الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
اهل البيت
المواضيع الأخيرة
» المحكم في اصول الفقه ج3
 فقه الحضارة  Emptyاليوم في 8:41 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» المحكم في أصول الفقه [ ج4
 فقه الحضارة  Emptyاليوم في 7:55 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» الصحيفه السجاديه كامله
 فقه الحضارة  Emptyأمس في 9:49 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» القول الرّشيد في الإجتهاد والتقليد [ ج ١ ]
 فقه الحضارة  Emptyأمس في 3:11 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  مسائل من الاجتهاد والتقليد ومناصب الفقيه
 فقه الحضارة  Emptyأمس في 2:36 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» قاعدة لا ضرر ولا ضرار
 فقه الحضارة  Emptyأمس في 8:51 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» القول المبين
 فقه الحضارة  Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:46 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» ------التقيه
 فقه الحضارة  Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:37 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  فقه الحضارة
 فقه الحضارة  Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:25 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

      فقه الحضارة

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

     فقه الحضارة  Empty
    مُساهمةموضوع: فقه الحضارة     فقه الحضارة  Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:16 pm

    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
    المقدمة
    في تراثنا الحصاري صفحات مشرقة تواكب مسيرة التطور
    الإنساني ، وتنطلق مع التقدم البشري في مجالاته كافةً .
    وكان لفتح باب الاجتهاد عند الإمامية أثره الفاعل في تحرير
    قضايا الإنسان المعاصر من ربقة الجمود والتقوقع الفكري ، فسيّر
    بين يديه جملة ما يحتاج إليه من التشريع الذي يلبِّي حاجاته الآنية
    والمستقبلية ، وقد سجل بذلك سبقاً علميًّا متحضراً ، وأحرز نصراً
    أكاديمياً متطوراً .
    وكان للنداءات الملحّة التي أطلقها جيل من المثقفين ،
    وطائفة من الطبقة المتنورة الواعية ، وهي تدعو إلى إغناء المكتبة
    العربية بجمهرة من « الفقه الحضاري » وإثراء الحياة المعاصرة
    بكوكبة من « فقه الحضارة » ما اتسعت له هذه الصفحات من الإثراء
    والإغناء استجابةً لتلك الدعوات الخيّرة التي انطلقت بداعي الغيرة
    على الدين باعتباره نظاماً وهدايةً وتشريعاً يتحقق من مجموعها
    سعادة البشر ، لا سيما والشباب يتعايشون في ظل المتغيرات
    الحديثة روحاً ومضموناً ، ولا بد لهم من شعاع هادٍ يلتمسون في



    ضوئه معالم الحق والسداد بعيدةً عن المناخ المتطرف ، وقريبة من
    الروح الموضوعي ، وهم ما بين مغترب عن موطنه ، أو مهاجر عن
    بلده ، أو متطلع إلى مفاهيم دينه وهو يخوض غمار الحياة في
    أوروبا والبلدان الأجنبية .
    لكل ما تقدم يسرني أن أتقدم لشبابنا المتحفز الرائد « فقه
    الحضارة » في ضوء فتاوى سماحة المرجع الديني الأعلى السيد
    علي الحسيني السيستاني دام ظله الوريف .
    وكانت طبيعة هذا الموضوع أن انتظم في ستة فصول
    مختارة : الفصل الأول : وكان بعنوان : الطب الحديث وظواهر
    الاكتشاف المختبري ، وقد اشتمل على تسعة مباحث هي :
    1 ـ أحكام التشريح في منظور عصري .
    2 ـ الترقيع بالأعضاء والواقع الطبي .
    3 ـ التلقيح الصناعي والتخصيب .
    4 ـ أطفال الأنابيب وعملية الاستنساخ .
    5 ـ تحديد النسل وموانع الحمل .
    6 ـ مرض الإيدز أو فقدان المناعة المكتسبة .
    7 ـ أخطار التدخين . . ونوادر علمائنا الأعلام .
    8 ـ وباء المخدّرات وأضرار الخمور .
    9 ـ فتاوى فقهية ذات أبعاد طبيّة .
    وكان الفصل الثاني بعنوان : الاقتصاد الوطني والشؤون


    المالية ، وقد اِشتمل على خمسة بحوث رئيسية ، كان مبحثها
    الأول ، وهو بعنوان أعمال المصارف والبنوك ثرياً بخمسة عشر
    موضوعاً :
    1 ـ الاقتراض ـ الإيداع .
    2 ـ الاعتمادات .
    3 ـ خزن البضائع .
    4 ـ بيع البضائع عند تخلّف أصحابها عن تسلّمها .
    5 ـ الكفالة عند البنوك .
    6 ـ بيع السهام .
    7 ـ بيع السندات .
    8 ـ الحوالات الداخلية والخارجية .
    9 ـ جوائز البنك .
    10 ـ بيع العملات الأجنبية وشراؤها .
    11 ـ السحب على المكشوف .
    12 ـ خصم الكمبيالات .
    13 ـ العمل لدى البنوك .
    14 ـ فتاوى مصرفية .
    ثانياً : أوراق اليانصيب .
    ثالثاً : عقد التأمين .


    رابعاً : إخلاء المحلَّات التجارية .
    خامساً : فتاوى حضارية بأموال الأوروبيين .
    وكان الفصل الثالث بعنوان : تخطيط المدن واستصلاح
    الأراضي ، وقد اشتمل على خمسة مباحث مهمة :
    1 ـ الشوارع العامة في مظاهرها المتعددة .
    2 ـ الطرق المشتركة ، في الإعمار والاستثمار .
    3 ـ الشوارع المفتوحة من قِبل الدولة .
    4 ـ المياه والأنهار والآبار والعيون .
    5 ـ إحياء الأرض الموات .
    وكان الفصل الرابع بعنوان : السفر إلى أوروبا والخطوط
    الجوية والقبلة في نيويورك ، وقد اِنتظم في أربعة مباحث متأصلة :
    1 ـ السفر إلى البلدان الأوروبية والأجنبية .
    2 ـ حركة السفر الجوية في تأصيل حضاري .
    3 ـ القبلة في نيويورك .
    4 ـ متفرقات في أحكام السفر .
    وكان الفصل الخامس بعنوان : شؤون الأطعمة واللحوم
    والأغذية والمعلّبات في الدول الأجنبية ، وقد اِنتظم في أربعة
    بحوث رئيسية :
    1 ـ التذكية واللحوم وطعام غير المسلمين .

    2 ـ ريادة المطاعم المشبوهة والعمل فيها .
    3 ـ المعلّبات والمنتجات في الدول الأوروبية .
    4 ـ فتاوى حضارية في الأغذية والأشربة .
    وكان الفصل السادس بعنوان : مظاهر الحياة العامة
    والعلاقات المحرّمة والجائزة ، وقد اِشتمل على خمسة مباحث
    غنية بمسائل الابتلاء لدى الشباب والنساء في مناخ أوروبا :
    1 ـ علاقة المسلم بسواه من غير المسلمين .
    2 ـ الاختلاط المزدوج في المدارس والمسابح والحفلات .
    3 ـ الإحساس الجنسي ودرجات التلذذ الشهوي .
    4 ـ ما لا يجوز للمرأة وما يجوز .
    5 ـ مشاهد المجون والرقص والموسيقى والغناء والقمار .
    وكانت مصادر هذا البحث تعتمد مؤلفات السيد دام ظله :
    منهاج الصالحين بأجزائه الثلاثة ، والمسائل المنتخبة ، وفقه
    المغتربين ، والمستحدثات من المسائل الشرعية ، يضاف إليها آراء
    سماحة السيد التي تلقاها المؤلف ، وجملة من الفتاوى الخطية
    المصورة في حوزة المؤلف .
    ولا أدعي لهذا الكتاب الشمول والكمال ، فالشمولية قد لا
    تستطاع ، والكمال لله وحده ، ولكنه إسهامٌ في تأصيل الفكر
    الحضاري للفقه الإمامي ، واستجابة لدعوات الطبقة المثقفة في
    الاستزادة من المعارف الإنسانية والتشريعية بوقت واحد .


    أرجو من الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه
    الكريم ، وأن يكون لنا ذخراً يوم الدين ، يوم يقوم الناس لرب
    العالمين .
    النجف الأشرف
    الدكتور محمد حسين علي الصغير

    الفصل الأول
    « الطِّبُّ الحديث وظواهر الاكتشاف
    المختبري »
    1 ـ أحكام التشريح في منظور عصري
    2 ـ الترقيع بالأعضاء والواقع الطبيّ
    3 ـ التلقيح الصناعي والتخصيب
    4 ـ أطفال الأنابيب وعملية الاستنساخ
    5 ـ تحديد النسل وموانع الحمل
    6 ـ مرض الإيدز أو فقدان المناعة المكتسبة
    7 ـ أخطار التدخين . . ونوادر علمائنا الأعلام
    8 ـ وباء المخدّرات وأضرار الخمور
    9 ـ فتاوى فقهية ذات أبعاد طبّية






    ( 1 )
    أحكام التشريح في منظور عصري
    التشريح عملية يفرضها الواقع الطبِّي كشفاً عن الجرائم
    حيناً ، وتعليماً لطلاب الدراسات الطبية حيناً آخر ، وتوصلاً إلى
    حقائق الأشياء المجهولة بعض الأحايين ، وهو بعد مادة تدريسية
    على منتسبي كلية الطب اجتيازها بنجاح .
    والمشكلة المعاصرة التي يعاني منها الطب في البلدان
    الإسلامية والعربية هي حرمة الإنسان حياً وميتاً عند المسلمين في
    ضوء تعليمات الدين الحنيف ، فالمسلمون لا يسلمون موتاهم
    للتشريح لهذا الملحظ من وجه ، وللعاطفة المتأصلة في النفوس
    من الشفقة والعطف بهذا الميت أو ذاك لقربه منهم ، ولحبهم له ،
    ولحرمته عندهم ، فكيف يسلمونه استسلاماً ، وهم يستطيعون
    الحفاظ عليه من كل غائلة وهو واجبهم الشرعي الذي لا محيص
    عنه .
    والطب العدلي ، والغرض العلمي يتطلبان معاً توفير الجثث
    للتشريح ، وقد اضطرت جملة من المؤسسات الطبية إلى استيراد



    الجثث من الخارج ، أو شرائها من الذين يبيعون جثثهم في
    حياتهم ، وذلك لتحقيق الجانب العلمي والتعليمي والعدلي الذي
    توفره نتائج التشريح في هذه المستويات بخاصة .
    ولمّا كانت ضرورة التشريح قائمة بذاتها ، ولا خلاص منها ،
    ولا مناص عنها ، فقد استفرغ الفقه الحضاري جهده التشريعي ،
    وأعطى الحلول الكفيلة بتقليص حجم المشكلة إلى أدنى مستوى
    ممكن . فلا يجوز تشريح بدن الميّت المسلم ، ويجوز تشريح بدن
    الميّت الكافر ما عدا محقون الدم ، ومع هذا فيجوز تشريح بدن
    الميت الكافر محقون الدم في حالتين هما : إذنه في حال الحياة
    بذلك ، أو إذن وليّه بعد وفاته . وعند الضرورة القصوى يجوز
    تشريح بدن المسلم في حالة توقف حياة أحد المسلمين عليه ضمن
    تدرج سيأتي فيما بعد . وإليك في هذا الضوء معالجة سماحة
    السيد السيستاني دام ظله الوارف للموضوع من خلال ما توافر
    لدينا من فتاواه الشرعية :
    1 ـ لا يجوز تشريح بدن الميّت المسلم ، فلو فعل ذلك
    لزمته الديّة على تفصيل مذكور في كتاب الديّات .
    2 ـ يجوز تشريح بدن الميّت الكافر بأقسامه إذا لم يكن
    محقون الدم في حال حياته ، وإلا ـ كما لو كان ذميّاً ـ فالأحوط
    لزوماً الاجتناب عن تشريح بدنه ، نعم إذا كان ذلك جائزاً في
    شريعته ـ مطلقاً أو مع إذنه في حال الحياة ، أو إذن وليّه بعد
    الوفاة ـ فلا يبعد جوازه حينئذٍ . وأما المشكوك كونه محقون الدم
    في حال الحياة ، فيجوز تشريح بدنه إذا لم تكن أمارة على كونه
    كذلك .

    3 ـ لو توقف حفظ حياة مسلم على التشريح ، ولم يكن
    تشريح الكافر غير محقون الدم ، أو مشكوك الحال ، جاز تشريح
    غيره من الكفار ، وإن لم يكن ذلك أيضاً ، جاز تشريح المسلم ،
    ولا يجوز تشريح المسلم لغرض التعلم ونحوه ما لم تتوقف عليه
    حياة مسلم (1) .
    بالإضافة إلى ما تقدم فقد تطلب بعض الدوائر في بعض
    الحالات تشريح جثة المتوفى لمعرفة سبب الوفاة . فمتى يجوز
    السماح لها بذلك ؟ ومتى لا يجوز .
    وقد أفتى سماحة السيد دام ظله بقوله :
     لا يجوز لولي الميّت المسلم أن يسمح بتشريح جسد
    الميّت للغرض المذكور ونحوه ، ويلزمه الممانعة منه مع
    الإمكان (2) .






    __________________
    (1) السيد السيستاني / منهاج الصالحين 1 / 457 ـ 458 + المستحدثات من
    المسائل الشرعية / 73 ـ 74 طبعة لندن .
    (2) فتوى خطية مصورة في حوزة المؤلف + فقه المغتربين 242 وما بعدها .



    ( 2 )
    الترقيع بالأعضاء والواقع الطبِّي
    الترقيع بالأعضاء بنقلها من إنسان إلى إنسان حياً أو ميتاً
    ظاهرة متطورة من ظواهر الطب الحديث ، وقد أحرزت الجراحة
    المتخصصة نصراً هائلاً في زراعة الكلى والقلب والعيون وحتى
    الأطراف ، وبذلك تمت عمليات الإنقاذ للإنسان من أخطار مرضيّة
    كانت تعتبر مستحيلة إلى عهد قريب ، وبذلك يكون الطب قد تقدم
    خطوة جريئة في ميدان الجراحة المبرمجة والنموذجية ، وهذه
    الظاهرة إحدى أطاريح الطب التي فرضتها الحضارة المعاصرة
    ضمن واقع طبِّي له أبعاده المستقبلية في قادم الأيام ، وكان لزاماً
    على الفقه الإمامي وهو يخوض معركته العلمية في ظل التحضر
    المتنامي أن يطرح على الساحة الطبية ، أحكام هذه الظاهرة
    الفريدة .
    وكان لسماحة السيد مد ظله العالي الميدان الرحب في هذا
    الانبثاق الجديد ، فقد أعطى الحلول المناسبة ضمن الفتاوى
    الآتية :

    1 ـ لا يجوز قطع عضو من أعضاء الميّت المسلم كعينه أو
    نحوها لإلحاقه ببدن الحي ، فلو قطع فعلى القاطع الدية .
    وهل يجوز الإلحاق بعد القطع أو يجب دفن الجزء المبان ؟
    لا يبعد الثاني . نعم ، لا يجب قطعه بعد الإلحاق وحلول
    الحياة فيه .
    2 ـ إذا توقف حفظ حياة المسلم على قطع عضو من أعضاء
    الميّت المسلم لإلحاقه ببدنه جاز القطع ، ولكن تثبت الدية على
    القاطع على الأحوط ، وإذا أُلحق ببدن الحي ترتبت عليه بعد
    الإلحاق أحكام بدن الحي ، نظراً لأنه أصبح جزءاً منه .
    3 ـ هل يجوز قطع جزء من الميت المسلم لإلحاقه ببدن
    الحي إذا كانت عضوه متوقفة عليه ؟
     الظاهر عدم الجواز .
    4 ـ إذا أوصى بقطع بعض أعضائه بعد وفاته ليلحق ببدن
    الحيّ من غير أن تتوقف حياة الحي على ذلك ، ففي نفاذ وصيته
    وجواز القطع حينئذٍ إشكال ، ولكن الأظهر عدم وجوب الدية على
    القاطع .
    5 ـ هل يجوز قطع جزء من إنسان حيٍّ للترقيع إذا رضي به ؟
     في هذا الشأن تفصيل :
    إذا كان قطعه يلحق ضرراً بليغاً به ـ كما في قطع العين
    واليد والرجل وما شاكلها ـ لم يجز ، وإلا جاز ـ كما في قطع
    قطعة جلد أو لحم أو جز من النخاع ونحوه ـ .


    وهل يجوز أخذ المال إزاء ذلك ؟
     الظاهر جوازه .
    6 ـ يجوز قطع عضو من بدن ميّت كافر غير محقون الدم ،
    أو مشكوك الحال لترقيع بدن المسلم ، وتترتب عليه بعده أحكام
    بدنه ، لأنه صار جزءاً له ، كما أنه لا بأس بالترقيع بعضو من
    أعضاء بدن نجس العين من الحيوان ـ كالكلب ونحوه ـ وتترتب
    عليه أحكام بدنه ، وتجوز الصلاة فيه باعتبار طهارته بصيرورته
    جزءاً من بدن الحيّ بحلول الحياة فيه (1) .
    7 ـ هل التبرع بالعضو الحي للحي كما في الكلية ، ومن
    الميت للحي بالوصية ، سواء من المسلم للكافر ، أم العكس
    جائز ؟ وهل تختلف الأعضاء في هذا المسألة عن بعضها البعض ؟
     أما تبرع الحي ببعض أجزاء جسمه لإلحاقه ببدن غيره فلا
    بأس به ، إذا لم يكن يلحق به ضرراً بليغاً ، كما في التبرع بالكلية
    لمن لديه كلية أخرى سليمة . وأما قطع عضو من الميت بوصية منه
    لإلحاقه ببدن الحي فلا بأس به إذا لم يكن الميت مسلماً أو من
    بحكمه أو كان مما يتوقف عليه إنقاذ حياة مسلم ، وأما في غير
    هاتين الصورتين ، ففي نفوذ الوصية وجواز القطع إشكال . ولكن
    لا تثبت الديّة على المباشِرِ للقطع مع الوصية على كل تقدير (2) .
    __________________
    (1) السيد السيستاني / منهاج الصالحين 1 / 458 ـ 459 + المستحدثات من
    المسائل الشرعية 74 وما بعدها .
    (2) فقه المغتربين / 243 .


    ( 3 )
    التلقيح الصناعي والتخصيب
    تطورت وسائل الإخصاب والإنجاب في معطيات الطب
    الحديث وهي تواجه عنت العقم ، وعدم استقرار الرحم ، والإنزال
    المبكر ، وعدم تلاقح الحويمن ببيضة المرأة ، وردود الفعل
    المعاكس ، وسوى هذا ، مما حدا بكبار الأطباء في العالم إلى
    إيجاد البديل المناسب ، فكان البديل هو التلقيح الصناعي من
    وجه . والعمل على إنجاح مشروع أطفال الأنابيب من وجه آخر .
    وسواء أحقق الطب مشروعه ، أم لم يكتب له النجاح فيه ،
    إلا أن متغيرات الزمن ، وقطع المسافات الهائلة في شتى الأبعاد
    بحكمة ورويَّة ، قد تضافرا لإسماع الصوت الحديث في التلقيح
    وطلب الأبناء مما جعل الفقه الإسلامي أمام توجهاته الإفتائية
    وجهاً لوجه ، وقد نهد سماحة السيد دام ظله الوريف لهذا
    العبء ، ملخصاً أبرز معالمه وفق منظور الشريعة الغراء في
    البرنامج الآتي :
    1 ـ « لا يجوز تلقيح المرأة بماء غير الزوج ، سواءً أكانت



    ذات زوج أم لا ، رضي الزوج والزوجة بذلك أم لا ، أكان التلقيح
    بواسطة الزوج أم غيره .
    2 ـ لو تمّ تلقيح المرأة بماء غير الزوج فحملت منه ثم
    ولدت ، فإن حدث ذلك اشتباهاً ـ كما لو أريد تلقيحها بماء
    زوجها فاشتبه بغيره ـ فلا إشكال في لحوقه بصاحب الماء ، فإنه
    نظير الوطء بشبهة .
    وأما إن حدث ذلك مع العلم والعمد ، فلا يبعد لحوقه به
    أيضاً ، وثبوت جميع أحكام النسب بينهما حتى الإرث ، لأن
    المستثنى من الإرث هو الولد عن زناً ، وهذا ليس كذلك وإن كان
    العمل الموجب لانعقاد نطفته محرّماً .
    وهكذا الحال في لحوقه بأمّهِ فإنه يلحق بها حتى في الصورة
    الثانية على الأقرب ، ولا فرق بينه وبين سائر أولادها أصلاً .
    ومن قبيل هذه الصورة ما لو ألقت المرأة نطفة زوجها في
    فرج امرأة أخرى بالمساحقة أو نحوها ، فحملت المرأة ثم ولدت ،
    فإنه يلحق بصاحب النطفة وبالتي حملته ، وإن كان العلم المذكور
    محرماً .
    3 ـ لو أخذت بويضة المرأة وماء الرجل ، فلُقّحت به
    ووضعت في رحم صناعية ، وتمّت تربيتها لغرض التوليد حتى
    أصبحت ولداً . فالظاهر أنه ملحق بصاحب الماء وصاحبة
    البويضة ، ويثبت بينه وبينهما جميع أحكام النسب حتى الإرث .
    نعم : لا يرث الولد ممن مات منهما قبل التلقيح .

    4 ـ لو نقلت بويضة المرأة الملقحة بماء الرجل إلى رحم
    امرأة أخرى ، فنشأ وتولد ، فهل هو ملحق بالأولى أو الثانية ؟ ففيه
    وجهان ، لا يخلو أولهما عن وجه ، وإن كان الاحتياط لا يترك .
    5 ـ يجوز تلقيح الزوجة بنطفة زوجها . نعم ، لا يجوز أن
    يكون المباشر غير الزوج إذا كان ذلك موجباً للنظر إلى ما لا
    يجوز النظر إليه ، أو مسّ ما لا يجوز مسّه ، وحكم الولد منه حكم
    سائر أولادها بلا فرق أصلاً » (1) .
    6 ـ رجل لقح بويضة امرأة خارج رحمها بمنيّه ثم وضعت
    البويضة المخصّبة داخل رحم زوجته فولدت ولداً فهل عملية
    التلقيح هذه محرمة ؟
    الجواب : لا بأس بها في حد ذاتها مع الغض عن
    المقارنات .
    7 ـ إذا كان ترك تلقيح المرأة بماء زوجها يعرض حياتها
    الزوجية للانفكاك مما يوقعها في الحرج فهل يجوز لها الكشف
    أمام الطبيب ليقوم بالعملية ؟
    الجواب : إذا كان الحرج بحيث لم تجر العادة بتحمله فهو
    رافع للتكليف ويجوز معه ذلك ، وإذا جاز لها ذلك جاز للطبيب
    أو الطبيبة النظر بقدر الضرورة .
    8 ـ هل يجوز أن تلقح بويضة الزوجة بخليّة حية مأخوذة من
    خصية الزوج ثم تعاد البويضة الملقحة إلى الرحم ؟
    الجواب : لا بأس بالعملية المذكورة ولكن في عدّ صاحب
    __________________
    (1) ظ السيد السيستاني / منهاج الصالحين / 459 ـ 460 .


    الخلية أباً للمولود شوب إشكال ، وإن كان هو الأرجح .
    وفيما يتعلق بتخصيب بيضة المرأة بحُوَيْمِن الرجل في أنابيب
    الاختبار فهناك صورتان :
    الأولى : أن تنقل بويضة المرأة ، ونطفة الرجل ، ويتم
    تلاقحهما خارج الجسم الإنساني ، وبعد التخصيب ينقلان داخل
    الجسم مرة أخرى .
    وقد وجه إلى سماحة السيد دام ظله الشريف السؤال الآتي :
    9 ـ هل تجوز زراعة الأنابيب ، أي أن تنقل بويضة الزوجة
    ونطفة الرجل ، وتلقح البويضة خارج الجسم ، ثم تنقل إلى داخل
    الجسم بعد ذلك ؟
    وقد أفتى سماحته بقوله : يجوز ذلك في حد ذاته (1) .
    الصورة الثانية : إن عملية التلقيح هذه خارج الرحم ، قد
    ينجم عنها تعدد الأجنَّة ، فلو أعيدت إلى رحم المرأة ثانية ،
    وتحقق التعدد ، فهذا يعني أن حياتها مهددة بالخطر ، وفي مثل
    هذه الحال لا بدَّ من اختيار واحدة منها وطرح البقية حفاظاً على
    حياة الأم ، إذ لا يجب زرع الأجنة في رحم المرأة ، وإنما هو أمر
    جائز .
    وقد توجه إلى سماحة السيد دام ظله الوريف السؤال
    الآتي :
    __________________
    (1) الفتوى في فقه المغتربين 244 / وهي مخطوطة في حوزة المؤلف بختم
    سماحته .

    10 ـ في عملية التلقيح داخل الأنابيب قد تتكون عدة أجنّة
    في آنٍ واحد ، مما يصبح زرعها كلها في رحم الأم مسألة خطرة
    على حياة الأم ، أو مُمِيتَة .
    فهل يحق لنا انتقاء جنين واحد وإتلاف الأجنة الباقية ؟ وقد
    أجاب سماحته دام عزه العتيد بقوله :
    البويضة المُخصَّبة بالحويمن في أنبوبة الاختبار لا يجب
    زرعها في الرحم ، ففي مفروض السؤال يجوز انتقاء واحدة منها
    وإتلاف البقية (1) .
    ولسماحة السيد زاد الله في شرفه آراء أخرى لم نعرض لها
    في الموضوع ، لأن البحث قائم على أساس النموذج والتمثيل ، لا
    على نحو الاستقصاء والاستيعاب .








    __________________
    (1) الإجابة في فقه المغتربين 245 / وهي مخطوطة في حوزة المؤلف بختم
    سماحته .



    ( 4 )
    أطفال الأنابيب وعملية الاستنساخ
    ما اكتفى علماء الطب الحديث بالتلقيح الصناعي ، وبعملية
    تخصيب بويضة المرأة بحويمن الرجل في أنابيب الاختبار ، حتى
    توصلوا إلى ابتكارين جديدين مذهلين حقاً .
    الأول : طفل الأنابيب بفرز بويضة المرأة خارج الرحم ،
    وفرز حويمن الرجل ، وتخصيبهما بأنبوب خاص بهما ، ومن ثم
    تجري عمليات التوجيه والسيطرة والمراقبة في أنبوب أكبر حتى
    تتكامل الخلقة .
    ولقد تمكن صديقنا الخبير الاستراتيجي بأطفال الأنابيب
    الأستاذ الدكتور منذر البرزنجي ، وهو أستاذ في كلية الطب بجامعة
    الكوفة من استيعاب خطوات هذا الإنجاز فتوصل بنجاح باهر إلى
    ولادة أول طفل للأنابيب عام 1988 م ، وبقي هذا الطفل لمدة
    تقارب السنتين ثم توفى ، هذا ما حدثني به البرزنجي شخصياً ،
    ولقد نشرت الصحف والدوريات الطبية أنباء هذا الحدث على يد
    طبيب عراقي ، وفي جامعة الكوفة ، وهذا مما يضاف إلى أمجاد


    الكوفة عاصمة أمير المؤمنين علي عليه‌السلام .
    وعملية أطفال الأنابيب خطوة طبية عملاقة ، فإن سلمت من
    المقدمات المحرمة فالذي أعرفه من رأي سماحة السيد مشافهة :
    أنه جائز في حد ذاته ؛ وفيه تفصيل خاص به بالنسبة للإرث
    والنسب ليس هذا موضع عرضه .
    الثاني : عملية الاستنساخ والتي أسميها « الاستنسال » فهي
    جائزة شرعاً ، ولا مانع على الإطلاق من إجرائها عند سماحة
    السيد مدّ ظله ، ولدى مذاكرتنا مع سماحته في الموضوع في
    رمضان عام 1418 هـ أبدى سماحته بعض التحفظات المهمة على
    نتائج الاستنسال مستقبلياً مما هو مجهول الحال عند علماء
    الأطباء ، فربما تصاب البشرية بكوارث إنسانية غير متوقعة نتيجة
    لوجود هذا الإنسان ـ إن ذلك على المستوى التطبيقي ـ لأن
    المشروع برمته ما زال قيد البحث الجاد بالنسبة للإنسان ، وإن
    حقق نجاحاً باهراً بالنسبة للحيوان ، فقد استنسلت النعجة « دولي »
    على يد أحد العلماء الاستراليّين مما يعني إمكانية إجراء هذا
    الاستنسال على الإنسان ، والذي يتخوفه سماحة السيد أن هذا
    الإنسان قد يكون خارق القدرات بحيث يحدث شرخاً في حياة
    الإنسانية . وقد يكون ـ مستقبلياً إذا تكاثر ـ متخلف الإدراك فتُمنى
    الجماعة البشرية بعاهات جديدة والمجتمع في غنى عن ذاك . وقد
    لا يكون هذا أو ذاك ، ولكن العُقد النفسية قد تصاحب وليد
    الاستنساخ بشكل لا معقول مما يؤثر على مسيرته في الحياة
    تصرفاً وميولا ونزعات ، وإذا حدث مثل هذا فإننا نكون قد عمدنا
    إلى خلق جيل جديد يميل بطبيعة تكوينه إلى التدهور والانحلال .


    هذا ملخص ما تحدث به سماحة السيد دام ظله الشريف في
    التأريخ المذكور . أما الأحكام النسبية وقضايا الإرث واستلحاق
    الجينات فلسماحته فيها آراء قيّمة دقيقة جامعة مانعة ، فلا يدخل
    فيها ما هو خارج عنها ، ولا يخرج منها ما هو داخل فيها ، وقد
    تحدثتُ عنها مفصلاً في الندوة المتخصصة التي أقامها آل محي
    الدين بديوانهم العامر في النجف الأشرف بتأريخ 25 رمضان
    المبارك 1418 هـ تحت شعار « الاستنساخ بين الطب والشريعة
    الإسلامية » وقد تولى الخبير الاستراتيجي في شؤون الاستنساخ
    الأستاذ الدكتور منذر البرزنجي الذي تم على يديه ميلاد أول طفل
    أنابيب في العراق ، الحديث عن الاستنساخ طبياً ومختبرياً ، وتولى
    كاتب هذه السطور الحديث عن رأي الفقهاء في الموضوع ، وهناك
    طرح دقائق ما توصل إليه سماحة السيد السيستاني ، وسماحة
    السيد محمد سعيد الحكيم من آراء فقهية أصيلة تواكب مسيرة
    الحضارة في تطلعاتها المستقبلية ، وليس هذا موضع بحثها .
    وللتأريخ فقد ناقشت الدكتور منذر البرزنجي في التسمية
    وكونها استنسالاً لا استنساخاً ، فاقتنع بأن تسمى العملية بجملتها
    « عملية الاستنسال » وقام بتعديل عنوان بحثه في هذا الضوء .


    ( 5 )
    تحديد النسل وموانع الحمل
    في إطار التصعيد الحضاري تنعقد الحياة الاقتصادية
    فتتأرجح بين الإسراف والاعتدال ، وفي ظلال الصخب
    التكنولوجي تتعالى صيحة الداعين إلى الاستكانة والهدوء ، ومع
    اضطراب الحياة العامة تتعسر مبادىء التربية الفضلى ، وفي انعدام
    الراحة البدنية جرّاء العمل المضني تفقد الأسر نصيبها من التوجية
    والعناية الروحية والعقلية ، وهذا المناخ الحاشد بهذه المفردات
    الضخمة يدعو إلى تحجيم العائلة عدداً ، وتحديد النسل إقلالاً ،
    فيعمد المسؤول عن ذلك إلى استعمال موانع الحمل حيناً ،
    ووسائل الإجهاض حيناً آخر ، ولمّا كان الأخير محرّماً شرعاً
    وقانوناً ، كان الأول هو المتعين حصراً دون إثارة أو ضجة ،
    فبرزت عقاقير منع الحمل ، وشاع استعمال اللولب المانع من
    الحمل ، وأشيع تأجيل الدورة الشهرية عن وقتها المحدد .
    الداعي وراء هذا التطور في أساليب تحديد النسل ، إما أن
    يكون اقتصاديا ، لأن الزوج قد لا يستطيع الوفاء بالتزاماته المالية
    في ظل عائلة متعددة الأفراد أو كثيرة العدد . وإما أن يكون



    تربوياً ، لأن الزوج وزوجته عاجزان عن إدارة وتربية جمهرة من
    الأولاد ، قد تستدعي تربيتهم جهداً إضافياً مضنياً لا يتوافران عليه
    إضافة إلى واجبات الحياة الأخرى . وإما أن يكون عاطفيا بأزاء
    حصر المشاعر الجياشة موزعة بين اثنين من الذريّة لا تتعداهما
    إلى فوضى الكثرة المتعددة من الأبناء والبنات ، فلا تعطي النتائج
    المتوخاة ، بل هي تصد رغبة الإشباع في العاطفة والحب مقتصرة
    على الواحد أو الاثنين غير متجاوزة هذا العدد إلى الإسفاف .
    كل هذه الاحتمالات واردة إزاء تحديد النسل ، وقد يضاف
    إليها العامل الصحي الذي يفرض إرادته قهراً ، ومن أجل هذا كله
    كان للشرع الشريف رأيه في هذه المفردات ، وقد يسرها سماحة
    السيد مد ظله العالي في ضوء الفتاوى الآتية :
    1 ـ يجوز للمرأة استعمال ما يمنع الحمل من العقاقير
    المعدّة لذلك بشرط أن لا يلحق بها ضرراً بليغاً ، ولا فرق في
    ذلك بين رضا الزوج به وعدمه .
    2 ـ يجوز للمرأة استعمال اللولب المانع من الحمل ونحوه
    من الموانع بالشرط المتقدّم ، ولكن لا يجوز أن يكون المباشر
    لوضعه غير الزوج إذا كان ذلك يتوقف على النظر إلى ما لا يجوز
    النظر إليه ، أو مسّ ما لا يجوز مسّهُ من بدنها ، إلّا مع الحرج
    الشديد كما مر .
    هذا إذا لم يعلم أن استعمال اللولب يستتبع تلف النطفة بعد
    انعقادها ، وإلّا فالأحوط لزوما الاجتناب عنه مطلقاً .
    3 ـ هل يكفي في صدق عنوان الضرورة المجوزة للكشف
    أمام الطبيب الانزعاج الشديد والتذمّر النفسي الذي يسببه لها كثرة


    الحمل فيجوز لها الكشف أما الطبيب أو الطبيبة لوضع اللولب ؟
    الجواب : لا يكفي ذلك إلا إذا كان الانجاب يسبب لها من
    القلق النفسي الشديد ما يوجب وقوعها في الحرج الرافع للتكليف
    فيجوز لها الكشف إن لم تكن هناك طريقة أخرى تفي بالغرض
    ولا تتوقف على الكشف أمام الطبيب .
    4 ـ هل يجوز للمرأة أن تجري عملية جراحية لقطع النسل
    بحيث لا تنجب أبداً ؟
     فيه إشكال ، وإن كان لا يبعد جوازه فيما إذا لم يستلزم
    ضرراً بليغاً بها ، ومنه قطع بعض الأعضاء كالمبيض .
    نعم ، لا يجوز أن يكون المباشر للعملية غير الزوج إذا كان
    ذلك موجباً للنظر إلى ما لا يجوز النظر إليه ، أو مسّ ما لا يجوز
    مسّهُ من بدنها إلا مع الحرج الشديد كما مرّ .
    ونظير هذا الكلام يجري في الرجل أيضاً .
    5 ـ لا يجوز إسقاط الحمل بعد انعقاد نطفته ، إلا فيما إذا
    خافت الأُمّ الضرر على نفسها من استمرار وجوده أو سبّب لها
    حرجاً لم تجر العادة بتحمله للمرأة الحامل ، فإنه يجوز لها إسقاطه
    ما لم تلجه الروح ، وأما بعد ولوج الروح فيه فلا يجوز الإسقاط
    مطلقاً .
    وإذا أسقطت الأُمّ حملها وجبت عليها ديته لأبيه أو غيره من
    ورثته ، وإن أسقطه الأب فعليه ديته لأُمه ، ومقدار الدية مذكور في
    كتاب الديات .
    6 ـ يجوز للمرأة استعمال العقاقير التي تؤجل الدورة



    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

     فقه الحضارة  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: فقه الحضارة     فقه الحضارة  Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:17 pm

    الشهرية عن وقتها لغرض إتمام بعض الواجبات ـ كالصيام
    ومناسك الحج أو لغير ذلك كما يجوز لها استعجالها لاتمام العدّة
    ـ بشرط أن لا يلحق بها ضرراً بليغاً ، وإذا استعملت العقار فرأت
    دماً متقطعاً لم يكن لها أحكام الحيض وإن رأته في أيام
    العادة (1) .














    __________________
    (1) السيد السيستاني / منهاج الصالحين 1 / 460 وما بعدها + المستحدثات من
    المسائل الشرعية 78 وما بعدها .


    ( 6 )
    مرض الإيدز أو فقدان المناعة المكتسبة
    إحدى كوارث الانحدار الأخلاقي في خضم العلاقات
    الجنسيّة المشبوهة ، يبرز مرض الإيدز بشبحه المخيف ليلتهم
    ملايين النفوس بالموت المحتم ، وكان لانحطاط الجنسي في
    الولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا الشمالية وما وراء جزر
    البهاما ومجموعة الدول الأوروبية ولاختلاط المياه في أغلب
    الدول الإفريقية والبدائية وحتى بعض البلاد العربية ، أضف لها
    جنوب إفريقيا بالذات وأماكن أخرى في العالم لا يحصيها هذا
    البيان الموجز لأننا لسنا بصدد استيعابها .
    أقول كان لهذا وذاك الأمر الفاعل في انتشار هذا الوباء
    الفتاك ذي العدوى الخطيرة التي يسببها الإفراط الجنسي خاصةً
    للجنس الواحد . وإنه ليمعن بالانتقال الجرثومي عن طريق الدم بل
    وحتى عن طريق الأمومة والطفولة ، فالأجنة تتأثر عادةً بإصابة الأم
    بهذا المرض . وحينئذ ينتقل المرض إلى الأولاد عند الحمل أو
    أثناء الولادة . ( وتشير الإحصائيات الأخيرة إلى وفاة مليون ونصف
    المليون شخص بالإيدز خلال عام 1996 وحدها ليصبح عدد



    الذين توفوا به حتى الآن 6 ملايين نسمة كما أعلن ذلك منظمة
    الصحة العالمية بمناسبة يوم الإيدز العالمي المصادف 1 / 12 /
    1996 ) (1) .
    ولقد دأب الفقه الإسلامي على معالجة هذه الظاهرة بالتي
    هي أحسن ، فبدى رحيماً شفيقاً بالمصاب أولاً حادباً عليه يمتعه
    بشيء من الحرية في الحركة والانتقال فلا يُحرَّم عليه الزواج بل
    يجوزه شريطة أن لا يخدع زوج زوجته بإخفاء المرض ، ولا يجوِّز
    الفقه الإسلامي منع المصاب عن حضور الأماكن العامة
    كالمساجد والأماكن الخاصة كالدور والقصور ، هذا في حالة أن
    لا خطر من انتقال العدوى وعموم البلوى . نعم يجب أن يُراقب
    في خصوص الطرق الناقلة قطعاً أو احتمالاً (2) .
    ولقد وضع صاحب « فقه المغتربين » بين يدي سماحة السيد
    مدّ ظله العالي الاستفتاءات الآتية في الموضوع حسماً لكل نزاع
    مرتقب أو مصور ، على شكل سؤال وجواب فيهما الكفاية من
    وجهة النظر العلمية ، وفيهما حصر الموضوع بعيداً عن الاثره .
    1 ـ ما هو حكم عزل المصاب بالإيدز ؟ فهل يجب عليه أن
    يعزل نفسه ؟ وهل يجب على أهله عزله ؟
     لا يجب عليه أن يعزل نفسه كما لا يجب عزله على
    الآخرين ، بل لا يجوز منعه من حضور الأماكن العامة كالمساجد
    __________________
    (1) فقه المغتربين / 246 .
    (2) ظ السيد السيستاني / فقه المغتربين / 247 .

    ونحوها ما دام أنه لا خطر في ذلك من انتقال العدوى إلى غيره ،
    نعم يجب أن يُراقِب ويُرَاقَب في خصوص الطرق الناقلة للعدوى
    قطعاً أو احتمالاً .
    2 ـ ما هو حكم تعمد نقل العدوى ؟
     لا يجوز ذلك ، فإن أدى إلى موت المنتقل إليه ولو بعد
    مدة من الزمن ، جاز لوليِّه القصاص من الناقل إذا كان ملتفتاً في
    حينه إلى كونه موجباً للهلاك عادة ، وأما لو كان جاهلاً بذلك ،
    فليست عليه سوى الدية والكفارة .
    3 ـ هل يجوز للمصاب بالإيدز أن يتزوج من السليم ؟
     نعم ، ولكن لا يجوز له أن يخدعه بأن يصف نفسه
    بالسلامة عند الخطبة والمقاولة مع علمه بمرض نفسه ، كما لا
    يجوز له مقاربته المؤدية إلى انتقال العدوى إليه ، وأما مع احتمال
    الانتقال وعدم التأكّد منه ، فلا يجب الاجتناب عن المقاربة مع
    موافقته عليها .
    4 ـ ما حكم زواج حاملي فيروس الإيدز من بعضهم ؟
     لا مانع منه ، نعم إذا كانت المعاشرة الجنسية بينهما
    تؤدي إلى ازدياد المرض زيادة خطيرة لزم التجنب عنها .
    5 ـ ما حكم المعاشرة الجنسية بالنسبة للمصاب بمرض
    الإيدز ؟ وهل يحق لغير المصاب بالإيدز أن يمتنع عن المعاشرة
    لأنها من الطرق الرئيسة للعدوى ؟
     يحق للزوجة السليمة أن لا تمكن زوجها المصاب من



    المقاربة المؤدية ـ ولو احتمالاً ـ إلى انتقال العدوى إليها بل يجب
    عليها منعه من ذلك ، ولو أمكن تقليل احتمال الإصابة إلى درجة
    لا يعتد بها ـ كـ 2% ـ باستعمال العازل الذكري أو غيره ، جاز لها
    التمكين بل لا يجوز المنع عندئذ على الأحوط . وبذلك يظهر
    حكم الزوج السليم مع زوجته المصابة فإنه لا يجوز له مقاربتها
    مع احتمال انتقال العدوى إليه احتمالاً معتداً به عند العقلاء ،
    ويسقط حقها في المقاربة عند كل أربعة أشهر إلا مع التمكن من
    اتخاذ الوسيلة الكفيلة بعدم نقل العدوى .
    6 ـ ما حكم حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة ؟
     إذا حصل التدليس عند العقد بأن تمّ توصيف الزوج أو
    الزوجة بالسلامة عند الخطبة والمقاولة ، ثم أجري العقد مبنياً
    عليه ، ثبت الخيار للمدلس عليه ، ولا يتحقق التدليس الموجب
    للخيار بمجرد سكوت الزوجة ووليها مثلاً عن المرض مع اعتقاد
    الزوج عدمه .
    وأما مع عدم التدليس أو تجدد المرض بعد العقد ،
    فللزوج السليم أن يطلِّق زوجته المصابة .
    وأما الزوجة السليمة فهل يحق لها طلب الطلاق من زوجها
    المصاب لمجرد حرمانها من المقاربة ـ مثلاً ـ أم لا ؟ فيه وجهان ،
    فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك ، نعم إذا هجرها
    زوجها بالمرة فصارت كالمعلقة ، جاز لها رفع أمرها إلى الحاكم
    الشرعي لإلزام الزوج بأحد الأمرين اما العدول عن الهجر أو
    الطلاق .

    7 ـ ما حكم الطلاق من المرأة إذا كان الزوج مصاباً
    بمرض الإيدز ؟
     تقدم بيانه آنفاً .
    8 ـ ما حكم إجهاض الحامل المصابة بمرض الإيدز ؟
     لا يجوز ذلك ، ولا سيما بعد ولوج الروح فيه ، نعم إذا
    كان استمرار الحمل ضرراً على الأم ، جاز لها إجهاضه قبل ولوج
    الروح فيه ، لا بعده .
    9 ـ ما حكم حضانة الأم المصابة لوليدها السليم ، وإرضاعه
    ( اللباء وغيره ) ؟
     لا يسقط حقها في حضانة وليدها ، ولكن لا بدَّ من اتخاذ
    الإجراءات الكفيلة بعدم انتقال العدوى إليه ، فلو احتمل ـ ولو
    احتمالاً معتدّاً به ـ انتقالها بالإرضاع من ثديها ، لزم التجنب عنه .
    10 ـ ما حكم اعتبار مرض الإيدز مرض موت ؟
     لما كان هذا المرض من الأمراض التي تستمر بصاحبها
    مدة طويلة فما يعدّ من مرض الموت هو مراحله الأخيرة القريبة
    من الوفاة كمرحلة التهيج والقضاء على قوة المناعة أو ظهور
    أعراض عصبية قاتلة .
    11 ـ هل يجوز للطبيب ، أو يجب عليه أن يعلن عن
    الإصابة بمرض الإيدز لمن يهمهم أمر المريض كالزوجات أو
    الأزواج مثلاً ؟
     يجوز الإعلام إن سمح به المريض أو وليه ، ويجب إذا



    توقف عليه إنقاذ حياته ولو لفترة أطول كما يجب إذا علم أن تركه
    يستتبع انتقال العدوى إليهم من جهة تركهم الاحتياطات الضرورية
    والله العالم .
    12 ـ لو علم مسلم أنه مصاب بمرض ( الإيدز ) المعدي ،
    فهل يجوز له ممارسة العمل الجنسي مع زوجته ؟ وهل يجب عليه
    إعلامها بذلك ؟
     إذا علم بانتقال المرض إليها بالمقاربة لم تجز له مطلقاً ،
    وكذلك إن احتمل ذلك احتمالاً معتداً به (1) .












    __________________
    (1) ظ : ـ فقه المغتربين 247 ـ 251 .


    ( 7 )
    أخطار التدخين ونوادر علمائنا الأعلام
    أ ـ أخطار التدخين
    التدخين من الظواهر الشائعة في العالم بنسبة 60% من
    مجموع الكائن البشري على وجه الكرة الأرضية ، وهي نسبة عالية
    جداً إذا استثنينا الأطفال وأكثر النساء من استقبال الدخان ، وهناك
    آلاف المعامل المتطورة تقنياً وإنتاجياً تعمل ليل نهار لإخراج آلاف
    الأنواع من السجائر المصنعة من أجود أصناف التبوغ المعطّرة
    والمصفاة الهادئة والحارة والمعتدلة ، وهناك الإعلانات الدعائية
    في الإعلام للإشارة إلى تلك السيجارة أو هذه ، وهو أمر تدأب
    على الترويج له كبريات شركات الدخان في العالم .
    أما استهلاك كل أنواع السجائر في سكان المعمورة ، فقد
    يتجاوز حد المعقول والقصور في مليارات العملات المالية
    والنقدية مما يكفي عادة لإدارة أكبر دولة عظمى . . والناس
    يتهافتون على التدخين بشكل مسرف عند بعضهم ، وعلى مستوى
    معتدل عند الآخرين ، ومما يؤسف له حقاً اليوم تهافت الشباب



    والناس لا سيما في أوروبا على الإفراط بالتدخين مما يعني
    استقبال آفات جديدة قد تؤثر على الأجنّة فيما بعد ، ويقسم
    التدخين عادة إلى مباشر وغير مباشر ، فالمباشر هو تدخين المرء
    نفسه ، وغير المباشر هو الجالس الذي يشم دخان المدخنين ، لهذا
    تجد في أوروبا أن القطارات والسيارات والأماكن العامة
    وصالات الاجتماعات الكبرى تنقسم إلى قسمين يكتب على
    أحدها Smoken ويكتب على القسم الآخر من القاطرة أو السيارة
    أو الصالة No Smoken ، وتعني الأولى السماح بالتدخين ، كما
    تعني الثانية منع التدخين ، وهناك تجد الأماكن المخصصة
    للمدخنين وغير المدخنين درءاً لأضرار التدخين غير المباشر .
    ولقد تنبهت منظمة الصحة العالمية للأخطار والأضرار المحدقة من
    التدخين ، ففرضت أن يكتب على علب السجائر بعض العبارات
    المحذّرة من التدخين كقولهم : التدخين يسبب مرض القلب ،
    وتصلب الشرايين ، وسرطان الرئة ، وقرحة المعدة ، ويورث ضغط
    الدم ، ويؤثر على النسل ، ولكن المدخّن يرى ذلك ولا يقرؤه ، أو
    يقرؤه ، ولا يعبأ به .
    ومهما يكن من أمر فقد عالج سيدنا الأجل دام ظله هذه
    الظاهرة من جوانبها المتعددة ، فعنده أن الإنسان إنما يحرم عليه
    التدخين ، إذا كان يلحق به ضرراً بليغاً آنياً أو مستقبلياً ، سواء
    أكان الضرر البليغ معلوماً ، أو مظنوناً ، أم محتملاً بدرجة يصدق
    معه الخوف عند العقلاء ، وأما مع الأمن من الضرر البليغ ولو من
    جهة عدم الإكثار منه ، فلا بأس ، هذا بالنسبة للمبتدي في
    التدخين ، وأما المعتاد عليه ، فإذا كان استمراره في التدخين يلحق


    عليه ضرراً بليغاً على نحو ما مرّ ، لزمه الإقلاع عنه ، إلّا إذا كان
    يتضرر بتركه ضرراً مماثلاً لضرر الاستمرار عليه ، أو أشد من ذلك
    الضرر ، أو كان يجد حرجاً كبيراً في الإقلاع عنه بحد لا يُتَحمَّل
    عادة .
    هذا في التدخين المباشر ، وأما التدخين غير المباشر ، فعند
    السيد دام ظله أنه يجري عليه نظير التفصيل المتقدم لدى المدخن
    المبتدىء (1) .
    هكذا عالج سيدنا دام علاه هذه الظاهرة من جوانبها كافة ،
    وأعطى رأي الشرع الحنيف فيها .
    ب ـ نوادر علمائنا الأعلام والتدخين
    المراجع العظام في النجف الأشرف لهم نوادر هادفة تدور
    حول التدخين تمثل الاتجاه المعاكس حيناً ، والاتجاه المطّرد حيناً
    آخر ، فهي حلقة مفرغة بين الإيجابية المطلقة ، وبين السلبية
    المحددة ، إلا أنها تمثل روح المعاصرة في النية الصادقة والطرفة
    البريئة ، وقد أدركت هذا المناخ ميدانياً خلال نصف قرن من
    الزمان . وأنا أرويه لك بأمانة ودقة متناهيتين ، فقد أحطتُ به خبراً
    عن قرب ، ليعبر لك عن مدى الاستجابة والرفض في ظروف
    متماثلة أو متباينة ، وهذه الطبقة المثلى هي التي نتلقّى منها
    أحكامنا الشرعية ، وهي بعد أطهر من ماء السماء .
    1 ـ الإمام السيد محسن الحكيم قدس سره الشريف أصيب
    __________________
    (1) فتوى خطية مصورة في حوزة المؤلف عليها ختمه الشريف .


    بعارض للقلب عام 1953 م ، فترجح سكناه في داره بكربلاء قرب
    التل الزينبي تخفيفاً عن أعباء المرجعية ، فسكن هناك فترة يعتدّ
    بها ، وزرته بخدمة سيدي الوالد الشيخ علي الصغير رحمه الله ( ت
    1395 هـ ـ 1975 ) واستدعي له الدكتور محمود الجليلي
    اختصاصي أمراض القلب فنهاه عن التدخين والكلام ، فأخرج
    السيد علبة الدخان ، وطرحها جانباً على الفور ، فكان هذا آخر
    عهده بالتدخين حتى وفاته في ربيع الثاني 1390 هـ =
    1 / 6 / 1970 م ، والطريف أن استفسر الطبيب عن بعض حالاته
    منه ، فما أجابه ، لأنه منعه عن الكلام ، فقال الدكتور الجليلي :
    أطال الله عمر السيد ، هو ممنوع عن الكلام مع الناس ، وليتحدث
    مع الأطباء لنشخص الحالة .
    وقد توفي السيد الحكيم في مستشفى ابن سينا ببغداد ، ونقل
    جثمانه إلى النجف ومعه عشرات الآلاف من السيارات ، ودفن
    بمقبرته التي أعدّها لنفسه وأبنائه بجوار مسجد الهندي في الطابق
    الأرضي من مكتبته العامة ، وقد أرخت عام وفاته لترقم على
    ضريحه بالقاشاني ، ولكنها عند المباشرة في العمل فقدت من قبل
    أحد أبنائه ، وأنا خارج العراق ، فاستبدلت بغيرها ، والأبيات مع
    التاريخ هي :
    قضى « الحكيمُ » « مُحسناً » فاستقبلتْ


    مِنـهُ الجنــان العَلَــمَ المُـجَدِّدا (1)

    __________________
    (1) كان الإمام الحكيم من مجددي الإسلام في القرن الرابع عشر الهجري .

    قد تَوّجَ الأَجيالَ فــي « مستمسك »


    بـ « العروة الوثقىٰ » غَدَا مُقيَّــدا (1)


    واستَعْبَر الإسلامُ أرخْ « مُعْـــوِلَّا


    تَهَدَّمَتْ واللهِ أركــانُ الهُــدىٰ » (2)

    1390 هـ
    2 ـ الإمام السيد أبو القاسم الخوئي قدس سره كان مدخناً
    مكثراً ، فمنعه الأطباء عدة مرات عن التدخين خلال ربع قرن ،
    فكان لا يمتنع لأنه يرى في نفسه حرجاً كبيراً من ذلك ، ويلمس
    عسراً شديداً لا يطاق ، حتى إذا أصيب بنكسة قلبية في أوائل
    1993 م أدخل أثرها مستشفى ابن النفيس ببغداد ، وكان عمره
    الشريف قد بلغ ستة وتسعين عاماً ، فأجريت له عملية وضع جهاز
    تحت القلب يساعد القلب على مقاومة العجز الذي أصيب به ،
    فترجح عند فريق الأطباء المعالج منعه من التدخين ، وما مضت
    إلا ساعات قلائل على هذا المنع ، حتى قال لولده العلامة السيد
    محمد تقي الخوئي رحمه الله ، قل للأطباء فليسمحوا لي بالتدخين
    فإنني أجد حرجاً بالغاً في تركه ، واستجاب له الأطباء فعاد إلى
    التدخين حتى وفاته في العام نفسه 1993 م = صفر 1413 هـ ،
    وقد أرختُ عام وفاته بأبيات رقمت بالقاشاني على واجهة ضريحه
    الشريف داخل مسجد الخضراء بجوار أمير المؤمنين ، وهي باقية
    __________________
    (1) مستمسك العروة الوثقى : موسوعته الفقهية الاستدلالية .
    (2) روي معتبراً أنه : حينما استشهد أمير المؤمنين في رمضان سنة أربعين من
    الهجرة نادى منادٍ بين السماء والأرض قائلاً : « تهدمت والله أركان الهدى ،
    وانفصمت العروة الوثقى . . » .


    حتى اليوم ومذيلة باسم ناظمها كاتب هذه السطور ، وهي :
    لمّا اصطفينا للهُدى مَضجَعا


    وأصبحَ « الخوئيُّ » فيهِ دَفينْ


    ومن « عليٍّ » قد دنا مَوقِعا


    وهكـذا عاقبـةُ المؤمنيــنْ


    نُوديَ : فاهتزّ لهـا مَسمَعـا


    « إنّا فتحنا لك فتحـاً مبينْ »


    وأنشدَ التأريــخُ لمّا دَعَـا


    أزلفتِ الجَنةُ لِلمُتَّقيــنْ »

    1413 هـ
    3 ـ آية الله العظمى الشيخ حسين الحلي قدس سره ، كان
    يدخن « النارجيلة » ويقوم بنفسه على مقدماتها دون الاستعانة بأحد ،
    حتى إذا تكامل صنعها نقلها من الايوان إلى الديوان ، وهو ديوان
    السيد علي بحر العلوم الذي قضى فيه أكثر حياته ، وأخذ بسحب
    أنفاسها متأملاً ، وهو يجد لذلك لذة عظيمة .
    وفي إحدى الليالي توجه له سماحة الحجة السيد عز الدين
    بحر العلوم بقوله : عمي إلى متى أنت تدخن ، فلو أقلعت عن
    النارجيلة ، فقال له مستنكراً : النارجيلة لذتي الوحيدة في الدنيا ،
    وأنت تنهاني عنها ، دع عنك هذا ، أي راحة أجد في الدنيا .
    4 ـ سيدنا المرجع الأعلى للمسلمين السيد علي الحسيني
    السيستاني مدّ ظله ، مدخّن مُقلّ ، ولكنه لا يدخن أمام أحد قط ،
    حتى لو اجتمعنا منفردين فأنا أدخّن وهو لا يدخّن ، وإنما يدخّن


    إذا خلا بنفسه وحده ، وقد لا يعلم أحد في الحوزة العلمية في
    النجف الأشرف التي هو زعيمها اليوم : أن السيد من المدخنين .
    5 ـ أستاذنا المعظّم آية الله السيد محمد علي الحكيم أصيب
    عام 1989 م بعارض في القلب ، فاقترح طبيب القلب الدكتور
    مجيد عبد الأمير حرسه الله أن يمتنع من التدخين باستثناء أربع أو
    خمس سجائر يومياً ، فالتزم بهذا العدد طيلة عشر سنوات حتى
    اليوم ، فما أزاد سيجارة واحدة قط .
    6 ـ آية الله التقي الورع السيد محمد رضا الموسوي
    الخرسان مد ظله ترك « النارجيلة » منذ سنين ، وأعقبها بترك
    التدخين ، وكنّا هذا العام في عمّان سوية للعلاج والاستشفاء ،
    فسافرنا إلى مدينة جرش ، وهي تبعد عن عمّان خمسين كيلو متراً ،
    وذلك صباح الأحد 15 / 8 / 1999 م مع رفقة أبرار لغرض النزهة
    والسياحة وشم النسيم كما يقولون . وتناولنا الغذاء في مطعم ريفي
    قائم بين السهول والجبال ، وبعد الغداء أخذ سماحة السيد بالنظر
    الناطق وهو يبتسم ، قلت له ماذا ؟ قال : أريد « نرجيلة » أجدد بها
    العهود السابقة ، فأحضرت له نرجيلة بكل مواصفاتها الراقية ،
    فتمتع بها برهة من الزمن رأينا فيها البشر والفرح يغمرانه بسعادة
    شاملة .
    7 ـ آية الله السيد حسين نجل التقي آل بحر العلوم دام
    ظله ، ينفرد بالقول بحرمة التدخين ابتداء ، وقد يشاركه غيره في
    هذا الرأي ، ولكنني لم أطلع عليه ، ومعنى هذا أن المدخّن المعتاد
    لا أثم عليه مع عدم احتمال الضرر البليغ أو القطع به ، ولكن
    الشاب غير المدخن ، يحرم عليه الإقدام على التدخين ابتداءً .


    ولقد تناوب عليَّ أكثر من عشرة أطباء ينهوني عن التدخين ،
    ولكنني أرى في ذلك عسراً شديداً وحرجاً قائلاً ، حتى أنني أجيب
    كل طبيب بقولي :
    كل شيء نفّذتُهُ لطبيب القلـ . . .


    ـبِ إلا قضيــة التدخيــن


    فهو السلوةُ الوحيدةُ في العمـ


    ـر . . فدعني وسلوتي وشؤوني

    وفي أيلول هذا العام 1999 غادرت مستشفى الأردن في
    عمّان ، واحتفل بي جماعة من الأصدقاء أو احتفلت بهم ، وفيهم
    الأطباء والأساتذة والأدباء ، بوليمة أقيمت في منتجع قصر الصنوبر
    القائم في طريق المطار للداخل إلى عمّان وكان حديث الأطباء
    بخاصة أن أترك التدخين لإصابتي بالربو وتضيّق القصبات ، فقلت
    لهم : أنا لا أترك التدخين من أجل صدري ، بل أريد صدراً أدخن
    فيه ، فعليكم أن تعالجوا الصدر كما تشاؤون ، وعليّ أن أدخن كما
    أشاء .


    ( 8 )
    وباء المخدّرات وأضرار الخمور
    من أبرز مظاهر الكوارث البشرية المحدقة بالعالم ، وباء
    الإدمان على المخدرات الشائعة الاستعمال في بقاع عديدة من
    العالم تشمل شرق الأرض وغربها ، وتستقطب شمال الكون
    وجنوبه ، وهو أمر يفوق حدّ التصور في ردّة فعله ، ووبال أمره ،
    ونجم عن استعماله انحراف الشباب والمراهقين انحرافاً خطيراً ،
    وتدهورت الأخلاق إلى أدنى مستوى سحيق ، وأميتت الضمائر
    وانتزعت منها المشاعر النابضة فعادت جماداً لا ينبض بالحركة ،
    وبذرت الأموال تبذيراً طائشاً حتى التصق بالصعيد من كانت له
    مسكة غنى ، فالميوعة والتخنث واللا إدراك ، والبذاءة والانحلال
    كل أولئك مما يتصف به المدمن على المخدّرات ، حتى أصبح
    دون مبالغة جزءاً مشلولا متعطلاً في كيان الكائن البشري .
    وهذه المخدّرات متعددة الصفات كتعدد أسمائها ، ومختلفة
    التأثير كاختلاف مراتبها ، ويمكننا من خلال اطلاعنا المتواضع أن
    نصنفها على الشكل الآتي ، مبتدئين بالمعقّد منها ثم البسيط ، أو
    ما هو أشد تأثيراً ، وأكثر تركيزاً .


    1 ـ الهيروين .
    2 ـ المورفين .
    3 ـ الپتدين .
    4 ـ الكوكائين .
    5 ـ الأفيون .
    6 ـ الحشيشة .
    إلا أن أخطر أنواع المخدرات هو الميروانا ، وهو نوع من
    المخدرات التي تؤخذ على شكل سجائر أو كيفيات أخرى ، وقد
    اختلف علماء المخدّرات بـ « القات » فمن قائل إنه منشط لا علاقة
    له بالتخدير ، ومن قائل بأنه من المخدرات .
    ولقد دأبت الحكومات في العالم على مكافحة المخدرات ،
    فحرّمَتْ زراعتها وعملها واستحلابها وتنقيتها وبيعها وشراءَها ،
    وصادرت مئات الصفقات التجارية التي يقدر ثمنها بملايين
    الدولارات ، وأقامت حجراً مفروضاً على المتعاملين معها ، وبعض
    الدول تحكم بالإعدام على من يتّجر فيها . ومع هذا كله ، وفوق
    هذا كله ، فإنك تجد الانتشار واسعاً ، والإتّجار بالمخدّرات قائماً ،
    والتداول بين الشباب وحتى الصبية بنين وبناتٍ شائعاً ، وذلك مما
    يهدد بكارثة حقيقية تعصف بكوكبة الفتيان والفتيات ، علماً بأن
    المنظمات الدولية تشن حرباً شعواء على المخدرات ، ومنظمة
    الصحة العالمية تحرمها وتدعو إلى صدّ هجومها على معسكرات
    الشباب ، ودور الرعاية الصحية قد نظّمت حملاتها الموفقة
    ضدها ، مضافاً إلى القوانين المحرمة لها والمعاقبة عليها ، إلا أنها


    في انتشار مستطير ، وكان سماحة السيد مدّ ظله الزاهر قد أفتى
    بما يلي :
     يحرم استعمال المخدرات مع ما يترتب عليه من الضرر
    البليغ ، سواء من جهة إدمانه ، أو من جهة أخرى ، بل الأحوط
    لزوماً الاجتناب عنها مطلقاً ، إلّا في حالات الضرورة الطبية
    ونحوها ، فتُستعمل بمقدار ما تدعو إليه الضرورة ، والله العالم (1) .
    وأما أمراض الخمور وأضرارها فحدث عن ذلك ولا حرج
    فأمراض القلب ، وتصلب الشرايين ، وقرحة المعدة ، وانتكاسة
    الجهاز الهضمي ، وجملة الأعراض العقلية والنفسية والسلوكية ،
    وتعرض الجينات الوراثية للأخطار ، والتأثير على الأجنة
    والمواليد . . كل أولئك بعض أضرارها ، عدا التضحية بالعقل
    والمال والوقار ، وهكذا .
    ولقد وقف الإسلام موقفاً حازماً من الخمر وشربه وبيعه
    وغرسه وعصره وحمله ، قال تعالى :
    ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ
    وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا
    يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
    وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) (2) . وقال
    الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « من شرب الخمر بعدما حرّمها الله على
    __________________
    (1) فتوى خطية مصوّرة في حوزة المؤلف .
    (2) سورة المائدة / 90 ـ 91 .


    لساني فليس بأهل أن يزوج إذ خطب ، ولا يُشفّع إذا شفع ، ولا
    يصدّق إذا حدّث ، ولا يؤتمن على أمانة » (1) .
    وقال أيضاً في رواية معتبرة « لعن الله الخمر وغارسها
    وعاصرها ، وشاربها ، وساقيها ، وبايعها ، وشاريها ، وآكل ثمنها ،
    وحاملها ، والمحمولة إليه » (2) .
    وقد عدّها الفقهاء الثامن من الأعيان النجسة . قال سيدنا
    السيستاني مد ظله « الثامن : الخمر ، ويلحق بها كل مسكر مائع
    بالأصالة على الأحوط الأولى ، وأما الجامد كالحشيشة ـ وإن
    غلى وصار مائعاً بالعرض ـ فهو طاهر لكن الجميع حرام بلا
    إشكال » (3) .
    وعنده أيضاً « يحرم بيع العنب أو التمر ليعمل خمراً . . وكذا
    تحرم ولا تصح إجارة المساكن لتباع فيها الخمرة أو تحرز فيها ،
    أو يعمل فيها شيء من المحرمات ، وكذا تحرم ولا تصح إجارة
    السفن أو الدواب أو غيرها لحمل الخمر ، والأجرة في ذلك
    محرّمة (4) . ويرى سيدنا : حرمة الأكل من مائدة يشرب عليها
    الخمر أو المسكر ، ويحرم الجلوس عليها على الأحوط
    وجوباً (5) .
    ____________________
    (1) الكليني / فروع الكافي 6 / 396 .
    (2) الشيخ الصدوق / من لا يحضره الفقيه 4 / 4 .
    (3) منهاج الصالحين 1 / 138 .
    (4) السيد السيستاني / منهاج الصالحين 2 / 9 .
    (5) فقه المغتربين / 145 .

    والعبرة في هذا أن يرى العرف وحدة المائدة . ولما كان
    الأصل في حرمة الخمر هو الإسكار ، فكل الفصائل المسكرة
    محرمة كالبيرة والباراندي والويسكي وأمثالها ، لأن القاعدة :
    حرمت الخمر لإسكارها ، وبقياس منصوص العلة تحرم تلك
    الأصناف عامة لأنها مسكرة . قال سماحة السيد مد ظله ، الفقاع ـ
    وهو البيرة ـ شراب مخصوص متخذ من الشعير غالباً ، وليس منه
    ماء الشعير الذي يصفه الأطباء ـ يحرم شربه بلا إشكال .
    والأحوط أن يعامل معاملة النجس (1) .
    ويرى سيدنا أنه : لا يجوز للمسلم تقديم الخمر لأي كان ،
    وإن كان مستحلاً له ، ولا يجوز له غسل أوانيه ، ولا تقديمها
    لغيره ، إذا كان ذلك الغسل وهذا التقديم مقدمة لشرب الخمر
    فيها . كما لا يجوز إجارة نفسه لبيع الخمر ، أو تقديمه ، أو تنظيف
    أوانيه مقدمة لشربه ، كما لا يجوز له أخذ الأجرة على عمل كهذا
    لأنه حرام (2) .
    بل هناك ما هو أكثر من هذا عند سماحة السيد دام ظله
    الوريف فلا يجوز للخطاط المسلم أن يخط قطعة لشرب الخمر ،
    أو لإحياء حفلة رقص ، أو لمطعم فيه لحم خنزير ، لما في ذلك
    من إشاعة الفاحشة وترويج الفساد (3) .
    __________________
    (1) السيد السيستاني / منهاج الصالحين 1 / 139 .
    (2) المرجع نفسه / 152 .
    (3) المرجع نفسه / 185 .



    ( 9 )
    فتاوى فقهية ذات أبعاد طبية
    في حياة الطب المثيرة كثير من الإيحاءات الغامضة كموت
    الدماغ وتوقف القلب ، فلو حدث أن مات أحدهما ، والثاني
    يعمل ، فمتى يحكم بموت الإنسان ، فإن تحركت بعض أعضائه
    بفعل الأجهزة الطبية المتطورة مع كونه ميتاً أو بحكم الميت ، فهل
    يحق للطبيب سحب هذه الأجهزة ، وهل يحق للطبيب كشف
    مواضع جسم المرأة الأجنبية أو أجهزتها التناسلية ، وهل يجوز
    تحسين الجينات الوراثية ، وغير هذا . إن الفتاوى التي سبرها
    سماحة السيد دام ظله تجيب عن هذه الطروحات الفريدة .
    1 ـ يذهب البعض إلى أن موت الدماغ يعني موت الإنسان ،
    حتى لو لم يتوقف النبض في الحال إنما سيتوقف بعد ذلك حتماً ،
    كما يقول الأطباء ، فهل يعتبر ميتاً من مات دماغه ولو بقي نبضه
    يتحرك ؟
     العبرة في صدق عنوان ( الميت ) الموضوع لعدد من
    الأحكام الشرعية ، إنما هو بالنظر العرفي ، بأن يراه أهل العرف


    ميتاً ، وهو غير متحقق في مفروض السؤال .
    2 ـ لا يحقُّ للطبيب سحب أجهزة طبية وضعت لمريضه
    المسلم ، فبعثت الحركة في قلبه وإن مات المخ ، فأصبحت حياة
    المريض كحياة النبات لا تدوم إلا بعمل تلك الأجهزة ، وذلك
    لأهمية النفس المحترمة في الإسلام .
    وعلى الطبيب أن لا يعتني بطلب المريض أو طلب أقربائه
    بالامتناع عن إسعافه ، أما إذا سحب الطبيب تلك الأجهزة فمات
    المريض المسلم لذلك ، عُدَّ الطبيب قاتلاً .
    3 ـ تقتضي مهنة الطب أن يفحص الطبيب مريضاته بعناية ،
    ولما كان خلع الملابس الخارجية أثناء الفحص متعارفاً في بعض
    البلدان الأوروبية ، فهل تجوز ممارسة مهنة الطب هنا على هذه
    الصورة ؟
     يجوز مع تجنب النظر واللمس المحرَّمين ، إلا بمقدار ما
    يتوقف عليه تشخيص المرض .
    4 ـ يرى الطبيب المعالج أحياناً أن يكشف بعض مواضع
    جسم المرأة الأجنبية ، بما فيها المواضع الحساسة ، عدا العورة ،
    فهل يجوز لها كشف جسمها :
    أ ـ في حالة وجود طبيبة يمكن مراجعتها ، ولكن بكلفة مادية
    غالية بعض الشيء ؟
    ب ـ في حالة كون المرض غير خطير ، ولكنه مرض على
    كل حال ؟


    جـ ـ ثم ما هو الحكم في حالة ما إذا كان المطلوب كشفه ،
    هو العورة ؟
     أ ـ لا يجوز مع إمكان مراجعة الطبيبة ، إلا إذا كلفت
    مراجعتها مبالغ مضرة بحالها .
    ب ـ يجوز إذا كانت تتضرر بترك علاجه ، أو تقع في حرج
    شديد لا يتحمل عادة .
    جـ ـ الحكم فيه ما مرَّ ، ولا بدّ من الاقتصار في الكشف في
    الحالتين على مقدار الضرورة .
    وإن أمكن العلاج من دون النظر المباشر إلى ما يحرم النظر
    إليه ، كالنظر عبر الشاشة التلفزيونية أو المرآة فهو الأحوط .
    5 ـ في علم الهندسة الوراثية يدعي بعض العلماء أن
    باستطاعتهم تحسين الجنس البشري بواسطة التأثير على الجينات
    وذلك بـ :
    أ ـ رفع القبح في الشكل .
    ب ـ وضع مواصفات جميلة بديلة .
    جـ ـ كلا الأمرين معاً .
    فهل يجوز للعلماء أن يفعلوا ذلك ؟ وهل يحق للمسلم أن
    يمكن الأطباء من تحسين جيناته الوراثية ؟
     إذا لم يكن له مضاعفات جانبيّة ، فلا مانع منه في حدِّ
    ذاته .

    6 ـ تجري الشركات في الغرب تجارب على الأدوية قبل
    طرحها في الأسواق ، فهل يجوز تجربة دواء على مريض ، إذا ظن
    الطبيب أنّ هذا الدواء مفيد لمريضه قبل انتهاء التجارب عليه ، من
    دون علم المريض ؟
     لا بدّ من إعلام المريض بالحال ، وكسب موافقته على
    تجربة الدواء عليه إلا إذا كان من المؤكد عدم تسبّبه في مضاعفات
    جانبية ، وإنما يشك في فائدته .
    7 ـ مادة الأنسولين المستعملة في علاج مرض السكر
    تستخلص أحياناً من بنكرياس الخنزير ، فهل نستعملها ؟
     لا مانع من تزريقها في العضلة أو الوريد أو تحت الجلد
    بالإبرة .
    8 ـ هل يجوز زرع كبد خنزير في بدن الإنسان ؟
     يجوز زرع كبد الخنزير في بدن الإنسان والله العالم .
    9 ـ هناك بعض الأمراض الوراثية تنتقل من الآباء إلى
    الأبناء ، وتشكل خطراً على حياتهم مستقبلاً ، وقد توصل العلم
    الحديث إلى طريقة للتخلص من بعض هذه الأمراض ، وذلك
    بإجراء تلقيح بويضة المرأة داخل أنبوب اختبار خاص ، يتم به
    فحص الأجنَّة واختيار الصحيح منها ، ثم يزرع داخل رحم الأم ،
    ويتلف الطبيب العدد الباقي من الأجنّة فهل هذه العملية جائزة
    شرعاً ؟
     لا مانع من ذلك في حدّ ذاته .


    10 ـ هل يجوز إجراء عمليات تجميل في الوجه والبدن ؟
     يجوز مع التجنب عن اللمس والنظر المحرمين (1) .
    11 ـ وقد سهّل سماحة السيد دام مجده العظيم ، قضية بيع
    الدم للمرضى ، على نحو المعاوضة ، كما أفتى بجواز التبرع به
    للمضطرين إليه ، يقول :
     يجوز التبرع بالدم للمرضى المحتاجين إليه . كما يجوز
    أخذ العوض عليه (2) .
    12 ـ توصل العلم أخيراً إلى معرفة القاتل عن طريق تحليل
    الدم دون اللجوء إلى وسائل أخرى ، وبلغ من دقة التحليل أنه
    يمكن معرفة الوسيلة التي استخدمت في القتل . فهل يمكن
    الاعتماد عليه في ترتيب الأثر على الجاني من إقامة الحدّ أو
    غيره ، أم لا ويبقى العمل بالقواعد الشرعية المعروفة ؟
     وقد أجاب سماحة السيد أطال الله بقاه بقوله :
    لا يثبت القتل ، ولا تجري أحكامه إلا بما جعل طريقاً إليه
    شرعاً ، أو صيرورته أمراً بيناً بطريق علمي لا تتخلله الاجتهادات
    الشخصية ، فإن كان ما ذكر من الطريق بهذه المثابة جاز للحاكم
    الشرعي الحكم على طبقه ، والله العالم (3) .

    __________________
    (1) ظ : فقه المغتربين / 237 وما بعدها .
    (2) السيد السيستاني / منهاج الصالحين 1 / 459 .
    (3) المستحدثات من المسائل الشرعية / 15 .

    الفصل الثاني
    الاقتصاد الوطني والشؤون المالية
    أولاً : أعمال المصارف والبنوك
    1 ـ الاقتراض ـ الإيداع
    2 ـ الاعتمادات
    3 ـ خزن البضائع
    4 ـ بيع البضائع عند تخلّف أصحابها عن تسلّمها
    5 ـ الكفالة عند البنوك
    6 ـ بيع السهام
    7 ـ بيع السندات
    8 ـ الحوالات الداخلية والخارجية
    9 ـ جوائز البنك











    10 ـ تحصيل الكمبيالات
    11 ـ بيع العملات الأجنبية وشراؤها
    12 ـ السحب على المكشوف
    13 ـ خصم الكمبيالات
    14 ـ العمل لدى البنوك
    15 ـ فتاوى مصرفية
    ثانياً : أوراق اليانصيب
    ثالثاً : عقد التأمين
    رابعاً : إخلاء المحلّات التجارية
    خامساً : فتاوى حضارية بأموال الأوروبيين


    أولاً
    أعمال المصارف والبنوك
    مما لا شك فيه أن طبيعة الاقتصاد الوطني لكل بلد من
    بلدان العالم الثالث تقتضي ضرورة تنظيمه وازدهاره وضبطه إلى
    الاستعانة بالمصارف والبنوك ، فرصد الميزانية العامة للدولة إنما
    يحتضنها البنك المركزي عادة ليتم من خلال ذلك الإشراف على
    ميزانية كل الوزارات والدوائر المرتبطة بالدولة مالياً ، والإيراد
    الخارجي سواء أكان لتجارة خارجية أو داخلية أو مشتركة ، وسواء
    أكان لتسلم مبيعات الدولة نفسها من النفط والمعادن والحبوب
    وموارد الاقتصاد الأخرى ، فإنما يتم تحويلها وإيداعها لدى بنوك
    الدولة ومصارفها ، سواء أكانت مباشرة أو بطريق وسيط تجاري أو
    مالي .
    وشؤون الاقتصاد الوطني لا يرتبط بالدولة وحدها ، وإنما
    يشاركها في بنائه رأس المال التجاري في القطاع الخاص من
    التجار والكسبة ، وهؤلاء يرتبطون ارتباطاً مباشراً من حيث القرض
    والإيداع والاعتمادات ، ومعاملات البضائع المستوردة والمصدرة ،
    والكفالات ، وبيع السهام والسندات ، والتحويل الخارجي ،



    والحوالات الداخلية ، وتحصيل الكمبيالات وخصمها ، والسحب
    على المكشوف ، وأضراب هذه الأصناف المتنوعة ، وهذا يعني
    الحاجة الماسة إلى المصارف والبنوك على المستوى الدولي
    والمستوى الشعبي ، والمستوى التجاري داخلياً وخارجياً ، يضاف
    إلى هذا ظروف الحياة المالية الأخرى في شراء أوراق اليانصيب
    وبيعها ، وعقود التأمين وإبرامها ، وإخلاء المحلات التجارية ،
    وأموال الأجانب ، وسوى ذلك من إفرازات الحياة المالية ، مما
    يعني تنظيم ذلك في النظر الشرعي ، وتصحيح جملة من
    المعاملات فقهياً ، ولقد نهد سيدنا العالم الموسوعي السيد
    السيستاني مد ظله العالي بوضع النقاط على الحروف في مثل هذه
    الطروحات بما لا مزيد عليه ، وأنا ميسرها للقارىء من مظانها .


    ( 1 )
    الاقتراض ـ الإيداع
    المصارف والبنوك على ثلاثة أصناف :
    1 ـ الأهلي : وهو ما يتكوّن رأس ماله من مال شخص
    واحد أو أشخاص مشتركين .
    2 ـ الحكومي : وهو الذي يكون رأس ماله مكوّناً من أموال
    الدولة .
    3 ـ المشترك : وهو الذي تشترك الدولة والأهالي في تكوين
    رأس ماله .
    مسألة 1 : لا يجوز الاقتراض من البنوك الأهلية بشرط دفع
    الزيادة لأنّه رباً محرّم ، ولو اقترض كذلك صحّ القرض وبطل
    الشرط ، ويحرم دفع الزيادة وأخذها وفاءً للشرط .
    وقد ذكر للتخلّص من الربا طرق :
    منها : أن يشتري المقترض من صاحب البنك أو من وكيله
    المفوَّض بضاعة بأكثر من قيمتها الواقعية 10% أو 20% مثلاً



    بشرط أن يقرضه مبلغاً معيّناً من النقد لمدّة معلومة يتّفقان عليها ،
    أو يبيعه متاعاً بأقلّ من قيمته السوقية ويشترط عليه في ضمن
    المعاملة أن يقرضه مبلغاً معيّناً لمدّة معلومة ، فيقال : إنّه يجوز
    الاقتراض عندئذٍ ولا ربا فيه .
    ولكنّه لا يخلو عن إشكال ، والأحوط لزوماً الاجتناب عنه ،
    ومثله الحال في الهبة والإِجارة والصلح بشرط القرض .
    وفي حكم جعل القرض شرطاً في المعاملة المحاباتية جعل
    الإِمهال في أداء الدين شرطاً فيها .
    ومنها : تبديل القرض بالبيع ، كأن يبيع البنك مبلغاً معيّناً
    كمائة دينار بأزيد منه ـ كمائة وعشرين دينار ـ نسيئة لمدّة شهرين
    مثلاً .
    ولكن هذا وإن لم يكن قرضاً ربوياً على التحقيق ، غير إنّ
    صحّته بيعاً محلّ إشكال .
    نعم ، لا مانع من أن يبيع البنك مبلغاً كمائة دينار نسيئة إلى
    شهرين مثلاً ، ويجعل الثمن المؤجَّل عملة أُخرى تزيد قيمتها على
    المائة دينار بموجب أسعار صرف العملات بمقدار ما تزيد المائة
    والعشرون على المائة ، وفي نهاية المدّة يمكن أن يأخذ البنك من
    المشتري العملة المقرّرة أو ما يساويها من الدنانير ، ليكون من
    الوفاء بغير الجنس .
    ومنها : أن يبيع البنك بضاعة بمبلغ كمائة وعشرين ديناراً
    نسيئة لمدّة شهرين مثلاً ، ثم يشتريها من المشتري نقداً بما ينقص
    عنها كمائة دينار .

    وهذا أيضاً لا يصحّ إذا اشترط في البيع الأول قيام البنك
    بشراء البضاعة نقداً بالأقلّ من ثمنه نسيئة ولو بإيقاع العقد مبنيّاً
    على ذلك ، وأمّا مع خلوّه عن الشرط فلا بأس به .
    ويلاحظ أنّ هذه الطرق ونحوها ـ لو صحّت ـ لا تحقّق
    للبنك غرضاً أساسياً وهو استحقاق مطالبة المدين بمبلغ زائد لو
    تأخّر عن أداء دينه عند نهاية الأجل وازدياده كلّما زاد التأخير ،
    فإنّ أخذ الفائدة بإزاء التأخير في الدفع يكون من الربا المحرّم ولو
    كان ذلك بصيغة جعله شرطاً في ضمن عقد البيع مثلاً .
    مسألة 2 : لا يجوز الاقتراض من البنوك الحكومية بشرط
    دفع الزيادة ، لأنّه ربا ، بلا فرق بين كون الاقتراض مع الرهن أو
    بدونه ، ولو اقترض كذلك بطل القرض والشرط معاً ، لأنّ البنك
    لا يملك ما تحت يده من المال ليملّكه للمقترض .
    وللتخلّص من ذلك يجوز للشخص أن يقبض المال من
    البنك بعنوان مجهول المالك لا بقصد الاقتراض ، والأحوط أن
    يكون ذلك بإذن الحاكم الشرعي ، ثم يتصرّف فيه بعد المراجعة
    إليه لإِصلاحه ، ولا يضرّه العلم بأنّ البنك سوف يستوفي منه أصل
    المال والزيادة قهراً ، فلو طالبه البنك جاز له الدفع حيث لا يسعه
    التخلّف عن ذلك .
    مسألة 3 : يجوز الإِيداع في البنوك الأهلية ـ بمعنى إقراضها
    ـ مع عدم اشتراط الحصول على الزيادة ، بمعنى عدم إناطة القرض
    بالتزام البنك بدفع الزيادة ، لا بمعنى أن يبني في نفسه على أنّ
    البنك لو لم يدفع الزيادة لم يطالبه منها ، فإنّ البناء على المطالبة



    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

     فقه الحضارة  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: فقه الحضارة     فقه الحضارة  Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:19 pm

    يجتمع مع عدم الاشتراط ، كما يجتمع البناء على عدم المطالبة مع
    الاشتراط ، فأحدهما أجنبي عن الآخر .
    مسألة 4 : لا يجوز الإيداع في البنوك الأهلية ـ بمعنى
    إقراضها ـ مع شرط الزيادة ، ولو فعل ذلك صحّ الإيداع وبطل
    الشرط ، فإذا قام البنك بدفع الزيادة لم تدخل في ملكه ، ولكن
    يجوز له التصرّف فيها إذا كان واثقاً من رضا أصحابه بذلك حتى
    على تقدير علمهم بفساد الشرط وعدم استحقاقه للزيادة شرعاً ـ
    كما هو الغالب ـ .
    مسألة 5 : لا يجوز الإيداع في البنوك الحكومية ـ بمعنى
    إقراضها ـ مع اشتراط الحصول على الزيادة ، فإنّه ربا ، بل إعطاء
    المال إليها ولو من دون شرط الزيادة بمنزلة الإِتلاف له شرعاً ،
    لإِنّ ما يمكن استرجاعه من البنك ليس هو مال البنك ، بل من
    المال المجهول مالكه ، وعلى ذلك يشكل إيداع الأرباح والفوائد
    التي يجنيها الشخص أثناء سنته في البنوك الحكومية قبل إخراج
    الخمس منها ، لأنّه مأذون في صرفه في مؤونته وليس مأذوناً في
    إتلافه ، فلو أتلفه ضمنه لأصحابه .
    مسألة 6 : لا فرق في الإيداع ـ فيما تقدّم ـ بين الإيداع
    الثابت الذي له أمد خاصّ ـ بمعنى أنّ البنك غير ملزم بوضع
    المال تحت الطلب ـ وبين الإيداع المتحرّك ـ المسمّى بالحساب
    الجاري ـ الذي يكون البنك ملزماً بوضع المال تحت الطلب .
    مسألة 7 : تشترك البنوك المشتركة مع البنوك الحكومية فيما
    تقدّم من الأحكام ، لأنّ الأموال الموجودة لديها يتعامل معها


    معاملة مجهول المالك ، فلا يجوز التصرّف فيها من دون مراجعة
    الحاكم الشرعي .
    مسألة 8 : ما تقدّم كان حكم الإيداع والاقتراض من البنوك
    الأهلية والحكومية في الدول الإسلامية ، وأمّا البنوك التي يقوم
    غير محترمي المال من الكفّار بتمويلها ـ أهلية كانت أم غيرها ـ
    فيجوز الإيداع فيها بشرط الحصول على الفائدة ، لجواز أخذ الربا
    منهم على الأظهر .
    وأمّا الاقتراض منها بشرط دفع الزيادة فهو حرام ، ويمكن
    التخلّص منه بقبض المال من البنك لا بقصد الاقتراض بل
    استنقاذاً ، فيجوز له التصرّف فيه بلا حاجة إلى مراجعة الحاكم
    الشرعي .



    ( 2 )
    الاعتمادات
    الاعتماد على قسمين :
    1 ـ اعتماد الاستيراد : وهو أنّ من يريد استيراد بضاعة
    أجنبية يتقدّم إلى البنك بطلب فتح اعتماد يتعهّد البنك بموجبه
    بتسلّم مستندات البضاعة المستوردة وتسليمها إلى فاتح الاعتماد
    وتسديد ثمنها إلى الجهة المصدّرة ، وذلك بعد تمامية المعاملة بين
    المستورد والمصدّر مراسلة أو بمراجعة الوكيل الموجود في البلد ،
    وإرسال القوائم المحدّدة لنوعية البضاعة كماً وكيفاً حسب الشروط
    والمواصفات المتّفق عليها ، وقيام المستورد بدفع قسم من ثمن
    البضاعة إلى البنك ، فإنّه بعد هذه المراحل يقوم البنك بتسلّم
    مستندات البضائع وأداء ثمنها إلى الجهة المصدّرة .
    2 ـ اعتماد التصدير : وهو لا يختلف عن اعتماد الاستيراد
    إلّا في الاسم ، فمن يريد تصدير بضاعة إلى الخارج يقوم
    المستورد الأجنبي بفتح اعتماد لدى البنك ليتعهّد البنك بموجبه
    بتسلّم مستندات البضاعة وتسديد ثمنها إلى البائع المصدّر بعد طيّ
    المراحل المشار إليها آنفاً .

    فالنتيجة أنّ القسمين لا يختلفان في الحقيقة ، فالاعتماد
    سواء أكان للاستيراد أم للتصدير يقوم على أساس تعهد البنك
    للبائع بأداء دين المشتري وهو ثمن البضاعة المشتراة وتسلّم
    مستنداتها وتسليمها إلى المشتري .
    نعم ، هنا قسم آخر من الاعتماد ، وهو أنّ المصدّر يقوم
    بإرسال قوائم البضاعة كماً وكيفاً إلى البنك أو فرعه في ذلك البلد
    دون معاملة مسبقة مع الجهة المستوردة ، والبنك بدوره يعرض
    تلك القوائم على تلك الجهة ، فإن قبلتها طلبت من البنك فتح
    اعتماد لها ، ثم يقوم بدور الوسيط إلى أن يتمّ تسليم البضاعة
    وقبض الثمن .
    مسألة 9 : الظاهر جواز فتح الاعتماد لدى البنوك بجميع
    الأقسام المذكورة ، كما يجوز للبنوك قيامها بما ذكر من
    الخدمات .
    مسألة 10 : يتقاضى البنك من فاتح الاعتماد نحوين من
    الفائدة :
    الأول : ما يكون بإزاء خدماته له من التعهّد بأداء دينه
    والاتّصال بالمصدّر وتسلّم مستندات البضاعة وتسليمها إليها ،
    ونحو ذلك من الأعمال .
    وهذا النحو من الفائدة يجوز أخذه على أساس أنّه داخل
    في عقد الجعالة ، أي أنّ فاتح الاعتماد يعيّن للبنك جعلاً إزاء
    قيامه بالأعمال المذكورة ، ويمكن إدراجه في عقد الإِجارة أيضاً
    مع توفّر شروط صحّته المذكورة في محلّها .


    الثاني : ما يكون فائدة على المبلغ الذي يقوم البنك بتسديده
    إلى الجهة المصدّرة من ماله الخاصّ لا من رصيد فاتح الاعتماد ،
    فإنّ البنك يأخذ فائدة نسبية على المبلغ المدفوع إزاء عدم مطالبة
    فاتح الاعتماد به إلى مدّة معلومة .
    وقد يصحّح أخذ هذا النحو من الفائدة بأنّ البنك لا يقوم
    بعملية إقراض لفاتح الاعتماد ، ولا يدخل الثمن في ملكه بعقد
    القرض ليكون رباً ، بل يقوم بدفع دين فاتح الاعتماد بموجب طلبه
    وأمره ، وعليه فيكون ضمان فاتح الاعتماد ضمان غرامة بقانون
    الإِتلاف ، لا ضمان قرض ليحرم أخذ الزيادة .
    ولكن من الواضح أنّ فاتح الاعتماد لا يضمن للبنك بطلبه
    أداء دينه إلّا نفس مقدار الدين ، فأخذ الزيادة بإزاء إمهاله في دفعه
    يكون من الربا المحرّم .
    نعم ، لو عيّن فاتح الاعتماد للبنك إزاء قيامه بأداء دينه جُعلاً
    بمقدار أصل الدين الزيادة المقرّرة نسيئة لمدّة شهرين مثلاً ،
    اندرج ذلك في عقد الجُعالة ، وصحّته حينئذٍ لا تخلو عن وجه .
    هذا ، ويمكن التخلّص من الربا في أخذ هذا النحو من
    الفائدة بوجه آخر ، وهو إدراجه في البيع ، فإنّ البنك يقوم بدفع
    ثمن البضاعة بالعملة الأجنبية إلى المصدّر ، فيمكن قيامه ببيع
    مقدار من العملة الأجنبية في ذمّة المستورد بما يعادله من عملة
    بلد المستورد مع إضافة الفائدة إليه ، وبما أنّ الثمن والمثمن
    يختلفان في الجنس فلا بأس به .

    هذا كلّه إذا كان البنك أهلياً ، وأمّا إذا كان حكومياً أو
    مشتركاً فحيث إنّ البنك يسدّد دين فاتح الاعتماد من المال
    المجهول مالكه ، فلا يصير مديناً شرعاً للبنك بشيء ، فلا يكون
    التعهّد بأداء الزيادة إليه من قبيل التعهّد بدفع الربا المحرّم .



    ( 3 )
    خزن البضائع
    قد يكون البنك وسيطاً في إيصال البضائع من المصدّر إلى
    المستورد ، فربّما يقوم بتخزينها على حساب المستورد ، كما إذا تمّ
    العقد بينه وبين المصدّر وقام البنك بتسديد ثمنها له ، فعند وصول
    البضاعة يقوم البنك بتسليم مستنداتها للمستورد وإخباره بوصلها ،
    فإن تأخّر المستورد عن تسلّمها في الموعد المقرّر ، قام البنك
    بخزنها وحفظها على حساب المستورد إزاء أجر معيّن ، وقد يقوم
    بحفظها على حساب المصدّر ، كما إذا أرسل البضاعة إلى البنك
    دون عقد واتّفاق مسبق مع جهة مستوردة ، فعندئذٍ يقوم البنك
    بعرض قوائم البضاعة على الجهات المستوردة في البلد ، فإن لم
    يقبلوها حفظها على حساب المصدّر إزاء أجر معيّن .
    مسألة 11 : يجوز للبنك أخذ الأُجرة إزاء عملية التخزين في
    كلتا الصورتين المتقدّمتين إذا كان قيامه بها بطلب من المصدّر أو
    المستورد ، أو كان قد اشترط ذلك في ضمن عقد كالبيع ـ وإن
    كان الشرط ارتكازياً ـ وإلّا فلا يستحقّ شيئاً .


    ( 4 )
    بيع البضائع عند تخلّف أصحابها عن تسلّمها
    إذا تخلّف صاحب البضاعة عن تسلّمها ودفع المبالغ
    المستحقّة للبنك ـ بعد إعلان البنك وإنذاره بذلك ـ يقوم البنك
    ببيع البضاعة لاستيفاء حقّه من ثمنها .
    مسألة 12 : يجوز للبنك في الحالة المذكورة أن يقوم ببيع
    البضاعة ، كما يجوز للآخرين شراؤها ، لأنّ البنك وكيل من قبل
    أصحاب البضاعة في بيعها عند تخلّفهم عن دفع ما عليهم من بقيّة
    المبالغ المستحقّة له وتسلّم البضاعة ، وذلك بمقتضى الشرط
    الصريح أو الارتكازي الموجود في أمثال هذه الموارد ، فإذا جاز
    بيعها جاز شراؤها أيضاً .



    ( 5 )
    الكفالة عند البنوك
    إذا تعهّد شخص أو أشخاص مشتركون لجهة حكومية أو
    غيرها بإنجاز مشروع ، كتأسيس مدرسة أو مستشفى أو جسر أو
    نحوها ، فتمّ الاتّفاق بينهما على ذلك ، فإنّ المتعهَّد له قد يشترط
    على المتعهِّد دفع مبالغ من المال في حالة عدم إنجاز المشروع
    وإتمامه في الوقت المقرّر عوضاً عن الخسائر التي قد تصيبه ،
    ولكي يطمئنّ المتعهّد له بذلك يطالب المتعهِّد بكفيل على هذا ،
    وفي هذه الحالة يرجع المتعهّد والمقاول إلى البنك ليصدر له
    مستند ضمان يتكفّل فيه للمتعهّد له بأداء مبالغ التعويض إذا امتنع
    المقاول المتعهِّد عن دفعها بعد تخلّفه عن القيام بإنجاز المشروع
    في الموعد المقرّر .
    مسألة 13 : تعهّد البنك للجهة صاحبة المشروع بأداء المبالغ
    المطلوبة على تقدير امتناع المقاول عن أدائها نحوٌ من الكفالة
    المالية في مقابل الكفالة المصطلحة ـ في أبواب المعاملات ـ التي
    هي عبارة عن التعهّد لشخص بإحضار شخص آخر له حقّ عليه
    عند طلبه .

    وتفترق الكفالة المالية عن الضمان في أنّ الضامن تشتغل
    ذمّته للمضمون له بنفس الدين المضمون ، فلو مات قبل وفائه
    أُخرج من تركته مقدَّماً على الإرث ، وأمّا الكفيل المالي فلا
    تشتغل ذمّته للمكفول له بنفس المال ، بل بأدائه إليه ، فلو مات قبل
    ذلك لم يُخرج من تركته شيءٌ إلّا بوصيّة منه .
    ويصحّ عقد الكفالة بإيجاب من الكفيل بكلّ ما يدلّ على
    تعهّده والتزامه ، من قول أو كتابة أو فعل ، وبقبول من المكفول له
    بكل ما يدلّ على رضاه بذلك .
    مسألة 14 : يجوز للبنك أن يأخذ عمولة معيّنة من المقاول
    المتعهّد لإنجاز المشروع إزاء كفالته وتعهّده ، ويمكن تخريج ذلك
    من باب الجعالة بأن يعيّن المقاول العمولة المطلوبة جُعلاً للبنك
    على قيامه بعمل الكفالة فيحلّ له أخذها حينئذٍ .
    مسألة 15 : إذا تخلّف المقاول عن إنجاز المشروع في
    المدّة المقررة ، وامتنع عن دفع المبالغ المطلوبة إلى المتعهَّد له
    ( صاحب المشروع ) فقام البنك بدفعها إليه ، فهل يحقّ للبنك
    الرجوع بها على المقاول أم لا ؟
    الظاهر أنّه يحقّ له ذلك ، لأنّ تعهّد البنك وكفالته كان
    بطلب من المقاول ، فهو ضامن لما يخسره البنك بمقتضى تعهّده ،
    فيحقّ له أن يرجع إليه ويطالبه به .



    ( 6 )
    بيع السهام
    قد تطالب الشركات المساهمة وساطة البنك في بيع الأسهم
    التي تمتلكها ، ويقوم البنك بدور الوسيط في عملية بيعها وتصريفها
    إزاء عمولة معيّنة بعد الاتّفاق بينه وبين الشركة .
    مسألة 16 : تجوز هذه المعاملة مع البنك ، فإنّها ـ في
    الحقيقة ـ لا تخلو من دخولها إمّا في الإِجارة ، بمعنى أنّ الشركة
    تستأجر البنك للقيام بهذا الدور إزاء أجرة معينة ، وإمّا في الجعالة
    على ذلك ، وعلى كل التقديرين فالمعاملة صحيحة ، ويستحقّ
    البنك الأُجرة إزاء قيامه بالعمل المذكور .
    مسألة 17 : يصحّ بيع هذه الأسهم وشراؤها .
    نعم ، إذا كانت معاملات الشركة المساهمة محرّمة ـ كما لو
    كانت تتاجر بالخمور أو تتعامل بالربا ـ لم يجز شراء أسهمها
    والاشتراك في تلك المعاملات .


    ( 7 )
    بيع السندات
    السندات : صكوك تصدرها جهات مخوّلة قانوناً بقيمة اسمية
    معيّنة مؤجّلة إلى مدّة معلومة ، وتبيعها بالأقلّ منها ، مثلاً يبيع
    السند الذي قيمته الاسمية مائة دينار بخمسة وتسعين ديناراً نقداً
    على أن يؤدّي المائة بعد سنة مثلاً ، وقد تتولّى البنوك عملية البيع ،
    وتأخذ على ذلك عمولة معيّنة .
    مسألة 18 : هذه المعاملة يمكن أن تقع على نحوين :
    1 ـ أن تقترض الجهة التي تصدر السند ممّن يشتريه مبلغ
    خمسة وتسعين ديناراً ـ في المثال المذكور ـ وتدفع إليه مائة دينار
    في نهاية المدّة المحدّدة وفاءً لدينه مع اعتبار الخمسة دنانير الزائدة
    على القرض ، وهذا رباً محرّم .
    2 ـ أن تبيع الجهة التي تصدر السند مائة دينار مؤجّلة الدفع
    إلى سنة مثلاً بخمسة وتسعين ديناراً نقداً .
    وهذا وإن لم يكن قرضاً ربوياً على التحقيق ، ولكنّ صحّته
    بيعاً محلّ إشكال كما سبق .


    فالنتيجة أنّه لا يمكن تصحيح بيع السندات المذكورة التي
    تتعامل بها الجهات الرسمية وغيرها .
    مسألة 19 : لا يجوز للبنوك التوسّط في بيع السندات
    وشرائها ، كما لا يجوز لها أخذ العمولة على ذلك .


    ( 8 )
    الحوالات الداخلية والخارجية
    مسألة 20 : الحوالة في المصطلح الفقهي تقتضي نقل الدين
    من ذمّة المُحيل إلى ذمّة المحال عليه ، ولكنّها ـ هنا ـ تستعمل في
    الأعمّ من ذلك ، وفيما يلي نماذج للحوالات المصرفية :
    الأول : أن يصدر البنك صكّاً لعملية بتسلّم المبلغ من وكيله
    في الداخل أو الخارج على حسابه إذا كان له رصيد مالي في
    البنك ، وعندئذ يأخذ البنك منه عمولة معيّنة إزاء قيامه بهذا الدور ،
    والظاهر جواز أخذه هذه العمولة ، لأنّ للبنك حقّ الامتناع عن
    قبول وفاء دينه في غير مكان القرض ، فيجوز له أخذ عمولة إزاء
    تنازله عن هذا الحقّ وقبول وفاء دينه في ذلك المكان .
    الثاني : أن يصدر البنك صكّاً لشخص يحقّ له بموجبه أن
    يتسلّم مبلغاً معيناً من بنك آخر في الداخل أو الخارج بعنوان
    الاقتراض منه ، نظراً لعدم وجود رصيد مالي للشخص عنده ،
    ويأخذ البنك عمولة معيّنة إزاء قيامه بهذا العمل .
    والظاهر أنّه يجوز للبنك أخذ العمولة على إصداره صكّاً من



    هذا القبيل إذا كان مردّه إلى أخذ الجعل على توكيل البنك الثاني
    في إقراض حامل الصك المبلغ المذكور فيه من أموال البنك
    الأوّل الموجودة لديه ، فليس هو من قبيل أخذ الجعل على
    الإقراض نفسه ليكون حراماً ، بل من قبيل أخذ الجعل على
    التوكيل في الإقراض فلا يكون الإلزام بدفع الجعل مرتبطاً بعملية
    الإقراض نفسها ، بل بالتوكيل فيها ، فلا يكون به بأس حينئذٍ .
    ثم إنّ المبلغ المذكور في الصكّ إذا كان من العملة الأجنبية
    فيحدث للبنك حقّ ، وهو أنّ المدين حيث اشتغلت ذمّته بالعملة
    المذكورة فله إلزامه بالوفاء بنفس العملة ، فلو تنازل عن حقّه هذا
    وقبل الوفاء بالعملة المحلّية جاز له أخذ شيء منه إزاء هذا
    التنازل ، كما أنّ له تبديلها بالعملة المحلّية مع تلك الزيادة .
    الثالث : أن يدفع الشخص مبلغاً معيّناً من المال إلى البنك
    في النجف الأشرف مثلاً ، ويأُخذ تحويلاً بالمبلغ أو بما يعادله
    على بنك آخر في الداخل كبغداد ، أو الخارج كلبنان أو دمشق
    مثلاً ، ويأخذ البنك إزاء قيامه بعملية التحويل عملة معيّنة منه .
    وهذا يمكن أن يقع على نحوين :
    أ ـ أن يبيع الشخص مبلغاً معيّناً من العملة المحلّية على
    البنك بمبلغ من العملة الأجنبية تعادل المبلغ الأول مع إضافة
    عمولة التحويل إليه .
    وهذا لا بأس به كما سبق نظيره .
    ب ـ أن يقوم الشخص بإقراض البنك مبلغاً معيّناً ويشترط


    عليه تحويله إلى بنك آخر في الداخل أو الخارج مع عمولة معينة
    بإزاء عملية التحويل .
    وهذا لا بأس به أيضاً ، لأنّ التحويل وإن كان عملاً محترماً
    له مالية عند العقلاء ، فيكون اشتراط القيام به على المقترض من
    قبيل اشتراط النفع الملحوظ فيه المال المحرّم شرعاً ، إلّا أنّ
    المستفاد من النصوص الخاصّة الدالّة على جواز اشتراط المقرض
    على المقترض قيامه بأداء القرض في مكان آخر ، جواز اشتراط
    التحويل أيضاً ، فإذا كان يجوز اشتراطه مجّاناً وبلا مقابل ، فيجوز
    اشتراطه بإزاء عمولة معيّنة بطريق أوْلى .
    الرابع : أن يقبض الشخص مبلغاً معيّناً من البنك في النجف
    الأشرف مثلاً ، ويحوّل البنك لاستيفاء بدله على بنك آخر في
    الداخل أو الخارج ، ويأخذ البنك الأول إزاء قبوله الحوالة عمولة
    معيّنة منه .
    وهذا يقع على نحوين :
    أ ـ أن يبيع البنك على الشخص مبلغاً من العملة المحلّية
    بمبلغ من العملة الأجنبية تعادل المبلغ الأول مع إضافة عمولة
    التحويل إليه ، فيحوّله المشتري إلى البنك الثاني لاستلام الثمن .
    وهذا جائز كما سبق .
    ب ـ أن يقرضه البنك مبلغاً معيّناً ، ويشترط عليه دفع عمولة
    معيّنة إزاء قبوله بنقل القرض إلى ذمّة أُخرى وتسديده في بلد آخر ،
    وهذا رباً ، لأنّه من قبيل اشتراط دفع الزيادة في القرض وإن كانت
    بإزاء عملية التحويل .


    نعم ، إذا وقع هذا من غير شرط مسبق بأن اقترض المبلغ
    من البنك أوّلاً ، ثم طلب منه تحويل قرضه إلى بنك آخر لاستيفائه
    منه ، فطلب البنك عمولة على قبوله ذلك جاز ، لأنّ من حقّ البنك
    الامتناع عن قبول ما ألزمه به المقترض من نقل القرض إلى ذمّة
    أُخرى وتسديده في بلد غير بلد القرض .
    وليس هذا من قبيل ما يأخذه المقرض بإزاء إبقاء القرض
    والإِمهال فيه ليكون رباً ، بل هو ممّا يأخذه لكي يقبل بانتقال
    قرضه إلى ذمّة أُخرى وتسديده في مكان آخر ، فلا بأس به حينئذٍ .
    مسألة 21 : قد تنحلّ الحوالة إلى حوالتين ، كما إذا أحال
    المدين دائنه على البنك بإصدار صكّ لأمره ، وقام البنك بتحويل
    مبلغ الصكّ على فرع له في بلد الدائن ، أو على بنك آخر فيه
    يتسلّمه الدائن هناك ، فإنّ مردّ ذلك إلى حوالتين :
    إحداهما : حوالة المدين دائنه على البنك ، وبذلك يصبح
    البنك مديناً لدائنه .
    ثانيتهما : حوالة البنك دائنه على فرع له في بلد الدائن أو
    على بنك آخر فيه .
    ودور البنك في الحوالة الأُولى قبول الحوالة ، وفي الثانية
    إصدارها ، وكلتا الحوالتين صحيحة شرعاً ، ولكن إذا كانت حوالة
    البنك على فرع له يمثل نفس ذمّته ، لا تكون هذه حوالة
    بالمصطلح الفقهي ، إذ ليس فيها نقل الدين من ذمّة إلى أُخرى ،
    وإنما مرجعها إلى طلب البنك من وكيله في مكان آخر وفاء دينه
    في ذلك المكان .

    وعلى أيّ حال ، فيجوز للبنك أن يتقاضى عمولة على قيامه
    بما ذكر ، حتى بإزاء قبوله حوالة من له رصيد في البنك دائنه
    عليه ، لأنّها من قبيل الحوالة على المدين .
    والمختار : عدم نفوذها من دون قبول المحال عليه ، فله
    أخذ العمولة على ذلك .
    مسألة 22 : ما تقدّم من أقسام الحوالة وتخريجها الفقهي
    يجري بعينه في الحوالة على الأشخاص ، كي يدفع مبلغاً من
    المال لشخص ليحوّله بنفس المبلغ أو بما يعادله على شخص آخر
    في بلده أو بلد آخر ، ويأخذ بإزاء ذلك عمولة معيّة ، أو يأخذ من
    شخص ويحوله على شخص آخر ويأخذ المحول منه إزاء ذلك
    عمولة معيّنة .
    مسألة 23 : لا فرق فيما تقدّم بين أن تكون الحوالة على
    المدين أو على البريء ، والأول كما إذا كان للمحال عليه رصيد
    مالي ، والثاني ما لم يكن كذلك .



    ( 9 )
    جوائز البنك
    قد يقوم البنك بعملية القرعة بين عملائه ، ويعطي لمن تصيبه
    القرعة مبلغاً من المال بعنوان الجائزة ترغيباً للإيداع فيه .
    مسألة 24 : هل يجوز للبنك القيام بهذه العملية ؟ فيه تفصيل :
    فإنّه إنْ كان قيامه بها لا باشتراط عملائه عند إيداعهم
    لأموالهم في البنك ، بل بقصد تشويقهم وترغيبهم على تكثير
    رصيدهم لديه ، وترغيب الآخرين على فتح الحساب عنده ، جاز
    ذلك ، كما يجوز عندئذ لمن أصابته القرعة أن يقبض الجائزة ـ مع
    الاستئذان من الحاكم الشرعي على الأحوط ـ بعنوان مجهول
    المالك إذا كان البنك حكومياً أو مشتركاً ، ثم يتصرّف فيها بعد
    مراجعة الحاكم الشرعي لإصلاحها ، وإذا كان أهلياً جاز قبض
    الجائزة والتصرّف فيها بلا حاجة إلى مراجعة الحاكم الشرعي .
    وأمّا إذا كان قيام البنك بعملية القرعة ودفع الجائزة بعنوان
    الوفاء بالشرط الذي اشترطه عليه عملاؤه في ضمن عقد القرض
    أو نحوه ، فلا يجوز ذلك ، كما لا يجوز لمن أصابته القرعة
    أخذها بعنوان الوفاء بذلك الشرط ، ويجوز بدونه . 

    ( 10 )
    تحصيل الكمبيالات
    من الخدمات التي يقوم بها البنك : تحصيل قيمة الكمبيالة
    لحساب عميله ، فإنّه قبل تاريخ استحقاقها يخطر المدين ( موقّع
    الكمبيالة ) ويشرح في إخطاره قيمتها ورقمها وتاريخ استحقاقها
    ليكون على علم ويتهيّأ للدفع ، وبعد التحصيل يقيّد القيمة في
    حساب العميل أو يدفعها إليه نقداً ، ويأخذ منه عمولة إزاء هذه
    الخدمة ، ومن هذا القبيل قيام البنك بتحصيل قيمة الصكّ لحامله
    من بلده أو من بلد آخر ، كما إذا لم يرغب الحامل تسلّم القيمة
    بنفسه من الجهة المحال عليها ، فيأخذ البنك منه عمولة إزاء قيامه
    بهذا العمل .
    مسألة 25 : تحصيل قيمة الكمبيالات وأخذ العمولة على
    ذلك يقع على أنحاء :
    1 ـ أن يقدّم المستفيد كمبيالة إلى البنك غير محوّله عليه
    ويطلب من البنك تحصيل قيمتها إزاء عمولة معيّنة .
    والظاهر جواز هذه الخدمة وأخذ العمولة بإزائها ، ولكن



    بشرط أن يقتصر عمل البنك على تحصيل قيمة الكمبيالة فقط ،
    وأمّا تحصيل فوائدها الربوية فهو غير جائز ، ويمكن تخريج
    العمولة فقهياً بأنّها جعالة من الدائن للبنك على تحصيل دينه .
    2 ـ أن يقدّم المستفيد كمبيالة إلى البنك محوّلة عليه ، ولكن
    لم يكن مديناً لموقّعها ، أو كان مديناً له بعملة أُخرى غير ما أحال
    بها عليه .
    وحينئذ يجوز للبنك أخذ عمولة إزاء قبوله هذه الحوالة ـ
    بالشرط المتقدّم في سابقه ـ لأنّ القبول غير واجب على البريء
    وكذا على المدين بغير جنس الحوالة ، فحينئذ لا بأس بأخذ شيء
    مقابل التنازل عن حقّه هذا .
    3 ـ أن يقدّم المستفيد كمبيالة إلى البنك محوّلة عليه ممّن
    لديه رصيد مالي لدى البنك ، وقد أشار فيها بتقديمها إلى البنك
    عند الاستحقاق ، ليقوم البنك بخصم قيمتها من حسابه الجاري
    وقيدها في حساب المستفيد ( الدائن ) أو دفعها له نقداً ، فمردّ ذلك
    إلى أنّ الموقّع أحال دائنه على البنك المدين له ، فيكون ذلك من
    قبيل الحوالة على المدين ، والمختار فيها ـ كما تقدّم ـ اعتبار
    قبول المحال عليه ( وهو البنك هنا ) فلا تكون الحوالة نافذة من
    دون قبوله ، وعليه فيجوز له أخذ عمولة إزاء قيامه بقبول الحوالة
    وتسديد دينه .


    ( 11 )
    بيع العملات الأجنبية وشراؤها
    من أعمال البنوك : القيام بشراء العملات الأجنبية وبيعها ،
    لغرض توفير القدر الكافي منها لتأمين حاجات عملائها ، ولا
    سيّما التجّار المستوردين للبضائع من الخارج ، وللحصول على
    الربح منه نتيجة الفرق بين أسعار الشراء والبيع .
    مسألة 26 : يصحّ بيع العملات الأجنبية وشراؤها بقيمتها
    السوقية ، وبالأقل وبالأكثر ، بلا فرق في ذلك بين كون البيع أو
    الشراء حالاً أو موجّلاً ، فإنّ البنك كما يقوم بعملية العقود الحالّة
    يقوم بعملية العقود المؤجّلة .



    ( 12 )
    السحب على المكشوف
    كلّ من لديه رصيد لدى البنك في الحساب الجاري يحقّ له
    سحب أيّ مبلغ لا يزيد عن رصيده .
    نعم ، قد يسمح البنك له بسحب مبلغ معيّن من دون رصيد ،
    نظراً لثقته به ، ويسمّى ذلك بـ : ( السحب على المكشوف )
    ويحتسب البنك فائدة على هذا المبلغ .
    مسألة 27 : السحب على المكشوف مردّه إلى الاقتراض من
    البنك بشرط دفع الفائدة ، فهو قرض ربوي محرّم ، وما يتقاضاه
    البنك من الفوائد على المبالغ المسحوبة تعدّ من الفوائد الربوية
    المحرّمة .
    نعم ، إذا كان البنك حكومياً أو مشتركاً فلا بأس بالسحب
    منه ، لا بقصد الاقتراض ، بل بقصد الحصول على المال
    المجهول مالكه ، على نحو ما تقدّم في المسألة الثانية .


    ( 13 )
    خصم الكمبيالات
    تمهيدات :
    الأول : يمتاز البيع عن القرض في أنّ البيع تمليك عين
    بعوض لا مجّاناً ، والقرض تمليك للمال بالضمان في الذمّة بالمثل
    إذا كان مثلياً وبالقيمة إذا كان قيمياً (1) .
    __________________
    (1) قد يقال : إنّ البيع والقرض يفترقان من جهة أُخرى ، وهي اعتبار وجود فارق
    بين العوض والمعوض في البيع ، وبدونه لا يتحقق البيع وعدم اعتبار ذلك في
    القرض ، ويترتّب على ذلك أنّه لو باع مائة دينار بمائة وعشرة دنانير في الذمّة
    فلا بُدّ من وجود مائز بين العوضين كأن يكون أحدهما ديناراً عراقياً والثاني
    ديناراً أُردنياً ، وأما لو كانا جميعاً من الدينار العراقي مثلاً ، من فئة وطبعة
    واحدة ، فهو قرض بصورة البيع ، لانطباق العوض على المعوض مع زيادة
    فيكون محرّماً لتحقّق الربا فيه .
    ولكن هذا غير واضح ، لأنّه يكفي في تحقّق مفهوم البيع وجود التغاير بين
    العوضين في وعاء الإنشاء من حيث كون المعوض عيناً شخصية والعوض كلّياً
    في الذمّة ، مضافاً إلى أنّ لازم هذا الرأي القول بصحّة بيع عشرين كيلو من
    الحنطة نقداً بمثلها نسيئة بدعوى أنّه قرض غير ربوي حقيقة وإن كان بصورة
    البيع ، مع أنّه ـ كما يعترف هذا القائل ـ من بيع أحد المثلين بالآخر مع زيادة
    حكمية فيكون من الربا المحرّم .


    كما يمتاز عنه في أنّ البيع الربوي باطل من أصله ، دون
    القرض الربوي ، فإنّه باطل بحسب الزيادة فقط ، وأمّا أصل
    القرض فهو صحيح .
    ويمتاز عنه أيضاً في أنّ كلّ زيادة في القرض إذا اشترطت
    تكون رباً ومحرّمة دون البيع ، فإنّه تحرم فيه الزيادة مطلقاً في
    المكيل والموزون من العوضين المتّحدين جنساً ، وأمّا لو اختلفا
    في الجنس ، أو لم يكونا من المكيل والموزون ، فإن كانت
    المعاملة نقدية ، فلا تكون الزيادة رباً ، وأمّا لو كانت المعاملة
    مؤجّلة كما لو باع مائة بيضة بمائة وعشر إلى شهر ، أو باع عشرين
    كيلو من الأُرز بأربعين كيلو من الحنطة إلى شهر ، ففي عدم كون
    ذلك من الربا إشكال ، فالأحوط لزوماً الاجتناب عنه .
    الثاني : الأوراق النقدية بما أنّها من المعدود يجوز بيع
    بعضها ببعض متفاضلاً مع اختلافهما جنساً نقداً ونسيئة ، وأمّا مع
    الاتّحاد في الجنس فيجوز التفاضل في البيع بها نقداً ، وأمّا نسيئة
    فلا يخلو عن إشكال كما تقدّم .
    وعلى ذلك ، فيجوز للدائن عشرة دنانير عراقية مثلاً أن يبيع
    دينه بالأقلّ منها كتسعة دنانير نقداً ، كما يجوز له بيعه بالأقلّ منها
    من عملة أُخرى كتسعة دنانير أُردنية نقداً ونسيئة .
    الثالث : الكمبيالات المتداولة بين التجّار في الأسواق لم
    تعتبر لها مالية كالأوراق النقدية ، بل هي مجرد وثيقة لإثبات أنّ
    المبلغ الذي تتضمّنه دين في ذمّة موقّعها لمن كتبت باسمه ،
    فالمعاملات الجارية عليها لا تجري على أنفسها ، بل على النقود


    التي تعبّر عنها ، وأيضاً عندما يدفع المشتري كمبيالة للبائع لم
    يدفع ثمن البضاعة ، ولذا لو ضاعت الكمبيالة أو تلفت عند البائع
    لم يتلف منه مال ولم تفرغ ذمّة المشتري ، بخلاف ما إذا دفع له
    ورقة نقدية وتلفت عنده أو ضاعت .
    مسألة 28 : الكمبيالات على نوعين :
    أ ـ ما يعبّر عن وجود قرض واقعي ، بأن يكون موقّع
    الكمبيالة مديناً لمن كتبت باسمه بالمبلغ الذي تتضمّنه .
    ب ـ ما يعبر عن وجود قرض صوري لا واقع له .
    أمّا في الأول : فيجوز للدائن أن يبيع دينه المؤجّل الثابت
    في ذمّة المدين بأقلّ منه حالاً ، كما لو كان دينه مائة دينار فباعه
    بثمانية وتسعين ديناراً نقداً .
    نعم ، لا يجوز بيعه مؤجّلاً لأنّه من بيع الدين بالدين ، وبعد
    ذلك يقوم البنك أو غيره بمطالبة المدين ( موقّع الكمبيالة ) بقيمتها
    عند الاستحقاق .
    وأمّا في الثاني : فلا يجوز للدائن الصوري بيع ما تتضمّنه
    الكمبيالة ، لانتفاء الدين واقعاً وعدم اشتغال ذمّة الموقّع للموقّع له
    ( المستفيد ) بل إنّما كتبت لتمكين المستفيد من خصمها فحسب
    ولذا سمّيت ( كمبيالة مجاملة ) .
    ومع ذلك ، يمكن تصحيح خصمها بنحو آخر ، بأن يوكّل
    موقّع الكمبيالة المستفيد في بيع قيمتها في ذمّته بأقلّ منها ، مراعياً
    الاختلاف بين العوضين في الجنس ، كأن تكون قيمتها خمسين



    ديناراً عراقياً والثمن ألف تومان إيراني مثلاً ، وبعد هذه المعاملة
    تصبح ذمّة موقّع الكمبيالة مشغولة بخمسين ديناراً عراقياً إزاء ألف
    تومان إيراني ، ويوكّل الموقّع أيضاً المستفيد في بيع الثمن ـ وهو
    ألف تومان في ذمّته ـ بما يعادل المثمن وهو خمسون ديناراً
    عراقياً وبذلك تصبح ذمّة المستفيد مدينة للموقّع بمبلغ يساوي ما
    كانت ذمّة الموقّع مدينة به للبنك .
    ولكن هذا الطريق قليل الفائدة ، حيث إنّه إنّما يفيد فيما إذا
    كان الخصم بعملة أجنبية ، وأمّا إذا كان بعملة محلّية فلا أثر له ،
    إذ لا يمكن تنزيله على البيع عندئذ على ما عرفت من الإِشكال في
    بيع المعدود مع التفاضل نسيئة .
    وأمّا خصم قيمة الكمبيالة الصورية لدى البنك على نحو
    القرض ، بأن يقترض المستفيد من البنك مبلغاً أقلّ من قيمة
    الكمبيالة الاسمية ، ثم يحول البنك الدائن على موقّعها بتمام
    قيمتها ، ليكون من الحوالة على البريء ، فهذا رباً محرّم ، لأنّ
    اشتراط البنك في عملية الاقتراض ( الخصم ) اقتطاع شيء من قيمة
    الكمبيالة إنّما هو من قبيل اشتراط الزيادة المحرّم شرعاً ولو لم
    تكن الزيادة بإزاء المدّة الباقية بل بإزاء قيام البنك ببعض الأعمال
    كتسجيل الدين وتحصيله ونحوهما ، لأنّه لا يحقّ للمقرِض أنْ
    يشترط على المقترض أيّ نحو من أنحاء النفع الملحوظ فيه
    المال .
    هذا إذا كان البنك أهلياً ، وأمّا لو كان حكومياً أو مشتركاً
    فيمكن التخلّص من ذلك بأن لا يقصد المستفيد في عملية الخصم
    لديه شيئاً من البيع والاقتراض ، بل يقصد الحصول على المال


    المجهول مالكه فيقبضه مع الاستئذان من الحاكم الشرعي على
    الأحوط ، ثم يتصرّف فيه بعد المراجعة إليه لإِصلاحه ، فإذا رجع
    البنك في نهاية المدّة إلى موقّع الكمبيالة وألزمه بدفع قيمتها ، جاز
    له الرجوع على المستفيد ببدل ما دفع إذا كان قد وقّع الكمبيالة
    بأمر وطلب منه .



    ( 14 )
    العمل لدى البنوك
    تصنّف أعمال البنوك صنفين :
    أحدهما : محرّم ، وهو الأعمال التي لها صلة بالمعاملات
    الربوية كالتوكيل في إجرائها ، وتسجيلها ، والشهادة عليها ، وقبض
    الزيادة لآخذها ، ونحو ذلك ، ومثلها الأعمال المرتبطة بمعاملات
    الشركات التي تتعامل بالربا أو تتاجر بالخمر ، كبيع أسهمها وفتح
    الاعتماد لها وما يشبههما .
    وهذه كلّها محرّمة لا يجوز الدخول فيها ، ولا يستحقّ
    العامل أُجرة إزاء تلك الأعمال .
    ثانيهما : سائغ ، وهي غير ما ذكر ، فيجوز الدخول فيها
    وأخذ الأُجرة عليها .
    مسألة 1 ـ : إذا كان دافع الزيادة في المعاملة الربوية كافراً غير
    محترم المال ـ سواء كان هو البنك الأجنبي أو غيره ـ فقد تقدّم أنّه
    يجوز حينئذٍ أخذها للمسلم ، وعلى ذلك فيجوز الدخول في الأعمال
    التي ترتبط بإجراء مثل هذه المعاملة الربوية في البنوك وخارجها .

    مسألة 2 ـ : الجعالة والإجارة والحوالة ونحوها من
    المعاملات الجارية مع البنوك الحكومية في الدول الإسلامية
    تتوقّف صحّتها على إجازة الحاكم الشرعي ، فلا تصحّ من دون
    إجازته . وقد أجاز سماحة السيد ـ حفظه الله ـ معاملاتها تلك إذا
    كانت جامعة للشرائط المعتبرة فيها شرعاً .
    وهنا بعض التطبيقات لتحديد ما له صلة وما لا صلة له
    وصلتنا منه حفظه الله :
    ـ هل يجوز العمل في البنك لإدخال البيانات ومنها مقدار
    الفائدة الربوية ؟
    الجواب : لا يجوز على الأحوط .
    ـ موظفة في بنك حكومي تقوم بتدقيق الحسابات فتخبر
    بالديون التي للبنك على البنوك الأخرى ، فيقوم البنك بدوره بوضع
    فوائد ربوية على البنك المدين ؟
    الجواب : التدقيق في الحسابات إذا كانت تتضمن
    المعاملات الربوية عمل غير جائز ولا يجوز أخذ الأجرة عليه .
    نعم إخبار الموظّفة البنك الموظِّف بأن له ديناً على بنك آخر وقيام
    البنك بتسجيل فوائد على البنك الآخر فهو ليس بمحرم ، ويجوز
    لها أخذ الأجرة عليه .
    ـ ما حكم تدريس مادة محاسبة البنوك حيث يتم خلالها
    شرح العمليات الربويّة التي تقوم بها البنوك ؟
    الجواب : يجوز في حدّ ذاته .


    ـ موظف عمله في البنك دراسة الشركات التي تتقدم بطلب
    قروض من البنك من حيث إمكانياتها المالية ومواردها
    الإقتصادية ، وبعد موافقة البنك يتم الإقراض وتسجّل عليه فوائد ،
    فهل عمله جائز ؟
    الجواب : لا يبعد جوازه .
    ـ هل يجوز العمل في البنك إذا كانت مهمته التوقيع على
    استمارات تخليص البضائع التي تأتي إلى العملاء علماً بأن
    البضائع قد تكون كلّها أو بعضها من المحرمات ؟
    الجواب : عمله فيما يتعلق بتخليص الخمور حرام ، وأما
    فيما عدا ذلك فلا يحرم ، وإن لم يستحق الأجر عليه .

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

     فقه الحضارة  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: فقه الحضارة     فقه الحضارة  Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:21 pm

    ( 15 )
    فتاوى مصرفية
    أجاب السيد السيستاني مد ظله العالي بفتاوى تخص البنوك
    والمصارف والتعامل معها ، نورد نصوص تلك الفتاوى اكتفاء
    بالجواب عن السؤال :
    1 ـ يجوز الإيداع في البنوك غير الإسلامية ، أهلية كانت أو
    غير أهلية ، ولو بشرط الحصول على الفائدة ، لجواز أخذ الربا من
    غير المسلمين .
    2 ـ وإذا أراد المسلم الاقتراض من هذه البنوك ، فلا بد أن
    يقصد بذلك استنقاذ المال وإن كان يعلم أنه سيؤخذ منه الأصل
    والفائدة ، ولا يقصد الاقتراض بشرط دفع الفائدة ، لحرمة دفع
    الربا .
    3 ـ يحق للمسلم ترخيص غيره باستعمال اسمه مستفيداً من
    اعتباره لشراء أسهم البنوك والشركات وغيرها مقابل مبلغ من
    المال يتفق عليه الطرفان .
    4 ـ يحق للمسلم تبديل العملات بغيرها بقيمتها السوقية ،



    وبالأقل منها أو بالأكثر ، بلا فرق بين أن يكون ذلك التبديل حالاً
    أو مؤجلاً .
    5 ـ تحرم ولا تصح المعاملة بالنقود الورقية المزوَّرة ، أو
    الساقطة عن الاعتبار ، تلك التي يغش بها المتعامل الناس ، إذا
    كان من تدفع إليه العملة جاهلاً بأنها مغشوشة أو مزوَّرة .
    6 ـ يحق للإنسان في الغرب فتح الحساب في البنك ،
    ويجوز له الإيداع فيه مع اشتراط الحصول على الفائدة ، إذا كان
    البنك مموَّلاً من قبل الحكومة أو الأهالي غير المسلمين .
    7 ـ يجوز أخذ المال من البنك الذي تموِّله الحكومة أو
    الأهالي غير المسلمين بقصد الاستنفاذ لا الاقتراض . ولا يضرُّ
    الآخذ علمه بأن البنك سوف يلزمه بدفع أصل المال لا
    الاقتراض . ولا يضر الأخذ علمه بأن البنك سوف يلزمه بدفع
    أصل المال والزيادة (1) .






    __________________
    (1) فتاوى بخط سماحة السيد مد ظله في حوزة المؤلف .
    وانظر : فقه المغتربين / 180 وما بعدها .


    ثانياً
    أوراق اليانصيب
    وهي أوراق توزّعها بعض الشركات وتأخذ بإزائها مبالغ
    معيّنة من المال ، وتتعهّد الشركة بأن تقرع بين أصحاب البطاقات ،
    فمن أصابته القرعة تدفع له مبلغاً بعنوان الجائزة ، وهذه العملية
    يمكن أن تقع على وجوه :
    الأول : أن يكون إعطاء المال بإزاء البطاقة بغرض احتمال
    إصابة القرعة باسمه والحصول على الجائزة .
    وهذه المعاملة محرّمة وباطلة بلا إشكال ، فلو ارتكب
    المحرّم وأصابت القرعة باسمه ، فإن كانت الشركة حكومية فالمبلغ
    المأخوذ منها مجهول المالك ، وجواز التصرّف فيه متوقّف على
    مراجعة الحاكم الشرعي لإصلاحه ، وإن كانت أهلية جاز التصرّف
    فيه مع إحراز رضا أصحابه بذلك حتى مع علمهم بفساد المعاملة .
    الثاني : أن يكون إعطاء المال مجّاناً وبقصد الاشتراك في
    مشروع خيري ، كبناء مدرسة أو جسر أو نحو ذلك ، لا بقصد
    الحصول على الربح والجائزة ، فعندئذ لا بأس به .


    ثم إنّه إذا أصابت القرعة باسمه فلا مانع من أخذه ـ بإذن
    الحاكم الشرعي على الأحوط ـ ثم التصرّف فيه بعد المراجعة إليه
    لإصلاحه ، هذا إذا كانت الشركة حكومية ، وإلّا فلا حاجة إلى
    إذن الحاكم الشرعي ومراجعته .
    الثالث : أن يكون دفع المال بعنوان إقراض الشركة ، بحيث
    تضمن له عوضه ، ويكون له أخذه بعد ستة أشهر مثلاً ، ولكن
    الدفع المذكور مشروط بأخذ بطاقة اليانصيب على أن تدفع الشركة
    له جائزة عند إصابة القرعة باسمه ، فهذه المعاملة محرّمة ، لأنها
    من القرض الربوي (1) .
    وهنا ما هو مشابه لليانصيب ، وهو لعبة ( اللوتري ) التي تشيع
    في الولايات المتحدة ، فهل يجوز للمسلم أن يعرض أوراقها للبيع
    بوساطة جهاز ميكانيكي خاص معتبراً العملية استنفاذاً للمال من
    يد الكافر ؟
    فإن كانت تدير هذه اللعبة شركة ما ، وكان المسلم مخولاً
    من قبل الشركة القائمة بالأمر في عرضها وتوزيعها بين غير
    المسلمين جاز ذلك ، وليأخذ المال استنفاذاً ، ولا يقصد البيع ، أو
    يأخذه إزاء تنازله عن حقه فيه إن كان له حق اختصاص بها (2) .
    أما شراء بطاقة ( اللوتري ) فإن قصد به التبرع لمشروع خيري
    دون قصد الربح فله ذلك . ولو قصد بدفع الثمن أو بعضه التبرع
    __________________
    (1) السيد السيستاني / منهاج الصالحين 1 / 467 .
    (2) السيد السيستاني المستحدثات من المسائل الشرعية / 12 .

    المجاني لمشروع تحدده لجنة اللوتري ، أو قصد بدفع بعض الثمن
    احتمال الفوز بالجائزة فلا يجوز له شراء بطاقة ( اللوتري ) وفق
    هذا التوجه (1) .

















    __________________
    (1) عبد الهادي الحكيم : فقه المغتربين / 190 .



    ثالثاً
    عقد التأمين
    التأمين عقد يلتزم المؤمَّن له بمقتضاه أن يدفع مبلغاً معيناً ـ
    شهرياً ، أو سنوياً ، أو دفعة واحدة ـ إلى المؤمِّن في مقابل تعهّد
    المؤمِّن أن يؤدّي إلى المؤمّن له أو إلى المستفيد الذي اشترط
    التأمين لصالحه مبلغاً من المال ، أو إيراداً مرتّباً ، أو أيّ عوض
    ماليٍّ آخر ، في حالة وقوع حادث أو ضرر مبيّن في العقد .
    مسألة 1 : التأمين على أقسام ، منها :
    التأمين على الأشخاص من خطر الوفاة أو بعض الطوارىء
    الأُخرى كالمرض ونحوه .
    ومنها : التأمين على الأموال كالسيّارات والطائرات والسفن
    ونحوها من خطر الحريق أو الغرق أو السرقة أو ما شاكلها .
    وهناك تقسيمات أُخرى للتأمين لا يختلف الحكم الشرعي
    بالنظر إليها فلا داعي لذكرها .
    مسألة 2 : يشتمل عقد التأمين على أركان :

    1 و 2 ـ الإيجاب والقبول من المؤمِّن والمؤمّن له ، ويكفي
    فيهما كلّ ما يدلّ عليهما من لفظ أو كتابة أو غيرهما .
    3 ـ تعيين المؤمّن عليه ، شخصاً كان أو مالاً .
    4 ـ تعيين مدّة عقد التأمين بداية ونهاية .
    مسألة 3 : يعتبر في التأمين تعيين الخطر الموجب للضرر ،
    كالغرق والحرق والسرقة والمرض والموت ونحوها ، وكذا يعتبر
    فيه تعيين أقساط التأمين السنوية أو الشهرية لو كان الدفع أقساطاً .
    مسألة 4 : يشترط في طرفي عقد التأمين : البلوغ والعقل
    والقصد والاختيار وعدم الحجر لسفه أو فلس ، فلا يصحّ من
    الصغير والمجنون والهازل والمكره والمحجور عليه .
    مسألة 5 : عقد التأمين من العقود اللازمة ، ولا ينفسخ إلّا
    برضا الطرفين .
    نعم ، إذا اشترط في ضمن العقد استحقاق المؤمّن له أو
    المؤمِّن أو كليهما للفسخ جاز الفسخ حسب الشرط .
    مسألة 6 : إذا تخلّف المؤمِّن عن العمل بتعهّده ، كان للمؤمّن
    له إلزامه بذلك ـ ولو بالتوسّل إلى الحاكم الشرعي أو غيره ـ وله
    الخيار في فسخ العقد واسترجاع مبلغ التأمين .
    مسألة 7 : إذا تقرّر في عقد التأمين قيام المؤمّن له بدفع
    مبلغ التأمين أقساطاً ، فتخلف عن تسديد قسط ـ كمًّا أو كيفاً ـ لم
    يجب على المؤمِّن القيام بدفع المبالغ التي تعهّد بدفعها عند وقوع
    الضرر المعيّن ، كما لا يحقّ للمؤمَّن له استرجاع ما سدّده من
    أقسام التأمين .


    مسألة 8 : لا تعتبر في صحّة عقد التأمين مدّة خاصة ، بل
    هي تابعة لما يتّفق عليه الطرفان : المؤمِّن والمؤمَّن له .
    مسألة 9 : إذا اتّفق جماعة على تأسيس شركة يتكوّن رأس
    مالها من الأموال المشتركة بينهم ، واشترط كلّ منهم على الآخرين
    في ضمن عقد الشركة أنّه على تقدير حدوث حادثة ـ حدد نوعها في
    ضمن الشرط ـ على نفسه أو ماله ـ من داره أو سيارته أو نحو ذلك ـ
    أن تقوم الشركة بتدارك خسارته في تلك الحادثة من رأس مال الشركة
    أو أرباحها ، وجب العمل بالشرط ما دام العقد باقياً (1) .
    مسألة 10 : يحق للمسلم أن يتعاقد مع شركات التأمين
    المختلفة ، للتأمين على حياته أو أمواله من خطر الحريق أو الغرق
    أو السرقة ، أو ما شاكل ذلك (2) .








    __________________
    (1) السيد السيستاني / منهاج الصالحين 1 / 449 ـ 450 .
    (2) ظ : فقه المغتربين / 169 .


    رابعاً
    إخلاء المحلّات التجارية
    من المعاملات الشائعة بين التجّار والكسبة إخلاء المحلات
    التجارية ، وهو ما يسمّى بـ ( السرقفلية ) في العراق . ويراد بها
    تنازل المستأجر عمّا تحت تصرّفه بإيجار المحلّ الذي يشغله لآخر
    إزاء مقدار من المال يتفّق عليه الطرفان .
    وتطلق أيضاً على تنازل المالك للمستأجر عن حقّه في
    إخراجه من المحلّ أو زيادة بدل الإِيجار بعد نهاية مدّة الإجارة
    إزاء مقدار من المال يتّفقان بشأنه .
    مسألة 1 : استئجار الأعيان المستأجرة كمحلّات الكسب
    والتجارة لا يُحدث حقّاً للمستأجر فيها بحيث يمكنه إلزام المؤجّر
    عدم إخراجه منها وتجديد إيجارها منه بمقدار بدل إيجارها السابق
    بعد نهاية الإِجارة .
    وكذا طول إقامة المستأجر في المحل ، ووجاهته في مكسبه
    الموجبة لتعزيز الموقع التجاري للمحلّ ، لا يوجب شيء من ذلك
    حقّاً له في البقاء ، بل إذا تمّت مدّة الإجارة يجب عليه تخلية
    المحلّ وتسليمه إلى صاحبه .


    وإذا استغلّ المستأجر القانون الحكومي الذي يقضي بمنع
    المالك عن إجبار المستأجر على التخلية أو عن الزيادة في بدل
    الإيجار ، فامتنع عن دفع الزيادة أو التخلية فعمله هذا محرّم ،
    ويكون تصرّفه في المحل بدون رضا المالك غصباً ، وكذا ما
    يأخذه من المال إزاء تخليته حراماً .
    مسألة 2 : إذا آجر المالك محلّه من شخص سنة بمائة دينار
    مثلاً ، وقبض إضافة على ذلك مبلغ خمسمائة دينار مثلاً إزاء
    اشتراطه على نفسه في ضمن العقد أن يجدّد الإيجار لهذا
    المستأجر ، أو لمن يتنازل له المستأجر سنوياً بدون زيادة ، وإذا
    أراد المستأجر الثاني التنازل عن المحلّ لثالث أن يعامله نفس
    معاملة المستأجر ، فحينئذ يجوز للمستأجر أن يأخذ إزاء تنازله عن
    حقّه مبلغاً يساوي ما دفعه إلى المالك نقداً أو أكثر أو أقلّ حسب
    ما يتّفقان عليه .
    مسألة 3 : إذا آجر المالك محلّه من شخص مدّة معلومة
    وشرط على نفسه ـ إزاء مبلغ من المال أو بدونه ـ في ضمن العقد
    أن يجدّد إيجاره له سنوياً بعد نهاية المدّة بالصورة التي وقع عليها
    في السنة الأُولى أو على النحو المتعارف في كلّ سنة ، فاتّفق أنّ
    شخصاً دفع مبلغاً للمستأجر إزاء تنازله عن المحلّ وتخليته فقط ـ
    حيث لا يكون له إلّا حقّ البقاء وللمالك الحرّيّة في إيجار المحلّ
    بعد خروجه كيف ما شاء ـ فعندئذٍ يجوز للمستأجر أخذ المبلغ
    المتّفق عليه ، وتكون السرقفليّة بإزاء التخلية فحسب ، لا بإزاء
    انتقال حقّ التصرّف منه إلى وافعها .
    مسألة 4 : يجب على المالك الوفاء بما اشترطه على نفسه


    في ضمن عقد الإجارة ، فيجب عليه في مفروض . المسألة ( 2 ) أن
    يؤجر المحلّ للمستأجر أو لمن يتنازل له عنه بدون زيادة في بدل
    الإيجار ، كما يجب عليه في مفروض المسألة ( 3 ) أن يجدّد
    الإيجار للمستأجر ما دام يرغب في البقاء في المحلّ بمقدار بدل
    الإيجار السابق أو بما هو بدل إيجاره المتعارف حسبما هو مقرّر
    في الشرط .
    وإذا تخلّف المالك عن الوفاء بشرطه وامتنع عن تجديد
    الإيجار فللمشروط له إجباره على ذلك ولو بالتوسّل بالحاكم
    الشرعي أو غيره ، ولكن إذا لم يتيسّر إجباره ـ لأيّ سبب كان ـ
    فلا يجوز له التصرّف في المحلّ من دون رضا المالك .
    مسألة 5 : إذا جعل الشرط في عقد الإجارة في مفروض
    المسألتين ( 2 ـ 3 ) على نحو شرط النتيجة ـ لا على نحو شرط
    الفعل ، أي اشتراط تجديد الإجارة كما فرضناه ـ بأن اشترط
    المستأجر على المؤجر أن يكون له أو لمن يعيّنه مباشرة أو
    بواسطة حقّ إشغال المحلّ والاستفادة منه إزاء مبلغ معّين سنوياً ،
    أو بالقيمة المتعارفة في كلّ سنة ، فحينئذٍ يكون للمستأجر ـ أو لمن
    يعيّنه ـ حقّ إشغال المحلّ والاستفادة منه ولو من دون رضا
    المالك ، ولا يحقّ للمالك إلّا أن يطالب بالمبلغ الذي اتفقا عليه
    إزاء الحق المذكور .



    خامساً
    فتاوى حضارية بأموال الأوروبيين
    1 ـ يحرم على المسلم خيانة من يأتمنه على مال أو عمل ،
    حتى لو كان كافراً ، ويجب على المسلم المحافظة على الأمانة
    وأدائها كاملة ، فمن يعمل في محل مبيعات أو محاسب ، لا يجوز
    له أن يخون صاحب العمل ويأخذ شيئاً مما تحت يده .
    2 ـ لا تجوز السرقة من أموال غير المسلمين الخاصة
    والعامة ولا يجوز إتلافها ما دام ذلك يسيء إلى سمعة الإسلام
    والمسلمين بشكل عام .
    3 ـ لا تجوز السرقة من أموال غير المسلمين الخاصة والعامة
    ولا يجوز إتلافها ، حتى وإن كانت تلك السرقة وذلك الإتلاف لا
    يسيء إلى سمعة الإسلام والمسلمين فرضاً ، ولكنها عدَّت غدراً
    ونقضاً للأمان الضمني المعطى لهم حين طلب رخصة الدخول إلى
    بلادهم ، أو طلب رخصة الإقامة فيها ، وذلك لحرمة الغدر ونقض
    الأمان بالنسبة إلى كل أحد مهما كان دينه وجنسه ومعتقده .
    4 ـ لا يجوز سرقة أموال غير المسلمين حين دخولهم
    للبلدان الإسلامية .

    5 ـ لا يجوز للمسلم أن يأخذ الرواتب والمساعدات بطرق
    غير قانونية ، كتزويد المسؤولين بمعلومات غير صحيحة ، أو ما
    شاكل ذلك .
    6 ـ لو حاول المسلم أن يسحب من الماكنة شيئاً من ماله ،
    فخرج له أكثر مما طلب ، فلا يجوز له أخذ الزيادة دون علم
    البنك غير الإسلامي بذلك .
    7 ـ لو اشترى مسلم بضاعة من شركة أجنبية في بلد غير
    إسلامي ، فأعطاه البائع خطأ أكثر مما طلب ، فلا يحق له أخذ
    الزيادة ، ولو أخذها لزمه الإرجاع .
    8 ـ موظف مسلم يعمل بشركة غير مسلمة ، وهو يستطيع أن
    يأخذ من حاجات الشركة شيئاً دون علم الشركة ، فلا يجوز له
    ذلك .
    9 ـ لا يجوز وقف عداد الكهرباء ، أو الماء ، أو الغاز أو
    التلاعب به في الدول غير الإسلامية .
    10 ـ لا يجوز غش شركات التأمين في الدول غير
    الإسلامية حتى وإن اطمأن بأن عمله لا يضرُّ بسمعة الإسلام
    والمسلمين .
    11 ـ لا يجوز للمسلم أن يعطي معلومات غير صحيحة
    للدوائر الحكومية في أوروبا للحصول على مزايا وتسهيلات مالية
    أو معنوية ، وبالطريقة القانونية لديهم ، لأنه من الكذب (1) .
    __________________
    (1) ظ : فقه المغتربين / 167 وما بعدها .




    الفصل الثالث
    تخطيط المدن واستصلاح الأراضي
    1 ـ الشوارع العامة في مظاهرها المتعددة
    2 ـ الطرق المشتركة في الإعمار والاستثمار
    3 ـ الشوارع المفتوحة من قِبل الدولة
    4 ـ المياه والأنهار والآبار والعيون
    5 ـ إحياء الأرض الموات





    ( 1 )
    الشوارع العامة في مظاهرها المتعددة
    يتحقق لغة واصطلاحاً اسم الشارع العام ، إذا توافرت
    المواصفات السكانية والعمرانية والتخطيطية فيه كالآتي :
    1 ـ كثرة الاستطراق والتردد ومرور القوافل في الأرض
    المَوَات .
    2 ـ جعل الإنسان ملكه شارعاً وتسبيله تسبيلاً دائمياً لسلوك
    عامة الناس ، فإنه يصير طريقاً .
    وليس للمسبّل الرجوع بعد ذلك .
    3 ـ قيام شخص أو جهة بتخطيط طريق في الأرض الموات
    وتعبيده وجعله طريقاً لسلوك عامة الناس .
    4 ـ إحياء جماعة أرضاً مواتاً وتركهم طريقاً نافذاً بين الدور
    والمساكن (1) .

    __________________
    (1) السيستاني / منهاج الصالحين 2 / 269 .


    والشارع قد يتسع عرضاً وقد يتضيق ، ولكل منهما أحكامه
    الخاصة كما سيأتي ، وقد يكون مسبّلاً وقد يكون أحياءً ولكل
    منهما أحكامه الخاصة به كما سترى ، وقد تستمر به المارّة في
    الاستطراق وقد تنقطع ، وكل له أحكامه ، وقد فصل سماحة السيد
    دام ظله الشريف القول في كل ذلك ، وكشف المجهول في ارتياد
    مظان البحث الموضوعي ، والمسائل الآتية فتوائياً تضع الشيء في
    نصابه :
    1 ـ لو كان الشارع العام واقعاً بين الأملاك فلا حدّ له ،
    كما إذا كانت قطعة أرض موات بين الأملاك عرضها ثلاثة أذرع
    أو أقلّ أو أكثر ، واستطرقها الناس حتى أصبحت جادة ، فلا يجب
    على المالكين توسيعها ، وإن تضيقت على المارة .
    وكذا الحال فيما لو سبّل شخصٌ في وسط ملكه ، أو من
    طرف ملكه المجاور لملك غيره مقداراً لعبور الناس .
    2 ـ إذا كان الشارع العام محدوداً بالموات من أحد طرفيه
    أو كليهما ، وكان عرضه أقلّ من خمسة أذرع ، لم يجز إحياء
    الأراضي المتصلة به بحيث يبقى ضيّقاً على حاله بل لا بد من
    مراعاة أن لا يقلّ الفاصل المشتمل عليه عن خمسة أذرع ،
    والأفضل أن لا يقلّ عن سبعة أذرع ، فلو أقدم أحدٌ على إحياء
    حريمه متجاوزاً على الحد المذكور لزم هدم المقدار الزائد .
    هذا إذا لم يلزم ولي المسلمين حسب ما يراه من المصلحة
    أن يكون الفاصل أزيد من خمسة أذرع ، وإلّا وجب اتّباع أمره ،
    ولا يجوز التجاوز على الحد الذي يعيّنه .

    3 ـ إذا انقطعت المارّة عن الطريق ولم يرج عودهم إليه
    جاز لكل أحد إحياؤه ، سواء أكان ذلك لعدم وجودهم ، أو لمنع
    قاهر إياهم ، أو لهجرهم إياه واستطراقهم غيره ، أو لغيرها من
    الأسباب . هذا إذا لم يكن مسبّلاً ، وإلّا ففي جواز إحيائه من دون
    مراجعة ولي الأمر إشكال .
    4 ـ إذا زاد عرض الطريق عن خمسة أذرع ، فإن كان مسبَّلاً
    لم يجز لأحد اقتطاع ما زاد عليها وإخراجه عن كونه طريقاً ، وأمّا
    إذا كان غير مسبّل فإن كان الزائد مورداً لاستفادة المستطرقين ـ
    ولو في بعض الأحيان والحالات ـ لم يجز ذلك أيضاً ، وإلّا في
    جوازه إشكالٌ ، والأحوط العدم (1) .










    __________________
    (1) السيستاني / منهاج الصالحين 2 / 269 ـ 270 .



    ( 2 )
    الطرق المشتركة في الإعمار والاستثمار
    يشترك المسلمون في الإفادة من الطرق العامة النافذة
    اشتراكاً فعلياً في الإعمار والاستثمار شريطة أن لا يضر
    بالمستطرقين سلوكاً واستطراقاً وعائدية ، والطريق بعامة على
    قسمين : نافذ وغير نافذ ، وقد أولى الشرع الشريف عناية فائقة
    بالقسمين .
    أولاً : الطريق النافذ ، وهو الشارع العام ؛ والناس فيه شرع
    سواء ، ولا يجوز التصرف لأحد في أرضه ببناء حائط ، أو حفر
    بئر ، أو شق نهر ، أو نصب دكة ، أو غرس أشجار ونحو ذلك ،
    وإن لم يكن مضرّاً بالمستطرقين ، نعم لا بأس بما يعدّ من
    مكملاته ومحسناته ، ومنها : أن يشق فيه المجاري لتجتمع فيها
    مياه الأمطار ونحوها ، ومنها أن يجعل فيه حاويات الأزبال
    والنفايات ، ومنها غرس الأشجار ، ونصب المضلات وأعمدة
    الإنارة في الأماكن المناسبة منه كما هو المتعارف بالنسبة إلى
    جملة من الشوارع والطرق في العصر الحاضر ، فإن هذا كله مما
    لا بأس به إذا لم يكن مضراً بالمستطرقين .

    وههنا مسائل محكمة في الموضوع :
    1 ـ يجوز الاستفادة من فضاء الطرق النافذة والشوارع
    العامة بإحداث جناح أو نحوه إذا لم يكن مضراً بالمستطرقين
    بوجه ، وليس لأحد منع القائم بذلك حتى صاحب الدار المقابلة ،
    وإن استوعب الجناح عرض الطريق بحيث كان مانعاً عن إحداث
    جناح في مقابله ما لم يضع منه شيئاً على جداره ، نعم إذا استلزم
    الإشراف على دار الجار ففي جوازه إشكال ، وإن قيل بجواز مثله
    في تعلية البناء في ملكه ، فلا يترك الاحتياط .
    2 ـ لو أحدث جناحاً على الشارع العام ثم انهدم أو هُدم ؛
    فإن كان من قصده تجديده ثانياً ؛ فالظاهر أنه لا يجوز للطرف
    الآخر إشغال ذلك القضاء ، وإن لم يكن من قصده تجديده جاز له
    ذلك .
    3 ـ لو أحدث شخص جناحاً على الطريق العام فلا إشكال
    في أنه يجوز للطرف المقابل إحداث جناح آخر في طرفه سواء
    أكان أعلى من الجناح الأول أو أدنى منه ، أو موازياً له ، بشرط
    أن لا يكون مانعا بوجه من استفادة الأول من جناحه كما هو
    الحال في الشوارع الوسيعة جداً .
    وأمّا إذا كان مانعاً منها ولو بلحاظ إشغال الفضاء الذي
    يحتاج إليه صاحب الجناح الأول بحسب العادة ، ففي جواز
    إحداثه من دون إذنه إشكال بل منع .
    4 ـ كما يجوز إحداث الأجنحة على الشوارع العامة يجوز
    فتح الأبواب المستجدة فيها سواء أكانت له باب أخرى أم لا ،



    وكذا فتح الشبابيك والروازن عليها ، ونصب الميزاب فيها ، وكذا
    بناء ساباط عليها إذا لم يكن معتمداً على حائط غيره مع عدم
    إذنه ، ولم يكن مضرّاً بالمارة ولو من جهة الظلام ، وإذا فرض أنه
    كما يضرهم من جهة ينفعهم من جهة كالوقاية من الحرّ والبرد ،
    فلا بدّ من مراجعة ولي الأمر ليوازن بين الجهتين ، ويراعي ما هو
    الأصلح ، وكذا يجوز نقب سرداب تحت الجادة مع إحكام أساسه
    وبنيانه وسقفه بحيث يؤمن من الثقب والخسف والانهدام (1) .
    ثانياً : الطريق غير النافذ ، وهو الذي لا يسلك منه إلى
    طريق آخر ، أو أرض مباحة ، لكونه محاطاً بالدور من جوانبه
    الثلاثة ، وهو المسمى بالسكة المرفوعة ( الدريبة ) هذا الطريق عائد
    إلى مستطرقيه ، وهم أرباب الدور المفتوحة أبوابها إليه ، دون كل
    من كان حائط داره إليه ، وهو مشترك بينهم في حق الاستطراق
    بمقدار ما يشتركون في استطراقه ، فيكون أوله مشتركاً بين
    جميعهم ، ويقل عدد الشركاء كلما قرب إلى آخره ، وربما ينحصر
    ذو الحق في واحد ، وهو فيما إذا اختص آخر الدريبة بفتح باب
    واحد إليه .
    هذا إذا لم يعلم كون الدريبة عائدة لبعضهم بالخصوص ، أو
    عائدة للجميع على وجه التساوي أو التفاضل وإلا ترتبت أحكامه .
    وههنا مسائل في المقام :
    1 ـ لا يجوز لمن له باب في الدريبة فتح باب آخر فيها
    أُدخِل من الباب الأول ، سواء مع سدّ الباب الأول أم بدونه ، إلا
    __________________
    (1) السيستاني / منهاج الصالحين 2 / 266 ـ 267 .

    مع الاستئذان في ذلك ممن له حق الاستطراق في المكان الثاني
    من أرباب الدور .
    2 ـ لا يجوز لمن كان حائط داره إلى الدريبة إحداث
    جناح ، أو بناء ساباط ، أو نصب ميزاب ، أو ثقب سرداب ، أو
    غير ذلك من التصرفات فيها إلا بإذن أربابها ، كما لا يجوز له فتح
    باب إليها للاستطراق إلا بإذنهم ، نعم له فتح ثقبة وشباك إليها ،
    وأما فتح باب لا للاستطراق بل لمجرد التهوية أو الاستضاءة فلا
    يخلو عن إشكال .
    3 ـ يجوز لكل من أصحاب الدريبة استطراقها والجلوس
    فيها من غير مزاحمة المستطرقين ، وكذا التردد منها إلى داره بنفسه
    وعائلته وضيوفه وكل ما يتعلق بشؤونه من دون إذن باقي الشركاء
    وإن كان فيهم القصّر ، ومن دون رعاية المساواة معهم (1) .
    وأما الانتفاع العام فمظنته الشوارع العامة ، إذ يجوز لكل
    أحد الجلوس فيها أو النوم أو الصلاة أو البيع أو الشراء أو نحو
    ذلك ما لم يكن مزاحماً للمستطرقين ، وليس لأحد منعه عن ذلك
    وإزعاجه .
    وههنا ثلاث مسائل :
    1 ـ إذا جلس أحد في موضع من الطريق ثم قام عنه ، فإن
    كان جلوسه جلوس استراحة ونحوها جاز لغيره أن يشغل موضع
    جلوسه ، وإن كان لحرفة ونحوها فإن كان قيامه بعد استيفاء
    __________________
    (1) السيستاني / منهاج الصالحين 2 / 267 وما بعدها .


    غرضه ، أو أنه لا ينوي العود كان الحال كذلك وليس للأول
    منعه ، وإن كان قيامه قبل استيفاء غرضه وكان ناوياً للعود فعندئذٍ
    إن بقي منه فيه متاع أو رحل أو بساط لم يجز لغيره إزاحته
    وإشغال ذلك الموضع ، وإلا ففي جوازه إشكال ، والاحتياط لا
    يترك فيما إذا كان في يوم واحد ، وأما إذا كان في يوم آخر
    فالظاهر إنه لا إشكال في جوازه .
    2 ـ كما لا يجوز مزاحمة الجالس في موضع جلوسه ،
    كذلك لا يجوز مزاحمته فيما حوله قدر ما يحتاج إليه لوضع متاعه
    ووقوف المتعاملين فيه ، بل ليس لغيره أن يقعد حيث يمنع من
    رؤية متاعه أو وصول المتعاملين إليه .
    3 ـ يجوز للجالس للمعاملة أو نحوها أن يظلل على موضع
    جلوسه بما لا يضر المارة بثوب أو بارية أو نحوهما ، وليس له
    بناء دكة ونحوها فيه (1) .







    __________________
    (1) السيستاني / منهاج الصالحين 2 / 268 وما بعدها .


    ( 3 )
    الشوارع المفتوحة من قبل الدولة
    بغية تخطيط المدن تخطيطاً عمرانياً ، ونتيجة للكثافة
    السكانية ، وحلاً لظاهرة تزاحم المواصلات ، فقد تلجأ الدول إلى
    فتح الشوارع العامة فتستملك الدور والعقارات ، وتعوّض عادة
    المالكين ، وقد يشمل هذا الفتح المساجد والمعابد ضمن
    مساحات تلك الأراضي المستملكة ، ويترتب على ذلك حكم هذه
    الأرض ، فهل ترتب عليها آثار المسجدية أو آثار الوقفية ، وكيف ؟
    وما هو شأن أنقاضها في الأحكام ، فهل تصرف بأعيانها على
    عمارة مسجد آخر ، وهل يجوز بيعها من قبل المتولي إذا رأى
    المصلحة في ذلك ، وإلى ماذا تكون عائدية ثمنها ، فهل تصرف
    على مسجد آخر ، أم تعود للأوقاف العامة ، وما هو شأن المقابر
    الموجودة في تلك الطرق ، وما هو شأن المدارس والحسينيات
    الواقعة في الشوارع أو المتبقي شيء منها في أرصفتها المستحدثة ،
    وأخيراً ما هو حكم الاستطراق والمرور ، وأحكام الفضلات
    المتصلة بالأرصفة ، وغير هذا ما تجيب عليه المسائل الآتية
    المعبرة عن الحكم الشرعي عند سماحة السيد دام ظله .


    1 ـ يجوز استطراق الشوارع والأرصفة المستحدثة الواقعة
    على الدور والأملاك الشخصية للناس التي تستملكها الدولة
    وتجعلها طرقاً . نعم من علم أن موضعاً خاصاً منها قد قامت
    الدولة باستملاكه قهراً على صاحبه من دون إرضائه بتعويض أو ما
    بحكمه ، جرى عليه حكم الأرض المغصوبة ، فلا يجوز له
    التصرّف فيه حتى بمثل الاستطراق إلا مع استرضاء صاحبه أو وليّه
    ـ من الأب أو الجدّ أو القيّم المنصوب من قبل أحدهما ـ فإن لم
    يعلم صاحبه جرى عليه حكم المجهول مالكه ، فيراجع بشأنه
    الحاكم الشرعي ، ومنه يظهر حكم الفضلات الباقية منها ، فإنه لا
    يجوز التصرف فيها إلا بإذن أصحابها .
    2 ـ يجوز العبور والمرور من أراضي المساجد الواقعة في
    الطرق ، وكذا يجوز الجلوس فيها ونحوه من التصرفات ، وهكذا
    الحال في أراضي الحسينيات والمقابر وما يشبههما من الأوقاف
    العامة .
    وأما أراضي المدارس وما شاكلها ففي جواز التصرّف فيها
    بمثل ذلك لغير الموقوف عليهم إشكال .
    3 ـ المساجد الواقعة في الشوارع والأرصفة المستحدثة لا
    تخرج عرصتها عن الوقفية ، ولكن لا تترتب عليها الأحكام
    المترتبة على عنوان المسجد الدائرة مداره وجوداً وعدماً ، كحرمة
    تنجيسه ، ووجوب إزالة النجاسة عنه ، وعدم جواز مكث الجنب
    والحائض والنفساء فيه ، وما شاكل ذلك .
    وأمّا الفضلات الباقية منها ، فإن لم تخرج عن عنوان


    المسجدية ترتبت عليها جميع أحكامه ، وأمّا إذا خرج عنه ـ كما
    إذا جعلها الظالم دكّاناً أو محلّاً أو داراً ـ فلا تترتب عليها تلك
    الأحكام ، ويجوز الانتفاع منها بجميع الانتفاعات المحللة الشرعية
    إلّا ما يعدّ منها تثبيتاً للغصب ، فإنه غير جائز .
    4 ـ الأنقاض الباقية من المساجد بعد هدمها ـ كأحجارها
    وأخشابها ، وآلاتها : كفرشها ، ووسائل إنارتها وتبريديها وتدفئتها ـ
    إذا كانت وقفاً عليها وجب صرفها في مسجد آخر ، فإن لم يمكن
    ذلك جعلت في المصالح العامة ، وإن لم يمكن الانتفاع بها إلا
    ببيعها باعها المتولي أو من بحكمه وصرف ثمنها على مسجد
    آخر .
    وأمّا إذا كانت أنقاض المسجد ملكاً له ، كما لو كانت قد
    اشتريت من منافع العين الموقوفة على المسجد ، فلا يجب صرف
    تلك الأنقاض بأنفسها على مسجد آخر ، بل يجوز للمتولي أو من
    بحكمه أن يبيعها إذا رأى المصلحة في ذلك ، فيصرف ثمنها على
    مسجد آخر .
    وما ذكرناه من التفصيل يجري أيضاً في أنقاض المدارس
    والحسينيات ونحوهما من الأوقاف العامة الواقعة في الطرقات .
    5 ـ مقابر المسلمين الواقعة في الطرق : إن كانت من
    الأملاك الشخصية أو من الأوقاف العامة ، فقد ظهر حكمها ممّا
    سبق ، هذا إذا لم يكن العبور والمرور عليها هتكاً لموتى
    المسلمين ، وإلّا فلا يجوز .
    وأمّا إذا لم تكن ملكاً ولا وقفاً فلا بأس بالتصرف فيها ما



    لم يكن هتكاً . ومن ذلك يظهر حال الأراضي الباقية منها ، فإنها
    على الغرض الأول لا يجوز التصرف فيها وشراؤها إلا بإذن
    مالكها .
    وعلى الغرض الثاني لا يجوز ذلك إلا بإذن المتولي ومن
    بحكمه ، فيصرف ثمنها في مقابر أخرى للمسلمين مع مراعاة
    الأقرب فالأقرب على الأحوط .
    وعلى الغرض الثالث ، يجوز ذلك من دون حاجة إلى إذن
    أحد ، ما لم يستلزم التصرّف في ملك الغير كآثار القبور
    المهدّمة (1) .











    __________________
    (1) السيستاني / منهاج الصالحين 1 / 462 وما بعدها .


    ( 4 )
    المياه والأنهار والآبار والعيون
    وهي الأصل في استصلاح الأراضي ، واستنزال البركات ،
    ففيها تزدهر البلاد وتعمر الديار ، وفيها حياة الناس والحيوان
    والمزارع ، وعليها يقوم سلّم الحضارة فيبلغ ذروته في الإعمار
    والاستثمار والخيرات ، وعليها مدار الحياة البشرية في بلوغ النِعم
    وسدّ متطلبات العيش الرغيد ، فلا حياة بلا ماء ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ
    كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) وهو أحد المباحات لكل أحد ، وفي ضوء مصادره
    وتملكه وإباحته ومسلتزماته وتبعاته تنطلق عدة مسائل تحدد
    الأحكام الشرعية المناطة به .
    1 ـ مياه الشطوط والأنهار الكبار كدجلة والفرات وما
    شاكلهما ، وهكذا الصغار التي جرت بنفسها من العيون أو
    السيول ، أو ذوبان الثلوج ، وكذا العيون المتفجرة من الجبال أو
    في أراضي الموات ونحوها ، كلها من الأنفال ـ أي أنها مملوكة
    للإمام عليه‌السلام ـ ولكن من حاز منها شيئاً بآنية أو حوض أو غيرهما ،
    وقصد تملكه ملكه من غير فرق في ذلك بين المسلم والكافر .


    2 ـ كل ماء من مطر أو غيره لو اجتمع بنفسه في مكان بلا
    يد خارجية عليه ؛ فهو من المباحات الأصلية ، فمن حازه بإناء أو
    غيره وقصد تملكه ملكه من دون فرق بين المسلم والكافر في
    ذلك .
    3 ـ مياه الآبار والعيون والقنوات التي جرت بالحفر لا
    بنفسها ملك الحافر ، فلا يجوز لأحد التصرف فيها بدون إذن
    مالكها .
    4 ـ إذا شقّ نهراً من بعض الأنهار الكبار سواء أكان بشقه
    في أرض مملوكة له ، أو بشقه في الموات بقصد إحيائه نهراً ،
    ملك ما يدخل فيه من الماء إذا قصد تملكه .
    4 ـ إذا كان النهر لأشخاص متعددين ، ملك كل منهم مقدار
    حصته من النهر ، فإن كانت حصة كل منهم من النهر بالسوية
    اشتركوا في الماء بالسوية ، وإن كانت بالتفاوت ملكوا الماء بتلك
    النسبة ، ولا تتبع نسبة استحقاق الماء نسبة استحقاق الأراضي
    التي تُسقى منه .
    5 ـ الماء الجاري في النهر المشترك حكمه حكم سائر
    الأموال المشتركة ، فلا يجوز لكل واحد من الشركاء التصرف فيه
    بدون إذن الباقين . وعليه فإن أباح كل منهم لسائر شركائه أن
    يقضي حاجته منه في كل وقت وزمان ، وبأي مقدار شاء جاز له
    ذلك .
    6 ـ إذا وقع بين الشركاء تعاسر وتشاجر ؛ فإن تراضوا
    بالتناوب والمهاباة بالأيام أو الساعات فهو ، وإلّا فلا محيص من


    تقسيمه بينهم بالأجزاء ، بأن توضع في فم النهر حديدة مثلاً ذات
    ثقوب متعددة متساوية ، ويجعل لكل منهم من الثقوب بمقدار
    حصته ، ويوصل كل منهم ما يجري في الثقبة المختصة به إلى
    ساقيته ، فإن كانت حصة أحدهم سدساً ، والآخر ثلثاً والثالث
    نصفاً ، فلصاحب السدس ثقب واحد ، ولصاحب الثلث ثقبان ،
    ولصاحب النصف ثلاثة ثقوب ، فالمجموع ستة .
    7 ـ القسمة بحسب الأجزاء لازمة ليس لأحدهم الرجوع
    عنها بعد وقوعها ، والظاهر أنها قسمة إجبار ، فإذا طلبها أحد
    الشركاء أجبر الممتنع منهم عليها .
    وأما القسمة بالمهاباة والتناوب فهي ليست بلازمة ، فيجوز
    لكل منهم الرجوع عنها حتى فيما إذا استوفى تمام نوبته ، ولم
    يستوف الآخر نوبته ، وإن ضمن المستوفي حينئذٍ مقدار ما استوفاه
    بالمثل .
    8 ـ إذا اجتمعت أملاك على ماء عينٍ ، أو وادٍ ، أو نهر ، أو
    نحو ذلك من المشتركات كان للجميع حقُّ السقي منه ، وليس
    لأحد منهم إحداث سدّ فوقها ليقبض الماء كله أو ينقصه عن
    مقدار احتياج الباقين .
    وعندئذٍ فإن كفى الماء للجميع من دون مراجعة فهو ، وإلّا
    قدّم الأسبق فالأسبق في الأحياء إن كان عُلم السابق ، وإلا قدّم
    الأعلى فالأعلى والأقرب فالأقرب إلى فوهة العين أو أصل
    النهر ، وكذا الحال في الأنهار المملوكة المنشقة من الشطوط ،
    فإن كفى الماء للجميع وإلا قدّم الأسبق فالأسبق ـ أي : من كان



    شق نهره أسبق من شق نهر الآخر ـ إن كان هناك سابق ولاحق
    وعُلِم ، وإلا فيقبض الأعلى بمقدار ما يحتاج إليه ثم ما يليه
    وهكذا .
    9 ـ تنقية النهر المشترك وإصلاحه ونحوهما على الجميع
    بنسبة ملكهم إذا كانوا مقدمين على ذلك باختيارهم ، وإما إذا لم
    يقدم على ذلك إلا البعض لم يجبر الممتنع ، كما أنه لا يجوز
    التصرف فيه لغيره إلا بإذنه ، وإذا أذن لهم بالتصرف فليس لهم
    مطالبته بحصته من المؤنة إلا إذا كان إقدامهم بطلبه وتعهده ببذل
    حصته .
    10 ـ إذا كان النهر مشتركاً بين القاصر وغيره ، وكان إقدام
    غير القاصر متوقفاً على مشاركة القاصر ، إمّا لعدم اقتداره بدونه
    أو لغير ذلك ، وجب على ولي القاصر ـ مراعاة لمصلحته ـ
    إشراكه في التنقية والتعمير ونحوهما ، وبذل المؤنة من مال القاصر
    بمقدار حصته .
    11 ـ ليس لصاحب النهر تحويل مجراه إلا بإذن صاحب
    الرحى المنصوبة عليه بإذنه ، وكذا غير الرحى أيضاً من الأشجار
    المغروسة على حافتيه وغيرها .
    12 ـ ليس لأحد أن يحمي المرعى ويمنع غيره عن رعي
    مواشيه إلّا أن يكون المرعى ملكاً له ، فيجوز له أن يحميه حينئذٍ ،
    نعم لولي المسلمين أن يحمي المراعي العامة ، ويمنع من الرعي
    فيها حسب ما تقتضيه المصلحة (1) .
    __________________
    (1) السيستاني / منهاج الصالحين 2 / 273 ـ 275 .

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

     فقه الحضارة  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: فقه الحضارة     فقه الحضارة  Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:22 pm

    إن هذا الاستيعاب الشامل لمسائل المياه والأنهار والآبار
    والعيون وما استلحق بها من التنقية والإصلاح والإعمار وحماية
    المراعي لهو بحقٍّ تسخيرٌ للموارد البشرية في استثمارها على
    الوجه الأكمل الذي أراده الله لعباده من أجل إعمار الأرض
    واستصلاحها بما فيه خير المجتمع الإنساني ، لينهض بحضارته
    إلى القمة في الحضارات .



    ( 5 )
    إحياء الأرض الموات
    المراد بالموات : الأرض المتروكة التي لا ينتفع بها انتفاعاً
    معتدّاً به ، ولو بسبب انقطاع الماء عنها ، أو استيلاء المياه أو
    الأحجار أو الرمال عليها . وكالأرض التي ينبت فيها الحشيش
    فتكون مرعى للدواب والأنعام ، وأما الغابات التي تكثر فيها
    الأشجار فليست من الموات بل هي من الأراضي العامرة
    بالذات .
    والموات على نوعين :
    1 ـ الموات بالأصل ، وهو ما لم تعرض عليه الحياة من
    قبل ، وما هو في حكمه كأكثر البراري والمفاوز والبوادي وسفوح
    الجبال .
    2 ـ الموات بالعارض : وهو ما عرض عليه الخراب
    والمَوَتان بعد الحياة والعمران .
    والموات بالأصل ملك للإمام عليه‌السلام لأنه من الأنفال ، ولكن
    يجوز إحياؤه لكل أحد ، فلو أحياه كان أحقّ به من غيره .

    هذا إذا لمْ يطرأ عنوان ثانوي يقتضي المنع من إحيائه ، كأن
    يكون حريماً لملك الغير ، أو كون إحيائه خلاف المصلحة العامة .
    والذي يجري فيه حكم الأنفال ويجوز إحياؤه من الأراضي
    الموات بالعارض قسمان :
    1 ـ ما باد أهله ، أو هاجروا عنه ، وعدّ بسبب تقادم السنين
    ومرور الأزمنة مالاً بلا مالك كالأراضي المندرسة المتروكة ،
    والقرى الداثرة ، والبلاد الخربة ، والقنوات الطامسة ، والتي كانت
    للأمم الماضية الذين لم يبق منهم أحد .
    2 ـ ما كان عامراً حين الفتح ، ولكن طرأ عليه الخراب بعد
    ذلك . وهذه الأراضي كما يجوز إحياؤها ، وإعمار خرابها ، كذلك
    يجوز حيازة موادها وأجزائها الباقية من الأخشاب والأحجار
    والآجر ، وما شاكل ذلك ، ويملكها الحائز إذا أخذها بقصد
    التملك .
    ومن أحيا أرضاً مواتاً تبعها حريمها بعد الإحياء ، وحريم
    كل شيء مقدار ما يتوقف عليه الانتفاع به (1) .
    وهذا الإحياء هو الإصلاح الزراعي بعينه ، فقد أبيح للناس
    إحياء الأرض ، وفي هذا الضوء تجري القاعدة : الأرض لمن
    أحياها ، بل ويضاف إليها حريمها في كل الصور والأحوال ،
    ليكون بها التصرف حراً طليقاً ، وتكون السيطرة عليها متمكنة ،
    والطريف أن لا يكون هذا الحريم مطلقاً ملكاً لمالك ماله
    __________________
    (1) ظ : السيستاني / منهاج الصالحين 2 / 252 ـ 254 .


    الحريم ، سواء أكان حريم قناة أو بئر أو قرية أو بستان أو دار أو
    نهر أو غيره ذلك ، وإنما لا يجوز لغيره مزاحمته فيه ، باعتبار أنه
    من متعلقات حقه (1) .
    فإذا عرف هذا ، وبغية توضيح الأمر ، نحدد فيما يأتي
    مساحة حريم كلّ ما له علاقة بالبحث أصلاً ومتفرعاً في ضوء
    رأي سماحة السيد مدّ ظله الوارف .
    1 ـ حريم الدار ، عبارة عن مسلك الدخول إليها والخروج
    منها في الجهة التي يفتح إليها باب الدار ، ومطرح ترابها ،
    ورمادها ، وثلوجها ، ومصبّ مائها ، وما شاكل ذلك .
    2 ـ حريم حائط البستان ونحوه ، مقدار طرح ترابه ،
    والآلات ، والطين والجص إذا احتاج إلى الترميم والبناء .
    3 ـ حريم النهر ، مقدار طرح ترابه وطينه إذا احتاج إلى
    الإصلاح والتنقية والمجاز على حافتيه للمواظبة عليه .
    4 ـ حريم البئر ؛ موضع وقوف النازح إذا كان الإستقاء منها
    باليد ، موضع البهيمة والدولاب والمضخة ، والموضع الذي
    يجتمع فيه الماء للزرع أو نحوه ، ومصبّه ، ومطرح ما يخرج منها
    من الطين عند الحاجة ونحو ذلك .
    5 ـ حريم القرية ؛ ما تحتاج إليه في حفظ مصالحها
    ومصالح أهلها من مجمع ترابها وكناستها ، ومطرح سمادها
    ورمادها ، ومجمع أهاليها لمصالحهم ، ومسيل مائها ، والطرق
    __________________
    (1) السيستاني / منهاج الصالحين 2 / 259 .

    المسلوكة منها وإليها ، ومدفن موتاهم ، ومرعى ماشيتهم ،
    ومحتطبهم ، وما شاكل ذلك .
    كل ذلك بمقدار حاجة أهل القرية بحيث لو زاحم مزاحم
    لوقعوا في ضيق وحرج ، وهي تختلف باختلاف سعة القرية
    وضيقها ، وكثرة أهلِها وقلتهم ، وكثرة مواشيها ودوابها وقلتها ،
    وهكذا ، وليس لها ضابط غير ذلك ، وليس لأحد أن يزاحم
    أهاليها في هذه المواضع .
    7 ـ حريم المزرعة ؛ ما يتوقف عليه الانتفاع منها ، ويكون
    من مرافقها كمسالك الدخول إليها والخروج منها ، ومحل
    بيادرها ، وحظائرها ، ومجتمع سمادها ، ومرعى مواشيها ، ونحو
    ذلك (1) .
    وههنا مسألتان مهمتان :
    1 ـ لا بد في صدق إحياء الموات من العمل فيها إلى حد
    يصدق عليه أحد العناوين العامرة كالدار والبستان والمزرعة
    والحظيرة والبئر والقناة والنهر وما شاكل ذلك ، ولذلك يختلف ما
    اعتبر في الإحياء باختلاف العمارة ، فما اعتبر في إحياء البستان
    والمزرعة ونحوهما غير ما هو معتبر في إحياء الدار وما شاكلها ،
    وعليه فحصول الأولوية تابع لصدق أحد هذه العناوين ونحوها ،
    ويدور مداره وجوداً وعدماً ، وعند الشك في حصولها يحكم
    بعدمها (2) .
    __________________
    (1) السيستاني / منهاج الصالحين 2 / 256 ـ 257 .
    (2) السيستاني / منهاج الصالحين 2 / 265 .


    2 ـ الأراضي المنسوبة إلى طوائف العرب والعجم وغيرهم
    لمجاورتها لبيوتهم ومساكنهم من دون أحقيتهم بها بالإحياء ؛ باقيةٌ
    على إباحتها الأصلية ، فلا يجوز منع غيرهم من الانتفاع بها ، ولا
    يجوز لهم أخذ الأجرة ممن ينتفع بها ، وإذا قسّموها فيما بينهم
    لرفع التشاجر والنزاع لا تكون القسمة صحيحة فيجوز لكل من
    المتقاسمين التصرف فيما يختص بالآخر بحسب القسمة .
    نعم إذا كانوا يحتاجون إليها لرعي الحيوان أو نحو ذلك
    كانت من حريم أملاكهم ، ولا يجوز لغيرهم مزاحمتهم وتعطيل
    حوائجهم (1) .











    __________________
    (1) السيستاني / منهاج الصالحين 2 / 257 .

    الفصل الرابع
    السفر إلى أوروبا والخطوط الجوية والقبلة
    في نيويورك
    1 ـ السفر إلى البلدان الأوروبية والأجنبية
    2 ـ حركة السفر الجوية في تأصيل حضاري
    3 ـ القبلة في نيويورك
    4 ـ متفرقات في أحكام السفر





    ( 1 )
    السفر إلى البلدان الأوروبية والأجنبية
    تقتضي حياة الإنسان الاقتصادية أو السياسية أو المَرضِية أن
    يهجر بلده الإسلامي هجرة موقتة أو دائمة ، وهذا مما لا مانع فيه
    بشروطه وأحكامه كما سيأتي ، بل قد يستحسن إذا كان الهدف منه
    الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإقامة شرائع الدين ، ولكنه
    قد يحرم إذا استلزم التعرب بعد الهجرة ، ونقص الدين ،
    والاستهتار بشريعة سيد المرسلين ، نعم إذا حكمت الضرورة على
    المسلم أن يهاجر إلى البلاد غير الإسلامية مع علمه بأن تلك
    الهجرة تستوجب نقصاناً في دينه ، كما لو سافر لإنقاذ نفسه من
    الموت المحتّم أو غير ذلك من الأمور المهمة ، جاز له السفر
    حينئذٍ بالقدر الذي يرفع الضرورة دون ما يزيد عليها (1) . ولكن لا
    مانع أن يقيم في البلدان الأوروبية والأجنبية وهو ملتزم بدينه ، غير
    مخلٍّ بواجباته الشرعية ، وغير معرض نفسه وأهله وأبناءه لمخاطر
    الانحراف عن الجادة السليمة . أما إذا لم يأمن مع بقاءه بتلك
    __________________
    (1) فتوى خطية مصورة لسماحة السيد في حوزة المؤلف .


    البلدان على دينه ولم يأمن أن يؤدي إلى تقصير شرعي في أداء
    واجباته ، أو يؤدي إلى عدم حفاظ أبنائه وعائلته على المستلزمات
    الشرعية ، فيجب عليه العودة إلى بلاده حيث لا يحتمل تفريطه
    بالدين (1) .
    ومن هنا فقد أفتى سماحة السيد دام ظله ، وقال :
    يحرم السفر إلى البلدان غير الإسلامية أينما كانت في شرق
    الأرض وغربها ، إذا استوجب ذلك السفر نقصاناً في دين
    المسلم ، سواء أكان الغرض من ذلك السفر : السياحة أم التجارة
    أم الدراسة أم الإقامة المؤقتة أم السكنى الدائمة ، أم غير ذلك من
    الأسباب (2) .
    هذا المناخ المتقلب في ظروفه ودواعيه ومشكلاته أولاه
    سماحة السيد دام ظله العالي أولويات اهتماماته العلمية من أجل
    إيضاح الأمر بين يدي السالكين ، وليكون كل عند موقعه المناسب
    معرفة بأحكامه الشرعية ، ومتدبراً لأمره فلا ينقض اليوم ما أبرمه
    بالأمس ، ولا يتجاوز حدود ما سمحت به الشريعة الغراء ، ليكون
    على سلامة من دينه ، وبصيرة من أمره ، وقد أجاب سماحة السيد
    دام ظله الوريف على عدة مسائل في هذا الشأن ، نختار أعلقها
    بالموضوع صلة :
    1 ـ ما معنى التعرب بعد الهجرة الذي هو من الذنوب
    الكبيرة ؟
    __________________
    (1) مضمون فتاوى خطية لسماحة السيد في حوزة المؤلف .
    (2) فقه المغتربين / 54 .

     قيل إنه ينطبق في هذا الزمان على الإقامة في البلاد التي
    ينقص فيها الدين ؛ والمقصود هو أن ينتقل المكلّف من بلد يتمكن
    فيه من تعلم ما يلزمه من المعارف الدينية والأحكام الشرعية ،
    ويستطيع فيه أداء ما وجب عليه في الشريعة المقدسة ، وترك ما
    حُرّمَ عليه فيها إلى بلد لا يستطيع فيه على ذلك كلاً أو بعضاً .
    2 ـ يشعر الساكن في أوروبا وأمريكا وأضرابهما بغربته عن
    أجوائه الدينية التي نشأ عليها وتربى فيها ، فلا صوت للقرآن
    يسمع ، ولا صوت الأذان يعلو ، ولا الزيارة للمشاهد المقدسة
    وأجوائها الروحية موجودة . فهل يعدّ تركه لأجوائه الإسلامية في
    بلده وما يصاحبها من أعمال خيرية ، ثم معيشته هنا بعيداً عنها ،
    نقصاناً في الدين ؟
     ليس ذلك نقصاناً يحرم بسبب السكن في تلك البلدان ،
    نعم الابتعاد عن الأجواء الدينية ربما يؤدي بمرور الزمن إلى
    ضعف الجانب الإيماني في الشخص إلى الحد الذي يستصغر معه
    ترك بعض الواجبات ، أو ارتكاب بعض المحرمات .
    فإذا كان المكلّف يخاف أن ينقص دينه بالحد المذكور جرّاء
    الإقامة في تلك البلدان ، لم يجز له الإقامة فيها .
    3 ـ ربما لا يقع الساكن في أوروبا وأمريكا وأضرابهما
    بمحرمات لا يقع بها لو بقي في بلده الإسلامي ، فمظاهر الحياة
    العادية بما فيها من إثارة ، تجرّ المكلّف إلى الحرام عادةً ، حتى لو
    لم يكن راغباً بذلك .
    فهل يعدّ هذا نقصاناً في الدين يوجب حرمة السكن تبعاً ؟


     نعم ، إلا إذا كانت من الصغائر التي تقع أحياناً ومن غير
    إصرار .
    4 ـ لو ازدادت حالات الوقوع في الحرام عما كانت عليه
    سابقاً من مبلّغ إسلامي حريص على دينه ، وذلك لخصوصيات
    البيئة والمجتمع ، كانتشار حالات التبرج وأمثالها .
    فهل يحرم عليه البقاء في بلدان كهذه ، فيتحتم عليه ترك
    التبليغ والعودة لوطنه ؟
     إذا كان يبتلى ببعض الصغائر اتفاقاً ، لم يحرم عليه البقاء
    فيها ، إذا كان واثقاً من عدم انجراره إلى ما هو أعظم من ذلك .
    5 ـ لو خاف المهاجر من نقصان دين أولاده ، فهل يحرم
    عليه البقاء في بلدانٍ كهذه ؟
     نعم كما هو الحال بالنسبة إلى نفسه .
    6 ـ لو استطاع المكلّف أن يدعو غير المسلمين للإسلام ،
    أو أن يزيد في تثبيت دين المسلمين في البلدان غير الإسلامية من
    دون خوف من النقصان في دينه ، فهل يجب عليه التبليغ ؟
     نعم يجب كفايةً عليه ، وعلى سائر من يستطيع ذلك .
    7 ـ هل يجوز البقاء في دول غير إسلامية على ما فيها من
    منكرات تعرض للإنسان في الشارع أو المدرسة أو التلفزيون أو ما
    شاكل ذلك ، مع إمكانه الانتقال إلى دول إسلامية ، ولكن الانتقال
    يسبب له مشاكل في الإقامة وخسارة مادية ، وضيقاً في الأمور
    الدنيوية ، ونقصاً في الرفاهية ، وإذا كان لا يجوز له البقاء ، فهل


    يجوزه له كونه مهتماً بأمور التبليغ بين المسلمين هنا ، مذكراً لهم
    ببعض واجباتهم ، ومنبّهاً إلى ما يجب عليهم تركه من محرمات ؟
     لا تحرم الإقامة في تلك البلاد إذا لم تكن عائقاً عن
    قيامه بالتزاماته الشرعية بالنسبة إلى نفسه وعائلته فعلاً ومستقبلاً ،
    وإلّا فلا تجوز وإن كان قائماً ببعض الأمور التبليغية ، والله
    العالم (1) .














    __________________
    (1) فقه المغتربين / 57 ـ 61 .



    ( 2 )
    حركة السفر الجوية في تأصيل حضاري
    تطورت حركة السفر بين الأقطار والأقاليم ، فانتقلت من
    الوسائل البدائية إلى السيارات والقاطرات والطائرات ، واستقر
    التنقل في المسافات البعيدة بل وحتى القريبة على الخطوط
    الجوية بمختلف وسائلها العاديّة المحركات والنفاثة التصميم ،
    وما يدرينا فلعل هذا النوع من التنقل الذي أصبح اعتيادياً ، أن
    يتطور في قفزة أخرى إلى ما هو أكثر سرعة قد لا تحد بحدود ،
    وكان هذا التقدم الحضاري في المواصلات قد فرض كيانه في
    استحصال طائفة من الأحكام المتعلقة به ، فكان الفقه الحضاري
    مواكباً لهذا الازدهار الحضاري . وقد حدب سماحة السيد دام
    ظله الشريف أن يتعقب ما يجري على الساحة التكنولوجية
    والصناعية متابعاً تطورها وتسابقها في مجال التأهيل الصناعي
    واقعاً وافتراضاً باحتمال تطوره أكثر فأكثر ، وكان هذا الالتفات
    يشكل انعطافاً فقهياً جديداً يحقق آمال المعنيين في الشؤون
    الدينية طلباً لأحكامهم الشرعية في ضوء هذه المستجدات
    المعاصرة ، لأنها تفرض بطبيعتها مرونة جديدة تسايرها فيها


    الأحكام مسايرة الظل للشاخص ، وهي تؤثر في ديناميكية الحكم
    الشرعي في ضوء ظروفه الجديدة ، لا سيما في الأركان التي
    يقوم عليها الدين في أصوله الأولى كالصلاة والصيام وجزئيات
    أحكامهما التي يعنى بها المسلمون تعبداً وتكليفاً ، فكان لا بد
    للشرع الشريف أن يعطي رأيه في ذلك لأنه محل ابتلاء العاملين
    بمسائل الدين ، ولقد استقصى سماحة السيد دام ظله الوارف
    احتمالات هذا التطور ، وقلّب الأمر على وجوهه كافة ، فخرج
    بطائفة يعتد بها من المسائل والأحكام التي قد تعرض للمسلم
    المعاصر ، فوضع في نصابها ، وترجمها بأبوابها ، فكان منها :
    1 ـ لو سافر الصائم في شهر رمضان جواً بعد الغروب ـ
    ولم يفطر في بلده ـ إلى جهة الغرب ، فوصل إلى مكان لم تغرب
    الشمس فيه بعد ، فهل يجب عليه الإمساك إلى الغروب ؟
    الظاهر عدم الوجوب وإن كان ذلك أحوط .
    2 ـ لو صلى المكلّف صلاة الصبح في بلده ، ثم سافر إلى
    جهة الغرب فوصل إلى بلد لم يطلع فيه الفجر بعد ، ثم طلع . أو
    صلى صلاة الظهر في بلده ، ثم سافر جواً فوصل إلى بلد لم تزل
    الشمس فيه بعد ، ثم زالت . أو صلى صلاة المغرب فيه ، ثم سافر
    فوصل إلى بلد لم تغرب الشمس فيه ، ثم غربت . فهل تجب عليه
    إعادة الصلاة في جميع هذه الفروض ؟
    وجهان : الأحوط الوجوب ، والأظهر عدمه .
    3 ـ لو خرج وقت الصلاة في بلده ـ كأن طلعت الشمس أو
    غربت ولم يصل الصبح أو الظهرين ـ ثم سافر جواً فوصل إلى بلد



    لم تطلع الشمس فيه ، أو لم تغرب بعد ، فهل عليه الصلاة أداءً أو
    قضاءً أو بقصد ما في الذمة ؟
    فيه وجوه ، والأحوط هو الاتيان بها بقصد ما في الذمة ،
    أي الأعم من الأداء والقضاء .
    4 ـ إذا سافر جواً بالطائرة وأراد الصلاة فيها ، فإن تمكّن
    من الإتيان بها إلى القبلة واجداً لشرطَي الاستقبال والاستقرار
    ولغيرهما من الشرائط صحّت ، وإلا لم تصح ـ على الأحوط ـ إذا
    كان في سعة الوقت ، بحيث يتمكن من الإتيان بها واجدة للشرائط
    بعد النزول من الطائرة .
    وأمّا إذا ضاق الوقت ، وجب عليه الإتيان بها فيها ، وعندئذٍ
    إن علم بكون القبلة في جهة خاصة صلى إليها ، ولا تصح صلاته
    لو أخلّ بالاستقبال إلّا مع الضرورة ، وحينئذٍ ينحرف إلى القبلة
    كلّما انحرفت الطائرة ، ويسكت عن القراءة والذكر في حال
    الانحراف ، وإن لم يتمكن من استقبال عين القبلة فعليه مراعاة أن
    تكون بين اليمين واليسار ، وإن لم يعلم بالجهة التي توجد فيها
    القبلة بذل جهده في معرفتها ، ويعمل على ما يحصل له من الظّن ،
    ومع تعذره يكتفي بالصلاة إلى أي جهة يحتمل وجود القبلة فيها ،
    وإن كان الأحوط الإتيان بها إلى أربع جهات .
    هذا فيما إذا تمكن من الاستقبال ، وإن لم يتمكن منه إلّا في
    تكبيرة الإحرام اقتصر عليه ، وإن لم يتمكن منه أصلاً سقط .
    والأقوى جواز ركوب الطائرة ونحوها اختياراً قبل دخول


    الوقت وإن علم أنه يضطر إلى أداء الصلاة فيها فاقداً لشرطي
    الاستقبال والاستقرار .
    5 ـ لو ركب طائرة كانت سرعتها سرعة حركة الأرض ،
    وكانت متجهة من الشرق إلى الغرب ، ودارت حول الأرض مدة
    من الزمن ، فالأحوط الإتيان بالصلوات الخمس بنية القربة المطلقة
    في كل أربع وعشرين ساعة ، وأما الصيام فيجب عليه قضاؤه .
    وأما إذا كانت سرعتها ضعف سرعة الأرض فعندئذٍ ـ بطبيعة
    الحال ـ تتم الدورة في كل اثنتي عشر ساعة ، وفي هذه الحالة
    هل يجب عليه الإتيان بصلاة الصبح عند كل فجر ، وبالظهرين عند
    كل زوال ، وبالعشائين عند كل غروب ؟
    فيه وجهان : الأحوط الوجوب .
    ولو دارت حول الأرض بسرعة فائقة حيث تتم كل دورة في
    ثلاث ساعات مثلاً أو أقل ، فالظاهر عدم وجوب الصلاة عليه عند
    كل فجرٍ وزوالٍ وغروب ، والأحوط حينئذٍ الإتيان بها في كل أربع
    وعشرين ساعة بنية القربة المطلقة ، مراعياً وقوع صلاة الصبح بين
    طلوعين ، والظهرين بين زوال وغروب بعدها ، والعشائين بين
    غروب ونصف ليل بعد ذلك .
    ومن هنا يظهر حال ما إذا كانت حركة الطائرة من الغرب
    إلى الشرق ، وكانت سرعتها مساوية لسرعة حركة الأرض ، فإن
    الأظهر حينئذ الإتيان بالصلوات في أوقاتها .
    وكذا الحال فيما إذا كانت سرعتها أقل من سرعة الأرض ،
    وأما إذا كانت سرعتها أكثر من سرعة الأرض بكثير ، بحيث تتم



    الدورة في ثلاث ساعات مثلاً أو أقلّ ، فيظهر حكمه مما تقدم .
    6 ـ من كانت وظيفته الصيام في السفر ، وطلع عليه الفجر
    في بلده ، ثم سافر جواً ناوياً للصوم ، ووصل إلى بلد آخر لم
    يطلع في الفجر بعد ، فهل يجوز له الأكل والشرب ونحوهما ؟
    الظاهر جوازه .
    7 ـ من سافر في شهر رمضان من بلده بعد الزوال ووصل
    إلى بلد لم تزل فيه الشمس بعد ، فهل يجب عليه الإمساك وإتمام
    الصوم ؟ الأحوط ذلك .
    8 ـ من كان وظيفته الصيام في السفر ، إذا سافر من بلده
    الذي رؤي فيه هلال رمضان إلى بلد لم يُرَ فيه الهلال بعد ،
    لاختلافهما في الأفق ، لم يجب عليه صيام ذلك اليوم .
    ولو عيّد في بلد رؤي فيه هلال شوال ، ثم سافر إلى بلد لم
    يُرَ فيه الهلال ، لاختلاف أفقهما ، فالأحوط له الإمساك بقية ذلك
    اليوم وقضاؤه .
    9 ـ إذا فُرِضَ كون المكلّف في مكان نهاره ستة أشهر ،
    وليله ستة أشهر مثلاً ، فالأحوط له في الصلاة ملاحظة أقرب
    الأماكن التي لها ليل ونهار كل أربع وعشرين ساعة ، فيصلي
    الخمس على حسب أوقاتها بنية القربة المطلقة ، وأما في الصوم
    فيجب عليه الانتقال إلى بلد يتمكن فيه من الصيام إمّا في شهر
    رمضان أو من بعده ، وإن لم يتمكن من ذلك فعليه الفدية بدل
    الصوم .
    وأما إذا كان في بلد له في كل أربع وعشرين ساعة ليل


    ونهار ـ وإن كان نهاره ثلاثاً وعشرين ساعة ، وليله ساعة أو
    العكس ـ فحكم الصلاة يدور مدار الأوقات الخاصة فيه .
    وأمّا صوم شهر رمضان فيجب عليه أداؤه مع التمكن منه ،
    ويسقط مع عدم التمكن ، فإن تمكن من قضائه وجب ، وإلّا فعليه
    الفدية بدله (1) .















    __________________
    (1) السيستاني / منهاج الصالحين 1 / 464 ـ 467 .



    ( 3 )
    القبلة في نيويورك
    ما زالت القبلة في الولايات المتحدة وفي نيويورك بخاصة
    مثار جدل واختلاف نظر عند الفقهاء ، فبعضهم يرجح فيها الاتجاه
    إلى المشرق المتمايل إلى الجنوب بحجة أن مكة المكرمة تقع
    تحت خط عرض (22) ونيويورك تقع فوق خط عرض (40)
    ولازم هذا التدقيق أن اتجاه الكعبة في نيويورك بالنسبة للمتجه
    إليها متمايلاً إلى الجنوب دون الشمال ، بينما الذي يختاره سماحة
    السيد دام ظله الشريف الاتجاه نحو الشمال الشرقي باعتبار أن
    الخطوط المتوازية بالنسبة لبدن المصلي تكون في خط مقوس نظراً
    لتقوس ظهر الأرض فتصل إلى الكعبة ولو احتمالاً ، وهو في هذا
    الضوء يعطي التفصيل الآتي تغطية لأبعاد الموضوع من وجهاته
    كافة .
    يرى سماحة السيد أعز الله مجده الوريف : أَنّ استقبال
    القبلة في الأماكن البعيدة التي يجول بينها وبين الكعبة المعظمة
    تقوس الأرض إنما يتحقق بأن تتجه الخطوط المتوازية المبدوءة
    من مقاديم بدن المصلي والمقوسة بتقوّس سطح الأرض إلى الجهة


    التي تقع فيها الكعبة المعظمة بحيث تنتهي إليها ولو احتمالاً ،
    ويتضح جلياً اتجاه هذه الخطوط إذا ربطنا بين موقف المصلي
    والكعبة المعظمة على الخارطة الكروية بخيط ، مراعين استقامته
    وعدم انحرافه يميناً أو شمالاً ، وحسب اختبارنا يكون اتجاه هذا
    الخيط في مثل نيويورك من مناطق أمريكا الشمالية نحو الشرق
    المتمايل إلى الشمال بالمقدار الذي يشير إليه الخط المذكور .
    وأمّا ما يقال من أن مكة المكرمة تقع تحت خط عرض
    (22) ونيويورك تقع فوق خط العرض (40) ولازمه أن يكون
    الواقف في نيويورك إلى جهة الكعبة المشرفة متمايلاً إلى الجنوب
    دون الشمال .
    فالجواب عنه أن هذا إنما يصح بالنظر إلى الخارطة
    المسطحة دون الكروية ، بل إن تغيّر اتجاه الخيط المذكور في
    الخارطة الكروية إنما نشأ من اختلاف أجزائه الواقعة بين النقطتين
    إذا لوحظت بالقياس إلى قطبي الشمال والجنوب .
    والشاهد عليه أنا لو أغمضنا النظر إلى الجهات الأربع
    الثابتة للكرة ولم نأخذها بعين الاعتبار ، وأدرنا الخارطة الكروية
    وجعلنا مكة المكرمة واقعة في قمتها بمنزلة قطب الشمال ، لاحظنا
    أن اتجاه الخيط المذكور هو نفس الاتجاه السابق الذكر من دون
    تغيّر ، وأن الواقف في نيويورك إ
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

     فقه الحضارة  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: فقه الحضارة     فقه الحضارة  Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:24 pm

    إذا أراد التوجه نحو الكعبة
    المعظمة يلزمه الوقوف باتجاه هذه الخط لا منحرفاً عنه إلى جانب
    اليمين .
    والحاصل أن الأرجح في النظر بناءً على ما تقدم في كيفية



    الاستقبال هو ما ذكرناه بل الظاهر أنه هو الأرجح أيضاً بناءً على
    لزوم رعاية الخط الوهمي المارّ في عمق الأرض مستقيماً بين
    موقف المصلي والكعبة المعظمة ، فإن هذا الخط بما أنه لا يمكن
    التوجه نحوه حال الصلاة فيتعين الاتجاه نحو الخط المقوس
    الموازي له والمار على سطح الأرض . والخط الموازي المذكور
    هو نفس الخط الذي مرّ ذكره والذي يكون اتجاهه في نيويورك
    نحو الشمال الشرقي هذا ، ومع ذلك تكون صلاة من يتجه إلى
    الشرق المتمايل إلى الجنوب عملاً بالحجة الشرعية القائمة عنده
    على ذلك . والله أعلم (1) .











    __________________
    (1) المستحدثات من المسائل الشرعية / 9 ـ 11 .


    ( 4 )
    متفرقات في أحكام السفر
    تعرض للإنسان حالات يحتاج معها إلى الدليل الكاشف بين
    يديه لامتثال أمره تعالى ، وفي السفر في الوسائل الحديثة
    والخطوط الجوية قد يواجه بعض الإشكالات ، منها ما يأتي :
    1 ـ كيف نُصلّي صلاتنا الواجبة في الطائرة والقبلة مجهولة
    والطمأنينة مفقودة ؟
     أما القبلة فيمكن تحديد جهتها بالسؤال من القبطان أو
    المضيفين ، فإنّ أجوبتهم تورث ـ في الغالب ـ الاطمئنان أو الظن
    فليزم العمل وفقه . وأما الاستقرار فتسقط شرطيته مع عدم إمكان
    التحفظ عليه ، ولكن لا بد من رعاية سائر الشروط حسب
    المستطاع ، ولا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها في كل الأحوال .
    2 ـ كيف نصلي صلاتنا في القطارات والسيارات ؟ وهل
    يجب أن نسجد على شيء ، أو لا يجب ذلك ويكفي الانحناء .
     يجب أداء الصلاة فيها وفق صلاة المختار إن أمكن ،
    فتلزم رعاية الاستقبال في جميع حالات الصلاة إن تيسرت ، وإلا



    ففي حال تكبيرة الإحرام مع التمكن منه ، وإلا تسقط شرطية
    الاستقبال ، كما أنه مع التمكن من الإتيان بالركوع والسجود
    الاختياريين يتعين الإتيان بهما ـ كما لو تيسرت الصلاة في ممر
    القطار أو الباص ـ وأمَّا مع عدم التمكن منهما ، فإن تيسر الانحناء
    بمقدار صدق اسميهما لزم وتعين . ويراعى في السجود وضع
    الجبهة على المسجد ولو برفعة ، ومع عدم تيسر الانحناء بالمقدار
    المذكور يكفي الإيماء بدلاً عنهما (1) .
    3 ـ لو سافر مسافرٌ من بلده بعد أذان الظهر مباشرة من دون
    أن يصلي ، ووصل لمقصده بعد الغروب ، فهل يأثم ؟ وهل يجب
    عليه قضاء صلاة الظهر ؟
     نعم هو آثم بتركه الفريضة في الوقت ، وعليه قضاؤها (2) .








    __________________
    (1) فقه المغتربين / 96 ـ 97 .
    (2) المرجع نفسه / 93 .

    الفصل الخامس
    شؤون الأطعمة واللحوم والأغذية
    والمعلبات في الدول الأجنبية
    1 ـ التذكية واللحوم وطعام غير المسلمين
    2 ـ ريادة المطاعم المشبوهة والعمل فيها
    3 ـ المعلّبات والمنتجات في الدول الأوروبية
    4 ـ فتاوى حضارية في الأغذية والأشربة





    ( 1 )
    التذكية واللحوم وطعام غير المسلمين
    أحل الله الطيبات من الرزق وحرّم الخبائث منها ، وكان ما
    أحله الله تعالى أكثر مما حرمه ، وعائدية هذا التحليل والتحريم
    معاً إنما شرعت لمصلحة الإنسان الصحية والنفسية ، وكان تفضل
    الله عميماً على البشرية أن أباح لها السمك من حيوان البحر ،
    وحرّم غيره من حيوانه حتى المسمى باسم ما يؤكل من حيوان البرّ
    كبقره وفرسه ، وكذا الضفدع والسرطان والسلحفاة ، ولا يحل من
    السمك إلا ما كان له فلسٌ ولو بالأصل ، فيحل الكنعت والربيثا
    والبز والبني والشبوط والقطان والطبراني والأبلامي والأربيان ،
    ولا يحل ما ليس له فلس في الأصل كالبحري والزمّير والزهو
    والمارماهي ، وإذا شك في وجود الفلس وعدمه بنى على
    العدم (1) .
    وأحل الله من البهائم البرية صنفين من الأهلية والوحشية :
    أما الأهلية فيحل منها جميع أصناف الغنم والبقر والإبل ، ويكره
    __________________
    (1) ظ السيستاني / منهاج الصالحين 3 / 291 .


    الخيل والبغال والحمير ، ويحرم منها الكلب والهر ونحوهما .
    وأما الوحشية فتحل منها الظباء والغزلان والبقر والكباش
    الجبلية واليحامير والحمر والوحشية . وتحرم منها السباع ، وهي ما
    كان مفترساً وله ظفر أو ناب قوياً كان كالأسد والنمر والفهد
    والذئب ، أو ضعيفاً كالثعلب والضبع وابن آوى ، كما تحرم
    المسوخ ومنها الخنزير والقرد والفيل والدبّ (1) . وأحل الله كل
    طائر ذي ريش فيحل أكل لحمه إلّا السباع ، فيحلّ الحمام بجميع
    أصنافه ، كما يحل الدجاج بجميع أقسامه ، والعصفور بجميع
    أنواعه ومنه البلبل والزرزور والقبرة ، ويحل الهدهد والخطاف
    والشقراق ، وتحل النعامة والطاووس على الأقوى . ويحرم كل ذي
    مخلب كالبازي والصقر والعقاب والشاهين والباشق والنسر
    والبغاث ، وكذا الغراب (2) ويشترط في حلية أكل ما تقدم التذكية
    الشرعية .
    أما السمك فتحصل ذكاته بأخذه من داخل الماء إلى خارجه
    حياً باليد أو الشبكة والشعب أو الغالة أو غيرها ، وفي أخذه هذا
    يكون ذكياً (3) .
    أما ذكاة الذبيحة فيشترط فيها :
    1 ـ أن يكون الذابح مسلماً أو من بحكمه كالمتولد منه .
    2 ـ أن يكون الذبح بالحديد مع الإمكان ، فلو ذبح بغيره مع
    التمكن لم يحل وإن كان من المعادن المنطبعة كالصفر والنحاس
    __________________
    (1) السيستاني / منهاج الصالحين 3 / 292 .
    (2) السيستاني / منهاج الصالحين 3 / 293 .
    (3) السيستاني / منهاج الصالحين 3 / 272 .

    والذهب والفضة والرصاص وغيرها . والأحوط وجوباً عدم الذبح
    بالاستيل مع التمكن من الحديد .
    3 ـ قصد الذبح بفري الأوداج .
    4 ـ الاستقبال بالذبيحة حال الذبح إلى القبلة ، فإن أخلّ
    بالاستقبال عالماً عامداً حرمت . نعم إذا كان الإخلال بالاستقبال
    لإِعتقاد الذابح عدم لزومه شرعاً فلا يضر بذكاة ذبيحته .
    5 ـ تسمية الذابح عليها حين الشروع بالذبح أو متصلاً به
    عرفاً ، ولا تجزيء تسمية غير الذابح عليها ، والمدار في التسمية
    ذكر اسم الله وحده عليها ، فيكفي أن يقول : بسم الله ، أو الله
    أكبر ، أو أَلحمد لله ، أو لا إله إلا الله ، ونحو ذلك .
    6 ـ قطع الأعضاء الأربعة ، وهي : المريء : وهو مجرى
    الطعام ، والحلقوم : وهو مجرى النفس ومحله فوق المريء ،
    والودجان : وهما عرقان غليظان محيطان بالحلقوم والمريء .
    وقطع الأعضاء الأربعة يستلزم بقاء ( الجوزة ) متصلة
    بالرأس ، فلو بقي شيء منها في الجسد لم يتحقق قطع تمامها .
    7 ـ خروج الدم المتعارف منها حال الذبح ، فلو لم يخرج
    منها الدم ، أو كان الخارج قليلاً ـ بالإضافة إلى نوعها ـ بسبب
    انجماد الدم في عروقها أو نحوه لم تحل . وأما إذا كان عدم
    خروجه من جهة نزيف قبل الذبح حلّ .
    8 ـ أن تتحرك الذبيحة بعد تمامية الذبح ولو حركة يسيرة ،
    __________________
    (1) السيستاني / منهاج الصالحين 3 / 276 ـ 280 .


    بأن تطرف عينها ، أو تحرك رجلها أو ذنبها ، هذا إذا شك في
    حياتها عند الذبح ، وإلا فلا تعتبر الحركة أصلاً .
    وتختص الإبل من بين البهائم بأن تذكيتها بالنحر ، ولا يجوز
    ذلك في غيرها ، وكيفيته : أن يدخل الآلة من سكين أو غيره من
    الآلات الحادة الحديدية في لبتها ، وهي الموضع المنخفض الواقع
    في أعلى الصدر متصلاً بالعنق ، والشروط المعتبرة في الذبح تعتبر
    نظائرها في النحر ، عدا الشرط السادس ، وهو قطع الأعضاء
    الأربعة (1) .
    وأغلب المشاكل التي يتعرض لها المسلمون والمغتربون
    منهم بصورة خاصة هي مشكلة التذكية ، أو تقديم ما ليس بمذكّى ،
    أو اللحم غير المباح ، مما تفرضه طبيعة المناخ الذي يتواجدون
    فيه ، مما يلزم العسر والحرج أحياناً ، ويقتضي التأمل والتثبت
    أحياناً أخرى ، وثمت مشكلة أخرى وهي تناول الطعام المعدُّ من
    غير المسلمين ، ومشكلة المعلبات والأجبان ، وشراء اللحم من
    غير المسلم ، ومشكلة الذبح بالأجهزة الحديثة ، ومشكلة شراء
    اللحم ممن يبيع الخمر ، وهكذا مما ستراه .
    ولقد دأب سماحة السيد دام ظله الشريف على تذليل
    الصعوبات ، واحتواء العقبات في الطريق واستوعب هذه المشاكل
    بأبعادها فأبان رأي الشرع الشريف بما لا عسر فيه ولا حرج
    ضمن المسائل المهمة الآتية :
    __________________
    (1) السيستاني / منهاج الصالحين 3 / 282 .

    1 ـ يحق للمسلم أن يتناول الطعام المعدّ من قبل الكافر
    غير الكتابي ، إذا لم يعلم المسلم أو يطمئن بأن ذلك الكافر قد
    مسّه مع البلل ، شرط أن لا يعلم أو يطمئن المسلم باحتواء ذلك
    الطعام على ما يحرم تناوله كالخمر مثلاً .
    2 ـ يحق للمسلم أن يتناول أي طعام أعدّه صانعه للأكل ،
    إذا جهل المسلم معتقد ودين ومبدأ ذلك المعدّ للطعام ، سواء مسّه
    معدّه مع البلل ، أو لم يمسّه ، شرط أن لا يعلم أو يطمئن المسلم
    باحتواء ذلك الطعام على ما يحرم عليه تناوله كالخمر مثلاً .
    وللحوم والشحوم ومشتقاتها حكم خاص سيأتي بعد ذلك .
    هذا ولا يجب على المسلم سؤال معدّ الطعام عن إيمانه أو
    كفره ، أو عن مسّه الطعام أو عدمه ، حتى وإن كان ذلك السؤال
    سهلاً يسيراً عليه ، وطبيعياً على من يسأله .
    وباختصار فإن المأكولات بأنواعها المختلفة عدا اللحوم
    والشحوم ومشتقاتها ، يحق للمسلم تناولها ، حتى إذا ظن بأن في
    محتوياتها ما لا يجوز له أكله ، أو ظن أن صانعها أياً كان قد
    مسّها مع البلل (1) .
    وهنا مسألتان :
    1 ـ هل يجوز للمسلم طبخ غير المُذكّى ؟ علماً أن لا علاقة
    له بالبيع أو التقديم . ثمّ ما هو حكم تقديم الطعام النجس ( غير
    المذكى ) أو نقله لغير المسلمين ؟ وهل يفرق في هذا بين الخنزير
    وغيره ؟
    __________________
    (1) فقه المغتربين / 140 وما بعدها استناداً إلى إفتاء سماحة السيد بالموضوع .


     لا مانع من طبخ غير المذكى ، ولا تقديمه إلى مُستحلِّيه ،
    ويشكل بيعه منهم ، لكن لا مانع من أخذ المال إزاء التنازل عنه
    أو استنقاذاً ، وأما الخنزير فيشكل تقديمه لمستحلية ، ولا يجوز
    بيعه بلا إشكال والله العالم .
    2 ـ هل يصح للمسلم امتلاك مطعم يقدم فيه اللحم غير
    المذكَّى ، علماً بأنه لا يمارس العمل بنفسه ، بل يشرف على
    المشروع ويديره ؟ وعلى فرض عدم الجواز كيف يصحح امتلاك
    العوائد ؟ وما هو موقف من يعتمد في نفقته عليه كزوجته وأطفاله ؟
     لا بأس بامتلاكه ذلك إذا كان تقديم اللحم غير المذكى
    إلى المستحلين له ، وإن قدمه إلى مسلم أخبره بالحال إن احتمل
    تأثير الأخبار في حقه ، وإلّا لم يجب ، وأما العوائد فليصحح
    امتلاكها بطريقة الاستنقاذ أو التنازل حسبما مرّ ، دون البيع ، فإن
    صحَّحها هو حلَّت أيضاً لمن يعيلهم ، وإن لم يفعل فليقصدوا
    تملك ما يدفعه إليهم من أعيانها فتحل لهم ، والله العالم (1) .






    __________________
    (1) المستحدثات من المسائل الشرعية / 12 ـ 13 .


    ( 2 )
    ريادة المطاعم المشبوهة والعمل فيها
    هناك مطاعم ومحلات يختلط فيها الحابل بالنابل ، فكما
    تبيع المذكى تبيع غير المذكى ، وكما تستعمل المحلل تستعمل
    المحرم ، وقد تتجاوز هذا إلى بيع لحم الخنزير وتقديم الخمر
    وأشباه ذلك ، وقد يلتبس الحال فلا ندري المحتويات محللةً أو
    محرمةً ، وللإجابة عن هذه المشكلات نضع أمام المسلم المعاصر
    الفتاوى الآتية :
    1 ـ ندخل محلات في الدول الغربية تبيع مأكولات لا
    ندري محتوياتها ، فربما هي خالية مما يحرم أكله أو شربه ، وربما
    فيها شيء يحرم أكله أو شربه ، فهل يحق لنا أكلها دون النظر
    لمحتوياتها أو السؤال عن محتوياتها ، أو لا يحق لنا ذلك ؟
     يجوز ما لم يعلم اشتمالها على شيء من اللحوم
    والشحوم ومشتقاتها (1) .
    __________________
    (1) فقه المغتربين / 155 .


    2 ـ هل يجوز للمسلم العمل في المطاعم التي تقدم لحم
    الخنزير أو الخمر ؟ وإذا كان لا يجوز فهل يشمل الحكم غسل
    الصحون وما شابه ذلك ؟
     تقديم الخمر إلى الغير محرم ، وإن كان المقدّم إليه
    مستحلاً لها ، وكذا غسل الأواني إذا كان مقدمة لشرب الخمر فيها
    أو تقديمها إلى شاربها .
    والأحوط وجوبا عدم تقديم لحم الخنزير حتىٰ إلى مستحليه
    ولا يجوز بيعه بلا إشكال .
    وإجازة المسلم نفسه للعمل المحرم عليه باطلة ، وأخذ
    الأجرة عليه حرام ، نعم لا بأس بتملك بدل العمل استنقاذا من
    غير محترمي المال (1) .
    3 ـ هل يجوز للمسلم العمل في المطاعم التي تقدم اللحم
    غير المذكى ؟
     لا يبعد جوازه فيما إذا كان يقدم إلى مستحله بل مطلقاً
    مع الإعلام بالحال إذا احتمل تأثيره في حقه بارتداعه عن تناوله
    وإلا لم يجب (2) .
    4 ـ ما حكم الأجور التي يتقاضاها العامل في تلك
    المطاعم ؟ هل تعتبر من الأموال المختلطة بالحرام كما هي
    أساساً ، أو تعتبر حلالاً بالنسبة للعامل كونها أجرة من عمل
    حلال ؟
    __________________
    (1) المستحدثات من المسائل الشرعية / 22 .
    (2) المرجع نفسه / 23 .

     الأموال التي يتسلمها المسلم من غير المسلمين بأزاء
    عمل محلل لهم يحكم بحليتها وإن اكتسبوها بالمكاسب المحرمة
    في شريعتنا إذا كانت محللة عندهم كبيع الخمر والخنزير من غير
    المسلم ، ولا تعد تلك الأموال من الحلال المختلط بالحرام
    ليجب فيها الخمس .
    5 ـ هل يجوز للمسلم العمل في محلات بيع الخمور أو
    الملاهي في غير تقديم الخمر أو المحرمات الأخرى وذلك من
    قبيل تنظيف الأواني وترتيب المقاعد وما شابه ذلك ؟
     لا يجوز ذلك في محلات بيع الخمور ، والأحوط لزوماً
    تركه في محلات الملاهي أيضاً .
    6 ـ شخص مسلم يملك فندقاً وأكثر زبائنه من الكفار ، فهل
    يجوز له أن يقدم لهم الخمر أو اللحوم غير الحلال ؟
     قد ظهر مما تقدم عدم جواز التقديم بالنسبة إلى الخمر ،
    وجوازه من حيث هو في اللحم غير المذكى .
    7 ـ هل يجوز للمسلم بيع اللحوم غير المذكاة لغير
    المسلمين ؟
     جوازه لا يخلو عن إشكال ، نعم لا مانع من أخذ المال
    إزاء التنازل أو استنقاذاً من غير محترمي المال .
    8 ـ هل يجوز للمسلم أن يحضر في المجالس التي يقدم
    فيها الخمور ؟
     الأكل والشرب في تلك المجالس محرم ، وأما مجرد



    الحضور فحرمته تبتني على الاحتياط اللزومي . ولا بأس به لغرض
    النهي عن المنكر إذا كان ممكناً .
    9 ـ هل يجوز للمسلم أن يعمل في محلات البقالة التي يباع
    الخمر في زاوية منها ، وعمله فقط استلام النقود ؟
     يجوز له تسلم ثمن غير الخمر ، وكذا ثمن الخمر إذا كان
    المتبايعان من غير المسلمين (1) .














    __________________
    (1) المستحدثات من المسائل الشرعية / 23 ـ 25 .


    ( 3 )
    المعلّبات والمنتجاب في الدول الأوروبية
    تزخر الأسواق في البلاد الإسلامية بجملة من معلبات
    اللحوم والأسماك والأجبان ، قد يكتب على بعضها بالنسبة للحوم
    عبارة ( مذبوح على الطريقة الإسلامية ) ولكنها مستوردة من الدول
    غير الإسلامية ، وقد تذبح الشركات المتعاقدة مع المسلمين كميات
    من الدجاج بالأجهزة الحديثة إلا أن المباشر لذلك مسلم يكبِّر عند
    الذبح ، وقد نجد الأجبان المصنوعة في بلد أوروبي وهي تشتمل
    على أنفحة الحيوانات التي لا نعلم طريقة ذبحها ، وقد تتوافر
    الأسماك من خلال صيد السفن الكبيرة المعدّة لذلك الأمر ، وقد
    نبصر الجلاتين والصابون ، والأول يشتمل على مادة عظمية ، وقد
    يشتمل الثاني على شحوم الخنزير ، كل هذه الإشكالات في
    إيرادها يجيب عنها سماحة سيدنا المفدّى بما يقطع الشك ، وفي
    هذا المجال ، فإننا نورد أسئلة المقام ، ومن ثم الإجابة عليها .
    1 ـ تكتب عبارة ( مذبوح على الطريقة الإسلامية ) على لحوم
    منتجة في دول إسلامية من قبل شركات غير إسلامية ، فهل يجوز
    تناولها ؟ وهل يجوز تناولها إذا كان منشأ هذه اللحوم شركة



    إسلامية في دولة غير إسلامية ؟ ثم ما هو الحال لو كان المنشأ
    شركة أجنبية في دولة أجنبية ؟
     لا اعتبار بالكتابة ، فإن كان المنتج لها مسلماً أو أنتجت
    في بلد يغلب فيه المسلمون ، ولم يعلم أن المنتج لها من غير
    المسلمين جاز تناولها . وأما إذا كان المنتج غير مسلم ، أو أنتجت
    في بلد ليست غالبيته من المسلمين ، ولم يعلم كون المنتج
    مسلماً ، فلا يجوز تناولها .
    2 ـ ندخل بعض الأسواق الكبيرة بأوروبا ، فنجد لحوماً
    معلبة منتجة من قبل شركة أوروبية مكتوب على العلبة عبارة
    ( حلال ) أو ( مذبوحة على الطريقة الإسلامية ) فهل يجوز شراؤها
    وأكلها ؟
     لا أثر للكتابة إذا لم توجب الاطمئنان .
    3 ـ تذبح الشركات كميات كبيرة من الدجاج مرة واحدة ،
    فإذا كان مشغل الجهاز مسلماً يكبر ويذكر اسم الله عند الذبح مرة
    واحدة للجميع ، فهل يحلّ أكلها ؟ وإذا شككنا في حلية أكلها ،
    فهل نستطيع أكلها ونعتبرها طاهرة ؟
     إذا كان يكرر التسمية ما دام الجهاز مشتغلاً بالذبح كفى ،
    ومع الشك في الحلية من جهة الشك في وقوع التسمية تعتبر
    طاهرة ويحلّ أكلها .
    4 ـ ترمي سفن الصيد الكبيرة شباكها فتخرج أطناناً من
    السمك وتطرح صيدها في الأسواق ، وقد بات معروفاً أن طريقة
    الصيد الحديثة تقوم على أساس إخراج السمك من الماء حيّاً ، بل


    ربما ترمي الشركات السمك الذي يموت في الماء خوفاً من
    التلوث : فهل يحق لنا الشراء من المحلات التي تبيع فيها غير
    المسلمين هذا السمك ؟ وهل يحق لنا الشراء من المحلات التي
    يبيع فيها المسلمون غير الملتفتين للحكم الشرعي هذا السمك ،
    علماً بأن إحراز أن هذه السمكة التي أمامي قد أخرجت حيّة من
    الماء ، أو تحصيل شاهد مطّلع ثقة يقول بذلك ، أمرٌ صعبٌ جداً ،
    بل هو غير عملي ولا واقعي .
    فهل هناك من حلّ لمشكلة المسلمين المتثبتين الذين يعانون
    صعوبة في إحراز تذكية لحوم الدجاج والبقر والغنم فيهرعون إلى
    السمك ؟
     لا بأس بشرائها من مسلم أو غير مسلم ، كما لا بأس
    بأكلها إذا وثق بأن صيدها يتم على النهج المذكور ، وأحرز أيضاً
    كونها من ذوات الفلس (1) .
    والآن نلقي ضوءً على مسألة المعلبات وما بحكمها :
    1 ـ هناك بعض أنواع الصابون المستورد ، يستعمل في جزء
    من تركيباته شحوم الخنزير ولكن في النهابة لا يبقى فيه سوى
    خمسة في المائة ، فهل في هذه الحالة يجري عليه حكم
    الاستحالة ، ويحكم بطهارته أم يبقى على نجاسته ؟
     يبقى على نجاسته ، والله العالم .
    2 ـ الأجبان المستوردة من الدول غير الإسلامية إن علم
    __________________
    (1) فقه المغتربين / 147 وما بعدها .


    باشتمالها على أنفحة العجل أو أنفحه الجدي هل يجوز أكلها ؟
     يجوز أكلها إذا لم تكن الأنفحة لحيوان غير مذكى حيث
    يجب غسل ظاهر الأنفحة فإن شك فيه حكم بنجاسته ، وينجس به
    الجبن .
    3 ـ تصنع مادة الجلاتين وتدخل في العديد من المشروبات
    والمأكولات في الغرب ، فهل يجوز لنا تناولها ، ونحن لا نعلم ما
    إذا كانت مستخلصة من النبات أو الحيوان ، وإذا كانت من
    الحيوان ، فهل هي مستخلصة من عظامه أو مما يحيط بالعظام من
    الأنسجة ، ثم لا ندري هل إن ذلك الحيوان محلّل الأكل أو
    محرّمه ؟
     يجوز تناولها فيما لو شك في كونها مستخلصة من
    الحيوان أو من النبات (1) . والجيلاتين الحيواني إن لم يحرز
    نجاسة أصله ـ كما لو احتمل كونه مأخوذاً من المذكى ـ حكم
    بطهارته ولكن لا يضاف منه إلى الأطعمة إلّا بمقدار مستهلك فيها
    عرفاً ـ ما لم يحرز كونه مأخوذاً من المذكى المحلل لحمه ، أو
    يُحرز استحالته ـ بلا فرق في ذلك بين كونه مأخوذاً مما تحلّه
    الحياة كالغضروف وغيره كالعظام على الأحوط في الأخير .
    وأما إذا أُحرز نجاسة أصله ( كما لو علم كونه مأخوذاً من
    نجس العين ، أو من غضاريف غير المذكى ، أو من عظامه قبل
    تطهيرها ، فإنها تكون متنجسة بملاقاة الميتة بالرطوبة ) فالحكم
    __________________
    (1) فقه المغتربين / 149 .

    بطهارته وجواز استعماله في الأطعمة منوط باحراز استحالته ،
    وهذا مما يرجع فيه إلى العرف ، وقد تقدم بيان ضابطه .
    4 ـ إن بعض غذاء الدواجن يخلط فيه 30% من عظام
    الخنزير مما يرفع وزن الدجاجة خلال أربعين يوماً إلى زنة
    كيلوين ، فما الحكم في هذا ، وهل فيه إشكال ؟
     لا يمنع ذلك من حلية أكل لحمه وطهارته بالتذكية ، لكن
    الأولى تجنيب الحيوان من هذا الغذاء ، والله العالم .
    5 ـ يلزم صانعو الأغذية والمعلبات والحلويات بذكر
    محتويات البضاعة التي تباع للمستهلك ، وبما أن الأغذية معرضة
    للفساد فإنهم يضيفون إليها ( مواداً حافظة ) قد يكون أصلها حيوانياً
    ويرمزون لها بحرف E مقترناً بأعداد مثل E450 وهكذا .
    فما هو الحكم في الحالات الآتية :
    أ ـ لا يعلم المكلّف حقيقة هذه المكونات .
    ب ـ شاهد المكلّف قائمة صادرة ممن لا يعرفون شيئاً عن
    الاستحالة تقول بأن أرقاماً معينة يذكرونها محرّمة لأنها من أصل
    حيواني .
    ج ـ التحقيق في جملة منها ، والتأكد من أنها لم تبق على
    حالها بل تبدلت صورتها النوعية واستحالت إلى مادة أخرى .
     أ ـ تحل له المأكولات المشتملة عليها .
    ب ـ إذا لم يحرز كونها من أصل حيواني ـ وإن ادعي ـ



    جاز أكلها ، وكذا إذا أحرز ذلك ولكن لم يحرز كونها من الميتة
    النجسة وكان ما يضاف منها إلى الأطعمة بمقدار مستهلك فيها
    عرفاً .
    ج ـ لا إشكال في الطهارة والحلية مع صدق الاستحالة
    بتغير الصورة النوعية وعدم بقاء شيء من مقومات الحقيقة
    السابقة (1) .
    ومما يلحق بهذا الباب القول بطهارة الجلود المأخوذة من
    غير المسلم ، وجواز بيع اللحوم والشحوم والجلود المستوردة من
    البلاد غير الإسلامية ، وإليك نص فتوى سماحة السيد طال عمره
    الشريف :
     يجوز بيع الجلود واللحوم والشحوم المستوردة من البلاد
    غير الإسلامية ، والمأخوذة من يد الكافر ، وكذا يحكم بطهارتها
    وجواز الصلاة فيها فيما إذا احتمل احتمالاً معتداً به أن تكون من
    الحيوان المذكى ، ولكن يحرم أكلها ما لم يعلم ذلك ، إلا إذا كان
    مصنوعاً في أرض الإسلام أو مسبوقاً بسوق المسلمين ، أو بيد
    المسلم بالشرط المتقدم ، وهكذا الحال فيما أخذه من يد المسلم
    إذا علم أنه قد أخذه من يد الكافر من غير استعلام عن تذكيته (2) .


    __________________
    (1) فقه المغتربين / 153 وما بعدها .
    (2) السيد السيستاني / المسائل المنتخبة 258 .


    ( 4 )
    فتاوى حضارية في الأغذية والأشربة
    هناك مسائل متفرقة تلحق بهذا الفصل بل هي من صميمه
    على وجه ، وقد أفتى بها سماحة السيد دام ظله الشريف .
    1 ـ يدخل الكحول في تركيب كثير من العقاقير والأدوية ،
    فهل يجوز شربها ؟ وهل هي طاهرة ؟
     هي طاهرة ، وحيث أن الكحول المستخدم فيها بمقدار
    مستهلك فإنه يجوز شربها أيضاً .
    2 ـ هل يحل شرب البيرة المكتوب عليها عبارة : خالية من
    الكحول ؟
     لا يحل إذا كان المراد بالبيرة الفقاع الموجب للنشوة ،
    وهي السكر الخفيف ، وأما إذا كان المراد بها ماء الشعير الذي لا
    يوجب النشوة ، فلا بأس به .
    3 ـ الخل المصنوع من الخمر ، بمعنى أنه كان خمراً
    وحوَّلوه خلاً في المعمل ، ولذلك يكتبون على الزجاجة ( خل
    النبيذ ) تمييزاً له من خل الشعير والأنواع الأخرى ، ومن علائم



    ذلك أن زجاجات هذا الخل موضوعة في الرفوف الخاصة للخل ،
    ولم يحدث مطلقاً أن يوضع ضمن الرفوف الخاصة بالخمر كما
    جرّب مراراً ، ولم يلحظ أيّ فرق بينه وبين الخل المصنوع من
    الثمر في العراق . فهل يحكم على هذا الخمر المتبدل إلى خلّ أنه
    خلٌّ تبعاً لقاعدة الانقلاب ؟
     مع صدق الخل عليه عرفاً ـ كما هو مفروض السؤال ـ
    يجري عليه حكمه .
    4 ـ هل يجوز استعمال دهن الحوت ، والأسماك غير
    الجائزة الأكل ، والقواقع في الأكل ، وفي الاستعمالات الأخرى ؟
     لا يجوز أكلها ، ويجوز غيره من الاستعمالات ، والله
    العالم .
    5 ـ هل يحل أكل سرطان البحر ، وأم الروبيان ، والقواقع
    البحرية ؟
     لا يحل من حيوان البحر إلا السمك الذي له فلس ، ومنه
    ما يسمى بـ ( الروبيان ) وأما غير السمك ـ كالسرطان ـ وكذا
    السمك الذي لا فلس له ، فلا يجوز أكله ، والله العالم (1) .
    6 ـ بيض السمك تتبع السمك ، فبيض المحلل حلال وإن
    كان أملس ، وبيض المحرم حرام وإن كان خشناً ، وإذا أشتبه أنه
    من المحلل أو من المحرّم فلا بد من الاجتناب عنه .

    __________________
    (1) فتاوى خطية مصورة بحوزة المؤلف ، وانظر : فقه المغتربين 152 وما بعدها .

    7 ـ تحرم الحشرات ويقصد بها الدواب الصغار التي تسكن
    باطن الأرض كالضب والفأر واليربوع والقنفذ والحية ونحوها ،
    كما يحرم القمل والبرغوت والجعل ودودة القز بل مطلق
    الديدان (1) .
    8 ـ إذا اشتبه اللحم فلم يعلم أنه مذكى أم لا ، ولم تكن
    عليه إحدى أمارات التذكية كيد المسلم ، وسوق المسلمين ،
    والصنع في بلاد الإسلام ، لم يحلّ أكله ، وأما لو اشتبه اللحم
    المحرز تذكيته ـ ولو بإحدى إماراتها ـ فلم يعلم أنه من النوع
    الحلال أو الحرام حكم بحله (2) .
    9 ـ لا يجوز بيع لحم الخنزير ولو على مستحليه ، من دون
    فرق بين المباشرة والتسبب .
    وأما تقديم لحم الخنزير لمستحليه ففيه إشكال ، ويجب
    الاحتياط بتركه (3) .
    وهناك حقيقة قائمة أجاب عنها سماحة السيد دام ظله
    العالي يتضمنها السؤال الجريء الآتي :
    تمتلىء الحانات بروادها من الكفار في بعض الليالي ، حتى
    إذا أثقلهم الشراب خرجوا يبحثون عن مطاعم يأكلون فيها ، فهل
    يجوز لمسلم أن يستغل تلك الحاجة ، فيفتح مطعماً يقدم فيه الأكل
    __________________
    (1) السيد السيستاني / منهاج الصالحين 3 / 292 ـ 293 .
    (2) السيد السيستاني / منهاج الصالحين 3 / 299 .
    (3) فتوى خطية مصوّرة بحوزة المؤلف .


    الحلال للسكارى وغيرهم ؟ وهل في ذلك إثم إذا كان الطعام
    المحلل هذا يعينهم على تخفيف أثر الشراب عليهم أو ما شاكل
    ذلك
     لا مانع من ذلك في حدّ ذاته (1) .
















    __________________
    (1) فقه المغتربين / 189 .

    الفصل السادس
    مظاهر الحياة العامة والعلاقات المحرمة
    والجائزة
    1 ـ علاقة المسلم بسواه من غير المسلمين
    2 ـ الاختلاط المزدوج في المدارس والمسابح
    والحفلات
    3 ـ الإحساس الجنسي ودرجات التلذذ الشهوي
    4 ـ ما لا يجوز للمرأة وما يجوز
    5 ـ مشاهد المجون والرقص والموسيقى والغناء
    والقمار





    ( 1 )
    علاقة المسلم بسواه من غير المسلمين
    الإسلام دين الاجتماع والتآلف والحب المتبادل ، والمسلم
    الملتزم هو الذي يطبق على نفسه وعائلته الظواهر الإنسانية التي
    يدعو إليها الدين الحنيف ، ومع اتساع خطوط الاتصال في شرق
    الدنيا وغربها ، تتلاحم القوى البشرية فيما بينها صلة ومعروفاً
    وإنسانية ، ولمّا كان الإسلام دين المودّة الخالصة والحب
    المتبادل ، وشريعته شريعة اليسر والسماح ، فما على المسلم من
    بأس أن يتخذ له أصدقاء وأحباء من غير المسلمين ، لا أولياء
    بالمعنى الشرعي المحدد ، فالصداقة شيء ، والموالاة شيء آخر ،
    وإباحة الصداقة لا تعني إباحة الموالاة ، وفي هذا الضوء فلا مانع
    من الاتصال المباشر وغير المباشر مع غير المسلمين ، إذا كانوا لا
    يعادون الإسلام ، وإنما هم من سائر الناس في الشعور والتفكير
    والمعاناة ، يحترمون شعائر الآخرين ، ولا يكيدون للإسلام
    والمسلمين ، وفي هذا المضمار قد تستحسن مجاملتهم بل
    والإحسان إليهم تحبيباً للإسلام من نفوسهم ، واحتفاءً بالمسلمين
    في شمائلهم ومشاعرهم ، وقد دأب سماحة سيدنا المفدى دام ظله



    الشريف على استيعاب أكبر عدد متعاطف مع المسلمين من كل
    الجنسيات والديانات فذهب إلى طهارة الكتابيين من اليهود
    والنصارى ، ولكنه لم يترك الاحتياط الاستحبابي في الموضوع ،
    وكان سيدنا الإمام الحكيم قدس سره العظيم قد أفتى من ذي قبل
    بطهارتهم خلافاً للمشهور ، أما سيدنا السيستاني فقد أفتى : « وأما
    الكتابي : فالمشهور نجاسته ، ولكن لا يبعد الحكم بطهارته ، وإن
    كان الاحتياط لا ينبغي تركه » (1) . وقد حاول سيدنا المفدى أن
    تكون العلاقات العامة بين المسلمين وسواهم قائمة على أساس
    التفاهم والودّ البريء ، فسيّر بذلك الفتاوى الآتية ضمن الإجابة
    عن الأسئلة الموجهة لسماحته :
    1 ـ هل يجوز تبادل الودّ والمحبة مع غير المسلم ، إذا كان
    جاراً ، أو شريكاً في عمل ، أو ما شابه ذلك ؟
     إذا لم يظهر المعاداة للإسلام والمسلمين بقول أو فعل ،
    فلا بأس بالقيام بما يقتضيه الودّ والمحبّة من البرّ والإحسان إليه ،
    قال تعالى : ( لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ
    يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
    الْمُقْسِطِينَ ) .
    2 ـ هل يجوز السير في موكب جنازة غير مسلم لتشييعه ،
    إذا كان جاراً مثلاً ؟
     إذا لم يكن هو ، ولا أصحاب الجنازة ، معروفين
    __________________
    (1) السيد السيستاني / المسائل المنتخبة / 82 .

    بمعاداتهم للإسلام والمسلمين ، فلا بأس بالمشاركة في تشييعه ،
    ولكن الأفضل المشي خلف الجنازة ، لا أمامها .
    3 ـ هل يجوز دخول أصحاب الديانات السابقة من
    الكتابيين ، ودخول الكفّار من غيرهم ، المساجد ودور العبادة
    الإسلامية ؟ وهل يجب علينا إلزام غير المحجبات بارتداء
    الحجاب ، ثم الدخول إذا كان دخولهن جائزاً ؟
     لا يجوز على الأحوط دخولهم في المساجد ، وأمّا
    دخولهم في دور العبادة وغيرها ، فلا بأس به ، وتلزم النساء
    بالتحجب ، إذا لزم من تركه الهتك .
    4 ـ هل يجوز التصدّق على الكفّار الفقراء كتابيين كانوا أو
    غير كتابيين ؟ وهل يثاب المتصدّق على فعله هذا ؟
     لا بأس بالتصدق على من لا ينصب العداوة للحق
    وأهله ، ويثاب المتصدِّق على فعله ذلك .
    5 ـ هل يجوز إزعاج الجار اليهودي ، أو الجار المسيحي ،
    أو الجار الذي لا يؤمن بدينٍ أصلاً ؟
     لا يجوز إزعاجه من دون مبرّر .
    6 ـ هل يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إذا كان
    المأمور ليس موالياً لأهل البيت عليهم‌السلام أو كان من الكتابيين الذين
    يحتمل التأثير فيهم مع الأمن من الضرر ؟
     نعم يجبان مع توفر بقية الشروط في وجوبهما ، ومنها أن
    لا يكون الفاعل معذوراً في ارتكاب المنكر أو ترك المعروف ،



    ومن غير المعذور الجاهل المقصّر ، فيرشد إلى الحكم أولاً ، ثم
    يؤمر أو ينهى إن أراد مخالفته .
    هذا ولو كان المنكر مما أحرز أن الشارع لا يرضى بوقوعه
    مطلقاً ، كالإفساد في الأرض ، وقتل النفس المحترمة ، ونحو ذلك
    فلا بد من الردع عنه ، ولو كان الفاعل جاهلاً قاصراً (1) .
    7 ـ هل يجوز للمسلم أن يسرق من الكفّار في بلادهم
    ( أوروبا ) أو أن يحتال عليهم في أخذ الأموال بالطريقة المتعارفة
    لديهم ؟
     لا تجوز السرقة من أموالهم الخاصة والعامة ، وكذا
    إتلافها إذا كان ذلك يسيء إلى سمعة الإسلام والمسلمين بشكل
    عام ، وكذا لا يجوز إذا لم يكن كذلك ، ولكن عدّ غدراً ونقضاً
    للأمان الضمني المعطى لهم حين طلب رخصة الدخول في
    بلادهم ، أو طلب رخصة الإقامة فيها ، لحرمة الغدر ونقض الأمان
    بالنسبة إلى كل أحد (2) .
    8 ـ هذا ، ولو أن كتابياً أو كافراً محترم المال ، أو حربياً
    مباح المال ، قد أودع مسلماً وديعة ما ، فيجب ردها ، ويحرم
    خيانته بجحدها ، وإذا طالبه بها فالواجب عليه رفع يده عنها ،
    والتخلية بين المالك وبينها ، وهذه فتوى السيد : يجب ردّ الوديعة
    عند المطالبة في أول وقت الإمكان ، وإن كان المودّع كافراً محترم
    __________________
    (1) فقه المغتربين / 223 وما بعدها .
    (2) المستحدثات من المسائل الشرعية / 24 .

    المال ، بل وإن كان حربياً مباح المال ، فإنه تحرم خيانته ، ولا
    يصح تملك وديعته ولا بيعها على الأحوط ، والواجب عليه رفع
    يده عنها ، والتخلية بين المالك وبينها لا نقلها إلى المالك ، فلو
    كانت في صندوق مقفل أو بيت مغلق ففتحهما عليه فقال ها هي
    وديعتك خذها ، فقد أدى ما هو تكليفه ، وخرج عن عهدته (1) .















    __________________
    (1) السيد السيستاني / منهاج الصالحين 2 / 197 .



    ( 2 )
    الاختلاط المزدوج في المدارس والمسابح والحفلات
    تقتضي مظاهر الحياة العامة ، وتفرض طبيعتها في أوروبا ،
    الاختلاط بين الجنسين في المعاهد والمدارس وحفلات الرقص
    والموسيقى وأضراب ذلك ، وهذا وإن اعتبر طبيعياً عند الأوروبيين
    ولكن عليه كثيراً من التحفظ والرفض عند المسلمين بعامة ،
    والملتزمين منهم بخاصة ، وقد عالج سماحة السيد دام ظله جملة
    من هذه المظاهر ، وشدد في النكير على الشاذ منها ، وما كان منها
    على سبيل لا يختلف مع سنة الدين أباحه ، وقد التزم دام ظله
    بالتفريق الدقيق بين الحالات التي قد تبدو متماثلة ولكنها في
    واقعها غير متماثلة ، وإن كانت متقاربة ، ولكنها تختلف في وجه
    أو وجوه ، ولك أن تلمس هذا من خلال الفتاوى الآتية :
    1 ـ هل يجوز اختلاط الجنسين في المدارس المتوسطة
    والثانوية إذا علم الإنسان أن ذلك الاختلاط سيؤدي حتماً في يوم
    ما إلى وقوع محرم لطالب أو طالبة ، ولو كان بالنظر المحرم ؟
     لا يجوز في الصورة المذكورة .

    2 ـ هل يجوز للرجل المسلم أن يذهب إلى المسابح
    المختلطة ، خصوصاً وأنهن قد ألقين جلباب العفاف عن أنفسهن ،
    وممن لا ينتهين إذا نهين ؟
     النظر من دون ريبة ولا تلذذ شهوي إلى المكشفات
    اللائي لا ينتهين إذا نهين عن التكشف وإن كان جائزاً ، ولكن
    الحضور في هذه الأماكن الخلاعية غير جائز مطلقاً على
    الأحوط .
    3 ـ هل يجوز للساكنين في الغرب إرسال بناتهم المحجبات
    إلى مدارس مختلطة للتعلم في ظل إلزامية التعليم أو عدمها مع
    وجود مدارس غير مختلطة ولكنها غالية ، أو بعيدة ، أو ضعيفة
    المستوى ؟
     لا يجوز إذا كانت تفسد أخلاقهن فضلاً عما إذا كانت
    تضر بعقائدهن والتزامهن الديني كما هو كذلك عادة .
    4 ـ هل يجوز اصطحاب الفتيات اللواتي يدرسن مع الشاب
    المسلم في الجامعات الأجنبية لغرض التنزّه في السفرات السياحية
    وغيرها ؟
     لا يجوز ، إلا مع الأمن من الوقوع في الحرام .
    5 ـ مدرسة أوروبية في ملاكها مدرسون لا يؤمنون بدين
    ينكرون أمام التلاميذ وجود الله ، فهل يجوز إبقاء الطلاب
    المسلمين بها ، رغم أن تأثرهم بأساتذتهم محتمل جداً ؟
     لا يجوز ، وولي الطفل يتحمل كامل المسؤولية عن
    ذلك .


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 3294
    نقاط : 4981
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

     فقه الحضارة  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: فقه الحضارة     فقه الحضارة  Emptyالثلاثاء نوفمبر 19, 2024 4:25 pm

    6 ـ هل تجوز السباحة في مسبح مختلط من دون أن يكون
    القصد من السباحة هو التلذذ ؟
     لا يجوز الذهاب إلى أماكن الفساد مطلقاً على الأحوط .
    7 ـ هل يجوز قصد سواحل البحر والحدائق العامة في
    الأيام المشمسة للتنزه ، وفيها مشاهد مخلّة بالآداب العامة ؟
     لا يجوز مع عدم الأمن من الوقوع في الحرام .
    8 ـ في بعض الدول يصافح القادم كل الجالسين حتى
    النساء دون تلذذ ، ولو امتنع عن مصافحة النساء أثار سلوكه
    الاستغراب ، وغالباً ما يعد إساءة للمرأة واحتقاراً لها ، مما
    ينعكس سلباً على نظرتهم إليه ، فهل يجوز مصافحتهن ؟
     لا يجوز ، وليعالج الموقف بترك مصافحة الجميع أو
    بلبس الكفوف مثلاً ، ولو لم يتيسر له ذلك ووجد أن في الامتناع
    عن المصافحة حرجاً شديداً لا يتحمل عادة ، جازت له عندئذ ،
    هذا كلّه على فرض ضرورة تدعو للحضور في مجلس كهذا ، وإلّا
    فلو لم يمكنه اجتناب الحرام لم يجز له الحضور .
    9 ـ تعتبر المصافحة من وسائل التحية والسلام في البلدان
    الغربية ، وقد يؤدي تركها إلى الطرد أو الحرمان من فرص العمل
    أو الدراسة أحياناً ، فهل يجوز للمسلم مصافحة المرأة ؟ أو
    المسلمة مصافحة الرجل في الحالات الاضطرارية ؟
     إذا لم يمكن التخلص من الملامسة بلبس الكفوف أو
    نحوه جازت حيث يؤدي تركها إلى ضرر معتد به أو حرج شديد
    لا يتحمل عادة .

    10 ـ يدرس الطالب في المدارس الرسمية البريطانية وربما
    غيرها ، مادة تهتم بتعلم الطالب ( الرقص ) على أنغام موسيقى
    خاصة ، توجه حركات الراقصين أثناء الرقص :
    أ ـ فهل يجوز حضور درسٍ كهذا ؟
    ب ـ وهل يجب على الوالدين منع أولادهم من الحضور
    للدرس إذا رغب الشاب أو الشابة بذلك ؟
     أ ـ لا يجوز إذا كانت تؤثر سلباً على تربيتهم الدينية ـ
    كما هو الغالب ـ بل مطلقاً على الأحوط .
    ب ـ نعم يجب .
    11 ـ هل يجوز إقامة حفلات راقصة ، يرقص فيها كل زوج
    مع زوجته فقط على أنغام موسيقى هادئة ، وبملابس غير مبتذلة ؟
     لا يجوز .
    12 ـ هل يجوز رقص النساء أمام النساء ، أو رقص الرجال
    أمام الرجال ، في حفلة غير مختلطة مع الموسيقى أو بدونها .
     رقص النساء أمام النساء ، أو رقص الرجال أمام الرجال
    محل إشكال ، فالأحوط تركه ، وقد مرّ حكم الموسيقى .
    13 ـ تجبر المدارس في بعض البلاد الغربية الطلاب
    والطالبات على تعلم فن الرقص ، هذا الرقص ليس مقترناً بالغناء
    المتعارف ، وليس من أجل اللهو ، وإنما هو جزء من المادة
    الدراسية ، فهل يحرم على الآباء السماح لأبنائهم وبناتهم
    بالحضور في هذه الدروس ؟


     نعم يحرم ، إذا كانت تنافي التربية الدينية ، بل مطلقاً على
    الأحوط مع فرض بلوغ المتعلم ، إلا إذا كانت له حجة شرعية
    على جواز تعلمه ـ كأن كان يقلّد من يفتي بالجواز ـ فإنه لا مانع
    حينئذٍ من السماح له بذلك (1) .
    14 ـ هل يجوز للرجل المسلم أن يذهب للمسابح المختلطة
    ( رجالاً ونساءً ) من دون قصد الريبة ، خصوصاً وأنهن قد ألقين
    جلباب العفاف عن أنفسهن ، وممن لا ينتهين إذا نهين ؟
     النظر دون ريبة ولا تلذذ شهوي إلى المكشفات اللائي لا
    ينتهين إذا نهين عن التكشف وإن كان جائزاً ، ولكن الحضور في
    هذه الأماكن الخلاعية غير جائز مطلقاً على الأحوط .
    15 ـ هل يجوز للمسلم أن يرسل ابنه إلى إحدى المعاهد
    الموسيقية لتعلم فنون الموسيقى كفن على شرط أن لا يستعمل فنه
    في الحرام ؟
     لا مانع من تعلم الموسيقى المحللة في حد ذاته ، ولكن
    لإرسال الأطفال إلى المعاهد الموسيقية لا بد من إحراز أن ذلك
    لا يؤثر سلباً على نشئتهم الدينية ، والله العالم (2) .
    16 ـ هل يجوز للمرأة المسلمة الالتحاق بالكليات المختلطة
    في الغرب ، رغم وجود تحلل في سلوك بعض الطلاب والطالبات
    هناك ؟
    __________________
    (1) فقه المغتربين / 225 ـ 227 ، 266 ، 291 ، 319 ، 320 .
    (2) المستحدثات من المسائل الشرعية / 25 ، 17 .

     إذا كانت تثق مع ذلك بتمكنها من الحفاظ على سلامة
    دينها ، والقيام بالتزاماتها الشرعية ومنها الحجاب ، والتجنب عن
    النظر واللمس المحرمين ، وعدم التأثر بما يحيط بها من أجواء
    التحلل والانحراف ، فلا بأس به ، وإلّا لم يجز (1) .
















    __________________
    (1) فتوى خطية في حوزة المؤلف / وانظر : فقه المغتربين 304 .



    ( 3 )
    الإحساس الجنسي ودرجات التلذذ الشهوي
    الحاجة إلى الجنس حاجة فسلجية لا تقل عن حاجة الجسم
    إلى الغذاء والماء ، ولقد ذهب الدور الذي يتحاشى فيه الفقيه
    الخوض في موضوعاته الصارخة ، وعاد من المنطق الالتفات إلى
    مجمل مشكلاته الكبرى ، ووضع الحلول المناسبة لها في ضوء
    معطيات الشريعة الغراء .
    ولقد كثر القول في رسائل الفقهاء : النظر بلا ريبة ، النظر
    دون شهوة ، النظر دون تلذذ ، النظرة المحرمة ، النظرة الأولى ،
    النظرة الثانية ، التلذذ الشهوي ، الإحساس الجنسي ، التلذذ
    الجنسي ، وأمثال ذلك من التعبير الفقهي المهذّب الذي لا يجرح
    عاطفة ، ولا يمس شعوراً بخدش ، وكل ذلك من التعبير الرقيق
    الذي يناسب موضوعه الرقيق أيضاً .
    ولقد وجهت إلى سماحة سيدنا المفدى أطال الله أيام
    إفاضاته الشريفة ، عدة استفتاءات من شرق الأرض وغربها ، فكان
    دقيقاً في الإجابة ، رفيقاً بالمشاعر ، ناهضاً بعبء المسؤولية


    الشرعية ، ومن أبرز فتاواه ما أحاول أن أضعه أمامك مع أسئلته
    المثيرة أحياناً عملاً بالقاعدة الأصل : لا حياء في الدين .
    1 ـ ما هو حدّ اللذة المحرمّة ؟
     أدنى حدّها ـ إن أريد بالحدّ المرتبة ـ هو أول درجة من
    الإحساس الجنسي .
    2 ـ في حرمة النظر للمرأة ترد عبارات غير واضحة الحدود
    عند الكثيرين . فما معنى الريبة والتلذذ والشهوة ؟ يرجى إيضاح
    ذلك للمكلفين ، وهل هذه كلها بمعنى واحد ؟
     التلذذ والشهوة يراد بهما التلذذ الجنسي الشهوي لا مطلق
    التلذذ ، ولا التلذذ الجبلّي للبشر الحاصل من النظر إلى المناظر
    الجميلة ، والمراد بالريبة خوف الافتتان والوقوع في الحرام .
    3 ـ ما المقصود بالقول المأثور ( النظرة الأولى لك والثانية
    عليك ) وهل يجوز إطالة النظرة الأولى للمرأة والتمعن بها بحجة
    أنها لا زالت نظرة أولى جائزة كما يدّعي البعض ؟
     الظاهر أن المقصود بالقول المذكور هو التفريق بين
    النظرتين من حيث الأولى اتفاقية عابرة فتكون بريئة ، ولا يقصد
    بها التلذذ الشهوي ، بخلاف الثانية فإنها تكون مقصودة وهادفة
    طبعاً ، فتقترن بنوع من التلذذ ، وبذلك تكون خسارة ، ومن هنا ورد
    في بعض النصوص عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام أنه قال « النظرة
    بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة ، وكفى بها لصاحبها فتنة » .
    وكيفما كان ، فمن الواضح أن القول المذكور ليس في مقام
    تحديد النظر السائغ على أساس العدد بحيث يعني تجويز النظرة



    الأولى وإن كانت هادفة وغير بريئة في أول حدوثها ، أو انقلبت
    إلى ذلك في حالة بقائها واستمرارها ، لأن الناظر لا تطاوعه نفسه
    من غمض النظر عن المنظور إليها ، وتحريم النظرة الثانية وإن
    كانت للحظة واحدة بلا تلذذ أصلاً (1) .
    لقد اقتصر النظر بغير شهوة على المحارم والمُماثل في
    الشرعية ، وبشهوة على الزوجة فحسب ، وههنا مسائل أدلى بها
    سماحة السيد دام ظله :
    1 ـ يجوز للرجل أن ينظر إلى جسد محارمه ـ ما عدا
    العورة ـ من دون تلذذ شهوي ولا ريبة ، والمراد بالمحارم من
    يحرم عليه نكاحهن أبداً من جهة النسب أو الرضاع أو المصاهرة
    دون غيرها كالزنا واللواط واللعان .
    2 ـ لا يجوز للرجل أن ينظر إلى ما عدا الوجه والكفين من
    جسد المرأة الأجنبية وشعرها ، سواء أكان بتلذذ شهوي أو مع
    الريبة أم لا ، وكذا إلى الوجه والكفين إذا كان النظر بتلذذ شهوي
    أو مع الريبة ، وأما بدونهما فلا يبعد جواز النظر ، وإن كان
    الأحوط تركه أيضاً .
    3 ـ يحرم على المرأة النظر إلى بدن الرجل الأجنبي بتلذذ
    شهوي أو مع الريبة ، بل الأحوط لزوماً أن لا تنظر إلى غير ما
    جرت السيرة على عدم الالتزام بستره كالرأس واليدين والقدمين
    ونحوها وإن كان بلا تلذذ شهوي ولا ريبة ، وأما نظرها إلى هذه
    __________________
    (1) فقه المغتربين / 285 وما بعدها .

    المواضع من بدنه من دون ريبة ولا تلذذ شهوي فالظاهر جوازه ،
    وإن كان الأحوط تركه أيضاً .
    4 ـ يجوز لمن يريد أن يتزوج امرأة أن ينظر إلى محاسنها
    كوجهها وشعرها ورقبتها وكفّيها ومعاصمها وساقيها ونحو ذلك ،
    ولا يشترط أن يكون ذلك بإذنها ورضاها .
    نعم يشترط : أن لا يكون بقصد التلذذ الشهوي وإن علم أنه
    يحصل بالنظر إليها قهراً . وأن لا يخاف الوقوع في الحرام بسببه .
    كما يشترط أن لا يكون هناك مانع من التزويج بها فعلاً مثل ذات
    العدة وأخت الزوجة . ويشترط أيضاً أن لا يكون مسبوقاً بحالها ،
    وأن يحتمل اختيارها وإلّا فلا يجوز ، والأحوط وجوباً الاقتصار
    على ما إذا كان قاصداً التزويج بها بالخصوص فلا يعم الحكم ما
    إذا كان قاصداً لمطلق التزويج ، وكان بصدد تعيين الزوجة بهذا
    الاختبار ، ويجوز تكرر النظر إذا لم يحصل الاطلاع عليها بالنظرة
    الأولى .
    5 ـ يجوز سماع صوت الأجنبية مع عدم التلذذ الشهوي ولا
    الريبة ، كما يجوز لها إسماع صوتها للأجانب إلّا مع خوف
    الوقوع في الحرام ، نعم لا يجوز لها ترقيق الصوت وتحسينه على
    نحو يكون عادة مهيجاً للسامع ، وإن كان مَحْرماً لها (1) .
    وهناك أسئلة أجاب عنها سماحة سيدنا دام ظله في ضوء
    متطلبات الحياة العامة ، ولكنها متقيدة بالشروط نفسها في عدم
    __________________
    (1) السيد السيستاني / منهاج الصالحين 3 / 12 ـ 15 .


    التلذذ الشهوي ، أو الريبة المحرمة ، أو الافتتان .
    1 ـ هل يجوز التحدث مع النساء حديثاً غزلياً دون ريبة أو
    تلذذ ؟
     لا يجوز على الأحوط .
    2 ـ هل يجوز التغزل نظماً أو نثراً بامرأة غير معينة أو
    بالنساء عموماً ؟
     إذا خلا عن تمني الحرام ونحوه ، ولم تترتب عليه مفسدة
    أخرى ، فلا بأس به .
    3 ـ هل يجوز التحدث مع النساء من دون تلذّذ شهوي
    وبقصد الاقتناع بواحدة منهن ، ثم طلب عقد الزواج المؤقت منها ؟
     إذا خلا الحديث عمّا لا يجوز التحدث بشأنه مع المرأة
    الأجنبية ، فلا مانع منه .
    4 ـ هل يجوز النظر لصورة امرأة محجبة معروفة ظهرت في
    الصورة دون حجاب .
     الأحوط ترك النظر إلى ما سوى الوجه والكفين منها ، أما
    هما فيجوز من دون ريبة أو تلذذ شهوي .
    5 ـ هل يجوز النظر إلى صورة لصبية أجنبية وهي الآن بالغة
    ومحافظة على سترها ؟
     إذا كانت الصورة لا تطابقها وهي بالغة لتغيّر أوصافها
    فلا يبعد جواز النظر إلى الصورة في حد ذاته وأما لو كانت


    تطابقها فالأحوط وجوباً ترك النظر . نعم النظر إلى الوجه والكفين
    من الصورة لا مانع منه .
    6 ـ تصنع بعض الشركات جهازاً يشبه مهبل المرأة يضعه
    بعض الرجال على أجهزتهم التناسلية أثناء النوم للذة ، فهل يعدّ
    هذا من أنواع الاستمناء المحرّم ؟
     حرام إذا استتبع الإمناء مع كونه مقصوداً له ، أو كان من
    عادته ذلك ، بل الأحوط لزوماً الاجتناب عنه حتى مع الاطمئنان
    بعدم حصول الإمناء .
    8 ـ ما حكم عناق الرجل للرجل بشهوة ، وتقبيل بعضهم
    بعضاً مع الالتذاذ الجنسي ، وماذا لو زاد الأمر عن هذا الحد ؟
    فدخل في خانة الفعل الشاذ ؟
     يحرم ذلك كله ، وإن تفاوت في درجات الحرمة (1) .








    __________________
    (1) فتاوى خطية بحوزة المؤلف ، وانظر : فقه المغتربين / 287 ـ 292 .



    ( 4 )
    ما لا يجوز للمرأة وما يجوز
    لم تعد المرأة متأقلمة بإطارها القديم ، وقد بعثت روح
    الحضارة جذوة التفتح على الحياة المعاصرة ، وقد أخذت المرأة
    من ذلك جزءاً لا يستهان به من الصحوة ، ولكن هذا لا يعني لها
    أن تخرج عن أصول الدين وسنن الشريعة ، فذلك رباط مقدسٌ
    يصونها عن الانحراف ، ويحميها من التدهور والانحطاط ، ويخلق
    منها نموذجاً رائعاً من نماذج القصد والاعتدال والاستقامة ، ولمَّا
    كانت إفرازات العصر كثيرة ، كان التحرز والتحفظ منها بنسبتها ،
    ولقد اختطت الشريعة الغراء للمرأة منهجاً لا حباً لا أمَتَ فيه ولا
    اعوجاج ، ومتى ما التزمت به المرأه المسلمة بلغت الذروة في
    الصفة والكمال ، وتسنمت مدارج الرفعة إلى الحياة الحرة
    الكريمة ، ولمّا كانت مفردات شؤون المرأة متعددة الجوانب في
    الإفتاء ، وهي منتشرة في مظانها من المصادر والمراجع فسأقتصر
    بالحديث عما لا يجوز للمرأة وما يجوز لها في حدود على سبيل
    النموذج والمثال لا الحصر والاستقصاء .
    لقد أولى سيدنا المفدى دام ظله الوريف عنايته الفائقة لهذا


    الجانب في كل المستويات من أجل إسعاد المرأة المسلمة ،
    والنهوض بها إلى المكان اللائق المرموق الذي يجب أن تحتله
    في الساحة ، فبحث مشكلاتها في ضوء المنطق الصحيح ، وأعطى
    الحلول الشرعية المناسبة لكل حادث ومستجد في مسيرتها في ظل
    الحضارة المعاصرة ، وإليك جزءاً من الفتاوى التي خصصت
    للموضوع :
    1 ـ يجب على المرأة أن تستر شعرها ، وما عدا الوجه
    والكفين من بدنها عن غير الزوج والمحارم ، وأما الوجه والكفان
    فالأظهر جواز إبدائهما إلّا مع خوف الوقوع في الحرام أو كونه
    بداعي إيقاع الرجل في النظر المحرّم فيحرم الإبداء حينئذٍ حتى
    بالنسبة إلى المحارم . هذا في غير المرأة المسنّة التي لا ترجو
    النكاح ، وأما هي فيجوز لها إبداء شعرها وذراعها ونحوهما مما
    لا يستره الخمار والجلباب عادة ولكن من دون أن تتبرج بزينة .
    2 ـ يستثنى من حرمة النظر واللمس ووجوب التستر صورة
    الاضطرار ، كما إذا توقف استنقاذ الأجنبية من الغرق أو الحرق
    أو نحوهما على النظر واللمس المحرّم فيجوز حينئذٍ ، ولكن إذا
    اقتضى الاضطرار النظر دون اللمس أو العكس اقتصر على ما
    اضطر إليه ، وبمقداره لا أزيد .
    3 ـ إذا اضطرت المرأة ـ مثلاً ـ إلى العلاج من مرض ،
    وكان الرجل الأجنبي أرفق بعلاجها جاز له النظر إلى بدنها ولمسه
    بيده إذا توقف عليهما معالجته ، ومع إمكان الاكتفاء بأحدهما ـ
    أي اللمس والنظر ـ لا يجوز الآخر كما تقدم .


    4 ـ يجوز النظر واللمس من المرأة للصبي غير البالغ ـ ما
    عدا عورته ـ مع عدم التلذذ الشهوي والريبة ، ولا يجب عليها
    التستر عنه ما لم يبلغ مبلغاً يمكن أن يترتب على نظره إليها ثوران
    الشهوة ، وإلا وجب التستر عنه على الأحوط .
    5 ـ لا يجوز لمس بدن الغير وشعره ـ عدا الزوج والزوجة ـ
    بتلذذ شهوي أو مع الريبة ، وأما اللمس من دونهما فيجوز بالنسبة
    إلى شعر المحرم والمماثل وما يجوز النظر إليه من بدنهما ، وأما
    بدن الأجنبي والأجنبية وشعرهما فلا يجوز لمسهما مطلقاً حتى
    المواضع التي يجوز النظر إليها ، فتحرم المصافحة بين الأجنبي
    والأجنبية إلا من وراء الثوب ونحوه (1) .
    وهناك أسئلة مهمة في الموضوع أجاب عنها سماحته
    استفتاء ، نضع السؤال بين يدي القارىء والجواب :
    1 ـ ذكرتم في رسالتكم العملية ما محصله : أنه لا يجوز
    للرجل الأجنبي النظر إلى عورة المرأة وكذلك العكس حتى في
    مقام العلاج إلا مع الضرورة . فهل يكفي في الضرورة كون
    الشخص في مقام التدريب كطالب الطب مثلاً ؟
     لا يكفي إلا إذا توقف عليه ولو في المستقبل دفع ضرر
    عظيم عن مسلم .
    2 ـ وهل يكفي صدق عنوان الضرورة علاج الحالة النفسية ،
    كالمرأة التي يسبب لها كثرة الحمل الانزعاج الشديد والتذمر
    __________________
    (1) السيد السيستاني / منهاج الصالحين 3 / 12 ـ 14 .

    النفسي بحيث لا وسيلة لمنع الحمل إلا عن طريق وضع ( اللولب )
    الذي تضطر معه لكشف عورتها للأجنبي أو الأجنبية ؟
     لا يمكن إلا إذا كان الإنجاب يسبب لها القلق النفسي
    الشديد مما يوجب وقوعها في الحرج الرافع للتكليف ، فيجوز لها
    حينئذٍ كشف العورة للطبيب أو الطبيبة إذا لم تكن وسيلة أخرى
    مناسبة للمنع عن الحمل لا تتوقف عن كشف العورة .
    3 ـ وكذلك الحال بالنسبة للمرأة المصابة بالعقم ، هل يسوغ
    لها كشف عورتها للعلاج عند الضرورة .
     يسوغ إذا كانت هناك ضرورة تلجئها إلى الإنجاب أو كان
    عدم الإنجاب يوجب وقوعها في الحرج الرافع للتكليف (1) .
    4 ـ هل يجوز أن تكشف المرأة المسلمة شعرها أمام المرأة
    غير المسلمة ؟
     يجوز ذلك ، ولكنه مكروه مع احتمال أن تصف زينة
    المسلمة لزوجها احتمالاً معتداً به (2) .
    5 ـ هل يجوز للبكر وضع مساحيق التجميل الخفيفة بقصد
    إثارة الانتباه ، وزيادة الجمال في المجالس النسائية الخاصة قصد
    الزواج ، وهل يعدّ ذلك إخفاءً للعيوب الجسدية ؟
     يجوز لها ذلك ، ولا يعدّ إخفاء للعيوب ، مع أنه لو عدّ
    كذلك لم يحرم إلا إذا وقع تدليساً لمن يريد الزواج منها .
    __________________
    (1) المستحدثات من المسائل الشرعية / 30 .
    (2) المرجع نفسه / 35 .


    6 ـ هل يجوز مصافحة العجائز الأجنبيات القواعد اللاتي
    لا يرجون نكاحاً ، وما هو العمر التقريبي للقواعد ؟
     لا يجوز لمس بدن الأجنبية مطلقاً إلا مع الضرورة ،
    وليس للقواعد عمر تقريبي بل تختلف امرأة عن غيرها في ذلك ،
    والمناط هو المذكور في الآية ، أن تكون ممن لا ترجو النكاح من
    جهة كبر السن .
    7 ـ هل يجوز للمرأة المحجبة تعلُّم قيادة السيارة ، إذا كان
    معلمها أجنبياً ينفرد بها أثناء التعلم من دون أن يستلزم ذلك
    الوقوع في المحرم ؟
     يجوز مع الأمن مِنَ الفساد .
    8 ـ بعض محلات تجميل النساء تحتاج إلى عاملات ، فهل
    يحق للمؤمنة أن تجمِّل النساء السافرات اللاتي يتجملن أمام
    الأجانب الغرباء ، مسلماتٍ كنَّ أو غير مسلمات .
     إذا عُدّ ذلك إسهاماً في ترويج المنكر وإشاعته فليس لها
    ذلك ، ولكن حصول هذا العنوان بعيد جداً .
    9 ـ هل يجوز للمرأة التي لا تستر وجهها إزالة الشعر عن
    وجهها ، وتصفيف حواجبها ، ووضع المساحيق الطبيعية الخفيفة
    على الوجه ؟
     إزالة شعر الوجه وتصفيف الحواجب لا يمنعها من كشف
    وجهها بشرط الأمن من الوقوع في الحرام ، وعدم كون الإبداء
    بداعي وقوع النظر المحرّم عليها .

    وأما مع استخدام مساحيق التجميل فلا بدّ من ستر الوجه .
    10 ـ هل يجوز تلوين الشعر بصبغه ، كلاً أو بعضاً ، بقصد
    جلب الانتباه في المجالس النسائية لغرض الزواج ؟
     إن كان لمجرد الزينة من دون تدليس ، كإخفاء العيب أو
    كبر السن ، فلا بأس به .
    11 ـ لو استعملت امرأة شعراً اصطناعياً سترت به شعرها
    الحقيقي ، فهل يجوز لها إظهار صورتها على غير ما هي عليه طلباً
    للزينة والستر معاً ؟
     يجوز لها استخدام الشعر الاصطناعي ، ولكنه زينة يجب
    ستره عن الرجال الأجانب .
    12 ـ جورب بلون البشر يجمّل الساق ، هل يجوز للمرأة
    الشابة لبسه ؟
     يجوز لها ذلك ، ولكنه إذا عدّ من الزينة في الملبس لزم
    ستره عن الأجانب .
    13 ـ جورب ساتر يُجسِّم ما تحته ، هل يجوز لبسه ؟
     لا بأس به .
    14 ـ ممرضة مسلمة تعمل في عيادة طبية ، تلمس بطبيعة
    عملها أجساد الرجال ، مسلمين وغير مسلمين ، فهل يجوز لها
    ذلك ؟ علماً بأن ترك العمل صعب لقلة فرص الحصول على
    العمل ، ثم هل هناك فرق بين لمس جسد مسلم ، ولمس جسد
    غيره ؟


     لا يجوز للمرأة أن تلمس جسد الأجنبي ، مسلماً كان أم
    غيره ، إلا إذا كانت هناك ضرورة رافعة للحرمة .
    15 ـ مسلمة تلبس حذاءً ذا كعب عالٍ ينقر الأرض نقرات
    مثيرة للانتباه ، فهل يجوز لها ذلك ؟
     لا يجوز إذا كان بداعي إلفات نظر الرجال الأجانب
    إليها ، أو كان موجباً للفتنة النوعية .
    16 ـ هل لبس خاتم الزينة أو السوار أو القلادة بقصد
    التجميل حلال أو حرام ؟
     حلال ويجب سترها عن الأجانب باستثناء الخاتم
    والسوار مع الأمن من الوقوع في الحرام ، وعدم كون إبدائهما
    بداعي إيقاع النظر المحرّم عليها .
    17 ـ في الغرب يمكن إلصاق عدسات على حدقة العين
    بألوان شتى ، فهل يجوز للمسلمة وضع العدسات اللاصقة لغرض
    التجميل والظهور بها أمام الرجال الأجانب ( غير المحارم ) ؟
     إذا عدّت زينة لها لم يجز .
    18 ـ هل يجوز بيع بويضة المرأة ؟ وهل يجوز شراؤها ؟
     يجوز .
    19 ـ يتساقط شعر بعض النساء في حالات خاصة ، فهل
    يحق لهن عرض شعورهن على الطبيب للعلاج ، سواء استلزم


    سقوط الشعر الحرج لهن ، أم لم يستلزم ، بل اقتضاه التجميل ؟
     يجوز مع الحرج الذي لا يتحمل عادة ، لا بدونه .
    20 ـ هل يجوز لبس الباروكة للزينة بقصد إثارة الانتباه
    وزيادة الجمال في المجالس النسائية الخاصة ؟ وهل يعدّ هذا
    إخفاءً للعيوب ؟
     لا بأس إذا كان لمجرد الزينة دون التدليس وإخفاء العيب
    في مقام التزويج مثلاً .
    21 ـ هل يجوز للنساء مشاهدة أجساد الرجال الذين
    يخلعون ثيابهم أثناء العزاء ؟
     الأحوط وجوباً الترك .
    22 ـ هل يجوز لبس المرأة للبنطلون والخروج به في
    الشوارع والأسواق ؟
     لا يجوز إذا كان مجسماً لمفاتن بدنها ، أو موجباً لإثارة
    الفتنة غالباً .
    23 ـ هل تجوز المصارعة بأشكالها المختلفة للنساء ؟ وهل
    يجوز للنساء مشاهدة أجسام المتصارعين المكشوفة مباشرة أو من
    خلال جهاز التلفزيون من دون تلذذ ؟
     لا يجوز ما فيه إضرار بالغير أو بالنفس بالحد المحرّم ،
    والأحوط لزوماً أن لا تنظر المرأة إلى بدن الرجل من دون تلذذ
    ولو في التلفزيون ، ما عدا الرأس واليدين والقدمين ونحوهما مما
    جرت السيرة على عدم الالتزام بستره .


    24 ـ من تبرع بتربية طفلة فكبرت عنده حتى بلغت مبلغ
    النساء ، فهل يجب عليها الحجاب منه ؟ وهل يجب عليه عدم
    النظر لشعرها ، وعدم لمس جسدها ؟
     نعم يجب كل ذلك ، فشأنها معه شأن سائر الأجانب (1) .
















    __________________
    (1) فقه المغتربين / 301 ـ 306 .


    ( 5 )
    مشاهد المجون والرقص والموسيقى والغناء والقمار
    تأطرت إفرازات العصر بأطر بعيدة عن الشعور بالمسؤولية
    حيناً ، وداعية إلى الاستهتار بالقيم حيناً آخر ، وهي بين هذا وذاك
    قد تبرر ظواهر الخلاعة والعبث والمجون ، وقد تبيح حفلات
    الرقص والموسيقى والغناء ، وقد تخرج بسبيل ما عن مقتضيات
    الآداب العامة ، وتتمرد على الأعراف القائمة ، وهي تختلف نسبياً
    في بيئة ما عن بيئة أخرى ، فهي في مكان غيرها في مكان آخر ،
    والمسلم الواعي الملتزم هو الذي يبتعد عن كل ذلك بما فيه
    الشبهات .
    ولقد حرص سيدنا المفدى دام ظله العالي أن يجنب شبابنا
    ـ لا سيما في الغرب ـ عناء الانزلاق في هذه المتاهات المظلمة ،
    وحدب على إرشاد الضال وقمع الضلال ، واستقصاء الحالات
    الشاذة ، والردّ عليها رداً عنيفاً ، والأخذ بيد الجيل أخذاً رفيقاً ،
    بغية الوصول إلى الهدف الأسمى من بيان أحكام شريعة سيد
    المرسلين بكل يسر ومرونة دون عنت وإكراه .


    أولاً : ولقد أفتى سماحة السيد وأجاب عن الأسئلة الكثيرة ،
    ونشر ضمن رسالته العملية ما فيه الغناء والكفاية ليتبصر أولو
    الرأي والفكر والاعتبار ، وفي هذا الضوء أضع بعض المسائل :
    1 ـ هل يجوز مشاهدة مشهد غرامي على الطبيعة في
    الشارع ؟
     لا يجوز النظر إليه بتلذذ شهوي أو مع الريبة ، بل
    الأحوط تركه مطلقاً .
    2 ـ هل يجوز الذهاب إلى السينما المختلطة وأماكن اللهو
    غير المشروع ، مع عدم الاطمئنان بالوقوع في المحرم ؟
     لا يجوز .
    3 ـ هل يجوز قصد سواحل البحر والحدائق العامة في
    الأيام المشمسة للتنزه ، وفيها مشاهد مخلة بالآداب العامة ؟
     لا يجوز مع عدم الأمن من الوقوع في الحرام (1) .
    4 ـ هل يجوز النظر إلى صور المسلمات العاريات أو شبه
    العاريات في التلفزيون وشبهه ، لإشباع غريزة الإطلاع
    والاستئناس ، مع عدم الاطمئنان بحصول اللذة الجنسية ؟
    وهل يجوز النظر لهن في الشوارع لا للغرض المتقدم بل
    لغرض إثارة الزوج على زوجته ؟
     لا يجوز النظر بشهوة إلى المناظر الخلاعية مباشرة ، أو
    في التلفزيون ونحوه ، بل الأحوط لزوماً ترك النظر إليها مطلقا .
    __________________
    (1) فتاوى خطية بحوزة المؤلف / وانظر : فقه المغتربين / 227 .

    5 ـ هل يجوز مشاهدة اللقطات المثيرة ، مع عدم الاطمئنان
    بعدم حصول الإثارة .
     إذا كانت من اللقطات الخلاعية ، فالأحوط ترك النظر
    إليها .
    6 ـ هل يجوز مشاهدة الأفلام الجنسية دون تلذذ ؟
     لا يجوز مطلقاً على الأحوط .
    7 ـ هناك محطات تلفزيونية تقبض اشتراكات شهرية مقابل
    التقاط برامجها غير المختصة بالفساد ، وحين ينتصف الليل تعرض
    أفلاماً خلاعية ، فهل يجوز الاشتراك فيها ؟
     لا يجوز إلا إذا وثق من نفسه وغيره عدم مشاهدة البرامج
    الخلاعية .
    8 ـ بالمدارس البريطانية الرسمية ، وربما في غيرها من
    الدول الغربية ، يدرس الطالب فتىٰ وفتاة مادة تهتم بالتربية الجنسية
    يصاحبها شرح توضيحي بالرسوم مجسمة وغير مجسمة للأعضاء
    التناسلية ، فهل يجوز للطالب الشاب حضور درس كهذا ؟ وهل
    يجب على الوالدين منع الشاب من حضوره إذا رغب الشاب
    بذلك مدّعياً أنه درس نافع له مستقبلاً .
     إذا لم يكن حضوره مصحوباً بشيء من المحرمات كالنظر
    بتلذذ شهوي ، وكان بمنأى من الانحراف الخلقي جرّاء تعلم هذه
    المادة ، فلا بأس به (1) .
    __________________
    (1) فقه المغتربين / 227 ـ 289 ـ 290 ـ 286 .


    ثانياً : تشيع الموسيقى في المجتمعات شيوعاً متزايداً ، ولما
    كانت الموسيقى على نوعين محلل ومحرم فقد اقتضى التفريق
    بينهما ، وكما تشيع الموسيقى فإن الغناء أكثر منها شيوعاً لأنه
    يشتمل عليها وعلى غيرها ، وفي المسائل الآتية القول الفصل في
    الموضوع :
    1 ـ يكثر السؤال حول الموسيقى المحلّلة والموسيقى
    المحرمة ، فهل نستطيع أن نقول بأن الموسيقى التي تثير الغرائز
    الجنسية الشهوانية ، وتحث على الميوعة والابتذال ، هي موسيقى
    محرّمة .
    وأن الموسيقى التي تهدىء الأعصاب ، أو تبعث الارتياح
    في النفس ، أو تلك التي تصاحب أحداث الفيلم عادة لتزيد من
    تأثير المشهد في النفوس ، أو تلك التي تصاحب الألعاب الرياضية
    أثناء التمارين الرياضية ، أو التي تصوّر بالعزف مشهداً معيناً ، أو
    التي تثير الحماس هي موسيقى محللة ؟
     الموسيقى المحرّمة : هي ما تكون مناسبة لمجالس اللهو
    واللعب ، وإن لم تكن مثيرة للغريزة الجنسية .
    والموسيقى المحللة هي : ما لا تناسب تلك المجالس ، وإن
    لم تكن مهدئة للأعصاب كالموسيقى العسكرية والجنائزية .
    2 ـ كما يكثر السؤال عن الموسيقى المحرمة والمحللة ،
    كذلك يكثر السؤال عن الأغاني المحللة والأغاني المحرمة ، فهل
    نستطيع أن نقول بأن الأغاني المحرمة هي تلك التي تثير الغرائز
    الجنسية الشهوانية ، وتدعو إلى الميوعة والابتذال . أما الأغاني


    التي لا تثير الغرائز الهابطة ، والتي تسمو بالنفوس والأفكار إلى
    مستوى رفيع ، كالأغاني الدينية التي تتغنى بسيرة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم
    أو بمدح الأئمة عليهم‌السلام أو تلك الأغاني والأناشيد الحماسية
    وأضرابها أغانٍ محلّلة ؟
     الغناء كلّه حرام ، وهو على المختار : الكلام اللهوي
    الذي يؤتى به بالألحان المتعارفة عند أهل اللهو واللعب ، ويلحق
    به في الحرمة قراءة القرآن الكريم والأدعية المباركة ومدائح أهل
    البيت عليهم‌السلام بهذه الألحان .
    وأما قراءة سوى ذلك من الكلام غير اللهوي ـ كالأناشيد
    الحماسية ـ بالألحان الغنائية ، فحرمتها تبتني على الاحتياط
    اللزومي . وأما اللحن الذي لا ينطبق عليه التعريف المذكور فليس
    محرماً بذاته .
    3 ـ هل يجوز الاستماع إلى الأغاني الدينية في مدح أهل
    البيت عليهم‌السلام ، مصحوبة بالموسيقى ؟
     الغناء حرام مطلقاً ، وأما المدائح التي تنشد بلحن جميل
    لا ينطبق عليه تعريف الغناء فلا مانع منها .
    وأما الموسيقى فتجوز إذا لم تكن مناسبة لمجالس اللهو
    واللعب .
    4 ـ هل يجوز الالتذاذ بالاستماع إلى مقرىء القرآن وهو
    يرجع بصوته أثناء القراءة ؟
     إذا لم يكن اللحن المستخدم في القراءة غنائياً ، فلا بأس
    بالاستماع إليها .


    5 ـ بعض المقرئين أو المنشدين أو المغنيين يأخذون ألحان
    أهل الفسوق ويغنون أو ينشدون بها قصائد في مدح
    المعصومين عليهم‌السلام فيكون المضمون مخالفاً لما تعارف عليه أهل
    الفسق والفجور ، واللحن مناسباً لها ؟ فهل يحرم التغني على هذه
    الصورة ؟ وهل يحرم الاستماع ؟
     نعم يحرم ذلك على الأحوط .
    6 ـ هل يجوز غناء النساء ليلة الزفاف بأي لحن كان ، حتى
    لو كان ذلك مناسباً لمجالس أهل الفسوق ؟ وهل يحلّ لهن
    استعمال الأدوات الموسيقية في الغناء تلك الليلة ، ثم هل يحلّ
    لهن التغني في حفلة العقد أو ليلة الحنّة أو ليلة السبعة كذلك ؟ أم
    أن الحلّية خاصة بليلة الزفاف فقط ؟
     الأحوط لزوماً تركه حتى في ليلة الزفاف ، فضلاً عن
    غيرها ، وقد مرّ حكم الموسيقى .
    7 ـ هل يجوز الاستماع إلى أناشيد ثورية مع ضرب البيانو
    والعود والطبل والمزمار والبيانو الكهربائي مثلاً ؟
     إذا كانت الموسيقى منبعثة منها من الموسيقى المناسبة
    لمجالس اللهو واللعب ، لم يجز الاستماع إليها .
    8 ـ هناك أغانٍ باللغات الأجنبية يوصي أساتذة اللغات
    الأجنبية ـ لتسهيل تعليم اللغة ـ بسماعها ، فهل يجوز الاستماع لها
    للغرض المتقدم ؟
     إذا صدق عليه الغناء بمعناه المتقدم ، لم يجز .

    9 ـ الآلات الموسيقية متنوعة ، تستعمل أحياناً في الحفلات
    الغنائية ، وتستعمل أحياناً للترويح عن النفس ، فهل يجوز شراء
    هذه الآلات ، أو صناعتها ، أو المتاجرة بها ، أو العزف عليها ،
    لترويج النفس ، أو الاستماع لعزف من يعزف عليها ؟
     لا يجوز المتاجرة بآلات اللهو المحرم بيعاً وشراء أو
    غيرها ، كما لا يجوز صنعها وأَخذ الأُجرة عليها .
    والمقصود بآلة اللهو المحرم ما يكون بما له من الصورة
    الصناعية ـ التي بها قوام ماليته ولأجلها يقتنيه الغالب ـ لا يناسب
    أن يستعمل إلّا في اللهو الحرام .
    10 ـ هل تجوز صناعة أو بيع أو شراء الآلات الموسيقية
    المعدّة لتسلية الأطفال ؟ وهل يجوز استعمالها من قبل الكبار ؟
     إذا كانت تنبعث منها الموسيقى المناسبة لمجالس اللهو
    واللعب ، لم يجز التعامل بها ، ولا استعمالها من قبل
    المكلفين (1) .
    11 ـ ما هو الحد الفاصل بين الموسيقى المحللة أو
    المحرمة ، وإذا كان الفاصل هو عنوان الإطراب أو اللهو فهو غير
    واضح عُرفاً لاختلاف الأنظار والرؤى في ذلك ؟
     الحدّ الفاصل هو كونها بالكيفية المناسبة لمجالس اللهو
    والفسوق .
    __________________
    (1) فتاوى خطية في حوزة المؤلف ، ونشرت جميعها في : فقه المغتربين بالشكل
    الذي أثبتناه / 314 ـ 319 .


    12 ـ بالنسبة للحن ما هو معيار الحرمة فيه . هل المدار
    كونه مستعملاً في الغناء عند أهل الفسوق فعلاً ؟ أو يكفي فيه
    الشأنية والمناسبة لذلك ؟ وهل يختلف الحال بين استعماله في
    ضمن عزاء حسيني ، أو أنشودة إسلامية مثلاً ، أو غير ذلك ؟
     العبرة فيه أيضاً بالمناسبة لتلك المجالس ، ولا ترتفع
    حرمته باستعماله ضمن عزاء أو غيره مطلقاً على الأحوط (1) .
    وكان سماحة السيد دام ظله الوارف قد عالج الموضوع من
    ذي قبل في المكاسب المحرمة ضمن الفتاوى الآتية :
    1 ـ الآلات المخترعة لالتقاط الأصوات والصور أو
    تسجيلها أو إذاعتها أو نشرها هي ـ في الغالب ـ من الآلات
    المشتركة بين الحلال والحرام ، فيجوز بيعها والمعاوضة عليها
    واقتناؤها واستعمالها في منافعها المحللة ، كإسماع القرآن المجيد
    واستماعه ، ونشر الأحكام الشرعية والمواعظ الدينية ، والتعزية
    والأخبار ، وتعليم العلوم والصنائع المحللة ، والتعريف بالأمتعة
    والبضائع التجارية ، ومشاهدة عجائب الخلقة ونحو ذلك ، ويحرم
    استعمالها في الأمور المحرمة : كالأمر بالمنكر ، والنهي عن
    المعروف ، ونشر الأفكار الهدّامة ، والصور الخلاعية المثيرة
    للشهوات الشيطانية ، وكل ما يوجب الانحطاط الفكري والخلقي
    للمسلمين ، وإذا صار بعض ما ذكر من الآلات مصداقاً لآلة
    الحرام بالمعنى المتقدم فلا إشكال في عدم جواز بيعه ،
    والمعاوضة عليه .
    __________________
    (1) المستحدثات من المسائل الشرعية / 28 .

    2 ـ الغناء حرام فعله واستماعه والتكسب به ، والظاهر أنه
    الكلام اللهوي ـ شعراً كان أو نثراً ـ الذي يؤتى به بالألحان
    المتعارفة عند أهل اللهو واللعب ، وفي مقومية الترجيع والمدّ له
    إشكال ، والعبرة بالصدق العرفي ، ولا يجوز أن يقرأ بهذه الألحان
    القرآن المجيد والأدعية والأذكار ونحوها بل ولا سواها من
    الكلام غير اللهوي على الأحوط وجوباً .
    وقد يستثنى من الغناء المحرّم : غناء النساء في الأعراس إذا
    لم يضم إليه محرم آخر من الضرب بالطبل ، والتكلم بالباطل ،
    ودخول الرجال على النساء ، وسماع أصواتهن على نحو يوجب
    تهيج الشهوة ، ولكن هذا الاستثناء لا يخلو عن إشكال . وأما
    الموسيقى فما كان منها مناسباً لمجالس اللهو واللعب كما هو
    الحال فيما يعزف بآلات الطرب كالعود والطنبور والقانون
    والقيثارة ونحوها فهي محرّمة كالغناء ، وأما غيرها كالموسيقى
    العسكرية والجنائزية ، فالأحوط الأولى الاجتناب عنها أيضاً (1) .
    ثالثاً : وقد أدى تهاون الناس بالقمار أن انتشرت وسائله ،
    وتعددت أنواعه ، وشاع تداوله بالشكل الذي يدعو إلى التساؤل
    والعجب بوقت واحد ، ففي الوقت الذي اعتبره القرآن رجساً من
    عمل الشيطان فهو وحده يجب أن يكون رادعاً في اجتنابه
    والابتعاد عنه ، ولكن الشهوات في الربح المحرم من جهة ،
    والفراغ والدعة قد دفعا بأساليبه إلى التطور والتكاثر والابتعاد عن
    حضيرة العقل والدين معاً .
    __________________
    (1) السيد السيستاني / منهاج الصالحين 2 / 7 ، 11 .


    وكان سماحة السيد أدام الله عزه العتيد ، قد أفننى بعدة
    مسائل ما فيه إبانة للموضوع وإيضاح خال من التعقيد والتمحل
    وفيه الكفاية لمن أراد الهداية ، وإليك نموذجاً منها :
    1 ـ اللعب بآلات القمار ، كالشطرنج ، والدوملة ، والنرد
    ( الطاولي ) وغيرها مما أعد لذلك حرام مع الرهن ، ويحرم أخذ
    الرهن أيضاً ، ولا يملكه الغالب . وأما اللعب بها إذا لم يكن رهن
    فيحرم في النرد والشطرنج على الأقوى ، بل ولا يترك الاحتياط
    في غيرهما أيضاً ، ويحرم اللعب بغير الآلات المعدة للقمار إذا
    كان مع الرهن ، كالمراهنة على حمل الوزن الثقيل ، أو على
    المصارعة ، أو على القفز ، ونحو ذلك ، ويحرم أخذ الرهن ، وأما
    إذا لم يكن رهن فالأظهر الجواز .
    2 ـ لا تجوز التجارة بما يكون آلة للحرام بأن يكون بما له
    من الصورة الصناعية ـ التي بها قوام ماليته عند العرف ولأجلها
    يقتنيه الناس غالباً ـ لا يناسب أن يستعمل إلا في عمل محرّم ، وله
    أنواع منها الأصنام وشعائر الكفر كالصلبان ، ومنها آلات القمار
    كالنرد والشطرنج ، ومنها : آلات اللهو المحرم ، إلى غير ذلك من
    الأنواع .
    3 ـ كما يحرم بيع آلة الحرام يحرم عملها ، وأخذ الأجرة
    عليها ، بل يجب إعدامها ، ولو بتغير هيئتها فيما إذا توقف على
    ذلك النهي عن المنكر المترتب عليه ، وإلا لم يجب وإن كان
    أحوط . ويجوز بيع مادتها من الخشب والنحاس بعد تغيير هيئتها
    بل قبله ، لكن لا يجوز دفعها إلى المشتري إلا مع الوثوق بأن
    المشتري يغيرها ، أما مع عدم الوثوق بذلك ، فالظاهر جواز البيع


    وإن أثم بترك التغيير مع انحصار الفائدة في الحرام ، أمّا إذا كانت
    لها فائدة محلّلة ولو قليلة لم يجب تغييرها (1) .
    ومع الوضوح المتقدم في تحريم اللعب بآلات القمار ،
    وتحريم التجارة بها والصنع لها ، فقد وجهت لسماحة السيد دام
    علاه استفتاءات حولها فأجاب :
    1 ـ ما حكم اللعب بالشطرنج بالآلة المتعارفة ؟ وهل
    يختلف الحكم فيما لو كان اللعب عن طريق جهاز الكمبيوتر الذي
    يستخدم الرموز والأشكال بدل الآلة المتعارفة ؟
     اللعب به حرام مطلقاً ولو بدون رهان ، ولا فرق في ذلك
    بين أن يكون بالآلة المتعارفة ، أو عن طريق جهاز الكمبيوتر إذا
    كان اللعب بين شخصين ، وأما إذا كان الطرف الآخر هو الجهاز
    فالأحوط وجوباً تركه .
    2 ـ ما هي الضابطة في كون الآلة محرمة ومن آلات
    القمار ؟ هل هو الإعداد والاتخاذ للقمار أو استعمال العرف ؟
    وهل يفرق في العرف بين كونه عرفاً لمجتمع خاص ، أو عرفاً
    عالمياً ؟
     الضابط أن تعد فعلاً آلة للقمار ، ويكفي كونها آلة له في
    مجتمع خاص (2) ليكون حراماً هناك ، وإن لم يعد في مجتمع آخر
    قماراً جاز هناك .
    __________________
    (1) السيد السيستاني / منهاج الصالحين 2 / 7 وما بعدها .
    (2) المستحدثات من المسائل الشرعية / 27 .


    3 ـ هل يجوز لعب القمار بأنواعه في الحاسوب الآلي
    ( الكمبيوتر ) دون رهن ؟ وهل يجوز مع الرهن .
     لا يجوز ، وحكمه حكم القمار بالآلات المتعارفة .
    4 ـ بعض اللعب المحللة يدخل فيها الزار ( الزهر ) فهل
    يجوز لعبها به ؟
     إذا لم تكن الزار من الآلات المختصة بالقمار فلا مانع
    من اللعب بها في الألعاب غير القمارية (1) .













    __________________
    (1) فقه المغتربين / 289 .


    فهرس الموضوعات
    المقدمة 5
    الفصل الأول : الطب الحديث وظواهر الاكتشاف المختبري 11
    1 ـ أحكام التشريح في منظور عصري 13
    2 ـ الترقيع بالأعضاء والواقع الطبي 16
    3 ـ التلقيح الصناعي والتخصيب 19
    4 ـ أطفال الأنابيب وعملية الاستنساخ 24
    5 ـ تحديد النسل وموانع الحمل 27
    6 ـ مرض الايدز أو فقدان المناعة المكتسبة 31
    7 ـ أخطار التدخين ونوادر علمائنا الأعلام 37
    8 ـ وباء المخدرات وأضرار الخمور 45
    9 ـ فتاوى فقهية ذات أبعاد طبية 50
    الفصل الثاني : الاقتصاد الوطني والشؤون المالية 55
    أولاً : أعمال المصارف والبنوك 57
    1 ـ الاقتراض ـ الإيداع 59


    2 ـ الاعتمادات 64
    3 ـ خزن البضائع 68
    4 ـ بيع البضائع عند تخلف أصحابها عن تسلّمها 69
    5 ـ الكفالة عند البنوك 70
    6 ـ بيع السهام 72
    7 ـ بيع السندات 73
    8 ـ الحوالات الداخلية والخارجية 75
    9 ـ جوائز البنك 80
    10 ـ تحصيل الكمبيالات 81
    11 ـ بيع العملات الأجنبية وشراؤها 83
    12 ـ السحب على المكشوف 84
    13 ـ خصم الكمبيالات 85
    14 ـ العمل لدى البنوك 90
    15 ـ فتاوى مصرفية 93
    ثانياً : أوراق اليانصيب 95
    ثالثاً : عقد التأمين 98
    رابعاً : إخلاء المحلات التجارية 101
    خامساً : فتاوى حضارية بأموال الأوروبيين 104

    الفصل الثالث : تخطيط المدن واستصلاح الأراضي 107
    1 ـ الشوارع العامة في مظاهرها المتعددة 109
    2 ـ الطرق المشتركة في الإعمار والاستثمار 112
    3 ـ الشوارع المفتوحة في قبل الدولة 117
    4 ـ المياه والأنهار والآبار والعيون 121
    5 ـ إحياء الأرض الموات 126
    الفصل الرابع : السفر إلى أوروبا والخطوط الجوية والقبلة في
    نيويورك 131
    1 ـ السفر إلى البلدان الأوروبية والأجنبية 133
    2 ـ حركة السفر الجوية في تأصيل حضاري 138
    3 ـ القبلة في نيويورك 144
    4 ـ متفرقات في أحكام السفر 147
    الفصل الخامس : شؤون الأطعمة واللحوم والأغذية والمعلبات في
    الدول الأجنبية 149
    1 ـ التذكية واللحوم وطعام غير المسلمين 151
    2 ـ ريادة المطاعم المشبوهة والعمل فيها 157
    3 ـ المعلبات والمنتجات في الدول الأوروبية 161
    4 ـ فتاوى حضارية في الأغذية والأشربة 167


    الفصل السادس : مظاهر الحياة العامة والعلاقات المحرمة
    والجائزة 171
    1 ـ علاقة المسلم بسواه من غير المسلمين 173
    2 ـ الاختلاط المزدوج في المدارس والمسابح والحفلات 178
    3 ـ الإحساس الجنسي ودرجات التلذذ الشهوي 184
    4 ـ ما لا يجوز للمرأة وما يجوز 190
    5 ـ مشاهد المجون والرقص والموسيقى والغناء والقمار 199
    فهرس الموضوعات 211

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
     
    فقه الحضارة
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    » ما مفهوم الحضارة
    »  الحضارة القديمة في العراق تاريخها وبدايتها
    »  الحضارة القديمة في العراق تاريخها وبدايتها
    » ة مقال هل تسألت يوما ما معنى الحضارة

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: 48- منتدى الفقه-
    انتقل الى: