الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
اهل البيت
المواضيع الأخيرة
» نثر الدر المكنون
حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي - صفحة 2 Emptyاليوم في 6:12 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» مقاتل الطالبيّين مقاتل الطالبيّين المؤلف :أبي الفرج الاصفهاني
حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي - صفحة 2 Emptyأمس في 11:42 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج1
حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي - صفحة 2 Emptyأمس في 10:27 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج2
حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي - صفحة 2 Emptyأمس في 9:59 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج3
حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي - صفحة 2 Emptyأمس في 9:34 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  كلام جميل عن التسامح
حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي - صفحة 2 Emptyأمس في 8:57 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  مفهوم التسامح مع الذات
حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي - صفحة 2 Emptyأمس في 8:48 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» أقوال الحكماء والفلاسفة
حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي - صفحة 2 Emptyأمس في 10:01 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» أقوال وحكم رائعة
حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي - صفحة 2 Emptyأمس في 9:55 am من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي

    اذهب الى الأسفل 
    انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي   حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 6:24 am

    (١) الدر النظيم في مناقب الأئمة (ص ١٦٨)

    (٢) مناقب الخوارزمي ٢ / ٣٦
    ٢٩١

    وذبح هو عطشانا أمام عائلته ، فأي ثمن اغلى من هذا الثمن الذي قدمه الامام قربانا خالصا لوجه اللّه؟

    لقد تاجر الامام مع اللّه بما قدمه من عظيم التضحية والفداء ، فكانت تجارته هي التجارة الرابحة قال اللّه تعالى :

    (إِنَّ اَللّٰهَ اِشْتَرىٰ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وأَمْوٰالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ اَلْجَنَّةَ يُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ فَيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي اَلتَّوْرٰاةِ واَلْإِنْجِيلِ واَلْقُرْآنِ ومَنْ أَوْفىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اَللّٰهِ ، فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ اَلَّذِي بٰايَعْتُمْ بِهِ وذٰلِكَ هُوَ اَلْفَوْزُ اَلْعَظِيمُ) (١).

    والشيء المحقق ان الامام قد ربح بتجارته وفاز بالفخر الذي لم يفز به أحد غيره ، فليس في اسرة شهداء الحق من نال الشرف والمجد والخلود مثل ما ناله الامام فها هي الدنيا تعج بذكراه ، وها هو حرمه المقدس اصبح اعز حرم وامنعه في الأرض.

    لقد رفع الامام العظيم راية الاسلام عالية خفاقة وهي ملطخة بدمه ودماء الشهداء من أهل بيته وأصحابه : وهي تضيء في رحاب هذا الكون وتفتح الآفاق الكريمة لشعوب العالم وأمم الأرض لحربتهم وكرامتهم.

    لقد استشهد الامام من اجل أن يقيم في ربوع هذا الكون دولة الحق ، وينقذ المجتمع من حكم الأمويين الذين كفروا بحقوق الانسان ، وحولوا البلاد الى مزرعة لهم يصيبون منها حيث ما شاءوا.
    القاتل الأثيم :

    واختلف المؤرخون في المجرم الأثيم الذي اجهز على ريحانة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، وهذه بعض الأقوال :

    __________________

    (١) سورة التوبة : آية ١١٠
    ٢٩٢

    ١ ـ سنان بن أنس

    وذهب الكثيرون من المؤرخين الى ان الشقي الأثيم سنان بن أنس هو الذي احتز رأس الامام (ع) (١) وفيه يقول الشاعر :

    وأي رزية عدلت حسينا غداة تبيره كفا سنان (٢)

    ٢ ـ شمر بن ذي الجوشن

    وصرحت بعض المصادر ان الأبرص شمر بن ذي الجوشن هو الذي قتل الامام (٣) فقد كان هذا الخبيث من أحقد الناس على الامام يقول المستشرق رينهارت دوزى : ولم يتردد الشمر لحظة بقتل حفيد الرسول (ص) حين احجم غيره عن هذا الجرم الشنيع. وان كانوا مثله في الكفر (٤).

    ٣ ـ عمر بن سعد

    وذكر المقريزي وغيره ان عمر بن سعد هو الذي قتل الامام بعد أن احجم غيره من السفكة المجرمين من قتله (٥).

    __________________

    (١) تأريخ ابن الأثير ٣ / ٢٩٥ ، مقاتل الطالبيين (ص ١١٨) البداية والنهاية ٨ / ١٨٨ ، أنساب الأشراف ق ١ ج ١ ، تأريخ القضاعي

    (٢) الاستيعاب ١ / ٣٧٩

    (٣) مقتل الخوارزمي ٢ / ٣٦ ، مقتل الحسين للمقرم (ص ٣٤٧)

    (٤) مسلمي اسبانيا

    (٥) خطط المقريزي ٢ / ٢٨٦ ، مناقب ابن شهر اشوب ٥ / ١١٩ من مصورات مكتبة الامام امير المؤمنين.
    ٢٩٣

    ٤ ـ خولى بن يزيد الاصبحي

    وتعزو بعض المصادر ان خولى بن يزيد الأصبحي هو الذي قتل الامام واحتز رأسه (١)

    ٥ ـ شبل بن يزيد الأصبحي

    ونص بعض المؤرخين على ان خولى بن يزيد الأصبحي نزل عن فرسه ليحتز رأس الامام فارتعدت يداه فنزل إليه اخوه شبل فاحتز رأسه ودفعه إليه (٢).

    ٦ ـ الحصين بن نمر

    نص على ذلك بعض المؤرخين (٣)

    ٧ ـ رجل من مذحج

    ذكر ذلك ابن حجر (٤) وانفرد هو بنقله.

    __________________

    (١) درر الابكار في وصف الصفوة الاخيار (ص ٣٨) وجاء فيه ان عمر بن سعد قال لأصحابه : انزلوا فحزوا رأسه فنزل إليه نصر بن حرشة الضبابي فجعل يضرب بسيفه في مذبح الحسين فغضب ابن سعد ، وقال لرجل عن يمينه : ويحك انزل الى الحسين فارحه فنزل إليه خولى فاحتز رأسه.

    (٢) تأريخ الخميس ٢ / ٣٣٣

    (٣) المعجم الكبير للطبراني ، الافادة في تأريخ الأئمة السادة

    (٤) تهذيب التهذيب ٢ / ٣٥٣
    ٢٩٤

    ٨ ـ المهاجر بن أوس

    نص على ذلك السبط ابن الجوزي (١) ولم يذكره غيره

    هذه بعض الأقوال ، والذي نراه ان شمر بن ذي الجوشن ممن تولى قتل الامام ، واشترك مع سنان في حز رأسه ، كما ذهب لذلك بعض المؤرخين (٢).

    وعلى أي حال فالويل لذلك الشقي الذي قدم على اقتراف هذه الجريمة التي هي أبشع ما اقترفت من يوم خلق اللّه هذه الأرض حتى يرثها وقد أثر عن النبي (ص) عما يلاقيه قاتل الحسين في الدار الآخرة من العذاب الأليم قال (ص) : «ان قاتل الحسين في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل النار ، وقد شدت يداه ورجلاه بسلاسل من نار ، منكس في النار حتى يقع في نار جهنم وله ريح يتعوذ أهل النار الى ربهم من شدة ريح نتنه ، وهو فيها خالد ذائق العذاب العظيم ، كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها حتى يذوقوا العذاب الأليم ، لا يفتر عنهم ساعة ، وسقوا من حميم جهنم ، ويل لهم من عذاب اللّه عز وجل» (٣).

    بأي وجه يلقى رسول اللّه (ص) وقد اثكله بريحانته ، وسبطه ، يقول منصور النمري :

    ويلك يا قاتل الحسين لقد




    نؤت بحمل ينوء بالحامل

    __________________

    (١) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان

    (٢) الافادة في تأريخ الأئمة السادة

    (٣) مناقب ابن المغازلي : رقم الحديث (ص ٣٩٠) بخط المحقق الاميني في مكتبة الامام امير المؤمنين.
    ٢٩٥

    أي حباء حبوت أحمد في




    حفرته من حرارة الثاكل

    بأي وجه تلقى النبي وقد




    دخلت في قتله مع القاتل (١)
    عمر الامام وسنة شهادته :

    أما عمر الامام (ع) حين شهادته فقد اختلف فيه المؤرخون ، وهذه بعض الأقوال :

    ١ ـ (٥٨) سنة : وإليه ذهب معظم المؤرخين (٢)

    ٢ ـ (٥٦) سنة : وإليه ذهب اليعقوبي وقال : لأنه ولد سنة (٤) من الهجرة (٣).

    ٣ ـ (٥٧) سنة : (٤)

    ٤ ـ (٦٥) سنة : (٥)

    أما السنة التي استشهد فيها فهي سنة (٦١ هـ) حسبما ذكره أغلب المؤرخين (٦)

    __________________

    (١) زهر الآداب ٣ / ٦٦٩ ، الأغاني ١٢ / ٢١ ، أمالي السيد المرتضى

    (٢) تهذيب التهذيب ٢ / ٣٥٦ ، الاستيعاب ١ / ٣٨١ ، الارشاد (ص ٢٨٣) البداية والنهاية ٨ / ١٩٨ ، المعجم الكبير للطبراني ، الافادة في تأريخ الأئمة السادة ، مجمع الزوائد ٩ / ١٩٨

    (٣) تأريخ اليعقوبي ٢ / ٢١٨

    (٤) الاستيعاب ١ / ٣٨١ المطبوع على هامش الاصابة

    (٥) مرآة الجنان ١ / ١٣١

    (٦) اسد الغابة ٢ / ٢٠ ، الاصابة ١ / ٣٣٤ ، الاستيعاب ١ / ٣٨١ مجمع الزوائد ٩ / ١٩٧ ، تأريخ اليعقوبي ٢ / ٢١٨.
    ٢٩٦

    وهي تصادف سنة (٦٨٠ م) في (١٠) اكتوبر تشرين الأول (١) وما ذكره الحجة الشيخ محمد رضا آل كاشف الغطاء رحمه اللّه انه في «(١٠) تموز» (٢) فانه لا واقع له .. يقول المؤرخون إنه وكانت بين وفاة النبي (ص) واليوم الذي قتل فيه الحسين خمسون سنة (٣) ولم يرع المسلمون أنه ريحانة نبيهم وسبطه الذي خلفه في أمته.
    امتداد الحمرة في السماء :

    ومادت الأرض واسودت آفاق الكون (٤) وامتدت حمرة رهيبة في السماء (٥) كانت نذيرا من اللّه لأولئك السفكة المجرمين الذي انتهكوا جميع حرمات اللّه ، وفي هذا الافق الملتهب بالحمرة والنار يقول ابو العلاء المعري :

    وعلى الأفق من دماء الشهيد




    بن علي ونجله شاهدان

    فهما في اواخر الليل فجرا




    ن وفي اولياته شفقان

    ثبتا في قميصه ليجيء الحشر




    مستعد يا الى الرحمن

    __________________

    (١) تأريخ الدول العربية (ص ١٤٤) الجدول الملحق بفجر الاسلام (ص ٣٠٥) الجدول الملحق بتأريخ الدول لابن العبري ، وهو يتفق مع ما ذكره اليعقوبي في تحديد الشهر.

    (٢) مجلة الغري السنة الأولى (عدد ٢٣ و ٢٤)

    (٣) تأريخ الخميس ٢ / ٣٣٤

    (٤) مرآة الجنان ١ / ١٣٤ ، خطط المقريزي ٢ / ٢٨٥ ، تهذيب التهذيب ٢ / ٣٥٥

    (٥) مجمع الزوائد ٩ / ١٩٧ ، الاتحاف بحب الاشراف (ص ٢٤)
    ٢٩٧

    وقد انكشفت الشمس ، وكانت قد مالت الى الغروب ، وقد شاركت العالم البائس احزانه واشجانه.
    فرس الحسين :

    وصبغ فرس الحسين ناصيته بدم الامام الشهيد واقبل يركض وهو مذعور نحو خيمة الحسين ليعلم العيال بقتله ، ولما نظرت إليه النساء علمن بمقتله (١) وفي زيارة الناحية «فلما نظرن النساء الى الجواد مخزيا ، والسرج عليه ملويا خرجن من الخدور ناشرات الشعور ، على الخدود لاطمات وللوجوه سافرات ، وبالعويل داعيات ، وبعد العز مذللات والى مصرع الحسين مبادرات».

    ونادت عقيلة الوحي :

    «وا محمداه ، وا أبتاه وا علياه ، وا جعفراه ، وا حمزتاه ، هذا حسين بالعراء ، صريع بكربلاء .. ليت السماء أطبقت على الأرض ، وليت الجبال تدكدكت على السهل» (٢).

    وذهل الجيش ، وود أن تخيس به الأرض ، وجرت دموع أولئك الجفاة من هول مصيبة بنات الرسالة.
    حرق الخيام :

    وعمد الأخباث اللئام الى حرق خيام الامام غير حافلين بما تضم من

    __________________

    (١) التأريخ المظفري (ص ٢٣٠) من مصورات مكتبة الامام الحكيم

    (٢) مقتل الحسين للمقرم (ص ٣٤٦)
    ٢٩٨

    بنات الرسالة وعقائل الوحي ، وقد حملوا أقبسة من النار (١) ومناديهم ينادي.

    «احرقوا بيوت الظالمين»

    يا للّه!! لقد كان بيت الامام ـ حسب ما يزعمون ـ بيت الظلم ، وبيت ابن مرجانة بيت العدل ، وقد اغرق هو وابوه الناس في الظلم والجور.

    وحينما التهبت النار في الخيم فررن بنات الرسالة وعقائل الوحي من خباء والنار تلاحقهن ، أما اليتامى فقد علا صراخهم فبين من تعلق باذيال عمته الحوراء لتحميه من النار ، وتصد عنه اعتداء الجفاة وبين من هام على وجهه في البيداء ، وبين من يستغيث بأولئك الممسوخين الذين خلت قلوبهم من الرحمة والعطف ، لقد كان ذلك المنظر مما تتصدع له الجبال ولم يغب عن ذهن الامام زين العابدين طيلة المدة التي عاشها بعد أبيه ، فكان دوما يذكره مشفوعا بالأسى والعبرات وهو يقول :

    «واللّه ما نظرت الى عماتي واخواتي الا وخنقتني العبرة وتذكرت فرارهن يوم الطف من خيمة الى خيمة ومن خباء إلى خباء ، ومنادي القوم ينادي احرقوا بيوت الظالمين».
    سلب جثة الامام :

    واقترف جيش ابن سعد اسوأ الماثم وافظع الجرائم فقد هرعوا بجشع وجثة الامام العظيم فجعلوا ينهبون ما عليها ما عليها من لامة حرب أو ثياب فأخذ رجل من بني نهشل سيفه (٢) وهو سيف النبي (ص) المسمى

    __________________

    (١) التأريخ المظفري (ص ٢٢٨)

    (٢) انساب الأشراف ق ١ ج ١
    ٢٩٩

    بذي الفقار (١) واخذ قيس بن الأشعث احد قادة ذلك الجيش قطيفة الامام وكانت من خز ، فعيب عليه وسمي قيس القطيفة وسلب قميصه اسحاق بن حوية ، واخذ الأخنس بن مرشد عمامته (٢) واخذ بحير سراويله فلبسها فصار زمنا مقعدا (٣) ولم يتركوا على جثمان الامام الا السراويل التي عمد الامام على تمزيقها حتى يتركوها على جسده.

    وجاء احط البشرية واقذرها بجدل ففتش عن مغنم يجده على جسم الامام فلم يجد شيئا وفتش مليا فرأى خاتم الامام في يده وقد بنت عليه الدماء فعمد الى قطع اصبعه وأخذه (٤) وترك البغاة جثمان الامام عاريا تصهره الشمس.
    سلب حرائر النبوة :

    وعمد ارذال أهل الكوفة وعبيد ابن مرجانة الى سلب حرائر النبوة وعقائل الرسالة فسلبوا ما عليهن من حلي وحلل ، ومال وغد من ارغادهم

    __________________

    (١) التأريخ السياسي للدول العربية ٢ / ٧٥ وجاء في هامشه أن هذا السيف غنمه النبي (ص) يوم بدر (ابن هذيل حلية الفرسان وشعار الشجعان ص ١٥) ، وسمي بذي الفقار لأنه كان يشبه في شكله فقرات الظهر (كنوز الفاطميين ص ٥٤) وقد انتقل هذا السيف الى حيازة العباسيين ومن بعدهم إلى الفاطميين (المجالس مخطوط).

    (٢) مقتل الحسين للمقرم (ص ٣٤٧)

    (٣) تأريخ المظفري (ص ٢٣٠)

    (٤) شرح شافية ابي فراس ٢ / ٢
    ٣٠٠

    بخسة ووحشية إلى السيدة أم كلثوم فسلب قرطبها (١) واسرع وضر خبيث نحو السيدة فاطمة بنت الحسين فانتزع خلخالها ، وهو يجهش بالبكاء ، وبهرت منه ابنة الحسين فقالت له :

    «مالك تبكي؟!!»

    «كيف لا ابكي وأنا اسلب ابنة رسول اللّه (ص)»

    ولما رأت تعاطفه قالت له :

    «دعني»

    وراح الدنيء يبدي جشعه قائلا :

    «أخاف ان يأخذه غيري» (٢)

    وعمدوا إلى نهب ما في الخيام من ثقل ومتاع ، وهجم الشمر على ثفل الحسين لنهبه فوجد ذهبا فأخذه ودفع بعضه إلى ابنته لتصوغه حليا لها فجاءت به الى الصائغ فلما أدخله النار صار هباء (٣).

    وبصرت امرأة من آل بكر بن وائل ما جرى على بنات رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، من النهب والسلب والترويع ، فاندفعت وهي مذهولة فجعلت تحفز اسرتها على انقاذ ودائع النبوة من أيدي أولئك الجفاة قائلة «يا آل بكر بن وائل أتسلب بنات رسول اللّه!! لا حكم إلا للّه ، يا لثارات رسول اللّه».

    وبادر إليها زوجها فردها الى رحله (٤) وتجرد ذلك الجيش من كل نزعة انسانية ، وخلا من كل رأفة ورحمة ، فقد جعلوا يوسعون بنات

    __________________

    (١) التأريخ المظفري (ص ٢٣٠)

    (٢) سير اعلام النبلاء ٣ / ٢٠٤

    (٣) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص ٩٠)

    (٤) اللهوف (ص ٧٤)
    ٣٠١

    رسول اللّه (ص) ضربا بكعوب رماحهم وهن يلذن من الرعب بعضهن ببعض ، وقد سقطت فاطمة بنت الحسين مغشيا عليها من شدة الضرب فلما أفاقت رأت عمتها السيدة أمّ كلثوم تبكي عند رأسها (١) ان مأساة عائلة الرسالة تبكي الجماد وتستثير عطف الصخور.
    الهجوم على زين العابدين :

    وهجم الفجرة الجفاة على زين العابدين وكان مريضا قد انهكته العلة ، ومزق الأسى قلبه ، فاراد الخبيث الأبرص شمر بن ذي الجوشن ان يقتله فنهره حميد بن مسلم قائلا له :

    «سبحان اللّه!! أتقتل الصبيان؟ انما هو مريض»

    فلم يعن به الوغد ، وبادرت إليه العقيلة عمته زينب فتعلقت به ، وقالت لا يقتل حتى اقتل دونه (٢) فكف اللثام عنه ، وقد نجا منهم باعجوبة ، واجتاز على النساء الرجس عمر بن سعد فصحن في وجهه وبكين فمنع الخبيث العسكر من التعرض لهن بسوء (٣).

    __________________

    (١) مقتل المقرم (ص ٣٧٠)

    (٢) تأريخ القرماني (ص ١٠٨) وفي المنتظم ان ابن سعد هو الذي امر بقتل زين العابدين فوقعت عليه زينب وقالت ، لا يقتل حتى اقتل فرق لها وكف عنه.

    (٣) تأريخ ابن كثير ٨ / ١٨٩
    ٣٠٢
    الخيل تدوس الجثمان العظيم :

    واخذ شر اولئك الجفاة يستشري فلم يدعوا حرمة للّه الا انتهكوها ولا اثما الا اقترفوه ، فقد انبرى ابن سعد لينفذ اوامر سيده ابن مرجانة فنادى : من ينتدب للحسين فيوطىء الخيل صدره وظهره (١) قال الواقدي :

    وبادر الشمر فوطئ الجثمان المقدس بفرسه (٢) وتبعه عشرة من أولاد البغايا وهم اسحاق بن يحيى الحضرمي ، وهانئ بن ثبيت الحضرمي وادلم بن ناعم ، واسد بن مالك والحكيم بن الطفيل الطائي ، والأخنس بن مرشد وعمرو بن صبيح المذحجي ورجاء بن منقذ العبدي ، وصالح بن وهب اليزني ، وسالم بن خيثمة الجعفي (٣) فداسوا ريحانة رسول اللّه (ص) بخيولهم مقبلين ومدبرين حتى الصقوا الجثمان العظيم بالأرض (٤) وكان المجرم الخبيث اسد بن مالك يفتخر امام ابن سعد ويقول :

    نحن رضضنا الصدر بعد الظهر بكل يعبوب شديد الأسر (٥)

    وجرى هذا التمثيل المنكر أمام ابن سعد وسائر قوات ذلك الجيش (٦) ولم تجر هذه العملية فيما احسب ـ على أحد من أهل بيت الامام وأصحابه ويؤيد

    __________________

    (١) تأريخ الطبري ٦ / ١٦١

    (٢) انساب الأشراف ق ١ ج ١

    (٣) مناقب ابن شهر اشوب ٤ / ١١١

    (٤) تأريخ ابن كثير ٨ / ١٨٩

    (٥) مقتل الخوارزمي ٢ / ٣٩

    (٦) تأريخ دول الاسلام ١ / ٥٧ وجاء فيه ان الجيش حمل جثة الامام العظيم إلى ابن سعد فأمر الخبيث أن تدوس الخيل صدر الامام وظهره.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي   حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 6:25 am

    __________________

    (١) تأريخ الطبري ٦ / ١٦١

    (٢) انساب الأشراف ق ١ ج ١

    (٣) مناقب ابن شهر اشوب ٤ / ١١١

    (٤) تأريخ ابن كثير ٨ / ١٨٩

    (٥) مقتل الخوارزمي ٢ / ٣٩

    (٦) تأريخ دول الاسلام ١ / ٥٧ وجاء فيه ان الجيش حمل جثة الامام العظيم إلى ابن سعد فأمر الخبيث أن تدوس الخيل صدر الامام وظهره.
    ٣٠٣

    ذلك أن الأوامر التي صدرت من ابن زياد الى ابن سعد قد اقتصرت على التمثيل بجسد الحسين دون غيره.

    وعلى أي حال فقد أعلنوا بهذا العمل الفظيع عن حقدهم البالغ على الامام ، وتجردهم من جميع العواطف الانسانية.

    لقد داسوا جسد الامام الذي تربى في كنف الرسول (ص) ونبت لحمه من لحم علي وفاطمة ، والذي قال فيه الرسول :

    «حسين مني وأنا من حسين ، أحب اللّه من أحب حسينا»

    لقد داسوا ذلك الجسد الذي ثار في وجه المعتدين والظالمين ، وأراد أن يزيل البغي ، ويظهر العدل في الأرض حسب ما أمر اللّه به.
    العقيلة أمام الجثمان العظيم :

    ووقفت حفيدة الرسول (ص) وابنة أمير المؤمنين (ع) العقيلة زينب عليها السلام على جثمان أخيها العظيم الذي مزقته السيوف ، وجعلت تطيل النظر إليه ورفعت بصرها نحو السماء وهي تدعو بحرارة قائلة :

    «اللهم تقبل هذا القربان» (١)

    ان الانسانية لتنحني اجلالا وخضوعا امام هذا الايمان الذي هو السر في خلود تضحية الحسين.

    لقد تحملت بطلة كربلا اعباء تلك المحن الشافة ، وتجرعت غصص تلك الأهوال محتسبة الأجر عند اللّه ، وهي تتضرع بخشوع الى اللّه أن يتقبل ذلك القربان ، فأي صبر يماثل هذا الصبر؟

    __________________

    (١) مقتل الحسين للمقرم (ص ٣٧٩)
    ٣٠٤

    لقد تجلت قوة الشخصية في حفيدة الرسول ، وبرزت معاني الوراثة النبوية في مواقفها الخالدة التي صانت بها أهداف الامام ، واظهرت الواقع في تضحيته ، وانارت السبيل في بيان اسرار شهادته.
    سنان يطلب الجائزة :

    واحتف اولئك الجفاة حول القاتل الأثيم سنان بن انس (١) وجعلوا يمنونه الأماني ويقولون له :

    «قتلت الحسين بن علي وابن فاطمة .. قتلت اعظم العرب خطرا الذي اراد أن يزيل ملك هؤلاء فأت امراءك فاطلب ثوابك منهم ، فانهم لو اعطوك بيوت أموالهم في قتله لكان قليلا»

    وتحركت مطامعه ، فأقبل حتى وقف على فسطاط ابن سعد رافعا صوته :

    أوقر ركابي فضة أو ذهبا




    إني قتلت السيد المحجبا

    قتلت خير الناس أما وأبا




    وخيرهم إذ ينسبون النسبا

    ولما سمعه ابن سعد نهره ورماه بالسوط ، وقال له : ويحك أنت مجنون لو سمعك ابن زياد تقول هذا الضرب عنقك (٢) وقد حدد الباغي اللئيم أهدافه في هذا الرجز ، فهو انما ينشد الذهب والفضة في قتله لخير الناس أما وأبا ، ولم يؤثر أن هناك رجزا قيل في المعركة أو بعدها سوى

    __________________

    (١) سنان بن أنس : هو جد شريك القاضي المعروف بعدم النزاهة جاء ذلك في الاستيعاب ١ / ٣٧٧.

    (٢) البداية والنهاية ٨ / ١٨٩ ، وفي المعجم الكبير للطبراني ٢ / ١٤٠ ان انس أنشد هذين البيتين امام ابن زياد وكذلك جاء في الاستيعاب ١ / ١٧٧.
    ٣٠٥

    هذا الرجز ، وهو يمثل أهداف الأكثرية الساحقة في ذلك الجيش السحيق وحلل الدكتور يوسف خليف هذا الرجز بقوله :

    «والعاطفة التي تشيع في هذا الرجز ـ مع الأسف ـ عاطفة الفرح والزهو ، فراح القاتل بهذه الهوية الغالية التي يحملها إلى الأمير ، وزهوه بهذا العمل الضخم الذي قام به من أجل الدولة ، وهو لهذا يشعر بأن أقل ما يمكن أن يكافئه الأمير به أن يوقر ركابه فضة وذهبا ، وهو ـ لهذا أيضا ـ يضفي على قتيله خير ما يمكن أن يضفيه انسان على انسان ، وقد جعله هذا يشعر بشيء من الدالة على الأمير يبيح أن يجعل حديثه عن هذه الجائزة حديث الآمر الذي لا يقبل ردا ولا رفضا ، وهو ـ من أجل هذا ـ يبدأ رجزه لا بالحديث عن الحادثة التي تعني الأمير وانما بالحديث عن الجائزة التي تعنيه هو ، كأنما لا يعنيه من الأمر الا ما سوف يناله من ذهب وفضة» (١).
    القبائل تقتسم الرءوس :

    وبادرت القبائل الى حز رءوس أولئك الأحرار الذين استشهدوا من أجل العدالة الاجتماعية ، ومن أجل تحرير الانسان من الظلم والطغيان.

    ولم يقر الاسلام في جميع حروبه التمثيل الا ان الجيش الأموي قد استباح ذلك ، فان معاوية قد سنّه واباحه ، فقد أمر برأس الشهيد العظيم عمرو بن الحمق الخزاعي أن يطاف به ، وقد اقتدى به ابن مرجانة فبعث برأس مسلم وهانئ إلى يزيد ثم عهد الى ابن سعد أن يحز رءوس الشهداء في واقعة كربلا ليبعثها هدية إلى يزيد ، وقد تهافتت تلك العصابة المجرمة

    __________________

    (١) حياة الشعر في الكوفة (ص ٣٧٣ ـ ٣٧٤)
    ٣٠٦

    إلى اقتسام الرءوس ليقدموها هدية لابن مرجانة ، وقد اقتسمت القبائل التالية ما يلي من الرءوس.

    ١ ـ كندة : جاءت بثلاثة عشر رأسا ، وصاحبهم قيس بن الأشعث

    ٢ ـ هوازن : حصلت على عشرين رأسا ، وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن.

    ٣ ـ مذحج جاءت بسبعة رءوس

    ٤ ـ بنو قيس جاءوا بتسعة رءوس

    ٥ ـ بنو تميم : جاءوا بسبعة عشر رأسا.

    ٦ ـ بنو أسد : جاءوا بستة عشر رأسا (١)

    ٧ ـ سائر الجيش جاءوا بسبعة رءوس (٢)

    وبقيت على صعيد كربلا جثة الحسين ، وجثث الشهداء من أهل بيته وأصحابه قد فصلت عنها الرءوس ، ووضعت فوق الحراب لتكون منارا لجميع شعوب الأرض على طريق الحق والشرف والايمان.
    عودة الطاغية الى الكوفة :

    وكان الطاغية معسكرا بالنخيلة يتلقى الأحداث في كل لحظة فقد كان على اتصال دائم بابن سعد فلما جاءه البشير بقتل الحسين ارتحل مسرعا إلى الكوفة ليحكم أمرها ، ويتخذ التدابير للمحافظة عليها فاصدر أمره إلى حراس البلد وكان عددهم عشرة آلاف فارس بمنع حمل السلاح على كل أحد

    __________________

    (١) انساب الأشراف ق ١ ج ١ ، المنتظم الجزء الخامس

    (٢) تأريخ ابن الأثير ٣ / ٣٠٢
    ٣٠٧

    ونادى مناديه بالكوفة بذلك (١) كما أرسل الوفود الى جميع انحاء البلاد لاعلان النصر واذاعة الخوف بين الناس (٢).
    ليلة الحادي عشر :

    وقل ما شئت في تصوير المحنة الكبرى التي دهمت عقائل النبوة في ليلة الحادي عشر من المحرم ، فانك لا تستطيع تصويرها ولا استيعاب مأساتها ، فلم تبق رزية من رزايا الدنيا ، ولا غصة من غصص الدهر الا جرت عليهن ، فالاعداء الجفاة الذين لا يملكون أي شرف أو نبل قد استولوا عليهن ، والحماة الأباة من آل الرسول (ص) قد تناثرت اشلاؤهم الزكية أمامهن من دون أن ينبري أحد الى مواراتهم ، والخيام قد احرقت ونهب ما فيها من ثقل ومتاع ، وسلب ما عليهن من حلي وحلل ووصف ذلك المنظر الحزين الدكتور الشيخ احمد الوائلي في رائعته التي يقول فيها :

    وسجى الليل والرجال ضحايا




    والنساء المخدرات ذهول

    واليتامى تشرد وضياع




    والثكالى مدامع وعويل

    وبقايا مخيم من رماد




    وقيود يئن منها عليل

    وزنود قست عليها سياط




    وجسوم يضري بها التمثيل (٣)

    أما حفيدة الرسول (ص) وشقيقة الحسين العقيلة زينب (ع) فانها ما وهنت ولا استكانت أمام تلك الأهوال القاصمة فقد اسرعت تلتقط

    __________________

    (١) مع الحسين في نهضته (ص ٢٨٥)

    (٢) مقتل الحسين لعبد اللّه

    (٣) مجلة البلاغ العدد التاسع السنة الرابعة (ص ١٣)
    ٣٠٨

    الأطفال الذين هاموا على وجوههم في البيداء ، وتجمع العيال في تلك البيداء الموحشة ، وهي تسليهم وتصبرهم على تلك الرزايا ، وقد انفقت تلك الليلة ساهرة على حراستهم ، وقد هامت في تيارات من الأسى لا يعلم بمداها الا اللّه ، وقد أدت وردها من صلاة الليل ولكن استولى الضعف عليها فادتها من جلوس.
    عدد الضحايا من أهل البيت :

    واختلف المؤرخون في عدد الضحايا من أهل البيت (ع) وهذه بعض الأقوال :

    ١ ـ سبعة عشر ، وقد اعلن ذلك الامام الصادق (ع) في حديث له مع شيخ جرى عن قتل الحسين قال (ع) له : «ذاك دم يطلب اللّه به ما أصيب من ولد فاطمة ، ولا يصابون بمثل الحسين ، ولقد قتل في سبعة عشر من أهل بيته ونصحوا للّه ، وصبروا في جنب اللّه فجزاهم اللّه أحسن جزاء الصابرين» (١) ويقول محمد بن الحنفية : «لقد قتل معه ـ أي مع الحسين سبعة عشر ممن ارتكضوا في رحم فاطمة» (٢) وهي فاطمة بنت أسد أم الامام امير المؤمنين (٣).

    __________________

    (١) مقتل الامام الحسين لعبد اللّه بن نور اللّه من مخطوطات مكتبة الامام أمير المؤمنين.

    (٢) المعجم الكبير للطبراني ١ / ١٤٠ ، خطط المقريزي ٢ / ٢٨٦ تذهيب التهذيب ١ / ١٥٦.

    (٣) مقتل الحسين لعبد اللّه بن نور اللّه
    ٣٠٩

    ٢ ـ ستة عشر رجلا ، يقول الحسن البصري : «قتل مع الحسين ابن علي ستة عشر رجلا ما على وجه الأرض لهم من شبيه» (١).

    ويقول سراقة البارقي :

    عيني ابكي بعبرة وعويل




    واندبي إن ندبت آل الرسول

    تسعة منهم لصلب علي




    قد ابيدوا وسبعة لعقيل (٢)

    ٣ ـ خمسة عشر ، وقد اعلن ذلك المغيرة بن نوفل في مقطوعته التي رثاهم بها يقول :

    اضحكني الدهر وابكاني




    والدهر ذو صرف والوان

    يا لهفتا نفسي وان النفس




    لا تنفك من هم واحزان

    على أناس قتلوا تسعة




    بالطف أمسوا رهن اكفان

    وستة ما أن أرى مثلهم




    بني عقيل خير فرسان (٣)

    ٤ ـ تسعة عشر رجلا من أهل البيت عليهم السلام (٤)

    ٥ ـ عشرون ، من أبناء علي سبعة ، ومن ابناء الحسن اثنان ، ومن ابناء عبد اللّه بن جعفر اثنان ومن ابناء الحسين ثلاثة ومن أبناء عقيل ستة غير مسلم (٥).

    __________________

    (١) مرآة الجنان ١ / ١٣٣ ، تأريخ الاسلام للذهبي ٢ / ٣٤٧ ، ذخائر العقبى (ص ١٤٦) تأريخ خليفة خياط ١ / ٢٢٥ ، الاستيعاب ١ / ٣٨٠

    (٢) المعارف

    (٣) انساب الأشراف ق ١ ج ١

    (٤) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص ٨٧)

    (٥) مرآة الزمان (ص ٥٩)
    ٣١٠

    ٦ ـ ثلاثة وعشرون رجلا من ولد الحسين واخوته واهل بيته (١)

    ٧ ـ سبعة وعشرون شهيدا من ولد فاطمة (٢) يعني بنت أسد

    ٨ ـ ثمانية وسبعون صرح بذلك النسابة السيد ابو محمد الحسن الحسيني (٣) وهو اشتباه ولعله أراد من قتل مع الامام من أصحابه.

    ٩ ـ ثلاثون نسب ذلك الى الامام الصادق في حديث له مع عبد اللّه ابن سنان ، فقد أمره بالصوم في يوم عاشوراء ، وأمره بالافطار بعد صلاة العصر وقال له : «فانه في ذلك الوقت ـ أي العصر ـ تجلت الهيجاء عن آل رسول اللّه (ص) وانكشفت الملحمة عنهم وفي الأرض منهم ثلاثون صريعا مع مواليهم يعز على رسول اللّه (ص) مصرعهم ، ولو كان في الدنيا حيا لكان هو المعزى بهم» (٤).

    ١٠ ـ ثلاثة عشر رجلا انفرد بذلك المسعودي (٥) ولم يذكره غيره.

    ١١ ـ اربعة عشر رجلا ذكر ذلك الخوارزمي (٦).

    هذه بعض الأقوال التي ذكرت ، واحتوت الزيارة المنسوبة الى الناحية على ذكر سبعة عشر شهيدا وذكر ذلك الشيخ المفيد (٧) ولعله هو الأقرب الى الواقع واللّه العالم.

    __________________

    (١) خطط المقريزي ٢ / ٢٨٦ ، الذرية الطاهرة

    (٢) المناقب ٤ / ١١٢

    (٣) بحر الانساب الجزء الثاني

    (٤) سفينة البحار ٢ / ١٩٦ ، اعيان الشيعة ٤ / ق ١ / ص ١٣٤

    (٥) مروج الذهب

    (٦) مقتل الحسين للخوارزمي ٢ / ٤٧

    (٧) الارشاد (ص ٢٧٩)
    ٣١١
    الجرحى من اصحاب الامام :

    وسقط في المعركة بعض الجرحى من أصحاب الامام ، ولم يجهز عليهم جيش ابن سعد ، وهم
    ١ ـ سوار بن حمير الجابري

    حمل من المعركة ومات متأثرا بجراحه بعد ستة أشهر (١)
    ٢ ـ عمرو بن عبد اللّه

    سقط في المعركة جريحا وحمل ، ومات متأثرا بجراحه بعد سنة (٢)
    ٣ ـ الحسن بن الحسن

    وقاتل الحسن بن الامام الحسن مع عمه حتى سقط على الأرض جريحا ولما اقبل اجلاف أهل الكوفة على حز رءوس الشهداء وجدوا به رمقا فجاء أسماء بن خارجة الفزاري وكان من أخواله فاستشفع به فشفعوه فحمله معه الى الكوفة وعالجه حتى برىء ثم لحق في يثرب (٣).
    الناجون من القتل :

    ونجا من القتل من أصحاب الامام وأهل بيته ما يلي :

    __________________

    (١) الحدائق الوردية ١ / ٢٦

    (٢) الحدائق الوردية ١ / ٢٦

    (٣) حياة الامام الحسن ٢ / ٤٦٤
    ٣١٢
    ١ ـ عاقبة بن سمعان

    وكان عاقبة بن سمعان مولى للرباب بنت امرئ القيس زوجة الامام الحسين (ع) جيء به أسيرا الى ابن سعد فقال له :

    ـ من أنت؟

    ـ مملوك

    فخلى سبيله ولم يتعرض له بمكروه (١)
    ٢ ـ المرقع بن قمامة

    وكان المرقع بن قمامة الأسدي من أنصار الامام (ع) فأسر فجاءت قبيلته فطلبت له الامان ، وجيء به مخفورا إلى ابن مرجانة ، واخبره ابن سعد بشأنه ، فنفاه الى الزارة من أرض البحرين وبقي فيه (٢).
    ٣ ـ مسلم بن رباح

    وكان مع الامام يمرضه ، ولما قتل انفلت ونجا سالما ، وقد روى بعض فصول واقعة كربلا (٣).
    ٤ ـ الامام زين العابدين

    وكان مريضا قد أنهكته العلة ، ونجا باعجوبة من أيدي أولئك الطغاة وحمل اسيرا إلى ابن مرجانة وسيده يزيد بن معاوية.

    __________________

    (١) أنساب الأشراف ق ١ ج ١

    (٢) انساب الاشراف ق ١ ج ١ ، تأريخ الطبري ٦ / ٢٦١

    (٣) مقتل الحسين للمقرم (ص ٣٧٧) مقاتل الطالبيين (ص ١١٩)
    ٣١٣
    ٥ ـ الحسن بن الحسن

    وقد ذكرنا انه سقط في المعركة جريحا ، وبرىء من جراحاته
    ٦ ـ عمر بن الحسن

    ونجا من القتل عمر بن الحسن ، ولم نعلم أنه اشترك في الحرب أم انه كان صغيرا.
    ٧ ـ القاسم بن عبد اللّه

    وهو ابن عبد اللّه بن جعفر
    ٨ ـ محمد بن عقيل
    ٩ ـ زيد بن الحسن (١)

    وهؤلاء هم الذين نجوا من القتل وافلتوا من أيدي اولئك السفكة المجرمين الذين كانوا يتعطشون الى اراقة دماء أهل البيت.
    خسائر ابن سعد :

    أما حجم الخسائر في جيش ابن سعد فكانت جسيمة للغاية ، فقد دمر أصحاب الامام على قلتهم جميع كتائب ذلك الجيش ، وانزلوا به افدح الخسائر ، فاشاعوا في ارباض الكوفة الثكل والحداد ويقول بعض المؤرخين : انهم لم يتركوا بيتا في الكوفة الا وفيه نائحة ، أما ما يدعم

    __________________

    (١) مقاتل الطالبيين (ص ١١٩)
    ٣١٤

    ذلك فهي التصريحات التي أدلى بها بعض قادة الفرق عن فزعهم وذعرهم بما منوا به من الخسائر ، وقد أشرنا إليها في البحوث السابقة.

    أما تقدير الخسائر فتنص بعض المقاتل على ان عدد القتلى من جيش ابن سعد كانوا ثمانية آلاف وثمانين رجلا (١) وفيما احسب أن هذا العدد مبالغ فيه ، وان القتلى دون ذلك ، وذكر ابن الأثير ان القتلى كانوا ثمانية وثمانين سوى الجرحى (٢) وهذا القول لا نصيب له من الصحة والغاية منه التقليل من أهمية معسكر الحسين ، فان من المقطوع به انهم انزلوا بجيش ابن سعد الهزائم والحقوا به افدح الخسائر ، حتى ضج العسكر من كثرة من قتل منهم ومن الطبيعى ان ذلك لا يتفق مع هذا العدد القليل.
    رؤيا ابن عباس :

    وحينما نزح الامام من الحجاز الى العراق كان ابن عباس قلقا تساوره الهموم والأحزان خوفا على ابن عمه من غدر أهل الكوفة ، وقد نام في اليوم العاشر من المحرم فاستيقظ فزعا مرعوبا ، وقد رفع صوته :

    «قتل الحسين واللّه»

    فأنكر عليه أصحابه قائلين له :

    «كلا يا ابن عباس!!»

    فأجابهم ودموعه تتبلور على خديه رأيت رسول اللّه (ص) ومعه زجاجة ، فقال لي : الا تعلم ما صنعت أمتي بعدي؟ قتلوا ابني الحسين ،

    __________________

    (١) مقتل الحسين لعبد اللّه

    (٢) تأريخ ابن الأثير ٣ / ٢٩٦
    ٣١٥

    وهذا دمه ودم اصحابه ارفعه إلى اللّه عز وجل ، وسجل اصحابه اليوم والساعة التي حدثت فيها الرؤيا ، ووافتهم الانباء بمقتل الامام في نفس الوقت التي حدثت فيه الرؤيا (١).
    رؤيا أمّ سلمة :

    وكانت أم المؤمنين السيدة أم سلمة وجلة مضطربة من حين خروج الامام الى العراق ، فقد عهد إليها رسول اللّه (ص) بمقتل ولده الحسين في أرض كربلا ، واعطاها قارورة من تربته ، واعلمها انها اذا فاضت دما فان سبطه قد قتل (٢) وكانت تنظر كل يوم الى القارورة وتقول :

    إن يوما تتحولين دما ليوم عظيم (٣) ورقدت في اليوم العاشر من المحرم فرأت في منامها رسول اللّه (ص) وعلى رأسه ولحيته التراب فقالت له :

    «ما لك يا رسول اللّه؟!»

    «شهدت قتل الحسين»

    وانتبهت أم سلمة فزعة مذعورة وهي صارخة منادية «قتل الحسين

    __________________

    (١) تأريخ ابن عساكر ١٣ / ٨٥ ، مرآة الجنان ١ / ١٣٤ ، تذهيب التهذيب ١ / ١٥٥ ، تأريخ الاسلام للذهبي ٢ / ٣٤٩ ، تأريخ بغداد ، خطط المقريزي ٢ / ٢٨٦ ، المنتظم الجزء الخامس.

    (٢) المعجم الكبير للطبراني ، تأريخ الاسلام للذهبي ٢ / ٣٤٩ ، تأريخ المظفري (ص ٣٠) وجاء فيه ان اول صارخة على الحسين بالمدينة هي أم سلمة.

    (٣) المعجم الكبير للطبراني
    ٣١٦

    ملأ اللّه بيوتهم وقبورهم نارا» (١) وسمع ابن عباس الصراخ قد علا من بيت أم سلمة فخف إليها ، وقد ازدحم بيتها بالرجال والنساء فقال لها :

    يا أم المؤمنين ما بالك تصرخين وتعولين فلم تجبه ، واقبلت على النساء الهاشميات فقالت لهن :

    «يا بنات عبد المطلب اسعدنني ، وابكين ، فقد واللّه قتل سبط رسول اللّه وريحانته الحسين».

    فقلن لها :

    «من أين علمت ذلك؟

    فأخبرت برؤياها للنبي (ص) (٢) وتصارخت النسوة حتى ضجت المدينة وما سمع بواعية مثل ذلك اليوم (٣) وأقامت أم سلمة من وقتها مجلس العزاء على الحسين ، فجعل المسلمون يفدون عليها ويعزونها بمصابها الأليم ، وممن وفد عليها معزيا شهر بن حوشب ، فأخذت تحدثه عما سمعته من رسول اللّه (ص) في فضل أهل البيت قائلة! دخل رسول اللّه (ص) على منامة لنا فجاءته فاطمة بشيء فوضعته ، فقال (ع) لها : ادع لي حسنا وحسينا وابن عمك عليا فلما اجتمعوا عنده قال اللهم هؤلاء خاصتي وأهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا (٤) وأخذت أم سلمة تلعن أهل الكوفة وتقول : قتلوه قتلهم اللّه عز وجل ، غروه واذلوه

    __________________

    (١) تأريخ ابن عساكر ١٣ / ٨٥

    (٢) أمالي الطوسي ٢ / ٢٠٣

    (٣) تأريخ اليعقوبي ٢ / ٢١٩

    (٤) تأريخ ابن عساكر ١٣ / ٣٩
    ٣١٧

    لعنهم اللّه (١) وكان يغشى عليها من شدة الحزن ، ولم تلبث الا يسيرا حتى توفيت كمدا وحزنا على الحسين (ع) (٢).
    خولى يحمل رأس الامام :

    ولم يعن ابن سعد بالتمثيل بجسم الامام الذي حرمه الاسلام بعد أن صدرت له الأوامر من ابن مرجانة بذلك ، وقد عمد فور استشهاد الامام الى ارسال رأسه مع خولى بن يزيد الاصبحي وحميد بن مسلم الأزدي ، فحملا الرأس الشريف هدية لابن مرجانة كما حمل رأس يحيى بن زكريا الى بغي من بغايا بني اسرائيل ، وقد اقبلا يجذان السير لا يلويان على شيء حتى انتهيا إلى الكوفة في الهزيع الأخير من الليل ، فوجدا باب القصر مغلقا ، فأخذ خولى رأس الامام وولى مسرعا الى بيته ليبشر به زوجته وطرق باب داره طرقا عنيفا ، وهو يلهث من شدة التعب وعظيم الفرح فخرجت إليه زوجته النوار بنت مالك الحضرمي ، وكانت علوية الرأي فأسرعت إليه قائلة :

    «ما الخبر؟»

    «جئت بغنى الدهر ، هذا رأس الحسين معك في الدار»

    وفقدت المرأة اهابها ، وراحت تصيح به :

    «ويلك جاء الناس بالفضة والذهب ، وجئت برأس ابن بنت

    __________________

    (١) المعجم الكبير للطبراني

    (٢) سير اعلام النبلاء ٢ / ١٤٦
    ٣١٨

    رسول اللّه ، واللّه لا يجمع رأسي ورأسك شيء أبدا» (١).

    وأصبح زوجها من أبغض الناس إليها ، وفي الصباح الباكر حمل خولى رأس الامام الى ابن زياد فأظهر الفرح والسرور ، وقد تمت ـ فيما يحسب ـ بوارق آماله وأحلامه.
    الطاغية مع قاتل الامام :

    والتفت ابن زياد الى الجلادين من شرطته الذين حضروا المعركة فقال لهم :

    «أيكم قاتله؟»

    فوثب إليه رجل وهو فرح لعله أن ينال الجائزة منه فقال له :

    «أنا قتلته»

    «ما قال لك؟»

    «لما أخذت السلاح قلت له : ابشر بالنار ، قال : ابشر ان شاء اللّه تعالى برحمته وشفاعة نبيه» (٢).

    واطرق ابن مرجانة برأسه الى الأرض وهو يشعر بالوخز وخيبة المصير وسوء المنقلب.

    __________________

    (١) انساب الأشراف ق ١ ج ١ ، وفي العقد الفريد ٢ / ٢٤٢ انها قالت له : واللّه لا يجمعني واياك فراش أبدا وفي البداية والنهاية ٨ / ١٩٠ انها قامت من فراشه ، ونظرت الى الاجانة فرأت النور ساطعا من تلك الاجانة الى السماء ورأت طيورا بيضا ترفرف حولها.

    (٢) تأريخ الخميس ٢ / ٣٣٤
    ٣١٩
    تشفي ابن زياد برأس الامام :

    ولما وضع رأس ريحانة رسول اللّه (ص) بين يدي الدعي ابن الدعي أخذ يعبث بثناياه ساعة من الزمن ، وهو يجد في ذلك لذة لا تعد لها لذة ، وبدا على وجهه آثار الحقد الدفين والتشفي الآثم ، فأخذ يضرب بعوده ثنايا الامام وشفتيه التي طالما كان رسول اللّه (ص) يوسعهما تقبيلا يقول القيم بن محمد : ما رأيت منظرا قط افظع من القاء رأس الحسين بين يدي ابن مرجانة وهو ينكثه (١) وكان في مجلسه الصحابي زيد بن ارقم فلما رأى صنعه انهارت قواه وصاح به.

    «اعل بهذا القضيب عن هاتين الشفتين ، فو الذي لا إله الا هو لقد رأيت شفتي رسول اللّه على هاتين الشفتين يقبلهما».

    وانفجر زيد باكيا وراح ابن زياد يهزأ من الصحابي قائلا :

    «ابكى اللّه عينيك ، لو لا انك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك»

    فاندفع الصحابي قائلا :

    «الا احدثك حديثا هو اغلظ من هذا ، رأيت رسول اللّه (ص) أقعد حسنا على فخذه اليمنى ، وحسينا على فخذه اليسرى ، ووضع يديه على يافوخيهما ، وقال : اللهم اني استودعك اياهما وصالح المؤمنين ، فكيف كانت وديعة رسول اللّه (ص) عندك يا ابن زياد؟»

    وخرج زيد غير حافل ببطش ابن مرجانة ، وهو يخاطب اهل الكوفة قائلا :

    «أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم ، قتلتم ابن فاطمة ، وامرتم

    __________________

    (١) أمالي الشيخ الطوسي ١ / ١٦١ مخطوط
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي   حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 8:57 am

    وذبح هو عطشانا أمام عائلته ، فأي ثمن اغلى من هذا الثمن الذي قدمه الامام قربانا خالصا لوجه اللّه؟
    لقد تاجر الامام مع اللّه بما قدمه من عظيم التضحية والفداء ، فكانت تجارته هي التجارة الرابحة قال اللّه تعالى :
    (إِنَّ اَللّٰهَ اِشْتَرىٰ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وأَمْوٰالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ اَلْجَنَّةَ يُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ فَيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي اَلتَّوْرٰاةِ واَلْإِنْجِيلِ واَلْقُرْآنِ ومَنْ أَوْفىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اَللّٰهِ ، فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ اَلَّذِي بٰايَعْتُمْ بِهِ وذٰلِكَ هُوَ اَلْفَوْزُ اَلْعَظِيمُ) (1).
    والشيء المحقق ان الامام قد ربح بتجارته وفاز بالفخر الذي لم يفز به أحد غيره ، فليس في اسرة شهداء الحق من نال الشرف والمجد والخلود مثل ما ناله الامام فها هي الدنيا تعج بذكراه ، وها هو حرمه المقدس اصبح اعز حرم وامنعه في الأرض.
    لقد رفع الامام العظيم راية الاسلام عالية خفاقة وهي ملطخة بدمه ودماء الشهداء من أهل بيته وأصحابه : وهي تضيء في رحاب هذا الكون وتفتح الآفاق الكريمة لشعوب العالم وأمم الأرض لحربتهم وكرامتهم.
    لقد استشهد الامام من اجل أن يقيم في ربوع هذا الكون دولة الحق ، وينقذ المجتمع من حكم الأمويين الذين كفروا بحقوق الانسان ، وحولوا البلاد الى مزرعة لهم يصيبون منها حيث ما شاءوا.
    القاتل الأثيم :
    واختلف المؤرخون في المجرم الأثيم الذي اجهز على ريحانة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، وهذه بعض الأقوال :
    __________________
    (1) سورة التوبة : آية 110

    1 ـ سنان بن أنس
    وذهب الكثيرون من المؤرخين الى ان الشقي الأثيم سنان بن أنس هو الذي احتز رأس الامام (ع) (1) وفيه يقول الشاعر :
    وأي رزية عدلت حسينا غداة تبيره كفا سنان (2)
    2 ـ شمر بن ذي الجوشن
    وصرحت بعض المصادر ان الأبرص شمر بن ذي الجوشن هو الذي قتل الامام (3) فقد كان هذا الخبيث من أحقد الناس على الامام يقول المستشرق رينهارت دوزى : ولم يتردد الشمر لحظة بقتل حفيد الرسول (ص) حين احجم غيره عن هذا الجرم الشنيع. وان كانوا مثله في الكفر (4).
    3 ـ عمر بن سعد
    وذكر المقريزي وغيره ان عمر بن سعد هو الذي قتل الامام بعد أن احجم غيره من السفكة المجرمين من قتله (5).
    __________________
    (1) تأريخ ابن الأثير 3 / 295 ، مقاتل الطالبيين (ص 118) البداية والنهاية 8 / 188 ، أنساب الأشراف ق 1 ج 1 ، تأريخ القضاعي
    (2) الاستيعاب 1 / 379
    (3) مقتل الخوارزمي 2 / 36 ، مقتل الحسين للمقرم (ص 347)
    (4) مسلمي اسبانيا
    (5) خطط المقريزي 2 / 286 ، مناقب ابن شهر اشوب 5 / 119 من مصورات مكتبة الامام امير المؤمنين.

    4 ـ خولى بن يزيد الاصبحي
    وتعزو بعض المصادر ان خولى بن يزيد الأصبحي هو الذي قتل الامام واحتز رأسه (1)
    5 ـ شبل بن يزيد الأصبحي
    ونص بعض المؤرخين على ان خولى بن يزيد الأصبحي نزل عن فرسه ليحتز رأس الامام فارتعدت يداه فنزل إليه اخوه شبل فاحتز رأسه ودفعه إليه (2).
    6 ـ الحصين بن نمر
    نص على ذلك بعض المؤرخين (3)
    7 ـ رجل من مذحج
    ذكر ذلك ابن حجر (4) وانفرد هو بنقله.
    __________________
    (1) درر الابكار في وصف الصفوة الاخيار (ص 38) وجاء فيه ان عمر بن سعد قال لأصحابه : انزلوا فحزوا رأسه فنزل إليه نصر بن حرشة الضبابي فجعل يضرب بسيفه في مذبح الحسين فغضب ابن سعد ، وقال لرجل عن يمينه : ويحك انزل الى الحسين فارحه فنزل إليه خولى فاحتز رأسه.
    (2) تأريخ الخميس 2 / 333
    (3) المعجم الكبير للطبراني ، الافادة في تأريخ الأئمة السادة
    (4) تهذيب التهذيب 2 / 353

    8 ـ المهاجر بن أوس
    نص على ذلك السبط ابن الجوزي (1) ولم يذكره غيره
    هذه بعض الأقوال ، والذي نراه ان شمر بن ذي الجوشن ممن تولى قتل الامام ، واشترك مع سنان في حز رأسه ، كما ذهب لذلك بعض المؤرخين (2).
    وعلى أي حال فالويل لذلك الشقي الذي قدم على اقتراف هذه الجريمة التي هي أبشع ما اقترفت من يوم خلق اللّه هذه الأرض حتى يرثها وقد أثر عن النبي (ص) عما يلاقيه قاتل الحسين في الدار الآخرة من العذاب الأليم قال (ص) : «ان قاتل الحسين في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل النار ، وقد شدت يداه ورجلاه بسلاسل من نار ، منكس في النار حتى يقع في نار جهنم وله ريح يتعوذ أهل النار الى ربهم من شدة ريح نتنه ، وهو فيها خالد ذائق العذاب العظيم ، كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها حتى يذوقوا العذاب الأليم ، لا يفتر عنهم ساعة ، وسقوا من حميم جهنم ، ويل لهم من عذاب اللّه عز وجل» (3).
    بأي وجه يلقى رسول اللّه (ص) وقد اثكله بريحانته ، وسبطه ، يقول منصور النمري :
    ويلك يا قاتل الحسين لقد
    نؤت بحمل ينوء بالحامل

    __________________
    (1) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان
    (2) الافادة في تأريخ الأئمة السادة
    (3) مناقب ابن المغازلي : رقم الحديث (ص 390) بخط المحقق الاميني في مكتبة الامام امير المؤمنين.


    أي حباء حبوت أحمد في
    حفرته من حرارة الثاكل

    بأي وجه تلقى النبي وقد
    دخلت في قتله مع القاتل (1)

    عمر الامام وسنة شهادته :
    أما عمر الامام (ع) حين شهادته فقد اختلف فيه المؤرخون ، وهذه بعض الأقوال :
    1 ـ (58) سنة : وإليه ذهب معظم المؤرخين (2)
    2 ـ (56) سنة : وإليه ذهب اليعقوبي وقال : لأنه ولد سنة (4) من الهجرة (3).
    3 ـ (57) سنة : (4)
    4 ـ (65) سنة : (5)
    أما السنة التي استشهد فيها فهي سنة (61 هـ) حسبما ذكره أغلب المؤرخين (6)
    __________________
    (1) زهر الآداب 3 / 669 ، الأغاني 12 / 21 ، أمالي السيد المرتضى
    (2) تهذيب التهذيب 2 / 356 ، الاستيعاب 1 / 381 ، الارشاد (ص 283) البداية والنهاية 8 / 198 ، المعجم الكبير للطبراني ، الافادة في تأريخ الأئمة السادة ، مجمع الزوائد 9 / 198
    (3) تأريخ اليعقوبي 2 / 218
    (4) الاستيعاب 1 / 381 المطبوع على هامش الاصابة
    (5) مرآة الجنان 1 / 131
    (6) اسد الغابة 2 / 20 ، الاصابة 1 / 334 ، الاستيعاب 1 / 381 مجمع الزوائد 9 / 197 ، تأريخ اليعقوبي 2 / 218.

    وهي تصادف سنة (680 م) في (10) اكتوبر تشرين الأول (1) وما ذكره الحجة الشيخ محمد رضا آل كاشف الغطاء رحمه اللّه انه في «(10) تموز» (2) فانه لا واقع له .. يقول المؤرخون إنه وكانت بين وفاة النبي (ص) واليوم الذي قتل فيه الحسين خمسون سنة (3) ولم يرع المسلمون أنه ريحانة نبيهم وسبطه الذي خلفه في أمته.
    امتداد الحمرة في السماء :
    ومادت الأرض واسودت آفاق الكون (4) وامتدت حمرة رهيبة في السماء (5) كانت نذيرا من اللّه لأولئك السفكة المجرمين الذي انتهكوا جميع حرمات اللّه ، وفي هذا الافق الملتهب بالحمرة والنار يقول ابو العلاء المعري :
    وعلى الأفق من دماء الشهيد
    بن علي ونجله شاهدان

    فهما في اواخر الليل فجرا
    ن وفي اولياته شفقان

    ثبتا في قميصه ليجيء الحشر
    مستعد يا الى الرحمن

    __________________
    (1) تأريخ الدول العربية (ص 144) الجدول الملحق بفجر الاسلام (ص 305) الجدول الملحق بتأريخ الدول لابن العبري ، وهو يتفق مع ما ذكره اليعقوبي في تحديد الشهر.
    (2) مجلة الغري السنة الأولى (عدد 23 و 24)
    (3) تأريخ الخميس 2 / 334
    (4) مرآة الجنان 1 / 134 ، خطط المقريزي 2 / 285 ، تهذيب التهذيب 2 / 355
    (5) مجمع الزوائد 9 / 197 ، الاتحاف بحب الاشراف (ص 24)

    وقد انكشفت الشمس ، وكانت قد مالت الى الغروب ، وقد شاركت العالم البائس احزانه واشجانه.
    فرس الحسين :
    وصبغ فرس الحسين ناصيته بدم الامام الشهيد واقبل يركض وهو مذعور نحو خيمة الحسين ليعلم العيال بقتله ، ولما نظرت إليه النساء علمن بمقتله (1) وفي زيارة الناحية «فلما نظرن النساء الى الجواد مخزيا ، والسرج عليه ملويا خرجن من الخدور ناشرات الشعور ، على الخدود لاطمات وللوجوه سافرات ، وبالعويل داعيات ، وبعد العز مذللات والى مصرع الحسين مبادرات».
    ونادت عقيلة الوحي :
    «وا محمداه ، وا أبتاه وا علياه ، وا جعفراه ، وا حمزتاه ، هذا حسين بالعراء ، صريع بكربلاء .. ليت السماء أطبقت على الأرض ، وليت الجبال تدكدكت على السهل» (2).
    وذهل الجيش ، وود أن تخيس به الأرض ، وجرت دموع أولئك الجفاة من هول مصيبة بنات الرسالة.
    حرق الخيام :
    وعمد الأخباث اللئام الى حرق خيام الامام غير حافلين بما تضم من
    __________________
    (1) التأريخ المظفري (ص 230) من مصورات مكتبة الامام الحكيم
    (2) مقتل الحسين للمقرم (ص 346)

    بنات الرسالة وعقائل الوحي ، وقد حملوا أقبسة من النار (1) ومناديهم ينادي.
    «احرقوا بيوت الظالمين»
    يا للّه!! لقد كان بيت الامام ـ حسب ما يزعمون ـ بيت الظلم ، وبيت ابن مرجانة بيت العدل ، وقد اغرق هو وابوه الناس في الظلم والجور.
    وحينما التهبت النار في الخيم فررن بنات الرسالة وعقائل الوحي من خباء والنار تلاحقهن ، أما اليتامى فقد علا صراخهم فبين من تعلق باذيال عمته الحوراء لتحميه من النار ، وتصد عنه اعتداء الجفاة وبين من هام على وجهه في البيداء ، وبين من يستغيث بأولئك الممسوخين الذين خلت قلوبهم من الرحمة والعطف ، لقد كان ذلك المنظر مما تتصدع له الجبال ولم يغب عن ذهن الامام زين العابدين طيلة المدة التي عاشها بعد أبيه ، فكان دوما يذكره مشفوعا بالأسى والعبرات وهو يقول :
    «واللّه ما نظرت الى عماتي واخواتي الا وخنقتني العبرة وتذكرت فرارهن يوم الطف من خيمة الى خيمة ومن خباء إلى خباء ، ومنادي القوم ينادي احرقوا بيوت الظالمين».
    سلب جثة الامام :
    واقترف جيش ابن سعد اسوأ الماثم وافظع الجرائم فقد هرعوا بجشع وجثة الامام العظيم فجعلوا ينهبون ما عليها ما عليها من لامة حرب أو ثياب فأخذ رجل من بني نهشل سيفه (2) وهو سيف النبي (ص) المسمى
    __________________
    (1) التأريخ المظفري (ص 228)
    (2) انساب الأشراف ق 1 ج 1

    بذي الفقار (1) واخذ قيس بن الأشعث احد قادة ذلك الجيش قطيفة الامام وكانت من خز ، فعيب عليه وسمي قيس القطيفة وسلب قميصه اسحاق بن حوية ، واخذ الأخنس بن مرشد عمامته (2) واخذ بحير سراويله فلبسها فصار زمنا مقعدا (3) ولم يتركوا على جثمان الامام الا السراويل التي عمد الامام على تمزيقها حتى يتركوها على جسده.
    وجاء احط البشرية واقذرها بجدل ففتش عن مغنم يجده على جسم الامام فلم يجد شيئا وفتش مليا فرأى خاتم الامام في يده وقد بنت عليه الدماء فعمد الى قطع اصبعه وأخذه (4) وترك البغاة جثمان الامام عاريا تصهره الشمس.
    سلب حرائر النبوة :
    وعمد ارذال أهل الكوفة وعبيد ابن مرجانة الى سلب حرائر النبوة وعقائل الرسالة فسلبوا ما عليهن من حلي وحلل ، ومال وغد من ارغادهم
    __________________
    (1) التأريخ السياسي للدول العربية 2 / 75 وجاء في هامشه أن هذا السيف غنمه النبي (ص) يوم بدر (ابن هذيل حلية الفرسان وشعار الشجعان ص 15) ، وسمي بذي الفقار لأنه كان يشبه في شكله فقرات الظهر (كنوز الفاطميين ص 54) وقد انتقل هذا السيف الى حيازة العباسيين ومن بعدهم إلى الفاطميين (المجالس مخطوط).
    (2) مقتل الحسين للمقرم (ص 347)
    (3) تأريخ المظفري (ص 230)
    (4) شرح شافية ابي فراس 2 / 2

    بخسة ووحشية إلى السيدة أم كلثوم فسلب قرطبها (1) واسرع وضر خبيث نحو السيدة فاطمة بنت الحسين فانتزع خلخالها ، وهو يجهش بالبكاء ، وبهرت منه ابنة الحسين فقالت له :
    «مالك تبكي؟!!»
    «كيف لا ابكي وأنا اسلب ابنة رسول اللّه (ص)»
    ولما رأت تعاطفه قالت له :
    «دعني»
    وراح الدنيء يبدي جشعه قائلا :
    «أخاف ان يأخذه غيري» (2)
    وعمدوا إلى نهب ما في الخيام من ثقل ومتاع ، وهجم الشمر على ثفل الحسين لنهبه فوجد ذهبا فأخذه ودفع بعضه إلى ابنته لتصوغه حليا لها فجاءت به الى الصائغ فلما أدخله النار صار هباء (3).
    وبصرت امرأة من آل بكر بن وائل ما جرى على بنات رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، من النهب والسلب والترويع ، فاندفعت وهي مذهولة فجعلت تحفز اسرتها على انقاذ ودائع النبوة من أيدي أولئك الجفاة قائلة «يا آل بكر بن وائل أتسلب بنات رسول اللّه!! لا حكم إلا للّه ، يا لثارات رسول اللّه».
    وبادر إليها زوجها فردها الى رحله (4) وتجرد ذلك الجيش من كل نزعة انسانية ، وخلا من كل رأفة ورحمة ، فقد جعلوا يوسعون بنات
    __________________
    (1) التأريخ المظفري (ص 230)
    (2) سير اعلام النبلاء 3 / 204
    (3) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص 90)
    (4) اللهوف (ص 74)

    رسول اللّه (ص) ضربا بكعوب رماحهم وهن يلذن من الرعب بعضهن ببعض ، وقد سقطت فاطمة بنت الحسين مغشيا عليها من شدة الضرب فلما أفاقت رأت عمتها السيدة أمّ كلثوم تبكي عند رأسها (1) ان مأساة عائلة الرسالة تبكي الجماد وتستثير عطف الصخور.
    الهجوم على زين العابدين :
    وهجم الفجرة الجفاة على زين العابدين وكان مريضا قد انهكته العلة ، ومزق الأسى قلبه ، فاراد الخبيث الأبرص شمر بن ذي الجوشن ان يقتله فنهره حميد بن مسلم قائلا له :
    «سبحان اللّه!! أتقتل الصبيان؟ انما هو مريض»
    فلم يعن به الوغد ، وبادرت إليه العقيلة عمته زينب فتعلقت به ، وقالت لا يقتل حتى اقتل دونه (2) فكف اللثام عنه ، وقد نجا منهم باعجوبة ، واجتاز على النساء الرجس عمر بن سعد فصحن في وجهه وبكين فمنع الخبيث العسكر من التعرض لهن بسوء (3).
    __________________
    (1) مقتل المقرم (ص 370)
    (2) تأريخ القرماني (ص 108) وفي المنتظم ان ابن سعد هو الذي امر بقتل زين العابدين فوقعت عليه زينب وقالت ، لا يقتل حتى اقتل فرق لها وكف عنه.
    (3) تأريخ ابن كثير 8 / 189

    الخيل تدوس الجثمان العظيم :
    واخذ شر اولئك الجفاة يستشري فلم يدعوا حرمة للّه الا انتهكوها ولا اثما الا اقترفوه ، فقد انبرى ابن سعد لينفذ اوامر سيده ابن مرجانة فنادى : من ينتدب للحسين فيوطىء الخيل صدره وظهره (1) قال الواقدي :
    وبادر الشمر فوطئ الجثمان المقدس بفرسه (2) وتبعه عشرة من أولاد البغايا وهم اسحاق بن يحيى الحضرمي ، وهانئ بن ثبيت الحضرمي وادلم بن ناعم ، واسد بن مالك والحكيم بن الطفيل الطائي ، والأخنس بن مرشد وعمرو بن صبيح المذحجي ورجاء بن منقذ العبدي ، وصالح بن وهب اليزني ، وسالم بن خيثمة الجعفي (3) فداسوا ريحانة رسول اللّه (ص) بخيولهم مقبلين ومدبرين حتى الصقوا الجثمان العظيم بالأرض (4) وكان المجرم الخبيث اسد بن مالك يفتخر امام ابن سعد ويقول :
    نحن رضضنا الصدر بعد الظهر بكل يعبوب شديد الأسر (5)
    وجرى هذا التمثيل المنكر أمام ابن سعد وسائر قوات ذلك الجيش (6) ولم تجر هذه العملية فيما احسب ـ على أحد من أهل بيت الامام وأصحابه ويؤيد
    __________________
    (1) تأريخ الطبري 6 / 161
    (2) انساب الأشراف ق 1 ج 1
    (3) مناقب ابن شهر اشوب 4 / 111
    (4) تأريخ ابن كثير 8 / 189
    (5) مقتل الخوارزمي 2 / 39
    (6) تأريخ دول الاسلام 1 / 57 وجاء فيه ان الجيش حمل جثة الامام العظيم إلى ابن سعد فأمر الخبيث أن تدوس الخيل صدر الامام وظهره.

    ذلك أن الأوامر التي صدرت من ابن زياد الى ابن سعد قد اقتصرت على التمثيل بجسد الحسين دون غيره.
    وعلى أي حال فقد أعلنوا بهذا العمل الفظيع عن حقدهم البالغ على الامام ، وتجردهم من جميع العواطف الانسانية.
    لقد داسوا جسد الامام الذي تربى في كنف الرسول (ص) ونبت لحمه من لحم علي وفاطمة ، والذي قال فيه الرسول :
    «حسين مني وأنا من حسين ، أحب اللّه من أحب حسينا»
    لقد داسوا ذلك الجسد الذي ثار في وجه المعتدين والظالمين ، وأراد أن يزيل البغي ، ويظهر العدل في الأرض حسب ما أمر اللّه به.
    العقيلة أمام الجثمان العظيم :
    ووقفت حفيدة الرسول (ص) وابنة أمير المؤمنين (ع) العقيلة زينب عليها السلام على جثمان أخيها العظيم الذي مزقته السيوف ، وجعلت تطيل النظر إليه ورفعت بصرها نحو السماء وهي تدعو بحرارة قائلة :
    «اللهم تقبل هذا القربان» (1)
    ان الانسانية لتنحني اجلالا وخضوعا امام هذا الايمان الذي هو السر في خلود تضحية الحسين.
    لقد تحملت بطلة كربلا اعباء تلك المحن الشافة ، وتجرعت غصص تلك الأهوال محتسبة الأجر عند اللّه ، وهي تتضرع بخشوع الى اللّه أن يتقبل ذلك القربان ، فأي صبر يماثل هذا الصبر؟
    __________________
    (1) مقتل الحسين للمقرم (ص 379)

    لقد تجلت قوة الشخصية في حفيدة الرسول ، وبرزت معاني الوراثة النبوية في مواقفها الخالدة التي صانت بها أهداف الامام ، واظهرت الواقع في تضحيته ، وانارت السبيل في بيان اسرار شهادته.
    سنان يطلب الجائزة :
    واحتف اولئك الجفاة حول القاتل الأثيم سنان بن انس (1) وجعلوا يمنونه الأماني ويقولون له :
    «قتلت الحسين بن علي وابن فاطمة .. قتلت اعظم العرب خطرا الذي اراد أن يزيل ملك هؤلاء فأت امراءك فاطلب ثوابك منهم ، فانهم لو اعطوك بيوت أموالهم في قتله لكان قليلا»
    وتحركت مطامعه ، فأقبل حتى وقف على فسطاط ابن سعد رافعا صوته :
    أوقر ركابي فضة أو ذهبا
    إني قتلت السيد المحجبا

    قتلت خير الناس أما وأبا
    وخيرهم إذ ينسبون النسبا

    ولما سمعه ابن سعد نهره ورماه بالسوط ، وقال له : ويحك أنت مجنون لو سمعك ابن زياد تقول هذا الضرب عنقك (2) وقد حدد الباغي اللئيم أهدافه في هذا الرجز ، فهو انما ينشد الذهب والفضة في قتله لخير الناس أما وأبا ، ولم يؤثر أن هناك رجزا قيل في المعركة أو بعدها سوى
    __________________
    (1) سنان بن أنس : هو جد شريك القاضي المعروف بعدم النزاهة جاء ذلك في الاستيعاب 1 / 377.
    (2) البداية والنهاية 8 / 189 ، وفي المعجم الكبير للطبراني 2 / 140 ان انس أنشد هذين البيتين امام ابن زياد وكذلك جاء في الاستيعاب 1 / 177.

    هذا الرجز ، وهو يمثل أهداف الأكثرية الساحقة في ذلك الجيش السحيق وحلل الدكتور يوسف خليف هذا الرجز بقوله :
    «والعاطفة التي تشيع في هذا الرجز ـ مع الأسف ـ عاطفة الفرح والزهو ، فراح القاتل بهذه الهوية الغالية التي يحملها إلى الأمير ، وزهوه بهذا العمل الضخم الذي قام به من أجل الدولة ، وهو لهذا يشعر بأن أقل ما يمكن أن يكافئه الأمير به أن يوقر ركابه فضة وذهبا ، وهو ـ لهذا أيضا ـ يضفي على قتيله خير ما يمكن أن يضفيه انسان على انسان ، وقد جعله هذا يشعر بشيء من الدالة على الأمير يبيح أن يجعل حديثه عن هذه الجائزة حديث الآمر الذي لا يقبل ردا ولا رفضا ، وهو ـ من أجل هذا ـ يبدأ رجزه لا بالحديث عن الحادثة التي تعني الأمير وانما بالحديث عن الجائزة التي تعنيه هو ، كأنما لا يعنيه من الأمر الا ما سوف يناله من ذهب وفضة» (1).
    القبائل تقتسم الرءوس :
    وبادرت القبائل الى حز رءوس أولئك الأحرار الذين استشهدوا من أجل العدالة الاجتماعية ، ومن أجل تحرير الانسان من الظلم والطغيان.
    ولم يقر الاسلام في جميع حروبه التمثيل الا ان الجيش الأموي قد استباح ذلك ، فان معاوية قد سنّه واباحه ، فقد أمر برأس الشهيد العظيم عمرو بن الحمق الخزاعي أن يطاف به ، وقد اقتدى به ابن مرجانة فبعث برأس مسلم وهانئ إلى يزيد ثم عهد الى ابن سعد أن يحز رءوس الشهداء في واقعة كربلا ليبعثها هدية إلى يزيد ، وقد تهافتت تلك العصابة المجرمة
    __________________
    (1) حياة الشعر في الكوفة (ص 373 ـ 374)

    إلى اقتسام الرءوس ليقدموها هدية لابن مرجانة ، وقد اقتسمت القبائل التالية ما يلي من الرءوس.
    1 ـ كندة : جاءت بثلاثة عشر رأسا ، وصاحبهم قيس بن الأشعث
    2 ـ هوازن : حصلت على عشرين رأسا ، وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن.
    3 ـ مذحج جاءت بسبعة رءوس
    4 ـ بنو قيس جاءوا بتسعة رءوس
    5 ـ بنو تميم : جاءوا بسبعة عشر رأسا.
    6 ـ بنو أسد : جاءوا بستة عشر رأسا (1)
    7 ـ سائر الجيش جاءوا بسبعة رءوس (2)
    وبقيت على صعيد كربلا جثة الحسين ، وجثث الشهداء من أهل بيته وأصحابه قد فصلت عنها الرءوس ، ووضعت فوق الحراب لتكون منارا لجميع شعوب الأرض على طريق الحق والشرف والايمان.
    عودة الطاغية الى الكوفة :
    وكان الطاغية معسكرا بالنخيلة يتلقى الأحداث في كل لحظة فقد كان على اتصال دائم بابن سعد فلما جاءه البشير بقتل الحسين ارتحل مسرعا إلى الكوفة ليحكم أمرها ، ويتخذ التدابير للمحافظة عليها فاصدر أمره إلى حراس البلد وكان عددهم عشرة آلاف فارس بمنع حمل السلاح على كل أحد
    __________________
    (1) انساب الأشراف ق 1 ج 1 ، المنتظم الجزء الخامس
    (2) تأريخ ابن الأثير 3 / 302

    ونادى مناديه بالكوفة بذلك (1) كما أرسل الوفود الى جميع انحاء البلاد لاعلان النصر واذاعة الخوف بين الناس (2).
    ليلة الحادي عشر :
    وقل ما شئت في تصوير المحنة الكبرى التي دهمت عقائل النبوة في ليلة الحادي عشر من المحرم ، فانك لا تستطيع تصويرها ولا استيعاب مأساتها ، فلم تبق رزية من رزايا الدنيا ، ولا غصة من غصص الدهر الا جرت عليهن ، فالاعداء الجفاة الذين لا يملكون أي شرف أو نبل قد استولوا عليهن ، والحماة الأباة من آل الرسول (ص) قد تناثرت اشلاؤهم الزكية أمامهن من دون أن ينبري أحد الى مواراتهم ، والخيام قد احرقت ونهب ما فيها من ثقل ومتاع ، وسلب ما عليهن من حلي وحلل ووصف ذلك المنظر الحزين الدكتور الشيخ احمد الوائلي في رائعته التي يقول فيها :
    وسجى الليل والرجال ضحايا
    والنساء المخدرات ذهول

    واليتامى تشرد وضياع
    والثكالى مدامع وعويل

    وبقايا مخيم من رماد
    وقيود يئن منها عليل

    وزنود قست عليها سياط
    وجسوم يضري بها التمثيل (3)

    أما حفيدة الرسول (ص) وشقيقة الحسين العقيلة زينب (ع) فانها ما وهنت ولا استكانت أمام تلك الأهوال القاصمة فقد اسرعت تلتقط
    __________________
    (1) مع الحسين في نهضته (ص 285)
    (2) مقتل الحسين لعبد اللّه
    (3) مجلة البلاغ العدد التاسع السنة الرابعة (ص 13)

    الأطفال الذين هاموا على وجوههم في البيداء ، وتجمع العيال في تلك البيداء الموحشة ، وهي تسليهم وتصبرهم على تلك الرزايا ، وقد انفقت تلك الليلة ساهرة على حراستهم ، وقد هامت في تيارات من الأسى لا يعلم بمداها الا اللّه ، وقد أدت وردها من صلاة الليل ولكن استولى الضعف عليها فادتها من جلوس.
    عدد الضحايا من أهل البيت :
    واختلف المؤرخون في عدد الضحايا من أهل البيت (ع) وهذه بعض الأقوال :
    1 ـ سبعة عشر ، وقد اعلن ذلك الامام الصادق (ع) في حديث له مع شيخ جرى عن قتل الحسين قال (ع) له : «ذاك دم يطلب اللّه به ما أصيب من ولد فاطمة ، ولا يصابون بمثل الحسين ، ولقد قتل في سبعة عشر من أهل بيته ونصحوا للّه ، وصبروا في جنب اللّه فجزاهم اللّه أحسن جزاء الصابرين» (1) ويقول محمد بن الحنفية : «لقد قتل معه ـ أي مع الحسين سبعة عشر ممن ارتكضوا في رحم فاطمة» (2) وهي فاطمة بنت أسد أم الامام امير المؤمنين (3).
    __________________
    (1) مقتل الامام الحسين لعبد اللّه بن نور اللّه من مخطوطات مكتبة الامام أمير المؤمنين.
    (2) المعجم الكبير للطبراني 1 / 140 ، خطط المقريزي 2 / 286 تذهيب التهذيب 1 / 156.
    (3) مقتل الحسين لعبد اللّه بن نور اللّه

    2 ـ ستة عشر رجلا ، يقول الحسن البصري : «قتل مع الحسين ابن علي ستة عشر رجلا ما على وجه الأرض لهم من شبيه» (1).
    ويقول سراقة البارقي :
    عيني ابكي بعبرة وعويل
    واندبي إن ندبت آل الرسول

    تسعة منهم لصلب علي
    قد ابيدوا وسبعة لعقيل (2)

    3 ـ خمسة عشر ، وقد اعلن ذلك المغيرة بن نوفل في مقطوعته التي رثاهم بها يقول :
    اضحكني الدهر وابكاني
    والدهر ذو صرف والوان

    يا لهفتا نفسي وان النفس
    لا تنفك من هم واحزان

    على أناس قتلوا تسعة
    بالطف أمسوا رهن اكفان

    وستة ما أن أرى مثلهم
    بني عقيل خير فرسان (3)

    4 ـ تسعة عشر رجلا من أهل البيت عليهم السلام (4)
    5 ـ عشرون ، من أبناء علي سبعة ، ومن ابناء الحسن اثنان ، ومن ابناء عبد اللّه بن جعفر اثنان ومن ابناء الحسين ثلاثة ومن أبناء عقيل ستة غير مسلم (5).
    __________________
    (1) مرآة الجنان 1 / 133 ، تأريخ الاسلام للذهبي 2 / 347 ، ذخائر العقبى (ص 146) تأريخ خليفة خياط 1 / 225 ، الاستيعاب 1 / 380
    (2) المعارف
    (3) انساب الأشراف ق 1 ج 1
    (4) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص 87)
    (5) مرآة الزمان (ص 59)

    6 ـ ثلاثة وعشرون رجلا من ولد الحسين واخوته واهل بيته (1)
    7 ـ سبعة وعشرون شهيدا من ولد فاطمة (2) يعني بنت أسد
    8 ـ ثمانية وسبعون صرح بذلك النسابة السيد ابو محمد الحسن الحسيني (3) وهو اشتباه ولعله أراد من قتل مع الامام من أصحابه.
    9 ـ ثلاثون نسب ذلك الى الامام الصادق في حديث له مع عبد اللّه ابن سنان ، فقد أمره بالصوم في يوم عاشوراء ، وأمره بالافطار بعد صلاة العصر وقال له : «فانه في ذلك الوقت ـ أي العصر ـ تجلت الهيجاء عن آل رسول اللّه (ص) وانكشفت الملحمة عنهم وفي الأرض منهم ثلاثون صريعا مع مواليهم يعز على رسول اللّه (ص) مصرعهم ، ولو كان في الدنيا حيا لكان هو المعزى بهم» (4).
    10 ـ ثلاثة عشر رجلا انفرد بذلك المسعودي (5) ولم يذكره غيره.
    11 ـ اربعة عشر رجلا ذكر ذلك الخوارزمي (6).
    هذه بعض الأقوال التي ذكرت ، واحتوت الزيارة المنسوبة الى الناحية على ذكر سبعة عشر شهيدا وذكر ذلك الشيخ المفيد (7) ولعله هو الأقرب الى الواقع واللّه العالم.
    __________________
    (1) خطط المقريزي 2 / 286 ، الذرية الطاهرة
    (2) المناقب 4 / 112
    (3) بحر الانساب الجزء الثاني
    (4) سفينة البحار 2 / 196 ، اعيان الشيعة 4 / ق 1 / ص 134
    (5) مروج الذهب
    (6) مقتل الحسين للخوارزمي 2 / 47
    (7) الارشاد (ص 279)

    الجرحى من اصحاب الامام :
    وسقط في المعركة بعض الجرحى من أصحاب الامام ، ولم يجهز عليهم جيش ابن سعد ، وهم
    1 ـ سوار بن حمير الجابري
    حمل من المعركة ومات متأثرا بجراحه بعد ستة أشهر (1)
    2 ـ عمرو بن عبد اللّه
    سقط في المعركة جريحا وحمل ، ومات متأثرا بجراحه بعد سنة (2)
    3 ـ الحسن بن الحسن
    وقاتل الحسن بن الامام الحسن مع عمه حتى سقط على الأرض جريحا ولما اقبل اجلاف أهل الكوفة على حز رءوس الشهداء وجدوا به رمقا فجاء أسماء بن خارجة الفزاري وكان من أخواله فاستشفع به فشفعوه فحمله معه الى الكوفة وعالجه حتى برىء ثم لحق في يثرب (3).
    الناجون من القتل :
    ونجا من القتل من أصحاب الامام وأهل بيته ما يلي :
    __________________
    (1) الحدائق الوردية 1 / 26
    (2) الحدائق الوردية 1 / 26
    (3) حياة الامام الحسن 2 / 464

    1 ـ عاقبة بن سمعان
    وكان عاقبة بن سمعان مولى للرباب بنت امرئ القيس زوجة الامام الحسين (ع) جيء به أسيرا الى ابن سعد فقال له :
    ـ من أنت؟
    ـ مملوك
    فخلى سبيله ولم يتعرض له بمكروه (1)
    2 ـ المرقع بن قمامة
    وكان المرقع بن قمامة الأسدي من أنصار الامام (ع) فأسر فجاءت قبيلته فطلبت له الامان ، وجيء به مخفورا إلى ابن مرجانة ، واخبره ابن سعد بشأنه ، فنفاه الى الزارة من أرض البحرين وبقي فيه (2).
    3 ـ مسلم بن رباح
    وكان مع الامام يمرضه ، ولما قتل انفلت ونجا سالما ، وقد روى بعض فصول واقعة كربلا (3).
    4 ـ الامام زين العابدين
    وكان مريضا قد أنهكته العلة ، ونجا باعجوبة من أيدي أولئك الطغاة وحمل اسيرا إلى ابن مرجانة وسيده يزيد بن معاوية.
    __________________
    (1) أنساب الأشراف ق 1 ج 1
    (2) انساب الاشراف ق 1 ج 1 ، تأريخ الطبري 6 / 261
    (3) مقتل الحسين للمقرم (ص 377) مقاتل الطالبيين (ص 119)

    5 ـ الحسن بن الحسن
    وقد ذكرنا انه سقط في المعركة جريحا ، وبرىء من جراحاته
    6 ـ عمر بن الحسن
    ونجا من القتل عمر بن الحسن ، ولم نعلم أنه اشترك في الحرب أم انه كان صغيرا.
    7 ـ القاسم بن عبد اللّه
    وهو ابن عبد اللّه بن جعفر
    8 ـ محمد بن عقيل
    9 ـ زيد بن الحسن (1)
    وهؤلاء هم الذين نجوا من القتل وافلتوا من أيدي اولئك السفكة المجرمين الذين كانوا يتعطشون الى اراقة دماء أهل البيت.
    خسائر ابن سعد :
    أما حجم الخسائر في جيش ابن سعد فكانت جسيمة للغاية ، فقد دمر أصحاب الامام على قلتهم جميع كتائب ذلك الجيش ، وانزلوا به افدح الخسائر ، فاشاعوا في ارباض الكوفة الثكل والحداد ويقول بعض المؤرخين : انهم لم يتركوا بيتا في الكوفة الا وفيه نائحة ، أما ما يدعم
    __________________
    (1) مقاتل الطالبيين (ص 119)

    ذلك فهي التصريحات التي أدلى بها بعض قادة الفرق عن فزعهم وذعرهم بما منوا به من الخسائر ، وقد أشرنا إليها في البحوث السابقة.
    أما تقدير الخسائر فتنص بعض المقاتل على ان عدد القتلى من جيش ابن سعد كانوا ثمانية آلاف وثمانين رجلا (1) وفيما احسب أن هذا العدد مبالغ فيه ، وان القتلى دون ذلك ، وذكر ابن الأثير ان القتلى كانوا ثمانية وثمانين سوى الجرحى (2) وهذا القول لا نصيب له من الصحة والغاية منه التقليل من أهمية معسكر الحسين ، فان من المقطوع به انهم انزلوا بجيش ابن سعد الهزائم والحقوا به افدح الخسائر ، حتى ضج العسكر من كثرة من قتل منهم ومن الطبيعى ان ذلك لا يتفق مع هذا العدد القليل.
    رؤيا ابن عباس :
    وحينما نزح الامام من الحجاز الى العراق كان ابن عباس قلقا تساوره الهموم والأحزان خوفا على ابن عمه من غدر أهل الكوفة ، وقد نام في اليوم العاشر من المحرم فاستيقظ فزعا مرعوبا ، وقد رفع صوته :
    «قتل الحسين واللّه»
    فأنكر عليه أصحابه قائلين له :
    «كلا يا ابن عباس!!»
    فأجابهم ودموعه تتبلور على خديه رأيت رسول اللّه (ص) ومعه زجاجة ، فقال لي : الا تعلم ما صنعت أمتي بعدي؟ قتلوا ابني الحسين ،
    __________________
    (1) مقتل الحسين لعبد اللّه
    (2) تأريخ ابن الأثير 3 / 296

    وهذا دمه ودم اصحابه ارفعه إلى اللّه عز وجل ، وسجل اصحابه اليوم والساعة التي حدثت فيها الرؤيا ، ووافتهم الانباء بمقتل الامام في نفس الوقت التي حدثت فيه الرؤيا (1).
    رؤيا أمّ سلمة :
    وكانت أم المؤمنين السيدة أم سلمة وجلة مضطربة من حين خروج الامام الى العراق ، فقد عهد إليها رسول اللّه (ص) بمقتل ولده الحسين في أرض كربلا ، واعطاها قارورة من تربته ، واعلمها انها اذا فاضت دما فان سبطه قد قتل (2) وكانت تنظر كل يوم الى القارورة وتقول :
    إن يوما تتحولين دما ليوم عظيم (3) ورقدت في اليوم العاشر من المحرم فرأت في منامها رسول اللّه (ص) وعلى رأسه ولحيته التراب فقالت له :
    «ما لك يا رسول اللّه؟!»
    «شهدت قتل الحسين»
    وانتبهت أم سلمة فزعة مذعورة وهي صارخة منادية «قتل الحسين
    __________________
    (1) تأريخ ابن عساكر 13 / 85 ، مرآة الجنان 1 / 134 ، تذهيب التهذيب 1 / 155 ، تأريخ الاسلام للذهبي 2 / 349 ، تأريخ بغداد ، خطط المقريزي 2 / 286 ، المنتظم الجزء الخامس.
    (2) المعجم الكبير للطبراني ، تأريخ الاسلام للذهبي 2 / 349 ، تأريخ المظفري (ص 30) وجاء فيه ان اول صارخة على الحسين بالمدينة هي أم سلمة.
    (3) المعجم الكبير للطبراني

    ملأ اللّه بيوتهم وقبورهم نارا» (1) وسمع ابن عباس الصراخ قد علا من بيت أم سلمة فخف إليها ، وقد ازدحم بيتها بالرجال والنساء فقال لها :
    يا أم المؤمنين ما بالك تصرخين وتعولين فلم تجبه ، واقبلت على النساء الهاشميات فقالت لهن :
    «يا بنات عبد المطلب اسعدنني ، وابكين ، فقد واللّه قتل سبط رسول اللّه وريحانته الحسين».
    فقلن لها :
    «من أين علمت ذلك؟
    فأخبرت برؤياها للنبي (ص) (2) وتصارخت النسوة حتى ضجت المدينة وما سمع بواعية مثل ذلك اليوم (3) وأقامت أم سلمة من وقتها مجلس العزاء على الحسين ، فجعل المسلمون يفدون عليها ويعزونها بمصابها الأليم ، وممن وفد عليها معزيا شهر بن حوشب ، فأخذت تحدثه عما سمعته من رسول اللّه (ص) في فضل أهل البيت قائلة! دخل رسول اللّه (ص) على منامة لنا فجاءته فاطمة بشيء فوضعته ، فقال (ع) لها : ادع لي حسنا وحسينا وابن عمك عليا فلما اجتمعوا عنده قال اللهم هؤلاء خاصتي وأهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا (4) وأخذت أم سلمة تلعن أهل الكوفة وتقول : قتلوه قتلهم اللّه عز وجل ، غروه واذلوه
    __________________
    (1) تأريخ ابن عساكر 13 / 85
    (2) أمالي الطوسي 2 / 203
    (3) تأريخ اليعقوبي 2 / 219
    (4) تأريخ ابن عساكر 13 / 39

    لعنهم اللّه (1) وكان يغشى عليها من شدة الحزن ، ولم تلبث الا يسيرا حتى توفيت كمدا وحزنا على الحسين (ع) (2).
    خولى يحمل رأس الامام :
    ولم يعن ابن سعد بالتمثيل بجسم الامام الذي حرمه الاسلام بعد أن صدرت له الأوامر من ابن مرجانة بذلك ، وقد عمد فور استشهاد الامام الى ارسال رأسه مع خولى بن يزيد الاصبحي وحميد بن مسلم الأزدي ، فحملا الرأس الشريف هدية لابن مرجانة كما حمل رأس يحيى بن زكريا الى بغي من بغايا بني اسرائيل ، وقد اقبلا يجذان السير لا يلويان على شيء حتى انتهيا إلى الكوفة في الهزيع الأخير من الليل ، فوجدا باب القصر مغلقا ، فأخذ خولى رأس الامام وولى مسرعا الى بيته ليبشر به زوجته وطرق باب داره طرقا عنيفا ، وهو يلهث من شدة التعب وعظيم الفرح فخرجت إليه زوجته النوار بنت مالك الحضرمي ، وكانت علوية الرأي فأسرعت إليه قائلة :
    «ما الخبر؟»
    «جئت بغنى الدهر ، هذا رأس الحسين معك في الدار»
    وفقدت المرأة اهابها ، وراحت تصيح به :
    «ويلك جاء الناس بالفضة والذهب ، وجئت برأس ابن بنت
    __________________
    (1) المعجم الكبير للطبراني
    (2) سير اعلام النبلاء 2 / 146

    رسول اللّه ، واللّه لا يجمع رأسي ورأسك شيء أبدا» (1).
    وأصبح زوجها من أبغض الناس إليها ، وفي الصباح الباكر حمل خولى رأس الامام الى ابن زياد فأظهر الفرح والسرور ، وقد تمت ـ فيما يحسب ـ بوارق آماله وأحلامه.
    الطاغية مع قاتل الامام :
    والتفت ابن زياد الى الجلادين من شرطته الذين حضروا المعركة فقال لهم :
    «أيكم قاتله؟»
    فوثب إليه رجل وهو فرح لعله أن ينال الجائزة منه فقال له :
    «أنا قتلته»
    «ما قال لك؟»
    «لما أخذت السلاح قلت له : ابشر بالنار ، قال : ابشر ان شاء اللّه تعالى برحمته وشفاعة نبيه» (2).
    واطرق ابن مرجانة برأسه الى الأرض وهو يشعر بالوخز وخيبة المصير وسوء المنقلب.
    __________________
    (1) انساب الأشراف ق 1 ج 1 ، وفي العقد الفريد 2 / 242 انها قالت له : واللّه لا يجمعني واياك فراش أبدا وفي البداية والنهاية 8 / 190 انها قامت من فراشه ، ونظرت الى الاجانة فرأت النور ساطعا من تلك الاجانة الى السماء ورأت طيورا بيضا ترفرف حولها.
    (2) تأريخ الخميس 2 / 334

    تشفي ابن زياد برأس الامام :
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي   حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 8:59 am

    ولما وضع رأس ريحانة رسول اللّه (ص) بين يدي الدعي ابن الدعي أخذ يعبث بثناياه ساعة من الزمن ، وهو يجد في ذلك لذة لا تعد لها لذة ، وبدا على وجهه آثار الحقد الدفين والتشفي الآثم ، فأخذ يضرب بعوده ثنايا الامام وشفتيه التي طالما كان رسول اللّه (ص) يوسعهما تقبيلا يقول القيم بن محمد : ما رأيت منظرا قط افظع من القاء رأس الحسين بين يدي ابن مرجانة وهو ينكثه (1) وكان في مجلسه الصحابي زيد بن ارقم فلما رأى صنعه انهارت قواه وصاح به.
    «اعل بهذا القضيب عن هاتين الشفتين ، فو الذي لا إله الا هو لقد رأيت شفتي رسول اللّه على هاتين الشفتين يقبلهما».
    وانفجر زيد باكيا وراح ابن زياد يهزأ من الصحابي قائلا :
    «ابكى اللّه عينيك ، لو لا انك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك»
    فاندفع الصحابي قائلا :
    «الا احدثك حديثا هو اغلظ من هذا ، رأيت رسول اللّه (ص) أقعد حسنا على فخذه اليمنى ، وحسينا على فخذه اليسرى ، ووضع يديه على يافوخيهما ، وقال : اللهم اني استودعك اياهما وصالح المؤمنين ، فكيف كانت وديعة رسول اللّه (ص) عندك يا ابن زياد؟»
    وخرج زيد غير حافل ببطش ابن مرجانة ، وهو يخاطب اهل الكوفة قائلا :
    «أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم ، قتلتم ابن فاطمة ، وامرتم
    __________________
    (1) أمالي الشيخ الطوسي 1 / 161 مخطوط

    ابن مرجانة ، فهو يقتل خياركم ، ويستعبد شراركم ، فبعدا لمن رضي بالذل والعار» (1).
    ولما فرغ ابن مرجانة من العبث برأس ريحانة رسول اللّه (ص) التفت الى كاهن كافر فقال له : قم فضع. على رأس عدوك ، ففعل الكاهن ذلك (2) لقد فعل ابن زياد بآل البيت ما لم يفعله أي كافر على وجه الأرض ، فقد استهان بجميع القيم والمقدسات ، واستباح كل ما حرمه اللّه.
    رجوع القوات المسلحة :
    ومكثت القوات المسلحة في كربلا يوم الحادى عشر من المحرم فوارت جيف قتلاها بين مظاهر الاجلال والتعظيم ، وقد فتحت لها كوة من قيح جهنم يؤجج ضرامها ولا يخبو نارها تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون.
    أما جثة الامام العظيم والجثث الزواكي من أهل بيته واصحابه ، فقد عمدوا الى تركها على صعيد كربلا تسفي عليها الرياح لا مغسلين ولا مكفنين.
    وأمر ابن سعد حميد بن بكر الأحمري ، فنادى بالناس الرحيل الى الكوفة (3) وسارت قوات ابن سعد بعد الزوال من كربلا واعلامها رءوس العترة الطاهرة التي ثارت من اجل احقاق الحق ، وتوطيد اركان العدل ، وقد حملوا معهم نساء الحسين واخواته ونساء الأصحاب فكن عشرين
    __________________
    (1) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (ص 97) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص 87) المناقب والمثالب.
    (2) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (ص 97)
    (3) انساب الأشراف ق 1 ج 1

    امرأة (1) ما عدا الصبية وقد سيروهن على اقتاب الجمال بغير وطاء وساقوهن كما يساق سبي الترك والديلم ، ومروا بهن على جثث القتلى من أهل البيت مبالغة في ايذائهن ، وكان العرب في جاهليتهم الأولى يتجنبون مرور النساء على قتلاهن الا ان جيش ابن سعد لم يلتزم بأي خلق ، ولم تكن عنده أية عاطفة انسانية.
    ولما نظرت عقائل النبوة الى جثث القتلى من اهل البيت رفعن اصواتهن بالبكاء ، وصاحت حفيدة النبي (ص) زينب (ع) بصوت يذيب القلوب.
    «يا محمداه هذا حسين بالعراء ، مرمل بالدماء ، مقطع الأعضاء ، وبناتك سبايا ، وذريتك مقتلة» (2).
    ووجم القوم مبهوتين ، وفاضت عيونهم دموعا ، وبكى العدو والصديق (3).
    جزع الامام زين العابدين :
    وجزع الامام زين العابدين كأشد ما يكون الجزع حينما رأى جثمان أبيه ، وجثث أهل بيته وأصحابه منبوذة بالعراء لم ينبر أحد الى مواراتها وبصرت به عمته زينب فبادرت إليه مسلية قائلة :
    «ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي واخوتي ، فو اللّه إن هذا لعهد من اللّه الى جدك وأبيك ، ولقد أخذ اللّه ميثاق أناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض ، وهم معروفون في أهل السماوات ، انهم يجمعون
    __________________
    (1) مقتل المقرم (ص 377)
    (2) خطط المقريزي 2 / 280 ، البداية والنهاية 8 / 193
    (3) جواهر المطالب في مناقب الامام علي بن أبي طالب (ص 140)

    هذه الأعضاء المقطعة ، والجسوم المضرجة فيوارونها وينصبون بهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره ، ولا يمحى رسمه على كرور الليالي والأيام ، وليجتهدن أئمة الكفر واشياع الضلال في محوه وطمسه فلا يزداد أثره الا علوا» (1).
    وازالت حفيدة الرسول (ص) ما ألم بالامام زين العابدين من الحزن العميق على عدم مواراة أبيه ، فقد أخبرته بما سمعته من أبيها وأخيها من قيام جماعة من المؤمنين بمواراة تلك الجثث الطاهرة ، وسينصب لها علم لا يمحى أثره ، ويبقى خالدا حتى يرث اللّه الأرض ومن عليها ... وقد جدّ ملوك الأمويين والعباسيين على محوها وازالة آثارها ، وجاهدوا نفوسهم وسخروا جميع امكانياتهم الا انهم لم يفلحوا ، ومضى مرقد الامام شامخا على الدهر ، ومضت ذكراه تملأ رحاب الأرض نورا وفخرا وشرفا كاسمى صورة تعتز بها الانسانية في جميع أدوارها.
    مواراة الجثث الطاهرة :
    وبقيت جثة الامام العظيم وجثث الشهداء الممجدين من أهل بيته واصحابه ملقاة على صعيد كربلا تصهرها الشمس ، وتسفي عليها الرياح ، وقد انبرى جماعة من المؤمنين الذين لم يتلوثوا في الاشتراك بحرب ريحانة رسول اللّه (ص) الى مواراتها ، وقد اختلف المؤرخون في اليوم الذي دفنت فيه ، وفيما يلي ذلك.
    __________________
    (1) كامل الزيارات (ص 261)

    1 ـ يوم الحادي عشر (1)
    2 ـ يوم الثاني عشر (2)
    3 ـ يوم الثالث عشر (3)
    اما الذين حظوا بمواراتها فهم قوم من بني أسد كانوا ينزلون بالقرب من مكان المعركة فخفوا إليها بعد أن نزحت جيوش ابن سعد ، فرأوا الجثث الزواكي ملقاة بالعراء فأيقنوا انها جثث أهل البيت ، وجثث أصحابهم فعجوا بالبكاء والعويل ، وصرخت نساؤهم ، وقاموا في هدأة الليل حيث امنوا الرقباء ، فحفروا قبرا لسيد الشهداء ، وقبرا آخر لبقية الشهداء ، وقد حفروها على ضوء القمر حيث كان على وشك التمام ، ولم يطلع القمر على مثلها شرفا في جميع الاحقاب والآباد.
    يقول الشيخ المفيد :
    «ولما رحل ابن سعد خرج قوم من بني أسد كانوا نزولا بالغاضرية الى الحسين وأصحابه فصلوا عليهم ، ودفنوا الحسين (ع) حيث قبره الآن ودفنوا ابنه علي بن الحسين الأصغر عند رجله : وحفروا للشهداء من أهل بيته واصحابه ـ الذين صرعوا حوله ـ مما يلي رجلي الحسين ، وجمعوهم فدفنوهم جميعا. ودفنوا العباس بن علي في موضعه الذي قتل فيه على طريق الغاضرية حيث قبره الآن» (4).
    وتنص بعض المصادر الشيعية على أن بني أسد كانوا متحيرين في
    __________________
    (1) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (ص 97) البداية والنهاية 8 / 189 ، المناقب 5 / 133 مصور.
    (2) البحار
    (3) مقتل الحسين للمقرم (ص 396)
    (4) الارشاد (ص 227)

    شأن تلك الجثث الزواكي ولم يهتدوا لمعرفتها لأن الرءوس قد فصلت عنها وبينما هم كذلك اذ أطل عليهم الامام زين العابدين فأوقفهم على شهداء أهل البيت وغيرهم من الأصحاب ، وبادر الى حمل جثمان أبيه فواراه في مثواه الأخير وهو يذرف أحر الدموع قائلا :
    «طوبى لأرض تضمنت جسدك الطاهر ، فان الدنيا بعدك مظلمة والآخرة بنورك مشرقة ، أما الليل فمسهد ، والحزن سرمد أو يختار اللّه لأهل بيتك دارك التي أنت بها مقيم ، وعليك مني السلام يا ابن رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته».
    ورسم على القبر الشريف هذه الكلمات : «هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب الذي قتلوه عطشانا غريبا» ودفن عند رجلي الامام ولده علي الأكبر ، ودفن بقية الشهداء الممجدين من هاشميين وغيرهم في حفرة واحدة ، وانطلق الامام زين العابدين مع الأسديين الى نهر العلقمي فواروا قمر بني هاشم العباس بن أمير المؤمنين ، وجعل الامام يبكي احر البكاء قائلا :
    «على الدنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم ، وعليك مني السلام من شهيد محتسب ورحمة اللّه وبركاته» (1).
    وأصبحت تلك القبور الطاهرة رمزا للكرامة الانسانية ، ورمزا لكل تضحية تقوم على العدل يقول العقاد : «فهي اليوم مزار يطيف به المسلمون متفقين ومختلفين ومن حقه أن يطيف به كل انسان لأنه عنوان قائم لأقدس ما يشرف به هذا الحي الآدمي من بين سائر الأحياء
    فما اظلت قبة السماء مكانا لشهيد قط هو اشرف من تلك القباب
    __________________
    (1) مقتل الحسين للمقرم (ص 397 ـ 398)

    بما حوته من معنى الشهادة وذكرى الشهداء» (1)
    ويقول يوسف رجيب : «وليس لقبر من قبور أولياء اللّه الصالحين البررة غير قبر الحسين هو قبلة الدنيا وكعبة بني الأرض لأن اللّه شرفه بجهاد اعدائه الذين اعتزموا طمس الدين الحنيف ، وانتهاك الشريعة ، واتخاذ الخلافة أمرة زمنية استباحوا بها كل محرم يتلذذون بما حرم اللّه وحرمته كتبه» (2).
    لقد ضمت تلك البقعة المباركة خلاصة الاباء والشرف والدين ، وقد أصبحت أقدس مراكز العبادة وافضلها في الاسلام ففي كل وقت يطيف بها المسلمون متبركين ومتقربين إلى اللّه ، كما اصبحت مطافا لملائكة اللّه المقربين ، فقد روى الفضل بن يسار عن أبي عبد اللّه أنه سئل عن أفضل قبور الشهداء فقال عليه السلام :
    «أو ليس أفضل الشهداء الحسين بن علي؟ فو الذي نفسي بيده ان حول قبره اربعين الف ملك شعثا غبرا يبكون عليه إلى يوم القيامة» (3).
    ويقول الامام الرضا (ع) : «إن حول قبر الحسين سبعين الف ملك شعثا غبرا يبكون عليه الى يوم القيامة» (4)
    وقد حظى مرقده العظيم باستجابة الدعاء عنده فما قصده مكروب أو ملهوف الا فرج اللّه عنه مما ألم به يقول الجواهري :
    __________________
    (1) ابو الشهداء
    (2) مجلة الغري السنة الثانية العدد 10 ص 22
    (3) مناقب ابن المغازلي : رقم الحديث 390
    (4) ذخائر العقبى (ص 151)


    تعاليت من مفزع للحتوف
    وبورك قبرك من مفزع

    تلوذ الدهور فمن سجد
    على جانبيه ومن ركع (1)

    ويقول المؤرخون إن الامام الهادي (ع) ألم به مرض فأمر أبا هاشم الجعفري أن يبعث له رجلا إلى الحائر الحسيني ليدعو له بالشفاء ، وقد سئل عليه السلام عن ذلك فقال : ان اللّه أحب أن يدعى في هذا المكان (2).
    لقد احتل ابو الشهداء المكانة العظمى عند اللّه تعالى كما احتل قلوب المسلمين وحظى بأصدق محبتهم فهم يشدون الرحال الى مثواه من كل فج عميق وفاء بحقه واعترافا بفضله والتماسا لعظيم الأجر الذي كتبه اللّه لزائريه ، ويقول (نيكلسون) : وخلال بضع سنوات عن مصرع الحسين اصبح ضريحه في كربلا محجا تشد إليه الرحال (3).
    فضل زيارة الحسين :
    وتواترت الأخبار عن أئمة أهل البيت عليهم السلام بفضل زيارة سيد الشهداء (ع) وقد ذهب بعض الفقهاء إلى وجوبها ، وقد الف محمد بن علي العلوي كتابا يقع في جزءين أسماه «فضل زيارة الحسين» ونلمع الى بعض تلك الأخبار.
    1 ـ روى أبو حمزة الثمالي قال : سألت علي بن الحسين عن زيارة الحسين (ع) فقال : «زره كل يوم فان لم تقدر فكل جمعة ، فان لم
    __________________
    (1) ديوان الجواهري 1 / 194
    (2) كامل الزيارات (ص 223)
    (3) تأريخ الأدب العربي

    تقدر فكل شهر فمن لم يزره فقد استخف بحق رسول اللّه (ص)» (1).
    2 ـ روى ابو الجارود قال : «قال لي ابو جعفر : كم قبر الحسين منكم؟ قال : قلت له : يوم للراكب ويوم وليلة للراحل ، قال : لو كان منا كما هو منكم لاتخذناه هجرة» (2).
    3 ـ وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال : (مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين فان اتيانه يزيد في الرزق ويمد في العمر ويدفع مدافع السوء ، واتيانه مقترض على كل مؤمن يقر له بالامامة من اللّه» (3).
    والأخبار بذلك كثيرة ، وهي مما تفيد القطع بالصدور عن أئمة أهل البيت عليهم السلام.
    دعاء الامام الصادق لزوار الحسين :
    ودعا الامام الصادق بهذا الدعاء الشريف لزوار قبر جده الحسين وقد رواه الثقة معاوية بن وهب وهذا نصه :
    قال : استأذنت على أبي عبد اللّه عليه السلام فقيل لي ادخل فدخلت فوجدته فى مصلاه ، فجلست حتى قضى صلاته فسمعته وهو يناجي ربه وهو يقول :
    «يا من خصنا بالكرامة ، وخصنا بالوصية ، ووعدنا بالشفاعة ، وأعطانا علم ما مضى وما بقي وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا ، اغفر لي ولاخواني ، ولزوار قبر أبي الحسين (ع) الذين انفقوا أموالهم واشخصوا
    __________________
    (1) فضل زيارة الحسين 1 / 14 من مصورات مكتبة الامام امير المؤمنين
    (2) فضل زيارة الحسين 1 / 17
    (3) وسائل الشيعة 10 / 321

    ابدانهم رغبة في برنا ، ورجاء لما عندك في صلتنا ، وسرورا ادخلوه على نبيك صلواتك عليه وآله واجابة منهم لأمرنا ، وغيظا ادخلوه على عدونا أرادوا بذلك رضاك ، فكافهم عنا بالرضوان واكلأهم بالليل والنهار واخلف على أهاليهم وأولادهم الذين خلفوا بأحسن الخلف ، واعطهم أفضل ما أملوا منك في غربتهم عن أوطانهم ، وما آثرونا به على ابنائهم وأهاليهم واقربائهم.
    اللهم : ان اعدائنا عابوا عليهم خروجهم فلم يمنعهم ذلك عن الشخوص إلينا ، وخلافا منهم على من خالفنا ، فارحم تلك الوجوه التي قد غيرتها الشمس ، وارحم تلك الخدود التي تقلبت على حفرة أبي عبد اللّه ، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا ، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا وارحم الصرخة التي كانت لنا.
    «اللهم : إني استودعك تلك الأنفس وتلك الأبدان حتى توافيهم على الحوض يوم العطش» فما زال وهو ساجد يدعو اللّه بهذا الدعاء فلما انصرف قلت :
    «جعلت فداك لو ان هذا الذي سمعت كان لمن لا يعرف اللّه لظننت أن النار لا تطعم منه شيئا ، واللّه لقد تمنيت أن كنت زرته ولم احج».
    فقال عليه السلام :
    «ما أقربك منه فما ذا الذي يمنعك من زيارته؟ لم تدع ذلك؟»
    «لم ادر أن الأمر يبلغ هذا كله»
    «يا معاوية من يدعو لزواره في السماء اكثر ممن يدعو لهم في الأرض يا معاوية لا تدعه فمن تركه رأى من الحسرة ما يتمنى ان قبره كان عنده

    أما تحب أن يرى اللّه شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول اللّه (ص) وعلي وفاطمة والأئمة ، أما تحب أن تكون غدا ممن تصافحه الملائكة أما تحب أن تكون غدا فيمن يخرج وليس له ذنب فيتبع به ، أما تحب أن تكون غدا ممن يصافح رسول اللّه (ص) (1).
    وبهذا ينتهي بنا الحديث عن مصرع الامام العظيم لنستقبل سبايا أهل البيت في الكوفة.
    __________________
    (1) وسائل الشيعة 10 / 320 ـ 321

    سبايا اهل البيت فى الكوفة


    واستقبلت الكوفة سبايا آل البيت (ع) بمزيد من الفزع والاضطراب وخيم عليها الذل والهوان ، فقد كمت الأفواه ، وأخرست الألسن ، ولم يستطع أحد أن يظهر ما في دخائل نفسه من الأسى الشديد خوفا من السلطة العاتية التي استهانت بارواح الناس وكراماتهم.
    وعزفت أبواق الجيش وخفقت راياتهم ، وقد رفعوا على الحراب رءوس العترة الطاهرة ، ومعهم الأسرى من عقائل النبوة وحرائر الوحي وقد ربطوا بالحبال ، وقد وصف ذلك المنظر الرهيب مسلم الجصاص يقول : دعاني ابن زياد لاصلاح دار الامارة بالكوفة فبينما أنا اجصص الأبواب واذا بالزعقات قد ارتفعت من جميع الكوفة فاقبلت على أحد خدام القصر فقلت له :
    «مالي أرى الكوفة تضج»
    «الساعة يأتون برأس خارجي خرج على يزيد»
    «من هذا الخارجي؟»
    «الحسين بن علي»
    «يقول : فتركت الخادم حتى خرج واخذت الطم على وجهي حتى خشيت على عينيّ أن تذهبا ، وغسلت يديّ من الجص ، وخرجت من القصر حتى أتيت الى الكناس فبينما أنا واقف والناس يتوقعون وصول السبايا والرءوس اذ اقبل أربعون جملا تحمل النساء والاطفال ، واذا بعلي ابن الحسين على بعير بغير وطاء وأوداجه تشخب دما ، وهو يبكي ويقول :
    يا أمة السوء لا سقيا لربعكم
    يا امة لم تراع جدنا فينا

    لو اننا ورسول اللّه يجمعنا
    يوم القيامة ما كنتم تقولونا

    تسيرونا على الاقتاب عارية
    كأننا لم نشيد فيكم دينا (1)

    __________________
    (1) مقتل الحسين لعبد اللّه نور اللّه مخطوط

    ويقول جذلم بن بشير : قدمت الكوفة سنة (61 هـ) عند مجيء علي ابن الحسين من كربلا الى الكوفة ومعه النسوة وقد أحاطت بهم الجنود وقد خرج الناس للنظر إليهم وكانوا على جمال بغير وطاء فجعلت نساء أهل الكوفة يبكين ويندبن ، ورأيت علي بن الحسين قد انهكته العلة ، وفي عنقه الجامعة ويده مغلولة الى عنقه (1) ، وهو يقول بصوت ضعيف :
    ان هؤلاء يبكون وينوحون من أجلنا فمن قتلنا؟ (2) وانبرت احدى سيدات الكوفة فسألت احدى السبايا وقالت لها :
    «من أي الأسارى أنتن؟»
    «نحن أسارى أهل البيت»
    ولما سمعت بذلك المرأة صرخت ، وصرخت النسوة التي معها ، ودوى صراخهن في ارجاء الكوفة ، وبادرت المرأة فجمعت ما في بيتها من ازر ومقانع فجعلت تناولها الى العلويات ليتسترن بها عن أعين الناس (3) كما بادرت سيدة أخرى فجاءت بطعام وتمر وأخذت تلقيه على الصبية التي أضناها الجوع.
    ونادت السيدة أم كلثوم من خلف الركب :
    «ان الصدقة حرام علينا أهل البيت»
    ولما سمعت الصبية مقالة العقيلة رمى كل واحد منهم ما في يده أو فمه من الطعام وراح يقول لصاحبه : إن عمتي تقول :
    «إن الصدقة حرام علينا أهل البيت»
    __________________
    (1) أمالي الشيخ المفيد (ص 143) مخطوط
    (2) مقتل الحسين لعبد اللّه
    (3) مقتل الحسين لعبد اللّه

    خطاب السيدة زينب :
    وحينما رأت السيدة زينب (ع) حفيدة الرسول (ص) وشقيقة الامام الحشود الزاخرة التي ملأت شوارع الكوفة وأزقتها ، اندفعت الى الخطابة لبلورة الموقف ، واظهار المصيبة الكبرى التي جرت على أهل البيت وتحميل الكوفيين مسئولية هذه الجريمة النكراء ، فهم الذين نقضوا العهد ، وخاسوا بالذمة ، فقتلوا ريحانة رسول اللّه (ص) ثم عادوا بعد قتله ينوحون ويبكون كأنهم لم يقترفوا هذا الاثم العظيم ، وهذا نص خطابها :
    «الحمد للّه وصلواته على أبي محمد رسول اللّه (ص) وعلى آله الطاهرين الأخيار ، أما بعد : يا أهل الكوفة يا أهل الختل والخذل (1) أتبكون؟!! فلا رقأت لكم دمعة (2) انما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا ، تتخذون ايمانكم دخلا بينكم الا بئس ما قدمت لكم انفسكم ان سخط اللّه عليكم وفي العذاب أنتم خالدون.
    أتبكون وتنتحبون!! أي واللّه فابكوا كثيرا ، واضحكوا قليلا ، كل ذلك بانتهاككم حرمة ابن خاتم الأنبياء ، وسيد شباب أهل الجنة ، وملاذ حضرتكم ، ومفزع نازلتكم ، ومنار حجتكم ومدرة سنتكم الا ساء ما تزرون ، وبعدا لكم ، وسحقا ، فلقد خاب السعي ، ونبت الأيدي وخسرت الصفقة وتوليتم بغضب اللّه ، وضربت عليكم الذلة والمسكنة.
    أتدرون ويلكم يا أهل الكوفة؟ أي كبد لرسول اللّه (ص) فريتم وأي دم له سفكتم ، وأي حرمة له انتهكتم؟ لقد جئتم شيئا ادا تكاد السموات يتفطرن منه ، وتنشق الأرض ، وتخر الجبال هدا!!
    __________________
    (1) وفي نسخة : الغدر
    (2) وفي نسخة : فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنة

    لقد جئتم بها خرقاء شوهاء كطلاع الأرض ، وملء السماء ، افعجبتم ان مطرت السماء دما ولعذاب الآخرة أخزى ، وهم لا ينصرون فلا يستخفنكم المهل فانه لا يحفزه البدار ، ولا يخاف فوت الثار وان ربكم لبالمرصاد ...» (1).
    لقد قرعتهم بطلة كربلا ، بمنطق الصدق وصوت الحق ، ودلتهم على نفوسهم الخبيثة ، فلم تنخدع بدموعهم الكاذبة ، ولم ينطل عليها زورهم وبهتانهم ، ونعت عليهم جريمتهم النكراء التي هي أبشع جريمة وقعت في الأرض .. وقد وصفتهم بأخس الصفات التي توصف بها احط الشعوب فقد وصفتهم بالختل والغدر ، وهما مصدران لانحطاط الانسان وشقائه.
    وعلقت سلام اللّه عليها على بكائهم فقالت : ان من حقهم أن يبكوا كثيرا ويضحكوا قليلا على عظيم ما اقترفوه من الأثم ، فقد قتلوا سيد شباب أهل الجنة وسليل خاتم النبوة ، والمنقذ والمحرر لهم ، وفروا كبد رسول اللّه (ص) وانتهكوا حرمته ، وسبوا عياله ، فأي جريمة أبشع أو افظع من هذه الجريمة؟
    صدى الخطاب :
    واضطرب الناس من خطاب سليلة النبوة وايقنوا بالهلاك ، وقد وصف خزيمة الأسدي مدى الأثر البالغ الذي أحدثه خطاب العقيلة يقول :
    لم أر واللّه خفرة انطق منها كأنما تفرغ عن لسان الامام امير المؤمنين ورأيت الناس بعد خطابها حيارى واضعي أيديهم على افواههم ، ورأيت
    __________________
    (1) مقتل الحسين للمقرم (ص 387) نور الابصار للشبلنجيّ (ص 167).

    شيخا قد دنا منها يبكي حتى اخضلت لحيته وهو يقول : بأبي أنتم وأمي كهولكم خير الكهول وشبابكم خير الشباب ونسلكم لا يبور ولا يخزى أبدا (1) الا ان الامام زين العابدين قطع على عمته خطابها قائلا :
    «اسكني يا عمة ، فأنت بحمد اللّه عالمة غير معلمة ، وفهمة غير مفهمة ..» (2).
    فأمسكت عن الكلام ، وتركت المجتمع يمور بالأسى والحزن.
    خطاب السيدة فاطمة :
    وانبرت الى الخطابة فاطمة بنت الامام الحسين (ع) فخطبت ابلغ خطاب واروعه ، وكانت طفلة ، فبهر الناس ببلاغتها وفصاحتها وقد أخذت بمجامع القلوب وتركت الناس حيارى قد بلغ بهم الحزن إلى قرار سحيق فقالت :
    «الحمد للّه عدد الرمل والحصى ، وزنة العرش الى الثرى ، أحمده وأومن به ، وأتوكل عليه ، واشهد أن لا إله الا اللّه وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله .. وان اولاده ذبحوا بشط الفرات ، من غير ذحل ولا تراث.
    اللهم إني أعوذ بك أن افتري عليك ، وان اقول عليك خلاف ما أنزلت من اخذ العهود والوصية لعلي بن أبي طالب ، المغلوب حقه ، المقتول من غير ذنب ـ كما قتل ولده بالأمس ـ في بيت من بيوت اللّه تعالى ، فيه معشر مسلمة بألسنتهم ، تعسا لرؤوسهم ، ما دفعت عنه ضيما
    __________________
    (1) نور الابصار (ص 176) الدر النظيم (ص 172)
    (2) احتجاج الطبرسي

    في حياته ، ولا عند مماته ، حتى قبضه اللّه تعالى إليه محمود النقيبة ، طيب العريكة ، معروف المناقب ، مشهور المذاهب ، لم تأخذه في اللّه سبحانه لومة لائم ، ولا عذل عاذل ، هديته اللهم للاسلام صغيرا ، وحمدت مناقبه كبيرا ، ولم يزل ناصحا لك ، ولرسولك ، زاهدا في الدنيا ، غير حريص عليها ، راغبا في الآخرة ، مجاهدا لك في سبيلك ، رضيته فاخترته وهديته الى صراط مستقيم.
    أما بعد : يا أهل الكوفة ، يا أهل المكر والغدر والخيلاء ، فانا أهل بيت ابتلانا اللّه بكم ، وابتلاكم بنا ، فجعل بلاءنا حسنا ، وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا ، فنحن عيبة علمه ، ووعاء فهمه ، وحكمته وحجته على الأرض في بلاده لعباده ، اكرمنا اللّه بكرامته ، وفضلنا بنبيه محمد (ص) على كثير ممن خلق اللّه تفضيلا ... فكذبتمونا وكفرتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالا واموالنا نهبا ، كأننا أولاد ترك أو كابل ، كما قتلتم جدنا بالأمس ..
    وسيوفكم تقطر من دمائنا اهل البيت ، لحقد متقدم ، قرت لذلك عيونكم وفرحت قلوبكم افتراء على اللّه ، ومكرا مكرتم ، واللّه خير الماكرين ، فلا تدعونكم انفسكم الى الجذل بما أصبتم من دمائنا ، ونالت أيديكم من أموالنا فان ما أصابنا من المصائب الجليلة ، والرزايا العظيمة في كتاب من قبل أن نبرأها ، إن ذلك على اللّه يسير ، لكيلا تأسوا على ما فاتكم ، ولا تفرحوا بما أتاكم واللّه لا يحب كل مختال فخور.
    تبا لكم فانظروا اللعنة والعذاب ، فكأن قد حل بكم ، وتواترت من السماء نقمات ، فيسحتكم بعذاب ، ويذيق بعضكم بأس بعض ، ثم تخالدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا ألا لعنة اللّه على الظالمين.
    ويلكم أتدرون أية يد طاعتنا منكم ، واية نفس نزعت الى قتالنا ، أم بأية رجل مشيتم إلينا ، تبغون محاربتنا ، قست قلوبكم ، وغلظت أكبادكم

    وطبع اللّه على افئدتكم ، وختم على سمعكم وبصركم ، وسول لكم الشيطان واملى لكم ، وجعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون.
    تبا لكم يا أهل الكوفة أي تراث لرسول اللّه قبلكم ، وذحول له لديكم بما عندتم بأخيه علي بن أبي طالب جدي وبنيه ، وعترته الطيبين الأخيار ، وافتخر بذلك مفتخركم :
    قد قتلنا عليكم وبنيه
    بسيوف هندية ورماح

    وسبينا نساءهم سبي ترك
    ونطحناهم فأي نطاح

    بفيك أيها القائل الكثث والاثلب (1) افتخرت بقتل قوم زكاهم اللّه وطهرهم واذهب عنهم الرجس ، فاكظم وأقع كما أقعى ابوك فإنّما لكل امرئ ما اكتسب وما قدمت يداه.
    حسدتمونا ويلا لكم على ما فضلنا اللّه تعالى ، ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم ، ومن لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور ...) (2).
    وتحدثت سليلة النبوة والامامة في خطابها العظيم عن أمور بالغة الأهمية وهي :
    1 ـ انها عرضت لمحنة جدها الامام امير المؤمنين رائد الحق والعدالة في الأرض ، وما عاناه من المحن والمصاعب حتى استشهد في بيت من بيوت اللّه ، ولم يدفع عنه المجتمع الكوفي ولم يقف إلى جانبه وانما تركوه وحده يصارع الاهوال حتى قبضه اللّه إليه وهو جم المناقب ، محمود النقيبة طيب العريكة ، قد اصطفاه اللّه ، وخصه بالفضائل والمواهب.
    __________________
    (1) الكثث : التراب ، الأثلب : فتات الحجارة والتراب
    (2) اللهوف لابن طاوس ، ومثير الأحزان لابن نما ، مقتل الحسين لعبد اللّه.

    2 ـ وتحدثت عن محنة أهل البيت ، بذلك المجتمع ، فانهم سلام اللّه عليهم بحكم قيادتهم الروحية للأمة ، فانهم مسئولون عن حمايتها ، ولكن الأمة قد جانبت الحق ، فسفكت دماءهم وانتهكت حرمتهم فما اجل رزيتهم واعظم بلاءهم.
    3 ـ شجبت الاعتداء الصارخ على أهل البيت ، ووصفت المعتدين القساة بأبشع الصفات ، ودعت اللّه أن ينزل عليهم نقمته وعذابه الأليم.
    صدى الخطاب :
    وأثر الخطاب تأثيرا بالغا في نفوس المجتمع فقد وجلت منه القلوب وفاضت العيون ، واندفع الناس ببكاء قائلين :
    «حسبك يا بنة الطاهرين ، فقد أحرقت قلوبنا ، وانضجت نحورنا وأضرمت أجوافنا» (1).
    وأمسكت عن الكلام وتركت الجماهير في محنتها وشقائها تصعد الآهات وتبدي الحسرات وتندب حظها التعيس على عظيم ما اقترفت من الاثم.
    خطاب السيدة أمّ كلثوم :
    وانبرت حفيدة الرسول (ص) السيدة أم كلثوم إلى الخطابة فأومأت إلى الناس بالسكوت فلما سكنت الأنفاس بدأت بحمد اللّه والثناء عليه ثم قالت :
    __________________
    (1) مقتل الحسين للمقرم (ص 392)

    «مه يا أهل الكوفة. تقتلنا رجالكم ، وتبكينا نساؤكم فالحاكم بيننا وبينكم اللّه يوم فصل الخطاب.
    يا أهل الكوفة سوأة لكم ، ما لكم خذلتم حسينا وقتلتموه ، وانتهبتم أمواله ، وسبيتم نساءه ونكبتموه فتبا لكم وسحقا. ويلكم اتدرون أي دواه دهتكم ، وأي وزر على ظهوركم حملتم!! وأي دماء سفكتم ، واي كريمة اصبتموها ، وأي صبية اسلمتموها ، وأي أموال انتهبتموها ، قتلتم خير الرجالات بعد النبي (ص) ونزعت الرحمة من قلوبكم الا ان حزب اللّه هم المفلحون وحزب الشيطان هم الخاسرون».
    واضطرب المجتمع من خطابها فنشرت النساء شعورهن ولطمن الخدود ولم ير اكثر باك ولا باكية مثل ذلك اليوم (1) :
    خطاب الامام زين العابدين :
    وانبرى إلى الخطابة الامام زين العابدين فقال بعد حمد اللّه والثناء عليه :
    «أيها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، أنا ابن من انتهكت حرمته ، وسلبت نعمته ، وانتهب ماله ، وسبي عياله ، انا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذحل ولا ترات أنا ابن من قتل صبرا وكفى بذلك فخرا.
    أيها الناس ناشدتكم اللّه هل تعلمون أنكم كتبتم الى أبي وخدعتموه ، واعطيتموه من انفسكم العهود والميثاق والبيعة وقاتلتموه ، فتبا لكم لما قدمتم لأنفسكم وسوأة لرأيكم ، بأية عين تنظرون الى رسول اللّه؟ إذ يقول لكم :
    __________________
    (1) اللهوف لابن طاوس ، ويذهب السيد المقرم وغيره الى أن السيدة أم كلثوم هي العقيلة زينب (ع).

    قتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي فلستم من أمتي».
    وعلت الأصوات بالبكاء ، ونادى مناد منهم
    «هلكتم وما تعلمون»
    واستمر الامام في خطابه فقال :
    «رحم اللّه امرأ قبل نصيحتي وحفظ وصيتي في اللّه وفي رسوله وأهل بيته ، فان لنا في رسول اللّه (ص) اسوة حسنة».
    فهتفوا جميعا قائلين بلسان واحد :
    «نحن يا ابن رسول اللّه سامعون مطيعون حافظون لذمامك ، غير زاهدين فيك ولا راغبين عنك ، فمرنا بأمرك يرحمك اللّه ، فانا حرب لحربك ، وسلم لسلمك نبرأ ممن ظلمك وظلمنا».
    ورد الامام عليهم هذا الولاء الكاذب قائلا :
    «هيهات ، هيهات ، أيتها الغدرة المكرة حيل بينكم وبين شهوات انفسكم ، أتريدون ان تأتوا إلي كما اتيتم إلى ابي من قبل ، كلا ورب الراقصات ، فان الجرح لما يندمل ، قتل ابي بالأمس واهل بيته ، ولم ينس ثكل رسول اللّه (ص) وثكل ابي وبني ابي ، إن وجده واللّه لبين لهاتي ومرارته بين حناجري وحلقي وغصة تجري في فراش صدري» (1).
    وأمسك الامام عن الكلام معرضا عن اولئك الغدرة الفجرة الذين سودوا وجه التأريخ بتناقضهم في سلوكهم فقد قتلوا الامام ثم راحوا يبكون عليه.
    __________________
    (1) مثير الأحزان لابن نما ، واللهوف

    في مجلس ابن زياد :
    وادخلت بنات رسول اللّه (ص) وهن في اسر الذل على ابن مرجانة سليل الارجاس والخيانة وهو في قصر الامارة وقد امتلأ القصر بالسفكة المجرمين من جنوده وهم يهنئونه بالظفر ويحدثونه ببطولاتهم المفتعلة في يوم الطف وهو جذلان مسرور يهز اعطافه فرحا ، وبين يديه رأس ريحانة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، فجعل الخبيث يعبث به وينكته بمخصرته وهو يقول متشمتا :
    «ما رأيت مثل هذا الوجه قط!!»
    ولم ينه كلامه حتى سدد له الصحابي انس بن مالك سهما من منطقه فقال له :
    «انه كان يشبه النبي» (1)
    والتاع الخبيث من كلامه ، وكان في المجالس رجل من بكر بن وائل يقال له جابر فانتفض وهو يقول :
    «للّه علي ان لا اصيب عشرة من المسلمين خرجوا عليك الا خرجت معهم» (2).
    الطاغية مع عقيلة الوحي :
    ولما روى ابن مرجانة احقاده من رأس الامام التفت الى عائلة الحسين فرأى امرأة منحازة في ناحية من مجلسه وعليها ارذل الثياب وقد حفت
    __________________
    (1) انساب الاشراف ق 1 ج 1
    (2) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (ص 98)

    بها المهابة والجلال مما حمل ابن زياد على السؤال عنها فقال :
    «من هذه التي انحازت ناحية ومعها نساؤها؟»
    فاعرضت عنه ، وكرر السؤال مرتين فلم تجبه استهانة به واحتقارا لشأنه ، فانبرت احدى السيدات فقالت له :
    «هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول اللّه (ص)».
    فالتاع الخبيث الدنس من احتقارها له واندفع يظهر شماتته بلسانه الألكن قائلا :
    «الحمد للّه الذي فضحكم وقتلكم ، وابطل أحدوثتكم»
    فتارت حفيدة الرسول (ص) بشجاعة محتقرة ذلك الوضر الخبيث وصاحت به :
    «الحمد للّه الذي أكرمنا بنبيه ، وطهرنا من الرجس تطهيرا ، انما يفتضح الفاسق ، ويكذب الفاجر ، وهو غيرنا يا ابن مرجانة» (1).
    لقد قالت هذا القول الصارم وهي والخفرات من آل محمد (ص) في قيد الأسر وقد نصبت فوق رءوسهن حراب الفاتحين ، وشهرت عليهن سيوف الشامتين .. وقد انزلت الطاغية من عرشه الى قبره ، واطاحت بغلوائه ، وعرفته أمام خدمه وأتباعه أنه المفتضح والمنهزم .. فقال ابن مرجانة متشفيا بأحط وأخس ما يكون التشفي :
    «كيف رأيت فعل اللّه بأخيك؟»
    وانطلقت عقيلة بني هاشم ببسالة وصمود فأجابته بكلمات الظفر والنصر لها ولأسرتها قائلة :
    «ما رأيت الا جميلا ، هؤلاء قوم كتب اللّه عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم ، وسيجمع اللّه بينك وبينهم فتحاج وتخاصم فانظر لمن الفلج
    __________________
    (1) تأريخ الطبري 6 / 263

    يومئذ ثكلتك امك يا بن مرجانة» :
    وفقد الحقير اهابه من هذا التبكيت الموجع ، والتعريض المقذع ، وتميز غيظا وغضبا ، وهمّ أن ينزل بها عقوبته فنهاه عمرو بن حريث ، وقال له : انها امرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها ، فالتفت إليها قائلا :
    «لقد شفى اللّه قلبي من طاغيتك ، والعصاة المردة من أهل بيتك» وغلب على العقيلة الحزن والأسى من هذا التشفي ، والجرأة عليها ، وقد تذكرت الصفوة الأبطال من أهل بيتها الذين سقطوا في ميادين الجهاد فادركتها لوعة الاسى فقالت :
    «لعمري لقد قتلت كهلي وأبدت أهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي فان يشفك هذا فقد اشتفيت»
    وتهافت ابن مرجانة وسكن غيظه وراح يقول :
    «هذه سجاعة. لعمري لقد كان أبوها سجاعا شاعرا»
    فردت عليه زينب : ان لي عن السجاعة لشغلا ما للمرأة والسجاعة (1)
    ما الأم هذه الحياة وما اخسها التي جعلت ربيبة الوحي أسيرة عند ابن مرجانة وهو يبالغ في احتقارها وتوهينها.
    ان كان عندك يا زمان بقية مما يضام به الكرام فهاتها
    الطاغية مع زين العابدين :
    وادار الطاغية بصره في بقية آل البيت (ع) فرأى الامام زين العابدين وقد انهكته العلة فسأله :
    «من أنت؟»
    __________________
    (1) المنتظم 5 / 98

    «علي بن الحسين»
    «أولم يقتل اللّه علي بن الحسين؟»
    فاجابه الامام بأناة :
    «كان لي أخ يسمى عليا قتلتموه ، وان له منكم مطالبا يوم القيامة» (1).
    فثار ابن زياد في وقاحة وصلف وصاح بالامام :
    «اللّه قتله»
    فأجابه الامام بكل شجاعة وثبات :
    «اللّه يتوفى الأنفس حين موتها ، وما كان لنفس أن تموت إلا باذن اللّه».
    ودارت الأرض بابن زياد ، واخذته عزة الاثم فقد غاظه أن يتكلم هذا الغلام الأسير بهذه الطلاقة وقوة الحجة ، والاستشهاد بالقرآن ، فصاح به.
    «وبك جرأة على رد جوابي!! وفيك بقية للرد علي!!»
    وصاح الرجس الخبيث بأحد جلاديه :
    «خذ هذا الغلام ، واضرب عنقه»
    وطاشت احلام السيدة زينب ، وانبرت بشجاعة لا يرهبها سلطان فأخذت الامام فاعتنقته وقالت لابن مرجانة :
    «حسبك يا بن زياد من دمائنا ما سفكت ، وهل ابقيت احدا غير هذا ، فان أردت قتله فاقتلني معه».
    وانخذل الطاغية ، وقال متعجبا :
    __________________
    (1) الحدائق الوردية 1 / 128

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي   حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 9:01 am

    «دعوه لها ، يا للرحم ودّت أنها تقتل معه» (1)
    ولو لا موقف العقيلة لذهبت البقية من نسل الامام الحسين (ع) التي هي مصدر الخير والفضيلة في الأرض ، وروى الجاحظ ان ابن مرجانة قال لاصحابه في علي بن الحسين :
    «دعوني اقتله فانه بقية هذا النسل ـ يعني نسل الحسين ـ فاحسم به هذا القرن ، واميت به هذا الداء ، واقطع به هذه المادة» (2).
    الا انهم اشاروا عليه بعدم التعرض له ، معتقدين أن ما الم به من الأمراض سوف تقضي عليه وقد انجاه اللّه منهم بأعجوبة.
    ثورة ابن عفيف :
    وتخدرت جماهير الكوفة تحت ضغط هائل من الارهاب والعنف ، حتى تغيرت الأوضاع العامة تغيرا كليا ، فلم تعد الكوفة كما كانت مسرحا للتيارات السياسية ، ومركزا للجبهة المعارضة ، فقد قبعت بالذل ، والهوان وسرت في اوردتها اوبثة الخوف.
    من يستطيع ان يتكلم والجو ملبد بالمخاوف ، فرأس زعيم الأمة وقائدها الأعلى على الحراب ، وعقائل الرسالة سبايا في المصر ، فلم يعد في مقدور اي احد ان يتلفظ بحرف واحد فكمت الأفواه ، واخرست الألسن وملئت السجون بالرؤوس والضروس ، واستسلم الجميع لحكم ابن مرجانة ، وقد جاء الطاغية مزهوا الى الجامع الأعظم حيث عقد فيه اجتماعا عاما حضرته القوات المسلحة وسائر ابناء الشعب فاعتلى المنبر مظهرا فرحته
    __________________
    (1) تأريخ ابن الاثير 3 / 27
    (2) رسائل الجاحظ

    الكبرى بهذا النصر الكاذب ، فقال ـ ويا لهول ما قال ـ :
    «الحمد للّه الذي اظهر الحق وأهله ، ونصر امير المؤمنين يزيد وحزبه ، وقتل الكذاب ابن الكذاب الحسين بن علي وشيعته».
    لقد قال هذه الكلمات في مجتمع عرف عدل علي وصدقه وخبر سيرة ولده الامام الحسين فرآها مشرقة بالحق والصدق ، ولو قال ذلك في الشام أو في اقليم آخر لعل له وجها الا انه قال ذلك في الكوفة التي هي عاصمة اهل البيت .. ولم يتم الخبيث كلماته حتى انبرى إليه البطل الثائر عبد اللّه ابن عفيف الأزدي الغامدي ، وكان ضريرا ذهبت احدى عينيه يوم الجمل والأخرى بصفين مع الامام امير المؤمنين وكان لا يفارق المسجد يتعبد فيه فصاح فيه :
    «يا ابن مرجانة الكذاب ابن الكذاب أنت وابوك ، والذي ولاك وابوه ، يا بن مرجانة ، أتقتلون أولاد النبيين وتتكلمون بكلام الصديقين» (1)
    وطاش لب الطاغية فقد كانت هذه الكلمات كالصاعقة على رأسه فصاح بأعلى صوته كالكلب المسعور :
    «من هذا المتكلم»
    «أنا المتكلم يا عدو اللّه أتقتلون الذرية الطاهرة التي اذهب اللّه عنهم الرجس ، وتزعم انك على دين الاسلام ، وا غوثاه اين أولاد المهاجرين والانصار لينتقموا من طاغيتك اللعين ابن اللعين على لسان محمد رسول رب العالمين».
    وتبدد جبروت الطاغية ، وذهبت نشوة افراحه ، وعلا الضجيج وتتطلع الناس من جميع جنبات المسجد لتنظر الى القائل الذي ترجم ما في
    __________________
    (1) انساب الاشراف ق 1 ج 1

    عواطفهم فقد كانت هذه الصيحة اول رد علني على السلطة في قتلها لريحانة الرسول.
    وصاح ابن زياد بعنف ، وقد امتلأ غضبا
    «علي به»
    فبادرت إليه الجلاوزة لتختطفه ، فنادى ابن عفيف بشعار اسرته.
    «يا مبرور»
    وكان في المجالس من الأزد سبع مائة ، فوثبوا إليه ، وانقذوه من ايدي الجلاوزة وجاءوا به الى منزله (1) ، وقال له عبد الرحمن بن مخنف الأزدي منددا به :
    «ويح غيرك لقد اهلكت نفسك وعشيرتك» (2)
    والتاع ابن زياد ، واضطرب ، فقد فتح عليه عبد اللّه باب المعارضة واطاح بهيبة الحكم ، ثم نزل من المنبر مغضبا ودخل القصر وتسابق الاشراف والعرفاء إليه فقال :
    «أما رأيتم ما صنع هؤلاء»
    «نعم»
    واصدر اوامره الى اهل اليمن ، والى من كان معه بالقاء القبض على ابن عفيف ، واشار عليه عمرو بن الحجاج بحبس كل من كان في المسجد من الأزد فحبسوا ، ثم التحم اهل اليمن مع الأزد التحاما شديدا ، وجرت بينهم اعنف المعارك ، فقال ابن زياد لبعض شرطه انطلق ، وانظر ما بينهم فخف إليهم فرأى الحرب قائمة ، فقالوا له :
    __________________
    (1) انساب الأشراف ج 1 ق 1
    (2) رياض الاحزان (ص 57)

    «قل للأمير : إنك لم تبعثنا الى نبط الجزيرة ، ولا جرامقة الموصل انما بعثتنا الى الأزد اسود الأجم ليسوا بيضة تحس ، ولا حرملة (1) توطأ ..».
    وقتل من الازد عبد اللّه بن حوزة الوالبي ، ومحمد بن حبيب ، وكثرت القتلى من الجانبين الا ان اليمانية قد قويت على الأزد فصاروا الى حصن في ظهر دار ابن عفيف فكسروه ، واقتحموه ، وهجموا عليه فبقى وحده فناولته ابنته سيفا فجعل يذب به عن نفسه (2) وهو يرتجز ويقول :
    انا ابن ذي الفضل العفيف الطاهر
    عفيف شيخي وابن أم عامر

    كم دارع من جمعكم وحاسر
    وبطل جندلته مغاور

    وكانت ابنته تخاطبه بذرب روحها قائلة :
    «ليتني كنت رجلا اذب بين يديك هؤلاء الفجرة قاتلي العترة البررة»
    واخذت ابنته تدله على المحاربين له فتقول له : «يا ابت اتاك القوم من جهة كذا» وتكاثروا عليه ، واحاطوا به من كل جانب ، فألقوا القبض عليه ، وانطلقوا به الى ابن زياد وهو يقول في طريقه :
    أقسم لو يفسح لي عن بصري شق عليكم موردي ومصدري (3)
    ولما مثل بين يدي الطاغية اسرع الخبيث إليه قائلا :
    «الحمد للّه الذي أخزاك»
    فاجابه ابن عفيف ساخرا منه ومحتقرا له
    «بما ذا اخزاني؟»
    __________________
    (1) الحرملة : نبات حبه كالسمسم
    (2) (3) انساب الاشراف ج 1 ق 1

    واراد ابن مرجانة ان يستحل دمه فسأله عن عثمان لعله أن ينتقصه فيتخذ من ذلك وسيلة الى اباحة دمه فقال له :
    «ما تقول في عثمان؟»
    وسدد له البطل العظيم سهاما من منطقه الفياض فقال له :
    «ما أنت وعثمان أساء أم احسن ، اصلح أم افسد ، ان اللّه تعالى ولي خلقه يقضي بينهم وبين عثمان بالعدل والحق ، ولكن سلني عن أبيك وعنك ، وعن يزيد وأبيه».
    ورأى الطاغية أنه امام بطل صعب المراس ، فقال له :
    «لا سألتك عن شيء ، او تذوق الموت غصة بعد غصة»
    وانبرى إليه ابن عفيف قائلا :
    «الحمد للّه رب العالمين ، أما اني كنت اسأل ربي أن يرزقني الشهادة من قبل ان تلدك امك ، وسألت اللّه ان يجعلها على يدي العن خلقه ، وابغضهم إليه ، ولما كف بصري يئست من الشهادة أما الآن والحمد للّه الذي رزقنيها بعد اليأس ، وعرفني الاجابة في قديم دعائي» (1).
    والتاع الخبيث فأمر جلاديه بضرب عنقه ، وصلبه بالسبخة ففعلوا ذلك (2).
    وانتهت حياة هذا البطل العظيم الذي وهب حياته للّه ، فقاوم المنكر وناهض الجور ، وقال كلمة الحق في احلك الظروف واقساها.
    __________________
    (1) اللهوف (ص 92) مقتل الخوارزمي 2 / 53
    (2) انساب الأشراف ج 1 ق 1

    العفو عن ابن معقل :
    كان ابن معقل من المشتركين في ثورة ابن عفيف ، فجيء به مخفورا الى ابن زياد فاصدر امرا بالعفو عنه ، وقال له : قد تركناك لابن عمك سفين بن عوف فانه خير منك (1).
    القاء القبض على جندب :
    وامر الطاغية بالقاء القبض على جندب بن عبد اللّه الأزدي ، وهو من اسرة عبد اللّه بن عفيف وكان من خيار الشيعة ومن اصحاب الامام امير المؤمنين وجاءت به الشرطة مخفورا فلما مثل عنده صاح به.
    «الست صاحب أبي تراب في صفين؟»
    فلم يحفل به البطل العظيم وقال له :
    «نعم ، واني لأحبه ، وافتخر به ، وامقتك واباك ، لا سيما الآن ، وقد قتلت سبط رسول اللّه وصحبه واهله ، ولم تخف من العزيز الجبار المنتقم ..».
    وثار ابن مرجانة ، وقال له :
    «إنك لأقل حياء من ذلك الأعمى ـ يعني ابن عفيف ـ وإني ما اراني الا متقربا الى اللّه بدمك».
    «إذا لا يقربك اللّه»
    __________________
    (1) انساب الاشراف ج 1 ق 1

    وخاف الطاغية من أسرته فخلى عنه ، وقال : إنه شيخ ذهب عقله وخرف (1).
    الطاغية مع قيس :
    وحضر قيس بن عباد في مجلس الطاغية ، فقال له أمام جلاوزته :
    «ما تقول في وفي الحسين؟»
    «اعفني ..»
    «لتقولن»
    «يجيء أبوه يوم القيامة فيشفع له ، ويجيء أبوك فيشفع لك»
    واستشاط ابن زياد غضبا فصاح به :
    «قد علمت غشك وخبثك ، لئن فارقتني يوما لأضعن بالأرض اكثرك شعرا» (2).
    وفرض عليه الرقابة والاقامة الجبرية في الكوفة
    تقوير الرأس الشريف :
    وأمر سليل الخيانة والغدر ابن مرجانة بتقوير رأس الامام (ع)
    __________________
    (1) انساب الاشراف ق 1 ج 1
    (2) عيون الأخبار لابن قتيبة 2 / 197 ، وجاء في وفيات الأعيان 5 / 395 ان عبيد اللّه بن زياد قال لحارثة بن بدر العدواني : ما تقول في وفي الحسين يوم القيامة؟ قال : يشفع له أبوه وجده ، ويشفع لك أبوك وجدك فاعرف من هنا ما تريد.

    فتحاماه الناس ، ولم يجسر أحد الى الاقدام عليه سوى طارق بن مبارك (1) فاخذ الرأس الشريف ومثل به وقطع منه بعض الأجزاء فقام عمرو بن حريث فقال لابن زياد.
    «قد بلغت حاجتك من هذا الرأس ، فهب لي ما القيت منه».
    «وما تصنع به؟»
    «اواريه»
    فسمح له بذلك فاخذ القطع من رأس الامام ولفها في خرقة ودفنها في داره التي تعرف بدار عمرو بن حريث (2).
    الطواف بالرأس العظيم :
    وأمر ابن مرجانة أن يطاف برأس الامام في جميع شوارع الكوفة وازقتها (3) وكان المنادي ينادي «قتل الكذاب ابن الكذاب» (4) وقد أراد بذلك اعلان النصر واذلال شيعة الامام ، ولم يدر في خلده انه قد أوسع المجال بذلك لنشر دعوة الامام واتمام رسالته فقد كان رأس الامام يوحي للمسلمين كيف يجب أن تعلو كلمة الحق ، وكيف تصان رسالة الاسلام.
    __________________
    (1) طارق بن مبارك : جد أبي علي كاتب عبد اللّه بن خاقان وزير المتوكل.
    (2) مرآة الزمان في تواريخ الاعيان (ص 97) مرآة الجنان 1 / 135
    (3) الدر النظيم (ص 17) مقتل الحسين لعبد اللّه
    (4) التأريخ السياسي للدولة العربية 2 / 76

    وعلى أي حال فقد طيف برأس ريحانة رسول اللّه (ص) أمام أولئك الذين يدعون الاسلام ولم يهبوا للأخذ بثأره يقول دعبل الخزاعي :
    رأس ابن بنت محمد ووصيه
    يا للرجال على قناة يرفع

    والمسلمون بمنظر وبمسمع لا
    جازع من ذا ولا متخشع

    لقد تخدر المسلمون بشكل رهيب ففقدوا ذاتياتهم ، واصبحوا اعصابا رخوة خالية من الشعور والاحساس.
    حبس عقائل الوحي :
    وأمر الطاغية ابن مرجانة بحبس عقائل الوحي ومخدرات الرسالة ، ولما جيء بهن الى السجن كانت الشوارع مكتظة بالرجال والنساء ، وهن يضربن الوجوه ويبكين أمر البكاء ـ حسبما يقول الامام زين العابدين ـ وادخلت بنات رسول اللّه (ص) الى السجن وقد ضيق عليهن أشد التضييق ، وقد رفضت حفيدة الرسول (ص) ان تقابلها أي امرأة حرة وقالت :
    «لا تدخل علينا الا أم ولد أو مملوكة فانهن سبين وقد سبينا»
    والقي على بنات رسول اللّه (ص) حجر قد ربط فيه كتاب جاء فيه ان البريد قد سار بامركم الى يزيد فان سمعتم التكبير فايقنوا بالهلاك وان لم تسمعوا بالتكبير فهو الامان ، وحددوا لمجيء الكتاب وقتا ، وذعرت النساء كأشد ما يكون الذعر ، وقبل قدوم البريد بيومين القي عليهم حجر آخر فيه كتاب جاء فيه «اوصوا واعاهدوا فقد قارب وصول البريد» وبعد انتهاء المدة جاء أمر يزيد بحمل الأسرى الى دمشق (1) وتنص بعض
    __________________
    (1) تأريخ ابن الأثير 3 / 298

    المصادر أن يزيد كان عازما على استئصال جميع نسل الامام امير المؤمنين الا انه بعد ذلك عدل عن نيته وعفا عنهم (1).
    اختطاف علي بن الحسين :
    واختطف بعض الكوفيين الامام زين العابدين واخفاه في داره ، وجعل يكرمه ويحسن إليه ، وكان كلما دخل عليه يجهش بالبكاء فظن الامام به خيرا الا انه لم تمض الا فترة يسيرة من الزمن حتى نادى منادي ابن زياد من وجد علي بن الحسين واتى به فله ثلاث مائة درهم فلما سمعه الكوفي اسرع الى الامام فجعل في عنقه حبلا وربط يديه بالحبل وسلمه إليهم واخذ الدراهم (2) وهذه البادرة الغريبة تعطينا صورة عن مدى تهالك ذلك المجتمع على المادة وتفانيه في الحصول عليها بأي طريق كان.
    ندم ابن سعد :
    وندم الخبيث الدنس عمر بن سعد كأشد ما يكون الندم على اقترافه لتلك الجريمة النكراء وقد سأله بعض خواصه عند رجوعه من كربلا عن حاله فقال :
    «ما رجع احد إلى أهله بشر مما رجعت به أطعت الفاجر الظالم ابن زياد ، وعصيت الحكم العدل ، وقطعت القرابة الشريفة وارتكبت
    __________________
    (1) الوافي 3 / 298
    (2) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (ص 98) المنتظم الجزء الخامس.

    الأمر العظيم» (1).
    وما ذا يفيده الندم بعد ما سفك دماء العترة الطاهرة ، وقطع أواصر القربى التي أمر اللّه بمودتها.
    ابن زياد يطالب ابن سعد بالكتاب :
    وتعرض ابن زياد لحملة انتقادية واسعة النطاق من جميع الأوساط ، وقد رام أن يجعل تبعة ذلك على ابن سعد فهو المسئول عن اقتراف هذه الجريمة دونه ، فبعث خلفه وقال له :
    ـ علي بالكتاب
    ـ مضيت لأمرك وضاع الكتاب
    ـ لتجيئني به
    ـ بعثته واللّه ليقرأ على عجائز قريش اعتذارا إليهن ، أما واللّه لقد نصحتك في الحسين نصيحة لو نصحتها أبي سعد بن أبي وقاص لكنت قد أديت حقه وكان في المجالس عثمان بن زياد فقال لاخيه عبيد اللّه :
    «صدق واللّه لوددت أنه ليس من بني زياد رجل الا وفي أنفه خزامة الى يوم القيامة وان الحسين لم يقتل».
    وسكت الطاغية ولم يجبه بشيء (2) أما الكتاب الذي بعثه ابن سعد الى يثرب ليتقي به اللعنات التي تنصب عليه ، ويحمل الذنب على أميره وسيده ابن مرجانة فهذا نصه :
    __________________
    (1) الأخبار الطوال (ص 271) سير اعلام النبلاء 3 / 203 ، أنساب الأشراف ق 1 ج 1.
    (2) المنتظم 5 / 98 ، الطبري 6 / 268.

    «من عبيد اللّه بن زياد إلى عمر بن سعد ، أما بعد : فاني لم ابعثك الى حسين لتكف عنه ، ولا لتطاوله ولا لتمنيه السلامة والبقاء ، ولا لتقعد له عندي شافعا ، انظر فان نزل حسين وأصحابه على حكمي واستسلموا فابعث بهم الي سلما ، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم ، وتمثل بهم فانهم لذلك مستحفون ، فان قتلت حسينا فأوطئ الخيل صدره وظهره فانه عاق شاق قاطع ظلوم .. فان أنت مضيت لأمرنا جزيناك جزاء السامع المطيع ، وإن أنت أبيت فاعتزل عملنا وجندنا ، وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فانا قد أمرناه بأمرنا» (1).
    التنديد بابن زياد :
    وندد بالطاغية بقتله لريحانة رسول اللّه (ص) القريب والبعيد وفيما يلي بعضهم.
    1 ـ مرجانة
    وسخطت مرجانة على ولدها الباغي الأثيم على اقترافه لهذه الجريمة النكراء فقالت له.
    «يا خبيث قتلت ابن رسول اللّه ، واللّه لا رأيت وجه اللّه أبدا» (2)
    __________________
    (1) تاريخ الطبري 6 / 269
    (2) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (ص 98) تذهيب التهذيب 1 / 156 ، تهذيب التهذيب 2 / 357.

    2 ـ عثمان بن زياد
    وأنكر على الطاغية أخوه عثمان بن زياد وقال له : «واللّه لوددت انه ليس من بني زياد رجل الا وفي انفه خزامة الى يوم القيامة وان الحسين لم يقتل» (1).
    3 ـ معقل بن يسار
    وممن نقم على ابن مرجانة معقل بن يسار فقد انتقده انتقادا لاذعا ، وندد به وهجره. لقد كان قتل الامام من الأحداث الجسام التي اهتز من هولها العالم الاسلامي ، وقد استعظمه المسلمون كأشد ما يكون الاستعظام ، فقد انتهكت فيه حرمة الرسول (ص) التي هي اولى بالرعاية والعطف من كل شيء.
    الانكار على ابن سعد :
    وأنكر الناس على ابن سعد جريمته النكراء ، فبغضوه ونبذوه ، وكان كلما مر على ملأ من الناس لعنوه واذا دخل الجامع خرجوا منه (2).
    الاستياء الشامل :
    وأحدث قتل الامام استياء شاملا في جميع الأوساط يقول الحصين ابن عبد الرحمن السلمي لما جاءنا قتل الحسين مكثنا ثلاثة أيام كأن وجوهنا
    __________________
    (1) الطبري 6 / 268
    (2) مرآة الزمان (ص 68)

    قد طليت رمادا (1) ويقول هبيرة بن خزيمة اخبرت الربيع بن خثيم بقتل الحسين فتغير وقرأ قوله تعالى : «اَللّٰهُمَّ فٰاطِرَ اَلسَّمٰاوٰاتِ واَلْأَرْضِ عٰالِمَ اَلْغَيْبِ واَلشَّهٰادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبٰادِكَ فِي مٰا كٰانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ» (2) ثم قال :
    «لقد قتلوا فتية لو رآهم رسول اللّه (ص) لاحبهم وأطعمهم بيده واجلسهم على فخذه» (3).
    واخبر الحسن البصري بقتل الحسين فبكى حتى اختلج جنباه وقال :
    «واذلاه لأمة قتل ابن دعيها ـ يعني ابن مرجانة ـ ابن نبيها (4) واللّه لينتقمن له جده وأبوه من ابن مرجانة» وقال عمرو بن بعجة :
    «أول ذل دخل على العرب قتل الحسين وادعاء زياد» (5).
    لقد التاع المسلمون كاشد ما يكون الالتياع حزنا وألما على قتل ريحانة رسول اللّه (ص) وبكوا أمر البكاء فكان الامام الشافعي يبكي اشد البكاء ويتلو هذه الأبيات :
    تأوب همي والفؤاد كثيب
    وارق عيني والرقاد غريب

    ومما نفى نومي وشيب لمتي
    تصاريف أيام لهن خطوب

    تزلزلت الدنيا لآل محمد
    وكادت لها صم الجبال تذوب

    فمن مبلغ عني الحسين رسالة
    وان كرهتها أنفس وقلوب

    قتيل بلا جرم كأن قميصه
    صبيغ بماء الارجوان خضيب

    __________________
    (1) تهذيب التهذيب 2 / 382
    (2) طبقات ابن سعد 6 / 190
    (3) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص 94)
    (4) تفسير المطالب في أمالي أبي طالب (ص 289)
    (5) مجمع الزوائد 9 / 196 ، المعجم الكبير 1 / 141


    صلي على المختار من آل هاشم
    وتنزى بنيه ان ذا لعجيب

    لئن كان ذنبي حب آل محمد
    فذلك ذنب لست منه أتوب

    هم شفعائي يوم حشري وموقفي
    وحبهم للشافعي ذنوب (1)

    وقد اجتاز الشاعر ابن الهبارية بكربلاء فجعل يبكي على الحسين وأهله ونظم هذه الأبيات :
    أحسين والمبعوث جدك بالهدى
    قسما يكون الحق عنه مسائلي

    لو كنت شاهد كربلا لبذلت في
    تنفيس كربك جاهد بذل الباذل

    وسقيت حد السيف من اعدائكم
    عللا وحد السمهري الذابل

    لكنني اخرت عنك لشقوتي
    فبلا بلي بين اللوي وبابل

    هبني حرمت النصر من اعدائكم
    فاقل من حزني حزن ودمعي سائل

    يقول المؤرخون انه نام في مكانه فرأى رسول اللّه (ص) في منامه وقال له : جزاك اللّه عني خيرا فابشر فان اللّه قد كتبك ممن جاهد بين يدي الحسين (2).
    ندم اهل الكوفة :
    وندم أهل الكوفة كاشد ما يكون الندم ألما وحزنا على ما اقترفوه من عظيم الاثم ، فهم الذين ألحوا على الامام بوفودهم ورسائلهم بالقدوم إليهم فلما وافاهم خذلوه وقتلوه ، وممن اظهر الندم منهم.
    1 ـ البراء بن عازب
    وندم على تركه لنصرة الامام البراء بن عازب ، فقد قال له الامام
    __________________
    (1) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص 94)
    (2) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص 94)

    امير المؤمنين (ع) :
    «أيقتل الحسين وأنت حي فلا تنصره؟»
    «لا كان ذلك يا أمير المؤمنين»
    ولما قتل الامام كان البراء يذكر قول الامام له وهو يتحسر ويقول :
    اعظم بها حسرة اذ لم أشهده ولم اقتل دونه (1).
    2 ـ المسيب بن نجبة
    وكان المسيب بن نجبة من أشد الناس حسرة علي عدم شهادته بين يدي ريحانة رسول اللّه (ص) ، وقد اعلن ندمه في خطابه الذي القاه على جموع التوابين فقد جاء فيه :
    «فقد كنا مغرمين بتزكية انفسنا فوجدنا اللّه كاذبين في كل موطن من مواطن ابن بنت نبيه (ص) وقد بلغنا قبل ذلك كتبه ورسله ، واعذر إلينا ، فسألنا نصره عودا وندا وعلانية ، فبخلنا عنه بأنفسنا حتى قتل الى جانبنا ، لا نحن نصرناه بأيدينا ولا جادلنا عنه بألسنتنا ، ولا قويناه بأموالنا ولا طلبنا له النصرة الى عشائرنا فما عذرنا عند ربنا ، وعند لقاء نبينا ، وقد قتل فينا ولد حبيبه ونسله ، لا واللّه لا عذر دون أن تقتلوا قاتله والمؤلبين عليه أو تقتلوا في طلب ذلك فعسى ربنا أن يرضى عنا عند ذلك ولا أنا بعد لقائه لعقوبته بآمن» (2).
    وقد صورت هذه الكمات مدى الأسى والحزن في نفس المسيب على ما فاته من شرف التضحية مع الامام.
    __________________
    (1) شرح النهج 10 / 14 ـ 15
    (2) تأريخ ابن الأثير 3 / 332

    3 ـ سليمان بن صرد
    وممن حزن أعمق الحزن على تركه لنصرة الامام سليمان بن صرد فقد أخذ الألم يحز في نفسه وقد خطب في أصحابه من التوابين وقال في جملة خطابه :
    «إنا كنا نمد اعناقنا الى قدوم آل بيت نبينا محمد (ص) نمنيهم النصر ونحثهم على القدوم فلما قدموا ونينا وعجزنا وأدهنا وتربصنا حتى قتل فينا ولد نبينا وسلالته وعصارته ، وبضعة من لحمه ودمه ، إذ جعل يستصرخ ويسأل النصف فلا يعطى اتخذه الفاسقون غرضا للنبل ودريئة للرماح حتى اقصدوه وعدوا عليه فسلبوه» (1).
    4 ـ عبد اللّه بن الحر
    ومن أشد النادمين حسرة واعظمهم أسى عبد اللّه بن الحر الجعفي الذي قصده الامام وطلب منه النصرة فبخل بنفسه ، وقد أخذته خلجات حادة من تأنيب الضمير على تركه لنصرته ، وقد نظم أساه وحزنه بهذه الأبيات :
    فيا لك حسرة ما دمت حيا
    تردد بين صدري والتراقي

    غداة يقول لي بالقصر قولا
    أتتركنا وتزمع بالفراق

    حسين حين يطلب بذل نصري
    على أهل العداوة والشقاق

    فلو فلق التلهف قلب حر
    لهمّ اليوم قلبي بانفلاق

    ولو واسيته يوما بنفسي
    لنلت كرامة يوم التلاق

    مع ابن محمد تفديه نفسي
    فودع ثم اسرع بانطلاق

    لقد فاز الأولى نصروا حسينا
    وخاب الآخرون ذو والنفاق (2)

    __________________
    (1) تأريخ ابن الأثير 3 / 333
    (2) مقتل الحسين للخوارزمي 1 / 228

    وقد صور ابن الحر في شعره ما تفيض به نفسه من الألم العميق فهو ما دام حيا تحز في نفسه الحسرات على ما فاته من شرف الشهادة بين يدي ابن رسول اللّه (ص) وانه لو نصره لفاز بالجنان ، كما عرض لغبطته لأصحاب الحسين الذين فدوه بنفوسهم فقد ظفروا بالأجر الجزيل والمقام العظيم عند اللّه.
    هؤلاء بعض النادمين على تركهم لنصرة الامام (ع) وعدم فوزهم بالشهادة بين يديه وحينما اتيحت الفرصة ثاروا مع التوابين في الكوفة.
    الهجرة من الكوفة :
    وكره سكنى الكوفة بعض الأخيار من المتحرجين في دينهم بعد ما عمد أهلها إلى قتل ريحانة رسول اللّه (ص) وكان من بينهم عبد الرحمن القضاعي ، فقد هجر الكوفة وسكن البصرة وقال : لا اسكن بلدا قتل فيه ابن بنت رسول اللّه (ص) (1) لقد اثارت مذبحة كربلا موجة عاتية من الهلع والجزع في جميع أوساط الكوفة ، واستبان لاهلها عظم الجريمة التي اقترفوها ، وبهذا ينتهي بنا الحديث عن دخول سبايا أهل البيت إلى الكوفة وما رافق ذلك من الأحداث.
    __________________
    (1) المعارف (ص 426)

    سبايا آل الرّسول ص فى دمشق


    وعانت عقائل الوحي ومخدرات الرسالة جميع ضروب المحن والبلاء في تلك الأيام السود التي مرت عليهن في الكوفة ، فقد عانين مرارة الاعتقال في السجن وشماتة الأعداء وذل الأسر في بلد كانت موطنا لشيعتهم ومركزا لدعوتهم ، وكن في حالة مشجية تذوب من هولها النفوس .. ونعرض إلى سير الأحداث الأليمة التي جرت عليهن حينما ارسلن الى دمشق.
    تسيير الرءوس :
    وأمر ابن مرجانة بتسيير رءوس العترة الطاهرة الى دمشق لتعرض على أهل الشام كما عرضت على أهل الكوفة لتمتلئ قلوب الناس فزعا وخوفا من بني أمية وليكونوا عبرة لكل من تحدثه نفسه بالخروج عليهم ، وقد سيرت مع زجر بن قيس الجعفي وأبي بردة بن عوف الأزدي ، وطارق بن ظبيان الأزدي ،
    تسريح العائلة النبوية :
    وسرحت عائلة آل النبي (ص) مع محفر بن ثعلبة من عائذة قريش وشمر بن ذي الجوشن ، وقد أوثقت بالحبال ، واركبت على أقتاب الجمال وهن بحالة تقشعر منها الأبدان يقول عبد الباسط الفاخوري :
    «ثم أن عبيد اللّه جهز الرأس الشريف وعلي بن الحسين ومن معه من حرمه بحالة تقشعر منها ومن ذكرها الأبدان وترتعد منها مفاصل الانسان بل فرائض الحيوان» (1).
    __________________
    (1) تحفة الأنام في مختصر تأريخ الاسلام (ص 84)

    تشييع أهل الكوفة للاسرى :
    وخرجت الكوفة بجميع طبقاتها لتوديع ركب أهل البيت وهم ما بين باك ونائح وقد غصت طرق الكوفة بالناس وهم يبكون عامة الليل ، فلم تتمكن القافلة أن تسير من كثرة الزحام فاستغرب الامام زين العابدين (ع) منهم وراح يقول : «هؤلاء قتلونا ويبكون علينا!!» (1).
    وعجت نساء همدان بالبكاء والنياحة (2) وعلا منهن الصراخ والعويل وأمر شمر بن ذي الجوشن أن يغل الامام زين العابدين بغل في عنقه فغل (3) وانطلقوا بالأسرى حتى التحقوا بالقافلة التي معها الرءوس ، ولم يتكلم الامام زين العابدين مع الجفاة بكلمة واحدة ، ولا طلب منهم أي شيء طيلة الطريق (4) وسارت القافلة لا تلوي على شيء حتى انتهت الى القرب من دمشق فاقيمت هناك حتى تتزين البلد بمظهر الزهو والأفراح.
    تزيين الشام :
    وأمرت حكومة دمشق الدوائر الرسمية وشبه الرسمية والمحلات العامة والخاصة باظهار الزينة والفرح للنصر الذي احرزته في قتل ريحانة رسول اللّه (ص) وسبي ذريته ، ويصف بعض المؤرخين تلك الزينة بقوله :
    __________________
    (1) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (ص 99)
    (2) الحدائق الوردية 1 / 129
    (3) انساب الأشراف ق 1 ج 1
    (4) الارشاد (ص 276)

    «ولما بلغوا ـ أي اسارى أهل البيت ـ ما دون دمشق بأربعة فراسخ ، استقبلهم أهل الشام وهم ينثرون النثار فرحا وسرورا حتى بلغوا بهم قريب البلد فوقفوهم عن الدخول ثلاثة أيام وحبسوهم هناك حتى تتوفر زينة الشام ، وتزويقها بالحلي والحلل والحرير والديباج والفضة والذهب ، وانواع الجواهر على صفة لم ير الراءون مثلها لا قبل ذلك اليوم ولا بعده ، ثم خرجت الرجال والنساء والاصاغر والاكابر والوزراء والأمراء واليهود والمجوس والنصارى ، وسائر الملل الى التفرج ومعهم الطبول والدفوف والبوقات والمزامير ، وسائر الآلات اللهو والطرب ، وقد كحلوا العيون وخضبوا الأيدي ، ولبسوا أفخر الملابس وتزينوا أحسن الزينة ولم ير الراءون اشد احتفالا ولا اكثر اجتماعا منه ، حتى كأن الناس كلهم قد حشروا جميعا في صعيد دمشق» (1).
    لقد اظهر ذلك المجتمع الذي تربى على بغض أهل البيت جميع الوان السرور والفرح بما أصابهم من القتل والسبي وجيء بالرأس العظيم وسط هالة من التهليل والتكبير على هذا النصر الذي احرزه حفيد أبي سفيان وكان خالد بن صفوان أو غفران في دمشق حينما أتى برأس الامام فاظهر الجزع والبكاء واختفى عن الناس لئلا تقبض عليه عيون بني أمية ، وهو يقول :
    جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد
    منزملا بدمائه تزميلا

    وكأنما بك يا ابن بنت محمد
    قتلوا جهارا عامدين رسولا

    قتلوك عطشانا ولم يترقبوا
    في قتلك التأويل والتنزيلا

    ويكبرون بأن قتلت وانما
    قتلوا بك التكبير والتهليلا (2)

    __________________
    (1) حجة السعادة في حجة الشهادة
    (2) تأريخ ابن عساكر 5 / 85 ، مرآة الزمان (ص 101)

    ويقول سهل بن سعد : خرجت إلى بيت المقدس حتى توسطت الشام فاذا أنا بمدينة مطردة الأنهار كثيرة الأشجار قد علقت عليها الحجب والديباج والناس فرحون مستبشرون وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول فقلت في نفسي : إن لأهل الشام عيدا لا نعرفه فرأيت قوما يتحدثون فقلت لهم :
    «الكم بالشام عيد لا نعرفه؟»
    «نراك يا شيخ غريبا»
    «أنا سهل بن سعد قد رأيت رسول اللّه»
    «يا سهل ما أعجبك أن السماء لا تمطر دما والأرض لا تنخسف بأهلها!!».
    «وما ذاك؟»
    «هذا رأس الحسين يهدى من أرض العراق!!»
    «وا عجبا يهدى رأس الحسين والناس يفرحون من أي باب يدخل»
    وأشاروا الى باب الساعات ، فأسرع سهل إليها ، وبينما هو واقف واذا بالرايات يتبع بعضها بعضا ، واذا بفارس بيده لواء منزوع السنان ، وعليه رأس من أشبه الناس وجها برسول اللّه (ص) وهو رأس ريحانته الحسين ، وخلفه السبايا محمولة على جمال بغير وطأ ، وبادر سهل الى احدى النسوة فسألها :
    ـ من أنت؟
    ـ أنا سكينة بنت الحسين
    ـ الك حاجة؟ فانا سهل صاحب جدك رسول اللّه (ص)
    ـ قل لصاحب هذا الرأس أن يقدمه أمامنا حتى يشتغل الناس بالنظر إليه ، ولا ينظرون إلى حرم رسول اللّه (ص).

    وأسرع سهل الى حامل الرأس فأعطاه أربعمائة درهم فباعد الرأس عن النساء (1).
    الشامي مع زين العابدين :
    وانبرى شيخ قد ضللته الدعايات الكاذبة فأخذ يشق الصفوف الحاشدة حتى انتهى إلى الامام زين العابدين فرفع عقيرته قائلا :
    «الحمد للّه الذي اهلككم وأمكن الأمير منكم»
    وبصر به الامام فرآه مخدوعا قد خفي عليه الحق فقال له :
    ـ يا شيخ قرأت القرآن؟
    ـ بلى
    ـ أقرأت قوله تعالى : «قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ اَلْمَوَدَّةَ فِي اَلْقُرْبىٰ» وقوله تعالى : «وَآتِ ذَا اَلْقُرْبىٰ حَقَّهُ» وقوله تعالى :
    «وَاِعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ ولِذِي اَلْقُرْبىٰ» وتهافت الشيخ فقال بصوت خافت :
    «نعم قرأت ذلك»
    قال له الامام : نحن واللّه القربى في هذه الآيات ، يا شيخ أقرأت قوله تعالى : «إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.».
    «بلى»
    «نحن أهل البيت الذين خصهم اللّه بالتطهير»
    __________________
    (1) مقتل الحسين لعبد اللّه نور اللّه

    وسرت الرعدة في أوصال الشيخ وجمد دمه ، وقال للامام بنبرات مرتعشة :
    «باللّه عليكم أنتم هم؟»
    «وحق جدنا رسول اللّه (ص) إنا لنحن هم من غير شك»
    وود الشيخ أن الأرض قد وارته ، ولم يقل تلك الكلمات القاسية والقى بنفسه على الامام وهو يوسع يديه تقبيلا ، ودموعه تجري على سحنات وجهه قائلا :
    «ابرأ الى اللّه ممن قتلكم»
    وطلب الشيخ من الامام أن يمنحه العفو والرضا فعفا عنه (1) وكانت الأكثرية الساحقة من أهل الشام على غرار هذا الشيخ قد ضللتهم الدعاية الأموية ، وحجبتهم عن معرفة أهل البيت عليهم السلام.
    سرور يزيد :
    وغمرت الافراح والمسرات يزيد حينما وافاه النبأ بمقتل الامام وكان في بستانه الخضراء (2) فكبر تكبيرة عظيمة (3) ولما جيء بالسبايا كان مطلا على منظر في جيرون ، فلما نظر الى السبايا والرءوس قد وضعت على الحراب امتلأ سرورا وراح يقول :
    __________________
    (1) اللهوف (ص 100)
    (2) البستان الجامع لجميع تأريخ أهل الزمان (ص 36)
    (3) تاريخ اليعقوبي 2 / 222 ، مرآة الزمان


    لما بدت تلك الحمول وأشرفت
    تلك الرءوس على شفا جيرون

    نعب الغراب فقلت : قل أو لا تقل
    فلقد قضيت من الرسول ديوني (1)

    لقد روى حفيد أبي سفيان أحقاده واستوفى ثأره من ابن فاتح مكة ومحطم أوثان قريش فقد قتل العترة الطاهرة وسبى ذراريها تشفيا وانتقاما من النبي (ص).
    رأس الامام بين يدي يزيد :
    وحمل محفر بن ثعلبة العائذي وشمر بن ذي الجوشن رأس ريحانة رسول اللّه (ص) هدية الى الفاجر يزيد بن معاوية ، ولما انتهيا إلى البلاط الأموي رفع محفر عقيرته ليسمعه يزيد قائلا :
    «جئنا برأس أحمق الناس وألأمهم»
    فأنكر عليه يزيد ورد عليه :
    «ما ولدت أم محفر الأم واحمق ، ولكنه قاطع ظلوم» (2)
    وأذن يزيد للناس اذنا عاما ليظهر لهم انه قهر آل النبي (ص) وازدحم أهل الشام على القصر وهم يعلنون فرحتهم الكبرى ، ويهنونه بهذا النصر الكاذب (3) ووضع رأس ريحانة رسول اللّه (ص) بين يدي سليل
    __________________
    (1) مقتل الحسين للمقرم (ص 437)
    (2) تاريخ ابن الأثير 3 / 298 ، وفي البداية والنهاية 8 / 294 ان القائل محقر لا محفر وفي الارشاد (ص 276) ان الذي رد عليه الامام زين العابدين.
    (3) البداية والنهاية 8 / 197

    الخيانة والاجرام فجعل ينكت بمخصرته ثغره الذي طالما كان النبي (ص) يترشفه ، وجعل يقول متشفيا وشامتا.
    «قد لقيت بغيك يا حسين» (1)
    ثم التفت الى من كان معه فقال لهم : «ما كنت أظن أبا عبد اللّه قد بلغ هذا السن ، وإذا لحيته ورأسه قد نصلا من الخضاب الأسود» (2) وتأمل في وجه الامام فغمرته هيبته فطفق يقول :
    «ما رأيت مثل هذا الوجه حسنا قط!!» (3)
    وراح يوسع ثغر الامام بالضرب وهو يقول : ان هذا وايانا كما قال الحصين بن الحمام :
    أبى قومنا أن ينصفونا فانصفت
    قواضب في ايماننا تقطر الدما

    يفلقن هاما من رجال أعزة
    علينا وهم كانوا أعق وأظلما

    ولم يتم كلامه حتى انكر عليه أبو برزة الأسلمي فقال له :
    «اتنكت بقضيبك في ثغر الحسين؟ أما لقد أخذ قضيبك في ثغره مأخذا لربما رأيت رسول اللّه (ص) يرشفه ، أما انك يا يزيد تجيء يوم القيامة وابن زياد شفيعك ، ويجيء هذا ومحمد (ص) شفيعه».
    __________________
    (1) الكواكب الدرية للمناوي 1 / 56 وجاء في تذهيب التهذيب 1 / 157 عن ابن حمزة قال : رأيت امرأة من اعقل الناس واجملهن يقال لها «ربا» حاضنة يزيد بن معاوية وقد بلغت من العمر مائة سنة ، قالت دخل رجل على يزيد فقال له : ابشر فقد امكنك اللّه من الحسين قتل وجيء برأسه إليك ووضع في طست فأمر غلامه فكشفه فحين رآه أحمر وجهه ، فقلت لربا : أقرع ثناياه بالقضيب؟ قالت : أي واللّه.
    (2) تاريخ الاسلام للذهبي 2 / 351
    (3) تاريخ القضاعي (ص 70)

    ثم قام منصرفا (1) واندفع يحيى بن الحكم متأثرا وهو يقول :
    لهام بجنب الطف أدنى قرابة
    من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل

    أمية أمسى نسلها عدد الحصى
    وبنت رسول اللّه ليس لها نسل (2)

    فالتاع الطاغية منه ودفع في صدره ، وقال له : اسكت لا أم لك (3) لقد تأثر كل من يملك ضميرا حيا من المصائب الأليمة التي صبها الطاغية على آل البيت.
    نصب الرأس في جامع دمشق :
    وبعد ما قضى الأثيم وطره من العبث برأس سيد شباب أهل الجنة نصبه في جامع دمشق في المكان الذي نصب فيه رأس يحيى بن زكريا (4) وقد علق ثلاثة أيام (5).
    رأس الامام عند نساء يزيد :
    وبعث الطاغية برأس ريحانة رسول اللّه (ص) الى نسائه ليظهر مقدرته وزهوه أمامهن ، فاخذته عاتكة وطيبته ، فأنكر يزيد ذلك وقال : ما هذا؟
    __________________
    (1) تاريخ ابن الأثير 3 / 298
    (2) تاريخ الاسلام للذهبي 2 / 350 ، البداية والنهاية 8 / 192 ، الارشاد (ص 276).
    (3) المعجم الكبير للطبراني 1 / 140 ، تاريخ الطبري 6 / 365 البداية والنهاية 8 / 192.
    (4) صبح الأعشى 4 / 97
    (5) تذهيب التهذيب 1 / 157

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي   حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 9:02 am

    فقالت له :
    «بعثت إلينا برأس عمي شعثا فلممته وطيبته» (1)
    السبايا في مجلس يزيد :
    وسر الطاغية سرورا بالغا بسبايا أهل البيت فأوقفهم موقف السبي بباب المسجد مبالغة في اهانتهم واذلالهم (2) وعمدت جلاوزته الى بنات رسول اللّه (ص) وسائر الصبية فربقوهم بالحبال كما تربق الأغنام فكان الحبل في عنق الامام زين العابدين إلى عنق عمته زينب وباقي بنات رسول اللّه (ص) ، وكانوا ـ فيما يقول المؤرخون ـ كلما قصروا عن المشي أو سعوهم ضربا بالسياط ، وجاءوا بهم على مثل هذه الحالة التي تتصدع من هولها الجبال ، وهم يكبرون ويهللون فاوقفوهم بين يدي يزيد فالتفت الامام زين العابدين فقال له :
    «ما ظنك بجدنا رسول اللّه (ص) لو يرانا على مثل هذه الحالة؟» فتأثر يزيد ولم يبق أحد في مجلسه الا بكى (3) وقد تألم الطاغية مما رأى فراح يقول :
    «قبح اللّه ابن مرجانة لو كان بينكم وبينه قرابة لما فعل بكم هذا» (4) ثم أمر بالحبال فقطعت عنهم والتفت الى علي بن الحسين فقال له :
    «إيه يا علي بن الحسين أبوك الذي قطع رحمي ، وجهل حقي ،
    __________________
    (1) انساب الاشراف ق 1 ج 1
    (2) الكواكب الدرية 1 / 56
    (3) الامام زين العابدين لأحمد فهمي (ص 55)
    (4) تذكرة الخواص (ص 49) المنتظم 5 / 100

    ونازعني سلطاني ، فصنع اللّه به ما رأيت».
    فأجابه شبل الحسين بكل هدوء وطمأنينة بقوله تعالى :
    (مٰا أَصٰابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي اَلْأَرْضِ ولاٰ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّٰ فِي كِتٰابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهٰا إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى اَللّٰهِ يَسِيرٌ لِكَيْلاٰ تَأْسَوْا عَلىٰ مٰا فٰاتَكُمْ ، ولاٰ تَفْرَحُوا بِمٰا آتٰاكُمْ واَللّٰهُ لاٰ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتٰالٍ فَخُورٍ).
    وتميز الطاغية غضبا وذهبت نشوة أفراحه ، وتلا قوله تعالى :
    «مٰا أَصٰابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمٰا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ» فقال له الامام :
    «هذا في حق من ظلم لا في حق من ظلم» (1)
    وزوى الامام بوجهه عنه ولم يكلمه (2) احتقارا له واستهانة بشأنه
    خطاب السيدة زينب :
    واظهر الطاغية فرحه بابادته للعترة الطاهرة ، فقد حسب انه قد صفا له الملك واستوسقت له الأمور فأخذ يهز أعطافه جذلانا مسرورا وتمنى حضور القتلى من أهل بيته ببدر ليريهم كيف أخذ بثأرهم وانتقم من النبي (ص) في ذريته وعترته وراح يترنم بأبيات ابن الزبعرى وهو مزهو :
    ليت أشياخي ببدر شهدوا
    جزع الخزرج من وقع الأسل

    لأهلوا واستهلوا فرحا
    ثم قالوا : يا يزيد لا تشل

    قد قتلنا القرم من ساداتهم
    وعدلناه ببدر فاعتدل

    لعبت هاشم بالملك فلا
    خبر جاء ولا وحي نزل

    لست من خندف إن لم انتقم
    من بني أحمد ما كان فعل (3)

    __________________
    (1) الفصول المهمة لابن الصباغ (ص 182)
    (2) الارشاد (ص 276)
    (3) اعلام النساء 1 / 504 البداية والنهاية 8 / 192

    ولما سمعت بطلة كربلا هذه الأبيات التي نمت عن كفره وسروره بقتل عترة النبي (ص) انتقاما منهم لقتلى بدر وثبت تزجره ، وتطعن كبرياءه ، غير حافلة بجبروته وطغيانه ، فلم يدركها الهول والفزع ، وانما كانت مثال الشجاعة فكأنها هي الحاكمة والمنتصرة ، والطاغية هو المخذول والمغلوب على امره ، قالت (ع) :
    الحمد للّه رب العالمين ، وصلى اللّه على رسوله وآله أجمعين ، صدق اللّه سبحانه حيث يقول : «ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات اللّه وكانوا بها يستهزءون» اظننت يا يزيد حيث أخذت علينا اقطار الأرض وآفاق السماء ، فأصبحنا نساق كما تساق الاسارى أن بنا على اللّه هوانا ، وبك عليه كرامة ، وان ذلك لعظم خطرك عنده فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك جذلانا مسرورا حين رأيت الدنيا لك مستوسقة والأمور متسقة وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا ، فمهلا مهلا لا تطش جهلا ، أنسيت قول اللّه تعالى : (وَلاٰ يَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمٰا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمٰا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدٰادُوا إِثْماً ولَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ).
    أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول اللّه (ص) سبايا قد هتكت ستورهن وأبديت وجوههن تحدو بهن الأعداء من بلد الى بلد ، ويستشرفهن أهل المناهل والمعاقل (1) ويتصفح وجوههن القريب والبعيد ، ليس معهن من حماتهن حمي ولا من رجالهن ولي وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه اكباد الازكياء ، ونبت لحمه من دماء الشهداء ، وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف
    __________________
    (1) المناهل : جمع منهل ، وهو موضع الشرب من العيون ، والمراد من يسكن فيها ، المعاقل : سكنة الحصون.

    والشنان (1) والاحن والاضغان ، ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم :
    لأهلوا واستهلوا فرحا
    ثم قالوا : يا يزيد لا تشل

    منحنيا على ثنايا أبي عبد اللّه سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك وكيف لا تقول ذلك؟ : وقد نكأت القرحة ، واستأصلت الشأفة باراقتك دماء ذرية محمد (ص) ونجوم الأرض من آل عبد المطلب ، وتهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم فلتردن وشيكا موردهم ولتودن أنك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت اللهم خذ لنا بحقنا ، وانتقم ممن ظلمنا واحلل غضبك بمن سفك دماءنا وقتل حماتنا.
    فو اللّه ما فريت الا جلدك ، ولا حززت الا لحمك ، ولتردن على رسول اللّه (ص) بما تحملت من سفك دماء ذريته ، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته ، حيث يجمع اللّه شملهم ويلم شعثهم ، ويأخذ بحقوقهم «وَلاٰ تَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ أَمْوٰاتاً بَلْ أَحْيٰاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ» وحسبك باللّه حاكما ، وبمحمد خصيما ، وبجبرئيل ظهيرا ، وسيعلم من سول لك ومكنك من رقاب المسلمين ، بئس للظالمين بدلا وأيكم شر مكانا واضعف جندا.
    ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك اني لأستصغر قدرك ، واستعظم تقريعك ، واستكثر توبيخك ، لكن العيون عبرى والصدور حرى فالعجب كل العجب!! لقتل حزب اللّه النجباء بحزب الشيطان الطلقاء ، فهذه الأيدي تنظف من دمائنا (2) والأفواه تتحلب من لحومنا ، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل (3) وتعفرها امهات ،
    __________________
    (1) الشنف : البغض والعداء
    (2) تنظف : أي تستوفي من دمائنا
    (3) العواسل : جمع عاسل وهو الذئب

    الفراعل (1) ولئن اتخذتنا مغنما ، لتجدنا وشيكا مغرما ، حين لا تجد الا ما قدمت يداك وما ربّك بظلام للعبيد ، والى اللّه المشتكى وعليه المعول :
    فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جاهدك. فو اللّه لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ولا يرخص عنك عارها ، وهل رأيك الا فند وأيامك إلا عدد ، وجمعك الا بدد ، يوم ينادي المنادي الا لعنة اللّه على الظالمين.
    والحمد للّه رب العالمين ، الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة والرحمة ، ونسأل اللّه أن يكمل لهم الثواب ، ويوجب لهم المزيد ويحسن علينا الخلافة انه رحيم ودود ، وحسبنا اللّه ونعم الوكيل» (2)
    وهذا الخطاب أروع خطاب أثر في الاسلام ، وهو من متممات النهضة الحسينية الخالدة ، فقد دمرت فيه حفيدة الرسول (ص) جبروت الطاغية ، والحقت به الهزيمة والعار ، وعرفته ان دعاة الحق لا تنحني جباههم امام الطغاة والظالمين ، يقول الامام كاشف الغطاء رحمه اللّه :
    «أتستطيع ريشة أعظم مصور وابدع ممثل أن يمثل لك حال يزيد وشموخه بأنفه وزهوه بعطفه وسروره وجذله بانساق الأمور ، وانتظام الملك ولذة الفتح والظفر والتشفي والانتقام ـ بأحسن من ذلك التصوير والتمثيل ـ وهل في القدرة والامكان لأحد أن يدفع خصمه بالحجة والبيان والتقريع والتأنيب. ويبلغ ما بلغته سلام اللّه عليها بتلك الكلمات وهي على الحال الذي عرفت ثم لم تقتنع منه بذلك حتى ارادت أن تمثل له وللحاضرين
    __________________
    (1) الفراعل : جمع فرعل ولد الضبع
    (2) اعلام النساء 2 / 504 ، بلاغات النساء (ص 21) مقتل الخوارزمي 2 / 64 ، السيدة زينب واخبار الزينبيات (ص 86) الحدائق الوردية 1 / 129 ـ 131 ، اللهوف (ص 79 ـ 80).

    عنده ذلة الباطل وعزة الحق وعدم الاكتراث والمبالات بالقرة والسلطة ، والهيبة والرهبة ، أرادت أن تعرفه خسة قدره ، وضعة مقداره وشناعة فعله ، ولؤم فرعه واصله» (1).
    ويقول المرحوم الفكيكي :
    «تأمل معي في هذه الخطبة النارية كيف جمعت بين فنون البلاغة ، وأساليب الفصاحة ، وبراعة البيان ، وبين معاني الحماسة وقوة الاحتجاج وحجة المعارضة والدفاع في سبيل الحرية والحق والعقيدة بصراحة هي انفذ من السيوف الى أعماق القلوب ، واحد من وقع الأسنة في الحشا والمهج في مواطن القتال ، ومجالات النزال ، وكان الوثوب على أنياب الأفاعي وركوب اطراف الرماح أهون على يزيد من سماع هذا الاحتجاج الصارخ الذي صرخت به ربيبة المجد والشرف في وجوه طواغيت بني أمية وفراعنتهم في منازل عزهم ومجالس دولتهم الهرقلية الارستقراطية الكريهة.
    ثم ان هذه الخطبة التأريخية القاصعة لا تزال تنطق ببطولات الحوراء الخالدة وجرأتها النادرة ، وقد احتوت النفس القوية الحساسة الشاعرة بالمثالية الاخلاقية الرفيعة السامية ، وسيبقى هذا الأدب الحي صارخا في وجوه الطغاة الظالمين على مدى الدهر وتعاقب الأجيال وفي كل ذكرى لواقعة الطف الدامية المفجعة» (2).
    محتويات الخطاب :
    وكان هذا الخطاب العظيم امتدادا لثورة كربلا وتجسيدا رائعا لقيمها الكريمة وأهدافها السامية وقد حفل بما يلي :
    __________________
    (1) السياسة الحسينية (ص 30)
    (2) مجلة الغري السنة السابعة العدد 6

    أولا ـ انها دللت على غرور الطاغية وطيشه ، فقد حسب أنه هو المنتصر بما يملك من القوى العسكرية التي ملأت البيداء وسدت آفاق السماء ، الا انه انتصار موقت ، ومن طيشه انه حسب ان ما احرزه من الانتصار كان لكرامة له عند اللّه وهو ان لأهل البيت ، ولم يعلم ان اللّه انما يملي للكافرين في هذه الدنيا من النعم ليزدادوا اثما ولهم في الآخرة عذاب أليم.
    ثانيا ـ انها نعت عليه سبيه لعقائل الوحي ، فلم يرع قرابة رسول اللّه فيهم وهو الذي منّ على آبائه يوم فتح مكة فكان ابوه وجده من الطلقاء فلم يشكر للنبي هذه اليد وكافأه بأسوإ ما تكون المكافئة.
    ثالثا ـ ان ما اقترفه الطاغية من سفكه لدماء العترة الطاهرة فانه مدفوع بذلك بحكم نشأنه ومواريثه فجدته هند هي التي لاكت كبد سيد الشهداء حمزة وجده ابوه سفيان العدو الأول للاسلام ، وابوه معاوية الذي أراق دماء المسلمين وانتهك جميع ما حرمه اللّه ، فاقتراف الجرائم من عناصره وطباعه التي فطر عليها.
    رابعا ـ انها انكرت عليه ما تمثل به من الشعر الذي تمنى فيه حضور أشياخه الأمويين ليروا كيف أخذ بثأرهم من النبي (ص) بابادة أبنائه الا انه سوف يرد موردهم من الخلود في نار جهنم.
    خامسا ـ ان الطاغية بسفكه لدماء العترة الطاهرة لم يسفك الا دمه ولم يفر الا جلده فان تلك النفوس الزكية حية وخالدة وقد تلفعت بالكرامة وبلغت قمة الشرف ، وانه هو الذي باء بالخزي والخسران.
    سادسا ـ انها عرضت الى من مكن الطاغية من رقاب المسلمين فهو المسئول عما اقترفه من الجرائم ، وقد قصدت عليها السلام مغزى بعيدا يفهمه كل من تأمل فيه.

    سابعا ـ انها اظهرت سمو مكانتها فكلمات الطاغية كلام الأمير والحاكم فاستهانت به ، واستصغرت قدره ، وتعالت عن حواره ، وترفعت عن مخاطبته ، ولم تحفل بسلطانه .. لقد كانت العقيلة على ضعفها وما ألم بها من المصائب اعظم قوة وأشد بأسا منه.
    ثامنا ـ انها عرضت الى ان يزيد مهما بذل من جاهد لمحو ذكر أهل البيت (ع) فانه لا يستطيع الى ذلك سبيلا لأنهم قائمون في قلوب المسلمين وعواطفهم وهم مع الحق ، والحق لا بد أن ينتصر ، وفعلا قد انتصر الحسين وتحولت مأساته الى مجد لا يبلغه أي انسان كان فأي نصر أحق بالبقاء واجدر بالخلود من النصر الذي احرزه الامام
    هذا قليل من كثير مما جاء في هذه الخطبة التي هي آية من آيات البلاغة والفصاحة ، ومعجزة من معجزات البيان ، وهي احدى الضربات القاضية على ملك بني أمية.
    جواب يزيد :
    وكان خطاب العقيلة كالصاعقة على رأس يزيد فقد انهار غروره وتحطم كبرياؤه ، وحار في الجواب فلم يستطع ان يقول شيئا الا أنه تمثل يقول الشاعر :
    يا صيحة تحمد من صوائح ما أهون النوح على النوائح
    ولم تكن أية مناسبة بين ذلك الخطاب العظيم الذي ابرزت فيه عقيلة الوحي واقع يزيد ، وجردته من جميع القيم الانسانية ، وبين ما تمثل به من الشعر الذي اعلن فيه أن الصيحة تحمد من الصوائح ، وان النوح يهون على النائحات ، فأي ربط موضوعي بين الأمرين.

    صدى الخطاب :
    وأحدث خطاب العقيلة موجة عاصفة في مجلس يزيد وأشاعت في نفوس الجالسين مشاعر الحزن والأسى والتذمر فقد أزاح عنهم حجب الشبهات ونسف كل الوسائل التي صنعها معاوية لاقامة دولته وسلطانه وراح يزيد يلتمس المعاذير ليبرر جريمته فقال لأهل الشام.
    «أتدرون من أين أتى ابن فاطمة؟ وما الحامل له على ما فعل؟ وما الذي أوقعه فيما وقع؟».
    «لا»
    «يزعم أن أباه خير من أبي وأمه فاطمة بنت رسول اللّه خير من أمي وانه خير مني ، وأحق بهذا الأمر ، فأما قوله أبوه خير من أبي. فقد حاج ابي اباه الى اللّه عز وجل ، وعلم الناس أيهما حكم له ، وأما قوله أمه خير من أمي : فلعمري ان فاطمة بنت رسول اللّه (ص) خير من أمي ، وأما قوله جده خير من جدي : فلعمري ما أحد يؤمن باللّه واليوم الآخر وهو يرى ان لرسول اللّه (ص) فينا عدلا ولا ندا. ولكنه انما أتي من قلة فقهه ، ولم يقرأ قوله تعالى : (قُلِ اَللّٰهُمَّ مٰالِكَ اَلْمُلْكِ تُؤْتِي اَلْمُلْكَ مَنْ تَشٰاءُ وتَنْزِعُ اَلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشٰاءُ وتُعِزُّ مَنْ تَشٰاءُ وتُذِلُّ مَنْ تَشٰاءُ) وقوله تعالى :
    (اَللّٰهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشٰاءُ) (1).
    لقد حسب الطاغية أن منطق الفضل عند اللّه انما هو الظفر بالملك فراح يا بني تفوقه على الامام بذلك ولم يعلم انه لا قيمة للملك عند اللّه فانه يهبه للبر والفاجر.
    __________________
    (1) الطبرى 6 / 266

    خطاب الامام زين العابدين :
    وكان مجلس الطاغية حاشدا بجماهير الناس وقد أوعز إلى الخطيب أن يعتلي أعواد المنبر ليمجد الأمويين وينال من الحسين فاعتلى الخطيب المنبر فبالغ في الثناء على يزيد ونال من الامام امير المؤمنين وولده الحسين لينال هبات يزيد وعطاياه ، فانتفض الامام زين العابدين وصاح به.
    «ويلك أيها الخاطب اشتريت رضاء المخلوق بسخط الخالق فتبوأ مقعدك من النار ..».
    والتفت الى يزيد فقال له :
    «أتأذن لي أن أصعد هذه الأعواد فاتكلم بكلمات فيهن للّه رضا ولهؤلاء الجالسين أجر وثواب».
    وبهت الحاضرون وبهروا من هذا الفتى العليل الذي رد على الخطيب والأمير ، وقد رفض يزيد اجابته فالح عليه الجالسون بالسماح له ويعتبر ذلك بداية وعي عند اهل الشام فقال يزيد لهم.
    «إن صعد المنبر لم ينزل الا بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان»
    فقالوا له : وما مقدار ما يحسن هذا العليل.
    انهم لا يعرفونه ، وحسبوا أنه لا يحسن شيئا ، ولكن الطاغية يعرفه حقا فقال لهم :
    «إنه من اهل بيت قد زقوا العلم زقا»
    وأخذوا يلحون عليه ، فانصاع لقولهم فسمح للامام ، فاعتلى اعواد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه ، ويقول المؤرخون إنه خطب خطبة عظيمة أبكى منها العيون ، وأوجل منها القلوب ، وكان من جملة ما قاله :
    «أيها الناس أعطينا ستا ، وفضلنا بسبع : أعطينا العلم ، والحلم ،

    والسماحة والفصاحة ، والشجاعة ، والمحبة في قلوب المؤمنين ، وفضلنا بأن منا النبي المختار محمد (ص) ومنا الصديق ، ومنا الطيار ، ومنا أسد اللّه وأسد الرسول ومنا سيدة نساء العالمين فاطمة البتول ، ومنا سبطا هذه الأمة وسيدا شباب أهل الجنة.
    فمن عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي ، أنا ابن مكة ومنى ، أنا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن من حمل الزكاة بأطراف الرداء أنا ابن خير من ائتزر وارتدى ، أنا ابن خير من انتعل واحتفى أنا ابن خير من طاف وسعى ، أنا ابن خير من حج ولبى ، أنا ابن من حمل على البراق في الهواء ، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فسبحان من أسرى ، أنا ابن من بلغ به جبرئيل الى سدرة المنتهى ، أنا ابن من دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن من صلى بملائكة السماء ، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى ، أنا ابن محمد المصطفى أنا ابن علي المرتضى ، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا : لا إله الا اللّه ، أنا ابن من ضرب بين يدي رسول اللّه بسيفين وطعن برمحين وهاجر الهجرتين ، وبايع البيعتين ، وصلى القبلتين ، وقاتل ببدر وحنين ، ولم يكفر باللّه طرفة عين ، أنا ابن صالح المؤمنين ووارث النبيين ، وقاطع الملحدين ، ويعسوب المسلمين ، ونور المجاهدين وزين العابدين ، وتاج البكائين ، وأصبر الصابرين ، وأفضل القائمين من آل ياسين ، ورسول رب العالمين ، أنا ابن المؤيد بجبرئيل المنصور بميكائيل ، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين ، وقاتل الناكثين والقاسطين ، والمارقين والمجاهد اعداءه الناصبين ، وأفخر من مشى من قريش أجمعين ، وأول من أجاب واستجاب للّه من المؤمنين وأقدم السابقين ، وقاصم المعتدين ، ومبير المشركين ، وسهم من مرامي اللّه على المنافقين ، ولسان حكمة

    العابدين ، ناصر دين اللّه ، وولي أمر اللّه ، وبستان حكمة اللّه ، وعيبة علم اللّه ، سمح سخي بهلول زكي أبطحي ، رضي مرضي ، مقدام همام صابر صوام ، مهذب قوام ، شجاع قمقام ، قاطع الأصلاب ، ومفرق الأحزاب ، أربطهم جنانا ، وأطلقهم عنانا ، واجرأهم لسانا ، وأمضاهم عزيمة ، وأشدهم شكيمة ، أسد باسل ، وغيث هاطل ، يطحنهم في الحروب ويذرهم ذرو الريح الهشيم ، ليث الحجاز ، وصاحب الاعجاز ، وكبش العراق ، الامام بالنص والاستحقاق ، مكي مدني ، ابطحي تهامي ، خيفي عقبي ، بدري أحدي ، وشجري مهاجري ، من العرب سيدها ، ومن الوغى لبثها ، وارث المشعرين ، وابوا السبطين الحسن والحسين ، مظهر العجائب ، ومفرق الكتائب ، والشهاب الثاقب ، والنور العاقب ، أسد اللّه الغالب ، مطلوب كل طالب ، غالب كل غالب ، ذاك جدي علي ابن أبي طالب.
    أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا ابن سيدة النساء ، أنا ابن الطهر البتول أنا ابن بضعة الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم (1) أنا ابن المزمل بالدماء أنا ابن ذبيح كربلا ، أنا ابن من بكى عليه الجن في الظلماء وناحت عليه الطير في الهواء» (2).
    ولم يزل يقول أنا : حتى ضج الناس بالبكاء والنحيب ، وخشي الطاغية من وقوع الفتنة وحدوث ما لا تحمد عقباه ، فقد اوجد خطاب الامام انقلابا فكريا في مجلس الطاغية ، وقد بادر بالايعاز الى المؤذن أن يؤذن ليقطع على الامام كلامه ، فصاح المؤذن :
    «اللّه اكبر»
    __________________
    (1) مقتل الخوارزمي (2 / 69 ـ 70)
    (2) نفس المهموم (ص 242)

    فقال الامام : كبرت كبيرا لا يقاس ، ولا يدرك بالحواس ، لا شيء اكبر من اللّه ، فلما قال المؤذن :
    «اشهد ان لا إله الا اللّه»
    قال علي بن الحسين : شهد بها شعري وبشري ، ولحمي ودمي ، ومخي وعظمي ، ولما قال المؤذن :
    «اشهد أن محمدا رسول اللّه»
    التفت علي بن الحسين الى يزيد فقال له :
    «يا يزيد محمد هذا جدي أم جدك؟ فان زعمت أنه جدك ، فقد كذبت ، وإن قلت : إنه جدي فلم قتلت عترته؟» (1).
    ووجم يزيد ولم يطق جوابا ، واستبان لأهل الشام أنهم غارقون في الجهالة والضلالة وان الحكم الأموي قد جاهد على غوايتهم وشقائهم.
    وقد اقتصر الامام في خطابه على التعريف بأسرته ونفسه ، ولم يعرض لشيء آخر ، وقد كان ذلك من أروع صور الالتفاتات وادقها وأعمقها ، فقد كان المجتمع الشامي لا يعرف شيئا عن أهل البيت ، فقد اخفت السلطة كل شيء عنهم ، وغذتهم بالولاء لبني أمية والحقد على أهل البيت.
    صدى الخطاب :
    واثر خطاب الامام تأثرا بالغا في اوساط أهل الشام ، فقد جعل بعضهم ينظر الى بعض ويسر بعضهم إلى بعض بما آلوا إليه من الخيبة
    __________________
    (1) مقتل الخوارزمي (2 / 242)

    والخسران ، حتى تغيرت أحوالهم مع يزيد (1) وأخذوا ينظرون إليه نظرة احتقار وازدراء.
    الشامي مع فاطمة :
    ونظر بعض أهل الشام الى السيدة فاطمة بنت الامام امير المؤمنين عليه السلام (2) أو بنت الامام الحسين (3) فقال ليزيد :
    «هب لي هذه الجارية لتكون خادمة عندي»
    وسرت الرعدة بحسمها ، فأخذت بثياب عمتها مستجيرة بها ، وانبرت حفيدة الرسول (ص) فصاحت بالرجل.
    «كذبت ولؤمت ، ما ذلك لك ، ولا لأميرك»
    واستشاط يزيد غضبا لعدم مبالاة العقيلة به واستهانتها بشأنه ، فقال لها :
    «كذبت ، ان ذلك لي ، ولو شئت لفعلت»
    فنهرته العقيلة متحدية له قائلة :
    «كلا واللّه ، ما جعل لك ذلك ، الا أن تخرج من ملتنا ، وتدين بغير ديننا ..»
    وتميز الطاغية غيظا حيث تحدته العقيلة أمام اشراف اهل الشام فصاح بها :
    «اياي تستقبلين بهذا؟ انما خرج من الدين أبوك وأخوك»
    __________________
    (1) جوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام (ص 128)
    (2) البداية والنهاية 8 / 194 المنتظم 5 / 100
    (3) مقتل الخوارزمي 2 / 69

    وانبرت العقيلة غير حافلة بسلطانه ولا بقدرته على البطش والانتقام فردت عليه بثقة قائلة :
    «بدين اللّه ودين أبي وجدي واخي اهتديت أنت وأبوك ان كنت مسلما ..».
    وازالت العقيلة بهذا الكلام الستار الذي تستر به يزيد بقتله للحسين وأهل بيته من انهم خوارج خرجوا على امام زمانهم ، ولم يجد الرجس جوابا فقال وهو مغيظ محنق :
    «كذبت يا عدوة اللّه»
    ولم تجد شقيقة الحسين جوابا تحسم به مهاترات يزيد غير ان قالت :
    «أنت امير مسلط ، تشتم ظلما ، وتقهر بسلطانك»
    وتهافت غضب الطاغية وأطرق برأسه الى الأرض ، واعاد الشامي كلامه إلى يزيد وكرر الشامي هذه المحاورة فصاح به يزيد :
    «وهب اللّه لك حتفا قاضيا» (1)
    لقد احتفظت عقيلة الوحي بقواها الذاتية في تلك المحن الشاقة ، وقابلت أعداء الاسلام بارادتها الصلبة الواعية التي ورثتها من جدها الرسول (ص) ، يقول بعض الكتاب :
    «وقد حققت زينب وهي في ضعفها واستكانتها أول نصر حاسم على الطغاة ، وهم في سلطانهم وقوتهم ، فقد اقحمته المرة بعد المرة ، وقد أظهرت للملإ جهله ، كما كشفت عن قلة فقهه في شئون الدين فان نساء المسلمين لا يصح مطلقا اعتبارهن سبايا ومعاملتهن معاملة السبي في الحروب.
    __________________
    (1) تاريخ ابن الأثير 3 /

    واكبر الظن ان هذا الخطاب من الشامي كان فاتحة انتقاد ليزيد وبداية لتسرب الوعي عند الشاميين ، وآية ذلك انه كان يكفيه رد الحوراء على يزيد بذلك الرد الذي أخرجته عن ربقة الاسلام إن استجاب لطلب الشامي ، ووقوع الشجار العنيف بين الحوراء ويزيد ، مما يشعر منه أن طلب الشامي كان مقصودا لأجل بلورة الرأي العام وفضح يزيد لا سيما ان هذا الطلب كان بعد خطاب السيدة زينب وخطاب الامام زين العابدين (ع) وقد أحدثا وعيا عاما وموجة عاتية من السخط في مجلس يزيد.
    الامام السجاد مع المنهال :
    والتقى الامام زين العابدين بالمنهال بن عمر فبادر إليه قائلا :
    ـ كيف امسيت يا بن رسول اللّه؟
    ـ أمسينا كمثل بني إسرائيل في آل فرعون يذبحون ابناءهم ويستحيون نساءهم .. أمست العرب تفتخر على العجم بأن محمدا منها ، وأمست قريش تفتخر على سائر العرب بأن محمدا منها ، وأمسينا معشر أهل بيته مقتولين مشردين ، فانا للّه راجعون» (1).
    لقد كان الرسول الأعظم (ص) المصدر الأصيل لشرف الأمة العربية الذي تفتخر به فهو الذي خطط للعرب حياة سادوا فيها جميع شعوب الأرض ، وبنى لهم دولة كانت من أعز دول العالم وأمنعها ، فكان جزاؤه منهم ان عمدت قريش التي تفاخر العرب بأن محمدا منها إلى قتل ذريته واستئصال شأفتهم وسبي نسائهم ، فهل هذا هو جزاء المنقذ والمحرر لهم؟
    __________________
    (1) مقتل الحسين للخوارزمي 2 / 34

    النياحة على الحسين :
    وطلبن بنات رسول اللّه (ص) من الطاغية أن يفرد لهن بيتا ليقمن فيه مأتما على سيد الشهداء ، فقد نخر الحزن قلوبهن ، ولم يكن بالمستطاع أن يبدين بما ألم بهن من عظيم الأسى والشجون خوفا من الجلاوزة الجفاة الذين جاهدوا على منعهن من البكاء والنياحة على أبي عبد اللّه ، وقد أثر عن الامام زين العابدين (ع) أنه قال : كلما دمعت عين واحد منا قرعوا رأسه بالرمح ، واستجاب يزيد لذلك فافرد لهن بيتا ، فلم تبق هاشمية ولا قرشية الا لبست السواد حزنا على الحسين ، وخلدن بنات الرسالة الى النياحة سبعة أيام ، وهن يندبن سيد الشهداء باشجى ندبة (1) وينحن على الكواكب من نجوم آل عبد المطلب ، وقد ذابت الأرض من حرارة دموعهن.
    مكافأة ابن مرجانة :
    وشكر الطاغية يزيد لابن مرجانة قتله لريحانة رسول اللّه (ص) وبالغ في تقديره وتكريمه فاستدعاه للحضور عنده في دمشق ليجازيه على ذلك ، وكتب إليه ما يلي :
    «أما بعد : فانك قد ارتفعت الى غاية أنت فيها كما قال الأول :
    رفعت فجاوزت السحاب وفوقه فما لك الا مرتقى الشمس مقعد
    فاذا وقفت على كتابي فاقدم علي لاجازيك على ما فعلت»
    __________________
    (1) مقتل الحسين لعبد اللّه

    وسافر ابن زياد مع أعضاء حكومته الى دمشق ولما انتهى إليها خرج لاستقباله جميع بني أمية ولما دخل على يزيد قام إليه واعتنقه وقيل ما بين عينيه وأجلسه على سرير ملكه ، وقال للمغني غني وللساقي اسقي : ثم قال :
    اسقني شربة تروي فؤادي
    ثم صل واسق مثلها ابن زياد

    موضع السر والامانة عندي
    وعلى ثغر مغنمي وجهادي

    وأقام ابن مرجانة شهرا فاوصله بالف الف درهم ، ومثلها لعمر ابن سعد ، وأطلق له خراج العراق سنة (1) وقد بالغ في مودته فادخله على نسائه وعياله (2) ولما وفد أخوه مسلم بن زياد على يزيد بجله وكرمه تقديرا لأخيه عبيد اللّه وقال له :
    «لقد وجبت محبتكم على آل أبي سفيان»
    ونادمه يومه بأسره ، وولاه بلاد خراسان (3) لقد شكر لآل زياد ابادتهم لآل رسول اللّه وقد حسب انهم قد مهدوا له الملك والسلطان ، ولم يعلم أنهم قد هدموا ملكه ونسفوا سلطانه واخلدوا له الخزي والعار.
    ندم الطاغية :
    وبعد أن نقم المسلمون على الطاغية بقتله لريحانة رسول اللّه (ص) ندم على ذلك وحاول أن يلصق تبعة تلك الجريمة بابن مرجانة ، وراح يقول : ما كان علي لو احتملت الأذى ، وانزلته ـ يعني الحسين ـ معي
    __________________
    (1) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (ص 106)
    (2) ينابيع المودة 1 / 149 ، الصراط السوي في مناقب آل النبيّ (ص 85).
    (3) الفتوح 5 / 254

    في داري ، وحكمته فيما يريد ، وإن كان علي في ذلك وكف ووهن في سلطاني حفظا لرسول اللّه (ص) ورعاية لحقه وقرابته ، لعن اللّه ابن مرجانة فقد بغضني بقتله الى المسلمين ، وزرع لي في قلوبهم العداوة ، فبغضني البر والفاجر بما استعظم الناس في قتلي حسينا ، مالي ولابن مرجانة لعنه اللّه وغضب عليه (1).
    واكبر الظن انه انما قال ذلك ليبرأ نفسه من المسئولية أمام المسلمين ولو كان نادما في قرارة نفسه لانتقم منه وعزله ، ولما شكره وأجزل له العطاء وقربه ، وذلك مما يدل على رضاه وعدم ندمه فيما اقترفه.
    منكرون وناقمون :
    وسخط المسلمون وغيرهم كأشد ما يكون السخط على يزيد على قتله لريحانة رسول اللّه (ص) وقد أنكر عليه جمع من الأحرار وفيما يلي بعضهم :
    1 ـ ممثل ملك الروم
    وكان في مجلس يزيد ممثل ملك الروم فلما رأى رأس الامام بين يديه بهر من ذلك وراح يقول له :
    ـ رأس من هذا؟
    ـ رأس الحسين
    ـ من الحسين؟
    ـ ابن فاطمة
    __________________
    (1) تاريخ الطبري 7 / 19 ابن الأثير 3 / 300

    من فاطمة؟
    ـ ابنة رسول اللّه
    ـ نبيكم؟
    ـ نعم
    وفزع من ذلك وصاح به :
    «تبا لكم ولدينكم ، وحق المسيح إنكم على باطل ، ان عندنا في بعض الجزائر ديرا فيه حافر فرس ركبه المسيح فنحن نحج إليه في كل عام من مسيرة شهور وسنين ، ونحمل إليه النذور والأموال ، ونعظمه اكثر مما تعظمون كعبتكم ، أف لكم».
    ثم قام من عنده وهو غضبان (1) قد افزعه ذلك المنظر الرهيب
    2 ـ حبر يهودي
    وكان حبر يهودي في مجلس الطاغية فلما خطب الامام زين العابدين خطبته البليغة التي أثارت الحماس وايقظت المجتمع ، التفت الحبر الى يزيد قائلا :
    ـ من هذا الغلام؟
    علي بن الحسين
    ـ من الحسين؟
    ـ ابن علي بن أبي طالب
    ـ من أمه؟
    ـ بنت محمد
    يا سبحان اللّه!! هذا ابن بنت نبيكم قتلتموه ، بئسما خلفتموه
    __________________
    (1) مرآة الزمان (ص 101) الصراط السوي (ص 89)

    في ذريته ، فو اللّه لو ترك نبينا موسى بن عمران فينا سبطا لظننت أنا كنا نعبده من دون ربنا ، وأنتم فارقكم نبيكم بالأمس فوثبتم على ابنه وقتلتموه سوأة لكم من أمة.
    وغضب الطاغية وامر به فوجئ في حلقه (1) فقام الحبر وقد رفع عقيرته قائلا :
    «إن شئتم فاقتلوني» إني وجدت في التوراة من قتل ذرية نبي فلا يزال ملعونا أبدا ما بقي فاذا مات اصلاه اللّه نار جهنم» (2).
    3 ـ قيصر ملك الروم
    وتوالت صيحات الانكار على يزيد ، وكان ممن انكر عليه قيصر ملك الروم فقد كتب إليه : «قتلتم نبيا أو ابن نبي» (3).
    4 ـ رأس الجالوت
    ومن الناقمين على يزيد رأس الجالوت فقد قال لمحمد بن عبد الرحمن ان بيني وبين داود سبعين أبا ، وان اليهود تعظمني وتحترمني وأنتم قتلتم ابن بنت نبيكم (4).
    __________________
    (1) فوجئ : ضرب ودق
    (2) الحدائق الوردية 1 / 131 ، الفتوح 5 / 246 ، مقتل الخوارزمي 2 / 71.
    (3) المحاسن والمساوئ للبيهقي 1 / 46
    (4) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص 90) جواهر المطالب في مناقب الامام علي بن أبي طالب (ص 136).

    5 ـ واثلة بن الاسقع
    ولما جيء برأس الامام إلى الشام كان الصحابي وائلة بن الاسقع هناك فتميز غيظا ، فالتقى به رجل من أهل الشام ، فاندفع يقول :
    «لا أزال أحب عليا والحسن والحسين وفاطمة أبدا بعد ما سمعت رسول اللّه (ص) يقول فيهم : ما قال».
    «ما قال رسول اللّه (ص) فيهم؟»
    «جئت رسول اللّه (ص) وهو في منزل أم سلمة ، وجاء الحسن فاجلسه على فخذه اليمنى ، وجاء الحسين فاجلسه على فخذه الأيسر وقبله ثم جاءت فاطمة فاجلسها بين يديه ، ثم دعا بعلي فجاء ، وجعل عليهم كساء خيبريا ، كأني انظر إليه ، ثم قال : «انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا» (1).
    6 ـ ابن عباس
    ومن أشد الناقمين على يزيد عبد اللّه بن عباس ، فقد كتب إليه يزيد يستميل وده ، ويطلب منه ما زرته على ابن الزبير فكتب إليه ابن عباس هذه الرسالة :
    أما بعد : فقد جاءني كتابك فاما تركي بيعة ابن الزبير فو اللّه ما ارجو بذلك برك ولا حمدك لكن اللّه بالذي أنوي عليم ، وزعمت انك لست بناس بري فاحبس أيها الانسان برك عني فاني حابس عنك بري ،
    __________________
    (1) فضائل الامام امير المؤمنين (ص 264) لعبد اللّه بن أحمد ابن حنبل من مخطوطات مكتبة الامام الحكيم.

    وسألت أن احبب الناس إليك ، وابغضهم واخذلهم لابن الزبير فلا ولا سرور ولا كرامة ، كيف وقد قتلت حسينا وفتيان عبد المطلب مصابيح الهدى ونجوم الاعلام؟ غادرتهم خيولك بأمرك في صعيد واحد مرملين بالدماء مسلوبين بالعراء ، مقتولين بالظماء لا مكفنين ولا مسودين تسفي عليهم الرياح وينشىء بهم عرج البطاح حتى أتاح اللّه لهم بقوم لم يشركوا في دمائهم كفنوهم واجنوهم ، وبي وبهم لو عززت (1) وجلست مجلسك الذي جلست.
    فما أنسى من الأشياء فلست بناس اطرادك حسينا من حرم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، الى حرم اللّه وتسييرك الخيول إليه فما زلت بذلك حتى اشخصته الى العراق فخرج خائفا يترقب فنزلت به خيلك عداوة منك للّه ولرسوله ولأهل بيته الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، فطلب إليكم الموادعة وسألكم الرجعة فاغتنمتم قلة أنصاره واستئصال أهل بيته وتعاونتم عليه كأنكم قتلتم أهل بيت من الترك والكفر ، فلا شيء أعجب عندي من طلبتك ودي وقد قتلت ولد أبي وسيفك يقطر من دمي وأنت احد ثاري ، ولا يعجبك ان ظفرت بنا اليوم فلنظفرن بك يوما» (2).
    وحفلت هذه الرسالة بانهام يزيد بأنه الذي أشخص الامام الحسين إلى العراق ليقتله ، وانه لم يخرج الا لمطاردة جيوش يزيد في المدينة وفي مكة ، ولم يكن خروجه إلى العراق استجابة منه لأهل الكوفة ، وانما ارغمته جيوش يزيد على ذلك.
    __________________
    (1) في رواية «وبي وبهم عززت»
    (2) تاريخ ابن الأثير 3 / 318 ، ورواه اليعقوبي بصورة أخرى ذكر فيه الأحداث المروعة التي اقترفها معاوية ويزيد.

    7 ـ ابن الزبير
    ومن المنكرين على الأمويين عبد اللّه بن الزبير بقتلهم للامام الحسين فقد خطب في مكة فقال :
    «ان أهل الكوفة شرارهم دعوا حسينا ليولي عليهم ، ويقيم أمرهم وبعيد معالم الاسلام ، فلما قدم عليهم ثاروا عليه فقتلوه ، وقالوا له :
    أما أن تضع يدك في يد الفاجر الملعون ابن زياد فيرى فيك رأيه فاختار الوفاة الكريمة على الحياة الذميمة فيرحم اللّه حسينا وأخزى قاتله ، ولعن من رضي بذلك وأمر به» (1).
    وانما أبدى ابن الزبير الأسى على قتل الامام تصنعا وتقربا لعامة المسلمين ، فقد كان في قرارة نفسه مسرورا لأنه تخلص من أعظم مناوئيه ولو كان مؤمنا بما قاله لما آواى قتلة الحسين فقد ركن إليه والتحق به كل من سلم من قبضة المختار كشبث بن ربعي وغيره ، وقد رحب بهم وزج بهم لقتال المختار.
    8 ـ ابو برزة
    ومن المنكرين على يزيد الصحابي أبو برزة الاسلمي حينما رآه ينكت بمخصرته رأس الامام ، وقد ألمعنا إلى حديثه في البحوث السابقة.
    9 ـ الاسرة الأموية
    وتفاقم الأمر على يزيد ، وتوالت عليه صيحات المنكرين ، فقد نقمت عليه أسرته ومن بينها.
    __________________
    (1) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص 94)

    أ ـ يحيى بن الحكم
    وكان من أشد المنكرين عليه يحيى بن الحكم فقد نقده في مجلسه ، وقد دفع يزيد في صدره واوعز إلى شرطته باخراجه ، وقد ذكرنا نص كلامه فيما تقدم.
    ب ـ عاتكة بنت يزيد
    وانكرت عليه عاتكة ابنته حينما ارسل الرأس الى حرمه ونسائه فأخذته عاتكة فطيبته ، وقالت يا رأس عمى ، وقد ألمعنا الى كلامها في البحوث السابقة.
    ج ـ هند
    ونقمت عليه زوجته هند بنت عمرو ، فقد فزعت الى مجلسه وهي مذعورة وقد رفعت صوتها :
    «رأس ابن بنت رسول اللّه (ص) على باب دارنا!!»
    فاسرع إليها الطاغية ، واسدل عليها حجابها ، وقال لها : اعولي عليه يا هند فانه صريخة بني هاشم عجل عليه ابن زياد (1)»
    10 ـ معاوية بن يزيد
    ونقم معاوية على ابيه يزيد كما نقم على جده معاوية ، وقد رفض
    __________________
    (1) مقتل الخوارزمي 2 / 284

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي   حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 9:04 am

    الخلافة وزهد في الحكم ، وقد خطب في اهل الشام فندد في جده وأبيه وقال :
    «الا ان جدى معاوية نازع الأمر من كان اولى به منه لقرابته من رسول اللّه (ص) وقديمه وسابقته اعظم المهاجرين قدرا ، واولهم ايمانا ابن عم رسول اللّه (ص) وزوج ابنته جعله لها بعلا باختياره لها ، وجعلها له زوجة باختيارها له فهما بقية رسول اللّه (ص) خاتم النبيين ، فركب جدي منه ما تعلمون ، وركبتم معه ما لا تجهلون (1) حتى اتته منيته فصار في قبره رهينا بذنوبه واسيرا بجرمه ثم قلد أبي الأمر فكان غير أهل لذلك ، وركب هواه واخلفه الأمل وقصر عنه الاجل وصار في قبره رهينا بذنوبه واسيرا بجرمه ثم بكى وقال : إن من اعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه ، وبئس منقلبه ، وقد قتل عترة رسول اللّه (ص) واباح الحرم وخرب الكعبة» (2).
    وتهدم ملك آل أبي سفيان على يد معاوية بن يزيد ، وما كان ينشده جده من استقرار الملك ودوامه في بيته ، فقد نسف قتل الحسين جميع ما بناه معاوية واسسه يزيد ، فقد احل ملكهم دار البوار ويقول المؤرخون :
    إن بني أمية قد قامت قيامتهم على أثر خطاب معاوية الذي فضح فيه جده وأباه فعمدوا إلى مؤدبه عمر القصوص فقالوا له : أنت علمته هذا ، ولقّنته اياه وصددته عن الخلافة وزينت له حب علي وأولاده ، وحملته على ما وسمنا به من الظلم ، وحسنت له البدع حتى نطق بما نطق ، وقال : بما قال :
    فانكر عمر ذلك ، وقال : واللّه ما فعلته ولكنه مجبول ومطبوع على حب علي ، فلم يقبلوا ذلك منه واخذوه فدفنوه حيا (3).
    __________________
    (1) جواهر المطالب في مناقب الامام علي بن ابي طالب (ص 133)
    (2) النجوم الزاهرة 1 / 164
    (3) حياة الحيوان للدميرى 1 / 73

    مخاريق واباطيل :
    وحاول بعض المتعصبين لبني أمية قديما وحديثا تنزيه يزيد وتبريره من قتله لريحانة رسول اللّه (ص) والقاء التبعة والمسئولية على ابن مرجانة ، وقد دعاهم الى ذلك الجهل والعصبية العمياء التي حرفتهم عن الحق والقتهم في شر عظيم ، ومن بين هؤلاء.
    1 ـ ابن تيمية
    وعظم حظ يزيد عند ابن تيمية ، فكان من أصلب المدافعين عنه فانكر أن يكون قد أمر بقتل الحسين وبالغ بحرارة في الدفاع عنه وقال :
    «فيزيد لم يأمر بقتل الحسين ، ولا حمل رأسه بين يديه ، ولا نكث بالقضيب على ثناياه ، بل الذي جرى هذا منه هو عبيد اللّه بن زياد ، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري ، ولا طيف برأسه في الدنيا ولا سبي أحد من أهل الحسين» (1).
    وهذا القول مما يدعو الى السخرية والاستهزاء به ، فقد تنكر للضرورات التي لا يشك فيها كل من يملك وعيه واختياره ، فقد اعرض عن جميع ما ذكره المؤرخون من اقتراف يزيد لهذه الجريمة النكراء التي لا يقره عليها من يحمل وعيا دينيا أو روحا اسلامية.
    وقد عرف ابن تيمية بالتعصب المقيت حتى أعرض عن آرائه كل باحث حر ، وكاتب في التأريخ والبحوث الاسلامية.
    __________________
    (1) سؤال في يزيد بن معاوية لابن تيمية (ص 16)

    2 ـ الغزالي
    ومن المؤسف أن الغزالي قد هام حبا بحب يزيد ، وغالى في الاخلاص له والدفاع عنه فقال :
    «ما صح قتله ـ يعني يزيد للحسين ـ ولا امره به ـ يعني لم يأمر يزيد ابن مرجانة بقتله ولا رضاه بذلك ، ومتى لم يصح ذلك عنده لم يجز أن يظن ذلك به ، فان اساءة الظن بالمسلم حرام قال اللّه تعالى : «يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ اَلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ اَلظَّنِّ إِثْمٌ» (1).
    وسف الغزالي في كلامه على غير هدى فقد تنكر للبديهيات كما تنكر لها زميله ابن تيمية فهؤلاء المؤرخون أجمعوا على أن يزيد هو الذي أوعز لابن مرجانة بقتل الحسين وشدد عليه في ذلك وهدده بنفيه من آل أبي سفيان والحاقه بجده عبيد الرومي ان لم يخلص في حربه للامام ، وقد ذكرنا ذلك بما لا مزيد عليه في البحوث السابقة.
    3 ـ ابن العربي
    وعرف ابن العربي بالبغض والكراهية لأهل البيت (ع) وقد ذهب الى أن يزيد امام زمانه وخليفة اللّه في أرضه وخروج الامام عليه كان غير مشروع وان الحسين قتل بشريعة جده (2) حفنة من التراب عليه وعلى كل منحرف عن الحق وضال عن الطريق. بأي منطق كان يزيد القرود والفهود امام المسلمين وخليفة اللّه في الأرض ، أبقتله لسيد شباب اهل الجنة
    __________________
    (1) وفيات الأعيان 1 / 413
    (2) العواصم (ص 232)

    أم باباحته لمدينة الرسول (ص) وحرقه للكعبة كان اماما للمسلمين؟ وقد سمع عمر بن عبد العزيز شخصا وصف يزيد بأمير المؤمنين فأمر بضربه عشرين سوطا (1).
    ان الدفاع عن يزيد واضفاء الشرعية على حكومته ، وتبريره من الاثم في قتله لريحانة رسول اللّه (ص) انما هو دفاع عن المنكر ، ودفاع عن الباطل ، فيزيد وأمثاله من حكام الأمويين والعباسيين هم الذين عملوا على تأخير المسلمين وجروا لهم الفتن والخطوب والقوهم في شر عظيم.
    4 ـ ابن حجر
    وانكر ابن حجر الهيثمي رضا يزيد او أمره بقتل الحسين (2) وقد ساقته العصبية العمياء إلى هذا القول الذي يتنافى مع البديهيات من أن ابن مرجانة كان مجرد آلة من دون أن يكون له أي رأي أو ارادة في قتل الحسين ، وقد قال لمسافر بن شريح اليشكري : اما قتلي الحسين فانه أشار علي يزيد بقتله أو قتلي فاخترت قتله (3) فلم يقدم ابن زياد على قتل الحسين إلا بعد أن هدده يزيد بالقتل إن لم يستجب له.
    5 ـ أنيس زكريا
    ودافع انيس زكريا النصولي بحرارة عن يزيد فقال :
    «لا شك أن يزيد لم يفكر البتة بقتل الحسين ، ولم يأمل أن
    __________________
    (1) شذرات الذهب 1 / 69
    (2) الفتاوى الحديثة (ص 93)
    (3) تأريخ ابن الأثير 3 / 324

    تتطور المسألة العلوية فتلعب هذا الدور المهيب ، ويقدم ابن زياد للفتك به» (1).
    6 ـ الدكتور النجار
    وممن نزه يزيد الدكتور محمد النجار فقال : «ولا يتحمل يزيد بن معاوية شيئا من هذه التبعة ـ يعني تبعة قتل الحسين ـ لأنه على الرغم من أن تأريخه ملطخ بالسواد الا انه ـ فيما يبدو ـ برىء من تهمة التحريض على قتل الحسين» (2).
    7 ـ محمد عزة دروزه
    ومن أصلب المدافعين عن يزيد في هذا العصر محمد عزة دروزه فقد اشاد بيزيد ونزهه من هذه الجريمة ، كما نفى المسئولية عن ابن زياد وسائر القوات المسلحة التي قتلت الحسين والقى باللائمة على الحسين قال :
    «وليس هناك ما يبرر نسبة قتل الحسين الى يزيد فهو لم يأمر بقتاله فضلا عن قتله ، وكل ما أمر به أن يحاط به ولا يقاتل إلا إذا قاتل ومثل هذا القول يصح بالنسبة لعبيد اللّه بن زياد فكل ما أمر به أن يخاط به ولا يقاتل إلا اذا قاتل ، وان يؤتى به ليضع يده في يده أو يبايع ليزيد صاحب البيعة الشرعية ، بل ان هذا يصح قوله بالنسبة لأمراء القوات المسلحة التي جرى بينها وبين الحسين وجماعته قتال ، فانهم ظلوا ملتزمين بما أمروا به ، بل
    __________________
    (1) الدولة الاموية في الشام (ص 58)
    (2) الدولة الأموية في الشرق (ص 104)

    وكانوا يرغبون أشد الرغبة في أن يعافيهم اللّه من الابتلاء بقتاله فضلا عن قتله ، ويبذلون جاهدهم في اقناعه بالنزول على حكم ابن زياد ومبايعة يزيد فاذا كان الحسين أبى أن يستسلم ليدخل فيما دخل فيه المسلمون وقاوم بالقوة فمقابلته وقتاله من الوجهة الشرعية والوجهة السياسية سائغا» (1).
    ويرى دروزه ان قتل ريحانة رسول اللّه (ص) وسيد شباب أهل الجنة كان سائغا من الوجهة الشرعية والوجهة السياسية ، لا اكاد اعتقد ان السفكة الجلادين من قتلة الحسين اكثر حقدا وعداء للامام من هذا الانسان الذي ران الباطل على ضميره فماج في تيارات سحيقة من المنكر والاثم.
    رأي الدكتور طه حسين :
    ويرى طه حسين ان يزيد مسئول عن اراقة دماء الامام ، وليس من الصحيح القول بأن تبعة هذه الجريمة ملقاة على ابن مرجانة قال :
    «والرواة يزعمون أن يزيد تبرأ من قتل الحسين على هذا النحو فالقى عبء هذا الاثم على ابن مرجانة عبيد اللّه بن زياد ، ولكنا لا نراه لام ابن زياد ولا عاقبه ، ولا عزله عن عمله كله او بعضه ، ومن قبله معاوية قتل حجر بن عدي وأصحابه ، ثم القى عبء قتلهم على زياد وقال :
    حملني ابن سمية فاحتملت» (2).
    ان ابن زياد لم يفعل ما فعل الا بأمر قاطع من يزيد ، ولو كان لم يرض بذلك لحاسبه على جريمته وما جلس وإياه في مجلس الشراب ولما
    __________________
    (1) تاريخ الجنس العربي 8 / 383.
    (2) الفتنة الكبرى 2 / 265

    جزل له في العطاء فان ذلك يدل على رضاه بقتل الحسين وعدم ندمه على مرارة المذبحة وهول الجناية.
    كلمة التفتازاني :
    قال التفتازاني : «اتفقوا على جواز اللعن على من قتل الحسين أو أمر به او اجازه او رضي به ... والحق ان رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك ، واهانته أهل بيت رسول اللّه (ص) مما تواتر معناه ، وإن كان تفصيله آحادا ، فنحن لا نتوقف في شأنه بل في كفره لعنة اللّه عليه وعلى أنصاره واعوانه» (1).
    رأي اليافعي :
    ويقول العلامة اليافعي : «واما حكم من قتل الحسين او امر بقتله فهو كافر ، فمن استحل ذلك فهو كافر» (2).
    رأي احمد بن حنبل :
    وافتى احمد بن حنبل بالامساك عن لعن يزيد يقول ابو طالب :
    سألت احمد عمن نال من يزيد بن معاوية فقال : لا تتكلم في هذا ، قال
    __________________
    (1) شذرات الذهب 1 / 68
    (2) شذرات الذهب 1 / 69

    النبي : لعن المؤمن كقتله (1) ومن الغريب هذه الفتيا فقد جعل مدركها الحديث النبوي وهو لا ينطبق على يزيد فانه لا نصيب له من الايمان والاسلام بعد اقترافه للجرائم الفظيعة كابادة العترة الطاهرة واباحة مدينة الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم ، وحرق الكعبة المقدسة فان كل واحدة من هذه الموبقات تخرجه من حظيرة الاسلام.
    وقد أنكر على أحمد ولده صالح فقد قال له : إن قوما ينسبونا إلى تولي يزيد؟ فقال له : وهل يتولى يزيد أحد يؤمن باللّه؟ فقال له ولده.
    ـ ولم لا تلعنه؟
    ـ ومتى رأيتني لعنت أحدا؟
    ـ يا ابة ولم لا يلعن من لعنه اللّه في كتابه؟
    ـ واين لعن اللّه يزيدا؟
    ـ في قوله تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي اَلْأَرْضِ وتُقَطِّعُوا أَرْحٰامَكُمْ أُولٰئِكَ اَلَّذِينَ لَعَنَهُمُ اَللّٰهُ) فهل يكون فساد أعظم من القتل .. وأمسك احمد عن الجواب (2).
    كلمة المعتضد العباسي :
    واصدر المعتضد العباسي كتابا نشر فيه مخازي بنى أمية ، واشاد فيه بآل البيت وأمر باذاعته ونشره في النوادي الحكومية والشعبية والمجتمعات
    __________________
    (1) الآداب الشرعية والمنح المرعية لشمس الدين الحنبلي 1 / 304.
    (2) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص 95)

    العامة أيام الجمعات والاعياد ، وقد جاء فيه مما يخص يزيد :
    «ولما تكنّ الخلافة إلى يزيد طلب متحفزا يطلب بثأر المشركين من المسلمين فأوقع بأهل المدينة وقعة الحرة الوقعة التي لم تمر على البشرية مثلها ، ولا على المسلمين أفضع وابشع منها فشفا عند نفسه غليله ، وظن انه انتقم لاشياخه من أولياء اللّه ، وبلغ الثأر لأعداء اللّه والرسول (ص) وأضاف يقول :
    «ثم ان أغلظ ما انتهك واعظم ما اجترم سفكه لدم الحسين بن علي (ع) مع علمه بموقعه من رسول اللّه (ص) وسماعه منه أنه قال :
    «الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا ، الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» اجتراء منه على اللّه ورسوله وعداوة منه لهما فما خاف من عمله ذلك نقمة ولا راقبه في معصية» (1).
    لقد كان قتل ريحانة رسول اللّه (ص) من اعظم الاحداث الجسام التي روع بها المسلمون وامتحنوا بها امتحانا شاقا وعسيرا ، كما انها من افجع الأحداث العالمية ، فقد كانت القسوة التي قوبلت بها عترة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم من افظع ما جرى في تاريخ العالم.
    فقد مارس اولئك الجفاة الممسوخون من جيش يزيد جميع ضروب الخسة وألوان اللؤم. وتنكروا لجميع القيم الانسانية والاعراف السائدة ، وما قننه الناس من معاني الفضيلة والاخلاق ، فقتلوا الرجال والأطفال والنساء بعد أن حرموهم من الماء ومثلوا بتلك الجثث الزواكي ، وحملوا الرءوس الطاهرة على الحراب ، وسبوا ودائع الرسول الأعظم (ص) على اقتاب الجمال يطاف بهن في الاقطار والامصار ، ليظهر الطاغية قهره لآل النبي (ص) وتغلبه عليهم ، وكل هذه الأحداث جرت بأمره
    __________________
    (1) شرح النهج لابن ابي الحديد 2 / 458

    والحاحه ، فهو المسئول عنها.
    أما ابن زياد فلم يكن سوى آلة واداة بيده ، ومنفذ لرغباته كما دللنا على ذلك في البحوث السابقة.
    ان تنزيه يزيد ، والقاء المسئولية على ابن مرجانة ما هو الا لون من الوان الانحراف عن الحق «والانقياد للعصبية العمياء التي لا يخضع لها من يملك وعيه واختياره.
    وبهذا ينتهي بنا الحديث عما قيل في تبرير يزيد من المخاريق والأباطيل ، وما أثر من الأعلام في تجريم يزيد وتحميله المسئولية في اراقة دم الامام :

    الى يثرب


    ولم يطل مكث اهل البيت في دمشق ، فقد خشي يزيد من وقوع الفتنة ، واضطراب الرأي العام ، ووقوع ما لا تحمد عقباه ، فقد أحدث خطاب العقيلة زينب وخطاب الامام زين العابدين انقلابا فكريا في جميع الأوساط ، فقد انارت تلك الخطب المشرقة العقول ، وأثارت العواطف واصبحت حديث الأندية والمجالس فكانت تغلي كالحمم على تلك الدولة الغاشمة وهي تنذر بانفجار شعبي يكتسح دولة يزيد ، فقد عرفت اهل الشام لؤم يزيد ، وخبث عنصره ، وقلبت الرأي العام عليه فجوبه بالنقد حتى في مجلسه وسقط اجتماعيا ، وذهبت مكانته من النفوس.
    اعتذار الطاغية من زين العابدين :
    ودعا الطاغية الامام زين العابدين (ع) فأبدى له معاذيره ، والقى المسئولية في هذه الجريمة على ابن مرجانة قائلا :
    «لعن اللّه ابن مرجانة ، أما واللّه لو أني صاحبه ما سألني خصلة أبدا إلا اعطيته اياها ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدي ، ولكن قضى اللّه ما رأيت يا بني كاتبني بكل حاجة تكون لك (1) وانه سيكون في قومك أمور فلا تدخل معهم في شيء» (2).
    واعرض عنه الامام فلم يجبه بشيء ، فقد عرف واقع اعتذاره ، وانه كان تهربا مما لحقه من العار والخزي.
    __________________
    (1) تأريخ ابن الأثير 3 / 300
    (2) تذهيب التهذيب 1 / 157

    عرض الأموال لآل البيت :
    وأمر الطاغية بانطاع من الابريسم ففرشت في مجلسه ، وصب عليها أموالا كثيرة ، وقدمها لآل البيت لتكون دية لقتلاهم وعوضا لأموالهم التي نهبت في كربلا فقال :
    «خذوا هذا المال عوض ما اصابكم»
    رد السيدة أمّ كلثوم :
    والتاعت شقيقة الحسين السيدة أم كلثوم وتميزت غيظا فصاحت به.
    «ما أقل حياءك ، واصلف وجهك تقتل أخي واهل بيتي وتعطيني عوضهم» (1).
    وقالت سكينة :
    «واللّه ما رأيت أقسى قلبا من يزيد ، ولا رأيت كافرا ، ولا مشركا شرا منه ، ولا أجفى منه» (2).
    وباء يزيد بالفشل ، فقد حسب أن اهل البيت تغريهم المادة ، ولم يعلم أنهم من صنائع اللّه قد اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
    طلبة الامام زين العابدين :
    وعرض الطاغية على الامام زين العابدين أن يعرض عليه حاجته فقال (ع) :
    __________________
    (1) مقتل الحسين لعبد اللّه
    (2) مقتل الحسين لعبد اللّه

    أريد منك أن تريني وجه أبي ، وأن تعيد على النساء ما أخذ منهن ففيها مواريث الآباء والامهات ، وإذا كنت تريد قتلي فارسل مع العيال من يؤدي بهن الى المدينة».
    واكبر الظن ان الامام أراد من رؤية رأس أبيه ان يعطيه الرأس الشريف ليواريه ، ولكن الطاغية لم يجبه إلى ذلك فقد أمر أن يطاف به في جميع أنحاء البلاد لاشاعة الذعر والفزع بين الناس ، وحتى يكون عبرة لكل من يخرج عليه ، وأما طلب الامام أن يعيد على النساء ما اخذ منهن فلم يرد بذلك الحلي والحلل وغيرها من الأموال التي نهبت منهن في يوم كربلا ، وانما أراد أن يرد عليهم المواريث النفيسة التي ورثوها من جدهم رسول اللّه (ص) كعمامته ودرعه وسيفه ، وغير ذلك مما هو أثمن من المال.
    واطرق الطاغية برأسه الى الأرض يفكر في طلب الامام (ع) ثم رفع رأسه وقال له :
    «اما وجه أبيك فلن تره ، واما ما اخذ منكم فيرد إليكم ، واما النسوة فلا يردهن غيرك ، وقد عفوت عن قتلك» (1).
    السفر الى يثرب :
    وعهد الطاغية الى النعمان بن بشير ان يقوم برعاية ودائع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، ويصحبهم إلى يثرب (2) وامر باخراجهم من
    __________________
    (1) مقتل الحسين لعبد اللّه
    (2) تاريخ ابن الأثير 3 / 300

    دمشق ليلا خوفا من الفتنة ، واضطراب الأوضاع (1).
    وصول النبأ الى يثرب :
    وانتهت انباء الكارثة الكبرى الى يثرب قبل وصول السبايا إليها ، وقد حمل النبأ عبد الملك بن الحارث السلمي بأمر من ابن زياد ، وقد اخذ يجذ في السير حتى انتهى إليها ، وقد اعياه السقر فاسرع إلى حاكم المدينة الأشدق ، وقد لقيه رجل فرابه ما هو فيه من الارتباك فأسرع إليه قائلا :
    ـ ما الخبر؟
    ـ الخبر عند الأمير
    وفطن الرجل لهول الأمر فقال :
    «انا للّه وانا إليه راجعون» قتل واللّه الحسين ، صدقت أمّ سلمة بما نبأت به» (2).
    ووافى رسول ابن زياد حاكم المدينة فأخبره بمقتل الحسين فاهتز فرحا وسرورا وراح يقول :
    «واعية بواعية عثمان» (3).
    وامر الأشدق باذاعة ذلك بين الناس فهرعوا وقد علاهم البكاء نحو الجامع النبوي ليتعرفوا على تفصيل الحادث الأليم.
    __________________
    (1) جوهرة الكلام في مدح السادة الاعلام (ص 128)
    (2) زينب بنت علي لعبد العزيز سيد الأهل (ص 152)
    (3) مقتل الحسين لعبد اللّه

    خطاب الأشدق :
    واعتلى الطاغية عمرو بن سعيد الأشدق اعواد المنبر وهو يهز اعطافه مسرورا بقتل الامام ، وقد اظهر احقاده واضغانه فقال :
    «أيها الناس : إنها لدمة بلدمة ، وصدمة بصدمة ، كم خطبة بعد خطبة ، حكمة بالغة فما تغني النذر ، لقد كان يسبنا ونمدحه ، ويقطعنا ونصله ، كعادتنا وعادته ، ولكن كيف نصنع بمن سل سيفه علينا يريد قتلنا الا ان ندفعه عن انفسنا».
    وقطع عليه عبد اللّه بن السائب خطابه الذي اظهر فيه الشماتة بقتل ريحانة رسول اللّه (ص) ، فقال له :
    «لو كانت فاطمة حية ورأت رأس الحسين لبكت عليه»
    وكان هذا الاستنكار بداية نقد يجابه به والي المدينة وهو يخطب وقد لذعه نقده فصاح به.
    «نحن احق بفاطمة منك ابوها عمنا ، وزوجها اخونا ، وامها ابنتنا ، ولو كانت فاطمة حية لبكت عينها ، وما لامت من قتله» (1).
    وقد شذ الأشدق في قوله عن جميع الاعراف الاجتماعية فقد زعم ان فاطمة لو كانت حية لما لامت قاتل ولدها ، بل من المؤكد عنده انها تبارك القاتل الأثيم لأن بذلك دعما للحكم الأمري وبسطا لسلطانهم الذي يحمل جميع الاتجاهات الجاهلية.
    ان فاطمة لو كانت حية وشاهدت فلذة كبدها على صعيد كربلا وهو يعاني من الخطوب والكوارث التي لم تجر على أي انسان لذابت نفسها حسرات ، وقد روى علي عن رسول اللّه (ص) انه قال :
    __________________
    (1) مقتل المقرم (ص 417)

    «تحشر ابنتي فاطمة يوم القيامة ، ومعها ثياب مصبوغة بدم فتتعلق بقائمة من قوائم العرش ، فتقول : يا عدل احكم بيني وبين قاتل ولدي فيحكم لابنتي ورب الجنة» (1).
    فجيعة الهاشميين :
    ووقع النبأ المؤلم بقتل الحسين كالصاعقة على رءوس الهاشميين فقد علا الصراخ والعويل من بيوتهم ، وخرجت السيدة زينب بنت عقيل (2) ناشرة شعرها ، وهي تصيح :
    «وا محمداه ، وا حسيناه ، وا إخواتاه وا اهيلاه» (3).
    وجعلت تنظم ذوب روحها بابيات تخاطب بها المسلمين قائلة :
    ما ذا تقولون : إن قال النبي لكم
    ما ذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

    بعترتي وبانصاري وذريتي
    منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم

    ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم
    أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

    فاجابها ابو الأسود وهو غارق في البكاء والشجون نقول :
    «ربنا ظلمنا أنفسنا ، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين» وعلاه الجزع وراح يقول :
    __________________
    (1) الصراط السوى في مناقب آل النبي (ص 93)
    (2) زينب بنت عقيل تزوجت بعلي بن ركانة من بني عبد المطلب اولدت منه ولدا ، ومن بناتها عبدة ، وهي أم أبي البختري القاضي المشهور جاء ذلك في انساب الاشراف ق 1 ج 1.
    (3) مرآة الزمان في تواريخ الاعيان


    أقول : وزادني حنقا وغيظا
    أزال اللّه ملك بني زياد

    وابعدهم كما بعدوا وخافوا
    كما بعدت ثمود وقوم عاد

    ولا رجعت ركائبهم إليهم
    إذا وقفت يوم التناد (1)

    رساد البكاء وعمت اللوعة وانتشر الحزن في جميع انحاء يثرب ، فلم ير اكثر باك ولا باكية من ذلك اليوم.
    مأتم عبد اللّه بن جعفر :
    وأقام عبد اللّه بن جعفر مأتما للعزاء على ابن عمه الحسين فجعل الناس يفدون عليه يعزونه بمصابه الأليم ، ويقول المؤرخون : انه كان له مولى يسمى ابا السلاسل فقال له :
    «هذا ما لقينا من الحسين»
    وقد حسب الغبي أنه يتقرب إليه بذلك لأنه لو لا الحسين لما استشهد ولداه ، ولما سمع ابن جعفر مقالته فقد أهابه ، وحذفه بنعله قائلا :
    «يا بن اللخناء تقول ذلك في الحسين؟ واللّه لو شهدته لأحببت أن لا افارقه حتى اقتل معه ، واللّه انه لمما يسخي نفسي عن ولدي ، ويهون علي المصاب بهما أنهما اصيبا مع أخي وابن عمي مواسيين له صابرين معه».
    وأقبل على حضار مجلسه فقال لهم :
    «الحمد للّه لقد عزّ علي المصاب بمصرع الحسين أن لا اكون واسيته بنفسي فقلد واساه ولداى (2).
    __________________
    (1) مجمع الزوائد 9 / 199 ، معجم الكبير للطبراني 1 / 140
    (2) تأريخ الطبري 6 / 218

    رزية ابن عباس :
    ورزأ ابن عباس كأشد ما تكون الرزية محنة وألما حينما سمع بقتل الامام ، وكان في البيت الحرام فقد أسر إليه شخص ، وعرفه بالحادث المؤلم فذعر وفقد أهابه فقال له محمد بن عبد اللّه :
    «ما حدث يا أبا العباس؟»
    «مصيبة عظيمة نحتسبها عند اللّه»
    ثم اجهش بالبكاء ، وانصرف الى منزله حزينا كثيبا ، وأقام مأتما في بيته فأقبل عليه الناس يعزونه بمصابه العظيم ويشاركونه الآسى واللوعة (1).
    مسور مع ابن الزبير :
    ولما جاء نعي الحسين إلى مكة التقى مسور بابن الزبير فقال له مسور :
    «قد جاء ما كنت تتمنى من موت الحسين بن علي»
    فراوغ ابن الزبير وقال :
    «يا أبا عبد الرحمن تقول لي هذا؟ فو اللّه ليته ما بقي بالجما (2) حجر واللّه ما تمنيت ذلك»
    ورد عليه مسور :
    «أنت اشرت عليه بالخروج الى غير وجه»
    «نعم أشرت عليه ، ولم ادر أنه يقتل ، ولم يكن بيدي أجله ،
    __________________
    (1) تاريخ ابن عساكر 13 / 86
    (2) الجما : هضبة قرب المدينة

    ولقد جئت ابن عباس فعزيته ، فعرفت أن ذلك يثقل عليه مني ، ولو اني تركت تعزيته قال : مثلي يترك لا يعزيني بحسين ، فما اصنع؟ اخوالي وغرت صدورهم علي ، وما ادري على أي شيء؟»
    فاسدى له مسور النصيحة وقال له :
    «ما حاجتك الى ذكر ما مضى دع الأمور تمضي ، وبر أخوالك فأبوك أحمد عندهم منك» (1).
    رأس الامام في يثرب :
    وذهب اكثر المؤرخين إلى ان الطاغية بعث برأس ريحانة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى يثرب لاشاعة الرعب والخوف ، والقضاء على كل حركة ضده ، وجيء بالرأس الشريف الى حاكم المدينة عمرو بن سعيد الأشدق فأنكر ذلك وقال :
    «وددت واللّه إن امير المؤمنين لم يبعث إلينا برأسه»
    وكان في مجلسه الوزغ ابن الوزغ مروان بن الحكم فصاح به :
    «بئس ما قلت : هاته»
    وأخذ الوزغ الرأس الشريف وجعل يهز اعطافه بشرا وسرورا وهو يقول بشماتة :
    يا حبذا بردك في اليدين ولونك الأحمر في الخدين
    وجيء بالرأس العظيم فنصب في جامع الرسول (ص) وصرخت نساء آل أبي طالب ، وهر عن الى القبر الشريف ببكاء وعويل فقال مروان :
    __________________
    (1) تاريخ ابن عساكر 13 / 86 :


    عجت نساء بني زبيد عجة
    كعجيج نسوتنا غداة الأرنب (1)

    وراح مروان يبدي أفراحه حينما سمع عوبل الهاشميات قائلا :
    «واللّه لكأني أنظر إلى أيام عثمان» (2)
    والتفت الى قبر النبي (ص) فقال له :
    «يا محمد يوم بيوم بدر» (3)
    لقد ظهرت الأحقاد الأموية ، وظهر أنها لا تؤمن بالاسلام وانها محتفظة بجاهليتها الأولى وقد استوفت ثأرها من النبي (ص) بابادتها لعترته.
    عودة السبايا الى كربلا :
    وصرحت بعض المصادر أن سبايا آل البيت طلبوا من الوفد الموكل بحراستهم أن يعرج بهم إلى كربلا ليجددوا عهدا بقبر سيد الشهداء فلبى الوفد طلبهم فانعطفوا الى كربلا ، ولما انتهوا إليها استقبلن العلويات مرقد أبي عبد اللّه (ع) بالصراخ والعويل وسالت الدموع كل مسيل وقضين أياما ثلاثة كن من أثقل الليالي وأوجعها على اهل البيت فلم تهدأ لهم عبرة حتى بحت الأصوات وتفتت القلوب.
    وتصرح بعض المصادر ان الصحابي الجليل جابر بن عبد اللّه الأنصاري
    __________________
    (1) غداة الأرنب : اراد ان نساء أهل البيت عججن بالبكاء كعجيج نساء قريش بمصاب من قتل في بدر.
    (2) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان 5 / 101
    (3) شرح النهج 4 / 72 ، وممن ذكر وصول الرأس الى يثرب البلاذري في انساب الأشراف ق 1 ج 1 ، والقاضي نعمان المصري في المثالب والمناقب.

    قد وفد الى التشرف بزيارة قبر أبي عبد اللّه فالتقى به الامام زين العابدين وأخذ يحدثه عما جرى عليهم من صنوف الرزايا والنكبات ، ثم غادروا كربلا متوجهين الى يثرب (1).
    الى يثرب :
    واتجه موكب اسارى أهل البيت الى يثرب فاخذ يجذ في السير لا يلوي على شيء وقد جللته الاحزان والآلام ، وقد غامت عيون بنات رسول اللّه (ص) بالدموع وهن ينحن على فقد الأحبة ويذكرن بمزيد اللوعة ما جرى عليهن من أسر الذل والهوان.
    وكانت يثرب قبل قدوم السبايا إليها ترفل في ثياب الحزن على أم المؤمنين السيدة أم سلمة زوج النبي (ص) فقد ماتت بعد مقتل الحسين عليه السلام ، بشهر حزنا وكمدا عليه (2) وهي التي انبأت الناس عن مقتله.
    نعي بشر للامام :
    ولما وصل الامام زين العابدين بالقرب من يثرب نزل فضرب فسطاطه وأنزل عمامته واخواته ، والتفت إلى بشر بن حذلم فقال له :
    __________________
    (1) تفسير المطالب في أمالي أبي طالب (ص 93) الحدائق الوردية 1 / 133 ، الامام زين العابدين لأحمد فهمي (ص 59) مقتل الحسين لعبد اللّه ، مقتل المقرم.
    (2) مرآة الزمان (ص 103)

    «يا بشر رحم اللّه أباك لقد كان شاعرا ، فهل تقدر على شيء منه؟»
    «بلى يا بن رسول اللّه اني لشاعر»
    «ادخل المدينة وانع ابا عبد اللّه»
    وانطلق بشر الى المدينة فلما انتهى الى الجامع النبوي رفع صوته مشفوعا بالبكاء وهو يقول :
    يا أهل يثرب لا مقام لكم بها
    قتل الحسين فادمعي مدرار

    الجسم منه بكربلاء مضرج
    والرأس منه على القناة يدار

    وهرعت الجماهير نحو الجامع النبوي وهي ما بين نائح وصائح تنتظر من بشر المزيد من الأنباء فالتفت إليهم وهو غارق في البكاء قائلا :
    «هذا علي بن الحسين مع عماته واخواته قد حلوا بساحتكم ، وأنا رسوله إليكم اعرفكم مكانه».
    وعج الناس بالبكاء وانطلقوا مسرعين يستقبلون آل الرسول (ص) الذي برّ بدينهم ودنياهم ، وانتشر الحزن وعمت الكابة جميع الأوساط ، فكان ذلك اليوم ، كما وصفه المؤرخون كاليوم الذي مات فيه رسول اللّه (ص) (1) وازدحم الناس على الامام زين العابدين وهم يعزونه بمصابه الأليم ، ويشاركونه الأسى واللوعة.
    خطاب الامام زين العابدين :
    ورأى الامام أن يحدث الناس بما جرى عليهم من عظيم الرزايا والنكبات ، وما عانوه من اسر الذل والهوان ولم يكن باستطاعته أن يقوم
    __________________
    (1) اللهوف (ص 116)

    خطيبا فقد ألمت به الأمراض ، وانهكته الآلام فجيء له بكرسي فجلس عليه ، فقال (ع) :
    «اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ ، اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ ، مٰالِكِ يَوْمِ اَلدِّينِ» بارئ الخلق أجمعين ، الذي بعد فارتفع في السماوات العلى ، وقرب فشهد النجوى ، نحمده على عظائم الأمور وفجائع الدهور ، والم الفجائع ومضاضة اللواذع ، وجليل الرزء ، وعظيم المصائب الفاظعة الكاظة ، الفادحة الجائحة.
    أيها القوم : إن اللّه تعالى ابتلانا بمصائب جليلة ، وثلمة في الاسلام عظيمة ، قتل أبو عبد اللّه الحسين وعترته ، وسببت نساؤه وصبيته ، وداروا برأسه في البلدان ، من فوق عامل السنان ، وهذه الرزية التي لا مثلها رزية.
    أيها الناس ، فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله أم أي فؤاد لا يحزن من أجله ، أم أية عين منكم تحبس دمعها ، وتضن عن انهما لها فلقد بكت السبع الشداد لقتله وبكت البحار بأمواجها ، والسماوات باركانها والأرض بارجائها ، والاشجار بأغصانها ، والحيتان في لجج البحار ، والملائكة المقربون ، وأهل السماوات أجمعون ،
    أيها الناس : أي قلب لا ينصدع لقتله ، أم أي فؤاد لا يحن إليه ، أم أي سمع يسمع بهذه الثلمة التي ثلمت في الاسلام ولا يصم.
    أيها الناس : أصبحنا مشردين مطرودين مذودين شاسعين عن الامصار كأننا أولاد ترك وكابل من غير جرم اجترمناه ، ولا مكروه ارتكبناه ، ولا ثلمة في الاسلام ثلمناها ، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ، ان هذا الا اختلاق ، واللّه لو ان النبي تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصية بنا لما زادوا على ما فعلوا بنا ، فانا للّه وانا إليه راجعون من مصيبة

    ما أعظمها وأ فجعها واكظها وافظعها وامرها وأفدحها فعند اللّه نحتسب ما اصابنا وما بلغ فانه عزيز ذو انتقام».
    وعرض الامام في خطابه إلى الخطوب السود التي عانتها الأسرة النبوية وما جرى عليها من الظلم الهائل .. وانبرى إليه صعصعة فألقى إليه معاذيره لأنه كان زمنا ، فقيل الامام عذره وترحم على أبيه ، ثم زخف الامام مع عماته واخواته إلى يثرب وقد احتفت به الجماهير وقد علا منها البكاء والصراخ ، ولما انتهوا إلى الجامع النبوي اخذت عقيلة آل أبي طالب بعضادتي باب المسجد ، وجعلت تخاطب جدها الرسول (ص) قائلة :
    «يا جداه إني ناعية إليك أخي الحسين» (1).
    وخلدن بنات رسول اللّه الى الحزن فأقمن الماتم على سيد الشهداء وليسن السواد وأخذن يندبنه بأقسى واشجى ما تكون الندبة.
    مكافأة الحرس :
    وشكرن العلويات رئيس الحرس الذي قام برعايتهن من دمشق الى يثرب فقد قام لهن بخدمات جليلة تقضي مكافأته فقالت فاطمة بنت الامام امير المؤمنين لأختها زينب.
    «لقد أحسن هذا الرجل إلينا فهل لك أن نصله بشيء؟»
    «واللّه ما معنا شيء نصله به إلا حلينا»
    «نعم هو ما تقولين»
    وأخرجتا سوارين ودملجين لهما ، وبعثنا بهما إليه ، واعتذرتا في أدب ، وتأثر الرجل من هذا الكرم الغامر وهو يعلم ما هن فيه من ضيق
    __________________
    (1) مقتل المقرم (ص 472)

    شديد ، فرده إليهما وقال باحترام :
    «لو كان الذي صنعت للدنيا لكان في هذا ما يرضيني ، ولكن واللّه ما فعلته الا للّه ولقرابتكم من رسول اللّه (ص)» (1)
    حزن الامام زين العابدين :
    وخلد الامام زين العابدين الى البكاء على أبيه ليلا ونهارا يقول الامام الصادق (ع) : ان جدي علي بن الحسين بكى على أبيه عشرين سنة ، وما وضع بين يديه طعام إلا بكى (2) وعذله بعض مواليه فقال له :
    «إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين»
    فقال له الامام برفق :
    «يا هذا انما أشكو بثّي وحزني إلى اللّه ، واعلم من اللّه ما لا تعلمون ان يعقوب كان نبيا فغيب اللّه عنه واحدا من أولاده وعنده اثنا عشر ولدا وهو يعلم أنه حي فبكى عليه حتى ابيضت عيناه من الحزن ، واني نظرت الى أبى واخوتي وعمومتي وصحبي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني؟ واني لا أذكر مصرع بني فاطمة الا خنقتني العبرة ، وإذا نظرت إلى عماتي واخواتي ذكرت فرارهن من خيمة الى خيمه» (3).
    ويزداد وجيب الامام ، وتتضاعف آلامه حينما كان ينظر إلى ديار أهله ، وهي خالية موحشة تنعى أهلها ، فقد رحلت عنها تلك الكواكب التي كانت تضيء للناس حياتهم الفكرية والاجتماعية ، وفيها يقول الشاعر :
    __________________
    (1) تاريخ الطبري 6 / 266 ، ابن الأثير 3 / 300
    (2) الامام زين العابدين لأحمد فهمي (ص 31)
    (3) مقتل المقرم (ص 47) وقريب منه جاء في حلية الأولياء 3 / 138


    مررت على أبيات آل محمد
    فلم أر مثلها يوم حلت

    فلا يبعد اللّه الديار وأهلها
    وإن اصبحت منهم برغم تخلت

    وفيها يقول دعبل الخزاعي :
    مدارس آيات خلت من تلاوة
    ومنزل وحي مقفر العرصات

    لوعة الهاشميين :
    وحزن الهاشميون على سيد الشهداء كأشد ما يكون الحزن واللوعة فاستمروا في النياحة عليه ثلاث سنين وكان مسور بن مخرمة وابو هريرة والمشيخة من أصحاب رسول اللّه يأتون متسترين فيستمعون ندبتهم ، ويبكون بكاء مرا (1).
    حزن العقيلة :
    وخلدت عقيلة آل أبي طالب الى البكاء والنياحة على انقراض أهلها (2) وكانت لا تجف لها عبرة ، ولا تفتر عن البكاء ، وكلما نظرت الى ابن اخيها زين العابدين يزداد وجيبها وحزنها (3) وقد نخبت المصائب قلبها حتى صارت كأنها جثة هامدة ، ولم تبق بعد الكارثة الا سنتين حتى سمت روحها الى الرفيق الأعلى.
    __________________
    (1) دعائم الاسلام 1 / 230
    (2) الوافي في المسألة الشرقية 1 / 43
    (3) مقتل الحسين لعبد اللّه

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي   حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 9:05 am

    لوعة الرباب :
    ووجدت عليه زوجته الرباب وجدا شديدا ، وحزنت عليه حزنا عميقا ، وقد ابدت من الوفاء ما لم ير مثله ، وقد خطبها الاشراف من قريش فأبت وقالت : ما كنت لاتخذ حموا بعد رسول اللّه (ص) وبقيت بعده سنة لم يظلها سقف حتى ماتت كمدا (1) ويقول المؤرخون انها رثته رثاء حزينا فقالت فيه.
    ان الذي كان نورا يستضاء به
    بكربلاء قتيل غير مدفون

    سبط النبي جزاك اللّه صالحة
    عنا وحبيت خير الموازين

    قد كنت جبلا صعبا الوذ به
    وكنت تصحبنا بالرحم والدين

    من لليتامى ومن للسائلين ومن
    يغني ويأوي إليه كل مسكين

    واللّه لا ابتغي صهرا بصهركم
    حتى اغيب بين الرمل والطين (2)

    ويقول بعض المؤرخين إنها اقامت على قبره الشريف سنة ثم انصرفت وهي تقول :
    الى الحول ثم السلام عليكما
    ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

    وهذا القول بعيد فان العائلة الحسينية بعد اليوم العاشر كلها رحلت من كربلا ، ولم يتخلف احد منها حسب ما اجمع عليه المؤرخون.
    وبلغ من وفاء ازواجه ان زوجته السيدة عاتكة بنت زيد بن عمرو ابن نفيل كانت تنوح عليه ، وقد رئته بذوب روحها قائلة :
    __________________
    (1) تاريخ ابن الأثير 3 / 300 ، جواهر المطالب (ص 141)
    (2) الاغاني 14 / 158


    وا حسينا فلا نسيت حسينا
    اقصدته اسنة الأعداء

    غادروه بكربلاء صريعا
    لا سقى الغيث بعده كربلاء (1)

    احزان أم البنين :
    وخلدت أمّ البنين الى البكاء والنياحة على ابنائها البررة الذين استشهدوا مع اخيهم الحسين فقد نخب الحزن قلبها ، وراحت تبكيهم بذوب روحها ويقول بعض المؤرخين : انها كانت تخرج الى البقيع فتندبهم بأشجى وأوجع ما تكون الندبة ، وكان الناس يجتمعون حولها فيسمعون رثاءها الحزين لابنائها فيبكون ، وكان ممن يجيء لذلك مروان بن الحكم فيتأثر على قساوة قلبه وشدة عداوته لأهل البيت (2) وقد نفى المحقق العلامة المغفور له السيد عبد الرزاق المقرم أن تكون أم البنين حية بعد كارثة كربلا ، وانها توفيت قبل ذلك (3) وقد صرح ابو الفرج وغيره من المعنيين بهذه البحوث بأنها كانت حية.
    مصير الرأس العظيم :
    وانطوت السنون والاجيال والناس يتساءلون بلهفة أين دفن رأس الحسين؟ بعد ما أصبح جسده الطاهر مزارا في كربلا يطيف به الناس
    __________________
    (1) معجم البلدان 4 / 244
    (2) مقاتل الطالبيين
    (3) مقتل الحسين (ص 420 ـ 224)

    متفقين ومختلفين ، وقد كثرت أقوال المؤرخين في المكان الذي حظي به وهذه بعضها :
    1 ـ في كربلا :
    والمشهور عند الشيعة الامامية ان الرأس العظيم اعيد الى كربلا ، ودفن مع الجسد الطاهر ، وقد ذكر السيد رضي الدين علي بن طاوس ان عمل الطائفة على ذلك (1) وممن نص على ذلك المجلسي (2) وابن نما (3) كما اشتهر ذلك عند فريق كبير من علماء السنة منهم الشبراوي (4) وابن الجوزي (5) والبيروني (6) والقزويني (7) وغيرهم ومما لا شبهة فيه ان علماء الشيعة الامامية معنيون بالاهتمام والبحث عن هذه الجهة اكثر من غيرهم ، فهم ادرى بواقع الحال واكثر وقوفا عليه من أي باحث آخر.
    أما كيفية نقل الرءوس الشريفة الى كربلا ودفنها مع الاجساد الطاهرة ففيما نحسب انه يحتمل أحد أمرين :
    الأول ـ ان الامام زين العابدين التمس من يزيد أن يسمح له
    __________________
    (1) اللهوف (ص 112)
    (2) البحار ، اعلام الورى
    (3) مثير الاحزان (ص 58)
    (4) الاتحاف بحب الأشراف (ص 12)
    (5) تذكرة الخواص (ص 150)
    (6) الآثار الباقية 1 / 331
    (7) عجائب المخلوقات (ص 67)

    بذلك فاجابه إليه ، وقد اخذ يزيد يتطلب مرضاة الامام بعد ان نقم عليه عليه المسلمون وكرهوا خلافته ، وعلى هذا فيطرح ما روي ان الامام (ع) لما طلب منه ان يريه وجه أبيه فلم يجبه إلى ذلك ، ويحتمل انه أجابه إليه بعد رفضه.
    الثاني ـ ان الامام زين العابدين طلب من حاكم المدينة حينما حملت إليه الرءوس أن يواريها مع الأجسام فأجابه الى ذلك ، فأخذها ورجع الى كربلا وواراها مع الاجساد الطاهرة.
    2 ـ في البقيع :
    وذهب فريق من المؤرخين الى ان الرأس الشريف دفنه حاكم المدينة في البقيع الى جانب أمه (ع) (1).
    3 ـ في النجف :
    واثرت مجموعة من الاخبار عن الامام الصادق (ع) تنص على أن الرأس الشريف دفن في الغري ، وهذه بعضها :
    1 ـ روى عمرو بن طلحة قال : قال لي أبو عبد اللّه (ع) :
    وهو بالحيرة أما تريد ما وعدتك قلت : بلى ـ يعني الذهاب الى قبر امير المؤمنين (ع) قال فركب وركب اسماعيل وركبت معهما حتى اذا جاز الثوية وكان بين الحيرة والنجف عند ذكوات بيض نزل ونزل اسماعيل
    __________________
    (1) شذرات الذهب 1 / 67 ، مرآة الجنان 1 / 146 ـ 136 ، البداية والنهاية 8 / 204 ، وسيلة المال (ص 194) المنتظم.

    ونزلت معهما فصلى وصلى اسماعيل وصليت فقال لإسماعيل : قم فسلم على جدك الحسين ، فقلت ، جعلت فداك أليس الحسين بكربلاء؟ فقال : نعم ، ولكن لما حمل رأسه سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين (1).
    2 ـ روى ابان بن تغلب قال : كنت مع أبي عبد اللّه (ع) فمر بظهر الكوفة فصلى ركعتين ثم تقدم قليلا فصلى ركعتين ، ثم سار قليلا فنزل فصلى ركعتين ، ثم قال هذا موضع قبر امير المؤمنين ، قلت : والموضعين اللذين صليت فيهما قال : موضع رأس الحسين وموضع منزل القائم (2).
    3 ـ روى علي بن اسباط بسنده قال : قال ابو عبد اللّه (ع) : إنك اذا أتيت الغري رأيت قبرين قبرا كبيرا وقبرا صغيرا ، اما الكبير فقبر امير المؤمنين (ع) وأما الصغير فرأس الحسين (ع) (3).
    هذه بعض الأخبار التي تصرح بأن الرأس الشريف قد دفن في الغري ولكن التعبير في بعضها بأنه موضع الرأس لا يدل على أنه قد دفن فيه.
    4 ـ في دمشق :
    وذهب جمهور من المؤرخين الى أن الرأس الشريف قد دفن في دمشق ، وقد اختلفوا في المكان الذي حظي به وهذه بعض الأقوال :
    __________________
    (1) وسائل الشيعة 10 / 310
    (2) فروع الكافي 4 / 572
    (3) وسائل الشيعة 10 / 311

    أ ـ ذفن في حائط بدمشق
    ب ـ في دار الامارة
    ج ـ في المقبرة (1)
    د ـ في داخل باب الفراديس ، ويعرف بمسجد الرأس (2)
    ه‍ ـ في جامع دمشق (3)
    وهناك أقوال أخر غير هذه
    5 ـ في فارس :
    ذكر ذلك احمد عطية (4) وهو قول شاذ لم يذكره أحد من المؤرخين.
    6 ـ في مصر :
    وذهب بعض المؤرخين إلى أن الرأس الشريف قد حظيت به القاهرة أما كيفية نقله لها ففيها قولان :
    1 ـ ما ذكره الشعراني أن العقيلة زينب (ع) نقلته الى مصر ودفنته فيه (5) وهذا القول شاذ لا يعول عليه.
    __________________
    (1) انساب الأشراف ق 1 ج 1
    (2) البداية والنهاية 8 / 204
    (3) تأريخ الصحابة (ص 14) لابن حيان احمد التميمى مخطوط
    (4) دائرة المعارف الحديثة (ص 152)
    (5) الطبقات 1 / 23

    2 ـ ما أفاده المقريزي انه نقل من عسقلان إلى مصر سنة (548 هـ) في اليوم العاشر من شهر جمادى الآخرة ، وقد نقله سيف المملكة مع القاضي المؤتمن بن مسكين ، وجرى له استقبال ضخم (1).
    هذه بعض الأقوال التي ذكرت في مواراة الرأس العظيم ، وقد شيد في اغلبها مزار يطوف به المسلمون ، وهو من مواضع الاعتزاز والفخر لكل بلد حظي بهذه النسبة.
    وعلى أي حال فالحسين قائم في عواطف الناس وقلوبهم ففي اعماق النفوس قبره وذكره فهو اسمى صورة قدسها الناس في جميع الأحقاب والآباد.
    وقد سئل أبو بكر الآلوسي عن موضع رأس الحسين فقال :
    لا تطلبوا رأس الحسين
    بشرق أرض أو بغرب

    ودعوا الجميع وعرجوا
    نحوي فمشهده بقلبي (2)

    وقال الحاج مهدي الفلوجي :
    لا تطلبوا رأس الحسين فانه
    لا في حمى ثاو ولا في واد

    لكنما صفو الولاء يدلكم
    في أنه المقبور وسط فؤادي (3)

    لقد احتل الامام الحسين عليه السلام مشاعر الناس وثوى في أفئدتهم فهاموا في حبه وتقديسه ، وقد فجعوا بما جرى عليه من عظيم الرزايا والخطوب ، وظلت رزيته تنخر في القلوب ، وتذوب النفوس من هولها
    __________________
    (1) نور الابصار (ص 121).
    (2) البابليات 3 / 128
    (3) شعراء الحلة 5 / 371

    أسى وحزنا ، وهم يحجون لكل مرقد يحمل شرف الانتساب بأنه مرقد رأس الامام عليه السلام ، وقد ازدحم المرقد العظيم بالقاهرة بالزائرين وهم يتبركون به ، ويعدون زيارته من أفضل الطاعات والقربات إلى اللّه تعالى.

    معطيات الثّورة


    وليس في تاريخ هذه الدنيا ثورة هزت العالم ، ومجدت الحق ، وسجلت فخرا للانسان مثل ثورة الامام الحسين ، فجميع فصولها نور ، وكل آفاقها شرف ومجد ، وقد حفلت بالدروس الخالدة عن العقيدة التي لا تضعف ، والايمان الذي لا يقهر ، والإباء الذي لا يذل. وقد فتحت لأمم العالم وشعوب الأرض عصرا جديدا اتسم بروح الثورة والتمرد على الظلم والطغيان ، ومقاومة الاضطهاد ومناهضة الفساد :
    لقد كانت ثورة ابي الأحرار هي الثورة الاولى في التاريخ البشري وذلك بما حققته من المكاسب على الصعيد الفكري والاجتماعي والسياسي والتي كان من بينها.
    انتصار القضية الاسلامية :
    واحرز الامام العظيم بشهادته النصر الهائل الذي لم يحرزه أي ثائر في الأرض فقد انتصرت أهدافه ومبادئه التي ناضل من اجلها ، وكان من أهمها انتصار القضية الاسلامية في صراعها السافر مع الأموية التي عبثت بمقدرات الاسلام ، وراحت تستأصل جميع جذوره حتى لا يعد له أي ظل على واقع الحياة ، وقد اخذ الحسين على عاتقه مصير الدين الاسلامي فاستشهد في سبيله ، وقد اعاد سلام اللّه عليه للاسلام نضارته ، وأزال عنه الخطر الجاثم عليه ، يقول الفيلسوف الألماني ماريين : «لا يشك صاحب الوجدان اذا دقق النظر في أوضاع ذلك العصر وكيفية نجاح بني أمية في مقاصدهم ، واستيلائهم على جميع طبقات الناس وتزلزل المسلمين .. ان الحسين قد أحيا بقتله دين جده وقوانين الاسلام ، ولو لم تقع تلك الواقعة ، ولم تظهر تلك الحسيات الصادقة بين المسلمين ... ولو لا قتل الحسين لم يكن الاسلام على ما هو عليه قطعا ، بل كان من الممكن ضياع

    رسومه وقوانينه حيث كان يومئذ حديث العهد» :
    ويكفي الحسين ربحا في شهادته انه احيا الاسلام وفداه بدمه ، وقد المع الى ذلك الامام زين العابدين حينما سأله ابراهيم بن طلحة بن عبد اللّه فقال له :
    «من الغالب؟»
    (اذا دخل وقت الصلاة فاذن واقم تعرف الغالب» (1)
    لقد كان الحسين هو المنتصر والغالب لأنه اعاد للاسلام حياته ونضارته فكان هو المجدد ولعل الرسول الأعظم (ص) عنى هذه الجهة بقوله :
    «حسين مني وأنا من حسين»
    انه لو لا تضحية الحسين (ع) أضاعت جميع جهود الرسول (ص) وما جاء به من خير وبركة ورحمة للناس فان بني أمية حملوا معول الهدم على جميع المبادئ التي جاء بها هذا الدين فاعلنوا الكفر والالحاد وساسوا الناس بسياسة لا ظل فيها لحكم القرآن.
    هزيمة الأمويين :
    وكان من أوليات ما احرزه الامام من الانتصارات الرائعة هزيمته للامويين ، فقد نسفت تضحيته جميع الأسس والقواعد التي اقامها معاوية لتوطيد الملك في آل أبي سفيان ، يقول بعض الكتاب : «ان ما بناه معاوية لابنه يزيد في اعوام هدمه الحسين في أيام ، ونظر الناس الى الخليفة نظرة الافن والاستهتار فنفر المسلمون من سياسته ، ولصوق هذا بدولتهم ووسمه الواسمون بسمات الخديعة والمكر والظلم والجور ، وذلك كله
    __________________
    (1) أمالي الشيخ الطوسي

    بفضل هدي الحسين ، وحسن سمته ، وما رسمه من سياسة حكيمة في الوقوف أمام ظلمهم ، وما اختطه من خطة قويمة في دفع عنتهم وبغيهم وما أبداه في حركاته من حزم وايثار» (1).
    لقد أطاح الامام بنهضته المباركة بتلك الرءوس التي نفخها الكبر واثقلها الغرور ، واعماها الطيش ، يقول السيد مير علي الهندي : «إن مذبحة كربلا قد هزت العالم الاسلامي هزا عنيفا مما ساعد على تقويض دعائم الدولة الأموية» (2).
    [مظاهر هزيمة الأمويين]
    أما مظاهر الهزيمة الأموية بعد قتل الامام (ع) فهي :
    أ ـ تجريدهم من الواقع الاسلامي
    لقد عملت مجزرة كربلا الرهيبة على تجريد الأمويين من الاطار الاسلامي ، وأثبتت أنهم على وثنيتهم وجاهليتهم ، فان ما جرى على آل الرسول (ص) من الابادة الشاملة بعد أن حرمت عليهم القيادة العسكرية الماء ، وما جرى على ريحانة رسول اللّه (ص) من التمثيل بعد القتل ، وسبي حرائر النبوة وعقائل الوحي يطاف بهن من بلد الى بلد ، وهن بحالة تقشعر منها الأبدان ليظهروا قهر آل النبي (ص) ، وابداء التشفي منهم أمام الرأي العام ، وما تمثل به يزيد من الشعر الذي انكر فيه نبوة الرسول (ص) وانه انما أباد عترته طلبا بثأر من قتل من الأمويين في واقعة بدر كل ذلك قد جرد الأمويين من كل نزعة اسلامية ، ودلل على مروقهم من الدين.
    __________________
    (1) ريحانة الرسول (ص 176)
    (2) مختصر تاريخ العرب

    ب ـ شيوع النقمة والانكار عليهم
    وكان من مظاهر الهزيمة الساحقة التي مني بها الأمويون شيوع النقمة والانكار عليهم في جميع الاوساط فقد تعالت موجات عارمة من الانكار على يزيد حتى من عائلته واسرته ، وقد فزع من ذلك كأشد ما يكون الفزع ، وندم على ما اقترفه ، وساءت العلاقة بينه وبين ابن مرجانة فيما بقول المؤرخون.
    ه‍ ـ تحول الخلافة عن بني أمية
    وهزمت ثورة الامام الحكم الاموي ، ونسفت جميع معالمه ، وجعلته يعيش في ثورات متلاحقة قامت بها الشيعة ، وغيرهم حتى انهار صرح ذلك الحكم الأسود بقيام الدولة العباسية ، وسنذكر عرضا لذلك.
    التدليل على واقع أهل البيت :
    ودللت ثورة أبي الشهداء (ع) على الواقع المشرق لأهل البيت ، وكشفت للعالم الاسلامي الطاقات الهائلة التي يملكونها من الثبات على الحق والصمود أمام الأحداث ، وتبني القضايا المصيرية للأمة ، مما جعلت جمهرة المسلمين يكنون لهم أعظم الود وخالص الحب والولاء.
    لقد اظهرت كارثة كربلا للعيان أن أهل البيت هم المثل الأعلى للقيادة الروحية والزمنية لهذه الأمة ، وانهم الرواد للحق والعدل في الأرض.

    تركيز التشيع :
    ومن معطيات الثورة الحسينية انها ركزت التشيع في اطاره العقائدي واصبح عقيدة راسخة في نفوس الشيعة ، يقول فيليب حتى : «لقد ولدت الشيعة في اليوم العاشر من المحرم ، ومن ذلك اليوم اصبحت الامامة في سلالة علي قاعدة من قواعد العقيدة الشيعية ، كما كانت نبوة محمد (ص) قاعدة من قواعد الاسلام (1) ويقول بعض المستشرقين : «لو لا مقتل الحسين لما كانت هناك شيعة في الاسلام» (2) ويقول سترثمان : لقد كانت دماء الحسين التي سالت على سيوف القوات الحكومية هي النواة التي انبتت العقيدة الشيعية اكثر من دماء علي الذي اغتالته يد متامر خارجي».
    ويقول الشيخ التستري : انه لو لم يتحمل الحسين لهذه المصائب لم يظهر دين للشيعة ، وذلك لأن بني أمية لما استولوا على البلاد واظهروا الفساد ، وسعوا في اخفاء الحق ، حتى شبهوا الأمر على الناس ، فجعلوا سب علي من اجزاء الصلاة ، وادخلوا في اذهان الناس أن بني أمية أئمة الاسلام ، ورسخ ذلك في عقائد الناس من زمن طفولتهم حيث انهم القوا ذلك الى المعلمين ليفدوا الاطفال في مكاتبهم ومدارسهم ، فاعتقد الناس حقيقة ان هؤلاء أئمة الدين ، وان مخالفهم على ضلال. ولما قتل الحسين بتلك الكيفية وسبيت عياله تنبه الناس الى أن هؤلاء لو كانوا أئمة حق ما فعلوا ذلك ، وان فعلهم لا يطابق دينا ولا مذهبا ولا عدلا ولا يطابق جور الجائرين (3).
    __________________
    (1) تاريخ العرب 1 / 237
    (2) الحسين بن علي لعمر ابو النصر (ص 10)
    (3) خصائص الحسين (ص 89)

    لقد اذكت تلك الدماء الزاكية روح الولاء والاخلاص لأهل البيت عند جمهور المسلمين ، وقد انضم تحت لوائهم في ذلك العصر الكثيرون ممن كانوا يقفون موقف الحياد بين الأحزاب المتطاحنة على الحصول على الحكم (1) ان ما جرى على ريحانة رسول اللّه (ص) من المصائب المذهلة قد حير العقول ، وطاش بالألباب ، واذهل كل كائن حي.
    توحيد صفوف الشيعة :
    وعملت كارثة كربلا على توحيد صفوف الشيعة ، وخلق روح التضامن فيما بينهم بعد أن كانوا ينقصهم الحماس وبذل النفس في الدفاع عما يؤمنون به من أن الخلافة حق شرعي خاص لأهل البيت وقد تبدل ذلك الشعور فكانوا أقوى قوة فعالة تصدت للاطاحة بحكم الأمويين ، فقد هبوا جميعا وشعارهم :
    «يا لثارات الحسين»
    يقول بعض الكتاب : «لقد كان هذا الحادث البشع المنكر مذكيا للتشيع إلى أقصى حد ، وكان عاملا على وحدة الشيعة وحماسهم لنصرة مذهبهم ، وسببا في ثوراتهم الجارفة ليثأروا من قتلة الحسين» (2).
    واكد ذلك بروكلمان بقوله : «لقد اذكت تلك الدماء التي روت أرض كربلا روح التشيع في نفوس الشيعة ، وجعلتهم يشعرون بوجوب توحيد صفوفهم».
    __________________
    (1) اتجاهات الشعر العربي (ص 30)
    (2) أدب السياسة في العصر الأموي (ص 40).

    لقد اثارت مذبحة كربلا العواطف والأحزان في نفوس الشيعة وجعلتهم يؤمنون قبل كل شيء بضرورة اتحادهم للأخذ بثأر الامام العظيم الذي ثار من أجل العدل واعادة حقوق المظلومين والمضطهدين.
    تكوين الحس الاجتماعي :
    وعملت نهضة الامام على تكوين الحس الاجتماعي وخلق روح الثورة في النفوس ، وقد تغيرت الأمة تغييرا كاملا فتسلحت بعد خمودها بقوة الايمان وقوة العزم والتصميم ، وتحررت من جميع السلبيات التي كانت ملمة بها ، فقد اخذت تنادي بحقوقها ، وتعمل جاهدة على اسقاط الحكم الأموي ، وهي تقدم ـ بسخاء ـ القرابين في ثورات متلاحقة تمثل سخطهم العارم وكراهيتهم الشاملة لبني أمية ، ولم يعد هناك أي ظل للخوف والفزع فيهم ، حتى اكتسحت مشاعر الزهو الأموي ، واطاحت بجبروت الأمويين وطغيانهم.
    لقد قلبت ثورة الامام الحسين مفاهيم الخوف والخنوع التي كانت سائدة في الأمة الى مبادئ الثورة والنضال والتحرر من ربقة الذل والعبودية ، فقد أعطاهم الامام قوة دافعة ، وامدهم بروح وثابة لمقارعة الظلم والطغيان.
    تفجير المواهب :
    ومن معطيات الثورة الحسينية انها فجرت المواهب والعبقريات ، فبرزت طاقات هائلة من الأدب الرفيع في طليعة الأدب العالمي رقة

    وروعة وجمالا.
    لقد حفل أدب الثورة الحسينية بأروع ما حفل به الأدب السياسي في الاسلام ، ففيه مناجم اخاذة تعد من أوفر المناجم الفكرية عطاء واغزرها فنا ، ومن بين ما حفل به.
    أولا ـ الاشاده بالعدالة الاجتماعية والقيم الانسانية التي ناضل من أجلها الامام العظيم.
    ثانيا ـ شجب الظلم ومقارعة الطغيان ، ومناهضة الغرور والطيش
    ثالثا ـ بعث المجتمع نحو العزة والإباء اقتداء بالامام الحسين سيد الأباة ورائد الكرامة الانسانية.
    رابعا ـ عرض الاتجاهات الفكرية والعقائدية التي يحملها الامام العظيم.
    خامسا ـ تمجيد الامام بما لم يمجد به أحد من شهداء الاصلاح الاجتماعي ، فقد تفاعلت مبادئه مع عواطف شعراء الشيعة ، وأدركوا المد الانساني في نهضته الخالدة فراحوا يقدسونه باروع ما يقدس به أي مصلح اجتماعي في الأرض.
    سادسا ـ الحط من الأمويين والتشهير بجرائمهم المعادية للاسلام.
    سابعا : عرض ما جرى على أهل البيت من المحن والخطوب يقول السيد محمد سيد الكيلاني : «جاء الأدب الشيعي صورة صادقة لما وقع على العلويين من اضطهاد. ويقول : كانت مجزرة كربلا التي قتل فيها الحسين وما حل بالعلويين بعدها دافعا قويا للشعراء انطقهم بكثير من القصائد التي تسيل العبرات ، وتذيب القلوب وتفتت الأكباد : ولا غرابة في ذلك فهي صدى لتلك الدماء التي سفكت بغير حساب ، والأشلاء التي تناثرت ، وتركت على الأرض طعاما للطير .. وقد كثر الشعر في

    رثاء آل البيت كثرة هائلة. وكله صادر من أعماق النفوس ، منبعث من قرارة الأفئدة ، فكان للأدب العربي من ذلك ثروة لا تقدر» (1)
    ثامنا ـ جمال الروعة في ادب الثورة الحسينية وحرارة العاطفة ، يقول بعض الكتاب : والشعر الذي رثي فيه الحسين حار ملتهب لأنه تعبير عن عواطف قوية ، وتنفيس عن نفوس متأججة ثائرة فهم غضاب ساخطون لأن بني أمية سلبوهم حقهم وغصبوهم مكانهم فصوروا غضبهم في شعر حانق على الأمويين (2).
    ان الشعر الحسيني يمثل الصدق في وصف العاطفة الملتهبة وان أصحابه لم يكونوا متكلفين ولا منتحلين ، وانما كانوا متألمين كأشد ما يكون التألم فيصفون الامام وصفا صادقا. لقد كان ذلك الادب الحي من اثري الوان الأدب العالمي ، ومن أبرز القيم الثقافية في الاسلام.
    ومما تجدر الاشارة إليه الى أن الأدب الحسيني لم يصطبغ بهذه الصبغة ويتبوّأ مكانه الأعلى في الأدب الاسلامي الا بعد حقبة طويلة من الزمن ولعل السبب في ذلك يرجع إلى ما ذكره ابو الفرج الى أن الشعراء كانوا لا يقدمون على رثاء الحسين مخافة من بني أمية.
    منابر الوعظ والتوجيه :
    ومن أروع النتائج التي حققتها ثورة أبي الأحرار هي المنابر الحسينية التي أصبحت منطلقا لتوجيه الامة وارشادها وذلك بما يبثه السادة الخطباء من الوعظ والارشاد وعرض مأساة أبي الشهداء التي هي من اروع الدروس
    __________________
    (1) أثر التشيع في الأدب العربي (ص 23)
    (2) أدب السياسة (ص 189)

    وأثمنها للتضحية في سبيل الحق والعدل ، وقد وصف الكاتب الالماني مارتن هذه المنابر بأنها من أهم الاسباب لتقدم المسلمين إن هم أحسنوا تنظيمها والاستفادة منها ، إن مأساة أبي عبد اللّه (ع) جزء لا يتجزأ من رسالة الاسلام وهي تمثل كفاحه ونضاله ضد الطغاة ووقوفه الى جانب المظلومين والمضطهدين ، ويقول جون اشرا : ان مأساة الحسين تنطوي على أسمى معاني الاستشهاد في سبيل العدل الاجتماعي (1).
    إن المنابر الحسينية من أهم المكاسب ومن اروع المعطيات في ثورة أبي الشهداء (ع) فقد عملت على غرس النزعات الخيرة في النفوس وابعادها عن عوامل الشذوذ والانحراف ، وتوجيهها الوجهة الصالحة التي تتسم بالاستقامة وحسن السلوك ، كما انها من المدارس السيارة لنشر الايمان باللّه واذاعة القيم الاسلامية بين الناس.
    امتداد الثورة :
    لقد أثارت كارثة كربلا موجة رهيبة من القلق النفسى والانفعالات العميقة سيطرت على نفوس المسلمين ، ودفعتهم إلى العمل السياسي والتكتل الاجتماعي للاطاحة بالحكم الاموي «والانتقام من السفكة المجرمين.
    لقد كانت الارض تستعر حربا منذ قتل الحسين (2) فقد هبت الشعوب الاسلامية كالمارد الجبار وهي تعلن سخطها العارم على الحكم الاموي وتعمل على سقوطه ، ومن بين هذه الثورات :
    __________________
    (1) رحلة الى العراق
    (2) الذهب المسبوك للمقريزي (ص 27)

    1 ـ ثورة عبد اللّه بن عفيف :
    وهي أول ثورة في الكوفة بعد قتل الامام مباشرة ، قام بها البطل العظيم عبد اللّه بن عفيف الازدي ، فكان أول من اطلق شرارة الثورة وأحال النصر الكاذب الذي احرزه ابن مرجانة الى هزيمة ، وقد تحدثنا عن فصولها في البحوث السابقة.
    2 ـ ثورة المدينة :
    والشيء المحقق أن الثورة في يثرب كانت امتدادا لثورة أبي الشهداء (ع) فقد كانت النفوس تغلي كالمرجل غيظا وحنقا على يزيد لانتهاكه حرمة رسول اللّه (ص) في قتله لعترته وسبيه لذراريه.
    وقد أفعمت القلوب حزنا وألما حينما رجعت سبايا أهل البيت (ع) إلى المدينة وجعلت تقص على أهلها ما جرى على ريحانة رسول اللّه (ص) من عظيم الرزايا وفوادح الخطوب ، وما عانته عقائل النبوة ومخدرات الوحي من الأسر والسبي.
    لقد كانت شقيقة الحسين وحفيدة الرسول (ص) زينب تلهب العواطف للطلب بثأر أخيها.
    وقد رأى اهل المدينة أن الخروج على يزيد واجب شرعي فخلعوا بيعته رسميا وأعلنوا الثورة على حكومته ، وقد عهد يزيد الى المجرم الاثيم مسرف بن عاقبة المري باحتلال يثرب وضم إليه جيشا مكثفا قوامه اثنا عشر الفا من اهل الشام ، وقد أمره أن يبيحها لجنده ثلاثة أيام يصنعون بأهلها ما يشاءون وينهبون من أموالهم ما يحبون.

    وزحف مسرف بجنوده الى المدينة فاحتلها ، وقد أباحها لجنده ثلاثة أيام فقتلوا ونهبوا واستباحوا كل ما حرمه اللّه ، ثم أخذ البيعة من أهلها على أنهم خول ليزيد ، ومن أبي ضربت عنقه ، وقد حدثت من الرزايا في تلك الواقعة ما تذوب منه النفوس ، وقد ذكر المؤرخون صورا مروعة ومحزنة مما حل بالمدنيين فكانت هذه الكارثة كفاجعة كربلا وقد دفعت الشعوب الاسلامية إلى التكتل السياسي للعمل ضد الحكم الأموي والاطاحة به.
    3 ـ ثورة التوابين :
    وندم أهل الكوفة أشد الندم على خذلانهم للامام وجعلوا يتلاومون على ما اقترفوه من عظيم الاثم وقد أجمعوا على اقرارهم بالذنب في خذلانه ولزوم التكفير عنه بالمطالبة بثأره وقد خاطب أحدهم ابنته فقال لها :
    يا بنية إن أباك يفر من ذنبه إلى ربه (1) وقد عقدوا مؤتمرا في منزل سليمان بن صرد الخزاعي ، وهو شيخ الشيعة وصاحب رسول اللّه (ص) وذو السابقة والقدم في الاسلام ، فقد تداولوا الحديث فيما بينهم ورأوا أنه لا يغسل عنهم العار والاثم الا بقتل من قتل الحسين (ع).
    وقد القيت في قاعة الحفل عدة خطب حماسية وهي تدعو الى التلاحم ووحدة الصف للأخذ بثأر الامام العظيم ، وكان انعقاد المؤتمر فيما يقول المؤرخون في سنة (61 هـ) (2) وهي السنة التي قتل فيها الحسين.
    __________________
    (1) تأريخ الطبري
    (2) أنساب الأشراف ق 1 ج 1

    قرارات المؤتمر :
    واتخذ المؤتمر بالاجماع عدة قرارات ومن بينها
    1 ـ انتخاب سليمان بن صرد قائدا عاما للثورة ليتولى وضع المخططات السياسية والعسكرية.
    2 ـ مراسلة المناطق التي تضم الشيعة في العراق وخارجه واعلامها بما أجمعوا عليه من الأخذ بثأر الامام والمطالبة بالانضمام إليهم.
    3 ـ تأجيل الثورة إلى مدة أربع سنين على أن تكون السنوات الأربع فترة تأهب واستعداد للقتال.
    4 ـ أن تكون النخيلة هي المركز الرئيسي الذي تعلن فيه الثورة.
    5 ـ احاطة الثورة بالسر والكتمان.
    وتفرق اعضاء المؤتمر وكان عددهم فيما يقول المؤرخون مائة شخص وقد أخذوا يواصلون العمل فيجمعون التبرعات لشراء الأسلحة ، ويدعون الناس إلى الالتفاف حولهم والانضمام إليهم.
    اعلان الثورة :
    وفي سنة (65 هـ) اعلن التوابون ثورتهم العارمة على الحكم الاموي وكان عددهم فيما يقول المؤرخون أربعة آلاف ، وقد أرسل زعيم الثورة سليمان بن صرد الى الكوفة الحكيم بن منقذ الكندي ، والوليد بن عصير الكناني وامرهما أن يجوبا في مدينة الكوفة ويناديا بشعار الثورة.
    «يا لثارات الحسين»

    وحينما انتهيا إليها ناديا بذلك ، ولأول مرة دوى هذا النداء المؤثر في سماء الكوفة فكان كالصاعقة على رءوس السفكة المجرمين ، كما كان بلسما لقلوب المؤمنين والمسلمين ، وقد التحق قسم كبير من الناس بالنخيلة فخطب فيهم سليمان بن صرد خطابا مؤثرا ، واعرب لهم أنه لا ينشد مغنما أو مكسبا ، وانما يلتمس وجه اللّه والدار الآخرة ، ويرجو أن يكفر اللّه عنه وعن اخوانه ما اقترفوه من عظيم الذنب في خذلانهم لريحانة رسول اللّه (ص).
    في كربلا :
    وصمم التوابون على المضي الى كربلا لزيارة قبر أبي الشهداء (ع) ليعلنوا التوبة الى اللّه عند مرقده.
    وسارت كتائب التوابين إلى كربلاء فلما وصلوا إليها صاحوا صيحة واحدة «يا حسين» واغرقوا بالبكاء والنحيب ، واخذوا يتضرعون الى اللّه ليتوب عليهم ، ويغفر لهم ، وقد قالوا عند ضريح الامام :
    «اللهم ارحم حسينا الشهيد ابن الشهيد ، المهدي ابن المهدي ، الصديق ابن الصديق.
    اللهم انا نشهدك أنا على دينهم وسبيلهم ، وأعداء قاتليهم ، وأولياء محبيهم.
    اللهم انا خذلنا ابن بنت نبينا فاغفر لنا ما مضى منا ، وتب علينا فارحم حسينا وأصحابه الشهداء الصديقين ، وانا نشهدك انا على دينهم وعلى ما قتلوا عليه ، وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين» (1).
    __________________
    (1) تاريخ ابن الأثير 3 /

    وازدحموا على القبر الشريف اكثر من الازدحام على الحجر الأسود وهم يبكون ويتضرعون إلى اللّه ليغفر ذنوبهم ويمنحهم التوبة ، ثم رحلوا إلى الأنبار.
    في عين الوردة :
    وسارت كتائب التوابين حتى انتهت الى عين الوردة فاقامت فيها وزحفت إليهم جنود أهل الشام والتحمت معهم التحاما رهيبا ، وجرت بينهما اعنف المعارك واشدها ضراوه ، ومني الجيشان بخسائر كبيرة في الأرواح ، واستشهد قادة التوابين كسليمان بن صرد ، والمسيب بن نجبة وعبد اللّه بن سعد وغيرهم.
    ولما رأى التوابون أنهم لا قدرة لهم على مقابلة أهل الشام ، تركوا ساحة القتال ، ورجعوا في غلس الليل إلى الكوفة ، ولم تتعقبهم جيوش أهل الشام ، وقد مضى كل إلى بلده ، وانتهت بذلك معركة التوابين ، وقد ادخلت الفزع على الأمويين ، وكبدتهم أفدح الخسائر.
    4 ـ ثورة المختار :
    والمختار من اشهر الشخصيات العربية التي عرفها التاريخ الاسلامي وقد لعب دورا خطيرا في الأحداث السياسية والاجتماعية في ذلك العصر كما كان من ألمع السياسيين في رسم المخططات ووضع المناهج ، والسيطرة على الموقف ، وقد اثبتت كفاءته أنه رجل الفكر والعمل ، يقول بعض الكتاب عنه : «انه كان على جانب كبير من الدارية بعلم

    النفس والالمام بوسائل الدعاية والاعلام ، فقد كان يخاطب عواطف الناس كما كان يخاطب عقولهم ، وكان لا يكتفي بوسائل الدعاية المعروفة حينئذ كالخطابة والشعر بل لجأ إلى وسائل كثيرة للدعاية منها التمثيل والمظاهرات والاشاعات ، كما لجأ إلى ما نسميه الآن بالانقلاب العسكري حينما انتزع الكوفة من ابن الزبير» (1).
    وكان علما من اعلام الشيعة ، وسيفا من سيوف آل رسول اللّه (ص) وكان يتحرق كأشد ما يكون التحرق ألما وجزعا على العترة الطاهرة التي أبادتها سيوف الباطل ، وقد سعى جاهدا للاستيلاء على الحكم لا لرغبة فيه ، وانما ليأخذ ثأر آل البيت وينتقم من قتلتهم.
    وقد اتهم هذا العملاق العظيم باتهامات رخيصة كاتهامه بادعاء النبوة وغيرها من النسب الباطلة التي هي بعيدة عنه وهو برىء منها ، وانما اتهموه بذلك لأنه طلب بثأر الامام العظيم ، وزعزع كيان الدولة الاموية ، وأسقط هيبة حكمها وساوى بين العرب والموالي ، فلم يميز أحدا على أحد ، وقد رام السير في أيام حكمه على ضوء منهاج سياسة الامام أمير المؤمنين عليه السلام ، والاقتداء بسلوكه في سياسته الاقتصادية والاجتماعية.
    وكان على جانب كبير من التقوى والحريجة في الدين ، ويقول المؤرخون إنه كان في أيام حكومته القصيرة الامد يكثر من الصوم شكرا للّه تعالى على توفيقه للأخذ بثأر العترة الطاهرة ، وابادته للارجاس من السفكة المجرمين.
    لقد ألصقوا بهذا العملاق العظيم التهم الزائفة للحط من شأنه والتقليل من أهميته ، وانا بعد دراستنا لشؤونه رأيناه من أفذاذ التأريخ ومن اعلام
    __________________
    (1) المختار (ص 43)

    الامة الاسلامية بما يملك من طاقات هائلة من الفضل والتقوى واصالة الفكر وعمق الرأي وحسن التدبير ، قل أن يتصف بمثلها عظماء الرجال وعباقرة الدهر .. وكان بودي أن أطيل الوقوف للتحدث عن معالم شخصيته الكريمة ، والتحدث عن ثورته وكيفية استيلائه على الحكم إلا ان ذلك يستدعي وضع كتاب خاص به ، وعسى أن أوفق إلى ذلك ان شاء اللّه ، وقبل أن اقفل الحديث عنه اشير على سبيل الايجاز إلى بعض الجهات التي تمت الى الموضوع.
    فزع السفكة المجرمين :
    وساد الرعب واستولى الخوف على نفوس السفكة المجرمين من قتلة ريحانة رسول اللّه (ص) فقد كانوا على يقين أن ثورة المختار انما قامت للانتقام منهم ، فهام بعضهم من خوفه في البيداء ولم يعلم له خبر ، وفر آخرون إلى عبد الملك ليحميهم من سطوة المختار وغضبه ، وقد خاطبه شخص منهم قائلا :
    ادنو لترحمني وترتق خلتي
    وأراك تدفعني فاين المدفع (1)

    وجاء إليه عبد الملك بن الحجاج التغلبي لاجئا فقال له :
    «اني هربت إليك من العراق»
    فصاح به عبد الملك بن مروان :
    «كذبت ليس لنا هربت ، ولكن هربت من دم الحسين وخفت على دمك فلجأت إلينا» (2).
    __________________
    (1) عيون الاخبار لابن قتيبة 1 / 103
    (2) عيون الاخبار لابن قتيبة 1 / 103

    كما هرب بعضهم إلى ابن الزبير وانضم إلى جيشه وقاتل معه لا ايمانا بقضيته ولكن خوفا من المختار ، وقد عمد المختار إلى هدم دورهم والاستيلاء على جميع ممتلكاتهم ، وقد هدم دار محمد بن الأشعث واخذ انقاضها وبنى بها دار الشهيد العظيم حجر بن عدي وكان قد هدمها زياد ابن أبيه (1).
    وأما الخبيث الدنس عمر بن سعد فقد قبع في بيته فزعا مرعوبا ، وهو يزج بالشخصيات للتوسط لدى المختار في أخذ الامان له والعفو عنه وكتب له المختار الامان بشرط أن لا يحدث حدثا ولكنه وارى في ذلك وأراد أن لا يدخل بيت الخلاء.
    لقد ارعب المختار قلوب المجرمين من قتلة الامام حتى زلزلت الارض تحت أقدامهم واجتاحتهم موجات عاتية من الخوف والارهاب فلم يهنأ أحد منهم بعيش فقد خيم عليهم شبح الموت.
    الابادة الشاملة :
    وأسرع المختار إلى تنفيذ حكم الاعدام بكل من اشترك في قتل ريحانة رسول اللّه (ص) فقد جاهد على الانتقام منهم وتطهير الأرض من أولئك الأرجاس ، وقد قتل منهم فيما يقول الطبري في يوم واحد مائتين وثمانين رجلا ، ولم يفلت أحد من قادتهم وزعمائهم ، فقتل المجرم الخبيث عبيد اللّه بن زياد ، وعمر بن سعد مع ولده حفص ، وقتل الابرص شمر بن ذي الجوشن ، ورميت بجيفته إلى الكلاب ، وقتل قيس بن الأشعث
    __________________
    (1) تأريخ ابن الأثير 3 / 371

    والحصين بن نمير ، وشبث بن ربعي وغيرهم (1).
    وقد استجاب اللّه دعوة الامام العظيم في اولئك السفكة المجرمين فقتلهم قتلة بقتلة ، وسقاهم كأسا مصبرة ، وانتقم منهم كأشد ما يكون الانتقام ، وصدق اللّه تعالى اذ يقول : «وكذلك أخذ ربك إذا اخذ القرى وهي ظالمة ان أخذه أليم شديد» ويقول الزهري : لم يبق من قتلة الحسين أحد الا عوقب في الدنيا أما بالقتل أو العمى أو سواد الوجه أو زوال الملك في مدة يسيرة (2).
    لقد حقت عليهم كلمة العذاب في الدنيا ، وهم في نار جهنم خالدون ، لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون.
    وبهذا ينتهي بنا الحديث عن ثورة المختار التي هي من انبل الثورات واكثرها اصالة في الاسلام فقد استهدفت الأخذ بثأر العترة الطاهرة التي هي عديلة القرآن الكريم حسبما يقول الرسول (ص) كما استهدفت نشر المساواة والعدالة الاجتماعية بين الناس.
    فتحيات من اللّه ورضوان على المختار يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.
    استمرار الثورة :
    ولم يؤد القضاء على ثورة المختار من قبل ابن الزبير إلى ضعف الروح الثورية عند الشيعة ، فقد كانت هناك ثورات أخرى فجرها احفاد الامام الحسين واحفاد أخيه الامام الحسن ، فقد هب لمقارعة الظلم والجور
    __________________
    (1) تأريخ الطبري ، تاريخ ابن الاثير ، الأخبار الطوال
    (2) جواهر المطالب (ص 92)

    الثائر العظيم زيد بن علي ، واشعل نار الثورة من بعده ولده يحيى وهم ينادون بمبادئ الحسين ويطلبون بثأره ، واستمرت الثورات حتى تدفقت الرايات السوداء مع طلائع الجيوش الاسلامية بقيادة أبي مسلم الخراساني فاطاحت بالعرش الأموي ، وقضت على معالم زهوه وجبروته.
    وبهذا ينتهي بنا البحث ـ بايجاز ـ عن معطيات الثورة التي تحققت على الصعيد الفكري والاجتماعي وبها تطوى الصفحات الأخيرة من هذا الكتاب ، واكرر ما اعلنته غير مرة من أن هذا المجهود بما فيه من سعة وشمول واستيعاب فانه لا يمثل الا صفحة من حياة هذا الامام العظيم الذي احتل مشاعر الناس وعواطفهم ، وقام في قلوبهم وافكارهم ، واني على ثقة أن جميع ما الف فيه وما سيؤلف لا يستوعب جميع نواحي شخصيته أو يلم بواقع حياته التي هي امتداد لحياة جده الرسول (ص) وما ينشده من الخير والتوجيه لصالح الانسان.
    وان من أصدق الوفاء أن اذكر بمزيد من الولاء والعرفان ما قام به سيادة المحسن الكبير الحاج محمد رشاد عجينة من الالطاف في نشر هذا الكتاب ، فقد جاهد على نشر مآثر أهل البيت (ع) وابراز فضائلهم ايمانا منه بأن ذلك من أثمن الخدمات التي تقدم للأمة واجدرها بالنفع والبقاء وقد أرصد لنفقات طبعه من المبرات التي اوصى بها والده المرحوم الحاج محمد جواد عجينة ، واني آمل من اللّه ان يحظى عمله بالقبول وان تناله مغفرة من اللّه كما آمل ذلك لنفسي واخي الهادي الذي له الفضل في مراجعة كثير من المصادر والاشراف على بحوث هذا الكتاب فجزاه اللّه عني خير ما يجزي أخا عن أخيه.

    مصادر البحث

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي - صفحة 2 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي   حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي - صفحة 2 Emptyالخميس أكتوبر 17, 2024 9:07 am

    مصادر البحث


    «أسماء المصادر»
    «التي ورد ذكرها في اجزاء الكتاب»
    (أ)
    أنساب الأشراف ق 1 ج 1 مخطوط للبلاذري
    الأخبار الطوال للدينوري
    أخبار الدول للقرماني
    أسد الغابة لابن الأثير
    الاصابة لابن حجر العسقلاني
    أمالي الصدوق للصدوق
    أصول الكافي للكليني
    امتاع الأسماع للمقريزي
    الافادة في تأريخ الأئمة السادة مخطوط ليحيى بن الحسين
    الارشاد للشيخ المفيد
    الاعجاز والايجاز للثعالبي
    أثر الأسرة والمجتمع في الأحداث مؤسسة اليونسكو
    أقرب الموارد لسعيد الخوري
    أسباب النزول للواحدى
    الأصول العامة للفقه المقارن محمد تقي الحكيم
    الاستيعاب لابن عبد البر المالكي



    الاتحاف بحب الأشراف للشبراوي
    أعيان الشيعة للسيد محسن العاملي
    الأربعين لبهاء الدين العاملي
    أسرار الحكماء لياقوت المستعصمي
    الأنوار البهية للشيخ عباس القمي
    الارشاد للديلمي
    الاقبال لابن طاوس
    أثر التشيع في الأدب العربي محمد سيد الكيلاني
    الامامة والسياسة لابن قتيبة
    الاعلام للزركلي
    أعلام النساء للكحالة
    الآداب الشرعية والمنح المرعية لشمس الدين الحنبلي
    اتجاهات الشعر العربي محمد مصطفى هدارة
    أبو هريرة للشيخ محمود ابو رية
    ابن رشد وفلسفته لفرج انطون
    أبو الشهداء للعقاد
    آثار البلاد لزكريا القزويني
    الف باء للبلوي
    أعلام الورى للطبرسي
    أبناء الرسول في كربلا خالد محمد خالد
    الامالي مخطوط للمفيد


    الأغاني لابن الفرج الاصفهاني
    أدب السياسة في العصر الأموي احمد محمد الحوفي
    الادارة الاسلامية محمد كرد علي
    أمالي المرتضى للسيد المرتضى
    (ب)
    البلد الأمين للكفعمي
    بلاغات النساء لاحمد بن أبي طاهر
    بطلة كربلا لبنت الشاطئ
    البيان والتبيين للجاحظ
    البستان الجامع لجميع تواريخ أهل الزمان مخطوط لعماد الدين الأصفهاني
    بطل العلقمي لعبد الواحد مظفر
    بغية النبلاء للسيد عبد الحسين
    بحر الأنساب عميد الدين النجفي
    بحار الأنوار للمجلسي
    البلد الأمين للكفعمي
    البابليات لليعقوبي
    (ت)
    تفسير القرطبي محمد بن أحمد القرطبي
    تفسير ابن كثير لابن كثير
    تفسير الرازي للرازي
    تفسير الطبري محمد بن جرير الطبري


    تفسير الكشاف محمود بن عمر الزمخشري
    تفسير البيضاوي عبد اللّه بن عمر الشيرازي
    تفسير الجلالين جلال الدين السيوطي
    تفسير العسكري للامام العسكري
    تأريخ الطبري محمد بن جرير الطبري
    تأريخ ابن الأثير لابن الأثير
    تأريخ اليعقوبي أحمد بن واضح اليعقوبي
    تأريخ ابن عساكر مخطوط لابن عساكر
    تأريخ بغداد للخطيب البغدادي
    تأريخ ابن الوردي عمر بن الوردي
    تأريخ خليفة خياط خليفة بن خياط
    تأريخ ابن خالدون لابن خالدون
    تأريخ الخميس حسن بن محمد الديار بكري
    تأريخ أبي الفداء لابي الفداء
    تأريخ العرب فيليب حتى
    تأريخ القضاعي مخطوط محمد بن سلامة القضاعي
    تأريخ المظفري مخطوط لإبراهيم بن عبد اللّه الحموي
    تأريخ الأمة الاسلامية محمد الخضري
    تأريخ الصحابة مخطوط لأبي حيان أحمد التميمي
    تأريخ الدولة العربية يوليوس فلهوزن
    تأريخ الاسلام السياسي ابراهيم حسن
    تأريخ الجنس العربي محمد عزة دروزة


    تأريخ الخلفاء للسيوطي
    تأريخ الخلفاء لمؤلف مجهول
    تأريخ العراق في ظل الحكم الأموي علي حسني الخربوطلي
    تأريخ ايران سريرس سايكس
    تأريخ الشعوب الاسلامية كارل بروكلمان
    تأريخ الأدب العربي ريجيس بلاشر
    التأريخ السياسي للدولة العربية عبد المنعم ماجد
    التأريخ الاسلامي والحضارة الاسلامية احمد شبلي
    تأريخ الفلسفة الاسلامية ت ج. دي بور
    تهذيب التهذيب لابن حجر
    تذهيب التهذيب مخطوط للذهبي
    تلخيص المستدرك لشمس الدين الذهبي
    تحفة الأزهار وزلال الأنهار مخطوط لابن شدقم
    تذكرة الخواص لابن الجوزي
    تيسير الوصول لابن الديبغ
    التاج في اخلاق الملوك للجاحظ
    تحف العقول الحسن بن علي الحراني
    التطور والتجديد في الشعر الأموي شوقي ضيف
    تمام المتون للصفدي
    تطهير الجنان واللسان لابن حجر
    التكيف النفسي مصطفى فهمي
    التمدن الاسلامي جورج زيدان


    تحفة الامام في مختصر تاريخ الاسلام للفاخوري
    توضيح الغامض لعبد الواحد مظفر
    تذكرة الحفاظ للذهبي
    تاريخ العرب السياسي ابراهيم بيضون وسهيل زكار
    تفسير المنار للامام محمد عبده
    (ث)
    الثغور الباسمة في مناقب السيدة فاطمة مخطوط للسيوطي
    الثائر الأول في الاسلام محمد عبد الباقي سرور
    الثاقب في المناقب مخطوط للشيخ المفيد
    (ج)
    جوهرة الكلام في مدح السادة الاعلام للقراغولي
    جامع السعادات للنراقي
    جواهر الأحكام للشيخ محمد حسن الجواهري
    جواهر المطالب في مناقب الامام علي ابن أبي طالب مخطوط لشمس الدين أبو البركات
    جمهرة الخطب احمد زكي صفوة
    الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي
    جنة المأوى للإمام كاشف الغطاء
    (ح)
    حلية الاولياء لابن نعيم الاصفهاني
    حياة الحيوان للدميري
    الحركات الفكرية في الاسلام بندلي جوزة


    الحضارة الاسلامية آدم متز
    حقائق الاخبار عن دول البحار اسماعيل سرهنك
    حياة الشعر في الكوفة ليوسف خليف
    الحدائق الوردية مخطوط لحميد بن زيد اليماني
    حياة الحيوان للجاحظ
    حياة الامام الحسن للمؤلف
    حياة الامام موسى بن جعفر للمؤلف
    الحياة الاجتماعية والاقتصادية في الكوفة محمد حسين الزبيدي
    حجة السعادة في حجة الشهادة مخطوط لاعتماد السلطنة
    الحسين بن علي لعمرو أبو النصر
    الحسين بن علي للعلائلي
    الحسين بن علي حسين علي جلال
    الحضارة الاسلامية خدابخش
    (خ)
    الخراج يحيى بن آدم القرشي
    الخصائص للسيوطي
    خزانة الادب البغدادي عبد القادر بن عمر البغدادي
    الخلافة لتوماس
    خطط الخلافة ماسينيون
    الخلافة والدولة في العصر الاموى محمد حلمي
    الخراج وصنعة الكتابة لقدامة بن جعفر


    الخطابة في صدر الاسلام محمد طاهر دروش
    خطط المقريزي للمقريزي
    الخصال للصدوق
    (د)
    ديوان دعبل لدعبل بن علي الخزاعي
    ديوان الجواهري لمحمد مهدي الجواهري
    الدر المنثور للسيوطي
    ديوان السيد حيدر السيد حيدر الحلي
    ديوان الفرزدق للفرزدق
    ديوان الاخطل للاخطل
    الدرجات الرفيعة للسيد عليخان
    الدر النظيم مخطوط ليوسف بن حاتم الشامي
    الدولة الأموية في الشام أنيس زكريا
    الدر المسلوك في أحوال الأنبياء والاوصياء مخطوط للحر العاملي
    ديوان النعمان بن بشير للنعمان بن بشير الانصاري
    ديوان أبي الاسود لابي الاسود الدؤلي
    الدر النضيد احمد بن يحيى الهروي
    دائرة المعارف الاسلامية البريطانية فنسنك وآخرون
    دائرة المعارف الاسلامية فريد وجدي
    دائرة المعارف للبستاني
    دائرة المعارف الحديثة احمد عطية
    دلائل الامامة لمحمد بن جرير الطبري


    الدولة الاموية في الشرل لمحمد النجار
    درر الابكار في وصف الصفوة الأخيار مخطوط لابي الفتح بن صدقة
    درة الناصحين عثمان بن حسن الخويري
    دعائم الاسلام لابي حنيفة المغربي
    (ذ)
    ذخائر العقبى محب الدين الطبري
    ذيل الامالي لإسماعيل بن القاسم القالي
    ذكرى الحسين للشيخ حبيب العاملي
    ذخيرة الدارين سيد مجيد الحائرى
    الذرية في تصانيف الشيعة أغا بزرك الطهراني
    الذرية الطاهرة مخطوط محمد بن أحمد الدولابي
    الذهب المسبوك للمقريزي
    (ر)
    رجال الكشي محمد بن عمر الكشي
    رجال بحر العلوم محمد مهدي بحر العلوم
    ريحانة الرسول أحمد فهمي
    الرياض النضرة احمد بن محب الدين الطبري
    رحلة بنيامين ترجمة عزار حداد
    روح الاسلام السيد مير علي الهندي
    روضات الجنات محمد باقر الخونساري الموسوي
    رياض الاحزان لابن نما الحلي
    رجال النجاشي للنجاشي


    رسائل الجاحظ للجاحظ
    رحلة إلى العراق جمس بكنغهام
    روح البيان اسماعيل حقي
    روح المعاني محمود الآلوسي
    (ز)
    زهر الآداب للحصري
    زينب بنت علي عبد العزيز سيد الاهل
    زاد المعاد للمجلسي
    زينب وأخبار الزينبيات للعبيدلي
    (س)
    سنن ابن ماجة لابن ماجة
    سير أعلام النبلاء للذهبي
    سنن ابي داود لابي داود
    سفينة البحار للشيخ عباس القمي
    سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي حسين محمد يوسف
    السياسة عند العرب لعمرو أبو النصر
    سيرة ابن هشام لابن هشام
    سبط الرسول عبد الحفيظ أبو السعود
    السياسة الحسينية للامام كاشف الغطاء
    سمط النجوم العوالي عبد الملك العصامي
    سؤال في يزيد بن معاوية لابن تيمية
    السيرة الحلبية للحلبي


    سنن الدارمي عبد اللّه بن عبد الرحمن الدارمي البيهقي
    سنن البيهقي للبيهقي
    سنن ابن ماجة محمد بن يزيد القزويني
    (ش)
    شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
    الشهيد مسلم بن عقيل للمقرم
    شرح شافية ابي فراس مخطوط محمد بن الحسين
    شذرات الذهب ابن عماد الحنبلي
    الشيعة في الميزان محمد جواد مغنية
    شيخ المضيرة محمود أبو رية
    شعراء النصرانية بعد الاسلام لويس شيخو اليسوعي
    شعراء الحلة للخاقاني
    (ص)
    الصواعق المحرقة لابن حجر
    صبح الاعشى للقلقشندي
    الصراط السوي في مناقب آل النبي مخطوط لمحمود القادري
    الصحاح للجوهرى
    صحيح الترمذى للترمذي
    صحيح مسلم لمسلم
    صحيح البخاري للبخارى
    صحيح أبي داود لابي داود
    الصراع بين الموالي والعرب بديع شريف


    الصراع بين الموالي ومبادئ الاسلام نورى جعفر
    صلح الحسن للشيخ راضي آل ياسين
    الصناعتين لابن هلال
    (ط)
    الطبقات الكبرى لابن سعد
    الطبقات للشعراني
    (ع)
    علم الاجتماع عبد الحميد لطفي
    العقد الفريد لابن عبد ربه الاندلسي
    عيون الاخبار لابن قتيبة
    عقد الآل في مناقب الآل للبحراني
    العصيبة القبلية احسان النص
    العقيدة والشريعة في الاسلام اجناس جولد تسهر
    عيون الاخبار وفنون الآثار للداعى عماد الدين القرشى
    علم النفس العسكري عباس الحسني
    عمدة الطالب في أنساب آل أبى طالب لابن عنبة
    العواصم لابن عربى
    العبر لابن خالدون
    (غ)
    الغدير للأميني
    الغلو والفرق الغالية في الحضارة الاسلامية عبد اللّه سلوم السامرائى


    (ف)
    فتح الباري أحمد بن حجر العسقلاني
    فضائل الخمسة من الصحاح الستة مرتضى الحسين الفيروزآبادي
    فيض القدير للمناوي
    الفتوح احمد بن اعثم الكوفي
    الفصول المهمة لابن الصباغ
    فتوح البلدان للبلاذري
    فوات الوفيات محمد بن شاكر الكتبي
    الفرق بين الفرق لعبد القاهر البغدادي
    فهرست ابن النديم لابن النديم
    فهرست الطوسي للطوسي
    فضل زيارة الحسين مخطوط لمحمد بن علي العلوي
    فضائل الامام أمير المؤمنين مخطوط لعبد اللّه بن أحمد بن حنبل
    الفتوحات الاسلامية احمد بن زيني دحلان
    فروع الكافي للكليني
    مفتاح الافكار لاحمد مفتاح
    (ق)
    القاموس المحيط مجد الدين الفيروزآباذي
    قصص العرب لمحمد جاد المولى وغيره
    (ك)
    كنز العمال علي المنقي الهندي الحناني
    كشف الغمة للاربلي


    الكلمة الغراء في تفضيل الزهراء للامام شرف الدين
    كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب محمد بن يوسف القرشي الكنجي
    الكنى والاسماء لابي بشر الدولابي
    الكامل للمبرد
    كامل الزيارات لابن قولويه
    الكواكب الدرية للمناوي
    (ل)
    لسان الميزان لابن حجر
    لسان العرب لابن منظور
    اللهوف لابن طاوس
    (م)
    ما نزل في القرآن في أهل البيت ، مخطوط للحسين بن الحكم
    مصابيح السنة للبغوي
    مختصر صفة الصفوة عبد الرحمن بن علي الجوزي
    معجم الأدباء للحموي
    معجم البلدان للحموي
    مستدرك الصحيحين للحاكم
    المراجعات للامام شرف الدين
    مجمع الزوائد للهيثمي
    المواهب اللدنية للقسطلاني
    مروج الذهب للمسعودي
    مسند احمد للامام احمد


    منهاج السنة لابن تيمية
    مطالب السئول كمال الدين الشافعى
    مسند الفردوسي مخطوط شهردار الشافعى
    معادن الحكمة في مكاتيب الأئمة محمد محسن مرتضى الكاشانى
    مقتل الحسين للخوارزمى
    مقتل الحسين للمقرم
    الموطأ لمالك بن أنس
    الملل والنحل للشهرستانى
    المناقب والمثالب مخطوط للقاضي نعمان المصرى
    المجتبي لابن دريد
    المجتمعات الاسلامية في القرن الأول لشكرى فيصل
    معاوية في الميزان للعقاد
    مقتل العوالم مخطوط عبد اللّه البحرانى
    المنتظم مخطوط لابن الجوزى
    من معالم الحق محمد الغزالي
    مقامات الحريرى القاسم بن علي الحريرى
    مختصر كتاب البلدان لابن الفقيه
    معجم قبائل العرب عمر رضا كحالة
    مختصر البلدان لابن الفقيه
    مختصر كتاب البلدان للهمدانى
    مجلة الغرى لشيخ العراقين
    مدينة الحسين محمد حسين الكليدار


    معجم الطبرانى مخطوط للطبراني
    مرآة الجنان لليافعى
    مجلة البلاغ محمد حسن آل ياسين
    مرآة الزمان في تواريخ الأعيان مخطوط لابن الجوزى
    معجم رجال الحديث للامام الخوئي
    مثير الأحزان لابن نما
    المعارف لابن قتيبة
    مجالس الصدوق المصدوق
    معجم ابن الأعرابى لابن الأعرابى
    مختصر تاريخ العرب للسيد مير علي الهندى
    المناقب مخطوط لابن المغازلي
    مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمى
    مسند الامام زيد للامام زيد
    مشكل الآثار للطحاوي
    المنمق في أخبار قريش محمد بن حبيب البغدادي
    محاضرات الأوائل والاواخر لعلي درة الحنفي
    مجمع البيان للطبرسي
    مع الحسين في نهضته أسد حيدر
    المنتخب للطريحى
    مقتل الحسين مخطوط لأبي مخنف


    معجم الشعراء للمرزباني
    (ن)
    نساء لهن في التأريخ الاسلامى نصيب علي ابراهيم حسن
    نور الأبصار للشبلنجيّ
    النظام التربوى في الاسلام للمؤلف
    نظام الأسرة في الاسلام مخطوط للمؤلف
    نزهة المجالس عبد الرحمن الصفوي
    النصائح الكافية لمن يتولى معاوية محمد بن عقيل العلوى
    النزاع والتخاصم للمقريزى
    نظرية الامامة لدى الشيعة الاثنى عشرية محمود صبحي الصالح
    نهج البلاغة محمد عبده
    نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة لباقر المحمودى
    نهضة الحسين للشهرستاني
    نفس المهموم للشيخ عباس القمي
    النص والاجتهاد للامام شرف الدين
    النهاية لابن الأثير
    نهاية الارب احمد ابن عبد الوهاب النويرى
    نزهة المشتاق في تأريخ يهود العراق ليوسف رزق اللّه غنيمة
    نسب قريش مصعب بن عبد اللّه الزبيرى
    النظم الاسلامية ديموميين موريس عود فروا
    نزهة الناظر في تنبيه الخاطر الحسين بن محمد الحلواني


    النجوم الزاهرة يوسف بن تغرى بردى
    (ه‍)
    الهاشميات للكميت
    (و)
    وفيات الأعيان لابن خلكان
    وفاء الوفاء علي بن احمد السمهورى
    الوزراء والكتاب للجهشيارى
    وقعة الجمل لمحمد بن زكريا
    وقعة صفين نصر بن مزاحم
    الولاة والقضاة محمد بن يوسف الكندى
    وسيلة المال في عد مناقب الآل مخطوط لصفي الدين
    الوافي في المسألة الشرقية لامين شميل
    وسائل الشيعة للحر العاملي
    الوصية الكبرى لابن تيمية
    (ى)
    ينابيع المودة سليمان حنفي


    المحتويات



    تقديم 5
    اختيار الهجرة الى العراق
    عرض للاسباب التي أدت الى اختيار الامام
    الهجرة إلى العراق دون غيره
    الاعراض عن الحجاز 15
    الاعراض عن مصر 17
    الاعراض عن اليمن 17
    الاعراض عن فارس 18
    الاعراض عن البصرة 19
    مشفقون ومنددون
    المشفقون 23
    (1) المسور بن مخرمة (2) عبد اللّه بن جعفر (3) عبد اللّه بن عباس (4) ابو بكر المخزومي (5) عبد اللّه بن جعدة (6) جابر بن عبد اللّه (7) عبد اللّه بن مطيع (Cool عمرو بن سعيد (9) محمد بن الحنفية (10) السيدة أم سلمة (11) عبد اللّه بن الزبير
    منددون 35
    (1) عبد اللّه بن عمر (2) سعيد بن المسيب (3) ابو واقد الليثي (4) ابو سلمة (5) ابو سعيد (6) عمرة بنت عبد الرحمن

    المستحدثون من المنددين 38
    (1) الشيخ محمد الخضري (2) محمد النجار (3) محمد الغزالي (4) احمد شبلي
    الى العراق
    رسالته لبني هاشم 44
    التحاق بني هاشم به 45
    أسباب الهجرة من مكة 46
    (1) الحفاظ على الحرم (2) الخوف من الاغتيال (3) رسالة مسلم
    خطابه في مكة 47
    اتمام العمرة 50
    الخروج قبل الحج 51
    مع ابن الزبير 52
    السفر إلى العراق 53
    ملاحقة السلطة له 54
    اتصال دمشق بالكوفة 55
    موقف الأمويين 57
    (1) رسالة الوليد بن عتبة إلى زياد ، اشتباه ابن كثير (2) رسالة الاشدق الى ابن زياد
    مصادرة أموال ليزيد 59
    مع الفرزدق 60

    كتاب الحسين لأهل الكوفة 62
    مع أبي هرة 64
    مع بعض مشايخ العرب 65
    فزع السيدة زينب 66
    مع زهير بن القين 66
    النبأ المفجع بمقتل مسلم 68
    وصول النبأ بمصرع عبد اللّه 70
    رؤيا الامام الحسين 72
    الالتقاء بالحر 73
    خطاب الامام 75
    خطبة الامام 76
    المشادة بين الحسين والحر 77
    قول شاذ 78
    خطأ ابن عنبة 79
    خطبة الامام 80
    التحاق جماعة من الكوفة بالامام 82
    مع الطرماح 83
    مع عبيد اللّه بن الحر 86
    مع عمرو بن قيس 88
    رسالة ابن زياد للحر 89
    وصول الامام إلى كربلاء 91
    موضع الخيام 92

    فى كربلاء
    خطابه لأصحابه 98
    انتظار الاسدي للامام 100
    رسالة الامام لابن الحنفية 100
    مع هرثمة بن سلمى 101
    التحاق انس بن الحرث بالامام 102
    زحف الكوفة للحرب
    انتخاب ابن سعد قائدا عاما 105
    اخبار النبي بسوء عاقبته ، كراهية سعد له ، لعن الرشيد له ، توثيق العجلي لابن سعد
    نزعات ابن سعد 109
    (أ) الخنوع للسلطة (ب) التهالك عليها (ج) خسة الطبع (د) الجبن (هـ) الشك في البعث والنشور
    دوافع انتخابه 112
    حيرة ابن سعد 113
    العاذلون له 114
    الاستعراض العسكري 114
    خطبة ابن مرجانة 115
    تحريض سمرة لحرب الامام ، تمارض شبث بن ربعي 116

    النفير العام 116
    الرقابة الدقيقة على الكوفة 117
    هرب الجنود 118
    الطاغية في النخيلة 119
    محاولة لاغتيال ابن زياد 119
    عدد الجيش الأموي 119
    التحقيق في الموضوع 121
    القادة العسكريين 122
    أدوات الحرب 124
    (1) الرماة (2) الجوالة (3) المجففة
    عدد أصحاب الحسين 125
    رسول ابن سعد مع الامام 126
    ابن سعد مع الامام ، رسالة ابن سعد لابن زياد 128
    افتراء ابن سعد 129
    افساد الشمر لمهمة السلام 130
    رفض ابن زياد الحلول السلمية 131
    الامام مع ابن سعد 133
    أمان الشمر لأخوة العباس 134
    منع الامدادات 135
    احتلال الفرات 135
    الطباع اللئيمة 137
    الانكار على ابن سعد 138

    العثور على عين ماء 140
    القتال على الماء 141
    استنجاد حبيب بأسرته 141
    مع المعسكرين
    المعسكر الحسيني 145
    الأهداف العظيمة 145
    (1) الدفاع عن الاسلام (2) حماية الامام والدفاع عنه (3) تحرير الامة
    النزعات الفذة 148
    (1) الاباء والعزة (2) البسالة والصمود
    عناصر جيش الامام 152
    المعسكر الأموى 153
    (1) فقدان الارادة (2) القلق والحيرة (3) الفسق
    عناصر الجيش 156
    (1) الانتهازيون (2) المرتزقة (3) الممسوخون (4) المكرهون (5) الخوارج
    المأساة الخالدة
    زحف الجيش 161
    تأجيل الحرب الى الصبح 165

    الامام يأذن لأصحابه بالتفرق 165
    جواب أهل بيته 167
    جواب اصحابه 167
    الامام يكشف مكيدة أهل الكوفة 170
    مع محمد بن بشير 170
    انهزام فراس المخزومي 171
    الامام لا يأذن بالشهادة لمن كان عليه دين 171
    الامام ينعى نفسه 172
    التخطيط العسكري 174
    احياء الليل بالعبادة 175
    استبشار أصحاب الامام 175
    سخرية الشمر بالامام 176
    رؤيا الامام الحسين ، فزع عقائل الوحي 177
    تطيب الامام وحنوطه 178
    يوم عاشوراء 178
    دعاء الامام 180
    اشعال النار في الخندق 180
    هرير الممسوخين 181
    التعبئة العامة في المعسكرين 182
    الاحتجاجات الصارمة 183
    خطبة الامام 184
    خطاب زهير 188

    خطاب برير 191
    خطاب الامام الحسين 192
    استجابة الحر 195
    خطاب الحر للجيش 197
    التحاق ثلاثين فارسا بالامام 198
    الحرب 199
    مصارع الأصحاب
    الهجوم العام 203
    عدد الضحايا من أصحاب الامام ، المبارزة بين المعسكرين 204
    هجوم فاشل 206
    مباهلة برير ليزيد 207
    مصرع برير 208
    شهادة عمرو الأنصاري 209
    رفض الجيش الأموي للمبارزة 210
    هجوم عمرو بن الحجاج 211
    مصرع مسلم بن عوسجة 212
    هجوم الشمر 213
    مصرع عبد اللّه الكلبي 214
    استنجاد عروة 215
    فتح جبهة ثانية ، محاولة الشمر لاحراق حرائر الوحي 216
    انكار حميد بن مسلم 217
    توبيخ شبث بن ربعي ، انتصاف النهار 218

    مصرع حبيب 219
    مصرع الحر 221
    اداء فريضة الصلاة 222
    مصرع زهير 224
    مصرع نافع بن هلال 225
    عابس مع شوذب 227
    مصرع عابس الشاكري 227
    هزيمة الضحاك ، شهادة جون 229
    شهادة حنظلة الشبامي 231
    مصرع الحجاج 232
    مصرع عمرو بن جنادة 233
    مصرع أنس الكاهلي 234
    مصرع أبي الشعثاء ، مصرع الجابريين 235
    مصرع الغفاريين ، مصرع الانصاريين ، شهادة انيس 236
    مصرع قرة الغفاري 237
    مصرع يحيى المازني ، الامام مع اصحابه 238
    شهادة عبد اللّه اليزني 239
    الامام مع الشهداء 239
    مصارع العترة الطّاهرة
    علي الأكبر 243
    مصارع آل عقيل 249

    عبد اللّه بن مسلم ، جعفر بن عقيل ، عبد الرحمن بن عقيل ، محمد بن عقيل ، عبد اللّه الأكبر ، محمد بن أبي سعيد بن عقيل ، محمد بن مسلم ، علي بن عقيل
    ابناء الحسن 254
    عبد اللّه بن الحسن ، القاسم بن الحسن ، الحسن بن الامام الحسن ، عبد اللّه بن الحسن
    ابناء عبد اللّه بن جعفر 258
    عون بن عبد اللّه ، محمد بن عبد اللّه ، عبيد اللّه بن جعفر
    اخوة الحسين 260
    العباس مع اخوته 260
    مصرع عبد اللّه بن امير المؤمنين 261
    مصرع جعفر ، مصرع عثمان 262
    مصرع العباس 263
    محمد الأصغر 269
    ابو بكر ، العباس الأصغر 270
    مصرع الامام العظيم
    استغاثة الامام 274
    مصرع الرضيع 275
    صمود الامام 276
    موقف المكرهين 278

    فزع ابن سعد 279
    استيلاء الامام على الماء 280
    الهجوم على خيم الحسين 280
    خطابه الأخير ، الامام يطلب ثوبا خلقا 282
    وداعه لعياله 283
    الامام مع ابن رباح 287
    مناجاته مع اللّه 288
    الهجوم عليه 289
    خروج العقيلة ، الفاجعة الكبرى 290
    القاتل الأثيم 292
    عمر الامام وسنة شهادته 296
    امتداد الحمرة في السماء 297
    فرس الحسين ، حرق الخيام 298
    سلب جثة الامام 299
    سلب حرائر النبوة 300
    الهجوم على زين العابدين 302
    الخيل تدوس الجثمان العظيم 303
    العقيلة أمام الجثمان العظيم 304
    سنان يطلب الجائزة 305
    القبائل تقتسم الرءوس 306
    عودة الطاغية الى الكوفة 307
    ليلة الحادي عشر 308

    عدد الضحايا من أهل البيت 309
    الجرحى من اصحاب الامام 312
    (1) سوار بن حمير الجابري (2) عمرو بن عبد اللّه (3) الحسن بن الحسن
    الناجون من القتل 312
    (1) عاقبة بن سمعان (2) المرقع بن قمامة (3) مسلم بن رباح (4) الامام زين العابدين (5) الحسن بن الحسن (6) عمر بن الحسن (7) القاسم بن عبد اللّه (Cool محمد بن عقيل (9) زيد بن الحسن
    خسائر ابن سعد 314
    رؤيا ابن عباس 315
    رؤيا أمّ سلمة 316
    خولى يحمل رأس الامام 318
    الطاغية مع قاتل الامام 319
    تشفي ابن زياد برأس الامام 320
    رجوع القوات المسلحة 321
    جزع الامام زين العابدين 322
    مواراة الجثث الطاهرة 323
    فضل زيارة الحسين 327
    دعاء الامام الصادق لزوار الحسين 328
    سبايا اهل البيت فى الكوفة
    دخول السبايا الى الكوفة 333

    خطاب السيدة زينب 335
    صدى الخطاب 336
    خطاب السيدة فاطمة 337
    صدى الخطاب ، خطاب السيدة أمّ كلثوم 340
    خطاب الامام زين العابدين 341
    في مجلس ابن زياد ، الطاغية مع عقيلة الوحي 343
    الطاغية مع زين العابدين 345
    ثورة ابن عفيف 347
    العفو عن ابن معقل ، القاء القبض على جندب 352
    الطاغية مع قيس ، تقوير الرأس الشريف 353
    الطواف بالرأس العظيم 354
    حبس عقائل الوحي 355
    اختطاف علي بن الحسين ، ندم ابن سعد 356
    ابن زياد يطالب ابن سعد بالكتاب ، نص الكتاب 357
    التنديد بابن زياد 358
    (1) مرجانة (2) عثمان بن زياد (3) معقل بن يسار
    الانكار على ابن سعد ، الاستياء الشامل 359
    ندم اهل الكوفة 361
    (1) البراء بن عازب (2) المسيب بن نجبة (3) سليمان بن صرد (4) عبد اللّه بن الحر
    الهجرة من الكوفة 364

    سبايا آل الرّسول ص فى دمشق
    تسيير الرءوس ، تسريح العائلة النبوية 367
    تشييع أهل الكوفة للاسرى ، تزيين الشام 368
    الشامي مع زين العابدين 371
    سرور يزيد 372
    رأس الامام بين يدي يزيد 373
    نصب الرأس في جامع دمشق ، رأس الامام عند نساء يزيد 375
    السبايا في مجلس يزيد 376
    خطاب السيدة زينب 377
    محتويات الخطاب 381
    جواب يزيد 383
    صدى الخطاب 384
    خطاب الامام زين العابدين 385
    صدى الخطاب 388
    الشامي مع فاطمة 389
    الامام السجاد مع المنهال 391
    النياحة على الحسين ، مكافأة ابن مرجانة 392
    ندم الطاغية 393
    منكرون وناقمون 394
    (1) ممثل ملك الروم (2) حبر يهودي (3) قيصر ملك الروم (4) رأس الجالوت (5) واثلة بن الاسقع (6) ابن عباس (7) ابن الزبير (Cool ابو برزة (9) الاسرة الأموية (أ) يحيى بن الحكم (ب) عاتكة بنت يزيد (ج) هند (د) معاوية بن يزيد
    مخاريق واباطيل 402

    (1) ابن تيمية (2) الغزالي (3) ابن العربي (4) ابن حجر (5) أنيس زكريا (6) الدكتور النجار (7) محمد عزة دروزه
    رأي الدكتور طه حسين 406
    كلمة التفتازاني ، رأي اليافعي ، رأي احمد بن حنبل 407
    كلمة المعتضد العباسي 408
    الى يثرب
    اعتذار الطاغية من زين العابدين 413
    عرض الأموال لآل البيت ، رد السيدة أمّ كلثوم ، طلبة الامام زين العابدين 414
    السفر الى يثرب 415
    وصول النبأ الى يثرب 416
    خطاب الأشدق 417
    فجيعة الهاشميين 418
    مأتم عبد اللّه بن جعفر 419
    رزية ابن عباس ، مسور مع ابن الزبير 420
    رأس الامام في يثرب 421
    عودة السبايا الى كربلا 422
    الى يثرب ، نعي بشر للامام 423
    خطاب الامام زين العابدين 424
    مكافأة الحرس 426
    حزن الامام زين العابدين 427
    لوعة الهاشميين ، حزن العقيلة 428
    لوعة الرباب 429
    احزان أم البنين ، مصير الرأس العظيم 430

    (1) في كربلا (2) في البقيع (3) في النجف (4) في دمشق (5) في فارس (6) في مصر
    معطيات الثّورة
    انتصار القضية الاسلامية 439
    هزيمة الأمويين ، مظاهر هزيمتهم 440
    (أ) تجريدهم من الواقع الاسلامي (ب) شيوع النقمة والانكار عليهم (ج) تحول الخلافة عن بني أمية
    التدليل على واقع أهل البيت 442
    تركيز الولاء لآل البيت 443
    توحيد صفوف الشيعة 444
    تكوين الحس الاجتماعي ، تفجير المواهب 445
    منابر الوعظ والتوجيه 447
    امتداد الثورة 448
    (1) ثورة عبد اللّه بن عفيف 449
    (2) ثورة المدينة 449
    (3) ثورة التوابين 450
    مؤتمر التوابين ، قرارات المؤتمر ، اعلان الثورة ، في كربلا ، في عين الوردة
    (4) ثورة المختار 453
    فزع السفكة المجرمين 455
    الابادة الشاملة 456
    استمرار الثورة 457
    مصادر الكتاب 459
    المحتويات الكتاب 479

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
     
    حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ٣ المؤلف: باقر شريف القرشي
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 2 من اصل 2انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
     مواضيع مماثلة
    -
    » حياة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام دراسة وتحليل المؤلف: باقر شريف القرشي
    » النصّ الجليّ في إثبات ولاية علي عليه السلام
    » الحسين عليه السلام في مواجهة الضلال الأموي وإحياء سيرة النبي صلّى الله عليه وآله وعلي عليه السلام
    » موسوعة الامام علي عليه السلام
    » طب الامام الصادق عليه السلام

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: -28- منتدى موسوعة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام-
    انتقل الى: