الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري

عشائر البو حسين البدير في العراق
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثمكتبة الصورأحدث الصورالمنشوراتالأعضاءالتسجيلدخول

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
اهل البيت
المواضيع الأخيرة
» كتاب من لايحضره الفقيه ج3
إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyأمس في 10:09 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

»  كتاب من لايحضره الفقيه ج4
إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyأمس في 5:15 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» كتاب من لايحضره الفقيه ج2
إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyأمس في 7:51 am من طرف الشيخ شوقي البديري

»  فضائل الشيعة فضائل الشيعة المؤلف :أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]
إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyالإثنين نوفمبر 11, 2024 4:39 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» النصّ الجليّ في إثبات ولاية علي عليه السلام
إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyالإثنين نوفمبر 11, 2024 4:22 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» اعراب القرأن ج2
إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyالأحد نوفمبر 10, 2024 4:58 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» اية التطهير
إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyالأحد نوفمبر 10, 2024 10:35 am من طرف الشيخ شوقي البديري

»  إعجاز آيات القرآن في بيان خلق الإنسان
إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 5:03 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

» إعراب القرآن [ ج ١ ]
إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 4:48 pm من طرف الشيخ شوقي البديري

نوفمبر 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
     12
3456789
10111213141516
17181920212223
24252627282930
اليوميةاليومية
التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني




 

 إعراب القرآن [ ج ١ ]

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 2847
نقاط : 4448
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

إعراب القرآن [ ج ١ ] Empty
مُساهمةموضوع: إعراب القرآن [ ج ١ ]   إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 4:07 pm

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحّاس
(ت 338 ه‍)
اسمه ولقبه ونشأته :
أبو جعفر ، أحمد بن محمد بن إسماعيل ، المصري النحوي ، ابن النحّاس : العلّامة ، إمام العربية.
ولد في مصر ، ونشأ فيها ثم ارتحل إلى بغداد فأخذ عن المبرّد ، والأخفش علي ابن سليمان ، ونفطويه ، والزّجّاج وغيرهم. ثم عاد إلى مصر وتصدّر للتدريس ، وكانت مصر خلال النصف الثاني من القرن الثالث والنصف الأول من الرابع للهجرة حلقة الوصل بين المغرب والمشرق ، وقد قصده طلّاب المعرفة ، كما قصدوا غيره ، من المغرب وأخذوا عنهم صنوف علوم اللغة والقرآن ، وعادوا بها إلى بلادهم. وبذلك انتقلت مصنّفات هؤلاء العلماء المصريين إلى هناك.
نشأ ابن النحاس محبّا للعلم وكان لا يتوانى أن يسأل أهل العلم والفقه ويفاتشهم بما يشكل عليه في تصانيفه.
وقد صنّف كتبا حسنة مفيدة منها :
كتاب الأنوار.
وكتاب الاشتقاق لأسماء الله عزوجل.
وكتاب معاني القرآن.
وكتاب اختلاف الكوفيين والبصريين سمّاه «المقنع».
وكتاب أخبار الشعراء.
وكتاب أدب الكتّاب.
وكتاب الناسخ والمنسوخ.
وكتاب الكافي في النحو.
وكتاب صناعة الكتاب.
وكتاب إعراب القرآن.


وكتاب شرح السبع الطّوال.
وكتاب شرح أبيات سيبويه.
وكتاب الاشتقاق.
وكتاب معاني الشعر.
وكتاب التفّاحة في النحو.
وكتاب أدب الملوك.
أهمية كتاب «إعراب القرآن» لابن النحّاس :
أهمية هذا الكتاب أنه أول كتاب وصل إلينا بهذا العمق وهذه المادة العلمية الغزيرة. حيث حشد ابن النحّاس الكثير من أقاويل علماء اللغة التي أخذها عن مشايخه أو من الكتب التي كانت بين يديه لمن سبقه.
وأهم الكتب التي اعتمدها :
كتاب سيبويه ، وكتاب العين ، وكتاب المسائل الكبير للأخفش سعيد بن مسعدة ، وكتاب معاني القرآن للزجاج ، وكتاب ما ينصرف وما لا ينصرف للزجاج ، وكتاب معاني القرآن للفرّاء ، وكتاب المصادر في القرآن للفرّاء ، والمقصور والممدود للفراء ، وكتاب القراءات لأبي عبيد القاسم بن سلام ، وكتاب القراءات لابن سعدان النحوي ، وكتاب الغريب المصنّف لأبي عبيد. وقد اشتمل كتابه «إعراب القرآن» على آراء أعلام المذهب البصري في النحو واللغة والقراءات مثل : أبي عمرو بن العلاء ، ويونس ، وقطرب ، والأخفش سعيد بن مسعدة ، وأبي عبيدة ، وأبي عمرو الجرمي ، وابن الأعرابي ، والمازني ، وأبي حاتم السجستاني ، والمبرّد ومحمد ابن الوليد ولّاد ، وأبي إسحاق الزجاج بالإضافة إلى الخليل بن أحمد وأبي الخطّاب الأخفش وسيبويه. وكذلك عرض ابن النحاس آراء النحاة واللغويين الكوفيين فكان يعرض آراء هؤلاء إلى جانب آراء البصريين فيرجّح مرّة ويترك الآراء دون ترجيح أحيانا.
ومن الكوفيين : الكسائي وثعلب والفراء ومحمد بن حبيب ومحمد بن سعدان وابن السكيت ونفطويه وابن رستم. أما الحفّاظ والمحدّثون من شيوخه فهم يؤلّفون جانبا من مصادر كتابه ، ومن شيوخه :
بكر بن سهل الدمياطي ، وأبي بكر جعفر بن محمد الفريابي والنّسائي أحمد بن شعب ، والطحاوي أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي ، والحسن بن غليب المصري ، وأبي الحسن أحمد بن سعيد الدمشقي وأبي القاسم عبد الله بن محمد البغوي ، والطبري في تفسيره.

الشواهد الواردة في كتاب «إعراب القرآن» : اعتمد ابن النحاس الأنواع الثلاثة من الشواهد وهي :
1 ـ الشعر (عدد الشواهد 602) وهي موزّعة على العصر الجاهلي والإسلامي والأموي.
2 ـ الحديث النبوي (عدد الشواهد 167).
3 ـ الأمثال والأقوال الأخرى.
وفاته :
توفّي ابن النحاس يوم السبت لخمس خلون من ذي الحجة سنة 338 ه‍ أو 337 ه‍ ... وقد رويت حكاية محزنة لموته ، وهي أنه كان جالسا على درج المقياس (وهو عمود من رخام قائم وسط بركة على شاطئ النيل له طريق يدخل إلى النيل يدخل الماء إذا زاد عليه وفي ذلك العمود خطوط يعرفون بوصول الماء إليها مقدار الزيادة) وكان النيل في أيام زيادته ، وكان ابن النحاس يقطّع شيئا من الشعر عروضيا ، فسمعه أحد العوام فظنّه يسحر النيل حتى لا يزيد فتغلو الأسعار فدفعه برجله فوقع في النيل فلم يعرف له خبر.
مصادر ترجمته :
النجوم الزاهرة 3 / 300.
البداية والنهاية 11 / 222.
إنباه الرواة 1 / 101.
آداب اللغة 2 / 182.
سير أعلام النبلاء 12 / 71 (دار الفكر).
المنتظم لابن الجوزي 6 / 364.
بغية الوعاة 1 / 362.
وفيات الأعيان 1 / 82.


لمحة تاريخية عن مباحث إعراب القرآن
كان القرآن الكريم على الدوام دليل المسلمين وقبلتهم ومثابة اجتهادهم ، لذلك ما انفكّوا يعكفون عليه حفظا ودرسا وتمثّلا ، ولا ينون يصرفون جهدا كبيرا متّصلا لتبيان معانيه وأحكامه ، وناسخه ومنسوخه ، ووجوه قراءته ، ودقائق بلاغته ، وآيات إعجازه ، وسوى ذلك من النواحي التي يشتمل عليها موضوع علوم القرآن ومباحثه القديمة المتجددة.
ومن المباحث الأساسية في هذا المجال إعراب القرآن ، ألفاظا وجملا. ولا يخفى ما لهذا المبحث من أهمية كبرى في الكشف عن معاني القرآن للارتباط الوثيق القائم بين المعنى والمبنى في اللغة العربية ، أو بالأحرى بين اللفظ وإعرابه بحيث يتلوّن المعنى بتلوّن الإعراب. وقد قيل: الإعراب فرع المعنى. ولعل ما يميز اللغة العربية عن معظم اللغات الأخرى هو هذا الارتباط الوثيق بين المعنى والإعراب ، وبهذا الترتيب : فالنصّ العربي يفهم أولا ، ثم يقرأ قراءة صحيحة أي معربة على الوجه الصحيح. والقارئ مهما بلغ من التمكّن في علم النحو ، لا يستطيع أن يقرأ نصّا عربيّا لأول وهلة وعلى النحو الصحيح إن لم يكن متمثلا المعنى المراد أولا ، خصوصا عند ما تغيب علامات الإعراب أو الشكل. هذا بخلاف ما يحصل بإزاء نص فرنسي مثلا ، إذ يستطيع قراءته قراءة صحيحة حتى من دون أن يسبق له علم بالمعنى الموجود فيه. فالنص الفرنسي يقرأ ثم يفهم. من هنا يمكن القول إن اللغة العربية ما تزال لغة شفوية في المقام الأول.
إن العلاقة بين «علم إعراب القرآن» وعلم النحو لا تحتاج إلى إيضاح. وبالتالي فقد اعتبر جمهور العلماء أن إعراب القرآن هو من علم النحو. ولكن العلاقة وثيقة أيضا بين إعراب القرآن وتفسيره ، ولذلك ذهب البعض ، ومنهم طاش كبري زادة في كتابه «مفتاح السعادة» ، إلى أنه من فروع علم التفسير. والحقيقة أن إعراب القرآن ضروري للتفسير ولا ينفصل عن علم القراءات. وعليه ثمّة علوم ثلاثة مترابطة هي : علم التفسير (التأويل) وعلم الإعراب وعلم القراءات. من هنا نلاحظ أن معظم كتب التفسير لا تخلو من إشارات إلى وجوه القراءة المختلفة وبالتالي إلى وجوه الإعراب.

وقد نشأ إعراب القرآن مع نشوء علم النحو وتطوّره ، ثم أخذ يستقل شيئا فشيئا حتى صار غرضا قائما بذاته. علما أن مباحث النحو اعتمدت بشكل أساسي على شواهد القرآن الكريم ، إلى شواهد الشعر الجاهلي وصدر الإسلام ، لتقعيد قواعدها وتأييد مذاهبها. والعلماء الذين اشتغلوا بالكشف عن وجوه إعراب القرآن كانت لهم اتجاهات مختلفة : فبعضهم جمع بين أوجه القراءات والإعراب مثل الفرّاء في «معاني القرآن» وابن جنّي في «المحتسب» وابن فارس في «الحجة». ومنهم من اقتصر على إعراب مشكله مثل مكّي ، أو إعراب غريبه كابن الأنباري في كتابه «البيان في إعراب غريب القرآن». ومنهم من انتقى فأعرب سورا وأجزاء كابن خالويه. ومنهم من اختار ظاهرة محددة مثل الألفاظ التي تقرأ بالتثليث (بالضمة والفتحة والكسرة) كما فعل أحمد ابن يوسف الرعيني الأندلسي في كتابه «تحفة الأقران في ما قرئ بالتثليث من القرآن». ومنهم من أعربه كله كالعكبري.
وأشهر من صنّف في إعراب القرآن والقراءات في بابين مستقلين أو في باب واحد هم على التوالي :
1 ـ يحيى بن زياد الفرّاء المتوفى سنة 207 ه‍ : «إعراب القرآن» في أوجه القراءات والإعراب.
2 ـ أبو مروان عبد الملك بن حبيب المالكي القرطبي المتوفى سنة 239 ه‍ : «إعراب القرآن» و «الواضحة في إعراب الفاتحة».
3 ـ أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني (248 ه‍) : «إعراب القرآن» و «كتاب القراءات».
4 ـ أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد (286 ه‍) : «إعراب القرآن» و «احتجاج القرّاء».
5 ـ أبو العباس أحمد بن يحيى المعروف بثعلب (291 ه‍) : «غريب القرآن» و «كتاب إعراب القرآن» و «كتاب القراءات».
6 ـ أبو البركات عبد الرحمن بن أبي سعيد الأنباري (328 ه‍) : «البيان في إعراب غريب القرآن».
7 ـ أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي المصري ، أبو جعفر النحّاس ، (338 ه‍): «إعراب القرآن» ، وهو كتابنا هذا.
8 ـ إبراهيم بن السري بن سهل ، أبو إسحاق الزجّاج (311 ه‍) : «إعراب القرآن» و «مختصر إعراب القرآن ومعانيه».

9 ـ الحسين بن أحمد ، أبو عبد الله المعروف بابن خالويه (370 ه‍) : «كتاب إعراب ثلاثين سورة من القرآن» من الطارق إلى آخر القرآن والفاتحة.
10 ـ عثمان بن جنّي (392 ه‍) : «المحتسب» في شرح الشواذ لابن مجاهد في القراءات.
11 ـ أبو الحسن علي بن إبراهيم الحوفي (430 ه‍) : «إعراب القرآن».
12 ـ مكّي بن أبي طالب القيسي القيرواني (437 ه‍) : «مشكل إعراب القرآن» و «الكشف عن وجوه القراءات وعللها» و «الموجز» في القراءات.
13 ـ يحيى بن علي بن محمد ، الخطيب التبريزي (502 ه‍) : «المخلص في إعراب القرآن».
14 ـ إسماعيل بن محمد بن الفضل الأصبهاني (535 ه‍) : «إعراب القرآن».
15 ـ أبو البقاء عبد الله بن الحسين العكبري (616 ه‍) : «التبيان في إعراب القرآن» و «إعراب الشواذ في القرآن».
16 ـ عبد اللطيف بن يوسف البغدادي (629 ه‍) : «الواضحة في إعراب الفاتحة».
17 ـ المنتجب بن أبي العز الهمداني (643 ه‍) : «المفيد في إعراب القرآن المجيد».
18 ـ إبراهيم بن محمد السفاقسي (742 ه‍) : «المجيد في إعراب القرآن المجيد».
19 ـ أحمد بن يوسف المعروف بابن السمين الحلبي (756 ه‍) : «الدرّ المصون في علم الكتاب المكنون» في إعراب القرآن.
20 ـ أحمد بن يوسف بن مالك الرعيني الأندلسي (777 ه‍) : «تحفة الأقران في ما قرئ بالتثليث من القرآن».
21 ـ أحمد بن محمد ، الشهير بنشانجي زادة (986 ه‍) : «إعراب القرآن» إلى سورة الأعراف ـ حاشية على أنوار التنزيل للبيضاوي.


المصطلحات المستخدمة في الكتاب
1 ـ اسم ما لم يسمّ فاعله : النائب عن الفاعل
2 ـ الإشمام : إشمام الحرف هو أن تشمّه الضمّة أو الكسرة ، وهو أقلّ من روم الحركة لأنه لا يسمع وإنما يتبيّن بحركة الشّفة ، ولا يعتدّ بها حركة لضعفها ، والحرف الذي فيه الإشمام ساكن أو كالساكن.
3 ـ الإمالة : هي أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة وبالألف نحو الياء ، أو هي إحدى الظواهر الخاصة بنطق الفتحة الطويلة نطقا يجعلها بين الفتحة الصريحة والكسرة الصريحة.
4 ـ البيان والتفسير : التمييز
5 ـ التبرئة : النفي للجنس.
6 ـ الترجمة والتكرير : هو البدل عند البصريين.
7 ـ الحذف : حين تتجاوز أصوات متماثلة أو متقاربة تميل بعض اللهجات إلى حذف أحدها طلبا للتخفيف ، وقد يكون هذا الحذف في الحروف وقد يكون في الحركات التي هي في بنية الكلمة أو للإعراب.
8 ـ حروف الخفض : حروف الجرّ.
9 ـ حروف اللّين : هي حروف المدّ التي يمدّ بها الصوت ، وهي الألف ، والواو ، والياء.
10 ـ الرّوم : هو تضعيف الصوت بالحركة حتى يذهب بذلك معظم صوتها فيسمع لها صوتا خفيا يدركه الأعمى بحاسة السمع.
11 ـ العماد : الفاصلة عند البصريين.
12 ـ القطع : الحال.
13 ـ المخالفة : هي ظاهرة صوتية تكون لميل بعض اللهجات العربية إلى السهولة بأن يجتمع صوتان متماثلان فيقلب أحدهما إلى صوت لين طويل.
14 ـ المكنّى : الضمير.



15 ـ المماثلة بين الحركات : الإتباع : هو تجاوز حركتين في كلمة أو كلمتين وتأثّر إحداهما بالأخرى.
16 ـ المماثلة بين الحروف : الإدغام : هو ضرب من التأثير الذي يقع في الأصوات المتجاورة إذا كانت متماثلة أو متجانسة أو متقاربة فيختفي أحد الصوتين بالآخر.
17 ـ النعت : وهو الصفة عند البصريين.


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وآله قال أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحوي المعروف بالنحاس :
هذا كتاب أذكر فيه إن شاء الله إعراب القرآن ، والقراءات التي تحتاج أن يبيّن إعرابها والعلل فيها ولا أخليه من اختلاف النحويين ، وما يحتاج إليه من المعاني وما أجازه بعضهم ومنعه بعضهم وزيادات في المعاني وشرح لها ، ومن الجموع واللغات ، وسوق كلّ لغة إلى أصحابها ولعلّه يمرّ الشيء غير مشبع فيتوهّم متصفّحه أنّ ذلك لإغفال وإنما هو لأنّ له موضعا غير ذلك. ومذهبنا الإيجاز والمجيء بالنكتة في موضعها من غير إطالة ، وقصدنا في هذا الكتاب الإعراب وما شاكله بعون الله وحسن توفيقه. قال أبو جعفر : حدّثنا أبو الحسن أحمد بن سعيد الدّمشقي (1) عن عبد الخالق عن أبي عبيد (2) قال : حدّثنا عبّاد بن عبّاد المهلّبي عن واصل (3) مولى أبي عيينة قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : تعلّموا إعراب القرآن كما تتعلّمون حفظه. فمن ذلك :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1)
(اسم) مخفوض بالباء الزائدة ، وقال أبو إسحاق (4) : وكسرت الباء ليفرّق بين ما
__________________
(1) أبو الحسن أحمد بن سعيد الدمشقي : نزل بغداد وحدّث بها عن هشام بن عمار وطبقته وكان مؤدّبا لعبد الله بن المعتز. روى عن إسماعيل بن محمد الصفّار (ت 306 ه‍) ترجمته في تاريخ بغداد 4 / 172.
(2) أبو إسحاق الزّجاج ، إبراهيم بن السري ، بصريّ المذهب من أصحاب سيبويه وشيخ النحاس ، له من التصانيف : معاني القرآن ، الاشتقاق ، خلق الإنسان ، مختصر النحو ، شرح أبيات سيبويه ، القوافي ، العروض ، النوادر ، وتفسير جامع المنطق ، (ت 316 ه‍). ترجمته في : (بغية الوعاة 1 / 411 ، وتاريخ بغداد 6 / 91 ، وطبقات الزبيدي 21). والقول في إعراب القرآن ومعانيه ص 12.
(3) الفرّاء : أبو زكريا يحيى بن زياد : أخذ علمه عن الكسائي ، وكان أعلم الكوفيين بعد الكسائي ، كان يميل إلى الاعتزال ويسلك ألفاظ الفلاسفة. وكان زائد العصبية على سيبويه. صنّف : معاني القرآن ، البهاء فيما تلحن به العامة ، اللغات ، المصادر في القرآن ، الجمع والتثنية في القرآن ، آلة الكتاب ، النوادر ، المقصور والممدود ، فعل وأفعل ، المذكر والمؤنث ، الحدود وغير ذلك. (ت 207 ه‍). ترجمته في (بغية الوعاة 2 / 333 ، وطبقات الزبيدي 143).
(4) علي بن حمزة الكسائي : أحد القرّاء السبعة ، وإمام الكوفيين في النحو ، صنّف : معاني القرآن ، ـ

يخفض وهو حرف لا غير وبين ما يخفض وقد يكون اسما نحو الكاف ، ويقال : لم صارت الباء تخفض؟ فالجواب عن هذا وعن جميع حروف الخفض أنّ هذه الحروف ليس لها معنى إلّا في الأسماء ولم تضارع الأفعال فتعمل عملها فأعطيت ما لا يكون إلّا في الأسماء وهو الخفض والبصريون القدماء يقولون : الجرّ ، وموضع الباء وما بعدها عند الفرّاء (1) نصب بمعنى ابتدأت بسم الله الرّحمن الرّحيم أو أبدأ بسم الله الرّحمن الحريم ، وعند البصريين رفع بمعنى ابتدائي بسم الله ، وقال عليّ بن حمزة الكسائي (2) : الباء لا موضع لها من الإعراب والمرور واقع على مجهول إذا قلت : مررت بزيد. والألف في «اسم» (3) ألف وصل لأنّك تقول : سميّ فلهذا حذفت من اللفظ ، وفي حذفها من الخط أربعة أقوال : قال الفراء (4) : لكثرة الاستعمال ، وحكي لأنّ الباء لا تنفصل ، وقال الأخفش سعيد (5) : حذفت لأنها ليست من اللفظ ، والقول الرابع أن الأصل سم وسم أنشد أبو زيد (6) : [الرجز]
1 ـ بسم الذي في كلّ سورة سمه (7)
بالضمّ أيضا ، فيكون الأصل سما ثم جئت بالباء فصار بسم ثم حذفت الكسرة فصار بسم ، فعلى هذا القول لم يكن فيه ألف قطّ والأصل في اسم فعل لا يكون إلا ذلك لعلّة أوجبته وجمعه أسماء ، وجمع أسماء أسامي. وأضفت اسما إلى الله جلّ
__________________
ـ القراءات ، النوادر الكبير ، الأوسط ، الأصغر ، العدد ، المصادر ، الحروف ، أشعار المعاياة وغيرها ، (ت 189 ه‍). ترجمته في (غاية النهاية 1 / 535 ، وبغية الوعاة 2 / 164).
(1) أبو عبيد : القاسم بن سلّام الأنصار ، أول من جمع القراءات في كتاب ، أخذ عن ابن الأعرابي والكسائي والفرّاء وغيرهم. له من التصانيف : الغريب المنصف ، غريب القرآن ، غريب الحديث ، معاني القرآن ، المقصور والممدود ، القراءات ، المذكر والمؤنث ... وغيرها. (ت 224 ه‍). ترجمته في (طبقات الزبيدي 217 ، وبغية الوعاة 2 / 252).
(2) واصل مولى أبي عيينة بن المهلب بن أبي صفرة البصري. روى عن الحسن ورجاء بن حيوة. ترجمته في تهذيب التهذيب 11 / 105.
(3) انظر الإنصاف لابن الأنباري المسألة (1).
(4) انظر معاني الفرّاء : 1 / 2.
(5) الأخفش : أبو الحسن سعيد بن مسعدة ، قرأ النحو على سيبويه في البصرة وكان معتزليا ، صنّف : الأوساط في النحو ، معاني القرآن ، المقاييس في النحو ، الاشتقاق ، المسائل ، الكبير الصغير ، العروض ، القوافي ، الأصوات وغيرها. (ت 211 أو 215 ه‍). ترجمته في : (بغية الوعاة 1 / 590 ، وطبقات الزبيدي 74 ، وإنباه الرواة 1 / 36).
(6) أبو زيد الأنصاري : سعيد بن أوس بن ثابت ، روى القراءة عن أبي عمرو وأبي السمال (ت 215 ه‍) ترجمته في غاية النهاية 1 / 305.
(7) الشاهد في نوادر أبي زيد 166 ، ونوادر أبي مسحل : 1 / 95 ، والإنصاف 1 / 10 ، وأسرار العربية 8 ، واللسان (سا).

وعزّ ، والألف في الله جلّ وعزّ ألف وصل على قول من قال : الأصل لاه. ومن العرب من يقطعها فيقول : بسم الله ، للزومها كألف القطع. (الرَّحْمنِ) نعت لله تعالى ولا يثنّى ولا يجمع لأنه لا يكون إلّا لله جلّ وعزّ ، وأدغمت اللّام في الراء لقربها منها وكثرة لام التعريف. (الرَّحِيمِ) نعت أيضا ، وجمعه رحماء. وهذه لغة أهل الحجاز وبني أسد وقيس وربيعة ، وبنو تميم يقولون : رحيم ورغيف وبعير ، ولك أن تشمّ (1) الكسر في الوقف وأن تسكّن ، والإسكان في المكسور أجود والإشمام في المضموم أكثر. ويجوز النصب في (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) على المدح ، والرفع على إضمار مبتدأ ، ويجوز خفض الأول ورفع الثاني ، ورفع أحدهما ونصب الآخر.
__________________
(1) إشمام الحرف : أن تشمّه الضمّة أو الكسرة ، وهو أقلّ من روم الحركة لأنه لا يسمع وإنما يتبيّن بحركة الشفة ولا يعتدّ بها حركة لضعفها ، والحرف الذي فيه الإشمام ساكن أو كالساكن. (تاج العروس شمم).


(1)
شرح اعراب سورم ام القرآن
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (2)
(الْحَمْدُ لِلَّهِ) رفع بالابتداء على قول البصريين (1) ، وقال الكسائي (2) : «الحمد» رفع بالضمير الذي في الصفة ، والصفة اللام ، جعل اللام بمنزلة الفعل. وقال الفراء (3) : «الحمد» رفع بالمحل وهو اللام. جعل اللام بمنزلة الاسم ، لأنها لا تقوم بنفسها والكسائي يسمي حروف الخفض صفات ، والفراء يسمّيها محال ، والبصريون يسمّونها ظروفا. وقرأ ابن عيينة ورؤبة بن العجّاج (4) (الْحَمْدُ لِلَّهِ) على المصدر وهي لغة قيس والحارث بن سامة. والرفع أجود من جهة اللفظ والمعنى ، فأما اللفظ : فلأنه اسم معرفة خبّرت عنه ، وأما المعنى: فإنّك إذا رفعت أخبرت أنّ حمدك وحمد غيرك لله جلّ وعزّ ، وإذا نصبت لم يعد حمد نفسك وحكى الفراء : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) والحمد لله (5). قال أبو جعفر : وسمعت عليّ بن سليمان (6) يقول : لا يجوز من هذين شيء عند البصريين. قال أبو جعفر : وهاتان لغتان معروفتان وقراءتان موجودتان في كل واحدة منهما علة ، روى إسماعيل بن عياش (7) عن زريق عن الحسن (Cool أنّه قرأ (الْحَمْدُ
__________________
(1) انظر الإنصاف مسألة (5) ، والبحر المحيط 1 / 131.
(2) انظر الإنصاف مسألة (6).
(3) انظر الإنصاف مسألة (6).
(4) رؤبة بن العجاج التميمي الراجز من أعراب البصرة وكان رأسا في اللغة (ت 145 ه‍) ، ترجمته في (السير 6 / 162 ، ولسان الميزان 2 / 264 ، ومعجم الأدباء 11 / 149).
(5) انظر معاني الفراء 1 / 3.
(6) علي بن سليمان الأخفش الصغير ، أبو الحسن ، سمع ثعلبا ، والمبرد (ت 215 ه‍) وهو من شيوخ النحاس. ترجمته في طبقات الزبيدي 125.
(7) إسماعيل بن عياش : أبو عتبة العنسي الحمصي ، روى عن شرحبيل بن مسلم ومحمد بن زياد (ت 182 ه‍) ترجمته في تذكرة الحفاظ 253.
(Cool الحسن ، أبو سعيد ، الحسن بن أبي سعيد بن أبي الحسن بن يسار البصري ، إمام أهل البصرة ، قرأ على حطان ابن عبد الله الرقاشي وعلى أبي العالية. (ت 110 ه‍). ترجمته في غاية النهاية 1 / 235.

لِلَّهِ) (1) ، وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة (الْحَمْدُ لِلَّهِ) (2) وهذه لغة بعض بني ربيعة ، والكسر لغة تميم. فأما اللغة في الكسر فإنّ هذه اللفظة تكثر في كلام الناس والضمّ ثقيل ولا سيّما إذا كانت بعده كسرة فأبدلوا من الضمة كسرة وجعلوها بمنزلة شيء واحد ، والكسرة مع الكسرة أخفّ وكذلك الضمة مع الضمة فلهذا قيل : (الْحَمْدُ لِلَّهِ). (لِلَّهِ) خفض باللام الزائدة. وزعم (3) سيبويه (4) أنّ أصل اللام الفتح يدلّك على ذلك أنك إذا أضمرت قلت : الحمد له فرددتها إلى أصلها إلّا أنها كسرت مع الظاهر للفرق بين لام الجر ولام التوكيد.
(رَبِ) مخفوض على النعت لله. (الْعالَمِينَ) خفض بالإضافة وعلامة الخفض الياء لأنها من جنس الكسرة ، والنون عند سيبويه (5) كأنها عوض لما منع من الحركة والتنوين والنون عند أبي العباس (6) عوض من التنوين ، وعند أبي إسحاق (7) عوض من الحركة وفتحت فرقا بينها وبين نون الاثنين ، وقال الكسائي : يجوز (رَبِّ الْعالَمِينَ) كما تقول : الحمد لله ربّا وإلها أي على الحال ، وقال أبو حاتم (Cool : النصب بمعنى أحمد الله ربّ العالمين ، وقال أبو إسحاق (9) : يجوز النصب على النداء المضاف ، وقال أبو الحسن بن كيسان (10): يبعد النصب على النداء المضاف لأنه يصير كلامين ولكن نصبه على المدح ، ويجوز الرفع أي هو ربّ العالمين. قال أبو جعفر : وقد ذكرنا في الكتاب المتقدم : أنه يقال على التكثير: ربّاه وربّه وربّته. وشرحه أن الأصل ربّبه ثم تبدل من الباء ياء كما يقال : قصّيت أظفاري وتقصّيت ثم تبدل من الياء تاء كما تبدل من الواو في تالله (11).
__________________
(1) انظر مختصر ابن خالويه 1 ، والمحتسب لابن جني 1 / 37.
(2) انظر مختصر ابن خالويه 1.
(3) انظر الكتاب 2 : 400.
(4) سيبويه : عمرو بن قنبر ، رأس مدرسة البصرة في النحو (ت 180 ه‍). ترجمته في طبقات الزبيدي 66.
(5) انظر الكتاب.
(6) أبو العباس : محمد بن يزيد المبرد ، من تلاميذ أبي عثمان المازني ، كان رأس نحاة البصرة (ت 285 ه‍).
ترجمته في : طبقات الزبيدي 108.
(7) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجّاج 7.
(Cool أبو حاتم : سهل بن محمد السجستاني ، روى علم سيبويه عن الأخفش سعيد بالبصرة (ت 255 ه‍ أو 265 ه‍) ترجمته في طبقات الزبيدي 100 ، ومراتب النحويين 80.
(9) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 4.
(10) أبو الحسن بن كيسان : محمد بن إبراهيم بن كيسان ، أخذ عن المبرد وثعلب وحفظ المذهب البصري والكوفي في النحو ، ولكنه كان إلى مذهب البصريين أميل. من تصانيفه : المهذّب في النحو ، وغلط أدب الكاتب ، واللامات ، والبرهان ، وغريب الحديث ، وغيرها. (ت 299 ه‍). ترجمته في بغية الوعاة 1 / 18 ، ومعجم الأدباء 17 / 138 ، وتاريخ بغداد 1 / 335.
(11) انظر الكتاب : 1 / 44 ، والمقتضب 1 / 246.

(الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (4)
ويجوز (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) على المدح ، ويجوز رفعهما على إضمار مبتدأ ، ويجوز رفع أحدهما ونصب الآخر ، ويجوز خفض الأول ورفع الثاني ونصبه.
وقرأ محمد بن السّميفع (1) اليمانيّ مالك يوم الدّين بنصب مالك. وفيه أربع لغات : مالك وملك وملك ومليك. كما قال لبيد : [الكامل]
2 ـ فاقنع بما قسم المليك فإنّما
قسم المعايش بيننا علّامها (2)

وفيه من العربية خمسة وعشرون وجها (3) : يقال «ملك يوم الدين» على النعت ، والرفع على إضمار مبتدأ ، والنصب على المدح وعلى النداء وعلى الحال وعلى النعت وعلى قراءة من قرأ (رَبِّ الْعالَمِينَ) فهذه ستة أوجه ، وفي «مالك» مثلها وفي «ملك» مثلها ، وفي «مليك» مثلها. هذه أربعة وعشرون والخامس والعشرون روى عن أبي حيوة شريح بن يزيد (4) أنه قرأ ملك يوم الدّين (5) وقد روي عنه أنه قرأ ملك يوم الدين. قال أبو جعفر : جمع مالك وملّاك وملّك ، وجمع ملك أملاك وملوك ، وجمع ملك أملك وملوك فهذا على قول من قال : «ملك» لغة وليس بمسكّن من ملك ، وجمع مليك ملكاء. (يَوْمِ) مخفوض بإضافة مالك إليه ، و (الدِّينِ) مخفوض بإضافة يوم إليه. وجمع يوم أيّام والأصل : أيوام أدغمت الواو في الياء ولا يستعمل منه فعل. وزعم سيبويه أنه لو استعمل منه فعل لقيل : يمت. وجمع الدين أديان وديون.
(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (5)
(إِيَّاكَ) (6) نصب بوقوع (نَعْبُدُ) عليه وقرأ الفضل بن عيسى الرّقاشي (إِيَّاكَ) فتح الهمزة ، وقرأ عمرو بن فائد (إِيَّاكَ) مخفّفا والاسم من إيّاك عند الخليل (7)
__________________
(1) ابن السميفع اليماني : محمد بن عبد الرّحمن ، له اختيار في القراءة ينسب إليه ، شذّ فيه ، قرأ على أبي حيوة. ترجمته في غاية النهاية 2 / 150.
(2) البيت للبيد في ديوانه ص 320 ، ولسان العرب (خلق) ، وتاج العروس (خلق) ، وهو في الديوان : «قسم الخلائق بيننا».
(3) (مالك) : قراءة عاصم والكسائي وخلف ويعقوب ، وهي قراءة العشرة إلا طلحة والزبير ، وقرأ (ملك) باقي السبعة وزيد وأبو الدرداء وابن عمر والمسور وكثير من الصحابة ، وقرأ (ملك) : أبو هريرة وعاصم الجحدري انظر البحر المحيط 1 / 133.
(4) أبو حيوة : شريح بن يزيد هو صاحب قراءة شاذّة ، ومقرئ الشام ، روى القراءة عن الكسائي (ت 203 ه‍). ترجمته في غاية النهاية 1 / 325.
(5) انظر : إعراب ثلاثون سورة لابن خالويه 23.
(6) انظر البحر المحيط 1 / 139 ، وهمع الهوامع 1 / 61 ، والكتاب 2 / 355 ، وسرّ صناعة الإعراب 1 / 311.
(7) الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي ، عالم بالعربية ، بصري (ت 170 ه‍ أو 175 ه‍) ترجمته في : طبقات الزبيدي 43 ، وإنباه الرواة 1 / 341.

وسيبويه إيّا ، والكاف موضع خفض وعند الكوفيين إيّاك اسم بكمالها ، وزعم الخليل رحمه‌الله أنه اسم مضمر. قال أبو العباس : هذا خطأ لا يضاف المضمر ولكنه مبهم مثل «كلّ» أضيف إلى ما بعده. (نَعْبُدُ) فعل مستقبل وهو مرفوع عند الخليل وعند سيبويه لمضارعته الأسماء ، وقال الكسائي : الفعل المستقبل مرفوع بالزوائد التي في أوله ، وقال الفراء : هو مرفوع بسلامته من الجوازم والنواصب. و (إِيَّاكَ) منصوب بنستعين عطف جملة على جملة ، وقرأ يحيى بن وثّاب (1) والأعمش (نَسْتَعِينُ) (2) بكسر النون وهذه لغة تميم وأسد وقيس وربيعة ، فعل ذلك ليدلّ على أنه من استعون يستعين والأصل في «نستعين» نستعون قلبت حركة الواو على العين فلما انكسر ما قبل الواو صارت ياء والمصدر استعانة والأصل استعوان قلبت حركة الواو على العين فلما انفتح ما قبل الواو صارت ألفا ، ولا يلتقي ساكنان فحذفت الألف الثانية لأنها زائدة وقيل الأولى لأن الثانية لمعنى ولزمت الهاء عوضا.
(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (6)
(إِنَّا هُدْنا) دعاء وطلب في موضع جزم عند الفراء (3) ووقف عند البصريين ولذلك حذفت الياء والألف ألف وصل لأنّ أول المستقبل مفتوح ، وكسرتها لأنه من يهدي ، والنون والألف مفعول أول. و (الصِّراطَ) مفعول ثان. وجمعه في القليل أصرطة وفي الكثير صرط قال الأخفش : أهل الحجاز يؤنثون الصراط وقرأ ابن عباس (4) السراط (5) بالسين وبعض قيس يقولها بين الصاد والزاي ولا يجوز أن يجعل زايا إلّا أن تكون ساكنة قال قطرب (6) : إذا كان بعد السين في نفس الكلمة طاء أو قاف أو خاء أو غين فلك أن تقلبها صادا. (الْمُسْتَقِيمَ) نعت للصراط.
(صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) (7)
(صِراطَ الَّذِينَ) بدل. و (الَّذِينَ) في موضع خفض بالإضافة وهو مبنيّ لئلا
__________________
(1) يحيى بن وثّاب الأسدي الكوفي ، تابعي ثقة ، روى عن ابن عباس وابن عمر (ت 103 ه‍). ترجمته في غاية النهاية 2 / 380.
(2) وهذه قراءة عبيد بن عمير الليثي وزرّ بن جيش والنخعي أيضا ، انظر البحر المحيط 1 / 141.
(3) انظر معاني القرآن للفراء 2 / 403 ، والإنصاف مسألة 214.
(4) ابن عباس : عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والصحابة. قرأ عليه مجاهد وسعيد ابن جبير (ت 98 ه‍). ترجمته في غاية النهاية 1 / 425.
(5) انظر الحجة لابن خالويه 38 ، والبحر المحيط 1 / 143.
(6) قطرب : محمد بن المستنير ، أخذ عن سيبويه وعيسى بن عمر (ت 206 ه‍). ترجمته في تاريخ بغداد 3 / 298 ، وطبقات النحويين 106.

يعرب الاسم من وسطه. (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) داخل في الصلة والهاء والميم يعود على الذين. وفي «عليهم» خمس لغات قرئ بها كلّها. قرأ ابن أبي إسحاق (1) أنعمت عليهمو (2) بضم الهاء وإثبات الواو ، وهذا هو الأصل أن تثبت الواو كما تثبت الألف في التثنية. وقرأ الحسن أنعمت عليهمي (3) بكسر الهاء وإثبات الياء وكسر الهاء لأنه كره أن يجمع بين ياء وضمة ، والهاء ليس بحاجز حصين وأبدل من الواو ياء لما كسر ما قبلها ، وقرأ أهل المدينة (عَلَيْهِمْ) (4) بكسر الهاء وإسكان الميم ، وهي لغة أهل نجد ، وقرأ حمزة (5) وأهل الكوفة (عَلَيْهِمْ) بضم الهاء وإسكان الميم فحذفوا الواو لثقلها وإنّ المعنى لا يشكل إذ كان يقال في التثنية : عليهما ، واللغة الخامسة قرأ بها الأعرج عليهمو بكسر الهاء والواو ، وحكي لغتنا شاذّتان وهما ضمّ الهاء والميم بغير واو وكسرهما بغير ياء. وقال محمد بن يزيد : وهذا لا يجوز لأنه مستقبل فإن قيل : فلم قيل : منه فضمّت الهاء؟ فالجواب أن النون في «منه» ساكنة. قال أبو العباس : وناس من بني بكر بن وائل يقولون : عليكم فيكسرون الكاف كما يكسرون الهاء لأنها مهموسة مثلها وهي إضمار كما أنّ الهاء إضمار ، وهذا غلط فاحش لأنها ليست مثلها في الخفاء. (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) خفض على البدل من الذين وإن شئت نعتا. قال ابن كيسان : ويجوز أن يكون بدلا من الهاء والميم في عليهم ، وروى الخليل رحمه‌الله عن عبد الله بن كثير (6) (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ) (7) بالنصب قال الأخفش : هو نصب على الحال ، وإن شئت على الاستثناء قال أبو العباس : هو استثناء ليس من الأول. قال الكوفيون : لا يكون استثناء لأن بعده «ولا» ، ولا تزاد «لا» في الاستثناء. قال أبو جعفر : وذا لا يلزم لأن فيه معنى النفي ، وقال : «غير المغضوب عليهم» ولم يقل : المغضوبين لأنه لا ضمير فيه. قال ابن كيسان : هو موحّد في معنى جمع وكذلك كل فعل المفعول إذا لم يكن فيه خفض مرفوع ، نحو المنظور إليهم والمرغوب فيهم ، و (الْمَغْضُوبِ) بإضافة غير إليه و (عَلَيْهِمْ) في موضع رفع لأنه اسم ما لم يسمّ فاعله.
__________________
(1) ابن أبي إسحاق : عبد الله بن زيد بن الحارث الحضرمي البصري ، أحد الأئمة في القراءات والعربية. أخذ القراءة عن يحيى بن يعمر ونصر بن عاصم. (ت 127 ه‍). ترجمته في : (بغية الوعاة 2 / 42 ، وغاية النهاية 1 / 410).
(2) انظر مختصر في شواذ القرآن 1 ، والمحتسب 1 / 44. والبحر المحيط 1 / 146.
(3) انظر الحجة لابن خالويه 39 ، والحجة للفارسي 1 / 42.
(4) حمزة بن حبيب أبو عمارة الكوفي ، أحد القرّاء السبعة (ت 156 ه‍). ترجمته في (غاية النهاية 1 / 261).
(5) انظر معاني الفراء 1 / 5.
(6) عبد الله بن كثير : أبو معبد عبد الله المكي الداري ، إمام أهل مكة في القراءات وأحد السبعة (ت 120 ه‍) ترجمته في غاية النهاية 1 / 443.
(7) انظر الحجة للفارسي 1 / 105.

(وَلَا) زائدة عند البصريين وبمعنى غير عند الكوفيين (1). و (الضَّالِّينَ) عطف على «المغضوب عليهم» والكوفيون يقولون : نسق (2) ، وسيبويه (3) يقول : إشراك. والأصل في الضّالين : الضاللين ثم أدغمت اللام في اللام فاجتمع ساكنان وجاز ذلك لأن في الألف مدّة والثاني مدغم ، إلّا أنّ أيّوب السّختياني (4) همز فقرأ (وَلَا الضَّالِّينَ) (5).
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 8.
(2) النّسق : العطف.
(3) انظر الكتاب 3 / 41.
(4) أيوب السختياني : هو فقيه أهل البصرة (ت 131 ه‍). ترجمته في شذرات الذهب 1 / 181.
(5) انظر مختصر ابن خالويه 1 ، والمحتسب 1 / 46 ، والبحر المحيط 1 / 151.

(2)
شرح إعراب سورة البقرة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الم) (1)
من ذلك قوله عزوجل : (الم ...) مذهب الخليل وسيبويه (1) في «الم» وما أشبهها أنها لم تعرب لأنها بمنزلة حروف التهجّي فهي محكيّة ولو أعربت ذهب معنى الحكاية وكان قد أعرب بعض الاسم ، وقال الفراء : (2) إنما لم تعرب لأنك لم ترد أن تخبر عنها بشيء ، وقال أحمد بن يحيى (3) : لا يعجبني قول الخليل فيها لأنك إذا قلت : زاي فليست هذه الزاي التي في زيد لأنك قد زدت عليها. قال أبو جعفر : هذا الرّدّ لا يلزم لأنك لا تقدر أن تنطق بحرف واحد حتى تزيد عليه. قال ابن كيسان : «الم» في موضع نصب بمعنى اقرأ «الم» أو عليك «الم» ويجوز أن يكون موضعه رفعا بمعنى : هذا الم أو هو أو ذاك. ثم قال عزوجل :
(ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (2)
(ذلِكَ) فيه ستة أوجه : يكون بمعنى هذا ذلك الكتاب ، فيكون خبر هذا ويكون بمعنى «الم ذلك» هذا قول الفراء (4) أي حروف المعجم ذلك الكتاب واجتزئ ببعضها من بعض ، ويكون هذا رفعا بالابتداء و (الْكِتابُ) خبره ، والكوفيون يقولون : رفعنا هذا بهذا وهذا بهذا ، ويكون «الكتاب» عطف البيان الذي يقوم مقام النعت و (هُدىً)
__________________
(1) انظر الكتاب 3 / 284.
(2) انظر معاني الفراء 1 / 9.
(3) أحمد بن يحيى ثعلب : إمام الكوفيين في النحو واللغة ، حفظ كتب الفرّاء ، ولازم ابن الأعرابي بضع عشرة سنة واعتمد عليه في اللغة ، وعلى سلمة بن عاصم في النحو. صنّف : المصون في النحو ، واختلاف النحويين ، ومعاني القرآن ، معاني الشعر ، القراءات ، التصغير ، الوقف والابتداء ، الهجاء ، الأمالي ، غريب القرآن ، وغيره (ت 291 ه‍). ترجمته في : (بغية الوعاة 1 / 396 ، وطبقات الزبيدي 155).
(4) انظر معاني الفراء 1 / 10.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 2847
نقاط : 4448
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

إعراب القرآن [ ج ١ ] Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعراب القرآن [ ج ١ ]   إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 4:09 pm

خبرا ، ويكون (لا رَيْبَ فِيهِ) الخبر ، والكوفيون يقولون : الهاء العائدة الخبر. والوجه السادس : أن يكون الخبر «لا ريب فيه» لأن معنى لا شكّ : حقّ ، ويكون التمام على هذا لا ريب ، ويقال : ذلك ، ولغة تميم ذاك. ولم تعرب ذلك ولا هذا لأنها لا يثبتان على المسمّى. قال البصريون : اللّام في ذلك توكيد ، وقال الكسائي والفراء : جيء باللّام في ذلك لئلا يتوهّم أنّ ذا مضاف إلى الكاف ، وقيل : جيء باللّام بدلا من الهمزة ولذلك كسرت ، وقال علي بن سليمان : جيء باللّام لتدل على شدة التراخي. قال أبو إسحاق (1) : كسرت فرقا بينها وبين لام الجرّ ولا موضع للكاف. والاسم عند البصريين «ذا» وعند الفراء (2) الذال. ثم قال الله جلّ وعزّ (لا رَيْبَ فِيهِ) نصب «ريب» لأن «لا» عند البصريين مضارعة لأنّ فنصبوا بها وأنّ «لا» لم تعمل إلّا في نكرة لأنها جواب نكرة فيها معنى «من» بنيت مع النكرة فصيّرا شيئا واحدا ، وقال الكسائي : سبيل النكرة أن يتقدمها أخبارها فتقول : قام رجل ، فلما تأخّر الخبر في التبرئة (3) نصبوا ولم ينوّنوا لأنه نصب ناقص ، وقال الفراء : سبيل «لا» أن تأتي بمعنى غير ، تقول : مررت بلا واحد ولا اثنين ، فلما جئت بها بغير معنى «غير» وليس ، نصبت بها ولم تنوّن لئلا يتوهّم أنك أقمت الصفة مقام الموصوف ، وقيل : إنّما نصبت لأن المعنى : لا أجد ريبا ، فلما حذفت الناصب حذفت التنوين ، ويجوز (لا رَيْبَ فِيهِ) (4) تجعل «لا» بمعنى ليس. وأنشد سيبويه : [مجزوء الكامل]
3 ـ من صدّ عن نيرانها
فأنا ابن قيس لابراح (5)

(فِيهِ هُدىً) الهاء في موضع خفض بفي ، وفي الهاء خمسة أوجه : أجودها «فيه هدى» ويليه (فِيهِ هُدىً) (6) بضم الهاء بغير واو ، وهي قراءة الزهري (7) وسلّام أبي المنذر(Cool
__________________
(1) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج ص 28.
(2) انظر الإنصاف مسألة 95 ، والبحر المحيط 1 / 154.
(3) التبرئة : النفي للجنس.
(4) انظر مختصر ابن خالويه 2 ، والبحر المحيط 1 / 160.
(5) الشاهد لسعد بن مالك في الأشباه والنظائر 8 / 109 ، وخزانة الأدب 1 / 467 ، والدرر 2 / 112 ، وشرح أبيات سيبويه 2 / 8 ، وشرح التصريح 1 / 199 ، وشرح شواهد المغني ص 582 ، وشرح المفصل 1 / 109 ، والكتاب 1 / 58 ، والمقاصد النحوية 2 / 150 ، وبلا نسبة في الإنصاف ص 367 ، وأوضح المسالك 1 / 285 ، وشرح الأشموني 125 ، ومغني اللبيب ص 239 ، والمقتضب 4 / 360.
(6) انظر مختصر ابن خالويه (2) ، والحجة للفارسي 1 / 142.
(7) الزهري : أبو بكر محمد بن مسلم المدني ، أحد الأئمة الكبار ، تابعي ، وردت عنه الرواية في حروف القرآن ، قرأ على أنس (ت 124 ه‍). ترجمته في غاية النهاية 2 / 262.
(Cool سلّام بن سليمان أبو المنذر المزنيّ ، ثقة ومقرئ كبير ، أخذ القراءة عن عاصم وأبي عمرو. وقرأ عليه يعقوب الحضرمي. (ت 171 ه‍) ترجمته في غاية النهاية 1 / 309.

ويليه فيهي هدى بإثبات الياء وهي قراءة ابن كثير ، ويجوز فيهو هدى بالواو ويجوز (فِيهِ هُدىً) مدغما والأصل «فيهو هدى» الاسم الهاء وزيدت الواو عند الخليل لأن الهاء خفيّة فقويت بحرف جلد متباعد منها وتبدل منها ياء لأن قبلها ياء أو يحذف لاجتماع الواو والياء عند سيبويه (1) ، ولاجتماع الساكنين عند أبي العباس ، وكذا الياء ، ويدغم لاجتماع هاءين وليس بجيد ، لأنّ حروف الحلق ليست أصلا بالإدغام ويجتمع ساكنان ، وقال سيبويه: إنّما زيدت الواو كما زيدت الألف في المؤنث. وفي «هدى» ستة أوجه : تكون في موضع رفع خبرا عن ذلك ، وعلى إضمار مبتدأ وعلى أن تكون خبرا بعد خبر ، وعلى أن تكون رفعا بالابتداء. قال أبو إسحاق : يكون المعنى فيه هدى ولا ريب. فهذه أربعة أوجه. في الرفع ، ويكون على وجه خامس وهو أن يكون ، على موضع لا ريب فيه أي حق هدى ، ويكون نصبا على الحال من ذلك والكوفيون يقولون : قطع (2) ، ويكون حالا من الكتاب وتكون حالا من الهاء ، قال الفرّاء : بعض بني أسد يؤنّث الهدى فيقول : هذه هدى حسنة ، ولم يعرب لأنه مقصور والألف لا يحرّك. ثم قال جلّ وعزّ (لِلْمُتَّقِينَ) مخفوض باللّام الزائدة ، ولغة أهل الحجاز : فلان موتق. وهذا هو الأصل والتّقيّة أصلها الوقيّة من وقيت أبدلت من الواو تاء لأنها أقرب الزوائد إليها وقد فعلوا ذلك من غير أن يكون ثمّ تاء ، كما حدّثنا عليّ بن سليمان عن محمد بن يزيد عن المازني قال : سألت الأصمعي عن قول الشاعر : [الرجز]
4 ـ فإن يكن أمسى البلى تيقوري (3)
وقلت له : قال الخليل : هو فيعول من الوقار فأبدل من الواو تاء فقال : هذا قول الأشياخ والأصل للمتّقين بياءين مخفّفتين وحذفت الكسرة من الياء الأولى لثقلها ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين ، ثم قال جلّ وعزّ :
(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (3)
(الَّذِينَ) : في موضع خفض نعت للمتقين ويجوز أن يكون نصب بمعنى أعني ، ورفعا من جهتين بالابتداء ، والخبر (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) وعلى إضمار «هم». (يُؤْمِنُونَ) بالهمز لأن أصل آمن : أأمن كره الجمع بين همزتين فأبدلت من الثانية ألف
__________________
(1) انظر الكتاب 4 / 305.
(2) انظر معاني الفراء 1 / 12.
(3) الشاهد من أرجوزة للعجاج في ديوانه 1 / 340 ، ولسان العرب (هير) ، وشرح أبيات سيبويه 2 / 423 ، والكتاب 4 / 332 ، والتنبيه والإيضاح 2 / 229 ، وتهذيب اللغة 9 / 281 ، وكتاب المعين 5 / 207 ، وبلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب 1 / 146 ، وشرح المفصل 10 / 38 ، والمنصف 1 / 227 ، والمخصص 3 / 18 ، 7 ؛ 182.

فلما قلت : يؤمنون فزالت إحدى الهمزتين همزت على الأصل ، وإن خفّفت قلت : يؤمنون بغير همز. ويؤمنون مثل يكرمون الأصل فيه يؤكرمون لأن سبيل المستقبل أن يكون زائدا على الماضي حرفا إلّا أنه حذف منه الزائد لأن الضمّة تدلّ عليه ولو جئت به على الأصل لاجتمعت الهمزات. والمضمر في يؤمنون يعود على الذين ، وهذيل تقول : الّذون في موضع الرفع ، ومن العرب من يقول : الذي في الجمع كما قال : [الطويل]
5 ـ أو إنّ الّذي حانت بفلج دماؤهم
هم القوم كلّ القوم يا أمّ خالد (1)

(بِالْغَيْبِ) مخفوض بالباء الزائدة والباء متصل بيؤمنون (وَيُقِيمُونَ) معطوف على يؤمنون والأصل يقومون قلبت كسرة على القاف فانقلبت ياء ، (الصَّلاةَ) منصوبة بيقيمون ، وجمعها صلوات ، وصلاءة ، وصلاوة. (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) «ما» في موضع خفض بمن وهي مصدر لا يحتاج إلى عائد ، ويجوز أن يكون بمعنى الذي وتحذف العائد ، والنون والألف رفع بالفعل والهاء والميم نصب به ومن متصلة بينفقون أي وينفقون مما رزقناهم.
(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (4)
(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) عطف على الذين الأولين (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) «ما» خفض بالباء والضمير الذي في أنزل يعود على «ما» وهو اسم ما لم يسمّ فاعله والكاف خفض بإلى والأصل الاك أبدل من الألف ياء للفرق بين الألفات المتمكّنة ، والتي ليست بمتمكنة ويلزمها الإضافة ، وأجاز الكسائي حذف الهمزة وأن يقرأ : وما أنزلّيك ، وشبّهه بقوله (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) [الكهف : 38] قال ابن كيسان : ليس مثله لأنّ النون من لكن ساكنة واللام من أنزل متحركة. (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) عطف. و (قَبْلِكَ) مخفوض بمن والكاف خفض بإضافة قبل إليها. (وَبِالْآخِرَةِ) خفض بالباء والباء متعلقة بيوقنون و (هُمْ) رفع بالابتداء و (يُوقِنُونَ) فعل مستقبل في موضع الخبر.
(أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (5)
(أُولئِكَ) ابتداء والخبر (عَلى هُدىً) وأهل نجد يقولون : ألّاك (2) ، وبعضهم
__________________
(1) الشاهد للأشهب بن رميلة في خزانة الأدب 6 / 7 ، وشرح شواهد المغني 2 / 517 ، والكتاب 1 / 187 ، ولسان العرب (فلج) ، والمؤتلف والمختلف ص 33 ، والمحتسب 1 / 185 ، والمقاصد النحوية 1 / 482 ، والمقتضب 4 / 146 ، والمنصف 1 / 67 ، وللأشهب أو لحريث بن مخفض في الدرر 1 / 148 ، وبلا نسبة في الأزهية ص 99 ، وخزانة الأدب 2 / 315 ، والدرر 5 / 131 ، ورصف المباني ص 342 ، وسرّ صناعة الإعراب 2 / 537 ، وشرح المفصل 3 / 155 ، ومغني اللبيب 1 / 194.
(2) انظر همع الهوامع 1 / 74.

يقول : ألا لك ، و (هدى) خفض بعلى : (مِنْ رَبِّهِمْ) خفض بمن ، والهاء والميم خفض بالإضافة ويقال : كيف قرأ أهل الكوفة (عليهم) ولم يقرءوا «من ربّهم» «ولا» «فيهم»؟ والجواب أنّ «عليهم» الياء فيه منقلبة من ألف والأصل علاهم قال : [الرجز]
6 ـ طارت علاهنّ فطر علاها (1)
فأقرّت الهاء على ضمتها ، وليس هذا في «فيهم» «ولا من ربّهم» (وَأُولئِكَ) رفع بالابتداء (هُمُ) ابتداء ثان (الْمُفْلِحُونَ) خبر الثاني والثاني وخبره خبر الأول ، ويجوز أن يكون «هم» زيادة ، يسميها البصريون فاصلة (2) ويسميها الكوفيون عمادا (3) و (الْمُفْلِحُونَ) خبر أولئك.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (6)
(إِنَّ الَّذِينَ الَّذِينَ) : نصب بإن وعملت إنّ لأنها أشبهت الفعل في الإضمار ويقع بعدها اسمان وفيها معنى التحقيق. (كَفَرُوا) صلة «الذين» والمضمر يعود على الذين. قال محمد بن يزيد (سَواءٌ عَلَيْهِمْ) رفع بالابتداء : (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) الخبر والجملة خبر «إنّ» أي أنهم تبالهوا حتى لم تغن فيهم النذارة والتقدير سواء عليهم الإنذار وتركه ، أي سواء عليهم هذان ، وجيء بالاستفهام من أجل التسوية. قال ابن كيسان : يجوز أن يكون سواء خبر إنّ وما بعده ، يقوم مقام الفاعل ، ويجوز أن يكون خبر إنّ «لا يؤمنون» أي إنّ الذين كفروا لا يؤمنون (أَأَنْذَرْتَهُمْ) (4) فيه ثمانية أوجه : أجودها عند الخليل وسيبويه (5) تخفيف الهمزة الثانية وتحقيق الأولى. وهي لغة قريش وسعد بن بكر وكنانة ، وهي قراءة أهل المدينة وأبي عمرو والأعمش (أَأَنْذَرْتَهُمْ) (6) ، قال ابن كيسان : وروي عن ابن محيصن (7) أنّه قرأ بحذف الهمزة الأولى سواء عليهم أنذرتهم (Cool فحذف لالتقاء
__________________
(1) الشاهد لرؤبة في ديوانه ص 168 ، وله أو لأبي النجم أو لبعض أهل اليمن في المقاصد النحوية 1 / 133 ، ولبعض أهل اليمن في خزانة الأدب 7 / 133 ، وشرح شواهد المغني 1 / 128 وبلا نسبة في لسان العرب (طير ، وعلا ، ونجا) وخزانة الأدب 4 / 105 ، والخصائص 2 / 269 ، وشرح شواهد الشافيه 355 ، وشرح المفصل 3 / 34 ، وقبله : «نادية وناديا أباها».
(2) انظر المقتضب 4 / 103.
(3) انظر مجالس ثعلب 53.
(4) انظر البحر المحيط 1 / 174.
(5) انظر الكتاب 4 / 29.
(6) انظر التيسير الداني ص 36 ، باب ذكر الهمزتين المتلاحقتين في كلمة.
(7) ابن محيصن : محمد بن عبد الرّحمن السهمي ، مولاهم ، مقرئ أهل مكة مع ابن كثير ، ثقة ، عرض على مجاهد وابن جبير (ت 123 ه‍) ترجمته في غاية النهاية 2 / 167.
(Cool انظر مختصر ابن خالويه (2) ، والمحتسب 1 / 50.

الهمزتين ، وإن شئت قلت : لأن «أم» تدلّ على الاستفهام كما قال : [المتقارب]
7 ـ تروح من الحيّ أم تبتكر
وماذا يضرّك لو تنتظر (1)

وروي عن ابن أبي إسحاق أنه قرأ (أَأَنْذَرْتَهُمْ) (2) حقّق الهمزتين وأدخل بينهما ألفا لئلا يجمع بينهما. قال أبو حاتم : ويجوز أن يدخل بينهما ألفا ويخفف الثانية وأبو عمرو ونافع يفعلان ذلك كثيرا ، وقرأ حمزة وعاصم والكسائي بتحقيق الهمزتين (أَأَنْذَرْتَهُمْ) وهو اختيار أبي عبيد ، وذلك بعيد عند الخليل وسيبويه يشبهه الثقل بضننوا. قال سيبويه (3) : الهمزة بعد مخرجها وهي نبرة تخرج من الصدر باجتهاد ، وهي أبعد الحروف مخرجا فثقلت لأنها كالتهوّع.
فهذه خمسة أوجه ، والسادس قاله الأخفش قال : يجوز أن تخفّف الأولى من الهمزتين وذلك رديء لأنهم إنّما يخفّفون بعد الاستثقال وبعد حصول الواحدة. قال أبو حاتم : ويجوز تخفيف الهمزتين جميعا. فهذه سبعة أوجه ، والثامن يجوز في غير القرآن لأنه مخالف للسواد. قال الأخفش سعيد : تبدل من الهمزة هاء فتقول «هانذرتهم» كما يقال : إيّاك وهيّاك : وقال الأخفش : في قول الله عزوجل «هأنتم» إنّما هو أأنتم. والتاء في «أأنذرتهم» في موضع رفع وفتحتها فرقا بين المخاطب والمخاطب ، والهاء والميم نصحب بوقوع الفعل عليهما «أم لم تنذرهم» جزم بلم وعلامة الجزم حذف الضمة من الراء ، والهاء والميم نصب أيضا ، (لا يُؤْمِنُونَ) فعل مستقبل ولا موضع للا من الإعراب.
(خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (7)
(خَتَمَ اللهُ خَتَمَ) : فعل ماض واسم الله جلّ وعزّ مرفوع بالفعل ، (عَلى قُلُوبِهِمْ) مخفوض بعلى والهاء والميم خفض بالإضافة. (وَعَلى سَمْعِهِمْ) مثله. ولم لم يقل و «على أسماعهم» وقد قال «على قلوبهم» ففيه ثلاثة أجوبة : منها أن السمع مصدر فلم يجمع ، وقيل : هو واحد يؤدي عن الجميع ، وقيل : التقدير وعلى موضع سمعهم. (وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) رفع بالابتداء ، وعند الكوفيين بالصفة. وروى المفضّل (4) عن عاصم بن
__________________
(1) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه 154 ، والأزهيّة ص 37 ، ولسان العرب (عبد) ، وبلا نسبة في رصف المعاني ص 45.
(2) انظر الحجة للفارسي 1 / 205.
(3) انظر الكتاب 4 / 29.
(4) المفضّل الضبي الكوفي : مقرئ نحوي ، أخباري موثّق ، من أجلّة أصحاب عاصم (ت 168 ه‍) ، ترجمته في معرفة القراء الكبار 18.

بهدلة (وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) (1) بالنصب أضمر وجعل ، وقرأ الحسن غشاوة (2) بضم العين ، وقرأ أبو حيوة غشاوة (3) بفتح. قال أبو جعفر : وأجودها (غِشاوَةٌ) بكسر الغين كذلك تستعمل العرب في كل ما كان مشتملا على الشيء نحو عمامة وقلادة ، روي عن الأعمش غشوة ردّه إلى أصل المصدر. قال ابن كيسان ، وهو النحويّ ، فكلما قلنا : قال ابن كيسان فإيّاه نعني : يجوز غشوة وغشوة فإن جمعت غشاوة تحذف الهاء قلت : غشاء ، وحكى الفراء غشاوى مثل أداوى. (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) رفع بالابتداء. (عَظِيمٌ) من نعته.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (Cool
(وَمِنَ النَّاسِ) خفض بمن وفتحت النون وأنت تقول. من الناس ، لأن قبل النون في «من» كسرة فحرّكوها بأخفّ الحركات في أكثر المواضع ورجعوا إلى الأصل في الأسماء التي فيها ألف الوصل ، ويجوز في كل واحد منهما ما جاز في صاحبه و «الناس» اسم يجمع إنسانا وإنسانة والأصل عند سيبويه (4) أناس. قال الفراء : الأصل الأناس خففت الهمزة ثم أدغمت اللام في النون ، قال الكسائي : هما لغتان ليست إحداهما أولى من الأخرى. يدلّ على ذلك أن العرب تصغّر ناسا نويسا ولو كان ذلك الأصل لقالوا : أنيس. (وَما هُمْ) على المعنى و «هم» اسم «ما» على لغة أهل الحجاز ومبتدأ على لغة بني تميم (بِمُؤْمِنِينَ) خفض بالباء ، وهي توكيد عند البصريين وجواب لمن قال : إنّ زيدا لمنطلق عند الكوفيين.
(يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) (9)
(يُخادِعُونَ) فعل مستقبل ، وكذا (وَما يَخْدَعُونَ) ولا موضع لها من الإعراب (إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) مفعول. (وَما يَشْعُرُونَ) مثل الأول.
(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) (10)
(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) رفع بالابتداء (فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) مفعولان ، وبعض أهل الحجاز يميل «فزادهم» ليدلّ على أنه من زدت (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) جمع «أليم» إلام وألماء مثل كريم وكرماء ، ويقال : ألآم مثل أشراف. (بِما كانُوا) «ما» خفض بالباء (يَكْذِبُونَ) في موضع نصب على خبر كان.
__________________
(1) انظر مختصر ابن خالويه (2) ، ومعاني القرآن للفراء 1 / 13.
(2) انظر مختصر ابن خالويه (2) ، والبحر المحيط 1 / 177.
(3) انظر البحر المحيط 1 / 177 وهي قراءة الأعمش أيضا.
(4) انظر الكتاب 2 / 197.

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) (11)
(وَإِذا) في موضع نصب على الظرف. (قِيلَ لَهُمْ) فعل ماض ، ويجوز (قِيلَ لَهُمْ) بالإدغام. وجاز الجمع بين ساكنين لأن الياء حرف مدّ ولين والأصل : قول ألقيت حركة الواو على القاف فانكسر ما قبل الواو فقلبت ياء. قال الأخفش : ويجوز قيل بضم القاف وبالياء ، ومذهب الكسائي إشمام القاف الضّم ليدلّ على أنّه لما لم يسمّ فاعله وهي لغة كثير من قيس ، فأما هذيل وبنو دبير (1) من بني أسد وبنو فقعس فيقولون : قول بواو ساكنة «لهم» الهاء والميم خفض باللام (2). (لا تُفْسِدُوا) جزم بلا وعلامة الجزم حذف النون. (فِي الْأَرْضِ) خفض بفي ، وإن خفّفت الهمزة ألقيت حركتها على اللام وحذفتها ولم تحذف ألف الوصل لأن الحركة عارضة فقلت : الأرض ، وحكى الكسائي أللرض لمّا خفّفت الهمزة فحذفها أبدل منها لاما. قال الفراء : لمّا خفّفت الهمزة تحركت اللام فكره حركتها لأنّ أصلها السكون زاد عليها لاما أخرى ليسلم السكون. (قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) ابتداء وخبر ، و «ما» عند سيبويه (3) كافّة لأنّ عن العمل ، فأما ضمّ «نحن» ففيه أقوال للنحويين قال هشام (4) : الأصل نحن قلبت حركة الحاء على النون وأسكنت الحاء ، وقال محمد بن يزيد : نحن مثل قبل وبعد لأنها متعلقة بالإخبار عن اثنين وأكثر قال أحمد بن يحيى : هي مثل حيت تحتاج إلى شيئين بعدها. قال أبو إسحاق الزجاج(5) : «نحن» للجماعة ومن علامة الجماعة الواو ، والضمة من جنس الواو فلما اضطروا إلى حركة نحن لالتقاء الساكنين حرّكوها بما يكون للجماعة قال : ولهذا ضمّوا واو الجمع في قول (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) [البقرة : 16] وقال عليّ بن سليمان : نحن يكون للمرفوع فحرّكوها بما يشبه الرفع.
(أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) (12)
(أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) كسرت «إنّ» لأنها مبتدأة. قال عليّ بن سليمان : يجوز فتحها كما أجاز سيبويه (6) : حقا أنّك منطلق بمعنى «ألا» والهاء والميم اسم «إنّ» و «هم» مبتدأ و «المفسدون» خبر المبتدأ ، والمبتدأ وخبره خبر «إنّ» ويجوز أن يكون «هم»
__________________
(1) بنو دبير : بطن من أسد من خزيمة من العدنانية (جمهرة أنساب العرب 195).
(2) انظر : البحر المحيط 1 / 191.
(3) انظر الكتاب 3 / 149.
(4) هشام بن معاوية الضرير يكنى أبا عبد الله ، صاحب الكسائي. (ت 209 ه‍) ترجمته في غاية النهاية 2 / 354.
(5) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 51.
(6) انظر الكتاب 3 / 140.

توكيدا للهاء والميم ، ويجوز أن يكون فاصلة والكوفيون يقولون : عماد.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) (13)
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا) ألف قطع لأنك تقول : يؤمن (كَما آمَنَ النَّاسُ) الكاف في موضع نصب لأنها نعت لمصدر محذوف أي إيمانا كإيمان الناس. (قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ) فيه أربعة أقوال أجودها أن تخفّف الهمزة الثانية فتقلبها واوا خالصة وتحقّق الأولى فتقول السّفهاء ولا (1) وهي قراءة أهل المدينة والمعروف من قراءة أبي عمرو ، وإن شئت خفّفتهما جميعا فجعلت الأولى بين الهمزة والألف وجعلت الثانية واوا خالصة ، وإن شئت خفّفت الأولى وحقّقت الثانية وإن شئت حقّقتها جميعا.
(وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) (14)
(وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا) الأصل لقيوا حذفت الضمّة من الياء لثقلها ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين ، وقرأ محمد بن السّميفع اليمانيّ وإذا لاقوا الذين آمنوا (2) ، والأصل لاقيوا ، فإن قيل : لم ضمّت الواو من «لاقوا» في الإدراج وحذفت من «لقوا»؟ فالجواب أنّ قبل الواو التي في لقوا ضمّة تدلّ عليها فحذفت لالتقاء الساكنين وحرّكت في «لاقوا» لأن قبلها فتحة. (الَّذِينَ) في موضع نصب بالفعل (آمَنُوا) داخل في الصلة. (قالُوا آمَنَّا) جواب إذا. (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ) فإن خفّفت الهمزة ألقيت حركتها على الواو وحذفتها كما يقرأ أهل المدينة ، «شياطينهم» خفض بإلى وهو جمع مكسر فلذلك لم تحذف منه النون بالإضافة ، والهاء والميم خفض بالإضافة. (قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ) الأصل إنّنا حذفت منه لاجتماع النونات «معكم» نصب بالاستقرار ومن أسكن العين جعل «مع» حرفا. (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) مبتدأ وخبر فإن خفّفت الهمزة فسيبويه(3) يجعلها بين الهمزة والواو وحجّته أنّ حركتها أولى بها ، وزعم الأخفش أنه يجعلها ياء محضة فيقول : مستهزيون (4) قال الأخفش : أفعل في هذا كما فعلت في قوله : «السفهاء ولا» قال محمد بن يزيد ليس كما قال الأخفش لأن قوله : «السفهاء الا» لو جئت بها بين بين كنت تنحو بها نحو الألف ، والألف لا يكون ما قبلها إلّا مفتوحا فاضطررت إلى قلبها
__________________
(1) انظر تيسير الداني ص 40.
(2) انظر مختصر ابن خالويه (2).
(3) انظر الكتاب 4 / 24.
(4) انظر مختصر ابن خالويه (2).

واوا وليس كذا مستهزئون ، ومن أبدل الهمزة قال : مستهزون وعلى هذا كتبت في المصحف.
(اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (15)
(اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) «يستهزئ» : فعل مستقبل في موضع خبر الابتداء ، والهاء والميم في موضع خفض بالباء. (وَيَمُدُّهُمْ) عطف على يستهزئ والهاء والميم في موضع نصب بالفعل (فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) في موضع الحال.
(أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) (16)
(أُولئِكَ) مبتدأ ، (الَّذِينَ) خبر. (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) في صلة الذين وفي ضم الواو أربعة أقوال ، قول سيبويه (1) : أنّها ضمّت فرقا بينها وبين الواو الأصلية نحو (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى) [الجن : 16] وقال الفراء : كان يجب أن يكون قبلها واو مضمومة لأنها واو جمع فلمّا حذفت الواو التي قبلها واحتاجوا إلى حركتها حرّكوها بحركة التي حذفت. قال ابن كيسان : الضمة في الواو أخفّ من غيرها لأنها من جنسها ، قال أبو إسحاق (2) : هي واو جمع حرّكت بالضم كما فعل في نحن ، وقرأ ابن أبي إسحاق ويحيى بن يعمر (3) (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ) (4) بكسر الواو وعلى الأصل لالتقاء الساكنين : وروى أبو زيد الأنصاري عن قعنب أبي السّمال (5) العدويّ أنه قرأ (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ) بفتح الواو (6) ولخفّة الفتحة وأنّ قبلها مفتوحا ، وأجاز الكسائي (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ) بضم الواو (7) كما يقال : (أُقِّتَتْ) [المرسلات : 11] وأدؤر. قال أبو جعفر : وهذا غلط لأن همزة الواو إذا انضمّت إنّما يجوز فيها إذا انضمّت لغير علّة. (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) رفع بربحت. (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) (Cool نصب على خبر كان ، والفراء يقول : حال غير مستغنى عنها. قال ابن كيسان : يجوز تجارة وتجاير وضلالة وضلايل.
__________________
(1) انظر الكتاب 4 / 192 ، وهو قول الخليل.
(2) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 52.
(3) يحيى بن يعمر أبو سليمان العدواني البصري ، تابعي فقيه أديب نحويّ أخذ النحو عن أبي الأسود ، (ت 129 ه‍). ترجمته في (بغية الوعاة 2 / 345 ، وطبقات الزبيدي 21 ، وغاية النهاية 2 / 381).
(4) انظر مختصر ابن خالويه (2) ، والمحتسب 1 / 54.
(5) قعنب بن أبي قعنب أبو السّمّال العدوي البصري ، له اختيار في القراءة شاذ عن العامة ، انظر غاية النهاية (2 / 27).
(6) انظر البحر المحيط 1 / 204.
(7) انظر المحتسب 1 / 55 ، ومختصر ابن خالويه (2).
(Cool انظر البحر المحيط 1 / 207.

(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) (17)
ابتداء. (كَمَثَلِ الَّذِي) خبره والكاف بمعنى مثل و (الَّذِي) خفض بالإضافة. (اسْتَوْقَدَ ناراً) صلته. (فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ) «ما» : في موضع نصب بمعنى الذي وكذا إن كانت نكرة إلّا أنّ النعت يلزمها إذا كانت نكرة وإن كانت زائدة فلا موضع لها. و (حَوْلَهُ) : ظرف مكان والهاء في موضع خفض بإضافته إليها. (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) وأذهب نورهم بمعنى واحد. (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ) وقرأ أبو السّمال (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ) (1) بإسكان اللام حذف الضمة لثقلها ، ومن أثبتها فللفرق بين الاسم والنعت ، ويقال : «ظلمات» بفتح اللام. قال البصريون : أبدل من الضمة فتحة لأنّها أخفّ ، وقال الكسائي : ظلمات جمع الجمع جمع ظلم : (لا يُبْصِرُونَ) فعل مستقبل في موضع الحال.
(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (18)
على إضمار مبتدأ أي هم صمّ : (بُكْمٌ عُمْيٌ) وفي قراءة عبد الله (2) وحفصة (3) صمّا بكما عميا (4) لأنّ المعنى وتركهم غير مبصرين صما بكما عميا ، ويكون أيضا بمعنى أعني.
(أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) (19)
الأصل عند البصريين (5) صيوب ثم أدغم مثل ميّت ، وعند الكوفيين الأصل صويب ثم أدغم ولو كان كما قالوا لما جاز إدغامه كما لا يجوز إدغام طويل. وجمع صيّب صيايب والتقدير في العربية : مثلهم كمثل الذي استوقد نارا أو كمثل صيب. (فِيهِ ظُلُماتٌ) ابتداء. (وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) معطوف عليه. (يَجْعَلُونَ) مستأنف وإن شئت كان حالا من الهاء التي في «فيه» فإن قيل : كيف يكون حالا ولم يعد على الهاء شيء؟ فالجواب أنّ
__________________
(1) انظر المحتسب 1 / 56 ، ومختصر ابن خالويه (2).
(2) عبد الله بن مسعود بن الحارث الهذلي ، أحد السابقين للإسلام والبدريين ، عرض القرآن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ت 32 ه‍). ترجمته في غاية النهاية 1 / 458.
(3) حفصة بنت عمر بن الخطاب ، جليلة ، من أزواج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. روى لها البخاري ومسلم في الصحيحين (ت 45 ه‍). ترجمتها في الإصابة تر (296) ج 4 / 273.
(4) انظر مختصر ابن خالويه (2) ، ومعاني الفراء 1 / 6.
(5) انظر الإنصاف مسألة 115 ، والبحر المحيط 1 / 218.

التقدير في صواعقه مثل (يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ) [الحج : 20]. (أَصابِعَهُمْ) في واحد الأصابع خمس لغات يقال : إصبع بكسر الهمزة وفتح الباء ، ويقال إصبع بفتح الهمزة وكسر الباء ، ويقال : بفتحهما جميعا وبكسرهما جميعا وبضمّهما جميعا. وهي مؤنّثة وكذلك الأذن. وروي عن الحسن أنه قرأ من الصّواقع (1) وهي لغة تميم وبعض ربيعة. (حَذَرَ الْمَوْتِ) ويقال : حذار قال سيبويه (2) : هو منصوب لأنه موقوع له أي مفعول من أجله وحقيقته أنه مصدر ، وأنشد سيبويه : [الطويل]
8 ـ وأغفر عوراء الكريم ادّخاره
وأعرض عن شتم اللّئيم تكرّما (3)

(وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) ابتداء وخبره.
(يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (20)
(يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) ويجوز في غير القرآن يكاد أن يفعل كما قال : [الرجز]
9 ـ قد كاد من طول البلى أن يمصحا (4)
وفي «يخطف» سبعة أوجه القراءة الفصيحة (يَخْطَفُ) ، وقرأ عليّ بن الحسين ويحيى بن وثّاب (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) (5) بكسر الطاء قال سعيد الأخفش : هي لغة. وقرأ الحسن (6) وقتادة (7) وعاصم الجحدري وأبو رجاء العطاردي (Cool (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ) بفتح الياء وكسر الخاء والطاء ، وروي عن الحسن أنّه قرأ بفتح الخاء.
__________________
(1) انظر مختصر ابن خالويه 3.
(2) انظر الكتاب 1 / 435 ، والبحر المحيط 1 / 223.
(3) الشاهد لحاتم الطائي في ديوانه ص 224 ، والكتاب 1 / 435 ، وخزانة الأدب 3 / 123 ، وشراح أبيات سيبويه 1 / 45 ، وشرح شواهد المغني 2 / 952 ، وشرح المفصل 2 / 54 ، واللمع ص 141 ، والمقاصد النحوية 3 / 75 ؛ ونوادر أبي زيد ص 110 ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص 187 ، وخزانة الأدب 3 / 115 ، وشرح ابن عقيل ص 296 ، والمقتضب 2 / 348.
(4) الشاهد لرؤبة في ملحق ديوانه ص 172 ، والدرر 2 / 142 ، وشرح شواهد الإيضاح ص 99 ، وشرح المفصّل 7 / 121 ، وبلا نسبة في أدب الكاتب 419 ، وأسرار العربية ص 5 ، وتخليص الشواهد ص 329 ، والمقتضب 3 / 7 وهمع الهوامع 1 / 130 ، وديوان الأدب 2 / 198.
(5) انظر مختصر ابن خالويه 3 ، والبحر المحيط 1 / 227 ، وهي قراءة مجاهد أيضا.
(6) قراءة الحسن في البحر المحيط 1 / 227.
(7) قتادة : ابن دعامة السدوسي ، أحد الأئمة في حروف القرآن ، (ت 117 ه‍). ترجمته في غاية النهاية 2 / 25.
(Cool أبو رجاء العطاردي : عمران بن تيم البصري التابعي ، أسلم في حياة الرسول وعرض القرآن على ابن عباس (ت 105 ه‍). ترجمته في (غاية النهاية 1 / 604).

قال الفراء (1) : وقرأ بعض أهل المدينة بتسكين الخاء وتشديد الطاء ، وقال الكسائي والأخفش والفراء : يجوز (يَخْطَفُ) بكسر الياء والخاء والطاء ، فهذه ستة أوجه موافقة للسواد ، والسابع حكاه عبد الوارث قال : رأيت في مصحف أبيّ (2) يكاد البرق يتخطّف أبصارهم زعم سيبويه والكسائي أنّ من قرأ (يَخْطَفُ) بكسر الخاء والطاء فالأصل عنده «يختطف» ثم أدغم التاء في الطاء فالتقى ساكنان وكسر الخاء لالتقاء الساكنين. قال سيبويه(3) : ومن فتحها ألقى حركة التاء عليها ، قال الفراء (4) : هذا خطأ ويلزم من قاله أن يقول في يمدّ : يمدّ لأن الميم كانت ساكنة وأسكنت الدال بعدها وفي يعضّ يعضّ ، قال الفراء (5) : وإنما الكسر لأن الألف في «اختطف» مكسورة. قال أبو جعفر : قال أصحاب سيبويه (6) : الذي قال الفراء لا يلزم لأنه لو قيل : يمدّ ويعضّ لأشكل بيفعل ، ويفتعل لا يكون إلّا على جهة واحدة. قال الكسائي : من قال : يخطف كسر الياء لأن الألف في اختطف مكسورة. فأما ما حكاه الفراء (7) عن أهل المدينة من إسكان الخاء والإدغام فلا يعرف ولا يجوز لأنه جمع بين ساكنين. (كُلَّما) : منصوب لأنه ظرف وإذا كانت كلّما بمعنى إذا فهي موصولة. قال الفراء : يقال : أضاءك وضاءك ويجوز «لذهب بسمعهم» مدغما. (وَأَبْصارِهِمْ) عطف عليه (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) اسم إنّ وخبرها.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (21)
(يا أَيُّهَا النَّاسُ) (يا أَيُّهَا) يا : حرف النداء ، وأيّ : نداء مفرد ضمّ لأنه في موضع المكنيّ ، وكان يجب أن لا يعرب فكرهوا أن يخلوه من حركة لأنه قد كان متمكنا فاختاروا له الضمة لأن الفتحة تلحق المعرب في النداء والكسرة تلحق المضاف إليه ، وأجاز أبو عثمان المازني «يا أيّها الناس» : على الموضع كما يقال : يا زيد الظّريف. وزعم الأخفش أن «الناس» في صلة أيّ و «هاء» للتنبيه إلا أنّها لا تفارق أيّا لأنها عوض من الإضافة. ولغة بعض بني مالك (Cool من بني أسد «يا أيه الرجل» بضم
__________________
(1) انظر مختصر في شواذ القرآن 3 ، ومعاني القرآن للفراء 1 : 18.
(2) أبيّ بن كعب : من الخزرج ، صحابي أنصاري ، كان قبل الإسلام حبرا من أحبار اليهود ، ولما أسلم كان من كتّاب الوحي ، شهد بدرا وأحدا والخندق مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. اشترك في جمع القرآن بتكليف من عثمان بن عفّان ، وله في الصحيحين وغيرهما (164 حديثا) (ت 21 ه‍ / 642 م). ترجمته في (طبقات ابن سعد 3 ، وغاية النهاية 1 / 31 ، وصفة الصفوة 1 / 188 ، وحلية الأولياء 1 / 250).
(3) انظر الكتاب 3 / 10.
(4) انظر معاني الفراء 1 / 18.
(5) انظر الكتاب 3 / 10.
(6) أصحاب سيبويه : هم تلاميذه وأشهرهم الأخفش سعيد بن مسعدة ، وقطرب محمد بن المستنير.
(7) انظر معاني الفراء 1 / 18.
(Cool انظر البحر المحيط 1 / 231.

الهاء لما كانت الهاء لازمة حركتها حرّكها بحركة أيّ (النَّاسُ) تابع لأيّ كالنعت كما ينعت، لا يجوز نصبه عند أبي العباس لأنه لا يستغنى عنه فصار كما تقول : يا ناس ، (اعْبُدُوا) ألف وصل لأنه من يعبد وضممتها والأصل الكسر لئلا تجمع بين كسرة وضمة. قال سيبويه(1) : ليس في الكلام «فعل» وحذف النون للجزم عند الكوفيين ولأنه لم يضارع عند البصريين ، (رَبَّكُمُ) نصب باعبدوا. (الَّذِي) نعت له. (خَلَقَكُمْ) في الصلة والكاف والميم نصب بالفعل. (وَالَّذِينَ) عطف على الكاف والميم. (مِنْ قَبْلِكُمْ) في الصلة. (لَعَلَّكُمْ) الكاف والميم اسم لعلّ. (تَتَّقُونَ) فعل مستقبل علامة رفعه النون وهو في موضع خبر لعل.
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (22)
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) (الَّذِي) : نعت لربكم وإن شئت كان نعتا للذي خلقكم ، وصلح أن يقال نعت للنعت لأن النعت هو المنعوت في المعنى ، ويجوز أن يكون منصوبا بتتقون ، ويجوز أن يكون بمعنى أعني ، وأن يكون في موضع رفع على أنه خبر ابتداء محذوف ويجوز «جعل لكم» (2) مدغما لأن الحرفين مثلان قد كثرت الحركات ، وترك الإدغام أجود لأنها من كلمتين. (الْأَرْضَ فِراشاً) مفعولان لجعل. (وَالسَّماءَ بِناءً) عطف ، والسماء تكون جمعا لسماوة وسماءة ، وتكون واحدة مؤنّثة مثل عناق وتذكيرها شاذّ ، وجمعها سماوات وسماءات وأسم وسمايا ، (وَالسَّماءَ) : المطر ، مذكّر ، وكذلك السقف في المستعمل ، وجمعها أسمية وسميّ وسميّ (3). «وبناء» يقصر على أنه جمع بنية ومصدر ، ويقال : بنيّ جمع بنية وفي الممدود في الوقف خمس لغات : أجودها و «السماء بناء» بهمزة بين ألفين ويجوز تخفيف الهمزة حتى تضعف ، ويجوز حذفها لقربها من الساكن وهي بين ساكنين فإذا حذفتها حذفت الألف بعدها فقلت : «بنا» لفظه كلفظ المقصور ، ومن العرب من يزيد بعده في صورته مدّة ، ومنهم من يعوض من الهمزة ياء فيقول : بنيت بنايا ، والبصريون يقولون : هو مشبّه بخطايا ، والفراء يقول : ردت الهمزة إلى أصلها لأن أصلها الياء. (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) والأصل في ماء موه قلبت الواو ألفا لتحرّكها وتحرّك ما قبلها فقلت : ماه ، فالتقى حرفان خفيّان فأبدلت من الهاء همزة لأنها أجلد وهي بالألف أشبه فقلت : ماء ؛ فالألف الأولى عين الفعل وبعدها الهمزة التي هي بدل من الهاء وبعد الهمزة ألف بدل من التنوين. قال أبو
__________________
(1) الكتاب : 4 / 368.
(2) انظر البحر المحيط 1 / 237.
(3) اللسان (سما).

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 2847
نقاط : 4448
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

إعراب القرآن [ ج ١ ] Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعراب القرآن [ ج ١ ]   إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 4:10 pm

الحس عليّ : لا يجوز أن يكتب إلا بألفين عند البصريين وإن شئت بثلاث فإذا جمعوا أو صغّروا ردّوا إلى الأصل فقالوا : مويه وأمواه ومياه مثل : أجمال وجمال. (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ) جمع ثمرة ؛ ويقال : ثمر مثل شجر ، ويقال : ثمر مثل خشب ، ويقال ثمر مثل بدن وثمار مثل إكام. (رِزْقاً لَكُمْ) مفعول. (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) «تجعلوا» جزم بالنهي فلذلك حذفت منه النون «أندادا» مفعول أول و «لله» في موضع الثاني. (وَأَنْتُمْ) مبتدأ. (تَعْلَمُونَ) فعل مستقبل في موضع الخبر والجملة في موضع الحال.
(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (23)
(وَإِنْ كُنْتُمْ) في موضع جزم بالشرط. (فِي رَيْبٍ) خفض بفي (مِمَّا نَزَّلْنا) «ما» خفض بمن والعائد عليها محذوف لطول الاسم أي ما نزّلناه. (عَلى عَبْدِنا) خفض بعلى. (فَأْتُوا) جواب الشرط ، وإن شئت قلت مجازاة. قال ابن كيسان : قصرت فأتوا لأنه من باب المجيء ، وحكى الفراء في قراءته فتوا فيجوز فتوا. (بِسُورَةٍ) خفض الباء. (مِنْ مِثْلِهِ) خفض بمن. (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ) نصب بالفعل ، جمع شهيد. يقال : شاهد وشهيد مثل قادر وقدير.
(فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) (24)
(فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) يقال : كيف دخلت «إن» على «لم» ولا يدخل عامل على عامل؟ فالجواب أنّ «إن» هنا غير عاملة في اللفظ فدخلت على «لم» كما تدخل على الماضي لأنها لا تعمل في لم كما لا تعمل في الماضي فمعنى «إن لم تفعلوا» إن تركتم الفعل. قال الأخفش سعيد : إنّما جزموا بلم لأنها نفي فأشبهت «لا» في قولك : لا رجل في الدار ، فحذفت بها الحركة كما حذفت التنوين من الأسماء ، وقال غيره : جزمت بها لأنها أشبهت إن التي للشرط لأنها تردّ المستقبل إلى الماضي كما تردّ «إن» فتحتاج إلى جواب فأشبهت الابتداء ، والابتداء يلحق به الأسماء الرفع وهو أولى بالأسماء فكذا حذف مع «إن» لأن أولى ما للأفعال السكون. (وَلَنْ تَفْعَلُوا) نصب بلن وعلامة نصبه حذف النون ، واستوى النصب والجزم في الأفعال لأنهما فرعان وهما بمنزلة النصب والخفض في الأسماء وحكي عن الخليل رحمه‌الله : أن أصل «لن» «لا». وإن ردّ عليه هذا سيبويه وقال : لو كان كذا لما جاز : زيدا لن أضرب (1). قال أبو عبيدة (2) : من
__________________
(1) انظر الكتاب 1 / 190.
(2) أبو عبيدة : معمر بن المثنى التيمي ، من اللغويين البصريين (ت 210 ه‍). ترجمته في طبقات الزبيدي 192 ، ونزهة الألباء 84.

العرب من يجزم بلن كما يجزم بلم. (فَاتَّقُوا النَّارَ) جواب الشرط في الفاء وما بعدها ولغة تميم وأسد «فتقوا النّار» ، وحكي سيبويه (1) : تقى يتقي ، (النَّارَ) مفعوله. (الَّتِي) من نعتها. (وَقُودُهَا) مبتدأ. (النَّاسُ) خبر (وَالْحِجارَةُ) عطف عليهم. (أُعِدَّتْ) فعل ماض والتاء علامة التأنيث أسكنت عند البصريين لأنها حرف جاء لمعنى ، وعند الكوفيين أنك لمّا ضممت تاء المخاطب وفتحت تاء المخاطب المذكر وكسرت تاء المؤنث وبقيت هذه التاء كان ترك العلامة لها علامة ، واسم ما لم يسمّ فاعله مضمر في أعدّت. (لِلْكافِرِينَ) خفض باللام الزائدة ، وقرأ الحسن ومجاهد (2) وطلحة بن مصرّف (3) (الَّتِي وَقُودُهَا) (4) ، بضمّ الواو. وقال الكسائي والأخفش سعيد : الوقود بفتح الواو الحطب والوقود بضمها الفعل ، قال أبو جعفر يجب على هذا أن لا يقرأ إلّا وقودها بفتح الواو لأنّ المعنى حطبها. إلا أنّ الأخفش قال : وحكي أنّ بعض العرب يجعل الوقود والوقود جميعا بمعنى الحطب والمصدر ، وذهب إلى أن الأول أكثر قال : كما أنّ الوضوء الماء والوضوء المصدر.
(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ) (25)
(أَنَ) : في موضع نصب والمعنى بأن لهم. قال الكسائي وجماعة من البصريين : «أنّ» في موضع خفض بإضمار الباء. (جَنَّاتٍ) في موضع نصب اسم أنّ وكسرت التاء عند البصريين لأنه جمع مسلّم فوجب أن يستوي خفضه ونصبه كما كان في المذكر جائزا. (تَجْرِي) في موضع نصب نعت للجنات ، ومرفوع لأنه فعل مستقبل ، وحذفت الضمة من الياء لثقلها معها. (الْأَنْهارُ) مرفوع بتجري. (كُلَّما) ظرف. (قالُوا هذَا) مبتدأ. و (الَّذِينَ) خبره ، ويجوز أن يكون هذا هو الذي. (رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ) غاية (5) مبني على الضمّ لأنه قد حذف منه ، وهو ظرف يدخله النصب والخفض في حال سلامته فلما اعتلّ بالحذف أعطي حركة لم تكن تلحقه ، وقيل : أعطي الضمة لأنها غاية الحركات (وَأُتُوا بِهِ) فعلوا من أتيت (مُتَشابِهاً) على الحال. (أَزْواجٌ) مرفوع بالابتداء.
__________________
(1) انظر الكتاب 4 / 229 ، والبحر المحيط 1 / 249.
(2) مجاهد بن جبر مولى عبد الله بن السائب القارئ الفقيه الزاهد روى عن ابن عباس (ت 102 ه‍). ترجمته في غاية النهاية 2 / 41.
(3) طلحة بن مصرف بن عمر الكوفي ، تابعي ، له اختيار في القراءة ينسب إليه ، أخذ القراءة عرضا عن إبراهيم بن يزيد النخعي والأعمش (ت 112 ه‍) ترجمته في غاية النهاية 1 / 343.
(4) انظر مختصر ابن خالويه 4 ، وانظر البحر المحيط 1 / 249.
(5) انظر الكتاب 3 / 317.

(مُطَهَّرَةٌ) نعت وواحد الأزواج زوج. قال الأصمعي ، ولا تكاد العرب تقول : زوجة. قال أبو جعفر (1) : حكى الفراء أنه يقال : زوجة وأنشد : [الطويل]
10 ـ إنّ الذي يمشي يحرش زوجتي
كماش إلى أسد الشّرى يستبيلها (2)

(وَهُمْ) مبتدأ ، (خالِدُونَ) خبره والظرف ملغى ، ويجوز في غير القرآن نصب خالدين على الحال.
(إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ) (26)
(إِنَّ اللهَ) اسم «إنّ» والجملة الخبر. لغة تميم وبكر بن وائل. لا يستحى بياء واحدة وهكذا قرأ ابن كثير وابن محيصن وشبل (3) وفيه قولان : قال الخليل : أسكنت الياء الأولى كما سكنت في «باع» وسكنت الثانية لأنها لام الفعل ، قال سيبويه (4) وقال غيره: لمّا كسر وكانتا ياءين حذفوها وألقوا حركتها على الحاء. قال أبو جعفر : شرح قول الخليل أنّ الأصل استحيا فأعلّه من جهتين أعلّ الياء الأولى كما يقال : استباع ، وأعلّ الثانية كما يقال : يرمي فحذف الأولى لئلا يلتقي ساكنان ، وهذا بعيد جدا لأنهم يجتنبون الإعلال من جهتين. والقول الآخر هو قول سيبويه سمعت أبا إسحاق يقول : إذا قال سيبويه بعد قول الخليل : وقال غيره فإنما يعني نفسه ولا يسمّي نفسه بعد الخليل إجلالا منه له ، وشرح قول سيبويه أنّ الأصل : استحيا كثر استعمالهم إيّاه فحذفوا الياء الأولى وألقوا حركتها على الحاء فأشبه افتعل نحو اقتضى فصرفوه تصريفه فقالوا : استحى يستحي. (أَنْ يَضْرِبَ) في موضع نصب أي من أن يضرب. (مَثَلاً) منصوب بيضرب. (ما بَعُوضَةً) في نصبها ثلاثة أوجه : تكون «ما» زائدة و «بعوضة» بدلا من مثل ، ويجوز أن تكون «ما» في موضع نصب نكرة و «بعوضة» نعتا لما ، وصلح أن تكون نعتا لأنها بمعنى قليل ، والوجه الثالث قول الكسائي والفراء (5) قالا : التقدير : أن يضرب مثلا ما بين بعوضة حذفت «بين» وأعربت بعوضة بإعرابها
__________________
(1) انظر البحر المحيط 1 / 251.
(2) الشاهد للفرزدق في ديوانه 61 ، ولسان العرب (زوج) و (بول) ، وإصلاح المنطق 331 ، وبلا نسبة في ديوان الأدب 3 / 308 والمذكّر والمؤنث للأنباري ص 375 ، والمذكر والمؤنث للفراء ص 95 ، وفي الديوان :
«وإنّ الذي يسعى ليفسد زوجتي»
(3) شبل بن عياد أبو داود المكي ، مقرئ مكة ، ثقة ، هو أجلّ أصحاب ابن كثير (ت 160 ه‍). ترجمته في غاية النهاية 1 / 323.
(4) انظر الكتاب 4 / 540.
(5) انظر معاني الفراء 1 / 22.

والفاء بمعنى «إلى» أي إلى ما فوقها ، ومعنى ضربت له مثلا مثّلت له مثلا وهذه الأبنية على ضرب واحد أي على مثال واحد (فَما فَوْقَها) عطف على «ما» الأولى ، وحكي أنه سمع رؤبة يقرأ إنّ الله لا يستحي أن يضرب مثلا مّا بعوضة (1) بالرفع وهذه لغة تميم ، جعل «ما» بمعنى الذي ورفع بعوضة على إضمار ابتداء والحذف في «ما» أقبح منه في الذي لأن الذي إنّما له وجه واحد والاسم معه أطول. (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) «الذين» : رفع بالابتداء وخبره ما بعد الفاء فلا بدّ من الفاء في جواب (أَمَّا) لأن فيها معنى الشرط أي مهما يكن من شيء فالأمر كذا. (فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُ) «أنّ» في موضع نصب بيعلمون والهاء اسمها والحق خبرها. (مِنْ رَبِّهِمْ) خفض بمن. (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) ولغة تميم وبني عامر «أيما» يبدلون من إحدى الميمين ياء كراهية التضعيف وعلى هذا ينشد بيت عمر بن أبي ربيعة : [الطويل]
11 ـ رأت رجلا أيما إذا الشّمس عارضت
فيضحى وأيما بالعشيّ فيخصر (2)

(فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) إن شئت جعلت «ما» و «ذا» شيئا واحدا في موضع نصب بأراد. قال ابن كيسان : وهو أجود وإن شئت جعلت «ما» اسما تاما في موضع رفع بالابتداء و «ذا» بمعنى الذي هو خبر الابتداء ، ويكون التقدير : ما الذي أراد الله بهذا مثلا. قال أحمد بن يحيى ثعلب : «مثلا» منصوب على القطع وقال ابن كيسان : هو منصوب على التمييز الذي وقع موقع الحال. (يُضِلُ) فعل مستقبل. (كَثِيراً) مفعول به. (وَيَهْدِي) أسكنت الياء فيه استثقالا للجمع بينها وبين ياء وكسرة. (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) بوقوع الفعل عليهم ، والتقدير وما يضلّ به أحدا إلّا الفاسقين ، ولا يجوز أن تنصبهم على الاستثناء لأن الاستثناء لا يكون إلّا بعد تمام الكلام.
(الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (27)
(الَّذِينَ) : في موضع نصب على النعت للفاسقين وإن شئت جعلته في موضع رفع على أنه خبر ابتداء محذوف أي هم الذين. (يَنْقُضُونَ) فعل مستقبل والمضمر الذي فيه
__________________
(1) انظر مختصر ابن خالويه 4 ، والبحر المحيط 1 / 266.
(2) الشاهد لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص 94 ، والأزهية ص 148 ، والأغاني 1 / 81 ، وخزانة الأدب 5 / 315 ، والدرر 5 / 108 ، وشرح شواهد المغني ص 174 ، والمحتسب 1 / 284 ، ومغني اللبيب 1 / 55 ، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص 120 ، والجنى الداني ص 527 ، ورصف المباني ص 99 ، وشرح الأشموني 3 / 608 ، وهمع الهوامع 2 / 67.

يعود على الذين. (عَهْدَ اللهِ) مفعول به. (مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) خفضت بعدا بمن وميثاقه بعد إليه وهو بمعنى : إيثاقه. قال ابن كيسان : هو اسم يؤدي عن المصدر كما قال القطاميّ: [الوافر]
12 ـ أكفرا بعد ردّ الموت عنّي
وبعد عطائك المائة الرّتاعا (1)

(وَيَقْطَعُونَ) عطف على ينقضون. (ما أَمَرَ اللهُ بِهِ) «ما» في موضع نصب بيقطعون. والمصدر قطيعة وقطعت الحبل قطعا وقطعت النهر قطوعا وقطعت الطّير قطاعا وقطاعا. إذا خرجت من بلد إلى بلد ، وأصاب الناس قطعة إذا قلّت مياههم ورجل به قطع أي انبهار. (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) عطف على يقطعون. (أُولئِكَ) مبتدأ. (هُمُ) ابتداء ثان. (الْخاسِرُونَ) خبر الثاني والثاني وخبره خبر الأول ، إن شئت كانت هم زائدة والخاسرون الخبر.
(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (28)
(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) ... (كَيْفَ) اسم في موضع نصب وهي مبنية على الفتح ، وكان سبيلها أن تكون ساكنة لأن فيها موضع الاستفهام فأشبهت الحروف واختير لها الفتح من أجل الياء. (تَكْفُرُونَ) فعل مستقبل (بِاللهِ) خفض بالباء. (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) التقدير وقد كنتم أمواتا ثم حذفت قد. (أَمْواتاً) خبر كنتم (فَأَحْياكُمْ) الكاف والميم في موضع نصب بالفعل وكذا. (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فعل مستقبل.
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (29)
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ) ابتداء وخبر. (ما) في موضع نصب. (جَمِيعاً) عند سيبويه (2) نصب على الحال. (ثُمَّ اسْتَوى) أهل الحجاز يفخّمون وأهل نجد يميلون ليدلّوا على أنه من ذوات الياء. (إِلَى السَّماءِ) خفض بإلى. (فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) قال محمد بن الوليد : سبع منصوب على أنه بدل من الهاء والنون أي فسوّى سبع سموات ، قال أبو جعفر : يجوز عندي أن يكون فسوّى منهن كما قال جلّ وعزّ : (وَاخْتارَ مُوسى
__________________
(1) الشاهد للقطامي في ديوانه 37 ، وتذكرة النحاة 456 ، وخزانة الأدب 8 / 136 ، وشرح التصريح 2 / 64 ، وشرح شواهد المغني 2 / 849 ، وشرح عمدة الحافظ 695 ، ومعاهد التنصيص 1 / 179 ، والمقاصد النحوية 3 / 505 ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2 / 411 ، وأوضح المسالك 3 / 211 ، والدرر 5 / 262 ، وشرح الأشموني 2 / 336 ، وشرح شذور الذهب 528 وشرح ابن عقيل 414.
(2) انظر الكتاب : 1 / 445 ، والبحر المحيط 1 / 282.

قَوْمَهُ) [الأعراف : 155] أي من قومه. (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) مبتدأ وخبر.
(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) (30)
(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ) قال أبو عبيدة (1) : (إِذْ) اسم ، وهو ظرف زمان ليس مما يزاد. قال أبو إسحاق (2) ذكر الله عزوجل خلق الناس وغيرهم فالتقدير : ابتدأ خلقهم «إذ قال ربّك». (لِلْمَلائِكَةِ) خفض باللّام والهاء لتأنيث الجماعة. (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ) الياء في موضع نصب جاعل خبر إنّ. والأصل إنني حذفت النون لاجتماع نونين (فِي الْأَرْضِ) خفض بفي. (خَلِيفَةً) نصب بجاعل ، ولا يجوز حذف التنوين للفصل ولو وليه المفعول لجاز حذف التنوين. «خليفة» يكون بمعنى فاعل أي يخلف من كان قبله من الملائكة في الأرض أو من كان قبله من غير الملائكة كما روي ويجوز أن يكون «خليفة» بمعنى مفعول أي يخلف كما يقال ذبيحة بمعنى مفعولة. (قالُوا أَتَجْعَلُ) فقل مستقبل. (فِيها مَنْ يُفْسِدُ) في موضع نصب بتجعل والمفعول الثاني يقوم مقامه «فيها» «يفسد» على اللفظ ، ويجوز في غير القرآن يفسدون على المعنى. (وَيَسْفِكُ) (3) عطف عليه ، وروي عن الأعرج (وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) (4) بالنصب يجعله جواب الاستفهام بالواو. وواحد الدماء دم ولا يكون اسم على حرفين إلا وقد حذف منه والمحذوف منه ياء وقد نطق به على الأصل قال الشاعر : [الوافر]
13 ـ فلو أنّا على حجر ذبحنا
جرى الدّميان بالخبر اليقين (5)

(وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ) لا يجوز إدغام النون في النون لئلّا يلتقي ساكنان. (قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) من حرّك الياء فقال «إنّي اعلم ما» كره أن يكون اسم على حرف واحد ساكنا ، ومن أسكنها قال : قد اتّصلت بما قبلها (أعلم) فعل مستقبل ، ويجوز أن يكون
__________________
(1) انظر مجاز القرآن 1 / 36 ، والبحر المحيط 1 / 284.
(2) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 30.
(3) هذه قراءة الجمهور ، انظر البحر المحيط 1 / 290.
(4) هذه قراءة ابن هرمز ، انظر البحر المحيط 1 / 290.
(5) الشاهد للمثقّب العبدي في ملحق ديوانه ص 283 ، والأزهية 141 ، والمقاصد النحوية 1 / 192 ، ولعلي بن بدال في أمالي الزجاجي ص 20 وخزانة الأدب 1 / 267 ، وشرح شواهد الشافية ص 112 ، وللمثقب أو لعلي بن بدال في خزانة الأدب 7 / 482 ، وبلا نسبة في الإنصاف 1 / 357 ، وجمهرة اللغة ص 286 ، ورصف المباني ص 242 ، وسرّ صناعة الإعراب 1 / 395 ، وشرح الأشموني 3 / 669 ، وشرح شافية ابن الحاجب 2 / 64 ، وشرح شواهد الإيضاح ص 281 ، وشرح المفصل 4 / 151 ، والمقتضب 1 / 231 ، والمقرّب 2 / 44.

اسما بمعنى فاعل كما يقال : الله أكبر بمعنى كبير ، وكما قال : [الطويل]
14 ـ لعمرك ما أدري وإنّي لأوجل
على أيّنا تغدو المنيّة أوّل (1)

ويجوز إدغام الميم في الميم ، و «ما» في موضع نصب بأعلم إذا جعلته فعلا وإن جعلته اسما جاز أن يكون «ما» في موضع خفض بالإضافة وفي موضع نصب وتحذف التنوين لأنه لا ينصرف.
(وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (31)
(وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها آدَمَ) و (الْأَسْماءَ) مفعولان لعلّم. وآدم لا ينصرف في المعرفة بإجماع النحويين لأنه على أفعل وهو معرفة ، ولا يمتنع شيء من الصرف عند البصريين إلّا بعلّتين فإن نكّرت آدم وليس بنعت لم يصرفه الخليل وسيبويه (2) وصرفه الأخفش سعيد لأنه إنّما منعه من الصرف لأنه كان نعتا وهو على وزن الفعل فإذا لم يكن نعتا صرفه. قال أبو إسحاق (3) : القول قول سيبويه لا يفرق بين النعت وغيره لأنه هو ذاك بعينه ، وجمع آدم إذا كان صفة أدم فإن لم يكن نعتا فجمعه آدمون وأوادم وهكذا الباب كله. قال أبو جعفر : وقد ذكرنا «عرضهم» في الكتاب الذي قبل هذا. (فَقالَ أَنْبِئُونِي) ألف قطع لأنها من أنبأ ينبئ فإن خفّفت الهمزة قلت أنبئوني بين بين فإن جعلتها مبدلة قلت أنبوني مثل أعطوني. (بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) «بأسماء» : مخفوض بالباء و «هؤلاء» في موضع مخفوض بالإضافة إلّا أنه مبني على الكسر لالتقاء الساكنين وهو مبني مثل هذا وفيه وجوه إذا مددته وإن شئت خفّفت الهمزة الثانية وحققت الأولى. وهو أجود الوجوه عند الخليل وسيبويه. وهي قراءة نافع فقلت (هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ولا يجوز غير هذا في قول من خفّف الثانية ، والدليل على هذا أنّهم أجمعوا على القراءة في قوله جلّ وعزّ (مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) [النساء : 22] على وجه واحد عن نافع ولا فرق بينهما ، وإن شئت خفّفت الأولى وحقّقت الثانية فقلت : (هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ) ، وإن شئت حقّقتهما جميعا فقلت «هؤلاء ان» ، وإن شئت خفّفتهما ، وإن شئت
__________________
(1) الشاهد لمعن بن أوس في ديوانه ص 39 ، وخزانة الأدب 8 / 244 ، وشرح التصريح 2 / 51 ، ولسان العرب (كبر) و (وجل) ، والمقاصد النحوية 3 / 493 ، وتاج العروس (وجل) ، بلا نسبة في الأشباه والنظائر 8 / 140 ، وأوضح المسالك : 161 ، وجمهرة اللغة ص 493 ، وخزانة الأدب 6 / 505 ، وشرح الأشموني 2 / 322 ، وشرح شذور الذهب 133 ، وشرح قطر الندى ص 23 ، وشرح المفصل 4 / 87 ، والمقتضب 3 / 246 ، والمنصف 3 / 135.
(2) انظر الكتاب 3 / 217 ، والبحر المحيط 1 / 295.
(3) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 77.

خفّفت (1) الأولى فقلت «هؤلاء إن كنتم صادقين» وهو مذهب أبي عمرو بن العلاء في الهمزتين إذا اتفقتا. وتميم وبعض أسد وقيس يقصرون «هؤلا» فعلى لغتهم «هاؤلا إن كنتم» وقال الأعشى : [الخفيف]
15 ـ هؤلا ثمّ هؤلا كلّا أعطيت
نعالا محذوّة بمثال (2)

ومن العرب من يقول : «هؤلا» فيحذف الألف والهمزة ، (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) : «كنتم» في موضع جزم بالشرط وما قبله في موضع جوابه عند سيبويه (3) ، وعند أبي العباس الجواب محذوف ، والمعنى إن كنتم صادقين فأنبئوني. قال أبو عبيد : وزعم بعض المفسرين أنّ «إن» بمعنى «إذ» ، وهذا خطأ إنما هي «أن» المفتوحة التي تكون بمعنى «إذ» فأمّا هذه فهي بمعنى الشرط.
(قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (32)
(قالُوا سُبْحانَكَ) منصوب على المصدر عند الخليل. وسيبويه (4) ، يؤدي عن معنى نسبّحك سبحانك تسبيحا ، وقال الكسائي : هو منصوب لأنه لم يوصف قال : ويكون منصوبا على أنه نداء مضاف. (لا عِلْمَ لَنا) مثل «لا ريب فيه» ويجوز (لا عِلْمَ لَنا) يجعل «لا» بمعنى ليس المعنى ليس. (إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) «ما» في موضع رفع كما تقول «لا إلاه إلّا الله» وخبر التبرية كخبر الابتداء ، ويجوز النصب إذا تمّ الكلام على أصل الاستثناء. (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) «أنت» في موضع نصب توكيدا للكاف. وإن شئت كانت رفعا بالابتداء ، والعليم : خبره ، والجملة خبر إنّ ، وإن شئت كانت فاصلة لا موضع لها ، والكوفيون يقولون عماد الألف واللام في موضع رفع. (الْحَكِيمُ) من نعت العليم.
(قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) (33)
(قالَ يا آدَمُ) نداء مفرد. (أَنْبِئْهُمْ) (5) : حذفت الضمة من الهمزة لأنه أمر وإن خفّفت الهمزة قلت : أنبيهم كما قلت : ذيب وبير وإن أبدلت منها قلت : أنبهم كما قال زهير : [الطويل]
__________________
(1) انظر تيسير القراءات للداني ص 62.
(2) البيت للأعشى في ديوانه ص 61 ، وشرح المفصّل 3 / 137 ، والمقتضب 4 / 278.
(3) انظر الكتاب 3 / 78 ، والبحر المحيط 1 / 296.
(4) انظر الكتاب 1 / 413.
(5) انظر البحر المحيط 1 / 298.


16 ـ جريء متى يظلم يعاقب بظلمه
سريعا وإن لا يبد بالظّلم يظلم (1)

(بِأَسْمائِهِمْ) خفض بالباء. (فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ) وإن خففت جعلتها بين الهمزة والألف ، وإن أبدلت قلت «أنباهم» بألف خالصة. (قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ) الأصل : أقول ألقيت حركة الواو على القاف فانضمّت القاف وحذفت الواو لسكونها وسكون اللام وأسكنت اللام للجزم. (إِنِّي) كسرت الألف لأن ما بعد القول مبتدأ ، وزعم سيبويه (2) أن من العرب من يجري القول مجرى الظن وهي حكاية أبي الخطاب فعلى هذا «أني أعلم». قال الكسائي : رأيت العرب إذا لقيت الياء همزة ، استحبوا الفتح فيقولون : «إنّي أعلم» ويجوز اعلم لأنه من علم. (غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) نصب بأعلم وكذا (ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) عطف عليه.
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) (34)
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ) خفض باللّام الزائدة. (اسْجُدُوا) أمر فلذلك حذفت منه النون وضممت الهمزة إذا ابتدأتها لأنه من يسجد. وروي عن أبي جعفر أنه قرأ للملائكة اسجدوا (3) وهذا لحن لا يجوز ، وأحسن ما قيل فيه ما روي عن محمد بن يزيد قال : أحسب أنّ أبا جعفر كان يخفض ثمّ يشمّ الضّمّة ليدلّ على أنّ الابتداء بالضم كما يقرأ (وَغِيضَ الْماءُ) [هود : 44] فيشير إلى الضّمة ليدلّ على أنه لما لم يسمّ فاعله (لِآدَمَ) في موضع خفض باللام إلّا أنه لا ينصرف ، (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) نصب على الاستثناء لا يجوز غيره عند البصريين لأنه موجب ، وأجاز الكوفيون (4) الرفع. و «إبليس» اسم أعجمي فلذلك لم ينوّن ، وزعم أبو عبيدة (5) أنّه عربي مشتقّ من أبلس إلّا أنه لم ينصرف لأنه لا نظير له. (أَبى وَاسْتَكْبَرَ) أبى يأبى إباء ، وهذا حرف نادر جاء على فعل يفعل ليس فيه حرف من حروف الحلق. قال أبو إسحاق : سمعت إسماعيل بن إسحاق (6) يقول : القول فيه عندي أن الألف مضارعة لحروف الحلق. قال أبو جعفر :
__________________
(1) الشاهد في ديوانه ص 24 ، وخزانة الأدب 3 / 17 ، و 7 / 13 ، والدرر 1 / 165 ، وسرّ صناعة الإعراب 2 / 739 ، وشرح شواهد الشافية ص 10 ، وشرح شواهد المغني 1 / 385 ، والممتع في التصريف 1 / 381 ، وبلا نسبة في شرح شافية ابن الحاجب 1 / 26 ، والمقرب 1 / 50 ، وهمع الهوامع 1 / 52.
(2) انظر الكتاب 1 / 178.
(3) انظر مختصر ابن خالويه 3 ، والمحتسب 1 / 71.
(4) انظر الإنصاف مسألة 35 ، والبحر المحيط 1 / 303.
(5) انظر اللسان (بلس) ، وتفسير الطبري 1 / 227.
(6) إسماعيل بن إسحاق القاضي البصري الفقيه المالكي ، صاحب قالون ، صنّف في القراءات والحديث ، وكان عالما في العربية (ت 282 ه‍). انظر : النشر لابن الجزري 1 / 34 ، وشذرات الذهب لابن العماد 2 / 177.

ولا أعلم أنّ أبا إسحاق روى عن إسماعيل نحوا غير هذا الحرف. (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) خفض بمن وفتحت النون لالتقاء الساكنين.
(وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) (35)
(وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) «أنت» : توكيد المضمر ، ويجوز في غير القرآن على بعد : قم وزيد. (وَكُلا مِنْها) حذفت النون لأنه أمر وحذفت الهمزة لكثرة الاستعمال فحذفها شاذ. قال سيبويه (1) : ومن العرب من يقول : أوكل فيتمّ. (رَغَداً) نعت لمصدر محذوف أي أكلا رغدا. قال ابن كيسان : ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال. (حَيْثُ شِئْتُما) «حيث» مبنية على الضم لأنها خالفت أخواتها من الظروف في أنها لا تضاف فأشبهت قبل وبعد إذا أفردتا فضمّت. وحكى سيبويه (2) : أنّ من العرب من يفتحها على كل حال. قال الكسائي (3) : الضّمّ لغة قيس وكنانة والفتح لغة بني تميم. قال الكسائي : وبنو أسد يخفضونها في موضع الخفض وينصبونها في موضع النصب. قال (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) [الأعراف : 182] ويضمّ ويفتح ويقال : حوث. (وَلا تَقْرَبا) نهي فلذلك حذفت النون. (هذِهِ الشَّجَرَةَ) في موضع نصب بتقربا والهاء في هذه بدل من ياء ، الأصل هذي ، ولا أعلم في العربية هاء تأنيث مكسورا ما قبلها إلّا هاء هذه ، ومن العرب من يقول : هاتا هند ومنهم من يقول : هاتي هند. وحكى سيبويه ، هذه هند بإسكان الهاء. (الشَّجَرَةَ) نعت لهذه. (فَتَكُونا) جواب النهي منصوب على إضمار «أن» عند الخليل وسيبويه (4) ، وزعم الجرميّ : أنّ الفاء هي الناصبة ، ويجوز أن يكون «فتكونا» جزما عطفا على تقربا.
(فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) (36)
(فَأَزَلَّهُمَا) من أزللته فزلّ ، وفأزالها من أزلته فزال. (الشَّيْطانُ) رفع بفعله. (وَقُلْنَا اهْبِطُوا) حذفت الألف من اهبطوا لأنها ألف وصل وحذفت الألف من قلنا في اللفظ لسكونها وسكون الهاء بعدها. (بَعْضُكُمْ) مبتدأ. (عَدُوٌّ) خبره والجملة في موضع نصب على الحال ، والتقدير وهذه حالكم وحذفت الواو لأن في الكلام عائدا كما يقال :
__________________
(1) انظر الكتاب 4 / 341.
(2) انظر الكتاب 1 / 42.
(3) انظر البحر المحيط 1 / 306.
(4) انظر الكتاب 3 / 27 ، ومعاني الفراء 1 / 26 ، والبحر المحيط 1 / 310.

رأيتك السّماء تمطر عليك ، ويقال : كيف قال «عدوّ» ولم يقل : أعداء؟ ففي هذا جوابان : أحدهما أنّ بعضا وكلّا يخبر عنهما بالواحد وذلك في القرآن قال الله جلّ وعزّ : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ) [مريم : 95] وقال : (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) [النمل : 87] والجواب الآخر أنّ عدوّا يفرد في موضع الجمع. قال الله جلّ وعزّ : (وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ) [الكهف : 50] بمعنى أعداء (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ) مرفوع بالابتداء.
(وَمَتاعٌ) عطف عليه.
(فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (37)
(فَتَلَقَّى آدَمُ) رفع بفعله. (كَلِماتٍ) نصب بالفعل ، وقرأ الأعمش : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ) مدغما. (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) «هو» : رفع بالابتداء و «التواب» خبره والجملة خبر إنّ ، ويجوز أن يكون هو توكيدا للهاء ، ويجوز أن يكون فاصلة ، وحكى أبو حاتم : أنّ أبا عمرو وعيسى وطلحة قرءوا (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ) مدغما وإنّ ذلك لا يجوز لأن بين الهاءين واوا في اللفظ لا في الخط. قال أبو جعفر : أجاز سيبويه أن تحذف هذه الواو وأنشد : [الوافر]
17 ـ له زجل كأنّه صوت حاد
إذا طلب الوسيقة أو زمير (1)

فعلى هذا يجوز الإدغام.
(قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (38)
(قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً) نصب على الحال ، وزعم الفراء (2) أنه يقال : إنّما خوطب بهذا آدم صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإبليس بعينه ويعني ذرّيته فكأنه خاطبهم كما قال : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) [فصلت : 11] أي أتينا بما فينا ، وقال غير الفراء : يكون مخاطبة لآدم عليه‌السلام وحواء والحية ، ويجوز أن يكون لآدم وحواء لأن الاثنين جماعة ، ويجوز أن يكون إبليس ضمّ إليهما في المخاطبة. (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ) «ما» زائدة ، والكوفيون يقولون صلة ، والبصريون يقولون : فيها معنى التوكيد (يَأْتِيَنَّكُمْ) في موضع جزم بالشرط والنون مؤكدة وإذا دخلت «ما» شبهت بلام القسم فحسن المجيء بالنون وجواب الشرط الفاء
__________________
(1) الشاهد للشمّاخ في ديوانه ص 155 ، والخصائص 1 / 371 ، والدرر 1 / 181 ، وشرح أبيات سيبويه 1 / 437 والكتاب 1 / 59 ، ولسان العرب (ها) ، وبلا نسبة في الإنصاف 2 / 561 ، والأشباه والنظائر 2 / 379 ، وخزانة الأدب 2 / 388 ، 5 / 270 ، 271 ، ولسان العرب (زجل) ، والمقتضب 1 / 267 ، وهمع الهوامع 1 / 59.
(2) انظر معاني الفراء 1 / 31.

في قوله : (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ) و «من» في موضع رفع و «تبع» في موضع جزم بالشرط (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) جوابه ، وقال الكسائي في «فلا خوف عليهم» جواب الشرطين جميعا ، وقرأ عاصم الجحدري وعيسى وابن أبي إسحاق فمن تبع هديّ (1) قال أبو زيد : هذه لغة هذيل يقولون : هديّ وعصيّ وأنشد النحويون : [الكامل]
18 ـ سبقوا هويّ وأعنقوا لهواهم
فتخرّموا ولكلّ جنب مصرع (2)

قال أبو جعفر : العلّة في هذا عند الخليل وسيبويه (3) وهذا معنى قولهما ـ أنّ سبيل ياء الإضافة أن يكسر ما قبلها فلما لم يجز أن تتحرك الألف جعل قبلها ياء عوضا من التغيير. وقرأ الحسن وعيسى وابن أبي إسحاق (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) والاختيار عند النحويين الرفع والتنوين لأن الثاني معرفة لا يكون فيه إلّا الرفع فاختاروا في الأول الرفع أيضا ليكون الكلام من وجه واحد.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (39)
(وَالَّذِينَ) رفع بالابتداء. (كَفَرُوا) من صلته. (وَكَذَّبُوا) عطف على كفروا. (بِآياتِنا) خفض بالباء. (أُولئِكَ) مبتدأ. (أَصْحابُ النَّارِ) خبره والجملة خبر الذين. (وَهُمْ فِيها خالِدُونَ) ابتداء وخبر في موضع نصب على الحال.
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (40)
(يا بَنِي) نداء مضاف علامة النصب فيه الياء وحذفت منه النون للإضافة ، الواحد ابن والأصل فيه بني وقيل فيه بنو ولو لم يحذف منه لقيل بنا كما يقال : عصا فمن قال : المحذوف منه واو احتجّ بقولهم : البنوّة وهذا لا حجّة فيه لأنهم قد قالوا الفتوّة. قال أبو جعفر : سمعت أبا إسحاق يقول : المحذوف منه عندي ياء كأنه من بنيت. (إِسْرائِيلَ) (4) في موضع خفض إلّا أنه لا ينصرف لعجومته ويقال : إسرائل بغير ياء وبهمزة مكسورة ويقال اسراأل بهمزة مفتوحة ، وتميم يقولون : اسرائين بالنون. (اذْكُرُوا) حذف النون منه لأنه أمر وحذفت الألف لأنها ألف وصل وضممتها في
__________________
(1) انظر مختصر ابن خالويه 5 ، والبحر المحيط 1 / 322.
(2) الشاهد لأبي ذؤيب الهذلي في شرح أشعار الهذليين 1 / 7 ، وإنباه الرواة 1 / 52 ، والدرر 5 / 51 ، وسرّ صناعة الإعراب 2 / 700 ، وشرح شواهد المغني 1 / 262 ، وشرح قطر الندى ص 191 ، وشرح المفصّل 3 / 33 ، وكتاب اللامات ص 98 ، ولسان العرب (هوا) ، والمحتسب 1 / 76 ، والمقاصد النحوية 3 / 493 ، وهمع الهوامع 2 / 53 ، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3 / 199 ، وشرح الأشموني 2 / 331 ، وشرح ابن عقيل ص 408 ، والمقرب 1 / 217 وكتاب العين 1 / 299.
(3) انظر الكتاب 3 / 458.
(4) انظر البحر المحيط 1 / 315.

الابتداء لأنه من يذكر (نِعْمَتِيَ الَّتِي) بتحريك الياء أكثر في كلام العرب إذا لقيها ألف ولام فإن أسكنتها حذفتها لالتقاء الساكنين .. «التي» في موضع نصب نعت لنعمتي. (أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) من صلتها. (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) أمر (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) جواب الأمر مجزوم لأن فيه معنى المجازاة ، وقرأ الزّهري (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) (1) على التكثير ، ويقال : وفي بالعهد أيضا ، (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) وقع الفعل على النون والياء وحذفت الياء لأنه رأس آية ، وقرأ ابن أبي إسحاق «فارهبوني» بالياء وكذا فاتّقوني ، «وإيّاي» منصوب بإضمار فعل وكذا الاختيار في الأمر والنهي والنفي والاستفهام.
(وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) (41)
(وَآمِنُوا) عطف. (بِما) خفض بالباء. (أَنْزَلْتُ) صلته والعائد محذوف لطول الاسم أي بما أنزلته. (مُصَدِّقاً) على الحال. (لِما) خفض باللام. (مَعَكُمْ) صلة لما. (وَلا تَكُونُوا) جزم بلا فلذلك حذفت منه النون. (أَوَّلَ) خبر تكونوا ، ولم ينوّنه لأنه مضاف ولو لم يكن مضافا جاز فيه التنوين على أنه اسم ليس بنعت ، وجاز الضمّ بغير تنوين على أنه غاية ، وجاز ترك التنوين على أنه نعت قال (كافِرٍ) ولم يقل : كافرين ، فيه قولان : زعم الأخفش والفراء (2) أنه محمول على المعنى لأن المعنى أول من كفر به ، وحكى سيبويه : هو أظرف الفتيان وأجمله لأنه قد كان يقول كأنه يقول : هو أظرف فتى وأجمله ، والقول الآخر أنّ التقدير : ولا تكونوا أول فريق كافر به ، والإمالة في كافر لغة تميم ، وهي حسنة لأنه مخفوض والراء بمنزلة حرفين وليس فيه حرف مانع والحروف الموانع (3) الخاء والغين والقاف والصاد والضاد والطاء والظاء. قال أبو جعفر : وفي «أول» من العربية ما يلطف ونحن نشرحه إن شاء الله. «أول» عند سيبويه (4) مما لم ينطق منه بفعل وهو على أفعل عينه وفاؤه واو. وإنما لم ينطق منه بفعل عنده لئلا يعتل من جهتين وهذا مذهب البصريين ، وقال الكوفيون : هو من وأل ، ويجوز أن يكون من أال فإذا كان من وأل فالأصل فيه أوأل ثم خفّفت الهمزة فقلت : أول كما تخفّف همزة خطيئة فتقول : خطيّة وإن كان من أال فالأصل فيه : أاول ثم أبدلت من الألف واوا لأنه لا ينصرف.
(وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (42)
(وَلا تَلْبِسُوا) نهي فلذلك حذفت منه النون. (الْحَقَ) مفعول. (بِالْباطِلِ) خفض
__________________
(1) انظر المحتسب 1 / 81 ، والبحر المحيط 1 / 330.
(2) انظر معاني الفراء 1 / 32 ، والبحر المحيط 1 / 332.
(3) الحروف الموانع : هي الحروف التي تمنع الإمالة.
(4) انظر الكتاب 3 / 219.

بالباء. (وَتَكْتُمُوا) عطف على (تَشْتَرُوا) وإن شئت كان جوابا للنهي في موضع نصب على إضمار أن عند البصريين (1) ، والتقدير لا يكن منكم أن تشتروا وتكتموا ، والكوفيون (2) يقولون : هو منصوب على الصّرف ، وشرحه أنه صرف عن الأداة التي عملت فيما قبله ولم يستأنف فيرفع فلم يبق إلّا النّصب فشبّهت الواو والفاء بكي فنصبت بها كما قال : [الكامل]
19 ـ لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم (3)

(وَأَنْتُمْ) مبتدأ. (تَعْلَمُونَ) فعل مستقبل في موضع الخبر والجملة في موضع الحال.
(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (43)
(وَأَقِيمُوا) أمر ، وكذا (وَآتُوا وَارْكَعُوا).
(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (44)
(أَتَأْمُرُونَ) فعل مستقبل. (وَتَنْسَوْنَ) عطف عليه. (أَفَلا تَعْقِلُونَ) مثله.
(وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ) (45)
(وَاسْتَعِينُوا) أمر. (بِالصَّبْرِ) خفض بالباء قال أبو جعفر : وقد ذكرنا فيه أقوالا في الكتاب الذي قبل هذا ، وأصحّها أن يكون الصبر عن المعاصي ويكون (وَالصَّلاةِ) مثل قوله (وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) [البقرة : 98] ، يقال فلان صابر ؛ أي عن المعاصي فإذا صبّر عن المعاصي فقد صبّر على الطاعة وقال جلّ وعزّ : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) [الزمر : 10] ولا يقال لمن صبر على المصيبة : صابر إنّما يقال : صابر على كذا فإذا قلت : صابر مطلقا فهو على ما ذكرنا ، (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) اسم «إنّ» وخبرها ، ويجوز في غير القرآن وإنه ، ويجوز وإنهما.
__________________
(1) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 90 ، والبحر المحيط 1 / 335.
(2) انظر معاني الفراء 1 / 33.
(3) الشاهد لأبي الأسود الدؤلي في ديوانه ، ص 44 ، والأزهية ص 234 ، وشرح التصريح 2 / 238 ، وشرح شذور الذهب ص 310 ، وهمع الهوامع 2 / 13 ، وللمتوكل الليثي في الأغاني 12 / 156 ، وحماسة البحتري ص 117 ، والعقد الفريد 2 / 311 ، والمؤتلف والمختلف ص 179 ، ولأبي الأسود أو للمتوكل في اللسان (عظظ) ، ولأحدهما أو للأخطل في شرح شواهد الإيضاح ص 252 ، ولأبي الأسود أو للأخطل أو للمتوكل الكناني في الدرر 4 / 86 ، والمقاصد النحوية 4 / 393 ، وللأخطل في الردّ على النحاة ص 127 ، وشرح المفصل 2447 ، ولحسان بن ثابت في شرح أبيات سيبويه 2 / 188 ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 6 / 294 ، وأمالي ابن الحاجب 2 / 864 ، وأوضح المسالك 4 / 181 ، ورصف المباني 424.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 2847
نقاط : 4448
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

إعراب القرآن [ ج ١ ] Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعراب القرآن [ ج ١ ]   إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 4:11 pm

(الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) (46)
(الَّذِينَ) في موضع خفض على النعت للخاشعين. (يَظُنُّونَ) فعل مستقبل ، وفتحت «أنّ» بالظن واسمها الهاء والميم والخبر. (مُلاقُوا) والأصل ملاقون لأنه بمعنى تلاقون حذفت النون تخفيفا ، (وَأَنَّهُمْ) عطف على الأول ، ويجوز «وأنّهم» بقطعه مما قبله.
(وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (48)
(يَوْماً) منصوب باتّقوا ، ويجوز في غير القرآن «يوم لا تجزي» على الإضافة. وفي الكلام حذف بين النحويين فيه اختلاف قال البصريون (1) : التقدير يوما لا تجزي فيه نفس عن نفس شيئا ، ثم حذف «فيه» قال الكسائي (2) : هذا خطأ لا يجوز «فيه» ولو جاز هذا لجاز : الذي تكلمت زيد ، بمعنى تكلمت فيه ، قال : ولكن التقدير واتقوا يوما لا تجزيه نفس ، ثم حذف الهاء ، وقال الفراء (3) : يجوز أن تحذف «فيه» وأن تحذف الهاء ، قال أبو جعفر : الذي قاله الكسائي لا يلزم لأن الظروف يحذف منها ولا يحذف من غيرها. تقول : تكلّمت في اليوم وكلمت وتكلّمت اليوم. هذا احتجاج البصريين. فأما الفراء فردّ على الكسائي بأن قال : فإذا قلت : كلّمت زيدا وتكلّمت في زيد ، فالمعنيان مختلفان فلهذا لم يجز الحذف فينقلب المعنى والفائدة في الظروف واحدة ، وهذه الجملة في موضع نصب عند البصريين على نعت لليوم ، ولهذا وجب أن يعود عليه ضمير ، وعند الكوفيين صلة ، (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) ويجوز «تقبل» (4) بالتاء لأنّ الشفاعة مؤنّثة وإنّما حسن تذكيرها لأنها بمعنى التّشفّع كما قال : [الكامل]
20 ـ إنّ السّماحة والمروءة ضمّنا
قبرا بمرو على الطريق الواضح (5)

وقال الأخفش : حسن التذكير لأنك قد فرقت. قال سيبويه (6) : وكلّما طال الكلام فهو أحسن وهو في الموات أكثر فرقوا بين الحيوان والموات كما فرّقوا بين الآدميّين
__________________
(1) انظر البحر المحيط 1 / 347 ، وإعراب القرآن ومعانيه للزجاج 94.
(2) انظر معاني الفراء 1 / 32 ، والبحر المحيط 1 / 347.
(3) انظر معاني الفراء 1 / 32.
(4) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 95 ، والبحر المحيط 1 / 348 ، وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو.
(5) الشاهد لزياد الأعجم في ديوانه ص 54 ، والأغاني 15 / 308 ، وأمالي المرتضى 1 / 72 ، وسمط اللآلي ص 921 ، والشعر والشعراء 1 / 438 ، والمقاصد النحوية 2 / 502 ، وللصلتان العبدي في أمالي المرتضى 2 / 199 ، وبلا نسبة في الإنصاف 2 / 763 ، وشرح شذور الذهب ص 220.
(6) انظر الكتاب 2 / 34.

وغيرهم في الجمع. (شَفاعَةٌ) اسم ما لم يسمّ فاعله وكذا (عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) ابتداء وخبر.
(وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) (49)
(وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ) «إذ» في موضع نصب عطفا على «اذكروا نعمتي». (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) قال الكسائي : إنّما يقال : آل فلان وآل فلانة ، ولا يقال في البلدان لا يقال: هو من آل حمص ولا من آل المدينة ، قال : إنّما يقال في الرئيس الأعظم نحو محمد عليه‌السلام أهل دينه وأتباعه ، وآل فرعون لأنه رئيسهم في الضلالة ، قال : وقد سمعناه في البلدان قالوا : أهل المدينة وآل المدينة ، قال أبو الحسن بن كيسان : إذا جمعت آلا قلت : آلون فإن جمعت آلا الذي هو بمنزلة السراب قلت : أوآل مثل مال وأموال. قال أبو جعفر : الأصل في آل أهل ثم أبدل من الهاء ألف فإن صغّرت رددته إلى أصله فقلت أهيل. (فِرْعَوْنَ) في موضع خفض إلّا أنه لا ينصرف لعجمته. قال الأخفش : (يَسُومُونَكُمْ) في موضع رفع على الابتداء ، وإن شئت كان في موضع نصب على الحال أي سائمين لكم. قرأ ابن محيصن (يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ) (1) والتشديد أبلغ لأن فيه معنى التكثير. (وَيَسْتَحْيُونَ) عطف. (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ) رفع بالابتداء. (عَظِيمٌ) من نعته.
(وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) (50)
(وَإِذْ فَرَقْنا) في موضع نصب ، وحكى الأخفش (فَرَقْنا) (2) ، (الْبَحْرَ) مفعول.
(وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) (51)
(وَإِذْ واعَدْنا مُوسى) وقرأ أبو عمرو وأبو جعفر (3) وشيبة وإذا وعدنا (4) بغير ألف وهو اختيار أبي عبيد وأنكر «واعدنا» قال : لأن المواعدة إنما تكون من البشر ، فأما الله جلّ وعزّ فإنما هو المنفرد بالوعد والوعيد. على هذا وجدنا القرآن كقوله : (وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِ) [إبراهيم : 22] وقوله : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [الفتح : 29] وقوله : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ) [الأنفال : 7]. قال أبو جعفر : قد ذكرنا قول أبي إسحاق (5) في الكتاب الذي قبل هذا. وكلام أبي عبيد
__________________
(1) انظر مختصر ابن خالويه (5) ، والبحر المحيط 1 / 351.
(2) انظر مختصر ابن خالويه (5) ، والمحتسب 1 / 82.
(3) أبو جعفر : يزيد القعقاع المخزومي المدني أحد القراء العشرة ، تابعي ، عرض على ابن عباس وغيره ، وروى القراءة عن نافع (ت 130 ه‍) ترجمة في غاية النهاية 2 / 382.
(4) انظر البحر المحيط 1 / 352.
(5) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 100 ، والبحر المحيط 1 / 357.

هذا غلط بيّن لأنه أدخل بابا في باب وأنكر ما هو أحسن وأجود و «واعدنا» أحسن وهي قراءة مجاهد والأعرج وابن كثير ونافع والأعمش وحمزة والكسائي ، وليس قوله سبحانه : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) [المائدة : 9] من هذا في شيء ، لأن «واعدنا موسى» إنما هو من باب الموافاة وليس هو من الوعد والوعيد في شيء وإنما هو من قول : موعدك يوم الجمعة ، وموعدك موضع كذا ، والفصيح في هذا أن يقال : واعدته. (مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) مفعولان. قال الأخفش : التقدير وإذ واعدنا موسى تمام أربعين ليلة ثم حذف كما قال : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : 82]. (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) بالإدغام ، وإن شئت أظهرت لأن الذال مجهورة والتاء مهموسة فالإظهار حسن ، وإنّما جاز الإدغام لأن الثاني بمنزلة المنفصل .. «العجل» : مفعول أول والمفعول الثاني محذوف.
(ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (52)
(ثُمَّ عَفَوْنا) «ثم» : تدلّ على أن الثاني بعد الأول ومع ذلك تراخ ، وموضع النون والألف رفع بالفعل.
(وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (53)
(وَإِذْ آتَيْنا) بمعنى أعطينا. (مُوسَى الْكِتابَ) مفعولان. (وَالْفُرْقانَ) عطف على الكتاب. قال الفراء : وقطرب (1) : يكون (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) أي التّوراة ، ومحمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم الفرقان. قال أبو جعفر : هذا خطأ في الإعراب والمعنى ، أما الإعراب فإن المعطوف على الشيء مثله وعلى هذا القول يكون المعطوف على الشيء خلافه ، وأما المعنى فقد قال فيه جلّ وعزّ : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ) [الأنبياء : 48]. قال أبو إسحاق (2) : يكون الفرقان هذا الكتاب أعيد ذكره وهذا أيضا بعيد إنما يجيء في الشعر كما قال : [الوافر]
21 ـ وألفى قولها كذبا ومينا (3)
وأحسن ما قيل في هذا قول مجاهد : فرقانا بين الحق والباطل الذي علّمه إيّاه.
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ
__________________
(1) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 101.
(2) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 101.
(3) الشاهد لعدي بن زيد في ذيل ديوانه ص 183 ، والأشباه والنظائر 3 / 213 ، وجمهرة اللغة 993 ، والدرر 6 / 73 ، وشرح شواهد المغني 2 / 776 ، والشعر والشعراء 1 / 233 ، ولسان العرب (مين) ، ومعاهد التنصيص 1 / 310 ، وبلا نسبة في مغني اللبيب 1 / 357 ، وهمع الهوامع 2 / 129 ، وصدره :
«وقدّدت الأديم لراهشيه»

فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (54)
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ) حذفت الياء لأن النداء موضع حذف والكسرة تدلّ عليها وهي بمنزلة التنوين فحذفتها كما تحذف التنوين من المفرد ، ويجوز في غير القرآن إثباتها ساكنة فتقول : «يا قومي» لأنها اسم وهي في موضع خفض ، وإن شئت فتحتها ، وإن شئت ألحقت معها هاء فقلت : يا قوميه. وإن شئت أبدلت منها ألفا لأنها أخفّ فقلت : يا قوما ، وإن شئت قلت : يا قوم بمعنى يا أيّها القوم ، وإن جعلتهم نكرة نصبت ونونت. (إِنَّكُمْ) كسرت إنّ لأنها بعد القول فهي مبتدأة ، (ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) استغني بالجمع القليل عن الكثير والكثير نفوس (بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) مفعول أي بأن اتخذتم العجل والكاف والميم في موضع خفض بالإضافة وهما في التأويل في موضع رفع. (فَتُوبُوا) أمر. (إِلى بارِئِكُمْ) خفض بإلى ، وروي عن أبي عمرو بإسكان الهمزة من (بارِئِكُمْ) (1) وروى عنه سيبويه باختلاس الحركة. قال أبو جعفر : أما إسكان الهمزة فزعم أبو العباس أنه لحن لا يجوز في كلام ولا شعر لأنها حرف الإعراب ، وقد أجاز ذلك النحويون القدماء الأئمة وأنشدوا : [الرجز]
22 ـ إذا اعوججن قلت صاحب قوم (2)
ويجوز (إِلى بارِئِكُمْ) (3) تبدل من الهمزة ياء. (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) : الهاء اسم «إنّ» وهو مبتدأ و «التواب» الخبر والجملة خبر إنّ ، وإن شئت كانت «هو» زائدة ، وإن شئت كانت توكيدا للهاء «والتواب» خبر «إن» و «الرّحيم» من نعته.
(وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) (55)
(وَإِذْ قُلْتُمْ) معطوف. (يا مُوسى) نداء مفرد. (جَهْرَةً) مصدر في موضع الحال يقال : رأيت الأمير جهارا أو جهرة. أي غير مستتر بشيء ومنه : فلان يجاهر بالمعاصي أي لا يستتر من الناس. (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) رفع بفعلها. (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) في موضع الحال أي ناظرين.
(ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (56)
(ثُمَّ بَعَثْناكُمْ) موضع النون والألف رفع بالفعل والكاف والميم نصب بالفعل.
__________________
(1) انظر : إملاء ما منّ به الرّحمن 1 / 37 ، والتيسير في القراءات للداني 63.
(2) الشاهد بلا نسبة في معاني القرآن للفراء 2 / 12 ، وتفسير الطبري 22 / 146 ، وشرح شواهد للشنتمري 2 / 297 ، والكتاب 4 / 318. وتمامه «بالدّوّ أمثال السفين العوّم».
(3) انظر مختصر في شواذ القرآن 5 ، والبحر المحيط 1 / 364.

(وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (57)
قال الأخفش سعيد : واحد (الْغَمامَ) غمامة كسحابة وسحاب. قال الفراء : يجوز غمائم. (وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَ) نصب بوقوع الفعل عليه (وَالسَّلْوى) عطف ولا يتبيّن فيه الإعراب لأنه مقصور ووجب هذا في المقصور كلّه لأنّه لا يخلو من أن يكون في آخره ألف. قال الخليل : والألف حرف هوائي لا مستقر له فأشبه الحركة فاستحالت حركته ، وقال الفراء : لو حرّكت الألف لصارت همزة. قال الأخفش : «المنّ» جمع لا واحد له مثل الخير والشر و «السلوى» لم يسمع له بواحد ولو قيل : على القياس لكان يقال : في واحدة سلوى كما يقال : سماني وشكاعى (1) في الواحد والجميع. (كُلُوا) أمر ، (مِنْ طَيِّباتِ) خفض بمن ، (ما رَزَقْناكُمْ) خفض بالإضافة.
(وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) (58)
(وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا) حذفت الألف من «قلنا» لسكونها وسكون الدال بعدها والألف التي يبتدأ بها قبل الدال ألف وصل لأنها من يدخل. (فَكُلُوا) عطف عليه. (رَغَداً) نعت لمصدر محذوف أي أكلا رغدا ، ويجوز أن يكون في موضع الحال. (وَادْخُلُوا) عطف. (سُجَّداً) نصب على الحال. (وَقُولُوا) عطف ، (حِطَّةٌ) على إضمار مبتدأ. قال الأخفش : وقرئت (حِطَّةٌ) نصبا على أنها بدل من الفعل. قال أبو جعفر : الحديث عن ابن عباس أنهم قيل لهم : «قولوا لا إله إلا الله» وفي حديث آخر عنه قيل لهم : «قولوا مغفرة» تفسير للنصب أي قولوا شيئا يحطّ عنكم ذنوبكم كما تقول : قل خيرا. وحديث ابن مسعود «قالوا حطة» تفسير على الرفع وهو أولى في اللغة والأئمة من القراء على الرفع ، وإنما صار أولى في اللغة لما حكي عن العرب في معنى بدّل قال أحمد بن يحيى : يقال : بدّلت الشيء. أي غيّرته ولم أزل عينه وأبدلته أزلت عينه وشخصه كما قال أبو النجم : [الرجز]
23 ـ عزل الأمير المبدل (2)
وقال الله جلّ وعزّ : (قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ) [يونس : 15]
__________________
(1) شكاعي : نبت صغير.
(2) الشاهد لأبي النجم في معاني الفراء 2 / 259 ، وتفسير الطبري 18 / 159 ، واللسان (بدل). ومقاييس اللغة 1 / 210 ، وبلا نسبة في كتاب العين 1 / 357.

(فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (59)
(فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) في موضع رفع بالفعل. (قَوْلاً) مفعول. (غَيْرَ الَّذِي) نعت له. وقرأ الأعمش (يَفْسُقُونَ) (1) بكسر السين يقال : فسق يفسق فهو فاسق عن الشيء إذا خرج عنه ، فإذا قلت : فاسق ولم تقل عن كذا فمعناه خارج عن طاعة الله جلّ وعزّ. وفي (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ) [البقرة : 58] كلام يغمض من العربية سنشرحه إن شاء الله فمن ذلك قول الخليل (2) رحمه‌الله : الأصل في جمع خطيئة أن تقول : خطاييء ثم قلب فقيل : خطاءي بهمزة بعدها ياء ثم تبدل من الياء ألفا بدلا لازما فتقول : خطاءى وقد كان هذا البدل يجوز في غير هذا القول : عذارى إلّا أنه زعم هاهنا تخفيفا فلمّا اجتمعت ألفان بينهما همزة والهمزة من جنس الألف صرت كأنك قد جمعت بين ثلاث ألفات فأبدلت من الهمزة ياء فقلت : خطايا. وأمّا سيبويه (3) فمذهبه أنّ الأصل خطايىء مثل الأول ثم وجب عنده أن تهمز الياء كما همزتها في مدائن فتقول : خطائىء ولا تجتمع همزتان في كلمة فأبدلت من الثانية ياء فقلت : خطاءي ثم عملت كما عملت في الأول. وقال الفراء : خطايا جمع خطيّة بلا همز كما تقول : هديّة وهدايا قال : ولو جمعت خطيئة مهموزة لقلت خطاءيء. وقال الكسائي : لو جمعتها مهموزة لأدغمت الهمزة في الهمزة كما قلت دوابّ وقرأ مجاهد تغفر لكم خطاياكم فأنّث على الجماعة وقرأ الحسن وعاصم الجحدري تغفر لكم خطيئتكم والبيّن (نَغْفِرْ لَكُمْ) لأن بعده (وَسَنَزِيدُ) بالنون وخطاياكم اتباعا للسواد وإنّه على بابه.
(وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (60)
(وَإِذِ اسْتَسْقى) كسرت الذال لالتقاء الساكنين و «إذ» غير معربة لأنها بمنزلة «في» أنها اسم لا تتمّ إلّا بما بعدها. (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) «اثنتا» في موضع رفع «فانفجرت» وعلامة الرفع فيها الألف وأعربت دون نظائرها لأن التثنية معربة أبدا لصحة معناها. (عَيْناً) نصب على البيان وقرأ مجاهد وطلحة وعيسى (اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) (4) وهذه لغة بني تميم وهذا من لغتهم نادر لأن سبيلهم التخفيف ، ولغة أهل الحجاز
__________________
(1) انظر مختصر ابن خالويه (5).
(2) انظر الإنصاف مسألة 116.
(3) انظر الكتاب 4 / 33 ، والإتحاف 84.
(4) انظر مختصر ابن خالويه (5) ، والبحر المحيط 1 / 391.

«عشرة» وسبيلهم التثقيل. (وَلا تَعْثَوْا) نهي فلذلك حذفت منه النون وهو من عثى يعثى.
(وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) (61)
(وَإِذْ قُلْتُمْ) عطف. (يا مُوسى) نداء مفرد. (لَنْ نَصْبِرَ) نصب بلن. (عَلى طَعامٍ) خفض بعلى. (واحِدٍ) من نعته. (فَادْعُ) سؤال بمنزلة الأمر ، فلذلك حذفت منه الواو ولغة بني عامر «فادع لنا» بكسر العين لالتقاء الساكنين. (يُخْرِجْ لَنا) جزم لأنه جواب الأمر ، وفيه معنى المجازاة. (مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) قال الأخفش (1) : «من» زائدة قال أبو جعفر : هذا خطأ على قول سيبويه (2) لأن «من» لا تزاد عنده في الواجب وإنّما دعا الأخفش إلى هذا أنه لم يجد مفعولا ليخرج فأراد أن يجعل ما مفعولا. والأولى أن يكون المفعول محذوفا دلّ عليه سائر الكلام والتقدير : يخرج لنا مما تنبت الأرض مأكولا. (مِنْ بَقْلِها) بدل بإعادة الحروف. (وَقِثَّائِها) عطف. وقرأ طلحة ويحيى بن وثّاب. (وَقِثَّائِها) (3) بضمّ القاف وتقول في جمعها : قثائيّ مثل علباء وعلابيّ. إلّا أنّ قثّاء من ذوات الهمزة يقال : أقثأت القوم. قال أبو جعفر : سمعت علي بن سليمان يقول : لا يصحّ عندي في (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى) إلّا أن يكون من ذوات الهمز من قولهم : دنيء بيّن الدناءة ، ثم أبدلت الهمزة. قال أبو جعفر : هذا الذي ذكرنا إنما يجوز في الشعر ولا يجوز في الكلام فكيف في كتاب الله جلّ وعزّ. قال أبو إسحاق (4) : هو من الدنو أي الذي هو أقرب من قولهم ثوب مقارب أي قليل الثمن. قال أبو جعفر : وأجود من هذين القولين أن يكون المعنى ـ والله أعلم ـ أتستبدلون الذي هو أقرب إليكم في الدنيا بالذي هو خير لكم يوم القيامة لأنهم إذا طلبوا غير ما أمروا بقبوله فقد استبدلوا الذي هو أقرب إليهم في الدنيا مما هو خير لهم لما لهم فيه من الثواب (اهْبِطُوا مِصْراً) نكرة. هذا أجود الوجوه لأنها في السواد بألف ، وقد يجوز أن تصرف تجعل اسما للبلاد وإنما اخترنا الأول لأنه لا يكاد يقال مثل مصر بلاد ولا بلد وإنما
__________________
(1) انظر البحر المحيط 1 / 394.
(2) انظر الكتاب 1 / 73.
(3) انظر المحتسب 1 / 87 ، ومختصر ابن خالويه (6).
(4) انظر إعراب القرآن ومعانيه 112.

يقال لها : بلدة. وإنما يستعمل بلاد في مثل بلاد الروم. وقال الكسائي : يجوز أن تصرف مصر وهي معرفة لخفّتها يريد أنها مثل هند. وهذا خطأ على قول الخليل وسيبويه والفراء (1) ، لأنك لو سمّيت امرأة بزيد لم تصرف ، وقال الكسائي : يجوز أن تصرف مصر وهي معرفة لأن العرب تصرف كل ما لا ينصرف في الكلام إلا أفعل منك. (فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ) «ما» نصب بأنّ. (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) اسم ما لم يسم فاعله. (وَالْمَسْكَنَةُ) عطف وقد ذكرنا الهمز في النبيئين (2) في الكتاب الذي قبل هذا. (ذلِكَ بِما عَصَوْا) قال الأخفش : أي بعصيانهم. (وَكانُوا يَعْتَدُونَ) عطف عليه.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (62)
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) اسم «إنّ» (آمنوا) صلته. (وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ) عطف كلّه. (مَنْ آمَنَ) مبتدأ وآمن في موضع جزم بالشرط والفاء الجواب ، وخبر المبتدأ. (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) والجملة خبر إنّ والعائد على الذين من الجملة محذوف أي من آمن منهم. وقرأ الحسن البصريّ (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) (3) على التبرئة والرفع على الابتداء أجود ، ويجوز أن تجعل «لا» بمعنى ليس ، فأمّا (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) فلا يكون إلّا بالابتداء لأن «لا» لا تعمل في معرفة.
(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (63)
(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) قال الأخفش : أي واذكروا (إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ) أي فقلنا خذوا ما آتيناكم.
(ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) (64)
(فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ) رفع بالابتداء عند سيبويه (4) والخبر محذوف لا يجوز عنده إظهاره لأن العرب استغنت عن إظهاره بأنهم إذا أرادوا ذلك جاءوا بأنّ فإذا جاءوا بها لم يحذفوا الخبر ، والتقدير فلو لا فضل الله تدارككم. (وَرَحْمَتُهُ) عطف على فضل. (لَكُنْتُمْ) جواب لو لا. (مِنَ الْخاسِرِينَ) خبر كنتم.
(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) (65)
(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ) في موضع نصب ولا يحتاج إلى مفعول ثان إذا كانت علمتم
__________________
(1) ومعاني الفراء 1 / 42.
(2) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 113.
(3) انظر البحر المحيط 1 / 405.
(4) انظر الكتاب 2 / 128.

بمعنى عرفتم. حكى الأخفش : لقد علمت زيدا ولم أكن أعلمه. (اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) صلة الذين (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً) خبر كان. (خاسِئِينَ) نعت.
(فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (66)
(فَجَعَلْناها نَكالاً) مفعول ثان. (لِما بَيْنَ) ظرف. (وَما خَلْفَها) عطف. (وَمَوْعِظَةً) عطف على «نكالا». (لِلْمُتَّقِينَ) خفض باللام.
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) (67)
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ) كسرت إنّ لأنها بعد القول وحكي عن أبي عمرو و (يَأْمُرُكُمْ) حذف الضمة من الراء لثقلها ، قال أبو العباس : لا يجوز هذا لأن الراء حرف الإعراب وإنما الصحيح عن أبي عمرو أنه كان يختلس الحركة ، (أَنْ تَذْبَحُوا) في موضع نصب بيأمركم أي بأن تذبحوا ، (بَقَرَةً) نصب بتذبحوا (قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) مفعولان ، ويجوز تخفيف الهمزة تجعلها بين الواو والهمزة ويجوز حذف الضّمّة من الزاي كما تحذفها من عضد فتقول (هُزُواً) (1) كما قرأ أهل الكوفة ، فأما جزء فليس مثل هزء لأنه على فعل من الأصل. (قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) ولغة تميم وأسد «عن» في موضع «أن».
(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ) (68)
(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ) حذفت الواو لأنه طلب ، ولغة بني عامر «ادع لنا» بكسر العين لالتقاء الساكنين. (يُبَيِّنْ لَنا) تدغم النون في اللام ، وإن شئت أظهرت فإذا كانت النون متحركة كان الاختيار الإظهار نحو (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ) [الأنعام : 43] ، (يبيّن) : جزم لأنه جواب الأمر ، (ما هِيَ) ابتداء وخبر. (قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ) خبر إنّ. (لا فارِضٌ) قال الأخفش : لا يجوز نصب فارض لأنه نعت للبقرة كما تقول : مررت برجل لا قائم ولا جالس ، ويجوز أن يكون التقدير ولا هي فارض ، ويقال على هذا : مررت برجل لا قائم ولا جالس. (وَلا بِكْرٌ) عطف على فارض. (عَوانٌ) على إضمار مبتدأ.
(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) (69)
(ما لَوْنُها) ابتداء وخبره ، ويجوز «ما لونها» على أن تكون ما زائدة وتنصبه
__________________
(1) انظر البحر المحيط 1 / 415.

بيبيّن. (بَقَرَةٌ صَفْراءُ) لم تنصرف صفراء لأنّ فيها ألف التأنيث وهي ملازمة فخالفت الهاء لأن ما فيه الهاء ينصرف في النكرة. (فاقِعٌ) نعت. (لَوْنُها) رفع بفاقع.
(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ) (70)
(إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) ذكر البقر لأنه بمعنى الجميع. قال الأصمعي : الباقر جمع باقرة قال : ويجمع بقر على باقورة ، وقرأ الحسن إنّ البقر تشّابه علينا (1) جعله فعلا مستقبلا وأنّثه والأصل تتشابه ثم أدغم التاء في الشين ، وقرأ يحيى بن يعمر إن الباقر يشّابه علينا جعله فعلا مستقبلا وذكر الباقر وأدغم ، ويجوز إنّ البقر تشابه علينا بتخفيف الشين وضم الهاء ولا يجوز يشابه علينا بتخفيف الشين وبالياء ، وإنما جاز في التاء لأن الأصل تتشابه فحذفت لاجتماع التاءين. (وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ) خبر إنّ و «شاء» في موضع جزم بالشرط وجوابه عند سيبويه الجملة وعند أبي العباس محذوف.
(قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) (71)
قال الأخفش : «لا ذلول» نعت ولا يجوز نصبه. قال أبو جعفر : يجوز أن يكون التقدير لا هي ذلول ، وقد قرأ أبو عبد الرّحمن السّلمي (2) (لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ) وهو جائز على إضمار خبر النفي. (تُثِيرُ الْأَرْضَ) متصل بالأول على هذا المعنى أي لا تثير الأرض. (وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) وزعم علي ابن سليمان أنه لا يجوز أن يكون تثير مستأنفا لأن بعده «ولا تسقي الحرث» فلو كان مستأنفا لما جمع بين الواو و «لا». (مُسَلَّمَةٌ) أي هي مسلّمة ويجوز أن يكون «مسلّمة» نعتا أي إنها بقرة مسلمة من العرج وسائر العيوب ولا يقال : مسلمة من العمل لأنه لا يصلح سالمة مما هو خير لها. (لا شِيَةَ فِيها) الأصل وشية حذفت الواو كما حذفت من يشي والأصل يوشي. (قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ) فيه أربعة أوجه (3) : الهمز كما قرأ الكوفيون (قالُوا الْآنَ) وتخفيف الهمزة مع حذف الواو لالتقاء الساكنين كما قرأ أهل المدينة (قالُوا الْآنَ) (4) وحكى الأخفش (5) وجهين آخرين : أحدهما إثبات الواو مع تخفيف الهمزة ، قالوا لآن جئت بالحقّ أثبت الواو لأن اللام قد تحرّكت بحركة الهمزة ونظير هذا وأنه أهلك عادا لولا [النجم : 50]
__________________
(1) انظر تفسير الطبري 1 / 350.
(2) أبو عبد الرّحمن السلميّ : عبد الله بن حبيب مقرئ الكوفة. إليه انتهت القراءة تجويدا وضبطا ، أخذ القراءة عن علي بن أبي طالب وعثمان وابن مسعود (ت 74 ه‍). وترجمته في غاية النهاية 1 / 341.
(3) انظر إملاء ما منّ به الرّحمن 1 / 43 ، 44 ، والبحر المحيط 1 / 422.
(4) انظر البحر المحيط 1 / 422.
(5) انظر إعراب القرآن ومعاوية للزجاج 122.

على قراءة أهل المدينة وأبي عمرو ، وقال أبو جعفر : سمعت محمد بن الوليد يقول : سمعت محمد بن يزيد يقول : ما علمت أنّ أبا عمرو بن العلاء لحن في صميم العربية إلّا في حرفين أحدهما «عادا لو لا» والآخر (يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) [آل عمران : 75] وإنّما صار لحنا لأنّه أدغم حرفا في حرف فأسكن الأول والثاني حكمه السكون وإنّما حركته عارضة فكأنه جمع بين ساكنين وحكى الأخفش (قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ) فقطع الألف الأولى وهي ألف وصل كما يقال يا الله. قال أبو إسحاق (1) : الآن مبنيّ على الفتح وفيها الألف واللام لأن الألف واللام دخلت لغير عهد تقول : كنت إلى الآن هاهنا فالمعنى إلى هذا الوقت فبنيت كما بني هذا وفتحت النون لالتقاء الساكنين. (فَذَبَحُوها) الهاء والألف نصب بالفعل والاسم الهاء ولا تحذف الألف لخفّتها وللفرق بين المذكر والمؤنث ، (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) فعل مستقبل وأجاز سيبويه (2) : كاد أن يفعل تشبيها بعسى.
(وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) (72)
(وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً) «إذ» ظرف معطوفة على ما قبلها. (فَادَّارَأْتُمْ) الأصل تدارأتم ثم أدغمت التاء في الدال ولم يجز أن تبتدئ بالمدغم لأنه ساكن فزدت ألف الوصل ، (وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) «ما» في موضع نصب بمخرج ويجوز حذف التنوين على الإضافة.
(فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (73)
(كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) موضع الكاف نصب لأنها نعت لمصدر محذوف ولا يجوز أن تدغم الياء في الياء من «يحيي» لئلا يلتقي ساكنان.
(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (74)
(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ) تقول : قسا فإذا زدت التاء حذفت الألف لالتقاء الساكنين. (قُلُوبُكُمْ) مرفوعة بقست. (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ) والكاف في موضع رفع على خبر هي. (أَوْ أَشَدُّ) عطف على الكاف ويجوز أن «أشدّ قسوة» تعطفه على الحجارة (قَسْوَةً) على البيان. (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ) «ما» في موضع نصب لأنها اسم إنّ ، واللّام للتوكيد
__________________
(1) انظر إعراب القرآن ومعانيه 122.
(2) انظر الكتاب 3 / 10.

منه على لفظ «ما» ، وفي قراءة أبيّ منها على المعنى. قال أبو حاتم : يجوز لما تتفجّر منه الأنهار ولا يجوز لما تشّقّق لأنه إذا قال : تتفجّر أنّثه بتأنيث الأنهار ، وهذا لا يكون في تشّقق. قال أبو جعفر : يجوز ما أنكره يحمل على المعنى لأن المعنى وإن منها لحجارة تشقق ، وأمّا يشقق بالياء فمحمول على لفظ «ما» وأما الكسائي فيقول : هو مذكّر على تذكير البعض ومثله عنده : (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ) [النحل : 66] أي مما في بطون بعضه. (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ) في موضع نصب على لغة أهل الحجاز والباء توكيد. (عَمَّا تَعْمَلُونَ) أي عن عملكم ولا تحتاج إلى عائد إلّا أن تجعلها بمعنى الذي فتحذف العائد لطول الاسم أي عن الذي تعملونه.
(أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (75)
(أَفَتَطْمَعُونَ) فعل مستقبل. (أَنْ) في موضع نصب أي في أن. (يُؤْمِنُوا) نصب بأن فلذلك حذفت منه النون. (وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ) قال الخليل (1) : قد للتوقع «فريق» اسم كان والخبر. (يَسْمَعُونَ) ويجوز أن يكون الخبر منهم ويكون «يسمعون» نعتا لفريق وجمع «فريق» في أدنى العدد : أفرقة والكثير أفرقاء. قال سيبويه (2) : واعلم أنّ ناسا من ربيعة يقولون : «منهم» أتبعوها الكسرة ولم يكن المسكّن حاجزا حصينا عندهم.
(وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (76)
قال أبو جعفر : الأصل في (لَقُوا) لقيوا ، وقد ذكرناه في أول السورة (3) ، والأصل في (خَلا) خلو قلبت الواو ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها. (لِيُحَاجُّوكُمْ) نصب بلام كي وإن شئت بإضمار أن وعلامة النصب حذف النون. قال يونس (4) : وناس من العرب يفتحون لام كي. قال الأخفش : لأن الفتح الأصل قال خلف الأحمر (5) : هي لغة بني العنبر.
__________________
(1) انظر الكتاب 4 / 345.
(2) انظر الكتاب 4 / 311.
(3) انظر تفسير الآية 14.
(4) يونس بن حبيب أبو عبد الرّحمن الضبي ، أخذ عن أبي عمرو ، وكان النحو أغلب عليه (ت 183 ه‍).
ترجمته في طبقات الزبيدي 48.
(5) خلف الأحمر بن حيان بن محرز أبو محرز مولى بلال بن أبي بردة ، أحد رواة الغريب (من الحديث) والشعر والعلماء به. توفي في حدود الثمانين ومائة. ترجمته في طبقات الزبيدي 177 ، ونزهة الألباء 53.

(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) (78)
(وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ) رفع بالابتداء ، (لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ) في موضع نصب ، (إِلَّا أَمانِيَ) نصب لأنه استثناء ليس من الأول ، ومثله (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) [النساء : 157]. وقرأ أبو جعفر (إِلَّا أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ) قال : هذا كما يقال في جمع مفتاح : مفاتح. قال أبو جعفر : الحذف في المعتلّ أكثر كما قال ذو الرمة : [الطويل]
24 ـ وهل يرجع التّسليم أو يكشف العما
ثلاث الأثافي والرّسوم البلاقع (1)

(وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) ابتداء وخبر.
(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) (79)
(فَوَيْلٌ) مبتدأ قال الأخفش : ويجوز نصبه على إضمار فعل أي ألزمه الله ويلا.
(وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (80)
(وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ) روى سيبويه (2) عن بعض أصحاب الخليل قال : الأصل في لن «لا أن». وحكى هشام عن الكسائي مثله وزعم سيبويه أنّ هذا خطأ وأنّ لن عاملة كأن واستدلّ على ذلك بقول العرب : زيدا لن أضرب. (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ) مدغما ، وقرأ عاصم (أَتَّخَذْتُمْ) بغير إدغام لأن الثاني بمنزلة المنفصل فحسن الإظهار.
(بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (81)
(بَلى) بمنزلة نعم إلّا أنها لا تقع إلّا بعد النفي ، وزعم الكوفيون (3) أنها «بل» زيدت عليها الياء فبل يدلّ على ردّ الجحد والياء تدلّ على الإيجاب لما بعده ، قالوا : ولو قال قائل : ألم تأخذ دينارا فقلت نعم لكان المعنى لا لم آخذ لأنك حقّقت النفي وما بعده ، وإذا قلت : بلى صار المعنى قد أخذت. (مَنْ) في موضع رفع بالابتداء وهي شرط. (فَأُولئِكَ) ابتداء ثان. (أَصْحابُ النَّارِ) خبر الثاني والثاني خبره خبر الأول.
__________________
(1) الشاهد لذي الرمة في ديوانه ص 1274 ، والأشباه والنظائر 5 / 122 ، وإصلاح المنطق 303 ، وجواهر الأدب 317 ، والدرر 6 / 201 ، وشرح شواهد الإيضاح ص 308 ، وخزانة البغدادي 1 / 213 ، وشرح المفصّل 2 / 122 ، ولسان العرب (خمس) ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1 / 358 ، وتذكرة النحاة ص 344 ، وشرح الأشموني 1 / 87 ، والمقتضب 2 / 176 ، والمنصف 1 / 64 ، وهمع الهوامع 2 / 150.
(2) انظر الكتاب 3 / 3.
(3) انظر معاني الفراء 1 / 52.

(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) (83)
(لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) قد ذكرناه في الكتاب الذي قبل هذا. (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) مصدر. (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) مبني على فعل وحكى الأخفش وقولوا للناس حسنى (1) على فعلى. قال أبو جعفر : وهذا لا يجوز في العربية ، لا يقال من هذا شيء إلّا بالألف واللام نحو الفضلى والكبرى والحسنى. هذا قول سيبويه ، وقرأ عيسى بن عمر وقولوا للناس حسنا (2) بضمتين ، وهذا مثل الحلم ، وقرأ الكوفيون حسنا (3) أي قولا حسنا. قال الأخفش سعيد : حسن وحسن مثل بخل وبخل قال محمد بن يزيد : يقبح في العربية أن تقول : مررت بحسن على أن تقيم الصفة مقام الموصوف لأنه لا يعرف ما أردت. (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) منصوب على الاستثناء والمستثنى عند سيبويه (4) منصوب لأنه مشبّه بالمفعول وقال محمد بن يزيد : هو مفعول على الحقيقة المعنى استثنيت قليلا. (وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) ابتداء وخبر.
(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) (84)
(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) ويجوز إدغام القاف في الكاف لقرب إحداهما من الأخرى ، (لا تَسْفِكُونَ) مثل (لا تَعْبُدُونَ) [البقرة : 83] وقرأ طلحة. تَسْفُكُونَ (5) بضم الفاء ، (دِماءَكُمْ) جمع دم والأصل في دم فعل هذا البيّن وقيل أصله دمي على «فعل» إلّا أنّ الميم تحرّك في التثنية إذا ردّ إلى أصله ليدلّ ذلك على أنها كانت حرف الإعراب في الحذف.
(ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (85)
(ثُمَّ أَنْتُمْ) فتحت الميم من «ثم» لالتقاء الساكنين ، ولا يجوز ضمّها ولا كسرها
__________________
(1) انظر مختصر ابن خالويه (7).
(2) انظر البحر المحيط 1 / 453 ، ومختصر ابن خالويه (7).
(3) وهي قراءة حمزة والكسائي ويعقوب ، انظر البحر المحيط 1 / 453.
(4) انظر الكتاب 2 / 346.
(5) انظر البحر المحيط 1 / 457 ، وهي قراءة شيب ابن أبي حمزة أيضا.

كما جاز في «ردّ» لأنها لا تتصرّف. و (أَنْتُمْ) في موضع رفع بالابتداء ولا يعرب المضمر وضممت التاء من أنتم لأنها كانت مفتوحة إذا خاطبت واحدا مذكرا ومكسورة إذا خاطبت واحدة مؤنّثة فلما ثنّيت وجمعت لم تبق إلّا الضّمة ، (هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) قال القتبي (1) : التقدير : يا هؤلاء. قال أبو جعفر : هذا خطأ على قول سيبويه (2) لا يجوز عنده : هذا أقبل ، وقال أبو إسحاق (3) : «هؤلاء» بمعنى الذين ، وتقتلون داخل في الصلة أي ثم أنتم الذين تقتلون ، وسمعت عليّ بن سليمان يقول : سمعت محمد بن يزيد يقول : أخطأ من قال انّ «هذا» بمعنى «الذي» وإن كان قد أنشد : [الطويل]
25 ـ عدس ما لعبّاد عليك إمارة
نجوت وهذا تحملين طليق (4)

قال : فإنّ هذا بطلان المعاني قال أبو الحسن : هذا على بابه و «طليق» و «تحملين» خبر أيضا ، قال أبو جعفر : يجوز أن يكون التقدير والله أعلم أعني هؤلاء و «تقتلون» : خبر «أنتم» ، «أنفسكم» : مفعوله ، ولا يجيز الخليل وسيبويه أن يتصل المفعول في مثل هذا لا يجيزان : ضربتني ولا ضربتك. قال سيبويه : استغنوا عنه بضربت نفسي وضربت نفسك ، وقال أبو العباس : لم يجز هذا لئلا يكون المخاطب فاعلا مفعولا في حال واحدة. تظّاهرون عليهم هذه قراءة أهل المدينة وأهل مكة تدغم التاء في الظاء لقربها منها ، وقرأ الكوفيون (تَظاهَرُونَ) (5) حذفوا التاء الثانية لدلالة الأولى عليها ، وقرأ قتادة تظّهرون قال أبو جعفر : وهذا بعيد وليس هو مثل قوله : يظّهّرون منكم من نسائهم [المجادلة : 2] لأن معنى هذا أن يقول لها : أنت عليّ كظهر أمّي ، فالفعل في هذا من واحد ، وقوله تظّاهرون الفعل فيه لا يكون إلّا من اثنين أو أكثر. (وَإِنْ يَأْتُوكُمْ) شرط فلذلك حذفت منه النون ، «تفادوهم» جوابه (6) ، (أُسارى) على فعلى هو الباب
__________________
(1) القتبي : أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (ت 276 ه‍) ، ترجمته في طبقات الزبيدي 200.
(2) انظر الكتاب 2 / 234.
(3) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 137 ، ومعاني القرآن للفراء 2 / 177.
(4) الشاهد ليزيد بن مفرّغ في ديوانه ص 170 ، وأدب الكاتب ص 417 ، والإنصاف 2 / 717 ، وتخليص الشواهد ص 150 ، وتذكرة النحاة ص 20 ، وجمهرة اللغة ص 645 ، والدرر 1 / 269 ، وشرح التصريح 1 / 139 ، وشرح شواهد المغني 2 / 859 ، وشرح المفصّل 4 / 79 ، والشعر والشعراء 1 / 371 ، ولسان العرب (حدس ، وعدس) ، والمقاصد النحوية 1 / 442 ، وبلا نسبة في أمالي بن الحاجب ص 362 ، وأوضح المسالك 1 / 162 ، وخزانة الأدب 4 / 333 ، وشرح الأشموني 1 / 74 ، وشرح شذور الذهب ص 190 ، وشرح قطر الندى 106 ، وشرح المفصل 2 / 16 ، والمحتسب 2 / 94 ، ومغني اللبيب 2 / 462 ، وهمع الهوامع 1 / 84.
(5) وهي قراءة عاصم وصخرة والكسائي ، انظر البحر المحيط 1 / 459.
(6) انظر تيسير الداني 64.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 2847
نقاط : 4448
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

إعراب القرآن [ ج ١ ] Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعراب القرآن [ ج ١ ]   إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 4:13 pm

كما تقول : قتيل وقتلى وجريح وجرحى ، ومن قال : (أُسارى) شبه بسكران وسكارى فكل واحد منهما مشبّه بصاحبه قال سيبويه (1) : وإنما قالوا : سكران وسكرى لأنها آفة تدخل على العقل. قال أبو حاتم : ولا يجوز أسارى. قال أبو إسحاق (2) : كما يقال : سكارى وفعالي هو الأصل وفعالي داخلة عليها ، وحكي عن محمد بن يزيد أنه قال يقال : أسير وأسراء كظريف وظرفاء ، (أُسارى) : في موضع نصب على الحال. (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ) وإن شئت أسكنت الهاء لثقل الضمة (3) كما قال امرؤ القيس : [المديد]
26 ـ فهو لا ينمي رميّته
ماله؟ لا عدّ من نفره (4)

وإن شئت أسكنت الهاء لثقل الضمّة وكذلك إن جئت بالفاء واللام ، «وهو» في موضع رفع بالابتداء. وهو كناية عن الحديث ، والجملة التي بعده خبر ، وإن شئت كان «هو» كناية عن الإخراج وإخراجهم بدل من هو ، وزعم الفراء (5) أنّ «هو» عماد وهذا عند البصريين خطأ لا معنى له لأن العماد لا يكون في أول الكلام. (فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ابتداء وخبر. وقرأ الحسن ويوم القيامة تردّون إلى أشدّ العذاب (6).
(أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (86)
(أُولئِكَ الَّذِينَ) ابتداء وخبر.
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) (87)
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) مفعولان (وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ) قال هارون : لغة أهل الحجاز الرّسل بضمتين مضافا كان أو غير مضاف ولغة تميم التخفيف مضافا أو غير مضاف وأخذ أبو عمرو من اللغتين جميعا فكان يخفّف إذا أضاف إلى حرفين ويثقّل
__________________
(1) انظر الكتاب 4 / 120.
(2) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 136.
(3) انظر تيسير 64.
(4) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ص 125 ، ولسان العرب (نفر) ، و (نمي) ، وتهذيب اللغة 15 / 518 ، وتاج العروس (نمي) ، وأساس البلاغة (نمي) ، وبلا نسبة في مقاييس اللغة 5 / 480.
(5) انظر معاني الفراء 1 / 51 ، والبحر المحيط 1 / 460.
(6) انظر مختصر ابن خالويه 8.

إذا أضاف إلى حرف أو لم يضف. وقرأ ابن محيصن وآايدناه (1) ، وقرأ مجاهد وابن كثير (بِرُوحِ الْقُدُسِ). (أَفَكُلَّما) ظرف. (بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ) حذفت الهاء لطول الاسم أي تهواه. (فَفَرِيقاً) منصوب بكذبتم (وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ).
(وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) (88)
(وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ) ابتداء وخبر مشتقّ من قولهم أغلف أي على قلوبنا غطاء ، ومثله (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ) [فصلت : 5] ، وكذا (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) [فصلت : 26] ، (وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ) [نوح : 7] وجوز أن يكون غلف جمع غلاف وحذفت الضمة لثقلها فأما غلف فهو جمع غلاف لا غير أي قلوبنا أوعية للعلم وقيل : أي قلوبنا لا تجلى بشيء كالغلف.
(وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) (89)
(وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ) نعت لكتاب ، ويجوز في غير القرآن نصبه على الحال ، وفي قراءة عبد الله منصوب في «آل عمران» (2) قال الأخفش سعيد : جواب لمّا محذوف لعلم السامع كما قال : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ) [الإسراء : 7] أي فإذا جاء وعد الآخرة خلّيناكم وإياهم بذنوبكم ولم نحل بينكم وبينهم ، ومثله (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ) [يس : 45] أي وإذا قيل لهم هذا أعرضوا ودلّ عليه فإذا هم معرضون (3) ، وقال الفراء (4) : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا) كأن الفاء جواب للمّا الأولى والثاني ولم تحتج الأولى إلى جواب.
قال سيبويه (5) : وقال جلّ وعزّ :
(بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ) (90)
(بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا) كأنه قال : بئس الشيء اشتروا به أنفسهم ثم قال : «أن» على التفسير كأنه قيل له : ما هو؟ كما يقول العرب : بئسما له. يريدون:
__________________
(1) انظر مختصر ابن خالويه 8.
(2) انظر معاني القرآن للفراء 1 / 51 (آية 81 ـ آل عمران).
(3) يشير إلى الآية 46 سورة يس : (إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ).
(4) انظر معاني الفراء 1 / 59.
(5) انظر الكتاب 3 / 178.

بئس الشيء له ، وقال الكسائي : ما واشتروا اسم واحد في موضع رفع وقال الأخفش : هو مثل قولك : بئس رجلا زيد. والتقدير عنده بئس شيئا اشتروا به أنفسهم ، ومثله (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) [البقرة : 271] ومثله (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) [النساء : 58] ، وقال الفراء (1) : يجوز أن تكون «ما» مع بئس بمنزلة كلّما. قال أبو جعفر : أبين هذه الأقوال قول الأخفش ونظيره ما حكي عن العرب : بئسما تزويج ولا مهر ، ودققته دقّا نعمّا. وقول سيبويه حسن يجعل «ما» وحدها اسما لإبهامها وسبيل بئس ونعم أن لا تدخلا على معرفة إلّا للجنس. فأما قول الكسائي فمردود من هذه الجهة ، وقول الفراء : تكون «ما» مع بئس مثل كلّما لا يجوز لأنه يبقى الفعل بلا فاعل وإنّما تكون «ما» كافّة في الحروف نحو إنّما وربّما. قال الكسائي والفراء (2) : «أن يكفروا» إن شئت كانت «أن» في موضع خفض ردّا على الهاء في به قال الفراء : أي اشتروا أنفسهم بأن يكفروا بما أنزل الله. قال أبو جعفر : يقال (3) : بئس ونعم هذا الأصل ويقال : بئس ونعم على الاتباع ، ويقال : بئس ونعم تقلب حركة الهمزة على الباء. (بَغْياً) مفعول من أجله وهو على الحقيقة مصدر. (أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ) في موضع نصب والمعنى لأن ينزل الله الفضل على نبيّه.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (91)
(وَراءَهُ) ظرف. (وَهُوَ الْحَقُ) ابتداء وخبر. (مُصَدِّقاً) حال مؤكّدة عند سيبويه. (لِما مَعَهُمْ) «ما» في موضع خفض باللام ومعهم صلتها ومعهم منصوب بالاستقرار ومن أسكن جعله حرفا. (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ) الأصل فلما و «ما» في موضع خفض باللّام وحذفت الألف فرقا بين الاستفهام والخبر ولا ينبغي أن يوقف عليه لأنّه إن وقف عليه بلا هاء كان لحنا فإن وقف عليه بالهاء زيد في الشواذ.
(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (93)
(وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) ضممت الميم لالتقاء الساكنين لأن أصلها الضم ، وإن شئت كسرت على أصل التقاء الساكنين. وهو مثل (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : 82] ، والمعنى : وسقوا في قلوبهم حبّ العجل.
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 56 ، والبحر المحيط 1 / 472.
(2) انظر معاني الفراء 1 / 56.
(3) انظر الإنصاف مسألة 14.

(قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (94)
(قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ) شرط. (الدَّارُ) اسم كانت. و (الْآخِرَةُ) من نعتها. (خالِصَةً) خبر كانت وإن شئت كان حالا وتكون (عِنْدَ اللهِ) في موضع الخبر. وقرأ ابن أبي إسحاق. (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) كسر الواو لالتقاء الساكنين. قال أبو جعفر : وقد ذكرنا في قوله : (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ) [البقرة : 16].
(وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (95)
(وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ) نصب بلن فلذلك حذفت منه النون. (أَبَداً) ظرف زمان من طول العمر إلى الموت. (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) إن جعلت «ما» بمعنى الذي فالتقدير قدّمته وإن جعلتها مصدرا لم تحتج إلى عائد و (أَيْدِيهِمْ) في موضع رفع حذفت الضمة من الياء لثقلها مع الكسرة ، وأجاز سيبويه ضمّها وكسرها في الشعر وأنشد لابن قيس الرقيات : [المنسرح]
27 ـ لا بارك الله في الغوانيّ هل
يصبحن إلّا لهنّ مطّلب (1)

فإن كانت في موضع نصب حرّكتها لأن النصب خفيف ، ويجوز إسكانها في الشعر. (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) ابتداء وخبر.
(وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) (96)
(وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ) مفعولان ، (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) على حذف أي وأحرص ليعطف اسما على اسم ويجوز في العربية (مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ) بمعنى من الذين أشركوا قوم يودّ أحدهم إلا أنّ المعنى في الآية لا يحتمل هذا وإن كان جائزا في العربية أدغمت والأصل في يودّ : يودد. أدغمت لئلا يجمع بين حرفين من جنس واحد متحرّكين وقلبت حركة الدال على الواو ليدلّ ذلك على أنه يفعل ، وحكى الكسائي : وددت بفتحها فيجوز على هذا «يودّ» بكسر الواو. قال أبو جعفر : وقد ذكرنا (وَما هُوَ
__________________
(1) الشاهد لعبيد الله بن قيس الرقيات في ديوانه ص 3 ، والأزهيّة ص 209 ، والدرر 1 / 168 ، وشرح أبيات سيبويه 1 / 569 ، وشرح شواهد المغني ص 62 ، وشرح المفصّل 10 / 101 ، ولسان العرب (غنا) ، والمقتضب 1 / 142 ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2 / 336 ، ورصف المباني ص 270 ، وما ينصرف وما لا ينصرف ص 115 ، والمحتسب 1 / 111 ، والمنصف 2 / 67 ، ومغني اللبيب 243 ، والمقتضب 3 / 354 ، وهمع الهوامع 1 / 53.

بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ) في الكتاب الذي قبل هذا (1). (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) أي بما يعمل هؤلاء الذين يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنة ومن قرأ بما تعملون فالتقدير عنده قل لهم يا محمد : الله بصير بما تعملون.
(قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) (97)
(قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) فيه خمس لغات للعرب : لغة أهل الحجاز : جبريل (2) ولغة تميم وقيس جبرئيل (3) كما قرأ الكوفيون. ولغة بني أسد «جبرين» (4) بالنون ، وقرأ الحسن وعبد الله بن كثير (لِجِبْرِيلَ) (5) بفتح الجيم بغير همز. قال أبو جعفر : لا يعرف في كلام العرب فعليل بفتح الفاء وفيه فعليل نحو دهليز وقطمير وبرطل وليس ينكر أن يأتي في كلام العجم ما ليس له نظير في كلام العرب ولا ينكر أن يكثر تغييره كما قالوا : إبراهيم وإبراهم وابراهم وابراهام. واللغة الخامسة جبرئل (6) ومن تأول الحديث «جبر عبد و «ال» الله (7) وجب عليه أن يقول : هذا جبرإل ورأيت جبرال ، ومررت بجبرإل. وهذا لا يقال فوجب أن يكون معنى الحديث أنه مسمّى بهذا ، والجمع في اللغات الأربع على التكسير جباريل.
(مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ) (98)
وفي ميكائيل (Cool أربع لغات : فلغة أهل الحجاز كراهة شديدة فلما رآه في السواد بياء ولام بعد الكاف قرأه (وميكايل) وذهب إلى أنّ الألف (ميكال) وبها قرأ أبو عمرو ، وحاد عنها نافع لأنه كان يكره مخالفة الخط كراهة شديدة حذفت كما تحذف من الأسماء الأعجمية نحو إبراهيم إسماعيل فهذه حجّة بيّنة وحجة أبي عمرو وأنّ حروف المدّ واللّين يقلب بعضها إلى بعض كثيرا كما كتبوا ابن أبي طالب بالواو فأبدلوا من الياء واوا ولا يقال : إلّا ابن أبي طالب ويقال : ميكائل ويقال : ميكاأل كما يقال : إسرأل
__________________
(1) إشارة إلى كتابه معاني القرآن.
(2) انظر البحر المحيط 1 / 485 ، وهي قراءة ابن عامر وأبو عمرو ونافع وحفص.
(3) انظر البحر المحيط 1 / 485 ، وهي قراءة الأعمش وحمزة والكسائي وحماد بن أبي زياد عن أبي بكر عن عاصم.
(4) انظر مختصر ابن خالويه 8.
(5) انظر البحر المحيط 1 / 486 ، وهي قراءة ابن محيصن.
(6) انظر المحتسب 1 / 97 ، وهي قراءة يحيى بن يعمر.
(7) انظر المحتسب 1 / 97 ، والبحر المحيط 1 / 486 ، واللسان (جبر).
(Cool انظر تيسير الداني 65 ، والبحر المحيط 1 / 486.

بهمزة مفتوحة وهما اسمان أعجميّان فلذلك لم ينصرفا.
(وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ) (99)
(وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ) «آيات» : في موضع نصب وكسرت التاء عند البصريين ليستوي النصب والخفض في المؤنث لأنه جمع مسلّم كما استوى في المذكّر ، وقول الكوفيين لأن التاء غير أصلية والأصل في آية آية ولا ينطق منها بفعل لئلّا تجتمع علّتان. (وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ) مرفوعون بفعلهم. والتقدير وما يكفر بها أحد إلّا الفاسقون لأنه لا بدّ قبل الإيجاب من النفي.
(أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (100)
(أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً) قال الأخفش : الواو زائدة دخلت عليها ألف الاستفهام ، ومذهب الكسائي أنها «أو» حركت الواو منها. (كُلَّما) ظرف. (عَهْداً) مصدر. (بَلْ أَكْثَرُهُمْ) ابتداء. (لا يُؤْمِنُونَ) فعل مستقبل في موضع الخبر.
(وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (101)
(وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ) مرفوع بفعله. (مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ) نعت ، ويجوز على الحال. (نَبَذَ فَرِيقٌ) جواب لمّا. (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) خبر ما لم يسمّ فاعله. (كِتابَ اللهِ) منصوب بنبذ. (وَراءَ ظُهُورِهِمْ) ظرف. (كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) فعل مستقبل في موضع خبر كأن.
(وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (102)
(وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ) هذه آية مشكلة وقد تقصّينا ما فيها من المعاني في الكتاب الذي قبل هذا. موضع «ما» نصب باتّبعوا وتتلو داخل في الصلة وحذفت منه الهاء لطول الاسم والأصل تتلوه الشياطين. «وسليمان» صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا ينصرف لأنه معرفة وفي آخره زائدتان فأشبه سكران ، (وَلكِنَّ الشَّياطِينَ) نصب بلكنّ وإن خفّفت لكن رفعت ما بعدها بالابتداء. (يُعَلِّمُونَ) في موضع نصب على الحال ، ويجوز أن يكون في موضع

رفع على أنه خبر ثان. (النَّاسَ السِّحْرَ) مفعولان. (بِبابِلَ) لا ينصرف لأنه أعجمي معرفة. (هارُوتَ وَمارُوتَ) مثله والجمع هواريت مثل طواغيت ، ويقال : هوارتة وهوار وموارتة وموار فاعلم ومثله جالوت وطالوت. (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ) من زائدة للتوكيد والتقدير وما يعلمان أحدا. (حَتَّى يَقُولا) نصب بحتّى فلذلك حذفت منه النون ولغة هذيل وثقيف عتّى. (فَلا تَكْفُرْ) جزم بالنهي. (فَيَتَعَلَّمُونَ) أحسن ما قيل فيه أنه مستأنف ، وقول الفراء (1) : أنه نسق على «يعلّمون» غلط لأنه لو كان كذا لوجب أن يكون فيتعلمون منهم ، فقوله منهما يمنع أن يكون التقدير : «ولكن الشياطين كفروا يعلّمون الناس السحر فيتعلّمون» إلّا على قول من قال : الشياطين هاروت وماروت ، وللفراء (2) قول آخر قال : يكون محمولا على المعنى لأن معنى (فلا تكفر) فلا تتعلّم السحر أي فيأتون فيتعلّمون ، وقيل : التقدير يعلّمان الناس فيتعلّمون. (مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ) في موضع نصب بيفرّقون (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ) «من» زائدة وقول أبي إسحاق (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) : إلّا بعلم الله غلط لأنه إنما يقال في العلم : إذن وقد أذنت به إذنا ولكن لمّا لم يحل فيما بينهم وبينه وخلّوا يفعلونه كان كأنّه إباحة مجازا. (وَلَقَدْ عَلِمُوا) لام توكيد. (لَمَنِ اشْتَراهُ) لام يمين وهي للتوكيد أيضا ، وموضع «من» رفع بالابتداء ، لأنه لا يعمل ما قبل اللام فيما بعدها ومن بمعنى الذي. قال الفراء : هي للمجازاة. قال أبو إسحاق : ليس هذا موضع شرط ومن بمعنى الذي كما تقول : لقد علمت لمن جاءك ما له عقل. (ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) «من» زائدة ، والتقدير ما له في الآخرة خلاق ، ولا تزاد من في الواجب.
(وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (103)
(وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا) موضع أنّ موضع رفع أي لو وقع إيمانهم ، و (لَوْ) لا يليها إلا الفعل ظاهرا أو مضمرا لأنها بمنزلة حروف الشرط إذ كانت لا بدلها من جواب وأن يليها الفعل. قال محمد بن يزيد : وإنما لم يجاز بها لأن سبيل حروف المجازاة كلّها أن تقلب الماضي إلى معنى المستقبل فلمّا لم يكن هذا في «لو» لم يجز أن يجازى بها. قال الأخفش سعيد : ليس «للو» هنا جواب في اللفظ ولكن في المعنى ، والمعنى لأثيبوا.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ) (104)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا) أمر فلذلك حذفت منه الياء ، وأحسن ما
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 64 ، والبحر المحيط 1 / 500.
(2) انظر البحر المحيط 1 / 500.

قيل فيه قول مجاهد. قال : لا تقولوا اسمع منّا ونسمع منك ولكن قولوا فهمنا ، (انْظُرْنا) بيّن لنا ، أمر وأن يخاطبوه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالإجلال. وهذا حسن أي لا تقولوا كافينا في المقال كما قال: (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) [النور : 63] وقرأ الحسن (راعنا) (1) منونا نصبه على أنه مصدر أو نصبه بالقول أي لا تقولوا رعونة. قال أبو جعفر: يقال لما نتأ من الجبل رعن والجبل أرعن وجيش أرعن أي متفرّق ورجل أرعن أي متفرق الحجج ليس عقله مجتمعا.
(ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (105)
«المشركين» : معطوف على أهل ويجوز في النحو «ولا المشركون» بعطفه على الذين ، (أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ) «من» زائدة ، والتقدير أن ينزّل عليكم خير اسم ما لم يسمّ فاعله.
(ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (106)
(ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) شرط والجواب. (نَأْتِ) وقوله (أَوْ نُنْسِها) عطف على ننسخ وحذفت الياء للجزم ، ومن قرأ أو ننسأها (2) حذف للضمة من الهمزة للجزم. (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَ) جزم بلم وحرف الاستفهام لا يغيّر عمل العامل ، وفتحت أنّ لأنها في موضع اسم.
(أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (107)
«ملك» : رفع الابتداء ، و (له) : الخبر والجملة خبر أنّ وملك مشتقّ من ملكت العجين أي أحكمت عجنه ، (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) ويجوز رفع نصير عطفا على الموضع لأن المعنى وما لكم من دون الله وليّ ولا نصير.
(أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) (108)
(أَمْ تُرِيدُونَ) أي أبل وحكى سيبويه إنّها لإبل أم شاء. (أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ) في موضع نصب بتريدون. (كَما سُئِلَ مُوسى) الكاف في موضع نصب نعت لمصدر أي
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 70 ، والبحر المحيط 1 / 508 ، وتفسير الطبري 1 / 472 ، وهي قراءة ابن أبي ليلى وأبي حياة وابن محيصن أيضا.
(2) انظر التيسير في القراءات 65 ، والبحر المحيط 1 / 513.

سؤالا كما سئل موسى وإن خفّفت الهمزة وجعلتها بين الهمزة والياء فقلت : سئل ، وقرأ الحسن سيل (1) وهذا على لغة من قال : سلت أسال ويجوز أن يكون على بدل الهمزة إلّا أنّ بدل الهمزة بعيد (موسى) اسم ما لم يسمّ فاعله لم يتبيّن فيه الإعراب لأنه مقصور ولم ينوّن لأنه لا ينصرف لعجمته. (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ) جزم بالشرط كسرت اللام لالتقاء الساكنين واختير الكسر لأنه أخو الجزم ، وقيل : لأن الضّم والفتح يكونان بغير تنوين إعرابا. وجواب الشرط (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ).
(وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (109)
(وَدَّ كَثِيرٌ) رفع بودّ. (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) خفض بمن ، (لَوْ يَرُدُّونَكُمْ) فعل مستقبل. (كُفَّاراً) مفعول ثان وإن شئت كان حالا. (حَسَداً) مصدر وقال الفراء : هو كالمفسّر. (فَاعْفُوا) أمر والأصل فاعفوا وحذفت الضمة لثقلها ثم حذفت الواو لالتقاء الساكنين.
(وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (111)
أجاز الفراء (2) أن يكون (هُوداً) بمعنى يهودي وحذف منه الزائدة وأن يكون جمع هائد ، والقول الثاني مذهب البصريين. قال الأخفش سعيد : (إِلَّا مَنْ كانَ) جعل كان واحدا على لفظ «من» ثم قال : هودا فجمع لأنّ معنى من جمع. (تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ) ابتداء وخبر ويجوز تلك أمانيهم. (قُلْ هاتُوا) والأصل هاتيوا حذفت الضمة لثقلها ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين يقال في الواحد المذكر : هات يا هذا ، مثل رام وفي المؤنث هاتي ، مثل رامي. و (إِنْ كُنْتُمْ) شرط أي «إن كنتم صادقين فبيّنوا ما قلتم ببرهان».
(بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (112)
(بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ) على لفظ من ثم قال : فلهم على المعنى.
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (114)
ابتداء وخبر أي وأي أحد أظلم. (مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) أن في
__________________
(1) انظر البحر المحيط 1 / 516.
(2) انظر معاني القرآن للفراء 1 / 73 ، والبحر المحيط 1 / 520.

موضع نصب على البدل من مساجد ، ويجوز أن يكون التقدير من أن يذكر وحروف الخفض تحذف مع أن لطول الكلام ، وقيل : لأنّ المعنى في الفعل بعدها يتبيّن ، (وَسَعى) معطوف على منع ، (أُولئِكَ) مبتدأ والجملة خبر ، (خائِفِينَ) حال ، (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) رفع بابتداء وإن شئت على معنى وجب وكذا.
(وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ) (115)
(فَأَيْنَما تُوَلُّوا) شرط فلذلك حذفت النون و «أين» العاملة و «ما» زائدة وقرأ الحسن (فَأَيْنَما تُوَلُّوا) بفتح التاء واللام والأصل تتولّون. (فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) «ثمّ» في موضع نصب على الظرف ومعناها البعد إلّا أنّها مبنيّة على الفتح غير معربة لأنها مبهمة تكون بمنزلة هناك للبعد فإن أردت القرب قلت هنا.
(وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) (116)
(سُبْحانَهُ) مصدر. (بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ) «ما» في موضع رفع بالابتداء ، وإن شئت بالاستقرار. (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) ابتداء وخبر ، والتقدير كلّهم ثم حذفت الهاء والميم.
(بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (117)
(بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) خبر ابتداء محذوف. قال أبو جعفر : وقد ذكرنا رفع (فيكون).
(وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (118)
(مِثْلَ قَوْلِهِمْ) مفعول وإن شئت كان نعتا لمصدر محذوف.
(إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) (119)
(بَشِيراً) نصب على الحال. (وَنَذِيراً) عطف عليه. قال الأخفش سعيد : ويجوز (وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) بفتح التاء وضم اللام ويكون في موضع الحال تعطفه على «بشيرا ونذيرا».
(وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (120)
(وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى) المصدر رضوان ورضوان ومرضاة ورضى ورضى ، وهو من ذوات الواو ، ويقال : في التثنية : رضوان ، وحكى الكسائي : رضيان وحكى

رضاءا ممدودا وكأنه مصدر راضى. (حَتَّى تَتَّبِعَ) نصب بحتّى وحتى بدل من أن (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) جمع هوى كما تقول : جمل وأجمال.
(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (121)
(الَّذِينَ) رفع بالابتداء. (آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) صلته. (يَتْلُونَهُ) خبر الابتداء وإن شئت كان الخبر (أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ).
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) (122)
وقرأ الحسن نعمتي التي أنعمت عليكم بإسكان الياء ثم حذفها في الوصل لالتقاء الساكنين. (وَأَنِّي) في موضع نصب عطف على «نعمتي».
(وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (124)
قرأ عبد الله وأبو رجاء والأعمش (قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) قال الفراء : لأنّ ما نالك فقد نلته كما تقول : نلت خيرا ونالني خير ، وحكي عن محمد بن يزيد أنه قال : المعنى يوجب نصب الظالمين. قال الله جلّ وعزّ لإبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) فعهد إليه بهذا فسأل إبراهيم فقال : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) فقال جلّ وعزّ : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) لا أجعل إماما ظالما ، وروي عن ابن عباس أنه قال : سأل إبراهيم أن يجعل من ذريته إمام فعلم الله عزوجل أنّ في ذريته من يعصي فقال : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).
(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (125)
(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً) مفعولان والأصل مثوبة قلبت حركة الواو على الثاء فانقلبت الواو ألفا اتباعا لثاب يثوب. قال الأخفش : الهاء في «مثابة» للمبالغة لكثرة من يثوب إليه. (وَأَمْناً) يعطفه على مثابة. (وَاتَّخِذُوا) (1) معطوف على جعلنا. قال الأخفش : أي واذكروا إذ اتّخذوا معطوف على (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ) ، ومن قرأ (وَاتَّخِذُوا) (2) قطعه من الأول وجعله أمرا وعطف جملة على جملة. قال أبو جعفر : وقد ذكرنا أنه قيل : الأولى
__________________
(1) انظر البحر المحيط 1 / 552 ، وهي قراءة نافع وابن عامر.
(2) انظر البحر المحيط 1 / 552 ، وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم وحمزة والكسائي والجمهور.

أن يكون «مقام إبراهيم» الذي يصلّي إليه الأئمة الساعة وإذا كان كذا كان الأولى (وَاتَّخِذُوا) لحديث حميد عن أنس : قال أبو جعفر : وذلك الحديث لم يروه عن أنس إلّا حميد إلّا من جهة فضعف. وليس يبعد «واتّخذوا» على الاختيار ثم يكون قد عمل به ، على أن حمّاد بن سلمة قد روى عن هشام بن عروة عن أبيه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبا بكر ، وعمر رضي الله عنهما صدرا من خلافته كانوا يصلّون بإزاء البيت ثم صلّى عمر إلى المقام. قال أبو جعفر : «مقام» من قام يقوم يكون مصدرا واسما للموضع ، ومقام من أقام وتدخلهما الهاء للمبالغة. (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ) في موضع خفض ولم ينصرفا لأنهما أعجميان وما لا ينصرف في موضع الخفض منصوب لأنه مشبّه بالفعل والفعل لا يخفض هذا قول البصريين ، وقال الفراء : كان يجب أن يخفض بلا تنوين إلّا أنهم كرهوا أن يشبه المضاف في لغة من قال : مررت بغلام يا هذا : (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ) يجوز أن تكون أن في موضع نصب والتقدير بأن ، ويجوز أن لا يكون لها موضع تكون تفسيرا لقول سيبويه تكون بمعنى أي ، ويقول الكوفيون : تكون بمعنى القول. (لِلطَّائِفِينَ) خفض باللّام. (وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ) عطف. (السُّجُودِ) نعت.
(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (126)
(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِ) نداء مضاف. (اجْعَلْ هذا) سؤال ولفظه الأمر إلّا أنّه استعظم أن يقال له أمر. (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ) مفعول. (مَنْ آمَنَ) بدل من أهل وهذا بدل البعض من الكل. (قالَ وَمَنْ كَفَرَ) «من» في موضع نصب ، والتقدير وارزق من كفر ودلّ على الفعل المحذوف فأمتّعه ، ويجوز أن تكون من للشرط ، وتكون في موضع نصب ويضمر الفعل بعدها. ويجوز أن تكون في موضع رفع بالابتداء والخبر «فأمّتعه».
وفي قراءة أبيّ فنمتّعه قليلا ثمّ نضطره (1) ، وفي قراءة يحيى بن وثاب فأمتعه قليلا ثمّ اضطرّه (2) بكسر الهمزة ورفع الفعل على لغة من قال : أنت تضرب ، وروي عن ابن محيصن أنه كان يدغم الضاد في الطاء. قال أبو جعفر : وذا لا يجوز لأن في الضاد تفشّيا فلا تدغم في شيء ولكن يجوز أن تدغم الطاء فيها كما قالوا : اضّجع «وفمن اضّرّ». وحدثنا أحمد بن شعيب بن علي قال : أخبرني عمران بن بكار قال : حدّثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي قال : حدثنا شعيب بن إسحاق عن هارون عن حنظلة عن الحارث بن أبي ربيعة قال : (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ) (3) قال أبو جعفر : وهذا
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 78.
(2) انظر البحر المحيط 1 / 555 ، وهي قراءة الجمهور.
(3) انظر معاني القرآن للفراء 1 / 78 ، والمحتسب 1 / 104 ، والبحر المحيط 1 / 555.

على السؤال والطلب والأصل اضطرره ثم أدغم ففتح لالتقاء الساكنين لخفّة الفتحة ويجوز الكسر. قال أبو جعفر : وهذه القراءة شاذة ونسق الكلام والتفسير جميعا يدلّان على غيرها ، أمّا نسق الكلام فإنّ الله جلّ وعزّ خبّر عن إبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً) ثم جاء بقوله ولم يفصل بينه بقال ، ثم قال فكان هذا جوابا من الله جلّ وعزّ ولم يقل ـ بعد : ـ قال إبراهيم. وأما التفسير فقد صحّ عن ابن عباس وسعيد بن جبير (1) ومجاهد ومحمد بن كعب وهذا لفظ ابن عباس دعا إبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمن آمن دون الناس خاصة فأعلم الله جلّ وعزّ أنه يرزق من كفر كما يرزق من آمن وأنه يمتّعه قليلا ثمّ يضطرّه إلى عذاب النار. قال أبو جعفر : وقال الله جلّ وعزّ : (كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ) [الإسراء : 20] وقال : (وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ) [هود : 48] وقال أبو إسحاق : إنما علم إبراهيمصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ في ذرّيته كفارا فخصّ المؤمنين لأن الله جلّ وعزّ قال له : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة : 124].
(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (128)
(الْقَواعِدَ) الواحدة قاعدة ، والواحدة من قوله (الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ) [النور : 60] ، قاعد ، (وَإِسْماعِيلُ) عطف على إبراهيم ، (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا) قال الأخفش : الذي قال «ربّنا تقبل منّا» إسماعيل ، وغيره يقول : هما جميعا قالا. قال الفراء : وفي قراءة عبد الله ويقولان ربّنا تقبّل منّا وأرنا مناسكنا (2) ويبعد وأرنا (3) بإسكان الراء لأن الأصل : أرينا ، حذفت الياء لأنه أمر وألقيت حركة الهمزة على الراء وحذفت الهمزة فإن حذفت الكسرة كان ذلك إجحافا ، وليس هذا مثل فخذ لأن الكسرة في أرنا تدلّ على الهمزة وليست الكسرة في فخذ دالة على شيء ، ولكن يجوز حذفها على بعد لأنها مستثقلة كما أنّ الكسرة في فخذ مستثقلة. قال الأخفش : واحد المناسك منسك مثل مسجد ويقال : منسك. قال أبو جعفر : يقال : نسك ينسك فكان يجب على هذا أن يقال : منسك إلا أنه ليس في كلام العرب مفعل.
(رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (129)
(يَتْلُوا) في موضع نصب لأنه نعت لرسول أي رسولا تاليا ، ويجوز في غير
__________________
(1) سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الكوفي التابعي الجليل. عرض على ابن عباس وعرض عليه أبو عمرو (ت 95 ه‍). ترجمته في غاية النهاية 1 / 305.
(2) انظر المحتسب 1 / 108 ، ومعاني القرآن للفراء 1 / 78.
(3) انظر تيسير الداني 66.

القرآن جزمه يكون جوابا للمسألة. (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ) عطف عليه.
(وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (130)
(وَمَنْ) ابتداء وهو اسم تامّ في الاستفهام والمجازاة. (يَرْغَبُ) فعل مستقبل في موضع الخبر وهو تقرير وتوبيخ وقع فيه معنى النفي أي ما يرغب ، (عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) وقول الفراء (1) : إنّ (نَفْسَهُ) مثل : ضقت به ذرعا محال عند البصريين لأنه جعل المعرفة منصوبة على التمييز. قال سيبويه (2) : وذكر الحال وإنّها مثل التمييز وهذا لا يكون إلّا نكرة ، يعني ما كان منصوبا على الحال كما أنّ ذلك لا يكون إلّا نكرة يعني التمييز. قال أبو جعفر : فإن جئت بمعرفة زال معنى التمييز لأنك لا تبيّن بها ما كان من جنسها. قال الفراء (3) : ومثله : بطرت معيشتها ولا يجوز عنده : نفسه سفه زيد ولا معيشتها بطرت القرية ، وقال الكسائي : وهو أحد قولي الأخفش : المعنى إلّا من سفه في نفسه ويجيزان التقديم. قال الأخفش : ومثله (عُقْدَةَ النِّكاحِ) أي على عقدة النكاح. قال أبو جعفر : وقد تقصّيناه في الكتاب الذي قبل هذا. (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) يقال : كيف جاز تقديم في الآخرة وهو داخل في الصلة؟ فالجواب أنه ليس التقدير وإنه لمن الصالحين في الآخرة فتكون الصلة قد تقدمت ولأهل العربية فيه ثلاثة أقوال : منها أن يكون المعنى وإنه صالح في الآخرة ثم حذف ، وقيل «في الآخرة» متعلّق بمصدر محذوف أي صلاحه في الآخرة ، والقول الثالث أن الصالحين ليس بمعنى الذين صلحوا ولكنه اسم قائم بنفسه كما يقال : الرجل والغلام. الأصل في (اصْطَفَيْناهُ) اصتفيناه أبدل من التاء طاء لأن الطاء مطبقة كالصاد وهي من مخرج التاء ولم يجز أن تدغم الصاد لأنها لا تدغم إلّا في أختيها الزاي والسين لما فيهنّ من الصفير ولكن يجوز أن تدغم التاء فيها في غير القرآن فتقول: اصّفيناه قبل.
(وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (132)
(وَوَصَّى) فيه معنى التكثير وإذا كان كذلك بعدت القراءة به وأحسن من هذا أن يكون وصّى وأوصى بمعنى واحد مثل كرمنا وأكرمنا. (إِبْراهِيمُ) رفع بفعله. (وَيَعْقُوبُ) عطف عليه. (يا بَنِيَ) نداء مضاف ، وهذه ياء النفس لا يجوز هاهنا إلّا فتحها لأنها لو سكنت لالتقى ساكنان ومثله (بِمُصْرِخِيَ) [إبراهيم : 22](إِنَّ اللهَ) كسرت
__________________
(1) انظر معاني القرآن للفراء 1 / 79.
(2) انظر الكتاب 2 / 110.
(3) انظر معاني القرآن للفراء 1 / 79.

«إنّ» لأن أوصى وقال واحد ، وقيل : على إضمار القول. (فَلا تَمُوتُنَ) في موضع جزم بالنهي أكّد بالنون الثقيلة وحذفت الواو لالتقاء الساكنين. (إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ابتداء وخبر في موضع الحال.
(أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (133)
(أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) خبر كان ولم يصرفه لأن فيه ألف التأنيث ودخلت لتأنيث الجماعة كما دخلت الهاء. (إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ) مفعول مقدّم وفي تقديمه فائدة على مذهب سيبويه (1) قال : لأنهم يقدمون الذي بيانه أهم عليهم وهم ببيانه أعنى وإن كانا جميعا يهمانهم ويعنيانهم. (ما تَعْبُدُونَ) «ما» في موضع نصب بتعبدون. (قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) في موضع خفض على البدل ولم تصرف لأنها أعجمية. قال الكسائي : إن شئت صرفت إسحاقا وجعلته من السحق وصرفت يعقوب وجعلته من الطير. قال أبو جعفر : ومن قرأ وإله أبيك (2) فله فيه وجهان : أحدهما أن يكون أفرد لأنه كره أن يجعل إسماعيل أبا لأنه عمّ. قال أبو جعفر : هذا لا يجب ، لأن العرب تسمّي العم أبا ، وأيضا فإنّ هذا بعيد لأنه يقدر وإله إسماعيل وإله إسحاق فيخرج وهو أبوه الأدنى من نسق إبراهيم ففي هذا من البعد ما لا خفاء به ، وفيه وجه آخر على مذهب سيبويه يكون أبيك جمعا. حكى سيبويه (3) : أبون وأبين كما قال : [الوافر]
28 ـ فقلنا أسلموا إنّا أخوكم (4)
سيبويه والخليل يقولان : في جمع إبراهيم وإسماعيل براهيم وسماعيل وهذا قول الكوفيين ، وحكوا أيضا براهمة وسماعلة والهاء بدل من الياء كما يقال : زنادقة ، وحكوا براهم وسماعل. قال محمد بن يزيد : هذا غلط لأن الهمزة ليس هذا موضع زيادتها
__________________
(1) انظر الكتاب 1 / 68.
(2) انظر المحتسب 1 / 112 (قراءة ابن عباس ويحيى ابن يعمر والحسن وعاصم الجحدري وأبي رجاء) ، ومختصر ابن خالويه 9 (يحيى بن يعمر).
(3) انظر الكتاب 2 / 447.
(4) الشاهد للعباس بن مرداس في ديوانه ص 52 ، ولسان العرب (أخا) ، والمقتضب 2 / 174 ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 4 / 285 ، وتذكرة النحاة ص 144 ، وجمهرة اللغة 1307 ، وخزانة الأدب 4 / 478 ، والخصائص 2 / 422 ، وعجزه :
«فقد برئت من الإحن الصدور»

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 2847
نقاط : 4448
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

إعراب القرآن [ ج ١ ] Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعراب القرآن [ ج ١ ]   إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 4:17 pm

ولكن أقول : أباره وأسامع ، ويجوز أباريه وأساميع وأجاز أحمد بن يحيى : براه كما يقال : في التصغير بريه وجمع إسحاق أساحيق ، وحكى الكوفيون : أساحقة وأساحق وكذا يعقوب ويعاقيب ويعاقبة ويعاقب فأما إسرائيل فلا نعلم أحدا يجيز حذف الهمزة من أوله وإنما يقال : أساريل وحكى الكوفيون : أسارلة وأسارل. والباب في هذا كلّه أن يجمع مسلّما فيقال : إبراهيمون وإسحاقون وإسماعيلون ويعقوبون والمسلّم لا عمل فيه. (إِلهاً واحِداً) نصب على الحال ، وإن شئت على البدل لأنه يجوز أن تبدل النكرة من المعرفة والمعرفة من النكرة.
(تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) (134)
(تِلْكَ) مبتدأ ، (أُمَّةٌ) خبره ، (قَدْ خَلَتْ) نعت لأمة وإن شئت كان خبر المبتدأ ويكون أمة بدلا من تلك ، (لَها ما كَسَبَتْ) «ما» في موضع رفع بالابتداء ، وبالصفة على قول الكوفيين ، (وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ) مثله.
(وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (135)
(وَقالُوا كُونُوا هُوداً) جمع هائد ، ويجوز أن يكون مصدرا بمعنى ذوى هود كما يقال: قوم عدل ورضى. (تَهْتَدُوا) جواب الأمر. قال أبو جعفر : وقد ذكرنا «قل بل ملّة إبراهيم» في الكتاب الذي قبل هذا. قال أبو إسحاق (1) : (حَنِيفاً) منصوب على الحال. قال علي بن سليمان هذا خطأ لا يجوز : جاءني غلام هند مسرعة ولكنه منصوب على أعني ، وقال غيره : المعنى بل نتبع إبراهيم في هذه الحال.
(قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (136)
(وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) في موضع خفض أي والذي أنزل إلينا واسم ما لم يسمّ فاعله مضمر في أنزل.
(فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (137)
(فَسَيَكْفِيكَهُمُ) الكاف والهاء والميم في موضع نصب مفعولان ، ويجوز في غير القرآن فسيكفيك إياهم ، وكذا الفعل إذا تعدّى إلى المفعول الأول قوي فجاز أن يأتي في الثاني منفصلا.
__________________
(1) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 181 ، والبحر المحيط 1 / 577.

(صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ) (138)
(صِبْغَةَ اللهِ) قال الأخفش : أي دين الله ، قال : وهي بدل من ملّة. قال أبو جعفر : وهو قول حسن لأن أمر الله جلّ وعزّ ونهيه ودلائله مخالطة للمعقول كما يخالط الصبغ الثوب.
(قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) (139)
(قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ) جاز اجتماع حرفين من جنس واحد متحركين لأن الثاني كالمنفصل ، وقرأ ابن محيصن قل أتحاجّونّا (1) مدغما ، وهذا جائز إلّا أنه مخالف للسواد وقد جمع أيضا بين ساكنين وجاز ذلك لأن الأول حرف مدّ ولين ، ويجوز أن تدغم ويومأ إلى الفتحة كما قرئ (لا تَأْمَنَّا) [يوسف : 11] بإشمام الضمّة ، ويجوز «أتحاجّونا» بحذف النون الثانية كما قرأ نافع (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) [الحجر : 54].
(أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (140)
قالوا : قرأ الكسائي (أَمْ تَقُولُونَ) (2) بالتاء ، وهي قراءة حسنة لأن الكلام متسق أي أتحاجوننا أم تقولون ، والقراءة بالياء من كلامين وتكون «أم» بمعنى «بل». قال الأخفش : كما تقول إنها لأبل أم شاء. وكسرت «إنّ» لأن الكلام محكيّ والأسباط من ولد يعقوب بمنزلة القبائل من ولد إسماعيل ، (هُوداً) خبر كان وخبر «إنّ» في الجملة ويجوز في غير القرآن رفع هود على خبر «إنّ» وتكون كان ملغاة.
تمّ الجزء الأول (3) من كتاب «إعراب القرآن» والحمد لله رب العالمين وصلى الله على النبي محمد وعلى آله الكرام الأبرار وسلم.
قال أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل في قوله عزوجل :
(سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (142)
(سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ) جمع سفيه والنساء سفايه ، (ما وَلَّاهُمْ) «ما» اسم تام في موضع رفع بالابتداء وولّاهم في موضع الخبر.
__________________
(1) انظر مختصر في شواذ القرآن 10 ، والبحر المحيط 1 / 585 ، وهي قراءة زيد بن ثابت والحسن والأعمش أيضا.
(2) انظر البحر المحيط 1 / 586.
(3) حسب تقسيم المؤلف.

(وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (143)
(جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) مفعولان. قال القتبي (1) : إنما قيل للخير وسط لأن الغلوّ والتقصير مذمومان ، وخير الأمور أوساطها. قال أبو إسحاق : العرب تشبّه القبيلة بالوادي والقاع وخير الوادي وسطه وكذا خير القبيلة وسطها ، وقيل : سبيل الجليل والرئيس أن لا يكون طرفا وأن يكون متوسّطا فلهذا قيل للفاضل : وسط. (لِتَكُونُوا) لام كي أي لأن تكونوا ، (شُهَداءَ) خبر ويكون عطفا. وقرأ الزهري (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) (2) «من» : في موضع رفع على هذه القراءة لأنها اسم ما لم يسمّ فاعله. وجمع قبلة في التكسير قبل وفي التسليم قبلات ، ويجوز أن تبدل من الكسرة فتحة ، ويجوز أن تحذف الكسرة. (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً) الفراء يذهب إلى أنّ «إن» واللام بمعنى «ما» و «إلّا» ، والبصريون (3) يقولون : هي «إن» الثقيلة خفّفت فصلح الفعل بعدها ولزمتها اللام لئلّا تشبه «إن» التي بمعنى «ما» قال الأخفش : أي وإن كانت القبلة لكبيرة ، (لَرَؤُفٌ) على وزن فعول والكوفيون يقرءون (لَرَؤُفٌ) (4) ، وحكى الكسائي أن لغة بني أسد لرأف على فعل.
(قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (144)
(شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ظرف مكان كما تقول : تلقاءه وجهته ، وانتصب الظرف لأنه فضلة بمنزلة المفعول به ، وأيضا فإن الفعل واقع فيه.
(وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (145)
(وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) لأنهم كفروا وقد تبيّنوا الحق
__________________
(1) انظر تفسير غريب القرآن 65.
(2) انظر المحتسب 1 / 111 ، ومختصر ابن خالويه 10 ، والبحر المحيط 1 / 598.
(3) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 187.
(4) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد 171 والبحر المحيط 1 / 601.

فليس تنفعهم الآيات. قال الأخفش : والفرّاء (1) : أجيبت «إن» بجواب «لو» لأن المعنى ولو أتيت الذين أوتوا الكتاب بكلّ آية ، (ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) وكذا تجاب «لو» بجواب «إن» تقول : لو أحسنت أحسن إليك ومثله (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا) [الروم : 51] أي لو أرسلنا ريحا. قال أبو جعفر : هذا القول خطأ على مذهب سيبويه (2) وهو الحق ، لأن معنى «إن» خلاف معنى «لو» يعني أنّ معنى إن يجب بها الشيء لوجوب غيره تقول : إن أكرمتني أكرمتك ومعنى «لو» أنه يمتنع بها الشيء لامتناع غيره فلا تدخل واحدة منهما على الأخرى. والمعنى ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية لا يتبعون قبلتك. وقال سيبويه : المعنى ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا ليظلنّ.
(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (146)
(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) ابتداء ، (يَعْرِفُونَهُ) في موضع أي يعرفون التحويل أو يعرفون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.
(الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) (147)
(الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) رفع بالابتداء أو على إضمار ابتداء وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ الحق (3) منصوبا أي يعلمون الحق فأما الذي في «الأنبياء» (الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ) [الأنبياء : 24] فلا نعلم أحدا قرأه إلّا منصوبا والفرق الذي بينهما أنّ الذي في سورة البقرة مبتدأ آية والذي في سورة الأنبياء ليس كذلك.
(وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (148)
(وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) الهاء والألف مفعول أول والمفعول الثاني محذوف أي هو مولّيها وجهه أو نفسه والمعنى هو مولّ نحوها وجهه والعرب تحذف من كلّ وبعض فيقولون كلّ منطلق : أي كل رجل والتقدير ولكلّ أمة وأهل ملة. (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) أمر أي بادروا ما أمركم الله جلّ وعزّ به من استقبال شطر البيت الحرام.
(وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 84.
(2) انظر الكتاب 3 / 124.
(3) انظر البحر المحيط 1 / 604 ، ومختصر ابن خالويه 10.

لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (150)
(لِئَلَّا) وإن شئت خفّفت الهمزة (يَكُونَ) نصب بأن ، وإن شئت قلت : تكون لتأنيث الحجّة وهذا متعلّق بما تقدم من الاحتجاج عليهم. (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) في موضع نصب استثناء ليس من الأول كما تقول العرب : ما نفع إلّا ما ضرّ وما زاد إلّا ما نقص. (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) قال الأخفش : هو معطوف على لئلّا يكون أي ولأن أتمّ نعمتي عليكم.
(كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (151)
(كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ) قال أبو جعفر : قد ذكرنا معناه والكاف في موضع نصب أي لعلّكم تهتدون اهتداء مثل ما أرسلنا ، ويجوز أن يكون التقدير ولأتم نعمتي عليكم إيمانا مثل ما أرسلنا ، ويجوز أن تكون الكاف في موضع نصب على الحال أي ولأتم نعمتي عليكم في هذه الحال ويجوز أن يكون التقدير : فاذكروني ذكرا مثل ما و «ما» في موضع خفض بالكاف وأرسلنا صلتها. (يَتْلُوا) فعل مستقبل والأصل فيه ضم الواو إلّا أن الضمّة مستثقلة وقبلها أيضا ضمة فحذفت وهو في موضع نصب نعت لرسول. (وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ) عطف عليه.
(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) (152)
(فَاذْكُرُونِي) أمر. (أَذْكُرْكُمْ) فيه معنى المجازاة فلذلك جزم. (وَلا تَكْفُرُونِ) نهي فلذلك حذفت منه النون وحذفت الياء لأنه رأس آية وإثباتها حسن في غير القرآن.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (153)
أي عن المعاصي ، قال أبو جعفر : وقد ذكرناه.
(وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) (154)
(وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ) على إضمار مبتدأ ، وكذلك ، (بَلْ أَحْياءٌ).
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (155)
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) هذه الواو مفتوحة عند سيبويه (1) لالتقاء الساكنين وقال غيره : لمّا ضمّت إلى النون صارت بمنزلة خمسة عشر.
__________________
(1) انظر الكتاب 4 / 11 ، والبحر المحيط 1 / 623.

(الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) (156)
(الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ) نعت للصابرين (قالُوا إِنَّا لِلَّهِ) قال الكسائي : إن شئت كسرت الألف لاستعمالها وكثرتها ، وقال الفراء (1) : وإنما كسرت النون في «إنا لله» لكثرة استعمالهم إيّاها. قال أبو جعفر : أمّا قول الفراء فغلط قبيح لأنّ النون لا تكسر ولا يكون ما قبل الألف أبدا مكسورا ولا مضموما وأما قول الكسائي : فيجوز على أنه يريد أنّ الألف ممالة إلى الكسرة وأما على أن تكسر فمحال لأن الألف لا تحرّك البتة وإنّما أميلت الألف في «إنا لله» لكسرة اللام في لله ولو قلت : إنّا لزيد شاكرون ، لم يجز إمالة الألف لأنها في حرف آخر وجاز ذلك في إنا لله لأنه لمّا كثر صار الشيئان بمنزلة شيء واحد ، وإن شئت فخّمت. والأصل إنّنا حذفت إحدى النونين تخفيفا ، وكذا (وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ).
(أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (157)
(أُولئِكَ) مبتدأ والخبر ، (عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ). (وَرَحْمَةٌ) عطف على صلوات. (وَأُولئِكَ) مبتدأ ، (هُمُ) ابتداء ثان ، و (الْمُهْتَدُونَ) خبر الثاني والثاني وخبره خبر الأول ، وإن شئت كانت «هم» زائدة توكيدا و «المهتدون» الخبر.
(إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ) (158)
(إِنَّ الصَّفا) اسم «إنّ» والألف منقلبة من واو. (وَالْمَرْوَةَ) عطف على الصفا. (مِنْ شَعائِرِ اللهِ) الخبر مشتق من شعرت به وهمز لأنه فعائل لا أصل للياء في الحركة فأبدل منها همزة. (فَمَنْ) في موضع رفع بالابتداء و (حَجَ) في موضع جزم بالشرط ، وجوابه وخبر الابتداء (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) (2) والأصل : يتطوّف ثم أدغمت التاء في الطاء ، وحكي (أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) (3) على التكثير ، وروي عن ابن عباس أن يطّاف والأصل أيضا يتطاف (4) أدغمت التاء في الطاء. قال أبو جعفر : ولا نعلم أحدا قرأ : «أن يطوف بهما». (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ) فعل ماض في موضع جزم بالشرط وهذه قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وهي حسنة لأنه لا علّة فيها ، وقراءة أهل الكوفة إلّا عاصما. (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً) (5) والأصل يتطوع أدغمت التاء في الطاء. (فَإِنَّ اللهَ) اسم
__________________
(1) انظر معاني القرآن للفراء 1 / 94 ، والبحر المحيط 625.
(2) هذه قراءة الجمهور.
(3) انظر مختصر ابن خالويه 11.
(4) انظر إملاء ما منّ به الرّحمن 70 ، والبحر المحيط 1 / 632.
(5) انظر معاني الفراء 1 / 95 ، والبحر المحيط 1 / 632.

إنّ. (شاكِرٌ) خبره (عَلِيمٌ) نعت لشاكر ، وإن شئت كان خبرا بعد خبر.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ) (159)
(إِنَّ الَّذِينَ) اسم «إنّ» وقرأ طلحة بن مصرف (مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ) بمعنى بيّنه الله. (أُولئِكَ) مبتدأ. (يَلْعَنُهُمُ اللهُ) في موضع الخبر والجملة خبر «إنّ» ولعنه وطرده أي باعده من رحمته كما قال الشمّاخ : [الوافر]
29 ـ ذعرت به القطا ونفيت عنه
مقام الذّئب كالرّجل اللّعين (1)

قال أبو جعفر : وقد بيّنا معنى (وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) لأن للقائل أن يقول : أهل دينهم لا يلعنونهم ومن أحسن ما قيل فيه أنّ أهل دينهم يلعنون على الحقيقة لأنهم يلعنون الظالمين وهم من الظالمين.
(إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (160)
(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) نصب بالاستثناء.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (161)
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) اسم «إنّ» (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ) الخبر ، وقرأ الحسن أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعون (2) وهذا معطوف على الموضع كما تقول : عجبت من قيام زيد وعمرو لأن موضع «زيد» موضع رفع والمعنى من أن قام زيد والمعنى أولئك عليهم أن يلعنهم الله والملائكة والناس أجمعون.
(خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) (162)
(خالِدِينَ فِيها) حال.
(وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) (163)
(وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ابتداء وخبر.
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما
__________________
(1) الشاهد للشمّاخ بن ضرار في ديوانه ص 321 ، وجمهرة اللغة ص 949 ، وخزانة الأدب 4 / 347 ، وشرح المفصّل 3 / 13 ، ولسان العرب (لعن) ، والمعاني الكبير 1 / 194 ، والمنصف 1 / 109 ، وبلا نسبة في مجالس ثعلب 2 / 543 ، والمحتسب 1 / 327.
(2) انظر معاني الفراء 1 / 96 ، وتفسير الطبري 2 / 58.

يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (164)
(لَآياتٍ) في موضع نصب اسم إنّ.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ) (165)
(مِنَ) في موضع رفع بالابتداء و (يَتَّخِذُ) على اللفظ ويجوز في غير القرآن يتخذون ، (يُحِبُّونَهُمْ) على المعنى ، ويجوز في غير القرآن يحبّهم وهو في موضع نصب على الحال من المضمر الذي في يتّخذ ، وإن شئت كان نعتا لأنداد ، وإن شئت كان في موضع رفع نعتا لمن على أنّ من نكرة كما قال : [الكامل]
30 ـ فكفى بنا فضلا على من غيرنا
حبّ النّبيّ محمّد إيّانا (1)

(وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ) ابتداء وخبر ، (كَحُبِّ اللهِ) على البيان ، (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) بالياء قراءة أهل مكة وأهل الكوفة وأبي عمرو وهي اختيار أبي عبيد ، وقرأ أهل المدينة وأهل الشام ولو ترى الذين (2) بالتاء وفي الآية إشكال وحذف زعم أبو عبيد أنه اختار القراءة بالياء لأنه يروى في التفسير أنّ المعنى لو يرى الذين ظلموا في الدنيا عذاب الآخرة لعلموا أن القوة لله. قال أبو جعفر : روي عن محمد بن يزيد أنه قال : هذا التفسير الذي جاء به أبو عبيد بعيد وليست عبارته فيه بالجيدة لأنه يقدّر «ولو يرى الذين ظلموا العذاب» وكأنه جعله مشكوكا فيه ، وقد أوجبه الله عزوجل. ولكن التقدير وهو قول أبي الحسن الأخفش سعيد : ولو يرى الذين ظلموا أنّ القوة لله ، ويرى بمعنى يعلم أي لو يعلمون حقيقة قوة الله ، فيرى واقعة على «أن» ، وجواب «لو» محذوف أي لتبيّنوا ضرر اتخاذهم الآلهة ، كما قال : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) [الأنعام : 27](وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ) [الأنعام : 30] ولم يأت للو جواب. قال الزهري وقتادة : الإضمار أشدّ للوعيد. قال أبو جعفر : ومن قرأ ولو ترى بالتاء كان «الذين» مفعولين
__________________
(1) الشاهد لكعب بن مالك في ديوانه ص 289 ، وخزانة الأدب 6 / 120 ، 123 ، 128 ، والدرر 3 / 7 ، وشرح أبيات سيبويه 1 / 535 ، ولبشير بن عبد الرّحمن في لسان العرب (منن) ، ولحسان بن ثابت في الأزهيّة ص 101 ، ولكعب أو لحسان أو لعبد الله بن سواحة في الدرر 1 / 302 ، ولكعب أو لحسان أو لبشير بن عبد الرّحمن في شرح شواهد المغني 1 / 337 ، والمقاصد النحوية 1 / 486 ، وللأنصاري في الكتاب 2 / 101 ، ولسان العرب (كفى) ، وبلا نسبة في الجنى الداني ص 52 ، ورصف المباني ص 149 ، وسرّ صناعة الإعراب 1 / 135 ، وشرح شواهد المغني 2 / 741 ، وشرح المفصّل 4 / 12 ، ومجالس ثعلب 1 / 330 ، والمقرب 1 / 203 ، وهمع الهوامع 1 / 92.
(2) انظر البحر المحيط 1 / 645 ، وهي قراءة الحسن وقتادة وشيبة وأبي جعفر ويعقوب أيضا.

عنده وحذف أيضا جواب «لو» و «أن» في موضع نصب أي لأن القوة لله وأنشد سيبويه : [الطويل]
31 ـ وأغفر عوراء الكريم ادّخاره
وأعرض عن شتم اللّئيم تكرّما (1)

أي لادّخاره ، وأجاز الفراء (2) أن تكون «أنّ» في موضع نصب على إضمار الرؤية ومن كسر فقرأ إنّ القوة لله وإنّ الله جعلها استئنافا (جَمِيعاً) نصب على الحال. (وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ) عطف على أنّ الأولى.
(إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) (166)
(إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا) ضمّت الهمزة في اتبعوا اتباعا للتاء وضمّت التاء الثانية لتدل على أنه لما لم يسمّ فاعله ، فإن قيل : سبيل ما لم يسم فاعله أن يضمّ أوله للدلالة فكيف ضمّ الثالث هذا للدلالة فالجواب أنّ سبيل فعل ما لم يسمّ فاعله أن يضمّ أول متحركاته فلما كانت التاء الأولى ساكنة اجتلبت لها الهمزة وحرّكت الثانية لأنها أول المتحركات. (وَرَأَوُا الْعَذابَ) ضمّت الواو لالتقاء الساكنين.
(وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ) (167)
(لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) «أن» في موضع رفع أي لو وقع ذلك (فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ) جواب التمني. (كَما) الكاف في موضع نصب أي تبرؤوا كما ، ويجوز أن يكون نصبا على الحال. (كَذلِكَ) الكاف في موضع رفع أي الأمر كذلك ، ويجوز أن تكون في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف أي رؤية كذلك (يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ) مفعولان (حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ) نصب على الحال.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (168)
(يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً) نعت لمفعول أي شيئا حلالا أو أكلا حلالا. قال أبو جعفر : وقد ذكرنا (خطوات الشيطان).
(إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (169)
(وَأَنْ تَقُولُوا) في موضع خفض عطفا على قوله (بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ).
__________________
(1) مرّ الشاهد رقم (Cool.
(2) انظر معاني القرآن للفراء 1 / 97.

(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) (170)
(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا) فتحت الواو لأنها واو عطف.
(وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (171)
(وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) مبتدأ ، وخبره (كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) قال أبو جعفر : وقد تقصينا معناه. (بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً) نصب بيسمع. (وَنِداءً) عطف عليه. (صُمٌ) أي هم صمّ.
(إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (173)
(إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) نصب بحرّم ، و «ما» كافة ، ويجوز أن تجعلها بمعنى الذي وترفع الميتة والدم ولحم الخنزير. (فَمَنِ اضْطُرَّ) ضمّت النون لالتقاء الساكنين وأتبعت الضمة الضمة ، ويجوز الكسر على أصل التقاء الساكنين ، وقرأ أبو جعفر (فَمَنِ اضْطُرَّ) (1) بكسر الطاء لأنّ الأصل اضطرر فلمّا أدغم ألقى حركة الراء على الطاء ويجوز (فمن اضّرّ) لمّا لم يجز أن يدغم الضاد في الطاء أدغم الطاء في الضاد ، ويجوز أن تقلب الضاد طاء من غير إدغام ثم تدغم الطاء في الطاء فتقول : فمن اطّر وهذا في غير القرآن ، (غَيْرَ باغٍ) «غير» نصب على الحال ، والأصل باغي استثقلت الحركة في الياء فسكنت والتنوين ساكن فحذفت الياء لسكونها وسكون التنوين وكانت أولى بالحذف لأن التنوين علامة وقبل الياء ما يدلّ عليها وكذا ولا عاد.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (174)
(الَّذِينَ) اسم «إنّ» ، والخبر (أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ).
(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (177)
(لَيْسَ الْبِرَّ) اسم ليس ، والخبر (أَنْ تُوَلُّوا) وقرأ الكوفيون (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا) (2)
__________________
(1) انظر مختصر ابن خالويه 11.
(2) انظر معاني الفراء 1 / 103 ، والبحر المحيط 2 / 3.

جعلوا «أن» في موضع رفع والأول بغير تقديم ولا تأخير ، وفي قراءة أبيّ وابن مسعود ليس البرّ بأن تولّوا فلا يجوز في البرّ هاهنا إلّا الرفع. (وَلكِنَّ الْبِرَّ) وقرأ الكوفيون ولكن البرّ رفع بالابتداء. (مَنْ آمَنَ بِاللهِ) الخبر ، وفيه ثلاثة أقوال : يكون التقدير ولكن البرّ برّ من آمن بالله ثم حذف كما قالت الخنساء : [البسيط]
32 ـ فإنما هي إقبال وإدبار (1)
أي ذات إقبال ، ويجوز أن يكون التقدير ولكن ذو البرّ من آمن بالله ويجوز أن يكون البرّ بمعنى البار والبرّ كما يقال : رجل عدل ، وفي الآية إشكال من جهة الإعراب لأن بعد هذا (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ) فيه خمسة أقوال : يكون و «الموفون» رفعا عطفا على «من» ، و «الصابرين» على المدح أي وأعني الصابرين ، ويكون و «الموفون» رفعا بمعنى ، وهم الموفون مدحا للمضمرين و «الصابرين» عطفا على ذوي القربى ، ويكون و «الموفون» رفعا على وهم الموفون و «الصابرين» بمعنى وأعني الصابرين فهذه ثلاثة أجوبة لا مطعن فيها من جهة الإعراب موجودة في كلام العرب وأنشد سيبويه(2): [الكامل]
33 ـ لا يبعدن قومي الّذين هم
سمّ العداة وآفة الجزر

النّازلين بكلّ معترك
والطّيّبون معاقد الأزر

وإن شئت قلت : النازلون والطيبين ، وإن شئت رفعتهما جميعا ، ويجوز نصبهما. قال الكسائي : يجوز أن يكون و «الموفون» نسقا (3) على «من» و «الصابرين» نسقا على «ذوي القربى». قال أبو جعفر : وهذا القول خطأ وغلط بيّن لأنك إذا نصبت والصابرين ونسقته على ذوي القربى دخل في صلة «من» فقد نسقت على «من» من قبل أن تتمّ الصلة وفرقت بين الصلة والموصول بالمعطوف ، والجواب الخامس : أن يكون
__________________
(1) الشاهد للخنساء في ديوانها ص 383 ، والأشباه والنظائر 1 / 198 ، وخزانة الأدب 1 / 431 ، وشرح أبيات سيبويه 1 / 282 ، والشعر والشعراء 1 / 354 ، والكتاب 1 / 337 ، ولسان العرب (رهط ، وقبل ، وسوا) ، والمقتضب 4 / 305 ، والمنصف 1 / 197 ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2 / 387 ، وشرح الأشموني 1 / 213 ، وشرح المفصّل 1 / 115 ، والمحتسب 2 / 43 ، وصدره :
«ترتع ما رتعت حتى إذا ادّكرت»
(2) البيتان للخرنق بنت بدر بن هفان في ديوانها ص 43 ، والأشباه والنظائر 6 / 231 ، وأمالي المرتضى 1 / 205 ، والإنصاف 2 / 468 ، وأوضح المسالك 3 / 314 ، والحماسة البصرية 1 / 227 ، وخزانة الأدب 5 / 41 ، والدرر 6 / 14 ، وسمط اللآلي ص 548 ، وشرح أبيات سيبويه 2 / 16 ، وشرح التصريح 2 / 116 ، والكتاب 1 / 264 ، ولسان العرب (نضر) ، والمحتسب 2 / 198 ، والمقاصد النحوية 3 / 602 ، وأساس البلاغة (أزر) ، وبلا نسبة في رصف المباني ص 416 ، وشرح الأشموني 2 / 399.
(3) النسق : العطف.

و «الموفون» عطفا على المضمر الذي في آمن «الصابرين» عطفا على «ذوي القربى» قال الكسائي : وفي قراءة عبد الله والموفين والصابرين قال أبو جعفر : يكونان منسوقين على ذوي القربى وعلى المدح. قال الفراء : وفي قراءة عبد الله في «النساء» والمقيمون الصلاة والمؤتون الزكاة [النساء : 162].
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) (178)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) اسم ما لم يسمّ فاعله. (فِي الْقَتْلى) لم يتبيّن فيه الإعراب لأنّ فيه ألف التأنيث وجيء بها لتأنيث الجماعة. (الْحُرُّ بِالْحُرِّ) ابتداء وخبر.
(وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) نسق عليه. (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ) شرط والجواب (فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ) وهو رفع بالابتداء ، والتقدير فعليه اتباع بالمعروف ويجوز في غير القرآن فاتّباعا وأداء يجعلهما مصدرين. (ذلِكَ تَخْفِيفٌ) ابتداء وخبر.
(وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (179)
(وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) رفع بالابتداء. وقراءة أبيّ وأبي الجوزاء ولكم في القصص شاذة والظاهر دلّ على غيرها. قال الله عزوجل (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) فدلّ بعض الكلام على بعض والتفسير على القصاص. روى سفيان الثوري (1) عن السدّيّ عن أبي مالك (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) قال : أن لا يقتل بعضكم بعضا ثم قال : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) حذف المفعول لعلم السامع. روى اللّيث عن ربيعة في قوله (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) محارمكم وما نهيت بعضكم فيه عن بعض.
(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) (180)
(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) في الكلام تقدير واو العطف المعنى وكتب عليكم ، ومثله في بعض الأقوال (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) [الليل : 15 ، 16] أي ولا يصلاها. (أَحَدَكُمُ) مفعول و (الْمَوْتُ) فاعل. (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) شرط ، وفي جوابه قولان : قال الأخفش سعيد : التقدير فالوصيّة ثم حذف الفاء كما قال : [البسيط]
__________________
(1) سفيان الثوري : أبو عبد الله الكوفي ، الإمام الكبير ، روى القراءة عرضا عن حمزة وروى عن عاصم (ت 161 ه‍). ترجمته في غاية النهاية 1 / 308.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 2847
نقاط : 4448
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

إعراب القرآن [ ج ١ ] Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعراب القرآن [ ج ١ ]   إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 4:24 pm

34 ـ من يفعل الحسنات الله يشكرها
والشّرّ بالشّرّ عند الله مثلان (1)

والجواب الآخر أنّ الماضي يجوز أن يكون جوابه قبله وبعده فيكون التقدير الوصية للوالدين والأقربين إن ترك خيرا فإن حذفت الفاء فالوصية رفع بالابتداء وإن لم تقدر الفاء جاز أن ترفعها أيضا بالابتداء وأن ترفعها على أنها اسم ما لم يسمّ فاعله أي كتب عليكم الوصية. قال أبو جعفر : وقد ذكرنا في الآية أقوالا منها أن تكون منسوخة بالفرض ومنها أن تكون على الندب على الوصية. قال أبو جعفر : والقول أنه لا يجوز أن يكون شيء من هذا على الندب إلّا بدليل وقد قيل : أنها منسوخة بالحديث «لا وصية لوارث» (2). (حَقًّا) مصدر ، ويجوز في غير القرآن «حقّ» بمعنى ذلك حق.
(فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (181)
(فَمَنْ بَدَّلَهُ) شرط ، وجوابه (فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) و «ما» كافة لأنّ عن العمل و (إِثْمُهُ) رفع بالابتداء. (عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) في موضع الخبر.
(فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (182) (فَمَنْ خافَ) شرط ، والأصل خوف وقلبت الواو ألفا لتحرّكها وتحرّك ما قبلها. وأهل الكوفة يميلون «خاف» ليدلّوا على الكسرة من فعلت. (مِنْ مُوصٍ) ومن موصّ والتخفيف أبين لأن أكثر النحويين يقول : موصّ للتكثير وقد يجوز أن يكون مثل كرّم وأكرم (جَنَفاً) من جنف يجنف إذا جاز والاسم منه جنف وجانف. (فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ) عطف على خاف والكناية عن الورثة ولم يجر لهم ذكر لأنه قد عرف المعنى وجواب الشرط (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (183)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) اسم ما لم يسمّ فاعله. (كَما كُتِبَ عَلَى
__________________
(1) الشاهد لكعب بن مالك في ديوانه ص 288 ، وشرح أبيات سيبويه 2 / 109 ، وله أو لعبد الرّحمن بن حسان في خزانة الأدب 9 / 49 ، وشرح شواهد المغني 1 / 178 ، ولعبد الرّحمن بن حسان في خزانة الأدب 2 / 365 ، ولسان العرب (بجل) ، والمقتضب 2 / 72 ، ومغني اللبيب 1 / 56 ، والمقاصد النحوية 4 / 433 ، ونوادر أبي زيد ص 31 ، ولحسان بن ثابت في الدرر 5 / 81 ، والكتاب 3 / 73 ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 7 / 114 ، وأوضح المسالك 4 / 210 ، وخزانة الأدب 9 / 40 ، والخصائص 2 / 281 ، وسرّ صناعة الإعراب 1 / 264 ، وشرح شواهد المغني 1 / 286 ، وشرح المفصّل 9 / 2 ، 3 ، والمحتسب 1 / 193 ، والمقرب 1 / 276 ، والمنصف 3 / 118 ، وهمع الهوامع 2 / 60.
(2) أخرجه أحمد في مسنده 4 / 186 ، والترمذي في سننه 2120 ، 2121 ، والنسائي في سننه (الوصايا ب 5) ، وابن ماجة في سننه 2713 ، والبيهقي في السنن الكبرى 6 / 85.

الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) الكاف في موضع نصب من ثلاث جهات : يجوز أن يكون نعتا لمصدر من كتب أي كتب عليكم الصّيام كتبا كما ، ويجوز أن يكون التقدير كتب عليكم الصيام صوما كما ، ويجوز أن يكون في موضع نصب على الحال أي كتب عليكم الصيام مشبها كما كتب على الذين من قبلكم ، ويجوز أن يكون في موضع رفع نعتا للصيام وما للصيام وما بيانه «الذين آمنوا» و «ما» في موضع خفض وصلتها كتب على الذين من قبلكم والضمير في كتب يعود على «ما».
(أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (184)
(أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) قال الأخفش : (أَيَّاماً) نصب بالصيام أي كتب عليكم أن تصوموا أياما معدودات ، وقال الفراء (1) : هي نصب بكتب لأن فعل ما لم يسمّ فاعله إذا رفعت بعده اسما نصبت الآخر. وفي الآية شيء لطيف غامض من النحو يقال : لا يجيز النحويون : هذا صارف ظريف زيدا وكيف يجوز أن تنصب «أياما» بالصيام إذا كانت الكاف نعتا للصيام؟ فالجواب أنك إذا جعلت أياما مفعولة لم يجز هذا ، وإن جعلتها ظرفا جاز لأن الظروف تعمل فيها المعاني ، وزعم أحمد بن يحيى : أنّ ذلك لا يجوز البتّة وإن جعلت الكاف في موضع نصب بكتب لم يجز لأنك تفرق بين الصيام وبين ما عمل فيه بما لم يعمل فيه وإن جعلت الكاف في موضع نصب بالصيام ونصبت أياما بالصيام فلا اختلاف فيه إنّه جيد بالغ. (مَعْدُوداتٍ) نعت لأيام إلّا أن التاء كسرت عند البصريين لأنه جمع مسلّم ، وعند الكوفيين لأنها غير أصلية. (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً) شرط بمن أي فمن كان منكم مريضا في هذه الأيام (فَعِدَّةٌ) رفع بالابتداء ، والخبر عليه حذفت. قال الكسائي : ويجوز فعدّة أي فليصم عدّة. (مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) لم تنصرف «أخر» عند سيبويه (2) لأنها معدولة عن الألف واللام لأن سبيل فعل من هذا الباب أن يأتي بالألف واللام نحو الكبر والفضل. قال الكسائي : هي معدولة أخر كما تقول : حمراء وحمر فلذلك لم تنصرف ، وقيل منعت من الصرف لأنها على وزن جمع. ويقال : إنما يقال يوم آخر ولا يقال : أخرى وأخر إنما هي جمع أخرى ففي هذا جوابان : أحدهما أنّ نعت الأيام يكون مؤنثا فلذلك نعتت بأخر ، والجواب الآخر أن يكون أخر جمع أخرى كأنه أيام أخرى ثم كثرت فقيل أيام أخر. (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ)
__________________
(1) انظر معاني القرآن للفراء 1 / 112 ، والبحر المحيط 2 / 46.
(2) انظر الكتاب 3 / 315.

والأصل يطوقونه ، وقد قرئ به فقلبت حركة الواو على الطاء فانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ، وقرأ ابن عباس يطوّقونه (1) فصحّت الواو لأنه ليس قبلها كسرة ، ويقرأ يطّوّقونه (2) والأصل يتطوّقونه ثم أدغمت التاء في الطاء. والقراءة المجمع عليها (يُطِيقُونَهُ) وأصحّ ما فيها أنّ الآية منسوخة كما ذكرناه. فأما يطيّقونه وتطّيّقونه فلا يجوز لأن الواو لا تقلب ياء إلا لعلّة. فدية طعام مساكين (3) هذه قراءة أهل المدينة وابن عامر (4) رواها عنه عبيد الله عن نافع ، وقرأ أبو عمرو والكسائي وحمزة (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) (5) وهذا اختيار أبي عبيد وزعم أنه اختاره لأن معناه لكل يوم إطعام واحد منهم فالواحد مترجم عن الجميع وليس الجميع بمترجم عن الواحد. قال أبو جعفر : وهذا مردود من كلام أبي عبيد لأن هذا إنّما يعرف بالدلالة فقد علم أنّ معنى وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين أنّ لكلّ يوم مسكينا فالاختيار هذه القراءة ليرد جمعا على جمع. واختار أبو عبيد أن يقرأ (فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) قال : لأن الطعام هو الفدية. قال أبو جعفر : لا يجوز أن يكون الطعام نعتا لأنه جوهر ولكنه يجوز على البدل وأبين منه أن يقرأ (فِدْيَةٌ طَعامُ) بالإضافة لأن فدية مبهمة تقع للطعام وغيره فصار مثل قولك : هذا ثوب خزّ (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) شرط وجوابه (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) ابتداء وخبر أي فالصوم خير لكم.
(شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (185)
(شَهْرُ رَمَضانَ) حكيت فيه ستة أوجه : (شَهْرُ رَمَضانَ) قراءة العامة ، وقرأ مجاهد وشهر ابن حوشب (شَهْرُ رَمَضانَ) بالنصب وحكي عن الحسن وأبي عمرو إدغام الراء في الراء وهذا لا يجوز لئلّا يجتمع ساكنان ، والقراءة الرابعة : الإخفاء والوجه الخامس أن تقلب حركة الراء على الهاء فتضم الهاء ، وهذا قول الكوفيين كما قال امرؤ القيس : [الطويل]
35 ـ فمن كان ينسانا وحسن بلائنا
فليس بناسينا على حالة بكر (6)

__________________
(1) انظر المحتسب 1 / 118.
(2) انظر المحتسب 1 / 118 ، والبحر المحيط 2 / 42.
(3) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد 176.
(4) ابن عامر ، عبد الله بن عامر اليحصبي ، أحد القراء السبعة (ت 118 ه‍) ترجمته في كتاب السبعة لابن مجاهد 86 ، وغاية النهاية 1 / 423.
(5) وهذه قراءة الجمهور ، انظر البحر المحيط 2 / 44.
(6) الشاهد غير موجود في شعر امرئ القيس ولا في الشواهد النحوية.

ويجوز (شَهْرُ رَمَضانَ) (1) من جهتين : إحداهما على قراءة من نصب فقلب حركة الراء على الهاء ، والأخرى على لغة من قال لحم ولحم ونهر ونهر «شهر رمضان» رفع بالابتداء وخبره (الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) ويجوز أن يكون شهر مرفوعا على إضمار ابتداء، والتقدير المفترض عليكم صومه شهر رمضان أو ذلك شهر رمضان أو الصوم أو الأيام. ورمضان لا ينصرف لأن النون فيه زائدة. ونصب شهر رمضان شاذّ وقد قيل فيه أقوال : قال الكسائي : المعنى كتب عليكم الصيام وأن تصوموا شهر رمضان. قال الفراء (2) : أي كتب عليكم الصيام أي أن تصوموا شهر رمضان. قال أبو جعفر : لا يجوز أن تنصب شهر رمضان تصوموا لأنه يدخل في الصلة ثم يفرق بين الصلة والموصول وكذا إن نصبته بالصيام ، ولكن يجوز أن تنصبه على الإغراء أي الزموا شهر رمضان وصوموا شهر رمضان. وهذا بعيد أيضا لأنه لم يتقدّم ذكر الشهر فيغرى به. (هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ) في موضع نصب على الحال من القرآن والقرآن اسم ما لم يسمّ فاعله. (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ) يقال : ما الفائدة في هذا والحاضر والمسافر يشهدان الشهر؟ فالجواب أن الشهر ليس بمفعول وإنما هو ظرف زمان والتقدير فمن شهد منكم المصر في الشهر ، وجواب آخر أن يكون التقدير فمن شهد منكم الشهر غير مسافر ولا مريض (فَلْيَصُمْهُ) وقرأ الحسن (فَلْيَصُمْهُ) وكان يكسر لام الأمر كانت مبتدأة أو كان قبلها شيء وهو الأصل ومن أسكن حذف الكسرة لأنها ثقيلة. (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ) اسم «كان» فيها مضمر «ومريضا» خبره «أو على سفر» عطف أي أو مسافرا. (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) واليسر واليسر لغتان وكذا العسر والعسر. (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) فيه خمسة أقوال. قال الأخفش : هو معطوف أي ويريد ولتكملوا العدة كما قال : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) [الصف : 8] ، وقال غيره : يريد الله هذا التخفيف لتكملوا العدة ، وقيل الواو مقحمة ، وقال الفراء (3) : المعنى ولتكملوا العدّة فعل هذا. قال أبو جعفر : وهذا قول حسن ومثله (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) [الأنعام : 75] أي وليكون من الموقنين فعلنا ذلك ، والقول الخامس ذكره أبو إسحاق إبراهيم بن السري (4) قال : هو محمول على المعنى والتقدير فعل الله ذلك ليسهّل عليكم ولتكملوا العدة. قال : ومثله ما أنشد سيبويه (5) : [الكامل]
__________________
(1) وهذه قراءة مجاهد وشهر بن حوشب وهارون الأعور ، انظر البحر المحيط 2 / 45.
(2) انظر معاني الفراء 1 / 112.
(3) انظر معاني القرآن للفراء 1 / 113.
(4) انظر إعراب القرآن ومعانيه 219.
(5) البيتان للشمّاخ بن ضرار في ملحق ديوانه ص 427 ، وأساس البلاغة (معز) ، وشرح أبيات سيبويه 1 / 396 ، ـ


36 ـ بادت وغيّر آيهنّ مع البلى
إلّا رواكد جمرهنّ هباء

ومشجّج أمّا سواء قذاله
فبدا وغيّر ساره المعزاء

لأن معنى : بادت إلّا رواكد بها رواكد فكأنه. قال : وبها مشجّج أو ثمّ مشجّج ، وقرأ الحسن وقتادة والعاصمان والأعرج (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) واختار الكسائي (وَلِتُكْمِلُوا) لقوله (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة : 3]. قال أبو جعفر : هما لغتان بمعنى واحد كما قال : (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) [الطارق : 17] ولا يجوز ولتكملوا بإسكان اللام والفرق بين هذا وبين ما تقدم أن التقدير ولأن تكملوا العدة فلا يجوز حذف أن والكسرة. (وَلِتُكَبِّرُوا) عطف عليه.
(وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186)
(فَإِنِّي قَرِيبٌ) خبر إنّ. (أُجِيبُ) خبر بعد خبر. حكى سيبويه (1) : «هذا حلو حامض». ويجوز أن يكون نعتا ومستأنفا. (فَلْيَسْتَجِيبُوا) لام أمر وكذا (وَلْيُؤْمِنُوا) وجزمت لام الأمر لأنها تجعل الفعل مستقبلا لا غير فأشبهت إن التي للشرط ، وقيل : لأنها لا تقع إلّا على الفعل.
(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (187)
(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ) اسم ما لم يسمّ فاعله. قال أبو إسحاق (2) : «الرفث» كلمة جامعة لكلّ ما يريده الرجل من المرأة. (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ) ابتداء وخبر وشدّدت النون من هنّ لأنها بمنزلة الميم والواو في المذكر. (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ) فتحت أن بعلم. (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ) قد ذكرناه وهو إباحة. (وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) عطف عليه وكذا (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا فَلا تَقْرَبُوها) جزم بالنهي والكلام في «لا» كالكلام في لام الأمر. قال الكسائي : فلا تقربوها قربانا.
__________________
ـ ولذي الرمة في ملحق ديوانه ص 1840 ، وبلا نسبة في أساس البلاغة (شجج) ، وتاج العروس (شجج) ، وخزانة الأدب 5 / 147 ، والكتاب 1 / 320 ، ولسان العرب (شجج).
(1) انظر الكتاب 2 / 79 ، قال : «كقولك : هذا حلو حامض».
(2) انظر إعراب القرآن ومعانيه 220.

(وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (188)
(وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا) عطف على تأكلوا ، وفي قراءة أبيّ ولا تدلوا (1) ويجوز أن يكون ولا تدلوا جواب النهي بالواو كما قال : [الكامل]
37 ـ لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم (2)

(بِها) الهاء تعود على الأموال أي ترشوا بها أو تخاصموا من أجلها فكأنكم قد أدليتم بها ويجوز أن يكون الهاء تعود على الحجّة وإن لم يتقدم لها ذكر كما يقال : أدلى بحجته. «أموالكم» إضافة الجنس أي الأموال التي لكم.
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (189)
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ) وإن خفّفت الهمزة ألقيت حركتها على السين وحذفتها فقلت : يسلونك وأهلّه جمع هلال في القليل والكثير وكان يجب أن يقال في الكثير : هلل فاستثقلوا ذلك كما استثقلوه في كساء ورداء من المعتل (قُلْ هِيَ مَواقِيتُ) ابتداء وخبر ، الواحد ميقات انقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها وهي ساكنة ولم تنصرف مواقيت عند البصريين لأنها جمع وهو جمع لا يجمع ولا نظير له في الواحد وقال الفراء (3) لم تنصرف لأنها غاية الجمع. (لِلنَّاسِ) خفض باللام. (وَالْحَجِ) (4) عطف عليه هذه لغة أهل الحجاز ، وأهل نجد يقولون الحجّ بكسر الحاء فالفتح على المصدر والكسر على أنه اسم والحجّة بفتح الحاء المرة الواحدة والحجّة عمل سنة ومنه ذو الحجّة ويقال للسنة أيضا حجّة كما قال زهير: [الطويل]
38 ـ وقفت بها من بعد عشرين حجّة
فلأيا عرفت الدّار بعد توهّم (5)

(وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ) ولا يجوز نصب البرّ لأن الباء إنما تدخل في الخبر
__________________
(1) انظر معاني القرآن للفراء 1 / 115.
(2) مرّ الشاهد رقم (19).
(3) انظر معاني القرآن للفراء 1 / 115.
(4) انظر البحر المحيط 2 / 70.
(5) الشاهد لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص 7 ، ولسان العرب (وهم ، ولأي) ، وبلا نسبة في المخصّص 3 / 30.

ويقال : بيوت بالكسر وهي لغة رديئة لأنه يخالف الباب وجازت على أن تبدل من الضمة كسرة لمجاورتها الياء. (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى) قال أبو جعفر : قد ذكرناه (1) والتقدير : من اتّقى ما نهي عنه.
(وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (190)
(وَلا تَعْتَدُوا) لا تقتلوا من لم تؤمروا بقتله ويدخل في الأمر بهذا النساء والصبيان وقتل اثنين بواحد يقال : اعتدى إذا جاوز ما يجب. (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) ابتداء وخبر.
(وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ) (191)
(وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) نهي ، وهو منسوخ وقرأ الكوفيون ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقتلوكم فيه (2) على قول العرب : قتلنا بني فلان إذا قتلوا بعضهم ، ولا يجوز هذا حتى يعرف المعنى ، وحكي عن محمد بن يزيد أنه قال : لا ينبغي أن تقرأ هذه القراءة لأنه يجب على من قرأها أن يكون المعنى لا تقتلوهم ولا تقاتلوهم حتى يقتلوا منكم.
(وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ) (193)
(فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) قال الأخفش سعيد : المعنى فإن انتهى بعضهم فلا عدوان إلّا على الظالمين منهم وقيل : فإن انتهوا للجماعة.
(الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (194)
(الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ) ابتداء وخبر ، والتقدير قتال الشهر الحرام بقتال الشهر الحرام. (وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) ويجوز فتح الراء وإسكانها.
(وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (195)
(وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) الأصل بأيديكم فاستثقلت الحركة في الياء فسكنت. قال الأخفش : الباء زائدة وأبو العباس يذهب إلى أنها متعلقة بالمصدر.
(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ
__________________
(1) ذكره في إعراب الآية (24).
(2) انظر معاني الفراء 1 / 116.

فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (196)
(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) والعمرة عطف على الحجّ وقراءة الشّعبي (1) (وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) شاذة بعيدة لأن العمرة يجب أن يكون إعرابها كإعراب الحج كذا سبيل المعطوف فإن قيل : رفعها بالابتداء لم تكن في ذلك فائدة لأن العمرة لم تزل لله عزوجل ، وأيضا فإنه تخرج العمرة من الإتمام ، وقال من احتجّ للرفع إذا نصبت وجب أن تكون العمرة واجبة. قال أبو جعفر : وهذا الاحتجاج خطأ لأن هذا لا يجب به فرض وإنّما الفرض (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) [آل عمران : 97] ولو قال قائل : أتمم صلاة الفرض والتطوّع لما وجب من هذا أن يكون التطوع واجبا وإنما المعنى إذا دخلت في صلاة الفرض والتطوّع فأتممها. (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ). قال أبو عمرو بن العلاء : واحد الهدي هدية ، وقال الفراء : لا واحد له. قال (2) ابن السّكيت (3) : ويقال : هديّ ، وحكى غيره : إنها لغة بني تميم قال زهير : [الوافر]
39 ـ فلم أر معشرا أسروا هديّا
ولم أر جار بيت يستباء (4)

قال الأخفش : التقدير فعليه ما استيسر من الهدي. (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) أي فعليه صيام ثلاثة أيام وثبتت الهاء في ثلاثة فرقا بين المذكّر والمؤنث ، وقيل : كان المذكر أولى بالهاء لأن الهاء تدخل في المذكر في الجمع القليل نحو قردة. وهذا قول الكوفيين ، وقال بعض البصريين : كان المذكر أولى بالهاء لأن تأنيثه غير حقيقي فأنّث باللفظ والمؤنث تأنيثه حقيقي فأنّث بالمعنى والصيغة لأنها أوكد ، وقال بعضهم : وقع بالمذكر التأنيث لأنه بمعنى جماعة. (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) ابتداء وخبر ، وتيك لغة. (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) الأصل حاضرين حذفت النون للإضافة وحذفت الياء من اللفظ في الإدراج لسكونها وسكون اللام بعدها.
(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما
__________________
(1) الشّعبيّ : عامر بن شراحيل الكوفي ، الإمام الحافظ ، عرض على السلمي وعلقمة بن قيس. (ت 105 ه‍) ترجمته في غاية النهاية 1 / 350.
(2) انظر إصلاح المنطق لابن السّكّيت (275).
(3) ابن السكيت ، أبو يوسف يعقوب بن إسحاق ، أحد كبار اللغويين الكوفيين قتله المتوكل سنة 244 ه‍.
ترجمته في طبقات الزبيدي 221.
(4) الشاهد لزهير في ديوانه ص 79 ، ولسان العرب (بوأ) ، و (هدى) ؛ ومقاييس اللغة 1 / 314 ، وكتاب العين 8 / 412 ، وتهذيب اللغة 6 / 380 ، وتاج العروس (بوأ) و (هدى).

تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ) (197)
(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) ابتداء وخبر ، والتقدير أشهر الحجّ أشهر معلومات ، ويجوز «الحجّ أشهرا» على الظرف أي في أشهر وزعم الفراء (1) أنه لا يجوز النصب وعلّته أنّ أشهرا نكرة غير محصورات ، وليس هذا سبيل الظروف ، وكذا عنده : المسلمون جانب والكفار جانب فإن قلت جانب أرضهم وجانب بلادهم كان النصب هو الوجه. (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَ) «من» في موضع رفع بالابتداء وهي شرط ، وخبر الابتداء محمول على المعنى أي فلا يكن فيه رفث (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) (2) على التبرية وقرأ يزيد بن القعقاع (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) جعل «لا» بمعنى «ليس» ، وإن شئت رفعت بالابتداء ، وقال أبو عمرو : المعنى فلا يكن فيه رفث إلّا أنه نصب. (وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) وقطعه من الأول لأنّ معناه عنده أنه قد زال الشك في أنّ الحجّ في ذي الحجة ، ويجوز «فلا رفث ولا فسوق» يعطفه على الموضع وأنشد النحويون : [السريع]
40 ـ لا نسب اليوم ولا خلّة
اتّسع الخرق على الرّاقع (3)

ويجوز في الكلام : فلا رفث ولا فسوقا ولا جدالا في الحج عطفا على اللفظ على ما كان يجب في «لا» قال الفراء : ومثله : [الطويل]
41 ـ فلا أب وابنا مثل مروان وابنه
إذا هو بالمجد ارتدى وتأزّرا (4)

(وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ) شرط وجوابه. (وَتَزَوَّدُوا) أمر وهو إباحة. (وَاتَّقُونِ) أمر فلذلك حذفت منه النون. (يا أُولِي الْأَلْبابِ) نداء مضاف وواحد الألباب لبّ ،
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 119 ، والبحر المحيط 2 / 93.
(2) انظر معاني الفراء 1 : 120 ، وهي أيضا قراءة مجاهد.
(3) الشاهد لأنس بن العباس بن مرداس في تخليص الشواهد ص 405 ، والدرر 6 / 175 ، وشرح التصريح 1 / 241 ، وشرح شواهد المغني 2 / 601 ، ولسان العرب (قمر) و (عتق) ، والمقاصد النحوية 2 / 351 ، وله أو لسلامان بن قضاعة في شرح أبيات سيبويه 1 / 583 ، ولأبي عامر جدّ العباس بن مرداس في ذيل سمط اللآلي ص 37 ، وبلا نسبة في أمالي بن الحاجب 1 / 421 ، وأوضح المسالك 2 / 20 ، وشرح الأشموني 1 / 151 ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 75 ، وشرح شذور الذهب ص 112 ، وشرح ابن عقيل ص 202 ، وشرح المفصّل 2 / 101 ، و 9 / 138 ، واللّمع في العربية ص 128 ، ومغني اللبيب 1 / 226 ، وهمع الهوامع 2 / 144.
(4) الشاهد لرجل من عبد مناة بن كنانة في تخليص الشواهد ص 413 ، وخزانة الأدب 4 / 67 ، وشرح التصريح 1 / 243 ، وشرح شواهد الإيضاح ص 207 ، والمقاصد النحوية 2 / 355 ، وله أو للفرزدق في الدرر 6 / 172 ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1 / 419 ، 2 / 593 ، وأوضح المسالك 2 / 22 ، وجواهر الأدب ص 241 ، وشرح الأشموني 1 / 153 ، وشرح قطر الندى ص 168 ، وشرح المفصّل 2 / 101 ، والكتاب 2 / 294 ، واللامات ص 105 ، واللمع ص 130 ، والمقتضب 4 / 372 ، وهمع الهوامع 2 / 143.

ولبّ كلّ شيء : خالصه ، فلذلك قيل للعقل لبّ. قال أبو جعفر : سمعت أبا إسحاق يقول : قال لي أحمد بن يحيى أتعرف في كلام العرب من المضاعف شيئا جاء على فعل؟ فقلت : نعم حكى سيبويه (1) عن يونس : لببت تلب فاستحسنه وقال : ما أعرف له نظيرا.
(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) (198)
(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) اسم ليس. (أَنْ تَبْتَغُوا) في موضع نصب أي في أن تبتغوا ، وعلى قول الكسائي والخليل إنها في موضع خفض. (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) بالتنوين وكذا لو سمّيت امرأة بمسلمات لأن التنوين ليس فرقا بين ما ينصرف وما لا ينصرف فتحذفه وإنما هو بمنزلة النون في مسلمين هذا الجيد ، وحكى سيبويه (2) عن العرب حذف التنوين (من عرفات يا هذا) ، ورأيت عرفات يا هذا. بكسر التاء بغير تنوين. قال : لما جعلوها معرفة حذفوا التنوين ، وحكى الأخفش : والكوفيون فتح التاء. قال الأخفش : تجرى مجرى الهاء فيقال : من عرفات يا هذا. وأنشدوا : [الطويل]
42 ـ تنوّرتها من أذرعات وأهلها
بيثرب أدنى دارها نظر عالي (3)

(فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) ومشعر مفعل من شعرت به أي علمت به أي معلم من متعبّدات الله جلّ وعزّ وكان يجب أن يكون على مفعل بناء على يشعر إلّا أنه ليس في كلام العرب اسم على مفعل. (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) الكاف في موضع نصب أي ذكرا مثل هدايته إيّاكم أي جزاء على هدايته إياكم. (وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) لام توكيد إلّا أنّها لازمة لئلّا تكون إن بمعنى ما.
(فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) (200)
(فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ) بالإظهار لأن الثاني بمنزلة المنفصل ويجوز (مناسكّم)
__________________
(1) انظر الكتاب 4 / 146.
(2) انظر الكتاب 3 / 256.
(3) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ص 31 ، وخزانة الأدب 1 / 56 ، والدرر 1 / 82 ، ورصف المباني 345 ، وسرّ صناعة الإعراب ص 497 ، وشرح أبيات سيبويه 2 / 219 ، وشرح 1 / 83 ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 1359 ، وشرح المفصّل 1 / 47 ، والكتاب 3 / 255 ، والمقاصد النحوية 1 / 196 ، والمقتضب 3 / 333 ، وبلا نسبة في أوضح المسالك 1 / 69 ، وشرح الأشموني 1 / 41 ، وشرح ابن عقيل ص 44 وشرح المفصّل 9 / 34.

بالإدغام (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) [النساء : 78 فلا يكون إلّا مدغما. (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) الكاف في موضع نصب أي ذكرا كذكركم ، ويجوز أن يكون في موضع الحال. (أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) «أشدّ» في موضع خفض عطفا على ذكركم ، والمعنى أو (كأشدّ ذكرا. ولم ينصرف لأنه أفعل صفة ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بمعنى أو اذكروه أشدّ ذكرا) ، (ذِكْراً) على البيان. (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ) في موضع رفع بالابتداء وإن شئت بالصفة. (يَقُولُ رَبَّنا آتِنا) صلة من (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) من زائدة للتوكيد.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ) (201)
والأصل في (قِنا) أوقنا حذفت الواو كما حذفت في يقي وحذفت من يقي لأنها بين ياء وكسرة مثل يعد. هذا قول البصريين ، وقال الكوفيون (1) : حذفت فرقا بين اللازم والمتعدّي ، وقال محمد بن يزيد : هذا خطأ لأن العرب تقول : ورم يرم فيحذفون الواو.
(وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (203)
(وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) قال الكوفيون : الألف والتاء لأقل العدد ، وقال البصريون : هما للقليل والكثير. قال أبو جعفر : وقد ذكرنا المعدودات والمعلومات وقول العلماء فيهما. ونشرح ذلك ها هنا. أصحّ ما قيل في المعدودات : أنها ثلاثة أيام : بعد يوم النحر ، وقيل المعدودات والمعلومات واحد ، وهذا غلط لقوله جل وعز : «فمن تعجّل في يومين» ، والتقدير في العربية فمن تعجل في يومين منها ، والمعنى في أيام معدودات لذكر الله تعالى. وأصحّ ما قيل (فيه) في المعلومات قول ابن عمر رحمه‌الله وهو مذهب أهل المدينة : إنها يوم النحر ويومان بعده لأن الله عزوجل قال : (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ) [الحج: 28] فلا يجوز أن يكون هذا إلّا الأيام التي ينحر فيها ولا يخلو يوم النحر من أن يكون أولها أو أوسطها أو آخرها فلو كان آخرها أو أوسطها لكان النحر قبله ، وهذا محال فوجب أن يكون أولها. (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ) «من» رفع بالابتداء والخبر : (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ويجوز في غير القرآن فلا إثم عليهم لأن معنى «من» جماعة كما قال عزوجل (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) [يونس : 42]
__________________
(1) انظر الإنصاف مسألة 112.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 2847
نقاط : 4448
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

إعراب القرآن [ ج ١ ] Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعراب القرآن [ ج ١ ]   إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 4:25 pm

وكذا (وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى) يقال : بأيّ شيء اللام متعلقة؟ فالجواب وفيه أجوبة يكون التقدير المغفرة لمن اتقى وهذا على تفسير ابن مسعود ، وقال الأخفش : التقدير ذلك لمن اتّقى ، وقيل ؛ التقدير السلامة لمن اتقى ، وقيل ، واذكروا يدلّ على الذكر فالمعنى الذكر لمن اتّقى.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) (204)
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) قيل «من» هاهنا مخصوص ، وقال الحسن : الكاذب ، وقيل : الظالم وقيل : المنافق وقرأ ابن محيصن (وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ) (1) بفتح الياء والهاء. (وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) الفعل مثل منه لددت تلدّ وعلى قول أبي إسحاق (2) : خصام جمع خصم وقال غيره : وهو مصدر خاصم.
(وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) (205)
(وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها) منصوب بلام كي. (وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ) عطف عليه ، وفي قراءة أبيّ. وليهلك الحرث وقرأ الحسن وقتادة ويهلك (3) بالرفع وفي رفعه أقوال : يكون معطوفا على يعجبك ، وقال أبو حاتم : هو معطوف على سعى لأن معناه يسعى ويهلك ، وقال أبو إسحاق : التقدير هو يهلك أي يقدر هذا ، وروي عن ابن كثير أنه قرأ ويهلك الحرث والنسل (4) بفتح الياء وضم الكاف والحرث والنسل مرفوعان بيهلك.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) (207)
(ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) مفعول من أجله.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (208)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) في الكسائي : السّلم والسّلم واحد ، وكذا هو عند أكثر البصريين إلّا أن أبا عمرو فرّق بينهما وقرأ هاهنا (ادخلوا في السّلم) (5)
__________________
(1) انظر البحر المحيط 2 / 122 ، وهي قراءة أبي حيوة أيضا.
(2) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 239.
(3) انظر البحر المحيط 2 / 123.
(4) انظر البحر المحيط 2 / 123.
(5) انظر التيسير 68.

وقال : هو في الإسلام وقرأ التي في «الأنفال» (1) والتي في «سورة محمد»(2)صلى‌الله‌عليه‌وسلم «السّلم» بفتح السين ، وقال : هي بالفتح المسالمة وقال عاصم الجحدري : «السّلم» الإسلام و «السّلم» الصّلح والسّلم الاستسلام ومحمد بن يزيد ينكر هذه التفريقات وهي تكثر عن أبي عمرو واللّغة لا تأخذ هكذا وإنما تأخذ بالسماع لا بالقياس ويحتاج من فرق إلى دليل ، وقد حكى البصريون : بنو فلان سلم وسلم بمعنى واحد ولو صح التفريق لكان المعنى واحدا لأنه إذا دخل في الإسلام فقد دخل في المسالمة. والصّلح والسّلم مؤنثة وقد تذكّر. (كَافَّةً) نصب على الحال وهو مشتق من قولهم : كففت أي منعت أي لا يمتنع منكم أحد ومنه قيل : مكفوف وكفّة الميزان وقيل : كفّ لأنه يمتنع بها. (وَلا تَتَّبِعُوا) نهي. (خُطُواتِ الشَّيْطانِ) مفعول وقد ذكرناه.
(فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (209)
(فَإِنْ زَلَلْتُمْ) المصدر زلا وزللا ومزلّة وزلّ في الطين زليلا.
(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (210)
وقرأ قتادة وأبو جعفر يزيد بن القعقاع في ظلال من الغمام وقرأ أبو جعفر (وَالْمَلائِكَةُ) (3) بالخفض وظلل جمع ظلّة في التكسير ، وفي التسليم ظللات ، وأنشد سيبويه : [الطويل]
43 ـ إذا الوحش ضمّ الوحش في ظللاتها
سواقط من حرّ وقد كان أظهرا (4)

ويجوز ظللات وظلّات ، وظلّال جمع ظلّ في الكثير ، والقليل أظلال ، ويجوز أن يكون ظلال جمع ظلّة وقيل : بل القليل أظلال ، والكثير ظلال ، وقيل : ظلال جمع ظلّة مثله قلّة وقلال كما قال : [الخفيف]
44 ـ ممزوجة بماءه القلال (5)
قال الأخفش سعيد : (وَالْمَلائِكَةُ) بالخفض بمعنى وفي الملائكة قال : والرفع أجود كما قال (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) [الأنعام : 158](وَجاءَ رَبُّكَ
__________________
(1) يشير إلى الآية 61 : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ).
(2) يشير إلى الآية 35 : (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ).
(3) انظر معاني الفراء 1 / 124 ، والبحر المحيط 2 / 125.
(4) الشاهد للنابغة الجعدي في ديوانه 74 ، وشرح شواهد الإيضاح ص 484 ، والكتاب 1 / 106 ، ولسان العرب (سقط).
(5) الشاهد للأعشى في ديوانه ص 55 ، ولسان العرب (أسفط) و (سفط) و (عتق) ، وتاج العروس (سنفط) و (عتق) ، والمخصّص 17 / 19 وروايته : وكأن الخمر العتيق من الإرفنط ممزوجة بماء زلال.

وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [الفجر : 22] قال الفراء (1) : وفي قراءة عبد الله هل ينظرون إلّا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام قال أبو إسحاق : التقدير في ظلل من الغمام ومن الملائكة.
(سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (211)
(سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ) بتخفيف الهمزة فلما تحركت السين لم تحتج إلى ألف الوصل. (كَمْ) في موضع نصب لأنها مفعول ثان لآتيناهم ، ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار عائد ولم يعرب وهي اسم لأنها بمنزلة الحروف لما وقع فيها معنى الاستفهام. قال سيبويه : فبعدت من المضارعة بعد «كم» و «إذ» من المتمكنة. (مِنْ آيَةٍ) إذا فرقت بين كم وبي الاسم كان الاختيار أن تأتي بمن فإن حذفتها نصبت في الاستفهام والخبر ، ويجوز الخفض في الخبر كما قال : [الرمل]
45 ـ كم بجود مقرف نال العلى
وكريم بخله قد وضعه (2)

(زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) (212)
(زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا) اسم ما لم يسمّ فاعله ، وقرأ مجاهد وحميد بن قيس(3) (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا) (4) وهي قراءة شاذّة لأنه لم يتقدّم للفاعل ذكر. (وَالَّذِينَ اتَّقَوْا) ابتداء. (فَوْقَهُمْ) ظرف في موضع الخبر.
(كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (213)
(كانَ النَّاسُ) اسم كان. (أُمَّةً) خبرها. (واحِدَةً) نعت ، قال أبو جعفر : قد ذكرنا
__________________
(1) انظر معاني القرآن للفراء 1 / 124.
(2) الشاهد لأنس بن زنيم في ديوانه ص 113 ، وخزانة الأدب 6 / 471 ، والدرر 4 / 49 ، وشرح شواهد الشافية ص 53 ، والمقاصد النحوية 4 / 493 ، ولعبد الله بن كريز في الحماسة البصرية 2 / 10 ، وبلا نسبة في الإنصاف 1 / 303 ، والدرر 6 / 204 ، وشرح أبيات سيبويه 2 / 30 ، وشرح الأشموني 3 / 635 ، وشرح عمدة الحفاظ ص 534 ، وشرح المفصل 4 : 132 ، والكتاب 2 / 168 ، والمقتضب 3 / 61 ، والمقرّب 1 / 313 ، وهمع الهوامع 1 / 255.
(3) حميد بن قيس المكي الأعرج القارئ ، ثقة ، أخذ عرضا عن مجاهد (ت 224 ه‍) ترجمته في غاية النهاية 1 / 265.
(4) انظر معاني القرآن للفراء 1 / 131 ، والبحر المحيط 2 / 138 وهي قراءة أبي حيوة أيضا.

قول أهل التفسير في المعنى ، والتقدير في العربية : كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين ودلّ على هذا الحذف (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ) أي كان الناس على دين الحق فاختلفوا. (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) أي «مبشّرين» من أطاع و «منذرين» من عصى وهما نصب على الحال. (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ) الكتاب بمعنى الكتب. (لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ) نصب بإضمار أن وهو مجاز مثل (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) [الجاثية : 29] ، وقرأ عاصم الجحدري (لِيَحْكُمَ) شاذة لأنه قد تقدّم ذكر الكتاب. (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ) موضع الذين رفع بفعلهم والذين اختلفوا فيه هم المخاطبون. (فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِ) قال أبو جعفر : قد ذكرنا قول أهل التفسير فيه وربما أعدنا الشيء مما تقدّم لنزيده شرحا أو لنختار منه قولا. فمن أحسن ما قيل فيه : إن المعنى فهدى الله الذين آمنوا بأن بيّن لهم الحقّ مما اختلفت فيه من كان قبلهم ، فأمّا الحديث «في يوم الجمعة فهم لنا تبع» (1) فمعناه فعليهم أن يتّبعونا لأن هذه الشريعة ناسخة لشرائعهم. قال أبو إسحاق (2) : معنى بإذنه بعلمه. قال أبو جعفر: وهذا غلط وإنما ذلك الإذن والمعنى والله أعلم بأمره وإذا أذنت في الشيء فكأنك قد أمرت به أي فهدى الله الذين آمنوا بأن أمرهم بما يجب ن يستعملوه.
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) (214)
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْ) تقوم مقام المفعولين : (وَلَمَّا يَأْتِكُمْ) حذفت الياء للجزم (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) (3) هذه قراءة أهل الحرمين ، وقرأ أهل الكوفة والحسن وابن أبي إسحاق وأبو عمرو (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) بالنصب وهو اختيار أبي عبيد وله في ذلك حجّتان : إحداهما عن أبي عمرو : قال : «زلزلوا» فعل ماض و «يقول» فعل مستقبل فلما اختلفا كان الوجه النصب ، والحجة الأخرى حكاها عن الكسائي ، قال: إذا تطاول الفعل الماضي صار بمنزلة المستقبل. قال أبو جعفر : أما الحجّة الأولى بأنّ «زلزلوا» ماض و «يقول» مستقبل فشيء ليس فيه علّة الرفع ولا النصب لأن حتّى ليست من حروف العطف في الأفعال ولا هي البتّة من عوامل الأفعال ؛ وكذا قال الخليل وسيبويه(4): في نصبهم ما بعدها على إضمار «أن» إنما حذفوا أن لأنهم قد علموا أن حتى من عوامل الأسماء هذا معنى قولهما ، وكأن هذه الحجة غلط وإنما تتكلم بها في
__________________
(1) أخرجه الطبري في تفسيره 2 / 338.
(2) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 247 ، والبحر المحيط 2 / 147.
(3) انظر التيسير 68.
(4) انظر الكتاب 3 / 16 ، والإنصاف مسألة 83.

باب الفاء. وحجة الكسائي : بأن الفعل إذا تطاول صار بمنزلة المستقبل كلا حجّة ، لأنه لم يذكر العلّة في النصب ولو كان الأول مستقبلا لكان السؤال بحاله. ومذهب سيبويه (1) في «حتّى» أن النصب فيما بعدها من جهتين ، والرفع من جهتين : تقول : سرت حتّى أدخلها على أن السير والدخول جميعا قد مضيا أي سرت إلى أن أدخلها. وهذا غاية وعليه قراءة من قرأ بالنصب ، والوجه الآخر في النصب في غير الآية سرت حتى أدخلها أي كي أدخلها ، والوجهان في الرفع سرت حتّى أدخلهما أي سرت فأدخلها وقد مضيا جميعا أي كنت سرت فدخلت ولا تعمل حتّى ها هنا بإضمار أن لأن بعدها جملة كما قال الفرزدق : [الطويل]
46 ـ فيا عجبا حتّى كليب تسبّني
كأنّ أباها نهشل أو مجاشع (2)

فعلى هذه القراءة بالرفع وهي أبين وأصحّ معنى أي وزلزلوا حتى الرسول يقول أي حتى هذه حاله ، لأن القول إنما كان عن الزلزلة غير منقطع منها والنصب على الغاية ليس فيه هذا المعنى ، والوجه الآخر في الرفع في غير الآية سرت حتى أدخلها على أن يكون السير قد مضى والدخول الآن ، وحكى سيبويه مرض حتّى ما يرجونه ومثله : سرت حتّى أدخلها لا أمنع. (مَتى نَصْرُ اللهِ) رفع بالابتداء على قول سيبويه وعلى قول أبي العباس رفع بفعله أي متى يقع نصر الله. (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) اسم إنّ وخبرها ويجوز في غير القرآن إن نصر الله قريبا أي مكانا قريبا والقريب لا تثنّيه العرب ولا تجمعه ولا تؤنّثه في هذا المعنى قال عزوجل (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف : 56] وقال الشاعر : [الطويل]
47 ـ له الويل إن أمسى ولا أمّ هاشم
قريب ولا بسباسة ابنة يشكرا (3)

فإن قلت : فلان قريب ، ثنّيت وجمعت فقلت : قريبون وأقرباء أو قرباء.
(يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) (215)
(يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ) وإن خفّفت الهمزة ألقيت حركتها على السين ففتحتها وحذفت الهمزة فقلت : يسلونك. (ما ذا يُنْفِقُونَ) «ما» في موضع رفع بالابتداء و «ذا»
__________________
(1) انظر الكتاب 3 / 16.
(2) الشاهد للفرزدق في ديوانه 419 ، وخزانة الأدب 5 / 414 ، والدرر 4 / 112 ، وشرح شواهد المغني 1 / 12 ، وشرح المفصّل 8 : 18 ومغني اللبيب 1 / 129 ، وبلا نسبة في رصف المباني ص 181 ، وشرح المفصل 8 / 62 ، والمقتضب 2 / 41 ، وهمع الهوامع 2 / 24.
(3) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ص 68 ، ولسان العرب (قرب) ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 5 / 232.

الخبر وهو بمعنى الذي وحذفت الياء لطول الاسم أي ما الذي ينفقونه وإن شئت كانت «ما» في موضع نصب بينفقون و «ذا» مع «ما» بمنزلة شيء واحد. (قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ) «ما» في موضع نصب بأنفقتم وكذا وما تنفقوا وهو شرط والجواب : (فَلِلْوالِدَيْنِ) وكذا (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ).
(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (216)
(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) اسم ما لم يسمّ فاعله. (وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) ابتداء وخبر.
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (217)
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) وفي قراءة عبد الله عن قتال فيه وقراءة عكرمة (1) عن الشهر الحرام قتل فيه بغير ألف وكذا : قل قتل فيه كبير. وقرأ الأعرج ويسئلونك بالواو. (عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) قال أبو جعفر : الخفض عند البصريين على بدل الاشتمال ، وقال الكسائي (2) : هو مخفوض على التكرير أي عن قتال فيه ، وقال الفراء (3) : هو مخفوض على نيّة «عن» ، وقال أبو عبيدة (4) : هو مخفوض على الجوار. قال أبو جعفر : لا يجوز أن يعرب شيء على الجوار في كتاب الله عزوجل ولا في شيء من الكلام وإنما الجوار غلط وإنما وقع في شيء شاذّ وهو قولهم ، هذا جحر ضبّ خرب. والدليل على أنه غلط قول العرب في التثنية : هذان جحرا ضبّ خربان ، وإنما هذا بمنزلة الإقواء ولا يحمل شيء من كتاب الله عزوجل على هذا ، ولا يكون إلّا بأفصح اللّغات وأصحّها ، ولا يجوز إضمار «عن» ، والقول فيه أنه بدل ، وأنشد سيبويه : [الطويل]
48 ـ فما كان قيس هلكه هلك واحد
ولكنّه بنيان قوم تهدّما (5)

__________________
(1) عكرمة مولى ابن عباس. وردت عنه الرواية في حروف القرآن ، روى عن مولاه وابن عمر. عرض عليه عمرو بن العلاء (ت 105 ه‍) ، ترجمته في غاية النهاية 1 / 515.
(2) انظر البحر المحيط 2 / 154.
(3) انظر معاني القرآن للفراء 1 / 141 ، والبحر المحيط : 2 / 154.
(4) انظر مجاز القرآن 1 / 72.
(5) الشاهد لعبدة بن الطبيب في ديوانه 88 ، والأغاني 14 / 78 ، 21 / 29 ، وخزانة الأدب 5 / 204 ، وديوان ـ

فأمّا قتال فيه بالرفع فغامض في العربية. والمعنى فيه يسألونك عن الشهر الحرام أجائز قتال فيه فقوله : «يسألونك» يدلّ على الاستفهام كما قال : [الطويل]
49 ـ أصاح ترى برقا أريك وميضه
كلمع اليدين في حبي مكلّل (1)

فالمعنى أترى برقا فحذف ألف الاستفهام لأن الألف التي في أصاح بدل منها وتدلّ عليها وإن كانت حرف النداء وكما قال (2) : [المتقارب]
50 ـ تروح من الحيّ أم تبتكر
والمعنى : أتروح فحذف الألف لأن أم تدلّ عليها. (قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) ابتداء وخبر. (وَصَدٌّ) ابتداء. (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) خفض بعن. (وَكُفْرٌ بِهِ) عطف على صدّ. (وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) عطف على سبيل الله. (وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ) عطف على صدّ وخبر الابتداء. أكرم عند الله و (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) ابتداء وخبر أي أعظم إثما من القتال في الشهر الحرام ، وقيل : في المسجد الحرام عطف على الشهر أي ويسألونك عن المسجد فقال تعالى وإخراج أهله منه أكبر عند الله وهذا لا وجه له لأن القوم لم يكونوا في شكّ من عظيم ما أتى المشركون إلى المسلمين في إخراجهم من منازلهم بمكة فيحتاجوا إلى المسألة عنه هل كان ذلك لهم ، ومع ذلك فإنه قول خارج عن قول العلماء لأنهم أجمعوا أنها نزلت في سبب قتل ابن الحضرمي (3).
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (218)
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) اسم إن. (وَالَّذِينَ هاجَرُوا) عطف عليه : (أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ) ابتداء وخبر في موضع خبر إنّ.
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (219)
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) هذه قراءة أهل الحرمين وأبي
__________________
ـ المعاني 2 / 175 ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 792 ، وشرح المفصل 3 / 65 ، والشعر والشعراء 2 / 732 ، والكتاب 1 / 208 ، ولمرداس بن عبدة في الأغاني 14 / 86.
(1) الشاهد للأسود بن يعفر في ديوانه ص 57 ، وشرح المفصّل 1 / 46 ، ولسان العرب (خلد) ، و (حجا) ، ونوادر أبي زيد ص 160 ، ولامرئ القيس في ديوانه ص 24 ، ولسان العرب (كلل) ، وبلا نسبة في الاشتقاق ص 244 ، وإصلاح المنطق ص 403 ، وأمالي ابن الحاجب ص 328 ، وجمهرة اللغة ص 442 ، 657 ، 1037.
(2) مرّ الشاهد رقم (7).
(3) ابن الحضرميّ : هو عمرو بن الحضرمي وهو أول قتيل من المشركين (البحر المحيط 2 / 155).

عمرو بن العلاء ، وقرأ الكوفيون كثير (1) وإجماعهم على (حُوباً كَبِيراً) [النساء : 2] يدلّ على أن كبيرا أولى أيضا فكما يقال : إثم صغير كذا يقال : كبير ولو جاز كثير لقيل : إثم قليل وأجمع المسلمون على قولهم : كبائر وصغائر. (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) هكذا قرأ أهل الحرمين وأهل الكوفة ، وقرأ أبو عمرو وعيسى بن عمر وابن أبي إسحاق (قُلِ الْعَفْوَ) بالرفع. قال أبو جعفر : إن جعلت «ذا» بمعنى الذي كان الاختيار الرفع وجاز النصب ، وإن جعلت ما وذا شيئا واحدا كان الاختيار النصب وجاز الرفع ، وحكى النحويون : ماذا تعلّمت أنحوا أم شعرا؟ بالنصب والرفع على أنهما جيدان حسنان إلا أن التفسير في الآية يدلّ على النصب. قال ابن عباس : الفضل ، وقال : العفو ما يفضل عن أهلك فمعنى هذا ينفقون العفو ، وقال الحسن : المعنى قل أنفقوا العفو ، وقال أبو جعفر : وقد بيّنا (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) في الدّنيا والآخرة.
(فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (220)
(قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) ابتداء وخبر. (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) شرط وجوابه، والتقدير : فهم إخوانكم ، ويجوز في غير القرآن فإخوانكم ، والتقدير : فتخالطون إخوانكم.
(وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (221)
(وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ) يقال : نكح ينكح إذا وطئ هذا الأصل ثم استعمل ذلك لمن تزوّج ويجوز ولا تنكحوا أي لا تزوّجوا بضم التاء ولا تنكحوا المشركين أي ولا تزوّجوهم ، وكل من كفر بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهو مشرك يدلّ على ذلك القرآن ، وسنذكره إن شاء الله في موضعه. (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ) ابتداء وخبر وكذا (أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) وكذا (وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ) وكذا (وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ) في قراءة الحسن (2) ، وفي قراءة أبي العالية (3) (وَالْمَغْفِرَةِ) (4) عطفا على الجنة.
__________________
(1) انظر البحر المحيط 2 / 161 (وهي قراءة حمزة والكسائي).
(2) انظر البحر المحيط 2 / 176.
(3) أبو العالية : رفيع بن مهران الرياحي ، تابعي ، عرض على أبيّ وابن عباس وعمر (ت 90 ه‍). ترجمته في غاية النهاية 1 / 284.
(4) انظر البحر المحيط 2 / 176.

(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ(222) نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (223)
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) محيض مصدر ومثله جاء مجيئا وقال مقيلا. (قُلْ هُوَ أَذىً) ابتداء وخبر ، وأذى من ذوات الياء. يقال : أذيت به أذى وأذاني وهما آذياني. (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) لم تحذف النون للنصب لأنها علامة التأنيث وقد ذكرناه. (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) «حيث» في العربية للموضع فتأوّل قوم هذا على ما يجب في العربية أنه موضع بعينه وهو الفرج ، وقال قوم : قد بيّن ذلك الموضع بقوله : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) فإنّى شئتم وهو الذي أمر به. وأما قول مجاهد من حيث نهوا عنه في محيضهنّ فيدلّ على أنه جعل الأمر والنهي شيئا واحدا ، وهذا مردود. «أنّى» ظرف وحقيقته : من أين شئتم ، وقيل : كيف شئتم (وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ) أي الطاعة ثم حذف المفعول. (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ) حذفت النون للإضافة لأنه بمعنى المستقبل. وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال : سمعت سعيد بن جبير يحدّث عن ابن عباس قال سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يخطب يقول : «إنّكم ملاقو الله حفاة عراة مشاة غرلا» (1) ثم تلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ).
(وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (224)
(وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) نهي قال ابن عباس (2) : يحلف أن لا يصل ذا قرابته. (أَنْ تَبَرُّوا) في موضع نصب ، وإن شئت في موضع خفض ، وإن شئت في موضع رفع فالنصب على ثلاث تقديرات منها : في أن تبرّوا ثم حذف «في» فتعدّى الفعل ، ومنها : كراهة أن تبرّوا ثم يحذف ، ومنها : لئلا تبرّوا والخفض في جهة واحدة على قول الخليل والكسائي يكون في أن تبرّوا فأضمرت «في» وخفضت بها والرفع بالابتداء وحذفت الخبر ، والتقدير أن تبرّوا وتتقوا وتصلحوا بين الناس أولى أو أمثل مثل (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) [محمد : 21].
(لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (225)
(لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) يقال : لغا يلغوا أو يلغى لغوا ولغي يلغى لغى إذا
__________________
(1) أخرجه الترمذي في سننه (القيامة 9 / 256) ، والقرطبي في تفسير 35 / 96.
(2) انظر البحر المحيط 2 / 187.

أتى بما لا يحتاج إليه في الكلام أو بما لا خير فيه أو بما لا يلغى إثمه.
(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (226)
(لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) أي يحلفون والمصدر إيلاء وأليّة وألوة وإلوة. (تَرَبُّصُ) رفع بالابتداء أو بالصفة. (أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) أثبت الهاء لأنه عدد لمذكر وقد ذكرنا علّته (1).


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 2847
نقاط : 4448
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

إعراب القرآن [ ج ١ ] Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعراب القرآن [ ج ١ ]   إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 4:27 pm

(وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (228)
(وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) أثبت الهاء أيضا لأنه عدد لمذكر ، الواحد قرء ، والتقدير عند سيبويه (2) ثلاثة أقراء من قروء لأن قروءا للكثير عنده ، وقد زعم بعضهم أن ثلاثة قروء لما كانت بالهاء دلت الهاء على أنها أطهار وليست لحيض ، قال : ولو كانت حيضا لكانت ثلاثة قروء. وهذا القول خطأ قبيح لأن الشيء الواحد قد يكون له اسمان مذكر ومؤنث نحو دار ومنزل ، وهذا بيّن كثير ، وقد قال الله تعالى : (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ) قال إبراهيم النخعي : يعني الحيض وهذا من أصحّ قول ، وهكذا كلام العرب ، والتقدير : والمطلقات يتربّصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن من القروء أي من الحيض ، ومحال أن يكون هاهنا الطهر لأنه إنما خلق الله جلّ وعزّ في أرحامهن الحيض والولد ، ولم يجر هاهنا للولد ذكر فوجب أن يكون الحيض ومن الدليل على أنّ القرء الحيضة في قول الله جلّ وعزّ (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) فقوله تعالى : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) [الطلاق : 1] والطلاق في الطهر. ولا يخلو قوله جلّ وعزّ لعدّتهنّ من أن يكون معناه قبل عدتهنّ أو بعدها أو معها ومحال أن يكون معها أو بعدها فلمّا وجب أن يكون قبلها وكان الطهر كلّه وقتا للطلاق وجب أن يكون بعده وليس بعده إلّا الحيض ، والتقدير في العربية ليعتددن. (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ) ابتداء وخبر ، وبعولة جمع بعل والهاء لتأنيث الجماعة.
(الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخافا أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (229)
(الطَّلاقُ مَرَّتانِ) ابتداء وخبر ، والتقدير عدد الطلاق الذي تملك معه الرجعة مرتان. (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ) ابتداء والخبر محذوف أي فعليكم إمساك بمعروف ويجوز في
__________________
(1) انظر إعراب القرآن للزجاج 264 ، وإعراب الآية 196 ، البقرة.
(2) انظر الكتاب 4 / 54.

غير القرآن فإمساكا على المصدر. (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً) أن في موضع رفع بيحل. (إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) وقرأ أبو جعفر يزيد ابن القعقاع وحمزة. (إِلَّا أَنْ يَخافا) (1) بضم الياء وهو اختيار أبي عبيد قال : لقوله «فإن خفتم» فجعل الخوف لغيرهم ولم يقل : فإن خافا ، وفي هذا حجّة لمن جعل الخلع إلى السلطان. قال أبو جعفر : أنا أنكر هذا الاختيار على أبي عبيد وما علمت في اختياره شيئا أبعد من هذا الحرف لأنه لا يوجب الإعراب ولا اللفظ ولا المعنى ما اختاره فأما الإعراب فإنه يحتجّ له بأنّ عبد الله بن مسعود قرأ. إلّا أن تخافوا ألا يقيما حدود الله (2) فهذا في العربية إذا ردّ إلى ما لم يسمّ فاعله قيل إلّا أن يخاف أن لا يقيم حدود الله وأما اللفظ فإن كان على لفظ يخافا وجب أن يقال : فإن خيف وإن كان على لفظ فإن خفتم وجب أن يقال : إلّا أن تخافوا وأمّا المعنى فإنه يبعد أن يقال : لا يحلّ لكم أن تأخذوا مما آتيتموهنّ شيئا إلّا أن يخاف غيركم ولم يقل تعالى فلا جناح عليكم أن تأخذوا له منها فدية فيكون الخلع إلى السلطان ، وقد صحّ عن عمر وعثمان وابن عمر أنهم أجازوا الخلع بغير السلطان. وقال القاسم بن محمد (إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) ما يجب عليهما في العشرة والصحبة فأما فإن خفتم وقبله «إلا أن يخافا» فهذا مخاطبة الشريعة وهو من لطيف كلام العرب أي فإن كنتم كذا فإن خفتم ونظيره (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَ) [البقرة : 232] لأن الولي يعضل غيره ونظيره (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) [المجادلة : 3] و (أَنْ يَخافا) في موضع نصب استثناء ليس من الأول «ألا يقيما» في موضع نصب أي من أن لا يقيما وبأن لا يقيما وعلى أن لا ، فلما حذف الحرف تعدّى الفعل وقول من قال : يخافا بمعنى يوقنا لا يعرف ، ولكن يقع النشوز فيقع الخوف من الزيادة. (أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) أكثر العلماء وأهل النظر على أن هذا للمرأة خاصة لأنها التي لا تقيم حدود الله في نشوزها وهذا معروف في كلام العرب بيّن في المعقول ولو أن رجلا وامرأة اجتمعا فصلّى الرجل ولم تصلّ المرأة لقلت ما صلّيا وهذا لا يكون إلّا في النفي خاصة. (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) يقال : إنما الجناح على الزوج فكيف قال عليهما؟ فالجواب أنه قد كان يجوز أن يحظر عليهما أن يفتدي منه فأطلق لها ذلك وأعلم أنه لا إثم عليهما جميعا ، وقال الفراء (3) : قد يجوز أن يكون فلا جناح عليهما للزوج وحده مثل (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) [الرّحمن : 22]. (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ) في موضع جزم بالشرط فلذلك حذفت منه الألف ، والجواب (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
__________________
(1) انظر التيسير الداني 69.
(2) انظر معاني القرآن للفراء 1 / 145 ، والبحر المحيط 2 / 206.
(3) انظر معاني الفراء 1 / 147 والبحر المحيط 2 / 208.

(فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (230)
(فَإِنْ طَلَّقَها) أي فإن طلقها الثالثة : (فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ) أي من بعد الثالثة (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) وبيّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ النكاح ها هنا الجماع وكذلك أصله في اللغة.
(وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (231)
(وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) في إذا معنى الشرط فلذلك تحتاج إلى جواب ، والجواب (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً) مفعول من أجله أي من أجل الضرار (لِتَعْتَدُوا) نصب بإضمار أن. (وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً) مفعولان.
(وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (232)
(ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ) ولم يقل : ذلكم لأنه محمول على معنى الجميع ولو كان ذلكم كان مثل (ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ).
(وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (233)
(وَالْوالِداتُ) ابتداء. (يُرْضِعْنَ) في موضع الخبر وفعل المولود رضع يرضع فهو راضع (حَوْلَيْنِ) ظرف زمان ولا يجوز أن يكون الفعل في أحدهما. هذا قول سيبويه. وقرأ مجاهد وحميد بن قيس وابن محيصن لمن أراد أن تتمّ الرّضاعة (1) بفتح التاء الأولى ورفع الرضاعة بعدها. قال أبو جعفر : ويجوز (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) بالياء لأن الرّضاعة والرّضاع واحد ولا يعرف البصريون : الرضاعة إلا بفتح الراء والرضاع إلا بكسر الراء مثل القتال ، وحكى الكوفيون كسر الراء مع الهاء وفتحها بغير هاء وقد قرأ أبو رجاء وكان فصيحا (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) (2) وقرأ (لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ) بفتح
__________________
(1) هذه قراءة الحسن وأبي رجاء أيضا ، انظر البحر المحيط 2 / 232.
(2) هذه قراءة الجارود بن أبي سبرة أيضا ، انظر مختصر ابن خالويه 14.

التاء. (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها) في موضع جزم بالنهي وفتحت الراء لالتقاء الساكنين ويجوز كسرها وهي قراءة ، وقرأ أبو عمرو (لا تُضَارَّ) (1) جعله خبرا بمعنى النهي وهذا مجاز والأول حقيقة. وروى أبان (2) عن عاصم لا تضارر والدة وهذه لغة أهل الحجاز. قال أحمد بن يحيى : يجوز أن يكون تقدير «لا تضارّ والدة» لا تضارر ثم أدغم. قال أبو جعفر : لا تضارّ والدة اسم ما لم يسمّ فاعله إذا كان التقدير لا تضارر وإن كان التقدير لا تضارر كانت رفعا بفعله. (وَلا مَوْلُودٌ) عطف عليها بالواو ولا توكيد. (وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ) رفع بالابتداء أو الصفة. (وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ) التقدير في العربية وإن أردتم أن تسترضعوا أجنبية لأولادكم وحذفت اللام لأنه يتعدّى إلى مفعولين أحدهما بحرف وأنشد سيبويه : [البسيط]
51 ـ أمرتك الخير فافعل ما أمرت به
فقد تركتك ذا مال وذا نشب (3)

(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (234)
(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً) يقال أين خبر «الذين» ففيه أقوال قال الأخفش سعيد : التقدير : والذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجا يتربّصن بأنفسهنّ بعدهم أو بعد موتهم ، ثم حذف هذا كما يحذف شيء كثير ، وقال الكسائي : في التقدير يتربّص أزواجهم كما قال جلّ وعزّ (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً ـ لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً) [التوبة : 107 ، 108] أي لا تقم في مسجدهم وقال الفراء (4) : إذا ذكرت أسماء ثم ذكرت أسماء مضافة إليها فيها معنى الخبر وكان الاعتماد في الخبر على الثاني أخبر عن الثاني وترك الأول. قال أبو إسحاق : هذا خطأ لا يجوز أن يبتدأ باسم ولا يحدّث عنه. قال أبو جعفر : ومن أحسن ما قيل فيها قول أبي العباس محمد بن يزيد قال : التقدير :
__________________
(1) انظر تيسير الداني 69.
(2) أبان بن تغلب الربعي الكوفي النحوي ، قرأ على عاصم (ت 141 ه‍) ، ترجمته في (مشاهير علماء الأمصار لابن حبان 164 ، وغاية النهاية لابن الجزري 1 / 4).
(3) الشاهد لعمرو بن معدي كرب في ديوانه ص 63 ، وخزانة الأدب 9 / 124 ، والدرر 5 / 186 ، وشرح شواهد المغني ص 727 ، والكتاب 1 / 72 ، ومغني اللبيب ص 315 ، ولخفاف بن ندبة في ديوانه ص 126 ، وللعباس بن مرداس في ديوانه ص 131 ، ولأعشى طرود في المؤتلف والمختلف ص 17 ، وهو لأحد الأربعة السابقين أو لزرعة بن خفاف في خزانة الأدب 1 / 339 ، ولخفاف بن ندبة أو للعباس بن مرداس في شرح أبيات سيبويه 1 / 250 ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 4 / 16 ، وشرح شذور الذهب 477 ، وشرح المفصّل 8 / 50 وكتاب اللامات ص 139 ، والمحتسب 1 / 51 ، والمقتضب 2 / 36.
(4) انظر معاني الفراء 1 / 150.

والذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجا أزواجهم يتربّصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ثم حذف كما قال الشاعر : [الطويل]
52 ـ وما الدّهر إلّا تارتان فمنهما
أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح (1)

وفيها قول رابع يكون التقدير وأزواج الذين يتوفّون منكم وقد ذكرنا وعشرا.
(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (235)
(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ) خطبة وخطب واحد ، والخطبة ما كان لها أول وآخر ، وكذا ما كان على فعلة نحو الأكلة والضغطة. (أَوْ أَكْنَنْتُمْ) يقال : أكننت الشيء إذا أخفيته في نفسك ، وكننته : صنته ومنه (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) [الصافات : 49] هذه أفصح اللغات. (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) أي على سرّ حذف الحرف لأنه مما يتعدّى إلى مفعولين أحدهما بحرف ، ويجوز أن يكون في موضع الحال. (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) استثناء ليس من الأول. (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ) أي على عقدة النكاح ثم حذف «على» كما تقدّم (2) وحكى سيبويه (3) : ضرب فلان الظهر والبطن أي «على» ، قال سيبويه : والحذف في هذه الأشياء لا يقاس. قال أبو جعفر : ويجوز أن يكون المعنى ولا تعقدوا عقدة النكاح لأن معنى تعقدوا وتعزموا واحد ويقال : تعزموا.
(لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) (236)
(وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ) (4) ويقرأ قدره (5) وأجاز الفراء :
__________________
(1) الشاهد لتميم بن مقبل في ديوانه 24 ، وحماسة البحتري ص 123 ، والحيوان 3 / 48 ، وخزانة الأدب 5 / 55 ، والدرر 6 / 18 ، وشرح أبيات سيبويه 2 / 114 ، وشرح شواهد الإيضاح ص 634 ، والكتاب 2 / 365 ، ولسان العرب (كدح) ، ولعجير السلولي في سمط اللآلي ص 205 ، وبلا نسبة في خزانة الأدب 10 / 175 ، وشرح عمدة الحافظ ص 547 ، ولسان العرب (تور) ، والمحتسب 1 / 112 ، والمقتضب 2 / 138 ، وهمع الهوامع 2 / 120.
(2) تقدّم ذكره في إعراب الآية 130.
(3) انظر الكتاب 1 / 211.
(4) هذه قراءة ابن كثير وأبي بكر (بسكون الدال). انظر البحر المحيط 2 / 242.
(5) بفتح الدال ، قراءة حمزة والكسائي وابن عامر وحفص ويزيد وروح ، انظر البحر المحيط 2 / 242.

قدره (1) قال أبو جعفر : حكى أكثر أهل اللغة أن قدرا أو قدرا بمعنى واحد ، وقال بعضهم: القدر بالتسكين الوسع. يقال فلان ينفق على قدره أي على وسعه. وأكثر ما يستعمل القدر بالتحريك للشيء إذا كان مساويا للشيء. يقال : هذا على قدر هذا. فأما النصب فلأنّ معنى متّعوهنّ وأعطوهن واحد. (مَتاعاً) مصدر ويجوز أن يكون حالا أي قدره في هذه الحال.
(وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (237)
(فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) أي فعليكم ، ويجوز النصب في غير القرآن أي فأدّوا نصف ما فرضتم ويقال : نصف ونصف بمعنى نصف. (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) في موضع نصب بأن وعلامة النصب فيه مطّرحة لأنه مبني وقد ذكرنا نظيره ، إلّا أنا نزيده شرحا فقول سيبويه (2) : إنه إنما بني لما زادوا فيه ولأنه مضارع للماضي ، والماضي مبنيّ فبني كما يبنى الماضي ومثّل هذا سيبويه بأن الأفعال أعربت لأنها مضارعة للأسماء والفعل بالفعل أولى من الفعل بالاسم ، وهذا مما يستحسن من قول سيبويه. وقال الكوفيون (3) : كان سبيله أن يحذف منه النون ولكنها علامة فلو حذفت لذهب المعنى ، وقال محمد بن يزيد : اعتلّ هذا الفعل من ثلاث جهات والشيء إذا اعتلّ من ثلاث جهات بني منها أنّه فعل وأنه لجمع وأنه لمؤنث. قال أبو جعفر : وسمعت أبا إسحاق يسأل عن هذا فقال : هو غلط من قول أبي العباس : لأنا لو سمّينا امرأة بفرعون لم نبنه. (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) معطوف. (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) ابتداء وخبر والأصل يعفوا وأسكنت الواو الأولى لثقل الحركة فيها ثم حذفت لالتقاء الساكنين. (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) قال طاوس : اصطناع المعروف. قال أبو جعفر : وقد ذكرنا ضمة هذه الواو في (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ) (4).
(حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) (238)
(حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) قد ذكرناه (5) ، ونزيده شرحا. قرأ الرّؤاسي (6) : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) بالنصب أي والزموا الصلاة
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 153.
(2) انظر الكتاب 1 / 45.
(3) انظر معاني الفراء 1 / 154.
(4) راجع إعراب الآية 16 ـ البقرة.
(5) يعني في معاني القرآن.
(6) أبو جعفر الرؤاسي : محمد بن الحسن الكوفي النحوي ، إمام مشهور ، روى الحروف عن أبي عمرو ، ـ

الوسطى وفي حرف ابن مسعود وعلى الصلاة الوسطى وروي عن ابن عباس والصلاة الوسطى صلاة العصر (1). وهذه القراءة على التفسير لأنها زيادة في المصحف ، والحديث المرويّ في القراءة والكتابة حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر لا يوجب أن يكون الوسطى خلاف العصر كما أنّ قوله عزوجل : (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) [الرّحمن : 68] أن يكون النخل والرمان خلاف الفاكهة كما قال الشاعر : [الكامل]
53 ـ النّازلون بكلّ معترك
والطّيّبون معاقد الأزر (2)

ليس الطّيّبون فيه خلاف النازلين ، وحكى سيبويه : مررت بزيد أخيك وصديقك ، والصديق هو الأخ. قال أبو جعفر : وقد ذكرنا احتجاج من قال : إن الصلاة الوسطى العصر لأنها بين الصلاتين من صلاة النهار وصلاتين من صلاة الليل وأجود من هذا الاحتجاج أن يكون قيل لها : الوسطى لأنها بين صلاتين إحداهما أول ما فرض والأخرى الثالثة مما فرض وحجّة من قال إنها الصبح : أنها بين صلاتين من صلاة النهار وصلاتين من صلاة الليل وحجة من قال إنها الظهر : أنها في وسط النهار وقال قوم : هي العشاء الآخرة وقال قوم : هي المغرب لأنها بين صلاتين من النهار وصلاتين من الليل. (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) منصوب على الحال وقد بينا معناه.
(فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (239)
(فَإِنْ خِفْتُمْ) شرط ، وجوابه ما قلنا (فَرِجالاً) نصب على الحال أي فصلّوا رجالا ، والمعنى : فإن خفتم أن تقوموا لله قانتين فصلّوا مشاة أو ركبانا. قال أبو جعفر : يقال : راجل ورجلان ورجل بمعنى واحد وفي الجمع لغات يقال : رجّالة رجال مثل صاحب وصحاب كما قال : [الطويل]
54 ـ وقال صح ابي : قد شأونك فاطلب (3)
ويجوز أن يكون رجال جمع رجل بمعنى راجل ، ويقال في الجمع : رجّال مثل
__________________
ـ وله اختيار في القراءة ، يروى عنه ، واختيار في الوقوف ، روى عنه الكسائي والفراء. ترجمته في غاية النهاية 2 / 116 ونزهة الألباء 50.
(1) انظر البحر المحيط 2 / 250.
(2) مرّ الشاهد رقم (33).
(3) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ص 50 ، ولسان العرب (صحب) (شأى) ، والتنبيه والإيضاح 1 / 102 ، وبلا نسبة في ديوان الأدب 1 / 454 ، وصدره :
«فكان تدانينا وعقد عذاره»
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 2847
نقاط : 4448
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

إعراب القرآن [ ج ١ ] Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعراب القرآن [ ج ١ ]   إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 4:29 pm

كاتب وكتاب ، ويقال : رجل مثل تاجر وتجر ، ويقال : راجل ورجلة ورجلة اسم للجمع ، وكذا رجال مخفّف ويقال : رجالي رجالي ورجلي جمع رجلان. (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ) أي فقوموا لله قانتين.
(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (240)
(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ) الذين في موضع رفع إن شئت بالابتداء ، والتقدير يوصون وصيّة. والمعنى ليوصوا وصيّة ، وإن شئت كان الذين رفعا بإضمار فعل أي يوصّي الذين يتوفّون منكم وصيّة ، وفي الرفع وجه ثالث أي وفيما فرض عليكم الذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجا يوصون وصيّة لأزواجهم والذين مبنيّ على حال واحدة لأنه لا تتمّ إلّا بصلة ويقال : الّذون في موضع الرفع ومن قرأ وصية (1) بالرفع فتقديره والذين يتوفّون منكم عليهم وصيّة لأزواجهم ، (مَتاعاً) مصدر عند الأخفش وعند أبي العباس أي ذوي متاع. (غَيْرَ إِخْراجٍ) في نصبه ثلاثة أوجه : قال الفراء (2) : أي من غير إخراج ، وقال الأخفش : هو مصدر أي لا إخراجا ثم جعل : «غير» في موضع «لا» وقيل : هو حال أي غير ذوي إخراج ، والمعنى يوصون بهنّ غير مخرجين لهنّ وهذا كلّه منسوخ بالربع والثمن [النساء : 12] و (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) [البقرة : 234] و «لا وصيّة لوارث». (فَإِنْ خَرَجْنَ) شرط والجواب (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) فيما فعلن في أنفسهنّ من معروف.
(وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) (241)
(وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا) قال الأخفش : هو مصدر أي أحقّ ذلك حقا. قال أبو جعفر : (عَلَى) متعلّقة بالفعل المحذوف أي يحق ذلك على المتّقين حقا.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) (243)
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) هذه ترى من رؤية القلب أي ألم تتنبّه على هذا وألم يأتك علمه والأصل الهمز فترك استخفافا. (حَذَرَ الْمَوْتِ) مفعول من أجله وهو مصدر. (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) اسم إنّ وخبرها واللام زائدة للتوكيد.
__________________
(1) انظر البحر المحيط 2 / 254 ، (قرأ بها الحرميان والكسائي وأبو بكر ، لكن باقي السبعة قرءوها بالنصب).
(2) انظر معاني الفراء 1 / 156.

وأصل ذي ذوى فاعلم وقد نطق القرآن به على الأصل قال الله عزوجل : (ذَواتا أَفْنانٍ) [الرّحمن : 48]. ومعنى (لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) ها هنا أنه أحيا هؤلاء بعد الموت وأراهم الآية العظمى.
(وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (244)
(وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أمر ، أي لا تهربوا كما هرب هؤلاء. (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) اسم «أنّ» وخبرها أي يسمع قولكم إن قلتم مثل ما قال هؤلاء ويعلم مرادكم به.
(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (245)
(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ) «من» رفع بالابتداء ، وخبره «ذا» و «الذي» نعت لذا ، وإن شئت بدل. (يُقْرِضُ اللهَ) اسم للمصدر وأصل قرضت قطعت ، ومنه سمي المقراضان ومنه (تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ) [الكهف : 17] ، فمعنى أقرضت الرجل أعطيته قطعة من مالي. فيضاعفه له (1) عطف على يقرض وإن شئت كان مستأنفا وقرأ ابن أبي إسحاق والأعرج (فَيُضاعِفَهُ لَهُ) نصبا وقد روي أيضا هذا عن عاصم والنصب على جواب الاستفهام. و (أَضْعافاً) بمعنى المصدر. (كَثِيرَةً) من نعته. (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ) وإن شئت قلبت السين صادا لأن بعدها طاء.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلاَّ تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلاَّ نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (246)
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) قيل : الملأ الأشراف لأنهم مليئون بما يدخلون فيه. (إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) جزم لأنه جواب الطلب والطلب في لفظ الأمر ، ويجوز نقاتل في سبيل الله ورفعا بمعنى نحن نقاتل أي فإنّا ممّن يقاتل ، ومن قرأ بالياء يقاتل (2) فالوجه عنده الرفع لأنه نعت لملك. (قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ) قال أبو حاتم : ولا وجه لعسيتم ، وقد قرأ الحسن به ونافع وطلحة (3) ابن مصرّف ولو كان
__________________
(1) هذه قراءة نافع وحمزة والكسائي بالألف ورفع الفاء ، وقرأ عاصم بالألف ونصب الفاء ، انظر كتاب السبعة لابن مجاهد 185. والبحر المحيط 2 / 261.
(2) قراءة الضحاك وابن أبي عيلة بالياء ، انظر البحر المحيط 2 / 263.
(3) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد 186.

كذا لقرئت «فعسي الله». قال أبو جعفر : حكى يعقوب بن السّكيت وغيره أنّ «عسيت» لغة ولكنها لغة رديئة فإذا قال عسى الله ثم قال : فهل عسيتم استعمل اللغتين جميعا إلّا أنه ينبغي له أن يقرأ بأفصح اللغتين وهي فتح السين. (إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) شرط. (أَلَّا تُقاتِلُوا) في موضع نصب. قال أبو إسحاق : أي هل عسيتم مقاتلة (قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ) قال الأخفش : أن زائدة. وقال الفراء (1) : هو محمول على المعنى ، أي وما منعنا كما تقول : ما لك ألّا تصلي ، أي ما منعك ، وقيل : المعنى وأيّ شيء لنا في ألّا نقاتل في سبيل الله ، وهذا أجودها. وأنزل في موضع نصب. (وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا) أي سبيت ذرارينا. (تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) استثناء.
(وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (247)
(وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً) «طالوت» مفعول ، ولم ينصرف لأنه أعجمي وكذا داوود وجالوت ، ولو سمّيت رجلا بطاووس وراقود لصرفت وإن كانا أعجميّين ، والفرق بين هذا وبين الأول أنك تقول : الطاوس فتدخل فيه الألف واللام فتمكّن في العربية ، ولا يكون هذا في ذاك. ملك السماوات نصب على الحال. (قالُوا أَنَّى) من أي جهة وهي في موضع نصب على الظرف (الْمُلْكُ عَلَيْنا) رفع اسم يكون. (وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ) ابتداء وخبره. (وَلَمْ يُؤْتَ) جزم بلم فلذلك حذفت منه الألف. (سَعَةً مِنَ الْمالِ) خبر ما لم يسمّ فاعله.
(وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (248)
(إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ) اسم «إن» وخبرها أي إتيان التابوت والآية في التابوت على ما روي أنه كان يسمع فيه أنين فإذا سمع ذلك ساروا نحوهم وإذا هدأ الأنين لم يسيروا ولم يسر التابوت. ولغة الأنصار التابوه بالهاء. وروي عن زيد بن ثابت (2) (التّبوت). (فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) رفع بالابتداء أو بالاستقرار فيجوز أن
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 163 ، والبحر المحيط 2 / 264.
(2) زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي ، صحابي ، كان كاتب الوحي. كان رأسا بالمدينة في القضاء والفتوى والقراءة والفرائض. كان أحد الذين جمعوا القرآن في عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأنصار ، وهو الذي كتبه في المصحف لأبي بكر ثم لعثمان (ت 45 ه‍) ، ترجمته في غاية النهاية 1 / 296 ، وصفة الصفوة 1 / 294.

تكون السكينة شيئا فيه وكذا البقيّة ، ويجوز أن يكون التابوت في نفسه سكينة وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون ، والأصل في آل أهل.
(فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (249)
قرأ حميد بن قيس إنّ الله مبتليكم بنهر بإسكان الهاء. وهي لغة ، إلّا أن الكوفيين يقولون : ما كان ثانيه أو ثالثه حرفا من حروف الحلق كان لك أن تسكّنه وأن تحرّكه نحو نهز وسمع ولحم فأما البصريون فيتبعون في هذا اللغة السماع من العرب ولا يتجاوزون ذلك. (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً) «من» في موضع نصب بالاستثناء واختار أبو عبيد : (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً) (1) بضم الغين قال : لأنه لم يقل : غرف وإنما هو الماء بعينه.
قال أبو جعفر : الفتح في هذا أولى لأن الغرفة بالضم هي ملء الشيء يقع للقليل والكثير والغرفة بالفتح المرة الواحدة وسياق الكلام يدلّ على القليل فالفتح أشبه. فأما قول أبي عبيد أنه اختاره لأنه لم يقل : غرف فمردود لأن غرف واغترف بمعنى احد. (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) استثناء. (فَلَمَّا جاوَزَهُ) الهاء تعود على النهر «وهو» توكيد «والذين» في موضع رفع عطف على المضمر في جاوزه ويقبح أن تعطف على المضمر المرفوع حتى تؤكّده لأنه لا علامة له فكأنك عطفت على بعض الفعل فإذا وكّد به والتوكيد هو الموكّد فكأنك جئت به منفصلا. (قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ) طاقة وطوق اسمان بمعنى الإطاقة. (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ) لو حذفت من لكان الاختيار الخفض لأنه خبر.
(فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ) (251)
(وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ) قيل : من ذلك منطق الطير وعمل الدروع. ولو لا دفاع الله الناس بعضهم ببعض (2) اسم «الله» تعالى في موضع رفع بالفعل لو لا أن يدفع
__________________
(1) هذه قراءة الكوفيين وابن عامر ، انظر تيسير الداني 69.
(2) هذه قراءة نافع ويعقوب وسهل ، انظر تيسير الداني 69 ، والبحر المحيط 2 / 269.

و (دفاع) مرفوع بالابتداء عند سيبويه (1). «الناس» مفعولون. «بعضهم» بدل من الناس «ببعض» في موضع المفعول الثاني عند سيبويه (2) وهو عنده مثل قولك : ذهبت بزيد ، فبزيد في موضع مفعول واختار أبو عبيد (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ) وأنكر دفاع وقال: لأن الله تعالى لا يغالبه أحد. قال أبو جعفر : القراءة بدفاع حسنة جيدة وفيها قولان قال أبو حاتم : دافع ودفع واحد يذهب إلى أنه مثل طارقت النعل ، وأجود من هذا وهو مذهب سيبويه لأن سيبويه قال : وعلى ذلك دفعت الناس بعضهم ببعض ، ثم قال : ومثل ذلك ولو لا دفاع الله الناس بعضهم ببعض. قال أبو جعفر : هكذا قرأت على أبي إسحاق في كتاب سيبويه أن يكون «دفاع» مصدر دفع كما تقول : حسبت الشيء حسابا ولقيته لقاء وهذا أحسن فيكون دفاع ودفع مصدرين لدفع.
(تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) (252)
(تِلْكَ) ابتداء. (آياتُ اللهِ) خبره ، وإن شئت كانت بدلا والخبر. (نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) خبر «إنّ» أي وإنك لمرسل.
تم الجزء الثاني (3)
من كتاب إعراب القرآن
والحمد لله ربّ العالمين
وصلّى الله على النبي محمد
وآله الكرام الأبرار وسلم
(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) (253)
(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) تلك لتأنيث الجماعة وهي رفع بالابتداء.
(بِالرُّسُلِ) نعت وخبر الابتداء الجملة. وعند الكوفيين «تلك» رفع بالعائد كما تقول : زيد كلّمت أباه. (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) حذفت الهاء لطول الاسم ، والمعنى من كلّمه الله ومن لموسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) [النساء : 164]. (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) هاهنا على مذهب ابن عباس والشّعبيّ ومجاهد محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم «بعثت إلى الأحمر والأسود وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ونصرت بالرعب مسيرة شهر وأحلّت لي
__________________
(1) انظر الكتاب 2 / 128.
(2) انظر الكتاب 1 / 205.
(3) حسب تقسيم المؤلف.

الغنائم وأعطيت الشفاعة» (1). ومن ذلك القرآن وانشقاق القمر وتكليمه الشجرة وإطعامه خلقا عظيما من تميرات ودرور شاة أم معبد بعد جفاف. (وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ) مفعولان. (وَلكِنِ اخْتَلَفُوا) كسرت النون لالتقاء الساكنين ويجوز حذفها لالتقاء الساكنين في غير القرآن وأنشد سيبويه : [الطويل]
55 ـ فلست بآتيه ولا أستطيعه
ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل (2)

(فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) «من» في موضع رفع بالابتداء أو بالصفة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (254)
(مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) : الجملة في موضع رفع نعت لليوم فإن شئت رفعت فقلت (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) تجعل «لا» بمعنى «ليس» أو بالابتداء وإن شئت نصبت على التّبرئة وقد ذكرناه قبل هذا (3). (وَالْكافِرُونَ) ابتداء. (هُمُ) ابتداء ثان. (الظَّالِمُونَ) خبر الثاني وإن شئت كانت «هم» زائدة للفصل والظالمون خبر الكافرون.
(اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ(255) لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لا انْفِصامَ لَها وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (256)
(اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ابتداء وخبر ، وهو مرفوع محمول على المعنى أي ما إله إلّا هو ، ويجوز لا إله إلّا هو ، ويجوز في غير القرآن لا إله إلّا إيّاه نصب على الاستثناء.
__________________
(1) أخرجه أحمد في مسنده 4 / 116 ، 5 / 145 ، وابن عبد البر في التمهيد 5 / 218 ، والهيثمي في مجمع الزوائد 6 / 65 ، وابن سعد في الطبقات الكبرى 1 / 127 ، وابن كثير في البداية والنهاية 2 / 154.
(2) الشاهد للنجاشي الحارثي في ديوانه ص 111 ، والأزهية ص 296 ، وخزانة الأدب 10 / 418 ، وشرح أبيات سيبويه 1 / 195 ، وشرح التصريح 1 / 196 ، وشرح شواهد المغني 2 / 701 ، والكتاب 1 / 55 ، والمنصف 2 / 229 ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2 / 133 ، والإنصاف 2 / 684 ، وأوضح المسالك 1 / 671 ، وتخليص الشواهد ص 269 ، والجنى الداني ص 592 ، وخزانة الأدب 5 / 265 ، ورصف المباني ص 277 ، وسرّ صناعة الإعراب 2 / 440 ، وشرح الأشموني 1 / 136 ، وشرح المفصل 9 / 142 ، واللامات 159 ، ولسان العرب (لكن) ، ومغني اللبيب 1 / 291 ، وهمع الهوامع 2 / 156 ، وتاج العروس (لكن).
(3) راجع إعراب آية (62).

قال أبو ذرّ (1) : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أيّما أنزل إليك من القرآن أعظم فقال : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ). وقال ابن عباس : أشرف آية في القرآن آية الكرسي. (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) نعت لله عزوجل ، وإن شئت كان بدلا من هو وإن شئت كان خبرا بعد خبر ، وإن شئت على إضمار مبتدأ ، ويجوز في غير القرآن النصب على المدح. وقد ذكرنا التفسير ، والأصل فيه. (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) الأصل وسنة حذفت الواو كما حذفت من يسن ولا نوم الواو للعطف «ولا» توكيد. (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) في موضع رفع بالابتداء أو بالصفة. (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ) «من» رفع بالابتداء و «ذا» خبره والذين نعت لذا ، وإن شئت بدل ، ولا يجوز أن تكون «ذا» زائدة كما زيدت مع «ما» لأن «ما» مبهمة فزيدت «ذا» معها لشبهها بها : يقال : كرسيّ وكرسيّ. ويجوز لا إِكْراهُ فِي الدِّينِ (2) وقرأ أبو عبد الرّحمن قَدْ تَبَيَّنَ الرَّشَدُ مِنَ الْغَيِ (3) وكذا يروى عن الحسن والشّعبي. يقال : رشد يرشد رشدا ورشد يرشد رشدا ، إذا بلغ ما يحب وغوى ضدّه كما قال : [الطويل]
56 ـ ومن يغو لا يعدم على الغيّ لائما (4)
(فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) جزم بالشرط والطاغوت مؤنث وقد ذكرنا معناها وما قيل فيها (5). (وَيُؤْمِنْ بِاللهِ) عطف. (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) جواب. وجمع الوثقى الوثق مثل الفضلى والفضل.
(اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (257)
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا) ابتداء. (أَوْلِياؤُهُمُ) ابتداء ثان و (بِالطَّاغُوتِ) خبره ، والجملة خبر الأول.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي
__________________
(1) أبو ذرّ الغفاري : جندب بن جنادة ، أحد السابقين الأولين ، أسلم في أول المبعث خامس خمسة (ت 32 ه‍). ترجمته في تذكرة الحفاظ 17.
(2) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 297 وفيه جواز رفع : لا إكراه.
(3) انظر مختصر ابن خالويه 16 ، والبحر المحيط 2 / 292.
(4) الشاهد للمرقّش الأصغر في ديوانه ص 565 ، ولسان العرب (غوى) ، وشرح اختيارات المفضل 1104 ، وتاج العروس (غوى) ، وبلا نسبة في كتاب العين 2 / 238 ، ومقاييس اللغة 4 / 192 ، والمخصص 6 / 170 ، وصدره :
«فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره»
(5) انظر التيسير 70 ، والإتحاف 161.

يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (258)
(أَلَمْ تَرَ) حذفت الياء للجزم ، وقد ذكرنا الصلة (أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) في موضع نصب أي لأن (قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) الاسم «أن» فإذا قلت : أنا أو : أنه فالألف والهاء لبيان الحركة ولا يقال : أنا فعلت بإثبات الألف إلّا شاذا في الشعر على أنّ نافعا قد أثبت الألف فقرأ (قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) ولا وجه له. (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) الذي في موضع رفع اسم ما لم يسمّ فاعله. يقال : بهت الرجل وبهت وبهت إذا انقطع وسكت متحيّرا.
(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (259)
(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) قيل : قرية لاجتماع الناس فيها من قولهم : قريت الماء أي جمعته. (وَهِيَ خاوِيَةٌ) ابتداء وخبر. (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ) ظرف. (قالَ كَمْ لَبِثْتَ) ، وقرأ أهل الكوفة (قالَ كَمْ لَبِثْتَ) (1) أدغموا الثاء في التاء لقربها منها والإظهارأحسن. (فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ) أصحّ ما قيل فيه : أنّ معناه لم تغيّره السنون. من قرأ (لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ) (2) بالهاء في الوصل ، قال : أصل سنة : سنهة ، وقال : سنيهة في التصغير كما قال : [الطويل]
57 ـ ليست بسنهاء ولا رجبيّة (3)
فحذف الضمة للجزم ، ومن قرأ لم يتسنّ وانظر قال : في التصغير سنيّة وحذف الألف للجزم ويقف على الهاء فيقول : لم يتسنّه تكون الهاء لبيان الحركة ، وقرأ طلحة بن مصرّف لم يسّنّ أدغم التاء في السين. (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ
__________________
(1) انظر البحر المحيط 2 / 303 ، وهذه قراءة السبعة عدا نافع وابن كثير فقد أظهروا الثاء.
(2) هذه قراءة السبعة عدا حمزة والكسائي ، فقد قرأ بحذف الهاء في الأصل ، انظر البحر المحيط 2 / 303 ، والتيسير 70.
(3) الشاهد لسويد بن الصامت في لسان العرب (سنه) (بسنهاء) ، و (عر) ، وبلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب 1 / 414 ، 2 / 547 ، ولسان العرب (رجب) ، (فرح). وعجزه :
«ولكن عرايا في السنين الجوائح»

نُنْشِزُها) وروي عن ابن عباس والحسن (كَيْفَ نُنْشِزُها) والمعنى واحد كما يقال : رجع ورجعته إلا أنّ المعنى المعروف في اللغة أنشر الله الموتى فنشروا وقيل : ننشرها مثل نشرت الثوب كما قال الأعشى : [السريع]
58 ـ حتّى يقول النّاس ممّا رأوا
يا عجبا للميّت النّاشر (1)

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (260)
(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِ) ويجوز في غير القرآن ربّي بإثبات الياء فمن حذف قال : النداء موضع حذف ومن أثبت قال : هي اسم فإذا حذفت كان الاختيار أن أقف بغير إشمام فأقول : ربّ فيشبه هذا المفرد. (أَرِنِي) قد ذكرناه (2). (كَيْفَ) في موضع نصب أي بأي حال تحيي الموتى. (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) أي سألتك ليطمئن قلبي (ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً). قال أبو إسحاق : المعنى ثم اجعل على كلّ جبل من كلّ واحد جزءا ، وقرأ أبو جعفر وعاصم (جزءا) على فعل (يَأْتِينَكَ سَعْياً) نصب على الحال.
(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (261)
(فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ) رفع بالابتداء. قال يعقوب الحضرمي (3) : وقرأ بعضهم (فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ) (4) على أنبتت مائة حبة وكذلك قرأ بعضهم (وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ) [الملك : 6] على (وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ) [الملك : 5] وأعتدنا للذين كفروا عذاب جهنم.
(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) (263)
(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ) ابتداء والخبر محذوف أي قول معروف أمثل وأولى ، ويجوز أن يكون قول معروف خبر ابتداء محذوف أي الذي أمرتم به قول معروف. (وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً) وهذا مشكل يبيّنه الإعراب ، (بِالْمَغْفِرَةِ) رفع بالابتداء ، والخبر :
__________________
(1) الشاهد في ديوان الأعشى ص 191 ، ولسان العرب (نشر) ، وتهذيب اللغة 11 / 338 ، ومقاييس اللغة 5 / 430 ، وتاج العروس (نشر) ، بلا نسبة في جمهرة اللغة ص 734 ، والمخصص 9 / 92.
(2) مرّ في إعراب الآية (128).
(3) يعقوب بن إسحاق الحضرمي : أحد القراء العشرة ، وإمام أهل البصرة ، سمع الحروف من الكسائي (ت 255 ه‍). ترجمته في غاية النهاية 2 / 386.
(4) انظر مختصر ابن خالويه (16) ، والبحر المحيط 2 / 317.

(خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ) والمعنى ـ والله أعلم ـ وفعل يؤدّي إلى المغفرة خير من صدقة يتبعها أذى وتقديره في العربية وفعل مغفرة ويجوز أن يكون مثل قولك : تفضّل الله عليك أكثر من الصدقة التي تمنّ بها أي غفران الله خير من صدقتكم هذه التي تمنّون بها.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (264)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) العرب تقول لما يمنّ به : يد سوداء ولما يعطى عن غير مسألة : يد بيضاء ولما يعطى عن مسألة ولا يمنّ به : يد خضراء (كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ) الكاف في موضع نصب أي إبطالا كالذي ينفق ماله رئاء الناس فهي نعت للمصدر المحذوف ، ويجوز أن تكون في موضع الحال. (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ) ابتداء وخبر ، وقرأ سعيد بن المسيّب (1) والزّهري (كَمَثَلِ صَفْوانٍ) (2) بتحريك الفاء ، وحكى قطرب مثل صفوان. قال الأخفش : صفوان جماعة صفوانة. قال : وقال بعضهم صفوان واحد مثل حجر. قال الكسائي : صفوان واحد وجمعه صفوان وصفيّ وصفيّ. قال أبو جعفر : صفوان وصفوان يجوز أن يكون جمعا وأن يكون واحدا إلّا أن الأولى أن يكون واحدا لقوله عليه تراب فأصابه وابل وأن كان يجوز تذكير الجمع إلّا أن الشيء لا يخرج عن بابه إلّا بدليل قاطع فأما ما حكاه الكسائي في الجمع فليس يصحّ على حقيقة النظر ولكن صفوان جمع صفا وصفا بمعنى صفوان ونظيره ورل ورلان وأخ وإخوان وكرى وكروان كما قال : [الوافر]
59 ـ لنا يوم وللكروان يوم
تطير البائسات وما نطير (3)

والضعيف في العربية يقول : كروان جمع كروان وصفيّ جمع صفا مثل عصا وعصيّ. قال الكسائي : وهي الحجارة الملس التي لا تنبت شيئا. (فَتَرَكَهُ صَلْداً) قال الكسائي : يقال : صلد يصلد صلدا بتحريك اللام فهو صلد بالإسكان وهو كل ما لا ينبت شيئا ومنه جبين أصلد وأنشد الأصمعيّ : [الرجز]
60 ـ براق أصلاد الجبين الأجله (4)
__________________
(1) سعيد بن المسيب المخزومي ، عالم التابعين ، وردت الرواية عنه في حروف القرآن. قرأ على ابن عباس ، وروى عن عمر وعثمان (ت 94 ه‍). ترجمته في غاية النهاية 1 / 308.
(2) انظر مختصر ابن خالويه (16) والبحر المحيط 2 / 322.
(3) الشاهد لطرفة بن العبد في ديوانه ص 49 ، وخزانة الأدب 2 / 375 و 415.
(4) الشاهد لرؤبة بن العجاج في ديوانه ص 165 ، ولسان العرب (صلد) و (غدن) و (بله) ، و (جله) ، وتاج العروس (صلد) و (غدن) و (جله) ، وتهذيب اللغة 6 / 311 ، 8 / 74 ، وجمهرة اللغة ص 494 ، ومقاييس ـ

(وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (265)
(وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) مفعول من أجله. (وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) عطف عليه. (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ) وقرأ ابن عباس وأبو إسحاق السّبيعي (بربوة) (1) بكسر الراء وقرأ الحسن وعاصم وابن عامر الشامي (بِرَبْوَةٍ) بفتح الراء. قال الأخفش: ويقال : برباوة وبرباوة وكلّه من الرابية وفعله ربا يربو. (فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌ). قال أبو إسحاق (2) : أي فالذي يصيبها طلّ. قال أبو جعفر : حكى أهل اللغة : وبلت وأوبلت وطلّت وأطلّت.
(أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (266)
(أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ) يقال : «تكون» فعل مستقبل فكيف عطف عليه بالماضي وهو (وَأَصابَهُ الْكِبَرُ) ففيه جوابان : أحدهما أنّ التقدير و «قد أصابه الكبر» ، والجواب الآخر أنه محمول على المعنى لأن المعنى أيودّ أحدكم لو كانت له جنة فعلى هذا وأصابه الكبر. (وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ) وقال في موضع آخر (ذُرِّيَّةً ضِعافاً) [النساء : 9] كما تقول : ظريف وظرفاء وظراف.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (267)
(وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ) وفي قراءة عبد الله ولا تأمموا (3) وهما لغتان ، وقرأ ابن كثير (وَلا تَيَمَّمُوا) والأصل تتيمّموا فأدغم التاء في التاء ، ومن قرأ (تَيَمَّمُوا) حذف ، وقرأ مسلم بن جندب (4) (وَلا تَيَمَّمُوا). (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) وقرأ قتادة
__________________
ـ اللغة 1 / 292 ، ومجمل اللغة 1 / 287 ، وبلا نسبة في تهذيب اللغة 6 / 57 ، ومقاييس اللغة 4 / 414 ، ومجمل اللغة 3 / 88 ، والمخصص 12 / 290 ، وقبله :
«لمّا رأتني خلق المموّه»
(1) انظر تفسير القرطبي 2 / 316 ، ومختصر ابن خالويه (16).
(2) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 305 ، والبحر المحيط 2 / 324.
(3) هذه قراءة أبي صالح صاحب عكرمة ، انظر مختصر ابن خالويه (17).
(4) مسلم بن جندب : أبو عبد الله الهذلي مولاهم ، تابعي مشهور ، عرض على عبد الله بن عياش وعرض عليه نافع (ت 130 ه‍). ترجمته في غاية النهاية 2 / 297.

(إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) (1) وقال : إلّا أن تغمض لكم فيه ، وروي عنه (إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) أي تأخذوه بنقصان فكيف تعطونه في الصدقة «أن» في موضع نصب والتقدير إلّا بأن.
(الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (268)
(الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) مفعولان ويقال : الفقر. (وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) ويجوز في غير القرآن ويأمركم الفحشاء بحذف الباء وأنشد سيبويه : [البسيط]
61 ـ أمرتك الخير فافعل ما أمرت به
فقد تركتك ذا مال وذا نشب (2)

(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ) (269)
(وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ) شرط فلذلك خففت الألف والجواب (فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً).
(وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) (270)
(وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ) يكون التقدير وما أنفقتم من نفقة فإنّ الله يعلمها وما نذرتم من نذر فإنّ الله يعلمه ثم حذف ، ويجوز أن يكون التقدير وما أنفقتم من نفقة فإنّ الله يعلمه وتعود الهاء على «ما» كما أنشد : [الطويل]
62 ـ فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها
لما نسجته من جنوب وشمأل (3)

ويكون (أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ) معطوفا عليه.
(إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (271)
(إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ) هذه قراءة أبي عمرو وعاصم ونافع ، وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي فنعمّا هي (4) بفتح النون ، وروي عن أبي عمرو ونافع بإسكان
__________________
(1) هذه قراءة الزهري ، انظر المحتسب 1 / 138 ، ومختصر ابن خالويه (17).
(2) انظر المحتسب 1 / 139.
(3) مرّ الشاهد رقم (51).
(4) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ص 8 (لما نسجتها) ، والأضداد ص 93 ، وخزانة الأدب 11 / 6 ، والدرر 1 / 285 ، وشرح شواهد المغني 1 / 463 ، 2 / 743 ، وبلا نسبة في خزانة الأدب 9 / 27 ، ومغني اللبيب 1 / 331 ، والمنصف 3 / 25 ، وهمع الهوامع 1 / 88.

العين رواه قالون عن نافع ، ويجوز في غير القرآن «فنعم ما هي» ولكنه في السواد متّصل فلزم الإدغام وحكى النحويون (1) في نعم أربع لغات يقال نعم الرجل زيد هذا الأصل ويقال: نعم الرجل فتكسر النون لكسرة العين ، ويقال : نعم الرجل والأصل نعم حذفت الكسرة لأنها ثقيلة ، ويقال : نعم الرجل وهذه أفصح اللغات. والأصل : فيها نعم ، وهي تقع في كل مدح فخفّفت وقلبت كسرة العين على النون وأسكنت العين ، فمن قرأ «فنعمّا هي» فله تقديران : أحدهما أن يكون جاء به على لغة من قال : نعم ، والتقدير الآخر : أن يكون على اللغة الجيّدة فيكونا لأصل نعم ثم كسرت العين لالتقاء الساكنين فأما الذي حكي عن أبي عمرو ونافع من إسكان العين فمحال. حكي عن محمد بن يزيد أنه قال : أما إسكان العين والميم مشدّدة فلا يقدر أحد أن ينطق به وإنما يروم الجمع بين ساكنين ويحرّك ولا يأبه. قال أبو جعفر : ومن قرأ «فنعمّا هي» فله تقديران : أحدهما أن يكون على لغة من قال : نعم الرجل ، والآخر أن يكون على لغة من قال : نعم الرجل ، فكسر العين لالتقاء الساكنين ، ويجب على من قرأ : فنعم أن يقول : بئس. (وَإِنْ تُخْفُوها) شرط فلذلك حذفت منه النون. (وَتُؤْتُوهَا) عطف عليه ، والجواب (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) قرأ قتادة وابن أبي إسحاق وأبو عمرو ونكفّر عنكم من سيّئاتكم (2) وقرأ نافع والأعمش وحمزة والكسائي ونكفّر عنكم (3) إلا أنّ الحسين بن علي الجعفي (4) روى عن الأعمش ونكفّر عنكم بالنصب. قال أبو حاتم : قرأ الأعمش فهو خير لكم نكفّر عنكم بغير واو جزما ، والصحيح عن عاصم أنه قرأ مرفوعا بالنون ، وروى عنه حفص (5) أنه قرأ (وَيُكَفِّرُ) بالياء والرفع وكذلك روي عن الحسن وروي عنه بالياء والجزم (6) ، وقرأ عبد الله بن عباس (7) وتكفّر عنكم من سيّئاتكم بالتاء وكسر الفاء والجزم ، وقرأ عكرمة (Cool وتكفّر عنكم بالتاء وفتح الفاء والجزم. قال أبو جعفر : أجود القراءات ونكفر عنكم بالرفع هذا قول الخليل وسيبويه. قال سيبويه (9) : والرفع هاهنا الوجه وهو الجيد لأن الكلام الذي بعد الفاء جرى مجراه في غير الجزاء. وأجاز الجزم يحمله على المعنى لأن المعنى (وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ
__________________
(1) انظر تيسير الداني 71.
(2) انظر الكتاب 2 / 180 ، والمقتضب 2 / 140 ، والإنصاف مسألة (714).
(3) انظر تيسير الداني 71.
(4) انظر تيسير الداني 71.
(5) الحسين بن علي الجعفي : مولاهم الكوفي ، قرأ على حمزة ، وهو أحد الذين خلفوه في القراءة ، وروى القراءة أيضا عن أبي عمرو (ت 203). ترجمته في غاية النهاية 1 / 247.
(6) حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي الكوفي أخذ القراءة عرضا عن عاصم (ت 180 ه‍). ترجمته في غاية النهاية 1 / 254.
(7) انظر البحر المحيط 2 / 338.
(Cool انظر البحر المحيط 2 / 338.
(9) انظر الكتاب 3 / 105.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 2847
نقاط : 4448
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

إعراب القرآن [ ج ١ ] Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعراب القرآن [ ج ١ ]   إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 4:31 pm

يكن خيرا لكم ونكفّر عنكم) والذي حكاه أبو حاتم عن الأعمش بغير واو جزما يكون على البدل كأنه في موضع الفاء والذي روي عن عاصم (وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ) بالياء والرفع يكون معناه يكفر الله. هذا قول أبي عبيد ، وقال أبو حاتم معناه يكفّر الإعطاء ، وقرأ ابن عباس «وتكفّر «يكون معناه وتكفّر الصدقات ، وقراءة عكرمة وتكفّر عنكم أي أشياء من سيئاتكم فأما النصب ونكفّر فضعيف وهو على إضمار «أن» وجاز على بعد لأن الجزاء إنما يجب به الشيء لوجوب غيره فضارع الاستفهام.
(لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) (272)
(لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) تكلّم جماعة في معنى يهدي ويضلّ فمن أجلّ ما روي في ذلك ما رواه سفيان عن خالد الحذّاء عن عبد الأعلى القرشي عن عبد الله بن الحارث عن عمر أنه قال في خطبته : «من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له» وكان الجاثليق حاضرا فأومأ بالإنكار فقال عمر : ما يقول؟ فقالوا يقول : إنّ الله لا يهدي ولا يضلّ ، فقال له عمر : كذبت يا عدوّ الله بل الذي خلقك هو يضلك ويدخلك النار إن شاء الله ، إن الله خلق أهل الجنة وما هم عاملون وخلق أهل النار وما هم عاملون فقال هؤلاء لهذه وهؤلاء لهذه فما برح الناس يختلفون في القدر. قال أبو عبيد: قال الله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) [الصافات : 96]. (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) «ما» الأولى في موضع نصب بتنفقوا والثانية لا موضع لها لأنها حرف والثالثة كالأولى.
(لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) (273)
(تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ) ويقال في هذا المعنى : سيمياء (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) مصدر في موضع الحال أي ملحفين.
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (274)
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) رفع بالابتداء ، والخبر : (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ودخلت الفاء ولا يجوز : زيد فمنطلق لأن في الكلام معنى الجزاء أي من أجل

نفقتهم فلهم أجرهم وهكذا كلام العرب إذا قلت : السارق فاقطعه فمعناه من أجل سرقته فاقطعه ومعنى «بالليل والنهار» في الليل والنهار.
(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (275)
(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا) رفع بالابتداء ، والخبر : (لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ). (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) لأنه تأنيث غير حقيقي أي فمن جاءه وعظ كما قال : [الكامل]
63 ـ إنّ السّماحة والمروءة ضمّنا (1)
وقرأ الحسن فمن جاءته موعظة.
(يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) (276)
(يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا) الأصل في الربا الواو. قال سيبويه (2) : تثنيته ربوان. قال الكوفيون : تكتبه بالياء وتثنيته (تثنّيه) بالياء وقال أبو جعفر : سمعت أبا إسحاق يقول : ما رأيت خطأ أقبح من هذا ولا أشنع لا يكفيهم الخطأ في الخط حتى يخطئون في التثنية وهم يقرءون (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ) [الروم : 39] وقال محمد بن يزيد : كتب الربا في المصحف بالواو فرقا بينه وبين الزنا وكان الربا أولى بالواو لأنه من ربا يربو.
(فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) (279)
(فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ) حكى أبو عبيد عن الأصمعي «فأذنوا» فكونوا على أذن من ذلك أي على علم. قال أبو جعفر : وهذا قول وجيز حسن حكى أهل اللغة أنه يقال : أذنت به أذنا إذا علمت به ومعنى فآذنوا على قراءة الأعمش ، وحمزة وعاصم على حذف المفعول.
(وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (280)
(وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ) «كان» بمعنى وقع. وأنشد سيبويه : [الطويل]
64 ـ فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي
إذا كان يوم ذو كواكب أشهب (3)

__________________
(1) مرّ الشاهد رقم (20).
(2) انظر الكتاب 3 / 428.
(3) الشاهد لمقاس العائذي في الأزهيّة ص 186 ، وشرح أبيات الكتاب 1 / 252 ، وشرح المفصّل 7 / 98 ، ـ

فهذا أحسن ما قيل فيه لأنه يكون عاما لجميع الناس ويجوز أن يكون خبر كان محذوفا أي وإن كان ذو عسرة في الدين. وقال حجاج الوراق في مصحف عبد الله وإن كان ذا عسرة (1). قال أبو جعفر : والتقدير : وإن كان المعامل ذا عسرة. (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) أي فالذي تعاملون به نظرة وقرأ الحسن وأبو رجاء (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) (2) حذف الكسرة لثقلها وقرأ مجاهد وعطاء فناظره على الأمر (إِلى مَيْسَرَةٍ) (3) بضم السين وكسر الراء وإثبات الهاء في الإدراج. وقال أبو إسحاق (4) : وقرئ (فناظرة إلى ميسرة) (5) وقرأ أهل المدينة (إلى ميسرة) (6) ويجوز (فنظرة إلى ميسرة) بالنصب على المصدر. قال أبو حاتم : ولا يجوز «فناظرة» إنما ذلك في «النمل» (فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) [النمل : 35] لأنها امرأة تكلّمت بهذا لنفسها من نظرت تنظر فهي ناظرة فأمّا «فنظرة» في البقرةفمن التأخير من ذلك : أنظرتك بالدّين أي أخّرتك به و (قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [الحجر : 36] وأجاز ذلك أبو إسحاق وقال : هي من أسماء المصادر مثل (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) [الواقعة : 2] و (أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) [القيامة : 25] قال أبو جعفر «ميسرة» أفصح اللغات وهي لغة أهل نجد و «ميسرة» وإن كانت لغة أهل الحجاز فهي من الشواذ لا يوجد في كلام العرب مفعلة إلّا حروف معدودة شاذة ليس فيها شيء إلا يقال فيه مفعلة وأيضا فإن الهاء زائدة ، وليس في كلام العرب مفعل البتّة وقراءة من قرأ (إِلى مَيْسَرَةٍ) (7) لحن لا يجوز. قال الأخفش سعيد : ولو قرءوا إلى ميسره لكان أشبه والذي قال الأخفش حسن يقال : جلست مجلسا ومفعل كثير. قال الأخفش : ويجوز إلى موسرة مثل مدخلة. (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ) ابتداء وخبر وفي قراءة عبد الله وأن تتصدّقوا وقرأ عيسى وطلحة وأن تصدقوا مخفّفا تتصدّقوا على الأصل وتصدّقوا تدغم التاء في الصاد لقربها منها ولا يجوز هذا في تتفكرون لبعد التاء من الفاء ومن خفّف حذف التاء للدلالة ولئلا يجمع بين ساكنين وتاءين.
__________________
ـ والكتاب 1 / 85 ، ولسان العرب (كون) ، وبلا نسبة في أسرار العربية 135 ، ولسان العرب (شهب) و (ظلم) ، والمقتضب 4 / 96.
(1) هذه قراءة عثمان وأبيّ أيضا ، انظر مختصر ابن خالويه (17) ، والبحر المحيط 2 / 354.
(2) هذه لغة تميم ، انظر البحر المحيط 2 / 354.
(3) انظر المحتسب 1 / 143.
(4) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 316.
(5) انظر البحر المحيط 2 / 354.
(6) انظر تيسير الداني 71 ، والبحر المحيط 2 / 354.
(7) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 316 ، والبحر المحيط 2 / 355 ، وهي قراءة عطاء ومجاهد.

(وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (281)
(وَاتَّقُوا يَوْماً) مفعول. (تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) من نعته.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلاَّ تَرْتابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (282)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ) قد ذكرنا كلّ ما فيه في كتابنا الأول «المعاني». (فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ) أثبت اللام في الثاني وحذفها من الأول لأن الثاني غائب والأول للمخاطبين فإن شئت حذفت اللام في المخاطب لكثرة استعمالهم ذلك وهو أجود ، وإن شئت أثبتّها على الأصل ، فأمّا الغائب فزعم محمد بن يزيد أنه لا بدّ من اللام في الفعل إذا أمرته ، وأجاز سيبويه والكوفيون حذفها وأنشدوا : [الوافر]
65 ـ محمّد تفد نفسك كلّ نفس
إذا ما خفت من قوم تبالا (1)

(وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ) هذه لغة أهل الحجاز وبني أسد ، وتميم يقولون : أمليت وجاء القرآن باللغتين جميعا. قال جلّ وعزّ (فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الفرقان: 5] والأصل أمللت أبدل من اللام ياء لأنه أخفّ. (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) رفع بالابتداء «وامرأتان» عطف عليه والخبر محذوف أي فرجل وامرأتان يقومون مقامهما وإن شئت أضمرت المبتدأ أي فالذي يستشهد رجل وامرأتان ويجوز
__________________
(1) الشاهد لأبي طالب في شرح شذور الذهب ص 275 ، وله أو للأعشى في خزانة الأدب 9 / 11 ، وللأعشى أو لحسّان أو لمجهول في الدرر 5 / 61 ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص 319 ، والإنصاف 2 / 530 ، والجنى الداني ص 113 ، ورصف المباني ص 256 ، وسرّ صناعة الإعراب 1 / 391 ، وشرح الأشموني 3 / 575 ، وشرح شواهد المغني 1 / 597 ، وشرح المفصل 7 / 35 ، والكتاب 3 / 6 ، واللامات ص 96 ، ومغني اللبيب 1 / 224 ، والمقاصد النحوية 4 / 418 ، والمقتضب 2 / 132 والمقرّب 1 / 272 ، وهمع الهوامع 2 / 55.

النصب في غير القرآن أي فاستشهدوا وحكى سيبويه (1) : إن خنجرا فخنجرا أي فاتخذ خنجرا. أن تضلّ أحدهما فتذكّر إحداهما الأخرى هذه قراءة الحسن وأبي عمرو بن العلاء وعيسى وابن كثير وحميد بفتح «أن» ونصب «تذكر» وتخفيفه وقرأ أهل المدينة (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ) بفتح «أن» ونصب «تذكر» وتشديده وقرأ أبان بن تغلب والأعمش وحمزة (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) بكسر «إن» ورفع تذكّر وتشديده. قال أبو جعفر : ويجوز تضلّ بفتح التاء والضاد ويجوز تضلّ بكسر التاء وفتح الضاد والقراءة الأولى حسنة لأن الفصيح أن يقال : أذكرتك وذاكرتك وعظتك قال جلّ وعزّ : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات : 55] وفي الحديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم «رحم الله فلانا كأيّ من آية أذكرنيها» (2) وفي هذه القراءة على حسنها من النحو إشكال شديد. قال الفراء (3) : هو في مذهب الجزاء ، وإن جزاء مقدم أصله التأخير أي استشهدوا امرأتين مكان الرجل كما تذكر الذاكرة الناسية إن نسيت فلما تقدّم الجزاء اتّصل بما قبله ففتحت أن فصار جوابه مردودا عليه قال : ومثله : إني ليعجبني أن يسأل السائل فيعطى. المعنى أنه يعجبه الإعطاء وإن سأل السائل. قال أبو جعفر : وهذا القول خطأ عند البصريين لأن «إن» المجازاة لو فتحت انقلب المعنى وقال سيبويه (4) : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) انتصب لأنه أمر بالإشهاد لأن تذكر ومن أجل أن تذكر. قال : فإن قال إنسان : كيف جاز أن تقول أن تضلّ؟ ولم يعدّ هذا للإضلال والالتباس فإنما ذكر أن تضلّ لأنه سبب الإذكار كما يقول الرجل : أعددته أن يميل الحائط فأدعمه. وهو لا يطلب بإعداده ذلك ميلان الحائط ولكنه أخبر بعلّة الدعم وبسببه. قال أبو جعفر : وسمعت علي بن سليمان يحي عن أبي العباس محمد بن يزيد أن التقدير : ممن ترضون من الشهداء كراهة أن تضلّ إحداهما وكراهة أن تذكّر إحداهما الأخرى. قال أبو جعفر : وهذا القول غلط وأبو العباس يجلّ عن قول مثله لأن المعنى على خلافه وذلك أنه يصير المعنى كراهة أن تضلّ إحداهما وكراهة أن تذكّر إحداهما الأخرى وهذا محال ، وأصحّ الأقوال قول سيبويه ومن قال «تضلّ» جاء به على لغة من قال : ضللت تضلّ وعلى هذا تقول : تضلّ بكسر التاء لتدلّ على أن الماضي فعلت. (وَلا تَسْئَمُوا) قال الأخفش : يقال : سئمت أسأم سآمة وسآما وسأما وسأما ، (أَنْ تَكْتُبُوهُ) في موضع نصب بالفعل كما قال زهير : [الطويل]
__________________
(1) انظر الكتاب 1 / 319.
(2) أخرجه القاضي عياض في الشفا 2 / 345 ، الزبيدي في إتحاف السادة المتقين 4 / 493 ، والمتقي الهندي في كنز العمال 2793 ، والعراقي في المغني عن حمل الأسفار 1 / 280.
(3) انظر معاني الفراء 1 / 184.
(4) انظر الكتاب 3 / 59.

66 ـ سئمت تكاليف الحياة ومن يعش (1)
(صَغِيراً أَوْ كَبِيراً) على الحال : أعطيته دينه صغر أو كبر. (ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ) ابتداء وخبر. (وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ) عطف عليه وكذا (وَأَدْنى أَلَّا) في موضع نصب أي من أن لا. (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً) (2) «أن» في موضع نصب استثناء ليس من الأول. قال الأخفش : أي إلّا أن تقع تجارة وقال غيره (تُدِيرُونَها) الخبر ، وقرأ عاصم (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً) أي إلّا أن تكون المداينة تجارة حاضرة. (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) أمر فزعم قوم أنه على الندب والتأديب وكذا قالوا في قوله : (إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) هذا قول الفراء وزعم أنّ مثله (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) (3) [المائدة : 2] قال ومثله (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) [الجمعة : 10]. قال أبو جعفر : هذا قول خطأ عند جميع أهل اللغة وأهل النظر ولا يشبه هذا قوله تعالى : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) ولا (فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) لأن هذين إباحة بعد حظر ولا يجوز في اللغة أن يحمل الأمر على الندب إلّا بما تستعمله العرب من تقدّم الحظر أو ما أشبه ذلك ؛ فزعم قوم أنّ هذا مما رخّص في تركه بغير آية وعلى هذا فسّروا (أَوْ نُنْسِها) [البقرة: 106] قالوا : نطلق لكم تركها ، وقيل الإباحة في ترك المكاتبة بالدّين فإن أمن بعضكم بعضا وقيل : المكاتبة واجبة كما أمر الله عزوجل إذا كان الدين إلى أجل وأمر الله بهذا حفظا لحقوق الناس وقال عبد الله بن عمر : المشاهدة واجبة في كل ما يباع قليل أو كثير كما قال الله تعالى : (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) يجوز أن يكون التقدير ولا يضارر وأن يكون التقدير ولا يضارر. قال أبو جعفر : ورأيت أبا إسحاق يميل إلى هذا قال : لأن بعده (وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) فالأولى أن تكون من شهد بغير الحقّ أو حرّف في الكتابة أن يقال له : فاسق ، فهو أولى ممن سأل شاهدا وهو مشغول أن يشهد. قال المفضّل : وقرأ الأعمش (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ). قال أبو جعفر : كسر الراء لالتقاء الساكنين وكذلك معن فتح إلّا أن الفتح أخفّ وقرأ عمر بن الخطاب وابن عباس وابن أبي إسحاق ولا يضارر (4) بكسر الراء الأولى وقرأ ابن مسعود ولا يضارر بفتح الراء الأولى (5) وهاتان القراءتان على التفسير ولا
__________________
(1) الشاهد لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص 29 ، وكتاب العين 5 / 372 ، وأساس البلاغة (كلف) ، وتاج العروس (حمل) ، وعجزه :
«ثمانين حولا لا أبا لك يسأم»
(2) انظر البحر المحيط 2 / 369.
(3) انظر معاني الفراء 1 / 183.
(4) انظر البحر المحيط 2 / 370.
(5) انظر البحر المحيط 2 / 370 ، وهي قراءة عكرمة أيضا.

يجوز أن تخالف التلاوة التي في المصحف. (وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) أي فإن هذا الفعل ويجوز أن يكون التقدير فإن الضرار فسوق بكم كما قال : [الوافر]
67 ـ إذا نهي السّفيه جرى إليه (1)
(وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (283)
(وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً) وقرأ ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك (2) وأبو العالية ولم تجدوا كتابا وروي عن ابن عباس ولم تجدوا كتّابا (3) قال أبو جعفر : هذه القراءة شاذّة والعامة على خلافها وقلّ ما يخرج شيء عن قراءة العامة إلّا كان فيه مطعن نسق الكلام يدلّ على كاتب. قال تعالى قبل هذا (وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ) وكتّاب يقضي جماعة. (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) هذه قراءة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأهل الكوفة وأهل المدينة وقرأ ابن عباس فرهن (4) بضمتين وهي قراءة أبي عمرو وقرأ عاصم بن أبي النجود فرهن بإسكان الهاء وتروى عن أهل مكة. قال أبو جعفر : الباب في هذا رهان كما تقول : بغل وبغال وكبش وكباش و «رهن» سبيله أن يكون جمع رهان مثل كتاب وكتب ، وقيل : هو جمع رهن مثل سقف ، وليس هذا الباب و «رهن» بإسكان الهاء سبيله أن تكون الضمّة حذفت منه لثقلها وقيل : هو جمع رهن مثل سهم حشر أي دقيق وسهام حشر والأول أولى لأن الأول ليس بنعت وهذا نعت. (فَلْيُؤَدِّ) من الأداء مهموز ويجوز تخفيف همزه فتقلب الهمزة واوا ولا تقلب ألفا ولا تجعل بين بين لأن الألف لا يكون ما قبلها إلّا مفتوحا. (الَّذِي اؤْتُمِنَ) مهموز في الأصل لأنه من الأمانة ففاء الفعل همزة. والأصل في اؤتمن أأتمن كرهوا الجمع بين همزتين فلما زالت إحداهما همزت فإن خفّت الهمزة التقى ساكنان الياء التي في الذي والهمزة المخفّفة فحذفت فقلت : الذي تمن وإذا همزت فقد كان التقى ساكنان أيضا إلّا
__________________
(1) الشاهد لأبي قيس بن الأسلت الأنصاري في إعراب القرآن ص 902 ، والأشباه والنظائر 5 / 179 ، وأمالي المرتضى 1 / 203 ، والإنصاف 1 / 140 ، وخزانة الأدب 3 / 364 ، 4 / 226 ، والخصائص 3 / 49 ، والدرر 1 / 216 ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 244 ، ومجالس ثعلب ص 75 ، والمحتسب 2 / 370 ، وهمع الهوامع 1 / 65 ، وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة 176 ، وعجزه :
«وخالف والسّفيه إلى خلاف»
(2) الضّحاك بن قيس بن خالد الفهري القرشي ، ولّاه معاوية على الكوفة سنة (65 ه‍). ترجمته في تهذيب ابن عساكر 7 / 4 ، وابن الأثير حوادث سنة (65 ه‍).
(3) انظر معاني الفراء 1 / 189.
(4) هذه قراءة مجاهد وابن كثير وابن عمرو أيضا ، انظر معاني الفراء 1 / 188 ، والتيسير الداني 72.

أنك حذفت الياء لأن قبلها ما يدلّ عليها وإذا خفّفت الهمزة لم يجز أن تأتي بواو بعد كسرة والابتداء أؤتمن وقرأ أبو عبد الرّحمن ولا يكتموا الشهادة جعله نهيا لغيب. (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) فيه وجوه إن أنت رفعت آثما على أنه خبر «إن» و «قلبه» فاعل سدّ مسدّ الخبر ، وإن شئت رفعت آثما على الابتداء وقلبه فاعل وهما في موضع خبر «إنّ» وإن شئت رفعت آثما على أنه خبر الابتداء ينوى به التأخير ، وإن شئت كان قلبه بدلا من آثم كما تقول : هو قلب الآثم وإن شئت كان بدلا من المضمر الذي في آثم وأجاز أبو حاتم «فإنه آثم قلبه» قال : كما تقول : هو آثم قلب الإثم. قال : ومثله : أنت عربيّ قلبا على المصدر. قال : أبو جعفر : وقد خطّئ أبو حاتم في هذا لأن قلبه معرفة ولا يجوز ما قال في المعرفة ، لا يقال : أنت عربيّ قلبه.
(لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (284)
(وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ) شرط. (أَوْ تُخْفُوهُ) عطف عليه ، (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) جواب الشرط ، (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) (1) عطف على الجواب. قال سيبويه (2) : وبلغنا أنّ بعضهم قرأ (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) (3). قال أبو جعفر : هذه القراءة مروية عن ابن عباس والأعرج وهي عند البصريين على إضمار «أن» ، وحقيقته أنه عطف على المعنى والعطف على اللفظ أجود كما قال : [الطويل]
68 ـ ومتى مايع منك كلاما
يتكلّم فيجبك بعقل (4)

وقرأ الحسن ويزيد بن القعقاع ، وابن محيصن (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) (5) قطعه من الأول وروي عن طلحة بن مصرّف يحاسبكم به الله يغفر لمن يشاء (6) بغير فاء على البدل وأجود من الجزم لو كان بلا فاء الرفع حتى يكون في موضع الحال كما قال : [الطويل]
69 ـ متى تأته تعشو إلى ضوء ناره
تجد خير نار عندها خير موقد (7)

__________________
(1) انظر البحر المحيط 2 / 376.
(2) انظر الكتاب 3 / 105.
(3) انظر البحر المحيط 2 / 376 ، وهي قراءة أبي حيوة أيضا.
(4) لم أجده في الشواهد اللغوية.
(5) انظر البحر المحيط 2 / 376.
(6) انظر المحتسب 1 / 149 ، والبحر المحيط 2 / 361.
(7) الشاهد للأعشى في ديوانه ص 51 ، وإصلاح المنطق ص 198 ، والأغاني 2 / 168 ، وخزانة الأدب 3 / 74 ، وشرح أبيات سيبويه 2 / 65 ، ولسان العرب (عشا) ومجالس ثعلب ص 467 ، والمقاصد النحوية ـ

(آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (285)
(كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ) على اللفظ ويجوز في غير القرآن آمنوا على المعنى. (وَقالُوا سَمِعْنا) على حذف أي سمعنا سماع قابلين وقيل : سمع بمعنى قبل ، كما يقال : سمع الله لمن حمده. (غُفْرانَكَ) مصدر ، (رَبَّنا) نداء مضاف.
(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) (286)
(لا تُؤاخِذْنا) جزم لأنه طلب ، وكذا (وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ). ولفظه لفظ النهي. (وَاعْفُ عَنَّا) طلب أيضا ولفظه لفظ الأمر ، ولذلك لم يعرب عند البصريين وجزم عند الكوفيين وكذا (وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا) وكذا (فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ).
__________________
ـ 4 / 439 ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 871 ، وخزانة الأدب 5 / 210 ، وشرح الأشموني 3 / 579 ، وشرح ابن عقيل ص 581 ، وشرح عمدة الحافظ ص 363 ، وشرح المفصل 2 / 66 ، وما ينصرف وما لا ينصرف ص 88 ، والمقتضب 2 / 65.

(3)
شرح إعراب سورة آل عمران
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال أبو جعفر أحمد بن محمد النحاس بمصر في قول الله عزوجل :
(الم (1) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2)
(الم) (1) (اللهُ) وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد (1) وعاصم بن أبي النجود وأبو جعفر الرؤاسي (الم اللهُ) (2) بقطع الألف. قال الأخفش سعيد : ويجوز (الم اللهُ) بكسر الميم لالتقاء الساكنين. قال أبو جعفر : القراءة الأولى قراءة العامة ، وقد تكلّم فيها النحويون القدماء فمذهب سيبويه (3) أن الميم فتحت لالتقاء الساكنين واختاروا لها الفتح لئلا يجمعوا بين كسرة وياء وكسرة قبلها. قال سيبويه : ولو أردت الوصل لقلت : الم الله ففتحت الميم لالتقاء الساكنين كما فعلت بأين وكيف. قال الكسائي : حروف التهجّي إذا لقيتها ألف الوصل فحذفت ألف الوصل حرّكتها بحركة الألف فقلت : الم الله والم اذكروا والم اقتربت. وقال الفراء (4) : الأصل : الم الله كما قرأ الرؤاسي ألقيت حركة الهمزة على الميم ، وقال أبو الحسن بن كيسان : الألف التي مع اللام بمنزلة «قد» وحكمها حكم ألف القطع لأنهما حرفان جاءا لمعنى وإنما وصلت لكثرة الاستعمال فلهذا ابتدئت بالفتح. قال أبو إسحاق(5) : الذي حكاه الأخفش من كسر الميم خطأ لا يجوز ولا تقوله العرب لثقله. (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) وقرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه
__________________
(1) عمرو بن عبيد ، أبو عثمان البصري ، روى الحروف عن الحسن البصري ، وهو رأس المعتزلة. وردت له رواية في حروف القرآن (ت 144 ه‍). ترجمته في غاية النهاية 1 / 602.
(2) انظر مختصر ابن خالويه 19
(3) انظر الكتاب 4 : 265
(4) انظر معاني الفراء 1 / 9.
(5) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 327.

القيّام وقال (1) خارجة (2) في مصحف عبد الله الحيّ القيّم (3). قال أبو جعفر : القيّوم فيعول الأصل فيه قيووم ثم وقع الإدغام ، والقيّام الفيعال الأصل فيه القيوام ثم أدغم وقيّم فيعل عند البصريين الأصل فيه قيوم ثم أدغم ، وزعم الفراء (4) أنّه فعيل. قال ابن كيسان : لو كان كما قال لما أعلّ كما لم يعلّ سويق وما أشبهه. اسم الله عزوجل مرفوع بالابتداء ، والخبر (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) و (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) نعت ، وإن شئت كان الخبر (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ثم جيء بخبر بعد خبر. (مُصَدِّقاً) نصب على الحال ، وعند الكوفيين على القطع قال أبو جعفر : وقد ذكرنا اشتقاق (التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) في الكتاب الذي قبل هذا.
(مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (4) إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (6)
(مِنْ قَبْلُ) غاية وقد ذكرناه (5) و (هُدىً) في موضع نصب على الحال ولم يتبيّن فيه الإعراب لأنه مقصور. (إِنَّ الَّذِينَ) اسم إنّ والصلة (كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) والخبر (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ). (وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ) ابتداء وخبر ، وكذا (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ) وروى العباس بن الفضل (6) عن أبي عمرو (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ).
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ) (7)
هذه الآية كلها مشكلة. وقد ذكرناها ، وسنزيدها شرحا إن شاء الله. قال أبو جعفر: أحسن ما قيل في المحكمات والمتشابهات أنّ المحكمات ما كان قائما بنفسه لا يحتاج أن يرجع فيه إلى غيره نحو (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص : 4] (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 190 ، وهي قراءة إبراهيم النخعي والأعمش وابن مسعود وأصحاب عبد الله وزيد بن علي وجعفر بن محمد وأبي رجاء أيضا. وانظر المحتسب 1 / 151.
(2) خارجة بن مصعب أبو الحجاج الضبعي : أخذ القراءة عن نافع وأبي عمرو ، وله شذوذ كثير عنهما لم يتابع عليه ، وروى أيضا عن حمزة حروفا. (ت 168 ه‍). ترجمته في غاية النهاية 1 / 268.
(3) انظر مختصر ابن خالويه (19) ، والمحتسب 1 / 151 ، وهي قراءة علقمة بن قيس.
(4) انظر الإنصاف مسألة 115.
(5) انظر إعراب الآية (25) سورة البقرة.
(6) العباس بن الفضل بن عمرو بن عبيد الأنصاري ، قاضي الموصل ، حاذق من أكابر أصحاب أبي عمرو (ت 186 ه‍) ترجمته في غاية النهاية 1 / 353.

لِمَنْ تابَ وَآمَنَ) [طه : 82] والمتشابهات نحو (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) [الزمر : 53] يرجع فيه إلى قوله (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ) [طه : 82] وإلى قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) [النساء : 48] فأما ترك صرف «أخر» فلأنها معدولة عن الألف واللام. وقد ذكرناه (1). (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) «الذين» في موضع رفع بالابتداء والخبر (فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ) ويقال زاغ يزيغ زيغا إذا ترك القصد ، (ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ) مفعول من أجله أي ابتغاء الاختبار الذي فيه غلوّ وإفساد ذات البين ومنه فلان مفتون بفلانة أي قد غلا في حبّها. (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ) عطف على الله جلّ وعزّ. هذا أحسن ما قيل فيه لأن الله جلّ وعزّ مدحهم بالرسوخ في العلم فكيف يمدحهم وهم جهّال. قال أبو جعفر : وقد ذكرنا أكثر من هذا الاحتجاج فأما القراءة المرويّة عن ابن عباس وما يعلم تأويله إلّا الله ويقول الراسخون في العلم (2) فمخالفة لمصحفنا وإن صحّت فليس فيها حجة لمن قال الراسخون في العلم ويقول الراسخون في العلم آمنا بالله فأظهر ضمير الراسخين ليبيّن المعنى كما أنشد سيبويه : [الخفيف]
70 ـ لا أرى الموت يسبق الموت شيء
نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا (3)

فإن قال قائل : قد أشكل على الراسخين في العلم بعض تفسيره حتى قال ابن عباس: لا أدري ما الأواه [التوبة : 114] وما (غِسْلِينٍ) [الحاقة : 36] فهذا لا يلزم لأن ابن عباس رحمه‌الله قد علم بعد ذلك وفسّر ما وقف عنه ، وجواب أقطع من هذا إنما قال الله عزوجل (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) ولم يقل جلّ وعزّ : وكل راسخ فيجب هذا فإذا لم يعلمه أحدهم علمه الآخر. قال ابن كيسان : ويقال : الراصخون بالصاد لغة لأنّ بعدها خاء. (يَقُولُونَ) في موضع نصب على الحال من الراسخين كما قال : [مجزوء الكامل]
71 ـ الرّيح تبكي شجوه
والبرق يلمع في الغمامه (4)

ويجوز أن يكون الراسخون في العلم تمام الكلام ويكون يقولون مستأنفا.
__________________
(1) انظر إعراب الآية 184 ـ سورة البقرة.
(2) انظر معاني الفراء 1 / 191.
(3) الشاهد لعدي بن زيد في ديوانه 65 ، والأشباه والنظائر 8 / 30 ، وخزانة الأدب 1 / 378 ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 36 ، 118 ، ولسوادة بن عدي في شرح أبيات سيبويه 1 / 125 ، وشرح شواهد المغني 2 / 176 ، والكتاب 1 / 106 ، ولسوادة أو لعدي في لسان العرب (نغص) ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1 / 153 ، وخزانة الأدب 6 / 90 و 11 / 366 ، والخصائص 3 / 53 ، ومغني اللبيب 2 / 500.
(4) الشاهد ليزيد بن مفرغ الحميري في ديوانه ص 208.
«الريح تبكي شجوها
والبرق يضحك في الغمامه»

وفي لسان العرب (درك) ، وفي تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة 127 ، وغير منسوب في الأضداد لابن الأنباري 424.

(رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (Cool
(رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا) جزم لأن لفظه لفظ النهي ، ويجوز لا تزغ قلوبنا رفع بفعلها ، ويجوز لا يزغ قلوبنا على تذكير الجميع. (وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) لم تعرب لدن لأنها غير متمكّنة وفيها تسع لغات : لغة أهل الحجاز لدن ويقال : لدن بإسكان النون ولدن بكسرها. قال الفراء : بعض بني تميم يقول لد قال العجاج : [الرجز]
72 ـ من لد شولا فإلى إتلائها (1)
وحكى الكسائي لد يا هذا ، وحكى أبو حاتم لد بإسكان الدال. قال الفراء : ربيعة تقول : من لدن يا هذا بإسكان الدال وكسر النون ، وأسد يقولون : لدن بضم اللام والدال وإسكان النون ، وحكى أبو حاتم لدن يا هذا بضم اللام وإسكان الدال ، ويقال : لدي بمعنى لدن.
(رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) (9)
(رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ) ويجوز جامع الناس بالتنوين والنصب وهو الأصل وحذف التنوين استخفافا ، ويجوز جامع الناس بغير تنوين وبالنصب ، وأنشد سيبويه : [المتقارب]
73 ـ فألفيته غير مستعتب
ولا ذاكر الله إلّا قليلا (2)

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ) (10)
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ) وقرأ أبو عبد الرّحمن لن يغني عنهم أموالهم لأنه قد فرق وهو تأنيث غير حقيقي. قال أبو حاتم : بالتاء أجود مثل (شَغَلَتْنا أَمْوالُنا) [الفتح : 11]. (وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ) وقرأ الحسن ومجاهد وطلحة بن مصرّف (وَقُودُ) بضم الواو ويجوز في العربية إذا ضم الواو أن يقول : أقود مثل (أُقِّتَتْ) [المرسلات : 11].
__________________
(1) الرجز بلا نسبة في شرح المفصّل 4 / 101 ، و 8 / 35 ، والكتاب 1 / 322 ، ولسان العرب (لدن) ، ومغني اللبيب 2 / 422 ، والمقاصد النحوية 2 / 51 ، وهمع الهوامع 1 / 122 ، وهو غير موجود في ديوان العجاج.
(2) الشاهد لأبي الأسود الدؤلي في ديوانه 54 ، والأشباه والنظائر 6 / 206 ، وخزانة الأدب 11 / 374 ، والدرر 6 / 289 ، وشرح أبيات سيبويه 1 / 190 ، وشرح شواهد المغني 2 / 933 ، والكتاب 1 / 224 ، ولسان العرب (عتب) و (عسل) ، والمقتضب 2 / 313 ، والمنصف 2 / 231 ، وبلا نسبة في الإنصاف 2 / 659 ، ورصف المباني ص 49 ، وسرّ صناعة الإعراب 2 / 534 ، وشرح المفصل 2 / 6 ، 9 / 34 ، ومجالس ثعلب ص 149 ، ومغني اللبيب 2 / 555 ، وهمع الهوامع 2 / 199.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 2847
نقاط : 4448
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

إعراب القرآن [ ج ١ ] Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعراب القرآن [ ج ١ ]   إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 4:32 pm

(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) (11)
قد ذكرنا موضع الكاف ، وزعم الفراء (1) أن المعنى : كفرت العرب كفرا ككفر آل فرعون. قال أبو جعفر : لا يجوز أن تكون الكاف متعلّقة بكفروا لأن كفروا داخل في الصلة وكدأب خارج منها. قال أبو حاتم : وسمعت يعقوب يذكر «كدأب» (2) بفتح الهمزة وقال لي وأنا غليّم : على أيّ شيء يجوز «كدأب» فقلت : أظنّه من دئب يدأب دأبا فقيل ذلك منّي وتعجّب من جودة تقديري على صغري ولا أدري أيقال ذلك أم لا؟ قال أبو جعفر : هذا القول خطأ لا يقال البتّة : دئب ، وإنما يقال : دأب يدأب ، دؤبا ودأبا ، هكذا حكى النحويون منهم الفراء ، حكى في «كتاب المصادر» كما قال : [الطويل]
74 ـ كدأبك من أمّ الحويرث قبلها
وجارتها أمّ الرّباب بمأسل (3)

فأما الدأب فإنه يجوز كما يقال : شعر وشعر ونهر ونهر لأن فيه حرفا من حروف الحلق.
(قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) (13)
(قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ) بمعنى إحداهما فئة وقرأ الحسن ومجاهد (فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ) بالخفض على البدل ؛ قال أحمد بن يحيى ويجوز النصب على الحال أي التقتا مختلفتين قال أبو إسحاق (4) : النصب بمعنى أعني. ترونهم مّثليهم (5) نصب على الحال ، ومن قرأ ترونهم (6) فالنصب عنده على خبر ترى وقد ذكرنا المعنى.
(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 191.
(2) انظر البحر المحيط 2 / 407.
(3) الشاهد لامرى القيس في ديوانه ص 9 ، وجمهرة اللغة ص 688 ، وخزانة الأدب 3 / 223 ، والمنصف 1 / 150 ، وتاج العروس (أسل).
(4) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 335.
(5) انظر تيسير الداني 72.
(6) انظر البحر المحيط 2 / 407 ، والمحتسب 1 / 154.

وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (14)
(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ) اسم ما لم يسمّ فاعله ، وحرّكت الهاء من الشهوات فرقا بين الاسم والنعت ويجوز إسكانها لأن بعدها واوا. قال ابن كيسان : قال بعضهم لا تكون (الْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ) أقلّ من تسعة لأن معناها المجمّعة فالثلاثة قناطير فإذا جمعتها صارت مثل قولك : ثلاث ثلاثات. (الذَّهَبِ) مؤنثة ، يقال : هي الذهب الحسنة ، وجمعها ذهاب وذهوب ويجوز أن يكون جمع ذهبة وجمع فضة فضض ، والخيل مؤنّثة. قال ابن كيسان : حدّثت عن أبي عبيدة أنه قال : واحد الخيل خائل مثل طائر وطير وقيل له : خائل لأنه يختال في مشيته قال ابن كيسان : إذا قلت : نعم لم تك إلّا للإبل فإذا قلت : أنعام وقعت للإبل وكلّ ما ترعى. لا يجوز أن تدغم الثاء من «الحرث» في الذال من «ذلك» كما فعلت في (يَلْهَثْ ذلِكَ) [الأعراف : 176] لأن الراء من الحرث ساكنة فلو أدغمت اجتمع ساكنان.
(قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (15)
(قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ ، لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي) رفع بالابتداء أو بالصفة. قال أبو حاتم : ويجوز جنات (1) بالخفض على البدل من خير ، سمعت يعقوب يذكر ذلك وغيره ويجوز (بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ) [الحج : 72] بالخفض. قال ابن كيسان: ويجوز «جنّات» بالخفض على البدل وبالنصب على إعادة الفعل ويكون للذين متعلقا بقوله : (أَأُنَبِّئُكُمْ) على قول الفراء (2) وتبيينا على قول الأخفش أي ملغاة. (وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) عطف على جنات.
(الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ) (16)
قال (الَّذِينَ يَقُولُونَ) في موضع خفض أي للذين اتقوا عند ربهم الذين يقولون ، إن شئت كان رفعا أي هم الذين ونصبا على المدح أي أعني الذين.
(الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ) (17)
(الصَّابِرِينَ) بدل من الذين إذا كان نصبا أو خفضا وإن كان رفعا كان الصابرين
__________________
(1) انظر البحر المحيط 2 / 417 ، وهي قراءة يعقوب.
(2) انظر معاني الفراء 1 / 196.

بمعنى أعني الصابرين. (وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ) عطف كلّه. (بِالْأَسْحارِ) واحدها سحر تقول : سير به سحر يا فتى ، لا ينصرف لأنه معدول عن الألف واللام وهو معرفة ولا يجوز أن يرفع إذا كان معرفة لأن الظروف إنما ترفع هاهنا مجازا فإذا وقعت فيها علّة أقرّت على بابها نصبا فإن نكّرته جاز فيه الرفع وصرف. قال أبو إسحاق (1) : السحر من حيث يدبر الليل إلى أن يطلع الفجر الثاني.
(شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (18)
(شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) قد ذكرنا فيه قراءات وفسّرنا إعرابها فأما قراءة أبي المهلب (2) (شُهَداءَ لِلَّهِ) (3) فهي نصب على الحال وروي عنه (شُهَداءَ لِلَّهِ) أي هم شهداء لله ويروى عنه شهداء الله ويروى عنه شهداء الله. (قائِماً بِالْقِسْطِ) نصب على الحال المؤكّدة وعند الكوفيين على القطع وفي قراءة عبد الله القائم بالقسط على النعت وفي قراءته (4).
(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (19)
(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) وهذا بكسر «إنّ» لا غير. قال الأخفش : المعنى وما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغيا بينهم إلّا من بعد ما جاءهم العلم. قال أبو إسحاق(5) : الذي هو أجود عندي أن يكون «بغيا» منصوبا بما دلّ عليه «وما اختلف الذين أوتوا الكتاب» أي اختلفوا بغيا بينهم. (وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ) شرط والجواب (فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) ويجوز رفع يكفر بجعل «من» بمعنى الذي.
(فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (20)
(وَمَنِ اتَّبَعَنِ) حذفت الياء في السواد لأن الكسرة تدلّ عليها والنون عوض
__________________
(1) انظر إعراب القرآن ومعانيه 338.
(2) أبو المهلّب : محارب بن دثار السدوسي الكوخي ، عرض على أبيه عن عمر بن الخطاب ، وروى عن جابر وابن عمر ترجمته في غاية النهاية 2 / 42.
(3) انظر المحتسب 1 / 155.
(4) انظر معاني الفراء 1 / 200.
(5) انظر إعراب القرآن ومعانيه 340.

(وَإِنْ تَوَلَّوْا) شرط والجواب (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) ابتداء وخبر.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (21)
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) الذين اسم إن والخبر (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) فإن قيل : كيف دخلت الفاء في خبر «إنّ» ولا يجوز : إن زيدا فمنطلق؟ فالجواب أنّ «الذي» إذا كان اسم «إن» وكان في صلته فعل كان في الكلام معنى المجازاة فجاز دخول الفاء ، ولا يجوز ذا في ليت ولعلّ وكأنّ ، لأنّ «إنّ» تأكيد. (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ) وقرأ حمزة ويقاتلون الذين يأمرون بالقسط (1) وهو وجه بعيد جدّا لأنّ بعض الكلام معطوف على بعض والنسق واحد والتفسير يدلّ على «يقتلون». قال أبو العالية : كان ناس من بني إسرائيل جاءهم النبيّون يدعونهم إلى الله جلّ وعزّ فقتلوهم فقام أناس من المؤمنين بعدهم فأمروهم بالإسلام فقتلوهم فيهم نزلت هذه الآية (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) إلى آخرها وروى شعبة (2) عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة (3) عن عبد الله قال : كانت بنو إسرائيل تقتل في اليوم سبعين نبيّا ثم يقوم سوق بقتلهم من آخر النهار.
(أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (22)
قرأ أبو السمّال العدوي أولئك الذين حبطت أعمالهم (4) وهي لغة شاذة.
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (24)
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا) «ذلك» في موضع رفع على إضمار مبتدأ أي أمرهم ذلك.
(فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (25)
قال الكسائي (لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ).
أي في يوم. وقال البصريون : المعنى لحساب يوم واللام في موضعها. ويجوز في غير القرآن وأفيت مثل (أُقِّتَتْ) [المرسلات : 11].
__________________
(1) انظر تيسير الداني 73.
(2) شعبة بن الحجاج بن الورد ، أبو بسطام الأزدي العتكي مولاهم نزيل البصرة ومحدّثها (ت 160 ه‍) ترجمته في تذكرة الحفاظ 193.
(3) انظر تفسير الطبري 1 / 51 ، وحلية الأولياء 4 / 20.
(4) هذه قراءة أبي واقد وأبي الجراح ، انظر مختصر ابن خالويه 19 ، والبحر المحيط 2 / 431.

(قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (26)
(قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) الفراء (1) يذهب فيما يرى إلى أن الأصل في (اللهُمَ) يا الله أمّنا منك بخير فلما كثر واختلط حذفوا منه وإن الضمّة التي في الهاء هي الضمة التي كانت في أمّنا لمّا حذفت انتقلت. قال أبو جعفر : هذا عند البصريين من الخطأ العظيم حتى قال بعضهم : هذا الحاد في اسم الله عزوجل. قال أبو جعفر : القول في هذا ما قاله الخليل وسيبويه (2) أن الأصل يا الله ثم جاءوا بحرفين عوضا من حرفين وهما الميمان عوضا من «يا» والدليل على هذا أنه ليس أحد من الفصحاء يقول «يا اللهمّ» لأنهم لا يجمعون بين الشيء وعوضه ، والضمة التي في اللهمّ عندهما هي ضمّة المنادى المرفوع. فأمّا قول الفراء : إنّ الأصل يا الله أمّنا فلو كان كذا لوجب أن يقال : أؤمم وأن يدغم فيضم ويكسر وكان يجب أن تكون ألف وصل لا حكم لها ، وكان يجب أن يقال : يا اللهمّ ، وأيضا فكيف يصحّ المعنى أن يقال : يا الله أمّنا منك بخير. (مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) وهذا لا يقدّمه أحد بين يدي دعائه (مالِكَ الْمُلْكِ) منصوب عند سيبويه على أنه نداء ثان ولا يجوز أن يكون عنده صفة لقوله : «اللهمّ» من أجل الميم وخالفه محمد بن يزيد وإبراهيم بن السّريّ في هذا وقالا : يجوز أن يكون صفة كما يكون صفة إذا جئت بيا. (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) روى محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير : أنّ وفد نجران أتوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقرأ عليهم سورة آل عمران وفسّر لهم من أولها إلى رأس الثمانين فقال : تؤتي الملك من تشاء «ملك النبوة». قال ابن إسحاق : وكانوا نصارى فأعلم الله جلّ وعزّ بعنادهم وكفرهم وأنّ عيسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإن كان الله جلّ وعزّ أعطاه آيات تدلّ على نبوّته من إحياء الموتى وغير ذلك فإن الله عزوجل منفرد بهذه الأشياء من قوله :
(تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) (27)
فلو كان عيسى إلها لكان هذا إليه فكان في ذلك اعتبار وآية بيّنة ثم حذّر الله جلّ وعزّ المؤمنين ، وأمرهم ألّا يتخذوهم أولياء فقال :
(لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) (28)
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 203.
(2) انظر الكتاب 2 / 198.

(لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ) جزما على التي وكسرت الذّال لالتقاء الساكنين. قال الكسائي : ويجوز (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ) بالرفع على الخبر كما يقال : ينبغي أن تفعل ذلك. (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ) شرط وجوابه أي فليس من أولياء الله مثل (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : 82]. (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) مصدر وكذا تقيّة والأصل الواو (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) قال أبو إسحاق : أي ويحذّركم الله إيّاه ثم استغنوا عن ذلك بذا وصار المستعمل. قال : وأما (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) [المائدة: 116] فمعناه تعلم ما عندي وما في حقيقتي ولا أعلم ما عندك ولا ما في حقيقتك ، وقال غيره : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) أي عقابه مثل (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) ، وقال (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي) أي مغيّبي فجعلت النفس في موضع الإضمار لأنه فيها يكون (وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) على الازدواج.
(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) (30)
(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً يَوْمَ) نصب بتقدير : ويحذّركم الله نفسه يوم تجد كلّ نفس ما عملت من خير محضرا ، ويجوز أن يكون التقدير : وإلى الله المصير يوم تجد كل نفس (ما عَمِلَتْ) مفعول. (مُحْضَراً) حال. (وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ) معطوف على «ما» الأولى ولو كانت «ما» منقطعة من الأولى على أن تكون شرطا وتعطف جملة على جملة لم يجز إلّا أن تجزم تودّ ولا نعلم أحدا قرأ به وإن كان جائزا في النحو. (أَمَداً) اسم أنّ. (بَيْنَها) ظرف. (بَعِيداً) من نعته. (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) ابتداء وخبر.
(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (31)
(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ) شرط. (تُحِبُّونَ) خبر كنتم. (فَاتَّبِعُونِي) أمر والفاء وما بعدها جواب الشرط. (يُحْبِبْكُمُ اللهُ) جواب الأمر وفيه معنى المجازاة والمحبة من الله جلّ وعزّ الثناء والثواب وروي أنّ المسلمين قالوا : يا رسول الله إنّنا لنحبّ ربّنا فأنزل الله عزوجل (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أراد أن يحبّه الله فعليه بصدق الحديث وأداء الأمانة وأن لا يؤذي جاره» (1) وقرأ أبو رجاء العطارديّ (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) (2) بفتح الياء. قال الكسائي : يقال : يحبّ وتحبّ واحبّ ، ويحبّ بكسر الياء وتحبّ ونحبّ وإحبّ قال : وهذه لغة بعض قيس يعني الكسر قال : والفتح لغة تميم
__________________
(1) ذكره القرطبي في تفسيره 4 / 61 ، والطبري في تفسيره 3 / 223.
(2) انظر مختصر ابن خالويه 20 ، والبحر المحيط 2 / 448.

وأسد وقيس وهي على لغة من قال : حبّ وهي لغة قد ماتت. قال الأخفش : لم تسمع حببت. قال الفراء : لم تسمع حببت إلّا في بيت أنشده الكسائي : [الطويل]
75 ـ وأقسم لو لا تمره ما حببته
ولا كان أدنى من عبيد ومشرق (1)

قال أبو جعفر : لا يجوز عند البصريين كسر الياء من يحب لثقل الكسرة في الياء فأما فتحها فمعروف يدلّ عليه محبوب. (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) عطف على يحببكم وروى محبوب عن أبي عمرو بن العلاء أنه أدغم الراء من «يغفر» في اللام من «لكم». قال أبو جعفر : لا يجيز الخليل وسيبويه (2) إدغام الراء في اللام لئلا يذهب التكرير وأبو عمرو أجلّ من أن يغلط في مثل هذا ولعلّه كان يخفي الحركة كما يفعل في أشياء كثيرة.
(قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) (32)
(فَإِنْ تَوَلَّوْا) شرط إلّا أنه ماض لا يعرب والتقدير فإن تولوا على كفرهم والجواب (فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ).
(إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) (33)
(إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً) قال الفراء (3) : أي إنّ الله اصطفى دينهم. قال أبو جعفر : هذا التقدير لا يحتاج إليه لأن المعنى اختارهم وروي عن ابن عباس أنه قال : أدم خلق من أديم الأرض. قال أبو جعفر : أديم الأرض وجهها فسمّي آدم لأنه خلق من وجه الأرض. قال أحمد بن يحيى من قال سمّي آدم من أديم الأرض فقد أخطأ في العربية لأنه يجب أن يصرفه لأنه فاعل مثل طابق قال : ولكنه مشتق من شيئين أحدهما أن يكون مشتقا من قولهم : أدمت فلانا بنفس أي خلطته فقيل آدم لأنه خلق من أخلاط قال : والقول عندي أنّ آدم أفعل من الأدمة في اللون. قال أبو جعفر : الذي أنكره أحمد بن يحيى قول أكثر النحويين وقد يجوز أن يكون آدم أفعل مشتقا من أديم الأرض وأن يكون فاعلا كما قال إلّا أنا نقدّره أفعل فلا ينصرف. ونوح اسم أعجمي إلّا أنه انصرف لأنه على ثلاثة أحرف وقد يجوز أن يشتقّ من ناح ينوح. ولم ينصرف عمران لأن في آخره ألفا ونونا زائدتين.
(ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (34)
(ذُرِّيَّةً) قال الأخفش : هي نصب على الحال ، وقال الكوفيون : على القطع وقال
__________________
(1) يروى في صدر هذا البيت «والله لو لا تمره» ، والشاهد لعيلان بن شجاع النهشلي في لسان العرب (حبب) ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2 / 410 ، وخزانة الأدب 9 / 429 ، وشرح شواهد المغني 2 / 780 ، وشرح المفصّل 7 / 138 ، والخصائص 2 / 220 ، ومغني اللبيب رقم (585).
(2) انظر الكتاب 4 / 584.
(3) انظر معاني الفراء 1 / 207.

أبو إسحاق (1) هي بدل. وذرّية مشتقة من الذرّ لكثرتها وفيها تقديران تكون فعليّة وتكون فعلولة أصلها ذرّورة فاستثقلوا التضعيف فأبدلوا من الراء الأخيرة ياء ثم أدغموا الواو في الياء فقالوا ذرّيّة ويقال : ذرّيّة. (بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) ابتداء وخبر.
(إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (35)
(إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ) قال أبو عبيدة (2) : «إذ» زائدة وقال محمد بن يزيد : التقدير أذكر إذ قال وقال أبو إسحاق (3) : المعنى : واصطفى آل عمران إذ قالت امرأة عمران (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) منصوب على الحال ، وقيل : هو نعت لمفعول محذوف أي نذرت لك ما في بطني غلاما محرّرا أي يخدم الكنيسة. قال أبو جعفر : القول الأول أولى من جهة التفسير وسياق اللام والإعراب ، فأمّا التفسير فروى أبو صالح عن ابن عباس قال : حملت امرأة عمران بعد ما أسنّت فنذرت ما في بطنها محررا فقال لها عمران : ما صنعت ويحك فولدت أنثى فقبلها ربّها بقبول حسن وكان لا يحرّر إلّا الغلمان فتساهم عليها الأحبار بالأقلام التي يكتبون بها الوحي فكفلها زكرياء واتّخذ لها مرضعا فلما شبّت جعل لها محرابا لا يرتقى إليه إلّا بسلم فكان يجد عندها فاكهة الشتاء في القيظ وفاكهة القيظ في الشتاء قال (يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا) قالت (هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) [آل عمران : 37] فعند ذلك طمع زكرياء في الولد. قال : إنّ الذي يأتيها بهذا قادر على أن يرزقني ولدا ، وقال الضحاك : كان أكثر من يجعل خادما للأحبار ينبّأ فلذلك كان لا يقبل إلّا الغلمان. فهذا التفسير ، وسياق الكلام أنها قالت : (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) أي وليست الأنثى مما يقبل فقال الله جلّ وعزّ (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ) [آل عمران : 37] وأما الإعراب فإنّ إقامة النعت مقام المنعوت لا يجوز في مواضع ويجوز على المجاز في أخرى ، وحذف اللام في مثل هذا لا يستعمل.
(فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (36)
(قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) حال ، وإن شئت بدل. (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) وقد ذكرنا أنه يقرأ (بِما وَضَعَتْ) (4) وهي قراءة بعيدة لأنها قد قالت : إنّي وضعتها أنثى وروي عن ابن عباس (بِما وَضَعَتْ) (5) بكسر التاء أي قيل لها هذا (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) الكاف
__________________
(1) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 351 ، والبحر المحيط 2 / 454.
(2) انظر مجاز القرآن 1 / 90.
(3) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 352.
(4) انظر معاني الفراء 1 / 207 ، والبحر المحيط 2 / 456 ، وهي قراءة ابن عامر وأبي بكر ويعقوب.
(5) انظر البحر المحيط 2 / 456.

في موضع نصب على خبر ليس أو على الظرف. (وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ) مفعولان ولم تنصرف مريم لأنه اسم مؤنث معرفة وهو أيضا أعجميّ. (وَذُرِّيَّتَها) عطف على الهاء والألف.
(فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) (37)
(فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ) مصدر تقبّل تقبّل إلّا أن معنى تقبّل وقبل واحد فالمعنى فقبلها ربّها بقبول حسن ونظيره (1) : [الرجز]
76 ـ وقد تطوّيت انطواء الحضب (2)
لأن معنى تطوّيت وانطويت واحد. قال أبو جعفر : الحضب الحيّة ومثله للقطامي : [الوافر]
77 ـ وليس بأن تتّبعه اتّباعا (3)
(وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً) ولم يقل : إنباتا لأنه لما قال : أنبتها دلّ على نبت كما قال: [الطويل]
78 ـ فصرنا إلى الحسنى ورقّ كلامنا
ورضت فذلّت صعبة أيّ إذلال (4)

وإنما مصدر ذلّت ذلّ ولكنه قد دلّ على معنى أذللت ، وقرأ مجاهد (فَتَقَبَّلَها) بإسكان اللام على الطلب والمسألة (رَبُّها) نداء مضاف (وَأَنْبَتَها) بإسكان التاء (وَكَفَّلَها) (5) بإسكان اللام زكرياء بالمدّ والنصب ، وقرأ الكوفيّون (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا)
__________________
(1) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ص 32 ، وخزانة الأدب 9 / 187 ، وشرح شواهد المغني 1 / 341 ، ولسان العرب (روض) ، والمقتضب 1 / 74 ، وبلا نسبة في المحتسب 2 / 260.
(2) الشاهد لرؤبة في ديوانه ص 16 ، ولسان العرب (حضب) ، والدرر 3 / 59 ، وشرح أبيات سيبويه 1 / 291 ، وشرح المفصّل 1 / 112 ، والكتاب 4 / 196 ، وتهذيب اللغة 4 / 220 ، وتاج العروس (حضب) ، وبلا نسبة في لسان العرب (طوى) ، وهمع الهوامع 1 / 187 ، والمخصص 8 / 110 و 10 / 182 ، وبعده :
«بين قتادة ردهة وشقب»
(3) الشاهد للقطامي في ديوانه ص 35 ، وشرح أبيات سيبويه 2 / 332 ، والشعر والشعراء 2 / 728 ، والكتاب 4 / 195 ، ولسان العرب (تبع) ، وبلا نسبة في أدب الكاتب ص 630 ، والأشباه والنظائر 1 / 245 ، وجمهرة الأمثال 1 / 419 ، وشرح المفصّل 1 / 111 ، والمقتضب 3 / 205. وصدره :
«وخير الأمر ما استقبلت منه»
(4) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ص 32 ، وخزانة الأدب 9 / 187 ، وشرح شواهد المغني 1 / 341 ، ولسان العرب (روض) ، والمقتضب 1 / 74 ، وبلا نسبة في المحتسب 2 / 260.
(5) انظر القراءات المختلفة في البحر المحيط 2 / 460.

أي وكفّلها الله زكرياء ، وروى هارون بن موسى (1) عن عبد الله بن كثير وأبي عبد الله المدني(2) وكفلها زكريّاء بكسر الفاء. قال الأخفش سعيد : يقال : كفل يكفل وكفل يكفل ولم أسمع كفل وقد ذكرت. قال الفراء (3) : أهل الحجاز يمدّون زكريّاء ويقصرونه ، وأهل نجد يحذفون منه الألف ويصرفونه فيقولون : زكريّ. قال الأخفش : فيه أربع لغات زكرياء بالمدّ وزكريّا بالقصر وزكريّ بتشديد الياء والصرف وزكر ورأيت زكريا. قال أبو حاتم : زكريّ بلا صرف لأنه أعجميّ. وهذا غلط لأن ما كانت فيه ياء مثل هذه انصرف ، ولم ينصرف زكريّاء في المدّ والقصر لأن فيه ألف تأنيث والدليل على هذا أنه لا يصرف في النكرة وقال قوم : لم ينصرف لأنه أعجميّ. (كُلَّما دَخَلَ) منصوب بوجد أي كلّ دخوله أي كلّ وقت دخوله ، وإن شئت أملت الألف من حساب لكسرة الحاء.
(هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) (38)
(هُنالِكَ) في موضع نصب لأنه ظرف يتضمّن المكان وأحوال الزمان وهو مبني لأنه بمنزلة ذلك وهنا بمنزلة هذا ، وبنو تميم يقولون : هناك بمنزلة هنالك واللام مكسورة لالتقاء الساكنين ، (ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) على اللفظ.
(فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) (39)
(فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ) وقرأ عبد الله بن مسعود وابن عباس فناداه الملائكة (4) وهو اختيار أبي عبيد وروي عن جرير عن مغيرة عن إبراهيم كان عبد الله يذكّر الملائكة في كلّ القرآن قال أبو عبيد : أنا اختار ذلك خلافا على المشركين لأنهم قالوا الملائكة بنات الله. قال أبو جعفر : هذا احتجاج لا يحصل منه شيء لأن العرب تقول : قالت الرجال وقال الرجال وكذا النساء وكيف يحتجّ عليهم بالقرآن ولو جاز أن يحتجّ عليهم بهذا لجاز أن يحتجّوا بقوله (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ) [آل عمران : 42] ولكن الحجة عليهم في قوله جلّ وعزّ : (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) [الزخرف : 19] أي فلم يشاهدوا خلقهم فكيف يقولون : إنهم إناث فقد علم أنّ هذا ظنّ وهوى ، وأما فناداه فهو جائز على تذكير
__________________
(1) هارون بن موسى الأعور البصري الأزدي ، صدوق ، له قراءة معروفة ، روى القراءة عن عاصم الجحدري وعاصم بن أبي النجود وعن أبي عمرو (ت 200 ه‍). ترجمته في غاية النهاية 2 / 348.
(2) أبو عبد الله المدني : جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الصادق ، قرأ على آبائه محمد الباقر فزين العابدين فالحسين فعلي. (ت 148 ه‍) ، ترجمته في غاية النهاية 1 / 196.
(3) انظر معاني الفراء 1 / 208.
(4) انظر تيسير الداني 73.

الجميع ونادته على تأنيث الجماعة. (وَهُوَ قائِمٌ) ابتداء وخبر. (يُصَلِّي) في موضع رفع ، وإن شئت كان نصبا على أنه حال من المضمر. (أَنَّ اللهَ) وقرأ حمزة (1) والكسائي (أَنَّ اللهَ) أي قالت الملائكة : إن الله (يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى) هذه قراءة أهل المدينة وقرأ حمزة (يُبَشِّرُكَ) (2) وقرأ حميد بن قيس المكيّ الأعرج (يُبَشِّرُكَ) بضم الياء وإسكان الباء. قال الأخفش : هي ثلاث لغات بمعنى واحد وقال محمد بن يزيد : يقال : بشرته أي أخبرته بما أظهر في بشرته السرور وبشّرته على التكثير قال أبو إسحاق (3) يقال : بشرته أبشره وأبشره. قال الكسائي : سمعت غنيّا تقول : بشرته أبشره. قال الأخفش : يقال : بسرته فبشر وابشر أي سررته فسرّ ومنه (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ) [فصلت : 30]. قال الفراء : لا يقال : من هذا إلّا أبشر (4) وحكي عن محمد بن يزيد بشّرته فأبشر مثل قرّرته فأقرّ وفطّرته فأفطر أي طاوعني (بِيَحْيى) لم ينصرف لأنه فعل مستقبل سمّي به وقيل : لأنه أعجمي ، ومذهب الخليل وسيبويه أنك إن جمعته قلت يحيون بفتح الياء في كل حال ، وقال الكوفيون: إن كان عربيا فتحت الياء وإن كان أعجميا ضممتها لأنه لا يعرف أصلها (مُصَدِّقاً) حال. (بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ) عيسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قيل : فرض عليه أن يتّبعه. (وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا) عطف. (مِنَ الصَّالِحِينَ). قال أبو إسحاق (5) : الصالح الذي يؤدّي لله جلّ وعزّ ما افترض عليه وإلى الناس حقوقهم.
(قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) (40)
(وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) وبلغت الكبر واحد. (وَامْرَأَتِي عاقِرٌ) ابتداء وخبر في موضع الحال ، وعاقر بلا هاء على النسب ولو كان على الفعل لقيل : عقرت فهي عقيرة كأنّ بها عقرا يمنعها من الولادة. (قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) الكاف في موضع نصب أي يفعل ما يشاء مثل ذلك.
(قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ) (41)
(قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً اجْعَلْ) بمعنى صيّر فلذلك وجب أن يتعدّى إلى مفعولين
__________________
(1) انظر البحر المحيط 2 / 465.
(2) انظر تيسير الداني 73 ، والبحر المحيط 2 / 465.
(3) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 356.
(4) انظر معاني الفراء 1 / 212.
(5) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 358.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 2847
نقاط : 4448
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

إعراب القرآن [ ج ١ ] Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعراب القرآن [ ج ١ ]   إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 4:33 pm

و «لي» في موضع الثاني وإذا كان بمعنى خلق لم يتعدّ إلّا إلى واحد نحو قوله : (خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) [الأنبياء : 33]. (قالَ آيَتُكَ) ابتداء. (أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ) خبره ويجوز رفع تكلّم بمعنى أنك لا تكلّم الناس مثل (أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) [طه : 89] والكوفيون يقولون : الرفع على أن تكون «لا» بمعنى ليس. (ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) ظرف وقد ذكرنا قول قتادة أن زكريّاء عوقب بمنع الكلام حين سأل وهذا قول مرغوب عنه لأن الله عزوجل لم يخبرنا أن زكرياء أذنب ولا أنه نهاه عن هذا ، والقول فيه أن المعنى اجعل لي علامة تدلّ على كون الولد إذ كان ذلك مغيّبا عنّي. قال الأخفش : (إِلَّا رَمْزاً) استثناء ليس من الأول. قال الكسائي ؛ يقال : رمز يرمز ويرمز ، وقرأ علقمة بن قيس (1) (إِلَّا رَمْزاً) (2) وقرأ الأعمش (إِلَّا رَمْزاً) (3) وهما اسمان والمسكّن المصدر. (وَسَبِّحْ) أمر أي نزّه الله جلّ وعزّ عمّا يقول المشركون وقيل : سبّح أي صلّ ومنه فرغ فلان من سبحته. (بِالْعَشِيِ) قيل : هو جمع وقيل : هو واحد والأولى أن يكون واحدا للمستقبل. قال الأصمعي : يقال : أنا آتيك عشيّ غد وأنا آتيك عشيّة اليوم وأتيته عشيّة أمس وعشيّ أمس.
(وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) (42)
(إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ) الطاء مبدلة من تاء لأن الطاء بالصاد أشبه.
(يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) (43)
(يا مَرْيَمُ اقْنُتِي) أمر فلذلك حذفت منه النون. (وَاسْجُدِي) عطف عليه يقال: سجد إذا تطامن وذلّ ، وركع إذا انحنى ، ومنه يقال : ركع الشيخ مع الراكعين يجوز أن يكون معناه اركعي مع الذين يصلّون في جماعة ويجوز أن يكون معناه كوني مع الراكعين وإن لم تصلّي معهم.
(ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) (44)
(ذلِكَ) في موضع رفع أي الأمر ذلك فهو خبر الأمر ويجوز أن يكون في موضع رفع بالابتداء وخبره (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ). (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ) «إذ» في موضع نصب أي : وما كنت لديهم ذلك الوقت (أَقْلامَهُمْ) جمع قلم من قلمه إذا قطعه
__________________
(1) علقمة بن قيس النخعي الفقيه ، خال إبراهيم النخعي ، عرض على ابن مسعود وسمع عليا وعمر وعائشة (ت 62 ه‍). ترجمته في غاية النهاية 1 / 516.
(2) انظر مختصر ابن خالويه 20 ، والمحتسب 1 / 161 والبحر المحيط 2 / 472 ، وهي قراءة يحيى بن وثاب أيضا.
(3) انظر مختصر ابن خالويه 20 ، والبحر المحيط 2 / 472.

وقد ذكرنا أنه قيل : أقلامهم سهامهم (1) وأجود من هذا القول : أي أقلامهم التي يكتبون بها الوحي جمعوها فرموا بها في نهر لينظروا أيّها يستقبل جري الماء فيكون صاحبه الذي يكفل مريم أي يضمن القيام بأمرها. فأما أن تكون الأقلام القداح فبعيد لأن هذه هي الأزلام التي نهى الله عزوجل عنها إلّا أنه يجوز أن يكونوا فعلوا ذلك على غير الجهة التي كانت الجاهلية تفعلها. (أَيُّهُمْ) ابتداء وهو متعلق بفعل محذوف أي ينظرون أيّهم يكفل مريم وحكى سيبويه (2) : اذهب فانظر زيد أبو من هو؟ وإن نصبت انقلب المعنى.
(إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (45)
(إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ) متعلّقة بيختصمون ويجوز أن تكون متعلقة بقوله «وما كنت لديهم» ، (بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ) ولم يقل : اسمها لأن معنى كلمة ولد قال إبراهيم النخعيّ (3) المسيح الصدّيق. قال أبو عبيد : هو في لغتهم مسيحا ، وقيل : إنما سمّي المسيح لأنه مسح بدهن كانت الأنبياء تتمسّح به طيّب الرائحة فإذا مسّح به علم أنه نبيّ. «عيسى» (4) اسم أعجميّ فلذلك لم ينصرف وإن جعلته عربيا لم ينصرف في معرفة ولا نكرة لأن فيه ألف التأنيث ، ويكون مشتقا من عاسه يعوسه إذا ساسه وقام عليه ، ويجوز أن يكون مشتقا من العيس ومن العيس. قال الأخفش (وَجِيهاً) منصوب على الحال ، وقال الفراء (5) : هو منصوب على القطع. قال أبو إسحاق (6) : النصب على القطع كلمة محال لأن المعنى أنه بشّر بعيسى في هذه الحال ولم يبيّن معنى القطع فإن كان القطع معنى فلم يبيّنه ما هو؟ وإن كان لفظا فلم يبيّن ما العامل؟ وإن كان يريد أنّ الألف واللام قطعتا منه فهذا محال لأن الحال لا تكون إلّا نكرة والألف واللام بمعهود فكيف يقطع منه ما لم يكن فيه قطّ. قال الأخفش (وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) عطف على وجيه أي ومقرّبا وجمع وجيه وجهاء ووجاه.
(وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ) (46)
قال الأخفش : (وَيُكَلِّمُ).
__________________
(1) انظر إعراب الآية 35.
(2) انظر الكتاب 1 / 294.
(3) إبراهيم النخعي : بن يزيد بن قيس بن الأسود الكوفي ، قرأ على علقمة بن قيس ، وقرأ عليه سليمان الأعمش (ت 96 ه‍). انظر غاية النهاية 1 / 29.
(4) انظر تاج العروس (عيس).
(5) انظر معاني الفراء 1 / 213.
(6) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 362.

عطف على «وجيها». قال الأخفش والفراء (1) (وَكَهْلاً) معطوف على وجيها. قال أبو إسحاق (2) : وكهلا بمعنى ويكلّم الناس كهلا. وروى ابن جريج (3) عن مجاهد قال : الكهل الحليم. قال أبو جعفر : هذا لا يعرف في اللغة وإنما الكهل عند أهل اللغة من ناهز الأربعين وقال بعضهم : يقال له : حدث إلى ستّ عشرة سنة ثم شابّ إلى اثنتين وثلاثين سنة ثم يكتهل في ثلاث وثلاثين. قال الأخفش : (وَمِنَ الصَّالِحِينَ) عطف على وجيها.
(قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (47)
(إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) عطف على «يقول» ، ويجوز أن يكون منقطعا أي فهو يكون. وقد تكلم العلماء في معناه فقيل : هو بمنزلة الموجود المخاطب لأنه لا بدّ أن يكون ما أراد جلّ وعزّ فعلى هذا خوطب وقيل : أخبر الله جلّ وعزّ بسرعة ما يريد أنه على هذا وقيل : علامته لما يريد كما كان نفخ عيسى عليه‌السلام في الطائر علامة لخلق الله جلّ وعزّ إيّاه. وقيل : أي يخرجه من العدم إلى الوجود فخوطب العباد على ما يعرفون. وقيل له أي من أجله كما تقول : أنا أكرم فلانا لك أي من أجلك.
(وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) (48)
(وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي ونعلّمه بالنون يردّونه على قوله (نُوحِيهِ) [آل عمران : 44] والياء أولى لقوله (وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فالياء أقرب. قال الأخفش (وَيُعَلِّمُهُ) في موضع نصب عطفا على «وجيها».
(وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (49)
(وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) في نصبه قولان أحدهما أنّ التقدير ويجعله رسولا والآخر ويكلمهم رسولا. (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ) أي بأني فإنّ في موضع نصب (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 213.
(2) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 363.
(3) ابن جريج : عبد الملك بن عبد العزيز القرشي ، روى القراءة عن ابن كثير (ت 150 ه‍). ترجمته في غاية النهاية 1 / 469.

الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) بدل منها ويجوز أن يكون في موضع خفض على البدل من آية ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ أي هي أنّي أخلق لكم من الطين كهيئة الطير. (فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ) هذه قراءة أبي عمرو وأهل الكوفة وقرأ يزيد بن القعقاع كهيئة الطّائر فأنفخ فيه فيكون طائرا وقرأ نافع كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طائرا (1) والقراءتان الأوليان أبين والتقدير في هذه فانفخ في الواحد منها أو منه لأن الطير يذكّر ويؤنث فيكون الواحد طائرا ، وطائر وطير مثل تاجر وتجر. (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ) أي بالذي تأكلونه ويجوز أن يكون ما والفعل مصدرا. (وَما تَدَّخِرُونَ) وقرأ مجاهد والزهريّ وأيوب السختيانيّ وما تذخرون (2) بالذال معجمة مخفّفا. قال الفراء : أصلها الذال يعني تذخرون من ذخرت فالأصل تذتخرون فثقل على اللسان الجمع بين الذال والتاء فأدغموا وكرهوا أن تذهب التاء في الذال فيذهب معنى الافتعال فجاءوا بحرف عدل بينهما وهو الدال فقالوا : تدّخرون. قال أبو جعفر : هذا القول غلط بيّن لأنهم لو أدغموا على ما قال لوجب أن يدغموا الذال في التاء وكذا باب الإدغام أن يدغم الأول في الثاني فكيف تذهب التاء والصواب في هذا مذهب الخليل وسيبويه أنّ الذال حرف مجهور يمنع النفس أن يجري والتاء حرف مهموس يجري معه النفس فأبدلوا من مخرج التاء حرفا مجهورا أشبه الذال في جهرها فصار تذدخرون ثم أدغمت الذال في الدال فصار تدّخرون : قال الخليل وسيبويه : وإن شئت أدغمت الدال في الذال فقلت تذّخرون وليس هذا بالوجه.
(وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) (50)
(وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ) أي وجئتكم مصدّقا. قال أحمد بن يحيى : لا يجوز أن يكون معطوفا على «وجيها» لأنه لو كان كذلك لوجب أن يكون لما بين يديه. (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ) فيه حذف ليتعلق به لام كي ، أي ولأحلّ لكم جئتكم وقد ذكرنا معناه ونزيده شرحا قيل إنّما أحلّ لهم عيسى عليه‌السلام ما حرّم عليهم بذنوبهم ولم يكن في التوراة نحو أكل الشحوم وكلّ ذي ظفر وقيل : إنّما أحلّ لهم عيسى عليه‌السلام أشياء حرمتها عليهم الأحبار لم تكن محرمة عليهم في التوراة.
(إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) (51)
(إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) بكسر «إن» على الابتداء وحكى أبو حاتم عن الأخفش :
__________________
(1) انظر تيسير الداني 74.
(2) انظر معاني الفراء 1 / 215 ، والبحر المحيط 2 / 490.

«أنّ» بالفتح على البدل من آية ورده أبو حاتم وزعم أنه لا وجه له قال : لأن الآية العلامة التي لم يكونوا رأوها فكيف يكون قولا. قال أبو جعفر : ليس هكذا روى من يضبط عن الأخفش ولا كذا في كتبه والرواية عنه الصحيحة أنه قال : وحكى بعضهم «أنّ الله» بفتح «أن» على معنى وجئتكم بأن الله ربّي وربّكم وهذا قول حسن.
(فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (52)
(فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ) قال الفراء : أرادوا قتله. قال أبو جعفر : يقال :
أحسست وأحست مثل ظللت وظلت ، وحكي حسيت بمعنى علمت وعرفت. (قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) قال الأخفش : واحد الأنصار نصير مثل شريف وأشراف وناصر مثل صاحب وأصحاب وقال محمد بن يزيد : العرب تقول في واحد الأنصار نصر شبّهوا فعلا بفعل. (وَاشْهَدْ بِأَنَّا) الأصل بأننا حذفت النون تخفيفا وكذا (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) [آل عمران : 55] والماكر الذي يحتال لمن يكيده والمكر من الله جلّ وعزّ مجازاة وعدل فعلى هذا (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) [آل عمران : 54].
(إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (55)
(إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) الأصل متوفيك حذفت الضمّة استثقالا وهو خبر «إنّ». (وَرافِعُكَ) عطف عليه وكذا (وَمُطَهِّرُكَ) وكذا (وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ) ويجوز وجاعل الذين اتبعوك وهو الأصل وقد قيل : إن التمام عند قوله ومطهّرك من الذين كفروا وهو قول حسن يدلّ عليه الحديث والنظر فأما الحديث فحدّثنا جعفر بن محمد الفريابي قال: حدّثنا إبراهيم بن العلاء الزبيديّ قال : حدّثنا الوليد بن مسلم قال : حدّثنا مروان بن جناح عن يونس بن ميسرة بن حلبس عن معاوية بن أبي سفيان قال : خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ونحن في المسجد نتحدّث فقال : «أإنكم لتتحدثون أني من آخركم موتا قلنا : نعم يا رسول الله قال : إني من أولكم موتا» (1) وذكر الحديث ، وقال في آخره وتلا (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ) يا محمد. (فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ). قال أبو جعفر : وأما من جهة النظر فإن القرآن منزّل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكل ما كان فيه من المخاطبة فهي له إلّا أن يقع دليل ، وعلى هذا قوله جلّ
__________________
(1) انظر تفسير الطبري 19 / 387.

وعزّ (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ) [الحج : 27] يجب أن يكون للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.
(فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ(56) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (57)
(فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) ابتداء ، وخبره (فَأُعَذِّبُهُمْ) ويجوز أن يكون الذين في موضع نصب بإضمار فعل وكذا. (وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ) وحكى سيبويه (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) [فصلت : 17] بالنصب وحدّثنا أحمد بن محمد بن خالد قال : حدّثنا خلف بن هشام قال : حدّثنا الخفّاف عن إسماعيل عن الحسن أنه قرأ وأما الذين آمنوا وعملوا الصّالحات فنوفّيهم أجورهم (1). قال أبو جعفر : والمعنى واحد أي فيوفيهم الله أجورهم.
(ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) (58)
(ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ ذلِكَ) في موضع رفع بالابتداء وخبره (نَتْلُوهُ) ويجوز أن يكون في موضع رفع بإضمار مبتدأ أي الأمر ذلك ويجوز أن يكون في موضع نصب بإضمار فعل. قال أبو إسحاق (2) : يجوز أن يكون ذلك بمعنى الذي ونتلوه صلته ، والخبر (مِنَ الْآياتِ).
(إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (59)
(كَمَثَلِ آدَمَ) تمّ الكلام ثم قال (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) أي فكان والمستقبل يكون في موضع الماضي إذا عرف المعنى.
(الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) (60)
قال الفراء : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) مرفوع بإضمار هو.
(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) (61)
(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ) شرط والجواب الفاء وما بعدها. قال ابن عباس : هم أهل نجران السيّد والعاقب وأبو الحارث. (تَعالَوْا) أمر فيه معنى التحريض وبيان الحجّة. (نَدْعُ) جواب الأمر مجزوم. (ثُمَّ نَبْتَهِلْ) عطف عليه وحكى أبو عبيدة (3) بهله الله
__________________
(1) انظر الحجّة لابن خالويه 85 ، والبحر المحيط 2 / 499.
(2) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 371.
(3) انظر مجاز القرآن 1 / 96 ، والبحر المحيط 2 / 502.

يبهله بهلة أي لعنه ونبتهل ندعو باللعنة (فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) عطف.
(إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (62)
(إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُ) هو زائدة فاصلة عند البصريين ويجوز أن تكون مبتدأة و (الْقَصَصُ) خبرها والجملة خبر إنّ. (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ) ويجوز النصب على الاستثناء.
(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ) (63)
(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ) شرط وجوابه وتولّوا فعل ماض لا يتبيّن فيه الجزم ويجوز أن يكون مستقبلا ويكون الأصل تتولّوا.
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (64)
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ) وقرأ قعنب كلمة (1) ألقى حركة اللام على الكاف كما يقال : كبد قال أبو العالية : الكلمة لا إله إلّا الله. (سَواءٍ) نعت لكلمة وقرأ الحسن (2) (سَواءٍ) بالنصب أي استوت استواء : قال قتادة : السواء العدل. قال الفراء : ويقال في معنى العدل سوى وسوى. قال : وفي قراءة عبد الله إلى كلمة عدل بيننا وبينكم(3). (أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ) على البدل من كلمة وإن شئت كان التقدير هي أن لا نعبد إلّا الله (وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً) قال الكسائي والفراء : ويجوز (وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً) بالجزم على التوهّم إنّه ليس في أول الكلام «أن» قال أبو جعفر التوهّم لا يحصل منه شيء ولكن مذهب سيبويه أنه يجوز في «نعبد» وما بعده الجزم على أن تكون أن مفسّرة بمعنى أي كما قال عزوجل : (أَنِ امْشُوا) [ص : 6] وتكون «لا» جازمة ويجوز على هذا أن يرفع نعبد وما بعده ويكون خبرا ويجوز الرفع بمعنى أنّه لا نعبد ، ومثله (أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) [طه : 89] ومعنى (وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) لا نعبد عيسى لأنه بشر مثلنا ولا نقبل من الرهبان تحريمهم علينا ما لم يحرّمه الله جلّ وعزّ علينا فنكون قد اتّخذناهم أربابا.
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (65)
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ) الأصل «لما» حذفت الألف لأن حرف
__________________
(1) انظر مختصر ابن خالويه 21.
(2) انظر البحر المحيط 2 / 506.
(3) انظر معاني الفراء 1 / 220.

الجر عوض منها وللفرق بين الاستفهام والخبر ولم يجز الحذف في الخبر لأن الألف متوسطة.
(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (66)
(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ) قال أبو عمرو بن العلاء الأصل أأنتم فأبدل من الهمزة الأولى هاء لأنها أختها. قال أبو جعفر : وهذا قول حسن وللفراء (1) في هذا الاسم إذا دخلت عليها الهاء مذهب وسنذكره بعد هذا. قال الحسن والضحّاك قال كعب بن الأشرف اليهوديّ وأصحابه ونفر من النصارى : إبراهيم منّا فأنزل الله جلّ وعزّ (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً) [آل عمران : 67] يعني بالحنيف الحاجّ فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : زعمتم أنّ إبراهيم كان منكم وقد كان إبراهيم يحجّ. قال أبو جعفر: الحنيف في اللغة : إقبال صدر القدم على الأخرى من خلقة لا تزول فمعنى الحنيف عند العرب المائل إلى الإسلام على الحقيقة فأما إخباره جلّ وعزّ عن إبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان مسلما فبيّن ، ويعلم أنه كان مسلما وجمع الأنبياء والصالحين بأن يعرف ما الإسلام وما الإيمان؟ وهو أصل من أصول الدين لا يسع جهله ومعرفته من اللغة. قال أبو جعفر : معنى مسلم في اللغة : متذلّل لأمر الله منطاع له ، ومعنى مؤمن : مصدّق بما جاء من عند الله قابل له عامل به في كلّ الأوقات ، فهذا ما لا يدفع أنه دين كل نبيّ وملك وصالح.
(إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) (68)
(إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) اسم «إنّ» وخبرها (وَهذَا النَّبِيُ) معطوف على الذين ، ويجوز و «هذا النبيّ» بالنصب تعطفه على الهاء.
(وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) (69)
(وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) يقال : أهذا عذر لهم ففيه جوابان : جملتهما أنه لا عذر لهم فقيل : معنى لا يشعرون لا يعلمون بصحّة الإسلام وواجب عليهم أن يعلموا لأنّ البراهين ظاهرة والحجج باهرة وجواب آخر أنهم لا يشعرون بأنهم لا يصلون إلى إضلال المؤمنين.
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (71)
ويجوز «وتكتموا الحق» على جواب الاستفهام.
__________________
(1) انظر إعراب الآية 119 آل عمران.

(وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (72)
(وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ) على الظرف وكذا (آخِرَهُ) ومذهب قتادة أنهم فعلوا هذا ليشكّكوا المسلمين وروي عن ابن عباس قال : نظر اليهود إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلّي الصبح إلى بيت المقدس قبلتهم فأعجبهم ذلك ثم حوّلت القبلة في صلاة الظهر إلى الكعبة فقالت اليهود : آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار يعنون صلاة الصبح حين صلّى إلى بيت المقدس (وَاكْفُرُوا آخِرَهُ) يعنون صلاة الظهر حين صلّى إلى الكعبة. (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) إلى قبلتكم.
(وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (73)
(وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) قال أبو جعفر : هذه الآية من أشكل ما في السورة وقد ذكرناه ، والإعراب يبيّنها. فيها أقوال : فمن قال : إنّ في الكلام تقديما وتأخيرا فإنّ المعنى : ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلّا من اتّبع دينكم وجعل اللام زائدة فهو عنده استثناء ليس من الأول وإلّا لم يجز التقديم ومن قال : المعنى على غير تقديم ولا تأخير جعل اللام أيضا زائدة أو متعلقة بمصدر أي لا تجعلوا تصديقكم إلّا لمن اتّبع دينكم بأن يؤتى أحد من العلم برسالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثل ما أوتيتم وتقدير ثالث أي كراهة أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم. وقال الفراء (1) : يجوز أن يكون قد انقطع كلام اليهود عند قوله إلّا لمن تبع دينكم ثم قال لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) أي إنّ البيان بيان الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أي بيّن أن لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم وصلحت أحد لأن «أن» بمعنى «لا» مثل (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [النساء : 176] أي أن لا تضلّوا قال أبو جعفر : في قوله (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) قولان : أحدهما أنّ الهدى إلى الخير والدلالة على الله بيد الله جلّ وعزّ يؤتيه أنبياءه فلا تنكروا أن يؤتى أحد سواكم مثل ما أوتيتم ، فإن أنكروا ذلك فقل إنّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ، والقول الآخر : قل إنّ الهدى هدى الله الذي أتاه المؤمنين من التصديق بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا غيره أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من البراهين والحجج والأخبار بما في كتبهم أو يحاجّوكم عند ربكم. قال الأخفش : أي ولا يؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ولا تصدقوا أن يحاجّوكم يذهب إلى أنه معطوف وقال الفراء (2) : «أو» بمعنى حتّى وإلّا أن.
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 222.
(2) انظر معاني الفراء 1 / 223 ، والبحر المحيط 2 / 518.

(وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (75)
(وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ) وقرأ أبو الأشهب (1) من إن تيمنه (2) «من» في موضع رفع بالابتداء أو بالصفة والشرط وجوابه من صلتها عند البصريين وعند الكوفيين بإضمار القول وتيمنه ، على لغة من قال : تستعين (3) وفي (يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) خمسة أوجه قرئ منها بأربعة : أجودها قراءة نافع والكسائي يؤدّهي إليك (4) بياء في الإدراج ، وقرأ يزيد بن القعقاع (يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) (5) بكسر الهاء بغير ياء وقرأ أبو المنذر سلّام (يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) بضم الهاء بغير واو كذا قرأ أخواته نحو (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى) [النساء : 115] و «عليه» و «إليه» قال أبو عبيد : واتّفق أبو عمرو والأعمش وحمزة على وقف الهاء فقرءوه (يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) (6). قال أبو جعفر : والوجه الخامس يؤدّهو إليك بواو في الإدراج فهذا الأصل لأن الهاء خفيّة فزعم الخليل : أنها أبدلت بحرف جلد وهو الواو. وقال غيره : اختير لها الواو لأن الواو من الشفة والهاء بعيدة المخرج. وقال سيبويه (7) : الواو في المذكّر بمنزلة الألف في المؤنّث وتبدل منها ياء لأن الياء أخفّ إذا كانت قبلها كسرة أو ياء وتحذف الياء وتبقى الكسرة لأن الياء قد كانت تحذف والفعل مرفوع فأثبتت بحالها ، ومن قال «يؤدّه إليك» فحجّته أنه حذف الواو وأبقى الضمة كما كان مرفوعا أيضا فأما إسكان الهاء فلا يجوز إلا في الشعر عند بعض النحويين وبعضهم يجيزه وأبو عمرو أجلّ من أن يجوز عليه مثل هذا والصحيح عنه أنه كان يكسر الهاء وقرأ يحيى بن وثّاب والأعمش (إِلَّا ما دُمْتَ) بكسر الدال من دمت تدام مثل خفت تخاف لغة أزد السراة وحكى الأخفش : دمت تدوم شاذا. (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ) أي فعلهم ذلك وأمرهم ذلك بأنّهم (قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) أي طريق ظلم.
(بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (76)
قال الله جلّ وعزّ : (بَلى).
__________________
(1) أبو الأشهب العطاردي البصري ، جعفر بن حيان ، قرأ على رجاء العطاردي ، وقرأ عليه يعقوب ابن إسحاق (ت 115 ه‍). ترجمته في غاية النهاية 1 / 192.
(2) هذه قراءة يحيى بن وثاب وابن مسعود ، انظر مختصر ابن خالويه 21 ، والبحر المحيط 2 / 523.
(3) هذه لغة تميم وأسد وقيس وربيعة ، انظر إعراب آية 5 ـ أم القرآن.
(4) انظر الحجة لابن خالويه 86 ، وتيسير الداني 74.
(5) هذه قراءة الجمهور ، انظر البحر المحيط 2 / 524.
(6) هذه قراءة عاصم أيضا ، انظر معاني الفراء 1 / 223 ، وتيسير الداني 74.
(7) انظر الكتاب 4 / 305.

أي بلى عليهم سبيل العذاب بكذبهم واستحلالهم. قال أبو إسحاق (1) : وتمّ الكلام ثم قال (مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى). قال أبو جعفر : (مَنْ) رفع بالابتداء وهو شرط و (أَوْفى) في موضع جزم (وَاتَّقى) معطوف عليه أي واتقى الله فلم يكذب ولم يستحلّ ما حرّم عليه (فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) أي يحبّ أولئك.
(إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (77)
(الَّذِينَ) اسم. و (أُولئِكَ) ابتداء وما بعده خبره والجملة خبر «إن». (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ) قد ذكرنا معناه ونشرحه بزيادة. يكون المعنى : لا يسمعهم الله كلامه بلا سفير كما كلّم الله موسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهذا معناه لا يكلّمهم على الحقيقة ويكلّمهم مجازا بأن يأمر الملائكة أن تحاسبهم كما قال (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) [الحجر : 92 ، 93] وكذا (أَيْنَ شُرَكائِيَ) [النحل : 27] فإذا قالت لهم الملائكة يقول الله لكم كذا فقد كلّمهم مجازا وقيل معنى لا يكلّمهم يغضب عليهم وقيل : المعنى على المجاز أي ولا يكلمهم كلام راض عنهم ولكن كلام موبّخ لهم ومقرّر وموقّف. و (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) برحمته ولا يؤتيهم خيرا كما يقال : فلان لا ينظر إلى ولده.
(وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (78)
(وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً) اسم «إنّ» واللام توكيد. (يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ) وقرأ أبو جعفر وشبية يلوّون ألسنتهم على التكثير وقرأ حميد بن قيس يلون ألسنتهم (2) وتقديره يلوون ثم همز الواو لانضمامها وخفّف الهمزة وألقى حركتها على ما قبلها. ألسنة جمع لسان في لغة من ذكّر ومن أنّث قال : ألسن.
(ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) (79)
(ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ) نصب بأن. (ثُمَّ يَقُولَ) عطف عليه وروى محبوب عن أبي عمرو ثم يقول بالرفع. والنصب أجود. (وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ) حذف القول والتقدير : ولكن يقول وقال علي بن سليمان : المعنى ولكن ليقل ودخلت الواو على لكن وهما حرفا عطف على قول قوم لضعف لكن. قال ابن كيسان : الواو هي العاطفة ولكن
__________________
(1) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 382.
(2) انظر مختصر في شواذ القرآن (21).

للتحقيق. (بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ) قراءة أبي عمرو وأهل المدينة (1) وقرأ ابن عباس وأهل الكوفة (تُعَلِّمُونَ) بضم التاء وتشديد اللّام وقرأ مجاهد تعلمون (2) بفتح التاء وتشديد اللام أي تتعلّمون ويدرسون فخولف أبو عبيد في هذا الاختيار لأن شعبة روى عن عاصم عن زيد (3) (4) عن عبد الله بن مسعود (وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ) ، قال حكماء علماء وقال الضحاك : لا ينبغي لأحد أن يدع حفظ القرآن جهده فإن الله جلّ وعزّ يقول : (وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) أي فقهاء علماء فقيل : يبعد أن يقال : كونوا حكماء علماء بتعليمكم والحسن : كونوا حكماء علماء بعلمكم.
(وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (80)
قال سيبويه : (وَلا يَأْمُرَكُمْ) (5) فجاءت منقطعة من الأول لأنه أراد ولا يأمركم الله، وقال الأخفش : أي وهو لا يأمركم وهذه قراءة أبي عمرو والكسائي وأهل الحرمين وأما رواية اليزيدي عن أبي عمرو أنه أسكن الراء فغلط (6). قال سيبويه : وقرأ بعضهم (وَلا يَأْمُرَكُمْ) (7) على قوله : (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ) [آل عمران : 79]. قال أبو جعفر : النصب قراءة ابن أبي إسحاق وحمزة وعاصم. (أَنْ تَتَّخِذُوا) أي بأن تتخذوا. (الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً) وهذا موجود في النصارى يعظّمون الملائكة والأنبياء حتى يجعلوهم أربابا ، ويروون عن سليمان صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال ربّي لربّي : اجلس عن يميني. يعنون قال الله جلّ وعزّ للمسيح صلى‌الله‌عليه‌وسلم.
(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (81)
أي واذكر. قال سيبويه (Cool : سألت الخليل في قوله جلّ وعزّ (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ
__________________
(1) انظر تيسير الداني 74.
(2) انظر مختصر في شواذ القرآن 21.
(3) انظر الكتاب 3 / 58.
(4) زرّ بن حبيش الأسدي الكوفي ، عرض على ابن مسعود وعثمان وعلي ، وعرض عليه عاصم والأعمش (ت 82 ه‍). ترجمته في غاية النهاية 1 / 294.
(5) انظر تيسير الداني 74.
(6) انظر تيسير الداني 74.
(7) قراءة عاصم وحمزة وابن عامر ، انظر تيسير الداني 74.
(Cool انظر الكتاب 3 / 122.

النَّبِيِّينَ) فقال : «ما» بمعنى الذي. قال أبو جعفر : التقدير على قول الخليل للذي آتيتكموه ثم حذف الهاء لطول الاسم فالذي رفع بالابتداء ، وخبره (مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ) و «من» لبيان الجنس وقال الأخفش : هي زائدة ويجوز أن يكون الخبر (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) وقال الكسائي : «ما» للشرط فعلى قوله موضعها نصب بآتيتكم وقرأ أهل الكوفة (لَما آتَيْتُكُمْ) بكسر (1) اللام ، وقال الفراء : أي أخذ الميثاق للذي آتاهم من كتاب وحكمة وجعل لنؤمنن به من أخذ الميثاق كما تقول : أخذت ميثاقك لتفعلنّ. قال أبو جعفر : ولأبي عبيدة في هذا قول حسن ، قال : المعنى وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتؤمننّ به لما آتيتكم من ذكره في التوراة وقيل : في الكلام حذف والمعنى وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لتعلمنّ الناس لما جاءكم من كتاب وحكمة ولتأخذنّ على الناس أن يؤمنوا ودل على هذا الحذف (وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي).
(فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (82)
(فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ) شرط والمعنى فمن تولى عن الإيمان بعد أخذ الميثاق والجواب (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ).
(أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (83)
(أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ) (2) نصبت «غير» يبغون. (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وإن شئت أدغمت الميم في الميم وقد ذكرنا في معناه ، قولين : أولهما أن يكون المعنى وله خضع وذلّ من في السموات والأرض كما تقول : أسلم فلان نفسه للموت ، فالمعنى أن الله جلّ وعزّ خلق الخلق على ما أراد فمنهم الحسن والقبيح والطويل والقصير والصحيح والمريض وكلهم منقادون اضطرارا فالصحيح منقاد. طائع محبّ لذلك والمريض منقاد خاضع وإن كان كارها و (طَوْعاً وَكَرْهاً) مصدر في موضع الحال أي طائعين مكرهين.
(قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (84)
(قُلْ آمَنَّا بِاللهِ) فيه ثلاثة أجوبة يكون قل بمعنى قولوا لأنّ المخاطبة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مخاطبة لأمّته ويكون المعنى قل لهم قولوا آمنا بالله ويكون المراد الأمّة ونظيره (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) [الطلاق : 1].
__________________
(1) هذه قراءة يحيى بن وثاب ، انظر معاني الفراء 1 / 225 ، والبحر المحيط 2 / 532.
(2) هذه قراءة السبعة عدا أبي عمرو وحفص فقراءتهما بالياء ، انظر تيسير الداني 75.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 2847
نقاط : 4448
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

إعراب القرآن [ ج ١ ] Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعراب القرآن [ ج ١ ]   إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 4:35 pm

(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) (85)
(وَمَنْ يَبْتَغِ) (1) شرط فلذلك حذفت منه الياء والجواب (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) وزعم أبو حاتم : أنّ أبا عمرو والأعمش قرءا (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً) مدغما. قال أبو جعفر : وهذا ليس بالجيّد من أجل الكسرة التي في الغين. (وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) قال هشام : أي وهو خاسر في الآخرة من الخاسرين ولو لا هذا لفرقت بين الصلة والموصول وقال المازني : الألف واللام مثلهما في الرجل وقال محمد بن يزيد : الظرف متعلّق بمصدر محذوف.
(كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (86)
(كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ) حذفت الضمة من الياء لثقلها وحذفت الياء من اللفظ لالتقاء الساكنين وثبتت في الخطّ لأنّ الكتب على الوقف.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ) (90)
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ) اسم «إنّ» والخبر (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) وقد ذكرنا في معناه أقوالا. وقد قيل أيضا فيه : إن المعنى إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم عند الموت. قال أبو جعفر : وهذا القول حسن كما قال عزوجل : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) [النساء: 18] وقيل : لن تقبل توبتهم التي كانوا عليها قبل أن يكفروا لأنّ الكفر قد أحبطها. قال أبو جعفر : حدّثنا عليّ بن سليمان قال : حدّثنا أبو سعيد السّكريّ قال : حدّثنا محمد بن حبيب قال : حدّثنا محمد بن المستنير وهو قطرب في قول الله جلّ وعزّ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) وقد قال الله جلّ وعزّ في موضع آخر (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) [الشورى : 25] فهذه الآية في قوم من أهل مكة قالوا : نتربّص بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ريب المنون فإن بدا لنا الرجعة رجعنا إلى قومنا فأنزل الله جلّ وعزّ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) أي لن تقبل توبتهم وهم مقيمون على الكفر فسمّاها توبة غير مقبولة لأنه لم يصح من القوم عزم والله جلّ وعزّ يقبل التوبة كلّها إذا صحّ العزم.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (91)
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ) اسم «إنّ» والخبر (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ
__________________
(1) انظر البحر المحيط 2 / 540.

الْأَرْضِ). (ذَهَباً) منصوب على البيان. قال الفراء (1) : يجوز رفعه على الاستئناف كأنه يريد هو ذهب. وقال أحمد بن يحيى : يجوز الرفع على التبيين لملء.
تم الجزء الثالث (2)
من كتاب إعراب القرآن
الحمد لله رب العالمين وصلوات
على محمد الأمين وعلى آله أجمعين
(لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) (92)
(لَنْ تَنالُوا) نصب بلن وعلامة النصب حذف النون وكذا (حَتَّى تُنْفِقُوا).
(كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاَّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (93)
(كُلُّ الطَّعامِ) ابتداء والخبر (كانَ حِلًّا) يقال : حلّ وحلال وحرم وحرام. (إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ) استثناء.
(قُلْ صَدَقَ اللهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (95)
قال علي بن سليمان :
(حَنِيفاً) بمعنى أعني.
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) (96)
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ) اسم «إنّ» والخبر (لَلَّذِي بِبَكَّةَ) واللّام توكيد. (مُبارَكاً) على الحال ويجوز في غير القرآن مبارك على أن يكون خبرا ثانيا وعلى البدل من الذي وعلى إضمار مبتدأ. (وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) عطف عليه ويكون بمعنى «وهو هدى للعالمين» والمعنى إنّ أول بيت وضع للناس مباركا وهدى للعالمين للّذي ببدكة كما روي عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أنه سئل عنه : أهو أول بيت وضع للناس؟ فقال : لا قد كان نوحصلى‌الله‌عليه‌وسلم وقومه في البيوت من قبل إبراهيم عليه‌السلام ولكنّه أول بيت وضعت فيه البركة ويجوز في غير القرآن مبارك بالخفض نعتا لبيت.
(فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (97)
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 226 ، والبحر المحيط 2 / 543.
(2) حسب تقسيم المؤلف.

(فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) رفع بالابتداء أو بالصفة ، مقام إبراهيم : في رفعه ثلاثة أوجه : قال الأخفش : أي منها مقام إبراهيم وحكي عن محمد بن يزيد قال : «مقام» بدل من آيات والقول الثالث بمعنى هي مقام إبراهيم وقول الأخفش معروف في كلام العرب كما قال زهير : [البسيط]
79 ـ لها متاع وأعوان غدون لها
قتب وغرب إذا ما أفرغ انسحقا (1)

وقول أبي العباس إنّ مقاما بمعنى مقامات لأنه مصدر قال الله جلّ وعزّ (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ) [البقرة : 7] وقال جرير : [البسيط]
80 ـ إنّ العيون التي في طرفها مرض
قتلننا ثمّ لم يحيين قتلانا (2)

ويقوّي هذا الحديث المرويّ «الحجّ كلّه مقام إبراهيم» (3). (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) يجوز أن يكون معطوفا على مقام أي وفيه آيات من دخله كان آمنا لأن ذلك من الآيات كان الناس يتخطّفون حوالى الحرم فإذا قصده ملك هلك. ويجوز أن يكون (مَنْ) رفعا بالابتداء والخبر (كانَ آمِناً). (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً مَنْ) في موضع خفض على بدل البعض من الكلّ هذا قول أكثر النحويين وأجاز الكسائي أن تكون «من» في موضع رفع ، و (اسْتَطاعَ) شرط والجواب محذوف أي من استطاع إليه سبيلا فعليه الحج.
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ) (98)
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ) وقبل هذا (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) [آل عمران : 70] فالله شهيد عليهم وهم يشهدون على أنفسهم بالكفر بآيات الله وقد ظهرت البراهين.
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (99)
(لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً) أي تبغون لها وحذف اللام مثل (وَإِذا كالُوهُمْ) [المطففين : 3] أي قالوا لهم يقال : بغيت له كذا وأبغيته أي أعنته
__________________
(1) الشاهد لزهير في ديوانه ص 39 ، وبلا نسبة في لسان العرب (سحق) ، وتهذيب اللغة 4 / 25 ، وفي الديوان (لها أداة).
(2) الشاهد لجرير في ديوانه ص 163 ، وشرح شواهد المغني 2 / 712 ، والمقاصد النحوية 3 / 364 ، والمقتضب 2 / 173 ، وبلا نسبة في شرح المفصل 5 / 9.
(3) أخرجه القرطبي في تفسيره 4 / 140.

عليه. (وَأَنْتُمْ شُهَداءُ) قيل : هذا للذين يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وقيل «شهداء» أي عالمون أنها سبيل الله.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ) (100)
(إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً) شرط فلذلك حذفت منه النون والجواب (يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ).
(وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (101)
(وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ كَيْفَ) في موضع نصب وفتحت الفاء عند الخليل وسيبويه لالتقاء الساكنين واختير لها الفتح لأن قبل الفاء ياء فثقل أن يجمعوا بين ياء وكسرة. وقال الكوفيون: إذا التقى ساكنان في حرف واحد فتح أحدهما وإذا كانا في حرفين كسر. (وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ) ابتداء وخبر في موضع الحال. (وَفِيكُمْ رَسُولُهُ) رفع بالابتداء وإن شئت بالصفة على قول الكسائي : (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ) شرط والجواب (فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (102)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) مصدر والأصل في تقاة تقية قلبت الياء ألفا والتاء منقلبة من واو لأنّه من وقى ويجوز أن تأتي بالواو فتقول : وقاة وإن شئت أبدلت من الواو همزة فقلت : أقاة مثل : «أقّتت» وقد ذكرنا (وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (1).
(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (103)
(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ) يقال : اعتصمت بفلان واعتصمت فلانا والمعنى واعتصموا بالقرآن من الكفر والباطل. (جَمِيعاً) على الحال عند سيبويه. (وَلا تَفَرَّقُوا) نهي فلذلك حذفت منه النون والأصل تتفرقوا وقرئ (وَلا تَفَرَّقُوا) بإدغام التاء في التاء. (فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) خبر أصبح ويقال : أخوان مثل حملان والأصل في أخ أخو والدليل على هذا قولهم في التثنية أخوان وكان يجب أن يقال : مررت باخا كما يقال : مررت بعصا إلا أنه حذف منه لتشبيهه بغيره وقد حكى هشام : «مكره أخاك لا بطل» (2).
__________________
(1) انظر إعراب الآية (132 سورة البقرة).
(2) المثل رواه الميداني في مجمع الأمثال 2 / 318.

(وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ) الأصل في شفا شفو ولهذا يكتب بالألف ولا يمال. (فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) الهاء تعود على النار لأنها المقصود أو على الحفرة أي فأنقذكم منها بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم.
(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (104)
(وَلْتَكُنْ) (1) أمر ، والأصل ولتكن حذفت الكسرة لثقلها وحذفت الضمة من النون للجزم وحذفت الواو لالتقاء الساكنين. (أُمَّةٌ) اسم تكن. (يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) في موضع النعت وما بعده عطف عليه.
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (105)
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا) الكاف في موضع نصب على الظرف وهي في موضع الخبر. قال جابر بن عبد الله (2) (كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) اليهود والنصارى (3) ، جاءهم مذكّر على الجميع وجاءتهم على الجماعة.
(يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (106)
(يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) ويجوز تبيضّ وتسودّ بكسر التاء لأنك تقول : ابيضّت فتكسر التاء كما تكسر الألف ويجوز تبياضّ (4) وقد قرئ به ويجوز كسر التاء فيه أيضا ، ويجوز يوم يبيّض وجوه على تذكير الجميع (5) ويجوز «أجوه» مثل «أقّتت» (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ) رفع بالابتداء وقد ذكرناه.
(وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (107)
(وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ) ابتداء والخبر (فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) تكون «هم» زائدة وتكون مبتدأة ويجوز نصب خالدين على الحال في غير القرآن.
(تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) (108)
(تِلْكَ آياتُ اللهِ) ابتداء وخبر أي تلك المذكورة حجج الله جلّ وعزّ ودلائله ويجوز
__________________
(1) وهي قراءة الجمهور ، انظر البحر المحيط 3 / 23.
(2) جابر بن عبد الله بن عمرو ، أبو عبد الله الأنصاري الفقيه ، كان آخر من شهد بيعة العقبة في السبعين من الأنصار (ت 78 ه‍). ترجمته في تذكرة الحفاظ 43.
(3) وهذا قول الحسن أيضا ، انظر البحر المحيط 3 / 24.
(4) هذه قراءة الزهري ، انظر مختصر ابن خالويه 22.
(5) انظر معاني الفراء 1 / 228.

أن تكون آيات الله بدلا من تلك ولا تكون نعتا ، لا ينعت المبهم بالمضاف.
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) (110)
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) يجوز أن تكون كنتم زائدة أي أنتم خير أمّة وأنشد سيبويه : [الوافر]
81 ـ وجيران لنا كانوا كرام (1)
ويجوز أن يكون المعنى كنتم في اللوح المحفوظ خير أمة وروى سفيان عن ميسرة الأشجعي عن أبي حازم عن أبي هريرة (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) قال : تجرّون الناس في السلاسل إلى الإسلام ، فالتقدير على هذا : كنتم خير أمة ، وعلى قول مجاهد : كنتم خير أمة إذ كنتم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ، وقيل : إنّما صارت أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم خير أمة لأن المسلمين منهم أكثروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهم أفشى ، وقيل هذا لأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خير الناس قرني الذين بعثت فيهم» (2).
(لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) (111)
(لَنْ يَضُرُّوكُمْ) نصب بلن وتمّ الكلام. (إِلَّا أَذىً) استثناء ليس من الأول. (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ) شرط وجوابه وتم الكلام. (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) مستأنف فلذلك ثبتت فيه النون.
(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) (112)
(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا) تم الكلام. (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ) استثناء ليس من الأول أي لكنهم يعتصمون بحبل الله من الله وهو العهد.
__________________
(1) الشاهد للفرزدق في ديوانه 290 ، والأزهيّة ص 188 ، وتخليص الشواهد 252 ، وخزانة الأدب 9 / 217 ، وشرح الأشموني 1 / 117 ، وشرح التصريح 1 / 192 ، وشرح شواهد المغني 2 / 693 ، والكتاب 2 / 155 ، ولسان العرب (كنن) ، والمقاصد النحوية 2 / 42 ، والمقتضب 4 / 116 ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص 136 ، والأشباه والنظائر 1 / 165 ، وأوضح المسالك 1 / 258 ، وشرح ابن عقيل 146 ، والصاحبي في فقه اللغة 161 ، ولسان العرب (كون) ، ومغني اللبيب 1 / 287 ، وصدره :
«فكيف إذا رأيت ديار قوم»
(2) أخرجه أحمد في مسنده 4 / 276 ، والهيثمي في مجمع الزوائد 10 / 19.

(لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُون) (113)
(لَيْسُوا سَواءً) تم الكلام. (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ) ابتداء إلّا أنّ للفراء (1) فيه قولا زعم أنه يرفع أمة بسواء وتقديره ليس تستوي أمة من أهل الكتاب قائمة يتلون آيات الله وأمة كافرة. قال أبو جعفر : وهذا القول خطأ من جهات : إحداها أنه يرفع أمة بسواء فلا يعود على اسم ليس شيء يرفع بما ليس جاريا على الفعل ويضمر ما لا يحتاج إليه لأنه قد تقدم ذكر الكافرين فليس لاضمار هذا وجه ، وقال أبو عبيدة (2) : هذا مثل قولهم : أكلوني البراغيث ، وهذا غلط لأنه قد تقدّم ذكرهم وأكلوني البراغيث لم يتقدّم لهن ذكر ، قال ابن عباس : (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ) من آمن مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال الأخفش : التقدير من أهل الكتاب ذو أمة أي ذو طريقة حسنة وأنشد : [الطويل]
82 ـ وهل يأثمن ذو أمّة وهو طائع (3)
(آناءَ اللَّيْلِ) ظرف زمان.
(يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) (114)
(يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) يجوز أن يكون في موضع نصب على الحال ، ويجوز أن يكون في موضع نعت لأمة ، ويجوز أن يكون مستأنفا وما بعده ، عطف عليه.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (116) مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (117)
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) اسم «إنّ» والخبر (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) ابتداء وخبر ، وكذا (هُمْ فِيها خالِدُونَ) وكذا (مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ) والتقدير كمثل مهلك ريح. قال ابن عباس : الصرّ البرد الشديد.
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 230 ، والبحر المحيط 3 / 36.
(2) انظر مجاز القرآن 1 / 101.
(3) الشاهد للنابغة الذبياني في ديوانه 35 ، ولسان العرب (أمم) ، ومقاييس اللغة 1 / 28 ، وكتاب العين 8 / 428 ، وتهذيب اللغة 15 / 635 ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة 247 ، ومجمل اللغة 1 / 152. وصدره :
«حلفت فلم أترك لنفسك ريبة»

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (118)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ) قال الضحاك (1) : هم الكفار والمنافقون. قال أبو جعفر : فيه قولان أحدهما (مِنْ دُونِكُمْ) من سواكم. قال الفراء (2) : (وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ) [الأنبياء : 82] أي سوى ذلك ، والقول الآخر : لا تتّخذوا بطانة من دونكم في الستر وحسن المذهب وهذا يدلّ على أنه يجب على أهل السّنّة مجانبة أهل الأهواء وترك مخالطتهم لأنهم لا يتقون في التلبيس عليهم قال الله جلّ وعزّ : (لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ) إلى آخر الآية.
(ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُور) (119)
(ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ) زعم الفراء (3) أنّ العرب إذا جاءت باسم مكنّى فأرادت التقريب فرقت بين «ها» وبين الاسم المشار إليه بالاسم المكنّى يقول الرجل للرجل : أين أنت؟ فيقول : ها أنا ذا ، ولا يجوز هذا عنده إلّا في التقريب والمضمر. وقال أبو إسحاق : هو جائز في المضمر والمظهر إلّا أنه في المضمر أكثر. قال أبو عمرو بن العلاء : ها أنتم الأصل فيه أاأنتم بهمزتين بينهما ألف كما قال ذو الرمّة : [الطويل]
83 ـ أاأنت أم أمّ سالم (4)
ثم ثقل فأبدلوا من الهمزة هاء. (ها أَنْتُمْ) رفع بالابتداء. و (أُولاءِ) الخبر (تُحِبُّونَهُمْ) في موضع نصب على الحال وكسرت أولاء لالتقاء الساكنين ويجوز أن يكون أولاء بمعنى الذين وتحبّونهم صلة. (وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ) عطف والكتاب بمعنى الكتب.
__________________
(1) وهذا قول ابن عباس وقتادة والسدي والربيع ، انظر البحر المحيط 3 / 41.
(2) انظر معاني الفراء 2 / 209.
(3) انظر معاني الفراء 1 / 231.
(4) تمام البيت :
فيا ظبية الوعساء بين جلاجل
وبين النّقاءاأنت أم أم سالم

والشاهد لذي الرمة في ديوانه ص 767 ، وأدب الكاتب ص 224 ، والأزهيّة ص 36 ، والأغاني 17 / 309 ، والخصائص 2 / 458 ، والدرر 3 / 17 ، وسرّ صناعة الإعراب 2 / 723 ، وشرح أبيات سيبويه 2 / 257 ، وشرح شواهد الشافية 347 ، وشرح المفصل 1 / 94 ، ولسان العرب (جلل) ، واللمع 193 ، والمقتضب 1 / 163.

(إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (120)
(إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ) شرط. (تَسُؤْهُمْ) مجازاة وكذا (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) (1) حذفت الياء لالتقاء الساكنين لأنك لما حذفت الضمة من الراء بقيت الراء ساكنة والياء ساكنة فحذفت الياء وكانت أولى بالحذف لأن قبلها ما يدلّ عليها وحكى الكسائي أنه سمع ضاره يضوره وأجاز (لا يَضُرُّكُمْ) (2) وزعم أن في قراءة أبي ابن كعب لا يضرركم فهذه ثلاثة أوجه ، وقرأ الكوفيون (لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) بضم الراء وتشديدها. وفيه ثلاثة أوجه ، والثلاثة ضعاف منها أن يكون في موضع جزم وضمّ لالتقاء الساكنين واختاروا الضمة وفيه ثلاثة أوجه لضمة الضاد ، وهذا بعيد لأنه يشبه المرفوع والضم ثقيل وزعم الكسائي والفراء (3) أنّ ذلك على إضمار الفاء كما قال : [البسيط]
84 ـ من يفعل الحسنات الله يشكرها
والشرّ بالشرّ عند الله مثلان (4)

وتقدير ثالث يكون لا يضرّكم أن تصبروا وأنشد سيبويه : [الرجز]
85 ـ إنّك إن يصرع أخوك تصرع (5)
وزعم الفراء أنه على التقديم والتأخير. وروى المفضّل الضبيّ عن عاصم (لا يَضُرُّكُمْ) (6) بفتح الراء لالتقاء الساكنين لخفّة الفتح. والوجه السادس (لا يَضُرُّكُمْ) بكسر الراء لالتقاء الساكنين.
(وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (121)
(وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ) قال ابن عباس : هذا في يوم أحد.
__________________
(1) قراءة السبعة عدا ابن عامر والكوفيين ، انظر تيسير الداني 75 ، والحجة لابن خالويه 88.
(2) انظر معاني الفراء 1 / 232 ، والبحر المحيط 3 / 46.
(3) انظر معاني الفراء 1 / 232 ، والبحر المحيط 3 / 46.
(4) مرّ الشاهد رقم (34).
(5) الشاهد لجرير بن عبد الله البجلي في الكتاب 3 / 76 ، وشرح أبيات سيبويه 2 / 121 ، ولسان العرب (بجل) ، وله أو لعمرو بن خثارم العجلي في خزانة الأدب 8 / 20 ، وشرح شواهد المغني 2 / 897 ، والمقاصد النحوية 4 / 430 ، ولعمرو بن خثارم البجلي في الدرر 1 / 277 ، وبلا نسبة في جواهر الأدب 202 ، والإنصاف 2 / 623 ، ورصف المباني 104 ، وشرح الأشموني 3 / 586 وشرح التصريح 2 / 249 ، وشرح عمدة الحافظ 354 ، وشرح المفصل 8 / 158 ، ومغني اللبيب 2 / 553 ، وقبله :
«يا أقرع بن حابس يا أقرع»
(6) انظر مختصر ابن خالويه 22.

(إِذْ) في موضع نصب أي اذكر. وحكى الفراء : وإذي بالياء ، وفي قراءة ابن مسعود تبوّى للمؤمنين (1) والمعنى واحد أي تتّخذ للمؤمنين مقاعد ومنازل ولم ينصرف مقاعد لأن هذا الجمع لا نظير له في الواحد ولهذا لم يجمع. (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ابتداء وخبر أي سميع لما قالوا عليم بما يخفون.
(إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (122)
(إِذْ) في موضع نصب بتبوّئ ، والمصدر همّا ومهمة وهمّة وهمما. (أَنْ تَفْشَلا) نصب بأن فلذلك حذفت منه النون. (وَاللهُ وَلِيُّهُما) ابتداء وخبر. (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) وإن شئت كسرت اللام الأولى وهو الأصل ومعنى توكّلت على الله ، تقوّيت به وتحفّظت.
(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (123)
(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) جمع ذليل وجمع فعيل إذا كان نعتا على فعلاء فكرهوا أن يقولوا : ذللاء لثقله فقالوا : أذلّة جعلوه بمنزلة الاسم نحو رغيف وأرغفة.
(إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ) (124)
(إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ) وإن شئت أدغمت اللام في اللام وجاز الجمع بين ساكنين لأن أحدهما حرف مدّ ولين.
(بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) (125)
(بَلى) تم الكلام. و (إِنْ تَصْبِرُوا) شرط. (وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ) نسق. (هذا) نعت لفورهم. (يُمْدِدْكُمْ) جواب. (بِخَمْسَةِ آلافٍ) دخلت الهاء لأن الألف مذكّر.
(وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (126)
(وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ) لام كي أي ولتطمئنّ قلوبكم به جعله (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ).
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 233 ، والبحر المحيط 3 / 49.

(لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ (127) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ) (128)
(لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي بالقتل أي ليقطع طرفا نصركم ويجوز أن يكون متعلقا بيمددكم. قال أبو جعفر : وقد ذكرنا (أَوْ يَكْبِتَهُمْ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (130)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً) مصدر في موضع الحال. (مُضاعَفَةً) نعته.
(وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (133)
وفي مصاحف أهل الكوفة (وَسارِعُوا) عطف جملة على جملة وفي مصاحف أهل المدينة بغير واو لأنه قد عرف المعنى. (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) ابتداء وخبر في موضع خفض (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ).
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (134)
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) نعت للمتّقين وإن شئت كان على إضمار مبتدأ وإن شئت أضمرت أعني. قال عبيد بن عمير (1) : السرّاء والضرّاء الرّخاء والشدة. (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) عطف ، وإن جعلت الأول في موضع رفع كان هذا منصوبا على أعني مثل (يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) [النساء : 162](وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) عطف قال أبو العالية : أي عن المماليك.
(وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (135)
(وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) نسق. (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) أي ليس أحد يغفر المعصية ولا يزيل عقوبتها إلّا الله جلّ وعزّ. (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) قيل : أي وهم يعلمون أنّي أعاقب على الإصرار وقيل : وهو قول حسن (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أي يذكرون ذنوبهم فيتوبون منها وليس على الإنسان إذا لم يذكر ذنبه ولم يعلمه أن يتوب منه بعينه ولكن يعتقد أنّه كلّما ذكر ذنبا تاب منه.
__________________
(1) وهذا قول الضحاك أيضا ، انظر البحر المحيط 3 / 62.

(أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) (136)
(أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) ابتداءان. (وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) نسق. (خالِدِينَ) على الحال.
(قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (137)
(قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ) السنّة في كلام العرب الطريق المستقيم وفلان على السنّة أي على الطريق المستقيم لا يميل إلى شيء من الأهواء.
(وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (139)
(وَلا تَهِنُوا) نهي ، والأصل : توهنوا حذفت الواو لأن بعدها كسرة فأتبعت يوهن. (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) ابتداء وخبر وحذفت الواو لالتقاء الساكنين لأن الفتحة تدلّ عليها.
(إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (140)
(إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ) وقرأ الكوفيون (قَرْحٌ) (1) وقرأ محمد اليماني (قَرْحٌ) (2) بفتح الراء. قال الفراء (3) : كأن القرح ألم الجراح وكأن القرح الجراح بعينها ، وقال الكسائي والأخفش : هما واحد. قال أبو جعفر : هذا مثل فقر وفقر فأمّا القرح فهو مصدر قرح يقرح قرحا. (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) قيل : هذا في الحرب تكون مرّة للمؤمنين لينصر الله دينه وتكون مرّة للكافرين إذا عصى المؤمنون ليبتليهم الله وليمحّص ذنوبهم. وقيل : معنى نداولها بين الناس من فرح وغمّ وصحّة وسقم لنكد الدنيا وفضل الآخرة عليها. (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) وحذف الفعل أي وليعلم الله الّذين آمنوا داولها. (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) أي ليقتل قوم فيكونوا شهداء يوم القيامة على الناس بأعمالهم فقيل لهذا شهيد. قيل : إنّما سمّي شهيدا لأنه مشهود له بالجنّة.
(وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ) (141)
(وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) نسق أيضا وفي معناه ثلاثة أقوال قيل : يمحّص يختبر،
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 234 ، والبحر المحيط 3 / 68 ، وهذه قراءة أبي بكر والأعمش أيضا.
(2) انظر المحتسب 1 / 166 ، والبحر المحيط 3 / 68 ، وهذه قراءة أبي السمال وابن السميفع.
(3) انظر معاني الفراء 1 / 235.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 2847
نقاط : 4448
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

إعراب القرآن [ ج ١ ] Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعراب القرآن [ ج ١ ]   إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 4:36 pm

وقال الفراء : أي وليمحّص الله ذنوب الذين آمنوا ، والقول الثالث أي يمحّص يخلص وهذا أعرفها. قال الخليل رحمه‌الله يقال : محص الحبل يمحص محصا إذا انقلع وبره منه اللهمّ محّص عنّا ذنوبنا أي خلّصنا من عقوبتنا. (وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ) أي يستأصلهم.
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ(142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) (143)
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) «أن» وصلتها يقومان مقام المفعولين. (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) أي علم شهادة والمعنى ولم تجاهدوا فيعلم ذلك منكم وفرق سيبويه بين لم ولمّا (1) ، فزعم أنّ لم يفعل نفي فعل وأنّ لمّا يفعل نفي قد فعل. (وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) جواب النفي ، وهو عند الخليل (2) منصوب بإضمار أن ، وقال الكوفيون : هو منصوب على الصرف ، فيقال لهم ليس يخلو الصرف من أن يكون شيئا لغير علّة أو لعلة فلعلّة نصب ولا معنى لذكر الصرف. وقرأ الحسن ويحيى بن يعمر (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (3) فهذا على النسق ، وقرأ مجاهد (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ أَنْ) في موضع نصب على البدل من الموت و (قَبْلِ) غاية.
(وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) (144)
(وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) ابتداء وخبر وبطل عمل ما روي عن ابن عباس أنه قرأ قد خلت من قبله رسل بغير ألف ولام. (أَفَإِنْ ماتَ) شرط. (أَوْ قُتِلَ) عطف عليه والجواب (انْقَلَبْتُمْ) وكلّه استفهام ولم تدخل ألف الاستفهام في انقلبتم لأنها قد دخلت في الشرط ، والشرط وجوابه بمنزلة شيء واحد وكذا المبتدأ وخبره تقول : أزيد منطلق؟ ولا تقول : أزيد أمنطلق.
(وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) (145)
(وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) «أن» في موضع اسم كان. قال أبو إسحاق (4) : المعنى وما كان لنفس لتموت إلا بإذن الله. قال أبو جعفر : لنفس تبيين
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 235 ، والإنصاف مسألة 75.
(2) انظر معاني الفراء 1 / 235 ، ومختصر ابن خالويه 22.
(3) انظر مصحف عبد الله ، والبحر المحيط 3 / 74.
(4) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 420.

ولو لا ذلك لكنت قد فرقت بين الصلة والموصول. (كِتاباً مُؤَجَّلاً) مصدر ودل بهذه الآية على أن كلّ إنسان مقتول أو غير مقتول قد بلغ أجله وأن الخلق لا بدّ أن يبلغوا آجالهم آجالا واحدة كتبها الله عليهم لأن معنى مؤجّلا إلى أجل.
(وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (146)
(وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ) (1)
قال الخليل وسيبويه (2) : هي أيّ دخلت عليها كاف التشبيه فصار في الكلام معنى كم فالوقف على قوله وكأيّن وقرأ أبو جعفر وابن كثير وكاإن وهو مخفّف من ذاك وهو كثير في كلام العرب. وقرأ الحسن وعكرمة وأبو رجاء ربيّون (3) بضم الراء. قال أبو جعفر : وقد ذكر سيبويه مثل هذا وقد ذكرنا معنى الآية : وقرأ أبو السمّال العدوي فما وهنوا لما أصابهم (4) بإسكان الهاء وهذا على لغة من قال : وهن. حكى أبو حاتم : وهن يهن مثل ورم يرم ويجوز (ما ضَعُفُوا) بإسكان العين بحذف الضمة والكسرة لثقلها وحكى الكسائي (وَما ضَعُفُوا) بفتح العين ولا يجوز حذف الفتحة لخفتها.
(وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) (147)
وقرأ الحسن (وَما كانَ قَوْلَهُمْ) جعله اسم «كان» ومن نصب جعله خبر كان وجعل اسمها (أَنْ قالُوا) لأنه موجب.
(بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) (150)
وأجاز الفراء (5) (بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ) بمعنى أطيعوا الله مولاكم.
(سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) (151)
(سَنُلْقِي) فعل مستقبل وحذفت الضمة من الياء لثقلها وقرأ أبو جعفر والأعرج
__________________
(1) هذه قراءة نافع وأبي عمر وابن كثير ، أما قراءة الباقين فبالألف وفتح القاف والتاء. انظر تيسير الداني 75.
(2) انظر البحر المحيط 3 / 77.
(3) هذه قراءة علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس أيضا ، انظر مختصر ابن خالويه 22 ، والمحتسب 1 / 173.
(4) انظر البحر المحيط 3 / 78 ، ومختصر ابن خالويه 22.
(5) انظر معاني الفراء 1 / 237.

وعيسى (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) وهما لغتان. (مَثْوَى الظَّالِمِينَ) رفع بئس.
(وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (152)
ويجوز (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ) مدغما وكذا (إِذْ تَحُسُّونَهُمْ). (وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا) في موضع رفع بالابتداء أو بالصفة أي منكم من يريد الغنيمة بقتاله ومنكم من يريد الآخرة بقتال. (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ) في هذه الآية غموض في العربية وذاك أن قوله جلّ وعزّ (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ) ليس بمخاطبة للذين عصوا وإنما هو مخاطبة للمؤمنين ، وذلك أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمرهم أن ينصرفوا إلى ناحية الجبل ليتحرّزوا إذ كان ليس فيهم فضل للقتال. (وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ) للعاصين خاصة وهم الرماة وهذا في يوم أحد كانت الغلبة بدئا للمؤمنين حتى قتلوا صاحب راية المشركين فذلك قول الله تبارك وتعالى : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ) فلمّا عصى الرماة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشغلوا بالغنيمة صارت الهزيمة عليهم ثم عفا الله عنهم ونظير هذا من المضمر (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) [التوبة : 40] أي على أبي بكر الصدّيق قلق حتّى تبين له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسكن (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) [التوبة : 40] للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.
(إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) (153)
(إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ) وقرأ الحسن ولا تلون (1) بواو واحدة وقد ذكرنا نظيره (2) ، وروى أبو يوسف الأعشى عن أبي بكر بن عيّاش عن عاصم ولا تلوون بضم التاء وهي لغة شاذة. (فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ) لمّا صاح صائح يوم أحد قتل محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم زال غمّهم بما أصابهم من القتل والجراح لغلط ما وقعوا فيه ، وقيل : وقفهم الله جلّ وعزّ على ذنبهم فشغلوا بذلك عما أصابهم وقيل فأثابكم أن غمّ الكفار كما غموكم لكيلا تحزنوا بما أصابكم دونهم.
(ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ
__________________
(1) انظر مختصر ابن خالويه 23 ، والبحر المحيط 3 / 89.
(2) انظر إعراب الآية 78 ـ آل عمران.

لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (154)
(ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً) «أمنة» منصوبة بأنزل ونعاس بدل منها ، ويجوز أن يكون «أمنة» مفعولا من أجله ونعاسا بأنزل يغشى للنعاس وتغشى للأمنة. (وَطائِفَةٌ) ابتداء والخبر (قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) ، ويجوز أن يكون الخبر (يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِ) والواو بمعنى إذ والجملة في موضع الحال ، ويجوز في العربية وطائفة بالنصب على إضمار أهمّت. (ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) مصدر أي يظنّون ظنّا مثل ظنّ الجاهلية وأقيم النعت مقام المنعوت والمضاف مقام المضاف إليه. (يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) «من» الأولى للتبعيض والثانية زائدة. (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) اسم إنّ وكلّه توكيد ، وقال الأخفش: بدل. وقرأ أبو عمرو وابن أبي ليلى (1) وعيسى (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) (2) رفع بالابتداء «ولله» الخبر والجملة خبر «إنّ». (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ) ، وقرأ الكوفيون في بيوتكم بكسر الباء أبدل من الضمة كسر لمجاورتها الياء. (لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) (3) وقرأ أبو حيوة (لَبَرَزَ) (4) والمعنى : لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم في اللوح المحفوظ القتل إلى مضاجعهم ، وقيل : كتب بمعنى فرض. (وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ) وحذف الفعل الذي مع لام كي والمعنى : وليبتلي الله ما في صدوركم فرض عليكم القتال والحرب ولم ينصركم يوم أحد ليختبر صبركم وليمحّص عنكم سيّئاتكم.
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (155)
(الَّذِينَ) اسم «إنّ» والخبر (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا) أي استدعى زللهم بأن ذكّرهم خطاياهم فكرهوا الثبوت لئلا يقتلوا ، وقيل : ببعض ما كسبوا بانهزامهم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا
__________________
(1) ابن أبي ليلى : عبد الرّحمن الأنصاري الكوفي ، تابعي كبير ، عرض على علي بن أبي طالب (ت 82 ه‍) ترجمته في غاية النهاية 1 / 376.
(2) انظر تيسير الداني 75.
(3) هذه قراءة الجمهور ، انظر البحر المحيط 3 / 97.
(4) انظر مختصر ابن خالويه 23 ، والبحر المحيط 3 / 97.

غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (156)
(غُزًّى) جمع غاز مثل صائم وصوّم ، ويقال : غزّاء كما يقال : صوّام ، ويقال : غزاة وغزيّ كما قال : [الكامل]
86 ـ قل للقوافل والغزيّ إذا غزوا (1)
وروي عن الزهري أنه قرأ (غُزًّى) بالتخفيف (لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ) فيه قولان أحدهما أنّ المعنى أنّ الله جلّ وعزّ جعل ظنّهم أن إخوانهم لو قعدوا عندهم ولم يخرجوا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما قتلوا ، والقول الآخر أنهم لما قالوا هذا لم يلتفت المؤمنون إلى قولهم فكان ذلك حسرة. (وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ) أي يقدر على أن يحيي من خرج إلى القتال ويميت من أقام في أهله.
(وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (157)
(وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ) قال عيسى أهل الحجاز يقولون : متّم وسفلى مضر يقولون : متّم بضم الميم. قال أبو جعفر : قول سيبويه (2) إنه شاذ جاء على متّ يموت ومثله عنده فضل يفضل وأما الكوفيون فقالوا من قال : متّ قال : يمات مثل خفت تخاف ومن قال : متّ قال يموت ، وهذا قول حسن وجواب «أو» (لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) وهو محمول على المعنى لأن معنى ولئن قتلتم في سبيل الله أو متّم ليغفرنّ لكم.
(وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) (158)
(وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) فوعظهم بهذا أي لا تفرّوا من القتال ومما أمرتكم به وفرّوا من عقاب الله فإنكم إليه تحشرون لا يملك لكم أحد ضرّا ولا نفعا غيره.
(فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (159)
(فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ) «ما» زائدة وخفضت (رَحْمَةٍ) بالباء ويجوز أن تكون «ما»
__________________
(1) الشاهد لزياد الأعجم في ديوانه ص 53 ، ولسان العرب (غزا) ، وتهذيب اللغة 8 / 163 ، وذيل الأمالي 2 / 8 ، والحماسة البصرية 1 / 206 ، وخزانة الأدب 10 / 4 ، وللصلتان العبدي في أمالي المرتضى 2 / 199 ، وبلا نسبة في كتاب العين 4 / 434 ، وعجزه :
«والباكرين وللمجدّ الرّائح»
(2) انظر الكتاب 4 / 486.

سما نكرة خفضا بالباء ورحمة نعتا لما ويجوز فبما رحمة أي فبالذي هو رحمة أي لطف من الله جلّ وعزّ. (لِنْتَ لَهُمْ) كما قال : [الكامل]
87 ـ فكفى بنا فضلا على من غيرنا (1)
وغير أيضا (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا) على فعل ـ الأصل فظظ. (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) والمصدر مشاورة وشوار فأما مشورة وشورى فمن الثلاثي. (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) وقرأ جابر بن زيد أبو الشعثاء وأبو نهيك (فَإِذا عَزَمْتَ) أي فتوكّل على الله أي لا تتّكل على عدّتك وتقوّ بالله ، (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
(إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (160)
(إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ) شرط والجواب في الفاء وما بعدها وكذا (وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) أي فليثقوا بالله وليرضوا بجميع ما فعله. هذا معنى التوكل.
(وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (161)
(وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) (2) قد ذكرناه (3) وذكرنا قراءة ابن عباس (يَغُلَ) (4) (وَمَنْ يَغْلُلْ) شرط. (يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ) جوابه أي ومن يغلل بما غلّه يوم القيامة يحمله على رؤوس الأشهاد عقوبة له وفي هذا موعظة لكل من فعل معصية مستترا بها وتمّ الكلام (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ) عطف جملة على جملة.
(هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) (163)
(هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ) ابتداء وخبر يكون «هم» لمن اتّبع رضوان الله ودخل الجنة أي هم متفاضلون ويجوز أن يكون «هم» لمن اتّبع رضوان الله ولمن باء بسخطه ، ويكون المعنى لكل واحد منهم حظّه من عمله.
__________________
(1) مرّ الشاهد (30).
(2) هذه قراءة السبعة عدا ابن كثير وأبي عمر وعاصم فقد قرءوا بفتح الياء وضمّ العين. انظر تيسير الداني 76.
(3) انظر معاني ابن النحاس ورقة (55 ب).
(4) انظر معاني الفراء 1 / 246.

(لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (164)
(إِذْ) ظرف والمعنى في المنّة فيه أقوال منها أن يكون معنى من أنفسهم أنه بشر مثلهم فلما أظهر البراهين وهو بشر مثلهم علم أنّ ذلك من عند الله جل وعز ، وقيل : من أنفسهم منهم ، فشرفوا به فكانت تلك المنة ، وقيل : من أنفسهم أي يعرفونه بالصدق والأمانة فأما قول من قال معناه «من العرب» فذلك أجدر أن يصدقوه إذ لم يكن من غيرهم فخطأ لأنه لا حجة لهم في ذلك لو كان من غيرهم كما أنه لا حجة لغيرهم في ذلك. (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ) في موضع نصب نعت لرسول.
(أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (165)
(أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها) المصيبة التي قد أصابتهم يوم أحد أصابوا مثليهما يوم بدر ، وقيل : أصابوا مثليها يوم بدر ويوم أحد جميعا
(وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ) (166)
(فَبِإِذْنِ اللهِ) قيل : بعلمه ولا يعرف في هذا إلّا الإذن ولكن يكون فبإذن الله فبتخليته بينكم وبينهم (وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ).
(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ) (167)
(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا) وحذف الفعل أي خلّى بينكم وبينهم والمنافقون عبد الله بن أبيّ وأصحابه وانهزموا يوم أحد إلى المدينة فلما (وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ) فأكذبهم الله جلّ وعزّ فقال : (قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ).
(الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (168)
(الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ) في موضع نصب على النعت للذين نافقوا أو على أعني يجوز أن يكون رفعا على إضمار مبتدأ. (قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ) أي فكما لا تقدرون أن تدفعوا عن أنفسكم الموت كذا لا تقدرون أن تمنعوا من القتل من كتب الله جلّ وعزّ عليه أن يقتل.

(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (169)
(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً) مفعولان. (بَلْ أَحْياءٌ) أي بل هم أحياء.
(فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (170)
(فَرِحِينَ) نصب على الحال ؛ ويجوز في غير القرآن رفعه يكون نعتا لأحياء. (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ) قيل : لم يلحقوا بهم في الفضل وقيل : هم في الدنيا. (أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) بدل من «الذين» وهو بدل الاشتمال ويجوز أن يكون المعنى بأن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
(الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ) (172)
(الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) ابتداء والخبر (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ) ويجوز أن يكون الذين بدلا من المؤمنين وبدلا من الذين لم يلحقوا بهم.
(الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (173)
(الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) بدل من الذين قبله. (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ) ابتداء وخبر أي كافينا الله. يقال : أحسبه إذا كافأه. (وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) مرفوع بنعم أي نعم القيّم والحافظ الله والناصر لمن نصره.
(إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (175)
وقد ذكرنا (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ).
(وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (176)
(وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) هذه أفصح اللغتين وقال : «يحزنك». ويقال : إنّ هؤلاء قوم أسلموا ثم ارتدّوا خوفا من المشركين فاغتمّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأنزل الله جلّ وعزّ (وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) أي لن يضرّوا أولياء الله حين تركوا نصرهم إذ كان الله جلّ وعزّ ناصرهم.
(إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (177)
(إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ) مجاز جعل ـ مما استبدلوا به من الكفر وتركوه من الإسلام بمنزلة البيع والشراء.

(ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (179)
(ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) لام النفي وأن مضمرة إلّا أنها لا تظهر. ومن أحسن ما قيل في الآية أن المعنى ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه من اختلاط المؤمنين بالمنافقين حتى يميّز بينهما بالمحنة والتكليف فتعرفوا المؤمن من المنافق والخبيث المنافق والطيب المؤمن. وقيل : المعنى ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه من الإقرار فقط حتى يفرض عليهم الفرائض ، وقيل : هذا خطاب للمنافقين خاصة أي ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه من عداوة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) أي ما كان ليعيّن لكم المنافقين حتّى تعرفوهم ولكن يظهر ذلك بالتكليف والمحنة وقيل : ما كان الله ليعلمكم ما يكون منهم (وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) فيطلعه على ما يشاء من ذلك.
(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (180)
قرأ هل المدينة وأكثر القراء : (وَلا يَحْسَبَنَ) بالياء في الموضعين جميعا وقرأ حمزة بالتاء (1) فيهما ، وزعم أبو حاتم : أنه لحن لا يجوز وتابعه على ذلك جماعة ، وقرأ يحيى بن وثاب (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ) [آل عمران : 178] بكسر «إن» فيهما جميعا. قال أبو حاتم : وسمعت الأخفش يذكر كسر «إن» يحتجّ به لأهل القدر لأنه كان منهم ويجعله على التقديم والتأخير أي ولا يحسبنّ الذين كفروا إنما نملي لهم ليزدادوا إثما إنما نملي لهم خير لأنفسهم. قال : ورأيت في مصحف في المسجد الجامع قد زادوا فيه حرفا فصار : إنّما نملي لهم ليزدادوا إيمانا ، فنظر إليه يعقوب القارئ فتبيّن اللحق فحكّه. قال أبو جعفر : التقدير على قراءة نافع أنّ «أنّ» تنوب عن المفعولين ، وأما قراءة حمزة فزعم الكسائي والفراء (2) أنّها جائزة على التكرير أي ولا تحسبنّ الذين كفروا لا تحسبنّ إنما نملي لهم. قال أبو إسحاق(3) : «أنّ» بدل من الذين أي ولا يحسبن أنما نملي لهم خير لأنفسهم أي إملاءنا للذين كفروا خيرا لأنفسهم كما قال : [الطويل]
88 ـ فما كان قيس هلكه هلك واحد
ولكنّه بنيان قوم تهدّما (4)

__________________
(1) انظر تيسير الداني 77.
(2) انظر معاني الفراء 1 / 248 ، والبحر المحيط 3 / 129.
(3) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 441.
(4) مرّ الشاهد رقم (48).

قال أبو جعفر : قراءة يحيى بن وثاب بكسر إن فيهما جميعا حسنة كما تقول : حسبت عمرا أبوه خارج. فأما (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) على قراءة نافع فالذين في موضع رفع والمفعول الأول محذوف. قال الخليل وسيبويه والكسائي والفراء (1) والمعنى : البخل هو خيرا لهم ، «وهو» زائدة ، عماد عند الكوفيين وفاصلة عند البصريين ومثل هذا المضمر قول الشاعر : [الوافر]
89 ـ إذا نهي السّفيه جرى إليه
وخالف والسفيه إلى خلاف (2)

لمّا أن قال السفيه دلّ على السفل فأضمره ولما قال جلّ وعزّ : يبخلون دلّ على البخل ونظيره قول العرب : «من كذب كان شرا له» (3) فأما قراءة حمزة ولا تحسبنّ الذين يبخلون فبعيدة جدا وجوازها أن يكون التقدير : ولا تحسبنّ الذين يبخلون مثل (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : 82] ويجوز في العربية وهو خير لهم ابتداء وخبر. (بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ) ابتداء وخبر وكذا (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وكذا (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ، البخل والبخل في اللغة أن يمنع الإنسان الحق الواجب عليه فأما من منع ما لا يجب عليه فليس ببخيل لأنه لا يذمّ بذلك ، وأهل الحجاز يقولون : يبخلون وقد بخلوا. وسائر العرب يقولون : بخلوا يبخلون وبعض بني عامر يقولون : يجدبي أي يجتبي فيبدلون من التاء دالا إذا كان قبلها جيم ويقولون يجدلون أي يجتلدون.
(لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) (181)
(لَقَدْ سَمِعَ اللهُ) وإن شئت أدغمت الدال في السين لقربها منها (قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) كسرت إن لأنها حكاية وبعض العرب يفتح. قال أهل التفسير : لما أنزل الله جلّ وعزّ (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) [البقرة : 245] قال قوم من اليهود إن الله فقير يقترض منا وإنما قالوا هذا تمويها على ضعفائهم لا إنهم يعتقدون هذا لأنهم أهل كتاب ولكنهم كفروا بهذا القول لأنهم أرادوا تشكيك المؤمنين وتكذيب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أي إنه فقير على قول محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنه اقترض منا. (سَنَكْتُبُ ما قالُوا) نصب بسنكتب وقرأ الأعمش وحمزة سيكتب ما قالوا (4) فما هاهنا اسم ما لم يسمّ فاعله واعتبر حمزة بقراءة ابن مسعود ويقال ذوقوا عذاب الحريق. (وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ) أي ونكتب قتلهم أي رضاهم بالقتل (وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) أي نوبّخهم بهذا.
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 248.
(2) مرّ الشاهد رقم (67).
(3) انظر الكتاب 2 / 412.
(4) انظر معاني الفراء 1 / 249 ، وتيسير الداني 77.

(ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) (182)
(ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) حذفت الضمة من الياء لثقلها.
(الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (183)
(الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا) في موضع خفض بدلا من الذين في قوله (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا) [آية : 181](أَلَّا نُؤْمِنَ) في موضع نصب. قال الملهم صاحب الأخفش من أدغم بغنّة كتب أن لا منفصلا ومن أدغم بغير غنّة كتب ألّا متصلا وقيل بل يكتب منفصلا لأنها «أن» دخلت عليها «لا» وقيل : من نصب الفعل كتبها متصلة ومن رفع كتبها منفصلة (حَتَّى يَأْتِيَنا) نصب بحتى. وقرأ عيسى بن عمر (بِقُرْبانٍ) (1) بضم الراء. إن جمعت قربانا قلت : قرابين وقرابنة. (قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي) على تذكير الجميع أي جاء أوائلكم وإذا جاء أوائلهم فقد جاءهم. (بِالْبَيِّناتِ) بالآيات المعجزات (وَبِالَّذِي قُلْتُمْ) بالقربان. (فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي إن كنتم صادقين إن الله جلّ وعزّ عهد إليكم ألّا تؤمنوا حتى تؤتوا بقربان تأكله النار.
(فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِير) (184)
(فَإِنْ كَذَّبُوكَ) شرط (فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) جوابه فهذا تعزية لهصلى‌الله‌عليه‌وسلم.
(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ) (185)
(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) ابتداء وخبر. (وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) «ما» كافة ولا يجوز أن تكون بمعنى الذي ولو كان ذلك لقلت : أجوركم فرفعت على خبر «إن» وفرقت بين الصلة والموصول. (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) ابتداء وخبر أي أنها فانية فهي بمنزلة ما يغر ويخدع.
(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (186)
(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَ) لا ما قسم فإن قيل : لم ثبتت الواو في «لتبلونّ» وحذفت من «لتسمعنّ»؟ فالجواب أنّ الواو في لتبلونّ قبلها فتحة فحركت
__________________
(1) انظر المحتسب 1 / 177 ، والبحر المحيط 3 / 138.

لالتقاء الساكنين ولم يجز حذفها لأنه ليس قبلها ما يدلّ عليها وحذفت في ولتسمعنّ لأن قبلها ما يدلّ عليها ولا يجوز همز الواو في لتبلونّ لأن حركتها عارضة.
(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) (187)
(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ) على حكاية الخطاب ، وقرأ أبو عمرو وعاصم بالياء (1) لأنهم غيب والهاء كناية عن أهل الكتاب ، وقيل : عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أي عن أمره.
(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (188)
(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) وروى الحسين بن علي الجعفي عن الأعمش بما آتوا (2) أي أعطوا. قيل : يراد بهذا اليهود وفي قراءة أبيّ بما فعلوا (3) ، وقال ابن زيد : هم المنافقون كانوا يقولون للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : نخرج ونحارب معك ثم يتخلّفون ويعتذرون ويفرحون بما فعلوا لأنهم يرون أنهم قد تمّت لهم الحيلة (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) كرّر «تحسبنّ» لطول الكلام ليعلم أنه يراد الأول كما تقول : لا تحسب زيدا إذا جاءك وكلّمك لا تحسبه مناصحا.
(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (189)
(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ابتداء وخبر ، وكذا (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) (190)
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ) في موضع نصب على أنه اسم «إن» (لِأُولِي) خفض باللام وزيدت فيها الواو فرقا بينها وبين «إلى». (الْأَلْبابِ) خفض بالإضافة وحكى سيبويه (4) عن يونس : قد لببت ولا يعرف في المضاعف سواه.
(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ) (191)
(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ) في موضع خفض على النعت لأولي الألباب. (قِياماً وَقُعُوداً)
__________________
(1) وهذه قراءة ابن كثير أيضا ، انظر تيسير الداني 77.
(2) انظر مختصر ابن خالويه 23.
(3) انظر مختصر ابن خالويه 24 ، والبحر المحيط 3 / 143.
(4) انظر الكتاب 4 / 147.

نصب على الحال. (وَعَلى جُنُوبِهِمْ) في موضع حال أي مضطجعين. (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي ليكون ذلك أزيد في بصائرهم ويكون «ويتفكّرون» عطفا على الحال أو على يذكرون أو منقطعا. (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً) أي ما خلقته من أجل باطل أي خلقته دليلا عليك ، والتقدير : يقولون «باطلا» مفعول من أجله. (سُبْحانَكَ) أي تنزيها لك من أن يكون خلقت هذا باطلا. حدّثنا عبد السلام بن أحمد بن سهل قال : حدّثنا محمد بن علي بن محرّر قال : حدّثنا أبو أسامة قال : حدّثنا الثوريّ عن عثمان بن عبد الله بن موهب عن موسى بن طلحة قال : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن معنى «سبحان الله» فقال : «تنزيه الله عن السوء» (1). (سُبْحانَكَ) مصدر وأضيف على أنه نكرة.
(رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ) (193)
(رَبَّنا) نداء مضاف. (أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ) في موضع نصب أي بأن آمنوا. (وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ) المعنى وتوفّنا أبرارا مع الأبرار ، ومثل هذا الحذف كلّه قوله : [الوافر]
90 ـ كأنّك من جمال بني أقيش
يقعقع خلف رجليه بشنّ (2)

وواحد الأبرار بارّ كما يقال : صاحب وأصحاب ، ويجوز أن يكون واحدهم برّا مثل كتف وأكتاف.
(رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) (194)
(رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) أي على ألسن رسلك مثل (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : 82].
(فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) (195)
(فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي) أي بأنّي ، وقرأ عيسى بن عمر (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي) (3)
__________________
(1) أخرجه الطبري في تفسيره 11 / 64.
(2) الشاهد للنابغة الذبياني في ديوانه 126 ، وخزانة الأدب 5 / 67 ، وشرح أبيات سيبويه 2 / 58 ، وشرح المفصّل 3 / 59 ، والكتاب 2 / 363 ، ولسان العرب (وقش) ، و (قعع) و (شنن) ، والمقاصد النحوية 4 / 67 ، وبلا نسبة في سرّ صناعة الإعراب 1 / 284 ، وشرح الأشموني 2 / 401 ، وشرح المفصّل 1 / 61 ، ولسان العرب (خدر) و (أقش) و (دنا) ، والمقتضب 2 / 138.
(3) انظر مختصر ابن خالويه 24.

بكسر الهمزة أي فقال إني. (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) ابتداء وخبر أي دينكم واحد. (فَالَّذِينَ هاجَرُوا) ابتداء. (وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) أي في طاعة الله جلّ وعزّ. (وَقُتِلُوا) أي قاتلوا أعدائي. (وَقُتِلُوا) أي في سبيلي ، وقرأ ابن كثير وابن عامر (وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا) (1) على التكثير ، وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي وقتلوا وقاتلوا (2) لأن الواو لا تدلّ على أن الثاني بعد الأول. قال هارون القارئ : حدّثني يزيد بن حازم (3) عن عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه أنه قرأ وقتلوا وقتلوا (4) خفيفة بغير ألف. (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) أي لأسترنّها عليهم في الاخرة فلا أوبّخهم بها ولا أعاقبهم عليها. (ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ) مصدر مؤكد عند البصريين ، وقال الكسائي : وهو منصوب على القطع ، قال الفراء (5) : هو مفسّر.
(لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ) (196)
(لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ) نهي مؤكد بالنون الثقيلة ، وقرأ ابن أبي إسحاق ويعقوب (لا يَغُرَّنَّكَ) بنون خفيفة.
(مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) (197)
(مَتاعٌ قَلِيلٌ) أي ذلك متاع قليل أي ابتداء وخبر ، وكذا (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) والجمع مآو.
(لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ) (198)
(لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ) في موضع رفع بالابتداء ، وقرأ يزيد بن القعقاع (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا) (6) بتشديد النون (نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ) مثل ثوابا عند البصريين ، وقال الكسائي : يكون مصدرا وقال الفراء (7) : هو مفسّر ، وقرأ الحسن نزلا (Cool بإسكان الزاي وهي لغة تميم ، وأهل الحجاز وبنو أسد يثقّلون.
__________________
(1) انظر تيسير الداني 77.
(2) انظر تيسير الداني 77.
(3) يزيد بن حازم بن زيد الأزدي الجهضمي البصري. روى عن سليمان بن يسار وعكرمة (ت 148 ه‍) ترجمته في تهذيب التهذيب 11 / 317.
(4) انظر مختصر ابن خالويه 24 ، والبحر المحيط 3 / 152.
(5) انظر معاني الفراء 1 / 251 ، والبحر المحيط 3 / 153.
(6) انظر مختصر ابن خالويه 24.
(7) انظر معاني الفراء 1 / 251.
(Cool وهذه قراءة مسلمة بن محارب والأعمش أيضا ، وانظر مختصر ابن خالويه 24.

(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (199)
(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ) اسم «إنّ» واللام توكيد. قال الضحاك: وما أنزل إليكم القرآن وما أنزل إليهم التوراة والإنجيل. قال الحسن : نزلت في النجاشيّ (1). (خاشِعِينَ لِلَّهِ) حال من المضمر الذي في يؤمن ، وقال الكسائي : يكون قطعا من من لأنها معرفة وتكون قطعا من وما أنزل إليهم. قال الضحاك : (خاشِعِينَ) أي أذلّة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (200)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا) أمر فلذلك حذفت منه النون. (وَصابِرُوا وَرابِطُوا) عطف عليه وكذا (وَاتَّقُوا اللهَ) أي لا يكن وكدكم الجهاد فقط اتقوا الله في جميع أموركم. (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي لتكونوا على رجاء من الفلاح. قال الضحّاك : الفلاح البقاء.
__________________
(1) انظر البحر المحيط 3 / 155.

(4)
شرح إعراب سورة النساء
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (1)
(يا أَيُّهَا النَّاسُ) «يا» حرف ينادى به ، وقد يجوز أن يحذف إذا كان المنادى يعلم بالنداء و «أيّ» نداء مفرد و «ها» تنبيه. «النّاس» نعت لأيّ لا يجوز نصبه على الموضع لأن الكلام لا يتم قبله إلّا على قول المازني ، وزعم الأخفش : أنّ أيّا موصولة بالنعت ولا تعرف الصلة إلّا جملة. (اتَّقُوا رَبَّكُمُ) أمر فلذلك حذفت منه النون. (الَّذِي خَلَقَكُمْ) في موضع نصب على النعت. (مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) أنّثت على اللفظ ، ويجوز في الكلام من نفس واحد ، وكذا (وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما) المذكر والمؤنث في التثنية على لفظ واحد في العلامة وليس كذا الجمع لاختلافه واتفاق التثنية. (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ) (1) هذه قراءة أهل المدينة بإدغام التاء في السين ، وقراءة أهل الكوفة (تَسائَلُونَ) بحذف التاء لاجتماع تاءين ولأن المعنى يعرف ومثله (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) [النور : 15]. (وَالْأَرْحامَ) عطف أي واتّقوا الأرحام أن تقطعوها ، وقرأ إبراهيم وقتادة وحمزة (وَالْأَرْحامَ) (2) بالخفض وقد تكلّم النحويون في ذلك. فأما البصريون فقال رؤساؤهم : هو لحن لا تحلّ القراءة به ، وأما الكوفيون فقالوا : هو قبيح ولم يزيدوا على هذا ولم يذكروا علّة قبحه فيما علمته. وقال سيبويه (3) : لم يعطف على المضمر المخفوض لأنه بمنزلة التنوين ، وقال أبو عثمان المازني : المعطوف والمعطوف عليه شريكان لا يدخل في أحدهما إلّا ما دخل في الآخر فكما لا يجوز مررت بزيد وك وكذا لا يجوز مررت بك وزيد ، وقد جاء في الشعر كما قال : [البسيط]
91 ـ فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا
فاذهب فما بك والأيّام من عجب (4)

__________________
(1) انظر تيسير الداني 78.
(2) انظر تيسير الداني 78.
(3) انظر الكتاب 2 / 403.
(4) الشاهد بلا نسبة في الإنصاف 464 ، وخزانة الأدب 5 / 123 ، وشرح الأشموني 2 / 430 ، والدرر 2 / 81 ، ـ

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 2847
نقاط : 4448
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

إعراب القرآن [ ج ١ ] Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعراب القرآن [ ج ١ ]   إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 4:38 pm

وكما قال : [الطويل]
92 ـ وما بينها والكعب غوط نفانف (1)
وقال بعضهم (وَالْأَرْحامَ) قسم وهذا خطأ من المعنى والإعراب لأن الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدلّ على النصب روى شعبة عن عون بن أبي جحيفة عن النذر بن جرير عن أبيه قال : كنت عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى جاء قوم من مصر حفاة عراة فرأيت وجه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتغير لما رأى من فاقتهم ثم صلّى الظهر وخطب الناس فقال : «يا أيّها الناس اتّقوا ربّكم والأرحام ، ثم قال تصدّق رجل بديناره تصدّق رجل بدرهمه تصدّق رجل بصاع تمره» (2) وذكر الحديث فمعنى هذا على النصب لأنه حضّهم على صلة أرحامهم ، وأيضا فلو كان قسما كان قد حذف منه لأن المعنى : ويقولون بالأرحام أي وربّ الأرحام : ولا يجوز الحذف إلّا أن لا يصحّ الكلام إلّا عليه. وأيضا فقد صحّ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «من كان حالفا فليحلف بالله» (3) فكما لا يجوز أن تحلف إلّا بالله كذا لا يجوز أن تستحلف إلّا بالله فهذا يرد قول من قال المعنى أسألك بالله وبالرّحم ، وقد قال أبو إسحاق (4) : معنى (تَسائَلُونَ بِهِ) تطلبون حقوقكم به ولا معنى للخفض على هذا. والرحم مؤنثة ويقال : رحم ورحم ورحم ورحم. (إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) قال ابن عباس أي حفيظا. قال أبو جعفر : يقال : رقب الرجل وقد رقبته رقبة ورقبانا.
(وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) (2)
(وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) مفعولان ولا يقال : يتيم إلّا لمن بلغ دون العشر ، وقيل : لا يقال : يتيم إلا لمن لم يبلغ الحلم ، يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا يتم بعد بلوغ» (5). (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) أي لا تأكلوا أموال اليتامى وهي محرّمة خبيثة وتدعوا الطّيب وهو مالكم ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم أي
__________________
ـ وشرح أبيات سيبويه 2 / 207 ، وشرح ابن عقيل ص 503 ، وشرح عمدة الحافظ ص 662 ، وشرح المفصّل 3 / 78 ، والكتاب 2 / 404 ، وهمع الهوامع 2 / 139.
(1) الشاهد لمسكين الدارمي في ديوانه ص 53 وفيه (تنائف) بدل (نفانف) ، والحيوان 6 / 494 ، والمقاصد النحوية 4 / 164 ، وبلا نسبة
في الإنصاف 2 / 465 ، وشرح الأشموني 2 / 430 ، وشرح عمدة الحافظ 663 ، وشرح المفصّل 3 / 79 ، ولسان العرب (غوط) ، وتاج العروس (غوط). وصدره :
«نعلّق في مثل السواري سيوفنا»
(2) أخرجه أحمد في مسنده 4 / 359 ، ومسلم في الزكاة 70.
(3) أخرجه الترمذي في النذور 7 / 16 ، وابن ماجة في سننه ـ باب ، حديث 2094 ، وأبو داود في سننه ، الإيمان والنذور ، حديث 3249 ، والدارمي في النذور 2 / 185.
(4) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 455 ، والبحر المحيط 3 / 164.
(5) أخرجه أبو داود في سننه 2873 ، والمتقي في كنز العمال 90499.

لا تجمعوا بينهما فتأكلوهما. (إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) (1) وقرأ الحسن (حُوباً) (2). قال الأخفش : وهي لغة بني تميم والحوب المصدر وكذا الحيابة والحوب الاسم. وقرأ ابن محيصن ولا تبّدلوا (3) أدغم التاء في التاء وجمع بين ساكنين ، وذلك جائز لأن الساكن الأول حرف مدّ ولين ، ولا يجوز هذا في قوله (ناراً تَلَظَّى) [الليل : 14].
(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا) (3)
(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى) شرط أي إن خفتم ألّا تعدلوا في مهورهنّ في النفقة عليهن. (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) فدلّ بهذا على أنه لا يقال : نساء إلا لمن بلغ الحلم. واحد النساء نسوة ولا واحد لنسوة من لفظه ولكن يقال : امرأة. ويقال : كيف جاءت «ما» للآدميين ففي هذا جوابان : قال الفراء (4) : «ما» هاهنا مصدر وهذا بعيد جدّا لا يصحّ فانكحوا الطيبة ، وقال البصريون : «ما» تقع للنعوت كما تقع «ما» لما لا يعقل يقال : ما عندك؟ فيقال : ظريف وكريم فالمعنى فانكحوا الطيب من النساء أي الحلال وما حرّمه الله فليس بطيب. (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) في موضع نصب على البدل من «ما» ولا ينصرف عند أكثر البصريين في معرفة ولا نكرة لأن فيه علّتين إحداهما أنه معدول. قال أبو إسحاق : والأخرى أنه معدول عن مؤنث وقال غيره : العلّة أنّه معدول يؤدّي عن التكرير صحّ أنها لا تكتب وهذا أولى قال الله عزوجل : (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) [فاطر : 1] فهذا معدول عن مذكّر ، وقال الفراء (5) : لم ينصرف لأن فيه معنى الإضافة والألف واللام ، وأجاز الكسائي والفراء صرفه في العدد على أنه نكرة ، وزعم الأخفش أنه إن سمّي به صرفه في المعرفة والنكرة لأنه قد زال عنه العدل. (فَإِنْ خِفْتُمْ) في موضع جزم بالشرط (أَلَّا تَعْدِلُوا) في موضع نصب بخفتم (فَواحِدَةً) أي فانكحوا واحدة وقرأ الأعرج (فَواحِدَةً) بالرفع. قال الكسائي : التقدير فواحدة تقنع. (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) عطف على واحدة. (ذلِكَ أَدْنى) ابتداء وخبره (أَلَّا تَعُولُوا) في موضع نصب.
(وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (4)
(وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَ) مفعولان الواحدة صدقة. قال الأخفش : وبنو تميم
__________________
(1) وهذه قراءة الجمهور ، انظر البحر المحيط 3 / 169.
(2) انظر معاني الفراء 1 / 253 ، والإتحاف 112 ، والبحر المحيط 3 / 169 ، وهذه لغة بني تميم.
(3) انظر مختصر ابن خالويه 24.
(4) انظر معاني الفراء 1 / 253 ، والبحر المحيط 3 / 170.
(5) انظر معاني الفراء 1 / 254.

يقولون : صدقة والجمع صدقات ، وإن شئت فتحت ، وإن شئت أسكنت (1). قال المازني: يقال صداق المرأة بالكسر ولا يقال : بالفتح ، وحكى يعقوب وأحمد ابن يحيى الفتح. (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) مخاطبة للأزواج وزعم الفراء (2) أنه مخاطبة للأولياء لأنهم كانوا يأخذون الصداق ولا يعطون المرأة منه شيئا فلم يبح لهم منه إلا ما طابت به نفس المرأة. قال أبو جعفر : والقول الأول أولى لأنه لم يجر للأولياء ذكر. (نَفْساً) منصوبة على البيان ، ولا يجيز سيبويه ولا الكوفيون أن يتقدّم ما كان على البيان ، وأجاز المازني وأبو العباس أن يتقدم إذا كان العامل فعلا وأنشد : [الطويل]
93 ـ وما كان نفيسا بالفراق تطيب (3)
وسمعت أبا إسحاق يقول : إنّما الرواية «وما كان نفسي». (فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) منصوب على الحال من الهاء. يقال : هنؤ الطعام ومرؤ فهو هنيء مريء على فعيل ، وهنيء يهنأ فهو هني على فعل ، والمصدر على فعل ، وقد هنأني ومرأني فإن أفردت قلت : أمرأني بالألف.
(وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (5)
(وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) روى سالم الأفطس عن سعيد بن جبير (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) قال : يعني اليتامى لا تؤتوهم أموالهم. كما قال : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء : 29] وهذا من أحسن ما قيل في الآية وشرحه في العربية ولا تؤتوا السفهاء الأموال التي تملكونها ويملكونها كما قال : (وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ) [الأحزاب : 59] ، وروى إسماعيل بن أبي خالد عن أبي مالك (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) قال : أولادكم لا تعطوهم أموالكم فيفسدوها ويبقوا بلا شيء ، وروى سفيان عن حميد الأعرج عن مجاهد (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) قال : النساء. قال أبو جعفر : وهذا القول لا يصحّ ، إنّما تقول العرب في النساء : سفائه وقد قيل «ولا تؤتوا السفهاء
__________________
(1) انظر مختصر ابن خالويه 24 والبحر المحيط 3 / 174 ، والقراءة الأولى لأبي واقد ، والثانية بالفتح عن قتادة ، والثالثة عن قتادة وأبي السمال.
(2) انظر معاني الفراء 1 / 256 ، والبحر المحيط 3 / 174.
(3) الشاهد للمخبّل السعدي في ديوانه ص 290 ، والخصائص 2 / 384 ، ولسان العرب (صبب) ، وللمخبّل السعدي أو لأعشى همدان أو لقيس بن الملوّح في الدرر 4 / 36 ، والمقاصد النحوية 3 / 235 ، وللمخبّل السعدي أو لقيس بن معاذ في شرح شواهد الإيضاح ص 188 ، وبلا نسبة في أسرار العربية 197 ، والإنصاف ص 828 ، وشرح الأشموني 1 / 266 ، وشرح ابن عقيل 348 ، وشرح المفصّل 2 / 74 ، والمقتضب 3 / 36 ، وهمع الهوامع 1 / 252 ، وصدره :
«أتهجر ليلى بالفراق حبيبها»

أموالكم» مخاطبة للأوصياء أضيفت الأموال إليهم وإن كانت ليست لهم على السعة لأنها في أيديهم كما يقال : بسر النخلة وماء البئر ، وقيل : «ولا تؤتوا السفهاء أموالكم» حقيقة أي لا تعطوهم الأموال التي تملكونها وهذا بعيد لأن بعده (وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) مصدر ونعته. قرأ إبراهيم النخعيّ ولا تؤتوا السفهاء أموالكم اللاتي جعل الله لكم على جمع التي ، وقراءة العامة (الَّتِي) (1) على لفظ الجماعة. قال الفراء (2) : الأكثر في كلام العرب النساء اللواتي والأموال التي وكذلك غير الأموال. قرأ أهل الكوفة (قِياماً) وقرأ أهل المدينة قيما (3) وقرأ عبد الله بن عمر قواما (4) ، زعم الفراء والكسائي أن قياما مصدر أي ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي تصلح بها أموركم فتقومون بها قياما ، وقال الأخفش : المعنى قائمة بأموركم يذهب إلى أنه جمع وقيّما وقواما عند الكسائي والفراء بمعنى قياما ، وقال البصريون : قيم جمع قيمة أي جعلها الله قيمة للأشياء.
(وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) (6)
(وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا) وقرأ أبو عبد الرّحمن السلمي رشدا (5) وهو مصدر رشد ، ورشد مصدر رشد وكذا الرّشاد. (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً) مفعول من أجله ، وقد يكون مصدرا في موضع الحال. (وَبِداراً) عطف عليه. (أَنْ يَكْبَرُوا) في موضع نصب ببدار ، (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ) شرط وجوابه ، وكذا (وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) يجازى بإذا في الشعر لأنها تحتاج إلى جواب ، ولا يليها إلا الفعل مظهرا أو مضمرا ولم يجاز بها في غير الشعر عند الخليل وسيبويه لأن ما بعدها مخالف لما بعد حروف الشرط لأنه محصّل قال الخليل : تقول آتيك إذا احمرّ البسر ولا تقول : إن احمرّ البسر.
(لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) (7)
(لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) في موضع رفع بالابتداء أو بالصفة. (مِمَّا قَلَّ
__________________
(1) انظر البحر المحيط 3 / 177.
(2) انظر معاني الفراء 1 / 257.
(3) انظر تيسير الداني 78.
(4) انظر مختصر ابن خالويه 24 ، والبحر المحيط 3 / 178.
(5) وأيضا هي قراءة عيسى الثقفي وأبي السمال وابن مسعود انظر مختصر ابن خالويه 44 ، والبحر المحيط 3 / 180.

مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) قال أبو إسحاق (1) : (نَصِيباً مَفْرُوضاً) نصب على الحال ، وقال الأخفش والفراء (2) : هو مصدر كما تقول : فرضا ولو كان غير مصدر لكان مرفوعا على النعت لنصيب.
(وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (Cool
يبعد أن يكون هذا على الندب لأن الندب لا يكون إلّا بدليل أو إجماع أو توقيف فأحسن ما قيل فيه أنّ الله جلّ وعزّ أمر إذا حضر أولو القربى ممن لا يرث أن يعطيه من يرث شكرا لله جلّ وعزّ على تفضيله إياه.
(وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) (9)
(وَلْيَخْشَ) جزم بالأمر فلذلك حذفت منه الألف. قال سيبويه : لئلا يشبه المجزوم المرفوع والمنصوب ، وأجاز الكوفيون حذف اللام مع الجزم ، وأجاز ذلك سيبويه في الشعر وأنشد الجميع : [الوافر]
94 ـ محمد تفد نفسك كلّ نفس
إذا ما خفت من أمر تبالا (3)

وزعم أبو العباس : أن هذا لا يجوز لأن الجازم لا يضمر.
(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (10)
اسم إن والخبر (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً) وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية ابن عباس (وَسَيَصْلَوْنَ) (4) على ما لم يسم فاعله ، وقرأ أبو حيوة وسيصلّون (5) على التكثير.
(يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) (11)
(يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) خبر فيه معنى الإلزام ثمّ بيّن الذي أوصاهم به فقال :
__________________
(1) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 467 ، والبحر المحيط 3 / 183.
(2) انظر معاني الفراء 1 / 257.
(3) مرّ الشاهد رقم (65).
(4) انظر تيسير الداني 78.
(5) انظر مختصر ابن خالويه 24.

(لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) «مثل» رفع بالابتداء أو بالصفة ، ويجوز النصب في غير القرآن على إضمار فعل. (فَإِنْ كُنَّ نِساءً) خبر كان أي فإن كان الأولاد نساء (فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) قال أبو جعفر : قد ذكرنا فيه أقوالا (1) : منها أنّ فوق زائدة وهو خطأ لأن الظروف ليست مما يزداد لغير معنى ، ومنها الاحتجاج للأخوات ولا حجّة فيه لأن ذلك إجماع فهو مسلّم لذلك ، ومنها أنه إجماع وهو مردود لأن الصحيح عن ابن عباس أنه أعطى البنين النصف لأن الله جلّ وعزّ قال : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) قال : فلا أعطي البنتين الثلثين ، ومنها أن أبا العباس قال : في الآية ما يدلّ على أن للبنتين الثلثين قال : لما كان للواحد مع الابن الواحد الثلث علمنا أن للابنتين الثلثين وهذا الاحتجاج عند أهل النظر غلط لأن الاختلاف في البنتين وليس في الواحدة فيقول مخالفه إذا ترك ابنتين وابنا فللبنتين النصف فهذا دليل على أنّ هذا فرضهما وأقوى الاحتجاج في أن للبنتين الثلثين الحديث المروي. لغة أهل الحجاز وبني أسد الثّلث والرّبع إلى العشر ، ولغة بني تميم وربيعة الثلث بإسكان اللام إلى العشر ، ويقال : ثلثت القوم أثلثهم ، وثلثت الدراهم أثلثها إذا أتممتها ثلاثة وأثلثت هي إلا أنّهم قالوا في المائة والألف : مأيتها وأمأت وآلفتها وألفت. (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) وهذه قراءة حسنة أي وإن كانت المولودة واحدة مثل (فَإِنْ كُنَّ نِساءً) ، وقرأ أهل المدينة (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً) (2) تكون كانت بمعنى وقعت مثل كان الأمر ، وقرأ أبو عبد الرّحمن السلميّ (فَلَهَا النِّصْفُ) وقرأ أهل الكوفة (فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) (3) وهذه لغة حكاها سيبويه. قال الكسائي : هي لغة كثير من هوازن وهذيل. قال أبو جعفر : لما كانت اللام مكسورة وكانت متصلة بالحرف كرهوا ضمة بعد كسرة فأبدلوا من الضمة كسرة لأنه ليس في الكلام فعل ومن ضم جاء به على الأصل ولأن اللام تنفصل لأنها داخلة على الاسم. قرأ مجاهد وعاصم وابن كثير (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ) (4) على ما لم يسمّ فاعله وقرأ الحسن (يُوصِي بِها) (5) على التكثير. (فَرِيضَةً) مصدر. (إِنَّ اللهَ) اسم إنّ. (كانَ عَلِيماً) خبر كان واسم كان فيها مضمر والجملة خبر إنّ ، ويجوز في غير القرآن «إنّ الله كان عليم حكيم» على إلغاء كان. وأهل التفسير يقولون : معنى كان عليما حكيما لم يزل ، ومذهب سيبويه(6) أنهم رأوا حكمة وعلما فقيل لهم : إن الله كان كذلك وقال أبو العباس : ليس
__________________
(1) انظر البحر المحيط 3 / 191.
(2) انظر تيسير الداني 78 والبحر المحيط 3 / 191.
(3) انظر تيسير الداني 78 ، والحجّة لابن خالويه 95.
(4) انظر تيسير الداني 78.
(5) انظر مختصر ابن خالويه 25 ، وهي قراءة أبي الدرداء وأبي رجاء أيضا.
(6) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 477.

في قوله «كان» دليل على نفي الحال والمستقبل ، وقيل : «كان» يخبر بها عن الحال كما قال جلّ وعزّ (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) [مريم : 29].
(وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) (12)
(وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ) ابتداء أو بالصفة. قال الأخفش سعيد في (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً) إن شئت نصبت كلالة على أنه خبر كان ، وإن شئت جعلت كان بمعنى وقع وجعلت يورث صفة لرجل وكلالة نصب على الحال كما تقول : يضرب قائما. قال أبو جعفر : تكلّم الأخفش على أن الكلالة هو الميّت فإن كان للورثة قدّرته ذا كلالة. (أَوِ امْرَأَةٌ) ويقال مرأة وهو الأصل. (وَلَهُ أَخٌ) الأصل أخو يدلّ على ذلك أخوان فحذف منه وغيّر على غير قياس. وقال محمد بن يزيد حذف منه للتثبّت والأصل في أخت أخوة. قال الفراء : ضمّ أول أخت لأن المحذوف منها واو وكسر أول بنت لأن المحذوف منها ياء. (فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) ابتداء أو بالصفة. (غَيْرَ مُضَارٍّ) نصب على الحال أي يوصي بها غير مضارّ وبيّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ الموصى بأكثر من الثلث مضارّ (وَصِيَّةٍ) مصدر. (وَاللهُ عَلِيمٌ) أي بمن أطاعه. (حَلِيمٌ) أي عمّن عصاه فأما قوله جلّ وعزّ (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) فقيل معناه «عليما» بما لكم فيه من المصلحة «حكيما» بما قسم من هذه الأموال ، وقال الحسن : «إنّ الله كان عليما» بخلقه قبل أن يخلقهم «حكيما» بما يدبّرهم به.
(تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (13)
(تِلْكَ حُدُودُ اللهِ) ابتداء وخبر. (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) شرط (يُدْخِلْهُ) مجازاة ، ويجوز في الكلام يدخلهم على المعنى ، ويجوز من يطيعون.
(وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) (15)
(وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ) ابتداء ، والخبر (فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً

مِنْكُمْ) ولا يجوز أن تكون اللاتي إلّا النساء. (فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ). قال أبو جعفر : قد بيّنا أن هذا منسوخ فإنّ المرأة كانت إذا زنت حبست فنسخ ذلك بحديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «قد جعل الله لهنّ سبيلا» (1) ولو لا الحديث لكان الحبس واجبا مع الضرب ونسخ عن الزانية المحصنة الحبس بالرّجم ، والرجم سنّة فقد نسخ القرآن الحديث بلا مدفع.
(وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً) (16)
(وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) الأولى أن يكون هذا للرجلين فأما أن يكون للرجل والمرأة على أن يغلّب المذكر على المؤنث فبعيد لأنه لا يخرج الشيء إلى المجاز ومعناه صحيح في الحقيقة. وزعم قوم أنّ قوله (فَآذُوهُما) منسوخ وقيل ، وهو أولى : إنه ليس بمنسوخ وإنه واجب أن يؤذيا بالتوبيخ فيقال لهما : فجرتما وفسقتما وخالفتما أمر الله جلّ وعزّ.
(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) (17)
(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ) قيل : هذا لكل من عمل ذنبا ، وقيل : هذا لمن جهل فقط والتوبة لكلّ من عمل ذنبا في موضع آخر.
(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (18)
قال أبو جعفر : الآية مشكلة والإعراب يبيّن معناها فقوله جلّ وعزّ (وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) عطف على الذين يعملون السيئات. وفي معناه ثلاثة أقوال : فأكثر الناس على أن معنى السيئات هاهنا لما دون الكفر أي ليست التوبة لمن عمل دون الكفر من السيئات ثم تاب عند الموت ولا لمن مات كافرا فتاب يوم القيامة ، ويجوز أن يكون معنى «ولا الذين يموتون» ولا الذين يقاربون الموت ، وقيل : الذين يعملون السيئات الكفار وغيرهم ثم خصّ الكفار كما قال جلّ وعزّ (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) [الرّحمن : 68] وقول ثالث يكون الذين يعملون السيئات الكفار فيكون المعنى وليست التوبة للكفار الذين يتوبون عند الموت ولا الذين يموتون وهم كفار.
__________________
(1) أخرجه أحمد في مسنده 5 / 313 ، ومسلم في صحيحه الحدود 12 ، 13 ، والبيهقي في السنن الكبرى 8 / 210 ، وابن كثير في تفسيره 2 / 204 ، والطبري في تفسيره 4 / 198.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) (19)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) (1) (أَنْ) في موضع رفع أي وراثة النساء و (النِّساءَ) منصوبات على أحد معنيين يكون بمعنى أن ترثوا من النساء كما ترثون الأموال وقد رويا جميعا في التفسير. روى أبو صالح عن ابن عباس قال : لما مات أبو قيس بن الأسلت جاء ابنه فألقى على امرأة أبيه رداءه وقال : قد ورثتها كما ورثت ماله. وكان هذا حكمهم فإن شاء دخل بها بلا صداق وإن شاء زوّجها وأخذ صداقها فأنزل الله جلّ وعزّ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً). وفي رواية أخرى كان الرجل يتزوج المرأة فإذا مات عنها قبل أن يدخل بها منعها ابنه من التزويج حتى يرث منها. (كَرْهاً) مصدر في موضع الحال. (وَلا تَعْضُلُوهُنَ) يجوز أن يكون معطوفا وفي قراءة عبد الله ولا أن تعضلوهنّ (2) ويجوز أن يكون «كرها» تمام الكلام ثم ابتدأ النهي فقال : «ولا تعضلوهنّ» وذلك أن يكون عند الرجل امرأة لا يريدها فيعضلها أي لا يطلقها لتفتدي منه فذلك محظور عليه قال ابن السلماني : نزلت (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) في أمر الجاهلية ونزلت (وَلا تَعْضُلُوهُنَ) في أمر الإسلام ، وقال ابن سيرين وأبو قلابة لا يحل له أن يأخذ منها فدية إلّا أن يجد على بطنها رجلا قال الله جلّ وعزّ (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) وقال الضحاك وقتادة : الفاحشة المبيّنة النشوز أي فإذا نشزت كان له أن يأخذ الفدية ، وقول ثالث (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) إلا أن يزنين فيحبسن في البيوت فيكون هذا قبل النسخ «وأن» في موضع نصب على جميع الأقوال لأنها استثناء ليس من الأول.
(وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (20)
(أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً) مصدر في موضع الحال. (وَإِثْماً) معطوف عليه. (مُبِيناً) من نعته.
(وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) (21)
(وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ) جملة في موضع الحال.
__________________
(1) هذه قراءة حمزة والكسائي ، وباقي السبعة بفتح الكاف ، انظر تيسير الداني 79.
(2) انظر معاني الفراء 1 / 259 ، والبحر المحيط 3 / 213.

(وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً) (22)
(وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) استثناء ليس من الأول. (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً) خبر كان ، ويجوز الرفع على إلغاء «كان» في غير القرآن. (وَساءَ سَبِيلاً) منصوب على البيان.
(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) (23)
(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) جمع أمّهة يقال : أمّ وأمّهة بمعنى واحد وجاء القرآن بهما. (أُمَّهاتُكُمْ) اسم ما لم يسمّ فاعله يقوم مقام الفاعل. قال محمد بن يزيد : لأنه مع الفعل جملة كالفاعل ولا يستغني عنه الفعل كما لا يستغني عن الفاعل. (وَبَناتُكُمْ) عطف ، جمع بنة والأصل بنية والمستعمل ابنة وبنت. قال الفراء : كسرت الباء من بنت لتدلّ الكسرة على حذف الياء. (وَأَخَواتُكُمْ) عطف جمع أخوة. (وَعَمَّاتُكُمْ) عطف عليه إلى قوله (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) «أن» في موضع رفع أي وحرّم عليكم الجمع بين الأختين (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) استثناء ليس من الأول.
(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) (24)
(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) عطف وقد بيّنا أنهنّ ذوات الأزواج. يقال : امرأة محصنة أي متزوجة ومحصنة أي حرّة ومنه (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) [المائدة : 5] ومحصنة ومحصنة وحصان أي عفيفة كما قال حسان بن ثابت في عائشة رضي الله عنها : [الطويل]
95 ـ حصان رزان ما تزنّ بريبة
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل (1)

__________________
(1) الشاهد لحسان بن ثابت في ديوانه 228 ، والإنصاف 2 / 759 ، ولسان العرب (حصن) ، وتاج العروس (حصن) ، و (رزن) ، وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص 289 ، ولسان العرب (غرت).

وأصل هذا من قولهم مدينة حصينة أي منيعة فالمحصنة ذات الزوج قد منعها زوجها أن تزوّج غيره والمحصنة الحرّة لأن الإحصان يكون بها والعفيفة الممتنعة من الفسق. (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) استثناء من موجب (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) مصدر على قول سيبويه نصبا ، وقيل : هو إغراء أي الزموا كتاب الله ويجوز الرفع أي هذا فرض الله. (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) أي كتب الله ذلك عليكم وأحلّ لكم ويقرأ (وَأُحِلَّ لَكُمْ) (1) ردّا على حرّمت عليكم (ما وَراءَ ذلِكُمْ) (2) مفعول. (أَنْ تَبْتَغُوا) بدل من «ما» ، ويجوز أن يكون المعنى لأن وتحذف اللام فتكون «أن» في موضع نصب أو خفض. (مُحْصِنِينَ) نصب على الحال. (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) شرط ، والجواب (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) مصدر.
(وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (25)
(وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً) مفعول. (أَنْ يَنْكِحَ) في موضع نصب أي إلى أن ينكح و (الْمُحْصَناتِ) الحرائر ولا الإماء فما ملكت أيمانكم فلينكح من هذا الجنس. (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) ابتداء وخبر ويجوز أن يكون مرفوعا بينكح بعضكم من بعض أي فلينكح هذا فتاة هذا فيكون مقدما ومؤخرا أي فمن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فلينكح بعضكم من بعض من فتياتكم المؤمنات و «بعضكم» مرفوع بهذا التأويل محمول على المعنى. (فَإِذا أُحْصِنَ) صحيحة عن ابن عباس وفسّرها : تزوّجن ، وقال ابن مسعود : (فَإِذا أُحْصِنَ) أي أسلمن ، وقال عاصم الجحدري (فَإِذا أُحْصِنَ) (3) أي أحصنّ أنفسهن. وهذا أحسن ما قيل في هذه القراءة ، وقال هارون القارئ: حدّثنا معمر قال : سألت الزهريّ عن قوله «فإذا أحصنّ» أو «أحصنّ» فقال : القراءة «أحصنّ» ومعنى أحصنّ عففن : وقيل : أسلمن. قال أبو جعفر : وهذا غير معروف عن الزهري إلا من هذا الطريق ولا يصحّ له معنى لا يكون فإذا عففن (فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ) وكذا يبعد (مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) فإذا أسلمن والصحيح ما رواه عن الزهري قال : سألته عن الأمة تزني ، فقال : إذا كانت متزوّجة جلدت بالكتاب فإذا كانت
__________________
(1) هذه قراءة السبعة عدا حمزة والكسائي ، انظر تيسير الداني 79 ، والحجة لابن خالويه 58.
(2) هذه قراءة حفص وحمزة والكسائي ، انظر تيسير الداني 79.
(3) قراءة حمزة والكسائي بفتح الهمزة والصاد والباقون بضم الهمزة وكسر الصاد ، انظر تيسير الداني 79.

غير متزوّجة جلدت بالسّنّة ، وروى معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئل عن الأمة التي لم تحصن فقال : «إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم قال في الثالثة أو الرابعة وبيعوها ولو بضفير» (1) فهذا يبيّن أنّ الله عزوجل لمّا أوجب على الأمة إذا زنت وقد تزوّجت نصف حدّ الحرّة أشكل عليهم أمرها إذا لم تتزوج فسألوا عنه فأجيبوا أنّ عليها ما على المتزوجة فتبيّن من هذا أن الإحصان هاهنا التزويج ، وقد قيل : إن المعنى فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب يعني به المتزوّجات وأن على المتزوّجة الحرّة إذا زنت ضرب مائة بكتاب الله جلّ وعزّ والرّجم بسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والرّجم لا يتبعّض فوجب أن يكون عليها نصف الجلد. (وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) ابتداء وخبر أي الصبر خير لكم. (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ابتداء وخبر.
(يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (26)
(يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) أي ليبيّن لكم أمر دينكم وما يحلّ لكم وما يحرم عليكم وقال بعد هذا (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) [النساء : 28] فجاء هذا بأن والأول باللام فقال الفراء (2) : العرب تأتي باللام على معنى كي في موضع أن في أردت وأمرت فيقولون : أردت أن تفعل وأردت لتفعل لأنهما يطلبان المستقبل ، ولا يجوز ظننت لتفعل لأنك تقول : ظننت أن قد قمت. قال أبو إسحاق (3) : وهذا خطأ ولو كانت اللام بمعنى «أن» لدخلت عليها لام أخرى كما تقول : جئت كي تكرمني ، ثم تقول : جئت لتكرمني وأنشدنا : [الطويل]
96 ـ أردت لكيما يعلم النّاس أنّها
سراويل قيس والوفود شهود (4)

قال : والتقدير أراد به ليبيّن لكم. قال أبو جعفر : وزاد الأمر على هذا حتى سمّاها بعض القراء لام «أن» وقيل : المعنى يريد الله هذا من أجل أن يبين لكم مثل (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) [الشورى : 15]. (وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) قال بعض أهل النظر : في هذا دليل على أنّ كلّ ما حرّم قبل هذه الآية علينا قد حرّم على من كان
__________________
(1) أخرجه أحمد في مسنده 4 / 117 ، والبخاري في صحيحه 3 / 93 و 8 / 213 ، ومسلم في صحيحه ـ الحدود 32 ، وأبو داود في سننه 4469 ، والبيهقي في سننه 8 / 242.
(2) انظر معاني الفراء 1 / 261.
(3) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 497.
(4) الشاهد لقيس بن سعد بن عبادة في خزانة الأدب 8 / 514 ، ولسان العرب (سرل) ، والكامل للمبرد 2 / 456 ، وبلا نسبة في رصف المعاني 215.

قبلنا. قال أبو جعفر : وهذا غلط لأنه قد يكون المعنى ويبيّن لكم أمر من قبلكم ممن كان يجتنب ما نهي عنه ، وقد يكون يبيّن لكم كما بيّن لمن قبلكم من الأنبياء ولا يومى به إلى هذا بعينه.
(وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً(27) يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) (28)
(وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) ابتداء وخبر وأن في موضع نصب بيريد وكذا (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ). (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ) اسم ما لم يسمّ فاعله (1). (ضَعِيفاً) على الحال. ومعناه أنّ هواه يستميله وشهوته وغضبه يستخفّانه وهذا أشدّ الضعف فاحتاج إلى التخفيف.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) (29)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) أي بالظلم ويدخل في هذا القمار وكلّ ما نهي عنه. (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) (2) هذه قراءة أهل المدينة وأبي عمرو ، وقرأ الكوفيون (تِجارَةً) بالنصب. وهو اختيار أبي عبيد. قال أبو جعفر : النصب بعيد من جهة المعنى والإعراب. فأما المعنى فإن هذه التجارة الموصوفة ليس فيها أكل الأموال بالباطل فيكون النصب ، وأما الإعراب فيوجب الرفع لأن «أن» هاهنا في موضع نصب لأنها استثناء ليس من الأول «وتكون» صلتها ، والعرب تستعملها هاهنا بمعنى وقع فيقولون : جاءني القوم إلّا أن يكون زيد ولا يكاد النصب يعرف. (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) نهي : (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) أي فبرحمته نهاكم عن هذا ومنع بعضكم من بعض.
(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) (30)
(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي من يقتل نفسه ، ويجوز أن يكون المعنى من يفعل شيئا مما تقدّم النهي عنه. (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً) حذفت الضمة من الياء لثقلها. (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) اسم كان وخبرها.
(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) (31)
(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ) جمع كبيرة وهمز الجمع لالتقاء الساكنين ولم يكن للياء
__________________
(1) انظر مختصر ابن خالويه (25).
(2) انظر تيسير الداني 79.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 2847
نقاط : 4448
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

إعراب القرآن [ ج ١ ] Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعراب القرآن [ ج ١ ]   إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 4:40 pm

خطّ في التحريك فتحرّك. ومعنى اجتنبت الشيء تركته جانبا. (نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ) عطف ، ويجوز في غير القرآن النصب على الصرف عند الكوفيين وبإضمار «أن» عند البصريين ، ويجوز الرفع بقطعه من الأول. قرأ أبو عمرو وأكثر الكوفيين (وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً) وهو المصدر ، وقرأ أهل المدينة وعاصم (وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً) (1) بمعنى فتدخلون مدخلا كريما.
(وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (32)
(قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لا) نهى الله جلّ وعزّ عن الحسد. والعرب تقول : حسد فلان فلانا ، إذا تمنّى أن يتحوّل إليه ماله والتقدير ولا تتمنّوا تحويل ما فضّل الله به بعضكم على بعض فإن تمنّى أن يكون له مثل ماله ولا يتحوّل عنه قيل غبطه ولم يقل حسده. (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) وقرأ الكسائي وسلوا (2) بلا همز ألقى حركة الهمزة على السين. (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) أي قد علم ما لكم فيه الصلاح فلا يحسد بعضكم بعضا.
(وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) (33)
(وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ) إذا جاءت «كلّ» مفردة فلا بد من أن يكون في الكلام حذف عند جميع النحويين حتى إنّ بعضهم أجاز : مررت بكلّ يا فتى ، مثل «قبل» و «بعد» ، وتقدير الحذف ولكلّ أحد جعلنا موالي ، وجواب آخر أن يكون ولكلّ شيء مما ترك الوالدان والأقربون جعلنا موالي أي ورّاثا أي أولى بالميراث والذين عاقدت أيمانكم (3) أي بالحلف ، وقرأ حمزة (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ) أي بالحلف ، وقرأ حمزة. والّذين عقدت أيمانكم وهي قراءة بعيدة ؛ لأن المعاقدة لا تكون إلّا من اثنين فصاعدا فبابها فاعل ، وقراءة حمزة تجوز على غموض من العربية يكون التقدير فيها والذين عقدتهم أيمانكم الحلف وتعدّى إلى مفعولين والتقدير عقدت لهم أيمانكم الحلف ثم حذف اللام مثل (وَإِذا كالُوهُمْ) [المطففين : 3] أي كالوا لهم وحذف المفعول الأول لأنه متصل في الصّلة. (فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) فيه قولان : قال الحسن
__________________
(1) انظر تيسير الداني 79 ، وقرأ الباقون بضمّ الميم.
(2) انظر تيسير الداني 79 ، والبحر المحيط 3 / 246.
(3) هي قراءة السبعة سوى حمزة والكوفيين ، انظر البحر المحيط 3 / 247.

وقتادة هي منسوخة (1) بالمواريث ، وقيل : هي منسوخة بقوله : (أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) [الأنفال : 75] وهذان واحد ، والقول الآخر أنّ مجاهدا قال: معناه فآتوهم نصيبهم من النصر كما وعدتموهم أي ليست منسوخة. قال أبو جعفر : قول مجاهد أولى لأنه إذا ثبتت التلاوة لم يقع النسخ إلّا بإجماع أو دليل. (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) أي قد شهد معاقدتكم إياهم وهو جلّ وعزّ يحبّ الوفاء.
(الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً) (34)
(الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) ابتداء وخبر أي يقومون بالنفقة عليهنّ والذبّ عنهن يقال : قوّام وقيّم ، (بِما فَضَّلَ اللهُ) «ما» مصدر فلذلك لم يحتج إلى عائد وفضّل الله جل وعز الرجال على النساء بجودة العقل وحسن التدبير. (وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) في المهور حتى صرن لهم أزواجا وصارت نفقتهنّ عليهم. (فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ) ابتداء خبر. قال الفراء : وفي حرف عبد الله فالصالحات قوانت حوافظ. قال أبو جعفر : وهذا جمع مكسّر مخصوص به المؤنث (بِما حَفِظَ اللهُ) وفي قراءة أبي جعفر بما حفظ الله بالنصب. وقد ذكرناه ، ولكن نشرحه بعناية الشرح هاهنا. الرفع أبين أي حافظات لمغيب أزواجهن بحفظ الله جلّ وعزّ وتسديده ، وقيل : بما حفظهن الله في مهورهن وعشرتهن ، وقيل : بما استحفظهن الله إياه من أداء الأمانات إلى أزواجهن ، والنصب بمعنى بالشيء الذي حفظ الله أي بالدين أو العقل الذي حفظ أمر الله. وقيل : بحفظ الله أي بخوف مثل ما حفظت الله جلّ وعزّ ، وقيل : التقدير بما حفظن الله ثم وحّد الفعل كما قال : [المتقارب]
97 ـ فإنّ الحوادث أودى بها (2)
(وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ) في موضع رفع بالابتداء ، وتقديره على قول سيبويه(3) :
__________________
(1) انظر الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 105.
(2) الشاهد للأعشى في ديوانه ص 221 ، وخزانة الأدب 11 / 430 ، وشرح أبيات سيبويه 1 / 477 ، وشرح شواهد الإيضاح 346 ، وشرح المفصل 5 / 95 ، ولسان العرب (حدث) و (ودي) ، والمقاصد النحوية 2 / 466 ، وبلا نسبة في الإنصاف ص 764 ، ورصف المباني 103 ، وشرح الأشموني 1 / 175 ، والكتاب 2 / 42.
(3) انظر الكتاب 1 / 196.

وفيما فرض عليكم ، وعند غيره التقدير أنّ الخبر (فَعِظُوهُنَ) وقيل : «اللاتي» في موضع نصب على قراءة من قرأ (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) [المائدة : 38] فقول أبي عبيدة والفراء (1) تخافون بمعنى توقنون وتعلمون مردود غير معروف في اللغة وتخافون على بابه أي تخافون أن يكون منهم هذا لما تقدّم. (فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ) فيه ثلاثة أقوال : فمنها أن يهجرها في المضجع أي وقت النوم ، وقيل : المعنى وبيّنوا عليهنّ بكلام غليظ وتوبيخ شديد من قولهم : أهجر إذا أفحش لأن أبا زيد حكى : هجر وأهجر ، وقال صاحب هذا القول : النشوز التنحية عن المضجع فكيف يهجرها فيما تنحّت عنه ، والقول الثالث : إنّ حفص بن غياث روى عن الحسن بن عبيد عن أبي الضحى عن ابن عباس في قول الله جلّ وعزّ (فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَ) (2) قال : هذا كلّه في أمر المضجع فإن رجعت إلى المضجع لم يضربها. قال أبو جعفر : وهذا أحسن ما قيل في الآية أي اضربوهنّ من أجل المضاجع كما تقول : هجرت فلانا في الكذب.
(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً) (35)
(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما) شرط. (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) جوابه. (إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) قيل الضميران للحكمين ؛ لأنهما إذا أرادا الإصلاح قصدا الحق فوفّقهما الله جلّ وعزّ : وقيل : الضميران للزوجين ؛ لأنه لا يقال : حكم إلّا لمن يريد الصلاح ، وقيل : الضمير الأول للحكمين والثاني للزوجين.
(وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً) (36)
(وَاعْبُدُوا اللهَ) أمر فلذلك حذفت منه النون. (وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) نهي. (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) مصدر. قال الفراء (3) : ويجوز وبالوالدين إحسان (4) ترفعه بالباء لأن الفعل لم يظهر. (وَبِذِي الْقُرْبى) خفض بالباء. (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى)
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 265 ، والبحر المحيط 3 / 252.
(2) البحر المحيط 3 / 252.
(3) انظر معاني الفراء 1 / 266 ، وهذه قراءة ابن أبي عبلة.
(4) انظر معاني الفراء 1 / 267.

عطف كلّه. قال الفراء (1) : وفي مصاحف أهل الكوفة العتق ذا القربى ويجب على هذا أن يقرأ والجار ذا القربى تنصبه على إضمار فعل وتنصب ما بعده. (وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) قال الأخفش : الجار الجنب المجانب للقرابة أي ليس بينك وبينه قرابة ، وحكى والجار الجنب وأنشد :
98 ـ الناس جنب والأمير جنب (2)
والجنب الناحية أي المتنحّي عن القرابة ، وقال أبو عبد الرّحمن : سألت أبا مكوزة الأعرابي عن الصّاحب بالجنب فقال : هو الذي بجنبك ، وكذا قال الأخفش هو الذي بجنبك. يقال : فلان بجنبك وإلى جنبك ، وحكى الأخفش مفعلة والجار الجانب ، وقال أبو عبد الرّحمن : سألت أبا مكوزة عن الجار الجنب فقال : هو الذي يجيء ويحلّ حيث يحل تقع عليه عينك. (وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) في موضع خفض أي وأحسنوا بما ملكت أيمانكم.
(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) (37)
(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) في موضع نصب على البدل من «من» ويجوز أن يكون في موضع رفع بدلا من المضمر الذي في فخور ويجوز أن يكون في موضع رفع فتعطف عليه (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ) ويكون الخبر «إنّ الله لا يظلم مثقال ذرّة أي لا يظلمهم».
(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً) (38)
(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ) يكون في موضع رفع على ما ذكرنا آنفا ، ويجوز أن يكون في موضع نصب تعطفه على الذين إذا كان بدلا من من ، ويجوز أن يكون في موضع خفض تعطفه على «الكافرين». (وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً) شرط فلا يجوز حذف النون منه لأنها متحركة وأما المعنى فيكون «من قبل من الشيطان في الدنيا فقد قارنه» ، ويجوز أن يكون المعنى «من قرن به الشيطان في النار». (فَساءَ قَرِيناً) منصوب على البيان أي فساء الشيطان قرينا. وقرين فعيل من الاقتران والاصطحاب كما قال: [الطويل]
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 267.
(2) الشاهد في لسان العرب وتاج العروس (جنب) بلا نسبة.


99 ـ عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه
فإنّ القرين بالمقارن مقتدي (1)

(وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً) (39)
(وَما ذا عَلَيْهِمْ) «ما» في موضع رفع بالابتداء و «وذا» خبر «ما» و «ذا» بمعنى : الذي ، ويجوز أن يكون «ما» و «ذا» اسما واحدا.
(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) (40)
(وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً) اسم «تك» بمعنى تحدث ، ويجوز أيضا أن تنصب حسنة على تقدير : وإن تك فعلته حسنة. (يُضاعِفْها) جواب الشرط. (وَيُؤْتِ) عطف عليه. (مِنْ لَدُنْهُ) في موضع خفض بمن إلّا أنها غير معربة لأنها لا تتمكّن و «عند» قد تمكّنت فنصبت وخفضت ، وتمكّنها أنّك تقول : هذا القول عندي صواب ولا تقول : هذا القول لدي صواب. (أَجْراً) مفعول. (عَظِيماً) من نعته.
(فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) (41)
(فَكَيْفَ إِذا جِئْنا) فتحت الفاء لالتقاء الساكنين. (إِذا) ظرف زمان والعامل فيه (جِئْنا). (وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) نصب على الحال.
(يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) (42)
(يَوْمَئِذٍ) ظرف ، وإن شئت كان مبنيا و «إذ» مبنية لا غير والتنوين فيها عوض مما حذف. (وَعَصَوُا الرَّسُولَ) ضمّت الواو لالتقاء الساكنين ، ويجوز كسرها. (لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) (2) قال أبو جعفر : قد ذكرناه. وقيل : معناه لو لم يبعثوا ، لأنهم لو لم يبعثوا لكانت الأرض مستوية عليهم لأنهم من التراب نقلوا. (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) (3). قال أبو جعفر : قد ذكرناه ، وذكرنا قول قتادة أن القيامة مواطن ومعناه أنهم لما تبيّن لهم وحوسبوا لم يكتموا.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً) (43)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى) ابتداء وخبر في موضع نصب
__________________
(1) الشاهد في ديوان طرفة 153 ، وهو لعدي بن زيد في تفسير الطبري 5 / 88.
(2) انظر القراءات في البحر المحيط 3 / 263.
(3) انظر البحر المحيط 3 / 264.

على الحال ، ويقال : سكارى (1) ولم ينصرف لأن في آخره ألف التأنيث. (حَتَّى تَعْلَمُوا) نصب بحتى. (وَلا جُنُباً) عطف على الموضع أي ولا تقربوا الصلاة جنبا. (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) نصب على الحال. قال الأخفش : كما تقول : لا تأتني إلّا راكبا. قال أبو جعفر : وقد ذكرنا معنى الآية إلّا أنها مشكلة من أحكام القرآن فنزيدها شرحا. قال الضحاك : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) أي من النوم. وهذا القول خطأ من جهات : منها أنه لا يعرف في اللغة ، والحديث على غيره ولا يجوز أن يتعبد النائم في حال نومه فثبت أن سكارى من السكر الذي هو شرب ، وقوله (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) بدل على أنّ من كان يعلم ما يقول فليس سكران. (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) فيه قولان : أحدهما أنّ المعنى لا تصلّوا وقد أجنبتم ، ويقال : أجنبتم وجنبتم وجنبتم (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) إلّا مسافرين فتتيّممون فتصلّون فيجب على هذا أن يكون الجنب ليس له أن يتيمّم إلّا أن يكون مسافرا. وهذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود رحمه‌الله ، والقول الآخر : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ) لا تقربوا موضع الصلاة وهو المسجد إلّا عابري سبيل إلّا جائزين كما قال عبد الله بن عمر أيتخطأ الجنب المسجد؟ فقال : نعم ألست تقرأ : «إلّا عابري سبيل» ، وهذا مذهب علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس وأنس بن مالك رحمهم‌الله أنّ للجنب أن يتيمّم في الحضر. (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) أي مرضى لا تقدرون معه على تناول الماء أو تخافون التلف من برد أو جراح. (أَوْ عَلى سَفَرٍ) لا تجدون فيه الماء (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) قد ذكرنا أنّ بعض الفقهاء قال (2) : «أو» بمعنى الواو وإنّما احتاج إلى هذا لأن المرض والسفر ليسا بحدثين والغائط حدث ، والحذّاق من أهل العربية لا يجيزون أن يكون «أو» بمعنى الواو لاختلافهما فبعضهم يقول : في الكلام تقديم وتأخير والتقدير «لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ، أو جاء أحد منكم من الغائط ، أو لامستم النساء ، وإن كنتم جنبا فاطهّروا» أي وإن كنتم جنبا وأردتم الصلاة. والتقديم والتأخير لا ينكر كما قال الله جلّ وعزّ (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى) [طه : 129] أي ولو لا كلمة سبقت من ربّك وأجل مسمّى ، وقال امرؤ القيس : [الطويل]
100 ـ فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة
كفاني ولم أطلب قليل من المال (3)

وقيل : في الكلام حذف بلا تقديم ولا تأخير ، والمعنى : وإن كنتم مرضى أو
__________________
(1) انظر مختصر ابن خالويه (26).
(2) انظر البحر المحيط 3 / 268.
(3) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ص 39 ، والكتاب 1 / 131 ، والإنصاف 1 / 84 ، وتذكرة النحاة 339 ، وخزانة الأدب 1 / 327 ، والدرر 2 / 110 ، 5 / 322 ، وشرح شواهد المغني 1 / 342 ، والمقاصد النحوية 3 / 35 ، وهمع الهوامع 2 / 110.

على سفر وقد قمتم إلى الصلاة محدثين فتيمّموا صعيدا طيبا وكذا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) [المائدة : 6] معناه إذا قمتم محدثين. (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) في معناه ثلاثة أقوال : منها أن يكون لمستم جامعتم ومنها أن يكون لمستم باشرتم ومنها أن يكون لمستم يجمع الأمرين جميعا ولامستم بمعناه عند أكثر الناس إلّا أنه حكي عن محمد بن يزيد أنه قال : الأولى في اللغة أن يكون لامستم بمعنى قبّلتم أو نظيره لأن لكل واحد منهما فعلا فقال : ولمستم بمعنى غشيتم ومسستم وليس للمرأة في هذا فعل. (إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا) أي يقبل العفو وهو السهل. (غَفُوراً) للذنوب. ومعنى غفر الله ذنبه ستر عنه عقوبته فلم يعاقبه.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) (44)
(أَلَمْ تَرَ) حذفت الألف للجزم ، والأصل الهمز فحذفت استخفافا. (إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ) في موضع نصب على الحال. (وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) عطف عليه.
(وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) (45)
(وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ) روي عن الحسن وأبي عمرو أنهما أدغما الميم في الباء (1) ، ولا يجوز ذلك لأن في الميم غنّة فلو أدغمتها لذهبت. (وَكَفى بِاللهِ) الباء زائدة زيدت لأن المعنى اكتفوا بالله (وَلِيًّا) على البيان ، وإن شئت على الحال ، وكذا (وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً).
(مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً) (46)
(مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) وقرأ أبو عبد الرّحمن والنخعي يحرّفون الكلام عن مواضعه (2). قال أبو جعفر : والكلم في هذا أولى لأنهم إنما يحرّفون كلم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم أو ما عندهم في التوراة وليس يحرفون جميع الكلام. ومعنى يحرفون يتأولون على غير تأويله وذمهم الله جل وعز بذلك لأنهم يفعلونه متعمّدين. (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) نصب على الحال. قال أبو جعفر : وقد ذكرنا قول ابن عباس : معناه لا سمعت وشرحه اسمع لا سمعت. هذا مرادهم ويظهرون أنّهم يريدون اسمع غير
__________________
(1) انظر تيسير الداني 80.
(2) انظر مختصر ابن خالويه 26 ، وهي قراءة علي بن أبي طالب أيضا.

مسمع مكروها ولا أذى ، وأما قول الحسن : معناه غير مسمع منك أي غير مجاب إلى ما تقوله فلو كان كذا لكان في اللفظ غير مسموع منك. (وَراعِنا) قال الأخفش : أي وراعنا سمعك أي ارعنا ، وقيل : يريدون بقولهم وراعنا أي وراعنا مواشينا استخفافا بمخاطبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال أبو جعفر : وشرح هذا ـ والله أعلم ـ أنهم يظهرون بقولهم : راعنا أرعنا سمعك ويريدون المراعاة يدلّ على هذا قوله عزوجل : (لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ) أي إنهم يلوون ألسنتهم أي يميلونها إلى ما في قلوبهم ويطعنون في الدين أي يقولون لأصحابهم: لو كان نبيا لدرى أنّا نسبّه فأظهر الله جلّ وعزّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ذلك وكان من علامات نبوته ، ونهاهم عن هذا القول. (لَيًّا) مصدر وإن شئت كان مفعولا من أجله وأصله لويا ثم أدغمت الواو في الياء. (وَطَعْناً) معطوف عليه. (وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا) «أنّ» في موضع رفع أي لو وقع هذا وقيل : إنّما وقعت «إنّ» في موضع الفعل لأنه لا بد من أن يكون بعدها جملة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) (47)
(مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) نصب على الحال. (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً) ويقال : نطمس ويقال في الكلام : طسم يطسم ويطسم بمعنى طمس ، (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) اسم كان وخبرها.
(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) (48)
(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) قال أبو جعفر : قد ذكرناه ونزيده بيانا. فهذا من المحكم (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) من المتشابه الذي قد تكلم فيه العلماء فقال بعضهم : كان هذا متشابها حتى بيّن الله جلّ وعزّ ذلك بالوعيد ، وقال محمد بن جرير (1) : «قد أبانت هذه الآية أنّ كلّ صاحب كبيرة ففي مشيئة الله جلّ وعزّ ، إن شاء عفا عنه ذنبه وإن شاء عاقبه عليه ما لم تكن كبيرته شركا بالله جلّ وعزّ». وقال بعضهم : قد بيّن الله جلّ وعزّ بقوله : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) [النساء : 31] فأعلم أنه يشاء أن يغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر ولا يغفرها لمن أتى الكبائر ، وقول ثالث أنّ المعنى في «لمن يشاء» لمن تاب ويكون إخبارا بعد إخبار أنه يغفر الشرك وجميع الذنوب لمن تاب «فأن» في موضع نصب بيغفر ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بمعنى أن الله لا يغفر ذنبا مع أن يشرك به وبأن يشرك به ، ويجوز على
__________________
(1) انظر تفسير الطبري 5 / 126.

مذهب جماعة من النحويين على هذا الجواب أن يكون «أن» في موضع جرّ. (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ) شرط وجوابه (فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) أي اختلق ومنه افترى فلان على فلان أي رماه بما ليس فيه وفريت الشيء قطعته.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً) (50)
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) أي يسمّيه مطيعا ووليا ثم عجب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ذلك فقال : (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) في قولهم : نحن أبناء الله وأحباؤه وهذه التزكية. (وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً) على البيان.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) (51)
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) وهما كلّ ما عبد من دون الله جلّ وعزّ وإيمانهم بالجبت والطاغوت قولهم لمن عبد الأوثان : (هؤُلاءِ أَهْدى) من المؤمنين الموحّدين وقول ابن عباس : الجبت والطاغوت كعب بن الأشرف ، وحييّ بن أخطب ليس بخارج من ذاك. وإنما هو على التمثيل لهما بالجبت والطاغوت لأنهم أطاعوهما في تكذيب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (سَبِيلاً) على البيان.
(أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) (52)
(أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ) ابتداء وخبر.
(أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) (53)
(أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ) لأنهم أنفوا من اتباع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والتقدير أهم أولى بالنبوة ممن أرسلته أم لهم نصيب من الملك ، ودلّ على هذا الحذف دخول أم على أول الكلام لأنه قد علم أنّ قبلها شيئا محذوفا. (فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) أي يمنعون الحقوق خبّر الله جلّ وعزّ بما يعلمه منهم. قال سيبويه : «إذن» (1) في عوامل الأفعال بمنزلة أظنّ في عوامل الأسماء أي تلغى إذا لم يكن الكلام معتمدا عليها فإن كانت في أول الكلام وكان الذي بعدها مستقبلا نصبت لا غير ، وإن كان قبلها فاء أو واو جاء الرفع والنصب فالرفع على أن تكون الفاء ملصقة بالفعل والنصب على أن تكون الفاء ملصقة بإذن ، ويجوز على هذا في غير القرآن فإذن لا يؤتوا الناس نقيرا ، والناصب للفعل عند سيبويه «إذا» لمضارعتها أن.
__________________
(1) انظر الكتاب 3 / 11.

والناصب عند الخليل «أن» مضمرة بعد إذن ولا ينتصب فعل عنده إلّا بأن مظهرة أو مضمرة ، وزعم الفراء (1) أن إذن تكتب بالألف وأنها منونة. قال أبو جعفر : وسمعت علي ابن سليمان يقول : سمعت أبا العباس محمد بن يزيد يقول : أشتهي أن أكوي يد من يكتب إذن بالألف لأنها مثل «لن» و «أن» ، ولا يدخل التنوين في الحروف.
(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) (54)
(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) لأنهم حسدوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم. (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ) أي هم مقرّون بهذا فلم يحسدون من فضّله الله به؟
(فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) (55)
(فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ) بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنه قد تقدم ذكره وهو المحسود ، ويكون به للقرآن لأنه قد تقدّم ذكره ، ويكون به للكتاب. (وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) أي لمن صدّ عنه. وسعير بمعنى مسعورة.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً) (56)
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا) اسم «إنّ» والخبر (سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً). (كُلَّما) ظرف. (نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ) بالإدغام لأن التاء من طرف اللسان والجيم من وسطه والإظهار أحسن لئلا تجتمع الجيمات. قال أبو جعفر : وقد ذكرنا في معناه قولين يرجعان إلى معنى واحد ، وهو أنّ المعنى إنا نعيد النضيج غير نضيج وإنما يقع الألم على النفس لأنها التي تحس وتعرف ، ومثله (كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً) [الإسراء : 97] أي يعيد النضيج غير نضيج حتّى تسعر النار كما يقال : تبدّلت بعدنا أي تغيّرت. (لِيَذُوقُوا) منصوب بلام كي وهي بدل من «أن».
(إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً) أي لا يعجزه شيء ولا يفوته (حَكِيماً) في إيعاده عباده وفي جميع أفعاله.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً) (57)
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) موضع الذين نصب على العطف على ما يجب من
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 273.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 2847
نقاط : 4448
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

إعراب القرآن [ ج ١ ] Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعراب القرآن [ ج ١ ]   إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 4:41 pm

اللفظ ، وإن شئت كان رفعا وهو أجود على الموضع وإن شئت على الابتداء ، والذين : غير معرب لأنه لو أعرب لأعرب وسط الاسم ، وقيل : لأنه لا يقع إلّا لغائب وفتحت النون لأنه جمع وقيل : لأن قبلها ياء ، وقيل : لأنها بمنزلة شيء ضمّ إلى شيء. وفيها لغات فاللغة التي جاء بها القرآن «الذين» في موضع الرفع والخفض والنصب ، وبنو كنانة يقولون : الذون في موضع الرفع ، ومن العرب من يقول : اللاذون في موضع الرفع والخفض ، ومنهم من يقول : اللذيّون. وفي التثنية أربع لغات أيضا : يقال : اللذان بتخفيف النون ، واللذانّ بتشديدها يشدّد عوضا مما حذف ، وقيل ليفرق بينها وبين ما يحذف في الإضافة ، ويقال : اللّذيّان بتشديد الياء ، ويقال : اللّذا بغير نون وأنشد سيبويه : [الكامل]
101 ـ أبني كليب إنّ عمّيّ اللّذا
قتلا الملوك وفكّكا الأغلالا (1)

وفي الواحد لغات يقال : جاءني الذي كلّمك ، وجاءني اللذ كلمك بكسر الذال بغير ياء ، واللّذ بإسكان الذال كما قال :
102 ـ كاللّذ تزبّى زيبة فاصطيدا (2)
ويقال : الذي بتشديد الياء وطيء تقول : جاءني ذو قال ذاك ، بالواو ، ورأيت ذو قال ذاك ، ومررت بذو قال ذاك ، بمعنى الذي. (سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ) مفعولان ، ومذهب سيبويه (3) أنّ التقدير : في جنّات فحذفت «في». (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) نعت لجنات. (خالِدِينَ) نعت أيضا لأنه قد عاد الذكر ، وإن شئت كان نصبا على الحال. (أَبَداً) ظرف زمان.
(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً) (58)
(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ) فعل مستقبل وإسكان الراء لحن. (أَنْ تُؤَدُّوا) في موضع نصب. والأصل بأن تؤدّوا ، والمصدر تأدية. والاسم الأداء وقد ذكرنا (نِعِمَّا) في «سورة البقرة» (4).
__________________
(1) الشاهد للأخطل في ديوانه ص 387 ، والأزهيّة 296 ، والاشتقاق 338 ، وخزانة الأدب 3 / 185 ، والدرر 1 / 145 ، وسرّ صناعة الإعراب 2 / 536 ، وشرح التصريح 1 / 132 ، وشرح المفصّل 3 / 154 ، والمقتضب 4 / 146 ، وتاج العروس (لذي) ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2 / 362 ، وأوضح المسالك 1 / 140 ، وخزانة الأدب 8 / 210 ، ورصف المباني 341 ، وما ينصرف وما لا ينصرف 84 ، والمحتسب 1 / 185 ، والمنصف 1 / 67.
(2) الشاهد بلا نسبة في الكامل 18 ، والخزانة 2 / 498 ، وصدره :
«فأنت والأمر الذي قد كيدا»
(3) انظر الكتاب 1 / 480.
(4) انظر إعراب الآية 271 ـ البقرة.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (59)
(ذلِكَ خَيْرٌ) ابتداء وخبر. (وَأَحْسَنُ) عطف على خير. (تَأْوِيلاً) على البيان.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) (60)
(يُرِيدُونَ) في موضع نصب على الحال. (أَنْ يَتَحاكَمُوا) مفعول. (إِلَى الطَّاغُوتِ) قد ذكرنا قول الضحاك (1) : أنه يراد به كعب بن الأشرف وهذا عند أهل اللغة كلّ ما عبد من دون الله ، ويروى أن تحاكمهم إلى الطاغوت أنهم كانوا يجيلون القداح فإذا أخرج القدح المكتوب عليه افعل أو لا تفعل قالوا قد حكم الطاغوت علينا ؛ بهذا يفعلون هذا بين يدي الأصنام. (وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ) أي بذلك (ضَلالاً بَعِيداً) محمول على المعنى أي فيضلون ضلالا بعيدا ومثله (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) (17) [نوح : 17].
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) (61)
(يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) اسم للمصدر عند الخليل والمصدر الصدّ والكوفيون يقولون : هما مصدران.
(فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ إِحْساناً وَتَوْفِيقاً) (62)
(فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ) أي من ترك الاستعانة بهم وما يلحقهم من الذلّ نحو (فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) [التوبة : 83]. (ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ) حال ، (إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً) «إن» بمعنى «ما».
(أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) (63)
(أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ) ابتداء وخبر. (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) أي لا تقبل عذرهم. (وَعِظْهُمْ) خوّفهم العقاب. (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) أي من الوعيد يبلغ منهم. وقد بلغ الرجل بلاغة ورجل بليغ يبلغ بلسانه كنه ما في قلبه ، والعرب
__________________
(1) انظر إعراب آية 51 ـ النساء.

تقول : أحمق بلغ وبلغ أي نهاية في الحماقة ، وقيل : معناه يبلغ ما يريد وإن كان أحمق.
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (64)
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) «من» زائدة للتوكيد. (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) «أنّ» في موضع رفع أي لو وقع هذا (لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) أي قابلا لتوبتهم وهما مفعولان لا غير.
(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (65)
(فَلا وَرَبِّكَ) خفض بواو القسم وهي بدل من الباء لمضارعتها إياها وجواب القسم (لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ) نصب بحتى وعلامة النصب حذف النون. وقرأ أبو السمّال. (فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) (1) بإسكان الجيم وهذا لحن عند الخليل وسيبويه (2) لا تحذف الفتحة عندهم لخفّتها. ورواه عروة بن الزبير عن أخيه عبد الله عن أبيه قال : خاصمني رجل من الأنصار إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ماء كنّا نسقي منه جميعا فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «اسق يا زبير ثم خلّ لجارك ، فقال الأنصاريّ : يا رسول الله أن كان ابن عمّتك. فتلوّن وجه النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم» (3). قال الزبير : ولا أحسب هذه الآية نزلت إلّا فيه (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) وبغير هذا الإسناد أن الأنصاري حاطب بن أب بلتعة.
(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) (66)
(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) ضممت النون لالتقاء الساكنين واختير الضم لأن التاء مضمومة ، وإن شئت كسرت على الأصل ، وكذا (أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ) على البدل من الواو ، وأهل الكوفة يقولون : على التكرير ما فعلوه ما فعله إلّا قليل منهم وقرأ عبد الله بن عامر وعيسى بن عمر ما فعلوه إلّا قليلا منهم نصبا (4)
__________________
(1) انظر البحر المحيط 3 / 296 ، وقال : «وكأنه فرّ من توالي الحركات ، وليس تعوي لخفّة الفتحة بخلاف الضمة والكسرة».
(2) انظر الكتاب 4 / 231.
(3) أخرجه البخاري 5 / 34 في المساقاة باب سكر الأنهار (3359) و (4585) ، ومسلم في الفضائل 4 / 1829 ، وذكره في البحر المحيط 3 / 296.
(4) انظر تيسير الداني 80.

على الاستثناء. والرفع أجود عند جميع النحويين ، وإنّما صار الرفع أجود لأن اللفظ أولى من المعنى وهو يشتمل على المعنى. (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) أي في الدنيا والآخرة. (وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) في أمورهم و «تثبيتا» على البيان.
(وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً) (67)
أي ثوابا في الآخرة.
(وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) (68)
أي طريقا إلى الجنة.
(وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) (69)
(وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ) شرط والجواب (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ) اتباع الأنبياء (وَالشُّهَداءِ) الذين قاموا بالقسط وشهدوا لله جلّ وعزّ بالحقّ ، وقيل : المقتولون في سبيل الله ، وقيل : إنما سمّي المقتول شهيدا لأنه شهد لله جلّ وعزّ بالحق وأقام شهادته حتى قتل ، وقيل لأنه شهد كرامة الله جلّ وعزّ : وفيه قول ثالث أنه يشهد على العباد بأعمالهم يوم القيامة ، ويقال : إن الشهداء عدول يوم القيامة. وقرأ أبو السّمّال العدويّ (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) (1). قال أبو جعفر : وهذا جائز لنقل الضمة ، وقال الأخفش «رفيقا» نصب على الحال وهو بمعنى رفقاء ، وقال الكوفيون : هو نصب على التفسير لأن العرب تقول : حسن أولئك من رفقاء وكرم زيد من رجل ، ودخول «من» يدلّ على أنه مفسّر ذلك الفعل.
(ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً) (70)
(ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ) ابتداء وخبر أي ذلك الثواب العظيم تفضل من الله جلّ وعزّ لأنه قد أنعم عليهم في الدنيا فقد كان يجوز أن يكون ذلك النعيم بأعمالهم وفي الحديث «لا يدخل الجنة أحد بعمله» (2) ففيه جوابان : أحدهما هذا وأنه مثل الآية ، والجواب الآخر أنه قد كانت لهم ذنوب وقد كان يجوز أن يجعل العمل جزاء الذنوب.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) (71)
(فَانْفِرُوا ثُباتٍ) على الحال. الواحد ثبة ، ويقال لوسط الحوض : ثبة ، وربما توهّم
__________________
(1) هي لغة تميم كما في البحر المحيط 3 / 301 ، وانظر مختصر ابن خالويه (26).
(2) أخرجه أحمد في مسنده 2 / 256 و 3 / 494.

الضعيف في العربية أنهما واحد وأن أحدهما من الآخر ، وبينهما فرق ، فثبة الحوض يقال في تصغيرها : ثويبة لأنها من ثاب يثوب ، ويقال في ثبة الجماعة ثبيّة (1). (أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) نصب على الحال عند سيبويه.
(وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً) (72)
(وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ) اللام الأولى لام التوكيد والثانية لام القسم. و «من» في موضع نصب ، وصلتها : (لَيُبَطِّئَنَ) ، لأن فيه معنى اليمين ، والخبر (مِنْكُمْ) وقرأ مجاهد (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَ) (2) جاء موحّدا على اللفظ ولو كان قالوا لجاز وكذا في جميع الآية.
وقرأ ابن كثير وعاصم من رواية حفص.
(وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) (73)
(كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ) ومن ذكّر جعل مودة بمعنى الودّ. (فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) جواب التمني.
(فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (74)
(فَلْيُقاتِلْ) أمر وحذفت الكسرة من اللام تخفيفا. (الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) وقد ذكرنا أن معنى يشترون يبيعون أي يبذلون أنفسهم وأموالهم لله (بِالْآخِرَةِ) أي بثواب الآخرة. (وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) شرط. (فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ) عطف عليه. والمجازاة (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً).
(وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً) (75)
(وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) في موضع نصب كما قال عزوجل : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) [المدثر : 49](وَالْمُسْتَضْعَفِينَ) قال محمد بن يزيد : أختار أن يكون المعنى : في المستضعفين لأن السبيلين مختلفان كأنّ سبيل المستضعفين خلاصهم. قال أبو إسحاق (3) : بل الاختيار أن يكون المعنى : وفي سبيل المستضعفين فإنّ خلاص
__________________
(1) انظر تاج العروس (ثبا).
(2) انظر البحر المحيط 3 / 302.
(3) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 539.

المستضعفين من سبيل الله جلّ وعزّ. (الَّذِينَ يَقُولُونَ) نعت للمستضعفين ، ويجوز أن يكون نعتا للجميع المخفوضين بمن. (مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها) نعت للقرية وإن كان الفعل للضمير كما تقول : مررت بالرجل العاقل أبوه ولم يقل : الظالمين لأنه نعت يقوم مقام الفعل أي التي ظلم أهلها. (وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) أي يستنقذنا منهم. (وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً) أي ينصرنا عليهم.
(الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) (76)
(الَّذِينَ آمَنُوا) مبتدأ. (يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) فعل مستقبل في موضع الخبر ، وكذا (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ) قال أبو عبيدة والكسائي : الطاغوت يذكّر ويؤنث. قال أبو عبيدة : وإنما ذكّر وأنّث (1) لأنهم كانوا يسمون الكاهن والكاهنة طاغوتا. قال : وحدّثنا حجاج عن ابن جريج قال : أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله وسئل عن الطاغوت التي كانوا يتحاكمون إليها فقال : كانت في جهينة واحدة وفي أسلم واحدة وفي كلّ حيّ واحدة. قال أبو إسحاق (2) : الدليل على أنه الشيطان قوله : (فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً).
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) (77)
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ) روي عن ابن عباس : إنّ قوما تمنّوا القتال قبل أن يؤذن فيه فنهاهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلما فرض كرهوه فأنزل الله جلّ وعزّ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ...) إلى آخرها. (يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ) الكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف. (أَوْ أَشَدَّ) عطف على الكاف في موضع نصب ، ويجوز أن يكون عطفا على خشية في موضع خفض. (كَخَشْيَةِ) على البيان. (لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ) الأصل «لما» حذفت الألف لأنها استفهام. (لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ) أي هلا ولا يليها إلّا الفعل. (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) ابتداء وخبر وكذا (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى) أي اتّقى المعاصي.
(أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ
__________________
(1) انظر تاج العروس (طغو).
(2) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 541.

اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) (78)
(أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) شرط ومجازاة و «ما» زائدة. (وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) على التكثير. يقال : شاد البنيان وأشاد بذكره. (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ) شرط ومجازاة وكذا (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ). (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) ابتداء وخبر. (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) أي لا يعرفون معناه وتأويله ، وقد بين الله جلّ وعزّ لهم فقال : (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) [آل عمران : 152] واللام متصلة عند البصريين والفراء (1) لأنها لام خفض ، وحكى ابن سعدان (2) انفصالها.
(ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (79)
(ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) قال الأخفش: «ما» بمعنى الذي ، وقيل : هو شرط. والصواب قول الأخفش لأنه نزل في شيء بعينه من الجدب وليس هذا من المعاصي في شيء ولو كان منها لكان وما أصبت من سيئة وروى مجاهد عن ابن عباس «ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك» وأنا كتبتها عليك وهذه قراءة على التفسير. (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) مصدر مؤكّد ، ويجوز أن يكون المعنى ذا رسالة. (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) على البيان.
(وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) (81)
(وَيَقُولُونَ طاعَةٌ) أي أمرنا طاعة أو منّا طاعة. قال الأخفش : ويجوز طاعة بالنصب أي نطيع طاعة. (بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ) فذكّر الطائفة لأنها في المعنى رجال ، وأدغم الكوفيون التاء في الطاء لأنهما من مخرج واحد ، واستقبح ذلك الكسائي في الفعل ، وهو عند البصريين غير قبيح ، وهي قراءة أبي عمرو (3). (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) أمر أي ثق به. (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) أي ناصرا لك على عدوك وموثوقا به.
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 278.
(2) محمد بن سعدان النحوي ، أبو جعفر الضرير ، من أصحاب القراء. كان أحد القراء بقراءة حمزة (ت 231 ه‍). ترجمته في (طبقات الزبيدي 153).
(3) انظر تيسير الداني 83.

(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (82)
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) أي أفلا ينظرون في عاقبته وفي الحديث «لا تدبروا» (1) أي لا يولي بعضكم بعضا دبره ، وأدبر القوم مضى أمرهم إلى آخره ، ودلّ بهذا على أنه يجب التدبر للقرآن ليعرف معناه وكان في هذا ردّ على من قال : لا يؤخذ تفسير القرآن إلّا عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا لأنه ليس من متكلّم يتكلّم بكلام كثير إلا وجد في كلامه اختلاف كثير إمّا في الوصف واللفظ وإما في جودة المعنى وإما في التناقض وإما في الكذب فأنزل جلّ وعزّ القرآن وأمر بتدبره لأنهم لا يجدون فيه اختلافا في وصف من العيوب ولا رذالة في معنى ولا تناقضا ولا كذبا فيما يخبرون به من علم الغيوب ما يسرّون.
(وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً) (83)
(وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ) في إذا معنى الشرط ولا يجازى بها والمعنى : أنهم إذا سمعوا شيئا من الأمور فيه أمن نحو ظفر المسلمين وقتل عدوهم. (أَوِ الْخَوْفِ) وهو ضد هذا. (أَذاعُوا بِهِ) أي أظهروه وتحدّثوا به من قبل أن يقفوا على حقيقته فنهوا عن ذلك لما يلحقهم من الكذب والإرجاف. (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ) وهم الأمراء (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) أي يستخرجونه بالمسألة وهذا مشتق من «النبط» وهو أول ما يخرج من ماء البئر أول ما يحفر وسمّي النبط نبطا لأنهم يستخرجون ما في الأرض. (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) رفع بالابتداء والخبر عند سيبويه (2) ولا يجوز أن يظهر الخبر عنده ، والكوفيون يقولون رفع بلولا. (لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلاً) في هذه الآية ثلاثة أقوال : قال أبو عبيد : التقدير أذاعوا به إلا قليلا ، وهذا قول جماعة من النحويين قالوا لأن الأكثر من المستنبطين لا يعلمون. وقال أبو إسحاق (3) : بل التقدير «لعلمه الذين يستنبطونه منهم إلا قليلا» ، لأن هذا الاستنباط الأكثر يعرفه لأنه استعلام بخبر ، وهذان قولان على المجاز ، وقول ثالث بغير مجاز. يكون المعنى : ولو لا فضل الله عليكم ورحمته بأن بعث فيكم رسولا أقام فيكم الحجة لكفرتم وأشركتم إلا قليلا منكم أي إنه كان يوحد.
__________________
(1) أخرجه الترمذي في سننه في البر والصلة 8 / 120.
(2) انظر الكتاب 2 / 128.
(3) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 547.

(فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً) (84)
(فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) هذه الفاء متعلقة بقوله : (وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [النساء : 74] فقاتل في سبيل الله أي من أجل هذا فقاتل ، ويجوز أن تكون متعلقة بقوله : (وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) [النساء: 75]. (لا تُكَلَّفُ) مرفوع لأنه فعل مستقبل ولم يجزم لأنه ليس علة للأول وزعم الأخفش أنه يجوز جزمه. (إِلَّا نَفْسَكَ) خبر ما لم يسم فاعله. (عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا) إطماع ، والإطماع من الله سبحانه واجب على أن الطمع قد جاء في كلام العرب على الوجوب وقد قيل منه (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) [الشعراء : 82]. (وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً) نصب على البيان وكذا (وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً).
(مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً) (85)
(مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها) قال الحسن (1) : من شفع في شيء فله أجر وإن لم يشفّع لأنّ الله جلّ وعزّ قال : «من يشفع» ولم يقل : من يشفع وفي الحديث «اشفعوا تؤجروا» (2) ويقضي الله جلّ وعزّ على لسان نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما شاء ، ويروى أنّ هذا نزل في اليهود وكانوا يدعون على المسلمين في الغيبة بالهلاك وفي الحضور بأن يقولوا : السلام عليكم فأنزل الله عزوجل : (مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها) وأتبع ذلك بقوله : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ) وهي السلام. قال أبو موسى الأشعري «الكفل» النصيب. قال الكسائي : أصل الكفل مركب يهيّأ على ظهر البعير وهذا قول حسن. يقال : اكتفلت البعير إذا لفقت على موضع من ظهره كساء ثم ركبت البعير فإنما أخذت نصيبا من البعير. (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً) اسم كان وخبرها. قال أبو عبيدة (3) : «المقيت» الحافظ ، وقال الكسائي (4) : المقيت المقتدر ، وقول أبي عبيدة أولى لأنه مشتقّ من القوت والقوت معناه مقدار ما يحفظ الإنسان.
__________________
(1) انظر تفسير الطبري 5 / 186.
(2) أخرجه أحمد في مسنده 4 / 404 ، والبيهقي في سننه 8 / 167 ، والبخاري في صحيحه 2 / 140 ، وأبو داود في سننه (5132) ، والنسائي في سننه 5 / 78 ، وابن كثير في تفسيره 2 / 324.
(3) انظر مجاز القرآن 1 / 135.
(4) انظر البحر المحيط 3 / 322 ، والبغوي 1 / 457 ، وفتح القدير 1 / 493.

(وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً) (86)
(وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها) لم ينصرف لأنه أفعل وهو صفة أي بتحية أحسن منها. قال ابن عباس : إذا قال سلام عليكم قلت : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته فهذا أحسن منها. (أَوْ رُدُّوها) وعليكم وهذا للكفار يعني الثاني ، وقال غيره : لا يجوز أن يقال للكفار : وعليكم السلام كما لا يجوز أن يترحّم على ميتهم ولا حيّهم. (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً) قيل محاسبا كما قال : أكيل بمعنى مواكل ، وقال مجاهد : «حسيبا» حفيظا ، وقال أبو عبيدة (1) : كافيا. قال أبو جعفر : وهذا أبينها يقال : أحسبني الشيء أي كفاني ومنه (حَسْبَكَ اللهُ) [الأنفال : 64] وقد بيّنت أن هذا خطأ في الكتاب الآخر.
(اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً) (87)
(اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ابتداء وخبر. (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) لأن الناس يقومون فيها لرب العالمين جل وعز ، وقيل : لأن الناس يقومون من قبورهم إليها. (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً) على البيان.
(فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) (88)
(فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) روى شعبة عن عديّ بن ثابت عن عبد الله بن زيد عن زيد بن ثابت قال : تخلّف رجال عن أحد فاختلف فيهم أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت فرقة : اقتلهم وقالت فرقة : اعف عنهم فأنزل الله جلّ وعزّ (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ). قال الضحاك : هؤلاء قوم تخلّفوا بمكّة وأظهروا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الإسلام وقالوا إن ظهر محمد فقد عرفنا وإن ظهر قومنا فهو أحبّ إلينا ، فصار المسلمون فيهم فئتين قوم يتولونهم وقوم يتبرؤون منهم فقال الله جلّ وعزّ (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا) فبين الله جلّ وعزّ كفرهم وأوجب البراءة منهم ، وقال الأخفش «فئتين» على الحال (2) كما يقال : مالك قائما ، وقال الكوفيون (3) : هو خبر ما لكم كخبر كان وظننت وأجازوا إدخال الألف واللام فيه ، وحكى الفراء (4) : أركسهم أي ردّهم إلى الكفر. قال
__________________
(1) انظر مجاز القرآن 1 / 135.
(2) عند البصريين كما في البحر المحيط 3 / 326.
(3) انظر البحر المحيط 3 / 326.
(4) قاله ابن عباس واختاره الفراء والزجاج ، انظر البحر المحيط 3 / 326.

أبو إسحاق : أي ردّهم إلى حكم الكفار. (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ) أي أن تهدوه إلى الثواب بأن يحكم له بأحكام المؤمنين. (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) أي إلى الحجة.
(إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) (90)
(إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ) استثناء من (وَاقْتُلُوهُمْ) ويروى أن هؤلاء قوم اتصلوا ببني مدلج وكانوا صلحا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «يصلون» أي يتصلون. (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) أي ضاقت وللنحويين فيه على هذه اللغة أربعة أقوال : قال الفراء (1) : أي قد حصرت فأضمر «قد» ، وقال محمد بن يزيد (2) : هو دعاء كما تقول : لعن الله الكافرين وقيل : هو خبر بعد خبر ، والقول الرابع أن يكون حصرت في موضع خفض على النعت لقوم ، وفي حرف أبيّ إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق حصرت صدورهم ليس فيه (أَوْ جاؤُكُمْ) ، وقرأ الحسن أو جاؤكم حصرة صدورهم (3) نصبا على الحال ، ويجوز خفضه على النعت ورفعه (4) على الابتداء والخبر ، وحكى أو جاؤكم حصرات صدورهم (5) ويجوز الرفع. (يُقاتِلُوكُمْ) في موضع نصب أي من أن يقاتلوكم.
(سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً) (91)
قرأ يحيى بن وثّاب والأعمش (6) كلّما ردّوا إلى الفتنة بكسر الراء لأن الأصل رددوا فأدغم وقلب الكسرة على الراء ونظيره (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ) [الانشقاق : 3](وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) [الانشقاق : 2]. (فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ) وقعت إن على لم لأن المعنى للفعل الماضي فإن لم يعتزلوا قتالكم أي فإن تركوا قتالكم. (وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ) أي عن الحرب. (وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً) عليهم مقامه مقام المفعول الثاني.
(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 282.
(2) انظر البحر المحيط 3 / 330.
(3) وقرأ قتادة ويعقوب أيضا ، انظر البحر المحيط 3 / 330.
(4) انظر البحر المحيط 3 / 330.
(5) انظر مختصر ابن خالويه (28).
(6) انظر البحر المحيط 3 / 330.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 2847
نقاط : 4448
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

إعراب القرآن [ ج ١ ] Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعراب القرآن [ ج ١ ]   إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 4:43 pm

مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) (92)
(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً أَنْ) في موضع رفع لأنه اسم كان. (إِلَّا خَطَأً) استثناء ليس من الأول وسيبويه (1) يقول «إلا» بمعنى لكن أي لكن إن قتله خطأ فعليه كذا ، ولا يجوز أن يكون «إلا» بمعنى الواو ولا يعرف ذلك في كلام العرب ولا يصح في المعنى لأن الخطأ لا يحظر ، وقرأ الأعمش إلّا خطاءا (2) ممدودا. (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) أي فعليه تحرير رقبة. (وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) استثناء ليس من الأول أي إلا أن يصدق أهل المقتول بالدية على القاتل ، وقرأ أبو عبد الرّحمن إلا أن تصّدّقوا (3) بالتاء ، ويجوز على هذه القراءة إلا أن تصدّقوا بحذف التاء ، ولا يجوز التخفيف مع الياء وفي حرف أبيّ إلا أن يتصدّقوا (4). (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ) مثل الروم. (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) أي فعلى القاتل تحرير رقبة. (وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) قيل يراد به أهل الذمة وقيل يراد به المسلم يكون نسبة إلى أهل الذمّة والأولى أن يكون الضمير الذي في كان للمؤمن لأنه قد تقدّم ذكره. وروى يزيد بن زريع (5) عن يونس عن الحسن أنه قرأ وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق وهو مؤمن (6). (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) رفع بالابتداء ، والخبر : (فَصِيامُ شَهْرَيْنِ) أي فعليه صيام شهرين متتابعين (تَوْبَةً مِنَ اللهِ) مصدر ، وإن شئت مفعولا من أجله ، ويجوز الرفع أي ذلك توبة من الله إن الله كان عليما أي بما فيه مصلحة خلقه (حَكِيماً) أي بتدبير أمر عباده.
(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) (93)
(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً) شرط ، والجواب (فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ) والتقدير
__________________
(1) انظر الكتاب 2 / 328.
(2) انظر البحر المحيط 3 / 334 ، وهي قراءة الحسن أيضا.
(3) وهي قراءة الحسن وعبد الوارث عن أبي عمرو أيضا ، انظر البحر المحيط 3 / 337.
(4) انظر البحر المحيط 3 / 337 ، وفيه «وفي حرف أبيّ وعبد الله ، (يتصدّقوا) بالياء والتاء».
(5) يزيد بن زريع أبو معاوية البصري ، حدّث عن أيوب السختياني وخالد الحذّاء. (ت 182 ه‍). ترجمته في تذكرة الحفاظ 256.
(6) وبهذا قال مالك ، انظر البحر المحيط 3 / 337.

في العربية يجزه الله جهنم والدليل على هذا أنّ بعده. (وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ) أي عاقبه (وَلَعَنَهُ) أي باعده من رحمته وثوابه.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (94)
(إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا) ويقرأ فتثبّتوا (1) ، وتبيّنوا في هذا أوكد لأن الإنسان قد يتثبّت ولا يتبيّن ، وفي «إذا» معنى الشرط وقد يجازى بها كما قال : [الكامل]
103 ـ وإذا تصبك خصاصة فتجّمل (2)
والجيّد أن لا يجازى بها كما قال : [الكامل]
104 ـ والنّفس راغبة إذا رغّبتها
وإذا تردّ إلى قليل تقنع (3)

(وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) هكذا قرأ (4) ابن عباس وأبو عبد الرّحمن وأبو عمرو بن الغلاء وعاصم الجحدريّ ، والحديث يدلّ على ذلك لأنه يروى أن مرداسا الفدكيّ مرّ بغالب فقال : السلام عليكم فقام إليه غالب فقتله وأخذ ماله فأنزل الله جلّ وعزّ : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً). ومن جيّد ما قيل فيه ما رواه سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس قال : مرّ المسلمون برجل في غنمه فقال : سلام عليكم ، فقتلوه وأخذوا غنمه فنزلت (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) هكذا الحديث بالألف. وقرأ أهل الحرمين وأهل الكوفة لمن ألقى إليكم السّلم (5) وذلك جائز لأنه إذا سلم فقد ألقى السلم والعرب تقول : ألقى فلان إليّ السّلم أي انقاد واستسلم وقال الله جلّ وعزّ (وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ
__________________
(1) هذه قراءة حمزة والكسائي والباقون فتبيّنوا ، انظر البحر المحيط 3 / 342.
(2) الشاهد لعبد قيس بن خفاف في الدرر 3 / 102 ، وشرح اختيارات المفضل 1558 ، وشرح شواهد المغني 1 / 271 ، ولسان العرب (كرب) ، والمقاصد النحوية 2 / 203 ، ولحارثة بن بدر الغداني في أما لي المرتضى 1 / 383 ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1 / 335 ، وشرح الأشموني 3 / 583 ، وشرح عمدة الحافظ ص 374 ، ومغني اللبيب 1 / 93 ، وهمع الهوامع 1 / 206 ، وصدره :
«واستغن ما أغناك ربّك بالغنى»
(3) الشاهد لأبي ذؤيب في الدرر 3 / 104 ، وشرح اختيارات المفضّل ص 1693 ، وشرح أشعار الهذليين 1 / 7 ، وشرح شواهد المغني 1 / 262 ، ومغني اللبيب 1 / 93 ، وبلا نسبة في همع الهوامع 1 / 206.
(4) انظر البحر المحيط 3 / 342.
(5) وهي قراءة نافع وابن عامر وحمزة والكسائي أيضا ، انظر تيسير الداني 83.

السَّلَمَ) [النحل : 87] وقرأ أبو رجاء ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم (1) بكسر السين وإسكان اللام ، وقرأ أبو جعفر (لَسْتَ مُؤْمِناً). (فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ) لم تنصرف لأنها جمع لا نظير له في الواحد. (كَذلِكَ) الكاف في موضع نصب.
(لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) (95)
(لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) هذه قراءة أهل الحرمين وزيد بن ثابت و (غَيْرُ) (2) نصب على الاستثناء ، وإن شئت على الحال من (الْقاعِدُونَ) أي لا يستوي القاعدون في حال صحتهم ، والحديث يدل على معنى النصب ، روى أبو بكر بن عياش وزهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن البراء قال : كنت عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : ادع لي زيدا وقل له يأتي بالكتف والدواة فقال له اكتب : لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله ، فقال ابن أمّ مكتوم : وأنا ضرير ، فما برحنا حتى أنزل الله عزوجل (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ). وقرأ أهل الكوفة وأبو عمرو (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) قال الأخفش : هو نعت للقاعدين ، وقرأ حيوة (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) (3) جعله نعتا للمؤمنين ، ومحمد بن يزيد يقول هو بدل لأنه نكرة والأول معرفة. (فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً) وقد قال بعد هذا :
(دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (96)
(دَرَجاتٍ) فالجواب أن معنى «درجة» علوا أي أعلاهم ورفعتهم بالثناء والمدح والتقريظ ، فهذا معنى درجة ودرجات يعني في الجنة. قال ابن محيرز سبعين درجة. (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) منصوب بوعد ، وكلّ قيل : يعنى به المجاهدون خاصة ، وقيل : يعنى به المجاهدون وأولو الضرر ، وقيل : يعنى به المجاهدون والقاعدون وأولو الضرر لأنهم كلهم مؤمنون وإن كان بعضهم أفضل من بعض. (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً) نصب بفضّل وإن شئت كان مصدرا «درجات» بدل من أجر ، ويجوز الرفع أي ذلك درجات.
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً) (97)
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) اسم إن والخبر (فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ). و (تَوَفَّاهُمُ) فعل
__________________
(1) انظر مختصر ابن خالويه (28).
(2) انظر البحر المحيط 3 / 342 وقال : «أي : لا نؤمنك في نفسك».
(3) انظر تيسير الداني 83.

ماض وجاء التذكير بمعنى الجميع ، ويجوز أن يكون فعلا مستقبلا والأصل «تتوفّاهم» فحذفت إحدى التاءين. (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) نصب على الحال ، والأصل ظالمين أنفسهم فحذفت النون وأضيف. (قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ) الأصل ، «فيما» حذفت الألف فرقا بين الاستفهام والخبر لأن قبلها حرف خفض والوقوف عند أهل العربية فيه لئلا تحذف الألف والحركة ولأن فيها حرف خفض.
(إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) (98)
(إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ) نصب على الاستثناء أي إلا المستضعفين على الحقيقة. (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً) في موضع الحال أي غير مستطيعين وكذا (وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً).
(وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (100)
(وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً) شرط وجوابه. قال مجاهد (1) : المرغم : المتزحزح ، وقال الضحاك : المراغم : المتحوّل ، وقال الكسائي (2) : المراغم : المذهب ، وقال أبو عبيدة : المراغم : المهاجر (3). قال أبو جعفر : وهذه الأقوال متفقة المعاني فالمراغم هو المذهب والمتحوّل في حال هجرة وهو اسم للموضع الذي يراغم فيه وهو مشتق من الرّغام ، ورغم أنف فلان أي لصق بالتراب وراغمت (4) فلانا هجرته وعاديته ولم أبال إن رغم أنفه رغم الله أمره. قال الضحاك : (وَسَعَةً) في الرزق (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) شرط. (ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ) عطف ، ولا يجوز أن يكون جوابا لأن «ثم» يبعد الثاني معها من الأول والفاء يقرب فيها الثاني من الأول والجواب (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ).
(وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً) (101)
«أن» في موضع نصب أي في أن تقصروا. قال أبو عبيدة : فيها ثلاث لغات يقال: قصرت الصلاة وقصّرتها وأقصرتها. (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) قال الفراء : أهل الحجاز يقولون : فتنت الرجل وتميم وربيعة وقيس وأسد وجميع أهل نجد يقولون :
__________________
(1) وهي قراءة الأعمش أيضا ، انظر البحر المحيط 3 / 344.
(2) انظر البحر المحيط 3 / 35 ، وقال «قال مجاهد : المزحزح عمّا يكره».
(3) انظر معاني الفراء 1 / 284.
(4) وهذا قول ابن زيد أيضا ، انظر البحر المحيط 3 / 350.

أفتنت الرجل. وفرق الخليل وسيبويه بينهما فقالا : فتنته جعلت فيه فتنة مثل عجلته وأفتنته جعلته مفتتنا ، وزعم الأصمعي أنه لا يعرف أفتنته بالألف.
(وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) (102)
(وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ) والأصل فلتقم حذفت الكسرة لثقلها وحكى الأخفش والكسائي والفراء (1) : أنّ لام الأمر ولام كي ولام الجحود يفتحن ، وسيبويه (2) يمنع من هذا لعلّة موجبة وهي الفرق بين لام الجر ولام التوكيد. قال أبو إسحاق (3) : لا يلتفت إلى حكاية حاك لم يروها النحويون القدماء وإن كان الذي يحكيها صادقا فإن الذي سمعت منه مخطئ. وكذا (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) وكذا (فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ). (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً) في موضع رفع إلا أنه مقصور «أن تضعوا» في موقع نصب أي في أن تضعوا.
(فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) (103)
(فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ) حال.
(وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) (104)
(وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ) نهي ، وقرأ عبد الرّحمن الأعرج (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ) (4) بفتح الهمزة أي لأن ، وقرأ منصور بن المعتمر (5) (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ) (6)
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 258.
(2) انظر الكتاب 3 / 4.
(3) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 566.
(4) انظر البحر المحيط 3 / 357 ، وقال «بفتح الهمزة على المفعول من أجله».
(5) منصور بن المعتمر أبو عتاب السلمي الكوفي ، عرض على الأعمش ، وروى عن مجاهد (ت 133 ه‍).
ترجمته في غاية النهاية 2 / 314.
(6) وهي قراءة ابن وثاب أيضا ، انظر البحر المحيط 3 / 357.

بكسر التاء ليدلّ على أنه من فعل ، ولا يجوز عند البصريين في تألمون كسر التاء لثقل الكسر فيها.
(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) (105)
(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ) لام كي ، وروي عن الحسن وأبي عمرو أنهما أدغما الميم في الباء ، ولا يجيز ذلك النحويون لأن في الميم غنّة.
(وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (112)
(وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً) شرط. (ثُمَّ يَرْمِ بِهِ) عطف عليه وفي الكلام حذف من الأول على مذهب سيبويه ويقال : ما الفرق بين الخطيئة والإثم وقد عطف أحدهما على الآخر ففي هذا أجوبة : منها أنهما واحد ولكن لما اختلف اللفظان جاز هذا ، وقيل : قد تكون الخطيئة صغيرة والإثم لا يكون إلا كبيرة ، وقال أبو إسحاق (1) : سمّى الله جلّ وعزّ بعض المعاصي خطايا وسمّى بعضها إثما فأعلم أنه من كسب معصية تسمّى خطيئة أو كسب معصية تسمّى إثما ثم رمى بها من لم يعملها وهو منها بريء (فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) والبهتان الكذب الذي يتحيّر من عظمه وشأنه.
(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) (113)
(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ) ما بعد «لو لا» مرفوع بالابتداء عند سيبويه (2) والخبر محذوف لا يظهر ، والمعنى : ولو لا فضل الله عليك ورحمته بأن نبّهك على الحقّ ، (لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) عن الحقّ لأنهم سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يبرّئ ابن أبيرق (3) من التّهمة ويلحقها اليهوديّ فتفضّل الله جلّ وعزّ على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن نبّهه على ذلك وأعلمه إيّاه. (وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) لأنهم يعملون عمل الضالين والله جلّ وعزّ يعصم رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ) لأنك معصوم. (وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) حذفت الضمّة من النون للجزم وحذفت الواو لالتقاء الساكنين و «تعلم» في موضع نصب لأنه خبر «تكن».
__________________
(1) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 572.
(2) انظر الكتاب 2 / 128.
(3) هو طعمة بن أبيرق الذي سرق الدرع ورماها في دار اليهودي (انظر الدر 2 / 117 ، والخازن 1 / 596).

(لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (114)
(لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ) نجواهم في العربية على معنيين : أحدهما أنه يكون لما يتناجون به ويتداعون إليه. إذا كان على هذا «فمن» في موضع نصب لأنه استثناء ليس من الأول ، أي لكن من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ودعا إليه ففي نجواه خير ، ويجوز أن يكون «من» في موضع خفض ، ويكون التقدير : إلّا في نجوى من أمر بصدقة ، والمعنى الآخر أن النجوى تكون الجماعة المفردين فيكون (من) هذا في موضع خفض على البدل ، وفي موضع نصب على قول من قال : ما مررت بأحد إلّا زيدا ، ونجوى مشتقة من نجوت الشيء أنجوه أي خلصته وأفردته والنجوة من الأرض المرتفع لانفراده بارتفاعه عما حوله كما قال : [البسيط]
105 ـ فمن بنجوته كمن بعقوته
والمستكنّ كمن يمشي بقرواح (1)

(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) شرط. (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) مفعول من أجله وهو مصدر وجواب الشرط. (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) حذفت الضمة من الياء لثقلها ، ويجوز أن يؤتى به على الأصل في الشعر.
(وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) (115)
(وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ) جزم لأنه شرط وظهر التضعيف لأن القاف الثانية في موضع سكون وإنما كسرت لئلا يلتقي ساكنان. قوله (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى) جواب الشرط ، وإن شئت حذفت الياء وتركت الكسرة تدلّ عليها ، وإن شئت ضممت وأثبت الواو ، وإن شئت حذفتها. قال أبو جعفر : وقد ذكرنا علله. فأما إسكان الهاء فلا يجوز لخفائها وكذا (وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) نصب على البيان.
(إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً) (117)
(إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً) مفعول وكذا (وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً) قال أبو رجاء عن الحسن قال : كان في كل حيّ صنم يقال له أنثى بني فلان فقال الله جلّ
__________________
(1) الشاهد لعبيد بن الأبرص في ديوانه ص 15 ، ولسان العرب (قرح) و (نجا) ، وكتاب العين 3 / 44 ، ومجمل اللغة (نجو) ، وديوان الأدب 2 / 73 ، وتهذيب اللغة 11 / 201 ، وتاج العروس (قرح) ، وأمالي القالي 1 / 177 ، ولأوس بن حجر في ديوانه ص 16 ، والشعر والشعراء 214 ، والأغاني 11 / 75 ، وبلا نسبة في مقاييس اللغة 5 / 398 ، والمخصص 9 / 103.

وعزّ (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً وَإِنْ) قال ابن عباس : مع كل صنم شيطانة ، وقيل : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً) لأن الحجارة مؤنّثة فذكرها الله جلّ وعزّ بالضعة لأن المذكر من كل شيء أرفع من المؤنث (وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً) لأنه أمرهم بذلك فنسب الدعاء إليه مجازا لأنهم يطيعونه به.
(لَعَنَهُ اللهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) (118)
(لَعَنَهُ اللهُ) من نعته ويجوز أن يكون دعاءا عليه. (وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) قيل : من النصيب طاعتهم إياه في أشياء منها أنهم يضربون للمولود مسمارا عند ولادته ودورانهم به يوم أسبوعه يقولون : لتعرفه العمّار.
(وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً) (119)
(وَلَأُضِلَّنَّهُمْ) أي عن الحق. (وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ) أي طول الحياة والخير والتوبة والمغفرة مع الإصرار. (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) هذه لامات قسم والنون لازمة لها لأنه لا يقسم إلّا على المستقبل وأهل التفسير مجاهد وغيره يقولون معنى (فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) دين الله وقد قيل : يراد به الخصاء وما تفعله الزنج والحبش من الآثار ، وقيل : هو أنّ الله خلق الشمس والقمر والحجارة للمنفعة فحولوا ذلك وعبدوها من دون الله جلّ وعزّ. (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ) يطيعه ويدع أمر الله.
(يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً) (120)
(يَعِدُهُمْ) أي يعدهم الرياسة والجاه (1) والمال ليعصوا الله جلّ وعزّ (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) أي خديعة.
(أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً) (121)
ف (أُولئِكَ) مبتدأ. (مَأْواهُمْ) مبتدأ ثان. (جَهَنَّمُ) خبر الثاني والجملة خبر الأول. (وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً) أي ملجأ والفعل منه حاص يحيص.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً) (122)
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) رفع بالابتداء والخبر. (سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ) وإن شئت كان في موضع نصب على إضمار فعل يفسّره ما بعده وذلك حسن لأنه معطوف. (وَمَنْ
__________________
(1) وهذه قراءة الحسن وشيبة بن نصاح والحكم والأعرج أيضا انظر البحر المحيط 3 / 371.

أَصْدَقُ مِنَ اللهِ) ابتداء وخبر. (قِيلاً) على البيان يقال : قيلا وقولا وقالا.
(لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) (123)
(لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ) وقرأ أبو جعفر المدني (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ) بتخفيف الياء فيهما جميعا ، ومن أحسن ما روي فيه ما رواه الحكم ابن أبان عن عكرمة عن بن عباس قال : قالت اليهود والنصارى لن يدخل الجنة إلا من كان منا ، وقالت قريش : ليس نبعث فأنزل الله جلّ وعزّ (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ). (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) قال : والسوء هنا الشرك ، وقال الضحاك : السوء الكفر وما يجزى عليه مما لم يتب منه.
(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) (124)
(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) جزم بالشرط والمجازاة (فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ). (وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) عطف عليه.
(وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) (125)
(وَمَنْ أَحْسَنُ) ابتداء وخبر. (وَلَهَدَيْناهُمْ) على البيان. (وَهُوَ مُحْسِنٌ) ابتداء وخبر في موضع الحال (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) وقد ذكرنا معناه. ومن أحسن ما قيل فيه أن الخليل المختصّ اختصّه الله جلّ وعزّ في وقته للرسالة والدليل على هذا قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم «وقد اتّخذ الله عزوجل صاحبكم خليلا» (1) يعني نفسه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وسلم «لو كنت متّخذا خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلا» (2) أي لو كنت مختصا أحدا بشيء لاختصصت أبا بكر. وفي هذا ردّ على من زعم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم اختصّ بعض أصحابه بشيء من أمر الدين.
(وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً) (127)
__________________
(1) أخرجه ابن ماجة في سننه 93.
(2) أخرجه أحمد في مسنده 1 / 377 ، والبيهقي في السنن الكبرى 6 / 246 ، والترمذي في سننه (3659) ، ومسلم في صحيحه في فضائل الصحابة ب 1 رقم (2 ، 3 ، 4) وابن حجر في فتح الباري 7 / 17.

(ما) في موضع رفع أي ويفتيكم القرآن. (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ) في موضع خفض لأنه عطف على اليتامى ، وكذا (وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ).
(وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (128)
(وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً) رفعت امرأة بإضمار فعل يفسره ما بعده وإنما يحسن هذا في ان لقوّتها في باب المجازاة وإذا كان الفعل ماضيا وهو يجوز في المستقبل في الشعر وأنشد سيبويه : [الخفيف]
106 ـ وإذا واغل ينبهم يحيّوه
وتعطف عليه كأس السّاقي (1)

وقول من قال : خفت بمعنى تيقّنت خطأ. قال أبو إسحاق (2) : المعنى وإن امرأة خافت من بعلها دوام النشوز. قال أبو جعفر : الفرق بين النشوز والإعراض أن النشوز التباعد والإعراض أن لا يكلّمها ولا يأنس بها فلا جناح عليهما أن يصّالحا بينهما صلحا (3) هذه قراءة المدنيين وقرأ الكوفيون (أَنْ يُصْلِحا) (4) وقرأ عاصم (الجحدي) أن يصلحا (5) بفتح الياء وتشديد الصاد وفتحها ، وقرءوا كلّهم صلحا إلا أنه روي عن الأعمش أنه قرأ إلّا أن يصلحا بينهما إصلاحا. قال أبو جعفر : وهذا كله محمول على المعنى كما يقال : هو يدعه تركا فمن قال : يصلحا فالمصدر إصلاحا على قوله وصلح اسم ، ومن قال : يصّالحا فالمصدر إصلاحا ، والأصل : تصالحا ثم أدغم ومن قال : يصّلحا فالأصل عنده يصطلحا اصطلاحا ثم يدغم ونظيره قول امرئ القيس : [الطويل]
107 ـ ورضت فذلّت صعبة أيّ إذلال (6)
وقال القطامي : [الوافر]
108 ـ وخير الأمر ما استقبلت منه
وليس بأن تتبّعه اتّباعا (7)

لأن معنى تتبّعه وتتّبعه واحد. وللنحويين في هذا قولان : فمنهم من يقول : العامل فيه فعل محذوف والمعنى إلا أن يصّالحا بينهما فيصلح الأمر صلحا فعلى هذا
__________________
(1) الشاهد لعدي بن زيد في ديوانه ص 156 ، والإنصاف 2 / 617 ، وخزانة الأدب 3 / 46 ، والدرر 5 / 78 ، وشرح أبيات سيبويه 2 / 88 ، والكتاب 3 / 128 ، وبلا نسبة في شرح المفصّل 9 / 10 ، ولسان العرب (وغل) ، والمقتضب 2 / 76 ، وهمع الهوامع 2 / 59 ، وتاج العروس (وغل) ، وفي رواية «فمتى واغل».
(2) انظر إعراب القرآن ومعانيه ص 587.
(3) هذه قراءة السبعة ، انظر البحر المحيط 3 / 379.
(4) مرّ الشاهد رقم (78).
(5) مرّ الشاهد رقم (77).

القول لا يكنى عن المصدر متّصلا ، ومنهم من يقول العامل فيه الأول والكلام محمول على المعنى فهذا يكنى عنه متصلا ، وهذا يقع مشروحا في باب الألف واللام. (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) ابتداء وخبر. (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ) أي تشح بما لها فيه من المنفعة. (وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا) أي وإن تؤثروا الإحسان والتقوى فتجملوا العشرة. (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) وإذا خبّره جازى عليه.
(وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) (129)
(وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) قيل : في القسمة واللّين والكسوة وقال الحسن والضحاك : في الحبّ والجماع (1). (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) مصدر ، وقال الحسن (2) والضحاك : ولا تمل إلى الشابّة وتترك الأخرى لا أيمّا فتتزوج ولا ذات زوج. (فَتَذَرُوها) منصوب لأنه جواب النهي. (كَالْمُعَلَّقَةِ) الكاف في موضع نصب.
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللهُ غَنِيًّا حَمِيداً) (131)
(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ) عطف على «الذين». (أَنِ اتَّقُوا اللهَ) في موضع نصب. قال الأخفش : أي بأن تتقوا الله.
(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً) (133)
(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) شرط وجوابه (وَيَأْتِ بِآخَرِينَ) عطف على الجواب.
(مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (134)
(مَنْ كانَ يُرِيدُ) في موضع نصب لأنه خبر كان. (فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) رفع بالابتداء.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (135)
(كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ) نعت لقوّامين وإن شئت كان خبرا بعد خبر. وأجود من هذين أن يكون نصبا على الحال بما في قوامين من ذكر «الذين آمنوا» لأنه يصير المعنى كونوا قوامين بالعدل عند شهادتكم وحين شهادتكم ولم ينصرف لأن فيه ألف
__________________
(1) وهو قول عمر وابن عباس أيضا ، انظر البحر المحيط 3 / 380 وتفسير الطبري 5 / 312.
(2) انظر تفسير الطبري 5 / 316.

التأنيث. (وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) أي ولو كان الحق على أنفسكم. (أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) عطف بأو. (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا) خبر يكن واسمها فيها مضمر أي أن يكون المطالب غنيا ، (أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما) ولم يقل به و «أو» إنما يدلّ على الحصول لواحد ، ففي هذا للنحويين أجوبة قال الأخفش : تكون «أو» بمعنى الواو قال : ويجوز أن يكون التقدير إن يكن من تخاصم غنيّين أو فقيرين فقال : غنيا فحمله على لفظ من مثل (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) [محمد : 16] والمعنى يستمعون. قال أبو جعفر : والقولان خطأ لا تكون «أو» بمعنى الواو ولا تضمر من كما لا يضمر بعض الاسم ، وقيل إنما قال بهما لأنه قد تقدّم ذكرهما كما قال (وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) [النساء : 12]. (أَنْ تَعْدِلُوا) في موضع نصب. وقرأ ابن عامر والكوفيون (وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا) (1) وقد ذكرناه ، والفعل منه لوى والأصل فيه لوي قلبت الياء ألفا بحركتها وحركة ما قبلها والمصدر ليّا والأصل لويا وليّانا والأصل لويانا ثم أدغمت الواو وفي الحديث «ليّ الواجد يحلّ عقوبته وعرضه» (2) قال ابن الأعرابي : عقوبته حبسه وعرضه شكايته ، وزعم بعض النحويين أنّ من قرأ (تلوا) بمعنى «تلووا» والأصل : تلؤوا همزت الواو كما يقال : (أُقِّتَتْ) فصار تلؤوا ثم خفّفت الهمزة فألقيت حركتها على اللام فوجب أن تحذف فصار تلو.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) (137)
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا) اسم «إنّ» والخبر (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) ويقال : الله لا يغفر شيئا من الكفر فكيف قال (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ)؟ فالجواب إنّ الكافر إذا آمن غفر له كفره فإذا رجع فكفر لم يغفر له الكفر الأول ومعنى «ثم ازدادوا كفرا» أصرّوا على الكفر. (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) أي طريقا إلى الجنّة وقيل : لا يخصّهم بالتوفيق كما يخصّ أولياءه.
(بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) (139)
(بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) نعت للمنافقين وفي هذا دليل على أنّ من عمل معصية من الموحّدين ليس بمنافق لأنه
__________________
(1) هي قراءة حمزة أيضا ، انظر البحر المحيط 3 / 386.
(2) أخرجه أحمد في مسنده 4 / 222 ، والبيهقي في السنن الكبرى 6 / 51 ، وأبو داود في سننه 3628 ، والنسائي في سننه 7 / 316 ، والمتقي في كنز العمال (15439).

لا يتولّى الكافرين. (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ) أي أيبتغون أن يعتزوا بهم. (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) نصب على الحال.
(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) (140)
فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر لأنّ من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم والرضى بالكفر كفر ، قال الله جلّ وعزّ (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ) والأصل التنوين فحذف استخفافا.
(الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (141)
(الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ) نعت للمنافقين. (فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ) اسم كان وكذا (وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ) جاء على الأصل ، ولو أعلّ لكان لم نستحذ والفعل على الإعلال استحاذ يستحيذ وعلى غير الإعلال استحوذ يستحوذ وفي حرف أبيّ ومنعناكم من المؤمنين (1) وهو محمول على المعنى لأن المعنى قد استحوذنا عليكم ويجوز أن يكون على حذف قد. وقد ذكرنا معنى (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً).
(إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً) (142)
(إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ) مجاز أي يخادعون أولياء الله. (وَهُوَ خادِعُهُمْ) أي معاقبهم ، وإن شئت أسكنت الهاء فقلت «وهو» لأن الضمّة ثقيلة وقبل الكلمة واو ، وحكي إسكان الواو وقرأ مسلمة بن عبد الله النحوي (وَهُوَ خادِعُهُمْ) (2) بإسكان العين ، وقال محمد بن يزيد : هذا لحن لأنه زوال الإعراب. قال أبو جعفر : وقد أجاز سيبويه ذلك وأنشد : [الرجز]
109 ـ إذا اعوججن قلت صاحب قوّم (3)
__________________
(1) انظر البحر المحيط 3 / 391 ، ومعاني الفراء 1 / 292.
(2) انظر البحر المحيط 3 / 393 ، ومختصر ابن خالويه (29).
(3) مرّ الشاهد (22).

(وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى) في موضع نصب على الحال ، وكذا يراءون الناس أي يرون الناس أنّهم يتديّنون بصلاتهم وقرأ ابن أبي إسحاق والأعرج يرؤّون الناس (1) على وزن (يُدَعُّونَ) [الطور : 13] ، وحكى أنها لغة سفلى مضر والقراءة الأولى أولى لإجماعهم على الذين هم يراءون ، ويقال : فلان مراء وفعل ذلك رئاء الناس. (وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) أي لا يذكرون الله جلّ وعزّ بقراءة ولا تسبيح وإنّما يذكرونه بالتكبير وبما يراءون به والتقدير : إلّا ذكرا قليلا.
(مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) (143)
(مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ) أي مضطربين يظهرون لهؤلاء أنهم منهم ولهؤلاء أنهم منهم وفي حرف أبيّ متذبذبين (2) ويجوز الإدغام على هذه القراءة (مُذَبْذَبِينَ) بتشديد الذال الأولى وكسر الثانية وروي عن الحسن مذبذبين (3) بفتح الميم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً) (144)
(لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) مفعولان أي لا تجعلوهم خاصتكم وبطانتكم. (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً) أي في تعذيبه إياكم.
(إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً) (145)
(إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) (4) وقرأ الكوفيون (فِي الدَّرْكِ) (5) والأول أفصح ، والدليل على ذلك أنه يقال في جمعه : أدراك مثل جمل وأجمال. وقد ذكرنا أن الإدراك الطبقات والمنازل إلا أن استعمال العرب أن يقال لكل ما تسافل : أدراك ، يقال للبئر : أدراك ، ويقال لما تعالى : درج فللجنّة درج وللنار أدراك.
(إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) (146)
(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) استثناء فأولئك مع المؤمنين أي فأولئك يؤمنون مع المؤمنين. (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) مفعولان وحذفت الياء في المصحف من «يؤتي»
__________________
(1) انظر البحر المحيط 3 / 393 ، ومختصر ابن خالويه (29).
(2) انظر البحر المحيط 3 / 394.
(3) وهي قراءة ابن عباس أيضا ، انظر مختصر ابن خالويه (29).
(4) قرأ الحرميان والعربيان «في الدرك» انظر البحر المحيط 3 / 396.
(5) وهي قراءة حمزة والكسائي والأعمش ويحيى بن وثاب ، انظر البحر المحيط 3 / 396.

لأنها محذوفة في اللفظ لالتقاء الساكنين ، وأهل المدينة يحذفونها في الوقف ويثبّتون أمثالها في الإدراج ، واعتلّ لهم الكسائي بأنّ الوقف موضع حذف ، ألا ترى أنك تحذف الإعراب في الوقف (1).
(ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً) (147)
(ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ ما) في موضع نصب والمعنى أن الله جلّ وعزّ لا ينتفع بعذابكم ولا بظلمكم فلم يعذّبكم (إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً) أي يشكر عباده على طاعته ومعنى يشكرهم يثيبهم.
(لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً) (148)
(لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ) أي لا يريد أن يجهر أحد بسوء من القول ، وتمّ الكلام ثم قال جلّ وعزّ (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) استثناء ليس من الأول في موضع نصب أي لكن من ظلم فله أن يقول ظلمني فلان بكذا ، ويجوز أن يكون «من» في موضع رفع ، ويكون التقدير لا يحبّ الله أن يجهر بالسوء إلا من ظلم ، ويجوز إسكان اللام ومن قرأ (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) (2) فلا يجوز له أن يسكن اللام لخفة الفتحة وتقديره ما يفعل الله بعذابكم إلا من ظلم.
(إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً) (149)
(إِنْ تُبْدُوا خَيْراً) أي من القول السيئ. (أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ) أي أن تبدوا خيرا فهو خير من القول السّيئ أو تخفوه أو تعفوا عن سوء مما لحقكم فإنّ الله يعفو عنكم لعفوكم.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) (150)
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ) اسم «إنّ» والجملة الخبر (وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ) أي بين الإيمان بالله ورسله. (وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) وهم اليهود آمنوا بموسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكفروا بعيسى ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ) ولم يقل : ذينك لأن ذلك يقع للإثنين كما قال جلّ وعزّ (بَيْنَ ذلِكَ) [البقرة : 68] في سورة «البقرة» ، ولو كان ذينك لجاز ، والمعنى ويريدون أن يتّخذوا بين الإيمان والجحد طريقا.
__________________
(1) انظر البحر المحيط 3 / 397.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 2847
نقاط : 4448
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

إعراب القرآن [ ج ١ ] Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعراب القرآن [ ج ١ ]   إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 4:44 pm

(أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) (151)
(أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا) لأنهم لا ينفعهم إيمانهم بالله جل وعز إذا كفروا برسوله وإذا كفروا برسوله فقد كفروا به جلّ وعزّ لأنه مرسل للرسول ومنزّل عليه الكتاب وكفروا بكل رسول مبشّر بذلك الرسول فلهذا ، صاروا الكافرين حقا والتقدير قلت قولا حقا وما قبله يدلّ عليه. (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) و (لِلْكافِرِينَ) يقوم مقام المفعول الثاني.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (152)
(وَالَّذِينَ آمَنُوا) ابتداء في موضع رفع ، وإن شئت كان في موضع نصب بإضمار فعل يفسّره ما بعده.
(يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً) (153)
(يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً) هم اليهود سألوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يصعد إلى السماء وهم يرونه بلا كتاب وينزل ومعه كتاب تعنّتا له صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأعلم الله جل وعز أن آباءهم قد تعنّتوا موسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأكبر من هذا. (فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) جهرة نعت لمصدر محذوف أي رؤية جهرة ، وقول أبي عبيدة (1) : إن التقدير فقالوا جهرة في موضع الحال. (وَأَرِنا) (2) بإسكان الراء بعيدة في العربية لأنه حذف بعد حذف. (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) أي بعظيم ما جاءوا به. (ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) أي البراهين أنه لا معبود إلا الله جلّ وعزّ (فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً) من الآيات التي جاء بها وسمّيت الآية سلطانا لأن من جاء بها قاهر بالحجة وهي قاهرة للقلوب بأن تعلم أنه ليس في قوى البشر أن يأتوا بمثلها.
(وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) (154)
(وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) على الحال. (وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ) (3) من عدا
__________________
(1) انظر مجاز القرآن 1 / 142.
(2) راجع إعراب الآية 127 ـ البقرة.
(3) انظر البحر المحيط 3 / 403.

تعدو ، وتعدّوا ، والأصل فيه تعتدوا ، فأدغمت التاء في الدال ، ولا يجوز إسكان العين ولا يوصل إلى الجمع بين ساكنين في هذا ، والذي يقرأ بهذا إنما يروم الخطأ.
(فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً) (155)
(فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) خفض بالباء و «ما» زائدة. (وَكُفْرِهِمْ) عطف وكذا (وَقَتْلِهِمُ).
(وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً(157) بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (158)
كسرت «إنّ» لأنها مبتدأة بعد القول وفتحها لغة. (رَسُولَ اللهِ) بدل ، وإن شئت على معنى أعني (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) رويت روايات في التشبيه الذي كان منها أن رؤساءهم لمّا فقدوا المسيح أخذوا رجلا فقتلوه ولبّسوه ثيابا مثل ثياب المسيح وصلبوه على خشبة مرتفعة ومنعوا الناس من الدنوّ منه لئلّا يفطن بهم ثم دفنوه ليلا ، وقيل : كان المسيح صلى‌الله‌عليه‌وسلم محبوسا عند خليفة قيصر فاجتمعت اليهود إليه فتوهّم أنهم يريدون خلاصه فقال لهم : أنا أخلّيه لكم قالوا بل نريد قتله فرفعه الله جل وعز إليه أي حال بينهم وبينه فأخذ خليفة قيصر رجلا فقتله وقال لهم : قد قتلته خوفا منه فهو الذي شبّه عليهم ، وقد يكون آمن به وأطلقه فرفع وشبّه عليهم بغيره ممّن قد استحق القتل في حبسه ، وقد يكون امتنع من قتله لما رأى من الآيات قال الله جلّ وعزّ (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) تمّ الكلام. ثم قال جلّ وعزّ (إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) استثناء ليس من الأول في موضع نصب ، وقد يجوز أن يكون في موضع رفع على البدل أي ما لهم به علم إلّا اتباع الظن ، وأنشد سيبويه : [الرجز]
110 ـ وبلدة ليس بها أنيس
إلّا اليعافير وإلّا العيس (1)

(وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً) نعت لمصدر وفيه تقديران : أبينهما أنّ التقدير قال الله جلّ وعزّ هذا قولا يقينا ، والقول الآخر أن يكون المعنى وما علموه علما يقينا وروى الأعشى عن أبي بكر بن عياش عن عاصم :
__________________
(1) الشاهد لجران العود في ديوانه ص 97 ، وخزانة الأدب 10 / 15 ، والدرر 3 / 162 ، وشرح أبيات سيبويه 2 / 140 ، وشرح التصريح 1 / 353 ، وشرح المفصل 2 / 117 ، والمقاصد 3 / 107 ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2 / 91 ، والإنصاف 1 / 271 ، وأوضح المسالك 2 / 261 ، والجنى الداني 164 ، ورصف المباني ص 417 ، وشرح الأشموني 1 / 229 ، وشرح شذور الذهب 344.

(بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً)
بغير إدغام والإدغام أجود لقرب اللام من الراء وأنّ في الراء تكريرا فالإدغام فيها حسن. (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) أي قادرا على أن يمنع أولياءه من أعدائه ولا يمنعه من ذاك مانع ولا يغلبه غالب. (حَكِيماً) فيما يدبّره من أمور خلقه.
(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) (159)
(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) لأن أهل الكتاب فيه على ضربين منهم من كذّبه ومنهم من اتّخذه إلها فيضطرّ قبل موته إلى الإيمان به لأنه يتبيّن أنه كان على باطل إذا عاين وتقدير سيبويه (1) وإن من أهل الكتاب أحد إلّا ليؤمنن به ، وتقدير الكوفيين وإن من أهل الكتاب إلّا من ليؤمننّ به ، وحذف الموصول خطأ. (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) أي على من كان فيهم.
(فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيرا) (160)
(فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا) قال أبو إسحاق : هذا بدل من (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) [آية : 155](حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) نحو كل ذي ظفر وما أشبهه (وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً) أي صدّا كثيرا.
(لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً) (162)
(لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) رفع بالابتداء. (يُؤْمِنُونَ) في موضع الخبر ، والكوفيون يقولون : رفع بالضمير (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) ، في نصبه ستة أقوال فسيبويه ينصبه على المدح أي وأعني المقيمين. قال سيبويه : هذا باب ما ينصب على التعظيم ومن ذلك المقيمين الصلاة وأنشد (2) : [البسيط]
111 ـ وكلّ قوم أطاعوا أمر مرشدهم
إلّا نميرا أطاعت أمر غاويها

الظّاعنين ولمّا يظعنوا أحدا
والقائلون لمن دار نخلّيها

وأنشد (3) : [الكامل]
__________________
(1) انظر الكتاب 2 / 363.
(2) البيتان لمالك بن خياط العكلي في شرح أبيات سيبويه 2 / 21 ، والكتاب 2 / 59 ، ولابن حماط العكلي في خزانة الأدب 5 / 42 ، وبلا نسبة في الإنصاف 2 / 470 ، ولسان العرب (ظعن) ، وتاج العروس (ظعن).
(3) مرّ البيتان في الشاهد رقم (33).


112 ـ لا يبعدن قومي الذين هم
سمّ العداة وآفة الجزر

النّازلين بكلّ معترك
والطّيبون معاقد الأزر

وهذا أصحّ ما قيل في المقيمين ، وقال الكسائي : (وَالْمُقِيمِينَ) معطوف على «ما». قال أبو جعفر : وهذا بعيد لأن المعنى يكون ويؤمنون بالمقيمين ، وحكى محمد بن جرير أنه قيل : إن المقيمين هنا الملائكة عليهم‌السلام لدوامهم على الصّلاة والتسبيح والاستغفار ، واختار هذا القول ، وحكى أنّ النصب على المدح بعيد لأن المدح إنما يأتي بعد تمام الخبر ، وخبر (الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) في (أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً) فلا ينتصب على المدح ولم يتمّ خبر الابتداء لأنه جعل «والمؤتون» عطفا وجعل الخبر ما ذكر. ومذهب سيبويه غير ما قال ، وقيل : والمقيمين عطف على الكاف التي في قبلك أي من قبلك ومن قبل المقيمين وقيل : «والمقيمين» عطف على الكاف التي في أولئك وقيل : هو معطوف على الهاء والميم أي منهم ومن المقيمين. وهذه الأجوبة الثلاثة لا تجوز لأن فيها عطف مظهر على مضمر مخفوض ، والجواب السادس أن يكون و «المقيمين» عطفا على قبلك ويكون المعنى ومن قبل المقيمين ثم أقام المقيمين مقام قبل كما قال (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : 82] وقرأ سعيد بن جبير وعاصم الجحدري والمقيمون الصلاة وكذا هو في حرف عبد الله بن مسعود فأما حرف أبيّ فهو فيه (وَالْمُقِيمِينَ) (1) كما في المصاحف. (وَالْمُؤْتُونَ) (2) فيه خمسة أقوال : قال سيبويه : وأما «المؤتون» فمرفوع بالابتداء. وقال : غيره : هو مرفوع على إضمار مبتدأ أي فهم المؤتون الزكاة ، وقيل هو معطوف على المضمر الذي في المقيمين ، وقيل : هو عطف على المضمر الذي في يؤمنون أي يؤمنون هم والمؤتون ، والجواب الخامس أن يكون معطوفا على الراسخين.
(إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) (163)
(إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ) انصرف نوح وهو اسم أعجمي لأنه على ثلاثة أحرف فخفّ فأما (إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) فأعجمية وهي معرفة فلذلك لم ينصرف ، وكذا يعقوب وعيسى وموسى إلا أن عيسى وموسى يجوز أن تكون الألف فيهما للتأنيث فلا ينصرفان في معرفة ولا نكرة. روي عن الحسن أنه قرأ ويونس (3) بكسر النون
__________________
(1) وهي قراءة عمرو بن عبيد وعيسى بن عمرو مالك بن دينار وعصمة عن الأعمش ويونس وهارون عن أبي عمرو أيضا ، انظر البحر المحيط 3 / 411.
(2) انظر البحر المحيط 3 / 412.
(3) وهي قراءة نافع في رواية ابن جماز عنه أيضا ، انظر البحر المحيط 3 / 413.

وكذا يوسف بكسر السين يجعلهما من أنس وأسف ويجب على هذا أن ينصرفا ويهمزا ويكون جمعهما يأ أنس ويأ اسف ومن لم يهمز قال : يوانس ويواسف وحكى أبو زيد : يونس ويوسف.
(وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) (164)
(وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) بإضمار فعل أي وقصصنا رسلا لأنه معطوف على ما قد عمل فيه الفعل ومثله ما أنشد سيبويه (1) : [المنسرح]
113 ـ أصبحت لا أحمل السّلاح ولا
أملك رأس البعير إن نفرا

والذّئب أخشاه إن مررت به
وحدي وأخشى الرّياح والمطرا

ويجوز أن يكون (وَرُسُلاً) عطفا على المعنى لأن المعنى (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) إنا أرسلناك موحين إليك وأرسلنا رسلا قد قصصناهم عليك من قبل وفي حرف أبيّ ورسل (2) بالرفع. (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) مصدر مؤكّد ، وأجمع النحويون على أنك إذا أكّدت الفعل بالمصدر لم يكن مجازا وأنه لا يجوز في قول الشاعر : [الرجز]
114 ـ امتلأ الحوض وقال قطني (3)
أن يقول : قال قولا فكذا لمّا قال : تكليما وجب أن يكون كلاما على الحقيقة من الكلام الذي يعقل.
(رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (165)
(رُسُلاً مُبَشِّرِينَ) على البدل من (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ) ويجوز أن يكون على
__________________
(1) البيتان للربيع بن ضبع في أمالي المرتضى 1 / 255 وحماسة البحتري 201 ، وخزانة الأدب 7 / 384 ، وشرح التصريح 2 / 36 ، والكتاب 1 / 144 ، ولسان العرب (ضمن) ، والمقاصد النحوية 3 / 398 ، وبلا نسبة في الردّ على النحاة 114 ، وشرح المفصّل 7 / 105 ، والمحتسب 2 / 99.
(2) انظر البحر المحيط 3 / 414.
(3) الشاهد بلا نسبة في إصلاح المنطق ص 57 ، والإنصاف 130 ، وأمالي المرتضى 2 / 309 ، وتخليص الشواهد 111 ، وجواهر الأدب ص 151 ، والخصائص 1 / 23 ، ورصف المباني ص 362 ، وسمط اللآلي 475 ، وشرح الأشموني 1 / 57 ، وشرح المفصّل 1 / 82 ، وكتاب اللامات 140 ، ولسان العرب (قطط) و (قطن) ، ومجالس ثعلب ص 189 ، والمقاصد النحوية 1 / 361 ، ومقاييس اللغة 5 / 14 ، والمخصّص 14 / 62 ، وتهذيب اللغة 8 / 264 ، وكتاب العين 5 / 14 ، وبعده :
«مهلا رويدا قد ملأت بطني»

إضمار فعل ، ويجوز نصبه على الحال أي كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ورسلا.
(لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (166)
(لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ) رفع وإن شئت شدّدت النون ونصبت. (يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ) والشاهد المبيّن لشهادته أن يبيّن ، ويعلم ذلك. (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً).
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (167) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً) (168)
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) اسم «إنّ» والجملة الخبر ، وكذا (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً) مفعول ثان وقد حذفت منه «إلى» كما حذفت «من» في قوله (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً) [الأعراف : 155].
(إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (169) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) (170)
(إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ) بدل.
(فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ) على مذهب سيبويه (1) وآتوا خيرا لكم ، وعلى قول الفراء (2) نعت لمصدر محذوف أي إيمانا خيرا لكم ، وعلى قول أبي عبيدة (3) : يكن خيرا لكم.
(يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) (171)
(يا أَهْلَ الْكِتابِ) نداء مضاف. (لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) نهي والغلو والتجاوز في الظلم. (إِنَّمَا الْمَسِيحُ) رفع بالابتداء ف (عِيسَى) بدل منه وكذا (ابْنُ مَرْيَمَ) ويجوز أن يكون خبر الابتداء ، ويكون المعنى إنما المسيح ابن مريم فكيف يكون إلها هو محدث
__________________
(1) انظر الكتاب 1 / 340 ، والبحر المحيط 3 / 416.
(2) انظر معاني الفراء 1 / 295 ، والبحر المحيط 3 / 416.
(3) وهو مذهب الكسائي أيضا ، انظر البحر المحيط 3 / 416 ، ومجاز القرآن 1 / 143.

ليس بقديم ويكون (رَسُولُ اللهِ) خبرا ثانيا. (فَآمِنُوا بِاللهِ) أي بأنه إله واحد خالق المسيح ومرسله. (وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ) أي ولا تقولوا آلهتنا ثلاثة (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) قال سيبويه : ومما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره قوله : (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) لأنك إذا قلت : انته فأنت تخرجه وتدخله في آخر وأنشد : [السريع]
115 ـ فواعديه سرحتي مالك
أو الرّبى بينهما أسهلا (1)

ومذهب أبي عبيدة انتهوا يكن خيرا لكم. قال محمد بن يزيد : هذا خطأ لأنه لا يضمر الشرط وجوابه وهذا لا يوجد في كلام العرب ، ومذهب الفراء أنه نعت لمصدر محذوف. قال علي بن سليمان : هذا خطأ فاحش لأنه يكون المعنى انتهوا الانتهاء الذي هو خير لكم. (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) ابتداء وخبر. (سُبْحانَهُ) مصدر. (أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) في موضع نصب أي كيف يكون له ولد وولد الرجل مشبه له ولا شبيه لله جلّ وعزّ : (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) بيان ، وإن شئت حال ومعنى وكيل كاف لأوليائه.
(لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً) (172)
(لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ) أي لن يأنف (أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ) في موضع نصب أي من أن يكون عبدا لله (وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) فدلّ بهذا على أن الملائكة أفضل من الأنبياء صلوات الله عليهم وكذا (وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) [هود : 31].
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) (173)
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) رفع بالابتداء والجملة الخبر ، ويجوز أن يكون نصبا على إضمار فعل يفسره ما بعده وكذا (وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا) وقد ذكرنا معنى تسمية عيسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالكلمة (2). ومن أحسن ما قيل فيه أنّ عيسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما كان يهتدى به صار بمنزلة كلام الله جلّ وعزّ الذي يهتدى به ولما كان يحيى به من موت الكفر قيل له روح الله جلّ وعزّ على التمثيل.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) (174)
(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) أي يهتدى به من الضلالة فهو نور مبين أي واضح بين.
__________________
(1) الشاهد لعمر بن أبي ربيعة في خزانة الأدب 2 / 120 ، والكتاب 1 / 340 ، وله أو لغيره من الحجازيين في شرح أبيات سيبويه 1 / 428 ، وبلا نسبة في لسان العرب (وعد).
(2) انظر إعراب الآية 45 ـ آل عمران.

(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً) (175)
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ) أي امتنعوا بكتابه عن معاصيه وإذا اعتصموا بكتابه فقد اعتصموا به ، (وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ) أي إلى ثوابه.
(يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (176)
(يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) فيها ثلاثة أقوال : منها أن الكلالة الميت الذي لا والد له ولا ولد ، ومنها أنها الورثة الذين لا والد فيهم ولا ولد ، وقيل : الكلالة المال. (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) رفع بإضمار فعل وجاز هذا لأن «إن» أصل حروف المجازاة وبعدها فعل ماض (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) في موضع نصب وقيل : خفض وفيه ثلاثة أقوال : قال الفراء (1) : أي لئلا تضلّوا وهذا عند البصريين خطأ لأن «لا» لا تحذف هاهنا ، وقال محمد بن يزيد وجماعة من البصريين : التقدير كراهة أن تضلّوا ثم حذف وهو مفعول من أجله ، والقول الثالث : أن المعنى يبيّن الله لكم الضلالة أي فإذا بيّن لكم الضلالة اجتنبتموها. (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ابتداء وخبر أي بكل شيء من مصالح عباده في قسمة مواريثهم وغيرها ذو علم.
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 297.

(5)
شرح إعراب سورة المائدة
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) (1)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) (يا) للنداء وحروف النداء عند سيبويه (1) خمسة وهي : يا وأيا وهيّا وأي والألف. و «ها» للتنبيه و (أيّ) نداء مفرد والنعت لازم له ليبيّنه (الَّذِينَ) نعت لأيّ ويقال : «الّذون». (آمَنُوا) صلة الذين والأصل «أأمنوا» فخفّفت الهمزة الثانية ولا يجوز الجمع بينهما في حرف واحد إلّا في فعّال. (أَوْفُوا) مجزوم عند الكوفيين وأضمروا اللام ، وغير معرب عند البصريين لأنه لا يضارع. (بِالْعُقُودِ) خفض بالباء وهو جمع عقد يقال : عقدت الحبل والعهد وأعقدت العسل ووجب بهذا أن يوفى بكل يمين وأمان وبيع واجارة إذا لم يكن حراما. (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) اسم ما لم يسمّ فاعله أي أحل لكم أكلها والانتفاع بها. وبنو تميم يقولون : «بهيمة» (2).
(إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) في موضع نصب بالاستثناء ، وهو عند سيبويه (3) بمنزلة المفعول ، وعند أبي العباس بمعنى استثنيت. قال أبو إسحاق (4) : لا يجوز إلا ما قاله سيبويه والذي قال أبو العباس لا يصحّ ، وزعم الفراء (5) : أنه يجوز الرفع بجعلها «إلا» العاطفة والنصب عنده بإن. (غَيْرَ مُحِلِّي) نصب على الحال مما في أوفوا. قال الأخفش : أي يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود غير محلي الصيد ، وقال غيره : حال من الكاف والميم ، والتقدير : أحلّت لكم بهيمة الأنعام غير محلى الصيد ، والأصل محلّين حذفت
__________________
(1) انظر الكتاب 2 / 234.
(2) انظر مختصر ابن خالويه 31 ، وهذه قراءة أبي السمال.
(3) انظر الكتاب 2 / 346.
(4) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 617.
(5) انظر معاني الفراء 1 / 298.

النون استخفافا وحذفت الياء في الوصل لالتقاء الساكنين. (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) ابتداء وخبر. (إِنَّ اللهَ) اسم «إنّ» (يَحْكُمُ) في موضع الخبر أي بين عباده.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (2)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) وهي العلامات وقيل هي البدن المشعرة أي المعلمة أي لا تستحلّوها قبل محلّها وقيل هي العلامات التي بين الحلّ والحرم لا تتجاوزوها غير محرمين. (وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ) عطف ، وكذا (وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ) قيل: هذا كلّه منسوخ وقيل حرّم عليهم أن يمسوا الهدي والقلائد قبل محلّ الهدي وروي عن الأعمش ولا آمّي البيت الحرام (1) بحذف النون والإضافة. (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ) في موضع نصب أي مبتغين ، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ) بضم الياء. قال الكسائي : هما لغتان ولا يعرف البصريون الضم في هذا المعنى وإنما يقال ذلك في الإجرام (أَنْ صَدُّوكُمْ) في موضع نصب مفعول من أجله أي لأن صدّوكم ، وقرأ أبو عمرو وابن كثير (أَنْ صَدُّوكُمْ) (2) بكسر إن وهو اختيار أبي عبيد وروي عن الأعمش إن يصدّوكم (3) وهذه القراءة لا تجوز بإجماع النحويين إلّا في شعر على قول بعضهم لأن «إن» إذا عملت فلا بدّ في جوابها من الفاء والفعل وإن كان سيبويه قد أنشد : [الرجز]
116 ـ إنّك إن يصرع أخوك تصرع (4)
فإنّما أجازه في الشعر وقد ردّ عليه قوله فأما «إن صدّوكم» بكسر «إن» فالعلماء الجلّة بالنحو والحديث والنظر يمنعون القراءة بها لأشياء منها أنّ هذه الآية نزلت عام الفتح سنة ثمان وكان المشركون صدّوا المؤمنين عام الحديبية سنة ستّ فالصدّ كان قبل الآية وإذا قرئ بالكسر لم يجز أن يكون إلا بعده كما تقول : لا تعط فلانا شيئا إن قاتلك فهذا لا يكون إلّا للمستقبل وإن فتحت كان للماضي فوجب على هذا ألّا يجوز إلا أن صدّوكم ، وأيضا فلو لم يصح هذا الحديث لكان الفتح واجبا لأن قوله تعالى :
__________________
(1) انظر مختصر ابن خالويه 31 ، ومعاني الفراء 1 / 299 والبحر المحيط 3 / 435 (وهي قراءة عبد الله وأصحابه).
(2) انظر تيسير الداني 82.
(3) انظر المحتسب 1 / 206.
(4) مرّ الشاهد رقم (85).

(لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) إلى آخر الآية يدلّ على أنّ مكة كانت في أيديهم وأنّهم لا ينهون عن هذا إلّا وهم قادرون على الصدّ عن البيت الحرام فوجب من هذا فتح «أن» لأنه لما مضى وأيضا فلو كان للمستقبل لكان بعيدا في اللغة لأنك لو قلت لرجل يخاف من آخر الشتم والضرب والقتل : لا تغضب إن ضربك فلان لكان بعيدا لأنك توهم أن يغضب من الضرب فقط. (أَنْ تَعْتَدُوا) في موضع نصب لأنه مفعول به أي لا يكسبنّكم شنآن قوم الاعتداء ، وأنكر أبو حاتم وأبو عبيد «شنان» بإسكان النون لأن المصادر إنما تأتي في مثل هذا متحركة وخالفهما غيرهما وقال : ليس هذا مصدرا ولكنه اسم فاعل على وزن كسلان وغضبان قال الأخفش : ثم قال (عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) فقطعه من أول الكلام. (إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) اسم انّ وخبرها.
(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (3)
(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) اسم ما لم يسمّ فاعله وما بعده عطف عليه ، ويجوز فيما بعده النصب بمعنى وحرّم الله عليكم الدم ، والأصل في دم فعل يدلّ على ذلك قول الشاعر: [الوافر]
117 ـ جرى الدميان بالخبر اليقين (1)
وهو من دمي يدمى مثل : حذر يحذر ، وقيل : وزنه فعل بإسكان العين. (وَالنَّطِيحَةُ) بالهاء وإن كانت مصروفة عن مفعولة لأنه لم يتقدّمها اسم. وكذا يقول : خضيبة فإن ذكرت مؤنّثا قلت : رأيت كفّا خضيبا هذا قول الفرّاء ، والبصريون يقولون : جعلت اسما فحذفت منها الهاء كالذبيحة ، وقيل : هي بمعنى ناطحة قال الفراء : أهل نجد يقولون «السبع» فيحذفون الضمة. (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) في موضع نصب بالاستثناء (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) وحقيقته في اللغة تستدعوا القسم بالقداح. قال الأخفش وأبو عبيدة : واحد الأزلام زلم وزلم. (ذلِكُمْ فِسْقٌ) ابتداء وخبر. (الْيَوْمَ) ظرف والعامل فيه يئس والتقدير اليوم يئس الذين كفروا من تغيير دينكم وردّكم عنه لما رأوا من استبصاركم بصحّته واغتباطكم به. (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) فدلّ بهذا على أن الإيمان والإسلام أشياء كثيرة ، وهذا خلاف قول المرجئة. (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ) (من) في موضع رفع
__________________
(1) مرّ الشاهد رقم (13).

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 2847
نقاط : 4448
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

إعراب القرآن [ ج ١ ] Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعراب القرآن [ ج ١ ]   إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 4:46 pm

بالابتداء ، والتقدير فإنّ الله له غفور رحيم ثم حذف له وأنشد سيبويه : [الرجز]
118 ـ قد أصبحت أمّ الخيار تدّعى
عليّ ذنبا كلّه لم أصنع (1)

(اضْطُرَّ) في موضع جزم بالشرط إلّا أنه فعل ماض لا يعمل فيه عامل ، ويجوز كسر النون وضمّها ، وقرأ ابن محيصن فمن اطّرّ (2) وهو لحن لأن الضاد فيها تفش فلا تدغم في شيء. (غَيْرَ مُتَجانِفٍ) (3) على الحال ، وإن شئت كسر النون في «فمن» على أصل التقاء الساكنين.
(يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (4)
(يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ ما) في موضع رفع بالابتداء ، والخبر (الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) وذا زائدة ، وإن شئت كان بمعنى الذي وكان الخبر (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) وهو الحلال ، وكل حرام فليس بطيب ، وقيل : الطيب ما التذّه أكله وشاربه ولم يكن عليه منه ضرر في الدنيا ولا في الآخرة. (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ) قال الأخفش : واحدتها جارحة. (مُكَلِّبِينَ) نصب على الحال. (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) الأصل أمسكنه وحذفت الهاء لطول الاسم وفي هذا وفيما قبله دليل على أنه أن أكل الجارحة لم يؤكل منه. (وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) الذكر باللسان ، وقيل : بالقلب والذي توجبه اللغة أن يكون باللسان حقيقة وبالقلب مجازا.
(الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) (5)
(مُحْصِنِينَ).
نصب على الحال. (غَيْرَ مُسافِحِينَ) مثله ، وإن شئت كان نعتا. (وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ) عطف على مسافحين ولا يجوز أن يكون معطوفا على محصنين. (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ) شرط والجواب (فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ). قال أبو إسحاق (4) : أي من بدل شيئا مما
__________________
(1) الشاهد لأبي النجم العجلي في تخليص الشواهد 281 ، والكتاب 1 / 138 ، وخزانة الأدب 1 / 359 ، والدرر 2 / 13 ، وشرح أبيات سيبويه 1 / 14 ، وشرح شواهد المغني 2 / 544 ، وشرح المفصل 6 / 90 ، والمحتسب 1 / 211 ، ومعاهد التنصيص 1 / 147 ، والمقاصد النحوية 4 / 224 ، وبلا نسبة في الخصائص 2 / 61 ، وشرح المفصل 2 / 30 والمقتضب 4 / 252 ، وهمع الهوامع 1 / 97.
(2) انظر البحر المحيط 3 / 442 (بإدغام الضاد في الطاء).
(3) وقرأ أبو عبد الرّحمن والنخعي وابن وثاب (متجنف) بدون ألف ، انظر البحر المحيط 3 / 442.
(4) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجّاج 630.

أحلّه الله فجعله حراما أو حرّم شيئا مما أحلّه الله فقد حبطت أعماله أي لا يثاب عليها. (وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) لا يجوز أن يكون الظرف متعلقا بالخاسرين فيدخل في الصلة ولكنه متعلّق بالمصدر ، وقد ذكرنا نظيره فيما تقدّم (1) وأما قول مجاهد رواه عنه ابن جريج في قول الله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ) قال «بالله» فمعناه من كفر بالإيمان كفر بالله وحبط عمله والدليل على ذلك أنّ سفيان روى عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد قال : «الإيمان قول وعمل يزيد وينقص» (2).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (6)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) قال زيد بن أسلم : أي إذا قمتم من النوم إلى الصلاة وقال غيره : في الكلام حذف أي إذا قمتم إلى الصلاة وقد أحدثتم وقيل كان واجبا أن يتهيّأ للصلاة كلّ من قام إليها ثم نسخ ذلك. (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) (3) فمن قرأ بالنصب جعله عطفا على الأول أي واغسلوا أرجلكم ، وقد ذكرنا الخفض (4) إلا أنّ الأخفش وأبا عبيدة (5) يذهبان إلى أنّ الخفض على الجوار (6) والمعنى للغسل. قال الأخفش : ومثله : «هذا جحر ضب خرب» وهذا القول غلط عظيم لأن الجوار لا يجوز في الكلام أن يقاس عليه وإنما هو غلط ونظيره الأقواء. ومن أحسن ما قيل أنّ المسح والغسل واجبان جميعا والمسح واجب على قراءة من قرأ بالخفض والغسل واجب على قراءة من قرأ بالنصب ، والقراءتان بمنزلة آيتين وفي الآية تقديم وتأخير على قول بعضهم قال : التقدير : إذا قمتم إلى الصلاة أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى
__________________
(1) مرّ في إعراب الآية 130 سورة البقرة.
(2) الحديث في إتحاف السادة المتقين 9 / 152 ، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي 5 / 419 ، واللئالئ المصنوعة للسيوطي 1 / 19 ، وتنزيه الشريعة لابن عراق 1 / 150 ، وميزان الاعتدال 2117 ، 8658.
(3) هذه قراءة نافع وابن عامر وحفص ، انظر البحر المحيط 3 / 452 ، وتيسير الداني 82.
(4) (وأرجلكم) : بالخفض هي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وحمزة وأبي بكر ، وأنس وعكرمة والشعبي والباقر وقتادة وعلقمة والضحاك.
(5) انظر مجاز القرآن 1 / 155.
(6) انظر إعراب القرآن للزجاج 631.

الكعبين. (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً) أي ذوي جنب لأن جنبا مصدر وهو واحد فإن جمعته قلت: جنوب وأجناب وجناب. وحكى ثعلب ومحمد بن جرير : أجنب الرجل وجنب واجتنب والمصدر الجنابة والإجناب. (فَاطَّهَّرُوا) (1) والأصل فتطهّروا فأدغمت التاء في الطاء لأنها من أصول الثنايا العليا وطرف اللسان وجيء بألف الوصل ليوصل إلى الساكن وقرأ الزهري أو جاء أحد منكم من الغيط. (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) (2) لام كي أي إرادته ليطهّركم من الذنوب. (وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) بالثواب.
(وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (7)
(وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ) قيل : هذا الميثاق الذي في قوله جلّ وعزّ (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ) [الأعراف : 172] وقيل : هذا الميثاق الذي أخذه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليهم في بيعة الرضوان.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) (Cool
(شُهَداءَ) أي مبيّنين وهو منصوب على أنه خبر ثان من كونوا ، ويجوز أن يكون نعتا لقوامين وبدلا ولم ينصرف لأن فيه ألف التأنيث. (عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا) منصوب بأن ولا تحول «لا» بين العامل والمعمول فيه لأنها قد تقع زائدة. (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) ابتداء وخبر.
(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) (9)
(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) إذا قلت : وعد لم يكن إلّا للخير وأوعد للشر إلا أن يبيّن. (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) رفع بالابتداء. (وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) عطف عليه.
(وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) (12)
(وَلَقَدْ) لام توكيد (أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) وهو الذي كان موسىصلى‌الله‌عليه‌وسلم
__________________
(1) انظر البحر المحيط 3 / 453.
(2) وقرأ ابن المسيب ليطهركم بإسكان الطاء وتخفيف الهاء.

أخذه عليهم. (وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) نصب ببعثنا وعلامة النصب الياء وأعربت اثنا عشر من بين أخواتها لأن المثنى لا يبنى. (وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ) كسرت «إن» لأنها مبتدأة ، ومعكم منصوب لأنه ظرف. (لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ) لام توكيد ومعناها القسم ، وكذا (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ) وكذا (وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ).
(فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (13)
(فَبِما نَقْضِهِمْ) «ما» زائدة للتوكيد و (نَقْضِهِمْ) مخفوض بالباء ، ويجوز رفعه في غير القرآن أي فالذي هو نقضهم. (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) (1) أي يتأوّلونه على تأويله ، و (يُحَرِّفُونَ) في موضع نصب أي جعلنا قلوبهم قاسية محرفين ، قيل : معنى جعلنا قلوبهم قاسية وصفناهم بهذا ، ومثله كثير قد حكاه سيبويه وغيره وقد ذكرناه. (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً) استثناء من الهاء والميم اللتين في خائنة منهم قال قتادة : خائنة خيانة. (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ) أمر وفي معناه قولان : أحدهما فاعف عنهم واصفح ما دام بينك وبينهم عهد وهم أهل الذمة ، والقول الآخر أنه منسوخ بقوله تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) [الأنفال : 58].
(وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) (14)
(وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ) قال سعيد الأخفش هذا كما تقول : من زيد أخذت درهمه. قال أبو جعفر : ولا يجيز النحويون أخذنا ميثاقهم من الذين قالوا إنا نصارى ولا ألينها لبست من الثياب لئلا يتقدّم مضمر على مظهر. (فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) أي تركوا حظّا من الكتاب الذي وعظوا به وذكّروا به ، وجعلوا ذلك الترك والتحريف سببا للكفر بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وجمع حظ حظوظ ، وسمع عن العرب : أحظ بإسكان الحاء ، والأصل : أحظظ فابدل من الضاد ياء ، وسمع منهم أحاظ. (فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) قيل : يراد به النصارى ، وقيل : اليهود والنصارى ؛ لأنه قد تقدّم ذكرهما. والأولى أن يكون للنصارى لأنهم أقرب. وأحسن ما قيل في معنى (فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ) أن الله تعالى أمر بعداوة
__________________
(1) (الكلم) : وهي قراءة الجمهور وفيها قراءات ، فقد قرأها أبو عبد الرّحمن والنخعي (الكلام) ، وقرأ أبو رجاء (الكلم). انظر البحر المحيط 3 / 461.

الكفار وإبغاضهم فكلّ فرقة مأمورة بعداوة صاحبتها وإبغاضها لأنهم كفار.
(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) (15)
قرأ الحسن (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ).
أدغم النون في اللام لقربها منها و (يُبَيِّنُ) في موضع نصب على الحال (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) معطوف عليه.
(يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (16)
(يَهْدِي بِهِ اللهُ) بضم الهاء على الأصل ، ومن كسر أبدل من الضمة كسرة لئلا يجمع بين ضمة وكسرة. (سُبُلَ السَّلامِ) (1) مفعول ثان ، والأصل إلى سبل السلام.
(وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)
(وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) ابتداء وخبر فردّ الله تعالى هذا عليهم فقال : (قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) فلم يكونوا يخلون من إحدى جهتين : إمّا أن يقولوا ؛ هو يعذّبنا ، فيقال لهم : فلستم إذا أبناءه وأحبّاءه ، أو يقولوا : لا يعذّبنا فيكذّبوا ما في كتبهم وما جاءت به رسلهم ويبيحوا المعاصي. (بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ) ابتداء وخبر. (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) وقد أعلم الله جلّ وعزّ من يغفر له أنّه من تاب وآمن وأعلم من يعذّبه ، وهو من كفر وأصرّ فلما عرف معناه جاء مجملا ولم يقل عزوجل : يغفر لمن يشاء منكم.
(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) (20)
(أَنْ تَقُولُوا) في موضع نصب أي كراهة أن تقولوا ، ويجوز (مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ) على الموضع.
وروى عبيد بن عقيل عن شبل بن عبّاد عن عبد الله بن كثير أنه قرأ (يا قَوم
__________________
(1) قرأ الحسن وابن شهاب (سبل) ساكنة الباء ، انظر البحر المحيط 3 / 464.

اذْكُرُوا) (1) بضم الميم وكذلك ما أشبهه وتقديره يا أيّها القوم كما قال : [البسيط]
119 ـ ويلا عليك وويلا منك يا رجل (2)
(إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ) لم ينصرف لأن فيه ألف تأنيث. (وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) قيل تملكون أمركم لا يغلبكم عليه غالب ، وقيل جعلكم ذوي منازل لا يدخل عليكم فيها إلا بإذن. وروى أنس بن عياض عن زيد بن أسلم عن أنس بن مالك : لا أعلمه إلا قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من كان له منزل أو قال بيت يأوي إليه وزوجة وخادم يخدمه فهو ملك»(3). (ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) حذفت الياء للجزم ، ويجوز إثباتها في الشعر.
(يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) (21)
(يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ) يعني بيت المقدس و (الْمُقَدَّسَةَ) نعت للأرض أي المطهّرة من كثير من الذنوب بكثرة الأنبياء فيها. (الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) نعت أي كتب لكم سكناها. (وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ) أي لا ترجعوا عن طاعتي. (فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) جواب النهي.
(قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ) (22)
(قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً) اسم «إن». (جَبَّارِينَ) نعت والخبر في الظرف. (حَتَّى يَخْرُجُوا) نصب بحتى ولا يجوز رفعه لأنه مستقبل.
(قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (23)
(قالَ رَجُلانِ) ويجوز الإدغام إدغام اللام في الراء ويجوز إسكان الجيم من رجلين لثقل الضمة. (مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ) ومن قرأ (يَخافُونَ) (4) قال : هما جبّاران من الله عليهما بالإسلام ومن فتح الياء قال : هما من أصحاب موسى الذين يخافون الجبارين ، وقد يجوز على هذه القراءة أن يكونوا من الجبّارين.
__________________
(1) هذه قراءة ابن محيصن ، انظر البحر المحيط 3 / 469.
(2) الشاهد للأعشى في ديوانه ص 107 ، وخزانة الأدب 8 / 394 ، وشرح المفصّل 1 / 129 ، ولسان العرب (ويل) ، والمحتسب 2 / 213 ، وتاج العروس (ويل). وتمام البيت :
«قالت هريرة لمّا جئت زائرها
ويلي عليك وويلي منك يا رجل»

(3) انظر تفسير القرطبي 6 / 124.
(4) هذه قراءة ابن عباس وابن جبير ومجاهد ، انظر البحر المحيط 3 / 470 ومختصر ابن خالويه 31.

(قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) (24)
(أَبَداً) ظرف زمان. (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ) عطف على المضمر الذي في (فَاذْهَبْ) لأنك قد أكّدته ، ويقبح عند البصريين أن تعطف على المضمر المرفوع إذا لم تؤكّده لأنه كأحد حروف الفعل إلا أنه جائز عندهم في الشعر وهو عند الفراء (1) جائز في كل موضع. (إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) خبر إنّ ، ويجوز في غير القرآن قاعدين على الحال لأن الكلام قد تمّ.
(قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (25)
(قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي) الأصل إنّني حذفت النون لاجتماع النونات. (وَأَخِي) في موضع نصب عطف على نفسي ، وإن شئت كان عطفا على اسم إن ، ويجوز أن يكون موضعه رفعا عطفا على الموضع ، وإن شئت على المضمر ، وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير أنه قرأ (فَافْرُقْ) (2) بكسر الراء ومعنى (فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) اجعل دارنا الجنة ليكون بيننا وبينهم فرق.
(قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) (26)
(قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ) اسم «إن» وخبرها. ومعنى محرمة أنّهم ممنوعون من دخولها كما يقال : حرّم الله وجهك على النار. (أَرْبَعِينَ سَنَةً) ظرف زمان.
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (27)
(وَاتْلُ) أمر فلذلك حذفت منه الواو. أمر الله تعالى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يتلو على اليهود خبر ابني آدم إذ قرّبا قربانا وإن كان عندهم في التوراة ليعلمهم أنّ سبيلهم في عصيان الله تعالى وكفرهم بنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم سبيل ابن آدم عليه‌السلام وأنهم ليسوا أكرم على الله من ابن آدم لصلبه وكان في ذلك دلالة على نبوته صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ كان لم يقرأ الكتب وأما قول عمرو مجاهد إنّ اللذين قرّبا قربانا من بني إسرائيل فغلط يدلّ على ذلك قوله عزوجل (لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ). (قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) أي من المتقين من المعاصي.
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 304 ، والبحر المحيط 3 / 471.
(2) هذه قراءة عبيد بن عمير ويوسف بن داود ، انظر البحر المحيط 3 / 472.

(إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) (29)
(إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) يقال : كيف يريد المؤمن هذا؟ ففي هذا قولان : محمد بن يزيد : هذا مجاز لمّا كان المؤمن يريد الثواب ولا يبسط يده بالقتل كان بمنزلة من يريد هذا ، والجواب الآخر أنه حقيقة لأنه لما قال له : لأقتلنّك استوجب النار بهذا فقد أراد الله تعالى أن يكون من أهل النار فعلى المؤمنين أن يريدوا ذلك فأما معنى (بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) فمن أحسن ما قيل فيه ـ وهو مذهب سيبويه (1) ـ أنّ المعنى بإثمنا لأن المصدر يضاف إلى الفاعل والمفعول ، وحكى سيبويه : المال بيني وبينك أي بيننا ، وأنشد : [الوافر]
120 ـ فأيّي ما وأيّك كان شرّا (2)
أي فأيّنا ، ويجوز أن يكون بإثمي بإثم قولك لي لأقتلنك ، ويجوز أن يكون المعنى بإثم قتلي إن قتلتني. (فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) عطف. (وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) ابتداء وخبر.
(فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) (31)
وقرأ أبو واقد فطاوعت له نفسه (3).
قال أبو جعفر : هذا بعيد لأنه إنما يقال : طاوعته نفسه.
(فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ) أي أحدث له شهوة في هذا (لِيُرِيَهُ) لام كي يكون لما آل أمره إلى هذا كان كأنه فعله ليريه ، ويجوز أن يكون المعنى ليريه الله ، وإن خفّفت الهمزة قلت : سوّة. (يا وَيْلَتى) (4) الأصل : يا ويلتي ثم أبدل من الياء ألفا. وقرأ الحسن يا ويلتي (5) بالياء. والأول أفصح لأن حذف الياء في النداء أكثر. ومذهب
__________________
(1) انظر الكتاب 2 / 421.
(2) الشاهد لعباس بن مرداس في الكتاب 2 / 422 ، وهو في ديوانه ص 148 ، وخزانة الأدب 4 / 367 ، وذيل الأمالي ص 60 ، وشرح أبيات سيبويه 2 / 93 ، وشرح ديوان زهير 113 ، وشرح المفصّل 2 / 131 ، ولسان العرب (قوم). وعجزه :
«فسيق إلى المقامة لا يراها»
(3) هذه قراءة الحسن بن عمران والجراح ورويت عن الحسن ، انظر المحتسب 1 / 209.
(4) قرأ الجمهور (يا ويلتا) بألف بعد التاء ، وهي بدل من ياء المتكلم ، انظر البحر المحيط 3 / 481.
(5) هذه قراءة الحسن ، وأمال حمزة والكسائي وأبو عمرو ألف ويلتي ، انظر البحر المحيط 3 / 481.

سيبويه (1) أن النداء إنما يقع في هذه الأشياء على المبالغة إذا قلت : يا عجبا فكأنك قلت : يا عجب احضر فهذا وقتك ، فهذا أبلغ من قولك : هذا وقت العجب ويا ويلتا كلمة تدعو بها العرب عند الهلاك هذا قول سيبويه (2) ، وقال الأصمعي : ويل بعد وقرأ الحسن (أَعَجَزْتُ) (3) بكسر الجيم. وهذه لغة شاذة إنما يقال : عجزت المرأة إذا عظمت عجيزتها ، وعجزت عن الشيء أعجز عجزا ومعجزة ومعجزة. (فَأُوارِيَ) (4) عطف على أكون ، ويجوز أن يكون جواب الاستفهام.
(مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) (32)
وقرأ يزيد بن القعقاع (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ) (5).
بكسر النون وإسقاط الهمزة ، وهذا على لغة من قال : أجل ثمّ خفّفت الهمزة. يقال: أجلت الشيء آجله أجلا وإجلا إذا جنيته. (أَنَّهُ) في موضع نصب أي بأنّه والهاء كناية عن الحديث ، ويجوز إنه بالكسر على الحكاية ، والجملة خبر «انّ». وقرأ الحسن أو فسادا (6) أي أو عمل فسادا ، ويجوز أن يكون بمعنى المصدر أي أو أفسد فسادا.
(إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (33)
(جَزاءُ) رفع بالابتداء وخبره (أَنْ يُقَتَّلُوا) والتقدير : الذي يحاربون أولياء الله ومتّبعي رسله ، وقرأ الحسن (أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ) والأصل أيديهم حذفت الضمة من الياء لثقلها ، (ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا) ابتداء وخبر. (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) يدلّ على أن الحدّ لا يزيل عقوبة الآخرة عمّن لم يتب.
(إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (34)
(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) في موضع نصب بالاستثناء ، ويجوز أن يكون في موضع رفع
__________________
(1) انظر الكتاب 2 / 222.
(2) انظر الكتاب 1 / 396.
(3) وهذه قراءة ابن مسعود وفياض وطلحة وسليمان أيضا. انظر البحر المحيط 3 / 481.
(4) انظر البحر المحيط 3 / 481.
(5) انظر البحر المحيط 3 / 483 ، والمحتسب 1 / 209.
(6) انظر مختصر ابن خالويه 32 ، والمحتسب 1 / 210 ، والبحر المحيط 3 / 484.

بالابتداء ، ويكون التقدير : إلّا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم. (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ) لهم. (غَفُورٌ رَحِيمٌ).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (35)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ).
أي بترك المعاصي والجهاد.
(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (38)
(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) رفع بالابتداء ، والخبر (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) وعند سيبويه(1) الخبر محذوف والتقدير عنده : وفيما فرض عليكم السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ، والرفع عند الكوفيين بالعائد ، وقرأ عيسى بن عمر (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) (2) نصبا وهو اختيار سيبويه. قال (3) : إلا أن العامة أبت إلّا الرفع ، يريد بالعامة الجماعة ونصبه بإضمار فعل أي: اقطعوا السارق والسارقة وإنما اختار النصب لأن الأمر بالفعل أولى. وقد خولف سيبويه في هذا فزعم الفراء (4) : أن الرفع أولى لأنه ليس يقصد به إلى سارق بعينه فنصب وإنما المعنى كلّ من سرق فاقطعوا يده. وهذا قول حسن غير مدفوع. يدلّ عليه أنهم قد أجمعوا على أن قرءوا (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما) [النساء : 16] وهذا مذهب محمد ابن يزيد ، فأما (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) ولم يقل فيه : يديهما فقد تكلّم فيه النحويون فقال الخليل : أرادوا أن يفرّقوا بين ما في الإنسان منه واحد وما فيه اثنان فقال : أشبعت بطونها. و (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) [التحريم : 4] ، وقال الفراء : لما كان أكثر ما في الإنسان من الجوارح اثنين حملوا الأقل على الأكثر ، وقال غيرهما : فعل هذا لأن التثنية جمع ، وقيل : لأنه لا يشكل ، وأجاز النحويون التثنية على الأصل والتوحيد لأنه يعرف ، وأجاز سيبويه جمع غير هذا ، وحكى : وصغار حالهما يريد رحلي راحلتين. (جَزاءً بِما كَسَبا) مفعول من أجله ، وإن شئت كان مصدرا ، وكذا (نَكالاً مِنَ اللهِ).
(فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (39)
(فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ) شرط وجوابه (فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ).
__________________
(1) انظر الكتاب 1 / 196.
(2) وهذه قراءة ابن أبي عبلة أيضا. انظر معجم القراءات القرآنية 2 / 208 وتفسير القرطبي 6 / 116 ، والكشاف 1 / 377 ، والبحر المحيط 3 / 489.
(3) انظر الكتاب 1 / 197.
(4) انظر معاني الفراء 1 / 306.

(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (41)
(لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) ويقال : يحزنك ، والأول أفصح. (مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) أي لم يضمروا في قلوبهم الإيمان كما نطقت به ألسنتهم. (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا) يكون هذا تمام الكلام ثم قال جلّ وعزّ (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) أي هم سمّاعون ومثله (طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ) [النور : 58]. وقال الفراء (1) : ويجوز سمّاعين وطوّافين كما قال : (مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا) [الأحزاب : 61] وكما قال : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ) [الطور : 17] ثم قال (فاكِهِينَ) [الطور : 18] و (آخِذِينَ) [الذاريات : 26] ويجوز أن يكون المعنى : ومن الذين هادوا قوم سمّاعون للكذب. (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ) ثم قال : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) أي يتأوّلونه على غير تأويله بعد أن فهموه عنك وعرفوا مواضعه التي أرادها الله عزوجل (يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ) أي إن أعطيتم هذا الذي قلنا لكم فاقبلوه. (وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ) أي إن نهيتم عنه (فَاحْذَرُوا) أن تقبلوه ممن قال لكم فإنه ليس بنبيّ يريدون أن يروا ضعفتهم أنّهم ينصحونهم. (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) أي لم يرد اللهعزوجل أن يطهّر قلوبهم من الطبع عليها والختم كما طهر قلوب المؤمنين ثوابا لهم.
(سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (42)
(أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) (2).
على التكثير. والسّحت في اللغة كلّ حرام يسحت الطاعات أي يذهبها ، وروى العباس بن الفضل عن خارجة بن مصعب عن نافع أكّالون للسّحت (3) بفتح السين ، وهذا مصدر من سحته يقال : سحت وأسحت بمعنى واحد ، وقال أبو إسحاق (4) : سحته ذهب به قليلا قليلا.
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 309.
(2) قرأ النحويان وابن كثير (السّحت) بضمتين ، وقرأ باقي السبعة بإسكان الحاء.
(3) انظر البحر المحيط 3 / 501 ، وهذه قراءة زيد بن علي أيضا.
(4) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 662.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 2847
نقاط : 4448
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

إعراب القرآن [ ج ١ ] Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعراب القرآن [ ج ١ ]   إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 4:47 pm

(إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (44)
(إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ) «هدى» في موضع رفع بالابتداء ونور عطف عليه (وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ) عطف على النبيين. (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) رفع بالابتداء وخبره : (فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) وقد ذكرنا معناه. ومن أحسن ما قيل فيه قول الشّعبيّ قال : هذا في اليهود خاصة ويدلّ على ما قال ثلاثة أشياء : منها أن اليهود قد ذكروا قبل هذا في قوله (لِلَّذِينَ هادُوا) فعاد الضمير عليهم ، ومنها أن سياق الكلام يدلّ على ذلك ؛ ألا ترى أنّ بعده. (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها) فهذا الضمير لليهود بإجماع وأيضا فإن اليهود هم الذين أنكروا الرجم والقصاص فإن قال قائل «من» إذا كانت للمجازاة فهي عامة إلّا أن يقع دليل على تخصيصها ، قيل له «من» هاهنا بمعنى الذي مع ما ذكرنا من الأدلّة والتقدير : واليهود الذين لم يحكموا بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ، فهذا أحسن ما قيل في هذا ، وقد قيل : من لم يحكم بما أنزل الله مستحلّا لذلك. وقد قيل : من ترك الحكم بجميع ما أنزل الله فهو كافر.
(وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (45)
الآية فيها وجوه (1) : قرأ نافع وعاصم والأعمش بالنصب في جميعها ، وهذا بين على العطف. ويجوز تخفيف أن ورفع الكل بالابتداء والعطف ، وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وأبو جعفر بنصب الكل إلّا الجروح. قال أبو جعفر : حدّثنا محمد بن الوليد عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد قال : حدثنا حجّاج عن هارون عن عبّاد بن كثير عن عقيل عن الزهري عن أنس أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرأ (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) (2) الرفع من ثلاث جهات بالابتداء والخبر ، وعلى المعنى لأن المعنى قلنا لهم النفس بالنفس ، والوجه الثالث قاله أبو إسحاق (3) : يكون عطفا على المضمر. (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) شرط وجوابه ويجوز في غيرة القرآن فمن اصّدّق به.
__________________
(1) انظر البحر المحيط 3 / 506 ، ومعاني الفراء 1 / 309.
(2) انظر معاني الفراء 1 / 310.
(3) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجّاج 664.

(وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (46)
(وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً) على الحال. (فِيهِ هُدىً) في موضع رفع بالابتداء. (وَنُورٌ) عطف عليه. (وَمُصَدِّقاً) فيه وجهان يجوز أن يكون لعيسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونعطفه على مصدّق الأول ، ويجوز أن يكون للإنجيل ويكون التقدير : وآتيناه الإنجيل مستقرّا فيه هدّى ونور ومصدّقا. (وَهُدىً وَمَوْعِظَةً) عطف على مصدّق.
(وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (47)
(وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ) أمر ويجوز كسر اللام والجزم لأن أصل اللام الكسر ، وفي الكلام حذف ، والمعنى : وأمرنا أهله أن يحكموا (بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ) فحذف هذا ، وقرأ الأعمش وحمزة (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ) (1) على أنها لام كي ، والأمر أشبه وسياق الكلام يدلّ عليه. قال أبو جعفر : والصواب عندي أنهما قراءتان حسنتان لأنّ الله تعالى لم ينزل كتابا إلّا ليعمل فيما فيه وأمر بالعمل بما فيه فصحّتا جميعا. وإذا كانت لام كي ففي الكلام حذف أي وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه أنزلناه عليهم.
(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (48)
(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً) حال. (وَمُهَيْمِناً) عطف عليه. (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) روي عن ابن عباس أنه قال : الشرعة والمنهاج الإسلام والسنّة ، وقيل : الشرعة ابتداء الشيء وهو قول لا إله إلّا الله ، والمنهاج جملة الفرائض ، وقيل : هما واحد ومن أحسن ما قيل فيه أن الشريعة والشرعة واحد وهو ما ظهر من الدين مما يؤخذ بالسمع نحو الصلاة والزكاة وما أشبههما ، ومنه أشرعت بابا إلى الطريق ، ومنه شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ، ومنه (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً) [الأعراف : 163] ومنه طريق شارع ، ومنه الشّراع ، والمنهاج الطريق الواضح البيّن المستقيم فجعل شريعة وطريقا بيّنا أي برهانا واضحا. ودلّ بهذا على أن شريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم مخالفة لشريعة موسىصلى‌الله‌عليه‌وسلم. (لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) أي لجعل شريعتكم واحدة.
__________________
(1) انظر معاني الفراء 1 / 312 وقرأ أبي (وأن ليحكم) بزيادة أن قبل لام كي ، انظر البحر المحيط 3 / 511.

(وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما) في الكلام حذف تتعلق به لام كي أي ولكن جعل شرائعكم مختلفة ليبلوكم أي ليتعبّدكم (آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا) أي فاسبقوا الخيرات من قبل أن تعجزوا عنها أو تموتوا أو يذهب وقتها.
(وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ) (49)
(وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) وقد كان خيّره قبل هذا فنسخ التخيير بالحتم والدليل على أنّ هذا ناسخ وأنّ على الإمام أن يحكم على أهل الكتاب بالحقّ قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ) [النساء : 35]. (وَأَنِ احْكُمْ) «أن» في موضع نصب عطفا على الكتاب أي وأنزلنا إليك أن احكم بينهم بما أنزل الله أي بحكم الله الّذي أنزله إليك في كتابه. (وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ) الهاء والميم في موضع نصب يجب أن يكون هذا على قول من قال : حاذر ، ويجوز أن يكون على قول من قال : حذر في قول سيبويه وأنشد : [الكامل]
121 ـ حذر أمورا لا تضير وآمن
ما ليس منجيه من الأقدار (1)

(أَنْ يَفْتِنُوكَ) بدل وإن شئت بمعنى من أن يفتنوك.
(أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (50)
(أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ) نصب بيبغون. والمعنى أنّ الجاهلية كانوا يجعلون حكم الشريف خلاف حكم الوضيع وكانت اليهود تقيم الحدود على الضعفاء الفقراء ولا يقيمونها على الأقوياء الأغنياء فضارعوا الجاهلية بهذا الفعل. (وَمَنْ أَحْسَنُ) ابتداء وخبر. (مِنَ اللهِ حُكْماً) على البيان.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (51)
(لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) مفعولان وتولّيهم معاضدتهم على المسلمين واختصاصهم ، دونهم. (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) ابتداء وخبر. (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) أي لأنه قد خالف الله تعالى ورسوله كما خالفوا ووجبت معاداته كما وجبت معاداتهم ووجبت له النار كما وجبت لهم فصار منهم أي من أصحابهم.
__________________
(1) الشاهد لأبان اللاحقي في خزانة الأدب 8 / 169 ، ولأبي يحيى اللاحقي في المقاصد النحوية 3 / 543 وبلا نسبة في الكتاب 1 / 168 ، وخزانة الأدب 8 / 157 ، وشرح أبيات سيبويه 1 / 409 ، وشرح الأشموني 2 / 342 ، وشرح المفصل 6 / 71 ، ولسان العرب (حذر) والمقتضب 2 / 116.

(فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ) (52)
(فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ) أي في موالاتهم. (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ) أي بالنصر وهو نصب بأن (فَيُصْبِحُوا) عطف أي فأصبحوا نادمين على تولّيهم الكفار إذا رأوا نصر الله عزوجل للمؤمنين وإذا عاينوا عند الموت فبشّروا بالعذاب.
(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ) (53)
قرأ أهل المدينة وأهل الشام «يا أيها الذين آمنوا» (1) بغير واو مرفوع لأنه فعل مستقبل ، وقرأ أبو عمرو وابن أبي إسحاق (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا) (2) بالواو والنصب عطفا على «أن يأتي» عند أكثر النحويين وإذا كان على هذا كان النصب بعيدا لأنه مثل قولك: عسى زيد أن يأتي ويقوم عمرو. وهذا بعيد جدا لا يصحّ المعنى عسى زيد أن يقوم عمرو ، ولكن لو قلت : عسى أن يقوم زيد ويأتي عمرو كان جيدا ولو كانت الآية عسى الله أن يأتي بالفتح كان النصب حسنا وجوازه على أنه يحمل على هذا المعنى مثل قوله : [مجزوء الكامل]
122 ـ ورأيت زوجك في الوغا
متقلّدا سيفا ورمحا (3)

وفيه قول آخر تعطفه على الفتح كما قال : [الوافر]
123 ـ للبس عباءة وتقرّ عيني
أحبّ إليّ من لبس الشّفوف (4)

وقرأ الكوفيون (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا) بالرفع على القطع من الأول. (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ) أي قالوا إنّهم ويجوز أنّهم بأقسموا إنّهم ويجوز أنّهم بأقسموا (فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ) أي خاسرين للثواب.
__________________
(1) انظر البحر المحيط 3 / 521 ، ومعاني الفراء 1 / 313.
(2) انظر تيسير الداني 82.
(3) الشاهد بلا نسبة في الأشباه والنظائر 2 / 108 ، وأمالي المرتضى 1 / 54 ، والإنصاف 2 / 612 ، وخزانة الأدب 2 / 231 ، والخصائص 2 / 431 ، وشرح شواهد الإيضاح 182 ، وشرح المفصل 2 / 50 ، ولسان العرب (رغب) و (زجج) ، والمقتضب 2 / 51. والشطر الأول :
«يا ليت زوجك قد غدا»
(4) الشاهد لميسون بنت بحدل في خزانة الأدب 8 / 503 ، والدرر 4 / 90 ، وسرّ صناعة الإعراب 1 / 273 ، وشرح التصريح 2 / 244 ، وشرح شواهد الإيضاح 250 ، وشرح شواهد المغني 2 / 653 ، ولسان العرب (مسن) ، والمحتسب 1 / 326 ، ومغني ، اللبيب 1 / 267 ، والمقاصد النحوية 4 / 397 ، وبلا نسبة في الكتاب 3 / 48 ، والأشباه والنظائر 4 / 277 ، وأوضح المسالك 4 / 192 ، والجنى الداني 157 ، وخزانة الأدب 8 / 523 ، والردّ على النحاة 128 ، ورصف المباني ص 423 ، وشرح الأشموني 3 / 531.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (54)
يا أيّها الذين آمنوا من يرتدد منك عن دينه. هذه قراءة (1) أهل المدينة وأهل الشام ، وقرأ أهل الكوفة وأهل البصرة (مَنْ يَرْتَدَّ) بفتح الدال لالتقاء الساكنين ، ويجوز كسرها إلا أن الفتح اختير لأنه أخف ، وقال الكوفيون : فتح لأنه بني على التشبيه من قولك : ردّا ولهذا عند الفراء فتح الفعل الماضي ، ويرتدد أحسن لأن الحرف الثاني قد سكن. (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) في موضع النعت. (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) نعت أي يرؤفون بهم ويرحمونهم. (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) يغلظون عليهم ويعادونهم ، ويجوز «أذلّة» بالنصب على الحال أي يحبّهم ويحبّونه في هذا الحال. (يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) فدلّ بهذا على تثبيت إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم لأنهم الذين جاهدوا في الله في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبعد موته. (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) ابتداء وخبر. (وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) أي واسع الفضل عليم بمصالح خلقه.
(إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (55)
(إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ) ابتداء وخبر. (وَرَسُولُهُ) عطف. (وَالَّذِينَ آمَنُوا) كذلك ثم نعتهم فقال : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ). قال أبو جعفر : وقد ذكرنا أن محمد بن علي أبا جعفر سئل عن معنى (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) هل هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه؟ فقال : علي من المؤمنين (2) ، يذهب إلى أن هذا لجميع المؤمنين وهذا قول بين لأن الذين لجماعة المؤمنين وهذا في تولّي المؤمنين بعضهم بعضا وليس هذا من الإمامة في شيء يدلّ على ذلك أن هذا التولّي في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومعنى يقيمون الصلاة يأتون بها في أوقاتها بجميع حقوقها كما يقال : فلان قائم بعمله.
(وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) (56)
(وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ) مبتدأ ، فقيل الخبر محذوف والتقدير : ومن يتولّ الله ورسوله والذين آمنوا فهو من حزب الله وقيل (هُمُ) الخبر و (الْغالِبُونَ) خبر ثان.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (57)
__________________
(1) انظر تيسير الداني 82 ، والبحر المحيط 3 / 523.
(2) انظر البحر المحيط 3 / 525.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً) وهذه قراءة أهل المدينة ، وقرأ أهل الكوفة (1) هزؤا حذفوا الضمة لثقلها فان خفّفت الهمزة على قراءة أهل المدينة قلبتها واوا فقلت «هزوا» وإن خفّفتها على قراءة أهل الكوفة قلت «هزا» مثل «هدى». (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ) هذه قراءة أهل الحرمين وأهل الكوفة أي ولا تتّخذوا الكفار أولياء ، وقرأ أبو عمرو والكسائي (وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ) (2)بمعنى ومن الكفار و (مِنَ) هاهنا لبيان الجنس والنصب أوضح وأبين.
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ) (59)
(هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا) وتدغم اللام في التاء لقربها منها (إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ) في موضع نصب أي هل تنقمون منا إلّا إيماننا به وقد علمتم أنّا على الحقّ وفسقكم في ترككم الإيمان.
(قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) (60)
(قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ) أي بشرّ من نقمتكم علينا ، وقيل : من شرّ ما تريدون لنا من المكروه (مَثُوبَةً) على البيان وأصلها مفعولة فألقيت حركة الواو على الثاء فسكنت الواو وبعدها واو ساكنة فحذفت إحداهما (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ) في موضع رفع كما قال عزوجل : (بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ) [الحج : 72] والتقدير : هو لعن من لعنه الله ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بمعنى قل هل أنبئكم من لعنه الله ، ويجوز أن يكون في موضع خفض على البدل من شرّ وقد ذكرنا (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) والقراءات (3) فيه ، ويجوز على قراءة الأعمش (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) بحذف الضمة لثقلها ويجوز على قراءة حمزة (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) (4) بحذف الضمة أيضا وبنصبه على الذمّ وإن شئت كان منصوبا بمعنى وجعل منهم أي وصفهم بهذا ، ويجوز الرفع بمعنى وهم ويجوز الخفض عطفا على (مِنْ) إذا كانت في موضع خفض. (أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً) (5) يقال ؛ ليس في المؤمنين شرّ فكيف جاء أولئك شرّ مكانا ففي هذا أجوبة حكى الكوفيون : العسل أحلى من الخلّ ، وإن كان مردودا ، وقال أبو إسحاق (6) : المعنى أولئك شرّ مكانا على قولكم. ومن أحسن ما قيل فيه: أولئك الذين لعنهم الله شر مكانا في الآخرة من مكانكم في الدنيا
__________________
(1) انظر تيسير الداني 63.
(2) انظر تيسير الداني 83.
(3) انظر البحر المحيط 3 / 529.
(4) انظر تيسير الداني 83.
(5) انظر البحر المحيط 3 / 531.
(6) انظر البحر المحيط 3 / 531.

لما لحقكم من الشرّ ، وقيل : أولئك الذين نسيهم الله شرّ من الذين نقموا عليكم ، وقيل : أولئك الذين نقموا عليكم شرّ من الذين لعنهم الله.
(وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ) (61)
(وَقَدْ دَخَلُوا) أي بالإبغاض للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وللمؤمنين وتمنّي هلاكهم وخرجوا منطوين عليه (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ) من الكفر.
(وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (64)
(غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ) اسم لم يسمّ فاعله حذفت الضمة من الياء لثقلها أي غلّت في الآخرة ، ويجوز أن يكون دعاءا عليهم ، وكذا (وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) ابتداء وخبر. قال الأخفش وفي قراءة عبد الله بل يداه بسطان (1). قال الأخفش : يقال : يد بسطة أي منطلقة منبسطة. (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ) لام قسم. (كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً) ظرف أي كلّما جمعوا وأعدّوا.
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (65)
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ) «أن» في موضع رفع ، وكذا (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ).
(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (67)
(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) أي كلّ ما أنزل من ربك. (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ) شرط وجوابه. (فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) (2) (3) هذه قراءة أهل المدينة ، وقرأ أبو عمرو وأهل الكوفة والكسائي (رسالته) على واحدة والقراءتان حسنتان إلا أن الجمع أبين لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان ينزل عليه الوحي شيئا شيئا ثم يبينه. (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) دلالة على نبوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأن الله جلّ وعزّ خبّر أنه معصوم ، وفي هذه الآية دلالة على ردّ قول من قال : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتم شيئا من أمر الدين تقيّة ، ودلالة على أنه لم يسرّ إلى أحد شيئا من أمر الدين لأن المعنى بلّغ كل ما أنزل إليك ظاهرا ولو لا هذا ما كان في قوله جلّ وعزّ (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) فائدة.
__________________
(1) انظر البحر المحيط 3 / 535 ، ومعاني الفراء 1 / 315.
(2) انظر تيسير الداني 83.
(3) هذه قراءة نافع وابن عامر وأبي بكر ، وقرأ باقي السبعة على التوحيد. انظر البحر المحيط 3 / 540.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (69)
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) اسم إن. (وَالَّذِينَ هادُوا) عطف عليه. (وَالصَّابِئُونَ) وقرأ سعيد ابن جبير والصابئين (1) بالنصب ، والتقدير : إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله منهم وعمل صالحا فلهم أجرهم والصابئون والنصارى كذلك. وأنشد سيبويه وهو نظير هذا : [الوافر]
124 ـ وإلّا فاعلموا أنّا وأنتم
بغاة ما بقينا في شقاق (2)

وقال الكسائي والأخفش ذكره في «المسائل الكبير» : و «الصابئون» عطف على المضمر الذي في هادوا ، وقال الفراء (3) : إنما جاز الرفع لأن الذين لا يبين فيه الإعراب. قال أبو جعفر : وسمعت أبا إسحاق يقول ، وقد ذكر له قول الأخفش والكسائي: هذا خطأ من جهتين : أحدهما أن المضمر المرفوع يقبح العطف عليه حتى يؤكّد ، والجهة الأخرى أن المعطوف شريك المعطوف عليه فيصير المعنى : إنّ الصابئين قد دخلوا في اليهودية وهذا محال وسبيل ما لا يتبيّن فيه الإعراب وما يتبيّن فيه واحدة.
(لَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ) (70)
(فَرِيقاً كَذَّبُوا) أي كذبوا فريقا وكذلك (وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ).
(وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) (71)
(وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) هذه قراءة الكوفيين وأبي عمرو والكسائي ، وقرأ (4) أهل الحرمين بالنصب. قال سيبويه (5) : حسبت أن لا تقول ذاك أي حسبت أنه قال : وإن
__________________
(1) هذه قراءة عثمان وأبيّ وعائشة وابن جبير والجحدري وابن كثير ، انظر البحر المحيط 3 / 541.
(2) الشاهد لبشر بن أبي خازم في الكتاب 2 / 158 ، وفي ديوانه 165 ، وتخليص الشواهد ص 373 ، وخزانة الأدب 10 / 293 ، وشرح أبيات سيبويه 2 / 14 ، وشرح التصريح 1 / 228 ، والمقاصد النحوية 2 / 271 ، وبلا نسبة في أسرار العربية 154 ، وشرح المفصل 8 / 69.
(3) انظر معاني الفراء 1 / 310.
(4) انظر الكتاب 3 / 189.
(5) هذه قراءة ابن عامر وعاصم أيضا.

شئت نصبت. قال أبو جعفر : الرفع عند النحويين في حسبت وأخواتها أجود كما قال قال امرؤ القيس : [الطويل]
125 ـ ألا زعمت بسباسة اليوم أنّني
كبرت وأن لا يشهد اللهو أمثالي (1)

وإنما صار الرفع أجود لأن حسبت وأخواتها بمنزلة العلم في أنه شيء ثابت وإنما يجوز النصب على أن تجعلهنّ بمنزلة خشيت وخفت هذا قول سيبويه في النصب. (فِتْنَةٌ) اسم تكون. والفتنة : الاختبار فإن وقعت لغيره فذلك مجاز والمعنى وحسبوا أن لا يكون عقاب. (فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ) ولم يقل : عمي وصمّ ، والفعل متقدّم ففي هذا أجوبة : منها أن يكون كثير منهم بدلا من الواو. قال الأخفش سعيد : كما تقول رأيت قومك ثلثيهم ، وإن شئت كانت على إضمار مبتدأ أي العمي والصمّ منهم كثير ، وجواب رابع يكون على لغة من قال : أكلوني البراغيث. قال الأخفش : يجوز أن يكون هذا منها وأنشد : [الطويل]
126 ـ ولكن ديافيّ أبوه وأمّه
بحوران يعصرن السليط أقاربه (2).

ويجوز في غير القرآن كثيرا بالنصب نعتا لمصدر محذوف.
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) (72)
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) وهذا قول اليعقوبيّة (3) فردّ الله جلّ وعزّ ذلك عليهم بحجّة قاطعة مما يقرّون به فقال (وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) أي إذا كان المسيح يقول : يا ربّ ويا الله فكيف يدعو نفسه أم كيف يسألها هذا محال.
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ
__________________
(1) الشاهد لامرى القيس في ديوانه ص 28 ، وجمهرة اللغة 121 ، وبلا نسبة في لسان العرب (لها) ، وتاج العروس (لها). وفي الديوان «وأن لا يحسن اللهو».
(2) الشاهد للفرزدق في ديوانه 1 / 46 ، والكتاب 2 / 35 ، والاشتقاق 242 ، وتخليص الشواهد 474 ، وخزانة الأدب 5 / 163 ، والدرر 2 / 285 ، وشرح أبيات سيبويه 1 / 491 ، وشرح شواهد الإيضاح 336 ، وشرح المفصل 3 / 89 ، ولسان العرب (سلط) و (دوف) ، وبلا نسبة في الجنى الداني 150 ، وخزانة الأدب 7 / 446 ، والخصائص 2 / 194 ، ورصف المباني 19 ، وسرّ صناعة الإعراب 446 ، ولسان العرب (خطأ) ، وهمع الهوامع 1 / 160.
(3) اليعقوبية : فرقة من النصارى ، انظر البحر المحيط 3 / 543.

يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (73)
(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) هذا المعنى أحد ثلاثة ولا يجوز فيه التنوين فإن قلت : ثالث اثنين جاز التنوين. (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) (من) زائدة ويجوز في غير القرآن إلا إلها واحدا على الاستثناء ، وأجاز الكسائي (1) الخفض على البدل وذلك خطأ عند الفراء (2) والبصريين لأن «من» لا تدخل في الإيجاب.
(مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (76)
(مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) ابتداء وخبر ، أي إن المسيح صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإن أظهر الآيات فإنما جاء بها كما جاءت الرسل. (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) ابتداء وخبر. (كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) أي : فإذا كانا يأكلان الطعام كانا يحدثان فكنّى الله تعالى عن ذلك وكان في هذا دلالة على أنّهما بشران قال الله تعالى (انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) أي كيف يصرفون عن الحقّ بعد هذا البيان ثم زادهم في البيان فقال :
(قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً).
أي أنتم مقرّون أن عيسى كان جنينا في بطن أمّه لا يملك لأحد ضرّا ولا نفعا (وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) أي أنتم قد أقررتم أنّ عيسى كان في حال من الأحوال لا يسمع ولا يعلم والله جلّ وعزّ لم يزل سميعا عليما.
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) (77)
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) أي لا تفرطوا كما أفرطت اليهود والنصارى في عيسى. (وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ) جمع هوى وهكذا جمع المقصور على نظيره من السالم ، وقيل : هوى لأنه يهوي بصاحبه في الباطل.
(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) (78)
(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) اسم ما لم يسمّ فاعله ، وبعض العرب يقول : الّذون. (عَلى
__________________
(1) انظر البحر المحيط 3 / 544.
(2) انظر معاني الفراء 1 / 317.

لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) أي أمر بلعنهم فلعنّاهم ولم ينصرف داود عليه‌السلام لأنه اسم أعجميّ لا يحسن فيه الألف واللام فإن حسنت في مثله ألف ولام انصرف نحو طاوس وراقود. (ذلِكَ) في موضع رفع بالابتداء أي ذلك اللعن. (بِما عَصَوْا) ، ويجوز أن يكون على إضمار مبتدأ أي الأمر ذلك ، ويجوز أن يكون في موضع نصب أي فعلنا ذلك بهم بعصيانهم واعتدائهم.
(كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) (79)
(كانُوا لا يَتَناهَوْنَ) مرفوع لأنه فعل مستقبل وهو في موضع نصب لأنه خبر كان. (لَبِئْسَ) لام توكيد. قال أبو إسحاق : المعنى لبئس شيئا فعلهم.
(تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ) (80)
(تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) هم اليهود كانوا يتولّون المشركين وليسوا على دينهم. (لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ) ، (أن) في موضع رفع على إضمار مبتدأ ، وقيل : بدل مما في «لبئس ما» ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بمعنى لأن سخط الله. (وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ) ابتداء وخبر.
(وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِّ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ) (81)
فدلّ بهذا على أنّ من اتّخذ كافرا وليا فليس بمؤمن.
(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (82)
(لَتَجِدَنَ) لام قسم ودخلت النون على قول الخليل وسيبويه فرقا بين الحال والمستقبل. (أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ) مفعولان و (عَداوَةً) على البيان وكذا (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) وفي هذا قولان : أحدهما أنهم لم يكونوا نصارى على الحقيقة ولا يجوز أن يمدح الله تعالى كافرا وإنما هم قوم كانوا يؤمنون بعيسى ، ولا يقولون : إنه إله فسمّوا بالنصارى قبل أن يسلموا ، والقول الآخر أن المعنى : الذين قالوا إنا نصارى. (ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ) اسم أن ويقال في جمع قسيس مكسرا قساوسة أبدل من إحدى السينين واو ، ويقال قسّ بمعناه وجمعه

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري
الشيخ شوقي البديري


عدد المساهمات : 2847
نقاط : 4448
تاريخ التسجيل : 17/06/2012
العمر : 59
الموقع : عشائر البو حسين البدير في العراق

إعراب القرآن [ ج ١ ] Empty
مُساهمةموضوع: رد: إعراب القرآن [ ج ١ ]   إعراب القرآن [ ج ١ ] Emptyالسبت نوفمبر 09, 2024 4:48 pm

قسوس ويقال للنميمة أيضا قسّ. وقد قسّ الحديث قسّا. ورهبانا : جمع راهب والفعل منه رهب الله يرهب أي خافه رهبا رهبانا ورهبة. قال أبو عبيد : ويقال : رهبان للواحد. قال الفراء : جمعه رهابنة ورهابين. (وَأَنَّهُمْ) في موضع خفض عطفا.
(وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (83)
وأجاز سيبويه في الشعر الجزم بإذا. (تَفِيضُ) في موضع نصب على الحال وكذا (يقولون).
(وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ) (84)
(وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ) في موضع نصب على الحال أي شيء لنا في هذه الحال.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (87)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) في موضع رفع نعت لأي. (لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) جزم على النهي فلذلك حذفت منه النون وكذا (وَلا تَعْتَدُوا).
(وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) (88)
(وَاتَّقُوا اللهَ) في موضع نصب نعت. (أَنْتُمْ) ابتداء (مُؤْمِنُونَ) خبر ، وهما صلة الذي وعادت إليه الهاء التي في (به).
(لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (89)
قرأ أبو عمرو وأهل المدينة. (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) بالتشديد ، وقرأ أهل الكوفة والكسائي بما عقدتم (1) بالتخفيف. وأنكر أبو عبيد التشديد (2). قال : لأنه للتكرير ، وزعم أنه يخاف أن يلزم من قرأ به أن لا يوجب الكفّارة حتى يحلف مرارا ، قال : وهذا خارج من قول الناس. قال أبو جعفر : هذا لا يلزم ، وفي التشديد قولان : قال أبو عمرو : عقّدتم وكّدتم أي فكما تقول : وكّدتم فكذا تقول : عقّدتم ومعنى عقدت اليمين ووكّدتها أن يحلف الحالف على الشيء غير غالط ولا ناس ،
__________________
(1) انظر تيسير الداني 83.
(2) قرأ الحرميان وأبو عمر بتشديد القاف.

وقيل : عقّدتم لأنه لجماعة. (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ) ابتداء وخبر ويجوز تنوين إطعام ونصب عشرة بغير تنوين وبتنوين على أن يكون (مَساكِينَ) في موضع نصب على البدل. (مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) البيّن في هذا أن يكون ما تطعمون ليس بالرفيع ولا بالدّون. (كِسْوَتُهُمْ) في موضع نصب وعلامة النصب فيه الياء وحذفت النون للإضافة. (أَوْ كِسْوَتُهُمْ) عطف على إطعام وكذا (أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) ويجوز «أو تحرير رقبة» ، وكذا (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) والتقدير فعليه. (ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ) ابتداء وخبر والتقدير إذا حلفتم وحنثتم ثم حذف. (وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ) أمر الله جلّ وعزّ ، بحفظ الأيمان وترك التهاون بها حتى تنسى ليذكرها ويقوم فيها بما يجب عليه من كفارة أو غيرها. (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ) الكاف في موضع نصب أي يبيّن لكم آياته بيانا مثل ما بيّن لكم في كفارة اليمين.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (90)
(إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ) الخمر عند العرب عصير العنب إذا اشتدّ ، ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كلّ مسكر خمر» (1) فجعله بمنزلة هذه التي تعرفها العرب بالخمر والأنصاب : الأوثان والأزلام القداح ، والتقدير واستعمال الأزلام. (رِجْسٌ) خبر الابتداء. والرجس عند العرب كلّ عمل يقبح فعله والفعل منه رجس يرجس ورجس يرجس ، والرجس بفتح الراء وإسكان الجيم الصوت والفعل من الميسر. يسر ييسر فهو ياسر ويسر. (فَاجْتَنِبُوهُ) يكون فاجتنبوا الرّجس ، ويكون فاجتنبوا هذا الفعل ويكون لأحد هذه الأشياء ، ويكون باقيها داخلا فيما دخل فيه.
(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (93)
(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) أي من الحلال ودلّ على هذا (إِذا مَا اتَّقَوْا) فأمّا التكرير في قوله : (إِذا مَا اتَّقَوْا ثُمَّ اتَّقَوْا) ففيه أقوال : منها أن يكون المعنى : إذا ما اتقوا الكفر ثم آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا المعاصي ثم اتّقوا ظلم النّاس ودلّ على هذا (وَآمَنُوا) وقيل : إذا ما اتّقوا فيما مضى وصلحت «إذا» لما مضى على إضمار كانوا ثم اتّقوا للحال ثم اتّقوا في المستقبل ، وقيل إذا اتّقوا للحال (ثُمَّ اتَّقَوْا) للمستقبل ثم اتقوا أقاموا على التقى ، وقيل : إذا اتّقوا الكفر ثم اتّقوا الكبائر ثم اتّقوا الصّغائر.
__________________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الأشربة ، باب ما جاء في شارب الخمر رقم (1861).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) (94)
(لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ) لام قسم وفي دخول «من» ثلاثة أجوبة تكون لبيان الجنس كما تقول : لأمتحننّك بشيء من الذهب وكما قال سيبويه (1) : هذا باب علم ما الكلم من العربيّة ، ويجوز أن تكون «من» للتبعيض لأن المحرم صيد البرّ خاصة ، ويجوز أن يكون التبعيض لأن الصيد إنما منع في الإحرام خاصّة. وواحد الحرم حرام أي محرم ومحرم يقع على ضربين أحدهما بالحجّ أو العمرة ، والآخر أنه يقال : أحرم إذا دخل الحرم. (لِيَعْلَمَ اللهُ) لام كي.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ) (95)
(وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً) شرط والجواب (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) وهذه قراءة أهل المدينة وأبي عمرو ، وقرأ أهل الكوفة (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (2) وروى هارون ابن حاتم عن ابن عياش عن عاصم (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ) (3) ينصب «مثل».
قال الكسائي : وفي حرف عبد الله فجزاؤه مثل ما قتل (4) فقراءة المدنيين وأبي عمرو بمعنى فعليه جزاء مثل ما قتل ، ويجوز أن يكون هذا على قراءة الكوفيين أيضا ويكون «مثل» نعتا لجزاء ، ويجوز أن يكون «جزاء» مرفوعا بالابتداء وخبره «مثل ما قتل» والمعنى فجزاء فعله مثل ما قتل ومن نصب «مثلا» فتقديره فعليه أن يجزي مثل ما قتل. (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) تثنية ذو على الأصل. (هَدْياً) نصب على الحال من الهاء التي في «به» ويجوز أن يكون على البيان ، ويجوز أن يكون مصدرا ، وقرأ الأعرج هديّا بتشديد الياء (5) وهي لغة فصيحة. (بالِغَ الْكَعْبَةِ) أصله بالغا الكعبة لأنه نعت لنكرة. (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ) (6) هذه قراءة أهل المدينة على إضافة الجنس وقراءة أبي عمرو وأهل الكوفة (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ) قال أبو عبيد : لأن الطعام هو الكفارة ، وهو عند البصريين على البدل. (أَوْ كَفَّارَةٌ) معطوفة على جزاء أي أو عليه كفارة. (أَوْ عَدْلُ
__________________
(1) انظر الكتاب 1 / 40.
(2) انظر البحر المحيط 4 / 22 ، وتيسير الداني 83.
(3) انظر البحر المحيط 4 / 22 ، والمحتسب 1 / 218.
(4) انظر البحر المحيط 4 / 22.
(5) انظر البحر المحيط 4 / 23.
(6) هذه قراءة عبد الله بن الحارث أيضا ، انظر البحر المحيط 4 / 26.

ذلِكَ) قد ذكرناه. (صِياماً) على البيان. (لِيَذُوقَ) بلام كي. (وَمَنْ عادَ) في موضع جزم بالشرط إلا أنه فعل ماض مبني على الفتح. (فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) فعل مستقبل وفيه جواب الشرط.
(أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (96)
(أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ) اسم ما لم يسم فاعله. (وَطَعامُهُ) عطف عليه. وقد ذكرنا معناه ومن أحسن ما قيل فيه أن الله تعالى أحلّ صيد البحر وأكله ، وقد قيل : طعامه الماء لأنه يتطعّم ، وقرأ ابن عباس وطعمه (1) بضم الطاء وإسكان العين. (مَتاعاً) منصوب على أنه مصدر لأن معنى أحلّ لكم هذا متّعتم به متاعا ، ونظيره (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) [النساء : 24]. ما دمتم حرما ، ويقال : «دمتم» (2) والضمّ أفصح.
(جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (97)
(جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ) مفعول أول ، وقيل لها كعبة لتربيع أعلاها. (الْبَيْتَ الْحَرامَ) بدل. قيما مفعول ثان وقرأ ابن عامر وعاصم الجحدري (قِياماً لِلنَّاسِ) (3) وهما من ذوات الواو فقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها ، وقد قيل : قوام. (وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ) عطف. (لِتَعْلَمُوا) في موضع رفع أي الأمر ذلك ويجوز أن يكون في موضع نصب أي فعل الله ذلك. (أَنَ) لام كي. (أَنَّ اللهَ) في موضع نصب.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْها وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (101)
(أَشْياءَ) لا تنصرف ، وللنحويين فيها أقوال : قال (4) الخليل وسيبويهرحمهما‌الله والمازني: أصلها فعلاء شيئاء فاستثقلت همزتان بينهما ألف فقلبت الأولى فصارت لفعاء ، وقال الكسائي وأبو عبيد : لم تنصرف لأنها أشبهت حمراء لقول العرب : أشياوات مثل حمراوات ، وقال الأخفش والفراء (5) والزيادي : لم تنصرف لأنها أفعلاء
__________________
(1) هذه قراءة يحيى بن وثاب ، انظر البحر المحيط 4 / 27.
(2) انظر البحر المحيط 4 / 28 ، وتيسير الداني 83 ، ومختصر ابن خالويه 35.
(3) انظر الكتاب 4 / 524 ، والبحر المحيط 4 / 32.
(4) انظر معاني الفراء 1 / 321.
(5) انظر البحر المحيط 4 / 36.

أشيئاء على وزن أشيعاع كما يقال : هين وأهوناء. قال أبو حاتم : أشياء أفعال مثل أنباء وكان يجب أن تنصرف إلا أنّها سمعت عن العرب غير معروفة فاحتال لها النحويون باحتيالات لا تصحّ. قال أبو جعفر : أصحّ هذه الأقوال قول الخليل وسيبويه والمازني ويلزم الكسائي وأبا عبيد ألّا يصرفا أسماء وأبناء لأنه يقال فيهما : أبناوات وأسماوات ، حدّثني أحمد بن محمد الطبري النحوي يعرف بابن رستم عن أبي عثمان المازني قال : قلت للأخفش : كيف تصغّر أشياء؟ فقال : أشياء فقلت له : يجب على قولك أن تصغّر الواحد ثم تجمعه فانقطع. قال أبو جعفر وهذا كلام بيّن لأن أشياء لو كانت أفعلاء ما جاز أن تصغّر حتى تردّ إلى الواحد ، وأيضا فإن فعلا لا يجمع على أفعلاء ، وإمّا أن يكون أفعالا على قول أبي حاتم فمحال لأن أفعالا لا يمتنع من الصرف وليس شيء يمتنع من الصرف لغير علّة ، والتقدير لا تسألوا عن أشياء عفا الله عنها إن تبد لكم تسؤكم ، وأحسن ما قيل في هذا ما رواه أبو هريرة رحمه‌الله أن رجلا قال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من أبي؟ فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) فالمعنى على هذا لا تسألوا عن أشياء مستورة قد عفا الله عنها بالتوبة إن تبد لكم تسؤكم وعلم الله جلّ وعزّ أن الصلاح لهم أن لا تسألوا عنها ، وقيل هذه أشياء عفا الله عنها كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الحلال بيّن والحرام بيّن وأشياء سكت الله عزوجل عنها هي عفو» (1) ومعنى سكت الله عنها لم ينه عنها.
(قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ) (102)
أي ردّوا على أنبيائهم فقالوا ليس الأمر كما قلتم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (105)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ).
إغراء لأن معنى عليكم : الزموا. (لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَ) (2) خبر ويجوز أن يكون جزما على الجواب أو على النهي يراد به المخاطبون كما يقال : لا أرينّك هاهنا وإذا كان جزما جاز ضمّه وفتحه وكسره ، وحكى الأخفش (لا يَضُرُّكُمْ) (3) جزما من ضار يضير.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ
__________________
(1) هذه قراءة الجمهور ، انظر البحر المحيط 4 / 42.
(2) هذه قراءة النخعي ، انظر البحر المحيط 4 / 42.
(3) انظر البحر المحيط 4 / 42.

بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ) (106)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ) من أشكل آية في القرآن وقد ذكرنا فيها أقوالا للعلماء ، ونذكر هاهنا :
أحسن ما قيل فيها حدّثنا الحسن بن آدم بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال : حدّثنا أبو زيد هارون بن محمد يعرف بابن أبي الهيذام قال : حدّثني أبو مسلم الحسن ابن أحمد بن أبي شعيب الحراني قال : حدّثنا محمد بن سلمة قال : حدّثنا محمد بن إسحاق عن أبي النّضر عن باذان مولى أم هانئ ابنة أبي طالب عن ابن عباس عن تميم الداريّ في هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) قال : برىء الناس منها غيري وغير عدي بن بدّاء وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبيل الإسلام فأقبلا من الشام بتجارتهما وقدم عليهم مولى لبني سهم يقال له : بديل بن أبي مريم (1) بتجارة ومعه جام من فضّة يريد به الملك وهو مال عظيم قال : فمرض فأوصى إليهما وأمرهما أن يبلّغا ما ترك أهله قال تميم : فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم واقتسمناه إليهما أنا وعدي بن بداء قال : فلمّا قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا وفقدوا الجام فسألوا عنه فقلنا ما ترك غير هذا وما دفع إلينا غيره قال تميم : فلما أسلمت بعد قدوم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة تأثمت من ذلك فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر وأديت إليهم خمسمائة درهم وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها فوثبوا إليه وأتوا به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسألهم البيّنة فلم يجدوا بأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه فحلف فأنزل الله عزوجل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) إلى قوله جلّ وعزّ : (أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ) فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم فحلفا فنزعت خمسمائة الدرهم من عدي بن بداء ، وحدّثنا الحسن بن آدم قال : حدّثنا أبو يزيد قال : حدّثني أبو زائدة زكرياء بن يحيى بن أبي زائدة قال : وجدت في كتاب أبي بخطّه : حدّثني محمد بن القاسم عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس أن تميما الداريّ وعديّ بن بدّاء كانا يختلفان إلى مكة في تجارة فخرج معهما رجل من بني سهم ببضاعة فتوفّي بأرض ليس فيها مسلم فأوصى إليهما فجاءا بتركته فدفعوها إلى أهله وحبسوا عنهم جاما (2) من فضة مخوصا بالذهب قالوا : لم نره فأتوا بهما النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمر بهما فحلفا بالله عزوجل ما كتمنا ولا ظلمنا فخلّى سبيلهما ؛ ثم إن الجام وجد بمكة زعموا أنهم اشتروه من عدي وتميم فقام رجل من أولياء السّهميّين فحلف بالله أنّ الجام
__________________
(1) بديل بن أبي مريم ، وقيل ابن أبي مارية السهمي ، مولى عمرو بن العاص ، انظر ترجمته في الإصابة 1 / 45 (609).
(2) الجام من الفضة : الإناء.

لجام السهمي ولشهادتنا أحقّ من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين ثم أخذوا الجام وفيهم أنزلت هذه الآية (1). (شَهادَةُ بَيْنِكُمْ) (2) رفع بالابتداء ، وخبره (اثْنانِ) والتقدير شهادة اثنين مثل (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : 82] ويجوز أن يكون اثنان رفعا بفعلهما أي ليكن منكم أن يشهد اثنان ، وقيل : «شهادة» رفع بإذا حضر لأنها شهادة مستأنفة ليست واقعة لكل الخلق أي عند حضور الموت والاثنان مرفوعان عند قائل هذا القول بمعنى أن يشهد اثنان (ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) نعت. (أَوْ آخَرانِ) عطف (مِنْ غَيْرِكُمْ). قال أبو جعفر : وقد ذكرنا ما فيه وأنه قيل : من غيركم من غير أهل دينكم ، وقيل : من غير أقربائكم والثاني أولى لأن المعنى أو آخران عدلان من غيركم. كذا يجب أن يكون معنى آخر في اللغة ولا يكون غير المسلم عدلا. (إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) «أنتم» رفع بفعل مضمر مثل الثاني. (تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ) أي صلاة العصر وخصّت بهذا لأنه لا ركوع بعدها فالناس يتفرغون بعدها. (فَيُقْسِمانِ بِاللهِ) يعني المدّعى عليهما. (إِنِ ارْتَبْتُمْ) معترض والتقدير فيقسمان بالله يقولان (لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً) أي بقسمنا (وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) معترض أي ولو كان الميت ذا قربى. (وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ) متصل بقوله «ثمنا» وقرأ ابن محيصن إنّا إذا لملّاثمين (3) أدغم النون في اللّام. وهذا رديء في العربية لأن اللام حكمها السكون وإن حرّكت فإنما الحركة للهمزة ، ونظير هذا قراءة أبي عمرو ونافع وإنّه أهلك عادا لولى (4) [النجم : 51]. قال أبو جعفر : سمعت محمد بن الوليد يقول : سمعت أبا العباس محمد بن يزيد يقول : ما علمت أن أبا عمرو بن العلاء لحن في شيء في صميم العربية إلّا في حرفين أحدهما وإنّه أهلك عادا لّولى والآخرة (يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) [آل عمران : 75].
(فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (107)
(فَإِنْ عُثِرَ) في موضع جزم بالشرط يقال : منه عثرت عليه بالذنب أعثر عثورا وعثرت في المشي أعثر عثارا. (فَآخَرانِ) رفع بفعل مضمر. (يَقُومانِ) في موضع نعت. (مَقامَهُما) مصدر وتقديره مقاما مثل مقامهما ثم أقيم النعت مقام المنعوت والمضاف مقام المضاف إليه. (مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ) (5) ، روي عن أبيّ بن كعب (مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَ) (6)
__________________
(1) القصة في البحر المحيط 4 / 43.
(2) وقرأ السلمي والحسن (شهادة) بالنصب والتنوين ، انظر البحر المحيط 4 / 43.
(3) انظر البحر المحيط 4 / 48 ، ومختصر ابن خالويه 35.
(4) انظر كتاب السبعة 615.
(5) هذه قراءة حمزة وأبي بكر ، انظر البحر المحيط 4 / 49.
(6) هذه قراءة أبيّ وعلي وابن عباس ، انظر البحر المحيط 4 / 49.

بفتح التاء والحاء ، وكذا روى حفص بن سليمان عن عاصم بن أبي النجود.
(الْأَوْلَيانِ) قراءة أهل المدينة يكون بدلا من قوله «فآخران» أو من المضمر في (يَقُومانِ) وقيل هو اسم ما لم يسم فاعله أي استحقّ عليهم إثم الأوليين مثل (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) والمعنى عند قائل هذا «من الذين استحق عليهم الإثم بالخيانة» ، وعليهم بمعنى فيهم مثل (عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) [البقرة : 102] أي في ملك سليمان والمعنى الأولى بالميّت أو القسم ، وقرأ الكوفيون الأولين (1) بدل من الذين أو من الهاء والميم في عليهم ، وروي عن الحسن الأولان (2). (فَيُقْسِمانِ بِاللهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما) ابتداء وخبر وقد ذكرنا ما فيه. والأولى أن يكون لأولياء الميت فأما أن يكون الشاهدان يحلفان فبعيد وإنما أشكل لقوله : لشهادتنا وبيانه أنّ الشهادة بمعنى الخبر وكلّ مخبر شاهد ، وقد روى معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة قال : قام رجلان من أولياء الميت فحلفا.
(ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (108)
(ذلِكَ أَدْنى) ابتداء وخبر. (أَنْ) في موضع نصب (يَأْتُوا) نصب بأن. (أَوْ يَخافُوا) عطف عليه. (أَنْ تُرَدَّ) في موضع نصب بيخافوا. (وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا) أمر فلذلك حذفت منه النون. (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) نعت للقوم وفسق ويفسق ويفسق أي خرج من الطاعة إلى المعصية.
(يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ) (109)
(يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ) ظرف زمان والعامل فيه واسمعوا أي واسمعوا خبر يوم ، وقيل: التقدير : واتّقوا يوم يجمع الله الرسل. (فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا) لا يصحّ قول مجاهد في هذا إنهم يفزعون فيقولون : لا علم لنا لأن الرسل صلّى الله عليهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. والصحيح في هذا أن المعنى : ماذا أجبتم في السرّ والعلانية ليكون هذا توبيخا للكفار فيقولون : لا علم لنا فيكون هذا تكذيبا لمن اتّخذ المسيح إلها. (إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) في موضع رفع لأنه خبر التبرية ويجوز أن يكون في موضع نصب على الاستثناء.
(إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ
__________________
(1) انظر تيسير الداني 83 ، والبحر المحيط 4 / 49.
(2) انظر معاني الفراء 1 / 324 ، والبحر المحيط 4 / 51.

تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ) (110)
(إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) يكون على دعوة واحدة فيكون (عِيسَى) صلّى الله عليه في موضع نصب ويكون على دعوتين فيكون (عِيسَى) عليه‌السلام في موضع ضمّ و (ابْنَ مَرْيَمَ) (1) نداء ثانيا ، وإن شئت بدلا وإن شئت نعتا على الموضع ولا يجوز الرفع في الثاني إذا كان مضافا إلّا عند الطوال فإنه أجاز الرفع ، وقرأ ابن محيصن إذ آيدتك (2) وكذا روي عن مجاهد ، وكذا روى الحسين بن علي الجعفيّ عن أبي عمرو. و (تُكَلِّمُ) في موضع نصب على الحال. (وَكَهْلاً) عطف عليه ، ويجوز أن يكون معطوفا على الموضع. (فِي الْمَهْدِ) أي أيدتك صغيرا في المهد وكبيرا كهلا وحكى ثابت بن أبي ثابت : إن الكهل ابن أربعين إلى الخمسين ، وقال غيره : ابن ثلاث وثلاثين. (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ). معنى تخلق تقدّره تقديرا مستويا لا زيادة فيه ولا نقصان. (فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي) (3) أي فيقلب الله عزوجل الروح الذي يكون من النفخ لحما ودما وقد قرئ (طَيْراً)! (وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي) معنى بإذني بدعوتي فأبرئهما. قال الخليل رحمه‌الله : الأكمه الذي يولد أعمى والذي يعمى بعد ما كان يبصر.
(وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ) (111)
(آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ) على الأصل ومن العرب من يحذف إحدى النونين ..
(إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (112)
أي هل يفعل ذلك لمسألتنا وقد ذكرناه. (قالَ اتَّقُوا اللهَ) وقرأ الكسائي هل تستطيع ربّك (4) أي هل تستطيع أن تسأل ربك قال : اتّقوا الله أي اتّقوا معاصي الله وكثرة السؤال فإنكم لا تدرون ما يحلّ بكم عند اقتراح الآيات إذ كان الله جلّ وعزّ إنما يفعل الأصلح بعباده. (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي إن كنتم مؤمنين به وبما جئت به فقد جئتكم من الآيات بما فيه غناء.
__________________
(1) انظر البحر المحيط 4 / 54.
(2) انظر البحر المحيط 4 / 55.
(3) انظر تيسير الداني 83 ، والبحر المحيط 4 / 55.
(4) انظر تيسير الداني 83.

(قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ) (113)
(قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها) نصب بأن. (وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ) عطف كلّه.
(قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (114)
(قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَ) الأصل عند سيبويه (1) يا الله والميمان بدل من يا. (رَبَّنا) نداء ثان ، لا يجيز سيبويه غيره ولا يجوز عنده أن يكون نعتا لأنه قد أشبه الأصوات من أجل ما لحقه. (أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) سؤال. (تَكُونُ) نعت المائدة وليس بجواب ، وقرأ الأعمش تكن لنا عيدا (2) على الجواب. والمعنى يكون يوم نزولها عيدا لنا. (لِأَوَّلِنا) لأوّل أمتنا وآخرها ، وقرأ عاصم الجحدري. (لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا) (3).
(قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) (115)
وهذا يوجب أنه قد أنزلها ووعده الحق.
(وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ) (116)
المعنى وإذ يقول الله يوم القيامة «وفعل» تأتي بمعنى «يفعل» ، و «يفعل» بمعنى «فعل» إذا عرف المعنى لأن الفعل واحد وإنما اختلف لاختلاف الزمان ، وأنشد سيبويه في نظير الآية : [الكامل]
127 ـ ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني
فمضيت ثمّت قلت لا يعنيني (4)

__________________
(1) انظر الكتاب 2 / 198.
(2) قرأ عبد الله والأعمش (يكن) بالجواب على جواب الأمر ، انظر البحر المحيط 4 / 60.
(3) وهذه قراءة زيد بن ثابت وابن محيصن أيضا ، انظر البحر المحيط 4 / 60.
(4) الشاهد لرجل من سلول والكتاب 3 / 22 ، والدرر 1 / 78 ، وشرح التصريح 2 / 11 ، وشرح شواهد المغني 1 / 310 ، والمقاصد النحوية 4 / 58 ، ولشمر بن عمرو الحنفي في الأصمعيات 126 ، ـ

وقال آخر : [الكامل]
128 ـ وانضح جوانب قبره بدمائها
فلقد يكون أخا دم وذبائح (1)

يريد فلقد كان. (قالَ سُبْحانَكَ) مصدر أي تنزيها لك أن يكون معك إله سواك.
(ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ) هذا التمام و «بحق» من صلة لي ولا بدّ للباء من أن تكون متعلقة بشيء. (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) أي تعلم حقيقة ما عندي ولا أعلم حقيقة ما عندك على الازدواج. قال المازني : التقدير إن قيل كنت قلته.
(ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (117)
(أَنِ) لا موضع لها من الإعراب وهي مفسّرة مثل (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا) [ص : 6] ، ويجوز أن تكون «أن» في موضع نصب أي ما ذكرت لهم إلّا عبادة الله جلّ وعزّ ، ويجوز أن تكون في موضع خفض أي : بأن اعبدوا ، وضمّ النون أجود لأنهم يستثقلون كسرة بعدها ضمة والكسر جائز على أصل التقاء الساكنين (2). (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) (ما) في موضع نصب أي وقت دوامي فيهم. (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) قيل هذا يدلّ على أن الله جل وعز توفاه قبل أن يرفعه.
(إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (118)
(إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) شرط وجوابه. (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) مثله وقد مضى تفسيره العزيز الذي لا يقهر الحكيم في فعله.
(قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (119)
(قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) هذه القراءة البينة على الابتداء والخبر، وفيها وجهان آخران : أحدهما (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) بالتنوين ويحذف فيه مثل
__________________
ـ ولعميرة بن جابر الحنفي في حماسة البحتري 171 ، وبلا نسبة في الأزهية ص 263 ، والأشباه والنظائر 3 / 90 ، والأضداد ص 132 ، وأمالي ابن الحاجب 631 ، وجواهر الأدب 307 ، وخزانة الأدب 1 / 357 ، والخصائص 2 / 338 ، وشرح شواهد الإيضاح 221 ، وشرح شواهد المغني 1 / 84 ، وشرح ابن عقيل 475 ، ولسان العرب (ثم) و (منن).
(1) الشاهد لزياد الأعجم في ديوانه 54 ، وأمالي المرتضى 2 / 301 ، وخزانة الأدب 10 / 4 ، والشعر والشعراء 1 / 438 ، ولسان العرب (كون) ، وللصلتان العبدي في أمالي المرتضى 2 / 199 ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد 512 ، وخزانة الأدب 1 / 217.
(2) انظر البحر المحيط 4 / 64 ، والكشاف 1 / 694.

(وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) [البقرة : 123]. والوجه الآخر (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) (1) بنصب يوم. حكى إبراهيم بن حميد عن محمد بن يزيد إنّ هذه القراءة لا تجوز لأنه نصب خبر الابتداء. قال أبو جعفر : ولا يجوز فيه البناء وقال إبراهيم بن السريّ (2) هي جائزة بمعنى قال الله هذا لعيسى يوم ينفع الصادقين صدقهم أي قاله يوم القيامة ، وقال غيره : التقدير قال الله جلّ وعزّ هذه الأشياء تقع يوم القيامة ، وقال الكسائي والفراء (3) : بني «يوم» هاهنا على النصب لأنه مضاف إلى غير اسم كما تقول: مضى يومئذ وأنشد الكسائي : [الطويل]
129 ـ على حين عاتبت المشيب على الصّبا
وقلت ألمّا تصح والشّيب وازع (4)

ولا يجيز البصريون ما قالاه إذا أضفت الظرف إلى فعل مضارع فإن كان ماضيا كان جيدا كما مرّ في البيت. وإنّما جاز أن يضاف إلى الفعل ظروف الزمان لأن الفعل بمعنى المصدر. قال أبو إسحاق : حقيقة الحكاية (أَبَداً) ظرف زمان.
(لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (120)
(وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ابتداء وخبر.
__________________
(1) انظر البحر المحيط 4 / 67 ، وتيسير الداني 84 ، وهذه قراءة نافع.
(2) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج 717.
(3) انظر معاني الفراء 1 / 326.
(4) الشاهد للنابغة في ديوانه 32 ، والكتاب 2 / 345 ، والأضداد 151 ، وجمهرة اللغة 1315 ، وخزانة الأدب 2 / 456 ، والدرر 3 / 144 ، وسرّ صناعة الإعراب 2 / 506 ، وشرح أبيات سيبويه 2 / 53 ، وشرح التصريح 2 / 42 ، وشرح شواهد المغني 2 / 816 ، ولسان العرب (وزع) و (خشف) ، والمقاصد النحوية 3 / 406 ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2 / 111 ، وشرح الأشموني 2 / 315 ، وشرح ابن عقيل 387 ، وشرح المفصّل 3 / 16 ، ومغني اللبيب 571 ، والمقرب 1 / 290 ، والمنصف 1 / 58 ، وهمع الهوامع 1 / 218.


فهرس المحتويات
المقدمة 3
لمحة تاريخية عن مباحث إعراب القرآن 7
المصطلحات المستخدمة في الكتاب 11
شرح إعراب سورة أمّ القرآن 17
شرح إعراب سورة البقرة 23
شرح إعراب سورة آل عمران 142
شرح إعراب سورة النساء 197
شرح إعراب سورة المائدة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shawki-66.roo7.biz
 
إعراب القرآن [ ج ١ ]
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أسرار التكرار في القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الموقع ال عام لعشائر البو حسين البدير في العراق للشيخ شوقي جبارالبديري :: 37-منتدى كتب القرأن الكريم-
انتقل الى: