إلى من كونته الإرادة الإلهية فأحسنت إبداعه فيما كونت ، فكان مثلاً أعلى للخلق الإسلامي الرفيع.
إلى من جعله المكون المبدع محلاّ لثقل الإمامة وناموساً من قدرته إلى ينبوع الحكمة الإلهية.
إلى من إستقى علمه من منبع الرسالة عن آبائه الراسخين في العلم إلى من أفاض على الإنسانية شتى العلوم والمعارف ليجعلها في أرفع درجات السعادة الدنيوية والأخروية.
إلى الإمام ( جعفر بن محمد الصادق ) عليه وعلى آبائه التحية والسلام أقدم ما يتفق ومقدوري راجياً أن ينال عنده الزلفى فيشملني بشفاعته عند الله يوم لا ينفع مال ولا بنون إلامن أتى الله بقلب سليم.
محمد الخليلي
مقدمة الطبعة الثالثة
الانسان مخلوق ركب من روح وبدن ولكل من جزئيه صحة ومرض وما يحدث لكل منهما يؤثر في الآخر أما الطبيب فهو المطيب للنفوس بكلامه وأخلاقه والمعالج للروح والبدن والحافظ لصحتهما بالعقاقير والارشادات الصحية معاً بمعنى أن الطبيب الحقيقي هو طبيب الروح والبدن ذلك لأنا نرى أن كثيرأ من العوارض النفسية الروحية كالغضب والحزن والحب والفراق وأمثالها تسبب إنحراف صحة البدن كما أن إنحراف صحة البدن تغير الأخلاق وتسيء الطباع وتكدر الحواس إلى غير ذلك فاذا لم يكن الطبيب روحياً عارفاً بالإنحرافات النفسية فلا بد له أن يعالج هذه العوارض البدنية الناشئة عن عوارض الروح بالمسهلات أو المشهيات أو ما أشبه ذلك وهذا بالطبع لا يوصله إلى الدواء الناجع المفيد لأن العلاج في الحقيقة هو إزالة السبب وكذلك إذا رأى في مريض أرقاً أو قلقاً ناشئاً عن الفكر المزعج أو الخيالات الفاسدة داواه بالحبوب المهدئة والمنومة وهذا أيضاً بالطبع لا يغني ولا يشفي إذا لم يدفع السبب وهو الخيال والفكر لكن الطبيب النطاسي الحكيم الجامع للطبين والعارف بالعلاجين الروحي والبدني فانه ينظر إلى المريض من الوجهتين فمن كان محتاجاً إلى العقاقير الطبية عالجه بها ومن كان محتاجاً إلى النصح أو التسلية أو إدخال الطمأنينة والاستقرار إلى قلبه وذلك بتهوين المرض أو الاوعاد أو أمثالهما مما يراه مناسباً للوقت والمرض داواه بها وأحيانا بهما معاً.
فمثل هذا هو الطبيب الكامل والمعول عليه في ملاحظة الجسم والروح ومعرفة طرق علاجهما وبديهي أن ذلك لا يتيسر إلا لكبار رجال الفن أو أعاظم أئمة الدين الذين اقتبسوا فنهم الروحي عن السماء وأخذوا علاجهم بالتلقين والتعليم النبوي والصحف السماوية الحكيمة. أما الاسلام فانه يرى الانسان موجوداً خلق ليعيش
في عوالم كثيرة وكلها تحتاج إلى صحة وسلامة واطمينان ليسعد في حياته ويرغد عيشه لذلك فقد ضمن له إصلاح كل تلك النواحي بتعاليمه وإرشاداته في فروضه ومستحباته ومكروهاته ومباحاته ، كما أنه يرى أن الروح والجسم وإن كانا وجودين مستقلين لكنهما ممتزجان ومتصلان إتصالاً يجعل أي تغير يحصل في إحداهما فهو فى الآخر صحة أو مرضاً لذلك فهو يطبهما مادياً ومعنوياً ويعالجهما دنيوياً واخروياً.
خذ مثلاً الغسل والوضوء والتيمم وانظر إلى شروطها وترتيبها لتعرف منظور الدين الاسلامي الحكيم في جعلها تطهيراً عرفياً وطبياًُ في جنب الطاعة الموجبة لاطمينان الخاطر والأمن في أداء الواجب الاخروي ومن البديهي المسلم أن أهم ما يلحظه الدين الاسلامي في العلاج والاصلاح في كل تكاليفه هو إدخال الطمأنينة والأمن إلى النفوس فانهما الحجر الأساسي في مداواة الروح والبدن.
فالأنبياء على هذا هم الأطباء الروحيون وهم المربون الاخلاقيون إذ لم تهبط رسالة سماوية ولم يبعث نبي أو رسول إلاّ بتهذيب الأرواح وصحة النفوس وتعليم الاخلاق الفاضلة ولكن لما كان الجسم قالبا للروح وكانت لسلامته وصحته دخل كبير في صحة الروح وسلامتها كان القسم الوافر من تعاليم الانبياء لعلاج البدن ومداواة أمراضه وأدوائه.
قال النبي (ص) : إن هذه القلوب تعمل كما تعمل الأبدان.
وقال أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب «ع» : إن للابدان حالات ست ؛ الصحة والمرض والنوم واليقضة والموت والحياة ، وكذلك الارواح فان صحتها اليقين ومرضها الترديد ونومها الغفلة ويقضتها التوجه وموتها الجهل وحياتها العلم.
ومن هنا نعرف أن سلامة الروح وصحتها تدل على صحة الجسم لذلك قيل : العقل السليم في الجسم السليم ، وإن من أعظم دلائل صحة الروح هي سلامة الأخلاق والانصاف بمكارمها لذلك قال النبي (ص) : بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.
إذن فالدين الاسلامي هو ذلك الدين السماوي الذي يكفل صحة الابدان والأرواح بالاخلاق ويعالج أمراضهما بالتعاليم والارشادات ، والنبي (ص) هو ذلك الطبيب العالمي العظيم ومنقذ الارواح والاجسام من الامراض والآلام بقرآنه وسننه. ولما ارتقى (ص) بروحه إلى الروح والريحان خلف من بعده قرآنه وعترته الذين هم مبلغوا سنته وموضحوا قانونه لذلك تجد الأئمة أوصياء النبي (ص) كلهم يعالجون الارواح والابدان ويداوون بالعقاقير وبالكلمات الحكيمة والتعاليم القيمة والارشادات النافعة.
وقد كان الامام الصادق «ع» أكثرهم علاجاً وأشدهم إبتلاء لكثرة ما كان في عصره من الانحرافات الروحية والأدواء النفسية فكان «ع» وحده المرجع والمآل والفرد والمسؤول عن إصلاح إي إنحراف ومن أي جهة كان وهو المجيب عن كل سؤال أيا كان سائله ، حرصاً على نشر الدين وحفظا لشريعة جده سيد المرسلين وإقامة لدعائم التوحيد ودحضا لمزاعم الملحدين ورداً لأقاويل المنافقين وإصلاحا للابدان ووقاية لها من الأسقام فكان من بعض ما ورد عنه في تلك المجالات الواسعة وقليل من كثير ما عثرنا عليه من علاجاته الكثيرة ، هذا الكتيب الصغير الذي هو كأنموذج لطبه وكاشارة إلى علمه وحكمته ، فالبحر المحيط لا يستطيع أن ينفذ إلى قعره سابح وإن إجتهد ، والامام لا يمكن أن يحصر علمه مأموم وأن بالغ في إتباعه واستقراء ما يرد عنه. ولما رأيت إقبال القراء على هذا الكتيب شديداً حتى طبع مرتين وسرعان ما نفذت هاتان الطبعتان ثم طلب إلي إعادة طبعه للمرة الثالثة لازدياد طلابه أحببت أن أعلق عليه بعض التعليق الموضح وأتوسع فيه بعض التوسع طلبا للاستفادة منه والانتفاع به.
وإلى الله العلي القدير أبتهل أن يوفقني لمرضاته ويوزعني أن أشكره فانه حميد مجيد والله من وراء القصد.
النجف الاشرف 15 / 11 / 1383 ه محمد الخليلي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين
المقدمة
جدير بمن أراد الكتابة عن حياة الإمام أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق 7 أو أن يبحث في ناحية من نواحيها الكثيرة سواء أكانت علمية أم دينية فلسفية أم تربوية ، اخلاقية أم أدبية ، أن يرى السبيل أمامه جلياً واضحاً والمجال فيها متسعاً قريب الغاية ، ذلك لما انطوت عليه تلك النفسيه السامية من العلوم الإلهية والمعارف الجليلة الاسلامية والفلسفة العالية والأدب الجم إلى غير ذلك مما تمثلت في شخصيته الفذة من مكارم الاخلاق ومثل الفضيلة والانسانية الكاملة التي لم تقف دون بيانها براعة الكاتب او المؤرخ ، ولم يحتج أي أديب او شاعر إلى تأمل كثير أو إجهاد فكر متزايد في نظمها أو الكتابة عنها مجملاً أو مفصلاً.
بهذه الفكرة المسلمة عندي ، وهذا الخيال الواسع لدي راقني البحث والتحدث عن شعاع من أشعة تلك الحياة الجبارة ، والكتابة عن ناحية من نواحي هذه الشخصية العظيمة ، وجذبتني تلك السهولة المتصورة إلى أن طمعت أن أكتب وأن أشبع الموضوع بحثاً فاعطيه حقه من البيان والتوضيح ، لا سيما وأن مثل هذا الموضوع هو من مهنتي ومهمتي ، أعني الكلام عن الطب وطب الامام 7.
نعم لقد كنت أراه بحثاً واضحاً لا غموض فيه وموضوعا سهلاً يجري القلم فيه دون ما توقف كثير أو تأمل زائد ، بيد أني عندما اندفعت للكتابة وحاولت الشروع في الموضوع شعرت بخطورة الموقف. وأحسست بصعوبة البحث وأدركت عسر تناول الغاية التي كنت أتوخاها من تلك الكتابة ، لذلك فقد أصبحت بين إقدام وإحجام وترديد وتصميم ، ماسكاً باليراعة مفكراً في الطريق التي أسلكها لبلوغ المقصد ، متفحصا عن الباب الذي أفتحه للدخول في البحث وأخيرا وبعد لاي إرتأيت أن أذكر أولا نبذة قصيرة عن تاريخ الطب عند العرب في الجزيرة وإنه كيف تدرج من مهده حتى درج إلى الجزيرة العربية ثم أخذ يتربي هناك في أحضان العروبة ويترعرع في حجر الاسلام وينمو في هاتيك الربوع العامرة بالعقول السليمة والأفكار المستقيمة والفطرة المعتدلة الصافية. لأجعلها كمقدمة للبحث حتى يتسنى للقارئ أن يقف على مبلغ توسعه في عصر الإمام «ع» عن بصيرة وخبرة كامله ، ولتكون كتمهيد واف للاطلاع على كامل معرفة الإمام «ع» بهذا العلم الجليل وما أبداه من الحكم البالغة فيه دون أي تعليم أو دراسة إلا ما أخذه عن آبائه وأجداده عن النبي (ص) عن جبرائيل عن الله تعالى.
وسوف نثبت لك فيما يلي من مباحث هذه الرسالة ذلك ـ أي الذي ذكرناه ما أردنا تقديمه فنقول :
تاريخ الطب ومبدأ ظهوره :
لقد تضاربت أقوال المؤرخين واختلف الحكماء والأطباء في ذكر بدأ ظهور هذا العلم الجليل وكيفية حدوثه في العالم مما أوقف الباحث موقف الحيرة والشك فلا يدري كيف يبدي الحقيقة وكيف يظهر للقارئ بمظهر الكاتب الأمين والمؤلف المنصف.
فقد نسب البعض إكتشافه أو إختراعه أولاً إلى الكلدانيين وآخرون إلى سحرة اليمن وغيرهم إلى كهنة بابل وأكثرهم إلى قدماء اليونانيين ، قال ابن أبي أصيبعة الطبيب المؤرخ في كتابه عيون الأنباء :
إن إختراع هذا الفن لا يجوز نسبته إلى بلد خاص أو مملكة معينة أو قوم مخصوصين إذ من الممكن وجوده عند أمة قد إنقرضت ولم يبق من آثارها شيء ثم ظهر عند قوم آخرين ثم إنحط عندهم حتى نسى ثم ظهر على أساس هؤلاء لدى غيرهم فنسب إليهم إختراعه أو إكتشافه ( إنتهى ).
وقال غيره من المؤرخين إن الطب من جملة العلوم التي وضع أساسها الكلدان وكهنة بابل وأنهم هم أول من بحث في علاج الأمراض فكانوا يضعون مرضاهم في الازقة ومعابر الطرق حتى إذا مر بهم أحد قد أصيب بذلك الداء وشفي أعلمهم بسبب شفائة فيكتبون ذلك على ألواح يعلقونها في الهياكل ، فلذلك كان الطب عندهم من جملة أعمال الكهنة وخصائصهم ، ومن الكلدان أخذته ساير الامم القديمة ومن جملتها العرب ، ولذلك تراه متشابها عند أكثر الامم في مصر وفينيقية وآشور ثم تناولته الأمة اليونانية فأتقنوه أحكاما وإحكاما ورتبوا أبوابه وفصوله حتى جعلوه علما له إبتداء وله انتهاء ثم أخذته عنهم الفرس والروم.
الطب عند العرب
أما العرب الذين كانوا معاصرين لتلك الدول فقد إقتبسوا منهم بحكم المجاورة والمخالطة شيئاً من الطب أضافوه إلى ما حصلوه من الكلدان وإلى ما إستنبطوه هم أنفسهم بالفطرة والذكاء والتجارب.
وقد ذكر التاريخ : إن أول من تعاطى الطب من العرب بعد الكهنة ، هم جماعة ممن خالط الروم والفرس في القرن السادس الميلادي وقبل ظهور الاسلام بقليل وأخذوا العلم عنهم ، وكان أشهرهم يومذاك رجل من تيم الرباب يقال له ( ابن حذيم ) (1) وهو الذي ضرب به المثل في الحذاقة والطب ، فقيل فيه : ـ أطب من ابن حذيم ـ وقد قال فيه الشاعر أوس بن حجر :
فهل لكم فيها إليّ فانني
بصير بما أعيى النطاسي حذيما (2)
ثم جاء بعده الحارث بن كلدة (3) طبيب العرب الشهير المتوفى في عام 50 ه وهو خريج مدرسة جنديسابور (4) المعروفة في خوزستان الفرس والشهيرة عند
__________________
(1) راجع ترجمته في كتابنا معجم أدباء الاطباء ج 1.
(2) حذف لفظ ابن إعتماداً على الشهرة ولاستقامة الوزن.
(3) راجع ترجمته في معجمنا ج 1.
(4) جنديسابور مدينة في خوزستان في الجنوب الغربي من إيران بناها كسرى الأول سابور بن أردشير الساماني سنة 250 م فنسبت إليه ، وكان قد أسكنها سبي الروم وطائفة من جنده ، وقد إفتتحها المسلمون سنة 19 ه. وكانت فيها مدرسة عظيمة يدرس فيها الطب وساير العلوم المختلفة وكان القائم بتدريسها نصارى النسطور ( النسطوريون ) الذين حملوا إليها مؤلفات اليونان الطبية والفلسفية وترجموا الكتب إلى السريانية التي كانت لغة التدريس في تلك المدرسة ، وقد إشتهرت هذه ـ
العرب ( بمعهد الطب الاسلامي ). فقد كانت العرب تعرف هذه المدرسة وتقدرها لاسيما بعد فتح الاسلام لبلاد الفرس على عهد الخليفة الثاني سنة 19 ه. وقد كان الحارث هذا يتعاطى الطب في الطائف بشهرة واسعة وقد أدرك الاسلام ولم يسلم وكان النبي (ص) يأمر من كانت به علة أن يأتيه ويستوصفه.
ثم كان بعده ابن رومية الجراح التميمي ، ثم النضر بن الحارث بن كلدة الذي يعد من أقدم من أشتغل من العرب في العلوم الدخيلة من طب وغيره ، وكان النضر هذا في عصر النبي (ص) أيضاً ولكنه لما كان يجاري أبا سفيان بعداوة النبي (ص) لأنه ثقفي وبنو ثقيف حلفاء بني أمية ، أمر النبي (ص) عندما أسره المسلمون في بدر بقتله فقتل وذهب بموته علمه وطبه ، ولم يكن له مؤلف أو نقل يعلمنا بمبلغ علمه وطبه ، ثم ذهب الطب من العرب ، وخفى عندهم ردحاً من الزمن ، وذلك منذ ظهور الدعوة الاسلامية حتى شطر من الدولة الاموية ، إذ المسلمون كانوا حينذاك يعتقدون أن الاسلام يهدم ما قبله ولا ينبغي أن يتلى غير القرآن ، أو أن يدرس غير العلوم القرآنية ، فذهلوا عن ساير العلوم بما فيها الطب ، لانشغالهم بانشاء الدولة الاسلامية ونشر الدعوة المحمدية وقمع الشرك وإعلاء كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة عليها.
ولكن لما اتسع نطاق الاسلام وعلا سلطانه وبلغ الدين الحنيف ذروته التي خضعت لها الامم وذلت لها الملوك لم يقنع المسلمون ببسط سلطانهم على شرق البسيطة وغربها دون أن يلجاؤا أبواب العلوم ، فيأخذوا من كل قطر محاسنه ويستلبوا كنوزه العلمية ، وقد كان للطب عندهم أوفر نصيب من تلك العناية وذلك الاهتمام حيث إقتبسوه أولاً ورغبوا إليه قبل ساير العلوم الدخيلة التي دخلت الجزيرة يومذاك.
__________________
ـ المدرسة ونبغ فيها أطباء معروفون خدموا الصناعة والعلم هم الذين أدخلوا الطب إلى العراق زمن الخليفة العباسي المنصور كما ستعرفه مفصلاً في بعض فصول هذه الرسالة.
وقد ذكر لنا التاريخ وأخبرتنا التراجم أن أول من فطن إلى ذلك ، وأول من اشتغل في نقل الطب وساير العلوم الدخيلة الأخرى مثل الكيميا والنجوم إلى اللغة العربية بعد تلك الفترة الطويلة ، هو خالد بن يزيد بن معاوية الاموي المدعو عند العرب ( بحكيم آل مروان ) والمتوفى سنة 85 ه فانه بعد أن غلبه بنو مروان على الخلافة بعد أخيه معاوية وقد كان رجلاً طموحاً ذكياً ، إنصرف إلى إكتساب العالي عن طريق العلم ولأجل ذلك فقد إستقدم جماعة من علماء الروم منهم الراهب الرومي ( موريانوس ) وطلب إليه أن يعلمه الكيميا ، ولما تعلمها أمر بنقلها إلى العربية فنقلها له رجل يدعى ( إصطفن ) فكان هذا أول نقل في الاسلام من لغة إلى لغة.
ثم جاء من بعد إصطفن ( ماسرجويه ) فنقل كتباً كثيرة من الطب والفلسفة فكان لبني أمية بعض الآثار العلمية في الاسلام.
ثم أصاب الطب بعد خالد فترة دامت إلى أواخر الأمويين وإلى عصر السفاح من بني العباس حتى إذا ما أفضت الخلافة إلى أخيه أبي جعفر المنصور سنة 136 ه بانت طلائع وظهرت لقدومه بشائر.
فلقد كان المنصور كلفاً بأعمال التنجيم شغوفاً بالعمل بأقوال المنجمين في خلافته وقبلها حتى لم يكن يعمل عملاُ إلا بعد إستشارة منجمه الخاص ( نوبخت ) الفارسي وأبنه ( أبي سهل ) ولقد ترجموا له كثيراً من كتب التنجيم والفلك. ثم إزدادت رغبة المنصور لطلب العلوم الدخيلة وبحكم المثل المشهور القائل ( الناس على دين ملوكها ) رغب كثير من الناس إلى طلب تلك العلوم وتوسعوا في درسها والبحث عنها وفيها حتى طلب المنصور من ملك الروم أن يبعث إليه ببعض كتب التعاليم فبعث إليه بجملة كتب شتى ومن جملتها كتاب إقليدس في الهندسة وبعض كتب الطبيعيات والمجسمة وكثير من كتب الطب ، فاهتم العرب بنقلها إلى العربية وأخذوا يتهافتون عليها تهافت الفراش ، ويردون مناهلها ورود الضمآن إلى الماء الزلال.
وقد كان علم الطب من بين تلك العلوم أكثرها إهتماماً وعناية لديهم كما ساعدهم على هذا الأمر يومذاك أن المنصور أصيب بمرض في معدته إنقطعت من أجله شهوته للطعام ولم ينفعه العلاج بالرغم من عناية أطباء مصره وأهتمامهم في أمره فطلب إلى وزيره الربيع أن يفحص له عن طبيب حاذق يرجع إليه في علاج ما كان يجده من ألم ولما أخذ الربيع يفتش عما طلب أليه الخليفة أرشد ألى الطبيب ( جورجيس ) النصراني رئيس مارسيان أو مدرسة ( جنديسابور) وكان ماهرا حاذقا في الطب كثير التأليف والتصنيف فيه باللغة السريانية ، فبعث إليه المنصور من أحضره له بعد أن خلف ولده ( بختيشوع ) مكانه ، ولما ورد على الخليفة أكرمه ووقع عنده موقعاً حسناً لما رأى فيه من الوقار ورزانة العقل ، لا سيما وقد أبل من علته ومرضه أبلالاً سريعاً ، وشفى شفاءاً عاجلاً كاملاً بعلاجه.
ولما أراد الرجوع إلى بلده ووطنه منعه الخليفة واغدق عليه الاموال والعطايا الوافرة طمعاً في ابقائه ، فبقى في بغداد يطب المرضى مدة طويلة ، ثم ترجم إلى العربية كثيراً من كتبه الطبية ومن كتب غيره في الطب أيضاً.
وبهذه الحركة من ( جورجيس ) أخذ الكثير من الأطباء في بغداد ينقل أيضاً ويترجم من السريانية إلى العربية وذلك بعناية المنصور وبذله الأموال للمترجمين والناقلين لاسيما في الطب ، فاتسع نطاق الطب في بغداد وتكاثرت رواده وراجت التأليف ونبغ كثير من نطس الاطباء وشاعت عنهم المعاجز الطبية الكثيرة.
ولما اشتهرت مساعدة المنصور وساير الامراء والمثرين من أهل بغداد بلد العلم والمال لأصحاب العلوم رغب الكثير من أطباء ( جنديسابور ) في الانتقال إلى بغداد ، وأرسل الطبيب ( جرجيس ) على ولده ( بختيشوع ) بأمر الخليفة ثم جاء ( ماسويه ) أبو يوحنا ثم أعقبة يوحنا ، وهكذا أخذت الاطباء تتقاطر وتتوارد من سائر الأقطار إلى دار السلام ، حتى أصبحت دار الخلافة ( بغداد ) في عصر المنصورـ وهو العصر الذي عاش فيه الامام الصادق «ع» ـ كعبة العلم ومقصد رواد الفضل والأدب ومقر نقلة العلوم والفنون ، وعلى الأخص الطب الذي شاع تدريسه
وكثر المعالجون به حتى قصدهم المرضى من كل حدب وصوب للاستشفاء.
أما أبو عبدالله الصادق 7 ، فقد كان ناديه في ذلك العصر مهوى قلوب رواد الفضل والفضيلة ، والمدرسة الكبرى لكل علم وفن وفلسفة وأدب إذ كان «ع» يلقي فيه على أصحابه وتلامذته والمنتهلين من بحر علومه من كل ما يشفي غليل القلوب الصادية ويروي النفوس المتعطشة المتشوقة إلى طلب المعارف السامية دروساً بليغة لم تكن تدركها عقول علماء ذلك الجيل لولاه ، ولم تقف على أسرارها فحول الحكماء في ذلك العصر لو لم يوضحها لهم.
ونظرة واحدة في كتاب توحيد المفضل (1) وتأمل بسيط في بعض مناظراته الطبية مع أطباء عصره يكفيانك دليلاً على وفور علمه الغزير وكامل معرفة بهذا العلم الجليل ثم ينبئانك أن أقواله القيمة وكلماته الحكيمة في الطب لم تكشف حقيقتها ولم يدرك مغزاها أطباء عصره كما إكتشفت بعد عدة قرون ، حيث تدرج الفكر البشري مرتقياً ـ حسب نظرية النشوء والارتقاء ـ وأخذت أفكار نطس الاطباء وعقول جهابذة العلماء والحكماء تنمو بالتجارب وتتقدم بالاكتشافات حتى بلغت عصرنا الحاضر عصر النور والعلم والاختراع فادركت أسرار كلامه ووقفت على مكنون أقواله في الطب.
وقليلاً من كثير مما ذكرته الكتب وأخبرتنا به الاحاديث الصحيحة المسندة من وصفاته الطبية ومناظراته الدالة على معرفته الكاملة في أصول الطب وفروعه.
وإليك فيما يلي من الفصول الآتية بعض ماوصلنا إليه من كلامه «ع» :
__________________
(1) مجموعة محاظرات ألقاها الإمام «ع» على تلميذه المفضل في إثبات التوحيد وقد شرحناها في أربعة أجزاء.
طب الامام 7
تمهيد
هبط الكتاب ( القرآن الكريم ) على صاحب الرسالة العامة محمد بن عبدالله 9 بكل ما يصلح هذه البشرية في كافة نواحيها الحيوية فلم يغادر ضغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. ولم يفرط في شيء مما تحتاجه هذه الحياة إلا عالجه ولم يهمل جانباً من جوانب إصلاحها إلا أبانه ، ملائماً لكل ظرف من ظروفها. موافقاً لكل دور من أدوار حياة الانسان في أجياله المتعاقبة وعصوره المتتالية.
فهو إذن قانون عالمي عام وناموس إطلاحي شامل ومنهاج سماوي حكيم أرسله اللطيف الخبير بواسطة أصدق خلقه لاسعاد هذا الانسان الجاهل وتقويم ما اعوج من طباعه وانتشاله من هوة الهمجية إلى مرتفع ذروة الراحة والهناء فكان من الضروري ـ نظراً لهذه الغاية السامية ـ أن يجيء شاملاً بعنايته الاصلاحية لكل ناحية من مناحي الحياة الانسانية ، ليسير كل حي في طريقه إلى السعادة فيؤدي واجبه من الطاعة والعبادة.
وهكذا فقد جاء القرآن الحكيم وفيه تبيان كل شيء هدى ورحمة للعالمين حاوياً من الكنوز العلمية والارشادات السماوية مالا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم ممن مَنّ الله عليهم بمعرفتها وأختارهم للأطلاع عليها وخصهم دون خلقه بها فجعلهم أدلاء على الخير ومصابيح يهتدى بهم نحو سبيل الحياة السعيدة.
ولما كانت التكاليف السماوية لم تشرع إلا لسليم العقل ، ولم يكن العقل السليم إلا في الجسم السليم كان من الحكمة واللطف الإلهي أن يلحظ القرآن هذه الناحية المهمة من الانسان أعني صحة الجسم ملاحظة خاصة ، وأن يهتم بها إهتماما
لا يقل عن الاهتمام بالتكاليف الشرعية نفسها لتوقفها عليها.
ولأجله فقد ذكر الكتاب المجيد كل أسس الطب ودعائم الصحة في آيه واحدة ترجع إليها خلاصة أفكار الفلاسفة والحكماء طيلة قرون عدة ، وتقف عندها تجارب العلماء والأطباء حتى هذا العصر عصر العلم والإختراع وهي قوله عز وجل : ( يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إن الله لايحب المسرفين (1) ).
فان كافة الأطباء قد أجمعوا بعد التحقيق العلمي المستمر والتجارب المتعاقبة على أن مدار صحة الأجسام ودعامة سلامتها هو الاعتدال في الطعام ، وإن هذا الاعتدال إذا ما تعدى إلى الافراط أو الاسراف أصبح وبالأعلى البدن وفتح بابا واسعاً للفتك بالأجسام والنفوس ، وما هذا النتاج العلمي الذي يفخر به الطب في تقدمه إلا مؤدى هذه الكلمات الثلاث ـ كلوا ـ واشربوا ـ ولاتسرفوا حيث جمعت في طيها جميع أسس حفظ الصحة وخلاصة نواميسه.
أما النبي الكريم (ص) صاحب الرسالة 9 فقد وردت عنه من التعاليم والارشادات الصحية ما تنوف حد الحصر ، وكلها أصول ترتكز عليها قواعد هذا العلم وتدعم بها أركانه مثل قوله (ص) مشيراً إلى أعظم نقطة يتطلبها علماء هذا الفن في أبحاثهم وهي ـ النظافة والرياضة العقلية والبدنية حيث يقول : بئس العبد القاذورة (2).
كل لهو باطل إلا ثلاث : تأديبه الفرس ، ورميه عن قوسه ، وملاعبته إمرأته فانه حق (3).
__________________
(1) الأعرف ـ 29.
(2) دعائم الاسلام.
(3) الفصول المهمة للحر العاملي.
روحوا القلوب ساعة بعد ساعة (1).
كما كان 9 يقول وهو حديث مشهور : المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء واعط كل بدن ماعود.
وكقوله (ص) : تداووا فما أنزل الله داء إلا أنزل معه الدواء إلا السام (2) فانه لا دواء له (3).
وكقوله 9 : لا تكرهوا مرضاكم على الطعام فان الله يطعمهم ويسقيهم (4).
وقوله (ص) في الحمى : اطفئوا حماكم بالماء (5).
وكان (ص) إذا وعك دعا بماء فأدخل فيه يده (6).
وعنه (ص) ان قوماً من الأنصار قالوا له : يا رسول الله ان لنا جاراً يشتكي بطنه ، أتأذن لنا أن نداويه ؟ قال (ص) : بماذا تداوونه ؟ قالوا : يهودي ههنا يعالج من هذه العلة ، قال (ص) : بماذا ؟ قالوا يشق بطنه فيستخرج منه شيئاً ، فكره ذلك رسول الله ولم يجبهم ، فعاودوه مرتين أو ثلاث فقال (ص) : إفعلوا ما شئتم فدعوا اليهودي فشق بطنه ونزع منه جراحاً كثيراً ثم غسل بطنه ، ثم خاطه وداواه فصح ، فاخبر النبي (ص) بذلك فقال : ان الذي خلق الأدواء جعل لها دواء ، وان خير الدواء الحجامة والفصاد والحبة السوداء (7).
أقول : أن هذا الحديث الشريف يعطينا درسا عن قدم فكرة العمل الجراحي
__________________
(1) مجلة الدكتور المصرية.
(2) الموت.
(3) دعائم الإسلام.
(4 ، 5) دعائم الاسلام.
(6) متفق عليه بين الفريقين.
(7) دعائم الإسلام.
في العلاج وانه لا حداثة له ، وانه آخر الدواء ، الكي لا يحسن التسرع به وأن لا مانع عنه في الشرع.
وأما صنو النبي 9 أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «ع» فينم عن إعتنائه البالغ بهذا الشأن قوله المشهور : العلم علمان : علم الابدان وعلم الاديان (1).
وعنه «ع» بلفظ ابن شعبة في تحف العقول : العلم ثلاثة ، الفقه للاديان والطب للابدان والنحو للسان. وقوله «ع» بلفظ الكراجكي في جواهره : العلوم أربعة : الفقه للاديان والطب للابدان والنحو للسان والنجوم لمعرفة الأزمان. وله 7 كلمات قيمة في جوامع علم الأبدان كقوله : اكسروا حرارة الحمى بالبنفسج والماء البارد (3) وقوله «ع» : لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب فان القلب يموت كالزرع إذا كثر عليه الماء (3).
وقوله لابنه الحسن 8 : يا بني ألا أعلمك أربع كلمات تستغني بها عن الطب ، فقال «ع» : بلى ، قال لا تجلس على الطعام إلا وأنت جائع ، ولا تقم عن الطعام إلا وأنت تشتهيه ، وجود المضغ ، وإذا نمت فاعرض نفسك على الخلاء ، فاذا استعملت هذه إستغنيت عن الطب (4).
وقوله : من أراد البقاء ولا بقاء فليباكر الغداء وليؤخر العشاء ويقل غشيان النساء وليخفف الرداء (5) أقول : المراد من الرداء هو الدين.
__________________
(1) حديث مشهور لم نقف على مصدره.
(2) كشف الاخطار لشمس الدين بن محمد الحسيني.
(3) كشف الاخطار.
(4) خصال الصدوق.
(5) كشف الاخطار.
وأن ألطف ما رأيت له 7 من المواقف الطيبة الكريمة ما أخرجه رجال الحديث من الفريقين وقد ذكره من إخواننا رجال أهل السنة ، أسعد بن إبراهيم الاربلي المالكي باسناده عن عمار بن ياسر وزيد بن أرقم ، قالا :
كنا بين يدي أمير المؤمنين «ع» وإذا بزعقة عظيمة ، وكان على دكة القضاء فقال «ع» : يا عمار أئت بمن على الباب ، قال فخرجت وإذا على الباب إمرأة في قبة على جمل وهي تشتكي وتصيح ياغياث المستغيثين اليك توجهت ، وبوليك توسلت فبيض وجهي وفرج عني كربتي. قال عمار وكان حولها ألف فارس بسيوف مسلولة وقوم لها وقوم عليها. فقلت أجيبوا أميرالمؤمنين «ع» فنزلت المرأة ودخل القوم معها المسجد ، واجتمع أهل الكوفة فقام أميرالمؤمنين «ع» وقال : سلوني ما بدا لكم يا أهل الشام ، فنهض من بينهم رجل شيخ وقال : يا مولاي هذه الجارية إبنتي وقد خطبها ملوك العرب ، وقد نكست رأسي بين عشيرتي لأنها عانق حامل فاكشف هذه الغمة.
فقال أميرالمؤنين «ع» ما تقولين يا جارية ؟ قالت يا مولاي : أما قوله أني عانق فقد صدق. وأما قوله أني حامل فوحقك يا مولاي ما علمت من نفسي خيانة قط فصعد المنبر وقال : عليّ بداية الكوفة. فجاءت أمرأة تسمى ( لبناء ) وهي قابلة أهل الكوفة ، فقال لها اضربي بينك وبين الناس حجاباً وانظري هذه الجارية أعانق حامل أم لا ؟ ففعلت ما أمرها 7 ثم خرجت وقالت : نعم يا مولاي هي عانق حامل. فقال «ع» : من منكم يقدر على قطعة ثلج في هذه الساعة ؟ فقال أبو الجارية الثلج في بلادنا كثير ولكن لا نقدر عليه ههنا ، قال عمار : فمد يده من أعلا منبره وردها وإذا فيها قطعة من الثلج يقطر الماء منها ثم قال : يا داية خذي هذه القطعة مما يلي الفرج فسترين علقة وزنها سبعمائة وخمسون درهماً ففعلت ورجعت الجارية والعلقة اليه. وكانت كما قال «ع» ثم قال لأبي الجارية خذ إبنتك فوالله ما زنت ولكن دخلت الموضع الذي فيه الماء فدخلت هذه العلقة في جوفها وهي بنت عشر
سنين وكبرت إلى الآن في بطنها (1).
أقول : لا غرابة في مثل هذا أي في إحضار قطعة ثلج تقطر ماء بعد ما قص علينا القرآن الكريم من قصة آصف بن برخيا وقوله لسليمان 7 لما استحضر عرش بلقيس عنده ، أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه إلى أخر الآية وشتان بين أبن برخيا ومولانا أميرالمؤمنين «ع» فان ذاك إن كان عنده علم من الكتاب فالامام «ع» كان عنده علم الكتاب كله.
ومن لطائف ما وجدناه لأمير المؤمنين «ع» أيضاً ما رواه اليافعي في كتاب روض الرياحين ص 42 قال : مر علي بن ابي طالب كرم الله وجهه في بعض شوارع البصرة ، فاذا هو بحلقة كبيرة والناس حولها يمدون اليها الأعناق ويشخصون إليها بالأحداق ، فمضى اليهم لينظر ما سبب إجتماعهم ، فاذا فيهم شاب من أحسن الشباب نقي الثياب عليه هيبة ووقار وسكينة الأخيار وهو جالس على كرسي ، والناس يأتونه بقوارير من الماء (2) وهو ينظر في دليل المرضى (3) ويصف لكل واحد منهم ما يوافقه من أنواع الدواء ، فتقدم 7 إليه وقال : السلام عليك أيها الطبيب ورحمة الله وبركاته. هل عندك شيء من أدوية الذنوب ؟ فقد أعيى الناس دواؤها يرحمك الله ، فأطرق الطبيب برأسه إلى الأرض ولم يتكلم ، فناداه الامام «ع» ثانية فلم يتكلم ، فناداه ثالثة كذلك فرفع الطبيب رأسه بعد ما ردّ السلام وقال : او تعرف انت ادوية الذنوب بارك الله فيك ، فقال الإمام 7 نعم ، قال صف وبالله التوفيق فقال «ع» تعمد إلى بستان الايمان فتأخذ منه عروق النية وحب الندامة وورق التدبر وبذر الورع وثمر الفقه وأغصان اليقين ولب الاخلاص وقشور الاجتهاد وعروق التوكل واكمام الاعتبار وسيقان الانابة وترياق التواضع. تأخذ هذه
__________________
(1) بحار الانوار للعلامة المجلسي ج 14 ص 525.
(2) المراد من الماء هنا البول من المريض.
(3) دليل المرضى أي بولهم.