الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
اهل البيت
المواضيع الأخيرة
» نثر الدر المكنون
موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Emptyاليوم في 6:12 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» مقاتل الطالبيّين مقاتل الطالبيّين المؤلف :أبي الفرج الاصفهاني
موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Emptyأمس في 11:42 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج1
موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Emptyأمس في 10:27 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج2
موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Emptyأمس في 9:59 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» نهج البلاغه ج3
موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Emptyأمس في 9:34 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  كلام جميل عن التسامح
موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Emptyأمس في 8:57 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  مفهوم التسامح مع الذات
موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Emptyأمس في 8:48 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» أقوال الحكماء والفلاسفة
موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Emptyأمس في 10:01 am من طرف الشيخ شوقي البديري

» أقوال وحكم رائعة
موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Emptyأمس في 9:55 am من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



إعلانات تجارية

    لا يوجد حالياً أي إعلان



     

     موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Empty
    مُساهمةموضوع: موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4   موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Emptyالجمعة نوفمبر 01, 2024 4:16 pm

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    وبعد فإن العراق كان أصابته الضربة القاسية من المغول سنة 656 ه‍ ـ 1258 م فلم يصح منها حتى أعقبته أخرى وأخرى ولا يزال إلى هذا العهد. تداولته الأيدي القاهرة وتناوبته الأحداث المزعجة ، فلم يتمكن من استعادة مجده واستقلاله ، بل تواترت عليه الإحن وتوالت النكبات ، فعبثت به ولم تدع له مجالا للتفكير بشؤونه ، بل لم يتنفس الصعداء إلا في 24 جمادى الأول سنة 941 ه‍ ـ 1534 م إبان الفتح العثماني. دام هذا لأمد محدود ، ثم اختلت إدارته بما حدث من حروب بين العراق وإيران ، فرأى ضروب الضيم ، وأنواع الحيف من الإدارات العاتية. في خلالها خنع مرة ، وأبدى الشموس أخرى. لكنه كان مهيض الجناح ، متأثرا بأوضاع دولته في غالب أحواله وإن كانت له خصوصيته إلى أن حدث احتلال بغداد في 17 جمادى الأولى سنة 1335 ه‍ ـ 11 آذار سنة 1917 م. وفي هذا التاريخ انتهى الحكم العثماني ، فقطعت العلاقة بيننا وبينه كما أنه بعد مدة وجيزة زال من البين ، وخلفته (الجمهورية التركية).

    والدولة العثمانية واحدة في أصلها متنوعة في مظاهر إدارتها نظرا لطول عمرها. ولا يمكن بوجه أن تسرد وقائعها من أولها إلى آخرها ولكن حالتها القطعية يصح أن توزع إلى فصول بما حدث من وقائع جليلة وتقسم على أشهر الحوادث وما حصل من أهم الوقائع وتعتبر هذه وقفات مهمة.
    وموضوع بحثنا مقصور على ما كان بين فتح بغداد على يد السلطان سليمان القانوني وبين استعادتها للمرة الثانية أيام السلطان مراد الرابع في 18 شعبان سنة 1048 ه‍ ـ 1638 م. وهو الحكم المباشر الأول.
    المراجع والمآخذ (1)
    حدثت في هذا العهد وقائع عظيمة في العراق ، وتعاقبت إدارات مختلفة متأثرة بالدولة أو بشخصية الوزراء. وفي خلال ذلك ضاعت حوادث عديدة ، وكثرت فترات متسببة عن انحلال في الدولة ، واضطراب في الحكم ، وتدمير للوثائق ، فنحن في أشد الحاجة إلى معرفة ما ضاع ، والحصول على ما فات والتماسه من مظانه ... والنهم العلمي لا يهدأ عن الاستزادة ، ولا يمنع من نشر الميسور على أن نكون في تثبيت لما يعثر عليه. ولعل في المعروف ما يبصر بالحالة.
    ولا شك أن الوثائق كثيرة والمؤلفات عديدة إلا أنها لا تعين إلا علاقة حروب أو صلة بالحكومة أو بالأهلين فلا تبين أحوال القطر مفصلا بل نراه مبتور الحوادث ، تتخلله فواصل فلا نجد الوقائع متسلسلة
    __________________
    (1) لم أتعرض في المراجع لما ليس له علاقة مثل كتاب (الدر المسلوك) للحر العاملي وعندي نسخة منه بخط مؤلفها وهي وحيدة ، وهكذا الرحلات يجب ان يبين فيها ما فات ، أو أغفل ذكره من وقائع أو مشاهدات وإلا فليس الحل إيراد أسمائها ، والأغلاط الفاضحة ليست موضوع البحث فلا محل للإطالة بما لا طائل له.

    للولاة وإن كانت متعلقة بالحكومة. والكتب التاريخية المعول عليها لا تذكر الولاة على التوالي بل إن مراجعة النصوص المتعددة تكشف النقاب عن ولاة غير من ذكروا في (گلشن خلفاء) أو في (تاريخ الغرابي) مع أنهما من المؤلفات المحلية. وبينهم من تكررت ولايته فلم يتعرض لها ، أو من ولي العراق ولم نشاهد له ذكرا للفاصلة التي تخللت الحكم العثماني بالمتغلبة وبالمجاورين مع قرب العهد ممن كتبوا. شاهدنا في الوثائق بعض الخلل ولا سبب إلا اختلاف الإدارة ، وتعاقب الحكومات وتلف المصادر من جراء ما حدث من ثورات أو استيلاء ...
    ومن الضروري أن نرجع إلى مؤلفات عديدة لرفع الجهالة وأن نكشف الستار عن الثقافة نوعا ونزيل الخفاء بقدر الإمكان عن وقائع هذا القطر الذي له مكانته عندنا ، وعند الأقطار العربية والإسلامية جمعاء.
    وهذه التواريخ متفرقة المادة ، تهتم بالحكومة وعلاقاتها ، ولم تذكر الشعب وأوضاعه ، ولا تسلسل الوقائع واطرادها ، بل نراها مقصورة على حياة الولاة أحيانا دون سواهم ، وأخلت في الكثير منها. وهذا النقص مشهود إلا أننا من مجموعها حصل لنا ما نعده وافرا فتمكنا من تدوينه مترقبين غيره.
    نهجنا نهجا علميا في تسجيل ما عرف وراعينا حالات مسهلة أو موضحة بقدر الإمكان.
    اتخذنا الوقائع السياسية الكبرى وسيلة لجمع الحوادث وربطها مع ملاحظة العلاقات مما نعتقد أن لها أثرا بالغا في المعرفة.
    وموضوعنا محدد بما بين السلطان سليمان القانوني من أول إدارة العثمانيين في العراق والسلطان مراد الرابع. وقد مر بنا من المراجع في الأجزاء السابقة ما تمتد حوادثها إلى هذا العهد ، وهذه لا نعيد القول فيها من جراء استمرارها في هذا الجزء أيضا.

    وهذه أشهر مراجعنا الجديدة :
    1 ـ المراجع المحلية :
    وهذه تهمنا في الدرجة الأولى لما تحويه من إيضاح وضبط للوقائع أو علاقة بالحوادث. وهي على قلتها جليلة الفائدة عظيمة الأثر لا يصح إهمالها بوجه بل الاستزادة لما يتجدد منها ضرورية. ولما كانت هذه المراجع موضوع بحثنا في خلال سطور الكتاب قد أوضحتها واستوعبت ذكرها في (كتاب التعريف بالمؤرخين) فلا أرى ضرورة للتفصيل هنا. وإنما أذكر من المراجع المحلية :
    (1) تاريخ آل افراسياب.
    (2) زاد المسافر.
    (3) ديوان فضولي.
    (4) ديوان روحي.
    (5) گلشن شعرا.
    (6) تاريخ الغرابي.
    (7) گلشن خلفا.
    وكل هذه أوسعنا القول فيها عند ورود بحثها في حينه ، فلا نرى العجلة لا سيما وقد وجدنا بعضها يتأخر الكلام عليه إلى الأجزاء التالية من هذا التاريخ.
    2 ـ المراجع الأخرى :
    وهذه من التواريخ الأجنبية وهي كثيرة جدا. ومنها للمجاورين أو للأقطار العربية الأخرى. وهذه أشهرها :

    (1) تاريخ مطراقي :
    يتضمن (فتح السلطان سليمان) بغداد ولعله المعروف بـ (تحفة غزاة) ، يذكر منازل سفر هذا السلطان إلى العراقين ذهابا وإيابا. وفيه ألواح مهمة ، وصفحات في تصاوير البلدان العراقية ومراقدها المباركة مما لم يبق له اليوم ذكر ، أو رسم إلا قليلا والكتاب رأيته في (خزانة الجامعة) باستانبول بين نفائس كتب السلطان عبد الحميد الثاني كتب سنة 944 ه‍ أي بعد فتح بغداد بثلاث سنوات ، قدم للسلطان سليمان القانوني والكتاب ينبىء عن معرفة المؤلف بالرسم والتصوير ، وبالتاريخ كما أنه جامع للفنون الجميلة ومعلوم أن المؤلف مؤسس لنوع من أنواع الخطوط يقال له (چپ) فيوصف بأنه (چپ نويس) وهذا الخط قريب من الديواني ... وعصر هذا السلطان نظرا لعظم حكومته وصولتها يجب أن لا يخلو من أمثال هذا المؤرخ واطلاعاته القويمة وإتقانه للرسم. وتصاوير الكتاب تعين صناعة ذلك العصر وكأننا نراها كتبت حديثا لصحة ألوانها وثبوتها ودوامها إلى هذه المدة ... ولعلها خيالية أكثر منها حقيقية. فالكتاب من نفائس الآثار. ومن الضروري أن نحتفظ بأمثال هذه الخواطر في العراق كذكرى للماضي سواء من ناحية تصوير البلدان العراقية ، أو المراقد المباركة ، بأن ننقل التصاوير عينا ، ونحصل على نفس التاريخ بالاستعانة برسامين ماهرين ... واستنساخه بوضعه الحالي. كتب عليه إنه (بيان منازل سفر العراقين) و (كتاب تواريخ آل عثمان) لأيام السلطان سليمان. كتبه باللغة التركية نصوح السلاحي المطراقي من رجال السلطان سليمان ...
    والمؤلف معدود من المؤرخين العثمانيين. كتب تاريخا في مجلد واحد عن أيام السلطان سليمان القانوني. من حين جلوسه إلى سنة 954 ه‍ ثم شرع في تدوين ما بعد هذا التاريخ إلا أنه لم يوفق لإكماله ... وسمي بالمطراقي لإتقانه لعبة المطراق ومهارته فيها. وهي نوع لعب

    بالسلاح يقال له مطراق (1). ويقال إن كتاب الديوان آنئذ كان يقال لصنف منهم (مطراقي) ...
    ومن مؤلفاته (فتحنامه قره بغدادى) ، ونقل تاريخ الطبري إلى التركية باسم السلطان سليمان سنة 926 ه‍ وسماه (مجمع التواريخ) وهذه غير الترجمة المطبوعة ومخالفة لها تماما ... ويعد أيضا من مشاهير الرياضيين ... وله مؤلفات في الرياضيات وأشعار سلسة وغزل رقيق وأساليب خاصة لا يكاد يضارع فيها. ومن مؤلفاته (تقويم نصوحي) في علم النجوم (2).
    (2) تاريخ السلطان سليمان :
    تأليف فردي. وهو مما اعتمده هامر في تاريخ الدولة العثمانية ، ويقال له (سليماننامه).
    (3) سليماننامه :
    تاريخ تركي لعهد السلطان سليمان القانوني. وفيه ذكر وقائعه من حين سلطنته إلى يوم وفاته ، وبيان علماء عصره ووزرائه ...
    طبع ببولاق مصر سنة 1248 ه‍ بإذن والي مصر محمد علي باشا الكبير. والكتاب من تأليفات عبد العزيز آل قره چلبي المتوفى سنة 1068. وهذا التاريخ عولنا عليه في كثير من الحوادث.
    قال صاحب عثمانلي مؤلفلري : وهناك سليماننامات أخرى إحداها لشمسي البرسي من القضاة وأخرى لفردي من الشعراء (3) ...
    وللمؤلف (روضة الأبرار المبين لحقائق الأخبار). طبع في بولاق
    __________________
    (1) لعل هذه اللعبة هي المعروفة عندنا (بالطابق).
    (2) تذكره سهى ص 100 وعثمانلي مؤلفلري ج 3 ص 151 و 3000.
    (3) عثمانلي مؤلفلري ج 3 ص 120.

    أيضا سنة 1248 ه‍. والفصل الرابع منه في دولة آل عثمان.
    وله أيضا (روضة الأبرار في فتح بغداد أيام السلطان مراد الرابع) وسماها صاحب (عثمانلي مؤلفلري) بـ (ظفرنامه).
    وهذه من المراجع المهمة.
    (4) مرآة الممالك :
    رحلة تركية لسيدي علي رئيس المتوفى سنة 970 ه‍ ـ 1563 م. سار من بغداد إلى البصرة بأمل الذهاب إلى مصر بأمر من السلطان سليمان القانوني ليتولى قيادة الأسطول هناك فلقي في طريقه البورتغال فحاربهم ، ولم يطق المقاومة بل دمرت غالب سفنه ، فاضطر أن يميل إلى الهند ومن هناك ساح برّا حتى عاد إلى بغداد حاكيا ما رآه في طريقه. وسياحته مهمة جدا تنبىء عن عصر غمضت وقائعه ... وفيها حوادث كثيرة عن العراق وبيان عن المشاهد وعن الطريق التي مر بها. وصف بعض أحواله وعلاقة العثمانيين به وما جرى عليه في سفره من عناء ...
    طبعت هذه الرحلة في مطبعة إقدام عام 1313 ه‍ فسدّت ثلمة في تاريخ العراق ... كان أتم رحلته في (غلطة) في أوائل شعبان سنة 964 ه‍ ـ 1557 م وأبرزها في أواسط صفر سنة 965 ه‍. أشار إلى ذلك في آخرها.
    والمؤلف قائد بحري مشهور ، عارف بأمور البحرية معرفة تامة وكاتب أديب شاعر ماهر ويلقب بـ (الكاتبي الرومي) (1) ... وله مؤلف جمع فيه رسائل ابن ماجد الربان العربي المعروف وغيرها. سماه (المحيط) يتعلق بالبحرية وأحوال بحر الهند المسمى (بحر عمان) كتبه في أحمد آباد باللغة التركية ونقله إلى اللغة الألمانية آل (بارون هامر) ونشر في ويانة (فينة) عاصمة النمسة كما نقلت رحلته إلى الإنكليزية نقلها (ا. فامبيري) عن التركية
    __________________
    (1) الكاتبي القزويني كان في عهد المغول وهو معروف ... والوصف بالرومي للتفريق بينهما. وعرف آخرون بـ (الكاتبي) ويفرق بينهم بما يدفع اللبس.

    وطبعت في لندن سنة 1899 م (1). وكذا نقلت إلى الفرنسية.
    وله مؤلفات منها (مرآة كائنات) في الاسطرلاب ، والربع المجيب ، والمقنطرات ، ومعدل ذات الكرسي.
    (5) فذلكة أقوال الأخيار في علم التاريخ والأخبار :
    مجلد في التاريخ عربي العبارة لكاتب چلبي ، مصطفى بن عبد الله صاحب كشف الظنون ، منه نسخة رأيتها في المكتبة العامة باستانبول في كافة دول الإسلام وفيها معلومات وافرة عن حكومة قراقوينلو والعثمانيين والصفويين وغيرهم ... أولها : الحمد لله الذي أرشد الأولياء إلى إحاطة أخبار الزمان الخ بخط يده. لخص بها تواريخ عديدة وتكلم على كل حكومة برأسها وبدأ في فصل عن التاريخ وآخر عن الكتب المؤلفة فيه ثم في بدء الخليقة ، وفي الأنبياء ، وفي سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وغزواته وفي الخلفاء ومن وليهم على توالي القرون ... يذكر النصوص التي جعلها أساس بحثه بالفارسية أو غيرها عينا في هامش الكتاب. رأيته باستانبول. وهذه النسخة هي التي وصفها صاحب عثمانلي مؤلفلري. قال : «هذا الكتاب طولاني ، في قطع متوسط ، عربي العبارة ، وتاريخ عام يحتوي على مقدمة ، وثلاثة فصول ، وخاتمة وفي آخره بعض فوائد تاريخية وفي تتمته ألقاب الملوك والدول مرتبة على حروف الهجاء ...» ا ه (2).
    ومن مؤلفاته المهمة (جهاننما) في الجغرافيا. طبع إبراهيم متفرقة. وتاريخ الفذلكة التركي (3) اعتمدناها. وله (ميزان الحق) ... توفي سنة
    __________________
    (1) ترجمته في كتاب أسفار بحريه عثمانية ، وفي عثمانلي مؤلفلري ج 3 ص 270 وهنا ذكر مؤلفاته.
    (2) عثمانلي مؤلفلري ج 3 ص 129.
    (3) تبتدىء حوادثه بسنة 1000 ه‍ ، وتنتهي بسنة 1065 ه‍ ، طبع في مطبعة جريدة الحوادث باستانبول سنة 1287 ه‍. وعندي نسخته المطبوعة.

    1067 ه‍. وفي الطبعة الجديدة من كشف الظنون تفصيل حياته.
    (6) روضة الحسين في أخبار الخافقين (تاريخ نعيما):
    تاريخ تركي ، في الدولة العثمانية تأليف «نعيما أفندي». وله قيمة أدبية ، وأسلوب خاص عند الترك ، ولد مؤلفه سنة 1065 ه‍ في مدينة حلب وأصل اسمه مصطفى. ورد استانبول بعد أن حصل العلوم ونال مناصب عديدة.
    وكان عموجه زاده حسين پاشا ميالا إلى التاريخ فجيء إليه بكتاب كان في حالة مسودة كتبه أحمد أفندي من أبناء أحد العلماء محمد أفندي (شارح المنار) يتناول الحوادث من عهد السلطان أحمد الأول إلى أيام محمد باشا الكوپريلي ، وإن أحمد أفندي الموما إليه لم تتح له الفرصة أن يبيض المسودة فتوفي فكلف عموجه زادة المترجم نعيما أن يتم هذا الكتاب ، ويدون الوقائع الرسمية فيكون (وقعه نويس) أي (محرر الوقائع).
    ومن ثم اتخذ نعيما ذلك الأثر أصلا ، وراجع تواريخ ووثائق وحقق ما سمع ، ودون ما شاهد فأضاف ما علم ... ولم يتحاش من نقد سلفه ، فأبرز كتابه. وسماه (روضة الحسين في أخبار الخافقين) إلا أنه عرف (بتاريخ نعيما).
    وهذا التاريخ كتب في عهد انحطاط العثمانيين ، صور عصره فأبدع تصويره ، فلم يتجاوز الحقيقة ... وتبتدىء حوادثه من الألف وتنتهي بسنة 1065 ه‍ ـ 1655 م. وهذا التاريخ قدمه إلى الصدر الأعظم عموجه زاده. وبعد وفاة هذا الصدر أتم حوادثه إلى سنة 1070 ه‍ ـ 1660 م ، أيام داماد حسن باشا الصدر الأعظم.
    وفي مقدمته بين ما يجب على المؤرخ مراعاته ... وبذا عين نهجه التاريخي وخطته التي سار عليها موضحا أن يكون المؤرخ صادق اللهجة ، لا يلتفت إلى الأقاويل الزائغة ، وأن يكون ملما بالوقائع عن

    علم، ولا یلتفت إلی ما یشیع علی ألسنة الناس من الأراجیف، وأن یعتمد الثقات، ویدون الصحیح لا أن یستهویه الرأي العام بأباطيله، وأن لايتعصب، وأن يترك تزويق الألفاظ وتنميقها بحيث يرتبك الأمر بأن يستخدم البساطة أو قل الفصاحة في البیان، وأن یهمل طریقة العتبي ووصاف ... فیراعي النصائح المفیدة (1) التي لا تبلي جدتها الأيام ... طبع في مطبعة إبراهيم متفرقة وطبعات أخرى.
    (7) منشآت السلاطين :
    وهي المعروفة بمنشآت فريدون ، (فريدون أحمد باشا) المتوفى سنة 990 ه‍ ـ 1582 م والمؤلف من الكتاب القدماء ومن أشهرهم ، كان رئيس الكتاب لدى الوزير الأعظم صوقوللي محمد باشا. فهو مرجع تاريخي للوقائع ومثال مشاهد للآداب في عصره. طبع في مجلدين. وفيه وثائق كثيرة تخص العراق سواء منها ما يتعلق بفتح العراق وغير ذلك ...
    والكتاب لا يخلو من غمز ، فإنه نسب منشآت عديدة للعثمانيين ، منقولة من مراسلات كانت للخوارزميين وغيرهم فقلبها ، أو عدل فيها ونسبها إلى السلاطين العثمانيين ، وربما كان كتاب الدواوين اتخذوا تلك المراسلات أصلا في مدوناتهم السلطانية.
    ومن مؤلفاته الأخرى (نزهة الأخبار). يتضمن وقائع سنتين حدثتا بعد واقعة سكتوار. وله (مفتاح جنت) في الأخلاق ... (2).
    (Cool تاريخ رمضان زادة :
    تاريخ تركي أوله : الحمد لله على ألطافه السنية الخ عندي نسخة
    __________________
    (1) نعيما تاريخي.
    (2) عثمانلي مؤلفلري ج 2 ص 363 ـ 364.

    خطية منه كتبت سنة 1006 ه‍ ، وفيها بعض التعليقات وتواريخ بعض السلاطين وأخرى مطبوعة ... يتكلم فيه عن أوائل التاريخ ، ثم عن العثمانيين وفصل تاريخهم أكثر. وفيه بيان عن الوزراء والمشاهير والعلماء في أيامهم ...
    ومؤلفه رمضان زاده نشانچي محمد بك من رجال السلطان سليمان القانوني ومن مشاهير المؤرخين. أصله مرزيفوني كان رئيس الكتاب ثم أمين الدفتر ... كان يكتب الطغراء في المناشير ويوقع التواقيع السلطانية ، ويحرر الطوامير الصادر من الخاقان. وتاريخه معروف بتاريخ (محمد باشا النشانجي) أي من الرماة وله (سبحة الأخيار وتحفة الأخبار) في أنساب الأنبياء والملوك إلى زمن السلطان سليمان القانوني ... توفي سنة 979 ه‍ ـ 1572 م في استانبول (1).
    (9) تاريخ صولاق زادة :
    في مجلد واحد تأليف محمد همدمي چلبي المعروف بصولاق زادة. كتبه من أول تأسيس الدولة العثمانية إلى آخر أيام السلطان سليمان القانوني بإفادة سهلة بسيطة. لم يحو التفصيلات المهمة. طبع عام 1298 ه‍ باستانبول ونسخه الخطية نادرة ... أوله : الحمد لله الذي خلق الخلق وهداهم إلى الصراط المستقيم الخ .. توفي عام 1068 ه‍ في استانبول وله مؤلفات أخرى. منها (فهرست شاهان) منظومة في تواريخ آل عثمان ، ذيل عليها بعض الأدباء وجاء ذكرها في مقدمة التاريخ. وله تاريخ عام أيضا كما نقل عنه صاحب تذكرة صفائي وله اطلاع واسع على الموسيقى (2).
    __________________
    (1) عثمانلي مؤلفلري ج 3 ص 53.
    (2) صولاق زاده. وعثمانلي مؤلفلري.

    (10) مرآة كائنات :
    لمحمد القدسي المعروف بـ (رمضان زادة). من أحفاد سابقه وهو محمد بن أحمد بن محمد بن رمضان وكان من العلماء. ولي قضاء بغداد لمرتين. وتوفي سنة 1031 ه‍. وتاريخه ينتهي بسلطنة السلطان سليمان القانوني. طبع سنة 1269 ه‍.
    (11) تاريخ عالم آراي عباسي :
    من الكتب التاريخية المهمة في اللغة الفارسية. وكنا بينا في المجلدات السابقة بعض التواريخ التي تمتد حوادثها إلى هذه الأيام. وهذا التاريخ يتكلم في الدولة الصفوية من ابتدائها مجملا ثم يمضي في أيام الشاه عباس الكبير بتفصيل وسماه باسمه. ومؤلفه اسكندر بك التركماني المنشي. شرع بتأليفه سنة 1025 ه‍ وأتمه بوفاة الشاه عباس الكبير في 24 جمادى الثانية سنة 1038 ه‍. طبع على الحجر سنة 1314 ه‍. وفيه توضيح وقائع العراق لما يتصل بإيران.
    (12) الإعلام بأعلام بيت الله الحرام
    للشيخ قطب الدين المكي (محمد بن أحمد المكي النهروالي) الحنفي المتوفى سنة 988 ه‍ ـ 1585 م وفي تاريخ الغرابي توفي سنة 990 ه‍ و (الإعلام بأعلام بيت الله الحرام) ألفه سنة 979 ه‍ ـ 1572 م وأهداه إلى السلطان مراد. وفيه ما يخرج به عن موضوعه مما يتعلق بالخلافة العباسية في مصر ومكانتها ، وبين هذه ما يتعلق بالعراق ، وبالصفويين. نقله إلى التركية المولى عبد الباقي الشاعر المعروف المتوفى سنة 1008 ه‍ ـ 1600 م. ذكر فيه أن الوزير محمد باشا العتيق طلب إليه ذلك فلبى الطلب.
    طبع الأصل العربي في أوروبا ، وفي مصر إلا أن طبعة مصر مغلوطة بأغلاط كثيرة.

    وله : (البرق اليماني في الفتح العثماني) ألفه للوزير سنان باشا ، فكان كسابقه أحد مراجعنا ومن مباحثه الصلات البحرية بالبرتغال ونقله إلى التركية المولى مصطفى بن محمد المعروف بـ (خسرو زاده) المتوفى سنة 998 ه‍. وله مجموعة الفوائد (رحلته) إلى استانبول رأيتها في خزانة ولي أفندي برقم 2440 ، نقلها الأستاذ معلم رفعت الكليسي الفاضل المعروف إلى اللغة التركية (1). ومن مؤلفاته أذكار الحج والعمرة. وله الكنز الأسمى في فن المعمى ، وديوان شعر مما لا يخص التاريخ.
    وهناك مراجع أخرى مثل النور السافر والكواكب السائرة ، وخلاصة الأثر وكتب أخرى عديدة أوضحنا عنها في كتابنا (التعريف بالمؤرخين للعهد العثماني). ومن أهم المراجع (منظومة آل افراسياب) تأتي في حينها. والغرض الاستفادة لا التعداد.
    وأما بعض الكتب المعاصرة فإنها كتبت لمهمة سياسية لا للتاريخ المجرد فلا تكون موضوع البحث هنا.
    نظرة عامة
    في 24 جمادى الأولى سنة 941 ه‍ ـ 1534 م استولى السلطان سليمان القانوني على بغداد فقضى على الحكم الإيراني. وكانت (الأوضاع السياسية العامة) في تلك الأيام تدعو إلى معرفة توصل العثمانيين إلى إبادة حكم العجم من العراق.
    كانت بلاد الشرق الأدنى إثر انحلال إدارة المغول تناوبت عليها حكومات متعددة وتولت إدارتها جملة سلاطين كل منهم يحكم صقعا. وفي الأيام الأخيرة كانت الإدارة موزعة بين آق قويونلو وبعض
    __________________
    (1) كشف الظنون طبعة استانبول الجديدة.

    الحكومات أو الإمارات الصغيرة. أما العثمانيون فلم يكن لهم أمل في هذه الأنحاء ، بل كانت آمالهم معطوفة إلى التوسع في جهات الروم والبلقان وما جاورهما فتوغلوا فيها كثيرا.
    وبعد انقراض حكومة (آق قويونلو) قامت الدولة (الصفوية) في إيران بقوة هائلة مستمدة سلطتها من التأثير الديني باعتناق مؤسسها الشاه اسماعيل طريقة (التصوف الغالي) مقرونة بمذهب الشيعة. كما أنه حرك الشعور الوطني القومي الإيراني فتزايد نفوذه وكثر أعوانه وشعر في نفسه بقدرة فتاكة وحكومة عظيمة هددت كيان الحكومات المجاورة ... بل إن قوتها فاقت المجاورين في كثير من حروبها وظهرت عليهم ظهورا بينا لكنها لم تكن في الدرجة التي تصورها هذا الشاه الشاب الممتلىء نشاطا ، المغرور بقوته وبما ربح من بعض الوقائع ، لما رأيناه في الحكومة العثمانية من الانتصار الهائل عليه وكان حكم العثمانيين سابقا لحكمه. وإن هذه الدولة ممرنة على الحروب والإدارة والتزام السياسة المكينة. أرعبت الشرق والغرب وأرهبت المجاورين ، وعاملت الشعوب والملل المحكومة بالحسنى.
    ـ نعم لم تر الحكومة الصفوية مزاحما لها بعد انقراض حكومة آق قويونلو سوى (الدولة العثمانية) (1). فحاولت القضاء عليها ليصفو الجو
    __________________
    (1) إن الترك يتكلمون باثنتي عشرة لغة. ومنهم التركمان. خرجوا من ما وراء النهر وجاؤوا إلى بلاد الروم زرافات وبأسماء مختلفة مثل دانشمندي ، وأق قوينلو ، وسلجوق ... فجاسوا خلال هذه الديار واستولوا عليها ... ولهم لهجات متنوعة ، وإن اللغة التركمانية متشعبة من التتارية ، ولهم اصطلاحات في لهجاتهم خاصة ولغات غريبة ، لا يفهم بعضهم بعضا إلا بترجمان ، وإن الجغتاي أفصحها ، وإن تركمان آل عثمان من هؤلاء ... أما تتار قالماق أي الصين والخطا والختن فإنهم غير أولئك وإنما هم تتار آخرون ... ولهم اثنتا عشرة لغة بعدد ملوكهم ، فلا يتفاهم بعضهم مع بعض إلا بترجمان. (أوليا چلبي ج 3 ص 171).

    لها خالصا بالتوغل في قلب مملكتها بدعايات واسعة النطاق كان يقوم بها رجال الشاه وأعوانه بنشر التصوف ، والدعوة له ... ومن ثم تولد النزاع بين الحكومتين وكثيرا ما كانت دولة العجم عائقا مهما ، وصارفا عظيما للدولة العثمانية من التوغل في جهات الغرب بسبب تدخلها في أمرها ، وأطماعها بأمل ابتلاعها ، توسع نفوذها في الدولة العثمانية وكان بإزعاج لا مزيد عليه. فتكون على الدولة خطر.
    وأول عمل قامت به الدولة الصفوية كان على يد (شاه قولي) أي (عبد الشاه) المعروف عند الترك (بشيطان قولي) أي (عبد الشيطان). استعمل كثيرا.
    تنازعتا السلطة وكل واحدة من هاتين الدولتين وجدت الأخرى حجر عثرة في طريقها والفروق بينهما كبيرة تمنع من اندماج الواحدة بالأخرى. وأهمها الفروق الدينية والقومية. بقيتا مترافقتي النزاع إلى أن قضي على الحكومة الصفوية من جانب الأفغان قبيل أيام نادر شاه فخلفتها حكومات جديدة لم تغير من وضعها إلا اسم الأسرة المالكة بحلول غيرها محلها إلى أن جاءت الدولة البهلوية فأحدثت تجددا. وهكذا بقي الجدال إلى أن انقرضت الدولة العثمانية أيضا بظهور (الجمهورية التركية) ، فبدت آمالها كما هو المشهود في الإصلاح لا في الفتح.
    ولا تزال الفروق موجودة إلى اليوم ولكن التقرب ـ دون الاندماج ـ مأمول والمصافاة أكيدة. نظرا لتغير الوجهات وتبدل أشكال الحكومات وتطورها لا سيما بعد الحروب العامة لسنة 1914 م و 1939 م. بدت بوادر التقارب السلمي. لأن كل دولة تريد أن تنال حظها من الإصلاح ، وأن تلحظ مصلحتها ، وليس لها أمل في التسلط على غيرها. ففي كل مملكة ما يغنيها عن التطلع إلى الأطماع خارج حدودها ، وأن تحصل



    على الرفاه والثقافة من طريقهما. وهذا لا يتم إلا بالركون إلى الطمأنينة والراحة. والعدول عما هو أشبه بالغزو العشائري.
    رأت الدولة العثمانية في أيام السلطان بايزيد أن قد توسع أمر الصفويين في مملكتها وكون خطرا عليها من جراء أن القدرة على المقارعة كانت مفقودة نوعا لأن السلطان بايزيد كان خاملا وإدارته منحلة ...
    ثم ولي السلطان سليم الياوز. وهذا من أعاظم ملوك العثمانيين ، كان ولا يزال يحرق الارم على الإيرانيين. خاف من توسعهم لهذا الحد فتولى إدارة الجيوش بنفسه. وقبل الدخول في المعمعة انتقى الإدارة وأتلف الأعضاء الزائغة وعد كل مخالفة أكبر جريرة حتى فيما وقع من وزيره الأعظم. حدثت بينه وبين العجم (حادثة چالديران). كاد فيها يدمر الإيرانيين وهم في بدء تكونهم وإن صدمة كبرى مثل هذه كانت تكفي آنئذ للقضاء على آمالهم. والأهلون لم يخلصوا لهم بعد ، وبينهم من أكره على الطاعة ، ولكن لم يحصل آنئذ من يشاطرهم السلطة أو له أمل في السيادة ... لما نال الناس من ظلم وقسوة في مختلف الأيام فشغلوا بأنفسهم ...
    ومن نتائج أعمال الدولة العثمانية أن قضت على نفوذ (المتصوفة في الأناضول) وصار العجم في رعب من صولات الترك. ذاقوا المرارة فعلا ، ولم تكتف الدولة العثمانية بهذا الحادث من كسر شوكة إيران بل مالت إلى متفقتها (مصر) ، فضربتها الضربة القاضية ودمرتها تدميرا تاما لا عودة بعده فخلصت مصر للدولة العثمانية بل دخلت في حوزتها أنحاء إفريقيا الشمالية.
    كانت دولة المماليك في مصر بسبب المجاورة ، وتوسع الدولة العثمانية تخشى أن ينالها منها ما تحذر ، فاتفقت مع إيران أو أن إيران

    أوجدت فيها هذا الخوف مما دعا إلى هذا الاتفاق. ذلك ما أكسب الدولة العثمانية الاهتمام للأمر وأن تقضي على هاتين الحكومتين قبل أن تستكملا العدة. فالدولة العثمانية كانت ممرنة على الحروب أكثر من غيرها وإن كانت الدولة الصفوية اكتسبت بعض الممارسة في حروبها للاستيلاء على كافة أنحاء إيران وعلى بغداد.
    وقوة السلطان سليم الياوز أعقبتها سطوة أكبر أيام السلطان (سليمان القانوني). وهذا لم يستطع العجم أن يقفوا في وجهه. وحكومته آنئذ نالت شهرت بلغت الغاية لما وصلت إليه من العز والمنعة في الشرق والغرب ولكن تدابير العجم السياسية مكنتهم من المحافظة على الوحدة من جراء أن حكومتهم لم ترتكب الخطأ الأول في (چالديران) للدخول في مقارعة عظيمة لها خطرها ولا تأمن نتائجها ... أو أن تجرب تجربة أخرى تجازف بها ، فركن الشاه إلى الاختفاء مدة والحكومة لا تطارد المختفين الهاربين فمالت إلى بغداد واكتفت بأخذها وما والاها وعادت ظافرة ...
    والعراق كان من الضعف والعجز بمكان ، فلم يقدر أن يحرك ساكنا ، والحكومات السابقة أنهكت قواه ، لا يختلف عن إيران وسائر الممالك الشرقية الأخرى ... ولا يزال الخوف مستوليا عليه مما أصابه من أقوام ليس لهم رأفة به ولا رحمة أو شفقة والقوة لا تزيحها إلا القوة. ولم تكن له قدرة النهوض أو بالتعبير الأصح لم يبق من رجاله من ينقاد له الرأي العام ليقوم بالاستقلال ويربح قضيته استفادة من الفرصة السانحة. ولعل ضعف الأهلين كان أهم سبب فلا مجال للقيام ولا قدرة هناك تكفي لصد العدو. والروح قد أميتت ، فركنوا إلى قوة العثمانيين.
    انحلت إدارة العراق فتكونت إدارة تركية. ولم يوسع على الأهلين.

    ولولا أن الثقافة مكينة ، قائمة على أسس ثابتة من مدارس موقوفة ، وريع وافر لتأمين إدارتها ، وتأكيد معرفتها لكانت في خبر كان.
    إن المدارس الموقوفة ثبتت الوضع الثقافي وغيرت الحالة ، ولم تدع مجالا للتخريب والقضاء على الآداب والعلوم. بل حييت حياة طيبة في كل فرصة وجدت فيها راحة وطمأنينة ، وإن العثمانيين كانوا في بدء عمل ثقافي ، فكانت الاستفادة من هذه المدارس كبيرة لاقتباس نظامها ومراعاة طرق تدريسها ... فصار لا يستغني موظف ، أو عالم أو أديب عن العلاقة بهذه المدارس للأخذ بالثقافة الصحيحة.
    وعلى كل حال تيسر للسلطان سليمان القانوني (فتح بغداد) بسهولة دون أن يرى أدنى عقبة أو صعوبة ، ولم يجد مقاومة من عدو ولا قياما من أهلين بل فتحوا له الأبواب مستبشرين ، مسرورين.
    والشعب لا يريد إلا الراحة والطمأنينة ، أنهكته الحروب ، وتسلطت عليه الأوهام حذر أن تعود إليه هذه الحروب جذعة.
    والحق أن العراق اكتسب الراحة ، وسكن مدة ، ولكن بعد قليل دب في الدولة الضعف من جراء استمرار الحروب ، ودوام غوائلها ، فاضطرت الدولة إلى التضييق على الأهلين ، شعر علماء كثيرون بهذا الخطر ، وحذروا الدولة من نتائجه ... فظهر التغلب في مواطن عديدة في بغداد وغيرها ، فتشوشت الحالة في أواخر هذا العهد ، واستفاد منها المجاور وهو بالمرصاد فكان ما كان من وقائع انتهت بدخول السلطان مراد بغداد وانتزاعها من أيدي الإيرانيين ...
    وفي هذا العهد لم يستفد العراق من العلاقات الاقتصادية بأصل الدولة ولا بغيرها فليس هناك ما يستحق الذكر سواء في أيام الراحة أو الاضطراب بل بقي العراق على حالته المعتادة ، فلم يظهر ما يزيد في الاقتصاديات ، ولا في السياسة ما يدعو للارتياح.

    ولا يسأل عن الثقافة في هذه الزعازع ، والاضطرابات ، وأن الفرصة مكنت من استعادتها نوعا في أول العهد إلا أن الأيام الأخيرة حتى استيلاء السلطان مراد قد قضت على الكثير من آثارها ، فصرنا اليوم لا نستطيع أن نعلم عنها إلا القليل النزر. ولعل الأيام تكشف أكثر عما غاب عنا في خزائن الكتب الخاصة ، أو في البيوت من مصادر.
    دامت بغداد في إدارة العثمانيين إلى أن حدثت حوادث كان آخرها واقعة (بكر الصوباشي) سنة 1028 ه‍ ـ 1619 م ، ثار على العثمانيين ، وأعلن حكومته في بغداد. ولما رأى تضييقا من هذه الدولة طلب المساعدة من إيران ، فكان من نتائج ذلك أن استولت إيران على بغداد. دخلتها في يوم الأحد 23 ربيع الأول سنة 1032 ه‍ ـ 1623 م.
    جرت هذه إلى حروب وبيلة وقاسية بين العثمانيين والإيرانيين. اكتسبت عنفا وشدة ، ونالت وضعا خطرا على الدولتين ، فصارت كل واحدة منهما على وشك الهلاك ، ولم يبق بين الحياة والموت إلا أنفاس معدودة. جاء السلطان مراد الرابع بنفسه لفتحها ، فحدثت المعارك الهائلة والحروب الطاحنة بين الطرفين مما ولدته الأطماع ، كأن قد ذهبت لهم ذاهبة ، أو كأن العراق مخلوق لأحدهما. فتمكن السلطان مراد من استعادة بغداد في 18 شعبان سنة 1048 ه‍ ـ 1639 م وتم الفتح. ومن ثم عادت بغداد. وكانت هذه المرة الأخيرة ، فلم يتمكن الإيرانيون بعدها من الاستيلاء عليها وإن كانت لم تنقطع الحروب ولا هدأ الأمل.
    فتح بغداد
    1 ـ بغداد وحاكمها :
    كان العراق من الضعف بمكانة ، وبغداد قاعدة بلاده. كانت إدارتها بيد العجم ، فإن محمد خان تكلو كان حاكم بغداد من إيران وهذا

    علم أن جل أماني السلطان أن تتم سفرته بفتح بغداد فارتبك أمره وأصابه الرعب ... وأول ما قام به السلطان أن أرسل أولامه بك مع الوزير الأعظم إبراهيم باشا إلى الموصل فاستولوا عليها.
    ثم إن أولامه بك بعث بعض رجال قبيلته إلى من هناك من قبيلة (تكلو) برسائل يحث بها على لزوم إظهار الطاعة للسلطان ... وأبدى النصح بوجوب تسليم بغداد بلا حرب وقد صاغ رسائله هذه بتعابير تدل على الترغيب من جهة والترهيب من أخرى فأبدع في الأسلوب وحسن البيان بقصد جلب القوم واستهوائهم لجانب السلطان ...
    أما الخان فلم يلتفت وأظهر أنه متأهب للطوارىء ، عازم على القراع ، وصار يعد العدة للنضال. وفي هذا الحين ورد ابن الغزالي من قبيلة تكلو أيضا إلى بغداد حاملا رسالة الشاه يخبر بها محمد خان الوالي ببغداد بأن السلطان قد تحرك قاصدا بغداد ، وفيها حث بالانصراف عن المدينة وأن يأتي إلى إيران على وجه العجلة لينجو بنفسه وبمن معه. وعلى هذا دعا الخان أعوانه وقص عليهم ما وقع ، وشاور في الأمر فلم توافقه قبيلة تكلو على الذهاب إلى الشاه وامتنعت عن طاعته ... فكان مجموع من وافقه نحو ألف فلم ير بدا من الذهاب إلى الشاه وبينا هو يفكر في الأمر إذ ورد كتاب آخر يدعوه الشاه فيه إلى لزوم الإسراع فكان داعية التشوش أكثر. جاء هذا الكتاب مع نديم الشاه (رجب دده) فلم يطق صبرا لا سيما وقد تواترت الأخبار بوصول السلطان واكتساحه الحدود بجيوشه الجرارة واجتيازه خانقين وقلة (1) مما زاد في ارتباكه. فدعا جماعة تكلو. فاوضهم وبالغ في نصحهم. دعاهم للخروج معه من المدينة واللحاق بالشاه فلم يلب دعوته أحد. فتابعه من أعوان الشاه نحو سبعمائة بيت ... وافقوا واستعدوا للذهاب معه امتثالا للأمر.
    __________________
    (1) أي قولاي المقاطعة المعروفة في خانقين.

    ولما ألح في الطلب على طائفة تكلو قام في وجهه نحو ثلاثة آلاف. ناصبوه العداء وتحصنوا في المدرسة المستنصرية بقرب الجسر (1) تأهبا لمقارعته وكمنوا له هناك.
    وكان في نية الخان آنئذ تخريب دورهم وإهلاك أهليهم ومتعلقاتهم. وفي أمله الهجوم عليهم والتنكيل بهم فخالفه السيد محمد كمونة وسكن الخصام بينهما. وجل غرضهم أن لا يوافقوا الخان ولا ينصاعوا لقوله. تعندوا فلم يمضوا طبق مرغوبه ...
    لم يبق للخان أمل ، ولم ير تدبيرا ناجعا ينقذه من هذه الورطة فندم على ما فعل ، وأبدى للقوم أنه عدل عما كان عزم من الذهاب إلى الشاه وإنما مال إلى السلطان وأنه مطيع له. فسر الجميع لقوله هذا. وصوب الجماعة رأيه ...
    وعلى هذا ذهب جماعة من رجال تكلو. سارعوا في الوصول إلى السلطان سليمان ليقدموا له مفاتيح بغداد وليعرضوا الطاعة. وكان هؤلاء من أهل الحل والعقد. رأى الخان الحالة وصلت إلى هذا الحد فلم يبق له أمل في أن يبقى رئيسا كما كان فيحافظ على مكانته وأن المذكورين قد غلبوه على أمره. وأنه فقدت منزلته ... ورأى الأسلم له أن يعبر الجسر باتباعه ويذهب إلى الشاه من طريق البصرة فتوجه إلى الشاه (2).
    2 ـ السلطان سليمان القانوني :
    الدولة العثمانية كانت ولا تزال في حالة توسع إلى هذه الأيام ، تترقب الفرص وتتوسل بالأسباب للدخول في معمعة أخرى لتكسر شوكة
    __________________
    (1) تعين أن محل الجسر في مكانه المعروف اليوم من سنة 941 ه‍.
    (2) كلشن خلفا ص 61 ـ 2 ونخبة التواريخ وابن كمونة هذا هو غير المذكور في المجلد الثالث من تاريخ العراق بين احتلالين.

    الصفويين فلا تدع لدولتهم مجالا للدعاية في مملكتها ، وإن التشنيع على إيران من آل الكيلاني من كل صوب ، ومن المغلوبين وفلولهم مما ذكر بواقعة چالديران ، وإن كانت لا تعد أسبابا للدخول في معارك جديدة وإنما قرب الحالة الحربية ما جرى على ذي الفقار من حادث. يضاف إلى ذلك أن أولامه بك من قبيلة تكلو حاكم أذربيجان من جهة الشاه التجأ إلى السلطان سليمان لما وجد من الشاه من خوف ، فرغبه في حرب إيران وزاد في نشاطه. وربما يعد ميله إلى السلطان من أكبر أسباب الاشتباه من والي بغداد محمد خان تكلو ، فمالت قبيلته إلى السلطان فعلا. وهذه من قبائل التركمان المعروفة (1).
    كانت هذه من أكبر المسهلات للدخول في المعمعة مع العجم. جاء في جامع الدول (2) وفي غيره أنه في هذه السنة (940 ه‍) أمر السلطان بالتجهيز لسفر الشرق وجعل الوزير إبراهيم باشا سردارا فعبر الوزير في جمع من الحرس الملكي (قبو قولي) إلى اسكدار في 2 ربيع الآخر من هذه السنة ثم سار وشتى في حلب وكان سبب ذلك يرجع إلى أمرين :
    (1) أن حاكم بغداد ذا الفقار مال إلى السلطان سليمان فأرسل إليه مفاتيح بغداد وأظهر الانقياد ولما بلغ ذلك الشاه طهماسب سار إليه فحاصر بغداد مدة فقاتله ذو الفقار وقتل. فكان الباعث لقصد السلطان.
    (2) أن حاكم بدليس (بتليس) شرف خان أعلن العصيان على
    __________________
    (1) قاموس الأعلام ج 3 ص 1665 مادة (تكه تركمانلري). وغالب قوة الشاه تستند إلى القبائل التركمانية مثل استاجلو ، وتكه لو ، وبهارلو ، وذي القدرية ، والقاجار ، والافشار ، ذكرهم في تاريخ مختصر إيران تأليف باول هورن. ترجمه إلى الفارسية الدكتور رضا زادة شفق. طبع سنة 1314 ه‍. ش في طهران.
    (2) ومثله في كلشن خلفا ص 61 ـ 1 إلا أن ما في جامع الدول أوسع.

    السلطان وانقاد للشاه طهماسب كما أن حاكم تبريز أولامه تكلو كان قد تقلد مناصب في إيران إلى أن نال حكومة تبريز. ولما دخلت هذه السنة أوجس خيفة من الشاه طهماسب فهرب إلى الروم. التجأ إلى السلطان فأكرمه وأقطعه بدليس وأمده بعسكر ديار بكر. أرسله إلى قتال (شرف خان) فقاتله قتالا شديدا فقتله ، وكسر جيشه ببدليس وأهلك كثيرا من أتباعه. وصار ذلك أيضا سببا لقصد بلاد الشرق.
    وفي أيام وجود الوزير في مشتى حلب في منزل (سواريك) في أول ذي الحجة من هذه السنة بلغه تسخيروان. ففرح بذلك إلا أنه علم أن العسكر يقولون لا يقاتل السلطان إلا السلطان فخاف من الفتنة فأرسل إلى السلطان يعرفه بالحال ويلتمس قدومه فأجاب السلطان ملتمسه. عبر إلى اسكدار في آخر سنة 940 ه‍ وتوجه مبادرا نحو الشرق حتى وصل إلى تبريز في 20 ربيع الأول سنة 941 ه‍. (جرت وقائع بين الوزير والعجم في مواقع حتى وصل السلطان والوزير إلى همذان ثم قطعا بعدها المنازل متوجهين نحو بغداد فوصلا إلى قصر شيرين) ، ومن ثم دخل السلطان بجيشه الحدود العراقية ...
    وكل ما عرف عن الوزير في إيران أنه قام بما يجب القيام به لتسهيل الضربة على الشاه فتعقب أثره وقارعه في بعض المواطن ... فكانت الحروب دامية. أخذ الخوف من العجم أكبر مأخذ كان نهض السلطان من استانبول في 28 ذي القعدة سنة 940 ه‍ ـ 1534 م وصار يطوي المراحل حتى اتصل بجيش الوزير. وصل إلى السلطانية في 6 ربيع الآخر سنة 942 ه‍ ـ 1534 م ومنها كانت وجهته همذان فوردها في 24 منه. أما الشاه فكان في حالة يرثى لها يفر من ناحية إلى أخرى ، ويتخفى في الجبال الصعبة ، ويميل عن الطرق المعتادة فرارا من وجه السلطان. والرعب استولى عليه .. وحينئذ أمال السلطان عنان عزمه نحو بغداد وكانت الغاية المقصودة.

    بين قصر شيرين وبغداد (في طريق بغداد):
    لم يتعرض صاحب گلشن خلفا لتفصيل طريق السلطان ولكن ذلك جاء ذكره من مؤرخين كثيرين. قصوا سير السلطان وطريق حركته إلى بغداد وبين هؤلاء المؤرخ نصوح المطراقي والمؤرخ فريدون سوى أن نصوح المطراقي كان مصاحبا للسلطان في سفره هذا ، فحكى ما شاهد بل لم يكتف بذلك وإنما صور البلدان والمراقد المباركة التي مر بها بألوان عديدة وعليه عولنا. ولم نهمل أقوال المؤرخين الآخرين ما أمكن الجمع.
    إن السلطان كان قد وصل إلى (ماهي دشت) (1) في غرة جمادى الأولى نهض من مرقد أويس القرني (2) إليها. وفي السادس منه وصلوا إلى (قلعة شاهين) وهذا المنزل هو الحد الفاصل بين عراق العرب وبين إيران ومن هنا تبدأ حلوان البلدة والمدينة (3). وهذا المنزل خال من
    __________________
    (1) وردت في معجم البلدان بلفظ (مايدشت) وعدها من مضافات خانقين. وعين موطنها في رحلة المنشى البغدادي ص 46.
    (2) في أراضي الهارونية مما يحاذي جبل حمرين بالقرب من المكان المسمى (وادي الحصان) قبر يسمى (مرقد أويس القرني) والحال أن مرقد أويس هذا قد جاء ذكره في المحل المذكور أعلاه قبل أن يصل الوارد من إيران إلى ماهي دشت بمرحلة. وهذا محل نظر أيضا. فلا يصح أن تتعدد المواطن ، وتكثر التسميات لمرقد واحد. والهارونية على نهر ديالى من ملحقات شهربان ، تأخذ ماءها من نهر ديالى ، وكانت البلدة في الصدر ، وتمتد أراضيها إلى (بلدروز) أو (براز الروز).
    (3) حلوان ذكرتها في ملحق تاريخ العراق ج 2 الكلام على (درتنك). وقلعة شاهين قرية من قرى درتنك. ويقال لها (كاوروان). وتعد اليوم من أنحاء (زهاو). وسميت كاوروان باسم جبل هناك. وأما حلوان فيسمى محلها اليوم باسم (سربل) ويقع بين قلعة شاهين ونفس زهاب وبشيوه وتقع على ضفة نهر ألوند. وهناك كانت مدينة حلوان ولم يبق منها إلا أطلال وقنطرة صخرية لا تزال قائمة. (سياحتنامه حدود) وجاء ذكر (درتنك) في مسالك الأبصار ج 3 المخطوط في أياصوفيا وفي أوليا جلبي ج 4 ص 388 وج 1 ص 186.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4   موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Emptyالجمعة نوفمبر 01, 2024 4:18 pm

    القرى وكان ذلك يوم الخميس وبقوا الجمعة في مكانهم. وهناك دفن نشانجي سيدي بك (1). وكانت أصابت الجيش في هذا المحل أمطار غزيرة ورعد وبرق بما لا يوصف .. ويوم السبت 8 منه وصلوا إلى يكي إمام (يني إمام) أي الإمام الجديد وكانت قلعة خربة آنئذ. حدث هنا من الأضرار ما لا يوصف. وفي التاسع منه جاؤوا إلى قصر شيرين (2) وعاد هذا يبابا. وجدت فيه قلعة خالية ...
    ومن قصر شيرين مضوا إلى (نهر شمران) (3) كما في نصوح المطراقي وهو (طقوز أولوم) وجاء في غيره أنهم يوم الاثنين في العاشر
    __________________
    (1) هذا كان الموقع الديواني فقام مقامه جلال زادة نشانجي مصطفى. وهذا فاق في الخط الديواني ودام 24 سنة في هذا المنصب وله معرفة تامة بالقوانين الديوانية. ثم صار طغراكش (طغرائيا) في سنة 974 ه‍ وتوفي سنة 975 ه‍. وهو مؤرخ ، له طبقات الممالك. وتاريخ عثماني. ومنصب طغرائي كان معروفا عند العثمانيين وكان آخرهم الحاج أحمد كامل آكدك ويعرف بـ (طغراكش) أي طغرائي ، وبين هذين حاز هذا المنصب كثيرون في الدولة. والتفصيل في (تاريخ الخط العربي في العراق).
    (2) كان في العهد العثماني إمارة مستقلة. وأحيانا تابعا لزهاو. ومن سنة 1226 ه‍ دخل في حوز إيران أيام إمارة (محمد علي ميرزا) كان الإيرانيون بمقتضى المعاهدة المعقودة سنة 1238 ه‍ التزموا أن يعيدوا زهاو وقصر شيرين. وقبلوا الحدود السابقة إلا أنهم لم يبالوا بذلك واستمرت تلك الأصقاع بتصرفهم.
    (3) وجاء (شميلان) بتفخيم اللام على لهجة الكرد ويراد بها حشائش خاصة تسمى بهذا الاسم وأطلقت على جبل شمران ، وسمي نهر ديالى باسم الجبل المار منه تسمية غريبة أو مغلوطة عن (نهر سيروان) فحرف اللفظ. وهو اسم نهر ديالى حتى يصل إلى محل يقال له (دربند خان) فليست اسم (ديالى). ويقال له (سيروان) عند الكرد إلى المحل المذكور ثم يطلق عليه ديالى. والتسمية تتعاقب فالكرد يعرفون (نهر سيروان) ويسمى (نهر شروان). وبعد ذلك يمضي في سيره فيقال له (نهر ديالى). وفي معجم ياقوت يسمى (تامرا) ، ونهر بعقوبا الأعظم ، الجانب الأيمن منه وما تفرع منه من أنهار يقال له (الخالص) ، وما كان في الجانب الأيسر ومشتقاته يقال له (نهر طريق خراسان) ثم خفف فصار ينطق به (خريسان).

    وصلوا إلى خانقين وفي هذا المنزل (1) ورد القاضي ومعه جماعة أرسلوا من محمد خان حاكم بغداد يبدون أنه طائع منقاد لأوامر السلطان ، فأنعم السلطان على هؤلاء بالخلع وانتظروا يوما واحدا لورود الأثقال والمهمات وفي يوم الأربعاء 12 منه وصلوا إلى (طقوز أولوم) وحطوا أثقالهم وجاء أنه (أولوصو) ومعناه النهر الكبير ويقصد به (ديالى) (2). رأوا المياه في فيضان زائد فاضطروا على البقاء. وفي هذا اليوم أصاب الجيش من الغرق ما لا يوصف ومن نجا لحقه السيل لحد أن فريدون قال : إن هذه المصيبة لم ينلها جيش في التاريخ ولا رأى مثل هذا الهول. وفي 14 منه كان الفيضان مستمرا فلم يستطيعوا العبور واستراحوا يوم الأحد 16 منه وأنعم السلطان في هذا المنزل على من رآه بخلعة ، ثم جاؤوا إلى كوشك سيلان (3) ومنها إلى صحراء بردان فوصلوها في 19 منه ثم عبروا (نهر نارين). هول المؤرخون بالخسائر والأضرار وأنها لا يمكن تقديرها وكان فيضان ديالى مرعبا جدا. ومنها اجتازوا جبل حمرين فجاؤوا إلى قرية شروين المسماة (طاش كوپرى) وتعرف بـ (دللي عباس) والآن سميت بناحية (المنصورية). وفي 20 منه عبروا نهرا هناك (الخالص) ، وفي 22 منه وصلوا إلى قرب قرية (الوندية) فلم يقفوا وساروا في طريقهم وفي يوم الأحد 23 منه وصلوا مرقد (الشيخ سكران). و (مرقد لقمان الحكيم) بالقرب منه ، ورأوا في طريقهم مرقد (الشيخ مكارم) وفي 24 منه وصلوا (الإمام الأعظم) وإن السلطان حينئذ نزل عن فرسه وزار مرقده ثم ركب ومضى بجيوشه إلى (بغداد) ...
    __________________
    (1) ومنهم من قال إنه في قلعة شاهين ورد إليه كتاب محمد خان يقدم له فيه الطاعة.
    (2) عبروا من بنكدره (بين كدره). وجاء في رحلة المنشي البغدادي أن المعبر كان من قرية رزه من بنكدره. والظاهر أنه لم يختلف. ص 42.
    (3) لعله (كوشك زنكي) كما في رحلة المنشي البغدادي.

    وكانت المدينة قبل هذا سلمت مفاتيحها إلى (جعفر بك). وجاء في جامع الدول : «ولما قرب الموكب من بغداد هرب حاكمها محمد خان تكلو. تركها خالية فبلغ الخبر إلى الركاب السلطاني فأرسل أولا الوزير فدخلها في 22 جمادى الأولى بلا نزاع ولا قتال ، ثم دخلها السلطان بعد يومين في 24 من الشهر المذكور ...» ا ه (1).
    وفي گلشن خلفا أن الشاه لم يستطع مقاومة السلطان حينما توجه إلى بلاده وتوغل في إيران فاستولى على آذربيجان ، ولم يقدر على صده ، فصار يهرب من وجهه إلى هنا وهناك خائفا ، متخفيا ، وغرضه تعجيز السلطان. ولذا عزم السلطان أن يمضي إلى بغداد ، فوصل الخبر إلى والي بغداد محمد خان تكلو ، فأصابه الهلع ، واستولى عليه الرعب.
    وفي هذه الأثناء اكتسح إبراهيم پاشا مع أولامه بك تكلو مدينة الموصل ، وأن أولامه بك هذا كتب إلى رجال قبيلته (تكلو) في بغداد رسائل ينصحهم ويحثهم على تسليم بغداد إلى السلطان ، فيها من الترغيب تارة والترهيب أخرى ما يقتضيه المقام ويحذرهم عاقبة العناد ، فكان جواب محمد خان تكلو الرد. وأبدى عدم الإذعان وبين أنه مستعد للكفاح إلا أن الشاه بعث إلى والي بغداد بابن الغزالي من تكلو أيضا يوصيه بالعودة إلى إيران وأن ينجو بمن معه. ومن ثم دعا الوالي قبيلة تكلو ، واستطلع رأي رجالها ، فعارضوا في الذهاب إلى إيران ، وأصر الكثيرون إلا أن نحو ألف رجل منهم وافق محمد خان تكلو. وفي هذا الحين ورد (رجب دده) نديم الشاه يوصيه بالإسراع في العودة. فاضطرب الوالي ، ولم يقر له قرار لا سيما وقد سمع أن السلطان وصل إلى خانقين وقله (قولاي) بجنوده ، فاضطر أن يدعو قبيلة تكلو مرة أخرى
    __________________
    (1) جامع الدول. ومنشآت فريدون. ومنازل العراقين. وتاريخ العراق ج 3 ص 367.
    وفي الأخير إيضاح.

    وينصحها فلم يجد ذلك نفعا. وفي الأثناء سمع أن أهل بغداد لا يستطيعون الحصار ، ونادوا بالميل إلى السلطان وأبدوا حبهم له ، وأن نحو ثلاثة آلاف من قبيلة تكلو أوقدوا نيران الفتنة ، وجاهروا بالمخالفة وتطاولوا ، بل إن هؤلاء اتخذوا المستنصرية حصنا لهم. وكان أمل الخان أن يوقع بهؤلاء ، وأن يصطدم بهم ، فلم يوافقه السيد محمد كمونة بل مانعه أن يقوم بالفتنة ومن ثم علم أن قبيلة تكلو أبدت المعارضة وتحصنت في المدرسة المذكورة ، وأنها ليست مع الشاه ، فتظاهر بأنه مع السلطان فوجد موافقة ، ومن ثم وبناء على موافقة الخان أرسلوا مفاتيح بغداد مع رؤساء قبيلة تكلو ، وقدموها للسلطان وأبقوا الخان رئيسا ولكن الخان علم يقينا أن إظهارهم المتابعة ليست إلا أمرا وقتيا وأنهم يضمرون له الكيد ، وأنه سوف يرى ما لا يرضاه فندم على ما فعل ، الأمر الذي دعا أن يعبر الجسر ويذهب من طريق البصرة إلى مقر الشاه ، فذهب مملوءا رعبا. وترك بغداد (1).
    وإن قائد الجيوش (السر عسكر) لم يفتح الأبواب حذرا من أن ينال الأهلين أذى من الجيش. وأنعم السلطان على هذا القائد إنعاما عظيما (2).
    4 ـ دخول بغداد :
    إن الجيش دخل بغداد بلا حرب ولم يقع أي ضرر ، كان جاء الوزير الأعظم إبراهيم پاشا السردار بأربعين ألفا. وأما السلطان فإنه وافى بغداد بمائة ألف إلا أن ما أصاب العساكر من طغيان المياه ، والأمطار والزعازع أضعاف ما لو كان حرب. وكادت تحبط مساعي القوم.
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 61 ـ 2.
    (2) نصوح المطراقي ، وعزيز جلبي في سليماننامه ، وأوليا جلبي ، وجامع الدول.

    إن أبناء الترك ومن معهم صبروا للمصاب ومضوا حتى ربحوا بغداد. فكان لدخولهم رنة فرح زاد في سرور الأهلين وأنعشهم فلم يروا ضررا من الجيش خلاف ما كان عليه الفاتحون الآخرون في غالب أحوالهم. وأما حاكم بغداد محمد خان فإنه حينما علم بقربهم من بغداد ركب بأهله وعياله السفن وذهب إلى البصرة. وإن الجيش الإيراني عبر ديالى وسار من جهة درنه ودرتنك قاصدا ديار العجم. مضوا إلى أنحاء قم وقاشان.
    وعند دخول السلطان المدينة زينت له تزيينا بديعا وملئت جميع الأبراج بالعساكر فأخذوا مواقعهم ونشرت في تلك المواقع الطوغات والأعلام على اختلاف أنواعها ... وأطلقوا له حين دخوله ثلاث طلقات نارية من مدافعهم وبنادقهم إظهارا للسرور ، وصارت الطلقات تترى. فكان لها وقعها في النفوس واحتفل به الأهلون احتفالا لا مزيد عليه. كذا في أوليا چلبي نقلا عن والده درويش محمد أغا أحد الصاغة في البلاط كان حضر الفتح (1).
    وجاء في گلشن خلفا أن الأهلين استقبلوا السلطان بمهرجان عظيم فنالوا كل التفات ولطف منه. وكان حينما ورد الموكب قصبة الأعظمية وأقام بها منع منعا باتا أن يدخل أفراد الجيش المدينة ، أو يلحقوا ضررا ما بأحد ، وحظر أن يتطاول شخص أو يمد يده إلى مال آخر. ذلك ما أدى إلى توليد الأمن وراحة الرعايا. وتقدم الشاعر المشهور فضولي البغدادي يمدح السلطان بنادرة مطلعها :
    أيد اللهم في الآفاق أمن المسلمين
    با دوام دولت پايندهء سلطان دين

    __________________
    (1) أوليا جلبي ج 4 ص 399.


    نور اللهم في الإسلام مصباح البقا
    با ثبات حشمت شاهنشه روى زمين




    خلد اللهم سلطانا به باهى الزمان
    شدز فيض أو فضاى ملك فردوس برين

    وأورد صولاق زادة للشاعر فضولي البغدادي أيضا في تاريخ هذا الفتح :
    گلدى برج أوليايه پادشاه نامدار (1)
    ومن التواريخ قولهم (فتحنا العراق). وعلى كل حال اتخذ السلطان بغداد عاصمة له مدة بقائه.
    السلطان سليمان في بغداد
    كان دخول السلطان بغداد يوم الاثنين 24 جمادى الأولى سنة 941 ه‍ ـ 1534 م. رافقه أمراء وولاة كثيرون بينهم أمير أمراء مصر سليمان باشا ، ونصوح المطراقي الذي حكى هذا الفتح (2). ثم تجول السلطان في 28 جمادى الأولى سنة 941 ه‍ في أنحاء عديدة من العراق قضاها في زيارة المراقد المباركة في الكاظمية وكربلا والنجف ومر في طريقه بالكوفة والحلة ... ثم عاد إلى استانبول من طريق إيران متوجها نحو أذربيجان. والشاه مال إلى طريق التخفي ، والعدول من وجه السلطان فوصل إلى تبريز دون أن يقع حرب. وفي خروجه من تبريز جاءه القاصدون من الشاه يتضرعون إليه بإسدال العفو وقبول الصلح فقبل ذلك. ومن ثم عاد إلى استانبول (3).
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 61 ـ 62. وتاريخ صولاق زاده ص 487.
    (2) أسفار بحرية عثمانية ومرآة الممالك.
    (3) كلشن خلفا ص 62 ـ 2.

    وفي أيام استقراره ببغداد قام بأعمال أهمها :
    1 ـ اجتماع الديوان :
    كان أثر وصول السلطان اجتمع (الديوان) وأجريت التوجيهات فأكرم الجيش بإنعامات وافرة. ولما كان من أعظم ملوك الأرض فلا يقال في توجيهاته ولا في عطاياه وهباته أكثر من أنها كانت عظيمة (1).
    2 ـ تعميره قصبة الإمام الأعظم ـ الجامع والمرقد :
    إن السلطان سليمان في 5 جمادى الثانية سنة 941 ه‍ زار مرقد الإمام الأعظم وأمر بتعمير قبته لما رآها فيه من حالة الخراب والتدمير ، وأنه رأى جدرانها متهدمة النواحي والأطراف متداعية فعمر المرقد الشريف ، وأسس دار ضيافة للوارد والصادر غداء وعشاء ولم يكتف بهذه ، وإنما أمر أن يتخذ سور لحراستها من أيدي المتغلبة والعابثين (2). وأوسع من هذا ما جاء في أوليا چلبي قال :
    «إن السلطان سليمان خان شرع عام 941 ه‍ في بناء قصبة الإمام الأعظم تبركا. وإن البلدة حينما كانت في يد السلطان حسن الطويل (أوزن حسن) رأى سادن حضرة الإمام الأعظم رؤيا مؤداها أن الإمام الأعظم قال له : ضع الصندوق الذي على قبري على الضريح الذي هو في المحل الفلاني. لأن هناك كافرا مستحقا للعذاب. وحينئذ استيقظ السادن وفعل طبق ما أمر الإمام. وكان آنئذ وفي ذلك العصر لا توجد على (قبر الإمام) قباب ولا تكلفات (3). وذلك أنه كان قد سجن من قبل المنصور وعمره آنئذ ثمانون عاما فتوفي ، ودفن بناء على وصيته في غرفته
    __________________
    (1) منشآت فريدون.
    (2) سليماننامه ص 119.
    (3) في تحفة النظار ما يخالف ذلك ج 1 ص 136 كما أن حكاية وضع الصندوق لم يعرف لها أصل.

    على السنة. ثم إنه قد وضع بعض السلاطين على ضريحه صندوقا. وإن ذلك السادن بناء على الرؤيا وأمر الإمام وضع هذا الصندوق على قبر كافر. ولم تمض مدة طويلة حتى استولى الشاه إسماعيل على العراق. وحينئذ كسر الصندوق وفتح عن القبر فوجد جسدا ملوثا. فألقاه في النار فزعم أنه انتقم من الإمام وكفى شره.
    ولما جاء السلطان إلى بغداد وبينما هو في طريقه رأى چاوش رؤيا مؤداها أن الإمام ظهر له وقال له إن (طاشقين (1) خواجة) يعلم ضريحي. وبعد الفتح قد أشار ذلك الرجل إلى أرض الإمام فحفروها فظهر الأساس القديم فأخرجت صخرة كبيرة فرفعوها ومن ثم ظهرت منها رائحة طيبة فانتشرت وعطرت جميع أدمغة الحاضرين. أما السلطان سليمان فإنه وضع ذلك الحجر على حاله وغطاه بتراب وأعاده كما كان. وأخذ في البناء فبنى قبة على قبر الإمام بصورة لا يستطيع اللسان وصفها. وبنى عمارة هناك ومدرسة وعمر في أطرافها قلعة. واتخذ جامعا ودار ضيافة وحماما وخانا ونحو 40 أو 50 دكانا وعين للقلعة دزدارا (محافظا) وجندا لحراستها يبلغون مائة وخمسين ووضع فيها معدات حربية كافية ، ومدافع. وشكل القلعة مربع باستطالة قليلة ومحيطها ثمانية آلاف خطوة. وفي أطرافها من الخارج بساتين وحدائق.
    وقال : وحينما ذهبت مع ملك أحمد باشا عام 1058 ه‍ عمرها في ذلك التاريخ. وهناك اتخذ لها آبارا ذوات سواقي وصنع لها غرفا. وقد أرسل إليها من الآستانة من (قيا سلطان) قنديل ذهبي (2).
    وإن السلطان مراد خان صنع الباب الأسفل والأعلى وشبكة
    __________________
    (1) وفي تاريخ بجوي طاشقون خليفة.
    (2) أصل اسمها قيا اسميخان سلطان. كذا في سجل عثماني وهي بنت السلطان مراد الرابع ج 1 ص 10.

    الضريح من فضة. وكذا مصراعي الباب فصار الجامع وقبر الإمام كأنه جنة الفردوس.
    ومن ذلك العصر نرى جميع الوزراء والوكلاء والأعيان الكبار يزيدون في الآثار الخيرية من بناء وعمارة ويزينون المحل بأنواع الثريات بصورة بديعة» ا ه (1).
    ومثله في تاريخ پچوي نقلا عن المؤرخ عالي أفندي عن جلال زادة مصطفى النشانجي في كتابه (طبقات الممالك) (2) فلا نرى ضرورة لتكراره. وفي تاريخ رمضان زاده محمد النشانچي ذكر لأعمال السلطان هذه إلا أنه مختصر جدا. وجاء في تاريخ هامر أن السلطان عين مرقد الإمام الأعظم تخليدا لذكراه دون علم منه يقينا بموضع قبره الذي صيره العجم مزرعة كما أن سلفه السلطان محمد خان الفاتح ابتدع مرقدا في استانبول لأبي أيوب الأنصاري (3) ... ولا نعطف اهتماما كبيرا لأمثال هذا. وإنما نذكر في معرض المقابلة ما عملته إيران من انتهاك حرمات القبور ، وما عمله الترك من تعميرها واحترامها وزيارتها. كما أننا لا نرى مبررا لاختلاق قبر الإمام الأعظم وذكراه وشهرته تغني عن تعيين قبره فهو محترم من غالب المسلمين مقلديه وغير مقلديه. ولا يزال مذهبه
    __________________
    (1) أوليا جلبي ج 4 ص 426.
    (2) تاريخ بجوي ج 1 ص 185.
    (3) قال الخطيب في تاريخ بغداد : «حضر أبو أيوب العقبة ونزل عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين قدم المدينة في الهجرة. وشهد بدرا والمشاهد كلها. وكان سكنه بالمدينة وحضر مع علي بن أبي طالب حرب الخوارج بالنهروان وورد المدائن في صحبته وعاش بعد ذلك زمانا طويلا حتى مات ببلد الروم غازيا في خلافة معاوية بن أبي سفيان وقبره في أصل سور القسطنطينية ... توفي سنة 55 ه‍ ...» ا ه. وقد مر ذكر جلال زاده مصطفى النشانجي في ص 24 الهامش. وعالي أفندي مؤرخ معروف. له كنه الأخبار وكتاب هنر وهنروران.

    مرعيّا في أكثر الممالك الإسلامية. وشيوع فقهه كاف ومغن عن إحياء ذكرى أخرى. وغالب الصحابة الكرام لا تعرف قبورهم (1).
    وقد ذكر أوليا چلبي أن السلطان خصص مبلغ مائة ألف دينار لهذه التعميرات ولقبة الشيخ عبد القادر الجيلي (الگيلاني).
    وهنا قصرنا البحث على الحادث وإلا ففي كتاب (المعاهد الخيرية) مباحث مسهبة عن (جامع الإمام أبي حنيفة) ومدرسته وما لحقها من تعميرات.
    3 ـ حضرة الشيخ عبد القادر وجامعه :
    جاء في سليماننامه : «رأى السلطان أن قد وهى مزار الشيخ عبد القادر ، وعاد أنقاضا بالية ، فأمر أن ترفع له قبة عالية ، وأن تتخذ دار ضيافة للفقراء والأرامل ، وأهل البلد ومن حولهم فقاموا بالأمر ..» ا ه (2).
    ولا شك أن الجامع موجود من أيام السلطان سليمان القانوني ، تشهد بذلك منارته القديمة البيضاء. وكذا خيراته. إلا أن التعمير العظيم ورفع سمك القبة للمصلى كان أيام سنان باشا المعروف بچغاله زاده.
    وجاء في أوليا چلبي أن السلطان سليمان حينما فتح بغداد بنى قلعة لمرقد الإمام الأعظم وجامعا ودار ضيافة كما أنه عمر قبة عالية للشيخ عبد القادر الجيلي وجامعا وتكية وعمارة وجدد خيرات أخرى ،
    __________________
    (1) تاريخ البجوي ج 1 ص 184 و 185 وما بعدهما وهناك تفصيل ما جرى من التحري على قبر الإمام الأعظم وتعميره. والكتاب في مجلدين يتضمن حوادث الدولة العثمانية من سنة 927 ه‍ إلى سنة 1049 ه‍. من تأليف إبراهيم البجوي المتوفى سنة 1061 ه‍ وذيل عليه مصطفى بن أحمد البلغرادي من سنة 1045 ه‍ إلى سنة 1061 ه‍.
    (2) سليماننامه ص 119.



    عين لها أوقافا ... (1).
    وجاء في تاريخ الغرابي : «في سنة 561 ه‍ توفي الشيخ الجيلي قدس سره في بغداد وهو من أولاد الحسن بن علي بن أبي طالب (رض). وأمه أم الخيرات أمة الجبار فاطمة بنت أبي عبد الله الصومعي ... (إلى أن قال) ولما مات دفن بمدرسته في بلدة بغداد ، وبني على قبره ميل. ولما جاء السلطان سليمان إلى بغداد هدم الميل وبني عليه قبة شاهقة. وبعد أسس سنان پاشا بجوار القبة جامعا ولم يتفق له إكماله وإنما بنى منه مقدار ثلثه وبعد مضي سنوات كمله والي بغداد علي باشا ابن الوند في العقد التاسع من المائة العاشرة ، ثم ألحق رواقان أحدهما من جانب الغرب بحذاء الجامع والآخر من جانب الشرق محاذ لقبة ضريحه قدس سره ، وبعد في سنة 1084 ه‍ ألحقت ظلة قدام الجامع والقبة والرواقين. وفي مقابلة هؤلاء حجر متعددة يسكنها الفقراء من أهل التقوى والصلاح وحضرته معمورة بتلاوة القرآن ، والأذكار ، ومذاكرة العلم بحيث لا تخلو من ذلك ليلا ونهارا. والحمد لله الذي جعلنا وآباءنا وأجدادنا من خدام حضرته الشريفة ...» اه (2).
    وهذه القبة غير قبة الجامع ، لا تزال قائمة بديعة البناء والصنع شاهدة بمعرفة بانيها ، مشيرة إلى قدرته الصناعية. ولعل هذا العمل كان تجاه أعمال الصفوي وصرفه المبالغ في سبيل مراقد الأئمة. وكان الأولى بالاثنين أن يرفهوا على الأهلين وينقذوهم مما هم فيه من بلاء الحروب وانتهاك الحرمات ولكن المظاهر آنئذ هي المطلوبة المرغوب فيها لجذب العوام واستهوائهم لجانبهم. ولا تزال قبة الضريح رفيعة
    __________________
    (1) ج 1 مخطوط عندي.
    (2) تاريخ الغرابي ورقة 129.

    البنيان ، عظيمة الأثر ولعلها نفس القبة التي هي من آثار السلطان المشهودة لكنها دخلها الإصلاح بتغطيتها بالكاشي ... والغرض من هذه العمارة بيان احترام السلطان لصاحب المرقد وإجلاله. وأكثر جهود السلاطين مبذولة لهذه الناحية ...
    والتفصيل في كتاب (المعاهد الخيرية). وجاء في تاريخ رمضان زاده محمد النشانجي أن من حسنات السلطان سليمان أنه عمر مشهد الشيخ عبد القادر الگيلاني وجامعه. ولم يتوسع وإنما راعى الإيجاز في كل مباحثه.
    4 ـ تعمير الجامع والحضرة الكاظمية :
    ثم إن السلطان زار مرقدي الإمامين موسى الكاظم ومحمد الجواد ورتب لخدام الحضرات وظائف من خزانة بغداد. وكان الشاه إسماعيل بدأ بعمارة الحضرة والجامع فلم يتمهما فأصدر السلطان فرمانه بتكميلهما.
    قال ذلك صاحب كلشن خلفا (1). وجاء في مساجد بغداد للأستاذ محمود شكري الآلوسي أن الشاه إسماعيل كتب على جدران المسجد :
    «بسم الله الرحمن الرحيم. أمر بإنشاء هذه العمارة الشريفة سلطان سلاطين العالم ظل الله على جميع بني آدم ، ناصر دين جده الأحمدي ، رافع أعلام الطريق المحمدي ، أبو المظفر الشاه إسماعيل ابن الشاه حيدر ابن جنيد الصفوي الموسوي. خلد الله تعالى ألوية الدين المبين بملكه وسلطانه ، وأيده لهدم قواعد أهل الضلالة بحجته وبرهانه. وحرر ذلك في سادس شهر ربيع الثاني سنة 926 الهلالية» (2).
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 62 ـ 1.
    (2) تاريخ مساجد بغداد ص 117.

    وفي هذا وفي كلشن خلفا ، ما يؤيد أن الجامع والحضرة قد بنيا ولم تتم عمارتهما ، فأتم السلطان سليمان ذلك بل لم يتم كل ما هنالك فإن المنارة لم تكمل إلا في سنة 978 ه‍ أيام السلطان سليم الثاني. أوضحت ما جرى على هذه الحضرة والجامع من التعميرات لمختلف الأزمان في كتاب (المعاهد الخيرية) وكان ناظم تاريخ بناء المنارة الشاعر فضلي بن فضولي البغدادي.
    وجاء في كتاب (تاريخ كاظمين) الفارسي ذكر ما جرى من تعميرات تالية منها أن الشاه عباس الكبير أمر سنة 1033 ه‍ بعمل ضريح من فولاذ لحفظ الصناديق من الخاتم كما أنه حدث غرق ببغداد والكاظمية سنة 1042 ه‍ فتضعضعت جدران الحضرة الكاظمية فأمر الشاه صفي بترميم ما اختل تعميره ، وأودع القيام بذلك إلى قزاق خان أمير الأمراء السابق في شيروان. وفي سنة 1045 ه‍ أجريت بأمره أيضا بعض الإصلاحات والترميمات في سلم المنارة وبعض التعميرات في المواطن الأخرى المختلة.
    وجاء فيه أيضا أن الجيش العثماني عندما اكتسح بغداد نهب ما في الحضرة من قناديل فضية ومرصعة وبعض المزينات. ولم يعين مصدرا (1).
    5 ـ تسجيل المملكة العراقية :
    وهذه كانت من أكبر أعمال السلطان. سجل الأملاك والمقاطعات. وهذه السجلات نالت اعتمادا ووثوقا بحيث صار يعمل بمضمونها بلا بينة. وكانت مرجعا دائما.
    __________________
    (1) تاريخ كاظمين ص 124.

    فقد جاء في المادة 1737 من مجلة الأحكام العدلية أن قيود الدفاتر الخاقانية معمول بها لكونها أمينة من التزوير. ويقصد منها الدفاتر المدونة والمسجلة أيام هذا السلطان ، وجاء عنها في شرح المجلة للأستاذ علي حيدر أنها ما كان خاصا بأيام السلطان سليمان القانوني من تحرير للأراضي والأملاك وأيام السلطان مراد الثالث. والمقصود منها في العراق ما كان أيام السلطان سليمان. ألف لجنة من أهل الفضل والاستقامة فحرروا القرى والمزارع والمراعي والأراضي الأخرى بعناية تامة وتحقيق زائد خالية من شائبة التزوير ومجموع هذه القيود تبلغ 970 دفترا أو سجلا مخزونة في مكان مقفل بأربعة أبواب الواحد تلو الآخر معمولات من حديد ، محكمة الصنع لا يتطرق إليها الخطر. وإذا أريد تبديل حكم أرض أو ملك من هذه الأملاك وجب استحصال إرادة سنية وصدور فرمان فتفتح من أمين الدفتر الخاقاني بواسطة الموظف الموكل بالأمر فيدون خلاصة الفرمان ويوقع في أعلى القيد للأراضي المطلوب تجديد قيدها ، ثم يعاد الدفتر إلى محله بعد الإشارة إلى ما حدث ، ويحافظ هذا المخزن الموكل بأمر محافظته. ولا يزال أمر العناية بهذه السجلات مرعيا. فلم يطرأ عليها الخلل ، ولا دعا أن تداخلها شائبة التزوير والتصنيع. يعمل بها بلا بينة. بين ذلك الشيخ علاء الدين شيخ الإسلام ، وهكذا كان إفتاء شيوخ الإسلام على هذا الوجه وجاءت فتوى ابن عابدين في التنقيح وفي رد المحتار ، فعملت بذلك المجلة وهذه القيود سجلت فيها الأراضي الأميرية والمؤسسات الخيرية ، ولا تشمل ملك الأفراد من المزارع ولا الأملاك الخاصة ، أو ما هو مقيد بالإجارتين.
    والقيود الخاقانية يراد بها هذه القيود دون معاملات الطابو الأخرى وسنداتها. فهذه لم تكتسب تلك القوة بوجه.
    أقر السلطان أمر السجلات في بغداد وساقها نحو وجهة سالمة.

    رأى لزوم إدارتها بمنهاج موحد. وطراز إدارة ثابتة. والتشكيلات الإدارية القديمة للمملكة العثمانية ترتكز على النحو الذي اختطه ببعض التعديل. ودوائر الطابو تبعت هذه الطريقة في التسجيل لسائر الأملاك والعقارات.
    6 ـ نهر الحسينية في كربلاء :
    هذا النهر من أعظم أعمال السلطان. كان يسمى باسمه (النهر السليماني) والآن يسمى (بالحسينية). أجراه إلى كربلا فأحياها. ولم يوفق السلاطين السابقون أيام غازان وغيره ومنهم الشاه إسماعيل ، والشاه طهماسب. واعتقد أن السلطان كان يملك أكابر المهندسين ، فتمكن من العمل. وتم المشروع على يده. ويقال إن هندسته كانت فائقة تدل على خبرة ومقدرة من أحضرهم من المهندسين ولا شك أنه كان أقرب لاستخدام أعاظم المهندسين وهو من أعظم الملوك وليس لدينا ما يوضح الأعمال الهندسية ووصف خطورة المشروع والخطط التي قام بها رجاله ولا علمنا عن هؤلاء المهندسين. والأعمال تنسب إلى السلطان وحده والنهر بوضعه شاهد العظمة. والآن كربلاء قائمة بدوامه والعمارة المشهودة في كربلاء والحياة الزراعية ، والبساتين فيها قامت بسبب من هذا الأثر ، فتجددت حياة اللواء ، وصار يعد من أعظم المشاريع الإصلاحية بل كان حقيقة مشروعا جليلا في حياة البلد وما جاوره من بقاع تصل مياهه إليها. ثم بعد مشروعه هذا بمدة طويلة قامت (سدة الهندية) واكتسبت شكلا أعظم ونتائج مهمة خصوصا بعد اتخاذ الأبواب واستخدام لوازم العمارة والإرواء الحديثة. فعليه الآن عمارة اللواء وقوام حياته. وعلى ما حققه بعض المؤرخين أن المهندسين كانوا يرون أن كربلاء في محل عال ونهر الفرات منخفض عنها فيستحيل إيصال الماء إليها فكان إيصال الماء إليها يحتاج إلى خبرة هندسية كاملة فتمت في عهد هذا السلطان. وعد صاحب گلشن خلفا ذلك كرامة من كراماته وبركة من بركات توفيقه وإقباله. وأظن أنه يقصد بذلك التفاته لهذا

    المشروع واهتمامه في إنجازه ... (1).
    7 ـ إيالات العراق وألويته :
    ومن الإصلاح الذي أجراه السلطان تقسيم العراق إلى إيالات وألوية متعددة. وبهذا قضي على الإدارات القديمة ، فاعتبر العراق خمس إيالات :
    1 ـ إيالة بغداد.
    2 ـ إيالة البصرة.
    3 ـ إيالة الموصل.
    4 ـ إيالة شهرزور.
    5 ـ إيالة الأحساء.
    ومنهم من لم يعد الأحساء من الايالات لضعف العلاقة. ولكل إيالة ألوية. جعل السلطان الإدارة في هذه الايالات مقتبسة من إدارة العاصمة وتشكيلاتها. ويأتي الكلام في التشكيلات الإدارية في آخر الكتاب.
    8 ـ صلب إسكندر جلبي الدفتري :
    في 8 رمضان 941 ه‍ أمر السلطان بصلب إسكندر جلبي فصلب بإيعاز من الوزير الصدر الأعظم إبراهيم باشا (2). وذلك أن هذا الوزير كان يخشى من هذا الدفتري ويعده رقيبا عليه. صار ينتظر الفرص للوقيعة به. يوغر صدر السلطان عليه. كان الدفتري صاحب مال كثير لا يكاد يوجد عند أحد وله أعوان ومماليك يعدون بالآلاف. وله مقدرة فائقة فلا
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 62 ـ 1.
    (2) نخبة التواريخ ص 69.

    يحذر الوزير من سواه ، فرتب عليه بعض الوسائل للوقيعة به. منها أنه أبدى وجود سراق للخزانة ، وتكون شغب كان هيأه ولكن هذا عرف أمره إلا أنه خفي أمره على السلطان.
    وكان أيضا رأي الوزير الأعظم من إسكندر جلبي أنه نهاه أن يلقب نفسه (سردار سلطان) ومعناه قائد السلطان ويقرأ بكسر الراء الثانية على الإضافة الفارسية إلا أنه لو سهل فلم تكسر راؤه لكان معناه السلطان صاحب القيادة العامة ... فلم يلتفت لذلك وعده رقابة له.
    ومهما كان الأمر أوغر الوزير قلب السلطان على إسكندر چلبي فعزله قرب همذان ثم زاد في تخويفه من بقائه فصلبه في بغداد في (8 رمضان سنة 941 ه‍) وهذا أوجب استياء عاما ونفرة من الكل وعرف أن ذلك بتدبير من الوزير الأعظم. وكذا حذر السلطان من صهره حسين چلبي وسول له قتله فضرب عنقه.
    وهذا الحادث ـ وإن كان أدى إلى الاستيلاء على ثروة هذا الدفتري وعلى مماليكه الذين يبلغون السبعة آلاف ـ قد أثر في نفس السلطان كثيرا وندم على فعلته بمتابعة هذا الوزير حتى أن المؤرخين يقصون أنه رأى رؤيا مزعجة جدا فيها يلومه المقتول لارتكابه الوقيعة به ، بحيث إنه شوهدت صيحات عظمى صدرت منه وهو نائم فانتبه مذعورا. وهذه تعين درجة ما حصل له وفي الصباح زار مراقد الأئمة ـ ويقال إن هذه الزيارة تسكين لما استولى عليه من الاضطراب فأزعجه (1).
    وفي عودته كان يكتم عن الوزير الأعظم إبراهيم باشا الوقيعة به والانتقام منه. وكان إبراهيم باشا استحوذ على السلطان وملك سمعه وبصره ولكنه رأى منه بعض أفعال استاء منها فرآه اكتسب طورا مهما.
    __________________
    (1) تاريخ صولاق زاده ص 490.

    استبد بالأمور وأبدى المقدرة الكاملة سواء مع السفراء أو الوفود أو غيرهم. وكذا ارتاب من اللقب الذي لقب نفسه به (سردار سلطان).
    ولما كانت السلطنة لا تقبل الشركة في النفوذ والتسلط وجب أن يقف عند حد فلم يحتمل السلطان أوضاعه هذه فقتله في 21 رمضان سنة 942 ه‍ أي بعد مضي نحو سنة بسيف الغدر الذي قتل به إسكندر وصهره.
    ثم تولى الوزارة سبعة من مماليك إسكندر چلبي ، أكبرهم الصوقوللي وكان إبراهيم باشا تقدم عند السلطان بجماله وموسيقاه وبدت حينئذ مواهبه فنال أعز مكانة عرفت في أعز أيام هذه السلطنة وهو رومي ما زال يتقدم ويترقى حتى وصل إلى هذه المنزلة ولكنه استولى عليه الغرور ، ولم يفكر في أصل مكانه الأول ، وما ناله بعد أن كان من المماليك فوصل إلى هذا الموقع الممتاز.
    لذا كان سقوطه هائلا ، كأن لم يغن بالأمس (1) ... كذا قالوا. وأشاروا أنه أول من خرقت به عادة نصب الوزراء من غير أهل المكانة من الأعيان والوجوه.
    والملحوظ هنا أن أعوان إسكندر چلبي استفادوا من انفصال السلطان عن الوزير فتمكنوا من إغرائه عليه للوقيعة به ، نظرا لتكاتفهم وكانوا عصبة حتى نالوا الوزارات بعده. جاؤوا من الطريق التي توصل بها إلى الحكم.
    9 ـ الجامع السليماني ـ جامع السراي :
    ويسمى (جامع جديد حسن باشا). وسميت المحلة أخيرا باسم جديد حسن باشا. ولم نقف على اسم الجامع القديم قبل تعمير السلطان
    __________________
    (1) كذا. ص 489.

    له. وجوامع كثيرة طرأ عليها الاندثار ثم جرى تعميرها ، فلم تحافظ على اسمها القديم. وهذا الجامع عمره السلطان سليمان القانوني حين ورد بغداد. وإن أوليا چلبي كان جاء إلى بغداد سنة 1067 ه‍ وقد بين جوامع بغداد ، وذكر من جملتها (الجامع السليماني). قال : وفيه منارة. ويقع أمام باب السراي (دار الحكومة) (1).
    وذكر هذا الجامع (مرتضى آل نظمي) في كتابه (جامع الأنوار) عند كلامه على الإمام الناصر موضحا أن هذا الإمام تربته متصلة بهذا الجامع وأنه لا يزال يزار (2). ولعل الخليفة الناصر اتخذت له تربة هناك ولكننا تعوزنا النصوص في بيان محل دفنه (3). فمن الضروري الاتصال بوثائق أخرى لنعلم قيمة ما ذكره أوليا چلبي ومرتضى آل نظمي.
    ثم إن هذا الجامع عمره حسن باشا (فاتح همذان) ، فعرف باسمه فقيل (جامع جديد حسن باشا) للتفريق بينه وبين حسن باشا الوالي الذي هو أقدم منه والمسمى بجامع الوزير وفي (تاريخ المعاهد الخيرية تفصيل ما جرى عليه من تعميرات.
    10 ـ السلطان في طريق عودته ـ قتله أمير صوران :
    كان السلطان سليمان نظم إدارة بغداد ثم غادرها في 28 من شهر رمضان سنة 941 ه‍. سار في طريقه نحو إربل فوصل إلى محل يدعى (كوك تپه). وهناك سمع بأن أمير صوران (سوران) عز الدين شير وردت
    __________________
    (1) رحلة أوليا جلبي ج 4 ص 419.
    (2) جامع الأنوار. نقله السيد عيسى صفاء الدين البندنيجي إلى العربية ، وصدر عن الدار العربية للموسوعات ـ بيروت ـ سنة 2002 م تحقيق : أسامة النقشبندي ومهدي عبد الحسين النجم.
    (3) اعترض الدكتور مصطفى جواد على نص دفن الخليفة الناصر في جامع السراي فبين أنه دفن في مقبرة الخلفاء العباسيين.




    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4   موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Emptyالجمعة نوفمبر 01, 2024 4:20 pm

    طريقها وتتخذ الوسائل للسيطرة على السواحل.
    وفي سفر الوالي هذا مر بالنجف لزيارة (مشهد الإمام علي) (رض). ولما كان (شيخ قشعم) سلك طريق العصيان قام بتأديبه وكسر طغيانه بل قضى الوزير على حياته وأزال فتنته.
    ثم سار إلى البصرة. ولما رأى حاكم البصرة أن لا قدرة له على المقاومة ركن إلى الفرار فدخل الوالي المدينة وقضى على حكومة راشد وسعى في تنظيمها وضبط إدارتها. وبذلك انقادت الأطراف ودخل لواء واسط ونواحي الجزائر في حوزة الدولة وصار العراق بحذافيره للدولة العثمانية ، وحينئذ تقلص ظل هذه الإمارة أو انقرضت. وكان حاكمها يتصرف بها على وجه الملكية. إلا أنها عادت بحالة خرجت عن أن تكون بشكل حكومة (1).
    جاء في روضة الأبرار في حوادث سنة 951 ه‍ أن اياس باشا فتح البصرة في تلك السنة. وهذا غير صحيح لما ورد في النصوص السابقة. فالغلط فيه ظاهر (2).
    وجاء في فضولي من قصيدة مدح بها اياس باشا ذكر جهة البصرة والاستيلاء على الجزائر هناك كما في ديوانه التركي. مدح هذا الوالي بقصائد عديدة غير هذه تبلغ سبع قصائد. ولا شك أنها عدد وافر من فضولي الشاعر البغدادي.
    __________________
    (1) كلشن خلفا ومرآة كائنات ص 127 وأوليا جلبي ج 4 ص 414.
    (2) روضة الأبرار ص 555.

    قبيلة قشعم
    معروفة في العراق برياستها القبائلية ، ولكن الأيام جردتها من قبائلها فصارت مفردة عن غيرها لمحافظتها على بداوتها. وأول ما ورد ذكرها في تاريخ العراق في حوادث سنة 953 ه‍ ـ 1456 م. وأول ذكر لها جاء في قصيدة للشاعر فضولي البغدادي مدح بها اياس باشا والي بغداد في انتصاره على هذه القبيلة كما أن صاحب گلشن خلفا بين أن هذا الوالي وجد هذه القبيلة سلكت طريق العصيان فقام بتأديبها. وأعاد القول فيها في حوادث سنة (1018 ه‍ ـ 1020 ه‍).
    ثم توالى ذكرها في التاريخ لمجلداته الأخرى ، ولا تزال إلى اليوم. والمعروف أن الرياسة القبائلية كانت لابن قشعم إلا أن القبائل التي تحت سلطته قد انعزلت منه واستقلت بتسميتها ، وعرفت بأسمائها الحالية وضعفت قدرته فتكونت من بيته قبيلة تفرعت إلى أفخاذ. ولم تعرف قبيلة قديمة باسم (قشعم) قبل هذا.
    والظاهر أن هذه القبيلة من الأجود وابن جشعم أحد رجالها تولى رياستها. ولما سارت قبائلها إلى الحالة الريفية انفصلت من الرياسة العشائرية ، ولم تبق على البداوة ، وسألت الشيخ محمدا فقال لي إننا جشعم. وهي أصل. ولم يزد على ذلك. واختلف في أصلها. فمنهم يقول إن قشعما هو ربيعة بن نزار من القبائل العدنانية ، ومنهم من يقول إنهم من بني (ماء السماء) من القبائل القحطانية. والتدوينات جاءت للجهتين (1). ذكره في مطالع السعود وفي القاموس المحيط.
    وكان الأستاذ يعقوب سركيس قد ذكر رئيسهم المعاصر عقابا فعدد
    __________________
    (1) مطالع السعود والقاموس.

    أجداده. ورأيت الشيخ محمدا وهو أخو عقاب فذكر لي الشيخ محمد أن أخاه هو الرئيس وهو (عقاب بن صقر بن ثويني بن عبد العزيز بن حبيب ابن صقر بن حمود بن كنعان بن مهنا بن ناصر بن مهنا بن سعد بن المنذر بن قسام بن ما (من) بن قشعم بن سعد بن غزي) ويدعون أنهم نزحوا من نجد في أيامه (1). وهذه الأسماء يصعب ضبطها. وبين ما ذكرته وما ذكره الأستاذ يعقوب تفاوت يسير.
    وهؤلاء في تسلسلهم ورد ذكر بعضهم عند الكلام على وقائعهم. وتأتي في حينها. وليس هنا محل بيان الوقائع التالية لما بعد هذا الجزء.
    والملحوظ أن هذه ليست أكثر من إمارة أو رياسة قبائلية فتعد ناظمة القبائل البدوية ، وأن المنتفق وإمارتها استقلت بناحيتها ثم فاقت على الكل ، ودخلت هذه وغيرها ضمنها ، بل إن الخزاعل صار لهم الذكر بعد ذلك كما كان لقبيلة عبادة قبلا ، ولخفاجة ... وإن قبائلهم مالت إلى الأرياف ، فانفصمت عرى القوة ، وتبعثرت الإمارة. وهكذا شأن القبائل في تحول مستمر وتطور لا حدود له ...
    وفروع القشعم ، أخذتها عن الشيخ محمد (أخي رئيسهم) وهي :
    1 ـ الشيوخ. كنعان وأسرته.
    2 ـ الناصر. رئيسهم سلطان بن ناصر.
    3 ـ آل چنعان. (هو كنعان) الوارد في عمود نسبهم. رئيسهم سرحان بن چنعان.
    4 ـ آل بندر. رئيسهم حسن.
    5 ـ اللهيب. رئيسهم شافي.
    __________________
    (1) كتاب (مباحث عراقية) للأستاذ يعقوب سركيس ص 91 وما بعدها وص 131 وفيه تفصيل.

    6 ـ آل شليهب. رئيسهم بريچي بن مطلك الرحال. ويلحق بهم :
    1 ـ المخالي. رئيسهم شعلان آل صران.
    2 ـ الشهبان.
    ويساكنهم الجنابيون ، والمهناوية منسوبة لجدهم (مهنا) وفيها المسعود واليسار ، والبو براطم. وفي أنحاء الكوفة (گرمة الجشعم) معروفة. ووقائعهم في العراق مدونة. وكانت لهم مكانة أذعنت لهم قبائل كثيرة بالطاعة ، وتولوا رياستها العامة. والآن في حالة ضعف ، ولكنهم لا يزالون محافظين على عزة نفوسهم ، ولا يفترقون عن البدو في اللهجة ، وقصيد البدو والحداء وسائر أدب البادية. وهم متصلون بالبدو من جهات عديدة. شاهدت الشيخ محمدا. وكان عارفا بأحوال البادية. وأكثر ما يحفظ شعر (رميزان) ، وشعر (راكان) من شعراء البادية. ويجاورهم بنو مالك في فروع كثيرة منها ، وخفاجة ، والأجود وقبائل أخرى.
    هذا ، ولا مجال للتوسع بأكثر من هذا. والتفصيل في (كتاب عشائر العراق).
    الوزير فرهاد باشا الصولاق أيضا
    ولي بغداد للمرة الثانية بعد اياس باشا. وهذا معروف بالصلاح والتقوى وليس له آمال طمع. كان كاملا ، عارفا ، مؤرخا (1) توفي في بغداد ولم نتحقق تاريخ إمارته ولا زمن وفاته. وله ابن هو محمد باشا الوزير (2).
    __________________
    (1) لم يعرف له تاريخ.
    (2) سجل عثماني ج 3 ص 16 و 124.

    الوزير محمد باشا الصولاق
    هذا هو ابن الوزير فرهاد باشا الصولاق. قاله في گلشن خلفا. وكان من أمراء الألوية ثم نال الإمارة في ولايات عديدة ولم يبين صاحب السجل العثماني تاريخ ولايته على بغداد.
    وقال عنه : استشهد في إيران في شعبان سنة 992 ه‍ ونعته بأنه باسل مقدام ، صادق مدبر (1). ولعل هذا هو الذي مدحه فضولي بقصيدة ، ولكن الوصف غير منطبق.
    حوادث سنة 954 ه‍ ـ 1547 م
    القاص ميرزا
    هذا أخو الشاه طهماسب التجأ إلى السلطان سليمان القانوني سنة 953 ه‍ فنال كل احترام وتكريم. ومن ثم وجه السلطان عزمه نحو إيران فعبر إلى جانب اسكدار في 18 صفر سنة 955 ه‍ وأرسل القاص ميرزا نحو بلاد الشرق وبعد أيام سار السلطان. سمع الشاه بذلك فتوارى عن الأنظار ، وكان استولى العجم على مدينة (وان) باعتبار أنها (مفتاح إيران) فحاصرها السلطان ولما لم تر بدا من التسليم سلمت جيوشها إلى السلطان. وكان أمله أن يضبط تبريز ويجعل القاص ميرزا واليا عليها ، ولكنه خاب ظنه فيه لما علم عنه من بعض الأوضاع ، وبعد ذلك مال السلطان عن تبريز نحو حلب بأمل أن يقضي الشتاء في أنحاء ديار بكر ، وفي هذه الأثناء حدثت بعض الوقائع مع الإيرانيين.
    وإن السلطان عند عودته إلى ديار بكر أرسل لمحافظة بغداد الوزير الثاني الحاج محمد باشا وسير معه مقدارا من الجيش. ورجع إلى العاصمة.
    __________________
    (1) سجل عثماني ج 3 ص 124.

    وفي هذه الأيام اغتنم القاص ميرزا الفرصة فهاجم أثقال الشاه وخزانته في جهات أصفهان وقم وقاشان فغنم غنائم وافرة بعد أن كان استأذن السلطان وكان مغبرا منه ، فلم يشأ أن يشاهده فأذن له. وكانت هذه الغنائم لا توصف في نفاستها ولا تعد في كثرتها.
    وحينئذ شتى السلطان في ديار بكر. ثم مضى إلى حلب. وجاءته الهدايا المرسلة مع عزيز الله ، فخلع عليه السلطان وأرسل بالخلعة الفاخرة والسيف المرصع والأوطاغ ثم إن القاص ميرزا شوش أمر إيران ومال إلى أنحاء شهرزور إلى محل يقال له (كسك چنار). وكان قد أصابته حمى هناك ، فعلم به رجال الشاه طهماسب. فهاجموه على غرة فأخذوه أسيرا ، فحبسه الشاه في المحل المعروف بـ (قهقهة). ثم مات ومنهم من قال سم في سجنه. قال ذلك في تاريخ صولاق زادة. وجاء في گلشن خلفا أنه ذهب إلى بغداد فقضى بضعة أيام حتى أنه مال عن السلطان وحاول التقرب من الشاه فكان ذلك وسيلة القبض عليه. فساء مصيره (1).
    الوزير الحاج محمد باشا
    الحاج محمد باشا الوزير ولي بغداد في أيام القاص ميرزا وهو الوزير الثاني للدولة كما ذكر في تاريخ صولاق زادة. ولم يتعين لنا بالضبط تاريخ ولايته ولا معرفة أعماله. ولعله ممدوح فضولي في قصيدة له. ولم يظهر لنا التفصيل عن حياته.
    والي بغداد تمرد علي باشا
    إن صاحب گلشن خلفا ذكر أنه كان واليا على بغداد ثم خلفه
    __________________
    (1) تاريخ صولاق زاده ص 512 وكلشن خلفا ص 63 ـ 1.

    محمد باشا البالطه چي سنة 956 ه‍. وفي هذا ما يشير إلى أنه كان واليا لما قبل هذا التاريخ. أما صاحب (سجل عثماني) فيذكر عنه أنه «نشأ في البلاط الداخلي وصار أمير العلم وآغا الينكچرية وبتاريخ 948 ه‍ عزل فصار من الأمراء. وفي عام 956 ه‍ صار أمير أمراء بغداد. تحارب في البصرة وبعد انتصاره عاد إلى بغداد وفي سنة 959 ه‍ عزل. ثم تقلب في مناصب عديدة آخرها ولاية الشام وتوفي فيها سنة 978 ه‍. وهو صاحب دين وخير ، ولم يكن من أهل الأطماع» ا ه (1).
    نعته صاحب السجل بأنه غرو علي باشا. وهذا غلط نسخ أو طبع. والذي عليه الجمهور أنه (تمرد علي باشا).
    وصفه عهدي البغدادي بما نصه :
    «كان من باشوات الأناضول ، ممن ملىء علما ، وبرع في الفروسية ، نبغ في الآداب الفارسية فلا نظير له فيها. ومعروف في إبداع التواريخ ، وله في شروط الفقه نظر تام ، وكان من أهل التجرد (الصوفية والنساك) فهو ممتاز بل فريد بين أقرانه ، وفي حد ذاته زاهد ، ذو اعتقاد طاهر ، يراعي الأوقات الخمسة ، ويقضي أزمانه بالتقوى والصوم والصلاة ويعدها حتما عليه. ذهب للحج وأدى فريضته وله شعر فارسي ...» ا ه.
    وأورد له صاحب التذكرة جملة صالحة من الشعر وذكر عهدي أنه قضى مدة معه لتكمل الفضائل منه ليل نهار. وكان الأولى أن يسمى (تجرد علي باشا) لما فيه من صفة التجرد أي علي باشا المتجرد. والشيوع لا يقاوم ولا يصد تياره.
    ومهما يكن من الأمر فقد كان واليا على بغداد ولم يظهر له عمل يذكر. ثم خلفه محمد باشا البالطه چي. ولم نجد من الوثائق ما يجلو
    __________________
    (1) سجل عثماني ص 500.

    عن حالته أكثر. وهو بالنظر لتوالي النصوص جاءت ولايته تالية للحاج محمد باشا الوزير الثاني السابق الذكر.
    حوادث سنة 956 ه‍ ـ 1549 م
    والي بغداد محمد باشا البالطه جي
    في هذه السنة ولي بغداد أمير أمراء سيواس سابقا بعد عزل تمرد علي باشا. وهذا من (بوسنة) تربى في البلاط الداخلي ثم حصل على إمارة أنطاكية وبعدها صار مير لواء سلسترة ، ثم اشقودرة وآخرها سيواس. وفي سنة 956 ه‍ حصل على ولاية بغداد للمرة الأولى. وإنما لقب بهذا اللقب لأنه كان خشن الكلام ... (1).
    واقعة جزائر البصرة
    قالوا : وفي هذه السنة حدث اضطراب في ايالة البصرة وصار الأعراب يقطعون السبل ويتعرضون بالمارة ويؤذون الخلق. فلما علم السلطان بخبرهم عين (محافظ بغداد) الوزير تمرد علي باشا قائدا للقضاء على غائلتهم وتأديب ثائريهم وعين لولاية بغداد أمير أمراء سيواس محمد باشا البالطه چي فاهتم كل بما عهد إليه وجهز الوالي مقدارا من الينكچرية ، وإن القائد تمرد علي باشا اشتغل بإعداد العدد وتجهيز الجيوش وسار برا ونهرا حتى وصل بلدة واسط فضرب خيامه هناك. فاستقبله أمير لوائها علي بك بكمال الإجلال والاحترام فبادرا معا وذهبا إلى جهة البصرة. وتقدما نهرا فوصلا بلدة (المدينة) (2). مستقر (آل عليان) حكام الجزائر فأحدثا الرعب في تلك الأطراف.
    __________________
    (1) سجل عثماني ص 115 وكلشن خلفا ص 63 ـ 1.
    (2) بالتصغير لا تزال موجودة.

    أما الأعراب فإنهم تأهبوا للمقارعة ، فحدثت معركة دامية ظهر فيها النصر لجهة الوزير وتبعثر أمر العشائر وتشتت شملهم. وفي تلك الليلة قصد العربان العودة والهجوم ليلا على الجيش بأمل القضاء عليه ولكنهم لم ينالوا غرضهم ولم يتيسر لهم ما أملوا ، فكان أضر بهم ذلك ، ودمروا.
    وفي اليوم التالي بادروا صباحا للدخول في معركة أخرى فكان الهول أكبر وقتلت نفوس كثيرة بصورة مرعبة. وفي هذه المرة نالهم ما نالهم في الأولى ، فهرب أمير المدينة ولم يطق البقاء. هذا ما قالوه وليس هناك قطع سبل وإنما هو جدال عن حياة ودفاع عن استقلال أرادت الدولة القضاء عليه.
    حوادث سنة 957 ه‍ ـ 1550 م
    بقية الحوادث السابقة :
    بعد هذه المعارك وفي خلال سنة (957 ه‍) دخلت (المدينة) في حوزة القائد الوزير ولكن أطرافها لا تزال مأهولة بالعربان فلم يذعنوا بالطاعة. استمروا في الكفاح ، فقام الوزير في تعمير البلد والسور ومن ثم أطاعت سائر النواحي من الجزائر. وحينئذ أتم الوزير مهمته وعاد إلى بغداد بكمال الأبهة.
    وبهذا ولي وزارة بغداد إلا أنه لم يطل أمد بقائه فيها فعزل على ما سيوضح.
    الوالي بهرام باشا
    ولي بغداد سنة 957 ه‍ بعد محمد باشا البالطه چي لكنه لم يبق في هذا المنصب كثيرا وكان من متخرجي البلاط الداخلي ومن صغره ظهرت مواهبه. ونعته صاحب گلشن خلفا بأنه لا يمنع نفسه عن هوى.

    يميل إلى الارتشاء أو هو معروف عنه. ثم نال إمارة روم إيلي وتوفي بعدها ... (1).
    والي بغداد تمرد علي باشا
    ولي للمرة الثانية سنة 957 ه‍ بعد عودته من أنحاء البصرة. وكان على خلاف ما عليه بهرام باشا في سلوكه. مرت ترجمته وتبينت مكانته العلمية والأدبية ، وفيها ما يغني عن إعادة القول. بقي في الولاية إلى سنة 959 ه‍ ومن ثم حدث اضطراب في أنحاء شهرزور فعرض الأمر على حكومته فاهتمت له وأودعت حكومة بغداد إلى محمد باشا البالطه چي.
    حوادث سنة 959 ه‍ ـ 1551 م
    والي بغداد محمد باشا البالطه چي
    إن وقعة شهرزور كانت الباعث لأن يوجه منصب بغداد إليه. وكان واليا في بغداد قبل هذا فهو أبصر بإدارة الحالة ، فأودعت إليه هذه المهمة.
    حادث شهرزور
    كانت شهرزور حين الفتح العثماني أذعنت بالطاعة للسلطان سليمان وإن حاكمها الأمير (بكة) (2) تقدم لخدمة السلطان وتأييدا لهذا الخضوع قدم ابنه (مأمون بك) رهينة ليكون في خدمة السلطان فسلمه إلى والي بغداد آنئذ سليمان باشا وهذا أودع إليه عدة إمارات ألوية متوالية
    __________________
    (1) كلشن خلفا وص 32 من سجل عثماني.
    (2) بكر دخل لهجة الكرد فصار بكه وذكره صاحب الشرفنامة بلفظ (بيكه). وفي الشرفنامة أنه توفي سنة 940 ه‍. والصواب ما جاء هنا.

    فكان لواء الحلة من آخرها. بقي فيه. فكانت شهرزور تعد من ممالك الدولة. وكانت مدينتها تدعى (قلعة زلم) (1) لمناعتها وإحكامها ، من جراء أنها جبلية ، صعبة الاجتياز ، يعسر الوصول إليها ، محاطة بالكرد من كل جانب. وفي سنة 959 ه‍ ظهر في أنحائها تشوش وتدخل القزلباشية. فاضطربت حالتها لما أصاب رعاياها من وقائع مؤلمة. ومن انتهاك الحرمات ما لا يوصف سواء في نفوسهم أو أموالهم فأخبر الوالي تمرد علي باشا دار السلطنة بما علم وبالتعبير الأولى أوضح اختلال حالتها ، وسهولة الاستيلاء عليها ، فكان هذا من بواعث تعيين الوالي الجديد. فوضت القيادة إلى عثمان باشا والي حلب وجهز بمقدار كبير من الينكچرية وكذا أودعت إليه قيادة سائر الجيوش من الايالات الأخرى المرسلة لهذه الغاية. وصدر الفرمان بأنه إذا افتتحها يكون أميرا عليها. استغلوا وقوع النزاع ، فقاموا بما قاموا به.
    وعلى هذا سارت الجيوش من كل صوب. وبعد أن جلس الوزير في حكومة بغداد جهز جيش بغداد بعدد كاملة من مدافع وبنادق (2) مزودين بمعدات حربية أخرى. وحينئذ ألحقهم الوالي بجيش عثمان باشا قرب شهرزور وتوالى الأمراء من كل صوب من أكراد وغيرهم وتجمعوا على المدينة فأرهبوها بمدافعهم ، وضربوا خيامهم في الأنحاء القريبة منها. فوقعت معارك دامية بين الفريقين. واشتدت نيران الحرب. وعلا صوت المدافع والبنادق ومع هذا كله لم يتيسر به الفتح فأيس القوم من الاستيلاء على المدينة لمناعتها.
    __________________
    (1) سماها صاحب الشرفنامة (قلعة ضلم). وجاء ذكر الجبل الذي تسمت باسمه في ياقوت الحموي في معجم البلدان بلفظ (زلم). والترك يقولون (ظالم قلعه) لما لحقهم من ضرر في حروبها فاخترنا ما نطق به جغرافيونا وعلماؤنا.
    (2) البنادق تسمى عند العوام تفك ، وتفنك والواحدة تفكة. أو تفنكة والترك يقولون (تفنك).

    وكان في النية أن تتخذ قلعة أمامها للمطاولة مع المحصورين ولكن الأجل المحتوم وافى القائد (السردار) فحال دون المرام فرجع الجيش إلى بغداد وكل جيش سار لجهة وضرب لوجهه فتفرقت الجموع ومن ثم عرض الوالي ما جرى لدولته وبين ما وقع.
    القائم مقام :
    علم السلطان بالحالة فأمر الوالي أن يكون سرادارا لفتح تلك القلعة ، وتسخير اللواء ، فامتثل الأمر. وصار قائدا وحينئذ نصب الوالي مكانه (سهيل بك) أمير لواء الرماحية في بغداد لإدارة شؤون البلدة بالنيابة عنه مدة غيابه. وهذا أول (قائممقام) عرف لحد الآن. والمصطلح انتقل من أصل الحكومة وشاع في الولاية ويراد به خلف الوالي أو من استخلفه. وفي العاصمة يطلق القائممقام على من ينوب عن الصدر الأعظم عند ما يغادر العاصمة لحرب أو غيره فيخلفه. وكذا من ينوب عن السلطان أيام سفره ومغادرته عاصمته (1).
    الدوام على حصار شهرزور :
    ولما صار الوالي قائدا أمره السلطان بلزوم تسخير المدينة. وعلى هذا وبعد مرور بضعة أيام توجه نحو الغاية المطلوبة. وحط رحاله في محل قريب من هناك يقال له (كسك چنار) فنزله. واستراح بضعة أيام. وكان أخذ صحبته من أمراء الأكراد بكر بك وكان شيخا محترما. وولي بك من أصحاب التدابير الصائبة. ذهب هؤلاء صحبة الكتخدا إلى حاكم شهرزور (سرخاب بك) بقصد ترهيبه من جهة وترغيبه من أخرى وقدموا
    __________________
    (1) يسمى في هذه الأيام (مجلس النيابة) وإذا كان شخصا بعينه قيل (نائب جلالة الملك) ، أو (نائب سمو الوصي). وهو خلفه. وهذا هو الاستخلاف. وأما في الوزارة فينوب أحد الوزراء عن رئيس الوزراء أو عن وزير آخر بالوكالة.

    له رسائل فيها نصائح مقنعة بخصوص جلبه للطاعة والإذعان. وكانت زوجة سرخاب بك قد أسرت أيام عثمان باشا السردار السابق (قائد الحملة). وهذا نظرا لعفته وشهامته أعادها إلى سرخاب بك وبهذا مال لجهة العثمانيين. ورضي عنهم من جراء عملهم هذا. أذعن من تلقاء نفسه ورغب أن يرتبط بالدولة فيخضع لها.
    ذلك ما دعا أن يدخل في أمر الصلح فأخرج من البلدة جميع أرزاقه ، وقدم طاعته وأبدى إذعانه التام. وفي حدود سنة 961 سلم المدينة للحكومة فصارت شهرزور ومضافاتها وتوابعها مثل قلعة هاور ، وقلعة نقود ، وقلعة پاسكه ، وقلعة شميران ، وقلعة فرنچه من جملة الممالك العثمانية. فافتتحت جميعها والتحق أيضا أوغورلو بك من العجم ، وسرخاب بك الأمير السابق ومعهم نحو ألفي بيت من أقاربهم وسائر أتباعهم وطوائفهم. وسلموا مفاتيح القلاع الأخرى وكانت بأيدي أمرائها محمد سيف بك أمير بانه ، ويوسف بك أمير دستاره ، وبوداق بك أمير بروج. وكذا القلاع الأخرى التي بيد أورخان بك وجهان شاه بك فأبدوا طاعتهم وانقيادهم.
    وبهذا نال الباشا توجها وإقبالا ، وسعدا. أبقى ما يكفي لإدارة البلدة من عساكر ومحافظين وعين لها أمير لواء (ولي بك) ثم توجه نحو همذان بما لديه من قوة. وفي هذه الأيام ألقى السلطان الرعب في قلوب الإيرانيين حينما كان في حدود نخچوان وأبدى سلطة وهيبة ثم عاد إلى دار السلطنة. وحينئذ ورد الخبر السريع إلى الوزير يأمره فيه السلطان بالرجوع إلى بغداد نظرا لما علم من أن الشاه طهماسب متأهب للاستيلاء على بغداد ، فكان من الضروري أن يرجع إليها ليأخذ عدته ويتأهب للطوارىء المتوقعة. وعلى هذا لم ير بدا من العودة فعاد إليها (1).
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 64 ـ 1.

    شهرزور ـ إمارة أردلان
    إمارات الإقطاع في العراق تكونت من أمد بعيد ترجع به إلى أيام العباسيين. وإن شهرزور كانت بيد أمراء السلجوقيين وآخرهم الأمير قفجاق. ثم انقادت لاتابكة الموصل ، وبعدها لآل بكتكين فالعباسيين. وفي أيام المغول تابعوهم وبانحلال هؤلاء تغلبت القبائل وقوي نفوذها. وفي أيام العثمانيين كانت (إمارة أردلان) هي المسيطرة ، وكذا إمارات أخرى ولكن لم تكن في قدرتها.
    إن لواء شهرزور من ألوية العراق المهمة. ويسمى الآن (لواء السليمانية). ويقطنه الأكراد قبائل وإمارات وفي هذا العهد شوهدت (إمارة أردلان) ، يجاورها إمارات أخرى أو قريبة منها ، ولم تكن في الحقيقة إمارة بالوجه الصحيح ، وإنما هي عشائرية. وتكونت إمارة أردلان في أواخر أيام المغول ، أو بعدها بقليل. وإن مؤسسها (بابا أردلان). كان قد عاش بين قبائل (گوران) ، وهو في الأصل من ذرية أحمد بن مروان من ذرية ولاة ديار بكر ومنهم من قال أولاد بابك بن ساسان.
    ولما توفي بابا أردلان خلفه ابنه (كلول) ، ثم توالى أبناء هذا وأحفاده :
    1 ـ خضر بن كلول.
    2 ـ الياس بن خضر.
    3 ـ خضر بن اليس.
    4 ـ حسن بن خضر.
    5 ـ بابلو بن حسن.
    6 ـ منذر بن بابلو.

    وإن هذا الأخير وزع ملكه بين أولاده :
    1 ـ بيكه بك. وكان نصيبه :
    (1) قلعة ضلم. (زلم) أو (قلعة ظالم).
    (2) تغر.
    (3) شمران. وهذه باسم جبل شمران. وهو معروف في تلك الأنحاء وينطقون به (شميران) و (شميلان). مر ذكره.
    (4) هاوار.
    (5) سيمان.
    (6) راودان.
    (7) كل عنبر (حلبچة).
    2 ـ سرخاب بك. وكان سهمه :
    (1) لوى.
    (2) مشيله.
    (3) مهروان (مريوان). وأصل تلفظها (مهربان) فتصرفت اللغة الكردية به.
    (4) تنوره.
    (5) كلوس.
    (6) نشسكان.
    3 ـ محمد بك وكانت حصته :
    (1) سروجك.
    (2) قراطاق. قراداغ أو قرداغ.
    (3) شهربازار.

    (4) الان.
    (5) دمهران.
    جاءت وقائع شهرزور في أيام هؤلاء الأخيرين ، وإن الدولة العثمانية قارعتهم كثيرا حتى قضت على إمارتهم بعد أن جادلوا جدالا عنيفا ، وأيست الدولة مرات من الاستيلاء عليهم.
    وإن بيكه بك كان قد طال حكمه 42 سنة جاء في الشرفنامه أنه توفي سنة 940 ه‍. والصواب أنه أدرك عهد السلطان سليمان ولم يعرف تاريخ وفاته بالضبط. ومن أولاده :
    (1) إسماعيل.
    (2) مأمون. وخلفه ابنه محمد بك. وتوفي أثناء حصار قلعة ضلم (زلم).
    ظهرت الدولة العثمانية بعد فتح بغداد. وإن (لواء شهرزور) بعد مأمون بك صار بيد عمه (سرخاب بك). وإن الوقائع علمتهم السياسة وكيف يميلون مرة إلى الدولة العثمانية وأخرى إلى الدولة الصفوية. وكانت أطماع الدولتين في العراق وأنحائه على أشدها.
    أعقب سرخاب بك أولادا كثيرين ، وعمر طويلا ، فخلفه ابنه سلطان علي. وهذا أعقب ولدين تيمور خان ، وهلو خان وكانا صغيرين فولي الأمر عمهما (بساط بك بن سرخاب بك). وهذا نازعه ابن أخيه (تيمور خان) ، ثم ولي الأمر بعد وفاة عمه بساط بك. وفي سنة 998 ه‍ قتل تيمور خان ، فقام مقامه أخوه (هلو خان). ودامت إمارته إلى سنة 1005 ه‍ (1) وما بعدها.
    __________________
    (1) الشرفنامه ص 117 وما بعدها.

    وهذه الإمارة لم يعد لها ذكر مدة ، ثم ظهرت برياسة عشائرية ـ على ما هو المنقول من رجالها ـ وقطنت المحل المعروف اليوم في جبال (هاورمان) ، وتسمى قبائلهم الآن باسم قبائل (هاورمان). يسكنون في لحف الجبل ، وقسم منهم تابع لإيران. والقسم الآخر للعراق من لواء السليمانية. فهناك :
    1 ـ هاورمان لهون. نصفها عراقية والنصف الآخر إيرانية. والعراقية داخل خورمال من قضاء حلبچة (البچه).
    2 ـ هاورمان رژاو. تابعة لإيران.
    3 ـ هاورمان دزلي. لهم قرى في العراق ، وأخرى في إيران.
    وتاريخها المحفوظ لديها يرجع إلى سنة 1015 ه‍ إلا أن هذا لم يستند إلى نص تاريخي ولم يوصل بما مرّ. ومنهم من ينكر علاقة هؤلاء بالأردلانيين. ظهرت وقائع هؤلاء كثيرا. وأصلهم ما ذكرت ، ولا محل لتفصيل إمارة هؤلاء الموجودة اليوم ، ومن أهم وقائعهم ما كان أيام (مدحة پاشا) على ما نتناوله في حينه. وكل ما علمناه أن الدولة العثمانية حاولت أن لا تترك لهم باقية إلا أن لهم صفحة مهمة من تاريخ شهرزور أوضحنا عنها في كتابنا (شهرزور ـ السليمانية).
    حوادث سنة 961 ه‍ ـ 1553 م
    حاكم العمادية :
    في سنة 961 ه‍ كان السلطان أرسل حاكم العمادية السلطان حسين بك بشجعان الأكراد إلى جانب آذربيجان. ولما رجع بلغه أنه في موضع يقال له (تخت سليمان) اجتمع بضعة آلاف من القزلباشية مع أبي الفتح سلطان وحمزة سلطان وعلي سلطان وخضر وإبراهيم قولي وخليفة. وكانوا قد قصدوا بغداد وحواليها ، فتوجه إليهم حسين بك بمن معه

    وقاتلهم قتالا عنيفا ، فكسرهم. ومن ثم وصل الخبر إلى الركاب الهمايوني عند نزوله قلعة بايزيد ففرح وأكرم حسين بك وزاد في إيالته (1).
    إمارة العمادية
    كانت إمارة العمادية أقرب إلى البداوة. يقال لها (إمارة الهكارية). و (جبال الهكارية) هناك فسميت باسم جبالها. ولم تكن لها إدارة منظمة ، ولا راعت لوازم الحكم جاءتنا أخبارها مبتورة ، فلم يدون عنها إلا اليسير وإن كانت من أقدم ما عرف.
    ولما أراد عماد الدين زنكي أول أتابكة الموصل التسلط على الهكارية لجأوا إلى مدينة (آشب) وتعرف بقلعة (الشعباني) ، فخربتها الحروب وطال الحصار مدة. وفي سنة 537 ه‍ أذعنوا بالطاعة للأتابك. ولكنه لم ينتزعها من يد الهكارية. دامت بأيديهم إلى أيام المغول منقادين له.
    وبعد أيام المغول تسلط عليهم (البهدينانية) وهم أولاد عم (الشمدينانية). ذكرتهم في (عشائر العراق الكردية) (2). ولكن الهكارية لا يزالون باقين إلا أنهم ضاقت إمارتهم أو صاروا تابعين. والبهدينانيون يدعون أنهم (عباسيون) مع العلم بأن البهدينانة والشمدينانية أولاد عم ، من الجولمركية وهم أمويون. وبسطنا القول في البهدينانية في (كتاب العمادية) (3).
    وكان بدء حكمهم على العمادية بعد سنة 740 ه‍ إلا أن تاريخ هذه
    __________________
    (1) منهل الأولياء ص 27 لا يزال مخطوطا.
    (2) عشائر العراق الكردية ص 191.
    (3) لا يزال مخطوطا.



    الإمارة غامض في أوائل أمره. وفي الشرفنامه أن أول من عرف منهم (زين الدين). وكان في أيام الأمير تيمور لنك وأيام ابنه الشاه رخ. وخلفه ابنه الأمير سيف الدين بن زين الدين. وصار بعده ابنه الأمير حسن وكان أدرك أيام السلطان سليمان وهذا أعقب أولادا ولي الإمارة منهم (السلطان حسين) وهذا أبدى خدمات جلى للسلطان سليمان فنال إمارة إربل وإنعامات أخرى. وتوفي أيام السلطان سليم ابن السلطان سليمان.
    ثم توالى الأمراء بعده. ويأتي الكلام عليهم في حينه. وكانت إمارتهم قد أقرها السلاطين العثمانيون بفرامين. وصارت تابعة لبغداد. ولقبوا بلقب (باشا). وتكاثرت مدونات الدولة عنهم.
    سيدي علي رئيس في بغداد
    في غياب الوالي وقائممقامية سهيل بك أمير لواء الرماحية أوائل سنة 961 ه‍ ـ 1553 م ورد سيدي علي رئيس بغداد مارا بها في طريقه إلى البصرة. قال في رحلته : إن السلطان سليمان في أواسط رمضان سنة 960 سار إلى بلاد الشرق. وكان معه فورد حلب. وفي عيد الأضحى وجهت إليه قبطانية مصر. وأمر أن يذهب بالسفن الحربية الراسية في البصرة إلى مصر. وقبل هذا كانت جرت وقائع للعثمانيين وحروب مع البرتغال يوضحها :
    1 ـ وقائع سليمان باشا :
    إن العثمانيين بعد فتح مصر كانوا شعروا بوطأة البرتغال في الهند والاستيلاء على تجارته ، بل الاستيلاء على مرافقه المهمة. فكان هذا مما أغضب القوم ، وعلموا يقينا أنه يولد لهم مشاكل في التجارة والسياسة لا تعد ولا تحصى. يضاف إلى ذلك أن ملك كجرات السلطان محمود قد استعان بالسلطان سليمان القانوني ، وطلب منه أن يمده من

    جراء أنه سلطان المسلمين ولا يرضى أن يهان ملك مسلم فيتغافل عنه مما زاد في النخوة وحرك أمر الإسراع فأودع هذه المهمة إلى أمير أمراء مصر (واليها) سليمان باشا ، ولذا منحه سلطة إصلاح السواحل في الجزيرة العربية ، ومنع التجاوزات البرتغالية في الهند.
    أعد الأمير العدة ، وفي أواخر محرم الحرام سنة 946 ه‍ نهض من ميناء السويس ، بقوة بحرية متكونة من أسطول محتو على 30 قادرغة ، ومن سفائن عديدة تحمل العسكر ، ولكن ما ذا يؤمل من أمير البحرية (أميرال) إذا كان قد بلغ الثمانين ، ونال من العجز حده!.
    أراد الأميرال أن يولد رعبا في الأعداء ، ويبعث أملا في نفوس رجال الدولة ومن على شاكلتهم ، فمضى من سواحل العرب حتى وصل إلى جدة ، ومن هناك توجه نحو جزيرة قمران. وفي 13 ربيع الأول مخر البحر الأحمر ، وفي أربعة أيام بلياليها استمر الأسطول سائرا في طريقه ، وفي 17 منه وصل إلى ميناء عدن. وكانت هذه المدينة بتوابعها يحكمها عامر بن داود (1) ، وبتدابير حسنة استولى عليها الأسطول وهناك اتخذ برج أحكم بناؤه ، وأقيم فيه محافظون ، ووجهت ايالته إلى بهرام بك ثم مضى الأسطول في سبيله إلى الهند.
    وفي غرة ربيع الأول وصل الأسطول إلى سواحل الهند الغربية. وافوا أمام قلعة (غوآ) ، وفي بادىء الأمر استولى على هذه ، وبعدها سيق الجيش من طريق البحر فحاصر بلدة (كوه) و (كاره) الواقعة في شمال تلك ، وبعد التخريب استولى الجيش عليها وعلى سابقتها ، وفي أثناء الحصار والتضييق هلك كثير من البرتغال ، فقتل نحو ألف نفر منهم ، وهكذا مضوا إلى الشمال فساروا نحو مدينة (ديو) ، شرعوا في التضييق
    __________________
    (1) من بني طاهر في اليمن. شعبة حكمت بلدة عدن. ويدعون أنهم من بني أمية. (دول إسلامية ص 133).

    عليها وأخرج إلى البر نحو عشرين ألف جندي ، ومعهم نحو 50 مدفعا ، وكانت هذه محكمة ، وفيها خنادق ، وليس من السهل الاستيلاء عليها كما أن المؤونة كانت قليلة ، والمصاعب كثيرة ، فاستعصى الأمر.
    وفي هذه الأيام كان أرسل خبر إلى السلطان محمود ملك كجرات (1) ليرسل المؤونة إلا أنه مضى شهر ولم يرد جواب منه الأمر الذي أدى إلى مصاعب وحدوث مجاعة في الجيش حتى تزايد شأنه بل عظم خطره ، يضاف إلى ذلك أن المحصورين طيروا خبرا إلى السلطان محمود بأن سليمان پاشا قتل أمير عدن عامرا وهكذا يفعل بك ، فالأولى أن تتفق معنا ، ولا ترسل أرزاقا لجيش الباشا وإلا نالك ما نال الأمير المذكور. ومن ثم وحذرا من سوء القصد اتفق مع هؤلاء وامتنع من إرسال المؤونة ، بل ساعد المحصورين فعلا ومال لجهتهم. فعلم الپاشا بالأمر ، فلم ير بدا من رفع الحصار ، وتحميل المدافع والجيوش في السفن ، والإقلاع عن هذه المواطن ، فسار في البحر قافلا من الطريق الذي أتى منه ، قطع 20 يوما في البحر ، فوصل إلى سواحل جزيرة العرب الجنوبية ، فحط في الشحر. وكان حاكم البلد قد أبدى طاعة وقام بكل ما يجب من تقديم أرزاق ، ومساعدات للجيش ، ثم أقلعت السفن من هناك فوافت عدنا ، ثم مرت بميناء زبيد. وفي هذه الأثناء وجد أن الأمير أحمد استولى على هذه البقاع ، وأعلن إمارته هناك. وكان هذا الشيخ اتخذت معه لطائف الحيل ، فاستولت الحكومة على ما بيده ، وقضى على غائلته ، ووجهت ايالة اليمن إلى مصطفى بك آل بيقلي محمد باشا.
    أما سليمان باشا فإنه أقام هناك مدة شهر ، نظم في خلالها أمور
    __________________
    (1) ابن لطيف خان. دامت حكومته من سنة 944 ه‍ إلى سنة 961 ه‍. (دول إسلامية ص 482).

    الحكومة وطرق محافظتها ثم عاد إلى جدة. فخرج من السفن ومضى لأداء فريضة الحج ، وذهب من طريق البر إلى مصر. ومنها مضى إلى استانبول.
    ونظرا لما قام به هذا الباشا من الخدمات قبل السلطان منه ما قام به ، وأنعم عليه برتبة الوزارة. وصار في عداد رجال الديوان.
    هذه أول وقائع العثمانيين في البحر الهندي. ولم تكن هناك علاقة للعراق بهذه الحوادث إلا أن الموضوع قد اتصل بهذه الواقعة اتصالا مكينا ... وهنا لا نريد أن نتعرض إلا لما له مساس بحوادثنا (1).
    2 ـ وقائع بيري رئيس :
    مر الكلام على ما جرى لسليمان باشا في الهند من الحوادث. وفي هذه المرة كانت الدولة شعرت بالضعف ، وعرفت طريق سياستها ، وعدتها الحربية في البحر الهندي ، فكان الواجب يدعوها أن تقوم بما يلزم من إعداد العدة والعدد ، وتهتم اهتماما أكثر. فإن الاستيلاء على عدن أعقبه اتفاق العرب هناك مع البرتغال للوقيعة بالجيش التركي ، واستعادة البلد منه. تولدت المشادة بسبب الاستيلاء والنهب ، وقتل الحاكم هناك مما آلمهم.
    وفي هذه الحالة سيرت الحكومة أسطولها تحت رياسة أمير بحريتها قائد بحرية مصر (پيري بك) المشهور وهذا صاحب (كتاب البحرية) ، وابن أخت كمال رئيس. سار لاستخلاص البلد واستعادته ، فاسترد عدن حربا ، الأمر الذي دعا أن يعرض والي مصر داود باشا أمره إلى السلطان ببيان خدماته ، ومن ثم قبل السلطان ذلك بالقبول الحسن ، وزاد في راتبه وجعلت له زعامة بمبلغ (مائة ألف آقچه). ثم أرسل مرة أخرى إلى
    __________________
    (1) تحفة الكبار في أسفار البحار ص 58.

    سواحل جزيرة العرب ، لينظم إدارتها ، وأن يستعيد المواطن التي استولى عليها البرتغال. ففي سنة 959 ه‍ تحرك من ميناء السويس بـ (30) قطعة قاليته ، وقادرغة وباشتارده (باشترده) ، وقاليون. ومن هذه تكون الاسطول ، ومعهم فرقة من العساكر المصرية ، فوافى جدة ، ثم إنه اجتاز مضيق باب المندب ، ومضى إلى عدن. وهناك أظهر سطوته ، ثم توجه نحو شحر وظفار من طريق رأس الحد ، ومسقط التي وقعت في أيدي البرتغال. وبينا هو مجتاز في الأقسام الجنوبية من جزيرة العرب من سواحل الشحر ، وظفار إذ ظهر ريح زعزع فتبعثرت السفن ، وتفرقت نوعا ، حتى أن بارچة منها من نوع القاليون اصطدمت في أرض من سواحل الشحر فغرقت ولكن بعد أن سكن هائج الرياح عادت السفن فاجتمعت ، وسارت في طريقها ، فمضت من رأس الحد ، فوصلت إلى أمام قاعدة عمان وهي (مسقط). فافتتحتها هذه القوة البحرية.
    وهذه المدينة لها موقع ممتاز في أنها حاكمة على مدخل خليج البصرة ، وأنها تقع على الطريق. فلها أهمية خاصة ، ومكانة لا تنكر. فأشغلها البرتغال نظرا لأهميتها هذه. ذلك ما دعا پيري بك أن يخرج جيشا إلى البر ، ويتخذ التدابير لمحاصرة المدينة والتضييق عليها دون إضاعة وقت. فدافع عنها البرتغال ، ولكنهم لم يستطيعوا أن يصدوا الهجوم الذي قام به الجيش العثماني ، فتمكنوا من ضبطها والاستيلاء عليها. وأسروا جيش البرتغال. ومن هناك تحركت السفن إلى مضيق هرمز فتمكنوا من ضبطه بعد حرب قوية وهجوم عنيف. وكذا استولوا على جزيرة هرمز وبرخت (كشم) ، ومن هناك توجهوا نحو البصرة. وكانت قد دخلت البصرة قبل مدة في حوزة العثمانيين لما رأوا من حاجة لوصل البصرة بمصر.
    وفي أثناء وصول الأسطول إلى البصرة شاع أن البرتغال عزموا على قطع خط الرجعة ، وأملهم أن يأتوا بقوة عظيمة إلى مضيق

    هرمز ، فارتاب پيري بك ، وأبدى خوفا لا يأتلف وما كان قد أبداه سابقا. فترك الأسطول في البصرة ، وسار بثلاث قطع قادرغة خاصة به ، وبمفرزة صغيرة ، فعاد إلى السويس. فكانت حركته هذه داعية للارتياب لا سيما وأنه لم يستأذن فيما فعل. فسار بما أخذه فوصل البحرين ، وهناك جلست إحدى القادرغات على البر فتفككت ، وغرقت ، وعاد إلى السويس بالباقي وبقيت السفن الحربية الأخرى في البصرة ، فكان هذا الفرار منه أكبر باعث إلى نكبته. وكانت حكومته تأمل منه أعمالا كبيرة ، فخاب الأمل فيه. ومن ثم صدر الأمر السلطاني بإعدامه لما ارتكب من هزيمة ، فأعدم بمصر. ويقال إنه حاول تهريب الأموال التي استولى عليها. اتهم بذلك في حين أن القوة كانت ضعيفة ، والانتحار محقق ، فرأى أن يمضي بالقوة الكافية للنجاة ويتأهب للأمر كما تبين ذلك من تكليف علي بك المصري وكان قائد الحملة وامتناعه من قبول قيادة الأسطول وما ذلك إلا لعدم صلاح البحرية للمرور وقدرة الدفاع.
    ولما أعدم پيري رئيس بمصر وجدت لديه أموال كثيرة ، استولت عليها الحكومة. أما أمير الجيش علي بك فلم يوافق على قيادة الأسطول ، وعاد من طريق البر إلى مصر ولم يقبل بتكليف والي البصرة (قباد باشا) (1) في أن يعهد إليه الأسطول. فتبعثر أمر السفن الحربية ، ولما سمع والي مصر أخبر الدولة بما جرى. فكان ما كان. ثم جاء أهل هرمز إلى مصر فشكوا پيري رئيس ، وقالوا : نهب أموالنا وعذبنا ، فلم تسمع لهم دعوى وأرسلت الأموال إلى الدولة.
    ثم ظهر مؤخرا أن قتله لم يكن بحق. وكانت الأسباب لذلك كثيرة
    __________________
    (1) والي البصرة قباد باشا سعى بقتلة بيري رئيس عند السلطان فقتله سنة 962 ه‍. ذكره في تهذيب التواريخ ، وفي تاريخ تركية لأحمد رفيق ، وفي عثمانلي مؤلفلري.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4   موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Emptyالجمعة نوفمبر 01, 2024 4:22 pm

    منها أنه كان من رجال إبراهيم باشا المقتول ، وأنه لم يعط إلى قباد باشا دراهم ، فكان فداء لخيانات ذلك الزمن. ويعد من أفذاذ الرجال. وكتابه (بحرية) شاهد ذلك.
    ألفه سنة 932 ه‍ بأمر من السلطان. ومعه أطلس جغرافي. طبع على الزنك سنة 1935 م بمطبعة الدولة باستانبول وله مؤلف في بحار الصين والهند في مجلدين. وهو ابن أخت كمال رئيس القبطان البحري الشهير.
    3 ـ واقعة مراد رئيس :
    كان هذا سماه صاحب التحفة (مراد قپودان) (1) وهو معزول من لواء القطيف ، وكان في البصرة في تلك الأثناء بقي في البصرة حينما عاد پيري بك فوجهت إليه قيادة أسطول مصر (البحر الأحمر) وكان ترك پيري رئيس في البصرة بارچتين وخمس قادرغات وقاليته في بندر البصرة والباقي سار به نحو السويس حسب الأمر الصادر إليه إلا أن قادرغة واحدة كانت قد احترقت في البصرة. فكان أخذ معه ـ عدا ما أبقاه وما غرق ـ (15 قادرغة). وبارچتين ، فتكون أسطول منها ، وسار في البحر ، فورد مضيق هرمز. تمكن من الوصول إلى هناك دون أن يرى عارضة إلا أنه عند المعبر اصطدم بأسطول البرتغال ، وكانوا قد تأهبوا للحرب ، ينتظرون الأسطول العثماني ويترقبون وروده. فابتدأت الحرب من الصبح واستمرت بشدة إلى المساء ، وذهبت ضائعات كثيرة من الطرفين ، واستشهد كل من (سليمان رئيس) فارس سفينة القائد ، و (رجب رئيس) فارس سفينة أخرى ، فكان فقدهما من أعظم الضائعات ، والذين
    __________________
    (1) مراد رئيس أصله من فاس. وكان من مشاهير رجال البحرية أيام السلطان سليمان. عرف في كثير من المحاربات البحرية ببسالته. وصار متصرف لواء القطيف (الأسفار البحرية وكتاب حقائق الأخبار عن دول البحار ج 2 ص 41).

    استشهدوا ، وجرحوا من سائر أفراد الجيش كثيرون جدا ، وكذا السفن قد تضعضعت كثيرا من جراء طلقات العدو.
    ذلك ما جعل الأسطول العثماني لا يستطيع الدوام في الحرب ، أيسوا من أوضاعهم. واستفادة من اختلاط الظلام والكف عن الحرب بسبب الليل عادوا ، ومن ثم صار مراد بك يفكر في أمر الاحتفاظ بالباقي من السفن ، ويراعي سلامتها ، فاستفاد من ظلمة الليل فعاد إلى البصرة ، دون أن يضيع الفرصة. ونظرا لزيادة الظلمة بسبب الليل قد اصطدمت إحدى السفن المسماة (بارچة) بالبر في جانب اللار ، وإن قسما من الجيوش فيها نجوا سالمين ، وقسم منهم مع السفينة صاروا في أسر العدو.
    وفي هذه الحرب خذل الأسطول العثماني ، ولم يتيسر له الانتصار إلا أن هذه لم تكن الحرب الحاسمة وإنما هي رجوع بانتظام ، والعدو في هذه الحرب أصابته خسائر كبيرة وناله ضرر عظيم أيضا إلا أن العثمانيين لم يستطيعوا تعقب أثره لما نالهم من ضعف حذروا من المجازفة. والعدو بالرغم من التلفيات لا تزال قوته كبيرة ...
    ولما وصل الأسطول إلى البصرة أخبروا الدولة بما جرى. ذلك ما دعا أن توجه أميرالية مصر إلى سيدي علي رئيس ومن ثم سار في طريقه إلى البصرة.
    قبطانية مصر توجه إلى سيدي علي رئيس :
    بعد خذلان مراد رئيس عرض الأمر على السلطان سليمان فعهد بالمهمة إلى (الكاتبي الرومي).
    وهذا هو (سيدي علي بن حسين). وكان متضلعا في علم البحار ، فتح جزيرة رودس. ومن ذلك الحين إلى يومنا هذا كان ولا يزال في

    بحر المغرب (البحر الأبيض المتوسط) في كافة الغزوات والفتوحات بصحبة المغفور لهما (خير الدين باشا) و (سنان باشا) وسائر القبطانية وقام بأنواع الخدمات وتجول في جميع أطراف بحر المغرب وأكنافه فحصل على جميع ما يتعلق بعلم البحار واكتسب الخبرة الوافرة. ألف في علم الهيئة وفي الحكمة وسائر متعلقات علم البحار تآليف مهمة ، وفي أحوال النجوم. ومما أهله للمهمة أن أباه وجده وأسلافه من أيام فتح القسطنطينية كانوا كتخدائية دار الصناعة (الترسانة) العامرة في غلطة. وكل واحد منهم كان ماهرا في العلوم البحرية فانتقلت هذه إليه إرثا واكتسابا.
    رأى السلطان فيه من الكفاءة والقدرة على الأمور البحرية فأودع إليه قبطانية مصر في ذي الحجة سنة 960 وأمره أن يذهب بالسفن الموجودة في بندر البصرة إلى مصر. صدر إليه الفرمان بذلك فنهض في أول المحرم سنة 961 من حلب فكانت وجهته البصرة.
    سيدي علي في طريقه إلى بغداد :
    خرج من حلب متوجها إلى الموصل وبغداد ، فعبر الفرات من أمام پيره جك فجاء الرها (أورفة) وزار هناك مقام إبراهيم عليه السّلام وسار في طريقه إلى نصيبين ومنها ورد الموصل وزار مراقد يونس عليه السّلام وجرجيس عليه السّلام والشيخ محمد الغرابيلي ، وفتح الموصلي ، وقضيب البان الموصلي ثم مضى إلى بغداد ومر بمدينة تكريت ومنها جاء إلى سامراء وزار فيها الإمام عليا الهادي والإمام حسنا العسكري وسار من بلد العاشق والمعشوق ومنها مضى في الطريق المار إلى قصبة حربي ، وقصر سمكة (سميكة) فبلغ بغداد وعبر دجلة (شط بغداد) من الجسر وزار مدة بقائه يوشع عليه السّلام والإمام الأعظم ، والإمام أحمد بن حنبل ، والإمام أبا يوسف والإمام محمدا ، والإمام محمدا الغزالي ، وعيص بن إسحاق عليه السّلام والإمام

    موسى الكاظم ، والإمام محمدا التقي وقنبر علي ، والشيخ عبد القادر الكيلاني ، وجنيدا البغدادي ، ومعروفا الكرخي ، والشيخ الشبلي ، وسريّا السقطي ، والحلاج ، وبشرا الحافي ، وجومرد القصاب ، وبهلول دانه وفضيل بن عياض ، والشيخ شهاب الدين السهروردي ، والشيخ داود الطائي ، ثم مر من أمام قلعة الطيور وذهب إلى قلعة پيره (الظاهر قلعة البير). وعبر الفرات من أمام قصبة المسيب فوصل الحائر (كربلا) وهنا زار حضرة الإمام الحسين ، ومشهد الشهداء ، والحر الشهيد ، ثم مضى من جهة شفاثة (شفاثى) من طريق البر إلى المشهد وفي اليوم الثاني وصل إلى الغري (النجف) وزار آدم ونوحا وشمعون عليه السّلام والإمام عليا المرتضى (رض) ، ثم ذهب إلى الكوفة وهناك زار مسجدها ومحاريب الأنبياء عليه السّلام وشهادة الإمام علي المرتضى ومقام قنبر ودلدل ثم جاء إلى قلعة الحسينية وفي طريقه زار ذا الكفل بن هارون عليه السّلام ومن هناك مضى إلى الحلة وفيها مقام صاحب الزمان (الإمام محمد المهدي) ، والإمام عقيل أخو الإمام علي (رض) ، وزار (مسجد شمس) (1) ومن هناك عبر الفرات أيضا وعاد إلى بغداد. كل ذلك قصه في رحلته (2).
    سيدي علي رئيس في طريقه إلى البصرة :
    ثم ركب السفينة ومضى إلى البصرة وفي طريقه مر بالمدائن ورأى طاق كسرى وقصر شاه زنان ، وزار سلمان الفارسي (رض) ثم عبر خليج العمارة فوصل إلى زكية من طريق واسط وزار العزير عليه السّلام ومن هناك وصل قلعة صدر السويب بعد أن مر من قلعة عجل ، وقلعة مزرعة. ثم وصل شط البصرة وفي آخر صفر سنة 961 ه‍ دخل المدينة.
    __________________
    (1) قال الدكتور (مصطفى جواد) صوابها الشمس.
    (2) مرآة الممالك ص 16.

    سيدي علي رئيس في البصرة :
    في اليوم التالي من وصوله ذهب إلى مصطفى باشا (حاكم البصرة) وقدم له الفرمان وعرفه بما جاء من أجله وحينئذ سلم إليه خمس عشرة قدرغة ، وعمر ما تمكن من تعميره مما يحتاج إلى المرمة وحشى المفكك منها فأصلح ما استطاع إصلاحه. ولما لم يحن وقت الذهاب بعد بقي في البصرة نحو خمسة أشهر ، في خلالها زار (مسجد الإمام علي) ، و (الحسن البصري) ، و (طلحة) ، و (الزبير) ، و (أنس بن مالك) ، و (عبد الرحمن بن عوف) وشهداء الصحابة (رض).
    ومما أرعبه في بقائه أنه رأى رؤيا مؤداها أنه وجد أن قد فقد سيفه فتطير من ذلك لما علم أن الشيخ محيي الدين بن عربي نقل أن الرسول صلّى الله عليه وسلم فقد سيفه فحدثت له هزيمة وحينئذ بادر بالدعاء والاستغاثة بالرسول. فلاح لقلبه أن عسكر الإسلام منصور فانتبه مذعورا لما رأى إلا أنه لم يقصص هذه الرؤيا على أحد واغتم لها كثيرا ...
    وقعة الحويزة ـ ابن عليان :
    ومما اتفق أن مصطفى باشا عزم أن يفتح الحويزة وينتزعها من طائفة المشعشعين فسار إليها وأرسل سيدي علي رئيس إلى الجزائر علي بن عليان لئلا يضر بـ (البصرة) استفادة من هذه المشغلة فذهب بخمس قدرغات. وفيها عساكر مصرية فلم يتيسر الفتح. واستشهد من جماعة سيدي علي أكثر من مائة ممن تعودوا ضرب البنادق فاضطرب لهذا الحادث إلا أنه ظن أن الرؤيا صدقت فعلا بهذا الحادث ولكن التقدير غلب التدبير (1).
    وهذا الحادث لم يدون من صاحب گلشن خلفا ولا غيره وإنما انفرد به صاحب مرآة الممالك مما يدل على أن المؤرخين لم يذكروا إلا
    __________________
    (1) مرآة الممالك : سيدي علي رئيس ص 17.

    بعض الوقائع ولا تزال خفايا كثيرة مجهولة ووقائع مهملة. وما نقله صاحب (جامع الدول) أخذ من هذا المرجع. وهكذا غيره ممن تلاه.
    سيدي علي رئيس في طريقه إلى مصر
    ولما قرب حلول الموسم واقتضى الذهاب أرسل مصطفى باشا في پركنده أي فرقته (Frigate) رجلا ماهرا في علم البحار يقال له (شريف) (1) إلى هرموز للتفحص فبقي نحو شهر يتجول في السواحل فلم يجد للبرتغاليين سفنا سوى أربع بوارج. وهذه سفن الموسم. فجاء بهذا الخبر. وحينئذ ركبت الجيوش السفن ، وتوجهت بصحبة سيدي علي رئيس إلى مصر.
    أقلعت السفن في أول شعبان لسنة 961 ه‍ ـ 1554 م ووصلت مع (فرقتة) شريف إلى هرموز. كان رافقهم في طريقهم. أرسل معهم لهذا الغرض ، فتحركوا من شط العرب إلى عبادان. وزار مقام الخضر عليه السّلام.
    ثم مضى إلى سواحل دسفول وتستر (ششتر) وجاؤوا إلى جزيرة (خارك) وزار فيها محمد بن الحنفية (رض) وشهداء الأصحاب (رض). ومن هناك مضى إلى ريشهر (الظاهر أبو شهر) من بنادر شيراز وقطعا سواحل بر فارس. وفي طريقهم رأوا جلبة (چكلوه) (2) فاستطلعوا أحوال العدو فلم يتمكنوا من معرفة شيء. ثم مالوا إلى هجر من بر العرب أي أنهم وصلوا القطيف. وهناك رأوا (شايتي). استطلعوا الأخبار منها فلم يعثروا على أمر يخص العدو. ثم صاروا إلى البحرين وهناك التقى بحاكمها مراد رئيس (3) فبين له أن ليس في هذا البحر برتغالي.
    __________________
    (1) من البحارة المعروفين استخدم للمهمة وكان قد ورد بلفظ (شريفي باشا).
    (2) مركب صغير يسير بالشراع أو المجاذيف لنقل الحمل ويسمى Sacoleve كذا في الترجمة الإنكليزية لرحلة سيدي علي.
    (3) هذا أصابته الضربة من أسطول البرتغال ولم يستطع الذهاب إلى مصر فخلفه سيدي علي رئيس.

    ومن غريب ما شاهد هناك وعجب منه أن البحرانيين يأخذون بأيديهم قربة صغيرة (جودا) ويغوصون إلى قعر البحر نحو ثمانية باعات أو أكثر وحينئذ يملأون ذلك الجود من ماء عذب يخرج من عين داخل البحر يعرفون موقعها ويأتون بالماء دائما إلى مراد رئيس فيشرب منه باردا في الصيف وهو ألطف كل المياه وأعذبها. قدم إلى سيدي علي رئيس منه رعاية له فأعجبه وانبهر من قدرة الباري ونهاية عظمته مما لم ير نظيره في البحار الأخرى ويقول الأهلون إن آية (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ) وردت فيها حتى أن وجه التسمية بالبحرين كان هذا سببه. ثم رحل فوصل إلى جزيرة قيس أي جزيرة هرموز القديمة (1) وجزيرة برخته ، والبحر الأخضر. شاهد كثيرا من الجزائر هناك فلم يتمكن من الحصول على خبر فعبر هرموز (2). وعند ذلك أذن (لشريف) وكان رافقه وسار معه من البصرة. كتب كتابا معه إلى مصطفى باشا يذكر فيه أنه عبر هرموز بصحة وسلامة ، وبعد ذلك سار من سواحل (جلفار) و (جادى) فمر بـ (كيمزار) و (ليمة). ثم وصل إلى قرب مدينة خورفكان وفي 10 رمضان بعد أربعين يوما من حركتهم جاءتهم على حين غرة أساطيل العدو وبينها
    __________________
    (1) لفظها ابن بطوطة (هرمز) وفيه بعض التوضيح في رحلته ج 1 ص 164 وما بعدها. بيّن الدكتور (مصطفى جواد) ان جزيرة قيس قديمة الاسم ومنهم من يسميها (كيش) كما في المعجم. وفيه أيضا هرمز أو هرموز عن لفظ آخر ، مدينة في البحر على بر فارس وهي فرضة كرمان ، ولا تزال جزيرة قيس معروفة بجزيرة كيشم مقابل بندر عباس ولعلها هي هرمز الأصلية في مضيق هرمز الحالي ، وأقول وردت هرمز في صبح الأعشى ج 4 ص 349 فأوضح عنها كثيرا.
    (2) أورد الدكتور داود الجلبي طريق البحارة إلى هرموز من سواحل العرب ومن سواحل العجم ومنها إلى سواحل العرب الجنوبية على بحر عمان حتى باب المندب ثم يمر في سواحل اليمن إلى جدة ، حتى يصل إلى السويس ومنها إلى سواحل مصر والحبشة حتى آخر سواحل إفريقيا. أو يسير من هرموز إلى سواحل الهند وفيها تفصيل أكثر وبيان لمواقع عديدة من عارف بها. نقلا من رسالة بحرية. (لغة العرب ج 9 ص 405 وما بعدها).

    أربع قطع (كوه) مما يعادل قراقه ، وثلاث قليونات Galleon وست قراولات بورتغالية واثنتا عشرة قطعة غربان أي قاليته Galley ، والخلاصة هاجم العدو بخمس وعشرين سفينة وهم في الحال أنزلوا التنتات (1) وتسلحوا وأعدوا آلات الحرب وتهيأوا للكفاح متوكلين على الله ورفعوا الفلانديرات (الرايات الصغيرة) ، ونشروا الأعلام فأقدموا للقراع فباشروا الحرب بذكر الرسول صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به وأخذوا بالضرب بمدافع وبنادق حتى أنه لا يستطيع المرء وصف هول ما جرى فأصيب قليون للعدو بمدفع فانسحب إلى جزيرة فك الأسداد وغرق.
    وأورد سيدي علي لمسيحي :
    غالبا كو مدى چشم أنجم
    بو قدر حادثه عظمايى

    بيلمز كيم نيجه تعبير ايده يم
    سكا بو واقعه كبرايى

    يريد أن عين النجم لم تر في غالب أحوالها هولا كهذا فلا أدري كيف أعبر عن هذا الحادث الجلل وهذه الواقعة العظمى ...
    دامت الحرب إلى العشاء فكانت في أشد ما يتصور. ثم أشعل فانوس القبطان وحينئذ أطلق العدو مدفعا لتنبيه سفنه أن تقلع عن الحرب وعلى هذا انسحبت بوارجه بعد أن اختلت آلاتها ورجعت إلى هرموز. وبهذا تغلب سيدي علي رئيس على العدو وانتصر عليه. فانهزم.
    ثم إنه اشتد الظلام ظهر تشوش في الجو وبدت زوبعة كما حدثت أمطار فابتعدت السفن عن الساحل وسلكت الطريق. ساروا بمشقة حتى
    __________________
    (1) التنتة معروفة في اللغة العامية ومستعملة في اللغة التركية وتعني الظلال والستائر.

    وصلوا مدينة خورفكان في اليوم التالي وبعد أن أخذ الجيش ماءه مضوا في طريقهم حتى وصلوا إلى ولاية عمان ، وجاؤوا إلى بلدتها صحار (1). ثم مضوا في البحر نحو 17 يوما أيضا. وفي 26 من شهر رمضان ليلة القدر فاجأتهم سفن العدو مرة أخرى. جاءت من قرب مدينة مسقط وقلهات (2) هاجمتهم سحرا من ميناء مسقط وهي اثنتا عشرة بارجة واثنان وعشرون غرابا فالمجموع 34 قطعة من السفن. صال بها كوه ابن الحاكم وهو القبطان ومعه جيوش لا تحصى فنصب الشراع وتقدم ببوارجه وقليوناته ونصب (مايسترا) أي (شراعا) وپنتة (شراعا صغيرا) لكل منها ، وكذا نصبوا للقراولات شراعها ، وزين العدو سفنه بفلانديرات (رايات أو أعلام صغيرة) ومشى عليهم ، وهم أيضا طلبوا العون من الله وتأهبوا في جانب من الساحل فجاءتهم البوارج فاصطدمت بالقدرغات واشتعلت نيران البنادق والمدافع فيما بين الفريقين ، وتعاطوا رشق السهام وتضاربوا بالسيوف فآل الأمر إلى حالة لا يستطيع المرء وصفها.
    كان هولها عظيما حتى هلكت بوارج للطرفين واحترق بعضها وكانت ضائعات سيدي علي بارجة وست قدرغات ، لحد أن أنهكت قوى الطرفين وصارت الحرب في أطراف السفن.
    وكان من ضايعات العثمانيين (علمشاه رئيس) ، و (قره مصطفى) ، و (قلفات ممى). وقائد المتطوعين مصطفى بك الدرزي ، وسائر أفراد مصر ، وأصحاب الآلات ، فكان المجموع نحو مائتين. وحينئذ رمى
    __________________
    (1) في معجم البلدان تفصيل عن صحار فتحها المسلمون سنة 12 ه‍. وفي رحلة سيدي علي وردت بلفظ (سخار) وليس بصواب.
    (2) جاء في لغة العرب أنها قريات ، فحرف أو صحف حين الطبع وهو بلد معروف بهذا الاسم والصواب أنها (قلهات). ومسقط وردت في معجم البلدان. وتلفظ مسكت.

    العرب الذين كانوا من أصحاب المجاذيف بأنفسهم إلى الساحل فاستصرخوا عربان نجد هناك فابتدروا لمعاونة المسلمين فصاروا أدلاءهم لجانب البر ، وأخذ البرتغال الذين كانوا في بوارج العدو يرمون بأنفسهم أيضا. وكذا العرب الذين كانوا مستخدمين عندهم انسحبوا إلى بلاد العرب.
    قال سيدي علي رئيس : ويعلم الله أن (خير الدين باشا) في حربه مع (آندريه طوريه) Andreas Doria لم ير هذه الدرجة من شدة وعظمة. فاضطر سيدي علي رئيس أن يبتعد عن الساحل فأمر بنصب الشراع ضرورة فانفصل عن بر العرب ودخل في بحر عمان وفي النتيجة وصل إلى برجاش (1) من كرمان وليس في هذه السواحل ميناء يلجأ إليه. وبعد اللتيا والتي وردوا (كيچى) من ولاية (مكران) إلا أنه لم يتيسر الوصول إلى الساحل بسبب الظلام فوقفوا في البحر. ولما أصبح الصباح وصلوا بكل محنة ومشقة إلى الساحل إلى (بندر شهبار). ذهب جماعة منهم فأفهموا الأهلين أنهم مسلمون وطلبوا الماء فوافق ذلك النهار يوم العيد فصار الحصول على الماء أكبر عيد لهم. ومن هناك وبواسطة الدليل مضوا إلى بندر كوادر. أهلوها من البلوج. ملكهم جلال الدين ابن ملك دينار وأن حاكمها جاء إلى الأسطول ورحب بهم وأحضر لهم ما يحتاجون إليه من عدة كافية كاملة وكتب إلى الملك وطلب منه ربانا ومعلما أي دليلا للبحر في عمان وسواحله ففعل وأبدى الطاعة والانقياد للسلطان.
    ثم أقلعوا من بندر كوادر ومضوا إلى بحر الهند وساعدهم الريح مدة فجاؤوا إلى ساحل اليمن مرة أخرى. ساروا في البحر أياما عديدة
    __________________
    (1) ويقال جسك. ميناء إيران على مقربة من بلوجستان. قاله في ترجمة الرحلة إلى الإنكليزية.

    ومروا من نحو رأس الحد. جاؤوا إلى ما يقارب ظفار وشحر فعاكستهم الرياح فلم يستطيعوا إدارة الشراع أو ينزلوها لشدة هذه الرياح المسماة بـ (طوفان الفيل) مع ريح (دامانى) أو كما يقولون (كون باتيسى) أي ريح المغيب هذه تعد الرياح الزعازع في بحر المغرب بالنظر إليها كقطرة من بحر. ومن ثم ولشدة هذه الرياح عادوا أو جرفتهم الرياح دون أن يتمكنوا منها فصاروا إلى سواحل الهند مرة أخرى.
    وصف سيدي علي هولها بأشنع أشكاله ومن ثم تغير الوضع واضطرب الأمر وكان الرئيس ينصح بحارته ويوعز إليهم بلفظ (سوغوريه) أي تأهبوا وكونوا على بصيرة. عسى العاقبة خيرا داموا عل هذا عشرة أيام. ولا تسل عما أصابهم من ارتباك ولقيهم من رعب وخوف حينما علموا أنهم في مقربة من ديار العدو. ضاق بهم الأمر ولم يبق لهم أمل إلا أن ينظروا ما يجري عليهم من قضاء. وفي خلال ذلك كان سيدي علي ينصح القوم ويوصيهم بالصبر.
    مضى على ذلك عشرة أيام في البحر بين مده وجزره وزوابعه وأمطاره ، فوصلوا قريبا من خليج چكد. وحينئذ صاح المعلمون بالويل والثبور لما رأوا من تغير مياه البحر وما شاهدوا من حيتانه وحيواناته فظنوا أن هذه سورة بحر الهند والورطة التي فيه (تيار أودردور). وهي قرب السند وتعرف بتيارها وخطرها لا خلاص للسفن منه فطرحوا الأثقال وبعض آلات واشتغلوا يوما وليلة بلا توقف وباستمرار فنجوا من الخطر.
    ركد الهواء نوعا وساروا صباحا فنظروا إلى الأطراف فرأوا أنهم في سواحل ولاية جامهر (1) شاهدوا دار الأصنام لها. ومن هناك ساروا فمروا من فورميان ومنگلور ومضوا إلى سومنات (2) Some nat ثم وصلوا
    __________________
    (1) تقع في مقاطعة بومبي.
    (2) بلدة في جنوبي شبه جزيرة كاثياوار.

    إلى (ديو) Dio وكانت بيد البرتغال ، فاستولى عليهم الخوف ولا يستطيع القلم أن يعبر عما أصابهم من هول وهلع فكأنهم في يوم محشر ... فوصلوا بشق الأنفس إلى ولاية كجرات من الهند. وهناك صادفهم خطر آخر وهو الشق (السورة) فزاد المصاب ولم ينجوا منه إلا بعد جهد جهيد ، فوصلوا إلى (فشت قيدسور) وهذا ما بين (ديو) و (دمن) Daman (1) فلم يستطيعوا الركون إليها فمضوا إلى بندر (دمن) فحمدوا الله على السلامة بعد ما لاقوا كل الأخطار والصعاب والأمطار وهذا موسم الأمطار ويقال له بارصاد. وكان ملك كجرات السلطان أحمد (2) وحاكم (دمن) ملك أسد تابعا له. وهذا حذر من البقاء ونصح بالذهاب إلى سورت خوفا من البرتغال فلم يتمكنوا من البقاء فقام سيدي علي رئيس بمن تبعه من البحارة فمضى بالسفن إلى سورت فوصلوها ففرح المسلمون بهم وقالوا لم نر طوفانا مثل هذا من قديم الزمان ، ولا رأينا قرصانا أي قبطانا (3) ماهرا في علم البحار مثلك.
    ولا ننكر القدرة العلمية والمهارة الفنية في مثل هذه الأمور وإن كان التوفيق حليف القدرة البحرية في العدد وكمال العدد وقد اتخذ العدو لها الأهبة ، ولم يترك وسيلة لا سيما في وقت لم تتغير فنونه الحربية ، بل تكاد تكون مشتركة بين الفريقين ولم تختلف إلا في الكمال ، والنقصان ، ولم تعرف الأوضاع الجديدة بعد مما تعد من أركان السيطرة على الأمم والبحار ...
    __________________
    (1) مستعمرة برتغالية في خليج كمباي.
    (2) هو أحمد شاه الثاني ابن محمود شاه ولي سنة 961 ه‍ ودام حكمه إلى سنة 969 ه‍. (دول إسلامية ص 484).
    (3) عند الغربيين يقال Corsair أوCorsaire ويطلق على السفن الخاصة بتعقب العدو.
    وأصحابها قراصنة. ثم صار يسمى سراق البحر من أصحاب السفن بهذا الاسم.
    وألغيت القرصانية أو القرصنة سنة 1856 م.



    ثم تفرق أعوانه وتركوا ما لديهم من سفن وساروا من طريق البر حتى عادوا إلى بغداد برا بعد سياحات طويلة.
    ذلك ما دعا أن يكتب سيدي علي رئيس (مرآة الممالك) فيوضح فيها ما جرى عليه من الأهوال وكيف تفرق عنه أعوانه واضطر أن يبيع السفن وأن ترسل أثمانها إلى السلطان (1).
    والحاصل شرح قصته ووصف ما رأى من بلاد في ممالك مختلفة فكانت رحلته هذه خير أثر ، وفيها الكثير من مصطلحات البحارة وإيعازاتهم وآلاتهم. وسياحته برا أبدع. سار بمن صحبه من جماعته حتى عادوا إلى بغداد (2).
    العلاقة البحرية الأولى
    بالعراق والسواحل العربية
    إن جهود الدول الإسلامية المبذولة ـ وللعراق النصيب الأوفر منها ـ في خلال العصور الماضية من سياحات واكتشافات لأصقاع وممالك نائية أدت إلى تكوين أساطيل قوية ، وتوسيع في القدرة البحرية. فسهلت أن تكون تجارتها طليقة ، وأوضاعها في صالح نفعها. وهذه اكتسبت شكلا ثابتا مشت عليه في خلال القرون العديدة فلا يحتاج إلى تجديد عهد ، أو مفاوضات مستمرة ولم يكن ليخطر بالبال أن تنتهك حرمة هذا البحر ، أو ما يشوش أمر هذه التجارة ، أو يحاول أجنبي أن يقضي عليها أو يخرج على المقرر المعتاد ... لذا فكر المحصورون من الغربيين أن يستغنوا عن الاتصال بالهند بواسطة مصر من جراء سيطرة الدولة العثمانية
    __________________
    (1) في المجلد الثاني من منشآت فريدون صور الكتب المرسلة إلى ملك كجرات وإلى حاكم سورت وفيها إيضاح رسمي (ج 2 ص 219 و 220).
    (2) مرآة الممالك (رحلة سيدي علي رئيس) ص 27 ، وتحفة الكبار ص 66 والتفصيل في هذين الكتابين.

    على البحر الأبيض المتوسط فالتمسوا أن يكون طريق تجارتهم أوسع أو حرا خالصا لهم ، فصاروا يتحرون ما يسهل أمر هذه التجارة وأن يأتوا من طريق أخرى لعلهم يستفيدون منها ويخرجوا إلى مواطن جديدة. فكانت نتائج ذلك أن اكتشف الأسبان أميركا من ناحية نائية لم تمس حقوق التجارة الإسلامية والشرقية كما أن البرتغال اكتشفوا «رأس الرجاء الصالح» ويسمى (رأس عشم الخير) عند المصريين ، فجعلوا سفنهم تتجول في سواحل إفريقيا ، وسواحل العرب ، وسواحل الهند .. كان ملك البرتغال عمانوئيل الأول قد أمر واسكو دوغاما الأميرال أن يذهب بسفنه لاكتشاف طريق الهند فسار من لشبونة سنة 1497 م ـ 903 ه‍ خرج إلى سواحل إفريقيا الغربية حتى وافى رأس الرجاء الصالح. وتمكن من السيطرة على تلك الأنحاء. وإن سلطة العثمانيين كانت قوية في البحر الأبيض المتوسط ، والصلة بمصر للاتصال بالهند كانت مخطرة صعبة جدا على البرتغاليين ، فالتمسوا الطريق إلى الهند ، فتمكنوا من الوصول إلى الغرض. وسيطروا على سواحل المحيط الهندي ، وقطعوا الصلة بالتجارة إلا من طريقهم.
    ذلك ما هدد تجارتنا وتجارة الهند معا ، أو حول وضعها ، ومثلها تجارة إيران ، ومصر وصرف وجهتها ومبدأ ذلك على ما دونه مؤرخونا قد تعين أيام السلطان الغوري. فتغيرت الحالة.
    قال في الشذرات : «في آخر أيام الغوري (1) في حدود سنة 920 ه‍ ظهر البرتقال على بنادر الهند ، استطرقوا إليها من بحر الظلمات (البحر
    __________________
    (1) الملك الأشرف أبو النصر قانصوه بن عبد الله الجركسي المشهور بالغوري (906 ه‍ : 922 ه‍) وخلفه طومان باي ابن أخيه من سنة 922 ه‍ : سنة 923 ه‍) وهذا آخر ملوك الدولة الجركسية بمصر فانقرضت دولتهم باستيلاء السلطان سليم الياوز من ملوك العثمانيين عليها وقتله في 12 جمادى الأولى سنة 923 ه‍ ـ 1517 م.

    المحيط الأطلسي المعروف بالأتلانتيكي) من وراء جبال القمر منابع النيل (اجتازوا من رأس الرجاء الصالح) فعاثوا في أرض الهند ووصل أذاهم وفسادهم إلى جزيرة العرب وبنادر اليمن وجدة. فلما بلغ السلطان الغوري ذلك جهز عليهم خمسين غرابا مع الأمير حسين الكردي (1) وأرسل معه عسكرا عظيما من الترك والمغاربة واللوند وجعل له جدة إقطاعا وأمره بتحصينها. فلما وصل حسين الكردي شرع في بناء سورها وإحكام أبراجها وهدم كثيرا من بيوت الناس مع عسف وشدة ظلم بحيث بنى السور جميعه في أقل من عام ثم توجه بعساكره إلى الهند في حدود سنة 921 ه‍. فاجتمع بسلطان كجرات (خليل شاه) (2) فأكرمه وعظمه وهرب الفرنج عن البنادر لما سمعوا بوصوله. ثم عاد حسين الكردي إلى اليمن فافتتحها من (بني طاهر) ملوكها وقتل سلاطينها في هذه السنة وترك فيها نائبا في زبيد اسمه (برسباي الچركسي). وتم الأمر الذي لا مزيد عليه له وللسلطان الغوري ... ثم عاد حسين إلى جدة وقدم مكة فبلغه زوال دولة الغوري. وورد أمر السلطان سليم بقتل حسين الكردي فأخذه شريف مكة بغتة وقيده وشمت به وأرسله لبحر جدة فغرقه فيه» (3).
    ويوضح هذا ما جاء في البرق اليماني في الفتح العثماني :
    __________________
    (1) قال عنه في سجل عثماني : «هو كردي وأن البرتغال بدأوا في ضبط كجرات ودكن واليمن في سنة 900 ه‍ فأرسل عليهم الغوري قوة عسكرية فكان قائد الحملة. وفي سنة 917 عمر جدة وفي سنة 922 سد البرتغال المضيق واتفقوا مع أمير اليمن عامر وأخذوا منه المؤونة وحاربوا للمحافظة عن عامر وفي السنة المذكورة ضبط اليمن ثم عاد إلى جدة فبين له الشريف أبو نمي بعد أن ضبط السلطان مصر أنه يقدمه إلى السلطان فقتله وكان ظالما سفاكا». (ج 1 ص 182).
    (2) لم يعرف هذا الاسم بين سلاطين كجرات ، وقد رأينا في البرق اليماني أنه مظفر شاه وهو الأولى والأصح موافقا لما في تواريخ عديدة. (منها دول إسلامية).
    (3) الشذرات ج 8 ص 115. واللوند جيش بحري. (وخان اللاوند) محلة ببغداد كانوا فيها.

    «وقع في أول القرن العاشر من الحوادث الفوادح النوادر دخول الفرتقال من طائفة الفرنج ... إلى ديار الهند ، وكانت طائفة منهم يركبون من زقاق سبتة في البحر ويلجون في الظلمات ، ويمرون خلف جبال القمر .. ويصلون إلى المشرق ، ويمرون بموضع قريب من الساحل في مضيق أخذ جانبه جبل ، والجانب الثاني بحر الظلمات في مكان كثير الأمواج ، لا تستقر به سفائنهم وتنكسر ولا ينجو منهم أحد ، واستمروا على ذلك مدة وهم يهلكون في ذلك المكان ولا يخلص من طائفتهم أحد إلى بحر الهند إلى أن خلص منهم غراب إلى الهند ، فلا زالوا يتوصلون إلى معرفة هذا البحر إلى أن دلهم شخص ماهر من أهل البحر يقال له أحمد بن ماجد (1) صاحبه كبير الفرنج وكان يقال له الأملندي (2) وعاشره في السكر فعلمه الطريق في حال سكره. وقال لهم لا تقربوا الساحل من ذلك المكان وتوغلوا في البحر ثم عودوا ، فلا تنالكم الأمواج ، فلما فعلوا ذلك صار يسلم من السكر كثير من مراكبهم ، فكثروا في بحر الهند .. ثم أخذوا هرموز وتقووا هناك وصارت الأمداد تترادف عليهم من البرتغال ، فصاروا يقطعون الطريق على المسلمين أسرا ونهبا ، ويأخذون كل سفينة غصبا إلى أن كثر ضررهم على المسلمين وعمّ أذاهم على المسافرين ، فأرسل السلطان مظفر شاه (3) بن محمود شاه بن محمد شاه سلطان كجرات يومئذ إلى السلطان الأشرف قانصوه
    __________________
    (1) هذا الشخص الماهر. قد عبر عنه الغربيون بأنه (كاناكا) ويراد به الرياضي الفلكي ولم يسموه باسمه واللفظة جاءت من الهند ، ويقصد بها العالم بأمر البحار. ويعنون ابن ماجد.
    (2) ويقال الملندي أو الميرانتي لفظة إسبانية يراد بها أميرال أو ربان البحر (الملاح العربي ص 11).
    (3) توفي سنة 932 ه‍ ـ 1525 م وترجمته في النور السافر ص 191 ـ 192 طبعة بغداد 1353 ه‍ ـ 1934 م.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4   موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Emptyالجمعة نوفمبر 01, 2024 4:24 pm

    العلاقة البحرية الأولى
    بالعراق والسواحل العربية
    إن جهود الدول الإسلامية المبذولة ـ وللعراق النصيب الأوفر منها ـ في خلال العصور الماضية من سياحات واكتشافات لأصقاع وممالك نائية أدت إلى تكوين أساطيل قوية ، وتوسيع في القدرة البحرية. فسهلت أن تكون تجارتها طليقة ، وأوضاعها في صالح نفعها. وهذه اكتسبت شكلا ثابتا مشت عليه في خلال القرون العديدة فلا يحتاج إلى تجديد عهد ، أو مفاوضات مستمرة ولم يكن ليخطر بالبال أن تنتهك حرمة هذا البحر ، أو ما يشوش أمر هذه التجارة ، أو يحاول أجنبي أن يقضي عليها أو يخرج على المقرر المعتاد ... لذا فكر المحصورون من الغربيين أن يستغنوا عن الاتصال بالهند بواسطة مصر من جراء سيطرة الدولة العثمانية
    __________________
    (1) في المجلد الثاني من منشآت فريدون صور الكتب المرسلة إلى ملك كجرات وإلى حاكم سورت وفيها إيضاح رسمي (ج 2 ص 219 و 220).
    (2) مرآة الممالك (رحلة سيدي علي رئيس) ص 27 ، وتحفة الكبار ص 66 والتفصيل في هذين الكتابين.

    على البحر الأبيض المتوسط فالتمسوا أن يكون طريق تجارتهم أوسع أو حرا خالصا لهم ، فصاروا يتحرون ما يسهل أمر هذه التجارة وأن يأتوا من طريق أخرى لعلهم يستفيدون منها ويخرجوا إلى مواطن جديدة. فكانت نتائج ذلك أن اكتشف الأسبان أميركا من ناحية نائية لم تمس حقوق التجارة الإسلامية والشرقية كما أن البرتغال اكتشفوا «رأس الرجاء الصالح» ويسمى (رأس عشم الخير) عند المصريين ، فجعلوا سفنهم تتجول في سواحل إفريقيا ، وسواحل العرب ، وسواحل الهند .. كان ملك البرتغال عمانوئيل الأول قد أمر واسكو دوغاما الأميرال أن يذهب بسفنه لاكتشاف طريق الهند فسار من لشبونة سنة 1497 م ـ 903 ه‍ خرج إلى سواحل إفريقيا الغربية حتى وافى رأس الرجاء الصالح. وتمكن من السيطرة على تلك الأنحاء. وإن سلطة العثمانيين كانت قوية في البحر الأبيض المتوسط ، والصلة بمصر للاتصال بالهند كانت مخطرة صعبة جدا على البرتغاليين ، فالتمسوا الطريق إلى الهند ، فتمكنوا من الوصول إلى الغرض. وسيطروا على سواحل المحيط الهندي ، وقطعوا الصلة بالتجارة إلا من طريقهم.
    ذلك ما هدد تجارتنا وتجارة الهند معا ، أو حول وضعها ، ومثلها تجارة إيران ، ومصر وصرف وجهتها ومبدأ ذلك على ما دونه مؤرخونا قد تعين أيام السلطان الغوري. فتغيرت الحالة.
    قال في الشذرات : «في آخر أيام الغوري (1) في حدود سنة 920 ه‍ ظهر البرتقال على بنادر الهند ، استطرقوا إليها من بحر الظلمات (البحر
    __________________
    (1) الملك الأشرف أبو النصر قانصوه بن عبد الله الجركسي المشهور بالغوري (906 ه‍ : 922 ه‍) وخلفه طومان باي ابن أخيه من سنة 922 ه‍ : سنة 923 ه‍) وهذا آخر ملوك الدولة الجركسية بمصر فانقرضت دولتهم باستيلاء السلطان سليم الياوز من ملوك العثمانيين عليها وقتله في 12 جمادى الأولى سنة 923 ه‍ ـ 1517 م.

    المحيط الأطلسي المعروف بالأتلانتيكي) من وراء جبال القمر منابع النيل (اجتازوا من رأس الرجاء الصالح) فعاثوا في أرض الهند ووصل أذاهم وفسادهم إلى جزيرة العرب وبنادر اليمن وجدة. فلما بلغ السلطان الغوري ذلك جهز عليهم خمسين غرابا مع الأمير حسين الكردي (1) وأرسل معه عسكرا عظيما من الترك والمغاربة واللوند وجعل له جدة إقطاعا وأمره بتحصينها. فلما وصل حسين الكردي شرع في بناء سورها وإحكام أبراجها وهدم كثيرا من بيوت الناس مع عسف وشدة ظلم بحيث بنى السور جميعه في أقل من عام ثم توجه بعساكره إلى الهند في حدود سنة 921 ه‍. فاجتمع بسلطان كجرات (خليل شاه) (2) فأكرمه وعظمه وهرب الفرنج عن البنادر لما سمعوا بوصوله. ثم عاد حسين الكردي إلى اليمن فافتتحها من (بني طاهر) ملوكها وقتل سلاطينها في هذه السنة وترك فيها نائبا في زبيد اسمه (برسباي الچركسي). وتم الأمر الذي لا مزيد عليه له وللسلطان الغوري ... ثم عاد حسين إلى جدة وقدم مكة فبلغه زوال دولة الغوري. وورد أمر السلطان سليم بقتل حسين الكردي فأخذه شريف مكة بغتة وقيده وشمت به وأرسله لبحر جدة فغرقه فيه» (3).
    ويوضح هذا ما جاء في البرق اليماني في الفتح العثماني :
    __________________
    (1) قال عنه في سجل عثماني : «هو كردي وأن البرتغال بدأوا في ضبط كجرات ودكن واليمن في سنة 900 ه‍ فأرسل عليهم الغوري قوة عسكرية فكان قائد الحملة. وفي سنة 917 عمر جدة وفي سنة 922 سد البرتغال المضيق واتفقوا مع أمير اليمن عامر وأخذوا منه المؤونة وحاربوا للمحافظة عن عامر وفي السنة المذكورة ضبط اليمن ثم عاد إلى جدة فبين له الشريف أبو نمي بعد أن ضبط السلطان مصر أنه يقدمه إلى السلطان فقتله وكان ظالما سفاكا». (ج 1 ص 182).
    (2) لم يعرف هذا الاسم بين سلاطين كجرات ، وقد رأينا في البرق اليماني أنه مظفر شاه وهو الأولى والأصح موافقا لما في تواريخ عديدة. (منها دول إسلامية).
    (3) الشذرات ج 8 ص 115. واللوند جيش بحري. (وخان اللاوند) محلة ببغداد كانوا فيها.

    «وقع في أول القرن العاشر من الحوادث الفوادح النوادر دخول الفرتقال من طائفة الفرنج ... إلى ديار الهند ، وكانت طائفة منهم يركبون من زقاق سبتة في البحر ويلجون في الظلمات ، ويمرون خلف جبال القمر .. ويصلون إلى المشرق ، ويمرون بموضع قريب من الساحل في مضيق أخذ جانبه جبل ، والجانب الثاني بحر الظلمات في مكان كثير الأمواج ، لا تستقر به سفائنهم وتنكسر ولا ينجو منهم أحد ، واستمروا على ذلك مدة وهم يهلكون في ذلك المكان ولا يخلص من طائفتهم أحد إلى بحر الهند إلى أن خلص منهم غراب إلى الهند ، فلا زالوا يتوصلون إلى معرفة هذا البحر إلى أن دلهم شخص ماهر من أهل البحر يقال له أحمد بن ماجد (1) صاحبه كبير الفرنج وكان يقال له الأملندي (2) وعاشره في السكر فعلمه الطريق في حال سكره. وقال لهم لا تقربوا الساحل من ذلك المكان وتوغلوا في البحر ثم عودوا ، فلا تنالكم الأمواج ، فلما فعلوا ذلك صار يسلم من السكر كثير من مراكبهم ، فكثروا في بحر الهند .. ثم أخذوا هرموز وتقووا هناك وصارت الأمداد تترادف عليهم من البرتغال ، فصاروا يقطعون الطريق على المسلمين أسرا ونهبا ، ويأخذون كل سفينة غصبا إلى أن كثر ضررهم على المسلمين وعمّ أذاهم على المسافرين ، فأرسل السلطان مظفر شاه (3) بن محمود شاه بن محمد شاه سلطان كجرات يومئذ إلى السلطان الأشرف قانصوه
    __________________
    (1) هذا الشخص الماهر. قد عبر عنه الغربيون بأنه (كاناكا) ويراد به الرياضي الفلكي ولم يسموه باسمه واللفظة جاءت من الهند ، ويقصد بها العالم بأمر البحار. ويعنون ابن ماجد.
    (2) ويقال الملندي أو الميرانتي لفظة إسبانية يراد بها أميرال أو ربان البحر (الملاح العربي ص 11).
    (3) توفي سنة 932 ه‍ ـ 1525 م وترجمته في النور السافر ص 191 ـ 192 طبعة بغداد 1353 ه‍ ـ 1934 م.

    الغوري يستعين به على الإفرنج ..» ه (1).
    وجاء في النصوص الغربية ما يؤيد ما ذكره العرب وأوضح عنها الأستاذ محمد ياسين الحموي في رسالته الملاح العربي (2) ، وكذا جاء خبر هؤلاء في النور السافر أيضا. وهذه وثائق معاصرة تعين مبدأ دخول البرتغال ، وطريقته إلا أننا نقطع بغلط الرواية القائلة بأن واسكو دوغاما أسكر أحمد بن ماجد فباح له بسر عبور رأس الرجاء الصالح ، واجتياز تياره المحدق بالخطر من جراء أنه أي أحمد بن ماجد يفتخر بأنه حاج الحرمين ، ويبين وصفه العلمي ، وإذا كان قد جاء من الغزل ، أو التغني بشرب الخمر في أوائل منظوماته البحرية فهذا تحبيب لحفظها كما هو شأن العرب في نظمهم وتشبيبهم أو غزلهم ، أو تقديم ما ولع به المرء من شرب الخمرة ... وجاءت النصوص الغربية المعاصرة والتالية مكذبة لهذا الخبر. وفي النور السافر تعرض لذكر بعض وقائعهم. وعبر عنه بـ (الإفرنج) فبين وقائعهم في عدن وكذا في الشحر (3).
    إن آمال البرتغال كانت مصروفة إلى النهب والسلب ، والاستعمار وإلى ترويج تجارتها ، أو التوسط في تجارة غيرها ونقلها لمن تحتاجه فكانت البذرة الأولى لانتزاع التجارة من المسلمين وتحويلها إلى جانب أوروبا واستعمار البلاد الكثيرة بالقضاء على استقلالها وقد جاء عن هذا الحادث من ناحية العراق وفارس أيضا في (كتاب وجهة الإسلام) ما نصه :
    «لما احتل البرتغاليون هرمز في الخليج الفارسي في القرن السادس
    __________________
    (1) البرق اليماني في الفتح العثماني.
    (2) الملاح العربي ص 7 و 10 طبعت سنة 1366 ه‍ ـ 1947 م في المطبعة الهاشمية بدمشق وله الأسطول العربي أيضا.
    (3) النور السافر ص 97 و 208.

    عشر قطعوا كل صلة بحرية بين الهند وفارس ليفوزوا باحتكار هذا الطريق ...» اه.
    وأقول بل بين الهند والعراق ومصر أيضا وحولوا وجهتها إلى ناحيتهم فقبضوا عليها بيد من حديد (1) ...
    ومن ثم انتهت حكومة الچراكسة في التاريخ المذكور وكان لهم أسطول (2). وابتدأت علاقات الترك العثمانيين البحرية مع حكومة البرتغال فإنهم ورثوا حكومة مصر. وكانت سابقا تجارة الهند مرتبطة بالغرب من طريق مصر والبندقية (ونديك) ومن طريق الشرق بالعراق وبنادر العجم. فالوجهة تغيرت بمزاحمة الإسبان والبرتغال فالأولى اكتشفت أميركا والأخرى وجدت طريقا للهند من جنوبي إفريقيا من رأس الرجاء الصالح. وأول ما عرف من علاقاتهم أنهم عاثوا في أنحاء البحر المحيط الهندي وسواحل العرب وإيران فقام ملك مصر بما قام به على يد قائده حسين الكردي. كانت قتلته السبب في تمكن البرتغال في تلك الأنحاء دون معارض أو مقاوم. والبحرية العثمانية في ذلك الحين لم تؤسس في البحر الأحمر (بحر القلزم) ومشغوليات العثمانيين في الفتوح والحروب البحرية الأخرى ألهتهم عن الالتفات كثيرا إلى البحرية في تلك الأطراف ...
    ذلك ما دعا أن تنقطع المواصلات بين الهند ومصر والبندقية وبين الهند والعراق وتتوجه إلى البرتغال من طريق رأس الرجاء الصالح أو على يدهم في العراق وبذلك تمكنوا من قهر السواحل لهم وإذعانها
    __________________
    (1) وجهة الإسلام ص 22.
    (2) تاريخ أسطول مصر من أيام الأيوبيين مذكور في قوانين الدواوين لأسعد بن مماتي ، ومن أيام من بعده في خطط المقريزي ، وفي كتاب حقائق الأخبار في دول البحار في المجلد الثاني منه.

    لمطالبهم ... بقوا بلا مزاحم أو معارض. ولا يزال النبز عندنا بـ (پورتكيشي) أي برتغالي معروفا وهذا يعني السفاك المعتدي الأثيم ...!!
    والحكومة العثمانية ـ بعد أن استولت على أكثر الممالك الإسلامية ـ صارت ترى نفسها المالكة لبلاد المسلمين ، الوارثة لها المسيطرة على مصالح المسلمين بل الحامية لها. فلا يوافق مصلحتها أن تجعل جزيرة العرب وسواحل الهند تحت تحكم البرتغال وعتوهم بل لا ترضى أن يتجاوز أمثال هؤلاء على مصالح المسلمين ويجعلوها تحت نفوذهم. ففكر السلطان سليمان القانوني في الأمر وكان آنئذ أكبر ملوك الأرض. ففي سنة 932 ه‍ نصب قائدا على أسطوله في البحر الأحمر أحد المشاهير هناك وهو (سليمان رئيس) وتحت نظارة هذا القائد بدأت الحكومة بتأليف عمارة (أسطول) وتجهيزه في بندر السويس فتمكن من عمل أسطول قوامه من 20 قادرغة.
    فكان هذا الأميرال أول من فوض إليه أمر تكوين الأسطول العثماني في البحر الأحمر وهكذا تولى بعده من تولى بالوجه المبسوط.
    أما البرتغال فإنهم استفادوا من انحلال حكومة مصر. والعثمانيون كانوا آنئذ في حروب بحرية وبرية دامية في البحر الأبيض المتوسط ، والممالك الأخرى كمحاصرة فينة والتوغل في تلك الأنحاء مما لم يعد بالفائدة فهمهم المطاحنة مع الأصل لا القرصنة في بحر عظيم لا يدرك له منتهى. وعلى هذا فالبرتغال اكتشفوا جزيرة زنكبار عام 1503 قبل كل شيء ، فكانت قاعدة وفي عام 1507 وصلوا إلى مسقط من جزيرة العرب ، وعام 1508 ضبطوا بوغاز هرمز ، وفي سنة 1509 نصبوا أميرا لمستملكاتهم في الهند سواء في مليبار ، وسرنديب ومالاقه مما لا يسع المقام تفصيله (1).
    __________________
    (1) أسفار بحريه عثمانية ج 1 ص 416.

    والحكومة العثمانية في هذا الحين لم تنظر إلى ما يهدد سلامة الحكومات الإسلامية في سواحل إفريقيا والهند إذ لم يصف لها الجو لانشغالها بحروب أخرى إلا أن الذي أثار ذلك ، ونبه على الخطر المحدث كان ملك كجرات «الملك محمود» ابن مظفر شاه (1). فقد استعان بالسلطان سليمان وكانت قد طبقت شهرته الآفاق وحاول الملك محمود بذلك رفع سيطرة أولئك.
    ومن ثم تأهب السلطان للأمر تأمينا لسواحل العرب وتخلصها للحكومة العثمانية من جهة ، ومنع تجاوز البرتغال على الهند من أخرى وفوض أمر القيام بذلك لأمير أمراء مصر آنئذ سليمان باشا عام 937 ه‍ وكان اتخذ له أسطولا اشتغل بإعداده من سنة 932 ه‍ إلا أن الأمر لم يتم وذلك لأن أمير أمراء مصر رافق السلطان سليمان في فتح بغداد. فتأخر أمر ذلك لمدة.
    وبعد أن تم الفتح عاد سليمان باشا لمهمته الأولى. من جهة أن بهادر شاه حاكم كجرات وهو أخو محمود شاه قد التجأ أيضا إلى السلطان وطلب حمايته من جراء المهاجمة التي أصابته من همايون شاه من آل بابر شاه. وورد السفراء من بهادر شاه (2) عام 943 ه‍ وبينوا أن مهاجمة همايون شاه واستيلاءه مما يسهل للبرتغال فتوحهم وقوى آمالهم فاكتسحوا بندر ديو من كجرات. ذلك ما عجل القضية وسرع فيها ولم يمكن من إتمامها فسار في أواخر محرم الحرام (3) سنة 946 فيما عهد
    __________________
    (1) محمود شاه الثاني. ولي الحكم سنة 932 ه‍ ـ 1525 م ودام إلى نفس السنة (1526 م) فخلفه بهادر شاه أخوه.
    (2) في ثالث رمضان سنة 943 ه‍ ـ 1537 م قتل السلطان بهادر ابن السلطان مظفر صاحب كجرات في (بندر الديو). (النور السافر ص 210).
    (3) في كتاب محاربات عثمانية أنه سار في 15 المحرم سنة 945 ه‍ الموافق 13 حزيران سنة 1548 م من السويس ووصل عدن في 7 ربيع الأول (ص 19 منه).

    إليه بالوجه المذكور فلم يتيسر الاستيلاء نظرا لقلة ذخيرة العسكر ، والتجهيزات. ومما عسر الأمر أن جهان شاه قد توفى في الأثناء فخلفه السلطان محمود ملك كجرات (1) فلم يساعد مما صعب الأمر ودعا للعودة. ولم تعرف آنئذ قدرة العثمانيين من جهة أن الأسطول البرتغالي لم يستطع أن يقاومهم ، أو يتحارب معهم. وعلى كل أصابته الرهبة والظاهر أنه فر من وجههم خوفا ورعبا ، أو لم تكن فيه استطاعة لمقاومته فلم يتأهب للطوارىء ، وأن سطوة الأسطول العثماني كانت ظاهرة للعيان من جراء اكتساحها مدينتين عظيمتين من مستملكات الهند. فكانت هذه السفرة من بواعث الأسفار الأخرى فقد دعت إلى آمال السيطرة على البحر المحيط الهندي (2) ...
    ومن ثم تزايدت علاقات الحكومة العثمانية بالهند وأمرائه ففي سنة 950 ه‍ أرسلت الحكومة العثمانية سفينة حربية بقيادة (يوسف تركي) ، وأخرى بقيادة (حسين تركي) إلى حاكم كجرات وفيها من المهمات وآلات الحرب مع عساكر لمعاونة الحاكم المشار إليه إلا أنه لا تعطف أهمية كبرى لأمثال هذه وإنما تعد العمارة الكبرى ما كانت أيام سليمان باشا فإنها يحسب لها حسابها.
    وإن العثمانيين بعد أن سحبوا أسطولهم «أيام سليمان باشا» عاد البرتغال إلى عدن فاتحد الأهلون معهم وسلموا البلد إليهم لما رأوا من العثمانيين ما أبعدهم عنهم. وفي تلك الأثناء كان الأميرال في البحر الأحمر (پيري بك رئيس) المشهور فأرسلته الحكومة إلى تلك الأطراف للتنكيل بالعدو فتمكن من استرداد عدن. ذلك ما دعا السلطان أن يبتهج
    __________________
    (1) في 13 ربيع الأول سنة 961 ه‍ ـ 1554 م توفي محمود شاه ابن لطيف شاه المذكور. قال في النور السافر في زمنه أخذ الإفرنج (البرتغال) الديو من المسلمين (ص 252) هذا مع أن مدينة ديو قد استولى عليها البرتغال قبل سلطنته.
    (2) أسفار بحريه عثمانية ج 1 ص 422 ومرآة الممالك ص 4.

    به ويزيد في راتبه ، ويجعل زعامة البحر الأحمر له وسماه (قبودان بحر القلزم). وفي المرة الثانية جرد عمارته وصدر إليه الأمر ليتجول في سواحل جزيرة العرب. ولينظم أمورها ويستعيد المواقع الأخرى التي كان قد استولى عليها البرتغال فقام من ميناء السويس عام 959 ه‍ ـ 1552 م فجرى ما مر تفصيله ...
    والحاصل أن الحروب الأخيرة قد خذلت العثمانيين ولم يعد بالإمكان إعادة الحياة لهم من جراء ما أصاب (سيدي علي رئيس) من ضربة قاسية والبرتغال اهتموا من عهد الحروب الأولى واتخذوا العدة الكافية وحكموا السواحل. فلم يكن في الإمكان للعثمانيين أن يستعيدوا نشاطهم فاستولى البرتغال على السواحل المهمة ، ووضعوا أيديهم على الاقتصاديات فكانت سفرة (سيدي علي رئيس) هي الأخيرة فلم يطيقوا القيام بأخرى بعدها أقوى منها لينالوا المركز اللائق في جزيرة العرب وسواحلها ، والهند وما والاه. وعلى كل كانت أغلاط العثمانيين كبيرة ، ابتدأت بقتلة (حسين الكردي) ، ثم التعديات والقسوة في سواحل اليمن ، ثم في سواحل عدن. وللشائعات الرديئة أثرها في النفوس. ومن جهة أنهم لم يهتموا الاهتمام كله بل كانت اشتغالاتهم في الأنحاء الأخرى أكبر وهي غير مجدية أيضا.
    ولو كان العثمانيون نجحوا على يد سيدي علي أو غيره لتبدلت الحالة ، ولتمكن هؤلاء من تأسيس بحرية صالحة وأسطول مهم ، ولكان تعرف القوم بأحوال البحار هناك من طريقها العلمي بما عثر عليه سيدي علي رئيس من مؤلفات بحرية من جهة واستعانة بالعرب ممن مارس الأسفار البحرية من أخرى.
    هذا ، ولم يكن الأمر مقصورا على البرتغال وإنما دخلت السياسة الغربية في الهند من كل صوب فضيقت الخناق على التجارة وعلى

    الصلات إلا من طريقها. أعقبت البرتغال دول أخرى في التسلط على الهند من طرق مختلفة فكانت أول شركة للدانيمارك دخلت في سنة 1612 م وانحلت هذه سنة 1634 م ، ثم دخلت شركة هو لندية في سنة 1594 م. وهكذا الشركة الإنكليزية دخلت الهند بعد الهولنديين ، وسميت (شركة الهند الشرقية). كان ذلك سنة 1610 م وهذه الشركة تملكت مدارس سنة 1639 م. وتمكنت من التوسع سنة 1686 م. وفي أيام (أورنك زيب) جرت معركة كادت تقضي على شركتهم لولا أن إمبراطور المغول صالحهم ، فثبت وضعهم. وهكذا دخل الفرنسيون الهند.
    وكان البرتغال حاولوا التسلط على البحر المحيط الهندي من ناحيتين إحداهما أن يجعل لهم مستقر في البحر الأحمر ، وآخر في جزيرة هرموز ، فتمكنوا من هرموز بعد سعي طال من سنة 1507 م إلى سنة 1515 م فتوصلوا إلى الاستيلاء عليها ولم يشاؤوا إلا أن يسيطروا على تجارة الهند وأن لا تكون إلا من طريقهم. وهكذا كان عمل الدول الأخرى ، ولم تكن لهم آمال الاستيلاء على إيران أو العراق وإنما إيجاد صلات تجارية (1).
    الأسطول العثماني وما يتألف منه
    إن العثمانيين لم يكونوا في الأصل محاربين بحريين ، ولا أرباب بحرية ، ولا كانت لهم علاقة في محاربة أعدائهم في الأنحاء البعيدة التي يفصل بينهم وبينها البحر. ولهم في المواطن البرية الكفاية. في أول أمرهم استغنوا بالچكديرمات المسماة (قره مرسل). وهذه من نوع زوارق
    __________________
    (1) تاريخ سياست خارجي إيران ص 50 وما بعدها لمؤلفه الدكتور كاظم صدر وترجمه جواد صدر طبع سنة 1322 ش. ه.

    بحر المرمرة مما يستعمل للنقليات التجارية في أيامنا بصورة معتادة.
    وقد مرت الأيام على ذلك ثم إنهم كونوا بحريتهم الأخيرة التي قارعوا بها أكبر الحكومات البحرية آنئذ. فاحتذوا البندقية (ونديك) في سفنهم الحربية فزادوا في جسامتها وبدلوا أشكالها ، وغيروا هيئاتها فتجاوزت أنواعها العشرة وصارت صنوفا عديدة لكل منها اسم وقد مر بنا أسماء بعضها. وهذه بصورة عامة كانت تتحرك بالشراع تارة ، وبالمجاذيف أخرى. ويفرق بين صنوفها بسهولة بالنظر لما تحتوي عليه من مقاعد للبحارة وذلك :
    1 ـ (فرقته) Frigate وتحتوي على عشرة مقاعد إلى سبعة عشر (1).
    2 ـ (قرلانغيج) وهي أصغر أنواع (فرقته) وتسير مجاذيفها بواسطة شخصين أو ثلاثة. وهذه سريعة السير. ولها شراع.
    3 ـ (الپركنده) Brigantin وفيها 18 مقعدا ، أو 19.
    4 ـ (القاليته) Galley تحوي 20 إلى 24 مقعدا. وتسير بالمجاذيف وبالشراع.
    5 ـ (القادرغه) Galley تحوي على (25) مقعدا.
    ويطلق على هذه جميعها (عمارة صغيرة).
    6 ـ (باستاره) ، أو (باشتارده).Bastard تحتوي على 26 إلى 36 مقعدا.
    7 ـ (باشتاردة الباشا) الباشتاردة بعينها وفيها 36 مقعدا تاما.
    8 ـ (ماونة) من نوع سابقتها ، وكل مجذاف منها يجذف به خمسة أشخاص ، أو ستة ، أو سبعة.
    __________________
    (1) قال شمس الدين سامي : كل سفينة قديمة لها ثلاث سوار تسمى بهذا الاسم.

    وتسمى عند الترك ماعونه أيضا. وأصلها معونة العربية وعند البنادقة Mahon. وهي الشلندى المعروف عند اللاتين بـ Chelandium واستعملها العرب باسم صندل. قال في تاريخ الأسطول العربي :
    «من المراكب الحربية الكبيرة مسطحة لحمل المقاتلين والسلاح. وتعادل في أهميتها الشونة ... ولها ساريتان أو ثلاث سوار. يبلغ طولها 195 قدما وعرضها 33 قدما. وكانوا يجهزونها بـ 24 مدفعا وحمولتها 600 شخص» (1).
    والصندل كان يعمل من شجر الصندل فسمي بذلك وهو زورق عريض. ويقال له (فلكه) أو (فولوقه).
    9 ـ (كوكه) و (كوه). وهذه تزيد على الماونة في أنها تحتوي على مخزن للمدفع أو بالتعبير الأصح الجهة السفلية منها كالماونة والفوقية كالقاليون. وقد صنع منها أيام السلطان بايزيد الثاني اثنتين لمرة واحدة تحوي كل واحدة منها 1500 (طن).
    والسفائن المذكورة كلها من نوع (چكديرمه) أو (چكديرى).
    10 ـ (القاليون) Galleon. وتحتوي في الأصل على أكثر من جانب ولا تسير في الغالب إلا بالشراع. وهذه أشهر أنواعها :
    (1) قاراقاCarack. استعملت في أيام السلطان سليمان القانوني وحملها بين (1500 و 2000) طن. والظاهر أنها (الحراقة) (2).
    __________________
    (1) تاريخ الأسطول العربي ص 38 : للأستاذ محمد ياسين الحموي طبع بدمشق سنة 1364 ه‍ ـ 1945 م.
    (2) قلت لعلها الحراقة فبين الدكتور (مصطفى جواد) أنها من السفن النهرية لا السفن البحرية ، وأن حمولتها لا تكون 1500 ـ 2000 طن ، وأقول ألا يصح استعارتها لنوع من السفن البحرية. والمهم أن يرجع إلى تاريخ هذه اللفظة. وربما كان العرب استعاروها من أصل.

    (2) بارچه. وهي من السفن الجسيمة الحربية.
    (3) قاراوه لا Caravella سفينة حربية قديمة.
    (4) پولاقا Polacca.
    (5) پورتون Portolano. استعمل في الأيام الأخيرة أي بعد الألف ويحمل 40 إلى 45 مدفعا.
    (6) كوكه (كووه). من نوع قاليون. أول من استخدمها السلطان بايزيد الثاني وتعد من نوع چكديرمه أيضا. مر الكلام عليها.
    (7) قپاقا. أحدثت سنة 1093 وتحمل 80 مدفعا.
    (Cool انبارلى. تحمل 110 مدافع. وكان منها محمودية وسليمية فبقيتا إلى الأيام الأخيرة.
    ومن ثم يظهر نوع السفن المذكورة في الوقائع التاريخية إلا أن هذه المصطلحات وصلت إلى العثمانيين من البندقية ولم يستعمل إلا لفظ (غراب) في مصطلحات الكتب القديمة وكذا (بارچه) وهي البارجة العربية بعينها. وتسهل المعرفة والمقابلة بالسفن العربية من طريق الحمل أو عدد المقاتلة ، أو مقابلة اللغات.
    هذا ، وأوضح كاتب چلبي في كتابه (تحفة الكبار في أسفار البحار) (1) أنواع السفن البحرية العثمانية ، وما تكون منه أسطولها أيام عزها ، وذكر الوقائع البحرية إلا أن غالبها مما يعود للبحر الأبيض المتوسط ، وليس لوقائع الهند إلا النصيب القليل ، فلم يتوسع في الإيضاح. والمصطلحات تابعة لمواطن صنع السفن ، والأخذ به من علمائها ورجال صناعتها ، فشاعت ألفاظ ، وعارضتها أخرى ، فنرى الاختلاف بينها كبيرا. وفي (كتاب أسفار بحرية) تفصيل للمصطلحات
    __________________
    (1) تحفة الكبار طبع مصورا في سنة 1329 رومية باستانبول في المطبعة البحرية.

    ومقابلة لغاتها ومباحث موسعة في تاريخ السفن البحرية. وتصاوير مهمة (1).
    وفي أيام الدولة الأيوبية ذكر لأسماء المراكب البحرية ذكرها ابن مماتي في كتاب قوانين الدواوين (2) وإن أسماء السفن جاء ذكرها في مجلة (العالم الإسلامي البغدادية في المجلد الأول منها). وفي لغة العرب ، وفي رحلة ابن بطوطة وفي كتاب (تاريخ الأسطول العربي) ، وفي كتاب (الملاح العربي) ، وفي خطط المقريزي. وفي كتب ومجلات عديدة (3).
    مؤلفات العرب في علم البحار
    وكتاب المحيط
    مؤلفات العرب في الهيئة كثيرة. توغلوا في علومها وتفرعاتها ، وإن علم البحار يتناول الوجهة التطبيقية والعملية من هذا العلم مع اتصال بالجغرافية وبالتجارب الفعلية. وهذه مما يخص علم البحار.
    وكان الرئيس سيدي علي في رحلته قد مر بالهند ، وهناك رأى آثار العرب القديمة والحديثة في علم البحار ، فصرف أكبر همه في أن يعرف ما يقع نظره عليه ، أو تصل إليه يده مما يتعلق بالمحيط الهندي وما جاوره من بحار كالخليج الفارسي ، وبحر القلزم (البحر الأحمر) ، وسائر السواحل المتصلة أو كان مما يبحث في علم الأنواء ، أو أبعاد البحار أو حالات طبيعية وطرق ومد وجزر ورياح وتعيين جهات ... فظفر ببغيته ،
    __________________
    (1) كتاب أسفار بحريه عثمانية طبع سنة 1306 ه‍ للأستاذ محمد شكري مدرس التاريخ في مكتب البحرية.
    (2) قوانين الدواوين ص 339.
    (3) المقتطف ج 13 ص 505 وج 44 ص 401 وج 84 ص 62 وص 184.

    ونال رغبته. فنقل ذلك من كتب العرب ، وتكونت منها له مجموعة كبيرة سماها بـ (المحيط) كما سبقه پيري رئيس في (كتاب البحرية). وممن نقل آثارهم من مؤلفي العرب :
    1 ـ ابن ماجد :
    رئيس علم البحر وفاضله ، وأستاذ هذا الفن وكامله الشيخ شهاب الدين أحمد بن ماجد بن محمد بن عمر بن فضل بن دويك بن يوسف ابن حسن بن حسين بن أبي معلق السعدي المعقلي ، ابن أبي الركائب النجدي. ومن هنا نعلم أنه من أهل نهر معقل من البصرة .. وكان من أكابر علماء الفن ووالده كان من البحارة العلماء ، وكذا جده ...
    جاء ذكره في النص المنقول من البرق اليماني في الفتح العثماني وعلاقته بالبرتغال معلومة وتعين تاريخه.
    ومؤلفاته :
    (1) كتاب الفوائد في أصول البحر والقواعد. ألفه لركاب البحر ورؤسائه. ألفه سنة 880 ه‍.
    (2) حاوية الاختصار في أصول علم البحار. أرجوزة نظمها سنة 866 ه‍. وذكر فيها الرياح ومواعيدها ، والمنازل وما فيها من مصطلحات ، وأوضح عن المواسم وأوقاتها ، وذكر سواحل عديدة ، وعلاقة الفلك بأقطار عديدة والبلدان التي على سواحلها.
    (3) الذهبية. أرجوزة. وشرحها أيضا. ألفها في سلخ جمادى سنة 865 ه‍.
    (4) المعربة. أرجوزة أيضا.
    (5) أرجوزة في تعيين القبلة.

    (6) أرجوزة بر العرب في خليج فارس.
    (7 و 8 و 9 و 10 و 11 و 12 و 13) كلها أراجيز.
    (14) السبعية. ألفها سنة 896 ه‍ وجاء اسم مؤلفها في آخرها وهو ابن ماجد الموضوع البحث.
    (15) هادية المعالم.
    وهذه المجموعة من الرسائل والأراجيز جاءت في مجموعة خزانة باريس وطبعت بالزنك في مجلدين.
    (16) الميل. وجدت في مجموعة الدكتور داود الچلبي. وجاء فيها أن السبعية من مؤلفاته فتعين أنها لأحمد بن ماجد المذكور ، فزال الشك فيها. ولا عبرة بغلط الاسم.
    (17 و 18 و 19 و 20 و 21 و 22 و 23 و 24 و 25 و 26) وهذه كلها قصائد في أغراض بحرية مختلفة.
    ظفر الأستاذ سيدي علي رئيس بمؤلفاته فنقلها إلى التركية وجمعها في كتابه (محيط) ، وإن الغربيين استعانوا بآثاره ونقلوا (محيط) إلى اللغة الألمانية. فكانت الاستفادة عامة من كتب ابن ماجد.
    2 ـ ماجد بن محمد :
    وهذا من مشاهير البحريين العلماء وله من المؤلفات :
    (1) الأرجوزة الحجازية. وتتجاوز ألف بيت.
    3 ـ سليمان بن أحمد بن سليمان المهري المحمدي :
    لم نستطع أن نعين تاريخه ولا التعرف بمعاصريه.
    والملحوظ أنه لم يتعرض لذكر ابن ماجد ومؤلفاته بقبول أو ردّ. والظاهر أنه قبله. ومن مؤلفاته :

    (1) رسالة في علم التواريخ سماها (قلادة الشموس واستخراج قواعد الأسوس). في معرفة السنين المشهورة عند الجمهور القمرية ، والشمسية والرومية والقبطية والفارسية.
    (2) تحفة العقول في تمهيد الأصول. ذكر فيها أن له كتابا سماه (المنهاج) وشرح تحفة العقول أيضا. وهذا الكتاب في صفة الأفلاك والكواكب ، والمقاييس من درجة ، وأزوام ، وأصابع ، ودبان ومصطلحات أخرى.
    (3) العمدة المهرية في ضبط العلوم البحرية.
    يتناول موضوع هيئة وجغرافية مع بيان علاقتهما بعلم البحار ، والمواقيت ، وكذا الرياح ومواسمها بالنظر للمواطن التي يجري السفر فيها. وفيه السفر من جدة إلى عدن وهكذا يمضي في ذكر أسفار عديدة. والمؤلف لم يكتف بالمؤلفات العربية ، وإنما كان يعتمد على كتب الهند والعجم.
    (4) كتاب المنهاج الفاخر في علم البحر الزاخر :
    جامع لعلم البحور المعمورات. وفي كتابه (تحفة العقول في تمهيد الأصول) صرح أن المنهاج له.
    وهناك رسائل لم يعرف مؤلفوها جاءت في المجموعة البحرية طبعة باريس ، وكذا في مجموعة الأستاذ الدكتور داود الچلبي وهي مصورة.
    وهذه المجموعات من الآثار الجليلة المتعلقة بعلم البحار. ولها قيمتها. وفيها ما يكشف عن بعض الغموض عن هذا الفن الجليل. وباقي الرسائل في مجموعة الدكتور جاءت متأخرة ، وقريبة من عصرنا كما يفهم من تواريخها. فكانت مكملة لما في المجموعة الباريسية ...
    وفي مجموعة الدكتور كتاب (فكرة الهموم والغموم والعطر

    المشموم في العلم المبارك المقسوم والمسافات والنجوم) جاء وصفه في مخطوطات الموصل ، وفي لغة العرب ، ولم يعرف مؤلفه.
    والحاصل أن (سيدي علي رئيس) أخذ الكثير من هذه الرسائل القريبة من عصره وجمعها في كتابه (المحيط). واستفاد من اتجاه كتب العرب وترجم رسائلهم وجعلها من فصول كتابه لخدمة أمته لعلها تعود مرة أخرى. نقله إلى اللغة الألمانية الأستاذ هامر. وطبع ولم يطبع الأصل في تركيا. والأمل أنه لا يهمل.
    ولا شك أن الاستفادة من مؤلفات العرب كان نصيب الأقوام الآخرين انتفع منها الغربيون حتى تقدمت عندهم علوم البحار ، وتولدت السفن البخارية. ومن ثم تغيرت الوجهة تماما.
    وعلم البحار في هذا العصر يتصل بناحيتين إحداهما مؤلفات العرب من طريق بحارتهم وعلومهم ، وثانيتهما الهنود وما قاموا به. وأما الإيرانيون فقد كان لهم اتصال بالاثنين إلا أننا لم نقف لهم على آثار خاصة بعلوم البحار ، ولكن (كتب الهيئة) أو (علم الفلك) والتقاويم وتواريخ السنين وضبط يوم النوروز وما ماثل مما لها علاقة كبيرة به. فجاءت آثار العرب المذكورين مجموعة صحيحة في علم البحار ، ولكنهم تأثروا ببحارة إيران ومصطلحاتهم باللغة الفارسية ومصطلحات الهيئة الإيرانية كما تأثروا بالهنود أيضا ومصطلحاتهم عين مصطلحات الإيرانيين أو أغلب ما فيها. فلم يلتفت ابن ماجد والمهري إلى علوم العرب وحدها ، وإنما أخذوا بما عند غيرهم أيضا فجاء المجموع كاملا. ولو طبعت مجموعة الچلبي ، وكتاب فكرة الهموم المذكور لكملت المجموعة ، وتم المراد. ومن ثم نلاحظ تقدمات علم البحار عند الغرب واستفادته من العلوم الجديدة والمخترعات العصرية ، فنكون قد جمعنا بين المصطلح ، وتاريخ العلم ، وتطور الفن.



    هذا. والاستفادة من هذه المجموعات كبيرة في تقرير المصطلحات من أسماء السفن في الدولة العباسية وأساطيلها والأندلس وما كان فيه ، ومثلها ما جاء في الدول التالية في العراق وفي المملكة المصرية والتركية العثمانية.
    وابن ماجد اعتمد مؤلفين ومؤلفات عديدة ومهمة في الهئية وعلم البحار تتعلق بالأزمنة السابقة له. ولا مجال لنا أن نتوسع في بحثها. ومراجعة رسائله متيسرة.
    حوادث سنة 963 ه‍ ـ 1555 م
    عودة إلى أحوال الوالي
    إن أحوال هذا الوالي معلومة ، وإنه كان عاد من همذان اتباعا للأمر السلطاني ولكننا لم نسمع عنه شيئا بعد هذا. وفي سجل عثماني أنه عزل من إمارة بغداد سنة 968 ه‍ وأن ابنه محمود باشا كان واليا في الموصل. وأن خضر باشا خلفه في (سنة 968 ه‍). وهذا مخالف لما جاء في النصوص القديمة. ففي گلشن شعرا أن خضر باشا نصب واليا لبغداد سنة 963 ه‍ (1) كما أن صاحب مرآة الممالك عاد إلى بغداد بعد أسفاره البحرية وضياع سفنه وهلاك أكثر من كان معه فسار في طريق البر من الهند حتى وصل إلى بغداد في سلخ ربيع الآخر سنة 964 ه‍ فشاهد والي بغداد خضر باشا ونال منه أنواع اللطف والإعزاز ثم عاد إلى بلاد الروم (2). وفي هذا ما يؤيد أن الباشا المشار إليه قد عزل عام 963 ه‍ وحل محله خضر باشا ، فتمكن سيدي علي رئيس من ملاقاته.
    __________________
    (1) تذكرة عهدي البغدادي ص 82 وورد في كلشن خلفا إلا أنه لم تعين سنة نصبه ص 64 ـ 1.
    (2) مرآة الممالك ص 93.

    والي بغداد خضر باشا
    ولي هذا الوزير منصب الولاية سنة 963 ه‍ بالوجه المشروح. وذكر صاحب السجل أنه تخرج من البلاط وصار ميراخور ثم وجهت إليه إمارة إيالات عديدة منها بغداد وتوفي بعد سنة 975 ه‍ وكان معتدلا ، خاليا من الأطماع. كما في گلشن خلفا أيضا. وبين عهدي البغدادي عند الكلام على (حقيقي). قال إن أصل اسمه أي اسم حقيقي مصطفى بك بن عثمان باشا من أمراء (باشوات) السلطان سليمان ولد في بغداد. وكان ماهرا في اللغة الفارسية و (قول أغاسي) في بغداد إلا أنه لم يلتئم مع أمير أمراء بغداد خضر باشا الذي كان قد عين لمنصب بغداد سنة 963 ه‍ فترك الديار العراقية وذهب إلى بلاد الهند للسياحة وله شعر جيد في اللغة التركية ... وبهذا عرفنا تاريخ ولاية خضر باشا (1) ... ولما لم نقطع في حدود سني ولايته فمن المحتمل أنه ولي بغداد لمرتين إحداهما هذه والأخرى سنة 968 ه‍. وعلى كل نبهنا على الناحيتين إلى أن يظهر من النصوص ما يزيل الإبهام. ولا نعلم من خلفه في هذه المدة ...
    الطاعون في بغداد :
    في هذه السنة حدث الطاعون في بغداد والأنحاء العراقية. وفيه توفي الشاعر العراقي المشهور فضولي.
    فضولي البغدادي
    من أشهر شعراء الترك ، عراقي اسمه محمد بن سليمان البغدادي وأصله من قبيلة البيات القديمة السكنى في العراق (2) اكتسب الصيت في
    __________________
    (1) تذكرة عهدي البغدادي ص 81.
    (2) تاريخ العراق بين احتلالين ج 3.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4   موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Emptyالجمعة نوفمبر 01, 2024 4:26 pm

    بغداد فنسب إليها ويلقب عند العثمانيين بـ (رئيس الشعراء) كان ولا يزال من فحول الشعر ، مبدعا في نهجه الأدبي. ومكانته في الصف الأول ويعد الترك أكابر أدبائهم المؤسسين (سنان باشا) وفضولي. وله نحو خاص في نظمه ونثره لا يكاد يضارعه فيه أحد. واليوم نرى الترك لا يقدمون عليه أحدا.
    ولأدباء إيران في العراق مثل سلمان ساوجي ، وخواجو كرماني ، وعبيد زاكاني وحافظ ... تأثير كبير عليه ، وهو أيضا ذو ثقافة كاملة ، وفكر وقاد. والقطر مساعد على التفكير والتأمل يفيض عليه بإلهامه. فلا بدع أن ينبغ كما نبغ سابقوه في آدابهم ومناحي تربيتهم وثقافتهم. والأدب العراقي زاخر به وبأمثاله. وله في اللغة الإيرانية وآدابها المكانة المعروفة ، يحتل مركزا لائقا بين شعراء إيران وديوانه في لغتهم معروف ، متداول. وله شعر عربي أيضا.
    جاء في گلشن شعرا ما معناه :
    «مولانا فضولي البغدادي كامل بكمال المعرفة. فاضل بفنون الفضائل ، رقيق الطبع ، حلو الصحبة ، من أهل الحكمة في علم الحياة والأبدان ، ومن خدام شيوخ الطريقة. لا ند له في بلاغته في اللغات الثلاث ، قادر على صنوف الشعر ، وطراز المعميات ، ماهر في العروض ، وأسلوب إنشائه السلس يضاهي أستاذ العالم (خواجه جهان) ، وقصائده الفصيحة تضارع الخواجه سلمان ، وفي النحو المثنوي نرى مجنون ليلاه كالدر المكنون وله رسائل تركية وفارسية عديدة. ترجم روضة الشهداء للمولى حسين الواعظي وسماها (حديقة السعداء). تشهد أنه مبدع في أسلوبه ، وبرهان ساطع في اختراع معانيه ، وحدث عن السبك ولا حرج في صوغ كلماته ، فهي أشبه بحلة ذهبية اكتستها المعاني ، وأشعاره في العربية ذائعة بين فصحائها ، وأقواله مذكورة بين

    ترك المغول ، وديوانه الفارسي مقبول لدى أبناء الفرس ، وأشعاره التركية مقبولة عند ظرفاء الروم. توفي سنة 963 ه‍ بمرض الطاعون» ا ه. وأورد له جملة صالحة من الشعر التركي والفارسي ونقل له بيته المشهور :
    دوست بي پروا ، فلك بي رحم ، دوران بي سكون
    درد چوق ¬هم ¬درد يوق دشمن قوى طالع زبون

    نكتفي بإيراده ... ومعناه عاد الصديق الحميم لا يأبه ولا يبالي ، والفلك ليس له رأفة ، والدهر قاس دائب لا هوادة له ولا سكون. توالت العلل بكثرة ورمت المصائب بفداحة. لا مواسي بها ، والعدو قاهر متسلط ، قوي ولا مساعد ، ليس هناك حظ ، بل الطالع في ضعف ووهن. فأين المهرب. أو أين المفر. وهو كثيرا ما يتمثل به.
    ومن مطالعة كتابه حديقة السعداء وديوانه الفارسي والتركي يظهر أنه من نوع نسيمي ، ومن صنف الغلاة في التصوف أو في الابطان. ولا محل لاستقصاء ذلك فله موطن غير هذا.
    ومن مؤلفاته غير ما ذكر :
    1 ـ ديوان فارسي يحتوي على ثلاثين ألف بيت (كذا). منه نسخة مخطوطة كتبت ببغداد سنة 959 ه‍ في مكتبة المرادية. وأخرى في مكتبة خالص أفندي. ومطلعه جاء باللغة العربية :
    باسمك اللهم يا فتاح أبواب المنى
    يا غني الذات يا من فيه برهان الغنى

    وعندي ديوان فارسي له ناقص قليلا من الأول ومن الآخر. لا يبلغ ما ذكر من الأبيات.
    2 ـ ديوان عربي رآه لبيب أفندي صاحب الجواهر الملتقطة. منه نسخة في مكتبة لننغراد من متحف آسيا مهداة من ورشچن ، ضمن مجموعة تحوي الكثير من آثاره ، وبينها :

    1) شاه وكدا. فارسي.
    2) أنيس القلب. قصيدة فارسية.
    وديوانه العربي الموجود في هذه المجموعة المسماة (كليات فضولي) يحتوي على 465 بيتا ، وأطول قصيدة فيه 63 بيتا ، ولا يعرف ما إذا كانت هذه المجموعة تحتوي على جميع شعره العربي أو أن هناك غيرها.
    وهذه النسخة كانت قد دخلت في سلك ملك حسن كدخدا (كتخدا) في مدينة السلام بغداد سنة 997 ه‍ ..
    ويلاحظ في شعره العربي أنه أراد تبليغ فكرته إلى قراء العربية فكتب ما كتب ، وهو متأثر بنسيمي ، وأنه عارف بشعره أيضا (1).
    3 ـ رندا وزاهد. محاورة فارسية. جاء ذكرها في كشف الظنون.
    4 ـ صحة ومرض. مطبوعة وهي رواية يستنطق بها النفس والأمزجة والعوامل الروحية. كتبها بأسلوب حكيم. وهذه فارسية إلا أن ترجمتها إلى التركية مطبوعة ولم يذكر مترجمها.
    5 ـ مطلع الاعتقاد. في علم الكلام. (لم يعين محل وجوده). وكان يوضح وضعه في العقيدة ولكن يؤسف لعدم الاطلاع عليه.
    6 ـ ترجمة حديث الأربعين لملا جامي ترجمه من الفارسية (ذكره صاحب كشف الظنون).
    7 ـ ديوان تركي. طبع مرارا بطبعات مختلفة. والطبعة التي في تبريز مصدرة بمقدمة للمؤلف وأن النسخة الخطية التي عندي تعين مكانته وطريق نهجه ، وشعوره في شعره. هذا مع العلم بأن لغته آذرية وهي متمكنة في العراق ، وقريبة من التركية وقد سبقه نسيمي.
    __________________
    (1) راجع ترك ديلي مجلد 2 عدد 3 ـ 4 لسنة 1940.

    8 ـ حديقة السعداء. رأيت في مكتبة فاتح نسخة مصورة منها بتصاوير ملونة وهي برقم 4321 وبخط جميل ، فيها عناية زائدة كتبت سنة 1002 ه‍ ولم يعرف كاتبها ولا محل كتابتها وعندي مخطوطة كتبت سنة 998 ه‍ مجذولة بالذهب وهي أولها نقوش بديعة مزينة بأبدع زينة.
    9 ـ شكوى (شكايتنامه). كتب بها إلى نشانچى محمد باشا أبدع فيها غاية الإبداع في الصناعة الأدبية. وتلاعب بالبيان. أبرز نفسية فذة ، وأبدع إبداعا لا يسع القارىء إلا أن يميل إليه ، فهو الأديب الذي لا يبارى. ولو كان منتظم الفكرة لما سبقه سابق .. قال ذلك صاحب (نمونه أدبيات) وعده من الكرد.
    10 ـ پنك وباره. منظوم تركي. ذكره في كشف الظنون ولم يتعرض لوصفه.
    وديوانه التركي وكذا الفارسي لا نرى مجموعة عراقية فيها منتخبات الشعر الفارسي والتركي إلا وفيها مقطوعات أو مفردات منهما ، تأثر به شعراء كثيرون جدا ، وهو بمنزلة المتنبي في الشعر العربي وكثرة الاستشهاد. وكثيرا ما نرى ذكر شعر له ويتبعه غيره بقولهم (وله ، وله .. الخ) ..
    عندي نسخة مخطوطة من ديوانه التركي ليس لها تاريخ ولكنها أقدم من الطبعة التركية بلا ريب.
    11 ـ رسائل فضولي بالتركية. نشرها صديقنا الاستاذ عبد القادر قره خان باسم (فضولي مكثوبلري) بحروف لاتينية مع تصوير أصل الرسائل بحروفها العربية. طبعت سنة 1948 م باستنبول. وكانت عزيزة المنال فكشف بها الاستاذ صفحة عن حياة شاعرنا الكبير ، وهو مؤلف كتاب (فضولي) الأثر النفيس.
    ونرى ترجمة فضولي في كتب كثيرة. ومن الترك اليوم من أفرد له

    ترجمة بكتاب على حدة (1) ... وقد مر بنا ذكر علاقته بولاة بغداد وقضاتها وسائر رجال الدولة وبينهم من ضاع عنا خبره :
    1 ـ اياس پاشا والي بغداد.
    2 ـ محمد پاشا والي بغداد.
    3 ـ فتح الجزائر في البصرة.
    4 ـ قاضي بغداد السيد محمد.
    5 ـ السلطان سليمان.
    6 ـ جعفر بك.
    7 ـ قادر چلبي.
    8 ـ إبراهيم بك.
    9 ـ رستم پاشا.
    10 ـ ويسي بك.
    11 ـ السلطان إبراهيم. وغيرهم.
    ذكر هؤلاء يوضح الوقائع الموجودة في گلشن خلفا وكذا يساعد على ذلك گلشن شعرا. وهذا الديوان وگلشن شعرا من الوثائق الفريدة في بابها. ومن جهة أخرى يعين لنا مكانة اللغة التركية وآدابها في العراق ، وهو متمم لگلشن شعرا بل يعد من أهم المراجع.
    فضلي بن فضولي البغدادي :
    وفضلي هذا ابن سابقه. ونعته عهدي البغدادي بقوله :
    «صافي الذهن ، مستقيم الذكاء والطبع. لا يزال مشغولا في علوم
    __________________
    (1) كوبريلي فؤاد ، سليمان نظيف ، وهاشم ناهيد ، وعثمانلي مؤلفلري وغير هؤلاء.

    الظاهر ، معتزلا في زاوية بقناعة تامة ، أخذ بنواصي الشعر في اللغات الثلاث وله مهارة في المعمى ، وقدرة معجزة في التواريخ ، وأبيات عشقية فريدة جاذبة آخذة بمجامع القلوب. وأورد له أمثلة لا محل لإيرادها. والمفهوم أنه كان لا يزال حيا عند تحرير التذكرة (گلشن شعرا).
    ومن تذكرة عهدي البغدادي وتاريخ بناء جامع المرادية سنة 978 ه‍ أنه لا يزال حيا إلى هذه السنة والملحوظ أنه بقي إلى ما بعد وفاة عهدي البغدادي.
    والتراجم قليلة في بيان أحواله ، وقد تحرينا مراجع عديدة فلم نظفر ببغية في تاريخ وفاته.
    جاء في كتاب (دانشمندان آذربيجان ص 300 ما يؤيد أن هذا الشاعر استمرت حياته إلى ما بعد سنة 978 ه‍.
    أورد أبياتا بالغة التركية لفضلي في سنة 988 فأكتفي هنا بالإشارة إليها (1).
    رضائي :
    هو أخو عهدي البغدادي الأكبر. وله ميل طبيعي للنظم ، وقد صاحب أرباب الآداب ، ومال إلى الظرفاء والشعراء بكليته ... قضى أوقاته في التجارة والصناعة حتى توفي في هذه السنة (963 ه‍). سيرته فاضلة ، وصحبته طيبة ، وله أسلوب أدبي خاص. فريد في تزيين المجالس بأقواله ، ومعمياته ، وأما غزله فلا يباريه فيه أحد. وله شعر تركي وفارسي. وأورد له جملة أبيات (2).
    __________________
    (1) عن الملحق الرابع.
    (2) كلشن شعرا. عهدي البغدادي.

    حوادث سنة 964 ه‍ ـ 1556 م
    عودة سيدي علي رئيس إلى العراق
    في سلخ ربيع الآخر من هذه السنة عاد سيدي علي رئيس المشهور إلى العراق من طريق خراسان وشاهد والي بغداد آنئذ (خضر پاشا) كما صرح في كتابه مرآة الممالك. وأنه رأى منه رعاية زائدة. وكان بعد أن أصابته الضربة من البرتغال ومن الرياح العاصفة سار من طريق البر. تجول في بلاد الهند والترك ثم عاد إلى بغداد وقد ذكر قصته في كتابه (مرآة الممالك) وصل إلى جبال نهاوند ومنها جاء إلى جبل بيستون وورد الإمام قاسما وزاره ومنه مضى إلى (أويس القرني) ثم قصر شيرين ومنها إلى قلعة زنجير ومنها سار إلى (طقوز أولوم) المعروف بنهر ديالى ومنه إلى شهربان ثم بغداد ...
    رجوعه إلى بلاد الروم :
    إن الموما إليه غادر بغداد في أوائل جمادى الأولى سنة 964 ه‍ ومنها اجتاز الشط بعبوره في سفينة بعد أن زار المشاهد التي كان قد زارها أولا ثم سار من طريق سميكة ، وتكريت ـ الموصل وذهب من طريق الموصل القديمة والجزيرة إلى نصيبين ومر بديار بكر وماردين ، وهكذا مضى. وفي آمد لقي إسكندر پاشا ورأى منه لطفا ورعاية كبيرة. وباقي ما ذكره لا يخص العراق وهو مذكور في كتابه مرآة الممالك.
    ملحوظة :
    إن عهدي البغدادي ذكر سيدي علي رئيس في گلشن شعرا بعنوان (كاتبي أفندي) وأثنى عليه ثناء عاطرا من ناحية اتقانه لعلوم البحار وما يتعلق بذلك وأشار إلى ما أصابه في سفره من هول وأورد له بعض المنتخبات من شعره وعده من الطبقة العليا (1) ... وكان أديبا شاعرا ، له
    __________________
    (1) كلشن شعرا ص 306.

    قدرة على البيان فهو من أكابر رجال العلم والأدب ومن مؤلفاته مرآة الكائنات وهو كتاب جامع لربع المجيب والاسطرلاب وربع المقنطرة والجيب. وله (ترجمة فتحية) في الهيئة وسماها خلاصة الهيئة ، وأصلها رسالة للمولى علاء الدين علي بن محمد المعروف بالقوشجي المتوفى سنة 879 ه‍ ، ألفها للسلطان محمد الفاتح لما ذهب إلى محاربة السلطان حسن الطويل من آق قوينلو وكان معه في هذه الحرب والمترجم نقلها إلى التركية. وفي كشف الظنون شروح وحواش عليها.
    مر بنا الكلام على المترجم. ومؤلفاته. توفي سنة 970 ه‍ وفي عثمانلي مؤلفلري ترجمته وبيان مؤلفاته كما في ج 3 ص 270 وهناك تفصيل.
    حوادث سنة 969 ه‍ ـ 1561 م
    قضاء بغداد
    في ربيع الآخر من هذه السنة ولي قضاء بغداد دولگرزاده محمد أفندي وفي المحرم سنة 974 أحيل للتقاعد وتوفي سنة 977 ه‍. والمعروف أنه عالم فاضل وشاعر في التركية والعربية وخطاط كتب بخطه تفسير أبي السعود ، والتلويح ، والدرر الغرر (1).
    حوادث سنة 974 ه‍ ـ 1566 م
    الوالي اسكندر باشا
    ولي بغداد في هذه السنة (974 ه‍). وعزل الوالي السابق. وإن إسكندر باشا من الچراكسة من قبيلة قبارتاي. كان من مماليك خسرو باشا والي ديار بكر. تخرج وزادت رتبته حتى صار رئيس البوابين ، ثم رئيس الجاووشين ولما عزل من هذا المنصب عهدت إليه دفترية حلب
    __________________
    (1) سجل عثماني.

    وبعدها دفترية الأناضول. وهكذا حتى صار والي وان وهناك قام بخدمات جلى وأوقع خسائر كبيرة بالعجم. ثم نال إمارة الأناضول فهزم ابن الشاه. وفي سنة 958 ه‍ ولي ديار بكر وفي سنة 972 عزل منها.
    وفي سنة 974 ه‍ صار واليا على بغداد وأطاعته العشائر. وفي سنة 977 ه‍ صار واليا على مصر وبعد سنة ونصف عزل فورد الآستانة. توفي سنة 977 ه‍ ودفن في جامع قاكليجه وأنشأ بجوار هذا الجامع مدرسة وكتابا وحمامين وأنشأ ببغداد جامعا.
    وكان عاقلا ، كاملا ، صالحا ، عدلا شجاعا. وله ابن اسمه أحمد پاشا (1).
    نصب واليا قبل وفاة السلطان سليمان المتوفى في 21 صفر سنة 974 ه‍.
    حوادث سنة 975 ه‍ ـ 1567 م
    البصرة ـ ابن عليان
    كان الوالي إسكندر پاشا من حين ولي بغداد نصب قائدا إلى أطراف البصرة فظهرت له خدمات جلى هناك وذلك أن آل عليان في البصرة كانوا قد أذعنوا بالطاعة للحكومة قهرا ، وأن العشائر في أنحاء البصرة وبراريها من أقربائهم ، وفي تصرفهم بعض القرى والنواحي فكان ولاة بغداد والبصرة يقسون عليهم في التكاليف الشاقة التي لا تطاق. وقبل سنة 974 ه‍ ثاروا عليها مرارا بمن معهم من العشائر فأحدثوا أضرارا كبرى في الممالك المجاورة لهم مما يعود تصرفه للحكومة فسيرت عليهم الدولة ألفين من الينكچرية وما يكفي من المدفعية والعرباتية وجعل اسكندر پاشا قائد الحملة ومعه ولاة شهرزور والبصرة
    __________________
    (1) سجل عثماني ص 346.

    والأمراء الذين اختارهم من الأكراد ... جهزهم جميعا فتقدموا على تلك النواحي والقرى فأشعلوا فيها نيران النهب والغارة. وأطاعوا القائد قسرا وبنى هناك قلعة سميت (بالاسكندرية) ...
    ثم عاد ظافرا إلى بغداد وتفصيل الحادث كما جاء في تحفة الكبار في أسفار البحار :
    هو أن أنحاء واسط كانت ولا تزال تقطنها العشائر ، وأن (ابن عليان) يتولى رياستها منذ أمد ، وكان يبدي الطاعة للدولة مرة ، ويعصي أخرى ، وبعد جلوس السلطان سليم الثاني أظهر ابن عليان العصيان. وكان قد ولي بغداد اسكندر پاشا الجركسي الذي هو عارف بتلك الأنحاء ، كان أمير أمراء ديار بكر لمدة خمس عشرة سنة. فاختارته الدولة للقيام بهذه المهمة ، ودفع الغائلة التي قام بها ابن عليان ، وعهد إلى مظفر پاشا بإيالة (شهرزول) أو شهرزور فأمر أن يلحق به عسكر الأكراد ، وعهدت القبطانية إلى جانبولاد بك متصرف (كلس).
    وفي معبر الفرات عند پيره جك تداركت الحكومة 450 سفينة جعلتها أسطولا مائيا حسب الفرمان الصادر وجهزت ألفين من الينكچرية ، ومائتين من المدفعية ، كما أن الأمير المزبور جهز جيشا من العرب والأكراد هناك يبلغ ستة آلاف ليكون في هذه الحملة ، فوضعت المهمات والمعدات في السفن المذكورة ، وسارت في 4 المحرم سنة 975 ه‍ ـ 1567 م نهض الجيش والأسطول من پيره جك ، فوصل إلى (بالس) ، وبعد الاستراحة يوما أو يومين مضوا في طريقهم فمروا بـ (جعبر) ، و (الرقة) ، و (صفين) ، و (الرحبة) ، و (عانة) ، و (حديثة) ، و (هيت) ، و (الفلوجة). وفي الفلوجة هذه استراحوا بضعة أيام. ثم مضوا في طريقهم إلى الحلة وهناك أقاموا مدة شهرين للاستراحة بأمل أن يزول الحر ، ويحل زمن البرد.
    ومن جهة أخرى إن الوالي اسكندر پاشا كان قائد القوى البرية ،

    فنهض من بغداد أيضا وسار في طريقه للمحل المطلوب. أما الأسطول فقد تحرك من الحلة إلى لواء الرماحية والسماوة ، وفي طريقه مر بنهر (أبو كلبين) ، اجتاز من صدره ، ومن هناك مضوا حتى وصلوا إلى ملتقى النهرين (دجلة والفرات) ، جاؤوا إلى محل في رأس الجزائر يقال له (صدر الدار) ، والعشائر هناك حاولوا الدفاع ، واتخذوا متاريس ، ولكنهم حينما رأوا الأسطول تركوها ومضوا إلى جهتهم. وكانوا قد ذهبوا إلى جزائر الشلب في أسفل من هذه.
    ومن ثم اجتاز الجيش بسهولة ، ولم يدخل حربا. فاتصلوا حينئذ بجيش اسكندر پاشا قرب قلعة (زرتوك) ، وهناك وافت نحو 150 سفينة فالتحقت بالأسطول أيضا أتت من بغداد من طريق (دجلة) ، ومن هناك مضوا إلى الداخل إلى (صدر الدار) ، وبنو قلعتين متقابلين في كل جانب ووضعوا بهما قوة ، ثم مضوا إلى قرب (زرتوك) فبنوا قلعتين أخريين كل واحدة بجانب وهكذا مضوا إلى جزيرة مشهورة يقال لها (صدر البحران) ، وهناك تجمعت الجيوش العربية ووضعوا المتاريس فيها ، ومن ثم وبلا توقف باشروا الحرب ، ومن قواد الجيش (جانبولاد) تمكن من الوصول إلى الساحل ، هاجم هؤلاء ببسالة ، فكان إقدامه مشكورا مما أدى إلى انتصاره وتبعثر جيش العرب ، وقتل منهم ما لا يعد من النفوس. وكذا مات في هذه الحرب جملة من رجال الترك المشاهير. وبعد أن تمت الهزيمة بنيت قلاع متقابلة أيضا. وفي هذه المواطن لا يظهر البرد وفي أكثر الجزائر نشاهد القلاع مبنية مثل هذه. ولكن الحرب لم تنقطع مع العرب بل بقيت مستمرة ، لا هوادة فيها. ولما كانت عيشة العشائر على النخيل ، وما يتحصل منها ، اضطرت القوة إلى قطع هذه النخيل جميعها ، وبذلك أذعنوا وقدموا الطاعة فأظهروا أنهم يسالمون الحكومة ، ولكن لا ثبات في أقوالهم ، فلم يلتفت إلى ذلك. وكأنهم في ذلك يحاولون القضاء عليهم.

    كانت الهجومات والحروب تتكرر بعد ذلك من الطرفين ووقعت حروب دامية جدا ، فانفل جيش العرب ، وقتل أكثرهم. ولما تمت القلاع تأهب الجيش للوصول إلى ابن عليان للحرب وحينئذ جاء ابن أخيه يرجو الصلح ، والمفتي هناك (محمد الحارث) جاء معه أيضا ، وفي الديوان المنعقد من جانب اسكندر باشا طلبوا ذلك فخلع عليهم الباشا بخلع ثمينة ، وفي الديوان الثاني (الجلسة الأخرى) قيل لهم إن ابن عليان إذا كان صادقا في طلب الصلح وجب عليه أن يؤدي في كل سنة لخزانة البصرة خمسة عشر ألف دينار ذهبا ، وأن يترك رهائن في البصرة جملة من أولاد الشيوخ ، فقبل السفراء ذلك وذهبوا. وبهذا تم تسخير الجزائر جملة ، ونهض الجيش والأسطول من هناك فوصل إلى المحل المسمى (صاعبة) ، فجاء حينئذ أخو ابن عليان مير سلطان بخمسين سفينة فأظهر الطاعة والانقياد ، وفي هذا المحل وافى أسطول البصرة المتكون من تسعة أغربة مع علي باشا فالتقوا هناك ، فنزلوا قلعة (فتحية) ، ومن ثم جاء السردار من البر وكذا وافى شيوخ الجزائر ورؤساؤهم إلى الباشا ، وأعطوا الرهائن ، وأطاعوا ولكن عرب (نهر الطويل) مقابل قلعة الرحمانية لا يزالون على عنادهم وتصلبهم ، ولم يلبوا الدعوة ، وأن رئيسهم (فضل) لم يأت إلى الوزير ليبدي طاعته. ومن ثم سارت إليه الجيوش ، وطالت المحاربات معه نحو خمسة أيام ، فهلك من العربان هناك ما لا يحصى ، وتشتت الآخرون فانتهب الجيش عيالهم وأموالهم ، وأحرق قراهم ، وقطع أشجارهم (نخيلهم).
    وفي محل اجتماع ثلاثة أنهر بنيت قلعة ، وقطعت المياه عنهم. ومن ثم أعطى لواء بواب إلى مير سلطان. وفي أوائل رمضان عاد الأسطول إلى بغداد ، وأذن للجيش بالإجازة (1) ...
    __________________
    (1) تحفة الكبار ص 85.

    هذا ما قاله كاتب چلبي ، ولم نر هذا التفصيل في غيره ، ولكن من المؤسف أننا لم نعلم العشائر الموجودة آنئذ ، ولم نقف على أخبارها منه ، كما أنه عد هذه الوقعة من الوقائع البحرية ، وهي أول تجربة للأنهر استعان بها الجيش للقضاء على غائلة العشائر ، وأبدى أن المحاربة النهرية لم تكن خارجة عن (أسفار البحار) ، وقد تدعو الحاجة أن تتكرر أمثالها ، وسمى هذه الجزائر بـ (جزائر شط العرب) (1) ومن ثم نعلم أن الجيش استفاد من الأنهر لدفع الغوائل الداخلية والقضاء عليها ، فربح القضية من هذه الطريقة ولكن لم يكن ربحا حقيقيا فقد رأوا من العرب ما رأوا ... وابن عليان هذا من أمراء طيىء.
    سبق في تاريخ العراق ذكر ابن عليان من أمراء الجزائر وأنه من طيىء القبيلة المعروفة ، ولم تتغير سلطة آل عليان إلى تلك الأيام (2).
    في مجموعة مخطوطة في (خزانة جامع الخلاني) أن الوالي اسكندر باشا كتب كتاب تهديد إلى الأمير علي ومحمد بن الحارث وجعفر الدجيلي وسائر مشايخ (معوية) كذا يحذرهم بطش الدولة وعواقب العصيان ، فأجابوا أنهم مستعدون للحرب ، لا يهابون احدا وليس في الكتابين تاريخ.
    شمسي البغدادي :
    لم يعين تاريخ وفاته بالضبط إلا أنه توفي بعد سنة 975 ه‍ فإنه في هذا التاريخ كان حيا وقد ترجمه ابنه عهدي البغدادي فقال :
    «من أهل العلم ، ووالد راقم هذه الحروف (عهدي البغدادي)
    __________________
    (1) تحفة الكبار في أسفار البحار ص 83 ـ 85.
    (2) تاريخ العراق بين احتلالين ج 3.

    مشغول ليل نهار بالمطالعة للكتب المتداولة ... واختار القناعة فاعتزل الخلق ، وصار يدعو للسلطان بالعز والرفعة ونظم باسم السلطان ثلاثة دواوين على بحر المثنوي. وكل منها مقبول لدى فصحاء العصر ، وفاق به فحول الشعراء ، وله قصائد في نعت الرسول والأئمة الكرام. وله ديوان في الغزل معتبر عند أصحاب العرفان. وكان ممن ملك أزمة البلاغة فانقاد له البيان. وصار يعد في مقدمة الأدباء الأفذاذ ...» اه وأورد له بعض المقطوعات الشعرية في الفارسية والتركية ، منها :
    منجم گر شمارد اختران دائم رقم گيرد
    أگر روى ترا بيند حساب از ماه كم گيرد

    وگرحسن¬خطت¬را خوش¬نويسى در نظر آرد
    محالست اينكه أزحيرت دگر دستش قلم گيرد

    إلى أن يقول :
    سيه چشمان بغدادي بشمسي رهنمون گشتد
    كه در ملك عرب سازد وطن ترك وعجم گيرد

    ومعناه : أن المنجم أو الفلكي المنهمك بحساب النجوم والمتوغل في تعدادها دائما ، لو رأى طلعتك لما تمكن من الحساب ولغلط حتى في البدر وعده ناقصا. ولو أن الخطاط المتقن الخط شاهد خط محياك لاستحال عليه أن يمسك بالقلم لما أصابه من حيرة وذهول. إلى أن يقول : إن سود الحدق من البغداديين (يريد العرب الموصوفين بنجل العيون) اهتدوا بشمسي الذي اتخذ بلاد العرب وطنا له في حين أنه من الترك وصار يقتنص العجم.
    وقد رأيت له ديوانا باللغة الفارسية في مكتبة كوپريلي قسم الأدبيات رقم 294 سماه (منظر الأبرار) في مجلد واحد بين فيه أنه مغرم بالآداب الصوفية وعاشق لها ... ويرى أنه ممن تخرج بنظامي وسار على آدابه ... أوله :


    بسم الله الرحمن الرحيم
    مطلع پرنو نور كلام قديم




    هر كه از وگفت أزل كام يافت
    دست بهر كار زد اتمام يافت

    وفيه مقالات يتخللها حكايات عن الصالحين وغيرهم وفيها ما يتعلق ببغداد. وفي خاتمته يذكر اسمه .. وهو بخط ابنه عهدي كتبه في جمادى الأولى سنة 975 وختمه عهدي بهذا البيت :
    دستم بزير خاك چو خواهد شد تباه
    بارى بيادگار بماند خط سياه

    والكتاب من موقوفات الحاج أحمد ابن الوزير الأعظم نعمان وقد نسب لعهدي غلطا. وعلى كل مواضيعه تنبىء عن قيمة الرجل ودرجة علمه في إيراده الحكايات عن بغداد وأمرائها وغيرهم ... وخط عهدي تعليق جميل ويعد بهذا خطاطا ولم يشر ابنه إلى أن والده قد توفي فالظاهر أنه حي إلى ذلك العهد ...
    وأولاد شمسي وأقاربه :
    1 ـ عهدي ابنه.
    2 ـ رضائي ابنه الكبير. مر ذكره.
    3 ـ مرادي ابنه الصغير.
    وهم من الشعراء ولهم بعض المختارات.
    4 ـ رندي البغدادي ابن أخي شمسي. ونظمه مقبول.
    5 ـ عبد الملك البغدادي أبو شمسي.
    6 ـ محمد بن عبد الملك المذكور.
    وعلى كل إن المترجم والد عهدي. وهذا صهر نظمي البغدادي

    والاتصال العائلي موجود وأسرته جماعة ومنهم من مر القول فيه ومنهم من سيأتي الكلام عليه في حينه.
    الوالي مراد باشا :
    ثم عهد إيالة بغداد إلى مراد باشا. وهذا لم يبين عنه صاحب گلشن خلفا سوى بناء الجامع المعروف باسمه. وكأنه جاء بهذه المهمة فأتمها كما أتم منارة جامع الكاظمين ، وذهب.
    حوادث سنة 977 ه‍ ـ 1569 م
    كتاب من الآستانة
    ورد في هذه السنة كتاب من استانبول مؤرخ في 22 شوال سنة 977 إلى والي بغداد في أنه كان قد ورد كتاب الوالي مخبرا أن الأمن والأمان على نصابهما ، وأنه ساع في تحصيل الأموال الأميرية وتوفيرها في حين أن الخزانة العامة الآن في ضرورة إلى المال الوافر سوى أنه من أهم الأمور الحاجة إلى ملح البارود فإذا وصل إليكم الأمر فالسرعة السرعة في إرسال مقدار ثلاثة آلاف قنطار منه ولزوم تحميله على الإبل وإيصاله بهمة زائدة ..
    وفي هذا ما يعين الحالة والعلاقة معا (1).
    حوادث سنة 978 ه‍ ـ 1570 م
    جامع المرادية
    بنى الوالي هذا الجامع وأجرى له الاحتفال. عمر في محلة الميدان وقد أرخه الشاعر فضلي (2) ابن الشاعر فضولي فقال :
    __________________
    (1) تاريخ أنجمني مجموعة سي عدد (2) ص 69.
    (2) مر الكلام عليه عند ذكر والده فضولي.




    سلطان جوان بخت سليم أول شه عادل
    كم در كهنك خادميدر چرخ معلا

    أول سرور إسلام خداوند ممالك
    داراى عبادتكه دين وملجأ دنيا

    بغداده بر أهل كرمى ايلدى والى
    كم قلدى انوك همتى بو مسجد انشا

    پاشاى فلك قدر مراد اولكه أزلدن
    لطف ايتمش اكا عز وعلا حضرة مولى

    فضلى¬ديدى¬بو مسجد ايچون صدقله تاريخ
    كل مسجده اي پاك مراد ايله تمنى

    وذلك سنة 978 ه‍. والملحوظ أن هذه التعميرات كانت من مالية الوقف وكانت تصرف على المساجد وسائر الأعمال الخيرية. وبهذه التسميات الجديدة تغيرت معالم الأوقاف القديمة ولم يعد يعرف ما كان هناك من مساجد وما كان أصلها لنعرف الصلة بالماضي ومؤسساته. والغاية في الحقيقة مصروفة إلى إزالة تلك المعالم وإظهارها بشكل عليه طابع القوم. وإن الجامع المذكور لا يزال معروفا بهذا الاسم إلى الآن. فيسمى بجامع المرادية (1) ...
    وقد أوضحت عنه في كتاب المعاهد الخيرية. وذكرت ما لحقه من تعميرات وما جاء من شعر في تاريخه نطق به فضلي بن فضولي البغدادي فكان التعليق في تاريخ مساجد بغداد غير صحيح لظن المعلق أن فضولي وفضلي واحد (2).
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 65 ـ 1 ورحلة أوليا جلبي ج 4 ص 419.
    (2) تاريخ مساجد بغداد ص 64.

    جامع الكاظمية :
    في هذه السنة تمت منارة هذا الجامع وبذلك تم بناؤه في سنة 978 ه‍. وكان في 6 ربيع الثاني سنة 926 ه‍ قد أتم عمارة مشهد الشاه إسماعيل الصفوي ، ولم يتعين لنا تاريخ بناء الجامع وإتمامه أيام السلطان سليمان ولقد استمر إلى أيام السلطان سليم ، فتمت منارته أيام هذا الأخير. ينطق تاريخها بذلك بلسان الشاعر فضلي ابن الشاعر فضولي البغدادي. وما جاء في تاريخ مساجد بغداد مغلوط في التاريخ ، وفي الأعلام والألفاظ. أوضحنا ذلك في كتابنا (المعاهد الخيرية). وجاء التاريخ : (أولدى بو جانفزا مناره تمام) في بناء المنارة سنة 978 ه‍ (1).
    ولم يرد لهذه التعميرات ذكر في گلشن خلفا.
    الوالي علي باشا الصوفي :
    ثم آلت إدارة بغداد إلى الوالي علي باشا الصوفي. وجاء في سجل عثماني أنه وليها عام 977 ه‍. وهذا لا يأتلف مع تاريخ بناء جامع المرادية أيام سلفه والظاهر أنه سنة 978 ه‍. وذلك بعد بناء الجامع ، أو أن هذا تاريخ التعيين لا الدوام في المنصب. وقال عنه إنه توفي سنة 979 ه‍ وهو من أهالي بوسنة ، تخرج في البلاط الملكي ، وصار متصرفا في بعض الألوية ثم صار مربيا للشهزادة السلطان سليم وتقلب في عدة إمارات وقضى مدة في معية الشهزادة السلطان سليم وأرسل سفيرا إلى إيران وبعد عودته ولي مصر سنة 971 ه‍ وفي سنة 973 ه‍ عزل ثم صار أمير أمراء بغداد وكان عدلا مجتنبا الأطماع ، صالحا ، دينا (2). وگلشن
    __________________
    (1) تاريخ مساجد بغداد وآثارها ص 118.
    (2) سجل عثماني ص 500.

    خلفا لم يذكر شيئا من وقائعه وإنما بين أنه ولي بعد مراد باشا ووقف عند ذلك.
    الوالي حسين باشا :
    قال عنه صاحب گلشن أنه پتور حسين باشا ولي بعد علي باشا الصوفي ، وقال عنه صاحب سجل عثماني إنه من أهالي هرسك وهو (بودور حسين باشا) تربى في البلاط وصار مير لواء ثم صار أمير أمراء بودين وفي سنة 979 ه‍ ولي بغداد وفي سنة 981 ه‍ صار أمير أمراء مصر وتقلد مناصب أخرى وتوفي بعد سنة 1003 ه‍ وهو مائل للعدل ، مبتعد عن الظلم ، رافع للبدع. وبنى جامعا في پراجه (1) ...» ا ه ونعته في گلشن خلفا بأنه كان رافع البدع وجامع الطرفين. ولم يزد على ذلك (2).
    الوالي عبد الرحمن باشا :
    ولي بغداد سنة 981 على ما جاء في سجل عثماني (3) وقال عنه : «كان عالما ، ثم صار تذكرجي لرستم باشا ، وبعدها نال دفترية مصر ، ثم تيمار روم ايلي وإثر ذلك وجهت إليه إمارة بروسه ، ومرعش. وفي سنة 981 ه‍ حصل على منصب بغداد وانفصل عنه عام 982 ه‍ ثم توفي» ا ه. وجاء عنه في گلشن خلفا أنه معروف بتصلبه وخشونته فشاع بين الناس بـ (عدو الرحمن). نال الولاية من طريق الكتابة والتحرير. وكانت وفاته ببغداد» ا ه (4).
    __________________
    (1) سجل عثماني ج 3 ص 185.
    (2) كلشن خلفا ص 65 ـ 1.
    (3) ص 312.
    (4) كلشن خلفا ص 65 ـ 1.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4   موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Emptyالجمعة نوفمبر 01, 2024 4:27 pm

    حوادث سنة 982 ه‍ 1574 م
    الوالي علي باشا الدرويش
    ولي بغداد سنة 982 ه‍. وهذا الوالي كانت عهدت إليه إدارة الأحساء وولاية البصرة ثم وجهت إليه ايالة بغداد ، ومات فيها. والظاهر أنه توفي في سنته كما يفهم من تاريخ من أتى بعده.
    الوالي الوند زاده علي باشا
    نشأ في سلك الأمراء وولي بغداد سنة 982 ه‍ إثر جلوس السلطان مراد الثالث. وانفصل عنها سنة 995 ه‍ (1). ثم ولي إدارة نجد والأحساء وفي سنة 1001 ه‍ انفصل من هناك وسكن حلبا وفي ربيع الآخر سنة 1007 ه‍ (2) ولي بغداد أيضا ، وبعد شهرين في جمادى الثانية توفي ونقل نعشه إلى حلب وكان شيخا جليلا من أهل الثمانين. (كذا في سجل عثماني) (3). والمستفاد من گلشن خلفا أنه أورده في حوادث سنة 984 ه‍. ولكنه نسب إليه من الحوادث ما جرى سنة 982 ه‍. وقال صاحب گلشن إنه إثر وروده وبأمر من السلطان مراد الثالث عمر جامع الحسين رضي الله عنه سنة 984 ومرقده المبارك سنة 991 ه‍ ومنارته سنة 982 ه‍ كما أنه عمَّر جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني رحمه الله ... ويستفاد من نص گلشن خلفا أنه ولي بغداد سنة 991 ه‍ ودام فيها إلى سنة 995 ه‍ ... وليس بصواب بالنظر لتاريخ بناء المنارة.
    وهذه المنارة وتعرف بمنارة العبد هدمت قبل بضع سنوات أي قبل الحرب العالمية الثانية في سنة 1356 ه‍ ـ سنة 1937 م ـ ولم يبق لها
    __________________
    (1) وما جاء في سجل عثماني من أنه ولي سنة 999 ه‍ فإنه يخالف صراحة كلشن خلفا مما لا يقبل الريب.
    (2) الظاهر سنة 1006.
    (3) سجل عثماني ص 504.

    أثر ، وكانت منارة بيضاء بلا كاشي ، بنيت في الجهة اليسرى من نفس الحضرة.
    والحاصل أن الوقائع لم تردنا مطردة. وعلى كل ندون ما جرى على ترتيب السنين بقدر ما نتمكن من تدوينه على أن ما ذكره الغرابي في تاريخه يدعو للالتفات فيما يخص جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني.
    حوادث سنة 985 ه‍ ـ 1577 م
    حسيني البغدادي
    في هذه السنة توفي حسيني البغدادي ، وإن الموما إليه كان آباؤه وأجداده من أعيان بغداد ، وحصل هو أيضا على مكانة وغنى ... إلا أنه مال إلى التصوف واختار العزلة فقطع العلاقة مع الأمور الدنيوية فتجول كثيرا في الأقطار فاختل عقله. وكان قد نظم في اللغتين الفارسية والتركية وصف بها الجمال والحسن بأجلى بيان فهو من الشعراء المشاهير ذكره عهدي وأورد له بعض الأشعار والرباعيات الفارسية والتركية (1) ...
    ومن هذه الترجمة وغيرها يظهر أن عهدي البغدادي قد زاد في گلشن شعرا بعد أن أتمه في سنة 971 ه‍ فمضى به إلى هذا التاريخ.
    حوادث سنة 991 ه‍ ـ 1583 م
    عمارة مرقد الحسين (رض) وجامعه
    في هذه السنة عمر الوالي مرقد الحسين رضي الله عنه وجامعه. وقد مرت الإشارة إلى ذلك. وذكرت التفصيلات في (كتاب المعاهد الخيرية). وفي كتاب (تاريخ جغرافياي كربلاي معلى) الفارسي بعض التوضيح.
    __________________
    (1) كلشن شعرا ـ عهدي ص 156.

    حوادث سنة 992 ه‍ ـ 1584 م
    جاء في كشف الظنون أن الوالي علي باشا غزا المولى سجادا المشعشع في هذه السنة ، فكتب نيازي الشاعر كتابا في غزواته باسم (هزنامه علي باشا) ويسمى (ظفرنامه). والولي سجاد ابن السيد بدران. ولي سنة 948 ه‍ فأخرجه منها السيد مبارك بن مطلب بن بدران. وتوفي سنة 1025 ه‍ ـ وقيل سنة 1026 ه‍ (1).
    حوادث سنة 993 ه‍ ـ 1585 م
    دفترية عالي أفندي في بغداد
    في أواخر هذه السنة نال عالي أفندي دفترية بغداد. وهو أديب كامل ومؤرخ فاضل ، صاحب تاريخ (كنه الأخبار) في مجلدات بعضها لا يزال مخطوطا ، وله (كتاب مناقب هنروران) وفيه بيان عن الخطوط والخطاطين وهو أيضا من مشاهير الخطاطين وأمثال هؤلاء الفضلاء تأثروا بالقطر وثقافته والأدلة على ذلك عديدة. ومؤلفاته كثيرة والمطبوع منها (فصول الحل والعقد وأصول الخرج والنقد) ولم يذكر فيه اسم مؤلفه دامت مدة بقائه في الدفترية إلى سنة 994 ه‍ فعزل من بغداد. توفي سنة 1008 ه‍. وترجمه ابن الأمين محمود كمال بك بترجمة ضافية في كتاب مناقب هنروران. وابن الأمين كان مدير متحف الأوقاف الإسلامية في استانبول رأيته هناك سنة 1934 م ، أديب فاضل وله آثار كثيرة. وعالي أفندي عرفنا بخطاطين عراقيين في كتابه مناقب هنروران ، وفي أوليا چلبي ذكر له بيتين في نخيل بغداد (2). والموما إليه تأثر كثيرا بالعراق وكتابه وأدبائه ، ونقل الخط ورجاله ودواوين شعرائه وعرف بهم وهكذا فعل في الممالك الأخرى مما زاد في الثقافة التركية وأضاف إليها آدابا جديدة ...
    __________________
    (1) پانصد ساله خوزستان ص 66 وكشف الظنون.
    (2) أوليا جلبي ج 4 ص 430.

    حوادث سنة 995 ه‍ ـ 1586 م
    الوالي جغاله زاده سنان باشا
    ولي بغداد وقيادتها للمرة الأولى في هذه السنة. وهذا هو المعروف بـ (سنان باشا) واسمه الأصلي (يوسف). كان قد جاء بجيش عظيم ... وإثر وصوله سار إلى محاربة العجم في أنحاء (چمچمال) فساق الجيوش إليها وافتتح قلعتي (بيلور) و (ناور) (1) فانتصر على العجم وعاد ظافرا ...
    حوادث سنة 996 ه‍ ـ 1587 م
    دسفول ـ نهاوند
    وفي هذه السنة استولى الوالي سنان باشا على دسفول فافتتحها. ثم مضى إلى نهاوند فاكتسحها وكانت هذه عاصمة الشاهات. وبعد أن استولى عليها عهد بمنصبها إلى كتخداه محمد باشا وعين لها المهمات والمستحفظين ... وتوجه نحو همذان ونكل بجيوش العجم كثيرا ودمرهم فعاد إلى بغداد (2) ...
    وجاء في (عالم آراي) أن چغاله زاده أمير أمراء بغداد ساق جيشا إلى نهاوند وسلب ونهب ، وسحب كثيرا من القبائل والعشائر في عليشكر (قطر معروف) إلى جبال اللر فأسكنهم فيها. فأظهر (شاه ويردى) طاعته لحكومة الروم (العثمانيين) والاتصال بولاة بغداد. ولما تصالحت إيران مع العثمانيين بقي شاه ويردى على حياله ولكنه أبدى الطاعة لإيران ولم يترك بابا من أبواب الحيل إلا ولجه ، وآماله مصروفة إلى أن ينال حكومة إيران يوما ... هكذا كانت تحدثه نفسه ...
    __________________
    (1) الاختلاف بين النسخة المطبوعة والمخطوطة في هذين العلمين في كلشن خلفا ظاهر ففي المطبوعة كما ذكر وفي المخطوطة جاء (بيلور) و (تادده).
    (2) ديوان روحي البغدادي ص 13.

    جامع الكيلاني ـ تعميراته :
    كان هذا الجامع في الأصل مدرسة لأستاذه أبي سعيد المخرمي. يقع في محلة باب الأزج. ولكثرة الاتصال بهذا الجامع صارت المحلة تدعى بمحلة الشيخ أو محلة (باب الشيخ). ومنارته البيضاء موجودة من أيام السلطان سليمان القانوني. وقد مر الكلام على تعمير قبة الشيخ عبد القادر الكيلاني.
    ومن أعمال الوالي سنان باشا تعمير (جامع الشيخ) ، ودار السبيل للحضرة الگيلانية ذكر ذلك روحي البغدادي في ديوانه وبين تاريخا لذلك قال :
    «جامع أهل دعا جشمه آب حيات».
    قال الغرابي في تاريخه :
    «وبعده أسس سنان باشا بحذاء القبة ـ قبة الشيخ عبد القادر الكيلاني ـ جامعا ولم يتفق له إكماله ، وإنما بنى منه مقدار ثلثه ، وبعد مضي سنوات كمله والي بغداد علي باشا الوند في العقد التاسع من المائة العاشرة ...» ا ه.
    وهذا النص يخالف ما في گلشن خلفا ، ومن غيره تعين لنا أن التاريخ عن الولاة غير متقن ولا مضبوط.
    طال أمد تعمير هذا الجامع حتى ظهر بهذه العظمة. فإن قبة المصلى كبيرة جدا لا يوازيها في الأقطار التي رأيتها ما هو بعظمتها وسعتها وجليل بنائها. ويقال إن باطنها قد ملىء تبنا وعوض به عن معتمد أو مستند للبنائين في صنع تلك القبة وبنائها دون استخدام (الصقالة) أو (السكلة).
    حوى هذا الجامع ريازة معتبرة كما أنه جمع خطوط خطاطين

    تصلح أن تعد نموذجا لخطاطينا عدا التزويقات والنقوش ...
    وفي الجامع اليوم مدرستان. ويطول الكلام الآن في التوضيح.
    وقد فصلنا القول فيه في كتاب (المعاهد الخيرية).
    الطريقة القادرية
    تكية الشيخ عبد القادر الكيلاني غير منفكة عن الجامع ، وإن الدراويش يسكنون الجامع في حجر خاصة ، وتاريخ تكونها قديم يرجع إلى تاريخ تكون الطريقة. فهما متلازمان.
    والشيخ عبد القادر الكيلاني كان ورد العراق شابا ، وأخذ العلم من مشاهير علماء بغداد. ومن أشهرهم المخرمي صاحب مدرسة باب الأزج وكان أكثر اتصالا به ، واشتهر بالوعظ كما عرف بالزهد والتقوى ، فصار من العلماء المعروفين ، والوعاظ المقبولين ، خلف أستاذه في التدريس بمدرسته فمالت إليه القلوب ، ولهج به الناس ، وحصل على الثقة من كافة الطبقات ، ويعد سلوكه المرضي ، وزهده وصلاحه (طريقة) ، عرفت أخيرا بـ (الطريقة القادرية) ونهجها اتباع الكتاب الكريم والحديث الشريف.
    وهكذا مال القوم من قديم الزمان إلى أهل الصلاح والتقوى ، بحيث صار الناس يقتدون بهم في زهدهم وصلاحهم ، بل روعيت كافة أعمالهم الدينية ، وتعبداتهم ، فاتخذت نهجا لما نالوه من منزلة مقبولة في النفوس ، فصار ذلك منشأ الطرائق ... ومنها هذه.
    عاصر حضرة الشيخ عبد القادر جماعة من الزهاد الأكابر ... ثم دخل كثيرون من أرباب الزيغ من غلاة التصوف هذه الطريقة ، فأفسدوا الكثير منها ولم يعهد أن ذم أحد الزهد والصلاح والتقوى إلا أن دخول أهل الابطان بين صفوفهم أخرجهم عن نهجم ، وجعلهم (فلاسفة) من

    رجال (الأفلاطونية الحديثة) لا من رجال العبادة والتقوى. والبر معروف ، والفاجر كذلك. ولم ينجح الغلاة في التدخل بهذه الطريقة.
    نالت هذه الطريقة رغبة لما عرفت بالصلاح والزهد ، ولم يدخلها الغلو المعروف عن الكثيرين من المتصوفة ، فلم تعهد فيها النزعة القائلة بالوحدة ، أو بالاتحاد ، والحلول ، بل لم يتمكنوا منها ... ونتناول هنا ما قامت عليه من أصول الزهد والصلاح ...
    كان الشيخ عبد القادر عرف بالصلاح ، وذاعت آثاره ، وانتشرت في الأقطار ومن كتبه (الغنية) ، و (فتوح الغيب) ، وجاءت ترجمته في كتب عديدة ، وبينها ما خلص لذكر مناقبه في الزهد والتقوى وأنه كان مدرسا معروفا ، زاول التدريس والوعظ في مدرسة شيخه المخرمي ، وكان من علماء السلف ، حنبلي المذهب ، وكذلك كان خلفه الشيخ عبد القادر ...
    ويهمنا أكثر من كراماته ، وما ينسب إليه من خوارق أمر صلاحه وتقواه ، وحوادث وعظه ونصيحته للمسلمين ، فإن تلك اعتادتها الطوائف لإكبار صاحب طريقتها أو نحلتها ... وما قيمة من يمشي على الماء ، أو يطير في الهواء ، ولا يذعن لقدرته تعالى وطاعته بل يدعي ما انفرد به الواحد الأحد ، ويحاول أن يزاحم الباري في قدرته. فجل ما يصلح أن يكون قدوة للمسلمين التزام الشرع ، وما أوصى بمقتضاه ، وخلصت عقيدته فوافقت القرآن ، ولم تخرج عليه قيد شعرة ، بل إن حسن العقيدة والسلوك المقبول إنما يكون في متابعة أوامر الله ، وما قرره في كتابه العظيم من اجتناب نواهيه. وهذه هي سبيل المؤمنين ، وطريق المسلمين الصالحين المتقين ، ويشتركون في اتباع هذه الطريقة. ولا يهمنا عمل الشخص والتزامه أمورا شاقة ليكون قدوة ، وإن كانت لا تخلو من حب تفوق.
    ويعين طريقته ما مضت عليه في مختلف العصور من تعاليم قويمة

    لمريديها ، والراغبين في سلوكها. أخذها شيوخ عن شيوخ ، ومن هؤلاء يعرف أن شيوخ الجيلي بل أجل شيوخه أبو سعيد المبارك المخرمي (1) الشمطي الحنبلي ، وهو أخذ عن الشيخ أبي الحسن علي بن محمد بن يوسف القرشي الهكاري عن الشيخ أبي الفرج يوسف الطرسوسي عن الشيخ أبي الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز التميمي اليماني ، عن الشيخ الشبلي ، عن الجنيد ، عن سري السقطي عن معروف الكرخي عن علي ابن موسى الرضا عن آبائه حتى الإمام علي بن أبي طالب ... وهؤلاء شيوخهم معروفون. لكل واحد شيوخ متعددون لا محل لتعدادهم. إلى أن يتصلوا بالرسول صلى الله عليه وسلم.
    ومن تلقيناتهم :
    لا إله إلا الله حصني فمن قالها دخل حصني ، ومن دخل حصني أمن من عذابي.
    حديث ينقلونه ، ويتناقلونه.
    (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ).
    والوصايا بالذكر : (يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ ، وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...).
    والصلوات الخمس (أَقِيمُوا الصَّلاةَ ...).
    ومحبة الله. (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ).
    وهذه وصية الشيخ التي يتناقلونها المؤكدة لمراعاة أحكام الكتاب ، أوصى بها بعض أولاده فقال :
    «أوصيك يا ولدي بتقوى الله وطاعته ولزوم الشرع ، وحفظ
    __________________
    (1) ورد في إجازات الطريقة بلفظ (المخزومي) وليس بصواب. توفي سنة 513 ه‍.

    حدوده ، واعلم يا ولدي ـ وفقنا الله تعالى وإياك والمسلمين أجمعين ـ أن طريقتنا هذه مبنية على الكتاب والسنة ، وسهل الصدور ، وسخاء اليد ، وبذل الندى ، وكف الجفا ، وحمل الأذى ، والصفح عن عثرات الإخوان.
    وأوصيك يا ولدي بالفقر وهو حفظ حرمات المشايخ ، وحسن العشرة مع الإخوان ، ونصيحة الأصاغر والأكابر ، وترك الخصومة ، لا ترك أمور الدين.
    واعلم يا ولدي ـ وفقنا الله وإياك والمسلمين أجمعين ـ أن حقيقة الفقر أن لا تفتقر إلى من هو مثلك ، وحقيقة الغنى أن تستغني عمن مثلك ، وأن التصوف حال ، لا الأخذ بالقيل والقال ، وإذا رأيت الفقير فلا تبدأه بالعلم وابدأه بالرفق ، فإن العلم يوحشه ، والرفق يؤنسه.
    واعلم يا ولدي ـ وفقنا الله وإياك والمسلمين ـ أن التصوف مبني على ثماني خصال أولها السخاء ، وثانيها الرضا ، وثالثها الصبر ، ورابعها الإشارة ، وخامسها الغربة ، وسادسها لبس الصوف ، وسابعها السياحة ، وثامنها الفقر ، فالسخاء لنبي الله إبراهيم ، والرضا لنبي الله إسحاق ، والصبر لنبي الله أيوب ، والإشارة لنبي الله زكريا ، والغربة لنبي الله يوسف ، ولبس الصوف لنبي الله يحيى ، والسياحة لنبي الله عيسى ، والفقر لسيدنا وشفيعنا محمد صلّى الله عليه وسلم.
    أوصيك يا ولدي أن تصحب الأغنياء بالتعزز ، والفقراء بالتذلل ، وعليك بالإخلاص وهو نسيان رؤية الخلق ، ودوام رؤية الخالق ، ولا تتهم الله في الأسباب واستكن لله في جميع الأحوال ، ولا تضع حوائجك اتكالا بأحد لما بينك وبينه من القرابة والمودة والصدق ، وعليك بخدمة الفقراء بثلاثة أشياء أحدها التواضع ، والثاني حسن الآداب ، والثالث سخاء النفس. وأمت نفسك حتى تحيى ، وأقرب الخلق

    إلى الله أوسعهم خلقا ، وأفضل الأعمال رعاية التسري عن الالتفات إلى شيء يؤذي الله. وعليك إذا اجتمعت بالفقراء بالتواصي بالصبر. إن الفقير لا يستغني بشيء سوى الله تعالى.
    يا ولدي إن الصولة على من هو دونك ضعف وعلى من هو فوقك فخر ، وإن الفقر والتصوف جد فلا تخلطهما بشيء من الهزل.
    هذه وصيتي لك ...» اه.
    هذه الوصية ليس فيها ما يخالف الشرع ، بل كلها تقوى ، وأخلاق مرضية ورعاية للسلوك المرضي وتكرار لفظة الشهادة.
    جرى هؤلاء على الذكر ، وشيخ الذكر يقال له (شيخ الحلقة) (1). وليس لديهم إلا ترديد (كلمة الشهادة) ، ولا يقصد من ذلك إلا رسوخ التوحيد ، وتكرار أمره ، وحسن تلقينه وتلقيه.
    وإن عاتگة خاتون (2) صاحبة المدرسة رصدت من وقفها بعض الغلة للذكر وشيخ الذاكرين ومعه عدد منهم ، والحث على الوصايا الفاضلة التي تصلح أن تكون سلوكا عاما شاملا .. وفي آية (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ما يؤيد هذه الوصايا ، وقد اتخذ القوم أعماله قدوة ، على أساس آية ومن (يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى).
    وهنا نقول إن القوم وأمثالهم من أرباب الطرق تجاوزوا الحد في الاتباع ، وإنما يراد بذلك (سَبِيلِ اللهِ) وذلك باتباع أوامره واجتناب نواهيه ، وهي (سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) يدل على ذلك آية (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي). فالأخذ رأسا وبلا واسطة هو المطلوب ، وهو
    __________________
    (1) لا يزال شيخ الحلقة منصبه متوارثا ، وآل شيخ الحلقة معروفون آخرهم السيد محمد نجيب توفي سنة 1366 ه‍.
    (2) ذكرتها في كتاب المعاهد الخيرية.

    سبيل المؤمنين. فلا نعرف سواه حذر أن يشاد أحد في هذا الدين ، أو يكلف نفسه بما لا يطيقه عامة المسلمين فالانقطاع إلى الله مقبول ممن كلف نفسه ورغب في ذلك ، واتباع أمره مرضي أيضا في لزوم الأخذ بما خلق المرء لأجله فلا يمنع من ملاذ الحياة المشروعة. نقل القرآن عن عباده المؤمنين دعاءهم :
    (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنا عَذابَ النَّارِ) وجاء في أخبار عديدة منها «كل ما ليس عليه أمرنا فهو رد» ، ويدل على التزام الشرع فإذا كان الشيخ رحمه الله ، ورضي عنه سار على طريقة المؤمنين ، وهي الدين القويم المبين في القرآن الكريم ، فلا ريب أن يدعو إلى هذه الدعوة ، وأن يسير كل مسلم على هذا ولن يشاد أحد في هذا الدين إلا غلبه ، فلا شك أنه لا يتأخر لحظة عن اتباع القرآن الكريم ، ومن (يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى ...).
    نعوذ بالله من الخروج عن جادة الصواب والغلبة ، وفي هذه الأيام شاع في اتباع هذه الطريقة من خرج عن الصدد وزاغ عن الطريق السوي ، فصارت متابعة الطريقة أشبه بالخروج عن الإسلام لما دخلها من بدع وشذوذ مما لم يؤثر عليها. نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. تكلمت في (عشائر العراق الكردية) عن الطريقة. وهي منتشرة في الهند وبلاد الترك وسوريا ومصر وبلاد المغرب ...
    الأسرة الكيلانية
    هذه أسرة قديمة تبتدىء بحضرة الشيخ عبد القادر الكيلاني المتوفى سنة 561 ه‍. جاء بغداد من جيل في لواء كركوك وتسمى گيل أو من گيلان وكان من تلاميذ المبارك بن علي بن الحسين بن بندار المخرمي باني مدرسته المعروفة بمدرسة (باب الأزج) أو (مدرسة المخرمي) ، ثم عرفت (بمدرسة الشيخ عبد القادر الگيلاني). وتعد أسرته من أقدم الأسر

    العراقية ، عرف مؤسسها بالوعظ والتدريس من أيام وفاة شيخه المخرمي المذكور سنة 513 ه‍ ، وكان الشيخ حنبليا ويعد من أكابر العلماء في عصره ، وجاء ذكر معاصريه في كتاب بهجة الأسرار. ودامت الأسرة إلى اليوم تتولى أوقاف الحضرة القادرية.
    وفي بغداد منها (آل عبد العزيز) ، و (آل عبد الرزاق) من أولاد حضرة الشيخ إلا أن التولية والنقابة كانتا ولا تزالان لهذا العهد بيد (أولاد عبد العزيز) ابن الشيخ. وفي هذا العهد أصابتهم نكبات من الدولة الصفوية ، وترك الكثيرون منهم بغداد ، ذهبوا إلى مختلف الأنحاء إلى حلب ، وإلى الشام ومصر ، وإلى استانبول .. وكان ذلك في أيام دخول الشاه إسماعيل بغداد سنة 914 ه‍.
    كان تأثيرهم على العالم الإسلامي كبيرا وكلمتهم مسموعة في بيان فظائع الصفويين. والحق أن هؤلاء لم يمنعهم حنقهم من الوقيعة والنكاية بالمسلمين لأغراض مذهبية.
    ومن مشهوري الأسرة جماعة ذكرهم صاحب قلائد الجواهر منهم الشيخ شمس الدين والشيخ زين الدين ، وهم من آل عبد العزيز أهل التولية والنقابة في الوقت الحاضر. وفي خلال المدة بين حكم العجم والعثمانيين لم تنقطع علاقة الأسرة بالحضرة الكيلانية مما يتعلق بإدارة المدرسة أو الجامع ، والتكية القادرية. فهم شيوخ الطريقة تؤخذ عنهم ومعروفون بالعلم أيضا.
    وكل ما عرف من أحوالهم في هذا العهد ما جاء منصوصا عليه في قلائد الجواهر. وأشرنا إليه في تاريخ العراق (1). ولا نمضي دون بيان أن الموقوفات الموجودة التي يتمتع بها آل الگيلاني كانت من موقوفات
    __________________
    (1) تاريخ العراق بين احتلالين المجلد الثالث.

    السيد الشيخ شمس الدين الكيلاني والسيد الشيخ زين الدين الكيلاني من أسرة الشيخ عبد القادر من أولاد عبد العزيز ابنه في هذا العهد ، وقد أنعم السلاطين العثمانيون إنعامات كثيرة في إعفاء الموقوفات من التكاليف والرسوم الأميرية بل وقفوا عليها الرسوم وقفا إرصاديا ، وجعلوها للحضرة القادرية.
    وأما أسرة عبد الرزاق منهم فإنها لم تكن لها نقابة ولا تولية في العهد الذي نكتب عنه ، ولم تنل مكانة إلا بعد هذا التاريخ ، فقد زاحموا أولاد عبد العزيز ونازعوهم النقابة ، فتولاها كثيرون منهم ، وفي أيام الوالي محمد نجيب باشا سنة 1261 ه‍ عادت النقابة والتولية مستقلة إلى السيد علي ابن السيد سلمان النقيب من آل عبد العزيز ، فاستقرت فيهم ولا تزال إلى اليوم غير مزاحمة لطول عهدها بالتولية والنقابة ...
    وعرف من أسرة (عبد الرزاق) السيد علي ، والسيد عبد الرحمن ، والسيد عبد العزيز ، والسيد رمضان ، والسيد محمود بن زكريا وغيرهم. وأما أسرة عبد العزيز فقد عرف منها السيد علي ابن السيد سلمان ، وابنه السيد سلمان ثم ابنه السيد عبد الرحمن ، والسيد محمود حسام الدين ابن السيد عبد الرحمن ، والسيد عاصم. وهو نقيب الأشراف اليوم ابن السيد عبد الرحمن ، ومتولي الوقف القادري وكان قد زاحمه في التولية فخامة السيد رشيد عالي الكيلاني. فولي الوقف مدة.
    وللتفصيل عن الأسرة الگيلانية موطن آخر.
    عزل الوالي سنان باشا :
    ثم طوى ذكر هذا الوالي وسماه صاحب سجل عثماني (چغاله زاده سنان يوسف باشا) وهو اسم ولقب جمع بينهما وقال : «هو من بوسنة ، ابن قبطان الفرنك چغاله. أخذ والده في عصر السلطان سليمان وتربى في البلاط ونال مناصب عديدة منها ولاية بغداد ، وقبطانية البحر وآخر ما

    عهد إليه سردارية العجم فتوفي بتاريخ رجب سنة 1014 ه‍. وكان محاربا جسورا ، وله ابن اسمه محمود باشا» (1).
    دامت ولايته إلى سنة 998 ه‍ فعزل.
    الوالي قاضي زادة علي باشا :
    ولي بغداد سنة 998 ه‍ ، وبعد أن عزل حصل على منصب بودين وهكذا تقلب في مناصب عديدة وتوفي سنة 1032 ه‍ وكان صادقا ، متدينا ، عاقلا (2).
    وهذا لم يذكره صاحب گلشن خلفا. وإنما مضى رأسا إلى چغاله زاده سنان باشا. والحال أن روحي البغدادي ذكره في ديوانه ص 15. ومن الغريب أن مرتضى آل نظمي لم ينقل من ديوان روحي البغدادي ، ولعله لم يصل إليه. وجاء في روحي البغدادي تاريخ ولايته وتصادف هذه السنة التي ذكرها صاحب سجل عثماني. وتاريخه :
    «علي پاشا عادل حامىء دار السلام أولدى».
    قضاء بغداد :
    في هذه السنة ولي (قضاء بغداد) رضوان أفندي وهذا جعل الملا غانما البغدادي مدرسا في المدرسة المستنصرية (3).
    حوادث سنة 999 ه‍ ـ 1590 م
    جغاله زادة سنان ـ ولايته الثانية :
    في هذه السنة ولي بغداد چغاله زاده سنان باشا مرة ثانية وكان كاتب ديوانه (حسن أفندي) ولروحي البغدادي قصيدة في مدحه أطرى
    __________________
    (1) سجل عثماني ص 111 ج 3.
    (2) سجل عثماني ج 3 ص 510.
    (3) فذلكة كاتب جلبي ج 2 ص 6.

    فضله وتفوقه في الشعر والكتابة (1) ... وإن الوالي سنان باشا رأى العجم استعادوا نهاوند فتقدم نحوهم وسار إليهم فافتتحها وكان جيشه متكونا من عسكر بغداد وقليل من عسكر شهرزور ومن ثم عين لها أمير أمراء ، وجيشا وقام بما لزم لتنظيم إدارتها. وفي هذه الأثناء كان حاكم لرستان (شاه ويردى خان) (2) وهذا أصابته من الوالي ضربة موجعة كما أن هذا الوالي أسَرَ حاكم همذان قورقمز خان وعاد منصورا ، قص ذلك كله في كتاب عرضه لدولته ونقله صاحب گلشن خلفا. مدحه روحي البغدادي بقصيدة في فتح نهاوند وبأخرى رحب بها بقدومه (3) ...
    خان جغان والقهوة والسوق :
    وبعد أن أتم حروبه مع العجم عاد إلى بغداد بالغنائم. عمر فيها خانا وقهوة وأسواقا في أطرافهما. قال صاحب گلشن ولا يزال هذا الخان معروفا (بخان چغاله زاده). مدحه عليه شعراء ذلك الزمن بأشعار تركية. وأقول كان هذا الخان قائما ويسمى خان الصاغة أو (خان جغان) بتحوير طفيف في أصل اللفظ ولكنه في سنة 1348 ه‍ ـ 1929 قلع من أصله وبني مجددا واتخذت فيه أسواق لبيع الأقمشة الحريرية وما ماثلها ولم يبق منه للصاغة إلا قسم قليل. امتلكه السيد مناحيم دانيال صاحب المبرات العديدة والصديق السيد صالح قحطان المحامي وشركاء آخرون.
    وكان كتب على بابه حين بنائه :
    __________________
    (1) ديوان روحي ص 47.
    (2) كان شاه ويردى يلعب على الاثنين. يرى ضعفا في حكومة إيران. ذكر ذلك صاحب (عالم آراي عباسي) إلا أنه مال للإيرانيين حينما رأى أن الشاه نظم داخلية إيران على أحسن ما يرام فأخذ يميل إليه ويتوسط لقبوله وقد وسعنا القول فيه في (تاريخ اللر الفيلية).
    (3) ديوان روحي ص 20 إلى 25 وكلشن خلفا ص 65 ـ 2.



    «عمر هذا الخان وما فيه من البنيان في أيام دولة السلطان ابن السلطان مراد خان خلد الله ملكه وسلطانه وأفاض على كافة العالمين عدله وإحسانه 999» ا ه.
    والملحوظ أن ذلك كان أيام السلطان مراد الثالث ، وهو بخط الخطاط العراقي صاحب الثلاث تسعات عبد الباقي المولوي المعروف (بقوسي) وكانت هناك كتابة تركية زالت معالمها ولم يبق إلا ما ذكر مما عثرنا عليه. أوضحت في (تاريخ الخط العربي في العهد العثماني) عن خطاطه.
    وأما القهوة فهي الآن الخان المسمى بـ (خان الكمرك) وكانت عليها كتابة إلا أن هذه نقلت إلى دار الآثار في القصر العباسي. وهي أبيات تركية ذكرها صاحب گلشن خلفا (1).
    تكية المولوية في بغداد :
    هذه التكية تسمى (المولاخانه) أيضا. والآن تعرف بجامع الآصفية. عمرت في أيام هذا الوالي سنة 999 ه‍ عمرها محمد چلبي كاتب الديوان في بغداد. وهذا يأتي الكلام عليه عند بيان وقائع أحمد الطويل.
    تضاربت الأقوال في أصل هذه التكية المسماة في هذه الأيام بالمولاخانه ، وفي تاريخ تأسيسها. وجل ما تحققناه من نصوص عديدة أن هذه التكية كانت تسمى (رباط دير الروم). وهي من بناء الخليفة المستنصر بالله العباسي ، وتقلبت بها الأحوال حتى صارت تعرف بـ (تكية المولوية). وما جاء في تاريخ الغياثي عن القلندر خانة يستبعد أن يكون هذا المحل مع أننا ظننا أنها قد صارت قلندر خانة (تكية). أوضحنا
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 66 ـ 1.

    ذلك في المعاهد الخيرية. ثم صارت (جامع الآصفية) (1) والتسمية الأخيرة لداود باشا فإنه عمرها فأضيفت إليه باعتبار أنه آصف وقته. ذكرنا ما جرى عليها في أيامه وأوضحنا الوثائق التي دعت إلى تعميرها.
    ومحمد چلبي باني التكية لم يعرف عنه شيء غير قتلته ابن الطويل ، وأنه كان كاتب الديوان ، ولو لم يتعرض لقتلة الوالي المتغلب لما عرف بل كان في عداد المهملات (2). ومما علمناه أن (الخطاط قوسي) كان قد كتب لوحا في التكية سنة 999 ه‍ ، مما يعين أن هذه التكية كان بناؤها سنة 999 ه‍. وهذا تاريخ تجديد بنائها من محمد چلبي المذكور (3).
    __________________
    (1) تاريخ العراق ج 2.
    (2) كلشن خلفا ص 66 ـ 2.
    (3) بين الدكتور ـ مصطفى جواد ـ أصلها (دار القرآن المستنصرية) ثم أوضح عن محلة (دار الروم) ، أو (دير الروم) بنصوص من ياقوت في مادتي (دير الروم) و (دور) واستبعد أن تكون في الآصفية مع أن صفي الدين عبد الحق لم يعين محلة (دار الروم) واستدل من هذه الأقوال أنها مجاورة لمشهد الإمام أبي حنيفة ومحلة الخضريين أو الخضيرية حتى عدّ من فضول القول التقريب بين دار الروم في شرقي الاعظمية وجامع الآصفية في رأس الجسر الأعلى ، واستدل بتقسيم المياه في الخطيب البغدادي ج 1 ص 115 وأيده بمختصر مناقب بغداد. وبين أن جامع الوزير لم يكن المسجد ذا المنارة الوارد في ص 143 وقال : هذا مبني عن ظن أن الآصفية (دير الروم) استدلالا بالكتاب المسمى بالحوادث الجامعة ، والحال أنه المدرسة التتشية.
    وأقول إن تتبع الدكتور يستند إلى استنتاجات بعيدة ، واستدلالات من اسم المحلة وتعيين موقعها في حين أن الموضوع (رباط دير الروم) وهذا الرباط متعين في أنه هو الدار المستجدة ، أو الدار المستجدة لرباط دير الروم. أو دار الروم الملاصق للمدرسة المستنصرية من أعلاها ، والمجاور للمسجد ذي المنارة فهو بينهما ، فالنصوص التي عينت موقع الرباط كثيرة منها الكتاب المسمى (الحوادث الجامعة) ص 2 وص. 53 فالمستنصرية متعينة وتوضح اتصال الرباط أو الدار المستجدة بها ، وهو أيضا متصل بالمسجد ذي المنارة فهو بينهما.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4   موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Emptyالجمعة نوفمبر 01, 2024 4:28 pm

    والملحوظ أن هذه التكية تخرج منها خطاطون عديدون بل أساتذة أكابر من شيوخها كان لهم الذكر الجميل في جودة الخط وإتقانه. وقد تعرضنا لذكر جماعة منهم في كتابنا (تاريخ الخط العربي في العراق). وسنتناول بعض المعروفين في الطريقة خاصة وفي مواهب أخرى.
    الطريقة المولوية
    ولما تعين لنا بناء تكية هؤلاء المتصوفة في بغداد لزم أن نتكلم في أصل هذه الطريقة وكيف نالت شهرتها في المملكة العثمانية مع أنها لم يستقر لها قدم ثابت في بغداد ولم تنل رواجا ، وذلك أن الموظفين الواردين من الآستانة كان كثير منهم ينتسبون إلى هذه الطريقة إلا أنهم لم يؤثروا التأثير الكافي ولأنهم في عزلة ، عن الاحتكاك بالأهلين. ومن جهة أخرى لم تقبلها نفوس الأهلين ومع هذا لا يزال في هذا الحين وبعده بمدة طويلة لها شيوخ تجري على مراسيم القوم وتقاليدهم المعروفة. لا سيما وقد رأوا من رجالها خدمة لا تقدر ...
    والمولوية شائعة في بلاد الترك وكان رئيس الإرشاد يقلد السلطان سيفه إثر جلوسه على العرض ومؤسس هذه الطريقة جلال الدين الرومي المتوفى سنة 672 ه‍ اشتهر بكتابه (المثنوي) ويحتوي على أكثر من 47
    __________________
    وقال ظهير الدين الكازروني في تاريخه : «ثم تقدم ـ الخليفة المستنصر بالله ـ بعمل رباط دير الروم فتم في ثامن رجب سنة 626 وجعل له منارة للتأذين ...» ا ه. وفي الصفدي : نقلا عن تاريخ ابن الساعي أن الدار المستجدة مجاورة للمدرسة المستنصرية. وتقع في الأعلى منها ، وأنها لم ير مثلها أحد (مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق ج 4 ص 43). وكان جامع الآصفية ملاصقا لجامع الوزير (المسجد ذي المنارة) قبل فتح الطريق. وأعتقد أنه زال الإشكال (التوضيح في كتابنا المعاهد الخيرية). والملحوظ أن دار القرآن من المستنصرية. والدار المستجدة (الرباط) بنيت قبل المستنصرية. فالرباط ثابت ، وما استبعده الدكتور لم يكن بعيدا في الحقيقة. وهذا ما يبطل الاستنتاج بأن المحلة بعيدة عن الرباط.

    ألف بيت. وله ديوان أيضا في ثلاثين ألف بيت. وهو في الأصل من خراسان. ولد ببلخ. وخراسان في الأصل منبع الغلو وكان قد لقن تصوف (فريد الدين العطار) حفظ كتابه (أسرارنامه). و (تصوف الحلاج) ، وأخذ عن ابن عربي ، وعن القنوي والغلاة أمثال هؤلاء. اتصل (بشمس تبريزي) فلم ينفك أحدهما عن الآخر والمتصوفة يقولون إنه كان قد استولى عليه العشق الإلهي (الجذبة). وغيرهم يقول إنه قد تبله الشمس التبريزي حبا واستأسره في عشقه فامتلك مجامع قلبه حتى إنه يقال إن ديوان الشمس التبريزي قاله جلال الدين على لسانه ونطق باسمه. ويدل شعره على أنه من الغلاة أرباب نحلة الاتحاد والحلول من الباطنية. ونبه العلماء على لزوم نبذه ... أما صناعته الأدبية فهي ليست براقية تماما ولكن الرغبة مصروفة إلى ما فيه من غلو وعقيدة باطنية.
    يدعو لنبذ التقليد ، وطرح العقيدة الموروثة ويريد أن يستميل بهذه إلى طريقته. وهي لم تكن بالأمر الجديد ولا الغريب.
    ومن وقف على آراء فريد الدين العطار ، وسائر الغلاة عرف طريقة هؤلاء وتلخص في صد الناس عن القرآن الكريم تارة بتأويل أحكامه ، وصريح نصوصه إلى ما يخرجها عن معناها ، وطورا بتلقين عقائد وحدة الوجود والحلول والاتحاد وآونة بترك الفرائض والرسوم الشرعية بزعم أنها لا تخصهم وأنهم الواصلون فلا تسري الأحكام عليهم وأمثال ذلك مما يدخل في دعوة أهل الابطان ... ولا يترددون في تسمية أنفسهم أنهم من أهل الباطن ، ورجال الشرع والدين من أهل الظاهر. فلا فرق بين هؤلاء وبين فرق الباطنية المتكتمة إلا أنها جاءت بشكل توهم أنها غير تلك. وأما السماع ، والرقص وما يتعلق بهما من ناي أو عود فإنه تلاعب باسم الدين ولهو لا يرضى به الله (اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) وغرهم بالله الغرور. وفي (رسالة ناصحة الموحدين وفاضحة الملحدين) للعلاء البخاري ما يبين عن أغراضهم وفيه

    رد عليه وعلى محيي الدين ابن عربي والحلاج. والكتب عنهم وعن أضدادهم كثيرة جدا لا محل لاستقصائها ...
    ومن الكتب المؤلفة في المولوية باللغة التركية (حديقة الأولياء) ، منها رسالة خاصة (بالمولوية) ولعبد الغني النابلسي (العقود اللؤلؤية في الطريقة المولوية) كتبه باللغة العربية. وباللغة الفارسية نفس (المثنوي) ، و (مجالس سبعه مولانا) ، و (مكتوبات جلال الدين الرومي). وهذه كتبت باللغة الفارسية. والمخطوطات والمطبوعات في هذه الطريقة كثيرة جدا.
    وهؤلاء توغلوا في المملكة العثمانية ، وعمروا تكايا اصطادوا بها كثيرين ، ونسبوا لشيوخها تصرفات وكرامات ... إلا أن العرب لم تمض عليهم مغازي هؤلاء فكانوا في دائرة ضيقة لم تلبث أن زالت من العراق ولم يبق إلا اسمها ...
    وهذه الطريقة ثلاث شعب :
    1 ـ الچلبية.
    2 ـ القلندرية.
    3 ـ الددوية.
    وفي إيران الطريقة الجلالية تنسب إلى جلال الدين نفسه. وعندهم المثنوي لا يعادله كتاب. وهم كثيرون. وطبع المثنوي عندهم مرات.
    جامع الصاغة أو جامع الخفافين ومدرسته :
    يعرف اليوم بـ (جامع الصاغة) أو (جامع الخفافين). وكان هذا الوالي قد عمره. وفيه لوح كتب لمدرسته سنة 999 ه‍ ، وهو بخط الخطاط الشهير في ذلك العهد (قوسي البغدادي) ونصه (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ...) لا يزال ناطقا بتاريخه.

    يعد من الجوامع القديمة. ونسي اسمه الأصلي ، فتضاربت الآراء فيه. والصحيح أنه (مسجد الحظائر) من تأسيس أم الخليفة الناصر لدين الله العباسي. والمدرسة في هذا الجامع قديمة. ويرجع تاريخ تجديدها إلى هذا العهد. واللوح المذكور يشير إلى ذلك. والتعميرات الجديدة من عمل آل الپاچه چي. والتفصيل لا يسعه هذا المقام. والتولية على الجامع اليوم بيد آل مصطفى سليم.
    دار القرى :
    هذه من عماراته أيضا دامت إلى ما بعد السلطان مراد الرابع. ذكرها أوليا چلبي في رحلته. ولم يبق لها الآن أثر. قال أوليا چلبي إنها لا تزال موجودة أي في أيامه إلى سنة 1067 ه‍ ، ولا شك أنها دامت إلى ما بعد هذا التاريخ (1).
    عزل الوالي :
    ثم إن هذا الوالي انفصل عن ولاية بغداد ولم يعرف عنه أكثر من أنه حارب العجم ، أراد أن يستفيد من حالة إيران المضطربة فلم يتمكن أكثر مما أشير إليه. وبعودته صرف جهوده للعمارة فبنى الخان وتوابعه. ولروحي قصائد فيه مذكورة في ديوانه (2).
    حوادث سنة 1000 ه‍ ـ 1591 م
    والي البصرة
    جاء في سجل عثماني ج 3 «أن سنان باشا ولي البصرة سنة ألف وعزل منها سنة 1001 وكان رئيس بوابين أيام محمد باشا الصوقوللي
    __________________
    (1) أوليا جلبي ج 4 ص 420.
    (2) كلشن خلفا ص 65 ـ 2.

    وقد استشهد في الحرب سنة 1007 ه‍ وهو أمير أمراء مرعش (1). وهذا لم تتعرض له نصوص التواريخ الأخرى.
    حوادث سنة 1001 ه‍ ـ 1592 م
    الوالي جعفر باشا
    وفي هذه السنة قد ولي بغداد (خادم جعفر باشا). قال فيه صاحب گلشن خلفا إنه حكم ايالة تبريز لمدة ثماني سنوات فكانت مساعيه هناك مشكورة ، وله حروب مع إيران مشهورة. فأنعم عليه السلطان بمنصب بغداد.
    حوادث سنة 1002 ه‍ ـ 1593 م
    عهدي البغدادي
    في سنة 1002 ه‍ توفي عهدي الشاعر الكاتب المؤرخ المشهور ، ابن شمسي البغدادي المذكور في حوادث سنة 975 ه‍. وأكثر ما عرف برحلته العلمية إلى استانبول (گلشن شعرا) المسماة (تذكرة أرباب الصفا) ، وفيها أبدى من المقدرة والعلم الغزير ، والانتباه القوي في نعوت الأدباء والعلماء ، ورجال الدولة باستانبول كما أنه عرف بوالده ، وببغداديين كثيرين. عندي نسخة مخطوطة منها ، وكذا في المكتبة العامة باستانبول نسخة أخرى. والترك اليوم يعولون عليها في تراجم المعاصرين ممن عرف بهم.
    إن المؤلف ذهب إلى استانبول سنة 960 ه‍ وعاد إلى بغداد سنة 971 ه‍ واتصل في طريقه بمختلف الطبقات واستطلع ما عندهم من علم وأدب وفضل. عاشر ضروب الناس من أرباب المشارب فلم يترك شيخا
    __________________
    (1) سجل عثماني ص 110.

    إلا تحرى ما لديه ولا شابا إلا سبر نياته ، ولا أرباب المناصب إلا أخذ من معارفهم ولا أهل التصوف إلا اقتبس منهم فحصل من المعرفة صنوفا ، ومن العلوم أنواعا فوقف على ما عند أهل الدنيا ، وما في خزائن أهل الزهد والتقوى من رجال الآخرة ...
    وصل إلى استانبول فرأى فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ... وبين أنه لم يتمكن من تدوين كل ما رأى من فضل وأدب جم ، ومعرفة غزيرة. فكانت هذه ـ كما قال ـ عجالة سريعة. ونزرا قليلا تنبىء عن معين لا ينضب.
    اكتسب ما اكتسبه من مجالسة الشعراء المجيدين ، والأمراء الكرام ومن معاشرة العلماء الأبرار ، ومن مصاحبة أهل الفصاحة والبلاغة من عنادل البيان ، ومن الاطلاع على أغاريدهم اللطيفة. كل ذلك بطريق المحادثات ، أو المطارحات الشعرية ، أو المذاكرات العلمية ...
    وفي هذه كان طالبا متتبعا لازم القوم حتى أتقن لغتهم وتمكن أن يحذو حذوهم حتى صار كأحدهم بل صار فريدا في الشعر ...
    وفي سنة 971 ه‍ دعاه داعي الوطن وحبه من الإيمان فقال في التشوق إلى بغداد :
    دل¬از طوربتان روم چون عهدي پريشانست
    هواي ديدن بغداد وخوبان عجم دارد

    يقول إنه مغرم بجمال الروم إلا أن هوى بغداد والشوق إليها وإلى الحسن الفارسي ملك زمام لبه وأخذ بمجامع قلبه فمال به. وقال :
    ـ إنني عزمت على العودة فدونت ما خطر لي من خواطر وما عن لي عن السلاطين العظام ، والعلماء الفخام ، وأرباب الدولة والشعراء الأخيار مما جرى في مجالسهم وما عرفته عنهم وما اقتبسته من صحبتهم

    فجعلته في أربع روضات أكتبها حسب الطاقة وأجمعها من أوراق متفرقة ...
    جعل الروضة الأولى في بيان صفات السلطان العادل وأبنائه ذوي الخصال الجميلة ، والروضة الثانية في علماء زمانه العظام والموالي الكرام والمدرسين النبلاء ، والروضة الثالثة في الأمراء والدفتريين ومنتخبات أشعارهم ، والروضة الرابعة في مشاهير الشعراء مرتبا لها على ترتيب حروف الهجاء مع ذكر نتف من أشعارهم.
    وفي هذه الروضات أورد مقدارا وافرا من شعره ... ثم إنه قدم كتابه إلى السلطان متوسلا قبوله. قال :
    جمع¬أيدوب¬أرباب نظمي ايتدم أول سلطانه عرض
    عادت أولمشدر صونر بنده شه دورانه عرض

    خاكپايندن بتر مقصودي أرباب دلك
    نوله صونسه خاكپايه عهدي فرزانه عرض

    والمؤلف لم يكتف بذكر رجال الروم وعلمائهم بأن تعرض للبغداديين ممن نبغ في أدب أو علم وأضاف ترجمة والده شمسي البغدادي وبعض من لهم به لحمة نسب أو اتصال أدب وكثيرين ممن لا يزالون في خفاء عنا أو لا نعلم عنهم شيئا كثيرا ، أو أكثر مما بينه بل لم يقف عند تاريخ هذه التذكرة وإنما زاد عليها. وتجاوز التاريخ المرسوم لها.
    وهذه قائمة بأسماء من ذكرهم مع بيان نتف يسيرة عنهم :
    1 ـ داعي : بغدادي المولد وفي الأصل من الفرس المدرسين. ذكر في كشف الظنون له ديوانا.
    2 ـ حقيقي بك : من الأمراء ولد ببغداد واسمه مصطفى وهو ابن عم عثمان بك ترك بغداد أيام خضر باشا سنة 963 ه‍ لمنافرة حدثت بينه

    وبين الوالي وكان (قوللو أغاسي) ، ومن أمراء الألوية. له شعر في الفارسية والتركية.
    3 ـ فكري بك : ولد ببغداد وهو من البيكات الممتازين. أبوه سنان الطويل الذي كان في خدمة السلطان ثم صار واليا ببغداد ، وله أشعار في اللغات الثلاث. فقد بين عهدي أحد أولاد سنان باشا المترجم ، ولم يعرف له ذكر في المؤلفات الأخرى. وسيأتي ذكر ابن سنان الطويل أعني سنان باشا وهو (محمود باشا) الذي تنسب إليه (المحمودية).
    4 ـ سليمان أفندي : من العلماء دخل في سلك الحكومة فقام بوظائف كثيرة. ثم صار دفتريا ببغداد. شاعر وأديب.
    5 ـ أكرم بك ابن قايتمز بك : من بغداد وأصل نسبه من قره قويونلي. ابن عم علي باشا والي بغداد. شاعر في اللغات الثلاث صاحب عهدي في الآستانة.
    6 ـ محمد بك. من غلمان السلطان سليمان. عين دفتري تيمار اتخذ لقب (فيضي) عنوانا له. مشهور في النظم والنثر.
    7 ـ أحمد الحريري من العلماء بغدادي ، وهو صوفي مشهور.
    8 ـ أحمد ظريف ، بغدادي ، ينتسب إلى العالم المشهور المولى محمد الشيرازي.
    9 ـ آتشي : بغدادي من أرباب الصناعة وهو شاعر.
    10 ـ جوهري : بغدادي وهو السيد حسني شاعر أيضا.
    11 ـ ابن رفيق : من بندنيج دخل في السپاه ببغداد وهو صوفي شاعر ذهب إلى بلاد الروم عدة مرات.
    12 ـ حسيني : من أعيان بغداد ومن عشاق المتصوفة. توفي سنة 985 ه‍.

    13 ـ خادمي : بغدادي من محلة قنبر علي شاعر صوفي.
    14 ـ ذهني چلبي : بغدادي اسمه عبد الدليل شاعر اشتهر بالموسيقى.
    15 ـ روحي البغدادي : أشهر من قفا نبك شاعر معروف اسمه عثمان. رومي الأصل ومن مماليك اياس باشا والي بغداد. ولد ببغداد وتزوج فيها. دخل في المتطوعين وتوفي سنة 1014 ه‍ وديوانه مطبوع يأتي ذكره.
    16 ـ ضائعي : بغدادي من أهل العلم. ثم مال إلى الشعر بكليته.
    17 ـ طرزي : من أهل دزفول. ورد بغداد بأمل السياحة ولكن طاب له الوطن فأقام وهو صديق حميم لعهدي. ويعد من حلالي المشاكل في الآداب.
    18 ـ فضولي البغدادي : هو محمد بن سليمان شاعر مشهور في الفارسي والتركي والعربي اشتهرت دواوينه. توفي بالطاعون سنة 963 ه‍ وفي كشف الظنون سنة 971 ه‍. مر الكلام عليه.
    19 ـ فضلي بن فضولي البغدادي : شاعر كوالده.
    20 ـ كلامي : كربلائي شاعر صوفي كان في الخانقاه في مشهد الحسين (رض) نزعت نفسه إلى التطلع إلى العالم ومشاهدة الأقطار. يعرف (بجهان دده) والظاهر أن آل الدده في كربلاء الآن ممن يمتون إليه والخانقاه لا يزال في أيديهم. وهم في الأصل من البكتاشية.
    21 ـ نادري : بغدادي الأصل سكن الموصل وهو شاعر أيضا.
    22 ـ محيطي : من القضاة ولد في جزيرة رودس. ودرس العلوم عن بوستان زاده محمد چلبي من الموالي العظام تولى النيابة في الشام وأدرنة والأستانة أمدا طويلا. وقد تقلب في مناصب شرعية حتى صار

    قاضي الفيلق. وله وقوف على العلوم العربية وشعر لطيف وعين ابنه أحمد أفندي دفتريا لبغداد سنة 996 ه‍. ذهب لزيارة مشهد الحسين (رض) ونظم قصيدة في الغزل قدمها للحضرة. شعره في الغزل معروف. ومقطعاته جميلة رقيقة وله (فتح نامه) تتضمن وصف الحروب في الجبهة الشرقية. فكان ممن توطن بغداد.
    23 ـ نصرتي : من الفرس توطن بغداد مدينة السلام مدة طويلة وهو ابن أخت المولى الرازي الشيرازي. وكان يحفظ خيار الشعر.
    24 ـ والهي البغدادي : من زمرة أرباب الأقلام. كان من أهل المعارف والعلوم. وسعى سعيه للتحصيل وله شعر لطيف رقيق.
    هذا ما أمكن الاطلاع عليه في تذكرة عهدي من بغداديين.
    أما عهدي فإنه شاعر أديب ومؤرخ. أما اطلاعه على التركية ، فمما لا نزاع فيه .. وكذلك يقال عن تضلعه في الفارسية. ولا ريب أنه يتقن اللغة العربية. فإنه عاش في محيط عربي.
    ذكره مؤرخون عديدون كصاحب (قاموس الأعلام). و (صاحب سجل عثماني) ، و (كشف الظنون) في مادة تذكرة الشعراء و (عثمانلي مؤلفلري) وغيرهم وبينهم روحي البغدادي ذكره في ديوانه وأطراه إطراء عاطرا. وكفى أن يعرف كتابه گلشن شعرا.
    ويصح أن يعد من أول السياحين العراقيين إلى بلاد الترك في عهد العثمانيين كتب رحلته العلمية فجاءت بأفضل المطالب وأجل المباحث وإن كانت ليست من نوع السياحات التي تعين موطن الحركة والقيام والقعود والأيام والليالي ، ولكنه كتب كل ما أراد ، وأوضح عن القطر التركي بل عن استانبول إيضاحا لم يسبق إليه.

    حوادث سنة 1003 ه‍ ـ 1594 م
    الشيخ عبد الله الكردي البغدادي :
    اشتغل بالعلوم أولا وفاق بها أقرانه ثم غلب عليه الحال ورمى كتبه في الماء وسلك الطريقة ، نزل دمشق وعزيت إليه فيها كرامات. كذا قال صاحب خلاصة الأثر وبئس ما فعل. توفي سنة 1003 ه‍ تقريبا (1).
    حوادث سنة 1005 ه‍ 1596 م
    البصرة ـ حكومة افراسياب
    مر بنا ذكر ولاة كانوا حكموا البصرة. أكثرهم لا نعلم عنهم شيئا مهما. ومن هؤلاء الولاة (علي باشا) حكمها إلى سنة 1005 ه‍ وأن وقائعها خلال الحكم العثماني متقطعة فلم تصل إلينا تامة ، بل بقيت في غموض فالمدونات عنها قليلة جدا تكاد تكون معدومة وغاية ما نعلمه أنها بيد المتغلبة وليس للوالي أمر أو نهي إلى أن انتزعت تماما ... أما بعد هذا التاريخ فقد وصلت إلينا وثائق مهمة مثل (زاد المسافر ولكنة المقيم والحاضر) (2) و (منظومة في آل أفراسياب) (3) في تاريخ وقائعهم الأخيرة وفيها مطالب مهمة ، وكذا (كتاب قطر الغمام) ووقائع تاريخية مفرقة في كتب كثيرة كلها تبحث في أيام تغلب هذه الإمارة على البصرة. أما العثمانيون فلم يتعرضوا إلا لما وقع في أيامهم ولا يهمهم غير ذلك ...
    __________________
    (1) خلاصة الأثر ج 3 ص 85.
    (2) طبع في بغداد سنة 1342 ه‍ ـ 1924 م بمطبعة الفرات. وكان عني بتصحيحه وترتيبه الأستاذ خلف شوقي الداودي صاحب جريدة شط العرب. ويأتي الكلام عليه في المجلد الآخر من هذا الكتاب.
    (3) وهذه نظم العلامة الشيخ ياسين بن حمزة آل شهاب البصري الشافعي ذكر فيها واقعة حسين باشا بن علي باشا آل أفراسياب في البصرة وما جرى عليه مع مصطفى باشا والي بغداد وباقي الوزراء وفيها تفاصيل لا توجد في غيرها سواء من ناحية المواقع التاريخية أو الأشخاص المشاهير.

    ومن مطالعة هذه الوثائق تبين أن والي البصرة (علي باشا) باع البصرة بدراهم معدودة إلى أفراسياب ومضى لوجهه ولم يذكر عنه العثمانيون شيئا يستحق التدوين سوى هذه الصفقة الخاسرة.
    يقال إن أفراسياب كان كاتبا للجند المحافظ في البصرة. وإن الأهلين قاطعوا واليهم ، وأضربوا عن الاختلاط به أو الرجوع إليه ، وبسبب ذلك قلت مداخله وعجز عن القيام بأرزاق الجند وأقواتهم فلم ير بدا أن يبيع البلدة من أفراسياب بثمانية أكياس رومية (1) وكان الكيس ثلاثة آلاف محمدية على أن لا يقطع اسم السلطان من الخطبة فرضي بذلك أفراسياب واشترى البصرة وذهب حاكمها إلى استانبول سنة 1005 ه‍.
    ومن العبث في حال كهذه أن نلتمس لهذا المتغلب أصلا بعد معرفة الطريقة التي توصل بها أو أن نركن إلى الأقوال في ذلك فهو عصامي حصل على الحكومة وصارت تدعى باسمه (الافراسيابية) أو (السيبية) ، وتنسب إليه بعض العمارات مثل (السيب) ولم نعرف عن حاله السابق أكثر من أنه (ديري) نسبة إلى نهر الدير من أنهار البصرة في شماليها ، فاستخدم كاتبا للجند إلا أن صنائعه لم يكتفوا بذلك وإنما استنطقوه ، أو أخذوا إشارة من بعض أخلافه فبنوا عليها وقالوا إنه من آل سلجوق. والمتزلفون كثيرون في كل حين. ونسبه إلى آل سلجوق عبد علي الحويزي في كتابه (قطر الغمام) ، فهو بصري وعندي أنه لما كان بصريا فالافتخار به أولى من إلصاقه بآخرين من الأجانب. وقال الحويزي إن نسبته إلى الدير باعتبار أن أخواله من هناك.
    __________________
    (1) الكيس خمسمائة قرش وهنا يراد بالكيس ما شرحه النص ثلاثة آلاف محمدية ، والمحمدية عشر أقجات. ضربت أيام السلطان محمد الفاتح. والأقجة كانت تعتبر نصف مثقال من الفضة وتسمى بالعثماني ، ولكنها تغيرت كثيرا حسب العهود المختلفة. أوضحت عنها في كتاب (النقود العراقية لما بعد العهد العباسي).

    والمطلوب بيان أعماله ، وما قامت به أسرته من الحضارة أو التخريبات ولا يهمنا ما يتوسل به رجال هذه الأسرة أو المتزلفون لهم من الانتساب إلى أكبر أسرة ، أو أعز قوم ، أو أشرف قبيلة في حين أن المؤسس إنما قام بمقدرة ذاتية ، ومواهب نفسية. ولم يكن المعول عليه النسب في أصل تسنمهم المكانة الرفيعة.
    والمعروف عن هذا المؤسس أنه راعى رغبة الأهلين في الأمور النافعة ونشر العدل والعلم فقوي سلطانه وزادت شوكته فحبب نفسه من الأهلين ، وفتح القبان. وكان يحكمه رجل يقال له (بكتاش آغا) فانتزعه منه وقضى على نفوذ (حاكم الدورق) وهو بدر ابن السيد مبارك و (حاكم الحويزة) السيد مبارك (1) اللذين صار لهما شأن استفادة من ضعف حاكم البصرة. فلما تمكن أفراسياب قضى على أمثال هؤلاء أو تمكن من فتح أكثر الجزائر ، وكذا امتنع من إعطاء الجوائز إلى السيد مبارك وهي رسوم كان يأخذها وكذا رده عما كان يأخذه من شط العرب من القسم الشرقي منه. واستمرت حكومته لمدة سبع سنوات ثم خلفه ابنه (علي باشا) ولم نعثر على تفاصيل كافية عن أيامه وعلى كل تصادف زمن تأسيس حكومة وتنظيم إدارة فلا يؤمل منها أكثر مما عرف عن والده. ويأتي بنا ذكر حوادثهم في حينها.
    حوادث سنة 1006 ه‍ ـ 1597 م
    الوالي الوزير حسن باشا
    قال في جامع الدول : «في هذه السنة (1006 ه‍) خرج خارجي من جانب البصرة يقال له السيد مبارك فاجتمع إليه جمع عظيم من أوباش العرب والعجم فنهبوا البلاد وأفسدوا فيها ولما عرض ذلك إلى الباب العالي وجه ايالة بغداد إلى الوزير حسن باشا بن محمد باشا
    __________________
    (1) هذا ابن سجاد المذكور في تاريخ العراق بين احتلالين ج 3.

    الطويل (الطوپال) وأمر بدفع غائلة الخارجي وأرسل إلى صوبه» ا ه (1).
    وفي فذلكة كاتب چلبي في حوادث سنة 1006 ه‍ اختير هذا الوزير لمنصب بغداد في أوائل شهر رمضان من هذه السنة ، وصار سردارا على الأمراء والجيش في شهرزور وفي الحدود لما قام به السيد مبارك من أعمال نهب وإفساد فتجاوز على أنحاء البصرة ، وسواحل الأحساء وحدودها ليقوم بدفع غائلته ، وكان أهل تلك الأصقاع استمدوا من شاه العجم ، فكان ضرر جيشهم أكبر ، فاستعانوا بالدولة العثمانية. وفي ذي الحجة من السنة المذكورة كتبت الدولة العثمانية لشاه العجم لدفع غائلته إلا أن صاحب الفذلكة أسدل الستار عن النتائج (2).
    والسيد مبارك هذا هو أمير المشعشعين وله ابن اسمه السيد بدر ولي الدورق ، ومنهم السيد خلف ذكرهم أبو البحر الخطي في ديوانه (3).
    ومثله في تاريخ نعيما. بين أن حسن باشا عهد إليه بوزارة بغداد في رمضان هذه السنة وعين سردارا على الأمراء والعساكر في بغداد وشهرزور وفي الثغور اختير لدفع غائلة السيد مبارك الذي عاث في أنحاء البصرة بجموعه فانتهب قرى البصرة والأحساء وأحدث فيها ضررا كبيرا وأدى إلى قتل نفوس بريئة في القرى والقصبات والبنادر فكانت الخسائر فادحة (4) ... وزاد صاحب سجل عثماني أنه أي الوالي الابن الكبير
    __________________
    (1) جامع الدول ج 2 ص 1091.
    (2) الفذلكة ج 1 ص 106.
    (3) الخطي أبو البحر شرف الدين جعفر بن محمد توفي سنة 1028 ه‍. كذا قال صاحب السلافة وترجمته في خلاصة الأثر أيضا. عندي نسخة مخطوطة من ديوانه. جمعه السيد الشريف جعفر بن عبد الجبار الموسوي لما بينهما من الألفة والاختصاص كذا ذكر عند إيراد قصيدة في مدحه. والديوان لا يخلو من فوائد تاريخية عن القطيف والبحرين وصحار. أوضحنا عنه في التاريخ الأدبي.
    (4) تاريخ نعيما ج 1 ص 192 ـ 193.

    لمحمد باشا الطوپال (لا الطويل) الصوقوللي ولي بغداد سنة 1006 ه‍ وعزل سنة 1012 ه‍ وقتل سنة 1513 ه‍ في حرب قره يازيجي من الجلالية وكان چلبيا ، شجاعا ، ميالا إلى الأبهة ، بنى في بغداد (جامعا ورواقا). وله كرسي من فضة يجلس عليه ، ذو أزهار وأشجار صناعية (1) ...
    وفي گلشن خلفا أنه سنة 1004 ه‍ عهد إلى الوزير حسن باشا بحكومة بغداد وأكثر التواريخ على أن ولايته كانت سنة 1006 ه‍.
    وفي ديوان روحي البغدادي قصيدة في مدح الوزير حسن باشا. ليس فيها تاريخ (2).
    حوادث سنة 1008 ه‍ ـ 1599 م
    جامع الوزير
    بنى حسن باشا الجامع المعروف باسمه ويقال له (جامع الوزير) ولا يزال معروفا بهذا الاسم ، وبعد تلك الوقائع عاد إلى بغداد وبنى الجامع سنة 1008 ه‍. مكتوبا عليه بخط قديم أنه عمره الوزير حسن باشا بن محمد باشا ، و (تاريخ الجامع) يعين أن ذلك كان سنة 1008 ه‍ والظاهر أنه تاريخ تمامه.
    والمشهور أن هذا الوزير عمر الجامع من أموال التجار المنتهبة من الأعراب ، كانوا هاجموا سفن التجار ثم استحصلت منهم. اختلطت فلم يعرف أصحابها ولم يستطيعوا أن يعينوها وباقتراح منهم على الوزير طلبوا أن يعمر جامعا بها فعمر هذا الجامع من أموال التجار وسمي باسمه. أنقل هذا الخبر عن المرحوم السيد محيي الدين الگيلاني عن والده المرحوم
    __________________
    (1) سجل عثماني ص 127.
    (2) ديوان روحي ص 35.

    فخامة السيد عبد الرحمن أفندي الكيلاني نقيب الأشراف ببغداد.
    وهذا نص ما كتب في باب المصلى :
    («بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ). عمر هذا المسجد في أيام خلافة خليفة الرحمن السلطان ابن السلطان ، السلطان محمد خان ابن السلطان مراد خان خلد الله ملكه وسلطانه. صحب البناء والإنشاء الغازي الوزير حسن باشا ابن الوزير المعظم المرحوم محمد باشا في سنة 1008 من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتحية» ا ه.
    والآن لم يبق من هذا الجامع إلا منارته القائمة ورقعته الواسعة. ولم يعمر بعد. وهذا الجامع لا علاقة له بحسن باشا المذكور في تاريخ مساجد بغداد للأستاذ الآلوسي في صفحة 31 فإن تلك الصفحة في (جديد حسن باشا) الذي مر الكلام عليه باسم (الجامع السليماني). وأصل هذا الجامع من بناء الخليفة المستنصر بالله العباسي. ويسمى بـ (المسجد ذي المنارة). وفي كتابنا (المعاهد الخيرية) تفصيل عنه في ما جرى عليه من تعميرات ، وما ورد فيه من نصوص (1).
    كاخ بهشت :
    وهذا الوزير مائل إلى استخدام الحشم والأعوان بحيث يضارع الملوك في أبهتهم وسائر أوضاعهم فهو معجب بنفسه ومعروف بالچلبية والشجاعة. ولما كان واليا ببغداد اتخذ له سريرا فخما بقيمة أربعين ألفا أو خمسين ألف قرش ، سماه (كاخ بهشث) وزينه بأشجار وأثمار من فضة خالصة مما جعل الناس في حيرة من أمره (2) ...
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 66 ـ 1 ورحلة أوليا جلبي ج 4 ص 419.
    (2) كلشن خلفا ص 66.



    ترجمة كتاب مناقب الكردري :
    وفي أيامه كان مفتي بغداد المولى حسين ابن الحاج حسن الأدرنوي وبرغبة من حسن باشا الوزير ترجم إلى التركية مناقب البزازي المعروفة بمناقب الكردري وهو الإمام محمد بن محمد الكردري المعروف بالبزازي المتوفى سنة 727 ه‍ وكتابه المناقب عربي طبع في الهند مع مناقب الموفق. وهذا في أبي حنيفة (رض) وتاريخ حياته.
    حوادث سنة 1011 ه‍ ـ 1602 م
    أمير قشعم
    أظهر العصيان أمير قشعم فحاربه والي بغداد محمد باشا وانكسر عسكر بغداد. هذا ما ذكره صاحب عمدة البيان في تصاريف الزمان إلا أننا لا نعرف واليا ببغداد لهذا التاريخ بهذا الاسم. نثبت ما ذكره هنا. ولعل النصوص الأخرى تعين ذلك ، وكذا ما ذكره عن خان چغاله بين أنه بناه سنان باشا ابن چغاله سنة 1013 ه‍ وهذا ليس بصواب قطعا. وذكر أنه بناه للينكچرية.
    عزل الوالي :
    عزل هذا الوالي. واختلف في تاريخ عزله. جاء في تاريخ نعيما أنه انفصل سنة 1008 ه‍ ووجهت ايالة بغداد إلى طرنقچي حسن باشا فلم يذهب ، ثم وجهت سنة 1009 ه‍ إلى محمد باشا آل سنان باشا (1). أما الوزير حسن باشا فإنه قتل سنة 1010 ه‍. ولم يعرف عنه سوى بناء الجامع ، وشراء العرش لإظهار الأبهة والعظمة. كأن أمثال هذه تزيد من خشية الناس له ، أو تكبر عقلا ، أو ترمز إلى حسن تدبير ، أو تعين اقتدارا. والآراء أمثال هذه موجودة في صنوف من الناس. وذكر صاحب
    __________________
    (1) جاء في عمدة البيان اسم محمد باشا ولم يوضح عنه.

    سجل عثماني أنه عزل سنة 1012 ه‍ إلا أننا نقطع ببطلان ذلك والأمر المهم أن صاحب الفذلكة ذكر حربه لليازيجي الجلالي في حوادث سنة 1010 ه‍ فمن المستبعد جدا أن نقبل ما ذكره صاحب سجل عثماني فقد ولي الشام قبل هذا ثم صارت الحرب (1).
    إن حسن باشا بن محمد باشا الوزير ابن الوزير كان نائب الشام. ولي في مبدأ أمره كفالة حلب ، دخلها ولم يلتح أو لم تكمل لحيته ، ثم ولي بعدها كفالة الشام سنة 985 ه‍ وعزل عنها وولي ولاية أناطولي (الأناضول) ثم ولاية أرزن الروم. وكان الوزير الأعظم فرهاد باشا سردارا على العساكر العثمانية لغزو العجم فاجتمع به في ولايته المذكورة ووقع بينهما أمور طويلة بسبب أن فرهاد باشا كان بنى بعض القلاع في ديار الشرق ودفع حساب كلفته عليها في دفتر وطلب من بقية الأمراء إمضاء ذلك الدفتر فمنهم من أمضاه ومنهم من رده وكان صاحب الترجمة ممن رده وعرض على السلطان أن المبلغ الذي رفع حسابه فرهاد باشا ليس كما ذكر. (وعلى هذا) بادر صاحب الترجمة إلى الرحيل فرحل إلى دار السلطنة. (وحينئذ) أقبل السلطان عليه وولاه الشام للمرة الثانية وكان ذلك في حدود سنة 977 ه‍ واستمر بها حاكما مدة تزيد على سنتين. ثم عزل وأعيد ثالثا.
    ولما عزل صاحب الترجمة عن الشام في هذه المرة سافر إلى دار السلطنة وتقلبت به الأحوال إلى أن صار حاكما في بلاد الروم واستمر هناك ونسبوا إليه في حكومته أمورا لا أصل لها فورد حكم سلطاني بقتله فلم يسلمه العسكر للقتل ثم حضر بعد ذلك إلى جانب السلطنة وبحث عن أصل الحكم الذي ورد بقتله فلم يجد له أصلا. ولم يزل يحاول الخروج من القسطنطينية حتى أعطى ولاية بغداد وما يليها من بلاد عراق
    __________________
    (1) فذلكة كاتب جلبي ص 173.

    العرب. فذهب إليها بعسكر جرار ودخلها بأبهة عجيبة وأظهر فيها من الحجاب ما لم يعهد لمثله ولم يزل بها حاكما حتى حدثته نفسه بحفر نهر أخذه من دجلة فأجراه يسقي أماكن كثيرة قيل إن محصولها يزيد في السنة على عشرين ألف دينار ذهبا. وحدث بينه وبين العسكر العراقي أمور أدت إلى أن عرض أمرهم على الحضرة السلطانية فأمروه بالخروج من بغداد فخرج منها خائفا من شق العصا وأقام بالموصل أياما ثم نازلهم منازلة المحارب إلى أن جاءه الأمر بالانفصال بعد أن نهبت جماعته فتوجه إلى ديار بكر فبينا هو فيها إذ بالأمر السلطاني جاءه أن يصير اصفهسلارا (أصله سپهسلار بمعنى قائد عام) على العساكر ويذهب لقتال عبد الحليم اليازيجي الباغي الناجم في نواحي سيواس هو والطائفة الكيانية .. (فكانت النتيجة) أن قتل في توقات. في سنة 1012 ه‍ (1).
    وقال في (عمدة البيان في تصاريف الزمان) عن حسن باشا ما نصه :
    «وهو لما ولي بغداد أجرى شعبة من الدجيل ، فكان محصولها عشرين ألف دينار» ا ه. ذكر ذلك في حوادث سنة 1012 ه‍.
    ولم يتعرض صاحب گلشن خلفا لهذا الحادث فجاء هذا النص موضحا لما في خلاصة الأثر.
    وتاريخ نعيما يفيد أن حسن باشا عين سردارا للقيام بتنكيل عبد الحليم قره يازيجي والجلالية سنة 1008 ه‍ ولعله تأخر قليلا وذهب (2) ... وهذا هو الأجدر بالقبول ، وأن تاريخ العراق غامض من هذه الناحية فلم يعرف بالضبط تاريخ الولاة ولا تاريخ ولايتهم ولا أيام عزلهم.
    __________________
    (1) خلاصة الأثر ج 2 ص 45.
    (2) نعيما ج 1 ص 245.

    وفي هذه النصوص كلها ما يوضح الوضع أكثر ، ويدل بصراحة على أن الأخبار جاءتنا مبتورة ناقصة ... وقد انكشف نوعا بعض الغموض وإن كان هذا المؤرخ أيضا لم يعين تاريخ ولايته على بغداد ولا تاريخ انفصاله منها. ولعل الصحيح ما بينه نعيما في تاريخه لاستقائه من المنابع الرسمية.
    حوادث سنة 1012 ه‍ ـ 1603 م
    الوالي صارقجي مصطفى باشا
    هذا ولي بعد الوزير حسن باشا. والظاهر أنه طرناقجي حسن باشا وأن صاحب السجل قال عن صارقجي : «تربى في البلاط فصار رئيس البوابين (قپوچي باشي) ثم نال منصب سلحدار. وفي 17 ربيع الأول سنة 1005 ه‍ ولي رياسة الينكچرية ، وبعد مدة قليلة ولي إمارة وان ، ثم صار واليا على بغداد. وبعد ذلك انفصل منها وجاء الآستانة توفي في شعبان سنة 1011 ه‍. وقال مشتهر بسوء الاعتقاد» ا ه. والملحوظ هنا أن صاحب گلشن خلفا أورد شعرا جاء تاريخه (باغ داد) ومن مجموع حروفه يتحصل لنا تاريخ (1012) ه ونراه الصحيح اللائق بالقبول وهذا هو والد محمد باشا الطيار. توفي ببغداد ودفن في الأعظمية وابنه كانت له الأعمال المجيدة في تسهيل الفتح.
    وفاة افراسياب :
    في هذه السنة تخمينا توفي أفراسياب مؤسس الإمارة الأفراسيابية في البصرة ذكرنا أعماله وبينا أنه كان همه مصروفا إلى تثبيت الملك وتقوية دعائم الاستقلال في البصرة. أما خلفه ابنه (علي باشا) فقد وجد البناء ثابت الأساس فحول وجهه نحو العلوم والآداب فنالت في أيامه نشاطا.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4   موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Emptyالجمعة نوفمبر 01, 2024 4:30 pm

    ابن الطويل :
    جاء في تاريخ (عيون أخبار الأعيان) في وقائع سنة 1012 ه‍ ما نصه :
    «في هذه السنة ـ سنة 1012 ه‍ ـ 1603 م ظهر في بغداد محمد بلوك باشي بن أحمد الطويل واستقل بحكومتها ، فسار لإزالته والي ديار بكر نصوح باشا مع أربعين ألف مقاتل فبرز إليه ابن الطويل ، فتصافا خارج بغداد ، فكان الفرار نصيب نصوح باشا. ثم إن كاتب ابن الطويل محمد أفندي دبر قتله بيد زوجته ، فجلس مكانه أخوه مصطفى بك ... فأرسل السلطان لإزالته الوزير محمود باشا ابن جغال» ا ه (1).
    ومن هنا يفهم أن تاريخ ظهوره في تلك السنة وأن مصافه ، ومقاتلته نصوح باشا كان في سنة 1015 ه‍.
    قال في گلشن خلفا :
    «كان بلوك باشي أي رئيس كتيبة الخيالة وبسبب سوء إدارة الحكم تغلب وحكم بالاستقلال ...» ا ه (2).
    والملحوظ أن صاحب گلشن خلفا ذكر هذا الحادث سنة 1017 ه‍ ، وبين أنه انتصر على نصوح باشا بسبب خيانة السكبانية (3). وإن محمد چلبي باني تكية المولوية غدر به فقتله ونصب أخاه مصطفى مكانه. ولعل واقعة نصوح باشا كانت في تلك السنة التي ذكرها صاحب گلشن خلفا.
    __________________
    (1) تاريخ الغرابي مخطوطتي ج 2 ص 91.
    (2) كلشن خلفا ص 66 ـ 2.
    (3) السكبانية. نوع جند أهلي من المشاة.

    حوادث سنة 1014 ه‍ ـ 1605 م
    روحي البغدادي
    أصل نسبه من الروم إلا أن والده كان من مماليك أمير أمراء بغداد اياس باشا ، التحق بجيش المتطوعين ببغداد ، وأن ابنه روحي واسمه عثمان ولد ببغداد فنعت بالبغدادي وأن خلقه مرغوب المحبين ، ووجوده طاهر ، وذهنه مستقيم قوي ، وبلاغته روضة أريضة ، وله نظم جميل منعش ، ومعرفة لا توصف ... غنى بالشعر فبرع فيه. وصار يغرد فيه الأدباء فله طبع شعري لا يزاحم ، وفيه رقة لا تقدر ... اتفقت الكلمة على حلو ألفاظه ، وحسن انسجام أسلوبه سواء في التركية أو في الفارسية فقد برع في النظم باللغتين (1) ... وقد طبع ديوانه التركي سنة 1287 ه‍ كما أن عهدي أورد له جملة من المختارات. نال شعره رغبة فائقة ولا يزال معتبرا حتى أيام عهدي دون عنه في تذكرته. أورد له ضيا باشا في كتابه (خرابات) موشحه المسمى بـ (تركيب بند) وعارضه بآخر مثله.
    وقال فيه صاحب (قاموس الاعلام) إنه شاعر جذاب ، ومن مشاهير شعراء القرن العاشر وتركيب بنده مشهور معتبر. وله ميل إلى السياحة يتجول دائما. ذهب مرة إلى الاستانة ثم مضى إلى قونية ومنها إلى الشام فتوفي هناك عام 1014 ه‍ (2).
    وقال صاحب خلاصة الأثر : «روحي الشاعر البغدادي المشهور ، كان من أعاجيب الدنيا في صنعة الشعر التركي ، له التخيلات اللطيفة ، والألفاظ الرشيقة ، وديوانه مشهور ، يوجد كثيرا بأيدي الناس وكان على أسلوب السياح ، وله في سياحته ما جريات ووقائع كثيرة ، واستقر آخر
    __________________
    (1) عهدي : تذكرة الشعرا ص 189.
    (2) قاموس الأعلام ص 314.

    أمره بدمشق ... كانت وفاته سنة 1014 ه‍» ا ه (1).
    ولا مجال لذكر ما قيل فيه سوى أننا نقول مع الاعتراف بقدرته الشعرية إنه تصوفي بكتاشي كما يستفاد من قصيدته (قصيده حقيقت انگيز) ومن عرف مرامي القوم يقطع بأنه من الحروفية (2) ... ولا شك أنه حفظ لنا بعض الوقائع التاريخية وعين لنا أن هناك ولاة لم يذكرهم المؤرخون مثل سليمان باشا حاكم بغداد فإنه مدحه في قصيدة ولم نقف على ترجمة له (3) ... والمهم أكثر في ديوانه أنه عرفنا بعصبة أدب وشعر ليس في أيدينا من آثار توضح عنها ، وذلك أنه كتب قصيدة من الشام أرسلها إلى رفقائه في بغداد يسأل عن كل واحد منهم (4). خاطب بها النسيم فجعله رسوله إليهم ... حفظ بها ما اندثر أو كاد يندثر.
    وممن ذكرهم (في تلك القصيدة الأدبية) :
    1 ـ كشفي : أمير الكلام وزبدة الأفاضل.
    2 ـ طبعي : صاحب ديوان. وله طبيعة عالية.
    3 ـ داعي : ظهير أهل الكمال ، ومقرىء القرآن. وهذا مذكور في گلشن شعرا لعهدي البغدادي.
    4 ـ فيضي : ذو الذوق ، وصاحب الفيض من رجال عهدي.
    5 ـ حسن بك الدفتري : لروحي قصيدة في رثائه ...
    6 ـ أحمد الحريري : من رجال تذكرة عهدي.
    __________________
    (1) خلاصة الأثر ج 2 ص 172.
    (2) مر الكلام على الحروفية عند الكلام على فضل الله الحروفي ونسيمي البغدادي في المجلدين الثاني والثالث من تاريخ العراق.
    (3) ديوان روحي ص 32.
    (4) ديوان روحي ص 57.

    7 ـ عبد الرحيم : الفائق في الفارسية القديمة.
    8 ـ سلمان : الذي ليس له نظير في الفارسية. من رجال التذكرة.
    9 ـ كلامي : في كربلاء ، منطيق بارع ، وعارف وحيد في العالم.
    مر في التذكرة.
    10 ـ مهدي : عندليب روضة العرفان. الماهر في الغزل.
    11 ـ فضلي : مؤرخ الكون. والظاهر أنه بقي حيا لما بعد عهدي وروحي.
    12 ـ رندي : أستاذ في فنون الشعر ، نابغة في اللطائف.
    13 ـ خاكي بك.
    14 ـ طرزي.
    15 ـ منلا شريف : شريف الذات وخطاط ماهر.
    16 ـ أميني : من المغرمين بفغاني ، وله مباراة لقصائده.
    17 ـ جوهري : له في المآسي ، والبكاء على جور الزمان. من رجال عهدي في تذكرته.
    18 ـ نصرتي : متفوق في تركيب بند ، ويأخذ بمجامع القلوب فيجعل سامعه متحيرا ... مدون في التذكرة.
    19 ـ آتشي : له شعر يكاد يلتهب ... من رجال التذكرة.
    20 ـ علمي : كامل في الغزل.
    21 ـ نقدي : مادح آل الرسول.
    22 ـ گاهي : متصوف.
    23 ـ حميدي.

    24 ـ فهمي : مولع في الصناعات الشعرية.
    25 ـ ندائي : صاحب غزل. وإنشاد بديع.
    26 ـ شيخي : درويش عاشق.
    27 ـ حزمي : قارىء غزل ، ومؤانس ... رئيس الفقراء وهو مبتلى بليلاه.
    28 ـ منلا حسن : من أهل الغم والبؤس.
    29 ـ قاسم علي : من أهل الذوق.
    30 ـ حسن سيرين : مولع ببنت العنب.
    31 ـ علي خان أكرمي : من إخوان الصفا.
    32 ـ محمدي.
    33 ـ عثمان : ورد في التذكرة.
    34 ـ الأستاذ أحمد.
    35 ـ ساقي.
    36 ـ مريدي.
    37 ـ حاجي.
    38 ـ ثاني.
    وأعقب قصيدته التي عدد بها هؤلاء الفضلاء بأخرى ولم نقطع في سبق إحداهما الأخرى جاء فيها يطلب أن يبشره ريح الصبا عن رجال في بغداد ولعل فيها ما يكرر أسماء الماضين ولكنه يذكرهم بأسمائهم الصريحة لا بالمخلص أو على العكس ... وغرضه المداعبة معهم وبيان أوصافهم في نظره وإننا نذكرهم هنا حاذفين المكرر لعل في المستقبل يظهر ما يميط اللثام عن الجهالة ...
    1 ـ عالي بك دفتري بغداد : هو صاحب مناقب هنروران وكنه الأخبار. مر الكلام عليه.

    2 ـ سليمان الموري.
    3 ـ محمود.
    4 ـ علي بك.
    5 ـ نعمان : قاضي بغداد.
    6 ـ محمد چلبي.
    7 ـ حكمي : مخلص صاحب الديوان.
    8 ـ محمد بك : فارس ميدان الشطرنج.
    9 ـ أهلي بك.
    10 ـ لمعي.
    11 ـ محمد دده.
    12 ـ علي فاقي.
    13 ـ محمد چاوش.
    14 ـ قنى مصلى چلبي.
    15 ـ عهدي : هو صاحب التذكرة (گلشن شعرا).
    وممن ذكرهم من أعيان بغداد :
    1 ـ أحمد چاوش بياني زاده. رثاه بقصيدة (ص 66).
    2 ـ يوسف چلبي.
    هذا والديوان أثر نفيس ، خالد ، منبعث من روح أدبي وثاب. وقد أفردنا الموضوع في كتاب (تاريخ الأدب التركي في العراق).
    ورد ذكر بعض رجال البكتاشية وهنا أبين تكاياهم المعروفة :

    تكايا البكتاشية
    1 ـ في كربلاء في صحن الإمام الحسين (تكية الددوات) وهي (تكية البكتاشية) ، وتوليتها بيد (آل الدده). لا تزال موجودة. وكانت بيد السيد الفاضل المرحوم حسين الدده مدة طويلة إلى أن توفي في صيف سنة 1948 م في خراسان في المشهد الرضوي. ويرجع عهدها إلى أول الفتح العثماني وأن من مشاهيرها (كلامي) المعروف بـ (جهان دده). وأن فضولي الشاعر ممن دفن فيها. وهناك مراقد آل الدده. والتولية منحصرة فيهم. وهم شيعة إمامية. ولا تعرف عنهم البكتاشية ولا اعتناق طريقتها. فهم أصولية.
    وهذه التكية من أقدم تكايا البكتاشية في العراق ، ولم ينقطع اتصالها بالبكتاشية من الترك إلا بعد الحرب العامة الأولى لسنة 1914. وزاد الانقطاع بإلغاء التكايا في الجمهورية التركية.
    2 ـ في (النجف) تكية للبكتاشية أيضا ، ولا شك أنها ترجع في القدم إلى مثل تكية (كربلاء) إلا أننا لا نقطع في تاريخها لما قبل الفتح العثماني. ولعل الوثائق تظهر تاريخها ، وتعين وقت تكونها مع العلم بأن الحروفية كانوا يعتقدون بأكابر رجالهم مثل فضل الله الحروفي. وكان في النجف في تكية البكتاشية الحاج السيد أحمد ويراني سلطان. وهذا معتبر عند البكتاشية والكاكائية معا (1). ناله الظهور ورفع إلى السماء وصار أسدا. ولا تزال قلنسوته في هذه التكية موضوعة على دكة يزورونها ويبدون لها غاية الاحترام والخضوع. فهو من أكابر شيوخ البكتاشية. ولم يعين تاريخه ، ولا شك أنه سابق للتاريخ العثماني بل إن تاريخ الحروفية يتحقق في تاريخ فضل الله الحروفي مؤسس الحروفية.
    __________________
    (1) الكاكائية في التاريخ. طبع ببغداد سنة 1368 ه‍ ـ 1949 م.

    لازم الخلوة والطريقة في حضرة الإمام علي في النجف مدة طويلة فلا ريب أنهم يرجعون في طريقتهم إليه وهي لا تختلف عن البكتاشية بوجه.
    3 ـ في بغداد (تكية البكتاشية) كانت في محلة الجعيفر في القسم الغربي من البلد ، وتسمى تكية خضر الياس ، استولت عليها مياه دجلة ، ولم يبق لها أثر ، وكانت رباطا أنشأه الخليفة الناصر لدين الله العباسي. والتربة المجاورة له تربة سلجوقي خاتون بنت قلج أرسلان ملك الروم وهي الجهة السعيدة للخليفة.
    كان تزوجها نور الدين محمد بن قرا أرسلان صاحب حصن كيفا. فلما توفي تزوجها الخليفة الناصر. توفيت سنة 584 ه‍ فوجد عليها الخليفة وجدا عظيما ظهر للناس كلهم. وبنى على قبرها تربة وإلى جانب هذه التربة بنى الرباط وهو في محل يقال له الرملة في باب البصرة من جانب الكرخ من بغداد. بنيت بقربه قلعة الطيور (قلعة الطير). فلما دخل العثمانيون اتخذوا هذا الرباط تكية للبكتاشية. وتاريخ ما جرى عليها أوضحناه في موطن غير هذا.
    4 ـ تكية بابا گور گور : للبكتاشية أيضا. والآن زال أثر البكتاشية منها. كانت مسجدا فعادت كذلك. وهي ببغداد.
    5 ـ في داقوق (دقوقا) تكية يقال لها تكية دده جعفر. ولا تزال.
    6 ـ في كركوك تكية يقال لها تكية مردان علي ، كما أن تلعفر وسنجار فيها الكثير من باباواتهم.
    ومن رجال هذا العهد في البكتاشية (فضولي الشاعر) ، و (روحي البغدادي) ، و (جهان دده) المذكورون وكلهم حروفية ، وقد سبق أن ذكرنا عن هؤلاء ، وعن الحروفية أيضا ما فيه الكفاية (1) فلا محل لإعادة القول ، وكان قصدنا هنا مصروفا إلى بيان الصلة بين البكتاشية وبين الحروفية.
    __________________
    (1) تاريخ العراق بين احتلالين ج 2.

    ويأتي الكلام على كل تكية بظهور حادث معروف لها في حينه ، فلا نعجل بالتفصيل ، وقد أفردنا تكايا البكتاشية وطريقتهم بكتاب على حدة.
    طريقة البكتاشية
    هذه الطريقة لم تعرف قبل دخول العثمانيين بغداد سنة 941 ه‍ والطرق في الأنحاء العراقية كثيرة. وفي الأصل أسسها أهل الصلاح من الأهلين وشاعت. وترجع إلى العهود العباسية في قدمها ، ولكن هذه الطريقة جاءتنا من الترك العثمانيين وهي خاصة بهم ، فلم تعرف البكتاشية عندنا قبل ورودهم. وإنما كانت الحروفية معروفة على يد فضل الله الحروفي ومن كتبها جاودان ، وعلى يد نسيمي البغدادي وأتباعه ...
    وطريقة البكتاشية في الحقيقة كانت طريقة زهد وتقوى ، لم تدخلها البدع ، ولا الابطان إلا من حين دخل الحروفية والأخية بين صفوفهم.
    وكان قد ألغى السلطان محمود الثاني تكايا البكتاشية سنة 1241 ه‍ عند ما قضى على الينكچرية ولكن ذلك لم يتم إلا أيام رئيس الجمهورية التركية السابق المغفور له أتاتورك (مصطفى كمال) ، فكان القضاء المبرم.
    لم تنل هذه الطريقة رواجا في العراق ولا في البلاد العربية. ومؤسسها الأصلي الحاج (بكتاش ولي) المتوفى سنة 738 ه‍. والكلمة متفقة على أنه كان من أهل الصلاح والتقوى ، إلا أن الحروفية دخلوها فأفسدوها من جراء أن هؤلاء استغلوا شهرة بكتاش فمالوا إليها.
    وبدخول العثمانيين تأسست في العراق ، فاتخذت جملة تكايا فتمكنوا من تكوين طريقتهم في بغداد والأنحاء العراقية الأخرى ، فتكونت لهم (تكية خضر الياس) و (تكية بابا گور گور). كان مسجدا ، فصار تكية لهم. وتكايا أخرى في النجف وكربلا وغيرهما.

    وهؤلاء أهل ابطان تستروا بالتشيع ، وإن مؤلفاتهم التي عرفت لحد الآن تنبىء عن أنهم من الغلاة دخلوا من طريق التصوف بل إن تصوفهم كان غاليا وفي العراق ظهرت بعض حوادثهم. وتأتي في حينها. وعندنا من أهل العناصر القريبة منهم العلي اللهية ، والكاكائية ، والقزلباشية ، والباباوات ، ولا يفرقون عن غيرهم إلا بما دخل هذه الطوائف من أمور دخيلة مما فرضه الرؤساء ، وقد تكلمنا عليهم في كتاب (الكاكائية في التاريخ). وكلهم اليوم في قلة. وفي كركوك تكية للبكتاشية يقال لها (تكية مردان علي) ، وفي دقوقا (تكية دده جعفر).
    وهم في العراق لم يحدثوا تأثيرا كبيرا على الأهلين بالرغم من وجود مؤسساتهم فهي ضعيفة الأثر. ولما كان بحثنا يتناول الموجود في هذا العهد فلا يسعنا أن نتناول كل تكية بحالها ، ولا أن نتكلم على (تكية باب گور گور) ولا ما حدث بعد هذا التاريخ.
    اشتهروا في حكاياتهم التي ينددون بها بالأمور الشرعية ، والفرائض المكتوبة ، ويقولون بترك الرسوم الدينية ، وتتداول بين الناس هذه الحكايات يحفظها الكثيرون في مقام يعين وضعهم في شرب الخمر وسائر المنكرات والتهاون بالعبادات إلا أنهم يتظاهرون بأنهم اثنا عشرية وهم بعيدون عنهم ، فأبطنوا ما أبطنوا. ولو لا ما قامت به السلطة من التنكيل بهم ، أو القضاء عليهم فأدى إلى انتشار كتبهم لبقوا على هذا التكتم مدة أطول.
    ومن أهم الكتب الموضحة لهذه الطريقة :
    1 ـ كاشف أسرار بكتاشيان. للخواجة إسحاق. وهذا يوضح أغراضهم ويرد عليهم. وهو من أجل الآثار في التعريف بهم ، وبما يكتمون.
    2 ـ دافع المفاسد وكاشف المقاصد. وهذا رد على سابقه. وفيه

    ما يبين مؤلفه أنهم مسلمون ، ويتنصل مما عزي إليهم في كتاب كاشف أسرار بكتاشيان.
    3 ـ تاريخ البكتاشية. للأستاذ بسيم أتالاي. ويعد من أجل الآثار.
    وبعد القضاء على التكايا أيام المغفور له أتاتورك ظهرت آثارهم وتبين صدق ما أوضح صاحب كتاب (كاشف أسرار بكتاشيان). وأن كتبهم (كتب الحروفية) وقد أوضحت عنها وقدمت قائمة بأسمائها ، وعينت أوضاعها في المجلدات السابقة من (تاريخ العراق بين احتلالين) ولا تزال مخطوطات من مؤلفاتهم عندي ومنها ولايتنامه. وبحث الترك العثمانيون كثيرا ، ونشروا في بيان هذه الطريقة وأسرارها وما تكتمت به ، فوضح المبهم ولم يبق خفاء. وفي دائرة المعارف الإسلامية بحث في البكتاشية.
    وعندنا من العارفين بالآداب البكتاشية التركية الأساتذة بهاء الدين نوري ، توفيق وهبي ، أحمد حامد الصراف ، وآخرون لا محل للتوسع في ذكرهم.
    حوادث سنة 1015 ه‍ ـ 1606 م
    أحوال بغداد
    من سنة 1012 ه‍ إلى هذه السنة السنة (1015 ه‍) لم تتوضح وقائع الولاة ، ولم تعرف بوجه القطع ... ومن النصوص التاريخية المتقدمة أن طرناقچي حسن باشا قد ولي بغداد بعد أن غادرها الوزير حسن باشا ثم عزل عنها ولا يعرف من خلفه ... ثم عاد إليها مرة أخرى وجاء في گلشن خلفا أنها وليها بعده صارقچي مصطفى باشا وأرخه في سنة 1012 ه‍.
    ومن ثم أسدل الستار عما وقع ...

    طاعون في الموصل :
    جاء في عمدة البيان في تصاريف الزمان أنه حدث في هذه السنة في الموصل طاعون خفيف امتد خمسة أشهر.
    نصوح باشا ـ محمد بن أحمد ابن الطويل
    وفي 4 المحرم سنة 1015 ه‍ توجه نصوح باشا إلى بغداد بأمر من الوزير الأعظم ليكون واليا على بغداد ، فصدر الأمر السلطاني بذلك. ولما ورد قرب الفرات لقي في طريقه پيالة باشا (1) المعزول من ولاية البصرة. وهذا بين له أن محمد بن أحمد الطويل قد أبرز أمرا مزورا وبه استولى على بغداد وتابعه الجيش الأهلي الذي تمكن من أن يستميله لجهته وأعلن ولايته فيها ... وكان سبب تغلبه سوء التدبير الحاصل من الحكام فاستقل في بغداد.
    ومن ثم سارع الباشا إلى نصيبين فاستقبله حاكم الجزيرة مير شرف الذي كان أميرها عن وراثة وأمير أمراء الرقة والتزم أن يساعد الوزير في استمالة الأكراد ومن ثم قدم نصوح باشا الخلع إلى كل من سيد (2) خان وأمراء سهران من الأكراد ، وكذا أمير العربان الأمير أحمد بن أبي ريشة ودعا الكل على السفر إلى بغداد اتباعا للأمر السلطاني وأن يكونوا مع السردار نصوح باشا ...
    أما ابن أبي ريشة فإنه خدع القوم وقال لهم : امضوا لجهتكم ونحن نمضي من هذا الجانب والملتقى في الجانب الغربي من بغداد. وهكذا
    __________________
    (1) الظاهر أنه كان قديما في ولاية البصرة أي قبل على باشا الذي كان باعها إلى أفراسياب وإلا فلم يعهد في هذا التاريخ أثر للحكم العثماني هناك. وربما عين للبصرة ، وبقي ببغداد.
    (2) ورد في مواطن أخرى بلفظ (ابن سيد خان) وليس بصواب.

    فعل سيد خان وسائر الأكراد فكانت مواعيدهم غير صحيحة وأن الباشا توقف ، في الموصل نحو أربعين يوما فلم يظهر أثر من أعمال أولئك ... وبينا هو في حيرة من أمره منتظرا ما تأتي به الأخبار إليه إذ عثر على كتاب من سيد خان أرسله إلى محمد الطويل فقبض عليه وفحواه أننا تمكنا أن نؤخر نصوح باشا هذه المدة ، وخذلنا أكراد سهران ومنعناهم من الذهاب فعليك أن تثبت كالرجل الشجاع والعاقبة لك فلا تخرج بغداد من يدك ، وأن تسعى جهدك.
    فلما رأى نصوح باشا ذلك انفعل غاية الانفعال وارتبك عليه أمره ، كانت آماله قوية في الاستيلاء على بغداد لولا هذه الخيانة فتعسر عليه الأمر ... وحينئذ ورد إليه الأمر السلطاني بلزوم إقدامه والذهاب لافتتاح بغداد فسار اضطرارا وكان معه أمير أمراء شهرزور ولي باشا ، وپياله باشا ومير شرف ، ولما وصل إلى إربل كتب أيضا إلى أمراء سهران وإلى سيد خان فلم ينل منهم مرغوبا ولم يلتفتوا إلى رسائله. وهكذا فسد عليه أمر طوائف التركمان الذين كانوا صحبوه فاستهووهم بالأموال وبان سوء قصدهم ...
    والحاصل أن نصوح باشا اعتمادا على مواعيد ابن أبي ريشة نزل في أنحاء بغداد في 3 شعبان سنة 1015 ه‍ وكان هذا التاريخ موعد وصول ابن أبي ريشة المذكور فلم يظهر له أثر. أما ابن الطويل فقد جاء المدد من أتباعه وأعوانه ومن ابن أبي ريشة ومن سيد خان فدخل العربان والأكراد بغداد وتحصنوا بها ... وحينئذ خرج القوم من بغداد صفوفا لمقابلة نصوح باشا. وفي هذه الأثناء تمكن ابن الطويل من إرسال ثلاثين ألفا من الدنانير إلى السكبانية ليكونوا معه فاستهواهم. وعند تقابل الجموع في 6 شعبان مال السكبانية إلى جهة البغداديين ، انفصلت كتيبة منهم بصورة ظاهرة للعيان والتحق آخرون بناء على أمر بيت ليلا والباقون تفرقوا في الصحراء وانهزموا ... فأصاب الجيش وهن وضعف. أما

    الأمراء فقد ثبتوا مدة تحاربوا في خلالها حربا وبيلة فاستشهد ولي باشا أمير أمراء شهرزور وجرح نصوح باشا بجرحين. وكان أكثر رجالهم من أتباع مير شرف فاستشهد أكثر أمرائهم ...
    وعلى هذا انسحب نصوح باشا بمن بقي فعادوا إلى الجزيرة موطن مير شرف فاستراحوا هناك إلى نهاية الشتاء وعرضوا ما جرى.
    ولم تمض مدة حتى قتل ابن الطويل في بغداد (1).
    ونصوح باشا هذا من قرى كوملجنة دخل الحرم وصار من زمرة زلغلو بالطه چي وعين لخدمة أحد ندماء السلطان ثم خرج من الحرم إلى المتفرقة وصار مدة (ويودة) أي متصرفا على ايالة زيلة ثم صار كهية البوابين سنة 1007 ه‍ ، ثم صار أمير آخور صغير ثم صار مير ميران حلب. ثم عين سردارا كرة بعد أخرى لدفع غائلة الجلالية فانكسر منهم في كل مرة فولي بغداد فجرى بينه وبين عسكر بغداد نزاع أدى إلى القتال ثم نقل إلى ديار بكر وبقي فيها مدة ... وكان قد صالح الشاه عباس ورجع إلى دار السلطنة فدخلها في شعبان سنة 1021 ه‍ وأكرم بمصاهرة السلطان وبقي في الوزارة إلى أن قتل في 23 رمضان سنة 1023 ه‍ وكان مرتشيا ، سفاكا ، جبارا كذا قال عنه صاحب جامع الدول (2) وترجمته في خلاصة الأثر أيضا.
    حوادث سنة 1016 ه‍ ـ 1607 م
    وفاة محمد بن عبد الملك البغدادي
    «هو محمد بن عبد الملك البغدادي الحنفي ، نزيل دمشق الشام. الشيخ الإمام المحقق. كان من كبار العلماء خصوصا في المعقولات
    __________________
    (1) تاريخ نعيما ج 1 ص 458 وفذلكة كاتب جلبي ج 1 ص 283.
    (2) جامع الدول ج 2 ص 1124.



    كالإلهيات والطبيعيات والرياضيات ، وهو من جماعة علامة زمانه منلا مصلح الدين اللاري. قيل أخذ عن أخيه شمسي البغدادي (1). وكان في الأصول والفقه علامة. وله اليد الطولى في الكلام والمنطق والبيان والعربية. قدم دمشق سنة 977 ه‍ وحضر دروس البدر الغزي ولازم أبا الفداء إسماعيل النابلسي وقرأ فقه الشافعي على الشهاب العيثاوي ثم تحنف وولي وظائف تدريس منها المدرسة الدرويشية ، وفي الجامع الأموي وتولى تصدير الحديث بالجامع المذكور. وكان له في صندوق السلطنة في كل يوم ما يزيد على أربعين عثمانيا (2) وتولى مشيخة الجامع فسمي شيخ الحرم الأموي. وتولى تولية الدرويشية وعظم أمره وتردد إلى القضاة. وشمخ بأنفه حين رجع الناس إليه. وكان يحضر درسه أفاضل الوقت. ودرس التفسير بالجامع. وكانت في لسانه لكنة عظيمة حتى أنه كان لا يفصح في كلامه أبدا. وشاع ذكره في الأقطار الإسلامية. توفي ليلة الاثنين في العشرين من شعبان لسنة 1016 ه‍ وقد احتال القاضي والنائب هناك لسلب أمواله استفادة من غياب أقاربه عنه. ثم جاء بعد مدة ابن عم له من بغداد إلى دمشق فصالحه النائب على شيء من المال ثم ذهب فشكاه إلى الوزير نصوح باشا. وكان الوزير المذكور رأس العساكر إذ ذاك بحلب فوردت الأوامر بطلب النائب بسبب ذلك إلى حلب» انتهى ملخصا من خلاصة الأثر.
    ويظهر من ترجمته هذه أنه رجل عظيم لا يقل عن شمسي وعهدي وإن كان لم يعرف له تأليف فخدمته للتدريس والإرشاد غير قليلة أنجبه العراق واستفادت منه دمشق والمنفعة حاصلة منه على كل حال وليس هذا أول من رباه العراق واقتطف ثمرته قطر آخر ...
    __________________
    (1) مرت ترجمته في حوادث سنة 975 ه‍.
    (2) أي درهما عثمانيا ويراد به (الأقجة). وتساوي نصف مثقال من الفضة ثم تغيرت.

    حوادث سنة 1017 ه‍ ـ 1608 م
    قتلة ابن الطويل
    لم نعثر على بيان شاف عن تدخلات محمد بك ابن أحمد الطويل في الإدارة ولا عن أسباب حركته هذه ومتابعة البغداديين له وكذا غيرهم وعصيانه على حكومته كما يقولون وكل ما نعلمه عنه أن والده أحمد الطويل كان رئيس كتيبة خيالة (بلوك باشي) فلما توفي والده قام هو مقامه. وقال عنه صاحب سجل عثماني ولي بغداد عام 1013 ه‍ فخلفه في أمور الإدارة أخوه مصطفى فأنقذها منه محمود باشا چغاله زاده. وأما مصطفى فإنه مضى إلى إيران وتوفي هناك.
    أما قتلته فإن المؤرخين لم يبدوا تفصيلات عنها أوسع مما جاء في گلشن خلفا وذلك أنه في سنة 1017 ه‍ بعد أن خذل نصوح باشا وعاد إلى محله مقهورا لما أصابه من خيانة السكبان استقر الطويل في حكومة بغداد مستقلا ومن ثم اغتاله محمد چلبي كاتب ديوانه ومحرم أسراره ولم يوضح عن سبب قتلته فخلفه أخوه مصطفى ...
    وذكر صاحب الفذلكة خبر وفاة محمد ابن الطويل في حوادث سنة 1016 ه‍ وسيأتي تفصيل حوادثه.
    عودة إلى حوادث بغداد
    الوالي محمود باشا جغالة زاده
    واستخلاص بغداد
    إن هذا الوالي هو ابن سنان باشا المذكور ، كما أن له ابنا آخر هو فكري بك وقد مر ذكره. وكذا محمد بك. عهد إليه بمنصب بغداد وأن يقوم بأمر إنقاذها فعين سردارا ، فذهب نحو بغداد في غرة شوال سنة 1016 ه‍ وأخذ معه جيشا عظيما وبين هؤلاء حاكم أدنه ، وأحمد بن أبي

    ريشة ومير شرف من أمراء الأكراد ، فقطعوا مراحل للوصول إلى بغداد. وإن هذا الوالي القائد كانت له معرفة سابقة بآل قشعم ، وبسيد خان ، وبحاكم سهران وسائر عشائر الكرد والعرب ... ومن ثم اختار من صنوف الجيش عسكرا مرتبا وتوجه نحو بغداد فوصل إلى الموصل وهناك كتب رسائل إلى البلوكباشية القدماء (1) ، وإلى أغوات الجيش. بعثها إليهم سرا وفيها من الاستمالة والترغيب الشيء الكثير ... وفي الليلة التي جاءتهم الرسائل قتلوا السكبانية (2) وعند الصباح مضوا لإلقاء الحصار على مصطفى باشا في القلعة الداخلية أمام السراجخانة وأعلموا محمود باشا بما وقع. ذلك ما أنعش الوالي وبعث فيه الفرح والأمل فعجل بالسير في أوائل ربيع الآخر سنة 1017 ه‍ فوصل حوالي بغداد وقوي نشاط الثائرين كما أن جيوش الوالي هاجمت المحصورين وشددت الحصار عليهم وبتوسط من أرباب المصلحة منح مصطفى باشا لواء الحلة وشتت شمل العصاة في أواخر الشهر المذكور واستقر الوزير في حكومة بغداد. ولا يزال سوق السراجخانة من آثاره. فقضى على هذه الغائلة (3).
    وهذا الوالي لم يعرف عن وقائعه ، ولا عن إدارته وأعماله في العراق ولعله اشتغل بتثبيت الإدارة وترتيب الحكومة ... وقبل وروده إلى بغداد تقلب في مناصب عديدة ففي الأصل كان مير لواء ثم صار أمير أمراء. وفي سنة 1013 ه‍ ولي ديار بكر ، وفي سنة 1016 ه‍ ولي بغداد
    __________________
    (1) رؤساء كتائب الخيالة.
    (2) صنف من الجيوش المحلية يتكونون من أهل القرى المتطوعين في أدنى خدمات الجيش من المشاة (عثمانلي تشكيلات وقيافت عسكريه سي) ص 9 للمرحوم محمود شوكت باشا وهو الأخ الأكبر لفخامة الأستاذ الجليل السيد حكمت سليمان. وعندنا السكماني يراد به من يجيد الرمي مأخوذ من هذا اللفظ.
    (3) كلشن خلفا ص 66 ـ 1 ، وفذلكة كاتب جلبي ج 1 ص 297 وص 309.

    ثم رفعت عنه الرتبة وبعدها أعيدت إليه والحاصل لم ينفع لأمر ما فتوفي سنة 1052 ه‍ كذا قال عنه صاحب السجل (1).
    وجاء في تاريخ الغرابي ما نصه :
    «ثم إن كاتب ابن الطويل محمد أفندي أعمل الحيلة في قتله بيد زوجته فجلس مكانه أخوه مصطفى بك فأرسل السلطان لإزالته الوزير محمود باشا بن چغال. فلما وصل إلى الموصل راسل من تابع مصطفى بك من عسكر بغداد إذ كان له معهم معرفة حين كان واليا بها ، فأرسلوا له خبرا أن احضر ونحن معك فلما جاء إلى بغداد أظهروا أنواع الجلادة ثم توسطوا بالصلح فأعطى محمود باشا لابن الطويل حكومة الحلة فرضي بها وخرج إليها ، وحكم ابن چغال في بغداد وذلك في سنة 1017 ه‍. ثم إن ابن الطويل فر إلى العجم ، وبقي هناك. ولما لم يبق في قطر الأناضول من المخالفين أحد قصد الوزير الأعظم بلاد العجم وذلك في سنة 1019 ه‍» ا ه (2).
    المحمودية :
    اليوم تعد من أقضية بغداد المعمورة والكبيرة ، كانت مقاطعة في تملك والي بغداد محمود باشا چغاله زاده بن يوسف سنان باشا والي بغداد الأسبق ، ثم صارت قرية. والآن هي قضاء. ولا تزال معروفة باسمه. وكانت من أوقاف آل قره علي وآل الغرابي. لهم عقرها مسجل باسمهم ووقفهم هذا على الذرية. ذكرت نص الوقفية في محل غير هذا ، وهناك علقت ما لزم عن أسرة آل قره علي ، وعرفت بهم كما أني ذكرت (مدرسة الغرابي) وموقوفاتها مما لا مجال لتفصيلها هنا.
    __________________
    (1) سجل عثماني ص 319.
    (2) تاريخ الغرابي ص 91.

    حوادث سنة 1019 ه‍ ـ 1610 م
    الوالي قاضي زادة علي باشا
    في هذه السنة (1019 ه‍) ولي بغداد أمير أمراء روم ايلي. وهذا هو المعروف بقاضي زاده. مر الكلام على ولايته الأولى في بغداد سنة 998 ه‍ ولم يتعرض صاحب گلشن خلفا لحكومته الآنفة الذكر في بغداد كما أن صاحب سجل عثماني لم يبين ولايته الثانية وإنما ذكر أنه صهر قپوجي مراد باشا وكان صادقا ، متدينا ، عاقلا (1) ، ولم يعين تاريخ انفصاله ...
    حوادث سنة 1022 ه‍ ـ 1613 م
    صلح إيران وشروطه
    في هذه السنة عقد الصلح مع الشاه وكان من شروطه أن لا يسب الصحابة ولا الأئمة المجتهدون ولا أم المؤمنين عائشة الصديقة ، فتعهد الشاه بذلك كما كان سبق أن تعهد الشاه طهماسب بذلك ، وأن يزول العداء لأهل السنة وأن يؤذن لمن أراد المجيء إلى هذه الأنحاء باختياره فلا يمنع ، وأن تراعى الحدود التي كانت أيام السلطان سليمان ، فلا يتعرض للقلاع والبقاع ، وأن تكون البلدان والممالك التي بيد مبارك بن سنجار (2) تابعة لبغداد وأن لا يعاون المرقوم ، ولا يحمى بوجه وأن البقاع والبلدان التي استولى عليها (هلو خان) (3) من لواء شهرزور إذا كانت قد استردت منه فلا يساعد ، ولا يمد بمعاونة ما ، وأن يذهب حجاج إيران من طريق حلب والشام لا من طريق بغداد والبصرة حيث لم
    __________________
    (1) سجل عثماني ص 509.
    (2) السيد مبارك بن سجاد من المشعشعين. وهو الصواب. وجاء ذكر سجاد في تاريخ العراق ج 3.
    (3) من أمراء أردلان.

    يكن الطريق فيها أمينا. إلى آخر ما جاء مما لا يخص العراق. وفي هذه المعاهدة جاء ذكر والي ايالة بغداد الحافظ محمود باشا ، وأمير الأمراء محمد باشا وأنهما أودع إليهما أمر تحديد الحدود (1).
    وهذه المعاهدة غالبها يخص العراق والعلاقة به. فهي مما تهمه أحكامها ، وتعين الجهات المختلف فيها.
    حوادث سنة 1024 ه‍ ـ 1615 م
    الوالي دولار باشا
    هذا ما جاء في گلشن خلفا ـ ولي بعد علي باشا قاضي زاده فنال منصب حكومة بغداد برتبة وزارة. والظاهر من سجل عثماني أنه بقي إلى سنة 1024 ه‍ لأنه صار بعدها واليا في ديار بكر في التاريخ المذكور. وجاء عنه في تاريخ جامع الدول أنه «كان قد تخرج من البلاط برياسة الچاشنگيرية ، أي رؤساء الميرة (2). ثم ولي قبرص وبغداد وديار بكر ثم صار وزيرا أعظم بعد عزل حسين باشا إلى آخر سنة 1030 ه‍ وقتل يوم 7 أو 9 رجب سنة 1031 ه‍» (3).
    الوالي حافظ أحمد باشا
    ثم ولي حافظ أحمد باشا ، ذكره صاحب گلشن خلفا ولم يعين تاريخ حكومته في بغداد. وليس في التراجم الموجودة لدينا ما يعين ولايته أو يشير إلى أنه ولي بغداد في هذه الأيام. وإنما كان حارب العجم ، فلم يفلح في حروبه ، ولا نعلم عن ولايته شيئا.
    __________________
    (1) فذلكة كاتب جلبي ج 1 ص 354.
    (2) أصلها من يذوق الطعام للسلطان. فارسية. فأطلقت على من يقوم بالميرة من الجند.
    (3) جامع الدول ج 2 ص 1132.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4   موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Emptyالجمعة نوفمبر 01, 2024 4:31 pm

    حوادث سنة 1031 ه‍ ـ 1621 م
    الوالي يوسف باشا
    وهذا آخر ولاة الترك في بغداد لهذا العهد ومنه انتزعها المتغلبة وفي رأسهم بكر صوباشي. وكان النفوذ على الولاة قبل هذا التاريخ مشهودا إلا أنه لم يظهر كما ظهر في هذه المرة بمجابهة أصل الحكومة والثورة في وجهها. وهذا الوالي لم يعين صاحب گلشن خلفا تاريخ ولايته إلا أنه ذكره بعد أن أورد حوادث سنة 1026 ه‍ مما يشير إلى أنه كان قبل هذا التاريخ ولعله أورد أسماء الولاة مطردا ثم مال إلى الوقائع في أيامهم. وصاحب السجل يشير إلى أنه ولي بعد سنة 1030 ه‍ لأنه ذكر أنه ولي إمارة روم إيلي سنة 1030 ه‍ ووجد في حرب لهستان ثم عهدت إليه ولاية بغداد فقتل فيها عام 1032 ه‍ في الثورة التي قام بها بكر صوباشي. وكان من بوسنة فتخرج في البلاط ثم صار آغا الينگچرية وبعدها ولي روم إيلي بالوجه المشروح (1).
    بكر صوباشي
    1 ـ جداله :
    قالوا تزايد نفوذ بكر صوباشي من سنة 1028 ه‍ وكان في بادىء أمره من أفراد الينگچرية فصار في رتبة (صوباشي) (2) ، ثم صار آغا الينگچرية ومن ثم جمع له أعوانا في الخفاء واكتسب نفوذا. تابعه نحو اثني عشر ألفا من الجيش الأهلي (قول بغداد). وكان قد خافه جماعة من الأعيان أيضا فمالوا إليه رهبة لا رغبة وانضم إليه الأهلون من كل
    __________________
    (1) سجل عثماني ص 655.
    (2) الصوباشي. له كسوة خاصة. ويقوم بأعمال الشرطة ومهمات البلدية وفي أيام الحرب يؤدي الواجب العسكري (قيافت وتشكيلات عسكرية ص 60).

    صوب فتأثيره كان كبيرا ، وبقي في هذا المنصب مدة حتى نال النفوذ المطلق بحيث صار الوالي يهابه. لا يستطيع مخالفته ، ولا يخرج عن رأيه خصوصا حينما رأى الأهلين معه وهم قوة لا يستهان بها ولم يكن آنئذ للولاة اتصال بحكومتهم. فكانوا يتوقعون منه كل شر. ولما كان عسكر بغداد بيده من مدة فليس للولاة غير الاسم المجرد. والحكم كله له. وهكذا مضى ، ولا يزال يتكامل جمعه ، وتقوى عصبته.
    استثقل يوسف باشا هذه الحالة وصار يترقب الفرصة للوقيعة به ، وفي سنة 1031 ه‍ عصى بعض العشائر في الأنحاء القاصية وزاد ضررهم فتحتم إرسال قوة تأديبية لدفع غائلتهم فذهب (بكر صوباشي) بنفسه لتسكين هذه الفتنة وأقام ابنه محمدا مقامه. وكان آنئذ رئيس كتيبة الخيالة (بلوك باشي) ومحمد آغا العقيد (البيكباشي) فاستمال يوسف باشا محمد آغا المذكور فهرب أولاد بكر صوباشي وأخذت أموالهم وسدت أبواب بغداد وتهيأ يوسف باشا للقتال. ولما كسر بكر صوباشي تلك العشائر وعاد بلغه الخبر ، فحاصر بغداد. انضم إليه جمع عظيم لهذا الغرض وكان من جملة من سافر مع بكر صوباشي (عبد الله الرئيس ابن محمد قنبر أغا العزب) (1) ، وتفصيل الخبر أن محمد قنبر هذا استفادة من غياب بكر صوباشي صار يشوق الأهلين على بكر صوباشي ويحثهم أن يقوموا عليه. فعل ذلك بإغراء الوالي يوسف باشا وبين أن بقاء الحالة بهذا الوضع مما يخل بسمعة البلدة ، ويقضي على مصالح الأهلين ويضر بحقوقهم.
    وحينئذ دعا السپاه (2) والعزب والأشراف والأعيان ممن في بغداد
    __________________
    (1) العزب صنف من الجيش الأهلي من قسم المشاة. ويشترط أن يكونوا غير متزوجين ، ومن ثم سموا بـ (العزب).
    (2) السباه. جيش من صنف الخيالة يستخدم في الحرب وفي أيام السلم يقوم بانضباط المملكة ويجمع الأعشار. يقوم بتجهيزه التيمار. وله كسوة خاصة. (تشكيلات وقيافت عسكرية ص 62).

    وشاورهم في الأمر واتفقت كلمتهم على لزوم استئصال بكر وأعوانه وإبادتهم كلهم ووجوب مراعاة النظام وإنهاء هذه الحالة المضطربة.
    سمع محمد بن بكر أغا وكتخداه عمر أغا بما وقع عليه الاتفاق فتمكن محمد من الفرار وأما عمر أغا الكتخدا فإنه جيء به إلى محمد قنبر أغا فصار يتضرع إليه ويتوسل به. يبكي ويستغيث طالبا أن لا يقتل وأنه يقوم بما يلزم لتأديب بكر وأعوانه. فأبدى بعض الحاضرين لزوم اغتنام الفرصة وأن يقتل لحينه ولكن محمد قنبر قد غر وظن أنه سيكون من أعوانه ، يستميله إليه بالعفو. وعند ذلك أطلق سراحه ، وذهب إلى بيته ومن ثم تقلد سيفه وتقدم في المعمعة وصار يترقب ما تأتي به الأقدار. وبهذا غفل محمد قنبر عن مكر الأعداء وغره ما أظهروا.
    وحينئذ ذهب الوجوه والأعيان وكافة الأشياع إلى القلعة ووصلوا إلى الوزير يوسف پاشا فأعلموه بدخائل الأمور وحقائقها وأن الأعداء أشعلوا نيران الفتن والشرور وأوصوه أن يتخذ ما يلزم من التدابير إلا أن هذه كانت في غير أوانها بل شغل الوزير عن اغتنام الفرص بتوجيه المناصب بدل من شغرت مناصبهم. وكان الأولى به أن يراعي التدابير الواقية حذرا من أن يستفحل الأمر فلم يفعل.
    وبهذا تمكن الثائرون من لم شعثهم ومن تدارك الأسلحة خلال غفلة هؤلاء. جمعوا الأشياع والأحزاب ونهضوا. فاحتلّوا منعطفات الطرق وممر الناس. وكذا المواطن الأخرى التي رأوا ضرورة في لزوم احتلالها. ولم يكتفوا بذلك بل أغاروا على القلعة الداخلية والميدان وباشروا الجدال. رشقوا أتباع الپاشا بنيران البنادق حتى سقط الكثير منهم قتلى.
    ومن ثم عاد بكر صوباشي وحاصر البلد بل ضيق الخناق على الوالي. ذلك ما دعا الوزير أن يخاطر بنفسه وبمن معه فهاجم صوب

    الميدان وحمل على أعدائه فدامت المعركة بين الطرفين بضع ساعات في خلالها قتل خلق لا يحصى. فكانت النتيجة أن انتصر بكر صوباشي وأتباعه وخذل أتباع الوزير. وحينئذ لجأ أعوانه إلى القلعة الداخلية وفي الحال اتخذ القوم المتاريس والخنادق حولهم فحصروهم.
    رأى محمد قنبر أغا هذه الحالة بأم عينه وشاهد الخطر المحدق فأخذته الحيرة من خفوق مسعاه وصار لا يدري أين يتوجه. ارتبك عليه الأمر وأضاع رشده. قطع الأمل من النجاة. لا سيما بعد أن علم أن الكتاب الذي أرسله إلى ابنه قبض عليه بكر صوباشي وكان يحثه به أن يسرع بمن معه من العزب ، ويتخذ تدبيرا عاجلا ، وأن يستأصل بكرا وأتباعه ويأتي بباقي العسكر بلا تأخر. وعندما وقف على منطوياته أمر بالقبض على ابنه عبد الله الرئيس وكان نائما فاعتذر لنفسه ودافع بكل ما أوتي من بيان فلم ينجع. وإنما ضرب عنقه. وفي الحال تفرق أتباعه من العزب في البراري منهزمين ورجع بكر صوباشي لحينه إلى بغداد فعلم بذلك محمد قنبر أغا وشعر بما حل بابنه من الرزية. وما سيناله من مصيبة.
    إن بكر صوباشي وأتباعه وافوا على عجل وعبروا دجلة ومالوا ميلة واحدة على أعدائهم فأذاقوهم وبال أمرهم. وفي المعركة قتل الوالي. كان واقفا على تل الطوب فأصابته طلقة نارية أردته قتيلا. واستمر الباقون لبضعة أيام على حصارهم ، وقد قيل (المحصور مغلوب) فلم يروا بدا من التسليم وطلب الأمان.
    وهنا تلاعبت أقلام كتابهم في بيان أعمال بكر صوباشي وتمثيله بالمحاربين ، وقسوته ، وأنه لم يقبل أمانا وإنما غصب ودمر ما شاء أن يدمر (1). وقالوا نهبت العتاد (الجبه خانه) المخزونة من أيام السلطان
    __________________
    (1) خبر صحيح ، كلشن خلفا ، جامع الدول ج 2 ص 1137 ، وفذلكة كاتب جلبي ج 2 ص 39.

    سليمان ومن بعده ، وذهبت أموال كثيرة لا يحصيها قلم ، وكثر السلب. فأصبح كثير من الأغنياء والمتمولين لا يملكون شروى نقير.
    2 ـ تخلص بغداد له :
    ومن ثم وقعت بغداد في قبضة بكر صوباشي ، فصار حاكمها المستقل. وقالوا إنه بث العيون للاطلاع على أحوال الناس فصار يذيق المخالفين أنواع العقوبة ، وضروب القسوة. ولم نجد أثرا عراقيا سوى گلشن خلفا يعين نفسية الأهلين تجاه هذا الحادث الذي لم يطل في بغداد أمد حكمه بسبب الهجومات القوية المتوالية عليه من العثمانيين إلا ما جاء في تاريخ الغرابي. قال :
    «وفيها ـ في سنة 1032 ه‍ ـ تغلب بكر صوباشي في بغداد. فقتل حاكمها يوسف باشا ، وأرسل إلى محافظ ديار بكر حافظ أحمد باشا يطلب منه أن يعرض إلى حضرة السلطان مراد ... هذه الأحوال وأن يجعله حاكما في بغداد. فلما بلغ هذا الخبر إلى السلطنة جعلت سليمان باشا حاكما على بغداد ، وأمر حافظ أحمد باشا أن يسير بعكسر ديار بكر إلى بغداد ويزيل بكر صوباشي ، ويجلس سليمان باشا» ا ه (1).
    3 ـ الوالي سليمان باشا :
    وبعد أن تم لبكر صوباشي أمر بغداد حاذر من موقفه هذا وما سيجر من النتائج فعرض الحال على السلطان وطلب العفو وذكر أن يوسف باشا كان السبب فلا يتوجه عليه لوم والتمس أن تنعم عليه الدولة بمنشور الولاية. راجع بذلك والي ديار بكر حافظ أحمد باشا لكن الحكومة اعتبرته عاصيا فلم تمنحه الولاية. فعهدت بإيالة بغداد إلى
    __________________
    (1) تاريخ الغرابي ج 2 ص 99.

    سليمان باشا وأرسل هذا (متسلمه) (1) إليها فمنعه بكر صوباشي من الدخول وكان أمله أن يولى هو دون غيره فلما شاهد ذلك قال : «لا حاجة لنا إلى أمير أمراء!» وبهذا عارض رغبة الدولة العثمانية (2).
    أما الوالي فإنه لما سمع من بكر صوباشي الرد وأنه متأهب للقتال عزم على حربه وكان معه أمير أمراء الموصل ، ووالي كركوك ، وأمراء الكرد فساروا بعشرين ألفا من الخيالة وتقدموا نحو بغداد فوصلوا إلى قرية الجديدة (ينگيجه) وآمالهم مصروفة إلى حصار بغداد وكانت المدينة آنئذ في قحط عظيم ولكن الوالي بقي في محله ولم يجسر على التقدم. دام مكثه بضعة أشهر فاتخذ الشدة تارة والسهولة أخرى فلم تظهر نتيجة. ومن ثم قام من مكانه وتوجه إلى ما يقابل (بعقوبا) و (بهرز) فاتخذ هذه المواقع مضرب خيامه. وصاروا يعيثون في القرى نهبا وغارة.
    ولما علم بذلك بكر صوباشي أرسل كتخداه عمر آغا لحراسة القرى وصيانتها من التعديات وكان معه من جيش بغداد نحو ثمانية آلاف خرجوا من (الباب الأبيض) المسمى (آق قپو) فعبروا نهر ديالى من شريعة (صفوه) (3) (كذا) وصاروا تجاه الوالي سليمان باشا في محل يقال له (قباب ليث).
    __________________
    (1) المتسلم من ينوب عن الوالي في استلام أمور الإدارة والقيام بها إلى حين وروده إلى محل منصبه. وإن الغاية من إرساله أن تتيقن الدولة درجة الطاعة والامتثال وإلا جهزت الجيوش وقضت على أرباب الزيغ. وهذا أول متسلم عرف في بغداد. وكذا يراد بالمتسلم متصرف اللواء التابع لإيالة الوالي ، أو من كان دونه في نطاق السلطة.
    (2) جامع الدول ج 2 ص 1137.
    (3) قال الدكتور (مصطفى جواد) لا يزال هذا الاسم (صفوة) معروفا في آثار مدينة النهروان العتيقة في شرقي محطة كاسل بوست بينهما نهر ديالى. ومنهم من يسميه صفي وصافي ، والظاهر أنه قبر الشيخ صفاء من أصحاب السيد تاج العارفين كما ذكر في كتاب مناقبه المؤلف في أواخر القرن الثامن للهجرة المحفوظ في دار

    ومن ثم جرد الوالي عليهم حملة تقدر بخمسة آلاف. عهد بقيادتها إلى بوستان باشا والي كركوك. جاء لمقابلتهم ، وصاروا يتضاربون ، واغتنم جيش بغداد الفرصة فعبر النهر وهاجم الجيش العثماني. وفي المعركة جرح بوستان باشا. وفي تلك الليلة استولى الرعب على جيش الوالي فانهزم سحرا قبل أن يلتقي الجمعان. فولى الوالي الأدبار. وعاد إلى جهة الشام وأخبر حكومته بما جرى فاهتمت للمعضلة وبذلت ما في وسعها للتنكيل بهذا الثائر ودفع غائلته. أرسلت إلى أمير أمراء ديار بكر حافظ أحمد باشا ليكون قائد الحملة (1) ...
    حوادث سنة 1030 ه‍ ـ 1620 م
    ملا غانم البغدادي
    إن بكر صوباشي في هذه السنة قتل أحد العلماء مفتي بغداد (ملا غانم) ، وكان لهذا أقارب في بغداد من العزب. يخشى منه أن يخالفه فغدر به.
    أبدع الترك في تمثيل هذه المأساة فرأوا أنه حين قتله كان مشغولا بقراءة القرآن. يقرأ سورة (يس) وقبل أن يتمها قضى نحبه ولكنه ـ كما قالوا ـ استمر في القراءة حتى أتمها وهو ميت. وعدوا هذا الحادث كرامة تذكر له. وقالوا إن قتله أحدث حزنا في القلوب ، ودعا إلى استياء عام.
    قال كاتب چلبي : «ولد في بغداد وحصل العلوم فاستولى عليه
    __________________
    الكتب الوطنية بباريس وأما قباب ليث فقد ذكر ياقوت في معجمه أنها (قرية قريبة من بعقوبة ...» وزاد في المراصد أنها «من طريق خراسان» وأقول إن صافي في انحاء سلمان الفارسي ومن أوقافه فهي بعيدة عن قباب ليث.
    (1) كلشن خلفا ص 70 ـ 1.

    العشق (اعترته الجذبة) فصار يتجول نحو 12 سنة في الصحاري والبراري ، ثم إنه وصل إلى الشيخ علاء الدين في عينتاب فسلك عليه. ولما ولي رضوان أفندي منصب قضاء بغداد سنة 998 ه‍ سمع عنه أوصافا جميلة فمال إليه ومن ثم أصلح حاله. فجعله مدرسا في المستنصرية وكانت من أجل مدارس بغداد فصار يقضي أيامه في التدريس. فظهر علمه وبان فضله ، ونعت بأعلم العلماء ، وفي سنة 1030 ه‍ قتل أيام الاضطراب في بغداد.
    كان هذا الولي وصل إلى درجة الكمال في علوم الظاهر والباطن. وله اليد الطولى في الفقه. صار مرجع الفتوى ومن آثاره (ملجأ القضاة) (1) المعروف بترجيح البينات ، وكتاب (مسائل الضمانات) وله كتاب في النحو لم يتمه ، وله (حصن الإسلام) فيما يتعلق بألفاظ الكفر ...» (2).
    القحط :
    في هذه السنة استولى القحط على بغداد فلم تنزل الأمطار وقلت الأعمال بسبب هذه المصائب وأخذ يهجر الناس أوطانهم. وإن العربان عدموا الأمطار ولم يجدوا أثرا للكلأ فرموا بأنفسهم إلى بغداد وصاروا يشكون الجوع فاستولى الغلاء على البلدة وصار الناس في فقر وفاقة ، فكان المصاب فادحا مؤلما (3).
    __________________
    (1) طبع مرارا. وكذا طبع كتاب الضمانات.
    (2) فذلكة كاتب جلبي ج 2 ص 6.
    (3) كلشن خلفا ص 68 ـ 1.

    حوادث سنة 1032 ه‍ ـ 1622 م
    حافظ أحمد باشا وبغداد
    في (سنة 1032 ه‍) نال السلطان مراد الرابع السلطنة. وكان موصوفا بالشجاعة والسطوة والقوة. وفي أيام جلوسه كانت الإدارة في تذبذب واضطراب لم يعهد مثلهما ، وأن الجيش والينگچرية جمحوا فلم يتمكن أحد من ضبطهم ، فحدثت غوائل منها (حادثة بغداد) فأبرز من الشدة والحزم ما مكنه من إزالة الاضطرابات وإرجاع الإدارة إلى نصابها فتولد نشاط وجدة نوعا ...
    وقبيل جلوس السلطان كانت الحكومة رأت ما رأت في بغداد من رد متسلمها أرسلت سليمان باشا واليا بالوجه المذكور وهذا خذل. وحينئذ زاد حنقها واهتمت أكثر لدفع الغائلة ففوضت حافظ أحمد باشا أمير أمراء ديار بكر وهو من قدماء الوزراء. جعلت معه ولاة مرعش وسيواس والموصل وأمراء كردستان. فكان من رأي أحمد باشا المداراة وتولية بغداد لبكر صوباشي وإلا فإنه يتوقع أمورا ليست في الحسبان.
    وأكثر ما كان يخشى منه أن يميل هذا المتغلب إلى إيران ويسلم بغداد إلى العجم عنادا فيدعو الشاه لصد العثمانيين فيولد مشاكل خارجية فلم يلتفت أعيان الدولة إلى رأيه بل حملوا ذلك على سوء الظن به. اتهموه بأنه أخذ مالا من بكر صوباشي من جراء المراجعة والتوسط لحكومته.
    ولما وصل خبر ذلك إلى حافظ أحمد باشا سار إلى بغداد فقاتل هذا الثائر. فكسره فتحصنوا في المدينة ، وشرع في الحصار والقتال في أطراف بغداد. بدأ بالتضييق على بغداد وهاجم عدة هجومات ، جرت خلالها مصادمات فاضطر أخيرا جيش بغداد إلى الهزيمة ، فأضاعوا ثلاثة آلاف وسبعمائة جندي وألفين وخمسمائة أسير. أما الأسرى فإنهم حينما

    حضروا إلى القائد أمر بقتلهم ولم يقبل منهم عذرا ، ولا رحم شيخا ولا شابا.
    بغداد وشاه العجم :
    ولما وصل خبر هذه المغلوبية إلى بكر صوباشي ورأى أن الخناق قد ضاق على بغداد كتم غيظه ولم يبال بما جرى على القتلى والأسرى ورأى الصواب في أن يسلم مفاتيح بغداد إلى الشاه عباس الكبير. نظرا لما ناله من الحصار ولما أصاب بلاده من القحط الشديد من جراء ذلك.
    وعلى كل لم يطق بكر صوباشي صبرا على هذه الحالة ولم تبق له قدرة المقاومة والتزام الجيش لمدة طويلة فاضطر إلى الاستمداد من الشاه عباس والاستعانة به مبينا له أنه إذا أنقذه من هذه الورطة وخلصه من الترك فسوف يسلم له بغداد خصوصا بعد أن عقد مجلسا للمذاكرة مع أعيانه واتضح للجميع أن العثمانيين لو ظفروا به وبأعوانه لا ينجو منهم أحد فاستولى اليأس عليهم بسبب الضعف عن المقاومة ... ورجحوا أسر العجم على هلاكهم من جانب الترك فقرروا لزوم تسليم بغداد إلى الشاه صيانة لحياتهم. وافق الكل على هذا. وكتب بكر صوباشي كتابا يتضمن أنه منقاد لإيران وعرض المفاتيح والكتاب مع رسول يسمى (عباسا). فذهب هذا لبلاد العجم مسرعا ...
    جاء في خلاصة الأثر عن هذا الكتاب «... كتب ـ (بكر صوباشي) ـ للشاه كتابا يقول له أسلمك بغداد بشرط أن تكون الخطبة والسكة باسمك فقط فرضي الشاه بذلك» ا ه.
    وفي هذه الأثناء كان الشاه في سفر قندهار فأرسل إليه بريد سريع قدم إليه الرسالة والمفاتيح فخلع الشاه على الرسول وأكرمه إكراما زائدا إذ إنه كان يترقب هذه الفرصة آنا فآنا. ولما حصلت بادر للمساعدة.

    وحينئذ رتب أمير همذان (صفي قولي خان) سردارا وجعل معه كلًّا من حاكم اللر (حسين خان) وحاكم أردلان (أحمد خان) خان أوشار (أفشار) ، وقاسم خان وأمراء آخرين. كتب أن يذهبوا معا على جناح السرعة لإنقاذ بكر صوباشي من مخالب حافظ أحمد باشا وأن يستولوا على المدينة وعين من يذهب توا لتنفيذ هذا الأمر وإعطائه إلى السردار. فكان ما أمده به من الجيوش يبلغ نحو ثلاثين ألف جندي.
    فلما ورد إليهم الأمر نهضوا مسرعين متوالين الواحد إثر الآخر فذهبوا إلى بغداد وتسابقوا في الوصول إليها فوصلوا إلى خانقين وضربوا خيامهم هناك. وحينئذ وافى الخبر إلى حافظ أحمد باشا وهذا رأى أن الخطر قد حل به من جهة أن الجيش قد استولى عليه التعب من مشاق السفر والحروب فإذا سمع بورود الجيوش الإيرانية تولد الوهن في قوته المعنوية. ولو خرجت عليهم الجيوش المحصورة أيضا فلا يتيسر صد الاثنين بوجه. ولا قدرة حينئذ على مقاومتهما ...
    وحينئذ فكر في اتخاذ تدبير ناجع للنجاة من هذا المأزق الحرج فرأى أن يؤيد بكر صوباشي ويقره في منصبه بإرسال فرمان إليه بمنصب بغداد مع الخلعة السلطانية الفاخرة. وكان الرسول إليه (سيد خان) حاكم العمادية.
    ومن ثم أبدى له أن قد عفا السلطان عن جميع أعماله السابقة وجدد المحبة معه بكتاب أرسله إليه موضحا فيه أن الماضي لا يذكر ، وأن يحافظ على مدينة السلطان من تطاول الأيدي إليها. لئلا يؤدي ذلك إلى وقائع مؤلمة في النفوس. مخربة للبلاد ، وأن يهتم بالدفاع بما استطاعه من حول ...
    إلى آخر ما جاء في الكتاب من النصائح وأضاف إليه ولاية الرقة. ووجه لواء الحلة لابنه فتمكن من جلبه إليه. وبعد أن بعثه إليه عجل

    بالذهاب إلى دار الأمان والنجاة من الخطر بالانسحاب إلى موقع بمعزل عن التقرب إلى أحد الجيشين ...
    ثم ورد إلى حافظ أحمد باشا سفير من العجم. أتى بكتاب إليه يقول فيه إن بكر خان دخيل الشاه ، لا تتحركوا بما يخالف الصلح. ارحلوا عن بغداد. وإلا يختل السلم.
    فأجاب حافظ أحمد باشا أننا لم نكن في مملكة الشاه وإنما عصى أحد رجال السلطان فجئنا لتأديبه. فقال له السفير إن بكر صوباشي استمد بالشاه فلو أن طيرا لجأ إلى قشة لحمته فأجابه أن الطير لا يزال في قفصنا. فلو فر وذهب إليكم لكان لكم العذر في حمايته. وكان قوله الأخير : أقسم وأقول الحق أنكم إما أن ترحلوا أو أن يأتيكم أمير أمرائنا (خان خانان) بثلاثين ألفا من جنده. وحينئذ استعدوا للنضال. فأجابه : إذا فسد الصلح فالحكومة العثمانية غير عاجزة عن المقابلة.
    وعلى هذا نهض السفير ورجع.
    دخل بغداد نحو ثلاثمائة من العجم وعرف بواسطة الجواسيس أن السكة ستضرب يوم الجمعة باسم الشاه. فبقي حافظ أحمد باشا متحيرا فاتخذ التدبير الآنف الذكر ووجه ايالة بغداد لبكر صوباشي. بعد أن كان أعلن داخل البلدة أن بغداد للشاه وبكر خان عبد الشاه وضربت النقود باسم الشاه كما شاع على الألسنة. وحينئذ ورد إليه فرمان الايالة وفيه «وجهت إليك بغداد فكن على بصيرة وابذل ما تستطيعه من قدرة لحفظ الايالة وحراستها».
    قال أوليا چلبي : اضطر بكر صوباشي إلى الالتجاء إلى إيران ، فأخبر القائد حافظ أحمد باشا دولته ، فاضطر الصدر الأعظم (مره حسين باشا) أن يصدر الفرمان السلطاني بولايته (1).
    __________________
    (1) أوليا جلبي ج 4 ص 401.

    فرح كثيرا بمنشور الولاية وندم على دعوة الشاه عباس والركون إليه بالدخالة فاتخذ التدابير لإعادة صفي قولي خان. فكتب إليه يرحب به بعد أن قام بضيافته وقدم له أفخر الهدايا واعتذر له ولكنه أي صفي قولي خان لم يكن ممن يقعقع له بالشنان أو يكتفي بالمدح الفارغ والألفاظ اليابسة وإنما كلفه بتسليم المدينة إليه حسبما عهد إليه. وكان قد قال له بكر صوباشي في كتابه :
    ـ إننا عبيد الشاه القدماء وبيننا حقوق الجوار فنشكره على ما أسداه إلينا من المعاونة وما أجراه من الالتفات ونذكر له هذا الصنيع ونثني عليه من أجله دائما ونقدم له هدايانا الحقيرة مع ما استطعنا تقديمه من النقود ولا نزال على عرض العبودية ...
    أما صفي قولي خان فإنه تهور وأطال لسانه. ويقال إنه قتل بعض من جاءه وألقى القبض على آخرين ...
    مجيء الشاه عباس إلى بغداد :
    إن صفي قولي خان كان قد وصل إلى خانقين. وتقدم نحو بغداد. فلما سمع بكر صوباشي ندم على ما فعل. وصار يلتمس الوسائل لرفعهم عن بغداد. ولذا استقبله بواسطة أعيان البلدة لإجراء لازم الضيافة وترصينا للوداد فأنزلهم خارج الباب المظلم (قراكلق قپو) وقام بضيافتهم ثلاثة أيام وقدم لهم الهدايا ورحب بهم غاية الترحيب وكتب بكر صوباشي بذلك كتابا. وقدم لهم بضعة أكياس من النقود.
    وفي گلشن خلفا ذكر أنه استشاط غضبا حينما فتح الكتاب وعرف منطوياته وقال إني لم آت لهذا الغرض وسأخبر الشاه بما وقع فأرسل بعض رجاله بصورة مستعجلة إلى الشاه وأخبره بالحالة. وكان الشاه أتم سفر قندهار وعاد إلى أصفهان عاصمته وصار يترقب الأخبار عن بغداد وبينا هو كذلك إذ جاءه الرسول ... وحينئذ تهور أكثر وصار يتطاير من



    عينيه الشرر. وفي الحال عين قارجغاي خان قائدا وأرسله وجهز معه من كان لديه من الجنود وأمراء خراسان وگرجستان وگيلان ومازندران ثم توجه هو نحو بغداد بسرعة لا مزيد عليها ...
    أما بكر صوباشي فإنه تأهب للمقارعة. أعد جيشه وهيأه. وفي هذه الأثناء ـ قبل أن يأتي الشاه ـ عبر صفي قولي خان إلى الجانب الغربي. فلما علم بذلك بكر صوباشي أرسل كتخداه عمر آغا ، جعله قائد الحملة. وبعد عبورهم من جسر بغداد تحاربا مع عسكر صفي قولي خان ودامت الحرب بضع ساعات ومن ثم ظهرت علائم الانكسار في جيش عمر آغا. وأسر من قبل العجم في هذه المعركة. وبعض الأكابر قد اعتقلوا وأرسلوا إلى جانب الشاه.
    ثم إن قارجغاي خان وصل إلى بغداد ، وحاول افتتاحها فلم يفلح وبعد 14 يوما جاء الشاه بنفسه فحاصرها من جميع أطرافها واتخذ المتاريس ورتب الأبنية والألغام ونصب المدافع وصار يطلق النيران على بغداد ويمطرها بوابل من القنابل.
    أما حافظ أحمد باشا فإنه كان في أثناء الطريق. وصل إلى (درتنك) فأعلمه بكر صوباشي بواسطة رسوله أن يأتي لإمداده. ولكن الباشا كان قد سرح من معه من الجند وفي الحال تدارك قسما من السكبانية والعساكر وأرسل إليه من أمراء الموصل حسين باشا المعروف بشجاعته ومن قدر على تجهيزه من الجند وأخبر استانبول بأن الشاه حاصر بغداد.
    ولما كان صادف ذلك أيام جلوس السلطان مراد الرابع لم يعبأ رجال الدولة بأمور مهمة مثل هذه بل ولا فكروا فيها فلم يحصل أمل من هذه المخابرة.
    وفي هذه الأثناء ورد كتاب من متسلم ديار بكر يتضمن أنه من

    المحتمل مجيء إبازه پاشا إلى ديار بكر فاضطر حافظ أحمد باشا أن يتحرك من الموصل ويتوجه نحو ماردين فذهب إليها ...
    وإن حسين باشا حينما أراد الذهاب إلى بغداد ظهر من أمامه قارجغاي خان ومعه بضعة آلاف جندي فتحارب معه في مكان بعيد عن الشط يقال له (قزل خان) (1). وهو خان لا سقف له فحاصر حسين باشا هناك مدة ، بقي خلالها بلا مهمات ولا لوازم وعتاد ، وحيئذ أرسل إليه قارجغاي خان من يفاوضه في الصلح مبينا أن غرضه إنهاء الصلح مع الحكومة العثمانية وقد بعثني الشاه للمفاوضة في أمر الصلح.
    وبأمثال هذه الحيلة تمكن من إغوائه فخرج إليه من حصاره. وهذا القائد لم يراع تعاليم الشاه فلم يؤمن الباشا وقتله في الحال ، كما أنه قتل أكثر جنوده ولم يبق إلا القليل وهؤلاء أرسلهم إلى الشاه أحياء. ولما رآهم الشاه أظهر غضبه ـ بصورة ظاهرية ـ على قائده قارجغاي وعاتبه على صنيعه. ولإثبات نواياه وتأييدها أطلق سراح الأسرى فأبعد التهمة عن نفسه وأنه لم يرض بقتلهم ...
    سمع بهذا حافظ أحمد باشا وهو في الطريق فتألم كثيرا ولكنه نظرا لما جاءه من الخبر ولحوق موسم الشتاء اضطر إلى العودة.
    وكان ورد إليه كتاب من (بكر باشا) مؤداه أنه قد حفرت الألغام في أماكن متعددة من السور وعدتها 54 لغما فبقي عاجزا عن المقاومة والدوام على المحاصرة فطلب الإمداد السريع والنجدة العاجلة. فأجابه الباشا بأن الوزير الأعظم سيوافي بقوة لإمداده وأنه في انتظار مجيء الخبر إليه من استانبول. فلم يظهر أثر من هذه المخابرة وسمع أيضا بأن ابازه رجع عن الفرات وعاد.
    __________________
    (1) قزل خان ذكر في رحلة المنشي البغدادي ص 87 الهامش.

    أما القحط في بغداد فإنه بلغ حده حتى أن الأمهات وصلن إلى درجة أكل أبنائهن وبناتهن وبلغت قيمة الحمار ألف أقچه ...
    وبهذه الصورة بدت ـ أثناء الحصار ـ علائم الضعف في بكر صوباشي وقلت ذخائره الحربية ومعداته وأن ابنه الكبير محمدا لما شاهد هذه الحالة استولى عليه اليأس ...
    مضت بضعة أيام والمدينة تحت حراسة محمد بن بكر صوباشي وكان الأمل أن يأتي الله بفرج من عنده فلم يجد ما يزيل المصيبة أو يدفع هذا الشر. وعجز القوم عن المقاومة مع أن القوة كانت كافية للمقاومة فأرسل سفيرا إلى الشاه وأبدى أنه يسلم بغداد. وعلى هذا أرسل الشاه عيسى خان ومعه بضعة آلاف من العساكر الذين كانوا في الصحراء فدخلوا المدينة بلا عناء ولا تعب وتصرفوا بها.
    كان استيلاء الشاه عباس الصفوي على بغداد يوم الأحد 23 من شهر ربيع الأول سنة 1032 ه‍ ونال عطف هذا الشاه كل من محمد (درويش) بن بكر (صوباشي) وعبد الرحمن جلبي وبعض نفر فتحوا له المدينة فنجوا من القتل. ثم تعقب الآخرين ممن دخلوا في خصام فعاقبهم بضروب العقوبات كما سمى الآخرين بـ (باقي الظلمة وأهل العدوان) فأوقع بهم جزاء أعمالهم ...! ووجهت ولاية بغداد إلى صفي قلي (1).
    وتفصيل هذا الحادث في (تاريخ العصامي) ، وفي (عنوان المجد) لابن بشر ، وفي (تاريخ الدولة العثمانية) للمستشرق همّر المعروف (ج 9 ص 23) ، ومثله في كتاب (أربعة عصور من تاريخ العراق الحديث) ص 61 الطبعة العربية الأولى سنة 1941 م وما فيها من هامش ، والطبعة الثانية سنة 1949 ص 54 مع الهامش أيضا.
    __________________
    (1) عالم آراي عباسي ج 3 ص 757.

    وفي ذيل عالم آراي عباسي أن بكتاش خان لم يستطع أن يسيطر على الجيش في تنفيذ شروط التسليم فدخل في معركة وليس له قدرة ولا زاد ولا عدة ليبرر موقفه ، فبقي الوالي في حيرة لعلمه بهلاك الجيش وتيقنه من عدم التمكن من الاحتفاظ به لدولته. ولذا ركن إلى الترياك وعده ترياقا لتسكين اضطرابه إذ لم يجد مخلصا من هذه الخسارة. فمات. كما أن الشاه نفسه اضطر إلى قبول شروط الصلح (1).
    وفي تواريخ تركية عديدة أن هذا الفتح كان في الليلة الثانية من صفر سنة 1033 ه‍ ـ 1623 م في تشرين الثاني (2) إلا أن صاحب خلاصة الأثر بين أن الاستيلاء وقتل بكر صوباشي وأخاه عمر وولده كان في سنة 1032 ه‍ وهذا يوافق ما جاء في النصوص المنقولة عن المصادر الإيرانية ففي مجمل التواريخ وهو كتاب مختصر في التاريخ مفيد عام ، فيه تفصيل أمر الصفوية أكثر ، كتبه مؤلفه في أيام الشاه عباس الثاني ، ومنه نسخة خطية لدى الأستاذ عباس اقبال ، وأخرى في الخزانة العامة لوزارة المعارف الإيرانية. جاء فيه أن الشيخ لطف الله العاملي توفي سنة 1032 ه‍ ثم تصرف الشاه عباس في تلك السنة ببغداد. وبين ميرزا عبد الله أفندي في كتابه (رياض العلماء) نقلا عن عالم آرا أن الشيخ لطف الله توفي في أوائل تلك السنة قبل فتح بغداد وأن تاريخ فتح بغداد جاء في يوم الأحد 23 ربيع الأول سنة 1032 ه‍ ـ 1623 م.
    وعلى كل حال إن تاريخ السنة يوافق ما ذكر في خلاصة الأثر ج 1 ص 382 و 455 ولكن ما ورد في رياض العلماء قد وافق ما جاء في عالم آراي عباسي ، وخلاصة الأثر ، وفيه ضبط للتاريخ (3) ...
    __________________
    (1) ذيل عالم آراي عباسي المطبوع سنة 1317 ه‍ ـ ش.
    (2) جامع الدول ص 1137 ج 2 وغيره.
    (3) مجلة يادكار العدد الأول سنة 1945 للأستاذ عباس إقبال.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4   موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Emptyالجمعة نوفمبر 01, 2024 4:33 pm

    ومن ثم نرى تفاوتا بين المنقول عن جامع الدول وعن عالم آراي عباسي وعن رياض العلماء وخلاصة الأثر.
    وحينئذ استولى الإيرانيون على الأبراج وأطلقوا المدافع للإعلام بالاستيلاء على البلدة فعلم الأهلون بما وقع واطلعوا على حقيقة الوضع واستولى عليهم الخوف والهلع واضطربوا لهذا المصاب كثيرا حينما رأوا في وجه النهار تبدل الحالة وأطلق الاعجام النيران وقتلوا أكثر أهل السنة ...
    وبعد أن ألبسوا الخلع إلى محمد بن بكر صوباشي وتوابعه وأكرموهم بإنعامات أعلن للعموم بأن يبقى كل في مكانه وباستراحته وأن الشاه آمن الكل وأنه لا ضرر على الشيعة والسنة وأن تفتح الأسواق كالمعتاد ... ثم ألقوا القبض على (بكر صوباشي) وعلى أخيه (عمر أفندي). ولمدة شهرين عذبوهما بأنواع العذاب فقتلوهما بسيف الغدر الذي قتلوا به محمد قنبر آغا وسائر العزب وأولادهم ...
    وكان حينما ألقي القبض على بكر صوباشي جيء به إلى الشاه فرأى ابنه جالسا قرب الشاه بجانبه وحينئذ عاتب الشاه بكر صوباشي بكلمات منها : قمت بهذه الأعمال الشائنة فأجابه أن الأعمال الرديئة هي من ابن الزنا هذا وأشار إلى ابنه وابتدر ابنه بالسب والشتم وبكى. أما الشاه فإنه أمر بحبسه في الحال.
    وفي تاريخ الغرابي ما نصه :
    «فلما أتى حافظ أحمد باشا إلى بغداد ليزيل بكر صوباشي ، ويجلس سليمان باشا مكانه بلغ هذا الخبر بكر صوباشي فأرسل إلى الشاه عباس بأني أنقاد لك ، فأمدني بعسكر كي أدفع هذه الغائلة ، فلما أتى الحافظ إلى بغداد قابله بكر صوباشي خارج بغداد للقتال فلم يكن نصيبه غير الهزيمة ، فتحصن في بغداد وبقي الحافظ متوقفا خارج بغداد

    من غير قتال راجيا أخذ البلد بالسهولة فبينما هو منتظر التسليم أتاه الخبر بأنه من طرف الشاه أتى إلى مشهد الحسين (رض) خمسة آلاف مقاتل لإمداد بكر صوباشي ، وأكثر عساكر الشاه قد اجتمعت في (درنة ودرتنك) فخاف سوء العاقبة ، وأرسل منشورا إلى بكر صوباشي يتضمن أننا جعلناك واليا على بغداد فاحفظها ولا تسلمها للشاه ، وارتحل وذهب إلى ديار بكر ثم إن بكر باشا أخذ في تحصين السور وأرسل خبرا لمن أتى لإمداده من عساكر الشاه أن اذهبوا إلى مكانكم فقد حصل المطلوب.
    بلغ هذا الخبر الشاه فاستشاط غضبا. فأتى إلى بغداد وحاصرها فقام بكر صوباشي بحفظ القلعة أحسن قيام لكن ابنه درويش محمد بعث خبرا إلى الشاه أني أسلمك البلاد إن أنعمت بها عليَّ فوعده الشاه بذلك ففتح لهم باب السر التي في جانب الشط فدخل منها نحو عشرة آلاف شخص وضربوا البوق وقت السحر فلما تمكنوا من البلد أمسكوا بكر باشا وقتلوه شر قتلة وقتلوا القاضي نوري أفندي ، وقتلوا من أهل السنة والجماعة خلقا كثيرا».
    قال الغرابي :
    «ولقد رأيت جما غفيرا ممن أدرك هذه الوقعة فكانوا يقولون : ما سلم درويش محمد البلد طمعا فيها بل لما رأى من القحط والغلاء حيث أكلت الناس الكلاب» ا ه (1).
    وبعد ثلاثة أيام من فتح بغداد والاستيلاء عليها فرق بدفاتر (أسماء أهل السنة) و (أسماء الشيعة) ودونها وأودع من السنة من لا يحصون بيد الشيعة فعذبوهم بأنواع العذاب وقتلوا فيهم كثيرا ليضطروهم على بيان أموالهم وسائر ممتلكاتهم. وكان في نية الشاه أن يقضي عليهم جميعا
    __________________
    (1) تاريخ الغرابي ج 2 ص 100.

    ولكن الكلدار للإمام الحسين (رض) نقيب الأشراف في بغداد (السيد دراج) (1) من رؤساء الشيعة وله جاه عند الشاه استشفع بالكثيرين إذ إنه أدخلهم في دفتره وبين أنهم من محبي أهل العبا فتمكن من إنقاذهم. وكان صاحب رحمة وشفقة. فقام بما قام به وأنقذ الكثيرين ...
    ثم إن السنة المدونين في دفتر الشاه قتلوا جميعا ومثلوا ببعض العلماء وأنالوهم أنواع العذاب والأذى وقضوا عليهم بصورة يقشعر منها بدن الإنسانية ...
    وممن قتل في هذه الوقعة :
    1 ـ قاضي بغداد نوري أفندي. كذا في (خبر صحيح) وفي تاريخ الغرابي. وفي خلاصة الأثر لم يسمه وفي فذلكة كاتب چلبي سماه بهذا الاسم (2).
    2 ـ نائب المحكمة السيد محمد أفندي. وقد نعته صاحب الخلاصة بالخطيب العظيم وهو على مذهب الإمام الشافعي وخطيب الجامع الكبير (الظاهر أنه جامع الخلفاء) وذكر له في الخلاصة فتوى في فسخ النكاح بسبب تعذر النفقة كما هو مذهب الشافعية.
    وممن نقل عنهم بعض الحوادث عن بغداد (الشيخ عثمان الخياط البغدادي) وهذا لم نعرف عنه أكثر مما نقله صاحب خلاصة الأثر.
    قتلة بكر باشا :
    وأما بكر باشا فإنه وضع في قفص من حديد ولم يدعوا له مجالا أن ينام لمدة سبعة أيام وأكرهوه على إبراز ما عنده من الأموال بطريق
    __________________
    (1) والسيد دراج هذا هو من أجداد نقيب كربلاء السيد حسن وقد ذكره صاحب خلاصة الأثر في المجلد الأول منه عند الكلام على حافظ أحمد باشا ...
    (2) خلاصة الأثر ج 1 ص 383 وفذلكة التواريخ لكاتب جلبي ج 2 ص 50.

    التعذيب وكووه بالنار إلى أن اشتوى لحمه ليبين مواقع أمواله ... وأن ابنه يشاهده بهذه الحالة ولا يبالي بل كان يشرب ويضحك على أبيه المتألم. وبعد أن بين جميع أمواله ولم يبق أمل في إخراج غيرها أمر الشاه أن يوضع في سفينة ويصب في أطرافه النفط والقطران ويشعل بالنار فأحرقه وأخاه عمر.
    وجاء عنه في خلاصة الأثر :
    «وبكر باشا هذا رومي الأصل سكن بغداد وصار من أكابر عسكرها ، تغلب عليها وانبسطت يده على مملكتها حتى صار إذا جاءت وزراؤها متولين عليها لا ينفذ من حكمهم إلا ما نفذه وهو الذي أدخل الشاه بغداد وقتله الشاه وأخاه عمر وولده شر قتلة وكان قتلهم سنة 1032 ه‍ (1).
    وقائع ومظالم أخرى :
    ثم إن ابنه لم ينل حظا من الشاه. سخط عليه بعد ذلك فخابت آماله وخسر وناله ما نال والده فقتل.
    وفي تاريخ الغرابي :
    «ثم إن الشاه أخذ درويش محمد إلى العجم ، وعين له مرسوما يعيش به ، فبقي هناك إلى أن هلك» ا ه (2).
    وكذلك هتكت حرمات وأستار وأرملت نساء وأوتمت أطفال وأتلفت ثروات والحاصل تدمرت البلدة وشوهد ما لم يشاهد واستغاث الناس وتطاول الأشرار حتى على البيوت فصارت بغداد دار المحنة لا مدينة السلام. ولا تسل عن الجوامع والمساجد والمدارس فإنها دمرت
    __________________
    (1) خلاصة الأثر ج 1 ص 382 و 455.
    (2) تاريخ الغرابي ج 2 ص 101.

    وجعلت والأرض البسيطة سواء حتى إن المراقد المباركة مثل مرقد الإمام الأعظم والشيخ عبد القادر وسائر الأئمة قد أهينت وهدمت وانتهبت منها المعمولات الفضية ...
    ثم إن الشاه قام على العشائر ونكل بهم وأجرى أنواع المظالم ، وقد عدد في خلاصة الأثر أمثال ذلك مما لا محل لإيراده فقد مضى لها من الأعمال الشائنة وفيها من القسوة ما لا يقبلها دين ، أو ترضى بها طائفة.
    وإثر واقعة بغداد أخذ الشاه عبد الباقي المولوي خطاطا لجامع أصفهان وكان من أساتذة الخط ومشاهيره. ولا تزال إيران والمملكة التركية تنتفع من العراق ، من أدبائه وعلمائه وخطاطيه كما وقع أيام عالي أفندي الدفتري وغيره بل ولا يزال الترك يتغذون بشعر فضولي ، وبشعر روحي وأضرابهما إلى هذه الأيام. وإن الإيرانيين كانوا أقرب إلى الأخذ وألصق بالعراق ، فكان أخذ هذا الخطاط من الوقائع المهمة ، ولعله آخر من أخذ من العراق. أوضحت عنه في تاريخ الخط العربي في العراق (1).
    حوادث سنة 1033 ه‍ ـ 1623 م
    الاستيلاء على البلاد الأخرى
    1 ـ الموصل وكركوك :
    إن الشاه بعد أن استولى على بغداد شكا أهل الموصل أمرهم له من جراء ما كان ينالهم من ظلم كور حسين (2) باشا وحينئذ سير الشاه
    __________________
    (1) فذلكة جلبي ج 2 ص 65 وتواريخ عديدة.
    (2) وهذا نال مناصب عديدة ومنح منصب الموصل. وفي واقعة بغداد أرسل مددا وجاء إليه (قره جغاي خان) فحاصره في (قزل خان) خمسة وعشرين يوما فاستشهد مع سائر السكبانية المحصورين معه. كان ذلك في هذه السنة وهو مشهور في رمي السهام هو وأحمد باشا أخوه.

    إليهم قاسم خان. أما والي كركوك وهو بستان باشا فإنه حينما علم بالأمر وتيقن أن لا قدرة له على المقاومة ترك البلدة وتوجه نحو ديار بكر ، رآها العجم خالية فاستولوا عليها وذهبوا توا إلى الموصل وكان واليها آنئذ أحمد باشا أخا كور حسين باشا ولم تكن محكمة السور فتمكن قاسم خان من الاستيلاء عليها في مدة قصيرة فأقام قاسم خان فيها وتولى إدارتها ، وسير كتبا إلى أنحاء ديار بكر يدعوهم بها للطاعة (1) ...
    2 ـ استعادة الموصل :
    إن كوچك أحمد كان من أعيان السپاهية (2) أخذ معه جماعة نحو الخمسمائة من السكبان الأرناوود فهاجم بهم الموصل. ولما قرب من المدينة ظن قاسم خان أن السردار قد وافى لمقابلته فهرب إلى جهة بغداد وترك البلدة بمن معه فعلم أحمد آغا بالأمر فتسلم المدينة بمساعدة الأهلين. وحينئذ جاء إليه أمير سنجار فألقى أحمد آغا القبض عليه وقتله قبل أن يصل إليه المدد. أما أحمد آغا فإنه كتب إلى الوزير السردار أحمد باشا بما جرى والتمس أن توجه ايالة الموصل إلى ابن أخيه سليمان بك ففوضت إليه كما طلب ...
    حوادث سنة 1034 ه‍ ـ 1624 م
    آلتون كوبري ـ كركوك
    إن والي قرمان حسن باشا الچركسي كان قد شتى في الجزيرة
    __________________
    (1) فذلكة كاتب جلبي ج 2 ص 1 وجامع الدول ج 2 ص 1137.
    (2) من صنف الخيالة. وهم أصحاب تيمار وزعامة. ويقومون في أيام السلم بجمع الضرائب ، وبإدارة الأمن الداخلي. وفي زمن الحرب يتبعون إدارة الوالي التابعين له وأوامره. ولهم كسوة خاصة بهم في كل ولاية. (تشكيلات وقيافت عسكرية ص 62).

    و (حصن كيفا) المسماة عند الترك (حسن كيف) ، فعلم أن قد تجمع الأعداء في آلتون كپري وكركوك وعلى هذا سار عليهم مع كوچك أحمد. كان هؤلاء في جانب من نهر آلتون كوپري وعدوهم في الجانب الآخر فتضاربوا على البعد إلى المساء وظهرت علائم النصر للقزلباشية وحينئذ هاجمهم أحمد آغا بأتباعه فأعادهم إلى الوراء فمزق شملهم في حين أنه كان معه نحو أربعة آلاف وكان القزلباشية اثني عشر ألفا. فر فريق منهم إلى كركوك وهناك لم يستقر لهم قرار فخرجوا من المدينة وانهزموا على وجههم فجاء بوستان باشا فدخل كركوك. واستعادوها من أيدي العجم (1) ...
    حكومة صفي قلي خان في بغداد :
    إن الشاه عباس قد أسكرته خمرة النصر في بغداد فعزم على تنفيذ آمال أكبر ، ورأى أن يمد يده على بلاد الگرج. فأودع حكومة بغداد إلى (صفي قولي خان) وعاد هو إلى إيران وهجم بقائده قارجغاي خان على الگرج وكان معه نحو ثلاثين ألفا فحدثت حرب بينه وبين أقدم حكام الگرج وهو (طهمورث) وكان هذا قد فاجأ العجم على حين غرة فقتل في هذه المعمعة قرجغاي خان وابنه ولم يبق من جنده سوى ثلاثة آلاف فروا بأرواحهم وأكثرهم جرحى وهلك الباقون.
    أما حكومة بغداد فقد كانت مهددة بهجومات الترك ولم يعرف عن داخليتها أكثر من التحدث بأمر الحرب.
    مراد باشا يسير إلى بغداد :
    إن مراد باشا كان والي حلب فمنح منصب ديار بكر برتبة الوزارة.
    __________________
    (1) فذلكة كاتب جلبي ج 2 ص 67.

    وفي هذه الأثناء جاءت الأخبار بأن العجم خرجوا من بغداد وذهب أكثرهم لزيارة الإمام علي (رض) وعلى هذا سير قائدا على حملة تبلغ خمسة عشر ألفا لتكون كمقدمة للجيش إلى الحلة والكاظمية ليحاصر بغداد وليمنع اتصال العجم بها ... وهكذا ذهبت العساكر بصورة متلاحقة. وأرسلت قوة أخرى مع آغا الينگچرية.
    وبهذا انتهت هذه السنة.
    حوادث سنة 1035 ه‍ ـ 1625 م
    بقية وقائع العثمانيين
    جاء في تاريخ الغرابي : «أن الوزير حافظ أحمد باشا سار مع جيوش كثيرة إلى بغداد ، فلما أتاها أخذ في محاصرتها ، فجاء الشاه عباس ، ونزل على نهر ديالى تقوية لمن في بغداد من العسكر فحاصر الحافظ بغداد تسعة أشهر ، فلم يحصل منها بطائل بل رجع خائبا ، وهلك أكثر من كان معه لاستيلاء القحط والمرض عليهم ، وألقى كل ما كان معه من الثقل والآلات» ا ه (1).
    هذا ، وفي التواريخ العثمانية جاء تفصيل أكثر. وذلك أن السردار حافظ أحمد باشا في المحرم من هذه السنة نزل بجيوشه كركوك وحينئذ عقد مجلس شورى فاستطلع آراء الأمراء وكبار الجيوش لتعيين الخطة الواجبة العمل وقال : إن مراد باشا ذهب إلى بغداد ليمنع الواردين من دخول بغداد. ومع هذا قد دخل بغداد ثمانية آلاف إيراني مع صارو خان ومير فتاح. وإننا ليس لنا قدرة المحاصرة إذ لم تكن لنا مدافع ومن المحتمل أن يوافي الشاه لإمداد المحصورين فهل الأصلح أن نمضي إلى جهة أحمد خان بن جلو خان (هلو خان) ونهاجمها فنصل إلى درنة
    __________________
    (1) تاريخ الغرابي ج 2 ص 103.

    ودرتنك فنضبط مضايقهما ونمنع الصلة بين المحصورين وإيران ثم نمضي إلى بغداد؟ فوافق جماعة على هذا الرأي وآخرون لم يوافقوا وظهر من كل رأس فكر فاضطربت الآراء ثم استقرت في أن يذهبوا إلى بغداد رأسا ويحاصروها نظرا لحلول موسم الخريف وذلك لأن موسم بغداد الشتاء ولا يتيسر الحرب أيام الصيف من جراء شدة الحر. وقالوا إننا حاضرون أن نفدي بأرواحنا ورؤوسنا فقال لهم السردار مهما كان الأمر فليكن ، قوموا بالواجب!
    وفي اليوم التالي جاءهم ثلاثة أو أربعة من العجم يحملون كتابا من أحمد خان كتب فيه أن بغداد مملكتكم فقبل أن تذهبوا إليها وتخربوها ابعثوا برسول إلى الشاه واطلبوها بصورة معقولة وأن السفير الوارد هو پياله بك فسألوه عن أحوال الشاه فقال إنه بعد عشرين يوما سيلاقيكم. وفي ذلك المنزل سير سليمان باشا والي الموصل لإرسال أرزاق وذخائر. وأعيد بستان باشا إلى كركوك لمحافظتها. وفي اليوم التالي رحلوا وذلك في 10 صفر فنزلوا قرب الإمام الأعظم ... وفي اليوم التالي ساروا إلى الجهة الجنوبية من بغداد على الشط وحطوا أمام (الباب المظلم) (قره كوقپو) ولما مضوا بمجموعهم ضربوهم من القلعة بعدة طلقات من المدافع. أما أراذل الجيش فإنهم صاحوا بالسردار لا نعدل إلا أن نستولي على المفاتيح وحينئذ ترتبت الجيوش في 12 صفر ودخلوا المتاريس واجتازوا برج العجم وذلك أن والي حلب مصطفى باشا صار في ساحل النهر ، وآغا الينگچرية والوزير القبطان تجاه برج العجم ، وفي الوسط أمير أمراء روم إيلي محمد باشا الگرجي ووالي الأناضول الحاج الياس باشا ووالي مرعش نوغاي باشا ، ووالي سيواس محمد باشا الطيار ووالي قرمان حسين باشا الچركسي كل من هؤلاء بسكبانيتهم دخلوا المتاريس. وأرسل إلى ديار بكر ، والبصرة لإحضار مهمات ... وإن بغداد لم تكن مستحكمة لدرجة فائقة إلا أن النخيل وما

    ماثل قد جعلتها محكمة فاتخذ الجيش تلولا (توابي) وصاروا يشتغلون بالمتاريس وأن حافظ أحمد باشا كان يشجع القوم وينعم بإنعامات عديدة عليهم ويستميلهم بكل ما أوتي من قوة والجيش لم يقصر في الخدمة والعمل وكان اشتغالهم لمدة شهرين بسعي متواصل واتخذوا في هذه المدة ألغاما من اثنين وخمسين موقعا فعلم العدو بها وأجرى عليها الماء فبطل عملها وكان العمل متواصلا بشدة من الجانبين وقد قطعت آلاف من النخيل لرميها في الخندق ودفنه بالتراب. ولإتمام المحاصرة قد جرت الإحاطة من كافة الجوانب ونصب جسر فعبروه إلى الجانب الآخر من جهة (قلعة الطيور) (جانب الكرخ).
    وفي اليوم الثاني والسبعين من أيام المحاصرة ترتب الجيش سحرا وتأهب للهجوم وقد بقي من الألغام واحد فلما اشتعلت فتيلته أخذت جانبا من السور إلا أن العجم كانوا قد اتخذوا خندقا وراءه وجعلوا بعده سياجا (حائطا قويا). فلما اجتاز العسكر تولاه الإيرانيون بالبنادق فاضطروا إلى العودة وقد ذهبت منهم خسائر عظيمة.
    أما الشاه فإنه جاءه الخبر فنهض حتى وصل إلى درتنك ومنها مضى إلى شهربان وعلم الوزير الأعظم أن قد وافى زينل خان بجيوشه. مر بجسان فعبر ديالى.
    ويلاحظ هنا أن قاسم خان أرسل كلب علي خان بخمسمائة فارس وحملوا بارودا كل واحد حمل كيسا. فاخترقوا سحرا وعلى حين غرة صفوف العثمانيين واجتازوهم فوصلوا إلى المحصورين فأمدوهم. وبهذا رفع قاسم خان عنه عار الهزيمة السابقة. ومن ثم عقد العثمانيون مجلس شورى من كبار رجالهم وقال لهم حافظ أحمد باشا إن الشاه جاء لإمداد القلعة ولم يبق من المهمات والبارود إلا القليل. وكان من رأي مصطفى باشا أن ينهضوا ويقارعوا الشاه أو يعودوا لبلادهم وإلا فلا فائدة من

    الحصار فلم يوافق الينكچرية وأصروا على لزوم المحاصرة فحصل الاتفاق على الدوام في الحصار وكتب إلى إستانبول لإمدادهم بمدافع ومهمات وكذا كتبوا إلى الأطراف والبصرة. وجاءهم الخبر من البصرة بأن ستأتيهم مدافع تطلق أحجارا بوزن 49 أوقية. وقد سبق لهم مثلها ...
    عزل الدفتري عمر باشا :
    في هذه الأثناء وردت من ديار بكر معدات حربية اثنا عشر كيسا وأربعة وعشرون كلكا ذخائر وكانت قد وردت بمحضر القاضي محمد أفندي الحافظ والدفتري عمر باشا وسائر الأمراء وغيرهم فأمر أن يوزن البارود ويثبت في دفتر ويوضع في قلعة الإمام الأعظم ... وفي تلك الليلة ظهرت غائلة وولولة مؤداها أن عمر باشا تبين أنه عدو لنا أعطى الأعداء البارود فانتهبوا خيمته وألقوا القبض عليه وسلموه إلى القاضي فأمر الوزير بإجراء محاكمته أمام القاضي فتحقق أن لا أصل لما نسب وكان بعضهم فعل فعلته هذه وهو مجنون. وعلى هذا أمر بقتل ذلك المجنون وعزل عمر باشا ونصب مكانه عثمان أفندي الطوقاتلي دفتريا. وحدوث أمثال هذه الوقائع في جيش مما يمنع أن يؤمل له نجاة وكانوا يتحرون الطريقة لإيجاد الشغب ...
    وعلى كل حال لم تكن القيادة مسيطرة على الجيش بل كان يسوده الاضطراب.
    مجيء الشاه إلى ديالى وذهاب مراد باشا إليه :
    في غرة رجب وافى الشاه عباس إلى نهر ديالى وفي الليلة التي حط رحاله هناك سمع المحصورون فأظهروا فرحا وسرورا وأبدوا مراسم الاحتفال وظهروا على السور ... وبهذا عرف مقدار الموجود منهم وأن التضييق لما كان قد جرى من جميع الأطراف فالجنود هناك في درجة

    كافية للحصار. فما كان يعده حافظ أحمد باشا سهلا قد تبين أنه من أصعب المصاعب. ولا مجال من وقوع المقدر ولا مفر من الصبر.
    أطلقوا على المحصورين نيران المدافع بطلقات عديدة وكانت هذه بمقام تسل وعادوا. وفي الأثناء عقد الوزير الأعظم مجلس شورى فقر الرأي على أن يذهب للحرب مراد باشا ووالي الأناضول الياس باشا وأعطى لهما سبعة مدافع.
    وفي هذا الحين جاءهم (مدلج العربي) ببضعة آلاف فذهب مع أولئك فصار مجموعهم نحو العشرة آلاف وكان ذلك اليوم فيه ريح عاصف مملوء بالعج لحد أن الواحد لا يكاد يرى الآخر فتحارب مع العجم فغلب وعاد إلى الفيلق مكسورا وأكثر سكبانيته قد غلبوا وتشتتوا وتركوا المدافع.
    وفي المساء هاجمهم القزلباشية فوصل حافظ أحمد باشا إلى الخندق فانتظروا حتى الصباح وأن الكتخدا للوزير الأعظم وهو حسين آغا قد أرسل ليأتي بالمدافع المتروكة فجاء بها واستشهد بعض الأمراء وحدثت ضايعات كثيرة ...
    وفي تلك الليلة قرب الصباح أطلقت على بغداد عدة مدافع وحينئذ حاول بعض الأعجام الدخول إلى المدينة فلم يتمكنوا فقتل بعضهم وأسر الآخرون وبين هؤلاء برخوردار بك كان عظيم الجثة وهو صاحب لغم ، ومدفعي فجاؤوا بهم إلى الوزير الأعظم فأمر بسجن المرقوم وقتل الباقين ...
    وفي 2 شعبان كان حافظ أحمد باشا في الامام الأعظم فرأى قيام عجاجة تبين منها كتائب القزلباشية فتأهب الجيش العثماني ، فركب الخيالة خيولهم ، ودخل المشاة خنادقهم ، وأخبر حافظ أحمد باشا بذلك فجاء أحد المشاة من العجم. وافى من جانب الشاه وأعطى إلى الباشا

    كتابا كان معه ... وطلب الرسول جواب الكتاب فقال له الباشا سأرسل معك الجواب بعد الحرب فتأهب للنضال واصطفت الجيوش على الأصول المعهودة فجرى بينهم تعاطي بعض نيران المدافع والبنادق وانسحب القزلباشية فكانت الحرب بسيطة.
    الغربان والمدافع تأتي من البصرة
    وبعد يوم ورد بكر آغا وعلي آغا البصريان مع بضع مئات وبعض النجارين فخلع عليهم وأسكنهم في الأعظمية. جاؤوا بثلاث قطع من الغربان (سفن حربية من نوع قدرغة) (1) ولم تكن لها قنوات في مؤخرتها وأعلاها يرفع بألواح عالية ، وفيها ثقوب (مزاغيل) لضرب الأعداء ، وأن مجاذيفها تسحب من ثقوب فيها وسواريها كالقدرغة. حملوها تمرا وافرا. وفي اليوم التالي وردت المدافع أيضا وعهد إلى مراد باشا بأخذها. فذهب بها إلى الجانب الآخر وأخذ معداتها (2). وكذلك وردت المدافع من الحكومة العثمانية تسمى (بال يمز) فأعدت في رأس الخنادق ووضعت في المتاريس فلم يتمكنوا من استعمالها فأعيدت إلى الفيلق.
    والبصرة كانت آنئذ بيد علي باشا بن أفراسياب وهذا بقي محتفظا بالبصرة ، أراد نصرة الدولة العثمانية ليبقى استقلاله مصونا فناصرها بما تمكن منه ...
    __________________
    (1) في كتاب الطراز للخفاجي أن للمراكب أسماء منها الأسطول للمعد للقتال وغراب لكبارها. تسير بالمجاذيف كما قال ابن الساعاتي. وقد غلط في ترجمته إلى الرومية لأن اسمها عندهم (قادرغة). أما (الغايغ) فهو الزورق ، ولم يكن محرفا ، أو متصرفا به من قادرغة ، فصار قارغة. أي غراب ، ثم قايغ. نقلا من مجموعة خطية. ومر بنا أصل لفظها.
    (2) فذلكة كاتب جلبي ج 2 ص 80.

    ذهاب عمر باشا لمحافظة الشط :
    إن شاه العجم وصل نهر ديالى وبث العساكر في الأطراف وهؤلاء كان غرضهم أن يقطعوا طريق النهر (دجلة) لئلا تصل الكلكات إلى الجيش فتمدهم. وقع فعلا نهبهم بعض الكلكات ومن ثم أرسل الوزير الأعظم أحد أتباعه عمر باشا الأرناود لمحافظة تكريت. وهذا لقي الأعداء فحاربهم ألا أنهم تغلبوا عليه واستولوا على ما معه ففر إلى الموصل. فانتهبوا ما ترك. وكذا انتهبوا المؤونة في الفلوجة فلما سمع حافظ أحمد باشا بما جرى أمر بمحافظة هذه المواقع وكتب إلى يعقوب باشا وكان في رأس الكوپري (1).
    رسول الشاه وجواب السردار :
    في هذه الأثناء جاء رسول من الشاه يحمل كتابا يقول فيه إنني أخذت بغداد من يد جلالي (2) وإني مرسل إلى السلطان برسول وكتاب راجيا أن يترك بغداد لابني وإذا أبى فإني أسلمها لكم فلا تدخلوا معي الآن في حرب.
    أجابه حافظ أحمد باشا بقوله أنا وكيل السلطان المطلق وجوابه عندي فلا حاجة لكتابة كتاب إليه رأسا. نحن لا نترك بغداد بأمثال هذه الأقوال.
    وفي هذا الحين هب الهواء العاصف وكسر الجسر واعتلى العج بحيث لا يتمكن الواحد من رؤية الآخر وهكذا استمر الريح العاصف في اليوم التالي ولم يتمكنوا من نصب الجسر إلا بكل صعوبة (3) ...
    __________________
    (1) فذلكة كاتب جلبي ج 2 ص 81.
    (2) يريد المتغلب لأن الجلالية ثاروا على الحكومة العثمانية وصار يسمى كل ثائر عليهم جلاليا ...
    (3) فذلكة كاتب جلبي ج 2 ص 81.

    الحرب الثانية :
    وفي الحال علم أن القزلباشية جاؤوا إلى قلعة الطيور (جانب الكرخ) وسيضعون العتاد هناك فكان من رأي الوزير أن يتخذ ما يلزم. وأرسل بعض رجاله وبينا هم متأهبون إذ ظهرت جيوش العدو للعيان في (جانب الرصافة). جاؤوا من ثلاثة مواقع فتأهبوا للمقارعة وتركوا تلك الإجراءات. مضى إلى جانب الكرخ حسن باشا وفي هذا الجانب جرت المضاربات بمدافع وبنادق ثم عاد الطرفان مساء إلى مواطنهم ... وفي اليوم التالي قتل بعض الأمراء ودخل العدو متاريسهم واستشهد كثيرون ليلا.
    ثم أمد الشاه بالعتاد وغيرها. كما جاءت السفن حاملة ما يحتاج إليه الجيش العثماني فاستولوا عليها حربا وبشق الأنفس. وقد فصل صاحب الفذلكة ذلك مما لا نرى ضرورة لذكره.
    الحرب الثالثة :
    وفي آخر شعبان شاع خبر دخول الشاه في الحرب وفي 12 رمضان هاجم عسكر الشاه من ناحية الشرق ومن الغرب وبعض القزلباش تأهبوا للقراع وكانت جيوش العثمانيين كثيرة ، وإن كاتب چلبي كان شهد هذه الواقعة. وقف عقب جيش السلحدار على تل عال فجرى الحرب وأطلقت المدافع من ناحية برج العجمي واشتد القتال إلا أن الحرب سكنت قبيل الظهر. وفي هذا الحين تحفز الأفراد للهجوم وطلبوا الإذن لهم في الحرب فكان حافظ أحمد باشا يمنعهم ويقول لهم أنتم لا تعرفون شيئا التزموا مكانكم ...
    ثم تحاربوا من ثلاثة مواطن فكانت هذه الحرب مؤلمة جدا. وصف كاتب چلبي هولها وأوضح حالة الجيش العثماني ومغلوبيته ، وأن المشاة منهم صدوا الهاجمين وصاروا يذبحونهم في الخنادق ... وأما

    الغبار فصار لا يستطيع معه الواحد أن يرى الآخر ، وأن حافظ أحمد باشا عاد لا يتمكن أن يرى جيشه كما وأنه قتل له أمراء كثيرون ودمر له جيش عظيم ...
    ثم انجلى الغبار فكان الجيش التركي في مكانه والعجم قد انسحبوا ... والجيش التركي ظهرت عليه علائم الهزيمة وصار لا يلوي إلى جهة إلا أن أعداءه لم يعلموا بالخبر لما ثار من الغبار والريح الزعزع ... ولو بقي الجيش على حالته لساء أمره ... حدثت تلفيات من الجانبين كثيرة لا تقدر ... فعاد الجيش إلى خيامه ...
    وفي 2 شوال يوم السبت اجتاز العجم دجلة وجاءوا إلى الجسر على حين غرة وهناك جرت معركة عظيمة ، وأن يعقوب باشا (كافر أوغلي) والي الموصل قد جرح عند قلعة الطيور فكانت الحرب مؤلمة بسبب الجهود المبذولة لإيصال العتاد. ثم ورد رسول من الشاه يطلب إرسال رسول من جانب الوزير للمذاكرة في الصلح وبعد ذلك وافى من العجم (توخته خان). وهذا قدم الكتاب باحتفال وانعقد المجلس فلما أعطى الوزير الأعظم كتاب الشاه أخذه ووضعه تحت مخدته وقال له أنت اليوم ضيفنا وغدا نتواجه وختم المجلس ...
    وفي كتابه يقول :
    «قد هلكت الرعية. فما الباعث للنزاع بين المسلمين ، أنا انتزعت بغداد من جلالي (1) ، وأرجو من السلطان أن يمنحها لابني وأنا وكلت توخته خان في جميع الأمور» ا ه.
    وهذه الألفاظ نسمعها دائما في مواطن كهذه. ولا شك أنهم رأوا العطب من العثمانيين ...
    __________________
    (1) مر تفسير الجلالي.

    ولما سأله الوزير الأعظم عن فكره باعتباره وكيلا للشاه أجابه بأن (الصلح خير) جئت للصلح بين الطرفين فسأله على أي شيء نتصالح؟ فلم يتم بينهما صلح.
    قال الوزير أنا لم آتكم لأسلم لكم المدينة وحينئذ صاح الجيش لا نرجع حتى نأخذ المدينة ...
    فصل كاتب چلبي المحادثة بطولها (1) ... وفي أثناء المذاكرات وبقاء السفير هاج العسكر. قالوا إن الوزير اتفق مع الأعداء وخان السلطان ولم يسكنوهم إلا بشق الأنفس ... واحتفظوا بالسفير.
    وفي يوم 7 شوال الخميس دعا الوزير آغا الينگچرية وسأله عن اللغم. وهذا ثار في اليوم التالي من جهة أنه لم يحكم سده فتوجه نحو العثمانيين عند ما أخذ النار. ولد بعض التخريبات فلم يبق أمل في البقاء فاضطر الوزير على العودة. حرقوا أثقالهم وأخذوا ما تمكنوا من حمله ...
    رحلوا يوم الجمعة بعد أن دفنوا بعض المدافع التي تقدر قيمتها بما يعادلها ذهبا وكسروا الأخرى ثم إن الشاه عثر أخيرا على الدفائن منها وأخرجها وأخذها معه إلى أصفهان ... أما توخته خان فقد أخذوه معهم حينما عزموا على الرحيل ... وفي ثالث منزل سيروا توخته خان. أعادوه إلى العجم ولكن الجيش الإيراني كان في عقبهم. حارب عدة مرات.
    ذكر كاتب چلبي ما أصاب الجيش العثماني من الضرر وما كابد من تعب وألم وجوع لحد أنه لم يجر على جيش قبلهم ما جرى عليهم. مضوا بهذه الحالة والكثير منهم لم يستطع الدوام. وإنما بقي في محله
    __________________
    (1) فذلكة كاتب جلبي ج 2 ص 86.



    لشدة ما ناله من الجوع فلما وصلوا الزاب أخذوا راحة ، وتيسر لهم أن يجدوا الطعام والأرزاق فمضوا من هناك إلى الموصل وحينئذ أعطيت لهم مواجبهم بتمامها ... كما منح الوزير ايالة الموصل إلى بكر آغا الذي جاء من البصرة وعين حسن باشا الچركسي لمحافظة الموصل ... وكتب ما وقع إلى الآستانة فجاءه الجواب أن يشتي هناك ...
    قال كاتب چلبي هذا مجمل ما أمكن إيراده بوجه الاختصار ... وأقول : إن هذا ملخص ما نقل عن كاتب چلبي والتفصيلات تخص الجيش العثماني ووحداته وأسماء أمرائه مما لا يهم العراق كثيرا ...
    خلاصة في حصار بغداد :
    إن الوزير الأعظم حافظ أحمد باشا حاصر بغداد بالوجه المشروح. وكان مدبرا ، ومفكرا عميقا ... ولم يكن هذا الحصار موافقا لرغبته كما قصه شاهد عيان (كاتب چلبي) وكان من رأيه التسلط على النقاط الحربية المهمة لقطع طريق إمداد الشاه فلم يفلح فتابع رغبة الأمراء الذين كانوا معه فابتدأ بمحاصرة بغداد ... وفي خلال الحصار تم الاستيلاء على الحلة وكربلاء كما أدى إلى حرب دامية قتل فيها الألوف من الطرفين إلا أنه لم يتيسر الاستيلاء على المدينة وحين سمع الشاه وافى بنفسه وكان هذا ملحوظا. فأرسل في مقدمته زينل خان بثمانين ألفا ولما وصلوا إلى شهربان سير قاسم خان بوجه السرعة ابنه كلب علي خان بخمسمائة من الخيالة وأرسل مع كل واحد كيسا من البارود لإمداد المحصورين فاخترقوا الجبهة سحرا وعلى حين غرة فمضوا إلى المحصورين وأمدوهم ... وبهذا أنسي ما أصاب والده قاسما في الموصل من كسرة وأن حافظ أحمد باشا صد جيش زينل خان الذي سار من شهربان إلى قرية بهرز ليعبر ديالى ... ولكن سار الشاه بقوته لإمداد جيوشه ...

    كل هذا مما ضعضع قوة الجيش العثماني ، وولد ضعفا أو فتورا فيهم ، وكذا قلت أرزاقهم ، وعزت المؤونة فاتفق أعداؤهم جميعا على مهاجمتهم ، والجيش العثماني في حالة دفاع فلم يتمكن العجم أن يخترقوه. إلا أنهم تمكنوا من قطع طريق المواصلة للعثمانيين ...
    والعثمانيون صابرون ، مثابرون على حرب عدوهم حتى أن الوزير في ساعة الحرج كان طلب من الشاه المبارزة فأجابه أن البازي المفترس لا يصغي لصوت الزاغ ومن كان همه صيد الأسود لا يبالي ببنات آوى. قال صاحب گلشن خلفا (هذا ما نقلته عن الثقة) والظاهر أنه نقل ذلك عن والده نظمي البغدادي فإنه شهد الحادثة ، وكان فر أثناء سقوط بغداد وذهب مع أمه بصفة درويش إلى كربلاء والحلة وبقي هناك إلى أن اتصل بحافظ أحمد باشا ومدحه بقصيدة مهمة (1) ...
    هاجم العجم الترك عدة مهاجمات فلم يتمكنوا بل باؤوا بالفشل إلا أن قطع مواصلة الجيش أثر كثيرا عليهم ... وكذلك قطع عنهم طريق الميرة فلم يستطيعوا أن يتصلوا بالخارج فصار المحاصرون محصورين فانعكست الآية ... فاستولى الجوع وكان البقاء في محل واحد سبب أمراضا في الجيش بسبب طول البقاء لمدة نحو تسعة أشهر.
    دعا ذلك إلى الضجر من الحالة واضطر الجيش إلى الانسحاب. وفي هذا كله أبدى حافظ أحمد باشا من المهارة الحربية ما أكد قدرته. احتاط وراعى كل تدبير ناجع لتحقيق غرضه فلم يفلح الأمر الذي جعل أرباب الزيغ يتخذون ذلك وسيلة للطعن به وإسقاط منزلته. والآستانة آنئذ في هرج ومرج فلم ينل مددا كافيا مع العلم بأن الشاه وجه عليه جميع قوته. ورأت إيران ما رأت من عطب. وبالرغم من ذلك كاد يتم الصلح بينه وبين الشاه لولا أن الينكچرية لم يصبروا للنتائج فقاموا بعصيان اطلع
    __________________
    (1) أوضحنا ذلك في لغة العرب.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4   موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Emptyالجمعة نوفمبر 01, 2024 4:34 pm

    عليه الشاه في حينه فلم يتم. فكانت هذه الحروب دمار الدولتين.
    وعلى كل لم ينجح في مهمته فغضب عليه السلطان لما شوهوا به سمعته. نزع منه المنصب وجعل خسرو باشا وزيرا أعظم ... وهذا أيضا شغل في قضايا أخرى كانت تهدد قلب السلطنة. فكانت الدولة في اضطراب لا مزيد عليه ...
    أما بغداد فإن الجيش حينما انسحب منها ترك مرضى كثيرين فاقتسمهم أغنياؤها وطببوهم حتى شفوا وإن الشاه عباس عاد إلى إيران ظافرا بعد أن طال مقامه. ومن ثم لم يعرف عما جرى لقلة المدونات ، ولا يؤمل من حالة لا تزال حربية وفي حالة حصار ، مهددة في كل آن بحروب جديدة. بقي فيها الجيش يتوقع ما سيجر إليه ذهاب الوزير الأعظم ، أو ما تقوم به السلطنة العثمانية ...
    حوادث سنة 1036 ه‍ ـ 1626 م
    حالة العراق
    إن الحكومة العثمانية ـ كما قدمنا ـ شغلت بنفسها في حوادثها الداخلية. والإيرانيون لم تكن فيهم الهمة الأولى للتوغل في الأنحاء العراقية الأخرى فاكتفوا برفع الحصار عن بغداد وعادوا ... ومن ثم صح أن نقول إن هذا العام قد سكنت فيه حالة العراق نوعا ...
    حصار البصرة :
    كانت البصرة بيد علي باشا آل أفراسياب. وحاول العجم الاستيلاء عليها فوجه الشاه إليها قائده (إمام قولي خان) فحاصرها أشد الحصار ولكنها بذلت كافة جهودها للدفاع فعجز القوم من التمكن منها ورجع القائد خائبا ، وترك خيامه ومدافعه وأموالا عظيمة وراءه ...
    والشيخ عبد علي الحويزي مدح علي باشا بقصيدة ذكر فيها الوقعة

    وأرخها بنصف بيت وهو (علي دمر الخان سنة 1036 ه‍). والحصار طال إلى سنة 1038 ه‍ أي أنه دام إلى أن توفي الشاه عباس الكبير فلما ورد خبر وفاة الشاه عاد إلى مملكته. هذا مع العلم بأن الحكومة العثمانية خذلت أمام الجيوش الإيرانية مرارا مما جعلنا نقطع بأن دفاع البصرة كان دفاع مستميت احتفاظا بها وذبا عن حريمها بخلاف الترك العثمانيين فلم تهمهم بقدر أهليها. ونراهم يطرون (علي باشا أفراسياب) على دفاعه هذا (1).
    حوادث سنة 1037 ه‍ ـ 1627 م
    وفاة السيد عمر البصري
    هو ابن عبد الرحيم البصري الحسيني الشافعي نزيل مكة المشرفة ، الإمام المحقق ، أستاذ الأستاذين ، كان فقيها عارفا مربيا ، كبير القدر ، عالي الصيت ، حسن السيرة ، كامل الوقار ... كذا في الخلاصة نقلا عن الشبلي وأطال في وصفه. أخذ عنه خلق كثير. وزاد أنه متمكن في التصوف أيضا. توفي سنة 1037 ه‍ (2).
    ولم نقف على رجال العراق في هذا العصر. ألهت الحوادث بل الرزايا من تدوينها ولم تخل في وقت من عالم أو أديب.
    حوادث سنة 1038 ه‍ ـ 1628 م
    حالة العراق
    لا يؤمل أن نرى صلاحا أو إصلاحا والحكومة الإيرانية في حرب ولم تنقطع يد العثمانيين عن مواصلة الزحف وكل ما في الأمر كانت التأهبات عظيمة من الجانبين والإدارة عسكرية قاسية جدا ابتلي العراق
    __________________
    (1) زاد المسافر ص 19.
    (2) خلاصة الأثر ج 3 ص 212.

    بأطماع الفريقين إلا أن موت الشاه في جمادى الأولى من هذه السنة (1038 ه‍) وتبدل الحكم وهجومات الأتراك المتوالية بإزعاج كل ذلك لم يحرك ساكنا في الأهلين للمطالبة باستقلال واتخاذ تدابير لدفع الحكومتين. وما قيام بكر صوباشي إلا لهذا الأمل ، فخاب خيبة ذريعة. والعراق صار بين حكومتين إذا رأى ضعفا من واحدة ونزع إلى الاستقلال وحاول التملص منها فاجأته الأخرى بجيوشها وهاجمته على غرة ولم يجد فرصة للنهوض ، ولا لتحقيق هذه الأمنية مع العلم بأن حروب الماضي لم تكن تشغل إلا ناحية واحدة مقدرة بقوة الواحدة بالنظر للأخرى ...
    لم نعلم عن حكومة إيران في العراق علما وافيا عن جميع أعمالها حتى هذا التاريخ رغم كثرة المراجع التركية. وهذا شأنهم في تواريخهم. توضح علاقاتهم مع غيرهم لا أكثر ... ومثلها تواريخ إيران لم توضح أكثر من العلاقات العامة ، ولم نجد أثرا يستحق التدوين.
    حوادث سنة 1039 ه‍ ـ 1629 م
    السردار خسرو باشا وبغداد
    في فترات غير مقطوعة نسمع بعودة الحروب ، والتأهب للقراع ، كل دولة تستعد لما يؤمن لها الانتصار. وهكذا كان الأمر فعلا ، ففي 18 شوال من سنة 1038 ه‍ نهض السردار من استانبول لاستخلاص بغداد وهو الصدر الأعظم خسرو باشا وجعل مكانه قائممقاما رجب باشا. فوصل قونية في المحرم من سنة 1039 ومنها شتى في ديار بكر ثم توجه نحو الموصل فوصل إليها في غرة جمادى الأولى. ومن هناك سار في 13 جمادى الثانية. عبر الزاب في 25 منه وفي طريقه ضرب العربان الذين كانوا نكلوا بالأهلين وكان أملهم أن يمضوا إلى آلتون كوپري (القنطرة) فذهبوا إلى شمامك ومنها جاؤوا إلى قرية ميره بك من أمراء

    صوران ثم ساروا إلى شهرزور في 28 رجب فمروا بكثيرين من أمراء الكرد وكانوا أذعنوا بالطاعة. مروا من سر چنار حتى وصلوا إلى نفس شهرزور فأقاموا فيها. ولما كانت شهرزور تخربت أيام الشاه عباس لم يبق لها أثر فهي صحراء واسعة بين جبال وآثار القلعة المعروفة بظالم قلعة (زلم) موجودة. كان بناها السلطان سليمان. وحاكمها (الشيخ عبد الله) ويسمى (شيخو). أذعن بالطاعة وقدم ابنه رهنا. والتفصيل في فذلكة كاتب چلبي (1).
    أعاد القائد تعمير قلعة گلعنبر (2) وهي مركز قضاء وتسمى (حلبچة). كان بناها السلطان سليمان خان. وينطق بها (ألبجه).
    كان تشتت أمراء الكرد وفروا من أيدي العجم. التجأوا إلى الجبال الشاهقة والمواطن الصعبة المرور فاختفى كل من ظالم علي ، ومأمون خان ، ومراد خان من أمراء أردلان. ولما رأوا الوزير الأعظم وافى إليهم أطاعوه.
    أطاع السردار جماعة من أمراء الكرد وهم حكام هاوار ، وكسانه ، وشهر بازار ، ودمير قپو ، وچناد ، وخوسير ، وهزار ميرد ، ودلخوران ، ومركاره ، وحرير دويز ، ونيل ، وطاوى ، وزنجير گرقپو ، ومنزل عجور ، وابروان ، وپلنكان ، وباسكي ، ودوان ، وقزلجة قلعه وپاوره برند ، وقلعه غازي ، ونعل لب بإربل ، وچنار كدوكي ، ومهربان ...
    قال في الفذلكة إن الأكراد يتابعون القوة ، ولا يعتمد عليهم وتغلب عليهم المداراة (3). ومثل هذه القوى لا تصد.
    ولما سمع الشاه بخبر قدوم الصدر الأعظم ورأى أن قد اضطربت
    __________________
    (1) فذلكة كاتب جلبي ج 2 ص 119.
    (2) كلعنبر جاءت في فذلكة كاتب جلبي ج 2 ص 118.
    (3) فذلكة كاتب جلبي ج 2 ص 119.

    أفكار الأهلين في همذان جهز الجيش وجعل القائد عليه أمير الأمراء زينل خان وأحمد خان بن هلو خان الأردلاني فمر من جهته ومعهم نحو الأربعين أو الخمسين ألفا من الجند فوصل إلى قلعة مهربان (مريوان) وذلك في رمضان هذه السنة فساق عليه الوزير جيشا لمقابلته تحت قيادة نوغاي باشا أمير أمراء حلب فتقابل الجمعان قرب المدينة ورخصت في هذه المعركة النفوس فلم يدع أحد من قوته شيئا وبذلت المجهودات ودامت المقارعة حتى العصر فوصل المدد للجيش العثماني وقت الحاجة واشترك في المعمعة فرجحت هذه الكفة على العجم ففر القليل منهم وهلك كثيرون وتركوا جرحى حتى إن سردارهم زينل خان فر أيضا. وعند وصوله إلى الشاه غضب عليه فأورده حتفه للحين.
    وعلى هذا الخبر خلى الشاه همذان وانسحب إلى عاصمته. أما الوزير فإنه توجه نحو مهربان. ولمصلحة اقتضت بقي هناك مدة سبعة أيام أو ثمانية. ثم عزم إلى همذان فكسر الجيش الإيراني في طريقه. ومنها استولى على درگزين (1). وكان في نيته أن يذهب إلى عاصمة إيران وهي أصفهان ولكنه حين وصوله إلى صحراء درگزين اضطر أن يطيع أمر السلطان الوارد إليه القاضي بلزوم ذهابه إلى بغداد. وفي هذه الأثناء أصلى نهاوند بنيران حامية.
    وفي طريقه أمر السردار كلّا من يوسف باشا أمير أمراء روم ايلي وكوچك أحمد باشا أن يدمروا مملكة (رستم خان) ففعلوا واجتمعت الجيوش في باش دولاب لتتوجه إلى بغداد وتلتحق بجيش السردار للذهاب إلى هناك فخربوا كل ما مر في طريقهم.
    وفي 10 ذي القعدة توجهوا إلى بغداد. اجتمعوا في باش دولاب. ولكن المنقول عن بعض الثقات من أهالي بغداد أن (دجلة) كان في حد
    __________________
    (1) وصفها في تاريخ نعيما ج 3 ص 35.

    النقصان ولذا انتظروا ورود المدافع والمعدات الحربية فمكثوا عدة أيام بلا حرب ولا جدال.
    حوادث سنة 1040 ه‍ ـ 1630 م
    بقية حوادث الصدر الأعظم بجانب بغداد
    وفي أوائل المحرم من سنة 1040 ه‍ مضى إلى المدينة (بغداد) من طريق در گزين ، ودرتنك وقصر شيرين وحلوان. وهكذا حتى عبر نهر ديالى ، فوصل إلى قنطرة (چبوق) ، واللقمانية وفي 28 المحرم وافى الشط قرب الأعظمية.
    ومن الجهة الأخرى إن كنج عثمان جاء من طريق الفرات فورد الفلوجة ومنها مضى إلى الحلة فهاجمها. وفي 20 صفر سنة 1040 ه‍ شرع السردار في حصار بغداد ، وأحاطها من جميع جوانبها. وفي 3 ربيع الأول سنة 1040 ه‍ هاجمها هجوما شديدا. وذلك أن كل وال (أمير أمراء) هاجم بما لديه من الأغوات والعساكر فاجتازوا المتاريس ووصلوا إلى قرب السور فكان دخولهم هذا المأزق مخطرا جدا. وهناك بذلت النفوس مجهودها ، وجالدت جلادا عنيفا. وكانت المدافع ترمي على الأعداء فرمت ما يقرب من ألف قنبلة ولكنها لم تتمكن من التأثير على السور إلا من جانب ومع هذا دام الحرب لمدة أربعين يوما. فظهر العجز في الجيش العثماني وبدرت بوادر خفوق المسعى رغم الجهود والمعارك الخطيرة. وإن الهجوم الأخير الذي جرى قد فل الجيش وبعثره. أتلف الكثير منه بحيث صار لا يدري الواحد بالآخر. وفي كل هذه المدة لم يأت مدد. وأعوز البارود والمؤونة والعتاد أكثر من كل شيء ... وما ورد إليهم لم يف بالمطلوب (1).
    __________________
    (1) فذلكة كاتب جلبي ج 2 وتاريخ نعيما ج 3 ص 54.

    وكان الأولى أن يركنوا إلى الحصار ، وأن يمنعوا خروج الجيوش المحصورة ، ويقطعوا السابلة وأن لا يمدوا المحصورين استفادة من التجارب العديدة ، فلا يجازفوا بالهجوم ويخاطروا ... وكأنهم في غفلة عن المخذوليات السابقة.
    لم تكن للعدو من القوة ما يكفي للحصار والمقاومة. وإنما أحكم حصاره وأبطل الألغام التي عملها العثمانيون ... وكان العجم قد عزموا على تسليم البلد ولم يجدوا وسيلة للتخلص بغير طلب الأمان. ولكن العثمانيين عجلوا.
    وحينئذ قرر الإيرانيون الهجوم من جانب الثلمة التي أثرت فيها المدافع واستمروا في الدفاع بعددهم ومدافعهم وأن يحاربوا حرب المستميت ...
    ولهذا أول ما قارب العثمانيون المدينة أصلوهم بنيرانهم ومنعوا العساكر العثمانية ، فقتلوا من تقدم أولا وقطعوا طريق إمدادهم ...
    وعلى كل لم يتيسر الفتح. ويعزو أوليا چلبي (1) الخذلان في هذه الحرب إلى أن الجيش ربح غنائم كثيرة إلى حد الإشباع ، والأسد لا يكون مفترسا إلا إذا جاع ، فلم يهاجموا أثناء الحصار بشدة. ولكن الواقع يؤيد أن أسباب المحاصرة مكينة ، فلم يتمكنوا من اختراق الجبهة.
    لم يقدر السردار على المطاولة لا سيما وقد كانت خسائره كبيرة وضائعاته عظيمة ... لم يصبر على الدوام في الحرب كما فعل حافظ أحمد باشا. ولذا قرر لزوم الرجوع باستشارة الأمراء وذلك في 8 ربيع الأول من هذه السنة. وفي أوليا چلبي تركوا بغداد في 27 صفر سنة 1040 ه‍ فعاد بما لديه من قوة وخيام وغيرها. وفي أثناء هذه الحرب
    __________________
    (1) رحلة أوليا جلبي ج 4 ص 403.

    استشهد أمير أمراء الأناضول داود باشا. إلا أن السردار قرر أنه إذا بقيت الحلة في يده أمكنه معاودة الحرب في السنة المقبلة بأمل تسهيل أمر الفتح بناء على اقتراح بعضهم فوافق عليه ، وأرسل أمير آمد خليل باشا مع نحو عشرين ألفا من عسكر ايالته وبينهم الينگچرية. وفي كتاب (خبر صحيح) كان معه اثنا عشر ألفا فأرسلوا على جناح السرعة إلى الحلة. أحاطوا جوانبها بالخنادق لتكون لهم عدة أيام الخطر والمحاصرة.
    وفي هذا الأوان هاجم قائد العجم توخته خان المسمى (خان خانان) فضبط (درنه ودرتنك) ففر المحافظون من الجنود هناك من أمامه ... ومن جهة أخرى إن رستم خان أيضا هاجم الحلة ووجه عزمه إليها فاستمد خليل باشا بالسردار فأرسل إليه بضعة أمراء لكنهم لم يجدوا طريقا للوصول إليه. فكان استعجالهم تسرعا مغلوطا (1) ...
    مهاجمة شهرزور :
    ثم إن العجم هاجموا شهرزور بنحو ثلاثين ألف جندي بقيادة توخته خان ومعه أحمد خان (2) وظالم علي فطردوا من فيها بالقوة وجعلوها قاعا صفصفا ولم يبقوا فيها بناء ما. وفي المعركة قتل محمد باشا بن أرنود وانهزم عمر باشا وابدال باشا. وهؤلاء أيضا لم ينجوا من سيف السردار فأمر بقتلهم وإن أمراء الكرد مالوا إلى العجم وتابعوهم.
    عودة السردار إلى الموصل :
    وفي هذه الأيام وصل السردار إلى الموصل بتاريخ 7 جمادى الأولى وشرع في إحكام حصارها ومنها توجه إلى ماردين.
    وهذا الوزير كما نعته كاتب چلبي لم يكن له تدبير صائب. استبدّ
    __________________
    (1) فذلكة كاتب جلبي وتاريخ نعيما ج 3 ص 56.
    (2) هو الأمير أحمد بن هلو خان أمير أردلان.

    برأيه ، ولم يحسن التصرف كحافظ أحمد باشا فأدى عمله إلى القضاء على الجيش ومهماته وذهبت كل التدابير هباء ...
    مهاجمة الحلة :
    هاجم الشاه بنفسه الحلة بنحو أربعين ألف جندي بعد أن رآها استعصت على جيوشه فحاصرها لمدة ثلاثة أشهر وكان محافظها آنئذ خليل باشا فلم يصل إليه المدد وكان أصاب الدولة العثمانية قحط وبيل فلم تتمكن من معاونته بل كانت في حالة اضطراب من جراء هذا الغلاء. فقطع أمله من المعاونة ولم يفكر إلا في طريقة الخلاص من هذه الغائلة المحدقة به. وكانت مدة الحصار بلغت الثلاثة أشهر أو الأربعة ففي بعض الأيام هجم بما لديه من فوارس على جبهة من جبهات العدو فخرقها وتمكن من الخروج ولم يتمكن منهم العدو بشيء فوصل إلى الموصل. كان لهذه الشجاعة التي أبداها في شق الجبهة مما تذكر له وتزيد في سمعته. وحينئذ أوقع العجم بأهل الحلة ما شاؤوا من قتل ونهب.
    وفي اليوم التالي نادى المنادي بالأمان فانقطع النهب وكفوا عن الغارة والقتل. وإن الجنود التي بقيت في المؤخرة طلبت الأمان.
    ثم عاد الشاه ومن معه من الجنود العثمانيين الذين طلبوا الأمان إلى بغداد وسير الروم وهم الجنود إلى الموصل ومنها توجه إلى إيران. ولم ينج منهم إلا القليل. سير الجنود الرومية إلى أوطانهم ولطفهم وأذن لهم بالذهاب. ثم أمر أن يعمر مرقد الإمام على (رض) فبوشر بالعمل في الحال. وأما الحلة فإنه ضيق عليها وأذل أهليها وأمر أن تبنى قلعة محكمة هناك ويتخذ خندق فشرع في العمل فدمرت دور وبساتين وحدائق للأهلين فتضرروا كثيرا (1).
    __________________
    (1) تاريخ نعيما ج 3 ص 65.

    حوادث سنة 1041 ه‍ ـ 1631 م
    حكومة بكتاش خان
    بغداد في هذه الأيام :
    في هذه الاضطرابات والحالات الحربية كان الحاكم في بغداد (صفي قولي خان) ، ولكنه عاجلته المنية ولم يمهله الأجل. وكان متعصبا في مذهبه كما أنه كان متصلبا في الإدارة. وبلغت مدة حكومته ثماني سنوات تقريبا.
    ولما وصل خبر وفاته إلى شاه العجم أظهر حزنا كبيرا وأصابه ألم عظيم. واتباعا للتقاليد المرعية دعا المنجمين واستطلع رأيهم في معرفة طالع أمرائهم الموجودين فكان طالع (بكتاش خان) غالبا على الكل ...
    وعلى هذا نصب (بكتاش خان) حاكما على بغداد. ولكن الطالع ظهرت حقيقته مؤخرا بدخول السلطان مراد خان بغداد واستيلائه عليها وهي في يده وتحت حكمه. فكانت أيام بغداد في سوء وحروب ومعامع بل قلاقل عظيمة فلم تهدأ الحالة.
    وإن من آثار الوالي السابق بناء السراي (دار الحكومة) المعروف (أيام صاحب گلشن خلفا) بالدفتر خانة.
    بكتاش خان :
    في هذه السنة ولي بكتاش خان على بغداد. قال صاحب گلشن خلفا إنه كان مشغولا بالشرب وتعاطي المعاصي وأخذ الهدايا وعدم المبالاة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فمال الناس في أيامه إلى الأهواء النفسية وانهمكوا في المعاصي وصاروا لا يبالون بانتهاك الحرمات .. والحالة حربية ، فلا يعول على مثل هذه الإشاعات.

    حالة الترك :
    إن السردار كان قد صرف همه إلى تعمير القلعة في الموصل وتحكيمها. وفي هذه السنة كان يتجول بين ديار بكر والموصل. ولكنه لم يتمكن من إجراء عمل ما. وإن موسم الشتاء قد حل فوصل إلى مشتاه وانتظر فيه. وفي 28 ربيع الأول انتزع منه السلطان الخاتم فصار حافظ أحمد باشا وزيرا للمرة الثانية فأمر بإرجاع الجنود إلى استانبول.
    وإثر ذلك حصل قيام عليه من الينگچرية ورؤساء الموظفين فقتل في سنته وكان من أعاظم رجال الدولة. عين مكانه رجب باشا فصار صدرا أعظم. وهذا أيضا قتل من جانب السلطان نظرا لاشتراكه مع الثائرين الذين أصروا على قتل حافظ أحمد باشا فخلفه محمد باشا وهذا دمر المتغلبين والثائرين ممن كانوا يضطرون السلطان إلى قتل وزرائه وتبديلهم وبهذه الوسيلة أمنت الحكومة من شرورهم.
    ولما أمن السلطان مراد المركز شرع في تسكين الأناضول والتنكيل بالثائرين فتمكن من ذلك أيضا.
    حوادث سنة 1042 ه‍ ـ 1632 م
    وفي سنة 1042 ه‍ هاجم شاه العجم كرجستان. وكان حاكمها آنئذ (طهمورث) فلم يستطع مقاومة الأعجام فانسحب وضبطوا كرجستان ومنها توجهوا نحو (وان) فوصل خبر ذلك إلى استانبول فأصدرت الأوامر إلى رؤساء الثغور للاهتمام بالأمر والتأهب للطوارىء.
    حوادث سنة 1043 ه‍ ـ 1633 م
    غرق بغداد
    في هذه السنة طغى ماء دجلة فغرقت من بغداد محلة باب الأزج (1)
    __________________
    (1) اعترض الدكتور (مصطفى جواد) على تاريخ الغرابي في ذكر باب الأزج وأن هذه المحلة لا تصل إلى محل الكسرة.

    وغيرها. والسبب أن إسماعيل بن نجم كانت بستانه محاذية لبدن القلعة فبثق من البدن بثقا ليسقي بستانه ، فاتسع وهدم جانبا من البدن ، فتركه وانهزم ، فأخبر والي بغداد بكتاش خان ، فقام مهرولا حتى وقف عليه ، فشاور بعض المهندسين في هذا الأمر ، فطلبوا ثلاث طيارات ، ملأوها ترابا وحجرا وخسفت في الهدم وترك خلفها الخشب والحطب والتراب حتى انقطع سيل الماء ، واطمأن الناس بعدما ذاقوا مشقة عظيمة (1).
    حوادث حربية :
    وفي ربيع الأول سنة 1043 ه‍ سار توخته خان أمير أمراء العجم بعساكره إلى وان وكانت عدتهم نحو الثلاثين ألفا فهاجمها وضبطها ، ولكن أمير أمراء ديار بكر مرتضى باشا وأمير أمراء أرضروم خليل باشا وافوا إليها. وفي 10 ربيع الآخر أنقذوا وان من يد أعدائهم ورجعوا. فلما سمع الوزير الأعظم وكان قد تحرك أيضا لإمداد الجيش لاستخلاص وان في 11 ربيع الآخر فرح كثيرا وسر الفيلق وقد وصل الصدر الأعظم إلى حلب في 15 جمادى الثانية.
    وفي أوائل رجب بناء على الفرمان الصادر قتل والي حلب نوغاي باشا ووجهت الولاية إلى والي ديار بكر محمد باشا الطيار ، وإن مرتضى باشا عاد إلى استانبول.
    وفي هذه الأثناء حصلت بعض الاضطرابات في الفيلق أحدثها رؤساء الينگچرية. وفر رئيسهم إلى استانبول فقتل بأمر من السلطان هو ومن معه.
    والحاصل أن الأحوال الإدارية والاختلالات الداخلية منعت من استعادة بغداد ودعت إلى بقائها في أيدي الإيرانيين مدة ...
    __________________
    (1) تاريخ الغرابي ج 2 ص 109.

    والملحوظ أن النزاع على بغداد وتهالك الترك في سبيلها واهتمام صدورهم في حروبها. والعجم ومجازفتهم في الاحتفاظ بها كل هذه من الأمور الداعية لانتباه الأهلين ولكن أين الانتباه والقوى متكافئة بل راجحة للعجم في الحرص على العراق ودفاعهم عنها دفاع المستميت في كل مرة ... وكذا الترك ومخاطرتهم في الهجوم عليها ولزوم استعادتها ...
    مال الأهلون كل منهم لناحية فصاروا طعمة نيران هذه الحرب الملتهبة بلا أمل ولا مواعيد شافية ، ولا التمكين من أي حق بل نراهم يطلبون من الأهلين المقاتلة معهم. وتسهيل النجاح والغالبية ليكونوا شهداء لتمكين سلطانهم ، أو واسطة لتأمين استعبادهم وقهرهم ...
    وهكذا نرى عدم المبالاة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فلا يكاد يظهر لهما أثر في هذا العهد فمال الناس إلى الأهواء النفسية وانهمكوا بالمعاصي. ولذا نرى الصلحاء في خوف وارتباك من الأمر. كثرت في أراذل الناس الفواحش فصارت هذه بمثابة الحالة الاعتيادية المألوفة ...
    حوادث سنة 1045 ه‍ ـ 1635 م
    الطاعون في بغداد
    توالت الأرزاء ، واختلت الحياة بسبب تكاثر الجيوش ، وصارت المعيشة في اضطراب ، فكان من لوازم ذلك أن حدث في سنة 1045 ه‍ في اليوم الثالث من شعبان المعظم الطاعون. هاجمت جيوشه الأهلين واستولت على إقليم العراق واستمر ضرره ودام خطره إلى أول يوم من عيد الفطر.
    كانت الضائعات عظيمة جدا فكم دمر من أسرات وقرض من أهلين ...! حتى إنه لم يبق من يدفن الأموات أو يحمل الموتى ، فكان

    لمصابه خطر عظيم وكثرت الأراجيف ونال الأهلين رعب كبير ومن ثم تراهم تركوا المعاصي فصاروا يميلون إلى الصلاح وإلى تأديب النفوس والركون إلى الاستغفار والتمسك بالعبادة فلم يبق ملجأ إلا الله تعالى ...
    ورد في تاريخ الغرابي :
    «وقع في بغداد طاعون وكثر حتى جروا بعض الموتى من أرجلهم ورموا بهم في دجلة. وبيعت قربة الماء بخمسة عباسيات» ا ه (1).
    ثم خفت وطأته. واستمر إلى يوم عرفة فانقطع وزال خطره وشفي المصابون به فكثرت الموروثات ونال الفقراء الثراء. وبعد أمد يسير أبطر الناس الغنى ووسوس لهم الشيطان سوء الأعمال فمالوا إلى المنكرات وعادوا الكرة إلى عمل الموبقات ... كذا قال صاحب گلشن خلفا.
    حالة العراق :
    من هذه الأحوال يظهر أن هذا القطر لم ينل راحة. فهو بين حرب وظلم وغرق وطاعون ... فلا أمل أن نرى عمارة ، أو عدلا ، أو أمنا ، أو نموا في الحضارة ولا تمكنا من العلوم والآداب. والحالة لا تزال حربية والاهتمام بالجيش هو المطلوب. والأخبار المتضمنة هجوم السلطان مراد على العراق بقصد استعادته من مؤيدات ذلك. تأهب بنفسه وقام على العجم لصد غائلتهم فلم يتمكنوا من القضاء عليها من مدة بحيث شوشت عليهم داخليتهم وخارجيتهم. فهي بالنظر إليهم أم المسائل أو صارت (قضية الحياة والممات). دامت هذه الأحوال من الاضطراب إلى أن استولى السلطان على بغداد.
    __________________
    (1) العباسية نقد إيراني من فضة وتساوي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي. أوضحت عنها في (كتاب النقود العراقية لما بعد العهد العباسي). لم يطبع بعد.

    فيل الشاه صفي :
    في هذه السنة بلغ الخبر كوچك أحمد باشا وكان مقيما في الموصل أن أمير آخور الشاه زينل خان أتى إلى بلدة شهرزور ومعه فيل أهداه سلطان الهند إلى الشاه صفي ، فذهب إليها وانتزعه منه وأرسله إلى السلطان مراد ، فبلغ هذا الخبر الشاه فأرسل نحو خمسين ألف فارس ، فالتقوا بأحمد باشا عند قلعة مهربان ، فاقتتلوا ولم يتزلزل أحمد باشا من مكانه حتى استشهد ، ولقبه العجم (بدمير قازوق) لثباته (1).
    حوادث سنة 1046 ه‍ ـ 1636 م
    الحالة العامة
    من حين تركت الدولة العثمانية حصار بغداد اشتغلت في تنظيم داخليتها فلم تتمكن. عاث العجم فيها وصاروا في تأهب حربي بل في مقارعات فعلية فلم تدع فرصة للالتفات ... إلا أن الحروب كانت في أنحاء (وان) فصارت تتداولها الأيدي. واشترك السلطان مراد في حربها ... وعلى كل نرى الحكومتين تتقارعان الطالع ، وتجازف كل واحدة بقدرتها وما لديها من قوة ولم تكن هناك الحرب الحاسمة لتعادل القوى ، ولم يكن الترجيح فائقا من جهة ، وإنما يعوز حسن التدبير للتفوق والرجحان ويغلب على العثمانيين الاضطراب في الإدارة مما منع أن تكون كفتهم راجحة بكثرة القوة وكمال العدة. أنهكت الحروب الدولتين ولم تفكر واحدة منهما في الأمر وما يؤول إليه. وإنما تأمل الواحدة أن تقضي على الآخرى. ولم ينقطع هذا الأمل.
    الحرب سجال. والعراق لم يصف له الجو ، وحالته ما وصفنا من حروب إلى طواعين إلى قسوة وتعديات وهكذا ...
    __________________
    (1) تاريخ الغرابي ج 2 ص 113.

    حوادث سنة 1047 ه‍ ـ 1637 م
    لم نجد ما يصلح للتدوين عن هذه السنة إلا حادث اهتمام العثمانيين في العودة إلى بغداد ومحاولة استردادها وسفر السلطان إليها بنفسه وتجييشه الجيوش العظيمة وقيامه بالمهمات الكبرى فلا حديث غير هذا يهم العراق. وحكومة العجم أيضا متأهبة لقمع نفوذ العثمانيين والقضاء عليهم.
    السلطان مراد يتأهب لاستخلاص بغداد :
    كانت بغداد في أيدي العثمانيين من سنة 941 ه‍ أيام السلطان سليمان ودامت في أيديهم إلى واقعة بكر صوباشي فبقيت نحو المائة سنة تحت حكمهم فحاولت الاستقلال ثم صارت في حكم العجم وقام العثمانيون بهجومات عديدة وعظيمة لاستعادتها فأخفقوا في مساعيهم كلها واستصعب الفتح ، وكون هذا الخذلان خطرا عظيما. كانوا قد بذلوا النفس والنفيس في سبيله فظهر عجزهم وبان ضعفهم ... وهذا الخذلان كان أكبر محرض ، فالسلطان مراد وجد أن الخطر حل واكتسبت المصيبة شكلا عاما ، فعزم بنفسه للقضاء على هذه الغائلة وهو من أعاظم رجال العثمانيين لم يأت مثله من أيام السلطان سليمان فسار للمقارعة بعد أن قضى على اضطرابات داخلية وفتن خارجية مهمة وأمن الحالة مع المجاورين الآخرين ... وحينئذ تمكن من خضد شوكة العجم وفل غارب نفوذهم في العراق وافتتح مدينة (بغداد). استخلصها للعثمانيين فبقيت في حوزتهم إلى الحرب العظمى وحينئذ خرجت من أيديهم في سنة 1335 ه‍ ـ 1917 م.
    السلطان مراد في طريقه إلى بغداد :
    إن السلطان أصدر فرمانا في التأهب لسفر بغداد في أوائل رجب سنة 1047 ه‍ وأوعز في اتخاذ ما يلزم للحرب ، وفي 8 شوال هذه السنة



    أخرج الطوغ الهمايوني (1) وركز أمام الحربية فاستعد الوزراء والأمراء ممن تقرر اشتراكهم في الحرب ونشروا الأعلام الأخرى للاطلاع ، وفي 15 شوال نقل الأوطاغ الهمايوني (خيمة الملك) إلى اسكدار ، وفي 16 ذي القعدة تحرك الفيلق أيضا إلى اسكدار وفي 23 منه يوم الخميس برز السلطان بموكب زاهر واحتفال عظيم وذهب إلى اسكدار ممتطيا جواده وعلى رأسه مغفر عليه عمامة حمراء من شال ، وعلى كتفه طيلسان فكان في زي عربي يحكي طراز الصحابة الكرام (رض) في أوضاعهم حينما يتأهبون للغزو والجهاد ومعه الجيوش في أبهة (2). وحيثما مر من صوب أو التفت إلى جهة أو ناحية من النواحي سمع نداء الأهلين قائلين له (عليك عون الله) فكان لوضعه هذا تأثير كبير في النفوس.
    وفي 23 ذي الحجة يوم السبت رحل السلطان من اسكدار وتوجه نحو بغداد وقطع في سفره هذا (115) مرحلة. وفي المرحلة الخامسة من هذه المراحل عاد المشيعون إلى استانبول وهم الموالي والمعزولون والمدرسون.
    حوادث سنة 1048 ه‍ ـ 1638 م
    السلطان في طريقه أيضا
    وصل السلطان إلى حلب الشهباء بتاريخ 11 ربيع الأول من سنة 1048 ه‍ وهنا انضم إليه الجيش المصري بأميرهم رضوان بك. وفي 26
    __________________
    (1) الطوغ : علم للعثمانيين ، ولسائر الأتراك ويتكون أعلاه من شعر الخيل ويلون بألوان وله أهمية. وتتعين رتبة الأمير بالنظر لما منح من طوغات. والتفصيل في كتاب (تشكيلات وقيافت عسكرية) ص 37.
    (2) رأيت في استانبول في متحف طوبقبو قسم الخزانة لباسه حين افتتح بغداد. وبين هذه مغفر ، ودرع ، وكنانة سهام وسيف ، حتى ركاب فرسه وعدته ... وقد حفظ في خزانة خاصة كتب عليها ذلك. أما السلطان سليمان فقد حفظوا لباسه بوجه عام.

    ربيع الأول منه رحل عنها وقطع مراحل حتى وصل پيره جك وهناك أعد قبل هذا عثمان باشا أربعين سفينة ونصب منها جسرا للعبور فعبر عليها الجيش أما السلطان فإنه ركب في زورق وعبر. استصحب المفتي معه إكراما له. وقد صب خمسة مدافع عظيمة اثنان منها كل واحد حشوه عشرون أوقية من البارود وثلاثة منها حشو كل منها 18 أوقية. وصنع في الفلوجة 800 سفينة لنقل الذخائر والأطعمة. وهنا التحق بالفيلق أمير أمراء سيواس كور خزينة دار وأمير بوزاوق شمسي بك زاده فانضموا إليه في پيره جك.
    ولما وصل منزل جلاب توفي الوزير الأعظم بيرام باشا في 6 ربيع الآخر فتأثر عليه السلطان كثيرا. وعهد بالوزارة العظمى إلى محمد باشا الطيار. وبعد منزلين ورد أمير أمراء الشام (درويش محمد باشا).
    وفي 23 ربيع الآخر ورد السلطان ديار بكر فأقام بها للاستراحة عشرة أيام. وبعد يومين من وصوله جاء الوزير الأعظم فأجري له احتفال عظيم وأنعم عليه السلطان بخيمة وخرگاه وأوطاغ وبارگاه. وفي ذلك اليوم عهد إلى درويش محمد باشا بإيالة ديار بكر وألحق به كثير من أمراء الألوية. وكذا التحق بدرويش محمد باشا أمير الصحراء (سلطان البر) ابن أبي ريشة مع باشوات طرابلس وحلب وعدة أمراء ألوية وعين مقدمة الجيش وأرسل في الأمام.
    وفي 4 جمادى الأولى رحل السلطان عن ديار بكر وكان ذلك في 3 أيلول. وبدل السلطان قيافته فدخل ماردين للتفرج ...
    وفي أثناء مروره بحلب وديار بكر تقدم الشعراء لمدحه والدعاء له بالسفر الميمون وكان مدحه الشاعر نظمي أفندي البغدادي حين ورد الرها بقصيدة تركية طويلة جعل كل شطر من أبياتها تاريخا لقدومه ودعا له بالسفر المبارك. ومدح بقصائد ومقاطيع تركية كثيرة ذكر في (تذكرة

    رضا) جملة صالحة منها لا نرى فائدة في إيرادها لعدم معرفة الكثيرين اللغة التركية ...
    وفي سلخ جمادى الأولى وصل إلى مدينة الموصل.
    ولا يهمنا أن نذكر المنازل قبل أن يصل إلى الموصل وإنما نكتفي بما ذكر. وفي كتاب (روضة الأبرار في فتح بغداد من قبل السلطان مراد) تأليف قره چلبي زاده عبد العزيز أفندي تفصيل ، وهو تاريخ مختصر مخطوط ، ومنه نسخة برقم 2089 في خزانة أسعد أفندي في السليمانية باستانبول. كتبه أيام وزارة مصطفى باشا وبين تاريخ حركة السلطان في منازل عددها ونقلنا منه من حين ورود السلطان الموصل. وهذا المؤلف كتب ما هو أشبه بما كتبه مطراقي أيام السلطان سليمان القانوني إلا أنه لم يكن معاصرا ولا كان كتابه مصورا ...
    وبعد أن أتم ذكر أسفار السلطان قد بين الحوادث التي وقعت في استانبول بغياب السلطان وكان قد جعل السلطان مكانه موسى باشا محافظا وختم المقال بأوصاف الوزير وجميل مناقبه ... عولنا على كثير من نصوصه في حكاية الفتح وما يتعلق بها ولم نترك الكتب الأخرى المعاصرة أو القريبة منها مثل فذلكة كاتب چلبي وگلشن خلفا وغيرهما ...
    ورود سفير من الهند :
    كان أرسل ملك الهند خرم شاه (1) كتابا إلى السلطان مع هدية بيد
    __________________
    (1) إن سليم شاه (جهانكير شاه) ابن أكبر شاه كان قد ولي سنة 1014 ه‍ 1605 م وتوفي سنة 1036 ه‍ ، فخلفه ابنه (شهريار) طالت مدته بضعة أشهر فقتل وهذا قد خلفه بايسنقر بن دانيال بن أكبر شاه. وهذا تغلب عليه خرم شاه (آصف خان) ، فالتجأ بايسنقر إلى العثمانيين ، فلم ينل مطلوبا ، وعاد إلى الهند فهلك. وخرم شاه المذكور ابن سليم شاه. وهو الذي أرسل رسولا إلى السلطان مراد الرابع بالوجه المذكور. (فذلكة ج 2 ص 98 ودول إسلامية ص 502 وتاريخ نعيما ج 3 ص 357).

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4   موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Emptyالجمعة نوفمبر 01, 2024 4:36 pm

    السفير (مير طريف). فورد هذا ميناء جدة فأخبر السلطان بذلك كما أن علي باشا بن أفراسياب عرض قضية مجيئه إلى السلطان بكتاب. ولما وصل السلطان الموصل وافى السفير وقدم الكتاب والهدايا وبين هذه التحف كمر (هميان) مجوهر تقدر قيمته بمائة وخمسين ألف قرش. وترس مصنوع من أذن الفيل ومغطى بجلد الكركدن. ويعتقدون أن هذا لا يؤثر فيه السيف ولا البنادق وأكثر من القول فيه. أما السلطان فإنه أراد أن يجرب قوة سهمه فضربه ضربة كانت قد خرقته. وبهذا كذب دعوى الهنود واعتقادهم في هذا النوع من الترس فابتهج بعمله هذا مما أزال الاعتقاد. وحينئذ وضع داخل الترس خمسمائة فلوري (1) وأعاده إلى السفير.
    كان جاء هذا السفير بأموال وافرة للتصدق بها على فقراء الحرمين الشريفين. وإن ملك الهند أيضا كان أشار إلى ذلك بكتابه المرسل كما أنه كان قد سمع بتوجه السلطان إلى بغداد. ولذا قال ونحن أيضا جهزنا جيوشنا على قندهار واستعادتها من أيدي العجم. وآمل أن يسهل الباري علينا تسخير المملكتين.
    وفي هذا الأمل ما يدعو إلى إنجاز المهمة التي جاء من أجلها السلطان ، فكان عمل الهند ما يشوش الوضع على إيران من مجاوريها. ويسهل فتح بغداد. وهكذا فعل الشاه عباس الكبير باتفاقه مع الدول الأوروبية المجاورة للعثمانيين ، فلم يظهر لها أثر من جراء أن السلطان عقد الصلح مع بعض المجاورين وأكد وضعه.
    وفي الحقيقة تم الفتح. وكان أمر السلطان ببقاء السفير وإقامته في
    __________________
    (1) الفلوري : نقد ذهبي. ذكره بنيامين في رحلته ص 80 وورد في صبح الأعشى. وشاع في المملكة العثمانية وتغلبت تسميته على الدنانير العثمانية. ويسمى فلورين أيضا. وأصله من فلورنسة. والتفصيل في كتاب النقود العراقية.

    الموصل إلى أن يقضي على هذه الغائلة وعين له كافة لوازمه (1).
    نقل المدافع ـ إنعامات :
    إن السلطان أنعم على جميع الجيش. ثم اجتمع الأعيان والأركان للمشاورة في بعض الأمور المهمة بمحضر من السلطان. تداولوا في كل أمر. ولما انجر الكلام إلى المدافع المعروفة بـ (بال يمز) وطريقة نقلها كان رأي الأكثر من أركان الدولة أن الجاموس الذي كان يسحبها قد هلك غالبه والباقي لا يزال منهوك القوى. وأبدوا صعوبة في النقل من طريق البر. وإن الأولى أن يكون من طريق النهر. وارتأى آخرون أنه ليس من الجائز تسييرها من طريق النهر بحيث ينتظر الكل ورودها ...
    أما السلطان وشيخ الإسلام فإنهما قبلا هذا الرأي ووافقا على أن يسير عشرون مدفعا من طريق البر والباقي من طريق النهر فتقرر ذلك وتوزع الزعماء أرباب التيمار القنابل فيما بينهم لتكون معدات المدافع مهيأة.
    ظهر حسن هذا التدبير بعد وصول الجيش إلى بغداد. ولم ترد المدافع نهرا إلا بعد عشرين يوما من وصول الجيش ...
    وحينئذ وجه منصب مرعش إلى محمد علي باشا الگرجي المعزول من أرضروم فعين في المؤخرة أو الساقة. وجعل والي ديار بكر في طليعة العسكر (مقدمته). وعين للميسرة عساكر الشام وسيواس. وعين للمدفعية نوغاي باشا زاده.
    السير من الموصل :
    سار السلطان من الموصل متوجها نحو بغداد فوصل إلى منزل
    __________________
    (1) كاتب جلبي ج 2 ص 198 وتاريخ نعيما ج 3 ص 357.

    (يارمجه) ومنه إلى (خضر الياس) ومنه وصلوا إلى الزاب الأعلى. وهناك نصبوا الخيام ثم إن الجيش عبر الزاب من (المعبر) فوصل إلى (شمامك) ومنه إلى بيدرار. ومنه إلى اينجه صو ثم إلى آلتون كپري في الثاني من شهر رجب ثم وردوا (كوك دپه).
    وقبل المضي إلى المنازل الأخرى نذكر الرواية القائلة إن السلطان حينما أراد أن يعبر آلتون كپري (قنطرة الذهب) قال :
    كيچمه نامرد كوپريسندن قوي آپارسين صوسني
    ياتمه¬تلكي كولگه سنده قوى يه سين أصلان سنى

    ومعناه : دع النهر يجرفك ماؤه ولا تمر من قنطرة الجبان واترك الأسد يختطفك ولا تركن إلى ظل أبي الحصين (الثعلب).
    غالب أهل القنطرة يحفظ هذا البيت. ولعله مقول على لسانه.
    ثم تحركوا من هناك فنزلوا قرب كركوك ثم مضوا في طريقهم حتى حطوا رحالهم في قنطرة چبوق. استراحوا فيها يوما واحدا.
    كانت ثلة من العجم تقيم هناك فأخلوا القلعة وفروا ...
    وفي جنوبي كركوك تردد أمراء الجيش في أن يقدم الطوغ (العلم التركي) وهل في تقدمه محذور لأن جيش العدو قريب منهم. أوشكوا أن يصلوا إليه. ولكن لم يكن تقدم الطوغ من القوانين القديمة أو الاعتيادات المرعية ، لذا تركوا الأمر لاختيار السلطان فجاء مصطفى باشا القبودان (القبطان أو الأميرال) إلى حضور السلطان وكان السردار آنئذ خسرو باشا فلم يأذن بتأخر الطوغ حتى يقابل الأعداء. وقال : ينبغي أن لا يخطر على بالنا الخوف أو الحذر مع وجود السلطان معنا. فأمر أن يتقدم إلى الأمام ...

    بشائر الانتصار
    إن والي أرضروم الوزير كنعان باشا وحاكم اخسخه سفر باشا كانا قد أغارا على روان وكان حاكمها كلب علي خان فقابلهما بجيش عظيم. فجرت محاربة قوية تشتت فيها شمل العجم! ورجع كلب علي مجروحا إلى جانب القلعة فارا فتعقب الجيش أثره فقتلوا قسما من عسكره وأسروا آخرين. جاءت بشائر ذلك إلى السلطان مع رؤوس بعض القتلى.
    وأيضا كانت قد أرسلت ثلة من العسكر إلى شهرزور فوردت البشائر بانتصارها في عين اليوم الذي وردت فيه تلك البشارة.
    ثم سار الجيش إلى ما يقابل بعقوبا وفي 7 رجب نزل الفيلق (باش دولاب) أي أول الكرود. وفي اليوم التالي أي 8 رجب الموافق 5 تشرين الثاني نزل بجوار الإمام الأعظم قرب بغداد. قطع السلطان في مراحله من أسكدار إلى تاريخ وصوله 197 يوما. وكان من هذه الأيام 76 يوما قضاها في الراحة من عناء السفر.
    محاصرة بغداد :
    قيل المحصور مغلوب. لم يقدر الجيش الإيراني على الحرب في ميدان المعارك ، فتوسل بالحصار وكانت له المهارة في الدفاع بهذه الطريقة. ولكن القوة الغالبة لا تصد. فكان الجيش التركي مزودا بكل الوسائل والمهمات. ومن جهة أخرى إن موت الشاه عباس الكبير ، وظهور السلطان مراد الرابع مما أثر على الوضع ، فشعر الإيرانيون بالضعف.
    كان السلطان حين وصوله إلى بغداد رتب الأمور ووزع الوظائف خشية إجراء حركة خروج من الجيش المحصور ... جعل الوزير الأعظم محمد باشا في الباب الأبيض (آق قپو) وكذا آغا الينگچرية حسن آغا

    وأمير أمراء روم إيلي علي باشا بن أرسلان باشا وفوق هؤلاء قپودان باشا ووالي سيواس الخزينة دار إبراهيم باشا وأمراء كستنديل وأولونية ومعهم أربعون چوربچيا ورئيس الصامسونجية حسين آغا ورئيس الزغرجية حيدر آغا زاده محمد آغا فدخلوا المتاريس وجعل محمد باشا وأرسلان باشا بن نوغاي باشا في جانب الباب الشرقي (الباب المظلم) ويقال له (قراكوقپو) أو (قراكلق قپو) باللفظ التركي. وذلك لصد غائلة الهجوم المفاجىء.
    وكانت بغداد قد حوصرت قبل هذا من جانب حافظ أحمد باشا من الباب الشرقي وإن خسرو باشا كان قد حاصرها أيضا من ناحية باب الإمام الأعظم. فأحكم الأعجام هذه المواطن وقووها كثيرا ... وأما الباب الوسطاني فإنه بعيد عن النهر فلا يصلح لاتخاذ متاريس. فأغفله العجم ولم يكونوا يعتقدون أن تتخذ متاريس فيه.
    علمت قوة العثمانيين بذلك حينما كانت في الموصل. وذلك أن السلطان لما كان في الموصل خرج (مير محمد) مع اثنين من إخوته فجاء إلى تكريت لجمع أموال الشاه فنزل عند شيخ العربان هناك فألقى القبض عليه وجيء به إلى السلطان. فقتل إخوته وأتباعه في الحال. ولكن مير محمد كان امرأ عاقلا عارفا وله صناعة كاملة في الشعر والأغاني فرجاه سلحدار باشا فعفا عنه ، ورافقه إلى بغداد مكبلا فأبان عن أكثر أحوال بغداد وعن الباب الوسطاني وأوضح أن هذا الباب خال من التدابير الحربية ...
    عرض الوزير الأعظم ذلك كله إلى السلطان فصدر الفرمان بلزوم محاصرة الباب الوسطاني وتوجيه القوة نحوه. قال نعيما : إن أوطاغ السلطان (خيمته) نصب أمام مزار الإمام الأعظم وإن دجلة تجري من جانب اليمين. ووضعوا (مقصورة) على تل عال مشرف على الأوضاع

    الحربية وهناك ذبحوا 40 رأسا من الغنم فداء له وتصدقوا بها على الفقراء ...
    وإن السلطان قال : إني أستحيي أن أزور الإمام الأعظم بلا فتح ولا ظفر. ولذا لم يدخل مرقده للزيارة حتى أنه لم ينزل في الأوطاغ الهمايوني. وإنما نزل في المقصورة. وهناك كان يوزع الذخائر الحربية والقازمات والكوركات (1) والبارود والفتيل وسائر لوازم الحرب. وبعد ثلثي الليل باشروا الدخول في المتاريس في أطراف البلد فدخلها من ناحية الباب الوسطاني كل من الوزير الأعظم وآغا الينگچرية حسن آغا وأمير أمراء روم إيلي أرسلان باشا زاده علي باشا. ومن جنوبيهم نحو الباب الشرقي مصطفى باشا وأمير أمراء سيواس كور خزينة دار وأربعون چورباچيا مع رئيس صامسونجية وأمراء كوستنديل وأولونيه وفي أسفل هؤلاء أيضا إلى جهة الجنوب كل من أمير أمراء الأناضول حسين باشا وعسكر مصر وأربعون چورباچيا ورئيس الزغرجية (2) حيدر آغا زاده. دخل هؤلاء جميعهم المتاريس. وعين أيضا حرس (قراولة) كل من كورچي باشي ونوغاي باشا زاده من جانب الباب الشرقي لدفع ما يحتمل وقوعه من هجوم ليلي.
    كانت السماء مقمرة فصفت المشاعل أيضا في السور ولم يصبح الصباح إلا والعمل قد تم وأعدت كافة المتاريس وأحاط الجيش بالمدينة من ناحية الشط الغربية إلى الأخرى الجنوبية على شكل قوس.
    وفي تلك الليلة والليلة التالية لها جرت محاربات فجرح أوردار علي باشا وقانلي محمد باشا.
    __________________
    (1) القزمات والكوركات معروفة في اللغة العامة عندنا. وهي ألفاظ تركية. وآلاتها تستعمل إلى هذه الأيام.
    (2) الزغرجية دون كتخدا الينگچرية في الرتبة كما في (تشكيلات وقيافت عسكرية) ص 3.

    أحوال العجم في بغداد :
    إن الشاه لم يشأ أن يخاطر في معركة كبرى مع السلطان خشية المجازفة واحتمال الخذلان مثل ما وقع مع الشاه إسماعيل فاكتفى أن يضع ببغداد قوة كافية للدفاع والحصار بغرض أن يشغلهم ويطاول في الأمر لعل هذا تكون عاقبته كأمثاله. فاختار من جيشه نخبتهم وجعل القيادة لأكابر أمرائه ، وكان من رؤسائهم (خلف خان) رئيس الرماة المشاة وكان حارب السلطان في أنحاء روان فجعل في أنحاء بغداد. وكذا كان آغا صادق ابن مير فتاح في حرب روان. فعفا عنه السلطان فأطلقه وأعوانه ولكنه دام في تعنده ولم يخش الوقيعة مرة أخرى فجاء باثني عشر ألفا من الرماة بالبنادق فوافى هو وأمراء آخرون للحاق ببكتاش خان (والي بغداد) ونبه الشاه إلى لزوم المحافظة على بغداد وأكد وجوب صيانتها وانسحب وجماعة من العجم بقصد الإمداد والإعانة ليكون قوة لهؤلاء فأقام في محل يبعد نحو ست ساعات.
    إن المحصورين في المدينة لم يكونوا يعلمون عن حصار بغداد من (الباب الوسطاني) فكانوا في أمان منه ... ولم يعلموا بما اتخذ من متاريس فرأوا أن قد هوجموا من محل لم يعهد القوم المهاجمة من ناحيته مما دعا أن يذهلوا فلم يقدروا على الدفاع إذ لم يكن أتاهم عدوهم من هذه الجهة فصاروا يرمون بالقنابل والبنادق من جانب القلعة وبادروا للدفاع عن حوزتهم من تلك الناحية أيضا.
    في هذا الحين وردت للعثمانيين المدافع من طريق البر وذلك ثاني يوم الحصار مساء فوزعت عشرة منها للوزير الأعظم وستة إلى قبودان باشا وأربعة إلى حسين باشا. وفي تلك الليلة أقروها في مواضعها. وصوبت وقت السحر على المدينة من ثلاث جهاتها.
    قال المحبي :

    «أمر السلطان بحفر لغم عظيم وضع فيه البارود وأطلقت فيه النار فهدم جانبا عظيما من جدار السور بحيث قيل إنه لم يكن لغم مثله في محاصرة قلعة من القلاع فصار يرى من هدم اللغم ما في مدينة بغداد من البيوت لأنه صار في ذلك الجانب جدار السور سهلا مستويا مع سطح الأرض ، فلما رأى جيش بغداد ما دهمهم مما لم يعرفوه قط تلاشوا وبعثوا إلى الشاه يريدون التسليم وكان عسكر السلطان قد توانوا في الهجوم وتثبطت همة العجم. وفي أثناء ذلك أرسل الشاه رسولا يطلب الصلح وكان الرسول من أعيان عسكر الشاه يسمى جانبك سلطان. وفي يوم الجمعة 13 رجب بكرة النهار اجتمع بالوزير الأعظم في ديوان عظيم ودفع إليه كتاب الشاه بالصلح فقرىء بمسمع من الناس وفهم الكل منه ما قصد الشاه من الحيلة فأبى السلطان وجميع الوزراء والأركان الصلح ...
    (قال المحبي) : وقد رأيت الواقعة بخط الأديب رامي الدمشقي. ثم أطلق السلطان الأمر بالمحاصرة الشديدة وشدد في ذلك» ا ه (1).
    وكانت في 12 رجب قد أفرزت ثلة من الجيش بحرسها وعدتها الكاملة ذهبت إلى جهة شهربان (المقدادية) مع الوزير سلحدار باشا والتحقت بوالي طرابلس شاهين باشا فبلغ المجموع اثني عشر ألفا. وحينئذ وصلوا إليها وهذه من مضافات بغداد ومشهورة بالنعمة والبركة. ومملوءة بالأطعمة والفواكه. لا سيما رمانها. فالعساكر أغاروا على شهربان ونواحيها فغنموا غنائم وافرة وعادوا إلى الفيلق.
    وقدموا للسلطان نوعا نفيسا من الرمان فوزنت واحدة منه فبلغت أربعمائة درهم. والترك يسمون الرمان (نارا) ويحكى أنه لما سمع أحدهم المثل (النار فاكهة الشتاء) قال : (خصوصاً شهربان ناري) أي لا
    __________________
    (1) خلاصة الأثر ص 338.

    سيما نار شهربان. فظن أن هذه النار يقصد بها (نار) المراد في لغته ، فصارت تتكرر هذه كملحة.
    ثم إن السلطان أمر أن يعبر سلحدار باشا مع ثلاثة عشر مدفعا بمن معه من العساكر ففعل وحاذى باب الشط من الجانب الغربي وصار يرمي داخل بغداد من جهة (قلعة الطيور) فخرب أبنية المدينة وأقام القيامة على رؤوس العجم. وإن سلحدار باشا نصب كتخداه عثمان آغا (باشبوغا) (1) على العساكر واللوندات (2) جميعهم ممن في (قلعة الطيور) (3) وأراد هو أن لا ينفك من نظر السلطان فكان يعبر لمرتين يوميا إلى قلعة الطيور ويلاحظ أحوال العساكر ويفتش أمورهم.
    وفي اليوم الثامن لأيام المحاصرة شاهد كل من الوزير الأعظم وقبودان باشا (أميرال البحرية) وحسين باشا أن قد تخرب أكثر التلول فملأوها بتراب كانوا ينقلونه بالزبابيل (الزنابيل) وسدوا المطلوب منهم.
    وتسهيلا للغرض قطع الجيش نحو ألف نخلة فصنع منها توابي (طوابي) ، وضعت عليها المدافع وصنعوا تلولا تكاد تضارع الجبال في علوها. واشترك في هذا جميع العساكر وملئت الخنادق فتقدموا إلى السور.
    __________________
    (1) يراد به قائد العساكر غير المنظمة. وهنا يقصد به القائد الوقتي.
    (2) اللوند : كسوتهم خاصة. ويعدون من أفراد الجيش البحري في أصل تشكيلاتهم ، وفي خدمة الساحل البحري. ثم صاروا يستخدمون في خيالة الجيش في الولايات الأخرى. وألغي هذا النوع من الجند سنة 1186 ه‍ إلا أنهم بقوا في بغداد وفي الولايات النائية. وفي بغداد محلة خان اللاوند من بقايا تسمياتهم. واللفظة إيطالية أصلها (Levant) فاستعملت عندنا لوند ، ولاوند. (تشكيلات وقيافت عسكرية ص 91).
    (3) قلعة الطيور تقع بالقرب من تكية خضر الياس للبكتاشية. وكانت في رأس الجسر. وموقعه هناك. وإن الجسر الموجود اتخذ له الطريق من المدرسة المستنصرية فهو حادث.

    وفي اليوم 13 ألقي القبض على (علي الهمذاني) من العجم فاعترف أنه جاسوس. وفي حضرة السلطان قال : جئت من رستم خان إلى بغداد وأبرز كتابا. إن شئتم أن تقتلوا أو تمنوا. وسآخذ جواب هذا الكتاب وآتيكم به. فأنقذ نفسه بمثل هذه الحيلة ونجا فدخل المدينة.
    السلطان كل يوم يمر بأهل المتاريس من وزراء وأمراء وضباط ويقول ابذلوا جهودكم في سبيل الدين والغيرة الإسلامية ولا تقصروا. هذا يوم السعي وبذل ما في الوسع ... وبأمثال هذه كان يرغبهم وينفث فيهم روح النشاط والهمة.
    ثم نصب الخيام لجراحين كثيرين للاهتمام بقضية الجرحى والمحاربين ، وكان ينعم على كل من يجرح في الحرب ويحسن إليه. يطيب القلوب بأنواع الإنعامات ويعنى بشؤون الجميع.
    وفي هذه الأيام تيسر للوزير الأعظم أن يجعل تابية الباب الوسطاني قاعا صفصفا وآغا الينگچرية چغال زاده جعل تابية الزاوية (كوشه قله سي) كذلك وكل من حسين باشا والقپودان تمكن أن يهدم تابيتين. فالجميع قدروا على هدم أرض تقدر بثمانمائة ذراع سووها بالأرض.
    وفي يوم 14 منه قرر السير إلى الأمام والهجوم على العدو إلا أنه شاع أن هناك خنادق ومتاريس عظيمة لا يمكن اجتيازها فرأوا أن الأولى الدخول في المتاريس فانضموا إليها وتأخر الهجوم.
    وفي يوم 18 منه خرجت ثلة من العجم من ناحية حسين باشا فهاجموا على حين غرة إلا أن العسكر كان متأهبا مستعدا فعاد الأعجام بخيبة ولم ينالوا مأربا ثم خرج من ناحية القپودان ثلة أيضا فلم تفلح.
    وفي 19 منه جاءت ثلاثة مدافع من طريق دجلة فوضعت في جهة قلعة الطيور ووجهت على المتاريس.

    وفي يوم 20 منه وردت ستة مدافع أيضا فأعطيت ثلاثة منها إلى درويش محمد باشا والي ديار بكر. وحينئذ تقرب من (برج العجمي) (1) ومن متاريس الأعداء فتضاربوا بالقنابل مدة فتقدم الباشا مع سبعة من الچورباچية (2) إلى متاريس أخرى فأبطلوا مدافع خصومهم.
    وفي ليلة 23 منه خرج الأعجام بحذافيرهم. ضربوا قنابل وبنادق وعملوا مهر جانا. وسبب ذلك أنه وردت إليهم من جانب ديالى قوة تقدر باثني عشر ألفا.
    وفي هذه الأيام هبت رياح عظيمة دامت أربعة أيام وأربع ليال فلم تكد ترى بغداد ولا الصحراء من كثرة الغبار فلم يفارق الجيش مقابلة العدو واستمروا في الدفاع وأبدوا إقداما يذكر ...
    وفي يوم 2 شعبان ألقى أمير العرب ابن أبي ريشة القبض على (علي خان) من أمراء حسين خان اللر (3) فجيء به فاعتذر بأنه كان جاء إلى العثمانيين فلم تسمع معذرته فقتل.
    وفي 3 و 4 و 5 من شعبان أبدى الجيش بسالة وإقداما تاما فجرت معركة طاحنة جدا تبادل الطرفان فيها المدافع والبنادق. وفي هذه الحرب جرح كور خزينة دار وسقط كتخدا الينگچرية شهيدا وجرح كل من أمير أمراء طربزون وأمراء بوزاوق وچورم.
    وفي 6 منه وزعت أيضا إلى العساكر نحو (260) هزة (كيسا) لحمل التراب.
    __________________
    (1) يسمى مقام الشيخ. وهو معروف. اندثر في هذه الأيام. وجاء ذكره مفصلا في تاريخ جهانكشاي جويني.
    (2) الجورباجية لهم كسوة خاصة. وهم كالبلوكباشية ودرجتهم يوزباشي أي رئيس في مصطلحنا. والتفصيل في كتاب (تشكيلات وقيافت عسكرية) ص 54 وعندنا آل الجوربه جي الأسرة المعروفة ببغداد من بقاياهم.
    (3) أمير اللر الفيلية.

    وفي 7 و 8 منه جمعوا ترابا أمام الخندق كالجبل. ومن هؤلاء الغزاة ممن كان مع قپودان باشا استولوا على الخندق فدخلوه. وإن رئيس الدلية (1) للباشا المذكور جرح وهو راكب فرسه.
    وفي 10 منه خرجت ثلة دمرت ضعفها من الأعجام.
    وفي 14 منه كان جاء إلى ساحل ديالى أعجام ، فاقتضى إرجاعهم فأرسل محمد باشا والي حلب وشاهين باشا والي طرابلس وأمير الصحراء ابن أبي ريشة مع خيالة العربان فذهب هؤلاء لصد أولئك. وبوصولهم انسحب الأعجام وقفلوا راجعين.
    وفي ليلة 15 منه وقع خسوف كلي قرب الصباح. وإلى 16 منه اشتد القتال ودام الحرب فاكتسحت من العدو أماكن كثيرة واستشهد آغا الينگچرية والسردنكچدية وأمير آلاي چرمن. وملئت الخنادق بالأتربة من كل صوب فمضى الجيش سائرا إلى الأمام.
    وفي يوم 17 منه وقت الظهر صار يحرض السردنكچدية الواحد الآخر وهاجموا العدو فتقدموا إلى الأمام وهاجموا التوابي المخربة وهناك اشتبكوا بالعجم واشتعلت نار الحرب.
    قال المؤرخ نعيما : ولما سوي الخندق بالأرض في 16 شعبان. خاطب السلطان الوزير بأن الجيش وطن نفسه على الهجوم فلماذا لم تهاجم؟ فأجاب الوزير الأعظم : أيها السلطان لنصبر قليلا. فالفتح قريب. والهجوم العام له وقت مرهون! فلا نعجل بمحو الجيش.
    ثم إن السلطان عاتبه للمرة الثانية قائلا له : أهذه شجاعتك
    __________________
    (1) رئيس الدلية ، ويقال له دلي باشي. يراد به الدليل. وكانوا يحمون الثغور من صنف الخيالة ويتولى رياستهم دلي باشي وعندنا ناحية دلي عباس (ناحية المنصورية) سميت باسم أحدهم وجامع دلي فتحي باسم أحدهم.

    وإقدامك. ما هذا الانتظار وما معنى هذا التأخير؟!
    وبخه بهذه الكلمات فأجابه :
    ـ أنا حاضر لفداء روحي لسلطاني. فلو مات عبدك الطيار فلا قيمة له. اسأل الله أن يسهل الفتح. قال ذلك وقرر التقدم في الغد.
    وفي 18 منه قام الغزاة بوداع الواحد الآخر وأعدوا أسلحتهم وآلات حربهم وبذلوا ما يستطيعون من قوة وأحضروا ما تمكنوا عليه وصرفوا مجهوداتهم جميعها. وفي تلك الليلة لم يقدر أن ينام أحد. فبلغ التكبير والتهليل عنان السماء.
    أما العجم فإنهم أيضا كانوا تأهبوا للهجوم واستعدوا للحرب فهاجموا ليلا واستخدموا كل ما استطاعوا من قوة من المدفعية والبنادق وسائر الآلات النارية فدافعوا دفاع مستميت وحاربوا حربا عظيمة. فتقدم الترك على لسان واحد قائلين : (الله الله) واشتبكوا بحرب أنست كل الحروب التي سبقتها.
    وحينئذ سار الوزير بعساكره وآغا الينگچرية بمن معه فخرجوا من متاريسهم وتقدموا نحو التوابي من كل صوب ، تقدم قسم وركز العلم في التابية التي أمامه. فقارعهم الأعجام. اشتبكوا بقتال عنيف ، وحرب طاحنة. دام القتال حتى دارت الدائرة على العجم وولوا الأدبار ...
    وفي هذا اليوم استشهد كثيرون لكن الغلبة كانت نصيب الترك أحرزوها وضبطوا التوابي ...
    شهادة الطيار محمد باشا وفتح بغداد :
    إن عساكر الترك تمكنوا من الاستيلاء على التوابي فاستقروا فيها. ولكن العجم احتفظوا ببعض المواقع. صاروا يبدلون حراسها في الليلة ثلاث مرات أو أربعا. أما الوزير الأعظم محمد باشا فإنه كان سل سيفه

    يوم الخميس 17 شعبان فمشى على التوابي التي أمامه بما عنده من عساكر في جهته وأعمل في عدوه السيف وأبدى بسالة لا مثيل لها ، ولكنه جاءته رصاصة من العدو أردته قتيلا. فنقلوه إلى خيمة. توفي ولم يتيسر له أن يشاهد الفتح.
    ومحمد باشا الطيار هو ابن مصطفى باشا المعروف بصارقچي والي بغداد الأسبق. كان توفي والده ودفن في مقبرة الإمام الأعظم. ولذا دفن محمد باشا أيضا عند قدم والده ، وكان محمد باشا قبل أن ينال الوزارة واليا على الموصل ...
    ولما اطلع السلطان على هذا الحادث قال : آه طيار! أنت لا تقدر بمائة مدينة مثل بغداد. عفا الله عنك وأغدق عليك الرحمة والرضوان!
    الدوام في أمر الفتح ـ وكالة الصدارة العظمى :
    وحينئذ أنعم بختم الوكالة العظمى على مصطفى باشا القپودان وقال له :
    ـ أراك أراك! سيتم الفتح بعونه تعالى على يدك. أطلب منك الخدمة والمفاداة ليكن الله تعالى في عونك!
    قال له ذلك ودعا له بالخير. وحينئذ قبل أقدام السلطان وقال أتمنى أن يتوجه قلب السلطان نحوي وأرجو منه الأدعية الخيرية. قال ذلك وبكى فخرج من الأوطاغ الهمايوني وذهب توا إلى متاريس الوزير. وهذا ولد روحا جديدا ونشاطا في الجيش. وبادروا كالأول في القتال. سارعوا في الحرب.
    إن الصدر الأعظم الجديد تقدم بمن معه من جميع الأغوات واللوند والحرس الملكي ومشوا على عدوهم بعساكر فهاجموا بهجوم عام فبذلوا نفوسهم قائلين إن الموت إنما يكون في مثل هذا اليوم. وإن كتخدا الوزير رضوان آغا مع جماعة من أغوات البلاط وغيرهم سقطوا.

    وأما العجم فقد هلك منهم خلق لا يحصى فاكتسحت التوابي القريبة من السور بتمامها وامتلأت بالعساكر. فلم يستطع الإيرانيون الاحتفاظ بها.
    وفي اليوم التالي سحرا سل العثمانيون سيوفهم وتقدموا نحو العجم. وهناك قطع العجم آمالهم من النجاة. حاربوا حرب المستميت.
    وفي اليوم الأربعين من أيام المحاصرة في 18 شعبان (1) يوم الجمعة صاح العجم الأمان الأمان وعلقوا آمالهم بعفو السلطان.
    بكتاش خان والي بغداد
    في حضرة السلطان
    وفي هذه الأثناء ظهر إليهم أحد الأعجام قال : الخان يرغب أن يسلم البلد أرسلوا واحدا منكم. فأرسل إليهم (چاووش باشي) (2) طوراق آغا ومتصرف نيكده حسن باشا. فوصلا إلى بكتاش خان (حاكم بغداد) فأعلماه بأن من طلب الأمان من السلطان أعطاه كما هو دأب العثمانيين ومن رسمهم المعتاد القديم. وطمأنوا الحاكم وجاؤوا به إلى الوزير الأعظم. وبعد الملاقاة معه أحضر إلى السلطان فنبه بلزوم اجتماع العسكر وترتيب الديوان. وإن الوزير الأعظم بقي ثابت القدم في مقامه وإن الجيوش بين خيمة الوزير وأوطاغ السلطان صفت في الجانبين مثنى مثنى سواء السپاه أو السلحدارية (3). وكانت العساكر مصطفة في الجانبين. لا يحصى عددها ...
    __________________
    (1) في نعيما أن الفتح كان يوم ثامن شعبان وهذا غير صحيح والصواب ما ذكره صاحب كلشن خلفا من أنه كان يوم 18 منه لأن السلطان ورد بغداد يوم 8 رجب وطالت المحاصرة أربعين يوما فبلغت ما ذكره صاحب كلشن ...
    (2) جاووش باشي. من ضباط الينكجرية. وله لباس خاص. (تشكيلات وقيافت عسكرية) ص 52.
    (3) السلحدارية جند الحرس الملكي الخيالة.

    وكان السلطان جالسا على تخت ذهبي وبلباس أحمر بأبهة لا مثيل لها مزين مكانه بالجواهر ، ومرصع بالنفائس والتحف ، وعلى ركبته سيف مرصع. وعن يمينه ويساره الغلمان المدرعون بالدروع المرصعة والهميانات الذهبية. وهم من خيرة الشجعان تراهم مكتوفي الأيدي واقفين أمام السلطان باحترام.
    وكذا شيخ الإسلام والوزراء العظام وسائر أركان الديوان كانوا بوقار وأدب لا مزيد عليه. وكل في موقعه. فترتب الديوان حسب المراسيم المعتادة ...
    وحينئذ جاء الصدر الأعظم (ببكتاش خان) إلى حضور السلطان ولما رأى الوضع والأبهة التي عليها السلطان أخذته الرهبة فلم يسعه إلا أن قبل الأرض. ولم يستطع أن يتحرك إلى الأمام وأبدى خضوعا وتذللا.
    أما السلطان فإنه أعطاه الأمان قائلا له أمنتكم على أن تخلوا المدينة في هذا اليوم. إنك لو جئتنا أولا لما رأيت هذا العناء. لكنك قمت بواجب الخدمة لمتبوعك جهد طاقتك فأنت معذور. وأعطاه تاجا (سرتوغا) مرصعا وخلعة سمور وخنجرا مجوهرا وقال له : اذهب إلى المدينة. وليخرج كل من فيها من الخانات والعساكر على وجه العجلة. ومن شاء أن يذهب إلى الشاه فليذهب ومن شاء أن يكون تابعا لنا فليبق. لا يجبر أحد فهم على اختيارهم.
    وعلى هذا أعيد بكتاش خان إلى خيمة الوزير الأعظم فكتب كتابا إلى الخانات الذين هم داخل المدينة وإلى سائر العساكر بأن السلطان أنعم بالأمان ، وأن مير فتاح ويار علي وخلف خان ونقد علي خان وسائر البيكباشية (المقدمين) واليوزباشية (الرؤساء) يجب أن يخرجوا في هذا اليوم إلى وقت العصر إلى الخارج ، وأن العسكر أيضا سحرا

    يخرجون من (الباب الشرقي) وهو الطريق الذي يذهب إلى الشاه. ومن بقي فليخرج من باب الإمام الأعظم كتب الكتاب وأرسله إلى العجم في المدينة وصار ينتظر خروجهم.
    ثم إن بكتاش خان أخبر الوزير الأعظم بأن الجيش الذي هو داخل البلدة على أغلب احتمال قد اتخذ ألغاما تحت التوابي التي استولى عليها الجيش العثماني وملأوها بارودا واتخذوا بذلك حيلة. أما الوزير الأعظم فإنه أخبر جيشه بذلك ونبههم على حيلة هؤلاء وما يحاولون إيقاعه. وعجل بلزوم إبطال ما مكروا به.
    أوضاع الجيشين
    إن الجيش العثماني كان يلتمس وسيلة ما للوقيعة بالعسكر الإيراني. قاموا بأجمعهم وهاجموهم وأعملوا فيهم السيف. ولما وصل كتاب بكتاش خان وأعلم بالأمان بكتابه المرسل إليهم ، خافوا وأبوا أن يخرجوا وتعللوا بعلل وبقوا تلك الليلة. ولما رأوا هجوم الجيش تحصنوا في تابية نارين. وحينئذ وقعت مصادمة عنيفة بين الفريقين فلم يروا طريقا للخلاص. فركنوا إلى الفرار.
    وفي تلك الليلة قتلوا كل من وجدوه من العجم وانتهبوا أموالهم. وإن بقاياهم اجتمعت في (الباب الشرقي). وقفت هناك. وإن العسكر في تلك الحالة نهب من نهب ولم يمكن المنع من الغارة فعين الجبه جية (1) لحراسة سراي بكتاش خان ودور سائر الخانات والبزازين حفظا لها من النهب.
    __________________
    (1) الجبه جية : يوزعون الأسلحة والمهمات الحربية للجيش ، ويقومون بحراستها أيضا. وآل الجبه جي عندنا معروفون. وهم من بقايا أولئك.

    القتل العام في العجم
    ثم إن الوزير الأعظم مع أمرائه ورؤسائه ركبوا وقت السحر فدخلوا بغداد لتسلمها فوجدوها مملوءة بأجساد الأعداء. وملطخة بدمائهم. ونحو ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف من العجم حذروا على أرواحهم فلجأوا إلى (الباب الشرقي) فتحصنوا ببعض التوابي والأماكن. فلما وصل الوزير الأعظم إلى هناك شاهد بعض عساكر العجم فتعرض بهم. وهؤلاء خافوا ، ومن حيرتهم دافعوا عن أنفسهم إلا أن عسكر الوزير سار إليهم فاشتعلت نيران الحرب بين الفريقين. وحينئذ وبعد مغلوبية الإيرانيين قام الملتجئون إلى التوابي وغيرها فصاروا يضاربون جيش الوزير بالأحجار والسهام والبنادق فاستشهد من جيش الوزير جماعة حتى أن رئيس الكتاب (إسماعيل أفندي) كان في ركاب الوزير الأعظم فأصابته رمية حجر وأعقبتها رمية سهم فسقط شهيدا.
    وإن الموما إليه من أهل طرابزون ، كان ذا علم ومعرفة وطبع لطيف وصناعة إنشاء فاق بها أقرانه.
    وفي ذلك الحين سل أحد الأعجام سيفه وحمل على سلحدار باشا لكن أحد الغلمان الشجعان وكان شابا أمرد اسمه خليل سل سيفه وهاجم ذلك الرجل فقطع (ذراعه) فانسحب الإيرانيون وتجمعوا في محل وشرعوا في الحرب أيضا.
    أما الوزير فإنه حينما رأى ذلك بادر لمحاربة الإيرانيين ومن ثم كسروا. وإن راوي هذه القصة إبراهيم آغا كان آنئذ من مقربي الحرم الخاص قال : بعد الفتح أمر السلطان فصاحوا بالأمان ونادوا به وفي هذه الأثناء جاء أحد عساكر روم إيلي إلى حضور السلطان فقال : أنت بذلت الأمان ولكن نحن لا نوافق على ذلك. وحينئذ استغرب السلطان من جرأته هذه فقال ما هذا الكلام الغريب فأجابه بجرأة أيضا : أيها الملك نحن من سنين نقوم بالأسفار على بغداد ولم

    نكتف بصرف المبالغ الطائلة بل بذلنا النفوس الكثيرة حتى أنه لم يبق لي أب ولا عم ولا إخوة فالكل هلكوا في هذه السبيل. فالآن سنحت الفرصة فلماذا لم نأخذ انتقامنا منهم. فكيف نبذل لهؤلاء (الأمان) ، الحق لا تفعل ذلك.
    أما السلطان فإنه عجب من قوله هذا وضحك بقهقهة.
    وبينا هو في هذه الحالة إذ دخل الباشوات عليه وأبدوا أن العجم شرعوا في القتال فقتلوا الرئيس وكثيرا من الرجال فاضطر الأمراء على الحرب.
    وفي ذلك الحين جاء رجل من علماء بغداد بزي شيخ لابسا طيلسانا وأتى باثنين من العجم مصفدين. فغضب السلطان وقال : أنا أعطيت الأمان لماذا تفعل هذا؟ فعاتبه. فقال أيها الملك إن هؤلاء عادوا للحرب الكرة الثانية ولم يصغوا للأمان.
    وعلى هذا بعث السلطان غلاما تتارا ليأتيه بالخبر. وهذا التتار وصل إلى الباب الشرقي فرأى أن الحرب مشتعلة فأخبر السلطان بذلك فأرسل السلطان أمير أمراء روم إيلي حسين باشا وقال له : اذهب إلى هؤلاء الأشرار وادفع فسادهم فإذا تعندوا فاقتلوهم قتلا عاما ...
    أما حسين باشا فإنه ذهب إلى محل الواقعة وأخذ معه سلحدار باشا (1) فأتيا إلى التابيتين اللتين كان قد تحصن بهما العجم وأفهموهم بأن السلطان بذل الأمان فلا تخافوا. تعالوا من الخارج. وبذلك استمالوهم فمن هؤلاء مير فتاح وعلي يار وخلف خان ذهبوا إلى الخارج فجاؤوا إلى السلطان فسلموا إلى حبس سلحدار باشا ولكن كان لمير
    __________________
    (1) أكبر آمر من خيالة الحرس الملكي يقال له (سلحدار باشا). قاله في (تشكيلات وقيافت عسكرية) ص 6.

    فتاح ولدان كبيران لم يخرجا من التابية ولا يزالان متمنعين بها مع جماعة من العجم فأظهروا العصيان للمرة الأخرى. وحينئذ وجهوا عليهم مدافع ضخمة وشرعوا في قتلهم لعدم قبولهم الأمان. وفي بضع ساعات قتل منهم عدة آلاف وأسر منهم ثلة أحياء فجاؤوا بهم إلى السلطان ، وأمام خيمة السلطان (أوطاغه) ضربت أعناقهم وفي تابية نارين جماعة من العجم طلبوا الأمان فأخبروا بأن يخرجوا أولاد مير فتاح فخرجوا. أما الباقون فإنهم طلبوا الأمان وحينئذ صدر الفرمان بأن لا يأتوا بالأحياء ولا بالرؤوس.
    وفي ذلك المحل كان أمير أمراء الأناضول حسين باشا حضر بنفسه مع ثلة من أتباعه إلى السور فقال لجيشه آتوني بمن بقي من هؤلاء فنزل عليهم الجيش. وكانوا قد تألموا من العجم وامتلأت قلوبهم عليهم فلم يصغوا إلى طلبهم الأمان فأخرجوهم من متاريسهم وقتلوا أكثرهم. وأما الذين نجوا من القتل فقد بذلوا لهم الأمان. وإن أبناء مير فتاح جاؤوا إلى الفيلق وأما العجم وعدتهم بضع مئات فإنهم خرجوا من الباب الشرقي وتوجهوا نحو جهة ديالى. وهؤلاء حينما خرجوا عقب أثرهم عسكر مصر فقتلوا بضع مئات منهم. ولم يسلم منهم إلا القليل فرموا بأرواحهم إلى شهربان وهؤلاء في يوم ماطر دخلوا تحت قبة كبيرة. وهذه القبة قد سقطت عليهم فأهلكت أكثرهم.
    والحاصل لم ينج من مجموع الجيش الإيراني البالغ ثلاثين ألفا إلا نحو ثلاثمائة تمكنوا من الوصول إلى فيلق الشاه ومن جيش العجم نحو عشرة آلاف هلكوا بنيران المدافع والبنادق وأما الذين نقضوا الأمان وقدرهم عشرون ألفا فإنهم قتلوا في خلال الثلاثة أيام وكانوا تحاربوا بعد الأمان.
    وقال أوليا چلبي إن العجم رفعوا الأعلام البيض وطلبوا الأمان.

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري
    الشيخ شوقي البديري


    عدد المساهمات : 2985
    نقاط : 4638
    تاريخ التسجيل : 17/06/2012
    العمر : 59
    الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

    موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Empty
    مُساهمةموضوع: رد: موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4   موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4 Emptyالجمعة نوفمبر 01, 2024 4:38 pm

    فقبل أمانهم على أن يخرجوا في يومهم ويتركوا أسلحتهم. إلا أن قسما منهم لجأ إلى القلعة الداخلية ، وأن قسما آخر مالوا إلى الباب المظلم فحاصروا فيه وشرعوا في القتال ... فكانت النتيجة أن قتل في هذه الحرب من العجم (87) ألفا.
    وذكر أوليا چلبي أن الله عزيز ذو انتقام كان مرتضى باشا السردار قد توفي في حرب روان فطلب الجيش الأمان من الشاه إلا أنه لم يف بعهده فقتل (12) ألفا من الجند فكان الانتقام منه بعد ثلاث سنوات (1).
    وبعد هذه الوقائع ملئت بغداد من القتلى. وكذا الخارج. وكان هذا القتل لم يسبق له مثيل في تاريخ الحروب الإيرانية.
    وبذلك انتقم الترك من الشاه ونال جزاءه وحصل الجيش التركي على غنائم وافرة جدا. وأما نفس رعايا بغداد فإنهم تقدموا صفوفا بأطفالهم ونسائهم لطلب الأمان وصاحوا (الداد ، أمان) (2). فأصدر السلطان أمانه لهم وأن لا تنهب بغداد وأن كل من عثر على مال فله أخذه.
    وأعلن السلطان الأمان أيضا ومنع منعا باتا أن يتعرض أفراد الجيش بأموال الأهلين أو أولادهم. وكل من وجدت في خيمته أموال لأحد فعقابه الإعدام. ولو لم يأمر بهذا لعادت بغداد يبابا ، أو أثرا بعد عين.
    والخلاصة أن بغداد أنقذت من أعداء الترك وخلصت للعثمانيين.
    وبهذا تم (الفتح) (3).
    __________________
    (1) أوليا چلبي (بتلخيص) ج 4 ص 407.
    (2) معروف عند البغداديين تعبير (الداد أمان) إلى الآن ومعناه التسليم وطلب الأمان.
    (3) نعيما ج 2 ص 377. وفذلكة كاتب جلبي ج 2 ص 205 و (تشكيلات وقيافت عسكرية).

    وجاء خبر ذلك مجملا في تاريخ الغرابي. قال :
    «سار السلطان ... لاستخلاص بغداد دار السلام (مدينة السلام) ... فنزل عليها وحاصرها أربعين يوما. فلما رأى حاكمها بكتاش خان وسائر الخانات أن لا طاقة لهم بمقاومة الهزبر طلبوا الأمان فأعطاهم السلطان ما طلبوا ، وخرج بكتاش خان إلى حضرة السلطان بالأمان ، ثم إن السلطان أمر أن كل من كان من عسكر القزلباش فليلق السلاح ويخرج عليه الأمان ، فما رضوا بذلك فاجتمعوا كلهم عند الباب الشرقي المعروفة بـ (قره قاپي) فعين السلطان من أبادهم ، فما خرج منهم سوى خمسة وعشرين شخصا توجهوا إلى ممالك العجم ، فحين فارقوا بغداد أمطرت السماء ، واشتد المطر ، فآووا إلى قبة في الطريق ، فخرج أحدهم في الليل لإراقة الماء ، فوقعت القبة على رفقائه فقتلتهم ، وذهب ذلك الرجل إلى العجم فأخبرهم» (1) ا ه.
    فكان بحثه مختصرا بل مقتضبا ، وقد مر بنا التفصيل من كتب تاريخية عديدة.
    زيارة الإمام الأعظم :
    وفي اليوم التالي ذهب السلطان لزيارة الإمام الأعظم وقال : الآن حقت الزيارة. وكان قال إنني أخجل من زيارته قبل أن تفتح بغداد. فقرىء هناك الختم الشريف وتليت الأدعية وذبحت القرابين وبذلت الصدقات.
    التبريكات بالفتح :
    وفي هذا اليوم رتب الديوان العالي فهنأ السلطان بهذا الفتح
    __________________
    (1) تاريخ الغرابي ج 2 ص 114.

    الجليل كل من الوزير الأعظم وشيخ الإسلام وسائر الوزراء والصدور وأركان الدولة والولاة وآغا الينگچرية والأمراء وضباط الجيش. فألبس الخلع الفاخرة كلّا من هؤلاء ودعا لهم بالخير.
    أرخ هذا الفتح جماعة منهم شيخ الإسلام وغيره كثيرون (1).
    ولما كانت هذه التواريخ تركية لم نر فائدة في نقلها وذكرها. والتواريخ العربية كان أكثر الناس من نظمها. قال المحبي وقفت بمكة المشرفة على تاريخ للقاضي تاج الدين المالكي وهو هذا :
    خليفة الله مراد غزا
    قلعة بغداد فأرداها

    وعندما حاصرها جيشه
    اندك للأسفل أعلاها

    وأصبح الشاه ذبيحا لما
    أخبر من كثرة قتلاها

    هذا اختصار القول فيها فإن
    قيل لقد أجملت ذكراها

    فلنشرحن فعل مراد بها
    مؤرخا قد ذبح الشاها

    انتهى (2).
    منح رتب وكتب أخبار الفتح :
    وفي هذا اليوم حرر (كتاب الفتح) وأرسلت كتب أخرى ومنح الميراخور الكبير خليل آغا رتبة الوزارة وأرسل ببشرى الفتح إلى الآستانة. وأمر بنقل (أوطاغ السلطان) إلى باب الإمام الأعظم فأبدل
    __________________
    (1) تاريخ نعيما وتذكرة رضا وكلشن خلفا ص 79 ـ 1.
    (2) خلاصة الأثر ج 4 ص 339.

    مكانه. وفي اليوم نفسه ابتدىء بعمارة القلعة وأعلن بواسطة المنادين أن لا يبقى أحد مختفيا وليظهر كل بلا خوف ولا حذر وأن لا يتعرض أحد بالمختفين. ومنح سلحدار باشا منصب القبودانية (القبطانية) وجرت توجيهات أخرى لا نرى فائدة في ذكرها مما لا يخص أحوال بغداد. وفي هذه الترفيعات نوع منحات ...
    ومن التوجيهات التي أجريت أن والي قسطموني السابق محمد باشا منح منصب ايالة شهرزور.
    وفاة بكتاش خان والي بغداد السابق :
    وفي تلك الليلة توفي بكتاش خان في سرايه بعد العشاء فجأة كذا في نعيما. وفي گلشن خلفا أنه انتحر ، وترك زوجته بنت (حسين خان اللر). فأرسلت بجميع أموالها وأتباعها إلى أبيها ولم يتعرض إلى شيء من أموالها. وهذا الوالي حكم بغداد مدة سبع سنوات. قال صاحب گلشن خلفا ولا يزال سراي الحكومة قائما. فهو من آثاره وله منظر جميل وحديقة غناء ... وكذا الحمام من بنائه (1).
    ولاية بغداد :
    وفي اليوم التالي منحت (ايالة بغداد) إلى كوچك حسن آغا (2) آغا الينگچرية وعهد بأغوية الينگچرية إلى مصطفى آغا الركابدار. ومن المدرسين مصطفى (3) أفندي التذكره جي عين قاضيا لبغداد. وإن كتخدا
    __________________
    (1) كلشن خلفا ص 79 ـ 1.
    (2) لم يكن حسين آغا وإنما هو حسن آغا كما في كلشن وسجل عثماني بخلاف ما ورد في تاريخ نعيما.
    (3) جاء في نعيما أنه مصطفى أفندي التذكره جي وما جاء في فذلكة كاتب جلبي من أنه موسى أفندي التذكره جي. فليس بصواب.

    الينگچرية (بكتاش آغا) عين لمحافظة بغداد وحراستها وجعل معه ثمانية آلاف نفر من الينگچرية.
    سرقة حمائل السيف :
    ومما يحكى أن شخصا من أكراد العجم يدعى قارچغاي كان يتكلم بلهجة لطيفة. لذا عفا السلطان عن قتله حتى أنه نال شرف مصاحبة السلطان (مرافق الملك) فتطاول ولم يتأدب بحضوره. وفي يوم الفتح قدم (بكتاش خان) للسلطان سيفا مرصعا ولما علم قارچغاي المزبور وكان في المجلس قال أنا أذهب به فأقدمه للسلطان فأخذ السيف وله حمائل مذهبة ومجوهرة. ولكنه لخساسة طبعه بدل الحمائل وأوصل السيف إلى السلطان فقبله السلطان منه وقال لسلحدار باشا إني أعجب أن تكون حمائل هذا السيف اللطيف غير متناسبة معه.
    أخبر بكتاش بأنه إذا كانت لهذا السيف حمائل مناسبة له فليرسلها. فأجاب أن حمائل هذا السيف ذهبية ومجوهرة فهي متناسبة معه. ولعلها بدلت. وبالتهديد والتحقيق ظهرت. واعترف قارچغاي بها وحينئذ غضب السلطان عليه وعده كافر النعمة. ولم يلتفت لكل هذا اللطف حتى طمع وخان فلا يستحق هذه العناية والرعاية فأمر بقتله فقتل.
    خرافة مولوية :
    حكى نعيما أنه قبل فتح المدينة ببضعة أيام جاء أحد دراويش المولوية تجاه أوطاغ السلطان وقال له : أيها الملك اسعوا واجهدوا أن تفتحوا المدينة قبل يوم الاثنين وإلا لو تأخر غرقنا بالسيول فلا يتيسر الفتح. وفي ذلك اليوم أمر السلطان طيار باشا بالهجوم وأقنعه بل هدده في لزوم الهجوم فاهتموا له وأقدموا عليه. وفي الحقيقة تيسر الفتح يوم الجمعة. أغاروا على البلدة يوم السبت وفي اليوم التالي الأحد بذل

    الأمان. وفي يوم الاثنين جادت السماء بمطر عظيم امتلأت منه المتاريس وغرقت الخيام فبقيت في الأطيان.
    وبهذا ظهرت كرامة ذلك الدرويش المولوي الكامل. ولو كانت أمطرت هذا المطر قبل الفتح لما أمكن الفتح بل لم يقدروا أن يخرجوا من متاريسهم. فكان هذا التدبير موفقا ... فحصل المأمول في أحسن وجه. ثم إنه بعد الفتح توالت الأمطار فأوقفت الحركة خارج الخيام.
    والظاهر أن هذه الحكاية رتبت إثر وقوع الأمطار فأراد هؤلاء أن يستفيدوا منها ولو بعد حين وقد بينا عن هؤلاء وأوضحنا بعض الإيضاح عن طريقهم ، وغاية ما يقال إن هذه وأمثالها سبب نكبة المسلمين وإماتة أرواحهم ونفوسهم الجريئة الحية ... ولم يذكر هذه الواقعة صاحب الفذلكة.
    تعمير مرقدي الإمام الأعظم والشيخ عبد القادر الكيلاني :
    ثم إن السلطان أمر بتعمير مرقدي الإمام الأعظم والشيخ عبد القادر الكيلاني بنظارة شيخ الإسلام يحيى أفندي. وهذا شرع في العمل. فعمر الأبنية التي في ساحة القبة العليا وزينها بقناديل ذهب وفضة. وكذا عمر صندوقا وقام باللوازم الأخرى. واتخذ ستارا من صوف أخضر وعمامة.
    وقائع أخرى :
    ثم إنه كان عين من العجم قاض في بغداد. تمكنوا من القبض عليه فقتل. وكذا قتل دفتري الموصل (عباس البغدادي) لتحقق تهاونه في إرسال المهمات وللاطلاع على بعض أحوال منه غير مرضية. وإن محمد باشا المعزول من قسطموني وجهت إليه (ايالة شهرزور).

    قتل القزلباشية :
    إن الدولة أرادت أن تقطع دابر القزلباشية إذ علمت أن قد جاء أكثر من ثلاثمائة منهم من النجف إلى الكاظمية فأمر بقتلهم وذلك قبل الفتح وإعطاء الأمان وكذا قتل نحو ألف ، ثم قتل نحو أربعمائة.
    قتل الواردون من القزلباشية من النجف أيضا لما علم من جاسوس منهم ألقي القبض عليه جاء وكان حاملا كتابا ، فيه أنه إذا استولى العثمانيون على بغداد فأخبرونا لنترك أوطاننا ونذهب إلى ديار العجم. وبهذه التهمة قتلوا (1).
    وعلى كل حال إن العثمانيين أبدوا قسوة في القتل لما رأوا من حنق من الإيرانيين فقابلوهم بأشد منه مما لا ترضاه الشريعة فالضرر ممنوع ابتداء ، وكذا المقابلة به. فأضاعوا قاعدة (لا ضرر ولا ضرار). وربما كان الحنق من الجيش فلم يستطيعوا صده ...
    عودة السلطان إلى استانبول :
    وبعد ذلك تقرر عودة الركاب الهمايوني إلى الآستانة فعاد في 12 من شهر رمضان وأرسل ابن مير فتاح وسائر خانات العجم المحبوسين إلى ديار بكر.
    وكان السلطان حينما أراد العودة تقدم لزيارة الإمام الأعظم. ثم إنه عبر مع الصولاقية والمتفرقة العلوفية والچاوش وبلوك اليمين إلى جانب الكرخ فمضوا إلى مرقد الإمام موسى الكاظم. وأمر أن تنظم أحوال بغداد وأن يبقى الوزير الأعظم مع عموم العساكر مدة ببغداد للقيام على العجم والقضاء على غائلتهم وتأسيس الإدارة المنتظمة ...
    وبهذا انقطعت حوادث السلطان من بغداد بعد أن أودع الشؤون
    __________________
    (1) تاريخ نعيما ج 3 ص 383.

    إلى أهلها. بقي الوزير الأعظم ووالي بغداد.
    السلطان في طريقه إلى عاصمته :
    1 ـ إن سفير الهند المذكور سابقا جاء إلى الركاب الهمايوني في تكريت وهنأه بالفتح. أذن له بالعودة وأمر باتخاذ ما يلزم لذلك فذهب إلى الوزير الأعظم ...
    2 ـ إن سفير إيران المرسل من الشاه كان جاء إلى ماردين ، ومنها أبقي في الموصل فلما عاد السلطان إلى الموصل في 22 رمضان كتب معه كتابا إلى الشاه صفي. وفيه أن السفير خليفة مقصود أعيد. فعليك أن تبعث بالهدايا والتقدمات. وإلا دمرت مملكتك بجيوشي العظيمة. ولو كنت شجاعا لما تخلفت عن الظهور ... وكتب في رمضان سنة 1048 ه‍. وينطوي على التهديد والتهكم.
    3 ـ خرج السلطان من حدود العراق فلا تهمنا حوادث حله وترحاله وسائر وقائعه. وصل إلى ديار بكر في غرة شوال. وفي 10 صفر سنة 1049 ه‍ وصل إلى العاصمة باحتفال مهيب.
    حوادث الصدر الأعظم
    (في العراق)
    الصدر الأعظم قرا مصطفى باشا بقي في بغداد 60 يوما بعد رجوع السلطان ، وفي 16 منه صلى أول جمعة في (جامع الگيلاني). وكان تموين الجيش صعبا جدا. وفي خلال المدة توالى ورود المؤونة. وفي غرة شوال جاءتهم المؤونة من البصرة في عشر قطع من الأغربة. وجاء سفير العجم ، فأعيد إلى الشاه مع حمزة باشا. ثم أرسل مع (سفير الهند) أرسلان آغا المتفرقة. وفي 14 شوال تم تعمير القلعة. وفي 10 ذي القعدة رحل الصدر الأعظم فنزل (باش دولاب). بقي هناك بضعة أيام.

    ثم قصد ديار العجم فتوجه نحو لقمان الحكيم. وفي يوم حركته أبقي في بغداد (12000) من الجيش البغدادي و (8000) ينگچري من صنف الحراس (نوبتجي) ، و (1000) سپاهي ...
    وفي 27 منه حلوا بالقرب من (قنطرة چبوق) من الخالص وهناك اتخذوا مرعى (چايرا) ، فبقوا نحو 20 يوما. ولما كان نهر ديالى قد فاض ، فقد اتخذوا جسرا من سفن وفي 9 ذي الحجة عبر بعض الجند في الكلك من قرية ينگيجه فارين فعلم ذلك ومن ثم اتخذت التدابير من أمير أمراء قرمان حسن باشا فمنع وقوع أمثالها ، وفي اليوم التالي نصب الجسر فعبروا عليه فمضوا نحو شهربان ...
    وفي 19 منه ورد السفراء من رستم خان. وبعد أربعة أيام في منزل (زاوية) ورد ميراخور الشاه (محمد قولي) سفيرا ، فاستقبل من چاووش ، وفي اليوم التالي ورد السفير إلى مجلس الوزير في قزلرباط (السعدية) ، فتكلم في الصلح ، فسأله الوزير هل جئت بمفاتيح (درتنك) لتطلب الصلح؟ وأبدى أنه لا يتم الصلح ما دام رستم خان في درتنك. وأظهر غضبا على السفير. وكتب بهذا أيضا إلى الشاه كما كتب إلى رستم خان أن يرحل عن درتنك. أمهلهم أن يأتوا بالجواب خلال ستة أيام وإلا شرع في الحرب.
    أما السفير الإيراني فإنه أرسل في الحال رسولا إلى الشاه ، وقصد السردار التوجه نحو الهدف المقصود ، فجاءه السفير قائلا :
    سيدي الصدر!
    كان ذهب سفيرنا إليكم ، فاتخذتموه دليلا ، فأخذتم بغداد. والآن اجعلوا داعيكم دليلا أيضا لعلكم ترغبون في فتح أصفهان!!
    أبدى ذلك للصدر بمقام اللطيفة ، ورجا أن لا يعجل بالسفر إلى أن ينتهي الوعد المضروب فيصل جواب الكتاب المرسل. ومن ثم يكون

    لكم الأمر. تضرع للوزير أن يؤخر حركته. وفي غرة المحرم سنة 1049 ه‍ رحل رستم خان عن درتنك. رجع القهقرى فجاء الخبر بذلك.
    وفي اليوم التالي 2 المحرم وصل إلى خانقاه الصغير ، وفوضت ايالة بغداد إلى (درويش محمد باشا). وفي ذلك المنزل ورد الخبر أن صارو خان السفير الكبير من جانب الشاه سيصل قرب قصر شيرين إلى صحراء (زهاو) (1). وهناك كان الشاه أثناء حصار بغداد يترقب الحالة. وجاء من رستم خان كتاب يشعر بأنه غادر درتنك امتثالا للأمر ، وبين فيه أن صارو خان وكيل الشاه سيوافي قريبا.
    السفير الإيراني ـ المعاهدة :
    في 11 المحرم ورد صارو خان ، جاء إلى الفيلق الثاني ، فأرسل لاستقباله من قام بالمهمة ، وأعدت له خيمة خاصة ، وبعد العصر واجه الصدر الأعظم. وجرت بينهما محادثات. وبعد ذلك تكون الديوان العالي ، فألبس ومن معه الخلع. وفي 14 منه تم الصلح بعد مفاوضات اجتمع في خلالها رجال الجيش والأمراء في خيمة الوزير الأعظم ، وحضر صارو خان وكيل الشاه ، والسفير الأول محمد قولي فتفاوضوا في الأمر ، وأوضحوا أن الصلح سيد الأحكام وباعث رفاه الأنام.
    وكان ما تم عليه الاتفاق بعد أخذ ورد ومفاوضات كثيرة : أن تكون جسان وبدرة ومندلجين (بندنيج) ودرنه ودرتنك إلى سرمل من ايالة بغداد وما بينها من صحار في حوزة بغداد وكذا ضياء الديني وهاروني من قبائل الجاف ، وأن تكون القرى التي في غربي قلعة زنجير للعراق ، وهكذا يعتبر من شهرزور ما كان في غربي (قلعة ظالم علي) وما فوقها من جبال وما كان ناظرا إلى هذه القلعة من الأطراف إلى الكدوك المار
    __________________
    (1) وردت (رحارا) ، وأحيانا (زحا). وصوابها (زهاب) أو زهاو.

    إلى شهرزور وكذا قلعة قزلجة وتوابعها ، فكل هذه تضبط من جانب الدولة العثمانية. وعدا ذلك فإن أخسخة ووان وشهرزور وبغداد والبصرة وما يدخل فيها من بقاع وقلاع ونواح وأراض وجبال وتلال فلا يتعرض بها من جانب الشاه قطعا ، ولا يتدخل بها وهكذا القلاع بين مندلجين إلى درتنك ، وبيره ، وزردوي المسماة زمردماوا أيضا وما كان في شرقي قلعة زنجير من قرى وقلاع ، وأورمان وتوابعها ، ومهريان وتوابعها فكل هذه تكون في تصرف الشاه وضبطه. ومثلها حدودها وتوابعها وما يدخل فيها ولا يتدخل فيها من جانب السلطنة العثمانية ، وزنجير قلعة تقع في قمة جبل سيكة وما كان في حدود وان وهي قرتور ، وماكور. وكذا ما كان في جانب قارص وهو مغازبرد فإنها تهدم من الطرفين. والسلام.
    هذه المعاهدة صارت أصلا لحل الاختلاف في الحدود. وكانت الدولتان لم تتقيدا بعهد لكل واحدة منهما آمال. فجاءت هذه المعاهدة حاسمة للنزاع وقطعت آمال كل دولة. فوقفت عند نصوصها. وكل تجاوز وقع بعد هذا كان يحل بالاستناد إليها ، وبمراجعة نصوصها كما أن حدود الدولة أيام السلطان سليمان صارت أصلا في تكوين هذه المعاهدة.
    أرسلت هذه المعاهدة إلى الشاه فأمضاها في 19 المحرم وأعطيت نسختها إلى محمد قولي بك ليذهب بها إلى استانبول لإمضائها أيضا. وعلى هذا أجريت ضيافة للسفير الكبير والسفراء الآخرين. وفي اليوم التالي أجرى السفير الكبير ضيافة للأمراء. ومن ثم ذهب صارو خان إلى الشاه ، وبقي في الفيلق محمد قولي بك ليأخذ المعاهدة إلى استانبول للإمضاء. وفي اليوم التالي ذهب من صحراء (حورين) (1).
    __________________
    (1) (حورين) كذا ورد. والصواب (هورين). ولا تزال معروفة بهذا الاسم.

    والي بغداد درويش محمد باشا :
    عهد الصدر الأعظم إليه بولاية بغداد في 2 المحرم سنة 1049 ه‍ مكان كوچك حسن باشا وعين هذا لمنصب وان إلا أنه نقل إلى طرابلس ... ونال درويش محمد باشا الوزارة أيضا في 15 المحرم. وفي 21 منه ودع الصدر الأعظم ، وعاد إلى بغداد من المعبر المسمى (علي كچيدي) من نهر ديالى. ولما وصل الصدر إلى ديار بكر جاءته في 24 صفر برات الوالي. وهذا من حين ذهب إلى بغداد ضبط أمورها وجلس على سرير الحكم في السراي الذي كان بناه بكتاش خان.
    عودة الصدر الأعظم :
    وفي 25 المحرم عبر الصدر نهر ديالى ، وتوجه نحو كركوك ، وبعث رجب آغا بخبر الصلح. وأنعم على جعفر باشا (أخي محمد باشا) بإيالة شهرزور وكان والي كركوك آش محمد باشا قد حصلت شكاوى منه ، فحبس في القلعة في 2 صفر وأذن لجيش مصر بالعودة. وفي 10 منه عبر الزاب على جسر من سفن ، ومنحت مملكة سيد خان أمير العمادية إلى أحد أولاده. وفي 27 صفر رحل الصدر عن الموصل. وفي أسكى موصل ورد (رجب آغا) وجاء بالخط الهمايوني الشريف مشعرا برضا السلطان بالصلح.
    جامع القلعة
    يراد بالقلعة (القلعة الداخلية). ولا تزال معروفة بهذا الاسم. وهذا الجامع داخلها. وكان شاهد هذه القلعة أوليا چلبي فقال :
    «في داخل هذه القلعة بيوت من طين ، وجامع السلطان مراد إلا أن بانيه الأول السلطان سليمان» ا ه (1).
    __________________
    (1) رحلة أوليا جلبي ج 4 ص 419.

    ولا شك أن أوليا چلبي كتب عن أصل هذا الجامع ما سمعه ، ولم يكن صوابا ، فإن هذا الجامع بني أيام دخول السلطان مراد بغداد ، فظن أنه من بنائه ، وأنه كان من تعمير السلطان سليمان. وجاء التصريح في الوقفية المؤرخة 11 رمضان سنة 1048 ه‍ أن هذا الجامع أنشأه جلال الدين ابن المرحوم بهاء الدين في محلة السكه خانه (دار الضرب) الواقعة في محلة القلعة. وذكر من حدود الجامع (تكية الملا سعد الدين ابن السيد عبد الجليل الدوري). وهذه التكية لا تزال ولكنها بحالة دمار.
    وبقرب جامع القلعة مرقد عليه قبة يقال له (السيد محمد الزمچي). وليس لدينا ما يوضح عنه. والوقفية تنطق بالموقوفات منها ما هو داخل القلعة ، ومنها ما هو خارج القلعة. وكان القاضي الذي حكم بصحة الوقف (مذكره چي زاده مصطفى). وهو أول قاض بعد فتح السلطان مراد.
    ولا تزال تولية الوقف بيد ذرية الواقف ، والمتولي الآن السيد طه ابن السيد شاكر ابن السيد محمود القلعه لي بن رحمة بنت محمد ضياء الدين بن علي بن عبد الرزاق بن عبد القادر بن بهاء الدين ابن الواقف. والسيد محمود هذا يعرف بالسيد محمود الثنائي. خطاط معروف. غير (محمود الثنائي) المشهور في عهد المماليك. أوضحت ذلك بتفصيل في كتاب (المعاهد الخيرية) ، وفي (تاريخ الخط العربي في العراق).
    وهذا الجامع أنشىء بتاريخ الوقفية ، ولم يكن جامعا آخر كما توهم بعضهم ، أو كما ذكره أوليا چلبي نقلا عمن ليس لهم علم. والملحوظ أن من شهود الوقفية مدرس المستنصرية إبراهيم ، ومدرس مدرسة مرجان أحمد بن عمر ، ومدرس مدرسة أبي النجيب محمد بن حسين وآخرون.

    حوادث سنة 1049 ه‍ ـ 1639 م
    نقيب السادات وسادن مشهد الإمام الحسين
    نقيب سادات بغداد (السيد دراج) كان سادن حضرة الإمام الحسين (رض) وكان من الأعيان المشهورين ، وهو صاحب قوة ومكنة ، فلما استولى شاه العجم (الشاه عباس) على بغداد أحسن الظن به واعتقد فيه الاعتقاد الجميل ، فرعاه وأكرمه. فكان في مقام الخدمة. يفكر في العواقب ، فلم يغفل أمر العثمانيين. وكان في ذلك الحين أراد الشاه أن يقتل أهل السنة قتلا عاما ، فتوسط (السيد دراج) فقال له سأختار محبي آل علي ، وما عداهم فاقتلهم. وبهذه الوسيلة أنقذ خلقا كثيرا من القتل.
    وهذا العمل المشكور كله لم يمنع الوالي من الوقيعة به بعلة أنه كان شيعيا معروفا بتشيعه ، فلم يتحمل شهرته ومكانته فاتخذ ذلك وسيلة للقضاء عليه (قتله) ، واستولى على أمواله الوافرة في حين يدعي أنه (درويش) ، فلم تردعه هذه الخدمة النبيلة ، ولا المكانة المقبولة. أراد هذا الوالي أن يستقل بنفوذ العراق وحده ، وأن تكون بغداد والأنحاء العراقية خالصة للدولة العثمانية. وقد جاء ذكر ذلك في تاريخ نعيما ، وفي فذلكة كاتب چلبي ، وفي خبر صحيح (1). والآن من بقايا السيد دراج (أسرة نقيب كربلاء). ومنهم النقيب الحالي صديقنا السيد الفاضل (حسن النقيب). وهو من الأخيار. وللتفصيل محل آخر.
    وفاة السلطان مراد الرابع :
    وفي 16 شوال سنة 1049 ه‍ توفي السلطان مراد. وكان بعد عودته إلى استانبول قد بنى قصرا نفيسا سماه (بغداد كوشكي) أي (قصر بغداد). بذل في عمارته وتزييناته الأموال الكثيرة واستخدم أرباب الفن والصنعة. كتب فيه الكتابات الخطية النفيسة من آيات محلولة بالذهب
    __________________
    (1) خبر صحيح. من كتب التاريخ المهمة المعتبرة يأتي في حينه.

    بخط الخطاط الشهير (محمود چلبي الطوبخانه لي). وشغل به كثيرون من أهل المعرفة لتظهر فيه الصنعة والفن من نقش وتذهيب وتزويق ... كتب فيه بالخط الجلي (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ) وغيرها (1).
    وهذا القصر عاد متفرجا للمتفرجين. ينظرون إلى ما فيه من صنعة وريازة. رأيته في سراي طوپقپو باستانبول معروضا لزوار المتاحف. وهناك (خزانة بغداد) (كوشكي). رأيت بعض كتبها النفيسة النهاية من الصنعة ...
    وبهذا تمت حوادث هذا العهد. وغالب ما عولنا عليه من المراجع (تاريخ نعيما) ، و (فذلكة كاتب چلبي) و (گلشن خلفا) و (خلاصة الأثر) وباقي ما أشير إليه أثناء ذكر المصادر في حينها ...
    العشائر
    في هذا العصر لا نرى للعشائر إلا ذكرا قليلا لأن المقارعات كانت دولية ، والقوى عظيمة بين الحكومتين واستعانتها في الدرجة الأولى بقوتها ، وفي المملكة لم يتأسس نظام تام لنرى به العلاقة مكينة بين العشائر والحكومة بل إن الحكومة لم تتمكن سلطتها لا على العشائر ولا على غيرها ، وقد مر بنا في المجلدات السابقة ذكر قبائل عديدة إلا أن القبائل التي سمع لها صوت في هذا العهد أشهرها :
    1 ـ قبيلة طيىء :
    إن أمراءها (آل أبي ريشة) من فخذ آل مرا.
    1) ظاهر : هو أبو مدلج (2) المترجم في الكواكب السائرة ابن
    __________________
    (1) تاريخ نعيما ج 3 ص 448.
    (2) ظاهر هو أبو مدلج بن عساف أي أن المترجم هو ظاهر بن عساف وإلا فلا تستقيم العبارة الواردة في الخلاصة كتب ظاهر بن مدلج والصحيح أبو مدلج. هذا الغلط غيّر المعنى.

    عساف بن عجل بن نظير بن قدموس كان أمير عرب الشام وهو من فخذ أبي ريشة ، وله قوة خارقة بحيث يمسك الدرهم من الفضة بأصبعيه. يفركه فيذهب نقشه ويفتت الحنطة بين أصبعيه. اشتهر بالبطش والقسوة.
    ومن عجيب أمره أنه دخل عليه ولده قرموش وهو مريض ليقتله فضربه بسيف فقتله ، وشرب شخص لبنا (حليبا) كان لامرأة فشكته إليه ولما سئل أنكر ذلك وحلف بحياته أنه لم يشرب فطعنه برمح كان بيده فإذا اللبن خارج من جوفه فأمر المرأة بأخذ بعير من إبله بدل ما غصب من لبنها.
    مات على فراشه سنة 945 ه‍. انتهى (1).
    2) أحمد أمير العرب من آل حيار. وهم ـ كما في خلاصة الأثر ـ حكام العرب أبا عن جد (2) ... ومقام هؤلاء في بلاد سلمية وعانة ، والحديثة. ومن عادتهم أن من استولى منهم على خيمة المال والسلاح يكون حاكما على العرب جميعهم. وذلك أن لهم خيمة من الشعر كبيرة جدا ولها حرس يتناوبون في اليوم والليلة وكلها صناديق مقفلة بالأقفال الحديدية المحكمة والصناديق مملوءة من الذهب والفضة والجوهر والسلاح وغير ذلك من نفائس الأشياء وكان أحمد استولى عليها. وجاء أنه قتل ظاهرا.
    3) شديد بن أحمد. هذا ولي بعد أبيه. وكان ظالما عنيدا متكبرا ، خسيسا ... ولم يزل حاكما إلى أن مات سنة 1018 ه‍. واتفق أنه كان في خيمة في بعض صحارى حلب ، وكان ابن عمه مدلج بن ظاهر معه في الخيمة وكان شديد يلعب الشطرنج مع بعض أقاربه ولم يكن عنده من إخوته أحد فاختلس مدلج الفرصة في خلو الأمير فناداه وهو يلعب يا
    __________________
    (1) خلاصة الأثر ج 2 ص 222.
    (2) في تاريخ العراق أن هؤلاء من طيىء لا من البرامكة كما في خلاصة الأثر.

    شديد يا شديد فقال نعم فما أتم قوله (نعم) إلا ومدلج ضربه بخنجر في بطنه ، خرج من ظهره فمات.
    4) مدلج. هذا هو قاتل شديد انتقاما لأبيه ظاهر الذي قتله أحمد والد شديد فولد المقتول قتل ولد القاتل. وهذا انتزع الإمارة من الأمير حسين بن فياض الحياري فانعقدت له الإمارة. قدم بجماعة من الأمراء فأزاحوا حسينا عن الإمارة وعن خزائن والده وحاولوا قتله فهرب ... وإنما انعقدت له الإمارة لكونه أكبر منه وأقرب إلى سلسلة الإمارة ولكونه كان شريك والده في قتل الأمير شديد ابن عمهما (1). وفي تاريخ نعيما أنه كان أمير العربان من مدة مديدة ، وأن العشائر البدوية بين بغداد والموصل تحت سلطته وإدارته ، وكان أيام حافظ أحمد باشا قد مال إلى جانب العجم ، ولما ورد خسرو باشا لاستخلاص بغداد عزم على الوقيعة به واستئصاله من البين فنكل به وبعشائره وأثناء ذلك سقط من على فرسه فهلك وطلبت قبائله الأمان فأذعنت بالطاعة. سنة 1040 اه.
    ونصب الوزير أميرا على العربان سعيد بن فياض وكان له شأن في أيامه (2) ...
    5) الأمير حسين بن فياض الحياري أمير العرب. وهذا كان من أمره أنه لما مات والده ظن أنه ولي عهده في الإمارة فوضع يده على خزائن والده واحتفت به العرب. وإذا بابن عمه مدلج قد نازعه فأزاحه عن الإمارة.
    ثم إن الأمير حسينا نزل على بعض الكبراء واستظل بظله حتى أصلح بينه وبين مدلج وجعل له جانبا من الولاية قليلا. ثم وقع في بغداد ثلج عظيم لم يعهد مثله قبل ذلك ببغداد وحسين هناك ومدلج بعيد
    __________________
    (1) خلاصة الأثر ج 2 ص 222.
    (2) تاريخ نعيما ج 3 ص 65.

    عنه فأمن مدلج بسبب ذلك فركب حسين في الثلج وذهب بعد أيام إلى منازل مدلج ونزل خفية حتى يدرك الليل ويدخل إلى نسائه. وكانت زوجة مدلج بنت شديد (مر ذكره) تساهر النساء وكان مدلج يدخل ثملا من الخمر فلبس حسين لباس النساء ودخل بينهن وأطال الجلوس مترقبا الفرصة في قتل ابن عمه وكانت بنت شديد زوجة لوالد حسين فبالفراسة عرفته وتحيرت بين أن تسكت فيقتل زوجها وبين أن تتكلم فيقتل ابن زوجها وإن قالت له اهرب تخاف أن يسمع زوجها فقالت في مؤخر كلامها بمناسبة لا ينبغي المخاطرة في الأمور وينبغي الاحتفاظ على النفس من القتل. فلما علم حسين أنها اطلعت عليه خرج من بين النساء هاربا. ثم وقع في خاطرها أنه ربما يقتل زوجها خارج دارها فصبرت ساعة ثم بعثت لزوجها أنني رأيت بين النساء من يشبه حسينا. وما تحققت هذا الأمر فاحتفظ على نفسك فعند ذلك بعث مدلج جماعته فوجدوا حسينا ركب فرسه وانهزم فأتبعه بالعساكر فلم يدركوه.
    ثم بعد ذلك كثر أتباع حسين من العرب ووعدته طائفة ممن كانوا عند مدلج أن يتابعوه ويشايعوه فأشار إليه قوم بأن يأخذ من مراد باشا حاكم حلب عرضا في الإمارة ليتقوى من جانب السلطنة بعد ما قال له بعض العرب (إن الأروام لا وفاء لهم بالعهود) فلم يسمع وجاء إلى حلب وقدم الهدايا إلى الباشا ووعده وكتب الوزير إلى مدلج يطلب منه خمسة وعشرين ألفا ليقتل له حسينا فوعده فغدر مراد باشا بحسين ووضعه في سجن القلعة حتى جاءه المال فخنقه ثم بعث عسكره لنهب أمواله وجماعته فقاتلوهم فانهزم أتباع مراد باشا وأخذ عرب حسين جميع ما كان بيد جماعة مراد باشا حتى نزعوا ثيابهم وأدخلوهم إلى بلاد أريحا حفاة ثم إن الله سلط الوزير الحافظ حتى قتل مراد باشا (1).
    __________________
    (1) خلاصة الأثر ج 2 ص 102.

    6) خالد العجاج من آل أبي ريشة. كان في محاربات بغداد بعد أن استولى عليها بكر صوباشي.
    وكان غالب سكناه في أنحاء هيت وعانة وما جاور تلك الأطراف. وقد أسس له ارتباطا مع والي بغداد بكتاش خان الحاكم من جانب إيران فنال احتراما لدى العجم ، وله فرس أعطاه للحاكم المشار إليه يسمى عند العرب (كحيلان). ولا يزال هذا الأمير حيا إلى ما بعد الفتح وقتل سنة 1054 ه‍ (1) ...
    وكلمتنا الأخيرة في هذا الموضوع أن العشائر لم يكن لهم الصوت فيما بين سوريا والعراق إلا قبيلة طيىء فإنها حافظت على مكانتها. وظهر فيها أمراء آخرون ولم تنقطع الإمارة منهم من أيام الحكومات السالفة ... ولهم فروع متفرقة في أنحاء عديدة. فصلنا القول فيها في كتاب (عشائر العراق).
    2 ـ القشعم :
    مر بنا أن هناك قبائل أخرى مثل (غزية) وآل قشعم ، وزبيد ولكنها لم تشترك في الحروب ولم تنتصر لناحية ، ولا تزال العشائر محافظة على أوضاعها السابقة ، تخشى الحكومات وتود الابتعاد عنها ...
    (والقشعم) من هذه القبائل أكثر ذكرا بين قبائل العراق بعد قبائل طيىء. ينطق بها (الجشعم) وهي معروفة.
    3 ـ الجاف :
    من القبائل الكردية. جاء ذكرها في المعاهد المعقودة أيام السلطان مراد. أوضحت عنها في (كتاب عشائر العراق الكردية).
    __________________
    (1) نعيما ج 4 ص 91.

    4 ـ باجلان :
    وباجوان منهم وذكرتهم في عشائر العراق الكردية. وفي كتاب (الكاكائية في التاريخ) ، وفي رحلة المنشىء البغدادي. أعانوا الدولة العثمانية في حروب الإيرانيين.
    وهناك عشائر أخرى عربية وكردية لا محل لذكرها.
    إمارات عراقية
    1 ـ اليزيدية
    ظهروا في هذا العهد أكثر وبدت أعمالهم ، أو أن المدونات عرفت عنهم أوضح. ويهمنا بيان ما يتعلق بهم في هذا العهد. وجل ما نعلمه عن هؤلاء وقائع الصورانيين واستمرارهم في حروبهم وهذه لم نجد التفصيل الوافي عنها إلا أننا ذكرنا نتائجها في أنحاء إربل ، وأنها كانت قاسية جدا. ولعلها السبب في القضاء عليهم في تلك الجهات. والباعث المهم في هذا مناصرة الدولة لهم ، ودخولهم في السياسة والحروب.
    ومن ظواهر هذه المناصرة بل من نتائجها أن عدلت الدولة عنهم ، ومالت إلى من هو أقوى منهم أعني (أمير العمادية). ومن ثم نجد الصدود عنهم قد ظهر في (فتوى شيخ الإسلام أبي السعود). وهذه الفتوى جاء نصها في مؤلفات عديدة ، ذكرناها في (تاريخ اليزيدية) ، وتعد أقدم فتوى للعثمانيين. أصلها كتب باللغة التركية ، وذكرت في الرسالة الذهبية للخياط. نقلها إلى اللغة العربية. ولم يعين تاريخها. مع العلم بأن شيخ الإسلام أبا السعود العمادي قد ولي المشيخة سنة 952 ه‍ وأن العلاقة بالعراق كانت سنة 941 ه‍ ، بل قبل ذلك كان الاتصال بشمال العراق ، وكان هناك يزيدية أيضا. ولا شك أنها كتبت بعد أن ولي المشيخة ، ووفاة أبي السعود كانت في سنة 982 ه‍. ولكن

    المؤرخين لم يذكروا حادثا أدى إلى إصدار هذه الفتوى إلا ما وقع بين الصورانيين وبين الداسنية. وكانت هذه من أهم الوقائع قسا بها كل فريق بالآخر ولعل صدور الفتوى مقرونا بقبيلة الأمير الداسني. ويفهم من فحوى السؤال أنهم تعرضوا بجيش العثمانيين هاجوا لما وقع عليهم وعلى أميرهم فحصلت الدولة هذه الفتوى للوقيعة بهم. وهذا أقوى احتمال في إصدار هذه الفتوى.
    ولما كانت تحوي مطالب ، وعندي نصها التركي في مخطوطة قديمة ثم نقلت إلى اللغة العربية. والتشكيك بها غير صحيح. رجحت أخذ ترجمتها منقولة إلى العربية من (الرسالة الذهبية) للخياط الموصلي (1). قال :
    «ما قول أئمتنا الحنفية ، والشافعية ، والمالكية ، والحنابلة ، وما جوابهم عن عسكر المسلمين ، إذا غزوا هذه الطائفة الطاغية وقتلوها. أو قتل أحد من المسلمين بأيديهم ، هل يكون قاتلهم غازيا ومقتولهم شهيدا. أفتونا مأجورين ، مثابين؟
    الجواب : والله أعلم بالصواب ، أنهم يكون قاتلهم غازيا ومقتولهم شهيدا. لأن قتالهم جهاد أكبر ، وشهادة عظيمة ، وفي هذه الحالة سبب حل قتلهم ، وسبب حل سبي نسائهم وذراريهم. هل السبب الموجب لذلك بغيهم ، وخروجهم على سلطان المسلمين وإشهارهم السيوف على قتل عساكر المؤمنين ، أو السبب بغضهم لحضرة الإمامين الكاملين
    __________________
    (1) الرسالة الذهبية في الرد على اليزيدية وتسمى الفريدة السنية في الكشف عن عقائد اليزيدية تأليف محمد ذخري بن أحمد الخياط من علماء الموصل كتبت أيام ولاية محمد رؤوف باشا والي بغداد عند ما أرسل إلى اليزيدية السيد محمد طاهر بك رئيس أركان الجيش ببغداد سنة 1289 ه‍ ـ 1873 م. وصفناها في كتاب (تاريخ اليزيدية وأصل معتقدهم). في النسخة المعدة للطبعة الثانية.

    الهمامين التقيين النقيين الشهيدين النسيبين ، الإمام أبي محمد الحسن السبط والإمام أبي عبد الله الحسين ، سيدي شباب أهل الجنة ، وعداوتهم المقتضية لاستحلال قتلهم وقتل أولادهم من أهل بيت النبوة ، إغاظة لجدهم الرسول عليه الصلاة والسلام ، أو السبب في ذلك بغضهم لحضرة قدوة الأولياء ، مدينة العلم ، الخليفة الرابع علي المرتضى ، ابن عم المصطفى صلّى الله عليه وسلم المقتضي بغضه بغض الله ورسوله ، وتحقير علمه وقرابته من الرسول صلّى الله وسلم ، أو السبب استحلالهم قتل العلماء الفاضلين ، أو استحلال قتل المشايخ الكاملين ، وقتل رؤساء الدين المبين ، والاستهتار بكلام الله المجيد ، وبالكتب الشرعية والتفاسير والأحاديث وإنكار يوم القيامة والحشر والنشر ، وإنكار أركان الدين الخمسة ، أو السبب الموجب لقتلهم اعتقادهم في عدي بن مسافر الأموي أنه الشريك الأغلب لحضرة رب العزة جل شأنه سبحانه. تعالى عن ذلك علوا كبيرا ، أو السبب محبتهم التامة مع الشيطان اللعين ، واعتقادهم فيه أنه طاووس الملائكة مشاققة لأخبار الله عز وجل ، أو السبب في وجوب قتلهم قطعهم طريق عباد الله ، وإخافة أبناء السبيل بسفك الدماء ، ونهب الأموال على الدوام بلا انقطاع ، أخذا من قوله عز وجل : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ) الآية ، أو السبب هو إباؤهم عن عقود أنكحتهم من أنفسهم ، وإنما يفوضون عقودهم إلى رأي رئيسهم الفاجر ، أو السبب في ذلك غير هذه الوجوه المذكورة؟ أفتونا الجواب الصحيح تكونوا مأجورين!
    الجواب : نعم أسباب حل قتالهم هي جميع الوجوه المذكورة ، وغيرها ، وهم أشد كفرا من الكفار الأصليين ، وقتلهم حلال في المذاهب الأربعة وجهادهم أصوب ، وأثوب من العبادات الدينية وتشتيت شملهم ، وتفريق جموعهم ، والمباشرة في قتالهم وقتل رؤسائهم من

    الواجبات الدينية ، وحكام الوقت والولاة الذين يرخصون في قتلهم ويحرضون على قتالهم ، ويرغبون في سبيهم. شكر الله سعيهم وأعانهم وساعدهم على مقاصدهم وأيدهم عليهم بنصره العزيز. فلهم أن يقتلوا رجالهم ويستأسروا ذريتهم ونساءهم ويبيعوهم في أسواق المسلمين كأسارى سائر الكفار ، ويحل لهم أيضا التصرف في أبكارهم وزوجاتهم بعد الاستيلاء بملك اليمين على ما عليه الفتوى من القول الأقوى ، فتحقق حينئذ كفرهم وجواز لعنهم ، فأما امتناع الإمام الشافعي (رض) عن لعن يزيد لعنه الله فليس بثابت كرواية عنه ولئن سلم بثبوتها عنه ، فامتناعه إنما كان لأجل عدم كون ذلك اللعين من عبدة الأوثان ، لا لأجل كونه عنده مؤمنا ، لأن بعض الأولياء المقربين أخذوا عنه الخبر بحسب المعنى من روحه الشريفة ومن مرقده العالي ، وقد أخذوا عنه أيضا في عالم الرؤيا أخبارا صحيحة في تجويز اللعن على يزيد. وقد قال الإمام النعمان بن ثابت أبو حنيفة الكوفي عليه رحمة الوفي ، في يزيد : ملعون! ووقع هذا اللعن منه في جواب الإمام أبي يوسف عليه الرحمة وهذه الطائفة الطاغية ليست من الاثنتين والسبعين فرقة من الفرق الإسلامية بل هم مرتدون عن الإسلام ، خارجون عن الملل كلها ، لأنهم مرتكبون على الدوام الفسوق والفجور ، مبيحون الأعمال القبيحة والخمور ، معتادون قطع السبيل على عباد الله وسفك دمائهم ، وغصب أموالهم ، ومجموعهم من قبيل أولاد الزناء ، وأيضا أجمع علماء الأمصار كلهم كعلماء اليمن ، وقره باغ ، وعلماء التاتار فأفتوا بحل قتلهم واسترقاقهم وسبي نسائهم وذريتهم بالتأكيد البليغ ، وبينوا أن قاتلهم ينال ثواب الدارين وداخلا جنة النعيم دخولا أوليا ، صرحوا بذلك حتى مولانا الإمام فخر الدين الرازي في أماكن متعددة من تفسيره الكبير أثبت جواز اللعن على يزيد مستدلا على الجواز بدلائل نقلية وعقلية ، وأثبت حل قتلهم ، وحصول أجر الغزاة لقاتلهم ، وثواب الشهداء لمقتولهم بهذا
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    https://shawki-66.roo7.biz
     
    موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    » موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج2
    » تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج5 للعزاوي
    » موسوعة عشائر العراق للعزاوي ج4
    » موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين العثماني للعزاوي
    » موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين ا لعثماني الثاني ج6 للعزاوي

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: 29-منتدى -موسوعة تاريخ العراق بين الاحتلالين العهد العثماني الثاني-
    انتقل الى: