والحميري ، وقيس وغيرهم (1) ، ستعرف شطرا منها إن شاء الله تعالى.
وذكر ابن كثير (2) من علماء الجمهور عند ذكر ترجمة الطبريّ الشافعيّ : إنّي
__________________
(1) نظم الشعراء في واقعة الغدير من الأشعار ما لا يحصى لانتشاره ، ومنهم دعبل الخزاعي ، والعوني ، والأمير أبو فراس الحمداني ، وأبو العلاء ، والقاضي التنوخي ، وغيرهم.
قال دعبل بن عليّ بن رزين بن عثمان الخزاعيّ المتوفّى سنة 246 ه : أخبار شعراء الشيعة 96 ـ 108.
فقال : ألا من كنت مولاه منكم
فهذا له مولاه بعد وفاتي
أخي ووصيّي وابن عمّي ووارثي
وقاضي ديوني من جميع عداتي
(أخبار شعراء الشيعة 148 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 40)
وقال العونيّ ، وهو أبو محمّد طلحة بن عبيد الله بن أبي عون الغسّانيّ العونيّ ، كان يتفنّن في الشعر ويأتي بأساليبه وفنونه وبحوره مقدرة منه على تحوير القول وصياغة الجمل كيفما شاء ، قال ابن شهرآشوب في المعالم إنّه نظم أكثر من المناقب. الغدير 4 : 124 ـ 140.
من قال أحمد في يوم الغدير له :
من كنت مولاه من عجم ومن عرب
فإنّ هذا له مولى ومنذرها
يا حبّذا هو من مولى ويا بأبي
(مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 3 : 41)
وقال الزاهيّ وهو أبو القاسم عليّ بن إسحاق بن خلف القطّان البغداديّ النازل بالكرخ ، الشهير بالزاهي ، شاعر ، عبقريّ تحيّز في شعره إلى أهل بيت الوحي ، ودان بمذهبهم. الغدير 3 : 388 ـ 398.
من قال أحمد في يوم الغدير له
بالنقل في خبر بالصدق مأثور :
قم يا عليّ فكن بعدي لهم علما
واسعد بمنقلب في البعث محبور
مولاهم أنت والموفي بأمرهم
نصّ بوحي على الأفهام مسطور
وذاك أنّ إله العرش قال له
بلّغ وكن عند أمري خير مأمور
فإن عصيت ولم تفعل فإنّك ما
بلّغت أمري ولم تصدع بتذكيري
(مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 3 : 30)
وقال الأمير أبو فراس الحمدانيّ ، وهذه الأبيات من قصيدته في مدح آل البيت :
تبّا لقوم تابعوا أهواءهم
فيما يسوؤهم غدا عقباه
أتراهم لم يسمعوا ما خصّه
منه النبيّ من المقال أتاه
إذ قال في يوم الغدير معالنا
من كنت مولاه فذا مولاه
(ديوان أبي فراس 312 ـ 314 ، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 3 : 39)
(2) عبقات الأنوار 2 : 487 ؛ وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء 14 : 277 ، في ترجمة ابن جرير أنّ ابن ـ
رأيت كتابا ضخيما في مجلّدين ، كلّه طرق هذه الرواية ، يعني رواية «من كنت مولاه» في يوم غدير خمّ ، وكتابا جمع فيه طرق حديث الطير المشويّ.
بل قال أبو المعالي الجوينيّ (1) من أعاظم المخالفين متعجّبا : إنّي رأيت كتابا في بغداد مكتوبا عليه «المجلّد الثامن والعشرون من مجلّدات هذه الرواية ويتلوه المجلّد التاسع والعشرون».
وقد حكى هذه الحكاية بعض الفضلاء الأعلام في كتاب صنّفه في الإمامة عن أبيه ، أنّه رآه أيضا في بغداد عند صحّاف ؛ وقد اشتهرت بين أرباب السير على وجه لا ينكر ولا يؤوّل ، وله شواهد أخرى ستعرف بعضها فيما يأتي إن شاء الله.
قال أبو الحسن الواحديّ (2) عليّ بن أحمد ـ من أكابر علماء المخالفين ـ في تفسيره : هذه الولاية الّتي أثبتها النبيّ صلىاللهعليهوآله لعليّ عليهالسلام مسئول عنها يوم القيامة. وروى قوله تعالى (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) (3) : أي عن ولاية عليّ عليهالسلام ، والمعنى أنّهم يسألون هل والوه حقّ الموالاة كما أوصاهم النبيّ صلىاللهعليهوآله ، أضاعوها وأهملوها؟
قال الغزاليّ في كتاب له سمّاه سرّ العالمين وكشف ما في الدارين : لكن أسفرت الحجّة وجهها ، وأجمع الجماهير على متن الحديث عن خطبة يوم غدير خمّ ، باتّفاق الجميع وهو يقول : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، فقال عمر بن الخطاب : بخّ بخّ لك يا أبا الحسن ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة ؛ إلى
__________________
ـ جرير جمع طرق حديث غدير خمّ في أربعة أجزاء. قال : رأيت شطره فبهرني سعة رواياته وجزمت بوقوع ذلك.
(1) نهج الايمان 133 ، وفيه : قال أبو المعالي الجوينيّ : شاهدت مجلّدا ببغداد في يد صحّاف فيه روايات هذا الخبر مكتوبا عليه «المجلّدة الثامنة والعشرون من طرق قوله «من كنت مولاه فعليّ مولاه» ويتلوه المجلّدة التاسعة والعشرون».
(2) الصواعق المحرقة 149.
(3) الصافات : 24.
أن قال الغزاليّ : وهذا يعني قول عمر بالبخبخة والاعتراف بالمولويّة لأمير المؤمنين عليهالسلام عليه وعلى كلّ مؤمن ومؤمنة ، وهذا تسليم ورضا وتحكيم ؛ ثمّ بعد هذا غلب عليه الهوى لحبّ الرئاسة وحمل عمود الخلافة وعقود البنود وخفقان الهوى في قعقعة الرايات واشتباك ازدحام الخيول وفتح الأمصار ؛ فسقاهم كأس الهوى ، فعادوا إلى الخلاف الأوّل ـ وفي بعض النسخ : إلى الجاهلية ـ (فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) (1) (2).
وقد نقل عنه لفظه هذا بعينه ابن الجوزيّ في تذكرة الخواصّ (3) ، والقاضي زاده عن كتاب سرّ العالمين ؛ فدلّ على أنّ الكتاب له : ولا يسع انكار بعض الجهّال كونه له ، وأنت خبير بأنّ هذا من الغزاليّ وهو من أكابر أئمّتهم في المذهب دعوى الإجماع على صحّة الخبر المذكور المشهور من قوله «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه» ... وتواتره لنقل الثقات ، وأنّه تكفير صريح للثلاثة وأتباعهم ، والعجب من قولهم مع ذلك بإمامة الثلاثة ووجوب طاعتهم ، وكأنّهم يرون أنّ إجماع الأمّة على إمامة أبي بكر نسخ حكم الله ورسوله في غدير خمّ بولاية عليّ عليهالسلام ومولويّته. وقبول أبي بكر وعمر ذلك والبخبخة (4). أو يقولون : بأنّ الإجماع على
__________________
(1) سرّ العالمين 16 ، 17. وفيه : ولمّا مات رسول الله صلىاللهعليهوآله قال قبل وفاته : ائتوني بدواة وبياض لازيل عنكم إشكال الأمر ، وأذكر لكم من المستحقّ لها بعدي. قال عمر : دعوا الرّجل فإنّه ليهجر ، وقيل : يهذو.
(2) آل عمران : 187.
(3) تذكرة الخواصّ 29.
(4) قال سعيد بن المسيب : قلت لسعد بن أبي وقاص : إنّي أريد أن أسألك عن شيء ، وإنّي أتهيّبك ، قال : سل عمّا بدا لك ، فإنّما أنا عمّك. قلت : مقام رسول الله صلىاللهعليهوآله يوم غدير خمّ فيكم؟ قال : نعم ، قام فينا رسول الله صلىاللهعليهوآله بالظهيرة ، فأخذ بيد عليّ ، فقال : «من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه».
فقال أبو بكر وعمر : أمسيت يا بن أبي طالب مولى كلّ مؤمن ومؤمنة.
البيعة أوجب إمامة أبي بكر ونصّ أبي بكر على عمر أوجب إمامة عمر ، وحكم الشورى أوجب إمامة عثمان ووجوب طاعتهم ، وإن ارتدّوا كما هو ظاهر كلامه ؛ فعادوا إلى الخلاف الأوّل ، أو الجاهليّة الأولى ، ولو لا ذلك كان قولهم بالأمرين تهافتا وتناقضا ، ثمّ بعد الآية وقول النبيّ صلىاللهعليهوآله في عليّ عليهالسلام بما عرفت.
قال حسّان بن ثابت (1) من شعراء الصحابة : يا رسول الله أتأذن لي أن أقول في عليّ عليهالسلام أبياتا تسمعها ؛ فقال : قل على بركة الله ، فقام حسّان فقال : يا معشر قريش اسمعوا قولي بشهادة من رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ثمّ أنشأ يقول :
يناديهم يوم الغدير نبيّهم
بخمّ وأسمع بالنّبيّ مناديا
وقال : فمن مولاكم ووليّكم (2)
فقالوا ولم يبدوا هناك التّعاميا
إلهك مولانا وأنت وليّنا
ولن تجدن منّا لك اليوم عاصيا
هناك دعا : اللهمّ وال وليّه
وكن للّذي عادى عليّا معاديا
فقال له : قم يا عليّ فإنّني
رضيتك من بعدي إماما وهاديا (3)
فقال له النبيّ صلىاللهعليهوآله : يا حسّان لا تزال مؤيّدا بروح القدس ما نافحت عنّا
__________________
ـ انظر كتاب الولاية لابن عقدة الكوفيّ 155 ؛ رسالة طرق حديث «من كنت مولاه فعليّ مولاه» للذهبيّ 14 ؛ كفاية الطالب 56 ؛ الصواعق المحرقة 107 ؛ فيض القدير 6 : 217.
(1) أبو الوليد حسّان بن ثابت بن المنذر ، وبيت حسّان أحد بيوتات الشعر ، قال المرزباني في معجم الشعراء : قال دعبل والمبرّد : أعرق الناس كانوا في الشعر آل حسّان. وفضل حسّان الشعراء بثلاث : كان شاعر الأنصار ، وشاعر النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وشاعر اليمن كلّها في الإسلام. ولد حسّان مثل مولد النبيّ صلىاللهعليهوآله بثمان سنين ، وعاش مائة وعشرين سنة. وكان ممّن دافع عن رسول الله صلىاللهعليهوآله بشعره ، حتّى قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : إنّ الله يؤيّد حسّان بروح القدس ما نافح أو فاخر عن رسول الله. ثمّ انحرف حسّان عن أمير المؤمنين عليهالسلام بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فمات عثمانيّا. الغدير 2 : 62 ـ 65
(2) في الأصل : «بأنّي مولاكم ، نعم ووليّكم».
(3) نظم درر السمطين 112 ؛ النور المشتعل من كتاب ما نزل 57 ؛ فرائد السمطين 1 : 73 ؛ الاقتصاد للشيخ الطوسيّ 351 ؛ المناقب للخوارزميّ 136 ؛ شواهد التنزيل 1 : 157 ؛ نهج الايمان 116 ؛ المقنع في الامامة 75 ؛ الجمل 117 ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 3 : 37.
بلسانك.
حكاه في تذكرة الخواصّ (1) لابن الجوزيّ وغيره. وقوله «عنّا» إشارة إلى كون عليّ من النبيّ صلىاللهعليهوآله أيضا.
وقال قيس بن سعد بن عبادة الأنصاريّ وأنشدها بين أمير المؤمنين عليهالسلام بصفّين.
قلت لمّا بغى العدوّ علينا
حسبنا ربّنا ونعم الوكيل
وعليّ إمامنا وإمام
لسوانا (2) أتى به التّنزيل
يوم قال النبيّ من كنت مولاه
فهذا مولاه خطب جليل
إنّ ما قاله النبيّ على الأمّة
حتم ما فيه قال وقيل (3) و (4)
وقال الكميت :
نفى عن عينك الأرق الهجوعا
وهمّا يمتري منها الدّموعا
__________________
(1) تذكرة الخواصّ 33.
(2) في الأصل : «لسوانا به آية».
(3) أخبار شعراء الشيعة 43 ؛ الفصول المختارة 236 ؛ خصائص أمير المؤمنين عليهالسلام للنسائي 43 ؛ الاقتصاد للطوسيّ 351 ؛ كنز الفوائد 2 : 98 ؛ المقنع في الإمامة 134 ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 3 : 37 ؛ روضة الواعظين 103 ؛ تذكرة الخواصّ 33 ؛ وقعة صفّين 93 ، 127 ، 195 ، 208 ، 426 ، 446.
(4) في مشارق البرسيّ ، عن الخوارزميّ في مناقبه ـ المناقب للخوارزميّ 144 ـ مرفوعا إلى ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أتاني جبرئيل فنشر جناحه ، وإذا على أحدهما مكتوب «لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله» ، وعلى الآخر مكتوب «لا إله الّا الله» ، عليّ وليّ الله» ؛ وعلى أبواب الجنّة مكتوب «لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، عليّ أخوه وليّ الله ، أخذت ولايتهم على الذرّ قبل خلق السماوات والأرض بألفي عام». أو فيه عن أبي بكر بن الخطيب مرفوعا إلى ابن عبّاس ، قال : على أبواب الجنّة مكتوب «لا إله إلّا الله» ، محمّد رسول الله ، عليّ وليّ الله ، فاطمة خيرة الله ، الحسن والحسين صفوة الله ، على محبّهم رحمة الله ، وعلى مبغضهم لعنة الله». محمد حسين
لدى الرّحمن يصدع (1) بالمثاني
وكان له أبو حسن مطيعا (2)
ويوم الدّوح دوح غدير خمّ
أبان له الولاية لو (3) اطيعا
ولكنّ الرّجال تبايعو (4) ها
فلم أر مثله (5) حقّا أضيعا (6)
قال ابن الجوزي في تذكرة الخواصّ : ولهذه الأبيات قصّة عجيبة حكاها بعض إخواننا ، قال : أنشدت ليلة هذه الأبيات. وبتّ مفكّرا فيها : فنمت فرأيت أمير المؤمنين عليهالسلام في منامي ، فقال لي : أنشدني أبيات الكميت ، فأنشدته إيّاها ، فلمّا ختمتها ، قال عليهالسلام :
فلم أر مثل ذاك اليوم يوما
ولم أر مثله حقّا أضيعا
قال : فانتبهت مذعورا (7).
أقول : لم أر مثل ذلك اليوم قد حضر فيه المهاجر والأنصار وغيرهم سبعين ألفا أو يزيد ، وقد نصّ النبيّ صلىاللهعليهوآله على ولاية عليّ عليهالسلام وأكّدها أشدّ تأكيد ، حتّى
__________________
(1) في الأصل : «يشفع».
(2) في الأصل : «شفيعا».
(3) كلمة «لو» سقطت في الأصل.
(4) في الأصل : «تدافعوها».
(5) في الأصل : «فلم أر مثلها خطرا مبيعا».
(6) شرح هاشميّات الكميت 195 ـ 197 ؛ المقنع في الإمامة 135 ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 3 : 35 ؛ أخبار شعراء الشيعة 71 ـ 79 ، وفيه : قال الكميت لأبي جعفر الباقر عليهالسلام : إنّي قد قلت شعرا إن أظهرته خفت القتل ، وإن كتمته خفت الله تعالى. فأنشد : نفى عن عينك الأرق الهجوعا ...
قال : فأدار أبو جعفر عليهالسلام وجهه إلى القبلة وقال : اللهمّ اكف الكميت ، ثلاث مرات ، فلمّا وقع في الحبس تخلّص بدعائه عليهالسلام.
(7) تذكرة الخواصّ 33 ، 34 ؛ نهج الإيمان 131 ، وفيه : روي أنّ ابن الكميت رأى في منامه رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو يقول له : أنشدني قصيدة أبيك ـ يعني هذه ـ فأنشدته إيّاه فلمّا وصلت إلى قوله «ولم أر مثله حقّا أضيعا» بكى رسول الله بكاء شديدا وقال : صدق أبوك رحمهالله ، أي والله ولم أر مثله حقّا أضيعا ، ثمّ انتبه. وإنّما ذكر الكميت «الدّوح» لأن الغدير كان في وادي الأراك عند شجرات خمس دوحات عظام.
لم يبق منهم جاهل بذلك الأمر ، وقام عمر بن الخطاب وبخبخ واعترف بالمولويّة على نفسه ، وأمرهم النبيّ صلىاللهعليهوآله بقوله : سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين ، فشاع لقبه عن الله ورسوله بأمير المؤمنين (1).
وكفى به حجّة على إمامته وولايته عند أولي الألباب ، بل عند كلّ جاهل فضلا عن عالم ، ومكث هناك [ف] أخذ البيعة له بولايته عليهم ، ولم أر مثله حقّا أضيعا ، حتّى نكثوا البيعة واتّخذوا عليه العجل واختاروا السّامري ، فانقلبوا على أعقابهم ، ورجعوا إلى الجاهليّة الأولى ، واشتروا به ثمنا قليلا من حطام الدنيا ، فبئس ما يشترون.
وقال السيّد الحميري :
يا بائع الدّين بدنياه
ليس بهذا أمر الله
من أين أبغضت عليّ الرضى
وأحمد قد كان يرضاه
من ذا الذي أحمد من بينهم
يوم غدير الخمّ ناداه
أقامه من بين أصحابه
وهم حواليه فسمّاه
هذا عليّ بن أبي طالب
مولى لمن قد كنت مولاه
فوال من والاه يا ذا العلى
وعاد من قد كان عاداه (2)
__________________
(1) أمير المؤمنين لقب خاصّ بالإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، ولا يجوز شرعا إطلاقه على غير الإمام عليّ عليهالسلام مهما بلغت رتبته ومقامه. قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : لو علم الناس متى سمّي عليّ أمير المؤمنين ما أنكروا فضله سمّي أميرا وآدم بين الروح والجسد ...
فردوس الأخبار 3 / 399 ؛ حلية الأولياء 1 / 63 ، 66 ؛ المناقب للخوارزميّ 85 ، 303 ، أمالي الصدوق 244 ، اليقين 241.
(2) أبو هاشم إسماعيل بن محمّد بن يزيد بن وداع الحميريّ الملقّب بالسيّد ، ويكنّى بأبي هاشم ، وكان يلقّب منذ صغر سنّه بالسيّد. روي أنّ أبا عبد الله عليهالسلام لقي السيّد بن محمّد الحميري وقال : «سمّتك أمّك سيّدا ، وفّقت في ذلك وأنت سيّد الشعراء». وكان السيّد الحميري رأس الشيعة ، وكانت الشيعة من تعظيمها له ـ
فائدة
والمولى له معان :
الف : المعتق بكسر التاء (1).
ب : المعتق ، بفتح التاء (2).
ج : ابن العمّ ، ومنه قول اللهبيّ (3) (4).
مهلا بني عمّنا مهلا موالينا
لا تبحثوا (5) بيننا ما كان مدفونا (6)
د : الحليف ، ومنه قول الذبيانيّ :
موالي حليف لا موالي قرابة
يقول هم حلفاء لابني عمّ
__________________
ـ تلقي له وسادة بمسجد الكوفة ، وكان السيّد أحذق النّاس بسوق الأحاديث والأخبار والكلام والمناقب في الشعر ، لم يترك لعليّ بن أبي طالب عليهالسلام فضيلة معروفة إلّا نقلها إلى الشعر ، ولد السيّد سنة 105 ، ومات في سنة 173 ه. انظر : العقد الفريد 2 : 289 ؛ أخبار شعراء الشيعة للمرزبانيّ 151 ـ 179 ؛ الأغاني 7 : 229 ـ 278 ؛ رجال الكشّي 186 ؛ تذكرة الخواصّ 34 ؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 3 : 42.
(1) المولى : المعتق ، وهو مولى النعمة ، وفي الحديث «الميراث للعصبة ، فإن لم يكن فللمولى» انظر : مسند أحمد بن حنبل 2 : 356.
(2) المولى : العبد المعتق. وفي الحديث عن النبيّ صلىاللهعليهوآله «لا تحلّ الصدقة لآل محمّد ، ومولى القوم منهم» وهذا الحديث في باب تحريم الصدقة على بني هاشم. انظر : مسند أحمد بن حنبل : 200 ، 201 ، و 3 : 444 ، 476 ؛ الموطّأ 2 : 1000 باب ما يكره من الصدقة.
(3) في الأصل : «الهذليّ».
(4) اللهبيّ هو الفضل بن العبّاس بن عتبة بن أبي لهب ، اللهبيّ من قريش شاعر من فصحاء بني هاشم ، كان معاصرا للفرزدق والأحوص ، وله معهما أخبار ، مدح عبد الملك بن مروان ، وهو أوّل هاشمي مدح أمويّا ، توفّي سنة 95 ه.
(5) في الأصل : لا تنبشوا.
(6) المولى ابن العمّ : قال الله تعالى : «وانّى خفت الموالي من ورائى» أي بني العمّ ، هذا قول أبي عبيدة. وقوله تعالى (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ) أي عصبة.
ه : التوالي الضمان الجريرة وحيازة الميراث ، وقد كان ذلك في الجاهليّة ، ثمّ نسخ بآية الميراث.
و : الجار لماله الحقوق بالمجاورة. ولكلّ هذه المعاني الستّة ، ظاهر العلماء من الفريقين اتّفاقهم على فساد إرادتها في المقام ضرورة.
وفي أنوار البصائر : أجمعت الأمّة على فساد إرادتها في المقام ، ويظهر من المثنوي للحضرة المولويّ صحّة إرادة المعتق بكسر التاء ، قال :
زين سبب پيغمبر با اجتهاد
نام خود وآن علي مولى نهاد
كيست مولى آنكه آزادت كند
بند رقيت ز پا بركند (1)
وهذا المعنى بهذا التفسير معناه الهادي إلى سبيل النجاة ، فإنّ المولى من له أن يعتق عبده ، والعتق قد يكون عن الرقيّة الظاهرة الشرعيّة ، وقد يكون عن الرقيّة الباطنيّة لعبيد الهوى ، فلا ضير فيه بهذا التأويل.
ز : بمعنى المالك (2) ، قال الله تعالى (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ) (3) وقوله تعالى : (وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ) (4) أي على مالك رقبته ، ولو أريد هذا المعنى من المولى في المقام كان معناه : من كنت مالك رقبته ، فعليّ مالك رقبته
__________________
(1)
زين سبب پيغمبر با اجتهاد
نام خود وآن على مولا نهاد
گفت هركس را منم مولا ودوست
ابن عمّ من على مولاى اوست
كيست مولا آنكه آزادت كند
بند رقيت ز پايت بركند
دفتر ششم مثنوى 117
(2) المولى : المالك. وفي حديث النبيّ صلىاللهعليهوآله «أيّما عبد تزوّج بغير إذن مولاه فهو عاهر» انظر مسند أحمد بن حنبل 3 : 300 و 382 ؛ سنن ابن ماجة ، باب تزويج العبد بغير إذن سيّده ، ح 1959.
(3) سورة النحل : 75.
(4) سورة النحل : 76.
أيضا. ولا يراد منه الملكيّة الشرعيّة حتّى يصحّ له بيعه ضرورة ، فيكون معناه التشبيه في وجوب الطّاعة عليه وأولويّة المولى في أمره ، فيتمّ به الغرض أيضا.
ح : الناصر ، ومنه قوله تعالى : (بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) (1). ولو أريد منه معنى الناصر كان معنى قوله «من كنت ناصره» فعليّ ناصره أيضا ، ضرورة اتّحاد معنى مولويّة النبيّ صلىاللهعليهوآله مع مولويّته عليهالسلام ، ومعنى نصرة الرسول لأمّته لا يصحّ ولا يناسب إلّا بمعنى هدايته ونصرته على الأبالس ونفسه الأمّارة ، وبه يتمّ المرام.
ط : المحبّ ، ومحبّة الرّسول ، لأنّه ليس إلّا من جهة الهداية.
ي : السيّد المطاع ، وهو المولى المتبادر عند الإطلاق.
يا : المولى ، بمعنى الأولى ، ومنه قوله تعالى (فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ) (2) أي أولى بكم (3).
ذكره أبو عبيدة (4) ، واستدلّ بشعر لبيد (5) ، والأخطل (6) ، ووافقه في ذلك ابن قتيبة (7)
__________________
(1) سورة محمّد صلىاللهعليهوآله : 11.
(2) الحديد : 15.
(3) قال الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب (29 : 227) : «هي موليكم» أي أولى بكم ؛ وقال البخاريّ في صحيحه (8 : 183) : مولاكم ، أي أولى بكم ؛ وقال الزمخشريّ في تفسيره (الكشّاف 3 : 310) «والله موليكم» ... (سورة التحريم : 2) : سيّدكم ومتولّي أموركم ، وقيل : مولاكم أولى بكم من أنفسكم. وانظر أيضا : تفسير الطبري 27 : 228 ؛ الجامع لأحكام القرآن للقرطبيّ 17 : 248.
(4) غريب الحديث 1 : 441 ؛ وانظر أيضا عبقات الأنوار 2 : 496.
(5) وهو قول لبيد :
فغدت كلا الفرجين تحسب أنّه
مولى المخافة خلفها وأمامها
مجاز القرآن لأبي عبيدة 2 : 254 ، ديوان لبيد 173.
قال أحمد بن محمّد الشهاب القاضي في حاشيته على تفسير البيضاويّ (8 : 162) : فغدت كلا الفرجين ...
أي غدت البقرة الوحشيّة لما نفرت لفزعها من الصيّاد لا تدري ذلك الصيّاد خلفها أم قدّامها ، فتحسب كلا
والفرّاء (
، وأبو بكر الأنباري (9) في أنوار البصائر.
وقد رووا عن النبيّ صلىاللهعليهوآله بطلان النكاح بغير إذن المولى ، و (10) فسّر بالاتّفاق بمعنى الأولى.
وذكره في الصّحاح (11) ، والقاموس (12) ، واستند بشعر الأخطل ، والجزريّ (13) في النهاية ، في تفسير قول عمر : اصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.
وقد اعترف به سعد الدّين في شرح المقاصد (14).
ونصّ عليه أيضا الحافظ أبو الفرج يحيى بن سعيد الثقفيّ الاصفهانيّ في كتابه المسمّى ب «مرج البحرين» ، فإنّه روى هذا الحديث وقال : أخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله بيد عليّ عليهالسلام وقال : من كنت مولاه فعليّ وليّه (15).
فلا مجال لإنكار بعضهم كون المولى بمعنى الأولى بكم من أنفسكم في صدر
__________________
جانبيها من الخلف والأمام أحرى وأولى بأن يكون فيه الخوف. انظر : لسان العرب 20 : 291 ؛ تاج العروس 10 : 399 ؛ شرح المعلّقات السبع للقاضي أبي عبد الله الزوزنيّ 127 ؛ نهج الإيمان 124 ؛ جاء فيه : أراد لبيد أنّ الظبية تحيّرت فلم تدر أخلفها أولى بالمخافة أم أمامها.
(6) نهج الايمان 124 ، وروى قول الأخطل في مدح عبد الملك بن مروان :
فأصبحت مولاها من النّاس كلّهم
وأحرى قريش أن تهاب وتحمدا
يريد بقوله هذا أنّ ابن مروان أولى بسياسة الأمّة وتدبيرها.
(7) تأويل مشكل القرآن 455 ، 456.
(
مجاز القرآن 1 : 124 و 2 : 161 ؛ نهج الإيمان 125.
(9) نهج الإيمان 125.
(10) مسند أحمد بن حنبل 3 : 300 ، 382 ؛ سنن ابن ماجة ، باب تزويج العبد بغير اذن سيّده ح 1959.
(11) الصحاح 6 : 2529.
(12) القاموس المحيط 4 : 404.
(13) النهاية في غريب الحديث 5 : 227.
(14) شرح المقاصد 5 : 273.
(15) تذكرة الخواصّ 32.
الرواية ، أخذا من قوله تعالى (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (1) [فلمّا سألهم النبيّ صلىاللهعليهوآله] فقالوا : بلى ، قال : من كنت مولاه فعليّ مولاه ؛ كما رواه أحمد بن حنبل بإسناده عن زيد بن أرقم ، وقد مضى ، ونحوه في حديث حذيفة بن رشيد الغفاريّ.
رواه المحدّث الحسيني (2) عطاء الله بن فضل الله في أربعينه في مناقب أمير المؤمنين عليهالسلام ، قال : لمّا صدر رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ أي رجع ـ من حجّة الوداع ، نهى أصحابه عن شجرات بالبطحاء متقاربات أن ينزلوا تحتهنّ ، ثمّ بعث إليهنّ فقمّ ما تحتهنّ من الشّوك ثمّ عمد إليهنّ فصلّى تحتهنّ ، ثمّ قام فقال : أيّها النّاس إنّ الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه فهذا مولاه ـ يعني عليّا ـ اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه. الحديث.
ويشهد به أيضا في ذيل الحديث «اللهمّ أدر الحقّ معه حيث كان» ، ورواه الترمذيّ (3) في جامعه ، وأبو المؤيّد الجزريّ (4) في مناقبه ، وفي رواية أحمد (5) عن بريدة عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : من كنت وليّه فعليّ وليّه.
وظاهر أنّ الوليّ هو الأولى بالمولّى عليه ؛ ويؤيّده روايات ، ووردت آية (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) الآية ، في حقّه ، وهذه المولويّة الّتي قالها النبيّ صلىاللهعليهوآله ، في حقّ عليّ عليهالسلام يوم غدير خمّ إنّما هي تفسير قوله تعالى (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) وقوله تعالى (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) وهذا نصّ صريح على إمامته وولايته عليهالسلام على كافّة الأمّة ، سواء أخذ المولى بمعنى الأولى ، أو بمعنى السيّد المطاع ، إذ المعنيان متقاربان ، وغيرهما من المعاني غير ظاهر عنه عند الاطلاق
__________________
(1) الأحزاب : 6.
(2) الأربعين للمحدث الحسينيّ 41.
(3) سنن الترمذيّ 5 : 297.
(4) أسنى المطالب 48.
(5) مسند أحمد بن حنبل 1 : 331.
كما لا يخفى ؛ لا سيّما إذا قامت القرائن الحاليّة والمقاليّة بخلافها ، كما في المقام من وجوه كثيرة عرفت بعضها.
قال ابن الجوزيّ في تذكرة الخواصّ (1) ـ من أعلام المخالفين ـ بعد حديث «من كنت مولاه فعليّ وليّه» : وهذا نصّ صريح في إثبات إمامته وقبول طاعته ، وكذا قوله صلىاللهعليهوآله : «وأدر الحقّ معه كيف ما دار» نصّ صريح في ذلك ، قال : وإجماع الأمّة منعقد على أنّه ما جرى بينه عليهالسلام وبين أحد من الصّحابة ، إلّا وكان الحقّ مع أمير المؤمنين. ألا ترى أنّ الفقهاء استنبطوا أحكام البغاة من وقعة الجمل وصفّين. وأيضا يشهد بما ذكرناه ما رواه ثقات الفريقين في الأصول والجوامع المقبولة المشهورة.
منهم أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره ، قال : وما قال رسول الله صلىاللهعليهوآله في ذلك طار في الأقطار وشاع في البلاد والأمصار ، فبلغ ذلك النعمان بن الحرث الفهريّ ، فأتاه على ناقة له ، فأناخها على باب المسجد ، ثمّ قال : يا محمّد إنّك أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسول الله فقبلنا منك ذلك ، ثمّ لم ترض بهذا حتّى رفعت بضبعي ابن عمّك ففضّلته على الناس ، وقلت «من كنت مولاه فعليّ مولاه». فهذا شيء من الله أو منك؟
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ وقد احمرّت عيناه ـ : والله الّذي لا إله الّا هو إنّه من الله وليس منّي ، قالها ثلاثا ؛ فقام ابن الحرث وهو يقول : اللهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك. «وفي رواية : إن كان ما تقول حقّا» فأمطر علينا حجارة من السّماء أو ائتنا بعذاب أليم ، قال : فو الله ما بلغ باب المسجد حتّى رماه الله بحجر من السّماء فوقع على هامّته ، فخرج من دبره فمات ، فأنزل الله سبحانه (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) (2)
__________________
(1) تذكرة الخواصّ 32 ـ 33.
(2) تفسير الثعلبيّ 10 : 35 ، انظر : تذكرة الخواصّ 30 ، 31 ؛ خصائص الوحي المبين 35 ؛ العمدة لابن ـ
الآية.
أقول : وهذا الحديث في سبب نزول هذه الآية قد رواه الفريقان بنقل الثقات ، [وهو] مشهور بينهم. وهذا نصّ في أنّ المولويّة المذكورة في حديث الولاية والمولويّة يوم غدير خمّ أريد منه السيّد المطاع والأولى بالنّاس من أنفسهم ، وهو نصّ صريح على إمامته وخلافته عن النبيّ صلىاللهعليهوآله بعده من الله سبحانه وتعالى ؛ وهو ما استدلّ به كافّة أصحابنا على إمامته وخلافته نصّا من الله ورسوله في المصارع الكلاميّة ، وقد اعترف به جماعة من أكابر المحقّقين من المخالفين ، منهم : ابن الجوزيّ في تذكرة خواصّ الأمّة (1) في مناقب الائمّة ، وذلك لأنّ المولى بالمعاني الأخر لا يناسب المقام ، وهذا الاعتراض على النبيّ صلىاللهعليهوآله واظهار البغض من هذا الجهول العنيد حتّى ارتدّ عن الإسلام بحضرة النبيّ صلىاللهعليهوآله من جهة نسبة النبيّ صلىاللهعليهوآله إلى الهوى والكذب ـ كما لا يخفى ـ وسمّاه الله في نزول (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ) كافرا تلويحا ؛ بل سمّاه كافرا لمّا أنكر ولاية عليّ عليهالسلام ، وهو عندنا اجماع ثابت عن أهل بيت العصمة والطّهارة ، مضافا إلى ما سيأتي إن شاء الله من التنبيه مع ما مضى.
سلّمنا أنّ لفظة «مولى» مشترك بين المعاني المذكورة ، إلّا أنّ المتبادر الشائع منها هو السيّد المطاع والأولى بالتصرّف وصاحب الاختيار ، كما كان للنبيّ صلىاللهعليهوآله.
وقد اعترف سعد الدّين العلّامة التفتازاني به في شرح المقاصد (2) ، وأنّه حقيقة. سلّمنا ، لكنّ الحمل على الفرد الكامل والأفيد في المقام عرف شائع ، وليس إلّا السيّد المطاع والأولى بالاختيار ؛ كما قاله سبحانه وتعالى لنفسه ولرسوله في
__________________
ـ البطريق 101.
(1) تذكرة الخواصّ 30.
(2) شرح المقاصد 5 : 273.
قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (1).
على أنّا قد بيّنا أنّ الأمّة اتّفقت على فساد إرادة تلك المعاني في المقام إلّا السيّد المطاع ، والأولى ، والناصر والمحبّ ، وأنّ نصرة النبيّ صلىاللهعليهوآله لأمّته ليست على أعدائهم الدنيويّة ، ضرورة القطع بخلافها ؛ بل على الأبالس وأنفسهم الأمّارة ، وهذا هو معنى الهادي ؛ فيدلّ على أنّ عليّا عليهالسلام هو الهادي بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وهذا معنى إمامته ووجوب طاعته.
وكذا محبّة النبيّ صلىاللهعليهوآله لأمّته ليست بالمعنى المتعارف ، بل بمعنى حبّه لهدايتهم ، كما قال تعالى (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (2) مع أنّه ظاهر ، ضرورة أنّ حبّ النبيّ صلىاللهعليهوآله لهم كان في الإهداء والإرشاد والنجاة من عذاب الله وسلوك سبل السّلام ، وهذا معنى الإمامة. ووجوب الطاعة أيضا : أنّ المولى عين السيّد المطاع والأولى بالتصرّف ، [و] هو الأظهر في المقام حسب القرائن ، ومحاورة العرف والعادة ، مع أنّ المحبّ والناصر يرجعان إلى السيّد المطاع والأولى كما عرفت. قال تعالى (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (3) [وقوله تعالى](وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) (4) وبذلك كلّه ظهر لك فساد ما في المواقف (5) وشرح المقاصد (6) ، وفي الشرح الجديد والقديم للتجريد ، وفي الصواعق (7) من منع
__________________
(1) الأحزاب : 36.
(2) القصص : 56.
(3) يونس : 35.
(4) الأعراف : 43.
(5) شرح المواقف 8 : 361.
(6) شرح المقاصد 5 : 274.
(7) الصواعق المحرقة 122 ؛ شرح المواقف 8 : 361.
أبي حاتم الرازي وقوع هذا الأمر من النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فلا يكون متواترا ، بل ولا صحيحا ، وأنّه من الهذيانات والمزخرفات العامّيّة ، أصله من جهة اللجاج والعمى والاعوجاج ، إذ مخالفة الرازي العنود الجهول لا يقدح في التواتر سندا أو معنى في الأخبار المشاعة المذاعة المرويّة في الأصول والجوامع المشهورة المقبولة بينهم ، وإن اختلفوا في اعتبار العدد في التواتر ، والمشهور بين الفريقين الخاصّة والعامّة العدم ـ وهو الصحيح ـ كما ذكرنا في لبّ الأصول (
، بل المعتبر هو ما يحصل معه العلم ، كما مرّ تعريفه.
وقيل : يعتبر فيه خمس. وقيل : اثنى عشر ، وقيل : عشرون في كلّ طبقة ؛ وكلّ ذلك خارج عن السّداد ، إلّا أنّه في المتواتر السندي لا في الأخبار المشاعة المذاعة في الأصول المعتبرة المشهورة بين الأمّة وفي التواتر المعنوي ، ولا أقلّ منه هنا.
وأفحش من ذلك إنكار العضدي (9) كون عليّ عليهالسلام مع النّبيّ صلىاللهعليهوآله في ذلك السفر ، وليس أمثال ذلك إلّا معاندة محضة ، لا ينكره إلّا من له لجاج ، أو في ذهنه الاعوجاج ، يرشدك إليه اعتراف ابن حجر في موضع آخر من صواعقه (10) بصحّة ذلك ، وأفحش من ذلك إنكار كون المولى بمعنى الأولى بالتصرّف مع غاية شيوعه فيه عرفا ونقلا من أهل اللغة ، منهم أبو عبيدة (11) في قوله تعالى : (مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ
__________________
(
من تأليفات المؤلّف.
(9) شرح المواقف 8 : 361 ، وفيه : قال العضدي : لأنّ عليّا لم يكن يوم الغدير مع النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فإنّه كان باليمن.
(10) الصواعق المحرقة 122.
(11) أبو عبيدة معمّر بن المثنى التيميّ المتوفّى 210 ه.
مَوْلاكُمْ) (1) : كما مرّ ، مع أنّه يتمّ المرام أيضا إذا كان بمعنى السيّد المطاع ، ويشهد على صحّة ما ذكرنا قول الغزالي في سرّ العالمين (2) ، وبخبخة عمر واعترافه بمولويّة عليّ عليهالسلام عليه وعلى كلّ مؤمن ، كلّ ذلك مع أنّ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) معناه ؛ ما أنزل إليك في ولاية عليّ عليهالسلام (3) ، «وإن لم تفعل» ذلك «فما بلّغت رسالته» أي كأنّك ما بلّغت رسالته ، حيث أنّك إذ لم تنصب وليّا على النّاس ، ومستحفظا للدّين ضاع دينك وشريعتك ، فكأنّك ما بلّغت رسالته في عدم الفائدة. ويشهد به أيضا قوله تعالى (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) إذ المناسب لوعده بالعصمة في ذلك بمحضر المهاجرين والأنصار إنّما هو أمر الخلافة والإمامة الّذي كان هو معرض بروز نفاق المنافقين ، فأوّل من برز منه قول عمر بن الخطاب (4) : يا رسول الله هذا شيء منك أو من الله ؛ فقال : بل من الله ، فقال عمر : بخّ بخّ لك يا بن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة. وأنت تعرف أنّ قول عمر هذا كان عن غضب تفوح منه رائحة الكراهة ، ولو كان عن شكّ كان كفرا صريحا ،
__________________
(1) مجاز القرآن 2 : 254. وقال الحسن الجلبي في حاشيته على شرح المواقف 8 : 361 بأنّ المولى بمعنى المتولّي والمالك للأمر والأولى بالتصرّف شائع في كلام العرب ، منقول من أئمّة اللغة ؛ قال أبو عبيدة : هي موليكم أي أولى بكم ، وقال عليهالسلام : أيّما امرأة نكحت بغير إذن مولاها ، أي الأولى بها والمالك لتدبير أمرها.
(2) سرّ العالمين 17 ، 21.
(3) نقل الجمهور أنّها نزلت في بيان فضل عليّ عليهالسلام يوم الغدير ، وقد نقل ذلك كثير من علماء العامة حفّاظهم ومفسّروهم ومحدّثوهم ومؤرّخوهم ؛ فراجع : تفسير الطبريّ 6 : 198 ؛ مسند أحمد 1 : 118 ، 119 ، 152 ، و 4 : 281 ، و 5 : 370 ؛ سنن الترمذيّ 5 : 298 ح 633 ؛ التفسير الكبير للرازيّ 3 : 539 ؛ تفسير ابن كثير 2 / 25 ؛ 14 الدرّ المنثور 2 : 298 و 5 / 182 ؛ أسباب النزول للواحديّ 135 ؛ شواهد التنزيل 1 / 239 ؛ كفاية الطالب 50 ـ 58 ؛ المناقب للخوارزميّ 134 ـ 136 ؛ مقتل الحسين للخوارزميّ 47 ؛ الفصول المهمّة 40 ؛ فرائد السمطين 1 : 63 ـ 78 ؛ تذكرة الخواصّ 28 ـ 30 ؛ الصواعق المحرقة 75 ؛ تاريخ بغداد 8 : 290.
(4) تفسير القمّيّ 1 : 174 ؛ تفسير الصافي 2 : 70.
لقوله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) (1) في حقّ رسوله ، ولو كان من جهة تصريح النبيّ صلىاللهعليهوآله بولاية من الله تأكيدا كان تسليما ورضا ، وهذا ينافي فعله بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله من بيعته لأبي بكر ، ودعواه الخلافة بعد أبي بكر لنفسه ، وأمره بالشورى بعده لعثمان وغيره. وممّن برز نفاقه النعمان بن الحرث كما مضى ، حتّى تمنّى نزول العذاب عليه لعدم رضاه بولاية عليّ عليهالسلام ؛ فأنزل الله عليه العذاب وسمّاه كافرا ، وهذا تلويح إلى أنّ من أنكره كان كافرا معذّبا ، وقوله تعالى (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) لا يناسب إرادة غير السيّد المطاع والأولى من قوله «من كنت مولاه فعليّ مولاه» الّذي قاله النبيّ صلىاللهعليهوآله بعد نزول الآية ، وقد علمنا بفعله في يوم غدير خمّ ونصبه لعليّ عليهالسلام وقوله : في حقّه بما قال : أنّه المراد في الآية ومن الآية. وقوله صلىاللهعليهوآله : «اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله». وهل بقي لخذلانه إذا تركه النّاس وصاروا إلى العجل ؛ كما فعله اليهود في حقّ هارون وصيّ موسى عليهالسلام شيء من الخذلان ، وهل بقي لمعاداته شيء حتّى قالوا : المؤمن لا يكمل إيمانه إلّا بمعاداة عليّ عليهالسلام ، وهم أظهر أفراد الناصبي الّذين أنكروا ما ثبت من الدّين والشرع ضرورة ، من وجوب موالاة أصحاب الكساء أهل بيت الرسول الّذين كان عليّ عليهالسلام رأسهم ورئيسهم وأفضلهم.
كلّ ذلك ثبت بأخبار ثقات الفريقين في الأصول المجمع عليها ، مشهور في كتب السير والحديث وغيرها ، فيا ليت شعري ما الداعي إلى تأويل قول الرسول صلىاللهعليهوآله في يوم غدير خمّ «من كنت مولاه فعليّ مولاه» مع صدره «ألست أولى بكم من أنفسكم؟» وذيله يطلب النصر لناصره ، والخذلان لخاذله والمعاداة لعدوّه من ربّه عزوجل مع تلك التأكيدات ونزول آية (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ
__________________
(1) النجم : 3 و 4.
إِلَيْكَ) ، مؤكّدا بقوله (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) ثمّ مؤكّدا بقوله سبحانه (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) حتّى نزل في البطحاء وأمر بجمع الناس إليه من أمامه وورائه ، وأمر بما تحت الأشجار من الشوك فقمّ ، وأمر أن ينصبوا له من هيئة المنبر من الأحجار أو غيرها ، ثمّ رفع بضبع عليّ وقال ما قال : ثمّ قام عمر واستفهم أنّه من الله أو منه ، ثمّ بخبخ ، ثمّ اعترف بالمولويّة لعليّ عليهالسلام عليه وعلى كلّ مؤمن ومؤمنة.
ثمّ أمر النبيّ صلىاللهعليهوآله بالتسليم على عليّ بإمرة المؤمنين ، وشاع لقبه من ذلك اليوم بلا نكير ، وكان أمير المؤمنين بأمر النبيّ صلىاللهعليهوآله اتّفاقا لا من عند نفسه ؛ كما فعله عمر وغيره من خلفاء بني (1) أميّة وبني العبّاس. ثمّ جاء النعمان بن الحرث الفهريّ اعتراضا على رسول الله أنّه منه أو من الله ، فلمّا قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : إنّه من الله ، قام
__________________
(1) أوّل من لقّب نفسه بأمير المؤمنين هو أبو بكر ، حيث أرسل إلى عليّ بن أبي طالب عليهالسلام للبيعة ؛ روى ذلك المجلسي في بحار الأنوار 28 : 261 ؛ قال : «فأرسل إليه أبو بكر أجب خليفة رسول الله ، فأتاه الرسول فقال له ذلك ، فقال عليّ عليهالسلام : سبحان الله ، ما أسرع ما كذبتم على رسول الله! إنّه ليعلم ويعلم الّذين حوله أنّ الله ورسوله لم يستخلفا غيرى ؛ وذهب الرسول فأخبره بما قال عليهالسلام ، قال : اذهب فقل له : أجب «أمير المؤمنين أبا بكر» فأتاه فأخبره بما قال ، فقال له عليّ عليهالسلام : «سبحان الله ، ما والله طال العهد فينسى ، فو الله انّه ليعلم أنّ هذا الاسم لا يصلح إلّا لي. ولقد أمره رسول الله وهو سابع سبعة فسلّموا عليّ بإمرة المؤمنين ، فاستفهم هو وصاحبه عمر من بين السبعة ، فقالوا : أحقّ من الله ورسوله؟ فقال لهما رسول الله صلىاللهعليهوآله : نعم حقّا من الله ورسوله أنّه أمير المؤمنين وسيّد المسلمين وصاحب لواء الغرّ المحجّلين يقعده الله يوم القيامة على الصراط ، فيدخل أولياءه الجنّة وأعداءه النار ، فانطلق الرسول فأخبره بما قال. قال : فسكتوا عنه يومهم ذلك. وروى ابن قتيبة ما يقرب منه في الإمامة والسياسة 13.
وأمّا من لقّب به عند النّاس عامّة وجعل له كلقب رسميّ فهو عمر بن الخطاب ؛ أخرج الطبري في تاريخه بالإسناد عن حسان الكوفيّ ، قال : لمّا ولى عمر قيل «يا خليفة خليفة رسول الله» ، فقال عمر : هذا أمر يطول ، كلّما جاء خليفة قالوا : «يا خليفة خليفة خليفة رسول الله» ، بل أنتم المؤمنون وأنا أميركم ، فسمّي أمير المؤمنين.
انظر تاريخ الطبري 4 : 208 ؛ مقدّمة ابن خلدون 1 : 283 ؛ تاريخ الخلفاء 129.
وقال : اللهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك ، فأمطر علينا حجارة من السّماء أو ائتنا بعذاب أليم ، فجاء حجر على هامته من السّماء وخرج من دبره ومات ؛ فأنزل سبحانه وتعالى (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ) الآية.
وأنزل في ذلك اليوم بعد نصب النبيّ صلىاللهعليهوآله عليّا بالإمامة والخلافة والولاية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) ، فقال صلىاللهعليهوآله : الله أكبر على إكمال الدّين وإتمام النعمة ورضا الربّ برسالتي وبولاية عليّ عليهالسلام ، وأنشد شعراء الأصحاب في ذلك قصائد مشهورة غير مردودة بين الأمّة (1).
__________________
(1) أنشد في ذلك السيّد الحميري فقال :
يا لقومي للنبيّ المصطفى
ولما قد نال من خير الأمم
جحدوا ما قاله في صنوه
يوم خمّ بين دوح منتظم
أيّها النّاس فمن كنت له
واليا يوجب حقّي في القدم
فعليّ هو مولاه لمن
كنت مولاه قضاء قد حتم
أفلا ينفذ فيهم حكمه
عجبا يولع في القلب الضرم
وله أيضا :
وقام محمّد بغدير خمّ
فنادى معلنا صوتا نديّا
لمن وافاه من عرب وعجم
وحفّوا حول دوحته حنيّا
ألا من كنت مولاه فهذا
له مولى وكان به حفيّا
إلهي عاد من عادى عليّا
وكن لوليّه ربّي وليّا
الغدير 2 : 329 ـ 332.
وقال العبديّ الكوفيّ في ذلك ـ وهو أبو محمّد سفيان بن مصعب العبدي الكوفيّ من شعراء أهل البيت ، المتزلّفين إليهم بولائه وشعره ، المقبولين عندهم لصدق نيّته ، وعدّه شيخ الطائفة في رجاله من أصحاب الصادق عليهالسلام :
قم يا عليّ فإنّي قد أمرت بأن
أبلّغ الناس والتبليغ أجدر بي
إنّي نصبت عليّا هاديا علما
بعدي وإنّ عليّا خير منتصب
وهذا الإسلام المرضيّ هنا هو ما ذكر في قوله تعالى (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (1) وهو ما قاله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) (2). وهو قوله تعالى (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) (3) أي لا يكونوا مؤمنين ، (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) إلى قوله سبحانه (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً).
وما الدّاعي إلى تأويل قول عمر ردّا على قول رسول الله صلىاللهعليهوآله «ائتوني ببياض ودواة أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعدي أبدا». فقال عمر : حسبنا كتاب الله (4).
فاختلف القوم في محضر النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فقال قوم : القول ما قاله النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وقال قوم : القول ما قاله عمر ؛ فارتفعت الأصوات ، فقال صلىاللهعليهوآله : «لا ينبغي لديّ النزاع ، اخرجوا» ، كلّ ذلك رواه أرباب السير والحديث ؛ كالبخاري في صحيحه ، فتأوّله شارحه بتأويل أفحش من ذنبه ، وهو أنّ ذلك كان من فقاهيّة عمر ، حيث خشي أن ينصّ النبيّ صلىاللهعليهوآله بشيء يخالفه النّاس فيستحقّوا العقوبة ، فأراد عمر فتح باب الاجتهاد.
__________________
فبايعوك وكلّ باسط يده
إليك من فوق قلب عنك منقلب
وكنت قطب رحى الإسلام دونهم
ولا تدور رحى إلّا على قطب
ولا تماثلهم في الفضل مرتبة
ولا تشابههم في البيت والنسب
الغدير 2 : 411
(1) آل عمران : 85.
(2) البقرة : 208.
(3) النساء : 65.
(4) مسند أحمد 1 : 222 ، 225 ، 335 ، 336 ؛ صحيح البخاريّ 1 : 37 ح 4 ، باب كتابة العلم ، وج 7 : 9 ح 1 ، باب قول المريض قوموا عنّي ؛ و 8 : 161 ح 3 ، باب كراهية الخلاف ؛ صحيح مسلم 5 : 76 ؛ كتاب الوصية في باب ترك الوصيّة ؛ تاريخ الطبريّ 2 : 436 ؛ الملل والنحل للشهرستانيّ 1 : 29 ؛ طبقات ابن سعد 2 : 36.