد بن حنبل ، طبع في دار صادر.
    75 ـ المستدرك على الصحيحين ، محمّد بن محمّد الحاكم النيسابوري ، طبع عام 1406 ، دار المعرفة.
    76 ـ المعجم الأوسط ، سليمان بن أحمد الطبراني.
    77 ـ المعجم الصغير ، سليمان بن أحمد الطبراني.
    78 ـ المعجم الكبير ، سليمان بن أحمد الطبراني ، الطبعة الثاني ، دار إحياء التراث ـ القاهرة.
    79 ـ مجمع الزوائد ، نور الدين الهيثمي ، طبع 1408 ، دار الكتب العلمية.
    80 ـ الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة الدينوري ، تحقيق الزريني ، نشر مؤسسة الحلبي وشركاؤه.
    81 ـ مسند ابن راهوية ، إسحاق بن إبراهيم المروزي ، تحقيق الدكتور عبد الغفور عبد الحق ، الطبعة الأُولى 1412 هـ ـ 1991 م ، مكتبة الإيمان ـ المدينة المنورة.

    82 ـ مسند أبي يعلى ، أبو يعلى الموصلي ، تحقيق حسين سليم ، دار المأمون للتراث.
    83 ـ مسند الشاميين ، سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي ، الطبعة الثانية 1417 هـ ـ 1996 م ، مؤسسة الرسالة ـ بيروت.
    84 ـ المصنّف ، ابن أبي شيبة الكوفي ، تحقيق سعيد اللحام ، طبعة سنة 1409 هـ ـ 1989 م ، دار الفكر ـ بيروت.
    85 ـ المصنّف ، عبد الرزاق الصنعاني ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ، منشورات المجلس العلمي.
    86 ـ معالم المدرستين ، مرتضى العسكري ، طبع سنة 1410 هـ ـ 1990 م ، مؤسسة النعمان ـ بيروت.
    87 ـ موارد الظمآن ، نور الدين الهيثمي ، طبع سنة 1412 هـ ـ 1992 م ، دار الثقافة العربية.
    88 ـ الموطأ ، الإمام مالك ، طبع سنة 1406 هـ ـ 1985 م ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
    89 ـ المحلّى ، ابن حزم الأندلسي ، تحقيق أحمد محمّد شاكر ، دار الفكر ، بيروت.
    90 ـ النزاع والتخاصم ، المقريزي ، تحقيق علي عاشور.

    91 ـ نظم درر السمطين ، محمّد بن يوسف الزرندي ، الطبعة الأُولى عام 1377 هـ ـ 1958 م ، مكتبة الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام.
    92 ـ نهج البلاغة ، الإمام علي عليه‌السلام ، تحقيق الشيخ محمّد عبده ، دار المعرفة ـ بيروت.
    93 ـ الوافي بالوفيات ، صلاح الدين الصفودي ، الطبعة الثانية 1411 هـ ، دار الكتب العلمية ، بيروت.
    94 ـ ينابيع المودّة لذي القربى ، القندوزي الحنفي ، الطبعة الأُولى 1416 ، دار اُسوة.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
     
    افادات من ملفات التاريخ محمد سليم
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    » فدك في التاريخ
    » حضارات ما قبل التاريخ
    »  عصور ما قبل التاريخ
    » ما هو أقدم عصر عرفه التاريخ
    »  أسلحة عمرها 8 آلاف سنة في عُمان واليمن تغير ما نعرفه عن التاريخ

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: 33- منتدى كتب العقائد والكلام-
    انتقل الى: