لمقتل عبد الله والهالك الذي
على الشّرف الأقصى قتيل أبي بكر (1)
وعبد يغوث. أو نديمى خالد
وعزّ مصابا خير قبر على قبر (2)
أبى القتل إلّا آل صمّة إنهم
أبوا غيره ، والقدر يجري على القدر
فإمّا ترينا لا تزال دماؤنا
لدى معشر يسعى لها آخر الدهر (3)
فإنا للحم السيف غير نكيرة
ونلحمه طورا وليس بذي نكر (4)
يغار علينا واترين فيشتفى
بنا إن أصبنا ، أو نغير على وتر (5)
بذاك قسمنا الدهر شطرين بيننا
فما ينقضي إلّا ونحن على شطر (6)
قال أبو زيد : حدثت المدائني هذا أو أمليته عليه فتركني وترك الرجلين وقال : قال موسى.
27 ـ الحسن بن معاوية
وممن أخذه أبو جعفر من آل أبي طالب ، وحبسه ، وضربه بالسوط من أصحاب محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب : ـ الحسن بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
أمه وأم إخوته : يزيد ، وصالح ابني معاوية : فاطمة بنت الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب (7) وأمها أم ولد.
__________________
(1) كذا في النسخ والأغاني وابن أبي الحديد. وفي الحماسة فقلت أبا عبد الله أبكي أم الذي : له الحدث الأعلى قتيل أبي بكر وفي الأغاني 10 / 4 «وكان لدريد بن الصمة إخوة وهم عبد الله الذي قتلته غطفان ، وعبد يغوث قتله بنو مرة ، وقيس قتله بنو أبي بكر بن كلاب. وخالد قتله بنو الحارث بن كعب».
(2) كذا في النسخ وفي الأغاني «حثو قبر». وفي ابن أبي الحديد «وجل مصابا حشو قبر». وفي الحماسة «يغوث
تحمل الطير حوله
وعز المصاب حثو قبر».
(3) كذا في النسخ وفي الحماسة وابن أبي الحديد «لدى واتر تسعى بها وفي الأغاني. لدى واتر يشفي بها آخر الدهر».
(4) قال التبريزي : «يقول : إنا نخاطر بأنفسنا فنقتل ، ونقتل ، وليس ذلك فينا ومنا بمنكر».
(5) في النسخ «فيشتفي لنا».
(6) في النسخ «شطرين قسمة».
(7) المعارف 90.
وخرجوا جميعا مع محمد بن عبد الله (1). واستعمل الحسن بن معاوية على مكة (2).
فلما قتل محمد بن عبد الله أخذه أبو جعفر فضربه بالسوط وحبسه. فلم يزل في الحبس حتى مات أبو جعفر ، فأطلقه المهدي.
* * *
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء ، قال : حدثنا الزبير ، قال : حدّثني عيسى بن عبد الله قال :
دخل عيسى بن موسى على المنصور ، فقال : ألا أبشرك؟ قال : بماذا؟
قال : ابتعت وجه دار عبد الله بن جعفر من بني معاوية بن عبد الله الحسن (3) ، ويزيد ، وصالح.
فقال له [أتفرح؟](4) والله ما باعوك إيّاها إلّا ليقووا بثمنها عليك.
فخرج الحسن ، ويزيد ، وصالح ، مع محمد بن عبد الله.
أخبرني الحرمي بن العلاء ، قال : حدثنا الزبير ، قال : حدثني غسان ، عن أبيه قال: حدثني محمد بن إسحاق بن القاسم بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب :
أن محمد بن عبد الله بعث الحسن ، والقاسم بن إسحاق إلى مكة (5) ، واستعمل الحسن على مكة ، والقاسم على اليمن.
* * *
أخبرني عمر العتكي ، والجوهري ، ويحيى بن علي ، عن عمر بن شبّة ، عن عبد الله بن إسحاق ، وهو أخو محمد بن إسحاق ، الذي روى عنه الزبير ،
__________________
(1) الطبري 9 / 232 وابن الأثير 5 / 222.
(2) الطبري 9 / 214 ـ 216.
(3) في ط وق «بن الحسن».
(4) راجع الطبري 9 / 215.
(5) راجع الطبري 9 / 215.
قال : حدّثني عبد الله بن يزيد بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ، قال :
أراد بنو معاوية بن عبد الله بن جعفر ـ وكانوا خرجوا مع محمد بن عبد الله ـ أن يظهروا بعد قتله. فقال أبي للحسن (1) بن معاوية : لا نظهر جميعا ، فإنا إن فعلنا أخذك جعفر بن سليمان من بيننا. قال : وجعفر يومئذ على المدينة. فقال لا بد من الظهور.
فقال له : فإن كنت فاعلا فدعني أتغيب فإنه لا يقدم عليك ما دمت متغيبا.
قال : لا خير في عيش لست فيه.
فلما ظهروا أخذ جعفر بن سليمان الحسن ، فقال له : أين المال الذي أخذته بمكة؟.
وكان أبو جعفر قد كتب إلى جعفر بن سليمان أن يجلد حسنا إن ظفر به. فلما سأله عن المال قال : أنفقناه فيما كنا فيه وذاك شيء قد عفا عنه أمير المؤمنين.
قال : وجعل جعفر بن سليمان يكلمه ، والحسن يبطئ في جوابه ، فقال له جعفر : أكلمك ولا تجيبني!
قال : ذلك يشق عليك ، لا أكلمك من رأسي كلمة أبدا.
قال : فضربه أربعمائة سوط ، وحبسه. فلم يزل محبوسا حتى مات أبو جعفر ، وقام المهدي فأطلقه وأجازه.
قال أبو زيد : وحدثني عيسى بن عبد الله ، قال :
لما ضرب جعفر بن سليمان الحسن بن معاوية قال : أين كنت؟ فاستعجم عليه ، فقال له : علي وعليّ إن أقلعت عنك أبدا أو تخبرني أين كنت؟.
قال : كنت عند غسان بن معاوية ، مولى عبد الله بن الحسن. فبعث جعفر إلى منزل غسان فهرب منه ، فهدم داره ، ثم جاء بعد فأمّنه.
__________________
(1) في ط وق «الحسين».
قال : ولم يكن الحسن عند غسان إنما كان عند نفيس صاحب قصر نفيس (1) :
* * *
قال أبو زيد : فحدثني عيسى بن عبد الله ، قال :
لم يزل الحسن بن معاوية في حبس جعفر بن سليمان ، حتى حج أبو جعفر ، فعرضت له حمادة بنت معاوية ، فصاحت به : يا أمير المؤمنين ، الحسن بن معاوية قد طال حبسه فانتبه له ، وقد كان ذهل عنه ، فسار به معه حتى وضعه في حبسه ، ولم يزل محبوسا حتى ولي المهدي.
* * *
قال الزبير في خبره الذي أخبرني به الحرمي ، عن الزبير ، قال : حدّثني عبد الله بن الحسن بن القاسم :
أن الحسن بن معاوية قال لأبي جعفر ، وهو في السجن ، وقد أتاه نعي أخيه يزيد بن معاوية ، يستعطفه على ولده :
إرحم صغار بني يزيد إنهم
يتموا لفقدي لا لفقد يزيد
وارحم كبيرا سنّه متهدما
في السجن بين سلاسل وقيود
ولئن أخذت بجرمنا وجزيتنا
لنقتلن به بكل صعيد
أو عدت بالرّحم القريبة بيننا
ما جدّكم من جدّنا ببعيد
* * *
قال أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد الأصفهاني :
ومن مختار ما رثى به محمد بن عبد الله من الشعر ، قول غالب بن عثمان الهمداني أنشدنيه عمر بن عبد الله العتكي ، عن عمر بن شبّة :
يا دار هجت لي البكاء فأعولي
حيّيت منزلة دثرت ودار
__________________
(1) في القاموس «ونفيس بن محمد من موالي الأنصار ، وقصره على ميلين من المدينة».
بالجزع من كنفي سويقة أصبحت
كالبرد بعد بني النبيّ قفارا (1)
الحاملين إذا الحمالة أعجزت
والأكرمين أرومة ونجارا
والممطرين إذا المحول تتابعت
دررا تداولها المحول غزارا
والذّائدين إذا المخافة أبرزت
سوق الكواعب يبتدرن حصارا
وثبت نتيلة وثبة بعلوجها
كانت على سلفي نتيلة عارا
فتصلمت ساداتها وتهتّكت
حرما محصّنة الخدور كبارا
ولغت دماء بني النبي فأصبحت
خضبت بها الأشداق والأظفارا
لا تسقني بيديك إن لم أبتعث
لبني نتيلة جحفلا جرّارا (2)
لجبا يضيق به الفضاء عرمرما
يغشى الدكادك قسطلا موّارا (3)
فيه بنات بني الصريح ولا حق
قبّا تغادر في الخليف مهارا (4)
يخرجن من خلل الغبار عوابسا
يورين في حصب الأماعز نارا (5)
فننال في سلفي نتيلة ثارنا
فيما ينال وندرك الأوتارا
* * *
وقال أبو الحجاج الجهني :
بكر النعيّ بخير من وطيء الحصى
ذي المكرمات وذي الندى والسؤدد (6)
بالخاشع البرّ الذي من هاشم
أمسى ثقيلا في بقيع الغرقد (7)
__________________
(1) في القاموس «سويقة موضع بنواحي المدينة يسكنه آل علي بن أبي طالب رضي الله عنه» راجع معجم البلدان 5 / 180.
(2) في ط وق «لا يشتفي بيديك أن لم أنيعث».
(3) في ط وق «لجبا يضيق به وجيش عرمرم».
(4) في ط وق «بني الصريح ولا حق قب» وفي القاموس «الصريح كجريح فرس عبد يغوث بن حرب وآخر لبني نهشل وآخر للخم» ولا حق أفراس لمعاوية بن أبي سفيان ، ولغني بن أعصر وللحازوق الخارجي ، ولعتيبة بن الحارث ، ولا حق الأصغر لبني أسد» والقب : جمع أقب وهو من الخيل الدقيق الخصر الضامر البطن.
(5) الأماعز : جمع أمعز وهو المكان الغليظ الكثير الحصى.
(6) في ط وق «بكر البغي».
(7) في ق «بالجامع».
ظلّت سيوف بني أبيه تنوشه
أن قام مجتهدا بدين محمد (1)
* * *
وقال عبد الله بن مصعب (2) :
سالت دموعك ضلّة قد هجت لي
برحاء وجد يبعث الأحزانا (3)
هلّا على المهدي وابني مصعب
أذريت دمعك ساكبا تهتانا
ولفقد إبراهيم حين تصدّعت
عنه الجموع فواجه الأقرانا (4)
والله ما ولد الحواضن مثله
أمضى وأرفع محتدا ومكانا (5)
وأشدّ ناهضة وأقول للتي
تتقي مصارع أهلها العدوانا (6)
رزء لعمرك لو يصاب بمثله
ميطان صدّع رزؤه ميطانا (7)
وقال عبد الله بن مصعب أيضا (
. أنشدنيه ابن سعيد عن يحيى بن الحسن ، عن اسماعيل بن يعقوب :
يا صاحبيّ دعا الملامة واعلما
أن لست في هذا بألوم منكما (9)
وقفا بقبر ابن النبي وسلّما
لا بأس أن تقفا به فتسلما
قبر تضمّن خير أهل زمانه
حسبا وطيب سجية وتكرّما (10)
[لم يجتنب قصد السبيل ولم يحد
عنه ولم يفتح بفاحشة فما](11)
__________________
(1) في ط وق «بني أمية».
(2) الطبري 9 / 230.
(3) كذا في الطبري وفي النسخ «ترحا ووجدا تبعث الأحزانا».
(4) في ط وق «فوجهوا الأقرانا».
(5) كذا في الطبري وفي ط «ما ولدت هواضن مثلهم» وفي ق «هوازن».
(6) وفي الطبري «تنفي مصادر عدلها البهتانا» وبعده بيت زائد.
(7) في الطبري «مبطان» وفي القاموس : «ميطان كميزان من جبال المدينة».
(
الطبري 9 / 231 وابن الأثير 5 / 223.
(9) في ط وق «دع».
(10) بعده في الطبري :
رجل نفى بالعدل جور بلادنا
وعفا عظيمات الأمور وأنعما.
(11) الزيادة من الخطية وهو ثابت في الطبري وابن الأثير وبعده فيهما :
لو أعظم الحدثان شيئا قبله
بعد النبي به لكنت المعظما
أو كان أمتع بالسلامة قبله
أحدا الكان قصاره أن يسلما
ضحوا بإبراهيم خير ضحية
فتصرمت أيامه وتصرما.
بطل يخوض بنفسه غمراتها
لا طائشا رعشا ولا مستسلما (1)
حتى مضت فيه السيوف وربّما
كانت حتوفهم السيوف وربّما
* * *
أضحى بنو حسن أبيح حريمهم
فينا وأصبح نهبهم متقسّما
ونساؤهم في دورهنّ نوائح
سجع الحمام إذا الحمام ترنّما
يتوسّلون بقتلهم ويرونه
شرفا لهم عند الإمام ومغنما (2)
والله لو شهد النبيّ محمد
صلّى الإله على النبي وسلّما
إشراع أمّته الأسنّة لابنه
حتى تقطّر من ظباتهم دما
حقّا لأيقن أنهم قد ضيّعوا
تلك القرابة واستحلوا المحرما
وقال إبراهيم بن عبد الله يرثي أخاه :
سأبكيك بالبيض الرّقاق وبالقنا
فإنّ بها ما يدرك الطالب الوترا
وإنّا أناس لا تفيض دموعنا
على هالك منّا ولو قصم الظّهرا
ولست كمن يبكي أخاه بعبرة
يعصّرها من جفن مقلته عصرا
ولكنني أشفي فؤادي بغارة
ألهّب في قطري كتائبها جمرا
* * *
28 ـ عبد الله الأشتر
وعبد الله الأشتر بن محمد (3) بن عبد الله
ابن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب
وأمه أم سلمة بنت محمد بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
كان عبد الله بن محمد بن مسعدة المعلم أخرجه بعد قتل أبيه إلى بلد
__________________
(1) في الطبري وابن الأثير «بطلا».
(2) كذا في الطبري وفي ط وق وابن الأثير «بقتله».
(3) الطبري 9 / 279 ـ 281 وابن الأثير 5 / 239 ـ 241.
الهند (1) فقتل بها ، ووجه برأسه إلى أبي جعفر المنصور. ثم قدم بابنه محمد بن عبد الله بن محمد بعد ذلك وهو صغير على موسى بن عبد الله بن الحسن.
وابن مسعدة هذا كان مؤدبا لولد عبد الله بن الحسن. وفيه يقول إبراهيم بن عبد الله بن الحسن على سبيل التهكم به :
زعم ابن مسعدة المعلّم أنّه
سبق الرّجال براعة وبيانا
وهو الملقّن للحمامة شجوها
وهو الملحّن بعدها الغربانا
وكان ابن مسعدة سمع غرابا ينعق ، فقال له : أتلحن ويحك يا غراب؟ تقول : غاق غاق. قيل : فكيف يقول؟ قال : يقول : غاق غاق.
أخبرني عمر بن عبد الله العتكي ، قال : حدّثنا عمر بن شبّة ، قال : حدّثني عيسى بن عبد الله بن مسعدة ، قال :
__________________
(1) ما هنا يخالف ما في الطبري ، فقد جاء فيه «لما خرج محمد بن عبد الله بالمدينة ، وإبراهيم بالبصرة ، وجه محمد بن عبد الله ابنه عبد الله بن محمد الذي يقال له الأشتر في نفر من الزيدية إلى البصرة ، وأمرهم أن يشتروا مهارة خيل عتاق بها ، ويمضوا بها معهم إلى السند ؛ ليكون سببا له إلى الوصول إلى عمر بن حفص ، وإنما فعل ذلك به لأنه كان فيمن بايعه من قواد أبي جعفر ، وكان له ميل إلى آل أبي طالب ، فقدموا البصرة على إبراهيم بن عبد الله ، فاشتروا منها مهارة ، وليس في بلاد السند والهند شيء أنفق من الخيل العتاق ، ومضوا في البحر حتى صاروا إلى السند ، ثم صاروا إلى عمر بن حفص فقالوا : نحن قوم نخاسون ، ومعنا خيل عتاق ، فأمرهم أن يعرضوا خيلهم ، فعرضوا عليه ، فلما صاروا إليه قال له بعضهم : أدنني منك أذكر لك شيئا ، فأدناه منه وقال له : إنا قد جئناك بما هو خير لك من الخيل ، وما لك فيه خير الدنيا والآخرة. فأعطنا الأمان على خلتين : إما أنك قبلت ما أتيناك به ، وإما سترت وأمسكت عن أذانا حتى نخرج من بلادك راجعين ، فأعطاهم الأمان ، فقالوا : ما للخيل أتيناك ولكن هذا ابن رسول الله (ص) عبد الله بن محمد بن عبد الله حسن بن حسن ، أرسله أبوه إليك ، وقد خرج بالمدينة ودعا لنفسه بالخلافة ، وخرج أخوه إبراهيم بالبصرة وغلب عليها. فقال : بالرحب والسعة ، ثم بايعهم له ، وأمر به فتوارى عنده ، ودعا أهل بيته وقواده وكبراء أهل البلد للبيعة ، فأجابوه ، فقطع الأعلام البيض ، والأقبية والقلانس البيض ، وهيأ لبستة من البياض يصعد فيها إلى المنبر ، وتهيأ لذلك يوم خميس ، فلما كانوا يوم الأربعاء إذ إحراقة قد وافت من البصرة ، فيها رسول لخليدة بنت المعارك امرأة عمر بن حفص بكتاب إليه تخبره بقتل محمد بن عبد الله ، فدخل على عبد الله فأخبره الخبر وعزّاه .... ثم قال له : هاهنا ملك من ملوك السند عظيم المملكة ، وهو على شركه أشد الناس تعظيما لرسول الله ، وهو رجل وفي ، فأرسل إليه فأعقد بينك وبينه عقدا وأوجهك إليه تكون عنده فلست ترام معه ، قال افعل ما شئت ففعل ذلك ، فصار إليه فأظهر إكرامه وبره برا كثيرا ، وتسللت إليه الزيدية حتى صار إليه منهم أربعمائة إنسان فكان يركب فيهم فيصيد ويتنزه في هيئة الملوك وآلاتهم ... إلخ».
لما قتل محمد ، خرجنا بابنه الأشتر عبد الله بن محمد ، فأتينا الكوفة ، ثم انحدرنا إلى البصرة ، ثم خرجنا إلى السند ؛ فلما كان بيننا وبينها أيام نزلنا خانا فكتب فيه (1) :
منخرق الخفّين يشكو الوجى
تنكبه أطراف مرو حداد (2)
شرّده الخوف فأزرى به
كذاك من يكره حرّ الجلاد (3)
قد كان في الموت له راحة
والموت حتم في رقاب العباد
وكتب اسمه تحتها.
ثم دخلنا المنصورة فلم نجد شيئا ، فدخلنا قندهار (4) ، فأحللته قلعة لا يرومها رائم ، ولا يطور بها طائر. وكان والله أفرس من رأيت من عباد الله ، ما إخال الرمح في يده إلّا قلما ، فنزلنا بين ظهراني قوم يتخلقون بأخلاق الجاهلية ، يطرد أحدهم الأرنب ، فتضيف قصر صاحبه ، فيمنعها ويقول : أتطلب جاري.
قال : فخرجت لبعض حاجتي ، وخلفني بعض تجار أهل العراق ، فقالوا له : قد بايع لك أهل المنصورة ، فلم يزالوا به حتى صار إليها.
فحدثت أن رجلا جاء إلى أبي جعفر فقال له : مررت بأرض السند فوجدت كتابا في قلعة من قلاعها ، فيه كذا وكذا ، فقال له : هو هو. ثم دعا هشام بن عمرو بن بسطام التغلبي (5) ، فقال : اعلم أن الأشتر بأرض السند ، وقد وليتك عليها ، فانظر ما أنت صانع.
__________________
(1) الأبيات في ذيل الأمالي 142 لابن الأشعث ، وهي في الطبري 9 / 191 وابن الأثير 5 / 210 وعيون الأخبار 1 / 291 والبيان والتبيين 1 / 248 والعقد 2 / 330 وزهر الآداب 1 / 117 وشرح مقصورة حازم 2 / 112 ومجموعة المعاني 100.
(2) يروى «منخرق السربال» و «تنكبه» و «تنكسه» و «تنفقه» وفي ذيل الأمالي «أطراف صخر».
(3) في ط وق «طرده الخوف».
(4) قندهار بضم القاف ، وسكون النون ، وضم الدال كما في معجم البلدان 7 / 167.
(5) راجع الطبري 9 / 280.
فشخص هشام إلى السند ، فقتله وبعث برأسه إلى أبي جعفر (1).
قال عيسى : فرأيت رأسه قد بعث به أبو جعفر إلى المدينة ، وعليها الحسن بن زيد ، فجعلت الخطباء تخطب ، وتذكر المنصور ، وتثنى عليه ، والحسن بن زيد على المنبر ، ورأس الأشتر بين يديه ، وكان في خطبة شبيب بن شيبة يا أهل المدينة : ما مثلكم ومثل أمير المؤمنين إلّا كما قال الفرزدق (2) :
ما ضرّ تغلب وائل أهجوتها
أم بلت (3) حيث تناطح البحران
فتكلم الحسن بن زيد فحض على الطاعة ، وقال : ما زال الله يكفي أمير المؤمنين من بغاه ، وناوأه وعاداه ، وعدل عن طاعته ، وابتغى سبيلا غير سبيله.
* * *
__________________
(1) في الطبري «فلما قتل محمد وإبراهيم انتهى خبر عبد الله الأشتر إلى المنصور فبلغ ذلك منه ... وكتب إلى عمر بن حفص بولايته على إفريقية ، وولى على السند هشام بن عمرو التغلبي ، وأمره أن يكاتب ذلك الملك ، فإن أطاعه وسلم إليه عبد الله بن محمد وإلّا حاربه ، ولما صار هشام إلى السند كره أخذ عبد الله ، وأقبل يرى الناس أنه يكاتب الملك ويرفق به ، فاتصلت الأخبار بأبي جعفر بذلك ، فجعل يكتب إليه يستحثه ، فبينا هو كذلك إذ خرجت خارجة ببعض بلاد السند ، فوجه إليهم أخاه سفنجا ، فخرج يجر الجيش وطريقه بجنبات ذلك الملك ، فبينا هو يسير إذا هو برهج قد ارتفع من موكب ، فظن أنه مقدمة للعدو الذي يقصده ، فوجه طلائعه ، فرجعت فقالت :
ليس هذا عدوك الذي تريد ، ولكن هذا عبد الله بن محمد الأشتر العلوي ركب متنزها يسير على شاطئ مهران ، فمضى يريده ، فقال له نصاحة : هذا ابن رسول الله ، وقد علمت أن أخاك تركه متعمدا مخافة أن يبوء بدمه ، ولم يقصدك ، وإنما خرج متنزها ، وخرجت تريد غيره ، فأعرض عنه فقال : ما كنت لأدع أحدا يحوزه ولا أدع أحدا يحظى بالتقرب إلى المنصور بأخذه وقتله ، وكان في عشرة فقصد قصده ، وذمر أصحابه فحمل عليه فقاتله عبد الله ، وقاتل أصحابه بين يديه حتى قتل وقتلوا جميعا ، فلم يفلت منهم مخبر ، وسقط بين القتلى فلم يشعر به ، وقيل إن أصحابه قذفوه في مهران لما قتل لئلا يؤخذ رأسه ، فكتب هشام ابن عمرو بذلك كتاب فتح إلى المنصور يخبره أنه قصده قصدا ، فكتب إليه المنصور يحمد أمره ، ويأمره بمحاربة الملك الذي آواه ، وذلك أن عبد الله كان اتخذ جواري وهو بحضرة ذلك الملك ، فأولد منهن واحدة محمد بن عبد الله ، وهو أبو الحسن محمد العلوي الذي يقال له : ابن الأشتر ، فحاربه حتى ظفر به وقتله ، ووجه بأم ولد عبد الله وابنه إلى المنصور ، فكتب المنصور إلى واليه بالمدينة يخبره بصحة نسب الغلام ، وبعث به إليه ، وأمره أن يجمع آل أبي طالب ، وأن يقرأ عليهم كتابه بصحة نسب الغلام ويسلمه إلى أقربائه».
(2) كذا في ط وق ، وفي الخطية «كما قال الأخطل» ولم أجده في ديوانه ، ووجدته في ديوان الفرزدق ص 882.
(3) كذا في الديوان ، وفي ط وق «أم نلت».
أخبرني عمر بن عبد الله ، قال : حدّثنا أبو زيد ، قال : حدثنا عيسى بن عبد الله قال : حدثني من أثق به ، عن ابن مسعدة :
إن الأشتر وأصحابه أغذّوا السير ، ثم نزلوا فناموا ، فبقيت خيلهم في زرع للرهط ، فخرجوا إليهم فقتلوهم بالخشب ، فبعث هشام فأخذ رؤوسهم ، فبعث بها إلى أبي جعفر.
قال عيسى : قال ابن مسعدة :
ولم نزل في تلك القلعة أنا ومحمد بن عبد الله بن محمد حتى توفي أبو جعفر (1) ، وقام المهدي ، فقدمت به وبأمّه إلى المدينة.
29 ـ إبراهيم بن عبد الله بن الحسن
وإبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب
ويكنى أبا الحسن. وأمه هند بنت أبي عبيدة (2).
قال أبو الفرج الأصبهاني : حدّثنا يحيى بن علي المنجّم قال : سمعت عمر بن شبّة يقول :
[إن] إبراهيم بن عبد الله أبو الحسن ، كلّ إبراهيم في آل بيت أبي طالب كان يكنى أبا الحسن ، فأما قول سديف (3) لإبراهيم بن عبد الله :
إيها أبا إسحاق هنّيتها
في نعم تترى وعيش طويل
أذكر هداك الله وتر الأولى
سير بهم في مصمتات الكبول (4)
فإنما قال ذلك على مجاز الكلام ، وما يعرف شكلا للأسماء من الكنى ولضرورته في وزن الشعر إلى ذلك.
__________________
(1) مات أبو جعفر لست خلون من ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة.
(2) الأغاني 28 / 208.
(3) سديف بن ميمون : شاعر مقل من شعراء الحجاز ، ومن مخضرمي الدولتين ، وكان شديد التعصب لبني هاشم مظهرا لذلك في أيام بني أمية راجع الأغاني 14 / 162.
(4) في ط «سنريهم في مضمات» وفي الخطية «مصميات».
وكان إبراهيم بن عبد الله جاريا على شاكلة أخيه محمد في الدين ، والعلم ، والشجاعة والشدة. وكان يقول شيئا من الشعر. فحدثني أحمد بن سعيد ، قال : حدثنا يحيى بن الحسن [العلوي](1) ، قال حدثني إسماعيل بن يعقوب ، قال :
ذكر عبد الله بن الحسن بن إبراهيم أن جدّه إبراهيم بن عبد الله قال في زوجته بحيرة بنت زياد الشيبانية :
ألم تعلمي يا بنت بكر تشوقي (2)
إليك وأنت الشخص ينعم صاحبه
وعلقت ما لو نيط بالصخر من جوى
لهد من الصخر المنيف جوانبه (3)
رأت رجلا بين الركاب ضجيعه
سلاح ويعبوب فباتت تجانبه (4)
تصد وتستحيى وتعلم أنّه
كريم فتدنو نحوه فتلاعبه
فأذهلنا عنها ولم نقل قربها
ولم يقلها دهر شديد تكالبه (5)
عجاريف فيها عن هوى النفس زاجر
إذا اشتبكت أنيابه ومخالبه (6)
* * *
أخبرنا عمر [بن عبد الله](7) ، قال : حدّثنا عمر بن شبّة ، قال حدّثني عبد العزيز بن أبي سلمة العمري ، وسعيد بن هريم :
أن محمدا ، وإبراهيم كانا عند أبيهما ، فوردت إبل لمحمد فيها ناقة شرود لا يردّ رأسها شيء ، فجعل إبراهيم يحدّ النظر إليها ، فقال له محمد : كأنّ نفسك تحدثك أنك رادها؟ قال نعم. قال : فإن فعلت فهي لك ، فوثب إبراهيم فجعل يتغير لها ويتستر بالإبل ، حتى إذا أمكنته جاءها (
وأخذ بذنبها ،
__________________
(1) الزيادة من الخطية ، وفيها «... بحيرة بنت ريا».
(2) كذا في الخطية ، وفي ط وق «با بنت بكر بأنني».
(3) في الخطية «المنيف ذوائبه».
(4) في ق «الركاب ضجيعة» واليعبوب ـ كما في القاموس ـ : «الفرس السريع الطويل».
(5) في ط وق «ولم تقل».
(6) في ط وق «زاجرا».
(7) الزيادة من الخطية.
(
في ط وق «امكنة هايجها».
فاحتملته وأدبرت تمخض بذنبها ، حتى غاب عن عين أبيه ، فأقبل على محمد وقال له : قد عرضت أخاك للهلكة. فمكث هويا ثم أقبل مشتملا بإزاره حتى وقف عليهما. فقال له محمد : كيف رأيت؟ زعمت أنك رادها وحابسها. قال : فألقى ذنبها وقد انقطع في يده. فقال : ما أعذر من جاء بهذا.
* * *
حدّثنا يحيى بن علي بن يحيى المنجم ، قال : حدّثنا عمر بن شبّة ، قال : حدّثنا أبو نعيم عن مطهر بن الحرث ، قال :
أقبلنا مع إبراهيم بن عبد الله من مكة نريد البصرة ، فلما كنا على ليلة منها تقدم إبراهيم وتخلفنا عنه ثم دخلنا من غد.
قال أبو نعيم : فقلت لمطهر (1) : أمرّ إبراهيم بالكوفة [ولقيته؟](2) قال : لا ، والله ما دخلها [قط](3) ولقد غاب (4) بالموصل ، ثم الأنبار ، ثم بغداد ، والمدائن ، والنيل ، وواسط.
* * *
حدّثنا يحيى بن علي بن يحيى ، قال : حدّثنا أبو زيد ، قال : حدّثني بكر بن كثير ، قال :
استخفى إبراهيم بن عبد الله عند إبراهيم بن درست بن رباط الفقمي ، وعند أبي مروان مولى يزيد بن عمر بن هبيرة ، ومعاذ بن عون الله.
* * *
حدّثنا يحيى بن علي بن يحيى ، قال : حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا أبو زيد ، قال : حدّثني الفضل بن عبد الرحمن بن سليمان بن علي ، قال :
قال أبو جعفر : غمض عليّ أمر إبراهيم لمّا اشتملت عليه طفوف (5) البصرة.
__________________
(1) الخبر في الطبري 9 / 244 ، وفي النسخ «فقلت لمظهر».
(2) الزيادة من الطبري.
(3) في الطبري «ولقد كان».
(4) الطفوف : جمع طف وهو ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق والجانب والشاطئ كالطفطاف.
حدّثنا يحيى بن علي ، قال (1) : حدّثنا عمر بن شبّة ، قال : حدّثني نصر بن قديد ، قال :
دعا إبراهيم الناس وهو في دار أبي فروة ، وكان أول من بايعه نميلة بن مرّة ، وعفو الله بن سفيان ، وعبد الواحد بن زياد ، وعمر بن سلمة الهجيمي ، وعبد الله بن يحيى بن الحصين بن المنذر الرقاشي. وندبوا الناس إليه (2) ، فأجاب بعدهم فتيان العرب منهم : المغيرة بن الفرع (3) ، ويقال الفزر ، حتى ظنوا أن ديوانه قد أحصى أربعة آلاف. وشهر أمره فتحرك إلى واسط (4) من البصرة ، في دار أبي مروان مولى بني سليم (5).
أخبرنا يحيى بن علي ، قال : حدّثنا عمر ، قال : حدثني ابن عفو الله بن سفيان عن أبيه ، قال (6) :
أتينا إبراهيم يوما وهو مرعوب ، فأخبرني أن كتاب أخيه محمد جاءه يخبره أنه قد ظهر ، ويأمره بالخروج [قال](7) ، فوجم من ذلك ، واغتم [له](
، فجعلت أسهل الأمر عليه ، وقلت : قد اجتمع [لك] أمرك ، ومعك المضاء ، والطّهوي والمغيرة ، وأنا ، وجماعة ، نخرج بالليل فنقصد السجن فنفتحه ، فتصبح حين تصبح ، ومعك عالم من الناس ، فطابت نفسه.
* * *
أخبرنا يحيى بن علي ، قال : حدّثنا عمر بن شبّة ، قال : حدّثنا علي بن الجعد ، قال (9) :
__________________
(1) الخبر في الطبري 9 / 247.
(2) في ط وق «ويدنو إليه الناس».
(3) في الطبري «ابن الفزع وأشباه له».
(4) في الطبري «وشهر أمره فقالوا له لو تحولت إلى وسط البصرة أتاك من أتاك وهو مريح فتحول».
(5) في الطبري «بن سليم رجل من أهل نيسابور».
(6) الخبر في الطبري 9 / 247.
(7 ،
الزيادة من الطبري.
(9) الخبر في الطبري 9 / 249.
رأيت أهل الكوفة أيام أخذوا بلبس السواد ، حتى إن البقالين إن كان أحدهم ليصبغ الثوب بالأنقاس (1) ثم يلبسه.
حدّثنا يحيى ، قال : حدّثنا عمر ، قال : حدّثني جواد بن غالب ، قال : حدّثني العباس بن سلم مولى قحطبة ، قال (2) :
كان أبو جعفر إذا اتهم أحدا من أهل الكوفة بالميل إلى إبراهيم أمر [أبي](3) سلما بطلبه ، فكان يمهل حتى إذا غسق الليل وهدأ الناس ، نصب سلّما على منزل الرجل ، فطرقه في بيته فيقتله ، ويأخذ خاتمه.
قال (4) : فسمعت جميلا مولى [محمد](5) بن أبي العباس يقول للعباس بن سلم (6) : لو لم يورثك أبوك إلّا خواتيم من قتل من أهل الكوفة لكنت أيسر الأبناء.
* * *
حدّثنا يحيى بن علي ، قال : حدّثنا عمر بن شبّة ، قال : حدّثني سهل بن عقيل قال: حدثني أبي ، قال (7) :
كان سفيان بن معاوية بن يزيد بن مهلب قدم إلى إبراهيم على أمره ، وكان سفيان عامل أبي جعفر على البصرة ، فكان يرسل إلى قائدين قدما عليه ، يدعيان ابني عقيل ، بعثهما أبو جعفر ردءا له فيكونان عنده. فلما وعده إبراهيم أرسل إليهما فاحتبسهما (
تلك الليلة ، حتى خرج فأحاط به وبهما ، وأخذهم.
* * *
حدّثنا يحيى بن علي قال : حدّثنا أبو زيد قال : حدّثني عمر بن (9) خالد مولى بني ليث ، قال :
__________________
(1) في القاموس : «الأنقاس : جمع نقس بالكسر وهو المداد. وفي الطبري «حدثني أبو الحسن الحذاء قال : أخذ أبو جعفر الناس بالسواد فكنت أراهم يصبغون ثيابهم بالمداد».
(2) الخبر في الطبري 9 / 249.
(3) الزيادة من الخطية وهي في الطبري.
(4) في الطبري «قال أبو سهل جواد».
(5) الزيادة من الطبري.
(6) في ط وق «ابن سالم».
(7) الخبر في الطبري 9 / 451.
(
في ط وق «فاحبسهما».
(9) في الخطية «عثمان بن خالد».
استلبت وأنا غلام دوّامة من غلام ، فاتبعني ، وسعيت فدخلت دار أبي مروان فوجدت إبراهيم جالسا في جماعة من أصحابه محتبيا بحمالة سيف ـ وهي نسعة (1) مدنية عرضها أكثر من إصبع ـ ورجل قائم على رأسه ، ودابة تعرض عليه ، وذلك قبل خروجه بشهر ، فلما كانت الليلة التي خرج فيها سمعنا تكبيرة بعد المغرب بهنيهة (2) ، ثم تتابع التكبير وخرجوا حتى صاروا إلى مقبرة بني يشكر ، وفيها قصب يباع ، فأقاموا في كل ناحية من المقبرة أطنانا ، ثم ألهبوا فيها النار ، فأضاءت المقبرة. وجعل أصحابهم الذين كانوا وعدوهم يأتونهم ، فكلما جاءت طائفة كبّروا (3) حتى تم لهم ما أرادوا ، ثم مضوا إلى دار الإمارة ، بعد ما ذهبت طائفة من الليل.
* * *
حدّثنا يحيى بن علي بن يحيى ، قال : حدّثنا عمر بن شبّة ، قال : حدّثنا نصر بن قديد ، قال (4) :
خرج إبراهيم ليلة الاثنين غرة شهر رمضان سنة خمس وأربعين ومائة ، فصار إلى بني يشكر ، في أربعة عشر فارسا ، وفيهم عبد الله بن يحيى بن حصين الرقاشيّ على برذون له أغرّ سمند (5) ، معتم بعمامة سوداء ، يساير إبراهيم ، فوقف في المقبرة منذ أول الليل إلى نحو من نصفه ينتظر نميلة ، ومن وعده من [شق](6) بني تميم حتى جاؤوه.
حدثنا يحيى بن علي ، قال : حدثنا يونس بن نجدة ، قال :
ألقى أصحاب إبراهيم النار في الرحبة ، وأدنى القصر حتى أحرقوه.
__________________
(1) في ط وق «تسعة ، لسعة» وفي القاموس «النسع بالكسر : سير ينسج عريضا على هيئة أعنة النعال ، تشد به الرحال ، والقطعة منه نسعة ، وسمي نسعا لطوله».
(2) في ط وق «بهنيئة».
(3) كذا في الخطية وفي ط وق «كثروا».
(4) الطبري 9 / 251.
(5) في القاموس : «السمند الفرس فارسية».
(6) الزيادة من الخطية.
حدثنا يحيى ، قال : حدثنا عمر ، قال : حدثنا عبد الله بن سنان (1) ، قال :
وجّه أبو جعفر جابر بن توبة في جماعة كثيرة ، فلما أطاف إبراهيم بدار الإمارة وجد دواب جابر وأصحابه ، وهي سبعمائة ، فأخذها واستعان بها.
حدّثنا يحيى ، قال : حدّثنا عمر ، قال : حدّثنا أبو عاصم النبيل ، قال :
نزل سفيان بن معاوية من دار الإمارة ومن معه إلى إبراهيم على الأمان ، فتركهم.
حدّثنا يحيى بن علي بن يحيى ، قال : حدّثنا عمر بن شبّة ، قال : حدّثني عمر بن خالد الليثي ، قال :
دخل الناس دار الإمارة فلم يروا فيها إلّا مسحا أسود (2) فتقطعه الناس ينتهبونه ، وخرج إبراهيم إلى المسجد.
حدّثنا يحيى بن علي ، قال : حدّثنا عمر ، قال : حدّثني محمد بن مسعر ، قال :
لما دخل إبراهيم دار الإمارة فدخلت معهم فنظرت إلى حصير قد ألقى له في مقدم الإيوان ، وعصفت الريح فقلبته ظهره لبطنه ، فتطير الناس لذلك. وقال إبراهيم : لا تتطيروا. ثم جلس عليه مقلوبا وأنا أرى الكراهة في وجهه (3).
حدّثنا يحيى (4) قال حدثنا عمرو بن خالد ، ومحمد بن معروف ، ومحمد بن أبي حرب.
إن إبراهيم دخل المسجد ، فبينا هو يتكلم إذ أتاه آت. فقال : هذا جعفر
__________________
(1) في الخطية «ابن شيبان».
(2) في ط وق «إلّا شيخا».
(3) الطبري 9 / 251.
(4) في الخطية «حدثنا يحيى قال حدثنا عمر قال حدثنا عمرو».
ومحمد قد أقبلا في مواليهما ، فصاح إبراهيم بالمضاء والطهوي ، وقال اذهبا إليهما ، فقولا لهما : يقول لكما ابن خالكما : إن أحببتما جوارنا ففي الأمن والرحب ، لا خوف عليكما ، ولا على أحد تؤمنانه ؛ وإن كرهتما جوارنا ، فحيث شئتما فاذهبا ولا تسفكا بيننا وبينكم دما ؛ وإياكما أن تبدآهما بقتال.
قال عمر بن خالد : فلما كانوا عند دارميّة (1) الثقفية ، التقوا فتوافقوا ، فكلّمهم المضاء والطهوي ، وارتفعت الأصوات ، فنزع الحسين بنشابة فرمى بها ، وحمل عليه المضاء ، فضربه فقطع يده من وسط ذراعه. وأدبر القوم.
حدّثنا يحيى بن علي ، قال : حدّثنا عمر بن شبّة ، قال : حدّثنا عبد الله بن المغيرة ، قال :
إني لجالس على بابكم إذ مرّ بي جعفر ومحمد ومعهما البغال تحمل النّشاب ، فلم يلبثا أن رجعا ، والمضاء يتلوهما وفي يده الرمح ، وهو يقرعهما به قرعا ويقول : النجاء يا بني الإماء (2) فلما بلغنا وقف.
حدّثنا يحيى ، قال : حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا إبراهيم بن إسحاق ، قال : سمعت سعيد بن المشعر يقول :
سمعت محمدا يومئذ يعتزي (3) ويقول : أنا الغلام القرشي ، فلما كشفهم المضاء جعل يقول لمحمد : يا غلام أتعتزي عليّ ، أما والله لو لا يد كانت لعمك عبد الله بن علي عندي لعلمت.
حدّثنا يحيى بن علي ، قال : حدّثنا عمر بن شبة ، قال :
لما صار المضاء عند متسع الطريق ، وقد مضى عمر بن سلمة حتى خالط جمعهم ، فطاعنهم في رحبة محمد ، ثم انصرف ، فقال له المضاء : يا أبا حفص ما أحسبك شهدت حربا قط قبل هذه.
قال : أجل. قال : فلا تفعل مثل فعلتك ، فإن الجبان إذا اضطررته قاتلك.
__________________
(1) في ط وق «دارمة النفقية».
(2) في ط وق «يا بني الأمان».
(3) في ط وق «يومئذ يعتري ... يا غلام أتعدي على أم والله».
حدّثنا يحيى بن علي ، قال : حدّثنا عمر ، قال : حدّثنا يونس بن نجدة ، قال أبو زيد ، وحدّثني عبد الرحمن بن غيّاث السراج ، عن أبيه ، وعمّه :
أن إبراهيم وجد في بيت المال ألفي ألف درهم ، فقوى بها ، وفرض القروض خمسين خمسين لكل رجل (1) ، فكان الناس يقولون : خمسون والجنة.
حدّثنا يحيى ، قال : حدّثنا عمر ، قال : حدّثنا الحكم بن بندويه (2) :
أن إبراهيم أنفذ المغيرة بن الفزع (3) ويقال الفزر إلى الأهواز ، وعليها محمد بن الحصين ، فلقيه على [نهر] في فروخ ـ وبينها وبين الأهواز فرسخان ـ فقاتله المغيرة ، فهزمه. ودخل ابن الحصين الأهواز وتبعه المغيرة فحمل عليه ، فانكشفوا ووقفوا في الصيارفة. فتركهم المغيرة ، ودخل المسجد ، فصعد المنبر فرموه بالنشاب ، فجعل يقع في المسجد. فخرج إليهم فقاتلهم عند باب ابن الحصين ، فولوا منه واتّبعهم حتى بلغ الجسر.
حدّثنا يحيى بن علي ، قال : حدّثنا عمر بن شبّة ، قال حدّثنا الحسين بن سليم ، عن أبيه.
أن ابن الحصين انهزم حتى بلغ قنطرة الهندوان ، فوقف عليها ، وأمر ابنه الحكم فنزل فقاتل وراء القنطرة حتى غشيهم الليل فأنفذ ثقله ، وانكشف من الليل.
قال : فبلغني أن أبا أيوب المورياني ، وكان له هوى في ابن الحصين ، قال لأبي جعفر: يا أمير المؤمنين ألم تر إلى ابن الحصين فاء إلى فئة ، وبه ثماني عشرة ضربة.
فقيل لأبي أيوب : لو نظرت إلى ابن الحصين فلم تر به أثرا ما كنت تصنع؟.
قال : لو هم بالنظر إليه ضربته ثماني عشرة ضربة ثم أريته إيّاه.
__________________
(1) الطبري 9 / 252.
(2) في الخطية «ابن سدويه».
(3) في النسخ «ابن الفرع» وفي الطبري 9 / 252 «المغيرة بن الفزع أحد بني بهدلة بن عوف».
حدثنا يحيى ، قال : حدثنا عمر ، قال حدثنا بكر بن عبد الله ، عن مبارك (1) الطبري ، عن الربيع الحاجب :
أن إبراهيم لما ظهر بالبصرة ، وجّه أبو جعفر خازم بن خزيمة في أربعة آلاف إلى الأهواز.
حدثنا يحيى بن علي ، قال : حدثنا عمر بن شبّة ، قال : حدثني يوسف بن معبد الفريعي ، قال : حدثني محمد بن خالد بن علي بن سويد (2) ، قال :
لبثنا مع المغيرة بالأهواز أياما ثم ذكر لنا أن خازم بن خزيمة قد أظلنا. فخرج المغيرة فعسكر على شاطئ دجيل ، وأمر خريم بن عثمان بقطع الجسر ، وأخذ السفن مما حوله فتتبعوا السفن فأخذوها حتى ظنوا أن لم يبق منها شيء.
وارتفع خازم إلى قرية لبني الهجيم يقال لها قرقوب (3) على فرسخ من قصبة الأهواز ، فعسكر بها في اثني عشر ألف فارس سوى رجّالته.
وارتفع المغيرة فعسكر بإزائه في خمسمائة فارس ، وخلف الرجّالة في عسكره ، واستخلف على الأهواز عفو الله بن سفيان ، وطلب خازم السّفن فلم يجدها ، فأتاه رجل فقال له : وجه معي خيلا أحدر إليك السفن ، فمضى به إلى قرية يقال لها دور قطن مما يلي جنديسابور ، فحدر عليهم سفنا قليلة فأتى بها ليلا ، فلما واراه الظلام عبر فيها أصحابه حتى أصبح.
فأصبح المغيرة ، وقد ساواه القوم على شاطئ الدجيل ، وذلك يوم الأحد ، فأصبحنا والريح لنا عليهم ، فلما صففنا وصفّوا لنا انقلبت الريح لهم علينا ، وعبأ القوم ميمنتهم وميسرتهم ، وعبأ المغيرة أصحابه ، فجعل على ميمنته عصب (4) بن القاسم ، وعلى ميسرته الترجمان بن هريمة ، وصار هو في القلب ، فبينما نحن كذلك إذ جاءت عقاب مسفّة حتى صدّعت صفّنا ، فتطيرت منها.
حدثنا يحيى بن علي بن يحيى المنجم ، قال : حدثنا عمر ، قال : حدثنا
__________________
(1) في ط وق «مبرك».
(2) في الخطية «ابن شريك».
(3) كذا في ط وق ، وفي الخطية «قوقوا».
(4) في الخطية «عصا».
محمد بن أبي حرب ، قال : حدثنا المذلق ـ واسمه عمر بن الضحاك ـ قال :
التمس خازم معبرا فلم يجد ، فاتخذ طوقا من قصب ، فعبّر عليه ثلاثمائة نفس أو نحوها (1) من أصحابه ، وقام هو والمغيرة بإزائه ، وتقدم إلى أصحابه : ألا تقاتلوا ، فلما صاروا مع المغيرة قصدوا له ، وتهيأ القوم لقتالهم ، فنظرت إلى خازم ينتف لحية نفسه ، ويصيح بالفارسية ينهاهم عن القتال. ثم هيأ طوقا آخر فعبر إليهم خمسمائة أو نحوهم ، فكنت فيمن عبر في المرة الثانية. فلما اجتمعنا لقيناهم في زهاء ألف ، فما لبثنا حتى هزمناهم.
حدثنا يحيى بن علي ، قال : حدثنا عمر ، قال : حدّثني الحرّ بن مالك ، قال : حدّثني واصل بن محمد السعدي ، عن شبيب بن شبّة ، قال :
قال لي خازم بن خزيمة : لله در المغيرة بن الفزع ، أي رجل هو ، ما ولدت النساء مثله ، والله ، لقد وجّهت إليه الأجناد ، وبعضهم في إثر بعض ، وإني لأنظر إليه وبيني وبينه النهر ، وإنه ليبول وإلى جنبه فرسه ما معه إلّا رعاع من الرعاع ، ثم ركب فناوش أصحابي ، ثم انكفأ ، ثم عاود أصحابي ، ثم انكفأ ، فما زال ذلك دأبه ودأبهم حتى غابوا عن عيني ، فرجعوا وقد نقصوا ألفا.
حدّثنا يحيى ، قال : حدّثنا عمر ، قال : حدّثني الحكم بن بندويه قال : حدّثني يوسف بن معبد ، عن محمد بن خالد ، قال :
صاح المغيرة بأصحاب الركب ، فلطموا (2) وتترسوا حتى نفذ نشّابهم ، ثم حملوا عليهم فطاعنوا حتى ألقوا في الدجيل من أصحاب خازم خلقا ، وفصل بين الصفين ... فدعا صهر لخازم بن خزيمة على أخته (3) يدعى عبدويه كردا (4) من أهل خراسان ، فدعا ، للبراز ، فبرز له المغيرة فبدره عبدويه فضربه فوقعت ضربته على ترس المغيرة فذهب ، فترك المغيرة ترسه مع سيفه ، وضربه على عاتقه فبلغ
__________________
(1) في ط وق «نفس وجودها».
(2) في ط وق «مهر» والتصويب من الخطية.
(3) في ط وق على أخيه!
(4) في الخطية «كردنا» وفي الطبري 9 / 253 «عبدويه كردام الخراساني».
رئته ، فرأيت خازم بن خزيمة ينتف لحية نفسه جزعا عليه.
حدّثنا يحيى ، قال : حدّثنا عمر ، قال : حدّثني ابن عفو الله بن سفيان ، قال : سمعت أبي يقول :
والله ما ضربت يومئذ بسيف ولقد نظرت أكثر من خمسمائة من أصحاب خازم ألقوا أنفسهم في الماء.
حدّثني يحيى بن علي ، قال : حدّثنا أبو زيد عمر بن شبّة ، قال : حدّثنا سعيد بن هريم ، قال : حدّثني الحسن بن لولا ، وحدثني الخليل بن عمران ، عن مذعور بن سنان :
أن خازما دس رجالا فنزلوا إلى جانب الجبل في الموضع الذي كان فيه.
قال : وحدّثني يوسف بن معبد عن محمد بن خالد قال : لم يزل (1) المغيرة نازلا بمكانه حتى وافى خازما فبعث طائفة من أصحابه فنزلوا بإزائه وأمرهم إذا رأوا غلاما من بعيد أن يصيحوا : نزل خازم الأهواز ليسمع المغيرة ذلك فينهزم ، ففعلوا وعبر أصحابه في السفن ، وأمرهم فنصبوا في أعلى السفن الأعلام والرماح ، وجاء سالم بن غالب القمي (2) ، وكان من أصحاب المغيرة ، فقال للمغيرة : قد دخل خازم الأهواز ، وصاح أولئك القوم الذين كانوا عند الجبل بمثل ذلك ، وكر المغيرة راجعا ، وحمل عليه رجل من أصحاب خازم ليطعنه ، فعدل المغيرة عن فرسه ، فأخطأه غير بعيد ، ومرّ به فرسه يركض ، فنفحه (3) المغيرة بسيفه فظهر القطر (4) من السواد ، ثم ظهر الدم ، وصاح المغيرة : أنا أبو الأسود ، فما مرّ الرجل إلّا يسيرا حتى خرّ صريعا.
ودخل المغيرة الأهواز ، وصعد المنبر فجعل يخطب ويسكن الناس ، إذ قيل له هذه الأغنام ترمى بالنشاب في سكة باب إزاز ، فصاح المغيرة بعبد له
__________________
(1) في الخطية «لما نزل».
(2) كذا في الخطية ، وفي ط وق «ابن غالب العمي».
(3) نفحة بسيفه : تناوله ، وفي الخطية «نخسه».
(4) في الخطية «القطن» وفي القاموس «القطر بالكسر ضرب من البرود».